شرح الأثيوبي على ألفية السيوطي في الحديث = إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر

محمد آدم الإتيوبي

(مقدمة)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (مقدمة) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للَّه الذي رفع من وقف تحت أمره ونهيه إلى أوج الكمال، ووصل من انقطع إليه بصلة فاخرة في الحال والمآل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل بصحيح الأقوال والأفعال، الذي بلغ حسن حديثه مبلغ الإعجاز والكمال، وعلى آله المدرجين في سلسلة هديه التي لا انفصام لها ولا انفصال، وعلى أصحابه الذين بذلوا نفوسهم وأموالهم في مرضاته تعالى، من غير ضعف ولا اعتلال، وعلى التابعين لهم السالكين طريقهم بلا قلب ولا اضطراب بل ساروا باعتدال. أما بعد فقد كنت شرعت في شرح المنظومة المسماة نظم الدرر في علم الأثر للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الخضيري (¬1)، السيوطي الشافعي، المولود ليلة الأحد مستهل رجب سنة 849 هجرية والمتوفي سحر ليلة الجمعة 19 جمادى الأولى سنة 911 هجرية وعمره 61 سنة و10 أشهر و18 يوماً. شرحاً وسطاً، غير أن الاشتغال بأشغال تعوقني (¬2) عن مواصلة السير على منهجه أحوجني (¬3) لصرف عنان العزم نحو اختصاره، مُسَدِّداً الأنظار ¬

_ (¬1) بصيغة التصغير. (¬2) صفة جملة في محل جر صفة أشغال. (¬3) خبر أن.

في ترصيف اقتصاره، تعجيلاً للمنفعة الهامة، وتحقيقاً للمسرة العامة، والله أرجو في تسهيل ما أملته من الشرحين، من غير فتور ولا شين، إنه ولى ذلك، وهادي السالك، وما توفيقي إلا باللَّهِ، عليه توكلت وإليه أنيب، وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّهِ العلي العظيم. (وسميته إسعافَ ذوي الوطر، بشرح نظم الدرر، في علم الأثر) واللَّهَ أسأل القبول، وحسن الختام؛ إذ هما غاية ما يطلب من الهمام. (تنبيهٌ): وإرشادٌ إلى بعض المصطلحات في هذا الشرح: (ت): إشارة إلى تقريب التهذيب للحافظ ابن حجرٍ. المتوفي سنة 852. (ق): إشارة: إلى القاموس المحيط، لمجد الدين، محمد بن يعقوب، الفيروز آبادي، اللغوي، ت 817 هـ. (تاج): إشارة إلى تاج العروس، شرحه، للعلامة السيد محمد مرتضى الزبيدي، ت 1305 هـ. (المصباح): هو المصباح المنير، للعلامة أحمد بن محمد بن علي المقري، ت 770 هـ. (لسان): هو لسان العرب، للعلامة اللغوي، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرَم بن منظور، الإفريقي، المصري، ت 711 هـ. (اهـ): إشارة إلى أنه انتهى الكلام المنقول. وإذا قلت قاله فلان، أو انتهى كلام فلان، أو قال فلان: كذا، ثم كتبت في آخره (اهـ) فالكلام منقول بنص لفظه غالباً، وإذا قلت أفاده فلان فهو مما نقل بالمعنى واللَّه أعلم.

قال رحمه اللَّه تعالى: بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقتداء بالكتاب العزيز، واقتفاء لآثار نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حيث بدأ بها كتبه إلى الآفاق، كما بُين ذلك في الصَّحِيحين، وغيرهما، وعملاً بخبر أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهو أقطع، قال النووي رحمه الله: هذا الحديث حسن اهـ. وصححه ابن حبان وأبو عوانة قاله البدر العيني وضعفه الحافظ ابن حجرٍ، وقد أطال الكلام عليه تاج الدين السبكي في أول طبقات الشافعية. والكلام على البسملة طويل قد أفرده بعض العلماء بتأليف مستقل. ثم أتبع البسملة بالحمدلة لكونها من مطلوبات الابتداء فقال 1 - للهِ حَمْدِي وإلَيهِ أَسْتَنِدْ ... وما يَنوبُ فَعَلَيْهِ أَعْتَمِدْ (للهِ) سبحانه وتعالى خبر مقدم لقوله (حمدي) من إضافة المصدر إلى فاعله، أي ثنائي بالجميل الاختياري على وجه التبجيل والتعظيم كائن للَّه تعالى، وقدم الخبر لإفادة الحصر. (وإليه) تعالى متعلق بقوله: (أستند) أي ألتجيء في تسهيل نظم هذه الألفية، أو هو عام، وفيه إشارة إلى براعة الاستهلال: وهو ذكر الشخص في أول كلامه ما يشعر بمقصوده ويُسمَّى براعة المطلع ومقابله يسمى براعة الاختتام وبراعة المقطع (وما) موصولة

مبتدأ أي الذي (ينوب) أي يصيبني من العوائق عن تكميل المقصود وقوله (فعليه) تعالى وحده (أعتمد) أي ألتجئ يقال اعتمدت على الشيء اتكأت عليه، قاله في المصباح. خبر المبتدإ. والمعنى: أن الذي يصيبني من العوائق فاعتمد على الله وحده في دفعه ويحتمل كون (ما) منصوباً بنزع الخافض أي فيما ينوبني أي في دفعه والفاء على الأول دخلت في الخبر لما في المبتدإ من معنى العموم وعلى الثاني زائدة ثم إن الاستناد والاعتماد إما مترادفان أو الثاني أخص وهو الأنسب لأن الناظم قيده بما ينوبه، ثم ثلث بذكر الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنها سنة العلماء فقال 2 - ثمَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدِ ... خَيْرُ صَلاةٍ وسَلامٍ سَرْمَدِ (ثم) للترتيب الرتبي، لأن رتبتها بعد الحمد، (على نبيه) بالهمزِ، وتركه، قراءتان سبعيتان من النَّبَاءِ وهو الخبر أو النَّبْوة (¬1) وهي الرفعة، فعيل بمعنى فاعل، أو مفعول، لأنه مخبر عن اللَّه، أو مرفوع الرتبة، أو رافع رتبة من تبعه، وهو خبر مقدم، وقوله: (محمد) صفة أو بدل أو عطف بيان ويجوز قطعه (خير صلاة) مبتدإ مؤخر أي أفضل صلاة وهي من اللَّه الرحمة المقرونة بالتعظيم وفضائلها شهيرة في الأحاديث الصحاح، وأما فضل كتابتها فلم يصح، بل قيل بوضعه. (و) خير (سلام) أي تسليم من الآفات المنافية لغاية الكمالات، وأتى به فراراً من كراهية الإفراد لأحدهما عن الآخر، لأن الآية قرنت بينهما، وأما إفرادها في الصلاة الإبراهيمية فلتقدمه في التشهد، وخص الحافظ رحمه الله الكراهة بمن جعله دَيْدَناً له لوقوع (¬2) ذلك في كلام الشافعي ومسلم، والشيخ أبي إسحاق وغيرهم، قاله السخاوي (سرمد) بالجر نعت لسلام حذف مثله من صلاة قال في التاج: السرمد الدائم الذي لا ينقطع، واشتقاقه من السرد، وهو التوالي، والتعاقب، ولما كان الزمان إنما ¬

_ (¬1) بفتح فسكون. (¬2) قلت لكن في الاستدلال بفعل هؤلاء نظر، لأن الكراهة وعدمها حكمان والحكم لا يثبت إلا بنص أو إجماع.

يبقى بتعاقب أجزائه، وكان ذلك يسمى بالسرد، أدخلوا عليه الميم الزائدة، ليفيد المبالغة في ذلك، فوزنها فعمل. اهـ. باختصار. ثم تحدث عن منظومته فقال: 3 - وهذهِ أَلْفيَّةٌ تَحكِى الدُّرَرْ ... منظومةٌ ضَمَّنْتُها عِلْمَ الأَثَرْ 4 - فائِقةٌ أَلْفيَّةَ العِرَاقِي ... فِي الجَمْعِ والإِيجازِ وَاْتِّسَاقِ 5 - واللهُ يُجْرِيْ سابِغَ الإِحْسانِ ... لِيْ وَلَهُ ولِذَوِيْ الإِيْمَانِ (و) بعد ما تقدم فأقول: (هذه) إشارة إلى المعاني الحاضرة في الذهن، تقدمت الخطبة، أو تأخرت، وفيه احتمالات أُخر مذكورة في المطولات، وهو مبتدأ خبره قوله: (ألفية) أي أرجوزة منسوبة إلى ألف إن كانت من كامل الرجز، أو إلى ألفين إن كانت من مشطوره، ولا يرد عليه ما فيه من اللبس، لأنهم لا يبالون به في النسب قال ابن مالك: وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ ... وَمْثلُ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَجَبْ (تحكى) أي تشابه (الدرر) جميع درة وهي اللؤلؤة العظيمة الكبيرة أي تشابهها في النفاسة وعزة الوجود ورفعة القيمة صفة لألفية. (منظومة) صفة كاشفة بعد صفة، أو حال، (ضمنتها) أي جعلت فيها (علم الأثر) يقال: ضمنت الشيء كذا: أي جعلته محتوياً عليه فتضمنه، أي فاشتمل عليه، واحتوى قاله في المصباح، وهو من باب جعل المدلول في الدال، أو جعل الجزء في الكل، قاله الشارح (¬1). وقوله: علم الأثر أي مسائله وهو من إضافة العام إلى الخاص كشجر أراك. والأثر بفتح الهمزة والثاء لغة بقية الشيء واصطلاحاً الأحاديث مرفوعة كانت أو موقوفة على المعتمد، ومنه شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي، لاشتماله عليهما وإن قصره بعض الفقهاء على الموقوف كما سيأتي قاله السخاوي. ¬

_ (¬1) هو العلامة محمد بن عبد الله الترمسي رحمه الله تعالى.

وعلم الأثر: أي الحديث يطلق على معنيين: علم الحديث دراية، وعلم الحديث رواية، والأول هو المقصود هنا، ويُسمَّى علم مصطلح الحديث، وعلم مصطلح الأثر، وهو علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من حيث أحوالُ نقلتِها ضبطاً وعدالة، ومن حيث كيفية السَّند اتصالاً وانقطاعاً، وغير ذلك. والجملة صفة بعد صفة لألفية أو حال منها. (تنبيه): اشتهرت هذه الألفية باسم ألفية السيوطي في علم الحديث، وسماها الشارح الترمسي - وهو المراد عند إطلاق اسم الشارح في هذا الشرح - بمنظومة علم الأثر، والذي رأيته عن بعض المحققين نقلًا عن حسن المحاضرة للناظم أنه سماها نظم الدرر، في علم الأثر، وهذا هو الذي ينبغي اعتماده لكونه منقولًا عن المؤلف فتنبه. (فائقة) بالرفيع أو بالنصب كمنظومة من فاق الرجل أصحابه يفوقهم فَضَلَهُم ورجَحَهُم أو غَلَبَهم قاله في المصباح. (ألفية) العراقي بالنصب مفعول به لفائقة والعراقي: هو الإمام الحافظ الأثري زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن العراقي، نسبةً إلى عراق العرب، وهو القطر الأعم، المتوفي سنة ست وثمانمائة، عن أزيد من إحدى وثمانين سنة، (في الجمع) للأنواع متعلق بفائقة. (والإيجاز) للألفاظ مع كثرة المعاني. (واتساق) أي انتظام بعضها مع بعض على وجه المناسبة، وإنما لم يفعل العراقي ذلك مسايرة لأصله مقدمةِ ابن الصلاح، فإنه أملاها شيئاً فشيئاً، ورأى إلقاءها كذلك خيراً من طلب حسن الترتيب، لأنه يحتاج إلى فراغ كثير، لجمعه ذلك من متفرقات كتب من تقدمه كتصانيف الخطيب. (واللهُ) عز وجل مبتدأ خبره قوله: (يُجري) من الإجراء بالراء، وجوز الشارح كونه من الجزاء، لكن يحتاج إلى إثبات نقله من الناظم، (سابغ الإحسان) بالنصب مفعولٌ به ليُجرِي وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي الإحسان السابغ، أي التام المتسع، يقال: سبغت النعمة سبوغا

اتسعت، وأسبغها الله أفاضها، وأتمها، قاله في المصباح، والمراد به الجنة، (لي) متعلق بيُجْرِي، بدأ بنفسه لأنه السنة. (وله) أي للعراقي دعا له لأنه مُرشِدُه إلى هذا التأليف حيث اقتدى به (ولذوي) أي أصحاب (الإيمان) أي التصديق الجازم بكل ما عُلم مجيئه - صلى الله عليه وسلم - به بالضرورة إجمالًا في الإجمالي، وتفصيلاً في التفصيلي، وعَمَّمَ بالدعاء لهم لأنه من أسباب الإجابة كما جاء في الحديث.

(حد الحديث وأقسامه)

(حد الحديث وأقسامه) أي هذا مبحث حد الحديث، ومبحث أقسامه، والحدُّ لغة المنع, واصطلاحاً ما يميز الشيءَ عما عداه، وقدَّمَ البحث عنه ليكون الشارع في الفن على بصيرة، لئلا يضل سعيه, إذ لو اندفع إليه قبل ذلك لم يَأمَنْ فواتَ المطلوب، وَضَيَاعَ الوقت في غير مرغوب، وهو ترجم لشيئين، وذكر معهما، غيرهما زيادةً في الإفادة، لأنه ذكر الموضوع والفائدة وتعريف السَّند والمتن، وغير ذلك ... وذلك واقع في كلام البلغاء نَظِيرَ حديثِ: هو " الطَّهُور ماؤه الحِل ميتته ". قال رحمه الله: 6 - عِلمُ الحديثِ: ذُو قوانِينْ تُحَدْ ... يُدْرَى بِها أَحْوَالْ مَتْنٍ وَسَنَدْ 7 - فَذَانِكَ الموضوعُ، والمقصودُ ... أَنْ يُعرَفَ المقبُولُ والمَردُودُ (علم) مصطلح أهل (الحديث) مبتدأ خبره قوله (ذو) أي صاحب (قوانين) جمع قانون وهو القاعدة. (تُحَدْ) أي تُعَرَّف تلك القوانين بأنها (يدرى) أي يعرف (بها) أي بتلك القوانين (أحوال متن) للحديث من صحة، وحسن، وضعف، ورفع، ووقف، وغير ذلك، مما يأتي. (و) أحوالُ (سند) له من صفات رجاله، وكيفية التحمل، والأداء، وغير ذلك مما سيأتي أيضاً. والجملة صفة قوانين، (فذانك) أي المتن والسَّند تثنية ذا وعود الإشارة إلى المضاف إليه قليل كما عاد الضمير إليه في قوله تعالى {ادْخُلُوا

أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أفاده بعض (¬1) المحققين الأعلام. وهو مبتدأ خبره قوله (الموضوع) أي موضوع علم الحديث دراية، وهو مصطلح الحديث، وموضوعُ كُل علم ما يبحثُ فيه عن عوارضه الذاتية، فموضوع علم مصطلح أهل الحديث المتن والسَّند، وأما موضوع الحديث رواية فهو ذات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قاله بعضهم. (والمقصود) أي الفائدةُ والغاية من علم الحديث هذا، وهو مبتدأ، خبره (أن يعرف المقبول) من الحديث ليعمل به (والمردود) منه ليجتنب، لأنه إن وجدت فيه صفة القبول يؤخذ به، وإلا فلا. وقد ذكر رحمه الله من المبادئ العشرة (¬2) هنا ثلاثة الحدَّ والموضوعَ والفائدة، لأنها المهم جداً. قال رحمه الله: 8 - والسَّندُ: اْلإِخْبارُ عنْ طَرِيقِ ... مَتْنٍ كَاْلاِسْنادِ لَدَى فَرِيقِ (والسَّند) المتقدم ذكره مبتدأ خبره قوله (الإخبار) بكسر الهمزة مصدراً (عن طريق متن) متعلق بالإخبار، أو بمحذوف حال من الإخبار، أي حال كونه ناشئاً عن طريق متن. والمعنى: أن السَّند هو إخبار المحدث بالحديث ذاكراً طريقه أخذاً مما ارتفع من سفح الجبل لأن المسند يرفعه إلى قائله, أو من قولهم فلان سَنَدٌ: أي معتمد سُمِّيَ به لاعتماد الحفاظ عليه في صحة الحديث وضعفه. وأما الإسناد فهو وفع الحديث إلى قائله، وهو متقارب مع السَّند في الاعتماد. وقال بعضهم هما شيء واحد وإليه أشار بقوله: (كالإسناد) خبر لمحذوف أي هو - أي السَّند - كائن كالإسناد من حيث ¬

_ (¬1) هو العلامة المحقق الشيخ محمد نور إدريس اليجي حفظه الله تعالى. (¬2) والمبادئ العشرة هي المجموعة في قول بعضهم: إن مبادئ كل فنّ عشرهْ ... الحد والموضوع ثمَّ الثمرهْ ونسبة وفضله والواضعْ ... والاسمُ الاستمدادُ حكمُ الشارع مسائل والبعض بالبعض اكتفي ... وَمَنْ دَرَى الجَميعَ حاز الشرفا

المعنى (لدى فريق) بالتنكير، وفي نسخة بالتعريف، أي عند طائفة من علماء الحديث. 9 - وَالْمَتْنُ: ما انْتَهَى اِلَيْهِ السَّنَدُ ... مِنَ الْكَلامِ، والحديثَ قَيَّدُوا 10 - بِما أضيفَ لِلنَّبِيِّ قَوْلاً أوْ ... فِعْلاً وَتَقْرِيراً وَنَحْوَهَا حَكَوْا (والمتن) بفتح فسكون مبتدأ خبره قوله (ما انتهى إليه السَّند) أي ما بلغ إليه السَّند من النهاية، يقال: انتهى الأمر إذا بلغ النهاية، وهي أقصى ما يمكن أن يبلغه، قاله في المصباح. (من الكلام) بيان لما وهو مشتق من المماتنة وهي المباعدة في الغاية لأنه غاية السَّند، أو من متنت الكبش إذا شَقَقْتَ جِلدةَ بيضته، واستخرجتها، فَكأنَّ المسِندَ استخرج المتن بسنده، أو من المُتْن بالضم وهو ما صلب وارتفع من الأرض لأن المسند يقويه بالسَّند، ويرفعه إلى قائله، أو من تَمْتِين القوسِ أي شدها بالعَصَبِ لأن المسند يقوي الحديث بسنده، (والحديثَ) مفعول مقدم لقوله: (قيدوا) , وفي نسخة حددوا، أي العلماء بقولهم (ما أضيف للنبي) أي أسند ورفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو لغة ضد القديم استعمل في قليل الخبر وكثيره، لأنه يَحْدُثُ شيئاً فشيئاً، واصطلاحاً ما ذكره في النظم بقوله: ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قولا) كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات " , ونُصِبَ على الحالية، أو خبراً لكان المحذوفة أي سواء كان قولا له، أو مفعولا لفعل محذوف، أي أعني قولا. وقولُه: (أو فعلا) عطف عليه، كصلاته - صلى الله عليه وسلم - على الراحلة حيث ما توجهت به، وقوله: (وتقريرا) عطف على قولاً، والواو بمعنى أو، كتقريره - صلى الله عليه وسلم - خالدَ بن الوليدِ في أكله الضبَّ عنده. قوله (ونحوها) عطف على قولا، أو مفعول مقدم لقوله (حكوا) وفي نسخة رووا، أي حكى ذلك العلماء الحفَاظُ، والجملة على الأول مستأنفة أتى بها تتميماً للقافية. ومثالُ النحوِ أوصافُهُ - صلى الله عليه وسلم - الخَلْقية بالفتح ككونه أبيض ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المُشَذَّب، أي المقطوع والخُلقِيَّة بضمتين ككونه لا يواجه أحداً بما

يكْرَهُ، ومنه هَمُّه - صلى الله عليه وسلم - كهمه تنكيس ردائه في الاستسقاء، ودخول مكة من الحديبية، ومعاقبة المتخلفين عن الجماعة بالإحراق. 11 - وَقِيلَ: لا يَخْتَصُّ بِالمَرْفُوعِ ... بَلْ جَاءَ لِلمَوْقُوفِ وَالمَقْطُوعِ 12 - فَهْوَ عَلَى هَذَا مُرادِفُ الْخَبَرْ ... وَشَهَّرُوا رَدْفَ الْحَدِيثِ الأَثَرْ (وقيل) أي قال بعض علماء هذا الفن (لا يختص) الحديث (بالمرفوع) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (بل) يعمه وغيره, فإنه (جاء) إطلاقه (للموقوف) أي على الموقوف وهو ما أضيف إلى الصحابي قولا له أو نحوه كما يأتي في محله. (والمقطوعِ) هو ما أضيف إلى التابعي كذلك (فهو) الفاء فصيحية وهو مبتدأ أي الحديث (على هذا) جار ومجرور حال منه أي حال كونه جاريا على هذا القول الثاني، أو متعلق بما بعده وقوله: (مرادف الخبر) خبر المبتدإ أي مترادف معه. وفي القاموس مع شرحه المترادف: أن تكون أسماء لشيء واحد وهي مولدة، ومشتقة من تراكب الأشياء اهـ. والمعنى أن الحديث والخبَر على هذا القول بمعنى واحد (وشهَّروا) أي عَدَّ العلماءُ مشهورا (ردف) بالفتح، أي ترادف (الحديث والأثر) أي إتيان كل منهما بمعنى الآخر وكذا الخبر، وفي نسخة وشهَّروا شمول هذين الأثر، والمعنى واحد، وهذا القول هو المختار، وقيل: الخبر ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأثر عن الصحابة، قيل: والتابعين، ومن بعدهم، وقيل: غيرُ ذلك. (تنبيه) ما ذكر في هذه الأبيات السبعة من زيادات الناظم على العراقي إلا الشطر الأخير. 13 - وَالأَكْثَرُونَ قَسَّمُوا هَذِيْ السُّنَنْ ... إِلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ وَحَسَنْ (والأكثرون) مبتدأ خبره قوله (قسموا) أَي نوعوا (هذي) اسم إشارة للمؤنث أشار به إلى ما هو معلوم حاضر في ذهن كل أحد. (السنن) جمع سنة بالضم فيهما، وهي لغة الطريقة، واصطلاحاً بمعنى الحديث المتقدم

تعريفه (إلى صحيح وضعيف وحسن) متعلق بقسموا، والمعنى: أن أكثر أهل الحديث قسموا الحديث إلى ثلاثة أقسام صحيح، وضعيف، وحسن. وانما قيد بالأكثر الذي زاده على العراقي تنكيتاً على من أطلقه، لأن فيه خلافاً فإن بعضهم قال: الحديث صحيح وضعيف فقط، والحسن مندرج في أنواع الصَّحِيح. وأدرج الضَّعِيف في السنن تغليباً، وإلا فهو لايسمى بسنة، وقدمه على الحسن للضرورة أو لمراعات المقابلة بينه وبين الصَّحِيح، أو لملاحظة صنع الأكثرين. ثم ذكر القسم الأول بقوله:

(الصحيح)

(الصَّحِيح) أي هذا مبحثه وهو الأول من أنواع علوم الحديث وهو لغة ضِدُّ السقيم وقدمه لشرفه. 14 - حَدُّ الصَّحِيحِ: مُسنَدٌ بِوَصْلِهِ ... بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطٍ عَنْ مِثْلِهِ (حد الصَّحِيح) اصطلاحاً (مسند) أي حديث مرفوع إلى قائله (بوصله) أي مع وصل سنده، أو بسبب وصله، فخرج به المنقطع, والمعضل، والمرسل، والمعلق، على تفصيل يأتي، (بِنَقْلِ عَدْلٍ) أي مع نقل عدل، أو بسبب نقله، وهو: من له مَلَكَة تحمله على ملازمة التقوى, والمرؤة، وخرج به ما في سنده ضعيف، أو مجهول، (ضابط) أي حازم ضَبْطَ صدرٍ، وهو اثبات ما سمعه حتى يتمكن من استحضاره متى شاء حتى يؤديه، وضبط كتاب وهو صونه عن تطرق الخلل إليه من حين سماعه إلى وقت أدائه. والمراد تمامُ الضبط لئلا يدخل في التعريف الحسن لذاته, وخرج به ما في سنده راوٍ مُغَفلٌ كثيرُ الخطأ في روايته، وإن عُرِفَ بالصدق, والعدالة. وقوله: (عن مثله) أي عن العدل الضابط تصريح بما فهم مما قبله توضيحا. وحاصل معنى البيت أن حد الصَّحِيح هو الحديث الذي اتصل إسناده مع عدالة ناقله وضبطه.

15 - ولَمْ يَكُنْ شَذَّ وَلا مُعَلَّلا ... والحُكْمُ بِالصَّحَةِوَالضَّعْفِ عَلَى 16 - ظاهِرِهِ، لاالقَطْعِ، إِلاَّ مَاحَوَى ... كِتابُ مُسلِمٍ أَوِ الجُعْفِي سِوَى 17 - ما انْتَقَدُوا فَابْنُ الصَّلاحِ رَجَّحَا ... قَطْعًا بِهِ، وَكَمْ إِمَامٍ جَنَحَا 18 - والنَّوَوِيْ رَجَّحَ فِي التَّقْرِيبِ ... ظَنًّا بِهِ، وَالقَطْعُ ذُو تَصْوِيبِ (ولم يكن) الحديث المذكور (شَذَّ) فعل ماض خبر يكن وقوله (ولا معللا) عطف على الخبر، والجملة عطف على خبر المبتدإ والمعنى: أن الحديث المذكور غير شاذ، وهو ما يخالف فيه الثقة من هو أرجح منه، ولا معللٌ، وهو ما ظاهره الصحة، وبعد التفتيش اطلع على علة قادحة فيه فخرج الشَّاذ، والمعلل، والحاصل أن شروط الحديث الصَّحِيح خمسة: اتصال السَّند، وعدالة الناقل، وضبطه، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، فإذا حصلت هذه الشروط حكمنا له بالصحة، وها هنا فوائد مهمة ذكرتها في الشرح الكبير ثم إن هذا الحكم على الظاهر لا على نفس الأمر، كما ذكره بقوله (والحكم) مبتدأ (بالصحة) متعلق به أي وكذا بالحسن (والضعف) بالفتح والضم (على ظاهره) جار ومجرور خبر المبتدإ، أي حكم المحدثين على الحديث بالصحة والضعف وكذا الحسن فيما يظهر لهم عملا بظاهر الإسناد، حيث اجتمعت فيه الشروط. (لا القطع) مجرور عطفاً على ظاهِرهِ أي ليس الحكم على القطع في نفس الأمر، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، والصدق والإصابة على الكاذب، ومن هو كثير الخطأ. وحاصل المعنى: أنه إذا قيل هذا الحديث صحيح فمعناه أنه اتصل سنده مع باقي الشروط المذكورة فيجب العمل به عملاً بظاهر الإسناد وكذا الحسن، وإذا قيل هذا حديث ضعيف فمعناه أنه لم يصح سنده على الشروط المذكورة فلا يعمل به وليس المراد أنه كذلك في نفس الأمر. وهذا هو الصَّحِيح عند أكثر أهل العلم وقيل: إن خبر الواحد يوجب العلم، ثم ذكر استثناء أحاديث الشيخين أو أحدهما بقوله: (إلا ما) أي الحديث الذي (حوى) أي جمعه يقال حويت الشيء

أحويه حواية بالفتح، واحتويت عليه إذا ضممته واستوليت عليه اهـ المصباح. (كتاب) بالرفع فاعل حوى الإمامِ الحافظ الحجةِ أبي الحسين (مسلم) بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، ولد سنة أربع ومائتين, وتوفي في الخامس والعشرين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، وقدم مسلماً مع أن عادتهم تقديم البخاري لجلالته، للنظم، (أو) بمعنى الواو, أي وكتاب الإمام الحافظ الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه (الجعفي) بضم الجيم وسكون العين، وخفف الياء هنا للوزن نسبة إلى يمان الجعفي وَالِي بُخَارَى ونسب إليه البخاري لأن المغيرة جده الأعلى أسلم على يديه فنسب إليه نِسبَةَ ولاء، ولد رحمه الله يوم الجمعة ثالث عشر شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي يوم السبت غرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين، عن اثنتين وستين سنة، إلا ثلاثة عشرة يوماً. وقد جمع بعضهم ميلاده وعمره وموته رامزاً في بيتين فقال من الكامل: كَانَ البُخَارِيُّ حَافِظاً وَمُحَدِّثاً ... جَمَعَ الصَّحِيحَ مُكَّمِّلَ التَّحْرِيرِ مِيلاَده (صِدقٌ) (¬1) وَمُدَّةُ عمرِهِ ... فِيهَا (حَمِيدٌ) (¬2) وَانْقَضَى فيِ (نُورِ) (¬3) ثم إن هذا الاستثناء ليس على إطلاقه، بل هو لما لم ينتقد عليهما, وأما ما انتقد عليهما فأشار إليه بقوله: (سوى ما) أي غيرَ الحديث الذي (انتقدوا) أي اعترض العلماء النُّقَّادُ على هذين الكتابين، كالدارقطني، وأبي مسعود الدمشقي، وأبي علي الغَسَّاني الجَيَّاني، وهي قليلة سيأتي عددها. ¬

_ (¬1) هذه إشارة إلى الرموز الأبجدية لمدَّة ميلاده فالصاد بتسعين، والدال بأربعة، والقاف بمائة، فتصير (194). (¬2) إشارة لمدة عمره، فالحاء: بثمانية، والميم بأربعين، والياء بعشرة، والدال بأربعة، فالمجموع (62). (¬3) إشارة لموته، فالنون بخمسين، والواو بستة، والراء بمائتين، فالمجموع (256).

(فا) الإمام الحافظ تقى الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهْرَزُوِري، ثم الدمشقي المعروف بابن (الصلاح) لقبُ أبيه صلاح الدين. توفي ابن الصلاح رحمه الله سنة إحدى وأربعين وستمائة. (رجحا) بألف الإطلاق من الترجيح يقال رجحت الشيء بالتثقيل فضَّلتُة وَقوَّيتُهُ. اهـ. المصباح. (قطعا) مفعولُ رجَّحَ، أي إفادة قطع (به) أي بما حواه الكتابان, والمعنى: أن الإمام ابن الصلاح رحمه الله رجح إفادة ما في هذين الكتابين مما لم ينتقد عليهما العلم اليقيني النظريَّ المقطوع بصدقه. وهذا دون التعليقات والموقوفات والمقاطيع فسيأتي حكمها. (وكم) خبرية بمعنى كثير مبتدأ (إمام) مضاف إليه (جنحا) أي مال إليه، والألف إطلاقية. والجملة خبر (كم)، أي كثير من الأئمة مال إلى رأي ابن الصلاح، فمنهم من سبقه كالإمام محمد بن طاهر المقدسي، وأبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف، ومنهم من أتى بعده كالإمام ابن كثير، والناظم كما يأتي، وحكى ابن كثير أن الإمام ابن تيمية رحمه الله حكى ذلك عن أهل الحديث، وعن السلف وجماعة من الشافعية، والحنابلة، والأشاعرة والحنفية، وغيرهم. (والنووي) بتخفيف الياء للوزن مبتدأ وهو الإمام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّي الحِزاميُّ الشافعي المولود سنة إحدى وثلاثين وستمائة، والمتوفى ليلة الأربعاء رابع عشر رجب سنة ست وسبعين وستمائة على المشهور، عن خمس وأربعين سنة، رحمه الله تعالى. (رجح في التقريب) خبر المبتدإ أي قَوَّى في كتابه المسمى بالتقريب، المختصرِ من الإرشاد له المختصرِ من علوم الحديث لابن الصلاح. (ظناً) مفعول رجح أي إفادَةَ ظنِّ (به) متعلق بظن أي بما حواه الكتابان قال رحمه الله: خالف ابنَ الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر قال لأن ذلك شأن الآحاد، ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما لكن الصواب ما تقدم لابن الصلاح كما أشار إليه الناظم بقوله: (والقطع ذو تصويب) مبتدأ وخبر، أي القول بإفادة ما في هذين الكتابين القطعَ بصدقه صاحبُ صواب، يقال: صوبت قوله قلت إنه

صواب، والصواب ضد الخطأ أفاده في المصباح، فتصويب بمعنى صواب إطلاقاً للمسبب على السبب. وحاصل المعنى: أن القول بالقطع وهو قول ابن الصلاح هو الصواب. قال ابن كثير: وأنا مع ابن الصلاح فيما عَوَّل عليه، وأرشد إليه، وقال الناظم: وهو الذي أختارُه ولا أعتقد سواه. اهـ. تدريب. ثم إن ما ذكر من الشروط الخمسة للصحيح هو المعول عليه، وزاد عليه بعض من لا يعتد بقوله اشتراط تعدد الرواة وإلى رد ذلك أشار بقوله: 19 - وَلَيْسَ شَرْطًا عَدَدٌ، وَمَنْ شَرَطْ ... رِوَايَةَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا غَلَطَ (وليس شرطاً) خبر ليس مقدم على اسمها وهو (عدد) أي رواية متعدد أي ليس تعدد الرواة شرطاً في صحة الحديث بل المعتبر فيه هي الشروط الخمسة المتقدمة سواء رواه متعددون، أم لا؟ (ومن) شرطية، أو موصولة مبتدأ (شرط) من بابي ضرب وقتل، في صحة الحديث (روايةَ اثنين) من الرواة (فصاعداً) أي حال كونه زائداً على ذلك (غلط) بكسر اللام جواب الشرط، أو خبر المبتدإ يقال: غَلِطَ في منطقه كفَرِح أخطأ وجهَ الصواب، لكن يلزم على هذا عيب السناد، وهو وإن كان جائزاً للمولدين فالأولى جعل غلط بفتح اللام مصدراً على حذف مضاف خبر مبتدأ محذوف مع الرابط أي فهو ذو غلط، هذا في الشوطية، وأما في الموصولة فهو خبرُ مَن على حذف مضاف أيضاً أي الذي شرط في صحة الحديث رواية راويين فصاعداً ذو غلط. وهذا القول. محكي عن ابن علية، وبعض المعتزلة. 20 - والوَقْفُ عَنْ حُكْمٍ لِمَتْنٍ أَوْ سَنَدْ ... بِأَنَّهُ أَصَحُّ مُطلَقًا أَسَدْ (والوقف) مبتدأ أي التوقف (عن حكم) متعلق به (لمتن أو سند) متعلق بحكم (بأنه أصح) من غيره متعلق بحكم أيضاً (مطلقاً) حال من حكم أي حال كون الحكم على سبيل الإطلاق أي من غير تقييد بصحابي

أو بلد مثلا (أسد) خبر المبتدإ، أي أكثر سَدَاداً بالفتح وهو الصواب، ومعنى البيت: أن التوقف عن الحكم لأي متن كان أو أي سند بكونه أصح على الإطلاق هو الصواب والمختار من أقوال المحدثين، وذلك لأن تفاوت مراتب الصحة مرتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة. وَيعِزُّ وجود أعلى درجات القبول في كل واحد من رجال الإسناد الكائنين في ترجمة واحدة، ولهذا اضطرب من خاض في ذلك إذ لم يكن عندهم استقراء تام وإنما رجح كل منهم بحسب ما قَوِيَ عنده خصوصاً إسناد بلده لكثرة اعتنائه به، وخلاف الصواب ما ذكره بقوله: 21 - وآخَرُونَ حَكَمُوا فاضْطَرَبُوا ... لِفَوقِ عَشْرٍ ضُمِّنَتْهَا الْكُتُبُ (وآخرون) مبتدأ خبره قوله حكموا أي جماعة من المحدثين غيرُ من توقف عن الحكم (حكموا) بالأصحية على الإطلاق على بعض الأسانيد (فاضطربوا) أي اختلفوا في التعيين لاختلاف أنظارهم لأنه لم يكن عندهم الاستقراء التام وإنما رجح كل منهم بحسب ما قوي عنده وقوله: (لِفَوقِ عَشْرٍ) جار ومجرور متعلق بمحذوف نعتٍ لمصدر محذوف أي اضطراباً منتهياً لفوق عشر، أو حالٍ منه أي حال كون الاضطراب منتهياً إلى فوق عشر، أو متعلق بفعل محذوف معطوف على الفعل أي وانتهت أقوالهم لفوق عشر من الأقوال. وقوله: (ضمنتها الكتب) فعل ونائب فاعل صفة لفوق عشر، أي جُعِلَت الكتب محتوية عليها يقال: ضمنت الشيء كذا جعلته محتوياً عليه فتضمنه، أي فاشتمل عليه، واحتوى. ثم شرع الناظم يعدد بعض تلك الأقوال بقوله: 22 - فَمَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَيِّدِهْ ... وَزِيدَ مَا لِلشَّافِعِيْ فَأَحْمَدِهْ الفاء فصيحية أي إذا أردت أن تعرف بعض تلك الأقوال فأقول لك: أصح الأسانيد مطلقاً (مالك) بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي أبو عبد الله المدني، إمام دار الهجرة، أحد الأئمة

الأربعة، له نحو ألف حديث، ولد سنة ثلاث وتسعين، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة، عن ست وثمانين سنة، ودفن بالبقيع. فمالك: مبتدأ حذف خبره أي أصح الأسانيد، أو خبر لمحذوف أي أصح الأسانيد مالك إلخ. (عن نافع) متعلق بحال محذوف أي حال كونه راوياً عن نافع العدوي، قيل اسم أبيه هرمز، أبو عبد الله المدني، أحد الأعلام، وهو غير نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المقريء، يروي عن نافع هذا، مات نافع رحمه الله سنة عشرين ومائة، حال كون نافع آخذاً (عن سيده) أي مولاه عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المكي، هاجر مع أبيه، وشهد الخندق، وبيعة الرضوان، له ألف وستمائة وثلاثون حديثاً, اتفقا على مائة وسبعين وانفرد البخاري بأحد وثمانين ومسلم بأحد وثلاثين, مات - رضي الله عنه - سنة أربع وسبعين عن أربع وثمانين. وهذا القول للبخاري رحمه الله، أخرجه الحاكم بسنده عنه، قال في التدريب: وهذا أمر تميل إليه النفوس، وتنجذب القلوب. روى الخطيب بسنده عن يحيى بن بكير أنه قال لأبي زرعة الرازي: يا أبا زرعة ليس ذا (¬1) زعزعة عن زوبعة إنما ترفع الستر فتنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر اهـ. (وزيد) على مالك في هذا السَّند (ما) أي الحديث الذي للإمام الأعظم أحد أئمة الأعلام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي أبي عبد الله (الشافعي) رحمه الله، ولد سنة خمسين ومائة وتوفي في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين عن أربع وخمسين سنة، والمعنى أنه زيد في هذا السَّند المذكور الحديث الذي رواه الشافعي عن مالك الخ. ¬

_ (¬1) قوله زعزعة هي تحريك الريح الشجرة ونحوها وكل تحريك شديد. قوله زوبعة هي الأعصار التي نرفع التراب في الجو وتستدير كأنها عمود. اهـ. من هامش الشرح.

لأنه أَجَلُّ من أخذ عنه هكذا زاده الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي فذكر أن أجلَّ الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر واحتج بإجماع أهل الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل منه (فأحمده) بالجر عطفاً على الشافعي والهاء ضمير راجع إلى الشافعي على حد قوله: عَلَا زَيْدُنَا يَومَ النَقَى رَأْسَ زَيْدِكُمْ أضافه إليه لاختصاصه بكونه أجل من أخذ عنه أي زاد الصلاح العلائي شيخ العراقي ما لأحمد عن الشافعي إلخ. لأنه أجل من أخذ عن الشافعي. وأحمد: هو الإمام الأوحد الفقيه الحافظ الحجة أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي، ولد سنة أربع وستين ومائة، وتوفي في ربيع الأول وقيل في رجب سنة إحدى وأربعين ومائتين عن سبع وسبعين سنة رحمه الله. (تنبيه) قول الناظم فيما مَرَّ: لِمَتْن وتعبيره هنا بما مراداً بها الحديث فيه إشارة إلى أن الأصحية كما تطلق على الأسانيد تطلق على المتون أيضاً وهذا قاله تبعاً لابن الصلاح زيادة على العراقي، قال الحافظ رحمه الله: إن مِنْ لازِمِ قول بعضهم إن أصح الأسانيد ما رواه أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن يكون أصحُّ الأحاديث الحديثَ الذي رواه أحمد بهذا الإسناد فإنه لم يرو في مسنده به غيره (¬1) فيكون أصح الأحاديث على رأي من ذهب إلى ذلك. 23 - وَابْنُ شِهابٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِهْ ... عَنْ جَدِّهِ، أَوْ سَالِمٍ عَمَّنْ نَبِهْ ¬

_ (¬1) وهو حديث: " لايبع بعضكم على بيع بعض، ونهي عن النجش، ونهي عن بيع حبلٍ الحبلة، ونهى عن المزابنة، والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلاً، وبيع الكرم بالزبيب كيلا.

(و) قيل أصح الأسانيد الإمام الحجة محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (ابن شهاب) ابن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري أبو بكر المدني له نحو ألفي حديث. قال رحمه الله ما استودعت قلبي شيئاً فنسيته، مات سنة أربع وعشرين ومائة. فابنُ شهاب خبر لمحذوف أي أصح الأسانيد ابن شهاب (عن علي) حال من ابن شهاب أي حال كونه راوياً عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي الحسين زين العابدين المدني، مات سنة اثنين وتسعين وقيل غير ذلك (عن أبه) على لغة النقص كما في قوله: بِأبِهِ اقْتَدَى عَدِي فِي اْلكَرَمْ ... وَمَنْ يُشَابِهْ أبَهُ فَمَا ظَلَمْ وإعرابه كسابقه وأبوه هو الحسين بن علي المذكور، سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانته استشهد بكربلاء من أرض العراق يوم عاشوراء سنة إحدى وستين عن أربع وخمسين سنة. (عن جده) أي جد عليٍّ وهو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين أبو الحسن روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة وستة وثمانين حديثاً، اتفق الشيخان منها على عشرين وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة عشر، مات شهيداً من ضربة عبد الرحمن بن مُلْجِم المرادي بسيف مسموم في جبهته ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة الجمعة، فتوفي في الكوفة ليلة الأحد التاسع عشر من رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة. وهذا القول لعبد الرزاق الصنعاني صاحب المسند وأبي بكر بن أبي شيبة صاحب المسند والمصنف كما أخرجه الحاكم بسنده عنهما (أو) لتنويع الخلاف أي أصح الأسانيد على رأي بعضهم ابن شهاب الزهري عن (سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال، قال الحافظ العراقي في ألفيته: وَفِي اْلكِبَارِ اْلفُقَهَاءُ السبْعَةُ ... خَارِجَةُ اْلقَاسِم ثُمَّ عُرْوُة ثُمَّ سُلَيمَانُ عبَيُدُ اللهِ ... سَعِيدُ والسَّابِعُ ذُو اشْتِبَاهِ

إِمَّا أبُو سَلَمَةٍ أوْ سَالِمُ ... أوْ فَأبُو بَكْرٍ خِلَافٌ قَائِمُ مات رحمه الله سنة ست ومائة على الأصح. حال كونه آخِذاً (عمن نبه) أي عن شخص شريف وفطن، يقال نبه كفرح فَطِنَ والأولى هنا ضبطه كفرح لئلا يلزم عيب السناد وإن كان جائزاً للمولدين. ويحتمل أن يكون صفة مشبهة كفطن فتكون مَنْ نكرة موصوفة بمفرد كما يقال مررت بمن معجبٍ لك. والمراد بمن نبه هو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وهذا القول مروي عن أحمد وإسحاق رحمهما الله. 24 - أَوْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ حَبْرِ البَشَرْ ... هُوَ ابْنُ عَباسٍ وَهَذَا عَنْ عُمَرْ (أو) لتنويع الخلاف أيضاً أي قال بعضهم أصح الأسانيد ابن شهاب الزهري (عن عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أبي عبد الله الأعمى أحد الفقهاء السبعة المتقدم ذكره، مات سنة أربع وتسعين وقيل ثمان وقيل تسع حال كونه راوياً (عن حَبر البشر) أي عالم هذه الأمة بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له, وفي المصباح الحِبْر أي بالكسر العالم والجمع أحبار مثل حمل وأحمال, والحَبر بالفتح لغة فيه وجمعه حبور مثل فلس وفلوس، واقتصر ثعلب على الفتح وبعضهم أنكر الكسر اهـ. (هو) أي حبر البشر عبد الله (ابن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي له ألف وستمائة وستة وتسعون حديثاً اتفقا على خمسة وسبعين وانفرد البخاري بثمانية وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين، مات سنة ثمان وستين بالطائف - رحمه الله ورضي عنه -. و (هذا) مبتدأ أي ابن عباس (عن عمر) جار ومجرور خبره, والجملة حال من حبر البشر أي حال كون الحبر راوياً عن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي أبي حفص أحد الخلفاء الراشدين له خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثاً اتفقا على عشرة وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة عشر، استشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين ودفن في أول سنة أربع وعشرين، وهو ابن ثلاث وستين سنة ودفن في الحجرة - رضي الله عنه - وهذا القول منقول عن النسائي.

25 - وَشُعْبَةٌ عَنْ عَمْرٍو بْنِ مُرَّهْ ... عَنْ مُرَّةٍ عَنِ ابْنِ قَيْسٍ كَرَّهْ وقيل أصح الأسانيد (شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم الحافظ الواسطي نزيل البصرة له نحو ألفي حديث. ولد سنة ثمانين ومات سنة ستين ومائة حال كونه راوياً (عن عمرو ابن مرة) (¬1) بن عبد الله بن طارق بن الحارث الهمداني المرادي الجَمَلي أبي عبد الله الأعمى الكوفي أحد الأعلام له نحو مائتي حديث، مات سنة ست عشرة ومائة حال كونه راوياً (عن مرة) بن شراحيل الهمداني أبي إسماعيل الكوفي العابد مرة الطيب ومرة الخير، مات سنة ست وسبعين وقيل: غير ذلك، وقد أخطأ المحقق ابن شاكرٍ تبعاً للشارح في تعليقه هنا، وفي الباعث الحثيث حيث يقول: عن عمرو بن مرة عن أبيه مرة، والصواب أن مرة هذا ليس والداً لعمرو هذا بل هو شيخه غايته أنه اتفق اسم شيخه ووالده. راجع التاريخ (¬2) الكبير للبخاري والجرح والتعديل (¬3) لابن أبي حاتم، حال كونه راوياً (عن ابن قيس) هو عبد الله بن قيس بن سليمان بن حَضَّار الأشعري أبو موسى له ثلاثمائة وستون حديثاً اتفقا على خمسين وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة وعشرين، توفي سنة اثنين وأربعين: وقوله (كرة) أي مرة، يعني: أن شعبة له تارات فتارة يروي عن عمرو بن مرة إلخ. وتارة عن غيره، فإذا روى عن عمرو بن مرة عن مرة عن عبد الله بن قيس يكون أصح الأسانيد, وهذا القول رواه الخطيب في الكفاية عن وكيع قال: لا أعلم في الحديث شيئاً أحسن إسناداً من هذا. ¬

_ (¬1) بتنوين عمرو وإثبات ألف ابن، لأنه ليس صفة بل هو إما بدل أو خبر لمحذوف أو مفعول لفعل محذوف أي هو ابن مرة، أو أعني ابن مرة. اهـ الجامع. (¬2) جـ 6 ص 368. (¬3) جـ 6 ص 5257 ثم إن مرة شيخه من رجال التهذيب وغيره مشهور، وأما مرة أبوه فَهُو مترجم في التاريخ الكبير للبخاري جـ 8 ص: 6، وفي الجرح والتعديل جـ 8 ص: 366.

26 - أَوْ مَا رَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَهْ ... إِلَى سَعِيدٍ عَنْ شُيُوخٍ سَادَهْ (أو) لتنويع الخلاف أيضاً أي قال بعضهم أصح الحديث (ما روى) أي نقل (شعبة) بن الحجاج المتقدم (عن قتادة) بن دِعامةَ السدوسي أبي الخطاب البصري الأكمه أحد الأئمة الأعلام الحافظ المدلس توفي سنة سبع عشرة ومائة (إلى) أي عن (سعيد) بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن مخزوم المخزومي أبي محمد المدني الأعور، ولد سنة خمس عشرة ومات سنة ثلاث وتسعين، وقيل أربع (عن شيوخ سادة) وهم شيوخ سعيد لأنه من كبار التابعين، تلقى عن شيوخ كثيرين من الصحابة وكبار التابعين. وهذا منقول عن حجاج بن الشاعر وهو إنما قال أجود الأسانيد إلا أن من لازمه صحة الحديث ولذلك قال ما روى. فتفطن. 27 - ثُمَّ ابْنُ سِيرِينَ عَنِ الْحَبْرِ الْعَلِي ... عَبِيدَةٍ بِما رَوَاهُ عَنْ عَلِي (ثم) للترتيب الذكري أي قال بعضهم أصح الأسانيد محمد (بن سيرين) الأنصاري إمام وقته، مات سنة عشر ومائة (عَنِ الْحَبْرِ) بالفتح والكسر أي العالم (الْعَلِي) بتخفيف الياء للوزن صفة الحبر أي الرفيع الشأن والذكر (عبيدة) بفتح العين والصرف للضرورة، وهو بدل من الحبر، وهو عبيدة بن عمرو السلماني، مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الطريق، مات رحمه الله سنة اثنتين وسبعين وقيل ثلاث (بما) أي بالحديث الذي (رواه) أي نقله عبيدة (عن علي) بن أبي طالب - رضي الله عنه - والجار والمجرور حال من عبيدة أي حال كون عبيدة مقيداً بما رواه عن علي - رضي الله عنه -، فهذا القول يقيد الأصحية بالمروي عن علي، فلو روى عن غيره من التابعين مثلاً لا يكون مثل هذا السَّند فتأمل. وهذا القول منقول عن عمرو بن علي الفلاس وعلي بن المديني وسليمان بن حرب إلا أن ابن المديني شرط أن يكون الراوي عن ابن سيرين عبد الله بن عون وسليمان شرط أن يكون الرواي عنه أيوبَ السختياني والفلاس ما شرط ذلك فتدبر.

28 - كَذَا ابْنُ مِهْرَانَ عَنِ ابْرَاهِيمَ عَنْ ... عَلْقَمَةٍ عَنِ ابْنِ مَسعُودِ الْحَسَنْ (كذا) أي مثل ما تقدم من الأقوال في أصح الأسانيد قولُ ابن معين: أصحها سليمان (ابن مهران) بكسر فسكون الكاهلي الكوفي أبو محمد الأعمش أحد الأعلام الحفاظ والقراء، رأى أنساً - رضي الله عنه -، ولم يرو عنه له نحو ألف وثلاثمائة حديث، ويقال ظهر له أربعة الآف حديث، مات سنة ثمان وأربعين ومائة عن أربع وثمانين سنة، حال كونه راوياً (عن ابراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبي عمران الكوفي، ولد سنة خمسين وقيل سنة سبع وأربعين، ومات سنة ست وتسعين، وقيل: خمس (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة بن سَلاَمَان بن كُهَيل بن بكر بن عوف بن النَّخَع النخعي الكوفي أبي شِبْل أحد الأعلام، مخضرم، مات سنة اثنتين وستين، وقيل: إِحدى وستين، قيل: عن تسعين سنة. (عن ابن مسعود) بن غافل بن حَبِيب بن شَمْخ (¬1) بن مخزوم الهذلي أبي عبد الرحمن الكوفي أحد السابقين الأولين، روى ثمانمائة وثمانية وأربعين حديثاً اتفقا على أربعة وستين، وانفرد البخاري بأحد وعشرين ومسلم بخمسة وثلاثين، وتلقن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة، مات بالمدينة المنورة سنة اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة. وحذف التنوين هنا للضرورة وقوله (الحسن) صفة لابن مسعود - رضي الله عنه - أي حسن الأوصاف لأنه كان يُشْبِه النبي - صلى الله عليه وسلم - في هَدْيِه ودَلِّهِ وسَمْتِه كما جاء في السير. 29 - وَوَلَدُ القَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ... عائِشَةٍ ............. (و) قيل أصحها عبد الرحمن (ولد القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق أبي محمد المدني، مات سنة ست وعشرين ومائة وقيل سنة إحدى وثلاثين ومائة (عن أبيه) القاسم المذكور أحد الفقهاء السبعة كما تقدم، له مائتا حديث، مات سنة ست ومائة، وقيل سبع، أو ثمان، أو تسع وقيل: ¬

_ (¬1) بفتح الشين، وسكون الميم.

غير ذلك. (عن) عمته (عائشة) بالصرف للضرورة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - أم المؤمنين، أم عبد الله الفقيهة الربانية لها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث اتفقا على مائة وأربعة وسبعين وانفرد البخاري بأربعة وخمسين ومسلم بثمانية وستين، توفيت سنة سبع وخمسين ودفنت بالبقيع - رضي الله عنها -. وهذا القول لابن معين أيضاً فله قولان وله ثالث يأتي ثم ذكر رحمه الله ما احترز عنه بقوله مطلقاً فيما تقدم وهو التفصيل فقال: ............... ........... وَقَالَ قَوْمٌ ذُو فِطَنْ 30 - لا يَنْبَغِي التَّعْمِيمُ فِي الإِسْنادِ ... بَلْ خُصَّ بِالصَّحْبِ أَوِ البِلادِ (وقال قوم) من المحدثين، وهو الحاكم أبو عبد الله المعروف بابن البَيِّع، صاحب المستدرك على الصَّحِيحين، ومن تبعه (ذو) أي صاحب (فطن) بكسر ففتح جمع فطنة بكسر فسكون، وهي الحِذْق بالكسر، وأفرد ذو نظراً للفظ قوم، أي أصحاب حِذْق في فن الحديث (لا ينبغي التعميم) أي تعميم الحكم (في الإسناد) أي في أصحيته على الإطلاق أي لا يحكم بأنه أصح الأسانيد كلها (بل خص) أيها المحدث، أي قَيِّد الحكم على كل ترجمة منها (بالصحب) أي بصحابي تلك الترجمة بأن تقول مثلاً أصح أسانيدِ فلانٍ: فُلَانٌ إلخ. (أو) خص بـ (البلاد) بأن تقول مثلاً أصح أسانيد المدنيين: فلانٌ إلخ، ويحتمل كون خُصَّ فعلاً ماضياً مغير الصيغة أي خص الحكم إلخ. 31 - فَأَرْفَعُ الإِسْنادِ لِلصِّدِّيقِ مَا ... اِبْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ نَمَا (فَأَرْفَعُ) الفاء فصيحية أي إذا عرفت أن الأحسن والأليق هو التقييد وأردت بيان ذلك فأقول لك أرفع (الإسناد) اللام للجنس أي أصح الأسانيد فهو على حذف مضاف لأن ما واقعة على الحديث كما يأتي، لأبي بكر (الصديق) واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيمي، روى مائة واثنين وأربعين حديثاً اتفقا على ستة وانفرد البخاري

بأحد عشر ومسلم بحديث، توفي سنة ثلاث عشرة عن ثلاث وستين سنة, ودفن بالحجرة النبوية، - رضي الله عنه - فقوله: أرفع مبتدأ خبر قوله: (ما) واقعة على الحديث أي الحديث الذي روى إسماعيل (بن أبي خالد) (¬1) البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي أحد الأعلام، له نحو ثلثمائة حديث, مات سنة ست وأربعين ومائة. (عن قيس) بن أبي حازم (¬2) البجلي الأحمسي، أبي عبد الله الكوفي مخضرم، ويقال: له رؤية، وهو الذي يقال: إنه اجتمع له الرواية عن العشرة (¬3)، مات بعد التسعين، أو قبلها، وقد جاوز المائة وتغير. (نما) أي نسبه إليه، يقال: نَمَيتُ الحديث ونَمَّيتُه بالتخفيف، والتشديد: رفعته وأبلغته، ونما الحديثُ ارتفع، والجملة صلة ما، ومعنى البيت أن أرفع وأصح أحاديث الأسانيد لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - هو الحديث الذي رواه إسماعيل بن أبي خالد، حال كونه آخذ عن قيس بن أبي حازم أي الحديث المروي بهذا السَّند. 32 - وَعُمَرٍ فَابْنَ شِهابٍ بَدِّهِ ... عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِهِ عَنْ جَدِّهِ (وَعُمَرٍ) بالجر عطف على الصديق أي أصح الأسانيد لعمر - رضي الله عنه - صرف للضرورة (فابن شهاب) بالنصب مفعول به لـ (بَدِّهِ) أمر من التبديه يقال: بدهه بأمر كمنعه استقبله به، أو بدأه، ولعل التضعيف هنا ليوافق لجدِّهِ، وفي نسخة الشرح بدئه بالهمز والجر ولا يظهر توجيهه. (عن سالم) المتقدم حال كونه راوياً (عن أبه) عبد الله بن عمر على لغة النقص ¬

_ (¬1) اسم أبي خالد قيل هرمز، وقيل كثير، وقيل سعد. (¬2) اسم أبي حازم: قيل حصين، وقيل عوف، وقيل عبد عوف صحابي له حديث. اهـ تقريب التهذيب ص 581. (¬3) كما سيأتي في النظم قوله: 704 - وَالتَّابِعُونَ طَبَقَاتٌ عَشَرَهْ ... مَعْ، خَمْسَةٍ: أَوَّلُهُمْ ذُو الْعَشَرَهْ 705 - وَذَاكَ " قَيْسٌ " مَا لَهُ نَظِيرُ ... وَعُدَّ عِنْدَ حَاكِمٍ كَثِيرُ

كما تقدم (عن جده) أىِ جد سالم وهو عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهذا القول للحاكم أيضاً. 33 - وَأَهْلِ بَيْتِ المُصْطَفَى جَعْفَرُ عَنْ ... آبَائِهِ، إِنْ عَنْهُ رَاوٍ مَا وَهَنْ (و) أرفع أسانيد (أهل بيت المصطفى) - صلى الله عليه وسلم -: (جعفر) بمنع الصرف للوزن هو الصادق بن محمدِ الباقرِ بن علي زَيْنِ العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، المدني، مات سنة ثمان وأربعين ومائة، عن ثمان وستين سنة. (عن آبائه) المذكورين أي راوياً هو عن أبيه وهو عن جده إلخ. قال الناظم: هذه عبارة الحاكم، ووافقه من نقلها، وفيها نظر فإن الضمير في جده إن عاد إلى جعفر، فجده عَلِيٌ لم يسمع من علي بن أبي طالب، أو إلى محمد فهو لم يسمع من الحسين. اهـ تدريب. (إن عنه راوٍ ما وهن) أي إن له يكن الراوي عن جعفر ضعيفاً, يقال: وَهَنَ يَهِن وَهْنا كوعد يعد وعداً: ضعف، أفاده في المصباح. وإنما قيده به وإن كان هذا القيد لازماً في كل ما مَرَّ لكثرة رواية الضعفاء عنه. وحاصل معنى البيت أن أصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي إن كان الراوي عن جعفر ثقة. 34 - وَلأَبِي هُرَيرَةَ الزُّهْرِيُّ عَنْ ... سَعِيدٍ أوْ أَبُو الزِّنَادِ حَيْثُ عَنْ 35 - عَنْ أَعْرَجٍ، وَقيلَ: حَمَّادٌ بِمَا ... أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ لَهُ نَمَا (و) أصح الأسانيد (لأبي هريرة) الدوسي (¬1) - رضي الله عنه - , له خمسة ¬

_ (¬1) اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو ثلاثين قولاً والأصح عبد الرحمن بن صخر =

آلاف وثلثمائة وأربعة وسبعون حديثاً، اتفقا على ثلائمائة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بتسعة وسبعين، ومسلم بثلاثة وتسعين، روى عنه ثمانمائة نفس ثقات، مات سنة تسع وخمسين، عن ثمان وسبعين سنة. - رضي الله عنه - (الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد) ابن المسيب (أو) لتنويع الخلاف أي قال البخاري رحمه الله أصح أسانيد أبي هريرة (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان، الأموي ولاءً المدني، أبو عبد الرحمن، مات فَجْأة. سنة ثلاثين ومائة، وقيل: سنة إحدى. (حيث عن) بتشديد النون، وخفف هنا للوزن أي ظهر ووجد مرويه (عن أعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ. توفي سنة سبع عشرة ومائة، بالإسكندرية. (وقيل) في أصح أسانيد أبي هريرة رضي الله عنه (حماد) بن زيد بن درهم الأزدي، أبو إسماعيل، الأزرق البصري، الحافظ مولى جرير بن حازم، توفي سنة سبع وتسعين ومائة عن إحدى وثمانين سنة. وقيل: غير ذلك. (بما) أي بالحديث الذي (أيوب) بن أبَي تميمة واسمه كيسان السختياني العنزى، أبو بكر البصري الفقيه، له نحو ثمانمائة حديث وقيل: ألفا حديث، ولد سنة ست وستين، وقيل: ثمان وستين، ومات سنة إحدى وثلاثين ومائة. (عن محمّدٍ) أي ابن سيرين (له) أي لأبي هريرة (نمى) أي نسبة إليه، والمعنى: أن أصح أسانيد أبي هريرة حماد بن زيد حال كونه مقيداً بالحديث الذي رواه أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهذا القول لابن المديني رحمه الله تعالى، ثم ذكر ما قيد بالبلاد فقال: 36 - لِمَكَّةٍ سُفْيانُ عَنْ عَمْرٍو، وَذَا ... عَنْ جَابِرٍ، وَلِلمَدِينَةِ خُذا 37 - ابْنَ أَبِي حَكِيمَ عَنْ عَبِيدَةِ ... الحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةِ ¬

_ = وذكر البخاري أن اسمه عبد الله بن عمرو كما نقله عنه الترمذي في جامعه وقال: وهو الأصح.

(لمكة) بالصرف للوزن جار ومجرور خبر مقدم عن قوله (سفيان) أي أصح أسانيد أهل مكة المشرفة: سفيان بن عيينة، أبو محمد. الأعور, الهلالي، مولاهم، الكوفي، ولد سنة سبع ومائة، وحج سبعين حجة, ومات في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائة. (عن عمرو) هو ابن دينار، الجمحي، مولاهم أبو محمد المكي، الأثرم، أحد الأعلام، له خمسمائة حديث، مات سنة خمس عشرة ومائة. وقيل: في أول سنة ست عشرة. وفي التقريب سنة ست وعشرين ومائة. (وذا) الواو حالية أي عمرو (عن جابر) هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، السَّلَمِيُّ، أبو عبد الرحمن، أو أبو عبد الله، أو أبو محمد المدني، الصحابي، المشهور, له ألف وخمسمائة حديث وأربعون حديثاً اتفقا على ثمانية وخمسين، وانفرد البخاري بستة وعشرين، ومسلم بمائة وستة وعشرين، مات سنة ثمان وسبعين بالمدينة، عن أربع وتسعين سنة, والمعنى: أن أصح الأسانيد لأهل مكة سفيان بن عيينة، عن عمرو حال كونه راوياً عن جابر - رضي الله عنه - , (وللمدينة) المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام، متعلق بقوله (خذا) أيها الطالب الذكي والنحرير الألمعي، والألف بدل من النون الخفيفة. (ابن) بالنصب مفعول خذ (أبي حكيم) بمنع الصرف للوزن هو إسماعيل بن أبي حكيم، مولى عثمان المدني، توفي سنة ثلاثين ومائة. (عن عبيدة) بفتح العين هو ابن سفيان بن الحارث (الحضرمي) نسبة إلى حضرموت بليدة من اليمن بقرب عدن. اهـ المصباح. (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - بالصرف للقافية، والمعنى: خذ أيها المحدث الأجل أصح أسانيد المدينة ابنَ أبي حكيم إلخ وهذا القول لأحمد بن صالح المصري رحمه الله تعالى. 38 - وَمارَوَى مَعْمَرُ عَنْ هَمَّامَ عَنْ ... أَبِي هُرَيرَةَ أَصَحُّ لِلْيَمَنْ (وما) مبتدأ خبره أصح، أي الحديث الذي (روى) أي نقله (معمر) بمنع الصرف للوزن ابن راشد الأزدي مولى لمولاهم عبد السلام بن عبد

القدوس، أبو عروة البصري، ثم اليماني، أحد الأعلام، توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة. (عن همام) بمنع الصرف أيضاً للوزن ابن منبه بن كامل الأبناوي، أبي عقبة الصنعاني اليماني، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة, (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - (أصح) الأحاديث لأهل (اليمن). 39 - لِلشَّامِ الأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَا ... عَنِ الصِّحَابِ فَائِقٌ إِتْقَانَا (للشام) متعلق بفائق (الأوزاعي) مبتدأ خبره فائق، هو إمام أهل الشام، أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو نسبة إلى أوزاع بطن من اليمن, وقيل: قرية بدمشق، ولادته ببعلبك، سنة ثمان وثمانين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين، وتوفي سنة سبع وخمسين ومائة. (عَنْ حَسَّانَا) بألف الإطلاق ابن عطية المحاربي مولاهم أبي بكر الدمشقي الفقيه بقي إلى ثلاثين ومائة. (عن الصحاب) - رضي الله عنهم - بكسر الصاد جمع صاحب بمعنى الصحابي (فائق) أي راجح (إتقاناً) أي من حيث الإتقان على غيره من أسانيد الشاميين. والمعنى أَنَّ أصح أسانيد أهل الشام هو الأوزاعي عن حسان إلخ. فهو سند فائق على غيره من أسانيدهم. 40 - وَغَيْرُ هَذَا مِنْ تَراجِمٍ تُعَدْ ... ضَمَّنْتُهَا شَرْحِيَ عَنْها لا تُعَدْ (وغير هذا) بالرفع مبتدأ خبره محذوف أي ومنها غير هذاً، أو خبر لمحذوف أي مثل هذا (من تراجم) جار ومجرور حال من غير (تعد) فعل ونائب فاعل صفة لتراجم، أي معدودة عند العلماء بأنها أصح الأسانيد. (ضمنتها شرحي) أي جعلتها ضمنه يقال: ضمنت الشيء أي جعلته محتوياً عليه فتضمنه اشتمل عليه فعلى هذا فالشرح هو المتضمن لها كقولك الدرهم: أعطيته زيداً فالشرح فاعل في المعنى، فأصله التقديم فتأخيره هنا لعدم اللبس والمراد بالشرح هو تدريب الراوي الذي جعله شرحاً لتقريب النواوي بل ولجميع كتب الفن إذ هو من أجمع ما ألف في هذا الفن, (عنها) أي لها متعلق بشرح والجملة صفة لتراجم بعد صفة أو حال منه

(لا تعد) أي لا تذكر هنا لضيق النظم، والجملة صفة لتراجم أيضاً، أو حال منه. والله أعلم. (تَتِمَّة): قوله: سوى ما انتقدوا، وقوله: وكم إمام جنحا. وقوله: والقطع ذو تصويب إلى قوله: غلط، وقوله: لمتن أو, وقوله: لفوق عشر إلخ, وقوله: أو عن عبيد الله إلى قوله: عن شيوخ سادة ثلاث أبيات, وقوله: وولد القاسم، البيت، وقوله: بل خص إلى آخر الباب من زياداته على العراقي.

(مسألة)

(مسألة) أي هذا مبحثها، وهي: في الكلام على ابتداء تدوين الحديث، وفي أول من جمعه بالأبواب، وفي أول من أفرد الصَّحِيح، وفي ترتيب الصحاح، وبيان الاستخراج، وما يتبع ذلك، قال رحمه الله: 41 - أَوَّلُ جامِعِ الحديثِ والأَثَرْ ... اِبْنُ شِهابٍ آمِرًا لَهُ عُمَرْ (أول جامع) خبر مقدم لقوله ابن شهاب، أي أسبق مُدَوِّنِ (الحديث) النبوي (والأثر) إما عطف تفسير للحديث إن قلنا بترادفهما كما هو المشهور، وإما عطف مغاير إن خص بالموقوف. (ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله المتوفي سنة أربع وعشرين ومائة. (آمراً له) حال من ابن شهاب، وفي نسخة آمر بالرفع مبتدأ خبره عمر والجملة في محل نصب حال من ابن شهاب، أو مستأنفة، أي الآمر لابن شهاب بجمع الأحاديث (عمر) بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أحد الخلفاء الراشدين، المتوفى في رجب سنة إحدى ومائة، وله أربعون سنة, سوى ستة أشهر رحمه الله. والمراد بالتدوين المذكور هو التدوين الرسمي بحيث يكون مجموعاً مرتباً، وإلا فقد كان يكتب في الرِّقاع والعظام من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهَلُمَّ جَرَّا. 42 - وَأَوَّلُ الجَامِعِ لِلأَبْوَابِ ... جَمَاعَةٌ فِي العَصْرِ ذُو اقْتِرَابِ 43 - كَابْنِ جُرَيْجٍ وَهُشَيْمٍ مَالِكِ ... وَمَعْمَرٍ وَوَلَدِ المُبَارَكِ

(وأول) مبتدأ (الجامع للأبواب) المتنوعة من العبادات، والمعاملات, والمغازي، وغيرها، وإنما قال الأبواب احترازاً عن جمع حديث إلى مثله في باب واحد، لتقدم ذلك على هؤلاء فقد فعله الشعبي رحمه الله تعالى. فقال: هذا باب من الطلاق جسيم فساق أحاديث. (جماعة) خبر المبتدإِ، أي طائفة (في العصر) أي في الزمن متعلق باقتراب قدم عليه وإن كان معمول المضاف إليه لا يتقدم للضرورة وقوله (ذو اقتراب) صفة لجماعة على تأويله بجمع أي جمع صاحب تقارب في الزمن أو الجار والمجرور صفة لجماعة، وذو خبر لمحذوف أي هو ذو اقتراب، يعني أن ذلك العصر متقارب. ومعنى البيت أن أول من جمع الحديث جماعة متقاربون في الزمن. وذلك أثناء المائة الثانية فلا يدري أيهم سبق لكونهم في وقت واحد، وهم (كا) لإمام الحافظ عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أحد الأعلام من تابعي التابعين، المتوفى سنة خمسين ومائة، وذلك بمكة المكرمة. (وهُشَيم) بضم الهاء وفتح الشين ابن بشير بفتح الباء أبي معاوية السلمي الواسطي من تابعي التابعين، اتفقوا على توثيقه، وجلالته، وحفظه, توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة و (مالك) بن أنس إمام دار الهجرة، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، (ومعمر) بن رشد أبي عروة الإمام، الحافظ، اتفقوا على توثيقه وجلالته، توفي سنة ثلاث، وقيل: أربع وخمسين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. (و) عبد الله (ولد المبارك) بن واضح المروزي، الحنظلي، مولاهم أبي عبد الرحمن، الإمام المجمع على جلالته، وإمامته في كل شيء. قال رحمه الله: كتبت عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف، توفي رحمه الله منصرفاً من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة في رمضان. 44 - وَأَوَّلُ الجَامِعِ بِاقْتِصَارِ ... عَلَى الصَّحِيحِ فَقَطِ البُخَارِي 45 - وَمُسْلِمٌ مِنْ بَعْدِهِ، وَالأَوَّلُ ... عَلَى الصَّوَابِ فِي الصَّحِيحِ أَفْضَلُ

46 - وَمَنْ يُفَضِّلْ مُسْلِمًا فَإِنَّمَا ... تَرْتِيبَهُ وَصُنْعَهُ قَدْ أَحْكَمَا (وأول الجامع) خبر مقدم أي أسبق محدث في جمع الأحاديث المسندة (باقتصار) أي مع اقتصار متعلق بالجامع أو حال من الضمير فيه أي مقتصراً (على الصَّحِيح) المجرد من الحديث، متعلق باقتصار. (فقط) أي فحسب، وقوله: (البخاري) مبتدأ مؤخر هو الإمام الحافظ الحجة محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين تقدمت ترجمته رحمه الله. وسبب جمعه الصَّحِيح هو ما رواه عنه إبراهيم بن مَعْقِلِ النسفي قال: كنا عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فوقع في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصَّحِيح. وعنه أيضاً قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأنني واقف بين يديه وبيدي مِرْوَحَة أذب عنه فسألت بعض المعبرين فقال: لي: أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصَّحِيح، قال: وألفته في بضعة عشر سنة قاله في التدريب. (ومسلم) بن الحجاج، القشيري، المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين. مبتدأ خبره قوله (من بعده) أي البخاري يعني أن الإمام مسلماً جمع الصَّحِيح بعد البخاري لأنه متأخر وقتاً لأنه تلميذه وخريجه فهو آخذ عنه، ولذا قيل لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء أي في هذا الموضوع، ويحتمل أن تكون البعدية في الرتبة والدرجة يعني أن كتابه بعد كتاب البخاري رتبة والأول أولى. (والأول) أي الإمام البخاري (في) التثبت واستيفاء شروط (الصَّحِيح) من الأحاديث المسندة (أفضل) أي أزيد فضلاً من الثاني، لكونه أعلم بالفن، وأعدل رواة، وأشد اتصالًا منه, ويحتمل أن يكون المراد بالأول كتابه أي كتاب البخاري أفضل رتبة من كتاب مسلم بل هو الأولى كما يدل عليه قوله: (ومن) شرطية (يفضل) من العلماء (مسلماً) على البخاري أي كتابه على كتابه. (فإنما ترتيبه) بالنصب مفعول لمحذوف أي فَضَّلَ، أو بالرفع خبر

لمحذوف أي مراده ترتيبه والجملة جواب الشرط. (وصنعه) بالصاد وفي نسخة ووضعه بالضاد. والمعنى متقارب، وهو عطف تفسير لترتيب، أو المراد بالترتيب ترتيب الأبواب، والأحاديثِ بحيث يذكر كل باب وحديث إلى جنب مناسبه، وفي مظانه، وبالصنع حسن صناعة الحديث من حيث تلخيص الطرق، والاحترازُ من تحويل الأسانيد عند الاتفاق من غير تنبيه على اختلاف ألفاظ الرواة في متن، أو إسناد، ولو في حرف واحد, فالعطف للمغايَرَهِّ (قد أحكَمَا) بالبناء للفاعلِ والألف إطلاقية، والجملة حال من مسلم أي حال كونه مُحْكِماً أي متقناً لترتيبه، وصنعه، أو للمفعول, والألف ضمير راجعة إلى الترتيب والصنع، أي حال كونهما مُحْكَمَينِ. وحاصل معنى البيت أن من فَضُّلَ صحيح مسلم على صحيح البخاري وهو الإمام أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم وبعض شيوخ المغاربة ليس تفضيله من حيث الأصحية، وإنما هي من حيث الترتيب وجودة تلخيص الطرق بغير زيادة، ولا نقصان، وتنبيه على الرواية المصرحة بسماع المدلسين، وجمع الطرق في مكان واحد، بأسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة، فسهل تناوله بخلاف البخاري فإنه قطعها في الأبواب بسبب استنباط الأحكام منها. وأورد كثيراً منها في غير مَظِنتها. ولما اعترضَ على الشيخين بعضُ النقاد بعضَ الأحاديث مع كون الصواب معهما أراد أن يبين ذلك فقال: 47 - وَانْتَقَدُوا عَلَيْهِمَا يَسِيرَا ... فَكَمْ تَرَى نَحْوَهُمَا نَصِيرَا (وانتقدوا) أي اعترض بعض أهل النقد كالدارقطني، وأبي علي الغساني الجياني، وأبي ذر الهروي، وأبي مسعود الدمشقي، وغيرهم. (عليهما) أي البخاري ومسلم (يسيرا) أي قليلاً من أحاديثهما، وعدتها كما قال الحافظ مائتان وعشرة أحاديث، اشتركا في اثنين وثلاثين، واختص البخاري بثمانين إلا اثنين، ومسلم بمائة. (فكم) خبرية بمعنى كثيرٍ مفعولٌ

مقدم لقوله (ترى) بالتاء أيها الطالب، وفي نسخة بالنون أي رأينا كثيراً من العلماء المبرزين، والحفاظ المتقنين (نحوهما) أي قصدهما. وهو جمعُ الصَّحِيح مفعول مقدم لقوله (نصيرا) أي مانعا، أو معيناً من أن يتطرق إليه قدح قادح. ومعنى البيت أن بعض الحفاظ انتقد على الشيخين بعض الأحاديث في صحيحهما إلا أن كثيراً من الحفاظ نصروا الشيخين لكون الصواب معهما، وذلك لتقدمهما على أهل عصرهما، ومن بعده من أهل هذا الفن في معرفة الصَّحِيح، والمعلل، فلا يخرجان إلا ما لا علة له، أو له علة غير مؤثرة عندهما، فإذا اعترض عليهما معترض كان ذلك مقابلًا لتصحيحهما, وقَدْ عُلِمَ كونهما مقدمين في ذلك، فيندفع الاعتراض هذا من حيث الجملة. وأما من حيث التفصيل: فلأن الأحاديث المنتقدة عليهما ستة أقسام: الأول: ما يختلف فيه الرواة بالزيادة والنقص من رجال الإسناد, فإن أخرج صاحب الصَّحِيح الطريق المزيدة، وعلله الناقد بالناقصة فهو تعليل مردود، لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر لأنه قد يكون سمعه بواسطة، ثم لقيه فسمعه منه، وإن لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع ضعيف والضَّعِيف لا يُعِلُّ الصَّحِيح. الثاني: ما تختلف فيه الرواة بتغيير رجال بعض الإسناد، والجوابُ عنه أنه إن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المختلفون في ذلك مُتَعادِلِينَ في الحفظ والعدد، أو متفاوِتينَ فيخرج الطريقة الراجحة ويعرض عن المرجوحة، أو يشير إليها فالتعليل بجميع ذلك لمجرد الاختلاف غير قادح, إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف.

الثالث: ما تفرد به فيه بعض الرواة بزيادة لم يذكرها أكثر منه، أو أضبط، وهذا لا يؤثر التعليل به إلا إذا كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع، وإلا فهي كالحديث المستقل إلا إن وضح بالدليل القوي أنها مدرجة من كلام بعض الرواة فهو مؤثر. الرابع: ما تفرد به بعض الروٍ اة ممن ضعف وليس في الصَّحِيحين من هذا القبيل غير حديثين تَبيَّنَ أن كُلًّا مِنهما قد توبع. الخامس: ما حكم فيه على بعض الرواة بالوهم، فمنه ما لا يؤثر قدحاً، ومنه ما يؤثر. السادس: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح لِإمكانِ الجمع، أو الترجيح. ثم ذكر درجتهما بقوله: 48 - وَلَيْسَ فِي الْكُتْبِ أَصَحُّ مِنْهُمَا ... بَعْدَ الْقُرَانِ وَلِهَذَا قُدِّمَا (وليس في الكتب) بسكون التاء جار ومجرور خبر مقدم (أصحُّ) اسم ليس مؤخراً أي أقوى وأرجح صِحَّةً (منهما) أي الصَّحِيحين (بعد القران) الكريم بنقل حركة الهمزة لغة لا ضرورة قرئ به في السبعة. (ولهذا) أي لأجل كونهما بهذه المرتبة الرفيعة متعلق بقوله (قدما) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق. 49 - مَرْوِيُّ ذَيْنِ، فَالبُخَارِيِّ، فَمَا ... لِمُسْلِمٍ، فَمَا حَوَى شَرْطَهُمَا 50 - فَشَرْطَ أَوَّلٍ، فَثَانٍ، ثُمَّ مَا ... كانَ عَلَى شَرْطِ فَتًى غَيْرِهِمَا (مَرْوِيُّ ذَيْنِ) نائب فاعل قُدِّمَ أي الحديث الذي رواه هذان الإمامان, وهذا هو القسم الأول من أقسام الصَّحِيح السبعة، وهو الذي يُعَبِّرُ عنه أهلُ الحديث بقولهم: متفق عليه، أي اتفق البخاري ومسلم عليه، ويلزم منه اتفاق الأمة لتلقيهم له بالقبول، وقدم لاشتماله على أعلى أوصاف الصحة. (فالبخاري) الفا آت للترتيب أي فما روى البخاري منفرداً عن مسله يلي ما تقدم وأُخِرَ لاختلاف العلماء أيهما أفضل، وهذا القسم الثاني. (فما) أي

الحديث الذي للإمام الحجة (مسلم) بن الحجاج، وهو الثالث. (فما حوى) أي فالحديث الذي جمع (شرطهما) أي رجال إسنادهما وهو الرابع (فشرط أول) بالنصب عطف على ما قبله أي ما جمع شرط البخاري، وهو الخامس. (فثان) عطف على أول أي شرط مسلم وهو السادس. (ثم ما) أي قدم الحديث الذي (كان على شرط فتى) من أئمة الحديث (غيرهما) بالجر صفة فتى أي غير الشيخين وهذا آخر الأقسام السبعة. وفائدة التقسيم تظهر عند التعارض. ثم إن هذا الترتيب أغلبي وقد يتخلف كما أشار إليه قوله: 51 - وَرُبَّمَا يَعْرِضَ لِلْمَفُوقِ مَا ... يِجَعْلِهِ مُسَاوِيًا أَوْ قُدِّمَا (وربما) للتقليل (يعرض) من باب ضرب يضرب، أي يظهر ويتضح (لِلْمَفُوقِ) أي المفضول لتأخر رتبته (ما) فاعل يعرض (يجعله) أي المفوق (مساوياً) للفائق (أو قدما) فعل ونائب فاعل، والألف إطلاقية عطف على مساوياً أي أو مقدماً عليه بسبب ما صاحَبَه من المرجحات كأن يتفقا على إخراج حديث غريب، ويخرج مسلم، أو غيره حديثاً مشهوراً أو مما وُصِفَتِ الترجمة بكونها أصح الأسانيد، ولما ذكر شرط الشيخين أراد أن يبين المراد به فقال: 52 - وَشَرْطُ ذَيْنِ كَوْنُ ذَا الإِسْنَادِ ... لَدَيْهِمَا بِالجَمْعِ وَالإِفْرَادِ (وشرط ذين) مبتدأ أي المراد بشرط الشيخين (كون ذا الإسناد) خبر المبتدإ أي كون هذا الإسناد الذي قيل: إنه على شرطهما، أو شرط أحدهما (لديهما) أي في كتابيهما (بالجمع) حال من الضمير أي حال كونه متلبساً بالجمع يعني أن ما قيل فيه هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين معناه أن إسناده مذكور في كتابيهما معا (والإفراد) فيما قيل فيه على شرط البخاري، أو مسلم أي أنه مذكور في كتاب أحدهما. ثم اعلم: أن الشيخين لم ينقل عنهما أنهما شرطاً في كتابيهما شرطاً

معيناً، وإنما حصل هذا من تتبع العلماء الباحثين لأساليبهما، وطريقتهما, ولذا اختلفوا فيه لاختلاف أفهامهم على أقوال، استوفيتها في الشرح الكبير. 53 - وَعِدَّةُ الأَوَّلِ بِالتَّحْرِيرِ ... أَلْفَانِ وَالرُّبْعُ بِلا تَكْرِيرِ 54 - وَمُسْلِمٍ أَرْبَعَةُ الآلافِ ... وَفِيهِمَا التَّكْرَارُ جَمًّا وَافِ (وعدة) أحاديث (الأول) أي صحيح البخاري والمراد الأحاديث المسندة، وهو مبتدأ خبره ألفان (بالتحرير) أي على ما حرره إمام المتقنين في المتأخرين الحافظ ابن حجرٍ في كتابه فتح الباري ومقدمته المسمى بهدي الساري (ألفان والربع) أي ربع الألفين وهو خمسمائة أي وزيادة ثلاثة عشر، هذا هو الذي ذكره في الفتح في باب كفران العشير جـ 1 ص 105 وتبعه الناظم في التدريب والذي ذكره في الهدي يخالف هذا حيث قال: ص 501 ما نصه: فجميع ما في صحيح البخاري من المتون الموصولة بلا تكرير على التحرير ألفا حديث وستمائة حديث وحديثان، ومن المتون المعلقة المرفوعة التي لم يوصلها في موضع آخر من الجامع المذكور 159 حديثاً، فجميع ذلك 2791 حديثا وقال قبل ذلك بأربعة أوراق ص 493 ما نصه: فجملة ما في الكتاب من التعاليق 341 حديثا وأكثرها مكرر في الكتاب أصول متونه وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق آخر إلا 160 حديثا وجملة ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات 341 حديثا فجميع ما في الكتاب على هذا بالمكرر 9082 حديثا وهذه العدة خارجة من الموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين فمن بعدهم, وقوله (بلا تكرير) خبر لمحذوف أي هذا من دون عد المكرر أو حال من المذكور أي حال كون ما ذكر بدون ذكر المكرر. وأما مع المكرر فجملته كما قال الحافظ أيضاً من غير المعلقات والمتابعات تسعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثاً، وهذا يخالف ما مر قريباً من أنه مع المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثاً. وهذا يحتاج إلى تحرير دقيق. والله أعلم. (وَمُسْلِمٍ) بالجر عطف

على الأول وبالرفع إقامةً للمضاف إليه مُقامَ المضاف أي وعدة أحاديث صحيح مسلم (أربعة الألاف) بإدخال " أل " على آلاف، وهو لغة لا ضرورة (وفيهما) أي الصَّحِيحين متعلق بواف أو خبر مقدم عن قوله (التكرار) أي تكرار الحديث الواحد مرتين فصاعداً لفائدة إسنادية، أو متنية (جما) حال منه أي حال كون التكرار كثيراً، والْجَمُّ: الشيء الكثير كالجميم (واف) أي كثير, يقال: وَفَى الشيءُ تم، وكَثر، فهو وَفِي ووافٍ أفاده في القاموس، وهو خبر على الأول، أو خبر بعد خبر على الثاني، والمعنى أن التكرار في الكتابين كثير جداً، وقد علمت عدة المكررات في البخاري، وأما في صحيح مسلم فقد قال العراقي: إنه يزيد على البخاري لكثرة طرقه، قال: وقد رأيت عن أبي الفضل أحمد بن سلمة إنه اثنا عشر ألفاً، وقال الميانجي: ثمانية آلاف. 55 - مِنَ الصَّحِيحِ فَوَّتَا كَثِيرِا ... وَقَالَ نَجْلُ أَخْرَمٍ: يَسِيرًا 56 - مُرَادُهُ أَعَلَى الصَّحِيحِ فَاحْمِلِ ... أَخْذًا مِنَ الحَاكِمِ أَيْ فِي المَدْخَلِ (من الصَّحِيح) متعلق بِفَوَّتَا أي الحديث الصَّحِيح (فَوَّتَا) بتشديد الواو فعل ماض من التفويت، والألف ضمير البخاري ومسلم أي تركا (كثيرا) أي شيئاً أو تفويتاً كثيراً، والمعنى أن البخاري ومسلماً رحمهما الله تعالى تركا تخريج أحاديث كثيرة من الأحاديث الصحاح، فلم يذكراها في كتابيهما, وذلك لأنهما لم يستوعبا ذكر الصَّحِيح، ولا التزاماه، ولذا قال الحاكم في خطبة مستدركه: ولم يَحْكما ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه اهـ. هذا. ولما قال أبو عبد الله ابن الأخرم: لم يفتهما إلا اليسير ذكره بقوله: (وقال) الحافظ أبو عبد الله (نجل أخرم) بالصرف للضرورة أي ولد الأخرم بالخاء المعجمة، والراء المهملة، هو محمد بن يعقوب بن الأخرم الشيباني المعروف أبوه بابن الكرماني، ويقال له أيضاً الأخرم إجراء للقب

أبيه عليه، المتوفى سنة أربع وأربعين وثلثمائة، وهو شيخ أبي عبد الله الحاكم (يسيرا) أي ترك الشيخان قليلاً من الأحاديث الصحاح، ورُدَّ عليه بقول البخاري: وما تركت من الصحاح أكثر، وبقول ابن الصلاح إن المستدرك على الصَّحِيحين للحاكم كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير، وإن كان في بعضها مقال إلا أنه يصفو له من الصَّحِيح كثير، ولكن أجاب عنه الناظم بقوله (مراده) مبتدأ أي مقصود ابن الأخرم في قوله لم يفتهما إلا القليل (أعلى الصَّحِيح) خبر المبتدإ أي الحديث الذي في الدرجة العليا من الصحة فكأنه قال لم يفتهما من أصح الصَّحِيح إلا القليل، وهذا كلام لا غبار عليه، ومَحْمِل لا يتطرق الاعتراض إليه، فإذا كان وجهاً حسناً (فاحمل) عليه أيها الطالب الماهر والمحقق الباهر، مراد ابن الأخرم تنجو من اللوم، وتسلم. (أخذاً) حال من الفاعل أي حال كونك آخذ هذا الجواب، أو مفعول لأجله أي لأخذك (من) كلام (الحاكم) أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويهْ بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البَيِّع، المتوفى سنة خمس وأربعمائة. (أي) تفسيرية (في) كتابه المسمى (بالمدخل) إلى كتاب الإكليل، والمعنى أن مراد ابن الأخرم رحمه الله في قوله: ما فاتهما إلا القليل هو أصح الصَّحِيح لأن الصَّحِيح مراتب، وهذا الجواب مأخوذ من تقسيم الحافظ أبي عبد الله الحاكم للحديث الصَّحِيح في كتابه المدخل إلى عشرة أقسام، فذكر منها في القسم الأول الذي هو الدرجة الأولى اختيار الشيخين إلى آخر الأقسام المذكورة في الشرح فتبيَّنَّا أن ما فاتهما من هذا النوع قليل، لا كثير, فحصل الجواب وللَّه الحمد. ولما قال النووي: إنه لم يفت الأصول الخمسة من الحديث إلا القليل، ذكره مع تقريره عليه، فقال: 57 - النَّوَوِيْ: لَمْ يَفُتِ الخَمْسَةَ مِنْ ... مَا صَحَّ إِلاَّ النَّزْرُ فاقْبَلْهُ وَدِنْ (النووي) مبتدأ خبره محذوف أي قائل، أو فاعل لفعل محذوف، أي قال النووي (لم يفت) الأصول (الخمسة) أي الصَّحِيحين وسنن أبي داود

والترمذي والنسائي (مما صح) أي من الحديث الذي صح (إلا النزر) أي الشيء القليل. والمعنى أن الإمام النووي رحمه الله تعالى قال: إنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير، قال الناظم رحمه الله: مقرراً لقوله وراضياً له (فاقبله) أيها الطالب الذكي والراغب الألمعي لكونه صواباً (ودِنْ) بالكسر فعل أمر من دانه يدينه بمعنى أطاعه أو جازاه، أي أطعه في هذا القول، ولا تعترض عليه، أو جازه بالشكر، والدعاء له، لكونه أفادك علما. ولما كان يتوجه على قوله اعتراض بقول البخاري رحمه الله: أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح فإنه يدل على كثرة ما فات الأصول الخمسة من الصَّحِيح لقلة أحاديثهما أجاب عنه الناظم بقوله: 58 - وَاحْمِلْ مَقَالَ عُشْرَ أَلْفِ أَلْفٍ ... أَحْوِي عَلَى مُكَرَّرٍ وَوَقْفٍ (واحمل) أيها الطالب الراغب (مقال) أي قول الإمام البخاري, وهو مضاف إلى الجملة بعده (عشر) بالنصب مفعول مقدم لأحوي مضاف إلى (ألف ألف) أي مائة ألف وإنما عبر به لضرورة النظم (أحوي) أي أحفظ، مضارع حَوَى الشيء يَحوِيه حَوَاية، واحتوى عليه إذا ضمه واستولى عليه، أفاده في المصباح. (على مكرر) متعلق باحمل أي على الحديث الذي يتكرر إسناده (ووقف) عطف على مكرر أي موقوف على الصحابة والتابعين. ومعنى البيت أنه يحمل قول البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح على المكررات فربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين, وهكذا الموقوفات على الصحابة والتابعين, فإنه يطلق عليها لفظ الحديث على رأي بعض المحدثين كما تقدم، وذلك لأن الأحاديث الصحاح التي بين أظهُرِنَا بل وغير الصحاح لو تتبعت من المسانيد والجوامع والسنن

والأجزاء وغيرها لَمَا بَلَغَتْ مائة ألف حديث بلا تكرار بل ولا خمسين ألفاً, ويبعد كل البعد أن يكون رجل واحد حفظ ما فات الأمة جَمِيعَهُ فإنه إنما حفظه من أصول مشايخه، وهي موجودة، أفاده في التدريب، ثم ذكر ما يعرف به الحديث الصَّحِيح الزائد على الصَّحِيحين فقال: 59 - وَخُذْهُ حَيْثُ حَافِظٌ عَلَيْهِ نَصْ ... وَمِنْ مُصَنَّفٍ بِجَمْعِهِ يُخَصْ 60 - كَابْنِ خُزَيْمَةَ وَيتْلُو مُسْلِمَا ... وَأَوْلِهِ البُسْتِيَّ ثُمَّ الحَاكِمَا (وخذه) أي الحديث الصَّحِيح الزائد عليهما (حيث حافظ) من حفاظ الحديث النبوي (عليه) أي على صحته (نص) أي عينه، وأوضحه، كأبي داود والترمذي والدارقطني، وغيرهم. (و) خذه أيضاً (من) كتاب (مصنف) بفتح النون (بجمعه) أي جمع الصَّحِيح متعلق بـ (يخص) أي الكتب التي تختص بجمع الصَّحِيح الذي لم يختلط بغيره. ومعنى البيت أنك إذا أردت أن تعرف الصَّحِيح الزائد على الصَّحِيحين فسبيله أن ينص عليه إمام من أئمة الحديث، أو يوجد في كتاب يختص بجمعه لا يخلط الصَّحِيح بغيره كالسنن الأربع فلا يكفي وجوده فيها لكونها تجمع الصَّحِيح وغيره، وتلك الكتب المختصة بجمعه (كـ) صحيح الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن إسحاق (ابن خزيمة) بن المغيرة السلمي النيسابوري، ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، حدث عنه الشيخان في غير صحيحهما، وتوفي رحمه الله سنة إحدى عشرة وثلثماثة، وهو ابن تسع وثمانين سنة. (ويتلو) أي صحيحُهُ في الرتبة (مسلما) أي صحيحه (وأوله) أي أتبع صحيح ابن خزيمة في الرتبة (البستي) أي صحيحه، وهو بضم الباء نسبة إلى بست بلد بسجستان، وهو الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ التميمي، المتوفى في شوال سنة أربع وخمسين وثلثمائة، وهو في عشر الثمانين وإنما قدم عليه ابن خزيمة لشدة تحريه حتى إنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد، فيقول: إن صح الخبر، أو إن ثبت كذا، ونحو ذلك، بخلاف ابن حبان, فإنه ربما

يخرج عن المجهولين، لا سيما، ومذهبه إدراج الحسن في الصَّحِيح، كما قال الحاكم (ثم) أَوْلِ البستي في الرتبة (الحاكما) بألف الإطلاق أي كتابه المسمى بالمستدرك, فإنه رحمه الله اعتنى بضبط الزائد على الصَّحِيحين مما هو على شرطهما، أو شرط أحدهما؛ أو صحيح، وإن لم يوجد شرط أحدهما، مُعَبِرًّا عن الأول بقوله: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو مسلم، وعن الثاني بقوله هذا حديث صحيح الإسناد. ولما كان كتابه مع ذلك وقع فيه تساهل كثير نبه عليه بقوله: 61 - وَكَمْ بِهِ تَسَاهُلٌ حَتَى وَرَدْ ... فِيهِ مَناكِرُ وَمَوْضُوعٌ يُرَدْ (وكم) أي كثير (به) أي في كتابه (تساهل) أي تغافل في التصحيح, قال الحافظ: وإنما وقع له ذلك لأنه سَوَّدَ الكتاب ليُنَقّحه فأعجلته المنية, وقد وَجَدْتُ في قريب الجزء الثاني من تجزئةٍ ستَّةٍ من المستدرك إلى هنا انتهى إملاء الحاكم ثم قال: وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة، فمن أكبر أصحابه وأكثر النَّاس ملازمة له البيهقي، وهو إذا ساق عنه في غَيرِ المُمْلَى شيئاً لا يذكره إلا بالإجازة، قال: والتساهل في القدر المُمْلَى قليل جداً بالنسبة إلى ما بعده اهـ. وقيل: إنه حصل له تغير في آخر عمره، وأصابته غفلة أثناءَ تأليفه المستدرك. (حتى ورد) غاية لتساهله في التصحيح (فيه) أي المستدرك (مناكر) أي واهيات لا تصح (وموضوع) أي مكذوب (يرد) أي مردود صفة للموضوع، وقد لخص الحافظ الذهبي مستدركه، وتعقب كثيرا منه بالضعف، والنكارة، وجمع جزءاً فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة، فذكر نحو مائة حديث. ثم ذَكَرَ ما قاله الإمام ابن الصلاح في شأن ما تفرد الحاكم بتصحيحه فقال: 62 - وَابْنُ الصَّلاحِ قَالَ: مَا تَفَرَّدَا ... فَحَسَنٌ إِلاَّ لِضَعْفٍ فَارْدُدَا 63 - جَرْيًا عَلَى امْتِناعِ أَنْ يُصَحَّحَا ... فِي عَصْرِنَا كَمَا إِلَيْهِ جَنَحَا

(و) الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان (ابن الصلاح قال) في شأن الحاكم (ما) أي الحديث الذي (تفردا) بألف الإطلاق، أي الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط من غير تصريح بصحته إذ لا يعتمد عليه (فـ) هو حديث (حسن) للعمل به، والاحتجاج، فقوله: وابن الصلاح مبتدأ خبره جملة قال، وما موصولة، أو نكرة موصوفة مبتدأ وتفرد صلة، أو صفة، والفاء داخلة في خبر ما لما فيها من معنى العموم وقوله حسن خبر ما, والجملة مقول القول، ثم استثنى ابن الصلاح من ذلك ما إذا ظهرت فيه علة توجب ضعفه كما أشار إليه بقوله: (إلا لضعف) أي إلا أن يظهر ضعفه فإذا كان كذلك (فارددا) بألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة، وإنما قال ذلك (جريا) أي لأجل جريه (على) رأي (امتناع أن يصححا) وكذا أن يُحَسَّنَ أو يُضَعَّف (في عصرنا) المتأخر لضعف أهلية أهل هذه الأزمان وقوله (كما إليه) أي إلى هذا الرأي (جنحا) بألف الإطلاق أي مال ابن الصلاح واعتمده مؤكد لما قبله. والمعنى أن ابن الصلاح إنما حكم بكون ما تفرد بتصحيحه الحاكم حَسَناً، لأجل كونه جارياً على منع الاستقلال بإدراك الصَّحِيح، وكذا الحسن، والضَّعِيف، كما تفيده عبارة التدريب في هذه الأعصار المتأخرة لضعف أهلها عن ذلك، ثم أشار الناظم إلى رد رأي ابن الصلاح هذا بقوله: 64 - وَغَيْرُهُ جَوَّزَهُ وَهْوَ الأَبَرْ ... فَاحْكُمْ هُنَا بِمَا لَهُ أَدَّى النَّظَرْ (وغيره) أي غير ابن الصلاح كالإمام النووي (جوزه) أي التصحيح وكذا التحسين، والتضعيف، كما تقدم لمن تمكنت، وقويت معرفته, (وهو) أي القول هذا (الأَبَرْ) أي الأحسن والأرجح، وهو الذي عليه عمل أهل الحديث من المعاصرين لابن الصلاح، ومن بعدهم، فقد صححوا أحاديث لم يَجْرِ لمن تقدمهم فيها تصحيح، كأبي الحسن بن القطان، والحافظ ضياء الدين المقدسي، والحافظ شرف الدين الدمياطي، والحافظ تقي الدين السبكي ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهليةَ ذلك منهم إلا أن منهم من لا يقبل

ذلك منهم، وكذلك المتقدمون ربما صحح بعضهم شيئاً فأنِكرَ ذلك عليه. (فاحكم) أي فإذا كان كذلك فاحكم أيها المتأهل لذلك في الحديث، بالاطلاع على ما فيه من الخفايا في القديم والحديث، (هنا) أي فيما انفرد بتصحيحه الحاكم (بما له أدى النظر) أي بالحكم الذي أدى إليه نظرك واجتهادك من الصحة، أو الحسن، أو الضعف. ومعنى البيت أن غير ابن الصلاح من الأئمة جوزوا التصحيح وكذا التحسين والتضعيف لمن تاهل لذلك وهذا القول هو الأرجح فإذا أدى اجتهادك إلى التصحيح أو غيره فيما انفرد بتصحيحه الحاكم فاحكم به. (تَتِمَّة) قوله " حتى ورد فيه مناكير وموضوع يرد "، وقوله " جرياً على " وقوله " وهو الأبر ". من زياداته. ولما نسب بعضُهم ابنَ حبان إلى التساهل أيضاً وليس ذلك بصحيح فَنَّدَهُ بقوله: 65 - مَا سَاهَلَ البُسْتِيُّ فِي كِتَابِهِ ... بَلْ شَرْطُهُ خَفَّ وَقَدْ وَفَّى بِهِ (ما) نافية (ساهل) أي غافل الإمام الحافظ محمد بن حبان (البُسْتِيُّ) بضم فسكون نسبة إلى بلد بسجستان، في التصحيح (في كتابه) الأنواع والتقاسيم خلافاً لمن حكم عليه بذلك (بل شرطه) أي البستي (خف) بصيغة الماضي أي قل من شرط غيره من الأئمة (وقد وفي) البُسْتِيُّ (به) أي بما اشترطه، وغايته أن يسمي الحسن صحيحا، وذلك أنه يُخْرِج في كتابه المذكور ما كان راويه ثقة غير مدلس سمع من شيخه، وسمع منه الآخذ عنه، ولا يكون هناك إرسال، ولا انقطاع، وإذا لم يكن في الراوي جرح, ولا تعديل، وكل من شيخه، والراوي عنه، ثقة ولم يأت بحديث منكر فهو عنده ثقة، وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذه حاله، ولذا ربما اعتَرَض عليه في ذلك من لم يعرف حاله، ولا اعتراض عليه, إذ لا مُشَاحَّةَ في الاصطلاح، بخلاف الحاكم إذ شرط أن يخرج عن رواة خرَّج لمثلهم

الشيخان في كتابيهما اجتماعاً وانفرداً، ثم يترك هذا الشرط، فاتجه الإعتراض عليه. (تَتِمَّة) هذا البيت من زياداته، ثم تكلم على الكتب المستخرجة على الصَّحِيحين فقال: 66 - وَاسْتَخْرَجُوا عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِأَنْ ... يَرْوِي أَحَادِيثَ كِتَابٍ حَيْثُ عَنْ 67 - لا مِنْ طَرِيقِ مَنْ إِلَيْهِ عَمَدَا ... مُجْتَمِعًا فِي شَيْخِهِ فَصَاعِدَا (واستخرجوا) أي العلماء (على الصَّحِيحين) صحيح البخاري ومسلم وكذا غيرهما، وإنما اقتصر عليهما نظراً إلى كثرته وشهرته، وإلا فقد استخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن على سنن أبي داود، وأبو على الطُّوسي على الترمذي، وأبو نعيم على التوحيد لابن خزيمة، وأملى الحافظ العراقي على المستدرك مستخرجاً لم يكمل، وقيل: إنما اقتصر عليهما لأن كلامه سابقاً ولاحقاً في الصَّحِيح، ثم بَيَّنَ معنى الاستخراج فقال: (بأن يروي) الباء للتصوير، والجار والمجرور خبر لمحذوف أي ذلك بأن يروي إلخ أي يذكر المستخرج (أحاديث كتاب) وإنما نكره وإن كان الأولى كونه مُعَرَّفاً ليفيد أن هذا الحكم غير مختص بهذين الكتابين كما تقدم. (حيث عن) بتشديد النون، وخففت هنا للوزن: أي ظهر المذكور من الأحاديث، وإنما ذكَّره لتأويله بالمذكور (لا) عاطفة على محذوف متعلق بعَنَّ أي من طريق نفسه لا (من طريق من) أي الشخص الذي (إليه عمدا) أي قصده لاستخراج أحاديثه، فَمَنْ واقعة على صاحب الكتاب، والألف للإطلاق، ويقال: عَمَدْتُ للشيء عمداً من باب ضرب، وعمدت إليه: قصدت، وتعمدته قصدت إليه أيضاً، قاله في المصباح، والضمير عائد إلى الرواي أي المستخرج حال كونه (مجتمعاً) مع صاحب الكتاب في الإسناد (في شيخه) أي مع شيخ صاحب الكتاب وهو البخاري، أو مسلم في

مثالنا، ويُسمَّى هذا النوع موافقة، لأنه وافق المستخرج بالكسر صاحب الكتاب في شيخه. (فصاعداً) أي فما فوق الشيخ، كشيخ الشيخ، حتى يصل إلى الصحابي، ويُسمَّى هذا النوع عالياً بدرجة، أو أكثر على حسب العلو، فإذا اجتمع مثلًا مع صاحب الكتاب في شيخ شيخه، كان عالياً بدرجة، وفي الثاني بدرجتين، وهكذا. ومعنى البيت أن العلماء عملوا المستخرجات على الصَّحِيحين, والاستخراج أن يأتي المحدث إلى كتاب من كتب الحديث، فيخرج أحاديثه بأسانيدَ لنفسه، لا بأسانيد صاحب الكتاب، بشرط أن يجتمع معه في شيخه، أو من فوقه، قال الحافظ: وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعدَ حتى يفقِدَ سنداً يوصله إلى الأقرب إلا لعذر، من عُلُوٍّ أو زيادةٍ مهمة اهـ. ثم إن المستخرجات لم يُلتَزَم فيها موافقة الصَّحِيحين في الألفاظ, وإليه أشار بقوله: 68 - فَرُبَّمَا تَفَاوَتَتْ مَعْنًى، وَفِي ... لَفْظٍ كَثِيرًا، فَاجْتَنِبْ أَنْ تُضِفِ 69 - إِلَيْهِمَا، وَمَنْ عَزَا أَرَادَا ... بِذَلِكَ الأَصْلَ وَمَا أَجَادَا (فربما تفاوتت) المستخرجات والمستخرج عليه (معنى) أي في المعنى وهذا قليل، (وفي لفظ كثيراً) أي تفاوتت في لفظ اختلافاً كثيرا, لأنهم يَرْوُونَها باِلألفاظ التي وقعت لهم من شيوخهم، والجار والمجرور عطف على " مَعْنَى " لأنه منصوب بنزع الخافض، ولا يقال: إنه غير قياسي لأن ذلك إذا لم يدل عليه دليل، وهنا دل عليه وجودها في المعطوف، ثم إن رُبَّ هنا مستعملة في التقليل والتكثير استعمالاً للمشترك في معنييه, فبالنسبة إلى المعنى للتقليل، وبالنسبة إلى اللفظ للتكثير، ويحتمل كونها للتقليل فقط، وفي لفظ متعلق بمحذوف أي وتفاوتت في لفظ كثيراً، فيكون عطف جملة على جملة، وأفاد العلامة الصنعاني أن في عباراتهم

مسامحة (¬1) إن حصل تفاوت، أو باعتبار من ينتهي إليه الإسناد من شيوخه إلى الصحابي الذي ذكر حديثه في الصَّحِيحين (فاجتنب) أيها المحدث (أن تضف) أي تنسب (إليهما) أي الصَّحِيحين، و " أن " يحتمل أن تكون مصدرية و " تضف " صلتها منصوب إلا أنه استعمله مجزوماَ فحذف عين فعله للضرورة (¬2) وهو مفعول اجتنب، ويحتمل أن تكون شرطية ومفعول اجتنب محذوف أي اجتنب الغلط، وجوابها دل عليه السابق. والمعنى اجتنب الإضافة إلى الصَّحِيحين، أو اجتنب الغلط في الإضافة إليهما، بأن تنقل حديثاً من المستخرجات وتقول: هو كذا فيهما, أو في أحدهما، لأنه يكون كذباً إلا أن تقابله بهما، أو يقول المستخرج: أخرجاه بلفظه، (ومن) شرطية، أو موصولة (عزا) من المحدثين كالبيهقي في السنن والمعرفة وغيرهما، والبغوي في شرح السنة (إليهما) إلى الصَّحِيحين، أو أحدهما قائلاً رواه البخاري، أو مسلم مع أنه قد وقع في بعضه تفاوت في المعنى، أو في اللفظ (أرادا) جواب من، أو خبرها, والألف للإطلاق (بذلك) أي العَزو المذكور (الأصل) مفعول أراد، أي أصل الحديث الذي أورده دون اللفظ (وما أجادا) بألف الأطلاق، أي ما أحسن في صنيعه هذا، لإيقاعه في اللبس من لايعرف اصطلاحه. (تنبيهان): الأول: قال في التدريب: ولابن دقيق العيد في ذلك تفصيل حسن, وهو أنك إذا كنت في مقام الرواية فلك العزو، ولو خالف، لأنه عُرِف أن أجل قصد المحدث السَّند، والعثور على أصل الحديث، دون ما إذا كنت ¬

_ (¬1) أي حيث قالوا في بيان موضوع المستخرج فيخرج أحاديثه بأسانيد نفسه إلخ فإنه يفيد أن الحديث لم يقع فيه مخالفة فتأمل. (¬2) أو الجزم بها لغة لبعض العرب، وهو مذهب الكوفيين، وأنشدوا عليه قوله: إذَا مَا غَدَوْنَا قَالَ ولْدَانُ أهلِنَا ... تَعَالَوْا إِلَى أن يَأتِينَا الصَّيْدُ نَحْطِب أفاده في مغنى اللبيب جـ 1 ص 29.

في مقام الاحتجاج، فمن روى في المعاجم والمشيخات ونحوها فلا حرج عليه في الإطلاق بخلاف من أورد ذلك في الكتب المبوبة ولا سيما إن كان الصالح للترجمة قطعة زائدة على ما في الصَّحِيح. (الثاني): إنما منع العزو إلى الصَّحِيحين، أو أحدهما في المستخرجات فقط، وأما المختصرات فيجوز فيها ذلك لأن أصحابها نقلوا فيها ألفاظهما من غير زيادة، ولا تغيير، وكذا الجمع بين الصَّحِيحين لعبد الحق، لا الحميدي إذ فيه زيادة ألفاظ وتتمات بلا تمييز. ولَمَّا ذكر المستخرجات وحُكمَ العزو إلى الصَّحِيحين لمن نقل عنها: شرع يذكر فوائدها، وهي كثيرة أوصلها الحافظ إلى عشرة، فذكر منها هنا ثمانية بقوله: 70 - وَاحْكُمْ بِصِحَّةٍ لِمَا يَزِيدُ ... فَهْوَ مَعَ العُلُوِ ذَا يُفِيدُ 71 - وَكَثْرَةَ الطُّرْقِ وَتَبْيِينَ الَّذِي ... أُبْهِمَ أَوْ أُهْمِلَ أَوْ سَمَاَع ذِي 72 - تَدْلِيسٍ أوْ مُخْتَلِطٍ وَكُلُّ مَا ... أُعِلَّ فِي الصَّحِيحِ مِنْهُ سَلِمَا الأول: صحة الزيادة وإليه أشار بقوله: (واحكم) أيها المحدث (بصحة لما يزيد) في المستخرجات من ألفاظ، أو تتمات، أو شرح لبعض ألفاظ الحديث، أو نحوِ ذلك، لأنها خارجة من مخرج الصَّحِيح، فلذا يشترط أن يكون رجال السَّند فيها على شرط من خَرَّجَ عليه صاحب الصَّحِيح. والثاني العلو وأشار إليه بقوله: (فهو) أي المستخرَجُ المفهومُ من قوله: واستخرجوا مبتدأ (مع العلو) متعلق بيفيد، أي علو الإسناد (ذا) أي المذكور من الصحة مفعول مقدم ليفيد، وجملة (يفيد) خبر المبتدإ. والمعنى أن المستخرَجَ يفيد الحكم بصحة الزيادة مع إفادته العلو, إذ قد تكون الرواية المستخرجة أعلى إسناداً، مثاله أن أبا نعيم لو روى حديثاً عن عبد الرزاق من طريق البخاري، أو مسلم لم يصل إليه إلا بأربعة، ولو رواه عن طريق الطبراني عن الدَّبَرِي عنه وصل باثنين وعلى

هذين الفائدتين اقتصر ابن الصلاح، وتبعه العراقي، إلا أنه أشار إلى أكثر منهما بقوله " من فائدته " (¬1). الثالث ما أشار إليه بقوله: (وكثرة الطرق) بالنصب عطف على ذا, والطرق: جمع طريق بسكون الراء للتخفيف، أي يفيد أيضاً كثرة الأسانيد، بأن يُضَمَّ المستخرِج بالكسر شخصاً آخر فأكثر مع الذي حدث عنه مصنف الصَّحِيح، وربما ساق له طُرُقاً أخرى إلى الصحابي بعد فراغه من استخراجه، كما يصنع أبو عوانة فيحصل قوة الحديث المستخرَجِ، والمستخرَجِ عليه، فإذا تعارضت الأحاديث رجح أكثرها طرقاً. الرابع: ما أشار إليه بقوله: (وتبيين) بالنصب أيضاً (الذي أبهم) يعني تبيين المستخرج بالكسر الروايَ الذي أبهمه صاحب الصَّحِيح، كحدثنا فلان، أو رجل، أو فلان، وغيره، أو غير واحد، فيعينه المستخرج. والخامس: ما ذكره بقوله: (أو) تبيين الذي (أهمل) في الصَّحِيح, كحدثني محمد، من غير ذكر ما يميزه عن غيره من المُحَمَّدِينَ، وكان في مشايخه محمدون، فيميزه المستخرج أيضاً. والسادس: ما أشار إليه بقوله: (أو سماع) بالنصب عطفاً على ذا أيضاً، أو بالجر عطفاً على الذي، أي تبيين سماعَ (ذِي تدليس) أي مدلس كأن يروى في الصَّحِيح عن مدلس بالعنعنة، فيبين المستخرج تصريحه بالسماع. والسابع: ما أشار إليه بقوله: (أو مختلط) عطف على الذي، أي تبيين رواية مختلط بكونها قبل اختلاطه، وذلك كأن يروي صاحب الصَّحِيح عن مختلط أي فاسد العقل بسبب الهرم، أو المرض، أو آفة، بعد أن كان حافظاً، ولم يبين هل سماع ذلك الحديث منه قبل اختلاطه، أو بعده, فيبينه المستخرج، إمَّا تصريحاً، أو بأن يرويه عنه عن طريق مَن لم يسمع منه إلا قبل الاختلاط، ويحتمل العطفَ على ذي أي وتبيين سماع مختلط ¬

_ (¬1) حيث قال: وَما يَزِيد فَاْحْكُمَنْ بِصِحَّتِهْ ... فَهْوَ مَعَ الْعُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ

لكن باعتبار إضافة المصدر إلى مفعوله أي سماع الراوي عن مختلط والأول أولى، وهذه الفائدة، والتي قبلها، فائدتان، جليلتان، وإن كنا لا نتوقف فيما روي في الصَّحِيح من ذلك غير مُبَيَّن، ونقول: لو لم يطلع مصنفه على أنه روى قبل الاختلاط، وأن المدلس سمع لم يخرجه. والثامن: ما أشار إليه بقوله: (وكل ما) أي الذي، أو شيءٍ، وما واقعة على علة (أعل) به حديث (في الصَّحِيح) أي صحيح البخاري، أو مسلم (منه) أي مما أعل به متعلق بما بعده (سلما) بألف الإطلاق, والضمير راجع إلى المستخرَج المفهومِ من السياق، ويحتمل أن تكون ما واقعةً على حديث، والمعنى وكل حديث أُعلَّ أي حصلت فيه علة في الصَّحِيح سلم المستخرج منه، أي من ذلك المعل بسبب زوال تلك العلة, لأن المستخرج لا يذكر ذلك الحديث مع علته، بل يذكره بحيث لا توجد فيه تلك (¬1) العلة، والمعنى على كِلَا التقديرين واحدة. فجملة ما ذكره الناظم من الفوائد ثمانية. ويزاد عليه تاسع، وهو: عدالة من أخرج له فيه لأن المُخَرِّج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يخرج إلا عن ثقة عنده. وعاشر: وهو ما يقع فيها من التمييز للمتن المحال به على المتن المحال عليه، وذلك في كتاب مسلم كثير جداً فإنه يخرج الحديث على لفظ بعض الرواة، ويحيل باقي ألفاظ الرواة على ذلك اللفظ الذي يورده, فتارة يقول: مثله فيحمل على أنه نظيره، وتارة يقول نحوه، أو معناه, فيحمل على أن فيهما مخالفة بالزيادة والنقصان كما سيأتي البحث عنه, وفي ذلك من الفوائد ما لا يخفى. (تَتِمَّة) قوله: وما أجادا، وكثرة الطرق إلى آخر البيتين من زياداته. ¬

_ (¬1) وذلك كأن يقع في المستخرج من الفصل للكلام المدرج في الحديث مما ليس من الحديث ويكون في الصَّحِيح غير مفصل، أو يقع فيه من الأحاديث المصرح برفعها وتكون في أصل الصَّحِيح موقوفة أو كصورة الموقوف.

(خاتمة)

(خاتمة) نسأل الله حسنها، أي هذا مبحث خاتمة يُخْتَمُ بها بحثُ الصَّحِيح يُذكر فيها كيفية نقلِ الحديث من الكتب المصنفة للعمل به، أو الاحتجاج به، لذي مذهب، قال رحمه الله: 73 - لأَِخْذِ مَتْنٍ مِنْ مُصَنِّفٍ يَجِبْ ... عَرْضٌ عَلَى أَصْلٍ، وَعِدَةٍ نُدِبْ 74 - وَمَنْ لِنَقْلٍ فِي الحَدِيثِ شَرَطَا ... رِوَايَةً وَلَوْ مُجَازًا غُلِّطَا (لأَِخْذِ مَتْنٍ) أي حديث، متعلق بيجب، زاد ابن الصلاح لِمَنْ ساغ له ذلك، وهو العالم بشرط العمل، وكيفيةِ الاستدلال به، (من مصنف) بفتح النون أي من كتاب من الكتب المعتمدة كالبخاري، ومسلم، وأبي عوانة, وابن خزيمة، وابن حبان، مما اشتهر وصح لَيَعْمَل، أو يَحتَجَّ به لذي مذهب، (يجب عرض) فعل وفاعل، أي تجب مقابلة ذلك المصنف (على أصل) واحد محَقَّقٍ، معتمد، متعلق بعَرْضٍ (وعدة) بالجر بحرف جر محذوف لدلالة ما قبله عليه متعلق بندب، ويحتمل الرفع، على أنه مبتدأ سوغه كونه صفة لمحذوف، أي نسخٌ عِدَّة أي متعددة، أو موصوفاً بمحذوف، أي عدة من النسخ (ندب) فعل ونائب فاعل خبر على الثاني. ومعنى البيت أن من أراد الاحتجاج، أو العمل بحديث من كتاب من الكتب المعتمدة، وجب عليه أن يقابله على أصل واحد محقق معتمد، واستحب أن يقابله على أصول متعددة بروايات متنوعة فيما تكثر فيه الروايات

كالفربري، والنسفي، وحماد بن شاكر، وغيرهم بالنسبة لصحيح البخاري, أو أصول متعددة فيما مداره على رواية واحدة كأكثر الكتب، وقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة يتنزل منزلة التواتر، والاستفاضة، أفاده السخاوي. ولما كان من المحدثين من شدد في الرواية حتى قال: من وجد حديثاً في كتاب صحيح لا يجوز أن يرويه لأنه لم يسمعه، وهذا القول غلط أشار الناظم إلى تفنيده بقوله (ومن) شرطية، أو موصولة مبتدأ (لنقل) متعلق بشرط (في الحديث) صفة لنقل أي كائن في الحديث (شرطا) بألف الإطلاق (رواية) أي نقلاً عن الشيوخ (ولو) كان النقل على أقل وجوه الروايات بأن يكون (مجازاً) بالضم من الإجازة (غُلِّطَا) بالبناء للمفعول، وتشديد اللام، أي نسب قولُه هذا إلى الغلط، جواب الشرط، أو خبر المبتدإ. ومعنى البيت أن من شرط لرواية الحديث النقلَ عن الشيخ ولو بالإجازة غُلِّطَ في قوله هذا، وهذا المشترط هو بعض المحدثين، ومنهم أبو بكر محمد بن خير بن عمر الأموي (¬1) الإشبيلي، خال أبي القاسم السهيلي صاحب روض الأنف، قال في بَرْنَامَجِهِ (¬2): اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذا حتى يكون ذلك القول مروياً. ولو على أقل وجوه الروايات، لحديث " من كَذَب عَلَيَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " وقد تعقب الزركشي ذلك، فقال: نقل الإجماع عجيب، وإنما حكي ذلك عن بعض المحدثين، ثم هو معارض بنقل ابن بَرْهَانَ إجماع الفقهاء على الجواز، قال في الأوسط: ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه، بل إذا صح عنده النسخة جاز العمل بها، إن لم يسمع، وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني الإجماع على جواز النقل من ¬

_ (¬1) بفتح الهمزة اهـ. (¬2) البرنامج الورقة الجامعة للحساب معرب برنامه. اهـ ق.

الكتب المعتمدة، ولا يشترط اتصال السَّند إلى مصنفيها، وذلك شامل لكتب الحديث والفقه، وقال إِلْكِيَا (¬1) الهَرَّاسِيّ (¬2) الطبري في تعليقه: مَنْ وجد حديثاً في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به. وقال: قوم من أصحاب الحديث لا يجوز له أن يرويه لأنه لم يسمعه، وهذا غلط، وكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان عن بعض المحدثين, وقال: هم عُصْبَة لا مبالات بهم في حقائق الأصول، يعني المقتصرين على السماع لا أئمة الحديث، ونَصَّ الشافعي رحمه الله في الرسالة على أنه يجوز أن يحدث بالخبر وإن لم يعلم أنه سمعه، فظهر بطلان ادعاء الإجماع، والاستدلال بالحديث المذكور على المنع فاسد، لأنه ليس فيه اشتراط ذلك وإنما فيه تحريم القول بنسبة الحديث إليه حتى يتحقق أنه قاله، وهذا لا يتوقف على روايته بل يكفي في ذلك علمه بوجوده في كتب من خرج الصَّحِيح، أو كونه نص على صحته إمام، وعلى ذلك عَمَلُ الناس. ولما أنهي الكلام على القسم الأول وهو الصَّحِيح شرح يبين الثاني فقال: ¬

_ (¬1) بكسر الهمزة وسكون اللام وكسر الكاف معناه بالفارسية الكبير. (¬2) الهراسي بتشديد الراء.

(الحسن)

(الحسن) أي هذا مبحثه، وهو النوع الثاني من أنواع علوم الحديث قدمه، على الضَّعِيف لاشتراكه مع الصَّحِيح في الحجية، وهو لغة ما تشتهيه النفس, وتميل إليه، ولما كان بالنظر لقسيميه تتجاذبه الصحة والضعف: اختلف تعبير الأئمة في تعريفه اصطلاحاً على أقوال، اختار الناظم منها ما ذكره بقوله: 75 - المُرْتَضَى فِي حَدِّهِ مَا اتَّصَلا ... بِنَقْلِ عَدْلٍ قَلَّ ضَبْطُهُ وَلا 76 - شَذَّ وَلا عُلِّلَ وَلْيُرَتَّبِ ... مَرَاتِبًا والاِحْتِجَاجِ يَجْتَبِي 77 - اَلْفُقَهَا وَجُلُّ أَهْلِ الْعِلْمِ ... فَإِنْ أَتَى مِنْ طُرْقٍ أُخْرَى يَنْمِي 78 - إِلَى الصَّحِيحِ، أَيْ لِغَيْرِهِ، كَمَا ... يَرْقَى إِلَى الحُسْنِ الَّذِي قَدْ وُسِمَا 79 - ضَعْفًا لِسُوءِ الحِفْظِ أَوْ إِرْسَالٍ أْوْ ... تَدْلِيسٍ أْوْ جَهَالَةٍ إِذَا رَأَوْا 80 - مَجِيئَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَمَا ... كَانَ لِفِسْقٍ اْوْ يُرَى مُتَّهَمَا 81 - يَرْقَى عَنِ الإِنْكَارِ بِالتَّعَدُّدِ ... بَلْ رُبَّمَا يَصِيرُ كَالَّذِي بُدِي (المرتضى) أي القول المرضي من الأقوال التي ذكرت (في حده) أي تعريف الحسن ما قاله شيخ الإسلام تقي الدين الشُّمُنِّيُّ - بضم الشين وتشديد النون - وهو (ما اتصلا) بألف الإطلاق، أي خبر متصل سنده بلا سقوط فيه بحيث يكون كل من رجاله سَمِعَ ذلك المرويَّ عن شيخه (بنقل عدل) أي مع عدالة الناقل بالمعنى السابق في الصَّحِيح، متعلق بما قبله (قل ضبطه) فعل وفاعل صفة لعدل، أي قليل الضبط صدراً أو كتابة، ولكنه

مرتفع عن حال من يعد تفرده منكراً (ولا شذ) أي وليس حديثاً شاذًّا (ولا علل) بالبناء للمفعول، أي وليس معللا بعلة قادحة، فخرج الصَّحِيح, والضَّعِيف. والجملة حال من ما. ثم ذكر أن الحسن مراتب كالصَّحِيح فقال: (وليرتب) بالبناء للمفعول أي الحسن (مراتبا) صرف للضرورة، فأعلى مراتبه كما قال الذهبي: بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابن إسحاق عن التيمي، وأمثالُ ذلك مما قيل فيه إنه صحيح، وهو من أدنى مراتب الصَّحِيح، ثم بعد ذلك ما اختلف في تحسينه وتضعيفه كحديث الحارث بن عبد الله، وعاصم بن ضمرة, وحجاج بن أرطأة، ونحوهم. ثم ذكر حكمه فقال: (والاحتجاج) بالنصب مفعول مقدم، أي جَعْلَ الحديثِ الحسنِ حجة في الأحكام وغيرها (يجتبي الفقهاء) أي يختاره الفقهاء، أي كلهم (وجل) أي معظم (أهل العلم) من المحدثين والأصوليين، فالحديث الحسن عندهم كالصَّحِيح في الحجية, وإن كان دونه في القوة، ولذا أدرجته طائفة كالحاكم وابن حبان وابن خزيمة في نوع الصَّحِيح مع اعترافهم أنه دونه، واحترز بقوله: وجُلُّ إلخ عن طائفة تمنع الاحتجاج به كأبي حاتم الرازي، ونسب أيضاً إلى البخاري، واختاره أبو بكر بن العربي في عارضته، وهذا النوع المُعَرَّفُ من الحسن هو المسمى بالحسن لذاته، وهو يرتقي إلى درجة الصَّحِيح بسبب تعدد طرقه, كما أشار إليه بقوله: (فإن أتى) الخبر الحسن الذي كان روايه قاصِراً عن درجة الحافظ الضابط مشهوراً بالصدق والستر (من طرق) بسكون الراء جمع طريق (أخرى) أي من جهة أخرى ولو واحدةً (يَنمِي) كيرمي مضارع نَمَىٍ بمعنى: ارتفع يقال نمى الحديث: ارتفع، ونميته مخففاً يستعمَل لازماً ومتعدياً، ونمَّيته بالتشديد إذا عزوته، أفاده في القاموس، والمناسب هنا اللزوم أي يرتفع من درجة الحسن (إلى) درجة (الصَّحِيح) لكن لما كان الصَّحِيح له قسمان صحيح لذاته وصحيح لغيره والحسن إنما يرتفع إلى الصَّحِيح لغيره بين ذلك بأي التفسيرية فقال: (أي لغيره) أي الصَّحِيح

لغيره، وهو تعدد الطرق، وإنما ارتفع لقوته بالمتابعة وزوال ما كنا نخشاه من جهة سوء الحفظ ومثاله: حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكن لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسن فلما انضم إلى ذلك كونه روى من أوجه أُخَرَ حكمنا بصحته، والمتابعةُ في هذا الحديث ليست لمحمد، عن أبي سلمة، بل لأبي سلمة عن أبي هريرة فقد رواه عنه أيضاً الأعرج وسعيد المقبري وأبوه وغيرهم. (كما يرقى) بسبب المتابعة (إلى) درجة ذي (الحسن) ويُسمَّى الحسن لغيره: الحديثُ (الذي قد وُسِمَا) بالبناء للمفعول وألف الإطلاق، أي عُلِّمَ (ضعفاً) بالضم والفتح أي بضعف منصوب بنزع الخافض أي شهر بكونه ضعيفا (لـ) أجل (سوء الحفظ) من راويه الصدوق فإذا جاء من وجه آخر زال ضعفه وعلمنا به أنه قد حفظه، ولم يختل ضبطه، فصار الحديث حسناً لغيره، كحديث الترمذي وحسنه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، أن امرأة من بني فزرة تزوجت على نعلين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجاز " قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة وأبي حدرد، فعاصم ضعيف لسوء حفظه وقد حسَّن له الترمذي هذا الحديث لمجيئه من غير وجه (أو) وُسِم بضعفه لأجل (إرسال) أي كان ضعفه لوجود إرسال في سنده، فإذا جاء من وجه آخر فإنه يزول ضعفه, ويكون حسناً لغيره: ومثاله يأتي في بحث المرسل. (أو) كان ضعفه لأجل (تدليس) من راويه: مثاله ماْ رواه الترمذي وحسنه من طريق هشيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب مرفوعاً " إن حقاً على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة، وليمس أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب " فهشيم موصوف بالتدليس لكن لما تابعه عند الترمذي أبو يَحْيَى التيمي، وكان للمتن شواهد من حديث أبي

سعيد الخدري وغيره حسنه، (أو) ضُعِّفَ لأجل (جهالة) رجال الإسناد، كما زاده الحافظ فإنه يزول ضعفه بتعدد طرقه، (إذا) ظرف ليرقى (رأوا) أي المحدثون (مجيئه) أي الحديث الذي وسم بالضعف لسبب من الأسباب المذكورة، (من جهة أخرى) متعلق بمجيء. وحاصل المعنى أن الحديث الذي عرف ضعفه لسوء حفظ راويه أو إرسَاله أو تدليسه أو جهالته يرتقي إلى درجة الحسن لغيره إذا جاء من جهة أخرى، ولو كان من وجه واحد, وهذا النوع هو المسمى بالحسن لغيره. فاتضح بذلك أن المقبول من الحديث ينقسم أربعة أقسام: صحيح لذاته، صحيح لغيره، حسن لذاته، حسن لغيره. ثم إن ما ذكر من أن الضَّعِيف يرتقي إلى درجة الحسن مشروط بعدم شدة ضعفه، وإلا فلا يرتقي إليه فلا يرتقي عن الإنكار، كما أشار إليه بقوله: (وما كان) أي الحديث الذي كان ضعفه (لفسق) في راويه (أو يرى) بالبناء للمجهول أي يظن راويه (متهماً) بالكذب (يَرقَى) خبر ما (عن الإنكار) أي كونه منكراً، أو لا أصل له (بالتعدد) متعلق بيرقى أي بسبب تعدد طرقه. وحاصل المعنى: أن ما كان ضعفه لفسق راويه, أو تهمته بكذب يرتقي عن كونه منكراً، ولا يرتقي إلى درجة الحسن لقوة ضعفه، وتقاعد هذا الجابر عن جبره، ومقاومته. ومثاله حديث: " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء "، وفي لفظ " بعثه الله فقيهاً عالماً " , قال النووي: اتفق الحفاظ على ضعفه, وإن كثرت طرقه لكن لو وجد بعد ذلك طريق آخر فيه ضعف قرب محتمل يرتقى إليه أيضاً كما أشار إليه بقوله: (بل ربما) كثرت الطرق حتى أوصلته إلى درجة المستور، والسيئ الحفظ بحيث إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل (يصير) بمجموع ذلك (كَالَّذِي بُدِي) أي كالحسن الذي بدئ به الباب، لكن يسمى أيضاً حسناً لغيره، وها هنا اعتراض للعلامة أحمد محمد شاكر على الناظم في تعليقه فانظره.

(تَتِمَّة): قوله وليرتّب مراتباً وقوله أو إرسال أو تدليس أو جهالة وقوله يرتقي عن الإنكار من زياداته. ثم ذكر رحمه الله مظان الحسن فقال: 82 - وَالْكُتُبُ الأَرْبَعُ ثَمَّتَ السُّنَنْ ... لِلدَّارَقُطْنِيْ مِنْ مَظِنَّاتِ الحَسَنْ (والكتب الأربع) التي هي السنن الأربع للأئمة الأربعة: أبي داود, والترمذي، والنسائي وابن ماجه. (ثُمَّتَ) بمعنى الواو لأنه لا ترتيب يراد هنا بل المراد كونها مظان الحسن، ويحتمل أن يراد الترتيب أيضاً بالنسبة إلى كثرة الحسن في الكتب الأربع وقلته في الدارقطني (السنن) بالضم جمع سنة، وهي الطريقة. وسيأتي تفسيرها اصطلاحاً (لـ) لإمام شيخ الإسلام حافظ الزمان، أبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي (الدارقطني) بفتح الراء وضم القاف وسكون الطاء نسبة إلى دارقطن محلة ببغداد كبيرة, ولد رحمه الله سنة ست وثلاثمائة، سمع عن البغوي وابن أبي داود، وابن صاعد، وخلائق، وحدث عنه الحاكم وأبو حامد الإسفرايني، وتَمَّام الرازي، وخلائق، كان أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماماً في القراءة والنحو، ونسب إلى التشيع. قال الذهبي: ما أبعده من التشيع، توفي ثامن ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة عن تسع وسبعين سنة. (من مظنات الحسن) جار ومجرور خبر المبتدإ، جمع مظنة بكسر الظاء فيهما, وهي مَفْعِلة من الظن، قال المطرزي: المظنة العِلمُ من ظن: بمعنى علم, وقال في المصباح: وقد يستعمل الظن بمعنى اليقين ومنه المظنة بكسر الظاء للمَعْلَم، وهو حيث يعلم الشيء أفاده الصنعاني. وحاصل المعنى: أن هذه الكتب من مواضع وجود الحديث الحسن ومعادنه. (تَتِمَّة): هذا البيت من زياداته.

ولما بين أن الكتب الأربع من مظان الحسن شرع يبين شروطهم فيها على الترتيب مقدماً أبا داود لأن شرطه أشد من شروط غيره على ما قيل: فقال: 83 - قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ كِتَابِهْ ... ذَكَرْتُ مَا صَحَّ وَمَا يُشَابِهْ 84 - وَمَا بِهِ وَهْنٌ أَقُلْ وَحَيْثُ لا ... فَصَالِحٌ، فَابْنُ الصَّلاحِ جَعَلا 85 - مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ وَلا صَحَّ حَسَنْ ... لَدَيْهِ مَعْ جَوَازِ أَنَّهُ وَهَنْ (قال) الإمام الحافظ الحجة (أبو داود) سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني، ولد سنة اثنتين ومائتين، سمع أبا عمر الضرير، ومسلم بن ابراهيم، والقعنبي، وعبد الله بن رجاء، وأبا داود الطيالسي، وخلقاً كثيراً وحدث عنه الترمذي، والنسائي, وكتب عنه شيخه أحمد بن حنبل حديث العتيرة، وأراه كتابه فاستحسنه, توفي بالبصرة في سادس عشر شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، عن ثلاث وسبعين سنة. (عن كتابه) أي مبيناً عن شأن كتابه السنن الشهير الذي قال هو عنه: كتبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث انتخبت منها هذا السنن فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، وقال زكريا الساجي: كتاب الله أصل الإسلام، وسنن أبي داود عهد الإسلام، وقال النووي: ينبغي للمشتغل بالفقه ولغيره الاعتناءُ به، وبمعرفته المعرفةَ التامةَ، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يُحتَجُّ بها فيه، مع سهولة تناوله، وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه، واعتنائه بتهذيبه اهـ. أي قال في ذكر شأن كتابه ما: معناه: (ذكرت) فيه (ما صح) أي الحديث الصَّحِيح (وما يشابه) أي يشابه الصَّحِيح، ونصه: كما قال السخاوي نقلًا عن تاريخ الخطيب البغدادي من طريق ابن داسة عنه ذكرت في كتابي الصَّحِيح وما يشبهه ويقاربه. قال السخاوي والواو هنا للتقسيم، أو لغيره من أنواع العطف المقتضي للمغايرة، ولا شك فيها هنا فما يشبه الشيء وما يقاربه ليس به، ولذا قيل: إن الذي يشبهه هو الحسن، والذي يقاربه الصالح، ولزم منه جعل الصالح قسماً

آخر اهـ. وقال أبو داود أيضاً: (وما) أي الحديث الذي (به) أي فيه (وهن) بالفتح كالوعد، أي ضُعْفٌ شديد، فالتنوين للتعظيم. (أقل) أي أُبَيِّنُ وَهْنَهُ، وجزمه للضرورة، والجملة خبر ما (وحيث لا) أذكر فيه شيئاً فهو (صالح) للاحتجاج به، كما قال العراقي، أو صالح للأعم من ذلك كما ذكره الحافظ احتمالاً. وحاصل ما ذكره أبو داود عن كتابه أنه يقول ذكرت في كتابي الصَّحِيح وما يشبهه وما يقاربه، وإذا كان فيه حديث فيه ضعف شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح. (تنبيه): قال الحافظ السخاوي: وتردد شيخي - يعني الحافظ ابن حجر - في محل هذا البيان أهو عقيب كل حديث على حدة، ولو تكرر ذلك الإسناد بعينه، أو يكتفي بالكلام على وهن إسناد مثلا، فإذا عاد لم يبينه اكتفاء بما تقدم، ويكون كأنه قد بينه؟ وقال: هذا الثاني أقرب عندي, قال السخاوي. على أنه لا مانع من أن يكون سكوته هنا لوجود متابع أو شاهد. قال شيخنا: وقد يقع البيان في بعض النسخ دون بعض، ولا سيما رواية أبي الحسن ابن العبد، فإن فيها من كلام أبي داود شيئاً زائداً على رواية اللؤلؤي اهـ. وكذا قال ابن كثير وزاد قوله: ولأبي عبيد الآجري أسئلة عن أبي داود في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه. اهـ باختصار. فعلى هذا يتعين ملاحظة ما وقع في غيرها مصرحاً به بالضعف الشديد مما سكت عليه في السنن لا مطلق الضعف وكذا ينبغي عدم المبادرة لنسبة السكوت إلا بعد جمع الروايات واعتماد ما اتفقت عليه لما تقدم. أفاده السخاوي في فتح المغيث. (فا) لإمام أبو عَمْرو (بن الصلاح) رحمه الله (جعلا) بألف الإطلاق (ما) أي الحديث الذي (لم يضعفه) أبو داود في سننه (ولا صح) عند غيره من المعتمدين الذين يميزون بين الصَّحِيح والحسن (حسن) مفعول ثان لجعل, وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة (لديه) أي عند أبي داود (مع) بسكون

العين لغة في فتحها (جواز) أي احتمال (أنه) أي ما سكت هو عليه (وهن) بفتح الواو والهاء، يحتمل أن يكون مصدراً أي ذو وهن وأن يكون فعلاً ماضياً، يقال: وهن كوَعَدَ وَوَرِثَ وكَرُمَ وَوَجِلَ في العمل. وَهْنَاً بفتح فسكون ويحرك ضعف، أفاده في " ق " وشرحه، أي مع احتمال ضعفه عند غيره، ونص عبارة ابن الصلاح بعد ذكر ما قاله أبو داود: فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكوراً مطلقا وليس في أحد الصَّحِيحين ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصَّحِيح والحسن عرفناه بأنه من الحسن عند أبي داود وقد يكون في ذلك ما ليس بحسنٍ عند غيره ولا مندرجٍ فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق إلى آخر كلامه. (تَتِمَّة): قوله: مع جواز أنه وهن، من زياداته. ولما اعترض على ابن الصلاح الحافظ أبو بكر بن رشيد (¬1) في قوله هذا قائلًا: ليس يلزم من ذلك كونه حسناً عند أبي داود إذ يكون صحيحاً عنده، واستحسنه أبو الفتح اليعمري أشار الناظم إليه مع الجواب عنه بقوله: 86 - فَإِنْ يَقُلْ: قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ لَهْ ... قُلْنَا: احْتِيَاطًا حَسَنًا قَدْ جَعَلَهْ (فإن يقل) بالبناء للمفعول، أي فإن قال قائل معترضاً على ابن الصلاح كما أبداه ابن رُشيد المذكور (قد يبلغ) ما سكت عنه أبو داود (الصحة له) أي لأبي داود أي عنده، وإن لم يكن صحيحاً عند غيره فكيف يقتصر ابن الصلاح على الحكم بحسنه فقط (قلنا) جواباً عن اعتراف (احتياطاً) أي لأجل احتياطه (حسناً قد جَعَله) ابن الصلاح إذ الصالح للاحتجاج لا يخرج عن الصَّحِيح والحسن، ولا يرتقي إلى الصحة إلا بنص وحينئذ فالاحتياط الاقتصار على الحسن. وحاصل الجواب: أن ابن الصلاح إنما ذكر ما نعرف به الحديث الذي سكت عنه أبو داود، لأنه يحتمل أن يكون صحيحاً، وأن يكون حسناً ¬

_ (¬1) هو العلامة محمد بن عمر بن محمد المعروف بابن رُشَيد مصغراً (657 - 721).

عنده، كما يحتمل أن يكون ضعيفاً عند غيره فالأولى أن يحمل على أنه حسن عنده، ولا يرتقي إِلى درجة الصحة، وإن جاز أن يبلغها، لأنه الأحوط. ولما اعترض عليه أيضاً ابن سيد النَّاس (¬1) بأمر آخر أشار إليه مع الجواب عنه بقوله: 87 - فَإِنْ يَقُلْ: فَمُسْلِمٌ يَقُولُ: لا ... يَجْمَعُ جُمْلَةَ الصَّحِيحِ النُّبَلا 88 - فَاحْتَاجَ أَنْ يَنْزِلَ لِلْمُصَدَّقِ ... وَإِنْ يَكُنْ فِي حِفْظِهِ لا يَرْتَقِي 89 - هَلاَّ قَضَى فِي الطَّبَقَاتِ الثَّانِيَهْ ... بِالحُسْنِ مِثْلَ مَاقَضَى فِي المَاضِيَهْ 90 - أَجِبْ بِأَنَّ مُسْلِمًا فِيهِ شَرَطْ ... مَاصَحًّ فَامْنَعْ أَنْ لِذِي الحُسْنِ يُحَطْ (فإن يقل) بالبناء للمفعول أيضاً أي إن قال قائل معترضاً عليه كما أبداه ابن سيد النَّاس اليعمري (فمسلم) صاحب الصَّحِيح (يقول) في مقدمة صحيحه ما معناه: (لا يجمع جملة) الحديث (الصَّحِيح) أي كل ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (النبلا) بضم ففتح جمع نبيل من النُّبْل بالضم وهو الذكاء والنجابة كما في القاموس، أي الأئمة الأذكياء الذين بلغوا الغاية في الحفظ والإتقان، كمالكٍ وشعبة والسفيانين. (فاحتاج) الإمام مسلم (أن ينزل) أي إلى النزول (لْمُصَدَّقِ) بفتح الدال أي لتخريج أحاديث الرجل المنسوب إلى الصدق، كليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وغيرهم لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق (وإن يكن) ذلك المُصَدَّق (في حفظه) وإتقانه للحديث متعلق بقوله: (لا يرتقي) إلى درجة أولئك النبلاء، وحاصل معنى البيتين أن الإمام مسلماً رحمه الله ذكر في مقدمة صحيحه ما معناه أنه لما كان النبلاء المتقنون لا يستوعبون كل الأحاديث الصحاح مع أنه يريد الاستكثار من الصَّحِيح ولا يبلغ ذلك ما أراده اقتضى ذلك أن ينزل ¬

_ (¬1) هو العلامة محمد بن محمد بن محمد بن أحمد أبو الفتح اليعمري الأندلسي الشافعي القاهري المتوفى سنة 734 عن 63 سنة.

إلى ذكر أحاديث رجال ليسوا في الإتقان مثل الأولين وإن كان اسم العدالة والصدق يشملهم فقال المعترض: (هلا قضى) ابن الصلاح (في) بمعنى على أي على أحاديث (الطبقات الثانية) وهي التي لا ترتقي في الحفظ إلى درجة النبلاء (بالحسن) متعلق بقضى (مثل ما قضى) ما مصدرية. أو موصولة أي مثل قضائه أو الذي قضاه (في الماضية) أي على الحالة الماضية وهي التي سكت عنها أبو داود. وحاصل كلام المعترض أن عمل أبي داود شبيه بعمل مسلم فهلا ألزم الشيخ ابن الصلاح مسلماً من ذلك ما ألزمه أبا داود لاتحاد معنى كلامهما فأجاب عنه الناظم وفاقاً للحافظ العراقي، فقال: (أجب) أيها المحدث الطالب للتخلص من المعضلات وحَلِّ ما حَلَّ من المشكلات (بأن مسلماً) رحمه الله (فيه) أي في كتابه متعلق بقوله (شرط) أي التزم تخريج (ما صح) من الحديث (فامنع) أيها النحرير، الطالب للتحرير (أن) بالفتح مصدرية (لذي الحسن) أي لدرجة حديث صاحب الحسن متعلق بقوله (يحط) بالبناء للمفعول، من الحط يقال: حط الرَّجُلَ وغيره من باب قتل أنزله من علو إلى سفل، كما في المصباح، وأن وصلتها في تأويل المصدر مفعول امنع أي امنع حَطَّ حديثه إلى درجة الحديث الحسن، لقصوره عن الصَّحِيح، وهو شَرَطَ أن لا يخرج إلا الصَّحِيح، بخلاف أبي داود فإنه لم يشترط ذلك فصح حمل كلامه عليه. وحاصل الجواب أن مسلماً التزم في كتابه تخريج الصَّحِيح فقط، فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه أنه حسن عنده لقصور الحسن عن الصَّحِيح، بخلاف أبي داود فإنه لم يلتزم ذلك وقال: ما سَكَتُّ عنه فهو صالح، والصالح يجوز أن يكون صحيحاً، وأن يكون حسناً عند من يرى الحسن مرتبة متوسطة بين الصَّحِيح والضَّعِيف، ولم ينقل لنا عنه أنه يقول بذلك، أو يرى ما ليس بضعيف صحيحاً، فكان الأولى بل الصواب أن لا

يرتفع ما سكت عنه إلى الصحة حتى يُعلَم أن رأيه هو الثاني، ويحتاج إلى نقل. أفاده العراقي. (تَتِمَّة): هذا البيت من زياداته ثم ذكر اعتراضاً وَارِداً على الإمام البغوي في كتابه مصابيح السنة، والجواب عنه فقال: 91 - فِإِنْ يُقَلْ: فِي السُّنَنِ الصِّحَاحُ مَعْ ... ضَعِيفِهَا وَالبَغَوِيُّ قَدْ جَمَعْ 92 - مَصَابِحًا وَجَعَلَ الحِسَانَ مَا ... فِي سُنَنٍ قُلْنَا: اصْطِلاحٌ يُنْتَمَى (فإن يقل) بالبناء للمجهول أي قال قائل اعتراضاً على صنع البغوي (في السنن) الأربع وأشباهها (الصحاح) بكسر الصاد جمع صحيح أي الأحاديث الصَّحِيحة وكذا الحسان (مع ضعيفها) أي الأحاديثِ بل وفيها المنكر أيضاً (والبغوي) هو الحافظ محيي السنة الفقيه المجتهد أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفَرَّاء، نسبة إلى صنعة أبيه لأنه كان يعمل الفِرَاءَ ويبيعها، توفي البغوي بمدينة مرو الروذ، في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة. والبغوي نسبة إلى بلد من بلاد خُرَاسان بين مرو وهراة، يقال له بغاوبغشور قاله في اللباب. (قد جمع) كتاباً في الحديث سماه (مصابحاً) بحذف الياء تخفيفاً لأنه جمع مصباح وهو السراج، واسمُ الكتاب الكاملُ مصابيح السنة (و) قَسَّمَ أحاديثه إلى صحاح وحسان (فجعل) الصحاح ما في الصَّحِيحين أو أحدهما، وجعل (الحسان ما) أي الأحاديث التي (في سنن) لأبي داود والترمذي وأشباههما، فاعْتُرِضَ عليه في ذلك، قال ابن الصلاح هذا اصطلاح لا يعرف، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك، وقال النووي إنه ليس بصواب لما تقرر من اشتمال السنن على الصَّحِيح والحسن والضَّعِيف والمنكر، قال الناظم تبعاً لغيره في الجواب (قلنا) مجيبين عن هذا الاعتراض إن هذا (اصْطِلاحٌ يُنْتَمَى) بالبناء للمفعول أي ينسب إليه خاصة في هذا الكتاب، قال التاج التبْريزي ولا أزال أتعجب من الشيخين يعني ابن الصلاح والنووي في اعتراضهما على البغوي، مع

أن المقرر أنه لا مُشَاحَّة في الاصطلاح، قال الناظم وكذا مشى عليه علماء العجم آخرهم شيخنا العلامة الكافيجي في مختصره. اهـ, وما اعترض به العلامة أحمد بن محمد شاكر بضعف هذا الجواب أجبت عنه في الشرح فانظره. (تَتِمَّة): هذا الشطر من زياداته. ثم أعاد الكلام على السنن فقال: 93 - يَرْوِي أَبُو دَاوُدَ أَقْوَى مَا وَجَدْ ... ثُمَّ الضَّعِيفَ حَيْثُ غَيْرَهُ فَقَدْ (يروي أبو داود) في سننه (أقوى ما وجد) بالبناء للفاعل أي أصح ما وجب قبوله من الأحاديث إذا وجده (ثم) يروي (الضَّعِيف) منها من قِبَلِ سوء حفظ راويه ونحو ذلك كالمجهول عيناً أو حالا، لا مطلق الضَّعِيف الذي يشمل ما كان راويه متهماً بالكذب أفاده السخاوي. (حيث غيره) أي الضَّعِيفِ (فقد) أي حيث لم يجد الأقوى المذكور. وحاصل معنى البيت أن أبا داود يروي في سننه أقوى الأحاديث ثم إذا لم يجده في الباب يخرج الحديث الضَّعِيف لأنه عنده أقوى وأحب من آراء الرجال وهو تابع في ذلك شيخه أحمد بن حنبل ولنعم ما قيل: [من الوافر] إذا جَالَتْ خُيولُ الَّنصِّ يَوْماً ... تُجَارِي فِي مَيَادِيِن الْكِفَاحِ (¬1) غَدَتْ شُبَهُ الْقِيَاسِيِّينَ صَرْعَى ... تَطِيرُ رُؤُسهُنَّ مَعَ الرِّيَاحِ ثم ذكر شرط النسائي فقال: 94 - وَالنَّسَئِي مَنْ لَمْ يَكُونُوا اتَّفَقُوا ... تَرْكًا لَهُ وَالآخِرُونَ ألْحَقُوا 95 - بِالْخَمْسَةِ ابْنَ مَاجَةٍ، قِيلَ: وَمَنْ ... مَازَ بِهِمْ فَإِنَّ فِيهِمُو وَهَنْ (و) الإمام الحافظ الحجة أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني (النسئي) بتخفيف الياء للوزن نسبة إلى نسأ ¬

_ (¬1) الكفاح: المضاربة والمراد محل الحرب.

كجبل مهموز كما صرح به الأسنوي وابن خَلِّكَان والسبكي وهي بلدة بخراسان أفاده المرتضى في التاج في مادة نساء وعلى هذا نظم بعضهم فقال: وَالنَّسَئِى نِسَبَة لِنَسَأٍ ... مَدِينَةٌ فِي اْلوَزْنِ مِثْلُ سَبَأٍ وقال في اللباب: النسائي بفتح النون والسين وبعد الألف همزة وياء النسب هذه النسبة إلى مدينة بخراسان يقال لها: نسا وينسب إليها نسوي اهـ. وقال في معجم البلدان: كان سبب تسميتها بهذا الإسم أن المسلمين لما وردوا خراسان قصدوها فبلغ ذلك أهلها فهربوا ولم يتخلف بها غير النساء فلما أتاها المسلمون لم يروا بها رجلاً فقالوا هؤلاء نساء والنساء لا يقاتلن فننسا أمرها الآن إلى أن يعود رجالهن، فتركوها ومضوا فسموها بذلك نساء والنسبة الصَّحِيحة إليها نسائي، وقيل نسوي أيضاً، وكان من الواجب كسر النون اهـ، قلت والموافق للوزن ما في التاج وكذا النسوي أيضاً، ولد رحمه الله سنة خمس عشرة ومائتين وكان إماماً حافظاً ثبتا خرج من مصر في شهر ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة، وتوفي بفلسطين يوم الإثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة ودفن بالرمْلَة وفي سبب موته قصة مشهورة. كان رحمه الله لا يقتصر في التخريج على المتفق على قبولهم بل يخرج حديث (من لم يكونوا) أي أئمة الحديث (اتفقوا تركا له) منصوب بنزع الخافض واللام زائدة أي على تركه، وحاصل المعنى أن الإمام النسائي يخرج أحاديث من لم يُجْمَع على تركه ومعنى ذلك كما قال الحافظ أنه يريد اجماعاً خاصاً وذلك أن كل طبقة من طبقات الرجال لا تخلو عن متشدد ومتوسط، فمن الأولى شعبة وسفيان الثَّوري، وشعبة أشد من الثَّوري، ومن الثانية يَحْيَى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، وَيَحْيَى أشد من عبد الرحمن ومن الثالثة يَحْيَى بن معين وأحمد بن حنبل، وَيَحْيَى أشد من

أحمد، ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من البخاري، فقال النسائي لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه، زاد السخاوي فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه القطان مثلاً فإنه لا يترك لما عرف من تشدد يَحْيَى ومَنْ هُو مثله في النقد اهـ, فظهر بهذا أن ما يتبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي يجتنب النسائي إخراج حديثه، قاله الحافظ وزاد السخاوي بل تجنب النسائي إخراج حديث جماعة من رجال الشيخين، حتى قال بعض الحفاظ إن شرطه في الرجال أشد من شرطهما اهـ. ثم ذكر الأصل السادس المزيد على الخمسة، فقال: (والآخرون) بكسر الخاء أي المحدثون المتأخرون عن زمان من جعل الأصول خمسة، ويحتمل أن يكون بفتح الخاء أي المحدثون غيرُ من عَدَّ الأصول خمسة، وهو مبتدأ خبره جملة (ألحقوا) بالأصول (الخمسة) الصَّحِيحين وأبي داود والترمذي والنسائي (وابن ماجه) مفعول ألحقوا، بسكون الهاء وصلاً ووقفاً ونونه هنا للضرورة، أي سُنَنَ الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجهْ القزويني الرَّبَعِيِّ صاحب السنن والتفسير والتاريخ، ولد سنة تسع ومائتين، وتوفي لثمان بقين من رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين، عن أربع وستين سنة، وأول من ألحقه بها أبو الفضل محمد بن طاهر حيث أدرجه معها في الأطراف، وكذا في شروط الأئمة الستة ثم الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال في أسماء الرجال، وسبب تقديم هؤلاء له على الموطأ كثرةُ زوائده على الخمسة بخلاف الموطأ. ثم ذكر حكم من تفرد بهم ابن ماجه فقال: (قيل: ومن ماز بهم) أي الرواة الذين امتاز بهم ابنُ ماجه عن غيره, أي انفرد بإخراج أحاديثهم (فإن فيهمو وهن) بفتحتين أي ضَعْفاً، وهو اسم إن مؤخراً وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة، ويحتمل أن تكون إِن عملت في ضمير شأن محذوف تفسره الجملة بعده، والمعنى أن من انفرد بهم ابن ماجه من الرواة فهم ضعفاءُ ولذا جرى كثير من القدماء على إضافة الموطأ أو غيره إلى الخمسة. ثم ذكر تساهل من أطلق على السنن الصحة، فقال:

96 - تَساهَلَ الَّذِي عَلَيْهَا أَطْلَقَا ... صَحِيحَةً وَالدَّارِمِيْ وَالْمُنْتَقَى (تساهل الذي) أي المحدث الذي (عليها) أي السنن كلها، أو بعضها وجعل الشارح الضمير لابن ماجه، وليس كذلك لأنه ما أطلق عليها بانفرادها أحد أنها صحيحة (أطلقا) بألف الإطلاق (صحيحة) أي هذه الصيغة، كالحاكم والخطيب، حيث أطلقا الصحة على الترمذي، وابن السكن على كتاب أبي داود والنسائي، والحاكم على أبي داود، وجماعة منهم أبو علي النيسابوري وأبو أحمد بن مهدي، والدارقطني، والخطيب، على كتاب النسائي حتى شذ بعض المغاربة ففضله على كتاب البخاري، بل ذكر أبو طاهر السلفي اتفاق علماء المشرق والمغرب على صحة الكتب الخمسة، فكل هذا تساهل صريح، لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفاً، أو منكراً ونحو ذلك من أوصاف الضعف، (و) كذا تساهل من أطلق اسم الصحة على كتاب الحافظ أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطنٍ كبيرٍ من تميم، ولد سنة إحدى وثمانين ومائة، ومات يوم التروية ودفن يوم عرفة سنة خمس وخمسين ومائتين، له مسند كبير ثلاثياته أكثر من ثلاثيات البخاري وفيه من المقطوع، والمعضل، والمنقطع، والمرسل، قال الحافظ: ليس دون السنن في الرتبة، بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه، فإنه أمثل منه بكثير، وبالغ بعضهم فسماه صحيحاً، ولم أر له سلفاً في تسميته، وأما تسميته بالمسند: فلكون أحاديثه مسندة، أي في الغالب، وهو مرتب على الأبواب اهـ. (و) كذا تساهل من أطلق اسم الصَّحِيح على كتاب الإمام الحافظ أبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري المجاور بمكة، كان من العلماء المتقنين المجودين، توفي سنة سبع وثلاثمائة المسمى (بالمنتقى) في الأحكام، قال الكتاني في الرسالة المستطرفة هو كالمستخرج على صحيح ابن خزيمة في مجلد لطيف، وأحاديثه تبلغ نحو الثمانمائة وتتبعت فلم ينفرد عن الشيخين منها إلا بيسير، وله شرح يسمى بالمرتقى في شرح المنتقى، لأبي عمرو الأندلسي اهـ.

ويحتمل عطف قوله والدارمي والمنتقى على قوله ابن ماجه، أي ألحق بعض المتأخرين بالأصول الخمسة مسند الدارمي، والمنتقى، وهو الذي ذكره الشارح الترمسي لكن الأول أوضح. (فائدة): قال العلامة السخاوي: ما حاصله: كتاب النسائي أقلها بعد الصَّحِيحين حديثا ضعيفاً، ولذا قال ابن رُشَيد إنه أبدعُ الكتب المصنفة في السنن تصنيفاً، وأحسنها ترصيفاً، وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم، مع حظ كثير من بيان العلل، بل قال بعض المكيين من شيوخ ابن الأحمر إنه أشرف المصنفات كُلِّها، وما وضع في الإسلام مثله. ويقاربه كتاب أبي داود، بل قال الخطابي إنه لم يصنف في علم الدين مثله، وهو أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من الصَّحِيحين ويقاربه كتاب الترمذي، بل كان أبو إسماعيل الهروي، يقول هو عندي أنفع من كتابي البخاري ومسلم، لأنهما لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، وهو يصل إلى الفائدة منه كل أحد من الناس. وأما سنن ابن ماجه فإنه تفرد بأحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقةِ الأحاديث مما حُكمَ عليها بالبطلان، أو السقوطِ أو النكارة اهـ، كلام السخاوي. ولما أنهى الكلام على السنن شرع يبين درجة المسانيد فقال: 97 - وَدُونَهَا مَسَانِدٌ وَالْمُعْتَلِيْ ... مِنْهَا الَّذِي لأَِحْمَدٍ وَالحَنْظَلِيْ (ودونها) أي الأصول الخمسة وما ألحق بها في الرتبة، أي الصحة كما قال العراقي، أو رتبة الاحتجاج الذي هو أصل بقية الْمُبَوِّبِينَ كما قاله السخاوي. (مساند) جمع مسند لأن مُفْعَلا يجمع على مفاعل، قال الصنعاني: والمعروف في التصريف جمع مُفْعَل على مفاعل ولكن شاع جمعه مع الياء اهـ. قلت: لكن في القاموس قال: المسند من الحديث ما أسند إلى قائله جمعه مساند ومسانيد اهـ.

فأفاد أنه يجمع بلا ياء أيضاً، وصرف للوزن، وسيأتي تفسيره، وإنما كانت دون السنن لأن شأن المسند أن يذكر فيه ما ورد عن ذلك الصحابي جميعُه، فيجمع الضَّعِيف وغيره، بخلافها، فإن مصنفيها لا يوردون إلا ما يصلح للاحتجاج به من الحديث المقبول. ولكن قال الحافظ السخاوي ما حاصله: اعترض بعضهم على ابن الصلاح في تفضيل السنن على مسند أحمد الذي هو أكثر هذه المسانيد مطلقاً، وأحسنها سياقاً، متمسكاً بكونه لم يدخل فيه إلا ما يحتج به، كما دل عليه عدم استيعاب ما عنده من أحاديث الصحابة فيه، وإنما انتقاه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث إلى أن قال: وبالجملة فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من السنن لا سيما ابن ماجه، ومصنف ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، مما الأمر فيه أشد، أو بحديث من المسانيد واحدٌ (¬1) إذ جميع ذلك لم يشتَرِط من جمعَهُ الصحةَ ولا الحسنَ خاصة. وهذا المحتج إن كان متأهلاً لمعرفة الصَّحِيح من غيره فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال سنده وحال رواته، كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المساند حتى يحيط علماً بذلك، وإن كان غير متأهل لذلك فسبيله أن ينظر في كتب الحديث فإن وجد أحداً من الأئمة صححه، أو حسنه، فله أن يقلده، وإن لم يجد ذلك فلا يُقْدِمْ على الاحتجاج به، فيكونَ كحاطب ليل، فلعله يحتج بالباطل، وهو لا يشعر اهـ. ثم إن المسانيد كثيرة: كمسند أبي داود الطيالسي، ومسند أحمد بن حنبل، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي بكر البزار، وأبي القاسم البغوي، وغيرهم، ومِنْ أوسعها مسندُ بَقِيِّ - بوزن علي - بن مخلد، ومسند الحافظ الحسن بن محمد الماسَرْجِسِي، قال الذهبي فرغ منه مهذباً معللًا في ثلاثة آلاف جزء، وهذه المسانيد هي التي يذكر فيها طرق الأحاديث، وما لها من المتابعات والشواهد التي اختصرها أهل الصحاح، تسهيلًا للطالبين، وهي ¬

_ (¬1) خبر سبيل.

متفاوتة الرتبة كما أشار إليه بقوله: (والمعتلي) مبتدأ، أي المسند العالي رتبةً (منها) من تلك المسانيد، متعلق بما قبله (الذي) خبر المبتدإ، أي المسند الذي للإمام الحجة أبي عبد الله (أحمد) صرف للضرورة ابن محمد بن حنبل الشيباني، تقدمت ترجمته ومسنده هذا قال الهيثمي: أصَحُّ صحيحاً من غيره، وقال ابن كثير: لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند في كثرته، وحسن سياقاته، وقد فاته أحاديث كثيرة جداً، بل قيل: إنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصَّحِيحين قريباً من مائتين، وقال الحسيني في كتابه التذكرة في رجال العشرة: عدة أحاديث المسند أربعون ألفاً بالمكرر، وألف الحافظ في الذب عن الأحاديث التي زعم بعض أهل الحديث أنها موضوعة، وعدتها أربعة وعشرون حديثاً، كتاباً سماه القول المسدد، في الذب عن المسند، وذيل الناظم ما فاته من الأحاديث المذكورة بجزء سماه الذيل الممهد، مع الذب عنها، وعدتها أربعة عشر حديثاً، وقال الحافظ في تعجيل المنفعة في رجال الأربعة: ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة، منها حديث " عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة زحفاً " قال والاعتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهواً، أو ضرب وكُتِبَ من تحت الضرب. (و) المسند الذي للحافظ الحجة أبي يعقوب إِسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطرف المعروف بابن راهويه التميمي. (الحَنظلي) المروزي النيسابوري نزيلها وعالمها، ولد سنة إحدى وستين ومائة، وتوفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين, عن سبع وسبعين سنة، أملى المسند والتفسير من حفظه، ما كان يحدث إلا من حفظه، وكان يحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلب، ومسنده هذا في ست مجلدات. قال أبو زرعة: يخرج فيه أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي, وسئل لم قيل له ابن راهويه فقال إن أبي ولد في الطريق، فقالت المراوزة راهويه، يعني أنه ولد في الطريق. (خاتمة): لما ذكر الناظم هنا السنن والمسانيد، أحببت أن أُبَيِّنَ

معناهما مع بقية ما اصطلحوا عليه من الجوامع والأجزاء والأطراف والمعاجم، فقلت: فمنها الجامع، وهو في اصطلاحهم ما يوجد فيه جميع أقسام الحديث المجموعة في قولي: ألْجَامِعُ الَّذِي حَوَى مَنَاقِبَا ... وَسِيَراً وَفِتَناً وَأدَبَا تَفْسِيراً الشرُوطَ وَالْعَقَائِدَا ... وَالثَّامِنُ الأحْكَامُ خُذْنِلْتَ الْهُدَى ومنها السنن، وهي الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية، وليس فيها شيء من الموقوفات، لأن الموقوف لا يسمى عندهم سنة، ويُسمَّى حديثاً أفاده الكتابي. ومنها المسانيد، وهي ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة رضي الله عنهم بحيث يوافق حروف الهجاء، أو يوافق السوابق الإسلامية, أو يوافق شَرَافَةَ النسب. ومنها المعاجم، وهي ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الشيوخ سواء يعتبر تقدم وفاة الشيخ، أو توافق حروف التهجي، أو الفضيلة، أو التقدم في العلم والتقوى، ولكن الغالب هو الترتيب على حروف الهجاء، ومن هذا القسم المعاجم الثلاثة للطبراني. ومنها الأجزاء، وهو تأليف الأحاديث المروية عن رجل واحد سواء كان صحابياً، كجزء حديث أبي بكر، أو غَيرَهُ كجزء حديث مالك، وقد يختارون مطلباً من المطالب الثمانية المذكورة في صفة الجامع، كما صنف أبو بكر بن أبي الدنيا في باب: النية، وذم الدنيا، والآجريُّ في باب رؤية الله. ومنها المستخرجات، وقد مر تفسيرها في النظم. ومنها المستدركات، وهي كتب استُدرِك فيها ما فات من كتاب آخر على شريطته كمستدرك الحاكم.

ومنها العِلَلُ: وهي الكتب التي تجمع فيها الأحاديث المعلولة مع بيان عللها كعلل الدارقطني. ومنها كتب الأطراف، وهي التي يذكر فيها طرف الحديث الدالِّ على بقيته، ويجمع أسانيده إما مستوعباً، أو مقيداً بكتب مخصوصة، وتمام البحث في مقدمة تحفة الأحوذي والرسالة المستطرفة للكتاني.

(مسألة)

(مسألة) أي هذا مبحثها، في الكلام على الجمع بين صحيح وحسن في كلام الترمذي في حديث واحد وعلى ألفاظ مستعملة في المقبول. 98 - الحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالحُسْنِ عَلَى ... مَتْنٍ رَواهُ التِّرْمِذِيْ، وَاسْتَشْكَلا (الحكم) مبتدأ خبره، قوله على متن إلخ (بالصحة) متعلق به، وكذا الغرابة، وإنما لم يذكرها مع أنها واقعة أيضاً في كلامه حيث يقول: هذا حديث حسن صحيح غريب لأنها لا تنافي الصحة والحسن. (على متن) خبر المبتدإ أي كائن على متن إلخ. (رواه الترمذي) الجملة صفة لمتن (و) لكن هذا الاستعمال (استشكلا) فعل ونائب فاعل والألف للإطلاق. ومعنى البيت: أن الحكم بالصحة والحسن واقع في كلام الإمام الترمذي في جامعه في حديث واحد، حيث لقول: هذا حديث حسن صحيح، وكذا وقع في كلام غيره كعلي بن المديني، ويعقوب بن شيبة، وأبي علي الطوسي، والبخاري، وإنما خص بالذكر لأنه أكثر استعمال ذلك، ولكن هذا الاستعمال مسششكل قديماً وحديثاً، لأن الحَسَنَ قاصر عن حد الصَّحِيح، كما قدمناه فلا يمكن الجمع بين إثبات القصور ونفيه في حديث واحد، وقد اجتهد النّظَّار في الجواب عنه، وذكر كل أنه أجود ما عنده، ثم تعقبه من جاء بعده كما أشار إلى الأول بقوله:

99 - فَقِيلَ: يعْنِي اللُّغَوِي وَيَلْزَمُ ... وَصْفُ الضَّعِيفِ وَهْوَ نُكْرٌ لَهُمُ (فقيل) في الجواب عنه (يعني) أي يريد بالحَسَن معناه (اللغوي) وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، وهذا القول للإمام ابن الصلاح. وحاصله أنه غير مستنكر أن بعض من قال ذلك عَنَى معناه اللغوي، وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده. (ويلزم) على هذا الجواب (وصف) الحديث (الضَّعِيف)، بل والموضوع إذا كان حَسَنَ اللفظ بأنه حسن. (وهو) أي الوصف المذكور (نُكْرٌ لَهُمُ) أَي منكر عند المحدثين، وهذا الرد لابن دقيق العيد. وحاصله أنه يلزم وصف الحديث الضَّعِيف والموضوع بالحسن إذا كان اللفظ حسناً وهذا لا يقوله أحد من المحدثين، إذا جروا على اصطلاحهم، لكن اعترض الحافظ على ابن دقيق العيد بأن هذا الإلزام عجيب لأنَّ ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يجتمع الوصفان الصحة والحسن فحكمه بالصحة يمنع كونه موضوعا، وأشار إلى الثاني بقوله: 100 - وَقِيلَ: بِاعْتِبَارِ تَعْدَادِ السَّنَدْ ... وَفِيهِ شَيْءٌ حَيْثُ وَصْفُ مَا انْفَرَدْ (وقيل) في الجواب أيضاً وهو لابن الصلاح أيضاً وتبعه النووي (باعتبار تعداد السَّند) أي الوصفُ بهذين الوصفين إنما يكون إذا تعدد السَّند بأن روي بإسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن، فحينئذ يصح أن يقال فيه ذلك أي صحيح باعتبار إسناد، حسن باعتبار إسناد آخر. (وفيه) أي في هذا الجواب (شيء) من الاعتراض (حيث وصف) بالرفع مبتدأ مضاف إلى قوله (ما انفرد) وما عبارة عن السَّند، موصولة أو موصوفة، والخبر محذوف أي موجود، والجملة مضاف إليه لحيث، والمعنى حيث وجد وصف الترمذي لسند منفرد، وحاصل معنى البيت أنه إنما يقول ذلك لتعدد سنده، لكن هذا معترض لأنه يقول ذلك في الأحاديث التي لا مخرج لها إلا واحد، كالحديث الذي أخرجه من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - " إذا بقى نصف شعبان فلا تصوموا " وقال فيه حسن

صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ، وأشار إلى الثالث بقوله: 101 - وَقِيلَ: مَا تَلْقَاهُ يَحْوِي العُلْيَا ... فَذَاكَ حَاوٍ أَبَدًا لِلدُّنْيَا 102 - كُلُّ صَحِيحٍ حَسَنٌ لا يَنْعَكِسْ ... وَقِيلَ: هَذَا حَيِثُ رَأْيٌ يَلْتَبِسْ (وقيل) في الجواب أيضاً وهو للعلامة أبي الفتح ابن دقيق العيد (ما) مبتدأ أي الحديث الذي (تلقاه) بالقاف من اللُّقِي أي تجده، أيها المحدث (يحوي) أي يجمع الدرجة (العليا) وهي الحفظ والإتقان، وهو معنى الصحة (فذاك) أي الحاوي للعليا مبتدأ (حاو) أي جامع، خبر لذلك، والجملة خبر الأول دخلت الفاء فيه لما في ما من معنى العموم (أبداً) متعلق بما قبله أي لا محالة (للدنيا) أي للدرجة الدنيا تأنيث الأدنى، وهي صفة الحسن التي هي كالصدق. وحاصل معنى البيت أن الحديث الذي وجدت فيه الصفات العليا وجدت فيه الصفات الدنيا إذ الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة إلا حيث انفرد الحسن، أما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة، تبعاً للصحة، فعلى هذا يلزم أن يقال (كل صحيح حسن) و (لا ينعكس) ذلك، فلا يقال كل حسن صحيح، ثم أشار إلى الرابع بقوله: (وقيل) في الجواب وهو للحافظ ابن كثير (هذا) أي وصفه بالوصفين (حيث رأى) للمجتهد (يلتبس) عليه، فالجمع بينهما درجة متوسطة، وعلى هذا فما يقول فيه حسن صحيح أعلى رتبة من الحسن ودون الصَّحِيح. وحاصل هذا الجواب أن تردد أئمة الحديث في حال ناقله هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها اقتضى للمجتهد أن لا يصفه بأحد الوصفين، فيقال فيه حسن باعتبار وصفه عند قوم، صحيح باعتبار وصفه عند قوم آخرين، وغاية ما فيه أنه حَذَفَ منه حرفَ التردد لأن حقه أن يقول حسن أو صحيح، أفاده في شرح النخبة، ثم أشار إلى الخامس بقوله:

103 - وَصَاحِبُ النُّخْبَةِ: ذَا إِنْ انْفَرَدْ ... إِسْنَادُهُ، وَالثَّانِ حَيْثُ ذُو عَدَدْ (و) الإمام الحافظ (صاحب النخبة) مبتدأ خبره محذوف أي قائل يعني أن صاحب نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، قال متوسطاً بين كلامي ابن الصلاح وابن كثير (ذا) مبتدأ خبره جملة الشرط وجوابه، والجملة مقول للخبر المقدر، أي جواب ابن كثير (إن انفرد إسناده) أي الحديث إذا لا يتمشى إلا عليه (و) ذلك (الثَّانِ) بحذف الياء للضرورة مبتدأ خبره الظرف أي الجواب الثاني، وهو الذي ذكره بقوله: وقيل باعتبار تعداد السَّند، وهو الجواب الثاني من جوابي ابن الصلاح (حيث ذو عدد) أي حيث رواه ذو تعدد: اثنان فصاعداً، إذ لا يتمشى إلا عليه، وعلى هذا فما قيل فيه ذلك فوق ماقيل فيه صحيح فقط. وحاصل معنى البيت أن صاحب النخبة قال: إن جواب ابن كثير إنما يتمشى إذا انفرد إسناد الحديث وجواب ابن الصلاح الثاني إذا تعدد إسناده، ثم أشارَ إلى جواب سادس كما في نسخة المحقق أحمد محمد شاكر بقوله: 104 - وَقَدْ بَدَا لِي فِيهِ مَعْنَيَانِ ... لَمْ يُوجَدَا لأَهْلِ هَذَا الشَّانِ 105 - أَيْ حَسَنٌ لِذَاتِهِ صَحِيحُ ... لِغَيْرِهِ، لَمَّا بَدَا التَّرْجِيحُ 106 - أَوْ حَسَنٌ عَلَى الَّذِيِ بِهِ يُحَدْ ... وَهْوُ أَصَحُّ مَا هُنَاكَ قَدْ وَرَدْ (وقد بدا) أي ظهر (لي فيه) أي فيما يقول فيه الترمذي وغيره حسن صحيح (معنيان) يكونان جواباً لما استشكل (لم يوجدا) هذان المعنيان (لأهل هذا الشان) ممن تكلم في هذا الموضوع، ثم فسرهما بقوله (أي حسن لذاته) أي الحديث الذي قيل فيه ذلك حسن لذاته على الحد الذي مر بيانه لكون رجاله رجال الحسن (وهو صحيح لغيره) لوجود ما يرقيه إلى درجة الصَّحِيح كما أشار إليه بقوله (لَمَّا) بفتح اللام وتشديد الميم أي حين (بَدَا) أي ظهر (الترجيح) أي المرجح، بمعنى المقوي، فالظرف يتعلق بصحيح

ويحتمل أن تكون اللام جارة وما مصدرية، أي ثبتت له الصحة حين ظهر المرجح، أو لظهور المرجح، وحاصل المعنى أن الحديث الذي قيل فيه حسن صحيح لما وجدت فيه شروط الحَسَنِ سماه حسناً، ولما وجد مقوياً عاضدا كأن تعددت طرقه سماه صحيحاً، فهو جامع للوصفين، وهذا المعنى يتمشى إذا تعددت الطرق (أو) للتقسيم (حسن) أي الحديث المذكور حسن (على) المعنى (الذي به) أي بذلك المعنى (يحد) الحسن على ما تقدم، لاجتماع شروطه (وهو) أي الحديث الموصوف بالحسن (أصح) أي أقوى (ما) أي الحديث (هناك) أي في ذلك الباب الذي قيل فيه ذلك (قد ورد) أي جاء وروي. وحاصل المعنى أن الحديث الذي قيل فيه صحيح حسن حسن لوجود أوصاف الحسن، وهو أقوى ما روي في ذلك الباب، فكل ما رُوِيَ سواه لا يقوى قوته، وهذا يتمشى على مالم تتعدد طرقه. والحاصل أن الناظم رحمه الله قسم قول الترمذي حسن صحيح إلى قسمين: قسم تعددت طرقه فأجاب عنه بأنه حسن لذاته صحيح لغيره، وقسم لم تتعدد طرقه، فأجاب عنه بأنه حسن لوجود أوصافه وهو أصح ما روي في ذلك الباب. قلت وأقوى الأجوبة عندي كما قال الحافظ في نكته على ابن الصلاح هو جواب ابن دقيق العيد. والله أعلم. ولما كان أهل الحديث تارة يحكمون بالصحة والحسن والضعف على الإسناد دون المتن لعدم التلازم بينهما في ذلك بين ذلك بقوله: 107 - وَالحُكْمُ بِالصَّحِّةِ لِلإِسْنَادِ ... وَالحُسْنِ دُونَ المَتْنِ لِلنُّقَّادِ 108 - لِعِلَّةٍ أَوْ لِشُذُوذٍ وَاحْكُمِ ... لِلْمَتْنِ إِنْ أُطْلَقَ ذُو حِفْظٍ نُمِي (والحكم) مبتدأ (بالصحة) متعلق به وكذا قوله (للإسناد) أي حكم بعض الحفاظ لأيِّ إسناد كان بأنه صحيح كقوله: هذا حديث صحيح الإسناد (والحُسْنِ) عطف على الصحة. كقولهم هذا حديث حسن الإسناد

وكذا الضعف (دون المتن) الظرف حال من الإسناد، أي حال كون الحكم للإسناد بلا متن. وقوله: (للنقاد) خبر المبتدإِ، وهم البصراء بعلل الحديث جمع ناقد تشبيهاً بالصيرفي الناقد للدراهم والدنانير. وحاصل معنى البيت أن النقاد يحكمون على الإسناد بالصحة والحسن وكذا الضعف وهو كثير في كلام الدارقطني والحاكم، وذلك كقولهم: هذا حديث إسناده صحيح أو حسن أو ضعيف من غير أن يحكموا بذلك للمتن لأنه لا تلازم بينهما إذ قد يصح الإسناد أو يحسن لاستجماع شروطه من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن (لعلة أو لشذوذ) أي لأجل وجود علة قادحة في ذلك المتن، أو لوجود شذوذ فيه ولا يخدش في عدم التلازم ما تقدم من أن قولهم هذا حديث صحيح مرادهم به اتصال سنده مع سائر الأوصاف في الظاهر لا قطعاً لعدم استلزامه الحكم لكل فرد من أسانيد ذلك الحديث، وعلى كل حال فالتقييد بالإسناد ليس صريحاً في صحة المتن ولا ضعفه، بل هو على الاحتمال إن صدر ممن لم يطرد له عمل فيه أو اطرد فيما لم تظهر له صحة متنه ولذلك كان منحط الرتبة عن الحكم للحديث (و) لكن (احكم) أيها المحدث العزيز إن كنت من ذوي التمييز بما حكم به النقاد للإسناد من الصحة والحسن (للمتن) أيضاً (إن أطلق) الحكم للإسناد بواحد منهما (ذو حفظ نمى) بالبناء للمفعول أي نسب إلى الحفظ، وهو إشارة إلى أن ذلك الحافظ مشهور معتمد عليه في التصحيح والتحسين، ممن عرف بعدم التفرقة بين اللفظين خصوصاً إن كان في مقام الاحتجاج. وحاصل المعنى: أنه إن أطلق ذلك ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه، فلك أن تحكم على المتن أيضاً لأن الأصل والظاهر هو عدم العلة. (تَتِمَّة): قوله لعلة أو لشذوذ من زياداته.

ولما كانت ألفاظ متداولة بين المحدثين يستعملونها في مقبول الحديث ذكر ذلك بقوله: 109 - وَلِلْقَبُولِ يُطْلِقُونَ جَيِّدَا ... وَالثَّابِتَ الصَّالِحَ وَالمُجَوَّدَا 110 - وَهَذِهِ بَيْنَ الصَّحِّيحِ وَالحَسَنْ ... وَقَرَّبُوا مُشَبَّهَاتٍ مِنْ حَسَْن 111 - وَهَلْ يُخَصُّ بِالصَّحِيحِ الثَّابِتُ ... أَوْ يَشْمَلُ الْحُسْنَ نِزَاعٌ ثَابِتُ (وللقبول) أي الحديث المقبول في الأحكام وغيرها من إطلاق المصدر واردة اسم المفعول، أو باق على مصدريته أي الدلالة على قبول الحديث متعلق بقوله (يطلقون) أي يستعمل المحدثون ألفاظاً منها: ما ذكره بقوله: (جيدا والثابت الصالح والمجودا) بفتح الواو المشددة، ومنها القوي، والمعروف، والمحفوظ، والمشبه. فأما الجيد: فقال الحافظ في الكلام على أصح الأسانيد لما حكى ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل أن أصحها الزهري عن سالم عن أبيه: عبارة أحمد: أجود الأسانيد، كذا أخرجه الحاكم قال: وهذا يدل على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصَّحِيح، ولذا قال البلقيني بعد أن نقل ذلك: من ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة، وفي جامع الترمذي في الطب هذا حديث جيد حسن، وكذا قال غيره لا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ويتردد في بلوغه الصَّحِيح فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح، وكذا القوي. وأما الصالح: فقد تقدم في شأن سنن أبي داود أنه شامل للصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج، ويستعمل أيضاً في ضعيف يصلح للاختبار. وأما المعروف: فهو مقابلُ المنكر، والمحفوظُ مقابل الشَّاذ، وسيأتي تقرير ذلك في نوعيهما.

والمجود والثابت يشملان أيضاً الصَّحِيح على خلاف في الثابت يأتي، (وهذه) الألفاظ المذكورة دائرة (بين) الصَّحِيح والحسن) فتستعمل فيهما وكذا القوي، وأما المشبهُ فذكره بقوله (وقربوا مشبهات) أي جعلوها قريبة (من) درجة (حسن) فهي بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصَّحِيح, فتطلق على الحسن وما يقاربه، ولما اختلفوا في لفظ الثابت ذكره فقال: (وهل يخص بـ) الحديث (الصَّحِيح الثابت) أي لفظه، يعني أنهم إذا قالوا هذا حديث ثابت هل هو مختص بالصَّحِيح فالباء داخلة على المقصور عليه، وهو جائز إلا أن الغالب دخولها على المقصور. (أو يشمل الحسن) أيضاً فيه (نزاع ثابت) بين المحققين وجزم في التدريب بالشمول. ولما أنهى الكلام على القسم الثاني من الأقسام الثلاثة وهو الحسن أتبعه بالقسم الثالث وهو الضَّعِيف فقال:

(الضعيف)

(الضَّعِيف) أي هذا مبحثه وهو النوع الثالث من أنواع علوم الحديث. 112 - هُوَ الَّذِي عَنْ صِفَةِ الحُسْنِ خَلا ... وَهْوَ عَلَى مَرَاتِبٍ قَدْ جُعِلا 113 - وَابْنُ الصَّلاحِ فَلَهُ تَعْدِيدُ ... إِلَى كَثِيرٍ وَهْوَ لا يُفِيدُ (هو) أي الضَّعِيف مشتق من الضعف بفتح الضاد وضمها، وهو لغة ضد القوة واصطلاحاً هو الحديث (الذي عن صفة) الحديث ذي (الحسن) من الصفات المتقدمة (خلا) سنداً أو متناً، ولا يحتاج لضم الصَّحِيح إليه كما ضمه ابن الصلاح والنووي، لأنه إذا قصر عن الحَسَنِ كان أقصر عن الصَّحِيح، وإن قلنا بتباينهما، (وهو) أي الضَّعِيف (على مراتب) بالصرف للضرورة متفاوتة (قد جعلا) بألف الإطلاق بحسب شدة ضعف رواته وخفته كما تفاوتت صحة الصَّحِيح، وفيه إشارة إلى أن منه أضعف كما أن في الصَّحِيح أصح؛ ثم من الضَّعِيف ما له لقب خاص كالموضوع والشَّاذ وغيرهما وسيأتي. (و) أما الحافظ العلامة أبو عمرو (ابن الصلاح فله تعديد) لأنواع الضَّعِيف في مقدمته (إلى كثير) من الأنواع، وذلك باعتبار فقد صفة من صفات القبول الستة وهي الاتصال، والعدالة، والضبط، والمتابعة في المستور، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، وباعتبار فقد صفة مع صفة أخرى تليها أولاً أو مع أكثر من صفة إلى أن تفقد الستة، فبلغت فيما ذكره العراقي في شرح الألفية اثنين وأربعين قسماً وأوصله غيره إلى ثلاثة وستين، وجمع في ذلك قاضي القضاة شرف الدين المناوي كراسة، ونوع ما فقد الاتصال

إلى ما سقط منه الصحابي أو واحد غيره أو اثنان، وما فقد العدالة إلى ما في سنده ضعيف أو مجهول، وقسمها بهذا الاعتبار إلى مائة وتسعة وعشرين قسماً باعتبار العقل، وإلى واحد وثمانين باعتبار إمكان الوجود، وإن لم يتحقق وقوعها، قال الحافظ: إن ذلك تعب، ليس وراءه أرب، فإنه لا يخلو إِما أن يكون لأجل معرفة مراتب الضَّعِيف وما كان منها أضعف أو لا فإن كان الأول فلا يخلو من أن يكون لأجل أن يعرف أن ما فقد من الشروط أكثر أضعفُ أولاً، فإن كان الأول فليس كذلك لأن لنا ما يفقد شرطاً واحداً ويكون أضعف مما يفقد الشروط الخمسة الباقية، وهو ما فقد الصدق، وإن كان الثاني فما هو؟ وإن كان لأمر غير معرفة الأضعف فإن كان لتخصيص كل قسم باسم فليس كذلك فإنهم لم يسموا منها إلا القليل كالمعضل والمرسل ونحوهما، أو لمعرفة كم يبلغ قسماً بالبسط فهذه ثمرة مُرة، أو لغير ذلك فما هو؟ انتهى. وإلى ما ذكره الحافظ أشار بقوله: (وهو لا يفيد) يعني أن هذا التقسيم لا فائدة فيه. ثم تكلم على بعض أوهى الأسانيد على نمط ما تقدم في الصَّحِيح تبعاً للحاكم فقال: 114 - ثُمَّ عَنِ الصِّدِّيقِ الأوْهَى كَرَّهْ ... صَدَقَةٌ عَنْ فَرْقَدٍ عَنْ مُرَّهْ (ثم) بعد أن عرفت تعريف الضَّعِيف وتفاوت مراتبه وانقسامه إلى كثير فاعرف بعض أوهى الأسانيد فمنها (عن) أبي بكر (الصديق) - رضي الله عنه - متعلق بما بعده، (الأوهى) أي السَّند الأضعف (كره) بفتح الكاف وتشديد الراء المفتوحة بوزن مرة ومعناها، فقوله: الأوهى خبر مقدم، وقوله (صدقة) بالصرف للضرورة، مبتدأ مؤخر، ويحتمل العكس، وهو صدقة بن موسى الدقيقي أبو المغيرة البصري يروي عن أبي عمران الجَوْني، وثابت، وعنه يزيد بن هارون، ومسلم بن إبراهيم، ضعفه النسائي. اهـ خلاصة. حال كونه راوياً (عن فرقد) هو ابن يعقوب السَّبَخِي، بفتح المهملة والموحدة، وبخاء معجمة، أبو يعقوب البصري، صدوق عابد، لكنه لَيِّنُ

الحديث، كثير الخطأ، مات سنة إحدى وثلاثين، حال كونه راوياً (عن مرة) بن شراحيل، يقال له: مرة الطيب، وتقدمت ترجمته. وذكر في الميزان متن هذا السَّند مرفوعاً " لا يدخل الجنة خِبٌّ ولا بَخِيل، ولا سيئ المَلَكَةِ ". قال المحقق أبو الأشبال أحمد محمد شاكر في تعليقه: وضَعفُ هذا الإسناد من أجل الكلام في صدقة وفرقد، ولم يحسن المؤلف في هذا إذ يُوهِم أن هذا الإسناد من أوهى الأسانيد، مع أن ضعفهما محتَمَل، بل قد وثقهما بعض الأئمة اهـ. 115 - وَالْبَيْتِ عَمْرٌو ذَا عَنِ الجُعْفِيِّ ... عَنِ حَارِثِ الأَعْوَرِ عَنْ عَلِيِّ (والبيت) بالجر عطف على الصديق، أي أوهى الأسانيد لأهل البيت (عمرو) بالرفع عطفاً على صدقة عطف معمولين على معمولي عاملين مختلفين، وفيه الخلاف المشهور، وهو عمرو بن شمر الجعفي الشيعي، قال البخاري منكر الحديث، وروى عباس، عن يحيى، ليس بشيء. وقال الجوزجاني: زائغ كذاب، وقال ابن حبان: رافِضيّ يشتم الصحابة، ويروي الموضوعات عن الثقات. وقال يحيى: لا يكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروك الحديث. قاله في الميزان، (ذا) أي عمرو يروي (عن) جابر بن يزيد (الجعفي) الكوفي، من علماء الشيعة. قال ابن مهدي عن سفيان، كان جابر الجعفي وَرِعاً في الحديث، ما رأيت أورع منه في الحديث وقال شعبة صدوق، إذا قال أخبرنا وحدثنا وسمعت فهو من أوثق النَّاس، وقال وكيع: ثقة. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه ترك يَحْيَى القطان جابراً الجعفي، وتركه عبد الرحمن، وَيَحْيَى بأخرة. وقال النسائي وغيره: متروك. وقال أبو داود: ليس عندي بالقوي في حديثه، قاله في الميزان. وقال البخاري في الضعفاء الصغير: وقال أبو سعيد الحداد سمعت يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال قال الشعبي: يا جابر لا تموت حتى تكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال إسماعيل فما مضت الأيام والليالي حتى اتهم بالكذب اهـ. حال كونه راوياً (عن حارث) بترك الصرف

للوزن ابن عبد الله أو ابن عبيد، أبي زهير (الأعور) الهمداني، الكوفي، من كبار التابعين على ضعف فيه، أورد البخاري في الضعفاء الكبير عن شعبة قال: حدثنا الحارث وأشهد أنه أحد الكذابين. وروى أبو بكر بن عياش عن مغيرة، قال لم يكن الحارث يصدق عن علي في الحديث، وقال ابن المديني: كذاب. وقال ابن معين: ضعيف، ورُوِيَ عنه: ليس به بأس. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ. اهـ. ميزان والضعفاء الكبير. حال كونه راوياً (عن علي) بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قال المحقق أبو الأشبال: وأشدهم ضعفاً عمرو بن شمر فإنه رافضيٌّ كذاب يشتم الصحابة، وأما جابر والحارث ففيهما خلاف قديم معروف، وللشيعة أسانيد أوهى من هذا جدًّا يراها من يقرأ في كتبهم، ويعجب منها اهـ. 116 - وَلأَبِي هُرَيْرَةَ: السَّرِيُّ عَنْ ... دَاوُدَ عَنْ وَالِدِهِ أَيَّ وَهَنْ (و) أوهى الأسانيد (لأبي هريرة) - رضي الله عنه - (السري) بن إسماعيل بفتح السين وكسر الراء وتشديد الياء الهمداني الكوفي يروي عن الشعبي، وعنه حاتم بن إسماعيل. قال أحمد: تركه الناس. وقال النسائي: متروك. وقال غيره: ليس بشيء. اهـ خلاصة. والذي عند الشارح من أنه البسري بن سليمان خطأ، وكذا ما في الأصل السدي بالدال قاله المحقق أبو الأشبال. (عن داود) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، الزعافري بزاي مفتوحة ومهملة وكسر الفاء أبي يزيد الكوفي الأعرج عم عبد الله بن إدريس، ضعيف، مات سنة 151 روى له البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجه. اهـ، تقريب. (أي وهن) بالنصب على الحالية، لأن أيًّا الوصفية تكون بعد النكرات صفة وبعد المعارف حالًا، كما أفاده في مغني اللبيب، أي حال كون هذا السَّند كاملَ الوَهَن أي شديد الضعف.

117 - لأَنَسٍ: دَاوُدُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ... أَبَانَ ............. (لأَنَسٍ) متعلق بمحذوف لدلالة ما قبله عليه أي أوهى الأسانيد لأنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري النجاري خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين شهد بدراً له 1286 حديثاً اتفقا على مائة وثمانية وستين حديثاً، وانفرد البخاري بثلاثة وثمانين، ومسلم بأحد وسبعين. مات سنة 90 أو بعدها، وقد جاوز المائة، وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة رضي الله عنهم. فقولنا أوهى الأسانيد مبتدأ خبره قوله (داود) بن المُحَبَّر، بمهملة وموحدة مشددة مفتوحة بن قَحْذَم، بفتح القاف وسكون المهملة وفتح المعجمة، الثقفي البكراوي أبو سليمان البصري نزيل بغداد متروك وأكثر كتاب العقل الذي صنفه موضوعات. مات سنة 206 اهـ تقريب. حال كونه راوياً (عن أبيه) المحبر المذكور, قال الذهبي في الميزان: محبر بن قحذم والد داود يروي عن أبيه، ضعيف اهـ. حال كونه راوياً (عن أبان) بن أبي عياش، واسمه فيروز أبي إسماعيل، البصري يروي عن أنس كان شعبة سيء الرأي فيه، وقال أحمد متروك الحديث. وحاصل المعنى أن أوهى أسانيد أنس - رضي الله عنه - داود بن المحبر عن والده المحبر عن أبان بن أبي عياش. (فائدة) الصَّحِيح الذي عليه الأكثرون صرف أبان والهمزة أصل، والألف زائدة، ووزنه فعال كغَزَال، ومنعه من الصرف بعضهم لوزن الفعل والعلمية، إذ الهمزة عنده زائدة والألف بدل من ياء، فوزنه أفعل. أفادهُ النووي رحمه الله. قلت وعلى الأول قيل: من لم يصرف أبان فهو أتان. .............. ... ...... وَاعْدُدْ لأَسَانِيدِ اليَمَنْ 118 - حَفْصًا عَنَيْتُ العَدَنِيْ عَنِ الحَكَمْ ... ........... (واعدد) أيها المحدث لأوهى (أسانيد) أهل (اليمن) (حفصاً) مفعول

اعدد، وفيه التضمين من عيوب القافية، إلا أنه مغتفر للمولدين، وهو حفص بن عمر بن ميمون، العدني، كما قال (عنيت) أي قصدت به (العدني) منسوب إلى عدن بفتحتين بلد باليمن الصنعاني، أبو إسماعيل لقبه الفَرْخ بفتح الفاء وسكون الراء بعدها خاء معجمة، ضعيف. أفاده في التقريب، وفي التهذيب: وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن عبد الله الطهراني: ثقة، وقال أبو حاتم: لين الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة اهـ. حال كونه راوياً (عن الحكم) بفتحتين بن أبان العدني، أبي عيسى، صدوق عابد، له أوهام، مات سنة 154 وكان مولده سنة 80 اهـ تقريب. وحاصل المعنى أن أوهى الأسانيد لليمانيين، هو حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان، أي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما. قلت: وإنما لم يستوف الناظم السَّند بذكر عكرمة كما فعل فيما مضى لأن في عكرمة كلاماً، وإن كان ثقة احتج به البخاري، فلو ذكره لتوهم أنه يَرَى كونه ضعيفاً حيث إنه يعدد أوهى الأسانيد، فترك ذكره لذلك والله أعلم. وأما أوهى الأسانيد لابن عباس مطلقاً فالسدي الصغير محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عنه. قال الحافظ هذه سلسلة الكذب، لا سلسلة الذهب اهـ. ............... ... وَغَيْرُ ذَاكَ مِنْ تَرَاجِمٍ تُضَمْ (وغير ذاك) المذكور مفعول مقدم لتضم (من تراجم) أي أسانيد، حال من غير ذاك (تضم) أيها المحدث، والمعنى أنك تزيد على ما ذكر من الأسانيد الأوهى غيرها. ويحتمل كون غير مرفوعاً على الابتداء وتضم صفة لتراجم والخبر محذوف تقديره كذلك، أي غير ما ذكر من تراجم مَضمُومَة إليه كائن كذلك.

فمنها قول الحاكم أوهى أسانيد العمريين محمد بن عبد الله بن القاسم بن عمر بن حفص بن عاصم عن أبيه عن جده فإن الثلاثة لا يحتج بهم. وأوهى أسانيد عائشة نسخة عند البصريين عن الحارث بن شِبْل عن أم النعمان عنها. وأوهى أسانيد ابن مسعود: شريك عن أبي فَزَارة عن أبي زيد عنه، وأوهى أسانيد المكيين عبد الله بن ميمون القَدَّاح، عن شهاب بن خِرَاش، عن إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن عكرمة، عن ابن عباس. وأوهى أسانيد المصريين أحمد بن الحجاج بن رشدين، عن أبيه، عن جده، عن قرة بن عبد الرحمن، عن كل من روى عنه. فإنها نسخة كبيرة. وأوهى أسانيد الشاميين محمد بن قيس المصلوب، عن عبيد بن زحر، عن علي بن زيد، عن القاسم، عن أبي أمامة. وأوهى أسانيد الخراسانيين عبد الرحمن بن مليحة، عن نهشل بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. (تنبيه): الزيادة على العراقي، قوله: وهو على مراتب قد جعلا، وقوله: وهو لا يفيد إلى آخر الباب. ولما أنهى الكلام على الأقسام الثلاثة شرع يذكر بقية أنواع علوم الحديث فقال:

(المسند)

(الْمُسْنَد) أي هذا مبحثه وهو النوع الرابع لا بخصوص التقسيم المتقدم. كما قال ابن الصلاح: والملحوظ فيما نورده من الأنواع عموم علوم الحديث لا خصوص التقسيم الذي فرغنا الآن من أقسامه، وكان المناسب له تقديم المرفوع عليه. ثم إنهم اختلفوا في حقيقته على أقوال ثلاثة: بينها بقوله: 119 - الْمُسْنَدُ: الْمَرْفُوعُ ذَا اتِّصَالِ ... وَقِيلَ: أَوَّلٌ، وَقِيلَ: التَّالِي (المسند) بفتح النون اسم مفعولِ أسنَد، وله اطلاقات ثلاث: أحدها الكتاب الذي جُمِعَ فيه ما أسنده الصحابة، أي رووه، كمسند أحمد وغيره، الثاني: أن يطلق ويراد به الإسناد، فيكون مصدراً كمسند الشهاب، ومسند الفردوس، أي أسانيد أحاديثهما. الثالث: ما ذكره في هذا الباب وهو: (المرفوع) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حال كونه (ذا اتصال) في إسناده فخرج الموقوف والمرسل والمعضل والمدلس. وحاصل المعنى: أن المسند هو الذي جمع الرفع والاتصال، وهذا القول للحاكم. وحكاه ابن عبد البر عن قوم من أهل الحديث وبه جزم الحافظ في النخبة، وهو الأصح، إذ لا تمييز بينه وبين المتصل والمرفوع إِلا من هذه الحيثية، إذ المرفوع ينظر فيه إلى حال المتن مع قطع النظر عن

الإسناد، اتصل أو لا؟ والمتصل ينظر فيه إلى حال الإسناد مع قطع النظر عن المتن مرفوعاً كان أو موقوفاً، والمسند ينظر فيه إلى الحالين معاً، فيجمع شرطي الاتصال والرفع، فيكون بينه وبين كل منهما عموم وخصوص مطلق، فكل مسند مرفوع متصل، ولا عكس، أفاده السخاوي. (وقيل) المسند (أول) أي المرفوع فقط، وهذا القول للحافظ أبي عمر بن عبد البر ذكره في كتابه التمهيد، وعليه فالمسند والمرفوع شيء واحد يدخلهما الانقطاع والإرسال والإعضال، قال الحافظ: وهو مخالف للمستفيض من عمل أهل الحديث في مقابلتهم بين المرسل والمسند، فيقولون: أسنده فلان وأرسله فلان اهـ. قال السخاوي: وممن اقتضى كلامه أن المسند هو المرفوع الدارقطني اهـ. (وقيل) المسند هو (التالي) أي التابع في الذكر للمرفوع في قوله ذا اتصال، يعني المتصل. وحاصل المعنى أن المسند هو المتصل فقط، سواء كان مرفوعاً، أو موقوفاً أو مقطوعاً، وهذا القول للحافظ أبي بكر الخطيب وتبعه ابن الصباغ. قال في التدريب: والمراد اتصال السَّند ظاهراً فيدخل ما فيه انقطاع خفي كعنعنة المدلس والمعاصر الذي لم يثبت لقاؤه لإطباق من خَرَّجَ المسانيد على ذلك اهـ. والحاصل أن المسند ينقسم على كل الأقوال إلى صحيح وحسن وضعيف. واللهُ أعلم. ولما ذكر أن المسند هو المتصل المرفوع أراد أن يبين المرفوع فقال:

(المرفوع والموقوف والمقطوع)

(المرفوع والموقوف والمقطوع) أي هذا مبحثها وهي الأنواع الخامس والسادس والسابع جمعها في باب واحد لتناسبها، وقدم المرفوع لشرفه، ثم الموقوف له أيضاً. 120 - وَمَا يُضَافُ لِلنَّبِي المَرْفُوعُ لَوْ ... مِنْ تَابِعٍ، أَوْصَاحِبٍ وَقْفًا رَأَوْا (وما) موصولة أو موصوفة مبتدأ (يضاف) أي ينسب (للنبي) بتخفيف الياء للوزن، أي إليه - صلى الله عليه وسلم - قولًا، أو فعلاً، أو تقريراً أو نحوها كما تقدم في تعريف الحديث (لَوْ مِنْ تَابِعٍ) أي ولو كان الرفع صادر من تابعي، وكذا مَن دونه، وإنما أتى به إشارة إِلى خلاف الخطيب حيث شرط في المرفوع كونه من صحابي لكن المشهور ما في النظم. وحاصل المعنى أن المرفوع هو المضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء كان المضيف صحابياً أو تابعياً أو من دونهما، حتى يدخلُ قول المصنفين: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، فدخل المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل والمعلق، وخرج الموقوف والمقطوع. (أو) بمعنى الواو (صاحب) معطوف على النبي مجرور، أي وما يضاف إلى صاحب، بمعنى صحابي قولاً له أو فعلاً أو نحوهما مما لا قرينة للرفع فيه (وقفا) حال من المفعول، أو مفعول ثان مقدم لـ (رأوا) أي رأوه موقوفاً، يقال الذي أراه: أي أذهب إليه، قاله في المصباح.

وحاصل المعنى: أن المحدثين ذهبوا إلى أن ما أضيف إلى الصحابي مطلقاً موقوف. والمراد بالقول هنا ما خلا عن قرينة الرفع، وأما الفعل فعند من يحتج به، والمراد بنحوهما ما يحصل بحضرتهم من قول أو فعل ولا ينكرونه فيكون من باب الإجماع إن كانوا كلهم، وإلا فإن خلا عن سبب مانع من السكوت والإنكار فله حكم الموقوف، ومن الإجماع السكوتي، أفاده الصنعاني. 121 - سَوَاءٌ الْمَوْصُولُ وَالْمَقْطُوعُ فِي ... ذَيْنِ، وَجَعْلُ الرَّفْعِ لِلْوَصْلِ قُفِي (سواء الموصول والمقطوع) مبتدأ وخبر، أي الموصول مسنداً والمقطوع، أي المنقطع إذ المراد به هنا معناه اللغوي لا الاصطلاحي الذي يأتي، أي المنقطع سنده بسبب حذف بعض الرواة عنه سواء، أي مستويان (في ذَيْنِ) أي في إطلاق المرفوع والموقوف عليه. وحاصل المعنى أنه لا يشترط في المرفوع والموقوف اتصال السَّند فيطلقان على المتصل والمنقطع ونحوهما كما مر آنفاً. (وجعل الرفع) مبتدأ أي المرفوع (للوصل) أي الموصول متعلق بـ (قفي)، أي تبع، خبر المبتدإ، أي استعمال المرفوع في خصوص المتصل أمرٌ متبع استعمله بعض أهل الحديث. وحاصل المعنى: أن بعض أهل الحديث استعمل المرفوع في المتصل فقط حيث يقول في حديث واحد: رفعه فلان، وأرسله فلان، قال السخاوي: فهو رفع مخصوص إذ المرفوع أعم كما قررنا، على أن ابن النفيس مشى على ظاهره فقيد المرفوع بالاتصال اهـ. 122 - وَمَا يُضَفْ لِتَابِعٍ مَقْطُوُع ... وَالْوَقْفُ إِنْ قَيَّدْتَهُ مَسْمُوعُ (وما) شرطية (يضف) بالبناء للمفعول أي يسند قولاً أو فعلاً (لتابع)

كبيراً أو صغيراً، أو من بعده (مقطوع) خبر لمحذوف أي هو. والجملة جواب ما بتقدير الفاء، أي فهو مقطوع، ويجمع على مقاطع ومقاطيع كالمساند والمسانيد، ولم يجز البصريون حذف الياء وأجازه الكوفيون واختاره ابن مالك، أفاده الصنعاني. قال السخاوي: إنما يسمى قولُ التابعي وفعلهُ مقطوعاً حيث لا قرينة للرفع فيه كالموقوف وإلا فله حكم الرفع، وبهذا اندفع منع ادخالهما في أنواع الحديث بكون أقوال الصحابة والتابعين ومذاهِبِهم لا مدخل لها فيه. بل قال الخطيب يلزم كَتْبُهَا والنظر فيها ليُتَخَيَّرَ من أقوالهم ولا يُشَذَّ عن مذاهبهم، قال السخاوي: لا سيما وهي أحد ما يعتضد به المرسل، وربما يتضح بها المعنى المحتمل من المرفوع، وقال الخطيب في الموقوفات على الصحابة: جَعَلَهَا كثير من الفقهاء بمنزلة المرفوعات من لزوم العمل بها وتَقدِيمِها على القياس اهـ. ثم إن استعمال الموقوف للصحابي والمقطوع للتابعي هو الغالب في استعمالهم وهناك استعمال آخر أشار إليه بقوله: (والوقف) مبتدأ أي استعمال الموقوف للتابعي، أو من دونه (إن قيدته) به كقولك موقوف على عطاء، أو ابن المسيب مثلاً (مسموع) خبر المبتدإ أي إن استعمال الموقوف على غير الصحابي مسموع عن المحدثين بشرط التقييد، وإلا فلا للإلباس، وجواب إن دل عليه السابق واللاحق أي فهو مسموع، ولما أنهى الكلام عن أقسام الثلاثة أتبعها بما له حكم الرفع من النوعين الآخرين فقال: 123 - وَلْيُعَطَ حُكْمَ الرَّفْعِ فِي الصَّوابِ ... نَحْوُ: مِنَ السُّنَّةِ، مِنْ صَحَابِي (وليعط) بالبناء للمفعول (حكم الرفع) مفعول ثان ليعط، أي حكم الحديث المرفوع إليه - صلى الله عليه وسلم - (في) القول (الصواب) أي الحق الراجح من أقوالٍ ثلاثة، وهو الذي عليه الجمهور (نحو من السنة) نائب فاعل يعط وهو

المفعول الأول، أي نحو قوله من السنة كذا حال كونه صادراً (من صحابي)، والمعنى: أن قول الصحابي من السنة كذا، كقول علي - رضي الله عنه -: " من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة " رواه أبو داود: يعطي حكم الرفع في الأصح، وهو الذي عليه جمهور المحدثين والفقهاء والأصوليين. 124 - كَذَا: أُمِرْنَا، وَكَذَا: كُنَّا نَرَى ... فِي عَهْدِهِ، أَوْ عَنْ إِضَافَةٍ عَرَى (كذا) حكم قوله (أمرنا) بكذا بالبناء للمفعول، كقول أم عطية - رضي الله عنها - " أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأُمِرَ الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين " أخرجه الشيخان. وقول أنس - رضي الله عنه -: " أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة " أخرجاه أيضاً. وكذا نهينا عن كذا كقول أم عطية - رضي الله عنها -: " نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزَم علينا " أخرجاه. وإنما كان الأصحَّ في قوله من السنة وأمرنا ونهينا إعطاؤُها حكم الرفع لأنه المتبادر إلى الذهن من الإطلاق. قال ابن الصلاح: لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي، ومن يجب اتباع سنته، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومقابل الأصح قول من قال إنه ليس بمرفوع لاحتمال أن يكون الآمر غيره كأمر القرآن، أو الإجماع أو بعض الخلفاء، أو الاستنباط، وأن يريد سنة غيره، وأجيب ببعد ذلك مع أن الأصل الأول. (وكذا) قوله (كنا نرى) بالبناء للفاعل، أو نفعل، أو نقول، ونحو ذلك فهو في حكم المرفوع سواء نسب ذلك إلى عهده - صلى الله عليه وسلم -، بأن يقول كنا نرى كذا (في عهده) - صلى الله عليه وسلم -، كقول جابر - رضي الله عنه - " كنا نَعزِل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". متفق عليه، أو " كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، رواه النسائي وابن ماجه، وقولِ غيرِه كنا لا نرى بأساً بكذا

ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا، أو كان يقال كذا وكذا على عهده، أو كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته إلى غير ذلك من الألفاظ المفيدة للتكرار والاستمرار، أو لم ينسبه إليه كما أشار إليه بقوله (أو عن إضافة) إلى عهده - صلى الله عليه وسلم - متعلق بـ (ـعَرَى) أي خلا، يعني أنه خلا عن نسبته إلى عهده - صلى الله عليه وسلم -، وعَرَى بفتح الراء هنا على لغة من قال بَقَى يَبْقَى بفتح عين الكلمة فيهما، وإلا فأصلها عري كرضي، يقال عرى يعرى بالكسر في الماضي والفتح في المضارع خلا، وأما عرا يعرو كغزا يغزو: نزل عليه وأصابه فلا يوافق هنا. وحاصل المعنى: أن قول الصحابي كنا نرى كذا ونحوه مرفوع حكماً سواء أضافه إلى عهده - صلى الله عليه وسلم - كالأمثلة السابقة أم لم يضفه كقول عائشة - رضي الله عنها -: " كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه " وقول جابر - رضي الله عنه -: " كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا ". وهذا القول للحاكم أبي عبد الله، وفخر الدين الرازي، وقواه العراقي، والنووي، وقال: هو ظاهر استعمال كثير من المحدثين والصحابة، واعتمده الشيخان في صحيحيهما، وأكثر منه البخاري. ومقابله ما ذهب إليه الجمهور من أنه إن أضافه فهو مرفوع وإلا فموقوف لأن ظاهره مشعر باطلاعه - صلى الله عليه وسلم - وهذا القول هو المطوي في قوله: 125 - ثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ لا يَخْفَى ...... ... ........... (ثالثها) أي الأقوال مبتدأ خبره جملة قوله (إن كان) ذلك الفعل (لا يخفى) فمرفوع وإلا فموقوف. وحاصل هذا القول أنه إن كان الفعل مما لا يخفى على النبي - صلى الله عليه وسلم - غالباً فمرفوع وإن كان يخفى فموقوف كقول بعض الأنصار: " كنا نجامع فنكسل ولا نغتسل " وهذا القول قطع به أبو إسحاق الشيرازي، وقال به ابن السمعاني وآخرون، وفي المسألة أقوال أُخَرُ. وهذا الاختلاف إذا لم يوجد ما يدل على اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - وإلا فمرفوع بلا خلاف كما ذكره بقوله:

........... ... وَفِي: تَصْرِيحِهِ بِعِلْمِهِ الْخُلْفُ نُفِي (وفي تصريحه) متعلق بنفي أي تصريح الصحابي (بعلمه) متعلق بتصريح أي عِلْمِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضية كقول ابن عمر - رضي الله عنهما -: " كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره " رواه الطبراني في الكبير، والحديث في الصَّحِيح بدون التصريح المذكور. قاله في التدريب. (الخلف) أي الخلاف المتقدم مبتدأ خبره جملة (نفي) بالبناء للمفعول أي انتفى. وحاصل المعنى: أن الصحابي إذا صرح بعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ذكر ذلك في القصة صار ذلك مرفوعاً إجماعاً لكن دعوى الإجماع منتقض بخلاف داود الظاهري وبعض المتكلمين فتأمل. 126 - وَنَحْوُ: كَانُوا يَقْرَعُونَ بَابَهُ ... بِالظُّفْرِ، فِيمَا قَدْ رَأَوْا صَوَابَهُ (وَنَحْوُ) بالرفع عطفاً على نحو من السنة، أي وليعط حكم الرفع في الأصح نحو قول المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - (كانوا) أي الصحابة - رضي الله عنهم - (يقرعون) من باب فتح، أي يطرقون وينقرون (بابه) - صلى الله عليه وسلم - (بالظفر) فيه لغات أفصحها بضمتين وبها قرأ السبعة في قوله تعالى: (حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) والثانية الإسكان للتخفيف وقرأ بها الحسن البصري، وهو المتعين هنا للوزن والجمع أظفار، وربما جمع على أظْفُر مثل ركن وَأرْكُن، والثالثة بكسر الظاء وزان حِمْل وهي تجوز هنا أيضاً، والرابعة بكسرتين للاتباع، وقرئ بهما في الشَّاذ، والخامسة أظفور والجمع أظافير مثل أسبوع وأسابيع أفاده في المصباح. والحديث أخرجه الحاكم في علوم الحديث بلفظ " كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافير " وقوله: (فيما قد رأوا صوابه) خبر لمحذوف أي هذا فيما أي في القول الذي رأى العلماء كونه صواباً، وهو قول ابن الصلاح، قال: بل هو أحرى باطلاعه - صلى الله عليه وسلم -. والحاصل أن له جهتين: جهة الفعل، وهو صادر من الصحابة فيكون

موقوفاً، وجهة التقرير، وهو مضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث إن فائدة قرع بابه أن يعلم أنه يقرع، ومن لازم ذلك التقرير على ذلك الفعل فيكون مرفوعاً أفاده الحافظ. ومقابل الأصح قول الحاكم ووافقه الخطيب إنه موقوف. 127 - وَما أَتَى وَمِثْلُهُ بِالرَّأْيِ لا ... يُقَالُ إِذْ عَنْ سَالِفٍ مَا حُمِلا (وما) موصولة في محل رفع عطف على نحوُ من السنة أيضاً أي وليعط في الأصح حكم الرفع الحديثُ الذي (أتى) أي جاء عن الصحابي من قول له أو فعل (ومثله) مبتدأ خبره الجملة بعده أي مثل ذلك الآتي (بالرأي) أي الاجتهاد متعلق بـ (لا يقال)، أي ولا يفعل، والجملة حال من فاعل أتى. وحاصل المعنى أن الصحابي إذا قال قولاً أو فعل فعلاً، لا مجال للاجتهاد فيه يحمل على أنه تلقاه من النبي - صلى الله عليه وسلم - مثاله قولا قولُ ابن مسعود - رضي الله عنه -: " من أتى ساحراً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم " وكالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء، والآتية كالملاحم، والفتن وأهوال يوم القيامة، وعما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص. ومثاله فعلاً صلاة علي في الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين، ثم ذكر قيداً ذكره العراقي وتبعه الحافظ بقوله: (إذ) ظرفية (عن سالف) متعلق بحُمِلَ قدم على ما النافية للضرورة، أي متقدم من الأمم (ما) نافية (حملا) بالبناء للمفعول أو للفاعل، أي إذا لم يحمل ذلك الصحابي عن أهل الكتاب والألف إطلاقية فيهما، يعني أنه إنما يكون له حكم المرفوع إذا لم يكن الصحابي يروي الإسرائليات عن أهل الكتاب وإلا فلا. 128 - وَهكَذَا تَفْسِيرُ مَنْ قَدْ صَحِبَا ... فِي سَبَبِ النُّزُولِ أَوْ رَأْيًا أَبَى (وهكذا) أي وليعط حكم الرفع مثل ما تقدم خبر مقدم لقوله (تفسير

من) أي تبيين وتوضيح شخص (صحبا) النبي - صلى الله عليه وسلم - للقرآن (في سبب النزول) جار ومجرور حال من تفسير أي حال كون التفسير واقعاً في سبب نزول الآية. وحاصل المعنى أن تفسير الصحابي المتعلق بسبب النزول له حكم الرفع كالسابق على الأصح، كقول جابر - رضي الله عنه -: " كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قُبلها جاء الولد أحول فأنزل الله: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الآية، رواه مسلم (أو) فيما (رأيا) أي اجتهاداً (أبى) أي امتنع من أن يناله رأيُ مجتهدٍ بأن كان لا يُعلَم إلا بتوقيف من الشارع، وأما غيره فموقوف، وهذا هو المعتمد الذي ذهب إليه الخطيب وأبو منصور البغدادي وتبعهما ابن الصلاح. 129 - وَعَمَّمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ... وَخَصَّ فِي خِلافِهِ كَمَا حُكِي 130 - وَقَالَ: لا، مِنْ قَائِلٍ مَذْكُورِ ... ................ (وعمم) هذا الحكم في كل ما فَسَّرَ به الصحابي (الحاكم) أبو عبد الله محمد بن عبد الله (في) كتابه (المستدرك) بفتح الراء لأنه استَدرَك فيه ما فات الشيخين مما كان على شرطهما أو أحدهما على زعمه، فهو مُسْتَدْرِكٌ والكتاب مستدْرَك فيه، والمعنى أن الحاكم في كتابه المستدرك حكم بأن تفسير الصحابي حديث مرفوع حيث قال: لِيَعْلَمْ طالبُ الحديث أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند اهـ. (وخص) الحاكم (في خلافه) أي في غير المستدرك، وهو كتابه المسمى معرفة علومٍ الحديث (كما حكى) مفعول مطلق لخص على النيابة أي خصوصاً مشابها لما حكى آنفاً، والمعنى أن الحاكم في كتابه معرفة علوم الحديث لم يعمم الحكم بل خَصَّ كما خَصَّ غيرُه بما كان في سبب النزول، وفيما لا مجال للرأي فيه (وقال) الحاكم (لا) يكون تفسير الصحابي مرفوعاً إن كان صادراً (من قائل مذكور) أي من الصحابي الذي ذكر في سند ذلك التفسير.

وحاصل المعنى أن شرط كون تفسير الصحابي مرفوعاً أن لا يمكن حصوله من الصحابي بأن تعلق بسبب النزول أو بما لا مجال للرأي فيه، وإلا فهو من الموقوفات كتفسير أبي هريرة - رضي الله عنه - في قوله تعالى: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) قال: " تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة فلا تترك لحماً على عظم ". لكن قال الناظم ليس هذا من الموقوف لأنه مما يتعلق بذكر الآخرة وما لا مدخل للرأي فيه بل هو من المرفوع. ............... ... وَقَدَ عَصَى الْهَادِيَ فِي الْمَشْهُورِ (و) ليعط أيضاً حكم الرفع قول الصحابي على من فعل فعلاً من الأفعال بأن هذا (قد عصى) النبي (الهادي) - صلى الله عليه وسلم -، كقول عمار - رضي الله عنه -: " من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم " رواه الترمذي وغيره، فهذا ونحوه له حكم الرفع (في) القول (المشهور) بين أهل الحديث وجزم به الزركشي وادعى ابن عبد البر الإجماع عليه، ومقابلُ المشهورِ: ما قاله أبو القاسم الجوهري وتبعه عليه البلقيني: إنّ هذا ليس بمرفوع لجواز إحالة الإثم على ما ظهر من القواعد لكن رد هذا ابنُ عبد ِالبر. 131 - وَهَكَذَا: يَرْفَعُهُ، يَنْمِيهِ ... رِوَايَةً، يَبْلُغْ بِهِ، يَرْوِيهِ (و) ليعط حكم الرفع أيضاً (هكذا) أي مثل ما تقدم من الأنواع قول التابعي فَمَنْ دونه بعد ذكر الصحابي (يرفعه) أي الحديث، أو رَفَعَه كحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: " الشفاء في ثلاثة شَربَة عسل، وشرطة محجم، وَكَيَّة نار، وأنهى أمتي عن الكي، رفع الحديث، رواه البخاري، وكذا يعطي حكم الرفع أيضاً قولهم (ينميه) بفتح الياء من باب رمي أي ينسبه، يعني أنه إذا قال التابعي بعد ذكر الصحابي ينميه أي ينسب الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فله حكم الرفع كحديث مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: " كان النَّاس يؤمرون أنْ

يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " قال أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك، وهو من نَمَيت الحديثَ إلى فلان إذا أسندته إليه. وكذا يعطى حكم الرفع أيضاً قولهم بعد ذكر الصحابي (روايةً) أي ينقل ذلك الحديث نقلًا بمعنى أنه أخذه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كحديث الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رواية: " تقاتلون قوماً صغار الأعين " أخرجه البخاري. وكذا يعطى أيضاً حكم الرفع قولهم (يبلغ) بسكون الغين للوزن (به) أي بذلك الحديث بمعنى أنه يصل به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كحديث الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يبلغ به: " الناس تبع لقريش " متفق عليه. وكذا يعطى حكم الرفع أيضاً قولهم (يرويه) أو رواه بمعنى ينقله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذا قولهم يسنده، أو يأثره، فكل هذا وأمثاله مرفوع بلا خلاف بين أهل العلم كما صرح به النووي واقتضاه كلام ابن الصلاح، قال السخاوي: يدل لذلك مجيء بعض المكنى به بالتصريح ففي بعض الروايات لحديث " الفطرة خمس " يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي بعضها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحامل على عدول التابعي عن قول الصحابي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحوها إلى يرفعه وما يُذْكَرُ معها مع تحققه بأن الصحابي رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كونه يشك في صيغة الرفع بعينها هل هي سمعت، أو قال رسول الله، أو نبي الله، أو حدثني، أو نحوها، وهو ممن لا يرى الإبدال أو طلَبُهُ التخفيفَ، أو شكه في ثبوته، أو ورعه حيث عَلِمَ أن المؤدي بالمعنى. أفاده السخاوي وغيره. (تنبيه) وقع في بعض الأحاديث قول الصحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عزَّ وجلَّ كالحديث الذي رواه الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعه: " إن المؤمن عندي له كل خير يحمدني وأنا أنزع

نفسه من بين جنبيه " حديث حسن أخرجه الدارمي في مسنده وهو من الأحاديث الإلهية وقد أفردها جمع بالجمع أفاده الصنعاني وغيره. (تكملة) ومن ذلك الاقتصار على القول مع حذف القائل كقول ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال " أسلم وغفار وشيء من مزينة " الحديث قال الخطيب إلا أن ذلك اصطلاح خاص بأهل البصرة لكن روي عن ابن سيرين أنه قال كل شيء حدثت عن أبي هريرة فهو مرفوع قاله في التدريب. 132 - وَكُلُّ ذَا مِنْ تَابِعِيٍّ مُرْسَلُ ... لا رَابِعٌ جَزْمًا لَهُمْ، وَالأَوَّلُ 133 - صَحَّحَ فِيهِ النَّوَوِيُّ الْوَقْفَا ... وَالْفَرْقُ فِيهِ وَاضِحٌ لا يَخْفَى (وكل ذا) مبتدأ خبره قوله مرسلِ أي كل ما تقدم من قوله: " وليعط حكم الرفع، إلى هنا حال كونه صادراَ (من تابعي مرسل) مرفوع، ويحتمل أن يكون اسم الإشارة عائداً إلى البيت الذي قبله، أي كل هذه الألفاظ إذا صدرت عند ذكر التابعي كأن يقول من يروي عن التابعي حدثنا فلان بكذا يرفعه أو ينميه أو يبلغ به ونحوها فهو مرسل مرفوع بلا خلاف، وهو الذي تفيده عبارة شروح الألفية العراقية للسخاوي وغيره. وقوله: (لا رابع) قال الشارح هو التفسير في سبب النزول، قلت: لا وجه لإخراج التفسير عما قبله لأنه يكون المعنى عليه وكل هذه الألفاظ المتقدمة إذا كانت من التابعي فهو مرسل إلا الرابع فإنه ليس كذلك، وهذا معنى فاسد، لأن التفسير الذي يتعلق بسبب النزول مرسل مرفوع أيضاً، ولعل النسخة وقع فيها تصحيف والأصل: وكل ذا من تابعي مرسل مع رفعه إلخ. وتكون الإشارة إلى البيت الذي قبله، يعني أن هذه الألفاظ إذا ذكرت عند ذكر التابعي فالحديث مرسل مرفوع بلا خلاف كما أشار إليه بقوله (جزما لهم) وفي نسخة جزم بالرفع أي حال كونه مجزوماً به، أي متفقاً عليه بين العلماء، أو هو مجزوم به عندهم، وهذا هو الموافق لما في شروح

الألفية العراقية كما ذكرناه آنفاً، وهو الواضح (والأول) أي قوله من السنة مبتدأ خبره جملة قوله (صحح فيه النووي الوقفا) أي كونه موقوفاً. والمعنى: أن قول التابعي من السنة كذا كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: " السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات " صحح الإمام النووي رحمه الله كونه متصلًا موقوفاً على الصحابي. (والفرق فيه واضح) مبتدأ وخبر، أي الفرق بين الأول وبين المسألة المذكورة قبل واضح (لا يخفى) على من تأمله. وحاصل المعنى: أن الفرق بين قوله من السنة كذا حيث جعلناه موقوفاً متصلاً وبين الألفاظ المتقدمة حيث جعلناها مرفوعاً مرسلاً واضح غير خفي، وذلك لأن " يرفع الحديث " تصريح بالرفع وقريب منه ما ذُكِرَ معه من الألفاظ بخلاف من السنة فيتطرقها احتمال إرادة سنة الخلفاء الراشدين فكثيراً ما يعبرون بها فيما يضاف إليهم، وقد يريدون سنة البلد، وهذا الاحتمال وإن قيل به في الصحابي أيضاً فهو في التابعي أقوى أفادهُ السخاوي ومقابل الصَّحِيح قول من قال إنه مرفوع مرسل والله أعلم. (تَتِمَّة) الزيادات في هذا الباب قوله: ثالثها إن كان لا يخفى البيت، وقوله: إذ عن سالف ما حملا، وقوله: أو رأياً أبى إلى آخر البيت الذي يليه، وقوله: وقد عصى الهادي في المشهور، وقوله: لا رابع جزما، وقوله: النووي، وقوله: والفرق فيه واضح لا يخفى. والله أعلم.

(الموصول والمنقطع والمعضل)

(الموصول والمنقطع والمعضل) أي هذا مبحثها وهي النوع الثامن والتاسع والعاشر وجمعها في باب واحد للتناسب بينها إما بالضدية كما في الموصول مع الآخرين أو التشابه كما في المنقطع والمعضل، والموصولُ لغة اسم مفعول من وصله بمعنى بلغه، أو أعطاه، أو ترك هجره وقطيعته. واصطلاحاً ما أشار إليه بقوله: 134 - مَرْفُوعًا اْوْ مَوْقُوفًا إِذْ يَتَّصِلُ ... إِسْنَادُهُ: الْمَوْصُولُ وَالمُتَّصِلُ (مرفوعاً) منصوب على الحالية من الموصول أي حال كون الموصول مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (أو موقوفاً) على الصَّحَابي ويحتمل نصبه بكان المحذوفة أي سواء كان مرفوعاً، أو موقوفاً، ولو قال مرفوع أو موقوف بالرفع لكان أوضح (إذ) منصوبة على الظرفية خبر للمبتدإ المؤخر (يتصل) (إسناده) بسماع كل واحد من رواته عمن فوقه أو بالإجازة كما قاله ابن جماعة إلى منتهاه (الموصول) مبتدأ مؤخر، والتقدير الموصولُ: حاصلٌ إذ يتصل إسناده، أي وقت اتصال سند الحديث (و) يقال له (المتصل) أيضاً فهما اسمان لمسمى واحد. وحاصل المعنى: أن الحديث إذا اتصل إسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى أحد من الصحابة فإنه يسمى موصولاً ومتصلاً، ويقال له أيضاً مؤتصل بالفك والهمز كما هي عبارة الشافعي في الأم فخرج بقيد المتصل المرسل والمنقطع والمعضل والمعلق وكذا معنعن المدلس قبل تبين سماعه، وأما

المقطوع إذا اتصل إسناده فلا يسمى موصولاً بالإطلاق للتنافي بين لفظ القطع والاتصال، وأما مع التقييد فيجوز بل هو واقع في كلامهم حيث يقولون: هذا متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى الزهري، أو إلى مالك ونحو ذلك. ثم ذكر المنقطع فقال: 135 - وَوَاحِدٌ قَبْلَ الصَّحابِيِّ سَقَطْ ... مُنْقَطِعٌ، قِيلَ: أَوِ الصَّاحِبِ قَطْ (وواحد) مبتدأ أي راو واحد (قبل الصحابي) متعلق بما بعده من أي موضع كان، وإنما قيد به لأنه لو كان الساقط صحابياً لكان مرسلاً، وجملة قوله: (سقط) صفة لواحد أي ساقط، وقيد به لأنه لو كان مبهماً كفلان فلا يسمى منقطعاً عند الأكثرين، بل متصل في سنده مجهول (منقطع) خبر لمحذوف أي فالسَّند منقطع، والجملة خبر لواحد بتقدير رابط أي بسببه، وتقدير الكلام وواحد ساقط قبل الصحابي فالسَّند منقطع بسببه ولو قال: إِنْ وَاحِدٌ قَبْلَ الصَّحَابِيِّ سَقَطْ مُنْقَطِعٌ إلخ لكان أوضح. وحاصل المعنى: أن المنقطع هو ما سقط من رواته راو واحد قبل الصحابي من أيّ موضع كان فخرج بقيد الواحد المعضل، وبما قبل الصحابي المرسل، فهو مغاير له لكن عند إطلاق الاسم، وأما عند استعمال الفعل المشتق فيستعمل الإرسال فقط فيقال: أرسله فلان سواء كان مرسلاً أو منقطعاً قاله الحافظ رحمه الله. وهذا هو المشهور في تعريف المنقطع وفيه أقوال أخر أشار إلى بعضها بقوله: (قيل أو الصاحب) أي أو سقط الصحابي (قط) أي فحسب. والمعنى أن بعضهم قال: إن المنقطع يطلق أيضاً على ما سقط منه الصحابي فقط وعلى هذا فالمنقطع يشمل المرسل. وعبارة العراقي أولى،

وهي: وقيل: ما لم يتصل أي أن المنقطع هو الذي لم يتصل إسناده ولو كان الساقط أكثر من واحد فيدخل فيه المرسل والمعضل والمعلق، والحاصل على هذا القول أن المنقطع أعم. واعلم أنهم اختلفوا في المنقطع على أقوال: الأول أن المنقطع ما سقط من رواته واحد قبل الصحابي. والثاني ما حكي عن الحاكم وغيره من أهل الحديث أنه ما سقط منه قبل الوصول إلى التابعي شخص واحد، وإن كان أكثر من واحد في موضع سمي معضلاً، وإن لا فمنقطع في موضعين ويسمى المعضل أيضاً منقطعاً، فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلاً قال العراقي: فقول الحاكم قبل الوصول إلى التابعي ليس بجيد فإنه لو سقط التابعي لكان منقطعاً. الثالث ما قاله ابن عبد البر: المنقطع ما لم يتصل إسناده والمرسل مخصوص بالتابعي فالمنقطع أعم والمرسل بعض صوره. الرابع ما قاله ابن الصلاح عن بعضهم: إن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شامل لكل ما لم يتصل إسناده. قال: وهذا المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وهو الذي حكاه الخطيب في كفايته أفاده العلامة محمد بن إبراهيم في كتابه تنقيح الأنظار. ثم إن المنقطع بالتعريف الأول لا يشترط أن يكون الساقط في موضع واحد بل لو كان أكثر من واحد يسمى منقطعاً أيضاً بشرط أن لا يتوالى وإليه أشار بقوله: 136 - مُنْقَطِعٌ مِنْ مَوْضِعَيْنِ اثْنَيْنِ لا ... تَوَالِيًا وَمُعْضَلٌ حَيْثُ وَلا (منقطع) خبر لمحذوف أي هو منقطع (من موضعين) متعلق به (اثنين) بالنصب في نسخة المحقق خبراً لكان المحذوفة مع أداة الشرط أي إن كان اثنين واسم كان يعود إلى الساقط المفهوم من سقط السابق. والمعنى أن الساقط من السَّند إن كان اثنين يقال له منقطع من

موضعين ومثله ما إذا كان أكثر من موضعين بشرط عدم التوالي كما أشار إليه بقوله: (لا تواليا) صفة لاثنين أي غير متواليين ولو قال بدل هذا البيت: وَإنْ بِلَا وِلَاءٍ أكْثَرُ حُذِفْ ... فَقَيِّدَنْ أوْلاَ فَمُعْضَلاً عُرِفْ لكان أوضح. أي وإن حذف أكثر من واحد بغير توال فَسَمِّهِ منقطعاً بقيد كأن تقول منقطع من موضعين أو ثلاثة أو أربعة، والحاصل أنه إذا كان الساقط أكثر من واحد بشرط عدم التوالي فهو منقطع أيضاً، لكنه مقيد بأنه منقطع من موضعين، أو من ثلاثة أو أربعة وهلم جرا، وأما إذا كان مع التوالي فهو يسمى معضلاً، وهو النوع العاشر كما أشار إليه بقوله (ومعضل) بفتح الضاد المعجمة من الرباعي المتعدي، يقال: أعضله فهو معضل وعضيل كما سمع في أعقدت العسَلَ فهو عَقِيد بمعنى مُعْقَد، وأعله المرض فهو عليل بمعنى معل، وفعيل بمعنى مفعل إنما يستعمل في المتعدي، والعضيل الأمر المستغلق الشديد ففي الحديث " إن عبداً قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم شأنك فأعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبان " الحديث رواه أحمد وابن ماجه. قاله المنذري. قال أبو عبيد: هو من العضال الأمر الشديد الذي لا يقوم له صاحبه انتهى، فكأن المحدث الذي حدث به أعضله حيث ضيق المجال على من يوفيه إليه، وحال بينه وبين معرفة راويه بالتعديل والتجريح وشدد عليه الحال، ويكون ذلك الحديث معضلًا لإعضال الراوي له هذا تحقيق لغته وبيان استعارته هكذا حققه العلامة السخاوي في فتح المغيث. وأما اصطلاحاً فهو الذي سقط منه اثنان فصاعدا مع التوالي كما أشار إليه بقوله (حيث ولا) بكسر الواو والقصر للضرورة مصدر وَالَى بمعنى تابع نائب فاعل لمحذوف، أي حيث وجد ولاء، أي تتابع بين الساقطين.

فقوله معضل خبر لمحذوف أي هو معضل أي السَّند الذي سقط منه اثنان يسمى بالمعضل والظرف خبر لمحذوف أيضاً أي وذلك كائن حيث وجد ولاء. والحاصل أن المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان فأكثر مع التوالي، ويسمى المعضلُ أيضاً منقطعاً، ويسمى مرسلاً عند الفقهاء وغيرهم قاله النووي، وقال السخاوي: ولعدم التقييد باثنين قال ابن الصلاح: وقول المصنفين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبيل المعضل، يعني كما قيل بمثله في المرسل والمنقطع، وسواء في سقوط اثنين الصحابي والتابعي أو اثنان بعدهما من أي موضع كان كل ذلك مع التقييد بالرفع الذي استغنى عن التصريح به بما يفهم من القسم الثاني. وعلم بهذا أنه أعم من المعلق من وجه ومباين للمقطوع والموقوف وكذا مباين للمرسل والمنقطع بالنظر لكثرة استعمالهم فيهما اهـ كلام السخاوي. ولما كان للمعضل قسم آخر غير ما تقدم أشار إليه بقوله: 137 - وَمِنْهُ حَذْفُ صَاحِبٍ وَالْمُصْطَفَى ... وَمَتْنُهُ بِالتَّابِعِيِّ وُقِفَا (ومنه) أي من المعضل خبر مقدم لقوله (حذف صاحب) أي صحابي من السَّند، وحذف الرسول (المصطفى) - صلى الله عليه وسلم - (ومتنه) أي متن ذلك السَّند مبتدأ (بالتابعي) أي عليه متعلق بـ (وقفا) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق خبر المبتدإ والجملة حال من حذف أي والحال أن ذلك المتن موقوف على التابعي. وحاصل معنى البيت أن من المعضل ما حذف منه الصحابي والنبي - صلى الله عليه وسلم - معاً ووقف متنه على التابعي، وهكذا أطلقه الناظم تبعاً للعراقي، ولكن لا بد من كون ذلك الحديث متصلاً مرفوعاً عند ذلك التابعي من جهة أخرى وإلا فقد يكون ذلك من كلام ذلك التابعي فيكون مقطوعاً أو منقولاً

عن الإسرائليات، فالأولى ما عبر به النووي في التقريب حيث قال: وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثاً وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل أفاده المحقق، قال في التدرب نقلًا عن الحافظ أن شرط ما ذكر أمران: أحدهما أن يكون مما يجوز نسبته إلى غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن فمرسل، الثاني: أن يروي مسنداً من طريق ذلك الذي وقف عليه فإن لم يكن فموقوف لا معضل لاحتمال أنه قاله من طريق عنده فلم يتحقق شرط التسمية من سقوط اثنين. اهـ، بتغيير يسير، وهذا الرأي للحاكم رحمه الله نقله عنه ابن الصلاح، ومثاله حديث الأعمش عن الشعبي: " يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه " الحديث أعضله الأعمش وهو عند الشعبي متصل مسند أخرجه مسلم في صحيحه وساقه من حديث فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس قال كنا عند رسول الله فذكر الحديث، قال ابن الصلاح وهذا جيد حسن لأن الانقطاع بواحد مضموماً إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابي وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى اهـ. وقال ابن جماعة: وفيه نظر أي لأن مثل ذلك لا يقال من قبل الرأي فحكمه حكم المرسل وذلك ظاهر لا شك فيه قاله في التدريب، قلت لكن قدمنا عن الحافظ أنه يشترط لما قاله ابن الصلاح شرطان فمسقط الاعتراض، فتأمل. وقال السخاوي رحمه الله ثم إنه قد يكون الحديث معضلاً ويجيء من غير طريق من أعضله متصلاً كحديث خليد بن دعلج (¬1) عن الحسن " أخَذَ المؤمن عن الله أدباً حسناً إذا وسع عليه وسع وإذا قتر عليه قتر " فهو مروي من حديث معاوية بن عبد الكريم الضال عن أبي حمزة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - رفعه به. ذكره الحاكم اهـ. قلت لكن هذا لا يتمشى مع ما ذكرنا عن الحافظ من اشتراط كونه متصلاً عمن أعضله فتدبر. ¬

_ (¬1) بوزن جعفر.

(واعلم) أنه قد وقع كما قال الحافظ التعبير بالمعضل في كلام جماعة من أئمة الحديث فيما لم يسقط منه شيء ألبتة بل لا إشكال في معناه، وذكر لذلك أمثلة، قال: فإما أن يكون يطلق على كل من المعنيين، أو يكون المعرف به وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد، والواقع في كلامهم بكسرها ويعنون به المستغلِقَ الشديدَ أي الإسناد والمتن، قال: وبالجملة فالتنبيه عليه كان متعيناً قاله السخاوي رحمه الله. (تنبيه) لم يذكر الناظم حكم المنقطع والمعضل كما ذكر حكم المرسل كما يأتي، قال الحافظ: وقد قال ابن السمعاني: من منع قبول المراسيل فهو أشد منعاً من قبول المنقطعات ومَن قَبِلَ المراسيل اختلفوا. ونقل عن الجُوزجاني أنه قال: المعضل أسوأ حالًا من المنقطع، وهو أسوأ حالاً من المرسل وهو لا تقوم به حجة. قال الصنعاني: إنما يكون المعضل أسوأ حالاً من المنقطع إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد فأما إذا كان في موضعين أو أكثر فإنه يساوي المعضل في سوء الحال. اهـ، كلام الصنعاني. (تَتِمَّة) قوله من موضعين اثنين لا تواليا من زياداته.

(المرسل)

(الْمُرسَل) أي هذا مبحثه وهو النوع الحادي عشر من أنواع علوم الحديث وإنما أخره الناظم عن المنقطع والمعضل مع أن غيره قدمه لأنه ذكر المتصل مع المنقطع والمعضل للمناسبة فكانا أولى بالتقديم وإن كانا أسوأ حالاً من المرسل لذلك، والمرسل اسم مفعول جمعه مراسيل بإثبات الياء وحذفها مأخوذ من الإرسال وهو الإطلاق وعدم المنع، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ) الآية. فكان المُرسِلَ أطلق الإسناد ولم يقيده براوٍ معروف، أو من قولهم ناقة مِرْسَال أي سريعة السير كأن المُرسِلَ أسرع فيه عَجِلا فحذف بعض إسناده، قال كعب بن زهير من البسيط: أمسَتْ سُعَادُ بِأرْض لَا يُبَلِّغُهَا ... إِلَّا العِتَاقُ النَجِيبَاتُ الْمَرَاسِيل أو من قولهم جاء القوم أرسالاً أي متفرقين لأن بعض الإسناد منقطع من بقيته أفاده السخاوي، هذا معناه لغة، وأما اصطلاحاً ففيه أقوال أشار إليها الناظم بقوله: 138 - الْمُرْسَلُ الْمَرْفُوعُ بِالتَّابِعِ، أَوْ ... ذِي كِبَرٍ، أَوْ سَقْطُ رَاوٍ قَدْ حَكَوْا 139 - أَشْهَرُهَا الأَوَّلُ ......... ... ................... القول الأول ما أشار إليه بقوله (المرسل المرفوع) مبتدأ وخبر أي

المرسل في اصطلاح أهل الحديث هو الحديث المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قولاً أو فعلاً أو نحوهما (بالتابع) متعلق بالمرفوع والباء سببية أي بسببه أو بمعنى مع على حذف مضاف أي مع ذكر التابع في السَّند، وفي نسخة الشارح باللام وهو واضح. وحاصلِ المعنى أن المرسل اصطلاحاً هو قول التابعي مطلقاً كبيراً كان أو صغيراَ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا أو فَعَل كذا أو فُعِلَ بحضرته كذا أو نحو ذلك. قال السخاوي: وعبر عنه بعضهم بإسقاط الصحابي من السَّند وليس بمتعين فيه، ونقل الحاكم تقييدهم له باتصال سنده إلى التابعي، وقيده في المدخل بما لم يأت اتصاله من وجه آخر، وكذا قيده الحافظ بما سمعه التابعي من غير النبي - صلى الله عليه وسلم - لِيُخْرِجَ مَن لقيه كافراً فسمع منه كالتَّنُوخِيِّ رسول هرقل فَإِنه مع كونه تابعياً محكوم لما سَمِعَه بالاتصال لا الإرسال وهو متعين وكأنهم أعرضوا عنه لندوره وخرج بقيد التابعي مرسل الصحابي كبيراً كان أو صغيراً وسيأتي، والتابع والتابعيّ هو من لقي الصحابي، والكبير هو الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم وكانت جُلُّ روايته عنهم، كعُبَيد الله بن عَدِيّ بن الخِيَار، وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، والصغير هو الذي لم يلق منهم إلا العدد اليسير، أو لقي جماعة إلا أن جُلَّ روايته عن التابعين: كالزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري. اهـ كلام السخاوي بتغيير. وحاصل هذا القول أن المرسل مرفوع التابعي مطلقاً، وأشار إلى القول الثاني بقوله (أو) لتنويع الخلاف أي قال بعضهم المرسل هو مرفوع تابعي (ذي كبر) أي كبير فذي معطوف على التابع أي تابع ذي كبر فكأنه قال المرسل المرفوع بالتابع مطلقاً أو بالتابع الكبير وتقدم معناه. وحاصل المعنى على هذا القول: أن المرسل هو مرفوع التابعي الكبير قال السخاوي: كما هو مقتضى القول بأن مرفوع صغير التابعين إنما

يسمى منقطعاً، قال ابن عبد البر في مقدمة التمهيد: المرسل أوقعوه بالإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومثل بجماعة منهم، قال وكذلك من دونهم وسمى جماعة قال: وكذلك سمي من دونهم أيضاً ممن صح له لقاء جماعة من الصحابة ومجالستهم، قال: ومثله أيضاً مرسل من دونهم فأشار بهذا الأخير إلى مراسيل صغار التابعين ثم قال: وقال آخرون: لا، " يعني لا يكون حديث صغار التابعين مرسلاً " بل يسمى منقطعاً لأنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد أو الاثنين، فأكثر روايتهم عن التابعين. وإلى هذا الاختلاف أشار ابن الصلاح بقوله: وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم؛ قال الحافظ: ولم أر التقييد بالكبير صريحاً عن أحد منهم نعم قيد الشافعي المرسل الذي يقبل إذا اعتضد بأن يكون من رواية التابعي الكبير، ولا يلزم من ذلك أنه لا يسمى ما رواه التابعي الصغير مرسلاً بل الشافعي صرح بتسمية رواية من دون كبار التابعين مرسلة. اهـ كلام السخاوي بتغيير يسير. ثم أشار إلى القول الثالث بقوله: (أو) لتنويع الخلاف أيضاً (سقط) بفتح فسكون بمعنى سقوط وهو عطف على المرفوع على حذف مضاف أي المرسلُ ذو وسقوطِ (راوٍ) من سنده، يعني أن بعضهم قال: إن المرسل هو ما سقط من سنده راو سواء كان في أوله أو آخره أو بينهما واحداً أو أكثر، كما يومئ إليه تَنكيرُ رَاوٍ وجَعْلُهُ اسمَ جنس ليشمل راوياً فأكثر بحيث يدخل فيه المنقطع والمعضل والمعلق. وهذا القول حكاه ابن الصلاح عن الفقهاء والأصوليين، بل وعن الخطيب فإنه قال: والمعروف في الفقه وأصوله أن ذلك كله أي المنقطع والمعضل يسمى مرسلاً، قال: وإليه ذهب من أهل الحديث الخطيبُ وقطع به، ونحوُهُ قولُ النووي في شرح مسلم: المرسل عند الفقهاء والأصوليين

والخطيبِ وجماعةٍ من المحدثين: ما انقطع إسناده على أي وجه كان فهو عندهم بمعنى المنقطع فإن قوله على أي وجه كان يشمل الابتداء والانتهاء وما بينهما والواحد فأكثر اهـ. وممن صرح بنحوِهِ من المحدثين الحاكم، في المدخل، ولكن مشى في علومه بخلافه، وصرح به أيضاً البغوي في شرح السنة، وأبو نعيم في مستخرجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، ثم الدارقطني، ثم البيهقي، بل صرح البخاري في حديث لإبراهيم بن يزيد النخعي عن أبي سعيد الخدري بأنه مرسل لكون إبراهيم لم يسمع منه، وكذا صرح أبو داود في حديث لعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود بأنه مرسل لكونه لم يدركه، والترمذي في حديث لابن سيرين عن حكيم بن حزام، ومشى عليه أبو داود في مراسليه وغيرهم أفادهُ السخاوي. وقوله (قد حكوا) جملة حالية مما تقدم من الأقوال أي حال كون العلماء قد حكوها في تعريف المرسل (أشهرها الأول) مبتدأ وخبر، أي أشهر الأقوال الثلاثة عند المحدثين، والأكثر في استعمالهم هو القول الأول، كما قاله الخطيب في كفايته، قال عقب حكايته الثالث إلا أن أكثر ما يوصف الإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أما ما رواه تابع التابعي فيسمونه المعضل. وصرح الحاكم في علومه بأن مشايخ الحديث لم يختلفوا أنه هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي، ثم يقول التابعي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووافقه غيره على حكاية الاتفاق، قاله السخاوي. قلت لكن في دعوى الاتفاق نظر لما تقدم من القول الثالث إلا أن يقال: أن المراد اتفاق الأكثرين فتأمل، ثم ذكر حكمه فقال: .................. ثُمَّ الْحُجَّةُ ... بِهِ رَأَى الأَئِمَّةُ الثَّلاثَةُ 140 - وَرَدُّهُ الأَقْوَى، وَقَوْلُ الأَكْثَرُ ... كَالشَّافِعِيْ، وَأَهْلِ عِلْمِ الْخَبَرِ

(ثم) بعد أن عرفت الأقوال في تعريفه (الحجة به) بالضم في الأصل هو الدليل والبرهان، واستعمله هنا بمعنى المصدر أي الاحتجاج بالمرسل، وهو مبتدأ خبره جملة قوله (رأى) أي ذهب إليه، يقال: الذي أراه بمعنى أذهب إليه أفاده في المصباح (الأئمة الثلاثة) الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك في المشهور عنه، وجمهور أتباعهما، والإمام أحمد في رواية عنه، وحكاه النووي في شرح المهذب عن كثير من الفقهاء أو أكثرهم، قال: ونقله الغزالي عن الجماهير، وقال أبو داود في رسألته: وأما المراسيل فقد كان أكثر العلماء يحتجون بها فيما مضى، مثل سفيان الثَّوري، ومالك، والأوزاعي، حتى جاء الشافعي رحمه الله فتكلم في ذلك وتابعه عليه أحمد وغيره انتهى. قال السخاوي فكأرْ من لم يذكر أحمد في هذا الفريق رأى ما في الرسالة أقوى مع ملاحظة صنيعه في العلل وكونه يعمل بالضَّعِيف الذي يندرج فيه المرسل فذاك إذا لم يجد في الباب غيره اهـ. ثم إن قبوله مشروط كما قال ابن عبد البر وغيره بما إذا لم يكن المرسل ممن لا يحترز ويرسل عن غير الثقات، وإلا فلا خلاف في رده قاله النووي في شرح المهذب، وقال غيره: محل قبوله عند الحنفية إذا كان مرسله من أهل القرون الثلاثة المفضلة، فإن كان من غيرها فلا، لحديث " ثم يفشوا الكذب ". ثم إن المحتجين به اختلفوا أهو أعلى من المسند، أو دونه، أو مثله، وتظهر فائدة الخلاف عند التعارض، والذي ذهب إليه أحمد وأكثر المالكية والمحققون من الحنفية كالطحاوي وأبي بكر الرازي تقديم المسند، قال ابن عبد البر: وشبهوا ذلك بالشهود يكون بعضهم أفضل حالًا من بعض وأقعد وأتم معرفة وإن كان الكل عدولاً جائِزِي الشهادة انتهى. وذهب آخرون إلى أنه أعلى وأرجح من المسند ووجهوا ذلك بأن من أسند فقد أحالك على إسناده والنظرِ في أحوال رواته والبحثِ عنهم ومن

أرسل مع علمه ودينه وإمامته وثقَتِهِ فقد قطع لك بصحته، وكفاك النظرَ فيه، ومحل الخلاف فيما قيل إذا لم ينضم إلى الإرسال ضعف في بعض رواته، وإلا فهو حينئذ أسوأ حالاً من مسند ضعيف جزما، ولذا قيل: إنهم اتفقوا على اشتراط ثقة المُرْسِلِ وكونه لا يرسل إلا عن الثقات قاله ابن عبد البر وأبو الوليد الباجيُّ من المالكية، وأبو بكر الرازي من الحنفية. ومن الحجج لهذا القول أن احتمال الضعف في الواسطة حيث كان تابعياً لا سيما بالكذب بعيد جداً، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أثنى على عصر التابعين وشهد له بعد الصحابة بالخيرية ثم للقرنين بعده بحيث استدل بذلك على تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل، فإرسال التابعي بل ومن اشتمل عليه باقي القرون الثلاثة الحديث بالجزم من غير وثوق بمن قاله منافٍ لها مع كون المرسل عنه ممن اشترك معهم في هذا الفضل قاله السخاوي. (ورده الأقوى) مبتدأ وخبر أي رد الاحتجاج بالمرسل هو الرأي الأقوى لقوة دليله (و) هو (قول الأكثر) من العلماء المحققين وذلك (كـ) الإمام القدوة رأس الفقهاء والمحدثين أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع (الشافعي) فإنه - رضي الله عنه - أول من رد المرسل على ما قيل إلا أنه يرد بما نُقِل عن سعيد بن المسيب ومالك في رواية عنه، وإن كان المشهور خلافها وبما نقل عن الزهري وابن سيرين وابن مهدي ويحيى القطان، إلا أن يقال أن اختصاص الشافعي به لمزيد التحقيق فيه، (وأهل علم الخبر) بالجر عطف على الشافعي، أي وكأهل علم الحديث كما حكاه عنهم مسلم في صدر صحيحه وابنُ عبد البر في التمهيد، وحكاه الحاكم عن ابن المسيب ومالك وهو قول كثير من الفقهاء والأصوليين وأهل النظر. واستدلوا بجهل حال المحذوف لأنه يحتمل أن يكون غير صحابي، وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون ضعيفاً، ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون حَمَلَ عن تابعي آخر وهكذا فيعود الاحتمال

المذكور ويتعدد إِمَّا بالتجويز العقلي فإلى ما لا نهاية له، أو بالاستقراء فإلى ستة، أو سبعة وهو أكثرُ مَا وُجِدَ من رواية التابعين بعضهم عن بعض أفاده الحافظ. وإن اتفق أن يكون المُرْسِلُ لا يروي إلا عن ثقة فالتوثيق مع الإبهام غير كاف كما سيأتي ولأنه إذا كان المجهول المسمى لا يقبل حتى يوثق فالمجهول عينا وحالًا أولى أفاده في التدريب، ثم إن ما ذكر من رد المرسل ليس على إطلاقه بل له حالات يعمل به فيها كما أشار إلى ذلك بقوله. 141 - نَعَمْ بِهِ يُحْتَجُّ إِنْ يَعْتَضِدِ ... بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ بِمُسْنَدِ 142 - أَوْ قَوْلِ صَاحِبٍ أَوْالْجُمْهُورِ أَوْ ... قَيْسٍ وَمِنْ شُرُوطِهِ كَمَا رَأَوْا 143 - كَوْنُ الَّذِي أَرْسَلَ مِنْ كِبَارِ ... وَإِنْ مَشَى مَعْ حَافِظٍ يُجَارِي 144 - وَلَيْسَ مِنْ شُيُوخِهِ مَنْ ضُعَّفَا ... كَنَهْيِّ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالأَصْلِ وَفَا (نعم) بفتحتين وقد تكسر العين كلمة كبلى إلا أنه في جواب الواجب. اهـ " ق "، وقال في التاج، نقلا عن المغني وشروحه: إنه حرف تصديق بعد الخبر وَوَعْدَ بَعْدَ افْعَل ولا تفعل، وبعد استفهام كهل تعطيني، وإعلام بعد استفهام ولو مقدراً اهـ. قلت: والمناسب هنا من هذه المعاني هو الأخير بتقدير الاستفهام كأنه قيل هل يحتج بالمرسل بشرط فأجاب بقوله نعم (به) أي بالمرسل (يحتج) بالبناء للمفعول أي يحتج به عند القائلين بعدم حجيته لما تقدم، بشرطٍ أشار إليه بقوله (إن) شرطية (يعتضد) بالبناء للفاعل يقال عَضَده من باب نصر: إذا أعانه واعتضدت به استعنت (ق) باختصار. والمراد هنا إن تقوى يعني أنه يحتج به إن تقوى بأحد أمور تأتي، وشذ القاضي أبو بكر (¬1) فقال: لا أقبل المراسيل ولا في الأماكن التي قبلها ¬

_ (¬1) هو أبو بكر الصيرفي، كما يأتي.

الشافعي حسماً للباب بل ولا مرسل الصحابي إذا احتمل سماعه من تابعي وهو مردود، ثم شرع يذكر العاضد وهو أمور الأول ما ذكره بقوله (بمرسل آخر) متعلق بما قبله أي يحتج به إن اعتَضَدَ بمرسل آخر يرويه المرسل من غير شيوخ الأول كما نقل عن نص الشافعي رحمه الله واحترز به كما قال بعض المحققين عن مثل مرسل أبي العالية في انتقاض الوضوء بالقهقهة في الصلاة فإنه روي من مرسلات غيره لكن تتبعت فوجدت كلها ترجع إلى مرسل أبي العالية ذكره الشارح. ثم ذكر العاضد الثاني بقوله: (أو) يعتضد (بمسند) أي مرفوع متصل يجيء من وجه آخر صحيح أو حسن أو ضعيف، وفائدة قبول المرسل إذا جاء مسنداً عن ثقات انكشاف صحته فيكونان حديثين فإذا عارضهما مسند آخر كانا أرجح منه لاعتضاد المرسل بالمسند. والحاصل أن المسند إن كان صحيحاً أو حسناً يتبين به صحة المرسل فيصيران دليلين يرجحان على مسند آخر ليس له إلا طريق واحد. وإن كان ضعيفاً حصل به لهما قوة فيتقوى كل منهما بالآخر، ثم ذكر العاضد الثالث فقال (أو) يعتضد بقول (صاحب) أي صحابي لأن الظن يقوى عنده فيدل على أن له أصلاً في الشريعة، وقد احتج بعضهم بالمرسل، وبعضهم بقول الصحابي، فإذا اجتمعا تأكد أحدهما بالآخر قاله الشارح، ثم ذكر العاضد الرابعِ فقال (أو) يعتضد بقول (الجمهور) بالضم هو من النَّاس جُلُّهم ومعظمُ كُل شيء كما في " ق " أي أكثر العلماء يعني أنه إذا أفتى أكثر العلماء بموافقة المرسل قبل. ثم ذكر العاضد الخامس فقال (أو) يعتضد بـ (قيس) بفتح فسكون مصدرٌ، يقال قاسه بغيره، وعليه يقيسه قَيْساً وقِيَاساً واقتاسه قدره على مثاله أفاده في " ق " هذا في اللغة، وأما اصطلاحاً فهو إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما كإلحاق النبيذ بالخمر في الحرمة للإسكار. قال بعضهم ولو قياسَ معنى وهو ما فُقِد فيه العلة، وكان الجمع بنفي

الفارق، كما روى الشافعي عن الثقة عن الزهري قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر المؤذنين في العيد فيقولون الصلاة جامعة، قال الحافظ في الفتح وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف لثبوت ذلك فيها اهـ. وهذا العاضد زاده الأصوليون كما أفاده في التدريب. فهذه جملة العاضدات المشهورة وهي خمسة أكثرها مأخوذ من كلام الشافعي - رضي الله عنه - وصرح بعضهم بأنها بضعة عشر. والله أعلم. ولما كان الشافعي رحمه الله قيد المرسل الذي اعتضد بمرسل كبار التابعين ومن إذا سمى من أرسل عنه سمى ثقة وإذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه أشار إليه بقوله: (ومن شروطه) جار ومجرور خبر مقدم لكونُ، أي شروط قبول المرسل المعتضدِ للاحتجاج به (كما رأوا) أي العلماء المحققون من نص الشافعي رحمه الله في الرسالة (كون) الشخص (الذي أرسل) الحديث (من كبار) التابعين وتقدم تعريفه، وأما صغار التابعين فلا يقبل مرسلهم مطلقاً لأمور: منها أنهم أشد تجوزاً فيمن يروون عنه، ومنها أنهم يوجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مَخْرَجه، ومنها كثرة الإحالة في الأخبار، وإذا كثرت الإحالة فيها كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه كما نقل معنى ذلك من كلام الشافعي رحمه الله. (و) كون الذي أرسل (إن) شرطية (مشى) في حديثه (مع حافظ) من الحفاظ (يجاري) بالجيم يقال جاراه مُجَاراة جرى معه " ق " والمراد يوافقه ولا يخالفه وهو جواب الشرط، ورفع لكون فعل الشرط ماضياً، قال ابن مالك. وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ والمعنى أن من شروط قبول المرسل المعتضد أيضاً كونَ المرسل إذا شارك أهل الحفظ في أحاديثهم وافقهم، ولم يخالفهم، نعم لو خالفهم بنقصِ لفظٍ لا يختل معه المعنى، فإن ذلك لا يضر كما يؤخذ من نص الشافعي رحمه الله.

وهذا الذي شرحنا به هذا الشطر هو ما في نسخة المحقق، وهو الموافق لما في العراقي، والمفهوم من كلام الشافعي، وأما الشارح فجعل أنْ بفتح الهمزة مصدرية وجعل يجاري " بخاري " في صحيحه فشرحه على هذا المنوال فأورثه ركاكة لا تخفى على بصير فتنبه. (و) كونه أيضاً (ليس في شيوخه) خبر مقدم أي الذين يروي عنهم الحديث، أو الذين أرسل عنهم بحيث إذا عين شيخه في مرسله في رواية أخرى (من) اسم ليس مؤخراً (ضعفا) ككرم أي شخص ضعيف، ويجوز تشديد عينه، أي شخص منسوب إلى الضعف. والمعنى أنه يلتزم الرواية عن الثقات بحيث إذا عين شيخه في مرسله في رواية أخرى أو في مطلق حديثه حسبما يحتمله كلام الشافعي لا يسمى مجهولاً ولا مرغوباً عن الرواية عنه. والحاصل أن الشروط ثلاثة: الأول: كونه من كبار التابعين، والثاني كونه إذا شارك أهل الحفظ في أحاديثهم وافقهم إلا بما لا يضر كنقص لفظ لا يختل معه المعنى، والثالث روايته عن الثقات. قال السخاوي رحمه الله: وكل من هذه الشروط صفة للمرسِل بالكسر دالة على صحة مرسَله بالفتح أي المروي عنه، وثالثها يعني روايته عن الثقات جَارٍ في كل راوٍ أرسل أو أسند .. ثم ذكر مثالاً للمعتضد المستوفي للشروط فقال (كنهي بيع اللحم) خبر لمحذوف تقديره وذلك كائن كنهي بيع اللحم (بالأصل) أي الحيوان، وذلك ما قاله الشافعي رحمه الله في مختصر المزنى: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نهى عن بيع اللحم بالحيوان " وعن ابن عباس - رضي الله عنه - " أن جزورا نُحِرَت على عهد أبي بكر - رضي الله عنه - فجاء رجل بعناق فقال: أعطوني جزءاً بهذه العناق فقال: أبو بكر لا يصلح هذا " وكان القاسم بن محمد وابن المسيب

وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن يحرمون بيع اللحم بالحيوان، قال: وبهذا نأخذ ولا نعلم أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالف أبا بكر الصديق - رضي الله عنه -، وإرسال ابن المسيب عندنا حسن انتهى. قال في التدريب: واختلف أصحابنا في معنى قول الشافعي: وإرسال ابن المسيب عندنا حسن على وجهين: أحدهما: أنها حجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل، لأنها فُتِّشَتْ فوُجِدَت مسندة، والثاني: أنها ليست بحجة كغيرها وإنما رجح بها، والترجيح بالمرسل جائز، قال الخطيب: وهو الصواب والأول ليس بشيء، لأن في مراسيله ما لم يوجد مسنداً بحال من وجه يصح وكذا قال البيهقي اهـ. ولما كان هذا الحديث الذي أورده الشافعي من مراسيل سعيد يصلح مثالاً لأقسام المرسل المقبول أشار إلى ذلك بقوله: (وفى) أي أن هذا المثال الواحد تم به المثال لكلها، يقال: وَفَى الشيءُ وُفِيَّاً بالضم، فهو وفى، وواف: إذا تم أفاده في " ق " يعني أنه مثال تام لا يحتاج معه إلى أمثلة أخرى لصلاحه (¬1) لها، وذلك لأنه عضده قول صحابي، وأفتى أكثر أهل العلم بمقتضاه، وله عاضد آخر أرسله من أخَذَ العلمَ عن غير رجال الأول، وعاضد آخر مسند، فروى البيهقي من طريق الشافعي: عن مسلم بن خالد، عن ابن جريح، عن القاسم بن أبي بَزَّة قال: قدمت المدينة فوجدت جزوراً قد نحرت فجزءت أربعة أجزاء كل جزء منها بعناق فأردت أن أبتاع منها جزءاً فقال رجل من أهل المدينة: إنه - صلى الله عليه وسلم -: " نهى أن يباع حي بميت " فسألت عن ذلك الرجل فأُخْبِرْتُ عنه خيراً، فالظاهر أن هذا الرجل غيرُ ابن المسيب، إذ هو أشهر من أن لا يعرفه ابن أبي بَزة حتى يسأل عنه. ¬

_ (¬1) قوله لصلاحه إلخ: أي لما اعتضد بما ذكره الشافعي لا لجميع ما ذكر من العاضدات لأنه بَقِيَ العاضد القياسي الذي زاده الأصوليون فتأمل.

قال البيهقي: ورويناه من حديث الحسن عن سمرة عنه - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن الحفاظ اختلفوا في سماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة، فمنهم من أثبته، فيكون مثالاً للفصل الأول يعني ما له شاهد مسند ومنهم من لم يثبته فيكون أيضاً مرسلًا انضم إلى مرسل سعيد انتهى. (فائدة) جملة الأقوال في الاحتجاج بالمرسل عشرة: حجة مطلقاً، لا يحتج به مطلقاً، يحتج به أن أرسله أهل القرون الثلاثة، يحتج به إن لم يرو إلا عن عدل، يحتج به إن أرسله سعيد فقط، يحتج به إن اعتضد، يحتج به إن لم يكن في الباب سواه، هو أقوى من المسند، يحتج به ندباً لا وجوباً، يحتج به إن أرسله صحابي. أفاده في التدريب. ونظمت ذلك بقولي: وَجُمْلَةُ اْلأقْوَالِ فِي اْلمَرَاسِلِ ... عَشَرَة كَامِلَةٌ فاسْتَفْصِلِ بهِ احْتِجَاجٌ مُطْلَقَاً وَقِيلَ لَا ... أوْ إنْ أتَى عَن اْلقُرُونِ اْلفُضَلَا أَوْ إِن رَوَى مَن بِثِقَاتٍ قُيِّدَا ... أوْ عَنْ سَعِيدٍ أوْ يَجِي مُعْتَضِداً أوْ لَمْ يَكُنْ فِي اْلبَابِ جَا سِواهُ ... وَبَعْضُهُمْ مِنْ مُسْنَدٍ أعْلَاهُ أوْ حُجةٌ نَدْباً أوِ الصَّحَابِي ... أرْسَلَهُ فَذَا تَمَامُ الْبَابِ ثم إن ما تقدم كله في مرسل غير صحابي، وأما مرسله فذكره بقوله: 145 - وَمُرْسَلُ الصَّاحِبِ وَصْلٌ فِي الأَصَحْ ... ................... (ومرسل الصاحب) أي الصحابي كلام إضافي مبتدأ خبره قوله (وصل) على حذف مضاف أي ذو وصل، أو موصول، أي محكوم بأنه موصول صحيح يحتج به. والمعنى: أن مرسل الصحابي، وهو الذي يرويه صحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتدل الدلائل على أنه لم يسمعه منه، كما إذا كان متأخر الإسلام، وروى حكايةً عن صدر الإسلام أو كان من صغار الصحابة كابن عباس وابن الزبير فإنه حجة له حكم الوصل المقتضِي للاحتجاج به لأن

غالب روايتهم عن الصحابة وروايتهم عن غيرهم نادرة فإذا رووها بينوها وحيث أطلقوا فالظاهر أنهم عن الصحابة، ولا شك أنهم عدول لا يقدح فيهم الجهالة بأعيانهم، وأيضاً فما يروونه عن التابعين غالبه بل عامته إنما هو من الإسرائيليات وما أشبهها من الحكايات والموقوفات. وهذا الحكم (في) المذهب (الأصح) الذي قطع به الجمهور وأطبق عليه المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بضعف المرسل، وفي الصَّحِيحين منه ما لا يحصى قاله في التدريب. قال السخاوي: بل أهل الحديث وإن سموه مرسلاً لا خلاف بينهم في الاحتجاج به، وإن نقل ابن كثير عن ابن الأثير وغيره فيه خلافاً اهـ. ومقابل الأصح قول الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني وغيره من أئمة الأصول: إِنه لا يحتج به. ثم بين حكم من سمع في كفره فاداه بعد ما أسلم فقال: ............... ... . كَسَامِعٍ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ اتَّضَحْ 146 - إِسْلامُهُ بَعْدَ وَفَاةٍ ......... ... ................. (كسامع) خبر لمحذوف أي الحكم المذكور كحكم سامع من النبي - صلى الله عليه وسلم - (في) حال (كفره) متعلق بما قبله (ثم) أسلم و (اتضح) أي ظهر (إسلامه) أي ذلك السامع (بعد وفاة) أي موت النبي - صلى الله عليه وسلم -. والمعنى: أن من سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قبل إسلامه ثمَّ أسلم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه وإن كان تابعياً إلا أن حديثه موصول ليس بمرسل لا خلاف في الاحتجاج به لأن العبرة بالرواية عنه - صلى الله عليه وسلم -، وهذا قد روى عنه وهو وإن كان غير عدل حال التحمل لكنه صار عدلًا عند الأداء وهو المعتبر كما يأتي في باب تحمل الحديث. وذلك كالتنوخي رسولِ هرَقْل، وقيل قيصر، فقد أخرج حديثه الإمام أحمد، وأبو يعلى في مسنديهما وساقاه مساق الأحاديث المسندة.

ثم ذكر حكم رواية صغار الصحابة الذين لا تمييز لهم فقال: ............ وَالَّذِي ... رَآهُ لا مُمَيِّزًا لاَ تَحْتَ ذِي (والذي) مبتدأ: خبره جملة قَولِهِ لا تحت ذي، أي الصحابي الذي (رآه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا مميزاً) حال من الفاعل، أي حال كونه غير مميز (لا تحت ذي) أي لا يدخل حكم روايته تحت المسألة المتقدمة، فلا يقال: إنه مرسل صحابي بل مرسل كسائر المراسيل. والمعنى: أن الصحابي الذي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مميز: كعبيد الله بن عدي بن الخيار، فإن أباه قتل يوم بدر كافراً على ما قال ابن ماكولا، وعد ابن سعد أباه في مسلمة الفتح، وكمحمد بن أبي بكر - رضي الله عنهما -، فإنه ولد عام حجة الوداع فإنهما وأمثالهما يعدون من صغار الصحابة من حيث الرؤية، وأما من حيث الرواية فليست مراسيلهم، كمراسيل الصحابة، فلا يقال: إنها مقبولة كمراسيلهم لأن غالب روايتهم عن التابعين فيقوى احتمال كون الساقط غير صحابي، ويجيء احتمال كونه غير ثقة. (فوائد): الأولى: أنه قد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس - رضي الله عنهما - بسماعها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قيل: أربعة. وهو غريب، وقيل تسعة، وقيل عشرة، وقيل دون العشرين، وقيل خمسة وعشرون. قال السخاوي رحمه الله: قد اعتنى شيخنا، يعني الحافظ ابن حجر رحمه الله بجمع الصَّحِيح والحسن فقط من ذلك فزاد على الأربعين سوى ماهو في حكم السماع، كحكاية حضور شيء فعل بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ. الثانية: قال السخاوي رحمه الله: المراسيل مراتب أعلاها ما أرسله صحابي ثبت سماعه ثم صحابي له رؤية فقط، ولم يثبت سماعه، ثم المخضرم، ثم المتقن كسعيد بن المسيب ويليها من كان يتحرى في شيوخه كالشعبي ومجاهد ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد كالحسن. اهـ.

الثالثة: قال الحاكم في علوم الحديث أكثر ما تروى المراسيل من أهل المدينة عن ابن المسيب، ومن أهل مكة عن عطاءبن أبي رباح، ومن أهل البصرة عن الحسن، ومن أهل الكوفة عن إبراهيم بن يزيد النخعي، ومن أهل مصر عن سعيد بن أبي هلال، ومن أهل الشام عن مكحول قال: وأصحها كما قال ابن معين مراسيل ابن المسيب لأنه من أولاد الصحابة وأدرك العشرة وفقيه أهل الحجاز ومفتيهم وأول الفقهاء السبعة الذين يعتد مالك بإجماعهم كإجماع كافة النَّاس، وقد تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله فوجدوها بأسانيد صحيحة وهذه الشرائط لم توجد في مراسيل غيره، قال: والدليل على عدم الاحتجاج بالمرسل غير المسموع من الكتاب قوله تعالى: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) الآية ومن السنة حديث: " تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم " نقله في التدريب. قلت وفي قوله وقد تأمل الأئمة إلخ ما قدمنا عن الخطيب بأن في مراسيله ما لم يوجد مسنداً بحال من وجه يصح فتأمل. ثم ذكر حكم قولهم عن رجل فقال: 147 - وَقَوْلُهُمْ: عَنْ رَجُلٍ مُتَّصِلُ ... وَقِيلَ: بَلْ مُنْقَطِعٌ أَوْ مُرْسَلُ (وقولهم) مبتدأ أي قول المحدثين وقوله: (عن رجل) مقول القول لقصد لفظه، أي حدثنا فلان عن رجل، وقوله (متصل) خبر المبتدإ، أي هو حديث متصل في إسناده، مجهول، وهو قول الأكثرين، وهو الراجح (وقيل) لا يكون متصلًا (بل) هو (منقطع) ولا يسمى أيضاً مرسلاً، وهذا منقول عن الحاكم أبي عبد الله في معرفة علوم الحديث (أو) لتنويع الخلاف، أي قال بعضهم إنه (مرسل) من المراسيل، وهو منقول عن بعض الأصوليين. وحاصل معنى البيت أنه إذا وقع في الإسناد لّولهم عن رجل أو شيخ أو نحو ذلك مما يبهم الراوي فيه وأمثلته كثيرة ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه

متصل في إسناده مجهول، وهذا هو الراجح الذي عليه أكثر المحدثين، وأرباب النقل كما حكاه الرشيد العطار في كتابه الغرر المجموعة عنهم، واختاره العلائي في كتابه جامع التحصيل. قال السخاوي: ولكن ذلك ليس على إطلاقه بل هو مقيد بأن يكون المبهم (¬1) صرح بالتحديث ونحوه لاحتمال أن يكون مدلساً، وهو ظاهر، وكذا قُيِّد القول بإطلاق الجهالة بما إذا لم يجيء مسمى في رواية أخرى، وإذا كان كذلك فلا ينبغي المبادرة إلى الحكم عليه بالجهالة إلا بعد التفتيش لما ينشأ عنه من توقف الفقيه عن الاستدلال به للحكم مع كونه مسمى في رواية أخرى وليس بإسناده ولا متنه ما يمنع كونه حجة ولذا كان الاعتناء بذلك من أهم المهمات كما سيأتي. وقال السخاوي رحمه الله أيضاً: ما نصه، ثم إن صورة المسألة في وقوع ذلك من غير التابعي، فأما لو قال التابعي عن رجل فلا يخلوا إما أن يصفه بالصحبة أم لا فإن لم يصفه بها فلا يكون ذلك متصلًا لاحتمال أن يكون تابعياً آخر بل هو مرسل على بابه، وإن وصفه بالصحبة فلا يجري عليه حكم الإرسال في نفي الاحتجاج كما صرح به البيهقي في معرفته بل إسناد صحيح لأن الصحابة كلهم ثقة فترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر. اهـ كلام السخاوي باختصار. القول الثاني: أنه منقطع وهذا القول منقول عن الحاكم ونسب إلى عرف المحدثين كما قال ابن الصلاح، وقال العراقي: وصرح به ابن القطان في بيان الوهم والإيهام. الثالث: أنه مرسل وهذا القول حكاه ابن الصلاح عن البرهان لإمام الحرمين. قال العراقي رحمه الله: وكل من هذين القولين خلاف ما عليه الأكثرون من العلماء وأرباب النقل كما حكاه الرشيد العطار عنهم واختاره ¬

_ (¬1) بصيغة اسم الفاعل، أي الذي أبهم الراوي.

العلائي. اهـ. أي فإنهم على القول الأول وأشار إلى ذلك بعضهم بقوله: قُلْتُ الأصَح أنَّهُ مُتَّصِلُ ... لَكِنَّ فِي إسْنَادِهِ مَنْ يُجْهَلُ فتبين بهذا أن ما صححه المحقق ابن شاكرٍ في تعليقه هنا من أنه منقطع، وجعل قول من قال: إنه متصل أبعد الأقوال عن الصواب ليس مما يلتفت إليه فإن المحققين على خلاف قوله، فافهم. ثم ذكر حكم الكتب التي أرسلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعرف حاملها فقال: 148 - كَذَّاكَ فِي الأَرْجَحِ كُتْبٌ لَمْ يُسَمْ ... حَامِلُهَا أَوْ لَيْسَ يُدْرَى مَا اتَّسَمْ (كذاك) أي مثل ما تقدم في قولهم عن رجل خبر مقدم (في الأرجح) أي القول الأقوى حال، أو خبر لمحذوف، أي ذلك في الأرجح، والجملة معترضة بين المبتدإ والخبر، (كتب) مبتدأ مؤخر، وهو بسكون التاء مخفف كتب بضمها جمع كتاب، أي كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الآفاق، وقوله (لَمْ يُسَمْ) بتخفيف الميم للوزن، مضارع سمى مغير الصيغة، وقوله (حاملها) نائب الفاعل ليسم والجملة صفة كتب. والمعنى: أن كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - التي أرسلها إلى الملوك وغيرهم حكمها إذا لم يسم حاملها أنها متصلة في سندها مجهول في الأرجح، وقيل بل منقطعة، وقيل: بل مرسلة، قال في البرهان: وإنما ألحق هذا القسم بالمرسلات من جهة الجهل بناقل الكتب، ولو ذكر من يَعْزُو الخبر إلى الكتاب ناقل الكتاب وحامله التحق بالمسندات. اهـ نقله في التوضيح. قلت: هذا هو التقرير الذي يقتضيه حل النظم من إجراء الأقوال الثلاثة في هذه المسألة، إِلا أني لم أجد أحداً أجرى الخلاف السابق في هذه صريحاً فيما لدي من المراجع، بل كلهم نقل المسألة عن البرهان لإمام الحرمين، وأنه قال: إنها مرسلة ولم يحكي الأقوال الثلاثة فليحرر (أو ليس) حاملها (يدرى) بالبناء للمفعول، أي يعلم (ما اتسم) به، أي ما وصف به، وهو

افتعل من الوسم، يقال: وسمت الشيء وسماً من باب وعد إذ أعلمته أي جعلت له علامة فاتسم بها، يعني أن ذلك الحامل للكتاب سمي باسم لا يعرف به، فاسم ليس ضمير يعود إلى حاملها، وجملة يدرى خبرها، وجملة ليس معطوفة على " لم يسم حاملها ". وحاصل المعنى: أن الكتب المذكورة إذا سمي حاملها باسم لا يعرف به فحكمها كذلك أي أنها متصلة في إسنادها مجهول في الأرجح، وهذا زاده في المحصول وجعله من المرسل. قال السخاوي: وهذا يشمل المهمل كعن محمد، وهو يحتمل جماعة يسمون بذلك، وكذا المجهول إذ لا فرق، قال وممن أخرج المبهمات في المراسيل أبو داود، وكذا أطلق النووي في غير موضع على رواية المبهم مرسلاً اهـ. ثم إن ما ذكر في غير الصحابي، وأما إذا قال التابعي: عن رجل من الصحابة فقد أشار إليه بقوله: 149 - وَرَجُلٌ مِنَ الصِّحَابِ، وَأَبَى ... الصَّيْرَفِيْ مُعَنْعَنًا، وَلْيُجْتَبَى (ورجل من الصحاب) الظاهر أنه عطف على سابقه. فيجري فيه الخلاف السابق، وليس كذلك فالصواب جعله مبتدأ خبره محذوف أي متصل فالأقوال الثلاثة لا تتأتى هنا، وقوله: ورجل يحتمل الرفع والنصب والجر على حكاية الأحوال الثلاثة أي حدثني رجل، أو سمعت رجلًا، أو عن رجل، وقوله: من الصحاب نعت له وهو بالكسر جمع صاحب بمعنى صحابي. والمعنى: أن قولهم: رجل من الصحابة حكمه أنه متصل بلا خلاف، سوى ما يأتي عن الصيرفي، وأما جعل البيهقي له من المرسل في سننه فحملوه على أن مراده مجرد التسمية فلا يجري عليه حكم الإرسال في نفي الاحتاج به، كما صرح بذلك في القراءة خلف الإمام من معرفته عقب حَدِيث رواه عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من الصحابة فإنه قال: وهذا

إسناد صحيح وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم ثقات، فترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه. انتهى. وبهذا القيد ونحوه يجاب عما توقف عن الاحتجاج به من ذلك لا لكونه لم يسم ولم يصرح به بل لوجود معارض، ويتأيد كون مثل ذلك حجة بما روى البخاري عن الحميدي قال: إذا صح الإسناد إلى رجل من الصحابة فهو حجة دان لم يسم، وكذا قال الأثرم قلت لأحمد: إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من الصحابة، ولم يسمه فالحديث صحيح، قال نعم. قاله السخاوي رحمه الله. ولما قيد الصيرفي المسألة بالسماع ذكر ذلك بقوله (وأبى) يقال أبي الشيء يأباه ويأبيه إباء وإباءة بكسرهما كرهه. اهـ " ق " أي كره قبول ما أبهم به الصحابي الإمام البارع المتفنن أبو بكر محمد بن عبد الله (الصيرفي) البغدادي الشافعي كان فَهِماً عالماً له تصانيف في أصول الفقه وسمع الحديث من أحمد بن منصور الرمادي لكنه لم يرو كبير شيء، توفي يوم الخميس لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثمائة وثلاثين هـ. (معنعناً) حال من مفعول أبى، أو هو مفعول أبى، أي قبول ما ذكر حال كونه معنعناً، أو قبول ما روي بعن وما أشبه ذلك مما لم يصرح بالتحديث فيه ونحوه، وحاصل كلام الصيرفي: أنه يقبل ما أبهم فيه الصحابي بشرط أن يصرح التابعي بالتحديث ونحوه، وأما إذا قال عن رجل من الصحابة وما أشبه ذلك فلا يقبل، قال: لأني لا أعلم أسَمِعَ ذلك التابعي منه أم لا إذ قد يحدث التابعي عن رجل وعن رجلين عن الصحابي ولا أدري هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا فلو علمت إِمكانه فيه لجعلته كمدرك العصر قال العراقي: وهو حسن متجه وكلام من أطلق محمول عليه اهـ. قال الناظم مرجحاً تفصيل الصيرفي المذكور تبعاً للعراقي: (وَلْيُجْتَبَى) بالبناء للمفعول، أي ليختر هذا التفصيل لحسنه، وتوقف الحافظ في هذا

لأن التابعي إذا كان سالماً من التدليس حملت عنعنته على السماع وهو ظاهر، قال: ولا يقال: إنما يتأتى هذا في حق كبار التابعين الذين جل روايتهم عن الصحابة بلا واسطة، وأما صغار التابعين الذين جل روايتهم عن التابعين فلا بد من تحقق إدراكه لذلك الصحابي لأنا نقول سلامته من التدليس كافية في ذلك إذ مدار هذا على قوة الظن وهي حاصلة في هذا المقام أفاده السخاوي. (تنبيه) هذه الرواية أعنى وأبى الصيرفي إلخ بالواو العاطفة والصيرفي فاعل أبى، ومعنعناً مفعول، أوْ حَال من مفعوله هي نسخة المحقق، وهي واضحة المعنى والتركيب. وفي نسخة الشارح تصحيف عجيب، وأعجب منه شرحه، فانظره ترى العجب. نسأل الله أن يلهمنا الصواب. ثم ذكر حكم ما إذا تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف بقوله: 150 - وَقَدِّمِ الرَّفْعَ كَالاْتِّصَالِ ... مِنْ ثِقَةٍ لِلْوَقْفِ وَالإِرْسَالِ 151 - وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَقِيلَ: الأَكْثَرُ، ... وَقِيلَ: قَدِّمْ أَحْفَظًا. وَالأَشْهَرُ 152 - عَلَيْهِ لا يَقْدَحُ هَذَا مِنْهُ فِي ... أَهْلِيَةِ الْوَاصِلِ وَالَّذِي يَفِي (وَقَدِّمِ) أيها المحدث الطالب لأِرْجَحِ الأقوال، ويحتمل أن يكون فعلًا ماضياً مغير الصيغة، وقوله (الرفع) بالنصب مفعول به على الأول، أو بالرفع نائب فاعل على الثاني أي قدم رواية الرفع على رواية الوقف إذا تعارضا بأن رفع بعض الثقات ووقفه بعضهم لأن راويه مثبت وغيره ساكت ولو كان نافياً فإن المثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفي عليه (كالاتصال) أي كما يتقدم الاتصال إذا تعارض مع الإرسال بأن وصله بعض الثقات وأرسله بعضهم لما قدمنا. (من ثقة) حال من الرفع والاتصال أي حال كونهما صادرين من ثقة ضابط سواء كان المخالف له واحداً أو جماعة أحفظ أو لا؟ وقوله (للوقف)

راجع للرفع واللام بمعنى على أي عليه (والإرسال) أي عليه راجع للاتصال. وحاصل معنى البيت أنه إذا روى بعض الثقات الضابطين الحديث مرفوعاً وبعضهم موقوفاً، أو بعضهم موصولاً وبعضهم مرسلاً ففيه أربعة أقوال للعلماء: الأول: - وهو الصَّحِيح عند أهل الحديث، والفقه، والأصول - ما ذكره في هذا البيت، وهو أن الحكم لمن رفعه أو وصله سواء كان المخالف له مثله في الحفظ والإتقان أو أكثر منه لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة. وقد سئل البخاري عن حديث " لانكاح إلا بولي " وهو حديث اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي فرواه شعبة والثَّوري عنه عن أبي بردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، ورواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى متصلاً، فحكم البخاري لمن وصله، وقال الزيادة من الثقة مقبولة، هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان في الحفظ والإتقان. والقول الثاني: أن الحكم لمن وقف وأرسل وإليه أشار بقوله (وقيل عكسه) أي المعتبر عكس هذا الحكم، وهو تقديم الوقف والإرسال، قال الخطيب: وهو قول أكثر المحدثين. والقول الثالث: ما أشار إليه بقوله (وقيل الأكثر) أي يقدم ما قاله الأكثر من وقف أو رفع، ووصل أو إرسال، وهذا القول نقله الحاكم في المدخل عن أئمة الحديث لأن تطرق السهو والخطأ إلى الأكثر أبعد. والقول الرابع ما أشار إليه بقوله (وقيل قدم) فعلى أمر من التقديم (أحفَظاً) بالصرف للوزن مفعول قَدِّمْ، أي ما قاله الأحفظ من رفع ووقف، أو وصل وإرسال، فهذه أربعة أقوال في المسألة ذكرت في النظم. قال السخاوي رحمه الله: وبقي في المسألة قول خامس، وهو التساوي قاله السبكي. ومحل هذه الأقوال فيما لم يظهر فيه ترجيح كما أشار إِليه الحافظ، ومن تتبع آثار متقدمي هذا الفن كابن مهدي والقطان والبخاري وأحمد يظهر له أنهم لم يحكموا في هذه المسألة بحكم كلي بل

جعلوا المعول في ذلك على المرجح، فمتى وجد كان الحكم له، ولذلك تراهم يرجحون تارة الوصل وتارة الإرسال كما يرجحون تارة عدد الذوات على الصفات وتارة العكس، ومن راجع أحكامهم الجزئية تبين له ذلك، والحديث المذكور يعني حديث " لا نكاح إلا بولي " لم يحكم له البخاري بالوصل لمجرد أن الوصل معه زيادة بل انضم لذلك من قرائن رجحته، ككون يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولاً، ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم لا سيما وإسرائيل قال فيه ابن مهدي إنه كان يحفظ حديث جده كما يحفظ سورة الحمد. اهـ كلام السخاوي بتغيير. ثم إن مشينا على القول الأخير من أن المعتبر الأحفظ فهل يقدح ذلك في أهلية غيره فيه اختلاف أشار إليه بقوله (والأشهر) من قولي العلماء (عليه) أي إذا مشينا على القول الرابع، وكذا الثالث، كما أفاده في التنقيح، فقوله: الأشهر مبتدأ خبره قوله الا يقدح) أي لا يجرح (هذا) فاعل يقدح أي تقديم الأحفظ في وقفه أو إرساله (في أهلية الواصل) والرافِع من ضبطٍ حيث لم تكثر المخالفة، وعدالةٍ (و) لا يقدحِ أيضاً في الحديث (الذي يفي) بسنده، يعني الحديث الذي يرويه مسنداً، والمراد جنس الحديث الذي رواه بسنده لا الحديث المختلف فيه الذي هو محل النزاع فإنه يقدح فيه بلا شك. ثم إن قوله والذي يفي تأكيد لما قبله، وإلا فقد يقال إن التصريح بعدم القدح في الضبط والعدالة يغني عن التصريح بعدم القدح في مرويه لاستلزامهما ذلك غالباً. فإن قيل: كيف اجتمع الرد لمسنده هذا مع عدم القدح في عدالته، فالجواب أن الرد للاحتياط وعدم القدح فيه لإمكان إصابته، ووَهَمِ الأحفظ. وعلى تقدير تحقق خطئه مرة لا يكون مجروحاً به كما صرح به الدارقطني أفاده السخاوي رحمه الله.

ومقابل الأشهر: قول من قال إن ذلك يقدح، وعبارة ابن الصلاح: ومنهم من قال من أسند حَديثاً قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده وعدالته وأهليته. هذا كله فيما إذا كان التعارض من أكثر من واحد، فأما إذا كان من واحد فحكمه ما أشار إليه بقوله. 153 - وَإِنْ يَكُنْ مِنْ وَاحِدٍ تَعَارَضَا ... فَاحْكُمْ لَهُ بِالْمُرْتَضَى بِمَا مَضَى (وإن يكن من) راو (واحد تعارضا) كل من الرفع والوقف والوصل والإرسال فاسم يكن ضمير الشأن، وقوله من واحد متعلق بتعارض وهو فعل ماض والألف إطلاقية والفاعل ضمير يعود على المذكور من الرفع والوقف والوصل والإرسال، أي إن يكن هو أي الشأن تَعَارَضَ المذكور من الرفع والوقف والوصل والإرسال (فاحكم) أيها المحدث، جوابُ إن (له) أي لهذا المتعارض (في المرتضى) أي في القول المرضي الذي عليه الجمهور، وصرح ابن الصلاح بتصحيحه (بما مضى) أي بالحكم الذي مر قريباً، وهو الحكم للرفع والوصل، فقوله له والجاران بعده تتعلق باحكم، أو قوله في المرتضى خبر لمحذوف أي ذلك في المرتضى. وفي نسخة المحقق بالمرتضى بالباء بدل في، وعليها فالباء بمعنى في. ولو قال بدل هذا البيت: وإن يكُن تعارُض من واحد ... فاحكم بما مضى بقول المهتدي لكان أوضح وخلا من التعقيد. وحاصل معنى البيت أنه إذا وقع التعارض المذكور من راو واحد بأن رواه مرة مرفوعاً أو متصلاً ومرة موقوفاً أو مرسلًا فالذي عليه الجمهور وصححه ابن الصلاح أن الحكم للرفع والوصل لأن معه في حالة الرفع والوصل زيادة قاله العراقي، هذا هو الراجح عند أهل الحديث. ومقابله قول من قال من الأصوليين أن الاعتبار في المسألتين بما وقع منه أكثر. قال السخاوي وزعم بعضهم أن الراجح من قول المحدثين في كليهما

التعارض، ونقل الماوردي عن الشافعي رحمه الله أنه يحمل الموقوف على مذهب الراوى والمسند على أنه روايته يعني فلا تعارض. لكن خص الحافظ هذا بأحاديث الأحكام، أما ما لا مجال للرأي فيه فيحتاج إلى نظر، ومحل الخلاف إذا اتحد السَّند، وأما إذا اختلف فلا يقدح أحدهما في الآخر إذا كان ثقة جزما، كرواية ابن جريجٍ عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رفعه " إذا اختلطوا فإنما هو التكبير، والإشارة بالرأس " الحديث في صلاة الخوف ورواه ابن جريجٍ أيضاً عن ابن كثير عن مجاهد من قوله: فلم يعدوا ذلك علة لاختلاف السَّندين فيه بل المرفوع في صحيح البخاري. وللحافظ " بيانُ الفصل لما رجح فيه الإرسال على الوصل "، و " مزيد النفع لمعرفة ما رجح فيه الوقف على الرفع ". اهـ. كلام السخاوي باختصار وتغيير. (تَتِمَّة): الزيادة في هذا الباب قوله: في البيت الثاني " الثلاثة " وفي البيت الخامس " أو قول صاحب أو الجمهور أو قيس " وفي السابع " كنهي بيع اللحم " إلخ وفي الثامن " كسامع في كفره " إلى آخر البيت التاسع، وفي العاشر " متصل " ثم البيتان بعده. ولما أنهى الكلام في المرسل شرع يبين المعلق فقال:

(المعلق)

(الْمُعَلَّق) أي هذا مبحثه وهو النوع الثاني عشر من أنواع علوم الحديث. واعلم أن ابن الصلاح وتبعه النووي فرق أحكام المعلق فذكر بعضها هنا وهو حقيقته وبعضها في نوع الصَّحِيح وهو حكمه وأحسن من صنيعهما صنيع العراقي إذ جمعها في موضع واحد في نوع الصَّحِيح وأحسن من ذلك صنيع الناظم تبعاً لابن جماعة حيث أفرده بنوع مستقل هنا كما أفاده في التدريب. قلت والمناسبة بينه وبين المرسل ظاهرة إذ في كل منهما حذف من السَّند. ولما كان المرسل يحتج به أكثر الأئمة الأربعة بخلاف المعلق كان أحق بالتقديم. 154 - مَا أَوَّلُ الإِسْنَادِ مِنْهُ يُطْلَقُ ... ـ وَلَوْ إِلَى آخِرِهِ ـ مُعَلَّقُ (ما) موصولة مبتدأ أي الحديث الذي (أول الإسناد) من جهة الراوي كشيخه فمن فوقه وهو مبتدأ (منه) أي من ذلك الحديث متعلق بـ (يطلق) أي يحذف ويسقط من قولهم أطلقت الأسير إذا حللت أسره وخليت عنه، والجملة خبر المبتدإ، والجملة صلة ما. والمعنى أن ما حذف من أول سنده شيء من رواته سواء كان الساقط واحداً أم أكثر، ولو لم يبق من رواته أحد، كما أشار إليه بقوله (ولو إلى

آخره) أي ولو كان الحذف من أول السَّند إلى آخره بأن اقتصر على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المرفوع وعلى الصحابى في الموقوف (معلق) خبر ما أي فهذا النوع يسمى معلقاً أخذا من تعليق الجدار والطلاق ونحوه لما يشترك فيه الجميع من قطع الاتصال، قال السخاوي: واستبعد شيخنا يعني الحافظ ابن حجرٍ أخْذَهُ من تعليق الجدار وأنه من تعليق الطلاق وغيره أقرب وشيخه البلقيني على خلافه اهـ. فقوله: أول الإسناد أخرج المرسل. وقال الحافظ وبينه وبين المعضل عموم وخصوص من وجه فمن حيث تعريف المعضل بأنه ما سقط منه اثنان فصاعدا يجتمع مع بعض صور المعلق ومن حيث تقييد المعلق بأنه من تصرف المصنف من مبادئ السَّند يفترق منه إذ هو أعم من ذلك اهـ. وحاصله أنك إذا حذفت اثنين من أول السَّند يقال له معضل لحذف اثنين ويقال له معلق لأنك حذفت أول السَّند وينفرد المعضل بحذف اثنين من وسط السَّند. وينفرد المعلق فيما إذا حذف من أول السَّند واحد فقط، قال السخاوي رحمه الله: وهل يلتحق بالمعلق ما يحذف فيه جميع الإسناد مع عدم الإضافة لقائل، كقول البخاري في صحيحه: وكانت أم الدرداء تجلس في الصلاة جِلْسَةَ الرجل وكانت فقيهة، وهو عنده في تاريخه الصغير، وعند غيره عن مكحول، الظاهر نعم اهـ. وقال النووي في التقريب: ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروى عن فلان كذا، ويقال عنه، ويذكر، ويحكى، وشبهها بل خصوا به صيغة الجزم كقال وفعل وأمر ونهى وذكر وحكى. قاله ابن الصلاح. وقال العراقي: وقد استعمله غير واحد من المتأخرين في غير المجزوم به، ومنهم الحافظ أبو الحجاج الِمزِّيُّ حيث أورد في الأطراف ما

في البخاري من ذلك معلماً عليه علامة التعليق. قال في التدريب: بل النووي رحمه الله استعمله حيث أورد في الرياض حديث عائشة " أمِرْنَا أنْ نًنزل النَّاس منازلهم "، قال ذكره مسلم في صحيحه تعليقاً، فقال: وذكر عن عائشة. ثم إن حكم المعلق من غير ملتزمي الصحة الضعف للجهل بحال الساقط إلا أن يجىء مسمى من وجه آخر، وأما إذا أتى من ملتزمي الصحة فقد ذكره بقوله: 155 - وَفِي الصَّحِيحِ ذَا كَثِيرٌ، فَالَّذِي ... أُتِيْ بِهِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ خُذِ 156 - صِحَّتَهُ عَنِ الْمُضَافِ عَنْهُ ... وَغَيْرَهُ ضَعِّفْ وَلا تُوهِنْهُ (وفي الصَّحِيح) أي صحيح البخاري لأنه المراد عند الإطلاق متعلق بكثير (ذا) أي التعليق مبتدأ خبره قوله (كثير) وقد تقدم عند قوله: (53 - وَعِدَّةُ الأَوَّلِ بِالتَّحْرِيرِ ... أَلْفَانِ وَالرُّبْعُ بِلا تَكْرِيرِ) (54 - وَمُسْلِمٍ أَرْبَعَةُ ألافِ ... وَفِيهِمَا التَّكْرَارُ جَمًّا وَافِ) عِدّةُ معلقات البخاري، وأما مسلم: ففي موضع واحد في التيمم فقط، وما سواه من التعليقات فهو يذكره بعد ذكره موصولاً للاستشهاد (فالذي) الفاء فصيحية، والذي مبتدأ أي إذ عرفت أن معلقات البخاري كثيرة وأردت حكمها فأقول لك المعلق الذي (أتى به) أي المعلِّقِ، وفاعله ضمير يعود إلى الصَّحِيح مجازاً لأن الآتي هو صاحب الصَّحِيح، ويحتمل أن يكون أتى بصيغة المجهول، ونائب فاعله الجار والمجرور (بصيغة) أي صورة (الجزم)، والصيغة: أصلها الواو، مثل القيمة، والصيغة العمل والتقدير، وهذا صَوْغُ هذا إذا كان على قدر، وصيغةُ القول كذا، أي مثاله وصورته على التشبيه بالعملِ والتقديرِ، أفاده في المصباح، والمراد هنا بصورة الجزم كقال وفعل وأمر وذكر فلان. وخبرُ المبتدإ قولة (خذ) أيها المحدث (صحته) أي صحة ما أتى به مجزوماً (عن المضاف عنه) أي عن الشخص الذي أضاف الحديث إليه، فعن الأولى صلة صحته، وعن الثانية بمعنى " إلى " صلة المضاف.

وحاصل المعنى أن ما في الصَّحِيح من التعاليق بصيغة الجزم كالأمثلة المتقدمة فهو محكوم بصحته عن المضاف إليه لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه إلا وقد صح عنده عنه. وإنما قيد بقوله عن المضاف إليه لأنه لا يحكم بصحة الحديث مطلقاً بل يتوقف على النظر فيمن أبرز من رجاله، وذلك أقسام: أحدها: ما يلتحق بشرطه، والسبب في عدم إيصاله إما الاستغناء بغيره عنه مع إِفادة الإشارة إليه، وعدم إهماله بإيراده، معلقاً اختصاراً، وإما كونه لم يسمعه من شيخه، أو سمعه مذاكرة، أو شك في سماعه فما رأى أن يسوقه مساق الأصول. ومن أمثلته قوله في الوكالة: قال عثمان بن الهيثم، حدثنا عون، حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: " وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة رمضان " الحديث. وأورده في فضائل القرآن، وذِكْرِ إبليس، ولم يقل في موضع منها: حدثنا عثمان فالظاهر عدم سماعه له منه. الثاني: ما لا يلتحق بشرطه ولكن صحيح على شرط غيره، كقوله في الطهارة: وقالت عائشة " وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه " أخرجه مسلم في صحيحه. الثالث: ما هو حسن صالح للحُجِّيَّةِ، كقوله فيه: وقال بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، " الله أحق أن يستحى منه " وهو حديث حسن مشهور أخرجه أصحاب السنن. الرابع: ما هو ضعيف لا من جهة قَدْح في رجاله، بل من جهة انقطاع يسير في إِسناده كقوله في الزكاة، قال طاوس: قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: " ائتوني بعرض ثياب " الحديث فإسناده إلى طاوس صحيح إلا أن طاوساً لم يسمع من معاذ اهـ تدريب باختصار. (وغيره) مفعول مقدم لِضَعِّفْ، أي غير ما أتى به بصيغة الجزم بأن أتى به بصيغة التمريض، كيُرْوَى، ويُذكَرُ، ويحكى، وذُكِر وحُكِيَ عن

فلان، أو في الباب عنه - صلى الله عليه وسلم -، كما قال ابن الصلاح (ضعف) أي احكم بضعفه عن المضاف إليه، قال ابن الصلاح: لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضَّعِيف أيضاً، وأشار بقوله أيضاً إلى أنه ربما يورد ذلك فيما هو صحيح إِمَّا لكونه رواه بالمعنى، كقوله في الطب: ويذكر عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرقى بفاتحة الكتاب فإنه أسنده في موضع آخر، أوليس على شرطه كقوله في الصلاة ويذكر عن عبد الله بن السائب قال: " قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أخذته سعلة فركع " وهو صحيح أخرجه مسلم، إلا أن البخاري لم يخرج لبعض رواته. أو لكونه ضَمَّ إليه ما لم يصح فأتى بصيغة تستعمل فيهما كقوله في الطلاق ويذكر على علي بن أبي طالب وابن المسيب وذكر نحواً من ثلاثة وعشرين تابعياً، وقد يورده أيضاً في الحسن كقوله في البيوع ويذكر عن عثمان بن عفان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له " إذا بِعتَ فِكلْ وإذا ابتعت فاكتل " رواه الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة، وهو صدوق، عن منقذ مولى عثمان، وقد وثق، عن عثمان، وتابعه سعيد بن المسيب، ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند، إلا أن في إسناده ابن لهيعة، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عطاء عن عثمان وفيه انقطاع، والحديث حسن لما عضده من ذلك. ومن أمثلة ما أورده من ذلك وهو ضعيف قوله في الوصايا: ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه قضى بالدين قبل الوصية " وقد رواه الترمذي موصولًا من طريق الحارث الأعور عن علي والحارث ضعيف. وقوله في الصلاة ويذكر عن أبي هريرة رفعه: " لا يتطوع الإمام في مكانه " وقال عقبه: ولم يصح، وهذه عادته في ضعيف لا عاضد له من موافقة إجماع أو نحوه على أنه فيه قليل جداً، والحديث أخرجه أبو داود من طريق الليث بن أبي سليم، عن الحجاج بن عبيد، عن إِبراهيم بن

إسماعيل، عن أبي هريرة، وليث ضعيف، وإبراهيم لا يعرف، وقد اختلف عليه فيه أفاده في التدريب. ثم إن إيراد صاحب الصَّحِيح للمعلق الضَّعِيف كذلك في أثناء صحيحه مشعر بصحة الأصل له إشْعَاراً يؤنس ويركن إليه، فلا ينبغي أن نحكم بكونه واهياً كما أشار إليه بقوله: (ولا) ناهية (توهنه) مضارع أوهنته إذا أضعفته، وفي نسخة الشارح تَهِنْه مضارع وهنته ثلاثياً، يقال: وهنته من باب وعدته إذا أضعفته ولكن الأجود أن يتعدى بالهمز كما في النسخة الأولى أفاده في المصباح، أي لا تَحْكُم على ما أورده بصيغة التمريض بأنه واهن ساقط جداً لإدخاله إياه في الكتاب الموسوم بالصَّحِيح. (تنبيهان): الأول: قال ابن الصلاح: إذا تقرر حكم التعاليق المذكورة فقول البخاري: ما أدخلت في كتابي إلا ما صح، وقول الحافظ أبي نصر السجزي: أجمع الفقهاء وغيرهم أن رجلًا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في البخاري صحيح قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا شك فيه لم يحنث: محمول على مقاصد الكتاب، وموضوعه، ومتون الأبواب المسندة دون التراجم ونحوها. قاله في التدريب. الثاني: حاصل ما تقدم في تعاليق البخاري أنها على قسمين على ما حققه الحافظ في هدي الساري، الأول: المعلق بصيغة الجزم، وينقسم إلى صحيح على شرطه وهذا في الحقيقة معلق صورة لاحقيقة، وإلى حسن تقوم به الحجة، وإلى ضعيف بسبب انقطاع يسير. والثاني: ما علقه بصيغة التمريض فإنه قسمه إلى خمسة أقسام صحيح على شرطه، صحيح على شرط غيره جزماً لا إمكاناً، حسن، ضعيف غير منجبر، ضعيف منجبر، فهذه خمسة أقسام هذا مجمل ما في الهدي. قال الصنعاني: إذا عرفت هذا عرفت أن تعاليق البخاري لا يتم الحكم على المروي منها بشىء من الصحة ولا الحسن ولا الضعف إلا بعد الكشف والفحص، عن حال ما علقه.

وقد بين الحافظ رحمه الله مجمل ما في الهدي في نكته على ابن الصلاح فقال: الأحاديث المرفوعة التي لم يوصل البخاري إسنادها في صحيحه: منها ما يوجد في محل آخر من كتابه موصولًا، ومنها ما لا يوجد إلا معلقاً. فأما الأول: فالسبب في تعليقه أن البخاري من عادته في صحيحه أن لا يكرر شيئاً إلا لفائدة وإذا كان المتن يشتمل على أحكام كرره في الأبواب بحسبها أو قطعه في الأبواب إذا كانت الجملة يمكن انفصالها من الجملة الأخرى، ومع ذلك لا يكرر الإسناد بل يغاير بين رجاله إما بشيوخه أو بشيوخ شيوخه، أو نحو ذلك، فإذا ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها فإنه والحال هذه إما أن يختصر المتن، أو يختصر الإسناد، وهذا أحد الأسباب في تعليقه للحديث الذي وصله في موضع آخر. وأما الثاني: وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقاً فهو على صورتين: إما بصيغة الجزم، وإما بصيغة التمريض. فأما الأول: فهو صحيح إلى من علق عنه، وبقي النظر فيما أبرز من رجاله فبعضه يلتحق بشرطه، والسبب في تعليقه له إما لكونه لم يحصل له مسموعاً وإنما أخذه على طريق المذاكرة، أو الاجازة، أو كان قد خرَّج ما يقوم مقامه فاستغنى بذلك من إيراد هذا المعلق مستوفي السياق، أو لِمَعنىً غيرِ ذلكَ أو لتقاعده عن شرطه وإن صححه غيره أو حسنه وبعضه يكون ضعيفاً من جهة الانقطاع خاصة. وأما الثاني: وهو المعلق بصيغة التمريض مما لم يورده في مواضع أخر فلا يوجد ما يعلق بغير شرطه إلا مواضع يسيرة قد أوردها بهذه الصيغة لكونه ذكرها بالمعنى، نعم فيه ما هو صحيح وإن تقاعد عن شرطه، إما لكونه لم يخرج لرجاله أو لوجود علة فيه عنده ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، وهو على قسمين: أحدهما ما ينجبر بأمر آخر، وثانيهما ما لا

يرتقي عن مرتبة الضَّعِيف، وحيث يكون بهذه المثابة فإنه يبين ضعفه ويصرح به حيث يورده في كتابه ثم ذكر أمثله لذلك. ثم قال: فقد لاح بهذه الأمثلة واتضح أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من التعليق الجازم جملة كثيرة، وأن الذي علقه بصيغة التمريض حين أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن أو ضعيف ينجبر، وإن أورده في موضع الرد فهو ضعيف عنده، وقد بينا كونه يبين كونه ضعيفاً. قال: وجميع ما ذكرناه يتعلق بالأحاديث المرفوعة، وأما الموقوفات فإنه يجزم بما صح عنده منها ولم يبلغ شرطه، ويمرض ما كان فيه ضعف وانقطاع، وإذا علق عن شخصين وكان لهما إسنادان مختلفان مما يصح أحدهما ويضعف الآخر فإنه يعبر فيما هذا سبيله بصيغة التمريض. وهذا كله فيما صرح بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى أصحابه، أما ما لم يصرح بإضافته إلى قائل، وهي الأحاديث التي يوردها في تراجم الأبواب من غير أن يصرح بكونها أحاديث، فمنها ما يكون صحيحاً وهو الأكثر، ومنها ما يكون ضعيفاً كقوله: " اثنان فما فوقهما جماعة " لكن ليس شيء من ذلك ملتحقاً بأقسام التعليق التي قدمناها إذ لم يسقها مَسَاقَ الأحاديث، وهي قسم مستقل ينبغي الاعتناء بجمعه والتكلم عليه، وبه وبالتعاليق يظهر كثرة ما اشتمل عليه البخاري من الأحاديث، ويوضح سعةَ اطلاعه ومعرِفَتِهِ بأحاديث الأحكام جملة وتفصيلًا. انتهى كلام الحافظ، ونقله الصنعاني في توضيح الأفكار. ثم ذكر حكم ما يورده البخاري عن شيوخه بقال، ونحوها، فقال: 157 - وَمَا عَزَا لِشَيْخِهِ بِقَالا ... فَفِي الأَصَحِّ احْكُمْ لَهُ اتِّصَالا (وما) موصولة مبتدأ أي الحديث الذي (عزا) أي نسبه صاحب الصَّحِيح في كتابه (لشيخه) أي إليه (بِقَالا) أي بهذه الكلمة، والألف

للإطلاق، ونحَوِها كزاد، وذكر. والجاران يتعلقان بعزا، وذلك كقوله: قال فلان، وزاد فلان، وذكر فلان، ونحوها (ففي الأصح) أي القول الأصح الذي جزم به ابن الصلاح، وصوبه العراقي، متعلق بـ (ـاحْكمْ له) أي لهذا المعزو لشيخه (اتصالا) منصوب بنزع الخافض على قلة، أي باتصال، وجملة احكم خبر عن ما، ودخلت الفاء لما في المبتدإ من معنى الشرط. وحاصل معنى البيت أن صاحب الصَّحِيح إذا عزا الحديث إلى شيخه بصيغة قال ونحوها فالأصح وفاقا لابن الصلاح والعراقي والنووي أن له حكمَ المتصل بالعنعنة بشرط لقاء الراوي لمن عنعن عنه، وسلامتِهِ من التدليس، فهو صحيح وليس تعليقاً، ومقابل الأصح قول الحميدي في مثله: إنه تعليق، وصوبه ابن دقيق العيد مع حكمه بصحته عن قائله، ومشى المزي في أطرافه على كونه تعليقاً أيضاً، ولم يقل بانقطاعه، ولكن حكم عبد الحق وابن العربي بعدم اتصاله، وقال الذهبي: حكمه الانقطاع، ونحوه قول أبي نعيم: أخرجه البخاري بلا رواية، وهو مقتضى كلام ابن منده حيث صرح بأن قال: تدليس، قال العراقي: ولم يوافق عليه، وقال ابن حزم في المحلى في حديث المعازف لقول البخاري: قال هشام بن عمار، حدثنا صدقة، إنه حديث منقطع بين البخاري وصدقة بن خالد، ورَدَّ عليه الحُذَّاقُ، انظر التنقيح والتوضيح، ثم ذكر حكم قال لغير البخاري فقال: 158 - وَمَا لَهَا لَدَى سِوَاهُ ضَابِطُ ... فَتَارَةً وَصْلٌ وَأُخْرَى سَاقِطُ (وما) نافية (لها) أي لقال (لدى سواه): أي عند غير البخاري من المحدثين: وهو متعلق بـ (ضابط) وهو مبتدأ وخبره الجار والمجرور المتقدم، أو الخبر الظرف والجار متعلق به. والمعنى أنه ليس لهذه الكلمة عند غير البخاري ضابط يرجع إليه كما كان له ذلك فيما تقدم بل اصطلاحهم مختلف، فمنهم من يستعملها في السماع دائماً، كحجاج بن موسى المِصيصِيّ الأعورِ، وإليه أشار بقوله (فتارة وصل) خبر لمحذوف على

حذف مضاف أي هي ذات وصل بمعنى أنها مستعملة في الوصل، ومنهم من عكس فاستعملها فيما لم يسمعه دائماً، وإليه أشار بقوله (وأخرى) أي تارة أخرى هي (ساقط) أي ساقط ما دخلت فيه فوصفها بالسقوط مجازاً يعني أن ما استعملت فيه ليس موصولاً بالسماع. وحاصل معنى البيت أن قال في استعمالِ غيرِ البخاري لا ضابط لها، فتارة تستعمل في الموصول، وتارة تستعمل في غيره، هذا حاصل معنى كلامه. لكن هذا الاستعمال ليس لشخص واحد بل لأكثر كما يتبين فيما بعد، وعلى هذا فمن استعملها للوصل فموصولة، ومن استعملها للانقطاع فمنقطعة، وهذا هو معنى الضبط، وسيجىء عن الخطيب ما يوضح ذلك. وإيضاح المسألة ما ذكره في التدريب، ونصه: أما ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بقوله: قال فلان وزاد فلان ونحو ذلك فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومن فوقهم، بل حكمه حكم العنعنة من الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس، كذا جزم به ابن الصلاح، قال: وبلغني عن بعض المتأخرين من المغاربة أنه جعله قسماً من التعليق ثانياً وأضاف إليه قول البخاري: وقال لي فلان وزادنا فلان، فَوَسَمَ كُل ذلك بالتعليق. قال العراقي: وما جزم به ابن الصلاح ههنا هو الصواب، وقد خالف ذلك في نوع الصَّحِيح فجعل من أمثلة التعليق قولَ البخاري: قال عفان كذا، وقال القعنبي كذا، وهما من شيوخ البخاري، والذي عليه عملُ غيرِ واحد من المتأخرين كابن دقيق العيد والمزي أن لذلك حكمَ العنعنة. قال ابن الصلاح هنا: وقد قال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري، وهو أعرف بالبخاري: كل ما قال البخاري: قال لي فلان، أو قال لنا فهو عرض ومناولة.

وقال غيره: المعتمد في ذلك ما حققه الخطيب من أن قال ليست كعن، فإن الاصطلاح فيها مختلف، فبعضهم يستعملها في السماع دائماً كحجاج بن موسى المصيصى الأعور، وبعضهم بالعكس لا يستعملها إلا فيما لم يسمعه دائماً، وبعضهم تارة كذا، وتارة كذا، كالبخاري فلا يحكم عليها بحكم مطرد. اهـ ما في التدريب. فظهر بهذا أن استعمالها تارة في الموصول وتارة في غيره هو للبخاري لا لغيره، وأما غيره فبعضهم يستعملها في الموصول، وبعضهم في عكسه كما يفيده كلام الخطيب، فقول الناظم: وَمَا لَهَا لَدَى سوَاهُ إلخ قلب للمسألة، وكذا ما قرر به المحقق في تعليقه غير محرر فتنبه لذلك. والحاصل أن قال عند البخاري: يحكم لها بالاتصال على رأي ابن الصلاح وكثيرين كما تقدم في قوله: ومَا عَزَا لِشَيْخِهِ الخ وهو الأصح. ولا يحكم لها بحكم مطرد على رأي الخطيب كما ذكرنا آنفا، وأما غير البخاري فله حكم مطرد لإطراد استعماله فمن استعملها في الموصول كحجاج بن موسى حُكِمَ بالاتصال، ومن استعملها في غيره حكم عليه بالانقطاع. هذا ما ظهر للعاجز الفقير عفا الله عنه في التقصير. ولو قال بدل هذا البيت: وَمَنْ سِوَاهُ بَعْضُهُمْ يَسْتَعْمِلُ ... لِلْوَصْلِ وَالْبَعْضُ لِقَطْعٍ يَعْمَلُ لكان موضحاً لاصطلاح البخاري واصطلاح غيره. (فائدة): قال في التدريب ومثل قال ذَكَرَ استعملها أبو قرة في سننه في السماع، لم يذكر سواها فيما سمعه من شيوخه في جميع الكتاب اهـ. "تَتِمَّة" الزيادة هنا هذا البيت فقط.

(المعنعن)

(الْمُعَنْعَن) أي وما الحق به من المؤنن. أي هذا مبحثه وهو النوع الثالث عشر من أنواع علوم الحديث. والعنعنة مصدر عنعن الحديث إذا رواه بعن من غير بيان للتحديث أو الإخبارِ أو السماعِ. قال الصنعاني: أي مصدر جعلي مأخوذ من لفظ عَنْ فُلاَنٍ، كأخذهم حَوْقَلَ وحَوْلَقَ من قال لا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحل من قول سبحان الله، والمناسبة بينه وبين المعلق من حيث أن بعض المعنعن، وهو الذي لم يستوف الشروط حكمه الانقطاع كالمعلق الذي ليس في الصَّحِيح أو فيه ولم يكن بصيغة الجزم، وقدم المعلق لمناسبته للأبواب السابقة من حيث الحذفُ قال رحمه الله: 159 - وَمَنْ رَوَى بِـ " عَنْ " وَ " أَنَّ " فَاحْكُمِ ... بِوَصْلِهِ إِنِ اللِّقَاءُ يُعْلَمِ 160 - وَلَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا، وَقِيلَ: لا ... وَقِيلَ " أَنَّ " اقْطَعْ وَأَمَّا " عَنْ " صِلا (ومن) شرطية أو موصولة مبتدأ (روى) الحديث عن شيخه بصيغةِ عَنْ كأن يقول عن فلان من غير تصريح بالتحديث، أو الإخبار، أو السماع (و) بصيغة (أن) بفتح الهمزة، وتكسر وتشديد النون كان يقول: حدثنا فلان أن فلاناً قال كذا ونحو ذلك، وجوابُ مَنْ، أو خبر المبتدإ قوله: (فاحكم) بكسر

الميم للوزن أيها المحدث على حديثه (بوصله) أي بكونه موصولًا مسنداً أتى عن رواة مُسَمَّينَ معروفينَ إلا أن يتبين خلاف ذلك لكن هذا مشروط بشرطين ذكرهما بقوله: (إن اللقاء) أي لقاء المعنعِن بكسر العين الثانية والمُعَنعَن عنه بفتحها، وكذا في المؤنن، فقوله: اللقاء فاعل لفعل محذوف وهو فعل الشروط يفسره قوله: (يعلم) بكسر الميم للروي، أي إن يعلم اللقاء المذكور المكنى به عن السماع، بأن يثبت ذلك، ولو مرة، وهذا هو الشرط الأول (ولم يكن) المعنعن بالكسر وكذا المؤنّنُ (مدلسا) اسم فاعل من التدليس، وهو كما سيأتي أن يروي المحدث عمن عاصره، ولم يلقه، أو لقيه ولم يأخذ منه موهماً أنه سمعه كأن يقول: قال فلان أو عن فلان، وهذا هو الشرط الثاني. وحاصل معنى الكلام أن من روى الحديث معنعناً أو مؤنناً يحكم لإسناده بالاتصال إذا ثبت لقاء الراوي لمن روى عنه، وسَلِمَ من التدليس، وزاد ابن عبد البر شرطاً ثالثاً، وهو عدالة المخبرين، وهذا القول الصَّحِيح الذي عليه العمل، وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول، قال ابن الصلاح: ولذا أودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم. وقد ادعى أبو عمرو الداني إجماع أهل النقل عليه، وكذا ابن عبد البر في مقدمة التمهيد، والحاكم والخطيب، قال السخاوي: ويخدش في دعوى الإجماع قول الحارث المحاسبي وهو من أئمة الحديث والكلام: ما حاصله: اختلف أهل العلم فيما يثبت به الحديث على ثلاثة أقوال: أولها: أنه لا بد أن يقول كل عدل في الإسناد، حدثني، أو سمعت إلى أن ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يقولوا أو بعضهم ذلك فلا لما عرف من روايتهم بالعنعنة فيما لم يسمعوه. إلا أن يقال إن الإجماع راجع إلى ما استقر عليه الأمر بعد انقراض

الخلاف السابق، فيتخرج على المسألة الأصولية في ثبوت الوفاق بعد الخلاف اهـ. وممن صرح باشتراط اللقاء علي بن المديني والبخاري وجعلاه شرطاً في أصل الصحة، وإن زعم بعضهم أن البخاري إنما التزم ذلك في جامعه فقط، وكذا عزا اللقاء للمحققين النوويُّ بل هو مقتضى كلام الشافعي كما قال الحافظ واقتضاه ما في شرح الرسالة لأبي بكر الصيرفي أفاده السخاوي، ومقابل الأصح ما أشار إليه بقوله: (وقيل) أن المعنعن والمؤنن (لا) يحكم باتصالهما بل منقطعان سواء وصف الراوي بالتدليس أم لا حتى يتبين اتصاله بمجيئه من طريق الراوي نفسه بالتحديث ونحوه. وهذا القول عزاه الرامهرمزي في المحدث الفاصل إلى بعض المتأخرين من الفقهاء، ووجهه بعضهم بأن " عن " لا إشعار لها بشيء من أنواع التحمل ويصح وُقوعها فيما هو منقطع كما إذا قال الواحد منا مثلاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن أنس، أو نحوه أفاده السخاوي. قلت لا يخفى ضعف هذا التعليل إذ المسألة مفروضة في المتلاقين وغير المدلس. وما أشار إليه بقوله (وقيل أن) مفعول مقدم، أو مبتدأ، لقصد لفظه، خبره جملة (اقطع) والجملة مقول القول أي احكم أيها المحدث بانقطاع ما روى بأنَّ حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى (وأما عن صلا) عطف على مقول القول فعن مبتدأ وجملة صلا خبره، وحذف الفاء بعد أما بدون القول قليل في النثر قال ابن مالك. وحذف ذي الفاقَلَّ فِي نَثْرٍ إِذا ... لم يَكُ قول معها قد نُبِذَا والألف بدل من نون التوكيد الخفيفة. والمعنى أنك تحكم باتصال ما روى بعن بالشرطين السابقين،

وحاصل هذا القول أنه يرى التفرقة بين اللفظين فيحكم على أنَّ بالانقطاع وعلى عَنْ بالاتصال، وهذا القول للحافظ أبي بكر البرديجي (¬1) حكاه ابن عبد البر، وقال: وعندي أنه لا معنى له لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء قال فيه الصحابي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أن، أو عن، أو سمعت فكله عند العلماء سواء انتهى، ورد عليه بأن للصحابي مزية حيث يعمل بمرسله بخلاف غيره على أن البرديجي لم ينفرد بذلك بل قال أبو الحسن الحصار نحوه، وقال الذهبي بعد قول البرديجي: إنه قوي، وما تقدم من اشتراط اللقاء هو الذي عليه المحققون، وخالف في ذلك مسلم رحمه الله كما أشار إليه بقوله: 161 - وَمُسْلِمٌ يَشْرِطْ تَعَاصُرًا فَقَطْ ... وَبَعْضُهُمْ طُولَ صَحَابَةٍ شَرَطْ 162 - وَبَعْضُهُمْ عِرْفَانَهُ بِالأَخْذِ عَنْ ... ............... (و) الإمام الحافظ الحجة أبو الحسين (مسلم) بن الحجاج القشيري صاحب الصَّحِيح، فقوله مسلم مبتدأ خبره (يشرط) من باب ضرب وقتل، سكن طاءه فأدغم في التاء بعده، وهو جائز في سعة الكلام، ويتعين هنا للوزن (تعاصراً) مفعول يشرط (فقط) أي فحسب. والمعنى أن مسلماً رحمه الله تعالى اكتفى في الحكم على الحديث المعنعن بالاتصال بالمعاصرة أي كون المعنعن بالكسر والمعنعن عنه بالفتح في عصر واحد وإن لم يعلم اجتماعهما في خبر قط تحسيناً للظن بالثقة، وقد أطال الرد والتهجين على من شرط اللقاء في مقدمة صحيحه، إلا أن المحققين كما قال النووي أنكروا عليه ذلك، وقالوا: إنه ضعيف والذي رده هو الصَّحِيح المختار الذي عليه أئمة هذا الفن علي بن المديني والبخاري وغيرهما. ¬

_ (¬1) بفتح الباء نسبة لبرديج بكسر الباء وقيل بفتحها: بلد بأذربيجان، اهـ ق وتاج.

ومن العلماء من شدد في هذا الباب فاشترط طول الصحبة أو عرفانه بالأخذ كما أشار إليه بقوله: (وبعضهم) أي بعض العلماء، وهو أبو المظفر بن السمعاني الشافعي، وهو مبتدأ خبره جملة شرط، وقوله: (طول صحابة) مفعول مقدم لـ (شرط) والصحابة بالكسر والفتح مصدر صحبه، والمعنى أن بعض العلماء شرط زيادة على اللقاء طول صحبة المعنعن للمعنعن عنه ولم يكتف بثبوت اللقاء (وبعضهم) مبتدأ، خبره محذوف لدلالة ما قبله أي شرط (عرفانه) بكسر فسكون مصدر عرف مفعول به لشرط المقدر، أي كون الراوي معروفاً (بالأخذ) أي الرواية (عن) أي عمن روى عنه، وحذف مجرور عن ضرورة، والمعنى أن بعضهم شرط لقبول العنعنة ونحوها زيادة على ما تقدم كونه معروفاً بالأخذ عمن عنعن عنه، وهذا القول لأبي عمرو عثمان بن سعيد المقرئ الداني (¬1)، وحاصله أنه يشترط زيادة على اللقاء وطول الصحبة كونه معروفاً بالأخذ عمن روى عنه كما حكاه ابن الصلاح بلفظ إذا كان معروفاً بالرواية عنه. وحكى الزركشي عنه ونقل عن أبي الحسن القابسي أيضاً اشتراط إدراك الناقل للمنقول عنه إدراكاً بينا، قال السخاوي بعد أن حكى القولين عنه ما نصه: فإما أن يكون أحدهما وَهْماً أو قالهما معاً فإنه لا مانع من الجمع بينهما، بل قد يحتمل الكناية بذلك عن اللقاء، إذ معرفة الراوي بالأخذ عن شيخ بل وإكثاره عنه قد يحصل لمن لم يلقه إلا مرة اهـ. وقال الحافظ: من حكم بالانقطاع شدد. ويليه من شرط طول الصحبة، ومن اكتفى بالمعاصرة سهل، والوسط الذي ليس بعده إلا التعنت مذهب البخاري ومن وافقه، والدليل له أن الظاهر من غير المدلس أنه لا يطلق ذلك إلا على السماع، والاستقراءُ يدل عليه أن عادتهم عدم إطلاق ¬

_ (¬1) نسبة إلى دانية مدينة من مدن الأندلس. اهـ.

ذلك إلا في المسموع فإذا ثبت التلاقي غلب على الظن الاتصال، والباب مبني على غلبته فاكتفينا به، وهذا غير موجود بمجرد إمكان اللقي ولم يثبت فإنه لا يغلب على الظن الاتصال بل يُشَكّ في حاله، وأما ما أورده مسلم عليهم من لزوم رد المعنعن دائماً لاحتمال عدم السماع فليس بوارد، إذ المسألة مفروضة في غير المدلس، ومن عنعن ما لم يسمعه فهو مدلس اهـ كلام الحافظ. وما تقدم كله هو عرف المتقدمين، وأما المتأخرون فقد اصطلحوا على أنهما للإجازة كما أشار إليه بقوله: ............... ... وَاسْتُعْمِلا إِجَازَةً فِي ذَا الزَّمَنْ (واستعملا) بالبناء للمفعول، والضمير عائد على عَن وأنَّ (إجازة) مفعول لأجله، أو منصوب بنزع الخافض أي لأجل إجازة أو في إجازة (في ذا الزمن) أي في هذا الوقت المتأخر، وهو بعد الخمسمائة كما قاله الحافظ وتبعه السخاوي. وحاصل المعنى: أن المتأخرين قد اصطلحوا على أن عَن وأنَّ للإجازة فهي عندهم بمنزلة أخبرنا لكنه إخبار جُمْلِيّ كما قاله الحافظ. فإذا قال أحدهم مثلًا: قرأت على فلان عن فلان أو أن فلاناً حدثه فمراده بذلك أنه رواه بالإجازة وذلك لا يخرجه عن الاتصال. لكن قال في التدريب هذا في المشارقة، وأما في المغاربة فيستعملونها في السماع والإجازة معاً اهـ. وحاصل الكلام على عَنْ كما حققه الحافظ رحمه الله قائلاً: إن للفظ عن ثلاثةَ أحوال: أحدها: بمنزلة حدثنا وأخبرنا بالشرط السابق. الثاني: أنها ليست بتلك المنزلة إذا صدرت من مدلس وهاتان الحالتان مختصة بالمتقدمين، وأما المتأخرون وهم من بعد الخمسمائة وهلم جرا فاصطلحوا عليها للإجازة فهي بمنزلة أخبرنا لكنه إخبار جملي كما

سيأتي تقريره في الكلام على الإجازة. وهذه هي الحالة الثالثة، إلا أن الفرق بينها وبين الحالة الأولى مبني على الفرق فيما بين السماع والإجازة لكون السماع أرجح، وبقي حَالَة أخرى لهذه اللفظة وهي خفية جداً لم ينبه أحد عليها في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها، وهي أنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سياق قصة سواء أدركها الناقل أو لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف فيقدر. مثال ذلك ما أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبيه قال أبو بكر بن عياش: حدثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه. لم يرد أبو إسحاق بقوله عن أبي الأحوص أنه أخبره بما وإنما فيه شيء محذوف تقديره عن قصة أبي الأحوص أو عن شأن أبي الأحوص وما أشبه ذلك، لأنه لا يكون أبو الأحْوصَ حدثه بعد قتله، ثم ذكر أمثلة لذلك، ثم قال وأمثله هذا كثيرة، ومن تتبعها وجد سبيلًا إلى التعقب على أصحاب المسانيد ومصنفي الأطراف في عدة مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفنا من المراد بهذه العنعنة، انتهى كلام الحافظ ونقله الصنعاني في التوضيح. ثم ذكر قاعدة مهمة وهي أن الراوي إذا روى حديثاً في قصة أو واقعة فإن أدرك ذلك فهو متصل وإن لم يُعلَم أنه شاهدها وإن لم يدرك ذلك فهو مرسل إن كان صحابياً ومنقطع إن كان دونه فقال: 163 - وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ رَوَى ... مُتَّصِلٌ، وَغَيْرُهُ قَطْعًا حَوَى (وكل) مبتدأ على حذف مضاف أي حديث كل (من أدرك) من الرواة سواء كان صحابياً أو من دونه (ما) مفعول به لأدرك واقعة على قصة أو واقعة (له) مفعول قولِهِ (روى) زيدت فيه اللام للتقوية لتقدمه فإنه متعد، يقال: رويت الحديث إذا حملته ونقلته، مأخوذ من روى البعير الماء يرويه من باب رمى: حمله فهو راوية والهاء فيه للمبالغة. (متصل) خبر كل، والمعنى: أن كل من روى قصة أو واقعة أدركها

فحديثه متصل لكن بشرط السلامة من التدليس فيمن دون الصحابي سواء كان رواه بقال أو بعن أو بأن أو ذكر أو حدث أو فعل أو نحوها. (وغيره) أي غير ما ذكر وهو كل من لم يدرك ما رواه من الواقعة متبدأ خبره حوى وقوله: (قطعا) أي انقطاعاً بالمعنى اللغوي فيشمل المرسل مفعول مقدم لـ (حوى) أي جمع، والمعنى أن كل من روى واقعة لم يدركها فروايته منقطعة بالمعنى اللغوي فإن كان صحابياً فمرسل صحابي، وإلا فمنقطع بالمعنى الاصطلاحي. وَحَاصل معنى البيت: أن الراوي إذا روى حديثاً فيه قصة أو واقعة فإن أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض الصحابة والراوي لذلك صحابي أدرك تلك الواقعة فهو محكوم له بالاتصال وإن لم يعلم أنه شاهدها، وإن لم يدرك تلك الواقعة فهو مرسل صحابي، وإن كان الراوي تابعياً فهو منقطع. وإن روى التابعي عن صحابي قصة أدرك وقوعها كان متصلًا وإن لم يدرك وقوعها وأسندها إلى الصحابي كانت متصلة، وإن لم يدركها ولا أسند حكايتها إلى الصحابي فهي منقطعة. مثال ذلك ما في مسند يعقوب بن شيبه من رواية أبي الزبير عن محمد بن الحنفية عن عمار قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام فجعله مسنداً موصولًا. وذكر رواية قيس بن سعد كذلك عن عطاء ابن أبي رباح عن ابن الحنفية أن عماراً مَرَّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فجعله مرسلاً. فجعل يعقوب الأول من المتصل لأن ابن الحنفية أسند الحكاية إلى عمار حيث قال عن عمار قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل الثاني من المرسل لأنه لم يسند الحكاية إلى عمار بل إلى نفسه مع أنه لم يدرك مروره. ولا بد من اعتبار السلامة من التدليس في التابعين ومن بعدهم، وقد

حكى أبو عبد الله بن المَوَّاق اتفاق أهل التمييز من أهل الحديث على ذلك في كتابه بغية النقاد، عند ذكر عبد الرحمن بن طرفة " أن جده عرفجة قطع أنفه يوم الكلاَبِ " الحديث فقال الحديث عند أبي داود مرسل، وقد نبه ابن السكن على إرساله فقال: فذكر الحديث مرسلاً، قال ابن المواق: وهو أمر بين لا خلاف بين أهل التمييز من أهل هذا الشأن في انقطاع ما يروى كذلك إذا علم أن الراوي لم يدرك زمان القصة كما في هذا الحديث. أفاده العراقي في شرح ألفيته. وما ذكر من تسوية الحكم سواء نقله بأن أو عن أو قال أو نحوها صرح به ابن عبد البر. ولكن ينبغي تقييده بمن لم يعلم له استعمال خلافه كالبخاري فإنه قد يورد عن شيوخه بقال ما يرويه في مواضع أخر بواسطة عنهم كما تقدم في التعليق، وبمن عدا المتأخرين كما مر قريباً أفاده السخاوي رحمه الله تعالى. ولما أنهى الكلام على المعنعن شرع يبين ما يشترط انعدامه فيه وهو التدليس إذ شرط قبول المعنعن عدم التدليس فقال:

(التدليس)

(التدليس) أي هذا مبحثه وهو النوع الرابع عشر من أنواع علوم الحديث. والمناسبة بينه وبين سابقه واضحة مما ذكرناه في التمهيد. واشتقاقه من الدلس بالتحريك وهو اختلاط الظلام كأنه لتغطيته على الواقف عليه أظلم أمره، قاله السخاوي وقال الصنعاني نقلاً عن الحافظ: إنه مشتق من الدلس وهو الظلام، قاله ابن السيد، وكأنه أظلم أمره على الناظر لتغطيته وجه الصواب، وقال البقاعي: إنه مأخوذ من الدلس بالتحرك وهو اختلاط الظلام الذي هو سبب لتغطيته الأشياء عن البصر، ومنه التدليس في البيع يقال دلس فلان على فلان أي ستر عنه العيب الذي في متاعه كأنه أظلم عليه الأمر. اهـ كلام الصنعاني. ثم إن التدليس على قسمين تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ، وتحتهما أنواع يأتي تفصيلها فذكر الأول بقوله: 164 - تَدْلِيسُ الاِسْنَادِ بِأَنْ يَرْوِيَ عَنْ ... مُعَاصِرٍ مَا لَمْ يُحَدِّثْهُ بِـ " أَنْ " 165 - يَأْتِي بِلَفْظٍ يُوهِمُ اتِّصَالا ... كَـ " عَنْ " وَ " أَنَّ " وكذاك " قالا " 166 - وَقِيلَ: أَنْ يَرْوِيَ مَالَمْ يَسْمَعِ ... بِهِ وَلَوْ تَعَاصُرًا لَمْ يَجْمَعِ (تدليس الإسناد) مبتدأ أي النوع المسمى به (بأن يروي) الباء

للتصوير، والجار والمجرور خبر المبتدإ، يعني أن تدليس الإسناد مصور برواية شخص (عن معاصر) متعلق بيروي، أي شيخ معاصر له، أو ملاق كما زاده ابن الصلاح (ما) مفعول به ليروي، أي الحديث الذي (لم يحدثه) أي ذلك المعاصر، فالضمير المستتر يعود إلى معاصر، والبارز إلى ما يعني أن ذلك المعاصر، وكذا الملاقى لم يحدث ذلك الراوي بالحديث، وإنما حدثه رجل آخر عنه (بأن يأتي) الباء بمعنى مع متعلق بيروي، أي مع إتيان ذلك الراوي (بلفظ) من ألفاظ الأداء (يوهم) أي يوقع في الوهم أي الذهن (اتصالا) بذلك الشيخ ولكن لا يقتضيه (كعن) خبر لمحذوف، أي ذلك كلفظة عن، مثل عن فلان لشخص عاصره (و) كلفظة (أن) مثل أن فلاناً قال كذا، (وكذاك) أي مثل عن وأن في إيهام الاتصال بلا اقتضاء وهو خبر مقدم لـ (قالا) أي لفظة قال، مثل قال فلان كذا والألف يحتمل أن تكون إطلاقية، أو ضميراً للمثنى. وحاصل معنى البيتين أن تدليس الإسناد هو أن يروي شخص عمن عاصره أو لقيه ما لم يسمعه منه موهماً سماعه بإتيانه بلفظ يوهم الاتصال ولا يقتضيه مثل عن فلان أو أن فلاناً أو قال فلان أو نحوها. والحاصل أن شرط التدليس أمران الإتيان بلفظ محتمل غير كذب كما ذكرنا، والمعاصرة لأنه إن لم يعاصر زال التدليس وصار كذباً أو مرسلًا محضاً، وهذا هو المشهور في تعريف التدليس. وقيل: لا تشترط المعاصرة وإليه أشار بقوله (وقيل) التدليس (أن) مصدرية (يروى) الرجل عن الرجل (ما لم يسمع) أي الحديث الذي لم يسمعه (منه) أي من المحدث المفهوم من المقام، وفي نسخة المحقق به بالباء بدل الميم، وعليه فالضمير يعود إلى قوله بلفظ يوهم الخ، والمعنى: أن التدليس هو أن يروي ما لم يسمعه بلفظ يوهم اتصالاً كعن الخ (ولو) كان الراوي (تعاصراً) مفعول مقدم ليجمع، أي معاصرة مع من روى عنه (لم يجمع) أي ولو لم يجمع المعاصرة وكسرت العين فيه وفي يسمع للوزن.

وحاصل المعنى: أن التدليس على هذا القول هو أن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحاً بالسماع ولو لم يتعاصرا، وهذا القول نقله ابن عبد البر في التمهيد عن بعضهم. قال: وعلى هذا فما سلم من التدليس لا مالك ولا غيره. وقال الحافظ أبو بكر البزار: هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه، وكذا قال الحافظ أبو الحسن القطان في بيان الوهم والإيهام. قال: والفرق بينه وبين الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه ولما كان في هذا أنه قد سمع كانت روايته عنه بما لم يسمع منه كأنها إيهام سماعه ذلك الشيء فلذلك يسمى تدليساً. وارتض هذا القول الحافظ لتضمنه الفرق بين النوعين قال: ويؤيده كلام الخطيب في كفايته، وعبارتُهُ فيها: هو تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه أنه سمعه منه ويعدل عن البيان لذلك. وقال: ولو بين أنه سمعه من الشيخ الذي دلسه عنه وكشف ذلك لصار بيانه مرسلاً للحديث غير مدلس فيه. لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعاً ممن لم يسمع منه وملاقياً لمن لم يلقه إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن الإرسال لا محالة لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه فقط، وهو الموهن لأمره، فوجب كون التدليس متضمناً للإرسال والإرسال لا يتضمن التدليس لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا لم يذم العلماء من أرسل أي لظهور السقط، وذَمُّوا من دلس ذكره السخاوي في الفتح. ثم إن تدليس الإسناد كما ذكرنا على أنواع فمنه تدليس القطع وإليه أشار بقوله:

167 - وَمِنْهُ أَنْ يُسَمِّيَ الشَّيخَ فَقَطْ ... قَطْعٌ بِهِ الأَدَاةُ مُطْلَقًا سَقَطْ (ومنه) أي من تدليس الإسناد، وهو خبر مقدم (أن) مصدرية (يسمى) الراوي (الشيخ) أي يذكر اسم الشيخ (فقط) أي فحسب، يعني أنه ما ذكر صيغ الأداء كما بينه ما بعده، وأن وصلتها مبتدأ مؤخر، أي تسمية الشيخ بدون الصيغ كائن من تدليس الإسناد (قطع) خبر لمحذوف على حذف مضاف أي هو تدليس قطع يعني أنه يسمى (به) متعلق بسقط والباء بمعنى من أي من ذلك الحديث (الأداة) مبتدأ أي صيغ التحديث (مطلقا) حال من الأداة أي سواء كان حدثنا أو أخبرنا أو عن أو نحو ذلك وقوله (سقط) أي حذف من السَّند خبر المبتدإ، والجملة مستأنفة لتوضيح معنى فقط، أو حال من المبتدإ، ويحتمل أن يكون قوله منه خبراً مقدما وقطع مبتدأ مؤخراً، وقوله أن يسمى الخ خبر لمحذوف، والجملة معترضة بين المبتدإ والخبر، والتقدير ومنه تدليس قطع وهو تسميته الشيخ فقط، وجملة الأداة مطلقا سقط حال من تسيمة الشيخ. وحاصل معنى البيت: أن من تدليس الإسناد ما يسمى تدليس القطعٍ سماه به الحافظ في تصنيفه في المدلسين، وهو أن يسقط أداة الرواية أصلاً مقتصراً على اسم شيخه ويفعله أهل الحديث كثيراً. ومن أمثلته ما قال علي بن خشرم: كنا عند ابن عيينة فقال: الزهري فقيل له حدثك الزهري، فسكت ثم قال: الزهري، فقيل له أسمعته من الزهري، فقال لا لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخرجه الحاكم، ونحوه أن رجلًا قال لعبد الله بن عطاء الطائفي، حَدِّثنا بحديث " من توضأ فأحسن الوضوء دخل من أيِّ أبواب الجنة شاء " فقال عقبة بن عامر: فقيل: سمعته منه قال لا حدثني سعد بن إبراهيم، فقيل لسعد فقال: حدثني زياد بن مخراق، فقيل لزياد، فقال: حدثني رجل، عن شهر بن حوشب يعني عن عقبة ذكره السخاوي.

ومن أنواع تدليس الإسناد أيضاً تدليس العطف وإليه أشار بقوله: 168 - وَمِنْهُ عَطْفٌ، وَكَذَا أَنْ يَذْكُرَا ... " حَدَّثَنَا " وَفَصْلُهُ الاِسْمَ طَرَا (ومنه عطف) مبتدأ وخبر أي ومن تدليس الإسناد تدليس عطف أي ما يسمى به، زاده الحافظ أيضاً. وهو أن يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع من أحدهما دون الآخر فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضاً وإنما حدث بالسماع عن الأول ونوى القطع فقال: فلان أي حدث فلان. مثاله ما في علوم الحديث للحاكم قال اجتمع أصحاب هشيم فقالوا: لا نكتب عنه اليوم مما يدلسه ففطن لذلك فلما جلس قال حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم فحدث بعدة أحاديث فلما فرغ قال هل دلست لكم شيئاً قالوا: لا قال: بلى كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئاً انتهى. ومن أنواع تدليس الإسناد أيضاً تدليس الحذف وإليه أشار بقوله: (كذا) أي مثل ما تقدم من تدليس القطع والعطف في كونه من أنواع تدليس الإسناد، وهو خبر مقدم عن قوله: (أن) مصدرية (يذكرا) بالبناء للفاعل أي الراوي والألف إطلاقية وقوله: (حدثنا) منصوب على المفعولية لقصد لفظه، أي لفظ حدثنا مثلاً (وفصله) مبتدأ أي فصل الراوي (الاسم) أي اسم الشيخ مفعول فصل، وقوله: (طرا) بقلب الهمزة ألفاً للوقف أي وقع وحصل، خبر المبتدإ، والجملة حال من فاعل يذكر، والتقدير ومثل ما تقدم من الأنواع ذكر الراوي ألفاظ الأداء والحال أن فصله اسم الشيخ عن صيغ الأداء طارئ بأن يسكت بعد ذكر الأداة ثم يذكر اسم الشيخ. مثاله ما ذكر محمد بن سعيد عن أبي حفص عمر بن علي المُقَدَّمِيّ أنه كان يدلس تدليساً شديداً يقول: سمعت وحدثنا ثم يسكت ثم يقول

هشام بن عروة، الأعمش، وقال أحمد بن حنبل: كان يقول حجاج سمعته يعني حدثنا آخر. وقال جماعة: كان أبو إسحاق يقول: ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، فقوله: عبد الرحمن تدليس يوهم أنه سمعه منه قاله في التدريب. وفيه نظر. (تنبيه): كان الأولى للناظم تقديم قوله وكذا أن يذكر إلخ قبل تدليس العطف لأنه من تدليس القطع فإنه كما قال السخاوي على نوعين: الأول: إسقاط أداة الرواية مقتصراً على اسم شيخه كما قدمنا عن ابن عيينة أنه قال الزهري إلخ. الثاني: أن يذكر الأداة مثل حدثنا ثم يسكت وينوي القطع ثم يذكر اسم الشيخ كما في المثال المذكور آنفا، ولو قال بدل البيتين: ومنهُ إسقاطُ أداةٍ ذاكرا ... اسْماً لِشَيخِهِ أو الفَصلُ جَرَى قَطْعٌ وإِن يعَطِف على مَن سَمِعَا ... سوَاهُ عَطفٌ دُلْسَةً قَد أُتبِعَا لكان أوضح مع بيان تعريف تدليس العطف. والمعنى أن من تدليس الإسناد إسقاط أداة التحديث مع ذكر اسم الشيخ وقولي: أو الفصل جرى، أي فصل الأداة عن اسم الشيخ وكلاهما يسمى تدليس القطع. وتدليس العطف هو أن يذكر شيخاً سمع منه الحديث ويعطف عليه آخر لم يسمع منه ذلك الحديث. وقولي: ودلسة بالضم اسم من الدلس بمعنى التدليس يعني أن كُلاً من القطع والعطف قد أتبع التدليس بمعنى أنه يضاف اليهما فيقال تدليس القطع وتدليس العطف.

(تنبيه): قسم الحاكم التدليس إلى ستة أقسام: الأول: قوم لم يميزوا بين ماسمعوه وما لم يسمعوه. الثاني: قوم يدلسون فإذا وقع لهم من ينقر عنهم ويُلحُّ في سماعاتهم ذكروا له، ومثله بما حكى ابن خشرم عن ابن عيينة. الثالث: قوم دلسوا عن مجهولين لا يدرى من هم ومثله بما روي عن ابن المديني قال: حدثني حسين الأشقر حدثنا شعيب بن عبد الله عن أبي عبد الله عن نوف قال: بت عند علي فذكر كلاماً، قال ابن المديني فقلت لحسين ممن سمعت هذا فقال: حدثنيه شعيب عن أبي عبد الله عن نوف فقلت لشعيب من حدثك بهذا فقال: أبو عبد الله الجصاص فقلت عمن قال عن حماد القصار فلقيت حماداً فقلت له: من حدثك بهذا قال بلغني عن فرقد السَّبَخِي عن نَوْفٍ فإذا هو قد دلس عن ثلاثة أبو عبد الله مجهول، وحماد لا يدرى من هو، وبلغه عن فرقد، وفرقد لم يدرك نوفاً. الرابع: قوم دلسوا عند قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء فيدلسونه. الخامس: قوم رووا عن شيوخ ولم يروهم فيقولون قال فلان فحمل ذلك عنهم على السماع وليس عندهم سماع، قال البلقيني: وهذه الخمسة كلها داخله تحت تدليس الإسناد وذكر السادس: وهو تدليس الشيوخ الآتي. انتهى. ونقله في التدريب ثم ذكر حكمه فقال: 169 - وَكُلُّهُ ذَمٌّ، وَقِيلَ: بَلْ جَرَحْ ... فَاعِلَهُ، وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَضَحْ (وكله) مبتدأ أي جميع أنواع التدليس لا خصوص هذا القسم كما قاله السخاوي، وقال النووي في التقريب أما الأول فمكروه جداً ذمه أكثر العلماء. وأما الثاني فكراهته أخف. اهـ باختصار وقوله (ذم) يحتمل كونه فعلاً ماضياً مغيراً الصيغة أي ذمه العلماء، ويحتمل كونه مصدراً بمعنى اسم المفعول أي مذموم وهو الخبر. والمعنى أن التدليس كله ذمّهُ أكثر العلماء كما في التقريب، ولم ير

به بأساً جماعة من المحدثين كما قاله يعقوب بن شيبة، قال السخاوي يعنى وهم الفاعلون له أو معظمهم. وممن بالغ في ذمه شعبة بن الحجاج فروى الشافعي عنه أنه قال: التدليس أخو الكذب، وقال غندر عنه: أشد من الزنا، ولأن أسقط من السماء إلى الأرض أحب إليَّ من أن أدلس، وقال أبو الوليد الطيالس عنه: لأن أخِرَّ من السماء إلى الأرض أحب إليَّ من أن أقول زعم فلان ولم أسمع ذلك الحديث منه، وكذا قال ابن المبارك وزاد: إن الله لا يقبل التدليس، وممن أطلق على فاعله الكذب أبو أسامة، وكذا قرنه به بعضهم، وقرنه آخر بقذف المحصنات، وقال سليمان بن داود المنقري: التدليس والغش والغرور والخداع والكذب تحشر يوم تبلى السرائر في نِفَار واحد (بالمعجمة أي طريق). وقال عبد الوارث بن سعيد: إنه ذل يعني لسؤاله أسمع أم لا، قال ابن معين: إني لأزين الحديث بالكلمة فأعرف مذلة ذلك في وجهي فأدعه، وقال حماد بن زيد: هو متشبع بما لم يُعطَ، ونحوه قول أبي عاصم النبيل: أقل حالاته عندي أنه يدخل في حديث " المتشبعُ بما لم يعط كلابس ثوبي زور " وقال وكيع: الثوب لا يحل تدليسه فكيف الحديث، وقال بعضهم: أدنى ما فيه التزين. وقال يعقوب بن شيبة: وكرهه جماعة من المحدثين ونحن نكرهه. زاد غيره وتشتد الكراهة إذا كان المتروك ضعيفاً فهو حرام ولكن اختص شعبة منه مع تقدمه بالمزيد كما ترى على أن شعبة قد عيب بقوله: لأن أزني أحب إليَّ من أن أحدث عن يزيد بن أبان الرقاشي. فقال يزيد بن هارون: راوي ذلك عنه ما كان أهون عليه الزنا. قال الذهبي: وهو أي التدليس داخل في قوله عليه السلام " من غشنا فليس منا ". لأنه يوهم السامعين أن حديثه متصل وفيه انقطاع، هذا إن دلس عن ثقة فإن كان ضعيفاً فقد خان الله ورسوله، بل هو كما قال بعض الأئمة حرام إجماعاً: وأماما نقله ابن دقيق العيد عن الحافظ أبي بكر أنه قال:

التدليس اسم ثقيل شنيع الظاهر لكنه خفيف الباطن سهل المعنى، فهو محمول على غير المحرم منه، ذكر ذلك كله العلامة السخاوي رحمه الله. ثم إن فريقا ممن ذمه جرحوا بسببه فاعله كما أشار إليه بقوله (وقيل) أي قال فريق من أهل الحديث والفقهاء زيادة على ذمه (بل) للإضراب الانتقالي (جرح) بالبناء للفاعل، والفاعلُ ضمير يعود إلى التدليس وقوله (فاعله) مفعوله أي جرح التدليس فاعلَه، ويحتمل ضبط جرح بالبناء للمفعول وفاعِلُهُ نائب الفاعل أي جرح فاعل التدليس بسببه فردت روايته كلها (ولو) للتقليل كما في " التمس ولو خاتماً من حديد " (بمرة) واحدة (وضح) أي ظهر التدليس قال الشافعي رحمه الله: من عُرِف بالتدليس ولو مرة لا يقبل منه ما يقبل من أهل النصيحة في الصدق حتى يقول حدثني أو سمعت اهـ قال السخاوي: وبيان ذلك أنه بثبوت تدليسه مرة صار ذلك هو الظاهر من حاله في معنعناته، كما أنه إذا ثبت اللقاء مرة صار الظاهر من حاله السماع، وكذا من عرف بالكذب في حديثٍ واحدٍ صار الكذب هو الظاهر من حاله وسقط العمل بجميع حديثه مع جواز كونه صادقاً في بعضه. اهـ كلام السخاوي. وحاصل المعنى: أن التدليس جرح لفاعله يرد به ما رواه مطلقا سواء بين السماع أم لا دلس عن الثقات أم لا ولو ظهر منه مرة واحدة، وهو منقول كما قال ابن الصلاح تبعاً للخطيب وغيره عن فريق من المحدثين والفقهاء حتى بعض من احتج بالمرسل لما فيه من التهمة والغش حيث عدل عن الكشف إلى الاحتمال وكذا التشبعُ بما لم يُعطَ حيث يوهم السماع لما لم يسمعه والعلو وهو عنده بنزول الذي، قال ابن دقيق العيد: إنه أكثر قصد المتأخرين به، وممن حكى هذا القول القاضي عبد الوهاب في المخلص وقيده ابن السمعاني في القواطع بما إذا استكشف فلم يخبر باسم من يروي عنه قال لأن التدليس تزوير وإيهام لما لا حقيقة له أما إذا أخبر فلا. قاله السخاوي. والقول الثاني: القبول مطلقاً صرحوا أم لا حكاه الخطيب عن خلق كثيرين من أهل العلم قال وزعموا أن نهاية أمره أن يكون مرسلاً.

والثالث: وعزاه ابن عبد البر لأكثر أئمة الحديث التفصيل، فمن كان لا يدلس إلا عن الثقات قبل ومن لا فلا قاله البزار، وبه أشعر قول ابن الصباغ وصرح به أبو الفتح الأزدي وأشار إليه أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة وجزم أبو حاتم بن حبان وابن عبد البر وغيرهما في حق سفيان بن عيينة وبالغ ابن حبان في ذلك حتى قال: إنه لا يوجد له تدليس قط إلا وجد بعينه قد بين سماعه فيه عن ثقة. والرابع: إن كان وقوع التدليس منه نادراً قبلت عنعنته ونحوها وإلا فلا وهو مروي عن ابن المديني أفاده السخاوي. قلت وهذان التفصيلان غير التفصيل المذكور في قوله: 170 - وَالْمُرْتَضَى قَبُولُهُمْ إِنْ صَرَّحُوا ... بِالْوَصْلِ فَالأَكْثَرُ هَذَا صَحَّحُوا (والمرتضى) أي القول المرضى من أقوال العلماء في التدليس مبتدأ خبره (قبولهم) من إضافة المصدر إلى فاعله، أي قبول العلماء حديث المدلسين، أو من إضافة المصدر إلى مفعوله أي قبول المدلسين في روايتهم (إن) شرطية (صرحوا) أي المدلسون فيما رووه (بالوصل) أي بكون ما رووه موصولاً بالسماع بأن قالوا: سمعت أو حدثنا أو أخبرنا أو نحوها (فالأكثر) من أئمة الحديث والفقه والأصول مبتدأ خبره الجملة بعده (هذا) القول مفعول مقدم لقوله (صححوا) أي صحح أكثر العلماء هذا القول المفصل. وحاصل معنى البيت أن الصَّحِيح المرضي من الأقوال في المدلسين هو التفصيل فما صرحوا فيه بالسماع مقبول محتج به وما رووه بلفظ محتمل فحكمه حكم المرسل ونحوه، وعُزِيَ هذا التفصيل إِلى الشافعي وابن المديني وابن معين وآخرين. وممن صحح هذا القول الخطيب وابن الصلاح ونفى ابن القطان الخلاف فيه وكذا ابن عبد البر لكن نفي الخلاف مُنَتقَد بما مر من الخلاف.

وهذ التفصيل هو خامس الأقوال في المدلسين (واعلم) أن في رواة الصَّحِيحين جماعة من المشاهير بالتدليس كالأعمش وهشيم وقتادة والثَّوري وابن عيينة والحسن البصري وعبد الرزاق والوليد بن مسلم وغيرهم وإليه أشار العراقي حيث قال: وفي الصَّحِيح عِدَّة كالأعمش ... وكهشيم بعده ففتش فقال النووي رحمه الله: إن ما فيهما وفي غيرهما من الكتب الصَّحِيحة بعن محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى وإليه أشار بقوله: 171 - وَمَا أَتَانَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِـ " عَنْ " ... فَحَمْلُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ قَمَنْ (وما) شرطية أو موصولة مبتدأ أي الحديث الذي (أتانا) أي وصل إلينا عن المدلسين كقتادة والسفيانين (في الصَّحِيحين) حال من الفاعل أي حال كونه في كتابي البخاري ومسلم وكذا غيرهما ممن التزم الصحة (بعن) حال من الفاعل أيضاً أي حال كونه مروياً بصيغة تحتمل السماع وعدمه كعن ونحوها (فحمله) أي حمل ذلك الحديث مبتدأ (على ثبوته) أي ثبوت ذلك الحديث بالسماع له من جهة أخرى متعلق بقوله (قمن) أي حقيق قال في " ق " وشرحه القمين كأسير، والقمن ككتف، وجبل: الخليق، والجدير قال ابن سيده هو قَمِن بكذا وقَمِن منه، وقَمِينٌ: أي حَرِيٌّ وخَلِيق، وجَدِير، والمُحرَّكَةُ لا تثني ولا تجمع ولا تؤنث إن أريد بها المصدر يقال هما قمن وهم قمن وهن قمن، وإن أريد بها النعت تثنى وتجمع وتؤنث وكذا المكسورة الميم والتي فيها الياء. اهـ بتصرف. وهو خبر المبتدإ والجملة جواب الشرط، أو خَبَرُ المَوصُولِ ودخلت الفاء في الخبر لما في المبتدإ من معنى العموم. وحاصل معنى البيت أن ما جاء في الصَّحِيحين ونحوهما من المدلسين بعن ونحوها فهو محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى وإنما اختار صاحب الصَّحِيح طريقة العنعنة على طريق التصريح بالسماع لكونها على شرطه دون تلك، وقال القطب الحلبي في القدح المُعلَّى: أكثرُ العلماء أن المعنعنات التي في الصَّحِيحين منزلة منزلة السماع.

قال السخاوي: يعني إما لمجيئها من وجه آخر بالتصريح، أو لكون المعنعن لا يدلس إلا عن ثقة أو عن بعض شيوخه أو لوقوعها من جهة بعض النقاد المحققين سماع المعنعن لها، ولذا استثنى من هذا الخلاف الأعمش وأبو إسحاق وقتادة بالنسبة لحديث شعبة خاصة عنهم فإنه قال: كفيتكم تدليسهم، فإذا جاء حديثهم من طريقه بالعنعنة حمل على السماع جزماً، وأبو إسحاق فقط بالنسبة لحديث القطان عن زهير عنه، وأبو الزبير عن جابر بالنسبة لحديث الليث خاصة، والثَّوري بالنسبة لحديث القطان عنه، بل قال البخاري: لا يعرف لسفيان الثَّوري عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور، ولا عن كثير من مشايخه تدليس، ما أقل تدليسه، اهـ كلام السخاوي. (تنبيهات): الأول: قد اعترض استثناءَ ما في الصَّحِيح صدرُ الدين بن المُرَجَّل في كتاب الإنصاف فقال في هذا الاستثناء غصَّة لأنها دعوى لا دليل عليها لا سيما أنا قد وجدنا كثيراً من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصَّحِيحين أو أحدهما بتدليس رواتها وكذلك استشكل ذلك قبله المحقق ابن دقيق العيد فقال: لا بد من الثبوت على طريق واحدة إما القبول مطلقاً في كل كتاب أو الرد مطلقاً في كل كتاب وأما التفرقة بين ما في الصَّحِيح من ذلك وما خرج عنه فغاية ما يوجه به أحد أمرين: إما أن يُدَّعَى أن تلك الأحاديث عَرَفَ صاحب الصَّحِيح صحة السطع فيها، قال: وهذا إحالة على جهالة وإثبات أمر بمجرد الاحتمال، وأما أن يُدَّعى أن الإجماع على صحة ما في الصَّحِيحين دليل على وقوع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على خطأ وهو ممتنع، قال: لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه، قال: وهذا فيه عسر، قال: ويلزم على هذا أن لا يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصَّحِيح ولا نقول هذا على شرط مسلم مثلاً لأن الإجماع المدعى ليس موجوداً في الخارج انتهى، نقله الصنعاني في التوضيح.

الثاني: قد سال الإمام تقي الدين السبكي شيخه أبا الحجاج المِزِّيَّ عما وقع في الصَّحِيحين من حديث المدلسين معنعنا هل نقول إنهما اطلعا على اتصالها؟ قال: كذا يقولون، وما فيه إلا تحسين الظن بهما، وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما يوجد من غير تلك الطريق التي في الصَّحِيح، ذكره في التوضيح أيضاً. الثالث: قال الحافظ: ليست الأحاديث التي في الصَّحِيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط، وأما ما كان في المتابعات فيحتمل التسامح في تخريجها كغيرها. اهـ ذكره في التوضيح أيضاً. ثم ذكر شر أقسام التدليس وهو التجويد فقال: 172 - وَشَرُّهُ " التَّجْوِيدُ " وَالتَّسْوِيَةُ ... إِسْقَاطُ غَيْرِ شَيْخِهِ وَيُثْبِتُ 173 - كَمِثْلِ " عَنْ " وَذَاكَ قَطْعًا يَجْرَحُ ... ................. (وشره التجويد) مبتدأ وخبر أي شر أقسام التدليس النوع المسمى عند المتقدمين بالتجويد حيث يقولون: جوده فلان، أي ذكر من فيه من الأجواد وحذف غيرهم (و) هو (التسوية) سماه به أبو الحسن بن القطَّان فمن بعده فقال سَوَّاة فلان، وهذه تسوية، فالتجويد والتسوية اسمان لمسمى واحد، وهو الذي عرفه بقوله: (إسقاط) خبر لمحذوف أي هو إسقاط (غير شيخه) أي حذف الراوي من السَّند غير شيخه كشيخ شيخه أو من فوقه لكونه ضعيفاً أو صغيراً وقوله (ويثبت) خبر لمحذوف أي وهو يثبت والجملة حالية (¬1) كما قال ابن مالك. وذاتُ واوٍ بعدها انو مبتدا ... له المضارعَ اجعلنَّ مُسنَدا ¬

_ (¬1) وصاحبها الراوي الفاعل للإسقاط.

أي يذكر في محل الإسقاط (كمثل عن) أي لفظا محتملاً للسماع كعن ونحوها فالكاف زائدة ومثل مفعول به ليثبت. وحاصل المعنى: أن أفحش أنواع التدليس ما يسمى بالتجويد والتسوية، وصورته كما قال العراقي: أن يروي حديثاً عن شيخ ثقة وذلك يرويه عن ضعيف عن ثقة فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط الضَّعِيف الذي في السَّند ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقات، ولهذا سمى تدليس التسوية، وإنما كان شر أقسام التدليس لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفاً بالتدليس ويجده الواقف على السَّند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة وفي هذا غَرَر شديد، ولذا صار من يفعله مجروحاً كما أوضحه بقوله: (وذاك) أي التجويد والتسوية المذكور مبتدأ خبره جملة يجرح (قطعاً) حال من ذاك على رأي، أو مفعول مطلق، أي جرحاً قطعاً، أي مقطوعاً به بين العلماء، يعني أنه لا خلاف فيه (يجرح) بالبناء للفاعل، ومفعوله محذوف أي فاعله، أو بالبناء للمفعول، واسم الإشارة عائد على المجود (¬1) المفهوم من التجويد أي المجود مجروح بلا خلاف بين العلماء. وحاصله أن هذا النوع قادح في عدالة فاعله لأنه خيانة لمن ينقل إليهم وغرور. قال الحافظ: لا شك أنه جرح وإن وصف به الثَّوري والأعمش فأحسن ما يعتذر به عنهما أنهما لا يفعلان ذلك إلا في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفاً عند غيرهما. قال: ثم إن ابن القطان إنما سماه تسوية بدون لفظ التدليس، قال والتحقيق أن يقال متى قيل تدليس التسوية لا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد قد اجتمع الشخص منهم ¬

_ (¬1) بكسر الواو بصيغة اسم الفاعل.

بشيخ شيخه في ذلك الحديث، وإن قيل تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه كما فعل مالك فإنه لم يقع في التدليس أصلاً، ووقع في هذا فإنه يروي عن ثور بن زيد عن ابن عباس وثور لم يلقه، وإنما رَوَى عن عكرمة عنه فأسقط عكرمة لأنه غير حجة عنده، وعلى هذا يفارق المنقطع بأن شرط الساقط هنا أن يكون ضعيفاً فهو منقطع خاص قاله في التدريب وقال الحافظ أيضاً: فتعريف العراقي المتقدم غير جامع بل الحق أن يقول هو أن يجيء الراوي ليشمل المدلس وغيره إلى حديث قد سمعه من الشيخ وسمعه ذلك الشيخ عن آخر فيسقط الواسطة بصيغة محتملة فيصير الإسناد عالياً وهو في الحقيقة نازل، ثم ذكر أن من التسوية في اصطلاحهم أن يسقط من السَّند واحد وإن كان ثقة فيكون عالياً مثلاً فلا تختص التسوية بإسقاط الضَّعِيف ذكره في التوضيح. وممن نقل عنه أنه يفعل هذا النوع بقية بن الوليد والوليد بن مسلم إذا أتى بعن عن الأوزاعي وابن جريجٍ. (تنبيه): هذا النوع زاده العراقي على ابن الصلاح وجعله قسماً ثالثاً ولكن الأولى كما قال الحافظ أنه نوع من تدليس الإسناد وليس قسماً مستقلاً فالتحقيق أنه ليس إلا قسمان: تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ، ولكن قال البقاعي: إن تدليس التسوية يدخل في القسمين فتارة يسقط الضعفاء فتكون تسوية السَّند، وتارة يصف الشيوخ بما لا يعرفون به من غير إسقاط فتكون تسوية الشيوخ، نقله عنه في التوضيح، ونقل في التدريب عن الحافظ مثله. ثم ذكر القسم الثاني: وهو تدليس الشيوخ فقال: .................. ... وَدُونَهُ تَدْلِيسُ شَيْخٍ يُفْصِحُ 174 - بِوَصْفِهِ بِغَيْرِ وَصْفٍ لا يُعْرَفُ ... فَإِنْ يَكُنْ لِكَوْنِهِ يُضَعَّفُ 175 - فَقِيلَ: جَرْحٌ أَوْ لِلاسْتِصْغَارِ ... فَأَمْرُهُ أَخَفُّ كَاسْتِكْثَارِ

(ودونه) أي دون تدليس الإسناد بأنواعه وإنما فصله عنه كما قال السخاوي: لعدم الحذف فيه وإنما كان دون الأول لأنه قد زال الغرر فإن شيخه الذي دلس اسمه إما أن يعرف فيزول الغرر أو لا يعرف فيكون في الإسناد مجهول قاله في التنقيح، والظرف خبر مقدم لقوله (تدليس شيخ) من شيوخ الراوي أي ما يسمى بذلك وقوله (يفصح) بالبناء للمفعول أي يُبَيَّن وُيذكرُ ذلك الشيخ يقال: أفصح عن الشيء بينه وكشفه، والجملة صفة شيخ أي يظهر في السَّند، ولا يحذف، أو بالبناء للفاعل أي يظهره الراوي ولا يحذفه (بوصفه) متعلق بيفصح، والباء بمعنى مع أي مع وصفه (بصفة) من صفاته (لا يعرف) بها بين النَّاس، وفي نسخة المحقق بوصفه بغير وصف يعرف والمعنى واحد. وحاصل المعنى أن تدليس الشيوخ هو أن يصف المدلس شيخه الذي سمع منه بصِفةٍ لا يعرف بها من اسم أو كنية أو قبيلة أو بلد أو صنعة أو نحو ذلك لكي يوعر الطريق إلى معرفة السامع له. من أمثلته قال: أبي بكر بن مجاهد المقرئ حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد به الحافظ أبا بكر بن أبي داود صاحب السنن الحافظ. وقوله أيضاً: حدثنا محمد بن سند يريد به أبا بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد النقاش نسبة لجد له، قال الحافظ: ليس قوله بصفة لا يعرف بها قيداً بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليساً، كقول الخطيب: أخبرنا علي بن أبي علي البصري، ومراده بذلك أبو القاسم علي بن أبي علي الحسن بن علي التنوخي وأصله من البصرة فقد ذكر بما يعرف به لكنه لم يشتهر بذلك وإنما اشتهر بكنيته واشتهر أبوه باسمه واشتهرا بنسبتهما إلى القبيلة لا إلى البلد ولهذا نظائر كصنيع البخاري في الذهلي فإنه تارة يسميه فقط فيقول حدثنا محمد وتارة يقول محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده وتارة يقول محمد بن خالد فينسبه إلى والد جده وكل ذلك صحيح إلا أن شهرته بمحمد بن يَحْيَى الذهلي ذكره في التوضيح.

قال ابن الصلاح وفيه أي في تدليس الشيوخ تضييِع للمروي عنه بعدم معرفة عينه ولا حاله، وقال العراقي: وللحديث أيضاً بأن لا يتنبه له فيصير بعض رواته مجهولًا فهذه مفسدة عظيمة قاله الصنعاني. ثم إن هذا الفعل يختلف في الكراهة باختلاف القصد الحامل له على ذلك فشره أن يكون لضعفه وإليه أشار بقوله: (فإن يكن) أي التدليس (لكونه) أي ذلك الشيخ (يضعف) أي يحكم عليه بالضعف (فقيل) أي قال بعضهم هذا (جرح) أي جارح فاعله، أو مجروح فاعله. والمعنى أن السبب الحامل للتدليس إن كان لضعف المروي عنه فيدلسه حتى لا يظهر روايته عن الضعفاء فهذا يَجرَح فاعله لكونه غَشًّا للمسلمين. وهذا القول لابن الصباغ فإنه جزم في العدة بأن من فعل ذلك لكون شيخه غير ثقة عند النَّاس فغَيَّره ليقبلوا خبره يجب أن لا يقبل خبره وإن كان هو يعتقد فيه الثقة لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه هو (¬1)، وقال الآمدي: إن فعله لضعفه فجرح أو لضعف نسبه أو لاختلافهم في قبول روايته فلا، وقال ابن السمعاني إن كان بحيث لو سئل عنه لم يبينه فجرح وإلا فلا. والأصح أنه ليس بجرح، بل منع بعضهم إطلاق اسم التدليس عليه، فقد روى البيهقي في المدخل عن محمد بن رافع قال: قلت لأبي عامر كان الثَّوري يدلس قال: لا قلت: أليس إذا دخل كُورَة يعلم أن أهلها لا يكتبون حديث رجل قال: حدثني رجل إذا عُرِفَ الرجل بالاسم كناهُ وإذا عرف بالكنية سماه، قال: تزيين ليس بتدليس أفاده في التدريب. وقال في التنقيح: وشرحه إذا كان يعتقد أن ضعف من دلسه ضعف يسير يحتمل وعرفه بالصدق والأمانة واعتقد وجوب العمل بخبره لما له من ¬

_ (¬1) وقد اعترض كلام ابن الصباغ هذا في التنقيح فانظره فإنه كلام منقح.

التوابع والشواهد وخاف من إظهار الرواية عنه وقوع فتنة من غَالٍ مقبولٍ عند النَّاس يَنْهَى عن حديث هذا الْمُدَلَّسِ ويترتب على ذلك سقوط جملة من السنن النبوية فله أن يفعل مثل هذا ولا جرح عليه لأنه قصد بتدليسه نصح المسلمين في الحقيقة وإيثار المصلحة على المفسدة، وقد دلس عن الضعفاء إمام أهل الرواية والدراية ومن لا يُتَّهَمُ في نصحه للأمة سفيان بن سعيد الثَّوري فمَنْ مِثلُ سفيان في منقبة واحدة من مناقبه؟ أو من يَبْلُغُ من الرُّواة إلى أدنى مراتبه؟ ولولا هذا العذر ونحوه من الضروريات ما دلس الحديثَ أكابرُ الثقات من أهل الديانة والأمانة والنصيحة للَّه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولجميع أهل الإسلام. وقد روى أن رواة الحديث وأهل العلم في بعض أيام بني أمية وبعض بلدانهم كانوا لا يقدرون على إظهار الرواية عن عليٍّ عليه السلام. اهـ، ما في التنقيح وشرحه التوضيح. قلت هذا كلام منقح ورأى مصحح والله أعلم. ثم ذكر ما هو أخف مما قبله وهو ما كان الحامل له على التدليس الاستصغار أو الاستكثار فقال (أو) يكن التدليس لأجل (الاستصغار) أي عد المروي عنه صغير السن إما بأن يكون أصغر منه أو أكبر لكن بيسير أو بكثير لكن تأخرت وفاته حتى شاركه في الأخذ عنه من هو دونه، والجار والمجرور عطف على قوله لكونه (فأمره) أي شأن هذا التدليس وحكمه وهو مبتدأ خبره قوله: (أخف) أي أسهل مما قبله، والجملة عطف على الجواب السابق عطف معمولين على معمولي عاملين مختلفين، وفيه خلاف مشهور. وحاصل المعنى أنه إذا كان الحامل على هذا التدليس كون المروي عنه صغيراً في السن أو غيره فهو أسهل مما كان الحامل له ضعفه. وقد ذكر العراقي نقلاً عن ابن الصباغ أنه إذا كان لصغر سنه يكون رواية مجهول لا يجب قبول خبره حتى يُعْرَفَ من رَوَى عنه. فتعقبه الحافظ، فقال: فيه نظر، لأنه يصير مجهولاً عند من لا خِبْرَةَ له بالرجال وأحوالهم

وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا فمن أحاط علماً بذلك لا يكون الرجل المدلَّس عنده مجهولًا وتلك أنزل مراتبه. وقد بلغنا أن كثيراً من الأئمة الحفاظ امتحنوا طلبتهم المهرة بمثل ذلك فشُهِدَ لهم بالحفظ لَمَّا تسارعوا إلى الجواب عن ذلك. وأقرب ما وقع من ذلك أن بعض أصحابنا كان ينظر في كتاب العلم لأبي بكر بن أبي عاصم فوقع في أثنائه حدثنا الشافعي حدثنا ابن عيينة فذكر حديثاً فقال لعله سقط منه شيء فالتفت إلي فقال ما تقول؟ فقلت الإسناد متصل وليس الشافعي هذا محمد بن إدريس الإمام بل هذا ابن عمه إبراهيم بن محمد بن العباس ثم استدللت على ذلك بأن ابن أبي عاصم معروف بالرواية عنه وأخرجت من الكتاب المذكور روايته عنه وقد سماه ولقد كان ظن الشيخ في السقوط قوياً لأن مولد ابن أبي عاصم بعد وفاة الشافعي الإمام بمدة، وما أحسن ما قال ابن دقيق العيد: إن في تدليس الثقة مصلحةً وهي امتحان الأذهان في استخراج ذلك وإلقاؤه إلى من يُراد اختبار حَفظه ومعرفته بالرجال، وفيه مفسدة من حيث إنه قد يخفى فيصير الراوي المُدَلَّس مجهولًا لا يُعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلا في نفس الأمر. قال الحافظ: وقد نازعته في كونه يصير مجهولاً عند الجميع لكن مفسدته أن يوافق على ما يدلس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفاً وهو في نفس الأمر صحيح، وعكس هذا في حق من يدلس الضَّعِيف ليُخْفِيَ أمره فينتقل من رتبة من يرد خبره مطلقاً إلى رتبة من يتوقف فيه فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن أخذ ذلك الراوي عنه فمفسدته أشد كما وقع لعطية العوفى تكنيتُهُ محمد بنَ السائب الكلبي أبا سعيد فكان إِذا حدث عنه يقول: حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري لأن عطية كان قد لقيه وروى عنه وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ انتهى وقد نقله في التوضيح.

(كاستكثار) أي كما يكون أخف إذا كان الحامل له على ذلك استكثار الشيوخ أي طلب كثرتهم عند السامعين موهماً لهم كونه يروى عن مشايخ كثيرين بحيث يظن الواحد ببادىء الرأي جماعة. قال السخاوي: وإلى ذلك أشار الخطيب بقوله أو تكون أحاديثه التي عنده عنه كثيرة فلا يحب تكرار الرواية عنه فغير حاله لذلك. وقال السخاوي قلت: ولكن لا يلزم كون الناظر قد يتوهم الإكثار أن يكون مقصوداً لفاعله بل الظن بالأئمة خصوصاً من اشتهر إكثاره مع ورعه خلافه لما يتضمن من التشبع والتزين الذي يراعى تجنبه أرباب الصلاح والقلوب ولا مانع من قصدهم به الاختبار لليقظة والالتفات إلى حسن النظر في الرواة وأحوالهم إلى آخر ما قدمناه عن الحافظ. وفي التنقيح مع التوضيح: وهذا يعنى إيهام كثرة الشيوخ مقصد يلوح على صاحبه بمحبته الثناء وشوب الإخلاص إذ إيهام كثرة الشيوخ دال على محبته لمدحه بكثرة ملاقاة من أخذ عنه وهمته ورغبته، مع أن له محملاً صالحاً إذا تؤمل وهو أن يكون كثير الشيوخ أجل قدراً مع من لا يميز الأكثرون فيكون ذلك داعياً لهم إلى الأخذ عن الراوي وذلك يشتمل على قربة عظيمة وهي إشاعة الأخبار النبوية. (تنبيه): وممن اشتهر بتدليس الشيوخ الخطيب فقد كان لَهِجاً به في تصانيفه، قال الحافظ: ينبغي أن يكون الخطيب قدوة في ذلك وأن يستدل بفعله على جوازه (¬1) فإنه إنما يعمى على غير أهل الفن، وأما أهله فلا يخفى ذلك عليهم لمعرفتهم بالتراجم، ولم يكن الخطيب يفعل ذلك إيهاماً للكثرة فإنه مكثر من الشيوخ والمروياتِ والناسُ بعده عيال عليه وإنما يفعل ذلك تفننا في العبارة أفاده في التوضيح. ثم إن من أقسام التدليس ما هو عكس هذا كما أشار إليه بقوله: ¬

_ (¬1) في استدلاله بفعل الخطيب على الجواز نظر، إذ الجواز حكم، والحكم لا يثبت إلا بنص. فتأمل.

176 - وَمِنْهُ إِعْطَاءُ شُيُوخٍ فِيهَا ... اسْمَ مُسَمًّى آخَرٍ تَشْبِيهَا (ومنه) أي من تدليس الشيوخ خبر مقدم لقوله (إعطاء شيوخ فيها) أي في الأسانيد (اسم مسمى) مفعول ثان لإعطاء، وقوله: (آخَرٍ) صفة لمسمى، وصرف للضرورة، أي إعطاء شيخ من شيوخ الإسناد اسم شخص آخر وذلك الشخص مشهور (تشبيها) مفعول لأجله أي لأجل تشبيه ذلك الشيخ بذلك الشخص المشهور. وحاصل المعنى: أن من تدليس الشيوخ إعطاء شخص اسم آخر مشهور تشبيهاً، ذكر هذا ابن السبكي في جمع الجوامع قال كقولنا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ يعني الذهبي تشبيهاً بالبيهقي حيث يقول ذلك يريد به الحاكم. وكقول الناظم: حدثنا أبو الفضل الحافظ يعني ابن فهد تشبيهاً بالحافظ ابن حجرٍ حيث يقول ذلك ويريد به العراقي، وكذا إيهام اللقي والرحلة. كحدثنا من وراء النهر يوهم أنه جيحون ويريد نهر عيسى ببغداد، أو الجيزة بمصر، وليس ذلك بجرح قطعاً كما قاله جماعة من المحققين لأن ذلك من باب المعاريض لا من باب الكذب قاله الآمدي في الأحكام وابن دقيق العيد في الاقتراح. (تنبيهات): الأول: قال الحافظ ويلحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلاد كما إذا قال المصري: حدثني فلان بالأندلس فأراد موضعاً بالقرافة، أو قال بزقاق حلب وأراد موضعاً بالقاهرة، أو قال البغدادي: حدثني فلان بما وراء النهر وأراد نهر دجلة، أو قال بالرقة وأراد بستاناً على شاطئ دجلة، أو قال الدمشقي: وحدثني بالكرك وأراد كرك نوح وهو بالقرب من دمشق، ولذلك أمثلة كثيرة، وحكمه الكراهة لأنه يدخل في باب التشبع، وإيهام الرحلة في طلب الحديث إلا أن تكون هناك قرينة تدل على عدم إرادة التكثر فلا كراهة انتهى كلام الحافظ. اهـ توضيح. (الثاني): قال في التدريب: استدل على أن التدليس ليس بحرام بما أخرجه ابن عدي عن البراء قال: " لم يكن فينا فارس يوم بدر إلا المقداد "

قال ابن عساكر قوله فينا يعني المسلمين لأن البراء لم يشهد بدراً اهـ. قلت في استدلاله بهذا على عدم الحرمة نظر إذ هذا قول صحابي لا يدل على الجواز ولا على عدمه. (الثالث): قال الحافظ في كتابه تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس: هم على خمس مراتب: الأولى: من لم يوصف بذلك إلا نادراً كيحيى بن سعيد الأنصاري. الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه في جنب ما روى كالثَّوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة. الثالثة: من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقاً ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي. الرابعة: من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد. الخامسة: من ضعف بأمر آخر سوى التدليس فحديثهم مردود ولو صرحوا بالسماع إلا أن يوثق من كان ضعفه يسيرا كابن لهيعة اهـ. ونظمت ذلك في منظومتي المسماة بالجوهر النفيس في نظم أسماء ومراتب ذوي التدليس، فقلت: أولها من ليس يُوصف بذا ... إلا بِنُدَرة فنِعْمَ ما احتَذَا والثاني من تَحْتَمِلُ الأئمةُ ... لكونه قَلَّلَ وَهْوَ قدوَةُ ثالثُها من أكثروا فَأُهْمِلُوا ... إلا إذا السماعُ منهم يُنقَل ورَدَّهُم بعضٌ وبعض قَبِلَا ... منهُم على الإطلاقِ فيهما انجَلَى رابعُها مَن باتفاقٍ طُرِحُوا ... إلا إذا السَّمَاعَ حقاً صَرَّحُوا لِكَثرةِ التدليسِ عمن جُهِلَا ... والضعفاءِ فَاحذَرَنْ لا تُنْقلَا خامِسُها مَن ضَعفُهمُ قَدِ ارتَقَى ... بِمَا سِوىَ التدليسِ فَاردُدْ مُطلَقا إلاَّ إذا وُثّقَ مَن ضَعفُهُ قَلّ ... فَاقبَل لِمَا سَمَاعُهُ نَصًّا حَصَلْ الرابع: قال الحاكم أهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي وخراسان

والجبال وأصبهان وبلاد فارس وخوزستان وما وراء النهر لا نعلم أحداً من أئمتهم دلسوا قال: وأكثر المحدثين تدليساً أهل الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة، قال وأما أهل بغداد فلم يذكر عن أحد من أهلها التدليس إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الواسطي فهو أول من أحدث التدليس بها ومن دلس من أهلها إنما تبعه في ذلك. وقد أفرد الخطيب كتاباً في أسماء المدلسين ثم ابن عساكر. اهـ تدريب. وقال الحافظ في تعريف أهل التقديس ما حاصله قد أفرد أسماء المدلسين من القدماء الكرابيسي صاحب الشافعي ثم النسائي ثم الدارقطني ثم نظم الحافظ الذهبي أرجوزة في ذلك وتبعه في ذلك الحافظ أحمد بن إبراهيم المقدسي فزاد عليه ثم ذيل الحافظ العراقي كتاب العلائي المسمى " جامع التحصيل في أحكام المراسيل " ثم ولده الحافظ أبو زرعة في تصنيف مستقل ومن المتأخرين أيضاً برهان الدين الحلبي سبط ابن العجمي. اهـ ملخصاً. قلت ثم جمع الجميع الحافظ في الكتاب المذكور فجملة ما فيه مائة واثنان وخمسون شخصاً. ونظمت الكتاب في أرجوزة سميتها " الجوهر النفيس في نظم أسماء ومراتب ذوي التدليس " وعدتها مائة وثمانية عشر بيتاً. (تَتِمَّة): الزيادات على العراقي من قوله: وقيل في البيت الثالث إلى قوله طرا، وقوله: وما أتانا في الصَّحِيحين البيت، ولفظ التجويد، وقوله إسقاط إلى قوله جرح، وقوله ومنه إعطاء شيوخ البيت.

(الإرسال الخفي والمزيد في متصل الأسانيد)

(الإرسال الخفي والمزيد في متصل الأسانيد) أي هذا مبحثهما وهما النوع الخامس عشر والسادس عشر من أنواع علوم الحديث. وهذان النوعان مهمان عظيما الفائدة عميقا المسلك لم يتكلم فيهما قديماً وحديثاً إلا نُقَّاد الحديث وجَهَابذته وهما متجاذبان إذ يعترض بكل منهما على الآخر فربما كان الحكم للزائد وربما كان بالعكس فلذلك قرن بينهما. فأما أولهما فليس المراد به قول التابعي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما هو المشهور في المرسل الظاهر ولا الانقطاع بين راويين لم يدرك أحدهما الآخر كرواية القاسم عن ابن مسعود، وإبراهيم بن أبي عبلة عن كل من عبادة بن الصامت وابن عمر، ومالكٍ عن سعيد بن المسيب بل المعتمد في تعريفه على ما حققه الحافظ هو الانقطاع في أي موضع كان من السَّند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا وكذا لو التقيا ولم يقع بينهما سماع فهو انقطاع مخصوص يندرج في تعريف من لم يتقيد في المرسل بسقط خاص وإلى ذلك الإشارة بقول البلقيني إن تسميته بالإرسَال هو على طريقة سبقت في نوع المرسل وبهذا التعريف يباين التدليس إذ هو على المعتمد كما تقدم رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه، فأما على تعريف من عرف ما هنا برواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه أو عمن لقيه ولم يسمع منه أوعمن عاصره ولم يلقه فيكون بينهما عموم وخصوص مطلق والمعتمد ما حققناه أولاً أفاده السخاوي.

وبهذا التقرير ظهر مناسبة ذكر هذا الباب بعد باب التدليس فهو أولى من فعل العراقي تبعاً لابن الصلاح حيث ذكره بين مختلف الحديث ومعرفة الصحابة. ثم ذكر رحمه الله تعالى ما يعرف به الإرسال الخفي وهي أمور فقال: 177 - وَيُعْرَفُ الإِرْسَالُ ذُو الْخَفَاءِ ... بِعَدَمِ السَّمَاعِ وَاللِّقَاءِ 178 - وَمِنْهُ مَا يُحْكَمُ بِانْقِطَاعِ ... مِنْ جِهَةٍ بِزيْدِ شَخْصٍ وَاعِ 179 - وَبِزِيَادَةٍ تَجِي، وَرُبَّمَا ... يُقْضَى عَلَى الزَّائِدِ أَنْ قَدْ وَهِمَا 180 - حَيْثُ قَرِينَةٌ وَإِلاَّ احْتَمَلا ... سَمَاعُهُ مِنْ ذَيْنِ مَا قَدْ حَمَلا (ويعرف الإرسال) فعل مغير ونائب فاعله (ذو الخفاء) صفة للإرسال وهو الذي قدمنا تعريفه عن الحافظ واحترز به عن الإرسال الظاهر وهو أن يروي الرجل عمن لم يعاصره بحيث لا يشتبه إرساله باتصاله على أهل الحديث كأن يروي مالك مثلاً عن سعيد بن المسيب وكحديث رواه النسائي من رواية القاسم بن محمد عن ابن مسعود قال: " أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه ثم نام حتى أصبح " الحديث. فإن القاسم لم يدرك ابن مسعود قاله العراقي. وإنما سمي هذا بالخفي لخفائه على كثير من أهل الحديث لاجتماع الراويين في عصر واحد. والمعنى أن الإرسال الخفي يعرف (بعدم السماع) أي سماع الراوي من المروي عنه مطلقاً لا هذا الحديث ولا غيره ولو تلاقيا (و) يعرف أيضاً بعدم (اللقاء) بينهما حيث علم ذلك إما بالإخبار عن نفسه أو بإخبار إمام مطلع كما يأتي قريباً. ويعرف أيضاً (بزيادة) أي بسبب زيادة اسم وقوله: (تجي) صفة زيادة أي تجىء تلك الزيادة في السَّند بين الراويين الذين كان يظن الاتصال بينهما، والمعنى أن الإرسال الخفي يعرف أيضاً بزيادة اسم رَاوٍ بَيْنَ رَاوِييْنِ يظن الاتصال بينهما على رواية أخرى حذف منها ذلك الاسم لكن بشرط أن يكون الخالي عن الزائد بما لا يقتضى الاتصال كعن وقال ونحوهما، وأما إن كان بلفظ يقتضى الاتصال كالتحديث فسيأتي حكمه.

وحاصل ما أشار إليه: أن الإرسال الخفي يعرف بأحد أمور ثلاثة، الأول عدم سماع الراوي من المروي عنه مطلقاً ولو تلاقيا كحديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وهي في السنن الأربعة فقد روى الترمذي أن عمرو بن مرة قال لأبي عبيدة: هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا. أو لذلك الحديث فقط وإن سمع غيره، الثاني عدم اللقاء بينهما وقد تعاصرا بأن أخبر عن نفسه بذلك أو جزم إمام به كحديث ابن ماجه من رواية عمر بن عبد العزيز عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " رحم الله حارس الحرس " فإن عمر لم يلق عقبة كما قال المزي في الأطراف، قلت: هكذا نسب العراقي والسخاوي والناظم في التدريب هذا القول إلى المزي في الأطراف كأنه هو الذي حكم بأن عمر لم يلق عقبة وليس كذلك بل الذي حكم به هو الدارمي في مسنده فإنه بعد سوق هذا الحديث قال ما نصه: قال عبد الله يعني نفسه: وعمر لم يلقه، فعلى هذا يكون المزي تبعاً له فافهم. الثالث بأن يرد في بعض طرق الحديث زيادة اسم راو بينهما كحديث رواه عبد الرزاق عن سفيان الثَّوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع (¬1) عن حذيفة مرفوعاً: " إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين " فهو منقطع في موضعين لأنه روي عن عبد الرزاق، قال: حدثني النعمان بن أبي شيبة عن الثَّوري، وروى أيضاً عن الثَّوري عن شريك عن أبي إسحاق. وحاصل هذا الثالث أن تأتي روايتان في إحداهما زيادة اسم راو بين راويين وكانت الناقصة مروية بما لا يقتضى الاتصال كعن ونحوها فإن الرواية الناقصة تكون معلة بالإسناد الزائد لأن الزيادة من الثقة مقبولة، وأما إذا كانت الناقصة بما يقتضى الاتصال كتحديث أو سماع أو نحوهما فلا ¬

_ (¬1) يثيع: بضم الياء وفتح المثلثة بعدها ياء تحتانية ساكنة بعدها عين مهملة. اهـ.

تعل الناقصة بالزائدة بل يكون بالعكس فيكون الحكم للناقص لأن معه زيادة وهي إثبات سماعه وإليه أشار بقوله (وربما يقضى) بالبناء للمفعول ونائب فاعله قوله (على) الراوي (الزائد) راوياً بين الراويين (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير محذوف يعود إلى الزائد وقوله: (قد وهما) خبرها كما قال ابن مالك. وإنْ تُخَفَّف أنَّ فاسمُها استكن ... والخَبَر اجعَلْ جملةً من بعدِ أنْ أي بأنه قد وهم أي غلط يقال: وهم في الحساب يوهم وهما مثل غلط يغلط غلطا وزناً ومعنا، وجملة أن وصلتها في تأويل المصدر مجرور بحرف محذوف أي بالوهم. وحاصل المعنى أنه ربما كان الحكم للناقص وهذا إذا كان حذف الزائد بتحديث أو نحوه مما يقتضي الاتصال وراويه أتقن ممن زاد كما قيده به الحافظ فحينئذ يكون الحكم له لأن مع راويه كذلك زيادة وهي إثبات سماعه، وهذا هو النوع المسمى بالمزيد في متصل الأسانيد المحكوم فيه بكون الزيادة غلطا من راويها. مثاله حديث رواه مسلم والترمذي من طريق ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن بسر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس الخولاني قال: سمعت واثلة يقول سمعت أبا مرثد يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " فذكر أبي إدريس في هذا الحديث وَهَم من ابن المبارك، لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر عن بسر عن واثلة بلفظ الاتصال بين بسر وواثلة رواه مسلم والترمذي أيضاً والنسائي عن علي بن حجر عن الوليد بن مسلم عن ابن جابر عن بسر قال: سمعت واثلة ورواه أبو داود عن إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس عن ابن جابر كذلك، وحكى الترمذي عن البخاري قال: حديث ابن المبارك خطأ إنما هو عن بسر بن عبيد الله عن واثلة هكذا روى غير واحد عن ابن جابر، قال: وبسر قد سمع من واثلة. وقال أبو حاتم

الرازي: يرون أن ابن المبارك وهم في هذا قال: وكثيراً ما يحدث بسر عن أبي إدريس فغلط ابن المبارك وظن أن هذا مما روي عن أبي إدريس عن واثلة قال: وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه، وقال الدارقطني: زاد ابن المبارك في هذا أبا إدريس ولا أحسبه إلا أدخل حديثاً في حديث فقد حكم هؤلاء الأئمة على ابن المبارك بالوهم في هذا ذكره العراقي في شرحه على الألفية. وقد وقع في هذا الحديث وهم آخر لمن دون ابن المبارك بزيادة راوٍ آخر في السَّند فقال فيه عن ابن المبارك قال: حدثنا سفيان عن ابن جابر حدثني بسر قال: سمعت أبا إدريس قال: سمعت واثلة فذكر سفيان في هذا وهم ممن دون ابن المبارك لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر من غير ذكر سفيان منهم عبد الرحمن بن مهدي وحسن بن الربيع وهناد بن السري وغيرهم وزاد فيه بعضهم التصريح بلفظ الإخبار بينهما ذكره العراقي أيضاً. وهذا الحكم للناقص (حيث) توجد (قرينة) أي علامة قوية تدل على أن الزائد وَهِمَ في زيادته مثل ما ذكره أبو حاتم في المثال المذكور وأيضاً فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين فإذا لم يجىء عنه ذكره حملناه على الزيادة المذكورة قاله ابن الصلاح: (وإلَّا) أي إن لم توجد قرينة تدل على الوهم (احتملا) بالبناء للفاعل والألف للإطلاق أي جاز وأمكن، وقوله: (سماعه) فاعله أي سماع ذلك الراوي (من ذين) أي هذين الراويين المزيد وشيخه، إذ لا مانع من أن يسمعه من واحد عن آخر ثم يسمعه عن الآخر (ما) مفعول به لسماع أي الحديث الذي (قَدْ حَمَلا) بالبناء للفاعل والألف إطلاقية أي نقله، وفي نسخة المحقق لما حملا أي حين حمل ذلك عنهما، والمعنى متقارب. وحاصل المعنى أنه إذا لم توجد قرينة تدل على الوهم حمل على أنه سمع هذا الحديث من شيخه وسمعه أيضاً من شيخ شيخه فرواه مرة هكذا ومرة هكذا.

قال السخاوي: وذلك موجود في الروايات والرواة بكثرة، ومنه قول ابن عيينة: قلت لسهيل ابن أبي صالح: إن عمرو بن دينار حدثني عن القعقاع عن أبيك أبي صالح عن عطاء بن يزيد بحديث كذا قال ابن عيينة ورجوت أن يسقط عني سهيل رجلًا وهو القعقاع ويحدثني به عن أبيه فقال سهيل بل سمعته من الذي سمعه منه أبي ثم حدثني به سهيل عن عطاء اهـ. ويتأكد الحمل المذكور بوقوع التصريح في الطريقين بالتحديث ونحوه. أفاده السخاوي أيضاً. (تنبيه): يوجد في نسخة الشارح قبل هذين البيتين ما نصه: ومِنْهُ مَا يُحكَمُ بِانْقِطَاعٍ ... مِنْ جِهَةٍ بزَيْدٍ شخص واعٍ قال المحقق ابن شاكرٍ: ولم يوجد في الأصل وأرى أنه لا داعي له لفهم معناه مما في الأبيات بعده ولعله من مسودة المؤلِّفِ ثم حذفه في النسخة الأخيرة اهـ. قلت هو مفهوم قوله: وبزيادة تجيء فقط. ثم ذكر ما يعرف به عدم السماع واللقاء فقال: 181 - وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالإِخْبَارِ ... عَنْ نَفْسِهِ وَالنَّصِّ مِنْ كِبَارِ (وإنما يعرف) عدم السماع واللقاء بأحد أمرين إما (بالإخبار) أي إخبار الراوي (عن نفسه) بأنه لم يلق فلاناً أو لم يسمع منه، (و) إما با (لنص) أي الإظهار أو التعيين يقال: نص الشيء أظهره، وعلى الشيء عينه أفاده في " ق " (من) أئمة (كبار) مطلعين على دقائق الأسانيد أي بإظهارهم، أو تعيينهم على أنه لم يلق فلاناً أولم يسمع منه. وحاصل معنى البيت أن ما ذكره من عدم السماع واللقاء يعرف بأحد الأمرين " الأول " إخبار الشخص عن نفسه في بعض طرق الحديث به كما قدمنا

في قول أبي عبيدة لَمَّا سئل هل تذكر من أبيك شيئاً قال: لا " الثاني " جزم إمام مطلع من أئمة الحديث بكونه لم يثبت عنده من وجه يحتج به أنهما تلاقيا مثل أبي زرعة الرازي وغيره في قولهم: إن الحسن البصري لم يلق عليًّا. ومثل المزي في المتأخرين وكان في هذا عجباً من العجب في قوله إن عمر بن عبد العزيز لم يلق عقبة بن عامر قاله السخاوي. قلت: لكن في هذا نظر كما قدمناه فإنه تقدمه الدارمي في هذا. (تنبيه) ألَّفَ في هذين النوعين أبو بكر الخطيب تأليفين مفردين سَمَّى الأول: " التفصيل لمبهم المراسيل "، والثاني: " تمييز المزيد في متصل الأسانيد ". (تَتِمَّة) الزيادة على العراقي في هذا الباب قوله: حيث قرينة، والبيت الأخير بتمامه. والله أعلم. ولما كان في الباب المتقدم أنه يحكم على الزيادة بالوهم حيث كان راوي الناقص أتقن كعكسه وهذا هو معنى الشَّاذ والمحفوظ ناسب ذكرهَما بعده ولذا أتبعهما فقال:

(الشاذ والمحفوظ)

(الشَّاذ والمحفوظ) أي هذا مبحثهما وهما النوع السابع عشر والثامن عشر وجمع بينهما لتقابلهما. 182 - وَذُو الشُّذُوذِ مَا رَوَى المَقْبُولُ ... مُخَالِفًا أَرْجَحَ، وَالمَجْعُولُ 183 - أَرْجَحَ مَحْفُوظٌ وَقِيلَ مَا انْفَرَدْ ... لَوْ لَمْ يُخَالِفْ، قِيلَ: أَوْ ضَبْطًا فَقَدْ (وذو الشذوذ) مبتدأ خبره ما، والشَّاذ لغة المنفرد عن الجماعة يقال شذ يشذ ويشذ بضم الشين المعجمة وكسرها شذوذاً إذا انفرد واصطلاحاً هو (ما) أي الحديث الذي (روى) أن نقله الراوي (المقبول) أي الثقة حال كونه (مخالفاً) بالزيادة أو النقص في السَّند أو المتن وقوله: (أرجح) مفعول به لمخالفاً أي أولى منه إما لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات (والمجعول) مبتدأ وقوله: (أرجح) مفعول ثانٍ له أي الحديث الذي جعل أرجح من مُقَابِلِهِ لرجحان راويه (محفوظ) خبر المبتدإ أي يقال له: محفوظ لأن الغالب أنه محفوظ عن الخطأ. وحاصل المعنى: أن الشَّاذ هو ما خالف فيه الثقة من هو أرجح منه لما ذكر، ومقابله هو المحفوظ. وهذا التعريف هو المعتمد بحسب الاصطلاح كما قاله الحافظ في شرح النخبة، وهو المنقول عن الشافعي رحمه الله كما أخرجه الحاكم من

طريق ابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى، قال: قال لي الشافعي: ليس الشَّاذ أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره إنما الشَّاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى النَّاس ذكره في التوضيح، وكذا حكاه أبو يعلى الخليلي عن جماعة من أهل الحجاز وغَيرُهُ عن المحققين، قال السخاوي: ومن هنا يتبين أنه لا يحكم في تعارض الوصل والرفع مع الإرسال والوقف بشيء معين بل. إن كان من أرسل أو وقف من الثقات أرجح قدم وكذا بالعكس. مثال الشذوذ في السَّند: ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس: " أن رجلاً توفي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يدع وارثاً إلا مولى هو أعتقه " الحديث. فإن حماد بن زيد رواه عن عمرو مرسلاً بدون ابن عباس لكن تابع ابن عيينة على وصله ابن جريجٍ وغيره، ولذا قال أبو حاتم: المحفوظ حديث ابن عيينة. هذا مع كون حماد من أهل العدالة والضبط لكنه رجح رواية من هم أكثر عدداً منه. ومثاله في المتن زيادة يوم عرفة في حديث: " أيام التشريق أيام أكل وشرب " فإن الحديث من جميع طرقه بدونها وإنما جاء بها موسى بن عُلَيّ بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر كما أشار إليه ابن عبد البر قال الأثرم: والأحاديث إذا كثرت كانت أثبت من الواحد الشَّاذ وقد يهم الحافظ أحياناً على أنه قد صحح حديثَ موسى هذا ابنُ خزيمة وابنُ حبان والحاكمُ وقال: إنه على شرط مسلم، وقال الترمذي: إنه حسن صحيح وكان ذلك لأنها زيادة ثقة غير منافية لإمكان حملها على حاضري عرفة. . اهـ كلام السخاوي. وبما تقرر علم أن شرط الشذوذ أمران الثقة والمخالفة. ولما خالف في هذا بعضهم ذكر ذلك بقوله: (قيل) الشَّاذ هو (ما انفرد) أي الحديث الذي انفرد بروايته المقبول أي الثقة و (لو لم يخالف) من هو أرجح منه، والمعنى: أن الشَّاذ على هذا القول هو ما انفرد به الثقة وإن لم يكن مخالفاً للأرجح.

وهذا القول للحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك قال: هو ما انفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل متابع لذلك الثقة فاقتصر على قيد الثقة وحده، وزاد أيضاً قوله: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على هذا، قال الحافظ: وهذا القيد لا بدَّ منه قال: وإنما يغاير المعلل من هذه الجهة، قال: وهو على هذا أدق من المعلل بكثير فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة ورزقه الله نهاية الملكة انتهى كلام الحافظ. ونقله في التوضيح. قال الناظم: قلت ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف، ومن أوضح أمثلته ما أخرجه في المستدرك من طريق عبيد بن غَنَّام النخعي عن علي بن حكيم، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: " في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى" وقال: صحيح الإسناد، ولم أزل أتعجب من تصحيح الحاكم له حتى رأيت البيهقي قال: إسناده صحيح ولكنه شاذ بمرة. اهـ تدريب. وقال السخاوي: ثم إن الحاكم لم ينفرد بهذا التعريف بل قال النووي في شرح المهذب: إنه مذهب جماعة من أهل الحديث. قال: وهذا ضعيف اهـ. فعلم بما قررناه أن شرط الشذوذ عند الحاكم كون المنفرد ثقة. وخالف بعضهم في الشرطين المذكورين أيضاً وإليه أشار بقوله: (قيل) الشَّاذ ما انفرد به واحد سواء كان ضابطاً (أو ضبطاً فقد) أي أو لم يكن ضابطاً. والمعنى: أن الشَّاذ على هذا القول هو ما انفرد بروايته واحد سواء كان ثقة أم غير ثقة، فقوله: " أو ضبطاً فقد " بمعنى قوله: أم غير ثقة، ولو قال بدله: قِيلَ مَا فَرْداً وَرَدْ: لكان أوضح، يعني أن الشَّاذ هو الفرد مطلقاً سواء

كان الراوي ثقة أو غير ثقة خالف أو لم يخالف وهذا القول للحافظ أبي يعلى الخليلي (¬1)، قال: والذي عليه حفاظ الحديث أن الشَّاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان عن غير ثقة فمتروك وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به فجعل الشَّاذ مطلق التفرد لا مع اعتبار المخالفة. اهـ تدريب. وملخص الأقوال الثلاثة: أن القول الأول قَيَّدَ الشَّاذ بقيدين الثقة والمخالفة، والثاني بالثقة فقط على ما قال الناظم. والثالث لم يقيده بشيء أي سوى التفرد، وحاصل كلامهم كما قال الحافظ: أن الخليلي يسوي بين الشَّاذ والفرد المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشَّاذ الصَّحِيح وغيره فكلامه أعم، وأخص منه كلام الحاكم لأنه يخرج تفرد غير الثقة، ويلزم على قوله أن يكون في الصَّحِيح الشَّاذ وغيره، بل اعتمد ذلك في صنيعه حيث يذكر في أمثلة الشَّاذِّ حديثاً أخرجه البخاري في صحيحه من الوجه الذي حكم عليه بالشذوذ، وأخص منه كلام الشافعي لتقييده بالمخالفة مع كونه يلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم لكن الشافعي صرح بأنه مرجوح وأن الرواية الراجحة أولى، وهل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة محل توقف أشير إليه في الكلام على الصَّحِيح وأنه يقدح في الاحتجاج لا في التسمية، ويستأنس لذلك بالمثال الذي أورده الحاكم مع كونه في الصَّحِيح فإنه موافق على صحته، إلا أنه يسميه شاذًّا ولا مشاحة في التسمية أفاده العلامة السخاوي رحمه الله. وقال العلامة الصنعاني رحمه الله: فإن قلت قد تقدم لهم في رسم الصَّحِيح قيدُ أن لا يكون شاذًّا وهو يفيد أن الشَّاذ لا يكون صحيحاً لعدم شمول رسمه له قلتُ: لا عذر لمن اشترط نفي الشذوذ عن الصَّحِيح أن يقول: بأن الشَّاذ ليس بصحيح بذلك المعنى. ¬

_ (¬1) نسبة لجده الأعلى لأنه هو الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن خليل القزويني. اهـ فح المغيث.

إن قلت: من كان رأيه أنه إذا تعارض الوصل والإرسال وفسر الشَّاذ بأنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه أنه يقدم الوصل مطلقاً سواء كان رواة الإرسال أقل أو أكثر أحفظ أم لا فإذا كان راوي الإرسال أرجح ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف نحكم له بالصحة مع شرطهم في الصَّحِيح أن لا يكون شاذًّا هذا في غاية الإشكال. قلت: قال الحافظ ابن حجرٍ: إنه يمكن بأن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في رسم الصَّحِيح إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال والفقهاء وأهل الأصول لا يقولون بذلك فأهل الحديث يشترطون أن لا يكون الحديث شاذًّا ويقولون: إن من أرسل من الثقات فإن كان أرجح ممن وصل من الثقات قدم العكس، ويأتي فيه الاحتمال عن القاضي وهو أن الشذوذ إنما يقدح في الاحتجاج لا في التسمية. اهـ كلام الصنعاني رحمه الله تعالى. ثم إن ما ذكره الحاكم والخليلي مشكل كما قال ابن الصلاح وتبعه النووي بافراد العدل الضابط كحديث: " إنما الأعمال بالنيات " والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصَّحِيحِ، فالصَّحِيح التفصيل فإن كان بتفرده مخالفاً أحفظ وأضبط كان شاذًّا مردوداً وإن لم يخالف الراوي فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بضبطه كان تفرده صحيحاً وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسناً وإن بعد كان شاذًّا منكراً مردوداً. والحاصل أن الشَّاذ المردود هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده. اهـ تقريب. (تَتِمَّة): الزيادة هنا قوله أرجح محفوظ فقط والله أعلم. ولما كان الشَّاذ والمنكر بمعنى واحد على قولٍ، ويجتمعان في اشتراط المخالفة ويفترقان في كون الشَّاذ راويه ثقة، والمنكر راويه ضعيفاً على قول المحققين، ناسب أن يذكر المنكر بعده فلذا قال:

(المنكر والمعروف)

(المُنْكَرُ وَالْمَعْرُوفُ) أي هذا مبحثهما وهما النوع التاسع عشر والعشرون وجمعها في باب واحد لتقابلهما. 184 - المُنْكَرُ الَّذِي رَوَى غَيْرُ الثِّقَهْ ... مُخَالِفًا، فِي نُخْبَةٍ قَدْ حَقَّقَهْ 185 - قَابَلَهُ المَعْرُوفُ، وَالَّذِي رَأَى ... تَرَادُفَ المُنْكَرِ وَالشَّاذِ نَأَى (المُنْكَرُ) اسم مفعول من أنكره بمعنى جحده، أو لم يعرفه يقال أنكر إنكاراً، خلاف عرفته، ونَكِرته مثال تعبت كذلك، غير أنه لا يتصرف، وأنكرت عليه فعله إنكاراً إذا عبته ونهيته وأنكرت حقه جحدته أفاده في المصباح، وهو مبتدأ خبره قوله (الذي روى) أي الحديث الذي نقله، وحدث به (غير الثقة) من الرواة فاعل روى حال كونه (مخالفاً) لغيره من الثقات. والمعنى: أن المنكر هو الحديث الذي رواه غير ثقة مخالفاً للثقات (في نخبة) متعلق بحققه أي في كتاب مسمى بنخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (قد حققه) أي ذكره على الوجه الحق مؤلفها الحافظ أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر الكناني العسقلاني المصري الشافعي حافظ الدنيا في عصره قاضي القضاة عرف بابن حجرٍ وهو لقب لبعض آبائه ولد بمصر العتيقة ثاني عشر شعبان سنة 773 هـ، وتوفي 28 ذي الحجة سنة 852 هـ.

(قابله) أي المنكر الذي عرف بهذا التعريف (المعروف) أي النوع المسمى به لكونه معروفاً عندهم. وحاصل المعنى أن المنكر هو ما رواه الضَّعِيف مخالفاً للثقة، ويقابله المعروف وهكذا حققه الحافظ في نخبته، ونصه فيها: وزيادة راوي الصَّحِيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ ومقابله الشَّاذ، ومع الضَّعِيف فالراجح المعروف ومقابله المنكر. اهـ. فتحصل من هذا أنه يشترط في المنكر شرطان: أحدهما أن يكون راويه ضعيفاً. وثانيهما أن يخالف بذلك الثقة. مثاله ما رواه ابن أبي حاتم من طريق حُبَيّب (¬1) بن حَبِيب وهو أخو حمزة الزيات المقرئ عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحج وصام وقرى الضيف دخل الجنة " قال أبو حاتم: هذا حديث منكر لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً. (والذي رأى) أي اعتقد مبتدأ خبره نأى (ترادف المنكر والشَّاذ) بتخفيف الذال للوزن أي كونهما بمعنى واحد وهو الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله (نأى) أي بَعُدَ عن الصواب، ومقتضى الاصطلاح، لأن الصواب التفريق بينهما على الوجه الذي حررناه أولاً، وحاصل المعنى أن من سوى بين الشَّاذ والمنكر فقد غفل عن منهج الصواب. وعبارة ابن الصلاح بعد نقل كلام البرديجي - أعني: قوله هو أي المنكر الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه -: والصواب التفصيل الذي ¬

_ (¬1) الأول بالتصغير والثاني بالتكبير.

تقدم في الشَّاذ وعند هذا نقول المنكر ينقسم إلى قسمين على ما ذكرناه في الشَّاذ فإنه بمعناه اهـ. فأفاد أن المنكر والشَّاذ مترادفان، وكتَبَ الحافظُ على قول ابن الصلاح هذا ما نصه: هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين وإنما اختلافهما في مراتب الرواة، فالضَّعِيف إذا انفرد بشيء لا متابع له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصَّحِيح والحسن فهذا أحد قسمي الشَّاذ فإن خولف مَن هذه صفتُهُ مع ذلك كان أشد شذوذاً وربما سماه بعضهم منكراً وإن بلغ تلك المرتبة في الضبط لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط فهذا القسم الثاني من الشَّاذ وهو المعتمد في تسميته. وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ في بعض دون بعض أو الضَّعِيف في بعض مشايخه بشيء لا متابع له ولا شاهد عليه فهذا أحد قسمي المنكر وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث فإن خولف في ذلك فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين فَبَان بهذا فصل المنكر من الشَّاذ وأن كلا منهما قسمان يجمعهما مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة. اهـ من التوضيح. ثم إن لكل قسم من قسمي المنكر أمثلة كثيرة: فمن أمثلة الأول وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو قال: " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين وذكر مسلم في كتاب التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قاله بفتح العين وذكر أن مالكاً كان يشير إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه وعُمَر وعَمرو جميعاً ولدا عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه ذكره ابن الصلاح.

واعترضه العراقي قائلًا: إن الحديث ليس بمنكر ولم يطلق عليه أحد اسم النكارة فيما رأيت وغايته أن يكون السَّند منكراً أو شاذا لمخالفة الثقات لمالك في ذلك ولا يلزم من شذوذ السَّند ونكارته وجود ذلك الوصف في المتن قال: فالمثال الصَّحِيح ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يَحْيَى عن ابن جريجٍ عن الزهري عن أنس قال: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه " قال أبو داود بعد تخريجه: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريجٍ عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه " قال: والوهم فيه من همام ولم يروه إِلا همام، وقال النسائي بعد تخريجه هذا حديث غير محفوظ فهمام بن يَحْيَى ثقة احتج به أهل الصَّحِيح ولكنه خالف النَّاس فروى عن ابن جريجٍ هذا المتن بهذا السَّند وإنما روى النَّاس عن ابن جريجٍ الحديث الذي أشار إليه أبو داود فلهذا حكم عليه بالنكارة. اهـ. قال السخاوي: ولم يوافق أبو داود على الحكم عليه بالنكارة فقد قال موسى بن هاورن: لا أدفع أن يكونا حديثين ومال إليه ابن حبان فصححهما معاً، ويشهد له أن ابن سعد أخرج بهذا السَّند أن أنساً نقش في خاتمه محمد رسول الله قال: فكان إذا أراد الخلاء وضعه. لا سيما وهمام لم ينفرد به بل تابعه عليه يَحْيَى بن المتوكل عن ابن جريجٍ وصححه الحاكم على شرط الشيخين ولكنه متعقب فإنهما لم يخرجا لهمام عن ابن جريجٍ وإن أخرجا لكل منهما على انفراده وقول الترمذي إنه حسن غريب فيه نظر. ونقل عن الحافظ أنه قال: إنه لا علة له إلا تدليس ابن جريجٍ فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته انتهى. ومن أمثلة الثاني وهو الفرد الذي ليس في رواته من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده ما رواه النسائي وابن ماجه من رواية أبي زكير يَحْيَى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً: " كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان " الحديث. قال النسائي: هذا

حديث منكر تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج له مسلم في المتابعات غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده بل قد أطلق عليه الأئمة القول بالتضعيف فقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وأورد له ابن عدي أحاديث مناكير أفاده في التدريب. (تنبيهان): الأول: أنه وقع في عباراتهم أنكر ما رواه فلان كذا وإن لم يكن ذلك الحديث ضعيفاً، وقال ابن عدي: أنكر ما روى بريد بن عبد الله ابن أبي بردة: " إذا أراد الله بأمة خيراً قبض نبيها قبلها " قال: وهذا طريق حسن رواته ثقات وقد أدخله قوم في صحاحهم انتهى. والحديث في صحيح (¬1) مسلم. وقال الذهبي: أنكر ما للوليد بن مسلم من الأحاديث حديث حفظ القرآن وهو عند الترمذي وحسنه وصححه الحاكم على شرط الشيخين. اهـ تدريب. الثاني: أشار العلامة ابن شاكرٍ في نسخته إلى أن هذا الباب زائد على العراقي حيث كتب البيتين بين قوسين قلت: ليس الأمر كذلك فإنه مذكور في العراقي أيضاً غايته أنه ذكر قول البرديجي وابن الصلاح، والناظم ذكر قول الحافظ بل الزائد قوله قابله المعروف فتفطن. ولما كان بين المنكر والمتروك مناسبة في اشتراط الفردية وكون راويهما غير ثقة ناسب ذكر المتروك بعده فلذا قال: ¬

_ (¬1) هو في كتاب الفضائل في أوائله، خلال ذكر فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - 15/ 52 بشرح النووي، وجاء في الشرح هذا العنوان " باب إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها " وسقط من الفهرس بآخر الجزء.

(المتروك)

(المتروك) أي هذا مبحثه وهو النوع الحادي والعشرون وهو في اللغة الساقط واصطلاحاً ما رواه متهم بالكذب ولا يعرف ذلك الحديث إلا من جهته وهو مخالف للقواعد المعلومة وكذا من عرف به في غير الحديث النبوي أو كثير الغلط أو الفسق أو الغفلة وإلى ذلك أشار بقوله: 186 - وَسَمِّ بِالْمَتْرُوكِ فَرْدًا تُصِب ... رَاوٍ لَهُ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ 187 - أَوْ عَرَفُوهُ مِنْهُ فَي غَيْرِ الأَثَرْ ... أَوْ فِسْقٌ اْوْغَفْلَةٌ اْوْ وَهْمٌ كَثُرْ (وَسَمِّ) أيها المحدث (بالمتروك فرداً) أي حديثاً فرداً (تُصِب) أي تنل الحق، مجزوم جواباً للأمر وكسرت الباء للوزن (رَاوٍ لَهُ) أي لذلك الحديث الفرد، مبتدأ خبره قوله (متهم بالكذب) في الحديث النبوي والجملة صفة فرداً. والمعنى أن الحديث الذي انفرد بروايته من هو متهم بالكذب في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يروى ذلك الحديث إلا من جهته، وهو مخالف للقواعد المعلومة يسمى بالمتروك (أو عرفوه) أي الكذب (منه) أي من ذلك الراوي (فَي غَيْرِ الأَثَرْ) النبوي، والجملة معطوفة على متهم، والمعنى أنه إذا عرف ذلك الراوي بالكذب بأن ظهر الكذب في كلامه وإن لم يظهر في الحديث النبوي يسمى بالمتروك أيضاً قال الحافظ: لكن هذا دون الأول (أو فسق) أي فسق ذلك الراوي والمراد بالفسق ما لا يبلغ حد الكفر سواء كان

بالفعل أو القول وبينه وبين الكذب عموم وخصوص مطلقاً وإنما أفرد الكذب لكونه أشد في هذا الفن، وسيأتي حكم الفسق بالمعتقد في باب من تقبل روايته ومن ترد، إن شاء الله تعالى (أو غفلة) أي غفلة ذلك الراوي أي ذهوله عن الإتقان والحفظ، والمراد كثرته، لأن مجرد الغفلة ليس سبباً للطعن في الرواية لقلة من يعافيه الله منه (أو وهم) بسكون الهاء أي رواية الحديث على سبيل التوهم وجملة قوله (كثر) صفة له، حُذِفَ نظيره لغفلة، ويحتمل كون الوهم هنا بفتح الهاء بمعنى الغلط، إلا أنه سكن للوزن فيكون بمعنى قول النخبة أو فحش غلطه. (تنبيه): قوله أو فسق أو غفلة أو وهم، الظاهر أنه بالجر عطفاً على الكذب، وليس كذلك لأن مجرد الاتهام بهذه الأمور لا يكون سبباً لترك الحديث بل المراد ظهورها وكونها معلومة فالأولى كونها فاعلاً لفعل محذوف أي ظهر فسق أو غفلة. (تَتِمَّة): هذا الباب من زياداته على العراقي، ولما بقي من أحكام الأفراد أشياء، وإن كان جلها معلوماً من الأبواب السابقة ذكرها بترجمة مستقلة بعدها استيفاء لما بقي وتبعاً لغيره حيث أفردوها بترجمة لما ذكر فقال:

(الأفراد) بفتح الهمزة جمع فرد، أي هذا مبحثها، وهو النوع الثاني والعشرون من أنواع علوم الحديث. 188 - الْفَرْدُ إِمَّا مُطْلَقٌ مَا انْفَرَدَا ... رَاوٍ بِهِ فَإِنْ لِضَبْطٍ بَعُدَا 189 - رُدَّ، وَإِذْ يَقْرُبُ مِنْهُ فَحَسَنْ ... أَوْ بَلَغَ الضَّبْطَ فَصَحِّحْ حَيْثُ عَنْ 190 - وَمِنْهُ نِسْبِيٌّ بِقَيْدٍ يُعْتَمَدْ ... بِثِقَةٍ أَوْ عَنْ فُلانٍ أَوْ بَلَدْ 191 - فَيَقْرُبُ الأَوَّلُ مِنْ فَرْدٍ وَرَدْ ... وَهَكَذَا الثَّالِثُ إِنْ فَرْدًا يُرَدْ (الفرد) مبتدأ خبره قوله (إما) فرد (مطلق) أي عن التقييد بشيء مما يأتي في مقابله (ما) موصولة بدل من مطلق أو خبر لمحذوف أي هو الحديث الذي (انفردا) بألف الإطلاق (راو) واحد عن جميع الرواة (به) أي برواية ذلك الحديث. وحاصل المعنى: أن الفرد على قسمين أحدهما ما تفرد بروايته راوٍ واحد ولو تعدد الطرق إليه، وهو طرفه الذي فيه الصحابي، وهو التابعي، لا الصحابي لأن المقصود ما يترتب عليه من القبول والرد، والصحابة كلهم عُدُول، وهذا هو المسمى بالفرد المطلق، ثم بين حكمه فقال (فإن) كان ذلك المتفرد (لضبط) أي عنه فاللام بمعنى عن متعلقه بـ (بعدا) بألف الإطلاق أي إن بعد عن درجة الضبط (رد) بالبناء للمفعول جواب إن أي يكون مردوداً لضعف راويه (وإن قرب) ذلك المنفرد (منه) أي الضبط وفي نسخة

المحقق وإذ يقرب منه، والمعنى واحد، فحديثه (حسن) يجوز الاحتجاج به (أو بلغ) المنفرد (الضبط) أي درجة الضبط والإتقان فحديثه (صحيح) يحتج به وفي نسخة فصحح (حيث عن) بتخفيف النون للوزن، يقال عنَّ الشيء إذا ظهر، أي في أي حكم ورد ذلك الحديث سواء كان في التحليل والتحريم أم في الفضائل والزهد. وحاصل المعنى أن الفرد المطلق وهو الذي انفرد به راوٍ واحد سواء تعددت الطرق إليه أم لا، حكمه أن ينظر في راويه المتفرد به فإن كان قد بلغ حد الضبط والإتقان فحديثه صحيح يحتج به مع تفرده به كحديث النهي عن بيع الولاء وهبته، فقد تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر وهو رجل ضابط متقن. وإن كان لم يبلغ حد الضبط والإتقان لكنه قريب من هذا الحد فحديثه حسن يحتج به أيضاً. وإن كان بعيداً من حد الضبط والإتقان كان حديثه ضعيفاً مردوداً. قال الحافظ: وقد يتفرد به راوٍ عن ذلك المتفرد كحديث شعب الإيمان تفرد به أبو صالح عن أبي هريرة وتفرد به عبد الله بن دينار عن أبي صالح وقد يستمر التفرد في جميع رواته أو أكثرهم وفي مسند البزار والمعجم الأوسط للطبراني أمثلة كثيرة لذلك اهـ. ثم ذكر القسم الثاني وهو النسبي فقال: (ومنه نسبي) مبتدأ وخبر أي بعض الأفراد نسبي أي فرد بالنسبة إلى جهة خاصة وإن كان مشهوراً في نفسه كما قال: (بقيد يعتمد) أي بسبب قيد يذكر معه، فيعتمد بالبناء للمفعول صفة لقيد، أي يعتمده المحدث بمعنى يذكره، وذلك القيد: إما أن يكون بثقة كأن يقال: لم يروه ثقة إلا فلان، ومعناه أنه قد رواه غيره لكنه من غير الثقات. (أو) إما أن يكون بقيد فلان (عن فلان) كأن يقال: لم يروه عن فلان

إلا فلان، فمعناه أنه قد رواه غيره لكن عن غير الذي رواه عنه (أو) إما أن يكون بقيد (بلد) كمكة والمدينة والبصرة والكوفة كان يقال: لم يروه إلا أهل مكة. قال الحافظ: وإطلاق اسم الفرد على النسبي قليل، وأكثر ما يطلق اسم الفرد على المطلق، ويقال للنسبي غريب لكنه لما كان الغريب والفرد مترادفين لغة واصطلاحاً أُطلِقَ عليه الفرد. قال: وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما، وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون فيقولون في المطلق والنسبي تفرد به فلان أو أغرب به فلان وقريب من هذا اختلافهم في المنقطع والمرسل هل هما متغايران أو لا فأكثر المحدثين على التغاير لكنه عند إطلاق الاسم، وأما عند استعمال الفعل المشتق فيستعملون الإرسال فقط فيقولون أرسله فلان سواء كان ذلك مرسلًا أو منقطعاً، ومن ثم أطلق غير واحد ممن لم يلاحظ مواقع استعمالهم على كثير من المحدثين أنهم لا يغايرون بين المرسل والمنقطع، وليس كذلك لما حررناه، وقَلَّ مَنْ نبَّهَ على النكتة في ذلك اهـ كلام الحافظ. ثم بين حكمه فقال: (فيقرب) من باب كرم وقتل وتعب (الأول) أي المقيد بالثقة (من فرد) مطلق (ورد) أي أتى وذكر فيما قبل وهو القسم الأول. والمعنى: أن الفرد المقيد بالثقة يكون قريباً من الفرد المطلق لأن رواية غير الثقة كلا راوية هكذا قال تبعاً للعراقي، لكن الذي حققه السخاوي أن ينظر إلى رواية غير الثقة فإن كان ممن بلغ رتبة من يعتبر بحديثه كان حديث هذا الثقة قريباً من المطلق وإن كان ممن لا يعتبر به كان كالمطلق لأن روايته كلا رواية فتأمل. مثاله: حديث مسلم وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم -: " كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة " تفرد به ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله،

عن أبي واقد الليثي. ولم يروه أحد من الثقات غير ضمرة، ورواه من غيرهم عبد الله بن لهيعة، وهو ممن ضعفه الجمهور لاحتراق كتبه، عن خالد بن يزيد، عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها -. (وهكذا الثالث) مبتدأ وخبر، أي يقرب القسم الثالث من النسبي وهو المقيد بالبلد من الفرد المطلق، وترك الثاني لكونه معروفاً من بيان الأول والثالث (إن فرداً يرد) بالبناء للمفعول من الإرادة، أي إن أريد بتفرد أهل البلد انفراد واحد منهم، ولو قال فردٌ بالرفع لكان أولى، ويحتمل أن يكون من الورود، أي إن ورد فرداً ففرداً مفعول لفعل محذوف مفسر بيرد. والمعنى أن الفرد المقيد بالبلد يقرب من القسم الأول، وعبارة غيره أنه من المطلق. وحاصل عبارة العراقي فإن يريدوا بِقَوْلِهِمْ انفرد به أهل البصرة أو هو من أفراد البصريين ونحو ذلك واحداً من أهل البصرة انفرد به متجوزين بذلك كما يضاف فعل واحد من قبيلة إليها مجازاً فهو من القسم الأول وهو الفرد المطلق. اهـ بتغيير يسير. مثاله حديث النسائي: " كلوا البلح بالتمر " قال الحاكم: هو من أفراد البصريين عن المدنيين تفرد به أبو زكير عن هشام. ومثال ما تفرد به فلان عن فلان ما في السنن الأربعة من طريق ابن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن واثل عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أَوْلَمَ على صفية بسويق وتمر " قال الحافظ ابن طاهر: تفرد به وائل عن ابنه، ولم يروه عنه غير ابن عيينة، وقد رواه محمد بن الصلت التَّوَّزِي عن ابن عيينة، عن زياد بن سعد، عن الزهري، ورواه جماعة عن ابن عيينة عن الزهري بلا واسطة. (تنبيهات): الأول: قال السخاوي رحمه الله ما حاصله: أنه تحصل مما ذكر أن القسم الثاني يعني النسبي أنواع منها ما يشترك الأول معه فيه كإطلاق تفرد أهل بلد بما يكون راويه منها واحداً فقط، وتفرد الثقة بما

يشترك معه في روايته ضعيف، ومنها ما هو مختص به، وهو تفرد شخص عن شخص، أو عن أهل بلد، أو أهل بلد عن شخص، أو عن أهل بلد أخرى اهـ. (الثاني): أنه صنف في الأفراد الدارقطني، وابن شاهين، وغيرهما، وكتاب الدارقطني حافل في مائة جزء حديثية، وعمل أبو الفضل بن طاهر أطرافه، ومن مظانها الجامع للترمذي وزعم بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من القسم الثاني، ورده الحافظ بتصريحه في كثير منه بالتفرد المطلق، ومن مظانها أيضاً مسند البزار والمعجمان الأوسط والصغير للطبراني، وصنف أبو داود السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلد، كحديث طلق في مس الذكر، قال: تفرد به أهل اليمامة، وحديث عائشة في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء، قال الحاكم: تفرد أهل المدينة بهذه السنة، وكل ذلك لا ينهض به إلا متسع الباع في الرواية والحفظ، وكثيراً ما يقع التَّعَقُّب في دعوى الفردية حتى أنه يوجد عند مدعيها المتابع لكن إنما يحسن الجزم بالتعقب حيث لم يختلف السياق، أو يكون المتابع ممن يعتبر به لاحتمال إرادة شيء من ذلك بالإطلاق. (الثالث): قال ابن دقيق العيد: إنه إذا قيل في حديث تفرد به فلان عن فلان احتمل أن يكون تفرداً مطلقاً، واحتمل أن يكون تفرد به عن هذا المعين خاصة، ويكون مروياً عن غير ذلك المعين، فليتنبه لذلك، فإنه قد يقع فيه المؤاخذة على قوم من المتكلمين على الأحاديث ويكون له وجه كما ذكرناه الآن انتهى فتح المغيث. (الرابع): قال السخاوي: قولهم: لا نعلم أحداً روى هذا الحديث غير فلان جوز ابن الحاجب في غير الرفع والنصب وأطال في تقريره اهـ. ولما أنهى الكلام على الأفراد، ذكر الغريب وما معه بعده لأن الغريب منها فقال:

(الغريب، والعزيز، والمشهور، والمستفيض، والمتواتر)

(الغريب، والعزيز، والمشهور، والمستفيض، والمتواتر) أي هذا مبحثها وهي النوع الثالث والعشرون، والرابع والعشرون، والخامس والعشرون والسادس والعشرون، والسابع والعشرون، ثم إن الناظم رحمه الله رتبها بالترقي، وأتبعها بالأفراد لأن الغريب منها، وجمعها في ترجمة واحدة لما بينها من الصلة إذ باجتماع بعضها إلى جانب بعض تتضح حقيقة كل واحد منها تمام الاتضاح، وصنيعُهُ أولى من صنيع العراقي وغيره تبعاً لابن الصلاح فإنهم ذكروها بعد العالي والنازل، وذلك لأن ابن الصلاح أملى كتابه شيئا فشيئاً فرأى ذكر ما يناسب الحال أولى بالتقديم من مراعات الترتيب على الوضع المناسب. وقال الحافظ: وكلها سوى الأخير وهو المتواتر آحاد، ويقال لكل منها: خبر واحد، وهو في اللغة ما يرويه شخص واحد، وفي الاصطلاح ما لم يجمع شروط المتواتر اهـ ثم رتبها مُفَصلًا فذكر الأول بقوله: 192 - الأَوَّلُ الْمُطْلَقُ فَرْدًا ... .................. (الأول) أي الغريب، وهو لغة صفة مشبهة بمعنى المنفرد أو البعيد عن أقاربه، واصطلاحاً ما أشار إليه بقوله: (المطلق فرداً) أي الفرد المطلق، فقوله الأول: مبتدأ خبره المطلق وفرداً تمييزاً (¬1). والمعنى: أن الغريب هو الفرد المطلق الذي تقدم في الأفراد أنه ما رواه واحد فقط، والحاصل أن الغريب في الاصطلاح عبارة عن الحديث الذي تفرد راويه بروايته عمن يجمع حديثه لضبطه وعدالته، كالزهري وقتادة وأشباههما وإنما سمي غريباً لأنه حينئذ كالغريب الواحد الذي لا أهل عنده، أو لبعده عن مرتبة الشهرة فضلًا عن التواتر. وقال بعضهم: الغريب من الحديث على وِزَانِ الغريب من الناس ¬

_ (¬1) أي محولًا من نائب الفاعل أي المطلق فرديته.

فكما أن غربة الإنسان في البلد تكون حقيقة بحيث لا يعرفه فيها أحد بالكلية، وتكون إضافية بأن يعرفه البعض دون البعض، ثم قد يتفاوت معرفة الأقل منهم تارة والأكثر أخرى، وقد يستويان وكذا الحديث قاله السخاوي. وقال في التنقيح نقلاً عن ابن الصلاح: الغريب هو الذي يتفرد به بعض الرواة، وسواء انفرد بالحديث كله، أو بشيء منه، أو في سنده، وقال ابن منده ما معناه: الغريب من الحديث انفراد الراوي بالحديث عن إمام قد جمع حديثه وحفظ مثل قتادة والزهري، فإذا انفرد الراوي عن أحدهم من بين من أخذ عنهم بحديث سمي غريباً. اهـ بزيادة من التوضيح. وقال السخاوي ما نصه: والحاصل أن الغريب على قسمين مطلق ونسبي، وحينئذ فهو والأفراد على حد سواء اهـ لكن قدمنا عن الحافظ: أن أهل الاصطلاح فرقوا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فانظر تحقيقه في بحث الأفراد. ثم ذكر القسم الثاني وهو العزيز بقوله: ............ وَالَّذِي ... لَهُ طَرِيقَانِ فَقَطْ لَهُ خُذِ 193 - وَسْمَ الْعَزِيزِ ............ ... ................... (والذي) مبتدأ خبره جملة الطلب أي الحديث الذي (له طريقان) أي راويان (فقط) أي فحسب (له) أي لهذا الحديث متعلق (بخذ) بكسر الذال للراوي، وقوله (وسم العزيز) بالفتح بوزن الوعد، أي علامة العزيز بمعنى أنك تجعل له اسم العزيز علامة يعرف بها. وحاصل المعنى: أن الحديث الذي يرويه اثنان عن اثنين فقط يسمى بالعزيز. وسمي بذلك إما لقلة وجوده، لأنه يقال عَزَّ الشيء يَعِزُّ بكسر العين في المضارع عِزًّا (¬1) وَعَزَازَة إذا قل بحيث لا يكاد يوجد، وإما لكونه قوي ¬

_ (¬1) الأول بالكسر، والثاني بالفتح.

واشتد بمجيئه من طريق آخر من قولهم عَزَ يَعَزُّ بفتح العين في المضارع عِزًّا وعَزَازَةً أيضاً إذا اشتد وقوي، ومنه قوله تعالى: (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) أي قوينا وشددنا، وجمع العزيز أعزة وعِزَاز مثل كريم وكرام، ولا يقال عُزَزَاء ككرماء كراهية التضعيف أفاده في التاج. قال الحافظ: المراد برواية اثنين أن لا يَرِدَ بأقل منهما فإن ورد بأكثر في بعض المواضع من السَّند الواحد لا يضر إذ الأقل في هذا العلم يقضي على الأكثر. قال وادعى ابن حبان أن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي لا توجد أصلاً قال الحافظ: إن أراد به أن رواية اثنين فقط عن اثنين فقط لا توجد أصلاً فيمكن أن يسلم وأما صورة العزيز التي حررناها فموجودة بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين. مثاله ما رواه الشيخان من حديث أنس والبخاريُّ من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده " الحديث ورواه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب ورواه عن قتادة شعبة وسعيد ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن علية وعبد الوارث ورواه عن كُلًّ جماعة. وقال أيضاً: وليس - يعني العزيز - شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه، وهو أبو علي الجبائِي من المعتزلة وإليه يومئ كلام الحاكم أبي عبد الله في علوم الحديث حيث قال: الصَّحِيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة بأن يكون له راويان ثم يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة. وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البخاري بأن ذلك شرط البخاري وأجاب عما أورد عليه من ذلك بجواب فيه نظر لأنه قال: فإن قيل حديث: " إنما الأعمال بالنيات " فرد لم يروه عن عمر إِلا علقمة قال: قلنا: قد خطب به عمر - رضي الله عنه - على المنبر بحضرة الصحابة فلولا أنهم

يعرفونه لأنكروه، كذا قال: وتعقب بأنه لا يلزم من كونهم سكتوا عنه أن يكونوا سمعوه من غيره وبأن هذا لو سلم في عمر منع في تفرد علقمة ثم تفرد محمد بن إبراهيم عن علقمة ثم تفرد يَحْيَى بن سعيد به عن محمد على ما هو الصَّحِيح المعروف عند المحدثين، وقد وردت لهم متابعات لا يعتبر بها لضعفها، وكذا لا نسلم جوابه في غير حديث عمر - رضي الله عنه -. قال ابن رشيد: ولقد كان يكفي القاضي في بطلان ما ادعى أنه شرط البخاري أولُ حديث مذكور فيه. اهـ كلام الحافظ. ثم ذكر الثالث وهو المشهور بقوله: ........... وَالَّذِي رَوَاهُ ... ثَلاثَةٌ مَشْهُورُنَا، رَآهُ 194 - قَوْمٌ يَسَاوِي الْمُسْتَفِيضَ وَالأَصَحْ ... هَذَا بِأَكْثَرَ، وَلَكِنْ مَا وَضَحْ 195 - حَدُّ تَوَاتُرٍ ......... ... ............... (والذي) مبتدأ أي الحديث الذي (رواه ثلاثة) من الرواة (مشهورنا) خبر المبتدإ، ويجوز العكس أي مشهور المحدثين. والمعنى أن المشهور عندنا أيها المحدثون، وإنما خصهم احترازاً من المشهور عند العامة كما يأتي: هو الذي يرويه ثلاثة فأكثر وسمي مشهوراً لوضوح أمره يقال شهرت الأمر أشْهَرهُ (¬1) شَهْراً بالفتح وشُهْرَة بالضم أبرزته، وشَهَرتُ الحديثَ شهراً وشُهرة أفشيته فاشتهر أفاده في المصباح. وهذا التعريف لجماعة منهم الحافظ فإنهم خصوا الثلاثة فما فوقها بالمشهور، والاثنين بالعزيز، وقال ابن الصلاح تبعاً لابن منده: هو ما رواه جماعة عن الأئمة الذين يجمع حديثهم، وعبارته: فإذا روى عنهم رجلان وثلاثة واشتركوا في حديث يسمى عزيزاً فإذا روى الجماعة عنهم حديثاً سمي مشهوراً. ومقتضى هذا أن بين العزيز والمشهور عموماً وخصوصاً ¬

_ (¬1) من باب قطع.

وجهياً. يجتمان فيما إذا رواه ثلاثة ويختص العزيز في الأثنين والمشهور في أكثر من الثلاثة قاله السخاوي. ثم إن من العلماء من جعل المشهور والمستفيض واحداً وإليه أشار بقوله: (رآه) أي المشهور (قوم) من العلماء بمعنى ذهبوا إليه قال في المصباح: الذي أراه بالبناء للفاعل بمعنى الذي أذهب إليه. اهـ المقصود منه، والمعنى أنه ذهب جماعة من أئمة الفقهاء والأصوليين وبعض المحدثين إلى أن المشهور (يساوي) في المعنى الحديث الذي سمي (المستفيض) اسم فاعل من استفاض الخبر، أي شاع كما في التاج وفي شرح النخبة من فاض الماء يفيض فيضاً. اهـ أي كثر حتى سال على طرف الوادي. اهـ لقط الدرر. وحاصل المعنى أن المشهور هو المستفيض على رأي جماعة من العلماء لكن الأصح أن بينهما مغايرة كما ذكره بقوله: (والأصح) من أقوال العلماء أن (هذا) أي المستفيض يكون (بأكثر) من ثلاثة (ولكن ما) نافية (وضح) أي ظهر فيه (حد تواتر) يعني أنه لم يوجد فيه حد التواتر، وحاصل المعنى: أن الأصح في حد المستفيض هو ما رواه أكثر من ثلاثة ما لم يبلغ إلى حد التواتر على ما يأتي بَيَانه. وقال السخاوي: نقلاً عن الحافظ ما حاصله: ومنهم من غاير بينهما بأن المستفيض يكون من ابتدائه إلى انتهائه سواء، والمشهور أعم من ذلك بحيث يشمل ما كان أوله منقولاً من الواحد كحديث " إنما الأعمال بالنيات " فقد ثبت عن أبي إسماعيل الهروي أنه كتبه عن سبعمائة رجل من أصحاب يَحْيَى بن سعيد، واعتنى الحافظ أبو القاسم بن منده بجمعهم وترتيبهم بحيث جمع نحو النصف من ذلك، ومنهم من غاير بينهما بأن المستفيض ما تلقته الأمة بالقبول دون اعتبار عدد، ولذا قال أبو بكر الصيرفي والقفال: إنه هو والمتواتر بمعنى واحد اهـ كلام السخاوي. قال الحافظ في المستفيض: إنه ليس من مباحث هذا الفن.

ثم إن هذه الأقسام الأربعة لا تختص بصحيح ولا ضعيف بل تعمهما إلا أن الغالب على الغريب الضَّعْفُ وإليه أشار بقوله: .............. وَكُلٌّ يَنْقَسِمْ ... لِمَا بِصِحَّةٍ وَضَعْفٍ يَتَّسِمْ 196 - وَالْغَالِبُ الضَّعْفُ عَلَى الْغَرِيبِ ... .............. (وكل) من الأقسام المذكورة مبتدأ خبره (ينقسم لما) إلى الحديث الذي (بصحة) متعلق بيتسم، والمراد ما يشمل الحسن (وضعف) بفتح الضاد وضمها (يتسم) أي يتحلى ويتصف. والمعنى أن كلا من الأقسام المذكورة ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف إذ لا ينافي واحداً منها، وإن لم يصرح ابن الصلاح بذلك، إلا في الغريب لكثرته، ولذلك قال الناظم (و) لكن (الغالب الضعف) بالفتح والضم (على الغريب) أي النوع المسمى به يعني أن الغريب غالباً يكون ضعيفا، ويندر فيه الصحة ولذا كره جمع من الأئمة تتبع الغرائب. فقد قال أحمد رحمه الله تعالى: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها من الضعفاء، وسئل عن حديث ابن جريجٍ عن عطاء عن ابن عباس " تردين عليه حديقته " فقال: إنما هو مرسل فقيل له إن ابن أبي شيبة زعم أنه غريب فقال أحمد: صدق، إذا كان خطأ فهو غريب، وقال أبو حنيفة رحمه الله: من طلبها كذب، وقال مالك رحمه الله: شر العلم الغريب وخيره الظاهر الذي قد رواه النَّاس، وعن عبد الرزاق قال: كنا نرى أن الغريب خير فإذا هو شر. ذكره السخاوي. وفي التدريب وقال ابن المبارك: العلم الذي يجيئك من ههنا وههنا يعني المشهور، رواه البيهقي في المدخل، وعن الزهري قال: حدثت علي بن الحسين بحديث فلما فرغت قال: أحسنت بارك الله فيك، هكذا حدثنا، قلت ما أراني إِلا حدثتك بحديث أنت أعلم به مني قال: لا تقل ذلك فليس العلم ما لا يعرف إنما العلم ما عرف وتواطئت عليه الألسن،

وروى ابن عدي عن أبي يوسف، قال: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب غريب الحديث كذب، ومن طلب المال بالكيماء أفلس اهـ المقصود من التدريب. مثال المشهور الصَّحِيح حديث " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من النَّاس " الحديث. ومثال المشهور الحسن حديث " طلب العلم فريضة على كل مسلم " فقد قال الحافظ المزي إن له طرقاً يرتقي بها إلى رتبة الحسن، ومثال المشهور الضَّعِيف حديث " الأذنان من الرأس " قلت الصَّحِيح أنه صحيح كما بينته في شرح النسائي. وأما مثال الغريب الصَّحِيح فأفراد الصَّحِيح كثيرة كحديث " السفر قطعة من العذاب ". ومثال الغريب غير الصَّحِيح فهو غالب الغرائب ثم شرع في تقسيم آخر للغريب فقال: ............... ... وَقُسِّمَ الْفَرْدُ إِلَى غَرِيبِ .................. ... .................. 197 - فِي مَتْنِهِ وَسَنَدٍ، وَالثَّانِ قَدْ ... وَلا تَرَى غَرِيبَ مَتْنٍ لا سَنَدْ (وقسم) بالبناء للمفعول (الفرد) أي المطلق الذي هو الغريب، (إلى) قسمين (غريب في متنه وسند) له معاً كالحديث الذي ينفرد برواية متنه راو واحد فقط (و) غريب في (الثاني) أي السَّند (قد) أي فحسب كأن يكون المتن معروفاً برواية جماعة من الصحابة فينفرد بها راو من حديث صحابي آخر فهو من جهته غريب مع أن متنه غير غريب. ومن أمثلته حديث أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه رَفَعَهُ " الكافر يأكل في سبعة أمعاء " فإنه غريب من حديث أبي موسى مع كونه معروفاً من حديث غيره، قال ابن الصلاح: من ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصَّحِيحة. قال السخاوي: يعني كأن ينفرد به من حديث شعبة بخصوصه غندر، قال: وهو الذي يقول فيه الترمذي: غريب من هذا

الوجه، قال ابن الصلاح: ولا أرى يعني القسم الثاني ينعكس فلا يوجد إذاً يعني فيما يصح، ما هو غريب متناً لا سنداً. اهـ. وإليه أشار بقوله (ولا نرى) بالنون والبناء للفاعل أي لا نعرف معاشر المحدثين، وفي نسخة المحقق بالتاء، أي لا تعرف أيها المحدث ولا تجد بالبحث (غريب متن) بالنصب مفعول نرى (لا سند) أي دونه يعني أنه لا يوجد حديثٌ غريبٌ متناً لا سنداً، قال ابن الصلاح إلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريباً مشهوراً وغريباً متناً وغير غريب إسناداً لكن بالنظر إلى أحد طرفى الإسناد فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول ومتصف بالشهرة في طرفه الآخر كحديث " إنما الأعمال بالنيات " وكسائر الغرائب التي اشتمل عليها التصانيف المشهورة اهـ. قال العراقي بعد نقل كلام ابن الصلاح هذا ما نصه: هكذا قال ابن الصلاح إنه لا يوجد ما هو غريب متناً لا سنداً إلا بالتأويل الذي ذكره، وقد أطلق أبو الفتح اليعمري ذكر هذا النوع في جملة أنواع الغريب من غير تقييد بآخر السَّند، فقال في شرحٍ الترمذي: الغريب على أقسام: غريب سنداً ومتناً، ومتناً لا سنداً، وسنداً لا متناً، وغريب بعض السَّند فقط، وغريب بعض المتن فقط، فالقسم الأول: واضح، والقسم الثاني: هو الذي أطلقه أبو الفتح ولم يذكر له مثالاً، والقسم الثالث: حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبي رَوَّاد عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الأعمال بالنية " قال الخليلي: في الإرشاد أخطأ فيه عبد المجيد وهو غير محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه قال: فهذا مما أخطأ فيه الثقة عن الثقة، وقال أبو الفتح اليعمري هذا إسناد غريب كله والمتن صحيح. والقسم الرابع: مثاله حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي، ومن رواية عباد بن منصور كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بحديث أم زرع والمحفوظ ما رواه عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة عن أبيه عن

عائشة هكذا اتفق عليه الشيخان، وكذا رواه مسلم من رواية سعيد بن سلمة بن أبي الحسام عن هشام، قال أبو الفتح فهذه غرابة تخص موضعاً من السَّند، والحديث صحيح، قال العراقي: ويصلح ما ذكرناه من عند الطبراني مثالاً للقسم الخامس لأن عبد العزيز وعَبَّادا جَعَلا جميع الحديث مرفوعاً وإنما المرفوع منه قوله - صلى الله عليه وسلم - " كنت لك كأبي زرع لأم زرع " فهذا غرابة بعض المتن أيضاً. اهـ كلام العراقي في شرح ألفيته. ولما كان المشهور له إطلاق آخر غير ما مر في الأقسام وهو ما اشتهر على ألسنة النَّاس ذكره بقوله: 198 - وَيُطْلَقُ الْمَشْهُورُ لِلَّذِي اشْتَهَرْ ... فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ شُرُوطٍ تُعْتَبَرْ (ويطلق المشهور للذي) أي على الحديث الذي (اشتهر في الناس) أي بينهم (من غير شروط تعتبر) أي من دون أن توجد فيه الشروط المعتبرة عند المحدثين في المشهور المصطلح عليه. والمعنى أن اسم المشهور قد يطلق على الأحاديث التي اشتهرت على ألسنة النَّاس سواء كانت صحيحة أم ضعيفة أم مكذوبة. والحاصل أنه ربما يطلق على ما ليس له إلا إسناد واحد أو إسنادان أو لا إسناد له أصلًا، كعلماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، وولدت في زمن الملك العادل كسرى، وتسليم الغزالة، فقد اشتهر على الألسنة، وفي المدائح النبوية قاله السخاوي. وقد صنف في هذا القسم الزركشي التذكرة في الأحاديث المشتهرة، والناظم كتاباً استدرك فيه ما فات الزركشي، والعلامة السخاوي المقاصد الحسنة وغيرهم. ومن أمثلة المشهور عند أهل الحديث خاصة حديث أنس " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً بعد الركوع يدعوا على رِعْل وذَكْواَن " أخرجه الشيخان من رواية سليمان التيمي عن أبي مِجْلَزٍ عن أنس وقد رواه عن

أنس غير أبي مجلز، وعن أبي مجلز غير سليمان، وعن سليمان جماعة، وهو مشهور بين أهل الحديث، وقد يستغربه غيرهم لأن الغالب على رواية التيمي عن أنس كونها بلا واسطة، ومن المشهور عند أهل الحديث والعلماء والعوام " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ". ومن المشهور عند الفقهاء " أبغض الحلال عند الله الطلاق " صححه الحاكم " من سئل عن علم فكتمه " الحديث حسنه الترمذي " لا غيبة لفاسق " حسنه بعض الحفاظ وضعفه البيهقي وغيره " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " ضعفه الحفاظ. " استاكوا عرضاً وادهنوا غبا واكتحلوا وتراً " قال ابن الصلاح بحثت عنه فلم أجد له أصلاً ولا ذكراً في شيء من كتب الحديث. قلت قال السخاوي في المقاصد الحسنة: والجملة الثانية من أصل الحديث عند أحمد وأبي دواد والترمذي مما صححه هو وابن حبان، وقال والجملة الثالثة عند أبي دواد وغيره. ومن المشهور عند النحاة " نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه " قال العراقي وغيره لا أصل له ولا يوجد بهذا اللفظ في شيء من كتب الحديث. ومن المشهور عند الأصوليين " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما اسْتكْرِهُوا عليه " صححه ابن حبان، والحاكم بلفظ إن الله وضع. ومن المشهور بين العامة " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " أخرجه مسلم، " مدارة النَّاس صدقة " صححه ابن حبان، " البركة مع أكابركم " صححه ابن حبان والحاكم " ليس الخبر كالمعاينة " صححاه أيضا " المستشار مؤتمن " حسنه الترمذي، " العَجَلة من الشيطان " حسنه الترمذي أيضاً، " اختلاف أمتي رحمة " " نية المرء خير من عمله " " من بورك له في شيء فليلزمه " " الخير عادة "، " عَرّفوا ولا تعنفوا "، " جبلت القلوب على حب من

أحسن إليها "، " أمرنا أن نكلم النَّاس على قدر عقولهم "، وكلها ضعيفة، " من عرف نفسه فقد عرف ربه "، " كنت كنزاً مخفياً لا أعرف "، " الباذنجان لما أكل له، يوم صومكم يوم نحركم، من بَشَرَني بآذار بشرته بالجنة "، وكلها باطلة، لا أصل لها، ذكرها كلها في التدريب، ولما أنهى الكلام على الآحاد شرع يبين المتواتر، وهو القسم الخامس فقال: 199 - وَمَا رَوَاهُ عَدَدٌ جَمٌ يَجِبْ ... إِحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكَذِبْ 200 - فَالمُتَوَاتِرُ، وَقَوْمُ حَدَّدُوا ... بِعَشْرَةٍ، وَهْوَ لَدَيَّ أَجْوَدُ 201 - وَالْقَوْلُ بِاثْنَيْ عَشَرَ اْوْ عِشْرِينَا ... يُحُكَى وَأَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَا (وما) اسم موصول مبتدأ أي الحديث الذي (رواه عدد) أي جماعة من النَّاس (جم) بفتح الجيم وتشديد الميم صفة عدد أي كثير، قال في " ق " الجم الكثير من كل شيء كالجمم محركة، والجمع جمام بالكسر، وجموم بالضم. اهـ بزيادة من التاج (يجب) عادة (إحالة اجتماعهم) وتواطئهم (على الكذب) بفتح فكسر أفصح من سكون الذال مع كسر الكاف وهو الموافق للوزن أيضاً، وجملة يجب صفة بعد صفة لعدد بمعنى أن العادة تمنع اتفاقهم على الكذب عمداً أو وقوعه منهم من غير قصد، قال السخاوي: وبالنظر لهذا خاصة يكون العدد في طبقة كثيراً وفي أخرى قليلاً إِذِ الصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه اهـ. والحاصل: أن الخبر الذي ورد بلا حصر عدد معين بل تكون العادة قد أحالت تواطئهم على الكذب وكذا وقوعه منهم اتفاقاً من غير قصد وانضاف إليه أن يستوي الأمر فيه في الكثرة المذكورة من ابتدائه إلى انتهائه والمراد بالاستواء أن لا تنقص الكثرة المذكورة في بعض المواضع لا أن تزيد إذ الزيادة هنا مطلوبة من باب أولى، وأن يكون مستند انتهائه الأمر المشاهد، أو المسموع لا ما ثبت بقضية العقل الصرف (¬1) فإذا جمع هذه ¬

_ (¬1) كحدوث العالم وكون الواحد نصف الاثنين.

الشروط الأربعة، وهي عدد كثير، أحالت العادة تواطئهم على الكذب، ورووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء، وكان مسند انتهائهم الحس، وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه فهو (المتواتر) خبر ما، اسمُ فاعل من التواتر، وهو لغة ترادف الأشياء المتعاقبة واحداً بعد واحد بينهما فترة، ومنه قوله تعالىِ: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى) أي رسولاً بعد رسول بينهما فترة، واصطلاحاً هو الذي رواه جماعة غير محصورين في عدد معين إلى آخر ما تقدم. فإذا حصلت الشروط المذكورة استلزمت حصول العلم في الغالب، وقد يتخلف لمانع، كغباوة السامع، والمعتمد أن العلم الحاصل به هو اليقيني لا النظري. (تنبيه): البحث عن المتواتر ليس من مباحث علم الإسناد إذ علم الإسناد يبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يترك والمتواتر ليس كذلك بل يجب العمل به من غير بحث عن رجاله وإن كانوا فساقاً. ثم إن المتواتر قسم من المشهور فكل متواتر مشهور ولا عكس أفاده الحافظ. ثم إن ما ذكر من عدم حصر المتواتر بعدد معين هو الذي عليه الجمهور وهو الأصح، ومنهم من عينه بعدد، وإليه أشار بقوله: (وقوم حددوا) مبتدأ وخبر أي قوم من المحدثين أو من علماء أصول الحديث، أو أصول الفقه جعلوا لأقل عدده حداً (بعشرة) بسكون الشين متعلق بِـ حَدَّدُوْا وفي نسخة الشارح لعشرة باللام والمعنى متقارب. والمعنى أن بعض العلماء عَيَّنَ أقل المتواتر بعشرة بمعنى أن الكثرة لا تنقص عنها، لا أنها لا تزيد عليها، إذ الزيادة هنا مستحسنة من باب أولى لأن العلم إذا حصل بالأقل فبالزيادة أولى وهكذا يقال في الأقوال الآتية. وهذا القول محكي عن أبي سعيد الاصطخري قال: لأن ما دون العشرة آحاد.

قال الناظم مختاراً لهذا القول (وهو) أي التحديد بعشرة (لَدَيَّ) أي عندي (أجود) أي أحسن من غيره من الأقوال، وإنما اختاره لأنه أول جموع الكثرة (والقول) مبتدأ خبره جملة يحكى، وقوله (باثني عشر) يتعلق به أي القول بتحديد رواة المتواتر باثني عشر عَدَدِ نقباءِ بني إسرائيل في قوله تعالى: (وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) بعثوا كما قال أهل التفسير للكنعانيين بالشام طليعة لِبَنِي إسرائيل المأمورين بجهادهم ليخبروهم بحالهم، فكونهم على هذا العدد ليس إلا لأنه أقل ما يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك (أو عشرينًا) أي القول بتحددهم بعشرين شخصاً لقوله تعالى: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) وكونهم على هذا العدد ليس إلا إلخ، (يحكى) بالبناء للمفعول، أي يروى عن بعض العلماء، وقوله (وأربعين) عطف على اثني عشر أي القول بتحديدهم بأربعين نفساً يحكى عن بعضهم قالوا لأن الله تعالى قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وكانوا كما قال أهل التفسير: أربعين رجلاً كملهم عمر - رضي الله عنه - بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإخبار الله عنهم بأنهم كافوا نبيهم يستدعي إخبارهم عن أنفسهم بذلك ليطمئن قلبه، فكونهم على هذا العدد ليس إلا إلخ، (أو سبعينًا) أي يحكى عن بعضهم تحديدهم بسبعين شخصاً، قالوا لأن الله تعالى قال: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا) أي للاعتذار إلى الله تعالى من عبادة العجل، ولسماعهم كلامه تعالى من أمر ونهي ليخبروا قومهم بما يسمعونه، فكونهم على هذا العدد ليس إلا إلخ، وقيل أقلهم ثلاثمائة وبضعة عشر عدد أهل بدر، وأصحاب طالوت. وقال الحافظ بعد ذكر نحو ما تقدم: وتمسك كل قائل بدليل جاء فيه ذكر ذلك العدد فأفاد العلم وليس بلازم أن يطرد في غيره لاحتمال الاختصاص اهـ. (تنبيه): الأصح أنه لا يشترط في المتواتر الإسلام في راويه، ولا عدم احتواء بلد عليهم، فيجوز أن يكونوا كفاراً، ويحويهم بلد كأن يخبر

أهل قسطنطينية بقتل ملكهم لأن الكثرة مانعة من التواطىء على الكذب، وقيل لا يجوز ذلك لجواز تواطىء الكفار، وأهل بلد على الكذب فلا يفيد خبرهم العلم قاله مُلَّا علي قارى نقلاً عن المَحَلّي، ولما قال بعضهم بعدم وجود المتواتر، وبعضهم بعزته ذكره بقوله: 202 - وَبَعْضُهُمْ قَدِ ادَّعَى فِيهِ الْعَدَمْ ... وَبَعْضُهُمْ عِزَّتَهُ، وَهْوَ وَهَمْ (وبعضهم) أي بعض العلماء كابن حبان والحازمي مبتدأ خبره (قد ادعى فيه) أي المتواتر (العدم) أي كونه غير موجود في الروايات (وبعضهم) ادعى (عزته) أي قلته جداً يقال عَزُّ الشيء يعِزُّ بكسر العين في المضارع: قَلَّ بحيث لا يكاد يوجد، وهذا القائل هو ابن الصلاح حيث قال: ولا يكاد يوجد يعني المتواتر في روايتهم، وهو ما ينقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة عن مثلهم من أوله إلى آخره، ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فيما يُروى من الحديث أعياه تطلبه، قال: نعم حديث " من كذب عليَّ " نراه مثالاً لذلك، وتبعه على ذلك النووي في التقريب، قال الناظم رحمه الله ردًّا على القولين تبعاً للحافظ رحمه الله (وهو) أي المذكور من دعوى العدم والعزة (وهم) كغلط وزناً ومعنى، يقال وَهِمَ في الحساب يوهم وهما كغلط يغلط غلطا وزناً ومعنى، ويتعدى بالهمزة والتضعيف، وقد يستعمل المهموز لازماً قاله في المصباح، والجملة مستأنفة. والمعنى: أي دعوى عدم التواتر وعزته غلط من قائله نشأ عن قلة الاطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال، وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على الكذب، أو يحصل منهم اتفاقاً. ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجوداً وُجودَ كثرة في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوعَ عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث، وتعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطئهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني

بصحته إلى قائله، ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير قاله الحافظ رحمه الله تعالى. قال رحمه الله تعالى مقرراً للتغليط ومبيناً لوجوده في الأحاديث وجود كثرة حتى ألف فيه مؤلفاً خاصاً به: 203 - بَلِ الصَّوابِ أَنَّهُ كَثِيرٌ ... وَفِيهِ لِي مُؤَلَّفٌ نَضِيرٌ 204 - خَمْسٌ وَسَبْعُونَ رَوَوْا " مَنْ كَذَبَا " ... وَمِنْهُمُ الْعَشْرَةُ ثُمَّ انْتَسَبَا 205 - لَهَا حَدِيثُ " الرَّفْعِ لِلْيَدَيْنِ " ... وَ " الْحَوْضِ " وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ " (بل الصواب) في الحديث المتواتر (أنه) أي المتواتر (كَثِيرٌ) يوجد في الدواوين المشهورة بكثرة (وفيه) أي في خصوص المتواتر خبر مقدم، أو حال، أو متعلق بمؤلف (لي) حال من مؤلف، أو خبر مقدم له (مؤلف) أي كتاب مجموع من جملة الأحاديث المتواترة، مأخوذ من التأليف، وهو كما في التعريفات للشريف الجرجاني: جَعْلُ الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد سواء كان لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر أم لا، فعلى هذا يكون التأليف أعم من الترتيب اهـ. (نضير) أي حسن، صفة مؤلف، يقال: نَضُرَ الوجه بالضم نَضَارَة حَسُن فهو نضير قاله في المصباح. والمعنى أنه ألف كتاباً حسناً في ذلك لم يُسْبَق إلى مثله مرتباً على الأبواب أورد فيه ما رواه من الصحابة عشرة فصاعدا وذكر كل حديث بأسانيد من خرجه وطرقه وسماه " الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة " ثم لخصه في جزء لطيف اقتصر فيه على عزو كل طريق لمن خرجها من الأئمة وسماه " بالأزهار المتناثرة " ثم جاء بعده أبو جعفر الكتاني فاستدرك عليه في كتابه " نظم المتناثر من الحديث المتواتر " ثم لخص أبو الفضل عبد الله الصديق ما استدركه الكتاني مما هو على شرط السيوطي مع زيادات عليه في " إتحاف ذوي الفضائل المشتهرة بما وقع من الزيادات في نظم المتناثر على الأزهار المتناثرة " وفيه ما زاده مرتضى الزبيدي في كتابه "لقط اللآلئ المتناثرة " قاله الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقاته على التدريب.

(تنبيه): كتاب الناظم المؤلف في المتواتر الصواب في اسمه ما سبق، وأخطأ في تسميته نفسه في التدريب فسمى الأصل " الأزهار المتناثرة " والمختصر قطف الأزهار، وليس كذلك، بل قطف الأزهار كتاب له آخر ألفه في أسرار التنزيل في مجلد ضخم كتب منه إلى آخر سورة براءة، وسماه قطف الأزهار في كشف الأسرار، أفاده المحقق ابن شاكرٍ، ثم ذكر أمثلة مما تواتر فقال (خمس وسبعون) من الصحابة مبتدأ خبره قوله (رووا) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث (من كذبا) بألف الإطلاق (ومنهم العشرة) مبتدأ وخبر، والشين ساكنة، أي ومن جملة الخمسة والسبعين الصحابَةُ المشهود لهم بالجنة، وهم الخلفاء الأربعة وسعد وسعيد وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، والمعنى أن حديث " من كذب علي متعمداً فَلْيَتَبَوَّأ مقعده من النار " رواه خمس وسبعون صحابياً، ومنهم العشرة المبشرون بالجنة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة في وقت واحد، وإلا فقد شهد - صلى الله عليه وسلم - لجماعة بالجنة في أوقات مختلفة. وقال ابن الصلاح: رواه اثنان وستون من الصحابة، وقال غيره رواه أكثر من مائة نفسٍ، وقال النووي في شرح مسلم رواه نحو مائتين قال السخاوي: ولعله سبق قلم من مائة. قال العراقي وليس في هذا المتن بعينه ولكنه في مطلق الكذب، والخاص بهذا المتن رواية بضعةٍ وسبعين صحابياً، (ثم انتسبا) بألف الإطلاق (لها) أي للأحاديث المتواترة (حديث الرفع لليدين) فاعل انتسب، والمعنى أن الحديث الدال على مشروعية رفع اليدين في الصلاة معدود في جملة المتواتر فإنه ورد من رواية خمسين صحابياً (والحوض) بالجر عطفاً على الرفع أي انتسب حديث الحوض أيضاً فإنه ورد من رواية نيف وخمسين صحابياً (والمسح) بالجر أي حديث المسح (على الخفين) في الوضوء فإنه ورد من رواية سبعين صحابياً. (تنبيه): قسم أهل الأصول المتواتر إلى لفظي وهو ما تواتر لفظه،

ومعنوي وهو أن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مختلفة تشترك في أمر يتواتر ذلك القدر المشترك، كما إذا نقل رجل عن حاتم مثلاً أنه أعطى جملاً، وآخر أنه أعطى فرساً، وآخر أنه أعطى ديناراً، وهلم جَرَّا فيتواتر القدر المشترك بين أخبارهم وهو الإعطاء لأن وجوده مشترك من جميع هذه القضايا، قال الناظم وذلك أيضاً يتأتي في الحديث، فمنه ما تواتر لفظه كالأمثلة السابقة، ومنه ما تواتر معناه، كأحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - نحو مائة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، وقد جمعتها في جزء لكنها في قضايا مختلفة فكل قضية منها لم تتواتر والقدر المشترك فيها وهو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع قاله في التدريب. ثم بعد أن تكلم الناظم على المتواتر عاد إلى شيء يتعلق بنوع العزيز الذي سبق ذكره فقال: 206 - وَلابْنِ حِبَّانَ: الْعَزِيزُ مَا وُجِدْ ... بِحَدِّهِ السَّابِقِ، لَكِنْ لَمْ يُجِدْ 207 - وَلِلْعَلائِيْ جَاءَ فِي الْمَأْثُورِ ... ذُو وَصْفَيِّ الْعَزِيزِ وَالْمَشْهُورِ (ولـ) لحافظ أبي حاتم محمد (بن حبان) البستي صاحب الصَّحِيح تقدمت ترجمته، والجار والمجرور خبر مقدم لقوله: (الْعَزِيزُ مَا وُجِدْ) أي هذا الكلام، فقوله العزيز ما وجد مبتدأ وخبر في الأصل، وهو محكي لقصد لفظه، مبتدأ مؤخر، وما نافية، أي هذا الكلام كائن لابن حبان، والمعنى أن ابن حبان أنكر وجود العزيز (بحده السابق) متعلق بوجد أي بتعريفه المتقدم، وهو رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي. والحاصل: أنه قال: إن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي لا توجد أصلاً فرد عليه الناظم تبعاً للحافظ في شرح النخبة بقوله (لَكِنْ لَمْ يُجِدْ) من الإجادة، يقال: أجاد الرجل إجادة إذا أتى بالجِيّد من القول أو الفعل. والمعنى: أن ابن حبان لم يات بكلام حسن في هذا الإنكار، قال الحافظ: إن أراد يعني ابن حبان بقوله إن رواية اثنين عن اثنين إلخ، أن

رواية اثنين فقط عن اثنين فقط لا توجد أصلاً فيمكن أن يسلم، وأما صورة العزيز التي حررناها فموجودة بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين اهـ. قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي من عبارة ابن حبان أنه أراد الوجه الأول فكلامه صحيح، وأما إرادة الوجه الثاني فبعيدة جداً لمنافاتها عبارته السابقة. فالحق عندي أنه لا معنى للاعتراض عليه والترديدِ المذكور في توجيه كلامه فتأمل بإنصاف (وللـ) حافظ الفقيه العلامة صلاح الدين أبي سعيد خليل بن كيكلدي (العلائي) بتخفيف الياء للوزن الشافعي عالم بيت المقدس المولود في ربيع الأول سنة 694 كان إماماً بارعاً محدثاً حافظاً متقناً جليلًا فقيهاً أصولياً نحوياً متفنِّناً في الحديث وعلومه علامة فيه عارفاً بالرجال علامة في المتون والأسانيد لم يخلف بعده مثله أخذ عنه العراقي، مات في ثالث محرم سنة 761، اهـ من طبقات الحفاظ باختصار والجار والمجرور خبر مقدم لقوله (جاء في الْمَأثُور) إلخ لأنه محكي لقصد لفظه. والمعنى: أنه قال جاء في الحديث المأثور أي المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث (ذو وصفي العزيز والمشهور) أي صاحب الاتصاف بهذين الوصفين يعني أن بعض الأحاديث يوصف بهما. وَمَثَّلَهُ بحديث " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " الحديث ذكر أنه عزيز عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه عنه حذيفة بن اليمان وأبو هريرة، وهو مشهور عن أبي هريرة رواه عنه سبعة: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو حازم، وطاوس، والأعرج، وهمام، وأبو صالح، وعبد الرحمن مولى أم بُرْثُن. (تنبيه): قال المحقق ابن شاكرٍ: واعلم أن هذين البيتين من أول قوله ولابن حبان إلخ وقعا في الطبعة السابقة قبل قوله خمس وسبعون رووا من كذبا والصواب تأخيرهما إلى هذا الموضع تبعاً لنسخة الشارح، ولأن قوله

خمس وسبعون إلخ، أمثلة للمتواتر فالمعتمد أن تذكر عقبه ولا يفصل بينها وبينه بشيء آخر اهـ. (تنبيه): الزيادة على العراقي قوله: رآه في البيت الثاني إلى قوله: حد تواتر، وقوله: والغالب الضعف على الغريب، وقوله: ولا ترى غريب متن إلخ، والحوض، وقوله: ولابن حبان البيتين. ولما ذكر الغرابة في الباب السابق ذكر ما يزيلها وهو المتابع والشاهد، وما يوصل إليهما وهو الاعتبار فقال:

(الاعتبار والمتابعات والشواهد)

(الاعتبار والمتابعات والشواهد) أي هذا مبحثها وهي النوع الثامن والعشرون والتاسع والعشرون والثلاثون هذا هو الظاهر من صنيعه حيث جعل الاعتبار قسيماً للآخرين وتبع في ذلك ابن الصلاح وغيره حيث قال: معرفة الاعتبار إلخ. واعترض الحافظ على هذه العبارة فقال: هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعات والشواهد وليس كذلك بل الاعتبار هي الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعات والشواهد وعلى هذا كان حق العبارة أن يقول معرفة الاعتبار للمتابعات والشواهد اللهم إلا أن يراد شرح الألفاظ الثلاثة لوقوعها في كلام الأئمة أفاده السخاوي. والحاصل أن الاعتبار ليس قسيماً للتابع والشاهد بل هو هيئة التوصل إليهما كما أشار إلى ذلك بقوله: 208 - الاِعْتِبَارُ سَبْرُ مَا يَرْوِيهِ ... هَلْ شَارَكَ الرَّاوِي سِوَاهُ فِيهِ 209 - فَإِنْ يُشَارِكْهُ الَّذِي بِهِ اعْتُبِرْ ... أَوْ شَيْخَهُ أَوْ فَوْقُ: تَابِعٌ أُثِرْ 210 - وَإِنْ يَكُنْ مَتْنٌ بِمَعْنَاهُ وَرَدْ ... فَشَاهِدٌ، وَفَاقِدٌ ذَيْنِ انْفَرَدْ 211 - وَرُبَّمَا يُدْعَى الَّذِي بِالْمَعْنَى ... مُتَابِعًا، وَعَكْسُهُ قَدْ يُعْنَى (الاعتبار) في اصطلاحهم مبتدأ خبره (سبر) بفتح السين المهملة ثم موحدة ساكنة مَصْدَر سَبرت الجُرحَ سَبْراً من باب قتل إذا تعرفت عمقه،

وسبرت القوم سبراً من باب قتل، وفي لغة من باب ضرب إذا تأملتهم واحداً بعد واحد لتعرف عددهم أفاده في المصباح، أي اختيارُ وتتبعُ (ما) أي الحديث الذي (يرويه) بعض الرواة من الدواوين المبوبة والمسندة وغيرهما كالمعاجم والمشيخات والفوائد ليُنظَر ويعرف (هل شارك) ذلك (الراوي) الذي يظن تفرده به (سواه) فاعل شارك والراوي مفعوله مقدماً، ويجوز العكس، أي غيره (فيه) أي رواية ذلك الحديث الذي ظن أنه فرد. والحاصل: أن الاعتبار هو أن يأتي الحافظ إلى حديث لبعض الرواة فيعتبره بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث أي تتبعها من الجوامع والمسانيد والمعاجم والمشيخات والفوائد والأجزاء ليعرف هل شاركه في رواية ذلك الحديث راو غيره أم لا (فإن يشاركه) أي ذلك الذي ظن تفرده بذلك الحديث (الذي به) متعلق بـ (ـاعتبر) بالبناء للمفعول، فالذي فاعل يشارك، ومعنى كونه معتبراً به أن يصلح أن يخرج حديثه للاعتبار والاستشهاد به بأن كان ضعفه يسيراً بأن لا يتهم بكذب وإنما ضعفه إما بسوء حفظه أوغلطه أو نحو ذلك. والمعنى أنه إن وجد بعد السبر والتتبع من يشارك ذلك الراوي من الرواة المعتبر بهم وهو من لم يكن شديد الضعف ومن باب أولى إذا كان ثقة (أو شيخه) بالنصب عطفاً على المفعول به أي أو يشارك الراوي المعتبر به شيخه في روايته عن شيخه، يعني أنه إذا لم يوجد من يشارك الراوي نفسه ينظر هل شارك شيخه في الرواية عن شيخه فإن وجد، وإلا فينظر هل شارك من فوقه إلى آخر السَّند كما قال: (أو) يشارك من (فوق) من الظروف المبنية على الضم لقطعها عن الإضافة ونية معناها، والظرف صلة لمحذوف وهو جائز كما في قول حسان: أمَنْ يَهْجُو رسولَ اللهِ منكُم ... وَيمْدَحُهُ ويَنصُرُه سَواءُ

أي من يمدحه إلخ، أي من فوق شيخه، وهو شيخ شيخه فصاعدا إلى آخر السَّند، وقوله: (تابع) خبر لمحذوف معٍ الرابط والجملة جواب الشرط أي فهو تابع أي ذلك المشارك يسمى تابعا. وحاصل المعنى: أنه إذا وجد بعد الاعتبار من شارك ذلك الراوي المظنون انفراده ممن يعتبر به في الرواية عن شيخه أو كانت المشاركة لشيخه أو لمن فوقه إلى آخر السَّند فهذا يسمى تابعاً، وقوله (أُثِرْ) بالبناء للمفعول أي نقل صفة لتابع، أي هو تابع منقول عن أهل الحديث فإنهم سموه بذلك. ثم إن كانت المتابعة للراوي نفسه فهي المتابعة التامة، وإن كانت لشيخه أو من فوقه فهي المتابعة القاصرة وكلما بعد فيه المتابع كان أنقص. ثم إذا لم يوجد بعد السبر مشارك للراوي في رواية ذلك الحديث على الوجه المذكور ينظر هل أتى بمعناه حديث آخر فإن وجد فهو الشاهد، وإليه أشار بقوله: (وإن يكن متن) آخَرُ في الباب سواء كان عن ذلك الصحابي أو عن غيره (بمعناه) صفة متن أي بمعنى ذلك الحديث المظنونِ تفردُ الراوي به (ورد) خبر يكن، أي روي فهو (شاهد) جواب " إن "، أي يسمى شاهداً لذلك. والمعنى: أنه إذا وجد حديث آخر بمعنى الحديث يسمى شاهداً، وفُهِمَ من هذا أن التابع مختص بما كان باللفظ سواء جاء من رواية ذلك الصحابي أم من غيره، والشاهد مختص بما كان بالمعنى كذلك، وهذا محكى عن جماعة كالبيهقي ومن وافقه، والذي رجحه الحافظ أنه لا اقتصار في التابع على اللفظ ولا في الشاهد على المعنى، وإنما افتراقهما بالصحابي فقط فَكُلُّماَ جاء عن ذلك الصحابي فهو تابع سواء كان باللفظ أم بالمعنى أو عن غيره فهو شاهد كذلك أفاده السخاوي. ثم نوضح المذكور كله بذكر مثال تبعاً للنووي رحمه الله حيث قال في التقريب:

فمثال الاعتبار أن يروي حماد مثلاً حديثاً لا يتابع عليه، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر هل رواه ثقة غير أيوب، عن ابن سيرين فإن لم يوجد فغير ابن سيرين، عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأي ذلك وجد علم أن له أصلاً يرجع إليه وإلا فلا. والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد وهي المتابعة التامة، أو عن ابن سيرين غير أيوب أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابي آخر فكل هذا يسمى متابعة وتقصر عن الأولى بحسب بعدها منها وتسمى المتابعة شاهداً. والشاهدُ: أن يروي حديث آخر بمعناه ولا يسمى هذا متابعة اهـ كلام النووي. قال الناظم: فقد حصل اختصاص المتابعة بما كان باللفظ سواء كان من رواية ذلك الصحابي أم لا والشاهد أعم وقيل هو مخصوص بما كان بالمعنى كذلك وقال الحافظ: قد يسمى الشاهد متابعة أيضاً والأمر سهل. مثال ما اجتمع فيه المتابعة التامة والقاصرة والشاهد ما رواه الشافعي في الأم، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى ترو الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين " فهذا الحديث بهذا اللفظ ظن قوم أن الشافعي تفرد به عن مالك فعدوه في غرائبه لأن أصحاب مالك رووه عنه بهذا الإسناد بلفظ: " فإن غم عليكم فاقدروا له " لكن وجدنا للشافعي متابعاً وهو عبد الله بن مسلمة القعنبي كذلك أخرجه البخاري عنه، عن مالك، وهذه متابعة تامة، ووجدنا متابعة قاصرة في صحيح ابن خزيمة من رواية عاصم بن محمد عن أبيه محمد بن زيد عن جده عبد الله بن عمر " فأكملوا ثلاثين " وفي صحيح مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بلفظ " فاقدروا ثلاثين ".

ووجدنا له شاهداً رواه النسائي من رواية محمد بن حنين عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثل حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر بلفظه سواء ورواه البخاري من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ " فإن أغمى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " وذلك شاهد بالمعنى قاله في التدريب. ثم إذا لم يوجد بعد السبر لا تابع ولا شاهد فهو الفرد كما ذكره بقوله (وفاقد) مبتدأ (ذين) مفعوله أي حديث فاقد لهذين المذكورين التابع والشاهد، وقوله: (انفرد) خبر المبتدإ، أي سمي بالفرد لانفراه عن التابع والشاهد، وحكمه ما سبق في الأفراد من التفصيل، مثاله الحديث الذي رواه الترمذي من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة أراه رفعه " أحبب حبيبك هَوْناً مَا " الحديث قال الترمذي غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه أي من وجه يثبت وإلا فقد رواه الحسن بن دينار عن ابن سيرين والحسن متروك لا يصلح للمتابعات. ثم إن ما تقدم من تسمية ما كان باللفظ تابعاً وما كان بالمعنى شاهداً هو الغالب في الاستعمال، وقد تطلق المتابعة على الشاهد وبالعكس وإليه أشار بقوله (وربما) للتقليل (يدعى) بالبناء للمفعول أي يسمى الحديث (الذي) روي (بالمعنى) أي معنى الحديث الذي ظن فرديته (متابعاً) مفعول ثان ليدعى والأول هو الموصول النائب عن الفاعل، والمعنى أنه قد يسمى الحديث المروي بالمعنى متابعاً (وعكسه) أي عكس هذا الإطلاق وهو إطلاق الشاهد على المروي باللفظ مبتدأ خبره جملة قوله (قد) للتقليل أيضاً (يعنى) بالبناء للمفعول أي يقصد بمعنى يستعمل ويطلق. والمعنى أن عكس ما تقدم وهو إطلاق الشاهد على المروي باللفظ قد يستعمل فلا فرق بينهما إلا بغلبة الاستعمال والأمر فيه سهل. ثم إن المراد من التابع والشاهد هو التقوية أفاده الحافظ. (فائدتان): الأولى: أنه لا انحصار للمتابعة والشواهد في الثقة كما

تقدم في قوله الذي اعتبر بل يدخل فيه رواية من لا يحتج بحديثه وحده ولكن ليس كل ضعيف يصلح لذلك ولهذا يقول الدارقطني وغيره: فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به وإنما يدخلون الضعفاء في هذا لكون الاعتماد على الأصل لا عليه أفاده النووي. وقد يكون كل من المتاج والمتابَع لا اعتماد عليهما لكن باجتماعها تحصل القوة أفاده السخاوي. " الثانية ": أن التتبع المذكور يكون من الجوامع والمسانيد والمعاجم والمشيخات والفوائد والأجزاء كما قاله ابن الصلاح. فالجوامع (¬1) هي الكتب التي جمعت فيها الأحاديث على ترتيب أبواب الفقه كالبخاري، أو على ترتيب الحروف الهجائية كما في جامع الأصول لابن الأثير، والمسانيد ما جمع فيها مسند كل صحابي على حدة صحيحاً كان أو ضعيفاً، والمعجم ما ذكرت فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان أو غير ذلك، والغالب أن يكون مرتباً على حروف الهجاء، والمشيخات بفتح الميم فسكون الشين وكسرها هي الكتب التي تشتمل على ذكر الشيوخ الذين لقيهم الراوي وأخذ عنهم أو أجازوه وإن لم يلقهم، والأجزاء ما دون فيها حديث شخص واحد أو مادةٍ واحدة من أحاديث جماعة أفاده بعض المحققين. ولما كان التابع والشاهد وعدمهما لا يُطَّلعَ عليه إلا بتتبع وجمع الطرق والأبواب ناسب أن يذكر بعده زيادات الثقات لأنها كذلك لا تعرف إلا بجمع الطرق والأبواب لكن الأنسب كما قال السخاوي تقديمها مع تعارض الوصل والإرسال. قال رحمه الله: ¬

_ (¬1) وسيأتي تفسير الجوامع بأنه الذي جمع أقسام الحديث الثمانية وهو الأولى، لأن ما ألف على ترتيب أبواب الفقه يفسر بالسنن فتأمل.

(زيادات الثقات)

(زيادات الثقات) أي هذا مبحثها وهو النوع الحادي والثلاثون وهو باب دقيق من أبواب التعارض والترجيح بين الأدلة وهو من البحوث الهامة عند المحدثين والفقهاء والأصوليين قاله المحقق ابن شاكر. فينبغي الاعتناء به وقد كان إمام الأئمة ابن خزيمة لجمعه بين الفقه والحديث مشاراً إليه به بحيث قال تلميذه ابن حبان: ما رأيت على أديم الأرض من يحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة زادها في الخبر الثقة حتى كان السنن كلها نصب عينيه، وكذا كان الفقيه أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد، وأبو الوليد حسان بن محمد القرشي النيسابوريان وغيرهما من الأئمة كأبي نعيم (¬1) بن عدي الجرجاني ممن اشتهر بمعرفة زيادات الألفاظ التي تستنبط منها الأحكام الفقهية في المتون قاله السخاوي. وقال الحافظ رحمه الله: والمراد بزيادات الألفاظ الفقهية الألفاظ التي يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما رواه الفقهاء دون المحدثين في الأحاديث فإن تلك تدخل في المدرج لا في هذا وإنما نبهت على هذا وإن كان ظاهراً لأن العلامة مغلطاي استشكل ذلك على ابن الصلاح. اهـ، كلام الحافظ. ¬

_ (¬1) وهو غير أبي أحمد بن عدي واسمه عبد الملك بن محمد بن عدي، ولد سنة 232، ومات سنة 323. اهـ.

قال رحمه الله: 212 - وَفِي زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ الْخُلْفُ جَمْ ... مِمَّنْ رَوَاهُ نَاقِصًا أَوْ مَنْ أَتَمْ 213 - ثَالِثُهَا: تُقْبَلُ لا مِمَّنْ خَزَلْ ... وَقِيلَ: إِنْ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ حَمَلْ 214 - بَعْضًا، أَوِ النِّسْيَانَ يَدَّعِيهِ ... تُقْبَلْ، وَإِلاَّ يُتَوَقَّفْ فِيهِ 215 - وَقِيلَ: إِنْ أَكْثَرَ حَذْفَهَا تُرَدْ ... وَقِيلَ: فِيمَا إِنْ رَوَى كُلاًّ عَدَدْ 216 - إِنْ كَانَ مَنْ يَحْذِفُهَا لا يَغْفُلُ ... عَنْ مِثْلِهَا فِي عَادَةٍ لا تُقْبَلُ 217 - وَقِيلَ: لا، إِذْ لا تُفِيدُ حُكْمَا ... وَقِيلَ: خُذْ مَا لَمْ تُغَيِّرْ نَظْمَا 218 - وَابْنُ الصَّلاحِ قَالَ وَهْوَالْمُعْتَمَدْ ... إِنْ خَالَفَتْ مَا لِلثِّقَاتِ فَهْيَ رَدْ 219 - أَوْ لا فَخُذْ تِلْكَ بِإِجْمَاعٍ وَضَحْ ... أَوْخَالَفَ الإِطْلاقَ فَاقْبَلْ فِي الأَصَحْ (وفي زيادات الثقات) أي العدول الضابطين من التابعين فمن بعدهم، أي في حكم زيادات الرواة الثقات على غيرهم متعلق بقوله (الخلف) بالضم أي اختلاف العلماء من الفقهاء والمحدثين وغيرهم، وهو مبتدأ خبره قوله (جم) بفتح فتشديد، إلا أنه خفف للوزن أي كثير، ذكر البرماوي في شرح ألفيته في أصول الفقه عشرة أقوال وزاد غيره عليها، وسيأتي تفصيلها وقوله (ممن رواه) حال من زيادة أي حال كون تلك الزيادات كائنة من نفس من روى الحديث، حال كونه (ناقصاً) بأن رواه مرة ناقصاً ومرة مع تلك الزيادات (أو من أتم) عطف على مَنْ أي أو كائنة ممن أتم الحديث أي رواه تاماً، والمعنى أن تلك الزيادة وقعت من غير من نقصها بأن رواه ثقتان أحدهما ناقصاً والآخر مع تلك الزيادة. وحاصل المعنى: أنه إذا روى الحافظ الثقة العدل حديثاً مَّا مرتين، ووقعت في إحدى روايتيه زيادة لم يروها هو في الرواية الأخرى. أو روى حافظان ثقتان عدلان حديثاً واحداً ووقعت في رواية أحدهما لهذا الحديث زيادة لا يرويها الآخر فقد اختلف العلماء فيها على أقوال فوق عشر ذكر بعضها في النظم: " الأول " القبول مطلقاً، أي سواء كانت في

اللفظ أو المعنى، تعلق بها حكم شرعي أم لا، غَيرت الحكم الثابت أم لا أوجبت نقصاً من أحكام ثبتت بخبر آخر أم لا، عُلِمَ اتحاد المجلس أم لا، كثير الساكتون عنها أم لا. وهذا القول كما حكاه الخطيب هو الذي مشى عليه الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث كابن حبان والحاكم وجماعة من الأصوليين والغزالي في المستصفى وجرى عليه النووي في مصنفاته وهو تصرفات مسلم في صحيحه. وقيده ابن خزيمة باستواء الطرفين في الحفظ والإتقان وصرح به أيضاً ابن عبد البر في التمهيد، فقال: إنما تقبل إذا كان راويها أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ وإلا فلا، ونحوه عن الخطيب والترمذي وأبي بكر الصيرفي وقال ابن طاهر: إنما تقبل عند أهل الصنعة من الثقة المجمع عليه وكذا قيد ابن الصباغ في العدة القبول بأن لا يكون واحداً ومن نقص جماعة لا يجوز عليهم الوهم ومجلس الحديث واحد. واحتج مَنْ قَبِل الزيادة مطلقاً بأن الراوي إذا كان ثقة وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولاً فكذلك انفراده بالزيادة، وَرَدَّ هذا من لم يقبل بأنه ليس كل حديث انفرد به أي ثقة كان مقبولاً كما سبق في نوع الشَّاذ وبالفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة فإن تفرده بالحديث لا يتطرق نسبة السهو والغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة في روايته لهم بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظاً وأكثر عدداً فإن الظن غالب بترجيح روايتهم على روايته ومبني هذا الأمر على غلبة الظن قاله الصنعاني. " والقول الثاني ": أنها لا تقبل مطلقاً ممن رواه ناقصاً أو غيره وهذا القول حكاه الخطيب وابن الصباغ عن قوم من أصحاب الحديث قال الحافظ والذي اختاره الخطيب لنفسه أنها مقبولة إذا كانت راويها عدلاً حافظاً ومتقناً ضابطاً قال وهذا متوسط بين المذهبين. اهـ.

وهذان القولان أعني الأول والثاني هما المطويان في قوله (ثالثها) أي الأقوال المفهومة من قوله الخلف وهو مبتدأ خبره قوله (تقبل) بالبناء للمفعول وتَقديرِ أن المصدرية، أي ثالث الأقوال قبول تلك الزيادة (لا) عاطفة على محذوف أي من غير من نقصها لا (ممن خزل) أي نقص يقال: خزلته خزلاً من باب قتل: قطعته كما في المصباح. أي نقص الحديث، ومعنى الكلام أن الزيادة مقبولة من غير من روى الحديث ناقصاً ولا تقبل ممن رواه ناقصاً. والحاصل أن هذا القول مفصل وهو أنها تقبل من غير من رواه ناقصاً من الثقات ولا تقبل إن زادها من رواه ناقصاً وهو محكى عن فرقة من الشافعية كما حكاه الخطيب. منهم أبو نصر القشيري قال بعضهم سواء كانت روايته للزيادة سابقة أو لاحقة. ثم ذكر الرابع فقال: (وقيل) تقبل تلك الزيادة (إن في كل مجلس) متعلق بفعل محذوف يفسره قوله (حمل بعضاً) أي إن حمل من شيخه في مجلسين بأن ذكر أنه سمع ذلك الحديث مرتين مرة مع الزيادة ومرة بدونها (أو النسيان) أي نسيان تلك الزيادة في حال روايته ناقصاً وهو منصوب على الاشتغال (يدعيه) بأن أثبت السماع في مجلس واحد لكن قال كنت نسيتها (تقبل) جواب إن أي تقبل تلك الزيادة في المسألتين وكانا خبرين يعملِ بهما (وإلا) أي وإن لم يذكر السماع في مجلسين، ولم يَدَّعِ النسيانَ (يُتوَقَّفْ) جواب " إن " (فيه) أي فيما زاده، وذكر الضمير باعتبار المزيد يعني أنه يتوقف في قبول تلك الزيادة والعملِ بها للتعارض. وهذا القول لابن الصباغ وحاصله أنه ذهب إلى أن راوي الزيادة إن كان هو راوي الحديث بدونها قبلت زيادته بأحد شرطين " الأول ": أن يذكر أنه سمع الحديث مرتين مرة معها ومرة بدونها. والثاني: أن يذكر أن روايته الحديث بدونها وقعت منه لنسيانها فإن لم يذكر واحداً منهما تعارضت الروايتان ووجب ترجيح إحداهما بأحد المرجحات.

ثم ذكر القول الخامس بقوله: (وقيل) أي قال بعض العلماء (إن) شرطية (أكثر) أي الراوي (حذفها) أي الزيادة بأن كان أكثر روايته بدون الزيادة، وقوله (ترد) جواب إن وهو يحتمل الرفعَ وهو حسن لكون الشرط فعلاً ماضياً والجزمَ وهو أحسن منه كما قال ابن مالك: وبعدَ مَاضٍ رفعُكَ الجزا حَسَن. وتخفف داله للوزن أي ترد تلك الزيادة، وحاصل هذا القول أن العبرة بما يرويه أكثر فإن كان مع الزيادة قبلت وإلا لم تقبل وإن تساوى الأمران قبلت وهذا القول منقول عن المحصول للإمام الرازي. ثم أشار إلى السادس بقوله (وقيل فيما) مصدرية (إن) زائدة كما صرح ابن هشام في مغنى اللبيب بأنها تزاد بعد ما المصدرية، (روى كلا) مفعول به مقدم على الفاعل، أي كلا من الزيادة وعدمها (عدد) فاعل مؤخر، أي عدد من الرواة اثنان فأكثر، وما وصلتها في تأويل المصدر مجرور بفي، أي في رواية عدد من الرواة كلا من الزيادة وعدمها، والجار متعلق بقيل (إن) شرطية (كان من يحذفها) أي الراوي الذي يحذف تلك الزيادة (لا يغفل) من باب قعد، وحكى فيه بعضهم كفرحَ، والجملة خبر كان، والمعنى إن كان الراوي الذي يحذف الزيادة لا يذهل ولا يسهو عن مثلها متعلق بيغفل، أي مثل الزيادة (في عادة) متعلق بيغفل أيضاً، يعني أن العادة تحيل أن يغفلوا عنها لكونهم عدداً لا يتصور ذلك منهم، وقوله (لا تقبل) جواب إن، أي لا تقبل تلك الزيادة منهم، ولم يقترن الجواب بالفاء لكون النفي بلا، فإنه يجوز اقترانه بها وعدمه كما هو مقرر في محله، وهذا القول للآمدي وابن الحاجب، وحاصله أنهما ذهبا إلى أنه إن كان الراوي بدون الزيادة عدداً لا يتصور منهم عادة أن يغفلوا عنها فإنها لا تقبل سواء بلغ الرواة بدونها حد التواتر أم لا، وهذا القول محكي أيضاً عن ابن الصباغ، وقال ابن السمعاني مثله، وزاد أن يكون مما تتوفر الدواعي على نقله، واختاره في جمع الجوامع. ثم أشار إلى السابع بقوله (وقيل لا) أي لا تقبل الزيادة (إذ)

ظرفية (لا تفيد) تلك الزيادة (حكما) شرعياً، يعني أنها لا تقبل وقت عدم إفادتها الحكم الشرعي، وإن أفادت قبلت، وإذ هنا للاستقبال، لأنها تَرِدُ له على الأصح بقلة، كما في قوله تعالى (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ)، أفاده الخضري في حاشيته على ابن عقيل. وهذا القول حكاه الخطيب عمن لم يُعَيِّنْهم وحاصله أنهم قائلون بقبول الزيادة إذا أفادت حكماً شرعياً، وكذا إذا كانت في اللفظ خاصة كما قال السخاوي. وإلا فلا تقبل. ثم أشار إلى الثامن بقوله: (وقيل خذ) أي اقبل الزيادة (ما) مصدرية ظرفية لم (تُغَيِّر) الزيادة (نظماً) أي نظم الكلام والمراد إعرابه. والمعنى أنه قال بعضهم إن الزيادة تقبل مدة عدم تغييرها الإعراب، فإن غيرت تعارضَا. وهذا القول حكاه ابن الصباغ عن المتكلمين والصفيُّ الهنديُّ عن الأكثرين، وذلك كان يُروَى في أربعين: شاةٌ، ثم في أربعين: نصفُ شاةٍ. ثم أشار إلى التاسع بقوله (و) الحافظ أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بـ (ابن الصلاح) لقب أبيه صلاح الدين، وهو مبتدأ خبره جملة (قال) في كتابه المعروف بعلوم الحديث، قال الناظم مرجحاً لقوله (وهو المعتمد) مبتدأ وخبر جملة معترضة بين القول ومقوله، أي إن ما قاله ابن الصلاح من التفصيل هو المعتمد من جميع الأقوال المتقدمة، ومقول القول جملة قوله (إن خالفت) الزيادة (ما) أي الحديث الذي (للثقات) بأن كانت منافية له (فهي) أي الزيادة (رد) بالفتح بصيغة المصدر أي ذات رد أو مردودة. والمعنى أن الزيادة إذا وقعت مخالفة منافية لما رواه سائر الرواة فهي مردودة كما سبق في نوع الشَّاذ (أو لا) أي أو لم تخالف ما رواه الثقات (فخذ) أيها المحدث (تلك) أي الزيادة مفعول به لخذ.

والمعنى أنَّ الزيادة إذا لم تقع منافية لا ترد بل تكون كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا تَعرّض فيه لما رواه غيره بمخالفة أصلاً، وقوله: (بإجماع) متعلق بقوله (وضح) والجملة حال من المذكور من كون هذا النوع مقبولًا، أي حال كون المذكور واضحاً بإجماع العلماء، وعبارة ابن الصلاح: وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء، قال في التدريب: أسنده إليه ليبرأ من عهدته اهـ. وقال السخاوي: لكن عزو حكاية الاتفاق في مسألتنا ليس صريحاً في كلام الخطيب اهـ. (أو خالف) أي راوى الزيادة (الإطلاق) منصوب على المفعولية أي إطلاق غيره، بأن زاد لفظة لم يذكرها غيره، وهي مقيدة لإطلاقه، كحديث حذيفة - رضي الله عنه -: " جعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً " تفرد أبو مالك الأشجعي فقال: " وتربتها طهوراً " وسائر الرواة لم يذكروا ذلك (فاقبل) أيها المحدث الزيادة (في الأصح) حال من القبول أي حال كون القبول كائناً في القول الأصح، ثم إن الظاهر من عبارة النظم أن التصحيح من كلام ابن الصلاح، وليس كذلك، بل هو من النووي في التقريب فتنبه لذلك. والمعنى: أن الزيادة إذا خالفت ما للثقات من حيث الإطلاق والتقييد قبلت في الأصح لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة عن شيخه ولا يرويه عنه غيره. والحاصل: أن ابن الصلاح قسم زيادات الثقات إلى ثلاثة أقسام. " أحدها " ما يقع منافياً لما رواه الحفاظ فهو مردود كما مر في الشَّاذ. " والثاني ": ما تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما روى الغير بالمخالفة أصلاً فهذا مقبول، وقد ذكر فيه اتفاق العلماء عن الخطيب. و" الثالث ": ما يقع بين هذين المرتبتين مثل زيادة لفظ في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث، ومثله بما روى مالك عن نافع عن ابن عمر " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر في رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى

من المسلمين " وروى عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير واحد من الأئمة منهم الشافعي وأحمد. قال العراقي: هذا المثال غير صحيح فقد تابع مالكاً على ذلك عمر بن نافع والضحاك بن عثمان ويونس بن يزيد وعبد الله بن عمر والمعلى بن إسماعيل وكثير بن فرقد واختلف في زيادتها على عبيد الله بن عمر وأيوب قال: والصَّحِيح في المثال حديث " جعلت لي الأرض مسجداً " الحديث فذكر ما قدمناه. ثم قال ابن الصلاح وفي هذا القسم شبه من القسم الأول المردود من حيث إن ما رواه الجماعة عام وهذا مخصوص، وفي ذلك نوع مخالفة ومغايرة ويشبه القسم الثاني المقبول من حيث أنه لا منافاة بينهما. قال النووي: والصَّحِيح قبول هذا الأخير فمجموع الأقوال التي ذكرها الناظم تسعة. وزيد " عاشر " وهو أنها تقبل إن غيرت الإعراب مطلقاً " وحادي عشر " وهو أنها تقبل إن كان راويها حافظاً " وثاني عشر " وهو أنها تقبل في اللفظ دون المعنى ومع ما تقدم عن ابن خزيمة وابن الصباغ تكون الأقوال أربعة عشر. (تنبيه): قال الحافظ رحمه الله تعالى: اشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقاً من غير تفصيل ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصَّحِيح والحسن أن لا يكون شاذًّا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه، والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كابن مهدي وَيَحْيَى القطان وأحمد وابن معين وابن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة المنافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى اهـ.

(تنبيه): آخر: قال السخاوي: الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السَّند مقبولة بالإتفاق اهـ. (تنبيه): والزيادة في هذا الباب قوله: وقيل: إن في كل مجلس إلى قوله ما لم تغير نظماً. ولما كانت زيادة الثقات إنما تقبل على المعتمد إذا لم تكن منافية لما رواه الثقات وإلا كانت معلولة ناسب ذكر المعلول بعده فلذا قال:

(المعل)

(الْمُعَلُّ) أي هذا مبحثه وهو النوع الثاني والثلاثون من أنواع علوم الحديث، وهو من أعل الرباعي، وهو أولى وأجود من تعبير غيره بالمعلل بلامين لأنه قياس مفعول أعل بخلاف الثاني فإنه مفعول علل. وقد وقع في عبارة كثير من المحدثين تسميته بالمعلول كالترمذي وابن عدي والدارقطني وأبي يعلى الخليلي والحاكم وغيرهم وأنكره ابن الصلاح والنووي وقال إنه لحن، وأنكره أيضاً العراقي والحريري في درة الغَوَّاص، والأحسن أن يقال فيه معل بلام واحدة لا معلل فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشيء شغله به، وأكثر عبارات المحدثين في الفعل أن يقولوا أعله فلان بكذا فقياسه معل أفاده العراقي في التقييد. قال الجامع: لكن قال في المصباح عُلَّ الإنسان بالبناء للمفعول مرض، ومنهم من يبنيه للفاعل من باب ضرب فيكون المتعدي من باب قتل فهو عليل، وأعله الله فهو معلول قيل من النوادر التي جاءت على غير قياس وليس كذلك فإنه من تداخل اللغتين، والأصل أعله الله فَعُلَّ معلول أو من عله فيكون على القياس، وجاء معل على القياس لكنه قليل الاستعمال. اهـ باختصار. فأفاد أن قول المحدثين معلول جار على اللغة، وليس بلحن، ويؤيده أيضاً استعمال أبي إسحاق الزجاج اللغوي لفظ معلول في العروض قال ابن

سيده بعد نقله: فلست منها على ثقة لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته ولم يستعملا في الكلام واستغنى عنهما بأفعلت قال: وإذا قالوا جُنَّ وشلَّ فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل كما قالوا حُزِنَ وفُسِلَ أفاده في اللسان. ثم إن هذا النوع من أجل أنواع علوم الحديث وأشرفها وأدقها وإنما يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل، كابن المديني وأحمد والبخاري ويعقوب بن شيبة وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني. قال الحاكم: وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، والحجة في التعليل عندنا بالحفظ والفهم والمعرفة لا غير، وقال ابن مهدي: لأن أعرف علة حديث أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثاً ليس عندي. أفادهُ في التدريب. قال رحمه الله: 220 - وَعِلَّةُ الْحَدِيثِ: أَسْبَابٌ خَفَتْ ... تَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ، حِينَ وَفَتْ 221 - مَعْ كَوْنِهِ ظَاهِرُهُ السَّلامَهْ ... فَلْيَحْدُدِ الْمُعَلَّ مَنْ قَدْ رَامَهْ 222 - مَا رِيءَ فِيهِ عِلَّةٌ تَقْدَحُ فِي ... صِحَّتِهِ بَعْدَ سَلامَةٍ تَفِي 223 - يُدْرِكُهَا الْحَافِظُ بِالتَّفَرِّدِ ... وَالْخُلْفِ مَعْ قَرَائِنٍ، فَيَهْتَدِي 224 - لِلْوَهْمِ بِالإِرْسَالِ أَوْ بِالْوَقْفِ أَوْ ... تَدَاخُلٍ بَيْنَ حَدِيثَيْنِ حَكَوْا 225 - بِحَيْثُ يَقْوَى مَا يَظُنُّ، فَقَضَى ... بِضَعْفِهِ، أَوْ رَابَهُ فَأَعْرَضَا (وعلة الحديث) أي الأشياء التي توجب كون الحديث معلاً، مبتدأ خبره قوله (أسباب) جمع سبب، لغة: ما يتوصل به إلى غيره، واصطلاحاً ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته (خفت) بفتح الخاء والفاء على لغة من قال بَقَى يَبْقى بالفتح فيهما، وهم طيء، فإنهم يفتحون ما كان معل اللام على فعل بكسر العين تخفيفاً كبَقِىَ وفَنِىَ وخَفِىَ، والجملة صفة أسباب، أي أسباب خفية غير واضحة إلا للحذاق الماهرين بِالْفَنِّ. قال الصنعاني: وكان هذا تعريف أغلبي للعلة، وإلا فإنه سيأتي أنهم قد يعلون

بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة، ويعلون بما لا يؤثر في صحة الحديث اهـ. وجملة (تقدح) أي تلك العلة، صفة ثانية لأسباب، يقال قدح فلان في فلان قدحاً من باب نفع عابه وتنقصه، أفاده في المصباح، أي تنتقص تلك العلة (في صحته) أي صحة ذلك الحديث الذي وجدت هي فيه (حين وفت) أي وجدت العلة، متعلق بتقدح، أي تقدح العلة في صحة الحديث وقت وجودها فيه (مع) بسكون العين لغة قليلة في فتحها (كونه) أي الحديث (ظاهره السلامه) مبتدأ وخبر، والجملة خبر كونه، ويحتمل أن يكون ظاهرِهِ مجروراً بَدَلَ اشتمال من الضمير والسلامة بالنصب خبر كون. والمعنى: أن علة الحديث هي أسباب غامضة خفية قادحة في الحديث مع كون ظاهره السلامة منها وهذا تعريف العلة. وأما تعريف الحديث المعل فأشار إليه بقوله: (فليحدد) الفاء فصيحية، واللام لام الأمر، ويحدد بالبناء للفاعل، أي يعرف الحديث (المعل) بالنصب على المفعولية، والفاعلُ قوله (من) أي الشخص الذي (قد رامه) أي قصد حده، أي معرفة حقيقته بأنه (ما) أي الحديث الذي (رىء) بكسر الراء بوزن قيل أصله رُءِيَ مغيرَ صيغةِ رَأى دخله القلب المكاني بأن قدمت اللام على العين فصار " رُي أ " ثم نقلت كسر العين إلى الفاء فصار " رِيْءَ " بكسر الراء وسكون الياء للوزن، أي اطلع (فيه) بعد التفتيش التام (علة) نائب فاعل رىء أي خفية، من العلل الآتية، في سنده، أومتنه (تقدح) أي تنتقص (في صحته) أي صحة ذلك الحديث (بعد سلامة) من تلك العلة ظاهراً، لجمعه شروط القبول الظاهرة، وقوله (تفى) من الوفاء أي تحصل وتوجد، والجملة صفة لسلامة أي بعد سلامة وافية، ووصفها بها إشارة إلى أن سلامة ذلك الحديث هو الظاهر لمن رآه حيث اجتمعت فيه الشروط إلا أنه بعد التفتيش اطلع فيه على علة.

وحاصل المعنى: أن المعل هو الحديث الذي ظاهره السلامة لكن اطلع فيه بعد التفتيش على علة قادحة. ثم ذكر طريق معرفة تلك العلة بقوله (يدركها) أي العلة القادحة (الحافظ) أي الضابط المتقن ذو المعرفة التامة (بالتفرد) متعلق بيدرك أي بسبب تفرد الراوي بذلك الحديث وعدم المتابعة عليه، فإن ذلك مما يورث الشك، ولذا أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر ذى اليدين لتفرده به حتى وافقه غيره من الحاضرين عليه بعد أن سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاده بعض (¬1) المحقيقين (والخلف) بالجر عطفاً على ما قبله، أي وبسبب مخالفة الراوي غيره ممن هو أحفظ وأضبط وأكثر عدداً (مع) بالسكون لغة في الفتح (قرائن) بالصرف للضرورة جمع قرينة فعيلة بمعنى فاعلة لغةً مأخوذة من المقارنة، واصطلاحاً أمر يشير إلى المطلوب قاله الجرجاني في التعريفات، أي مع ضم القرائن إلى ما ذكر من التفرد والمخالفة. وحاصل المعنى أن العلة يدركها الحافظ بأحد أمرين، إما بتفرد الراوي، وإما بمخالفة غيره له مع قرائن تضم إلى ذلك، (فيهتدى) ذلك الحافظ بمجموع ذلك (للوهم) أي إلى وهم الراوي، يقال: وَهَمْتُ في الصلاة وهْماً كوعد وعداً، وَوَهمَ كوَجِلَ كلاهما بمعنى سها، أفاده في اللسان، وبعض اللغويين يقول وَهِمَ كغلط وزنا ومعنى، وَوَهَم إليه كوعد ذهب وهمه إليه وفي " ق " وَهِمَ في الحساب كوَجِلَ غَلِطَ، وفي الشيء كوَعَدَ ذهب وهمه إليه وهو يريد غيره وأوهم كذا من الحساب أسقط أو وَهَم كوَعَدَ ووَرِثَ وأوْهَمَ بمعنى واحد. اهـ بزيادة من التاج، فأفاد ضبط الوَهْم بسكون الهاء. والجار والمجرور متعلق بما قبله، واللام بمعنى إلى أي يهتدي الحافظ بسبب ما ذكر إلى وهم الراوي، (بالإرسال) في الموصول (أو بالوقف) في المرفوع (أو بتداخل بين حديثين) أي دخول حديث في ¬

_ (¬1) هو العلامة ابن الوزير صاحب تنقيح الأنظار.

حديث. وقوله (حكوا) أي حكى العلماء ذلك، جملة أتى بها إشارة إلى أن هذه الأمور ذكرها العلماء في تعليل الحديث. (بحيث يقوى) أي يغلب (ما يظن) ذلك الحافظ من كون الحديث معلا بما ذكر والجار والمجر ور يتعلق بقوله " يهتدي " أو بمحذوف نعتٍ لمصدر محذوف، أي اهتداء كائناً بحيث يقوى. (فقضى) أي حكم الحافظ (بضعفه) أي ضعف ذلك الحديث الذي وجدت فيه العلة، وإنما قال يظن لأن مبنى هذا النوع على غلبة الظن (أو رابه) عطف على يقوى أي أوقعه في الريب، وهو الشك والتردد، (فأعرضا) بألف الإطلاق، أي توقف عن القول بقبوله وعدمه احتياطاً، لتردده بين تعليله وبين عدمه، ولو كان ظن تعليله أنقص. وحاصل معنى هذه الأبيات الثلاث أن العلة يدركها الحافظ الناقد بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك فيهتدي بذلك إلى اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث وغير ذلك من الأشياء القادحة كإبدال راو ضعيف بثقة بحيث غلب على ظنه ذلك فحكم بضعف ذلك الحديث أو تردد فيه فوقف عن الحكم بصحة الحديث أو وضعه احتياطاً. قال الناظم وربما تقتصر عبارة المُعَلِّلِ عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي في الدينار والدرهم، قال ابن مهدي: معرفة علل الحديث إلهام لو قلت للعالم بعلل الحديث من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة وكم من شخص لا يهتدي لذلك. وقيل له أيضاً إنك تقول للشىء هذا صحيح، وهذا لم يثبت فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك فقال هذا جيد وهذا بهرج أكنت تسأل عن ذلك أو تسلم له الأمر؟ قال بل أسلم قال: فهذا كذلك بطول المجالسة والمناظرة والخبرة. وسئل أبو زرعة ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته ثم تقصد ابن وَارَةَ فتسأله عنه فيذكر علته ثم تقصد أبا حاتم فيعلله، ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث فإن

وجدت بيننا خلافاً فاعلم أن كلًّا منا تكلم على مراده وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم ففعل الرجل ذلك فاتفقت كلمتهم فقال أشهد أنَّ هذا العلم إلهام. ذكره في التدريب. ثم ذكر الطريق الموصل إلى معرفة علل الحديث فقال: 226 - وَالْوَجْهُ فِي إِدْرَاكِهَا جَمْعُ الطُّرُقْ ... وَسَبْرُ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ وَالْفِرَقْ (والوجه) أي الجهة والطرق الموصلة (في إدراكها) أي إلى معرفة علة الحديث، وقوله الوجه مبتدأ خبره قوله (جمع الطرق) أي جمع أسانيد الحديث المشتملة على المتون واستقصاؤها من الجوامع والمسانيد والأجزاء (وَسَبْرُ) بفتح السين وسكون الباء، أي تتبع (أحوال الرواة) جمع راو (والفرق) جمع فرقة وهي الطائفة، والمراد هنا الرواة فالعطف للتفسير، وذلك بالنظر في اختلاف رواة ذلك الحديث ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط وهذا الذي قاله في النظم للخطيب، وعن علي بن المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه، لم يتبين خطؤه. ولذا قال الحافظ في شرح النخبة: وهذا الفن من أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكاً ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهماً عالياً، واطلاعاً حاوياً، وإدراكاً لمراتب الرواة ومعرفة شافية، ولم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن، وحذاقهم وإليهم المرجع في ذلك لِمَا جعل الله عز وجل فيهم من معرفة ذلك والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك، ثم ذكر مواضع العلل فقال: 227 - وَغَالِبًا وُقُوعُهَا فِي السَّنَدِ ... وَكَحَدِيثِ " الْبَسْمَلَهْ " فِي الْمُسْنَدِ (وغالباً) حال مقدم من قوله (وقوعها) أي وجود العلة في غالب الأحوال: وهو مبتدأ خبره قوله (في السَّند) أي كائن في سند الحديث، والمعنى أن العلة إنما توجد غالباً في سند الحديث، ثم إنها قد تقدح في المتن أيضاً كالإعلال بالإرسال في الموصول أو الوقف في المرفوع، أو بغير

ذلك من موانع القبول وقد لا تقدح كالإعلال بوهم الراوي في اسم أحد الرجال مع ثبوت الإسناد عن الثقات على الصواب من غير رواية ذلك الراوي الذي وهم. قال البقاعي: الكلام الضابط أن يقال الحديث لا يخلو إما أن يكون فرداً أوله أكثر من إسناد، فالأول يلزم من القدح في سنده القدح في متنه، وبالعكس، والثاني لا يلزم من القدح في أحدهما القدح في الآخر. وقال الحافظ: إذا وقعت العلة في الإسناد فقد تقدح وقد لا تقدح وإذا قدحت فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن، وكذا القول في المتن سواء فالأقسام على هذا ستة. فمثال ما وقعت فيه العلة في الإسناد ولم تقدح مطلقاً ما يوجد مُدَلَّساً بالعنعنة فإن ذلك يوجب التوقف عن قبوله فإذا وجد من طريق آخر قد صرح فيه بالسماع تبين أن العلة غَيْرُ قادحةٍ. ومثال ما وقعت فيه العلة في الإسناد ويقدح فيه دون المتن ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثَّوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " البيعان بالخيار " الحديث فهذا الإسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن صحيح على كل حال، والعلة في قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار وكلاهما ثقة، ومثال ما وقعت فيه العلة في المتن دون الإسناد ولا يقدح فيهما ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث الصَّحِيحين إذا أمكن رد الجميع إلى معنى واحد فإن القدح ينتفي عنها. ومثال ما وقعت العلة في متنه، واستلزمت القدح في الإسناد: ما يرويه راو بالمعنى الذي ظنه يكون خطأ، والمراد بلفظ الحديث غير ذلك، فإن ذلك يستلزم القدح في الراوي، فَيُعَلِّل الإسناد. ومثال ما وقعت العلة في المتن دون الإسناد ما أشار إليه الناظم بقوله (وكحديث) نفي قراءة (البسملة) في الصلاة حال كونه مروياً (في) جملة

(المسند) أي الحديث المرفوع المتصل إذ معنى المسند كما تقدم هو المرفوع المتصل سنده يعني أن هذا الحديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - متصل سنده، وأشار الشارح إلى أن المراد بالمسند هو صحيح مسلم. وحاصل المعنى أن العلة تقع بقلة في المتن دون الإسناد، مثاله حديث نفى قراءة البسملة في الصلاة الذي انفرد به مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال: " صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها " ثم رواه من رواية الوليد عن الأوزاعي أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنساً يذكر ذلك وروى مالك في الموطأ عن حميد عن أنس قال: " صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقراء بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وزاد فيه الوليد بن مسلم عن مالك " صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تكلم الناظم رحمه الله تعالى في علل هذا الحديث في التدريب وأطال، وملخصها أن لهذا الحديث تسع علل: المخالفة من الحفاظ والأكثرين، والانقطاع، وتدليس التسوية من الوليد، والكتابة، وجهالة الكاتب، والاضطراب في لفظه، والإدراج، وثبوت ما يخالفه عن صحابيه، ومخالفته لما رواه عدد التواتر، قال الحافظ أبو الفضل العراقي: وقول ابن الجوزي إن الأئمة اتفقوا على صحته فيه نظر فهذا الشافعي والدراقطني والهبيهقي وابن عبد البر لا يقولون بصحته أوَلَا يقدح كلام هؤلاء في الاتفاق الذي نقله. ثم إن الحاكم رحمه الله نوع في كتابه معرفة علوم الحديث أجناس العلل فذكر ذلك بقوله: 228 - وَنَوَّعَ الْحَاكِمُ أَجْنَاسَ الْعِلَلْ ... لِعَشْرَةٍ، كُلٌّ بِهَا يَأْتِي الْخَلَلْ (ونوع) أي قسم (الحاكم) أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ

النيسابوري المشهور بابن البيع في كتابه معرفة علوم الحديث (أجناس العلل) أي أنواع علل الحديث التي إذا وجدت منها واحدة فيه يسمى معلاً (لعشرة) أي إلى عشرة أنواع (كل) مبتدأ خبره قوله: يأتي أي كل واحد من تلك الأنواع (بها) أي بسبب وجودها في الحديث متعلق بقوله: (يأتى الخلل) أي يوجد القدح في صحته. وحاصل المعنى: أن الحاكم قسم أجناس العلل إلى عشرة أنواع أجملها في النظم، وتفصيلها بأمثلتها أن نقول " الأول ": أن يكون السَّند ظاهره الصحة وفيه من لا يعرف بالسماع ممن روى عنه كحديث موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من جلس مجلساً فكثر لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر له ما كان في مجلسه ذلك " فروي أن مسلماً جاء إلى البخاري وسأله عنه فقال: هذا حديث مليح إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا سهيل، عن عون بن عبد الله قولهُ (¬1) وهذا أولى لأنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل فقام إليه مسلم وقبل يده. وقال الحافظ العراقي: هكذا أعل هذا الحديث بهذه الحكاية، والغالب على الظن عدم صحتها، وأنا أَتهمُ بها أحمد بن حمدون القصار راويها عن مسلم فقد تكلم فيه. وهذا الحديث قد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم ويبعد أن البخاري يقول أنه لا يعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث مع أنه قد ورد من حديث جماعة من الصحابة غير أبي هريرة وهم أبو برزة الأسلمي ورافع بن خَدِيج وجبير بن مطعم والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك والسائب بن يزيد وعائشة وقد بينت هذه الطرق كلها في تخريج أحاديث الإحياء للغزالي اهـ. ¬

_ (¬1) أي من قول عون وليس بمرفوع.

" الثاني ": أن يكون الحديث مرسلًا من وجه رواه الثقات الحفاظ ويسنده من وجه ظاهره الصحة كحديث قبيصة بن عقبة عن سفيان عن خالد الحذاء وعاصم عن أبي قلابة عن أنس مرفوعاً " أرحم أمتى أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر " الحديث قال فلو صح إسناده لأخرج في الصَّحِيح إنما روى خالد الحذاء عن أبي قلابة مرسلاً. " الثالث ": أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي ويروى عن غيره لاختلاف بلاد رواته كرواية المدنيين عن الكوفيين كحديث موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه مرفوعاً " إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة " قال: هذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا ظن أنه من شروط الصَّحِيحين، والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زَلَقوا إنما الحديث محفوظ من رواية أبي بردة عن الأغر المزنى. " الرابع ": أن يكون محفوظاً عن صحابي ويروى عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحبته بل ولا يكون معروفاً من جهته كحديث زهير بن محمد عن عثمان بن سليمان عن أبيه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يقرأ في المغرب بالطور " قال: أخرج العسكري وغيره هذا الحديث في الوُحْدان وهو معلول، أبو عثمان لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا رآه، وعثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، وإنما هو عثمان بن أبي سليمان. (الخامس): أن يكون روى بالعنعنة وسقط منه رجل دل عليه طريق أخرى محفوظة كحديث يونس عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن رجال من الأنصار " أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فرمي بنجم فاستنار " الحديث قال وعلته أن يونس مع جلالته قصر به وإنما هو عن ابن عباس، حدثني رجال هكذا رواه ابن عيينة وشعيب وصالح والأوزاعي وغيرهم عن الزهري. (السادس) أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد كحديث علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن عبد الله بن

بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: " قلت يارسول الله مالك أفصحنا " الحديث قال وعلته ما أسند عن علي بن خشرم حدثنا علي بن الحسين بن واقد، بلغني عن عمر فذكره. (السابع): الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله كحديث الزهري عن سفيان الثَّوري عن حجاج بن فرافصة عن يَحْيَى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً " المؤمن غِرّ (¬1) كريم والفاجر خِبّ (¬2) لئيم " قال: وعلته ما أسند عن محمد بن كثير حدثنا سفيان عن حجاج عن رجل عن أبي سلمة فذكره. قال المحقق ابن شاكرٍ: قول السيوطي كحديث الزهري خطأ غريب من مثله فإن الزهري أقدم جداً من الثَّوري ولم يذكر أحد أنه روى عنه، والصواب كحديث أبي شهاب عن سفيان الثَّوري وأبو شهاب هو الحَنَّاط بالنون، واسمه عبد ربه بن نافع الكناني والحديث عنه في المستدرك للحاكم جـ 1 ص 43 فاشتبه الاسم على السيوطي وظنه ابن شهاب فنقله بالمعنى وجعله الزهري وهذا من مدهشات غلط العلماء الكبار رحمهم الله ورضي الله عنهم - اهـ. قلت في معرفة علوم الحديث للحاكم مذكور على الصواب حدثنا أبو شهاب عن سفيان الثَّوري. وقال المحقق أيضاً ما معناه أن التعليل المذكور غير صحيح لأن أبا شهاب لم ينفرد عن الثَّوري بتسمية يَحْيَى بن أبي كثير. فقد تابعه عليه عيسى بن يونس وَيَحْيَى بن الضريس وله أيضاً شاهد فرواه عبد الرزاق عن بشر بن رافع عن يَحْيَى بن أبي كثير بإسناده اهـ. ¬

_ (¬1) قوله: غر بالكسر أي جاهل بالأمور وغافل عنها. (¬2) قوله خب بالكسر: الخداع، ويقال: خب بالفتح أيضاً تسمية بالمصدر، أفاده في المصباح.

(الثامن): أن يكون الراوي عن شخص أدركه وسمع منه ولكنه لم يسمع منه أحاديث معينة فإذا رواها عنه بلا واسطة فعلتها أنه لم يسمعها منه كحديث يَحْيَى بن أبي كثير عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا أفطر عند أهل بيت قال أفطر عندكم الصائمون " الحديث قال فيَحْيَى رأى أنساً وظهر من غير وجه أنه لم يسمع منه هذا الحديث، ثم أسند عن يَحْيَى قال حدثت عن أنس فذكره. (التاسع): أن تكون طريق معروفة يروي أحد رجالها حديثاً من غير تلك الطريق بناء على الجادة فيقع من رواه من تلك الطريق في الوَهَم كحديث المنذر بن عبد الله الحزامي عن عبد العزيز بن الماجشون عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة قال: " سبحانك اللهم وبحمدك " الحديث قال أخذ فيه المنذر طريق الجادة، وإنما هو من حديث عبد العزيز حدثنا عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبد الله بن أبي رافع عن علي. (العاشر): أن يروى الحديث مرفوعاً من وجه وموقوفاً من وجه كحديث أبي فروة يزيد بن محمد حدثنا أبي عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً " من ضحك في صلاته يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء " قال: وعلته ما أسند وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان قال سئل جابر فذكره. ثم قال الحاكم فقد ذكرنا علل الحديث على عشرة أجناس وبقيت أجناس لم نذكرها، وإنما جعلتها مثالاً لأحاديث كثيرة معلولة ليهتدي إليها المتبحر في هذا العلم فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم اهـ معرفة علوم الحديث ص 119. ونظم الشارح الترمسي هذه الأنواع فقال بعد بيت الناظم: أولها ما ظاهرُ الإسناد له ... صحتُهُ وباطناً من نقله لم يُعرَفِ السماعُ ممن قد رَوَى ... ثم الذي أرسَلَ مَن حفظا حَوَى

وهو صحيح مُسنَد في الظاهر ... ثالثها مروى صحب فاخبُرِى إن كان هذا عن سواه يُؤثَر ... بخُلفِ بُلدانِ الرواةِ يُذكَرُ ورابعٌ ما كان مَحفوظاً عَنِ ... صَحابةٍ وَوَاهِم مَن يَقْتَنِي بِمَا اقَتَضَى الصحةَ مع أنه لا ... يكون عُرْفاً جِهَةً فِيمَا انجَلَى خامسها معنعن فقد سقط ... رَاوٍ بالاتضاحِ لِلَّذِي انضبط سَادِسُها اختلاف نَحوِ السَّنَدِ ... لِرَجُلٍ مُقَابَل ذُو العَمَدِ ثم اختلاف شيخه عليه ... اسماً كذا تجهيلُهُ لَدَيهِ يَلِيه أن يكون مَن رَوَى سَمِع ... عَنِ الذي أدركَ لكن ما سَمِعْ عنه الأحاديثَ التي قَد عُيِّنَتْ ... فَإِن بِلَا وَسْطٍ فَعِلَّةٌ وَفَتْ تَاسِعُهَا كون الحديث قد عُرِفْ ... طريقُهُ فواحِدُ مِمَن ألِفْ رَوَى حديثاً مِن سِوَى طريقٍ ... قَد وَهِمَ الباني عَلَى الطَّرِيق ثُمَّةَ ما رَفْعاً وَوَقْفاً عَاشِرٌ ... وَبَقِيَتْ هُنَاكَ مَا لاَ نَذْكُرُ ثم إنه تقدم لنا أن العلة تنقسم إلى أقسام فمنها ما يقدح في صحة الإسناد والمتن كالتعليل بالوقف والإرسال، ومنها ما يقدح في صحة الإسناد فقط وإليه أشار بقوله: 229 - وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِقَادِحٍ، كَأَنْ ... يُبْدِلَ عَدْلاً بِمُسَاوٍ، حَيْثُ عَنْ (ومنه) أي العلة ذكر الضمير باعتبار أنه سبب، وهو خبر مقدم عن (ما) أي العلة التي (ليس) ذكر الضمير نظراً للفظ ما، أو لما ذكرنا (بقادح) أي منتقص في صحة المتن وذلك (كأن يبدل) الراوي (عدلاً) في السَّند (بـ) راو (مساو) له في الحفظ والإتقان (حيث عن) أي ظهر متعلق بمساو، أي أنه يساويه في الحفظ والإتقان في جميع شيوخه وإنما قيده به لأن بعض الرواة يكون ضابطاً لحديث بعض شيوخه دون بعض. وحاصل المعنى: أن العلة قد توجد في السَّند من غير أن تقدح في متن الحديث كما تقدم في حديث " البيعان بالخيار " فإنه أبدل فيه عدل وهو

عبد الله بن دينار بعدل نظيره وهو عمرو بن دينار، فالسَّند معل غير صحيح، والمتن صحيح، وهذا البيت يتعلق بقول وغالباً وقوعها في السَّند، فكان الأولى ذكره عقيبه، فكأنه يقول إن العلة التي يحكم بها المجتهد بالضعف أو يتوقف تقع غالباً في السَّند فتقدح فيه وفي متن الحديث إلا إذا كان القدح بسبب إبدال راو ثقة بثقة مثلِهِ فحينئذ يقدح في المسند فقط. ثم إن العلة تطلق على غير مقتضاها الذي قدمناه من الأسباب القادحة وإليه أشار بقوله: 230 - وَرُبَّمَا أُعِلَّ بِالْجَلِيِّ ... كَالْقَطْعِ لِلْمُتَّصِلِ الْقَوِيِّ 231 - وَالْفِسْقِ وَالْكِذْبِ وَنَوْعِ جَرْحِ ... ................. (وربما) للتقليل كما هو الغالب في استعمالها عند البعض، وعبر العراقي بقوله: وَكَثُرَ التَعْلِيلُ، نظراً لكثرته في نفسه فلا ينافي كون الغالب في استعمال العلة هو الإطلاق على الأسباب القادحة (أُعِلَّ) بالبناء للمفعول وفي نسخة الشارح يعل، وقوله (بالجلي) نائب فاعله، أي الأمر القادح الظاهر الذي لا غموض فيه. والمعنى: أنه ربما يعل المحدثون بغير ما مر من الأمور التي لا غموض فيها بل هي ظاهرة وذلك (كالقطع) أي مثل الإعلال بالانقطاع فالقطع مصدر قُطِعَ مغير الصيغة، وهو عدم الاتصال (للمتصل) أي للحديث الذي اتصل إسناده متعلق بحال محذوف أي حال كون الانقطاع كائناً للمتصل، وقوله: (القوي) صفة للقطع لا للمتصل، لأنه إنما يعل المتصل بالانقطاع إذا كان أقوى منه، وأصرحُ من هذا عبارةُ العراقي حيث قال: وَكَثُرَ التعليلُ بالإرسالِ ... لِلْوَصل إن يَقْوَ عَلَى اتِصالِ وحاصل معنى البيت: أنه ربما يعل المحدثون الحديث المتصل بالانقطاع إن كان قوياً على الاتصال، ومثله الوقف إن كان قوياً على الرفع، وذلك بكون راوي المنقطع والموقوف أضبط أو أكثر عدداً من رواة المتصل والمرفوع، وتوضيحه كما قال ابن الصلاح: إنه كثيراً ما يعللون الموصول

بالمرسل، مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول ويجيء أيضاً بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول، ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه. (والفسق) بالجر عطف على القطع، أي وكالإعلال بفسق الراوي. (والكذب) بالجر أيضاً، أي وكالإعلال بكذب الراوي، وهو بكسر الكاف وفتحها وسكون الذال، وهو المتعين للوزن، وإلا فأصله فتح الكاف وكسر الذال فخفف بكسر فسكون، قال بعضهم إذا جاء مع الصدق فالمخفف أولى ليوازن الصدق؛ قال في المصباح: هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو سواء فيه العمد والخطأ، ولا واسطة بين الصدق والكذب على مذهب أهل السنة والإثم يتبع العمد. (ونوع جرح) بالجر أيضاً أي وكالإعلال بأي نوع من أنواع الجرح فالتنوين للتكثير، وفي نسخة الشارح الجرح بالتعريف فأل للجنس أي أعلل بأنواع الجرح غير ما ذكر كغفلة الراوي، وسوء حفظه، مما هو قادح ظاهر من الأمور الوجودية. وحاصل المعنى: أنهم قد يعلون الحديث بأنواع الجرح من الكذب والغفلة وسوء الحفظ وفسق الراوي من الأمور التي يأباها كون العلة خفية، ولهذا صرح الحاكم بامتناع الإعلال بالجرح ونحوه فإن حديث المجروح ساقط وَاهٍ ولا يُعَلُّ الحديث إلا بما ليس للجرح فيه مدخل. قال السخاوي: ولكن ذلك منهم بالنسبة لما قبله قليل على أنه يحتمل أيضاً أن التعليل بذلك من الخفي لخفاء وجود طريق آخر ليجبر بها ما في هذا من ضعف فكان المعلل أشار إلى تفرده اهـ. وحاصل ما أشار إليه الناظم أن ما تقدم في تعريف العلة من أنها عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت على الحديث فأثرت فيه إنما هو أغلبي وإلا فقد يعلون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة كالإعلال بهذه الأشياء المذكورة هنا.

وقد يعلون أيضاً بما لا يؤثر في صحة الحديث وإليه أشار بقوله: ............... ... وَرُبَّمَا قِيلَتْ لِغَيْرِ الْقَدْحِ 232 - كَوَصْلِ ثَبْتٍ، فَعَلَى هَذَا رَأَوْا ... صَحَّ مُعَلٌّ وَهْوَ فِي الشَّاذِ حَكَوْا (وربما قيلت) أي أطلقت العلة على قلة توسعاً (لغير قدح) أي على شيء غير قادح في صحة الحديث، وذلك (كوصل ثبت) بسكون الباء، يقال: رجل ثَبْت متثبت في أموره وثَبْت الجنان، أي ثابت القلب، ويقال أيضاً: رجل ثبت بفتحتين إذا كان عدلاً ضابطاً والجمع أثبات مثل سبب وأسباب أفاده في المصباح، والمعنى: كوصل ثقة ضابط حديثاً أرسله من هو دونه أو مثله ولا مرجح، وهذا الإطلاق منقول عن الشيخ أبي يعلى الخليلي، قال في كتابه الإرشاد: إن الحديث على أقسام: معلول صحيح، ومتفق على صحته، أي لا علة فيه، ومختلف فيها، أي بالنظر للاختلاف في استجماع شروطها، وإلى هذا أشار بقوله: (فعلى هذا) أي الإطلاق المذكور من أنه تقال العلة لغير قادح متعلق بقوله: (رأوا) أي المحدثون المطلقون (صح معل) صفتان لمحذوف أي حديث صحيح معل. والمعنى أنهم وصفوا الحديث الواحد بالصفتين باعتبار إطلاقهما عليه فيقولون حديث صحيح لاستجماع شروطه معل لوجود صورة العلة فيه. مثاله حديث مالك - رحمه الله - في الموطأ أنه بلغه أن أبا هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " للملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق " فقد أورده معضلاً ورواة عنه إبراهيم بن طهمان والنعمان بن عبد السلام موصولاً، أي عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال الخليلي: فقد صار الحديث بتبيين الإسناد صحيحاً يعتمد عليه، قيل وذلك عكس المعل فإنه ما ظاهره السلامة فاطلع فيه بعد الفحص على قادح وهذا كان ظاهره الإعلال بالإعضال فلما فتش تبين وصله قاله في التدريب. (وهو) أي نظير الإطلاق المذكور وهو إطلاق الصَّحِيح على غير ما

تقدم في بحث الصَّحِيح (في الشَّاذ حكوا) أي العلماء حيث يقولون من الصَّحِيح صحيح شاذ. والجملة خبر هو. وحاصل المعنى: أن بعض العلماء أطلق الصَّحِيح على الشَّاذ كما أطلقوا المعل فيما تقدم فقالوا من الصَّحِيح ما هو صحيح شاذ، وهذا القول منقول عن الخليلي والحاكم، وذلك كحديث النهي عن بيع الولاء وهبته، وحديث النيات، وغيرهما، ومن أغرب ما ذُكِرَ من الإعلال جعل النسخ علة كما فعله الترمذي وإلى ذلك أشار بقوله: 233 - وَالنَّسْخُ قَدْ أَدْرَجَهُ فِي الْعِلَلِ ... التِّرْمِذِيْ، وَخَصَّهُ بِالْعَمَلِ (والنسخ) مبتدأ خبره جملة قد أدرجه، أو منصوب على الاشتغال، أي نسخ الحديث (قد أدرجه) أي أدخله (في) أقسام (العلل) الحديثية (الترمذي) بسكون الياء للوزن فاعل لأدرج. والمعنى أن الإمام الحافظ أبا عيسى الترمذي صاحب الجامع سمى النسخ علة من علل الحديث، ومعنى كلامه هذا أنه يريد أنه علة في الحديث للعمل به لا لصحته كما أشار إليه بقوله (وخصه) فعل أمر أي خص أيها المحدث عموم قول الترمذي هذا (بالعمل) أي بكونه علة في العمل بالحديث لا أنه يريد بذلك العلة الاصطلاحية بدليل أن الترمذي نفسه يصحح كثيراً من المنسوخ في جامعه وكذا وقوعه في الصَّحِيحين وغيرهما. (تنبيه): قد ألف العلماء في العلل فمنهم ابن المديني وابن أبي حاتم والخلال وأجمعها كتاب الدارقطني وقد طبع قريباً. وقد صنف الحافظ فيه الزَّهرَ المطلول في الخير المعلول، ولكنه ما طبع إلى الآن ولو طبع لفاق الجميع لأن الشيخ واسع الاطلاع بصير بالفن رزقنا الله من يتولى طبعه. (تَتِمَّة): الزيادات قوله: والوجه في إدراكها جمع الطرق إلخ، وقوله:

ونوع الحاكم البيت. ولما أنهى الكلام على المعل الذي شَرطُ الحكم به ترجيح جانب العلة ناسب أن يردفه بذكر ما لم يظهر فيه ترجيح وهو المضطرب ولذا قال:

(المضطرب)

(المضطرب) أي هذا مبحثه، وهو النوع الثالث والثلاثون من أنواع علوم الحديث. وهو في اللغة اسم فاعل من الاضطراب وهو اختلال الأمر وفساد نظامه واختلافه كلمة القوم، وأصله اضطراب الموج لكثرة حركته وضرب بعضه بعضاً، وقال بعضهم: ولو كان المضطرب بفتح الراء لكان اسم مكان للاضطراب، ولكان ذلك أظهر لتحقق المعنى الاصطلاحي لأن الحديث عند التحقيق موضع يظهر فيه اضطراب الراوي أو الرواة اهـ. واصطلاحاً ما أشار إليه بقوله: 234 - مَا اخْتَلَفَتْ وُجُوهُهُ حَيْثُ وَرَدْ ... مِنْ وَاحِدٍ أَوْ فَوْقُ: مَتْنًا أَوْ سَنَدْ 235 - وَلا مُرَجِّحَ: هُوَ الْمُضْطَرِبُ ... .................. (ما) موصولة مبتدأ أي الحديثُ الذي اختلفت (وجوهه) أي طرقه بأن يروى على وجوه مختلفة متقاربة (حيث ورد) أي الاختلاف المفهوم من اختلفت (من واحد) أي راو واحدٍ بأن رواه مرة على وجه وأخرى على آخر مخالف له (أو فوق) من الظروف المبنية على الضم لقطعه عن الإضافة ونية معناها معطوف على واحد أي أوْ وَرَدَ من فوق واحد بأن اختلف فيه راويان فأكثر (متناً) منصوب على التمييز أي من حيث متنه (أو سند) معطوف منصوب وقف عليه على لغة ربيعة أي أو من حيث سنده (و) الحال أنه (لا

مرجح) لإحدى الروايتين أو الراويات على الأخرى إذ لو وجد ذلك لانتفى الاضطراب كما سيأتي وكذا إذا أمكن الجمع كما صرح به غيره. (هو) ضمير فصل (المضطرب) خبر ما وهو بكسر الراء كما هو المشهور، وتقدم عن بعضهم أنه أشار إلى صحة الفتح أيضاً بأنه على الحذف والإيصال أي مضطرب فيه. وحاصل المعنى: أن المضطرب هو الذي اختلف كلام راويه فيه وَاحِداً كان بأن رواه مرة على وجه ومرة على وجه آخر مخالف له، أو أكثر بأن اختلف راويان فأكثر فرواه كُلٌّ على وجه مخالف للآخر بشرط أن لا يترجح بعضها على بعض، وقد يكون في المتن وفي السَّند. قال الحافظ نقلاً عن الحافظ العلائي: إِن الاختلاف تارة يكون في المتن وتارة في السَّند: فالذي في السَّند يتنوع أنواعاً " أحدها " تعارض الوصل والإرسال " وثانيها " تعارض الوقف والرفع " ثالثها " تعارض الاتصال والانقطاع " رابعها " أن يَرِويَ الحديثَ قوم مثلاً عن رجل تابعي عن صحابي ويرويه ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه " خامسها " زيادة رجل في أحد الإسنادين " سادسها " الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف. ثم ذكر تفاصيل ذلك كله. ثم قال وأما الاختلاف الذي يقع في المتن فقد أعَل به المحدثون والفقهاء كثيراً من الأحاديث، وأمثلة ذلك كثيرة نقلها الصنعاني في التوضيح ج 2 ص 40 بالبسط فانظره. والحاصل أن الاضطراب قد يكون في المتن فقط أو في السَّند فقط وهذا الاخلاف هو الأكثر الأغلب وربما يكون فيهما معاً قاله السخاوي. وقال في النزهة لكن قل أن يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى الاختلاف في المتن دون السَّند. مثال الاضطراب في الإسناد حديث أبي بكر أنه قال " يا رسول الله أراك شِبْت قال شيبتني هود وأخواتها " قال الدارقطني: هذا حديث مضطرب فإنه لم يرو إلا من طريق أبي إسحاق وقد اختلف عليه فيه على نحو عشرة أوجه، فمنهم من

رواه عنه مرسلاً، ومنهم من رواه موصولاً، ومنهم من جعله من مسند أبي بكر، ومنهم من جعله من مسند سعد، ومنهم من جعله من مسند عائشة، وغير ذلك ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض والجمع متعذر. ومثله حديث مجاهد عن الحكم بن سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في نضح الفرج بعد الوضوء قد اختلف فيه على عشرة أقوال، فقيل: عن مجاهد عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه، وقيل عن مجاهد عن الحكم بن سفيان عن أبيه، وقيل عن مجاهد عن الحكم غير منسوب عن أبيه، وقيل عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه، وقيل عن مجاهد عن سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان، وقيل عن مجاهد عن الحكم بن سفيان بلا شك، وقيل عن مجاهد عن رجل من ثقيف يقال له الحكم أو أبو الحكم، وقيل عن مجاهد عن ابن الحكم أو أبي الحكم بن سفيان، وقيل عن مجاهد عن الحكم بن سفيان أو ابن أبي سفيان، وقيل عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره الناظم في التدريب. ومثال المضطرب في المتن على ما اختاره الناظم حديث البسملة المتقدم في المعل، قال: فإن ابن عبد البر أعله بالاضطراب والمضطرب يجامع المعل لأنه قد تكون علته ذلك ثم ذكر حكمه بقوله: ............... ... وَهْوَ لِتَضْعِّيفِ الْحَدِيثِ مُوجِبُ (وهو) أي الاضطراب المفهوم من المضطرب مطلقاً سواء كان في السَّند أو في المتن مبتدأ خبره موجب (لتضعيف الحديث) أي الحكم على الحديث بالضعف متعلق بـ (موجب) بكسر الجيم اسم فاعل من أوجب الشيء إذا أثبته يعني أنه سبب لضعف الحديث فلا يعمل به لإشعاره بعدم ضبط الراوي الذي هو شرط في الصحة والحسن. لكن هذا الحكم ليس على إطلاقه بل هو مقيد بما إذا لم يكن الاضطراب بسبب اختلاف في اسم ثقة أو اسم أبيه أو نسبته أو نحو ذلك وإلا فلا يضر في صحة الحديث وإلى ذلك أشار بقوله:

236 - إِلاَّإِذَا مَا اخْتَلَفُوا فِي اسْمٍ أَوَ اْبْ ... لِثِقَةٍ فَهْوَ، صَحِيحٌ مُضْطَرِبْ (إلا إذا ما) زائدة (اختلفوا) أي الرواة (في اسم) أي تعيين اسم راو (أَوَ اْبْ) بنقل حركة الهمزة إلى الواو وحذفها للوزن، أي أو تعيين اسم أبِ رَاوٍ وقوله (لثقة) صفة لاسم وأب، أي كائنين لثقة يعني أنهم إذا اختلفوا في اسم ثقة أو أبيه وكذا في نسبه أو نحو ذلك فإنه لا يضر في صحة الحديث مع الاضطراب ولذا قال (فهو) أي الحديث الذي وقع فيه ذلك الاختلاف (صحيح) لكون راويه ثقة (مضطرب) للاختلاف فيه. والحاصل أن الاضطراب قد يجامع الصحة وذلك بأن يقع الاختلاف في اسم رجل واحد وأبيه ونسبته ونحو ذلك ويكون ثقة فيحكم للحديث بالصحة ولا يضر الاختلاف فيما ذكر مع تسميته مضطرباً، وفي الصَّحِيحين أحاديث كثيرة بهذه المثابة وكذا جزم الزركشي بذلك في مختصره فقال: فقد يدخل القلب والشذوذ والاضطراب في قسم الصَّحِيح والحسن. وإلى هذا أشار بقوله: 237 - الزَّرْكَشِيُّ: الْقَلْبُ وَالشُّذُوذُ عَنْ ... وَالاِضْطِرَابُ فِي الصَّحِيحِ وَالْحَسَنْ (الزركشي) مبتدأ حذف خبره تقديره قائل، أو فاعل لفعل محذوف أي قال والأول أولى. وهو العلامة محمد بن عبد الله بن بَهَادِر أبو عبد الله بدر الدين قال الحَافِظ ابن حجرٍ: كان الزركشي رحمه الله منقطعاً في منزله لا يتردد إلى أحد إلا إلى سوق الكتب، وكان يطالع في حانوت الكتب طول نهاره ومعه أوراق يعلق فيها ما يعجبه ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه، وقال ابن العماد نقلاً عن البرماوي: كان منقطعاً إلى الاشتغال بالعلم لا يشتغل عنه بشيء وله أقارب يكفونه أمر دنياه فزهد رحمه الله عن الدنيا وعف فيها ألف تآليف عديدة أكثر من خمسة وأربعين كتاباً في مختلف الفنون من علوم القرآن والحديث ومصطلحه والفقه والقواعد والأصول وغيرها، ولد رحمه الله في مصر سنة 745 هـ من أسرة تركية، وكان أبوه مملوكاً، وتوفي يوم الأحد

ثالث رجب 794 هـ ودفن بالقرافة الصغرى بمصر، والزركشي نسبة إلى الزركش وهي كلمة فارسية مركبة من زر أي الذهب وكش أي ذو. والمقصود بها نسج الحرير بالذهب ولقب به لأنه تعلم هذه الصناعة في بداية عمره واشتغل بها فترة. ومقول القول جملة قوله (القلب) الآتى في الباب التالي، مبتدأ (والشذوذ) المتقدم عطف عليه (عن) بتشديد النون إلا أنها خففت هنا للوزن أي ظهر خبر المبتدإ، ووحد الضمير بتأويل المذكور (والاضطراب) الذي نحن في مبحثه وهو مبتدأ خبره محذوف أي كذلك، وقوله في (الصَّحِيح والحسن) متعلق بعن. والمعنى أن القلب والشذوذ والاضطراب وجد في قسم الصَّحِيح والحسن فعلى هذا فقولهم إِن الاضطراب موجب لضعف الحديث إنما هو في الأغلب. ثم ذكر مفهوم قوله ولا مرجح فقال: 238 - وَلَيْسَ مِنْهُ حَيْثُ بَعْضُهَا رَجَحْ ... بَلْ نُكْرُ ضِدٍّ أَوْ شُذُوذُهُ وَضَحْ (وليس) الحديث الذي اختلفت وجوهه (منه) أي من المضطرب المحكوم عليه بالضعف (حيث بعضها) أي الوجوه وكذا الوجهان (رجح) أي زاد قوة على غيره إما بالأحفظية وإما بأكثرية الملازمة للمروي عنه أو غيرهما من وجوه الترجيجات. فاسم ليس ضمير يعود إلى ما في قوله ما اختلفت، و " منه " خبرها، و " حيث " ظرف متعلق بليس لأنها بمعنى انتفى، والمعنى أن ما اختلفت وجوهه إذا ترجحت منه إحدى الروايتين، أو الروايات بمرجح من المرجحات لا يكون في قسم المضطرب المردود بل الحكم للراجح لأن المرجوح كالعدم كما أشار إليه بقوله (بل نكر ضد) أي منكرٌ ضِدُّهُ، والنكر بضم فسكون وزان قفل المنكر، وهو كلام إضافي خبر لمحذوف: أي هو

منكر الضد. وقوله: (أو شذوذه) أي الضد، مبتدأ خبره قوله (وضح) أي ظهر. والمعنى: أن ذلك الراجح لا يكون مضطرباً بل الحكم له وأن ضده المرجوح إما منكر أو شاذ. وكذا إذا أمكن الجمع بحيث يمكن أن يكون المتكلم معبراً باللفظين فأكثر عن معنى واحد أو يحمل كل منهما على حالة لا تنافي الأخرى فلا يكون مضطرباً. مثال الأول: حديث الواهبة نفسها فإنه قد اختلفت الرواية في اللفظة الواقعة منه - صلى الله عليه وسلم - ففي رواية " زوجتكها " وفي أخرى " أنكحتكها " وفي أخرى " ملكتها " وفي أخرى " أملكتكها " وفي أخرى " مكناكها " وأكثرها في الصَّحِيحين، وتأويل هذه الألفاظ سهل فإنها راجعة إلى معنى واحد. ومثال الثاني كحديث الترمذي " إن في المال حقاً سوى الزكاة " مع حديث ابن ماجه " ليس في المال حق سوى الزكاة " فالحق المثبت في الأول هو المستحب والمنفي في الثاني هو الواجب على أنهما ضعيفان من قبل ضعف راويه شيخ شريك، وقد صنف الحافظ كتاباً سمَّاه " المقترب في بيان المضطرب " التقطه من العلل للدارقطني وزاد عليه غير أنه لم يطبع. (تَتِمَّة): الزيادة قوله إلا إذا ما اختلفوا إِلى آخر البيتين. ولما كان الاضطراب يقع في الإسناد والمتن ناسب ذكر القلب بعده لكونه كذلك ولذا قال:

(المقلوب)

(المقلوب) وفي نسخة المحقق: القلب أي هذا مبحثه وهو النوع الرابع والثلاثون من أنواع علوم الحديث. وهو لغة اسم مفعول من قلب من باب ضرب، يقال قلب فلان الشيء إذا صرفه عن وجهه. وأما اصطلاحاً فقال بعض المحققين لايمكن تعريف أنواع المقلوب كلها في تعريف واحد لأنها أنواع مختلفة لا يمكن جمعها في حقيقة واحدة فإذا كان كذلك فاولى أن نقسم المقلوب إلى أنواعه المختلفة ثم نبين حقيقة كل نوع على حدة اهـ. وسيذكر ذلك الناظم وعرفه السخاوي بأنه تغيير من يعرف بروايةٍ ما بغيره عمداً أو سهواً. 239 - الْقَلْبُ فِي الْمَتْنِ وَفِي الإِسْنَادِ قَرْ ... إِمَّا بِإِبْدَالِ الَّذِي بِهِ اشْتَهَرْ 240 - بِوَاحِدٍ نَظِيرِهِ لِيُغْرِبَا ... أَوْ جَعْلِ إِسْنَادِ حَدِيثٍ اجْتَبَى 241 - لآخَرٍ وَعَكْسُهُ إِغْرَابًا اْوْ ... مُمْتَحَِنًا، كَأَهْلِ بَغْدَادَ، حَكَوْا (القلب) أي قلب الحديث بتقديم وتأخير مبتدأ خبره جملة قوله " قَرْ " (في المتن وفي الإسناد) أي متن الحديث أو إسناده متعلق بقوله (قَرْ) أي ثبت وخففت راؤه للوزن، والمعنى أن القلب ثبت في متن الحديث أو في إسناده. والحاصل أنه ينقسم القلب إلى قسمين: قسم في المتن، وهو قليل بالنسبة إلى قلب الإسناد.

وحقيقته كما قال السخاوي: أن يعطى أحد الشيئين ما اشتهر للآخر. ونحوه قول ابن الجزري: هو الذي يكون على وجه فينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغير معناه. مثاله حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه ففيه " ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله " فإنه مما انقلب على أحد الرواة، وإنما هو حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه كما في الصَّحِيحين قاله الحافظ وله أمثله كثيرة. والقسم الثاني: في الإسناد وهو كثير وقد يكون خطأ من بعض الرواة في اسم راو أو نسبه كأن يقول كعب بن مرة بدل مرة بن كعب، وقد ألف الخطيب في هذا كتاباً سماه رفع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب. ومنه أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ من الرواة فيقلبه الراوي بنظيره لغرض وإليه أشار بقوله (إما) بالكسر حرف تفصيل (بإبدال) الراوي (الذي اشتهر به) أي بالحديث متعلق باشتهر (بواحد) من الرواة متعلق بإبدال (نظيره) بالجر عطف بيان أو بدل. أي مماثل له في الطبقة كحديث مشهور عن سالم جُعِلً عن نافع، أو عن مالك جعل عن عبيد الله بن عمر (لِيُغْرِبَا) بالبناء للمفعول، والفاعل ضمير يعود إلى الراوي المبدل، والألف للإطلاق، من الإغراب يقال أغرب فلان إذا جاء بشيء غريب أي لأجل أن يأتي بحديث غريب لا يعرفه النَّاس إذ الغريب يرغب فيه النَّاس، وممن كان يفعل ذلك من الوضاعين حماد بن عمرو النصيبي، وأبو اسماعيل إبراهيم بن أبي حية اليَسَع، وبهلول بن عبيد الكندي، مثاله حديث رواه عَمْرُو بن خالد الحراني عن حماد النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً " إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤهم بالسلام " الحديث فهذا حديث مقلوب قلبه حماد فجعله عن الأعمش فإنما هو معروف بسهيل بن أبي صالح عن أبيه هكذا أخرجه مسلم من رواية شعبة والثَّوري وجرير بن

عَبدالحميد، وعبد العزيز الدراوردي كلهم عن سهيل، قال أبو جعفر العقيلي: لا يحفظ هذا من حديث الأعمش إنما هو من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه، ولهذا كره أهل الحديث تتبع الغرائب فإنه قلما يصح منها. أفاده العراقي في شرح ألفيته. ومن أقسام قلب الإسناد أن يؤخذ إسناد متن فيركب على متن آخر وبالعكس وإليه أشار بقوله (أو) بمعنى الواو أي إما (بجعل حديث اجتبى) بالبناء للفاعل أي اختاره لقلب إسناده، والجملة صفة لحديث وقوله (لآخَرٍ) متعلق بجعل وصرف للوزن أي لمتن آخر، ويحتمل أن يكون اجتبى مفعولاً ثانياً لجعل ولآخر متعلق به أي مجتبى لمتن آخر بأن يجعل سند هذا لمتن هذا (وعكسه) مبتدأ حذف خبره أي كذلك، أو خبر لمحذوف، أي مثله عكسه، ويجوز جره عطفاً على إسناد، ونصبه مفعولاً لمحذوف أي وفعل عكسه بأن يجعل إسناد هذا الآخر لذلك المتن. ثم أشار إلى الغرض الباعث عليه فقال: (إغراباً) مفعول لأجله أي فعل هذا لأجل الإغراب على النَّاس كما يقصد ذلك بالقسم الأول فيكون ذلك باعتبار القصد كالوضع، (أو مُمْتَحَِنًا) بصيغة اسم المفعول مصدر معطوف على إغراباً أي أو امتحانه أو بصيغة اسم الفاعل أي فعله حال كونه ممتحناً لحفظ المحدث، ومختبراً له هل اختلط أم لا؟ وهل يقبل التلقين أم لا؟ فإن فطن له عرف حفظه فأخذ عنه، وإن خفي عليه عرف ضعفه فلم يعتمد عليه، وهذا يفعله كثير من المحدثين وهو كما قال الحافظ: محرم إلا بشرط أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة. ثم ذكر من أمثلة القلب للامتحان قصة امتحان أهل بغداد للإمام البخاري رحمه الله فقال: (كأهل بغداد) خبر لمحذوف أي مثال ذلك كامتحان أهل بغداد للإمام البخاري رحمه الله. وبغداد اسم بلد يذكر ويؤنث والدال الأولى مهملة، وأما الثانية ففيها ثلاث لغات، حكاها ابن الأنباري، وغيره: دال مهملة، وهو الأكثر، والثانية

نون، والثالثة وهي الأقل ذال معجمة. بناها أبو جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين لما تولى الخلافة سنة (136). اهـ المصباح باختصار، وقوله (حكموا) جملة مستأنفة بين بها أن هذه القصة مشهورة تداول العلماء نقلها ودونوها في دواوينهم، أو حال من المضاف المقدر أي حال كونها محكية من الحفاظ. وحاصل القصة ما رواه الخطيب، حدثني ابن أبي الحسن الساحلي أنا أحمد بن حسن الرازي سمعت أبا أحمد بن عدي يقول سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسنادٍ آخرَ، وإسنادَ هذا المتن لمتنٍ آخر، ودفعوه إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة، وأمروهم إذا حضروا المجلس يُلقُون ذلك على البخاري، وأخذوا الوعد فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم، ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فما زال يلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فَهِم، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب رجل آخر من العشرة وسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري: لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه، فلم يزل يلقى عليه واحداً بعد آخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول لا أعرفه، ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه فلما علم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم، فقال أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث، والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد

إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها فأقرَّ النَّاس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. ذكره العراقي في شرح ألفيته. قال الحافظ نقلاً عن العراقي: ما العجب من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتساع معرفته، وإنما العجب منه في كونه حفظ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرة واحدة قاله في التوضيح. وقال السخاوي: ولا يضر جهالة شيوخ ابن عدي في الإسناد فإنهم عدد ينجبر به جهالتهم اهـ. ثم أشار إلى أن هذا النوع يسمى بالسرقة فقال: 242 - وَهْوَ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالسَّرِقَهْ ... ................... (وهو) أي القلب الواقع في السَّند (يسمى) بالبناء للمفعول (عندهم) أي المحدثين (بالسرقة) أي سرقة الحديث، يعني أن فاعل هذا يطلق عليه أنه يسرق الحديث، وربما قيل في الحديث نفسه مسروق. قال السخاوي: وفي إطلاق السرقة علىِ ذلك نظر إلا أن يكون الراوي المبدل به عند بعض المحدثين منفرداً به فسرقهُ الفاعل منه، وللخوف من هذه الآفة كره أهل الحديث تتبع الغرائب اهـ. مثاله ما تقدم من حديث أبي هريرة مرفوعاً " إذا لقيتم المشركين " الحديث. ثم إن ما ذكر كله يكون عن قصد لغرض من الأغراض، وقد يقع عن غير قصد بل غلطاً وإليه أشار بقوله: ............... ... وَقَدْ يَكُونُ الْقَلْبُ سَهْوًاً أَطْلَقَهْ (وقد يكون القلب) المذكور بنوعيه أي متناً أو إسناداً (سهواً) أي غلطاً من الراوي الثقة لا قصداً كما يكون من الوضاعين، فالقلب اسم يكون

وسهواً خبرها أي ذا سهو، وقوله (أطلقه) جملة حالية من القلب أي حال كون الراوي مُطْلِقَهْ، ويحتمل كون يكون تامة والقلب فاعل وسهواً مفعول لأجله، أو حال. وحاصل المعنى: أنه قد يقع القلب حال كون الراوي مطلقاً له أي ذاكره لأجل سهوه أي غلطه من غير قصد. مثاله ما روى إسحاق بن عيسى الطباع قال: حدثنا جرير بن حازم عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني " قال إسحاق بن عيسى فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث فقال: وَهِمَ أبو النضر يعني جرير بن حازم إنما كنا جميعاً في مجلس ثابت وحجاج (¬1) بن أبي عثمان معنا فحدثنا حجاج الصواف عن يَحْيَى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني " فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس فقد انقلب الإسناد على جرير، والحديث معروف من رواية يَحْيَى بن أبي كثير، رواه مسلم والنسائي من طريق حجاج بن أبي عثمان الصواف عن يَحْيَى. (تنبيه): قال السخاوي رحمه الله: ومن هذا القسم ما يقع الغلط فيه بالتقديم في الأسماء والتأخير كمرة بن كعب، فيجعله كعب بن مرة، ومسلم بن الوليد، فيجعله الوليد بن مسلم، ونحو ذلك مما أوهمه كون اسم أحدهما اسم أبي الآخر، وقد صنف كل من الخطيب والحافظ في هذا القسم خاصة، فأما الخطيب ففيما كان من نمط المثال الأخير، يعني تقديم الأسماء وتأخيرها فقط، وسماه " رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب " وهو مجلد ضخم، وأما الحافظ فإنه أفرد من علل الدارقطني مع زيادة كثير ما كان من نمط المثالين الذين قبله وسماه " جلاء القلوب في ¬

_ (¬1) هو حجاج الصواف المذكور.

معرفة المقلوب " وقال: إنه لم يجد من أفرده مع مسيس الحاجة إليه بحيث أدى الإخلال به إلى عد الحديث الواحد أحاديث إذا وقع القلب في الصحابي، ويوجد ذلك في كلام الترمذي فضلاً عمن دونه، حيث يقول وفي الباب عن فلان وفلان، ويكون الواقع أنه حديث واحد اختلف على راويه. اهـ كلام السخاوي بتغيير يسير. (تَتِمَّة): الزيادة قوله: القلب في المتن، وقوله وهو يسمى عندهم بالسرقة. ولما كان الإدراج يشبه القلب من حيث أنه يكون في المتن وفي الأسناد، ومن حيث أن بعضه يكون لغرض صحيح فيكون جائزاً، وبعضه لغير ذلك فيكون حراماً ناسب ذكره بعده فلذا قال:

(المدرج)

(المدرج) أي هذا مبحثه، وهو النوع الخامس والثلاثون من أنواع علوم الحديث، وهو لغة اسم مفعول من الإدراج، يقال أدرجت الكتاب إذ طويته، وأدرجت الميت في القبر إذا أدخلته فيه، وأدرجت الشيء في الشيء إذ أدخلته فيه، وضمنته إياه، ومنه قول الصرفيين الإدغام إدراج أول المثلين في الآخر، واصطلاحاً: ما كانت فيه زيادة ليست منه، ثم هو ينقسم إلى قسمين: مدرج المتن، ومدرج الإسناد، وكل واحد منهما ينقسم إلى أقسام أشار إلى ذلك بقوله: 243 - وَمُدْرَجُ الْمَتْنِ بِأَنْ يُلْحَقَ فِي ... أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطٍ أَوْ طَرَفِ 244 - كَلامُ رَاوٍ مَّا بِلا فَصْلٍ، وَذَا ... يُعْرَفُ بِالتَّفْصِيلِ فِي أُخْرَى، كَذَا 245 - بِنَصِّ رَاوٍ أَوْ إِمَامٍ، وَوَهَى ... عِرْفَانُهُ فِي وَسْطٍ اْوْ أَوَّلِهَا (ومدرج المتن) كلام إضافي مبتدأ، ومدرج بصيغة اسم المفعول والإضافة بمعنى في أي الشيء الذي أدرج أي أدخل في متن الحديث، وليس منه (بأن يلحق) الباء للتصوير والفعل مبني للمفعول ونائب فاعله: كلام راو ما، والجار والمجرور خبر المبتدإ، والتقدير ومدرج المتن مصور بإلحاق كلام رواه (في أوله) أي أول المتن، مثل أن يتكلم الصحابي بأمر يذهب إليه، ثمَّ يحتج عليه بلفظ حديث، ثم يقول هكذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يعني ما احتج به لا ما احتج عليه فيتوهم السامع أن الجميع مرفوع،

قاله في التنقيح. (أو وسط) للمتن أي في أثنائه، مثل أن يروى حديث ومذهب فيسمعهما سامع فيحسبهما حديثين فيرويهما على هذه الصورة اهـ تنقيح (أو طرف) له في آخره، مثل أن يزاد في آخر الحديث من قول بعض الرواة من غير فصل، فيلتبس على من لا يميز الكلام النبوي من غيره فيحسب الجميع حديثاً فيرويه. اهـ تنقيح. (كَلامُ رَاوٍ مَّا) ما زائدة لتأكيد العموم، أي أيَّ راو كان، صحابياً، أو غيره، وقوله (بلا فصل) حال من كلام أي حال كونه غير مفصول عن الحديث. وحاصل المعنى: أن مدرج المتن هو ما أدرج في أول الحديث، أو وسطه، أو آخره من كلام بعض الرواة صحابياً كان، أو من دونه من غير تمييز وتفرقة بين المدرج والحديث بما يدل على مغايرتهما فيلتبس على من لا يعلم الحال، فيحسب الجميع موصولاً فيرويه متصلًا فيتوهم أنه من الحديث. مثاله في أول المتن وهو نادر جداً ما رواه الخطيب من طريق أبي قَطَن وشبابة في روايتهما عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النَّارِ " فقوله أسبغو الوضوء مدرج من قول أبي هريرة، كما بين من رواية البخاري في صحيحه عن آدم، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " أسبغوا الوضوء " فإن أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - قال: " ويل للأعقاب من النار " قال الخطيب وَهِمَ أبو القطن عمرو بن الهيثم، وشبابة بن سَوَّار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه، وذلك لأن جماعة من الحفاظ رووه عن شعبة فجعلوا الأول من كلام أبي هريرة، والثاني من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. اهـ باختصار، قال الصنعاني: على أن قوله: " أسبغوا الوضوء " قد ثبت من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن عمرو في الصَّحِيح، قال الحافظ: وفتشت ما جمعه الخطيب في المدرج ومقدار ما زدت عليه فلم أجد له مثالاً آخر، إلا ما جاء في بعض طرق حديث بسرة من رواية محمد بن دينار عن هشام بن حسان. اهـ توضيح.

ومثاله في الوسط: ما رواه الدارقطني في سننه من رواية عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة بنت صفوان مرفوعاً " من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ " قال الدارقطني كذا رواه عبد الحميد عن هشام، ووهم في ذكر الأنثيين، والرفغ، فجعلهما من المرفوع، والمحفوظُ أن ذلك من قول عروة وكذلك رواه الثقات عن هشام، منهم أيوب السختياني، وحماد بن زيد، وغيرهما. ومثاله في الآخر حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، وقوله بعد التشهد " فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد " أخرجه أبو داود، فقوله: فإذا فعلت إلى آخره من كلام ابن مسعود، وقد أدرجه زهير بن معاوية أبو خيثمة كما قال الحاكم والبيهقي والخطيب قال النووي في الخلاصة: اتفق الحفاظ على أنها مدرجة. اهـ ويدل لإدراجها رواية شبابة بن سوار عنه ففصله، وبين أنه من قول ابن مسعود، قال: قال عبد الله فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، رواه الدارقطني، وقال: شبابة ثقة، وقد فصل آخر الحديث، وجعله من قول ابن مسعود، وهو أصح من رواية من أدرج آخره، ورواه غير شبابة أيضاً، وفصله وبين أنه من قول ابن مسعود، أفاده في التوضيح. وحاصل أقسام مدرج المتن ثلاثة: الأول: ما كان في أوله. والثاني: ما كان في وسطه. والثالث: ما كان في آخره. ثم ذكر ما يعرف به الإدراج، وهي ثلاثة أمور على ما ذكره فقال (وذا) أي المدرج مبتدأ وجملة قوله (يعرف) بالبناء للمفعول خبره أي يدرك (بالتفصيل) أي تبيين كونه مدرجاً (في) رواية (أخرى) مُبَيِّنَةٍ لذلك، يعني أن مدرج المتن يعرف بأمور منها ورود رواية أخرى مفصلة للمدرج من كلام بعض الرواة عن الحديث المرفوع، كما في حديث التشهد المذكور ففي رواية شبابة عن أبي خيثمة فصله بقوله: قال عبد الله: إذا قلت ذلك إلخ، فجعله من كلام ابن مسعود،

قال: الدارقطني وهو أصح من رواية من أدرج، وأشبه بالصواب، لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحُرِّ كذلك مع اتفاق من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن ابن مسعود على ذلك، ومنها تصريح الراوي به وإليه أشار بقوله (كذا) يعرف المدرج (بنص راو) أي تصريح راوي الحديث نفسه بأنه لم يسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، كحديث ابن مسعود سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من جعل لله نداً دخل النار " قال وأخرى أقولها ولم أسمعها منه " من مات لا يجعل للهِ نداً أدخله الجنة " ومنها تصريح بعض الأئمة المطلعين بذلك، وإليه أشار بقوله (أو) نص (إمام) من أئمة الحديث المطلعين على علل الحديث، والعارفين بالزائد والناقص، على أنه مدرج كما تقدم في الأنثيين والرفغ فقد صرح الدارقطني، والخطيب أن ذلك من قول عروة فعروة لما فهم من لفظ الخبر " من مس ذكره فليتوضأ " أن سبب نقض الوضوء مظنة الشهوة جعل حكم ما قرب من الذكر كذلك، فقال ذلك، فظن بعض الرواة أنه من صلب الخبر، فنقله مدرجاً فيه، وفهم الآخرون حقيقة الحال ففصلوا قاله في التدريب، وحاصل ما ذكره مما يعرف به المدرج ثلاثة أشياء الأول: ورود رواية مفصلة من طريق أخرى. الثاني: تصريح الراوي بأنه لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك المدرج. الثالث: نص إمام من أئمة الحديث على ذلك، وبقي عليه مما يعرف به الإدراج. الرابع: وهو استحالة كون النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك. مثال ذلك حديث أبي هريرة في الصَّحِيح مرفوعاً " للعبد المملوك أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك " فقوله والذي نفسي بيده إلخ من كلام أبي هريرة لأنه يمتنع منه - صلى الله عليه وسلم - أن يتمنى الرق، ولأن أمه لم تكن إذ ذاك موجودة حتى يبرها. (تنبيهان): الأول: أن أسباب الإدراج كثيرة، منها أن يقصد الراوي أن يبين حكماً أو نحو ذلك، ويريد أن يستدل عليه بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا في الإدراج قبل المتن، ومنها أن يريد بيان حكم يستنبط من كلام

النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا قد يكون في الإدراج في وسط المتن بعد ذكر ما يستنتج منه ذلك الحكم، وقد يكون في الإدراج عقب المتن كله. ومنها: أن يريد تفسير بعض الألفاظ الغريبة في الحديث النبوي. " الثاني " أن الحكم بالإدراج إذا وردت رواية أخرى مفصلة للمدرج عن المرفوع يكون بحسب غلبة ظن المحدث الحافظ الناقد، ولا يوجب القطع، بخلافه فيما إذا استحال صدوره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيما صرح الصحابي بعدم سماعه منه عليه الصلاة والسلام فإنه يكون قطعاً أفاده الحافظ. ثم أشار إلى أن الحكم بالإدراج في الوسط أو الأول ضعيف بقوله (ووهى) أي ضعف (عرفانه) بكسر فسكون مصدر عرف إذا علم بحاسة من الحواس الخمس قاله في المصباح، أي معرفة الإدراج (في وسط) بفتح فسكون بمعنى بَيْنَ، أي في أثناء الأحاديث (أو) في (أولها) أي الأحاديث. والمعنى: أن معرفة الإدراج والحُكمَ به في أول الحديث أو في وسطه ضعيف قال ابن دقيق العيد: والطريق إلى الحكم بالإدراج في الأول أو الأثناء صعب لا سيما إن كان مقدماً على اللفظ المروي، أو معطوفاً عليه بواو العطف، وقال أيضاً إنما يكون الإدراج بلفظ تابع يمكن استقلاله عن اللفظ السابق اهـ. قال السخاوي: وكان الحامل لهم على عدم تخصيص ذلك بآخر الخبر تجويز كون التقديم والتأخير من الراوي لظنه الرفع في الجميع واعتماده على الرواية بالمعنى فبقى حينئذ في أول الخبر وأثنائه بخلافه قبل ذلك. قال: وإلى ذلك أشار العراقي في شرح الترمذي، وقال: إن الراوي رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده، وصار الموقوف لذلك أول الخبر، أو وسطه، ولا شك أن الفاصل معه زيادة علم فهو أولى، وبالجملة

فقد قال شيخنا يعني الحافظ ابن حجرٍ: إنه لا مانع من الحكم على ما في الأول أو الآخر أو الوسط بالإدراج إذا قام الدليل المؤثر غلبة الظن. وقد قال أحمد: كان وكيع يقول: في الحديث يعني كذا وكذا وربما طرحِ يعني وذكر التفسير في الحديث وكذا كان الزهري يفسر الأحاديث كثيراً وربما أسقط أداة التفسير فكان بعض أقرانه دائما يقول له: افصل كلامك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلى غير ذلك من الحكايات اهـ. ثم ذكر القسم الثاني وهو مدرج الإسناد ومرجعه كما قال المحقق ابن شاكر في الحقيقة إلى المتن وهو ثلاثة أقسام فقال: 246 - وَمُدْرَجُ الإِسْنَادِ مَتْنَيْنِ رَوَى ... بِسَنَدٍ لِوَاحِدٍ، أَوْ ذَا سِوَى 247 - طَرْفٍ بِإِسْنَادٍ فَيَرْوِي الْكُلَّ بِهْ ... أَوْ بَعْضَ مَتْنٍ فِي سِوَاهُ يَشْتَبِهْ 248 - أَوْ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مُخْتَلِفَا ... فِي سَنَدٍ، فَقَالَ هُمْ مُؤْتَلِفَا (ومدرج الإسناد) كلام إضافي مبتدأ، والإضافة بمعنى في كما تقدم، أي الشيء الذي أدرج في الإسناد، أو من إضافة الصفة للموصوف، والحذف والإيصال، أي الإسناد المدرح فيه، وقوله (متنين) مفعول مقدم لـ (روى) وهو بتقدير حرف مصدر أي أنْ روى وهو في تأويل المصدر خبر المبتدإ، وتقدير الكلام ومدرج الإسناد رواية متنين مختلفين بإسنادين مختلفين وقوله (بسند) متعلق بروى وقوله (لواحد) صفة له أي رواهما بسند أحدهما مقتصراً عليه، وحاصل المعنى أن مدرج الإسناد أقسام: " أحدها " أن يكون عنده متنان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما بإسناد أحدهما كحديث " إنما الأعمال بالنيات " وحديث " بني الإسلام على خمس " كل منهما بإسناد خاص به فرواه بإسناد أحدهما. " وثانيها " أن يكون عنده الحديث بإسناد إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد آخر فيجمع الراوي عنه طرفي الحديث بإسناد الطرف الأول ولا يذكر

إسناد الطرف الثاني، وإليه أشار بقوله (أو ذا) الحديث مبتدأ (سوى طرف) منصوب على الاستثناء، والطرف محركة: الناحيةُ، والمراد به هنا الجزء، وسكن راءه للوزن، وقوله: (بإسناد) خبر المبتدإ أي كائن بإسناد، يعني أن هذا الحديث عنده بسند آخر (فيروي) بالبناء للفاعل، راوٍ عنه (الكل) أي الحديث والطرف (به) أي بسند الحديث الأول، وحاصل المعنى: أن يكون متن الحديث عندَ رَاوٍ بسند إلا طرفاً منه فإنه عنده بسند آخر، فيرويه راوٍ عنه تاماً بالإسناد الأول. مثاله ما رواه أبو داود من رواية زائدة وشريك ورواه النسائي من رواية سفيان بن عيينة كلهم عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال فيه " ثم جئتهم بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت النَّاس عليهم جُلُّ الِثّيَابِ تَحَركُ أيديهم تحت الثياب " قال موسى بن هارون الحمال ذلك عندنا وهم، فقوله ثم جئتهم ليس هو بهذا الإسناد، وإنما أدرج عليه، وهو من رواية عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل، وهكذا رواه مُبيَّناً زهير بن معاوية، وأبو بدر شجاع بن الوليد، فميزا قصة تحريك الأيدي من تحت الثياب، وفصلاها من الحديث، وذكر إسنادها كما ذكرناه، قال موسى بن هارون الحمال، وهذه رواية مضبوطة اتفق عليها زهير، وشجاع بن الوليد، وهما أثبت له رواية ممن روى رفع الأيدي من تحت الثياب عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل؛ وقال ابن الصلاح: إنه الصواب قاله في التنقيح. قال السخاوي: ونحو هذا القسم أن يكون المتن عند راويه عن شيخ له إلا بعضه فإنما هو عنده بواسطة بينه وبين ذاك الشيخ فيدرجه بعض الرواة عنه بلا تفصيل، كحديث إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس في قصة العُرَنِيِّينَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: " لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها " فإن لفظة وأبوالها إنما سمعها حميد عن قتادة عن أنس كما بينه محمد بن أبي عدي ومروان بن معاوية ويزيد بن هارون، وآخرون إذ

رووه عن حميد عن أنس بلفظ فشربتم من ألبانها، فعندهم قال حميد قال قتادة عن أنس وأبوالها، فرواية إسماعيل على هذا فيها إدراج يتضمن تدليساً اهـ. " وثالثها " أن يدرج في الحديث بعض حديث آخر مخالف له في السَّند وإليه أشار بقوله (أو بعض متن) بالنصب مفعول لمحذوف أي أو أدرج بعض متن حديث (في سواه) أي في حديث غيره مخالف له في السَّند، ويحتمل أن يكون معطوفاً على متنين، و " في " بمعنى " مع " أي أو روى بعض حديث مع حديث آخر مخالف له سنداً. وحاصل المعنى: أن يروي أحدهما بإسناده الخاص به، ويزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الأول، وقوله (يشتبه) أي يتناسب ذلك البعض المدرج مع الحديث معنى، وهو حال من سواه، أي حال كونه متناسباً معه في المعنى. مثاله حديث رواه ابن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تَبَاغَضُوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا " الحديث. فقوله: ولا تنافسوا مدرج في هذا الحديث أدرجه ابن أبي مريم فيه من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا ". وكلا الحديثين من طريق مالك، وليس في الأول " ولا تنافسوا " وهي في الحديث الثاني، وهكذا الحديثان عند رواة الموطأ: عبد الله بن يوسف، والقعنبي وقتيبة، وَيَحْيَى بن يَحْيَى، وغيرهم. قال الخطيب: وقد وهم فيها ابن أبي مريم على مالك عن ابن شهاب وإنما يرويها مالك في حديثه عن أبي الزناد. (تنبيه): قال المحقق ابن شاكر وهذا المثال فصله بعضهم عن الذي

قبله وجعلهما قسمين والصواب ما صنعا يعني جعله قسماً واحداً لأنهما من نوع واحد. اهـ. قلت: وجعلهما قسمين هو الذي جرى عليه ابن الصلاح والعراقي وغيرهما وهو الواضح فتأمل. " ورابعها " أن يروي بعض الرواة حديثاً عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده فيجمع الكل على إسناد واحد، فيرويه على الاتفاق، وإليه أشار بقوله (أو قاله) أي روى الحديث (جماعة) من الرواة (مختلفاً) يحتمل أن يكون بكسر اللام اسم فاعل، أي حال كون الحديث مختلفاً، أو بفتح اللام اسْمَ مفعول، أو مصدراً ميمياً، حال من المفعول، أيضاً، وعلى الأخير يقدر مضاف أي ذا اختلاف وقوله (في سند) متعلق به يعني أنه اختلف الرواة في سند ذلك الحديث بأن خالف بعضهم بعضاً بزيادة أو نقص (فقالهم) أي ذكر هؤلاء الجماعة المختلفين بعض الرواة (مؤتلفا) بفتح اللام مصدر حال من الضمير على حذف مضاف، أي ذوي ائتلاف، وإنما لم نجعله اسم فاعل لأنه مفرد وصاحب الحال جمع. وحاصل المعنى: أن يروي بعض الرواة حديثاً عن جماعة وبينهم في إسناده اختلاف فيجمع الكل على إسناد واحد مما اختلفوا فيه ويدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق. مثاله ما رواه الترمذي، عن بندار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثَّوري، عن واصل ومنصور والأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله، قال: قلت يارسول الله: أي الذنب أعظم الحديث، وهكذا رواه محمد بن كثير العبدي، عن سفيان فيما رواه الخطيب فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش لأن واصلًا لا يذكر فيه عمراً بل يجعله عن أبي وائل عن عبد الله، هكذا رواه شعبة ومهدي بن ميمون، ومالك بن مِغْول وسعيد بن مسروق عن واصل كما ذكره الخطيب. وقد بين الإسنادين معاً يَحْيَى بن سعيد القطان في روايته عن سفيان،

وفصل أحدهما من الآخر رواه البخاري في صحيحه في كتاب المحاربين، عن عمرو بن علي، عن يَحْيَى، عن سفيان، عن منصور، والأعمش كلاهما عن أبي وائل، عن عمرو، عن عبد الله. وعن سفيان، عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله من غير ذكر عمرو بن شرحبيل، قال عمرو بن علي فَذُكِرَ لعبد الرحمن، وكان حدثنا عن سفيان، عن الأعمش ومنصور وواصل عن أبي وائل، عن أبي ميسرة يعني عمراً فقال: دعه دعه. قال السخاوي: قوله: دعه يحتمل أنه أمر بالتمسك بما حدثه به وعدم الالتفات لخلافه، وبحتمل أنه أمر بترك عمرو من حديث واصل لكونه تذكر أنه هو الصواب أو لكونه كان عنده محمولاً على رفيقيه فلما سأل عنه بانفراده أخبره بالواقع لكن يعكر عليه رواية بندار عن ابن مهدي عن الثَّوري عن واصل وحده بإثباته اهـ. (تنبيهان): الأول: أن أقسام مدرج الإسناد على ما ذكره الناظم أربعة، وزاد الحافظ قسمين: الأول ما تقدم في كلام السخاوي وهو أن يكون المتن عند الراوي إلا طرفاً منه فإنه لم يسمعه من شيخه بل بواسطة فيدرجه بعض الرواة عنه، وهو مما يشترك فيه الإدراج والتدليس، ومثاله: ما تقدم في قصة العرنيين. " الثاني ": أن لا يذكر المحدث متن الحديث بل يسوق إسناده فقط ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاماً فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد. مثاله: ما رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطلحي، عن ثابت بن موسى العابد الزاهد، عن شريك، عن الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعاً: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " قال الحاكم دخل ثابت على شريك، وهو يملي، ويقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسكت ليكتب المستملي، فلما نظر إلى ثابت قال: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " وقصد بذلك ثابتاً

لزهده، وورعه، فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد فكان يحدث به، وقال ابن حبان: إنما هو قول شريك قاله عقيب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم " فأدرجه ثابت في الخبر، ثم سرقه منه جماعة من الضعفاء، وحدثوا به عن شريك. قال المحقق: وهذا القسم ذكره ابن الصلاح في نوع الموضوع، وجعله شبه وضع من غير تعمد، وتبعه على ذلك النووي، والناظم فيما سيأتي، وذِكْرُهُ في المدرج أولى وهو به أشبه كما صنع الحافظ ابن حجر اهـ. " الثاني ": قد صنف في هذا النوع أي الإدراج بأقسامه الخطيب كتاباً سماه " الفصل للوصل المدرج في النقل "، وقد لخصه الحافظ ورتبه على الأبواب والمسانيد وَزَادَ عليه أكثر من القدر الذي ذكر وسماه تقريب المنهج بترتيب المدرج، واختصره الناظم في كتاب سماه المَدْرَج إلى المُدْرَج اهـ. ثم ذكر الناظم حكمه فقال: 249 - وَكُلُّ ذَا مُحَرَّمٌ وَقَادِحُ ... وَعِنْدَيَ التَّفْسِيرُ قَدْ يُسَامَحُ (وكل ذا) أي الإدراج بأقسامه، مبتدأ خبره (مُحَرَّمٌ) أي جميع أنواع الإدراج حرام بإجماع أهل الحديث، والفقه، والأصول، وغيرهم، إذا حصل عن عمد لما يتضمن من عَزْوِ الشيء لغير قائله، وأسوأ هـ ما كان في المرفوع مما لا دخل له في الغريب المتسامح في خلطه، أو الاستنباط، قاله السخاوي، (وقادح) أي جارح لفاعله سواء كان عمداً أو خطأ، وكَثُرَ. قال السمعاني من تعمد الإدراج فهو ساقط العدالة وممن يحرف الكلم عن مواضعه، وهو ملحق بالكذابين، وما وقع خطأ فلا حرج على المخطئ إلا إن كثر خطؤه، فيكون جرحاً في ضبطه وإتقانه ذكره المحقق، ثم إن هذا التحريم مخصوص بغير التفسير، ولذا قال تبعاً للحافظ وغيره (وعندي) بفتح الياء لغة في إسكانها متعلق بيسامح (التفسير) أي المدرج

لتفسير غريب الحديث، مبتدأ خبره جملة (قد يسامح) بالبناء للمفعول، أي يغتفر فلا يمنع منه، والمعنى أن ما أدرج لتفسير شيء من معاني الحديث لا يحرم، ولذلك فعله كبار المحدثين كالزهري وغيره كما في الحديث الصَّحِيح حديث عائشة في بدء الوحي في قولها: " وكان يخلوا بغار حراء فيتحنث فيه " وهو التعبد، فقوله: وهو التعبد مدرج من كلام الزهري أفاده في الفتح. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الكتاب قوله أو وسط، وقوله يعرف إلى قوله أولها، وقوله متنين روى بسند لواحد، وقوله وقادح إلى قد يسامح، ولما كان الإدراج نوعاً من الوضع ولذا يتجاذبان بعض الأمثلة ناسب ذكر الموضوع بعده ولذا قال:

(الموضوع)

(الموضوع) أي هذا مبحثه، وهو النوع السادس والثلاثون من أنواع علوم الحديث. وأورده في أنواع الحديث مع أنه ليس بحديث نظراً إلى زعم واضعه، ولتعرف طرقه التي يتوصل بها لمعرفته لينفى عنه القبول. وهو اسم مفعول من وضع الشيء يضعه بفتح الضاد فيهما يأتي لمعان منها الإسقاط، ومنها الترك، ومنها الافتراء، تقول فلان وضع الشيء عن عاتقه مثلا أسقطه، ووضع شيئاً تركه ووضع هذا الكلام افتراه واختلقه. وقال ابن دحية: الموضوع من وضع فلان على فلان كذا ألصقه به فالموضوع في اللغة يكون بمعنى المُسقَط وبمعنى المتروك وبمعنى المفترى وبمعنى الملصق، واصطلاحاً: هو الكلام الذي اختلقه بعض النَّاس ونسبه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم -، سمي به لأنه مسقط من قسم الحديث، ومتروك ومفترى على النبي يرو، وملصق به وليس من كلامه. قال الحافظ وكونه من الإلصاق أليق بهذه الحيثية اهـ. قال رحمه الله تعالى: 250 - الْخَبَرُ الْمَوْضُوعُ شَرُّ الْخَبَرِ ... وَذِكْرَهُ لِعَالِمٍ بِهِ احْظُرِ

251 - فِي أَيِّ مَعْنًى كَانَ إِلاَّ وَاصِفَا ... لِوَضْعِهِ، وَالْوَضْعُ فِيهِ عُرِفَا 252 - إِمَّا بِالاِقْرَارِ، وَمَا يَحْكِيهِ ... وَرِكَّةٍ، وَبِدَلِيلٍ فِيهِ 253 - وَأَنْ يُنَاوِي قَاطِعًا وَمَا قُبِلْ ... تَأْوِيلُهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَا نُقِل 254 - حَيْثُ الدَّوَاعِي ائْتَلَفَتْ بِنَقْلِهِ ... وَحَيْث ُلا يُوجَدُ عِنْدَ أَهْلِهِ 255 - وَمَا بِهِ وَعْدٌ عَظِيمٌ اْوْ وَعِيدُ ... عَلَى حَقِيرٍ وَصَغِيرَةٍ شَدِيدُ 256 - وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْكُمَّلِ ... أُحْكُمْ بِوَضْعِ خَبَرٍ إِنْ يَنْجَلِي 257 - قَدْ بَايَنَ الْمَعْقُولَ أَوْ مَنْقُولا ... خَالَفَهُ أَوْ نَاقَضَ الأُصُولا 258 - وَفَسَّرُوا الأَخِيرَ: حَيْثُ يَفْقِدُ ... جَوَامِعٌ مَشْهُورَةٌ وَمُسْنَدُ (الخبر الموضوع) أي الخبر المكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يصدر منه مبتدأ خبره قوله (شر الخبر) أي أقبح أنواع الخبر المردود، لأن المراد المردود، لإضافة شر إليه إذ المقبول لا شر فيه أصلاً، وعبارة ابن الصلاح وسبقه الخطابي: اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضَّعِيفة. وحاصل المعنى: أن الخبر الموضوع أي المكذوب، ويقال له المختلق، والمصنوع بالصاد، لأن واضعه اختلقه وصنعه شر أنواع الأحاديث الضَّعِيفة، ثم ذكر حكمه فقال (وذكره) بالنصب مفعول مقدم لاِحْظُرِ، أو مبتدأ خبره جملة احظر بتقدير رابط أي احظره. (لعالم به) أي بكونه موضوعاً متعلق بـ (احظر) أي امنع أيها المحدث، وكسر الراء للقافية (في أي معنى) خبر مقدم لـ (كان) والجملة حال من ذكره أي امنع ذكر الموضوع لمن علم بوضعه حال كونه كائناً في جميع الأبواب سواء كان في الأحكام أو القصص أو الفضائل، أو الترغيب، أو الترهيب، أو غيرها. والحاصل: أن من علم وضع حديث من الأحاديث لا يحل أن يرويه منسوباً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إلا) حال كونه (واصفاً) أي مبينا (لوضعه) أي لكونه موضوعاً، لحديث سَمُرَةَ بن جندب والمغيرة بن شعبة قالا: قال

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " رواه مسلم. قوله يرى بضم الياء وفتحها روايتان، وقوله الكاذبين بكسر الباء وفتحها بلفظ الجمع والمثنى. وسواء علم بوضعه بنفسه إن كان عالماً بذلك، أو أخبره به عالم ثقة. قال السخاوي رحمه الله: وكفى بهذه الجملة يعني قوله أحد الكاذبين وعيداً شديداً في حق من روى الحديث وهو يظن أنه كَذِبٌ فضلًا عن أن يتحقق ذلك، ولا يبينه لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل المحدث بذلك مشاركاً للكاذب في وصفه، وقد روى الثَّوري عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال من روى الكذب فهو الكذاب، ولذا قال الخطيب: يجب على المحدث أن لا يروي شيئا من الأخبار المصنوعات والأحاديث الباطلة فمن فعل ذلك باء بالإثم المبين، ودخل في جملة الكذابين، وكتب البخاري على حديث موضوع: " من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد، والحبس الطويل "، اهـ. فأما إذا بَيَّنَ حالَه فلا بأس بذكره لأن البيان يزيل من ذهن السامع ما يخشى من اعتقاد نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. والمراد بالبيان هو الصريح كأن يقول هذا كذب أو باطل ونحوهما، ولا يقتصر على قوله موضوع لأنه ربما يوجد من لا يعرف معنى الموضوع، كما حكى السخاوي أن بعض العجم أنكر على العراقي قوله في حديث سئل عنه: إنه كذب، محتجاً بأنه في كتاب من كتب الحديث ثم جاء به من الموضوعات لابن الجوزي، فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، وكذا لا يبرأ من العهدة في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد إسناده بذلك، وإن صنعه أكثر المحدثين في الأعصار الماضية كالطبراني، وأبي نعيم، وابن منده. وقال الخطيب: ومن روى حديثاً موضوعاً على سبيل البيان لحال واضعه، والاستشهاد على عظيم ما جاء به والتعجب منه والتنفير عنه ساغ له ذلك، وكان بمثابة إظهار جرح الشاهد في الحاجة إلى كشفه والإبان عنه. اهـ كلام السخاوي باختصار.

ثم ذكر رحمه الله مما يعرف به كون الحديث موضوعاً أموراً: أشار إلى الأول بقوله (والوضع فيه) أي الخبر، مبتدأ خبره جملة (عرفا) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق (إِما) بالكسر: حرف تفصيل حذف نظيرها من المعطوفات (بالإقرار) متعلق بعرف، ونقلت حركة الهمزة إلى اللَّامِ، وحذفت للوزن، أي إقرار الواضع على نفسه أنه وضع الحديث الفلاني. وحاصل المعنى: أنه يعرف الوضع بأمور: منها إقرار الواضع به كاعتراف ميسرة بن عبد ربه الفارسي بوضعه فضائل القرآن الآتي، وأبي عصمة نوح بن أبي مريم الملقب بالجامع على ابن عباس - رضي الله عنه - في فضائل القرآن سورة سورة، وكما روى البخاري في التاريخ الأوسط حدثني يَحْيَى بن الأشكري، عن علي بن حدير، قال سمعت عُمر بن صبح يقول أنا وضعت خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد استشكل ابن دقيق العيد رحمه الله الحكم بالوضع بإقرار من ادعى وضعه لأن فيه عملاً بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع قال وهذا كاف في رده لكن ليس بقاطع فى كونه موضوعاً لجواز أن يكذب في هذا الإقرار بعينه، قيل (¬1) وهذا ليس باستشكال منه إنما هو توضيح وبيان وهو أن الحكم بالوضع بالإقرار ليس بأمر قطعي موافق لما في نفس الأمر لجواز كذبه في الإقرار على حد ما تقدم أن المراد بالصَّحِيح والضَّعِيف ما هو الظاهر لا في نفس الأمر، ونحا البلقيني في محاسن الاصطلاح قريباً من ذلك قاله في التدريب. ثم أشار إلى الثاني بقوله (و) إما بـ (ما يحكيه) أي يشابه الإقرار مما ينزل منزلته، قال في القاموس: يقال: حكيت فلاناً وحاكيته إذا شابهته اهـ. وفي المصباح وحكى يحكي حكاية إذا أتى بمثل الشيء يائي، وفيه لغة أخرى، وهي حكا يحكو واوياً اهـ. ¬

_ (¬1) القائل: هو الحافظ ابن حجرٍ كما في التوضيح.

والمعنى: أن الوضع يعرف أيضاً بما يشابهُ الإقرار، قال العراقي: كأن يحدث عن شيخ بحديث، وُيسألَ عن مولده، فيذكر تاريخاً يُعْلَم وفاة ذلك الشيخ قبله، ولا يعرف ذلك الحديث إلا من عنده، فهذا لم يعترف بوضعه، ولكن اعترافه بوقت مولده يتنزل منزلة إقراره بالوضع، لأن ذلك الحديث لا يعرف إلا عند ذلك الشيخ، ولا يعرف إِلا برواية هذا عنه وكذا مَثل الزركشي في مختصره، وكذا إذا ادعى سماعاً يكذبه التاريخ كما ادعاه مأمون بن أحمد الهروي أنه سمع من هشام بن عمار فسأله الحافظ ابن حبان متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين، فقال له إن هشاماً الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين، فقال هذا هشام بن عمار آخر. ثم أشار إلى الثالث بقوله (و) إما (بركة) يعني أنه يعرف أيضاً بركة المروي أي الضعف عن قوة فصاحته - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظ: والمدار على ركة المعنى، فحيث وجدت دلت على الوضع سواء انضم إليها ركة اللفظ أم لا؟ فإن هذا الدين كله محاسن، والرِّكَّة ترجع إلى الرداءة، فبينها وبين مقاصد الدين مباينة. وركة اللفظ وحدها لا تدل على ذلك لاحتمال أن يكون الراوي رواه بالمعنى فعبر بألفاظ غير فصيحة من غير أن يُخِلَّ بالمعنى، نعم إن صرح الراوي بأن هذا لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - دلت ركة اللفظ حينئذ على الوضع اهـ. وقال السخاوي ما معناه: ويعرف بالركة في اللفظ والمعنى، وكذا في أحدهما لكنه في اللفظ وحده مقيد بما إذا صرح بأنه لفظ الشارع، ولم يحصل التصرف بالمعنى في نقله لا سيما إن كان لا وجه له في الإعراب اهـ. ثم أشار إلى الرابع بقوله (و) إما (بدليل فيه) أي الحديث يعني أنه يعرف الوضع أيضاً بقرينة في الحديث ثم إن تلك القرينة تارة تكون في الراوي، وتارة تكون في المروي، وهو الغالب، وأما الأول فنادر، قاله الحافظ. قال ابن دقيق العيد: وكثيراً ما يحكمون بذلك باعتبار يرجع

إلى المروي، وألفاظِ الحديث، وحاصله: أنها حصلت لهم بكثرة محاولة ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هيئة نفسانية وملكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظه وما لا يجوز اهـ. قال البلقيني رحمه الله: وشاهد هذا أن إنساناً لو خدم إنساناً سنين وعرف ما يحب وما يكره، فادعى إنسان أنه كان يكره شيئاً يعلم ذلك أنه يحبه فمجرد سماعه يبادر إلى تكذيبه اهـ. مثال القرينة في الراوي: ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي، قال: كنت عند سعد بن طريف فجاء ابنه من الكُتَّابِ يبكي فقال ما لك؟ قال ضربني المعلم، قال لأخزينهم اليوم حدثني عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - مرفوعا " معلموا صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المساكين " وسعد بن طريف هذا قال فيه ابن معين: لا يحل لأحد أن يروي عنه، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث، وراوى القصة عنه سيف بن عمر قال فيه الحاكم: اتهم بالزندقة، وهو في الرواية ساقط. ومن القرائن في الراوي أيضاً كونه رافضياً والحديث في فضائل أهل البيت، أو ذم من حاربهم، وأما أمثلة القرينة في المروي فستأتي. ومن القرائن فيه ما تقدم من الركاكة فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد لوضعها ركاكة لفظها ومعانيها. وقد روى الخطيب وغيره من طريق الربيع بن خثيم (¬1) التابعي الجليل قال: إن للحديث ضوء كضوء النهار يعرف، وظلمة كظلمة الليل تنكر، ونحوه قول ابن الجوزى: الحديث المنكر يقشعر منه جلد طالب العلم، وينفر منه قلبه في الغالب، وعَنَى بذلك الممارس لألفاظ الشارع الخبيرَ بها وبرونقها، وبهجتها ذكره السخاوي. ¬

_ (¬1) بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة. اهـ.

(فائدة): سئل بعضهم كيف تعرف أن الشيخ كذاب قال: إذا روى لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها علمت أنه كذاب. قال ابن عراق في تنزيه الشريعة: قلت: وقد استأنس بعضهم لذلك بخبر أبي حميد، أو أبي أسيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إذا سمعتم الحديث تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه " رواه الإمام أحمد والبزار وسنده صحيح كما قاله القرطبي (¬1) وغيره، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - " ما حدثتم عني مما تنكرونه فلا تأخذوا به فإني لا أقول المنكر ولست من أهله " رواه ابن الجوزي. اهـ. كلام ابن عراق. ثم أشار إلى الخامس وهو من القرائن التي في المروي فقال (و) إما (بأن يناوي) أي يخالف الحديث (قاطعاً) أي دليلاً مقطوعاً به، كعيشة راضيةٍ، قاله المحلى في شرح جمع الجوامع (و) الحال أنه (ما) نافية (قبل) بالبناء للمفعول ونائب الفاعل قوله (تأويله) أي والحال أنه غير مقبول تأويله، أو بالبناء للفاعل وتأويله مفعول به له، أي والحال أنه غير قابل تأويله. وحاصل المعنى: أنه يعرف وضع الحديت بمخالفته للدلائل القطعية من الكتاب أو السنة المتواترة، أو الإجماع القطعي، إذا لم يمكن الجمع، أما إذا أمكن فلا، وتقييد السنة بالمتواترة احتراز عن غيرها فقد أخطأ من حكم بالوضع بمجرد مخالفته السنة مطلقا. ثم أشار إلى السادس، وهو من القرائن في المروي أيضاً فقال (و) إما بـ (أن يكون) ذلك الحديث (ما) نافية (نقل) بالبناء للمفعول (حيث الدواعي) أي الأسباب الداعية لنقله (ائتلفت) أي اتفقت (بنقله) أي على نقل ذلك الحديث بأن كان بمحضر من الجمع. ثم لا ينقله إلا واحد منهم. وحاصل المعنى: أنه يعرف الوضع أيضاً بكون الحديث غير منقول عن جمع غفير مع أن الدواعي متوفوة على نقله كذلك. ¬

_ (¬1) وصححه الشيخ الألباني، انظر الصَّحِيحة جـ 2 ص 369.

وذلك بأن كان أمراً جسيما كحصر العدو للحاج عن البيت، وكقتل الخطيب على المنبر لأن العادة جارية بتظاهر الأخبار في مثل ذلك، أفاده في التوضيح. ثم أشار إلى السابع وهو أيضاً من القرائن في المروي بقوله (و) إما بكون ذلك الخبر (حيث لا يوجد عند أهله) أي أهل الحديث بعد التفتيش يعني أنه يعرف كون الحديث موضوعاً عند عدم وجوده في مراجع أهل الحديث، وهي الكتب، قال الإمام فخر الدين الرازي " إن الخبر إذا روى في زمن قد استقرت فيه الأخبار ودُوِّنَت فإذا فتش عنه ولم يوجد في بطون الأسفار، ولا في صدور الرجال، علم بطلانه، فأما في عصر الصحابة وما يقرب منه حيث لم تكن الأخبار قد استقرت، فإنه يجوز أن يروي أحدهم ما لم يوجد عن غيره. قال الحافظ العلائي: وهذا إِنما يقوم به أي بالتفتيش عنه الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحديث، أو معظمه كالإمام أحمد، وعلي بن المديني، وَيَحْيَى بن معين، ومن بعدهم كالبخاري، وأبي حاتم، وأبي زرعة، ومن دونهم كالنسائي ثم الدارقطني لأن المآخذ التي يحكم بها غالباً على الحديث بالوضع إنما هي جمع الطرق والاطلاع على غالب المروي في البلدان المتنائية بحيث يعرف بذلك ما هو من حديث الرواة مما ليس من حديثهم، وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فكيف يقضي بعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع هذا مما يأباه تصرفهم اهـ. قال ابن عراق: فاستفدنا من هذا أن الحفاظ الذين ذكرهم وأضرابهم إذا قال أحدهم في حديث لا أعرفه أو لا أصل له كفى ذلك في الحكم عليه بالوضع. (تنبيه): ذكر الناظم رحمه الله في التدريب: ما نصه: وقد ذكر أبو حازم في مجلس الرشيد حديثاً بحضرة الزهري فقال الزهري لا أعرف هذا الحديث فقال أحفظت حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا، قال: فنصفه؟ قال أرجوا قال: اجعل هذا من النصف الآخر. فرد العلامة عبد الوهاب عبد اللطيف في تعليقه على التدريب هذه

الحكاية بقوله: هذا الخبر لا يصح لأن الزهري توفي سنة 124 هـ قبل ولادة الرشيد حيث ولد سنة 148 هـ، وكذلك أبو حازم قد توفى قبل ولادة الرشيد وقد وقع في هذا الخطأ القرافي في شرح تنقيحه فقلده السيوطي اهـ. ثم أشار إلى الثامن، وهو أيضاً من القرائن في المروي فقال: (وما) موصولة مبتدأ حذف خبره أي كذلك (به) أي فيه خبر مقدم لقوله (وعد) أي ذكرُ وَعْدٍ (عظيم). والجملة صلة ما، والتقدير أي الخبر الذي فيه ذكر وعد عظيم كذلك، يعني أنه يحكم بوضعه (أو وعيد) عطف على وعد وقوله (على حقير) أي على فعل شيء قليل من الأعمال الصالحات راجع إلى وعد وقوله (وصغيرة) أي من الذنوب راجع إلى الوعيد، ففيه لف ونشر مرتب وقوله (شديد) صفة لوعيد فصل عنه للضرورة. وحاصل المعنى: أنه يعرف كون الحديث موضوعاً بالإفراط في الوعد العظيم على الفعل الحقير، والوعيد الشديد على الأمر الصغير، وهذا كثير في أحاديث القُصَّاص وهو راجع إلى ركة المعنى. قال ابن الجوزي رحمه الله: إني لأستحي من وضع أقوام وضعوا من صلى كذا فله سبعون داراً في كل دار سبعون ألف بيت في كل بيت سبعون ألف سرير على كل سرير سبعون ألف جارية، وإن كانت القدرة لا تعجز عنه ولكن هذا تخليط قبيح. وكذلك يقولون: من صام يوماً كان كأجر ألف حاج، وألف معتمر وكان له ثواب أيوب هذا يفسد مقادير موازين الأعمال اهـ. وذكر الحافظ البرهان الناجي بالنون: إن من أمارات الموضوع أن يكون فيه: وأعطي ثواب نبي، أو النبيين، ونحوهما أفاده ابن عراق في تنزيه الشريعة.

(تنبيه): الفرق بين الوعد والوعيد: أن الأول في الخير، والثاني في الشر والأصل أن يستعمل الوعد في الخير والشر، قال في المصباح: وعده وعداً يستعمل في الخير والشر ويعدى بنفسه وبالباء فيقال: وعده الخير وبالخير، وشراً وبالشر، وقد أسقطوا لفظ الخير والشر وقالوا من الخير وعده وعداً وعِدَةً، وفي الشر وعده وعيداً، فالمصدر فارق، وأوعده إيعاداً، وقالوا أوعده خيراً وشراً بالألف أيضاً، وأدخلوا الباء مع الألف في الشر خاصة، والخلف في الوعد عند العرب كَذِب، وفي الوعيد كرم، قال الشاعر: وإني وإن أو عدتُّه أو وَعدتُّهُ ... لمُخِلفٌ إيعادِي ومُنجِزٌ مَوعِدي اهـ. ثم أشار رحمه الله إلى قاعدة يعرف بها الوضع ذكرها بعض المحققين وهي خلاصة ما تقدم فقال: (وقال بعض العلماء الكمل) أي الذين رسخت أقدامهم في تحقيق العلوم بحيث جعلوا للمسائل ضوابط، وقواعد ليتمرن عليها القاصرون، فيستخروجوا منها جزئياتها، وقد استحسن هذا القول ابن الجوزي حيث قال: ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع اهـ. ومقول القول جملة قوله: (احكم) أيها المحدث (بوضع خبر) أي بكونه موضوعاً (إن) شرطية (ينجل) أي يتضح، ويظهر الخبر، وقوله: (قد باين) أي خالف (المعقولا) بألف الإطلاق أي الشيء الذي يقتضيه العقل جملة حالية من فاعل ينجلي، وجواب إن محذوف دل عليه السابق أي فاحكم بوضعه. وحاصل المعنى: أنك تحكم بوضع الخبر إن كان مبايناً لمقتضى العقل مع عدم إمكان تأويله بالكلية، لأنه لا يجوز أن يَرِدَ الشرع بما ينافي مقتضى العقل. مثاله: ما أسنده ابن الجوزي من طريق محمد بن شجاع الثَّلْجي عن

حَبَّانَ بن هِلَال، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً " إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت فخلق نفسه منها " هذا لا يضعه مسلم، بل ولا عاقل، والمتهم به محمد بن شجاع كان زائغاً في دينه، وفيه أبو المهزم، قال شعبة رأيته لو أعطي درهما وضع خمسين حديثاً، قاله في التدريب. ويلحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة كالإخبار بالجمع بين الضدين كقول الإنسان أنا الآن طائر في الهواء ومكة لا وجود لها، قاله في التوضيح. (أو منقولا) نصب على الاشتغال، أي خالف الخبر منقولًا أي دليلا ثابتاً بالنقل، وهو الكتاب والسنة المتواترة، أو الإجماع القطعي، وقوله (خالفه) جملة مفسرة. والمعنى أنك تحكم بوضع الخبر إذا خالف نص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي. وهذا إذا لم يمكن الجمع بينهما، أما إذا أمكن فلا، كما زعم بعضهم أن الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة " لا يَؤُمَّنَّ عبد قوماً فيخص نفسه بِدَعْوَة دونهم، فإن فعل فقد خانهم " موضوع لأنه قد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في دعائه " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب " وغيرِ ذلك، لأنا نقول يمكن حمله على ما لم يشرع للمصلي من الأدعية، لأن الإمام والمأموم يشتركان فيه بخلاف ما لم يؤثر أفاده الصنعاني. (أو ناقض) الخبر أي خالف (الأصولا) بألف الإطلاق أي أصول الإسلام وهي الدواوين كما بينه بقوله (وفسروا الأخير) أي بين العلماء كابن الجوزي المرادَ بالأخير أي الذي ناقض الأصول (بحيث يفقد) أي يَعدَمُ، يقال: فقد فلان الشيءَ من باب ضرب إذا عدمه. (جوامع) فاعل يفقد وحذف مفعوله لكونه فضلة، تقديره يفقده جوامع، أي تَعَدمُه جوامع، بمعنى أنها لم تذكره، وهي جمع جامعة، وهي التي تجمع أنواع الحديث الثمانية وقد تقدم بيانها في آخر مبحث الحسن.

(مشهورة) أي التي اشتهرت بين العلماء كالصَّحِيحين، وجامع الترمذي، وغيرها (ومسند) من المسانيد، ولو عرفه بأل الجنسية أو الاستغراقية لكان أولى، إذ المراد التعميم، أو على أن النكرة في الإثبات تعم، وهو قول لبعضهم، أي كل المسانيد، وهي ما ألف على تراجم الصحابة من غير نظر إلى الصحة والضعف بحيث يوافق حروف الهجاء أو السوابق الإسلامية، أو شَرَافَةَ النسب، كمسند الإمام أحمد، وابن رَاهُويَة والطيالسي، وغيرهم، وقد تقدم بيانها. وحاصل المعنى: أنه يحكم بكون الخبر موضوعاً إذا كان خارجاً عن دواوين الإسلام من الجوامع والمسانيد، وكذا الأجزاء، والفوائد، وغيرها. لكن قال العز بن جماعة: وهذا قد ينازع فىِ إفضائه إلى القطع وإنما غايته غلبة الظن، ولهذا قال العراقي: يشترط استيعاب الاستقراء بحيث لا يبقى ديوان ولا رَاوٍ إلا وكشف أمره في جميع أقطار الأرض وهو عسر، أو متعذر اهـ. 259 - وَفِي ثُبُوتِ الْوَضْعِ حَيْثُ يُشْهَدُ ... مَعْ قَطْعِ مَنْعِ عَمَلٍ تَرَدُّدُ (وفي ثبوت الوضع) خبر مقدم، لقوله: تردد، أي في ثبوت كون الخبر موضوعاً (حيث يشهد) بالبناء للمفعول، والظرف متعلق بثبوت، ونائب الفاعل ضمير يعود إلى المصدر المفهوم من يُشهد، أي الشهادة، أو بالبناء للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى المفهوم أيضاً، أي يشهد شاهدان (مع) بسكون العين، لغة في فتحها (قطع منع عمل) أي مع كون العمل به مقطوعاً بمنعه، والظرف حال من قوله (تردد) وهو مبتدأ مؤخر. وحاصل المعنى: أن التردد حاصل في ثبوت الوضع للخبر حيث يشهد شاهدان على ذلك مع كون العمل به ممنوعاً قطعاً، والحاصل أنه إذا شهد شاهدان على أن هذا الخبر وضعه فلان على النبي - صلى الله عليه وسلم - كأن يرى

عدلان رجلًا يصنف كلاماً، وينسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهل يثبت الوضع بتلك البينة؟ قال العلامة الزركشي رحمه الله: يشبه أن يجيء فيه التردد في أن شهادة الزور هل تثبت بالبينة مع القطع بأنه لا يعمل به؟ اهـ. (تنبيه): قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية، وهذا القائل إما لا وجود له، أو هو في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية، وقد حاول بعضهم الرد عليه بأنه قد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - بأنه قد قال: " سيكذب عليَّ " فإن كان هذا صحيحاً فيقع الكذب عليه لا محالة وإن كان كذباً فقد حصل المطلوب، وأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه الآن إذ بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر، وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفاظهم الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات خشية أن تروج عليهم، أو على أحد من الناس. اهـ تنزيه الشريعة. قلت: وهذا الحديث مما بحث عنه فلم يوجد كما نبه عليه المحلي في شرح جمع الجوامع. ثم ذكر رحمه الله تعالى الأسباب الحاملة على الوضع وهي كثيرة فقال: 260 - وَالْوَاضِعُونَ بَعْضُهُمْ لِيُفْسِدَا ... دِينًا وَبَعْضٌ نَصْرَ رَأْيٍ قَصَدَا 261 - كَذَا تَكَسُّبًا، وَبعْضٌ قَدْ رَوَى ... لِلأُمَرَاءِ مَا يُوَافِقُ الْهَوَى فمن الأسباب الحاملة على الوضع إفساد الدين، وهو الذي أشار إليه بقوله (والواضعون) أي المختلقون للأخبار الكاذبة، مبتدأ حذف خبره أي أقسام (بعضهم) مبتدأ خبره قوله (ليفسدا) بألف الإطلاق أي وضع ليفسد (ديناً) أي دين الإسلام. وحاصل المعنى: أن بعض الوضاعين يضع الأخبار لأجل أن يفسد الدين وهؤلاء هم الزنادقة وضعوا إفساداً له لاستخفافهم به، وتلبيساً لأمره

على المسلمين لما وقر في نفوسهم من الحقد على الإسلام وأهله، يظهرون بمظهر المسلمين، وهم المنافقون. قال حماد بن زيد وضعت الزنادقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر ألف حديث، كعبد الكريم بن أبي العوجاء قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة على الزندقة بعد سنة ستين ومائة في خلافة المهدي، ولما أخذ ليضرب عنقه قال: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال، وأحل فيها الحرام، وكبيان بن سمعان النهدي من بني تميم ظهر بالعراق بعد المائة، وادعى إلهية علي - رضي الله عنه -، وزعم مزاعم فاسدة، ثم قتله خالد بن عبد الله القسري، وأحرقه بالنار، وكمحمد بن سعيد بن حسان الأسدي الشامي المصلوب في الزندقة. قال ابن الجوزي رحمه الله: وقد كان من هؤلاء من يتغفل الشيخ فيدس في كتابه ما ليس من حديثه فيرويه ذلك الشيخ ظناً منه أنه من حديثه اهـ. ومنها نصر الأراء والمذاهب، وإليه أشار بقوله: (وبعض) من الوضاعين مبتدأ خبره جملة قوله (نصر رأي) أي مذهب من المذاهب الفاسدة التي لا دليل عليها، مفعول مقدم لقوله (قصدا) بألف الإطلاق، يعني أنه أراد أن ينصر رأيه الذي ينتحله، وحاصل المعنى: أن بعض الوضاعين وهم أصحاب الأهواء والآراء التي لا دليل عليها من الكتاب والسنة حملهم على الوضع نصرة أهوائهم وآرائهم كالخطابية، والرافضة، وغيرهم. قال عبد الله بن يزيد المُقِرئُ: أنّ رجلًا من أهل البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول: انظروا هذا الدين عمن تأخذونه، فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً. وقال حماد بن سلمة: أخبرني شيخ من الرافضة أنهم كانوا يجتمعون على وضع الأحاديث، وقال أبو العباس القرطبي صاحب كتاب المفهم شرح

صحيح مسلم: استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دل عليه القياس الجلي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسبة قولية فيقولون في ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة لأنها تشبه فتاوى الفقهاء، ولأنهم لا يقيمون لها سنداً. نقله السخاوي في شرح الألفية العراقية. ومنها قصد التكسب والارتزاق وإليه أشار بقوله (كذا) أي مثلما تقدم من أنواع الوضع، وهو خبر لمحذوف أي الوضع (تكسباً) مفعول لأجله أي لأجل الارتزاق به يعني أن وضع الأخبار لأجل التكسب مثلما تقدم من الأنواع. وحاصل المعنى: أن بعض الوضاعين وهم القصاص حملهم على الوضع قصد التكسب والارتزاق والتقرب للعامة بغرائب الروايات ولهم في هذا غرائب وعجائب، فمنها ما حكاه أبو حاتم البستي أنه دخل مسجداً فقام بعد الصلاة شاب فقال: حدثنا، أبو خليفة، حدثنا أبو الوليد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس وذكر حديثاً، قال أبو حاتم: فلما فرغ دعوته قلت: رأيت أبا خليفة؟ قال: لا قلت: كيف تروي ولم تره؟ فقال إن المناقشة معنا من قلة المروة، أنا أحفظ هذا الإسناد فكلما سمعت حديثاً ضممته إليه، ومنها ما رواه ابن حبان عن مؤمل بن إهاب، قال: قام رجل يسأل النَّاس فلم يعط شيئاً فقال: حدثنا يزيد بن هارون، عن شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا سأل السائل ثلاثاً فلم يعط فليكبر عليهم ثلاثاً وجعل يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ثم مَرَّ، فذكر ذلك ليزيد بن هارون، فقال كذب عليَّ الخبيثُ ما سمعت بهذا الحديث قط. ومنها التقرب إلى الملوك والأمراء وإليه أشار بقوله (وبعض) من الوضاعين مبتدأ خبره قوله (قد روى) أي أخبر (للأمراء ما) أي الخبر الذي (يوافق الهوى) أىِ يناسب ما يهوونه ويحبونه من الأفعال والأقوال والأحوال. وحاصل المعنى: أن بعض الوضاعين حملهم على الوضع قصد التقرب إلى الملوك والخلفاء والأمراء بالأقوال المختلقة المكذوبة على

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إرضاء للأهواء الشخصية، ونَصْراً للأحوال السياسية كغِيَاث ابن إبراهيم النخعي الكوفي الكذاب الخبيث فإنه دخل على المهدي (¬1) وكان يحب الحمام ويلعب به فإذا قُدَّامَهُ حمام فقيل له: حدِّث أمير المؤمنين فقال: حدثنا فلان عن فلان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح ". فأمر له المهديِ بِبَدْرَةٍ (¬2) فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك ثم أمر بذبح الحمام، ورفض ما كان عليه. ومنها الوضع في الترغيب والترهيب احتساباً وإليه أشار بقوله: 262 - وَشَرُّهُمْ صُوفِيَّةٌ قَدْ وَضَعُوا ... مُحْتَسِبِينَ الأَجْرَ فِيمَا يَدَّعُوا 263 - فَقُبِلَتْ مِنْهُمْ رُكُونًا لَهُمُ ... حَتَّى أَبَانَهَا الأُولَى هُمُ هُمُ (وشرهم صوفية) مبتدأ وخبر أي أشر أصناف الواضعين قوم صوفيون، دخيلون في التصوف، نسبوا أنفسهم إلى الزهد حملهم الجهل على الوضع، وقوله (قد وضعوا) صفة لصوفية أي اختلقوا أحاديثَ، حال كونهم (مُحْتسِبينَ الأجر) أي مدخرين الأجر عند الله، يقال احتسبت الأجر على الله أي ادخرته عنده لا أرجوا ثواباً في الدنيا، والاسم الحِسْبَة أفاده في المصباح، (فيما يدعوا) متعلق بمحتسب أي في زعمهم الباطل. فما مصدرية ويدعوا صلتها نصب بها على قلة حملاً على " أنْ " كما ورد " كما (¬3) تكونوا يولى عليكم " ذكره ابن الحاجب قال ابن مالك في إهمال أن حملاً على " ما " كالعكس: ¬

_ (¬1) هو محمد بن المنصور العباسى. (¬2) أي عشرة آلاف درهم. (¬3) رواه الحاكم والبيهقي عن حديث يَحْيَى بن هاشم حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه أظنه عن أبي بكرة مرفوعاً. ورواية البيهقي بدون شك بحذف أبي بكرة وفال إنه منقطع وراويه يَحْيَى في عداد من يضع الحديث. اهـ المقاصد الحسنة.

وَبَعْضُهُم أَهمَلَ أَنْ حَمْلًا على ... مَا أخْتِهَا حَيث استَحَقتْ عَمَلَا وحاصل المعنى: أن أشر أصناف الوضاعين صوفية وضعوا أحاديث يحتسبون الأجر بزعمهم الباطل، وجهلهم الذي بسببه لا يفرقون بين ما يجوز لهم ويمتنع عليهم في صنيعهم هذا، فيرونه قربة، ويحسبون أنهم يحسنون فإذا هم يفسدون، ولا يصلحون. (فقبلت) تلك الموضوعات (منهم) أي من هؤلاء الصوفية الجَهَلَة أي قَبِلَ الناسُ موضوعاتهم (ركوناً لهم) أي لأجل ميل النَّاس إليهم، واعتمادهم عليهم، وثوقاً بهم، لما يتصفون به من التزهد، والتدين، فاغتروا، وفَشَتْ موضوعاتهم بينهم، (حتى أبانها) أي إلى أن أظهر كونها مختلقة (الأولى) اسم موصول بمعنى الذين فاعل أبان، وقوله: (هم هم) مبتدأ وخبره صلة الموصول، وفي اتحاد المبتدإ والخبر من التعظيم ما لا يخفى كقوله: أنا أبُو النَّجْمِ ... وَشِعْرِي شِعْرِي والمعنى هم البالغون في الحفظ والإتقان وتمييزِ الخبيث الغايةَ القُصوى. وحاصل معنى البيتين: أن أشر أصناف الوضاعين وأعظمهم ضرراً قوم نسبوا أنفسهم إلى الزهد والتصوف ولم يتحرجوا عن وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب احتساباً للأجر عند الله ورغبة في حض النَّاس على عمل الخير واجتناب المعاصي فيما زعموا، وهم بهذا العمل يفسدون ولا يصلحون، وقد اغتر بهم كثير من العامة، وأشباههم، فصدقوهم ووثقوا بهم لما نسبوا إليه من الزهد والصلاح، وليسوا موضعاً للصدق ولا أهلًا للثقة، وبعضهم دخلت عليه الأكاذيب جهلاً بالسنة لحسن ظنهم وسلامة صدرهم، فيحملون ما سمعوه على الصدق، ولا يهتدون لتمييز الخطأ من الصواب، وهؤلاء أخف حالًا وأقل إثماً من أولئك، ولكن الواضعون منهم أشد خطراً لخفاء حالهم على كثير من الناس. فلولا أئمة السنة لاخْتَلَطَ الأمر على العامة ولسقطت الثقة بالأحاديث.

فلقد أنشأ الله أقواماً بذلوا جهدهم في الذب عن السنة وتوضيح الصَّحِيح من القبيح، وما أخلى الله عنهم عصراً من الأعصار، وإن قلوا في هذا الزمان، وتناءت بهم الديار فصاروا أعز من الكبريت الأحمر. من الوافر: وَقَدْ كَانُوا إِذَا عُدُّوا قَلِيلاً ... فَقَدْ صَارُوا أقَلَّ مِنَ الْقَلِيل ومَرَّ أحمد بن حنبل على نفر من أصحاب الحديث وهم يعرضون كتاباً لهم فقال ما أحسب هؤلاء إلا ممن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة ". قال ابن حبان: ومَنْ أحقُّ بهذا التأويل من قوم فارقوا الأهل والأوطان، وقنعوا بالكسر والأطمار، في طلب السنن والآثار، يجولون البراري والقفار، ولا يبالون بالبؤس والافتقار، متبعين لآثار السلف الماضين، وسالكين ثَبَجَ مَحَجة الصالحين، بِرَدِّ الكذب عن رسول رب العالمين، وذب الزور عنه حتى وضح للمسلمين المنار، وتبين لهم الصَّحِيح من الموضوع والزورِ من الأخبار. وما أحسن ما قاله العلامة محمد بن المديني رحمه الله في وصفهم: من الطويل أحَقُّ أنَاسٍ يُستَضاءُ بِهَديهِم ... أئِمَّةُ أصحابِ الحَدِيث الأفَاضِلِ خَلائِفُ أصحابِ الحَدِيثِ ذَوو الحِمى ... لَهُم رُتَبٌ عَلْياَ وَأسْنَى الفَضَائِل فلَولاَ هُمُ لم يَعرِفِ الشَّرعَ عالِمٌ ... وَلَم تَكُ فَتْوىَ فِي فُنُونِ المسائِل وهَلَ نَشَرَ الآثارَ قَومٌ سِوَاهُمُ ... نَعَم حَفِظُوهَا ناقِلاً بَعدَ ناقِل فَدَيْتُهُمُ مِن عُصْبَةٍ عَلَمِ الهُدَى ... لَقَد أحْرَزُوا فَضْلاً عَلَى كُلِّ فَاضل هُمُ القَومُ لَا يَشقَى لَعَمْرِيِ جَلِيسُهُمْ ... فَمَن فاتَهُمْ يحَظَى بِغَيرِ الفَضَائِل وقول بعضهم: عَلَيكَ بِأصحَابِ الحَديثِ فَإِنَّهُمْ ... خِيَارُ عِبَادِ اللهِ فِي كُلِّ مَحْفَلِ وَلَا تَعْدُونْ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ ... نُجُومُ الْهُدَى فِي أعْيُنِ الْمُتَأمِّلِ

جَهَابِذَةٌ شُم سَرَاةٌ فَمَن أتَى ... إِلى حَيِّهِمْ يَوماً فَبِالنًّورِ يَمْتَلِى لَقَدْ شَرَقَتْ شَمسُ الْهُدَى فِي وُجُوهِهمْ ... وَقدْرُهُمُ فِي الناسِ مَا زَالَ يَعْتَلى فَلِلَّهِ مَحْياهُمْ معاً وَمَماتُهُمْ ... لَقَدْ ظَفِرُوا إدْرَاكَ مَجْدٍ مُؤثَّل وَقَالَ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ مَقَالَةً ... غَدَتْ مِنْهُمُ فَخْراً لِكُلِّ مُحَصِّلِ أرَى الْمَرْأَ مِنْ أهْلِ الْحَدِيثِ كأنَّهُ ... رَأى الْمَرْأ مِنْ صَحْبِ النَّبِيّ الْمُفَضَّل عَلَيهِ صَلَاةُ اللهِ مَا ذَرَّ شَارِق ... وَآلٍ لَهُ وَالصَّحْبِ أهْلِ التفَضُّلِ (تنبيه): قال المحقق ابن شاكرٍ ما نصه: هذه هي النسخة الصَّحِيحة في البيت المصححة على النسخة المقرؤة على المؤلف، ورواه الشارح حتى أبانها أُلُو هِمَمْ هُمُ، وجعل كلمة هم مبتدأ خبره كالواضعين في البيت الذي بعده، وشرح الكلام على ذلك، وهو تكلف ظاهر لا داعي له. قلت: دعواه التكلف غير صحيح إذ المعنى عليه صحيح أيضاً لأن أولو بمعنى أصحاب مضاف إلى همم، أي أصحاب همم والتنوين للتعظيم، أي همم عالية، أي أظهر تلك الغلطاتِ أصحابُ همم عالية. وأما جعله هم مبتدأ خبره كالواضعين، وإن كان فيه تضمين فهو جائز للمولدين. هذا كله إذا كانت النسخة من الناظم، وأما إذا كانت غير صادرة عنه فيتعين ما هو المقروء عليه، فتنبه. ثم ذكر رحمه الله بعض الوضاعين حسبة، وهم الذين وضعوا في فضائل القرآن سورة سورة، فقال: 264 - كَالْوَاضِعِينَ فِي فَضَائِلِ السُّوَرْ ... فَمَنْ رَواهَا فِي كِتَابِهِ قَذَرْ (كالواضعين) خبر لمحذوف أي هم كالوضعين (في فضائل السور) أي مزايا وثواب من قرأها، والمراد كل سورة القرآن. وحاصل المعنى: أن من الوضاعين الذين يضعون حسبة وتقرباً إلى الله تعالى بزعمهم الباطل من وَضَعَ فضائل القرآن سورة سورة، وإلا فقد ثبت فضائل بعض السور، كما يأتي، فمن هؤلاء أبو عصمة نوح بن أبي مريم المروزي قاضيها وعالمها، قال الذهبي: يقال له نوح الجامع لأنه

أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى، والحديث عن الحجاج بن أرطأة، والتفسير عن الكلبي ومقاتل، والمغازي عن ابن إسحاق، ولي قضاء مرو في خلافة المنصور، وامتدت حياته. قيل له من أين لك عن عكرمة، عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت النَّاس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة. وكان يقال له الجامع لجمعه كل شيء: قال أبو حاتم رحمه الله: جمع كل شيء إلا الصدق. ومنهم ميسرة بن عبد ربه البصري الأكَّالُ لكثرة أكله، قال ابن مهدي: قلت لميسرة بن عبد ربه من أين جئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا فله كذا؟ قال: وضعتها أرغب النَّاس بها. ومن الموضوع أيضاً حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - الطويل في فضائل القرآن سورة سورة انظر التدريب وغيره. ثم ذكر المفسرين الذين ذكروا هذه الموضوعات في كتبهم تحذيراً عن الاغترار بهم. فقال: (فمن رواها) أي نقل هذه الموضوعات في فضائل السور جميعها من المفسرين كالواحدي والثعلبي والزمخشري والبيضاوي وأبي السعود (في كتابه) خبر مقدم لقوله (قذر) بالقاف والذال المعجمتين المفتوحتين، أي وسخ والجملة خبر من. والمعنى: أن من نقل تلك الأخبار المختلفة ففي كتابه وسخ، وهو ذلك الكلام المكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي نسخة المحقق: فَذَر بالفاء والذال، فعل أمر من وَذِرَ كفرح، يقال وذِرْتُهُ بالكسر أذَرُهُ بالفتح وَذْراً بفتح فسكون، أي تركته، وفي المصباح: قالوا: وأماتت العرب ماضيه، ومَصْدَرَهُ، فإذا أريد الماضي قيل: تَرَك، وربما استعمل الماضي على قلة، ولا يستعمل منه اسم فاعل اهـ. والمعنى على هذا فمن روى فضائل السور في كتابه فَدع كتابه، ولا تعتمد عليه، لكونه جمع تلك الأخبار المختلَقَةَ.

قال العراقي: لكن من أبرز إسناده منهم يعني كالأولين فهو أبسط لعذره، إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، وأما من لم يذكر سنده فأورده بصيغة الجزم - فخطأوه أفحش كالزمخشري اهـ. لكن قال السخاوي: إنه لا تبرأ ذمته من العهدة في هذه الأعصار المتأخرة بالاقتصار على إيراد إسناده، لعدم الأمن من المحذور به، وإن كان صَنَعَهُ أكثر المحدثين في الأعصار الماضية في سنة مائتين وهلم جَرَّا هـ. (تنبيه): إنما قيدنا بكل سور القرآن لأنه ورد في فضائل بعض السور أحاديث كثيرة بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف ليس بموضوع. وتفسير الحافظ ابن كثير أجل ما يعتمد عليه في ذلك فإنه أوْرَدَ غالبَ ما جاء في ذلك مما ليس بموضوع وإن فاته أشياء، قاله الناظم. قال: وقد جمعت في ذلك كتاباً لطيفاً سميته " خمائل الزُّهر في فضائل السور " اهـ. ثم ذكر بعض المخذولين الذين أجازوا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترغيباً وترهيباً، فقال: 265 - وَالْوَضْعُ فِي التَّرْغِيبِ ذُو ابْتِدَاعِ ... جَوَّزَهُ مُخَالِفُ الإِجْمَاعِ (والوضع) مبتدأ خبره ذو ابتداع أي وضع الأخبار واختلاقها (في الترغيب) أي ترغيب النَّاس، وحملهم على الطاعة، وكذا في الترهيب عن المعصية (ذو ابتداع) أي مبتدع يقال: ابتدع الشيء إذا استخرجه، وأحدثه، يعني أن وضع الحديث في الترغيب والترهيب شيء مبتدع ابتدعه بعض من لا يخاف الله من الجهلة كما ذكره بقوله: (جوزه) أي الوضع المذكور (مخالف الإجماع) أي إجماع أهل الإسلام.

والمعنى: أن مجوز ذلك مخالف لإجماع المسلمين فقد أجمعوا على تحريمه في أي معنى كان وجعلوه من أكبر الكبائر. ثم إن هؤلاء المجوزين هم بعض الكَرَّامية وهم قوم منسوبون إلى محمد بن كرام السجستاني، المتكلم، بفتح الكاف وتشديد الراء، وقيل بالتخفيف، وقيل بكسر الكاف وتخفيف الراء، وهو الجاري على ألسنة أهل بلده، وأنشد بعضهم على التخفيف قوله: (من الكامل) الْفِقْة فِقْهُ أبي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ ... وَالدِّينُ دِينُ مُحَمدِ بْنِ كِرَامِ وقبله: إنَّ الذِينَ لجَهْلِهِمْ لَمْ يَقْتَدُوا ... فِي الدِّينِ بِابنِ كِرَام غَيْرُ كِرَامِ وهو أبو عبد الله محمد بن كرام شيخ الطائفة الكرامية، كان عابداً زاهداً، إلا أنه خذِلَ حتى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاهَا توفي سنة 255 هـ، واستدل هؤلاء على جواز ذلك بما روي في بعض طرق الحديث " من كذب عليّ مُتَعَمِّداً ليضل به النَّاس فليتبوأ مقعده من النار " أخرجه الطبراني عن عمرو بن حريث، وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود، قالوا فتحمل الروايات المطلقة على الروايات المقيدة، كما يتعين حمل الروايات المطلقة عن التعمد على المقيد به. وأجيب بأن قوله ليضل به النَّاس مما اتفق الحفاظ على أنها زيادة ضعيفة. وحمل بعضهم حديث من كذب على مُتَعَمِّداً على من قال إنه ساحر أو مجنون واستدلوا لذلك بحديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم قالوا يا رسول الله نحدث عنك بالحديث فنزيد وننقص قال: ليس ذلك أعني، إنما أعني الذي كذب علي متحدثاً يطلب به شين الإسلام " الحديث أخرجه الطبراني في الكبير وابن مردويه، والجواب عن هذا ما قاله الحاكم: إنه حديث باطل فيه

محمد بن الفضل بن عطية اتفقوا على تكذيبه، وقال صالح جزرة كان يضع الحديث. وقال بعضهم: إنما قال من كذب عَلَيَّ ونحن نكذب له ونُقَوِّي شرعه، وجوابه أن هذا جهل منهم باللغة لأنه كذب عليه في وضع الأحكام، فإن المندوب قسم منها ولأنه يتضمن الإخبار عن الله في الوعد على ذلك العمل بالإثابة والإخبار بالعقوبة المعينة ولأنه تعالى قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية فلا يحتاج إلى زيادة تُقَوِّيهِ. ولما كان من العلماء من بالغ فكفر الكاذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره بقوله: 266 - وَجَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ ... بِكُفْرِهِ بِوَضْعِهِ إِنْ يَقْصِدِ (وجزم) أي قطع الشيخ العلامة (أبو محمد) عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف الجويني نسبة إلى جوين بضم الجيم وفتح الواو وسكون الياء وآخره نون ناحية كبيرة من نواحي نيسابور، وتفقه على أبي الطيب الصعلوكي، وأبي بكر القفال، وسمع الحديث على أبي عبد الرحمن السلمي، وأبي علي بن شاذان، وغيرهما، توفي رحمه الله بنيسابور سنة (434 هـ). (بكفره) متعلق بجزم أي بكفر ذلك الشخص الذي وضع الحديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بوضعه) متعلق بكفر، أي حكم بسبب وضعه الحديث، أو خبر لمحذوف أي ذلك كائن بوضعه (إن) شرطية (يقصد) بالبناء للفاعل، أي إن يتعمد ذلك، يعني أنه إنما يحكم عليه بالكفر إن فعل ذلك متعمداً قاصداً له لا عن سهو ولا غلط. وقد أيد العلامة ابن الوزير في التنقيح قول الجويني هذا، حيث قال:

ويدل على قوله، قول الله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)) فسوى بين الكذب على الله وتكذيبه. ونقل الحافظ ابن كثير عن أبي الفضل الهَمَذَاني شيخ ابن عقيل من الحنابلة أنه وافق الجويني على هذه المسألة. ثم إن غالب الموضوعات مما اختلقه الوَضَّاعون. وبعضه مأخوذ من كلام النَّاس وإليه أشار بقوله: 267 - وَغَالِبُ الْمَوْضُوعِ مِمَّا اخْتَلَقَا ... وَاضِعُهُ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ لَفَّقَا 268 - كَلامَ بَعْضِ الْحُكَمَا ...... ... .............. (وغالب) الخبر (الموضوع) مبتدأ خبره قوله (مما اختلقا) بالبناء للفاعل، والألف إطلاقية، والفاعل قوله (واضعه)، والمعنى أن غالب الموضوعات مما صنعه الوضاعون من عند أنفسهم كما قدمناه من الأمثلة. وكما وضعه مأمون بن أحمد الهروي لَمَّا قيل له ألا ترى إلى الشافعي، ومن تبعه بخراسان؟ من قوله: حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا عبيد الله بن معدان الأزدي، عن أنس مرفوعاً " يكون في أمتي رجل يقال له: محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له: أبو حنيفة، هو سراج أمتي، هو سراج أمتي ". قال الملا علي القاري: ولقد رأيت رجلاً قام يوم الجمعة والناس مجتمعون قبل الصلاة فابتدأ ليورد هذا الموضوع فسقط من قامته مغشيا عليه. وكذا ما وضعه محمد بن عكاشة الكرماني لما قيل له إن قوماً يرفعون أيديهم في الركوع وفي الرفع منه، من قوله: حدثنا المسيب بن واضح، حدثنا ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أنس مرفوعاً " من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له ".

ثم ذكر الكلام الملفوق بقوله: (وبعضهم) أي الوضاعين مبتدأ خبره قوله (قد لفقا) بألف الإطلاق أي ضم يقال: لفقت الثوب لفقاً من باب ضرب: ضممت إِحدى الشقتين إلى الأخرى (كلام بعض الحكما) مفعول لفق، والحكما بالقصر للوزن جمع حكيم، وهو من يعرف الحكمة، وهي كما في تعريفات الجرجاني علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في الوجود بقدر الطاقة البشرية. والمعنى أن بعض الوضاعين ما وضع الأخبار من عند نفسه، وإنما أخذ ذلك من كلام بعض (¬1) الحكماء، أو الصحابة، أو ما يروي من الإسرائيليات فيضمه وينسبه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترويجاً له " كالمعدة بيت الداء والحمية رَأس الدواء " قيل إنه كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، " وكحب الدنيا رأس كل خطيئة " إما من قول عيسى ابن مريم عليهما السلام، أو من قول جندب البجلي - رضي الله عنه -، أو من قول مالك بن دينار، أو من قول سعد بن مسعود التجيبي أقوال. لكن أخرجه البيهقي في الشعب بسند حسن إلى الحسن البصري رفعه مرسلًا قال العراقي ومراسيله عندهم شبه الريح اهـ. لكن قال الحافظ: مراسيله أثنى عليها أبو زرعة، وابن المديني فلا دليل على وضعه اهـ. وقال السخاوي لا يصح التمثيل به إلا أن يكون سنده مما ركب فقد ¬

_ (¬1) كالحارث بن كلدة وبقراط وأفلاطون وأرطاطاليس.

ركبت أسانيد مقبولة لمتون ضعيفة، أو متوهمة فيكون من أمثلة الوضع السَّندي اهـ. ثم إن ما تقدم كله في الوضع قصداً، وقد يقع غلطاً وإليه أشار بقوله: ........... وَمِنْهُ مَا ... وُقُوعُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَهَمَا (ومنه) أي الموضوع خبر مقدم لقوله (ما) أي الكلام الذي كان (وقوعه) أي صدوره من الراوي (من غير قصد) لوضعه بل وقع (وهما) مفعول لأجله أي لِوَهَمِ الراوي، والوَهَم كالغلط وزناً ومعنى. وحاصل المعنى: أن من أقسام الموضوع ما لم يقصد وضعه، وإنما وهم فيه بعض الرواة قال ابن الصلاح إنه شبه الوضع، أي من حيث إنه ليس بحديث في إرادة قائله ولا وضعه. قال الناظم: فليس بموضوع حقيقة بل هو بقسم المدرج أولى اهـ. وقدمنا مثاله هناك بحديث ثابت بن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ". ولما كان الحافظ ابن الجوزي متساهلاً في الحكم على الحديث بالوضع ذكره بقوله: 269 - وَفِي كِتَابِ وَلَدِ الْجَوْزِيِّ مَا ... لَيْسَ مِنَ الْمَوْضُوعِ حَتَّى وُهِّمَا 270 - مِنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ وَالْحَسَنْ ... ضَمَّنْتُهُ كِتَابِيَ " الْقَوْلَ الْحَسَنْ " (وفي كتاب) الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الله القرشي البكري الصديقي البغدادي الحنبلي الواعظ المعروف بابن الجوزي كما قال: (ولد الجوزي) بفتح الجيم نسبة

إلى الجوزة، لجوزة كانت في دارهم لم يكن بواسط سواها ولد سنة 510، أو قبلها، صنف التصانيف الكثيرة، منها زاد المسير في التفسير، وجامع المسانيد، والمغني في علوم القرآن، وغيرها مات يوم الجمعة 13 رمضان سنة 597، قال الذهبي: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه اهـ. وقوله: في كتاب خبر مقدم لقوله (ما) أي الحديث الذي (ليس من الموضوع) أصلًا لعدم ما يدل على وضعه، بل هو ضعيف، بل وفيه الحسن، والصَّحِيح كما سيأتي (حتى وهما) بالبناء للمفعول من التوهيم، أي نسبه العلماء الحفاظ والأئمة النقاد إلى الوهم أي الغلط في ذكره ذلك في جملة الموضوعات، قال بعضهم: صنف ابن الجوزي كتاب الموضوعات فأصاب في ذكر أحاديث شنيعة مخالفة للنقل والعقل، ولم يصب في إطلاقه الوضع على أحاديث بكلام بعض النَّاس في أحد رواتها كقوله فلان ضعيف، أو ليس بقوى، أو لين، وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه ولا فيه مخالفة ولا معارضة لكتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا حُجَّةَ بأنه موضوع سوى كلام ذلك الرجل في راويه، وهذا عدوان ومجازفة اهـ. وقال الحافظ: غالب ما في كتابه موضوع، والذي ينتقد عليه بالنسبة إلى ما لا ينتقد قليل جِدًّا، قال وفيه من الضرر أن يُظَنَّ ما ليس بموضوع موضوعاً عكس الضرر بمستدرك الحاكم، فإنه يظن ما ليس بصحيح صحيحاً، قال ويتعين الاعتناء بانتقاد الكتابين، فإن الكلام في تساهلهما أعدم الانتفاع بهما إلا لعالم بالفن لأنه ما من حديث إلا ويمكن أن يكون قد وقع فيه تساهل اهـ. وقوله: (من الصَّحِيح) بيان لما أي من الحديث الصَّحِيح (والضَّعِيف) منه (ضمنته) أي ذكرت ما في كتابه مما ليس من الموضوع بل إما صحيح، أو حسن، أو ضعيف ضمن (كتابي) بفتح الياء لغة في سكونها المسمى (القول الحسن) في الذب عن السنن.

وأصل هذا الكتاب أن الحافظ ألف كتاباً سماه " القول المسدد في الذب عن مسند أحمد " أورد فيه أربعة وعشرين حديثاً في المسند، وهي في كتاب ابن الجوزي، وانتقدها حديثاً حديثاً، فذيل عليه الناظم، وزاد على ذلك أربعة عشر حديثاً، وهي في المسند أيضاً ثم ألف كتابا آخر، وهو الذي ذكره هنا ذيلًا على هذين الكتابين أورد فيه مائة وبضعة وعشرين حديثاً ليست بموضوعة، منها ما في سنن أبي داود، وهي أربعة أحاديث، منها حديث صلاة التسبيح، ومنها ما هو في جامع الترمذي وهو ثلاثة وعشرون حديثاً ومنها ما هو في سنن النسائي وهو حديث واحد، ومنها ما هو في سنن ابن ماجه، وهو ستة عشر حديثاً، ومنها ما هو في صحيح البخاري رواية حماد بن شاكر وهو حديث ابن عمر " كيف يا ابن عمر إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم " هذا الحديث أورده الديلمي في مسند الفردوس، وعزاه للبخاري، وذكر سنده إلى ابن عمر، قال الناظم: ورأيت بخط العراقي أنه ليس في الرواية المشهورة، وأن المِزِّيَّ ذكر أنه في رواية حماد بن شاكر، ومنها ما هو في تأليف البخاري غير الصَّحِيح، كخلق أفعال العباد، أو تعاليقه في الصَّحِيح، أو مؤلف أطلق عليه اسم الصَّحِيح، كمسمند الدارِميّ، والمستدرك، وصحيح ابن حبان، أو في مؤلف معتبر كتصانيف البيهقي، فقد التزم أن لا يخرج فيها حديثاً يعلمه موضوعاً، ومنها ما ليس في أحد هذه الكتب. قال الناظم: وقد حررت الكلام على ذلك حديثاً حديثاً فجاء كتاباً حافلاً، وقلت في آخره نظماً (من المتقارب): كِتَابُ الأبَاطيلِ لِلْمُرْتَضَى ... أبِى الفَرَجِ الحَافِظِ المُقْتَدىِ تَضَمَّنَ مَا لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ ... لِذِى الْبَصَرِ الناقِدِ الْمُهْتَدىِ فَفِيهِ حَدِيثٌ رَوىَ مُسْلِم ... وَفَوْقَ الثلَاثِينَ عَنْ أحْمَدِ وَفَردٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيِّ فِي ... رِوَايَةِ حَمَّادٍ المُسْنِدِ وَعنْدَ سُليمَانَ قُلْ أرْبَعٌ ... وَبِضْعٌ وَعِشْرُونَ فِي التِرْمِذِي

وَللنَّسَئِيْ وَاحِدٌ وَابْنِ مَا ... جَهٍ سِتَّ عَشْرَةَ إنْ تَعْدُدِ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ لَا فِي الصَّحِيحِ ... وَللدَّارِمِيْ الْحَبْرِ فِي المُسْنَدِ وَعِنْدَ ابنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ الـ ... إمَامِ وَتلْمِيذِهِ الْجهْبِذي وَتَعْلِيقُ إِسْنادِهِمْ أرْبَعُونَا ... وَخُذْ مِثْلَهَا وَاسْتَفِدْ وَانْقُدِ وَقَدْ بَانَ ذَلِك مَجْمُوعُهُ ... وَأوضَحْتُهُ لَكَ كَيْ تَهْتَدِي وَثَمَّ بَقَايَا لَمُسْتَدرِكٍ ... فَمَا جُمِعَ الْعِلْمُ فِي مُفْرَدِ ثم ذكر رحمه الله مما حكم عليه ابن الجوزي بالوضع وهو في أحد الصَّحِيحين فقال: 271 - وَمِنْ غَرِيبِ مَا تَرَاهُ فَاعْلَمِ ... فِيهِ حَدِيثٌ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمِ (ومن غريب) أي بعيد، يقال كلام غريب، أي بعيد من الفهم، أفاده في المصباح، وفي " ق " غَرُبَ ككرم غمض وخفي. اهـ، وفي التاج: والكلام الغريب العميق الغامض، يعني من أبعد (ما تراه) أيها المحدث (فاعلم) جملة معترضة أي اعلم ذلك وتحققه (فيه) أي في كتاب ابن الجوزي متعلق بترى وقوله (حديث) مبتدأ مؤخر خبره قوله من غريب (من صحيح مسلم) صفة لحديث، أي كائن في صحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. وحاصل المعنى: أن من أغرب وأعجب ما تراه في ذلك الكتاب حديثاً واحداً ذكر في صحيح الإمام مسلم، وهو ما رواه من طريق أبي عامر العقدي، عن أفلح بن سعيد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن طالت بك مدة أوشك أن ترى قوماً يغدون في سخط الله وَيَرُوحُونَ في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر " قال الحافظ: وهذا الحديث في المسند من وجهين، ولم أقف في كتابه على شيء حكم عليه بالوضع، وهو في أحد الصَّحِيحين غير هذا الحديث، وإنها لغفلة شديدة منه، ثم تكلم عليه وعلى شواهده، قلت قدمنا عن الناظم حديثاً آخر في صحيح البخاري رواية حماد بن شاكر فتنبه.

(تنبيهان): الأول: يقع في كلامهم المطروح، وهو غير الموضوع جزماً، وقد أثبته الذهبي نوعا مستقلاً، وعَرَّفه بأنه ما نزل عن الضَّعِيف، وارتفع عن الموضوع ومثله بحديث عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن الحسن، عن علي، وبجويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال الحافظ: وهو المتروك في التحقيق. اهـ. قلت قد تقدم البحث عنه في بابه. (الثاني): قال النسائي: الكذابون المعروفون بوضح الحديث أربعة ابن (¬1) أبي يَحْيَى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بخراسان، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام. نقله في التدريب. وقد نظمت ذلك حيث قلت: من الرجز مَنْ عُرِفوا بِالْوَضْعِ قُلْ أربَعَةُ ... ابنُ أبي يَحْيَى حَوَتْهُ طَيْبَةُ وَالْوَاقِدِيُّ قُلْ بِبَغْدَادَ فَرَى ... (¬2) وَبِخُرَاسَانَ مُقَاتِلُ افْتَرَى مُحَمَّدُ الْمَصْلُوبُ بِالشَّامِ اعْتَدَى ... لِذَا النَّسَائِي الْبَصِيرُ أرْشَدَا (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: وبدليل فيه إلى آخر البيت العاشر، وقوله بعضهم ليفسدا إلى ما يوافق الهوى، وقوله مخالف الإجماع، إلى إن يقصد، وقوله: من الصَّحِيح، وقوله والحسن إلى آخر الباب. ثم لما أنهى الكلام على الصَّحِيح وما يتعلق به والحسن وما يتعلق به والضَّعِيف وما يتعلق به، وذكر أنواعاً من الضَّعِيف لها ألقاب خاص كالشَّاذ، والمنكر، ونحوهما بأبواب متتالية أتبعها بخاتمة تتعلق بها جَمِيعِهَا تتميماً لمسائلها فقال: ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن محمد بن أبي يَحْيَى المدني متروك، مات سنة (184) وقيل (191) قاله في التقريب 23. (¬2) يقال فرى عليه عن باب وهى كذب كافترى عليه أفاده في المصباح.

خاتمة

خاتمة أي هذا مبحث خاتمة يختم بها ما بقي مما يتعلق بالأبواب السابقة من بيان ترتيب أقسام الضَّعِيف التي لها ألقاب خاصة، وبيان كيفية رواية الصَّحِيح، والضَّعِيف، وكيف يحكم من رأى ضعفاً في سند حديث. قال رحمه الله: 272 - شَرُّ الضَّعِيفِ الْوَضْعُ فَالْمَتْرُوكُ ثُمّ ... ذُو النُّكْرِ فَالْمُعَلُّ فَالْمُدْرَجُ ضُمّ 273 - وَبَعْدَهُ الْمَقْلُوبُ فَالْمُضْطَرِبُ ... وَآخَرُونَ غَيْرَ هَذَا رَتَّبُوا (شر الضَّعِيف الوضع) مبتدأ وخبر على حذف مضاف من الثاني، أو على تأويله بالمشتق، أي ذو الوضع أو الموضوع شر أنواع الضَّعِيف من الأخبار، وهذا لا خلاف فيه، بل هو في الحقيقة غير حديث، وإنما ذكروه لزعم واضعه ذلك. والأحسن كما قال السخاوي أنه إنما ذكروه لأجل معرفة الطرق التي يتوصل بها لمعرفته لِيُنفَى عنه القبول. وقد سبق هذا في أوائل بحث الموضوع (فـ) يليه (المتروك) من الأخبار وهو كما تقدم ما انفرد بروايته متهم بالكذب إلخ (ثم) يليه (ذو النكر) بضم فسكون اسم من الإنكار يقال نَكِرَ (¬1) الأمرَ نكيراً وأنكره إنكاراً ¬

_ (¬1) كفرح.

ونكراً بضم فسكون جهله، والصَّحِيح أن الإنكار المصدر، والنكر الاسم قاله في اللسان. يعني أن المنكر يلي المتروك في الرتبة (فـ) يليه (المعل) وهو ما ظاهره السلامة ثم اطلع فيه بعد التفتيش على قادح (فـ) يليه (المدرج) وقد تقدم تعريفه بنوعيه وقوله (ضم) يحتمل أن يكون بالبناء للمفعول، والجملة حال من المدرج، أي حال كونه مضموماً إلى ما قبله، أو خبر له، ويحتمل أن يكون فعل أمر والمدرج مفعول مقدم، أو مبتدأ خبره جملة الأمر، أي ضم أيها المحدث المدرج إلى ما قبله (وبعده) أي المدرج في الرتبة (المقلوب) وهو الذي أبدل فيه شيء بآخر على الوجه المتقدم (فـ) يليه (المضطرب) وهو الذي اختلفت وجوهه من غير مرجح لأحدها، ولا قابل للجمع بينها، هكذا قال الحافظ كما أفاده في التدريب (وآخرون) من المحدثين، مبتدأ خبره قوله رتبوا، (غير هذا) الترتيب نصب على أنه مفعول مطلق لقوله (رتبوا) أنواعَ الضَّعِيف يعني أن بعض المحدثين سلكوا في ترتيب أنواع الضَّعِيف مسلكاً آخر. فقال الخطابي شرها الموضوع، ثم المقلوب، ثم المجهول، وقال الزركشي ما ضعفه لا لعدم اتصاله سبعة أصناف: شرها الموضوع ثم المدرج، ثم المقلوب، ثم المنكر، ثم الشَّاذ، ثم المعل، ثم المضطرب، قال الناظم هذا ترتيب حسن وينبغيِ جعل المتروك قبل المدرج، وأن يقال فيما ضعفه لعدم اتصاله: شره المعضل، ثم المنقطع، ثم المدلس، ثم المرسل، وهذا واضح، ثم ذكر كيفية رواية الحديث الصَّحِيح وغيره فقال: 274 - وَمَنْ رَوَى مَتْنًا صَحِيحًا يَجْزِمُ ... أَوْ وَاهِيًا أَوْ حَالُهُ لا يُعْلُمُ 275 - بِغَيْرِ مَا إِسْنَادِهِ يُمَرِّضُ ... وَتَرْكَهُ بَيَانَ ضَعْفٍ قَدْ رَضُوا 276 - فِي الْوَعْظِ أَوْ فَضَائِلِ الأَعْمَالِ ... لا الْعَقْدِ وَالْحَرَامِ وَالْحَلالِ 277 - وَلا إِذَا يَشْتَدُّ ضَعْفٌ ...... ... .............

(ومن) مبتدأ خبره يجزم أي الذي (روى) أي أراد الرواية كقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا) الآية، يعني أن الذي أراد أن يروي (متناً صحيحاً) بغير إسناده وكذا كتابته (يجزم) عند روايته أي يذكره بصيغة الجزم، كأن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، ويقبح فيه التمريض كما يقبح في الضَّعِيف الجزم. والحاصل أن من روى حديثاً صحيحاً بغير إسناده أو كَتَبَهُ فعليه أن يؤديه أو يكتبه بصيغة الجزم ولايورده بصيغة التمريض التي تشعر بضعفه لأنه يوقع السامع أو القارئ إن كتبه في أن الحديث ضعيف. (أو واهياً) عطف على صحيحاً، أي أو أراد رواية حديث ضعيف (أو) رواية حديث (حاله) بالرفع مبتدأ، أي حال ذلك الحديث وقوله (لا يعلم) بالبناء للمفعول خبر المبتدإ، أي غير معلوم للراوي، ويحتمل كون حاله مفعولاً مقدماً والفعل مبني للفاعل، والفاعل ضمير عائد على من، أي أو أراد رواية حديث لا يعلم الراوي حاله هل صحيح أم لا؟ (بغير ما) " ما " زائدة بين المتضايفين (إسناده) أي بلا ذكر سنده، والجار والمجرور متعلق بروى، وهذا القيد لا بد منه في الأول أيضاً، كما قدرناه قَبْلُ (يمرض) عطف على يجزم وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين، وفيه الخلاف المقرر في محله، يعني يذكره بصيغة التمريض. وحاصل المعنى: أن من أراد رواية أو كتابة حديث ضعيف أو مشكوك في صحته بغير سنده فعليه أن يرويه أو يكتبه بصيغة التمريض، كأن يقول: رُوِيَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بلغنا عنه وما أشبه ذلك، لئلا يغتر به من لا يعرفه لو ذكره بصيغة الجزم، وقيد بقوله بغير إسناده إشارة إلى أنه إذا ذكره مع الإسناد لا يلزمه ذلك للاكتفاء بالإسناد. لكن قدمنا أن مجرد ذكر الإسناد لا يكفي في البراءة عن العهدة في هذه الأزمان المتأخرة لقلة من يعرف حال السَّند، فذكره وعدمه لا يُجْدِي شيئاً، فلا بد من بيان حال الحديث، (وتركه) أي الراوي مفعول مقدم

لرضوا (بيان ضعف) بفتح الضاد وضمها كما قرئ به في السبعة مفعول ترك، (قد رضوا) أي أهل الحديث وغيرهم، والمعنى: أن العلماء جوزوا التساهل في الأسانيد الضَّعِيفة ورواية ما سوى الموضوع من الضَّعِيف وكذا العمل به من غير بيان ضعفه، (في الوعظ) أي النصح والتذكير بالعواقب (أو) في (فضائل الأعمال) وكذا القصص وسائر فنون الترغيب والترهيب مما لا تعلق له بالعقائد، والأحكام كما قال (لا) في (العقد) بفتح فسكون مصدر عقدت على كذا بمعنى اعتقدته فهو بمعنى اسم المفعول، أي الشيء المعتقد، يعني أنهم لا يرضون ذلك في العقائد كصفات الله تعالى، وما يجوز له، وما يستحيل عليه، وكذا تفسير كلامه فلا يجوز ذكر الضَّعِيف دليلاً عليها، (و) لا في (الحرام والحلال) فلا يجوز التساهل فيهما أيضاً، وكذا الوجوب والندب والكراهة. والحاصل أنه لا يجوز الاستدلال بالضَّعِيف في الأحكام الشرعية (ولا) يرضون أيضاً ذلك (إِذَا يشتد ضعف) أي ضعف ذلك الحديث بأن كان راويه متهماً بالكذب أو بالوضع أو فاحش الغلط، قال الناظم: نقل العلائي الاتفاق عليه. والحاصل: أن بعض العلماء جوزوا التساهل في الأسانيد ورواية غير الموضوع من أنواع الحديث الضَّعِيف من غير بيان ضعفها فيما سوى العقائد والأحكام الشرعية كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب. قال ابن الصلاح: وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل - رضي الله عنهما - وزاد السخاوي: ابن معين وابن المبارك والسفيانين، ومنع ابن العربي المالكي العمل بالضَّعِيف مطلقاً، وجوزه بعضهم مطلقاً والحاصل: أن في الاحتجاج بالضَّعِيف ثلاثة مذاهب: الأول: المنع مطلقاً وهو لابن العربي وهو مذهب مسلم، وابن حزم، وهو الراجح. الثاني: الجواز مطلقاً قال الناظم وعزي إلى

أبي داود وأحمد لأنهما يريانه أقوى من رأي الرجال. الثالث: التفصيل المذكور في النظم وهو المعتمد عند كثير من المتأخرين. (تنبيهان): الأول: ذكر في النظم من شروط قبول الضَّعِيف شرطين فقط كونه في الفضائل ونحوها وأن لا يشتد ضعفه، وبقي عليه شرطان: أن يندرج تحت أصل معمول به، وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط ذكرهما العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد. الثاني: قال بعضهم المراد بالضَّعِيف هنا الضَّعِيف في اصطلاح المتقدمين وهو الحسن في اصطلاح المتأخرين وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة كما نقله عنه القاسمي. قلت في هذا القول نظر فإن الحسن يحتج به في الأحكام مطلقاً والعقائد وغيرها وهنا خصوا الفضائل ونحوها وأيضاً فإنهم اشترطوا هنا الشروط المتقدمة وليس في الحسن شيء منها فحمل كلامهم على الضَّعِيف واضح لكن الضَّعِيف مراتب كما تقدم فليس كل ضعيف يصلح للاحتجاج به، ولذا اشترط أن لايكون شديد الضعف فتأمل. ثم ذكر كيفية بيان المحدث إذا رأى حديثاً بإسناد ضعيف فقال: .......... ثُمَّ مَنْ ... ضَعْفًا رَأَى فِي سَنَدٍ وَرَامَ أَنْ 278 - يَقُولَ فِي الْمَتْنِ: ضَعِيفٌ: قَيَّدَا ... بِسَنَدٍ، خَوْفَ مَجِيءِ أَجْوَدَا (ثم) بعد أن بَيَّنَّا ما تقدم نقول (من) شرطية أو موصولة مبتدأ (ضعفا) بالفتح والضم مفعول مقدم لـ (رأى في سند) لحديث بأن كان مرويُّا بسند ضعيف (ورام) عطف على رأى أي قصد (أن يقول في المتن) أي متن ذلك السَّند الضَّعِيف وقوله (ضعيف) أي هو حديث ضعيف مقول قال، وقوله (قَيَّدا) بألف الإطلاق جواب من، أو الجملة خبره، أي قيد ذلك القول (بسند) له بأن يقول هو ضعيف بهذا السَّند. وحاصل المعنى أنه إذا رأى المحدث حديثاً رُوِي بإسناد ضعيف وأراد

أن يبين ضعفه فعليه أن يقيده بذلك الإسناد لجواز أنه قد رواه إمام بإسناد صحيح يثبت بمثله الحديث كما أشار إليه بقوله (خوف مجيء أجودا) أي مخافة أن يوجد له سند أجود من هذا يثبت بمثله الحديث أو بمجموعهما، لكن قال الحافظ: إذا بَلَغَ الحافظ المتأهل الجهدَ، وَبَذَل الوسعَ في التفتيش عنه من مظانه فلم يجده إلا من ذلك الطريق الضَّعِيف فلا مانع من الحكم بالضعف بناءاً على غلبة الظن. فقوله خوف مجيء أجودا منصوب على أنه مفعول لأجله وألف " أجودا " للإطلاق. ثم إن ابن الصلاح رحمه الله منع استقلال المتأخرين بالحكم على الحديث بما يليق به كما تقدم ذلك عند قول الناظم: وابنُ الصلاح قَالَ ما تفردا ... فحسن إلا لضعف فارددا جَرْياً على امتناعِ أن يُصَححَا ... في عَصْرِنَا كَمَا إلَيه جَنَحَا فالناظم خالفه هناك حيث قال: وغَيرُهُ جوَّزَهُ وهو الأبَرّ ... فاحكم هُنَا بِمَا لَه ادَّى النَّظَرْ لكنه وافقه هنا من غير تعقب حيث قال: 279 - وَلا تُضَعِّفْ مُطْلَقًا مَا لَمْ تَجِدْ ... تَضْعِيفَهُ مُصَرَّحًا عَنْ مُجْتَهِدْ (ولا) ناهية (تضعف) أيها المحدث لا تجزم بضعف الحديث الذي رأيته بسند ضعيف، وقوله مطلقاً نعت لمصدر محذوف، أي تضعيفاً مطلقاً عن التقييد بذلك السَّند، أو حالٌ من التضعيف المفهوم من تُضَعِّفْ، ويجوز كونه بصيغة اسم الفاعل حالا من الفاعل، أي حال كونك مطلقاً الحكم عن التقييد بما ذكر (ما) مصدرية ظرفية (لم تجد) أيها المحدث (تضعيفه) أي الحديثِ (مصرحا) بصيغة اسم المفعول مفعول ثان لتجد، أو حال من مفعوله أي موضحاً (عن مجتهد) أي عن إمام مطلع على علل

الحديث حتى رسخ قدمه في ذلك فحكم على الأحاديث بما تستحقه. ومعنى البيت أنه لا ينبغي أن تحكم بالجزم على المتن المذكور على سبيل الإطلاق بل قيده بالسَّند المذكور مدة عدم وجدانك ذلك التضعيف عن إمام من أئمة الحديث المطلعين القادرين على الحكم على أي حديث بما يستحقه، فيقول هذا الحديث ليس له إسناد يثبت بمثله الحديث أو بأنه ضعيف بشذوذ أو نكارة ونحوهما مفسرا ذلك الوجه. هذا: وقد عرفت أن الحق على خلاف ما ذهب إِليه ابن الصلاح، فيجوز لمن تأهل بعد التفتيش على الحديث في مظانه فلم يجده إلا من الطريق الضَّعِيف الحكم عليه بالضعف بناء على غلبة الظن وإن لم يجد نصاً من المتقدمين كما جنح إليه الناظم مخالفاً لابن الصلاح في الكلام على مستدرك الحاكم، وقد مر البحث هناك، وكذا إذا وجد جزم إمام من أئمة الحديث بأن رواية الفلاني تفرد به، وعرف المتأخر أن ذلك المتفرد قد ضعف بقادح جاز له الحكم عليه بالضعف. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله فالمتروك، وقوله: ولا إذا يشتد ضعف. ولما أنهى الكلام على المقبول والمردود من الحديث وما يتعلق بذلك أتبعه بذكر الشخص الذي تقبل روايته والذي لا تقبل فقال:

(من تقبل روايته ومن ترد)

(من تُقبل روايته ومن تُرد) وما يتعلق به من الجرح والتعديل، أي هذا مبحث معرفة صفة الشخص الذي تقبل روايته لاستكماله شروط القبول، والذي لا تقبل لعدم استكماله لها، وهو النوع السابع والثلاثون. من أنواع علوم الحديث. 280 - لِنَاقِلِ الأَخْبَارِ شَرْطَانِ هُمَا: ... عَدْلٌ، وَضَبْطٌ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمَا 281 - مُكَلَّفًا لَمْ يَرْتَكِبْ فِسْقًا ولا ... خَرْمَ مُرُوءَةٍ وَلا مُغَفَّلا 282 - يَحْفَظُ إِنْ يُمْلِ، كِتَابًا يَضْبُطُ ... إِنْ يَرْوِ مِنْهُ، عَالِمًا مَا يُسْقِطُ 283 - إِنْ يَرْوِ بَالْمَعْنَى، وَضَبْطُهُ عُرِفْ ... إِنْ غَالِبًا وَافَقَ مَنْ بِهِ وَصِفْ (لِنَاقِلِ الأَخْبَارِ) أي راوي الأحاديث غير المتواترة، وهو خبر مقدم لقوله (شرطان) يعني أن الشخص الذي يروي الأحاديث يشترط لقبول روايته أمران: وقيدنا بغير المتواتر لأنه لا يشترط فيه هذان الشرطان بل له شروط غيرهما تقدمت في مبحثه. ثم بين الشرطين بقوله (هما) أي الشرطان مبتدأ خبره قوله (عدل وضبط) فالعدل بالفتح مصدر عدل من باب ضرب، والعدل القصد في الأمور وهو خلاف الجَوْر، واصطلاحاً (أن يكون) ناقل الأخبار (مسلماً) فأنْ مصدرية وهي وصلتها خبر لمحذوف، أي هو كونه مسلما إلخ.

فلا يقبل كافر إذ لا وثوق به مع شرف منصب الرواية عن الكافر لنفوذها على كل مسلم وهذا بالإجماع (مكلفاً) أي بالغاً عاقلًا فلا يقبل صبي في الأصح لأنه لعلمه أنه غير مكلف قد لا يحترز عن الكذب فلا يوثق به، وقيل يقبل إن عُلِم منه التحرز عن الكذب، ولا مجنونٍ إذ لا يمكنه التحرز عن الخلل إلا إذا انقطع ولم يؤثر في حال الإفاقة. (لم يرتكب فسقاً) أي لم يزاول مفسقاً، والفسق ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة. (ولا خرم) أي خارم (مرؤة) أي قاطعها، ومزيلها، وهي بالضم والهمز بوزن سُهُولة، وقد تبدل الهمزة واواً فتدغم فيما قبلها: آداب نفسانية تحمل مُرَاعَاتُهَا على الوقف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات. ونقل السخاوي عن الزنجاني: أن المرؤة يُرجَع في معرفتها إلى العرف فلا تتعلق بمجرد الشرع. وأنت تعلم أن الأمور العرفية قلما تنضبط بل هي تختلف لاختلاف الأشخاص والبلدان فكم من بلد جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لَعُدَّ خرماً للمرؤة. وبالجملة فرعاية مناهج الشرع وآدابه والاهتداء بالسلف والاقتداء بهم أمر واجب. قال الزركشي وكأنه يشير بذلك إلى أنه ليس المراد سيرة مطلق الناس بل الذين يُقْتَدَى بهم وهو كما قال اهـ. والحاصل: أن شروط العدالة على ما ذكره خمسة الإسلام، والبلوغ، والعقل، والسلامة من الفسق، والسلامة مما يخرم المرؤة. فجملة " لم يرتكب " خبر بعد خبرين، أو حال من اسم يكونَ. (و) أما الضبط فهو لغة: مصدر ضبط الشيء من باب ضرب حفظه حفظاً بليغاً، ومنه قيل ضَبَطْتُ البلاد وغيرها إذا قمت بأمرها قياماً ليس فيه نقص. اهـ المصباح. واصطلاحات ما أشار إليه بقوله: (لا) يكون (مغفلا) بصيغة اسم المفعول أي منسوباً إلى الغفلة.

والمعنى: أن الضبط أن لايكون الرواي مغفلًا بأن لا يميز الصواب من الخطأ، كالنائم والساهي، إذ المتصف بالغفلة لا يحصل الركون إليه، ولا تميل النفس إلى الاعتماد عليه. وقوله (يحفظ) جملة حالية أي حال كونه حافظاً أي مُثْبِتاً ما سمعه في حافظته بحيث يبعد زواله عنها متمكناً من استحضاره متى شاء. وقوله (إن يمل) قيد في الحفظ أي إن رواه من حفظه، وهذا هو المسمى عندهم بضبط الصدر، وإِنْ في المواضع الثلاثة شرطية. (كتاباً) مفعول لقوله (يضبط) بكسر الباء أي يحفظه ويصونه عن تطرق التزوير والتغيير إليه من حين سمع فيه إلى أن يؤدى منه. (إن يروى منه) أي الكتاب كما هو الغالب في الأزمان المتأخرة، وهذا هو المسمى عندهم بضبط الكتاب، قال بعضهم: ومن شرطه أن لا يُعِيَره لأحد، فإن أعاره فلا يجوز له أن يرويه بعده لاحتمال أن يغيره المستعير ويبدل، ما لم يعره لأمي، وما لم تكثر النسخ، وهذا الزمان لا يقال فيه ذلك لأن الكتب قد ضبطت. انتهى. ذكره الشارح. حال كونه (عالماً ما) أي اللفظ الذي (يسقط) بضم الياء من الاسقاط أي يحذفه من الحديث (إن يرو) الحديث (بالمعنى) بناء على جوازه وهو الصَّحِيح كما سيأتي. وحاصل المعنى: أنه يشترط كون الراوي عالماً بما يحيل المعنى إن رواه بالمعنى بحيث يأمن من تغيير ما يرويه وسيأتي تمامه في بابه إن شاء الله تعالى. ثم ذكر ما يعرف به كون الراوي ضابطاً بقوله (وضبطه) أي الراوي مبتدأ خبره قوله (عرف) بالبناء للمفعول أي علم (إن) شرطية (غالباً) أي في كثير من الأحوال (وافق) الراوي (من) موصولة مفعول وافق (به) أي الضبط (وصف) بالبناء للمفعول أي من اتصف بالضبط وإن خالفه نادرا. وحاصل المعنى أن ضبط الراوي يعرف باعتبار ما يرويه بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان فإن وُجِدَ موافقاً لهم غالباً ولو من حيث

المعنى فضابط وإلا فلا، ولا تضر مخالفته النادرة. ثم ذكر الخلاف فيما يَثْبُتُ به الجرح والتعديل فقال: 284 - وَاثْنَانِ إِنْ زَكَّاهُ عَدْلُ وَالأَصَحْ ... إِنْ عَدَّلَ الْوَاحِدُ يَكْفِي أَوْ جَرَحْ 285 - أَوْ كَانَ مَشْهُورًا ......... ... ............... (واثنان) من المزكين (إن زكاه) أي حَكَمَا بعدالته في الرواية، يقال زكيته بالتثقيل نسبته إلى الزكاء وهو الصلاح، والرجل زكي والجمع أزكياء. اهـ المصباح، يعني أنه إن زكا شخصان راويا فهو (عدل) أي محكوم بعدالة الرواية، فقوله اثنان مبتدأ سوغه الوصف المذكور، وإن شرطية وفي نسخة " مَنْ " وزكاه فعل الشرط، وأفرد الضمير نظراً للفظ اثنان، فإنه مفرد اللفظ مثنى المعنى، وقوله عدل خبر لمحذوف مع الرابط أي فهو عدل، والجملة جواب إن، والجملة خبر المبتدإ. وحاصل المعنى أنَّ من عَدَّله عدلان فهو عدل، وأما من عدله عدل واحد ففيه خلاف والأصح أنه عدل وكذا الجرح، وإليه أشار بقوله (والأصح) من أقوال العلماء مبتدأ خبره جملة الشرط (إن) شرطية (عدل الواحد) أي أخبر المزكي الواحد بعدالة الراوي، والمراد بالواحد الشخص فيشمل العبد والأنثى كما سيأتي، وقوله (يكفي) جواب إن ولم يجزم لكون الشرط ماضياً، كما قال ابن مالك: وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ. يعني أن تعديل الواحد يكفي في عدالة الراوي، وقوله (أو جرح) عطف على عدل أي إن جرح الواحد يكفي في الجرح أيضاً وجملة " إن " خبر المبتدإ. وحاصل المعنى: أن الأصح وهو قول المحققين ونقله ابن الحاجب عن الأكثرين، قال ابن الصلاح وهو الذي اختاره أبو بكر الخطيب وغيره أن تعديل الواحد أو جرحه كاف. والحاصل: أن في المسألة ثلاثة أقوال: الأول أنه لا يقبل في التزكية

إلا رجلان كالشهادة حكاه القاضي أبو بكر الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم. الثاني: أنه يكفي الواحد فيهما وهو الذي اختاره في النظم. الثالث التفصيل: فيكفي في الرواية تعديل الواحد بخلاف الشهادة. ثم ذكر مما تثبت به العدالةُ الاستفاضةَ والشهرةَ فقال: (أو كان) الراوي (مشهوراً) بالعدالة ونباهة الذكر بالاستقامة والصدق مع البصيرة والفهم فإنه يكفي ذلك في قبوله، فقوله " كان " معطوف على عدل أي الأصح أنه إن كان الراوي مشهوراً بذلك يكفي في قبول روايته. وحاصل المعنى: أن من اشتهر من الرواة بالعدالة بين أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة والصدق استغنى فيه بذلك عن طلب بينة شاهدة بذلك تنصيصاً، قال ابن الصلاح: وهذا هو الصَّحِيح في مذهب الشافعي وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه، وذلك كشهرة مالك، وشعبة، ووكيع، وأحمد، وابن معين، ومن جرى مجراهم. ويثبت الجرح أيضاً بالاستفاضة كما قال السخاوي، وتوسع الحافظ ابن عبد البر حيث قال: كل حامل علم معروف بالعناية به فهو محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه وإليه أشار بقوله: ............ وزَادَ يُوسُفُ ... بِأَنَّ كُلَّ مِنْ بِعِلْمٍ يُعْرَفُ 286 - عَدْلٌ إِلَى ظُهُورِ جَرْحٍ، وَأَبَوْا ... ................ (وزاد) توسعاً في باب العدالة الحافظ أبو عمر (يوسف) بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَّمَرِيُّ القرطبي ولد سنة 368 هـ في ربيع الآخر قال أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثله في الحديث، له التمهيد، والاستذكار، في شرح الموطأ، والاستيعاب في الصحابة، وغير ذلك. توفي ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخرة سنة 463 هـ عن 95 سنة (بأن) الباءً زائدة، أو على تضمين زاد معنى تفرد، (كل من) أي شخص (بعلم)

أي بالعناية به، متعلق بـ (يعرف) بالبناء للمفعول (عدل) خبر أنَّ، أي محمول أمره على العدالة (إلى ظهور جرح) متعلق بعدل، أي إلى تبين أمر جارح له. وحاصل المعنى: أن ابن عبد البر يقول كل حامل علم معروف بالعناية به فهو محمول في أمره أبداً على العدالة حتى يتبين جرحه، ووافقه على ذلك ابن المَوَّاق من المتأخرين لقوله - صلى الله عليه وسلم - " يَحمِلُ هذا العلمَ من كل خَلَفٍ عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين " لكن الجمهور قالوا إن هذا توسع غير مرضي، وإليه أشار بقوله (وأبوا) أي امتنع العلماء من قبول كلام ابن عبد البرّ المذكور، وقالوا إنه توسع غير مرضي. والحديث المذكور حديث مختلف فيه، فقيل: إنه مرسل أرسله إبراهيم بن عبد الرحمن العُذْري روى عنه مُعان بضم أوله وتخفيف المهملة ابن رفاعة السلامي، ورواه عن معان غير واحد. ذكره الذهبي في الميزان، وقد توبع معان فذكر الخَلَّال في علله أن أحمد بن حنبل سئل عنه، وقيل كانه كلام موضوع قال: لا هو صحيح، فقيل ممن سمعته؟ قال من غير واحد فقيل من هم؟ فقال حدثني به مسكين إلا أنه يقول عن معان عن القاسم بن عبد الرحمن قال: يعنى فغلط في اسم إبراهيم بن عبد الرحمن قال أحمد ومعان لا بأس به ووثقه ابن المديني. وقد أطال الكلام في هذا الحديث في التنقيح وشرحه التوضيح فارجع إليه. وقد أيد ابن الجزري ما ذهب إليه ابن عبد البر وقال: هو الصواب وإن رده بعضهم وسبقه المزي فقال: هو في زماننا مرضي بل ربما يتعين، ونحوه قول ابن سيد النَّاس: لست أراه إلا مرضياً، وقد قال الذهبي: إنه حق، قال: ولا يدخل في ذلك المستور فإنه غير مشهور بالعناية بالعلم، فكل من اشتهر بين الحفاظ بأنه من أصحاب الحديث وأنه معروف بالعناية بهذا الشأن ثم كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تبيناً ولا اتفق لهم علم بأن

أحداً وثقه فهذا الذي عناه الحافظ ابن عبد البر وأنه يكون مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه الجرح، قال: ومن ذلك إخراج البخاري ومسلم لجماعة ما اطلعنا فيهم على جرح ولا توثيق. ثم ذكر مسألة الجرح والتعديل على الإبهام فقال: .................. ... وَالْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ مُطْلَقًا رَأَوْا 287 - قَبُولَهُ مِنْ عَالِمٍ عَلَى الأَصَحّ ... مَا لَمْ يُوَثَّقْ مَنْ بِإِجْمَالٍ جُرِحْ (والجرع والتعديل) بالنصب على الاشتغال، أو بالرفع على الابتداء خبره جملةُ رَأَوْا أي جَرْحُ الراوي وتعديله حال كون كل منهما (مطلقاً) أي غير مفسر بذكر سببه وفي نسخة مبهما (رأوا) أي المحققون (قبوله) أي كل واحد منهما (من عالم) أي من شخص عالم بأسباب الجرح والتعديل والخلافِ في ذلك بصيرٍ مرضِيّ في اعتقاده وأفعاله. (على الأصح) خبر لمحذوف أي هذا على القول الأصح، أو متعلق برأوا، وهذا القول هو الذي اختاره الحافظ (ما) مصدرية ظرفية (يوثق) بالبناء للمفعول ونائب فاعله (من) أي الشخص الذي (بإجمال) أي من غير تفصيل متعلق بقوله (جرح) بالبناء للمفعول يعني من جرحه جارح بأمر مجمل. وحاصل المعنى: أن الأصح قبول الجرح والتعديل المبهمين إذا صدرا من عالم بالأسباب بصير مرضى اعتقاداً وأفعالاً ما لم يوجد توثيق إمام من الأئمة لمن جرح مجملاً فإن هذا الجرح لا يقبل إلا مفسراً، لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي، فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون إلا من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه ونقدوه كما ينبغي، وهم أيقظ النَّاس فلا ينقض حكم أحدهم إلا بأمر صريح، وإن خلا عن التعديل قُبِلَ الجرحُ فيه غير مفسر إذا صدر من عارف لأنه إذا لم يُعَدَّل فهو في حيز المجهول وإعمال قول الجارح فيه أولى من إهماله. والحاصل أن في الجرح والتعديل المبهمين اختلافاً بين العلماء.

الأول: يقبل التعديل من غير ذكر السبب ولا يقبل الجرح إلا مبيناً لأن أسباب التعديل كثيرة فيشق ذكرها بخلاف أسباب الجرح لأنه يحصل بأمر واحد وهذا قول الجمهور من الفقهاء والأصوليين وحفاظ الحديث كالشيخين. والثاني: عكسه وهو قبول الجرح مطلقاً ولا يقبل التعديل إلا مفسراً لأن أسباب العدالة يكثر فيها التصنع فيتسارع النَّاس إلى الثناء على الظاهر. والثالث: لا يقبلان إلا مفسرين لأنه كما يجرح الجارح بما لا يقدح كذلك يوثق المعدل بما لا يقتضي العدالة. والرابع عكسه: وهو لا يجب ذكر السبب في واحد منهما إذا كان الجارح والمعدل عالمين بأسباب الجرح والتعديل والخلافِ في ذلك بصيراً مرضيا في اعتقاده وأفعاله، وهو اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن الجمهور واختاره إمام الحرمين والغزالي، والرازي والخطيب وصححه أبو الفضل العراقي والبلقيني. وفصل الحافظ تَفْصِيلاً حسناً فإن كان من جرح مجملاً قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائناً مَنْ كان إلا مفسراً، لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي إلى آخر ما تقدم. وهذا هو الذي رجحه الناظم في هذا النظم، وهو في الحقيقة تفصيل للقول الرابع وليس قولًا مستقلاً. ثم ذكر مسألة تعديل العبد والأنثى فقال: 288 - وَيَقْبَلُ التَّعْدِيلُ مِنْ عَبْدٍ وَمِنْ ... أُنْثَى وَفِي الأُنْثَى خِلافٌ قَدْ زُكِنْ (ويقبل التعديل) فعل مغير الصيغة ونائب فاعله، أي يقبل تعديل الراوي وكذا جرحه حال كونه صادراً (من عبد ومن أنثى) يعني أن العبد والأنثى إذا زَكَّيَا شخصاً يقبلان إذا كانا عارفين بهذه الصناعة لأنه إخبار ورواية، وروايتهما مقبولة، وهذا هو الصَّحِيح، وخالف بعضهم في المرأة

وإليه أشار بقوله (وفي) قبوله من (الأنثى خلاف) بين العلماء (قد زكن) بالبناء للمفعول أي عُلِم. فقد نقل القاضي أبو بكر عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم عدم القبول كما في الشهادة لكن الصَّحِيح هو الأول، وقد استدل الخطيب للقول الصَّحِيح بسؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - بريرة عن عائشة في قصة الإفك. ثم ذكر الخلاف في تقديم الجرح على التعديل فقال: 289 - وَقَدِّمِ الْجَرْحَ وَلَوْ عَدَّلَهُ ... أَكْثَرُ فِي الأَقْوَى، فَإِنْ فَصَّلَهُ 290 - فَقَالَ: مِنْهُ تَابَ، أَوْ نَفَاهُ ... بِوَجْهِهِ قُدِّمَ مَنْ زَكَّاهُ (وَقَدِّمِ) أيها الطالب للرأي الأرجح (الجرح) للراوي على التعديل له فيما إذا اجتمعا من الأئمة النقاد (ولو عدله) أي حكم له بالعدالة (أكثر) عدداً ممن جرحه وقوله (في الأقوى) أي القول الأرجح لقوة دليله متعلق بقدم. والمعنى: أنه إذ اجتمع في الراوي جرح وتعديل فالجرح مقدم ولو زاد عدد المعدل، هذا هو الصَّحِيح عند الفقهاء والأصوليين، ونقله الخطيب عن جمهور العلماء لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، ولأنه مصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله إلا أنه يخبر عن أمر باطن خفي عليه، وقيد الفقهاء بما إذا لم يقل المعدل عرفت السبب الذي ذكره الجارح ولكنه تاب منه وحسنت حاله فإنه حينئذ يقدم المعدل، وإلى هذا القيد أشار بقوله: (فإن فَصَّله) من الفصل، أو التفصيل، أي بين المعدل وجه تعديله بذكر ما يرجحه من نقض كلام الجارح كأن يقول الجارح إن هذا الراوي زنى (فقال) المعدل عرفت ذلك ولكنه (منه) أي مما جرح به (تاب) إلى الله بشرطه وحسن حاله واستقام، (أو) عَيَّنَ الجارح سبباً فـ (نفاه) عطف على فصله، أي نفى المعدل ما عينه الجارح سبباً للجرح (بوجهه) أي

بطريق النفي المعتبرة، فالضمير عائد على النفي المفهوم من نفى، يعني أنه إذا نفى ذلك السبب بطريق معتبر مجزوم به كأن يقول الجارح قتل غلاماً ظلماً يوم كذا فقال المعدل رأيته حَيًّا بعد ذلك. أو قال كان القاتل في ذلك الوقت عندي، وقوله (قدم من زكاه) جواب إن، وهو فعل ونائب فاعله أي قدم قول المعدل على الجارح في هاتين الصورتين لأن معه زيادة علم. وحاصل ما في هذه المسألة أنه إذا اجتمع في الراوي جرح وتعديل يقدم الجرح ولو زاد عدد المعدل على الأصح، لكن يسثنى من هذه القاعدة مسألتان " إحداهما " ما إذا نقض المعدل قول الجارح بأن قال: عرفت السبب، ولكنه تاب منه وحسنت حاله فإنه يقدم المعدل، وقيده البلقيني بغير الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يقدم فيه قول المعدل كما سيأتي تحقيقه. " الثانية ": ما إذا عين الجارح سبباً فنفاه المعدل بطريق معتبر فإنه يقدم فيه قول المعدل أيضاً. ومقابل الأصح قول من قال: إن كان المعدلون أكثر يقدم على الجرح، وقول من قال: يرجح بالأحفظ، ومن قال: يتعارضان. هذا كله فيما إذا صدرا من قائلين، وأما إذا كانا من قائل واحد كما يتفق لابن معين وغيره من أئمة النقد فهذا قد لا يكون تناقضاً بل نسياناً في أحدهما أو نشأ عن تغير اجتهاد، وحينئذ فلا ينضبط بأمر كلي، وإن قال بعض المتأخرين: إن الظاهر أن المعمول به المتأخر منهما إن علم وإلا وجب التوقف أفاده السخاوي. ثم ذكر رواية العدل عمن سماه هل تكون تعديلًا له أو لا فقال: 291 - وَلَيْسَ فِي الأَظْهَرِ تَعْدِيلاً إِذَا ... عَنْهُ رَوَى الْعَدْلُ وَلَوْ خُصَّ بِذَا (وليس في) القول (الأَظْهَرِ) الذي قاله أكثر العلماء من المحدثين وغيرهم (تعديلًا) خبر ليس واسمها ضمير يعود إلى رواية العدل المفهوم مما

بعده، أي ليس رواية العدل عن شخص تعديلاً له (إذا روى عنه) أي عن الشخص (العدل) الحافظُ الضابط فضلاً عن غيره (ولو خص) بالبناء للفاعل أي ولو خص ذلك العدل روايته (بذا) أي العدل، أو بالبناء للمفعول أي ولو خص ذلك العدل بالرواية عن العدل. وحاصل معنى البيت: أنه إذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلاً لذلك الشخص عند الأكثرين وهو الصَّحِيح لجواز رواية العدل عن غير العدل فلم تتضمن روايته عنه تعديله. ولو صرح بذلك بأن صرح أنه لا يروي إلا عن العدل، أو عرف من حاله بالاستقراء كشعبة ومالك وَيَحْيَى القطان لجواز أن يترك عادته. وسيأتي ذكر من لا يروي إلا عن ثقة غالباً. ومقابل الأظهر قول من قال: إنه تعديل مطلقاً إذ الظاهر أنه لا يروي إلا عن عدل إذ لو علم جرحاً لذكره لئلا يكون غاشًّا. وقول من قال بالتفصيل: فإن كان لا يروي إلا عن عدل فهو تعديل وإلا فلا، وهو الصَّحِيح عند الأصوليين وإليه ميل الشيخين وابن خزيمة في صحاحهم. وقيد بالعدل لأنه إذا كان غير عدل فإنه لا يكون تعديلاً بالاتفاق قاله السخاوي. ثم ذكر مسألة التعديل لمن أُبْهِمَ، ومجرد الرواية عن المعين بدون تعديل فقال: 292 - وَإِنْ يَقُلْ: حَدِّثْ مَنْ لا أَتَّهِمْ ... أَوْ ثِقَةٌ أَوْ كُلُّ شَيْخٍ لِي وُسِمْ 293 - بِثِقَةٍ ثُمَّ رَوَى عَنْ مُبْهَمِ ... لا يُكْتَفَى عَلَى الصَّحِيحِ فَاعْلَمِ 294 - وَيُكْتَفَى مِنْ عَالِمٍ فِي حَقِّ مَنْ ... قَلَّدَهُ، وَقِيلَ: لا، مَا لَمْ يُبَنْ (وإن يقل) الراوي في روايته (حَدَّثَ) ـنِي، أو أخبرني مثلاً (من لا أتهمـ) ـهُ بكذب أو غيره (أو) قال حدثني (ثقة) أو ضابط أو عدل من غير أن يسميه (أو) قال (كل شيخ لي) مبتدأ خبره قوله (وسم بثقة) بالبناء للمفعول

أي علم بكونه ثقة يعني أنه قال جميع أشياخي الذين أروي عنهم ثقات وإن لم أسمهم (ثم) بعد هذا كله (روى) حديثاً (عن) راو (مبهم) أي غير مسمى باسمه وقوله (لا يكتفى) بالبناء للمفعول جواب إن أي لا يكتفى به في تعديل ذلك المبهم (على الصَّحِيح) من الأقوال (فاعلم) هذا وحققه في ذهنك. وحاصل معنى البيتين أنه إذا قال حدثني الثقة أو من لا أتهمه أو نحوهما من غير أن يسميه، أو قال: كل شيخ لي ثقة ثم روى عمن لم يسمه لم يكتف به في تعديل ذلك المبهم على الصَّحِيح حتى يسميه، لأنه وإن كان ثقة عنده فربما لو سماه لكان ممن جرحه غيره بقادح، بل في إضرابه عن تسميته ريبة توقع ترددا في القلب. وقيل يكتفى به مطلقاً كما لو عينه لأنه مأمون في الحالين معا، وقيل يكتفى به من عالم في حق من قلده وإلى هذا أشار بقوله (ويكتفى) به بالبناء للمفعول حال كونه صادراً (من عالم) أي مجتهد كمالكٍ والشَّافعي (في حق من قلده) متعلق بيكتفى أي يكتفى بالتعديل المذكور من ذلك العالم في حق من تبعه في مذهبه. وهذا القول هو الذي جرى عليه المحققون كابن الصباغ واختاره إمام الحرمين ورجحه الرافعي في شرح المسند (¬1)، وفرضه في صدور ذلك من أهل التعديل، قال ابن الصباغ: لأنه لم يورد ذلك احتجاجاً بالخبر على غيره، بل يذكر لأصحابه قيام الحجة عنده على الحكم وقد عرف هو من روى عنه ذلك، وقيل لا يكتفى به مطلقاً إلا إذا بين، وإليه أشار بقوله (وقيل لا) يكتفى به مطلقاً أي في حق المقلد أو غيره (ما) مصدرية ظرفية (لم يبن) بالبناء للمفعول من الإبانة أي ما لم يُظْهَر كون ذلك الشخص ثقة، أو ¬

_ (¬1) أي شرح مسند الشافعي.

بالبناء للفاعل أي ما لم يظهره، ويحتمل كونه ثلاثياً من بان الشيءُ إذا اتضح أي ما لم يتضح كونه ثقة. وحاصل المعنى: أنه لا يكتفي في حق من قلده أيضاً حتى يوضح ذلك كأن يقول كل من أروي لكم عنه ولم أسمه فهو عدل. ثم ذكر مسائل اختلف فيها هل تقتضي التصحيح أو لا. فقال: 295 - وَمَا اقْتَضَى تَصْحِيحَ مَتْنٍ فِي الأَصَحْ ... فَتْوَى بِمَا فِيهِ كَعَكْسِهِ وَضَحْ 296 - وَلا بَقَاهُ حَيْثُما الدَّوَاعِي ... تُبْطِلُهُ، وَالْوَفْقُ لِلإِجْمَاعِ 297 - وَلا افْتِرَاقُ الْعُلَمَاءِ الْكُمَّلِ ... مَا بَيْنَ مُحْتَجٍّ وِذِي تَأَوُّلِ (وما) نافية (اقتضى) أي دل يقال اقتضى الأمر الوجوبَ أي دل عليه أفاده في المصباح. (تصحيح متن) مفعول مقدم على الفاعل أي صحة حديث وَرَدَ في أيّ معنى (في الأصح) الذي عليه الجمهور (فتوى بما فيه) فاعل مؤخر أي إفتاء العالم، وكذا عمله بمقتضى ما في ذلك المتن. وحاصل المعنى: أن فتوى العالم وكذا عمله على وفق حديث وارد في ذلك المعنى لا يكون حكماً منه بصحته، ولا بتعديل رواته، لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطاً أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر من متن غيره، أو إجماع أو قياس، أو لكونه ممن يرى العمل بالضَّعِيف وتقديمه على القياس، وقيل إنه حكم بصحته، وصححه الآمدي وغيره من الأصوليين، وقال إمام الحرمين: إن لم يكن في مسالك الاحتياط، وفرق شيخ الإسلام ابن تيمية بين أن يعمل به في الترغيب وغيره، قال ابن الصلاح: وكذلك مخالفته للحديث ليست قادحة منه ولا في راويه، وإليه أشار بقوله (كعكسه) أي عَكس الحكم المذكور، وهو أنه إذا أفتى بخلاف مرويه لا يقتضى ذلك قدحاً في صحته ولا في رواته لإمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره، وقد روى مالك حديث الخيار ولم يعمل به لعمل أهل المدينة

بخلافه، ولم يكن ذلك قدحاً في نافع راويه. وجملة قوله (وضح) صفة لعكس أو حال منه (ولا) يقتضي صحة الحديث أيضاً على الأصح (بقاه) بالقصر للوزن أي بقاء الحديث (حيثما الدواعي) أي الأسباب الداعية للبطلان (تبطله) أي ذلك الحديث بأن تركه ذوو الدواعي مع سماعهم له آحادا. وحاصل المعنى أن بقاء خبر تتوفر الدواعي على إبطاله لا يدل على صحته خلافاً للزيدية حيث تقول إنه يدل عليها للاتفاق على قبوله حينئذ. ورد بأن الاتفاق على القبول إنما يدل على ظنهم صدقه ولا يلزم من ذلك صحته في الواقع. مثاله قوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " رواه الشيخان. فإن دواعي بني أمية وقد سمعوه متوفرة على إبطاله لدلالته على خلافة علي - رضي الله عنه - كما قيل، كخلافة هارون عن موسى بقوله " اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي " وإن مات قبله ولم يبطلوه قاله القاضي زكريا. (و) لا يقتضي صحة الحديث أيضاً على الأصح (الوفق) بالفتح أي موافقة معناه (للإجماع) أي للحكم المجمع عليه لجواز أن يكون للإجماع مستند آخر، وقيل يقتضي ذلك إذ الظاهر استنادهم إليه وعدم مستند آخر، وقيل يقتضي ذلك إِن صرح أهل الإجماع بالاستناد إليه وإلا فلا وعليه ابن فورك (ولا) يقتضي أيضاً صحته على الأصح (افتراق العلماء الكمل) جمع كامل (ما) زائدة (بين محتج) بذلك الحديث (و) بين (ذي تأول) أي متأول له. وحاصل المعنى أنه إذا افترق العلماء في الحديث فاحتج به بعضهم وتأوله آخرون فالأصح أن ذلك لا يدل على صحة الحديث، وقيل يقتضي ذلك لاتفاقهم عليه حيث احتج به بعضهم وتأوله الآخرون، إذ لو لم يصح لما احتاجو إلى تأويله. وأجيب بأن الاتفاق المذكور على ظنهم صحته، ولا يلزم منه ذلك في الواقع.

ولما كان من شروط قبول الخبر كونُ الراوي مكلفاً فلا يقبل المجنون لعدم تمييزه إلا إذا كان يفيق فيقبل إذا أخبر في إفاقته إن لم يؤثر فيه الجنون ذكره بقوله: 298 - وَيَقْبَلُ الْمَجْنُونُ إِنْ تَقَطَّعَا ... وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي إِفَاقَةٍ مَعَا (ويقبل المجنون) أي خبره (إن تقطعا) بألف الإطلاق أي زال جنونه (و) الحال أنه (لَمْ يُؤَثِّرْ) الجنون أي لم يبق فيه علامة الجنون كالخَبَلِ، يقال أثرت فيه تأثيراً أي جعلت فيه أثراً أي علامة (في إفاقة) أي في حال إفاقته، يقال أفاق المجنون إفاقة رجع إليه عقله. وقوله (معاً) حال من الإفاقة أي حال كونها مجتمعة مع التأثير. وحاصل المعنى أن خبر المجنون مقبول وقت إفاقته إذا لم يبق أثر الجنون وما تقدم من أن المجنون لا يقبل محمول على الجنون المطبق. لكن اعترض العراقي بأنه لا يحتاج إلى ذكره لأنه في حالة الإفاقة إذا لم يستمر به الخبل ليس مجنوناً وإن استمر به الخبل فهو مجنون إلا أن الجنون أحواله مختلفة. ثم ذكر المجهول وحكمه وهو أربعة أنواع: مجهول العين، ومجهول العدالة، ومجهول الحال، وهو المستور، ومجهول الاسم، أو النسب فَبَيَّنَ الأول بقوله: 299 - وَتَرَكُوا مَجْهُولَ عَيْنٍ: مَا رَوَى ... عَنْهُ سِوَى شَخْصٍ وَجَرْحَا مَاحَوَى 300 - ثَالِثُهَا: إِنْ كَانَ مَنْ عَنْهُ انْفَرَدْ ... لَمْ يَرْوِ إِلاَّ لِلْعُدُولِ: لا يُرَدْ 301 - رَابِعُهَا: يُقْبَلُ إِنْ زَكَّاهُ ... حَبْرٌ وَذَا فِي نُخْبَةٍ رَآهُ 302 - خَامِسُهَا: إِنْ كَانَ مِمَّنْ قَدْ شُهِرْ ... بِمَا سِوَى الْعِلْمِ كَنَجْدَةٍ وَبِرّ (وتركوا) أي أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم (مجهول عين) أي روايته، ثم بينه بقوله (ما) نافية (روى) أي نقل (عنه) أي عن ذلك المجهول (سوى شخص) واحد فاعل روى، والجملة صفة لمجهول عين، أو حال

منه. وقوله (وجرحاً) مفعول مقدم لحوى (ما) نافية (حوى) أي جمع يعني أنه لم يجرح، والجملة حال من مجهول العين، أي حال كونه غير مجروح. وحاصل معنى البيت أن مجهول العين وهو من لم يرو عنه إلا رجل واحد غير مقبول الرواية عند جمهور العلماء وهو الصَّحِيح. وأقل ما يَرْفَعُ الجهالةَ عنه روايةُ اثنين مشهورين بالعلم فأكثر عنه. وقيل يقبل مطلقاً، وهو قول من لا يشترط في الراوي مزيداً على الإسلام وَعُزِيَ إِلى الحنفية. قال السخاوي: وهو لازم كل من ذهب إلى أن رواية العدل بمجردها عن العدل تعديل له، بل عزا النووي في مقدمة شرح مسلم لكثيرين من المحققين الاحتجاج به، وكذا ذهب ابن خزيمة إلى أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور، وإليه يومئ قول تلميذه ابن حبان: وهذا القول هو الثاني المطوى في قوله. (ثالثها): أي الأقوال المروية في قبول خبر المجهول العين، وهو مبتدأ خبره جملة قوله (إن كان من) أي الراوي الذي (عنه) أي المجهول العين (انفرد) بالرواية (لم يرو إلا للعدول) أي عن العدول (لا يرد) حديثه. فقوله لم يرو خبر " كان " وقوله لا يرد جواب " إن ". وحاصل المعنى: أن صاحب هذا القول يقول بالتفصيل فإن كان الراوي المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن العدول قُبِلَ، وذلك مثل عبد الرحمن بن مهدي وَيَحْيَى بن سعيد القطان ومالك ممن لا يروي إلا عن الثقات وإلا لم يقبل. (فائدة): من كان لا يروي إلا عن ثقة إلا في النادر: الإمام أحمد، وبقي بن مخلد، وحَرِيز بن عثمان، وسليمان بن حرب، وشعبة، والشعبي، وعبد الرحمن بن مهدي، ومالك، وَيَحْيَى بن سعيد القطان، وذلك في شعبة على المشهور قاله السخاوي. ونظمت ذلك، مع زيادة منصور بن المعتمر

ويَحْيَى بن أبي كثير فإنهما ممن قيل فيه لا يروي إلا عن الثقة كما في تهذيب التهذيب، فقلت: مَن كَانَ لَا يَنقُلُ عَن غَيرِ ثِقَهْ ... فِي غَالِبِ الحَالِ لَدىَ مَنْ حَقَّقَهْ أحَمَدُ يَحيىَ مَالِك والشَّعْبِي ... بَقِىْ حَرِيزٌ مَعَهُ ابنُ حَرْبِ يَحْيَى وَشُعْبَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ ... وَنَجْلُ مَهْدِيٍّ مَعَ الْمَنْصُور ثم ذكر قولًا رابعاً وهو أيضاً مفصل فقال: (رابعها): أي الأقوال أنه (يقبل) مجهول العين (إن زكَّاه) أي عدّله (حبر) بالكسر جمعه آحبار مثل حمل وأحمال، والفتح لغة فيه وجمعه حبور هو العالم. وحاصل المعنى: أن مجهول العين يقبل إن زكاه عالم من أئمة الجرح والتعديل غير من انفرد عنه، أو هو إن كان أهلاً لذلك، (وذا) أي هذا القول الرابع مبتدأ خبره جملة رآه (في نخبة) أي في الكتاب المسمى بنخبة الفكر متعلق بقوله (رآه) أي رجحه مؤلفها الحافظ ابن حجرٍ تبعاً لاختيار أبي الحسن بن القطان. ثم ذكر قولاً خامساً مفصلاً أيضاً فقال: (خامسها): أي الأقوال مبتدأ خبره محذوف دل عليه ما قبله أي يقبل (إن كان) أي مجهول العين (مِمَّنْ قَدْ شُهِرْ) بالبناء للمفعول أي الذين اشتهروا بين الناس (بما سوى العلم) من الخصال الجميلة وذلك (كنجدة) بفتح النون على المشهور ونقل في تاج العروس عن بعض أهل اللغة كسرها هي الشجاعة والشدة كاشتهار عمرو بن مَعدِي كَرِب بها (وبر) بالكسر: الخير، والفضل، من بَرَّ الرجل يَبَرّ بِرّاً وزان علم يعلم علماً فهو بر بالفتح وبار، أي صادق، أو تقي قاله الفيومي، كاشتهار مالك بن دينار بالزهد. وحاصل معنى البيت أن صاحب هذا القول يقيد قبول مجهول العين بكونه مشهوراً بخصلة من الخصال غير العلم كالزهد والشجاعة والأدب

ونحوها وأما الشهرة بالعلم والثقة والأمانة فهي كافية من باب أولى. وهذا القول مختار الحافظ ابن عبد البر. وحاصل الأقوال في مجهول العين خمسة على ما في النظم وزاد في التنقيح سادساً وهو أنه إن كان صحابياً قُبِل وهو مذهب الفقهاء وبعض المحدثين وشيوخ الاعتزال. ولما أنهى الكلام في مجهول العين شرع يبين مجهول العدالة، وهو النوع الثاني من الأنواع الأربعة فقال: 303 - وَالثَّالِثُ الأَصَحُّ: لَيْسَ يُقْبَلُ ... مِنْ بَاطِنًا وَظَاهِرًا يُجَهَّلُ (والثالث) من الأقوال في مسألة مجهول العدالة مبتدأ خبره جملة " ليس يقبل " وقوله (الأصح) صفة له، أو بدل منه (ليس يقبل) بالبناء للمفعول ونائب فاعله قوله (مَنْ) أي الراوي الذي (باطناً وظاهراً) منصوبان على التمييز، أو بنزعِ الخافض (يجهل) بالبناء للمفعول من التجهيل، أي ينسب إلى كونه مجهولًا في باطنه وظاهره. وحاصل المعنى: أن العلماء اختلفوا فيمن جُهِلَت عدالته باطناً وظاهراً، وهو المسمى بمجهول العدالة مع كونه معروف العين برواية عدلين عنه على أقوال: الأول: أنه يقبل مطلقاً، ونسبه ابن المَوَّاق لأكثر المحدثين كالبزار والدارقطني وابن حبان. الثاني يقبل إن كان الراويان عنه لا يرويان إلا عن عدل، وإلا فلا، وهذان القولان هما المطويان في قوله، والثالث الأصح إلخ. يعني أن القول الثالث من الأقوال المروية في مجهول العدالة أنه لا يقبل مطلقاً، وهذا هو الأصح وعليه الجمهور كما قال ابن الصلاح، وعزاه ابن المواق للمحققين، ومنهم أبو حاتم الرازي، وكذا الخطيب، وَوَجْهُ هذا القول أن مجرد الرواية عن الراوي لا يكون تعديلاً له على الصَّحِيح. ثم

ثم ذكر النوع الثالث، وهو مجهول الحال، ويُسمَّى المستور سماه به البغوي، وتبعه الرافعي، ثم النووي، فقال: 304 - وَفِي الأَصَحِّ: يُقْبَلُ الْمَسْتُورُ: فِي ... ظَاهِرِهِ عَدْلٌ وَبَاطِنٌٍ خَفِي (وفي الأصح) من الأقوال متعلق بـ (يقبل) بالبناء للمفعول (المستور) أي خبره (في ظاهره) متعلق بقوله (عدل) بالرفع بدل من المستور، أو خبر لمحذوف أي هو عدل في ظاهره وقوله (وباطن) مجرور بفي محذوفةٍ لدلالة ما قبله متعلق: بـ (ـخفي) بتخفيف الياء للوزن مرفوعاً عطفاً على عدل، ومعنى البيت أن الأصح أنه يقبل خبر المستور وهو الذي ثبتت عدالته في الظاهر دون الباطن. ويحتمل أن يكون باطن مبتدأ خبره خفي، أي باطن منه خفي، والجملة حال من عدل. والحاصل: أن في قبول خبر المستور اختلافاً بين العلماء يقبل مطلقاً، وبه قطع سليم بن أيوب الرازي قال: لأن الأخبار تُبْنَى على حسن الظن بالراوي وأيضاً فلتعسر الخِبْرَة الباطنية على الناقد، ولهذا فارق الراوي الشاهد فإن الشهادة تكون عند الحكام، وهم لا يتعسر عليهم لا سيما مع اجتهاد الخُصُوم في الفحص عنها، بل عُزِي الاحتجاج بأهل هذا القسم كالأول لكثيرين من المحققين قاله النووي في شرح مسلم، واستدل لهذا القول بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) فأوجب التثبت عند وجود الفسق فعند عدمه لا يجب، فوجب العمل بقوله، وهو المطلوب، وبكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل شهادة الأعرابي برؤية الهلال، ولم يعرف منه سوى الإسلام، وقيل إن كان من روى عنه فيهم من لا يروى عن غير عدل قبل، وإلا فلا، وقيل: لا يقبل في زماننا لكثرة الفساد، ويقبل في العصر الأول، وعليه بعض الحنفية، أفاده السخاوي. وقيل: لا يقبل مطلقاً، وعليه الجمهور، لعدم ثبوت العدالة حيث كان مستوراً.

والذي رجحه الحافظ في شرح النخبة أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردّها، ولا بقبولها، بل هي موقوفة إلى استبانة حاله. ثم ذكر النوع الرابع وهو مجهول الاسم أو النسب فقال: 305 - وَمَنْ عَرَفْنَا عَيْنَهُ وَحَالَهُ ... دُونَ اسْمِهِ وَنَسَبٍ مِلْنَا لَهُ (ومن) شرطية أو موصولة (عرفنا عينه) برواية عدلين عنه (وحاله) بثبوت عدالته باطناً وظاهراً (دون اسمه ونسب) له أي من غير أن نعرف اسمه ونسبه أو أحدهما، وقوله (ملنا له) جواب مَن، أو خبرها، أي عدلنا إلى قبوله بمعنى أننا نحتج به. وحاصل المعنى: أن من عرفنا عينه وعدالته وجهلنا اسمه أو نسبه نحتج به، جزم بذلك الخطيب في الكفاية، ونقله عن القاضي أبي بكر الباقلاني، وعلله بأن الجهل باسمه لا يخل بعدالته، وَمثلَة بحديث ثمامة بن حزن القشيري " سألت عائشة - رضي الله عنها - عن النبيذ، فقالت هذه خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجارية حبشية فسلها "، الحديث، ذكره في التدريب، وفي الصَّحِيحين من ذلك كثير كقولهم ابن فلان أو والد فلان. ثم ذكر مسألة شَكِّ المحدث في شيخيه أيهما حدثه فقال: 306 - وَمَنْ يَقُلْ: " أَخْبَرَنِي فُلانٌ اْوْ ... هَذَا " لِعَدْلَيْنِ قَبُولَهُ رَأَوْا 307 - فَإِنْ يَقُلْ: " أَوْغَيْرُهُ "، أَوْ يُجْهَلِ ... بَعْضُ الَّذِي سَمَّاهُمَا: لا تَُقْبَلِ (ومن) شرطية (يقل) من المحدثين (أخبرني فلان) لشخص سماه (أو هذا) على الشك وقوله (لِعَدْلَيْنِ) حال من " فلان، أو هذا "، أي حال كونهما كائنين لعدلين من الشيوخ (قبوله) مفعول مقدم لقوله (رأوْا) أي العلماء وهو جواب من. وحاصل معنى البيت أنه إذا قال الراوي حدثني فلان أو فلان على الشك وهما عدلان احْتُج بروايته لأنه عينهما وتحقق سماعه ذلك الحديث من أحدهما، وكلاهما مقبول، قاله الخطيب، ومَثَّلَهُ بحديث شعبة عن سلمة بن

كهيل عن أبي الزعراء (¬1) أو عن زيد بن وهب أن سويد بن غَفَلَةَ دخل على علي ابن أبي طالب فقال يا أمير المؤمنين أني مررت بقوم يذكرون أبا بكر وعمر. الحديث، (فإن يقل) المحدث أخبرني فلان (أو غيره) بالإبهام (أو يجهل) عطف على يقل مجزوم حرك بالكسر للوزن، (بعض الذي سماهما) من شيخيه يعني أنه سمى شيخيه بأن قال فلان أو فلان إلا أن أحدهما جهلت عدالته، فقوله بعض نائب فاعل يجهل، (لا) ناهية (تقبل) أيها المحدث ذلك الحديث وهو جواب إن، وفي نسخة الشارح: لا يقبل بالياء وعليه فلا نافية، ويقبل بالبناء للمفعول مرفوع وقف عليه بالسكون كيجهل للوزن. وحاصل المعنى أنه إذا سماهما ولكن جهلت عدالة أحدهما لم يحتج به لاحتمال أن يكون الخبر عن المجهول. ولما كان شرط قبول الرواية الإسلام والعدالة، فلا يقبل الكافر في حال كفره، والفاسق في حال فسقه: شرع يبين أحكام المبتدعة الذين ابتدعوا ما خالفوا فيه جماهير أهل الإسلام وهم مع ذلك من أهل القبلة هل تقبل روايتهم؟ لكونهم من أهل القبلة، أم لا إلحاقاً لهم بالكفار؟ أم يفرق بين الدعاة وغيرهم؟ أم نفرق بين من يستحل الكذب ومن لا يستحله؟ فقال: 308 - وَكَافِرٌ بِبِدْعَةٍ لَنْ يُقْبَلا ... ثَالِثُهَا: إِنْ كَذِبًا قَدْ حَلَّلا 309 - وَغَيْرُهُ: يُرَدُّ مِنْهُ الرَّافِضِيْ ... وَمَنْ دَعَا وَمَنْ سِوَاهُمْ نَرْتَضِيْ 310 - قَبُولُهُمْ لا إِنْ رَوَوْا وِفَاقَا ... لِرَأْيِهِمْ، أَبْدَى أَبُو إِسْحَاقَا (وكافر ببدعة) مبتدأ خبره جملة لن يقبل، أي شخص كفر بسبب ¬

_ (¬1) هكذا في كتب الرجال الزعراء بالعين المهملة وهو الصواب ووقع في نسخة التدريب الزغراء بالغين المعجمة وهو خطأ وقد ذكر على الصواب في كفاية الخطيب التي نقل عنها صاحب التدريب.

بدعة ابتدعها، وهي اسم من الابتداع كالرفعة من الارتفاع، يقال: أبدعت الشيء وابتدعه استخرجته، وأحدثته، ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين، أو زيادة فيه، أفاده الفيومي. وقال في " ق " وشرحه: والبدعة بالكسر الحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأهواء، والأعمال، جمعه بِدَع، كعنب اهـ. والمراد هنا: المجسم ومنكر علم الجزئيات، قيل وقائل خلق القرآن كما نص عليه الشافعي، واختاره البلقيني، (لن يقبلا) بالبناء للمفعول، والألف للإطلاق، أي لم يحتج بروايته مطلقاً، وعليه الجمهور. وقيل: يقبل مطلقاً حكاه الخطيب عن جماعة من أهل النقل والمتكلمين، وهذا القول هو المطوي في قوله: (ثالثها) أي الأقوال مبتدأ خبره جملة الشرط والجزاء. (إن كذبا قد حللا) بالبناء للفاعل والألف للإطلاق، وجواب إن محذوف دل عليه السابق، أي فلن يقبل. وحاصل هذا القول: أنه يُفَصَّل بين ما إذا اعتقد حِلَّ الكذبِ فيرد، أولا فيقبل، وهذا القول هو الذي صححه صاحب المحصول، وحاصل معنى البيت: أنه اختلف في رواية المبتدعة الذين كفروا بسببها على ثلاثة أقوال: الأول قول الجمهور أنها لا تقبل، والثاني تقبل، والثالث إن كان يرى حل الكذب لاتقبلَ، وإلا قبلت. وقد أجاد الحافظ رحمه الله في هذه المسألة إجادة بليغة، وقد سبقه إلى ذلك ابن دقيق العيد رحمه الله حيث قال في شرح النخبة: والتحقيق أنه لا يرد كل مُكَفَّر ببدعة لأن كل طائفة تَدَّعِي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفرها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه، فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله. اهـ.

ثم ذكر حكم الفاسق ببدعته، فقال: (وغيره) أي غير الكافر ببدعته وهو الذي يفسق بها مبتدأ خبره قوله (يرد) بالبناء للمفعول (منه) أي من غير الكافر (الرافضي) نائب فاعل " يرد "، أي المبتدع الذي ينسب إلى الرفض من رفضت الشيء من باب ضرب، وقتل إذا تركته، فالرافضي واحد الرافضة: وهم فرقة من شيعة الكوفة، سموا بذلك لأنهم رفضوا أي تركوا زيد بن علي عليه السلام حين نهاهم عن الطعن في الصحابة، فلما عرفوا مقالته وأنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه، ثم استعمل هذا اللقب في كل من غلا في هذا المذهب، وأجاز الطعن في الصحابة قاله الفيومي. وفي " ق " والتاج: والرافضة فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ثم قالوا له تبرأ من الشيخين نقاتل معك فأبى، وقال كانا وزيري جدي - صلى الله عليه وسلم - فلا أبرأ منهما فتركوه ورفضوه وارفَضُّوا عنه، فسُمُّوا رافضة، والنسبة رافضي، وقالوا الروافض، ولم يقولوا الرُّفَاض لأنهم عنوا الجماعات اهـ. وحاصل المعنى: أن غير الكافر بالبدعة يقبل إِلا الرافضة (و) يرد أيضاً من المبتدعة غير المُكَفَرين (من دعا) أي المبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته لأن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه، وهذا القول هو الأظهر الأعدل، وقول الكثير أو الأكثر من العلماء قاله النووي. ونقل ابن حبان فيه الاتفاق، لكن قال الحافظ إنه أغْرَبَ في حكاية الاتفاق. لكن يشترط مع كونه صدوقاً غير داعية أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشدها ويزينها فإنا لا نأمن حينئذ عليه غلبة الهوى أفاده الحافظ. (ومن سواهم) أي غير من ذكرنا من الرافضة والدعاة مبتدأ، خبره جملة قوله (نرتضي) أيها المحققون (قبولهم) أي قبول روايتهم (لا) نقبلهم (إن رووا) أي المبتدعة (وفاقاً) أي موافقاً مقوياً لرأيهم الباطل.

(أبدى) أي أظهر هذا التفصيل الحَسَنَ الحافظُ (أبو إسحاقا) بألف الإطلاق الجوزجاني إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي، سكن دمشق وكان من الحفاظ المصنفين والمخرجين الثقات مات بدمشق سنة 6 أو 259. وحاصل المعنى: أن غير الرافضة والدعاة مقبولون إلا إذا رووا ما يوافق بدعتهم صرح بذلك أبو إسحاق الجوزجاني. وحاصل الأقوال في مسألة المبتدع الذي لم يُكَفَّر ببدعته ثلاثة: الأول: لا يحتج به مطلقاً ونسب إلى مالك. الثاني: يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب لنصرة مذهبه، وحكي عن الشافعي. الثالث: يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته ولا يحتج إن كان داعية وهذا هو الأظهر الأعدل. ثم ذكر حكم التائب عن الفسق بقوله: 311 - وَمَنْ يَتُبْ عَنْ فِسْقِهِ فَلْيُقْبَلِ ... أَوْ كَذِبِ الْحَدِيثِ فَابْنُ حَنْبَلِ 312 - وَالصَّيْرَفيُِّ وَالْحُمَيْدِيُّ: أَبَوْا ... قَبُولُهُ مُؤَبَّدًا، ثُمَّ نَأَوْا 313 - عَنْ كُلِّ مَا مِنْ قَبْلِ ذَا رَوَاهُ ... وَالنَّوَوِيُّ كُلَّ ذَا أَبَاهُ 314 - وَمَا رَآهُ الأَوَّلُونَ أَرْجَحُ ... دَلِيلُهُ فِي شَرْحِنَا مُوَضَّحُ (ومن) شرطية مبتدأ (يتب) أي يرجع إلى الله تعالى (عن فسقه) السابق الذي تسبب لرد روايته، وقوله (فليقبل) بالبناء للمفعول جواب من أي يقبل حديثه ويعمل به. والمعنى: أن الراوي المجروح بسبب الفسق إذا تاب وعرفت عدالته بعد التوبة تقبل روايته، وكذا شهادته للآيات والأخبار الدالة على ذلك، ثم استثنى من ذلك من كان فسقه بسبب الكذب في الحديث النبوي. فقال:

(أو كذب الحديث) بالجر عطفاً على فسقه أي من يتب عن الكذب في الحديث النبوي مطلقاً في الفضائل أو الأحكام أو غيرهما بأن وضع أو ركب سنداً صحيحاً لمتن ضعيف، ونحو ذلك، ولو مرة واحدة. وقيد بالكذب في الحديث النبوي احترازاً عن الكذب في حديث الناس فإنه داخل في المسألة السابقة فيقبل إذا تاب توبة صحيحة. وقوله (فابن حنبل) مبتدأ خبره جملة أبوا، وجملة المبتدإ والخبر معطوفة على الجواب، وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين، وفيه الخلاف المشهور. وحاصل المعنى: أن من تاب عن الكذب في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (و) العلامة أبو بكر محمد بن عبد الله (الصيرفي) بفتح الصاد وسكون الياء وفتح الراء نسبة إلى بيع الذهب، كان رحمه الله فَهِماً عالماً سمع الحديث من أحمد بن المنصور الرمادي وغيره، وروى عنه القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي بمصر توفي في ربيع الآخر سنة 330 هـ. (و) الحافظ البارع أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى (الحميدي) بضم ففتح نسبة إلى حميد بطن من أسد القرشي صاحب الشافعي، روى عن ابن عيينة وفضيل بن عياض، وروى عنه البخاري، وهو أول من بدأ به الصَّحِيح مات بمكة سنة 219 هـ. (أبوا) أي امتنعوا (قبوله) أي عن قبول روايته (مؤبَّداً) حال من الإباء المفهوم من أبوا أي حال كون الإباء مؤبدا، أي ولو تاب وحسنت توبته. يعني: أن هؤلاء الثلاثة أبوا قبول روايته ولو حسنت توبته تغليظاً عليه لما ينشأ من صنيعه من مفسدة عظيمة فإنه يصير شرعاً مستمراً إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره - صلى الله عليه وسلم - فإن مفسدته قاصرة ليست عامة. (ثم) إنهم بعد ما أبوا قبوله وإن تاب (نأوا) أي ابتعدوا أيضاً (عن) قبول (كل ما) أي الحديث الذي (من قبل ذا) أي كذبه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

(رواه) هذا التائب، يعني أنهم أبوا قبول روايته قبل أن يُحْدِثَ الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم -. (و) لكن الإمام أبو زكريا محيي الدين يَحْيَى بن شرف (النووي) رحمه الله (كل ذا) أي كل ما تقدم مما قاله هؤلاء الأئمة (أباه) كرهه، يقال أبى الشيء يأباه، ويأبيه، إباء، وإباءه بكسرهما: كرهه اهـ. وقوله " والنووي " مبتدأ، وكل ذا إما مبتدأ ثان أو منصوب على الاشتغال، وقوله أباه خبر المبتدإ الثاني، والجملة خبر للأول، أو جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب. وحاصل المعنى: أن النووي رحمه الله امتنع عن قبول رأي هؤلاء الأئمة، وقال: هذا كله مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا، ولا يقوى الفرق بينه وبين الشهادة. وقال في شرح مسلم: لم أر لهذا القول في أصل هذه المسألة دليلاً، والمختار القطع بصحة توبته في هذا الكذب، وقبول روايته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة اهـ. ثم ذكر الناظم أن القول الأول هو الراجح، فقال (وما) موصولة مبتدأ أي الذي (رآه الأولون) وهم أحمد والحميدي والصيرفي من عدم قبول روايته بعد التوبة (أرجح) خبر المبتدإ، أي أكثر رجحاناً مما رآه النووي من القبول. يعني: أن رأي هؤلاء الأئمة أرجح من رأي النووي في هذه المسألة (دليله) أي شاهد أرجحتيه مبتدأ (في شرحنا) أي في الكتاب المسمى بتدريب الراوي بشرح تقريب النواوي متعلق بقوله (موضح) أي مبين من التوضيح، خبر المبتدإ. وحاصل المعنى: أن دليل أرجَحِيَّة ما قاله هؤلاء الأئمة مبين في التدريب. وحاصل ما ذكره هناك أن قول النووي: إن هذا مخالف للقواعد

غير صحيح فإن له نظيراً في الشرع فقد ذكر الفقهاء في باب اللعان أنَّ الزاني إذا تاب وحسنت توبته لا يعود محصناً ولا يحد قاذفه بعد ذلك لبقاء ثلمة عرضه، فهذا نظير أن الكاذب لا يقبل خبره أبداً. وذكروا أيضاً أنه لو قُذِفَ ثم زنى بعد القذف قبل أن يحد القاذف لم يحد لأن الله أجرى العادة أنه لا يفضح أحداً من أول مرة، فالظاهر تقدم زناه قبل ذلك، فلم يحد له القاذف، وكذا نقول فيمن تبين كذبه الظاهر تكرر ذلك منه حتى ظهر لنا، ولم يتعين لنا ذلك فيما روى من حديثه فوجب إسقاط الكل، وهذا واضح بلا شك، ولم أر أحداً تنبه لما حررته، وللهِ الحمد اهـ. ثم ذكر مسألة تكذيب الشيخ الراويَ بقوله: 315 - وَمَنْ نَفَى مَا عَنْهُ يُرْوَى فَالأَصَحّ ... إِسْقَاطُهُ، لَكِنْ بِفَرْعٍ مَا قَدَحْ 316 - أَوْ قَالَ: لا أَذْكُرُهُ، وَنَحْوُ ذا ... كَأَنْ نَسِي: فَصَحَّحُوا أَنْ يُؤْخَذَا (ومن) شرطية أو موصولة مبتدأ (نفى) أي كذب صريحا (ما) أي الحديث الذي (يروى) بالبناء للمفعول أي ينقل عنه كما إذا روى ثقة عن ثقة حديثاً، وروجع المروي عنه فيه فنفاه صريحاً بقوله كَذَبَ عَلَيَّ، أو ما رويته (فالأصح) أي القول المختار عند المتأخرين وفاقاً لابن الصلاح والنووي والإمام فخر الدين، والأمدي، وهو مبتدأ خبره قوله (إسقاطه) أي إسقاط ذلك الحديث فلا يعمل به، والجملة جواب الشرط، أو خبر المبتدإ. وحاصل المعنى: أنه إذا روى ثقة من الثقات حديثاً فنفاه المروي عنه لَمَّا رُوجِعَ فإن كان جازماً بنفيه بأن قال ما رويته أو كذب عَلَيَّ ونحوه فالمختار وجوب رده لتعارض قولهما كالَبَيِّنَتَين إذا تكاذبا فإنهما يتعارضان إذ الشيخ قطع بكذب الراوي، والراوي قطع بالنقل ولكل وجهة ترجيح.

أما الراوي فلكونه مثبتاً، وأما الشيخ فلكونه نفى ما يتعلق به في أمر يقرب من المحصور غالباً. ولما كان يتوهم من رد حديثه ثبوت كذبه رفع هذا التوهم بقوله (لكن بفرع) وهو الراوي (ما) نافية (قدح) أي النفي المفهوم من " نَفَى " أي ما أثبت جرحه. والمعنى أن هذا التكذيب من الشيخ لا يثبت جرح هذا الراوي في باقي رواياته لأن الجرح في مثل ذلك لا يثبت بالواحد، وأيضاً فقد كذب شيخه صريحاً إن فرض أنه قال كذب بل سمعته منه، أو بما يقوم مقام الصريح وهو جزمه بكون الشيخ حدثه به، لأن ذلك قد يستلزم تكذيبه في دعواه أنه كذب عليه، وليس قبول قول أحدهما بأولى من الآخر، قاله في التدريب. فإن عاد الشيخ وحدث به أو حدث به ثقة غير الأول منه ولم يكذبه فهو مقبول. ومقابل الأصح هو ما اختاره في جمع الجوامع وفاقاً لابن السمعاني وغيره بل حكاه الفخر الشاشي عن الشافعي، وحكى الصفي الهندي الاتفاق عليه، وهو عدم إِسقاط المروي لاحتمال نسيان الأصل له بعد روايته للفرع، ولأن الفرع عدل ضابط إلى آخر شروطه، وقد تقرر أنه يجب العمل بخبره، والوجوب لا يسقط بالاحتمال، والأصل وإن كان عدلاً ضابطاً أيضاً لكنه كَذَّبَ عدلًا وتكذيبُ العدل خلاف الظاهر. لا يقال يلزم أن يكون الأصل كاذباً وهو أيضاً عدل فيكون خلاف الظاهر لأنا نقول: بل هو الظاهر، لأنه كَذَب في التكذيب للفرع العدل وقد عَلِمتَ أنه خلاف الظاهر فيكون كذب الأصل هو الأصلَ إلا أنه لعدالته يحمل على النسيان. قلت: وهذا القول هو الراجح عند المحدثين كما قال السخاوي نقلاً عن الحافظ، ويدل عليه صنيع الشيخين حيث أخرجا حديث عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس " ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا

بالتكبير مع قول أبي معبد لعمرو لم أحدثك به، فإنه دل على أن الشيخين يريان صحة الحديث ولو أنكره الأصل، إذ الناقل عنه عدل فيحمل على أن الشيخ نسي. وفيه قول ثالث وهو أنه لا يقدح في صحة الحديث إلا أنه لا يجوز للفرع روايته عن الأصل، وجزم به الماوردي والروياني. وقول رابع أنهما يتعارضان ويرجح أحدهما بطريقه، وهو مختار إمام الحرمين وصححه في التنقيح. هذا إذا نفاه الشيخ صريحاً أو ما يقوم مقامه، وأما إذا نفاه بما يقتضي النسيان فقد ذكر حكمه بقوله: (أو قال) الشيخ (لا أذكره) أي هذا المروي وقوله (ونحو ذا) بالنصب عطفاً على لا أذكره أي قال الشيخ نحو لا أذكره من الألفاظ التي لا تقتضي الجزم بالنفي كقوله: لا أعرفه، أو لا أدري، أو يغلب على ظني أني ما حدثته بهذا، أو لا أعرفه أنه من حديثي، والراوي جازم به وقوله (كأن نسي) الكاف للتعليل وأن مصدرية، أي فقال ما تقدم لأجل نسيانه ذلك، أو للتنظير أي مثل ما إذا حدث فنسى (فـ) ـفي كل ذلك (صححوا) أي جمهور المحدثين والفقهاء والمتكلمين وأهل الأصول (أن) مصدرية (يؤخذا) بالبناء للمفعول، والألف للإطلاق أي أن يعمل بذلك الحديث. وحاصل المعنى إنه إذا لم ينف الشيخ الحديث الذي حدث عنه الرواي بل قال: لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك فإنه يقبل ولا يرد على الصَّحِيح، لأن الراوي ثقة جزماً فلا يطعن فيه بالاحتمال إذ المروي عنه غير جازم بالنفي بل جَزمُ الراوي عنه وشكه قرينة لنسيانه. وحكي عن بعضهم الرد في هذا ونسب إلى متأخري الحنفية، وذلك لأن الفرع تبع للأصل في إثبات الحديث بحيث إذا أثبت الأصل الحديث ثبت رواية الفرع فكذلك ينبغي أن يكون فرعاً عليه وتبعاً له في النفي، ورُدّ

بأن عدالة الفرع تقتضي صدقه وعدم علم الأصل لا ينافيه فالمثبت مقدم على النافي خصوصاً الشاك. وقيل: إن كان الشيخ رأيه يميل إلى غلبة النسيان، أو كان ذلك عادته في محفوظاته قُبِلَ الذاكر الحافظ، وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلاً بذلك الخبر رُدَّ فقلما ينسى الإنسان شيئاً حفظه نسياناً لا يتذكره بالتذكير، والأمور تُبنَى على الظاهر لا على النادر، قاله ابن الأثير، وأبو زيد الدبوسي. ومن أمثلة المسألة ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قضى باليمين مع الشاهد " زاد أبو داود في رواية أن عبد العزيز الدراوردي قال: فذكرت ذلك لسهيل فقال: أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه قال عبد العزيز: وقد كان سهيل أصابته علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه فكان سهيل بَعْدُ يحدث به عن ربيعة عنه، عن أبيه. ورواه أيضاً أبو داود من رواية سُلَيمان بن بلال عن ربيعة، قال سليمان: فلقيت سهيلاً فسألته عن هذا الحديث فقال: ما أعرفه فقلت له: إن ربيعة أخبرني به عنك قال: فإن كان ربيعة أخبرك عني فحدِّثْ به عن ربيعة عني. وقد صنف الدارقطني ثم الخطيب مَنْ حدَّثَ وَنَسِي، وللناظم رحمه الله: تذكرة المؤتسي بمن حدث ونسي، لخص فيه كتاب الخطيب ذكر فيه نحو أربعين حديثاً. ثم ذكر مسألة أخذ الأجرة على التحديث، فقال: 317 - وَآخِذٌ أَجْرَ الْحَدِيثِ يَقْدَحُ ... جَمَاعَةٌ، وَآخَرُونَ سَمَحُوا 318 - وَآخَرُونَ جَوَّزُوا لِمَنْ شُغِلْ ... عَنْ كَسْبِهِ، فَاخْتِيرَ هَذَا وَقُبِلْ (وآخذ) اسم فاعل مبتدأ أي راو آخذ (أجر الحديث) مفعوله أي أجر رواية الحديث (يقدح) أي يعيب، يقال: قدح فلان في فلان قَدْحا من باب

نفع: عابه وتنقصه، ومنه قدح في نسبه وعدالته إذا عيبه وذكر ما يؤثِّر في انقطاع النسب، ورد الشهادة. قاله الفيومي (جماعة) فاعل يقدح والجملة خبر المبتدإ بتقدير رابط أي في روايته. وحاصل المعنى: أن من أخذ أجراً على التحديث قدح جماعة من العلماء في روايته، منهم الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو حاتم الرازي فإنهم سئلوا عن المحدث بالأجر فأجابوا بأن لا يكتب حديثه عنه، وغير هؤلاء ذكرهم الخطيب بأسانيده. وإنما منعوا من ذلك تنزيهاً للراوي عن سوء الظن به فإن بعض من كان يأخذ الأجرة على الرواية عُثِرَ على تزيده، وادعائه ما لم يسمع لأجل ما كان يعطى، ومن هذا بالغ شعبة فيما حكى عنه، وقال: لا تكتبوا عن الفقراء شيئاً، فإنهم يكذبون، (وآخرون) من المحدثين مبتدأ خبره جملة (سمحوا) أي سهلوا في أخذ الأجرة على التحديث ترخصاً للفقر والحاجة لأن المحدث قد يكون فقيراً وله عيال تجب عليه مؤنتهم وانقطاعه للتحديث يؤدي إلى ترك الكسب لهم. قال ابن الصلاح: وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه غير أن في هذا من حيث العرف خرماً للمروءة، والظنُّ يساء بفاعله إلا أن يقترن ذلك بعذر ينفي ذلك عنه اهـ. وهؤلاء المجوزون جماعة ذكرهم الخطيب بسنده منهم مجاهد وعكرمة وطاوس وأبو نعيم الفضل بن دكين ويعقوب بن إبراهيم وغيرهم. (وآخرون) من العلماء أي وهم المحققون (جوزوا) أخذ الأجرة على التحديث (لمن شغل) بالبناء للمفعول: أي منع، يقال شغله كمنعه شَغْلًا بالفتح ويضم وأشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة " ق " لكن قال في التاج إنها رديئة. والشغل ضد الفراغ وقال الراغب: هو العارض الذي يذهل الإنسان. اهـ.

(عن كسبه) متعلق بشغل أي لمن كان مشغولاً بسبب التحديث عن الكسب لنفسه وعياله. وحاصل المعنى: أنه إذا كان للمحدث كسب فتركه بسبب التحديث فإنه يجوز له أخذ الأجرة بدلاً عما تركه رفقاً به، وهذا القول هو الراجح كما أشار إليه بقوله: (فاختير هذا) القول المُفَصِّلُ (وقبل) بالبناء للمفعول لتوسطه بين القولين السابقين. وقد أفتى بذلك الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أبا الحسن ابن النقور لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله، وسبقه ابن عبد الحكم إلى الإفتاء بالجواز حيث سئل عن عالم يأخذ على قراءة العلم أجراً. والدليل لمطلق الجواز كما تقدم القياس على القرآن فقد جوَّزَ أخذ الأجرة على تعليمه الجمهور لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصَّحِيح " أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " رواه البخاري. والأحاديث الواردة في الوعيد على ذلك لا تنتهض بالمعارضة إذ ليس فيها ما تقوم به الحجة، خصوصاً وليس فيهم التصريح بالمنع على الإطلاق، بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل لتُوافِقَ الصَّحِيحَ. وقد حملها بعضهم على الأخذ فيما تعين عليه تعليمه لا سيما عند عدم الحاجة قاله السخاوي. ثم ذكر حكم من يتساهل في السماع أو الإسماع، وكذا من يقبل التلقين، ومن يكثر شذوذه، أو سهوه إذا حدث من حفظه فقال: 319 - مَنْ يَتَسَاهَلْ فِي السَّمَاعِ وَالأَدَا ... كَنَوْمٍ اوْ كَتَرْكِ أَصْلِهِ ارْدُدَا 320 - وَقَابِلَ التَّلْقِينِ وَالَّذِي كَثُرْ ... شُذُوذُهُ أَوْ سَهْوُهُ حَيْثُ أَثَرْ

321 - مِنْ حِفْظِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ كَبُرْ ... وَمَنْ يُعَرَّفْ وَهْمَهُ ثُمَّ أَصَرّ 322 - يُرَدُّ كُلُّ مَا رَوَى وَقَيِّدَا ... بِأَنْ يُبِينَ عَالِمٌ وَعَانَدَا (من) شرطية مبتدأ (يتساهل) أي يتسامح (في السماع) أي في حال سماعه للحديث من شيخه (والأدا) الواو بمعنى أو، وفي نسخة في سماع أو أدا أي أدائه إلى من يروي عنه ثم مثل التساهل بقوله (كنوم) أي كتساهله بسبب نوم في مجلس سماعه أو إسماعه لعدم مبالاته بذلك، والمراد بالنوم الكثير فلا يضر النعاس الخفيف الذي لا يختل معه فهم الكلام لا سيما من الفطن قاله السخاوي. (أو كـ) تساهله بـ (ترك أصله) أي كتابه الذي فيه سماعه المقابَلِ بأصل صحيح، أو أصل شيخه. وقوله: (ارددا) فعل أمر، والألف بدل من نون التوكيد الخفيفة، والجملة جواب الشرط بتقدير رابط، أي فارددن أيها المحدث روايته. وحاصل المعنى: أن من كان معروفاً بالتساهل في حال سماعه الحديث أو أدائه فإنه لا تقبل روايته. (و) ارددن أيضاً (قابل التلقين) أي الشخص الذي يقبل التلقين، وهو أن يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه فلا يقبل لدلالته على مجازفته وعدم تثبته وسقوطِ الوثوق بالمتصف به. (و) ارددن أيضاً رواية الشخص (الذي كثر) أي غلب (شذوذه) أي تفرده برواية شاذ أو منكر. يعني: أن الذي تكثر في روايته المناكير والشواذ ترد روايته لأنه يَخْرِمُ الثقة بالراوي وضبطه، قال شعبة: لا يجيئك الحديث الشَّاذ إلا من الرجُلِ الشَّاذ. (أو) كثر (سهوه حيث أثر) من باب قتل، أي حدث (من حفظه) لا من كتابه بأن لم يحدث من أصل صحيح. يعني: أن الذي يكثر سهوه إذا حدث من حفظه ترد روايته، لما

تقدم، وقُيِّدَ بما إذا حدث من حفظه لأنه إن حدث من أصل صحيح لا يرد إذ لا عبرة بكثرة سهوه حينئذ لأن الاعتماد على الأصل لا على حفظه. ثم ذكر حكم من غلط فَبُيِّنَ له ذلك فَأصَرَّ بقوله: (قال جماعة) من العلماء (كَبُرْ) بضم ففتح جمع كبرى صفة لجماعة، كالإمام أحمد وابن المبارك والحميدي في آخرين، ومقول القول قوله: (ومن) شرطية (يعرف) بالبناء للمفعول من التعريف (وهمه) بسكون الهاء وفتحها لكن الأول هنا متعين للوزن، أي غلطه، وهو المفعول الثاني ليعرف والأول ضميرُ مَن (ثم) بعد أن يُبَيَّنَ له (أصر) أي ثبت على غلطه، يقال: أصر على فعله بالألف داومه ولازمه وأصر عليه عزم قاله الفيومي، (يرد) بالبناء للمفعول جواب الشرط، ورفعه مع كون فعل الشرط مضارعاً قليل قال ابن مالك: وَبَعْدَ ماض رفعك الجزا حَسَنْ ... ورفعُهُ بعدَ مُضَارعٍ وَهَنْ وليس خاصاً بالضرورة، لقراءة طلحة بن سليمان (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) ثم هو على حذف الفاء، وقيل غير ذلك. وحاصل المعنى: أن من بين له غلطه في حديث ولو مرة واحدة فأصر على روايته ولم يرجع سقطت رواياته كلها، ولم يكتب عنه، لكن هذا إذا كان إصراره عناداً أو نحوه، كما أشار إليه بقوله (وَقُيِّدَا) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق أي قَيَّدَ ما قاله هؤلاء الأئمة بعضُ المتأخرين كما قال العراقي. (بأن يبين) من الإبانة وهو الإظهار، أي يظهر له وهمه (عالم) بالفن عند ذلك الواهم، فلم يَقبَل بل صَمَّم (وعاندا) بألف الإطلاق، أىِ خالف، يقال عاند من باب قاتل إذا ركب الخلاف والعصيانَ، وعانده معاندة عارضه، وَفَعَلَ مثل فعله، قال الأزهري: المعانِدُ المعارض بالخلاف لا بالوفاق، وقد يكون مباراة من غير خلاف أفاده الفيومي. قلت: والمناسب هنا المعنى الأول.

وحاصل المعنى: أنه إنما يرد بالمعاندة إذا بيّن له عالم بالفن عنده فلم يرجع، وأما إذا لم يثبت عنده أهلية الراد فلا، لأن المعاند كالمستخف بالحديث بترويج قوله بالباطل. ثم إن هذه التشديدات المتقدمة كان في الأزمان المتقدمة، وأما المتأخرون فَجُل مقصودهم إبقاء السلسلة التي اختصت بها الأمة المحمدية، فلا يحتاجون إلى هذا كله بل إلى ما يحقق بقاء سلسلة الإسناد، وإليه أشار بقوله: 323 - وَأَعَرَضُوا فِي هَذْهِ الأَزمَانِ ... عَنْ اعْتَبارِ هَذَهِ الْمَعَانِي 324 - لِعُسْرِهَا مَعْ كَوْنِ ذَا الْمُرَادِ ... صَارَ بَقَا سَلْسَلَةِ الإِسْنَادِ 325 - فَلْيُعْتَبَرْ تَكْلِيفُهُ وَالسَّتَرْ ... وَمَا رَوَى أَثْبَتَ ثَبْتٌ بَرُّ 326 - وَلْيَرْوِ مِنْ مُوَافِقٍ لأَصْلِ ... شُيُوخِهِ فَذَاكَ ضَبْطُ الأَهْلِ (وأعرضوا) أي تركوا يقال: أعرضت عن الشيء إذا أضربت، ووليت عنه، والهمزة فيه للصيرورة أي أخذت عرضاً أي جانباً غير الجانب الذي هو فيه أفاده الفيومي. يعني: أن العلماء المحدثين وغيرهم تركوا (في هذه الأزمان) المتأخرة وهي ما بعد ثلاثمائة كما قاله الذهبي في الميزان، (عن اعتبار هذه المعاني) أي اجتماع هذه الأوصاف المتقدمة في الراوي، والجارَّان يتعلقان بالفعل. يعني: أنهم لم يتقيدوا بوجودها في الراوي بل تسامحوا فيه، وإنما أعرضوا عنها (لعسرها) أي مشقة وجودها في الراوي وافيةً (مع) بسكون العين لغة في فتحها (كون ذا المراد) أي المقصود الآن من طلب الحديث (صار بقا) بالقصر للوزن (سلسلة الإسناد) أي اتصال بعضه ببعض. قال في القاموس وشرحه السَّلْسَلَة: يعني: بفتح السين، وسكونٍ اللام الأولى، وفتح الثانية: اتصال الشيء بالشيء، وشيء مُسَلْسَلٌ متصل

بعضه ببعض، قال وبالكسر دائرة من حديد ونحوه. اهـ باختصار. قلت: ويجوز (¬1) الوجهان هنا. يعني: أن المقصود الآن صار بقاء سلسلة السَّند بحدثنا أو أخبرنا لتبقى هذه الكرامة التي اختصت بها هذه الأمة شرفاً لنبيها - صلى الله عليه وسلم - فلا يحتاج إلى مراعاة جميع ما تقدم لتعذر وفائه في رَاوٍ، بل يكفي وجود بعضه، كما أشار إليه بقوله: (فليعتبر) أي فإذا كان المقصود ذلك فليعتبر من الشروط ما يليق بالمراد المذكور ولْيُكتَفَ ببعضها وهو (تكليفه) أي كون الراوي مكلفاً أي بالغاً عاقلاً (والستر) أي كونه مستور الحال، وهو أن لا يكون متظاهراً بالفسق، أو السخف الذي يخل بالمروءة لتتحقق عدالته، هذا من حيث العدالة، وأما من حيث الضبط، فأشار إليه بقوله: (وما) مبتدأ أي الحديث الذي (روى) أي نقله وحفظه (أثبتـ) ـهُ (ثبت) بسكون الباء أي ثقة متثبت في روايته (بر) صفة لثبت، وهو بفتح الباء من بَرَّ الرجلُ يَبَرُّ وِزَانَ عَلِمَ يَعْلَم فهو بَرّ بالفتح، وبار أي صادق، أو تقي، والجملة خبر المبتدإ، وجملة المبتدإ والخبر حال من الضمير المجرور، يعني: أن ما رواه يكون ثَابِتاً بخط ثقة غير متهم سواء الشيخ، أو القارئ أوبعض السامعين وسواء كُتِبَ على الأصل أم في ثبت بيده إذا كان الكاتب ثقة من أهل الخِبْرَة بهذا الشأن، بحيث لا يكون الاعتماد في رواية هذا الراوي عليه بل على الثقة المفيد لذلك، أفاده القاضي زكريا. (وليروِ) حين يحدث (من) أصل صحيح (موافق لأصل شيوخه فذاك) أي ما ذكرناه مبتدأ، وخبره قوله: (ضبط الأهل) أي الضبط المعتبر لأهل الحديث في الأعصار المتأخرة بخلاف الضبط في المتقدمين. وحاصل معنى الأبيات الأربعة: أن المحدثين أعرضوا في هذه ¬

_ (¬1) فيكون المعنى على الفتح: بقاء اتصال الإسناد بعضه ببعض، وعلى الكسر يكون المعنى على التشبيه، أي بقاء الإسناد الشبيه بالسِّلْسِلَة.

الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع هذه الشروط التي مضت في الراوي وضبطه فلم يتقيدوا بها في عملهم، لعسرها وتعذر الوفاء بها، بل استقر عندهم العمل على اعتبار بعضها فيكفي في أهلية الراوي كونه مسلماً بالغاً عاقلاً غير متظاهر بالفسق وما يَخْرِمُ المروءة ظاهراً، بمعنى: أنه مستور الحال ثبت سماعه بخط ثقة غير متهم، ورَوَى من أصل موافق لأصل شيخه. قال السخاوي: والحاصل أنه لما كان الغرضُ أولاً معرفةَ التعديل والتجريح وتفاوت المقامات في الحفظ والإتقان ليتوصل بذلك إلى التصحيح والتحسين والتضعيف حصل التشديد بمجموع تلك الصفات، ولما كان الغَرَضُ آخراً الاختصارَ في التحصيل على مجرد وجود السلسلة السَّندية اكتَفَوا بما ترى، لكن ذاك بالنظر إلى الغالب في الموضعين وإلا فقد يوجد في كل منهما من نمط الآخر، وإن كان التساهل إلى هذا الحدّ في المتقدمين قليلًا اهـ. (تَتِمَّة): الزيادات على العراقي في هذا الباب قوله: ما لم يوثق إلى قوله: قد رُكِنْ في البيت بعده، وقوله: فإن فصله إلى قوله: من زكاه في البيت التالي، وقوله: ولو خص بذا، وقوله: من لا أتهم، وقوله: في الأصح من قوله: وما اقتضى إلخ، وقوله: كعكسه إلى قوله: في إفاقة معاً، وقوله: ثالثها إن كان من عنه انفرد إلى قوله: والثالث من البيت الرابع، وقوله: ومن عرفنا عينه إلى لا تقبل في البيت الثالث، وقوله: ثالثها إن كذبا قد حللا، وقوله: الرافضي، وقوله: لا إن رووا وفاقاً البيت، وقوله: والنووي إلى قوله: موضح، وقوله: في الأصح، وقوله: بأن يبين عالم. ولما كان قبولُ الحديث ورده منوطاً على العدالة والجرح ناسب أن يذكر مراتب التعديل والتجريح بعد باب من تقبل روايته ومن ترد فقال:

(مراتب التعديل والتجريح)

(مراتب التعديل والتجريح) أي هذا مبحثهما وجمَعَهُمَا في باب لتقابلهما، وقدم التعديل لشرفه، وليوازي الباب الذي قبله لأنهما من تتماته، ولذا جعله غيره من تتمة النوع الماضي لا نوعاً مستقلًا، والتعديل: مصدر عدلت الشاهدَ إذا نسبته إلى العدالة، ووصفته بها، والتجريح مِثلُه إلا أن ثلاثيه يتعدى يقال: فلان جرح فلاناً إذا نسبه إلى العيب. واعلم أن ألفاظ كل من التعديل والتجريح على مراتِبَ جعلها ابن أبي حاتم وتبعه ابن الصلاح والنووي أربعاً، وجعلها الذهبي والعراقي خمساً، وجعلها الحافظ ستاً، وتبعه الناظم هنا فساقها بالتدلي من الأعلى إلى الأدنى بقوله: 327 - وَأَرْفَعُ الأَلْفَاظِ فِي التَّعْدِيلِ ... مَا جَاءَ فِيهِ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ 328 - كَـ " أوْثَقِ النَّاسِ " وَمَا أَشْبَهَهَا ... أَوْ نَحْوُهُ نَحْوُ " إِلَيْهِ الْمُنْتَهَى " (وأرفع الألفاظ) أي أعْلَى الصيغ، مبتدأ (في التعديل) أي نسبة الراوي إلى العدالة، وإنما قدم الكلام عليه لكون المقصود بالذات هو إثبات الحديث حتى يُعمَلَ به (ما) موصولة خبر المبتدإ (جاء فيه أفعل التفضيل) لدلالته على المبالغة في التعديل، ثم مثل له بقوله (كأوثق الناس) أي كقولهم فلان أوثق النَّاس أي أفضلهم في الاعتماد عليه، (وما أشبهها) أي ما أشبه أوثق الناس أنثه باعتبار المذكورة كأثبت النَّاس أي حفظاً وعدالة، وأصدقهم، لما

تدل عليه الصيغة من الزيادة. (أو نحوه) بالرفع عطفاً على أفعلُ، أي نحو أفعل التفضيل مما يفيد الزيادة والمبالغة في الوصف وذلك: (نحو) قولهم فلان (إليه المنتهى) في التثبت أي التيقظ والاحتياط في الديانة والرواية. قال الناظم: ومنه لا أحد أثبت منه، ومَنْ مِثلُ فلان؟ وفلان لا يسأل عنه، ولم أر من ذكرها، وهي في ألفاظهم. وقال السخاوي: إن من نظر في كتب الرجال ككتاب ابن أبي حاتم، والكامل لابن عدي، والتهذيب، وغيرها، ظفر بألفاظ كثيرة، ولو اعتنى بارع بتتبعها ووضع كل لفظة بالمرتبة المشابهة لها مع شرح معانيها لغة واصطلاحاً، لكان حسناً، والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم، لما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إليه اهـ. وهذه هي المرتبة التي زادها الحافظ على غيره بالتتبع، ثم ذكر المرتبة الثانية، وهي: الأولى عند الذهبي في ميزانه، وتبعه العراقي فقال: 329 - ثُمَّ الَّذِي كُرِّرَ مِمَّا يُفْرَدُ ... بَعْدُ بِلَفْظٍ أَوْ بِمَعْنًى يُورَدُ (ثم) اللفظ (الذي كرر) بالبناء للمفعول مرتين فأكثر (مما يفرد بعد) بالبناء للمفعول أيضاً أي من اللفظ الذي يذكر مفرداً، فقوله: الذي كرر مبتدأ خبره محذوف تقديره يَلِي ما تقدم، وقوله بعد بالبناء على الضم متعلق بيفرد أي يُذكَرُ مفرداً بعد هذه المرتبة، وهي الثالثة يعني أن ما يأتي في المرتبة التالية مفرداً إذا كرر يكون لِلْمَرْتبة الثانية. وقوله (بلفظ) متعلق بكرر أي سواء كان كرر بلفظه، كثبت ثبت وثقة ثقة وحجة حجة (أو) كرر (بمعنى) كثقة ثبت وحافظ حجة وضابط متقن وقوله: (يورد) بالبناء للمفعول صفة لمعنى حذف نظيره للفظ أي يؤتى به بعد الأول للتأكيد. وحاصل معنى البيت: أنه يلي المرتبة الأولى: ما كرر من الألفاظ التي تذكر في المرتبة التي بعد هذه مفردة سواء كررت بلفظها أو بمعناها

لأن التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زيادة على الكلام الخالي منه، وعلى هذا فما زاد على مرتين مثلاً يكون أعلى منها، كقول ابن سعد في شعبة: ثقة مأمون ثبت حجة صاحب حديث. قال السخاوي: وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك قول ابن عينية حدثنا عمرو بن دينار، وكان ثقة ثقة تسع مرات وكأنه سكت لانقطاع نفسه اهـ. ثم ذكر المرتبة الثالثة: وهي الأولى عند ابن أبي حاتم وتبعه ابن الصلاح، والثانية عند العراقي فقال: 330 - يَلِيهِ ثَبْتٌ مُتْقِنٌ أو ثِقَةٌ ... أَوْ حَافِظٌ أَوْ ضَابِطٌ أَوْ حُجَّةٌ (يليه) أي ما ذكر من المرتبة الثانية، وهو المكرر ما أفرد كقولهم فلان (ثبت) بسكون الباء الموحدة الثابت القلبِ، واللسانِ، والكتاب، والحجةِ، وأما بالفتح فما يُثْبِتُ فيه المحدث مسموعه مع أسماء المشاركَين له فيه، لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره قاله السخاوي رحمه الله تعالى. وفي المصباح: رجل ثَبتْ ساكن الباء متثبت في أموره، وثَبْت الجنان، أي ثابت القلب ورجل ثَبَت بفتحتين إذا كان عدلًا ضابطا، والجمع أثبات مثل سبب وأسباب، ويقال للحجة ثبت أيضاً يعني بفتحتين. اهـ بتغيير، فأفاد أن يقال هنا بفتحتين أيضاً إلا أن السكون هنا متعين للوزن. وفلان (متقن) اسم فاعل من الإتقان، وهو الإحكام. وفي التوضيح: هو الضابط الجيد الضبط اهـ. (أو) فلان (ثقة) من الوثوق وهو الاعتماد، أي معتمد عليه، يقال: وثقت به أثق بكسرهما ثقة ووثوقاً آئتمنته. ويقال: هو وهي وهم وهن ثقة لأنه مصدر، وقد يجمع في الذكور والإناث، فيقال ثقات، أفاده الفيومي، (أو) فلان (حافظ) من الحفظ وهو

المنع من الضياع يقال حفظت المال وغيره حفظاً بالكسر إذا منعته من الضياع والتلف، وحفظته صنته عن الابتذال، ورجل حافظ لدينه وأمانته ويمينه، وحفيظ أيضاً، والجمع حفَظَة وحُفَّاظ مثل كافر في جمعيه أفاده الفيومي. (أو) فلان (ضابط) من الضبط وهو الحفظ البليغ يقال ضبطه ضبطاً من باب ضرب حفظه حفظاً بليغاً، ومنه قيل ضبطت البلاد وغيرها إذا قمت بأمرها قياماً ليس فيه نقص قاله الفيومي. (أو) فلان (حجة) فهذه كلها في مرتبة واحدة، وهي الثالثة: قال ابن أبي حاتم إذا قيل للرجل إنه ثقة أو متقن فهو ممن يحتج بحديثه اهـ. قلت وظاهر النظم أن حافظا وضابطا من ألفاظ التعديل مطلقاً، وقيده ابن الصلاح رحمه الله بأن يكون الإطلاق على عدل، قال السخاوي: إذ مجرد الوصف بكل منهما غير كاف في التوثيق بل بين العدالة وبينهما عموم وخصوص من وجه، لأنه توجد العدالة بدونهما ويوجدان بدونها وتوجد الثلاثة اهـ. ثم ذكر المرتبة الرابعة، وهي الثالثة عند العراقي، والثانية عند ابن أبي حاتم وتبعه ابن الصلاح فقال: 331 - ثُمَّ " صَدُوقٌ " أَوْفَـ " مَأْمُونٌ " وَ " لا ... بَأْسَ بِهِ " كَذَا " خِيَارٌ " ............ (ثم) يلي ما تقدم قولهم فلان (صدوق) بفتح الصاد وصف له بالصدق على سبيل المبالغة، وليسا " محله الصدق " من هذه المرتبة وإن أدرجه ابن أبي حاتم ثم ابن الصلاح هنا، بل في المرتبة التالية كما يأتي تبعاً للذهبي، (أو) فلان (فمَأمُون) الفاء زائدة (و) فلان (لا بأس به) أو ليس به بأس قال الصنعاني: فإن قيل إنه ينبغي أن يكون لا بأس به أبلغ من ليس به بأس لعَرَاقَة لا في النفي أجيب بأن في العبارة الأخرى قوة من حيث وقوع النكرة في سياق النفي فساوت الأولى في الجملة. اهـ.

(وكذا) قوله فلان (خيار) من الخَيْرِ ضدَّ الشر، بكسر ففتح اسم من الاختيار، ونُضَارُ المال، أفاده في " ق ". وأفاد الفيومي أنه جمع خَيْر كالخُيور مثل بَحْر وبُحُور وبحار، فعلى الأول وصف به مبالغة كزيد عدل، وعلى الثاني يحتاج إلى تقدير مِنْ، أي من خيار الناس. فهذه الألفاظ كلها في مرتبة واحدة. وجعل ابن أبي حاتم وتبعه ابن الصلاح في هذه المرتبة صدوق، ومحله الصدق، ولا بأس به، قال ابن أبي حاتم مَنْ قيل فيه ذلك هو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، قال ابن الصلاح وهو كما قال، لأن هذه العبارة لا تشعر بالضبط فيعتبر حديثه بموافقة الضابطين اهـ. ثم ذكر المرتبة الخامسة وهي الرابعة عند الذهبي والعراقي، والثالثة عند ابن أبي حاتم، وابنِ الصلاح فقال: ..................... ... ..................... وَتَلا 332 - " مَحَلُّهُ الصِّدْقَ " " رَوَوْا عَنْهُ " " وَسَطْ " ... شَيْخٌ مُكَرَّرَيْنِ أَوْ فَرْدًا فَقَطْ 333 - وَ " جَيِّدُ الْحَدِيثِ " أَوْ " يُقَارِبُهْ " ... " حَسَنُهُ " " صَالِحُهُ " " مُقَارِبُهْ " (وتلا) أي تبع ما تقدم في المرتبة من قيل فيه (محله الصدق) أي مرتبته مطلق الصدق وإنما أخر عن صدوق لأنه مبالغة في الصدق كما تقدم بخلاف هذا فإنه دل على أن صاحبه محله ومرتبته مطلق الصدق. أو قيل فيه فلان (رووا عنه) أو روى النَّاس عنه، أو يُروَى عنه، أو فلان (وسط) بفتحتين ومعناه في اللغة: المعتدل، يقال شيء وسط، أي بين الجيد والردىء أفاده الفيومي. وفلان (شيخ مكررين) حال من وسط وشيخ، أي حال كونهما مذكورين معاً بأن يقال شيخ وسط، (أو فرداً) عطف على مكررين، أي مفردين بأن ذكر كل منهما منفرداً (فقط) أي فحسب مثل فلان وسط وفلان

شيخ، (و) فلان (جيد الحديث) من الجَودة أي الحسن، أي حَسَن الحديث، (أو) فلان (مقاربه) بكسر الراء من القرب ضد البعد أي حديثه يقارب حديث غيره، بمعنى أن حديثه ليس شاذًّا ولا منكراً، وفي نسخة المحقق ابن شاكر: يقاربه بصيغة المضارع وليس في كتب المصطلح إلا بصيغة اسم الفاعل أو المفعول كالآتي فلعلها من تصحيفات الطابعين، (و) فلان (حسنهُ) أي الحديث (و) فلان (صالحهُ) أي الحديث (و) فلان (مقاربه) بفتح الراء بصيغة اسم مفعول أي يقاربه حديث غيره. (تنبيه): قال العراقي قولهم مقارب الحديث ضبط في الأصول الصَّحِيحة بكسر الراء، وقيل إن ابن سِيدَهْ (¬1) حكى فيه الفتح والكسر، وأن الكسر من ألفاظ التعديل والفتح من ألفاظ التجريح، قال: وليس ذلك بصحيح بل الفتح والكسر معروفان حكاهما ابن العربي في شرح الترمذي، وهما على كل حال من ألفاظ التعديل، وممن ذكر ذلك الذهبي، قال: وكأن قائل ذلك فهم من فتح الراء أن الشيء المقارَبَ هو الردىء وهذا من كلام العوام، وليس معروفا في اللغة وإنما هو على الوجهين من قوله - صلى الله عليه وسلم - " سددوا وقاربوا " فمن كسر قال: إن معناه حديثه مقارب لحديث غيره، ومن فتح قال: معناه إن حديثه يقاربه حديث غيره، ومادة فاعل تقتضي المشاركة انتهى. وممن جزم بأن الفتح تجريح: البلقيني في محاسن الاصطلاح، وقال: حكى ثعلب تِبْر مقارَبٌ أي رديء انتهى. قاله في التدريب. وقال السخاوي: فهو على المعتمد بالكسر والفتح وسط لا ينتهي إلى درجة السقوط، ولا الجلالة، وهو نوع مدح اهـ. 334 - وَمِنْهُ " مَنْ يُرْمَى بِبِدْعٍ " أَوْ يُضَمّ ... إِلَى " صَدُوقٍ " " سُوءُ حِفْظٍ أَوْ وَهَمْ " (ومنه) أي مما تلا المرتبة الرابعة من الموصوفين بالألفاظ المذكورة من قوله: محله الصدق إلخ كما قال الحافظ ابن حجرٍ فقوله: منه خبر مقدم لقوله: (من يرمى) بالبناء للمفعول أي الشخص الذي يقذف (بِبِدْعٍ) ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن علي بن إسماعيل الشهير بابن سيده. اهـ تاج العروس.

بكسر الباء وفتح الدال إلا أنه سكنها هنا للضرووة جمع بدعة: الشيء المحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأهواء والأعمال كما في " ق ". وإنما قلت سكنها للضرورة لأن البدع بوزن الحمل بالكسر هو أول من فعل الشيء فهو بمعنى مبتدع كالبديع قال الله تعالى: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) الآية. ولا يناسب هنا. والمعنى: أن مِنْ هذه المرتبة مَن يرمى بتلبسه بِبِدْعَةِ ضلالة كالتشيع والقدر (¬1) والنصب (¬2) والإرجاء (¬3) والتجهم (¬4) (أو) من (يضم إلى) وصفه (بصدوق سوء حفظ) بالرفع نائب فاعل يضم، أي الوصف بسوء الحفظ، بأن يقال فلان صدوق سيء الحفظ (أو) يضم إلى صدوق أيضاً (وهم) بفتحتين، أي غلط أي الوصف بالوهم، بأن يقال فلان صدوق يهم، أو صدوق له أوهام، أو صدوق تغير في أخَرَة، بوزن درجة، أي في آخر أمره، أو بصيغة اسم الفاعل وإضافته إلى الضمير. فكل هذ الألفاظ في مرتَبَةِ محله الصدق، وهي الخامسة. (تنبيه): زاد العراقي في هذه المرتبة مع قولهم محله الصدق إلى الصدقِ مَا هوَ. قال الناظم: معناه قريب من الصدق فحرف الجر يتعلق بقريب مقدراً، وما زائدة في الكلام كما قال عياض والنووي في حديث الجساسة ¬

_ (¬1) بفتحتين القضاء الذي يقدره الله تعالى، وفي اللسان: والقَدَريَّةُ: قوم يجحدون القَدَر، وهي مُوَلَّدَة. اهـ. (¬2) قال في " ق " النواصب والناصبيّة المتدينون ببغض علي - رضي الله عنهم - لأنهم نصبوا أنفسهم له أي عادوه اهـ. (¬3) والإرجاء: التأخير، والمُرجِئَة: فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة. اهـ لسان. (¬4) والجهمية: فرقة تنتسب إلى جهم بن صفوان الترمذي، قالوا: لا قدرة للعبد أصلًا، لا مؤثرة، ولا كاسبة، بل هو بمنزلة الجمادات فيما يوجد منها.

عند مسلم: " من قبل المشرق ما هو " المراد إثبات أنه في جهة المشرق اهـ. وقال بعض من كتب على التدريب ما نصه: يجوز أن تكون ما نافية، أو استفهامية، أو زائدة، أو موصولة، ولذا اختلف العلماء في معنى هذه الجملة فعلى أنها نافية قيل: المعني أنه غير مدفوع عن الصدق، وقيل إنها للتردد في أمره، وقيل بل تأكيد لما قبلها. والمعنى ما هو ببعيد، وعلى أنها استفهامية يرجع الأمر فيها إلى الشك، وكأنه قيل هو قريب إلى الصدق، ثم سأل عن مقدار القرب ما هو؟ قليل أو كثير؟ وعلى أنها زائدة تكون نظير ما ورد في حديث الجساسة، وعلى أنها موصولة فهو خبر أي الذي هو فيه إلى الصدق، يعنى أنه قريب منه. اهـ باختصار وزيادة يسيرة. وقال البقاعي معناه عند أهل الفن: أنه غير مدفوع عن الصدق، وتحقيق معناها في اللغة أن حرف الجر يتعلق بما يصلح التعلق به وهو هنا قريب، فالمعنى فلان قريب إلى الصدق، ويحتمل أن تكون ما نافية، وحينئذ يجوز أن يكون المعني ما هو قريب منه فيكون نفياً لما أثبتته الجملة الأولى، فتفيد مجموع العبارة التردد فيه قال الصنعاني: قلت بل المعنى على هَذَا: فلان قريب إلى الصدق، وهو الجملة الأولى، ما هو قريب، وهو الثانية، فتفيد تناقض الجملتين، لا التردد، فلا ينبغي حمل كلامهم على هذا الاحتمال. قال البقاعي: ويحتمل ما هو بعيد فيكون تأكيداً للجملة الأولى. قال الصنعاني: هذا متعين، وقال البقاعي أيضاً: ويحتمل أن تكون استفهامية فكأنه قيل هو قريب إلى الصدق ثم سأل عن مقدار القرب فقال ما هو؟ قليل أو كثير؟. قال الصنعاني: هذا يبعده السياق، لأن القائل إلى الصدق ما هو، هو الذي عَدَّل من وصف، فكيف يسأل غيره عنه، فأولى التوجيهات هو الأول. ومعنى ما هو أن تكون " ما " نافية " وهو " اسمها وخبرها محذوف أي ما هو

بَعِيداً عن الصدق، والجملة تأكيد لما قبلها أفاده في التوضيح. ثم ذكر المرتبة السادسة وهي الخامسة للذهبي، والعراقي، والرابعة لابن أبي حاتم، وابن الصلاح، فقال: 335 - يَلِيهِ مَعْ مَشِيئَةٍ " أَرْجُو بِأَنْ ... لا بَأْسَ بِهْ " صُوَيْلِحٌ " " مَقْبُولُ عَنّ " (يليه) أي ما ذكر من المرتبة الخامسة المرتبة السادسة التي فيها قولهم (مع) بسكون العين لغة في الفتح (مشيئة) أي مع ضم لفظ إن شاء الله فلان (أرجو بأن لا بأس به) بسكون الهاء للوزن، فقوله أرجو بأن لا بأس به إلخ فاعل يلي محكى لقصد لفظه، ومع متعلق بما قبله، وكذا صدوق إن شاء الله، وقولهم فلان (صويلح) إن شاء الله تصغير صالح وفلان (مقبول) إن شاء الله بلا تنوين للوزن، وفي نسخة المحقق المقبول بالتعريف فصويلح عليه بلا تنوين، ثم إن ظاهر النظم أن لفظ المشيئة يأتي مع أرجو، وما بعده، والذي في شروح الألفية العراقية أنه يأتي مع صدوق، وعبارة التدريب: وزاد العراقي فيها صدوق إن شاء الله أرجو أن لا بأس به صويلح، وزاد شيخ الإسلام يعني ابن حجرٍ مقبول فتنبه. وقوله (عن) بتشديد النون خففت هنا للوزن أي ظهر عَدُّ هذه الألفاظ في المرتبة السادسة. (تنبيه): اعلم أن الحكم في هذه المراتب الاحتجاج بالأربعة الأوَلِ منها، وأما التي بعدها فإنه لا يحتج بأحد من أهلها لكون ألفاظها لا تشعر بشريطة الضبط بل يكتب حديثهم ويختبر. وأما السادسة: فالحكم في أهلها دون أهل التي قبلها، وفي بعضهم من يكتب حديثهم للاعتبار دون اختبار ضبطهم لوضوح أمره فيه قاله السخاوي رحمه الله. ثم ذكر ألفاظ التجريح مع بيان المراتب المستعملة فيها مُرتِّباً لها بالتدلي من الأعلى إلى الأدنى تبعاً للعراقي وغيره مع أن العكس كان أنسب

لتكون مراتب القسمين كلها منخرطة في سلك واحد بحيث يكون أولها الأعلى من التعديل وآخرها الأعلى من التجريح كما قاله السخاوي فقال: 336 - وَأَسْوَأُ التَّجْرِيحِ مَا قَدْ وُصِفَا ... " بِكَذِبٍ " وَ " الْوَضْعِ " كَيْفَ صُرِّفَا 337 - ثُمَّ بِذَيْنِ " اتَّهَمُوا " " فِيهِ نَظَرْ " ... وَ " سَاقِطٌ " وَ " هَالِكٌ " " لا يُعْتَبَرْ " 338 - وَ " ذَاهِبٌ " وَ " سَكَتُوا عَنْهُ " تُرِكْ ... وَ " لَيْسَ بِالثِّقَةِ " ....... (وأسوأ) أوصاف (التجريح) مبتدأ خبره جملة قوله: (ما) مصدرية (قد وصفا) بالبناء للمفعول، يعني أن أقبح أوصاف الجرح هو الوصف (بكذب والوضع) أو بأحدهما (كيف صرفا) بالبناء للمفعول، والألف ضمير يعود إلى كذب والوضع، والجملة حال من كذب والوضع، أي حال كونهما مصرفين على أي كيفية، من صيغة التفضيل، أو اسم الفاعل، أو فعلاً ماضياً، أو مضارعاً إلى غير ذلك. والمعنى: أن أشد أنواع الجرح هو الجرح بالكذب والوضع بأي عبارة كان بأفعل تفضيل، أو اسم فاعل، أو غيرهما. لكن قال السخاوي نقلاً عن الحافظ: المرتبة الأولى ما دلت على المبالغة فيه، وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأكذب النَّاس، وكذا قولهم إليه المنتهى في الوضع، وهو ركن الكذب ونحو ذلك اهـ. ثم تلي المرتبة الثانية: وألفاظها كذاب، أو وضاع، أو دجال، أو يضع الحديث أو يكذب أو وضع حديثاً وهذه أسهلها، (ثم) تلى المرتبة الثالثة وهي الثانية في النظم وألفاظها فلان (بذين) أي الكذب والوضع متعلق بـ (اتهموا) أي ظنوه بهما، يقال: اتهمته بكذا ظننته به فهو تهيم كظنين وزنا ومعنى، واتهمته في قوله شككت في صدقه، والاسم التُّهَمَة وزان رُطَبَة، والسكون لغة حكاها الفارابي، وأصل التاء واو أفاده الفيومي. وفلان (فيه نظر) فقد أطلقه البخاري فيمن تركوا حديثه، (و) فلان (ساقط و) فلان (هالك) وفلان (لا يعتبر) به عند المحدثين أو لا يعتبر

بحديثه (و) فلان (ذاهب) أو ذاهب الحديث، (و) فلان (سكتوا عنه) فقد أطلقه البخاري فيمن تركوا حديثه. قال السخاوي: وكثيراً ما يعبر البخاري بهاتين العبارتين، يعني فيه نظر، وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه، بل قال ابن كثير إنهما أدنى المنازل عنده وأردؤها، قلت لأنه لوَرَعِه قَلَّ أن يقول كذاب أو وضاع، نعم ربما يقول كذَّبه فلان ورماه فلان بالكذب، فعلى هذا فإدخالهما في هذه المرتبة بالنسبة للبخاري خاصة مع تجوز فيه، وإلا فموضعهما المرتبة التي قبلها اهـ كلام السخاوي. (و) فلان (ترك) بالبِنَاء للمفعول، أي حديثه، أو متروك الحديث أو تركوه. قال ابن مهدي: سئل شعبة مَنِ الذي يترك حديثه؟ قال من يتهم بالكذب، ومن يكثر الغلط، ومن يخطئ في حديث يُجمَعُ عليه فلا يَتَّهِمُ نفسه، ويقيم على غلطه، ورجل روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون، وقال أحمد بن صالح: لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه. (و) فلان (ليس بالثقة) أو ليس بثقة، أو غير ثقة، ولا مَأمُون، ونحو ذلك. وزاد السخاوي في هذه المرتبة: فلان يسرق الحديث قال: فإنهما كما قال الذهبي: أهون من وضعه واختلاقِهِ في الإثم، إذ سرقة الحديث أن يكون محدث ينفرد بحديث فيجيء السارق ويَدَّعي أنه سمعه أيضاً من شيخ ذلك المحدث، أو يكون الحديث عرف براو فيضيفه لراو غيره ممن يشاركه في طبقته. قال الذهبي: وليس كذلك من يسرق الأجزاء والكتب فإنها أنحس بكثير من سرقة الرواة، ثم أشار إلى المرتبة الرابعة وهي الثالثة باعتبار ما في النظم بقوله: ..................... ... ............. بَعْدَهُ سُلِكْ 339 - " أَلْقَوْا حَدِيثَهُ " " ضَعِيفٌ جِدَّا " ... " إِرْمِ بِهِ " " وَاهٍ بِمَرَّهْ " " رُدَّا "

340 - " لَيْسَ بِشَيءٍ " ................ ... ..................... (بعده) أي بعد ما تقدم من الألفاظ في المراتب السابقة (سلك) بالبناء للمفعول، والنائبُ عن الفاعل جملة قوله (ألقوا حديثه) يعني أن قولهم فلان ألقوا حديثه وما بعده من الألفاظ مستعمل في هذه المرتبة الرابعة، ومعنى ألقوا حديثه أي طرحوه، وكذا فلان مطروح، أو مطروح الحديث وفلان (ضعيف جِدًّا) أي بلغ الغاية في الضعف، وفلان (ارم به) أمر من الرمي، أوِ ارم بحديثه وفلان (واه بمره) أي قولا واحداً لا تردد فيه. قال السخاوي: وكأن الباء زيدت تأكيداً، وكذا فلان تَالِف، وفلان (ردا) بالبناء للمفعول، والألف للإطلاق، أو ردوا حديثه، أو مردود الحديث وفلان (ليس بشيء) أو لا يساوي شيئاً، أو لا شيء، أو لا يساوي فلساً، ونحو ذلك، قال السخاوي رحمه الله: ما أدرج في هذه المرتبة مِنْ ليس بشيء هو المعتمد، وإن قال ابن القطان إن ابن معين إذا قال في الرواي ليس بشيء إنما يريد أنه لم يرو حديثاً كثيراً، هذا مع أن ابن أبي حاتم قد حكى أن عثمان الدارمي سأله عن أبي دراس (¬1) فقال: إنما يروي حديثاً واحداً ليس به بأس، على أنا قد روينا عن المُزنَي قال: سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول فلانٌ كذابٌ فقال لي: يا إبراهيم اكس ألفاظك أحسنها، لا تقل فلان كذاب، ولكن قل حديثه ليس بشيء. وهذا يقتضي أنها حيث وجدت في كلام الشافعي تكون في المرتبة الأولى اهـ. ثم أشار إلى المرتبة الخامسة وهي الرابعة في النظم بقوله: .................. ثَمَّ " لا يُحْتَجَّ بِهْ " ... كَـ " مُنْكِرِ الْحَدِيثِ " أَوْ " مُضْطَرِ بِهْ " 341 - " وَاهٍ " " ضَعِيفٌ " " ضَعَّفُوا " ........... ... ..................... ¬

_ (¬1) أبو دراس حدث عنه عبد الصمد بن الوارث ضعفه ابن معين. اهـ ميزان الاعتدال الـ جـ 4 ص 522.

(ثم) بعد هذه المرتبة تلي المرتبة الخامسة والألفاظ المستعملة فيها قولهم فلان (لا يحتج به) وفلان مجهول (كمنكر الحديث) أي كإطلاقهم على الراوي أنه منكر الحديث، أو حديثه منكر، أو له مناكير، أو له ما ينكر (أو مضطربه) بالجر عطفاً على منكر الحديث أي مضطرب الحديث، وذكر جماعة أن البخاري أطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه، وفلان (واه) أي ضعيف، وفلان ضعيف من غير تقييدهما بمرة ولا بجدًّا، وفلان (ضعفوا) روايته فهذه كلها في مرتبة واحدة. ثم ذكر المرتبة السادسة وهي الخامسة في النظم بقوله: ............... يَلِيهِ ... " ضُعِّفَ " أَوْ " ضُعْفٌ " " مَقَالٌ فِيهِ " 342 - " يُنْكِر وَيُعْرِفْ " " فِيهِ خُلْفٌ " " طَعَنُوا " ... تَكَلَّمُوا سَيءُ حِفْظٍ " لَيِّنُ " 343 - " لَيْسَ بِحُجَّةٍ " أَوْ " الْقَّوِيِّ " ... " بِعُمْدَةٍ " " بِذَاكَ " " بِالْمَرْضِيِّ " (يليه) أي ما تقدم من الألفاظ في المرتبة الخامسة قولهم فلان (ضعف) بالبناء للمفعول أي ضعفه أهل الحديث (أو) فيه (ضعف) بضم الضاد وفتحها، أو في حديثه ضعف وفلان (مقال فيه) أو فيه أدنى مقال، وفلان (ينكر ويعرف) بضم الياء فيهما والبناء للفاعل، أي يأتي مرة بالمناكير، ومرة بالمشاهير أفاده في التدريب، وفي نسخة المحقق تُنكر وتَعرف بالتاء فيهما الأول رباعي من الإنكار فتضم تاؤه، والثاني ثلاثي من المعرفة فتفتح، ومعناه تنكر أيها المحدث ما يأتي به مرة، وتعرف منه أخرى، لكونه يأتي بالمناكير والمشاهير، وفلان (فيه خلف) بضم فسكون أي خلاف بين الحفاظ في حديثه وفلان اختلف فيه. وفلان (طعنوا) فيه أو مطعون فيه. وفلان (تكلموا) فيه. وكذا سكتوا عنه، أو فيه نظر من غير البخاري، وأما عنده فقد تقدم، وفلان: (سيء حفظ) وفلان (لين) بفتح اللام وتشديد الياء.

قال ابن أبي الحاتم: إذا أجابوا في الرجل بلين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا. قيل للدارقطني إذا قلت: فلان لين أيْش (¬1) تريد به قال: لا يكون ساقطاً متروك الحديث، ولكن مجروحاً بشيء لا يسقطه عن العدالة. وفلان (ليس بحجة أو) ليس بـ (القوي) أو المتين، أو المَأمُون، وفلان ليس (بعمدة) أي لا يعتمد عليه، وفلان ليس (بذاك) وربما قيل ليس بذاك القوي (أو) فلان ليس (بالمرضي) أو ليس يحمدونه، أو ليس بالحافظ، أو غيرُه أوثق منه، أو في حديثه شيء، أو فلان مجهول، أو فيه جهالة، أو لا أدري ما هو، أو للضعف ما هو؟ ومعناه أنه ليس ببعيد عن الضعف. فهذه الألفاظ كلها في المرتبة السادسة. ثم إن الحكم في المراتب الأربع الأوَل أنه لا يحتج بواحد من أهلها، ولا يستشهد به، ولا يعتبر به، وما عداها يخرج حديثه للاعتبار به لإشعار هذه الصيغ بصلاحية المتصف بها لذلك، وعدم منافاتها لها، لكن قال البخاري: كل من قلت فيه منكر الحديث لا يحتج به، وفي لفظ لا تحل الرواية عنه. وعلى هذا فهو من المرتبة الرابعة كما تقدم في ذاهب، وسكتوا عنه أنهما من الثانية عنده. (تنبيه): كثيراً ما يطلقون على الراوي منكر الحديث لكونه روى حديثاً واحداً. ¬

_ (¬1) في مرقاة الصعود ما ملخصه: أيشٍ: بكسر الشين المنونة معناه أي شيء، وأصلها أي شيء، فخففت الهمزة، ونقلت حركتها إلى الياء فتحركت بالكسر فكرهوا الكسرة فأسكنت، ولحقها التنوين، فحذفت لالتقاء الساكنين. وقال السيدُ في حاشية الرضى: أيْش قيل هي كلمة مستقلة: بمعنى أي شيء، وليس مخففة منه. اهـ من هامش التدريب جـ 1 ص: 346.

وقال الذهبي: قولهم منكر الحديث لا يعنون به أن كل ما رواه منكر، بل إذا روى الرجل جملة وبعض ذلك مناكير فهو منكر الحديث. وقال السخاوي: وقد يطلق ذلك على الثقة إذا روى المناكير عن الضعفاء. وقال ابن دقيق العيد: قولهم روى مناكير لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته، وينتهي إلى أن يقال فيه منكر الحديث، لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومية، كيف وقد قال أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي يروي أحاديث منكرة، وهو ممن اتفق عليه الشيخان، وإليه المرجع في حديث " إنما الأعمال بالنيات ". (تنبيه آخر): ينبغي أن يتأمل في أقوال المزكين ومخارجها، فقد يقولون فلان ثقة أو ضعيف ولا يريدون به أنه ممن يحتج بحديثه، ولا ممن يرد، وإنما ذلك بالنسبة لمن قرن معه على وقف ما وُجِّهَ إلى القائل من السؤال، كأن يسأل عن الفاضل المتوسط في حديثه ويقرن بالضعفاء فيقال: ما تقول في فلان وفلان وفلان فيقول: فلان ثقة يريد أنه ليس من نمط من قرن به فإذا سئل بمفرده بين حاله في المتوسط. مثل ما قال عثمان الدارمي: سألت ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه فقال: ليس به بأس، قلت: هو أحب اليك أو سعيد المقبري؟ قال: سعيد أوثق، والعلاء ضعيف يعني أنه ضعيف بالنسبة لسعيد المقبري لا مطلقاً، وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من اختلاف كلام أئمة الجرح والتعديل ممن وَثَّقَ رجلًا في وقت وجرحه في آخر. وقد يكون الاختلاف لتغير اجتهاده، يعني أنه يجتهد فيعدله، ثم يتغير اجتهاده فيجرحه، أو بالعكس، أفاده الحافظ السخاوي رحمه الله. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله فى البيت الأول ما جاء إلى آخر البيت الثاني، وقوله: ومنه من يُرْمَى إلى آخر البيت.

ولما أنهى الكلام على مراتب التعديل والتجريح، وهي من مكملات باب من تقبل روايته ومن ترد ناسب ذكر باب التحمل عقبه، لأن من تحمل الحديث وهو غير متأهل للأداء إما أن يؤديه بعد التأهل فيقبل، أو قبله فيرد، ولذا قال:

(تحمل الحديث)

(تحمل الحديث) أي هذا مبحثه وهو النوع الثامن والثلاثون من أنواع علوم الحديث. 344 - وَمَنْ بِكُفْرٍ أَوْ صِباً قَدْ حَمَلا ... أَوْ فِسْقِهِ ثُمَّ رَوَى إِذْ كَمَُِلا 345 - يَقْبَلْهُ الْجُمْهُورُ وَالْمُشْتَهِرُ ... لا سِنَّ لِلْحَمْلِ بَلِ الْمُعْتَبَرُ 346 - تَمْيِيزُهُ أَنْ يَفْهَمَ الْخِطَابَا ... قَدْ ضَبَطُوا وَرَدُّهُ الْجَوَابَا 347 - وَمَا رَوَوْا عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلِ ... وَنَجْلِ هَارُونَ عَلَى ذَا نَزِّلِ 348 - وَغَالِبًا يَحْصُلُ إِنْ خَمْسٌ غَبَرْ ... فَحَدُّهُ الْجُلُّ بِهَا ثُمَّ اسْتَقَرْ 349 - وَكَتْبُهُ وَضَبْطُهُ حَيْثُ اسْتَعَدّ ... وَإِنْ يُقَدِّمْ قَبْلَهُ الْفِقْهَ أَسَدّ (وَمَنْ) موصولة أو شرطية مبتدأ (بِكُفْرٍ) متعلق بحمل، والباء بمعنى في، أو بمعنى مع أي في حالة كفره، أو مع كفره، (أو صبا) بكسر ففتح مقصوراً الصغر، أي في حالة صغره، (قد حملا) بالبناء للفاعل والألف للإطلاق، أي نقل الحديث (أو) حمل في حال (فسقه ثم روى) ما حمله (إذ كملا) أي وقت كماله بالإسلام، والبلوغ والتوبة، وميم كمل مثلثة والألف إطلاقية وجملة قوله (يقبله الجمهور) خبر مَنْ، أو جوابه، أي يَقْبَلُ روايته أكثرُ أهل الحديث. والجُمْهُور بالضم الخَلْقُ العظيم جمعه جماهير، سموا به لكثرتهم، وأصله الرَّمْلَة المشرفة على ما حولها سميت به لعلوها وكثرتها.

وحاصل المعنى أن من تحمل الحديث في حال كفره، أو صغره، أو فسقه ثم أداه بعد كمال الأهلية قَبِلَهُ الجمهور. أما الكافر فقبول روايته اتفاق كما قاله السخاوي، خلافاً لما أفاده في النظم من أنه قول الجمهور، لأن كَماَلَ الأهلية لا يشترط حين التحمل عندهم، واحتجوا بأن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسارى بدر قبل أن يسلم فسمعه حينئذ يقرأ في المغرب بالطور، قال جبير: وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، وفي لفظ فأخذني من قراءته الكَرْب، وفي آخر فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن، وكان ذلك سبباً لإسلامه، ثم أدى هذه السنة بعد إسلامه، وحملت عنه. وأما الفاسق فإنه إذا تحمل في حال فسقه ثم زال فسقه وأدى فإنه يقبل عندهم من باب أوْلَى. وأما الصبي: فإن الجمهور على قبوله إذا أدى بعد البلوغ، وشذ قوم فلم يقبلوه لأن الصبا مظنة عدم الضبط، ورد بالإجماع على قبول حديث جماعة من الصحابة مما تحملوه في الصغر، كالسبطين الحسن والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وابن الزبير، وابن عباس، وغيرهم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده، وكذلك كان أهل العلم من المحدثين سلفاً وخلفاً يُحضِرُون الصبيان مجالس العلم، ثم يقبلون رواياتهم بعد البلوغ. ولما اختُلِفَ في وقت طلب الحديث للصبي ذكره بقوله: (والمشتهر) من أقوال العلماء الذي صوبه المحققون مبتدأ خبره جملة قوله: (لا سن للحمل) أي عدم اعتبار سن معين في تحمل الحديث، والرابط كون الخبر في المعنى نفس المبتدإ (بل المعتبر) في ذلك مبتدأ خبره قوله: (تمييزه) أي كون الصبي مميزاً، وإن كان دون خمس، وإلا لم يصح، وإن كان ابن خمسين، ثم فسر التمييز، فقال: (أن) مصدرية (يفهم) الصبي (الخطابا) بألف الإطلاق، أي مخاطبة النَّاس له وأن وصلتها في تأويل المصدر بدل من تمييز، أو خبر لمحذوف، أي هو فهمه الخطاب وقوله: (قد ضبطوا)

جملة معترضة بين المتعاطفين أي ضبط العلماء وقت التحمل بفهم الخطاب، ورده الجواب، وقوله (ورده الجوابا) عطف على أن وصلتها والألف إطلاقية، أي رده جواباً لمن خاطبه. وحاصل معنى البيت: أن المشهور من أقوال العلماء الذي صححه المحققون كابن الصلاح والنووي وغيرهما في وقت التحمل هو اعتبار التمييز فإذا فهم الخطاب ورد الجواب كان صحيح السماع وإلا فلا. ومقابلهُ قول من قال حده عشرون سنة، وهو الذي عليه أهل الكوفة، قالوا لأنها مجتمع العقل، وقال أبو بكر الخطيب: قَلَّ مَن كان يكتب الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريباً منه إلا من جاوز حد البلوغ وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسؤالهم. وقول من قال: إنه عشر سنين، وهو العادة لأهل البصرة، وقول من قال: إنه ثلاثون سنة وعليه أهل الشام، ومن قال إنه خمس سنين وعليه الجمهور كما يأتي. وبقيت أقوال تركتها للطول. (وما) موصولة مفعول مقدم لنَزِّلِ (رووا) أي نقل العلماء (عن) الإمام أبي عبد الله (أحمد) بن محمد (ابن حنبل) الشيباني وهو أنه سئل متى يسمع الصبي الحديث فقال: إذا عقل وضبط، فذكِرَ له عن ابن معين أنه قال: لا يجوز سماعه قبل خمسة عشر سنة لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد البراء وابن عمر - رضي الله عنهم - يوم بدر لصغرهم عن هذا السن، فأنكر قوله هذا، وقال: بئس القول فكيف يصنع بسفيان ووكيع ونحوهما ممن سمع قبل هذا السن؟ قال وإنما ذاك في القتال. قال السخاوي على أن قول ابن معين هذا يوجه بحمله على إرادة تحديد ابتدإ الطلب بنفسه، أما من سمع اتفاقاً، أو اعتُنيَ به فسمع وهو صغير فلا، لا سيما، وقد نقل ابن عبد البر وغيره الاتفاق عَلى قبوله اهـ. (و) كذا ما روى عن الحافظ أبي عمران بن المحدث أبي موسى، موسى

(نجل) أي ابن (هارون) بن عبد الله بن مروان الحمال البغدادي البزار محدث العراق ثقة حافظ قال عبد الغني بن سعيد: أحسن النَّاس كلاماً على الحديث ابن المديني في زمانه، وموسى بن هارون في زمانه، والدارقطني في وقته ولد سنة (214) ومات في شعبان سنة (294). والمنقول عنه هو أنه سئل متى يسمع الصبي فقال: إذا فرق بين البقرة والحمار، وفي لفظ بين الدابة والبقرة، (على ذا) أي المذكور من أن المعتبر هو التمييز دون التحديد بسن مخصوص متعلق بقوله: (نزل) فعل أمر من التنزيل بمعنى الحمل. والمعنى: احمل أيها المحدث ما روي عن الإمام أحمد وموسى بن هارون على أنهما أرادا التمييز والفهم. ثم إن الذي استقر عليه عمل المتأخرين هو التحديد بخمس سنين لأنه يحصل فيه التمييز غالباً وإليه أشار بقوله: (وغالباً) أي في غالب الأحوال، أو غالب النَّاس (يحصل) ما ذكر من التمييز (إن) شرطية (خمس) من السنين (غبر) أي مضى وهو من الأفعال المستعملة للأضداد يقال غبر: غبوراً من باب قعد: بقي، أو مضى. وقيل عَبَرَ بالمهملة للماضي وبالمعجمة للباقي أفاده الفيومي، والمراد هنا معنى الماضي. (فحده) أي من أجل أن حصول التمييز غالباً في الخمس حده أي وَقَّتَ السماعَ (الجُلّ) بالضم أي معظم أهل الحديث (بها) أي الخمس فقد نقل القاضي عياض أن أهل الصنعة حددوا أول زمن يصح فيه السماع للصغير بخمس سنين. (ثم استقر) عليه عمل المتأخرين من أهل الحديث فيكتبون لابن خمس فصاعداً سمع، ولمن لم يبلغها حَضَرَ، أو أُحضِرَ، واحتجوا على ذلك بما رواه البخاري من حديث الزُّبَيدِيّ، عن الزهري، عن محمود بن الربيع قال:

" عقلت من النبي - صلى الله عليه وسلم - مَجَّة مَجّها في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين "، وعليه بوب البخاري: " باب متى يصح سماع الصغير ". وقال ابن رُشَيد: والظاهر أنهم أرادوا بتحديد الخمس أنها مَظِنَّة لذلك لا أن بلوغها شرط لا بد من تحقيقه، ونحْوهُ قول غيره اعتبر الجمهور المَظِنَّة وهي الخمس فأقاموها مقام المَئِنَّة، وهي التمييز والإدراك والأولى أن تعتبر المَئِنَّة (¬1). وقال القاضي عياض: ولعل تحديد أهل الصنعة بالخمس إنما أرادوا أن هذا السن أقل ما يحصل به الضبط، وعَقْلُ ما يسمع وحفظه، وإلا فمرجوع ذلك العادة، ورُبَّ بليد الطبع غبي الفطرة لا يضبط شيئاً فوق هذا السن، ونبيل الجِبِلَّةِ ذَكِيّ القريحة يعقل دون هذا السن قاله السخاوي رحمه الله. ولما بين أن وقت التحمل هو التمييز وأنه يحصل غالباً في الخمس شرع يبين وقت كتابته للحديث فقال: (وكتبه) بفتح فسكون مصدر كتب مبتدأ خبره جملة " استعد "، أي كتابة الصبي الحديث (وضبطه) أي تحقيق الحديث (حيث استعد) أي عند كون الصبي مستعداً، ومتأهلًا لذلك، فلا يتعين بوقت مخصوص، والحاصل أن اشتغال الصبي بكتابة الحديث وتحصيلِهِ وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك، ويستعد له، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وليس ينحصر في زمن مخصوص. (وإن يقدم) الطالب (قبله) أي قبل اشتغاله بالحديث (الفقه) أي طلبه (أسد) أي أصوب خبر لمحذوف والجملة جواب " إن " بتقدير الفاء أي فهو أسد أي أكثر سَدَاداً بالفتح وهو الصواب. وحاصل المعنى: أن تقديم طالب الحديث الاشتغال بالفقه أحسن من تقديم طلب الحديث، لأن الْفِقْهَ مع كونه ثمرة الحديث يوجد فيه من المسائل الاجتهادية التي لا يتيسر لكل أحد استخراجها من النصوص، وإن لم تخرج ¬

_ (¬1) المئنة كالمظنة: العلامة. اهـ ق.

منها، فإذا اشتغل الإنسان في أول أمره بالفقه يسهل عليه فهم ما يجب عليه من صنوف العبادات، وأيضاً يتمرن كيف يستنبط المسائل من النصوص، لكن هنا دقيقة ينبغي أن يتنبه لها وهي أن لا يتعمق في الغوص على رأي بعض النَّاس بحيث يجعله أساساً يبني عليه غيره، فيجعل المذهب ميزاناً يزن به ما ورد من النصوص لأن ذلك يؤديه إلى التعصب ورد النصوص الصَّحِيحة، بل ينبغي أن يجعل النصوص ميزاناً لأراء العلماء يقبل منها ما وافق، ويرد منها ما خالف أيا كان القائل؟. وبالجملة فهذا الأمر مَهْوَاة بعيدة، ومغلطة شديدة، وقع فيها كثير من أهل العلم فضلاً عن العوام، ولا سيما المتأخرون إلا من عصم الله نسأل الله السلامة والعافية، وينبغي له أن يتبحر مع ذلك في اللغة والصرف، وسائر علوم الأدب، فإنها تفتح له باب فهم النصوص. وعلومُ الأدب، وتسمى علومُ العربية اثنا عشر علماً: النحو، والصرف، واللغة، والاشتقاق، والمعاني، والبيان (¬1)، والخط، والعروض، والقافية، وقرض الشعر (¬2)، وإنشاء الخطب والرسائل، والتاريخ (¬3)، ونظمت ذلك بقولي: نَحْوٌ وَصَرْفٌ والاشْتِقَاقُ وَالُّلغَةُ ... ثُمَّ اْلمَعَانِي كَذَا الْبَيَانُ قاَفِيَةُ ثُمَّ الْعَرُوضُ وَقَرْضُ الشِّعْر خَطُّهُمُ ... تَاريخُهُمْ بَعْدَهُ الِإنْشَاءُ خَاتِمَةُ فَتِلْكَ عَشْرٌ مَعَ اثْنَتَيْنِ بِاْلأدَبِ ... قَدْ سُمِّيَتْ فَاَحْوِهَا فَإِنَهَا رَايَةُ (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: " أو فسقه "، وقوله " نَزِّلْ "، وقوله " وإن يقدم " إلخ. ولما أنهى الكلام على تحمل الحديث شرع يتكلم على وجوه التحمل متمماً للفوائد المتعلقة بالباب المتقدم فقال: ¬

_ (¬1) وأما البديع: فذيل لهذين العلمين. (¬2) وهو الإتيان بالكلام الموزون المقفى. (¬3) هو معرفة أخبار الأمم الماضية، وتقلبات الزمن بمن مضى لتحصل ملكة التجارب، والتحرّز من مكائد الدّهْر.

(أقسام التحمل)

(أقسام التحمل) أي هذا مبحث أنواع تحملِ أي نقلِ الحديث عن الشيوخ، وهذا الباب مكمل للباب السابق وليس باباً مستقلاً بنفسه، ومجاميع هذه الأقسام ثمانية تأتي مفصلة مع الألفاظ التي يُؤَدِّي بها ما تحمله في كل قسم، فالقسم الأول ما ذكره بقوله: 350 - أَعْلَى وُجُوهِ مَنْ يُرِيدُ حَمْلا ... سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ أَمْلَى أَمْ لا 351 - مِنْ حِفْظٍ اوْ مِنْ كُتُبٍ وَلَوْ وَرَا ... سِتْرٍ إِذَا عَرَفْتَهُ أَوْ أَخْبَرَا 352 - مُعْتَمَدٌ، وَرَدَّ هَذَا شُعْبَهْ ... ثُمَّ " سَمِعْتُ " فِي الأَدَاءِ أَشْبَهْ 353 - وَبَعْدَهُ التَّحْدِيثُ فَالإِخْبَارُ ثُمّ ... " أَنْبَأَنَا " " نَبَّأَنَا " وَبَعْدُ ضُمّ 354 - " قَالَ لَنَا " وَدُونَهُ " لَنَا ذَكَرْ " ... وَفِي الْمُذَاكَرَاتِ هَذِهِ أَبَرّ 355 - وَبَعْضُهُمْ قَالَ: " سَمِعْتُ " أَخِّرَا ... وَقِيلَ: إِنْ عَلَى الْعُمُومِ أَخْبَرَا (أعلى) أي أرفع (وجوه) أي طرق (من يريد حملا) أي أخْذاً للحديث عن الشيوخ عند جمهور المحدثين وغيرهم، فقوله أعلى مبتدأ خبره قوله (سماع لفظ الشيخ) ويجوز العكس أي سماع الطالب تلفظ الشيخ بالحديث، وقوله (أملى) فعل ماض من الإملاء، لغة في أملل، يقال أمللت الكتاب على الكاتب إملالًا: ألقيته عليه، وأمليته عليه إملاء بمعناه، والأولَى: لغة الحجاز، وبني أسد، والثانية لغة بني تميم، وقيس، وجاء

الكتاب العزيز بهما، (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) (فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أفاده الفيومي. وفي نسخة الشارح ضبط إملا بصيغة المصدر والقصر للوزن فيكون مفعولاً مطلقاً لفعل محذوف، أي أملى الشيخ إملاء. (أم لا) أي أم لم يُمْلِ، هي أم المعادلة لهمزة التسوية المقدرة كما قال ابن مالك: وَرُبَّمَا أُسقِطَتِ الهمزةُ إِن ... كان خَفَا المعنى بحذفها أمِنْ (من حفظ أو من كتب) أي سواء كان تحديثه له من حفظه أو من كتبه. وحاصل المعنى: أن أعلى وجوه تحمل الحديث أن يسمع الطالب لفظ شيخه سواء حدثه من حفظه أو من كتبه بإملاء، أو بغير إملاء. فقوله: من حفظ، أو من كتب يتعلق بكل من الإملاء وعدمه، فقد يكون الإملاء من الحفظ أو الكتاب، وكذا غير الإملاء تارة يكون من الحفظ، وتارة من الكتاب كما تفيده عبارة التدريب وفتح المغيث. قال السخاوي: لكنه في الإملاء أعلى لما يلزم فيه من تحرير الشيخ والطالب إذا الشيخ مشتغل بالتحديث والطالب بالكتابة عنه فهما لذلك أبعد عن الغفلة وأقرب إلى التحقيق، وتبيين الألفاظ مع جريان العادة بالمقابلة بعده، وإن حصل اشتراكه مع غيره من أنواع التحديث اهـ. وإنما كان هذا النوع أرفع من الأنواع الآتية لأنه الغالب من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أخبر النَّاس ابتداء وأسمعهم ما جاء به، وأما سؤال الصحابة - رضي الله عنهم - له، وكذا تقريره لما جرى في حضرته فمرتبة ثانية، ثم إنه لا تشترط رؤية الشيخ متى تحققه بوجه ما وإليه أشار إليه بقوله (ولو) كان الشيخ المُسمِعُ (ورا) بالقصر للوزن (ستر) بكسر فسكون أي حجابِ (إذا عرفته) بصوته (أو أخبرا) بألف الإطلاق أي أخبرك بأنه الشيخ الفلاني رجل

(معتمد) بصيغة اسم المفعول، أي ثقة من أهل الخِبْرَة بذلك الشيخ. وحاصل المعنى: أنه إذا سمعت الشيخ يحدث وهو وراء الحجاب صح أن تروي عنه بشرط معرفتك له إما بصوته أو بإخبار ثقة به. وهذا مذهب الجمهور من المحدثين وهو بخلاف الشهادة (ورَدَّ هذا) أي السماع من وراء الستر (شعبة) ابن الحجاج بن الورد أبو بسطام العتكي الواسطي نزيل البصرة، فإنه شرط رؤية الشيخ لاحتمال أنه شيطان تصور بصورة ذلك الشيخ يقول حدثنا وأخبرنا. وهذا خلاف الصواب إذ تمثل الشيطان بصورة لا يختص في حالة الاحتجاب بل يجوز في العيان والمشاهدة أيضاً. ولأن الصحابة والتابعين كانوا يسمعون من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من وراء حجاب ويروون عنهن، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر باعتماد الصوت مع غيبة شخصه، فقال: " إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ". وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه شهادة الأعمى، وأمره، ونكاحه، وإنكاحه، ومبايعته، وقبوله في التأذين وغيره، وما يعرف من الأصوات، وأورد لذلك دلائل كثيرة فارجع إليه. على أن بعضهم تأول قول شعبة هذا بأنه محمول على احتجاب الراوي من غير عذر مبالغة في كراهة احتجابه. قال السخاوي: وأما النساء فلا خلاف في جواز الرواية عنهن مع وجوب احتجابهن اهـ. ثم ذكر صيغ الأداء المستعملة في هذا القسم فقال: (ثم سمعت) أي هذا اللفظ مبتدأ لقصد لفظه (في الأداء) أي رواية ما تحمله بسماع لفظ الشيخ متعلق بقوله (أشبه) أي أولى بالتقديم مما يأتي بَعْدُ، وهو خبر المبتدإ.

وحاصل المعنى: أن قول من تحمل بسماع لفظ الشيخ سمعت في الأداء أولى مما يأتي، لأنه لا يكاد أحد يقول سمعت في الإجازة، والمكاتبة، ولا في تدليس ما لم يسمعه بخلاف حدثنا فقد استعملها في الإجازة فِطْرُ بن خليفةَ وغيره. ورُوِي أن الحسن البصري كان يقول حدثنا أبو هريرة ويتأول أنه حدث أهل المدينة والحسن بها. كما كان يقول خطبنا ابن عباس بالبصرة وبريد خطب أهل البصرة، كما كان ثابت يقول قدم علينا عمران بن حصين. والجمهور على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئاً. (وبعده) أي بعد سمعت، خبر مقدم لقوله (التحديث) أي اللفظ المشتق منه، وهو لفظ حدثني، وحدثنا، يعني: أن لفظ حدثني وحدثنا يلي سمعت لكونه يطلق في الإجازة بخلاف سمعت، (فـ) ـيلي (الإخبار) بكسر الهمزة أي ما اشتق منه كأخبرني، وأخبرنا، وهو كثير الاستعمال، حتى إن جماعة لا يكادون يستعملون فيما سمعوه من لفظ الشيخ غيره، (ثم) بعد الإخبار لفظ (أنبأنا ونبأنا) بتشديد الباء وهما قليلا الاستعمال فيما سمع من لفظ الشيخ وهذا قبل اشتهار استعمال " أنبأنا " في الإجازة، وأما بعده فقال العراقي: إن إطلاق أنبأنا بعد اشتهار استعمالها في الإجازة يؤدي أن نظن بما أداه بها أنه إجازة فيسقطه من لا يحتج بها، فينبغي أن لا يستعمل في السماع لِمَا حَدَثَ من الاصطلاح اهـ. (وبعدُ) بالبناء على الضم أي بعد أنبأنا ونبأنا (ضم) بالبناء للمفعول فعل ماض مغير الصيغة أو بصيغة الأمر. وقوله (قال لنا) نائب فاعل على الأول ومفعول به على الثاني لقصد لفظه. أي ضُمَّ قولَ القائل: قال لنا فلان، أو قال لي فلان إلى ما تقدم، أو ضمَّ أيها المحدث إلى ما تقدم قوله قال لنا إلخ (ودونه) أي دون ما تقدم

من أنبأنا ونبأنا، وليس المراد أنه دون قال لنا لأنهما في مرتبة واحدة، ولو قال: ومِثلهُ لكان أولى (لنا ذكر) أي هذا اللفظ فهو مبتدأ محكي لقصد لفظه خبره الظرف قبله. يعني: أن قول الراوي ذكر لنا فلان، أو ذكر لي فلان دون قوله أنبأنا، فهي مثل حدثنا في كونه متصلًا لكنهم كثيراً ما يستعملون هذا فيما سمعوه في حال المذاكرات كما أشار إليه بقوله: (وفي المذاكرات) أي في حال المذاكرات مع الشيخ والمناظرة له متعلق بأبر (هذه) أي ذَكَرَ لنا، ولو قال: هذان إشارة إلى قال لنا، وذكر لنا لكان أولى، فقوله: هذه مبتدأ خبره قوله (أبر) أي أحسن. وحاصل المعنى أن استعمال ذكر لنا وما أشبهه في أداء ما سمعه مذاكرة أحسن من حدثنا (وبعضهم) أي بعض العلماء، وهو ابن الصلاح مبتدأ خبره قوله (قال سمعت) أي استعمالها (أَخِّرَا) بالبناء للمفعول، والألف إطلاقية، يعني أن سمعت مؤخرة عن حدثنا، ونحوها، ويحتمل كونه فعل أمر والألف بدل من نون التوكيد، أي أخِّرَنْ أيها المحدث سمعت من حدثنا ونحوها، فقوله سمعت على الأول مبتدأ محكي خبره أَخِّرَا، وعلى الثاني مفعول مقدم لأَخِّرَا. وحاصل المعنى: أن بعضهم قال إنّ سمعت مؤخرة عن نحو حدثنا لأنها لا تدل على أن الشيخ خاطبه بالحديث بخلاف حدثنا ونحوها كأنها تدل عليه، وقد سأل الخطيب شيخه الحافظ أبا بكر البرقاني عن السر في كونه يقول لهم فيما رواه عن أبي القاسم الأنبدوني سمعت، ولا يقول حدثنا، ولا أخبرنا، فذكر له أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عَسِراً في الرواية، فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به الشخص الداخل، فلذلك يقول سمعت، ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا، لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده، قاله في التدريب.

(وقيل) أي قال بعضهم وهو الزركشي، والقطب القسطلاني، إنما تؤخر سمعت عن نحو حدثنا (إن) كان المحدث (على) وجه (العموم أخبرا) بألف الإطلاق أي أخبر النَّاس عموماً. يعني أنه إذا أخبر النَّاس على جهة العموم تكون حدثنا ونحوها أرفع من سمعت، وإلا فلا. ولما أنهى الكلام على القسم الأول والصيغ المستعملة فيه شرع يذكر القسم الثاني، وهو القراءة فقال: 356 - وَبَعْدَ ذَا قِرَاءَةٌ " عَرْضًا " دَعَوْا ... قِرَأتَهَا مِنْ حِفْظٍ اوْ كِتَابٍ أَوْ 357 - سَمِعَتَ مِنْ قَارٍ لَهُ وَالْمُسْمَِعُ ... يَحْفَظُهُ، أَوْ ثِقَةٌ مُسْتَمِعُ 358 - أَو ْأَمْسَكَ الْمُسْمَِعُ أَصْلاً أَوْجَرَى ... عَلَى الصَّحِيحِ ثِقَةٌ أَوْ مَنْ قَرَا (وبعد ذا) أي بعد القسم الأول وهو السماع من لفظ الشيخ في الرتبة، فالظرف خبر مقدم لقوله (قراءة) على الشيخ يعني: أن قراءة الطالب على الشيخ يلي في المرتبة السماع من لفظه وقوله (عرضا) بفتح فسكون مفعول لـ (دعوا) أي سموه عرضا يعني أن العلماء وهم أكثر المحدثين من الشرق وخراسان سموا القراءة عرضا بمعنى أن القارئ يَعْرِضُ الحديث على الشيخ كما يَعْرِض القرآن على المُقْرِئ، وكان أصله وضع شيء على عُرْض (¬1) شيء آخر لينظر في استوائهما وعدمه. لكن قال الحافظ في شرح البخاري: بين القراءة والعرض عموم وخصوص لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض وغيره، ولا يقع العرض إلا بالقراءة لأن العرض عبارة عما يعرض به الطالب أصل شيخه معه، أو مع غيره بحضرته فهو أخص من القراءة اهـ. ثم إن القراءة تشمل القراءة بنفسه، أو بغيره، وهو يسمع من حفظه، أو كتابه وإليه أشار بقوله (قرأتها) أي الأحاديث بنفسك على الشيخ (من ¬

_ (¬1) عُرْض بضم فسكون: جانبه. اهـ.

حفظ) أي من ظهر قلبك (أو كتاب) لك أو للشيخ أو لغيره يعني أن قراءتك الأحاديث من حفظ أو من كتاب لا فرق بينهما. (أو سمعت) القراءة (من قار) أصله قارئ فخففت الهمزة بالقلب، ثم أعل كإعلال قاض. (له) أي للحديث (و) الحال أن (المسمع) بصيغة اسم المفعول، أي الشيخ الذي يُسمِعُهُ الطالبُ قراءته، أو بصيغة اسم الفاعل، أي الشيخ الذي تصدى لإسماع النَّاس الحديث، والأول أولى، لأنه في هذه الصورة يسمعه القارئ قراءته، وإن كان في الأصل هو الذي يسمع الطالب حديثه في الغالب، فتأمل. وهو مبتدأ خبره قوله (يحفظه) أي الحديث المقروء عليه (أو ثقة) بالرفع عطفاً على فاعل يحفظ لفصله بالضمير المنصوب أي أو يحفظه (ثقة مستمع) لتلك القراءة غير غافل، ومسألة حفظ الثقة زادها العراقي على ابن الصلاح قال: لا فرق بين إمساك الثقة لأصل الشيخ وبين حفظ الثقة لما يقرأ. (أو أمسك) الشيخ (المسمع) بالضبط المتقدم للحديث (أصلًا) أي أصله الذي سمعه من شيخه (أو جرى) في إمساك الأصل (على الصَّحِيح ثقة) فاعل جرى (أو من قرا) عطف عليه أي أو جرى في أمساك الأصل القارئ الذي قرأ الحديث، يعني أنه لا يشترط حفظ ذلك الحديث الذي يقرؤه الطالب بل إذا أمسك الشيخ أصله أو أمسك ثقة أو القارئ نفسه جاز في صحة العرض بل هذا هو الأولى، ولذا قال الحافظ رحمه الله: ينبغي ترجيح الإمساك في الصُّوَرِ كلها على الحفظ لأنه خَوَّان. وَشَرَطَ أحمدُ في القارئ أن يكون ممن يعرف ويفهم، وشرط إمام الحرمين في الشيخ أن يكون بحيث لو فُرِضَ من القارئ تحريف أو تصحيف لَرَدَّه وإلا فلا يصح التحمل بها قاله في التدريب. ثم ذكر اختلاف العلماء في حكم هذا القسم فقال: 359 - وَالأَكْثَرُونَ حَكَوْا الإِجْمَاعَا ... أَخْذًا بِهَا وَأَلْغَوْا النِّزَاعَا 360 - وَكَوْنُهَا أَرْجَحَ مِمَّا قَبْلُ أَوْ ... سَاوَتْهُ أَوْ تَأَخَّرَتْ: خُلْفٌ حَكَوْا

(والأكثرون) من المحدثين والفقهاء مبتدأ خبر قوله (حكوا الإجماعا) أي رووا إجماع العلماء وفي نسخة " قد حكوا إِجماعاً " (أخذا) منصوب بنزع الخافض أي على الأخذ (بها) أي بالقراءة. وحاصل المعنى أن أكثر العلماء نقلوا إجماع السلف والخلف على صحة الرواية بالقراءة (وألغوا النزاعا) أي ردوا الخلاف المحكي في ذلك لكونه غير معتبر. وهو ما حكي عن أبي عاصم النبيل، وعبد الرحمن بن سَلَّام الجمحي، ووكيع، ومحمد بن سلام، وغيرهم ممن كان يشدد من أهل العراق. وممن قال بصحتها من الصحابة أنس وابن عباس وأبو هريرة ومن التابعين ابن المسيب، وأبو سلمة، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وابن هرمز، وعطاء، ونافع، وعروة، والشعبي، والزهري، ومكحول، والحسن، ومنصور، وأيوب. ومن الأئمة ابن جريح، والثَّوري، وابن أبي ذئب، وشعبة والأئمة الأربعة، وابن مهدي، وشريك، والليث، وأبو عبيد، والبخاري، في خلق لا يحصون كثرة. وعن إبراهيم بن سعد أنه قال: ألا تَدَعُون تَنَطُّعَكُم يا أهل العراق؟ العرضُ مثل السماع. واستدل له أبو سعيد الحَدَّاد كما أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق ابن خزيمة سمعت البخاري يقول: قال أبو سعيد الحداد عندي خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القراءة على العالم فقيل له؟ فقال: قصة ضمام بن ثعلبة قال: آلله أمرك بهذا قال نعم، ورجع ضمام إلى قومه، فقال لهم: إن الله بعث رسولاً، وأنزل عليه كتاباً، وقد جئتكم من عنده مما أمركم به ونهاكم عنه، فأسلموا عن آخرهم.

قال البخاري: فهذا قول ضمام آلله أمرك قراءة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه أي قبلوه منه قاله السخاوي. ثم إنهم اختلفوا هل هي أرجح من السماع أم مساوية له أو دونه، وإليه أشار بقوله: (وكونها) أي القراءة مبتدأ (أرجح مما قبل) أي من السماع من لفظ الشيخ (أو ساوته) أي صارت مساوية له في الرتبة (أو تأخرت) عنه (خلف) بضم فسكون خبر المبتدإ أي في هذه الوجوه اختلاف للعلماء (حكوا) صفة لخلف، أي محكى نقله العلماء عن المحدثين وغيرهم. وحاصل معنى البيت أن العلماء في القراءة هل هي أرجح منه أو مساوية أو دونه اختلفوا على أقوال: الأول: أنها أرجح، وهو محكي عن أبي حنيفة، وابن أبي ذئب، وغيرهما، ورواية عن مالك، والليث، وشعبة وابن لهيعة، ويحيى بن سعيد، وَيَحْيَى بن عبد الله بن بكير، وغيرهم. وعللوه بأن الشيخ لو غلط لم يتهيأ للطالب الرَّدُّ عليه إما لجهله، أو لهيبة الشيخ، أو لظنه فيما يكون فيه المحل قابلًا للاختلاف أن ذلك مذهبه. الثاني: هو المساواة محكى عن مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة، ومعظم أهل الحجاز، والكوفة، والبخاري، وغيرهم، وروي عن علي وابن عباس. قال الناظم وعندي أن هؤلاء إنما ذكروا المساواة في صحة الأخذ بها رَدًّا على من أنكرها لا في اتحاد المرتبة اهـ. والثالث: هو ترجيح السماع عليها محكي عن جمهور أهل المشرق وخراسان وهو الصَّحِيح.

قال السخاوي: لكن محله ما لم يَعْرِضْ عارض يُصَيِّرُ العرض أولى بأن يكون الطالب أعلم أو أضبط ونحو ذلك فالحق أن كل ما كان فيه الأمن من الغلط والخطأ أكثر كان أعلى مرتبة. وأعلاها فيما يظهر أن يقرأ الشيخ من أصله وأحدُ السامعين يقابلُ بأصل آخر ليجتمع فيه اللفظ والعرض اهـ. ثم ذكر الصيغ المستعملة لأداء ما تحمله بالعرض فقال: 361 - وَفِي الأَدَا قِيلَ " قَرَأْتُ " أَوْ " قُرِي " ... ثُمَّ الَّذِي فِي أَوَّلٍ إِنْ تَذْكُرِ 362 - مُقَيَّدًا قِرَاءَةً لا مُطْلَقًا ... وَلا " سَمِعْتُ " أَبَدًا فِي الْمُنْتَقَى (وفي الأدا) بالقصر للضرورة أي أداء ما تحمله بالقراءة متعلق بـ (قيل) أي قال الراوي، ولو عبر بقال لكان أنسب (قرأت) على فلان، إن قرأ بنفسه (أو) قال (قري) بالبناء للمفعول وتخفيف الهمزة على فلان، إن قرأ، لكن يُصَرَح الحال بقوله وأنا أسمع فأقر به للأمن من التدليس. قال ابن الصلاح: وهذا سائغ من غير إشكال (ثم) يلي (الذي) تقدم (في أول) أي القسم الأول وهو السماع من التحديث والإخبار والإنباء وغيرها (إن) شرطية (تذكر) بكسر الراء للروي أيها المحدث (مقيداً) بصيغة اسم الفاعل، أو المفعول، حال من الفاعل، أو المفعول. (قراءة) منصوب بنزع الخافض أي بقراءة (لا مطلقا) كضبط مقيداً، وإعرابه. وحاصل المعني: أنه يلي قَرات وقُرِئ ما تقدم من صيغ الأداء في القسم الأول لكن بشرط أن يكون مقيداً بالقراءة نحو حدثنا فلان بقراءتي عليه، أو قراءة عليه وأنا أسمع، أو أخبرنا فلان بقراءتي، أو قراءة عليه، أو أنبأنا، أو نبأنا فلان بقراءتي، أو قراءة عليه، أو قال لنا فلان بقراءتي، أو قراءة عليه أو نحو ذلك. وتقول في الشعر أنشدنا قراءة عليه. ولا يطلقه كحدثني فلان، أو حدثنا، أو أخبرني، أو أنبأني. إلخ.

وأما سمعت فلا يجوز ذكرها مطلقاً كما ذكره بقوله (ولا) تقل (سمعت) فلاناً يقول كذا (أبداً) أي مطلقاً يعني سواء قيدته بقراءة أو لا (في المنتقى) أي في القول المختار الذي صححه القاضي أبو بكر الباقلاني، واستبعد ابن أبي الدم الخلاف، وقال ينبغي الجزم بعدم الجواز لأن سمعت صريحة في السماع لفظاً. وصرح أحمد بن صالح المصري بعدم جوازها أيضاً، ومثله عن غيره، ومقابل الأصح ما حكي عن مالك والسفيانين من تجويزهم سمعت أيضاً. ثم ذكر الخلاف في حدثنا وأخبرنا فقال: 363 - وَالْمُرْتَضَى الثَّالِثُ فِي الإِخْبَارِ ... يُطْلَقُ لا التَّحْدِيثُ فِي الأَعْصَارِ (و) القول (المرتضى) عند العلماء المحقيقين مبتدأ (الثالث) من الأقوال صفة للمرتضى، أو بدل منه (في الإخبار) بكسر الهمزة متعلق بالمرتضى، أو بالثالث، أو حال من أحدهما وجملة (يطلق) خبر المبتدإ أي يجوز إطلاقه. وحاصل المعنى: أن القول المختار في أخبرنا من الأقوال الثلاثة جواز إطلاقه فيما تحمله بالعرض (لا التحديث) نائب فاعل لمحذوف أي لا يطلق التحديث أي ما تصرف منه، ولا يعطف على الضمير في يطلق لعدم الفصل، وقيل يجوز في الشعر، يعني أنه لا يجوز إطلاق حدثنا ونحوها في أداء ما تحمله بالعرض (في الأعصار) جمع عصر أي في جميع أعْصَارِ، أي زمان المحدثين حيث شاع بينهم، واصطلحوا عليه فجعلوا أخبرنا قائماً مقام قوله أنا قرأته، لا أنه لفظ لي به، والجار متعلق بيطلق. وحاصل معنى البيت: أنهم اختلفوا في إطلاق حدثنا وأخبرنا في القراءة على ثلاثة مذاهب. الأول: جواز إطلاقهما مقيدا قراءة وهو الذي تقدم في قوله الذي في أول إن تذكر مقيداً إلخ.

وهو مذهب ابن المبارك وَيَحْيَى بن يَحْيَى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم قال الخطيب: وهو مذهب خلق كثير من أصحاب الحديث، والثاني: الجواز مطلقاً وهو المطوي في قوله الثالث: وهو مذهب الزهري وأبي حنيفة وصاحبيه ومالك والثَّوري وابن عيينة وَيَحْيَى القطان، والبخاري، وجماعة من المحدثين، ومعظم الحجازيين، والنضر بن شميل ويزيد بن هارون، وأبي عاصم النبيل، ووهب بن جرير، وثعلب، والطحاوي، وغيرهم. الثالث: المنع في حدثنا والجواز في أخبرنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه، ومسلم بن الحجاج، وجمهور أهل المشرق، وقيل إنه مذهب أكثر المحدثين، عزاه لهم محمد بن الحسن التميمي الجوهري في كتاب الإنصاف، قال: فإن أخبرنا عَلَم يقوم مقام قائله أنا قرأته عليه، لا أنه لفظ به لي. وروي عن ابن جريح والأوزاعي وابن وهب وروي عن النسائي أيضاً. وقال ابن الصلاح: وصار الفرق بينهما هو الشائع الغالب على أهل الحديث، والاحتجاج له من حيث اللغة فيه عناء وتكلف، وخير ما يقال فيه أنه اصطلاح منهم أرادوا به التمييز بين النوعين، ثم خصص النوع الأول بحدثنا لقوة إِشعاره بالنطق والمشافهة اهـ. وقال السخاوي: واستشهد له بعض الأئمة بأنه لو حلف أن من أخبره بكذا فهو حر ولا نية له فأخبره بذلك بعض أقاربه بكتاب أو رسول أو كلام عتق بخلاف ما لو قال من حدثني بكذا فإنه لا يعتق إلا إن شافهه زاد بعضهم والإشارة مثل الخبر. وقال ابن دقيق العيد: حدثنا يعني في العرض بعيد من الوضع اللغوي بخلاف أنبأنا فهو صالح لما حدث به الشيخ، ولما قرئ عليه فأقر به فلفظ الإخبار أعم من التحديث فكل تحديث إخبار ولا ينعكس. (فائدة): قول الراوي أخبرنا سماعاً أو قراءةً هو من باب قولهم أتيته سعياً وكلمته مشافهة وللنحاة فيه مذاهب:

أحدهما: وهو رأي سيبويه أنها مصادر وقعت موقع فاعل حالاً كما وقع المصدر موقعه نعتاً في زيد عدل وأنه لا يستعمل منها إلا ما سمع ولا يقاس، فعلى هذا استعمال الصيغة المذكورة في الرواية ممنوع لعدم نطق العرب بذلك. الثاني: وهو للمبرد أنها ليست أحوالاً بل مفعولات لفِعْل مضمر من لفظها وذلك المضمر هو الحال، وأنه يقاس في كل ما دل عليه الفعل المتقدم، وعلى هذا تُخَرَّجُ الصيغة المذكورة، بل كلام أبي حيان في تذكرته يقتضي أن أخبرنا سماعاً مسموع، وأخبرنا قراءة لم يسمع، وأنه يقاس على الأول على هذا القول. الثالث: وهو للزجاج قال بقول سيبويه فلا يضمر لكنه مقيس. الرابع: وهو للسيرافي قال: هو من باب جلست قعودا منصوب بالظاهر مصدر معنوياً. اهـ تدريب. ثم ذكر كيفية الأداء من حيث الإفراد والجمع فقال: 364 - وَاسْتَحْسَنُوا لِمُفْرَدٍ " حَدَّثَنِي " ... وَقَارِئٍ بِنَفْسِهِ " أَخْبَرَنِي " 365 - وَإِنْ يُحَدِّثْ جُمْلَةً " حَدَّثَنَا " ... وَإِنْ سَمِعْتَ قَارِئًا " أَخْبَرَنَا " 366 - وَحَيْثُ شُكَّ فِي سَمَاعٍ أَوْ عَدَدْ ... أَوْ مَا يَقُولُ الشَّيْخُ وَحِّدْ فِي الأَسَدّ (واستحسنوا) أي كافة العلماء كما عزاه الخطيب إليهم (لِمُفْرد) أي لمن سمع من شيخه وهو منفرد أن يقول في الأداء " حدثني " مفعول به لاستحسنوا محكي، يعني أنهم استحسنوا لمن سمع وحده أن يقول في الأداء حدثني فلان بالإفراد واستحسنوا لـ (قارئ بنفسه) على الشيخ وليس معه غيره أن يقول في الأداء (أخبرني) فلان بالإفراد، وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين، وفيه الخلاف المشهور. يعني أن العلماء استحسنوا للقارئ بنفسه منفرداً أن يقول أخبرني فلان بالإفراد (وإن) شرطية (يحدث) الشيخ (جملة) أي جماعة من الطلبة

اثنين فأكثر استحسنوا أن يقول في الأداء (حدثنا) فلان بالجمع (وإن سمعت) أيها الطالب (قارئاً) يقرأ على الشيخ فقل (أخبرنا) فلان بالجمع أيضاً. وحاصل معنى البيتين أن العلماء استحسنوا التمييز بين أحوال التحمل بتمييز ألفاظ الأداء. فإذا كان الراوي سمع وحده من لفظ الشيخ قال حدثني بالإفراد، وإن كان معه غيره قال حدثنا بالجمع. وإن قرأ عليه بنفسه قال أخبرني سواء كان معه غيره أم لا؟ كما قال العراقي، وقال ابن دقيق العيد إن كان معه غيره قال أخبرنا. قال الناظم والأول أولى ليتميز ما قرأه بنفسه وما سمعه بقراءة غيره اهـ. وإن سمع بقراءة غيره قال أخبرنا. قال الحاكم: وهو الذي أختاره وَعَهِدْتُّ عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري. ورواه الترمذي في العلل عن عبد الله بن وهب، ورواه البيهقي في المدخل عن سعيد بن أبي مريم، وقال: عليه أدركت مشايخنا، وهو قول الشافعي وأحمد، وقال ابن الصلاح وهو حسن لائق. ثم إن هذا كله فيما إذا تحقق صورة الحال في التحمل، وأما إذا شك فقد ذكره بقوله (وحيث شك) بالبناء للمفعول أي شك الراوي والظرف متعلق بِوَحِّدْ (في سماع) للحديث بقراءة غيره أم قرأه بنفسه (أو) شك في (عدد) أي وجود عدد من الطلاب واحداً أو أكثر. (أو) شك فيـ (ـما) يقول (الشيخ) من الصيغ هل هو حدثنا، أو أخبرنا، أو حدثني أو أخبرني. (وحّد) أيها الراوي عند الأداء في هذه الصور كلها أي ائت بالإفراد، فتقول: حدثني فلان، أو أخبرني، وهذا (في) القول (الأسدّ) أي الأرجح والأصوب. وحاصل معنى البيت: أن الراوي إن شك في حال التحمل هل سمع بقراءة غيره، أو قرأ بنفسه، أو سمع لفظ الشيخ منفرداً أو مع غيره، أو شك

في هل قال الشيخ: حدثنا، أو حدثني، أو أخبرنا، أو أخبرني، فالأرجح أن يقول حدثني، أو أخبرني بالإفراد، لأنه المتيقن وغيره مشكوك فيه. وحكى الخطيب عن البرقاني أنه كان يقول فيما إذا شك في القراءة بنفسه قرأنا، وهو حسن لأن إفراد الضمير يقتضي قراءته بنفسه وجمعه يمكن حمله على قراءة بعض من حضر السماع فإنه لو تحقق أنَّ الذي قرأ غيره لا بأس أن يقول قرأنا أفاده العراقي. ومقابل الأرجح ما نقل عن يَحْيَى بن سعيد القطان فيما إذا شك في لفظ شيخه هل قال حدثني، أو حدثنا، أنه يقول حدثنا بالجمع لأن حدثني أكمل مرتبة فيقتصر في حال الشك على الناقص. قال ابن الصلاح وهذا يقتضي فيما إذا شك في سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول حدثنا اهـ. واختار البيهقي في هذه المسألة أن يوحِّدَ. (تنبيه): كل ما تقدم من التفاصيل ليس على سبيل الوجوب عندهم بل من باب الاستحباب، كما صرح بذلك الخطيب للتمييز بين أحوال التحمل. فلو سمع وحده وأدى بالجمع جاز كالعكس لأن في كلام العرب يقال فعلنا، وإن كان وحده. ثم ذكر التقيد بألفاظ الكتب المصنَّفة والشيوخ وعدم جواز التبديل فقال: 367 - وَلَمْ يُجَوَّزْ مِنْ مُصَنَّفٍ وَلا ... مِنْ لَفْظِ شَيْخٍ فَارِقٍ أَنْ يُبْدَلا 368 - " أَخْبَرَ " بِالتَّحْدِيثِ أَوْ عَكْسٌ، بَلَى ... يَجُوزُ إِنْ سَوَّى، وَقِيلَ: حُظِلا (ولم يجوز) من التجويز بالبناء للمفعول ونائب الفاعل قوله أن يبدلا (من مصنف) بفتح النون أي كتاب مؤلف من الجوامع والسنن والمسانيد ونحوها (ولا) يجوز أيضاً (من لفظ شيخ فارق) بين حدثنا وأخبرنا (أن) مصدرية (يبدلا) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق، ونائب الفاعل قوله أخبر،

ويحتمل أن يكون بالبناء للفاعل، وأخبر مفعوله، أي أن يبدل الراوي لفظ (أخبر بالتحديث) أي بما اشتقت منه كأن يقول حدثنا (أو) يبدل (عكس) رهو حدثنا بأخبرنا. وحاصل المعنى أنه لا يجوز إبدال أخبرنا بحدثنا، أو عكسه في الكتب المؤلفة المبوبة أو المسندة أو غيرها. قال أبو عمرو بن الصلاح ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في نفس الكتاب ما قيل أخبرنا بحدثنا ونحو ذلك وإن كان في إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف، وتفصيل سبق، لاحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بينهما، ولو وجدت في ذلك إسناداً عرفت من مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر من باب تجويز الرواية بالمعنى، وذلك وإن كان فيه خلاف معروف فالذي نراه الامتناع من إجراء مثله في إبدال ما وضع في الكتب المصنفة والمجاميع المجموعة. قال وما ذكره الخطيب من إجراء ذلك الخلاف في هذا فمحمول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير موضوع في كتاب مؤلف اهـ. ونازع بعضهم في هذا فقال إذا كانت الرواية بالمعنى تجوز في الألفاظ النبوية ففي صيغ الرواية في صُورَةِ عِلْمِ تسويةِ الراوي بينهما من باب أولى اهـ. قلت وهو وجيه عندي. وكذلك ألفاظ الشيوخ لا يجوز فيها الإبدال إذا كان الشيخ ممن يرى التفرقة بين الألفاظ، وإن كان لا يرى ذلك فلا بأس كما ذكره بقوله: (بلى يجوز) إبدال حدثنا بأخبرنا والعكس (إن سَوَّى) الشيخ بين الألفاظ يعني أنه إِذا سمع الحديث من لفظ شيخ يرى التسوية بين حدثنا وأخبرنا فله الإبدال إن قلنا بالرواية بالمعنى وإلا فلا. ونقل المنع عن أحمد رحمه الله وإليه أشار بقوله (وقيل حظلا) بالبناء للمفعول وألف الإطلاق أي منع الإبدال مطلقا.

قال الإمام أحمد اتَّبعْ لفظ الشيخ في قوله حدثنا، وحدثني، وسمعت، وأخبرنا، ومشى على ذلك في مسنده وغيره من تصانيفه فيقول مثلاً فلان وفلان كلاهما عن فلان، قال أولهما حدثنا، وقال ثانيهما أنبأنا. وفعله مسلم في صحيحه أيضاً. ثم ذكر الخلاف فيما إذا قرأ على الشيخ فسكت هل يكفي ذلك في الرواية عنه أم لا؟ فقال: 369 - إِذَا قَرَا وَلَمْ يُقِرَّ الْمُسْمَعُ ... لَفْظًا: كَفَى، وَقِيلَ: لَيْسَ يَنْفَعْ 370 - ثَالِثُهَا: يَعْمَلْ أَوْ يَرْوِيهِ ... بِـ " قَدْ قَرَأْتُ " أَوْ " قُرِي عَلَيْهِ " (إِذَا قَرَا) بإبدال الهمزة ألفاً للتخفيف، أي الطالب الحديث على شيخ متيقظ عارف غير مُكْرَهٍ، وفي نسخة المحقق قرِي بالبناء للمفعول، والمعنى متقارب. (و) لكن بعد القراءة (لم يقرَّ) بذلك الحديثِ (المسمع) بصيغة اسم المفعول أي الشيخ الذي يسمعه الطالب، أي ولم ينكر ففيه الاكتفاء (لفظاً) أي لم يقر بلفظه بأن يقول نعم، وكذا ما أشبهه كان يومئ برأسه، أو يشير بأصبعه، وغلب على ظن القارئ أن سكوته إجابة (كفى) جواب إذا أي كفى ذلك في صحة السماع، وجوازِ الرواية بنحو أخبرنا فلان اكتفاء بالقرائن الظاهرة، وهذا قول الجمهور (وقيل ليس ينفع) ذلك السكوت بل لا بد من إقراره به نطقاً وهذا لقوم من الظاهرية، وبعض أهل الحديث. (ثالثهما) أي الأقوال في هذه المسألة أنه (يعمل) بذلك الحديث (أو) بمعنى الواو (يرويه) أي ذلك الحديث إذا أراد روايته (بـ) قوله (قد قرأت) الحديث الفلاني على فلان إن قرأ بنفسه (أو) قوله (قرى) بتخفيف الهمزة (عليه) أي الشيخ إن قرأ غيره وهو يسمع ولا يقول حدثني ولا أخبرني. وحاصل المعنى أنه إذا قرأ القارئ على الشيخ وسكت الشيخ على

ذلك غير منكر له مع إصغائه وفهمه، ولم يقر باللفظ بقوله نعم، وما أشبه ذلك ففيه ثلاث مذاهب. الأول: مذهب جمهور الفقهاء والمحدثين والنُّظَّار كما قال القاضي عياض وهو الصَّحِيح، صحةُ السماع، وجواز الرواية بنحو أخبرنا لأنه لا يصح من ذي دين إقرارٌ على الخطأ في مثل هذا فلا معنى للتقرير بعده. قال السخاوي: وهذه المسألة مما استثنى من أصل الشافعي رحمه الله حيث قال: " لا ينسب إلى ساكت قول ". وحينئذ فيؤدي بألفاظ العرض كلها حتى حدثني وأخبرني كما حَكَى تجويزه فيهما عن الفقهاء والمحدثين الآمديُّ، وصححه ابن الحاجب، بل حكي عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة اهـ. الثاني: اشتراط صريح النطق به، وهو قول لبعض الشافعية وبعض الظاهرية، ونقله الخطيب عن بعض أهل الحديث، وحكاه غيره عن جماعة من المشارقة. الثالث: مذهب ابن الصباغ من المشترطين للنطق به قال يعمل ويرويه قائلًا قرأت عليه، أو قري عليه وأنا أسمع، ولا يقول حدثني ولا أخبرني، وصححه الغزالي، والآمدي، وحكاه عن المتكلمين بل جزم صاحب المحصول بأنه لا يقولهما، وكذا سمعت ولو أشار برأسه، أو إصبعه للإقرار به ولم يتلفظ. قال العراقي: وفيه نظر أي لأن الإشارة تقوم مقام العبارة في الإعلام بذلك فتجري عليها الأحكام. ثم ذكر مسألة منع الشيخ الطالب أن يروي عنه، أو خص قوماً دون قوم، أو رجع من غير شك فقال: 371 - وَلْيَرْوِ مَا يَسْمَعُهُ وَلَوْ مَنَعْ ... الشَّيْخُ، أَوْ خَصَّصَ غَيْرًا، أَوْ رَجَعْ 372 - مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَالسَّمَاعُ فِي الأَصَحّ ... ثَالِثُهَا مِنْ نَاسِخٍ يَفْهَمُ صَحّ 373 - رَابِعُهَا: يَقُولُ " قَدْ حَضَرْتُ " ... وَلا يَقُلْ " حُدِّثْتُ " أَوْ " أُخْبِرْتُ "

(وليروا) من سمع شيخاً يحدث (ما يسمعه) من الأحاديث لفظاً (ولو منع الشيخ) السامعَ من رواية ذلك، بأن قال له لا لعلة أو ريبة في المسموع أو إبداءِ مُسْتَنَد سوى المنع اليابس: لا ترو عني، أو ما أذنت لك في روايته عني، ونحو ذلك. (أو خصص) الشيخ الرواية (غيرا) أي غير ذلك السامع (أو رجع) عن حديثه صريحاً أو كناية (من غير شك) في سماعه أو نحو ذلك. وحاصل المعنى: أنه إذا سمع حديثاً من شيخ جاز أن يرويه ولو منعه عن روايته كما صرح بذلك غير واحد من الأئمة، لأنه قد حدثه، وهو شيء لا يُرجَعُ فيه فلا يؤثر منعه. وكذا لا يضر تخصيصه لواحد فأكثر بالسماع إذا سمع هو سواء علم الشيخ به أو لم يعلم من باب أولى، بل ولو صرح فقال أُخْبِرُكم ولا أُخبِرُ فلاناً لا يضره، ولكن لا يحسن في الأداء أن يقول حدثني ونحوها مما يدل على أن الشيخ رواه له. وكذا لا يضره رجوعه عن الحديث سواء كان الرجوع صريحاً بأن قال رجعت ونحوها مما لا ينفي أنه من حديثه أو كناية. إلا أن يكون رجوعه لشك في سماعه أو نحو ذلك فحينئذ لا يرويه عنه، وكذا إذا قال أخطأت فيما حدثت به أو زدت فليس له أن يرويه عنه. ثم ذكر الاختلاف في جواز السماع والإسماع حالة النسخ، وكذا الكلام ونحوه، فقال: (والسماع) أي سماع الحديث وكذا إسماعه مبتدأ خبره جملة " صح " (في الأصح) من الأقوال المروية في هذه المسألة، متعلق بصح، وقوله (ثالثها) بالجر بدل من الأصح، أو بالرفع خبر لمحذوف، أي هو، والجملة معترضة، أي ثالث الأقوال (من ناسخ) أي كاتب، حالٌ من السماع، وجملة (يفهم) صفة ناسخ، أي مميز للألفاظ المقرؤة فضلاً عن معناها (صح) أي السماع منه، أو عليه (رابعها) أي الأقوال في المسألة أنه

(يقول) في الأداء (قد حضرت) عند فلان حين حدث بكذا أو قرأ عليه كذا (ولا) ناهية (يقل حدثت أو أخبرت) ببناء الفعلين للمفعول أي لا يقل في الأداء حدثني فلان ولا أخبرني. وحاصل المعنى: أن العلماء اختلفوا في صحة السماع من ناسخ ينسخ حال القراءة مسمعا كان أو سامعاً على أقوال. الأول: المنع مطلقاً وعليه إبراهيم الحربي والأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني وأبو أحمد بن عدي في آخرين لأن الاشتغال بالنسخ مخل بالسماع. والثاني: الجواز مطلقاً وعليه الحافظ موسى بن هارون الحمال، وآخرون، وعزاه بعضهم للجمهور، وهذان القولان هما المَطْوَّيان فى قوله ثالثها. والثالث: التفصيل فإن كان السماع من ناسخ لا يمتنع مع نسخه فهم ما قرئ صح، وإلا بأن يمتنع معه فهم ما يقرأ حتى يكون الواصل إلى سمعه كأنه صوت غُفْل (¬1) لا يصح. وقد حضر الدارقطني مجلس إسماعيل الصفار فجلس ينسخ جزءاً كان معه، وإسماعيل يملي فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ فقال: فهمي للإملاء خلاف فهمك، ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟ فقال: لا، قال الدارقطني: أملي ثمانية عشر حديثا، فعدت الأحاديث فوجدت كما قال، ثم قال الحديث الأول عن فلان عن فلان ومتنه كذا، والحديث الثاني عن فلان ومتنه كذا، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها فعجب الناس منه، قاله ابن الصلاح، وإلى ذلك أشار العراقي في ألْفِيَّيهِ حيث قال: ¬

_ (¬1) وزان قفل أي لا يعلم.

كَمَا جَرى لِلدَّارَقُطْني حَيْثُ عَدّ ... إمْلَاء إسمَاعِيلَ عَدًّا وَسَردْ والرابع: قول من قال: إنه يقول في الأداء حضرت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا، وهو محكي عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي أحد أئمة الشافعية بخراسان فإنه سئل عمن يكتب في السماع فقال: يقول حضرت ولا يقل حدثنا ولا أخبرنا. ثم ذكر مسألةَ مَا إذا تحدث الشيخ، أو السامع، أو أسرع القارئ، أو أخفى صوته، أو نحو ذلك فقال: 374 - وَالْخُلْفُ يَجْرِي حَيْثُمَا تَكَلَّمَا ... أَوْ أَسْرَعَ الْقَارِئُ أَوْ إِنْ هَيْنَمَا 375 - أِوْ بُعْدَ السَّامِعُ، لَكِنْ يُعْفَى ... عَنْ كِلْمَةٍ وَكِلْمَتَيْنِ تَخْفَى 376 - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيزَ الْمُسْمِعُ ... جَبْرًا لِذَا وَكُلِّ نَقْصٍّ يَقَعُ (والخلف) بالضم أي الاختلاف المذكور في مسألة النسخ مبتدأ خبره قوله (يجري حيثما تكلما) الشيخ أو السامع وقت التحديث (أو أسرع القارئ) أي أفرط القارئ في الإسراع بحيث يخفى بعض الكلام على السامع. (أو إن) شرطية (هينما) أي أخفى صوته، والهينمة بفتح الهاء وسكون الياء وفتح النون الصوت الخفي كما في " ق " وقال أبو عبيدة: الكلام الخفي، وقال الأزهري: الصوت وهو شبه قراءة غيرِ بينة قاله في التاج. (أو بَعُدَ السامع) عن القارئ، أوكان في سمعه، أو المسمَع بعض ثقل، أو عَرَضَ نُعَاس خفيف بحيث يفوت سماع البعض (لكن) مع ذلك (يعفى) بالبناء للمفعول أي يغتفر عن قدر يسير نحو (كلمة أو كلمتين) بكسر أولهما وفتحه مع سكون الثاني لغة في الكلمة بفتح فكسر. وحاصل معنى البيت أن الخلاف المذكور في المسألة السابقة يجري فيما إذا تحدث الشيخ أو السامع أوأفرط القارئ في الإسراع بحيث يخفى

على السامع بعض الكلام أو أخفى صوته أو بعد السامع بحيث لا يفهم المقروء. لكن الظاهر أنه يعفى عن القدر اليسير الذي لا يخل عدم سماعه بفهم الباقي نحو الكلمة والكلمتين. لكن الأحسن للشيخ أن يزيد الإجازة جبراً للخلل المذكور كما ذكره بقوله: (ويستحب أن) مصدرية (يجيز) الشيخ (المسمع) بصيغة اسم الفاعل أي الذي يسمع الحديث للطلبة أو اسم المفعول أي الذي يسمعه القارئ الكتاب (جبرا لذا) أي لأجل جبر الخلل المذكور، (و) جَبْراً لـ (ـكل نقص يقع) يحصل في حال السماع كان يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو بالعكس. وحاصل المعنى أنه يستحب للشيخ أن يجيز للسامعين رواية الكتاب أو الجزء أو الحديث الذي سمعوه وإن شمله اسم السماع لأجل أن ينجبر ما ذكر من الكلام، أو الإسراع أو الهينمة أو بُعدِ السامع. وكذا كل خلل يقع في السماع كغلط القارئ ونحوه فينجبر ما فات بالإجازة. ولذا قال أبو عبد الله محمد بن عتاب الأندلسي لا غنى في السماع عن الإجازة لأنه قد يَغلَط القارئ ويَغفُلُ الشيخ أو يغلط الشيخ إن كان هو القارئ، أو يغفل السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة اهـ. ولو أخر الناظم مسألة الإجازة عن ما بعدها لكان أولى إلا أنه تَبعَ في ذلك ابن الصلاح وغيره. ثم ذكر مسألة من سمع الحديث من المستملي هل يرويه عن المملي أم لا فقال: 377 - وَجَازَ أَنْ يَرْويَ عَنْ مُمْلِيهِ ... مَا بَلَّغَ السَّامِعَ مُسْتَمْلِيهِ 378 - لِلأَقْدَمِينَ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ... وَابْنُ الصَّلاحِ قَالَ: هَذَا يُحْظَلُ

(وجاز أن) مصدرية (يروى) الراوي (عن ممليه) أي الشيخ الذي أملى الحديث عليه (ما) مفعول يروى (بَلَّغ) بتشديد اللام (السامع) مفعول مقدم على الفاعل (مستمليه) فاعل مؤخر لبلغ. ومعنى البيت أنه إذا عظم مجلس الإملاء فاتخذ الشيخ مستملياً يبلغ عنه فمن سمع من المستملى حديثاً جاز أن يروى ذلك الحديث عن المملي عند جماعة من المتقدمين وغيرهم كما أشار إليه بقوله (للأقدمين) متعلق بجاز (وعليه العمل) مبتدأ وخبر، أي على هذا المذهب جرى عمل أكابر المحدثين الذين كان يَعظُمُ الجمع في مجالسهم جِدًّا ويجتمع فيها الفئام من النَّاس بحيث يبلغ عددهم ألوفاً مؤلفة فإنه يُبلِّغ عنهم المستملي ثم يروي عنهم من سمع منه (و) أبو عَمْرو عثمان (ابن الصلاح) مبتدأ خبره جملة (قال هذا يحظل) بالبناء للمفعول أي الذي ذكر من جواز رواية من سمع من المستملي عن المملي ممنوع لما فيه من التساهل. وحاصل المسألة: أنه إذا عظم المجلس فاتخذ المحدث مستملياً فبلغ عنه فهل من سمع من ذلك المستملي يروي عن المملي ويقول حدثنا فلان يعني المملى أم لا؟ فيه قولان: الأول: ذهب جمع من المتقدمين وغيرهم إلى جوازه منهم ابن عيينة وإبراهيم النخعي وحماد بن زيد، وقال العراقي وهو الذي جرى عليه العمل لأن المستملي في حكم القارئ على المملي. ويعرض حديثه عليه. ولكن يشترط أن يسمع الشيخ المملي لفظ المستملي كالقارئ عليه، والأحوط أن يبين حالة الأداء أن سماعه لذلك أو لبعض الألفاظ من المستملي كما فعله ابن خزيمة وغيره بأن يقول: أنا بتبليغ فلان. وقد ثبت في الصَّحِيحين عن جابر بن سمرة سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يكون اثنا عشر أميراً " فقال كلمة لم أسمعها فسألت أبي فقال: " كلهم من قريش " وقد أخرجه مسلم عنه كاملًا من غير أن يفصل جابر الكلمة التي استفهمها من أبيه ذكره في التدريب.

القولُ الثاني أنه لا يجوز ذلك. قال النووي وهو الصواب الذي عليه المحققون وقال ابن الصلاح والأول تساهل بعيد، وكذا حكم من لم يفهم كلمة أو نحوها فاستفهم من المستملى أو رفيقه كما ذكره فقال: 379 - وَالْخُلْفُ يَجْرِي فِي الَّذِي لا يَفْهَمُ ... كَلِمَةً، فَمِنْهُ قَدْ يَسْتَفْهِمُ (والخلف) أي الاختلاف المذكور (يجري) أيضاً (في) السامع (الذي لا يفهم كلمة) أو أكثر (فمنه) أي المستملي وكذا من رفيقه (قد يستفهم) أي يطلب فهمها. وحاصل المعنى: أنهم اختلفوا في صحة رواية ما استفهمه السامع من الألفاظ اليسيرة من المستملي أو من بعض الحاضرين فجوزه بعضهم، ومنهم الإمام أحمد، ومنعه آخرون منهم أبو نعيم الفضل بن دكين، وزائدة بن قدامة، وحكي عن أبي حنيفة، وعن خلف بن سالم الْمخَرِّمِيِّ قال سمعت ابن عيينة يقول: نا عمرو بن دينار يريد حدثنا فإذا قيل له قل حدثنا عمرو وقال: لا أقول، لأني لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف لكثرة الزحام، وهي حدث. ثم ذكر القسم الثالث من أقسام التحمل الثمانية، فقال: 380 - ثَالِثُهَا: إِجَازَةٌ، وَاخْتُلِفَا ... فَقِيلَ: لا يَرْوِي بِهَا، وَضُعِّفَا 381 - وَقِيلَ: لا يَرْوِي وَلَكِنْ يَعْمَلُ ... وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَقِيلَ: أَفْضَلُ 382 - مِنَ السَّمَاعِ، وَالتَّسَاوِي نُقِلا ... وَالْحَقُّ: أَنْ يَُرْوِي بِهَا وَيَُعْمَلا 383 - وَأَنَّهَا دُونَ السَّمَاعِ لِلسَّلَفْ ... وَاسْتَوَيَا لَدَى أُنَاسٍ الْخَلَفْ (ثالثها إجازة) مبتدأ وخبره، أي ثالث أقسام التحمل ما يسمى بإجازة، مصدر أجازه. قال السخاوي: وترد في كلام العرب للعُبُور والانتقال والإباحة

القَسِيمَةِ للوجوب والامتناع وعليه ينطبق الاصطلاح، فإنها إذن في الرواية لفظاً أو كتابة يفيد الإخبار الإجمالي عرفاً. وقال القطب القسطلاني: إنها مشتقة من التجوز وهو التعدي فكأنه عَدَّى روايته حتى أوصلها للراوي عنه. وقال أبو عبد الله محمد بن سعيد بن الحجاج: إن اشتقاقها من المجاز، فكان القراءة والسماع هو الحقيقة وما عداه مجاز، والأصل الحقيقة، والمجاز حمل عليه، ويقع أجزت متعدياً بنفسه وبحرف الجر كما سيأتي في لفظ الإجازة. اهـ كلام السخاوي. وأركانها أربعة المجيز، والمجاز له والمجاز به، والصيغة. وسيأتي أنها أنواع. ثم ذكر حكمها فقال (واختلفا) بالبناء للمفعول وألف الإطلاق أي اختلف العلماء في جواز الرواية بها على أقوال (فقيل لا يروى) بالبناء للفاعل أو المفعول (بها) أي الإجازة وهو قول جماعة من المحدثين كشعبة، قال: لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة، وإبراهيم الحربي، وأبي نصر الوائلي، وأبي الشيخ لأصفهاني، والفقهاء: كالقاضي حسين، والماوردي، وأبي بكر الخجندي الشافعي، وأبي طاهر الدَّبَّاس الحنفي. وعنهم أن من قال لغيره أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه قال أجزت لك أن تكذب عليَّ، لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع وهي إحدى الروايتين عن الشافعي. وحكاه الأمدي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ونقله القاضي عبد الوهاب عن مالك. وقال ابن حزم إنها بدعة غير جائزة. وقيل: إن كان المجيز والمجاز عالمين بالكتاب جاز، وإلا فلا، واختاره أبو بكر الرازي الحنفي.

(و) لكن هذا القول (ضعفا) بالبناء للمفعول وألف الإطلاق أي نسب إلى الضعف لما سيأتي. (وقيل لا يروى) بها بالضبط المتقدم أي لا تجوز الرواية بالإجازة (ولكن يعمل) بالضبط المذكور أيضاً أي لكن يجوز العمل بها وهذا القول منقول عن الأوزاعي (وقيل عكسه) أي عكس القول المذكور وهو جواز الرواية دون العمل كالمرسل وهو لبعض الظاهرية ومن تابعهم قال ابن الصلاح: وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها ولا في الثقة به بخلاف المرسل فَلَا إخبار فيه البتَّةَ، وسبقه إليه الخطيب. (وقيل) إنها (أفضل من السماع) مطلقاً وهو اختيار بعض المحققين، ونقل عن أحمد بن ميسرة المالكي أنه قال إنها على وجهها خير من السماع الرديء، (والتساوي نُقِلَا) مبتدأ وخبر، أي كون الإجازة والسماع سواء في الرتبة منقول عن بعضهم. وكان عبد الرحمن بن أحمد بن بَقِيّ بن مَخْلَد يقول الإجازة عندي، وعند أبي، وجدي، كالسماع (والحق) أي القول الصَّحِيح الذي قاله المحققون وهو مبتدأ خبره قوله (أن يروى بها ويعملا) بالبناء للمفعول، أو الفاعل فيهما، أي جواز الرواية والعمل بها وهو قول الأكثرين من العلماء المحدثين وغيرهم واستقر عليه العمل، وادعى بعضهم الإجماع على ذلك. (وإنها) أي الإجازة (دون السماع) رتبة (للسلف) أي عندهم، فجملة أن معطوفة على مقول القول، أي قيل إنها دون السماع إلخ فهمزة إن مكسورة (واستويا) أي السماع والإجازة (لدى أناس) أي عندهم (الخلف) بدل من أناس، وفي نسخة للخلف باللام الجارة وهو بدل أيضاً من الظرف، وهو قول العلامة الطوفي قال إنها في عصر السلف دون السماع وفي عصر الخلف مساوية له، والحاصل أن مسألة الإجازة فيها مذاهب: الأول: وهو الذي قاله الجمهور من الطوائف واستقر عليه العمل جواز

الرواية والعمل بها وهو الصَّحِيح قال الخطيب: احتج بعض أهل العلم لذلك بحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب سورة براءة في صحيفة ودفعها لأبي بكر ثم بعث عليًّا فاخذها منه ولم يقرأها عليه ولا هو أيضاً حتى وصل مكة ففتحها وقرأها على الناس. الثاني: المنع وهو مذهب جماعة من الطوائف كما تقدم. الثالث: أنها لا يعمل بها مع جواز التحديث بها وهو مذهب بعض الظاهرية. الرابع: عكس هذا القول وهو العمل دون التحديث وهو مذهب الأوزاعي. الخامس: التفصيل ففي عصر السلف السماع أولى، وأما بعدَ أنْ دُوِّنتْ الدواوين وجمعت السنن واشتهر فلا فرق بينهما أي فهما مستويان وهذا القول للطوفي. (فائدة): قول المحدثين أجزت لك أن تروي عني بشروطها المراد بالشروط هو المُبَيَّنُ في قول الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي حيث قال في منظومته دليل السالك: وَهْو التَثَبُّتُ بِما قَدْ أشْكلَا ... ثُمَّ الْمُرَاجَعَةُ فِيمَا أعْضلا مَع مَشايخ العُلُومِ المَهَرَهْ ... لَا غَيرِمَنْ حَقَقَه وَحَرَّرَهْ ثُمَّ الرُّجُوعُ فِي الْحَوَادِثِ إلَى ... مَا كانَ بِالنَّقْلَ يُرَى مُحَصَّلَا وَعدمُ الْجَوَابِ فِي استِفْتَاءِ ... إلا مَعَ التَحْقِيقِ لِلأشْيَاءِ اهـ. ثم إن الإجازة تسعة أنواع ذكرها بالترتيب فأشار إلى الأول بقوله: 384 - عَيَّنَ مَا أَجَازَ وَالْمُجَازَ لَهْ ... أَوْ ذَا وَمَا أَجَازَهُ قَدْ أَجْمَلَهْ

(عين) المجيز (ما) أي الحديث أو الكتاب الذي (أجاز) هُ للطالب (و) عين (المجاز له) من الطلبة. وحاصل المعنى: أن النوع الأول هو أن يعين المجاز به والمجاز له كأن يقول أجزتك البخاري أو ما تضمنه ثبتي، أو ما اشتملت عليه فهرستي (¬1) والمجازُ عارف بما اشتملت عليه وكذا إذا أدخله خِزَانَة كتبه، وقال: ارو جميع هذه الكتب عني فإنها مسموعاتي من الشيوخ المكتوبةُ عنهم، أو أحاله على ترجمتها ونبهه على طرق أوائلها، وهذا أعلى أنواع الإجازة المجردة عن المناولة لأنها أعلى من هذا. ثم ذكر الثاني وهو التعميم في المجاز به مع تعيين المجاز له بقوله (أو) عين (ذا) أي المجاز له (و) الحال أن (ما أجازه) أي الذي أجاز له من الحديث أو الكتاب مثلا (قد أجمله) أي عممه يعني أنه لم يعينه كأن يقول أجزت لك أو لكم أو لمحمد جميع مروياتي. وحاصل هذا النوع أن يجيز المحدث لمعين أو مُعَيَّنِينَ في غير مُعَيَّن وهو المسمى بإجازة خاص بعام، وهو مقبول كسابقه عند جمهور العلماء من المحدثين وغيرهم سلفاً وخلفاً رواية وعملا بالمروي به بشرطه الآتي في شرط الإجازة، ولكن الخلاف فيه أقوى مما تقدم لأنه أحاله على أمر عام ولم ينص له على شيء معين. ثم ذكر الثالث وهو التعميم في المجاز سواء عين المجاز به أو أطلق بقوله: 385 - فَإِنْ يُعَمِّمْ مُطْلَقًا أَوْ مَنْ وُجِدْ ... فِي عَصْرِهِ: صُحِّحَ رَدٌّ وَاعْتُمِدْ (فَإِنْ يُعَمِّمْ) المحدث ومفعوله محذوف لدلالة ما قبله أي ذا، يعني المجاز له (مطلقا) أي من دون قيد بما يأتي وسواء عين المجاز به أو لا، ¬

_ (¬1) الفهرست بالتاء وصلاً ووقفاً لفظة فارسية معناها جملة العدد للكتب اهـ.

بأن يقول أجزت المسلمين أوكل أحد الكتاب الفلاني أو جميع مروياتي، (أو) قيده بقيد شبيه بالإطلاق كان يجيز (من وجد في عصره) أي وقته كأن يقول من أدرك زماني أو أهل زماني (صحح) بالبناء للمفعول (رد) أي رد الرواية بهذا النوع (واعتمد) بالضبط المذكور وهو عطف تفسير لصحح أي اعتَمَدَ هذا الرأيَ العلماءُ. منهم الحافظ عبد الغني بن سرور والماوردي. وقال ابن الصلاح: لم نر ولم نسمع عن أحد ممن تقدم يُقتَدَى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها، والإجازةُ في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفاً كثيراً لا ينبغي احتماله اهـ. لكن رُدَّ عليه باستعمال جماعات لها ممن تقدمه كما يأتي ومقابل الصَّحِيح قول من جوزها مطلقاً. وهو قول الحافظ الخطيب البغدادي والحافظ أبي عبد الله بن منده والحافظ أبي العلاء الهمداني العطار وجوزها أبو الطيب الطبري للموجود عند الإجازة خاصة نقله عنه الخطيب. ومن أدلتهم قوله - صلى الله عليه وسلم - " بلغوا عني " الحديث. وقيدنا القيد بشبيه الإطلاق لأنه لو كان قيدا حاصرا جاز كما أشار إليه بقوله: 386 - مَا لَمْ يَكُنْ عُمُومُهُ مَعْ حَصْرِ ... فَصَحِّحَنْ، كَالْعُلَمَاء بِمِصْرِ (ما) مصدرية ظرفية (لم يكن عمومه) أي المجاز له (مع) بسكون العين لغة في فتحها (حَصْرِ) بوصف حاصر يعني أن الرد المذكور كان مدة عدم حصره بقيد حاصر، فأما إذا كان تعميمه مقيداً بوصف حاصر (فَصَحِّحَنْ) تلك الإجازة العامة وذلك (كـ) قوله أجزت (العلماء) الموجودين (بمصر) البلد المعروف، أو نحوه كأجزت لمن ملك نسخة من التصنيف الفلاني.

واحترزنا بقولنا بوصف حاصر عن ما لا حصر فيه كأهل بلد كذا فهو كالعامة المطلقة. ثم ذكر النوع الرابع وهو إجازة مجهول لمجهول بقوله: 387 - وَالْجَهْلُ بِالْمُجَازِ وَالْمُجَازِ لَهْ ... كَلَمْ يُبَيِّنْ ذُو اشْتِرَاكٍ: أَبْطَلَهْ (والجهل) مبتدأ خبره جملة أبطله (بالمجاز) به من الحديث أو الكتاب أو نحوهما (والمجاز له) أي الشخص الذي أجيز له كأجزت بعض الناس بعض مروياتي. (كَلَمْ يُبَيِّنْ) بالبناء للمفعول ونائب الفاعل قوله (ذو اشتراك) والجملة صلة ما المصدرية محذوفةً، لأن حذفها جائز عند بعض النحاة كما قاله ابن هشام في مغنى اللبيب، أي كما لم يبين ذو اشتراك أي كعدم تبيين صاحب الاشتراك من الشخص أو الكتاب. والمعنى أنه إذا سمى المجيز كتاباً أو شخصاً وقد تسمى بذلك الكتاب أو الشخص سواه مثل أن يقول أجزت لك أن تروي عَنِّي كتاب السنن، وفي مروياته عدة كتب يعرف يعرف كل منها بالسنن كأبي داود، والدارقطني، والبيهقي، وغيرها، أو يقول أجزت محمد بن عبد الله الأنصاري، وفي ذلك الوقت جماعة مشتركون في هذا الاسم (أبطله) أي أبطل الجهلُ بذلك الإجازةَ وذكّر الضمير باعتبار المذكور. وحاصل معنى البيت أن الجهل المذكور يبطل الإجازة لعدم التمييز عند السامع وكونه مما لا سبيل لمعرفته وأما إذا سمى المجاز لهم ولكنه لا يعرفهم بأعيانهم فإنه لا يضر وإليه أشار بقوله: 388 - وَلا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِالأَعْيَانِ مَعْ ... تَسْمِيَةٍ أَوْ لَمْ يُصَفِّحْ مَا جَمَعْ (وَلا يَضُرُّ) في صحة الإجازة (الجهل) أي جهل المجيز (بالأعيان) أي أشخاص المجاز لهم (مع تسمية) أي ذكر أسماءهم وأنسابهم بحيث يزول الاشتباه عنهم ويتميزون من غيرهم على العادة الشائعة في ذلك.

وحاصل المعنى: أنه إذا جهل المجيز أعيان المجاز لهم مع تسميتهم فإنه لا يضر ذلك في الإجازة كما أنه لا تشترط معرفة المسمع عين السامع الذي سمِع منه وكذا الواحد المسمى المعين ممن يَجهلُ المجيزُ عينَة من باب أولى، كما نص عليه عياض (أو لم يصفح) بالبناء للفاعل أي لم يَرَ المجيزُ صَفَحَاتِ وُجُوهِ (مَا) بمعنى من (جمع) أسماءَهُمْ في إجازته. يقال: صَفَحْت القوم صَفْحاً من باب نفع وتصفحتهم رأيت صفحات وجوههم، والتضعيف هنا للمبالغة، والصفح بالفتح: من كل شيء جانبه، والصفحة بالهاء مثله، والجمع صفحات، مثل سجدة وسجدات أفاده الفيومي، فقوله: أو لم يصفح عطف على الجهل بتقدير حرف مصدري، أي أو أن لم يصفح يعني أنه لا يضر الجهل، ولا عدم تصفحهم. وحاصل المعنى: أن المجيز إذا جمع بالإجازة جماعة من غير حصر عددهم وتَصَفُّحِهِمْ واحدا واحدا جاز قياسا على السماع أيضاً وإن توقف بعضهم في القياس من أجل أنه لا يلزم من كون قسم السماع لم يتأثر بذلك أن تكون الإجازة كذلك لإمكان ادعاء القدح في الإجازة دون السماع فالقياس ظاهر لأنه إذا صح في السماع الذي الأمر فيه أضيق لكونه لا يكون لغير الحاضر مع الجهل بعينه فصحته مع ذلك في الإجازة التي الأمر فيها أوسع لكونها للحاضر والغائب من باب أولى. ثم ذكر النوع الخامس من أنواع الإجازة وهو التعليق فيها بقوله: 389 - وفِي الأَصَحِّ أَبْطلُوا وَإِنْ يَقُلِ ... أَجَزْتُ مَنْ شَاءَ وَمَنْ شَاءَ عَلِي (وفي الأصح) من قولي العلماء متعلق بقوله (أبطلوا) أي حكموا ببطلان الإجازة (إن يقل) المجيز في إجازته (أجزت من شاء) الإجازة مني (و) كذا إن يقل أجزت (من شاء) الإجازة له (علي) بن فلان، لرجل معين، فعلي فاعل شاء. وحاصل معنى البيت: أنه إذا علق المجيز الإجازة بالمشيئة فإما أن تكون معلقة بمشيئة مبهم لنفسه كأن يقول من شاء أن أجيز له فقد أجزت له

أو أجزت لمن شاء وإما أن تكون بمشيئة غير المجاز معيناً لغيره كأن يقول أجزت لمن شاء علي بن محمد مثلاً أن أجيز له أو من شاء علي بن محمد أن أجيز له فقد أجزته. أو يقول لشخص أجزت لمن شئت أن أجيزه، أو نحو ذلك، فالأصح أن الإجازة في الصورتين باطلة لأنها إجازة لمجهول فهي كقوله أجزت لبعض الناس، أفتى بذلك القاضي أبو الطيب الطبري، ومثله عن الماوردي. ومقابل الأصح قول من أجاز في الصورتين وهو قول أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي وأبي الفضل محمد بن عبيد الله بن عمروس المالكي. واستدل لهما بأن هذه الجهالة ترتفع عند وجود المشيئة ويتعين المجاز له عندها. واحتج ابن الفرا بقوله - صلى الله عليه وسلم - لما أمَّرَ زيداً على غزوة مؤتة " فإن قتل زيد، فجعفر، فإن قتل جعفر فابن رواحة " فعلق التأمير. ثم إن هذا كله فيما إذا كان التعليق للإجازة، وأما إذا كان للرواية فالأصح الجواز كما أشار إليه بقوله: 390 - وَصَحَّحُوا " أَجَزْتُهُ إِنْ شَاءَ " أَوْ ... " أَجَزْتُ مَنْ شَاءَ " رِوَايَةً رَأَوْا (صححوا) أي حكم الحُذَّاق من العلماء بصحة الإجازة إذا قَال (أجزته) أي فلاناً (إن شاء) الرواية عني، أو أجزت لك إن شئت أن تروي عني أو أحببت أو أردت. وحاصل المعنى: أنه إذا قال أجزت لفلان كذا إن شاء الرواية عني فالصَّحِيح الجواز لانتفاء الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوى صيغته. وقيل لا تجوز (أو) قال (أجزت من شاء رواية) عني فكذلك (رأوا) أي العلماء جوازها.

وحاصل المعنى: أنه اذا دلق الرواية بالمشيئة كقوله أجزت من شاء الرواية عني جازت بل هي أولى بالجواز كما قاله ابن الصلاح لأنه تصريح بمقتضى الحال، لأن كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له، لا تعليق في الإجازة هكذا قال ابن الصلاح، وقاسه على بِعْتُكَ إن شئتَ قال العراقي لكن الفرق بينهما تعيين المبتاع بخلافه في الإجازة فإنه مبهم قال والصَّحِيح عدم الصحة قال: نعم وزانه هنا أجزت لك أن تروي عني إن شئت الرواية عني والأظهر الأقوى هنا الجواز لانتفاء الجهالة وحقيقة التعليق. ثم ذكر النوع السادس من أنواع الإجازة وهو الإذن للمعدوم بقوله: 391 - وَالإِذْنُ لِلْمَعْدُومِ فِي الأَقْوَى امْتَنَعْ ... ثَالِثُهَا: جَازَ لِمَوْجُودٍ تَبَعْ (والإذن) مبتدأ خبره جملة امتنع، أي الإجازة (للمعدوم) أي غيرِ المولود (في الأقوى) أي القول الأرجح متعلق بقوله (امتنع) أي صار ممنوعاً. وحاصل المعنى: أن الإجازة للمعدوم اختَلَفَ فيهما العلماءُ كقوله أجزت لمن يولد لفلان على مذاهب: الأول: المنع مطلقاً وهو الصَّحِيح، جزم به أبو الطيب الطبري والماوردي وابن الصباغ لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز به فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة له. والثاني: الجواز مطلقاً وبه قال الخطب وألف فيها جزءاً وقال إن أصحاب أبي حنيفة ومالك أجازوا الوقف على المعدوم كوقفت هذا على من يولد لفلان. يعني فليزمهم القول به في الإجازة من بابٍ أولى لأن أمرها أوسع. وهذا القول هو المطوي في قوله: (ثالثها): أي الأقوال مبتدأ خبره جملة (جاز) أي الإذن للمعدوم (لوجود) متعلق بقوله (تبع) بفتحتين يكون للواحد

والجمع، وقد يجمع على أتباع، وهو منصوب على الحال من المعدوم، وقِفَ عليه بالسكون على لغة ربيعة، أي حال كونه تابعاً لموجود بأن عطف عليه، كأجزت لك ولمن يولد لك أو أجزت لفلان ولمن سيولد له أو لعقبه ما تناسلوا. وحاصل هذا القول: أنه إن عطفه على موجود جاز بل أولى بالجواز مما إذا أفرده بها قياساً على الوقف وفَعَلَه من المحدثين أبو بكر بن أبي داود فقال أجزت لك ولأولادك وَلحَبَل الحَبَلَةِ. وصرح بتصحيحه القسطلاني في المنهج المبهج. ثم ذكر السابع وهو الإجازة لغير متأهل كالطفل ونحوه بقوله: 392 - وَصَحَّحُوا جَوازَهَا لِطِفْلِ ... وَكَافِرٍ وَنَحْوِ ذَا وَحَمْلِ (وصححوا) أي العلماء (جوازها) أي الإجازة (لطفل) أي صبي غير مميز (وكافر ونحو ذا) أي الكافر ممن ليس أهلاً للرواية كفاسق ومبتدع ومجنون (و) صححوها أيضاً (لحمل) سواء نفخ فيه الروح أو لا عطف على موجود كأبويه أم لا. وحاصل معنى البيت: أن العلماء صححوا جواز الإجازة لغير متأهل للرواية كالمذكورين. فأما الطفل فجوزها الجمهور لأنها إباحة والإباحة تصح لغير المميز بل وللمجنون لعدم افتراقهما في غالب الأحكام، وأبطلها بعضهم، ونقل عن الشافعي لمن لم يستكمل سبع سنين، أي لأنه مظنة التمييز غالباً. وأما الكافر فلم يوجد تصريح بصحتها له من المتقدمين والمتأخرين مع تصريحهم بصحة سماعه. إلا أن شخصاً من الأطباء سمع الحديث في يهوديته على أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن الصوري وكتب اسمه في طبقة السماع وأجاز الشيخ لمن سمع وهو من جملتهم، وذلك بحضرة أبي الحجاج المِزِّيِّ، ثم هداه الله

للإسلام، وحدث وسمع منه النَّاس، فهذا يدل على أن المِزِّيَّ يرى ذلك. وإذا جاز للكافر فالفاسق والمبتدع من باب أولَى، وأما المجنون فهي تصح له كما ذكر الخطيب، وأما الحمل فقالَ العراقي: لم أجد فيه أيضاً نقلا، ولا شك أنه أولى بالصحة من المعدوم، والخطيب يرى صحتها للمعدوم. وإلى ما تقدم أشار العراقي في ألفيته حيث قال: وَلَم أجِدْ فِي كَافرٍ نَقْلاً بَلَى ... بِحَضْرَةِ الْمِزِّيِّ تَتْرَى فُعِلاَ وَلَمْ أجِدْ فِي الْحَمْلِ أيْضاً نَقْلًا ... وَهُوَ مِنَ الْمَعْدُومِ أوْلَى فِعْلَا وَللْخَطِيبِ لَمْ أجِدْ مَنْ فَعَلَهْ ... قُلْتُ رَأيْتُ بَعْضَهُمْ قَدْ سَألَهْ مَعْ أبَويهِ فَأجَازَ وَلَعَلّ ... مَا صَفَحَ الأسْمَاءَ فِيهَا إِذْ فَعَلْ وًينْبَغِي الْبِنَا عَلَى مَا ذَكَروُا ... هَلْ يُعْلَمُ الْحَمْلُ وَهَذَا أظْهَرُ ثم أشار إلى النوع الثامن من أنواع الإجازة وهو الإجازة بما لم يتحمله بَعْدُ بقوله: 393 - وَمَنْعَهَا بِمَا الْمُجِيزُ يَحْمِلُهْ ... مِنْ بَعْدِهَا، فَإِنْ يَقُلْ لا نُبْطِلُهْ 394 - " أَجَزْتُ مَا صَحَّ وَمَا يَصِحُّ لَكْ ... مِمَّا سَمِعْتُ أَوْ يَصِحُّ مَا سَلَك " (ومنعها) بالنصب عطفاً على جوازها أي صححوا منع الإجازة وبطلانها (بما) أي المروي الذي (المجيز يحمله) مبتدأ وخبر وهو صلة ما أي الحديث الذي يحمله الشيخ المجيز للطالب (من بعدها) أي بعد الإجازة متعلق بيحمله. يعني أن الشيخ إذا أجاز للطالب بما لم يتحمله بوجه من سماع أو إجازة ليرويه ذلك الطالب إذا تحمله المجيز فالصَّحِيح بل الصواب كما قاله النووي وهو الذي حكاه عياض عن أبي الوليد يونس بن المغيث القرطبي منع ذلك. سواء عطفه على موجود بأن قال أجزت لك ما رويته وما سأرويه أولا، لأنه إخبار بما لا خَبَرَ عنده منه، وإذن بما لا إذن له، وإباحة ما لم

يعلم هل يصح له الإذن فيه أم لا. ومقابل الصَّحِيح إجازة بعض المتأخرين المعاصرين للقاضي عياض لمن سأله الإجازة كذلك، ووجَّهَهُ بعضهم بأن شرط الرواية أكَثر ما يعتبر عند الأداء لا عند التحمل. (فإن يقل) الشيخ (لا نبطله) جواب إن، قدم على معمول فعل الشرط للضرورة، ورفع على قلة، ومقول القول قوله (أجزت ما صح) عندك حال الإجازة (وما يصح لك) أي عندك بعدها أنِّي أروِيهِ (مما سمعـ) ـته من الأحاديث بيان لما، (أو) اقتصر على قوله ما صح (و) كلمةَ (يصح ما سلك) أي ما ذكره، يعني: أنه ترك ذكر يصح مكتفيا بما صح. وحاصل معنى البيت: أنه إذا قال الشيخ: أجزت لفلان ما صح، ويصح عنده من مسموعاتي صحت الإجازة. فتجوز الرواية لِمَا صحَّ عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبلها، وقد فعله الدارقطني وغيره، وكذا لو لم يقل: ويصح لأن المراد ما صح حال الرواية لا الإجازة. قال السخاوي: والفرق بين هذه والتي قبلها أنه هناك لم يروِ بَعدُ بخلافه هنا، فقد رَوَى ولكن تارة يكون عالماً بما رواه، وهذا لا كلام فيه، وتارة لا يكون عالماً فيُحِيل الأمر فيه على ثبوته عند المجاز اهـ. ثم إنه لا يشمل ما صح عنده بالإجازة، أو صح عند غيره، كما ذكره بقوله: 395 - فِي مِثْلِ ذَا لا تُدْخِلِ الْمَجَازَا ... أَوْ صَحَّ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ أَجَازَا (في مثل ذا) أي الإجازة المتقدمة (لا تدخل) أيها الراوي بها (المجازا) بضم الميم أي ما تحمله بالإجازة (أَوْ صَحَّ) عطف على المجاز لأنه صلة أل، أي أو الصَّحِيح (عند غير من أجازا) أي عند غير الشيخ الذي أجاز لك بهذه الكيفية. وحاصل معنى البيت: أنه إذا أجاز لك الشيخ بالصيغة المتقدمة،

وهي أجزت لك ما صح إلخ، فليس لك أن تروي ما تحمله بالإجازة، أو ما صح عند غيره لأنه مقيد بسماعه. ثم أشار إلى النوع التاسع، وهو إجازة المجاز بقوله: 396 - وَمَنْ رَأَى إِجَازَةَ الْمُجَازِ ... وَلَوْ عَلا فَذَاكَ ذُو امْتِيَازِ (وَمَنْ) شرطية (رأى) من العلماء صحةَ (إجازةِ المجاز) بضم الميم، أىِ الحديث الذي تحمله الراوي بالإجازة، كأن يقول: أجزت لك مجازاتي، أو روايةَ ما أجيز لي، أو ما أبيح لي روايتهُ (ولو علا) ذلك المجاز، أي كَثُرَ بسبب توالي الإجازات (فذاك ذو امتياز) مبتدأ وخبر، جواب مَنْ، يعني: أن ذلك الرائي ذو تميز وفضل على من لم يرَ صحة ذلك لكون رأيه صواباً. وحاصل معنى البيت: أن العلماء اختلفوا في إجازة المجاز كقوله: أجزت لك مجازاتي ونحو ذلك: فمنع ذلك بعضهم، لأن الإجازة ضعيفة فيَقْوَى الضعفُ باجتماع إجازتين. ثم إن هذا المنع سواءٌ عُطِفَ على الإذن بمسموع، أم لا؟ وقيل: إن عطف على الإجازة بمسموع صح، وإلا فلا، والصَّحِيح الذي عليه العمل وهو الذي أشار إلى ترجيحه هنا جوازها مطلقاً، لأن المقصود منها بقاء سِلْسِلَة الإسناد. (تنبيه): قال العراقي: ينبغي لمن يروي بالإجازة عن الإجازة أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه لشيخه، ومقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندرج تحتها، فربما قَيَّدَها بعضهم بما صح عند المجاز، أو بما سمعه المجيز فقط، أو بما حدث به من مسموعاته، أو غير ذلك، فإن كان أجازه بلفظ أجزت له ما صح عنده من سماعاتي فليس للمجاز الثاني أن يروي

عن المجاز الأول إلا ما علم أنه صح عنده أنه من سماع شيخه الأعلى، ولا يكتفي بمجرد صحة الإجازة اهـ. ولما أنهى الكلام في أنواع الإجازة التسعة، وأحكامها شرع يُبَيِّنُ الألفاظَ المستعملةَ فيها فقال: 397 - وَلَفْظُهَا " أَجَزْتُهُ " " أَجَزْتُ لَهْ " ... فَأَنْ يَخُطَّ نَاوِيًّا فَيُهْمِلَهْ (ولفظها) أي اللفظ المستعمل في الإجازة وهو مبتدأ خبره قوله (أجزت) أي أجزت فلاناً مسموعاتي أو مروياتي، متعدياً بنفسه وبدون ذكر لفظ الرواية أو نحوه الذي هو المجاز به حقيقة. وهذا نقله أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي صاحب المجمل وغيرِهِ في جزء سماه مآخذ العلم فإنه قال: معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز الماء الذي يُسْقَاهُ المال من الماشية والحرث، يقال منه: استجزت فلاناً فأجازني، إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه. قال ابن الصلاح: فعلى هذا يجوز أن يقال: أجزت فلاناً مسموعاتي، أو مروياتي متعدياً بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية أو نحو ذلك. وأما من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ والإذن والإباحة فيحتاج إلى ذلك وهو المعروف فيقول: أجزت له رواية مسموعاتي كما قال (أجزت له) أي متعدياً بحرف جر، وبدون إضمار، ومن يقول: أجزت له مسموعاتي، فعلى سبيل الإضمار للمضاف الذي لا يخفى نظيره، وحينئذ ففي الأول الإضمار والحذف دون الثاني الذي هو أظهر وأشهر وفي الثالث الإضمار فقط. أفاده السخاوي رحمه الله. ثم إن التلفظ بالإجازة سواء كان مع الكتابة أم لا، هو الأعلى رتبة، ويليه الكتابة مع قصد الإجازة بدون تلفظ، وإليه أشار بقوله: (فأن) الفاء

للترتيب وأن مصدرية (يخط) أي يكت الشيخ بالإجازة حال كونه (ناوياً) لها، يعني: أن الكتابة بالإجازة مع قصدها تلي التلفظ بها، ثم تلي الكتابة بدون القصد وإليه أشار بقوله: (فيهمله) بالنصب عطفاً على يخط من الإهمال، وهو الترك، أي يلي الخط مع النية أن يخط ويهمل النية، وذَكَّرَ الضميرَ في قوله " فيهمله " بتأويل النية بالقصد. والحاصل: أن كيفية الإجازة أربعة: الكتابة مع اللفظ، وهو الأعلى، ثم اللفظ بدون الكتابة، ثم الكتابة مع النية، ثم الكتابة مع إهمال النية، وهذا قال فيه العراقي: الظاهر عدم الصحة، وقال ابن الصلاح: غير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية الذي جعلت فيه القراءة على الشيخ مع أنه لم يلفظ بما قرئ عليه إخباراً منه بذلك. هذا هو المناسب لحل ألفاظ البيت، وهو الموافق لما في شروح الألفية العراقية، والتدريب، وأما ما قاله العلامة ابن شاكر من أن الناظم رجح هنا إبطال الإجازة بالكتابة فلا وجه له، ولعله جعل إن شرطية جوابها فيهمله ولا يلتئم الكلام عليه، فتدبر، وكذا حل الشارح غير ملائم فتأمل. فالحاصل: أن الناظم رحمه الله ذكر في هذا البيت كيفية الإجازة بمراتبها فقوله: ولفظها إلخ يتضمن اللفظ مع الكتابة واللفظ بدونها، وقوله: فأن يخط ناوياً صريح في الكتابة مع النية، وقوله: فيهمله: إشارة إلى الكتابة مع عدمها، وإنما كان القول أعلى من الكتابة، لأنه دليل رضاه القلبي بالإجازة، والكتابةُ دليل القول الدال على الرضا، والدال بغير واسطة أَعلى. ثم ذكر أن الإجازة لا تحتاج إلى قبول المجاز له فقال: 398 - وَلَيْسَ شَرْطًا الْقَبُولُ بَلْ إِذَا ... رَدَّ فَعِنْدِي غَيْرُ قَادِحٍ بِذَا (وليس شرطاً) في صحة الرواية بها وشرطا خبر ليس مقدماً واسمها قوله: (القبول) أي قبول المجاز له إياها (بل إذا رد) المجاز له الإجازة، وكذا لو رجع المجيز عنها (فعندي غير قادح) في الإجازة (بذا) أي بسبب

رده للإجازة، يعني: أن المجاز له لَوْ رَدهَا فهو غير قادح لها برده، فقوله: عندي متعلق بقادح قدم للضرورة، وقوله: غير قادح، خبر لمحذوف أي فهو غير قادح والجملة جواب إذا. وحاصل معنى البيت: أن قبول المجاز له للإجازة غير شرط في صحة الرواية بها كما صرح به البلقيني. قال الناظم: بل لو رد المجاز له إياها فعندي أنه لا يضر، وكذا لو رجع الشيخ عنها. قال: ويحتمل أن يقال: إن قلنا الإجازة إخبار لم يضر الرد ولا الرجوع، وإن قلنا إذن وإباحة، ضَرَّا كالوقف، والوكالة، ولكن الأول هو الظاهر، ولم أرَ من تعرض لذلك اهـ. ثم إنما تستحسن الإجازة إذا صدوت من عالم لعالم، واشترطه بعضهم وإليه أشار بقوله: 399 - وَاسْتُحْسِنَتْ مِنْ عَالِمٍ لِمَاهِرِ ... وَشَرْطُهُ يُعْزَى إِلَى أَكَابِرِ (واستحسنت) بالبناء للمفعول أي الإجازة أن تكوناً (مِن) مجيز (عالم) بما يجيز به، (لماهر) أي لِمُجَاز حاذق بالفن، (وشرطه) مبتدأ، أي اشتراط كونها من عالم لماهر وقوله (يعزى) بالبناء للمفعول أي ينسب، خبر المبتدأ (إلى أكابر) بالصرف للضرورة أي الأئمة الكبار. وحاصل معنى البيت: أنهم قالوا: إنما تتحسن الإجازة إذا كان المجيز عالماً بما يجيزه، وكان المجاز له من أهل العلم أيضاً، لأنها تسويغ وترخيص يتأهل له أهل العلم، لمسيس حاجتهم إليها. وقد اشترط بعضهم ذلك، وحكي عن مالك. وقال ابن عبد البر: الصَّحِيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة في شيء معين لا يشكل إسناده اهـ. وذلك لأنه إذا لم يكن كذلك لم يؤمن أن يحدث المجاز له عن

الشيخ بما ليس من حديثه، أو ينقص من إسناده الرجل والرجلين. (تنبيه): قال السخاوي رحمه الله: كثر تصريحهم في الأجَائزِ بما يجوز لي، وعنَى روايته، فقيل: إنه لا فائدة في قوله: عنَى، والظاهر أنهم يريدون بقولهم: لي مروياتهم، وعنَى: مصنفاتهم، ونحوها، وهو كذلك، وحينئذ فكتابتها ممن ليس له تصنيف، أو نظم أو نثر عَبَث أو جهل اهـ. ثم ذكر القسم الرابع من وجوه التحمل، وهو المناولة بقوله: 400 - رَابِعُهَا عِنْدَهُمُ: الْمُنَاوَلَهْ ... أَنْ يُعْطِيَ الْمُحَدِّثُ الْكِتَابَ لَهْ 401 - مِلْكًا، تَلِي إِعَارَةٌ، أَوْ يُحْضِرَهْ ... لِلشَّيْخِ ذِي الْعِلْمِ لِكَيْمَا يَنْظُرَهْ 402 - ثُمَّ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ، وَأَذِنْ ... فِي الصُّورَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ، فَدِنْ (رابعها) أي رابع وجوه تحمل الحديث، مبتدأ، (عندهم) أي العلماء حال منه. (المناولة) خبر المبتدإ، ويجوز العكس، وهي لغة العطية، ومنه في حديث الخضر: " فحملوهما بغير نول " أي عطاء، واصطلاحاً: إعطاء الشيخ شيئاً من مروياته مع إجازته به صريحاً، أو كناية، كما أشار إليه بقوله: (أن) مصدرية (يعطي المحدث الكتاب له) أي للطالب (ملكاً) بتثليث الميم، حال من الكتاب أي حال كونه مملوكاً له، وأنْ وصلتها في تأويل المصدر خبر لمحذوف، أي هي إعطاء المحدث إلخ. وحاصل معنى البيت: أن النوع الرابع من أنواع التحمل هو المناولة، وهي إعطاء المحدث الكتاب للطالب سواء كان تصنيفاً له، أو أصل سماعه، أو فرعاً مقابلاً بالأصل، وكذا مُجَازُهُ ملكاً له، هبة، أو بيعاً، أو ما يقوم مقامهما، قائلًا هذا من تصنيفي، أو نظمي، أو سماعي، أو روايتي عن فلان، وأنا عالم بما فيه فَارْوِه عني، وهذه الصورة هي الأعلى، وتليها ما كانت إعارة كما ذكرها بقوله: (تلي) هذه الصورة الأولى (إعارة) بالرفع فاعل تلي أي مناولة الشيخِ الكتابَ على وجه الإعارة، وكذا الإجازة

ونحوها فيقول له: خذه عني، وهو روايتي، على الوجه المشروح، أوَّلاً فانتسخه، ثم قَابِلْ به، أو قابل به نسختك التي انتسختها أو نحو ذلك، ثم رُدَّهُ إِلَيَّ (أو يحضره) بالنصب عطفاً على يعطي، أي يحضر الكتاب الطالب (للشيخ) أي عند المحدث (ذي العلم) أي المعرفةِ بما في الكتاب (لكيما ينظره) أي يطالع الكتاب، ويتصفحه، متأملاً ليعلم صحته، وعدمَ الزيادة فيه، والنقص منه، فأما إذا لم يكن عارفاً بما فيه فيجب عليه المقابلة بأصل كتابه، كما صرح به الخطيب. (ثم يرده إليه) أي يرد الشيخ ذلك الكتاب إلى الطالب، ويقول له: وقفت على ما فيه، وهو كتابي، أو روايتي عن فلان أو نحوه فارْوه عني، أو أجزت لك روايته. قال ابن الصلاح: وهذا قد سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضاً، وقد سبقت حكايتنا في القراءة على الشيخ أنها تسمى عرضاً، فَلْنُسَمِّ ذلك عرض القراءة، وهذا عرضَ المناولة اهـ. وممن فعل هذا عبد الله بن عمر أو عبد الله بن عمرو (¬1)، وابن شهاب، ومالك، وأحمد، والأوزاعي، والذهلي، وآخرون، كما قاله السخاوي. (و) قد (أذن) له جملة حالية من الشيخ، أي حال كونه آذناً للطالب (في الصورتين) المذكورتين، أي صورةِ دفع الشيخ الكتاب إلى الطالب، إمَّا ملكاً، أو إعارة، وصورةِ إحضاره الكتاب إلى الشيخِ ليتأمله ثم يرده إليه، (في رواية) أي رواية ما في الكتاب كما شرحناه آنفاً، وقوله: (فدن) تتميم للبيت، أمر من دان يدين بمعنى أطاع، أي أطِعِ المحدثين في قواعدهم لأنهم أهل للطاعة، حيث أنهم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما ثبت به الحديث (¬2). ¬

_ (¬1) فيه الشك هل هو ابن عمر أو ابن عمرو لأن أبا عبد الرحمن الحبلي قال: أتيت عبد الله بكتاب فيه أحاديث إلخ فلم يبين هل هو ابن عمر أو ابن عمرو اهـ. (¬2) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل أخرجه أبو داود والترمذي، وابن حبانَ، والحاكم مصححا " وإن العلماء هم ورثة الأنبياء " الحديث. وضعفه بعضهم للاضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوى بها، كما قال الحافظ في الفتح جـ 1 ص: 193.

ثم إن المناولة المقرونة بالإذن أعلى أنواع الإجازة مطلقاً، لما فيها من التعيين والتشخِيصِ بلا خلاف بين المحدثين فيه. ثم ذكر حكمها فقال: 403 - وَأَخَذُوا بِهَذِهِ إِجْمَاعَا ... بَلْ قِيلَ: ذِي تُعَادِلُ السَّمَاعَا 404 - وَآخَرُونَ فَضَّلُوهَا وَالأَصَحّ ... تَلِي، وَسَبْقُهَا إِجَازَةً وَضَحْ (وأخذوا) أي العلماء من المحدثين وغيرهم (بهذه) أي المناولة المقرونة بالإجازة (إجماعاً) حال من الفاعل، أو مفعول مطلق على النيابة أي حال كونهم مجمعين عليه أو أخذوا أخذ إجماع، والمعنى أن صحة المناولة المقرونة بالإجازة مجمع عليه، والأصل فيه حديث: أنه - صلى الله عليه وسلم -: " كتب لأمير السرية كتاباً، وقال له: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا، فلما بلغ المكان قرأه على النَّاس " الحديث علقه البخاري بالجزم، وحديثُ ابن عباس: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حُذَافَة، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى " الحديث. (بل قيل ذي) أي المناولة المقرونة بالإذن (تعادل) أي تساوي (السماعا) في الرتبة والقوة. يعني: أن بعض العلماء جعلوها مساوية للسماع. وهو قول جماعة من أئمة المدنيين كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وابن شهاب، وربيعة الرأي، وَيَحْيَى بن سعيد الأنصاري، وعن جماعة من المكيين: كمجاهد، وأبي الزبير، ومسلم الزَّنْجِي، وابَن عيينة، ومن الكوفيين: كعلقمة، وإبراهيم النخعي، والشعبي، ومن البصريين: كقتادة، وأبي العالية، وأبي المتوكل الناجي، ومن المصريين: كابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، ومن الشاميين، والخراسانيين، وغيرهم. (وآخرون) من أهل الحديث (فضلوها) أي المناولة على السماع، يعني: أن بعض المحدثين ذهبوا إلى أن المناولة أولى من السماع، نقله

عنهم ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول، لأن الثقة بها أثبت لما يدخل من الوهم على السامع والمسمع، (والأصح) من الأقوال، وهو الذي عليه المحققون أنها (تلي) السماع، بل والقراءة في الرتبة: فهي منحطة عنهما. وهذا قول سفيان الثَّوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وأبي حنيفة، والشافعي، والبويطي، والمزني، وأحمد، وإسحاق، ويحيى بن يَحْيَى، ومالك. وقال الحاكم: وعليه عهدنا أئمتنا، وإليه ذهبوا، وإليه نذهب، واحتج له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " نضر الله امراً سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من لم يسمعها " (¬1)، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: " تسمعون ويسمع منكم " (¬2) فإنها لم يذكر فيها غير السماع، فدل على أفضليته. (وسبقها) مبتدأ خبره قوله " وضح " أي سبقُ المناولةِ المقرونةِ بالإجازة أي تقدمها في الرتبة (إجازة) أي مجردة من المناولة (وضح)، لأن تلك مختلف فيها دون هذه، لما ذكرنا من الإجماع، وإنما أخرت عنها في الذكر، لأنها جزء لأول نوعيها، أو لكون الإجازة تشمل المروي الكثير بخلافها على الأغلب، أو لقلة استعمال المناولة على الوجه الأكمل الفاضل، أو لاشتمال كل منهما على فاضل ومفضول، إذ أول أنواع الإجازة، أعلى من ثاني نوعي المناولة، فلم ينحصر لذلك التقديم في واحد، وحينئذ فقدمت الإجازة لكثرة استعمالها. ثم إنه بقي من صُوَرِ هذا النوع الذي هو المناولة المقرونة بالإجازة صورتان: الأولى هي المناولة ثم الاسترداد، وإليه أشار إليه بقوله: 405 - وَصَحَّ إِنْ نَاوَلَ وَاسْتَرَدَّا ... وَمِنْ مُسَاوِي ذَاكَ الاصْلِ أَدَّى (وصح) التحمل (إن) شرطية (ناول) أي أعطى الشيخ الطالب الكتاب ونحوه، مع الإجازة له بروايته (و) لكنه (استردا) بألف الإطلاق، أي طلب ¬

_ (¬1) صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم بألفاظ. انظر صحيح الجامع الصغير جـ 2 ص: 1145 - 1146. (¬2) صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم. انظر صحيح الجامع جـ 1 ص: 567.

رد ما أعطاه في الوقت، ولم يمكنه منه بل أمسكه الشيخ عنده. وحاصل المعنى: أنه إن ناول الشيخ مرويه الطالب ثم استرده في الحال، فقد صح هذا الصنيع منه فتجوز الرواية، والعمل به، ولكنه دون ما سبق لعدم اطلاع الطالب على ما يحمله وغيبته عنه. ويحتمل كون أن مصدرية، وهي وصلتها في تأويل المصدر فاعل صح والمعنى عليه وصح مناولة الشيخ مرويه الطالب واسترداده منه أي فتجوز الرواية والعمل به (و) لكن إذا أراد الطالب الرواية لذلك (من مساوي ذاك الأصل) أي من كتاب مساو لما أعطاه الشيخ، والجار والمجرور متعلىّ بقوله: (أدى) أي روي، والجملة مستأنفة، أي عليه أن يؤدي من مساوي ذلك الأصل، أو أدى عطف على ناوله فهو من جملة فعل الشرط أي إن أدى من مساوي ذلك الأصل صح. وحاصل المعنى: أن الطالب المُنَاوَلَ على هذه الكيفية، إذا أراد رواية ما تحمله على هذا الوجه يلزمه أن يؤديه من مساوي ذلك الكتاب المردود، بأن وجد فرعاً مقابلًا به موثوقاً بموافقته ما تناولته الإجازة كما يعتبر ذلك في الإجازة المجردة، ومن باب أولي إن أداه من ذلك الأصل المسترد منه إن ظفر به وغلب على ظنه سلامته من التغيير. ثم إن هذهِ المناولة لا مزية لها على الإجازة المعينة، وإليه أشار بقوله: 406 - قِيلَ: وَمَا لِذِي مِنْ امْتِيَازِ ... عَلَى الَّذِي عُيِّنَ مِنْ مُجَازِ (قيل) أي قال جماعة من أصحاب الفقه والأصول (وما) نافية (لِذِي) أي لهذه المناولة المذكورة خبر مقدم لقوله: (من) زائدة (امتياز) أي تميز، وفضل (عَلَى الَّذِي عُيِّنَ) بالبناء للمفعول (مِنْ مُجَازِ) بضم الميم بيان للموصول أي من كتاب معين مجاز به. وحاصل معنى البيت: أن جماعة من العلماء قالوا: لا مزية لهذه المناولة على الكتاب الذي عين في الإجازة مجرداً عنها، فلا تأثير لها، ولا

فائدة غير أن شيوخ أهل الحديث في القديم والحديث، أو مَنْ حُكِيَ ذلك عنه منهم يرون لذلك مزية معتبرة. أفاده ابن الصلاح. ثم أشار إلى الصورة الثانية وهي إحضار الطالب الكتاب للشيخ واستحازته من غير تصفحه بقوله: 407 - وَإِنْ يَكُنْ أَحْضَرَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ ... وَمَا رَأَى: صَحَّ، وَإِلاَّ فَلْيُرَدّ (وإن يكن أحضره) أي الكتاب إلى الشيخ، والجملة خبر مقدم ليكن على اسمها، واسمها قوله: (من يعتمد) بالبناء للمفعول أي الطالب الذي يعتمد عليه لإتقانه وثقته (و) الحال أنه (ما) نافية (رأى) الشيخ في ذلك الكتاب (صح) جواب إن، أي صح صنيعه هذا. وحاصل المعنى: أنه إذا أحضر الطالب الكتاب إلىِ الشيخ، وقال له: هذا روايتك فناولنيه، وأجز لي روايته، فأجابه إليه معتمداً عليه لإتقانه وثقته من غير نظر فيه، ولا تحقق لروايته له صحت المناولة والإجازة، كما يصِح الاعتماد على الطالب في القراءة على الشيخ إذا كان موثوقاً به معرفة وديناً. وأما إذا لم يكن الطالب ممن يعتمد عليه فلا تصح الإجازة فضلاً عن المناولة، كما أشار إليه بقوله: (وإلا) يكن الطالب الذي أحضر الكتاب معتمداً على خَبَرِهِ، ولا يوثق بخِبْرَتِهِ (فليرد) بالبناء للمفعول أي هذا الصنيع إذ لا يصح الاعتماد على غير موثوق به. لكن إن تبين بعد ذلك بخبر من يعتمد عليه أن ذلك من مروياته، فهل يحكم بصحة الإجازة والمناولة السابقتين؟ قال العراقي: لم أرَ من تعرض لذلك، والظاهر نعم، لزوال ما كنا نخشاه من عدم ثقة المخبر اهـ. فلو قال: حَدِّث عني بما فيه إن كان من حديثي صح، بل كان حسناً كما أشار إليه بقوله: 408 - فَإِنْ يَقُلْ: " أَجَزْتُهُ إِنْ كَانَا " ... صَحَّ وَيُرْوَى عَنْهُ حَيْثُ بَانَا

(فإن يقل) الشيخ في الصورة المذكورة، سواء كان الطالب معتمداً عليه، أم لا؟ (أجزته) لك (إن كانا) بألف الإطلاق أي الكتاب من حديثي (صح) جواب إن أي صح هذا القول وكان حسناً فتصح الرواية به، يعني أنه إذا قال: حَدِّث بما في هذا الكتاب الذي أحضرتَهُ عني إن كان من حديثي صح التحمل فيروي به. لكن زاد الخطيب كما نقله ابن الصلاح عنه قَوْلَهُ: مع براءتي من الغلط والوهم. قال العراقي: ويدخل فيه الصورتان ما إذا كان من أحضر الكتاب ثقة معتمداً، وما إذا كان غير موثوق به، فإن كان ثقة جازت الرواية بهذه المناولة والإجازة، وإن كان غير ثقة لكن تبين بخبر من يوثق به أن ذلك الذي ناوله الشيخ كان من مروياته جازت روايته كذلك وإليه أشار بقوله: (وَيروِي) ذلك الطالب ما في الكتاب (عنه) أي عن ذلك الشيخ (حيث بانا) أي ظهر واتضح كونه من مروياته، وذلك بكون المحضر ثقة، أو بإخبار ثقة بكونه من مروياته. وممن فعله مالك. ولما أنهى الكلام على الضرب الأول من ضَرْبَي المناولة، وهي المقرونة بالإجارْة شرع يبين الضرب الثاني، وهي المجردة عنها، وهي قسمان: باطلة بالاتفاق، ومختلف فيها، وإلى الأول أشار بقوله: 409 - وَإِنْ يُنَاوِلْ لا مَعَ الإِذْنِ وَلا ... " هَذَا سَمَاعِي ": فَوِفَاقًا بَطَلا (وإن يناول) الشيخ الطالب شيئاً من مروياته، ملكاً، أو عارية، ليستنسخ منه، أو أحضر الطالب إليه شيئاً منه فتصفحه وعرف ما فيه، ثم دفعه إليه (لا مع الإذن) في الرواية (ولا) قال له (هذا) الكتاب أو الحديث (سماعي) على الشيخ الفلاني، ولا مما أُجِيزَ لي في روايته (فوفاقاً) بين العلماء (بطلا) هذا التحمل، فلا تجوز الرواية به.

وحاصل معنى البيت: أنه إن ناول الشيخ الطالب الكتاب، أو أحضره هو ولم يأذن له في الرواية، ولا قال له إنه يسماعي، أو مُجَازِي، لم تجز المناولة بالاتفاق، كما قال الزركشي. والقسم الثاني: وهو المختلف فيه أشار إليه بقوله: 410 - وَإِنْ يَقُلْ: " هَذَا سَمَاعِي " ثُمَّ لَمْ ... يَأْذَنْ: فَفِي صِحَّتِهَا خُلْفٌ يُضَمّ (وإن يقل) الشيخ عند المناولة (هذا) الكتاب أو الحديث (سماعي) على الشيخ الفلاني، أو نحوه (ثم لم يأذن) له في الرواية بل اقتصر على قوله المذكور (ففي صحتها) أي المناولة الخالية عن الإذن، متعلق بيضم (خُلْفٌ) بالضم، أي اختلاف بين العلماء، مبتدأ خبره جملة قوله: (يُضَمّ) بالبناء للمفعول، أي يجمع إلى الخلاف في الأنواع المتقدمة. وحاصل معنى البيت: أنه إذا قال الشيخ هذا الكتاب سماعي أو مَجَازِي، أو نحو ذلك ولم يأذن له في الرواية فقد اختلف فيه العلماء فقيل: تصح وتجوز الرواية بها، حكاه الخطيب عن طائفة من العلماء. وقال ابن الصلاح: إن الرواية بها تترجح على الرواية بمجرد إعلام الشيخ، لما فيه من المناولة، فإنها لا تخلو من إشعار بالإذن في الرواية اهـ. ويدل عليه: حديث أمير السَّرِيَّة الذي تقدم كما قاله الناظم. قال: وعندي أن يقال: إن كانت المناولة جواباً لسؤال كأن قال له: ناولني هذا الكتاب لأرويه عنك، فناوله، ولم يصرح بالإذن صحت، وجاز له أن يروده اهـ. وبالغ بعضهم فقال: إنها قريب من السماع إذا لم يأذن له في الرواية لاشتراكهما في العلم بالمروي، وقيل: يصح العمل بها دون الرواية. والأصح أنها باطلة، لعدم التصريح بالإذن فيها، قاله السخاوي.

قلت: الذى يظهر أنها صحيحة على الوجه الذي قاله الناظم قريباً (¬1). ثم ذكر صيغ الأداء لمن تحمل بالإجازة والمناولة، فقال: 411 - وَمَنْ يَنَاوَلْ أَوْ يُجَزْ فَلْيَقُلِ: ... " أَنْبَأَنِي " " نَاوَلَنِي " " أَجَازَ لِي " 412 - " أَطْلَقَ " أَوْ " أَبَاحَ " أَوْ " سَوَّغَ " أَوْ ... " أَذِنَ " أَوْ مُشْبِهَ هَذِي، وَرَأَوْا 413 - ثَالِثَها مُصَحَّحًا أَنْ يُورَِدَا ... " حَدَّثَنَا " " أَخْبَرَنَا " مُقَيَِّدَا 414 - وَقِيلَ: قَيِّدْ فِي مُجَازٍ قَصَرَا ... وَبَعْضُهُمْ يَخُصُّهُ بِخَبَّرَا (وَمَنْ) شرطيهْ (يَنَاوَلْ أَوْ يُجَزْ) بالبناء للمفعول، أي يناول الشيخ مرويه، أَو يجيزه له (فليقل) جواب الشرط، أي عند أدائه (أنبأني) فلان، أو أنبأنا، في المناولة والإجازة، و (ناولني) فلان، أو ناولنا في المناولة، (وأجاز لي)، أو أجازنا في الإجازة المجردة عن المناولة، (أو أطلق) لي روايته عنه (أو أباح) لي، وفي نسخة الشارح " أطلقه، أو باح "، والموأَفق لسائر الكتب ما في نسخة المحقق، وهو ما هنا، (أو سوغ) لي، أي جوز لي روايته (أو أذن) لي في روايته. (أَوْ مُشْبِهَ هَذِي) الألفاظ المذكورة، من كل عبارة مشعرة بالواقع، وفي نسخة الشارح أو شَبَهَ هذي. وحاصل المعنى: أن مَن تحمل الحديث بالمناولة، أو الإجازة، يقول: في الأداء أنبأني، ناولني، أجاز لي، أو أطلق لي روايته، أو ما أشبه ذلك مما يبين الواقع. وأما إطلاق حدثنا وأخبرنا فالصَّحِيح منعه إلا مقيداَّ، وإليه أشار بقوله: (ورأوا) أي العلماء (ثالثها) بالنصب مفعول أول لرأوا، والضمير راجع إلى الأقوال، وقوله (مصححا) مفعول ثان له، أي رأى العلماءُ ثالث الأقوال محكوماً بصحته (أن) مصدرية (يوردا) بالبناء للفاعل، أو المفعول، والألف للإطلاق، وقوله: (حدثنا أخبرنا) مفعول به، أو نائب فاعل، (مقيدا) بصيغة ¬

_ (¬1) وهو أنها إن كانت جواباً لسؤال صحت، ولو لم يصرح بالإذن.

اسم الفاعل، أو المفعول، حال من الفاعل، أو المفعول، أي حال كونه مقيداً هذين اللفظين، أو حال كون كل منهما مقيداً بعبارة تبين الواقع في كيفية التحمل. وأن وصلتها في تأويل المصدر بدل من ثالثها أو خبر لمحذوف أي هو إيراد حدثنا إلخ. وحاصل المعنى: أن العلماء رأوا إيراد حدثنا وأخبرنا مقيداً ببيان الواقع صحيحاً، فيقول: حدثنا فلان إجازة أو مناولة، وأخبرنا فلان إجازة أو مناولة، أو نحو ذلك. وحاصل المسألة: أنهم اختلفوا في إيراد حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة، فجوزه بعضهم، وحكى عن ابن جريج وجماعة من المتقدمين، وحكى أنه مذهب مالك، وأهلِ المدينة، قيل: إنه مذهب عامة حفاظ الأندلس، ومنهم ابن عبد البر. والثاني: جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في المناولة، لا في الإجازة المجردة، حُكِيَ ذلك عن الزهري، ومالك، وغيرهما، وهو اللائق بمذهب جميع من سبقت الحكاية عنهم أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعاً، وإلى هذا أشار بقوله: (وقيل) أي قال بعضهم: (قيد) أيها المحدث بعبارةٍ تُبَيِّنُ الواقعَ كما تقدم (في مجاز) بضم الميم مصدر ميمي لأجازَ أي إجازة (قَصَراً) عن المناولة يعني: أنها إجازة مجردة، يقال: قَصَرَ عن الشيء قصوراً من باب قَعَد: عجز عنه، وقَصَر السهم عن الهدف، إذا لم يبلغه وَقَصُرَ الشيءُ بالضم قِصَراً كعِنَبِ ضد طال أفاده الفيومي. وحاصل المعنى: أن بعضهم قال بوجوب التقييد في الإجازة المجردة عن المناولة، فيقول: حدثنا إجازة أو أخبرنا إجازة، وأما الإجازة مع المناولة، فلا يجب تقييدها. قلت: وهذا القول لم يظهر لي وجه ذكره بعد قوله: ثالثها لأنه القول الثاني المطوي تحته فهو مكرر لأن القول الأول هو الجواز مطلقاً، والثاني: جوازه في المناولة المقرونة بالإجازة ووجوب تقييده في الإجازة المجردة

فهذان هما المطويان في قوله ثالثها، وهو التقييد فيهما وهو الذي صححه، فليتأمل. (وبعضهم) أي بعض المحدثين، وهو الإمام أبو عمرو الأوزاعي، مبتدأ خبره قوله: (يخصه) أي المُجَاز القاصرَ بمعنى الإجازة، (بخبرا) بتشديد الباء يعني أن الأوزاعي يخص الإجازة بخبرنا بالتشديد، ويجعل أخبرنا بالهمزة للقراءة. قال العراقي: ولم يخل من النزاع من جهة أن معنى خَبَّرا وأخبر واحد، في اللغة والاصطلاح، بل قيل: إن خَبَّر أبلغ. وكان للأوزاعي أيضاً في الرواية بالمناولة اصطلاح، قال عمرو بن أبي سلمة: قلت له في المناولة أقول فيها: حدثنا، فقال: إن كنت حدثتك فقل حدثنا، فقلت فما أقول قال: قل قال أبو عمرو، أو عن أبي عمرو قاله السخاوي رحمه الله. ولما استعمل بعضهم لفظاً موهماً في الإجازة كتابة أو شفاهاً حيث يقول: أخبرنا شيخنا كتابة، أو أخبرنا مشافهة، أو نحو ذلك بينه بقوله: 415 - وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي بِنَحْوِ " لِي كَتَبْ " ... " شَافَهَ " وَهْوَ مُوهِمٌ فَلْيُجْتَنَبْ 416 - فِي الاقْتِرَاحِ مُطْلَقًا لا يَمْتَنِعْ ... " أَخْبَرَ " إِنْ إِسْنَادَ جُزْءٍ قَدْ سَمِعْ (وبعضهم) أي بعض المحدثين من المتأخرين (يروي) ما أجازه شيخه بالكتابة (بنحوا قوله: (لِي كَتَب) فلان وأخبرني كتابة، أو في كتابة، ويروي في الإجازة باللفظ (شافهني)، وأخبرنا مشافهة، (وهو) أي هذا الاستعمال (موهم) بصيغة اسم الفاعل، أي موقع في الوَهَم أي الغلط (فَلْيُجْتَنَبْ) أي فليتبعد عنه، لما فيه من خطر الإيهام. وحاصل معنى البيت: أن بعض أهل الحديث كالحاكم استعمل لفظاً موهماً تجوزاً فيما تحمله بالإجازة كتابة، أخبرنا فلان كتابة، أو مكاتبة، أو في كتابة، أو كتب لي، أو كتب إِلَيَّ.

وفيما أجازه بلفظه شفاهاً أخبرنا فلان مشافهة، أو شافهني، وحُكِيَ الشق الأول عن أبي نعيم كان يقول في الإجازة حدثني فلان في كتابه، أخبرنا فلان في كتابه ونحو ذلك، وهذا الاستعمال كثير بين المتأخرين من بعد الخمسمائة، وهَلمَّ جَرَّا، قاله السخاوي. وهذا الاستعمال ينبغي اجتنابه حذراً من الإيهام إدْ لا يسلم مَنِ استعملها من الإيهام وطَرَف من التدليس، أما المشافهة فتوهم مشافهة بالتحديث، وأما الكتابة فتوهم أنه كتب إليه بذلك الحديث بعينه، كما كان يفعله المتقدمون قاله العراقي. لكن بعد أن صار اصطلاحاً ارتفع هذا الإيهام بسبب العرف الخاص أفاده الناظم. وقال الإمام الفقيه الحافظ المجتهد تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المنفلوطي، صاحب التصانيف، الشهير بابن دقيق العيد، وُلدَ في شعبان سنة 625 ومات في صفر سنة 702 هـ (فى) كتابه المسمى بـ (الاقتراح)، في بيان الاصطلاح، ومعنى الافتراح في الأصل: مصدر اقترح الشيء ابتدعه من غير مثال سبق، ومعناه هنا: أن هذا المؤلف مقترح أي لا نظير له في بابه فقوله في الاقتراح متعلق بقال كما قدرناه وجملة لا يمتنع أخبر مقول له (مطلقاً) حال مقدم من أخبر أي حال كونه غير مقيد بشيء مما تقدم (لا يمتنع أخبر) جملة من فعل وفاعل، فأخبر فاعل، محكي لقصد لفظه، أي إطلاق لفظ أخبرنا، أو أخبرني (إن) كان الراوي (إسناد جزء) مفعول مقدم لقوله: (قد سمع) من الشيخ. وحاصل معنى البيت: أن الإمام أبا الفتح ابن دقيق العيد، قال في كتابه الاقتراح: لا يمتنع إطلاق أخبرنا وأخبرني غير مقيد إن سمع من الشيخ الإسناد وناوله الكتاب، لأنه أخبره بالكتاب وإن كان جُمْلِيًّا فلا فرق بينه وبين التفصيل اهـ. ثم إن المتأخرين استحسنوا فيما إذا شك في سماع شيخه من شيخه مع تحقق إجازته استعمال عن وأن وكذا في الإجازة وإليه أشار بقوله:

417 - وَ " عَنْ " وَ " أَنَّ " جَوَّدُوا فِيمَا يَشُكّ ... سَمَاعَهُ، وَفِي الْمُجَازِ مُشْتَرَكْ (وَعَنْ وَأَنَّ) أي استعمالهما، مبتدأ خبره جملة قوله: (جَوَّدُوا) أي جعله المتأخرون جيداً حسناً (فيما) أي في أداء الحديث الذي (يشك) بالبناء للفاعل، أي يرتاب فيه الرواي، أو للمفعول وقوله: (سماعه) مفعول به على الأول، ونائب فاعل على الثاني، أي سماع شيخه من شيخه. وحاصل المعنى: أنه إذا شك الراوي في سماع شيخه من شيخه مع تحقق إجازته له فقد استحسن المتأخرون استعمال عن وأن (و) جودوا أيضاً (في) أداء (المجاز) بالضم اسم مفعول من أجاز أي الحديث المجاز به. يعني: أنهم استحسنوا أيضاً استعمال عن وأن في أداء ما سمعه من شيخه الراوي ذلك الشيخ عن شيخه بالإجازة فيقول فيمن سمع شيخاً بإجازته عن شيخ: قرأت على فلان عن فلان وقوله: (مشترك) بصيغة اسم المفعول، خبر لمحذوف أي ما ذكر مِنْ عَنْ وأن مشترك بين السماع والإجازة صادق عليهما. فوائد: الأولى: مسألة استعمال عن وأن قد تقدم في المعنعن وتقدم هناك أن استعمالهما في الإجازة للمشارقة، وأما المغاربة فيستعملونهما معاً، فَما هُناك بيان لاصطلاح المشارقة، وما هنا بيان لاصطلاح المغاربة. وأيضاً ما تقدم لبيان أنه لا يخرج عن حكم الاتصال، وإعادته هنا لما فيه من الزيادة، وليكون منضماً لما يشبهه من الاصطلاح الخاص. الثائية: قال ابن مالك ومعنى " عن " في رويت عن فلان أنباتك عن فلان المجاوزة لأن المروي والمنبأ به مجاوز لمن أخذ عنه أهـ. الثالثة: أن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة والمناولة لا يزول بإباحة المجيز ذلك، كما اعتاده قوم من المشايخ في إِجازتهم لمن

يجيزون إن شاء قال: حدثنا وإن شاء قال: أخبرنا لأن إباحة الشيخ لا يُغَيَّرُ بها الممنوع في المصطلح. ثم ذكر النوع الخامس من أنواع التحمل، وهو الكتابة. فقال: 418 - خَامِسُهَا: كِتَابَةُ الشَّيْخِ لِمَنْ ... يَغِيبُ أَوْ يَحْضُرُ أَوْ يَأْذَنُ أَنْ 419 - يَكْتُبَ عَنْهُ، فَمَتَى أَجَازَا ... فَهِيَ كَمَنْ نَاوَلَ حَيْثُ امْتَازَا 420 - أَوْ لا، فَقِيلَ لا تَصِحُّ وَالأَصَحّ ... صِحَّتُهَا، بَلْ وَإِجَازَةً رَجَحْ (خامسها) أي خامس وجوه التحمل مبتدأ خبره قوله: (كتابة الشيخ) بشيء من مرويه، حديثاً فأكثر، أو من تصنيفه، أو نظمه، ويرسله إلى الطالب مع ثقة، مؤتمن، بعد تحريره بنفسه، أو بثقة معتمد، وشَدِّه، وختمه، احتياطاً، ليحصل الأمن من توهم تغيير، وذلك شرط إن لم يكن الحامل مؤتمناً، أفاده السخاوي. (لمن يغيب) أي لشخص يغيب عن مجلس الشيخ (أو يحضر) مجلسه، سواء كانت الكتابة بنفسه، وهو أعلى (أو) غيره بأن (يأذن) له (أن يكتب عنه) بالبناء للمفعول أي يكتب عن الشيخ. يعني: أنه أمر من يكتب عنه لشخص غائب أو حاضر سواء كان لضرورة أم لا؟ وسواء سئل في ذلك أم لا؟. ويبدأ في الكتابة بنفسه اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فيقول: بعد البسملة من فلان ابن فلان، إلى فلان ابن فلان، فإن بدأ باسم المكتوب إليه فقد كرهه غير واحد من السلف، وكان أحمد بن حنبل رحمه الله يستحب إذا كتب الصغير إلى الكبير أن يقدم اسم المكتوب إليه، وأما هو فكان يبتدئ باسم من يكاتبه كبيراً كان أو صغيراً تواضعاً، قاله السخاوي. ثم أشار إلى أنها على نوعين الأول ما اقترن بالإجازة، كما قال: (فمتى أجازا) بألف الإطلاق أي الشيخ بخطه، أو بإذنه بقوله: أجزت لك ما كتبته لك، أو ما كتبت به إليك، أو نحو ذلك من العبارة، فقوله: " متى "

شرطية جوابها. قوله: (فهي كمن ناول) أي الكتابة المقرونة بالإجازة منزلة منزلة من نَاوَلَ كتابَهُ للطالب مع الاقتران بالإجازة كما أشار إليه بقوله: (حيث امتازا) بألف الإطلاق أي تميز هذا الفعل بسبب اقترانه بالإجازة. وحاصل المعنى: أنه إذا اقترنت الكتابة بالإجازة فهي في القوة والصحة كالمناولة المقرونة بالإجازة، وعلى هذا مشى البخاري في صحيحه، إذ سوى بين المناولة والمكاتبة، فقال: " باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان ". ورجح قوم، منهم الخطيب المناولة عليها، لحصول المشافهة فيها بالإذن دون المكاتبة، وهذا وإن كان مرجحاً، فالمكاتبة تترجح أيضاً بكون الكتابة لأجل الطالب. ثم أشار إلى النوع الثاني وهو مجرد الكتابة بقوله: (أولا) أي لم يجز الشيخ بأن جرد الكتابة عن الإجازة (فـ) ـفيه اختلاف بين العلماء على قولين: (قيل) إنها (لا تصح) كالمناولة المجردة، وهو قول أبي الحسن الماوردي، صاحب الحاوي، والسيف الآمدي، وأبي الحسن بن القطان، ولكن هذا القول غلط (والأصح) من القوليين المشهورُ بين أهل الحديث المتقدمين والمتأخرين، مبتدأ خبره قوله: (صحتها) أي الكتابة المجردة عن الإجازة. وحاصل المعنى: أن الكتابة المجردة اختلف فيها فمنع الرواية بها قوم كما ذكرنا. وأجاز كثيرون منهم أيوب السختياني، ومنصور بن المُعْتَمِر، والليث بن سعد، وابن أبي سَبْرَةَ، وغيرهم، وهو الأصح، قال القاضي عياض رحمه الله: لأن في نفس كتابه إليه بخطه، أو إجابته إلى ما طلبه عنه من ذلك، أقوى إذن، متى صح عنده أنه خطه وكتابه. وقد استمر عمل السلف فمن بعدهم من الشيوخ بالحديث بقولهم: كتب إلى فلان قال: حدثنا فلان، وأجمعوا على العمل بمقتضى هذا الحديث وَعَدِّهِ في المسند بغير خلاف في ذلك.

قال البيهقي: وكُتُبُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إلى عمَّالِه بالأحكام شاهدةٌ لقولهم. وبعضهم جعلها أقوى من الإجازة، كما أشار إليه بقوله: (بل وإجازة) بالنصب مفعول (رجح) أي زاد قوة، يقال: رجح الشيء رجوحاً من باب تعد: إذا زاد وزنه، ويستعمل متعدياً أيضاً أفاده في المصباح. قلت: والمناسب هنا الثاني لتعديه إلى إجازة، يعني: أن الكتابة المجردة عن الإجازة تكون أقوى من الإجازة بغير كتابة عند بعضهم، وهو أبو المظفر السمعاني. قال السخاوى: وإلى ذلك صار جماعة من الأصوليين منهم إمام الحرمين، وكأنه لِمَا فيها من التشخيص والمشاهدة للمروي من أول وهلة، وإن توقف بعض المتأخرين في ذلك لاستلزامه تقديم الكتابة على التصريح. ثم إنه لا تشترط البينة على أنه كتابه، بل يكفي معرفة المكتوب إليه أنه خطه، كما أشار إليه بقوله: 421 - وَيَكْتَفِي الْمَكْتُوبُ أَنْ يَعْرِفَ خَطّ ... كَاتِبِهِ، وَشَاهِدًا بَعْضٌ شَرَطْ (ويكتفي المكتوب) إليه في الرواية بالكتابة (أن يعرف) بنفسه قال السخاوي: وكذا فيما يظهر بإخبار ثقة معتمد (خط كاتبه) بالنصب على المفعولية، (أن) وصلتها منصوب بنزع الخافض قياساً، أي يكتفي المكتوب إليه بمعرفة خط الكاتب وإن لم تقم بينة على ذلك، وهذا هو القول الراجح، واشترط بعضهم ذلك كما قال (وشاهداً) مفعول مقدم لشرط أي قيام بينة تشهد على ذلك الخط بالرؤية أو الإقرار (بعض) من العلماء مبتدأ خبره قوله (شرط) يعني أن بعض العلماء شرط وجود بينة على ذلك الخط، لأن الخط يشبه الخط بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر، ومنهم الغزالي. قال ابن الصلاح: إنه غير مرضي لندرة ذلك اللبس، فإن الظاهر أن

خط الإنسان لا يشتبه بغيره، والحكم للأغلب، وحاصله: أنه إن حصل الظن بأنه فلان جاز العمل، وإن شك فلا. اهـ مع اختصار. وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث كتبه إلى عماله فيعملون بها اعتماداً على معرفتها. ثم ذكر صيغ الأداء في هذا النوع فقال: 422 - ثُمَّ لِيَقُلْ " حَدَّثَنِي، أَخْبَرَنِي ... كِتَابَةً " وَالْمُطْلِقِينَ وَهِّنِ (ثم) إذاً صححنا التحمل بالكتابة، وأراد المتحمل الأداء بها، فلا بد من تقييدها (فليقل) المكتوب إليه عند الأداء (حدثني) فلان أو (أخبرني) فلان (كتابة) أو مكاتبة، أو كتب إلى فلان قال: حدثنا فلان بكذا (والمطلقين) أي المستعملين لحدثني وأخبرني على سبيل الإطلاق من دون تقييد بالكتابة مفعول مقدم لقوله (وَهِّن) أمر من التوهين، أي احكم بضعف عملهم هذا. وحاصل المعنى: أنهم اختلفوا في تقييد حدثني وأخبرني على أقوال: الأول: للجمهور وهو وجوب التقييد، وهو اللائق بمذهب أهل التحري في الرواية، والورع، والنزاهة. قال الحاكم. الذي أخْتارُهُ وعَهِدت عليه أكثر مشايخي، وأئمة عصري أن يقولوا فيما كتب إليه المحدث من حديثه، ولم يشافهه بالإجازة كتب إليَّ فلان، وكذا قال الخطيب: كان جماعة من أئمة السلف يفعلونه. الثاني: جواز الإطلاق، وهو مذهب الليث بن سعد، ومنصور بن المعتمر، وغير واحد من العلماء. الثالث: جواز إطلاق أخبرنا دون حدثنا، وهو مذهب أبي سليمان الجُوزَقَاني، كما ذكره البيهقي في المدخل.

ثم ذكر القسم السادس من أنواع التحمل، وهو الإعلام فقال: 423 - السَّادِسُ: الإِعْلامُ، نَحْوُ " هَذَا ... رِوَايَتِي " مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ حَاذَا 424 - فَصَحَّحُوا إِلْغَاءَهُ، وَقِيلَ: لا، ... وَأَنَّهُ يَرْوِي وَلَوْ قَدْ حَظَلا (السادس الإعلام) مبتدأ وخبر. يعني: أن سادس أنواع التحمل هو النوع المسمى بالإعلام، وإنما أُخِّر مع كونه صريحاً عن الكتابة التي هي الإعلام كناية، لما فيها من التصريح بالإذن في أحد نوعيها، ثم عرفه بالمثال، فقال: وذلك (نحو) قوله (هذا) الحديث (روايتي) عن فلان حال كونه (من غير إذن) للطالب، وجملة قوله (حاذا) أي قارن صفة لإذن، يقال: حاذيته محاذاة، وحِذَاءً، إذ وازَيْتَهُ، أي من غير إذن مقارن للإعلام. وحاصل المعنى: أن سادس وجوه التحمل الإعلام، وهو أن يُعلِمَ الشيخُ الطالب بشيء من مرويه، نحو قوله: هذا الحديث أرويه من فلان، ولكن ما قارنَ إِعلامَهُ الإذن في روايته، فلم يقل: اروه عني، أو نحو ذلك. ثم ذكر اختلاف العلماء في حكمه، فقال: (فصححوا) أي طائفة من المحدثين وغيرهم (إلغاءه) أي إبطال الإعلام المذكور. يعني: أن بعض العلماء صححوا بطلان الإعلام المجرد، فلا تجوز الرواية به، وبه قطع الغزالي، لأنه قد لا يُجَوِّزُ روايتَهُ مع كونه سمعه، لخلل يعرفه فيه. (وقيل لا) أي قال كثيرون، منهم ابن جريجٍ، وعبيد الله العمري، وأصحابه المدنيون، وطوائف من المحدثين والفقهاء والأصوليين، والظاهريين، لا يُلْغَى بل تجوز الرواية بها والحجةُ فيه القياس على الشهادة فيما إذا سمع المقرَّ بشيء وإن لم يأذن له، وقال عياض: اعترافه له به، وتصحيحه أنه من روايته، كتحديثه له بلفظه، أو قراءته عليه، وإن لم يجزه. وزاد بعضهم على هذا، فقال: لو منعه من الرواية لا يضره ذلك،

وإليه أشار بقوله: (وإنه) بكسر إِنَّ، أي الطالب الذي وقع له الإعلام المجرد (يروي) ذلك الحديث (ولو قد حظلا) بالبناء للفاعل، أي منعه الشيخ من الرواية، أو المفعول، والألف إطلاقية فيهما، أي منع منها يعني: أنه يجوز له أن يروي بهذا الإعلام من دون إجازة، بل ولو منعه. قال القاضي عياض: هذا صحيح لا يقتضي النظر سواه، لأن منعه لا لعلة ولا ريبة في الحديث لا يؤثر، لأنه قد حدثه فهو شيء لا يرجع فيه. ثم ذكر السابع، والثامن من أنواع وجوه التحمل، وهما الوصية، والوجادة، فقال: 425 - وَالْخُلْفُ يَجْرِي فِي وَصِيَّةٍ وَفِي ... وِجَادَةٍ، وَالْمَنْعُ فِيهِمَا قُفِي 426 - وَفِي الثَّلاثَةِ إِذَا صَحَّ الْسَّنَدْ: ... نَرَى وُجُوبَ عَمَلٍ فِي الْمُعْتَمَدْ (والخلف) أي الاختلاف المذكور في الإعلام المجرد عن الإذن، فأل للعهد الذكريِّ وهو مبتدأ، خبره جملة (يجري) أي يوجد، ويأتي (في وصية) أي وصية الشيخ عند موته، أو سفره لشخص بكتاب يرويه ذلك الشيخ مقتصراً عليها دون إجازة. يعني: أن العلماء اختلفوا في هذه الوصية المجردة عن الإجازة، فجَوَّز الروايةَ بها كثير من المتقدمين، وعَلَّلَها القاضي عياض بأن في دفعها له نوعاً من الإذن، وشبهاً من العرض والمناولة. وذهب النووي وابن الصلاح: إلى عدم جواز الرواية بها، وتخطئة مَن قال بالجواز، وقال السخاوي: البطلان هو الحق المتعين، لأن الوصية لَيسَت بتحديث لا إجمالاً ولا تفصيلاً، ولا تتضمن الإعلام، لا صريحاً، ولا كناية. (و) يجري الخلاف أيضاً (في وِجَادَةٍ) بالكسر: مصدرٌ مُوَلَّد لوَجَدَ يَجِدُ. قال المُعَافَى بنُ زَكَرِياء النَّهْرواني: إنهم فَرَّعوا قولَهم وجادة، فيما

أُخِذَ من العلم من صحيفة من غير سماع، ولا إجازة، ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة اهـ. وقد بيّن ابن الصلاح والعراقي المصادرَ المختلفةَ هنا، ونقلته بتمامه في الشرح الكبير. والوجادة أن يقف الشخص على أحاديث بخطِّ راويها غيرِ المعاصر له، أو المعاصر ولم يسمع منه، أو سمع منه، ولكن لا يروى تلك عنه بسماع ولا إجازة. واختلف فيها أيضاً إلا أن الخلاف فيها ضعيف جداً (والمنع) أي منع الرواية، مبتدأ خبره جملة " قفي " (فيهما) أي الوصية والوجادة، متعلق بقوله (قفي) بالبناء للمفعول أي اتُّبعَ لأنه الأصح. هذا في الرواية، وأما العمل بها فقد أشار إليه بقوله (وفي) هذه الأنواع (الثلاثة)، أي الإعلام، والوصية، والوجادة، متعلق بنَرَى (إذا صح السَّند) في كل منها (نرى) بالنون، أي نعتقد أيها المحدثون (وجوب عمل) مفعول به لنرى، يعني أنه يجب العمل بها وإن لم تجز روايتها بطريقتها، وهذا (في) القول (المعتمد) عليه، لأن العمل يكفي فيه صحته في نفسه. وحاصل المعنى: أنه إذا صح السَّند في هذه الثلاثة وجب العمل بها على القول الراجح، أما العمل بالإعلام فقد ادعى عياض الاتفاق عليه، قاله في التدريب. وأما العمل بالوصية فقال ابن أبي الدم: الوصية أرفع رتبة من الوجادة بلا خلاف وهي معمول بها عند الشافعي وغيره فهذا أولى. وأما العمل بالوجادة فرُوِيَ عن الشافعي، ونُظَّار أصحابه جوازه، وقطع بعض المحققين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة بها، قال النووي: وهو الصَّحِيح الذي لا يتجه في هذه الأزمان غيره اهـ. وخالف في ذلك بعضهم، ونقل عن معظم المحدثين، والفقهاء المالكيين، وغيرهم، فقالوا: لا يجوز العمل بها. وقد استَدَلَّ للعمل بالوجادة الحافظُ ابن كثير بحديث: " أيُّ الخلق

أعجب إليكم إيماناً؟ " الحديث (¬1)، وفيه، قال: " قوم يأتون بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بها " قال البلقيني: وهو استنباط حسن. ثم ذكر كيفيَّة الأداء في الوجادة فقال: 427 - يُقَالُ فِي وِجَادَةٍ: " وَجَدْتُّ ... بِخَطِّهِ " وِإِنْ تَخَِلْ: " ظَنَنْتُ " 428 - فِي غَيْرِ خَطٍّ: " قَالَ " مَا لَمْ تَرْتَبِ ... فِي نُسْخَةٍ تَحَرَّ فِيهِ تُصَبِ 429 - وَكُلُّهُ مُنْقَطِعٌ وَمَنْ أَتَى ... بِـ " عَنْ " يُدَلِّسْ أَوْبِـ " أَخْبَرْ " رُدَّتَا (يقال في) أداء ما استفاده بـ (وجادة) بالكسر (وجدت)، أو قرأت (بخطه) أي فلان، أو كتابِهِ بخطه، حدثنا فلان، ويسوق الإسناد، والمتن، أو قرأت بخط فلان عن فلان، قال النووي: هذا الذي استمر عليه العمل قديماً وحديثاً، قال الناظم: وفي مسند أحمد كثير من ذلك من رواية ابنه عنه بالوجادة. هذا إذا وَثِقَ بأنه خطه، وإلا فأشار إليه بقوله: (وإن تَخِل) بفتح الخاء وكسرها، أي تظن، يقال: خال الرجل الشيءَ يَخَاله، من باب نال، إذا ظنه، وخاله يَخِيله، من باب باع: لغة، وفي المضارع للمتكلم إخال بكسر الهمزة على غير قياس، وهو أكثر استعمالًا، وبنو أسد يفتحون على القياس، أفاده الفيومي. أي إذا شككت في كونه خطه فقل: (ظننت) أنه خطه. يعني: أنه إذا لم يثق بكونه خطه فلا يجزم بل يقول: ظننت أنه خطه أو وجدت بخطٍّ قيل: إنه خط فلان، أو قال لي فلان إنه خط فلان، أو ذكر كاتبه أنه فلان ابن فلان ونحو ذلك من العبارات المفصحة بالْمُسَتَنَدِ في كونه خطه. هذا كله في الخط، وأما غيره: فأشار إليه بقوله: (في غير خط) خبر مقدم لقوله: (قال) لقصد لفظه، أي لفظ قال: مستعمل في غير الخط، أو ¬

_ (¬1) والحديث صححه السخاوي في فتح المغيث جـ 3 ص: 28 وضعفه الألباني في السلسلة الضَّعِيفة جـ 2 ص 102.

الجار متعلق بقل محذوفاً، وقال: مقول القول، أي قل: قال فلان فى غير الخط. وحاصل المعنى: أنك إذا وجدت حديثاً في مصنف لبعضِ مَنْ عاصرتَهُ، أو لا، فقل: قال فلان كذا، ونحوَه من ألفاظ الجزم، إذا جزمت بصحة النسخة، بأن قابلها المصنف، أو ثقة غيره بالأصل، أو بفرع مقابل به، كما يأتي في محله، إن شاء الله تعالى، وأما إذا لم تثق به فلا تجزم، كما أشار إليها بقوله: (ما) مصدرية ظرفية (لم ترتب) أي تشك (في نسخة) لذلك الكتاب، فقوله: " ما لم ترتب " خبر لمحذوف، أي محل ما ذكر ما لم ترتب إلخ. فأما إذا آرتبت فيها فـ (تحرفيه) أي اطلب الأحْرَى، أي الصواب في أداء ما ارتبت فيه. يقال: تحريت في الأمرين إذا طلبت أحراهما، أي أوْلاهما كما أفاده الفيومي. وذلك بأن تقول: بلغني عن فلان أنه ذكر كذا، أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبهها من العبارات التي لا تقتضي الجزم. قال ابن الصلاح: فإن كان المطالع عالماً فطناً بحيث لا يخفي عليه في الغالب مواضع الإسقاط، والسقط، أو ما أحيل عن جهته من غيرها، رَجَوْنا بأن يجوز له إطلاق اللفظ الجازم فيما يحكيه من ذلك، قال: وإلى هذا فيما أحسب استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب النَّاس، مع تسامح كثيرين في هذه الأزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر، ولا تثبت، فيطالع أحدهم كتاباً منسوباً إلى مصنف معين، وينقل عنه من غير أن يثق بصحة النسخة، قائلاً: قال فلان كذا، ونحو ذلك والصواب ما تقدم اهـ. وقال السخاوي: ويلتحق بذلك ما يوجد بحواشي الكتب من الفوائد، والتقييدات، ونحو ذلك، فإن كانت بخط معروف فلا بأس بنقلها، وعزوها إلى من هي له، وإلا فلا يجوز اعتمادها، إلا لعالم متقن، وربما تكون

تلك الحواشي بخط شخص وليست له، أو بعضها له، وبعضها لغيره، فَيَشْتَبِهُ ذلك على ناقله بحيث يعزو الكل لواحد اهـ. ثم إِنَّ المروي بالوجادة المجردة منقطع سواء، وثقت بكونه خطه، أم لا؟ وإليه أشار بقوله: (وكله منقطع) مبتدأ وخبر، أي كل ما روي بالوجادة، سواء وثق بكونه خطه أم لا من باب المنقطع والمرسل، قال بعضهم: عَدُّه من التعليق أولى من المنقطع والمرسل اهـ. لكن الأول، أعني الذي وثق بأنه خطه فيه شوب اتصال لزيادة القوة بالوثوق بالخط. ولما تساهَلَ جماعةٌ في إيراد ذلك بعن ونحوها، أشار إليه بقوله: (ومن) شرطية (أتى) في ذلك متساهلًا (بـ) ـصيغة (عن) أو نحوها، كقال، مكان وجدتُّ، وقوله: (يدلس) جوابُ مَنْ، مجزوم وإن كان الأحسن رفعَهُ لكون فعل الشرط ماضياً، يعني: أن من أدى ما وجده بخط شخص بصيغة عن، ونحوها فهو مدلس تدليساً قبيحاً، إذا كان بحيث يوهم سماعه منه، (أو) أتى مجازفاً (بأخبر) بسكون الراء للإدغام الكبير في راء ردتا، أي بقوله: أخبرنا فلان، لِمَا وجده بخطه، ومثله حدثنا، وقوله: (رُدَّتَا) بالبناء للمفعول، وتاء التأنيث المتحركة لِلرَّوِيّ، والألف للإطلاق، أي ترد روايته، وقال المحقق ابن شاكرٍ: " تا " اسم إشارة، وعليه، فقوله: رُدَّ فعل أمر، واسم الإشارة مفعوله، والأول أوضح، وقوله: أو بأخبر عطف على قوله: بعن، وقوله: ردت: عطف على يدلس، وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين، وفيه الخلاف المشهور. وحاصل المعنى: أنه تساهل قوم فأتوا بلفظة قال، ونحوها مكان الوجادة، وهو تدليس قبيح إذا كان يوهم سماعه بأن تعاصرا. وذكر السخاوي من هذا النوع بهز بن حكيم، والحسن البصري، والحكم، وأبا سفيان طلحة بن نافع، وغيرهم، وجازف قوم فقالوا: أخبرنا فلان، وحدثنا فلان في الوجادة أيضاً، فردت روايتهم.

قال القاضي عياض: لا أعلم من يقتدي به أجاز النقل فيه بذلك ولا من عَدَّهُ مَعَدَّ المسند اهـ. ثم إن بعض العلماء اعترض على مسلم صاحب الصَّحِيح، حيث وُجِدَ في كتابه بعض الأحاديث بالوجادة، فأشار الناظم إليه والجوابِ عنه فقال: 430 - فَإِنْ يَقُلْ: فَمُسْلِمٌ فِيهِ تُرَى ... وِجَادَةً، فَقُلْ: أَتَى مَنْ آخَرَا (فإن يقل) بالبناء للمفعول، أي قال معترض: (فَمُسْلِمٌ) الإمام صاحب الصَّحِيح، مبتدأ على حذف مضاف أي صحيح مسلم، خبره قوله: (فيه ترى) بالبناء للمفعول، وقوله: (وِجَادَةً) نائب فاعله، ويحتمل أن يكون ترى بالبناء للفاعل أي ترى أيها المخاطب، ووجادة بالنصب مفعوله، (فقل) أيها المحدث مجيباً عن هذا الاعتراض (أتى) ذلك الحديث الذي قال فيه: وجدتُّ (من) طريق (آخَرَا) بألف الإطلاق، أي رُوي موصولاً إلي من نسب أنه وجد روايته في كتابه. وحاصل معنى البيت: أنه انتُقِدَ على صحيح مسلم بعضُ الأحاديث التي رويت بالوجادة لأن حكم الوجادة منقطع لأنها ليست من الرواية، فأجاب الناظم تبعاً للرشيد العطار: بأن مسلماً رواها من طرق أخرى، موصولة إلى من ذكر أنه وجد روايتهم فزال الإشكال، وأجاب الناظم أيضاً بجواب آخر، وهو أن الوجادة المنقطعة أن يجد في كتاب شيخه، لا في كتاب نفسه عن شيخه. وارتضى المحقق ابن شاكرٍ هذا الثاني، قال: لأن الراوي إذا وجد في كتاب نفسه حديثاً عن شيخه، كان على ثقة من أنه أخذه عنه، وقد تخونه ذاكرته، فينسى أنه سمعه منه، فيحتاط تورعاً، ويذكر أنه وجده فى كتابه، كما فعل أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله اهـ. (تَتِمَّة): زيادات الناظم في هذا الباب: قوله: " لنا ذكر "، وقوله:

" وبعضهم " قال: سمعت إلخ، وقوله: " أو أسرع القارئ "، وقوله: " وعليه العمل "، وقوله: " وقيل: أفضل من السماع والتساوي نقلاً "، وقوله: " وأنها دون السماع " إلخ، وقوله: " ونحو ذا "، وقوله: " فيهمله " إلى آخر البيت الذي بعده، وقوله: " وآخرون فضلوها "، وقوله: " وإِن يناول " البيت، وقوله: " في الاقتراح " البيت، وقوله: " فإن يقل فمسلم " البيت. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك. تَمَّ الجزء الأول من كتاب " إسعاف ذوي الوطر في شرح ألفية الأثر " ويليه الجزء الثاني، وأوله " كتاب الحديث وضبطه ".

كتابة الحديث وضبطه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتابةُ الحديثِ وضبْطُهُ أي هذا مبحثُ كتابة الحديث وضبطه بالشكل، ونحوه، وما أُلحقَ بذلك من الخط الدقيق، والرمز، والدَّارَة، وغير ذلك. وهو النوع التاسع والثلاثون من أنواع علوم الحديث، والمناسبة بينه وبين الباب السابق واضحة، لأن من تحمل الحديث بنوع من الأنواع السابقة يحتاج إلى كتابته، وضبطه، فيناسب ذكره بعده. 431 - كِتَابَةُ الْحَدِيثِ فِيهِ اخْتُلِفَا ... ثُمَّ الْجَوَازُ بَعْدُ إِجْمَاعًا وَفَى 432 - مُسْتَنَدُ الْمَنْعِ حَدِيثُ مُسْلِمِ: ... " لا تَكْتُبُوا عَنِّيَ " فَالْخُلْفُ نُمِي 433 - فَبَعْضُهُمْ أَعَلَّهُ بِالْوَقْفِ ... وَآخَرُونَ عَلَّلُوا بِالْخَوْفِ 434 - مِنِ اخْتِلاطٍ بِالْقُرَانِ فَانْتَسَخْ ... لأَمْنِهِ، وَقِيلَ: ذَا لِمَنْ نَسَخْ 435 - الكُلَّ فِي صَحِيفَةٍ، وَقِيلَ: بَلْ ... لآمِنٍ نِسْيَانَهُ، لا ذِي خَلَلْ (كتابة الحديث) مبتدأ خبره جملة قوله (فيه اختلفا) بالبناء للمفعول، والألف للإطلاق، والمعنى: أن كتابة الحديث والعلم اختلف فيه العلماء من السلف: الصحابة، والتابعين، عَمَلاً وتركاً. فكرهها للتحريم غير واحد، فمن الصحابة: ابن عمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابث، وأبو موسى الأشعري، وأبو سعيد الخدري، ومن التابعين: الشعبي، والنخعي، بل أمروا بحفظه عنهم كما حفظوه حفظاً.

وأجازها بالقول، أو بالفعل غير واحد من الفريقين، فمن الصحابة: عمر، وعلي، وابنه الحسن، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وجابر، وابن عباس، وكذا ابن عمر أيضاً في قول، ومن التابعين: قتادة، وعمر بن عبد العزيز بل حكاه عياض عن أكثر الفريقين. وقال غير واحد منهما كما صح: " قيدوا العلم بالكتاب " بل روى رفعه، ولا يصح. وقال أنس: كَتْبُ العلمِ فريضة. قاله السخاوي. وقال البلقيني: وفي المسألة مذهب ثالث، وهو الكتابة والمَحْوُ بعد الحفظ اهـ. (ثم) بعد هذا الخلاف كُلّهِ (الجوازُ) للكتابة (بعد) أي بعد الخلاف المذكور بين الصحابة والتابعين (إجماعاً) حال من الجواز، أي حال كونه مجمعاً عليه، وقوله: (وفي) فعل ماض، أي تَمَّ، يقال: وَفَى الشيءُ يفي: إذا تم، فهو وَافٍ فقوله: الجواز مبتدأ، خبره جملة وَفَى. والظرف متعلق بوفى. وحاصل المعنى: أن الخلاف المذكور زال، فصار في المتأخرين جواز الكتابة أمراً مجمعاً عليه. قال ابن الصلاح: ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الأخيرة. ثم ذكر مستندَ المانِعِين بقوله (مستند المنع) أي الدليلُ الذي اعتمد عليه المانعون من كتابة الحديث، مبتدأ خبره قوله (حديث مسلم) أي الحديث الذي أخرجه مسلم بسنده في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تكتبوا عني) بفتح الياء للوزن، وإن كان لغة في النثر أيضاً، إلا أن الغالب السكون، وتمام الحديث " شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه " وفي رواية " أنه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كَتْبِ الحديث فلم يأذن له ".

وأما مستند الإباحة فكثير. منه: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " اكتبوا لأبي شاهٍ " متفق عليه، يعني به خطبة حجة الوداع. ومنه: حديث: " ايتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً " الحديث رواه البخاري. ومنه: ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: " كنت أكتب كل شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وذكر الحديث، وفيه: أنه ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: " اكتب " وفي لفظه: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكتب ما أسمعه منك في الغضب والرضا؟ فقال: " نعم، فإني لا أقول إلا حقاً " وكانت تسمى صحيفتة تلك الصادقةَ، رواه ابن سعد وغيره، كما ذكره الصنعاني وغير ذلك من الدلائل الواضحة الكثيرة. ولما كان بين حديث مسلم والأحاديث الدالة على الإباحة تعارض احتاج العلماء إلى التوفيق بينهما، فاختلفوا فيه، كما أشار إلى ذلك بقوله (فالخلف) بالضم، أي الاختلاف بين العلماء في هذا الحديث لمعارضته الأحاديثَ الدالةَ على الجواز كالأحاديث المذكورة، فالخلف مبتدأ خبره جملة قوله (نمى) بالبناء للمفعول، أي نسب إليهم. يعني أنهم اختلفوا في التوفيق: (فبعضهم) أي بعض المختلفين (أعلَّه) أي حديثَ مسلم الدال على المنع (بالوقف) أي بأنه موقوف على أبي سعيد، يعني: أن بعض العلماء حكموا بأن لحديث أبي سعيد علةً، وهي كونه موقوفاً على أبي سعيد، وبه جزم البخاري وغيره. (وآخرون) من المختلفين أيضاً (عللوا بالخوف) أي جعلوا علة النهي عن الكتابة في حديث أبىِ سعيد الخوفَ (من اختلاط بالقران) بتخفيف الهمزة بنقل حركتها إلى ما قبلها، وهو جائز في النثر وبه قرئ في السبعة، يعني أنهم جعلوا علة النهي لأجل خوف اختلاط الحديث بالقرآن، وهذا يدل على أن النهي كان في حين نزول القرآن، فلما انقطع نزوله نسخ.

كما قال (فانتسخ) أي صار النهي منسوخاً (لأمنه) أي أمن الاختلاط المذكور. وحاصل المعنى: أن سبب النهي كان خوفَ اختلاط القرآن بغيره، فلما زالت العلة بسبب انقطاع نزول القرآن صار منسوخاً، لزوال الموجب (وقيل ذا) أي نهي الكتابة (لمن نسخ الكل) بالنصب على المفعولية أي كتب القرآن والحديث معاً (في صحيفة) واحدة، فإنهم كانوا يسمعون تأويل الآية فربما كتبوه معها فنهوا عن ذلك لخوف الاشتباه. قال الحافظ: ولعل من ذلك: ما قُرِئ شاذًّا في قوله: " ما لبثوا " حولًا " في العذاب المهين " اهـ. وحاصل المعنى أن النهي المذكور مختص بمن جمع القرآن وغيره في صحيفة واحدة، وأما غيره فلا للأحاديث الدالة على وجود الكتابة منه - صلى الله عليه وسلم - ومن الصحابة بأمره. (وقيل بل) النهي عن الكتابة كائن (لآمن نسيانه) بالنصب على المفعولية لآمن، أي لشخص يَأمَنْ النسيانَ، (لا) (لذي خلل) أي صاحب نقص في حفظه. وحاصل المعنى: أن النهي لمن أمِنَ من النسيان بعد الحفظ، ووثق بحفظه، وخيف اتكاله عَلى الخط، إذا كتب، والإذنَ لمن خيف نسيانه، فيكون النهي مخصوصاً. والحاصل: أن الذي استقر عليه الإجماع بعدَ الاختلافِ هو الاستحباب، وقال الحافظ: لا يبعد وجوبه على من خَشِي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم. وقال الذهبي: إنه يتعين في المائة الثالثة، وهلم جَرًّا ويتحتم. اهـ. ولكن لا ينبغي الاقتصارعليه حتى لا يصير له تصور، ولا يَحفَظُ شيئًا، فقد قال الخليل من الرجز: لَيْسَ بِعِلْم مَا حَوَى الْقِمَطْرُ ... مَا الْعِلْمُ إِلَّا مَا حَوَاهُ الصَّدْرُ

وقال آخر من البسيط: اسْتَوْدَعَ الْعِلْمَ قِرْطَاساً فَضَيعَهُ .. وَبِئْسَ مُسْتَوْدَعُ الْعِلْمِ الْقَرَاطِيسُ ثم ذكر مسألة العناية بكتابة الحديث، فقال: 436 - ثُمَّ عَلَى كَاتِبِهِ صَرْفُ الْهِمَمْ ... لِلضَّبْطِ بِالنَّقْطِ وَشَكْلِ مَا عَجَمْ 437 - وَقِيلَ: شَكْلُ كُلِّهِ لِذِي ابْتِدَا ... وَفِي سُمًى مَحَلِّ لَبْسٍ أُكِّدَا (ثم) بعد أن عرفنا رفع الخلاف السابق. واستقرارَ الإجماع اللاحق، على جواز الكتابة يتأكد (على كاتبه) أي الحديث (صرف) أي رد (الهمم)، جمع هِمَّة بالكسر: أولُ العزم. وقد تطلق على العزم القوي، فيقال: له همة عالية. أفاده الفيومي. قلت: والمعنى الثاني هو المقصود هنا. يعني: أنه يتأكد على كاتب الحديث رد همته القوية. ثم ظاهر عبارته يفيد الوجوب، وهو الذي تفيده عبارة ابن خَلَّاد وعياض، وصرح به الماوردي، لكن في حق من يحفظ العلم بالخط، ويحتمل أن يكون على سبيل الاستحباب المتأكد، أفاده السخاوي. (للضبط) متعلق بصرف، أي ضبطِ ما يُحَصِّلُهُ بخطه، أو بخط غيره من مرويه وغيره من كتب العلوم النافعة، ضبطاً يُؤمَن معه اللبس (بالنقط) متعلق بالضبط، يعني أن ذلك الضبط يكون بنقط الحروف، وهو مصدر نَقَطْتُ الكتاب من باب قتل، والنُّقْطة بالضم اسم للفعل، والجمع نقَطُ مثل غرفة وغُرَف، والنقطة بالفتح المرة أفاده الفيومي. وفي " ق " وشرحه نَقَطَ الحرف وَنَقَّطَهُ تنقيطاً، أي بالتخفيف، والتشديد: أعجمه، والاسم النُّقطة بالضم، وهو رأس الخط. والمعنى: أنه يضبط الحرف الذي يستعجم، أي يستبهم بإغفاله بحيث يصير فيه عجمة، فيزيل ذلك بإعجامه، فيميز الخاء المعجمة عن الحاء المهملة، والذال المعجمة عن الدال المهملة، كحديث: " عليكم بمثل حصى الخذف " فيعجم كلا من الخاء والذال بالنقط، وكالنقيع بالنون،

والبقيع بالباء، وما أشبه ذلك، وإن لم يتقيد بذلك كثير من المتقدمين اتكالًا على حفظهم. فعن الثَّوري: الخطوطُ المعجمة كالبرود المعْلَمَة. وقال بعض الأدباء: رُبَّ علم لم تُعجَم فصوله، استعجم محصوله. وعن الأوزاعي، عن ثابت بن معبد: نورُ الكتاب الِإعْجَامُ. (و) يضبطه أيضاً بـ (ـشكل) أي وضع حركات (ما) أي الحرف الذي (عَجَمَ) أي استبهم، يقال: شكلت الكتاب شكلاً، من باب قتل: أعلمته بعلامات الإعراب. يعني: الفتحةَ والضمةَ والكسرةَ والسكون، وأشكلته بالألف لغة، أفاده الفيومي. قال ابن الصلاح: إعجام المكتوب يمنع من استعجامه، وشكله يمنع من إشكاله. قال: وكثيراً ما يعتمد الواثق على ذهنه وذلك وخيم العاقبة فإن الإنسان معرض للنسيان، وأول ناس أول النَّاس اهـ. ثم إن ما ذكر من الشكل للمشكل فقط، فقد نُقِلَ أن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملتبس إذ لا يحتاج إليهما في غيره، وقيل: ينبغي شكل الكل للمبتدئ، وإليه أشار بقوله: (وقيل شكل كله) مبتدأ خبره قوله: (لذي ابتدا) أي شكل المشكل وغيرِهِ مستحسن للمبتدئ، وفي نسخة الشارح يُشْكَلْ بصيغة المضارع فتسكن لامه للوزن. وحاصل المعنى: أنه يستحسن شكل الكل للمبتدئ، غير المتبحر في العلم، قال القاضي عياض: وهو الصواب لأنه لا يميز ما يشكل مما لا يشكل، ولا صوابَ وجه إعراب الكلمة من خطئه اهـ. وقال العراقي: وربما ظن أن الشيء غير مشكل لوضوحه وهو في الحقيقة محل نظر يحتاج إلى الضبط، وقد وقع بين العلماء خلاف في مسائل مرتبةٍ على إعراب الحديث كحديث: " ذكاة الجنين ذكاة أمه " فاستدل به الجمهور على أنه لا تجب ذكاة الجنين بناء على رفع ذكاة أمه، ورجح

الحنفية النصب على التشبيه أي يذكي مثل ذكاة أمه اهـ. كما نقله في التدريب. (وفي سمى) متعلق بأُكِّدا، وهو لغة في الاسم، لأن فيها ثماني عشرة لغة جمعها ابن مالك في بيت بقوله: سِمٌ سُمَة وَاسمٌ سُمَاةُ كَذَا سُمى ... سُمَاءٌ بِتَثْلِيثٍ لِأوَّلِ كُلِّهَا (محل لبس) بالجر صفة لسمى، أي موضع التباس على قارئه (أُكِّدا) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق، أي أكد شكل ما يلتبس من الأسماء. وحاصل المعنى: أن العلماء من المحدثين وغيرهم أكدوا في ضبط ما يلتبس من الأسماء، لا سيما الأسماء الأعجمية، والقبائل الغريبة، لقلة التمييز فيها، بخلاف الإعراب، ولذا قال بعضهم: إنها أوْلَى الأشياء بالضبط، لأنها لا يدخلها قياس، ولا قبلها، ولا بعدها شيء يدل عليها، ثم ذكر محل الضبط فقال: 438 - وَاضْبِطْهُ فِي الأَصْلِ وَفِي الْحَوَاشِي ... مُقَطِّعًا حُرُوفَهُ لِلنَّاشِي (واضبطه) أي المشكل من الأسماء، والألفاظ، (في الأصل) أي نفس الكتاب (و) اكتبه أيضاً (في الحواشي) أي هامشِ الكتاب قُبَالَتَه، حسبما جرى عليه رسم جماعة من أهل الضبط، لأن جمعهما أبلغ في الإبانة، والبعد من الالتباس، بخلاف الاقتصار على أولهما فإنه ربما داخله لفظ، أو شكل لغيره مما فوقه، أو تحته، فيحصل الالتباس، لا سيما عند دقة الخط، وضيق الأسطر، قاله ابن الصلاح، تبعاً لعياض. (مقطعاً) اسم فاعل، أو مفعول حال من الفاعل، أو المفعول، (حروفه) مفعول به لمقطعاً، أو نائب فاعله، أي حال كونه مقطعاً حروف ذلك المشكل، أو حال كون حروف ذلك المشكل مقطعة، (للناشي) أي للمبتدئ الذي لا يميز الحروف، أي لأجل أن تظهر وتتضح له، قال في القاموس: الناشئ الغلام والجارية، جاوزا حَدَّ الصغر. اهـ.

وإنما خص المبتدئ، لأنه أشد حاجة إلى البيان من غيره. وحاصل معنى البيت: اضبط أيها المحدث المشكلَ في نفس الكتاب واكتبه أيضاً في الحاشية قبَالته مع تقطيع الحروف، فإن هذا أنفع، وذلك لأنه يظهر شَكلُ الحرف بكتابته مفرداً في بعض الحروف، كالنون، والياء التحتانية، بخلاف ما إذا كتبت مجتمعة، والحرف المذكور في أولها، أو وسطها، أفاده السخاوي. ثم ذكر ما ينبغي أن يتنبه له الكاتب في كتابه وهو تحقيق الخط، فقال: 439 - وَالْخَطَّ حَقِّقْ لا تُعَلِّقْ تَمْشُقِ ... وَلا ـ بِلا مَعْذِرَةٍ ـ تُدَقِّقِ (والخط) مفعول مقدم لقوله (حقق) أمر من التحقيق، يقال: حققت العقدة، إذا أحكمت شدها، أفاده في التاج. والمعنى: أحْكِم خطك أيها المحدث بتبيين حروفه، فلا تخلط ما لا يستحق الخلط، ولا تفرق ما لا يستحق التفريق، كما بينه (¬1) بقوله: (لا تعلق) نهي من التعليق، وهو فيما قيل: خلط الحروف التي ينبغي تفرقتها، وإِذْهابُ أسنان ما ينبغي إقامة أسنانه، وطمس ما ينبغي إظهار بياضه، قاله السخاوي ولا (تمشق) نهي من المشق، يقال: مشقت الكتاب مشقاً من باب قتل: أسرعت في فعله، قاله في المصباح. وقال السخاوي: المشق بفتح أوله وإسكان ثانية، وهو خفة اليد وإرسالُها، مع بعثرة الحروف، وعدم إقامة الأسنان، فأفاد أن بين التعليق والمشق عموماً وخصوصاً وجهياً، يجتمعان في عدم إقامة الأسنان، ويختص التعليق بخلط الحروف وضمها، والمشق ببعثرتها وإيضاحها بدون القانون المألوف. ¬

_ (¬1) فقوله: لا تعلق إلى آخر البيت، توضيح لمعنى حقق.

(ولا بلا معذرة) أي دون عذر متعلق بـ (ـتدقق) أي لا ترقق خطك من غير عذر. وصرح النووي وغيره: بأنه مكروه، أي كراهة تنزيه لأنه لا يَنْتَفِعُ به مَنْ في نظره ضعف، بل ربما يعيش الكاتب نفسه حتى يضعف بصره. وقد قال الإمام أحمدُ لابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل، وقد رآه يكتب خطاً دقيقاً: لا تفعل، فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه، رواه الخطيب في جامعه. وعن أبي حكيمة، قال: كنا نكتب المصاحف بالكوفة، فيمر علينا علي بن أبي طالب فيقوم علينا، فيقول: " أجِلَّ قَلَمَك " قال: فقططت منه، ثم كتبت فقال: " هكذا نوروا ما نور الله " رواه الخطيب أيضاً. واحترز بقوله: بلا معذرة عما إذا كان لعذر كأن لا يكون في الورق سعة، أو كان الكاتب رَحَّالاً يحتاج إلى تدقيق الخط، ليخف عليه حمل كتابه، أو لفقره بأن لا يجد الثمن، أو يجده ولا يجد الورق. ولما بين ضبط الحروف المعجمة، شرع يبين ضبط المهملة فقال: 440 - وَيَنْبَغِي ضَبْطُ الْحُرُوفِ الْمُهْمَلَهْ ... بِنَقْطِهَا أَوْ كَتْبِ حَرْفٍ أَسْفَلَهْ 441 - أَوْ هَمْزَةٍ أَوْ فَوْقَهَا قُلامَهْ ... أَوْ فَتْحَةٍ أَوْ هَمْزَةٍ عَلامَهْ (وينبغي) أي يندب ندباً مؤكداً، لا يحسن تركه، وهي من الأفعال التي لا تتصرف فلا يقال: انبغى، خلافاً لبعضهم، وحكى عن الكسائي أنه سمعه من العرب، أفاده الفيومي. (ضبط الحروف المهملة) كالدال، والراء، والصاد، والطاء، والعين، ونحوها، إلا الحاء، ولم يستثنها كما استثناها العراقي لوضوحها، لأنها لو جعلت تحتها نقطة لالتبست بالجيم، فترك العلامة لها علامة. ثم اختلِفَ في كيفية ضبطها على ستة أقوال: أشار إلى الأول بقوله:

(بنقطها) بما فوق الحروف المعجم المشاكل لها، فيجعل تحت الدال، والراء، والسين، والصاد، والعين: النًّقَطُ التي فوق نظائرها هذا قول بعضهم. وأشار إلى الثاني بقوله (أو) لتنويع الخلاف، أي قال بعضهم: يميزها بـ (كتب حرف) بفتح الكاف وسكون التاء بمعنى كتابة حرف (أسفله) أي تحت الحرف المهمل، بأن يُجعلَ تحته حرفٌ صغير مثله، قال في التدريب: ويتعين ذلك في الحاء المهملة. قال القاضي: وعليه عمل أهل المشرق والأندلس. وأشار إلى الثالث بقوله: (أو) لتنويع الخلاف أيضاً أي قال بعضهم: يميزها بكتابة (همزة) بالجر عطفاً على حرف، أي بكتب همزة أسفله. وأشار إلى الرابع بقوله: (أو) للتنويع أيضاً، أي قال بعضهم: يميزها (فوقها) أي الحروف المهملة المذكورة (قلامة) بالجرٍ عطفاً على المجرور قبله، أي بكتب قلامة، وهو بالضم: ما سقط من الظّفْر كما في المختار، أي بكتابة علامةٍ كقلامةِ الظفر، مثل الهلال مضطجعة على قفاها، لتكون فَرجتها إلى فوق، ولأجل ذلك فقط مُثِّلَت بالقلامة، إذ المُشاهَد في خط كثيرين لا يشابهها من كل وجه، بل هي منجمعة من أسفلها هكذا (7) قاله السخاوي. وأشار إلى الخامس بقوله: (أو) للتنويع أيضاً أي قال بعضهم: يميزها بكتب (فتحة) فوقها، أي خطٍّ صغيرٍ يشبه فتحة، وليس بفتحة حقيقة، ولا يفطن له كثيرون، لكونه خفياً غير شائع، ولذا اشتبه على بعضهم حيث توهمه فتحةً لذلك الحرف، فقرأ رِضوان بفتح الراء، وليست الفتحة إلا علامة الإهمال، وذلك موجود في كثير من الكتب القديمة، قاله ابن الصلاح. وأشار إلى السادس بقوله: (أو همزةٍ) أي قال بعضهم: يميزها بكتب همزة فوقها.

وحاصل معنى البيتين: أنه ينبغي الاعتناء بتمييز الحروف المهملة عن المعجمة بعلاماتٍ ذَكَرَ منها ستة: قيل: بنقطها تحتها بالنقط الذي فوق نظائرها، وقيل: بكتابة حرف صغير مثلها تحتها، وقيل: بكتابة علامة كقلامة الظفر فوقها، وقيل: بكتابة همزة فوقها، وقيل: بكتابة خط صغير كفتحة فوقها، وقيل: كهمزة فوقها. وبقي سابع: وهو أن يكتب ما يدل على الضبط بألفاظ كاملة دالة عليه، كما نقِلَ عن بعضهم أنه كتب في حديث أبي الحَوْرَاءِ تحته حور عِين، خوفاً من أن يُصَحَّفَ بأبي الجَوْزاء بالجيم والزاي، أفاده السخاوي. ولما اختلف في نقط السين من تحتُ ذكره بقوله: 442 - وَالنَّقْطُ تَحْتَ السِّينِ قِيلَ: صَفَّا ... وَقِيلَ كَالشِّينِ: أَثَافِي تُلْفَى (والنقط) الكائن (تحت السين) المهملة (قيل صفًّا) أي يجعل مبسوطاً صفاً واحداً، فالنقط مبتدأ خبره جملة، قيل: صفًّا، (وقيل) يجعل (كالشين) أي مثل نقطها (أثافي) جمع أثفية بضم الهمزة وتكسر، وسكون الثاء المثلثة، وكسر الفاء وتشديد الياء، وهو ما يوضع عليه القِدْر، والياء في الأثافيّ مشددة، وتُخَفَّفُ، أفاده في المختار. وقوله: " كالشين " متعلق بقوله: (تلفى) بالبناء للمفعول أي توجد، أو حال من النقط، وقوله: " أثافي " مفعول ثان مقدم عليه. وحاصل المعنى: أن النقط التي تميز بها السين المهملة اختلف في كيفية كتابتها، فقيل: تجعل صفاً واحداً مبسوطة، لئلا يلزم ازدحام النقطة أو النقطتين مع ما يحاذيها من السطر الذي يليها، فيظلمَ بل ربما يحصل به لبس، وقيل: كصورة النقط التي فوق الشين مثل الأثافي، قال السخاوي: لكن الأنسب والأبعد عن اللبس قَلْبُها فتكون النقطتان المحاذيتان للمعجمة من فوق محاذيتين للمهملة من أسفل اهـ. ولما لم يتعرض أحد من أهل هذا الفن للكاف واللام مع أن

أصحاب التصانيف في الخط ذكروهما أراد أن يبين ذلك الناظم تتميماً للفائدة فقال: 443 - وَالْكَافُ لَمْ تُبْسَطْ فَكَافٌ كُتِبَا ... فِي بَطْنِهَا، وَاللامُ لامًا صَحِبَا (والكاف) مبتدأ خبره جملةُ " فكاف كتبا " (لم تبسط) حال من الكاف على رأي، أي حال كونها غير مبسوطة (فكاف) مبتدأ، والفاء زائدة (كتبا) بالبناء للمفعول وألف الإطلاق (في بطنها) متعلق بكتب، أي كتب في بطن الكاف كاف صغيرة، والمعنى: أن الكاف إذا لم تكتب مبسوطة تكتب في بطنها كاف صغيرة، لئلا تشتبه باللام. وذلك لأن الكاف تكتب برسمين: أحدهما، هكذا (كـ)، وهذه لا تحتاج إلى مميز، لوضوحها، والثاني: شِبْهُ اللام فهذه تحتاج إلى مميز، فتكتب فيها كاف صغيرة، أو هي همزة، هكذا (ك). (واللام) مبتدأ خبره جملة قوله: (لاما) مفعول مقدم لقوله: (صحبا) بالبناء للفاعل والألفُ للإطلاق، أي تصحب اللام لاماً في بطنها أي كلمة " لام " في وسطها، يعني: هذه الكلمة بحروفها الثلاثة لا صورة (ل) ويوجد ذلك كثيراً في خط الأدباء هكذا (لـ). ولم يتكلم على الهاء آخر الكلمة، والهمزة المكسورة، وبَيَّنَهمَا في التدريب، فقال: والهاء آخر الكلمة يكتب عليها هاء مشقوقة تميزها من هاء التأنيث التي في الصفات ونحوها، والهمزة المكسورة هل تكتب فوق الألف والكسرة أسفلها، أو كلاهما أسفل اصطلاحات للكتَّابِ والثاني أوضح اهـ. ثم تكلم على ما يصطلح عليه الشخص لنفسه من الرموز فقال: 444 - وَالرَّمْزَ بَيِّنْ وَسِوَاهُ أَفْضَلُ ... ....................... (والرمز) مفعول مقدم لقوله: (بيّن) فعل أمر من التبيين، أي وضح

الرمز الذي تجعله لنفسك اصطلاحاً في أول الكتاب أو آخره، لئلا يقع غيرك في حَيْرَةِ فهمِ مرادك. والحاصل: أنه لا بأس أن يصطلح الإنسان إذا كثر اختلاف الروايات في أحاديثه، أو كثرت الكتب التي ينقل منها في كتابه على رموزٍ اختصاراً، لكن عليه أن يبين ذلك في كتابه لِئَلاَّ يصعب على غيره فهم مراده، ومع كونه لا بأس به، فعدم الرمز أولى، كما قال: (وسواه) أي غيره وهو عدم الرمز، مبتدأ خبره قوله: (أفضل) أي أولى، فيكتب عند كل راو، أو كتاب اسمه بكماله مختصراً بدون زائد على التعريف به، فلا يقول في الفربري مثلاً أبو عبد الله محمد بن يوسف، بل يختصر على الفربري، أو نحوه. ثم بين الدَّارَةَ التي تجعل للفصل بين الحديثين فقال: ................. ... وَبَيْنَ كُلِّ أَثَرَيْنِ يَُفْصَِلُ 445 - بِدَارَةٍ، وَعِنْدَ عَرْضٍ تُعْجَمُ ... ................ (وبين كل أثرين) أي حديثين متعلق بـ (يفصل) بالبناء للمفعول، أو للفاعل، أي يميز استحباباً (بـ) ـوضع (دارة) أي حَلْقَةِ منفرجة، أو مطبقة، والدارة: هي الدائرة، وهي ما أحاط بالشيء كما تفيده عبارة " ق ". والحاصل: أنه يميز بين الأحاديث بوضع الدائرة، لئلا يحصل التداخل بأن يدخل عجز الأول في صدر الثاني، أو العكس، إذا تجردت المتون عن الأسانيد، وعن صحابيها، كأحاديث الشهاب والنجم وغيرها. وكذلك يفصل بين الحديث، وبين ما يكتبه بآخره من إيضاح لغريب، وشرح معنى ونحوه. وكذا يفعل في التراجم ورؤوس المسائل. (وعند) تمام (عرض) للكتاب على الشيخ (تُعجَمُ) أي تنقط تلك الدارة بنقطة في وسطها.

وحاصل المعنى: أنه يُغْفِلُ تلك الدارة عن العلامة حتى يَعرِضَ الكتاب، ويقابلَه بالأصل، أو نحوه، فإذا عارضه يُنَقِّط في الدارة التي تلي الحديث المقابَلَ نقطةً، أو يخط وسطها خطاً حتى لا يكون بَعْدُ في شك، هل عارضه أو سَهَا فتجاوزه لا سيما حين يُخَالَفُ فيه. ثم بين حكم المضاف والمضاف إليه في الكتابة فقال: ................ ... وَكَرِهُوا فَصْلَ مُضَافٍ يُوهِمُ (وكرهوا) أي أهل الحديث في الكتابة (فصل مضاف) عن المضاف إليه، وقوله (يوهم) صفة لفصل، أي يوقع الوَهمَ في معنى غير لائق. وحاصل المعنى: أن العلماء كرهوا فصل المضاف عن المضاف إليه في الخط بكتابة الأول في سطر، ثم الثاني في سطر آخر، إذا كان يوهم معنى غير لائق، مثل عبد الله، وعبد الرحمن ابن فلان، فلا يكتب عبد آخر السطر، واسم الله مع ابن فلان أول السطر الآخر، احترازاً عن قبح الصورة، وإن كان غير مقصود، وكرسول من رسول الله فلا يكتب رسول في آخر سطر، واسم الله مع الصلاة في أول سطر آخر. وكذا غير المضاف والمضاف إليه مما يُسْتَبْشَعُ كقوله: الله ربي لا أشرك به شيئاً، فلا يكتب " لا " في سطر، وأشرك به في سطر آخر، وهذا كله كراهة تنزيه، وأوجبه بعضهم. ولا شك في تأكده إذا كان التعبيد آخر الصفحة اليسرى، والاسم الكريم وما بعده في أول الصفحة اليمنى، فإن الناظر إذا رآه كذلك، ربما لم يقلب الورقة، ويبتدئ بقراءته كذلك بدون تأمل. وإنما قيد بقوله: يوهم، لأنه إذا لم يوهم معنى غير لائق فلا بأس به، بأن لم يكن بعد اسم الله مثلاً ما ينافيه، بأن يكون آخر الكتاب، أو الحديث، أو يكون بعده شيء ملائم له غير مناف، كقول البخاري في آخر

الجامع: سبحان الله العظيم، ومع هذا فجمعهما في سطر واحد أولى. ثم ذكر ما يُستَحسَنُ عند الكتابة، وهو الثناء على الله سبحانه، والصلاةُ والسلامُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كَتَبَ اسمهما، وكذا الترضي عن الصحابة، فقال: 446 - وَاكْتُبْ ثَنَاءَ اللهِ وَالتَّسْلِيمَا ... مَعَ الصَّلاةِ وَالرِّضَى تَعْظِيمًا (واكتب) أيها الكاتب للحديث، وغيره على وجه الاستحباب المتأكد (ثناء الله) سبحانه كلما مر ذكره، كعزَّ وجلَّ، أو تبارك وتعالى، أو نحوهما إجلالًا له سبحانه، لأنه يحب الحمد. ففي حديث الأسود بن سُرَيْع - رضي الله عنه - كما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأحمد وغيرهما أنه أتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد مدحت ربي بمحامد ومدحٍ، وإياكَ فقال: " أما إن ربك يحب الحمد " وفي لفظ: " المدح " (¬1) الحديث قاله السخاوي. (و) كذا اكتب (التسليما مع الصلاة) على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما مر ذكره، تعظيماً وتنويهاً بشأنه الشريف، وأداء لبعض حقه، لأنه الواسطة في نيل الدرجات عند الله سبحانه بما أتى به من عند الله من نعمة دين الإسلام، فوجب مكافأته بقدر المستطاع، وهو الدعاء له فقد أخرج أحمد وغيره بسندهم عن ابن عمر مرفوعاً: " من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه به فادعوا الله حتى تروا أنكم قد كافأتموه ". قال النووي: حديث صحيح. وقد صَرَّحَ بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه جمعٌ من العلماء وأوجبها بعضهم في الصلاة. وأخرج الترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أولى النَّاس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة ". ¬

_ (¬1) ضعيف أخرجه أحمد والنسائي والحاكم. انظر ضعيف الجامع الصغير ص 174.

قال ابن حبان: في هذا الخبر بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة أصحابُ الحديث إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثرُ صلاةً عليه منهم. وقال أبو نعيم: هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها، لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما يعرف لهؤلاء نسخاً وذكراً. وأما ما رُوِيَ في ثواب كتابة الصلاة عليه فليس بثابت مرفوعاً، فلا نشتغل به. (والرضى) أي اكتب الترضي على الصحابة - رضي الله عنهم -، ومثله التَرحمُ على العلماء، وقوله: (تعظيماً) مفعول لأجله أي اكتب كل ما ذكر لأجل تعظيمهم، أو حال مما ذكر، أي حال كونك معظماً لهم. وقال النووي رحمه الله: ولا يستعمل: عز وجل، ونحوَه في النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان عزيزاً، جليلاً، ولا الصلاة والسلام في الصحابة استقلالاً، ويجوز تبعاً اهـ. ثم إن كتابة ما ذكر يكون بالتمام، ولا ينبغي الاختصار بالرمز، وإليه أشار بقوله: 447 - وَلا تَكُنْ تَرْمُِزُهَا أَوْ تُفْرِدِ ... ..................... (ولا تكن) أيها المحدث (ترمزها) من باب قتل، وضرب، وأصله: الإشارة والإيماء بالشفتين، والحاجب، كما في المختار، لكن المراد هنا الاختصار في الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحوِها في الخط على حرف أو حرفين وأكثر، فتكون منقوصة صورة، كما يفعله الكسائي، والجهلة من أبناء العجم غالباً، وعوام الطلبة، فيكتبون بدلًا عن - صلى الله عليه وسلم - " ص " أو " صم " أو " صلم " أو " صلعم " فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتابة خلافُ الأولى.

وصرح ابن الصلاح والنووي بالكراهة. قلت: ولا أرى له دليلاً، وكذا يكره إفراد أحدهما عن الآخر، كما أشار إليه بقوله: (أو تفرد) عطف على تكن مجزوم، وكسرت داله لِلروِيّ، وأو بمعنى الواو، أي ولا تفرد أحدهما عن الآخر، فإنه مكروه، صرح به النووي رحمه الله متمسكاً بورود الأمر بها في الآية معاً، وخص ابن الجزري الكراهية بما وقع في كتب رواهُ الخلف عن السلف، لأن الاقتصار على بعضه خلاف الرواية، قال: فإن ذكر رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اللهم صل عليه مثلاً، فلا أحسب أنهم أرادوا أن ذلك يكره اهـ. وقال الحافظ: إن كان فاعل أحدهما يقتصر على الصلاة دائماً فيكره من جهة الإخلال بالأمر بالإكثار منهما، والترغيب فيهما، وإن كان يصلي تارة ويسَلِّم أخرى من غير إخلال بواحدة منهما فلم أقف على دليل يقتضي كراهته، ولكنه خلاف الأولى إذِ الجمع بينهما مستحب اهـ. ثم إن كتابة ما ذكر لا يتقيد بوجوده في الكتاب المنقول منه، لأنه ثناء ودعاء، وإليه أشار بقوله: ..................... ... وَلَوْ خَلا الأَصْلُ، خِلافَ أَحْمَدِ (ولو خلا الأصل) المنقول منه، لعدم التقيد به في ذلك، فإنه ثناء ودعاء تثبته أنت، لا كلام ترويه عن غيرك (خلاف أحمد) الإمامِ، حال (¬1) من فاعل اكتب أي اكتب ذلك كله مخالفاً لأحمد، أو من محذوف أي قلت: هذا مخالفاً له، فإنه رحمه الله يكتب كثيراً اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بدون ذلك، ذكره الخطيب، ولعله كما قال ابن الصلاح: يرى التقيد في ذلك بالرواية، لالتزامه اقتفاءَهَا، فحيث لم يجدها في أصل شيخه، وعز عليه ¬

_ (¬1) قوله: حال. أي على قلة من مجيء الحال مصدرًا معرفة إِذ الغالب مجيء الحال مصدراً نكرة كما قال ابن مالك: وَمَصْدَر مُنَكر حَالًا يَقَعْ ... بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْد طَلَعْ

اتصالها في جميع من فوقه من الرواة، لا يكتبها تورعاً من الزيادة، كمنعه إبدال النبي بالرسول، وإن لم يختلف المعنى. قال الخطيب: بلغني أنه كان يصلي نطقاً. ثم ذكر مسألة مقابلة الكتاب فقال: 448 - ثُمَّ عَلَيْهِ حَتْمًا الْمُقَابَلَهْ ... بِأَصْلِهِ أَوْ فَرْعِ أَصْلٍ قَابَلَهْ (ثم) بعد أن يكتب ويتم المقصود (عليه) أي الكاتب نفسه، أو نائبه (حتما) أي وجوباً، كما صرح به الخطيب، وكذا عياض، وقال ابن الصلاح: لا غنى لمجلس الإملاء عن العرض، والجار والمجرور خبر مقدم لقوله: (المقابلة) أي مقابلة كتابه، تقول: قابلت الكتاب قِبَالاً وَمُقَابَلَةً، أي جعلته قُبَالته، وصيرت في أحدهما كل ما في الآخر، ويقال: لها أيضاً المُعارضة، يقال: عارضت بالكتاب الكتاب أي جعلت ما في أحدهما مثل ما في الآخر، مأخوذ من عارضت بالثوب إذا أعطيته، وأخذت ثوباً غيره، أفاده السخاوي. (بأصله) متعلق بالمقابلة، أي بالكتاب الذي أخذه عن شيخه بسائر وجوه الأخذ الصَّحِيحة، وكذا بأصل أصل الشيخ الذي أخذ الطالب عنه المُقابَلِ به أصلُهُ (أو) المقابلة بـ (فرع أصل) أي كتاب منقول من أصل الشيخ (قابله) صاحبه بأصل الشيخ، والجملة صفة لفرع، أو حال منه، يعني أنه تكفي المقابلة بفرع مُقابَلٍ على أصل الشيخ مقابلةً معتبرةً موثوقاً بها، أو بفرع مُقَابَلٍ كذلك على فرع ولو كثر العدد بينهما، إذ الغرض المطلوب أن يكون كتابُ الطالب مطابِقاً لأصل مرويه وهو كتاب شيخه فسواء حصل بواسطة فأكثر، أو بدونها. ثم إن التقييد في أصل الأصل بكونه قد قُوبِل الأصل عليه لا بدّ منه، وإلاَّ فلو كان لشيخ شيخه عدة أصول قوبل أصل شيخه بأحدها لا تكفي المقابلة بغيره لاحتمال أن يكون فيه زيادة، أو نقص، فيكون قد أتى بما لم

يَرْوِهِ شيخُه له، أو حَذَفَ شيئاً مما رواه له شيخه كما أشار إليه ابن دقيق العيد رحمه الله. ومما قيل: في المقابلة قول بعضهم: مَنْ كَتَبَ ولم يُقَابِلْ، كمن غزا ولم يقاتل، وقول بعضهم: اكتب، وقابل، وإلا فألق في المزابل. وعن يَحْيَى بن أبي كثير: أنه قال: مثل الذي يكتب ولا يعارض، مثل الذي يقضي حاجته ولا يستنجي بالماء. وعن الأخفش قال: إذا نُسِخَ الكتابُ ولم يعارَض ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجمياً. وقال السخاوي: والظاهر أن محل الوجوب حيث لم يثق بصحة كتابته، أو نسخته، أما من عرف بالاستقراء ندور السقط والتحريف منه فلا. اهـ. ولما اختلفوا في كيفية المقابلة ذكره بقوله: 449 - وَخَيْرُهَا مَعْ شَيْخِهِ إِذْ يَسْمَعُ ... وَقَالَ قَوْمٌ: مَعَ نَفْسٍ أَنْفَعُ 450 - وَقِيلَ: هَذَا وَاجِبٌ، وَيُكْتَفَى ... إِنْ ثِقَةٌ قَابَلَهُ فِي الْمُقْتَفَى (وخيرها) أي المقابلة مبتدأ خبره قوله: (مع شيخه) على كتابه بمباشرة الطالب بنفسه، (إذ يسمع) الطالب من الشيخ، أو عليه، أو يقرأ، لما يَجْمَعُ ذلك من وجوه الاحتياط والإتقان من الجانبين، أي إن كان كل واحد منهما أهلًا لذلك، فإن لم تجتمع هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها، قاله ابن الصلاح. وقيد ابن دقيق العيد في الاقتراح الخيرية بتمكن الطالب مع ذلك من التثبت في القراءة، أو السماع، وإلا فتقديم العرض حينئذ أولى. قال: بل أقول إنه أولى مطلقاً، لأنه إذا قوبل أولاً كان حالة السماع أيسر، وأيضاً فإن وقع إشكال كُشِفَ عنه وضُبِطَ فقرئ على الصحة، وكم

من جزء قُرِئَ بَغْتَةً فوقع فيه أغاليط، وتصحيفات لم يتبين صوابها إلا بعد الفراغ، فأصلحت، وربما كان ذلك على خلاف ما وقعت القراءة عليه، وكان كذباً إن قال قرأت لأنه لم يقرأ على ذلك الوجه اهـ. والحاصل: أن أفضل المقابلة أن يمسك هو وشيخه كتابيهما حالة التسميع، وما لم يكن كذلك فهو أنقص رتبة. وقال بعضهم: أفضلها مع نفسه وإليه أشار بقوله: (وقال قوم) من المحدثين، وهو أبو الفضل محمد بن أحمد الهروي الحافظ، عديم النظير في العلوم، خصوصاً في حفظ الحديث، وهو أول من سَنَّ بِهَرَاةَ تَخْرِيجَ الفوائد، وشرحَ حالِ الرجال، والتصحيحَ، مات سنة 413 هـ. اهـ طبقات الحفاظ. المقابلةُ (مع نفس) أي نفس الطالب يعني حرفاً حرفاً (أنفع) من المقابلة مع شيخه. والحاصل أن أبا الفضل قال: أصدق المعارضة مع نفسه أي لكون ذلك حينئذ لم يقلد غيره ولم يجعل بينه وبين كتاب شيخه واسطة، وهو بذلك على ثقة ويقين من مطابقتهما، وأوجب ذلك بعضهم كما أشار إليه بقوله: (وقيل هذا) المذكور من المقابلة مع نفسه (واجب) فلا تصح مقابلته مع أحد سوى نفسه. يعني أن بعضهم أوجب المقابلة مع نفسه فلا يقلد غيره، لكنه مردود. قال ابن الصلاح: إنه مذهب متروك، وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في عصرنا، والقول الأول أولى. قال السخاوي: لا سيما والفكر يتشعب بالنظر في النسختين بخلاف الأول. والحق كما قال ابن دقيق العيد: أن ذلك يختلف باختلاف الناس، فرب مَنْ عادته عدم السهو عند نظره فيهما فهذا مقابلته بنفسه أولى، ورب مَنْ عادته السهو فهذا مقابلته مع غيره أولى.

ثم إن الصَّحِيح أنه لا يشترط المقابلة بنفسه، بل تكتفى مقابلة ثقة وإليه أشار بقوله: (ويكتفى) بالبناء للمفعول أي يكتفى بالمقابلة (إن) شرطية (ثقة قابله) أي إن قابل الكتاب ثقة غيره (في المقتفى) أي القول المختار. وحاصل المعنى: أنه لا يشترط في صحة السماع مقابلة الشخص بنفسه، بل تكفي مقابلة ثقة أيَّ وقت كان حال القراءة أو بعدها، وهذا هو الصواب الذي قاله الجمهور. 451 - وَنَظَرُ السَّامِعِ مِنْهُ يُنْدَبُ ... فِي نُسْخَةٍ، وَابْنُ مَعِينٍ: يَجِبُ (ونظر السامع) أي الشخص الذي يَسْمَعُ الحديث، وهو مبتدأ خبره يندب (منه) أي من الشيخ متعلق بالسامع، وفي نسخة الشارح معه وهو قريب من معنى الأول (يندب) أي يستحب (في نسخة) متعلق بنظر، يعني أنه ينظر في نسخةٍ إمَّا لَهُ، أو لِمَنْ حضر من السامعين، أو الشيخ. والحاصل: أنه يستحب أن ينظر الطالب حين سماع الحديث في نسخةٍ من الكتاب المسموع، لأنه أضبط وأجدر أن يفهم معه ما يستمع، لوصول المقروء إلى قلبه من طريقي السمع والبصر، كما أن الناظر في الكتاب إذا تلفظ به يكون أثبت في قلبه، لأنه يصل إليه من طريقين، ويتأكد النظر إذا أراد السامع النقل منها، لكونه حينئذ كأنه قد تولى العرض بنفسه. ثم إن كونه مستحباً هو الذي صرح به الخطيب، وهو الصواب الذي قاله الجمهور، وقال ابن معين: يجب ذلك وإليه أشار بقوله: (وابن معين) مبتدأ خبره محذوف تقديره قائل، وهو الإمام أبو زكريا يَحْيَى بن مَعِين بن عَون الغطفاني، مولاهم، البغدادي، ثقة، حافظ، مشهور إمام الجرح والتعديل، مات سنة 233 هـ. بالمدينة، وله بضع وسبعون سنة، وقوله: (يجب) مقول للخبر المقدر. والمعنى أن ابن معين قال: يجب النظر المذكور. وذلك أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب، والمحدث يقرأ، أيجوز له أن

يحدث بذلك عنه؟ فقال: أمَّا عندي فلا، ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم اهـ. لكن ابن الصلاح قال: إن هذا من مذهب المتشددين في الرواية، والصَّحِيح عدم اشتراطه، وصحة السماع، ولو لم ينظر أصلاً في الكتاب حالة السماع. ثم إنه تجوز له الرواية، وإن لم يقابل إذا كان منقولًا من أصل معتمد، وكان الناقل ضابطاً قليل السقط، لكن يبين حال الرواية ذلك وإليه أشار بقوله: 452 - إِنْ لَمْ يُقَابِلْ جَازَ أَنْ يَرْوِيَ إِنْ ... يَنْسَخْ مِنَ أصْلٍ ضَابِطٌ ثُمَّ لْيُبِنْ (إن) شرطية (لم يقابل) كتابه بالأصل ونحوه (جاز) له (أن يروي) منه، والحالة هذه على ما قاله الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، وأبو بكر الإسماعيلي، والبرقاني، والخطيب، لكن بشروط ثلاثة أشار إلى الأول بقوله: (إن) شرطية أيضاً (ينسخ) ذلك الفرعَ (من أصل) معتمدٍ (ضابط) بالرفع فاعل ينسخ أي ناقل متقن بحيث لا يكون سقيم النقل، كثير السقط، (ثم ليبن) مضارع أبان، أي يُظهِرْ للناس عند الرواية أنه لم يعارضه. وحاصل المعنى: أنه يجوز له أن يروي بدون مقابلة بالأصل، ونحوه بشروط ثلاثة عند من ذكرنا من الأئمة. الأول: أن يكون الناقل للنسخة صحيح النقل، قليل السقط. الثاني: أن ينقله من الأصل. الثالث: أن يبين حال الرواية أنه لم يقابله. ذكر هذا الشرط فقط الإسماعيلي، وهو مع الثاني الخطيب، والأولَ ابنُ الصلاح. ومنع الروايةَ بدون مقابلة وإن اجتمعت الشروط القاضي عياضٌ رحمه الله.

وكُلُّ ما ذكرنا يشترط أيضاً في كتاب شيخه، كما أشار إليه بقوله: 453 - وُكُلُّ ذَا مُعْتَبَرٌ فِي الأَصْلِ ... ....................... (وكل ذا) أي المذكور من المقابلة وما يتعلق بها، وهو مبتدأ خبره قوله (معتبر في الأصل) أي الكتابِ المنقولِ منه، وهو كتاب شيخه، يعني أن المقابلة المذكورة هنا معتبرة أيضاً في كتاب الشيخ، فلا بد فيها منها. قال ابن الصلاح: ثم إنه ينبغي أن يُرَاعِيَ في كتاب شيخه بالنسبة إلى مَنْ فوقه مثل ما ذكرنا أنه يراعيه من كتابه، ولا يكون كطائفة من الطلبة، إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرأوه عليه من أي نسخةٍ اتفقت اهـ. ثم ذكر كيفية تخريج الساقط فقال: ................ ... وَسَاقِطًا خَرِّجْ لَهُ بِالْفَصْلِ 454 - مُنْعَطِفًا، وَقِيلَ: مَوْصُولاً إِلَى ... يُمْنَى بِغَيْرِ طَرْفِ سَطْرٍ وَاعْتَلَى 455 - وَبَعْدَهُ " صَحَّ " وَقِيلَ: زِدْ " رَجَعْ " ... وَقِيلَ كَرِّرْ كِلْمَةً، لَكِنْ مُنِعْ (وساقطاً) مفعول لفعل محذوف على الاشتغال، أي خَرِّجْ شيئاً ساقطاً من الكتاب، ويُسَمَّى اللَّحَقَ بفتح اللام، والحاء المهملة يسمى بذلك عند أهل الحديث والكتابة، أخذاً من الإلحاق، أو من الزيادة فإنه يطلق على كل منهما لغة قاله في التدريب. وقال السخاوي: والأصل في هذا الباب قول زيد بن ثابت في نزول قوله تعالى: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) بعد نزول: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) كما في سنن أبي داود فألحقتها، والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى مُلْحَقِهَا عند صَدْعٍ في كتف اهـ. (خرج) أمر من التخريج (له) اللام زائدة أي ذلك الساقط (بالفصل) أي الخط الفاصل بين الكلمتين اللتين بينهما الساقط، حال كونه (منعطفاً)

إلى فوقِ السطرِ، بأن يخط من موضع سقوطه من السطر خطًّا صاعداً إلى فَوْقُ، ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق هكذا [ ... ]. ويبدأ فيها بِكَتْبِهِ اللَّحَقَ مقابلاً للخط المنعطف هذا هو المختار في التخريج. وقيل: يمد العطفة إلى أول اللحق وإليه أشار بقوله: (وقيل) يكتب الفاصل (موصولاً) أي بأول اللحق، يعني: أنه يمد العطفة من موضع السقوط حتى تلتحق بأول اللحق، واختاره الرامهرمزي، لما فيه من مزيد البيان، لكنه كما قال ابن الصلاح غير مرضي، بل هو كما قال عياض: تسخيم للكتاب، وتسويد له، لا سيما إن كثرت الإلحاقات. قال العراقي: إلا أن لا يكون مقابله خالياً، وُيكتبَ اللَّحَقُ في موضع آخر، فيتعين حينئذ جر الخط إليه، أو يكتب قبالته: يتلوه كذا وكذا، في الموضع الفلاني، ونحو ذلك، لزوال اللبس. (إلى يمنى) متعلق بموصول أي موصولاً إلى الجهة اليمنى من الحاشية إن اتسعت له، لاحتمال طُرُوِّ سقط آخر في بقية السطر فيخرج إلى جهة اليسار، فلو خرج للأولَى إلى اليسار، ثم ظهر سقط آخر، فإن خرج إلى اليسار أيضاً اشتبه موضع هذا بموضع ذاك، وإن خرج للثاني إلى اليمين تقابل طرفا التخريجين، وربما التقيا، فيُظَنُّ أنه ضرب على ثانيهما قاله في التدريب. (بغير طرف) خبر لمحذوف أي هذا كائن بغير طرف والطرف بفتح الطاء وسكون الراء منتهى كل شيء. اهـ " ق "، والمراد هنا آخر السطر. أي آخر (سطر) بفتح فسكون ويحرك الخط والكتابة. اهـ " ق " لكن الضبط الأول هو المتعين هنا للوزن. وحاصل المعنى: أنه يخرج الساقط إلى جهة اليمنى بشكل زاوية قائمة هكذا [ ... ] إلى اليمنى هذا إذا لم يكن الساقط في آخر السطر، وإلا

فيخرجه إلى جهة الشمال للأمن حينئذ من النقص بعده وليكون متصلاً بالأصل. قال العراقي: نعم إن ضاق ما بعد آخر السطر لقرب الكتابة من طرف الورق، أو لضيقه بالتجليد، بأن يكون السقط في الصفحة اليمنى فلا بأس حينئذ بالتخريج إلى جهة اليمنى. اهـ. (واعتلى) أي كتب الساقطَ صاعداً إلى أعلى الورقة من أي جهة كان، لا نازلًا إلى أسفلها، لاحتمال وقوع سقط آخر فيه أو بعده فلا يجد له مقابله موضعاً لو كتب الأول إلى أسفل. وموضع الجملة نصب على الحال (¬1)، أي حال كونه معتلياً (وبعده) أي بعد انتهاء الساقط، والظرف خبر مقدم لقوله: (صح) مبتدأ لقصد لفظه، أي لفظُ صح كائن بعد الساقط الملحق في الحاشية. وحاصل المعنى: أنه إذا انتهى اللحق يكتب في آخره كلمة " صح " فقط، إشارة إلى انتهائه، وثبوته في الأصل، وتكون صغيرة لئلا تشتبه مع ألفاظ اللحق. (وقيل زد) أيها الكاتب على " صح "، لفظ (رجع) يعني أن بعضهم كما حكاه عياض قال: يكتب صح مع رجع، أو يقتصر على رجع، وبعضهم يكتب انتهى اللحق، قال عياض: والصواب صح. (وقيل كرر كلمة) بسكون اللام مع فتح الكاف وكسرها كما تقدم، مخفف كلمة بكسر اللام أي أعِدِ الكلمةَ المتصلةَ بداخل الكتاب. وحاصل المعنى: أنك تكرر الكلمة التي اتصلت باللحق داخل الكتاب بأن تكتبها بالهامش أيضاً ليدل على أن الكلام منتظم، لكن هذا القول غير مرضي، كما قال: (لكن منع) بالبناء للمفعول، أي رد هذا القول ¬

_ (¬1) ولا يحتاج إلى تقدير " قد " على مذهب الكوفيين، وهو الظاهر.

لأنه تطويل مُوهم، فقد يجيء في الكلام ما هو مكرر مرتين، أو ثلاثاً، لمعنى صحيح، فإذا كررنا الحرف لم نأمن أن يوافق ما يتكرر حقيقة، أو يشكل أمره، فيوجب ارتياباً وزيادة إشكال. هذا كله في تخريج الساقط، وأما ما يكتب من غير أن يكون ساقطاً فقد ذكره بقوله: 456 - وَخَرِّجَنْ لِغَيْرِ أَصْلٍ مِنْ وَسَطْ ... وَقِيلَ ضَبِّبْ خَوْفَ لَبْسِ مَا سَقَطْ (وخرجن) أمر من التخريج، والنون نون التوكيد الخفيفة، ومفعوله محذوف، أي العلامةَ (لغير أصل) أي لأجل كتابة شيء غير أصل من شرح، أو فائدة، أو تنبيه على غلط، أو اختلاف رواية، أو نسخة، أو نحو ذلك (مِن وَسَطْ) أي وسط الكلمة التي تُشْرَحُ أو يُنَبَّهُ على ما فيها. وحاصل المعنى: أن ما يكتب في الحاشية من غير الأصل كالأشياء المذكورة تخرج له العلامة استحباباً من وسط الكلمة المخرج لأجلها، لا بين الكلمتين، ليفارق التخريجُ الساقطَ. وقال القاضي عياض: الأولى أنه لا يخرج له خطًّا، بل ضبب عليه، كما أشار إليه بقوله: (وقيل ضَبِّبْ) أي اجعل على الحرف المخرج عليه ضبة، أو نحوها تدل عليه، والضبة: صاد ممدودة هكذا (صـ) وسيأتي بيانها (خوف لبس ما سقط) أي لأجل الالتباس بما سقط من أصل الكتاب. والمعنى أن بعضهم قال: لا تكتب علامة التخريج المتقدمة، لئلا يلتبس غير الساقط بالساقط، إذا اتحدت العلامتان، بل يجعل على الحرف ضبة، أونحوها تدل عليه. لكن رُدَّ عليه بأن ذلك اصطُلحَ به لغير ذلك، كما يأتي قريباً، فخوف اللبس حاصل أيضاً بل هو فيه أقرب، لافتراق صورتي التخريج، في الأولى باختصاص الساقط بقدر زائد، وهو الإشارة في آخره بما يدل على أنه من الأصل.

ثم إنَّ من شأن المتقنين الحُذَّاق الاعتناءَ بالتصحيح، والتضبيب، والتمريض، كما بين ذلك بقوله: 457 - مَا صَحَّ فِي نَقْلٍ وَمَعْنًى وَهْوَ فِي ... مَعْرِضِ شَكٍّ " صَحَّ " فَوْقَهُ قُفِي 458 - أَوْ صَحَّ نَقْلاً وَهْوَ فِي الْمَعْنَى فَسَدْ ... ضَبِّبْ وَمَرِّضْ فَوْقَهُ صَادٌ تُمَدْ (ما) مبتدأ أي الكلام الذي (صح فىِ نقل) أي روايةٍ (ومعنى) أي فيما يُعنيَ ويُقصَد منه (و) الحال (هو) أي الكلام الصَّحِيح فيهما (في معرض شك) أي محل عُرُوضِهِ، أي ظهوره، يقال: قلته في مَعْرِض كذا وزان مَسْجِد، أي في موضع ظهوره، أفاده الفيومي، (صح) أي هذا اللفظ، مبتدأ لقصد لفظه، خبره جملة قوله: " قفى " (فوقه) أي فوق ما هو معرض للشك متعلق بقوله: (قفي) أي تُبِع، بمعنى كتب، وجملة المبتدإ والخبر خبر " ما ". وحاصل معنى البيت: أنه إذا وُجِدَ كلام صحيح معنى وروايةً، وهو عُرْضَة للشك في صحته، أو الخلاف فيه: كتب فوقه كلمةُ صَحَّ تامةً كبيرةً، أو صغيرة، وهو أحسن إشارةً بها إلى أنه لم يُغْفَل عنه، وأنه قد ضُبِطَ وصح على ذلك الوجه، لئلا يبادر الواقف ممن لم يتأمل إلى تخطئته، وهذا هو الأشهر والأحسن. ويكفي كتابتها في الحاشية مثلاً، لا بجانبه، لئلا يلتبس (أو صح نقلاً) أي من حيث النقل والرواية (وهو في المعنى) أي من جهة المعنى (فسد) بأن يكون غير جائز من حيث العربيةُ، أو شاذًّا عند جمهور أهلها، أو مصحَّفاً، أو ناقصاً لكلمة، فأكثر، أو مقدماً، أو مؤخراً، أو نحو ذلك، (ضبب) أمر من التضبيب (ومرض) أمر من التمريض. والتضبيب والتمريض شيء واحد فسره بقوله: (فوقه) أي فوق ما ذكر مما صح نقلاً وفسد معنى خبر مقدم لقوله: (صاد) أي كائنة فوقه صاد وجملة قوله (تمد) بالبناء للمفعول صفة لصاد، أي صاد ممدودة، والجملة بيان لمعنى التضبيب.

وحاصل معنى البيت: أنَّ ما صحَّ نقلًا، ولكن في معناه فساد كتب فوقه علامة التضبيب، وتسمى أيضاً التمريض وهي صاد ممدودة هكذا (صـ) وهي مهملة مختصرة من صح، ويجوز أن تكون ضاداً معجمة مختصرة من ضبة، ولا تخلط بالممرض لئلا تلتبس بخط الضرب الآتي لا سيما عند صغر فتحتها، قاله السخاوي. وفرِّقَ بين الصَّحِيح والسقيم حيث كُتِبَ على الأول حرف كامل لتمامه، وعلى الثاني حرف ناقص، ليدل نقصه على اختلاف الكلمة، قاله في التدريب. وقال السخاوي: إنما كانت نصف صح إشارة إلى أن الصحة لم تكمل في ذلك المحل مع صحة نقلِهِ وروايتِهِ كذلك، وتنبيهاً به لمن ينظر فيه على أنه متثبت في نقله غير غافل، وإنما اختص التمريض بهذه الصورة فيما يظهر، لعدم تحتم الخطأ في الْمُعَلَم عليه، بل لعل غَيرَه ممن يقف عليه يُخَرِّجُ له وجهاً صحيحاً، كما وقع لابن مالك في كثير من روايات الصَّحِيح، أو يظهر له هو بَعدُ في توجيه صحته ما لم يظهر له الآن فيسهل عليه تكميلها " صح " التي هي علامة لمعرض الشك اهـ. والضَّبَّة مأخوذة من ضبة القَدَحِ التي تجعل لما يكون به من كسر، أو خلل، ولا يقال: إن ضبة القدح للجبر، وهذه ليست كذلك، لأن التشبيه وقع من حيث إن كُلًّا وضع على ما فيه خلل. وإما مأخوذة من ضبة الباب، لكون الحرف مقفلاً لا يتجه لقراءته كما أن الضبة يقفل بها. قال التَّبْريزي: ويجوز أن تكون إشارة إلى صورة ضبة ليوافق صورتها معناها أفاده السخاوي. ثم إِن هذه الضبة تستعمل أيضاً في موضع الانقطاع، أو الإرسال، كما بين ذلك بقوله:

459 - كَذَاكَ فِي الْقَطْعِ وَفِي الإِرْسَالِ ... وَبَعْضُهُمْ أَكَّدَ فِي اتِّصَالِ 460 - لِعَطْفِ أَسْمَاءٍ بِصَادٍ بَيْنَهُمْ ... وَاخْتَصَرَ التَّصْحِيحَ فِيهَا بَعْضُهُمْ (كذاك) أي مثل ما تقدم من كتابة صاد ممدودة على ما صح نقلاً واختل معنى توضع هذه العلامة (في) موضع (القطع) أي محل انقطاع السَّند (وفي) موضع (الإرسال) منه، فقوله: كذاك، وفي القطع، يتعلقان بتوضع، أو تكتب المقدر. وحاصل المعنى: أنه إذا وقع في الإسناد انقطاع، أو إرسال، فمن عادتهم تضبيبُ موضع الانقطاع والإرسال، وهو من قبيل ما تقدم ذكره من التضبيب على الكلام الناقص. ومما تستعمل فيه العلامة المذكورة عند بعض العلماء الأسماء المتعاطفة إِشَارَةً إلى تأكيد صحته كما بين ذلك بقوله (وبعضهم أكد) مبتدأ وخبر أي أن بعض المحدثين كتب العلامة المذكورة تأكيداً (في) حال (اتصال) للسند أي عدم انقطاع أو إرسال خلاف المسألة المتقدمة (لعطف أسماء) أي عند عطف أسماء الرواة بعضهم على بعض مثل ما يقال: حدثنا فلان وفلان وفلان. وحاصل المعنى: أن بعض المحدثين كما يوجد في بعض الأصول القديمة في الإسناد الجامع لجماعة من الرواة في طبقة متعاطفين يكتب علامة تشبه الضبة فيما بين أسمائهم تأكيداً للعطف خوفًا من أن يَجعَلَ غيرُ الخبير مكان الواو " عن ". ويتوهم من لا خبرة له إنها ضبة وليس كذلك فينبغي التَّنَبُّه لذلك. واستعمل بعضهم الصاد اختصاراً من صح كما نبه عليه بقوله (واختصر التصحيح) أي كتب علامة التصحيح وهو لفظة صح مختصراً (فيها) أي الصاد المذكورة (بعضهم) فاعل اختصر. وحاصل المعنى أن بعض المحدثين ربما اختصر صح التي هي

علامة التصحيح بالصاد المذكورة فيكتب هكذا (ص) فيوهم كونها تضبيباً وليس كذلك فينبغي التفطن له. ثم ذكر مسألة إبطال الزائد فقال: 461 - وَمَا يَزِيدُ فِي الْكِتَابِ فَامْحُ أَوْ ... حُكَّ أَوِ اضْرِبْ وَهْوَ أَوْلَى وَرَأَوْا 462 - وَصْلاً لِهَذَا الْخَطِّ بِالْمَضْرُوبِ ... وَقِيلَ: بَلْ يُفْصَلُ مِنْ مَكْتُوبِ 463 - مُنْعَطِفًا مِنْ طَرْفَيْهِ أَوْ كَتَبْ ... صِفْرًا بِجَانِبَيْهِ أَوْ هُمَا أَصِبْ 464 - بِنِصْفِ دَارَةٍ ......... ... .................... (وما) اسم موصول مفعول مقدم، أو مبتدأ خبره جملة الطلب بعده، أي الذي (يزيد في الكتاب) مما ليس منه، أو كتب على غير وجهه، فَأبْطِلْه بأحد أمور، مما سَلَكَهُ العلماء، وهو إما المحو المشار إليه بقوله: (فامح) أيها الكاتب، والمحوُ: هو الإزالَةُ بدون سلخ حيث أمكن، بأن تكون الكتابة في لوح، أو رَقّ أو ورق صقيل جدًّا، أو في حال طراوة المكتوب وأمن نفوذ الحِبْر بحيث يُسَوِّد القرطاس. وهو إما بالأصبع، أو بخرقه، أو لَحْقِه، وعن إبراهيم النخعي كان يقول: من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد، أي لدلالته على الاشتغال بالتحصيل. ثم ذكر الطريق الثاني وهو الحَكّ بقوله: (أو حك) أيها الكاتب، من حك الشيء من باب قتل قَشَرَه وأزاله. وأشار بالحك ويعبر عنه بالبَشْر بفتح فسكون إلى الرفق بالقرطاس، ويقال له أيضاً: الكَشْط بفتح فسكون بالكاف والقاف، وهو سلخ القرطاس بالسكين، ونحوها. تقول: كشطت البعير كشطاً إذا نزعت جلده، وكشطت الجل عن الفرس والغطاء عن الشيء إذا كشفت عنه، أفاده السخاوي. ثم ذكر الطريق الثالث، وهو الضرب بقوله (أو اضرب) على الزائد (وهو) أي الضرب المفهوم من اضرب (أولى) أي أحسن من المحو والحك.

وعن بعضهم قال: كان الشيوخ يَكرَهُون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يُبْشر شيء، لأن ما يُبشر منه ربما يصح في رواية أخرى، وقد يسمع الكتاب مرة أخرى على شيخ آخر، يكون ما بُشِرَ من رواية هذا صحيحاً في رواية الآخر، فيحتاج إلى إِلْحَاقِهِ بعد أن يبشر، بخلاف ما إذا خط عليه وأوقفه رواية الأولى، وصح عند الآخر اكتفى بعلامة الآخر عليه بصحته، أفاده في التدريب. وقال بعضهم: الحك تهمة حيث يرَدد الواقف عليه أكان الكشط لكتابة شيء بدله ثم لم يتيسر أو لا؟. ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب على خمسة أقوال أشار إلى الأول بقوله: (ورأوا) أي أكثر الضابطين كما نقله عياض عنهم (وصلا لهذا الخط) أي المضروب (بالمضروب) عليه، وهو الزائد بحيث يكون مختلطاً به. وحاصل المعنى: أن أكثر العلماء قالوا في كيفية الضرب: يخط فوق المضروب عليه خطًّا بيّناً دالاً على إبطاله باختلاطه به ولا يطمسه بل يكون ممكن القراءة، ويُسمى هذا الضرب عند المغاربة الشَّقَّ، بفتح المعجمة وتشديد القاف من الشق وهو الصدع، أو شق العصا، وهو التفريق، كأنه فرق بين الزائد وما قبله وما بعده من الثابت بالضرب. وقيل: هو النَّشَقُ بفتح النون والمعجمة من نَشِق الظبي في حبالته عَلِقَ فيها فكأنه أبطل حركة الكلمة وإعمالها بجعلها في وثاق يمنعها من التصرف أفاده في التدريب. ثم ذكر القول الثاني في الضرب فقال: (وقيل) لا يخلط الخط المذكور بالمضروب عليه (بل يفصل) بالبناء للمفعول (من مكتوب) وهو الزائد المضروب عليه. وحاصل المعنى: أنه لا يخلط خط الضرب بالمضروب عليه بل يجعل فوقه منفصلاً عنه، حال كونه (منعطفاً من طرفيه) أي على طرفي المكتوب الزائد، ويحتمل أن يعود الضمير إلى الخط المضروب أي حال

كون ذلك الخط منعطفاً من جهة طرفيه على المضروب عليه بحيث يكون كالنون المقلوبة هكذا [ ... ]. ثم أشار إلى الثالث بقوله: (أو) لتنويع الخلاف أي قال بعضهم: (كَتَبَ) بصيغة المعلوم، وفاعله ضمير يعود إلى المفهوم من السياق أي من أراد إبطال الزائد، وقوله: (صفراً) مفعوله أي كتب مريد إبطال الزائد صفراً بجانبيه، وهي دائرة صغيرة، وهي بكسر الصاد كما تفيده عبارة التاج. وهذا القول: حكاه عياض عن بعض الأشياخ المحسنين لكَتْبِهِم، قال: وسُمِّيَت بذلك لخلو ما أشير إليه بها عن الصحة كتسمية الحُسَّابِ لها بذلك، لخلو موضعها من عدد قاله السخاوي. (بجانبيه) أي جانبي الزائد إن اتسع المحل، ولم يلتبس بالدائرة التي تجعل فصلاً بين الحديثين، ونحو ذلك، وإلا فأعلى الزائد كالخط المتقدم. ثم أشار إلى الرابع بقوله: (أو) لتنويع الخلاف أيضاً أي قال بعضهم: (هما) أي الجانبان، مبتدأ خبره قوله: (أصبـ) ـهما أمر من الإصابة أي أصب الجانبين من الزائد (بنصف دارة) أي كالهلال هكذا (). والدارة لغةً في الدائرة، جَمْعًهَا دارات، سميت به لاستدارتها أفاده الفيومي. هذا كله فيما إذا كان الزائد في سطر واحد، فأما إذا تكررت الأسْطُرً فقد بينه بقوله: ............... فَإِنْ تَكَرَّرَا ... زِيَادَةُ الأَسْطُرِ سِمْهَا أَوْ عَرَا 465 - وَبَعْضُهُمْ يَكْتُبُ " لا " أَوْ " مِنْ " عَلَى ... أَوَّلِهِ أَوْ " زَائِدًا " ثُمَّ " إِلَى " (فإن تكررا) بألف الإطلاق فعل ماض وفاعله قوله: (زيادة الأسطر) أي إن كثر الزائد المضروب عليه بأن كان فوق سطر (سمها) جواب الشرط بتقدير الفاء أي فسمها، أمر من وَسَمَ يَسِمُ كَوَعَدَ يَعِد، أي فعلم عليها كُلِّهَا، والضمير المنصوب عائد على الأسطر.

وحاصل المعنى: أنه إذا تكررت الأسطر فَعَلِّمْ على أول كل سطر وآخره لما فيه من زيادة البيان والإيضاح. (أو عرا) أي خلا عن العلامة، وأصل عرا عِريَ كرضى خفف بفتح عين الكلمة وهي لغة طيىء يقولون في فَعِلَ المكسور العين إذا كان معتل اللام بالياء فَعَلَ يَفْعَلُ بفتح العين في الماضي والمضارع للتخفيف كبَقِي وفَنِيَ، وأما عرا يعرو كغزا يغزو فهو بمعنى نزل، ولا يناسب هنا. وفاعله ضمير يعود إلى المتكرر المفهوم من تكرر، أي عَرِيَ المتكرر عن العلامة في كل سطر اكتفاء بما في أول الزائد وآخره، وفيه عطف الجملة الخبرية على الإنشائية وهو جائز عند بعضهم. وحاصل المعنى: أنه إذا كثرت سطور الزائد فاجعل علامة الإبطال في أول كل سطر وآخره للبيان إن شئت، أو لا تكرر العلامة بل اكتف بها في أول الزائد وآخره، وإن كثرت السطور، حكاه القاضي عياض عن بعضهم. ثم ذكر الخامس بقوله: (وبعضهم) أي العلماء (يكتب) علامة لإبطال الزائد كلمة (لا) النافية (أو) كلمة (من) الجَارَّة (على أوله) أي الزائد (أو) يكتب (زائداً) أي لفظةَ زائدٍ (ثم) يكتب كلمة (إلى) الجارة في آخره. وحاصل المعنى: أن بعضهم يكتب لإبطال الزائد لا النافية، أو من الجارة، أو كلمة زائد، وفي آخره كلمة إلى الجارة، إشارة إلى أن هذا القدر زائد على أصل الكتاب. قال السخاوي: وذلك والله أعلم فيما يُجَوِّزُون أن نفيه أو إثباته غير متفق عليه من سائر الروايات ولذا يضاف إليه في بعض الأصول الرمز لمن وقع عنده، أو نفي عنه من الرواة وقد يقتصر على الرمز لكن حيث يكون الزائد كلمة، أو نحوها.

وقد قال ابن الصلاح تبعاً لعياض: إن مثل هذه العلامة تحسن فيما ثبت في رواية وسقط من أخرى. ثم إن هذا كله فيما إذا كان الزائد غير مكرر، وأما إذا كان مكرراً فقد ذكره بقوله: 466 - وَإِنْ يَكُ الضَّرْبُ عَلَى مُكَرَّرِ ... فَالثَّانِيَ اضْرِبْ فِي ابْتِدَاءِ الأَسْطُرِ 467 - وَفِي الأَخِيرِ: أَوَّلاً أَوْ وُزِّعَا ... وَالْوَصْفَ وَالُمضَافَ صِلْ لا تَقْطَعَا 468 - وَحَيْثُ لا وَوَقَعَا فِي الأَثْنَا: ... قَوْلانِ: ثَانٍ، أَوْ: قَلِيلٌ حُسْنَا (وإن يك) مضارع كان حذفت نونها كما قال ابن مالك رحمه الله. وَمِن مُضارعٍ لكان مُنْجَزِمْ ... تُحْذفُ نونٌ وهو حذفٌ ما التزم (الضرب) الذي يجعل علامة لإبطال الزائد وهو اسم يك، وخبرها قوله (على مكرر) أي على زائد مكرر مرتين أو أكثر (فالثاني) مفعول مقدم لقوله (اضرب) أيها المريد لإبطال الزائد، يعني أنك تضرب على الزائد الثاني إن كان (في ابتداء الأسطر) أي في أول السطر سواء كان هو الأول أو الثاني (و) اضرب فيما إذا كان المكرر (في الأخير) أي آخر السطر (أولاً) أي أول المكررين مثلًا صوناً لأوائل السطور وأواخرها عن الطمس. (أو) تخير بين ضرب الأول والثاني فيما إذا (وزعا) بالبناء للمفعول من التوزيع، أي قسِّمَ المكرران بين سطرين بأن اتفق أحدهما في آخر السطر والآخر في أوله. هذا كله فيما إذا لم يكن مثل الموصوف مع الصفة، أو المضاف مع المضاف إليه، وأما إذا كان كذلك فأشار إلى حكمه بقوله: (والوصف والمضاف) مبتدأ، أو مفعول مقدم لقوله: (صل) كُلًّا منهما بالموصوف والمضاف إليه، و (لا تقطعا) كُلًّا منهما، والألف بدل من نون التوكيد. وحاصل المعنى: أنه إذا كان المكرر المضاف والمضاف إليه، أو الموصوف والصفة ونحوه روعي اتصالهما، ولا يراعى أول السطر ولا آخره،

فلا يضرب على المكرر بينهما، بل على الأول في المضاف والموصوف، والآخر في المضاف إليه والصفة، لأن ذلك مضطر إليه للفهم، فمراعاته أولى من مراعاة تحسين الصورة في الخط. (وحيث لا) يكون المكرر نحو الوصف والمضاف (و) الحال أنه قد (وقعا) بألف الإطلاق أي المكرر (في الأثنا) أي وسط السطور، لا في أولها، ولا في آخرها. (قولان) مبتدأ خبره الظرف قبله أي قولان للعلماء كائنان حيث لا يكون المكرر من نحو ما ذكر. الأول: أنه يضرب (ثان) أي ثاني المكرر، لأنه الذي كتب خطأ، والخطأ أولى بالإبطال. والثاني: ما أشار إليه بقوله: (أو) يضرب (قليل حسناً) وإن كان أولاً، دون كثير الحسن، وإن كان ثانياً. يعني أن بعضهم قال: يضرب على قليل الحسن سواء كان أولاً، أو ثانياً، لأن الكتاب علامة لما يُقْرأ فأولى الحرفين بالإبقاء أدَلًّهُما عليه، وأجودهما صورة. ثم ذكر مسألة كيفية جمع الروايات لمن كان عنده روايات مختلفة فقال: 469 - وَذُو الرِّوَايَاتِ يَضُمُّ الزَائِدَهْ ... مُؤَصِّلاً كِتَابَهُ بِوَاحِدَهْ 470 - مُلْحِقَ مَا زَادَ بِهَامِشٍ وَمَا ... يَنْقُصُ مِنْهَا فَعَلَيْهِ أَعْلَمَا 471 - مُسَمِّيًا أَوْ رَامِزًا مُبَيِّنَا ... أَوْ ذَا وَذَا بِحُمْرَةٍ وَبَيَّنَا (وذو) أي صاحب (الروايات) المختلفة، فذو مبتدأ خبره جملة قوله (يضم) بالبناء للفاعل (الزائدة) من الرواية، حال كونه (مؤصلاً كتابه) أي بانِيَاً كتابه (بواحدة) أي على رواية واحدة هي أساس الروايات الأخرى، يقال: أصلته تأصيلاً جعلت له أصلًا ثابتاً يُبنَى عليه، قاله في المصباح، فكأنه جعل رواية من تلك الروايات كالأساس الثابت، وبقية تلك الروايات كالبناء المتفرع.

حال كونه (ملحق ما زاد) من الروايات الأخرى (بهامش)، أي حاشية كتابه قال في " ق " الهامش حاشية الكتاب مُوَلَّد اهـ. ويقال له الطُّرَّة أيضاً. كما في التاج (وما) موصولة مبتدأ أي الذي (ينقص منها) أي الروايات (فعليه أعلما) بألف الإطلاق وبناء الفعل للفاعل، والفاء زائدة، أي كتب عليه علامة، حال كونه (مسمياً) صاحب تلك الروايات باسمه، أو بما يغني عنه، (أو رامزاً) أي مشيراً إليه بحرف أو أكثر من اسمه حال كونه (مبيناً) ذلك الرمز في أول الكتاب، أو في آخره كما تقدم. (أو) أعلم (ذا) أي الزائد من الرواية (و) أعلم أيضاً (ذا) أي الناقص منها (بحمرة) أو نحوها من المداد المخالفة للكتاب (و) الحال أنه قد (بينا) ذلك في أوله أو آخره كما مرَّ. وحاصل ما أشار إليه: أنه إذا كان الكتاب مروياً بروايات متنوعات يقع في بعضها اختلاف، وأراد أن يجمع بينها في نسخة واحدة ينبغي له أن يبني الكتاب أولًا على رواية واحدة، ثم إذا خالف ما في الرواية الأخرى بزيادة، أو نقص، أو إبدال لفظ بلفظ، أو حركة إعراب، أو نحوها اعتنى به، إما بكتابةِ مَا زاد، أو أبْدِل، أو اختَلَفَ إعرابه في الحاشية، أو بين السطور، إن اتسع مع كتابة اسم راويها معها، أو بالإشارة إليه بالرمز وما نقص أعلم على الزائد إنه ليس في رواية فلان باسمه أو بالرمز إليه أيضاً، وإما بكتابة الزائد ونحوه في الرواية الأخرى بحمرة أو نحوها من الألوان المخالفة للمداد المكتوب بها الأصل، وما نقص حَوَّقَ عليه بحمرة أو نحوها. ولكنه يوضح مراده بأن يقول: رمزت لفلان بكذا، وأشرت لفلان بالحمرة، أو نحوها، بأول كل مجلد، أو آخره، ولا يعتمد على حفظه في ذلك فربما ينسى ما اصطلح عليه، لطول العهد ويوقِع غيره في حيرة من مراده بذلك، ولما جرت عاد أهل الحديث باختصار بعض ألفاظ الأداء في الخط، دون النطق، بَيَّنَ ذلك، فمنها: حدثنا، وأخبرنا كما قال:

472 - وَكَتَبُوا " حَدَّثَنَا " " ثَنَا " " وَنَا " ... وَدَثَنَا " ثُمَّ " أَنَا " " أَخْبَرَنَا " 473 - أَوْ " أَرَنَا " أَوْ " أَبَنَا " " أَخَنَا " ... " حَدَّثَنِي " قِسْهَا عَلَى " حَدَّثَنَا " (وكتبوا) أي أهل الحديث ومن تبعهم اختصاراً في الخط على الرمز (حدثنا) أي هذا اللفظ بحيث شاع ذلك وظهر حتى لا يكاد يلتبس، ولا يحتاج الواقف عليه، كالذي قبله إلى بيان، وهم في ذلك مختلفون، فمنهم: من يقتصر منها على (ثنا) أي الحروف الثلاثة الأخيرة (و) منهم من يحذف أول الثلاثة أيضاً ويقتصر على (نا) الضمير فقط (و) منهم من يقتصر على (دثنا) فيترك منها الحاء فقط. (ثم) بمعنى الواو أي واختصروا أيضاً كلمة أخرى فكتب بعضهم (أنا) مختصِراً كلمة (أخبرنا) فحذف الخاء واللذين بعدها، وهي أصول الكلمة (أو) يضم إلى الضمير الراء فيقتصر على (أرنا أو) يقتصر على ترك الخاء والراء فقط فيكتب (أبنا) وهذا غير مستحسن للخوف من اشتباهها بأنبانا وإن لم يصطلحوا على اختصارها (أو) يقتصر على ما عدا الموحدة والراء فيكتب (أخنا) وُجِدَ هذا في خط بعض المغاربة، ولكنه لم يشتهر. هذا كله في المذكر المتصل بضمير الجمع، وأما المؤنث المتصل بالجمع، وكذا أنبأنا، وأنبأني، وأخبرني، فلا يختصرونه، وأما حدثني المتصل بياء المتكلم فيختصرونها كما قال (حدثني قسها على حدثنا) فحدثني: أي هذه الكلمة مبتدأ خبره جملة " قسها على حدثنا "، أي مَثِّلْهَا بها أيها المحدث في الاختصار لها، فتكتب ثني أودثني بحذف الحاء والدال أو بحذف الحاء فقط. ومما اختصروا أيضاً كلمة قال وإليه أشار بقوله: 474 - وَ " قَالَ " " قَافًا " مَعْ " ثَنَا " أَوْ تُفْرَدُ ... وَحَذْفُهَا فِي الْخَطِّ أَصْلاً أَجْوَدُ (و) كتبوا لفظ (قال) اختصاراً (قافاً) مجموعة (مع ثنا) أي تكتب معها هكذا " قثنا "، (أو تفرد) القاف عنها فتكتب هكذا " ق ثنا "، والأول كما قال السخاوي: منقول عن بعضهم كالدمياطي، قيل: إنه تفرد بذلك، وكتب بخطه في صحيح مسلم كذلك حتى توهم بعض من رآها كذلك أنها الواو

الفاصلة بين الإسنادين وليس كذلك. (وحذفها) أي قال، مبتدأ (في الخط) أي الكتابة دُونَ النطق، متعلق بحذف (أصلًا) أي رأساً من غير رمز إليها (أجود) أي أحسن من كتابتها رمزاً، وهو خبر المبتدإ. وحاصل معنى البيت: أنه جرت عادة المحدثين بحذف كلمة قال في أثناء الإسناد خطًّا، والرمز إليها بكتابة " ق " فبعضهم يجمعها مع أداة التحديث فيكتب قثنا يريد قال: حدثنا، وقد توهم بعض من رآها هكذا أنها الواو التي تأتي بعد حاء التحويل، وليس كذلك. وبعضهم يفردها فيكتب هكذا " ق ثنا " وكل هذا اصطلاح متروك بل الأجود حذفها خطًّا أصلاً، ولكن لا بد من النطق بها كما يأتي في قوله، وَقَالَ فِي الْإِسْنَادِ قُلْهَا نُطْقاً إلخ. ثم ذكر كتابة " ح " عن تكرار السَّند فقال: 475 - وَكَتَبُوا " حَ " عَنْدَ تَكْرِيرِ سَنَدْ ... فَقِيلَ: مِنْ " صَحَّ " وَقِيلَ: ذَا انْفَرَدْ 476 - مِنَ الْحَدِيثِ، أَوْ لِتَحْوِيلٍ وَرَدْ ... أَوْ حَائِلٍ، وَقَوْلُهَا لَفْظًا أَسَدّ (وكتبوا) أي أهل الحديث في كل ما يريدون الجمع بين إسناديه أو أسانيده من الحديث أن الكتاب أو نحوهما (" ح ") أي لفظها مفعول به لكتبوا. أي كتبوا حاء مفردة (عند) إرادة (تكرير سند) للحديث الواحد أو نحوه وهي في كتب المتأخرين أكثر، وفي صحيح مسلم أكثر منها في صحيح البخاري. ثم إنهم اختلفوا في هذه الحاء مماذا اختصرت؟ كما بيّن ذلك بقوله: (فقيل) إنها مختصرة (من) كلمة (صح) ولذا وجد بخط الحافِظِينَ: أبي عثمان الصابوني، وأبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري، والفقيه أبي سَعْد محمد بن أحمد بن محمد بن الخليل الخليلي مكانها بدلاً عنها صح، فهذا يدل على أنها مختصرة منها، وحسن إثبات صح هنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط، ولئلا يركب الإسناد الثاني على الأول، فيجعلا

إسناداً واحداً، قاله ابن الصلاح. (وقيل ذا) أي لفظ " ح " مبتدأ خبره جملة قوله (انفرد) أي اختصر (من) كلمة (الحديث) أي هو رمز إلى قولهم الحديث، كما حكاه ابن الصلاح عن بعض أهل المغرب أنهم يقولون مكانها الحديث (أو) لتنويع الخلاف، أي وقيل: إنها إشارة (لتحويل) من إسناد إلى إسناد آخر وجملة قوله (ورد) صفة لتحويل أي واردٍ في السَّند، أو الجار متعلق به أي ورد الحاء لتحويل سند إلى آخر. وهذا محكي عن بعض فضلاء الأصفهانيين كما ذكره ابن الصلاح (أو) لتنويع الخلاف أيضاً أي وقيل: إنها إشارة (لحائل) أي إلى لفظ حائل، الذي هو من حال بين الشيئين يحول إذا حجز بينهما، لكونها حالت بين الإسنادين، وهذا نقله ابن الصلاح عن الحافظ الرَّحَّال أبي محمد عبد القادر الرُّهَاوِيِّ الحنبلي، قال: ولا يلفظ بشيء عند الانتهاء إليها في القراءة، وأنكر كونها من الحديث وغيره، وأنه لم يعرف غيره عن مشايخه، وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقتهم. قال السخاوي: ونحوه في كونها من حائل لكن مع النطق بها قول الدمياطي، وقد قرأ على بعض المغاربة فصاركلما وصل إلى " ح " قاله حاجز وهو في النطق بمعناها خاصة، موافق لما حكاه ابن الصلاح عن بعض المغاربة أنه يقول الحديث كما مرَّ. ثم إن الأولى وفاقاً لابن الصلاح والنووي أن يقول: القارئ عِنْدَ الانتهاء إليها حا، ويمر وإليه أشار بقوله: (وقولها) أي النطق بها مبتدأ (لفظاً) مفعول مطلق لقول (أسد) أي أصوب خبر المبتدإ. يعني: أن التلفظ بها حاء مفردة كما كتبت عند الانتهاء إليها والاستمرارُ في قراءة ما بعدها هو الأحسن والأحوط من الوجوه المتقدمة، وإن كان غير متعين كما قاله السخاوي. (تنبيه): قال السخاوي رحمه الله: إنه لم يختلف مَن حَكَينا عنهم في كونها حاء مهملة بل قال ابن كثير: إن بعضهم حكى الإجماع عليه، قال:

ومن النَّاس من يتوهم أنها خاء معجمة، أي هو إسناد آخر، وهذا حكاه الدمياطي أيضاً، فقال: وبعض المحدثين يستعملها، بالخاء المعجمة، يريد بها آخرَ، أو خَبَراً، وزاد غيره، أو إشارة إلى الخروج من إسناد إلى إسناد، والظاهر كما قال بعض المتأخرين إن ذلك اجتهاد من أئمتنا في شأنها من حيث إنهم لم يتبين لهم فيها شيء من المتقدمين. قال الدمياطي: ويقال: إن أول من تكلم على هذا الحرف ابن الصلاح وهو ظاهر من صنيعه لا سيما، وقد صرح أول المسألة بقوله: ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها. اهـ كلام السخاوي. ثم ذكر مسألة كتابة التسميع وهو المسمى بالطَّبَقَة فقال: 477 - وَكَاتِبُ التَّسْمِيعِ فَلْيُبَسْمِلِ ... وَيَذْكُرِ اسْمَ الشَّيْخِ نَاسِبًا جَلِي (وكاتب التسميع) أي الطالب الذي يريد كتابة السماع، فالتسميع بمعنى السماع، أي المسموع، إِذِ التسميع صفة للشيخ الذي يسمع الحديث، ومثل المسموع المقروء، وكاتب مبتدأ خبره جملة قوله: (فليبسمل) أي ليكتب البسملة استحباباً في أول كتابه (ويذكر) بالجزم عطفاً على ما قبله (اسم الشيخ) الذي سمع منه الحديث، أو قرأ عليه كتاباً، أو جزءاً، ونحو ذلك، ولو قال: " ويكتب " بدل ويذكر لكان أولى حال كونه (ناسباً) أي عازياً له إلى ما يوضحه، يقال: نسبته إلى أبيه نسباً من باب طلب: عزوته إليه، كما في المصباح. والمراد أن يذكره بما يتضح به من نسب، وكنية، ولقب، ونسبة إلى قبيلة، أو بلدة، أو حرفة، أو مذهب. كما أشار إليه بقوله: (جلي) فعيل بمعنى مفعول حال من الشيخ، وقف عليه على لغة ربيعة أي حال كونه جلياً أي متضحاً للناس بحيث لا يخفى، ولا يلتبس مع غيره. وصورة ذلك أن يكتب حدثنا أبو فلان فلان ابن فلان الفلاني، ثم يسوق المسموع، أو المقروء على لفظه كما أشار إليه بقوله:

478 - ثُمَّ يَسُوقُ سَنَدًا وَمَتْنَا ... لآخِرٍ، وَلْيَتَجَانَبْ وَهْنَا (ثم) بعد كتابة البسملة، واسم الشيخ، ونسبه، وكنيته، ونحو ذلك، (يسوق) أي يذكر (سنداً ومتناً) لذلك المسموع (لآخر) أي إلى آخر السَّند والمتن على لفظه، (وليتجانب) أي يتباعد كاتب السماع (وهناً) بفتح فسكون، أي ضعفاً في كتابة التسميع، بمعنى أنه لا يتساهل في ذلك، بل يتحرى في تفصيل الأفوات، وبيان السامع، والمسمع، والمسموع بعبارة بينة، وكتابة واضحة، وإنزال كُلٍّ منزلته، وكذا عليه أن يكتب تاريخ السماع، كما ينبغي ذكر محله، وقارئه، كما أشار إليه بقوله: 479 - وَيَكْتُبُ التَّأْرِيخَ مَعْ مَنْ سَمِعُوا ... فِي مَوْضِعٍ ما، وَابْتِدَاءً أَنْفَعُ (ويكتب) كاتب التسميع (التاريخ) بالهمز ويخفف وقت السماع (مع) بسكون العين لغة في الفتح أي مع كتابة (من سمعوا) أي الطلبة الذين سمعوا الحديث معه (في موضع ما) أي في أي مكان كان في أول الكتاب أو آخره، والجار متعلق بيكتب، و " ما " لتأكيد العموم (و) لكن كونه (ابتداء) أي في أول الكتاب قبل البسملة فوق سطرها (أنفع) من غيره. وحاصل المعنى: أنه إذا كتب التسميع ينبغي له أن يكتب تاريخ السماع، وإذا كان معه غيره يكتب أسماءهم، وأنسابهم، من غير اختصار لما لا يتم كل منهم بدونه، فضلاً عن حذف أحد منهم، وكذا عدد مجالسه إن تعددت معينة، وتمييز المكملين، والمفوتين، والناعسين، والمتحدثين، والباحثين، والكاتبين، ونحو ذلك، ويكون ذلك في أي موضع من مواضع الكتاب بحيث لا يخفى، في أول الكتاب، أو أثنائه، أو آخره. ولكن كونه في أول ورقة من الكتاب أولى، وإن كان السماع في مجالس كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ، ويكتب في الذي يليه التسميع والتاريخ كما قاله الخطيب.

وينبغي أن يكون الكاتب موثوقاً به كما ذكره بقوله: 480 - وَلْيَكُ مَوْثُوقًا، وَلَوْ بِخَطِّهِ ... لِنَفْسِهِ، وَعَدَّهُمْ بِضَبْطِهِ 481 - أَوْ ثِقَةٍ، وَالشَّيْخُ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى ... تَصْحِيحِهِ، وَحَذْفُ بَعْضٍ حُظِلا (وليك) كاتب التسميع (موثوقاً) به أي غير مجهول الخط، بل يكون معروفاً خطه عند أصحاب الحديث (ولو) كان كتابة التسميع (لنفسه) إذا كان ثقة. وحاصل المعنى: أنه ينبغي أن يكون التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول الخط، ولا بأس أن يكتب سماعه بخط نفسه إذا كان ثقة كما فعله الثقات، سواء كان معه غيره أم لا. ويكون اعتماده في السامعين وتمييز فواتهم على ضبط نفسه، كما ذكره بقوله: (وَعَدَّهم) جملة فعلية، أي عد السامعين (بضبطه) أي ضبط نفسه، إن حضر جميع السماع (أو) بضبط (ثقة) غيره ممن حضر السماع. وحاصل المعنى: أنه إن حضر جميع التسميع ضبط أسماءهم بنفسه، وإن كان غير حاضر في بعضه أثبت ذلك معتمداً على إخبار من يثق بخبره من حاضريه. ثم إنه لا يشترط في ذلك كتابة الشيخ خطه بالتصحيح كما أشار إليه بقوله: (والشيخ) المسمع، مبتدأ خبر جملة قوله: (لم يحتج) بالبناء للمفعول ونائب فاعله قوله: (إلى تصحيحه) أي كتابته على التسميع بأنه صحيح. وحاصل المعنى: أنه إذا كان التسميع بخط ثقة فلا يحتاج إلى كتابة الشيخ عليه بخطه بالتصحيح. وقد أخرج ابن الصلاح بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده: أنه قرأ ببغداد جزءاً على أبي أحمد الفرضي، وسأله خطه، ليكون

حجة له، فقال له أبو أحمد: يا بني عليك بالصدق، فإنك إذا عُرِفتَ به لا يُكَذِّبك أحد، وتُصَدَّق فيما تقول، وتنقل، وإذا كان غير ذلك، فلو قيل لك: ما هذا خط أبي أحمد، ماذا تقول لهم؟ ثم عليه الحذر من حذف بعض السامعين لغرض كما أشار إليه بقوله: (وحذف بعض) من السامعين، أي عدم إثبات أسمائهم في كتابة التسميع، لأجل غرض فاسد، وهو مبتدأ خبره جملة قوله: (حظلا) بالبناء للمفعول أي منع. وحاصل المعنى: أن حذف أسماء بعض الحاضرين لغرض فاسد، كعداوة بينهما لا يجوز، لأن هذا ينافي الثقةَ والأمانةَ العلمية. ثم ذكر حكم من ثبت سماع غيره في كتابه أو نحوه بقوله: 482 - وَمَنْ سَمَاعُ الْغَيْرِ فِي كِتَابِهِ ... بِخَطِّهِ أَوْ خُطَّ بِالرِّضَى بِهِ 483 - نُلْزِمُهُ بِأَنْ يُعِيرَهُ، وَمَنْ ... بِغَيْرِ خَطٍّ أَوْ رِضَاهُ فَلْيُسَنّ 484 - وِلْيُسْرِعِ الْمُعَارُ ثُمَّ يَنْقُلُ ... سَمَاعَهُ مِنْ بَعْدِ عَرْضٍ يَحْصُلُ (ومن) موصولة مبتدأ. أي الشخص الذي (سماع الغير) كلام إضافي، مبتدأ، خبره قوله: (في كتابه)، أو جزئه، أو نحوهما (بخطه) أي خط صاحب الكتاب (أو خط) بالبناء للمفعول، أي كتب سماع الغير في كتابه بخط غيره لكن (بالرضى به) أي بسبب رضاه، أو مع رضاه بذلك، وجملة قوله: (نلزمه) خبر المبتدإ أي نلزم ذلك الشخص الذي في كتابه سماع الغير على الوجه المذكور، (بأن يعيره) أي يعير ذلك الكتاب لذلك الغير، ليكتب منه، أو يقابل عليه، أو ينقل سماعه، أو يحدث منه. وحاصل المعنى: أن من ثبت في كتابه، أو نحوه سماع غيره، فأراد من كان اسمه في طبقة السماع أن يستعير ذلك الكتاب منه وجب عليه إِعارَة ذلك الكتاب إن كان بخطه، أو خطِّ غيره لكن برضاه. (ومن) مبتدأ أي من ثبت ذلك في كتابه (بغير خط) منه (أو) خُطَّ لكن

بغير (رضاه) أي رضى صاحب الكتاب، وقوله: (فليسن) أي يستحب أن يعيره، خبر المبتدإ. وحاصل المعنى: أنه إن كان ثبوت سماع الغير بغير رضاه استحب له الإعارة وهذا الذي قلنا: من أنه يجب عليه إن كان بخطه، أو رضاه، ويستحب إذا لم يكن كذلك هو الراجح الذي قاله أئمة مذاهبهم في زمانهم: منهم القاضي حفص بن غياث الحنفي، وإسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي، وأبو عبد الله الزبيري الشافعي، وَوَجَّهَه البلقيني بأنه من المصالح العامة. قال: وأصله إعارة الجدار لوضع جذوع الجار عليه، وقد ثبت ذلك في الصَّحِيحين. وقال: بوجوبه جمع من العلماء وهو أحد قولي الشافعي. فإذا كان يُلْزَمُ الجار بالعارية مع دوام الجذوع في الغالب فلأنْ يُلْزَمَ صاحبُ الكتاب مع عدم دوام العارية أولى اهـ. وخالف في المسألة بعضهم. وبالجملة فلا ينبغي له كتمانه إياه، ومنعه منه، فقد قال وكيع: أول بركة الحديث إعارة الكتب. وقال سفيان الثَّوري: من بَخِلَ بالعلم ابتلِي بإحدى ثلاث: أن ينساه، أو يموت ولا ينتفع به، أو تذهب كتبه. وقال الناظم: وقد ذم الله مانع العارية بقوله: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ). وإعارة الكتب أهم ماعون. اهـ تدريب. (و) إذا أعاره الكتاب فـ (ليسرع) ذلك (المعار) اسم مفعول من أعارهُ، أي الذي أعطى العارية. يعني: أنه إذا أعاره صاحب الكتاب كتابَهُ فلا يبطئ عليه به بل يرده بعد انقضاء الحاجة. فقد قال الزهري رحمه الله: إياك وغلول الكتب، قيل: وما غلولها؟ قال: حبسها عن أصحابها. (ثم) إذا نسخ الكتاب (ينقل) سماعه، أي يثبته

عليه (من بعد عَرْض) أي مقابلة ذلك الكتاب (يحصل) أي يوجد ذلك العرض، ووصف العرض بالحصول، إشارةً إلى أنه لا بد أن يكون عرضاً صحيحاً متقناً. وحاصل المعنى: أنه إذا نسخ الكتابَ المعارُ لنفسه وأراد أن يثبت سماعه عليه فلا بد له من المقابلة بل لا ينبغي إثبات سماع في كتاب مطلقاً إلا بعد مقابلته، لئلا يغتر أحد به قبلها، إلا أن يبين في الإثبات والنقل أن النسخة غير مقابلة. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله " مستند المنع " إلى قوله " لا ذي خلل " وقوله " أو همزة علامة " وقوله " والكاف لم تبسط " البيت، وقوله " والرضى " وقوله " حتماً " وقوله " ويكتفى إن ثقة " البيت، وقوله " أو من "، وقوله " أو زائداً " وقوله " أو أختاً " البيت، وقوله " مع ثنا أو تفرد " وقوله " سنداً ومتناً " البيت، وقوله " أو خط بالرضى به ". ولما كان الباب المتقدم في كتابة الحديث وضبطه، وهما مطلوبان لأجل أن يثبت ما سمعه، ثم يرويه لغيره ناسب أن يتبعه بباب صفة رواية الحديث فلذا قال:

(صفة رواية الحديث)

(صفةُ رواية الحديث) أي هذا مبحث صفة رواية الحديث، وآدابها، وما يتعلق بها، وهو النوع الأربعون من أنواع علوم الحديث. وقد تقدم بيان كثير من ذلك في ضمن النوعين قبله، وغيرهما كألفاظ الأداء: 485 - وَمَنْ رَوَى مِنْ كُتُبٍ وَقَدْ عَرِي ... حِفْظًا أَوِ السَّمَاعَ لَمَّا يَذْكُرِ 486 - أَوْ غَابَ أَصْلٌ إِنْ يَكُ التَّغْيِيرُ ... يَنْدُرُ أَوْ أُمِّيٌّ اْوْ ضَرِيرُ 487 - يَضْبِطُهُمَا مُعْتَمَدٌ مَشْهُورُ ... فَكُلَّ هَذَا جَوَّزَ الْجُمْهُورُ (ومَن) شرطية، أو موصولة مبتدأ (روى) أي أراد رواية حديث (من كتب) مصنفة فيه، متقنة مقابَلَة، مصونة، وقد صح عنده سماع ما تضمنته (وقد عري) كرضي، أي خلا، وسكنت الياء للوزن (حفظاً) منصوب بنزع الخافض أي منه، والجملة حال من الفاعل، أي والحال أنه خال من الحفظ لتلك الكتب، بحيث لم يذكر تفصيل أحاديثها حديثاً حديثاً. وحاصل المعنى: أن من أراد رواية حديث لا يحفظه، أو كان يحفظه إلا أنه سيئ الحفظ معتَمِداً على كتبه (أو السماع) منصوب على المفعولية ليَذْكُر مقدَّماً (لَمَّا) نافية جازمة، أي لم (يذكر) مجزوم بلما كسرت راؤه

مراعاة للتقفية، والجملة عطف على قوله: وقد عرى أي أو حال كونه غير ذاكر سماعَ ذلك الحديث، أي ولا عَدَمَه. يعني: أنه أراد رواية حديث رآه في كتابه بخطه، أو بخط غيره ممن يثق به غير متذكر سماعه وعدمه. (أو) أراد رواية حديث وقد (غاب) عنه (أصل) أي كتابه الذي سمع منه، والجملة كسابقتها. يعني: أنه أراد أن يروي حديثاً من كتابِ غابَ عنه مدة بإعارة أو ضَيَاع، أو سرقة، ولو طالت الغيبة، بشرط عدَم التغيير، كما أشار إليه بقوله: (إن يك التغيير) أي تبديل ذلك الأصل (يندر) أي يَقِلُّ. يعني: أن الغالب على الظن سلامته منه، ولا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه ذلك غالباً. (أو) أراد رواية حديث شخص (أميٌّ) هو الذي لا يحسن الكتابة، قيل: نسبة إلى الأم، لأن الكتابة مكتسبة فهو على ما ولدته أمه من الجهل بالكتابة، وقيل نسبة إلى أمة العرب، لأنه كان أكثرهم أميين أفاده الفيومي. فقوله: أمي فاعل لمحذوف، أي أراد، وكذا ضرير الآتي. (أو) أراد روايةَ حديث شخصٌ (ضرير) كأميرٍ، الرجل الذهب البصر جمعه أضِرَّاء قاله في " ق " وشرحه، وجملة قوله: (يضبطهما) صفة لأمي، وضريرٍ سكن طاؤه للوزن. يعني: أنه يضبط للأمي والضرير ما سمعاه (معتمد) أي ثقة يَعْتَمِدَانِ عليه، مرفوع على الفاعلية، وقوله: (فكل هذا) مفعول مقدم لجوزوا أي كُلَّ ما ذكرناه من قوله " ومن روى من كتب " (جوز الجمهور) أي جوز الرواية به جل العلماء المحققين، والجملة جواب " من "، أو خبره. وحاصل معنى الأبيات الثلاثة: أنه اختلف العلماء في هذه المسائل الأرْبَعِ:

الأولى: مسألة الاحتجاج بمن لا يحفظ حديثه، وإنما يحدث من كتبه معتمداً عليها. فذهب الجمهور إلى جواز الرواية بذلك وثبوت الحجة به إذا كان قد ضبط سماعه وقابل كتابه على الوجه المعتبر في ذلك، ولو غاب عنه الكتاب إذا كان الغالب عليه السلامة من التغيير ولا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالباً لأن الاعتماد في باب الرواية على غالب الظن. وذهب قوم إلى منع الاحتجاج بذلك قالوا: لا حجة إلا فيما روى من حفظه وتذكره. رُوِيَ ذلك عن أبي حنيفة، ومالك، وأبي بكر الصيدلاني المروزي الشافعي. الثانية: إذا وجد المحدث سماعه في كتابه بخطه، أو خط من يثق به سواء الشيخ أو غيره، فلا يخلو إما أن يتذكره، أولا، فإن تذكره جازت له روايته بلا خلاف، إن كان حافظاً له، وعلى المعتمد إن لم يكن حَافِظاً له، وإن لم يذكر سماعه ولا عدمه ففيه الخلاف، والصَّحِيح جواز الرواية، وعليه الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، والأكثرون من أصحاب الشافعي، لعمل العلماء به سلفاً وخلفاً، وباب الرواية على التوسعة. وعن أبي حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي لا تجوز روايته له حتى يتذكر، وأما إذا ذكر السماع ولكن لم يجد بذلك خطا، فقال السخاوي رحمه الله: المعتمد الجواز. الثالثة: أنه إذا غاب عنه الكتاب وكان اعتماده عليه دون الحفظ فذهب بعض أهل التشديد في الرواية إلى أنه لا تجوز الرواية منه، لغيبته عنه، وجوازِ التغيير فيه، والصواب الذي عليه الجمهور، كيحيى القطان، وفضيل بن ميسرة، وغيرهما من المحدثين كما حكاه عنهم الخطيب، وجنح إليه أنه إذا كان الغالب على الظن من أمره سلامته من التغيير جازت الرواية منه لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب إذا غُيِّرَ ذلك أو شيء منه، لأن باب الرواية مبني على غلبة الظن فإذا حصل أجزأ.

الرابعة: مسألة الأمي والضرير الذين لا يحفظان حديثهما من فم من حَدَّثَهُمَا. فالجمهور على صحة روايتهما إذا ضبط لهما سماعهما ثقة، وحَفِظَا كتابهما عن التغيير بحسب حالهما، ولو بثقة غيرِهما إلى الأداء مع الاستعانة حين الأداء أيضاً بثقة في القراءة بحيث يغلب على الظن سلامته من الزيادة والنقص والتغيير ونحوها. ومنع من ذلك غير واحد من الأئمة كابن معين، وأحمد، لجواز الإدخال عليهما ما ليس من سماعهما. ثم ذكر حكم من أراد رواية الحديث من نسخة ليس فيها سماعه، ولا هي مقابَلة بنسخة سماعه غير أنها سمعت على شيخه، أو فيها سماع شيخه على شيخه، فقال: 488 - وَمَنْ رَوَى مِنْ غَيْرِ أَصْلِهِ بِأَنْ ... يَسْمَعَ فِيهَا الْشَّيْخُ أَوْ يُسْمِعَ لَنْ 489 - يُجَوِّزُوهُ، وَرَأَى أَيُّوبُ ... جَوَازَهُ وَفَصَّلَ الْخَطِيبُ: 490 - إِنْ اطْمَأَنَّ أَنَّهَا الْمَسْمُوعُ ... فَإِنْ يُجِزْهُ يُبَحِ الْمَجْمُوعُ (ومن) موصولة مبتدأ خبره جملة " لن يجوزوه " (روى) أي أراد الرواية (من) نسخة (غير أصله) أي سماعه، يعني: أنها ليست مما سمعها على شيخه، ولا هي مقابلة بها كما هو الأولى في ذلك. (بأن يسمع فيها) الباء بمعنى مع، ويسمع ثلاثي بفتح الياء أي يسمع في تلك النسخة التي أراد الرواية عنها (الشيخ) الذي سمع هو عليه في نسخة خِلَافِهَا على الشيخ الأعلى (أو يسمع) من الإسماع رباعياً، أي غيرَه، يعني أن الشيخ أسمع في تلك النسخة غير ذلك الشخص الذي أراد الرواية منها (لن يجوزوه) أي لم يجز هذا الفعل جمهور المحدثين، لأنه قد يكون في تلك النسخة زائد ليست في نسخة سماعه. وحاصل المعنى: أنه إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة به ولكن سمعت على شيخه، أو فيها سماع شيخه على الشيخ الأعلى، وكذا إذا كتبت عن شيخه، وسكنت نفسه إليها لم يُجِزِ الرواية منها عامة المحدثين وقطع بها ابن الصباغ.

(ورأى أيوب) ابن أبي تميمة، كيسان السختياني بفتح المهملة، أو كسرها بعدها معجمة ساكنة، ثم مثناة فوقية مكسورة، ثم تحتانية، وآخره نون، العَنَزِي بزاي، أبو بكر، البصري، الفقيه، أحد الأئمة الأعلام، سيد الفقهاء، كان ثقة ثبتاً حجة جامعاً للعلم ولد سنة 66 وتوفي سنة 131 هـ. (جوازه) مفعول " رَأى "، أي صحة الرواية من تلك النسخة مطلقاً، يعني: أن أيوب جوز الرواية من النسخة المذكورة، وكذا محمد بن بكر البُرْسَانِي. (وفصل) من التفصيل (الخطيب) الحافظ أبو بكر أحمد علي بن ثابت البغدادي المتوفى سنة 463 هـ، وهو ابن 71 سنة، يعني أنه حكم في هذه المسألة بالتفصيل قائلاً: (إن اطمأن) أي سكنت نفسه، يقال: اطمأن القلب سكن، ولم يَقْلَقْ، والاسم الطُّمَانينة، (أنها) أي تلك النسخة، أو الأحاديث التي فيها، (المسموع) من الشيخ، وأن معمولاها مجرور بحرف جر محذوف قياساً، أي اطمأن في سماعها من الشيخ، يعني أنه إذا سكنت نفسه بأن تلك الأحاديث هي التي سمعها من الشيخ جاز له أن يرويها إن تيقن صحتها وسلامتها وإلا فلا. هذا كله إذا لم تكن له إجازة من الشيخ المُسمِعِ له، وإلا فتجوز له الرواية كما قال ابن الصلاح، وإليه أشار بقوله: (فإن يجزه) أي يجز الشيخ إياه رواية تلك النسخة، أو سائرِ مروياته، كما تقدم أنه لا غنى له في كل سماع عن الإجازة احتياطاً ليقع ما يسقط في السماع على وجه السهو وغيره من كلمة فأكثر مروياً بالإجازة (يبح المجموع) فعل مغير الصيغة ونائب فاعله من الإباحة، والفعل جواب إن، أي يُجَزْ روايةُ مجموعِ ما في تلك النسخة مطلقاً. والحاصل: أنه إذا كانت له إجازة عامة من شيخه لمروياته، أو لهذا الكتاب جازت له الرواية منها، وله أن يقول: حدثنا وأخبرنا من غير بيان للإجازة، والأمر قريب يتسامح بمثله.

وإن كان في النسخة سماع شيخ شيخه فيحتاج أن يكون له إجازة عامة من شيخه، ومثلها لشيخه من شيخه. ثم بيّن حكم من تَخَالَفَ حِفْظُهُ مع كتابه فقال: 491 - مَنْ كُتْبَهُ خِلافَ حِفْظِهِ يَجِدْ ... وَحِفْظَهُ مِنْهَا: الْكِتَابَ يَعْتَمِدْ 492 - كَذَا مِنَ الشَّيْخِ وَشَكَّ، وَاعْتَمَدْ ... حِفْظًا إِذَا أَيْقَنَ، وَالْجَمْعُ أَسَدّ 493 - كَمَا إِذَا خَالَفَ ذُو حِفْظٍ ............ ... ....................... (من) موصولة أو شرطية مبتدأ (كتبه) بسكون التاء، مفعول مقدم ليجد (خلاف حفظه) حال من كتبه، أو مفعول ثان ليجد، أي مخالفةً لحفظه (يجد) صلة " من "، أوفعل الشرط (وحفظه منها) مبتدأ وخبر حال من فاعل يجد، أي والحال أن حفظ ذلك الشخص من تلك الكتب (الكتاب) مفعول مقدم لقوله: (يعتمد) خبر " من "، أو جوابها، يعني أنه يعتمد على كتابه دون حفظه (كذا) خبر لمحذوف أي الحكم كائن كذا إذا كان حفظه (من) فم (الشيخ و) لكنه (شك) في حفظه (واعتمد) الراوي الذي تخالف حفظه مع كتابه (حفظاً) دون الكتاب (إذا أيقن) وتَثَبَّتَ في حفظه، ولم يتشكك فيه (و) لكن (الجمع) بين الحفظ والكتاب في حال الرواية، مبتدأ خبره قوله: (أسد) أي أصوب من الاقتصار على ما في الكتاب، فيقول: حفظي كذا، وفي كتابي كذا، كما فعله الأئمة (كما) يستحسن الجمع له (إذا خالفـ) ـه (ذو حفظ) أي شخص حافظ، متقن، فيقول: حفظي كذا، وقال فيه فلان كذا، أو قال فيه غيري كذا، ونحو ذلك كما فعله سفيان وغيره. وحاصل ما أشار إليه في هذه الأبيات أنه إذا وَجَدَ الحافظُ في كتابه خلاف ما يحفظه، وقلنا بالمعتمد من الاكتفاء في الرواية بكتابه المُتْقَنِ المحفوظ عنده، ولو لم يكن حافظاً نُظِرَ فإن كان حفظه من الكتاب رجع إلى ما فيه، ولو اختلف المعنى، وإن كان حفظ من فم المحدث، أو من القراءة عليه اعتمد حفظه دون كتابه إذا لم يتشكك، أما مع الشك، أو سوء الحفظ فلا.

والأحسن له حينئذ الجمع بينهما كما فعل هَمَّام، وقد رَوَى حديثَ أنه - صلى الله عليه وسلم -: " اشترى حلة بسبع وعشرين ناقة " فقال: هكذا في حفظي، وفي كتابي " ثوبين " هذا مع عدم التنافي بينهما إذ الحلة لا تسمى حلة إلا إذا كانت ثوبين من جنس واحد. وفعله أيضاً شعبة في حديث ابن مسعود في التشهد: " ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - " وقال: هكذا في حفظي، وهو ساقط في كتابي. وفعله أيضاً يَحْيَى بن سعيد، وأبو قلابة الرقاشي، وهكذا الحكم فيما إذا خالفه في حفظه بعضُ الحفاظ، فليقل حفظي كذا وكذا، وقال فيه فلان، أو غيري كذا وكذا ونَحْوَه. فقد فعله شعبة في حديث ابن عباس في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: " يتصدق بدينار أو نصف دينار " قال شعبة: أما حفظي فمرفوع وزعم فلان وفلان أن الحَكَمَ لم يرفعه فقيل له: يا أبا بسطام حدثنا بحفظك ودعنا من فلان وفلان، فقال: ما أحب أن عمري في الدنيا عمر نوح وإني حدثت بهذا وسكت عن هذا. وفعله سفيان، والفضل بن الحباب، وأبو معمر. ثم ذكر مسألة الرواية بالمعنى واختلاف العلماء فيها فقال: ..................... وَفِي ... مَنْ يَرْوِي بِالْمَعْنَى خِلافٌ قَدْ قُفِي 494 - فَالأَكْثَرُونَ جَوَّزُوا لِلْعَارِفِ ... ثَالِثُهَا: يَجُوزُ بِالْمُرَادِفِ 495 - وَقِيلَ: إِنْ أَوْجَبَ عِلْمًا الْخَبَرْ ... وَقِيلَ: إِنْ يَنْسَ، وَقِيلَ: إِنْ ذَكَرْ 496 - وَقِيلَ: فِي الْمَوْقُوفِ وَامْنَعْهُ لَدَى ... مُصَنَّفٍ، وَمَا بِهِ تُعُبِّدَا 497 - وَقُلْ أَخِيرًا: " أَوْ كَمَا قَالَ " وَمَا ... أَشْبَهَهُ، كَالشَّكِّ فِيمَا أُبْهِمَا (وفي من يروي) الحديث (بالمعنى) لا باللفظ الوارد، والجار الأول متعلق بقفي، والثاني متعلق بيروي وقوله: (خلاف) مبتدأ، أي اختلاف بين العلماء، وقوله: (قد قفي) بالبناء للمفعول، أي تبعَ وبُحِثَ عنه، خبر لخلاف، أو الجار والمجرور الأول خبر مقدم، و (خلاف) مبتدأ مؤخر، وجملة " قفي " صفته.

والمعنى: أن العلماء اختلفوا في جواز رواية الحديث بالمعنى على أقوال: الأول ما ذكره بقوله: (فالأكثرون) من السلف، وأصحاب الحديث، وأرباب الفقه، والأصول، وهو مبتدأ خبره جملة (جوزوا) ذلك (للعارف) أي للشخص العارف بمدلولات الألفاظ، ومقاصدها، وما يحيل المعنى، والمحتمل من غيره، والمرادف منها، ولو كان غير صحابي سواء كان ذلك في المرفوع، أو في غيره، إذا قطع بأداء المعنى لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة، والسلف، ويدل عليه روايتهم القصةَ الواحدةَ بألفاظ مختلفة، واستدل لذلك الشافعي بحديث: " أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه " قال: وإذا كان الله برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف علمنا منه بأن الكتاب قد نزل لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه ما لم يكن اختلافهم إحالة معنى فكان ما سوى كتاب الله سبحانه أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه. ويدل على ذلك أيضاً كما قال الخطيب: اتفاق الأمة على أن للعالم بمعنى خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وللسامع بقوله أن ينقل معنى خبره بغير لفظه، وغير اللغة العربية، وأن الواجب على رسله، وسفرائه إلى أهل اللغات المختلفة من العجم وغيرهم أن يرووا عنه ما سمعوه وحملوه مما أخبرهم به وتعبدهم بفعله على ألسنة رسله سيما إذا كان السفير يعرف اللغتين فإنه لا يجوز أن يَكِلَ ما يرويه إلى ترجمان وهو يعرف الخطاب بذلك اللسان، لأنه لا يأمن الغلط، وقصد التحريف على الترجمان فيجب أن يرويه بنفسه، وإذا ثبت ذلك صح أن القصد برواية خبره، وأمره، ونهيه إصابةُ معناه، وامتثال موجبه دون إيراد نفس لفظه، وصورته. وعلى هذا الوجه لزم العجم وغيرهم من سائر الأمم دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى دينه، والعلم بأحكامه.

وأما الحديث (¬1) الذي ذكره في التدريب استدلالاً على المسألة فهو حديث مضطرب لا يصح الاحتجاج به كما أوضحه السخاوي رحمه الله، بل ذكره الجُوزَقَانِيّ في الموضوعات. واحترز بقوله للعارف عن غيره، فإنه لا تجوز رواية ما سمعه بالمعنى بلا خلاف، لأنه لا يؤمن بتغييره من الخلل والتحريف. والقول الثاني قول طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه لا تجوز الرواية إلا بلفظه المروي. وإليه ذهب ابن سيرين، وثعلب، وأبو بكر الرازي من الحنفية، وروي عن ابن عمر، وإليه مال عياض قال: ينبغي سد باب الرواية بالمعنى، لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع للرواة كثيراً قديماً وحديثاً اهـ. وهذا القول هو المطوي في قوله: (ثالثها) أي الأقوال المروية في المسألة وهو للخطيب البغدادي، فثالثها مبتدأ خبره جملة قوله: (يجوز) ذلك (بالمرادف) فقط كإبدال قام بنهض، وقال بتكلم، وجلس بقعد، ونحو ذلك. يعني: أنه يجوز إبدال لفظ بمرادفه مع بقاء التركيب وموقع الكلام، وإلا فلا، لأنه قد لا يوفي بالمقصود، وهذا قول الحافظ في النزهة وقيل: إنما يجوز في المفردات دون المركبات فافهم. قال الخطيب: وهذا القول هو الذي نختاره مع شرط آخر، وهو أن يكون سامع لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - عالماً بموضوع ذلك اللفظ في اللسان، وبأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد به ما هو موضوع له، فإن علم تجوزه به واستعارته له لم يسغ له أن يروي اللفظ مجرداً دون ذكره ما عرفه من قصده - صلى الله عليه وسلم - ضَرُورَةً. ¬

_ (¬1) وهو ما رواه ابن منده والطبراني عن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي قال: قلت: يا رسول الله: إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع منك يزيد حرفاً أو ينقص حرفاً فقال: إذا لم تحلوا حراماً ولم تحرموا حلالاً وأصبتم المعنى فلا بأس.

غَيرَ مُستدلٍّ عليه فإنه إن استدل به على أنه قصد به معنى من المعاني جاز عليه الغلط، والتقصير في الاستدلال، ووجب نقله له بلفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لينظر هو وغيره من العلماء فيه اهـ. والقول الرابع: ما أشار إليه بقوله: (وقيل أن أوجب) أي أثبت وأفاد (علماً) أي اعتقاداً (الخبر) أي الحديث الذي يروي بالمعنى، وهو فاعل أوجب، وجواب إن محذوف دل عليه ما قبله تقديره جازت الرواية بالمعنى. وحاصل المعنى: أنه تجوز الرواية بالمعنى إن كان موجب الحديث علمأ لأن المعول على معناه دون لفظه، ولا تجوز إن كان موجبه عملاً كحديث " تحليلها التسليم، وتحريمها التكبير " وحديث " خمسٌ يقتلن في الحل والحرم ". والقول الخامس: ما أشار إليه بقوله: (وقيل إن ينس) المحدث لفظ الحديث، ولكن بقي معناه مرتسماً في ذهنه جازت له الرواية بالمعنى، لأنه تحمل اللفظ، والمعنى معاً فإذا عجز عن أحدهما لزمه أداء الآخر لمصلحة تحصيل الحكم، وإن لم ينسَ فلا، لأن في كلامه - صلى الله عليه وسلم - من الفصاحة ما ليس في غيره. وهذا القول للماوردي من كبار الشافعية في كتابه الحاوي. والقول السادس: عكس ما قبله وهو ما أشار إليه بقوله: (وقيل إن ذكر) المحدث لفظ الحديث جازت الرواية بالمعنى لا إن نسيه لأنه إذا ذكره يتمكن من التصرف فيه. والقول السابع: ما أشار إليه بقوله: (وقيل) تجوز الرواية بالمعنى (في الموقوف) على الصحابي، أو غيره، لا في المرفوع إليه - صلى الله عليه وسلم - حكاه ابن الصلاح عن بعضهم، ورواه البيهقي في المدخل عن مالك، وروى عنه أيضاً أنه كان يتحفظ من الباء والياء والتاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروى عن الخليل بن أحمد أنه قال ذلك أيضاً.

واستدل له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " رب مبلغ أوعى من سامع " فإذا رواه بالمعنى فقد أزال عن موضعه معرفة ما فيه. وبقيت أقوال لم يذكرها في النظم نذكرها تتميماً للفوائد فنقول: الثامن: أنه يجوز ذلك للصحابة دون غيرهم، لظهور الخلل في لسانهم بخلاف الصحابة فهم أرباب اللسان، وأعلم الخلق بالكلام، حكاه الماوردي، والروياني في باب القضاء، بل جزما بأنه لا يجوز لغير الصحابة، وجعلا الخلاف في الصحابة دون غيرهم، قاله السخاوي. التاسع: أنه لا يجوز لغير الصحابة والتابعين بخلاف من كان منهم، وبه جزم حفيد القاضي أبي بكر، قال: لأن الحديث إذا قيده الإسناد وجب أن لا يختلف لفظه فيدخله الكذب. العاشر: أنه لا يجوز في الرواية والتبليغ خاصة بخلاف الإفتاء والمناظرة قاله ابن حزم في كتابه إحكام الأحكام. ثم إن هذا الخلاف كله في غير ما دُوِّنَ في المصنفات، وأما ما فيها فلا يجوز تغييره كما أشار إليه بقوله: (وامنعه) أيها المحدث أي ما ذكر من الرواية بالمعنى قطعاً (لدى) أي عند النقل عن كتاب (مصنف) بفتح النون أي مؤلف، فلا يجوز التغيير لما فيه. وحاصل المعنى: أنه لا خلاف في منع الرواية بالمعنى لما تضمنته بطون الكتب لأنه إنما رخص ذلك لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب، وذلك منتف في الذي اشتملت عليه الكتب. قال ابن الصلاح: ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره اهـ. قال السخاوي في قول ابن الصلاح: هذا يؤخذ منه اختصاص المنع، بما إذا روينا التصنيف نفسه، أو نسخناه، أما إذا نقلنا منه إلى تخاريجنا

وأجزائنا فلا، إذ التصنيف حينئذ لم يتغير وهو مالك لتغيير اللفظ أشار إليه ابن دقيق العيد اهـ. ومال الحافظ إلى ذلك أيضاً إذا قرن بما يدل عليه كقوله بنحوه أفاده السخاوي. (و) امنعه أيضاً اتفاقاً في نقل (ما) أي الحديث الذي (به) أي بلفظه (تُعُبِّدَا) بالبناء للمفعول، والألفُ للإطلاق يقال: تعبدته: دعوته إلى الطاعة أفاده الفيومي. أي فيما دُعِينا، وأُمِرنا إلى الطاعة بلفظه، كالأذان، والتشهد، والتكبير، والتسليم، وجميع الأذكار، والأدعية النبوية، فإنه لا يجوز تغييرها بلا خلاف. ثم ذكر ما ينبغي لمن يَرْوِي بالمعنى بقوله: (وقل) أيها الراوي بالمعنى (أخيراً) أي عقب الحديث المروي بالمعنى (أو كما قال) مقول قل، أي هذا اللفظ يعني: أنك تقول بعد انتهاء المروي بالمعنى: أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - في المرفوع، أو كما قال فلان في غيره، (وما أشبهه) الواو بمعنى أو، أي أو قل ما أشبه هذا اللفظ من نحو قولك: أو شبه هذا، أو نحو هذا، أو مثله، فقد كان كثير من الصحابة وغيرهم يفعلونه مع أنهم أعلم النَّاس بمعاني الكلام حذراً من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر. فعن ابن مسعود أنه قال يوماً: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغر ورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، ثم قال: أو مثله، أو نحوه، أو شبيه به، رواه ابن ماجه وأحمد والحاكم. وعن أبي الدرداء أنه كان إذا حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أو نحوه أو شبهه. رواه الدارمي في مسنده، وعن أنس - رضي الله عنه - أنه كان إذا حدث عن رسول الله ففرغ قال: أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه ابن ماجه وأحمد. (كالشك) أي كما يحسن لك أن تقول ما ذكر في حال شك (فيما)

أي اللفظ الذي (أبهما) بالبناء للمفعول، وألفِ الإطلاق، أي أُغلِقَ عليك أمره، فلم تهتد لمعرفته. وحاصل المعنى: أنه إذا شك القارئ، أو الشيخ في لفظة، أو أكثر فقرأها على الشك، فإنه يحسن أن يقول: أو كما قال، لأنه يتضمن إجازة من الراوي وإذناً في رواية صوابها عنه إذا بَانَ، ولا يشترط إفراد ذلك بلفظة الإجازة كما قاله ابن الصلاح. ثم إن العلماء اختلفوا أيضاً في جواز اختصار الحديث وإليه أشار بقوله: 498 - وَجَائِزٌ حَذْفُكَ بَعْضَ الْخَبَرِ ... إِنْ لَمْ يُخِلَّ الْبَاقِي عِنْدَ الأَكْثَرِ 499 - وَامْنَعْ لِذِي تُهْمَةٍ فَإِنْ فَعَلْ ... فَلا يُكَمِّلْ خَوْفَ وَصْفٍ بِخَلَلْ 500 - وَالْخُلْفُ فِي التَّقْطِيعِ فِي التَّصْنِيفِ ... يَجْرِي وَأَوْلَى مِنْهُ بِالتَّخْفِيفِ (وجائز) خبر مقدم وقوله (حذفك) مبتدأ مؤخر (بعض الخبر) مفعول به لحذف. يعني: أنه يجوز لك أن تحذف بعض الحديث، وتقتصر على بعضه حيث كنت عارفاً به وإلا فلا، (إن لم يخل) من الإخلال وهو التقصير أي إن لم يُقَصِّرِ (الباقي) أي المذكور عن إفادة تمام المعنى (عند الأكثر) متعلق بجائز أي عند أكثر العلماء من المحدثين وغيرهم. وحاصل معنى البيت أن حذف بعض المتن يجوز عند جمهور العلماء بشرطين: أحدهما: كونه عالماً عارفاً بكيفية الاختصار بأن يعرف ما يحصل به الخلل في ذلك. الثاني: وهو الذي ذكره في النظم أن لا يكون المذكور مُخِلًّا بالمقصود، وذلك بكونه منفصلاً عن المتروك، غير متعلق به بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة في حذفه، كالاستثناء: مثل قوله " لا يباع الذهب بالذهب إلا سواء بسواء "، والغايةِ مثل قوله: " لا يباع النخل حتى يزهى ". والشرطِ ونحوها.

قال السخاوي بعد ذكر ما تقدم: ثم إن ما ذهب إليه الجمهور لا ينارع فيه من لم يجز النقل بالمعنى لأن الذي نقله والذي حذفه والحالة هذه بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر اهـ. وسواء في ذلك رواه هو أو غيره قبله تاماً أم لا، ومقابل قول الجمهور أقوال ثلاثة: الأول: المنع مطلقاً سواء تقدمت روايته له تاماً أم لا، كان عارفاً بما يحصل به الخلل أم لا، بناء على منع الرواية بالمعنى مطلقاً، لأن رواية الحديث على النقصان والحذفِ لبعض متنه يقطع الخبر ويغيره عن وجهه، وربما حصل الخلل والمختصر لا يشعر. الثاني: الجواز مطلقاً احتاج إلى تغيير لا يخل بالمعنى أم لا، تقدمت روايته له تاماً أم لا، وبه قال مجاهد، وابن المبارك. ولكن هذا الإطلاق ينبغي تقييده بما إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمَأتِيّ تعلقاً يخل المعنى بحذفه كما تقدم في قول الجمهور. القول الثالث: قول من قال بالتفصيل وهو أنه إن لم يكن رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره لم يجز وإن جازت الرواية بالمعنى، وإن كان رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره بحيث أمن بذلك تفويت سنة أو حكم أو نحو ذلك جاز. هذا كله إن ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه مرة تاماً فخاف إن رواه ثانياً ناقصاً أن يتهم بزيادة فيما رواه أوَّلاً، أو نسيان لغفلة وقلة ضبط فيما رواه ثانياً فلا يجوز له النقصان ثانياً إن تعين عليه. وإلى هذا أشار بقوله: (وامنع) أيها المحدث حذف بعضر الخبر (لذي تهمة) أي لمن يُتَّهَم في روايته بعدم الضبط فيما رواه فإنه يجب عليه أن يزيل هذه التهمة فلا يروي ناقصاً، والتُّهَمةُ بضم التاء وفتح الهاء، كَهُمَزَة: الظنُّ، وتسكينُ الهاء لغة كما أفادها الفيومي نقلاً عن الفارابي.

(فإن) أبى إِلَّا أن يروى ناقصاً و (فعل) ذلك بأن حذف بعض الخبر فرواه مرة ناقصاً (فلا يكمل) أي لا يروى ذلك بعده تاماً (خوف وصف) أي لأجل خوف وصفه (بخلل) في روايته. وحاصل المعنى أنه إن خاف على نفسه أن يتهم باضطراب نقله وجب الاحتراز عنه. وإيضاح ذلك أنه لو رواه أولًا تاماً فخاف إن رواه ثانياً ناقصاً أن يتهم بزيادة فيما رواه أولًا أو نسيان لغفلة وقلة ضبط فيما رواه ثانياً فلا يجوز له النقصان ثانياً ولا ابتداءً إِن تعين عليه أداء تمامه لئلا يخرج بذلك باقيه عن الاحتجاج به. فإن أبى إلا أن يرويه ناقصاً ففعل فلا يكمله بعد ذلك أي لا يرويه تاماً بل يكتم الزيادة. قال سليم الرازي: فإن رواه ناقصاً أولًا ثم أراد روايته تاماً وكان ممن يتهم بالزيادة كان ذلك عذراً له في تركها وكتمانها. وتوقف فيه العز بن جماعة لأن المفسدة المترتبة على الكتم وتضييع الحكم أشد من الاتهام وما يتعلق به، وأشد المفسدتين يترك بارتكاب الأخف إذا تعين طريقاً خصوصاً والزيادة غير قادحة، وأخص منه إذا قلنا: إنها مقبولة، وكيف يكون ذلك عذراً في شيء تحمله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن يحمل العذر على أنه عذر في التأخير لا الإهمال، ويتطرق إلى هذا أيضاً الكلام في وقت الحاجة باعتبار التأخير عنها، لأنه بذلك يعرض الزائد لإخراجه عن حيز الاستشهاد به أو المتابعة ونحوِهَا ذكره السخاوي رحمه الله. وكل ما تقدم من جواز الاقتصار على بعض الحديث في حال الرواية، وأما تقطيعُهً في حال التصنيف فقد أشار إليه بقوله (والخلف) بضم فسكون مبتدأ خبره جملة " يجري " أي الاختلاف بين العلماء. (في التقطيع) متعلق بيجري أي تقطيع المصنف للحديث الواحد وتفريقه (في التصنيف) أي في حال تصنيفه للكتاب، أو التصنيفُ بمعنى

المصنف، أي في الكتاب المصنف، والجار والمجرور متعلق بالتقطيع (يجري) أي الخلف. وحاصل المعنى: أن تقطيع المصنف للحديث الواحد وتفريقه في الأبواب بحسب الاحتجاج به على مسألة يجري فيه الخلاف كما جرى في سابقه (و) لكن هذا (أولى منه) أي من الاختصار السابق (بالتخفيف) أي تحقيق كراهته. يعني أن هذا أقرب إلى الجواز، وأبعد من المنع، وقد فعله الأئمة. والحاصل: أن تقطيع المتن الواحد المشتمل على عدة أحكام كحديث جابر الطويل في الحج، ونحوه في الأبواب المتفرقة إلى الجواز أقرب، وإن كان فيه اختلاف، فقد رُوِي عن أحمد أنه قال: ينبغي أن لا يُفعَلَ، حكاه عنه الخلال، وقال ابن الصلاح: لا يخلو من كراهة. وقال السخاوي رحمه الله: ما حاصله: وصرح الرشيد العطار بالخلاف فيه وأن المنع ظاهر صنيع مسلم، فإنه لكونه لم يقصد ما قصده البخاري من استنباط الأحكام يورد الحديث بتمامه من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه مثل حديث فلان أو نحوه، ولكن قال النووي: إنه يبعد طرد الخلاف فيه، وقد فعله من الأئمة أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم، قديماً وحديثاً، ونسب أيضاً للإمام مالك مع تصريحه بالمنع في حديث الرسول إلا أن يفرق بين الرواية والتأليف. وقال أيضاً بعد ذكر قول ابن الصلاح: إنه لا يخلو من كراهة: ما نصه: يعني فإنه إخراج للحديث المروي عن الكيفية المخصوصة التي أورد عليها. لكن قد نازعه النووي فقال: ما أظن غيره يوافقه على ذلك بل بالغ الحافظ عبد الغني بن سعيد وكاد أن يجعله مستحباً.

قال السخاوي: قلت: لا سيما إذا كان المعنى المستنبط من تلك القطعة يدق فإن إيراده، والحالة هذه بتمامه تقتضي مزيد تعب في استخلاصه بخلاف الاقتصار على محل الاستشهاد ففيه تخفيف. والتحقيق كما أشار إليه ابن دقيق العيد في شرح الإلمام التفصيل فإن قطع أنه لا يخل المحذوف بالباقي فلا كراهة وإن نزل عن هذه المرتبة ترتبت الكراهة بحسب مراتبه في ظهور ارتباط بعضه ببعض وخفائه اهـ. كلام المحقق السخاوي رحمه الله جـ 3 ص 157. ثم ذكر اللحن، والتصحيف، والتحريف، وحث على تعلم النحو، واللغة، والأخذ من أفواه المشايخ، فقال: 501 - وَاحْذَرْ مِنَ اللَّحْنِ أَوِ التَّصْحِيفِ ... خَوْفًا مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ 502 - فَالنَّحْوُ وَاللُّغَاتِ حَقُّ مَنْ طَلَبْ ... وَخُذْ مِنَ الأَفْوَاهِ لا مِنَ الْكُتُبْ واللحن هو الخطأ في الإعراب والتصحيف الخطأ في الحروف بالنقط كإبدال الزاي في البزاز راء، والتحريف الخطأ فيها بالشكل، كقراءة حَجَر محرك أوله وثانيه بتحريك أوله وتسكين ثانيه قاله زكريا. (واحذر) أيها المحدث، يقال: حَذِرَ حَذَراً من باب تعب، واحتذر، واحترز كلها بمعنى: استعد، وتأهب، فهو حاذر، وحَذِر، والاسم منه الحِذرُ مثل حِمْل، وحَذِرَ الشيءَ إذا خافه قاله في المصباح. فالمعنى هنا: استَعِدَّ وتأهَّبْ للابتعاد من اللحن، أو خَفْ مَعَرَّةَ اللَّحنِ وخَطَرَهُ (من اللحن) أي الوقوع فيه في الألفاظ النبوية، يقال: لَحَن في كلامه لَحْناً من باب نَفَعَ أخطأ الإعراب، وخالف وجه الصواب قاله في المصباح. (أو) من (التصحيف) في الألفاظ، وفي أسماء الرواة، ولو كان لا يلحن، وهو تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المرادُ من الموضع، وأصله

الخطأ، يقال: صحفه فتصحف أي غيره فتغير حتى التبس قاله في المصباح. فالتصحيف على هذا أعم من اللحن، وعلى ما تقدم عن زكريا مغاير (خوفاً) أي لأجل خوفك، أو حذرتك لأجل خوفي عليك (من التبديل) أي تغيير كلامه - صلى الله عليه وسلم - (والتحريف) له عطف على التبديل عَطْفَ تفسير. وحاصل معنى البيت احذر أيها المحدث من اللحن أو التصحيف في حديثه - صلى الله عليه وسلم - لئلا تغير كلامه فتدخل في جملة مَن كَذب عليه، فقد قال الأصمعي: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من كذب عليَّ فَلْيَتَبَوَّا مقعده من النار " لأنه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه، ولحنت فيه فقد كذبت عليه. وعن حماد بن سلمة أنه قال لإنسان: إن لحنت في حديثي فقد كذبت عليّ، فإني لا ألحن، وقد كان حماد إماماً في ذلك. وعن سيبويه أنه شكا إلى الخليل بن أحمد حمادَ بن سلمة هذا، قال: سألته عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في رجل رَعُفَ فانتهرني وقال: أخطأت إنما هو رَعَفَ أي بفتح العين، فقال الخليل: صدق، أتلقى بهذا الكلام أبا سلمة؟ وهو مما ذكر في سبب تعلم سيبويه العربية. ويقال أيضاً: هو سبب تعلم ثابت البناني لها. فإذا كان الأمر كما وصفنا والحال ما بيّنا (فـ) نقول (النحو) أي تعلم قواعده، وهو علم بأصول مستنبطة من اللسان العربي، يعرف بها أحوال الكلمات العربية إفراداً وتركيباً، وضعت حين اختلاط العجم ونحوهم بالعرب، واضطراب العربية بسبب ذلك. (و) تعلم (اللغات) جمع لغة، هي: العلم بالألفاظ الموضوعة للمعاني ليتوصل بها إليها تكلماً، فقوله: النحو مبتدأ واللغات عطف عليه وخبره قوله (حق من طلب) الحديث. وحاصل المعنى: أن تعلم قواعد النحو واللغة واجب على طالب علم الحديث، وغيره، بحيث يتعلم من كل منهما ما يتخلص به عن شين اللحن

والتصحيف. وصرح بالوجوب العز بن عبد السلام، وغيره، وأقل ما يكفي فيهما أن يعرف منهما ما إذا قرأ لا يلحن، وإذا كتب لا يلحن، أفاده السخاوي. (و) إذا أردت السلامة من اللحن والتصحيف في الأسماء والألفاظ فـ (ـخذ) لها (من الأفواه) أي أفواه العلماء الضابطين لذلك، الآخذين عمن تقدم من شيوخهم، وهلم جرًّا (لا) تأخذ ذلك (من) بطون (الكتب) والصحف، من غير تدريب المشايخ. إذ يوجد في الكتب أشياء تصد عن العلم، وهي معدومة عند الطالب، كالتصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ، وقلة الخبرة بالإعراب، وكتابةِ ما لا يُقرأ، وقراءة ما لا يكتب وغير ذلك. ومن ثم قال العلماء: لا تأخذوا القرآن من مُصْحَفي، ولا العلم من صحفي، وعن ثور بن يزيد: لا يفتي النَّاس صَحَفي، ولا يقرؤهم مُصْحَفِي. ثم ذكر كيفية الرواية إذا وقع في الأصل اللحن، أو التحريف فقال: 503 - فِي خَطَأٍ وَلَحْنٍ أَصْلٍ يُرْوَى ... عَلَى الصَّوَابِ مُعْرَبًا فِي الأَقْوَى 504 - ثَالِثُهَا: تَرْك كِلَيْهِمَا وَلا ... تَمْحُ مِنَ الأَصْلِ، عَلَى مَا انْتُخِلا 505 - بَلْ أَبْقِهِ مُضَبَّبًا وَبَيِّنِ ... صَوَابَهُ فِي هَامِشٍ، ثُمَّ إِنِ 506 - تَقْرَأْهُ قَدِّمْ مُصْلَحًا فِي الأَوْلَى ... وَالأَخْذُ مِنْ مَتْنٍ سِوَاهُ أَوْلَى (في خطأ) متعلق بيروى أي في وقوع خطأ من تحريف، وتصحيف، فالخطأ بمعنى التصحيف فيما تقدم. (ولحن أصل) أي خطأ إعراب في أصل الرواية، أو ما يقوم مقامه، من فرع مقابَلٍ به (يروى) بالبناء للمفعول، أي يرويه المحدث من أول الْوَهْلَة على الوجه (الصواب) حال كونه (معرباً) أي مبيناً، ومطبقاً على القواعد العربية (في الأقوى) متعلق بيروى، أو خبر لمحذوف أي ذلك في القول الأقوى، أي الأرجح لقوة

دليله. وهو قول الأكثرين، ومنهم همام، وابن المبارك، وابن عيينة، والنضر بن شميل، وأبو عبيد، وعفان، وابن المديني، وابن راهويه، والحسن بن علي الحلواني، والحسن بن محمد الزعفراني، وغيرهم، وصوبه من المتأخرين ابن كثير، بل هو مذهب المحصلين والعلماء من المحدثين. وحاصل المعنى: أنه إذا وقع في الأصل لحن، أو تحريف فالصَّحِيح من أقوال العلماء أنه يرويه على الوجه الأصوب وهو قول أكثر العلماء، ولا سيما في اللحن الذي لا يختلف به المعنى. وقيل: يرويه على الخطأ كما سمعه، وبه قال ابن سيرين، وعبد الله ابن سخبرة أبو معمر، وأبو عبيد، قال ابن الصلاح: هذا غلو في مذهب اتباع اللفظ وَمَنْعِ الرواية بالمعنى، وهذا القول: هو المطوي في قوله: (ثالثها) أي الأقوال المروية في المسألة مبتدأ، خبره قوله: (ترك كليهما) أي الخطأِ والصوابِ، وهو قول العز بن عبد السلام، لأن الصواب لم يسمعه، والخطأ لم يقله النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الخلاف في القراءة، وأما الإصلاح في الكتاب، فقد بينه بقوله: (ولا تمح) أي لا تُزِلِ الخطأ واللحن (من الأصل) أي النسخة المسموعة على الشيخ، وكذا الفرع المقابَلُ بها (على ما انتخِلا) بالبناء للمفعول، والألف للإطلاق، أي على القول المختار، يقال: انتخلت الشيء: أخذت أفضله، وتنخلت كلامه تخيرت أجوده. أفاده في المصباح. والجار والمجرور متعلق بتمح، أو خبر لمحذوف، أي ذلك كائن على القول المختار. (بل أبقه) على ما هو عليه (مضبباً) بصيغة اسم الفاعل، أو المفعول، حال من الفاعل، أو المفعول، أي حال كونك مضبباً أو حال كونه مضبباً عليه بالعلامةِ المنبهمةِ على خَلَلِهِ. (وبين) أمر من التبيين (صوابه) أن وضح مع التضبيب عليه ما ظهر

لك أنه الصواب (في هامش) متعلق ببين، أي حاشية ذلك الأصل، وهي كلمة مولدة كما قَدَّمنا عن " ق ". وحاصل المعنى أنه إذا وقع الخَطَأ في أصل الكتاب فلا تغيره، بل اتركه على حاله، ولكن ضبب عليه، أي عَلِّم عليه بعلامة تُبَيِّنُ أنه خطأ ثم بيّن الصواب خارجاً في حاشية الكتاب، لأن ذلك أجمع للمصلحة، وأنفى للمفسدة. قال ابن الصلاح: وكثير ما نرى ما يتوهمه كثير من أهل العلم خطأ وربما غيروه صواباً ذا وجه صحيح، وإن خفى، واستغرب، لا سيما فيما يعدونه خطأ من جهة العربية، وذلك لكثرة لغات العرب، وتشعبها، قال الإمام الشافعي رحمه الله: لا يحيط باللغة إلا نبي. ولقد صدق من قال: وَكَمْ من عائبٍ قولاً صحيحاً ... وآفتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيم ومقابل المختار، قول من جوز تغييره وإصلاحه، ومنهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوَقْشِي وغيره. ثم بيّن كيفية قراءته فقال: (ثم إن تقرأه) فيه التضمين وكثيراً ما يستعمله الناظم لأنه مغتفر للمولدين، أي إن ترد قراءة الأصل الذي وقع فيه الخطأ الذي أصْلحته في الهامش (قدم) جواب إن بحذف الفاء للضرورة، (مصلحاً) بفتح اللام مفعوله، أي صواباً مصلحاً في الهامش (في الأولى) أي الوجه الأحسن، متعلق بقدم، أو خبر لمحذوف، أي ذلك كائن في الأولى، ثم تَذكر ما وقع في الأصل، بأن تقول بعد قراءة الصواب: وقع في روايتنا، أو عند شيخنا، أو من طريق فلان كذا. ومقابل الأولى: هو أن يقرأ ما في الأصل أولًا، ثم يذكر الصواب، وإنما كان الأول أولى لئلا يَتَقَوَّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل.

(والأخذ) مبتدأ أي أخذ الصواب (من متن سواه) أي حديث آخر وَارِد من غير تلك الطريق، فضلاً عنها (أولى) خبر المبتدإ، أي أحسن، لأنه بذلك أمِنَ من أن يكون مُتَقَوِّلًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل كما أن خير ما فسر به غريب الحديث ما جاء في روايته أخرى كما سيأتي. هذا كله في الخطأ الناشئ عن اللحن والتصحيف، وأما الناشئ عن سقط خفيف فذكره بقوله: 507 - وَإِنْ يَكُ السَّاقِطُ لا يُغَيِّرُ ... كَابْنٍ وَحَرْفٍ زِدْ وَلا تُعَسَّرُ 508 - كَذَاكَ مَا غَايَرَ حَيْثُ يُعْلَمُ ... إِتْيَانُهُ مِمَّنْ عَلا، وَأَلْزَمُوا 509 - " يَعْنِي " ............. ... ........................ (وإن يك الساقط) من الأصل (لا يغير) المعنى إسقاطه وذلك (كـ) لفظة (ابن) من مثل حدثنا حجاج عن ابن جريجٍ (وحرف) مثل الألف والواو (زد) أيها المحدث في الأصل (ولا تعسر) بالبناء للمفعول حال من فاعل زد، أي حال كونك غير مضيق عليك في ذلك، بأن تنبه على ذلك كالسابق. وحاصل معنى البيت: أنه إذا كان الساقط من الأصل شيئاً يسيراً يعلم أنه سقط في الكتابة، وهو معروف كلفظ ابن في النسب وكحرف لا يختلف به المعنى فلا بأس بإلحاقه في الأصل من غير تنبيه على سقوطه، كما نص على ذلك الإمامان مالك، وأحمد (كذاك) أي مثل هذا الحكم وهو جواز الإلحاق للساقط حكم (ما غاير) أي الساقط الذي غاير معنى ما وقع في الأصل (حيث يعلم) بالبناء للمفعول نائب الفاعل قوله: (إتيانه) أي مجيئه (ممن علا) أي الرواة المتقدمين بأن علم أن بعض من تأخر من الرواة أسقطه مع ذكر من فوقه له فله أيضاً أن يلحقه في الأصل (وألزموا) أي أهل الحديث حينئذ أن يأتي بكلمة (يعني) قبله. وحاصل معنى البيت: أنه إذا كان الساقط المغاير لمعنى الأصل يعلم أنه سقط من بعض من تأخر من رواة الحديث وأن من فوقه من الرواة أتى

به فإنه يزاد في الأصل لكن بعد كلمة " يعني " كما فعل ذلك الخطيب، حيث روي عن أبي عمر بن مهدي عن المحاملي بسنده إلى عروة عن عمرة يعني عن عائشة قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدني إليَّ رأسه فأرَجِّلُهُ " قال الخطيب: كان في أصل ابن مهدي عن عمرة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدني إلى رأسه فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بُدٌّ، وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه، وإنما سقط من كتاب شيخنا، وقلنا فيه: يعني عن عائشة، لأن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك، قال: وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا، ثم روى عن وكيع قال: إنا لنستعين في الحديث بيعني. ثم ذكر حكم ما يدرس في الكتاب من بعض المتن أو الإسناد بتقطع، أو بلل، أو نحوه فقال: ........ وَمَا يَدْرُسُ فِي الْكِتَابِ ... مِنْ غَيْرِهِ يُلْحَقُ فِي الصَّوَابِ 510 - كَمَا إِذَا يَشُكُّ وَاسْتَثْبَتَ مِنْ ... مُعْتَمَدٍ، وَفِيهِمَا نَدْبًا أَبِنْ (وما يدرس) أي الذي يمحى ويسقط، من درس الشيء يدرس من باب قعد: عفا وخفيت آثاره، ودرس الكتاب عَتُقَ، فهو بالبناء للفاعل، وما في الشرح من ضبطه بالبناء للمفعول فلا يعول عليه. (في الكتاب) أي كتاب المحدث بنحو تقطع، أو بلل، متعلق بما قبله (من غيره) أي كتاب غيره متعلق بـ (ـيلحق) بالبناء للمفعول، خبر ما، وهذا (في) القول (الصواب) ومقابله منع بعضهم من ذلك. وحاصل معنى البيت: أنه إذا دَرَسَ من كتابه بعض الإسناد، أو المتن بتقطع، أو بلل، أو أكل أرضة، أو نحو ذلك، فإن يجوز له استداركه من كتاب غيره إذا عرف صحته، ووثق به، بأن يكون أخذه عن شيخه، وهو ثقة، وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط وهذا قول أهل التحقيق، وممن فعله نعيم بن حماد. ومنعه بعضهم وإن كان معروفاً محفوظاً، نقله الخطيب عن أبي

محمد بن ماسى. (كما إذا يشك) خبر لمحذوف أي وذلك مثل ما إذا يشك الحافظ في بعض محفوظاته (واستثبت) أي طلب التثبت (من) حافظ (معتمد) عليه من حفظه، أو كتابه فَثَبَّتهُ. وحاصل المعنى: أنه إذا شك المحدث في شيء فاستثبت من ثقة معتمد عليه فثَبَّتَهُ من حفظه، أو كتابه، كما روى ذلك عن أبي عوانة، وأحمد بن حنبل، وغيرهما جاز ذلك. (وفيهما) متعلق بأبِنْ، أي في الصورتين المذكورتين، وهما إذا درس بعضُ ما في الكتاب فألحقه من غيره، وإذا شك في شيء فَثَبَّته غيره (ندباً) حال مما فهم من قوله: (أبن) أي أظهر وبين ذلك عند الرواية حال كون البيان مندوباً، أو ذا ندب كما صرح به الخطيب في الأولى، وحكاه في الثانية عن يزيد بن هارون. ثم بيَّن حكم من أشكل عليه شيء من غريب ألفاظ الحديث فقال رحمه الله تعالى: 511 - وَمَنْ عَلَيْهِ كَلِمَاتٌ تُشْكِلُ ... يَرْوِي عَلَى مَا أَوْضَحُوا إِذْ يَسْأَلُ (ومن) مبتدأ أي الراوي الذي (عليه) متعلق بتشكل (كلمات) مبتدأ سوغه كونه فاعلاً في المعنى (تشكل) في ضبطها خبر كلمات، والجملة صلةُ مَنْ، وقوله: (يروي) خبرُ مَنْ، أي تلك الكلمة المشكلة (على ما) أي الضبط الذي (أوضحوا) له (إِذ يَسْأل) أي وقت سؤاله. وحاصل معنى البيت: أنه إذا وجد الراوي في كتابه كلمة أو أكثر من غريب العربية غير مضبوطة، وأشكلت عليه جاز أن يسأل عنها العلماء بها، ويرويها على ما يخبرونه به فعل ذلك أحمد، وإسحاق، وغيرهما. ثم بيّن حكم اختلاف ألفاظ الشيوخ فقال رحمه الله: 512 - وَمَنْ رَوَى مَتْنًا عَنَ أشْيَاخٍ وَقَدْ ... تَوَافَقَا مَعْنًى وَلَفْظٌ مَا اتَّحَدْ 513 - مُقْتَصِرًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَلَمْ ... يُبَيِّنِ اخْتِصَاصَهُ فَلَمْ يُلَمْ

514 - أَوْ قَالَ قَدْ تَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ أَوْ ... وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى عَلَى خُلْفٍ حَكَوْا 515 - وَإِنْ يَكُنْ لِلَفْظِهِ يُبَيِّنُ ... مَعْ " قَالَ " أَوْ " قَالا " فَذَاكَ أَحْسَنُ (ومن) مبتدأ، شرطية، أو موصولة (روى متناً) أي حديثاً (عن أشياخ) اثنين فأكثر (و) الحال أنه (قد توافقا) والأولى أن يقول: توافقوا، لأنه راجع إلى الأشياخ أي توافق الأشياخ في ذلك الحديث (معنى) أي من حيث المعنى (و) الحال أنه (لفظ) منه مبتدأ سوغه المقدر (ما) نافية (اتحد) بل اختلف، والجملة خبر لفظ، والجملة حال من متناً (مقتصراً) أي حال كون الراوي مكتفياً (بلفظ واحد) من الأشياخ، ضمنه معنى مكتفياً فعداه بالباء (و) الحال أنه (لم يبين) حِينَ فَعَلَ ذلك (اختصاصه) أي اختصاص ذلك اللفظ بذلك الواحد، بل سمي كلهم حَمْلاً للفظهم على لفظه (فلم يلم) جواب من، أو خبره، أي لم يُعْذَل في فعله هذا، لأنه جائز، وواقع من المحدثين. وهذا على رأي من يجوز الرواية بالمعنى، وهم الجمهور كما سبق. (أو قال) ذلك الراوي الذي اقتصر علهى لفظ أحد المشايخ، فهو عطف على قوله: ولم يبين إلخ، فهو في موضع الحال. (قد تقاربا) ولو قال: تقاربوا لكان أوفق لعبارته لأنه عبر بأشياخ وإن كان المعنى شيخين فأكثر. بأن قال: أخبرنا فلان وفلان وقد تقاربا (في اللفظ) أي لفظ ذلك الحديث، فهذا أيضاً جائز على رأي المجوزين للرواية بالمعنى (أو واتحد المعنى) عطف على ما قبله فهو مقول لقال، أي قال: أخبرنا فلان، وفلان. والمعنى واحد، فهو أيضاً جائز على رأيهم وقوله: (على خلف) بضم الخاء أي اختلاف بين العلماء (حكوا) أي المحدثون خبر لمحذوف، أي عدمُ اللوم في هذه المسائل مبني على الخلاف في جواز الرواية بالمعنى، فمن جوزها، وهم الأكثرون فلا لوم عليه عنده، ومن منعها فعليه اللوم عنده. (وإن يكن) الراوي (للفظه) أي لفظ ذلك الواحد (يبين) أي

يظهره، بأن يقول: اللفظ لفلان، أو هذا لفظ فلان (مع) ذكره لفظة (قال) بالإفراد (أو قالا) بالتثنية، وكذا بالجمع (فذاك أحسن) من جميع ما تقدم، لأنه أبين. وأصرح في المراد. وحاصل ما أشار إليه الناظم في هذه الأبيات؛ أنه إذا كان عند المحدث حديث عن اثنين، فأكثر فاتفقا في المعنى دون اللفظ، فله جمعهما في الإسناد، ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما، فيقول: أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان، أو وهذا لفظ فلان، قال، أو قالا: أخبرنا فلان ونحوه من العبارات. ولمسلم رحمه الله في صحيحه: عبارة حسنة كقوله حدثنا أبو بكر، وأبو سعيد كلاهما، عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد، عن الأعمش فظاهره أن اللفظ لأبي بكر، قال العراقي: ويحتمل أنه أعاده لبيان التصريح بالتحديث، وأن الأشج لم يصرح به. فإن لم يخص، فقال: أخبرنا فلان وفلان وتقاربا فلا بأس به على جواز الرواية بالمعنى، وإن كان قد عيب به البخاري وغيره. ثم ذكر حكم من سمع كتاباً على جماعة، فقابل نسخته بأصل بعضهم، فقال: 516 - وَإِنْ رَوَى عَنْهُمْ كِتَابًا قُوبِلا ... بِأَصْلِ وَاحِدٍ يُبِينُ: احْتَمَلا 517 - جَوَازَهُ وَمَنْعَهُ، وَفُصِّلا ... مُخْتَلِفٌ بِمُسْتَقِلٍّ وَبِلا (وإن روي عنهم) أي عن الأشياخ (كتاباً) منَ الكتبَ المصنفَة، كالموطأ، والبخاري، يعني: أنه سمع ذلك الكتاب عنهم، وأراد روايته عنهم كُلِّهِم (قوبلا) الألف إطلاقية، والجملة صفة كتاباً، أي مقابلاً (بأصل واحد) أي شيخ واحد من الأشياخ، دون غيره. وقوله: (يبين) جملة حالية من فاعل روى، أي حال كونه مبيناً ذلك، بأن قال اللفظ لفلان يعني المقَابَلَ بأصله. وقوله: (احتملا) جواب إن والألف إطلاقية، والفاعل ضمير يعود إلى

المفهوم من سابقه أي احتمل هو أي فعله هذا (جوازه) بالنصب على المفعولية، لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن يذكر أنه لفظه (و) احتمل (منعَه) لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها. وحاصل المعنى: أنه إذا سمع الراوي كتاباً مصنفاً، فقابل نسخته بأصل بعضهم، دون الباقين، ثم رواه عنهم كُلِّهِم، وبيّن أن اللفظ لفلان المُقَابَلِ بأصله احتمل جوازه كالأول، لأن ما أورده سمعه بنصه ممن ذكر أن اللفظ له، واحتمل منعه لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها، بخلاف ما سبق، فإنه اطلع فيه على موافقة المعنى. قاله ابن الصلاح، وحكاه أيضاً العراقي، ولم يرجح شيئاً من الاحتمالين. قلت: يأتي قريباً ما يرجح به أحد الاحتمالين. (تنبيه): قال في المصباح في مادة حَمَل: الاحتمال في اصطلاحِ الفقهاء، والمتكلمين يجوز استعماله بمعنى الوَهْمِ، والجوازِ، فيكون لازماً، وبمعنى الاقتضاء والتضمن، فيكون متعدياً: مثل احتمل أن يكون كذا، واحتمل الحال وجوهاً كثيرة اهـ. قلت: المناسب في النظم هو المتعدي، والمعنى تضمن فعله هذا الجوازَ والمنعَ. ثم ذكر تفصيلًا آخر يُرَجَّحُ به أحد الاحتمالين المذكورين فقال: (وفصلا) هذا الحكم مبني للمفعول، والألف للإطلاق من التفصيل، ونائب فاعله قوله (مختلف بمستقل) أي طريقٌ مُتَباين بحديث مستقلٍّ (وبلا) أي بغير مستقل، يعني: أنه يفصل، فينظر إلى اختلاف الرواية، فإن اختلفت بأحاديث مستقلة، فلا يجوز، وإن كان بغير مستقل: كَلغَاتٍ، وضبط ألفاظ جاز. وحاصل المعنى: أنه ينظر إلى اختلاف الطرق، فإن كانت متباينة بأحاديث مستقلة لم يجز أن يروي مقتصراً على رواية واحد منهم، وإن كان تفاوتت في ألفاظ، أو لغات أو اختلاف ضبط جاز، وهذا التفصيل منقول عن البدر بن جماعة في المنهل الروي.

ثم ذكر حكم الزيادة على الرواية في نَسَبَ الشيخ حيث لم يقع فيها أصلاً، أو وقع لكن بأول المروي دون باقي أحاديثه فقال: 518 - وَلا تَزِدْ فِي نَسَبٍ أَوْ وَصْفِ مَنْ ... فَوْقَ شُيُوخٍ عَنْهُمُ مَا لَمْ يُبَنْ 519 - بِنَحْوِ " يَعْنِي " أَوْ بِـ " أَنَّ " أَوْ بِـ " هُو " ... أَمَّا إِذَا أَتَمَّهُ أَوَّلَهُ 520 - أَجِزْهُ فِي الْبَاقِي لَدَى الْجُمْهُورِ ... وَالْفَصْلُ أَوْلَى قَاصِرَ الْمَذْكُورِ (ولا تزد) أيها الراوي على ما حدثك به شيخك (في نسب) أى نسب غير شيخك (أو وصف من فوق شيوخ) أي فوق شيوخك الذين أخذت عنهم، وأما هم فلك ذكر نسبهم، ووصفهم، كيف شئت، لأنك لست ناقلاً عن غيرك (عنهم) بضم الميم متعلق بيبن قدم على ما المصدرية الظرفية للضرورة، والضمير عائد على مَنْ. (ما) مصدرية ظرفية (لم يبن) بالبناء للمفعول من الإبانة أي ما لم يفصلْ، ويميزْ ما تزيده (بنحو) كلمة (يعني) كقولك: يعني ابن فلان (أو بأنَّ) أي بكلمة أنَّ بفتح الهمزة وتشديد النون كقولك: أنَّ فلان ابن فلان أخبره. (أو) بكلمة (هو) كقولك: هو ابن فلان هذا كله فيما إذا لم يتمه شيخك في أوله. و (أما إذا أتمه) الشيخ الذي حدثك أي أتم المذكور من النسب والوصف (أوله) منصوب على الظرفية، لأتم، أي في أول الكتاب، أو الجزء بأن ساق في أوله نسب الشيخ وَوَصْفَه، ثم اقتصر بعد ذلك على اسمه خاصة، أو بعض نسبه (أجزه) أمر من الإجازة جواب " أما " بحذف الفاء، أي فأجز أيها الراوي إتمام ما ذكر (في الباقي) أي فيما بعد الأول اعتماداً على ذكره كذلك أوَّلاً (لدى الجمهور) خبر لمحذوف أي هذا عند جمهور العلماء، أو متعلق بأجز. (والفصل أولى) مبتدأ وخبر، أي فصل الزائد بيعني ونحوها أحسن وأتم لما فيه من الإفصاح بصورة الحال، وعدم الإدراج، والفرق بين هذا، وبين ما تقدم حيث وجب هناك ولم يجب هنا أن هناك لم يذكر المدرج أصلًا فهو إدراج لما لم يسمعه فوجب الفصلِ بخلافه هنا. وقوله: (قاصر المذكور) حال من الفصل أي حال كونه قاصراً

لما ذكره الشيخ يعني أنه يقتصر على ما ذكره الشيخ ثم يذكر ما يريد زيادته بعد ذكر الفاصل المتقدم. وحاصل ما أشار إليه الناظم في هذه الأبيات الثلاثة: أنه إذا سمع من شيخ حديثاً فاقتصر شيخه في نسب شيخه، أو من فوقه، أو صفته فليس له أن يزيد على ما ذكر شيخه، إلا أن يميزه فيقول: مثلاً هو ابن فلان الفلاني، أو يعني ابن فلان ونحوه هذا إذا لم يذكره بالتمام في أول الكتاب ونحوه، فإما إذا ذكره بالتمام في أوله، ثم اقتصر في باقي أحاديثه على بعضه، فقد حكى الخطيب عن أكثر العلماء جواز روايته تلك الأحاديث مفصولة عن الحديث الأول، مستوفياً نسب شيخ شيخه. وعن بعضهم الأوْلَى أن يقول: يعني ابن فلان، وعن علي بن المديني وغيره أنه يقول: حدثني شيخي أن فلان ابن فلان حدثه وعن بعضهم أخبرنا فلان هو ابن فلان، واستحبه الخطيب، وكله جائز وأوْلاَهُ هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان، ثم قوله: أنَّ فلان ابن فلان، ثم أن يذكره بتمامه من غير فصل. (تنبيه): قال في الاقتراح: ومن الممنوع أيضاً أن يزيد في تاريخ السماع إذا لم يذكره الشيخ، أو يقول بقراءة فلان، أو بتخريج فلان حيث لم يذكره اهـ. ثم ذكر ما جرت به العادة من حذف قال ونحوه بين رجال الإسناد خَطًّا فقال: 521 - وَ " قَالَ " فِي الإِسْنَادِ قُلْهَا نُطْقًا اوْ ... " قِيلَ لَهُ " وَالتَّرْكَ جَائِزًا رَأَوْا (وقال) أي لفظها، مبتدأ لقصد لفظه، أو مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، أي قل لفظة قال: (في الإسناد) أي فيما بين رجال الإسناد متعلق بقوله: (قلها) أي تلفظ بها (نطقاً) مفعول مطلق لقل وإنما أتى به لأن قال: تطلق على معان. قال ابن الأنباري: قال: يجيء بمعنى تكلم، وضرب، وغلب، ومات، ومال، واستراح، وأقبل، ويعبر بها عن التهيؤ للأفعال، والاستعداد

لها، يقال: قال فأكل، وقال، فضرب، وقال، فتكلم، ونحوه. ذكره في " ق " ونظمت ذلك بقولي: تَجِيء قَالَ لِمَعَانٍ تُجْتَلَى ... تَكَلّمَ اسْتَرَاحَ مَاتَ أقْبَلاَ وَمَالَ مَعْ ضَرَبَ ثُمَّ غَلَبَا ... وَللتَّهَيُّؤِ لِفِعْلٍ يُجَتَبَى فَجُمْلَةُ الْمَعَانِ قُلْ ثَمَانِيَهْ ... فَاَحْفَظْ فَإِنَّهَا مَعَاني سَامِيَهْ فلما كان المراد بها هنا التلفظ أكده بقوله: نطقًا. والمعنى: أنك تتلفظ بكلمة قال بين رجال الإسناد إذا حُذِفَتْ اختصاراً. (أو) بمعنى الواو (قيل له) أي اذكر كلمة قيل له فيما إذا كان فيه قُرِئَ على فلان أخبرك فلان فتقول قيل له: أخبرك فلان (والترك) مفعول به لرأوا أي ترك تلفظ القارئ بهما (جائزاً) حال أو مفعول ثان لقوله: (رأوا) والأول الترك، أي لو ترك القارئ التلفظ بهما رأوا، جوازَ السماعِ مع كونه مخطئاً. وحاصل ما أشار إليه في النظم: أنه جرت عادة المحدثين بحذف قال ونحوه بين رجال الإسناد خَطًّا اختصاراً ولا بد للقارئ من التلفظ بها حال القراءة. وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرك فلان أو قرئ على فلان حدثنا فلان فليقل القارئ في الأول: قيل له أخبرك فلان وفي الثاني: قال حدثنا فلان. وإذا كان قرأت على فلان أخبرك فلان قال قلت له: أخبرك فلان. وإذا تكرر لفظ قال كقوله: حدثنا صالح قال: قال الشعبي: فإنهم يحذفون أحدهما خَطًّا، فليلفظ القارئ بهما، ولو ترك القارئ لفظ قال في هذا كله فقد أخطأ، والظاهر صحة السماع، لأن حذف القول جائزٌ اختصاراً جاء به القرآن العظيم.

(تنبيه): مما يحذف في الخط أيضاً لفظ أنه، كحديث البخاري عن عطاء بن أبي ميمونة سمع أنس بن مالك، أي أنه سمع، قال الحافظ ابن حجر في شرحه: لفظ أنه: يحذف في الخط عرفاً. اهـ، يعني أنه ينبغي التلفظ به. (تنبيه) آخر: ومما يحذف أيضاً كلمة " كلاهما " كحديث البخاري أيضاً حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي ويحيى بن سعيد عن شعبة إلخ، قال الحافظ: وينبغي أن يثبت في القراءة قبل قوله: عن شعبة لفظ: " كلاهما " لأن كُلاًّ من ابن أبي عدي وَيَحْيَى رواه لمحمد بن بشار عن شعبة، وحذف كلاهما من الخط اصطلاح اهـ. ثم ذكر كيفية رواية النسخ التي إسناد أحاديثها واحد كنسخة هَمَّام بن مُنَبِّهْ فقال: 522 - وَنُسَخٌ إِسْنَادُهَا قَدِ اتَّحَدْ ... نَدْبًا أَعِدْ فِي كُلِّ مَتْنٍ فِي الأَسَدّ 523 - لا وَاجِبًا، وَالْبَدْءُ فِي أَغْلَبِهِ ... بِهِ وَبَاقٍ أَدْرَجُوا مَعْ " وَبِهِ " (ونسخ) مبتدأ خبره جملةً أعِد وهي جمع نسخة، وهي كما في المصباح: الكتاب المنقول (إسنادها) مبتدأ، أي إسناد تلك النسخ، وقوله: (قد اتحد) خبره، والجملة صفة لنُسَخ، أي ونسخ متحدة الإسناد كنسخة همام بن منبه روايةِ عبد الرزاق، عن معمر، عنه؛ ونسخةِ شعيب عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. ونسخةِ عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. (ندباً) أي لأجل كونه مندوباً، أو حال كونه مندوباً، أو إعادة ندب. (أعد) إسنادها أيها المحدث، والجملة خبر " نسخ " (في كل متن) متعلق بِأعد، أي عند رواية كل متن من تلك النسخة (في) القول (الأسد) متعلق بأعد أيضاً، أو خبر لمحذوف، أي هذا كائن في القول الأسدى أي الأصوب. وحاصل مَعْنى البيت: أن النسخ، والأجزاء التي متونها بإسناد واحد فقط، كالنسخ المذكورة فالأحوط في روايتها تجديد ذكر الإسناد عند كل

حديث منها، لما في ذلك من الاحتياط ويوجد ذلك في كثير من الأصول القديمة، كما قاله ابن الصلاح، وهذا على سبيل الندب لا على الوجوب كما قال: (لا واجباً) عطف على ندباً أي ليس ذلك على سبيل الوجوب، خلافاً لمن زعمه من أهل التشديد. (والبدء) مبتدأ أي ابتداء الرواية (في أغلبه) أي أكثر الاستعمال، فالضمير راجع إلى المفهوم من السياق، والجار متعلق بما قبله، أو خبر له (به) أي الإسناد في أولها، أو أول كل مجلس من سماعها، وهو خبر المبتدإ، أو متعلق به. (وباق) من الأحاديث (أدرجوا) أي ذكروه مندرجاً مع ما قبله (مع) ذكر لفظة (وبه) أي وبالإسناد المذكور، فقوله: وباق مبتدأ سوغه كونه موصوفاً بمحذوف، وخبره جملة أدرجوا بتقدير رابط، ومَعَ: مضافٌ، وبه: مضاف إليه، لقصد لفظه كما قدرناه. وحاصل المعنى: أن الأغلب، والأكثر في الاستعمال، أن يبدأ بالإسناد في أولها، أو في أول كل مجلس من سماعها، ويدرج الباقي عليه بقوله في كل حديث بعد الحديث الأول: وبه، أو وبالإسناد، ونحو ذلك. ثم إن من سمع هكذا هل له أن يفرد ما بعد الحديث الأول بالسَّند المذكور في أوله؟ اختلف العلماء فيه: منهم من جوز، ومنهم من منع، وأشار إليه بقوله: 524 - وَجَازَ مَعْ ذَا ذِكْرُ بَعْضٍ بِالسَّنَدْ ... مُنْفَرِدًا عَلَى الأَصَحِّ الْمُعْتَمَدْ 525 - وَالْمَيْزُ أَوْلَى، وَالَّذِي يُعِيدُ ... فِي آخِرِ الْكِتَابِ لا يُفِيدُ (وجاز مع) بسكون العين (ذا) أي مع هذا الذي ذَكرناه، من الاكتفاء بعد الأول بذكر كلمة وبه، لمن سمع كذلك (ذكر بعض) بالرفع فاعل جاز، أي بعض أحاديث تلك النسخ، من أي مكان شاء. (بالسَّند) المعطوف عليه (منفرداً) حال من بعض، لأن المضاف مصدر يعمل عمل الفعل كما قال ابن مالك: وَلاَ تُجِز حالاً من المضافِ له ... إِلَّا إذا اقتضى المضافُ عملهْ

(على) القول (الأصح) من قولي العلماء (المعتمد) عليه، والجار متعلق بذكر، أو خبر لمحذوف أي هذا على الأصح، وهو قول الأكثر، ومنعه بعضهم. (والميز أولى) مبتدأ وخبر، أي تبيين صورة الحال أحسن مما ذكرناه كما يفعله مسلم رحمه الله. (والذي يعيد) مبتدأ، أي الراوي الذي يعيد الإسناد (في آخر الكتاب) متعلق بما قبله، أي نهاية الكتاب، أو الجزء المشتمل على هذه النسخة، أو نحوها، وقوله: (لا يفيد) خبر المبتدإ أي لا ينفع فعله في رفع الخلاف المذكور، لأنه لا يكون متصلاً بواحد منها، نعم يفيد تأكيداً، واحتياطاً. وحاصل ما أشار إليه في هذين البيتين: أنه إذا سمع النسخ المذكورة، على الكيفية المذكورة، بأن ذكر إسنادها في أولها، وأدرج الباقي مع ذكر " وَبِه " فأراد رواية حديثٍ غيرِ الأول بإسناده جاز ذلك عند الأكثرين وهو الأصح: ومنهم وكيع، وابن معين، والإسماعيلي، لأن المعطوف له حكم المعطوف عليه، وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله. ومنع منه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، وبعض أهل الحديث، لأنه تدليس فعلي هذا لا بد من بيان كيفية التحمل في ذلك، وعلى القول الأول هو أحسن. كما فعله الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في الرواية من نسخة همام، حدثنا محمد بن رافع، ثنا: عبد الرزاق، أنا معمر، عن همام، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، وذكر أحاديث، منها، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة " الحديث. وكذا فعله كثير من المؤلفين. وأما إعادة بعض المحدثين الإسنادَ آخر الكتاب فلا يفيد رفع الخلاف، لأنه لا يقع متصلاً بواحد منها، إلا أنه يفيد احتياطاً، وإِجَازَةً

عامة، بالغة، من أعلى أنواعها، ويفيد أيضاً سماعَ من لم يسمع الإسناد أولًا. ثم ذكر حكم تقديم المتن كله، أو بعضِهِ على السَّند، فقال رحمه الله تعالى: 526 - وَسَابِقٌ بِالْمَتْنِ أَوْ بَعْضِ سَنَدْ ... ثُمَّ يُتِمُّهُ: أَجِزْ، فَإِنْ يُرَدْ 527 - حِينَئِذٍ تَقْدِيمُ كُلِّهِ رَجَحْ ... جَوَازُهُ، كَبَعْضِ مَتْنٍ فِي الأَصَحّ 528 - وَابْنُ خُزَيْمَةَ يُقَدِّمُ السَّنَدْ ... حَيْثُ مَقَالٌ، فَاتَّبِعْ وَلا تَعَدّ (وسابق) مبتدأ سوغه عمله في قوله: (بالمتن) أي متن الحديث، يعني: أن من قدَّم متن الحديث على سنده كله، كأن يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، حدثنا به فلان، ويذكر سنده. (أو) سابق بـ (ـبعض سند) مع المتن (ثم يتمه) أي باقي السَّند، كأن يقول: روى عمرو بن دينار، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، حدثنا فلان، ويسوق سنده إلى عمرو. وقوله: (أجز) أمر من الإجازة، خبر المبتدإ على حذف مضاف أي فعل سابق بالمتن إلخ أجزه أيها المحدث، أو يقدر المضاف قبل المفعول المقدر أي سابق بالمتن إلخ أجز فعله، فإنه سند متصل، وليس بمرسل. ثم ذكر حكم من أراد أن يقدم السَّند بتمامه على المتن، مع كونه تحمله كذلك، فقال: (فإن يرد) بالبناء للمفعول (حينئذ) ولو قال: " بعد إذن " لكان أوضح، أي بعد وقت تحمله ذلك الحديثَ بتقديم المتن على السَّند، أو تقديم المتن مع بعض السَّند على بعضه (تقديم كله) نائب فاعل يرد، أي كل السَّند على المتن كالعادة الغالبة المشهورة (رجح) جواب إن، يقال: رَجَحَ الشيءُ يرجح، كنفع ينفع، ورجح رجوحاً، كقعد قعوداً لغةٌ: زاد وزنه. والمراد به هنا زيادة القوة. (جوازه) فاعل رجح أي زاد قوة جوازه على منعه، لقوة دليله، لأنه لا محذور فيه (كبعض متن) خبر لمحذوف،

أي هذا الجواز مشابه لجواز تقديم بعض متن على بعض حيث يصح (في) القول (الأصح)، ومقابل الأصح فيهما المنع، وهذا كما قال ابن الصلاح بناء على جواز الرواية بالمعنى وعدمه. وحاصل ما أشار إليه رحمه الله في هذه الأبيات الثلاثة: أنه إذا قدم المتن كقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا ثم ذكر الإسناد بعده، أو المتن مع بعض السَّند، كأن يقول: روى عمرو بن دينار عن جابر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، أخبرنا به فلان ويسوق سنده إلى عمرو، فهو سند متصل، فلو أراد من سمعه هكذا تقديمَ جميعِ الإسناد، فجوزه بعض أهل الحديث من المتقدمين، قال النووي: هو الصَّحِيح. وهذا كما قال ابن الصلاح: كتقديم بعض المتن على بعض، فالخلاف في هذا كالخلاف فيه، فإن الخطيب حكى فيه المنع بناء على منع الرواية بالمعنى، والجواز بناء على جوازها، لكن نازع البلقيني ابن الصلاح فيه، فقال: وهذا التخريج ممنوع، والفرق أن تقديم بعض الألفاظ على بعض يؤدي إلى الإخلال بالمقصود في العطف، وعود الضمير، ونحو ذلك، بخلاف تقديم السَّند كله، أو بعضه، فلذلك جاز فيه ولم يتخرج على الخلاف انتهى. ثم ذكر قاعدة لابن خزيمة في صحيحه حيث إنه يؤخر السَّند عن المتن إذا كان فيه مقال فليس لأحد أن يغير ذلك ولو جازت الرواية بالمعنى فقال: (وابن خزيمة) مبتدأ، خبره جملة يقدم، وهو الحافظ الكبير الثبت إمام الأئمة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي، النيسابوري، ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين ومات في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة عن نحو تسعين سنة. وقوله (يقدم) خطأ، والصوابُ يؤخر (السَّند) على المتن، فيبتدأ أولاً بذكر المتن ثم بَعْدَ الفراغ منه يذكر السَّند (حيث) يوجد (مقال) أي طعن في ذلك السَّند (فـ) إذا كان السبب

الحامل له ذلك (اتبع) أيها المحدث صنيعه هذا (ولا تَعَدّ) بحذف إحدى التاءين أي لا تتعداه، أي لا تتجاوز إلى خلافه، وإن جازت الرواية بالمعنى. وحاصل معنى البيت: أن ابن خزيمة يقع له تقديم المتن على السَّند، إذا كان في السَّند مَنْ فيه مَقال، فيبتدئ به، ثم بعد الفراغ يذكر السَّند، وقد صرح هو بأن من رواه على غير ذلك الوجه لا يكون في حِلٍّ منه، فحينئذ ينبغي أن يمنع هذا، ولو جوزنا الرواية بالمعنى، قاله في التدريب نقلاً عن الحافظ ابن حجر. (تنبيه): هذا البيت زائد على العراقي. ثم ذكر حكم ما إذا قال الشيخ مثله أو نحوه فقال: 529 - وَلَوْ رَوَى بِسَنَدٍ مَتْنًا وَقَدْ ... جَدَّدَ إِسْنَادًا وَمَتْنٍ لَمْ يُعَدْ 530 - بَلْ قَالَ فِيهِ " نَحْوَهُ " أَوْ " مِثْلَهُ " ... لا تَرْوِ بِالثَّانِي حَدِيثًا قَبْلَهُ 531 - وَقِيلَ: جَازَ إِنْ يَكُنْ مَنْ يَرْوِهِ ... ذَا مَيْزَةٍ، وَقِيلَ: لا فِي " نَحْوِهِ " 532 - الْحَاكِمُ: اخْصُصْ نَحْوَهُ بِالْمَعْنَى ... وَمِثْلَهُ بِاللَّفْظِ فَرْقٌ سُنَّا 533 - وَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: مِثْلَ خَبَرِ ... قَبْلُ وَمَتْنُهُ كَذَا، فَلْيَذْكُرِ (ولو روى) الشيخ للراوي (بسند) أي مع ذكر سند (متناً) مفعول به لروى (و) الحال أنه (قد جدد إسناداً) للمتن أي ذكر إسناداً آخر بعد الأول، ومتنِهِ (ومتن) له (لم يعد) بالبناء للمفعول، أي والحال أن متن هذا الإسناد لم يذكر ثانياً، إحالَةً على المتن الأول. فالحال الأول من فاعل روى، والثاني من إسناد فهما متداخلان (بل قال) الشيخ (فيه) أي في هذا الإسناد المجدَّد كلمة (نحوه) أي نحو المتن السابق (أو) كلمة (مثله) أي مثل المتن السابق وقوله: (لا ترو) جواب " لو " أي لا تنقل أيها السامع على هذه الكيفية، (بالثاني) أي بالإسناد الثاني (حديثاً) مفعول ترو أي متناً (قبله) أي قبل هذا الإسناد، يعني: أنه لا يجوز

لك أن تَرْوِيَ بالإسناد الثاني فقط المتنَ الأول، لعدم تيقن تماثلهما في اللفظ، وفي قدر ما تفاوتا فيه. هذا هو الأظهر، وهو قول شعبة، وعليه ابن الصلاح، والنووي، وابن دقيق العيد، (وقيل جاز) ذلك (إن يكن من يروه) أن يروي ذلك المتنَ بالإسناد الثاني (ذا ميزة) بالفتح مصدر ما يميز من باب باع: إذا عزل الشيء، وفصله، والتاء للمرة، وأما الميزة بالكسر فهي التنقل كما في التاج ولا يناسب هنا. والمعنى: أنه يجوز أن يروي المتن المتقدم بالسَّند الثاني إذا كان الراوي مَعْرُوفاَ بتميز الألفاظ وعد الحروف وإلا لم يجز، وهو قول سفيان الثَّوري، وابن معين. (وقيل لا) يجوز ذلك (في نحوه) أي فيما إذا قال الشيخ نحوه، ويجوز في مثله، وهذا التفصيل مروي عن ابن معين عملاً بظاهر اللفظين إذْ مِثْلُهُ يعطي التساوي في اللفظ، بخلاف نحوه. قال الخطيب: هذا الفرق بين مثله ونحوه يصح على منع الرواية بالمعنى، فأما على جوازها فلا فرق. (الحاكم) أبو عبد الله محمد بن عبد الله المشهور بابن البَيعّ النيسابوري المتوفى سنة خمس وأربعمائة عن أربع وثمانين سنة، مبتدأ محذوف الخبر، أي قائل، أو فاعل لمحذوف، أي قال الحاكم مَفَرِّقاً بين مثلِهِ ونحوِهِ (اخصص) أيها الراوي مقول للقول المقدر (نحوه) أي هذا اللفظ (بالمعنى) أي بما اتفقا في المعنى، لا في اللفظ. (و) اخصص (مثله باللفظ)، أي بما اتفقا في اللفظ، ثم قال الناظم مستحسناً قول الحاكم (فرق سنا) أي هذا فرق سن فهو خبر لمحذوف، وقوله: سن بالبناء للمفعول، أي بُيِّنَ، أن هذا فرق مبين واضح لا خفاء فيه، يقال: سنّ الله أحكامه للناس بَيَّنَها، وسنّ الله سنة: بَيَّنَ طريقاً قويماً، قاله في التاج، هذا هو الموافق للوزن،

وأما ما تَعِبَ فيه الشارح فلا يساعده الوزن، فهو تَعَب ليس وراءه أرَبْ. وفي نسخة بدله " يعنى " بالبناء للمفعول أي يقصد، يقال: عَنَيْتُهُ عَنْياً وَعَنَيتُ به أيضاً من باب رَمَى قصدته، أفاده في المصباح. والمعنى: أن هذا فرق يقصد لنفاسته. ونَصُّ عبارة الحاكم رحمه الله: يلزم الحَدِيثيَّ من الإتقان أن يفرق بين مثله ونحوه، فلا يحل أن يقول مثله إلا إن اتفقا في اللفظ، ويحل نحوه إذا كان بمعناه اهـ. (والوجه) أي المختار في الأداء، قال في المصباح: الوجه ما يتوجه إليه الإنسان من عمل وغيره، وقولهم: الوجه أن يكون كذا جاز أن يكون من هذا، وجاز أن يكون بمعنى القوي الظاهر أخذاً من قولهم: قدمت وُجُوهُ القومِ أي ساداتهم اهـ. أي الأداء القوي الجلي الذي لا يلتبس على سامعه (أن يقول) في تأويل المصدر مبتدأ خبره " الوجه "، ويجوز العكس لكن الأول أولى، لما أن المنسبك من أن بمنزلة الضمير، فهو أعرف، كما بيّنه ابن هشام في المغنى يعني: أن الأحسن في رواية مثل هذا قول الراوي بعد إيراده السَّند (مثل خبر قبل) بالنصب مفعول لمحذوف أي ذكر مثل حديث قبلُ، أي قبل هذا الإسناد، والجملة مقول القول. (ومتنه كذا) مبتدأ وخبر عطف على مقول القول، أي متن هذا السَّند الثاني كذا (فليذكر) ذلك المتن بتمامه. وحاصل معنى البيت: أنه إذا أراد رواية ما كان من قبيل ما تقدم فالأحسن له كما ذكره الخطيب عن جماعة من أهل العلم أن يذكر إسناده ثم يقول مثل حديثٍ قبله متنه كذا وكذا ثم يسوقه، وكذا إذا قال نحوه، قال الخطيب: وهذا الذي أختاره. وإيضاح ما أشار إليه في هذه الأبيات الخمسة: أنه لو روى المحدث حديثاً بإسناد ثم أتبعه إسناد آخر وحذف متنه إحالة على المتن الأول، وقال

في آخره مثله، فأراد السامع منه رواية المتن الأول بالإسناد الثاني فقط. فالأظهر منعه، وهو قول شعبة، وأجازه سفيان الثَّوري، وابن معين إذا كان الراوي متحفظاً ضابطاً مميزاً بين الألفاظ وإلا فلا. وأما إذا قال نحوه فأجازه الثَّوري، ومنعه شعبة، وابن معين، قال الخطيب: وفرق ابن معين بين مثله ونحوه يصح على منع الرواية بالمعنى، فأما على جوازها فلا فرق. وقال الحاكم: يلزم الحديثيَّ من الإتقان أن يفرق بين مثله ونحوه فلا يحلُّ أن يقول: مثله إلا إذا اتفقا في اللفظ، ويحل نحوه إذا كان بمعناه. وقال الخطيب: وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا يورد الإسناد ويقول مثل حديث قبله متنه كذا وكذا، ثم سوقه، قال: وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه قال: وهذا الذي أختاره اهـ. ثم إن ما تقرر كلَّه محله إذا ساق المحدث المتن بتمامه، وأما إذا روى بعضه، ثم أحال الباقي، فأشار إلى حكمه فقال: 534 - وَإِنْ بِبَعْضِهِ أَتَى وَقَوْلِهِ ... " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " أَوْ " بِطُولِهِ " 535 - فَلا تُتِمَّهُ، وَقِيلَ: جَازا ... إِنْ يَعْرِفَا، وَقِيلَ: إِنْ أَجَازا 536 - وَقُلْ عَلَى الأَوَّلِ " قَالَ وَذَكَرْ ... حَدِيثَهُ وَهْوَ كَذَا " وَائْتِ الْخَبَرْ (وإن ببعضه أتى) أي أتى الشيخ ببعض الحديث بعد سوق السَّند بتمامه. (وقوله) بالجر عطف على بعض أي أتى بقوله في آخر ما اقتصره (وذكر الحديث) مقول القول (أو) أتى بقوله: (بطوله)، أو قوله الحديث بدون وذكر (فلا تتمه) أيها السامع على هذه الكيفية، لأنه أولى بالمنع من المسألة السابقة في مثله ونحوه، فإنه إذا منع ثمة مع أنه ساق فيها جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر، فلأن يمتنع هنا، ولم يسق إلا بعض الحديث من باب أولى، وجزم بذلك جماعة: منهم الأستاذ أبو إسحاق.

(وقيل جازا) بألف الإطلاق، أي جاز للسامع على هذه الكيفية أن يتمه (إن يعرفا) أي المحدث والسامع الخبرَ بتمامه، وهذا القول: لأبي بكر الإسماعيلي، لكن البيان أولى. (وقيل) جاز ذلك (إن جازا) بألف الإطلاق، أي أجاز الشيخ للسامع. قلت: وهذا القول لم أجده في شيء من المراجع التي عندي، وإنما غاية ما فيها قول ابن الصلاح بعد حكايته كلام الإسماعيلي: ما نصه: وإذا جَوَّزنا ذلك فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ إلى آخر ما يأتي في الخلاصة، وهذا لا يدل على أن هذا قول مخالف لما قبله، بل هو بيان لكلام الإسماعيلي بأنهما إذا عرفا الخبر بتمامه يجوز للسامع إتمامه، وتكون روايته بطريق الإجازة الأكيدة، ولو قال بدل هذا البيت: فَلَا تُتِمَّه وَقِيلَ جَازَا ... إِنْ يَعْرِفَا فَإِنَّهُ أجَازَا لكان أولى، أي فإن هذا الشيخ أجاز له فروايته تكون بطريق الإجازة. (وقل) أيها السامع إذا أردت الإتمام (على الأول) أي حال كونك جارياً على القول الأول، وهو المنع وجوباً، وكذا على الثاني احتياطاً (قال) الشيخ (وذكر حديثه وهو) أي نص الحديث (كذا)، أو تمامه كذا (آئت الخبر) أي اذكر الخبر بنصه بأن تسوقه بتمامه. فقوله: على الأول متعلق بقل، أو حال، ومقول قل: قال إلخ، ومقول قال: " وذكر حديثه "، وقوله: وهو كذا، ليس من تتمة مقول قال، وإنما هو من تتمة مقول قل، وقوله: آئت بالخبر بيان لقوله، وهو كذا أي سق الخبر بتمامه. وفي نسخة: " وَهْوَ كَذَا آئْتِ بِالْخَبَرْ " ومعناهما واحد. وخلاصة ما أشار إليه في هذه الأبيات الثلاثة بإيضاح: أنه إذا ذكر

الشيخ الإسناد وبعض المتن، ثم قال وذكر الحديث، ولم يتمه، أو قال بطوله، أو الحديث، وأضمر " وذكر " فأراد السامع عنه روايته بكماله فهو أولى بالمنع من مسألة مثله ونحوه، لأنه إذا منع هناك مع أنه قد ساق فيها جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر، فلأن يمنع هنا ولم يسق إلا بعض الحديث من باب أولى، وبذلك جزم قوم فمنعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، وأجازه الإسماعيلي إذا عرف المحدث والسامع ذلك الحديث قال: والبيان أولى. وفصل ابن كثير فقال: إن كان سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو غيره جاز وإلا فلا. ثم إن من أراد الإتمام فالبيان واجب عليه على الأول، وأحوط له على الثاني، وذلك أن يقتصر على المذكور، ثم يقول: وذكر الحديث، وهو هكذا، أو تمامه كذا، ويسوقه بكماله. قال ابن الصلاح بعد أن نقل كلام الإسماعيلي: إذا جوزنا ذلك فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ قال: لكنها إجازة أكيدة قوية من جهة عديدة فجاز لهذا مع كون أوله سماعاً إدراجُ الباقي عليه من غير إفراد بلفظ الإجازة. ثم ذكر حكم إبدال الرسول بالنبي، وعكسه، فقال: 537 - وَجَازَ أَنْ يُبْدِلَ بِالنَّبِيِّ ... رَسُولُهُ، وَالْعَكْسُ فِي الْقَوِيِّ (وجاز أن يبدل) بالبناء للمفعول بلفظ (النبي رسوله) أي هذا اللفظ، وهو النائب عن الفاعل (والعكس) مبتدأ خبره محذوف أي جائز، أو فاعل لمحذوف أي جاز العكس، أو معطوف على فاعل جاز. (في القوي) متعلق بجاز، أو خبر لمحذوف، أي هذا كائن في القول القوي، وهو قول حماد بن سلمة، وأحمد، والخطيب في آخرين وَصَوَّبه النووي، والعراقي، وغيرهما.

ومقابلهُ قول ابن الصلاح إنه لا يجوز، وإن جازت الرواية بالمعنى، لاختلاف المعنى في النبي والرسول. وحاصل ما أشار إليه في هذا البيت أنه إذا وقع في الرواية " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " فهل للسامع أن يقول: " عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهكذا عكسه، قال ابن الصلاح: الظاهر أنه لا يجوز وإن جازت الرواية بالمعنى، فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى، والمعنى في هذا مختلف، وكان أحمد إذا كان في الكتاب " النبي " فقال المحدث: " رسول الله " ضرب وكتب " رسول الله " قال الخطيب: هذا غير لازم، وإنما استحب اتباع اللفظ، وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك، وقد سأله ابنه صالح يكون في الحديث " رسول الله " فيجعل " النبي "؟ قال: أرجو ألا يكون به بأس، وقال حماد بن سلمة لعفان وبهز لما جعلا يغيران النبي من رسول الله: أما أنتما فلا تفقهان أبداً. قال العراقي: وقول ابن الصلاح: إن المعنى في هذا مختلف لا يمنع جواز ذلك فإنه وإن اختلف معنى النبي والرسول فإنه لا يختلف المعنى في نسبة ذلك القول لقائله بأي وصف وصفه إذا كان يعرف به. وأما ما استدل به بعضهم على المنع بحديث البراء بن عازب في الصَّحِيح في الدعاء عند النوم وفيه " ونبيك الذي أرسلت " فقال يستذكرهن " وبرسولك الذي أرسلت " فقال: " لا "، " وبنبيك الذي أرسلت " فليس فيه دليل، لأن ألفاظ الأذكار توقيفية، وربما كان في اللفظ سر لا يحصل بغيره، ولعله أراد أن يجمع بين اللفظين في موضع واحد. وقال النووي: الصواب والله أعلم جوازه، لأنه لا يختلف به هنا معنى. اهـ كلام العراقي. ثم ذكر حكم السماع على نوع من الوهن، فقال: 538 - وَسَامِعٌ بِالْوَهْنِ كَالْمُذَاكَرَهْ ... بَيَّنَ حَتْمًا ................. (وسامع) مبتدأ (بالوهن) متعلق به أي الضعف في سماعه (كالمذاكرة) خبر لمحذوف، أي وذلك كالسماع في حال المذاكرة، وقوله:

(بَيَّنَ) خبرُ المبتدإ (حتماً) أي وجوباً منصوب على الحال، أو مفعول مطلق. وحاصل المعنى: أنه إذا سمع من الشيخ من حفظه في حال المذاكرة بَيَّنَ وجوباً بحكاية الواقع، كأن يقول: حدثنا فلان مذاكرة أو في المذاكرة، لأنهم يتساهلون في المذاكرة، والحفظُ خَوَّان. ولأن في إغفاله نَوْعاً من التدليس، وكان غير واحد من متقدمي العلماء يفعل ذلك، وكان جماعة منهم يمنعون من أن يُحْمَلَ عنهم في المذاكرة شيء، لما ذكرناه من التساهل، وأدخل بالكاف في قوله كالمذاكرة ما وقع فيه نوع تساهل كأن سمع من غير أصل، أو كان هو أو شيخه يتحدث أو ينعس أو ينسخ في وقت الإسماع، أو كان سماعه أو سماع شيخه بقراءة لَحَّان، أومُصَحِّفٍ، أو كتابةُ التسمع بخط من فيه نظر، ونحو ذلك ففي كل هذه الأحوال بَيَّنَ لما ذكرنا. ثم إن ما ذكره من وجوب البيان هو ظاهر كلام ابن الصلاح، لكن صرح الخطيب بأنه مستحب. ثم ذكر حكم ما إذا كان الحديث عن رجلين ثقتين، أو أحدُهما ثقة والآخرُ مجروح فقال: ................... ... ................ والْحَدِيثُ مَا تَرَهْ 539 - عَنْ رَجُلَيْنِ ثِقَتَيْنِ أَوْ جُرِحْ ... إِحْدَاهُمَا (1) فَحَذْفَ وَاحِدٍ أَبِحْ (والحديث) مبتدأ (ما تره) " ما " شرطية، ولو عبر بإن لكان أوضح، أي إن تر الحديث حال كونه مروياً (عن رجلين ثقتين) كل منهما (أو جرح) بالبناء للمفعول (إحداهما) أي أحد الرجلين، لكن أنثه للوزن، وتكلف الشارح بما لا طائل تحته كما قال ابن شاكرٍ، ولو قال بدل هذا البيت: عَن ثِقَةٍ وَضِدّهِ أو وُثقَا ... فَحَذْفَ وَاحِدٍ أجزْهُ مطْلَقَاً أي سواء كان ثقة، أو مجروحاً، لكان أولى. (فحذف واحد)، مفعول

مقدم لقوله: " أبح " أي حذف واحد من الرجلين (أبح) أيها المحدث، والجملة جواب الشرط، والجملة خبر المبتدإ. وحاصل المعنى: أنه إذا كان الحديث عن رجلين ثقتين أو أحدهما ثقة والآخر مجروح جاز حذف أحدهما. وذلك كحديث عن ثابت البناني، وأبان بن أبي عياش، عن أنس لكن الأولى ذكرهما، لاحتمال أن يكون فيه شيء لأحدهما لم يذكره الآخر، وحمل لفظ أحدهما على الآخر، وإنما لم يحرم ذلك لأن الظاهر اتفاق الروايتين، وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد، نعم محذور الحذف في الأول أقل من الثاني. قال الخطيب: وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح من الإسناد ويذكر الثقة، ثم يقول: وآخر كناية عن المجروح، وهذا القول لا فائدة فيه. وقال بعضهم: بل فيه فائدةُ تكثيرِ الطرق التي يرجح بها عند المعارضة والإشعار بضعف المبهم. ثم ذكر حكم من أخذ عن شيخ بعض الحديث وعن آخر بعضه بقوله: 540 - وَمَنْ رَوَى بَعْضَ حَدِيثٍ عَنْ رَجُلْ ... وَبَعْضَهُ عَنْ آخَرٍ ثُمَّ جَمَل 541 - ذَلِكَ عَنْ ذَيْنِ مُبَيِّنًا بِلا ... مَيْزٍ أَجِزْ وَحَذْفُ شَخْصٍ حُظِلا 542 - مُجَرَّحًا يَكُونُ أَوْ مُعَدَّلا ... وَحَيْثُ جَرْحُ وَاحِدٍ لا تَقْبَلا (ومن) موصولة، أو شرطية مبتدأ (روى) أي نقل بسماع، أو غيره (بعض حديث عن رجل) متعلق بروى (وبعضه) عطف على " بعض حديث " أي بعض ذلك الحديث (عن آخر) بالصرف للضرورة عطف على " عن رجل " عطفَ معمولين على معمولي عامل واحد بعاطف واحد، وهو جائز بالاتفاق، أي عن شيخ آخر (ثم جمل) بالجيم من باب قتل، أي جمع

(ذلك) الحديث المسموع على هذه الكيفية (عن ذين) متعلق بحال محذوف، أي حال كونه راوياً عن هذين الرجلين (مبيناً) حال من الفاعل أيضاً، أي حال كونه مبيناً كون بعضه عن أحدهما، وبعضه عن الآخر (بلا ميز) بفتح فسكون، أي بلا تمييز لما سمعه من كل واحد منهما. والجار متعلق بمبين، أو حال، وجملة (أجز) خبرُ من، إن كانت موصولة، وجوابها إن كانت شرطية على حذف مضاف، إما من المبتدإ، أو من الرابط المقدر، أي فِعلَ من رَوَى أجزه، أو من رَوَى أجز فعله. وحاصل المعنى: أنه إذا سمع بعض حديث عن شيخ وبعضه عن آخر، فروى جملته عنهما مبيناً أن بعضه عن أحدهما، وبعضه عن الآخر جاز ولو لم يبين ما سمعه من كل منهما بالتعيين. (وحذف شخص) مبتدأ، أي إسقاط واحد من هذين الرجلين وقوله: (حظلا) بالبناء للمفعول والألف إطلاقية، أي منع، خبر المبتدإ. (مجرحاً) خبر مقدم لقوله: (يكون) ذلك المحذوف (أو معدلاً) عطف على الخبر، وهمزة التسوية مقدرة، والجملة في تأويل المصدر مبتدأ حذف خبره، أي كونه مجروحاً أو معدّلاً سواء في منع حذفه، بل يجب ذكرهما مبيناً أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر. وحاصل المعنى: أن حذف أحد هذين الرجلين ممنوع سواء كان مجروحاً أو ثقة، بل يجب ذكرهما جميعاً مبيناً أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر، وكذا لا يجوز ذكرهما ساكتاً عن ذلك. (وحيث جرح واحد) منهما موجود (لا تقبلا) أيها المحدث ذلك الحديث، هكذا نسخة ابن شاكرٍ بلا الناهية، وعليها فالألف بدل من نون التوكيد، وفي نسخة الشارح لن تقبلا، فالفعل عليها مبني للمفعول، والألف للإطلاق، أي لن تقبل الرواية. والمعنى: أنه إذا كان أحدهما مجروحاً لا يحتج بذلك الحديث، لأنه ما من جزء منه إلا ويجوز أن يكون عن ذلك المجروح.

وحاصل معنى الأبيات الثلاثة: أنه إذا كان الحديث وارداً عن رجلين ثقتين، أو عن ثقة وضعيف، فالأولى أن يذكرهما معاً لجواز أن يكون فيه شيء لأحدهما لم يذكره الآخر، فإن اقتصر على أحدهما جاز لأن الظاهر اتفاق الروايتين، والاحتمال المذكور نادر. وأما إذا كان الحديث بعضه عن رجل وبعضه عن آخر من غير أن تميز رواية كل منهما فلا يجوز حذف أحدهما سواء كان ثقة أم مجروحاً لأن بعض المروي لم يروه من أبقاه قطعاً ويكون الحديث كله ضعيفاً إذا كان أحدهما مجروحاً لأن كل جزء من الحديث يحتمل أن يكون من رواية المجروح. وأما إذا كانا ثقتين فإنه حجة لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة. ومن أمثلته حديث الإفك في الصَّحِيح من رواية الزهري، قال: حدثني عروة، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، قال: وكُلُّ قد حدثني طائفة من حديثها، ودخل حديث بعضهم في بعض، وأنا أوعى لحديث بعضهم من بعض، ثم ذكر الحديث. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله " وفصَّل الخطيب إن اطمأن أنها المسموع " وقوله " وما به تُعَبِّدَا " وقولها " واللغات " وقوله " ثالثها ترك كليها " وقوله " وفصلا مختلف بمستقلّ وبلا " وقوله " والترك جائزاً رأوا " وقوله " في الأصح. وابن خزيمة " البيت وقوله " الحاكم اخصص " البيت، وقوله " أو بطوله ". ولما أنهى صفة رواية الحديث أتبعها بذكر آداب المحدث لمناسبة بينهما ظاهرة، فقال:

(آداب المحدث)

(آداب المحدث) أي هذا مبحث آداب المحدث، وهو النوع الحادي والأربعون من أنواع علوم الحديث؛ والآداب جمع أدب محركة، وهو: ملكة تعصم من قامت به عما يَشِينه، وقيل: تعلم رياضة النفس، ومحاسنِ الأخلاق، وقيل: هو يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل، وقيل: هو استعمال ما يُحمَد قولا وفعلًا، أو الأخذ، أو الوقوف مع المستحسنات، أو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك، أفاده في التاج. والمحدث المراد به هنا: ما يشمل كُلًّا من الحافظ، والمحدث، والمسند الآتي بيانها قريباً، والمراد الآداب التي عند إرادة الرواية، ومع الطالب، وفي الرواية، والإملاء، وما يفعله المستملي، وغير ذلك مما لم يتقدم، وقُدِّمَت على آداب الطالب لكونها أشرف. ولمناسبتها لأكثر فروع صفة الرواية والأداء. 543 - وَأَشْرَفُ الْعُلُومِ عِلْمُ الأَثْرِ ... فَصَحِّحِ النِّيَّةَ ثُمَّ طَهِّرِ 544 - قَلْبًا مِنَ الدُّنْيَا وَزِدْ حِرْصًا عَلَى ... نَشْرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ مَنْ يُحْتَجْ إِلَى 545 - مَا عِنْدَهُ حَدَّثَ: شَيْخًا أَوْ حَدَثْ ... وَرَدَّ لِلأَرْجَحِ نَاصِحًا وَحَثّ 546 - ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لا تُرْشِدْ إِلَى ... أَعْلَى فِي الاِسْنَادِ إِذَا مَا جَهِلا (وأشرف العلوم علم الأثر) مبتدأ وخبر، أي أفضل العلوم المدونة

على الإطلاق: علم الحديث، والمراد بالأثر ما يشمل المرفوع، والموقوف، أي هو من أشرفها، وعبارة ابن الصلاح: علم الحديث علم شريف، وذلك لأن وُصْلة إِلى البحث عن تصحيح أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأفعاله، والذَّبِّ عن أن ينسب إليه ما لم يقله، ولأن سائر العلوم محتاجة إليه. (فصحح النية) الفاء فصيحية، أي فإذا كان الحديث من أشرف العلوم، فصحح أيها المحدث نيتك في حال التحديث، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى. (ثم) بعد تصحيحك النية (طهر قلباً) لك (من) أعراض (الدنيا) لأن تبليغ العلم من وظائف الأنبياء، فكما لا يطلبون هم أجراً على التبليغ إلا من الله تعالى، فكذلك من قام مقامهم ينبغي له الاقتداء بهم. (وزد) أيها المحدث على ما تقدم (حرصاً) أي شدة اهتمام (على نشر الحديث) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " بلغوا عني " الحديث، وقوله: " ليبلغ الشاهد منكم الغائب " رواهما الشيخان. ثم إنهم اختلفوا في السن الذي يحسن أن يتصدى للتحديث فيه، فقيل خمسون لأنها انتهاء الكهولة، ومجتمع الأشد، ولا ينكر في الأربعين لأنها حد الاستواء، ومنتهى الكمال. والصَّحِيح أنه يحدث إذا احتيج إليه في أيّ سِنٍّ كان، وإليه أشار بقوله: (ثم من) شرطية (يحتج) بالبناء للمفعول (إلى ما) أي إلى الحديث الذي ثبت (عنده) وقوله: (حدث) جواب الشرط أي تصدى للتحديث سواء كان (شيخاً) وهو من استبانت فيه السن، وظهر عليه الشيب، أو من خمسين، أو إحدى وخمسين، إلى آخر عمره، أو إلى الثمانين، وله جموع كثيرة ذكرها في القاموس. (أو حدث) عطف على شيخ إلا أنه وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة، وهو الحديث السن، أي الفتى. وحاصل المعنى: أن من احتيج إلى ما عنده من الحديث جلس له

في أي سن كان فإن كثيراً من السلف تصدوا لذلك في حداثة سنهم، ولم ينكر عليهم ذلك. (ورد) المحدث من طلب أن يحدثه بجزء أو نحوه (للأرجح) إلى الشخص الأرجح منه لكونه أعلى إسناداً منه فيه، أو متصل السماع بالنسبة إليه، أو لغير ذلك من المرجحات، حال كونه (ناصحاً) لذلك الطالب، فإن الدين النصيحة (وحث) أي حث الطالب على لزوم الأرجح. وحاصل المعنى: أنه إذا سئل المحدث بجزء، أو كتاب أن يقرأ عليه، وهو يعلم أن غيره في بلدته، أو غيرها أرجح في روايته منه بكونه أعلى منه إسناداً، أو غيره من المرجحات ينبغي له أن يدل السائل على ذلك الشخص نصيحة في العلم. (و) الإمام أبو الفتح تقي الدين محمد بن علي (بن دقيق العيد) فاعل لمحذوف، أو مبتدأ محذوف الخبر أي قال أو قائل (لا ترشد) أيها المحدث من طلب منك أن تحدثه (إلى) من كان (أعلى) منك (في الإسناد) فقط (إذا ما) زائدة (جهلا) الألف للإطلاق أي إذا كان جاهلاً. وحاصل المعنى: أن ابن دقيق العيد قال: إنما ينبغي الإرشاد إلى الأرجح إذا استويا فيما عدا الصفة المرجحة وإلا بأن يكون الأعلى إسناداً عامياً والأنزل عارفاً ضابطاً فقد يتوقف في الإرشاد إليه، لأنه قد يكون في الرواية عنه ما يوجب خللًا. ثم ذكر حكم من يحدث بحضرة من هو أعلى منه فقال: 547 - وَمَنْ يُحَدِّثْ وَهُنَاكَ أَوْلَى ... فَلَيْسَ كُرْهًا أَوْ خِلافَ الأَوْلَى 548 - هَذَا هُوَ الأَرْجَحُ وَالصَّوَابُ ... عَهْدَ النَّبِيِّ حَدَّثَ الصِّحَابُ 549 - وَفِي الصِّحَابِ حَدَّثَ الأَتْبْاعُ ... يَكَادُ فِيهِ أَنْ يُرَى الإِجْمَاعُ (ومن) شرطية (يُحَدِّث) أي يتصدى للتحديث (و) الحال أنَّه (هناك) أي بحضرته، أو في بلدته. وهو خبر مقدم لقوله (أولى) أي شخص أحق

بالتحديث منه، لسنه، أو علمه، أو علو سنده، أو غير ذلك، من المرجحات. وقوله: (فليس) اسمها ضمير يعود إلى المفهوم من " يحدث "، أي تحديثُهُ (كرهاً) أي مكروهاً، والجملة جواب " من " (أو) بمعنى الواو (خلاف الأولى) أي وليس خلاف الأولى، و (هذا) القول (هو الأرجح) لقوة دليله (والصواب) لاستقامة مُدْرَكه. ثم ذكر دليله بقوله: (عهد النبي) منصوب على الظرفية متعلق بحدَّثَ، أو منصوب بنزع الخافض، أي في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي بلده، (حدث)، وأفتى (الصِّحاب) بالكسر جمع صاحب كجائع، وجِيَاع، أي أن الصحاب - رضي الله عنهم -: حدثوا في وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي بلده، كما في حديث: " إن ابني كان عسيفاً " الحديث، وفيه: " فسألت أهل العلم " فقد استنبط منه العلماء أنهم كانوا يفتون في عهده، وفي بلده، وروى أن منهم الخلفاءَ الأربعةَ، وعبد َ الرحمن بن عوف، وأُبيَّ بن كعب، ومعاذَ بن جبل، وزيدَ بن ثابت - رضي الله عنهم -، كما يأتي ذلك في قوله: وَكَانَ يُفْتِي الْخلَفَا ابْنُ عَوْفي ايْ ... عَهْدَ النَّبِي، زَيْدٌ، مُعَاذٌ، وَأُبَيْ (وفي) عهد (الصحاب حدث الأتباع) جمع تبع بمعنى تابعي، كسبب وأسباب، أي أن التابعين رحمهم الله حدثوا في زمن الصحابة - رضي الله عنهم -. روى البيهقي بسند صحيح في المدخل، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال لسعيد بن جبير: حَدِّثْ قال: أحدث وأنت شاهد؟ قال: أوَليس من نعم الله عليك أن تحدث وأنا شاهد فإن أخطأتَ علمتك؟. (يكاد) أي يقرب (فيه) أي في جواز التحديث المذكور (أن يرى) بالبناء للمفعول ونائب الفاعل قوله: (الإجماع) أي إجماع العلماء، وأن وصلتها اسم يكاد، والجار والمجرور، خبرها (¬1) مقدماً. ¬

_ (¬1) وكون خبر كاد غير مضارع قليل، كَعَسَى، قال ابن مالك: كَكَانَ كَادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ ... غَيرُ مضارعٍ لِهَذَيْنِ خَبَرْ

وإِنَّما قال: يكاد لأن بعض العلماء كره ذلك. قال ابن الصلاح: لا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك، وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء، وزاد بعضهم فكَرِ الروايةَ ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه، لسنه، أو غير ذلك. وقال ابن معين: إذا حدثت في بلد فيه مثل أبي مسهر فيجب للحيتي أن تحلق. وعنه أيضاً إن الذي يحدث بالبلدة، وفيها من هو أولى بالتحديث منه فهو أحمق. ثم ذكر أن التحديث فرض عين إذا كان في البلد محدث ليس معه غيره، وفرض كفاية إذا كانوا جماعة فقال: 550 - وَهْوَ عَلَى الْعَيْنِ إِذَا مَا انْفَرَدَا ... فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا تَعَدَّدَا (وهو) أي التحديث (على العين) أي مفروض على كل أحد (إذا ما) زائدة (انفردا) بألف إطلاق أي هو فرض عين على من انفرد في بلد بأن لا يكون فيه أهل له سواه وهو (فرض كفاية) يسقط الحرج عن الباقين بفعل البعض كما هو شأن فروض الكفاية (إذا تعددا) بألف الإطلاق، أي كثر المتأهلون له. وحاصل معنى البيت: أن التحديث فرض عين على من انفرد في بلدة، فلوا امتنع أثِمَ، وفرض كفاية إذا كانوا جماعة مشتركين في السماع، فلو امتنع بعضهم لم يأثم. ثم ذكر حكم من خاف التخليط في الحديث فقال: 551 - وَمَنْ عَلَى الْحَدِيثِ تَخْلِيطًا يَخَفْ ... لِهَرَمٍ أَوْ لِعَمًى وَالضَّعْفِ كَفّ (ومن) شرطية (على الحديث) متعلق بيخف قدم ضرورة (تخليطاً) مفعول مقدم ضرورة لـ (يخف) أي من يَخْشَ التخليط في حديثه بأن يدخل عليه ما ليس منه (لهرم) متعلق بيخف، مصدر هرِمَ من باب تَعِب

بمعنى: كَبِر، وضعُف (أو لعمى والضعف): أي ضعف عقله (كف) جواب الشرط أي امتنع عن التحديث. وحاصل معنى البيت: أن من خاف على حديثه التخليط ورواية ما ليس من حديثه لسبب من الأسباب، كالهرم ونحوه ترك التحديث، وذلك يختلف باختلاف النَّاس، وأما ضبط بعضهم له بثمانين فمحمول على الغالب، وإلا فمن كان ثابت العقل مجتمع الرأي فلا بأس بعدها. فقد حدث بعدها جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. ثم إن من أتى من الطلبة غيرَ مخلص في الطلب لا ينبغي أن يُمَنعَ من الحديث لأنه يجُرُّه إلى الإخلاص، وإلى ذلك أشار بقوله: 552 - وَمَنْ أَتَى حَدِّثْ وَلَوْ لَمْ تَنْصَلِحْ ... نِيَّتُهُ، فَإِنَّهَا سَوْفَ تَصِحّ 553 - فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ كِبَارٍ جِلَّهْ: ... " أَبَى عَلَيْنَا الْعِلْمُ إِلاَّ لِلَّه " (من) موصولة مفعول مقدم لحدث، أو مبتدأ خبره حدث (أتى) إليك طالباً للحديث (حدث) (ولو) وصلية (لم تنصلح نيته) بعدم إخلاصه (فإنها) أي نية ذلك الطالب (سوف تصح) فيما بعدُ فإن العلم يجره إلى الإخلاص (فقد روينا) أي نقلنا أيتُهَا العلماءُ (عن) أئمة (كبار جلة) بالكسر أي عظام سادة، ومقول القول قوله: (أبى) أي امتنع (علينا العلم) أن يكون (إلا لله) بحذف مَدّةِ الجلالة بعد اللام الثانية للضرورة. وذكر الشارح أنه لغة، وما ذكر مسنده ولا أظن صحته فتأمل. وحاصل معنى البيتين: أن من أتى إليك يطلب الحديث فحدثه سواء كان صالح النية أم لا؟ فإنه سيرزقه الله النية الصالحة فيما بعد ولأنه قد تقدم أن التأهل وقت التحمل لا يشترط. فقد رُوِيَ عن معمر وحبيب بن أبي ثابت والغزالي بألفاظ متقاربة " طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله " وعن الحسن والثَّوري طلبنا العلم للدنيا فَجَرَّنا إلى الآخرة. وعن ابن عيينة طلبنا الحديث لغير الله

فأعقبنا الله ما ترون. وعن ابن المبارك طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا، إلى غير ذلك. ثم بين ما يستحب له إذا أراد حضور مجلس التحديث فقال: 554 - وَلِلْحَدِيثِ الْغُسْلُ وَالتَّطَهُّرُ ... وَالطِّيبُ وَالسِّوَاكُ وَالتَّبَخُّرُ 555 - مُسَرِّحًا وَاجْلِسْ بِصَدْرٍ بِأَدَبْ ... وَهَيْئَةٍ مُتَّكِئًا عَلَى رَتَبْ 556 - وَلا تَقُمْ لأَحَدٍ. وَمَنْ رَفَعْ ... صَوْتًا عَلَى الْحَدِيثِ فَازْبُرْهُ وَدَعْ 557 - وَلا تُحَدِّثْ قَائِمًا أَوْ مُضْطَجِعْ ... أَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ عَلَى حَالٍ شَنِعْ 558 - وَافْتَتِحِ الْمَجْلِسَ كَالتَّتْمِيمِ ... بِالْحَمْدِ وَالصَلاةِ وَالتَّسْلِيمِ 559 - بَعْدَ قِرَاءَةٍ لآيٍ وَدُعَا ... وَلْيَكُ مُقْبِلاً عَلَيْهِموا مَعَاً 560 - وَرَتِّلِ الْحَدِيثَ ............. ... .................... (وللحديث الغسل) مبتدأ وخبر أي يستحب للمحدث أن يغتسل غسل الجنابة عند إرادة نشر الحديث (والتطهر) من عطف العام على الخاص ليشمل الوضوء والتيمم (والطيب) أي استعماله في بدنه وثوبه فقد قال أنس - رضي الله عنه -: " كنا نعرف خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريح الطيب " (¬1) (والسواك) يطلق على التسوك وعلى الآلة وعليه يقدر مضاف أي استعماله (والتبخر) أي استعمال البخور في بدنك وثوبك، والبخور وزان رسول دخنة يتبخر بها قاله في المصباح، وقوله: (مسرحاً) حال مقدم من فاعل اجلس، قدم على العاطف ضرورة، ويحتمل كونه حالاً من فاعل " حدث " وجملة وللحديث الغسل معترضة أي حدث حال كونك مسرحاً لحيتك وكذا ممشطاً شعرك إن كان لك، لأنه - صلى الله عليه وسلم - " كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته " (¬2) (واجلس) أيها المحدث إذا أردت التسميع لقوم (بصدر) أي صدر المجلس وهو كما في القاموس أوَّلُه (بأدب) مع الطلبة بأن تحترمهم وتعتني بهم (وهيبة) بالباء أي إجلال للحديث، وفي نسخة ابن شاكرٍ بالهمزة أي حالة حسنة (متكئاً) أي ¬

_ (¬1) أخرجه الخطيب في جامعه، وابن سعد عن إبراهيم مرسلًا، وصححه الشيخ الألباني. انظر صحيح الجامع الصغير. جـ 2 ص 891. (¬2) صحيح من حديث سهل بن سعد. انظر صحيح الجامع جـ 2 ص 351.

حال كونك متمكناً في جلوسك لأن الاتكاء يطلق على الجلوس متمكناً وعلى الميل في القعود معتمداً على أحد الشقين أفاده في المصباح، والمراد هنا الأول (على رتب) بفتحتين جمع رَتَبةٍ كدرَجَة ودَرَجَ وهو ما أشرف من الأرض قاله في " ق " والتاج والجار والمجرور متعلق بمتكئاً أي متمكناً على شيء مرتفع يخصك من منبر أو غيره، فقد كان مالك رحمه الله يجلس على مِنَصَّة وعليه الخشوع (ولا تقم لأحد) كائناً من كان فإنه قيل بكراهته قلت: ولكن لا دليل عليه، ومسألة القيام للقادم طويلة الذيل كتبت فيها رسالة لكنها لم تطبع. (ومن) شرطية (رفع) من الحاضرين (صوتاً) له (على الحديث فازبره) جواب مَنْ، أي امنعه عن ذلك، يقال: زبره يزبره من بَابَيْ قتل وضرب: منعه ونهاه وزجره، أفاده في القاموس (ودع) التحديث إن لم يترك ذلك، أو دعه يخرج من المجلس، فقد كان مالك يفعل ذلك، ويقول: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) فمن رفع صوته عند حديثه فكأنما رفع صوته فوق صوته. (ولا تحدث قائماً) أي في حال قيامك (أو مضطجع) عطف على ما قبله منصوب وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة، أي في حال اضطجاعك، افتعال من الضجوع، وهو وضع الجنب على الأرض. (أو في الطريق) يشمل المشي فيه والجلوس عليه، (أو على حال شنع) أي قبيح يقال شَنُع ككرم فهو شنيع وشَنِع بكسر النون وأشنعُ كريهٌ. اهـ " ق "، وقيل قبيح. اهـ تاج. والمراد الحالة التي تَسُوءُ خلُقَكَ كالجوع والشبع المفرطين، ونحوهما. وحاصل المعنى: أنه لا ينبغي لك أن تحدث على حالة تنافي تعظيم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأشياء المذكورة، فقد كره العلماء ذلك، فكان مالك يكره أن يحدث في الطريق، أو وهو قائم أو وهو مستعجل، وقال: أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وسئل سعيد بن المسيب عن حديث وهو مضطجع في مرضه، فجلس وحدث به، فقيل له: وددت

أنك لم تتعن، فقال: كرهت أن أحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مضطجع. وسئل ابن المبارك عن حديث وهو يمشي، فقال: ليس هذا من توقير العلم. (وافتتح) أيها المحدث (المجلس) أي مجلس التحديث (كالتتميم) أي مثل تتميمك له (بالحمد) لله تعالى. وأبلغ ما ورد في ذلك خطبة الحاجة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً: " إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ .... ) إلى قوله: (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) إلى قوله: (فَوْزًا عَظِيمًا) " رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، واللفظ لابن ماجه، وفي أخرى لأبي داود بعد قوله ورسوله: " أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً " قال الترمذي: حديث حسن. وإنما عدلت عما ذكره العلماء في هذا المحل لأن اللائق بمن يَشُحُّ بدينه، ويحرص على تحصيل مطلوبه، أن لا يعدِلَ عما صح عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى غيره. (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا). (والصلاة) على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (والتسليم) عليه خروجاً من الكراهة في إفراد أحدهما من الآخر حسبما صرحت به الآية الكريمة. وأبلغ ما ورد في الصلاة عليه الصلاةُ الإبراهيمية المتفق على إخراجها في الصَّحِيحين وغيرهما وهي: " اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد

كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، أو السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ". (بعد قراءة) من قارئٍ حسن الصوت (لآي) جمع آية، وهي لغة العلامة، والآية من القرآن كلام متصل إلى انقطاعه، قاله في " ق "، وفي المصباح الآية من القرآن ما يحسن السكوت عليه. اهـ سميت آية لأنها علامة لانقطاع كلام من كلام، ويقال: لأنها جماعة حروف من القرآن. اهـ تاج. روى الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: " كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرأوا سورة " (¬1). (و) افتتح أيضاً بـ (ـدعاء) يليق بالحال، وليكن دعاؤك بالجوامع من الدعوات: وهي الدعوات المأثورة فكلها جوامع. فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سواه. فمنها، حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " متفق عليه. ومنها ما أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس حتى يدعو بهذه الدعوات: " اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ". ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك جـ 1 ص 94 عن أبي سعيد قال: " أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلسوا كان حديثهم يعني الفقه، إلا أن يقرأ رجل سورة، أو يأمر رجلاً بقراءة سورة " وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي.

ومنها ما أخرجه النسائي والحاكم عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علماً ينفعني ". وزاد النسائي في رواية عن أبي هريرة: " وزدني علماً الحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار ". وإسناده حسن. وأولى ما يختم به المجلس ما رواه النسائي عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأخَرَةٍ إذا اجتمع إليه أصحابه فأراد أن ينهض قال: " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " فقال: قلنا: يا رسول الله إن هذه كلمات أحدثتهن قال: " أجل جاءني جبرائيل فقال: يا محمد هن كفارات المجلس " صححه الحاكم، وأخرجه الطبراني في المعاجم الثلاثة مختصراً بسند جيد. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، أنه قال: " كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم الله له بهن كما يختم بالخاتم على الصحيفة سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك " رواه أبو داود وابن حبان وصححه. (وليك) أي المحدث (مقبلاً عليهم) أي الحاضرين (معاً) أي مجتمعين أو في مكان واحد قال في المصباح تقول: خرجنا معاً أي في زمن واحد وكنا معاً أي في مكان واحد منصوب على الظرفية، وقيل على الحال أي مجتمعين، والفرق بين فعلنا معاً وفعلنا جميعا أن معاً تفيد الاجتماع حالة الفعل وجميعاً بمعنى كلنا يجوز فيها الاجتماع والافتراق. وألِفُهَا عند الخليل بدل من التنوين لأنه عنده ليس له لام، وعند يونس والأخفش كالألف في الفتى، فهي بدل من لام محذوفة اهـ. والمراد أنه يُقْبِلُ على الحاضرين جميعاً إذا أمكن فإن ذلك مستحب

لقول حبيب بن أبي ثابت: كانوا يحبون إذا حدث الرجل أن لا يقبل على الواحد فقط ولكن يعمهم، وعنه أيضاً إنه من السنة. (ورتل الحديث) أيها المحدث أي تمهل في قراءته ولا تعجل ولا تسردها سرداً يمنع فهم بعضه، ففي الصَّحِيحين عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم -: " لم يكن يسرُد الحديث كسردكم " زاد الإسماعيلي: " إنما كان حديثه فهما تفهمه القلوب " وزاد الترمذي: " ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جَلَسَ إليه " وقال: حديث حسن صحيح. وأخرج البخاري عن عُرْوَة قال: " جلس أبو هريرة إلى جنب حجرة عائشة، وهي تصلي فجعل يحدث فلما قضت صلاتها قالت: ألا تعجب إلى هذا وحديثه إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يحدث حديثاً لو عدَّه العادُّ أحصاه ". ثم بيّن الكلام على الإملاء فقال: ......... وَاعْقِدْ مَجْلِسَا ... يَوْمًا بِأُسْبُوعٍ لِلاِمْلاَءِ ائْتِسَا (واعقد) أيها المحدث العارف (مجلساً) مفعول به لاعقد أي مَحَلًّا يجتمع فيه النَّاس للاستماع (يوماً) واحداً (بأسبوع) بالضم، ويقال فيها سبوع مثل قعود، سبعة أيام، وجمعه أسابيع أفاده في المصباح (لِلاِمْلاَءِ) بنقل حركة الهمزة إلى اللام ثم حذفها للضرورة من أمليتُ الكتاب على الكاتب إذا ألقَيْتهُ عليه، ويقال أمللته عليه إملالًا، فالأولَى لغة بني تميم وقيس، والثانية لغة الحجاز وبني أسد، وجاء الكتاب العزيز بهما " فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " " وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ "، أفاده في المصباح. وفي " ق " أمله: قال له فكتب عنه. اهـ، فأفاد أن الإملاء لا يكون إلا مع الكتابة. (ائتسا) مفعول لأجله، مصدر ائتسى يأتسى بمعنى اقتدى أي اقتداء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين ومن بعدهم. وحاصل المعنى: أنه يقول: اعقد أيها المحدث يوماً من أيام الأسبوع لإملاء الحديث على الطلبة سواء كان إملاؤك من كتابك، أو حفظك، وهو

أشرف لا سيما وقد اختلف في التحديث من الكتاب اقتداء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه أملى الكتاب إلى الملوك وفي المصالحة يوم الحديبية وفي غير ذلك. وبفعل الصحابة فقد أملى واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - الأحاديث على النَّاس وهم يكتبونها عنه رواه البيهقي وغيره. وبفعل التابعين ومن بعدهم فقد أملى شعبة وسعيد بن أبي عَرُوبَةَ وهمام ووكيع وحماد بن سلمة ومالك وابن وهب وأبو أسامة وابن علية ويزيد بن هارون وعاصم بن علي وأبو عاصم وعمرو بن مرزوق والبخاري وأبو مسلم الكجي وجعفر الفريابي والهجيمي في خلق يطول سردهم. وإنما زاد قَيْدَ يوماً بأسبوع على العراقي لما في البخاري عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يُذكِر النَّاس في كل خميس وقال: " إني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا ". وعن ابن عباس - رضي الله عنه -: " حَدِّثِ الناسَ كل جمعة مرة فإن أبيت فمرتين فإن أكثرت فثلاث مرار ". (تنبيه): الإملاء من أعلى مراتب الإسماعِ والتحملِ عند الأكثرين ولذا قال الحافظ السلفي رحمه الله: وَاظِبْ عَلَى كَتْبِ الأمَالِي جَاهِداً ... مِنْ ألْسُنِ الحُفَّاظِ الْفُضَلَا فَأجَلُّ أنْوَاع الْعُلُومِ بِأسْرِهَا ... مَا يَكْتُب الإنْسَانُ فِي الإمْلَا وقال السخاوي: ومن فوائده اعتناء الراوي بطرق الحديث وشواهده ومتابعته وعاضده بحيث يتقوى بها ويثبت لأجلها حكمه بالصحة إلى آخر ما ذكره. ثم بين حكم اتخاذ المستملين فقال: 561 - ثُمَّ اتَّخِذْ مُسْتَمْلِيًا مُحَصِّلا ... وَزِدْ إِذَا يَكْثُرُ جَمْعٌ وَاعْتَلَى

562 - يُبَلِّغُ السَّامِعَ أَوْ يُفَهِّمُ ... وَاْسْتَنْصَتَ النَّاسَ إِذَا تَكَلَّمُوا (ثم) إذا كَثُرَ جموع النَّاس ولم يبلغهم صوتك (اتخذ) أيها المحدث وجوباً كما صرح به الخطيب (مستملياً) يتلقن منك ويبلغ الحاضرين البعيدين عنك (محصلا) اسم فاعل من التحصيل، وهو في الأصل استخراج الذهب من حجر المعدن، والمراد به هنا الماهر في التبليغ. والأصل فيه ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث رافع بن عمرو قال: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب النَّاس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي - رضي الله عنه - يعبر عنه ". وفي الصَّحِيح عن أبي جمرة قال: " كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس ". وهكذا فعله أئمة الحديث وحفاظه كمالك وشعبة ووكيع، واحترز بقوله: محصلاً عن المغفل البليد كالمستملي الذي قال لممليه وقد قال له: حدثني عِدَّة: ما نصه عدة ابن مَنْ؟ فقال له المملي: عدة ابنٌ؟ فَقَدْتُكَ. وكالآخر الذي قال لممليه، وقد قال له عن أنس قال رسول، كذا في كتابي وهو رسول الله إن شاء الله: ما نصه: قال رسول الله وشك أبو عثمان وهي كنية المملي في الله، فقال له المملي: كذبتَ يا عدو الله ما شككتُ في الله قط. (وزد) أيها المحدث على المستملي الواحد (إذا يكثر جمع) أي جماعة الحاضرين بحيث لا يكفي واحد فزد بحسب الحاجة فقد كان لعاصم بن علي الذي حُزِرَ مجلسُهُ بأكثر من مائة ألف إنسان مستمليان، ولأبي مسلم الكجي الذي حُزِر بنَيِّفٍ وأربعين ألف مِحْبَرَة سوى النظارة سبعة يتلقى بعضهم عن بعض. (واعتلى) أي كان المستملي في مكان عال من كرسي ونحوه، وإلا فيقوم على قدميه كما فعل ابن علية بمجلس مالك، وآدم بن أبي إياس

بمجلس شعبة وغيرهم، والجملة مستأنفة (يبلغ) المستملي وجوباً ما سمعه منك ويؤديه على وجهه من غير تغيير (السامع) منه، دون المملي، لبعده ولو قال: " يبلغُ البعيد " لكان أوضح أي البعيد الذي لا يسمع كلام المملي أصلاً، والجملة حال من فاعل اعتلى. (أو يفهم) من بَلغهُ على بُعْدِ لكن لم يتفهمه فيتوصل بصوت المستملي إلى تفهمه وتحققه وقد تقدم حكم من لم يسمع إلا من المستملي عند قوله: وَجَازَ أَنْ يَرْويَ عَنْ مُمْلِيهِ ... مَا بَلَّغَ السَّامِعَ مُسْتَمْلِيهِ لِلأَقْدَمِينَ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ... وَابْنُ الصَّلاحِ قَالَ: هَذَا يُحْظَلُ (واستنصت الناس) أي طلب المستملي الإنصات وهو السكوت مع الاستماع من الحاضرين (إذا تكلموا) وقت الإملاء وفي نسخة: " لِكَيْمَا يَفْهَمُوا " أي ما يُمْلَى عليهم اقتداء بقوله - صلى الله عليه وسلم - لجرير في حجة الوداع: " استنصت النَّاس " متفق عليه. 563 - وَبَعْدَهُ بَسْمَلَ ثُمَّ يَحْمَدُ ... مُصَلِّيًا وَبَعْدَ ذَاكَ يُورِدُ 564 - مَا قُلْتَ أَوْ مَنْ قُلْتَ مَعْ دُعَائِهِ ... لَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ فِي انْتِهَائِهِ 565 - " حَدَّثَنَا " وَيُورِدُ الإِسْنَادَا ... مُتَرْجِمًا شُيُوخَهُ الأَفْرَادَا 566 - وَذِكْرُهُ بِالْوَصْفِ أَوْ بِاللَّقَبِ ... أَوْ حِرْفَةٍ لا بَأْسَ إِنْ لَمْ يَعِبِ (وبعده) أي بعد استناصتهم (بسمل) أي قال المستملي: بسم الله الرحمن الرحيم وهذا أول شيء يقوله، قاله السخاوي. (ثم) بعد البسملة (يحمد) الله تعالى بالمحامد المأثورة كما قدمنا (مصلياً) على النبي - صلى الله عليه وسلم - أي ومسلماً لما قدمنا. والأولى: أن يصلي بالصلاة الإبراهيمية على اختلاف ألفاظها فإنه لا يعادلها شيء غيرها مما ذكروا أيا كان كما قاله النووي.

(وبعد ذاك) كله (يورد) المستملي أي يذكر قوله: (ما قلت) أي شيء ذكرت من الأحاديث (أو من قلت) أي أي شخص ذكرت من الشيوخ قيل، ولا يقول من حدثك، أو من سمعت فإنه لا يدري بأي لفظة يبتدئ لكن قال ابن دقيق العيد: والأحسن أن يقول من حدثك أو من أخبرك إن لم يقدم ذكر أحد إلا أن يكون الأول عادة للسلف مستمرة فالإتباع أولى ذكره السخاوي. (مع) بسكون العين لغة في الفتح (دعائه) أي دعاء المستملي للملي رافعاً لصوته قائلاً رحمك الله أو أصلحك الله أو غفر الله لك وما أشبهه. قال يَحْيىَ بنُ أكثَم: نِلتُ القضاء وقضاء القضاة والوزارة وكذا وكذا فما سررت بشيء مثل قول المستملي من ذكرتَ رحمك الله؟. (وقال الشيخ) المملي (في انتهائه) أي انتهاء المستملي مما يقوله، ومقول قال: (حدثنا) شيخنا العلامة المتقن فلان ابن فلان. (ويورد الإسنادا) بألف الإطلاق أي يذكر الإسناد بتمامه حال كونه (مترجماً شيوخه) بضم الشين وتكسر جمع شيخ أي مبيناً أحوالهم وصفاتهم بما هم أهله كما فعل جماعة من السلف كقول أبي مسلم الخولاني حدثني الحبيب الأمين عوف بن مسلم وكقول مسروق: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة. وكقول عطاء: حدثني سيد الفقهاء أيوب وكقول وكيع: حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث. (تنبيه): كلما مر ذِكْرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عليه وسلَّم، ويرفع صوته، وإذا ذكر صحابياً ترضى عليه، فإن كان ابن صحابي قال - رضي الله عنهما -، وكذا يترحم على الأئمة. (الأفراد) جمع فرد بدل من شيوخه أي مترجماً أفراد شيوخه بأن يترجِم لكل شيخ بترجمة مستقلة ليتميز تمامَ تَمَيًّزٍ، ويحتمل أن يكون صفة شُيُوخهُ وقيده به لئلا يدخل فيه الشيوخ الذين في الإسناد كلهم فإن ذكر

ترجمة غير شيوخه الذين تلقى منهم مشروط بالفصل بيعني ونحوها كما تقدم في قوله: وَلا تَزِدْ فِي نَسَبٍ أَوْ وَصْفِ مَنْ ... فَوْقَ شُيُوخٍ عَنْهُمو مَا لَمْ يُبَنْ بِنَحْوِ يَعْنِي، البيت والله أعلم. (وذكره) أي ذكر المملي شيوخه من إضافة المصدر إلى فاعله وهو المناسب للسابق واللاحق ويحتمل أن يكون من إضافة المصدر إلى مفعوله أي ذكر الشيخ وهو مبتدأ خبره قوله: لا بأس. (بالوصف) أي صفة النقص بدلالة قوله: إن لم يعجب كالأعمش (أو باللقب) كغندر (أو حرفة) كالخياط (لا بأس) به وإن كره ذلك (إن لم يعب) أي إن لم يقصد عيبه به بل أراد تعريفه لكونه معروفاً بها. وحرمه بعضهم مطلقاً والأولى كما قال البلقيني: إنه إن وجد طريقاً إلى العدول عن الوصف فهو أولى وإلا فلا كراهة. 567 - وَاْرْوِ فِي الاِمْلا عَنْ شُيُوخٍ عُدِّلُوا ... عَنْ كُلِّ شَيْخٍ أَثَرٌ وَيَجْعَلُ 568 - أَرْجَحَهُمْ مُقَدَّمًا وَحَرِّرِ ... وَعَالِيًا قَصِيرَ مَتْنٍ اخْتَرِ 569 - ثُمَّ أَبِنْ عُلُوَّهُ وَصِحَّتَهْ ... وَضَبْطَهُ وَمُشْكِلاً وَعِلَّتَهْ (وَارو) أيها المحدث الذي يريد الإملاء (في الإملا) بالنقل والقصر للضرورة أي ارو في حال إملائك الحديث استحباباً (عن شيوخ) كثيرين ولا تقتصر على شيخ واحد، إذ التعدد أكثر فائدة، قيل: مَثَلُ الذي يروي عن شيخ واحد كرجل له امرأة واحدة، فإذا حاضت بَقِي. (عُدِّلُوا) أي وصفوا بالعدالة فلا ترو إلا عن ثقة من شيوخك دون كذاب أو فاسق أو مبتدع، قال ابن مهدي: لا يكون الرجل إماماً، وهو يحدث عن كل أحد (عَنْ كُلِّ شَيْخٍ) بدل من الجار والمجرور قبله (أثراً) مفعولُ ارْوِ، وفي نسخة ابن شاكرٍ " أثر " بالرفع، وعليه فالجار والمجرور خبر مقدم عليه، والمعنى أنه يقول حدث في ذلك المجلس عن كل شيخ من شيوخك حديثاً واحداً ولا تزد عليه فإنه أعم للفائدة.

و (يجعل) المملي، ولو قال: وتجعل بالتاء، لكان أولى (أرجحهم) بعلو سنده، أو كونه أحفظ، أو أسن أو غير ذلك مفعول أول (مقدماً) بصيغة اسم المفعول أي متقدماً على غيره مفعول ثان (وحرر) ما تمليه أي قَوِّمْه، قال في المختار: تحرير الكتاب وغيره تقويمُهُ اهـ. (وعالياً) أي سنداً عالياً مفعول مقدم لاختر، لما في العلو من الفضل (قصير متن) لما فيه من مزيد الفائدة (اختر) أيها المحدث المملي والأولى كونه في الفقه والترغيب قال علي بن حُجْر: وَظِيفَتُنَا مِائَةٌ لِلْغَرِيـ ... ـبِ فِي كُلِّ يَوْم سِوَى مَا يُعَادُ شَرِيكِيَّةٌ أوْ هُشيْمِيَّةٌ ... أحَادِيثُ فِقْهٍ قِصَارٌ جِيَادُ (ثم) بعد أن أمليت (أبن) أي أظهر للسامعين (علوه) أي علو إسناده (وصحته) إن كان صحيحاً، أي وحسنه، وضعفه (وضبطه ومشكلاً) في الأسماء والألفاظ وكذا أظْهِر غامض المعنى وتفسير الغريب (وعلته) إن كانت فيه علة. ثم ذكَرَ ما لا ينبغي للمملي أن يمليه فقال: 570 - وَاْجْتَنِبِ الْمُشْكِلَ كَالصِّفَاتِ ... وَرُخَصًا مَعَ الْمُشَاجَرَاتِ (واجتنب) أي ابتعد في إملائك (المشكل) أي ذكر المشكل من الأحاديث (كالصفات) أي كأحاديث الصفات لما لا يؤمن على السامعين من الخطأ والوهم، والوقوع في التشبيه والتجسيم، فقد قال علي - رضي الله عنه -: " حدثوا النَّاس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله " رواه البخاري، وروى البيهقي في الشعب عن المقدام بن معدي كربِ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا حدثتم النَّاس عن ربهم فلا تحدثوهم بما يغرب أو يشق عليهم ". وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -:، ما أنت بِمُحَدِّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " رواه مسلم. (و) اجتنب أيضاً كما قال الخطيب (رخصا) جمع رخصة وهي السهولة، أي ذكر أحاديثها للعوام لما يخشى عليهم من تتبعها وترك العزائم

(مع المشاجرات) من الشَّجْرِ يقال: شجر الأمر بينهم شجراً من باب قتل اضطرب، واشتجروا تنازعوا، وتشاجروا بالرماح تطاعنوا قاله في المصباح. والمراد هنا التشاجر الذي وقع بين الصحابة لئلا يقع السامعون في بعض الصحابة. وكذلك اجتنب الإسرائيليات. ثم بيّن ما ينبغي أن يلقيه المملي فقال: 571 - وَالزَّهُدُ مَعْ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ ... أَوْلَى فِي الاِمْلاءِ بِالاِتِّفَاقِ (والزهد) مبتدأ أي الحديث الدال والباعث على الإعراض عن الدنيا (مع مكارم الأخلاق) أي مع الأحاديث الدالة على مكارم الأخلاق، من الكرم والعطف ولين الجانب وإنجاز الوعد والتواضع والصبر ونحوها (أولى) خبر المبتدإ، أي أحق بالذكر من غيرهما (في) مجلس (الإملاء) بنقل حركة الهمزة للوزن، وذلك (بالاتفاق) بين أهل العلم، لأن هذه الأمور هي التي يحتاج إلى سماعها خصوصاً العوام، فإن غالبهم بمعزل عن التخلق بها. وأما ما تقدم فإنما يحتاج إليه الخواص الذين يميزون بين ما هو حق فيتبعونه، وما هو باطل فيجتنبونه. ثم ذكر كيفية ختم الإملاء فقال: 572 - وَاْخْتِمْهُ بِالإِنْشَادِ وَالنَّوَادِرِ ... ................... (واختمه) أي مجلس الإملاء (بالإنشاء) أي قراءة الأشعار المباحة المرققة (والنوادر) المستحسنة وكونها مناسبة لما أملاه من الأحاديث أولى، ويذكرها بأسانيدها فعادة الأئمة من المحدثين جارية بذلك، وقد استدل الخطيب بما رواه عن علي قال: " روحوا القلوب وابتغوا لها طُرَفَ الحكمة "، وكان الزهري يقول لأصحابه: هاتوا من أشعاركم هاتوا من أحاديثكم فإن الأذن مجاجة والقلب حمض. ثم ذكر حكم استعانة المملي بالحافظ المتقن إذا كان هو قاصراً أو مشتغلاً بما هو أهم فقال:

............... ... وَمُتْقِنٌ خَرَّجَهُ لِلْقَاصِرِ 573 - أَوْ حَافِظٍ بِمَا يُهِمُّ يُشْغَلُ ... ................... (ومتقن) مبتدأ، أي حافظ متقن خبره قوله: (خرجه)، أي الحديث الذي يريد إملاءه قبل يوم مجلسه (للقاصر) أي المملي القاصر عن التخريج لقصور معرفته بالحديث وعلله واختلاف وجوهه. (أو حافظ) بالجر عطفاً على القاصر أي خرجه لحافظ قادر على التخريج إلا أنه (بما) أي بشيء، أو بالذي متعلق بيشغل (يهم) بفتح الياء من باب قتل، أو بضمها رباعياً، يقال: هَمَّه الأمر وأهمه إذا أقلقه وحَزَنَه (يشغل) بالبناء للمفعول، يقال: شغلت بالأمر بالبناء للمفعول تلهيت به أفاده في المصباح. وحاصل المعنى: أنه إذا قصر المحدث عن تخريج الإملاء، أو كان مشغولاً بأعمال تهمه كالإفتاء والتأليف فلا بأس أن يستعين على ذلك ببعض الحفاظ المتقنين كما فعله جماعة من الشيوخ. ثم ذكر المقابلة بعد الإملاء بقوله: .................... ... وَقَابِلِ الإِمْلاءَ حِينَ يَكْمُلُ (وقابل) أيها المحدث (الإملاء) أي المملَى بفتح اللام (حين يكمل) إملاؤه، فإن المقابلة واجبة كما تقدم لإصلاح ما فسد منه بزيع القلم وطغيانه، وفيه حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - وقد تقدم. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله " وأشرف العلوم علم الأثر " وقوله " ابن دقيق العيد " البيت. وقوله " هذا هو الأرجح والصواب " إلى قوله " إذا تعددا " وقوله " فقد رَوينَا " البيت، وقوله " والسواك والتبخر " وقوله " متكئاً على رَتَب " وقوله " أو مضطجع " وقوله " أو على حال " وقوله " بعد قراءة لآي " وقوله " يوماً بأسبوع " وقوله " علوه وصحته " البيت، وقوله " كالصفات " إلى قوله " بالاتفاق " وقوله " أو حافظ بما يهم يشغل ".

مسألة في تعريف الحافظ والمحدث والمسند وغيرها.

مسألة في تعريف الحافظ والمحدث والمسند وغيرها. 574 - وَذَا الْحَدِيثِ وَصَفُوا، فَاْخْتَصَّا ... بِحَافِظٍ كَذَا الْخَطِيبُ نَصَّا (وذا الحديث) أي صاحب الحديث مفعول مقدم لقوله: (وصفوا) بالبناء للفاعل، أي أهل الحديث، وفي نسخة الشارح وذو بالواو فهو مبتدأ، ووصفوا خبره بتقدير رابط، أي وصف أهل الحديث صاحبَ الحديث، أو صاحبُ الحديث وصفوه. ثم بيّن ما وصف به فقال: (فاختصا) بالبناء للفاعل، أو المفعول لأنه يلزم ويتعدى فإذا كان متعدياً يبنى للمفعول، وفي نسخة الشارح فخصا بالبناء للمفعول (بحافظ) متعلق بما قبله، أي بهذا الوصف وهو اسم فاعل من حفظ الشيء إذا منعه من الضياع والتلف (كذا) أي مثل هذا التنصيص (الخطيب) أبو بكر الحافظ أحمد بن علي بن ثابت البغدادي (نصا) بألف الإطلاق، أي عَيَّن اختصاص صاحب الحديث بالحافظ، ثم ذكر كلام الخطيب فقال: 575 - وَهْوَ الَّذِي إِلَيْهِ التَّصْحِيحِ ... يُرْجَعُ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ (وهو) أي الحافظ في اصطلاح المحدثين (الذي إليه) متعلق بيرجع (في التصحيح) أي تصحيح الحديث متعلق بيرجع أيضاً (يرجع) بالبناء

للمفعول (والتعديل) عطف على التصحيح، أي الحكم بعدالة الرواة (والتجريح) أي الحكم بجرحهم. 576 - أَنْ يَحْفَظَ السُّنَّةَ مَا صَحَّ وَمَا ... يَدْرِي الأَسَانِيدَ وَمَا قَدْ وَهِمَا 577 - فِيهِ الرُّوَاةُ زَائِدًا أَوْ مُدْرَجَا ... وَمَا بِهِ الإِعْلالُ فِيهَا نَهَجَا (أن) مصدرية (يحفظ) صاحب الحديث (السنة) النبوية، وكذا الآثار المروية، وأن وصلتها في تأويل المصدر مجرور بالباء السببية، والجار والمجرور متعلق بيرجع أي يرجع إليه بسبب حفظه السنة إلخ (ما صح) بدل مما قبله، أي الذي صح منها يعني: بحفظه صحيح الأحاديث (وما) عطف على السنة أي يحفظ ما (يدري) به (الأسانيد) من علم الرجال (و) يحفظ أيضاً (ما قد وهم) كغلط وزنا ومعنى (فيه الرواة زائداً) حال مما أي حال كونه زائداً (أو مدرجاً) في المتن، أو في الإسناد (و) يحفظ أيضاً (ما به الإعلال فيها) أي الأسانيد (نَهَجَا) أي بَانَ يقال: نَهَجَ الطريقُ يَنهَجُ بفتحتين نهوجاً، وَضَحَ واستبانَ وأنهج بالألف مثله، ونهجته أنهجه أوضحته، يستعملان لازمين ومتعددين، قاله في المصباح. قلت: والمناسب هنا اللزوم أي يحفظ الشيء الذي اتضح به الإعلال في الأسانيد يعني: أنه يعرف علم علل الأحاديث. 578 - يَدْرِي اصْطِلاحَ الْقَوْمِ وَالتَّمَيُّزَا ... بَيْنَ مَرَاتِبِ الرِّجَالِ مَيَّزَا 579 - فِي ثِقَةٍ وَالضَّعْفِ وَالطِّبَاقِ ... كَذَا الْخَطِيبُ حَدَّ لِلإِطْلاقِ (يدري) أي يعرف معرفة تامة والجملة حال من فاعل يحفظ (اصطلاح القوم) أي مصطلحات المحدثين التي تضمنتها كتبهم كهذه، وأصلها، وابن الصلاح. (و) يدري أيضاً (التميزا) أي التفاوت التى (بين مراتب الرجال) فإنها تتفاوت، وفي نسخة والتمييز بياءين، أي يدري التمييز بين مراتبهم، وقوله: (ميزا) حال من فاعل يدري أي حال كونه ميزا لذلك، وضابطاً له، وقوله:

(في ثقة والضعف) متعلق بالتمييز، أي يدري التمييز بين مراتبهم في صفة الثقة والضعف، لأن صفة الثقة والضعف متفاوتة كما مر في باب ألفاظ التعديل والتجريح. فالمراد بالثقة هنا معناها المصدري، يقال: وثقت به أثق بالكسر فيهما وثوقاً إذا ائتمنته، ويقال: هو وهي وهم وهنَّ ثقة، لأنه مصدر، وقد يجمع في الذكور والإناث فيقال: ثقات أفاده في المصباح. (والطباق) أي يدري أيضاً تباين طبقاتهم، فالطباق بالكسر جمع طبقة وهو كما يأتي في الأصل عبارة عن القوم المتشابهين، وفي الاصطلاح قوم تقاربوا في السن والإسناد، أو في الإسناد فقط، يعنى: أن هذا الحافظ يعرف تفاوت مراتبهم في الطبقات إذ يتفق اسمان في اللفظ فيظن أحدُهما الآخرَ فيتميز ذلك بمعرفة طبقاتهما. (كذا) أي مثل هذا التعريف مفعول مطلق لحَدِّ. (الخطيب) أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، مبتدأ خبره جملة (حد) أي عَرَّفَ ذا الحديثِ (للإطلاق) أي لأجل أن يطلق عليه اسم الحافظ. ثم ذكر تعريف الحافظ المزي للحافظ فقال: 580 - وَصَرَّحَ الْمِزِّيُّ أَنْ يَكُونَ مَا ... يَفُوتُهُ أَقَلَّ مِمَّا عَلِمَا (وصرح) أي بَيَّن من التصريح، يقال: صرح بما في نفسه أخلصه للمعنى المراد، أو أذهب عنه احتمالات المجاز والتأويل، أفاده في المصباح. (الْمِزِّيُّ) الإمام الحافظ الأوحد محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد ِ الرحمن بن يوسف القضَاعي ثم الكلبي الشافعي ولد بحلب سنة 654 هـ ومات يوم السبت 12 صفر سنة 742 هـ عن 88 سنة. والمزي: بكسر الميم نسبة إلى مِزَّةَ قرية كبيرة غَنَّاءُ في وسط بساتين دمشق.

يعني: أن الحافظ المزي بَيَّنَ في تعريف الحافظ بـ (أن يكون ما يفوته) من الرجال وتراجمهم وأحوالهم وبلدانهم (أقل) خبر يكون (مما علما) بالبناء للفاعل والألف للإطلاق، أي من الذي علمه من ذلك. يعني: أنه قال لما سأله تلميذه الحافظ السبكي عن حد الحافظ أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم ليكون الحكم للغالب. ولما أنهى الكلام على الحافظ شرع يبين المحدث فقال: 581 - وَدُونَهُ مُحَدِّثٌ أَنْ تُبْصِرَهْ ... مِنْ ذَاكَ يَحْوِي جُمَلاً مُسْتَكْثَرَهْ (ودونه) أي الحافظ في الرتبة خبر مقدم لقوله: (محدث) أي المحدث في اصطلاحهم دون الحافظ رتبة، ثم بيّن تعريفه بقوله: (أن) مصدرية (تبصره) أي تعرفه (من ذاك) الذي تقدم في تعريف الحافظ متعلق بـ (يحوي) أي يجمع يقال: حويت الشيء أحويه حَوَايَة، واحتويت عليه: إذا ضممته واستوليت عليه قاله في المصباح (جملاً) وفي نسخة جملة مفعول به ليحوي (مستكثرة) أي معدودة بأنها كثيرة. يعني: أن المحدث من يجمع جملاً كثيرة من صفات الحافظ إن لم يجمعها كلها. ثم بيّن المسند وهو دون المحدث فقال: 582 - وَمَنْ عَلَى سَمَاعِهِ الْمُجَرَّدِ ... مُقْتَصِرٌ لا عِلْمَ سِمْ بِالْمُسْنِدِ (ومن) مفعول مقدم، أو مبتدأ أي الذي أو شخص (على سماعه) (المجرد) عن معرفة ما ذكر في الحافظ والمحدث، والجار متعلق بـ (مُقْتَصِرٌ) خبر لمحذوف أي هو، والجملة صفة، أو صلة لمن أي الذي أو شخص هو مقتصر على السماع المجرد، وقوله: (لا علم) تصريح بما علم من قوله المجرد إيضاحاً، أي لا علم له بتلك الأمور المشترطة قبلُ، والجملة حال مِنْ مَنْ (سم) أمر من وسم الشيء يسم كوعد يعد إذا جعل له علامة (بالمسند) بكسر النون متعلق بسم.

يعني: أن من كان مقتصراً على السماع المجرد اجعل المُسنِدَ علامة له يعرف بها. فالمسند هو الذي يقتصر على سماع الأحاديث وإسماعها من غير معرفة بعلومها أو إتقان لها. ثم ذكر أعلى الكل وهو أمير المؤمنين في الحديث فقال: 583 - وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَقَّبُوا ... ذَوِي الْحَدِيثِ قِدَمًا ذَا مَنْقَبُ (وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) متعلق بـ (لقبوا) أي العلماء أي سموا (ذوي الحديث) أي أصحاب الحديث (قدما) بكسر ففتح كعنب هو ضد الحديث. اهـ " ق " أي في قديم الزمان، وفي نسخة المحقق: " أئمة الحديث قدماً نسبوا " وعليها فلا بد من تسكين الدال للوزن. (ذا) أي هذا اللقب (منقب) بفتحتين أي مفخر لهم. وحاصل معنى البيت: أن العلماء لقبوا أصحاب الحديث في قديم الزمان بأمير المؤمنين في الحديث وهو لقب شريف يُفتَخَرُ به، ولهذا لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر الذين هم أئمة هذا الشأن والمرجع إليهم فيه، كشعبة بن الحجاج وسفيان الثَّوري وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري والدارقطني في المتأخرين، وكالحافظ ابن حجر. وهو مأخوذ من حديث رواه الطبراني وغيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم ارحم خلفائي " قلنا: يا رسول الله: ومن خلفاؤك، قال: " الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي " (¬1). (تَتِمَّة): هذه المسألة من زيادات الناظم على العراقي. ولما أنهى الكلام على آداب المحدث وتوابعه أتبعه بآداب طالب الحديث فقال: ¬

_ (¬1) قلت: هكذا قالوا في مأخذ هذا اللقب، لكن الحديث باطل، كما بينه الشيخ الألباني في الضَّعِيفة جـ 2 ص 2، فلا يصلح أن يستند إليه.

(آداب طالب الحديث)

(آداب طالب الحديث) أي هذا مبحثه وهو النوع الثاني والأربعون من أنواع علوم الحديث وقد تقدمت جملة من آدابه فيما قبلُ لاشتراكهما فيها، والمذكور هنا هو الذي يختص به الطالب غالباً. 584 - وَصَحِّحِ النِّيَّةَ ثُمَّ اسْتَعْمِلِ ... مَكَارِمَ الأَخْلاقِ ثُمَّ حَصِّلِ (وصحح) أيها الطالب للحديث (النية) في طلبه لأن الإخلاص شرط فيِ القبول فلا ينبغي أن تطلبه لغرض دنيوي لحديث: " من تعلم علماً مما يُبتَغى بِهِ وجة الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضاً من الدنيا لم يَجِد عَرْفَ الجنة يوم القيامة " رواه أبو داود، وصححه ابن حبان، والحاكم. (ثم) بعد تصحيح النية (استعمل) أي لازم وحقق (مكارم الأخلاق) أي الأخلاق الطيبة، من إضافة الصفة إلى الموصوف، قال في " ق " المَكْرُمُ والمَكْرمَة بضم رائهما والأكرومة بالضم: فعل الكرم، وأرض مَكْرُمَة وكَرَم محركة كريمة طيبة اهـ. قلت: والمناسب هنا هو المعنى الثاني. والأخلاق جمع خلق بضمتين السجية أفاده في المصباح. وحاصل المعنى: أنه لا بد لطالب الحديث أن يتخلق بالأخلاق الحسان ليتناسب فعله مع ما يطلبه، إذ الحديث باعث إليها، وحاث عليها،

قال أبو عاصم النبيل: " من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى الأمور فيجب أن يكون خير النَّاس ". (ثم) بعد أن تَخَلَّقْتَ بها (حصل) أي اطلب حصول علم الحديث، وعَبَّرَ بالتحصيل الذي هو كما قال ابن فارس: استخراج الذهب من حَجَرِ المعدن، إشارةً إلى أنه لا بدّ لطالب العلم من جِدٍّ واجتهاد، قال الله تعالى لنبيه موسى عليه الصلاة والسلام لما أعطاه الألواح: (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) الآية. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً " احرص على ما ينفعك واستعن باللهِ ولا تعجز " وقال يَحْيَى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم. 585 - مِنْ أَهْلِ مِصْرِكَ الْعَلِيِّ فَالْعَلِي ... ثُمَّ البِلادَ ارْحَلْ وَلا تَسَهَّلِ 586 - فِي الْحَمْلِ، وَاعْمَلْ بِالَّذِي تَرْوِيهِ ... وَالشَّيْخَ بَجِّلْ لا تُطِلْ عَلَيْهِ (من أهل مصرك) متعلق بحصل أي تَطَلبْهُ من أهل بلدك (العلي) صفة لأهلِ، أي الرفيع سنداً وعلماً وشهرة وديناً وغيره (فالعلي)، أي إذا انتهيت من الأعلى فاطلبه ممن دونه عُلُوًّا. وحاصل المعنى: أنه ينبغي للطالب أن يبدأ بالسماع من أرجح شيوخ بلده إسناداً وعلماً وشهرة وديناً وغيره إلى أن يفرغ منهم يبدأ بأفرادهم، فمن تفرد بشيء أخذه عنه أوَّلاً ولا يرحل عن بلده قبل ذلك، إذا المقصود من الرحيل هو العلو، ولقاء الحفاظ، فحيث حصلا في البلد لا فائدة في الارتحال. (ثم) إذا أتقنت ما في بلدك (البلاد) الأخرى منصوب بنزع الخافض متعلق بـ (ـارحل) أي انتقل لطلب الحديث من بلدك إلى البلاد الأخرى، فإنه من عادة الحفاظ المبَرِّزِينَ، والأصل فيه قوله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) الآية. وقصة موسى عليه السلام في لقاء الخضر.

وحديث مسلم: " ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله تعالى له به طريقاً إلى الجنة "، " ورحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنَيْس - رضي الله عنهم - مسيرة شهر في حديث واحد ". ورحل عقبة بن عامر إلى مسلمة بن مخلد، وهو أمير مصر في حديث واحد إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار. (ولا تسهل) بحذف إحدى التاءين أي لا تتساهل (في الحمل) أي حمل الحديث بحيث تخل بما عليك فيه فإن المتساهل مردود كما تقدم في قوله: مَنْ يَتَسَاهَلْ فِي السَّمَاعِ وَالأدَى ... كَنَومٍ اوْ كَتَرْكِ أصْلِهِ آرْدَدَا (واعمل) أيها الطالب (بالذي ترويه) من أحاديث العبادات والآداب والفضائل لأن الله تعالى ذم أهل الكتاب بقوله: (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ): قال مالك بن مغول رحمه الله: تركوا العمل به، ولحديث مرسل: قال رجل: يا رسول الله ما ينفي عني حجة العلم قال: " العمل " ولأنه سبب الحفظ، قال وكيع رحمه الله: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به. (والشيخ) بالنصب مفعول مقدم لـ (بجل) أي عظمه واحترمه لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - مرفوعاً: " ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ". رواه أحمد وغيره وفي الحديث: " تواضعوا لمن تعلمون منه ". رواه البيهقي مرفوعاً من حديث أبي هريرة وضعفه، وقال: الصَّحِيح وقفه على عمر - رضي الله عنه -. ولأنه كما تقدم خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى: (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم). فينبغي احترام خليفته (لا تطل عليه) أي لا تمله بإطالة الجلوس لأن ذلك يغير الأفهام ويفسد الأخلاق ويحيل الطباع ويخشى على فاعل ذلك أن يحرم من الانتفاع وقال الزهري: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب.

587 - وَلا يَعُوقَنْكَ الْحَيَا عَنْ طَلَبِ ... وَالْكِبْرُ، وَابْذُلْ مَا تُفَادُ وَاْكْتُبِ 588 - لِلْعِالِ وِالنَّازِلِ لاِسْتِبْصَارِ ... لا كَثْرَةِ الشُّيُوخِ لاِفْتِخَارِ (ولا يعوقنك) أي لا يمنعك والنون الخفيفة للتوكيد (الحيا) بالقصر للضرورة (عن طلب) ما تحتاج إليه (و) لا يمنعك (الكبر) أي العظمة، فقد ذكر البخاري عن مجاهد، قال: لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: من رَقَّ وجهُهُ رَقَّ علمُهُ. أي من رق وجهه عند السؤال، رق علمه عند الرجال. وقالت عائشة - رضي الله عنها -: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. وعن الأصمعي قال: من لم يتحمل ذُلَّ التعلم ساعة بقي في ذُلِّ الجهل أبداً. قال بعضهم: وَمَنْ لَمْ يَذُقْ ذُلَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً ... تَجَرَّعَ كَأسَ الْجَهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ وَمَنْ فَاتَهُ التَّعْلِيمُ وَقْتَ شَبَابِهِ ... فَكَبِّرْ عَلَيْهِ أرْبَعَاً لِوَفَاتِهِ (وابذل) أي أعط لغيرك بمعنى علمهم وجوباً (ما تفاد) بالبناء للمفعول أي ما أفادك شيوخك، إذ بركة الحديث كما قال مالك: إفادة النَّاس بعضهم بعضاً وعن ابن المبارك والثَّوري نحوه. وعن ابن المبارك: من بَخِلَ بالعلم ابتُلِيَ بثلاث إما أن يموت فيذهب علمه، أو ينسى، أو يتبع السلطان. (واكتب) أيها الطالب عمن لقيته (للعال) بحذف الياء للوزن أي الحديث العالي سنداً واللام زائدة لأنَّ كتب متعد (والنازل) منه، ويحتمل أن يراد بالعالي والنازل الشخص أي اكتب الحديث عن الشخص العالي سنداً والنازل سنداً، فاللام بمعنى عن، ومفعول اكتب محذوف أي الحديث. وحاصل المعنى: أنه ينبغي للطالب أن يكتب الحديث ونحوه عالياً ونازلاً عن شيخه أو رفيقه أو من دونه في الرواية أو الدراية أو السن أو في

الجميع فإن ذلك عادة السلف الصالح رحمهم الله، والأصل فيه قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بن كعب سورة (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ... ). (لاستبصار) متعلق باكتب أي اكتب ذلك لطلب البصيرة وهي العلم والخبرة أي لتكون خبيراً بفنون الحديث (لا كثرة الشيوخ) أي لا تكتب لتكثير عدد شيوخك (لافتخار) أي لأجل أن تفتخر به على أقرانك فتقول: كتبت عن كذا وكذا شيخاً فإنه لا طائل تحته إلا أن يكون قصدك به تكثير طرق الحديث وجمع أطرافه فحينئذ لا بأس عليك، بل هو أمر مستحسن، فَعَلَهُ الأئمة الحفاظ كالثَّوري وابن المبارك وأبي داود الطيالسي والبخاري وغيرهم. 589 - وَمَنْ يُفِدْكَ الْعِلْمَ لا تُؤَخِّرِ ... بَلْ خُذْ وَمَهْمَا تَرْوِ عَنْهُ فَانْظُرِ 590 - فَقَدْ رَوَوْا: إِذَا كَتَبْتَ قَمِّشِ ... ثُمَّ إِذَا رَوَيْتَهُ فَفَتِّشِ (ومن) شرطية مفعول مقدم أو مبتدأ (يفدك) أيها الطالب (العلم) أيَّ عِلْمٍ كان (لا تؤخر) لا ناهية، والفعل مجزوم كسر للوزن، والجملة جواب الشرط بتقدير الفاء، وهو الخبر للمبتدإ على بعض الأقوال، والرابط محذوف مع مضاف أي فلا تؤخر فائدته، أو المضاف مقدر قبل من أي وفائدة من يفدك إلخ. وحاصل المعنى: أن من يفدك فائدة فلا تؤخرها حتى تنظر هل هو أهل للأخذ عنه أم لا (بل خذ) ها واكتبها، لأنه ربما تفوتك بموته أو سفره أو غير ذلك (ومهما) اسم شرط مبتدأ (ترو عنه) أي إذا أردت الرواية عن ذلك المفيد (فانظر) أي ابحث هل هو ممن تحل الرواية عنه أم لا. وحاصل المعنى: أنك إذا أردت رواية ما كتبت فتحقق لئلا تروي عمن ليس أهلاً للرواية عنه فتدخل في حديث رواه مسلم وغيره: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " ثم أكَّدَ ما ذكره بكلام منقول عن الإمام أبي حاتم وغيره بقوله:

(فقد رووا) أي لأن العلماء نقلوا عن الحافظ أبي حاتم الرازي، وكذا عن ابن معين كما قال السخاوي ما حاصله: (إذا كتبت قمش) أي اجمع من ههنا ومن ههنا، وهو من القَمْش بالفتح، وهو جمع القُمَاش بالضم وهو ما على وجه الأرض من فتَات الأشياء حتى يقال لرذالة النَّاس: قماش، وما أعطاني إلا قماشاً، أي أرْدَأ مَا وَجَدَه، أفاده في " ق ". والمراد به هنا كتابة كل ما سمع من غير بحث هل هو صحيح أوغير صحيح. (ثم إذا رويته) أي إذا أردت رواية ما كتبته (ففتش) أي ابحث بشدة، لتميز الصَّحِيح فترويه، وغير الصَّحِيح فترميه، ثم ذكر إتمام السماع والانتخاب إن احتاج إليه فقال: 591 - وَتَمِّمِ الْكِتَابَ فِي السَّمَاعِ ... وَإِنْ يَكُنْ لِلاِنْتِخَابِ دَاعِ 592 - فَلْيَنْتَخِبْ عَالِيَهُ وَمَا انْفَرَدْ ... وَقَاصِرٌ أَعَانَهُ مَنِ اسْتَعَدّ (وتمم) أيها الطالب (الكتاب) بالنصب أو الجزء (في السماع) أي في حال سماعك من شيخك، وكذا كتابته، ولا تنتخب منه فربما تحتاج إلى رواية شيء منه لم يكن فيما انتخبه فتندم. (وإن يكن للانتخاب) متعلق بـ (ـداع) فاعل يكن لأنها تامة بمعنى يحصل، أي إن يحصل للطالب داع، أي سبب موجب للانتخاب، أي اختيار بعض ما عند الشيخ من كون الشيخ عسراً في الرواية، أو كونه أو الطالب وارداً غير مقيم ولا يتسع الوقت للاستيعاب، وضيق يد الطالب، أو اتسع مسموعه بحيث يكون كتابة الكل كالتكرار فلا بأس بالانتخاب. فإذا كان لا بدّ من الانتخاب (فلينتخب) الطالب (عاليه) أي عالي ذلك الكتاب، أو الشيخ دون ما يجده عند غيره هذا إذا كان الطالب عارفاً بالانتخاب، وإلا فليستعن بغيره من المتأهلين كما أشار إليه بقوله:

(وقاصر) مبتدأ سوغه عمله في المقدر أي عن أهلية الانتخاب (أعانه) على الانتخاب (من استعد) فاعلُ أعانَ، أي من تأهل لذلك بكونه حافظاً عارفاً بكيفية الانتخاب. وحاصل معنى البيت: أنه إن احتاج إلى الانتخاب للأسباب المذكورة انتخب بنفسه عواليه وما لا يجده عند غيره، فإن قصر عنه لقلة معرفته استعان بحافظ متأهل لذلك، فقد كان الأئمة أبو زرعة، والنسائي، وإبراهيم بن أرومة الأصبهاني، وهبة الله بن الحسن، والدارقطني، وأبو الفتح ابن أبي الفوارس، وغيرهم ينتخبون على الشيوخ، والطلبة تسمع وتكتب بانتخابهم. ثم ذكر عادة الحفاظ من تعليمهم في أصل الشيخ على ما انتخبوه مع بعض فوائده، فقال: 593 - وَعَلَّمُوا فِي الأَصْلِ لِلْمُقَابَلَهْ ... أَوْ لِذَهَابِ فَرْعِهِ فَعَادَلَهْ (وعلموا) أي وضع المنتخبون علامة (في الأصل) أي المنتخب منه وهو كتاب الشيخ على ما انتخبوه (للمقابلة) متعلق بعلموا أي لأجل أن يقابلوا ما كتبوه من المنتخب به (أو لـ) أجل (ذهاب فرعه) أي فَقْدِ فرعِهِ المنتخب (فعاد) أي رجع ذلك المنتخِبُ (له) أي إلى المحل الذي وضع عليه العلامة، فقوله عاد عطف على ذهاب (¬1) أي فعَودِهِ إلى ذلك الأصل لأجل فقد المنتخب. وحاصل معنى البيت: أن عادتهم جرت بوضع العلامة في أصل الشيخ على ما انتخبوه، وذلك لفوائد، ذَكَرَ منها فائدتين، وهما تَيَسُّر معارضة ما انتخبوه، أو احتمال فقد ذلك المنتخب، فيعود للكتابة مرة ثانية من ذلك الأصل، وزاد غيره أو ليمسك الشيخ أصله بيده، أو ليحدث من الأصل بذلك المُعلَم. ¬

_ (¬1) أي لأنه في معنى الفعل، إذ تقديره لأن يذهب.

(تنبيه): لم يذكر الناظم رحمه الله كيفية العلامة وذكرها العراقي مع الاختلاف فقال: وَعَلَّمُوا فِي الأصْلِ إمَّا خَطَّا ... أوْ هَمْزَتَيْنِ أوْ بِصَادٍ أوْطَا والمعنى: أنهم اخِتلفوا في اختيار العلامة ولكن لا حرج في ذلك فكان الدارقطني يعلم بخط عريض بالحمرة في الحاشية اليسرى، وكان اللالكائي يعلِّم على أول إسناد الحديث بخط صغير بالحمرة، وهذا الذي استقر عليه عمل أكثر المتأخرين. وكان أبو الفضل علي بن الحسن الفلكي يعلم بصورة همزتين بحبر في الحاشية اليمنى، وكان أبو الحسن علي بن أحمد النعيمي يعلم صاداً ممدودة بحبر في الحاشية اليمنى أيضاً، وكان أبو محمد الخَلَّال يعلم طاء ممدودة كذلك، وكان محمد بن طلحة النعالي يعلم بحاءين إحداهما إلى جنب الأخرى كذلك، ذكره العراقي في شرح الألفية. ثم ذكر رحمه الله ما يحث الطالب على تفهم ما يرويه فقال: 594 - وَسَامِعُ الْحَدِيثِ بِاقْتِصَارِ ... عَنْ فَهْمِهِ كَمَثَلِ الْحِمَارِ 595 - فَلْيَتَعَرَّفْ ضَعْفَهُ وَصِحَّتَهْ ... وَفِقْهَهُ وَنَحْوَهُ وَلُغَتَهْ 596 - وَمَا بِهِ مِنْ مُشْكِلٍ وَأَسْمَا ... رِجَالِهِ وَمَا حَوَاهُ عِلْمَا (وسامع الحديث) مبتدأ وكذا كاتبه (باقتصار) أي مع اقتصار (عن فهمه) ولو قال بدل هذا البيت: وَسَامِعُ الْحَدِيثِ مَعْ قُصُورٍ ... عَنْ فَهْمِهِ كَمَثَلِ الْحَمِيرِ لكان أولى لأن الاقتصار معناه عدم المجاوزة يقال: اقتصر عليه لم يجاوزه قاله في " ق " فيكون المعنى عليه باقتصار على فهمه وتكون عن بمعنى على، يعني: أنه فَهِمَ المقصودَ ولم يجاوزه وهذا خلاف المعنى المقصود هنا إذا المقصود هنا أنه لم يفهم المقصود من الحديث أصلاً،

فالمناسب مادة قَصَرَ عن كذا لا اقتصر على كذا، يقال: قَصَرَ عن الأمر قصوراً واقصَر وقَصَّر وَتَقَاصَرَ انتهى وعنه عجز قاله في " ق ". وحاصل المعنى: أن من اقتصر على سماع الحديث وقَصَرَ عن فهم ما في سنده ومتنه (كمثل الحمار) خبر المبتدإ أي كصفة الحمار الذي هو أبلد الحيوان وبئس المثل. وقد مثل الله تعالى بهذا المثلِ اليهودَ الذين لم يعملوا بما في التوراة حيث قال: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) الآية. فلا ينبغي لسامع الحديث أن يقتصر عليه لإتعابه نفسه من غير أن يظفر بطائل ولا حصول في تعداد أهل الحديث، قال بعض الأدباء: إِنَّ الَّذِي يَرْوِي وَلَكِنَّهُ ... يَجْهَل مَا يَرْوِي وَمَا يَكْتُبُ كَصَخْرَةٍ تَنْبَعُ أمْوَاهُهَا ... تَسْقِي الأرَاضِي وَهْيَ لَا تَشْرَبُ فإذا كان الأمر كما وصفنا. (فليتعرف) من التعرف مبالغة في المعرفة، أي ليعرف سامع الحديث معرفة بالغة (ضعفه) أي ضعف ذلك الحديث إن كان ضعيفاً (وصحته) إن كان صحيحاً وكذا حسنه (وفقهه) أي ما فيه من الأحكام (ونحوه) أي ما يحتاج إليه الحديثي من النحو، وهو لغة القصد، واصطلاحاً هو علم بأصول مستنبطة من كلام العرب يعرف بها أحكام الكلمات العربية حَالَ إفرادها كالإعلال والحذف والإدغام والإبدال، وحالَ تركيبها كالإعراب والبناء وما يتبعهما من بيان شروطٍ لِنَحْو النواسخ فهو يعم الصرف. (ولغته) أي ما يحتاج إليه الحديثي من علم اللغة، وهو لغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم أفاده في " ق "، وفي اصطلاح أهل الشرع عبارة عما حفظ من كلام العرب الخُلَّص، ونُقِلَ عنهم من الألفاظ الدالة على المعاني أفاده الشارح.

(و) ليتعرف أيضاً (ما به) أي الذي استقر فيه (من مشكل) من الأسانيد والمتون، فهو من عطف العام على الخاص (وأسما) بالقصر للوزن أي وليتعرف أيضاً أسماء (رجاله) وكذا ألقابهم وكناهم وأنسابهم وليتعرف أيضاً جميع (ما حواه) الحديث (علماً) أي من حيث العلم إذ الحديث يتضمن علوماً جمة فلا بدّ للطالب أن يتعرفها، قال الحافظ أبو شامة: علوم الحديث الآن ثلاثة: أشرفها حفظ متونه ومعرفة غريبها وفقهها، والثاني: حفظ أسانيده ومعرفة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها، إلى أن قال، والثالث: جمعه وكتابته وسماعه وتطريقه وطلب العلو فيه والرحلة إلى البلدان إلى آخر كلامه إلا أن الحافظ تعقبه في بعض كلامه فانظره. 597 - وَاْقْرَأْ كِتَابًا تَدْرِي مِنْهُ الاِصْطِلاحْ ... كَهَذِهِ وَأَصْلِهَا وَابْنِ الصَّلاحْ (واقرأ) أيها الطالب لتحقيق علوم الحديث (كتاباً) من كتب المصطلح (تدري منه الاصطلاح) لغة: مطلقُ الاتفاق، وعرفاً اتفاق طائفة على أمر مخصوص بينهم متى أطلق انصرف إليه، ثم صار عَلَماً بالغلبة عند العلماء على هذا الفن الذي نحن بصدده قاله الشارح. ثم ذكر بعض ما يحتاج إليه من كتب المصطلحات، فقال: (كهذه) الألفية التي هي أجمع ما ألف من المنظومات فيه. (وكأصلها) الذي هو ألفية الحافظ العراقي رحمه الله، فإنه أصل لهذه، لأنه اقتدى به وحذا حذوه، وزاد عليه، (و) كمقدمة الحافظ أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بـ (ـابن الصلاح) الشهرزوري المتوفى سنة 643 عن 66 سنة، فإنها من أنفع ما ألف في هذا الفن، لجمعها ما تفرق في غيرها من كتب الخطيب وغيره. ثم ذكر ما ينبغي المسارعة إلى سماعه من كُتُبِ الحديث فقال: 598 - وَقَدِّمِ الصِّحَاحِ ثُمَّ السُّنَنَا ... ثُمَّ الْمَسَانِيدَ وَمَا لا يُغْتَنَى (وقدم) أيها الطالب في السماع والضبط والمعرفة (الصحاح) بالكسر

جمع صحيح وهي التي التزم مؤلفها أن يخرج الأحاديث الصَّحِيحة فقط كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم إلا أنه وقع له تساهل كثير كما مر في قوله: وَكَمْ بهِ تَسَاهُلٌ حَتَّى وَرَد ... فِيهِ مَنَاكِرٌ وَمَوْضُوعٌ يُرَد (ثم) قدم بعدها (السنن) المُرَاعَى فيها الاتصال غالباً، والأولى البداة بسنن أبي داود لكثرة أحاديث الأحكام فيها، ثم بسنن النسائي لتتمرن في كيفية المشي في العلل، ثم سنن الترمذي لاعتنائه بالإشارة لما في الباب من الأحاديث وبيانِهِ لحكم ما يورد من الصحة والحسن وغيرهما هكذا رتبه السخاوي وهو الذي تقتضيه عبارة ابن الصلاح والعراقي. ثم بعدها السنن الكبرى للحافظ البيهقي لاستيعابه لأكثر أحاديث الأحكام بل لا يعرف مثله في بابه. وكذا اعتَنِ بسماع صحيح ابن خزيمة لكنه لم يوجد تامًّا، وصحيح ابن حبان، وصحيح أبي عوانة، ومسند الدارمي، وسنن الشافعي مع مسنده، وهو على الأبواب والسنن الكبرى للنسائي لما اشتملت عليه من الزيادات على تلك، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارقطني، وشرح معاني الآثار للطحاوي، هكذا قال السخاوي. (تنبيه): السنن ما ألف على أحاديث الأحكام من كتاب الطهارة إلى آخر كتاب يذكر على ترتيب الفقه كالسنن المذكورة. (ثم) قدم بعدها (المسانيد) أي سماعها وهي جمع مسند ما ألف على تراجم الصحابة - رضي الله عنهم - بحيث يوافق حروف الهجاء، أو السوابق الإسلامية، أو شرافة النسب، كمسند الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وأبي داود الطيالسي وعبد بن حميد والحميدي وغيرهم. (و) اقرأ أيضاً (ما) أي كتباً (لا يغتنى) بالبناء للمجهول، أي يستغني عنها، وأهمها الموطأ لمالك، ثم سائر الكتب المصنفة في الأحكام، ككتاب

ابن جريجٍ، وابن أبي عروبة، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وغيرهم. ومما لا يستغنى عنه كتب العلل ككتاب أحمد والدارقطني، وابن أبي حاتم، وغيرهم. ومنها كتب التواريخ كالتاريخ الكبير للبخاري وابن أبي خيثمة وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ومنها كتب ضبط الأسماء ككتاب ابن ماكولا وغيره. ومنها كتب شرح الغريب، ومن أنفعها النهاية لابن الأثير. 599 - وَاحْفَظْهُ مُتْقِنًا وَذَاكِرْ ...... ... ...................... (واحفظه) أي الحديث وما يتعلق به حال كونك (متقناً) له أي محكماً لتحقيقه فهو حال مؤكد، قال ابن مهدي: الحفظ الإتقان فلا يمر عليك اسم مشكل، أو كلمة غريبة إلا بحثت عنها وأودعتها قلبك. وليكن ذلك بالتدريج قليلًا قليلاً مع الأيام والليالي فذلك أحرى بأن تتمتع بمحفوظاتك، وألزم نفسك ما تطيقه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " خذوا من العمل ما تطيقون ". وعن الزهري من طلب العلم جملة فاته جملة، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان. وعن الثَّوري: كنت آتي الأعمش ومنصوراً فأسمع أربعة أحاديث أو خمسة، ثم انصرف كراهية أن تكثر وتفلت. (و) بعد حفظك على هذا المنوال (ذاكر) أيها الطالب للتحقيق بمحفوظاتك الطلبة ونحوهم فإن لم تجد من تذاكر فذاكر مع نفسك وكرره على قلبك لأنه يثبت محفوظك. والأصل في هذا معارضة جبريل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن في كل رمضان. وقال علي - رضي الله عنه -: تذاكروا هذا الحديث وإن لا تفعلوا يَدْرُس.

وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: تذاكروا الحديث فإن حياته مذاكرته. ونحوه عن أبي سعيد الخدري وابن عباس. وقال الخليل بن أحمد ذاكر بعلمك تَذْكُرْ ما عندك وتستَفِدْ ما ليس عندك. وقال إبراهيم النخعي: من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به، ولو أن يحدث به من لا يشتهيه. وقيل: حفظ سطرين، خير من كتابة ورقتين، وخير منهما مذاكرة اثنين. ولبعضهم: مَنْ حَازَ الْعِلْمَ وَذَاكَرَهُ ... صَلُحَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتُهْ فَأدِمْ لِلْعِلْمِ مُذَاكَرَة ... فَحَيَاةُ الْعِلْمِ مُذَاكَرَتُهْ ثم استثنى مما تقدم من وجوب إفادة غيره ما ذكره بقوله: ............. وَرَأَوْا ... جَوَازَ كَتْمٍ عَنْ خِلافِ الأَهْلِ أَوْ 600 - مَنْ يُنْكِرُ الصَّوَابَ إِنْ يُذَكَّرِ ... ............... (ورأوا) أي العلماء (جواز الكتم) أي كتم العلم: الحديثِ وغيرِهِ (عن خلاف) أي غير (الأهل) أي أهل العلم، والمعنى أن العلماء جوزوا كتم العلم عمن ليس بأهله فإن هذا ليس داخلًا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من كتم علماً " الحديث. وأخرج ابن ماجه عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً: " طلب العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب ". وضعفه النووي بحفص بن سليمان وحسنه المزي لتعدد طرقه، ووافقه السيوطي. (أو) عن (من) موصولة (ينكر) في نسخة يدع، أي يترك (الصواب إن) شرطية (يذكر) بالبناء للمفعول مجزوم بإن وكسر للوزن، أي يُلَقَّن، والجواب دل عليه السابق أي ينكر، والمعنى: أنهم جوزوا كتمه أيضاً عمن لا يقبل الصواب إذا أُرشِدَ إليه.

وعلى ذلك يحمل ما نقل عن الأئمة من الكتم، قال بعضهم: ليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق ولله در القائل: فَمَنْ مَنَحَ الْجُهَّالَ عِلْمَاً أضَاعَهُ ... وَمَنْ مَنَعَ الْمُسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ وقال الخليل لأبي عبيدة لا تردن على معجب فيستفيدَ منك علماً ويتخذَك عدوًّا. ثم ذكر ما يتمهر به الطالب في فن الحديث وهو التأليف فقال: .................. ... ثُمَّ إِذَا أَهَّلَتْ صَنِّفْ تَمْهَرِ 601 - وَيُبْقِ ذِكْرًا مَا لَهُ مِنْ غَايَهْ ... .............. (ثم إذا) أتقنت طلبه على الوجه الذي تقدم و (أهلت) بالبناء للمفعول يقال: أهله لذلك تأهيلاً، وآهله بالمد: رآه أهلاً ومستحقاً، أو جعله أهلاً لذلك. اهـ " ق " و " تاج " أي إذا صُيِّرْتَ مستحقاً، ومتعلقه محذوف أي للتصنيف. فـ (ـصنف) في علم الحديث والتصنيف أخص من التأليف لأنه جَعْلُ كلِّ صنف على حِدَةٍ بخلافه فإنه مطلق الضم فهو أعم ممن التصنيف ومن التخريج، وهو إخراج المحدث الأحاديث من بطون الكتب وسياقها من مروياته أو مرويات شيخه أو أقرانه، ومن الانتقاء وهو التقاط ما يحتاج إليه من الكتب، ولكن يستعمل كل منها مكان الآخر، أفاده السخاوي رحمه الله. (تمهر) مجزوم بالطلب، كسر للوزن، أي تصير ماهراً في علم الحديث، ويقال: مهر في العلم وغيره يمهر بفتح الهاء فيهما مهوراً ومَهَارَة فهو ماهر، أي حاذق، عالم بذلك، قاله في المصباح. والمعنى: أنك إذا تأهلت للتصنيف صَنِّف لأنك تتمهر به، قال الخطيب في جامعه: قلما يتمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ويستبينُ الخفيَّ من فوائده إلا مَنْ جَمَعَ متفرقة وألف متشتته وضم بعضه

إلى بعض واشتغل بتصنيف أبوابه وَتَرْتيب أصنافه، فإن ذلك الفعل مما يقوي النفس ويثبت الحفظ، ويذكي القلب، ويشحذ الطبع، ويبسط اللسان، ويجيد البنان، ويكشف المشتبه، ويوضح الملتبس. (ويبق) من الإبقاء، والفاعل ضمير يعود إلى التصنيف المفهوم من صنف، أي يخلد (ذكراً) بالكسر أي عَلَاءً وَشَرَفاً (ما) نافية أي ليس (له) أي لذلك الذكر (من غاية) أي نهاية ينتهي إليها، والجملة صفة ذكرا. والمعنى أن التصنيف يخلد شرفك بين العلماء المحصلين إلى آخر الدهر فهو ولدك المخلد، ومُكسِبُك الثوابَ المؤبد، والأصل فيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له ". وقال الشاعر: يَمُوتُ قَوْم فَيُحْصيِ الْعِلْمُ ذِكْرَهًمُ ... وَالْجَهْلُ يُلْحِقُ أمْوَاتًاً بِأموَاتٍ وقال الحسن بن علي البصري: الْعِلْمُ أفْضَلُ شَيْءٍ أنْتَ كَاسِبُه ... فَكُنْ لَهُ طَالِباً مَا عِشْتَ مُكْتَسِباً وَالْجَاهِلُ الْحَيُّ مَيْتٌ حِينَ تَنْسُبُهُ ... وَالْعَالِمُ الْمَيْتُ حَيٌّ كُلَّمَا نُسِبَا وقال أبو الفتح البستيي: يَقُولونَ ذِكْر الْمَرْ يَبْقَى بِنَسْلِهِ ... وَلَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ إِذَا لَمْ يَكنْ نَسْلُ فَقُلْتُ لَهُمْ نَسْلِي بدَائِعُ حِكْمَتِي ... فَمَنْ سَرَّهُ نَسْلٌ فَإنَّا بذَا نَسْلُو وقال الخطيب: وينبغي أن يفرغ المصنف للتصنيف قلبه ويجمع له همه ويصرف إليه شغله ويقطع به وقته، وقد كان بعض شيوخنا يقول: من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ، وليأخذ قلم التخريج.

ثم ذكر حكمه فقال: ............... ... وَإِنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَهْ (وإنه) أي التصنيف المفهوم من صنف (فرض) أي مفروض (على) سبيل (الكفاية) قد صرح به العلماء، وكذا غيره من العلوم الشرعية لكن إنما يجب على المكلف الحر غير البليد القادر على الانقطاع له لوجود ما يكفيه لمعاشه هكذا ذكر بعضهم. ثم إن للعلماء في التصنيف طريقتين ذكرهما بقوله: 602 - فَبَعْضُهُمْ يَجْمَعُ بِالأَبْوَابِ ... وَقَوْمٌ الْمُسْنَدَ لِلصِّحَابِ 603 - يَبْدَأُ بِالأَسْبَقِ أَوْ بِالأَقْرَبِ ... إِلَى النَّبِيْ أَوِ الْحُرُوفَ يَجْتَبِي 604 - وَخَيْرُهُ مُعَلَّلٌ، وَقَدْ رَأَوْا ... أَنْ يَجْمَعَ الأَطْرَافَ أَوْ شُيُوخًا اْوْ 605 - أَبْوَابًا اْوْ تَرَاجِمًا أَوْ طُرُقَا ... وَاحْذَرْ مِنَ الإِخْرَاجِ قَبْلَ الإِنْتِقَا (فبعضهم) مبتدأ أي بعض العلماء الذين تَصدَّوا للتصنيف، وخبره قوله (يجمع) أي يؤلف ما يريده (بالأبواب) الفقهية وغيرها أي على الأبواب، أو الباء زائدة، فيجمع كل ما ورد في حكم إثباتاً أو نفياً في باب فباب بحيث يتميز ما يدخل في الجهاد مثلاً عما يتعلق بالصيام، ثم منهم من تقيد بالصَّحِيح فقط، كالشيخين ومنهم من لم يتقيد به كباقي الستة. (وقوم) عطف على بعض، أو على الضمير في يجمع أي ويجمع قوم منهم (المسند) عطف على الجار والمجرور، لأنه فى محل نصب عطف معمولين على معمولي عاملين مختلفين، وتقدم غير مرة (للصحاب) بالكسر جمع صاحب، والمراد به الصحابي فيفرد ما لهم من الأحاديث واحداً فواحداً، وإن اختلفت أنواعها، كمسند الإمام أحمد وغيره، والقصد منها تدوين الحديث مطلقاً ليحفظ لفظه، وليستنبط منه الحكم في الجملة. ثم إن ترتيبهم مختلف، فمنهم من يرتب على السابقين في الإسلام، وإليه أشار بقوله: فمنهم من يرتب على السابقين في الإسلام، وإليه أشار بقوله: (يبدأ) الضمير يرجع إلى قوم أفرده باعتبار لفظه، والجملة حال من

قوم، أي حال كونه بادئاً (بالأسبق) في الإسلام، فيقدم العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الحديبية، ثم المهاجرين بينها وبين الفتح، ثم مسلمة الفتح، ثم أصاغر الأسنان، كالسائب بن يزيد، وأبي الطفيل، ثم بالنساء مقدماً أمهات المؤمنين، قال الخطيب: وهي أحبُّ إلينا، وقال ابن الصلاح: إنها أحسن، ومنهم من يرتب على القبائل، وإليه أشار بقوله: (أو) يبدأ (بالأقرب) منهم (إلى النبي) بتخفيف الياء للوزن - صلى الله عليه وسلم - نسباً، فيقدم بني هاشم، ثم الأقرب فالأقرب. ومنهم من يرتب على حروف المعجم، وإليه أشار بقوله: (أو الحروف) المعجمة مفعول مقدم لـ (ـيجتبي) أي يختارها على ما تقدم ليرتب عليها أسماء الصحابة، بأن يجعل أبي بن كعب وأسامة في الهمزة كما فعل الطبراني في معجمه الكبير ثم الضياء في مختاراته التي لم تكمل وهذا أسهل تناولًا. ثم ذكر أحسن أنواع التصنيف فقال: (وخيره) مبتدأ أي أحسن التصنيف في الطريقتين المتقدمين أو غيرهما (معلل) خبر المبتدإ، أي أحسن المصنف ما ذكر فيه علل الحديث سواء كان على الأبواب كما فعل ابن أبي حاتم أو المسانيد كما فعل يعقوب بن شيبة ولم يتم. وذلك بأن يجمع في كل متن طرقه واختلاف الرواة فيه بحيث يتضح إرسال ما يكون متصلاً أو وقف ما يكون مرفوعاً أو غير ذلك. وإنما كان أحسن من غيره لأن علم علل الحديث أجل أنواع علم الحديث حتى قال ابن مهدي: لأن أعرف علة حديث عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي. ثم ذكر الأطراف بقوله: (وقد رأوا) أي ذهب أهل الحديث إلى (أن يجمع) المصنف (الأطراف) جمع طرف بفتح الراء أي طرف الحديث الدال على بقيته

ويجمع أسانيده، إما مستوعباً أو مقيداً بكتب مخصوصة كما فعل أبو العباس أحمد بن ثابت في أطراف الخمسة، والمزي في أطراف الكتب الستة والحافظ في الكتب العشرة. ثم إنه يجوز في الأطراف الاكتفاء ببعض الحديث وإن لم يفد. (أو) يجمع (شيوخاً) بضم الشين وتكسر جمع شيخ أي أحاديث شيوخ كل شيخ بانفراده كما فعل الإسماعيلي في حديث الأعمش، والنسائي في حديث فضيل بن عياض، والطبراني في محمد بن جحادة قال عثمان الدارمي: يقال: من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة فهو مفلس في الحديث: الثَّوري، وشعبة، ومالك، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وهم أصول الدين. قال السخاوي: وهذا غير جمع الراوي شيوخ نفسه كالطبراني في معجمه الأوسط المرتب على حروف المعجم في شيوخه، وكذا له المعجم الصغير لكنه يقتصر غالباً على حديث في كل شيخ اهـ. (أو) يجمع (أبواباً) من أبواب الكتب المصنفة الجامعة للأحكام وغيرها فيفردها بالتأليف بحيث يصير ذلك الباب كتاباً مفرداً، كرؤية الله والإخلاص والطهور والقراءة خلف الإمام ورفع اليدين وغيرها. (أو) يجمع (تراجماً) جمع ترجمة، أي أسانيد معينة، كمالك عن نافع عن ابن عمر، وسهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، وهشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. (أو) يجمع (طرقاً) جمع طريق أي سند، أي يجمع أسانيد كثيرة لحديث واحد، كطرق حديث قبض العلم، وطرق حديث: " طَلَبُ العلم فريضة " وطرق حديث: " من كذّب عليّ ". (واحذر) أيها المصنف (من الإخراج) أي إخراج مصنفك إلى الناس (قبل الانتقا) أي تهذيبه وتحريره وتكرير نظرك فيه ولا يضرك فيه كثرة

اللَّحَاق، فقد قال الشافعي - رضي الله عنه -: إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة، وقال بعضهم: لا يضيء الكتاب حتى يظلم. ثم ذكر اختلاف العلماء في قراءة الحديث هل يثاب فيها بمجردها أم لا؟ فقال: 606 - وَهَلْ يُثَابُ قَارِئُ الآثَارِ ... كَقَارِئِ الْقُرْآنِ: خُلْفٌ جَارِي (وهل يثاب) ويؤجر (قارئ الآثار) أي الأحاديث النبوية، وبالأولى الموقوفات، وكذا سامعها من غير قصد الحفظ ونحوه (كقارئ القرآن) أي كما يثاب قارئ القرآن من حيث أصلُ الثوابِ، وإلا فثواب القرآن بكل حرف بخلاف غيره (خلف) بالضم أي اختلاف، مبتدأ سوغه كونه موصوفاً بمحذوف، أي بين العلماء وقوله: (جاري) خبره. وحاصل معنى البيت: أنه جرى اختلاف بين العلماء في أن قارئ الحديث مجرداً يثاب كقارئ القرآن أولا؟ فقال الشيخ أبو إسحاق: إن قراءة متونها لا يتعلق بها ثواب خاص لجواز روايتها بالمعنى، واستظهره ابن العماد الأقفهسي، قال: وإذا كانت قراءته المجردة لا ثواب فيها لم يكن في استماعه المجرد ثواب بالأولى. وقال بعضهم: بالثواب على ذلك واستوجهه المحقق ابن حجر الهيتمي قال: لأن سماعها لا يخلو من فائدة، ولو لم يكن إلا عود بركته على القارئ والمستمع. وقلنا: مجرداً لأنه لو قصد بقراءته أو سماعه الحفظ وتعلم الأحكام والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واتصال السَّند لا خلاف في ثوابه. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب: قوله: ثم استعمل مكارم الأخلاق. وقوله: ومن يفدك العلم .... البيت. وقوله: عاليه وما انفرد به. وقوله: للمقابلة أو لذهاب فرعه فعادله. وقوله: فليتعرف ضعفه وصحته إلى

آخر البيتين وقوله: كهذه. وقوله: ورأوا جواز كتم عن خلاف الأهل أو من يدع الصواب إن يذكر. وقوله: وإنه فرض على الكفاية. وقوله: يبدأ بالأسبق: البيت. وقوله: الأطراف. وقوله: وهل يثاب قارئ الآثار البيت. ولما أنهى الكلام على آداب طالب الحديث أتبعه بذكر العالي والنازل تنشيطاً له إلى طلب العلو. والمناسبة بين البابين من حيث إنه ذكر في السابق من جملة آداب الطالب طلب العلو حيث قال: ثُمَّ حَصِّلِ مِنْ أهْلِ مِصْرِكَ الْعَلِيِّ فَالْعَلِي قال رحمه الله تعالى:

(العالي والنازل)

(العالي والنازل) أي هذا مبحث أقسام العالي والنازل من السَّند، وبيان أفضلهما وما يلتحق بذلك من بيان الموافقة والبدل والمصافحة والمساواة وهما من صفات الإسناد فقط. وهو النوع الثالث والأربعون من أنواع علوم الحديث. قال رحمه الله تعالى: 607 - قَدْ خُصَّتِ الأُمَّةُ بِالإِسْنَادِ ... وَهْوَ مِنَ الدِّينِ بِلا تَرْدَادِ (قد خصت) بالبناء للمفعول (الأمة) المحمدية (بالإسناد) المتصل إلى نبيها - صلى الله عليه وسلم -. والمعنى: أن الله تعالى اختص هذه الأمة بإسناد الأحاديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر الأمم. قال محمد بن حاتم بن المظفر: إن الله أكرم هذه الأمة وشَرّفها وفَضَّلها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد إنما هو صحف في أيدهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارَهُم فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل، وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات (وهو) أي الإسناد (من) جملة أمور (الدين) وسنة بالغة من سننه المؤكدة (بلا ترداد) أي من غير تردد وشك في ذلك، وفي صحيح

مسلم قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقال سفيان الثَّوري: الإسناد سلاح المؤمن، وقال سفيان بن عيينة: حدَّثَ الزهريُّ يوماً بحديث فقلت: هاته بلا إسناد فقال الزهري: أترقى السطح بلا سلم. 608 - وَطَلَبُ الْعُلُوِّ سُنَّةٌ، وَمَنْ ... يُفَضِّلُِ النُّزُولَ عَنْهُ مَا فَطَنْ (وطلب العلو) مبتدأ خبره قوله: (سنة) نبوية وقيل: سلفية، والأول: أولى أي طلب الإنسان علو الإسناد الذي هو قلة الوسائط في السَّند، أو في السماع، أو الوفاة كما يأتي سنة مأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه حديث أنس - رضي الله عنه - في مجيء ضمام بن ثعلبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، يسمع منه مشافهة ما سلف سماعه له من رسوله إليهم إذ لو كان العلو غير مستحب لأنكر عليه - صلى الله عليه وسلم - سؤاله عما أخبر به رسوله عنه وترك اقتصاره على إخباره له. وقد رحل فيه العلماء قديماً وحديثاً إلى الأقطار البعيدة طلباً للعلو. (ومن) شرطية أو موصولة (يفضل) مجزوم إن كانت شرطية وتحرك لامها بالكسرة لالتقاء الساكنين، أو مرفوع إن كانت موصولة، أي الذي يفضل (النزول) ضد العلو (عنه) أي عن العلو، وهو بعض أهل النظر محتجاً له بأن الإسناد كلما زاد عدده زاد الاجتهاد في معرفة أحوال الرواة فيكثر الثواب فيه (ما) نافية (فطن) كفرح ونصر وكرم فطناً مثلثة وبالتحريك وبضمتين وفطونة وفطانة وفطانية حَذِقَ أفاده في " ق " والأنسبُ هنا كونه كنصر لئلا يلزم عيب السناد، وإن كان مغتفراً للمولدين. والجملة جواب من بتقدير الفاء أو خبرها. وحاصل المعنى: أن من فضل النزول على العلو فما فهم المقصود من العلو إذ المقصود منه الصحة إذ قلةُ الوسائط يُقِلُّ الخلل وكثرتها بالعكس.

وما علل به من كثرة الثواب لكثرة التعب في معرفة أحوال الرواة غير سديد إذ التعب ليس مقصوداً لذاته بل المقصود من الرواية هو الصحة، وهي في قلة الوسائط أتم منها في كثرتهم. وشبهه العراقي بمن يقصد المسجد للجماعة فيسلك الطريق البعيدة لتكثير الخُطَا رغبة في كثرة الأجر، وإن أداه سلوكها إلى فوت الجماعة التي هي المقصود. 609 - وَقَسَّمُوهُ خَمْسَةً كَمَا رَأَوْا: ... قُرْبٌ إِلَى النَّبِيِّ أَوْ إِمَامٍ اْوْ 610 - بِنِسْبَةٍ إِلَى كِتَابٍ مُعْتَمَدْ ... يُنْزَلُ لَوْ ذَا مِنْ طَرِيقِهِ وَرَدْ (وقسموه) أي قسم العلماءُ العلوَّ، وأول من قسمه أبو الفضل ابن طاهر وتبعه ابن الصلاح وغيره (خمسة) بالنصب مفعول مطلق على النيابة أي تقسيماً خمسة لكن بين كلامَي المذكورَينِ اختلاف في ماهية بعضها، وقوله (كما رأوا) الكاف للتعليل أي إنما قسموه خمسة لما استبان لهم مما يقتضي ذلك، ثم هي ترجع إلى علو مسافة، وهي قلة الوسائط، وهي الثلاثةُ الأوَلُ، وإلى علو صفة، وهما الأخيران، أشار إلى الأول وهو العلو المطلق بقوله: (قرب) خبر لمحذوف أي أولها قرب المحدث (إلى النبي) - صلى الله عليه وسلم - من حيث العدد. يعني: أن أول الأقسام ويسمى علواً مطلقاً هو القرب من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنظر لسائر الأسانيد، أو لإسناد آخر، فأكثر لذلك الحديث بعينه، وهذا العلو هو الأفضل إن صح إسناده وإلا فلا اعتبار به. وأشار إلى الثاني، وهو العلو النسبي بقوله: (أو) قرب إلى (إمام) من أئمة الحديث ذي صفات علية من حفظ وفقه وضبط، كالأعمش وابن جريجٍ والأوزاعي وشعبة والثَّوري مع صحة الإسناد إليه أيضاً، وإن كثر العدد بعده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأشار إلى الثالث، وهو علو نسبي أيضاً بقوله: (أو) قرب مقيد (بنسبة

إلى) رواية (كتاب معتمد) كالكتب الستة ونحوها من الكتب المعتبرة، وسماه ابن دقيق علو التنزيل. (ينزل) بالبناء للمفعول أي ينسب إلى النزول أو للفاعل أي ينزل الراوي (لوذا) أي هذا الحديث (من طريقه) أي طريق ذلك الكتاب متعلق متعلق بـ (ـورد) أي نُقِلَ. وحاصل المعنى: أننا لو روينا الحديث من طريق كتاب من تلك الكتب يقع أنزل مما لو رويناه من غير طريقها، قال العراقي: وقد يكون عالياً مطلقاً أيضاً كحديث ابن مسعود مرفوعاً: " يوم كلم الله موسى عليه السلام كان عليه جبة صوف " (¬1) الحديث رواه الترمذي عن علي بن حُجْر عن خَلَفِ بن خليفة فلو رويناه من طريق الترمذي وقع بيننا وبين خلف تسعة فإذا رويناه من جزء ابن عرفة وقع بيننا وبينه سبعة بعلو درجتين، فهذا مع كونه علواً بالنسبة فهو أيضاً علو مطلق، ولا يقع اليوم لأحد هذا الحديث أعلى من هذا اهـ. ثم إن هذا النوع هو النوع تقع فيه الموافقات والأبْدَال والمساواة والمصافحات وإليه أشار بقوله: 611 - فَإِنْ يَصِلْ لِشَيْخِهِ مُوَافَقَهْ ... أَوْ شَيْخِ شَيْخٍ: بَدَلٌ، أَوْ وَافَقَهْ 612 - فِي عَدَدٍ فَهْوَ الْمُسَاوَاةُ، وَإِنْ ... فَرْدًا يَزِدْ مُصَافَحَاتٌ فَاْسْتَبِنْ (فإن يصل) الراوي (لشيخه) أي شيخ صاحب الكتاب كشيخ أحد الأئمة الستة مثلاً (موافقة) خبر لمحذوف مع الرابطة والجملة جواب إن، أي فهو موافقة. وحاصل المعنى: أن الراوي إذا روى حديثاً في أحد الكتب المذكورة بسند نفسه من غير طريقها بحيث يجتمع مع صاحب الكتاب في شيخه مع علو هذا الطريق الذي رواه منه على ما لو رواه من طريق صاحب الكتاب ¬

_ (¬1) ضعيف جداً. انظر ضعيف الجامع الصغير للألباني.

فهذا يسمى موافقة لاتفاقه مع صاحب الكتاب في شيخه، مثاله: حديث رواه البخاري عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن حميد عن أنس مرفوعاً: " كتاب الله القصاص " فإذا رويناه من جزء الأنصاري تقع موافقة للبخاري في شيخه مع علو بدرجة. (أو) يصل إلى (شيخ شيخ) لأحد الأئمة الستة مثلاً مع وجود العلو أيضاً (بدل) بفتحتين خبر لمحذوف أي فهو بدل أي يسمى به. وحاصل المعنى: أنه إذا كانت الموافقة لشيخ شيخ أحد الأئمة الستة فهذا يسمى بدلاً. مثاله: حديث ابن مسعود الذي مر آنفاً، وسمى بدلاً لوقوعه من طريق راو بَدَلَ الراوي الذي روى عنه أحد الستة. وقد يسمونه موافقة مقييدة فيقال: هو موافقة في شيخ شيخ الترمذي مثلاً. (تنبيه): تقييد الموافقة والبدل بالعلو هو الذي ذكره ابن الصلاح قال: ولو لم يكن ذلك عالياً فهو أيضاً موافقة وبدل لكن لا يطلق عليه اسم الموافقة والبدل لعدم الالتفات إليه. قال العراقي: وفي كلام غيره إطلاق ذلك مع عدم العلو فإن علا قالوا موافقة عالية، وبدل عال. اهـ باختصار. (أو وافقه) أي وافق الراوي صاحب الكتاب (في عدد) أي عدد إسنادهما (فهو) أي الوفاق المذكور (المساواة) أي يسمى بها. وحاصل المعنى: أنه إذا كان بين الراوي وبين الصحابي أو مَن قَبْلَ الصحابي إلى شيخ أحد الستة كما بين أحد الستة وبين ذلك الصحابي أو من قبله على ما ذكر أو يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - كما بين أحد الأئمة الستة وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من العدد فهو المساواة، وهي مفقودة الآن، إلا بأن يكون عدد ما بين الراوي الآن وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - كعدد ما بين الستة وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله العراقي. قال السخاوي: والمساواة بالنسبة لأصحاب الكتب الستة ومن في

طبقتهم مفقودة الآن، نعم يقع لنا ذلك مع مَنْ بَعْدَهم كالبيهقي والبغوي في شرح السنة ونحوهما، بل قد وقعت لي المساواة مع بعض أصحاب الستة في مطلق العدد لا في متن متحد، وذلك أنه وقع بيني وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحاديث عشرة رواة، وكذا وقع للترمذي والنسائي حديث عشاري. اهـ باختصار. (وإن فرداً) أي راوياً واحداً (يزد) صاحب الكتاب (مصافحات) خبر لمحذوف مع الرابطة، أي فهو مصافحات، وإنما جمعه لأنه يكون له، أو لشيخه، أو شيخ شيخه. وحاصل المعنى: إنه إن زاد أحد الستة مثلاً راوياً واحداً على الراوي الذي وقع له ذلك الحديث سمى مصافحة بمعنى أن الراوي كأنه لقي أحد الأئمة الستة وصافحه بذلك، ومع كونه مصافحة له فهو مساواة لشيخه، فإن كانت المساواة لشيخ شيخه كانت المصافحة لشيخه، أو لشيخ شيخ شيخه كانت المصافحة لشيخ شيخه، وسمى مصافحة لجريان العادة غالبا بها بين المتلاقيين (فاستبن) أي اطلب بيان الأمر واتضاحه على الوجه الذي بيناه. ولما أنهى الكلام على علو المساوفة شرع يذكر علو الصفة، وهما النوعان الأخيران فذكر الأول وهو القسم الرابع فقال: 613 - وَقِدَمُ الْوَفَاةِ أَوْ خَمْسِينَا ... عَامًا تَقَضَّتْ أَوْ سِوَى عِشْرِينَا (وقدم) خبر لمحذوف أي رابعها قدم الوفاة بكسر ففتح، أي تقدم موت الراوي عن شيخ على وفاة راو آخر عن ذلك الشيخ. مثاله: من سمع سنن أبي داود على الزكي عبد العظيم أعلى ممن سمعه على النجيب الحراني، ومن سمعه على النجيب أعلى ممن سمعه على ابن خطيب المِزَّة، والفخر ابن البخاري، وإن اشترك الأربعة في رواية الكتاب عن شيخ واحد، وهو ابن طبرزد لتقدم وفاة الزكي على النجيب، ووفاة النجيب على من بعده، قال القاضي زكريا: وقضية ذلك أنه يكون أعلى إسناداً سواء تقدم سماعه، أو اقترن، أو

تأخر، لأن متقدم الوفاة يعز وجود الرواة عنه بالنظر لمتأخر الوفاة فيُرغَبُ في تحصيل مرويه لكن الأخذ بالقضية المذكورة محله في غير تأخر السماع له أخذاً مما يأتي في القسم الخامس. ثم هذا في العلو المفاد من تقدم الوفاة مع الالتفات لنسبة شيخ إلى شيخ، أما العلو لا مع الالتفات لشيخ آخر فقد اختلف في وقته وإليه أشار بقوله: (أو خمسينا) عطف على الوفاة أي تقدم خمسين (عاماً تقضت) بالضاد المعجمة أي انصرمت. اهـ " ق " وفي نسخة المحقق بالصاد المهملة أي بلغت نهايتها، وهو قريب من معنى الأول، أي مضت تلك الخمسون من وقت وفاة الشيخ. وحاصل المعنى: أن الذي تقدم كان بالنسبة لوفاة الراوي مع راو آخر، وأما العلو الذي يستفاد من مجرد وفاة الشيخ لا مع الالتفات لأمر آخر: فقد اختلفوا فيه، فقيل: مُضِيُّ خمسين سنة من تاريخ وفاة الشيخ، وهذا قول الحافظ ابن جوصي، قال: إسناد خمسين سنة من موت الشيخ إسناد علو. (أو سوى) أي إلا (عشرينا) سنة أي من الخمسين، يعني: ثلاثين سنة من وفاة الشيخ، وهذا للحافظ ابن منده، قال: إذا مر على الإسناد ثلاثون سنة فهو عال. قال ابن الصلاح: وهذا أوسع من الأول. ثم ذكر ثاني أقسام علو الصفة وهو خامس الأقسام فقال: 614 - وَقِدَمُ السَّمَاعِ ............ ... .................... (وَقِدَمُ السَّمَاعِ) خبر لمحذوف أيضاً، أي وخامسها علو قدم السماع لأحد رواته بالنسبة لراو آخر اشترك معه في السماع عن شيخه، أو لراو سمع من رفيق لشيخه، وذلك بأن يكون سماع أحدهما من ستين مثلاً

والآخر من أربعين، ويتساوى العدد إليهما، فالأول أعلى سواء تقدمت وفاته على الآخر أم لا؟. وهذا كما نبّه عليه ابن الصلاح يقع التداخل بينه وبين القسم الذي قبله، ولذا جعلها ابن طاهر، ثم ابن دقيق العيد واحداً، وزاد العلو إلى صاحبي الصَّحِيحين، ومصنفي الكتب المشهورة، وجعله ابن طَاهِرٍ قسمين: أحدهما: العلو إلى الشيخين وأبي داود وأبي حاتم ونحوهم، والآخر: العلو إلى كتب مصنفة لأقوام كابن أبي الدنيا والخطابي. ولما أنهى الكلام على أقسام العلو شرع يذكر ضده وهو النزول فقال: .............. وَالنُّزُولُ ... نَقِيضُهُ فَخَمْسَةً مَجْعُولُ (والنزول) مبتدأ خبره (نقيضه) أي ضده (فخمسة) الفاء فصيحة و " خمسة " بالنصب مفعول ثاني لقوله (مجعول) أي إذا عرفت أن النزول ضد العلوّ وأردت معرفة أقسامه، فهو مجعول خمسة، أي جُعِلَ خمسة أقسام مِثْلَه، فما من قسم إلا وضده قسم من أقسام النزول، فتفصيلها يدرك من تفصيل أقسام العلو المتقدم. 615 - وَإِنَّمَا يُذَمُّ مَا لَمْ يَنْجَبِرْ ... لَكِنَّهُ عُلُوُّ مَعْنًى يَقْتَصِرْ (وإنما يذم) بالبناء للمفعول أي إنما ذَمَّ العلماءُ النزولَ (ما) مصدرية ظرفية (لَمْ يَنْجَبِرْ) أي مدة عدم انجباره بصفة مرجحة. والمعنى: أن العلماء ذموا النزول، قال علي بن المديني وغيره: إنه شؤم، وقال ابن معين: إنه قرحة في الوجه، فهذا إذا لم ينجبر النزول بصفة مرجحة، كزيادة الثقة في رجاله على العالي، أو كونهم أحفظ أو أضبط أو أفقه، أو كونه متصلاً بالسماع بخلاف العلو في ذلك، فهذا نزول في الظاهر، وفي المعنى أنه علوّ مختار على العلو كما أشار إليه بقوله: (لكنه) أي هذا النزول المنجبر، والاستدراك مما يتوهم أنه لما كان

مختاراً على العلو يثبت له وصف العلو المطلق (علو معنى) أي من حيث المعنى (يقتصر) عليه لا يتعداه إلى الظاهر. وحاصل المعنى: أن هذا النزول المنجبر بِمُرجّحٍ، نزول في الظاهر، علوًّ في المعنى عند المحققين كما أشار إليه السلفي حيث يقول (من بحر الخفيف): ليسَ حُسن الحديثِ قُربَ رِجَال ... عِنْدَ أربابِ عِلْمِهِ النُّقَّادِ بَلْ عُلُوُّ الحَدِيثِ بَينَ اولي الحِفْـ ... ـظِ وَالِإتْقَانِ صِحَّة الإسنَادِ وَإذا مَا تَجَمَّعَا فِي حَدِيث ... فَاغْتَنِمْهُ فَذَاكَ أقْصَى الْمُرَادِ ولبعضهم (من البسيط): عِلْمُ النُّزولِ اكْتُبُوهُ فَهْوَ يَنْفَعُكُمْ ... وَتَرْكُكُمْ ذَاكُمُ ضَرْبٌ مِنَ الْعَنَتِ إنَ النُّزولَ إِذَا مَا كَانَ عَنْ ثَبَتٍ ... أعْلَى لَكُمْ مِنْ عُلُوِّ غَيرِ ذِي ثَبَتِ ثم ذكر تفصيلاً للإمام الحافظ محمد بن حبان البستي صاحب الصَّحِيح وهو تفصيل حسنٌ فقال: 616 - وَلاِْبِن حِبَّانَ: إِذَا دَارَ السَّنَدْ ... مِنْ عَالِمٍ يَنْزِلُ أَوْ عَالٍ فَقَدْ 617 - فَإِنْ تَرَى لِلْمَتْنِ فَالأَعْلامُ ... وَإِنْ تَرَى الإِسْنَادَ فَالْعَوَامُ (ولابن حبان) خبر مقدم، أي كائن للحافظ المتقن الحجة أبي حاتم محمد بن حبان البستي صاحب الصَّحِيح، وقوله: (إذا دار السَّند) إلخ مبتدأ مؤخر لقصد لفظه، أي إذا كان سند الحديث دائراً (من) بين (عالم ينزل) سنده لكثرة عدده (أو) بمعنى الواو (عال) أي رجل عال سنده لقلة عدده، وجملة (فقد) صفة لعال أي فاقد علماً، بأن كان عامِيّا (فإن ترى) أيها المحدث أي تنظر (للمتن) أي إلى متن الحديث (فالأعلام) مبتدأ خبره محذوف أي أولى، أي الفقهاء الذين هم كالأعلام أولى من العوام الذين هم أعلى سنداً، والجملة جواب إن.

(وإن ترى الإسناد) أي تنظر أيها المحدث إلى سند ذلك المتن وثبتت ألف " ترى " في الموضعين على حد قول الشاعر (من بحر الطويل): وَتَضْحَكُ مِنّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ ... كأنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أسِيراً يَمَانِيَاً وهو ضرورة على قول. (الإسناد) أي إسناد ذلك المتن (فالعوام) جمع عامة خلاف الخاصة، وخففت الميم للوزن، مبتدأ خبره محذوف، أي أولى. وحاصل المعنى: أن ابن حبان له تفصيل حسن، وهو أن النظر إن كان للسند فالشيوخ أولى، وإن كان للمتن فالفقهاء، أولى، وبالجملة فالمعتبر إنما هو العلو المعنوي وهو قوة الراوي. ولذا قال وكيع لأصحابه: الأعمش أحب إليكم عن أبي وائل عن عبد الله أم سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله؟ فقالوا: الأعمش عن أبي وائل أقرب، فقال: الأعمش شيخ، وسفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة فقيه عن فقيه عن فقيه. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: قد خصت الأمة البيت. وقوله: لكنه علو معنى إلى آخر الباب.

(المسلسل)

(المسلسل) أي هذا مبحثه، وهو النوع الرابع والأربعون من أنواع علوم الحديث، وهو لغة المتصل، والسلسلة اتصال الشيء بعضه ببعض، ومنه سلسلة الحديد، بفتح السينين وكسرهما وهو من صفات الإسناد فقط كسابقه. واصطلاحاً ما ذكره بقوله: 618 - هُوَ الَّذِي إِسْنَادُهُ رِجَالَهْ ... قَدْ تَابَعُوا فِي صِفَةٍ أَوْ حَالَهْ 619 - قَوْلِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ كِلَيْهِمَا ... لَهُمْ أَوِ الإِسْنَادِ فِيمَا قُسِّمَا (هو) أي المسلسل في اصطلاحهم (الذي إسناده) مبتدأ (رجاله) منصوب بفعل محذوف أي أعني رجاله (قد تابعوا) بحذف إحدى التاءين، أي تواردوا واحداً بعد واحد، والجملة خبر المبتدإ (في صفة) أي على صفة واحدة (أو) على (حالة) واحدة (قولية) صفة لصفة، وحذف نظيره لحالة (فعليه) عطف على ما قبله بحذف عاطف، أي أو صفة فعلية (كليهما) عطف عليه أيضاً بعاطف محذوف، أي أو كليهما أي القولية والفعلية معاً. (لهم) حال من صفة، وما عطف عليه أي حال كون الوصف والحالة لرجال الإسناد (أو الإسناد) أي رواية الحديث فالإسناد هنا بمعنى رفع القول إلى قائله بخلافه فيما تقدم فإنه بمعنى الرجال قاله الشارح.

(فيما قسما) خبر لمحذوف أي هذا حاصل في تقسيم المحدثين لأنواع المسلسل. وحاصل معنى البيتين: أن المسلسل هو الحديث الذي توارد رجال إسناده واحداً فواحداً على صفة واحدة، أو حالة واحدة سواء كانت الصفة والحالة للرواة أو للرواية، وسواء أكان ما وقع منه في الإسناد في صيغ الأداء أم متعلقاً بزمن الرواية، أو بالمكان، أوبالتاريخ، وسواء كانت صفات الرواة أو أحوالهم أقوالاً، أم أفعالًا، أم كليهما. مثال المتسلسل بوصف الرواة القولي: المسلسل بقراءة سورة الصف ونحوه. ومثال صفاتهم الفعلية كالمسلسل بالفقهاء وبالحفاظ وبالقراء ونحو ذلك. ومثال التسلسل بصفات الرواية كقول كل من رواته سمعت فلاناً، وحدثنا، أو أخبرنا، أو شهدت على فلان قال: شهدت على فلان ونحو ذلك. ومثال التسلسل بأحوال الرواة القولية حديث معاذ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: " يا معاذ إني أحبك فقل في دبر كل صلاة " الحديث (¬1). فقد تسلسل لنا بقول كل راو من رواته وأنا أحبك فقل. ومثال التسلسل بالفعلية حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " شبك بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - وقال: " خلق الله الأرض " الحديث (¬2)، فقد تسلسل لنا تشبيك كل رواته بيد من رواه عنه. ومثال اجتماعهما حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً: " لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره، قال: وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لحيته وقال: " آمنت بالقدر " (¬3). فقد تسلسل لنا بقبض كل واحد من رواته على لحيته مع قوله آمنت بالقدر إلى آخره. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم. (¬2) أخرجه مسلم. (¬3) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص 40.

وأما ما يتعلق بزمن الرواية أو مكانها أو تاريخها فكالمسلسل بالتحمل يوم العيد، وقص الأظفار في يوم الخميس، وكالمسلسل بإجابة الدعاء في الملتزم. وكالمسلسل بكون الراوي آخر من روى عن شيخه، وبالجملة فأنواع التسلسل كثيرة لا تنحصر كما قال ابن الصلاح. 620 - وَخَيْرُهُ الدَّالُّ عَلَى الْوَصْفِ، وَمِنْ ... مُفَادِهِ زِيَادَةُ الضَّبْطِ زُكِنْ (وخيره الدال) مبتدأ وخبر، أي أفضل أنواع المسلسل هو الذي يدل (على الوصف) أي وصف الاتصال، فأل بدل عن المضاف إليه على رأي بعض النحاة، وإنما قدرناه الاتصال لدلالة قوله: زيادة الضبط لأن الاتصال أعلى شروط الضبط، والمعنى: أن أفضل أنواعه ما دل على الاتصال فى السماع وعدم التدليس كما في قراءة سورة الصف، قال الحافظ رحمه الله: هو من أصح مسلسل يُرْوَى في الدنيا، وقال الناظم: قلت: والمسلسل بالحفاظ والفقهاء أيضاً بل ذكر في شرح النخبة أنه مِمَّا يفيد العلم القطعي. (ومن) جملة (مفاده) مصدر ميمي لأفاد، أي من فائدة المسلسل، أو اسم مفعول له أيضاً أي الوصف الذي أفاده المسلسل، وهو خبر مقدم لقوله: (زيادة الضبط) أي اشتماله على زيادة ضبط الراوي، وكذا الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فعلاً ونحوه، وقوله: (زكن) بالبناء للمفعول، أي علم، قال: في " ق " زَكِنَه كفرح وأزكنه علمه، وفهمه وتَفرَّسه، وظنه، أو الزَّكْنُ ظن بمنزلة اليقين عندك، أو طرف من الظن اهـ. والجملة حال مما قبله، ويحتمل أن تكون خبر للمبتدإ، والجار والمجرور يتعلق بها، أي زيادةُ ضبط الراو عُلِمَ من فائدة المسلسل. 621 - وَقَلَّمَا يَسْلَمُ فِي التَّسَلْسُلِ ... مِنْ خَلَلٍ وَرُبَّمَا لَمْ يُوصَلِ 622 - كَأَوَّلِيَّةٍ لِسُفْيَاَن انْتَهَى ... وَخَيْرُهُ مُسَلْسَلٌ بِالْفُقَهَا

(وقلما) " ما " هذه زائدة تسمى كافة لأنها كفت الفعل عن عمل الرفع في الفاعل، قال في مغني اللبيب: ما معناه: لا تَتَّصِلُ " ما " هذه إلا بثلاثة أفعال، قَلَّ، وكثُرَ وطالَ، وعلة ذلك شبههن برب، ولا يدخل حينئذ إلا على جملة فعلية صُرِّحَ بفعليتهاكقوله (من بحر الخفيف): قَلَّمَا يَبْرَحُ اللبِيْبُ إِلَى مَا ... يُورِثُ المجدَ دَاعِياً أو مُجِيباً وزعم بعضهم أن " ما " مع هذه الأفعال مصدرية لا كافة اهـ. وعلى هذا فالفعل بعدها صلتها وهي في تأويل المصدر فاعل قَلَّ. وقال العلامة الأمير ما معناه: وزاد بعضهم على هذه الأفعال قَصُر، وهي أفعال لا فاعل لها، كالتوكيد اللفظي، في قام قام زيد، وكان الزائدةِ اهـ. ونظمت ذلك بقولي (من الرجز): وَمَا تُكُفُّ طَالَ قَلَّ كَثرا ... وَبَعْضُهُمْ زَادَ عَلَيْهَا قَصُرَا وَلاَ يَلِي الفَاعِلُ هَذِهِ كَمَا ... فِي قَامَ قَامَ إِذ مُؤكّداً سَمَا وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مَا مُؤوِّلَهْ ... فَمَعَ مَا يَلِي تَكُونُ فَاعِلَهْ (يسلم) أي المسلسل (في) وصف (التسلسل) لا في أصل المتن (من خلل) متعلق بيسلم أيَ عَيبِ بضعف، كمسلسل المشابكة فمتنه صحيح، والطريق بالتسلسل فيها مقال. وحاصل المعنى: أن سلامة المسلسل من الضعف في وصف التسلسل، لا في أصل المتن قليل، وقد لا يصح وصفاً ومتناً. (وربما) للتقليل (لم يوصل) بالبناء للمفعول أي التسلسل بأن يقع فيه انقطاع، إما في أوله أو وسطه أو آخره، ثم مَثَّلَ للمنقطع في أوله بقوله: (كأولية) أي كالحديث المسلسل بوصف الأولية، وهو قول كل راو من رواته أول حديث سمعته من شيخي، فالجار والمجرور خبرٌ لِمَحْذُوف، أي ذلك كائن كأولية (لسفيان) متعلق بانتهى، وهو الحافظ الحجة أبو محمد الأعور

سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي، ثم المكي، ثقة، فقيه، ولد سنة 157 ومات سنة 198 هـ عن 91 سنة، (انتهى) أي انقطع تسلسله يقال: انتهى الأمر بلغ النهاية، وهي أقصى ما يمكن أن يبلغه. اهـ المصباح. والجملة صفة لأولية، أي كأولية منتهية إلى سفيان. وحاصل المعنى: أن تسلسل هذا الحديث بالأولية ما جاوز سفيان بل انقطع عنده فمن رواه مسلسلاً إلى آخره فقد وهم. والحديث ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله: " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " فهو مسلسل بقول كل راو أول حديث سمعته من شيخي إلى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس عن مولاه ابن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث صحيح بشواهده كما قال السخاوي. (وخيره) أي أفضل أنواع المسلسلات على الإطلاق مبتدأ، خبره قوله (مسلسل) أي حديث مسلسل (بالفقهاء) أي الأئمة الحفاظ المتقنين، فقد قال الحافظ: إنه مما يفيد العلم القطعي حيث لا يكون غريبا كحديث رواه أحمد عن الشافعي عن مالك مع مشاركة غيرهم لهم. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب: قوله: وخيره الدال على الوصف ... البيت. وقوله: لسفيان انتهى ... البيت.

(غريب ألفاظ الحديث)

(غريب ألفاظ الحديث) أي هذا مبحثه، وهو النوع الخامس والأربعون من أنواع علوم الحديث، وهو غير الغريب الذي مَرَّ في أقسام الغريب، والعزيز، والمشهور، والمستفيض، والمتواتر لأن ذاك يرجع إلى الانفراد من جهة الرواية، وأما ما هنا فهو ما يخفى معناه من المتون لقلة استعماله بحيث يبعد فهمه، ولا يظهر إلا بالتفتيش من كتب اللغة. وهو فن مهم جدا يجب على طالب الحديث إتقانه والخوض فيه صعب، والاحتياط في تفسير الألفاظ النبوية واجب فلا يُقْدِمَنَّ عليه أحد برأيه. 623 - أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِيهِ مَعْمَرُ ... وَالنَّضْرُ، قَوْلانِ، وَقَوْمٌ أَثَرُوا 624 - وَاْبْنُ الأَثِيرِ الآنَ أَعْلَى، وَلَقَدْ ... لَخَّصْتُهُ مَعَ زَوَائِدٍَ تُعَدّ (أول) مبتدأ، أي أسبق (من صنف) أي جمع (فيه) أي تفسير الغريب (معمر) خبر المبتدإ، ويجوز العكس، وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي المتوفى سنة 210 وقد قارب عمره 100 سنة (والنضر) بن شميل أبو الحسن المازني النحوي المتوفي أول سنة 204 عن نحو 80 سنة والواو بمعنى أو التي لتنويع الخلاف. والمعنى: أنه اختلف في أول من صنف في غريب ألفاظ الحديث هل هو معمر بن المثنى أو النضر بن شميل؟

(قولان) خبر لمحذوف أي هذان قولان للعلماء، جزم الحاكم في علومه بالثاني، وإليه مال السخاوي، وغيره بالأول. وكتاباهما مع جلالتهما صغيران لجريان العادة بذلك في المبتدئ بما لم يُسبَق إليه، والعلمُ إذا ذاك أكثر فًشُوًّا من نقيضه وأكبرهما كتاب أولهما. وممن صنف أيضاً الأصمعي عبد الملك بن قريب المتوفى سنة 213 عن نحو 88 سنة وهؤلاء متعاصرون (وقوم) من العلماء ممن جاء بعدهما (أثروا) أي نقلوا عن هذين الإمامين، وزادوا عليهما، يقال: أثرت الحديث أثْراً من باب قتل نقلته. اهـ مصباح. فجاء أبو عبيد القاسم بن سَلَّام المتوفى سنة 214 عن 67 سنة فجمع كتابه فصار هو القدوة في هذا الشأن فإنه أفنى فيه عمره، حتى لقد قال: إني جمعت كتابي هذا في أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من الأفواه فأضعها في موضعها فكان خلاصة عمري. (وابن الأثير) مبتدأ على حذف مضاف أي كتابه المسمى بالنهاية (الآن) منصوب على الظرفية متعلق بما بعده أي في الوقت الحاضر (أعلى) خبر المبتدإ، أي أفضل من غيره، والمعنى: أن كتاب العلامة أبي السعادات مبارك ابن أبي الكرم المعروف بابن الأثير الجزري المتوفى سنة 606 أعلى، وأوسع كتاب أُلف في هذا الفن لجمعه كلام من تقدمه ممن ألف في هذا الموضوع. قال الناظم - رحمه الله -: (ولقد لخصته) أي اختصرته، قال في التاج مستدركاً على " ق " ومما يستدرك عليه التلخيص: التقريب والاختصار يقال: لخصت القول، أي اقتصرت فيه، واختصرت منه ما يحتاج إليه، وهو ملخص، ويقال: هذا ملخص ما قالوه، أي حاصله، وما يؤول إليه. اهـ. والمعنى: أنه اختصر ما في النهاية لابن الأثير، وقربه بأوجز عبارة (مع زوائد) أي حال كون الملخص المفهوم من لخصت مع أشياء مزيدة عليه، وجملة (تعد) صفة لزوائد، أي معدودة، يعني: أنها قليلة بالنسبة إلى

الأصل. وسَمَّى كتابه الملخص " الدر النثير " ويوجد في هامش الأصل في بعض طبعاته، وكذا لخصه محمد بن المتقي الهندي، والسيد عيسى بن محمد الصفوقي، في قريب من نصف حجمه. ثم حث الطالب على الاعتناء بالغريب وعدم الخوض بالظن، ولا تقليد غير أهله فقال: 625 - فَاْعْنَ بِهِ، وَلا تَخُضْ بِالظَّنِّ ... وَلا تُقَلِّدْ غَيْرَ أَهْلِ الْفَنِّ 626 - وَخَيْرُهُ مَا جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ اوْ ... عَنِ الصَّحَابِيِّ وَرَاوٍ قَدْ حَكَوْا (فَاْعْنَ بِهِ) أمر من عَنَيت به عِناية من باب رمى إذا اشْتَغَلْتَ به، والأكثر فيه عُنِيَ بالبناء للمفعول،. اهـ مصباح بتغيير. أي اجتهد أيها الطالب في معرفة غريب الحديث تحفظاً وتدبراً فإنه مهم، يقبح جهله بأهل الحديث خاصة، ثم بأهل العلم عامة. (ولا تخض) أي لا تدخل فيه، يقال: خاض في الأمر خوضاً دخل فيه، قاله في المصباح. (بالظن) أي متلبساً به فإنه أمر ليس بالهَيِّنِ، والخائض فيه حقيق بالتحري، جدير بالتوقي. وقد قال أحمد رحمه الله مع جلالته في العلم لَمّا سئل عن حرف منه: اسألوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالظن فأخطئَ، وقال شعبة في لفظةٍ: خذوها عن الأصمعي فإنه أعلم بهذا مِنا. (ولا تقلد) أي لا تتبع في معرفته أحداً (غير أهل الفن) الماهرينْ به إن وجدتهم، وإلا فكتبهم لأنَّ من لم يكن من أهله أخطأ في تصرفه، وإذا كان الأصمعي مع جلالته يقول: أنا لا أفسر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن العرب تزعم أن السَّقَبَ اللزيقُ فكيف بغيره ممن لا يعرف بالفن؟ أم كيف بما يُرَى من ذلك بهوامش الكتب مما يجهل كاتبه؟ بل شَرَطَ بعضهم فيمن يقلد اطلاعه على أكثر استعمالات ألفاظ الشارع حقيقة ومجازاً، فقال: ولا

يجوز حمل الألفاظ الغريبة من الشارع على ما وجد في أصل كلام العرب، بل لا بد من تتبع كلام الشارع، والمعرفة بأنه ليس مراد الشارع من هذه الألفاظ إلا ما في لغة العرب، وأما إذا وجد في كلام الشارع قرائن بأن مراده من هذه الألفاظ معان اخترعها هو فيحمل عليها، ولا يحمل على الموضوعات اللغوية كما هو في أكثر الألفاظ الواردة في كلام الشارع. انتهى. وهذا هو المسمى عند الأصوليين بالحقيقة الشرعية. قاله السخاوي. (وخيره) مبتدأ أي أحسن ما فسر به الغريب (ما) موصولة خبر المبتدإ أي التفسير الذي (جاء) أي ورد مبيناً (من طريق) أخرى، كالدخ بضم الدال، وحكى فتحها، الوارد في القصة المشهورة لابن صياد، فإنه جاء مفسراً في رواية أخرى بأنه الدخان، ووهم من فسره بالجماع. (أو) جاء (عن الصحابي) راوي ذلك الحديث (أو) عن (راو) آخر غير الصحابي، والواو بمعنى أو، وقوله: (قد حكوا) جملة مستأنفة، أي حكى العلماء أن هذه الوجوه كلها من خير ما فسر به الغريب. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب: قوله: وابن الأثير الآن البيت .... وقوله: أو عن الصحابي وراو قد حكوا.

(المصحف والمحرف)

(المُصَحَّفُ وَالمُحَرَّفُ) الواقعان في المشتبه من السَّند والمتن، أي هذا مبحثهما، وهما النوع السادس والأربعون والسابع والأربعون، ولكونهما تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها كانا فنًّا مهماً لا ينهض بأعبائهما إلا الحفاظ الحذاق، كالدارقطني وأبي أحمد العسكري كما أشار إليه بقوله: 627 - وَالْعَسْكَرِيْ صَنَّفَ فِي التَّصْحِيفِ ... وَالدَّارَقُطْنِيْ أَيَّمَا تَصْنِيفِ (والعسكري صنف) مبتدأ وخبر، أي الإمام اللغوي الحجة أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، المتوفى في صفر سنة 283، (في) فن (التصحيف) والتحريف وشَرْحِ ما يقع فيه، وهو من أنفس الكتب وأكثرها فائدة كما قاله ابن شاكر. وقال السخاوي: له عدة كتب أكبرها لسائر ما يقع فيه التصحيف من الأسماء والألفاظ غير مقتصر على الحديث، ثم أفرد منه كتاباً يتعلق بأهل الأدب وهو ما يقع فيه التصحيف من ألفاظ اللغة والشعر وأسماء الشعراء أو الفرسان، وأخبار العرب وأيامها، ووقائعها، وأماكنها، وأنسابها. ثم آخر فيما يختص بالمحدثين من ذلك غير متقيد بما وقع فيه التصحيف فقط بل ذكر فيه ما هو معرض لذلك، وفي بعض المحكي مما وقع لبعض المحدثين ما يكاد اللبيب يضحك منه. اهـ.

(والدارقطني) عطف على الضمير في صنف هو الإمام الحافظ نَسِيج وحده، وقَرِيع دهره في صناعة الحديث، ومعرفة رجاله، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي المتوفى سنة 385 عن 79 سنة، منسوب إلى دارقطن محلة ببغداد. وقوله: (أيما تصنيف) بالنصب وما زائدة صفة لمحذوف أي تصنيفاً كاملًا في بابه، قال ابن هشام في المغني في أثناء تعداد معاني أي: والرابع أن تكون دالة على معنى الكمال فتقع صفة للنكرة نحو زيد رجلٌ أيُّ رجلٍ، أي كامل في صفات الرجال، وحالاً للمعرفة كمررت بعبد الله أيَّ رجل اهـ. والمعنى: أنه صنف في هذا الفن كتاباً مفيداً جِدًّا قال الناظم: أورد فيه كل تصحيف وقع للعلماء حتى في القرآن، من ذلك: ما رواه عن عثمان بن أبي شيبة قرأ على أصحابه في التفسير جعل السفينة في رحل أخيه، فقيل له: إنما جعل السقاية فقال أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم. وقرأ أيضاً (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) قالها ألف لام ميم، يعني: كأول البقرة، قال الذهبي: لعله سبق في لسانه وإلا فقطعاً أنه يحفظ سورة الفيل. وقرأ أيضاً فضرب لهم بِسِنَّورٍ لَهُ نَابُ فردوا عليه فقال: قراءة حمزة عندنا بدعة، قال الذهبي: فكأنه كان صاحب دعابة ولعله تاب وأناب. ثم بيّن معنى التصحيف والتحريف فقال: 628 - فَمَا يُغَيَّرْ نُقْطُهُ مُصَحَّفُ ... أَوْ شَكْلُهُ لا أَحْرُفٌ مُحَرَّفُ (فما) الفاء فصيحية، وما شرطية لجَزْمِ الفعل بعدها، مبتدأ (يغير) بالبناء للمفعول (نقطه) نائب فاعله، وهو بضم ففتح جمع نقطة كغرفة وغرف، إلا أنه خففه بتسكين القاف للوزن، أي أيُّ حَرْفٍ غُيِّرَت نُقْطَةٌ من نُقَطِهِ (مصحف) خبر لمحذوف مع الرابِطِ، أي فهو مصحف بصيغة اسم المفعول.

(أو شكله) بالرفع عطف على نقطه، أي أو غير شكله أي حركاته، يقال: شَكَلْت الكتاب شَكْلًا من باب قتل أعلمته بعلامات الإعراب، قاله في المصباح. (لا أحرف) أي ليست الأحرف منه مغيرة (محرف) أي فهو محرف. وحاصل معنى البيت: أن ما كان فيه تغيير حرف أو حروف بتغيير النقط مع بقاء صورة الخط يسمى تصحيفاً، وما كان فيه ذلك في الشكل يسمى خريفاً، وستأتي أمثلة كل منهما وهكذا قسمه الحافظ رحمه الله. ثم ذكر أقسامه فقال: 629 - فَقَدْ يَكُونُ سَنَدًا وَمَتْنَا ... وَسَامِعًا وَظَاهِرًا وَمَعْنَى (فقد يكون) أي المذكور من التصحيف والتحريف (سنداً) أي فيه (ومتناً) أي فيه ويكون أيضاً (سامعاً): أي خَطَأ سَمْعِ سَامِعِ، وذلك بأن يكون الاسم واللقب، أو الاسم واسم الأب على وزن اسم آخَرَ ولَقَبِهِ، أو اسم آخر واسم أبيه، والحروف مختلفة شكلًا ونقطاً فيشتبه على السامع فيغيره (و) يكون أيضاً (ظاهراً) يعني: لفظاً بدليل ما بعده (و) يكون (معنى) أي من جهة المعنى، قال المحقق: لكنه ليس من التصحيف على الحقيقة بل هو من باب الخطأ في الفهم. ثم ذكر أمثلة هذه الأقسام بالترتيب فقال: 630 - فَأَوَّلٌ: " مُرَاجِمٌ " صَحَّفَهُ ... يَحْيَى " مُزَاحِمًا " فَمَا أَنْصَفَهُ (فأول) الفاء فصيحية أي إذا أردت أمثلة هذه الأقسام، فأقول لك: (أَوَّلٌ) منها وهو مبتدأ على حذف مضاف أي مثال أول، وهو التصحيف في السَّند (مراجم) بضم الميم فراء فجيم والد العَوَّام، وابنُهُ هذا يروي عن أبي عثمان النَّهْدِيّ وروى عنه شعبة. (صحفه) أي مراجماً هذا (يَحْيَى) بن معين بن عَوْن الإمام الجليل، إمام الجرح والتعديل المتوفى سنة 233 فجعله (مزاحماً) بالزاي والحاء

المهملة، وذلك في حديث شعبة عن العوَّام بن مراجم، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لتؤدون الحقوق إلى أهلها " الحديث. (فما) نافية (أنصفه) أي ما أعطاه حقه، يقال: أنصف الرجل صاحبه أعطاه حقه، أفاده في اللسان، يعني: أن يَحْيَى ما أعطى هذا الاسم ما يستحقه من الضبط. ثم ذكر مثال الثاني بقوله: 631 - وَبَعْدَهُ: " يُشَقِّقُونَ الْخُطَبَا " ... صَحَّفَهُ وَكِيعُ قَالَ: " الْحَطَبَا " (وبعده) أي بعد تصحيف السَّند، أو بعد مراجم، وهو خبر مقدم، وقوله (يشققون الخطبا) مبتدأ مؤخر محكى لقصد لفظه. (صحّفه وكيع) بن الجراح الإمام الحافظ المتوفى سنة 196 هـ، يعني: أن هذا الكلام يذكر بعدما تقدم مثالاً لتصحيف المتن، حال كونه صحفه وكيع (قال الحطبا) أي حال كونه قائلاً فيه الحطب بدل الخطب، وهو حديث روى عن معاوية - رضي الله عنه - قال: " لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين يشققون الخطب تشقيق الشعر " أي الذين يتكلفون تحسينه كما يتكلفون تحسين الشعر، فصحفه وكيع بالحاء المهملة المفتوحة بدل الخاء المعجمة المضمومة. ونقل ابن الصلاح أن ابن شاهين صحف هذا الحرف مرة في جامع المنصور فقال بعض الملاحين: يا قوم فكيف نعمل والحاجة مَاسَّة. ثم ذكر مثال الثالث فقال: 632 - وَثَالِثٌ: كَـ " خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَهْ " ... شُعْبَةُ قَالَ مَالِكُ بْنُ عُرْفُطَهْ (وثالث) أي مثال ثالث الأقسام، وهو التصحيف في السمع مبتدأ خبره (كخالد بن علقمة شعبة) بن الحجاج مبتدأ خبره جملة قوله: (قال) فيه (مالك بن عرفطة) بالتصحيف، والحديث في مسند الإمام أحمد، قال:

حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن مالك بن عرفطة، عن عبد خير، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نهى عن الدباء والمزفت " قال أحمد: صحف شعبة فيه فإنما هو خالد بن علقمة، وقد رواه زائدة بن قدامة وغيره على ما قاله أحمد، قاله ابن الصلاح، وذكر المحقق ابن شاكرٍ ههنا اعتراضاً فيه نظر، وكحديث عاصم الأحول رواه بعضهم فقال واصل الأحدب. ثم ذكر مثال الرابع فقال: 633 - وَرَابِعٌ: مِثْلُ حَدِيثِ احْتَجَرَا ... صَحَّفَهُ بِالمِيمِ بَعْضُ الْكُبَرَا (ورابع) أي رابع الأقسام، رهو التصحيف في اللفظ مبتدأ خبره قوله: (مثل حديث احتجرا) بألف الإطلاق حال كونه (صَحَّفَهُ بالميم) بدل الراء (بعض الكبرا) فاعل صحف، وهو عبد الله بن لهيعة بن عقبة المصري المتوفى سنة 174، وهو ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إليه بإسناده، عن زيد بن ثابت: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم في المسجد " وإنما هو بالراء احتجر في المسجد بخُصّ وحصير حُجْرَة يصلى فيها فصحفه ابن لهيعة لكونه أخذه من كتابٍ بغير سماع، ذكر ذلك مسلم في كتاب التمييز له. ثم ذكر مثال الخامس فقال: 634 - وَخَامِسٌ مِثْلُ حَدِيثِ الْعَنَزَهْ ... ظَنَّ الْقَبِيلَ عَالِمٌ مِنْ عَنَزَهْ (وَخَامِسٌ) أي خامس الأقسام وهو التصحيف في المعنى وإعرابه كسابقه (مِثْلُ حَدِيثِ الْعَنَزَهْ) في حديث: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى العنزة " والعنزة بفتحتين عصا أقصر من الرمح، ولها زجٌّ من أسفلها، والمراد أنها كانت تغرز بين يديه إذا صلى في الفضاء لتستره. (ظن القبيل) أي توهم أن المراد بالعنزة في هذا الحديث القبيلة المشهورة (عالم) التنوين للتعظيم أي عالم جليل (من) قبيلة (عنزة) وهو، الحافظ الحجة أبو موسى محمد بن المثنى أحد شيوخ الأئمة الستة المذكورين في قولي:

اشْتَرَكَ الأئمَّةُ الْهُدَاةُ ... ذَوُو الأصولِ السِّتَّةِ الْوُعَاةُ فِي تِسْعَةٍ مِنَ الشُّيُوخِْ الْمَهَرَهْ ... الْحَافِظِين النَّاقِدِينَ الْبَرَرَهْ أوْلَئِكَ الأشَجُّ (¬1)، وَابنُ مَعْمَرٍ (¬2)، ... نَصْرٌ (¬3)، وَيَعْقُوبُ (¬4) وَعَمْروٌ (¬5) السَّرِي وَابنُ (¬6) الْعَلاَءِ، وَابْنً (¬7) بَشَّارٍ كَذَا ... ابنُ (¬8) الْمُثَنَّى وَزِيَاد (¬9) يُحْتَذَى وحاصل معنى البيت: أن أبا موسى محمد بن المثنى العنزي المتوفى سنة 252 توهم أن العنزة في حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى عنزة المراد بها القبيلة التي هو منها، فقال: نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة قد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا. وقال الناظم: وأعجب من ذلك ما ذكره الحاكم عن أعرابي زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى شاة. صحفها عنْزة بسكون النون، ثم رواها بالمعنى على وهمه فأخطأ من وجهين. وقال ابن الصلاح: وكثير من التصحيف المنقول من الأكابر الجِلِّةِ لهم فيه أعذار لَمْ ينقلها ناقلوها. قال الإمام أحمد: ومن يَعرَى من الخطأ والتصحيف؟ (تَتِمَّة): الظاهر أنه ليس في هذا الباب زيادة كما هو صنيع المحقق في نسخته والله أعلم. ¬

_ (¬1) عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج الكوفي المتوفى 257 هـ. (¬2) محمد بن معمر القيسي البصري المتوفى سنة 250 هـ. (¬3) نصر بن علي الجهضمي البصري المتوفى سنة 250 هـ. (¬4) يعقوب بن إبراهيم الدورقي المتوفى سنة 252 هـ. (¬5) عمرو بن علي الفلاس المتوفى سنة 249 هـ. (¬6) محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني الكوفي المتوفى سنة 248 هـ. (¬7) محمد بن بشار أبو بكر بندار البصري المتوفى سنة 252 هـ. (¬8) محمد بن المثنى أبو موسى العنزي البصري المتوفى سنة 252 هـ. (¬9) زياد بن يحيى الحساني العدني المكي المتوفى سنة 254 هـ.

(الناسخ والمنسوخ من الحديث)

(الناسخ والمنسوخ من الحديث) أي هذا مبحثه وهو النوع الثامن والأربعون من أنواع علوم الحديث، النسخ لغة يطلق على الإزالة، وعلى النقل، والتحويل، واصطلاحاً عَرَّفَهُ بقوله: 635 - النَّسْخُ: رَفْعٌ أَوْ بَيَانٌ وَالصَّوَابْ ... فِي الْحَدِّ رَفْعُ حُكْمِ شَرْعٍ بِخِطَابْ (النسخ رفع) مبتدأ وخبر، أي رفع للحكم أي لتعلق الخطاب التنجيزي الحادث المستفاد تأبيده من إطلاق اللفظ، على معنى أن المزيل لحكم الأول هو الناسخ، إذ لولا وروده لاستمرّ، وهذا قول القاضي أبي بكر ومتابعيه (أو) لتنويع الخلاف (بيان) أي قيل: النسخ بيان لانتهاء أمد الحكم، وهذا قول الأستاذ أبي إسحاق ومتابعيه. (والصواب) مبتدأ، أو خبر مقدم، أي القول الحق (في الحد) أي في تعريف النسخ متعلق بما قبله، وقوله: (رفع حكم شرع بخطاب) خبر أو مبتدأ مؤخر، محكى لقصد لفظه. وحاصل المعنى: أن المختار في تعريف النسخ هو أنه رفع حكم شرعي بخطاب، أي رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر، فالمراد برفع الحكم قَطعُ تعلقه عن المكلفين، واحترز به عن بيان المُجْمَلِ، وبإضافته للشارع عن إخبار بعض من شاهد النسخ من الصحابة

فإنه لا يكون نسخاً، وإن لم يحصل التكليف به لمن لم يبلغه قبل ذلك إلا بإخباره، وبالحكم عن رفع الإباحة الأصلية فإنه لا يسمى نسخاً، وبالمتقدم عن التخصيص المتصل بالتكليف كالاستثناء ونحوه، وبقوله: بحكم منه متؤخر عن رفع الحكم بموت المكلف أو زوال تكليفه بجنون ونحوه، وعن انتهائه بانتهاء الوقت كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنكم ملاقوا العدو غداً والفطر أقوى لكم فأفطروا " (¬1) فالصوم بعد ذلك اليوم ليس نسخاً. اهـ تدريب. 636 - فَاعْنَ بِهِ فَإِنَّهُ مُهِمُّ ... وَبَعْضُهُمْ أَتَاهُ فِيهِ الْوَهْمُ (فاعن) أمر من عَنَى بكذا يَعني من باب رَمَى إذا شُغِلَ به، أو من عُنَيِ بكذا مغير الصيغة أي اشتَغِلْ، واجتَهِدْ (به) أي بمعرفة الناسخ والمنسوخ من الحديث (فإنه) أي هذا النوع (مهم) فقد مَرّ علي - رضي الله عنه - على قاص فقال: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ فقال؛ لا، فقال: هلكت وأهلكت، وقال الزهري: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه. (وبعضهم) مبتدأ أي بعض من اعتنى بالتصنيف في هذا النوع (أتاه فيه الوهم) خبر المبتدإ، أي حصل له الخطأ فيه حيث أدخل فيه ما ليس منه لخفاء معنى النسخ وشرطه. ثم ذكر ما يعرف به النسخ فقال: 637 - يُعْرَفُ بِالنَّصِّ مِنَ الشَّارِعِ أَوْ ... صَاحِبِهِ أَوْ عُرِفَ الْوَقْتُ، وَلَوْ 638 - صَحَّ حَدِيثٌ وَعَلَى تَرْكِ الْعَمَلْ ... أُجْمِعَ فَالْوَفْقُ عَلَى النَّاسِخِ دَلّ (يعرف) بالبناء للمفعول، أي النسخ (بالنص) أي التصريح (من الشارع) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك كقوله: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ". " وكنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة فكلوا ما بدا لكم ". " وكنت نهيتكم عن الظروف " الحديث. (أو) قول (صاحبه) بأن هذا ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم مطولًا بلفظ " إنكم مصبحوا عدوكم " جـ 3 ص 144.

منسوخ، أو نحوه، كقول جابر - رضي الله عنه -: " كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار ". وشرط أهل الأصول في هذا أن يخبر بتأخره، فإن قال: هذا ناسخ لم يثبت به النسخ، لجواز أن يقوله عن اجتهاد، واعترض العراقي عليهم وصوب إطلاق أهل الحديث. (أو عرف الوقت) أي تاريخ ورود الحديثين كحديث شدّاد بن أوس مرفوعاً: " أفطر الحاجم والمحجوم " ذكر الشافعي أنه منسوخ بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " احتجم وهو محرم صائم " لأن ابن عباس إنما صَحِبَه محرماً في حجة الوداع سنة عشر، وفي بعض طرق حديث شداد أن ذلك كان زمن الفتح سنة ثمان. ثم ذكر أن الإجماع يدل على النسخ فقال: (ولو صح حديث) باستيفاء شروط الصحة (و) لكن (على ترك العمل) متعلق بقوله (أجمع) بالبناء للمفعول، أي أجمع العلماءُ على ترك العمل بذلك الحديث (فالوقف) بالفتح مبتدأ، أي اتفاقهم عليه (على الناسخ) متعلق بـ (ـدل) خبر المبتدإ، أي أرشد على أن هذا الحديث له ناسخ، وإن لم نقف عليه، وإنما لم نقل أن الإجماع هو الناسخ لأنه لا ينسخ ولا ينسخ، بل يستدل له به على وجود خبر معه يقع به النسخ، إذ لا ينعقد إلا بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا نسخ بعده. ومثاله حديث الترمذي عن جابر - رضي الله عنه - قال: " حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان " قال الترمذي: أجمع أهل العلم أن المرأة لا يلبي عنها غيرها. وإنما قيد بقوله: صح أنه لا يحكم عليه بالنسخ بذلك إلا إذا عرفت صحته، وإلا فيحمل على أنه غلط. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: رفع أو بيان. وقوله: وبعضهم أتاه فيه الوهم. وقوله: صح حديث.

(مختلف الحديث)

(مختلف الحديث) أي هذا مبحثه، وهو النوع التاسع والأربعون من أنواع علوم الحديث، أي باب معرفة مختلف الحديث وحكمه. 639 - أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْمُخْتَلِفِ ... الشَّافِعِي، فَكُنْ بِذَا النَّوْعِ حَفِي 640 - فَهْوَ مُهِمٌّ، وَجَمِيعُ الْفِرَقِ ... فِي الدِّينِ: تَضْطَرُّ لَهُ فَحَقِّقِ (أول) مبتدأ أي أسبق (من صنف) أى جمع (في المختلف) أي النوع المسمى بمختلف الحديث (الشافعي) خبر المبتدإ، ويحتمل العكس أي إن أسبق مَنْ جَمَع في مختلف الحديث هو الإمام الحجة علم الأئمة ومُقتدَى الأمة محمد بن إدريمس بن العباس المتوفى سنة 204 عن 54 سنة، فإنه رحمه الله صنف فيه كتاب اختلاف الحديث لكنه لم يقصد استيعابه، بل إنما ذكر جملة ينبه بها على طريق الجمع في ذلك، ثم صنف ابن قتيبة فأتى فيه بأشياء حسنة وأشياء قصر باعه فيها، وكذا صنف أبو جعفر بن جرير الطبري، وأبو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الآثار، وهو من أجل كتبه، وكذا صنف فيه أبو بكر بن فُورك، وأبو محمد القصري، وبينه وبين الناسخ والمنسوخ عموم وخصوص مطلق، فكل ناسخ ومنسوخ مختلف ولا عكس أفاده السخاوي. (فكن) الفاء فصيحية أي إذا كان مختلف الحديث مما يُعتَنَى به،

فكن أيها المحدث (بذا النوع) أي مختلف الحديث (حفي) خبر كن، وقف عليه على لغة ربيعة أي مبالغاً في تحقيقه (فهو مهم) جملة تعليلية، أي لأنه مهم (وجميع الفرق) جمع فرقة أي طوائف العلماء من المحدثين، والمفسرين، والفقهاء (في الدين) متعلق بقوله: (تضطر إليه) أي تحتاج إلى هذا الفن في معرفة أمور الدين (فحقق) أي إذا كان الأمر كذلك فينبغي لك أن تحقق معرفته وتغوص في أسراره. ثم ذكر أن كل أحد لا يصلح لتحقيقه بل له أهل يَقْدُرُون قدره فقال: 641 - وَإِنَّمَا يَصْلُحُ فِيهِ مَنْ كَمَلْ ... فِقْهًا وَأَصْلاً وَحَدِيثًا وَاعْتَمَلْ (وإنما يصلح) فيه لغات ثلاث صَلَح يصلُح من باب قعد، وصلُح يصلحُ بالضم فيهما، وصلَح يصلَح بالفتح فيهما: خلاف فسد. (فيه) أي للكلام على مختلف الحديث (مَن) فاعل يصلح (كمل) من باب قرب، وضرب، وتعب، وهذه أردؤها. (فقهاً وأصلاً وحديثاً) منصوبات على التمييز، أي من كان كاملًا في فن الفقه والأصل، والمراد أصول الدين، وأصول الفقه، والحديث (واعتمل) افتعال من العمل، أي بالَغَ في تحقيقها، وغاص في بحر معانيها الدقيقة، فإنه لا يشكل عليه من ذلك إلا النادر في بعض الأحيان. ثم ذكر تعريفه فقال: 642 - وَهْوَ: حَدِيثٌ قَدْ أَبَاهُ آخَرُ ... فَالْجَمْعُ إِنْ أَمْكَنَ لا يُنَافِرُ (وهو) أي مختلف الحديث (حديث قد أباه) أي عارضه في الظاهر حديث (آخر) مثله في القوة، وإلا فلا معارضة أصلاً. ثم إنه ينقسم إلى قسمين: أحدهما ما يمكن فيه الجمع أشار إليه بقوله: (فالجمع) مبتدأ خبره جملة الشرط، أي الجمع بين مدلولي الحديثين المتعارضين ظاهراً (إن أمكن) بوجه صحيح (لا ينافر) في نسخة الشارح بصيغة المضارع أي لا ينافي أحد الحديثين الآخر، وفي نسخة المحقق لا تنافر بصيغة المصدر ولا عاملة عمل ليس وخبرها محذوف، أي بينهما وجواب " إن " محذوف، أي فهو متعين، وجملة لا تنافر علة للتعين أي لعدم التنافر.

وحاصل المعنى: أن الجمع بين الحديثين إن أمكن بوجه صحيح تعين المصير إليه لعدم التنافر بينهما، ولا يصار إلى التعارض، ولا النسخ، بل يجب العمل بهما معاً. ثم ذكر مثالاً لما يمكن فيه الجمع بقوله: 643 - كَمَتْنِ " لا عَدْوَى " وَمَتْنِ فِرَّا " ... فَذَاكَ لِلطَّبْعِ، وَذَا لاِسْتِقْرَا 644 - وَقِيلَ: بَلْ سَدُّ ذَرِيعَةٍ، وَمَنْ ... يَقُولُ مَخْصُوصٌ بِهَذَا: مَا وَهَنْ (كمتن لا عدوى) خبر لمحذوف أي ذلك كمتن " لا عدوى ولا طيرة " فإنه يدل على نفي الإعداء مطلقاً، وعدوى اسم من الإعداء، يقال: أعداه الداء إعداء، وهو أن يصيبه مثلُ ما أصاب صاحبَ الداء. (ومَتْنِ فِرَّا) بألف الإطلاق وهو حديث " فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد " فإنه يدل على إثبات الإعداء، وكلاهما في الصَّحِيح، فقد سلك العلماء في وجه الجمع بينهما مسالك أشار إلى الأول بقوله: (فـ) ـقال بعضهم: (ذاك) أي الحديث الأول (للطبع) أي ناف له يعني: أن الأمراض لا تُعدِي بطبعها (وذا) أي الحديث الثاني (لاستقرا) أي كائن لأجل التتبع، يقال: استقرأت الأشياء تتبعت أفرادها لمعرفة أحوالها وخواصها. اهـ مصباح، أي أن التتبع لما أجراه الله من العادة جعل مخالطة المريض بالصَّحِيح سبباً لإعدائه مرضه. والحاصل: أن الحديث الأول نَفَى لما يعتقده أهل الجاهلية، وبعض الحكماء من أن هذه الأمراض من الجذام والبرص تُعدِي بالطبع، ولهذا قال: " فمن أعدى الأول "؟ والحديث الثاني: بَيَّنَ أن الله تعالى جعل مخالطة المريض الصَّحِيح سبباً لإعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب فحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجود سببه بفعله تعالى. وهذا المسلك هو الذي سلكه ابن الصلاح. وأشار إلى الثاني بقوله:

(وقيل بل سد ذريعة) أي الأمر بالفرار من باب سد الذرائع، جمع ذريعة: وهي الوسيلة، أي منع الوسائل التي تؤدي إلى تعدي هذه الأمراض. وحاصل هذا القول: أن نفي العدوى باق على عمومه، وقد صح قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يعدي شيء شيئاً " وقوله - صلى الله عليه وسلم - لمن عارضه بأن البعير الأجرب يكون في الإبل الصَّحِيحة فيخالطها فتجرب، حيث رَدَّ عليه بقوله: " فمن أعدى الأول "؟ وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسماً للمادة. وهذا المسلك سلكه جماعة واختاره الحافظ في شرح النّخْبةِ. ثم أشار إلى الثالث بقوله: (ومن) مبتدأ موصول (يقول) في الجمع بينهما (مخصوص) خبر لمحذوف، أي العدوى مخصوص (بهذا) أي الجذام (ما) نافية (وهن) من باب وعد ضعف، أي ما ضعف قوله، والجملة خبر المبتدإِ، وحاصله أن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، فيكون معنى قوله: لا عدوى أي إلا في الجذام ونحوه فكأنه قال لا يُعدِي شيء شيئاً إلا فيما تقدم تبيني له. وهذا المسلك سلكه القاضي أبو بكر الباقلاني. وبقي رَابع وهو أن الأمر بالفرار رعاية لخاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصَّحِيح تعظم مصيبته، وتزداد حسرته. ويؤيده حديث: " لا تديموا النظر إلى المجذومين " فإنه محمول على هذا المعنى وفيه مسالك أخَر. والمحقق ابن شاكرٍ جعل الرابع أضعف الأقوال وقَوَّى الأولَ. والقسم الثاني ما لا يمكن الجمع فيه وأشار إليه بقوله:

645 - أَوْ لا فَإِذْ يُعْلَمُ نَاسِخٌ قُفِي ... أَوْ لا فَرَجِّحْ وَإِذَا يَخْفَى قِفِ (أولا) يمكن الجمع بين مدلوليهما بوجه فلا يخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يعلم ناسخه، وإليه أشار بقوله: (فَإِذْ) بمعنى إذا (يعلم) بالبناء للمفعول (ناسخ) بطريقة من الطرق المشروحة فيما تقدم (قفي) بالبناء للمفعول، أي تبعَ ذلك الناسخ فينسخ الآخر. وإلى الثاني أشار بقوله: (أَوْ لا) يعلم ناسخه، ولكن فيه مرجح من المرجحات (فرجح) أيها المحدث أي اسلك مسلك الترجيح بصفات الرواة، وكثرتهم، والمرجحاتُ أكثر من مائة، ولخصها الناظم في التدريب في سبعة أقسام فارجع إليه. وإلى الثالث أشار بقوله: (وإذا يخفى) وجه الترجيح (قف) أمر من وقف يقف، يقال: وقفت الشيء أقفه من باب وعد إذا أمسكت عنه، أي أمسك عن العمل بأحد الحديثين حتى يتبين لك أمره، وهذأ أولى من التعبير بالتساقط لأن خفاء ترجيح أحدهما عن الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه، أوْ لَهُ فيما بَعْدُ. ولما أنهى الكلام على ما ظاهره التعارض شرع يبين ما لا تعارض فيه أصلًا فقال: 646 - وَغَيْرُ مَا عُورِضَ فَهْوَ الْمُحْكَمُ ... تَرْجَمَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ الْحَاكِمُ (وغير ما عورض) أي الحديث الذي خلا عن معارض، يعني أنه لم يأت خبر يضاده في المعنى ظاهراً، فغير مبتدأ، خبره جملة قوله (فهو المحكم) ودخلت الفاء في الخبر لما في المبتدإ من معنى العموم. والمعنى: أن الحديث الذي سَلِمَ من معارض يسمى بالمحكم، وهو ما اتضح المراد منه (ترجم) أي عقد باباً له (في علم الحديث) أي في كتابه المسمى بعلوم الحديث، وغَيَّرَهُ هنا للنظم (الحاكم) فاعل ترجم أي بوب الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله المشهور بابن البَيِّع الحاكم النيسابوري رحمه الله تعالى المتوفى سنة 405 هـ في كتابه المذكور، وعده

نوعاً مستقلًا من جملة أنواع علوم الحديث، وأمثلته كثيرة منها حديث: " إن أشد النَّاس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله ". وحديث: " لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول ". وحديث: " إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء ". وحديث: " لا شغار في الإسلام ". وقد صنف فيه عثمان بن سعيد الدارمي كتاباً كبيراً. ثم ذكر المتشابه فقال: 647 - وَمِنْهُ ذُو تَشَابُهٍ لَمْ يُعْلَمِ ... تَأْوِيلُهُ، فَلا تَكَلَّمْ تَسْلَمِ 648 - مِثْلُ حَدِيثِ " إِنَّهُ يُغَانُ " ... كَذَا حَدِيثُ " أُنْزِلَ الْقُرآنُ " (ومنه ذو تشابه) مبتدأ وخبر، أي بعض الحديث النبوي صاحب تشابه (لم يعلم تأويله) صفة ذو، أو حال منه، أي غير معلوم التأويل بأن لم يتبين المراد منه كما أن من القرآن ما هو محكم، ومنه ما هو متشابه، كذلك الحديث، إذكل من عند الله (فلا تكلم) الفاء فصيحية، وتكلم بحذف إِحدَى التاءين، أي إذا كان الأمر كذلك فلا تتكلم أيها المحدث في المتشابه (تسلم) جواب الطلب أي تكون سالماً من الذم الذي دلت عليه آية (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) الآية. ثم مثل للمتشابه فقال: (مثل حديث) خبر لمحذوف، أو مفعول لفعل محذوف، أي ذلك مثلُ، أو أعني مثلَ حديث (إنه يغان) ونصه كما رواه مسلم من حديث الأغر المزني وكانت له صحبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنه ليُغَانُ على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة " وكذا رواه أبو داود وغيره. وُيغان مضارع غِينَ بالبناء للمفعول، يقال: غِين على قلبه غَيناً تغشته الشهوة، وقيل غُطِّي عليه وأُلْبِسَ. اهـ لسان. فهذا الحديث مثل به الناظم للمتشابه تبعاً للأصمعي، فإنه سئل عنه فقال: لو كان قلبَ غير النبي - صلى الله عليه وسلم - لتكلمت عليه، ولكن العرب تزعم أن

الغين الغيم الرقيق، وقال بعضهم: أراد ما يغشاه من السهو الذي لا يخلو منه البشر، لأن قلبه أبداً كان مشغولًا باللهِ تعالى، فإن عرض له وقتاً ما عارض بشريّ يشغله، من أمور الأمة والملة ومصالحهما عَدَّ ذلك ذنباً وتقصيراً فيفزع إلى الاستغفار، ذكره في اللسان وفيه أقوال أُخر. (كذا حديث أنزل القرآن) أي من المتشابه أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أُنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر " فهو من المتشابه الذي لا يُدْرَى معناه لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء، وعلى الكلمة، وعلى المعنى، وعلى الجهة، قاله ابن سعدان النحوي. هكذا جعله الناظم من المتشابه، لكن اعترض عليه المحقق ابن شاكر، وذكر في الإتقان اختلاف العلماء في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولاً فانظره. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: أول من صنف إلى قوله وجميع الفرق، وقوله: وإنما يصلح البيت. وقوله: وقيل بل سد ذريعة البيت. وقوله: وإذا يَخْفَى قِفِ إلى آخر الباب.

(أسباب الحديث)

(أسباب الحديث) أي هذا مبحثه وهو النوع الخمسون من أنواع علوم الحديث. 649 - أَوَّلُ مَنْ قَدْ أَلَّفَ الْجُوبَارِي ... فَالْعُكْبِرِيْ فِي سَبَبِ الآثَارِ (أول) أي أقدم (من ألف) أي جَمَعَ مبتدأ خبره (الجوبارِي) بضم الجيم وفتح الباء نسبة إلى موضع، هو أبو حامد بن كزناه الجوباري، قال المحقق ابن شاكرٍ: وكزناه وجدته مضبوطاً بالقلم بإسكان الزاي في مقدمة المتبولي، ولم أجد لهذا الرجل ترجمة اهـ. وقال الذهبي: لم يُسبَقْ إلى ذلك. اهـ يعني إلى تأليف هذا النوع. (فالعكبري) أي ثم بعده ألَّف العلامة أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء العكبري بضم العين وسكون الكاف وفتح الباء وآخره راء نسبة إلى عكبر بليدة على دجلة فوق بغداد بعشر فراسخ. اهـ لباب. وهو من تلاميذ عبد الله بن أحمد بن حنبل توفي سنة 339 هـ. (في سبب الآثار) متعلق بِألَّفَ أي في سبب ورود الأحاديث النبوية ثم ذكر بعض فوائده بقوله: 650 - وَهْوَ كَمَا فِي سَبَبِ الْقُرْآنِ: ... مُبَيِّنٌ لِلْفِقْهِ وَالْمَعَانِي (وهو) مبتدأ، أي سبب الحديث أي معرفته (كما) في (سبب القرآن) أي حال كونه مشابهاً لمعرفة أسباب نزول القرآن (مبين) خبر المبتدإ، أي موضح (للفقه) أي فهم معاني الحديث (والمعاني) عطف تفسير للفقه، فكما أن

معرفة سبب نزول الآية يوضح معناه كذلك معرفة سبب الحديث يوضح معناه، فهو فن مهمّ ينبغي الاعتناء به، ومن زعم أنه لا طائل تحته لجريانه مجرى التاريخ، فهو مخطئ في فهمه، بل له فوائد منها: ما ذكره الناظم، ومنها أنه قد يكون اللفظ عامًّا، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته، ومنها غير ذلك. ثم ذكر له مثالاً بقوله: 651 - مِثْلُ حَدِيثِ: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ " ... سَبَبُهُ فِيمَا رَوَوْا وَقَالُوا: 652 - مُهَاجِرٌ لأُمِّ قَيْسٍ كَيْ نَكَحْ ... مِنْ ثَمَّ ذِكْرُ امْرَأَةٍ فِيهِ صَلَحْ (مثل) أي ذلك مثلُ، أو أعني مثل (حديث: " إنما الأعمال) بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " متفق عليه. (سببه) مبتدأ أي سبب وروده (فيما رووا) أي حكى العلماء المحدثون (وقالوا) عطف تفسير لرووا، وفي نسخة: فيما روى النُّقَالُ، وإنما أسنده إليهم تبرياً، لأن التمثيل به غير صحيح، إذ ليس في شيء من طرق الحديث ما يقتضى التصريح بذلك، ومن ثم أنكر ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم أن تكون هذه القصة سبباً للحديث، وإن اشتهر هذا، وذكره كثير من المتأخرين في كتبهم، قال: ولم نر لذلك أصلاً. (مهاجر) خبر المبتدإ أي رجل مهاجر من مكة إلى المدينة (لأم قيس) أي لأجلها (كي) تعليلية (نكح) أي ليتزوجها (من ثم) أي من أجل كون ما ذكر سبب ورود حديث: " إنما الأعمال " (ذكر امرأة فيه) أي في الحديث المذكور (صلح) أي حسن حيث قال: " أو امرأة يتزوجها "، والمعنى: أنه لما كان سبب حديث: " إنما الأعمال " هو مهاجر أم قيس حسن ذكر امرأة فيه. وحديث قصة مهاجر أم قيس قال الحافظ في الفتح: رواه سعيد بن منصور عن عبد الله هو ابن مسعود قال: " من هاجر يبتغي شيئاً فإنما له

ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس ". ورواه الطبراني بلفظ: " كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس فَأبَتْ أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس " قال الحافظ بعد أن ساق سنده: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سِيقَ بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضى التصريح بذلك اهـ. (تَتِمَّة): هذا الباب من زياداته على العراقي، كما أشار إليه صنيع المحقق ابن شاكرٍ.

(معرفة الصحابة رضي الله عنهم)

(معرفة الصحابة - رضي اللهُ عنهم -) أي هذا مبحثه، وهو النوع الحادي والخمسون من أنواع علوم الحديث. وهو علم جليل عظيم الفائدة إذ به يعرف المتصل من المرسل كما يأتي في قول الناظم: وَمِنْ مُفَادِ عِلْمِ ذَا وَالأَوَّلِ ... مَعْرِفَةُ الْمُرْسَلِ وَالْمُتَّصِلِ 653 - ثُمَّ الصَّحَابِي مُسْلِماً لَاقِي الرَّسُولْ ... وَإِن بِلَا رِوَايَةٍ عَنْهُ وَطُولْ (ثم) بعد أن عرفت ما تقدم من أنواع علوم الحديث ينبغي أن تتهيأ لمعرفة ما بقي من الأنواع، منها: معرفة الصحابة - رضي الله عنهم -، و (الصحابي) بتخفيف الياء للوزن مبتدأ، وفي نسخة المحقق حدُّ الصحابي، أي تعريف الصحابي (مسلماً) حال من قوله: (لاقى الرسول) اسم فاعل خبر المبتدإ، قال المحقق: ضبطت في النسخة المقروءة على المصنف بكسر القاف، والأولى فتحها اهـ. قلت: بل المقروء على المصنف: هو الأولى، كما لا يخفي، يعني: أن الصحابي هو من لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلماً (وإن) كانت الملاقاة (بلا رواية) أي نقل حديث (عنه) - صلى الله عليه وسلم - (و) بلا (طول) زمان.

يعني: أن الشرط فيه كونه ملاقياً له مؤمناً به، ولو لم يرو عنه، أو تطل مدة اجتماعه به فيشمل المجالسة، والمماشاة، ووصول أحدهما إلى الآخر، وإن لم يكالمه، وتدخل رؤية أحدهما الآخر، سواء كان بنفسه، أو بغيره، فاللقي: كالجنس، و " مسلماً " كالفصل يخرج من حصل له اللقاء في حاله كفره، و " به " فصل ثان يخرج من لقيه مؤمناً بغيره من الأنبياء. والتعبير باللقاء أولى من التعبير بمن رأى لئلا يخرج العميان. 654 - كَذَاكَ الاتْبَاعُ مَعَ الصَّحَابَةِ ... وَقِيلَ: مَعْ طُولٍ وَمَعْ رِوَايَةِ 655 - وَقِيلَ: مَعْ طُولٍ، وَقِيلَ: الْغَزْوِ أَوْ ... عَامٍ، وَقِيلَ: مُدْرِكُ الْعَصْرِ وَلَوْ (كذاك الأتباع) مبتدأ وخبر، أي التابعون (مع الصحابة) مثل الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع ما تقدم إلا الإيمان به فإنه خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. فالتابعي من لقي الصحابي مطلقا، وهذا هو المختار، خلافاً لمن اشترط فيه طول الملازمة، أو صحة السماع، أو التمييز. قال العراقي: وقد أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى الصحابة والتابعين بقوله: " طوبى لمن رآني وآمن بى وطوبى لمن رأى من رآني " الحديث فاكتفى فيهما بمجرد الرؤية. (وقيل) الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلماً (مع) بسكون العين (طول) في الصحبة (ومع رواية) للحديث عنه نظراً في الطول إلى العرف، وفي الرواية إلى أنها المقصودة من صحبته - صلى الله عليه وسلم - لتبليغ الأحكام عنه. وهذا القول للجاحظ المعتزلي. (وقيل) هو من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - (مع طول) في المجالسة له، وهذا القول محكي عن أصحاب الأصول، أو بعضِهِم، وحاصله: أن الصحابي من طالت مجالسته له - صلى الله عليه وسلم - على طريق التبع له والأخذ عنه بخلاف من وَفَدَ عليه، وانصرف بلا مصاحبة، ولا متابعة قالوا: وذاك معنى الصحابي لغة، وَرُدَّ بإجماع أهل اللغة على أنه مشتق من الصحبة لا من قدر منها مخصوص، وذلك يطلق على كل من صحب غيره قليلًا كان أو كثيراً (وقيل

الغزو) أي قال بعضهم: هو من لاقاه - صلى الله عليه وسلم - وأقام معه حتى غزا غزوة فأكثر، فقوله: الغزو بالجر بحذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله، أي اللقاء مع الغزوِ (أو عام) بالجر أيضاً أي مع عام، يعني: أنه لاقاه وجالسه سنة فأكثر، وهذا القول مروى عن سعيد بن المسيب، وحاصله: أنه كان لا يعد صحابياً إلا من أقام معّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة، أو سنتين، أو غزا معه غزوة، أو غزوتين، لأن لصحبته - صلى الله عليه وسلم - شرفاً عظيماً فلا ينال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلُق المطبوع عليه الشخص، كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب، وَالسَّنَة المشتملة على الفصول الأربعة التى يختلف بها المزاج. قال العراقي: ولا يصح هذا عن ابن المسيب ففي إسناده إليه محمد بن عُمَر الواقدي ضعيف في الحديث اهـ. وعلى تقدير صحته فهو مردود إذ مقتضاه أن لا يَعدَّ جريراً البجلي وشبهه صحابياً إذ هو أسلم عام وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصَّحِيح، ولا خلاف أنهم صحابة. (وقيل) الصحابي (مدرك العصر) أي من أدرك زمنه - صلى الله عليه وسلم - (ولو) لم يلق، ولم يرَ، فمدخُولُ " لَوْ " محذوف، يعني: أن الشخص يسمى صحابياً ولو لم يلقه، ولم يره - صلى الله عليه وسلم -، وهذا القول محكي عن يحيى بن عثمان بن صالح المصري، وعَدّ من ذلك عبد َاللْه بن مالك الجيشاني أبا تميم، ولم يرحل إِلى المدينة المنورة إلا في خلافة عمر باتفاق. فجملة الأقوال في النظم خمسة، وبقي سادس كره في التدريب، وهو أنه من رآه بالغاً حكاه الواقدي وهو شاذ، والراجح من هذه الأقوال هو القول الأول. قال الحافظ: لا خفاء في رجحان رتبة من لازمه - صلى الله عليه وسلم - وقاتل معه أو قُتِل تحت رايته على من لم يلازمه أو لم يحضر معه مَشْهَداً، وعلى من كلمه يسيراً، أو ماشاه قليلاً، أو رآه على بعد، أو فى حال الطفولة، وإن كان

شرف الصحبة حاصلاً للجميع، ومن ليس له منهم سماع منه فحديثه مرسل من حيث الرواية، وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوه من شرف الرؤية اهـ. 656 - وَشَرْطُهُ الْمَوْتُ عَلَى الدِّينِ وَلَوْ ... تَخَلَّلَ الرِّدَّةُ. وَالْجِنُّ رَأَوْا 657 - دُخُولَهُمْ دُونَ مَلائِكٍ. وَمَا ... نَشْرِطْ بُلُوغًا فِي الأَصَحِّ فِيهِمَا (وشرطه الموت على الدين) مبتدأ وخبر، أي شرط الصحابي في دوام اسم الصحبة له موته على الإسلام فلا يعد من الصحابة من ارتد بعد الصحبة، ومات مرتداً، والعياذ بالله، كعبيد الله بن جحش، وعبد الله بن خطل. (ولو تخلل الردة) يحتمل أن يكون فعلاً ماضياً، وأن يكون فعلاً مضارعاً بحذف إحدى التاءين، وحذفت تاء التأنيث في الماضي لأن الفاعل ليس حقيقي التأنيث، أي وإن فَصَلَتِ الردّةُ بين لُقِيِّه - صلى الله عليه وسلم - وبين موته مؤمناً، فإن اسم الصحبة باق له في الأصح، سواء رجع إلى الإسلام في حياته - صلى الله عليه وسلم - أم بعد وفاته، وسواء لقيه ثانياً أم لا، كالأشعث بن قيس، فإنه ممن ارتد وأُتِيَ به إلى أبي بكر - رضي الله عنه - أسيراً فعاد إلى الإسلام، فقبل منه ذلك، وزوجه أخته، ولم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة، ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها قاله الحافظ. (والجن) مبتدأ، يعني: الذين لاقوه - صلى الله عليه وسلم - مؤمنين به، وخبره جملة قوله: (رأوا دخولهم) أي ذهب العلماء إلى دخولهم في جملة الصحابة لأنهم مكلفون شملتهم الرسالة (دونك ملائك) أي دون الملائكة الذين رأوه - صلى الله عليه وسلم - وكذا الأنبياء لأن الرؤية المعتبرة هي التي في عالم الشهادة. (وما) نافية (نشرط) من باب ضرب وقتل، وجُزِمَ للضرورة (بلوغاً في الأصح فيهما) أي لا نشترط البلوغ في المسألتين مسألةِ الصحابي ومسألة التابعي، يعني: أن الأصح أنه لا يشترطُ كون الصحابي بالغاً عند اللقاء وإلا لخرج من أُجمِعَ على عده في الصحابة كالحسن، والحسين، وابن الزبير، ونحوه. وكذلك الحكم في التابعي.

ثم ذكر طرق معرفة صحبة الصحابي فقال: 658 - وَتُعْرَفُ الصُّحْبَةُ بِالتَّوَاتُرِ ... وَشُهْرَةٍ وَقَوْلِ صَحْبٍٍ آخَرِ 659 - أَوْ تَابِعِيٍّ، وَالأَصَحُّ: يُقْبَلُ ... إِذَا ادَّعَى مُعَاصِرٌ مُعَدَّلُ (وتعرف الصحبة) فعل ونائب فاعله أي يعلم كون الشخص صحابياً بواحد من هذه الأمور الآتية: إما (بالتواتر) كالخلفاء الأربعة وبقية العشرة ونحوهم (و) إما بـ (ـشهرة) أي استفاضة قاصرة عن التواتر. كضمام بن ثعلبة وعكاشة بن محصن. (و) إما بـ (ـقَوْلِ صَحْبٍٍ آخَرِ) بصحبته أي بإخبار صحابي غيره عنه أنه صحابي. كحُمَمَة ابن أبي حُمَمَة الدوسي الذي مات بأصبهان مبطوناً فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم له بالشهادة. (أو) إما بـ (ـقول تابعي) بذلك أي بإخبار تابعي واحدٍ بأنه صحابي، وهذا قاله الحافظ بناء على قبول التزكية من واحد، وهو الراجح. (والأصح يقبل) مبتدأ وخبر بتقدير حرف مصدري أي الأرجح من الأقوال أن يقبل (إذا ادعى) الصحبة (معاصر) للنبي - صلى الله عليه وسلم - (معدل) أي منسوب إلى العدالة. وحاصل المعنى: أنه إذا ادعى الصحبة من عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - قُبِلَ قوله بشرط أن لا تمضي عليه مائة وعشر سنين من هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد " متفق عليه. زاد مسلم من رواية جابر: " أن ذلك كان قبل موته بشهر ". ومقابل الأصح قول من قال: لا تثبت صحبته بقوله لدعوا مرتبة يثبتها لنفسه، وقول من قال بالتفصيل: إذا ادعى صحبة يسيرة يقبل لتعذر إثباتها إذ ربما لا يحضره عندها أحد، أو طويلةً فلا لعدم التعذر. 660 - وَهُمْ عُدُولٌ كُلُّهُمْ لا يَشْتَبِهْ ... النَّوَوِيْ: أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهْ

(وهم عدول) مبتدأ وخبر (كلهم) توكيد للمبتدإ، أي إن كل الصحابة عدول، مَن لابَسَ الفتن، وغيرهم (لا يشتبه) يحتمل كونه نفياً، وأن يكون نهياً، أي لا يشتبه هذا الحكم على من له بصيرة في الدين، أو لا يشتبه عليك أيها الطالب للنجاة. فعلى الأول الفعل مرفوع سكن للوقف، وعلى الثاني مجزوم. والمعنى: أن كل الصحابة - رضي الله عنهم - عدول مطلقاً، كبيرهم وصغيرهم، لابس الفتنة، أوْ لا. (النووي) مبتدأ خبره محذوف، أي قائل، أو فاعل لمحذوف، أي قال النووي رحمه الله: (أجمع) على عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - (مَنْ) فاعل أجمع (يعتد به) أي يعتبر بإجماعه، وأشار به إلى أن الأقوال المخالفة لا يعتد بها، كقول من قال: هم كغيرهم يجب البحث عنهم، أو من قال: هم عدول إلى قتل عثمان، أو من قال: إلا من قاتل علياً، أو من قال: بعدالة من لابَسَ الفتنة إذا انفرد، أو من قال: بغير المُقاتِل والمُقاتَلَ، فكلها أقوال ساقطة. فعدالتهم ثابتة بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) الآية. وقال: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. وقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) الآية وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ) الآية. وقال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) الآية. وقال: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) الآية. في آيات كثيرة. والأحاديث كثيرة فمنها ما رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن مُغَفُّلٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهَ اللهَ في أصحابي لا تتخذوهم غَرَضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن أذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللهَ، ومن آذى اللهَ فيوشك أن يأخذه " قال الحافظ: وهذا أدل حديث على تفضيلهم. ومنها حديث: " خيرُ النَّاس قرني " المتواتر المتفق عليه. ومنها حديث: " لا تسبوا أصحابي " متفق عليه.

ومنها حديث: " أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم. ومنها حديث: " إن الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين " أخرجه البزار بسند رجاله موثوقون، قاله السخاوي. 661 - وَالْمُكْثِرُونَ فِي رِوَايَةِ الأَثَرْ: ... أَبُو هُرَيْرَةَ يَلِيهِ ابْنُ عُمَرْ (والمكثرون في رواية الأثر) النبوي وهو مبتدأ، خبره قوله: أبو هريرة وما عطف عليه، أو محذوف تقديره سبعة، أي الذين أكثروا في رواية الحديث النبوي، والمكثر هو الذي روى فوق الألف هؤلاء السبعة أولهم (أبو هريرة) الدوسي - رضي الله عنه - المتوفى سنة 59 فإنه أكثر الكل رواية، روى خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً (يليه) أي يلي أبا هريرة في الإكثار عبد الله (ابن عمر) - رضي الله عنهما - المتوفى سنة 73 فإنه روى 2630 حديثاً. 662 - وَأَنَسٌ وَالْبَحْرُ كَالْخُدْرِيِّ ... وَجَابِرٌ وَزَوْجَةُ النَّبِيِّ ويلي ابنَ عمر (أنس) بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتوفى سنة 93 عن 99 سنة فإنه روى 2286 حديثاً، ويلي أنساً (البحر) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - المتوفى سنة 68 عن 71 سنة، فإنه روى 1696 حديثاً (كالخدري) أي كما يلي الخدريُّ البحرَ، وهو أبو سعيد، سعد بن مالك بن سنان الأنصاري - رضي الله عنهما - فإنه روى 1170 حديثاً. (وجابر) بالرفع عطفاً على المرفوعات، أو بالجر عطفاً على ما قبله، أي كما يلي جابر فإنه روى 1540 حديثاً. (وزجة النبي) بالرفع أو بالجر، أي كما تلي زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، أطلقها لشهرتها بكثرة الرواية من بين أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن -، توفيت سنة 7 أو 8 أو 59 عن 67 سنة فإنها روت 2210 حديثاً.

(تنبيه): ترك الناظم رحمه الله الترتيب، وكان الأولى له أن يرتبهم، فلو قال بعد البيت الأول: فَأنَسٌ فَزَوجَةُ النَّبِيِّ ثُم ... بَحْرٌ فَجَابِرٌ فَخدْرِي يُضَمّ لوفَى بالترتيب. (تنبيه آخر): هذه الأعداد مأخوذة من الحافظ ابن الجوزي فإنه رحمه الله ذكرها في تلقيح فهوم أهل الأثر معتمداً على ما وقع لكل صحابي في مسند أبي عبد الرحمن بَقِيّ بن مَخْلَد، لكونه أجمع ما ألِّفَ من المسانيد، فاتَّبَعه العلماء في ذلك، وقد تتبع العلامة المحقق ابن شاكرٍ ما وقع لكل صحابي في مسند الإمام أحمد، وهو أقل حديثاً إلا في بعضهم كابن عباس - رضي الله عنهما - فإنه في مسند بقي 1665 حديثاً وفي مسند أحمد 1696 حديثاً. 663 - وَالْبَحْرُ أَوْفَاهُمْ فَتَاوَى وَعُمَرْ ... وَنَجْلُهُ وَزَوْجَةُ الْهَادِي الأَبَرّ 664 - ثُمَّ ابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدٌ وَعَلِي ... ................... (والبحر) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، مبتدأ خبره (أوفاهم) أي أتمهم، من وَفَى الشيءُ فهو وَافٍ إذا تم، يعني أكثرهم (فتاوى) بكسر الواو على الأصل، وقيل: يجوز الفتح للتخفيف جمع فتوى بفتح الفاء وبالواو، أو فُتياً بضم الفاء، وبالياء اسم من أفتى العالم: إذا بَيَّنَ الأحكام، أفاده في المصباح، وهو منصوب على التمييز. والمعنى: أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أكثر الصحابة فتوى على الإطلاق، قاله الإمام أحمد بحيث كان كبار الصحابة يحيلون عليه في الفتوى، وقال ابن حزم أكثر الصحابة فتوى مطلقاً سبعة فذكرهم كما ذكرهم الناظم هنا. (وعمر) بن الخطاب (ونجله) بفتح فسكون يطلق على الوالد، والولد، ضِدّ، والمراد به هنا الثاني: أي ابنه عبد الله، (و) عائشة (زوجة) النبي - صلى الله عليه وسلم - (الهادي)، الخلق، إلى الحقّ (الأبر) أي الأصدق، أو الأتقى،

والأكثر إحساناً، يقال: بَرَّ الرجلُ يَبَرُّ، وِزَانَ عَلِمَ يعلم، فهو بَرّ وبَارّ أي صادق، أو تقي، وهو خلاف الفاجر، وبررت والدي أبره براً وبروراً أي أحسنت إليه، أفاده في المصباح. (ثم) بمعنى الواو عبد الله (ابن مسعود) الهُذَلي - رضي الله عنه - المتوفى سنة 32 هـ عن بضع وستين سنة. (وزيد) بن ثابت بن الضحاك الأنصاري - رضي الله عنه - المتوفى سنة 45 هـ (وعلي) بن أبي طالب الهاشمي - رضي الله عنه - المتوفى سنة 40 هـ عن 63 سنة. قال ابن حزم: ويمكن أن يجمع من فُتيا كلِّ واحد من هؤلاء مجلد ضخم. ....................... ... وَبَعْدُهُمْ عِشْرُونَ لا تُقَلِّلِ (وبعدهم) أي بعد هؤلاء السبعة في كثرة الفتوى خبر مقدم لقوله: (عشرون) صحابياً (لا) ناهية (تُقَلِّل) أيها المحدث عِدَّتهم عن عشرين، أي لا تنقصها، أو لا تعد فتاواهم قليلة، فإنَّها كثيرة بالنسبة لغيرهم. وهم أبو بكر، وعثمان، وأبو موسى، ومعاذ، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وسلمان، وجابر، وأبو سعيد، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حصين، وأبو بكرة، وعبادة بن الصامت، ومعاوية، وابن الزبير، وأم سلمة - رضي الله عنهم -، قال ابن حزم: يمكن أن يجمع من فتوى كل منهم جزء صغير. ونظمت هؤلاء العشرين بقولي (من الرجز): صِدِّيقُهُم عُثْمَانً سَعْدٌ أنَسُ ... سَلْمَانُ جَابِرٌ مُعَاذُ الأكْيَسُ (¬1) وَالأشْعَرِيُّ وَالزُّبَيْرُ طَلْحَةُ ... أبُو هُرَيْرَةَ يَلِي عُبَادَةُ وَنَجْلُ وَابنُ وَكَذَا ... نَجْلُ حُصَيْنٍ وَنُفَيعٌ حَبَّذَا سَعْدٌ (¬2) مُعَاوِيَةُ أمُّ سَلَمَهْ ... وَابْنُ الزُّبَيْرِ هُم حَلِيفُوا (¬3) الْمَكْرَمَهْ ¬

_ (¬1) صفة لمعاذ ومعناه الفطن، ومعاذ بمنع الصرف للوزن. (¬2) أبو سعيد الخدري اهـ. (¬3) أي ملازموا صفة الكرم والشرف. اهـ.

فَهَولَاءِ مَرْجِعُ الأنَامِ ... فِي عَصْرِهِمْ لِمُعْضِلِ الأحْكَامِ 665 - وَبَعْدَهُمْ مَنْ قَلَّ فِيهَا جِدَّا ... عِشْرُونَ بَعْدَ مِاْئَةٍ قَدْ عُدَّا (وبعدهم) أي بعد هؤلاء العشرين (من قل فيها) أي في الفتاوى، وكان الأولى أن يقول أقل لأن قل غير مناسب هنا، يقال: قل الشيءُ صار قليلاً، وأقل الشيءَ جعله قليلاً كقلله، صادفه قليلاً، وأتى بقليلِ أفاده في " ق "، فالمعنى المناسب هنا هو الإتيان بالقليل من الفتاوى، فلو قال بدل الشطر، وَبَعْد مَن أقَلَّ مِنْهَا جِدًّا، لكان أحسن (جدًّا) بالكسر، أي مبالغة يقال: فلان محسن جدًّا، أي نهاية ومبالغة، قاله في المصباح. والمعنى: أن بعد العشرين صحابِيًّا صَحَابَةً قلَّت فتاويهم جدَّا، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة الواحدة، والمسألتان، والثلاث، (عشرون) خبر لمحذوف أي هم عشرون صحابياً، أومبتدأ خبره عُدّا. (بعد مائة) حال من عشرين، أي حال كون العشرين بعد مائة من الصحابة، يعني: أنهم مائة وعشرون صحابياً، كأُبي بن كعب، وأبي الدرداء، وأبي طلحة، والمقداد، وسرد الباقين في التدريب، هكذا قال، لكن الذي ذكره ابن حزم في إحكام الأحكام أنهم مائة وأربعة وعشرون فليتأمل. (قد عدا) بالبناء للمفعول، أي ذكر عددهم عند العلماء. ثم ذكر الصحابة الذين كانوا يفتون في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: 666 - وَكَانَ يُفْتِي الْخُلَفَا ابْنُ عَوْفٍ ايْ ... عَهْدَ النَّبِي زَيْدٌ مُعَاذٌ وَأُبِيْ (وكان يفتي) النَّاس أي يبين لهم الأحكام (الخلفا) جمع خليفة قُصِرَ للضرورة، وكان شانية، وجملة يفتي الخلفا، خبرها، يعني: أن الخلفاء الأربعة: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، - رضي الله عنهم - كانوا يفتون الناس، وقوله: (ابن عوف) عطف بحذف عاطف على الخلفاء، أي وعبد الرحمن ابن عوف (أي) تفسيرية (عهد) منصوب على الظرفية متعلق بيفتي، أي في زمن (النبي) - صلى الله عليه وسلم -.

(زيد) معطوف على الخلفاء أيضاً بحذف عاطف أي وزيد بن ثابت الأنصاري المتقدم (معاذ) هو ابن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي المتوفى سنة 18 هـ عن 35 سنة (أُبي) بتخفيف الياء للوزن هو ابن كعب بن قيس أبو المنذر الأنصاري الخزرجي المتوفى سنة 19 هـ وقيل: غير ذلك. والمعنى: أنه كان يفتي النَّاس في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلفاء الأربعةُ، وعبدُ الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، - رضي الله عنهم -. (تنييه): هذا البيت لم يوجد في نسخة الشارح. ثم ذكر الذين حفظوا القرآن بقوله: 667 - وَجَمَعَ الْقُرْآنَ مِنْهُمْ عِدَّهْ ... فَوْقَ الثَّلاثِينَ فَبَعْضٌ عَدَّهْ (وجمع القرآن) أي كله حفظا عن ظهر قلب (منهم) أي الصحابة (عدة) أي جماعة معدودون (فوق الثلاثين) الظرف صفة لعدة، أي بالغة فوق الثلاثين صحابياً (فَبَعْضٌ عَدَّهْ) مبتدأ وخبر، والهاء ضمير راجع إلى المذكور، أي بعض العلماء عد العدد المذكور. فمنهم الخلفاء الأربعة، والعبادلة الأربعة، وطلحة، وسعد، وابن مسعود، وحذيفة، وسالم، وأبو هريرة، وعبد الله بن السائب، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وسعيد بن عبيد، وأبو زيد قيس بن السكن، وسعيد بن المنذر، وقيس بن أبي صعصعة، ومُجَمّع بن جارية، وعبادة بن الصامت، وتميم الداري، وعقبة بن عامر، وسلمة بن مخلد، وأبو موسى الأشعري، وغيرهم. فقد قال القرطبي: قتل يوم اليمامة سبعون من القراء، وذكر الناظم أنه ظفر بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن لم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك، وهي أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث كانت تسمى الشهيدة وقصتهما مشهورة.

ونظمت أسماء هؤلاء فقلت (من الرجز): قَدْ حَفِظَ الْقُرآنَ كُلًّا عِدَّةُ ... مِنَ الصَّحَابَةِ فَنِعْمَ الْعُدَّةُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ طَلْحَةُ ... وَنَجْلُ مَسْعُودٍ سَعْدٌ حُذَيْفَةُ أبو هُرَيْرَةَ وَزَيْدٌ حَفْصَةُ ... وَنَجْلُ سَائِبِ كَذَا عَائِشَةُ عُوَيْمِرٌ قَيْسٌ وَأمُّ سَلَمَهْ ... قَيْسٌ معَاذٌ وَسَعِيدٌ سَلَمَهْ وَسَالِمٌ وَالأشْعَرِي عُبَادَةُ ... مُجَمع مَعَ سَعِيدٍ عُقْبَةُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَالعَبَادِلَهْ ... كَذَا أُبيٌّ ذُو الْمَزَايَا الْفَاضِلَهْ شَهِيدَةُ الدَّارِ لَدَى مَنْ حَقَّقَهْ ... أيْضاً لَهَا ذَا الْفَضْلُ أمُّ وَرَقَهْ فَهُمْ ثَلَاثُونَ مَعَ الثَّلاَثَةِ ... أكْرِمْ بِهمْ قَوْماً خِيَارَ الأُمَّةِ وَغَيْرُ هَولَاءِ أيْضاً قَدْ وَرَدَ ... فَاتْبَعْ طَرِيقَهُمْ فَإِنَّهُ الرَّشَدْ (تنبيه): لا ينافي هذا ما ثبت في صحيح البخاري عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، - رضي الله عنهم - لأنه أجيب عنه بأجوبة: منها: أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فلا ينفي ذلك عن المهاجرين وغيرهم، لما أخرجه ابن جرير عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقال الأوس: منا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ، ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومن حَمَته الدبر عاصم بن ثابت، فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكروهم. 668 - وَشُعَرَاءُ الْمُصْطَفَى ذَوُو الشَّانْ ... ابْنُ رَوَاحَةَ وَكَعْبٌ حَسَّانْ (وشعراء المصطفى) - صلى الله عليه وسلم - مبتدأ (ذوو الشان) مخفف الشأن بالهمز أي أصحاب الحال المرضية صفة للشعراء وصفهم به إشارة إلى أنهم هم المرادون في قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) الآية حيث استثناهم من قوله: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) الآية. (ابن رواحة) خبر المبتدإ، هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأكبر الأنصاري

الخزرجي، نزل دمشق، وهو عَقِبَيّ، بدري، نقيب، أمير، شهيد، له أحاديث انفرد له البخاري بحديث موقوف استشهد بمؤتة - رضي الله عنه - اهـ خلاصة باختصار، وعبد الله بن رواحة شاعر مشهور. أخرج ابن سعد بسنده عن مدرك بن عمارة قال: قال عبد الله بن رواحة: مررت في مسجد الرسول، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وعنده أناس من الصحابة في ناحية منه، فلما رأوني قالوا: يا عبد الله بن رواحة، فجئت فقال: " اجلس " فجلست بين يديه فقال: " كيف تقول الشعر " قلت: أنظر في ذلك، ثم أقول: " قال فعليك بالمشركين " ولم أكن هيأت شيئاً فنظرت، ثم أنشدته فذكر الأبيات فيها (من البسيط): فَثَبَّتَ اللهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيْتَ مُوسَى وَنَصْراً كَالَّذِي نُصِروا قال: فأقبل بوجهه مبتسماً وقال: " وإياك فثبتك الله ". ومن أحسن ما مدح به النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله (من البسيط): لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَة ... كَانَتْ بَدِيهَتُهُ تُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ وأخرج أبو يعلى بسند حسن عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء وابن رواحة بين يديه وهو يقول: خَلًّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... الْيَوم نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ ضَرْباً يُزِيلَ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ فقال عمر: يا ابن رواحة أفي حرم الله، وبين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول هذا الشعر؟ فقال: خَلّ عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل. اهـ الإصابة باختصار. (وكعب) عطف على الخبر هو كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب أبو عبد الله الأنصاري السلمي، بفتحتين، الشاعر المشهور أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، قال ابن سيرين: قال كعب بن مالك بيتين كانا سبب إسلام دوس وهما (من الوافر):

قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَة كُلَّ وَتْر ... وَخَيْبَرَ ثُمَّ أغْمَدْنَا السُّيُوفَا تحَبِّرُنَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنَّ دَوْساً أو ثَقِيفَا فلما بلغ ذلك دوساً قالوا: خذوا لأنفسكم، لا ينزل بكم ما نزل بثقيف، مات أيام قتل علي بن أبي طالب، وقيل في خلافة معاوية - رضي الله عنهم -. اهـ الإصابة باختصار. (حسان) عطف بحذف عاطف على الخبر أيضاً هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري الخزرجي، ثمَّ النَّجاري شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرج الشيخان من طريق سعيد بن المسيب قال: مر عمر بحسان في المسجد وهو ينشد فلحظ إليه فقال: كنت أنشد، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أجب عني اللهم أيده بروح القدس ". وأخرجا أيضاً عن البراء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لحسان: " اهجهم، أو هاجهم وجبريل معك ". وأخرج أبو داود بسنده عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كان يضع لحسان المنبر في المسجد يقوم عليه قائماً يهجو الذين كانوا يهجون النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". (تنبيه): هذا البيت ليس في نسخة الشارح. 669 - وَالْبَحْرُ وَابْنَا عُمَرٍٍ وَعَمْرو ... وابْنُ الزُّبَيْرِ فِي اشْتِهَار ٍ يَجْرِي 670 - دُونَ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَهُمْ " عَبَادِلَهْ " ... وَغَلَّطُوا مَنْ غَيْرَ هَذَا مَالَ لَهْ (والبحر) عبد الله بن عباس، مبتدأ، خبره جملة يجري (وابنا) بصيغة التثنية مضاف إلى (عمر) بالصرف للضرورة (وعمرو) بفتح العين، أي عبد الله بن عمر بن الخطاب المتوفى سنة 74 هـ وعبد الله بن عمرو بن العاص المتوفى سنة 65 هـ (وابن) بالرفع عطف على المبتدإ، أي عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي المتوفى سنة 73 هـ (في اشتهار) أي في وضوح، متعلق بيجري بين العلماء (دون) عبد الله (بن مسعود) الهذلي، والظرف حال

من الضمير في (لهم) متعلق بيجري أي لهؤلاء الأربعة، حال كونهم دون عبد الله بن مسعود فإنه ليس من العبادلة (عبادلة) فاعل يجري، أي يجري هذا اللقب لهم دون ابن مسعود وهو جمع عبد الله على النحت لأنه أخذ من المضاف وبعض المضاف إليه، لا أنه جمع لعبدل كما توهمه بعضهم، وإن كان صحيحاً في اللفظ إلا أن المعنى يأباه وأطلق على هؤلاء للتغليب ذكره في التاج. وحاصل المعنى: أنه يجري لقب العبادلة مشتهراً بين العلماء لابن عباس وابن عمر، وابن عمرو وابن الزبير فقط، وليس منهم ابن مسعود، قاله الإمام أحمد بن حنبل. قال البيهقي: لأنه تقدم موته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم، فإذا اجتمعوا على شيء قيل هذا قول العبادلة. (وَغَلَّطُوا) بتشديد اللام أي نسب العلماء إلى الغلط (من) مفعول به لغلطوا (غير هذا) القول منصوب على الاشتغال، أي من رأى غير هذا (مال له) أي اعتمده. والمعنى: أن المحققين من العلماء حكموا على من مال إلى غير هذا القول المروي عن الإمام أحمد بأنه غلط من قائله غير جَارٍ على اصطلاحهم، وإن كان لا يمتنع من حيث المعنى، وذلك كقول بعضهم هم ثلاثة بإسقاط ابن الزبير. وقولِ بعضهم هم ابن مسعود وابن عمر وابن عباس. وكذا لا يُسَمَّى سائر من يسمي عبد الله من الصحابة بالعبادلة اصطلاحاً، وهم نحو ثلاثمائة رجل. 671 - وَالْعَدُّ لا يَحْصُرُهُمْ، تُوُفِّي ... عَمَّا يَزِيدُ عُشْرَ أَلْفِ أَلْفٍ (وَالْعَدُّ لا يَحْصُرُهُمْ) مبتدأ وخبر، أي لا يضبط الصحابة - رضي الله عنهم - عدد معين لكثرتهم جِدًّا.

(توفي) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (عما) أي عدد، ولو قال عمن، أي صحابةٍ لكان أولى (يزيد) العدد (عشر ألف ألف) أي مائة ألف. وحاصل المعنى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي عن صحابة يزيد عددهم على مائة ألف، وهذا البيت مأخوذ عن قول أبي زرعة الرازي في جواب من قال له: أليس يقال حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف حديث؟ فقال: ومن قال ذا؟ قَلقَلَ الله أنيابه، هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قُبِضَ عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة ممن روي عنه وسمع منه. فقيل له: هؤلاء أين كانوا، وأين سمعوا؟ قال: أهل المدينة، وأهل مكة، ومن بينهما والأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع، كل رآه وسمع منه بعرفة. 672 - وَأَوَّلُ الْجَامِعِ لِلصَّحَابَةِ ... هُوَ الْبُخَارِيُّ وَفِي الإِصَابَةِ 673 - أَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ وَتَحْرِيرٍ، وَقَدْ ... لَخَّصْتُهُ مُجَلَّدًا فَلْيُسْتَفَدْ (وَأَوَّلُ الْجَامِعِ) أي أقدم من جمع في تصنيفه (للصحابة) - رضي الله عنهم -، فأول مبتدأ خبر، جملة قوله: (هو) الإمام العلم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (البخاري) صاحب الصَّحِيح فإنه أفرد في ذلك تصنيفاً، والمراد التصنيف المستقل فسقط ما اعترض به المحقق ابن شاكرٍ حيث قال: إن محمد بن سعد أقدم من البخاري، وهو جمع في الطبقات تراجم الصحابة ومَن بعدَهم إلى عصره. ثم تلا البخاري من بعده كابن حبان، وابن منده، وأبي موسى المديني، وأبي نعيم، والعسكري، وابن عبد البر، وابن فتحون، وابن الأثير، والحافظ ابن حجرٍ، وكتابه أجمع وأنقح كما أشار إليه بقوله: (وفي الإصابة) متعلق بأكثر، وفيه التضمين أي في الكتاب المسمى بالإصابة في تمييز الصحابة (أكثر) فعل ماض وفاعله مقدر، أي مؤلفه الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الشهير بابن حجرٍ العسقلاني (من جمع)

للصحابة (وتحرير) أي تنقيح لهم وتهذيب، فإنه رحمه الله جمع فيه ما تفرق في كتب من تقدمه، وحرره تحريراً بالغاً، وقد ذكر في آخر الجزء السادس منه أنه مكث في تأليفه نحو أربعين سنة، وكانت الكتابة فيه بالتراخي وأنه كتبه في المسودات ثلاث مرات. ومجموع التراجم التي فيه 12279 بما فيه من المكرر للاختلاف في اسم الصحابي أو شهرته بكنية أو لقب أو نحو ذلك وبما فيه مَنْ ذَكَرَهُ بعض المؤلفين في الصحابة وليس منهم وغير ذلك قاله المحقق. قال الناظم رحمه الله تعالى: (وقد لخصته) أي الكتاب المذكور، والتلخيص يطلق على التبيين، والشرح، والتلخيص، ذكره في " ق " والمناسب هنا المعنى الثالث، أي أتيت بخلاصته (مجلداً) حال من التلخيص المفهوم من لخص أي حال كون ذلك الملخص مجلداً واحداً، مع كون أصله مجلدات وسماه عين الإصابة (فليستفد) بالبناء للمفعول أي فإذا كان هذا الملخص حاوياً مقاصد الأصل مع صغر حجمه فينبغي الاستفادة منه لقرب تناوله، لكن مع هذا لم يشتهر كاشتهار أصله. ثم ذكر طبقات الصحابة - رضي الله عنهم - فقال: 674 - وَهُمْ طِبَاقٌ، قِيلَ: خَمْسٌ وَذُكِرْ ... عَشْرٌ مَعَ اثْنَيْنِ وَزَائِدٌ أُثِرْ: (وهم) أي الصحابة باعتبار سبقهم إلى الإسلام، أو الهجرة، أو شهود المشاهد الفاضلة، مبتدأ خبره (طباق) بالكسر جمع طبقة بالفتح وهي جماعة متفقة في شيء واحد (قيل خمس) أي قال بعضهم: طبقتهم خمس، وعليه عمل ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى، الأولى: البدريون، الثانية: مَن أسلم قديماً ممن هاجر عامتهم إلى الحبشة، وشهدوا أُحداً فما بعدها. والثالثة: من شهد الخندق فما بعدها، الرابعة: مسلمة الفتح فما بعدها، الخامسة: الصبيان والأطفال ممن لم يغز سواء حفظ عنه وهم الأكثر أم لا (وَذُكِرْ) بالبناء للمفعول أي ذكر بعضهم أنها (عشر مع اثنين) أي اثنا عشر طبقة، وهذا ما ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث.

(وزائد) على اثني عشر مبتدأ خبره جملة (أُثِرْ) بالبناء للمفعول أي نقل عن بعضهم أنهم يزيدون عليها، ثم رجح الناظم قول الحاكم ولذا فصله بقوله: 675 - فَالأَوَّلُونَ أَسْلَمُوا بِمَكَّةِ ... يَلِيهِمُ أَصْحَابُ دَارِ النَّدْوَةِ 676 - ثُمَّ الْمُهَاجِرُونَ لِلْحَبَشَهْ ... ثُمَّ اثْنَتَانِ انْسُبْ إِلَى الْعَقَبَهْ 677 - فَأَوَّلُ الْمُهَاجِرِينَ لِقُبَا ... فَأَهْلُ بَدْرٍ وَيَلِي مَنْ غَرَّبَا 678 - مِنْ بَعْدِهَا فَبَيْعَةُ الرِّضْوَانِ ثُمّْ ... مَنْ بَعْدَ صُلْحٍ هَاجَرُوا وَبَعْدُ ضُمّْ 679 - مُسْلِمَةَ الْفَتْحِ فَصِبْيَانٌ رَأَوْا ... .............. (فالأولون) من الطبقات قوم (أسلموا بمكة) أي تقدم إسلامهم في مكة كالخلفاء الأربعة، فالأولون مبتدأ، وجملة أسلموا خبره (يليهموا) أي يتبعهم في الطبقة (أصحاب دار الندوة) أي الصحابة الذين أسلموا قبل تشاور قريش في دار الندوة للمكر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي كما قال الحلبي من جهة الحِجْر، وكان لها باب إلى المسجد أُعِدَّت للاجتماع للمشورة (ثم) تلي الطبقة الثالثة وهم (المهاجرون للحبشة) وهي أول مُهَاجَرِ في الإسلام في رجب سنة خمس من النبوة هاجر إليها عدد كثير منهم من هاجر بنفسه وحده، ومنهم من هاجر بأهله كما هو مفصل في السير. (ثم اثنتان) من الطبقات مبتدأ خبره قوله: (انسب) هما (إلى العقبة) علم بالغلبة على عقبة منى، والمراد أهل البيعة فيها. والمعنى: أن الطبقة الرابعة هم أصحاب العقبة الأولى، والطبقة الخامسة هم أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار. (فأول المهاجرين لقبا) أي ثم الطبقة السادسة أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء قبل أن يدخل المدينة ويبني المسجد. (فأهل بدر) أي ثم الطبقة السابعة أهل غزوة بدر وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا (ويلي) ما تقدم من الطبقات (من غربا) أي اغترب عن وطنه

مهاجراً إلى المدينة (من بعدها) متعلق بما قبله أي غزوة بدر وهذه هي الثامنة. (فبيعة الرضوان) أي ثم الطبقة التاسعة أهل بيعة الرضوان وهم أهل الحديبية الذين نزل فيهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. (ثم) تلي الطبقة العاشرة وهم (من بعد صلح) أي صلح الحديبية (هاجروا) إلى المدينة المنورة، كخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص (وبعدهم) أي هؤلاء تلي الطبقة الحادية عشرة، وفي نسخة المحقق وبعدُ ضم أي بعد هؤلاء ضم أيها المحدث مسلمة الفتح، وبحتمل أن يكون فعلاً ماضياً مغير الصيغة ونائب الفاعل قوله: (مسلمة الفتح) أي الصحابة الذين أسلموا يوم فتح مكة (فصبيان رأوا) أي ثم تلي الطبقة الثانية عشرة وهم الصبيان بالكسر وتضم كما في " ق " جمع صبي، وهو الصغير الذي لم يفطم. والمعنى: أن الصبيان الذين رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها آخر الطبقات. ثم ذكر ترتيبهم في الفضل فقال: ................. ... وَالأَفْضَلُ الصِّدِّيقُ إِجْمَاعًا حَكَوْا (وَالأَفْضَلُ الصِّدِّيقُ) مبتدأ وخبر، أي أفضل الصحابة أبو بكر عبد الله بن عثمان القرشي التيمي لأدلة كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً إن صاحبكم خليل الله ". أخرجه مسلم والترمذي، وابن ماجه. وقيل له الصديق لمبادرته إلى تصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل النَّاس كلهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما دعوت أحداً إلى الإيمان إلا كانت له كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم ". (إجماعاً) أي حال كون هذا الحكم مجمعاً عليه أو ذا إجماع، أو مفعول لقوله: (حكوا) أي حكى العلماء هذا الإجماع عن جميع أهل السنة

والجماعة في كل عصر ولا مبالاة بأقوال أهل الشيع ولا أهل البدع، والجملة مستأنفة. 680 - وَعُمَرٌ بَعْدُ وَعُثْمَانُ يَلِي ... وَبَعْدَهُ أَوْ قَبْلُ قَوْلانِ: عَلِي (وعمر) بالصرف للضرورة ابن الخطاب - رضي الله عنه - (بعد) أي بعد أبي بكر في الأفضلية وهو أيضاً مجمع عليه. أسند البيهقي في الاعتقاد له عن الشافعي أنه قال: ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة، ومثله عن يَحْيَى بن سعيد الأنصاري، وقال مالك: أَوَفي ذلك شك؟ (عثمان) بن عفان أبو عمرو الأموي - رضي الله عنه -، مبتدأ خبره جملة (يلي) في الأفضلية على قول أكثر أهل السنة والجماعة من أن ترتيبهم فيها على ترتيبهم في الخلافة. (وبعده) أي بعد عثمان فيها، خبر مقدم لعليٍّ (أو قبل) أي قبل عثمان (قولان) خبر لمحذوف أي هذان الاحتمالان قولان لأهل العلم، والجملة معترضة بين المبتدإ والخبرِ (على) بتخفيف الياء للوزن ابن أبي طالب الهاشمي أبو الحسنين. والمعنى: أن العلماء اختلفوا في تقديم عثمان على عليٍّ - رضي الله عنهما - والأكثرون كما قدمنا آنفاً على أنه هو المقدم، وعليه الشافعي، وأحمد وحكاه الشافعي عن إجماع الصحابة والتابعين، وهو المشهور عن مالك، والثَّوري، وكافة أئمة الحديث، والفقه، وكثير من المتكلمين. وحكى عن مالك الوقف عن التفضيل لكن الأصح رجوعه عنه إلى تفضيل عثمان. 681 - فَسَائِرُ الْعَشْرَةِ فَالْبَدْرِيَّهْ ... فَأُحُدٌ فَالْبَيْعَةُ الزَّكِيَّهْ (فَسَائِرُ الْعَشْرَةِ) بسكون الشين أي فيلي الخلفاءَ الأربعةَ في الفضل

أيضاً باقي العشرة المبشرين بالجنة المجموعون مع الخلفاء في قول الحافظ (من الطويل): لَقَدْ بَشَّرَ الهَادِي مِنَ الصَّحْبِ زمْرَةً ... بجَنَّاتِ عَدْنٍ كُلُّهُمْ فَضْلُهُ اشْتَهَرْ سَعِيدٌ زُبَيرٌ سَعْد طَلْحَةُ عَامِرٌ ... أبُو بَكْرِ (¬1) عُثْمَانُ ابْن عَوْفٍ عَلَى عُمَرْ (فالبدرية) أي فتلي الطائفة المنسوبة إلى غزوة بدر لشهودهم إياها، وهم ثلاثمائة وبضعة عشر، كما تقدم، فالمهاجررن نيف على ستين، والأنصار نيف وأربعون ومائتان، وقد صح حديث: " لن يدخل النار أحدٌ شهد بدراً ". وفي الصَّحِيحين: " لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وفي بعض الروايات: " إنَّ الله اطلع على أهل بدر فقال " الحديث بالجزم. (فَأُحُدٌ) أي يلي أُحُد، أي أهله الذين شهدوا وقعته، وكانوا ألفاَّ فرجع عبد الله ابن أُبي بثلاثمائة، وبقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعمائة استشهد منهم كثير. (فالبيعة) أي يلي أهلها الذين بايعوا بالحديبية التي نزل فيها: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الآية. (الزكية) صفة للبيعة على سبيل المجاز، لأن الزكاء لأهلها حقيقة، وهو من زكى الرجل يزكوا زكاء إذا صلح فهو زكى، أو من زكى الزرع والأرض إذا نمى وزاد، فهم لصلاحهم وزيادة خيراتهم، ونمو درجاتهم، زكيون، وكانوا ألفاً وأربعمائة على المعتمد، وقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنتم خير أهل الأرض ". 682 - وَالسَّابِقُونَ لَهُمُ مَزِيَّهْ ... فَقِيلَ أَهْلُ الْبَيْعَةِ الْمَرْضِيَّهْ 683 - وَقِيلَ أَهْلُ الْقِبْلَتَيْنِ أَوْ هُمُ ... بَدْرِيَّةٌ أَوْ قَبْلَ فَتْحٍ أَسْلَمُوا (والسابقون) الأولون من المهاجرين والأنصار، مبتدأ أول (لهموا) جار ومجرور خبر مقدم (مَزِيَّهْ) مبتدأ مؤخر، والجملة خبر المبتدإ الأول. والمعنى أن السابقين الأولين ثبت فضلهم في القرآن إيماءً لا نصاً. ¬

_ (¬1) بترك التنوين للوزن.

نعم النص الصريح في تفضيل من أنفق من قبل الفتح وقاتل. قاله السخاوي. وقد اختلف في المراد بهم على أربعة أقوال أشار إليها بقوله: (فقيل) كما قال الشُّعْبِي هم (أهل البيعة) في الحديبية (المرضية) التي ثبت لها الرضي نصاً في الآية السابقة، رواه عبد بن حميد في تفسيره بسند صحيح عنه. (وقيل أهل القبلتين) أي الذين صلوا إلى بيت المقدس والكعبة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو قول سعيد بن المسيب، وابن الحنفية، وابن سيرين، وقتادة، رواه عنهم عبد بن حميد في تفسيره، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور في سننه بأسانيد صحيحة. (أو هموا بدرية) أي قيل إِنَّ السابقين أهل بدر، وهو قول محمد بن كعب، وعطاء بن يسار، رواه عنهما سُنَيد بسند فيه مجهول، وضعيف، وسنيد أيضاً ضعيف. (أو قبل فتح أسلموا) أي قيل هو الذين أسلموا قبل فتح مكة، فالظرف متعلق بأسلموا وهو صلة لموصول محذوف، وهو جائز كما في قول حسان (من الوافر): أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُم ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ أي من يمدحه ومن ينصره. وهذا القول للحسن البصري، رواه عنه سنيد بسند صحيح، قال السخاوي، وصحح بعض المتأخرين أنهم الذين آمنوا وهاجروا قبل بيعة الرضوان، وصلح الحديبية لقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ) الآية قال، والفتح هو صلح الحديبية على الأرجح اهـ. ثم ذكر اختلاف العلماء فيمن أسلم أو لا فقال: 684 - وَاخْتَلَفُوا أَوَّلَهُمْ إِسْلامَا ... وَقَدْ رَأَوْا جَمْعَهُمُ انْتِظَامَا

685 - أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ فِي الرِّجَالِ ... صِدِّيُقُهُمْ وَزَيْدُ فِي الْمَوَالِي 686 - وَفِي النِّسَا خَدِيجَةٌ وَذِي الصِّغَرْ ... عَلَيٌّ وَالرِّقِّ بِلالٌ اشْتَهَرْ (واختلفوا) أي السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أقوال (أولهم) منصوب بنزع الخافض وإن كان سماعياً لأنهم أجروه مجرى القياس أي في أقدمهم (إسلاماً) منصوب على التمييز، أي من حيث الإسلام. والمعنى: أن العلماء اختلفوا في أول من أسلم، فقيل: أبو بكر، قاله ابن عباس، وحسان، والشعبي، والنخعي في آخرين، وقيل: علي، وهو مروي عن ابن عباس، وأبي ذر، وسلمان، وآخرين، وقيل: زيد بن حارثة، قاله الزهري، وقيل: خديجة، روي عن ابن عباس، والزهري أيضاً وهو قول قتادة، وابن إسحاق، قال النووي: وهو الصواب عند جماعة من المحققين، وادعى بعضهم فيه الإجماع، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص، وقيل خباب بن الأرتّ، وقيل: بلال، وقيل: أبو بكر بن أسعد الحميري، وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: كنت أولهم إسلاماً. وقال العراقي: ينبغي أن يقال: إن أول من آمن من الرجال ورقة بن نوفل لحديث الصَّحِيحين في بدء الوحي. وأحسن من هذا كله سلوك طريق الجمع بين هذه الأقوال كما قال ابن الصلاح والنووي وأشار إليه الناظم بقوله: (وقد رأوا) أي المحققون من العلماء (جمعهم) أي جمع الذين اختلف في كونهم أول (انتظاماً) مفعول لأجله أي لأجل أن تنتظم الأقوال من غير منافاة بينها وذلك الجمع أن يقال: (أول من أسلم في) أي من (الرجال) أي البالغين الأحرار (صديقهم) أبو بكر - رضي الله عنه - (وزيد) بمنع الصرف للضرورة هو ابن حارثة بن شراحبيل الكلبي أبو أسامة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، استشهد يوم مؤتة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة ثمان وهو ابن 55 سنة. (في الموالي) أي منهم.

والمعنى: أن أول من آمن من الموالي هو زيد بن حارثة - رضي الله عنه -. (وفي النساء) أي منهن (خديجة) بالصرف للضرورة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها قبل البعثة بخمس عشرة سنة، وقيل أكثر. (و) من (ذِي الصِّغَرْ) أي أول من آمن من ذي الصغر أي الصبيان (عليٌّ) بمنع الصرف للوزن ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي المتوفى في رمضان سنة 40 هـ وله 63 سنة. (وَالرِّقِّ) بالجر عطف على الصغر أي أول من آمن من ذي الرق أي العبودية (بلال) بن رباح المؤذن وهو ابن حمامة وهي أمُّهُ أبو عبد الله مولى أبي بكر من السابقين الأولين شهد بدراً والمشاهد مات بالشام سنة 17 أو 18، وقيل: سنة 20 هـ وله بضع وستون سنة، كان عبداً لابن جدعان فلما أسلم أمر بتعذيبه بأنواع العذاب فاشتراه وأمه أبو بكر الصديق - رضي الله عنهم - فأعتقهما. وهذا الجمع محكي عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، قاله البرماوي، وقوله (اشتهر) جملة حالية من بلال، ويحتمل أن تكون من جمعهم أي حال كون هذا الجمع مشتهراً بين العلماء لكونه مُوَفِّقاً بين الأقوال المختلفة، أو مستأنفة. 687 - وَأَفْضَلُ الأَزْوَاجِ بِالتَّحْقِيقِ ... خَدِيجَةٌ مَعَ ابْنَةِ الصِّدِّيقِ 688 - وَفِيهِمَا ثَالِثُهَا الْوَقْفُ وَفِي ... عَائِشَةٍ وَابْنَتِهِ الْخُلْفُ قُفِي 689 - يَلِيهِمَا حَفْصَةُ فَالْبَوَاقِي ... ..................... (وأفضل الأزواج) أي زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - مبتدأ، أو خبر مقدم، وهو الأولى (بالتحقيق) أي حال كون هذا الحكم ملتبساً بالتحقيق أي ذكر الدليل، أو ذكر ذلك على الوجه الحق، لأن التحقيق يراد به هذان المعنيان وهو أحد الألفاظ الخمسة الدائرة في كلام العلماء في قول بعضهم (من الرجز):

ذِكْرَ الدَّلِيلِ سَمِّ تَحْقِيقاً وَإِنْ ... أتَى دَلِيلُ ذَا فَتَدْقِيقٌ زُكِنْ وَمَا الْمَعَانِي وَالْبَيَانُ رُوعِيَا ... فِيهِ فَتَنْمِيقٌ فَكُنْ لِي دَاعِيَا وَحُسْنُ تَعْبِيرٍ بِتَرْقِيقٍ عُلِمْ ... وِفَاق شَرْعٍ قُلْ بِتَوْفِيقٍ وُسِمْ ذكره الشارح. (خديجة) خبر، أو مبتدأ مؤخر صرف للضرورة، يعني: أن أفضل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - (مع ابنة الصديق) أي عائشة الصديقة - رضي الله عنهما -، يعني: أنهما أفضل من غيرهما. من أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن -. (وفيهما) أي خديجة وعائشة الصديقة متعلق بالوقف (ثالثها) أي الأقوال مبتدأ خبره قوله: (الوقف) ويحتمل العكس أي التوقف وعدم الجزم. والمعنى: أنه اختلف في أيتهما أفضل على أقوال ثلاثة، فقال بعضهم: خديجة، وقال بعضهم عائشة، وتوقف بعضهم واختار التقي السبكي الأول وانتصر له. (وفي عائشة) بالصرف للضرورة متعلق بقفي (وابنته) - صلى الله عليه وسلم - فاطمة الزهراء، أم الحسن والحسين، سيدة نساء هذه الأمة، تزوجها عليٌّ في السنة الثانية من الهجرة وماتت بعده - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر، وقد جاوزت العشرين بقليل. (الخلف) بالضم أي الاختلاف المذكور في خديجة وعائشة، فـ (أل) للعهد الذكري، مبتدأ خبره جملة (قفي) بالبناء للمفعول أي اتبع، يعني: أن العلماء اعتبروه، ودونوه في كتبهم. وحاصل المعنى: أنه اختلف العلماء في التفضيل بين عائشة وفاطمة على ثلاثة أقوال كما في السابق، واختار السبكي، وتبعه الناظم تفضيل فاطمة لأنها بضعة منه - صلى الله عليه وسلم -، ولحديث البخاري أنها: " سيدة نساء هذه الأمة " وفي خبر مرسل: " مريم خير نساء عالمها، وفاطمة خير نساء عالمها " ورواه

الترمذي موصولًا بلفظ: " خير نسائها مريم، وخير نسائها فاطمة " قال الحافظ ابن حجرٍ، والمرسل يفسر المتصل، (يليهما) هكذا النسخ بالياء، وهو جائز للفصل بالمفعول به المقدم، أي يتبع خديجة وعائشة في الفضل (حفصة) بنت عمر بن الخطاب، أم المؤمنين تزوجها - صلى الله عليه وسلم - بعد خُنَيس بن حذافة، سنة ثلاث، وماتت سنة خمس وأربعين - رضي الله عنها -. (فالبواقي) أي ثم يلي البواقي من أزواجه - صلى الله عليه وسلم - في الفضل لحفصة، فهن سواء، وهن سودة بنت زمعة، وزينب بنت خزيمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وريحانة، وأم حبيبة، وميمونة، وصفية، فجملتهن مع تلك الثلاث اثنتا عشرة اختارهن الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ورضيهن له أزواجاً في الدنيا والآخرة. .................. ... وَآخِرُ الصِّحَابِ بِاتِّفَاقِ 690 - مَوْتًا أَبُو الطُّفَيْلِ وَهْوَ آخِرُ ... بِمَكَّةٍ، وَقِيلَ فِيهَا: جَابِرُ (وآخر الصحاب) بالكسر جمع صاحب بمعنى الصحابي، خبر مقدم (باتفاق) من العلماء (موتاً) منصوب على التمييز، أي من حيث الموت على الإطلاق (أبو الطفيل) مبتدأ مؤخر، أو بالعكس. والمعنى: أن آخر من مات من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق من غير تقييد ببلد كالآتي: هو أبو الطفيل: عامر بن واثلة الليثي، لأنه ثبت من قوله: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما على وجه الأرض رجل رآه غيري، جزم بذلك مصعب الزبيري، وأبو زكريا بن منده، ومسلم بن الحجاج، بل أجمع عليه أهل الحديث، مات سنة 100 من الهجرة وقيل سنة 102 وقيل سنة 107 وقيل سنة 110 وصحح هذا الذهبي. (وهو) أي أبو الطفيل (آخر) من توفي (بمكة) بالصرف للضرورة، وهذا القول لابن المديني، وابن حبان وغيرهما، وهو الأصح، وقيل بالكوفة (وقيل) آخر من مات (فيها) أي مكة (جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حَرَام الأنصاري، السَّلَمي - رضي الله عنه -.

وهذا القول لابن أبي داود، والمشهور وفاته بالمدينة بعد 70 سنة، وهو ابن أربع وتسعين، قاله في التقريب، وقيل آخر: من مات بمكة ابن عمر، قاله قتادة، وأبو الشيخ ابن حبان ومات سنة 3 وقيل 74. 691 - بِطَيْبَةَ السَّائِبُ أَوْ سَهْلٌ أَنَسْ ... بِبَصْرَةٍ، وَابْنُ أَبِي أَوْ فَى حُبِسْ 692 - بِكُوفَةٍ وَقِيلَ عَمْرٌو أَوْ أَبُو ... جُحَيْفَةٍ وَالشَّامُ فِيهَا صَوَّبُوا 693 - الْبَاهِلِي أَوِ ابْنَ بُسْرٍ وَلَدَى ... مِصْرَ ابْنُ جَزْءٍ وَابْنُ الاَكْوَعِ بَدَا (بطيبة السائب) أي آخر من مات بالمدينة المنورة السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، من صغار الصحابة، مات سنة 91 وقيل: قبل ذلك، وهذا القول لابن أبي داود. (أو) لتنويع الخلاف، أي قال بعضهم آخر من مات بها (سهل) بن سعد الأنصاري، قاله ابن المديني، والواقدي، وإبراهيم بن المنذر، وابن حبان، وابن قانع، وابن منده، وادعى ابن سعد نفى الخلاف فيه توفي سنة 88 وقيل 91. وقال قتادة: بل مات بمصر، وقال ابن أبي داود بالإسكندرية. (أنس) بن مالك الأنصاري مبتدأ خبره (ببصرة) بالصرف للضرورة أي مات فيها، آخِرَ سنةِ 93 وقيل 92 وقيل 91 وقيل 90. (و) عبد الله (ابن أبي أوفى) علقمةَ بنِ خالد بن الحارث الأسلمي شهد الحديبية، ومات سنة 87 وقيل 6 وقيل 8 (حبس) بالبناء للمفعول أي مات، (بكوفة) بالصرف للضرورة، أي فيها، (وقيل) آخر من مات بها (عمرو) بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، مات سنة 85 وقيل 98 قال في التدريب: فإن صح الثاني فهو آخر من مات من أهل بيعة الرضوان - رضي الله عنهم -. (أو) لتنويع الخلاف، أي قيل آخر من مات بها (أبو جحيفة) بالصرف للوزن وهو بالتصغير، وهب بن عبد الله السًّوائي بضم المهملة والمد، مات سنة 74 وهذا القول لابن المديني.

(والشام) مبتدأ وهو البلد المعروف، قال في " ق " الشأم بلاد عن مشأمة القبلة، وسميت لذلك. أو لأن قوماً من بني كنعان تشاءموا إليها أي تياسروا، أو سمى بسام بن نوح فإنه بالشين بالسريانية، أو لأن أرضها شامات بيض، وحمر، وسود، وعلى هذا لا تهمز اهـ. (فيها صوبوا) جملة في محل رفع خبر المبتدإ، أي عَدَّ العلماء صواباً كَونَ آخر من مات من الصحابة في الشام (الباهلي) مفعول به لصوبوا منصوب سكن للوزن، يعني: أن العلماء صوبوا موت أبي أمامة آخراً بالشام، ومات سنة 86 أخرج له الجماعة، وهذا القول للحسن البصري وابن عيينة. (أو) لتنويع الخلاف، أي صوب بعضهم عبد الله (بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني صحابي صغير ولأبيه صحبة مات سنة 88 وقيل 96 وله 100 أخرج له الجماعة وهذا القول قاله خلائق. (ولدى مصر) أي آخر من مات في مصر عبد الله بن الحارث (ابن جزء) الزبيدي مات سنة 86 وقيل 5 وقيل 7 وقيل 8 وقيل 9 قاله الطحاوي، وكانت وفاته بسفط القدور، وتعرف الآن بسقط أبي تراب، وقيل باليمامة، وقيل: إنه شهد بدراً، ولا يصح فعلى هذا هو آخر البدريين موتاً. (و) سلمة (بن الأكوع) مبتدأ خبره جملة (بدا) من باب قتل، يقال: بدا القوم بُدُوَّاً: خرجوا إلى البادية، والمراد أنه مات بالبادية، قاله أبو زكريا ابن منده، والصَّحِيح أنه مات بالمدينة سنة 74 وقيل 64. 694 - وَالْحَبْرُ بِالطَّائِفِ وَالْجَعْدِيُّ ... بِأَصْبَهَانَ وَقَضَى الْكِنْدِيُّ 695 - الْعُرْسُ فِي جَزِيرَةٍ، بِبَرْقَةِ ... رُوَيْفِعُ الْهِرْمَاسُ بِالْيَمَامَةِ 696 - وَقُبِضَ الْفَضْلُ بِسَمْرَقَنْدَا ... وَفِي سِجِسْتَانَ الأَخِيرُ الْعَدَّا (وَالْحَبْرُ) بالفتح والكسر، وبعضهم أنكر الكسر، وبعضهم جعله أفصح: العالم بتحبير الكلام وتعليمه وتحسينه جمعه أحْبَار، والمراد به هنا

عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، لأنه يقال له الحبر، والبحر، لسعة علمه أفاده في اللسان، وهو مبتدأ خبره (بالطائف) أي مات آخراً بها سنة 68 عن 71 سنة. (والجعدي) مبتدأ خبره الجار والمجرور، وهو النابغة الشاعر المشهور المعمر، كما سيأتي، اختلف في اسمه: فقيل: قيس بن عبد الله بن عدس، وقيل: عبد الله، وقيل: حبان بن قيس، وقيل: غير ذلك في نسبه، سمي بالنابغة لأنه أقام مدة لا يقول الشعر ثم قاله فقيل: نَبَغَ، أفاده في الإصابة، والمعنى أنه آخر من مات (بأصبهان) بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الباء، قال في " ق " أصله أصت بهان أي سمنت المليحة، سميت به لحسن هوائها، وعذوبة مائها، وكثرة فواكهها، فخففت، والصواب أنها أعجمية، وقد تكسر همزتها، وقد تبدل باؤها فاء فيهما اهـ. وهذا القول لأبي الشيخ، وأبي نعيم؛ والجعديُّ: نسبة إلى جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. اهـ لباب. (وقضى) أي مات (الكندي) بكسر فسكون نسبة إلى كندة قبيلة كبيرة مشهورة من اليمن قاله في اللباب. (العرس) بضم فسكون بدل من الكندي، هو عرس بن عميرة بفتح فكسر صحابي مُقِلّ، قيل: عميرة أمه، واسم أبيه قيس بن سعد بن الأرقم، وقال أبو حاتم: هما اثنان، أخرج له أبو داود، والنسائي، أفاده في التقريب (في جزيرة) متعلق بقضى أي آخر من مات من الصحابة في الجزيرة العرس بن عميرة الكندي، والمراد بالجزيرة هنا كما قاله السخاوي التي بين دجلة والفرات وقال في " ق " الجزيرة أرض بالبصرة، وجزيرة قور بَيْنَ دجلة والفرات، وبها مدن كبار، ولها تاريخ، والنسبة إليها جزري، ثم ذكر إطلاقها على عدة أماكن فانظره. وهذا القول كما قال السخاوي لأبي زكريا ابن منده. لكن قال أبو بكر الجعابي: إن آخر الصحابة موتاً بالجزيرة وابصة بن معبد، وكان زارها، ونحوه قول هلال بن العلاء قبر وابصة عند منارة جامع الرقة إذا الرقة على جانب الفرات الشمالي الشرقي، وهي قاعدة ديار مضر من الجزيرة. فالله

أعلم أيهما الآخر. اهـ كلام السخاوي. (ببرقة) بفتح فسكون وبالصرف للضرورة من بلاد المغرب فيما قاله أحمد بن البرقي، أي آخر من مات بها منهم (رويفع) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، وهو بضم الراء وكسر الفاء وترك الصرف للضرورة ابن ثابت الأنصاري المدني، قال أحمد بن البرقي، وقد رأيت قبره بها، وكان أميراً عليها، وكذا قال ابن يونس: إنه كان أميراً عليها لمَسْلَمَة بن مُخَلَّد، وأن قبره معروف ببرقة إلى اليوم وعين وفاته في سنة 53 نقله السخاوي. (الْهِرْمَاسُ) بكسر فسكون الراء مهملة ثم ميم مفتوحة فسين مهملة بن زياد الباهلي، مبتدأ خبره قوله (باليمامة) أي مات بها، يعني: أنه آخر من مات من الصحابة بها فيما قاله أبو زكريا بن منده. وذكر عكرمة بن عمار أنه لقيه في سنة 102 قاله السخاوي، وذكر في التدريب أنه مات سنة 102 أو 100 أو بعدها اهـ. وفي المصباح اليمامة: بلدة من بلاد العوالي، وهي بلاد بني حنيفة، قيل من عروض اليمن، وقيل من بادية الحجاز اهـ. (وقبض) أي توفي (الفضل) بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكبر ولد العباس، استشهد في خلافة عمر - رضي الله عنه -. (بسمرقندا) بفتح السين والميم وسكون الراء، وإسكان الميم وفتح الراء لحن قاله في " ق " لكن في التاج ما نصه: قال شيخنا وقد تعقبه الشهاب في شرح الشفا اهـ. وكتب في هامش " ق " ما نصه وسمعنا بعض مشايخنا المغاربة ينطق بسكون الميم ويستند إلى الشهرة عندهم بذلك، قال الصاغاني: وقد أُولعَ أهل بغداد بإسكان الميم وفتح الراء اهـ. قلت: هذا المشهور هو المتعين هنا للوزن. والمعنى: أن الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - آخر من مات في سمرقند من الصحابة - رضي الله عنهم -. (وفي سجستان) بالكسر بلد معرب سيستان، والنسبة إليه سجزي بالكسر ويفتح، وسجستاني، أفاده في " ق " وهو حال من العدَّا، أي حال كونه متوفى بها.

(الأخير) أي آخر الصحابة موتاً، مبتدأ خبره قوله (العدَّا)، ويحتمل العكس، وهو بفتح العين المهملة وتشد الدال المهملة آخره همزة خفف للوزن ابن خالد بن هوذة العامري أسلم هو وأبوه جميعاً، وتأخرت وفاته إلى بعد المائة، أخرج له البخاري في التعليق والأربعة. والمعنى أن آخر من مات من الصحابة في سجستان هو العدَّاء بن خالد. 697 - النَّوَوِيْ: مَا َعَرَفُوا مَنْ شَهِدَا ... بَدْرًا مَعَ الْوَالِدِ إِلاَّ مَرْثِدَا 698 - وَالْبَغَوِيُّ زَادَ: أَنَّ مَعْنَا ... وَأَبَهُ وَجَدَّهُ بِالْمَعْنَى (النووي) مبتدأ خبره محذوف أي قائل، أو فاعل لمحذوف أي قال في كتابه التقريب: ما معناه (ما) نافية (عرفوا) أي العلماء (من) في محل نصب مفعول به لما قبله أي الذي، أو شخصاً (شهدا) بألف الإطلاق أي حضر (بدراً) موضع بين مكة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب، ويقال: هو منها على ثمانية وعشرين فرسخاً على منتصف الطريق تقريباً. وعن الشعبي أنه اسم بئر هناك، وسميت بدراً لأن الماء كان لرجل من جهينة اسمه بدر، وقال الواقدي: كان شيوخ غفار يقولون بدر ماؤنا، ومنزلنا، وما ملكه أحد قبلنا، وهو من ديار غفار. اهـ المصباح، والمراد هنا الوقعة المشهورة. (مع الوالد) حال مِنْ مَنْ، أي حال كونه مع أبيه (إلا مرثداً) هو ابن أبي مرثد الغنوي، واسم أبيه كَنَّاز بنون ثقيلة وزاي ابن الحصين استشهد مرثد في صفر سنة 3 في غزوة الرجيع ذكره في الإصابة. وحاصل المعنى: أنه لا يعرف من الصحابة مَنْ شَهِد وقعة بدر مع أبيه إلا مرثد بن أبي مرثد - رضي الله عنه -. (و) قال الناظم: وأغرب من هذا ما أخرجه (البغوي) الحافظ الكبير الثقة مسند العالم أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان البغوي الأصل البغدادي، وُلدَ في رمضان سنة 214 وسمع ابن الجعد، وأحمد، وابن المديني، وخلقاً، وصنف معجم الصحابة، والجعديات،

وطال عمره، وتفرد في الدنيا، وتوفي ليلة عيد الفطر سنة 317 عن مائة سنة. اهـ طبقات الحفاظ باختصار. والبغوي: نسبة إلى بلد من بلاد خراسان بين مَرْوَ وهراة يقال له بغثور. اهـ. لباب. وهو مبتدأ خبره جملة (زاد) أي على ما قاله النووي (أن) بالفتح والتشديد (معنا) أي ابن يزيد بن الأخنس السلمي (وأبه) بالنقص لغة في الأسماء الستة، أي يزيد (وجده) الأخنس (بالمعنى) خبر أن، فأل للعهد الذكريّ، أي بالمعنى الذي ذكره النووي لمرثد، وهو شهود بدر من دون مشارك وحاصل المعنى: أن معنا وأباه يزيد وجده الأخنس شهدوا بدراً ولا يعلم بهذه المنقبة غيرهم. ونصه في معجمه: كما في التدريب حدثنا ابن هانئ، حدثنا ابن بكير حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن مَعْنَ بن يزيد بن الأخنس السلمي شهد هو وأبوه وجده بدراً، قال: ولا نعلم أحدا شهد هو وابنه وابن ابنه بدراً مسلمين إلا الأخنس اهـ. قلت: لكن قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب بعد أن ذكر نحوه، ولا يعرف في البدريين، ولا يصح، وإنما الصَّحِيح حديث أبي الجويرة عنه قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وأبي وجدي اهـ. 699 - وَأَرْبَعٌ تَوَالَدُوا صَحَابَهْ: ... حَارِثَةُ الْمَوْلَى أَبُو قُحَافَهْ (وأربع) من النسمات مبتدأ (توالدوا) أي تناسلوا، وولد بعضهم للبعض صفة لأربع (صحابه) خبر المبتدإ، والمعنى: أن أربعة متوالدين كلهم أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف غيرهم، وهم (حارثة المولى) ابن شراحيل بن كعب الكلبي، وابنه زيد بن حارثة، وابن ابنه أسامة بن زيد، وذكروا أن أسامة ولد له في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهؤلاء كلهم صحابيون، إذ حارثة صحابي كما جزم به المنذري في مختصر مسلم، وحديث إسلامه في مستدرك الحاكم، وكذا زيد وأسامة - رضي الله عنه - و (أبو قحافة) والد

الصديق، واسمه عثمان، فإنه صحابي كابنه أبي بكر، وبنته أسماء بنت أبي بكر، وابنها عبد الله بن الزبير، وكذا عبد الرحمن بن أبي بكر، وابنه أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن، قال الحافظ: وكذا إياس بن سلمة بن عمرو بن الأكوع الأربعة ذكروا في الصحابة، وطلحة بن معاوية بن جاهمة بن العباس بن مرداس، في أمثلة أخرى لا تصح. اهـ تدريب. (فائدة): ليس في الصحابة من اسمه عبد الرحيم، بل ولا من التابعين، ولا من اسمه إسماعيل من وجه يصح إلا واحد بصري، روى عنه أبو بكر بن عمارة حديث: " لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " أخرجه ابن خزيمة قاله في التدريب. (تنبيه): يوجد هنا في نسخة المحقق ابن شاكرٍ ثلاثة أبيات الأول قوله: 700 - وَمَاسِوَى الصِّدِّيقِ مِمَّنْ هَاجَرَا ... مَنْ وَالِدَاهُ أَسْلَمَا قَدْ أُثِرَا ومعناه: أنه لا يوجد في المهاجرين من أسلم والداه غير أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -. وقال المحقق في تعليقه: ما نصه: ليس من الصحابة المهاجرين من أسلم أبواه غير أبي بكر الصديق، وأبو بكر اسمه عبد الله أو عتيق وأبوه: أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو من بني تيم بن مرة، وأمه: أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب من بني تيم بن مرة، وقد مات أبو بكر - رضي الله عنه - في حياتهما ثم ماتت أمه ثم مات أبوه - رضي الله عنهم -. اهـ كلام المحقق. قلت: هذا الذي قاله الناظم ووافقه عليه المحقق: لا أرى له وجهاً، لأن كثيراً من المهاجرين قد أسلم والداهم، كما يظهر ذلك لمن طالع تراجم الصحابة وتواريخهم، ولم أرَ هذه المسألة لغير الناظم. والبيت الثاني قوله: 701 - وَلَيْسَ فِي صَحَابَةٍ أَسَنُّ مِنْ ... صِدَّيقِهِم مَعَ سُهَيْلٍ فَاسْتَبِنْ ومعناه: أنه لا يوجد في الصحابة أسن من أبي بكر الصديق، وسهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري أسلم يوم الفتح.

قلت: هذا الكلام فيه نظر أيضاً فإنه يوجد في الصحابة من هو أكبر سِنًّا من الصديق بكثير، فإن العباس كان أسن من النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت ذلك في الصَّحِيح، وأبو بكر أصغر سناً منه، فليتأمل. والبيت الثالث قوله: 702 - أَجْمَلُهُمْ دِحْيَةُ الْجَمِيلُ ... جَاءَ عَلَى صُورَتِهِ جِبْرِيلُ ومعناه: أن أجمل الصحابة هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد الكلبي صحابي مشهور كان يضرب به المثل في حسن الصورة، ولهذا كان جبريل يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - على صورته، جاء ذلك من حديث أم سلمة، وعائشة، وابن عمر، وأنس، أفاده في الإصابة. ودحية بكسر الدال وفتحها، ومن أجمل الصحابة أيضاً جرير بن عبد الله البجلي، قال فيه عمر: هو يوسف هذه الأمة. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: وقيل مع طول ومع رواية، وقوله: وقيل مدرك العصر إلى قوله في الأصح فيهما، وقوله: أو تابعي والأصح، وقوله: معاصر، وقوله النووي أجمع من يعتمد به، وقوله: يليه من قوله أبو هريرة يليه ابن عمر، وقوله: كالخدري، وقوله: وعُمَر، وزوجة الهادي إلى قوله وكعب حسان، وقوله: وغلطوا من غير هذا مال له، وقوله: وأول الجامع للصحابة إلى قوله: فليستفد، وقوله: قيل خمس وذكر، وقوله: فالأولون أسلموا إلى قوله: فصبيان رأوا، وقوله: إجماعاً حكوا، وقوله: أو قبل فتح أسلموا، وقوله: وقد رأوا جمعهم انتظاماً، وقوله: في الرجال، وقوله: في الموالي وفي النسا، وقوله: وذي الصغر، وقوله: والرق، وقوله: وأفضل الأزواج، إلى قوله فالبواقي، وقوله: وقيل عمرو أو أبو جحيفة، وقوله: والحبر بالطائف والجعدي بأصبهان، وقوله: وقبض الفضل إلى آخر الباب.

(معرفة التابعين وأتباعهم)

(معرفة التابعين وأتباعهم) أي هذا مبحثه، وهو النوع الثاني والخمسون من أنواع علوم الحديث، والتابع ويقال له: التابعي أيضاً وكذا التبع، ويجمع عليه أيضاً وكذا على أتباع قد مضى تعريفه بأنه من لقي الصحابي مطلقاً أي سواء رآه هو أو الصحابي مميزاً أم لا سمع منه أم لا وهذا هو المختار وفيه أقوال أخر. ثم ذكر فائدة معرفته ومعرفة الصحابي بقوله: 703 - وَمِنْ مُفَادِ عِلْمِ ذَا وَالأَوَّلِ ... مَعْرِفَةُ الْمُرْسَلِ وَالْمُتَّصِلِ (ومن مفاد) بضم الميم اسم مفعول من أفاد يفيد مضاف إلى (علم ذا) أي معرفة هذا الباب يعني: أن مما يفيده معرفة التابعين (و) علم الباب (الأول) أي باب معرفة الصحابة، والجار والمجرور خبر مقدم لقوله: (معرفة المرسل) من الحديث (والمتصل) منه، والمعنى: أن فائدة معرفة هذين البابين مُهِمّ جداً، إذ بها معرفة الحديث المرسل والحديث المتصل، فما كان من الصحابي فمتصل، إما حقيقة، أو حكماً إذ مرسله متصل حكماً، وما كان من التابعي فمرسل. ولذا قال الحاكم: ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرق بين الصحابة والتابعين.

704 - وَالتَّابِعُونَ طَبَقَاتٌ عَشَرَهْ ... مَعْ، خَمْسَةٍ: أَوَّلُهُمْ ذُو الْعَشَرَهْ 705 - وَذَاكَ " قَيْسٌ " مَا لَهُ نَظِيرُ ... وَعُدَّ عِنْدَ حَاكِمٍ كَثِيرُ (والتابعون) مبتدأ خبره قوله: (طبقات عشرة مع خمسة) أي خمسة عشر طبقة، وعليه الحاكم في علوم الحديث. قال السخاوي: ولم يفصل الحاكم الطباق كلها نعم أشعر تصرفه بأن كل من لقي من تقدم كان من الطبقة الأولى، ثم هكذا إلى آخرها بحيث يكون آخرها سليمان بن نافع إن صح أن والده من الصحابة، وزياد بن طارق الراوي عن زهير بن صُرَدٍ، ونحوهما كخلف بن خليفة اهـ. (أولهم ذو العشرة) مبتدأ وخبره أي أول طبقات التابعين الخمس عشرة صاحب العشرة أي من لقي، وروى عن العشرة المشهود لهم بالجنة. (وذاك) أي صاحب العشرة (قيس) هو ابن أبي حازم (ما) نافية (لَهُ نَظِيرُ) أي ليس له مشابه في هذه الفضيلة. وهي الرواية عنهم كلِّهم كما نص عليه عبد الرحمن بن يوسف بن خراش، وابن حبان، وخالف أبو داود، ويعقوب بن شيبة في سماعه من عبد الرحمن بن عوف. (وعد) بالبناء للمفعول (عند حاكم) أبي عبد الله في كتابه معرفة العلوم (كثير) نائب فاعل عد، أي عُدَّ، الحاكمُ زيادة على قيس ممن روى عن العشرة كثيراً كأبي عثمان النهدي، وقيس بن عُبَادٍ، وأبي ساسان حضين بن المنذر، وأبي وائل، وأبي رجاء العطاردي، والحق أن قيساً لا ثاني له في هذا. وكذا عَده سعيدَ بن المسيب فيمن أدرك العشرة غلط فإنه ولد في خلافة عمر - رضي الله عنه - فلم يسمع أبا بكر بلا خلاف، وكذا عمر على الصَّحِيح. ثم إن الحاكم رحمه الله لم يذكر الطبقة كلها بالتفصيل كما قدمنا بل قال بعد ذكر الطبقة الأولى والطبقة الثانية الأسود بن يزيد، وعلقمة بن قيس، ومسروق، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وغيرهم، والطبقة الثالثة الشعبي، وشريح بن الحرث، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأقرانهم

ثم قال وهم خمس عشرة طبقة آخرهم من لقي أنس بن مالك إلى آخر كلامه كما أشار الناظم إليه بقوله: 706 - وَآخِرُ الطِّبَاقِ لاقِي أَنَسِ ... وَسَائِبٍ كَذَا صُدَيٌّ، وَقِسِ (وآخر الطباق) من الطبقات الخمس عشرة (لاقي) بصيغة اسم الفاعل مضاف إلى (أنس) بن مالك - رضي الله عنه - من أهل البصرة (و) لاقي (سائب) بن يزيد بن سعيد بن ثُمامه بالضم الكندي صحابي صغير مات سنة 91 هـ وقيل قبل ذلك آخر من مات بالمدينة من الصحابة كما تقدم. يعني: أن آخر الطبقة من أهل المدينة من لقي السائب (كذا صدي) أي آخر الطبقة من أهل الشام من لقي صدي بن عجلان أبا أمامة الباهلي - رضي الله عنه -. (وقس) فعل أمر من قاس يقيس كسرآخره للوزن، أي قس على المذكور المتروك كقولك آخر الطبقة من أهل الكوفة لاقي عبد الله بن أبي أوفى، ومن أهل مصر لاقي عبد الله بن الحارث بن جَزْء ومن أهل مكة لاقي أبي الطفيل. 707 - وَخَيْرُهُمْ أُوَيْسٌ أَمَّا الأَفْضَلُ ... فَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَكَانَ الْعَمَلُ (وخيرهم) أي التابعين من حيث الزهد والورعَ (أُوَيْسٌ) ابن عامر القرني بفتح القاف والراء بعدها نون من مَذْحِج مخضرم أرسل، وَرَوَى له مسلم أشياء من كلامه، شهد صِفِّين مع علي، وقتل يومئذ، وهو سيد التابعين، كما رواه مسلم في صحيحه، وله مناقب مشهورة. اهـ. خلاصة، يعني: أن خير التابعين زهداً وورعاً أُوَيْسٌ رحمه الله، لما روي مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن خير التابعين رجل يقال له أُوَيْسٌ " الحديث. (وأما الأفضل) من حيث حفظ الخبر والأثر (فـ) ـسعيد (بن المسيب) لكثرة علومه الشرعية كالتفسير، والحديث، والفقه، ونحوها، وهذا هو المراد من قول من قال: إنه أفضل التابعين، وإلا فيرده الحديث المتقدم. وقوله: (وكان العمل) أي عمل النَّاس في أيام التابعين، والعمل بالرفع

اسم كان، وخبرها الجار والمجرور في البيت التالي: وفيه التضمين. 708 - عَلَى كَلامِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ ... هَذَا عُبَيْدِ اللهِ سَالِمْ عُرْوَةِ 709 - خَارِجَةٍ وَابْنِ يَسَارٍ قَاسِمِ ... أَوْ فَأَبُو سَلَمَةٍ عَنْ سَالِمِ (على كلام) أي فتاوى (الفقهاء السبعة) من أهل المدينة (هذا) بدل تفصيل من السبعة، والإشارة إلى سعيد بن المسيب (عبيد الله) بالجر عطفاً لحى هذا بحذف عاطف، أي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي. (سالم) بالجر عطفاً على هذا أيضاً وسكنت الميم للوزن، هو ابن عبد الله بن عمر العدوي. (عروة) بالجر أيضاً والصرف للضرورة هو ابن الزبير بن العوام الأسدي. (خارجة) بالجر والصرف أيضاً لما ذكر، هو ابن زيد بن ثابت الأنصاري، أبو زيد، المدني ثقة فقيه، مات سنة مائة، وقيل قبلها، روى له الجماعة. اهـ تقريب. (و) سليمان (بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة وقيل أم سلمة - رضي الله عنهما -، ثقة فاضل مات بعد المائة، وقيل قبلها، روى له الجماعة. اهـ ت. و (قاسم) بن محمد بن أبي بكر التيمي. وحاصل المعنى: أن هؤلاء السبعة هم الذين يصدر النَّاس عن آرائهم، وينتهون إلى أقوالهم، وفتاواهم لمعرفتهم بالفقه والصلاح. قال ابن المبارك: كانوا إذا جاءتهم المسألة دخلوا فيها جميعاً فنظروا فيها ولا يقضي القاضي حتى ترفع إليهم فينظرون فيها فيصدرون اهـ. والفقهاء وإن كانوا بكثرة في التابعين فعند إطلاق هذا الوصف مع قيد العدد المعين لا ينصرف إلا إلى هؤلاء كما قلنا في العبادلة من الصحابة سواءً، قاله السخاوي. ولما وقع اختلاف في تعيين السابع ذكره بقوله: (أو فأبو سلمة) بالصرف للوزن ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله وقيل: إسماعيل ثقة، مكثر مات سنة 94 وكان مولده سنة بضع وعشرين روى له الجماعة. اهـ ت (عن سالم) المتقدم، أي بدله.

وهذا لأكثر علماء الحجاز، والأول لابن المبارك وقيل: بدلاً عن سالم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشي الأعمى الذي كان يقال له: راهب قريش لكثرة صلاته، قال ابن خراش: هو أحد أئمة المسلمين. وعنه أيضاً أبو بكر وعمر وعكرمة وعبد الله بنو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أجلاء ثقات يضرب بهم المثل، وكلهم من شيوخ الزهري إلا عمر اهـ. وهذا القول لأبي الزناد ونظمهم على هذا من قال (من الطويل): إِذا قِيلَ مَنْ فِي الْعِلْمِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ... مَقَالَتُهُمْ لَيْسَتْ عَنِ الْحَقِّ خَارِجَهْ فَقُلْ هُمْ عُبَيدُ اللهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ ... سَعِيدُ أبُو بَكْرِ سُلَيْمَانُ خَارِجهْ وكلهم من أبناء الصحابة إلا سليمان فأبوه يسار لا صحبة له، قاله السخاوي رحمه الله. 710 - وَبِنْتُ سِيرِينَ وَأُمُّ الدَّرْدَا ... خَيْرُ النِّسَا مَعْرِفَةً وَزُهْدَا (و) حفصة (بنت سيرين) مبتدأ، أم الهذيل الأنصارية البصرية ثقة، ماتت بعد المائة، روى لها الجماعة. اهـ ت. قال إياس بن معاوية: ما أدركت أحداً أُفَضِّلُه على حفصه، يعني بنت سيرين، فقيل: له الحسن، وابن سيرين؟ فقال: أما أنا فما أفضل عليها أحداً. (وأم الدردا) هجيمة، وقيل: جهيمة بنت حُيِّ الوصابية، وهي الصغرى، وأما الكبرى فصحابية واسمها خيرة بنت أبي حدرد (خير النسا) خبر المبتدإ (معرفة) تمييز منصوب أي من حيث المعرفة بالله، وأحكامه. (وزهدا) أي من حيث الإعراض عن فضول الدنيا. وحاصل المعنى: أن سيدتا النساء التابعيات حفصة بنت سيرين وأم الدرداء الصغرى، وهذه العبارة تقتضي استواءهما، ولكن المنقول في ابن الصلاح والتقريب عن أبي بكر بن أبي داود ما نصه سيدتا التابعيات حفصة

بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن، وثالثتهما وليست كهما أم الدرداء. اهـ فأفاد أن أم الدرداء بعد حفصة فتأمل. 711 - وَمِنْهُمُ الْمُخَضْرَمُونَ: مُدْرِكُ ... نُبُوَّةٍ وَمَا رَأَى مُشْتَرَكُ (ومنهم) أي من التابعين بل من كبارهم (المخضرمون) بالخاء والضاد المعجمتين، وفتح الراء على أنه اسم مفعول من أجل أنهم خضرِمُوا أي قطعوا عن نظرائهم، وحكى كسرها أيضاً، واشتقاقه من أن الجاهلية كانوا يخضرمون آذان الإبل أي يقطعونها لتكون علامة لإسلامهم إن أُغِيرَ عليهم، أو حوربوا، قاله الحاكم نقلاً عن بعض مشايخه. وعدهم مسلم عشرين نفساً، لكن هم أكثر من ذلك كأبي عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة، وشريح بن هانئ، وغيرهم، ثم ذكر تعريفه فقال هو (مدرك نبوة) مع جاهلية (و) الحال أنه (ما) نافية (رأى) النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى أنه لم يصحبه، وهو (مشترك) بين العصرين ومتردد بين الطبقتين لا يُدْرَى من أيهما، هو من قولهم لحم مخضرَم لا يدري من ذكر هو أو أنثى؟ وطعام مخضرم ليس بحلو ولا مر. وحاصل المعنى: أن المخضرم هو الذي أدرك الجاهلية وزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصحبه هذا في مصطلح المحدثين، وأما من حيث اللغة فهو الذي عاش نصف عمره فى الجاهلية ونصفه في الإسلام سواء أدرك الصحابة أم لا؟ فبينهما عموم وخصوص من وجه، فحكيم بن حزام مخضرم في اللغة. 712 - يَلِيهِمُ الْمَوْلُودُ فِي حَيَاتِهِ ... وَمَا رُأَوْهُ عُدَّ مِنْ رُوَاتِهِ (يليهم) أي المخضرمين في الرتبة (المولود) ذكراً كان أو أنثى (في حياته) - صلى الله عليه وسلم - كعبد الله بن أبي طلحة، وأبي أمامة، وأبي إدريس الخولاني، وغيرهم، وقدمهم ابن الصلاح على المخضرمين، فجعلهم يلون الطبقة الأولى من التابعين على الإطلاق، واعترضه البلقيني، والصواب ما في النظم. (وما) نافية (رأوه) أي اعتقد العلماء هذا المولود (عدَّ) بالبناء

للمفعول، أي معدوداً (من رواته) أي النقلة عنه - صلى الله عليه وسلم -، لكونه لم يسمع بل روايته مرسلة. وحاصل معنى البيت: أن من ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أولاد الصحابة يلي مرتبة المخضرمين، وأحاديثه عنه - صلى الله عليه وسلم - مرسلة، لعدم أهليته للتحمل وقت ذلك. ولما وقع بعض العلماء في التخبيط بِعَدِّ بعض الصحابة في التابعين، وبالعكس، وعَدِّ بعض التابعين في أتباع التابعين نبه عليه بقوله: 713 - وَمِنْهُمْ مِنْ عَدَّ فِي الأَتْبَاعِ ... صَحَابَةً لِغَلَطٍ أَوْ داعِ 714 - وَالْعَكْسُ وَهْمًا وَالتِّبَاعُ قَدْ يُعَدّ ... فِي تَابِعِ الأَتْبَاعِ إِذْ حَمْلٌ وَرَدْ (ومنهم) أي العلماء الذين عملوا في الطبقات (من عد في الأتباع) أي التابعين (صحابة) أي جماعة معروفة بالصحبة (لغلط) منه، كالنعمان وسويد ابني مقرن عدهما الحاكم من التابعين مع كونهما صحابيين معروفين (أو) عد صحابة في التابعين لا لغلط بل لـ (ـداع) أي لسبب اقتضى ذلك لكونه من صغار الصحابة يقارب التابعين في كون روايته، أو غالبها عن الصحابة، كعد مسلم من التابعين يوسف بن عبد الله بن سلام ومحمود بن لبيد. (والعكس) مبتدأ خبره واقع، يعني: أنه وقع عد التابعين في الصحابة (وهما) أي غلطاً، كعدِّ محمدِ بن الربيع الجيزي: عبدَ الرحمنِ بن غنم الأشعريَّ ممن دخل مصر من الصحابة، وليس منهم على الأصح. (وَالتِّبَاعُ) بالكسر: الولاء بمعنى المتابعة كما في " ق " على حذف مضاف أي ذو التباع بمعنى التابعي. (قد يعد) بالبناء للمفعول (في تابع الأتباع) أي منهم (إذ) تعليلية (حمل) أي نقل ورواية للحديث في غالب الأوقات عن التابعين (ورد) أي أتى. وحاصل المعنى: أنه قد يعد التابعي في طبقة أتباع التابعين لكون

الغالب عليه روايته عن التابعين كأبي الزناد لقي ابن عمر، وأنساً، وأبا أمامة سهل بن حنيف، ومع ذلك فعداده عند أكثر النَّاس في أتباع التابعين. 715 - ومَعْمَرٌ أَوَّلُ مَنْ مِنْهُمْ قَضَى ... وَخَلَفٌ آخِرُهُمْ مَوْتًا مَضَى (و) أبو زيد (معمر) ابن زيد، مبتدأ خبره قوله (أول) أي أسبق (من) موصولة (منهم) أي التابعين (قضى) أي مات، صلة من، والمعنى أن أول من مات من التابعين هو معمر بن زيد قتل بخراسان، وقيل: بأذربيجان سنة 30. (وخلف) ابن خليفة بن صاعد الأشجعي مولاهم، أبو أحمد، الكوفي، نزيل واسط، ثم بغداد. (آخرهم) أي التابعين (موتاً) أي من حيث الموت وجملة (مضى) صفة موتاً، يقال: مَضَى السيف مَضَاءَ قطع، قاله في " ق "، أي موتاً قاطعاً لحياته. والمعنى: أن خلفاً آخرهم موتاً، وذلك لأنه مات سنة 180 على ما في التدريب، أوسنة 181 على ما قاله ابن حبان وصححه الحافظ في التقريب. وذكر فيه أيضاً ما نصه: وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي، فأنكر عليه ذلك ابن عيينة وأحمد اهـ. وقال ابن حبان: وقد رأى عمرو بن حريث وهو صغير رؤية لا اعتبار بها في صحبته اهـ. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: وعُدَّ عند حاكم كثير إلى قوله: كذا صُدَيّ وقِسِ، وقوله: يليهم المولود. البيت، وقوله: ومعمر أول من منهم قَضَى. البيت.

(رواية الأكابر عن الأصاغر والصحابة عن التابعين)

(رواية الأكابر عن الأصاغر، والصحابة عن التابعين) أي هذا مبحثه وهو النوع الثالث والخمسون من أنواع علوم الحديث وهو نوع مهم تدعو إليه الهمم العلية، والأنفس الزكية، ولذا قيل: لا يكون الرجل محدثاً حتى يأخذ عمن فوقه ومثله ودونه، والأصل فيه رواية النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته حديث الجَسَّاسَة عن تميم الداري كما في صحيح مسلم، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه إلى اليمن: " وإن مالكاً يعني ابن مرَارَة حدثني بكذا وذكر شيئاً " أخرجه ابن منده، وقوله أيضاً: " حدثني عمر أنه ما سبق أبا بكر إلى خير قط إلا سبقه " أخرجه الخطيب والديلمي قاله السخاوي. 716 - وَقَدْ رَوَى الْكِبَارُ عَنْ صِغَارِ ... فِي السِّنِّ أَوْ فِي الْعِلْمِ وَالْمِقْدَارِ 717 - أَوْ فِيهِمَا، وَعِلْمُ ذَا أَفَادَا ... أَنْ لا يُظَنَّ قَلْبُهُ الإِسْنَادَا (وقد روى الكبار) من العلماء (عن صغار) منهم (في السن) متعلق بالكبار أو بصغار على سبيل التنازع، والمعنى أنه قد يروي الأكبر في السن والأقدم في الطبقة عن الأصغر منه فيهما، كرواية كل من الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري عن تلميذهما الإمام مالك بن أنس (أو) روى الحافظ العالم عمن هو أصغر منه (في العلم والمقدار) عطف عام على خاص إذا المقدار يشمل العلم، والحفظ، وغيرهما، يعني مع كونه أكبر في السن، كرواية مالك وابن أبي ذئب عن شيخهما عبد الله بن دينار. (أو) روى عمن هو أصغر منه (فيهما) أي السن والمقدار المستلزم للعلم، كرواية

كثير من الحفاظ، والعلماء عن أصحابهم، وتلاميذهم، كعبد الغني بن سعيد، عن محمد بن علي الصوري، والخطيب عن أبي نصر بن ماكولا، ونظائرهما. والحاصل: أن هذا النوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: كونه أكبر سناً وطبقة. والثاني: كونه أكبر في القدر من الحفظ والعلم ولقاء الشيوخ دون السن. والثالث: كونه أكبر في الأمرين معاً. ثم ذكر فائدته فقال: (وعلم ذا) أي معرفة هذا النوع من إضافة المصدر إلى المفعول وهو مبتدأ خبره (أفادا) بألف الإطلاق (أن) مصدرية (لا يظن) بالبناء للمفعول (قلبه) أي عكس الراوي (الإسنادا) بألف الإطلاق أي عكسه بالتقديم والتأخير، والجملة في تأويل المصدر مفعول أفاد. أي أفاد عدم ظن قلب الإسناد. وحاصل المعنى: أن فائدة معرفة هذا النوع عدم ظن انقلاب السَّند على الراوي، ومن فوائده أيضاً أن لا يتوهم أن المروي عنه أكبر وأفضل نظراً إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك فتجهل بذلك منزلتهما، وقد روى عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نُنْزِلَ النَّاس منازلهم ". واختلف في صحته. ومنها التنويه من الكبير بذكر الصغير ليلتفت إليه النَّاس للأخذ عنه. أفاده السخاوي. 718 - وَمِنْهُ أَخْذُ الصَّحْبِ عَنْ أَتْبَاعِ ... وَتَابِعٍ عَنْ تَابِعِ الأَتْبَاعِ (ومنه) أي من هذا النوع (أخذ الصحب) أي رواية الصحابة (عن أتباع) لهم (و) أخذ (تابع عن تابع الأتباع) ثم مثل ذلك بقوله: 719 - كَالْبَحْرِ عَنْ كَعْبٍ وَكَالزُّهْرِيِّ ... عَنْ مَالِكٍ وَيَحْيَى الانْصَارِيِّ (كالبحر) أي وذلك كرواية البحر ابن عباس، وكذا العبادلة الأربعة، وأنس، ومعاوية، وأبو هريرة (عن كعب) هو ابن ماتِع الحِميَرِي أبو إسحاق

المعروف بكعب الأحبار، ثقة مخضرم، كان من أهل اليمن، فسكن الشام، مات في آخر خلافة عثمان، وقد زاد على المائة، وليس له في البخاري رواية إلا حكاية لمعاوية فيه، وله في مسلم رواية لأبي هريرة عنه عن طريق الأعمش عن أبي صالح. اهـ ت. (وكالزهري) محمد بن مسلم أي كروايته، وهو تابعي، (عن مالك) الإمام وهو من أتباع التابعين، (و) كرواية (يحيى) بن سعيد بن قيس (الأنصاري) المدني أبي سعيد القاضي، المتوفى سنة 144 هـ أو بعدها، وهو من التابعين، عن مالك أيضاً، والأنصاري بنقل حركة الهمزة إلى اللام للوزن نسبة إلى الأنصار القبيلة المشهورة. (تَتِمَّة): الزيادات قوله: وعلمُ ذا إلى قوله قلبه الإسنادا، وقوله وتابع عن تابع الأتباع إلى آخر الباب.

(رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة)

(رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة) أي هذا مبحثه، وهو النوع الرابع والخمسون من أنواع علوم الحديث. 720 - وَمَا رَوَى الصَّحْبُ عَنِ الأَتْبَاعِ عَنْ ... صَحَابَةٍ فَهْوَ ظَرِيفٌ لِلْفَطِنْ 721 - أَلَّفَ فِيهِ الْحَافِظُ الْخَطِيبُ ... وَمُنْكِرُ الْوُجُودِ لا يُصِيبُ 722 - كَسَائِبٍ عَنْ ابْنِ عَبْدٍ عَنْ عُمَرْ ... وَنَحْوُ ذَا قَدْ جَاءَ عِشْرُونَ أَثَرْ (وما) مبتدأ أي الحديث الذي (روى الصحب) جمع صاحب بمعنى الصحابي كراكب وركب، أو اسم جمع له (عن الأتباع) متعلق بروى (عن صحابة) حال من الأتباع أي حال كون الأتباع ناقلين، عن الصحابة وقوله: (فهو ظريف) أي فن حسن، خبرُ مَا دخلت عليه الفاء، لكون المبتدإ مِمَّا يفيد العموم (للفَطِن) بفتح فكسر كفَرِح، أي للحاذق بهذا الفن، من فطن به، وإليه، وله، كفرح ونصر وكرم فطناً مثلثاً وبالتحريك وبضمتين، وله مصادر أخرى في " ق "، متعلق بظريف. (ألف فيه) أي جمع في هذا النوع جُزْءاً لطيفاً (الحافظ) أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (الخطيب) البغدادي إمام هذا الفن (ومنكر الوجود) مبتدأ أي وجود هذا النوع قائلًا: بأن رواية الصحابة عن التابعين لا تكون إلا إسرائيليات أو موقوفات، (لا يصيب) خبر المبتدإ، أي لم يدرك الحق.

وحاصل المعنى: أن من أنكر من العلماء وجود رواية الصحابي عن التابعين للحديث المرفوع غير مصيب لوجود ذلك منهم، كما مثل لذلك بقوله: (كسائب) أي كرواية سائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي صحابي صغير تقدمت ترجمته. (عن ابن عبد) هو عبد الرحمن بن عبد بغير إضافة القاريّ بتشديد الياء نسبة إلى قَارَةَ قبيلة مشهورة بجَودَةِ الرمي، من ثقات التابعين، ويقال له: رؤية، مات سنة 88 روى له الجماعة حال كونه راوياً (عن عمر) بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل " رواه مسلم والأربعة. (ونحو ذا) بالرفع مبتدأ أي مثل ما وقع لسائب خبره (قد جاء عشرون أثر) أي حديثاً، وقف عليه بالسكون، وإن كان تمييزاً منصوباً على لغة ربيعة. وحاصل المعنى: أنه حصل من رواية الصحابي عن التابعي عن الصحابى كما لسائب عشرون حديثاً جمعها الحافظ العراقي. منها: حديث سهل بن سعد المساعدي - رضي الله عنه - عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أملى عليَّ (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فجاء ابن أم مكتوم " الحديث رواه البخاري وغيره. ومنها: حديث يعلى بن أمية عن عنبسة بن أبي سفان عن أخته أم حبيبة مرفوعاً: " من صلى ثنتين عشرة ركعة بالنهار، أو بالليل بني له بيت في الجنة " رواه النسائي. ومنها: حديث أبي هريرة عن أم عبد الله بن ذئاب عن أم سلمة مرفوعاً: " ما ابتلى الله عبداً ببلاء، وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة له " رواه ابن أبي الدنيا في كتابه المرض والكفارات. (تَتِمَّة): هذا الباب زائد على العراقي.

(رواية الأقران)

(رواية الأقران) أي هذا مبحثها، وهو النوع الخامس والخمسون من أنواع علوم الحديث وهو نوع مهم تأتي فائدته في النظم. 723 - وَوَقَعَتْ رِوَايَةُ الأَقْرَانِ ... وَعِلْمُهَا يُقْصَدُ لِلْبَيَانِ 724 - أَنْ لايُظَنَّ الزَّيْدُ فِي الإِسْنَادِ أَوْ ... إِبْدَالُ عَنْ بِالْوَاوِ وَالْحَدَّ رَأَوْا 725 - إِنْ يَكُ فِي الإِسْنَادِ قَدْ تَقَارَبَا ... وَالسِّنَّ دَائِمًا وَقِيلَ: غَالِبَا (ووقعت) أي حصلت ووجدت (رواية الأقران) بعضِهِم عن بعضٍ، ثم ذكر فائدتها فقال: (وعلمها) أي معرفة رواية الأقران، مبتدأ خبره جملة (يقصد) بالبناء للمفعول (للبيان)، أي ليتضح الحال، ويزول الإشكال (أن) مصدرية (لا يظن) بالبناء للمفعول والنائب عن الفاعل قوله: (الزيد) مصدر زاد الشيءُ (في الإسناد) متعلق به، والمصدر المؤول بدل من البيان. والمعنى: أن علم هذا النوع أمر مهم مقصود لئلا يظن الزيادة في الإسناد (أو) أن لا يظن (إبدال عن) الواقعة فيه (بالواو) أي وقوع " عن " بدلاً عن الواو العاطفة إن كان بالعنعنة. (والحد) مفعول مقدم أو مبتدأ، أي تعريف هذا النوع (رأوا) أي العلماء (إن) شرطية (يك) أي القرينان الراوي أحدهما عن الآخر (في الإسناد) أي الأخذ عن الشيوخ (قد تقاربا) خبر يك (والسن) بالجر عطف

على الإسناد أي تقاربا أيضاً في العمر (دائماً، وقيل غالباً) أي أن التقارب لا يشترط في السن، بل هو الغالب فيكفي التقارب في الإسناد فقط وعليه الحاكم، وجواب إن دل عليه ما قبله، أي رأوا الحدَّ. وحاصل المعنى: أن أهل الحديث رأوا حَدَّ رواية الأقران إن تقارب القرينان في الإسناد والسن، وربما اكتفوا بالإسناد فقط، كأن يكون أحد الراويين أكبر سِنًّا من الآخر، ولكنهما يشتركان في الشيوخ فهما من الأقران أيضاً. 726 - وَفِي الصِّحَابِ أَرْبَعٌ فِي سَنَدِ ... وَخَمْسَةٌ، وَبَعْدَهَا لَمْ يُزَدِ (وفي الصحاب) خبر مقدم لقوله: (أربع) أي وثابت في الصحابة - رضي الله عنهم - أربع أنفس (في سند) واحد يروي بعضهم عن بعض، وحاصل المعنى: أنه وجد في سند واحد أربعة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، وهو حديث السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزى، عن عبد الله بن السعدي، عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: " ما جاءك من هذا المال من غير إسراف، ولا سؤال فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك ". قال: المحقق هكذا ذكره الناظم في التدريب والحديث بمعناه في صحيح مسلم في السائب عن عبد الله السعدي بحذف حويطب اهـ. وثابت في الصحاب أيضاً (خمسة) نفر في سند واحد، وهو حديث عبد الله بن عمرو عن عثمان عن عمر عن أبي بكر الصديق عن بلال - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الموت كفارة لكل مسلم ". قال المحقق: هكذا نقله الناظم في التدريب عن بعض الأجزاء، ورواه بإسناده هو ولم يتكلم على إسناده من صحة أو ضعف، وقد نقل المتن في الجامع الصغير، ورمز له بأنه رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب من حديث أنس، وأطال القول فيه في اللآلئ المصنوعة، وكل طرقه التي ذكرها من حديث أنس، ولم يذكر أنه جاء من رواية بلال، وكذلك نسبه العجلوني في كشف الخفا للبيهقي، والقضاعيّ، ولم أجد له

إسناداً عن بلال إلا الإسناد الذي رواه به الناظم وهو إسناد يحتاج إلى نظر كثير. اهـ كلام المحقق، (وبعدها) أي بعد الخمسة (لم يَرِدِ) من الووود أي لم يجئ، وفي نسخة المحقق لم يزد من الزيادة فعليه الفعل بالبناء للمفعول، أى لم يزد على الخمسة، بمعنى أن رواية الصحابة بعضهم عن بعض لا يتعدى خمسة أشخاص. (لطيفة): ذكرها الناظم في التدريب قال قد يجتمع جماعة من الأقران في حديث كما روى أحمد بن حنبل، عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن يحيى بن معين، عن علي بن المديني، عن عُبَيد الله بن معاذ، عن أبيه عن سعيد (¬1) عن أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: " كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من شعورهن حتى يكون كالوَفْرَةِ " فأحمد، والأربعة، فوقه خمستهم أقران اهـ. 727 - فَإِنْ رَوَى كُلٌّ مِنَ الْقِرْنَيْنِ عَنْ ... صَاحِبِهِ فَهْوَ " مُدَبَّجٌ " حَسَنْ (فإن روى) أي أخذ (كل) واحد (من القرنين) بكسر القاف تثنية قرن، وهو المماثل قال في المصباح: والقِرْن من يقاومك في علم، أو قتال، أو غير ذلك، والجمع أقران مثل حِمْل وأحمال. اهـ. (عن صاحبه) أى قرنه (فهو مدبج) بصيغة اسم المفعول المضعف وقوله: (حسن) إشارة إلى وجه تسميته به، يعني: أنه إنما سمى به لحسنه، لأن المدبج لغة المُزَيَّن، لأن الرواية إنما تقع كذلك لنكتة يعدل فيها عن العلو إلى المساواة، أو النزول، فيحصل للإسناد بذلك تزيين، وهذا الذي اختاره الناظم في وجه التسمية هو مختار العراقي، قال: ويحتمل أن يكون سُمِّيَ به لنزول الإسناد فيكون ذَمًّا من قولهم رجل مدبج قبيح الوجه والهامة. قال: ويحتمل كونه مأخوذاً من ديباجتي الوجه وهما الخدان لتساويهما وتقابهلهما، قلت: وهذا هو الذي اختاره الحافظ في شرح النخبة. ¬

_ (¬1) في شرح الألفية للعراقي عن شعبة فليحرر.

والحاصل: أنه إن روى كل واحد من القرنين عن صاحبه فهو المدبج، وأول من سماه بذلك الدارقطني، إلا أنه لم يقيده بكونهما قرنين، بل كل اثنين روى كل منهما عن الآخر يسمى بذلك، وإن كان أحدهما أكبر، وذكر منه رواية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبي بكر، وعمر، وسعد بن عبادة، وروايتهم عنه، ورواية عمر، عن كعب، وكعب عنه. والمدبج أخص من رواية الأقران فكل مدبج أقران ولا عكس، ثم ذكر أمثلته بقوله: 728 - فَمِنْهُ فِي الصَّحْبِ رَوَى الصِّدِّيقُ ... عَنْ عُمَرٍ ثُمَّ رَوَى الفَارُوقُ (فمنه) الفاء فصيحيّة أي من المدبج، خبر مقدم (في الصحب) - رضي الله عنهم -، وقوله: (روى الصديق) في تأويل المصدر بتقدير " أن " على قلة، كما في تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، مبتدأ مؤخر، أي رواية الصديق أبي بكر - رضي الله عنه - (عن عمر) بالصرف للضرورة (ثم) بمعنى الواو لأنه لا يراد هنا الترتيب، (روى الفاروق) عطف على ما قبله، أي رواية الفاروق عنه، وهو لقب لعمر - رضي الله عنه -، لَقَّبَهُ به النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الحافظ في الإصابة وأخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه بسند فيه إسحاق بن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل عمر عن إسلامه فذكر قصته بطولها، وفيها أنه خرج ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين حمزة وأصحابه الذين كانوا اختفوا في دار الأرقم، فعلمت قريش أنه امتنع فلم تصبهم كآبة مثلها، قال: فسماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ الفاروق اهـ. وحاصل المعنى: أن مثال المدبج في الصحابة رواية أبي بكر الصديق عن عمر وعمر عنه. 729 - وَفِي التِّبَاعِ عَنْ عَطَاءِ الزُّهْرِيْ ... وَعَكْسُهُ، وَمِنْهُ بَعْدُ فَاْدْرِ والمدبج (في التباع) بالكسر مصدر تابع أي ذوي التباع، بمعنى التابعين، والجار والمجرور خبر مقدم، أي كائن في التابعين، أو حال، والخبر محذوف أي منه (عن عطاء) بمنع الصرف للوزن، هو عطاء بن أبي

رباح بالفتح، واسم أبيه أسلم، القرشي مولاهم المكي، ثقة فاضل فقيه لكنه كثير الإرسال، مات سنة 114 هـ، روى له الجماعة. اهـ ت، وقوله: (الزهري) مبتدأ مؤخر، على حذف مضاف أي رواية الزهري حال كونها منقولة عن عطاء كائنة في التابعين مثالاً للمدبج، أو رواية الزهري عن عطاء كائنة منه أي المدبج حال كونها واقعة في التابعين (وعكسه) كذلك أي رواية عطاء عنه. وحاصل المعنى: أن مثال المدبج في التابعين رواية عطاء والزهري كل منهما عن الآخر. (ومنه) أي من المدبج متعلق بادر (بعدُ) أي بعد التابعين، أي في أتباع التابعين (فادر) أي اعلم وجود مثل ما تقدم من المدبج في أتباع التابعين كرواية مالك عن الأوزاعي وعكسه. 730 - فَتَارَةً رَاوِيهِمَا مُتَّحِدُ ... وَالشَّيْخُ أَوْ أَحْدُهُمَا يَتَّحِدُ (فتارة) منصوب على الظرفية بمعنى المرة، وأصلها الهمز لكنه خفف لكثرة الاستعمال، وربما همزت على الأصل، وجمعت بالهمز، فقيل تأرة وتئَار وتِئَر، وأما المخفف فالجمع تارات، قاله في المصباح. (راويهما) أي الراوي عن القرنين (متحد) أي واحد (والشيخ) كذلك واحد، والمعنى: أنه قد يكون الراوي عن القرنين واحداً، ويتحد شيخهما الذي أخذا عنه، (أو أحدهما) بسكون الحاء للوزن ولو قال: أو أحَدُ ذَيْنِ وَاحِدُ، لسلم من هذا التغيير الشَّاذ (يتحد) دون الآخر كأن يتحد الراوي دون الشيخ أو العكس، وقد لا يتحد واحد منهما، قال المحقق، هكذا قسم الناظم، ولا أرى فائدة من هذا التقسيم اهـ. قلت: هو من محسنات الإسناد، وطُرَفِهِ كما في سابقه، فالفائدة الحاصلة فيما سبق موجودة فيه كما لا يخفى، فإن من فوائد هذا الباب كما قال السخاوي، الحرص على إضافة الشيء لراويه والرغبة في التواضع في العلم والله أعلم. 731 - وَمِنْهُ فِي الْمُدَبَّجِ الْمَقْلُوبُ ... مُسْتَوِيًا مِثَالُهُ عَجِيبُ

732 - مَالِكُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكْ ... وَذَا عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَالِكْ سُلِكْ (ومنه) أي المدبج خبر مقدم (في المدبج) مصدر ميمي بمعنى التدبيج متعلق بقوله: (المقلوب) مبتدأ مؤخَّرٌ، أي المقلوب في تدبيجه كائن من أنواع المدبج حال كونه (مستوياً) في جميع الأمور المتعلقة بالرواية قال المحقق: أي ليس فيه شيء من الضعف الذي في نوع المقلوب الماضي في أنواع الضَّعِيف اهـ. (مثاله) أي مثال المقلوب في التدبيج (عجيب) أي مستطرف (مالك) بمنع الصرف للوزن بدل من عجيبٍ الخَبَرِ، أو خبر له حذوف أي هو مالك أي لرواية مالك بن أنس الإمام (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثَّوري أبي عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس مات سنة (¬1) 164 روى له الجماعة. اهـ ت. (عن عبد الملك) بن عبد العزيز بن جريج الأموي المكي (و) روى (ذا) أي عبد الملك (عن الثَّوري) سفيان (عن مالك) ابن أنسٍ فهذا إسناد كان على صورة ثم جاء في رواية أخرى على صورة أخرى مقلوباً كما ترى. وقوله: (سلك) بالبناء للمفعول، خبر لمحذوف أي هذا طريق مسلوك واضح، أو منظوم في جملة الأسانيد الصحاح. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: وعلمها يقصد إلى قوله: إبدال عن بالواو وقوله: وفي الصحاب: البيت، وقوله: فمنه في الصحب إلى آخر الباب. ¬

_ (¬1) وقيل سنة 161 كما يأتي في النظم.

(الإخوة والأخوات)

(الإخوة والأخوات) أي هذا مبحثه، وهو النوع السادس والخمسون من أنواع علوم الحديث. 733 - وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَِيءُّ صَنَّفَا ... فِي إِخْوَةٍ وَقَدْ رَأَوْا أَنْ يُعْرَفَا 734 - كَيْ لا يُرَى عِنْدَ اشْتِرَاكٍ فِي اسْمِ الأَبْ ... غَيْرُ أَخٍ أَخًا وَمَا لَهُ انْتَسَبْ (ومسلم) بن الحجاج صاحب الصَّحِيح مبتدأ (و) أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (النسيء) عطف على المبتدإ وخبره جملة قوله: (صنفا) كتابين (في) بيان أسماء (إخوة) أي وأخوات من الرواة والعلماء، وكذا ألف ابن المديني وأبو داود وأبو العباس السراج والجعابي، ثم الدمياطي، وكذا صنف في خصوص أولاد المحدثين أبو بكر بن مردويه، وفي خصوص الإخوة من أولاد كل من عبد الله وعتبة ابني مسعود الدارقطني، وفي خصوص رواية الإخوة بعضهم عن بعض أبو بكر بن السُّنِّيِّ، وأمثلته في الاثنين فما فوقها كثيرة، قاله السخاوي، ثم ذكر فائدة هذا النوع بقوله: (وقد رأوا) أي العلماء الذين أفردوه بالتصنيف (أن) مصدرية (يعرفا) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق، أي أرادوا أن يعرف هذا الفن معرفة تامة (كي) تعليلية (لا يرى) بالبناء للمفعول أي لا يظن (عند اشتراك) أي اشتراك جماعة (في اسم أب) بالتنكير، وفي نسخة المحقق الأب بالتعريف

ولا بد من النقل للوزن. (غير أخ) بالرفع نائب فاعل يرى (أخاً) مفعوله الثاني (و) الحال أنه (ما) نافية (له) أي للمشترك بالفتح (انتسب) المشترك بالكسر، يعني: أنه لا انتساب بينهما، وإنما مجرد اشتراك في الاسم فقط. وحاصل المعنى: أن فائدة هذا النوع هو الأمن من ظن من ليس بأخ أخاً للاشتراك في اسم الأب كأحمد (¬1) بن إشكاب وعلي بن إشكاب ومحمد بن إشكاب، وكذا الأمن من ظن الغلط، ثم ذكر لطائف غريبة في هذا النوع منها أربع إخوة في سند واحد فقال: 735 - أَرْبَعُ إِخْوَةٍ رَوَوْا فِي سَنَدِ ... أَوْلادُ سِيرِينَ بِفَرْدٍِ مُسْنَدِ (أربع إخوة) من الرجال مبتدأ خبره جملة (رووا) أي أخذ بعضهم عن بعض (في سند) واحد وهم (أولاد سيرين) بكسر المهملة ثم مثناة تحتية بعدها راء وآخره نون، وهم محمد وأنس وَيَحْيَى ومعبد، قال السخاوي بعد ذِكرِهِم، وذِكِر، حفصةَ، وكريمةَ: وكلهم ثقات (بفرد) أي بحديث واحد (مسند) أي متصل مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو ما رواه محمد بن سيرين عن أخيه يَحْيَى، عن أخيه معبد، عن أخيه أنس، عن مولاهم أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قال لبيك حجاً حَقّا تعبداً ورِقّا " قال الناظم: ذكره ابن طاهر وهو في جزء أبي الغنائم النَّرْسي (¬2)، وأخرجه الدارقطني من غير ذكر معبد، في علله. قال المحقق: وفي التدريب سعيد يعني بدل معبد، وهو خطأ اهـ. وهذه لطيفة غريبة جِدُّا. (تنبيه): لسيرين أولاد كثيرون وهم محمد وأنس وَيَحْيَى ومعبد وحفصة وكريمة المتقدمون، قال السخاوي: وكان معبد أكبرهم سنًّا، وأقدمهم موتاً، وحفصة أصغرهم، وممن عدهم ستة ابن معين، والنسائي ¬

_ (¬1) بكسر الهمزة، واسم إشكاب الأول مُجَمِّع. (¬2) بفتح فسكون: نسبة إلى نهر من أنهار الكوفة.

في الكنى، والحاكم في علومه، وكذا أبو علي الحافظ فيما نقله الحاكم في تاريخه عنه لكنه جعل مكان كريمة خالداً، وجعله ابن سعد في الطبقات سابعاً، وزاد فيهم أيضاً عمرة وسودة وأمهما كانت أم ولد لأنس بن مالك، وأم سليم، وأمها هي ومحمد وَيَحْيَى وحَفْصَة وكرمية صفية، فصاروا عشرة وقد ضبطه البرماوي في النظم فقال (من بحر الطويل): لِسِيرِينَ أوْلَادٌ يُعَدُّونَ سِتَّةً ... عَلَى الأشْهَرِ الْمَعْرُوفِ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ وَبِنْتَانِ مِنْهُمْ حَفْصَة وَكَرِيمَة ... كَذَا أنسٌ مِنْهمْ وَيَحْيىَ وَمَعْبَدُ وَزَادَ ابْنُ سَعْدٍ خَالِداً ثُمَّ عَمْرَةً ... وَأمَّ سُلَيْمٍ سَوْدَةً لاَ تُفَنَّدُ وعدهم ابن قتيبة في المعارف إجمالًا ثلاثة وعشرين من أمهات أولاد. اهـ ما قاله السخاوي بتصرف. قال النووي: وكان أبوهم سيرين من سبى عَينِ التَّمْر، وهو مولى لأنس بن مالك كاتبه على عشرين ألف درهم فأداها وعتق اهـ. ومنها إخوة سبعة شهدوا بدراً ذكرهم بقوله: 736 - وَإِخْوَةٌ مِنَ الصِّحَابِ بَدْرَا ... قَدْ شَهِدُوهَا سَبْعٌ اَبْنَا عَفْرَا (وَإِخْوَةٌ) مبتدأ، وقوله (من الصحاب) - رضي الله عنهم -، صفة له (بدراً) أي غزوتها منصوب على الاشتغال يفسره ما بعده (قد شهدوها) أي حضروها وباشروا القتال فيها، خبر المبتدإ (سبع) خبر لمحذوف أي هم سبع (ابنا عفرا) بوصل الهمزة والقصر للضرورة، بدل من سبع، أو خبر لمحذوف أيضاً، أي هم أبناء عفراء. وحاصل المعنى: أن سبعة من الإخوة شهدوا بدراً وهم أبناء عفراء بنت عبيد بن ثعلبة ؤهم معاذ ومعوذ، وعوف أبوهم الحارث بن رفاعة بن الحارث، وعاقل وخالد وإياس وعامر، أبوهم البكير بن عبد ياليل الليثي، فهم سبعة إخوة لأم، ثلاث من أب، وأربعة من أب، قال الحافظ في الإصابة: هذه خصيصة لها لا توجد لغيرها.

قال الناظم: ثمانية في الصحابة: أسماء وحمران وخراش وذؤيب وسلمة وفضالة ومالك وهند بنو حارثة، شهدوا بيعة الرضوان بالحديبية، ولم يشهدها غيرهم، يعني: من الإخوة. اهـ بتصرف. ومنها تسعة إخوة مهاجرون ذكرهم بقوله: 737 - وَتِسْعَةٌ مُهَاجِرُونَ هُمْ بَنُو ... حَارِثٍ السَّهْمِيِّ كُلٌّ مُحْسِنُ (وتسعة) من الصحابة - رضي الله عنهم - مبتدأ (مهاجرون) صفة له (هم) مبتدأ ثان خبره (بنو حارث) والجملة خبر الأول، والمعنى: أن من الإخوة الصحابة تسعة كلهم مهاجرون، وهم أولاد الحارث بن قيس بن عدي (السهمي) وهم بشر وتميم والحارث والحجاج والسائب وسعيد وعبد الله ومعمر وأبو قيس (كل) من هؤلاء التسع (محسن) لكونه آثر الباقي على الفاني، حيث ترك وطنه لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وزادوا على ذلك أَنِ استشهد منهم سبعة في سبيل الله. قال الناظم: مثال العشرة من الصحابة أولاد العباس: عبد الله، وعبيد الله، وعبد الرحمن والفضل وقثم ومعبد وعون والحارث وكثير وتمام، وهو أصغرهم، ومثال الاثني عشر فيهم، أولاد عبد الله بن أبي طلحة، إبراهيم وإسحاق وإسماعيل وزيد وعبد الله وعمارة وعمر وعمير والقاسم ومحمد ويعقوب ومعمر، ومثال الثلاثة عشر، أو الأربعة عشر، أولاد العباس المذكورون وله أربع إناث أو ثلاث، أم كلثوم وأم حبيب وأميمة وأم تميم. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: ومسلم والنسائي، وقوله: وقد رأوا أن يعرفا إلى قوله أربع، في البيت الثالث، وقوله: بفرد مسند إلى قوله: كل محسن.

(رواية الآباء عن الأبناء وعكسه)

(رواية الآباء عن الأبناء وعكسه) أي هذا مبحثهما وهما نوعان جمعهما في باب واحد لتقابلهما، وهما النوع السابع والخمسون والثامن والخمسون من أنواع علوم الحديث. وهما فنان مهمان، وفائدة معرفة أولهما الأمن من ظن التحريف الناشئ عن الابن أباً. 738 - وَأَلَّفَ الْخَطِيبُ فِي ذِي أَثْرِ ... عَنْ ابْنِهِ كَوَائِلٍ عَنْ بَكْرِ 739 - وَالْوَائِلِي فِي عَكْسِهِ ...... ... ................ (وألف الخطيب) أي جمع الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي كتاباً (في ذي) أي صاحب (أثر) بفتح فسكون مصدر أثر الحديث من باب قتل إذا نقله (عن ابنه) متعلق بأثر أي فيمن روى عن ابنه. والمعنى: أن الخطيب ألف فيمن روى عن ابنه وذلك (كوائل) ابن داود التيمي الكوفي (عن) ابنه (بكر) عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً: " أخّروا الأحمال فإن اليد معلقة والرجل موثقة ". وكرواية العباس عن ابنه الفضل: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين بالمزدلفة " (و) ألف الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي (الوائلي) بسكون الياء للوزن، قال في اللباب نسبة إلى قرية

بسجستان يقال لها وائل، أحد الحفاظ، رحل في طلب الحديث إلى العراق ومصر والحجاز وأقام بمكة إلى أن مات بعد الأربعين والأربعمائة، وكان ثقة حسن السيرة، وقال عبد العزيز النخشبي: أبو نصر الوائلي كان من بكر بن وائل السجستاني، فإن اتفق له هذه النسبة في الأب والمكان، وإلا فأحدهما خطأ. (في عكسه) أي عكس رواية الآباء عن الأبناء، وهو رواية الأبناء عن الآباء، الذي هو ثاني النوعين، وهو الجادة، ثم هو نوعان رواية الرجل عن أبيه فحسب، وهو باب واسع كرواية أبي العشراء بضم العين وفتح الشين وبعدها راء ممدوداً عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديثه في السنن الأربعة، والراجح أن اسمه أسامة بن مالك بن قِهْطِم بكسر القاف والطاء آخره ميم، وقيل: غير ذلك، والثانى: روايته عن أبيه عن جده وإليه أشار بقوله: ........... فَإِنْ يُزَدْ ... عَنْ جَدِّهِ فَهْوَ مَعَالٍ لا تُحَدّْ (فإن يزد) بالبناء للمفعول ونائب الفاعل قوله: (عن جده) أي هذا اللفظ يعني: أنه إن زيد في رواية الابن، عن أبيه عن جده (فهو) أي هذا القسم (معال) بفتح الميم جمع معلاة بفتحها أيضاً أي مَكْسَب الشرف، مشتق من قولهم عَلِيَ في المكان يَعْلَى من باب تعب عَلَاءً بالفتح والمد، أفاده في المصباح. (لا تحد) بالبناء للمفعول صفة معال أي غير محدودة، قال أبو القاسم منصور بن محمد العلوي: الإسناد بعضه عوال وبعضه معال، وقول الرجل حدثني أبي عن جدي من المعالي. 740 - أَهَمُّهُ حَيْثُ أَبٌ وَالْجَدُّ لا ... يُسَمَّى وَالآبَا قَدِ انْتَهَتْ إِلَى 741 - عَشْرَةٍ وَأَرْبَعٍٍ فِي سَنَدِ ... مُجَهَّلٍ لأرْبَعِينَ مُسْنَدِ (أَهَمُّهُ) مبتدأ أي أهم رواية الأبناء عن الآباء خبره قوله: (حيث أب والجد لا يسمى) كل منهما، أو سمى الأب وأبهم الجد، لأنه يحتاج إلى

معرفته، وقد ألف الحافظ صلاح الدين العلائي فيه، الوشي المعلم، وقسمه أقساماً فمنه ما يعود الضمير في قوله عن جده على الراوي، ومنه ما يعود فيه على أبيه، وبَيَّنَ ذلك وحققه، وخرج في كل ترجمة حديثاً من مرويه، وقد لخصه الحافظ وزاد عليه تراجم. والمعنى: أن أهم هذا النوع ما إذا كان الأب، أو الجد غير مسمى لاحتياجه إلى التنقيب ليعرف، ثم ذكر نهاية التسلسل من هذا النوع بقوله: (والأبا) بالقصر للوزن مبتدأ خبره جملة (قد انتهت) رواية أبنائهم عنهم (إلى عشرة وأربع) يعني: أربعة عشر أباً (في سند مجهل) أي منسوب إلى الجهالة في بعضه (لأربعين مسند) تمييز كسر للروي أي لأربعين حديثاًَ مسنداً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وحاصل المعنى: أن أكثر ما وقع في التسلسل برواية الأبناء عن الآباء أربعة عشر أباً جاء بها أربعون حديثاً، وهي رواية أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه علي بن أبي طالب: الحسن بن عبيد الله عن أبيه عبيد الله بن محمد، عن أبيه محمد بن عبيد الله، عن أبيه عبيد الله بن علي، عن أبيه علي بن الحسن، عن أبيه الحسن بن الحسين، عن أبيه الحسين بن جعفر، وهو أول من دخل بلخ من هذه الطائفة، عن أبيه جعفر الملقب بالحجة، عن أبيه عبيد الله، عن أبيه الحسين الأصغر، عن أبيه زين العابدين علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده علي - رضي الله عنه -، مرفوعاً، منها حديث: " المجالس بالأمانة "، ومنها: " ليس الخبر كالمعاينة "، ومنها حديث: " الحرب خدعة "، ومنها حديث: " المستشار مؤتمن "، ومنها: " المسلم مرآة المسلم ". قال العراقي: وفيهم من لا يعرف. وأما دون ذلك، فمن تسعة أباء ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد عن أبي الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بضم الهمزة وفتح الكاف وفتح النون بن عبد الله التميمي كل واحد من هؤلاء: عبد الوهاب، ومن فوقه،

يقول: سمعت أبي إلى أن وصل إلى أكينة قال: سمعت علي بن أبي طالب: وقد سئل عن الحنان المنان؟ فقال: " الحنان الذي يُقبِلُ على من أعرض عنه، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال ". قال الخطيب: بين أبي الفرج وبين علي في هذا الإسناد تسعة آخرهم أكينة بن عبد الله وهو الذي سمع علياً - رضي الله عنه - أخرجه في كتاب الآباء، وروى بهذا السَّند في كتاب اقتضاء العلم العمل، عن علي أيضاً: " هَتَفَ العلم بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل ". ومن اثني عشر أبا ما رواه العراقي والناظم بإسناديهما إلى رزق الله بن أبي الفرج عبد الوهاب شيخ الخطيب عن آبائه هؤلاء المذكورين إلى أكينة قال: سمعت أبي الهيثم سمعت أبي عبد الله سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديثاً مرفوعاً ثم نقل الناظم عن الحافظ العلائي قال: هذا إسناد غريب جِدًّا ورزق الله كان إمام الحنابلة في زمانه من الكبار المشهورين، وأبوه أيضاً إمام مشهور لكن جده عبد العزيز وهو أبو الحسن التميمي متكلم فيه على إمامته، واشتهر بوضع الحديث، وبقية آبائه مجهولون لا ذكر لهم في شيء من الكتب أصلاً، وقد خبط فيهم عبد العزيز فزاد أبا لأكينة وهو الهيثم. 742 - وَمَا لِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِهْ ... عَنْ جَدِّهِ فَالأَكْثَرُونَ احْتَجَّ بِهْ 743 - حَمْلاً لِجَدِّهِ عَلَى الصَّحَابِي ... وَقِيلَ بِالإِفْصَاحِ وَاسْتِيعَابِ (وما) مبتدأ أي الحديث الذي (لعمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص من الخامسة، توفي 118 هـ (عن أبه) على لغة النقص، وهو شعيب المذكور (عن جده فالأكثرون) من المحدثين (احتج به) أي بما لعمرو، وجملة الأكثرون خبر " ما ". وحاصل المعنى: أن الحديث الذي رواه عمرو بن شعيب بن محمد عن أبيه عن جده احتج به أكثر العلماء إذا صح السَّند إليه، وله نسخة كبيرة بهذا السَّند أكثرها فقهيات جياد، قال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل،

وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من المسلمين، قال: من النَّاس بعدهم؟ وروى الحسن بن سفيان عن إسحاق بن راهويه قال: إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر، قال النووي: وهذا التشبيه نهاية في الجلالة من مثل إسحاق، وقال أيضاً: إن الاحتجاج به هو الصَّحِيح المختار الذي عليه المحققون من أهل الحديث وهم أهل هذا الفن، وعنهم يؤخذ اهـ. (حملًا) مفعول لأجله أي إنما احتجوا به لأجل حملهم (لجده) المذكور (على) أنه عبد الله بن عمرو (الصحابي) الجليل، بإرجاع الضمير على شعيب دون عمرو، وذلك لما ظهر لهم في إطلاقه ذلك، وسماع شعيب من عبد الله ثابت، وقوله: (وقيل بالإفصاح واستيعاب) إشارة إلى قولين آخرين قائلين بالتفصيل الأول، ما ذهب إليه الدارقطني، وهو الفرق بين ما إذا أفصح بجده أنه عبد الله فيحتج به، أو لا يفصح فلا يحتج به، وكذلك إن ذكر ما يدل على المراد بأنه هو الصحابي يحتج به، كأن يقول عن أبيه عن جده سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو نحوه. القول الثاني: ما ذهب إليه ابن حبان وهو تفصيل آخر، قال: إن استوعب ذكر آبائه في الرواية احتج به، وإن اقتصر على قوله عن أبيه عن جده لم يحتج به، وقد أخرج في صحيحه حديثاً واحداً هكذا عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن محمد بن عبد الله بن عمرو عن أبيه مرفوعاً: " ألا أحدثكم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة " الحديث. قال الحافظ العلائي ما جاء به التصريح برواية محمد عن أبيه في السَّند فهو شاذ نادر. والحاصل: أن في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اختلافاً، ذهب قوم إلى أنه لا يحتج بها لأن جده محمد لا صحبة له، فهو إن أراد جده عبد الله فشعيب لم يلقه، فيكون منقطعاً، وإن أراد محمداً فلا صحبة

له فَيَكونُ مرسلاً، قال الذهبي في الميزان: هذا لا شيء لأن شعيباً ثبت سماعه من عبد الله، وهو الذي رَبَّاه حتى قيل: إن محمداً مات في حياة أبيه عبد الله، وكفل شعيباً جده عبد الله، فإذا قال عن أبيه عن جده: فإنما يريد بالضمير أنه عائد إلى شعيب. قال: وصح أيضاً سماع شعيب من معاوية، وقد مات معاوية قبل عبد الله بن عمرو بسنوات فلا ينكر سماعه من جده، سيما وهو الذي رباه وكفله اهـ. وذهب قوم إلى الاحتجاج بها، وهو قول الجمهور، وهو الراجح كما تقدم. وذهب قوم إلى التفصيل وهؤلاء على قولين فمنهم من فصل بالإفصاح وهو الدارقطني قال: إن أفصح بجده أنه عبد الله احتج به وإلا فلا. ومنهم من فصل بالاستيعاب وهو ابن حبان قال: إن استوعب ذكر آبائه احتج به، وإن اقتصر على قوله عن أبيه عن جده فلا يحتج به. 744 - وَهَكَذَا نُسْخَةُ بَهْزٍ، وَاخْتُلِفْ: ... أَيُّهُمَا أَرْجَحُ وَالأُولَى أُلِفْ (وهكذا) خبر مقدم لقوله: (نُسْخَةُ بَهْزٍ) بن حكيم بن معاوية بن حَيْدَة بفتح الحاء، وسكون الياء القشيري البصري، مات قبل الستين ومائة، روى له البخاري تعليقاً والأربعة. اهـ. ت. والنسخة: الكتاب المنقول، والجمع نسخ مثل غرفة وغرف. اهـ المصباح، وهذه النسخة نسخة كبيرة حسنة. وحاصل المعنى: أنه اختلف العلماء مثل ما اختلفوا في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في نسخةٍ مرويةٍ لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، فاحتج بها بعضهم لكونها نسخة حسنة، صححها ابن معين، واستشهد بها البخاري في الصَّحِيح، وهذا هو الراجح، وردها بعضهم لأن سماعه منها يسير، والباقي بالوجادة، وقال الحاكم: إنما أسقط من الصَّحِيح روايته عن أبيه عن جده لأنها شاذة لا متابع له فيها اهـ.

(فائدة): قال السخاوي الضمير هنا في جده لبهز وهو معاوية بن حَيْدة القشيري صحابي شَهير ولا يصح أن يكون الضمير فيه لحكيم فإن جده حيدة لم ينقل له حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كونه صحابياً اهـ. ثم ذكر اختلاف العلماء في الترجيح بين النسختين فقال: (واختلف) بالبناء للمفعول وقوله: (أيهما) اسم موصول بمعنى الذي مبني لحذف صدر صلته في محل جر بفي مقدرة، والجار والمجرور في محل رفع نائب الفاعل. وقوله: (أرجح) خبر للمبتدإ المقدر، وتقدير الكلام: واختلف في الذي هو أرجح. وحاصل المعنى: أنه اختلف العلماء في هاتين النسختين أيهما أرجح هل نسخة عمرو عن أبيه عن جده، أو نسخة بهز عن أبيه عن جده؟ فرجح الأول بعضهم كما جنح إليه الناظم حيث قال: (والأولى) أي نسخة عمرو، مبتدأ على حذف مضاف أي ترجيح الأولى وخبره قوله: (ألف) بالبناء للمفعول أي اختير، من ألِفَ الشيء من باب علم أنس به وأحبه كما في المصباح. والمعنى: أن ترجيح الأولى هو الصواب لأن البخاري حكم بصحة رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، واستشهد بها في صحيحه. ورجح بعضهم الثانية لأن البخاري استشهد ببعضها في صحيحه تعليقاً، ورد بأن تصحيحه أقوى من مجرد استشهاده، وبأنه استشهد أيضاً بحديث عمرو فقد أخرج حديثاً معلقاً في كتاب اللباس من صحيحه، وخرجه الحافظ من طريق عمرو بن شعيب وقال: إنه لم يرَ في البخاري إشارة إلى حديث عمرو غير هذا الحديث قاله المحقق. 745 - وَاعْدُدْ هُنَا مَنْ تَرْوِ عَنْ أُمٍّ بِحَقّ ... عَنْ أُمِّهَا، مِثْلَ حَدِيثِ مَنْ سَبَقْ (واعدد هنا) أي اذكر هنا أيها المحدث في نوع رواية الأبناء عن الآباء رواية (من ترو) قال الشارح: بحذف الياء للوزن قلت: الأولى أنه لغة قليلة كقول الشاعر (من الرجز):

أبِيْتُ أسْرِي وَتَبَيِتِي تَدْلُكِي ... شَعْرَكِ بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الذِّكِي (عن أم) لها (بحق) متعلق بآعدُدْ، أي اعدده بحق لثبوته، أو بترو، أي بحديث حق إشارةٌ إلى أن الحديث المروي حق وصدق. (عن أمها) أي جدتها، والمعنى: أنه يلتحق برواية الرجل عن أبيه عن جده رواية المرأة عن أمها عن جدتها، قال الناظم: وهو عزيز جِدًّا، وذلك (مثل حديث من سبق)، وهو ما رواه أبو داود، في سننه عن بندار، ثنا عبد الحميد بن عبد الواحد، قال: حدثتني أم جنوب بنت نميلة عن أمها سويدة بنت جابر، عن أمها عقيلة بنت أسمر بن مضرس، عن أبيها أسمر بن مضرس، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعته: " فقال من سبق إلى ما لم يَسبِق إليه مسلم فهو له " قال البيهقي: أراد إحياء الموات، وخرج الكافر فلا حق له والله أعلم. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: والآبا قد انتهيت إلى قوله: لأربعين مسند، وقوله: وقيل بالإفصاح إلى آخر الباب.

(السابق واللاحق)

(السابق واللاحق) أي هذا مبحثه وهو النوع التاسع والخمسون من أنواع علوم الحديث وهو نوع ظريف سماه بذلك الخطيب، وستأتي فائدته. 746 - فِي سَابِقٍ وَلاحِقٍ قَدْ صُنِّفَا ... مَنْ يَرْوِ عَنْهُ اثْنَانِ وَالْمَوْتُ وَفَى 747 - لِوَاحِدٍ وَأُخِّرَ الثَّانِ زَمَنْ ... كَمَالِكٍ عَنْهُ رَوَى الزُّهْرِيْ وَمِنْ 748 - وَفَاتِهِ إِلَى وَفَاةِ السَّهْمِي ... قَرْنٌ وَفَوْقَ ثُلْثِهِ بِعِلْمِ (في سابق ولاحق) من الرواة متعلق بقوله: (قد صنفا) بالبناء للمفعول أي ألف العلماء كالخطيب ثم الذهبي في هذا النوع، وأشار الشارح إلى أنه بالبناء للفاعل حيث جعل الفاعل الخطيب وهو غير ظاهر. ثم عرفه بقوله: (من يرو) بحذف الياء لما تقدم أي هو من يرو (عنه اثنان) من الرواة (والموت وفى) مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال، أي حال كون الموت أتى (لواحد) من الراويين (وَأُخِّرَ) بالبناء للمفعول (الثاني) منهما أي تأخر موت الثاني (زمن) منصوب على الظرفية متعلق بـ أُخِّرَ، وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة أي زمناً طويلًا حتى حصل بينهما أمد مديد. وحاصل المعنى: أن السابق واللاحق عبارة عمن اشترك في الرواية عنه متقدم ومتأخر تباين وقت فاتيهما تبايناً شديداً.

(كَمَالِكٍ) خبر لمحذوف أي مثال كَمَالِكٍ الإمام حال كونه (عنه روى) أبو بكر محمد بن مسلم (الزهري ومن وفاته) أي الزهري (إلى وفاة) أبي حذافة أحمد بن إسماعيل (السهمي) بفتح فسكون (قرن) بفتح فسكون أي مائة سنة (وفوق ثلثه) بسكون اللام لغة في ضمها، أي ثلث القرن. وحاصل المعنى: أنّ بين وفاتي الزهري والسهمي أكثر من قرن وثلث فإن الزهري مات سنة 124 هـ والسهمي مات سنة 259 هـ فبينهما مائة وخمس وثلاثون سنة. وقوله: (بعلم) خبر لمحذوف أي هذا مضبوط بعلم محقق. ثم ذكر من فوائد هذا النوع بقوله: 749 - وَمِنْ مُفَادِ النَّوْعِ أَنْ لا يُحْسَبَا ... حَذْفٌ وَتَحْسِينُ عُلُوٍّ يُجْتَبَى (ومن مفاد النوع) بضم الميم اسم مفعولِ أفادَهُ، أي مما أفاده هذا النوع، أو مصدر ميمي له أي من فائدة هذا النوع، وهو خبر مقدم لقوله: (أن) مصدرية (لا يحسبا) بالبناء للمفعول وألف الإطلاق أي لا يظن (حذف) لبعض الرواة. وحاصل المعنى أن من فائدة معرفة السابق واللاحق الأمن من ظن سقوط بعض الرواة من إسنادِ متأخرِ الوفاةِ، لأنه لما رأى موت من أخذ عن الشيخ ربما توهم أن هناك واسطة بين هذا الراوي المتأخر الوفاة وبين الشيخ (ومن) مفاده أيضاً (تَحْسِينُ عُلُوٍّ) للإسناد أي إيصال حسنه وحلاوته إلى قلوب من يرو عنه، وذلك لأنه إذا اشترك راويان في الأخذ عن شيخ وعلم تقدم وفاة أحدهما على الآخر ثبت العلو لمتقدم الوفاة وإِذِ العلو قد يكون بتقدمها كما تقدم، وإذا ثبت العلو ثبتت حلاوته في قلوب أهله. (يجتبى) بالبناء للمفعول أي يختار، والجملة صفة لعلوٍّ إذ هو أفضل من النزول كما سبق، أو صفة للتحسين بل هو الأولى. ثم أعاد الكلام على أمثلة هذا النوع إلا أنه ترك الأولى وهو إما تقديم ذكر الفائدة، أو تأخيره لتتسق الأمثلة فقال:

750 - بَيْنَ أَبِي عَلِيٍّ وَالسِّبْطِ اللَّذَا ... لِلسِّلَفِيْ قَرْنٌ وَنِصْفٌ يُحْتَذَى (بين) وفاة (أبي علي) الحافظ أحمد بن أبي الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي البرداني بفتحتين كما في " ق " واللسان، وبضم الباء على ما في اللباب، الحنبلي، كان حافظاً فاضلًا توفي سنة (¬1) 498 هـ وهو أحد شيوخ الحافظ السلفي، والظرف خبر مقدم لقرن، أو متعلق بيحتذى (و) بين وفاة (السبط) بكسر فسكون ولد الولد جمعه أسباط مثل حمل وأحمال. اهـ المصباح. وفي المحكم ولد الابن والابنة. (اللذا) لغة في الذي (للسلفي) بكسر ففتح، هو الحافظ العلامة شيخ الإسلام أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الأصفهاني، كان أوحد زمانه في علم الحديث، وأعلمهم بقوانين الرواية توفي يوم الجمعة خامس ربيع الآخر سنة 576 وله 106 سنة. اهـ طبقات الحفاظ، والسبط هو عبد الرحمن بن مكي. والسلفي نسبة إلى سِلْفَة بكسر فسكون وكعنبة لقب جد جده معرب سه لبه أي ذو ثلاث شفاه، لأنه كان مشقوق الشفة. اهـ " ق "، وقيل: إنه منسوب إلى بطن من حمير، يقال لهم: بنو السلف،. اهـ تاج. (قرن ونصف) مبتدأ مؤخر، أو خبره قوله: (يحتذى) بالبناء للمفعول أي يُقَدَّرُ. وحاصل المعنى: أن الوقت الذي بين وفاتي أبي علي البَرَدَاني، وسبط السلفي: قرن ونصف أي مائة وخمسون سنة، وذلك أن الحافظ السلفي سمع منه أبو علي البرداني أحدُ مشايخه حديثاً، ورواه عنه، ومات على رأس (¬2) 500 سنة ثم آخر أصحاب السلفي بالسماع سبطه أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي وكانت وفاته سنة 650. ¬

_ (¬1) وسيأتي أنه مات سنة 500 هـ. (¬2) تقدم أنه مات سنة 498 هـ، وعلى تكون المدّة أزيد مما ذكر. فتنبه.

قال الحافظ: هذا أكثر ما وقفنا عليه من تباعد ما بين الراويين في الوفاة. (فائدة): القرن أربعون سنة، أو عشرة، أو عشرون، أو ثلاثون، أو خمسون، أو ستون، أو سبعون، أو ثمانون، أو مائة، أو مائة وعشرون، وقول من قال: مائة أصح أفاده في " ق ". (تَتِمَّة): الزيادة هنا قوله: ومن مفاد النوع إلى آخر الباب.

(من روى عن شيخ ثم روى عنه بواسطة)

(من روى عن شيخ ثم روى عنه بواسطة) أي هذا مبحثه، وهو النوع الستون من أنواع علوم الحديث. 751 - وَمَنْ رَوَى عَنْ رَجُلٍ ثُمَّ رَوَى ... عَنْ غَيْرِهِ عَنْهُ مِنَ الْفَنِّ حَوَى 752 - أَنْ لا يُظَنَّ فِيهِ مِنْ زَيَادَهْ ... أَوْ انْقِطَاعٌٍ فِي الَّذِي أَجَادَهْ (ومن) إما موصولة أو شرطية (روى) أي نقل حديثاً (عن رجل) المراد به الشيخ لا خصوص الرجل (ثم روى) ذلك الراوي ذلك الحديث (عن غيره) أي غير ذلك الشيخ، حال كونه ذلك الغير راوياً (عنه) أي الشيخ الذي روى ذلك الراوي عنه (من الفن) أي فن مصطلح الحديث متعلق بقوله: (حوى) أي جمع (أن) مصدرية (لا) نافية (يظن) بالبناء للمفعول (فيه) أي في السَّند الثاني المشتملِ على الواسطة. (من) زائدة (زيادة) لذلك الواسطة، إذا رواه بدونه، والجملة في تأويل المصدر مفعول حوى، أي حوى معرفةُ هذا النوع عَدَمَ ظنِّ زيادة إلخ. (أو انقطاع) بالجر عطف على زيادة، أو بالرفع على محلها، أي أن لا يظن انقطاع في محل الواسطة، أي نقص (في) السَّند (الذي أجاده) أي رواه أولاً مُجِيداً، أي آتيا بالجيد، يقال: أجاد فلان، إذا أتى بالجيد، من قول، أو فعل. اهـ المصباح. وصفه بالإجادة لعلوه حيث نقله من دون واسطة.

وحاصل المعنى: أن معرفة هذا النوع حوى من مهمات مصطلح الحديث عدم ظن الزيادة في صورة زيادة الواسطة، أو النقص في صورة حذفها. وحاصل هذا النوع: أنه قد يروي الراوي عن رجل حديثاً مباشرة ثم يرويه عنه بواسطة رجل آخر كما إذا روى مالك عن نافع حديثاً ثم رواه عن الزهري عن نافع، فهذا مما ينبه عليه الطالب، وينبغي له معرفته لئلا يخطئ فيظن الإسناد الذي فيه الزيادة خطأ من أحد الرواة أو غيرهم، أو يظن أن الإسناد الآخر الذي ليس فيه الزائد إسناد منقطع مع أن الإسنادين صحيحان. (تَتِمَّة): هذا الباب من زياداته على العراقي.

(الوحدان)

(الوُحدان) أي هذا مبحثه، وهو النوع الحادي والستون من أنواع علوم الحديث، وهو بضم الواو جمع واحد، وهو الذي لم يرو عنه إلا راو واحد صحابياً كان أو غيره. 753 - صَنَّفَ فِي الْوُحْدَانِ مُسْلِمٌ بِأَنْ ... لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَمِنْ 754 - مُفَادِهِ مَعْرِفَةُ الْمَجْهُولِ ... وَالرَّدُّ لا مِنْ صُحْبَةِ الرَّسُولِ (صنف في الوحدان) بضم فسكون جمع واحد (مسلم) الإمام الحجة صاحب الصَّحِيح جزء صغيراً في معرفة الوحدان (بأن لم يرو عنه) خبر لمحذوف أي ذلك كائن بأن لم يرو عن الشخص (غير واحد) من الرواة، يعني: أن الوُحْدان هم الذين جهلت عينهم فلم يرو عنهم إلا راو واحد (ومن مفاده) بالضم أي فائدة هذا النوع (معرفة المجهول) عينه أو حاله (والرد) بالرفع عطفاً على معرفة من عطف المسبب على السبب أي من مفاده أيضاً رد روايته على الخلاف الذي مر في باب من تقبل روايته ومن ترد (لا) عاطفة على محذوف أي من كل راو لا (من صحبة الرسول) - صلى الله عليه وسلم - والصحبة بالضم الصاد وسكون الحاء جمع صاحب كفاره وفُرْهَة أفاده في اللسان والمصباح. وحاصل المعنى: أن فائدة معرفة هذا النوع معرفة المجهول ورد

روايته إلا إذا كان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم كُلَّهم عدول بإجماع من يعتد بإجماعه كما مر فلا تضر جهالتهم. 755 - مِثَالُهُ: لَمْ يَرْوِ عَنْ مُسَيِّبِ ... إلاَّ ابْنُهُ وَلا عَنِ ابْنِ تَغْلِبِ 756 - عَمْرٍو سِوَى الْبَصْرِي وَلا عَنْ وَهْبِ ... وَعَامِرِ بْنِ شَهْرٍ اْلاَّ الشَّعْبِي (مثاله) أي مثال من لم يرو عنه إلا واحد من الصحابة - رضي الله عنهم -، أنه (لَمْ يَرْوِ عَنْ مُسَيِّبِ) بفتح الياء وكسرها، وهو الأولى ابن حَزْن بفتح فسكون ابن أبي وهب المخزومي، أبو سعيد، له ولأبيه صحبة عاش إلى خلافة عثمان - رضي الله عنه -، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. اهـ ت. (إلا ابنه) سعيد بن المسيب التابعي الجليل، أحد الفقهاء السبعة المتقدم ذكره، فإنه رَوَى عنه حديثَ وفاة أبي طالب المتفق عليه. (ولا) أي لم يرو (عن ابن تغلب) بفتح التاء وسكون الغين وكسر اللام وتفتح عند النسبة إليه (عمرو) بدل عن ابنٍ، النَّمَرِي، بفتح النون والميم صحابي تأخرت وفاته إلى بعد الأربعين، روى له البخاري والنسائي وابن ماجه. اهـ ت أي لم يرو عن عمرو بن تغلب أحدٌ (سوى) الحسن (البصري) روى عنه مرفوعاً: " إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إلي " الحديث أخرجه البخاري. (ولا) أي لم يرو (عن وهب) بن خَنْبَش بمعجمة فنون فموحدة فمعجمة بوزن جعفر الطائي، صحابي نزل الكوفة، ويقال: اسمه هَرِم، ووهب أصح، روى له النسائي وابن ماجه. اهـ ت (و) كذا لم يرو عن (عامر بن شهر) الهمداني، أبي الكنود بفتح الكاف ثم نون، صحابي، نزل الكوفة، وهو أول من اعترض على الأسود الكذاب باليمن، روى له أبو داود. اهـ ت (إلا) الإمام الحافظ الفقيه الفاضل عامر بن شراحيل، أبو عَمْرو، (الشعبي) بفتح الشين وسكون العين نسبة إلى شعب بطن من همدان، قاله في اللباب، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المائة، وله نحو من 80 سنة، روى له الجماعة. اهـ ت، يعني أنه لم يرو عن هذين الصحابيين: وهبٍ وعامرٍ إلا راوٍ واحدٌ وهو الشعبي فقط.

لكن اعترض العراقي على عد عامر بن شهر بأن ابن عباس روى عنه. 757 - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ صِحَابٌ مِنْ أُولَى ... كَثِيرٌ الْحَاكِمُ عَنْهُمْ غَفَلا (وفي الصَّحِيحين) للبخاري ومسلم خبر مقدم (صحاب) مبتدأ مؤخر أي كائن في الصَّحِيحين صحابة (من أولى) يحتمل كونه اسم إشارة على لغة القصر، إشارة إلى من لم يرو عنهم إلا راو واحد، ويحتمل كونه اسماً موصولاً بمعنى الذين حذفت صلته ضرورة، أي من الذين لم يرو عنهم إلا راو واحد على حد قوله (من الكامل): نَحْنُ الأولَى فاجمَع جُمُو ... عَكَ ثُمَّ وِجّهْهُمْ إِلَيْنَا أي نحن الذين عرفوا بالشجاعة. لكن الاحتمال الثاني يبعده كتابته بالواو. وحاصل المعنى: أنه ثبت في الصَّحِيحين من هذا النوع صحابة - رضي الله عنهم -. (كثيرٌ) صفة لصحابة، أو خبر لمحذوف أي هم كثير، لا قليل. (الحاكم) أبو عبد الله مبتدأ (عنهم) أي عن وجودهم، فيهما متعلق بقوله (غفلا) أي ذهل خبر المبتدإ. وحاصل المعنى: أن الحاكم غفل عن وجود الوُحْدَان في الصَّحِيحين حيث قال في كتابه المدخل: إن الشيخين لم يخرجا في الصَّحِيحين عن أحد من الصحابة الوحدان، وتبعه على ذلك البيهقي، فقال في سننه الكبرى عقيب حديث بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعاً: " ومن كتمها فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربك " الحديث ما نصه هذا حديث قد أخرجه أبو داود في كتاب السنن، فأما البخاري ومسلم فإنهما لم يخرجاه جرياً على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راو لم يخرجا حديثه في الصَّحِيحين، ومعاوية بن حَيْدَة القشيري لم يثبت عندهما رواية ثقة عنه غير ابنه فلم يخرجا حديثه في الصَّحِيح. ورد عليه العلامة ابن التركماني في الجوهر النقي بأنه ليس ذلك من عادتهما

فقد أخرجا حديث المًسَيِّب بن حزن في وفاة أبي طالب، ولا راوي له غير ابنه سعيد، وأخرج البخاري حديث مِرْدَاس: " يذهب الصالحون " ولا راوي له غير قيس بن أبي حازم، وأخرج حديث عمرو بن تغلب: " إني لأعطي الرجل " ولا راوي له غير الحسن، وأخرج مسلم حديث رافع الغفاري، ولا راوي له غير عبد الله بن الصامت، وحديث أبي رفاعة، ولا راوي له غير حميد بن هلال، وحديث الأغر المزني، ولا راوي له غير أبي بردة في أشياء كثيرة عندهما من هذا النحو، نقله المحقق. (تنبيه) لم يذكر الناظم أمثلة منَ بعدَ الصحابة، وهم كثيرون بل أكثر منهم، منهم أبو العُشَرَاء، لم يرو عنه غير حماد بن سلمة، وتفرد الزهري عن نيف وعشرين من التابعين، وعمرو بن دينار عن جماعة، وكذا يَحْيَى بن سعيد الأنصاري، وأبو إسحاق السبيعي، وهشام بن عروة. وقال الحاكم: الذين تفرد عنهم مالك نحو عشرة من شيوخ المدينة، ومنهم المسور بن رفاعة القرظي، قال: وتفرد سفيان عن بضعة عشر شيخاً منهم عبد الله بن شداد الليثي، وتفرد شعبة عن نحو ثلاثين شيخاً منهم المُفَضل بن فَضَالة، أفاده في التقريب والتدريب. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: ومن مفاده، إلى قوله: الرسول، وقوله: إلا ابنه، وقوله: سوى البصري.

(من لم يرو إلا حديثا واحدا)

(من لم يرو إلاَّ حديثًا واحدًا) أي هذا مبحثه وهو النوع الثاني والستون من أنواع علوم الحديث. 758 - وَلِلْبُخَارِيِّ كِتَابٌ يَحْوِي ... مَنْ غَيْرَ فَرْدٍ مُسْنَدٍ لَمْ يَرْوِي 759 - وَهْوَ شَبِيهُ مَا مَضَى وَيَفْتَرِقْ ... كُلٌّ بِأَمْرٍ فَدِرَايَةٌ تُحِقّ 760 - مِثْلُ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةٍ رَوَى ... فِي الْخُفِّ لا غَيْرُ، فَكُنْ مِمَّنْ حَوَى (وللبخاري) الإمام الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل، خبر مقدم لقوله: (كتاب) أي كائن للإمام البخاري كتاب مفرد (يحوي) صفة لكتاب أي يجمع ذلك الكتاب (من) موصولة مفعول به ليحوي، واقعة على الصحابة (غَيْرَ) مفعول مقدم ليرو (فرد) أي حديث واحد (مسند) أي مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (لم يرو) صلة " من ". وحاصل معنى البيت: أن للإمام البخاري رحمه الله تعالى كتاباً مفرداً يجمع من لم يرو إلا حديثاً واحداً من الصحابة خاصة ثم ذكر الفرق بينه وبين الوحدان فقال: (وهو) أي هذا النوع (شبيه) أي مماثل (ما) أي النوع الذي (مضى) قريباً وهو الوحدان يجتمعان فيمن لم يرو عنه إلا حديثاً واحداً. (ويفترق كل) واحد منهما عن الآخر (بأمر) يختص به فإنه قد يكون روى عنه أكثر من واحد وليس له إلا حديث واحد، وقد يكون رُوِيَ عنه غير حديث وليس

له إلا راو واحد، وذلك معروف موجود (فدراية تحق) فإذا كان كذلك فمعرفة كل منهما تكون لازمة. ثم ذكر مثالًا لذلك فقال: (مثل) خبر لمحذوف أي ذلك أو مفعول لمحذوف أي أعني مثل (أبي) بالتصغير (ابن عمارة) بكسر العين على الأصح مدني سكن مصر له صحبة، وفي إسناد حديثه اضطراب، روى له أبو داود، وابن ماجهْ. اهـ ت (روى) حديثاً واحداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (في) مسح (الخف) أي الخفين (لا غير) أي ليس له غير هذا الحديث الواحد، رواه أبو داود وابن ماجه، قاله الحافظ المزي. وكأبي اللحم الغفاري له حديث واحد في الاستسقاء، رواه الترمذي والنسائي، وأحمَرَ بن جَزْء البصري روى حديثاً واحداً: " أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه " رواه أبو داود، وكحدرد بن أبي حدرد الأسلمي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ومن هجر أخاه سنة فهو كسفك فى مه " رواه أبو داود. وكأبي حاتم صحابي روى حديث: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فَأنكحوه إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " قال الناظم: ليس لأبي حاتم غيره. (فكن) أيها الطالب للتحقيق (ممن حوى) أي حَفِظَ المذكور، وغيره، فأطراف هذا الفن لا تتناهى، فينبغي حفظها وتحقيقها، ومن أمثلة غير الصحابة إسحاق بن يزيد الهذلي المدني روى عن عون بن عبد الله بن مسعود حديث: " إذا ركع أو سجد فليسبح ثلاثاً وذلك أدناه " رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال المزي: وليس له غيره. وإسماعيل بن بشير المدني، روى عن جابر وأبي طلحة، قالا: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته " الحديث رواه أبو داود قال الحافظ المزي: ولا يعرف له غيره. (تَتِمَّة): هذا الباب زائد على الألفية العراقية كالآتي.

(من لم يرو إلا عن واحد)

(من لم يرو إلاَّ عن واحد) أي هذا مبحثه وهو النوع الثالث والستون من أنواع علوم الحديث. 761 - وَمِنْهُمُ مَنْ لَيْسَ يَرْوِي إِلاَّ ... عَنْ وَاحِدٍ وَهْوَ ظَرِيفٌ جَلاَّ 762 - كَابْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ عَنْ أَوْزَاعِي ... وَعَنْ عَلِيْ عَاصِمُ فِي الأَتْبَاعِ 763 - وَابْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنِ الْحَبْرِ وَمَا ... عَنْهُ سِوَى الزُّهْرِيِّ فَرْدٌ بِهِمَا (ومنهم) أي من رواة الحديث في نسخة، ولهم أي للمحدثين خبر مقدم لقوله: (من ليس يروى إلا عن) شيخ (واحد وهو) أي هذا النوع (ظريف) مليح مستحسن معرفته (جَلاَّ) بالجيم أي عظم قدره عند المحدثين لقلة وجوده، وذلك (كـ) ـعبد الحميد بن حبيب (ابن أبي العشرين) الدمشقي أبي سعيد كاتب الأوزاعي حال كونه راوياً (عن أوزاعي) الإمام أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو إمام أهل الشام المتوفى سنة 157 هـ. يعني: أن ابن أبي العشرين لم يرو إلا عن الأوزاعي فقط قال في " ت " صدوق ربما أخطأ، قال أبو حاتم: كان كاتب ديوان، ولم يكن صاحب حديث، روى له البخاري تعليقاً، والترمذي وابن ماجه. اهـ. وهذا مثال لأتباع التابعين. (وعن علي) بسكون الياء للوزن أي روى عن علي بن أبي طالب فقط

(عاصم) بمنع الصرف للوزن ابن ضمرة السلولي الكوفي صدوق مات سنة 174 روى له الأربعة. اهـ ت. وهذا مثال (في الأتباع) أي التابعين. فقوله عن علي عطف على أوزاعي وعاصم على ابن أبي العشرين وفي الأتباع خبر لمحذوف كما قدرناه، أو عن علي عاصم مبتدأ وخبر أي عاصم روى عن علي فقط. قال المحقق عند قوله: وعن علي إلخ. ما نصه كذا في النسخ وهو الصواب وفي النسخة المقروءة على المصنف وعن علي عاصم الأتباع اهـ. (و) كعبيد الله بن عبد الله (ابن أبي ثور) القرشي مولى بني نوفل، ثقة من الثالثة، روى له الجماعة،. اهـ ت حال كونه راوياً (عن الحبر) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - فقط. (وما) نافية (عنه) متعلق بمحذوف أي روى (سوى الزهري) فاعل للفعل المقدر أي لم يروى عنه غير الزهري (فرد) خبر لمحذوف أي منفرد (بهما) أي الحبر والزهري، يعني: أنه منفرد من كلا الجانبين انفرد بالرواية عن الحبر، وانفرد الزهري بالرواية عنه، فهو مثال للنوعين لمن لم يرو إلا عن واحد، ولمن لم يرو عنه إلا واحد. قال المحقق: هكذا جعله المؤلف مثالاً تبعاً للخطيب، ولكن نقل المزي في التهذيب أن عبيد الله هذا، روى أيضاً عن صفمة بنت شيبة، وروى عنه أيضاً محمد بن جعفر بن الزبير، فهو ليس فرداً بهما ولا في واحد منهما اهـ. (تَتِمَّة): هذا الباب أيضاً من زياداته كالآتي:

(من أسند عنه من الصحابة الذين ماتوا في حياته - صلى الله عليه وسلم -)

(مَن أسند عنه من الصحابة الذين ماتوا في حياته - صلى الله عليه وسلم -) أي هذا مبحثه، وهو النوع الرابع والستون من أنواع علوم الحديث، فقوله: أسند بالبناء للمفعول والنائب عن الفاعل الجار والمجرور بعده، وقوله من الصحابة: بيانٌ لمن أي هذا مبحث من نُقِلَ عنه الحديث من الصحابة الذين ماتوا إلخ، ويحتمل أن يكون بالبناء للفاعل والضمير في عنه يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الصحابة الذين أسندوا الحديث أي رووه عنه - صلى الله عليه وسلم -، فنقل عنهم مع كونهم ماتوا في حياته - صلى الله عليه وسلم -. 764 - وَاعْنَ بِمَنْ قَدْ عُدَّ مِنْ رُوَاتِهِ ... مَعْ كَوْنِهِ قَدْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ 765 - يُدْرَى بِهِ الإِرْسَالُ نَحْوُ جَعْفَرِ ... وَحَمْزَةٍ خَدِيجَةٍ فِي أُخَرِ (وَاعْنَ) أمر من عَنَيتُ بأمره أعْنِي من باب رمى إذا اهتممت، واحتفلت به، فالنون مكسورة، أو من عُنِيتُ بأمر فلان بالبناء للمفعول، شغلت به، فالنون مفتوحة، وربما قيل: عَنَيْتُ بالبناء للفاعل مثل الأول أفاده في المصباح، أي اهتم أيها المحدث (بمن) أي بمعرفة من (قد عد) بالبناء للمفعول (من رواته) أي رواة حديثه - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة - رضي الله عنهم -، فالجار والمجرور الأول متعلق باعْنَ، والثاني بعُدَّ (مع كونه) أي ذلك الراوي الصحابي (قد مات في حياته) - صلى الله عليه وسلم -، ثم ذكر فائدته فقال: (يدرى) بالبناء للمفعول (به) أي بمعرفة هذا النوع (الإرسال) لحديثه إذا كان الراوي عنه تابعياً.

وحاصل المعنى: أن كثيراً من الصحابة توفوا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فينبغي الاعتناء بمعرفتهم، لأنه قد يُروَى عنهم أحاديث، وقد يكون الراوي عنهم تابعياً، فيحكم على روايته بالإرسال، لأنه لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأولى أن لا يدرك من توفي قبله، ثم ذكر الأمثلة لذلك بقوله: وذلك (نحو جعفر) بن أبي طالب الهاشمي ذي الجناحين، الصحابي الجليل ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشهد في غزوة مؤتة، سنة ثمان من الهجرة، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة. (وحمزة) بالصرف للضرورة ابن عبد المطلب أبو عُمَارَة عم المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وأخوه من الرضاعة، ولد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين، وقيل: بأربع، واستشهد بأُحد سنة ثلاث من الهجرة، روى له الطبراني، حديثاً في الحوض (خديجة) بالصرف ضرورة بنت خويلد أم المؤمنين - رضي الله عنها -. (فِي أُخَرِ) أي مع جملة آخر من الصحابة الذين ماتوا في حياته - صلى الله عليه وسلم - غير هؤلاء كسهيل بن البيضاء روى له أحمد، قال: نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا رديفه: " يا سهيل بن بيضاء من قال لا إله إلا الله أوجب الله له بها الجنة وأعتقه من النار ". ومنهم أبو سلمة زوج أم سلمة - رضي الله عنهما -، توفي مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من بدر، روت عنه أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما من مسلم يصاب بمصيبة، فيفزع إلى ما أمر الله به، من قول إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " الحديث رواه الترمذي، والنسائي وابن ماجه. (تَتِمَّة): هذا الباب أيضاً من زياداته:

(من ذكر بنعوت متعددة)

(مَن ذكر بنعوت متعددة) أي هذا مبحثه، وهو النوع الخامس والستون من أنواع علوم الحديث، ويعبر عنه بموضح مُوهِمِ الجمع والتفريق. 766 - وَأَلَّفَ الأَزْدِيُّ فِيمَنْ وُصِفَا ... بِغَيْرِ مَا وَصْفٍ إِرَادَةَ الْخَفَا (وألف) أي جمع الحافظ عبد الغني بن سعيد (الأزدي) بفتح فسكون نسبة إلى أزدشنوءة قبيلة مشهورة المصري المتوفى سنة 409 عن 77 سنة، كتاباً سماه " إيضاح الإشكال "، وكذا الخطيب كتاباً سماه " الموضح لإيهام الجمع والتفريق " بدأ فيه بما وقع للإمام البخاري من الوهم في ذلك (فيمن) متعلق بألف (وصفا) بالبناء للمفعول، والألف إطلاقية، أي في الشخص الذي وصف (بغير ما) زائدة بين المتضايقين (وصف) واحدٍ، بل بأوصاف متعددة من أسماء، أو كنى، أو ألقاب، أو أنساب، إما من جماعة من الرواة عنه يُعَرِّفه كل واحد بغير ما عَرَّفَهُ الآخر، أو من راو واحد عنه، يُعَرِّفه مرة بهذا، ومرة بهذا، (إرادة الخفا) بالنصب مفعول من أجله، أي إنما يوصف بالأوصاف المتعددة لأجل إرادة خافائه، فيلتبس على من لا معوفة عنده بل على كثير من أهل المعرفة والحفظ. ثم ذكر فائدة معرفته بقوله: 767 - وَهْوَ عَوِيصٌ عِلْمُهُ نَفِيسُ ... يُعْرَفُ مِنْ إِدْرَاكِهِ التَّدْلِيسُ

(وهو) أي هذا النوع (عويص) أي صعب يعسر الاطلاع عليه، يقال: عوص الكلام كفرح، وعاص يَعاص عِيَاصاً وعَوَصاً: صَعُبَ، والشيء: اشتد، والعويص من الشعر ما يصعب استخراج معناه، أفاده في " ق ". (علمه) أي معرفته من إضافته المصدر إلى مفعوله (نفيس) أي شريف من نفس الشيء بالضم نفاسه، ككرم وزنا ومعنى، أفاده في المصباح، وذلك لمسيس الحاجة إليه في معرفة التدليس، كما أشار إليه بقوله: (يعرف) بالبناء للمفعول (من إِدراكه) أي معرفة هذا النوع (التدليس) للمدلسين، حيث يصنعون ذلك، ليوهموا أنه ليس هذا الرجل، فيشتبه على الناظر، فيظن غير الصَّحِيح صحيحاً، وهو قلة دين، وعدم أمانة ممن عمله. 768 - مِثَالُهُ: مُحَمَّدُ الْمَصْلُوبُ ... خَمْسِينَ وَجْهًا اسْمُهُ مَقْلُوبُ (مثاله) أي هذا النوع (محمد) بمنع الصرف للوزن (المصلوب) في الزندقة، كان يضع الحديث (خمسين وجهاً) مفعول مطلق لمقلوب (اسمه مقلوب) مبتدأ وخبر، أي أن اسم محمد هذا مقلوب خمسين وجهاً، كما قاله ابن الجوزي، بل ذكر عبد الله بن أحمد بن سوادة أنه مقلوب على أكثر من مائة، وأنه جمعها في جزء، فقيل فيه: محمد بن سعيد، وقيل: محمد مولى بني هاشم، وقيل: محمد بن قيس، وقيل: محمد بن الطبري، إلى آخر ما ذكره في التدريب، بل هو أكثرُ منه كما مر آنفاً. وقد استعمل هذا كثيراً الخطيب في شيوخه فيروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي، وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والكل واحد، وتبعه في ذلك المحدثون خصوصاً المتأخرين، وآخرهم أبو الفضل ابن حجرٍ، نعم لم يستعمل الحافظ العراقي شيئاً منه في أماليه، قاله الناظم. (تَتِمَّة): قوله: وألف الأزدي فيمن، وقوله: وهو عويص علمه نفيس، من زيادات الناظم على العراقي.

(أفراد العلم)

(أفراد العلم) أي هذا مبحثه، وهو النوع السادس والستون من أنواع علوم الحديث، وهو فنّ حسن يوجد في أواخر الأبواب من الكتب المصنفة في الرجال بعد أن يذكروا الأسماء المشتركة. 769 - وَالْبَرْذَعِيْ صَنَّفَ أَفْرَادَ الْعَلَمْ ... أَسْمَاءً أَوْ أَلْقَابًا اوْ كُنًى تُضَمّْ (و) الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون بن روح (البرذعي) هكذا بالذال المعجمة في نسخة الشارح، والمحقق، والصواب بالدال المهملة، قال في اللباب: ما نصه: بالاختصار، البرديجي بفتح الباء وسكون الراء وبعدها دال نسبة إلى برديج بلدة بأقصى أذربيجان بينها وبين بردعة أربعة عشر فرسخاً منها: أبو بكر أحمد بن هارون بن روح البرديجي الحافظ، سمع نصر بن علي الجهضمي، وإسحاق بن سيار النصيبي، توفي في شهر رمضان سنة 301، ويقال له البردعي أيضاً، وكان إماماً ثقة وقال قبله: ما نصه والبردعي بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهملة وفي آخره عين مهملة نسبة إلى بردعة، بلدة من أقصى أذربيجان اهـ. والذي في التدريب وشروح ألفية العراقي البرديجي، وهو مبتدأ خبره، جملة قوله (صنف) قال في المصباح: والتصنيف تمييز الأشياء بعضها من بعض، وَصَنَّفَتِ الشجرةُ أخرجت ورقها، وتصنيف الكتاب من هذا. اهـ (أفراد

العلم) أي الأعلام المفردة من إضافة الصفة للموصوف والعَلَمُ: ما يجعل علامة على شخص من اسم، وكنية، ولقب كما أشار إليه بقوله: (أسماء) أي سواء كانت أسماء جمع اسم، وهو ما وضع علماً على معين (أو ألقاباً) جمع لقب، وهو ما دل على رِفْعَة المسمى، أوضَعَتِهِ (أو كنى) جمع كنية بالضم وهو ما صدر بأب أو أم أو نحوهما (تضم) صفة للألقاب والكنى، أي يزاد كل منهما على الاسم إذ هما زائدان على الأسماء غالباً. وحاصل معنى البيت: أن الإمام الحافظ البردعي رحمه الله صنف كتاباً في هذا النوع مترجماً بالأسماء المفردة، وهو أول كتاب وضع في جمعها مفردة، وإلا فهي مفرقة في تاريخ البخاري الكبير، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، في أواخر الأبواب، وقد استدرك أبو عبد الله بن بكير وغيره على كتابه في مواضع ليست أفراداً بل هي مَثَانٍ، وَمَثَالِثٍ، وأكثر من ذلك، وفي مواضع ليست أسماء، وإنما هي ألقاب، قاله العراقي. ثم هو أقسام: الأول في الأسماء، فمن أمثلته في الصحابة ما ذكر بقوله: 770 - كَأَجْمَدٍ وَكَجُبَيْبٍٍ سَنْدَرِ ... وَشَكَلٍ صُنَابِحِ بْنِ الأَعْسَرِ أي مثال ذلك (كَأَجْمَدٍ) بالجيم ابن عُجَيَّان بعين مهملة ثم جيم ومثناة تحتانية على وزن عُلَيَّان، قال ابن الصلاح: ورأيته بخط ابن الفرات، وهو حجة، مخففاً على وزن سُفْيَان صحابي، وقيل فيه بالحاء المهملة كالجادة، قاله السخاوي. (وكجبيب) بضم الجيم وموحدتين، وغلط ابن شاهين فجعله بالخاء المعجمة، وغلط بعضهم فجعله بالراء آخره، هو ابن الحارث صحابي، وكـ (سندر) بفتح المهملتين، بينهما نون ساكنة، الخصي، مولى زِنْبَاع، الجذامي، نزل مصر، ويكنى أبا الأسود، وأبا عبد الله باسم ابنه، وظن بعضهم أنهما اثنان فاعترض على ابن الصلاح في دعوى أنه فرد، وليس

كذلك، كما قال العراقي. اهـ تدريب وله صحبة (و) كـ (ـشكل) بفتحتين ابن حميد العبسي، من رهط حذيفة، نزل الكوفة، روى حديثه أصحاب السنن، صحابي، وكـ (ـصنابح) بالضم آخره مهملة (ابن الأعسر) البجلي الأحمسي، صحابي، قال الحافظ ابن عبد البر: ليس الصنابح هو الصنابحي، الذي روى عن أبي بكر، لأن هذا اسم وذاك نسب، وهذا صحابي وذاك تابعي، وهذا كوفي، وذاك شامي. وقال الحافظ في الإصابة: قيل في كل منهما صنابح وصنابحي، لكن الصواب في ابن الأعسر صنَابح، وفي الآخر صُنَابحي، ويظهر الفرق بالرواة عنهما، فحيث جاءت الرواية عن قيس بن أبي حازم عنه فهو ابن الأعسر، وهو الصحابي، وحديثه موصول وحيث جاءت عن غير قيس عنه فهو الصنابحي وهو التابعي وحديثه مرسل. قال الناظم: أضبط من هذا أن الصنابح لم يرو غير حديثين فيما ذكر ابن المديني وزاد الطبراني ثالثاً، من رواية الحارث بن وهب، وغلط فيه بأنه الصنابحي. اهـ تدريب. القسم الثاني الكنى، ومن أمثلته ما ذكره بقوله: 771 - أَبِي مُعَيْدٍ وَأَبِي الْمُدِلَّهْ ... أَبِي مُرَايَةَ اسْمُهُ عَبْدُ الله وكـ (أبي معيد) مصغراً مخفف الياء، حفص بن غيلان الهمداني شامي صدوق فقيه رمي بالقدر، روى له النسائي وابن ماجه. اهـ ت. (و) كـ (أبي المدلة) بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام، مولى عائشة، يقال: اسمه عبد الله مقبول، روى له أبو داود وابن ماجه. اهـ ت. وقال ابن الصلاح وتبعه النووي لم يعرف اسمه، وانفرد أبو نعيم بتسميته عبيد الله بن عبد الله. قال العراقي: وليس كذلك بل سماه كذلك ابن حبان في الثقات، وقال أبو أحمد الحاكم: هو أخو سعيد بن يسار، وأخطأ، إنما ذلك أبو مزرد وهو أيضاً فرد، واسمه عبد الرحمن بن يسار، قال ابن الصلاح: في أبي المدلة، روى عنه الأعمش وابن عيينة وجماعة، قال العراقي: وهو وَهَم عجيب فلم يرو عنه واحد منهم أصلاً بل انفرد عنه

ثم ذكر من أمثلة ذلك فقال: أبو مجاهد سعد الطائي، كما صرح به ابن المديني، ولا أعلم في ذلك خلافاً بين أهل الحديث،. اهـ تدريب وكـ (أبي مراية) بضم الميم وتخفيف الراء فياء تحتانية (اسمه عبد الله) بن عمرو العجلي تابعي، روى عنه قتادة. (تنبيه): عبد الله بحذف الألف من لفظ الجلالة للوزن وهو قبيح. والقسم الثالث الألقاب أشار إليها بقوله: 772 - سَفِينَةٍ مِهْرَانَ ثُمَّ مِنْدَلِ ... بِالْكَسْرِ فِي الْمِيمِ وَفَتْحُهَا جَلِي وكـ (ـسفينة) بالصرف للضرورة، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكنى أبا عبد الرحمن، لقب فرد لقبه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لما رآه حمل شيئاً كثيراً في السفر، روى له الأربعة. اهـ ت. واختلف في اسمه على أقوال، قيل: (مهران) بكسر فسكون، وقيل: غير ذلك (ثم مندل) عمرو بن علي العنزي، الكوفي أبو عبد الله ضعيف ولد سنة 103 ومات سنة 7 أو 168، روى له أبو داود وابن ماجه. (بالكسر في الميم) كما قاله الخطيب وغيره (وفتحها جلي) مبتدأ وخبر، أي فتح الميم واضح صوبه ابن ناصر. اهـ تدريب. وفي التقريب أنه مثلث الميم ساكن الثاني اهـ. (تَتِمَّة): الزيادات قوله: والبردعي صنف أفراد العلم، وقوله: كأجمد إلى قوله: ابن الأعسر، وقوله: وأبي المدلة، إلى قوله: مهران، وقوله: وفتحها جلي.

(الأسماء والكنى)

(الأسماء والكنى) أي هذا مبحثهما وهما النوع السابع والستون والثامن والستون من أنواع علوم الحديث. 773 - وَاعْنَ بِالاسْمَا وَالْكُنَى فَرُبَّمَا ... يُظَنُّ فَرْدٌ عَدَدًا تَوَهُّمَا (وَاعْنَ) بفتح النون وكسرها كما تقدم أي اهتم أيها المحدث (بالاسما) بنقل حركة الهمز إلى لام أل وقصرها للوزن، أي بمعرفة الأسماء لذوي الكنى (والكنى) بضم الكاف جمع كنية أي معرفة الكنى لذوي الأسماء (فربما يظن) بالبناء للمفعول، تعليل لأمره بالعناية أي إنما أمرتك بالعناية بهما لأنه ربما يظن (فرد) أي راو واحد (عدداً) أي متعدداً، إذا ذكر في موضع باسمه وفي آخر بكنيته (توهماً) مفعول مطلق ليظن كقعدت جلوساً، يقال: توهمت: ظننت كما في المصباح، و " ق "، يعني أن من لا معرفة له يظن الراوي الواحد المسمى باسمه تارة وبكنيته أخرى رجلين، وربما ذكر بهما معاً فيتوهمه رجلين. قال ابن الصلاح: ولم يزل أهل العلم بالحديث يعتنون به ويتحفظونه ويطارحونه، فيما بينهم، وينتقصون مَن جَهِلَه اهـ. يعني: كما عيب على ابن هشام إِمامِ العربية بأنه رام الكشف عن ترجمة أبي الزناد، فلم يهتدِ لمحله من كتب الأسماء، لعدم معرفة اسمه، مع كونه معروفاً عند مبتدئ

الطلبة، وربما ينشأ عن إغفاله زيادة في السَّند أو نقص منه وهو لا يشعر، فقد روى الحاكم من حديث أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد، عن أبي الوليد، عن جابر مرفوعاً: " من صلى خلف الإمام فإن قراءته له قراءة "، وقال: إن عبد الله هو أبو الوليد كما بينه على بن المديني يعني: فعن زائدة قال: ومن تهاون بمعرفة الأسامي أورثه مثل هذا الوهم انتهى. وعكسه أن تسقط عن كما اتفق للنسائي مع جلالته، حيث قال عن أبي أسامة حماد بن السائب، لأن أبا أسامة هو حماد بن أسامة، وشيخ حماد هو محمد بن السائب أبو النضر الكلبي. ثم إن هذا النوع أقسام، القسم الأول ما ذكره بقوله: 774 - فَتَارَةً يَكُونُ الاِسْمُ الْكُنْيَهْ ... وَتَارَةً زَادَ عَلَى ذَا كُنْيَهْ (فتارة يكون الاسم الكنية) يعني: أن القسم الأول هو الذي سمى بالكنية لا اسم له غيرها، وتحت هذا القسم، ضربان، الأول: من لا كنية له كأبي بلال الأشعري، عن شريك، وأبي بكر بن عياش المقرئ، وكأبي حَصِين بفتح الحاء بن يَحْيَى بن سليمان الراوي، عن أبي حاتم الرازي، قال: كل منهم ليس لي اسم غير الكنية، والضرب الثاني: ما ذكره بقوله: (وتارة زاد على ذا كنية) أي زاد على اسمه الذي هو كنيةٌ كنيةً أخرى، قال ابن الصلاح: فصار كَأنَّ لكنيته كنية، وذلك ظريف عجيب، كأبي بكر بن عبد الرحمن، أحد الفقهاء السبعة، اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن، قال العراقي، وهذا قول ضعيف رواه البخاري في التاريخ، عن سُمَيّ مولى أبي بكر، وفيه قولان آخران: أحدهما: أن اسمه محمد، وأبو بكر كنيته، وبه جزم البخاري. والثاني: أن اسمه كنيته، وهو الصَّحِيح، وبه جزم ابن أبي حاتم، وابن حبان، وقال المزي: إنه الصَّحِيح. ومثله أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري كنيته أبو محمد، قال الخطيب: لا نظير لهما في ذلك، وقيل: لا كنية لابن حزم.

والقسم الثاني ما ذكره بقوله: 775 - وَمَنْ كُنِي وَلا نَرَى فِي النَّاسِ ... اسْمًا لَهُ نَحْوُ أَبِي أُنَاسِ (ومن كني) بالبناء للمفعول، وتخفيف النون، يقال: كَنَاه بالتخفيف، وكَنَّاه بالتشديد، وأكناه بالهمز: سماه بكنيته، أي من عرف بكنيته (ولا نرى) جملة حالية أي والحال أننا لا نعلم (في الناس) أي بينهم (اسماً له) يعني: أنه لا يعرف من بين النَّاس اسمه، وذلك (نحو أبي أناس) بضم الهمزة وتخفيف النون وآخره سين مهملة ابن زُنَيم بمعجمة فنون فميم مصغراً الليثي، أو الدِّيلِيّ، صحابي، قاله السخاوي. وكأبي مويهبة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي شيبة الخدري، وأبي شاه، وأبي الأبيض، التابعي عن أنس، وأبي بكر بن نافع مولى ابن عمر، وأبي النجيب بالنون المفتوحة، وقيل: بالتاء المضمومة، مولى عبد الله بن عمرو بن العاص، قاله ابن الصلاح، وقال العراقي: بل مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح بلا خلاف، قال: وقد جزم ابن ماكولا: بأن اسمه ظليم، وحكاه قبله ابن يونس، وأبي حريز بالحاء المفتوحة والراء المكسورة والزاي، الموقفي بفتح الميم وسكون الواو وكسر القاف ثم فاء محلة بمصر. والقسم الثالث ما ذكره بقوله: 776 - وَتَارَةً تَعَدَّدُ الْكُنَى وَقَدْ ... لُقِّبَ بِالْكُنْيَةِ مَعْ أُخْرَى وَرَدْ (وتارة تعدد) بحذف إحدى التاءين، أي تتعدد، أو بضم التاء مَبْنيًّا للمفعول، أي تصير (الكنى) جمع كنية متعددة بأن تكون له كنية متعددة أكثر من كنية، كابن جريجٍ اسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وكنيته، أبو الوليد، وأبو خالد، وكمنصور الفراوي، كنيته أبو بكر وأبو الفتح، وأبو القاسم، يقال له: ذو الكنى. والقسم الرابع: ما ذكره بقوله: (وقد لقب) أي تارة قد لقب الشخص

(بالكنية) بأن شبهت الكنية باللقب، في رِفْعَةِ المسمى أوضَعَتِهِ (مع أخرى) أي مع وجود كنية أخرى غير الكنية التي هي لقبه. وحاصل المعنى: أنه يوجد للشخص لقب بصورة الكنية: وله كنية أخرى حقيقة كأبي تراب لعلي بن أبي طالب لقبه به النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال له: " قم أبا تراب ". وكان نائماً عليه، وقصته مشهورة، وكنيته أبو الحسن، وكأبي الزناد عبد الله بن ذكوان: كنيته أبو عبد الرحمن، وكأبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، لُقِّبَ به لأنه كان له أولاد عشرة رجال، كنيته أبو عبد الرحمن، وغير ذلك، وقوله: (ورد) جملة حالية أي حال كون هذا الاستعمال وارداً في استعمال النَّاس واصطلاحاتهم. والقسم الخامس ما ذكره بقوله: 777 - وَمِنْهُمُ مَنْ فِي كُنَاهُمُ اخْتُلِفْ ... لا اسْمٍ، وَعَكْسُهُ وَذَيْنِ ............... (ومنهموا) أي ومن الرواة خبر مقدم لقوله: (من في كناهم اختلف) بالبناء للمفعول أي كائن من الرواة من اختَلَفَ العلماءُ في كنيتهم (لا) في (اسم) لهم أي لا يختلفون في أسمائهم، كأسامة بن زيد لا اختلاف في اسمه وفي كنيته اختلاف أبو زيد، أو أبو محمد، أو أبو عبد الله، أو أبو خارجة، أقوال، وخلائق لا يحصون. والقسم السادس ما ذكره بقوله: (وعكسه) بالجر عطفاً على كناهم، والمعنى: أن منهم من اختلف العلماء في اسمه لا في كنيته، كأبي بصرة الغفاري حُميل بالحاء المهملة على الأصح مصغراً، أو جَمِيل بالجيم مكبراً، وأبي جحيفة، وهبٌ أو وهبُ اللهِ، وأبي هريرة اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال، قيل: ثلاثين، وقيل: نحو أربعين، والصَّحِيح عبد الرحمن بن صخر، ونقل الترمذي عن البخاري أنه قال: عبد الله بن عمرو، قال الترمذي: وهو الأصح.

والقسم السابع ما ذكره بقوله: (وذين) أي ومنهم من اختلف العلماء في اسمه وكنيته، فالإشارة إلى الاسم والكنية، كسفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمير، أو صالح، أو مهران، أو غيره، وكنيته أبو عبد الرحمن، أو أبو البختري. والقسم الثامن ما ذكره بقوله: ....................... ... .................. أَوْ أُلِفْ 778 - كِلاهُمَا، وَمِنْهُمُ مَنِ اشْتَهَرْ ... بِكُنْيَةٍ أَوْ بِاسْمِهِ، إِحْدَى عَشَرْ (أَوْ أُلِفْ) بالبناء للمفعول أي منهم من أُلِفَ أي عُلِمَ له (كلاهما) نائب الفاعل لألف أي الكنية والاسم. والمعنى: أن من الرواة من علم اسمه وكنيته، ولم يختلف في واحد منهما، كالخلفاء الأربعة، أبي بكر (¬1): عبد الله بن عثمان، وأبي حفص عمر بن الخطاب، وأبي عمرو عثمان بن عفان، وأبي الحسن علي بن أبي طالب، وأصحاب المذاهب: أبي حنيفة النعمان بن ثابت، وآباء عبد الله سفيان الثَّوري، ومالك، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل. والقسم التاسع ما ذكره بقوله: (ومنهموا) أي الرواة خبر مقدم عن قوله: (من اشتهر) بين العلماء (بكنية) له دون اسمه، وإن كان اسمه معيناً معروفاً، كأبي الضحى مسلم بن صُبَيح (¬2)، وأبي إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله، في آخرين. والقسم العاشر ما ذكره بقوله: (أو) من اشتهر (باسمه) دون كنيته، وإن كانت له كنية معينة، كطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف. ¬

_ (¬1) قلت: تقدم إنه اختلف في اسمه فقيل عبد الله، وقيل عتيق، وقيل هذا لقبه، فلعله لضعف الخلاف لم يعتبره، ولذا قال: لم يختلف فيه، وبالجملة فالمحل محل نظر. (¬2) بصيغة التصغير كما يأتي في النظم. وَاضْمُمْ أَبًا لِمُسْلِمٍ أَبِي الضُّحَى.

والحسن بن علي، في آخرين كنية كل منهم أبو محمد، وكالزبير بن العوام، والحسين بن علي، وحذيفة، وسلمان، وجابر في آخرين: كنوا بأبي عبد الله، فجملة ما في هذا الباب (إحدى عشر) قسماً بجعل القسم الذي هو من سُمِّيَ بالكنية لا اسم له غيرها ضربين كما تقدم. (تَتِمَّة): قوله: فربما يظن فرد عدداً توهماً من زياداته.

(أنواع عشرة من الأسماء والكنى مزيدة على ابن الصلاح والألفية) أي العراقية)

(أنواع عشرة من الأسماء والكنى مزيدة على ابن الصلاح والألفية) أي العراقية أي هذا مبحثها، وبها تصير الأنواع ثمانية وسبعين نوعاً. الأول من الأنواع ما ذكره بقوله: 779 - وَأَلَّفَ الْخَطِيبُ فِي الَّذِي وَفَا ... كُنْيَتُهُ مَعَ اسْمِهِ مُؤْتَلِفَا 780 - مِثْلُ " أَبِي الْقَاسِمِ " وَهْوَ " الْقَاسِمُ " ... فَذَاكِرٌ بِوَاحِدٍ لا وَاهِمُ (وألف) الحافظ أبو بكر (الخطيب) البغدادي (في) بيان الراوي (الذي وفا) أي أتى (كنيته مع اسمه مؤتلفاً) أي متفقاً، والمعنى: أن الخطيب: ألَّفَ جزءاً فيه من اتفق اسمه مع كنيته من الرواة، لينفي الغلط عمن ذكره بأحدهما كما يأتي قريباً. وذلك (مثل أبي القاسم وهو القاسم) بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن الطيلسان الأوسي الحافظ المتقن من محدثي الأندلس ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة كان عارفاً بالقراءات والعربية مات سنة 642 فقد اتفق اسمه وكنيته فإذا عرف هذا (فذاكر) في سنده لمن كان كذلك (بواحد) من الكنية أو الاسم (لا واهم) أي غالط، أي لا يحكم عليه بأنه غَلِطَ في ذلك، وفيه إشارة إلى فائدة معرفة هذا النوع، وهو نفي الغلط عمن ذكره بأحدهما، وهذا النوع ذكره الحافظ بن حجر في أول نكته على ابن الصلاح ولم يذكره في النخبة ولا في شرحها، أفاده في التدريب.

النوع الثاني ما أشار إليه بقوله: 781 - وَفِي الَّذِي كُنْيَتُهُ قَدْ أُلِفَا ... اسْمَ أَبِيهِ غَلَطٌ بِهِ انْتَفَى (و) ألف الخطيب أيضاً (في) معرفة الراوي (الذي كنيته) مبتدأ خبره قوله: (قد ألفا) بألف الإطلاق أي وافق (اسم أبيه) مفعولُ ألِفَ، والمعنى: أن الخطيب رحمه الله ألف في بيان معرفة الذي وافقت كنيته اسم أبيه ثم ذكر فائدته فقال: (غلط) مبتدأ سوغه كونه فاعلاً في المعنى (به) أي بسبب معرفته متعلق بقوله: (انتفى)، والمعنى: أن فائدته انتفاء الغلط بسبب معرفته عمن نسبه إلى أبيه، ثم ذكر مثاله بقوله: 782 - نَحْوُ " أَبِي مُسْلِمٍ بْنِ مُسْلِمِ " ... هُوَ " الأَغَرُّ الْمَدَنِيُّ " فَاعْلَمِ وذلك (نحو أبي مسلم ابن مسلم) واسمه (هو الأغر المدني) نزيل الكوفة ثقة، وهو غير سلمان الأغر الذي يكنى أبا عبد الله، وقد قلبه الطبراني، فقال: اسمه مسلم، ويكنى أبا عبد الله، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم والأربعة، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد، وكانا اشتركا في عتقه، وعنه علي بن الأقمر، وأبو إسحاق السبيعي وهلال بن يساف وطلحة بن مصرف وغيرهم. اهـ تهذيب التهذيب. (فاعلم) أيها المحدث هذا ونظائره فإنه مفيد. ثم أشار إلى الثالث بقوله: 783 - وَأَلَّفَ الأَزْدِيُّ عَكْسَ الثَّانِي ... نَحْوُ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانِ (وألف) الحافظ أبو الفتح عبد الغني بن سعيد (الأزدي) تقدم قريباً (عكس الثاني) أي جمع في كتاب عكسَ الذي قبله وهو من وافق اسمه كنية أبيه وذلك نحو (سنان بن أبي سنان) الديلي المدني ثقة، مات سنة 105 وله 82 سنة، روى له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. اهـ تقريب وأشار إلى الرابع بقوله:

784 - وَأَلَّفُوا مَنْ وَرَدَتْ كُنْيَتُهُ ... وَوَافَقَتْهُ كُنْيَةً زَوْجَتُهُ 785 - مِثْلُ " أَبِي بَكْرٍ " وَ " أُمِّ بَكْرِ " ... كَذَا " أَبُو ذَرٍّ " وَ " أُمُّ ذَرِّ " (وألفوا) أي جماعة من الحفاظ، كأبي الحسن بن حيوْيهْ، وابن عساكر أي جمعوا في كتب (من وردت) أي أتت (كنيته) من الرواة (و) الحال أنه (وافقته كنية) منصوب على التمييز (زوجته) فاعل وافقت، والمعنى أنهم جمعوا في مؤلفاتهم الرواة الذين توافقوا مع زوجاتهم في الكنية، وهم كثيرون (مثل أبي بكر) الصديق - رضي الله عنه - (و) زوجته في الجاهلية (أم بكر) ولم يصح إسلامها، قاله الناظم. و (كذا أبو ذَرّ) الغفاري جندب بن جنادة بضم الجيم فيهما والدال الأولى تفتح وتضم على الأصح في اسمه، وقيل: بُرَيْر مصغراً، أو مكبراً، واختلف في اسم أبيه على أقوال تقدم إسلامه، وتاخرت هجرته، فلم يشهد بدراً، مات سنة 32 في خلافة عثمان، روى له الجماعة أفاده في التقريب، (وأم ذر) بالرفع عطفاً على أبو ذر، امرأة أبي ذر لها ذكر في وفاة أبي ذر، قال الحافظ: وقفت على حديث فيه التصريح بانها أسلمت مع أبي ذر، في أول الإسلام. اهـ الإصابة. ثم أشار إلى الخامس بقوله: 786 - وَفِي الَّذِي وَافَقَ فِي اسْمِهِ الأَبَا ... نَحْوُ " عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ " نَسَبَا (و) ألفوا أيضاً: منهم أبو الفتح الأزدي (في) بيان معرفة الراوي (الذي وافق في اسمه الأبا) أي اسم الأب (نحو عدي بن عدي) بن عَمِيرة بفتح العين، الكندي، أبي فروة الجزري ثقة فقيه، عمل لعمر بن عبد العزيز على الموصل، مات سنة 120، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه. اهـ ت، وقوله: (نسبا) أي منسوباً إلى أبيه. 787 - وَإِنْ يَزِدْ مَعْ جَدِّهِ فَحَسِّنِ ... كَالْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ (وإن يزد) الراوي الموافق في اسم أبيه الموافقة (مع) اسم (جده) بأن تتفق أسماؤهم (فحسن) أي احكم أيها المحدث على هذا النوع بأنه

حسن، وذلك (كالحسن) مقبول من السادسة، مات سنة 145 وهو ابن 68 سنة، روى له أبو داود والنسائي. اهـ ت (ابن الحسن) صدوق من الرابعة، مات سنة 97، وله بضع وخمسون سنة، روى له النسائي. اهـ ت (ابن الحسن) بن علي بن أبي طالب الهاشمي، سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانته، صحبه وحفظ عنه، مات شهيداً بالسم سنة 49 وهو ابن 47 وقيل: مات سنة 50، وقيل: بعدها، روى له الأربعة. اهـ ت. ثم أشار إلى السادس بقوله: 788 - أَوْ شَيْخَهُ وَشَيْخَهُ قَدْ بَانَا ... عِمْرَانُ عَنْ عِمْرَانَ عَنْ عِمْرَانَا (أو) بمعنى الواو (شيخه) بالنصب على الأبا، أي وألفوا أيضاً فيمن وافق اسمه اسم شيخه، وممن ألف فيه أبو موسى المديني (وشيخه) الضمير عائد على شيخه أي شيخ شيخه (قد بانا) بألف الإطلاق، أي اتضح مثالاً لهذا النوع (عمران) فاعلُ بَانَ ابن مسلم المنقري بكسر فسكون أبو بكر القصير البصري صدوق ربما وهِم، قيل: هو الذي روى عن عبد الله بن دينار، وقيل: بل هو غيره، وهو مكي، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. اهـ ت (عن عمران) بن مِلْحان بكسر فسكون، ويقال: ابن تيم أبو رجاء العطاردي مشهور بكنيته، وقيل: غير ذلك في اسم أبيه، مخضرم ثقة معمر، مات سنة 105 وله 120 سنة، روى له الجماعة. اهـ ت. (عن عمرانا) بن الحصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، أبي نُجَيد مصغراً، أسلم عام خيبر وصحب، وكان فاضلاً وقضى بالكوفة، مات سنة 52 بالبصرة، روى له الجماعة. اهـ ت. ثم أشار إلى السابع بقوله: 789 - أَوْ اسْمُ شَيْخٍ لأَبِيهِ يَأْتَسِي ... " رَبِيعٌ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ " (أو اسم شيخ) بالرفع مبتدأ خبر جملة يأتسي وقوله: (لأبيه) متعلق بقوله: (يأتسي) أي يقتدي بالموافقة بمعنى أنه يوافقه.

وحاصل المعنى: أنه قد يتفق اسم شيخ الراوي مع اسم أبيه، ومثاله (ربيع بن أنس) البكري، أو الحنفي، بصري نزل بخراسان صدوق له أوهام ورمى بالتشيع من الخامسة مات سنة 140، أو قبلها روى له الأربعة. اهـ ت. (عن أنس) بن مالك الصحابي المشهور فأنس بن مالك شيخه وليس والداً له بل وافق اسمه اسم والده. ثم أشار إلى الثامن بقوله: 790 - أَوْ شَيْخُهُ وَالرَّاوِ عَنْهُ الْجَارِي ... يَرْفَعُ وَهْمَ الْقَلْبِ وَالتَّكْرَارِ 791 - مِثْلُ: " الْبُخَارِي رَاوِيًا عَنْ مُسْلِمِ ... وَمُسْلِمٌ رَوَى عَنْهُ " فَقَسِّمِ (أو) وافق (شيخه و) اسم (الراوي عنه الجاري) صفة للراوي، أي الذين يجري ويتابعه للرواية عنه، فقوله: أو شيخه بالرفع فاعل لمحذوف، أي اتفق اسم شيخه واسم الراوي عنه، ثم ذكر فائدته بقوله: (يرفع) علم هذا النوع (وهم القلب) أي توهم أن هذا الاسم في السَّند مقلوب (و) توهم (التكرار) أي كونه وقع تكراراً مع أنه ليس كذلك، وذلك (مثل) الإمام أبي عبد الله (البخاري) بتخفيف الياء للوزن حال كونه (راوياً عن مسلم) بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي بالفاء أبي عمرو البصري ثقة مأمون مكثر عَمِيَ بأخرَةٍ من صغار التاسعة مات 222، وهو أكبر شيخ لأبي داود، روى له الجماعة. اهـ ت. (ومسلم) بن الحجاج صاحب الصَّحِيح (عنه) أي عن البخاري (روى) أي نقل حديثاً (فقسمِ) أي فرق بينهما على الوجه الذي ذكرناه، قال في " ق " وَقَسَمَ الدهرُ القومَ فرَّقَهُم كَقَسَّمُهُم، اهـ. 792 - وَفِي الصَّحِيحِ قَدْ رَوَى الشَّيْبَانِي ... عَنْ ابْنِ عَيْزَارٍ عَنْ الشَّيْبَانِي (وفي الصَّحِيح) أي صحيح البخاري لأنه المقصود عند الإطلاق (قد روى) سليمان بن أبي سليمان فيروز، أبو إسحاق (الشيباني) الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات في حدود الأربعين ومائة، روى له الجماعة (عن) الوليد

(بن عيزار) بفتح العين وسكون الياء فزاي آخره راء مهملة ابن حريث العبدي الكوفي ثقة من الخامسة، روى له الشيخان والترمذي والنسائي. اهـ ت (عن) أبي عمرو سعد بن إِياس (الشيباني) الكوفي، ثقة مخضرم من الثانية مات سنة 5 أو 96 وهو ابن 120 سنة روى له الجماعة. اهـ ت. وحاصل المعنى: أنه وقع من هذا النوع في صحيح البخاري حيث روى الشيباني، عن الوليد بن العيزار، عن الشيباني فاتفقت نسبة الشيخ للوليد مع نسبة الراوي عنه، فهو نظير ما قبله. ثم أشار إلى التاسع بقوله: 793 - أَوْ اسْمُهُ وَنَسَبٌ فَادَّكِرِ ... كَحِمْيَرِيِّ بْنِ بَشِيرِ الْحِمْيَرِي (أو) اتفق (اسمه) أي الراوي (ونسب) له (فَادَّكِرِ) أمر من الادكار، وأصله الاذتكار، أبدلت تاء الافتعال دالاً بعد الذال ثم أبدلت الذال دالاً فأدغمت فيها لأن تاء الافتعال تبدل دالاً إذا وقعت بعد الذال والدال والزاي، كما أنها تبدل طاء إذا وقعت بعد حروف الإطباق، كما قال ابن مالك: طَاتَا افتعال رُدَّ إِثْرَ مُطْبَقِ ... فِي ادَّانَ وازْدَدْ وادَّكِرْ دَالًّا بَقِي أي تذكّره واعرفه فإنه من النوادر الفاذَّة. ومثاله (كحميري) بكسر فسكون بلفظ النسب (بن بشير الحميري) روى عن جندب البجلي، وأبي الدرداء ومعقل بن يسار، وغيرهم، هكذا قاله في التدريب والذي في التقريب أنه منسوب إلى الجَسْر بالجيم ومثله في اللباب، ونصه باختصار الجَسْرِي بفتح الجيم وسكون السين نسبة إلى جَسْر وهو بطن من عَنَزَة، منهم أبو عبد الله حميري بن بشير الجَسْري العنزي يروى عن سعيد الجريري. اهـ. فليحرر. ثم أشار إلى العاشر وهو آخر الزوائد بقوله:

794 - وَمَنْ بِلَفْظِ نَسَبٍ فِيهِ سُمِي ... مِثَالُهُ الْمَكِّيُّ ثُمَّ الْحَضْرَمِي (ومن) مبتدأ خبره محذوف، أي من الأنواع من إلخ، أو خبره قوله: مثاله المكي إلخ. (بلفظ نسب) متعلق بسمي (فيه) أي في هذا النوع متعلق بسمي أيضاً (سمي) بتخفيف الميم لغة في سمي بالتشديد كما في " ق " بالبناء للمفعول صلة " من ". وحاصل المعنى: أن من الرواة من سمي بلفظ النسب وهو قريب من الذي قبله (مثاله) أي مثال هذا النوع (المكي) بن إبراهيم بن بشير التميمي البلخي أبو السكن، ثقة، ثبت، من التاسعة مات سنة 215 وله 90 سنة، روى له الجماعة. اهـ ت. أحد رجال الصَّحِيح ومن طريقه أكثر ثلاثيات البخاري، ومكي بن عمير الغبري البصري مجهول، (ثم الحضرمي) والد العلاء، وحضرمي بن عجلان مولى الجارود، وحضرمي بن لاحق التميمي اليامي القاصّ. (تَتِمَّة): هذا الباب كله من زياداته كما ذكره في الترجمة، وبهذه الأنواع تكون الأنواع السابقة 78 نوعاً.

(الألقاب)

(الألقاب) أي هذا مبحثه وهو النوع التاسع والسبعون من أنواع علوم الحديث. وهو ما وضع علامة للتعريف لا على سبيل الإسمية العلمية، مما دل على رِفْعَةٍ، كزين العابدين أوْ ضَعَةٍ، كأنف الناقة. 795 - وَاعْنَ بِالالْقَابِ لِمَا تَقَدَّمَا ... وَسَبَبِ الْوَضْعِ وَأُلِّفْ فِيهِمَا (وَاعْنَ) بفتح النون وكسرها كما مر أي اجعل أيها الطالب من عنايتك الاهتمام (بالألقاب) أي بمعرفة ألقاب المحدثين، والعلماء، ومن يذكر معهم (لما تقدما) علة لأمره بالعناية، أي إنما أمرتك به للعلة المتقدمة في الأسماء والكنى حيث قال هناك: وَاعْنَ بِالأسْمَا وَالْكُنَى فَرُبَّمَا ... يُظَنُّ فَرْدٌ عَدَدًا تَوَهُّمَا أي لئلا يَتَوهَّم من لا معرفة له بهذا الفن الشخص الواحد جماعة حيث يذكر تارة باسمه وتارة بلقبه، أو أكثر فهذا من فائدته معرفة هذا الباب، وقد وقع ذلك لجماعة من الحفاظ كعلي بن المديني، وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش، وأبي أحمد بن عدي حيث فرقوا بين عبد الله بن أبي صالح أخى بن سهيل بن أبي صالح، وبين عباد بن أبي صالح، وجعلوهما اثنين، مع كون عباد لقباً لعبد الله كما حققه الحفاظ: أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، وغيرهم (و) اعن أيضاً بمعرفة

(سبب الوضع) للألقاب، فإن بعضها يعرف له سبب الوضع إلا أن أكثرها لا يعرف سببه (وألف فيهما) بالبناء للمفعول، والإدغامِ الكبير، حيث أدغم الفاء من ألف في فاء فيهما مع تحركه. وحاصل المعنى: أن العلماء ألفوا في الألقاب وفي سبب وضعها فقد ألف في الأول جماعة من الحفاظ، كأبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي في مجلد مفيد كثير النفع واختصره أبو الفضل بن طاهر، وكأبي الفضل الفلكي، وأبي الوليد الفرضي محدث الأندلس، وابن الجوزي، وهو أوسعها سماه " كشف النقاب "، وجمعها كلها مع الزيادات الحافظ في مؤلف بديع سماه " نزهة الألباب "، قال السخاوي وزدت عليه زوائد كثيرة ضممتها إليه في تصنيف مستقل اهـ وللناظم " كشف النقاب عن الألقاب " وله المُنَى في الكُنَى. (تنبيه): قال الحاكم: وأول من لقب في الإسلام أبو بكر الصديق، وهو عتيق لعتاقة وجهه أي حسنه، وقيل: لأنه عتيق الله من النار اهـ تدريب. (تنبيه): آخر جزم ابن الصلاح ومن تبعه بأن ما كرهه صاحبه منها لا يجوز التلقيب به، وما لا فلا، لكن الراجح جواز ذلك مطلقاً للضرورة إذا لم يقصد عيبه كما جزم به النووي في أكثر كتبه، قال الناظم رحمه الله: ظهر لي حمل الكراهة على أصل التلقيب فيجوز بما لا يكره دون ما يَكره اهـ. ثم ذكر الأمثلة بقوله: 796 - كَعَارِمٍ وَقَيْصَرٍ وَغُنْدَرِ ... لِسَتَّةٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ 797 - وَالضَّالِ وَالضَّعِيفِ سَيِّدَانِ ... وَيُونُسَ الْقَوِيِّ ذُو لِيَانِ 798 - وَيُونُسَ الْكَذُوبِ وَهْوَ مُتْقِنُ ... وَيُونُسَ الصَّدُوقِ وَهْوَ مُوهِنُ وذلك (كعارم) لمحمد بن الفضل أبي النعمان السَّدُوسيّ كان بعيداً من العرامة وهي الفساد، (وقيصر) لقب أبي النضر هاشم بن القاسم، المعروف، الليثي مولاهم، البغدادي، رَوَى عنه الإمام أحمد وغيره، ثقة ثبت مات سنة 207 وله 73 سنة، روى له الجماعة. اهـ ت.

(و) كـ (ـغندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون بعدها دال ثم راء هو لقب (لستة) كل واحد منهم اسمه (محمد بن جعفر) أولهم أبو بكر البصري صاحب شعبة، وشيخ بندار، قدم البصرة ابن جريجٍ فحدث بحديث عن الحسن البصري، فأنكروه عليه، وأكثر محمد بن جعفر من الشُّغْب بضم فسكون بمعنى إثارة الشر عليه، فقال ابن جريجٍ: اسكت يا غندر، وأهل الحجاز يسمون المشغب غندراً، مات سنة 3 أو 194 هـ، روى له الجماعة. والثاني: أبو الحسن الرازي، يروى عن أبي حاتم، والثالث: أبو بكر البغدادي الحافظ الجَوَّال شيخ أبي نعيم والحاكم وابن جميع وغيرهم، والرابع: أبو الطيب البغدادي من مشايخ الدارقطني، والخامس: أبو بكر القاضي البغدادي الراوي عن أبي شاكر ميسرة بن عبد الله، والسادس: أبو بكر النجار الراوي عن ابن صاعد وعنه الخلال، وهناك من لقب بغندر وليس اسمه محمد بن جعفر. (و) كـ (ـالضال) اسم فاعل من ضل خففت لامه للوزن لَقَبُ معاوية بن عبد الكريم لأنه ضل في طريق مكة فمات مفقوداً، وكان رجلاً جليلاً عظيم القدر، وكـ (ـالضَّعِيف) لقب لعبد الله بن محمد الضابط المتقن لقب به لضعف في جسمه لا في حديثه، وقوله: (سيدان) خبر لمحذوف أي الضال والضَّعِيف سيدان إشارة إلى ما قاله: الحافظ عبد الغني بن سعيد رجلان نبيلان لزمهما لقبان قبيحان: معاويةُ الضالُّ، وإنما ضل في طريق مكة، وعبد الله الضَّعِيفُ وإنما كان ضعيفاً في جسمه، ويحتمل أن يكون الضال والضَّعِيف مبتدأ خبره سيدان. (و) كـ (ـيونس القوي ذو ليان) بكسر اللام ككتاب اسم من لان يلين ليناً بكسر اللام بمعنى ضعف، وهو خبر لمحذوف، أي هو ذو ليان، أو خبر ليونس، هكذا النسخة، عند المحقق، وشرح عليها الشارح، ومثله في نسخة التدريب التي بين أيدينا، ونصها: ونظير ذلك أبو الحسن يونس بن يزيد القوي يروي عن التابعين وهو ضعيف، وقيل له: القوي لعبادته. اهـ.

والذي في فتح المغيث القوي لقب للحسن بن يزيد بن فروخ أبي يونس لُقِّبَ بذلك مع كونه كان ثقة أيضاً لقوته على العبادة والطواف، حتى قيل: إنه بكى حتى عمي، وصلى حتى حدب، وطاف حتى أُقْعِدَ كان يطوف في كل يوم سبعين أسبوعاً اهـ. وهذا هو الموافق لما في أسماء الرجال، كالتقريب والخلاصة وكذا لما في اللباب في تهذيب الأنساب في مادة القوي، ولعله انقلب على الناظم اسمه بكنيته وبالعكس، وأيضاً فإنه ضعفه، وهذا مجمع على توثيقه ففي الخلاصة ما نصه: قال ابن عبد البر: أجمعوا على توثيقه. اهـ فليحرر ما في النظم والتدريب. (و) كـ (ـيونس الكذوب) في عصر أحمد بن حنبل ثقة قيل له: الكذوب لحفظه وإتقانه، كما أشار إليه بقول: (وهو متقن) فهو من باب الأضداد (و) كـ (ـيونس) بن محمد (الصدوق) من صغار الأتباع كذاب، كما أشار إليه بقوله: (وهو موهن) بصيغة اسم الفاعل من أوهن إذا دخل في الضعف ففي " ق " الوَهْن الضعف ويحرك قال: ووهن: يعني: بفتحتين وأوهن دخل فيه، يعني في الضعف اهـ. أو بصيغة اسم المفعول أي منسوب إلى الضعف ففي " ق " وَهَنَهُ وأوْهَنَهُ وَوَهَّنَهُ أضعفه اهـ. والمعنى: أن يونس الصدوق ضعيف، أو مطعون بالضعف وإنما لقب به من باب الأضداد تهكماً. (تَتِمَّة): قوله: وألف فيهما كعارم وقيصر، وقوله: لستة محمد بن جعفر، وقوله: ويونس إلخ من زياداته.

(المؤتلف والمختلف)

(المؤتلف والمختلف) أي هذا مبحثه وهو النوع الثمانون من أنواع علوم الحديث. 799 - أَهَمُّ أَنْوَاعِ الْحَدِيثِ مَا ائْتَلَفْ ... خَطًّا وَلَكِنْ لَفْظُهُ قَدِ اخْتَلَفْ (أهم أنواع) علوم (الحديث) أي من أهمها خبر مقدم، ويجوز كونه مبتدأ وإن كان الأولُ هو الأولى (ما ائتلف) أي اتفق مبتدأ مؤخر، أو خبر على حذف مضاف أي معرفة ما ائتلف (خَطًّا) أي من حيث الخط (ولكن) مع ذلك (لفظه) أي التلفظ به مبتدأ خبره (قد اختلف). وحاصل المعنى: أن معرفة المؤتلف (خطًّا، وكتابة، والمختلف لفظاً وحكاية من الأسماء والألقاب والأنساب ونحوها من أهم علوم الحديث لأنه مما يكثر فيه وهم الرواة، ولا يتقنه إلا عالم كبير حافظ، إذ لا يعرف الصواب فيه بالقياس ولا النظر، وإنما هو الضبط والتوثق في النقل، قال ابن الصلاح: فنّ جليل من لم يعرفه من المحدثين كثر عِثَارُه ولم يَعْدَم مُخْجِلاً. 800 - وَجُلُّهُ يُعْرَفُ بِالنَّقْلِ وَلا ... يُمْكِنُ فِيهِ ضَابِطٌ قَدْ شَمَِلا (وَجُلُّهُ) أي معظمه، مبتدأ خبره جملة قوله: (يُعْرَفُ) بالبناء للمفعول أي يعلم (بالنقل) عن الأئمة العارفين به (ولا يمكن فيه) أي في هذا النوع الجُلِّ (ضابط) أي قانون كلي (قد شملا) بفتح الميم وكسرها أي جمع؛ وأحاط

جزئياته، وجملة لا يمكن معطوف على الخبر. وحاصل المعنى: أن المؤتلف والمختلف ينقسم إلى قسمين أحدهما: ما لا يُعرَف إلا بالنقل والحفظ عن أهله، وهذا هو الأكثر فهذا النوع لا يوجد له ضابط كلي يُفزَع إليه عند الإشكال، بل ضابطه النقل فقط، إذ لا يدخله القياس، ولا قبله شيء يدل عليه، ولا بعده، ومن ثَمَّ قال ابن المديني: أشد التصحيف ما يقع في الأسماء، والقسم الثاني: ما يدخل تحت الضبط وسيأتي في النظم. 801 - أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَهُ " عَبْدُ الْغَنِي " ... وَ " الذَّهَبِيُّ " آخِرًا، ثُمَّ عُنِي 802 - بِالْجَمْعِ فِيهِ " الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرِ " ... فَجَاءَ أَيَّ جَامِعٍ مُحَرَّرِ (أول) أي أسبق (من صنفه) أي هذا النوع مفرداً، وإلا فأوله أبو أحمد العسكري لكنه أضافه إلى كتاب التصحيف (عبد الغني) بن سعيد الحافظ الأزدي المصري صنف كتاب المؤتلف والمختلف في أسماء نقلة الحديث، وكتاب مشتبه النسبة، ثم صنف شيخه الدارقطني، وهو حافل، واستدرك عليهما الخطيب، وجمعها مع زيادات أبو نصر بن ماكولا، وهو أكمل التصانيف فيه، ثم ذيل عليه أبو بكر بن نقطة، ثم ذيل عليه جماعة ثم اختصر جميع ذلك الحافظ الذهبي في مختصر جِدًّا، كما أشار إليه بقوله: (و) صنف الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز التركماني (الذهبي) نسبة إلى صنعة الذهب المدقوق وهي صنعة أبيه، ولذا كان يقيد اسمه ابن الذهبي، قال بعضهم: ولعله اتخذ صنعة أبيه مهنة له في أول أمره لذلك عرف عند بعض معاصريه بالذهبي اهـ. توفي سنة 848 عن 75 سنة. (آخراً) أي متأخراً عن هؤلاء المذكورين، وسمى كتابه " المشتبه في أسماء الرجال " لكنه أحجف في الاختصار بحيث لم يستوعب غالب أحد القسمين مثلًا، بل يذكر من كل ترجمة جماعة ثم يقول: وغيرهم، فيصير من يقع له راو ممن لم يذكره في حيرة لأنه لا يدري بأي القسمين يلتحق،

ونحو ذلك، واكتفى فيه بضبط القلم، فلا يعتمد لذلك على كثير من نسخه، وصار لذلك كتابه مبايناً لموضوعه، لعدم الأمن من التصحيف فيه وفاته من أصوله أشياء، قاله السخاوي. (ثم) جاء بعده فـ (ـعنى) بالبناء للمفعول، يقال: عُنِيت بأمر فلان عناية بالكسر وعُنِيًّا بضم العين وكسر النون شغلت به، وربما قيل عَنَيت بأمره بالبناء للفاعل أفاده في المصباح. والمعنى: اشتغل (بالجمع فيه) أي المؤتلف والمختلف (الحافظ) فاعل عُنِيَ العلامة الحجة إمام أهل هذا الفن في المتأخرين الذي صار له هذا اللقب كالعلم ينصرف إليه عند الإطلاق، قال بعض المحققين: ما معناه إن الحافظ صار لقباً له وهذا كلمة إجماع، وكان بعض شيوخنا يقول فيه حذام المحدثين، أحمد بن علي بن محمد (ابن حجر) لقب لبعض أجداده، العسقلانيُّ، فألف كتابه المسمى " تبصير المنتبه بتحرير المشتبه " فاختصر ما أسْهَبَهُ الذهبي، وبسط ما أجحفه، وضبط بالحروف ما جعله على ضبط القلم، وزاد عليه جملة مَيَّزها بقلت، وانتهى، بلا تغيير، سوى تقديم الأسماء وتأخير الأنساب (فجاء) كتابه هذا جامعاً لأنواع المختلف والمؤتلف حال كونه (أيَّ جامع محرر) أي كاملاً في جمعه وتحريره أي تنقيحه. ثم ذكر القسم الثاني، وهو ما يدخل تحت الضبط ثم تارة يراد فيه التعميم، بأن يقال: ليس لهم كذا إلا كذا أو التخصيص بالصَّحِيحين والموطأ، بأن يقال: ليس في الكتب الثلاثة كذا إلا كذا فذكر من أمثلة كليهما عيوناً مفيدة وتراجم عديدة، تبعاً لابن الصلاح وزاد عليه كثيراً وإلى الأول: أشار بقوله: 803 - وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِمَّا اخْتَصَرْ ... ابْنُ الصَّلاحِ مَعْ زَوَائِدٍ أُخَرْ (وهذه) الأسماء الآتية (أمثلة) مما يدخل تحت الضبط الذي يراد به التعميم حال كونها مأخوذة (مما اختصر) الحافظ الناقد أبو عَمْرو عثمان بن عبد الرحمن المشهور بـ (ـابن الصلاح) في كتابه المشهور (مع زوائد) حال

مترادفة أو متداخلة (أُخر) بضم ففتح جمع أخرى ككبر وكبرى أي أسماء غير ما ذكره ابن الصلاح مأخوذة من الكتب المتقدمة، ثم ذكر الأمثلة، فمنها: الأسفع والأسقع، فقال: 804 - بَكْرِيُّهُمْ وَابْنُ شُرَيْحٍ " أَسْفَعُ " ... وَجَاهِلِيُّونَ، وَغَيْرٌ " أَسْقَعُ " (بكريهم) مبتدأ أو خبر مقدم أي الرجل المنسوب إلى بني بكر (و) كذا (ابن شريح) بالشين المعجمة كل منهما اسمه (أسفع) بالسين المهملة والفاء، والمعنى: أن البكري اسمه أسفع ونَصُّ الإصابة: الأسفع البكري، ويقال: ابن الأسفع قال ابن ماكولا: هو بالفاء يقال له: صحبة أخرج حديثه الطبراني. اهـ باختصار، وكذا ابن شريح الجرمي اسمه أسفع بن شريح بن صريم بن عمرو،. اهـ الإصابة. وفي تبصير المنتبه أنه ابن سريج بالسين والجيم فليحرر، وهو صحابي أيضاً له وفادة. (و) كذا رجال (جاهليون) أي منسوب إلى الجاهلية، وهي ما قبل الإسلام اسم كل واحد منهم بهذا الضبط، وهم يزيد بن ثمامة بن الأسفع الأرْحَبِيّ وأخواه سَرْح وعبد الله فرسان في الجاهلية، وفي همدان الأسفع بن الأوبر، والأسفع بن الأجدع. اهـ تبصير، قلت: ومقتضى ما في النظم أنه ليس في الإسلام، أسفع إلا البكري وابن شريح لكن في التبصير زاد عليهما مصعب بن الأسفع عن رُبَيح بن عبد الرحمن وعنه موسى بن يعقوب اهـ. (وغير) أي غير هؤلاء المذكورين، خبر مقدم لقوله: (أسقع) وهم جماعة منهم: واثلة بن الأسقع الليثي الصحابي، وأسقع بن الأسلع بصري ثقة. ومنها أسَيد بالتصغير مع أسِيد بالتكبير كما أشار إليهما بقوله: 805 - " أُسَيْدُ " بِالضَّمِّ وَبِالتَّصْغِيرِ ... أَبْنَا أَبِي الْجَدْعَاءِ وَالْحُضَيْرِ 806 - وَأَخْنَسٍٍ أُحَيْحَةٍ وَثَعْلَبَهْ ... وَابْنِ أَبِي إِيَاسِ فِيمَا هَذَّبَهْ 807 - وَرَافِعٍ سَاعِدَةٍ وَزَافِرِ ... كَعْبٍ وَيَرْبُوعٍ ظُهَيْرٍ عَامِرِ

808 - ثُمَّ أَبُو عُقْبَةَ مَعْ تَمِيمِ ... وَجَدُّ قَيْسٍ صَاحِبٍ تَمِيمِي 809 - وَاكْنِ " أَبَا أُسَيْدٍ " الْفَزَارِي ... وَابْنَا عَلِي وَثَابِتٍ بُخَارِي (1) (أُسَيْدُ) بالضم لهمزهِ، وكان يغني عنه قوله: (وبالتصغير) بوزن عُزَير فقوله (أُسَيْدُ) مبتدأ على حذف مضاف أي ومسميات أسيد وخبره قوله: (أبنا) جمع ابن قصر للضرورة مضاف إلى (أبي الجدعاء) وما عطف عليه. وحاصل المعنى: أن أسيداً بالتصغير اسم جماعة، وهم أسيد بن أبي الجدعاء يقال: له صحبة (و) أسيد بن (الحضير) صحابي ابن صحابي (و) أسيد (ابن أخنس) بالصرف للضرورة، وهو ابن الأخنس بن الشريق، بفتح الشين، الثقفي ذكره عمر بن شبة في الصحابة (و) أسيد بن (أحيحة) بهمزة مضمومة وحاءين مهملتين بينهما ياء، صُرِف للضرورة ابن خلف الجمحي من مسلمة الفتح (و) أسيد بن (ثعلبة) له صحبة (و) أسيد (ابن أبي إياس) هكذا في نسخة الشارح والمحققِ إياس بالياء، والذي في الإصابة وأسد الغابة أنه أسيد بن أبي أناس بالنون وهو صحابي ابن أخي سارية بن زنيم الذي قال له عمر - رضي الله عنه - بين خطبته: يا ساريةُ الجبلَ، ولأسيد هذا قصة في إسلامه ذكر في أسد الغابة والإصابة، وهذا الضبط في أسيد هذا بضم الهمزة وفتح السين هو الأصح كما قال (فيما هذبه) أي في القول الذي حرره النقاد من ضبطه، فقوله فيما هذبه خبر لمحذوف أي عَدُّ ابن أبي أناس في أسيد بضم الهمزة وفتح السين كائن في القول الذي حرره من حققه، وعليه الحافظ في التبصير، تبعاً للمرزبانيّ، وصحح ابن الأثير في أسد الغابة: كونه بفتح الهمزة وكسر السين وهو الذي ضبطه العسكري والدارقطني كما في الإصابة. (و) أسيد بن (رافع) بن خديج شيخ مجاهد ويقال فيه أسيد ابن أخي أبي رافع، وذكر في التبصير أن فيه اختلافاً يعني في ضبطه هل هو بالتصغير أو بالتكبير، وأسيد بن (ساعدة) بالصرف للوزن ابن عاصم الأنصاري الحارثي صحابي، وكذا ابنه يزيد (و) أسيد بن (زافر) وَالِي إِرْمِينَةَ، وكذا

ابنه يزيد، وأسيد بن (كعب) القرظي أخي أسد، لهما صحبة (و) أسيد بن (يربوع) الساعدي شهد أحداً، وأسيد بن (ظهير) بن رافع الأنصاري الحارثي، يكنى أبا ثابت له ولأبيه صحبة، وأسيد بن (عامر) بن سلم بن تيم جد أبي صالح محمد بن عيسى الكاتب الذهلي أحد الحفاظ. ولما أنهى المنسوب إلى الأبناء أتبعه بما هو منسوب إلى الآباء فقال (ثم أبو عقبة) بالرفع عطفاً على أبنا أبِي الجدعاء، أي والد عقبة، وهو أسيد الصدفي تابعي (مع) والد (تميم) وهو أسيد أبو رفاعة الصحابي (وجد قيس) بالرفع عطفاً على أبناء أيضاً أي جد قيس بن عاصم بن أسيد بن جعونة، وقوله: (صاحب) بالرفع خبر لمحذوف أي هو صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني: أن قيساً هذا صحابي (تميمي) منسوب إلى بني تميم (واكْنِ) أيها المحدث (أبا أسيد الفزاري) ويقال: الصدفي، روى عنه ابن أبي زكريا (وابنا علي وثابت) مبتدأ خبره محذوف أي كذلك يعني: أن ابن علي وابن ثابت: يكنيان بأبي أسيد، فأما ابن علي فهو أبو أسيد بن علي بن مالك الأنصاري ذكره أبو العباس السراج في الصحابة، حكاه ابن منده. اهـ الإصابة، وأما ابن ثابت فهو عبد الله بن ثابت الأنصاري، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له: أبو أسيد الذي روى عنه حديث: " كلوا الزيت وادهنوا به " إلا أن في سنده جابراً الجعفي، قاله في الإصابة. وقوله: (بخارى) هكذا النسخة عند الشارح والمحقق منسوب إلى بُخَارَى وسيأتي للناظم: إِلَى بُخَارَى نِسْبَةُ " الْبُخَارِي " ... وَمَنْ مِنَ الأَنْصَارِ فَـ " النَّجَّارِي " وَلَيْسَ فِي الصَّحْبِ وَلا الأَتْبَاعِ ... مَنْ يُنْسَبُ الأَوَّلَ بِالإِجْمَاعِ وأظن أنه هنا تَصَحَّفَ بخاري من نَجَّارِي، أو من أنصاري. (تنبيه): لم يستوعب الناظم من يسمى أسيداً بالضم اسماً أو كنيةً، وقد استوفاها الحافظ في تبصير المنتبه فانظره هناك.

ومنها أمَنَةُ وأُمَيَّة وآمِنَةُ كما ذكرها بقوله: 810 - ثُمَّ ابْنُ عِيسَى وَهْوَ فَرْدٌ " أَمَنَهْ " ... وَغَيْرُهُ " أُمَيَّةٌ " أَوْ " آمِنَهْ " (ثم) بعد أن عرفت أُسَيداً وأَسِيداً ينبغي لك أن تزيد عليه بقية أنواع الباب، فتقول: (ابن عيسى) مبتدأ خبره أمنة (وهو فرد) أي والحالة أنه منفرد بهذا الاسم (أمنة) بوزن حسنة، روى عن أبي صالح كاتب الليث (وغيره) أي غير ابن عيسى إما (أمية) الصرف للوزن، بضم الهمزة وتشديد الياء مصغراً وهو كثير (أو آمنة) بهمزة ممدودة بوزن فاطمة، أم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو آمنة له صحبة. ومنها أتش وأنس كما ذكرهما بقوله: 811 - مُحَمَّدُ بْنُ " أَتَشَ " الصَّنْعَانِي ... بِالتَّاءِ وَالشِّينِ بِلا تَوَانِ (محمد بن أتش) بمنع الصرف للَوزن مبتدأ (الصنعاني) نسبة إلى صنعاء اليمن، وغلط من قال الصغاني، وهو محمد بن الحسن ابن أتشٍ، نسب إلى جده، وخبر المبتدإ قوله: (بالتاء) المثناة (والشين) المعجمة بوزن أنس، صدوق فيه لين، رمي بالقدر، وقوله: (بلا توان) خبر لمحذوف أي هذا الضبط محقق بلا تساهل، أو متعلق بفعل محذوف أي خذ هذا الضبط بلا تساهل، فإنه ربما يشتبه بأنس فإنه الجادة، ومثله أخوه علي بن أتش كما في التبصير. ومنها أثوب مع أيوب كما ذكرهما بقوله: 812 - " أَثْوَبُ " نَجْلُ عُتْبَةٍ وَالأَزْهَرِ ... وَوَالِدُ الْحَارِثِ، ثُمَّ اقْتَصِرِ (أثوب) بفتح الهمزة وسكون المثلثة وفتح الواو مبتدأ على حذف مضاف أي مسمى أثوب، وخبره قوله: (نجل) أي ابن (عتبة) بالصرف للوزن، قيل له صحبة، حديثه في الديك الأبيض، ولا يصح. (و) أثوب نجل (الأزهر) أخو بني جَنَاب، وهو زوج قَيْلَةَ بنت مَخْرَمَةَ الصحابية ذكره ابن ماكولا. اهـ تبصير. (و) أثوب (والد الحارث) رأى علياً، قال ابن ماكولا: وهو خطأ من عبد الغني وإنما هو ثُوَب بلا ألف. اهـ تبصير، يعني: كزُفَر (ثم) إذا عرفت أن هؤلاء الثلاثة أثوب بوزن أفضل فـ (ـاقتصر) عليهم، فإن غيرهم أيوب، وهو كثير.

ومنها بَرِّاء بالتشديد مع بَرَاء بالتخفيف، ذكرهما بقوله: 813 - وَأَبَوَا عَالِيَةٍ وَمَعْشَرِ ... أُذَيْنَةٌ حَمَّادُ " بَرَّاءُ " اذْكُرِ (وأبوا) بصيغة التثنية، مبتدأ مضاف إلى (عالية) بالصرف للوزن (ومعشر) بفتح الميم وسكون العين وفتح الشين المعجمة (أذينة) بالرفع عطف على أبوا بحذف العاطف، وصرف للوزن، وليس معطوفاً على عالية وقد أخطأ الشارح وتبعه العلامة ابن شاكرٍ في هذا وفي (حماد) حيث جعلهما معطوفين على عالية فقال: وأبو أذينة وأبو حماد وليس كذلك. وقوله: (براء) خبر المبتدإ أي لقب أبي العالية وأبي معشر، وأذينةَ وحمادٍ: بَرَّاء بفتح الباء وتشديد الراء من بَرْيِ النشاب وغيره قاله في التبصير. وحاصل المعنى: أن كل (¬1) واحد من أبي العالية واسمه زياد بن فيروز، وأبي معشر يوسف بن يزيد البصري العطار صدوق ربما أخطأ، وأذينة وحماد بن سعيد المازني البصري روى عنه الأعمش يلقب بالبراء، وقوله: (اذكر) تمام البيت أي اذكر هذا، وأما غيره فالبراء بالفتح وتخفيف الراء وهم جماعة. ومنها النجاري مع البخاري أشار إليه بقوله: 814 - إِلَى بُخَارَى نِسْبَةُ الْبُخَارِي ... وَمَنْ مِنَ الأَنْصَارِ فَـ النَّجَّارِي 815 - وَلَيْسَ فِي الصَّحْبِ وَلا الأَتْبَاعِ ... مَنْ يُنْسَبُ الأَوَّلَ بِالإِجْمَاعِ (إلى بخارى) بضم الباء البلدة المشهورة، خبر مقدم لقوله: (نسبة البخاري) يعني: أن البخاري بالباء والخاء منسوب إلى البلدة المشهورة، ¬

_ (¬1) وفيه نظر إذ يوهم أن أذينة غير أبي العالية، وليس كذلك بل هو اسمه، إذ في اسمه اختلاف فقيل أذينة وقيل زياد، وقيل كلثوم، وقيل ابن أذينة كما في التقريب. فالحاصل أن أذينة هو أبو العالية، فالبراء بالتشديد لقب لثلاثة: أبي العالية، وحماد بن سعيد، وأبي معشر، وليس لأربعة خلاف ما يوهمه كلام الناظم تبعاً للحافظ في تبصريه. فتنبه.

وهو كثير في الأنساب (ومن) موصولة مبتدأ (من الأنصاري) صلة من، أي ومن كان من الأنصار من أولاد الصحابة والتابعين (فـ) ـهو (النجاري) خبر المبتدإ، أي منسوب إلى بني النجار بفتح النون وتشديد الجيم بطن من الأنصار، (وليس في الصحب ولا الأتباع) أي الصحابة والتابعين (من ينسب) بالبناء للمفعول (الأول) منصوب بنزع الخافض إلى الأول، وهو بُخَارَى وهذا (بالإجماع) من العلماء، يعني: أنه لا يوجد في الصحابة ولا في التابعين من ينسب إلى بُخَارَى، بل كلهم منسوبون إلى النجار، هكذا قال الناظم تبعاً للذهبي: في المشتبه، قال الحافظ: وفيه نظر لأن ابن منده ذكر في الصحابة، الأسود بن حازم بن صفوان نزل بُخَارَى. اهـ تبصير. وقال أيضاً: فأما أبو المعالي البخاري أحمد بن محمد بن علي البغدادي فنسب إلى بُخَارِ البَخُورِ بالعود وغيره، لأنه كان يبخر في الخانات اهـ. وقيده بالأتباع لأن أتباع التابعين ومن بعدهم ينسبون إلى بخارَى بكثرة، كالإمام البخاري صاحب الصَّحِيح. ومنها خَدِيج، مع حُدَيجٍ أشار إليهما بقوله: 816 - وَالِدَ رَافِعٍ وَفَضْلٍ كَبِّرِ ... " خَدِيجَُ " أَهْمِلْ غَيْرَ ذَا وَصَغِّرِ (والد رافع وفضل) مفعول مقدم لكبر، أو مبتدأ خبره، جملة (كَبِّرِ) بتقدير رابط، يعني أنّ والد رافع وفضل مكبر (خديج) بدل من والد، أو خبر لمحذوف أي هو خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة، ومنع الصرف للوزن. (أهمل) أي انطلق به مهملاً بلا نقطة على الحاء (غير ذا) أي غير خَدِيج المذكور (وصغر) هُ فتقول حُدَيْجٌ. وحاصل المعنى: أن رافع بن خَدِيج، وفضل بن خديج أبوهما مكبر ومعجم، وأما غير ذلك فهو حُدَيج بحاء مهملة آخره جيم مصغراً، وهو كثير، هكذا قال الناظم: تبعاً للذهبي، لكن استدرك عليه الحافظ من الأول كثيراً فانظر التبصير.

ومنها حِرَاش مع خِرَاش أشار إليهما بقوله: 817 - " حِرَاشٌ " بْنُ مَالِكٍ كَوَالِدِ ... رِبْعِيٍّ اهْمِلْهُ بِغَيْرِ زَائِدِ (حراش) مبتدأ خبره جملة " أهمله "، وهو (ابن مالك) معاصر لشعبة، سمع يَحْيَى بن عبيد، (كوالد ربعي) وإخوته (أهمله) بوصل الهمزة للوزن، أي اضبطه بحاء مهملة مكسورة بوزن كتاب. (بغير) شخص (زائد) على هذين، فإن غيرهما خراش بخاء معجمة، وهو خراش عن أنس كذاب، وعبد الرحمن بن محمد بن خراش الحافظ، كان قبل ثلاثماثة، وآخرون. ومنها حِزَام وحَرَام أشار إليهما بقوله: 818 - كُلُّ قُرَيْشِيٍّ حِزَامٌ " وَهْوَ جَمّْ ... وَمَا فِي الأَنْصَارِ " حَرَامٌ " مِنْ عَلَمْ (كل قريشي حزام) مبتدأ وخبر أي كل من كان قريشياً فاسمه حزام بحاء مهملة مكسورة وزاي معجمة (وهو جم) بفتح الجيم أي كثير لا ينضبط بالعدد (وما) مبتدأ أي الذي وقع (في الأنصار حرام) بحاء وراء مهملتين خبر " ما " (من علم) بيان لما. وحاصل المعنى: أن كل ما أتى من الأعلام في قبيلة الأنصار فهو حرام، قال العراقي: قد يتوهم من هذا أنه لا يقع الأول إلا في قريش ولا الثاني إلا في الأنصار، وليس مراداً بل المراد أن ما وقع من ذلك في قريش يكون بالزاي وفي الأنصار يكون بالراء، وقد ورد الأمران في عدة قبائل غيرهما فوقع بالزاي في خزاعة، وبني عامر بن صعصعة، وغيرهما، وبالراء في بَلِيٍّ، وخثعم، وجذام، وتميم بن مر، وفي خزاعة أيضاً، وفي عذرة، وبني فزارة، وهذيل وغيرهم كما بينه ابن ماكولا وغيره اهـ. ومنها حُضَيْر وخُضَير أشار إليهما بقوله: 819 - أُهْمِلَ لَيْسَ غَيْرٌ " الْحُضَيْرُ " ... أَبُو أُسَيْدٍِ غَيْرُهُ " خُضَيْرُ " (أهمل) بالبناء للمفعول أي ضبط بحاء مهملة (ليس غير) أي ليس غير الإهمال جائزاً فيه، أو ليس غيره بهذا الضبط، وجملة ليس معترضة بين

الفعل والنائب وهو (الحضير) بضم حاء مهملة، فضاد معجمة بصيغة التصغير (أبو أسيد) مصغراً بدل من الحضير، أو خبر لمحذوف أي هو أبو أسيد (غيره) أي غير حضير أبي اسيد، مبتدأ خبره قوله: (خضير) بضم خاء معجمة فضاد بصيغة التصغير أيضاً. وحاصل المعنى: أن والد أسيد: حضير بمهملة، وليس له نظير، وكان يقال له: حُضَيْر الكتائِبِ. اهـ تبصير، وأما غيره فخضير بخاء معجمة وهو كثير. ومنها حَنَّاط وخَبَّاط وخَيَّاط، ذكرها بقوله: 820 - عِيسَى وَمُسْلِمٌ هُمَا حَنَّاطُ ... وَإِنْ تَشَا خَبَّاطٌ " أَوْ خَيَّاطُ (عيسى) بن أبي عيسى، ميسرة، مبتدأ (ومسلم) بن أبي مسلم (هما) مبتدأ ثان خبره قوله: (حناط) أي كل واحد هما يقال له: حناط، بحاء مهملة ثم نون، والجملة خبر الأول (وإن تشا) أيها المحدث أن تزيد لهما وصفاً فقل: (خباط) بخاء معجمة فباء موحدة مشددة (أو خياط) بخاء معجمة فياء مشددة. وحاصل المعنى: أن عيسى ومسلماً يوصف كل منهما بهذه الأوصاف الثلاثة، فبأي وصف وصف به كل واحد منهما كان صحيحاً، والغلط لذلك مأمون فيهما، قاله الدارقطني ثم ابن ماكولا، لقول ابن معين كما نقله الدارقطني في مسلم: إنه كان يبيع الخَبَطَ (¬1) والحنطة، وكان خياطاً، وقوله أيضاً في عيسى: إنه كان كوفياً وانتقل إلى المدرسة، وكان خياطاً، ثم ترك ذلك، وصار خبّاطاً، ثم ترك ذلك وصار يبيع الحنطة، بل قال هو عن نفسه فيما حكاه ابن سعد: أنا خياط، وحناط، وخباط، كُلًّا عالَجْتُ، ولكن مع هذا فاشتهاره إنما هو بالمهملة والنون، واشتهر الآخر بالمعجمة والموحدة ولذا رجح الذهبي في كل واحد ما اشتهر به. اهـ فتح. ومنها الجَرِيرِيّ والحَرِيرِيّ ذكرهما بقوله: 821 - وَصِفْ أَبَا الطَّيِّبِ بِالْجَرِيرِي ... ابْنَ سُلَيْمَانَ وَبِالْحَرِيرِي ¬

_ (¬1) هو الذي تأكله الإبل.

(وصف) أيها المحدث (أبا الطيب) أحمد بن سليمان (بالجريري) بالجيم مفتوحة فراء مهملة مكبراً نسبة إلى جرير. (ابن سليمان) بدل من أبا الطيب، أو خبر لمحذوف أي هو ابن سليمان (و) صِفْهُ أيضاً (بالحريري) بحاء مهملة فراء نسبة إلى بيع الحرير، وعبارة الحافظ في تبصير المنتبه: وأبو الطيب أحمد بن سليمان الجريري، ثم الحريري بحاء مهملة نزل مصر وكان أيضاً يبيع الحرير اجتمعت فيه النسبتان اهـ. ومنها: حَمَّال وجَمَّال أشار إليهما بقوله: 822 - وَلَيْسَ فِي الرُّوَاةِ بِالأَهْمَالِ ... وَصْفًا سِوَى هَارُونٍ " الْحَمَّالِ " (وليس في الرواة) أي رواةِ الحديث خاصة أو فيمن يذكر منهم في الكتب المتداولة. قاله السخاوي، والجار والمجرور متعلق بليس لأنها بمعنى لا يوجد، وقوله: (بالإهمال) خبر ليس مقدماً على اسمها وقوله: (وصفاً) حال من الحَمَّالِ، وقوله: (سوى هارون) اسم ليس مؤخراً. يعني: أنه لا يوجد غير هارون بن عبد الله بن مروان الْبَزَّازِ الحافظ، والدِ موسى، وقوله: (الحمال) بحاء مهملة فميم مشددة وصف لهارون. وحاصل المعنى: أن كل جمال بالجيم، في الصفات إلا هارون المذكور فإنه بالحاء المهملة، وإنما قيده بالصفات ليخرج من تسمى بذلك، كحمال بن مالك وأبيض بن حمال، وقيدنا أيضاً في الكتب المتداولة لأنه يوجد في غيرها وصفاً لجماعة كرافع بن نصر الحمال، وغيره، أفاده الحافظ، واختلف في سبب وصف هارون الحمال، فقيل: إنه كان بزازاً، ثم تزهد وصار يحمل الشيء بالأجرة، ويأكل منها، وقيل: عكسه وقيل: لكثرة ما حمل من الحلم، ورجح ابن الصلاح الأول، أفاده السخاوي. ومنها الخَدَرِيُّ مع الخُدْرِيّ أشار إليهما بقوله: 823 - " الْخُدَرِيْ " مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ... وَمَنْ عَدَاهُ فَاضْمُمَنْ وَسَكِّنِ (الخدري) بخاء معجمة فدال مهملة مفتوحتين، مبتدأ خبره (محمد بن

حسن) يعني: أن الخدري بهذا الضبط هو أبو جعفر محمد بن الحسن الخَدَري يروي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم (ومن عداه) أي غير محمد بن الحسن المذكور، مفعول مقدم لقوله: (فاضممن) خاءه (وسكن) دالة، يعني: أن غير محمد بن الحسن كله بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة، وهم جماعة كثيرون كأبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. ومنها دُؤاد مع داود، أشار إليهما بقوله: 824 - عَلِيٌّ النَّاجِي وَلَدْ " دُؤَادِ " ... وَابْنُ أَبِي " دُؤَادٍ " الإِيَادِي (علي) مبتدأ، و (الناجي) صفته نسبة إلى ناجية قبيلة كبيرة من أسامة بن لؤي، قاله في اللباب. (ولد دُؤَادِ) بالإدغام الكبير خبر علي، يعني: أن علياً هو ابن دُؤَاد بضم الدال بعدها واو مهموزة ثم ألف، ثم دال، وقيل فيه داود، وعلى هذا هو أبو المتوكل صاحب أبي سعيد الخدري، قاله في التبصير. (و) بهذا الضبط أيضاً أحمد (بن أبي دؤاد الإيادي) بكسر الهمزة نسبة إلى إياد بن نزار القاضي الجهمي المشهور. وحاصل المعنى: أن هذين الرجلين علي بن دؤاد، وابن أبي دؤاد بالضبط المذكور، وغيرهم داود وهو كثير، لكن زاد في تبصير المنتبه أبا دؤاد الرؤاسي، واسمه يزيد بن معاوية شاعر فارس، وأبا دؤاد جويرة بن الحجاج الإيادي من الشعراء القدماء، وأبا دؤاد عدي بن الرقاع العاملي من فحول الشعراء في دولة بني أمية اهـ. ومنها الدَّبَرِيّ والدُّرَيْدِيّ وَزَرَنْدِي ذكرهما بقوله: 825 - " الدَّبَرِيْ " إِسْحَاقُ وَ " الدُّرَيْدِي " ... نَحْوِيُّهُمْ وَغَيْرُهُ " زَرَنْدِي " (الدَّبَري) بفتح الدال المهملة والباء الموحدة والياء مخففة للوزن مبتدأ خبره (إسحاق) هو ابن إبراهيم يروى عن عبد الرزاق، وأبوه روى أيضاً عن عبد الرزاق، وعنه عبد الوهاب بن يَحْيَى شيخ لابن المقرئ اهـ تبصير. وهو نسبة إلى دَبَر كجَبَل قرية باليمن. اهـ " ق ". (والدُّرَيْدِي نحويهم) مبتدأ وخبر يعني: أن الدريدي بضم الدال

المهزلة وفتح الراء وسكون الياء بعدها دال نسبة إلى دريد جده هو النحوي المشهور أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي الدوسري البصري المولد نشأ بعمان وطلب الأدب وورد بغداد بعد أن أسن فأقام بها إلى أن مات سنة 321 أفاده في اللباب. (وغيره زرندي) مبتدأ وخبر يعني: أن غير ما ذكره من الدبري والدريدي زرندي بزاي مفتوحة ونون ساكنة بدل الياء نسبة إلى زَرَنْدٍ كَمَرَنْد قرية من قرى أصبهان وهم جماعة. اهـ تبصير، بتغيير وزيادة. ومنها: روح بالفتح، وروح بالضم ذكرها بقوله: 826 - بِالْفَتْحِ رَوْحٌ سَالِفٌ وَوَاهِمْ ... مَنْ قَالَ ضُمَّ رَوْحٌ بْنُ الْقَاسِمْ (بالفتح روح) مبتدأ وخبر، يعني أن رَوْحاً مضبوط بفتح الراء، وهم جماعة، وقوله: (سالف) أي أن روحاً بالفتح في المتقدمين، واحترز به عن رُوح في المتأخرين فإنه بالضم، ومنهم أبو رُوح عبد العزيز مولى أحمد بن أيبك الدمياطي، وأبو رُوْح عيسى ابن المطعم شيخ شيوخ الحافظ الذهبي. ولما قال ابن التين في شرح البخاري أن القابسي ضَبَطَ رَوْحَ بن القاسم بضم الراء وقال: ليس في المحدثين بالضم غيره، وهو خطأ أشار إليه بقوله: (وواهم) أي مخطئ خبر مقدم عن قوله: (من قال) من العلماء (ضم) بالبناء للمفعول ونائب الفاعل (روح ابن القاسم) يعني: أن من قال ضبط روح بن القاسم بالضم فقد أخطأ، فإنه بالفتح كالجادة فلا ينبغي استثناؤه. ومنها الزَّبِيرِ والزُّبَيرُ ذكرهما بقوله: 827 - ابْنُ الزَّبِيرِ صَاحِبٌ وَنَجْلُهُ ... بِالْفَتْحِ وَالْكُوفِيُّ أَيْضًا مِثْلُهُ (ابْنُ الزَّبِيرِ) مبتدأ خبره " بالفتح " أي عبد الرحمن بن الزبير (صاحب) خبر لمحذوف أي هو صحابي جملة معترضة جيء بها لبيان أنه صحابي وهو الذي تزوج امرأة رفاعة القرظي المشهور قصتها في الصحج وغيره. (ونجله) أي ولده الزبير بن عبد الرحمن كائنان (بالفتح) أي مضبوطان بفتح

الزاي وكسر الباء هكذا سَوّى الناظم بين عبد الرحمن وابنه في الفتح، والذي في التبصير أن ابنه بالضم، ونصه: وابنه الزُّبير بن عبد الرحمن بالضم فقط. (والكوفي أيضاً مثله) مبتدأ وخبر، يعني: أن عبد الله بن الزَّبير الكوفي الأسدي الشاعر المشهور بالفتح كذلك، وكذلك ابنه الزَّبير بن عبد الله بن الزَّبير شاعر كأبيه بالفتح. قلت: ولعل هذا التبس على الناظم حيث قال ونجله فإن هذا هو الذي يضبط بالفتح مع ابنه. وعبد الله هذا هو الذي قال لعبد الله بن الزُّبَير لما حَرَمَهُ: لَعَنَ اللهُ ناقة حَمَلَتْنِي إليك فقال: إِنَّ وراكبها، وله أخبار مع مصعب، وعبد الملك، والحجاج، وله أخوان شاعران أيضاً بشر بن الزَّبِير، ومختار بن الزَّبِير قاله في التبصير. ومنها السَّفْرَ بالسكون والسَّفَر بالفتح ذكرهما بقوله: 828 - " السَّفْرُ " بِالسُّكُونِ فِي الأَسْمَاءِ ... وَالْفَتْحُ فِي الْكُنَى بِلا امْتِرَاءِ (السفر بالسكون) لفائه مبتدأ خبره قوله: (في الأسماء) يعني: أن السفر بفتح السين وسكون الفاء أسماء (والفتح في الكنى) مبتدأ وخبر، يعني: أن الكنى كلها سَفَر بفتح الفاء، هكذا قال الحافظ المِزِّيّ. فمن الأول: السَّفَر بن نسير روى عن أبي هريرة، ووالد أبي الفيض يوسف، ومن الثاني أبو السَّفَر سعيد والد عبد الله بن أبي السَّفَر. ومنها سلِمَة بكسر اللام وسَلَمَة بفتحها ذكرهما بقوله: 829 - عَمْرٌو وَعَبْدُ اللهِ نَجْلا سَلِمَهْ ... بِالْكَسْرِ مَعْ قَبِيلَةٍ مُكَرَّمَهْ 830 - وَالْخُلْفُ فِي وَالِدِ عَبْدِ الْخَالِقِ ... ................ (عمرو) مبتدأ خبره " بالكسر " (وعبد الله) عطف على عمرو (نجلا) أي ابنا (سلمة) صفة لعمرو وعبد الله (بالكسر) أي مضبوط بالكسر لامُ والدِهما (مع قبيلة) هي بنو سلمة، ووصفها بقوله: (مكرمة) لأنها من أنصار

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما وصفها به احترازاً عن غير الأنصار، فإنهم بنو سَلَمَة بفتح السين واللام كبني سَلَمَة بطن من لَخْم وغيرهم. وحاصل المعنى: أن عمرو بن سَلِمَة الجرمي إمامَ قومه، وعبد َالله بن سَلِمَة أحدَ بني العجلان بدري استشهد بأُحد، وبنو سَلِمَة القبيلة المشهورة كلهم بكسر اللام، ومن عدا ذلك فهو بفتحها، وهم كثيرون، ومقتضاه أنه ليس بالكسر إلا هؤلاء، لكن في التبصير زاد عُمَرً بن سَلِمَة الهمداني يروى عن علي، وعبد َالله بن سَلِمَة المرادي يروى عن علي أيضاً، وغيرهما (والخلف) مبتدأ أي اختلاف العلماء هل هو بكسر اللام أو بفتحها كائن (في) ضبط (والد عبد الخالق) شيخ شعبة الذي روى له مسلم حديث وفد عبد القيس فقال يزيد بن هارون: إنه بفتح اللام، وقال ابن علية بكسرها. ومنها السَّلَمِي بالفتح ذكره بقوله: .................... ... وَالسُّلَمِيُّ لِلْقَبِيلِ وَافِقِ 831 - فَتْحًا وَمَنْ يَكْسِرْهُ لا يُعَوَّلُ ... ................. (والسلمي) مبتدأ (للقبيل) صفته، أي للقبيلة المعروفة التي مرت آنفاً (وافق) خبر المبتدإ أي وافق أيها المحدث أهل الإتقان في ضبطه (فتحاً) أي بفتح اللام لكونه هو الحقَّ عند المتقنين فوافقهم عليه (ومن يكسره) أي يضبطه بكسر اللام وهم أكثر المحدثين، مبتدأ خبره جملة قوله (لا يعول) أي لا يعتمد عليه في ذلك، لأن قاعدة النسب أن ما كان على فَعِلٍ أو فَعِلَة بكسر العين كنَمِر وسَلِمَة يفتح تخفيفاً عند النسب كَما هو مقرر في محله، وصرح بكونه لحناً ابن الصلاح، وقال النووي: إنه لغية. ومنها سلَّام بالتثقيل وسَلَام بالتخفيف ذكرهما بقوله: ................. ... ثُمَّ سَلاَمُ كُلُّهُ مُثَقَّلُ يعني: أن (كُلِّ سلام) يضبط بتشديد اللام إلا ما استثناه بقوله: 832 - إِلاَّ أَبَا الْحَبْرِ مَعَ الْبِيكَنْدِي ... بِالْخُلْفِ وَابْنَ أُخْتِهِ مَعْ جَدِّ

833 - أَبِي عَلِيْ وَالنَّسَفِيْ وَالسَّيِّدِي ... وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ذِي التَّهَوُّدِ 834 - وَابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَاهِضٍ وَفِي ... سَلاَمٍ بْنِ مِشْكَمٍ خُلْفٌ قُفِي (إلا أبا الحبر) أي إلا والد عبد الله بن سَلاَم الصحابي الإسرائيلي، ثم الأنصاري الحبر بفتح الحاء وكسرها، وهو أفصح أي العالم لأنه كان أوّلاً من أحبار أهل الكتاب، وكان اسمه الحصين فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله فهو بالتخفيف (مع البيكندي) بكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة التحتانية ثم كاف مفتوحة ثم نون ساكنة بعدها دال نسبة إلى بلدة بين بخارى وجيحون كانت كثيرة العلماء، والمراد والد محمد بن سلام بن الفرج البخاري الحافظ أحد شيوخ البخاري (بالخلف) أي اختلاف العلماء فيه في التخفيف والتشديد، فقد ذكر الخطيب والدارقطني وغيرهما فيه التخفيف، وذكر جماعة كابن أبي حاتم وأبي علي الجَيَّاني التثقيل، قال ابن الصلاح: الأول أثبت، وهو الذي ذكره غُنْجَار في تاريخ بخارى، وهو أعلم بأهل بلده، بل ذُكِرَ عنه أنه قال: أنا محمد بن سلام بالتخفيف، وقال العراقي: وكأنه اشتبه بآخر شاركه في الاسم واسم الأب والنسبة وهو محمد بن سلام بن السكن البيكندي، الصغير فإنه بالتشديد، (وابن أخته)، بالنصب عطفاً على أبَا الْحِبْرِ، أو بالجر عطفاً على البيكندي أي ابن أخت عبد الله بن سلام الحبر، فالضمير راجع إلى الحبر لا إلى البيكندي وفيه خفاء. فهو سَلاَم بالتخفيف وعده في الصحابة ابن فتحون ولم نقف على اسم أبيه، قاله السخاوي. (مع جد أبي علي) الجبائي المعتزلي، محمد بن عبد الوهاب بن سَلَام مخففا. (و) جد أبي نصر محمد بن يعقوب بن إسحاق بن محمد بن موسى بن سَلَام مخففا (النسفي) بفتحتين نسبة لنَسِف بكسر السين فتحت للنسب كالنَّمَري، وينسب أيضاً السَّلَامي لجده المذكور، روى عن زاهر بن أحمد وأبي سعيد عبد الله بن محمد الرازي، مات بعد 430 ذكره الذهبي. (و) جد سعد بن جعفر بن سَلَام مخففا أبي الخير البغدادي، (السيدي) بفتح المهملة وياء تحتانية ثقيلة مكسورة نسبة

إلى السَّيّدة أخت المستنجد لأنه كان وكيلاً لها، روى عن ابن البطي، ومعمر بن الفاخر، وَيَحْيَى بن ثابت بن بندار مات سنة 614، ذكره ابن نقطة في التكملة، قاله السخاوي. (و) إلَّا سَلاَمَ (ابنَ أبي الحُقَيق) بحاء مهملة فقافين مصغراً، أبي رافع (ذي التهود) أي صاحب الانتساب إلى اليهود، لأنه كان من يهود بني قريظة بعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتلهُ وهو في حصن له من أرض الحجاز، فإنه بالتخفيف، وقال الحافظ في التبصير، إنه ممن اختلف فيه يعني في تخفيفه وتشديده (و) إلا سَلَام (ابن محمد ناهض) بالنون والهاء والضاد المعجمة فإنه بتخفيفها بلا خلاف لكن اختلف الآخذون عنه في اسمه هل هو سلام بدون هاء أوسلامة بهاء، فقال بالأول أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ، وقال بالثاني أبو القاسم الطبراني (وفي سلام) متعلق بخلف، أوبقُفِي (ابن مشكم) مثلث الميم ثم شين معجمة ساكنة وفتح كاف ثم ميم (خلف قفي) مبتدأ وخبر، أي اختلاف بين العلماء اتّبعَ، بمعنى أنه اختلاف معتبر مشتهر بينهم، فقيل بتخفيف اللام، وقيل بتشديدها وهو الأشهر المعروف قاله ابن الصلاح وغيره، لكن قال الحافظ: وفيه نظر لأنه ورد في الشعر الذي هو ديوان العرب مخففاً كقول أبي سفيان بن حرب (من الطويل): سَقَانِي فَرَوَّانِي كُمَيْتاً مُدَامَةً ... عَلَى ظَمَاءٍ منِّي سَلاَمُ بْنُ مِشْكَمِ وغيره من الأبيات. ووصفه ابن الصلاح بكونه خمَّاراً في الجاهلية قال الحافظ: وكأن السبب في تعريفه له به هذا البيت لكن ابن إسحاق عرفه في السيرة بأنه كان سيد بني النضير. اهـ تبصير بتصرف. والحاصل: أن سلاماً بالتخفيف تسعة اثنان مختلف فيهما، وهما البيكندي، وابن مشكم، وزاد الحافظ ابن أبي الحقيق. ومنها سلامة بالتشديد، وسلامة بالتخفيف ذكرهما بقوله: 835 - " سَلاَّمَةٌ " مَوْلاةُ بِنْتِ عَامِرِ ... وَجَدُّ كُوفِيٍّ قَدِيمٍ آثِرِ (سلامة) بالصرف للضرورة أي بتشديد اللام مبتدأ خبره قوله: (مولاة

بِنْتِ عَامِرِ) أي هي مولاة لعائشة بنت عامر تروي عن هشام بن عروة. (و) سلامة أيضاً بالتشديد (جد كوفي) بالإضافة أي جد شخص كوفي (قديم) أي متقدم زمنه (آثر) أي راو للحديث. يعني: أن سلامة هذا جد لمحدث كوفي، وهو علي بن الحسين بن سلّامة الكوفي ذكره الأمير ابن ماكولا. وزاد عليهما الحافظ سلّامة المغنية، وهي سلامة القس ومن عدا هؤلاء فهو سلامة بالتخفيف، وهم جماعة. ومنها شِيرِين، وسِيرِين ذكرهما بقوله: 836 - " شِيرِينُ " نِسْوَةٌ وَجَدُّ ثَانِي ... مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِي (شيرين) بكسر الشين المعجمة والراء مبتدأ خبره قوله: (نسوة) أي عَلَم لجماعةِ نسوة، منهم شيرين الهندية شيخة الأبْرَقُوهِي، تروى عن ابن كليب، وشيرين زوج كسرى مشهورة وغيرهما (و) شيرين أيضاً (جد ثاني محمد بن أحمد الجرجاني) أي جد محمد بن أحمد الجرجاني، فقوله: جد مبتدأ مضاف إلى محمد، وثاني خبره فصل به بين المتضايفين ضرورة، يعني: أن شيرين يطلق على نوعي النساء والرجال، فالأول جماعة نسوة والثاني جد محمد بن أحمد. وحاصل المعنى: أن شيرين اسم لجماعة من النساء ولجد محمد بن أحمد بن شيرين الجرجاني، روى عن يَحْيَى بن بكير. وأما غير هؤلاء فسيرين بسين مهملة كمحمد بن سيرين وآخرين كثيرين. ومنها سامِرِيّ، وَسَامَرَّائِي، ذكرهما بقوله: 837 - " السَّامِرِيُّ " شَيْخُ نَجْلِ حَنْبَلِ ... وَمَنْ عَدَاهُ فَافْتَحَنْ وَثَقِّلِ (السَّامِرِيُّ) بكسر الميم وتخفيف الراء مبتدأ خبره قوله: (شيخ نجل) أي ابن (حنبل) يعني: أن السامري شيخ لأحمد بن حنبل، وهو إبراهيم بن أبي العباس السامري، روى عن محمد بن حِمْير الحمصي،

وروى له النسائي وكأن أصله كان سامرياً، أو جاورهم. وقيل نسب إلى السامرية محلة ببغداد، والسامري أحد السامرة وهم طائفة من اليهود ينكرون نبوة من جاء بعد موسى، قاله في التبصير، وفي " ق " ما يفيد أنه بفتح الميم فليحرر. (ومن عداه) أي غير شيخ ابن حنبل المذكور، مبتدأ خبره جملة " فافتحن "، أومفعول مقدم لقوله: (فافتحن) ميمه (وثقل) راءه يعني: أن غيره يضبط بفتح الميم وتشديد الراء، وهم كثيرون نسبة إلى مدينة سُرَّ مَنْ رَأى بالعراق، بناها المعتصم خففها النَّاس فقالوا: سَامَرَّا ينسب إليها جماعة أفاده في اللباب، ومنها عِمارة بالكسر مع عُمارة بالضم، وعَسَل بفتحتين مع عِسْل بكسر فسكون ذكرها بقوله: 838 - وَاكْسِرْ أُبَيَّ بْنَ " عِمَارَةٍ " فَقَدْ ... وَ " عَسَلٌ " هُوَ ابْنُ ذَكْوَانَ انْفَرَدْ (واكسر) أيها المحدث (أُبي بن عمارة) أي عينه، وهو صحابي صلى للقبلتين حديثه عند أبي داود والحاكم (فقد) أي فحسب، يعني أن عمارة والد أُبَيّ وحده مكسور العين، ومنهم من ضمها، وأما غيره فجمهورهم بالضم، وفيهم جماعة بالفتح والتشديد. (وعسل) بفتحتين مبتدأ خبره جملة (هو ابن ذكوان) أَخْبَارِيّ لَقِيَ الأصمعي. (انفرد) بهذا الضبط، وأما غيره فعِسْل بكسر فسكون وهم جماعة. ومنها العَيْشي، والعَنْسِي، والعبسي، ذكرها بقوله: 839 - فِي الْبَصْرَةِ " الْعَيْشِيُّ " وَ " الْعَنْسِيُّ " ... بِالشَّامِ وَالْكُوفَةِ قُلْ عَبْسِيُّ (في البصرة العيشي) مبتدأ وخبر يعني: أن العيشي بفتح العين المعجمة فياء مثناة ساكنة فشين معجمة كائن في رواة البصرة نسبة لعائشة بنت طلحة أحد العشرة، كعبيد الله بن محمد بن حفص، ولبني عائشة بنت تميم الله، كمحمد بن بكار بن الرَّيَّان. (والعنسي) بنون ساكنة ثم سين مهملة نسبة لعنس حي من مذحج في اليمن (بالشام) بالهمزة الساكنة وتَرْكِها أي في رواتها، يعني: أن العنسي بهذا الضبط خاص بالشاميين كعمير بن هانئ تابعي، ومحمد بن الأسود روى عن عمر (و) بـ (ـالكوفة قل) أيها

المحدث (عبسي) بالباء الموحدة بدل النون والياء نسبة لعبس غطفان، يعني: أن العبسي بهذا الضبط خاص في الكوفيين كربعي بن حِرَاش وعبيد الله بن موسى. ثم إن هذا الضابط هو الغالب كما قال ابن الصلاح، وإلا فإن عمار بن ياسر عنسي مع أنه معدود في أهل الكوفة. ومنها غَنَّام وعَثَّام ذكرهما بقوله: 840 - بِالنُّونِ وَالإِعْجَامِ كُلُّ " غَنَّامْ " ... إِلاَّ أَبَا عَلِيٍّ بْنَ " عَثَّامْ " (بالنون والإعجام) خبر مقدم أي مضبوط بهما (كل غنام) يعني: أن كل غنام بغين معجمة مفتوحة فنون مشددة، كغَنّام بن أوس الصحابي، وعبيد بن غَنّام الكوفي، يروى عن أبي بكر بن أبي شيبة (إلا أبا علي) أي غير والد علي (بن عثام) فإنه بعين مهملة فثاء مثلثة مشددة، العامري الكوفي نزيل نيسابور ثقة فاضل. ومنها قَمِيرُ مكبراً وقُمَيْرٌ مصغراً، وكَرِيز وكُرَيْزٌ كذلك ذكرها بقوله: 841 - " قَمِيرُ " بِنْتُ عَمْرٍو لا تُصَغِّرِ ... وَفِي خُزَاعَةَ " كَرِيزٌ " كَبِّرِ (قمير) مبتدأ أو مفعول مقدم لتصغر بفتح القاف ثم ميم مكسورة (بنت عمرو) امرأة مسروق بن الأجدع، تروى عن عائشة، وعنها الشعبي. (لا تصغر) أيها المحدث بَلْ كَبِّرها، وأما غيرها فمصغر كزهير بن محمد بن قُمَير الشاشي يروى عن عبد الرزاق، ومكي بن قُمَير يروى عن جعفر بن سليمان. (وفي خزاعة) متعلق بكبر (كريز) مفعول مقدم مكتوب على لغة ربيعة، أو مبتدأ خبره قوله: (كبر) أيها المحدث، يعني: أن كريزاً في قبيلة خزاعة خاصةً مكبر، وأما في غيرها فمصغر، فمن الأول: طلحة بن عبيد الله بن كَرِيز تابعي، وابنه عبيد الله، قال ابن الصلاح: ولا يستدرك في خزاعة أيوب بن كريز الراوي عن عبد الرحمن بن غنم لكون عبد الغني ضبطه بالفتح فإنه بالضم عند الدارقطني وغيره اهـ. ومنها مُسَوَّر ومِسْور ذكرهما بقوله:

842 - وَنَجْلُ مَرْزُوقٍ رَأَوْا " مُسَوَّرُ " ... وَابْنُ يَزِيدَ، وَسِوَى ذَا " مِسْوَرُ " (ونجل) أي ابن (مرزوق) مبتدأ خبره، مسوّر (رأوا) أي العلماء ذلك جملة معترضة بين المتبدإ والخبر، ويحتمل كون نجل مفعولاً أول لرأوا، ومسور مفعوله الثاني وكُتِبَ على لغة ربيعة، (مسور) بضم الميم ثم مهملة مفتوحة بعدها واو مشدودة، وآخره راء، يعني: أن مسور بن مرزوق مضبوط بالضبط المذكور، رَوَى عنه عمر بن يونس اليمامي مجهولٌ، ذكره في الميزان، (وابن يزيد) مبتدأ خبره محذوف أي كذلك، يعني: أنه بهذا الضبط مُسَوَّر بن يزيد الكاهلي الأسدي، ثم المالكي، صحابي، حديثه عند أبي داود، رَوَى عنه يَحْيَى بن أبي كثير، ثم إنه ذكر هذين فقط، وذكر ابن الصلاح، ثم الذهبي بدل ابن مرزوق ابن عبد الملك اليربوعي، حدث عنه مَعْن القَزّاز، ثم إن ابن يزيد الأصح ضبطه بهذا الضبط، وأما ابن مرزوق ففيه كلام، وكذا ابن عبد الملك، قال السخاوي: بعد ذكر ابن يزيد وابن عبد الملك: ما نصه هكذا ذكرهما ابن الصلاح ثم الذهبي، واقتصر الدارقطني ثم ابن ماكولا على أولهما، يعني ابن يزيد، ولم يستدرك ابن نقطة ولا غيره عليهما أحداً، وصنيع البخاري في تاريخه الكبير حيث ذكر ابن عبد الملك في باب مِسْوَر بن مَخْرَمة المخفف يشهد لهم، ولكنه أعاد ذكره في المشدد مع ابن يزيد، ولم يذكر غيرهما، وقول المصنف، يعني العراقي: إنه ذكر مع ابن يزيد في المشدد مسور بن مرزوق لم أره في النسخة التي عندي بتاريخ البخاري، بل لم أرَ ابن مرزوق فيه أصلاً مع قول شيخنا يعني: الحافظ ابن حجرٍ في تبصير المنتبه إنه هو وابن عبد الملك اختلفت نسخ التاريخ فيهما تشديداً وتخفيفاً، بل قال في الإصابة: إنه أورده مع ابن مخرمة فاقتضى تخفيفه اهـ فتحصل من هذا أنه اختلف في كلهم تخفيفاً، وتشديداً. (وسوى ذا) أي غير هذا المذكور مبتدأ خبره (مسور) بميم مكسورة فسين مهملة ساكنة فواو مفتوحة، آخره راء يعني أن من عدا هذين مضبوط بهذا الضبط وهم جماعة. ومنها مسيب بالفتح ومسيب بالكسر، ذكرهما بقوله:

843 - كُلُّ " مُسَيَّبٍ " فَبَالْفَتْحِ سِوَى ... أَبِي سَعِيدٍ فَلِوَجْهَيْنِ حَوَى (كل مسيب) مبتدأ خبره قوله: (فبالفتح) والفاء داخلة في خبر " كل " على قلة، يعني: أن كل مسيب مضبوط بفتح الياء بصيغة المفعول، وهم جماعة، كمسيَّب ابن واضح، ومُسَيَّب السلمي، ومُسَيَّب بن عبد الرحمن، ومُسَيَّب بن عبد خير وغيرهم. (سوى) مسيّب بن حَزْن (أبي) أي والد (سعيد) التابعي الجليل، وهو صحابي ممن بايع تحت الشجرة، وأبوه حَزْن بن أبي وهب صحابي أيضاً (فلوجهين) بالفتح والكسر (حوى) أي جمع، يعني: أنه ضُبِطَ بهما. وحاصل المعنى: أن المسيب بن حزن والد سعيد، مروي، بالضبطين قال علي بن المديني: أهل العراق يفتحونها وأهل المدينة يكسرونها، وكان سعيد يكره الفتح،. اهـ تبصير، قيل: إنه دعا على من فتح، وقال: سيب الله من سيّب أبي، فينبغي أن يقرأ بالكسر حذراً من دعوته أفاده في الشرح. ومنها عُبَيْدَة وعَبِيدَة ذكرهما بقوله: 844 - أَبُو " عُبَيْدةَ " بِضَمٍّ أَجْمَعُ ... زَيْدُ بْنُ " أَخْزَمَ " سِوَاهُ يُمْنَعُ (أبو عبيدة) الكنية مبتدأ خبره (بضم) أي مضبوط بضم العين مصغراً (أجمع) توكيد للمبتدإ، يعني: أن أبا عبيدة مصغر كله لا يستثنى منه شيء، كما قاله الدارقطني في المتقدمين، فمن بعدهم من المشارقة، ووجد في المائة الخامسة من المغاربة أحمد بن عبد الصمد بن أبي عَبِيدَة، من شيوخ القاضي أبي القاسم بن بقيّ، ضبطه ابن عبد الملك في التكملة بفتح العين، وأرخه سنة ست وثمانين وخمسمائة قاله السخاوي. (زيد بن أخزم) بخاء معجمة بعد الهمزة ثم زاء معجمة بعدها ميم بوزن أكرم، مبتدأ، خبره جملة (سواه) أي غيره (يمنع) بالبناء للمفعول، يعني: أن زيد بن أخزم شيخ البخاري لا نظير له في هذا الضبط، وأما غيره فأحرم بمهملتين، أو أجرم بجيم فراء مهملة، أو أخرم بخاء معجمة فراء مهملة، أو أحزم بمهملة، فمعجمة، لكن قال الحافظ: نَعْم سمي بأخزم أي بالضبط الأول جماعة في الجاهلية. اهـ.

وفي نسخة الشارح بدل الشطر الثاني ما نصه: نَصَّ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِي فَآسْمَعُوا، يعني: أن هذا الضبط لأبي عُبَيْدَة نص عليه الحافظ الدارقطني فينبغي اعتماده. ومنها حُضَيْن بالضاد المعجمة وحُصَين بالصاد المهملة ذكرهما بقوله: 845 - وَلَيْسَ فِي الرُّوَاةِ مِنْ " حُضَيْنِ " ... إِلاَّ أَبُو سَاسَانَ عَنْ يَقِينِ (وليس في الرواة) أي رواة الحديث (من) زائدة (حضين) بحاء مهملة فضاد معجمة مصغراً اسم ليس مؤخراً، وخبرها الجار والمجرور قبله (إلا أبو ساسان) بدل من اسم ليس، وهو لقبه، وكنيته أبو محمد. وحاصل المعنى: أنه ليس حضين بالضبط المذكور في رواة الحديث إلا أبو محمد حضين بن المنذر بن الحارث بن وَعْلَة البصري الرقاشي، أبو ساسان بمهملتين وآخره نون تابعي، صاحب علي، روى له مسلم، وهذا بلا خلاف، وقد غلط الأصِيلي والقابسي في ضبطهما الحُصَين بن محمد الأنصاري في الصَّحِيحين بالضاد المعجمة، قاله السخاوي، وإلى عدم الخلاف أشار بقوله: (عن يقين) أي أقول لك هذا الكلام مع يقين، أو هذا الكلام ناشئ عن يقين، يقال: يَقِنَ الأمرُ يَيْقَنُ يَقَنًا من باب تعب، إذا ثبت، ووضح فهو يقين، فعيل بمعنى فاعل، قاله في المصباح. ومنها الهمداني والهمذاني ذكرهما بقوله: 846 - وَلِلْقَبِيلِ نِسْبَةُ " الْهَمْدَانِي " ... وَبَلَدٍ أَعْجِمْ بِلا إِسْكَانِ 847 - فِي الْقُدَمَاءِ ذَاكَ غَالِبٌ، وَذَا ... فِي الآخَرِينَ، فَهْوَ أَصْلٌ يُحْتَذَى (وللقبيل) لغة في القبيلة، وهم بنو أب واحد، خبر مقدم عن قوله: (نسبة الهمداني) بفتح الهاء المهملة وسكون الميم وإهمال الدال، يعني أن نسبة الهمداني بهذا الضبط إلى القبيلة باليمن (وبلد) عطف على القبيل أي للنسبة إلى بلد (أعجم) أي اجعل على الدال نقطة (بلا إسكان) للميم، يعني أن النسبة إلى همذان بَلْدَةٍ في العجم بناها همذان بن الفَلُّوج بن سام بن نوح: يكون بسكون الميم وإعجام الذال.

(في القدماء) متعلق بغالب أي في المتقدمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم (ذاك) الأول مبتدأ خبره (غالب) (وذا) الثاني (في الآخرين) أي المتأخرين فذا مبتدأ، وفي الآخرين خبر، أي أن الثاني غالب في المتأخرين (فهو أصل) أي هذا الضبط قانون وضابط (يحتذى) بالبناء للمفعول أي يقتدى به ويلجأ إليه عند الاشتباه. وحاصل المعنى أن الهمداني في المتقدمين بسكون الميم أكثر وبفتحها في المتأخرين أكثر، قاله ابن ماكولا. ونحوه قول الذهبي: والصحابة والتابعون، وتابعوهم من القبيلة، وأكثر المتأخرين من المدينة، قال: ولا يمكن استيعاب واحد من الفريقين اهـ. قال السخاوي: وممن خرج عن الغالب وَسُكِّنَ (¬1) من المتأخرين: أبو إسحاق إبراهيم أبي الدم قاضي حماة، وأبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ، وجعفر بن علي وعبد الحكيم بن حاتم، وعبد المعطي بن فتوح، وعلي بن عبد الصمد السخاوي، والأربعة من أصحاب السلفي، وأبو الفضل محمد بن عطاف، ومنصور بن سليم الحافظ، وآخرون كلهم همدانيون بالسكون والإهمال. اهـ فتح المغيث جـ 3 ص 244. ولما ذكر عيوناً مفيدة من القسم الأول الذي يراد به التعميم، أتبعه بذكر عيون من القسم الثاني الذي يراد به التخصيص بالصَّحِيحين والموطأ بقوله: 848 - وَمِنْ هُنَا خُصَّ صَحِيحُ الْجُعْفِي ... لِكُلِّ مَا يَأْتِي بِهِ مُوَفِّي (ومن هنا) أي من هذا الموضع متعلق بقوله: (خص) بالبناء للمفعول ونائب فاعله قوله: (صحيح) الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (الجعفي) بضم الجيم وسكون العين نسبة إلى القبيلة نِسْبَةَ وَلَاءٍ لأن جده أسلم على يد يَمَانٍ الجعفي، وتقدمت ترجمته، ويحتمل ضبط خص بالبناء ¬

_ (¬1) أي ميمه مع إهمال داله.

للفاعل وفاعله ضمير عائد على مفهوم من السياق أي خص ما يُذكَر من الأسماء والكنى وغيرهما وصحيحَ مفعول به. والمعنى: أن ما بعد هذا من الأسماء والكنى والألقاب والأنساب خاص بصحيح البخاري، وسيأتي ما في صحيح مسلم وموطأ مالك في قوله: في مسلم خلف إلى آخره، وقوله: ولم يزد موطأ إلخ. (لكل ما يأتي) من المؤتلف والمختلف (به) في صحيح الجعفي متعلق بـ (ـموفي) أي أن ما يأتي بعد هذا يوفي ما في صحيح البخاري من المؤتلف والمختلف. فمنها أَخْيَفُ وأقْلَح مع أحنف وأفلح ذكرها بقوله: 849 - " أَخْيَفُ " جَدُّ مِكْرَزٍ وَ " الأَقْلَحُ " ... كُنْيَةُ جَدِّ عَاصِمٍ قَدْ نَقَّحُوا (أخيف) بفتح الهمز وسكون الخاء المعجمة وتحته مثناة مفتوحة آخره فاء بوزن أحمد، مبتدأ خبره قوله: (جَدُّ مِكْرَزٍ) بميم مكسورة، فكاف ساكنة، فراء مهملة، فزاي معجمة، يعني: أن الأخيف بهذا الضبط اسم لجد مكرز بن حفص بن الأخيف العامري، له ذكر في صلح الحديبية. (والأقلح) بهمزة، فقاف، فلام، فحاء مهملة بوزن الذي قبله: مبتدأ خبره قوله: (كنية جد عاصم) بن ثابت بن أبي الأقلح، له صحبة. (قد نقحوا) أي هذب العلماء هذا الواحد، وأما غيره فأفلح بالفاء وهو كثير، أو نقحوا هذه الأسماء المشتبهات على الوجه الذي أثبتناه هنا، فاحتفظ به. ومنها يَسَار مع بَشَّار ذكرهما بقوله: 850 - وَكُلُّ مَا فِيهِ فَقُلْ " يَسَارُ " ... إِلاَّ أَبَا مُحَمَّدٍ " بَشَّارُ " (وكل ما فيه) أي صحيح البخاري من الأسماء وغيرها (فقل) أيها المحدث في ضبطه (يسار) بياء مفتوحة فسين مهملة آخره راء مهملة، وهو كثير. (إلا أبا محمد) فإنه (بشار) بباء موحدة فشين معجمة مفتوحتين، أي والد محمد بن بشار بن عثمان شيخ الأئمة الستة، الملقب ببندار، وهو أحد

الأئمة التسعة الذين اتفق الستة في الرواية عنهم من دون واسطة، وقد تقدم نظمي إياهم في باب المصحف والمحرف ص 606. فارجع إليه تزدد به علماً. ومنها بُسْرٌ وبِشْر ذكرهما بقوله: 851 - الْمَازِنِيْ وَابْنُ سَعِيدَ الْحَضْرَمِي ... وَابْنُ عُبَيْدِ اللهِ " بُسْرٌ " فَاعْلَمِ (المازني) بتخفيف الياء للوزن مبتدأ مع ما عطف عليه خبره قوله: بسر، نسبة لمازن بن منصور بن عكرمة بن حارثة بن قَيسِ عَيْلاَن، والمراد به عبد الله بن بسر صحابي ابن صحابي له حديث موصول في صفة شيب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعلق في الجمعة. (وابن سعيد) بمنع الصرف للوزن (الحضرمي) المدني تابعي مولى ابن الحضرمي. (وابن عبيد الله) الحضرمي الشامي، كل منهم (بسر) بضم أوله ثم سين مهملة ساكنة آخره راء (فاعلم) ذلك أيها المحدث، ولا تزد عليه، فإنه ليس في الصَّحِيح غير هؤلاء، وأما غيرهم فهو بشر بباء موحدة مكسورة ثم شين معجمة ساكنة وهو كثير. ثم إن ظاهر كلامه يقتضي أن المازني هو بسر وليس كذلك لأن بسراً والد عبد الله لا ذكر له في صحيح البخاري بل، ولا في مسلم، ولا في الموطأ، وإن ذكره المزي ورمز عليه علامة مسلم فإنه سهو كما صرح به العراقي والحافظ، بل الذي له ذكر في الصَّحِيح هو ابنه عبد الله فلا بد من تقدير مضاف لتصحيح كلامه أي والد عبد الله المازني فتنبه. ومنها بُشَيْر، وبَشِير، وُيسَيْر، وأُسَيْر ذكرها بقوله: 852 - وَابْنُ يَسَارٍ وَابْنُ كَعْبٍ قُلْ بُشَيْرْ ... وَقُلْ يُسَيْرٌ فِي ابْنِ عَمْرٍو أَوْ أُسَيْرْ (وابن يسار) الحارثي المدني التابعي حديثه في الكتب الثلاثة (وابن كعب) العدوي، وقيل: العامري البصري التابعي المخرج له في الصَّحِيحين (قل) أيها المحدث في اسمهما (بُشَير) بموحدة تحتانية فشين معجمة فياء ساكنة مصغراً، ومن عداهما في الصَّحِيح فهو بشير مكبراً، وهو كثير، وأما مقاتل بن بُشَير فهو وإن كان مثلهما فلم يخرج له في الكتب الثلاثة

وإن زعم صاحب الكمال أن مسلماً أخرج له، فهو وهم. (وقل) أيها المحدث (يسير) بالتحتانية ثم المهملة مصغراً (في) ضبط اسم (ابن عمرو) تابعي، بل يقال: إن له رؤية حديثه في الصَّحِيحين، وقيل اسمه أسير كما أشار إليه بقوله: (أو) لتنويع الخلاف (أُسَير) أي قيل: إن اسمه أسير بضم همزة بدل التحتانية، وكذا اختلف في اسم أبيه، فقيل: عمرو كما مر آنفاً، وهو الأكثر، وقيل: جابر. قال ابن المديني: أهل البصرة يقولون أسير بن جابر، وأهل الكوفة يقولون: أسير بن عمرو، وقال بعضهم: يسير بن عمرو، ورجح البخاري كونه أسير بن عمرو، وأشار إلى تليين قولِ من قال فيه: ابن جابر ذكره السخاوي. ومنها بَصِير ونُصَير ذكرهما بقوله: 853 - أَبُو " بَصِيرَ " الثَّقَفِي مُكَبَّرُ ... وَاْبنُ أَبِي الأَشْعَثِ نُونًا صَغَّرُوا (أبو بصير) بمنع الصرف للوزن، عتبة بن أسِيد بن جارية (الثقفي) بتخفيف الياء للوزن ذكر في صلح الحديبية، وأبو بصير مبتدأ خبره قوله: (مكبر) أي بفتح الباء وكسر الصاد (وابن أبي الأشعث) مفعول مقدم لصغروا، أو مبتدأ خبره جملة " صغروا " (نوناً) أي بنون (صغروا) أي ضبطوه بالتصغير والنون، يعني: أن نُصَير بن أبي الأشعث الأسدي أبا الوليد الكوفي، روى عن حبيب بن أبي ثابت، وعنه أبو نعيم وثقه أبو زرعة، وأبو حاتم، له ذكر في البخاري في موضع من اللباس مضبوط بالنون مصغراً. ومنها بزار مع بزاز، والنصري مع البصري، ذكرها بقوله: 854 - يَحْيَى وَبِشْرٌ وَابْنُ صَبَّاحٍ بِرَا ... " بَزَّارُ " وَ " النَّصْرِيُّ " بِالنُّونِ عَرَا 855 - مَالِكَ عَبْدَ وَاحِدٍ ........... ... .......................... (يحيى) مبتدأ مع المعطوفين أي يَحْيَى بن محمد بن السكن البزار (وبشر) بن ثابت البزار (و) الحسن (بن صباح) البزار حال كونهم (برا)

مهملة في آخره، كلهم (بزار) خبر المبتدإ، أي بموحدة فزاي معجمة فراء مهملة، وأما غيرهم فبزار بزايين، وهم جماعة. (والنصري) مبتدأ خبره جملة " عرا " (بالنون) أي حال كونه مضبوطاً بالنون المفتوحة (عرا) أي أصاب، وقوله: (مالك) منصوب على المفعولية ممنوع من الصرف للوزن وقوله: (عبد واحد) عطف عليه يعني: أن مالكاً وعبد الواحد أصابهما النصري بالنون بمعنى أنه خاص بهما، وأما غيرهما فبصري بالباء. والحاصل: أن مالك بن أوس بن الحدثان من تابعي المدنية مخضرم مختلف في صحبته، مخصوص بهذا الضبط، وإنما قيل له النصري نسبة إلى قبيلة من هوازن من ولد نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، ومثله عبد الواحد بن عبد الله النصري أبو بشر الدمشقي، ومن عدا هذين فهو بصري نسبة إلى البصرة. ومنها تُمَيْلة ونُمَيلة ذكرهما بقوله: ................ تُمَيْلَهْ ... كُنْيَةُ يَحْيَى، غَيْرُهُ " نُمَيْلَهْ " (تميلة) بمثناة فوقية مضمومة وميم مفتوحة فياء مثناة ساكنة مبتدأ خبره قوله: (كنية يحيى) بن واضح الأنصاري مولاهم المروزي الحافظ، يعني: أن أبا تميلة مصغراً كنيته (غيره) أي غير يَحْيَى المذكور (نميلة) بنون بدل المثناة وهو جد محمد بن مسكين، قال الحافظ: في الهدي ما في الكتاب بهذه الصورة غير هذين. ومنها تَيِّهَان ونَبْهَان ذكرها بقوله: 856 - اسْمُ أَبِي الْهَيْثَمِ " تَيِّهَانُ " ... وَاسْمُ أَبِي صَالِحِهِمْ " نَبْهَانُ " (اسم أبي الهيثم تيهان) يعني: أن اسم والد أبي الهيثم الصحابي تَيِّهان بتاء مثناة فوقانية وتشديد ياء تحتانية مع كسرها ابن مالك بن عَتِيك، وفي عبارة النظم نظر، إذ يوهم أن تيهاً اسم أبي الهيثم وليس كذلك فإنه اسم والده، وأما اسمه فمالك فتنبه. (واسم أبي صالحهم نبهان) بنون مفتوحة ثم باء موحدة ساكنة، يعني: أن والد صالح مولى التوأمة هو نبهان الجمحي.

ومنها تَوَّزِي مع ثَوْرِيّ وتَغْلِبِيّ مع ثَعْلَبِيّ ذكرها بقوله: 857 - مُحَمَّدُ ابْنُ الصَّلْتِ " تَوَّزِيُّ " ... مُسَيَّبٌ بِالْغَيْنِ " تَغْلِبِيُّ " (محمد بن الصلت) أبو يعلى البصري المشهور الذي، روى عنه البخاري في الردة حديث العُرَنِيِّين (توزي) بفتح المثناة الفوقانية والواو المشددة على المعتمد ثم زاي مكسورة، نسبة إلى تَوَّز، ويقال: بجيم بدل الزاي بلدة بفارس، ومن عداه ثوري بالمثلثة والواو الساكنة، ثم راء (مسيب) بن رافع الأسدي، الكاهلي، الكوفي الضرير، كان يختم في ثلاث، ثم يصبح صائماً، لم يسمع من صحابي إلا من البراء وعامر بن عَبَدَة، حال كونه (بالغين) المعجمة (تغلبي) أي بتاء فوقانية فغين معجمة ساكنة ولام مكسورة ثم باء موحدة، ومن عداه كله ثعلبي بالثاء المثلثة والعين المهملة وفتح اللام. ومنها حَرِيز مع جَرِير ذكرهما بقوله: 858 - أَبُو " حَرِيزٍ " وَابْنُ عُثْمَانَ يُرَى ... بِالْحَاءِ، وَالزَّايِ، وَغَيْرُهُ بِرَا (أبو حريز) عبد الله بن الحسين الأزدي قاضي سجستان، (و) حريز (ابن عثمان) الرحبي بمهملتين مفتوحتين ثم باء موحدة نسبة إلى بطن من حمير الحمصي، (يرى) بالبناء للمفعول أي كل منهما بالحاء المهملة المفتوحة (والزاي) المعجمة آخرَهُ بوزن كَبِير (وغيره) أي غير حريزٍ المذكور مضبوط (برا) مهملة بدل الزاي، وكذا بجيم بدل الحاء، وهو كثير، قال الحافظ: وليس في الكتاب بضم الحاء المهملة شيء، ولا بفتحها وآخره راء شيء. ومنها الحَرِيريّ مع الجُرَيرِيّ ذكرهما بقوله: 859 - يَحْيَى هُوَ ابْنُ بِشْرٍ " الْحَرِيرِي " ... وَغَيْرُهُ بِالضَّمَّةِ " الْجُرَيْرِي " (يحيى) مبتدأ خبره قوله: (هو ابن بشر) بكسر الباء الموحدة وسكون

الشين المعجمة، (الحريري) صفة لابن بشر، بالحاء والراء المهملتين، مكبراً بوزن كَبِير، يعني: أن يَحْيَى بن بشر بن كثير أبا زكريا الأسدي الكوفي هو الحريري بالضبط المذكور، انفرد مسلم بالرواية عنه، وقول ابن الصلاح: إنه شيخ البخاري أيضاً قلد فيه عياضاً، وهو قلد شيخه الجَيَّاني، في تقييده، وسبقهم الحاكم والكلاباذي، خطأ، فشيخ البخاري إنما هو يحيى بن بشر البَلْخي الفَلَّاس الزاهد وقد فرق بينهما ابن أبي حاتم، والخطيب، ثم المِزِّي، والحافظ، وآخرون، ولهم يَحْيَى بن أيوب الجَرِيرِيّ، بفتح الجيم وكسر الراء لجده جرير البجلي، وهو وإن استشهد به البخاري في أول كتاب الأدب، من صحيحه فلم يقع منسوباً، أفاده السخاوي. قلت: وعلى الخطأ جرى الحافظ في هدي الساري، وتبعه هنا الشارح الترمسي (وغيره) أي غير يَحْيَى المذكور مبتدأ، حال كونه مضبوطاً (بالضمة) وقوله: (الجريري) خبر المبتدإ، أي بضم الجيم وفتح الراء مصغراً، نسبة لجُرَير بن عُباد بضم العين وتخفيف الموحدة، والمنسوب إليه في البخاري، بل وفي مسلم أيضاً، اثنان فقط عباس بن فروخ أبو محمد، وسعيد بن إياس، أبو مسعود، بصريان. ومنها جارية وحارثة ذكرهما بقوله: 860 - " جَارِيَةٌ " جِيمًا أَبُو يَزِيدِ ... وَابْنُ قُدَامَةَ أَبُو أَسِيدِ (جارية جيماً) أي مضبوطاً بجيم ثلاثة: وهم (أبو يزيد) أي والد يزيد بن جارية الأنصاري المدني، (و) جارية (ابن قدامة) التميمي السعدي البصري، صحابي له ذكر في البخاري في الفتن، و (أبو أَسِيد) أي والد أسيد بوزن كَبِير، جد عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية، روى له البخاري حديث قتل خُبَيب ومن عدا هؤلاء الثلاثة فهو حارثة بالحاء. ومنها حَيَّان وحَبَّان بالفتح وحِبَّان بالكسر فذكر الأولين بقوله: 861 - " حَيَّانُ " بِالْيَاءِ سِوَى ابْنِ مُنْقِذِ ... وَابْنِ هِلالٍ فَافْتَحَنْ وَوَحِّدِ

(حيان) كله مضبوط (بالياء) المثناة التحتانية مع فتح الحاء المهملة (سوى) حبان (بن منقذ) بضم الميم ثم نون ساكنة بعدها قاف مكسورة ثم ذال معجمة ابن عمرو الأنصاري الصحابي، (و) حبان (بن هلال) الباهلي البصري المخرّج له في الصَّحِيحين، ويقع كثيراً غير منسوب، وضابط ذلك أن كل ما كان في شيوخ شيوخهما حبان غير منسوب فهو ابن هلال، قاله السخاوي، (فـ) ـإذا عرفت أن هذين مستثنيان من حيان (فافتحن) حاءهما أيها المحدث (ووحد) باءهما، ثم ظاهر كلامه يقتضي أن حبان بن منقذ، خرج له البخاري، وليس كذلك، وإنما الذي في البخاري ابنه واسع بن حبان وابن ابنه محمد بن يَحْيَى بن حبان بن منقذ، كما حققه الحافظ في هدي الساري، والسخاوي في فتح المغيث، ولعله أراد ضبط هذا الاسم من غير نظر إلى ذكره فيه. (تنبيه): في هذا البيت ما اتفق العروض والضرب فإن الأولى: بالذال، والثاني: بالدال، وأجاب المحقق بأن المنقذ بالدال المهملة للقافية. قلت: لو قال بدل هذا البيت: حَيَّانُ بِالْيَا وَافْتَحَنْ وَوَحِّدَا ... اِبْنَيْ هِلَالٍ مُنْقِذٍ لِتَرْشُدَا لكان أولى وأسلم. ثم ذى الثالث بقوله: 862 - أَبْنَا عَطِيَّةَ وَمُوسَى الْعَرِقَهْ ... بِالْكَسْرِ وَالتَّوْحِيدِ فِيمَا حَقَّقَهْ (أبنا) مبتدأ بالقصر للضرورة جمع مضاف إلى الثلاثة بعده، وهم حبان بن (عطية) السلمي العلوي لكونه كان يفضل عَليًّا على عثمان - رضي الله عنهما -، المذكور في البخاري في حديث سعد بن عبيدة قال: تنازع أبو عبد الرحمن يعني: السُّلَمي وحبان بن عطية، إلخ، وحبان بن (موسى) بن سَوَّار، أبو محمد السلمي المروزي، أحد شيوخ الشيخين في صحيحيهما، وحبان (ابن العرقة) بفتح العين وكسر الراء المهملتين ثم قاف على المشهور، وهاء تأنيث، وحكى ابن ماكولا عن الواقدي فتح الراء،

وإن أهل مكة يقولون ذلك، وصحح ابن ماكولا الكسر، وهي أمه، وقيل لها: ذلك لطيب رائحتها، واختلف في اسمها، فقيل: قلابة بكسر القاف ابنة سُعَيد مصغراً ابن سهم وتكنى أم فاطمة، واسم والد حبان، قيس أو أبو قيس بن علقمة، وحبان هذا هو الذي رمى سعد بن معاذ يوم الخندق، (بالكسر والتوحيد) خبر المبتدإ أي هؤلاء الثلاثة يضبطون بكسر الحاء المهملة وباء موحدة، فأما ابن عطية فالكسر فيه هو المعتمد الذي جزم به ابن ماكولا، والمشارقة، وصوبه صاحب المشارق، والمطالع، والجَيَّاني، وحكوا أن بعض رواة أبي ذر ضبطه بفتح أوله، ووهموه، وأما ابن موسى فالكسر فيه إجماع، وأما ابن العرقة فالكسر هو المشهور، بل الأصح، وحكى في اسمه جبار بالجيم آخره راء، وإلى هذا التحقيق أشار بقوله: (فيما حققه) الحذاق المتقنون يعني: أن هذا الضبط هو الذي أتقنه الضابطون المتثبتون في حفظهم، فلا يلتفت إلى من خالفهم، وزاد الحافظ في الهدي جد أحمد بن سنان بن حِبَّان بن القطان، وهو، وحبان بن موسى من شيوخ البخاري، وأما ابن عطية والعَرِقة فلهما ذكر بلا رواية. اهـ بتصرف. ومنها حَصِين بالتكبير، وحُصَين بالتصغير، ذكرهما بقوله: 863 - أَبَا " حَصِينَ " الأَسَدِيَّ كَبِّرِ ... ..................... (أبا) مفعول مقدم لكبر، وحصين بمنع الصرف للوزن والأسدي بالنصب صفة لأبا (كبر) بكسر الراء للوزن أيها المحدث: يعني: أن أبا حصين عثمان بن عاصم الأسدي مكبر مع الإهمال لحرفيه، بل قال أبو علي الجياني: لا أعلم في الكتابين بفتح الحاء غيره ومن عداه فحصين مصغراً. ومنها حُكَيم بالتصغير، مع حَكِيم بالتكبير، ذكرهما بقوله: ................. ... ثُمَّ رُزَيْقِ بْنِ " حُكَيْمٍ " صَغِّرِ (ثم رزيق بن حكيم) مفعول مقدم لقوله: (صغر) أيها المحدث، أي اضبط بالتصغير رزيق بن حكيم أبا حُكَيم بالضم أيضاً، الأيلي، وَالِيَهَا

لِعُمَرَ بن عبد العزيز، له ذكر في البخاري، في باب الجمعة في القرى والمدن وتصغيره وتصغير أبيه وكنيتِهِ مع تقديم الراء على الزاي هو المشهور، بل الصواب، كما قال ابن المديني، وحكى صاحب تقييد المهمل عنه أن ابن عيينة كثيراً ما كان يقوله بفتح الحاء، وكذا قيل في زرين بتقديم الزاي، وذكره ابن حبان كذلك، ولكنه وهم، قاله السخاوي. وهو على هذا الضبط منفرد ومن عداه: فحكيم بفتح الحاء وكسر الكاف. ومنها حَيَّة مع حبَّة وخازم مع حَازِم ذكرها بقوله: 864 - " حَيَّةُ " بِالْيَاءِ ابْنُهُ جُبَيْرُ ... مُحَمَّدُ بْنُ " خَازِمَ " الضَّرِيرُ (حَيَّةُ بالياء) التحتانية المشددة بعد الحاء المهملة المفتوحة (ابنه جبير) أي ولده يسمى جبيراً بالتصغير. يعني: أن حية بهذا الضبط والد جبير الثقفي، ليس في البخاري غيره، وكذا حبة بالباء الموحدة هو أبو حبة الأنصاري، ذكر في حديث الإسراء ليس فيه غيره، (محمد بن خازم) بمنع الصرف للوزن أي بخاء معجمة وزاي معجمة آخره ميم هو (الضرير) أي الأعمى، فمحمد مبتدأ خبره " الضرير ". يعني: أن محمد بن خازم بهذا الضبط هو الضرير، وكنيته أبو معاوية ليس في البخاري بهذا الضبط إلا هو، وكنية والد هشام ابن أبي خازم، وأما محمد بن بشر العبدي، فمختلف في كنيته، هل هو أبو خازم بالمعجمة أو المهملة، ولم يقع عنده مكنياً قاله في الهدي. ومنها خنيس مع حُبَيش، وخبيب مع حَبِيب، وَالجُرَشِي مع الحَرَشِي ذكرها بقوله: 865 - ابْنُ حُذَافَةَ " خُنَيْسٌ " فَقَدِ ... " خُبَيْبُ " شَيْخُ مَالِكٍ وَابْنُ عَدِي 866 - وَكُنْيَةٌ لابْنِ الزُّبَيْرِ " الْجُرَشِي " ... يُونُسُ وَالنَّضْرُ فَلا تُفَتِّشِ

(ابن حذافة) بحاء مهملة مضمومة فذال معجمة مبتدأ خبره قوله (خنيس) بخاء معجمة مصغراً يعني أن خنيساً بهذا الضبط هو خنيس بن حذافة الصحابي، له ذكر في البخاري وقوله: (فقد) أي فحسب إشارة إلى ترجيح أنه ليس بهذا الضبط غيره في البخاري، فإنه قد اختلف في حبيش بن الأشعث المقتول يوم الفتح، ففي جميع الروايات ضبط بحاء مضمومة فباء موحدة، آخره شين معجمة وقاله ابن إسحاق في المغازي كالأول، وغير ابن حذافة بالضبط الثاني وهم جماعة، أفاده في الهدي. (خبيب) بخاء معجمة فباء موحدة مصغراً بمنع الصرف للوزن مبتدأ خبره قوله (شيخ مالك) ابن أنس الإمام، يعني: أن خبيباً بهذا الضبط هو خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري شيخ الإمام مالك، وَيرِدُ خبيب غير منسوب في الصَّحِيحين عن حفص بن عاصم، وفي صحيح مسلم وحده عن عبد الله بن محمد بن معن وهو هذا، وجده أيضاً بهذا الضبط وهو خبيب بن يساف، (و) بهذا الضبط أيضاً خبيب (بن عدي) المذكور في البخاري في حديث أبي هريرة في نصرية عاصم بن ثابت الأنصاري وقتل خبيب، (و) بهذا الضبط أيضاً (كنية لـ) ـعبد الله (بن الزبير) فهو أبو خبيب كنى باسم ولده خبيب، ومن عدا هؤلاء الثلاثة، فهو حَبِيب بفتح المهملة ككبير. ومنها (الجرشي) بضم المعجمة وفتح الراء المهملة فشين معجمة نسبة إلى بني جرش بطن من حمير، وقيل: اسم موضع باليمن قاله في اللباب. والموجود في البخاري من المنسوب إليه اثنان: وهما (يونس) بن القاسم اليمامي (والنضر) بن محمد (فلا تفتش) أيها المحدث أي لا تبحث لأنه لا يوجد غيرهما، وأما غيرها فهو الحَرَشي بالشين المعجمة والراء المهملة المفتوحتين وبإهمال السين بوزنه ولم يقع في البخاري قاله في الهدي. ومنها الخَرَّاز والخزَّاز ذكرهما بقوله:

867 - ثُمَّ عُبَيْدُاللهِ فَـ " الْخَرَّازُ " ... بِالرَّاءِ بَدْأً غَيْرُهُ " خَزَّازُ " (ثم عبيد الله) مبتدأ خبره قوله (فالخراز) والفاء زائدة يعني: أن عبيد الله بن الأخنس أبا مالك هو الخراز (بالراء) المهملة المشددة، (بدأ) أي قبل الألف، والزاي المعجمة، وأما (غيره) أي غير عبد الله فكله (خزاز) بزايين معجمتين، هكذا قال الناظم تبعاً للحافظ في هدي الساري من أن عبيد الله خراز بالضبط الأول وغيره خزاز بالضبط الثاني، لكن الذي في كتب أسماء الرجال أن عبيد الله هو الخزاز بمعجمات انظر التقريب والخلاصة وتهذيب التهذيب. ومنها رُبَيِّع مع رَبِيع ورُزَيق مع زُرَيق، ورباح ورياح ذكرها بقوله: 868 - بِنْتُ مُعَوِّذٍ وَبِنْتُ النَّضْرِ ... " رُبَيِّعٌ " وَابْنُ حُكَيْمٍ فَادْرِ 869 - " رُزَيْقُ " بِالرَّا أَوَّلاً " رَبَاحُ " ... وَالِدُ زَيْدٍ وَعَطَا إِفْصَاحُ (بنت معوذ) بتشديد الواو بصيغة اسم الفاعل ابن عفراء صحابية لها رواية في البخاري، (وبنت النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، عمة أنس بن مالك صحابية أيضاً وقع ذكرها في الجهاد، كلاهما (ربيع) بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء تصغير ربيع بفتح فكسر، وأما غيرهما فَرَبِيع مكبراً وهو كثير (وابن حكيم) تصغير حكم، كما تقدم، مبتدأ خبره قوله: " رزيق "، وفيه التضمين من عيوب القافية، وهو تعليق البيت بما بعده، وهو جائز للمولدين، ولذا يستعمله الناظم، كثيراً، وقوله: (فادر) أي اعلم ذلك أيها المحدث جملة معترضة بين المبتدإ والخبر، (رزيق) بمنع الصرف للوزن (بالراء) بالقصر للوزن، أي المهملة (أولاً) أي في أول الكلمة قبل الزاي المعجمة بصيغة التصغير، وأما بالزاي المعجمة أولًا بعدها راء مهملة مصغراً أيضاً ففي نسب الأنصار بنو زريق. (رباح) بفتح راء مهملة فباء موحدة آخره حاء مهملة مبتدأ خبره قوله: (والد زيد) بن رباح المدني يروى عن سلمان الأغر وعنه مالك، (و) كنية

والد (عطا) بالقصر للوزن، أي عطاء بن أبي رباح، واسمه أسلم ومن عداهما فبكسر راء فياء مثناة تحتانية، وقوله: (إفصاح) خبر لمحذوف أي هذا إفصاح وتوضيح لمشتبه الأسماء، تكملة للبيت. ومنها أبو الرِّجَال وأبو الرَّحَّال ذكرهما بقوله: 870 - مُحَمَّدٌ يُكْنَى " أَبَا الرِّجَالِ " ... وَعُقْبَةٌ يُكْنَى " أَبَا الرَّحَالِ " (محمد) هو ابن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان المدني روى عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، مبتدأ خبره جملة قوله (يكنى) باليناء للمفعول وتخفيف النون، يقالُ كنيته أبا محمد وبأبي محمد، قال ابن فارس وفي كتاب الخليل الصواب الإتيان بالباء. اهـ المصباح، قلت: وفيه التشديد في نونه أيضاً (أبا الرجال) براء مكسورة فجيم مخففة لأنه كان له عشرة من الأولاد رجال، (وعقبة) بالصرف للوزن ابن عبيد الطائي الكوفي علق له البخاري، في الجمعة (يكنى أبا الرَّحَّال) براء مفتوحة فحاء مهملة مشددة. ومنها سُرَيج مع شُرَيح ذكرهما بقوله: 871 - " سُرَيْجٌ " ابْنَا يُونُسٍ وَالنُّعْمَانْ ... وَاكْنِ أَبَا أَحْمَدَ ............ (سريج) بسين مهملة فراء كذلك فجيم بعد ياء، مصغراً، مبتدأ على حذف مضاف أي مسميات سريج، وخبره (ابنا يونس) بالصرف للوزن (والنعمان)، يعني أن سريجاً بالضبط المذكور، اسم سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي أبي الحارث مروزي الأصل من شيوخ البخاري، إلا أنه في الصَّحِيح روى عنه بواسطة، واسم سريج بن النعمان بن مروان، الجوهري أبي الحسن، البغدادي، أصله من خراسان من شيوخه أيضاً، روى عنه في الصَّحِيح تارة بواسطة وتارة بدونها (واكن) أيها المحدث بأبي سريج (أبا أحمد) أي والد أحمد بن الصبَّاح النَّهْشَلي الرازي، فأبوه يكنى بأبي سريج، ومن عداهم فبالشين المعجمة والحاء المهملة، شريح، وهم جماعة.

ومنها سَلِيم مع سُلَيم، والسِّيناني مع الشَّيبَاني ذكرها بقوله: ..................... ... ............ وَابْنُ حَيَّانْ 872 - سُلَيْمُ بِالتَّكْبِيرِ، وَالسِّيْنَانِي ... فَضْلٌ وَمَنْ عَدَاهُ فَالشَّيْبَانِي (و) سليم (بن حيان) الهذلي البصري، مبتدأ خبره قوله: (سليم) بمنع الصرف للوزن (بالتكبير) يعني أن سَلِيم بن حيان مكبر، ومن عداه فهو سُلَيم مصغراً (والسيناني) بكسر المهملة بعدها ياء وقبل الألف وبعدها نونان، مبتدأ خبره قوله: (فضل) هو ابن موسى أبو عبد الله المروزي، (ومن عداه) أي غيره (فـ) ـهو (الشيباني) بفتح المعجمة بعدها ياء ثم موحدة. ومنها السَّامِي مع الشَّامِي ذكرهما بقوله: 873 - مُحَمَّدٌ عَبَّادُ وَالنَّاجِيُّ ... وَعَبْدُ الاعْلَى كُلُّهُمْ " سَامِيُّ " (محمد) بن عرعرة بن البِرِنْد، بكسرتين فسكون نون البصري، (وعباد) بمنع الصرف للوزن ابن منصور، (و) أبو المتوكل علي بن دؤاد بضم الدال بعدها واو بهمزة أو داود (الناجي) بنون وجيم نسبة إلى بني ناجية بن سامة قبيلة كبيرة، (وعبد الأعلى) البصري، أبو محمد، بنقل حركة الهمزة إلى اللام وحذفها للوزن (كلهم) أي هؤلاء الأربعة، (سامي) بسين مهملة نسبة إلى سامة بن لؤي، ومن عداهم فبالشين المعجمه شامي، فمحمد مبتدأ وما بعده عطف عليه وكلهم توكيد، أو مبتدأ ثان، وسامي خبره، والجملة خبر الأول. ومنها صَبِيح، مكبراً، وصُبَيح مصغراً، ذكرهما بقوله: 874 - صَبِيحَُ وَالِدَُ الرَّبِيعِ فَافْتَحَا ... وَاضْمُمْ أَبًا لِمُسْلِمٍ أَبِي الضُّحَى (صبيح) مفعول مقدم لافْتَحَا، أو مبتدأ ممنوع من الصرف للوزن (والد الربيع) بن صبيح السعدي البصري، عابد، مجاهد، أول من صنف الكتب في البصرة كما تقدم أول المنظومة (فافتحا) أيها المحدث والألف بدل من نون التوكيد، وفي نسخة المحقق فُتِحَا بالبناء للمفعول والألف

للإطلاق، والجملة خبر المبتدإ، يعني: أن صبيحاً والد الربيع مفتوح الأول بوزن كبير، والربيع هذا ذكره البخاري في كفارة اليمين في المتابعات، (واضمم) أيها المحدث (أبا لمسلم أبي الضحى) بدل من مسلم، يعني أن أبا مسلم أبي الضحى الهمداني الكوفي العطار صُبَيح مضموم الأول بصيغة التصغير. ومنها عيَّاش، مع عباس ذكرهما بقوله: 875 - " عَيَّاشٌ " الرَّقَّامُ وَالْحِمْصِيُّ ... أَبًا كَذَاكَ الْمُقْرِئُ الْكُوفِيُّ (عياش) بعين مهملة مفتوحة فياء تحتانية مشددة، فألف ثم شين معجمة، هو ابن الوليد (الرقام) نسبة إلى رقم الثياب، قاله في اللباب، البصري، قال الحافظ في الهدي: ومما يشتد اشتباهه في هذه المادة عباس بن الوليد، وعياش بن الوليد، أحدهما: بالموحدة والمهملة والآخَر بالمثناة والمعجمة، وكلاهما من شيوخ البخاري، فالأول هو النَّرْسي له في الكتاب حديثان أحدهما: في علامات النبوة، والثاني: في المغازي في باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، قال في كل منهما حدثنا عباس بن الوليد، وعلق له ثالثاً في كتاب الفتن، قال: قال عباس النَّرْسِيُّ: حدثنا يزيد بن زريع فذكر حديثاً وباقي ما في الكتاب عن حديث الآخر وهو عياش بن الوليد الرَّقَّام، يذكر أباه تارة وتارة لا يذكره، واختلف في موضع في الحج، قال فيه: حدثنا عباس بن الوليد حدثنا محمد بن فضيل فذكر حديث أبي هريرة في فضل المحلقين فأكثر الروايات بالشين المعجمة، وفي رواية ابن السكن بالمهملة وكان القابسي يشك فيه عن أبي زيد فيقول: عباس أو عياش، ويجزم به عن الأصيلي، فيقول عياش بالمعجمة وهو الصواب، واختلف في موضع آخر في المبعث قال فيه: حدثنا عياش بن الوليد حدثنا الوليد بن مسلم ففي أكثر الروايات بالمعجمة وهو غير مقيد في كتاب الأصيلي، ونقل أبو علي الجَيَّاني عن بعضهم أنه عباس بن الوليد بن مزيد البيروتي ورَدَّ ذلك، وقال: إنه ليس بشيء وهو كما قال، اهـ كلام الحافظ. (و) كذا (الحمصي) بكسر فسكون نسبة إلى حمص بلد مشهور

بالشام، (أبا) تمييز محول عن المضاف أي وكذلك أبو الحمصي وهو علي بن عياش الحمصي من شيوخ البخاري، و (كذاك) أي مثل الحمصي في كون أبيه بهذا الضبط: أبو بكر بن عياش بن سالم (المقرئ) أحد راويي عاصم أبي النجود أحد القراء السبعة، الأسدي مولاهم الحناط أحد الأعلام، مختلف في اسمه والصَّحِيح أن اسمه كنيته (الكوفي) نسبة إلى الكوفة البلدة المشهورة، وغير هؤلاء كله عباس وهو كثير. ومنها عَبَادَةُ وعُبَادَةُ ذكرهما بقوله: 876 - وَافْتَحْ " عَبَادَةً " أَبَا مُحَمَّدِ ... ...................... (وافتح) أيها المحدث (عبادة) بالصرف للوزن أي أوله (أبا محمد) بدل من عبادة، يعني: أنه يفتح عين عبادة والد محمد بن عبادة الواسطي مع تخفيف باءه، وغيره كله عبادة بالضم، وهو كثير. ومنها عُبَاد مع عَبَّاد ذكرهما بقوله: .............. ... وَاضْمُمْ أَبَا قَيْسٍ " عُبَادًا " تَرْشُدِ (واضمم) أيها المحدث (أبا قيس) أي والده (عُباداً) عطف بيان أو بدل من أبا قيس، يعني: أن والد قيس بن عُبَاد التابعي بضم العين المهملة وتخفيف الباء، وغيره عَبَّاد بفتح فتشديد باء وقوله (ترشد) بالبناء للفاعل من باب نصر، وتعب، أو للمفعول مجزوم بالطلب قبله، يعني: أنك إن تفتح وتضم ما ذكر ترشد طريق الصواب، وإلا وقعت في التحريف. ومنها عَبَدَةُ مع عَبْدَة ذكرهما بقوله: 877 - وَفَتَحُوا بَجَالَةَ بْنَ " عَبْدَهْ " ... ...................... (وفتحوا) أي المحدثون باء عَبَدَة والد (بجالة) بفتح الموحدة والجيم التميمي ثم العنبري، البصري، المروزي، (بن عبده). يعني: أن عبدة هذا بفتحتين وعليه الدارقطني وابن ماكولا والجَيَّاني، وحكاه صاحب المشارق عن تاريخ البخاري، وأصحاب الضبط، وقيل فيه:

عبدة بالسكون حكاه صاحب المشاروا عن البخاري أيضاً، ويقال فيه أيضاً: عبد، بدون هاء. ومنها عَبِيدةُ مع عُبَيْدَة ذكرهما بقوله: ............... ... كَذَا " عَبِيدَةُ " بْنُ عَمْرٍو قَيَّدَهْ 878 - وَالِدُ عَامِرٍ كَذَا وَابْنُ حُمَيْدْ ... ............. (كذا) فتحوا عَينَ (عبيدة بن عمرو) أو ابن قيس بن عمرو السلماني بسكون اللام، أو فتحها، وهو الذي لأصحاب الحديث نسبة إلى سلمان بطن من مراد، التابعي المخضرم، المخرج له في الصَّحِيحين، قاله السخاوي، يعني أن عبيدة بن عمرو هذا مفتوح العين مع كسر بائه (قيده)، يحتمل أن يكون فعل أمر حذفت منه نون التوكيد للوزن، والأصل قيدنه أيها المحدث بهذا الضبط، وأن يكون فعلاً ماضياً فيه ضمير يعود إلى المفهوم من السياق أي قَيَّدَه من حقق ضبطه بالضبط المذكور. (والد عامر) وهو عَبِيدَة الباهلي البصري قاضيها التابعي المذكور في البخاري في جملة من شاهد معاوية بن عبد الكريم القرشي الضالّ، يجيز كتب القضاة بغير محضر من الشهود، (كذا) أي مثل الضبط المتقدم، وهو فتح العين وكسر الباء (و) كذا بهذا الضبط عَبِيدَة (بن حميد) بن صهيب الكوفي المعروف بالحذاء، ومن عدا هؤلاء الثلاثة فكله عُبَيدَة بالتصغير. ومنها عُبَيد بالضم مع عَبِيد بالفتح ذكرهما بقوله: ............... ... وَكُلُّ مَا فِيهِ مُصَغَّرٌ " عُبَيْدْ " (وكل ما فيه) مبتدأ خبره قوله: عبيد، وقوله: (مصغر) حال من عبيد رسم على لغة ربيعة أي كل ما في صحيح البخاري (عبيد) بدون هاء التأنيث حال كونه مصغراً وليس فيه وكذا في مسلم والموطأ ممن هو بالفتح أحد، وإن كان يوجد في الجملة جماعة. ومنها عَبْثَر، مع عَنْبَر ذكرهما بقوله: 879 - وَوَلَدُ الْقَاسِمِ فَهْوَ " عَبْثَرُ " ... وَابْنُ سَوَاءٍ السَّدُوسِيْ " عَنْبَرُ "

(وولد القاسم) يكنى أبا زُبَيد (فهو عبثر) بالموحدة الساكنة بعدها ثاء مثلثة ثم راء، يعني أن عبثر بن القاسم الكوفي الزُّبَيْدِي، أبا زبيد مضبوط بهذا الضبط. (و) أما جد محمد (ابن سواء) بن عنبر (السدوسي)، بفتح فضم نسبة إلى سدوس بن شيبان أبو قبيلة، فهو (عنبر) بنون بدل الباء ثم باء موحدة بدل الثاء المثلثة، وأما غنثر بضم الغين المعجمة بعدها نون ثم ثاء مثلثة ثم راء، قاله أبو بكر الصديق لابنه عبد الرحمن في قصته المشهورة، ومعناه الأحمق فليس في الأسماء، أفاده في الهدي. اهـ بزيادة. ومنها عُيَيْنَة مَع عُتَيْبَة ذكرهما بقوله: 880 - " عُيَيْنَةٌ " وَالِدُ ذِي الْمِقْدَارِ ... سُفْيَانَ، وَابْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِي (عيينة) صرف للضرورة أي بياءين تحتانيتين، بعدهما نون مصغراً، مبتدأ خبره قوله: (والد ذي المقدار) الرفيع (سفيان) بدل من ذي، أبي محمد الإمام العلم المشهور، الهلالي الكوفي، ثم المكي، تكرر ذكره مسمى، وغير مسمى، (وابن حصن) بكسر فسكون عطف على والد، يعني أن عيينة بالضبط المذكور ابن حصن بن حذيفة بن بدر، (الفزاري) بفتحتين نسبة إلى فزارة بن ذبيان قبيلة كبيرة من قيس عَيْلان، وعيينة هذا له صحبة وليس له رواية، وإنما ذكر في أثناء الحديث، وأما غيرهما فعتيبة، بتاء بدل الياء الأولى مصغراً، أيضاً وهو الواضح. ومنها عَتَّاب مع غِيَاث ذكرهما بقوله: 881 - " عَتَّابُ " بِالتَّا ابْنُ بَشِيرَ الْجَزَرِي ... .................. (عَتاب) بعين مهملة و (بالتا) بالقصر أي المشددة غير منصرف للوزن، مبتدأ خبره قوله: (ابن بشير) بمنع الصرف للوزن أيضاً، الأموي مولاهم، أبو سهل (الجزري) بفتحتين نسبة إلى الجزيرة، وهي عدة بلاد ذكرها في اللباب، وأما غيره فغياث بكسر المعجمة بعدها مثناة من تحت وبعد الألف ثاء مثلثة كعثمان بن غياث الراسبي، وحفص بن غياث، وابنه عمر، وغيرهم.

ومنها عُقَيل بالضم مع عَقِيل بالفتح ذكرهما بقوله: ................. ... " عُقَيْلُ " بِالضَّمِّ فَرَاوِي الزُّهْرِي (عقيل) بمنع الصرف للضرورة (بالضم) لأوله بصيغة التصغير، مبتدأ خبره قوله (فراوي الزهري) والفاء زائدة، يعني: أن عقيل بن خالد بهذا الضبط راوي ابن شهاب الزهري، وقد تكرر ذكره في البخاري، وأما غيره فهو عَقِيل بالفتح مكبراً كعَقِيل بن أبي طالب أخي علي، وأبي عَقِيل الأنصاري صحابيان لهما ذكر، وأبي عَقِيل زهرة بن معبد تابعي، وأبي عَقِيل بشير بن عقبة الدورقي. ومنها العَوَقِيُّ مع العَوْفِيِّ ذكرهما بقوله: 882 - ابْنَ سِنَانَ الْعَوَقِيَّ أَفْرِدِ ... ................ (ابن سنان) بمنع الصرف للوزن مفعول مقدم لأفرد، يعني: أن محمد بن سنان (العوقي) بفتحتين نسبة إلى العوقة - بطن من عبد القيس، وهو عَوَق بن الدليل بن عمرو بن وديعة، بن بكير بن أفصى، بن عبد القيس، (أفرده) أيها المحدث من بين الرُّوَاة بهذه النسبة، وأما غيره فالعوفي بسكون الواو بعدها فاء نسبة إلى عبد الرحمن بن عوف الزهري. ومنها القاريّ بالتشديد مع القارِيْ بالتخفيف، ذكرهما بقوله: ................. ... قَارِيُّهُمْ هُوَ ابْنُ عَبْدٍ شَدِّدِ (قاريهم) بالنصب مفعول مقدم لشدد، أو مبتدأ خبره جملة " شدد " وقوله: (هو ابن عبد) جملة معترضة (شدد) ياءه أيها المحدث، يعني: أن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القاريَّ الراوي عن عمر بن الخطاب، وكذا حفيد أخيه يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري، نزيل الإسكندرية من طبقة الليث، يشدد ياءه نسبة إلى قَارَةَ قبيلةٍ معروفةٍ بالرمي. (تنبيه): هذا البيت اختلفت النسخ فيه ففي نسخة المحقق هكذا (اِبْنُ سِنَانِ العَوَقِي وَالقَارِي يُشَدَّدُ ابنُ عَبْدٍ) ناقص. قال المحقق: كذا في الأصل

المقروء على المصنف، وفي نسخة الشارح تمام البيت: " ذَاكَ السَّارِي " والنسخة التي شرحت عليها مذكورة في هامش المحقق، وعزاها إلى نسخة أحمد بن بك الحسيني، وقال: هو أحسن، وأشار بقوله: شَدِّدْ إلى أن غيره مخفف الياء، وهو من ينسب إلى القراءة وهم جماعة، كما قاله في الهدي. وقال في اللباب القارئ بهمزة آخره يقال: لمن يقرأ القرآن العزيز، ويجوز ترك الهمزة تخفيفاً ولا يجوز تشديد الياء اهـ. ومنها محْرِز مع مُجَزِّزٍ ذكرهما بقوله: 883 - أَبُو عُبَيْدِاللهِ فَهْوَ " مُحْرِزُ " ... صَفْوَانَ، أَمَّا الْمُدْلِجِي " مُجَزِّزُ " (أبو عبيد الله) أي والد عبيد الله، مبتدأ خبره قوله: (فهو محرز) بحاء فراء مهملتين فزاي معجمة بصيغة اسم الفاعل، والفاء زائدة، له ذكر في الأحكام، ومثله (صفوان) بن محرز تابعي، فصفوان مضاف إليه مجرور والمضاف محذوف لدلالة ما قبله عليه وهو أبو، أي أبو صفوان كذلك، يعني: أنه محرز بالضبط المذكور، و (أما) الصحابي المذكور في حديث عائشة في قصة أسامة بن زيد بن حارثة (المُدْلجي) بتخفيف الياء للوزن، نسبة إلى بني مدلج بضم الميم وسكون الدال وكسر اللام آخره جيم، بطن من كنانة، منهم القافة الذين يلحقون الأولاد بالآباء. اهـ لباب باختصار. فهو (مجزز) بجيم فزايين بوزن اسم الفاعل المضعف العين، قال في الهدي وحكى إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن ابن عيينة أن ابن جريج صحفه فقال محرز كالأول، واختلف في علقمة بن محرز، قال البخاري: باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن محرز المدلجي، ففي رواية ابن السكن وغيره كالأول، وضبطه الدارقطني، وعبد الغني كالثاني. اهـ. ومنها مُغَفَّل مع مَعْقِل ذكرهما بقوله: 884 - وَالِدُ عَبْدِاللهِ قُلْ " مُغَفَّلُ " ... مُنْفَرِدٌ وَمَنْ سِوَاهُ " مَعْقِلُ " (والد عبد الله) مبتدأ خبره جملة قوله (قل) أيها المحدث في ضبطه

(مغفل) بغين معجمة ففاء مشددة بصيغة اسم المفعول كمعظم، يعني: أن عبد الله بن مغفل بن عبد نَهْم بن عفيف بن أسحم الصحابي، بايع تحت الشجرة، ونزل البصرة، يضبط أبوه بهذا الضبط، وهو (منفرد) بهذا الضبط (و) أما (من سواه) أي مغفل هذا فهو (معقل) بعين مهملة فقاف بوزن مسجد، وهم جماعة كمَعْقِل بن يسار. ومنها مُعَمَّر، مع مَعْمَر، ومُنْيَة مع مُنَبِّه ذكرها بقوله: 885 - " مُعَمَّرٌ " يُشَدَّدُ ابْنُ يَحْيَى ... وَ " مُنْيَةٌ " بِالْيَاءِ أُمُّ " يَعَلَى " (مُعَمَّرٌ) مبتدأ خبره قوله (يشدد) ميماً مع ضم أوله وزان مُغَفَّل الماضي (ابن يَحْيَى) خبر بعد خبر، أو هو الخبر، ويشدد حال منه، يعني أن معمر بن يَحْيَى بن بسام الكوفي له في الصَّحيح فرد حديث، يضبط بهذا الضبط، لكن الأكثرون على أنه بالتخفيف كالجادة، وأما غيره فمَعْمَر، بفتح فسكون ففتح، كمعمر بن راشد، قال الحافظ: وأما مُعَمَّر بن سليمان الرقِّيّ فهو، بالتثقيل، ولم يخرج له البخاري، ووَهِمَ الدمياطي في زعمه أنه روى له حديث المغيرة بن شعبة. اهـ. (ومنية) بالصرف للوزن مبتدأ خبره " أم يعلى " (بالياء) أي حال كونه مضبوطاً بالياء المفتوحة بعد النون الساكنة وأوله ميم مضمومة، (أم يعلى) الصحابي واسم أبيه أمية بن أبي عبيدة بن همام، وأما غيرها فهو مُنَبِّه بصيغة اسم الفاعل المضعف من نَبَّه، كهمام بن منبه، ووهب بن منبه. ومنها هُزَيل، بالزاء مع هُذَيل، بالذال ذكرهما بقوله: 886 - ابْنُ شُرَحْبِيلَ فَقُلْ " هُزَيْلُ " ... بِالزَّايِ لَكِنْ غَيْرُهُ " هُذَيْلُ " (ابن شرحبيل) بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء وكسر الباء مبتدأ خبره قوله (فقل) الفاء زائدة، في ضبطه أيها المحدث (هزيل) مصغراً حال كونه (بالزاي)، يعني أن هزيل بن شرحبيل الأودي الكوفي المخضرم مضبوط

بهذا الضبط (ولكن) غيره مما في الكتاب (هذيل) بالذال المعجمة بدل الزاي. ومنها بُرَيْد وبِرِنْد مع يَزِيد ذكرها بقوله: 887 - نَجْلُ أَبِي بُرْدَةَ قُلْ " بُرَيْدُ " ... وَابْنُ " الْبِرِنْدِ " غَيْرُ ذَا " يَزِيدُ " (نجل) أي ابن (أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري، وإعرابه كسابقه، (قل) أيها المحدث في ضبطه (بريد) بباء موحدة فراء مهملة مصغراً، يعني: أن بريد بن عبد الله بن أبي بردة مضبوط بهذا الضبط، فقوله: نجل أبي بردة فيه تجوز لأنه ابن ابنه عَبْدِاللهِ قال السخاوي، وأما ما وقع في البخاري من حديث مالك بن الحويرث في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: كصلاة شيخنا أبي بُرَيْد عَمْرو بن سَلِمَة بكسر اللام فقد اختلف فيه: فالأكثر بريد بالتصغير كحفيد أبي موسى الأشعري، وهو الذي رواه أبو ذر عن الحموي عن الفربري، عن البخاري، وكذلك ذكره مسلم في الكنى، ولكن عامة رواة البخاري قالوا: يزيد كالجادة، قال عبد الغني: لم أسمعه من أحد بالزاي ومسلم أعلم،. اهـ كلام السخاوي. (و) محمد بن عرعرة (بن البرند) السامي بالمهملة اختلف في ضبطه، فضبطه ابن ماكولا: بكسر الموحدة والراء بعدها نون ثم دال وقيل بفتحها، وحكاهما أبو علي الجياني عن ابن الفرضي فقال: إنه يقال بالفتح والكسر، قال: والأشهر الكسر، وكذا قال القاضي عياض ثم ابن الصلاح: إنه أشهر، واقتصر عليه الذهبي، والحافظ، أفاده السخاوي. فقوله: وابن البرند مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك أي في كونه بباء موحدة ثم راء، لا في جميع الحروف، والحركات شبهه به لئلا يلتبس بيزيد الآتي. (غير ذا) أي غير من ذكر مما هو على صورته فهو (يزيد) بفتح المثناة التحتانية ثم زاي مكسورة، وهو الجادة، كيزيد بن هارون. 888 - هَذَا جَمِيعُ مَا حَوَى الْبُخَارِي ... فَاضْبِطْهُ ضَبْطَ حَافِظٍ ذَكَّارِ

(هذا) إشارة إلى ما ذكره في هذه الأبيات الأربعين من قوله ومن هنا خص صحيح الجعفي إلى هنا، (جميع ما حوى) أي جَمَع، وفي نسخة المحقق ما رَوَى، أي ذكره، يعني: أن هذا المذكور فيما تقدم من الأبيات هو ما جمعه، واشتمل عليه صحيح الإمام الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل (البخاري) من المؤتلف والمختلف (فـ) ـإذا كان كذلك فأقول لك (اضبطه) أيها المحدث أي احفظه حفظاً بليغاً، وبابه ضَرَب، ومنه قيل: ضبطت البلاد وغيرها، إذا قمت بأمرها قياماً ليس فيه نقص، أفاده في المصباح. (ضبط حافظ ذكار) أي مبالغٍ في التَذَكُّر لشدة ضبطه، لكن قوله جميع ما حوى البخاري معترض بأنه لم يستوعب المؤتلف والمختلف المذكور فيه، فقد ذكر الحفاظ في الهدي كثيراً مما لم يذكره هنا، قال الشارح: لعله بحسب استحضاره حين النظم. ثم ذكرما يختص به صحيح مسلم فقال: 889 - فِي مُسْلِمٍ خَلَفٌ " الْبَزَّارُ " ... وَسَالِمٌ " نَصْرِيُّهُمْ " " جَبَّارُ " 890 - هُوَ ابْنُ صَخْرٍ وَعَدِيُّ بْنُ " الْخِيَارْ " ... " جَارِيَةٌ " أَبُوالْعَلا بِالْجِيمِ سَارْ (في مسلم) خبر مقدم أي كائن في صحيحه (خلف) بفتحتين مبتدأ مؤخر، (البزار) صفة خلف، بباء موحدة فزاي معجمة، فألف آخره راء مهملة. قال في اللباب: اسم لمن يخرج الدهن من البزور ويبيعه اهـ. يعني: أن الذي في صحيح مسلم هو خلف بن هشام بن ثعلبة، أبو محمد البغدادي المقرئ شيخ مسلم البزار بهذا الضبط، وأما غيره فهو البزاز بزايين، وهو كثير. (وسالم) عطف على خلف أي كائن أيضاً في مسلم سالم (نصريهم) بالنون صفة سالم أي نصريّ المحدثين وأضافه إليهم لاشتهاره بينهم، يعني أن سالماً في مسلم هو النصري بالنون المفتوحة، والصاد المهملة الساكنة آخره راء نسبة إلى قبيلة وَجَدّ، ومحلة، قاله في اللباب، لكن هذا نسبة إلى قبيلة نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، وسالم هذا هو ابن عبد الله أبو

عبد الله أحد التابعين، يقال له مولى النصريين ومولى شداد، ومولى المَهْرِي ومولى دوس وسالم سَبَلان، بالتحريك. ومن عداه فكله بصري بالباء، وثبت في مسلم أيضاً (جبار) بجيم مفتوحة فباء مشددة آخره راء مهملة بعد ألف (هو) أي جبار المذكور (ابن صخر) بن أمية بن خنساء الصحابي الأنصاري، ثم السلمي، أبو عبد الله ذكر في حديث جابر بن عبد الله في آخر صحيح مسلم قُبَيل حديث الهجرة مات سنة ثلاثين، وهو ابن اثنين وستين سنة. (و) ثبت أيضاً في مسلم (عدي بن الخيار) بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفلي صحابي يعني: أنه مضبوط بخاء معجمة مكسورة بدل الجيم بعدها ياء مخففة بدل الباء الموحدة المشددة، وفي مسلم أيضاً (جارية) بالصرف للضرورة وهو عطف على خلف بحذف عاطف وقوله (أبو العلا) بالقصر للوزن بدل منه، أو عطف بيان، أو جارية مبتدأ خبره قوله: سار يعني: أن جارية والد العلا حال كونه مضبوطاً (بالجيم سار) فعل ماض أي ذكر، أو اسم فاعل من سرى بمعنى سار، أي ذِكْرُهُ مستمر في مسلم، والعلاء هذا هو والد الأسود بن العلاء الذي هو من رجال مسلم خاصة فالعلاء بن جارية ليس من رجاله وإنما يذكر في نسب ابنه هذا، وأما غيره فكله حارثة بالحاء والثاء. 891 - أَهْمِلْ " أَبَا بَصْرَةٍ الْغِفَارِي " ... كَذَا اسْمُهُ " حُمَيْلُ " مع إِصْغَارِ (أهمل) أيها المحدث (أبا بصرة) أي اضبطه بصاد مهملة بعدها باء موحدة وصرف للضرورة (الغفاري) أي المنسوب إلى بني غفار بكسر الغين قبيلة مشهورة. يعني: أن أبا بصرة مضبوط بالصاد المهملة (كذا) يهمل (اسمه حميل) بدل من اسمه أو عطف بيان، ومنع من الصرف للضرورة، وفي نسخة الشارح كذا أتَى حُمَيل، يعني: أن اسم أبي بصرة هو حميل بن بصرة بن وقاص، صحابي سكن مصر، ومات بها مضبوط بالإهمال ككنيته حال كونه (مع إصغار) أي تصغيره يقال: صغره وأصغره جعله

صغيراً. اهـ " ق ". وقيل: بفتح أوله مكبراً، وقيل: إن اسمه جَمِيل مكبراً بالجيم بدل الحاء. 892 - صَغِّرْ " حُكَيْمًا " ابْنَ عَبْدِاللهِ ثُمّْ ... " عَبِيدَةَ " بْنِ الْحَضْرَمِيِّ لا تَضُمّْ (صغر) أي اجعل بصيغة التصغير (حكيماً ابن عبد الله) بدل من حُكَيماً أو مفعول لفعل محذوف أي أعني ابن عبد الله، ولا يكون صفة له لتنوين الأول وثبوت ألف ابن. يعني: أن حكيم بن عبد الله بن قيس بن مَخْرَمَة بن المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي التابعي، المخرج له في مسلم ثلاثة أحاديث مضبوط بصيغة التصغير، ويقال فيه الحُكَيم بالتعريف كما قال السخاوي (ثم عَبِيدة) بن سفيان بن الحارث (بن الحضرمي) بفتح فسكون نسبة إلى حضرموت البلدة المشهورة باليمن، وهو التابعي، المدني، المخرج له في مسلم، والموطأ حديث أبي هريرة في تحريم كل ذي ناب من السباع. (لا تضم) أي لا تضبطه بالضم مصغراً، أيها المحدث لعدم سماعه، بل اضبطه بصيغة المكبر، وقد قدمنا ثلاثة كلهم بهذا الضبط عَبِيدة بن عَمْرو السلماني، وعامر بن عَبِيدَة، وعَبِيدَة بن حُمَيد، فهؤلاء الأربعة بصيغة التكبير، ومن عداهم فبصيغة التصغير. 893 - وَافْتَحْ أَبَا عَامِرٍ ابْنَ " عَبْدَهْ " ... وَابْنِ " الْبَرِيدِ " هَاشِمٍ فَأَفْرِدَهْ (وافتح) أي اضبط بالفتح أيها المحدث (أبا) أي والد (عامر بن عبدة) مفعول لفعل محذوف أي أعني ابن عبدة ولا يكون صفة لعامر لعدم (¬1) حذف التنوين، يعني أن عامر بن عَبَدَة الكوفي البجلي المخرج له في ¬

_ (¬1) قوله: لعدم حذف التنوين: أي لأن القاعدة أن كلمة ابن إذا وقعت بين علمين وكانت صفة للأول وجب حذف التنوين من الاسم الأول وهمزة الوصل من الثاني خطاً تبعاً للفظ، ولهذه القاعدة شروط مذكورة في كتب النحو. انظر حاشية الخضري على ابن عقيل جـ 2 ص 74.

مقدمة مسلم عن ابن مسعود قوله: " إن الشيطان ليتمثل في صورة رجل فيأتي القوم فيحدثهم "، الحديث. يضبط بفتح الباء كما قاله ابن المديني وأحمد والجياني، والتميمي، والصدفي، وبه صدر الدارقطني وابن ماكولا كلامهما، وضبطه بعضهم بالسكون، حكاه عباس الدوري عن ابن معين، بل حكى بعضهم فيه عَبْد بدون هاء، وهو وَهْم، وقد قدمنا في رجال البخاري بهذا الضبط بجالة بن عَبَدَة والخلاف فيه، وأما عامر بن عَبِيدَة الذي في طبقة مسعر فهو بالكسر وزيادة ياء قاله السخاوي. (وابن البريد) بالجر عطف على عامر، أي افتح والد ابن البَرِيد، وهو البريد نفسه، وقوله: (هاشم) بالجر بدل من ابن، يعني: أنك تفتح باء البريد، والد هاشم بن البريد أبي علي الكوفي ثقة إلا أنه رمى بالتشيع قاله في التقريب. ثم إن ظاهره يقتضي أن هاشماً هذا مما اختص به مسلم، وليس كذلك بل هو من رجال أبي داود والنسائي وابن ماجه، بل الذي له ذكر في صحيح مسلم ابنه: علي بن هاشم وهو الذي ذكره العراقي في الألفية حيث قال: جَدُّ عَلِيْ بْنِ هَاشِمٍ بَرِيدُ: ولو قال بدل هذا البيت: عَبَدَة وَالِدُ عَامِرٍ فُتِحْ، جَدُّ عَلِيٍّ الْبَرِيدُ يَنْفَتِحْ، لكان أوضح وأبين. وقوله: (فأفرده) أصله أفردنه بنون التوكيد الخفيفة المحذوفة للضرورة، فهو فعل أمر مبني على الفتح. 894 - وَاضْمُمْ عُقَيْلاً فِي الْقَبِيلِ مَعْ أَبِي ... يَحْيَى الْخُزَاعِيِّ كَمَاضٍ تُصِبِ (واضمم) أيها المحدث مما اختص به مسلم أيضاً (عقيلاً في القبيل) أي القبيلة المعروفة المذكورة في حديث عمران بن حصين عند مسلم حيث قال: كانت ثقيف حلفاً لبني عُقَيْل ثم ذكر حديث العضباء، وأنها كانت لرجل من بني عُقَيل، (مع أبي) أي والد (يحيى) بنُ عُقيل (الخزاعي) بضم

الخاء المعجمة فزاي معجمة نسبة لبني خزاعة البصري المخرج له في مسلم. (كماض) أي كما تضم العين في عقيل الماضي ذكره في قوله: عُقَيْل بِالضَّمِّ فَرَاوِي الزُّهْرِي. وحاصل المعنى: أن عُقَيلًا بصيغة التصغير ثلاثة اثنان مما اختص بهما مسلم: وهما القبيلة وَيَحْيَى بن عُقَيل، وواحد مضى في رجال البخاري، وهو غير مختص به، ومن عدا هؤلاء الثلاثة في الكتابين، وكذا في الموطأ، فهو عَقِيل مكبراً. وقوله: (تصب) مجزوم بالطلب قبله أي إن تَضْمُمْ تَنَلِ الصوابَ، وهو ضد الخطأ بمعنى أنك تكون محفوظاً من الخطأ. 895 - عَيَّاشُ بِالْيَاءِ ابْنُ عَمْرِو الْعَامِرِي ... مَعْ نَقْطِهِ وَهَكَذَا ابْنُ الْحِمْيَرِي (عياش) بمنع الصرف للوزن مبتدأ (بالياء) أي حال كونه مضبوطاً بالياء التحتانية، (ابن عمرو) خبر المبتدإ بمنع الصرف للوزن أيضاً، يعني: أن عياشاً بعين مهملة فياء مشددة آخره شين معجمة، هو ابن عمرو (العامري) نسبة إلى عامرٍ، أبي قبيلة الكوفي، روى عن مسلم بن نذير وهو أيضاً ممن اختص به مسلم. (مع نقطه) أي حال كونه مصاحباً لنقط آخره الذي هو الشين (وهكذا) أي مثل هذا الضبط عياش (بن) عباس بموحدة آخره سين مهملة القِتْبَانِيّ (الحميري) بكسر فسكون نسبة إلى قبيلة من أصول القبائل التي باليمن المصري يروى عن أبي سلمة، وأبي الخير، اليَزَنِيّ، وأبي عبد الرحمن الحبلي، توفي سنة 133 هـ. 896 - " رِيَاحُ " بِالْيَاءِ أَبُو زِيَادِ ... وَكُنْيَةٌ لَهُ بِلا تَرْدَادِ (رياح) بكسر الراء مبتدأ حال كونه مضبوطاً (بالياء) المثناة التحتانية (أبو زياد) خبر المبتدإ أي والد زياد القيسي، البصري، ويقال: المدني التابعي المروي له في مسلم حديثان، والمكنى عند الشيخين، وابن أبي

حاتم والنسائي وأبي أحمد الحاكم، والدارقطني، وابن حبان، والخطيب، وابن ماكولا، وغيرهم بأبي قيس، بل وقع مكنياً بها في المغازي من أصل صحيح مسلم، قاله السخاوي: والحديثان هما حديث أبي هريرة في أشراط الساعة: " بادروا بالأعمال ستاً " الحديث. وحديث: " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة " الحديث. (و) رياح (كنية له) أي لزياد، يعني: أن زياداً يكنى بأبي رياح كاسم أبيه، وقوله: (بلا ترداد) خبر لمحذوف أي ذلك كائن من غير تردد وشك، هكذا رجح هنا هذا القول، والذي رجحه في التدريب خلاف هذا، ونصه بعد ذكر ما في النظم وقيل: أبا قيس وهو الصواب، وهذا الذي في النظم هو الذي شذ به صاحب الكمال، وتبعه المزي في تهذيبه، فكناه أبا رياح كاسم أبيه، بل هو المصدَّر به عند المزي، ثم قال ويقال: أبو قيس، قال السخاوي: وهو مما أُخِذَ عليهما، والظاهر أن صاحب الكمال انتقل بصره إلى الراوي الآخر المشارك له في اسمه واسم أبيه فذاك هو المكنى بأبي رياحِ كاسم أبيه، ولكن القيسي أقدم وإن اندرج الثاني في التابعين، لرؤيته أنساً اهـ. ثم إن ما تقدم في ضبط والد زياد هو قول الأكثرين وبه جزم عبد الغني، ثم ابن ماكولا، وقال ابن الجارود: بالباء الموحدة مع فتح الراء كالجادة، وحكى صاحب المشارق عن تاريخ البخاري الوجهين، قال العراقي: وهم في ذلك فلم يَحْكِ البخاري في التاريخ فيه الموحدة أصلاً، وإنما حكى الاختلاف في وروده بالاسم، أو الكنية، وفي اسم أبيه، ولا ذكر له في صحيحه، أفاده في التدريب. ومن عداه فهو رباح بالفتح والموحدة جزماً. 897 - وَكُلُّ مَا فِي ذَيْنِ وَالْمُوَطَّا ... فَهْوَ " الْحَرَامِيُّ " بِرَاءٍ ضَبْطَا (وكل ما) أي كل اسم كائن (في ذين) أي صحيحي البخاري ومسلم (و) في كتاب (الموطأ) بالقصر للوزن للإمام مالك، إمام دار الهجرة. (فهو الحراميُّ) بحاء مهملة مفتوحة، و (براء) مهملة (ضبطاً) منصوب على

التمييز. أي من حيث الضبط، أو الجار متعلق به، وهو منصوب على الحال، أي حال كونه مضبوطاً براء، يعني: أن الحرامي منسوباً، في الكتب الثلاثة فهو بالراء. 898 - إِلاَّ الَّذِي أُبْهِمَ عَنْ أَبِي الْيَسَرْ ... فِي مُسْلِمٍ فَإِنَّ فِيهِ الْخُلْفُ قَرّْ (إلا) الرجل (الذي أبهم) اسمه (عن أبي اليسر) بفتحتين الأنصاري اسمه كعب بن عمرو بن عباد، وقيل غيره، مشهور باسمه وكنيته شهد العقبة، وبدراً مات بالمدينة سنة 55 هـ حال كونه واقعاً (في) صحيح (مسلم) مقتَصِراً فيه على قوله: كان لي على فلان بن فلان الحرامي مال الحديث. (فإن فيه) أي في ضبط الحرامي هذا، والجار والمجرور متعلق بِقَرَّ. (الخلفَ) بالضم أي اختلاف الرواية اسم إنَّ وخبرها جملة قوله: (قر) أي ثبت. وحاصل المعنى: أنه اختلف في ضبط لفظ الحرامي هذا هل هو بالمعجمة، أم المهملة، أم بغيرها فالأكثرون كما قال عياض ضبطوه بفتح الحاء والراء المهملتين، والطبري بكسرها وبالزاي، وابن ماهان بجيم مضمومة وذال معجمة. 899 - وَحِّدْ " زُبَيْدًا " مَاعَدَا ابْنَ الصَّلْتِ ... .............. (وحد) أي اضبط أيها المحدث بالباء الموحدة بعدها ياء تحتانية مصغراً (زبيداً) هو ابن الحارث اليامي وليس في الصَّحِيحين سواه (ما عدا) زُيَيد (ابن الصلت) بن معد يكرب الكندي التابعي وهو والد الصلت شيخ مالك المنفرد عن الصَّحِيحين بوقوع ذلك عنده يعني: أن زبيد بن الصلت هذا يضبط بياء مثناة بعدها ياء تحتانيتان وبكسر أوله أو ضمه. ................ ... وَ " وَاقِدٌ " بِالْقَافِ فِيهَا يَأْتِي (وواقد) مبتدأ (بالقاف) متعلق بيأتي (فيها) أي في الصَّحِيحين والموطأ متعلق بيأتي أيضاً (يأتي) خبر المبتدإ، يعني أن واقداً يأتي في

الكتب الثلاثة مضبوطاً بالقاف ولا يوجد فيها وافد بالفاء، كما قاله صاحب المشارق، وتبعه ابن الصلاح، قال الناظم، وأما في غيرها ففيه: وافد بن سلامة، ووافد بن موسى الذَّرَّاع. اهـ. 900 - بِالْيَاءِ " الأَيْلِيُّ " سِوَى شَيْبَانَا ... لَكِنَّهُ بِنَسَبٍ مَا بَانَا (بالياء الأيلي) مبتدأ وخبر، يعني أن الأيلي بفتح الهمزة مضبوط بالياء التحتانية الساكنة نسبة إلى أيلة التي هي على بحر القلزم فكل من في الكتب الثلاثة منسوب إليها (سوى شيبانا) أي غير شيبان بن فَرُّوخ شيخ مسلم فهو أُبُلِّيٌّ بضم الهمزة، والباء الموحدة ثم لام مشددة منسوب إلى الأُبُلَّةِ بالقرب من البصرة (لكنه) أي شيبان المذكور (بنسب) حال من الهاء أي حال كونه موصوفاً بنسب (ما) نافية (بانا) بألف الإطلاق، أي ظهر، يعني أن شيبان لم يوجد منسوباً فلا اعتراض على صاحب المشارق حيث قال: ليس في الكتب الثلاثة الأبُلِّيّ بالباء، وفي نسخة الشارح وإن يكن بنسب إلخ، والمعنى عليه أن الأيلي كله بالياء إلا شيبان فإنه بالباء، وإن كان لم يقع فيها منسوباً. 901 - وَلَمْ يَزِدْ مُوَطَّأٌ إِنْ تَفْطِن ... سِوَى بِضَمِّ " بُسْرٍ " ابْنِ مِحْجَنِ (ولم يزد موطأ) على الصَّحِيحين في المؤتلف والمختلف (إن تفطن) من باب تعب، وقتل، وكرم، كما في المصباح. أي إن تَحْذَق في الفن أيها المحدث (سوى) أي غير (بضم) حال مقدم على بسر وفيه الفصل بين المضاف، وهو سوى، والمضاف إليه، وهو بسر، بالجار والمجرور، وهو ضرورة، أي حال كونه بضم بائه (بُسْرٍ) بضم فسكون (ابن محجن) بكسر فسكون ففتح جيم، آخره نون بدل من بسر، أو خبر لمحذوف، أي هو، أو مفعول لفعل محذوف، أي أعني، وليس صفة لبسر لعدم حذف تنوينه. وحاصل المعنى: أن الموطأ ليس فيه من الرجال من هذا النوع زيادة على الصَّحِيحين إلا بسر بن محجن الدَّيلي، روى عن أبيه وعنه زيد بن أسلم، وقيل: هو بشر بمعجمة بدل المهملة.

هذا آخر ما ذكره الناظم من المؤتلف والمختلف، وفيه زيادات كثيرة على العراقي وابن الصلاح، مع قوله بعد استيفاءِ مَنْ ذَكَرَهُ: هذه جملة لو رحل الطالب فيها لكانت رحلة رابحة: إن شاء الله تعالى، ويَحِقُّ على الحديثي إيداعها في سويداء قلبه إلخ. لكن ترك من ابن الصلاح، قوله: وفيها يعني الكتب الثلاثة: سَلْم بن زَرِير، وسَلْم بن قتيبة، وسَلْمُ بن أبي الذَّيَّال، وسَلْمُ بن عبد الرحمن، هؤلاء الأربعة بإسكان اللام، ومن عداهم سالم بالألف، وكذا ترك سلمان مع سليمان، وسنان مع شيبان، تبعاً للعراقي، لعدم الاشتباه، ولذا لم يذكرها أصحاب المؤتلف والمختلف، في كتبهم إلا أن الناظم اعترض في سَلْم وسالم، انظر التدريب جـ 2 ص 310. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب. قوله: وجله إلى قوله: ثم اقتصر. وقوله: إلى بخارَى. إلى قوله: بالإجماع. وقوله: حراش بن مالك. وقوله: وهو جَمّ. وقوله: وَصِف أبا الطيب: البيت. وقوله: الخَدَري محمد بن الحسن. إلى قوله: والكوفي أيضاً مثله. وقوله: عمرو وعبد الله نجلا سَلِمَة. إلى قوله: عبد الخالق. وقوله: سلّامة مولاة إلى قوله: فافتحن وثقل. وقوله: ونجل مرزوق. وقوله: كل مسيب: البيت. وقوله: زيد بن أخزم سواه يمنع. وقوله: ومن هنا خص صحيح الجعفي إلى قوله: قد نقحوا. وقوله: أبو بصير الثقفي: إلى قوله: يَحْيَى وبشر. وقوله: تميلة إلى قوله: نبهان. وقوله: حية بالياء ابنه جبير. وقوله: ابن حذافة خنيس فقد. وقوله: الجرشي إلى قوله: وعقبة يكنى أبا الرجال. وقوله: والسيناني إلى قوله: كذاك المقرئ الكوفي. وقوله: وولد القاسم إلى قوله: ابن بشير الجزري. وقوله ابن سنان العوقي إلى قوله: لكن غيره هذيل. وقوله: هذا جميع ما حوى البخاري. وقوله: جبار إلى قوله: وعدي بن الخيار. وقوله: أهمل أبا بصرة: البيت. وقوله: عياش بالياء: البيت. وقوله: لكنه بنسب ما بانا.

(المتفق والمفترق)

(المتفق والمفترق) أي هذا مبحثه وهو النوع الحادي والثمانون من أنواع علوم الحديث. وهو فن مهم يعظم الانتفاع به صنف فيه الخطيب كتاباً نفيساً سماه " الموضح لأوهام الجمع والتفريق ". قال الحافظ: وقد لخصته وزدت عليه أشياء كثيرة، وفائدة معرفته الأمن من اللبس فربما ظن الأشخاص شخصاً واحداً، عكس المذكور بنعوت متعددة الماضي شرحه، وربما يكون أحد المشتركين ثقة والآخر ضعيفاً، فيضعف ما هو صحيح، أو يصحح ما هو ضعيف. 902 - وَاعْنَِ بِمَا لَفْظًا وَخَطًّا يَتَّفِقْ ... لَكِنْ مُسَمَّيَاتُهُ قَدْ تَفْتَرِقْ 903 - لاسِيَّمَا إِنْ يُوجَدَا فِي عَصْرِ ... وَاشْتَرَكَا شَيْخًا وَرَاوٍ فَادْرِ (وَاعْنَِ) بفتح النون وكسرها كما تقدم أي اهتم أيها المحدث (بما) أي بمعرفة الذي (لَفْظًا وَخَطًّا) تميزان محولان عن الفاعل (يتفق) من الأسماء والأنساب ونحوها، (لكن مسمياته قد تفترق) لتعددهم فهو بهذا مفترق، وهو من قبيل ما يسميه الأصوليون المشترك اللفظي، لا المعنوي، بل لهم في البلدان: المشترك وَضعا، والمفترق صُقْعاً، وقد زَلَّ جماعة من الكبار كما هو شأن المشترك الفظي في كل علم، والمهم منه مَنْ يكون في مظنة الاشتباه لأجل التعاصر أو الاشتراك في بعض الشيوخ، أو في الرواة، قاله

السخاوي، كما أشار إليه بقوله: (لا سيما) قال في المصباح مشدد، يعني: ياءه ويجوز تخفيفه، وفتح السين مع التثقيل، لغة ولا تستعمل إلا مع الجحد، فلا تقول: جاءني القوم سيما زيد، وذلك لأن لا وسيما تَرَكَّبَا وصارا كالكلمة الواحدة تساق لترجيح ما بعدها على ما قبلها، فيكون كالمخرج عن مساواته إلى التفضيل، فقولهم: تستحب الصدقة في شهر رمضان لا سيما في العشر الأواخر معناه واستحبابها في العشر الأواخر آكد، وأفضل، فهو مفضل على ما قبله، فلو قيل: سيما بغير نفي اقتضى التسوية وبقي المعنى على التشبيه فيكون التقدير تستحب الصدقة في شهر رمضان مثل استحبابها في العشر الأواخر، ولا يخفى ما فيه، وقال ابن فارس: ولا سيما أي ولا مثل ما، كأنهم يريدون تعظيمه، وقال ابن الحاجب: ولا يستثنى بها إلا ما يراد تعظيمه اهـ. ويقال: أجاب القوم ولا سيما زيد والمعنى فإنه أحسن إجابة، فالتفضيل إنما حصل من التركيب فصارت لا مع سيما بمنزلتها في قولك: لا رجل في الدار، فهي المفيدة للنفي وربما حذفت للعلم بها، وهي مرادة، لكنه قليل، اهـ عبارة المصباح باختصار وتغيير. والمعنى في النظم، اعتنِ أيها المحدث بمعرفة هذا النوع ولا سيما اعتناؤك (إن وجدا) أي المشتركان في الاسم مثلًا (في عصر) أي وقت واحد (واشتركا شيخاً) منصوب بنزع الخافض أي في الرواية عن بعض الشيوخ (وراو) معطوف على شيخاً بإجراء المنصوب مُجْرَى المرفوع والمجرور، أي اشتركا أيضاً في الراوي الذي يروي عنهما، فإن اعتناءك في هذا أشد وأوكد، وقوله: (فادر) أي فاعلم هذا النوع لشدة اشتباهه مؤكِّد لقوله: لا سيما إلخ. ثم ذكر أقسامه وهي عشرة فقال: 904 - فَتَارَةً يَتَّفِقُ اسْمًا وَأَبَا ... أَوْ مَعَ جَدٍّ أَوْ كُنًى وَنَسَبَا

(فتارة يتفق) كل منهما (اسماً وأباً) أي في اسمه واسم أبيه، فقوله: اسماً منصوب على التمييز، أو بنزع الخافض لوجود الجار (¬1) في المعطوف، وهو قوله: أو في اسمه إلخ. (أو مع جدّ) له قال ابن الصلاح أو أكثر من ذلك (أو) يتفقان (كنى ونسبا) أي في نسبه وكنيته. ثم مثل للأول فقال: 905 - كَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: خَمْسٌ بَانْ ... وَ " أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانْ " (كَأَنَسِ) أي مثاله كأنس (بن مالك خمس) خبر لمحذوف أي هم خمس نسمات وقوله: (بان) أي ظهر جملة حالية من أنس أي حال كونه بائناً عندهم، الأول: أنس بن مالك خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنصاري نجاري، يكنى أبا حمزة، نزل البصرة، والثاني: كعبي، قشيري، يكنى أبا أمية نزل البصرة أيضاً، ليس له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا حديث: " إن اللهِ وضع عن المسافر الصيام وشَطر الصلاة " أخرجه أصحاب السنن الأربعة، والثالث: أبو مالك الفقيه، والرابع: حمصي، والخامس: كوفي، وهؤلاء هم الذين رُوِيَ عنهم الحديث، وإلا فأنس بن مالك عشرة. ثم مثل للثاني: وهو ما اتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم بقوله: (و) كـ (ـأحمد بن جعفر بن حمدان) وهم أربعة كلهم يروون عمن يسمى عبد الله، وكلهم في عصر واحد، أحدهم القَطِيعي، أبو بكر البغدادي، يروى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل المُسنَدَ وغَيرَه، وعنه أبو نعيم الأصبهاني مات سنة 308 هـ نسب إلى قَطِيعة الدقيق اسم محلة ببغداد، الثاني: السقطي أبو بكر البصري، يروى عن عبد الله بن أحمد الدورقي، وعنه أبو نعيم، أيضاً مات سنة 304 هـ، الثالث: دِينَوري يروى عن عبد الله بن محمد بن سنان، صاحب محمد بن كثير صاحب سفيان ¬

_ (¬1) وذلك أن النصب بنزع الخافض غير مقيس إذا لم يكن هناك دليل، فأما إذا وجد دليل فهو قياسي كما حُقِّقَ في محله.

الثَّوري، وعنه علي بن القاسم بن شاذان الرازي، الرابع: طرسوسي يكنى أبا الحسن يروى عن عبد الله بن جابر الطرسوسي، وعنه القاضي أبو الحسن الخصيب بن عبد الله الخصيبي. ومن ذلك أيضاً محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري: اثنان في عصر واحد، روى عنهما الحاكم أبو عبد الله، أحدهما: أبو العباس الأصم، والثاني: أبو عبد الله بن الأخرم، قال ابن الصلاح: ويعرف بالحافظ دون الأول. قال العراقي: ومن غرائب الاتفاق في ذلك محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري، والحافظ أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر النيسابوري، وأبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة البغدادي، ماتوا سنة 360 هـ ستين وثلاثمائة. ثم مثل للثالث وهو ما اتفق في الكنية والنسبة معاً بقوله: 906 - ثُمَّ " أَبِي عِمْرَانٍ الْجَوْنِي " ... اثْنَيْنِ: بَصْرِيٍّ وَبَغْدَادِيِّ (ثم) الثالث مِثلُ (أبي عمران الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو (اثنين) بدل من أبي عمران (بصري وبغدادي) صفة لاثنين يعني: أن أحدهما بصري، واسمه عبد الملك بن حبيب الأزدي، رأى عمران بن حصين، حدث عن أنس بن مالك، وغيره، وسماه الفلاس عبد الرحمن، ولم يتابع عليه، مات سنة 139 هـ، والثاني: بغدادي متأخر عنه وهو من أهل البصرة أيضاً، وسكن بغداد، واسمه موسى بن سهل بن عبد الحميد، روى عن الربيع بن سليمان، وطبقته، وعنه الإسماعيلي، والطبراني، في آخرين، قال السخاوي: لكنهما مع تباعدهما نِسبَتُهُمَا مختلفة فالأول للجون بطن من الأزد، والآخر وروده كذلك قليل تخفيفاً، وإلا فالأكثر فيه الجويني، بالتصغير نسبة إلى ناحية. اهـ.

ثم إن ضبط الجون بفتح الجيم هو الذي ذكره في اللباب، وتبصير المنتبه، وشرح الألفية للسخاوي، وضبطه في " ق " بالضم والله أعلم. ثم ذكر الرابع والخامس والسادس بقوله: 907 - أَوْ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبٍ وَالنَّسَبِ ... أَوْ كُنْيَةٍ كَعَكْسِهِ وَاسْمِ أَبِ 908 - نَحْوُ " مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ " مِنْ ... قَبِيلَةِ الأَنْصَارِ أَرْبَعٌ زُكِنْ 909 - كَذَا " أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ " وَضُمّْ ... " ابْنَ أَبِي صَالِحٍ صَالِحًا " تَعُمّْ (أَوْ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبٍ وَالنَّسَبِ) أي وتارة يتفق كل منهما في اسمه واسم أبيه ونسبه، وهذا هو رابع الأقسام، (أو كنية كعكسه واسم أب) يعني: أنهما تارة يتفقان في كنية، واسم أب، وهذا هو الخامس، وقوله: كعكسه: معترض بين المتعاطفين، أي كما يتفقان في عكسه وهو الاتفاق في الاسم وكنية الأب، وهذا هو السادس. ثم مثل لها بالترتيب. فمثل الأول وهو ما اتفق في اسمه واسم أبيه ونسبته بقوله: (نحو محمد بن عبد الله) الأنصاري (من قبيلة الأنصار) هم (أربع) من النسمات (زكن) بالبناء للمفعول أي علم كل منهم عند العلماء، باسمه، وقبيلته، الأول: محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك، أبو عبد الله القاضي الثقة صاحب الجزء العالي الشهير شيخ البخاري مات سنة 215 عن 97 سنة، والثاني: محمد بن عبد الله بن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، روى عنه ابن ماجه، وابن صاعد، وآخرون، ووثقه ابن حبان، والثالث: محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، حديثه عند مسلم، ووثقه ابن حبان، والعجلي، والرابع: أبو سلمة محمد بن عبد الله بن زياد ضعيف جداً مُقِلّ، يقال: أنه جاوز المائة. ثم مثل الخامس، وهو ما اتفقت كناهم وأسماء آبائهم، فقال: (كذا أبو بكر بن عياش) بالمثناة التحتانية، والشين المعجمة، ثلاثة

فقط، أحدهم: الكوفي القارئ الشهير، راوي عاصم واسم جده سالم، وقد تقدم أن الصَّحِيح أن اسمه كنيته، وعُمِّرَ نحو مائة سنة، وثانيهم: حمصي يروى عن عثمان بن شِبَاك الشامي، وعنه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وقال الخطيب: إنه وشيخه مجهولان، والراوي عنه كان غير ثقة، وثالثهم: سلمى مولاهم بَاجَدَّائي نسبة إلى باجَدَّا بفتح الباء والجيم وتشديد الدال، قرية من نواحي بغداد، أفاده في اللباب، واسمه حسين له مصنف في الغريب، روى عن جعفر بن برقان، وعنه علي بن جميل الرقي، وغيره، قال الخطيب: وكان فاضلاً أديباً مات سنة 204 بِبَاجَدَّا قاله هلال بن العلاء. ثم مثل للسادس بقوله: (وضم) أيها المحدث إلى ما تقدم من أمثلة الرابع والخامس (ابن أبي صالح صالحاً) مثالاً للسادس وهو ما اتفق فيه الاسم وكنية الأب، فابن أبي صالح مفعول ضم وصالحاً مفعول لمحذوف، أي أعني صالحاً، يعني: أن صالح بن أبي صالح مثال لهذا النوع وهم جماعة، أربعة تابعيون، الأول: أبو محمد المدني مولى التوأمة ابنة أمية بن خلف الجمحي، واسم أبي صالح نبهان كما تقدم في النظم، وقيل: إِن نبهان جده، يروى عن جماعة من الصحابة، واختلف في الاحتجاج به مات سنة 125 هـ. والثاني: أبو عبد الرحمن المدني السمان، واسم أبي صالح ذكوان يروى عن أنس وحديثه عند مسلم والترمذي، والثالث: السدوسي يروى عن علي وعائشة وعنه خلاد بن عمرو، والرابع: الكوفي مولى عمرو بن حريث المخزومي، واسم أبي صالح مهران، يروى عن أبي هريرة، وعنه أبو بكر بن عياش وحديثه عند الترمذي، ذكره ابن حبان في ثقاته وضعفه يحيى بن معين، وجَهَّلَهُ النسائي، ولم يذكره الخطيب، وفيمن بعد هؤلاء الأربعة آخر أسدي يروى عن الشعبي، وعنه زكريا بن أبي زائدة، حديثه في النسائي، وذكره البخاري في تاريخه، وتركه ابن الصلاح، تبعاً للخطيب، لتأخره، لا سيما، وبعضهم سمى والده صالحاً لكن قال البخاري: إن الأول أصح، وكذا بعدهم يروي عن عبد خير وعنه عطاء بن مسلم

الخفاف، ذكره ابن أبي حاتم، وابن حبان في الثقات، وفرق بينه وبين الذي قبله، وهو الظاهر. اهـ فتح المغيث جـ 4 ص 280. ثم ذكر السابع بقوله: 910 - وَتَارَةً فِي اسْمٍ فَقَطْ ثُمَّ السِّمَهْ ... " حَمَّادُ " لابْنِ زَيْدَ وَابْنِ سَلَمَهْ (و) يتفقان (تارة في اسم) أو في كنية أو في نسبة (فقط) أي فحسب فيقع في السَّند منهم واحد باسمه، أو بكنيته أو بنسبته خاصة مهملاً من ذكر أبيه أو غيره مما يتميز به عن المشارك له، فيما ورد به فيلتبس الأمر فيه، وللخطيب فيه بخصوصه كتاب مفيد، سماه " المكمل، في بيان المهمل ". قال الحافظ: وهو عكس المتفق والمفترق، في كونه يخشى منه ظن الواحد اثنين، وقوله: (ثم السِّمَهْ) أي العلامة مبتدأ خبره محذوف أي مميزة لما أشكل، أو خبر لمحذوف أي المميز السمة، أو فاعل لفعل محذوف أي تميزه السمة، ثم ذكر مثاله، فقال: (حماد) بمنع الصرف للوزن أي مثاله حماد مهملًا من نسبة أو غيرها (لابن زيد) بمنع الصرف أيضاً للوزن، (وابن سلمة) أي فهو اسم لحماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي أبي إسماعيل البصري المتوفى سنة 179 هـ، واسم لحماد بن سلمة بن دينار الربعي، أو التميمي، أو القرشي، مولاهم أبي سلمة البصري، المتوفى سنة 167 هـ. ثم ذكر بعض العلامة التي يتميز بها كل منهما فقال: 911 - فَإِنْ أَتَى عَنْ حَرْبٍ مُهْمَلا ... أَوْ عَارِمٍ فَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ جُعِلا 912 - أَوْ هُدْبَةٍ أَوِ التَّبُوذَكِيِّ أَوْ ... حَجَّاجٍ أَوْ عَفَّانَ فَالثَّانِيْ رَأَوْا (فإن أتى) ذكر حماد (عن) سليمان (بن حرب) الأزدي الواشحي، البصري قاضي مكة المكرمة، الإمام الحافظ الثقة المتوفى سنة 224 هـ، وله ثمانون سنة، (مهملاً) حال من حماد أي حال كون حماد مهملاً عن ذكر أبيه (أو) أتى حماد مهملاً عن (عارم) بمهملتين، لقب لمحمد بن

الفضل السدوسي أبي النعمان البصري، المتوفى سنة 3 أو 224 هـ. (فهو) أي حماد المهمل مبتدأ خبره قوله: (ابن زيد) وجملة قوله: (جعلا) حال من ابن حرب، وعارم أي حال كونها مجعولين علامة على حماد بن زيد. يعني: أنه إذا أتى حماد مهملًا في رواية ابن حرب، وعارم، فهو حماد بن زيد، كما قاله محمد بن يَحْيَى الذهلي، والرامهرمزي، ثم المزي (أو) أتى حماد مهملاً عن (هدبة) بالصرف للوزن بضم أوله وسكون الدال بعدها باء موحدة أي هدبة بن خالد بن الأسود القيسي أبي خالد البصري، ويقال له: هَدَّاب بالتثقيل، وفتح أوله، توفي سنة بضع وثلاثين ومائتين. (أو) أتى ذكر حماد مهملًا أيضاَ عن موسى بن إسماعيل المنقري، بكسر فسكون وفتح قاف، أبي سلمة، (التبوذكي) بفتح التاء وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة نسبة لبيع السَّمَاذ بفتح أوله وآخره معجمة (¬1) وهو السرجين، والرَّمَاد تُسمَد أي تصلح به الأرض، وقال ابن ناصر وهو عندنا الذي يبيع ما في بطون الدجاج من الكبد والقلب والقانصة (¬2)، وكان يقول: لا جُوزِيَ خيراً من ينسبني كذلك أنا مولى لبني منقر، وإنما نزل داري قوم من أهلها فنسبت كذلك، وقال ابن أبي حاتم: إنه اشترى بها داراً فنسبت إليه، قاله السخاوي. (أو حجاجٍ) ابن منهال (أو) أتى ذكر حماد مهملاً أيضاً عن (عفان) بن مسلم بن عبد الله الباهلي أبي عثمان الصَّفَّار البصري ثقة، ثبت مات سنة 219 هـ. (فالثاني) خبر لمحذوف أي فهو الثاني، أو مفعول مقدم لـ (ـرأوا) سكنت ياؤه للضرورة، أو لغة، وهو الأولى لقراءة من قرأ من أوسط ما تطعمون أهاليكم بسكون الياء. والمعنى: أنه إذا ورد حماد مهملاً من رواية هؤلاء عنه فإنه حماد بن ¬

_ (¬1) الذي في المصباح واللباب أنه بالدال المهملة، وزان سلام، ما يصلح به الزرع من تراب وسرجين. (¬2) القانصة للطائر كالحوصلة للإنسان قاله في اللسان.

سلمة، وإنما وصف بالثاني لتأخره عن ابن زيد، في الذكر، وإلا فهو مقدم عليه في الوفاة كما تقدم. 913 - وَحَيْثُمَا أُطْلِقَ " عَبْدُاللهِ " فِي ... طَيْبَةَ فَاْبُن عُمَرٍ، وَإِنْ يَفِي 914 - بِمَكَّةٍ فَابْنُ الزُّبَيْرِ، أَوْ جَرَى ... بِكُوفَةٍ فَهْوَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُرَى 915 - وَالْبَصْرَةِ الْبَحْرُ، وَعِنْدَ مِصْرِ ... وَالشَّامِ مَهْمَا أُطْلِقَ ابْنُ عَمْرِو (وحيثما أطلق عبد الله) عن التقييد بأبيه مثلاً (في طيبة) أي عند أهل المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فهو (ابن عمر) بالصرف للضرورة ابن الخطاب - رضي الله عنهما - (وإن يفي) مضارع وَفَى الشيءُ إذا تَمَّ، والمراد به الحصول، أي وإن يحصل إطلاق عبد الله عن التقييد بشيء يميزه، ولم يحذف الياء للجازم، إِما على لغة من لا يحذف حرف العلة للجازم، اكتفاء بحذف الحركات المقدرة، أو الموجودة هي التي لإتمام الوزن والأصلية محذوفة. (بمكة) متعلق بيف أي يوجد ذلك عند أهل مكة، وصرفها للوزن. (فـ) ـهو (ابن الزبير) بن العوام - رضي الله عنهما - (أو جرى) إطلاقه (بكوفة) بالصرف للضرورة، البلدة المعروفة، (فهو) أي عبد الله المطلق (ابن مسعود) بن غافل الهذلي - رضي الله عنه -، وجملة قوله: (يرى) بالبناء للمفعول جملة حالية، أي حال كون هذا الاستعمال يرى اصطلاحاً لهم، ويزاد أنه إذا أطلق عبد الله: بخراسان، فهو عبد الله بن المبارك، ولكون هذا الإطلاق شائعاً فيما بينهم أنكر سلمة بن سليمان لما سألوه حين قال: أخبرنا عبد الله فقيل له: ابن من؟ وحاصل قصته: أنه حدث يوماً فقال: أخبرنا عبد الله فقيل له: ابن من؟ فقال: يا سبحان الله، أما ترضون في كل حديث حتى أقول: حدثنا عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن الحنظلي الذي منزله في سكة صغد، ثم قال سلمة: إنه إذا قيل: عبد الله بمكة فهو ابن الزبير، أو بالمدينة فابن عمر، أو بالكوفة فابن مسعود، أو بالبصرة فابن عباس، أو بخراسان فابن المبارك، ذكره السخاوي.

(و) إذا أطلق عبد الله في (البصرة) البلدة المعروفة فهو عبد الله بن عباس (البحر) لقب له لسعة علمه، (و) إذا أطلق عبد الله (عند) أهل (مصر) بالصرف للضرورة (و) أهل (الشام) البلد المعروف (مهما أطلق) عبد الله عن التقييد فهو عبد الله (بن عمرو) بن العاص - رضي الله عنهما -، يعني: أنه إذا أطلق عبد الله في مصر والشام فهو عبد الله بن عمرو، وهذا القول الحافظ أبي يعلى الخليلي القزويني، ونصه: كما نقله ابن الصلاح عنه إذا قاله المصري يعني: عبد الله فابن عمرو بن العاص، أو المكي فابن عباس اهـ. قال السخاوي: فاختلف القولان في إطلاق البصري والمكي اهـ. وإذا أطلق أهل الشام فهو ابن عمرو بن العاص وهذا القول قاله النضر بن شميل. 916 - وَعَنْ " أَبِي حَمْزَةَ " يَرْوِي شُعْبَةُ ... عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ بِزَايٍ عِدَّةُ 917 - إِلاَّ " أَبَا جَمْرَةَ " فَهْوَ بِالرَّا ... وَهْوَ الَّذِي يُطْلَقُ يُدْعَى نَصْرَا (وعن أبي حمزة) متعلق بـ (يروي) أي يحدث (شعبة) بن الحجاج الإمام العلم المشهور حال كون أبي حمزة يروي (عن) عبد الله (ابن عباس) - رضي الله عنه - (بزاي) حال من ابن حمزة أي مضبوطاً بزاي معجمة قبلها حاء مهملة فميم ساكنة، (عدة) خبر لمحذوف أي هم جماعة متعددون سبعة كلهم بهذا الضبط، (إلا أبا جمرة) الضبعي بضاد معجمة مضمومة وباء مفتوحة نسبة إلى ضبيعة بن قيس أبو قبيلة نزلوا البصرة (فهو) أي أبو جمرة المستثني مضبوط (بالرا) المهملة قبلها جيم مفتوحة فميم ساكنة. (وهو الذي يُطلق) بالبناء للمفعول أي لا يقيد باسمه ونسبه في الرواية، يعني: أن شعبة يطلقه بخلاف الستة، فإنه إذا أراد واحداً منهم بينه باسمه ونسبه، كما نقله ابن الصلاح عن بعض الحفاظ، لكن قال العراقي: وربما أطلق غيره أيضاً، وقد يروى عن أبي جمرة نصر بن عمران وينسبه لكن يجاب بأن الأول هو الغالب. قال السخاوي: ويتبين المهمل ويزول الإشكال عند أهل المعرفة

بالنظر في الروايات فكثيراً ما يأتي مميَّزاً في بعضها، أو باختصاص الراوي بأحدهما إما بأن لم يرو إلا عنه فقط، أو بأن يكون من المكثرين عنه الملازمين له، دون الآخر، أو بكونه بلدي شيخه أو الراوي عنه، إن لم يعرف بالرحلة، فإن بذلك وبالذي قبله يغلب على الظن تبين المهمل، ومتى لم يتبين ذلك بواحد منها، أو كان مختصاً بهما معاً فإشكاله شديد، فيرجع فيه إلى القرائن والظن الغالب، قال ابن الصلاح: وقد يدرك بالنظر في حال الراوي والمروي عنه، وربما قالوا في ذلك بظن لا يقوى. اهـ كلام السخاوي باختصار جـ 4 ص 282 - 283. ثم ذكر الثامن فقال: 918 - وَمِنْهُ مَا فِي نَسَبٍ كَـ " الآمُلِي " ... وَ " الْحَنَفِيْ " مُخْتَلِفُ الْمَحَامِلِ (ومنه) أي في المتفق والمفترق وهو ثامن الأقسام (ما) يحصل فيه الاتفاق (في) لفظ (نسب) فقط، والافتراق في أن ما نسب إليه أحدهما غير ما نسب إليه الآخر، ولأبي الفضل بن طاهر الحافظ فيه بخصوصه تصنيف حسن، قاله السخاوي. وذلك (كالآملي) نسبة إلى آمل بمد الألف المفتوحة وضم الميم فإنه يوجد بهذا الاسم بلدتان إحداهما بطبرستان، والثانية غربي جيحون، قال السمعاني: أكثر علماء طبرستان من آملها، وشُهِرَ بالنسبة إلى آمل جيحون عبد الله بن حماد الآملي شيخ البخاري، وخطِّئَ أبو علي الغَسَّاني، ثم القاضي عياض في قولهما: إنه منسوب إلى آمل طبرستان. (وكالحنفي) بتخفيف الياء للوزن، حيث يكون منسوباً إلى قبيلة بني حنيفة، ومنهم أبو بكر عبد الكبير، وأبو علي عبيد الله ابنا عبد المجيد الحنفيان أخرج لهما الشيخان، ويكون منسوباً إلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي - رضي الله عنه -. (مختلف المحافل) خبر لمحذوف أي كل من الآملي، والحنفي مختلف محل حمله، وتفسيره، كما قررناه آنفاً، ويحتمل أن يكون حالاً أي حال كون كل منهما مختلفا محمله. قال ابن الصلاح: وكان محمد بن طاهر المقدسي، وكثير من أهل العلم والحديث وغيرهم يفرقون بين الحنفي المنسوب إلى القبيلة والمنسوب

إلى المذهب فيقولون في المذهب حنيفي بالياء، ولم أجد ذلك عند أحد من النحويين، إلا عن أبي بكر بن الأنباري الإمام، قاله في كتابه الكافي، اهـ بتغيير، قال الناظم: والصواب معه فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " بعثت بالحنيفية السمحة " فأثبت الياء في اللفظة المنسوبة إلى الحنيفية فلا مانع من ذلك اهـ. ثم ذكر التاسع فقال: 919 - وَاعْدُدْ بِهَذَا النَّوْعِ مَا يَتَّحِدُ ... فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَا وَعَدَّدُوا 920 - قِسْمَيْنِ مَا يَشْتَرِكَانِ إِسْمَا ... بِنْتُ عُمَيْسِ ابْنُ رِيَابٍ " أَسْمَا " 921 - وَالثَّانِي فِي اسْمٍ وَكَذَا فِي اسْمِ أَبِ ... " كَهِنْدٍ ابْنِ وَابْنَةِ الْمُهَلَّبِ " (واعدد) أيها المحدث (بهذا النوع) أي في جملة هذا النوع وهو المتفق والمفترق (ما) أي الاسم الذي (يتحد فيه) أي في التسمية به (الرجال والنسا) بالقصر للوزن فيسمى به كل من الجنسين (وعددوا) أي قسم أهل الحديث هذا النوع (قسمين) أحدهما (ما يشتركان) أي الرجل والمرأة (اسما) أي في الاسم فقط مع اختلاف اسم الأب (بنت عميس) بالتصغير خبر لمحذوف أي مثاله بنت عميس (ابن رياب) عطف بحذف العاطف على بنت وقوله: (أسما) بالقصر للوزن خبر لمحذوف أي كل من هذين اسمه: أسماء، يعني: أن أسماء اشترك فيه الرجال والنساء فمن النساء أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر - رضي الله عنهما - أم محمد بن أبي بكر الخثعية من المهاجرات الأُوَل، وأختُ ميمونة لأمها، هاجرت مع جعفر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ثم تزوجها أبو بكر، ثم علي، وماتت بعده. وكذا أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - ذات النطاقين، ومن الرجال أسماء بن رياب (¬1) بن معاوية الجرمي، وكذا أسماء بن حارثة والأربعة كلهم من الصحابة - رضي الله عنهم -، ومثله بريدة بن الحصيب ¬

_ (¬1) اختلف ضبطهم في رِيَاب هذا فضبطه العسكري في التصحيف براء مكسورة وياء مخففة أي ككِتَاب، وهو الذي في الإصابة، وضبطه ابن الأثير رَبَّان براء، وباء =

صحابي، وبريدة بنت بشر صحابية، وبركة أم أيمن صحابية، وبركة بن العريان، عن ابن عمر وابن عباس، وهنيدة بن خالد الخزاعي، عن علي، وهنيدة بنت شريك عن عائشة، وجويرية أم المؤمنين، وجويرية بن أسماء الضبعي. ثم ذكر العاشر فقال: (والثاني) من القسمين ما يشتركان (في اسم) للرجل والمرأة (وكذا) يشتركان (في اسم أب) لهما وذلك (كهند ابن وابنة المهلب) ابن صفة لهند حذف المضاف إليه لذكره في المعطوف قال ابن مالك: وُيحْذَفُ الثانِي فَيَبْقَى الأوِّلُ ... كحالِهِ إذا به يَتَّصِلُ بِشَرْطِ عَطْفٍ وَإِضافَةٍ إلى ... مِثلِ الَّذِي لَهً أضَفْتَ الأوَّلَا يعني: أن هنداً يكون للرجل كهند بن المهلب روى عنه محمد بن الزبرقان، ويكون للمرأة كهند بنت المهلب، روت عن أبيها. وكبَسَرَةَ بن صفوان، حدث عن إبراهيم بن سعد، وبُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ صحابية، وأمية بن عبد الله الأموي، عن ابن عمر، وأمية بنت عبد الله، عن عائشة، وعنها علي بن زيد بن جدعان أخرج لها الترمذي. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب: قوله: لا سيما إن يوجدا، إلى قوله: أو كنى ونسباً. وقوله: أو في اسمه واسم أب: البيت، وقوله: أربع زكن، وقوله: أو هدبة، وقوله: وحيثما أطلق عبد الله إلى قوله يدعى نصراً، وقوله: كالآملي، وقوله: واعدد بهذا النوع إلى آخر الباب. ¬

_ = موحدة، وآخره نون، أي ككَتَّان، وهو الذي في القاموس، وفي الإكمال أسماء بن رئاب - بالهمز - والذي عند أحمد شاكر. فليحرر.

(المتشابه)

(المتشابه) أي هذا مبحثه وهو النوع الثاني والثمانون من أنواع علوم الحديث. 922 - فِي الْمُتَشَابِهِ الْخَطِيبُ أَلَّفَا ... وَهْوَ مِنَ النَّوْعَيْنِ قَدْ تَأَلَّفَا 923 - يَتَّفِقَا فِي الاسْمِ وَالأَبُ ائْتَلَفْ ... أَوْ عَكْسُهُ أَوْ نَحْوُ ذَا كَمَا اتَّصَفْ 924 - كِـ " ابْنِ بَشِيرٍ " وَ " بُشَيْرٍ " سُمِّيَا ... أَيُوبَ " حَيَّانَ " " حَنَانَ " عُزِيَا 925 - كَذَا " شُرَيْحٌ " وَلَدُ النًّعْمَانِ ... مَعَ " سُرَيْجٍ " وَلَدِ النَّعْمَانِ 926 - وَكَأَبِي عَمْرٍو هُوَ " الشَّيْبَانِي " ... مَعَ أَبِي عَمْرٍو هُوَ " السَّيْبَانِي " 927 - وَكَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ ... " الْمَخْرَمِيْ " " الْمُخَرِّمِيْ " مُضَاهِي 928 - وَكَـ " أَبِي الرِّجَالِ " الانْصَارِي ... مَعَ " أَبِي الرَّحَّالِ " الانْصَارِي (في المتشابه) أي في بيان هذا النوع متعلق بألَّفا، (الخطيب) البغدادي السابق إلى غالب ما صنفه في أنواع هذا الشأن وهو مبتدأ خبره قوله: (ألفا) كتاباً جليلًا سماه تلخيص المتشابه. ثم ذيل عليه أيضاً بما فاته أوَّلًا، وهو كثير الفائدة، بل قال ابن الصلاح: إنه من أحسن كتبه. وفائدة ضَبْطِهِ الأمْن من التصحيف وظَنِّ الاثنين واحداً. (وهو) أي

المتشابه (من النوعين) السابقين وهما المؤتلف والمختلف، والمتفق والمفترق، متعلق بما بعده (قد تألفا) بألف الإطلاق في الموضعين، أي تركب. وهو إما أن (يتفقا) أي المتشابهات لفظاً وخطاً (في الاسم) خاصة ويفترقان في المسمى (والأب) أي أبواهما (ائتلف) أي اتفق خطاً مع الاختلاف لفظاً فقوله الأب: مبتدأ خبر جملة ائتلف، والجملة في محل حال، (أو عكسه)، بالرفع فاعل لمحذوف، أي أو حصل عكسه، وهو أن يأتلف الإسمان خطاً ويختلفا لفظاً، ويتفق اسْمَا أبَوَيْهِما لفظاً، (أو نحو ذا) المذكور بأن يتفق الاسمان، أو الكنيتان لفظاً، وما أشبه ذلك. (كما اتصف) أي المتشابه بجميع هذه الأقسام كلها، ثم بين أمثلة ذلك بقوله: (كـ) ـأيوب (بن بشير) بفتح الباء مكبراً (و) أيوب (بن بشير) بالضم مصغراً (سميا) بالبناء للمفعول والألف نائب الفاعل عائد إلى ابن بشير وابن بشير (أيوب) مفعول ثان لسيما، يعني أن كلًا منهما اسمه أيوب، إلا أن الأول أبوه مكبر عجلي شامي، روى عنه ثعلبة بن مسلم الخثعمي، والثاني: أبوه مصغر، عدوي، بصري، روى عنه أبو الحسين خالد البصري، وقتادة وغيرهما، وهذا مثال لما حصل فيه الاتفاق في الاسم والاختلاف في الأب. ثم مثل لما حصل فيه الاتفاق في النسبة والاختلاف في الاسم، وهو الخامس في الترتيب، بقوله: (حيان) بالجر عطفاً بعاطف محذوف على ابن بشير أي وكحيّان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء التحتانية (حنان) عطف بعاطف محذوف أيضاً أي وكحنان بفتح الحاء المهملة والنون المخففة وقوله: (عزيا) بالبناء للمفعول حال منهما أي حاد كونهما معزوين أي منسوبين، ويحتمل أن يكون حيان مبتدأ وحنان عطف عليه، وجملة عزيا هي الخبر، والمعنى أَن كُلاً من حيان وحنان متفق النسبة مختلف الاسم، إذ كل منهما أسدي، لكن الأول وهو حيان الأسدي بالياء، اثنان الأول منهما اسم أبيه حُصَين وهو أبو الهَيَّاج الكوفي تابعي، له في صحيح

مسلم حديث عن علي في الجنائز، وثانيهما حيان الأسدي أبو النضر شامي تابعي أيضاً له في صحيح ابن حبان حديث عن واثلة. والثاني هو حنان الأسدي بالنون من بني أسد بن شُرَيك بضم المعجمة بصري يروى عن أبي عثمان النهدي، وعنه حجاج الصواف، وهو عم مسرهد والد مسدد. ثم ذكر مثالًا لما حصل فيه الافتراق في الاسم والاتفاق في الأب بقوله: (كذا شريح) بشين معجمة فراء مهملة آخره حاء مهملة مصغراً (ولد النعمان) الصائِدي، الكوفي، يروى عن علي وعنه أبو إسحاق السبيعي، وثقه ابن حبان، روى له أصحاب السنن الأربعة، فهو متشابه (مع سريج) بمهملة آخره جيم مصغراً أيضاً (ولد النعمان) بن مروان الجوهري اللؤلؤي أبي الحسين البغدادي، يروى عن فليح بن سليمان، وحماد بن سلمة وطائفة، وعنه البخاري ومحمد بن رافع، وغيرهما، وثقه ابن معين مات يوم الأضحى 217 هـ. ثم ذكر مثالًا لما حصل فيه الاتفاق في الكنية، والافتراق في النسبة، فقال: (وكأبي عمرو هو الشيباني) بفتح الشين المعجمة وسكون المثناة التحتانية ثم موحدة لجماعة كوفِيِّينَ، أشهرهم سعد بن إياس، تابعي مخضرم حديثه في الكتب الستة، وهارون بن عنترة بن عبد الرحمن من أتباع التابعين، حديثه عند أبي داود والنسائي، وَوَهِمَ المِزِّيُّ فكناه أبا عبد الرحمن، وإسحاق بن مِرَار بكسر الميم وتخفيف الراء كما لعبد الغني، أو كعَمَّار كما للدارقطني نحوي لغوي نزل بغداد له ذكر في صحيح مسلم بكنيته فقط. فكل من هؤلاء الثلاثة متشابه (مع أبي عمرو هو السيباني) بمهملة بوزن الأول التابعي الشامي مخضرم، اسمه زرعة، وهو عم الأوزاعي ووالد يحيى، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، حديث واحد موقوف على عقبة. ثم ذكر مثالاً لما حصل فيه الاتفاق في الاسم واسم الأب والافتراق

في النسبة نطقاً فقال: (وكمحمد بن عبد الله) اثنان أحدهما هو (المَخْرَمي) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء قال ابن ماكولا: لعله من ولد مَخرَمَة بن نوفي، وهو مكي يروى عن الشافعي، وعنه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زَبَالَة ليس بمشهور، وثانيهما (المُخَرِّميّ) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر (¬1) الراء المشددة نسبة إلى المُخَرِّم محلة ببغداد سميت بذلك لأن ولد يزيد بن المُخَرم نزلها قاله في اللباب، واسم جده المبارك، ويكنى أبا جعفر، قرشي بغدادي، قاضي حلوان، وأحد شيوخ البخاري الحفاظ، وقوله: (مضاهي) خبر لمحذوف أي أحدهما مشابه للآخر. ثم ذكر مثالًا لما حصل فيه الاتفاق في النسبة والاختلاف في الكنية، فقال: (وكأبي الرِّجَال) بكسر الراء المهملة وتخفيف الجيم محمد بن عبد الرحمن (الأنصاري) المدني يروى عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن وغيرها حديثه في الصَّحِيحين فهو متشابه (مع أبي الرَّحَّال) بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة، محمد بن خالد، أو خالد بن محمد، وبه جزم الدارقطني (الأنصاري) البصري تابعي ضعيف حديثه في الترمذي. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: كذا شريح إلى آخر الباب. ¬

_ (¬1) وغلط من ضبطه بفتح الراء. اهـ.

(المشتبه المقلوب)

(المشتبه المقلوب) أي هذا مبحثه وهو النوع الثالث والثمانون من أنواع علوم الحديث. 929 - أَلَّفَ فِي الْمُشْتَبِهِ الْمَقْلُوبِ ... رَفْعًا عَنِ الإِلْبَاسِ فِي الْقُلُوبِ 930 - كَـ " ابْنِ الْوَلِيدِ مُسْلِمٍٍ " لَبْسٌ شَدِيدْ ... عَلَى الْبُخَارِي بِـ " ابْنِ مُسْلِمَ الْوَلِيدْ " (ألف) بالبناء للمفعول قاله الشارح، ويحتمل كونه بالبناء للفاعل والضمير يعود إلى الخطيب في الباب السابق أي ألف الخطيب البغدادي كتاباً (في المشتبه المقلوب) أي في النوع المسمى به، وَسَمَّى مؤلفه " رافع الارتياب، في المقلوب من الأسماء والأنساب " مجلد ضخم وفائدةُ ضَبْطِهِ الأمنُ من توهم القلب، كما أشار إليه بقوله: (رفعاً) وفي نسخة الشارح دفعاً بالدال بدل الراء (عن الإلباس) أي الاشتباه (في القلوب) أي الأذهان، لا في الرسم، إذ الاتفاق فيه لروايين في اسمين لفظاً وخطاً، والاختلاف والاشتباه بالتقديم والتأخير، بأن يكون أحد الاسمين في أحدهما للراوي وفي الآخر لأبيه، فهو وإن كان مركباً من متفق ومختلف، إلا أن ما فيه من الاختلاف ليس من نوع المؤتلف، فلذا أفردوه في باب. ثم ذكر مثاله فقال: (كابن الوليد) أي وذلك كابن الوليد (مسلم) بدل من ابن، أي كمسلم بن الوليد المدني شيخ الدراوردي، ففيه (لبس) أي اشتباه (شديد على) الإمام (البخاري) في تاريخه (بابن مسلم) بمنع الصرف

للوزن، (الوليد) بدل من ابن مسلم أي بالوليد بن مسلم الدمشقي، الشهير صاحب الأوزاعي، روى عنه أحمد وغيره، يعني: أن البخاري انقلب عليه فجعل أولهما الثاني نبه على ذلك ابن أبي حاتم في كتاب أفرده لخطأ البخاري في تاريخه، حكاية عن أبيه قاله السخاوي، ولكن هذه الترجمة لا توجد في بعض نسخ التاريخ اهـ. وكعبد الله بن يزيد ويزيد بن عبد الله وكالأسود بن يزيد، النخعي، ويزيد بن الأسود الصحابي، الخزاعي ويزيد بن الأسود الجرشي التابعي، المخضرم المشتهر بالصلاح الذي استسقى به معاوية فسقُوا للحال. (تَتِمَّة): الزيادات قوله: رفعا البيت، وقوله: على البخاري.

(من نسب إلى غير أبيه)

(من نسب إلى غير أبيه) أي هذا مبحثه وهو النوع الرابع والثمانون من أنواع علوم الحديث. وهو نوع مهم وفائدة ضبطه دَفْعُ توهم التعدد عند نسبته لأبيه كما أشار إليه بقوله: 931 - وَادْرِ الَّذِي لِغَيْرِ أَبٍّ يَنْتَسِبْ ... خَوْفَ تَعَدُّدٍٍ إِذَا لَهُ نُسِبْ (وادر) أي اعلم أيها المحدث الشخص (الذي لغير أب ينتسب) أي ينسب إلى غير أبيه كأم وجد ونحوهما فقوله: أبّ بتشديد الباء للوزن. (خوف تعدد) مفعول لأجله أي لأجل إزالة توهم تعدد ذلك المنسوب (إذا له نسب) أي عند نسبته إلى أبيه في بعض المواضع، ومن فائدته أيضاً دفع ظن الاثنين واحداً عند موافقة اسميهما واسم أبي أحدهما اسم الجد الذي نسب إليه الآخر، كعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك شيخ للزهري نسبه ابنُ وهب عبد الرحمن بن كعب، وهو كذلك اسم راو آخر هو عم للأول، لكن لم يرو عنه الزهري شيئاً، وكخالد بن إسماعيل بن الوليد المخزومي، راو ضعيف جداً يروى عن هشام بن عروة فإنه قد ينسب إلى جده فيظن أنه الصحابي الشهير أو غيره. ثم ذكر أمثلة لذلك فقال: 932 - كَابْنِ " حَمَامَةٍ " لأمٍّ وَابْنِ ... " مُنْيَةَ " جَدَّةٌ، وَلِلتَّبَنِّي

933 - مِقْدَادٌ ابْنُ " الأَسْوَدِ " ابْنُ " جَارِيَهْ " ... جَدٌّ وَفِي ذَلِكَ كُتْبٌ وَافِيَهْ وذلك (كـ) ـبلال (بن حمامة) بالصرف للوزن المؤذن الحبشي أبي عبد الله مولى أبي بكر من السابقين الأولين شهد بدراً والمشاهد مات بالشام سنة 17 أو 18 وقيل سنة 20 وله بضع وستون سنة. (لأم) له اسمها حمامة بحاء مهملة مفتوحة وميم مخففة، واسم أبيه رَبَاح، وكالحارث بن بَرْصَاء بفتح الموحدة أمه، أو أم أبيه، واسم أبيه مالك بن قيس، وكسهل وسهيل وصفوان بَنِي بَيْضاء، هي أمهم اسمها دَعْد، وأبوهم وهب بن ربيعة، وشرحبيل بن حسنة بفتحات هي أمه، وأبوه عبد الله بن المطاع، الكندي. (و) كيعلي (ابن منية) الصحابي الشهير المتوفى سنة بضع وأربعين، (جدة) خبر لمحذوف أي هي جدة له، يعني: أن منية بضم فسكون فتخفيف ياء جدة ليعلى أم أبيه، وقيل: إنها أمه، وعليه الجمهور، ورجحه المزي، واختلف في نسبها فقيل: ابنة الحارث بن جابر، وقيل: بدون الحارث وقيل: ابنة غزوان، ورجحه المزي، واسم أبي يعلى أمية بن أبي عبيدة، وأخطأ من قال: إن منية أبوه. وقد ينسب إلى أجنبي لسبب وإليه أشار بقوله: (وللتبني) خبر مقدم أي كائن لأجل التبني مصدر تبنيت فلاناً اتخذته ابنا (مقداد) بكسر فسكون مبتدأ مؤخر (ابن الأسود) نعت له مقطوع، ولذا نون الأول وثبتت ألف الوصل خطأ في ابن، يعني: أن المقداد الصحابي الجليل المتوفى سنة 33 وهو ابن 70 سنة، ليس ابنا للأسود بن عبد يغوث الزهري إنما كان في حجره فنسب إليه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة الكندي، وكذا مُجَمِّع (ابن جارية) الصحابي، وهو أبو نَضْلة: مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري الأوسي المدني مات في خلافة معاوية. (جد) أي هو اسم جد له، يعني: أن مجمعاً منسوب إلى جده (وفي ذلك) أي فيمن نسب إلى غير أبيه خبر مقدم لقوله: (كتب) بسكون التاء مصنفة (وافية) بالمقصود، فقد صنف في هذا القسم الحافظ علاء الدين مغلطاي تصنيفاً حسناً في ثلاث وستين ورقة،

قال الناظم: وذكر المصنف، يعني: النووي في تهذيبه أنه ألف فيه جزء، ولم نقف عليه، اهـ. (تَتِمَّة): الزيادات قوله: وادر البيت، وقوله: وفي ذلك كتب، البيت.

(المنسوبون إلي خلاف الظاهر)

(المنسوبون إلي خلاف الظاهر) أي هذا مبحثه وهو النوع الخامس والثمانون من أنواع علوم الحديث. قال السخاوي: وأفرد عما قبله لكونه في الأنساب خاصة، وذاك، في الأعلام، وإن تشابها في المعنى. اهـ. 934 - وَنَسَبُوا " الْبَدْرِيَّ " وَ " الْخُوزِيَّا " ... لِكَوْنِهِ جَاوَرَ وَ " التَّيْمِيَا " 935 - كَذَلِكَ " الْحَذاَّءُ " لِلْجَلاَّسِ ... وَ " مِقْسَمٌ مَوْلَى بَنِي عَبَّاسِ " (ونسبوا) أي المحدثون بعضَ الرواة إلى مكان به وقعة، أو إلى بلد، أو قبيلة، أو صنعة، أو غير ذلك، مما ليس ظاهره الذي يسبق إلى الفهم منه مراداً، بل لعارض عرض وذلك كما تسبوا (البدري) لمن نزل بدراً، وهو عقبة بن عمرو أبو مسعود، الأنصاري، الخزرجي، الصحابي، فيما قاله إبراهيم الحربي، وابن سعد عن الواقدي، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب، وهو قول ابن إسحاق وابن معين، ثم ابن عبد البر، وجزم به ابن السمعاني، ومشى عليه ابن الصلاح ومن تبعه، قال: لم يشهد بدراً. في قول الأكثر، ولكن نزل بدراً فنسب إليها، وعدّه البخاري ومسلم في البدريين، وهو قول شعبة عن الحكم، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سَلاَّم، وقال الطبراني: أهل الكوفة يقولون: شهدها ولم يذكره أهل المدينة فيهم. قال السخاوي: وبالجملة فالمثبت مقدم على النافي، قال: واستظهره

شيخنا، يعني: الحافظ ابن حجرٍ، باتفاقهم على شهوده العقبة إذ لا مانع لمن شهدها أن يشهد بدراً. ومثله أبو حَنَّةَ أو حَبَّةَ ثابت بن النعمان بن أمية ابن امرئ القيس صحابي نزلها فنسب إليها. (و) نسبوا أيضاً إبراهيم بن يزيد أبا إسماعيل مولى عمر بن عبد العزيز (الخوزي) بضم الخاء وسكون الواو آخره زاي نسبة إلى شعب الخوز بمكة، وإنما نسب إليها ليس لكونه منها، بل (لكونه جاور) ها (و) كذلك نسبوا أيضاً سليمان بن طرخان، أبا معتمر (التيميا) لكونه نزل في بني تيم، وهو مولى بني مرة، وكإسماعيل بن محمد المكي نسب إليها لإكثاره التوجه إليها للحج، والمجاورة، لا لكونه منها، ومحمد بن سنان العَوَقي بفتحتين، آخره قاف لنزوله العَوَقَة، وإلا فهو بصري، (كذلك الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة المشددة مع المد خالد بن مهران بالكسر، أبو المنازل بضم الميم وقيل: بفتحها البصري، ظاهره أنه منسوب إلى صناعة الحِذَاء، أي النعل أو بيعها، وليس كذلك وإنما أطلقوه (للجلاس) أي لمن يكثر الجلوس، في دُكَّانه، فخالد لم يَحْذُ حِذَاءً قط بل لجلوسه عند الحَذَّاء كما قال يزيد بن هارون، وقيل: لأنه كان يقول: آحْذُ على هذا النحو، فلقب به، ومثله أبو عبد الرحمن عَبيدة بن حُميد الكوفي يعرف بالحَذَّاء لكونه يجالسهم، قاله ابن حبان. (و) كذا (مقسم) بكسر الميم وفتح السين بينهما قاف ساكنة، هو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل نسبوه إلى غيره، فقالوا: (مولى بني عباس) يعني: عبد الله بن عباس لملازمته له، وجمع بني ضرورة. (تَتِمَّة): الزيادات قوله: والخوزيا.

(المبهمات)

(المبهَمات) بصيغة اسم المفعول أي هذا مبحثها، وهو النوع السادس والثمانون من أنواع علوم الحديث. 936 - وَأَلَّفُوا فِي مُبْهَمَاتِ الأَسْمَا ... لِكَيْ تُحِيطَ النَّفْسُ مِنْهَا عِلْمَا 937 - كَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَابْنٍ وَعَمّْ ... خَالٍ أَخٍ زَوْجٍ وَأَشْبَاهٍ وَأُمّْ (وألفوا) أي المحدثون (في) بيان (مبهمات الأسماء) من إضافة الصفة للموصوف أي الأسماء المبهمة من الرجال والنساء، يعني: التي لم تسم في بعض الروايات، أو جميعاً إما اختصاراً وإما لغير ذلك، في الإسناد، أو المتن. فممن ألف في ذلك عبد الغني بن سعيد المصري، ثم الخطيب، مرتباً له على الحروف في المبهم، ثم ابن بشكوال في الغوامض والمبهمات بدون ترتيب، وهو أجمعها، وقد اختصر النووي كتاب الخطيب، مع نفائس ضمها إليه مهذباً، محسناً، لا سيما في ترتيبه على الحروف في راوي الخبر مما سهل به الكشف منه بالنسبة لأصله، وسماه " الإشارات إلى المبهمات " وللحافظ ولي الدين العراقي " المستفاد من مبهمات المتن، والإسناد "، وهو أحسن ما صنف فيه، وأفرد الحافظ في الهدي مبهمات البخاري، واستوعبها. ثم ذكر بعض ما يستفاد منه فقال: (لكي تحيط النفس) متعلق بألفوا (منها) أي المبهمات (علماً) بذلك

المبهم، إذ النفس متشوقة إلى معرفة الشيء على ما هو عليه، ومن فوائدِ معرفتِهِ أيضاً زوالُ الجهالة التي يُرَدُّ الخَبَرُ معها، حيث يكون الإبهام في أصل السَّند كقوله: حدثني رجل أو شيخ أو فلان أو بعضهم لأن شرط قبول الخبر عدالة راويه، ومن أبهم اسمه لا تعرفه عينه فكيف عدالته. وكذا ما وقع في أصل المتن من فوائده أن يكون المبهم سائلًا عن حكم عارَضَة حديث آخر فيستفاد بمعرفته النسخ وعدمه إن عرف زمن إسلام ذلك الصحابي، وكان قد أخبر عن قصة قد شاهدها وهو مسلم. ومنها أن يكون في الحديث منقبة له فيستفاد بمعرفته فضيلته، ومنها أن يكون مشتملاً على نسبةِ فِعْلٍ غير مناسب، فيحصل بتعيينه السلامة من جولان الظن في غيره من أفاضل الصحابة وخصوصاً إذا كان ذلك من المنافقين. ثم هو أقسامِ كما بينه بقوله: (كرجل) أي مثاله كرجل، كحديث أنه - صلى الله عليه وسلم -: " رأى رجلًا قائماً في الشمس ". . إلخ هو أبو إسرائيل، قيصر العامري (و) كـ (ـامرأة) كحديث عائشة أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - من غسلها في الحيض الحديث. هي أسماء بنت يزيد بن السكن، الأنصارية. (و) كـ (ـابن) مثل ابن أم مكتوم، اسمه عبد الله، وقيل: عمرو، وأبوه زائدة، وقيل: قيس، وقيل: الأصم، ومثله بنت فلان، كحديث ماتت إحدى بنات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي زينب، (و) كـ (ـعم) كرواية خارجة بن الصلت عن عمه هو عِلَاقَة بن صَحَّار ومثله عمته، كحصين بن محصن، عن عمة له، هي أسماء، وكـ (ـخال) مثل حديث: تزوج ابن عمر بنت خاله، اسمُهُ عثمان بن مظعون وبنته زنيب وكـ (ـأخ) كحديث عمر أنه رأى حُلَّةَ سِيَرَاءَ إلخ وفيه فكساها أخاً له مشركاً بمكة، هو أخوه لأمه عثمان بن حكيم السلمي. (و) كـ (ـزوج) مثل زوج بِرْوَع بنت واشق، هو هلال بن مرة، الأشجعي. (وأشباه) لذلك كبنت، وعمة وخالة، وأخت، وزوجة، (و) كـ (ـأم) كحديث أبي هريرة: كنت أدعو أمي إلى الإسلام، الحديث. هي

أمية بنت صفيح. ويعرف تعيين المبهم، برواية أخرى مصرحة به أو بالتنصيص من أهل السير ونحوهم، إن اتفقت الطريق على الإبهام، وربما استدل له بورود تلك القصة، المبهم صاحبها لمعين، مع احتمال تعددها قاله السخاوي. (تَتِمَّة): الزيادات: قوله: (وألفوا في) وقوله: (لكي تحيط البيت) وقوله: (وأم).

(معرفة الثقات والضعفاء)

(معرفة الثقات والضعفاء) أي هذا مبحثها، وهو النوع السابع والثمانون من أنواع علوم الحديث. وكان الأولى تقديمه، مع مراتب الجرح، والتعديل، مع القول في اشتراط بيان سببهما، أو أحدهما، وكون المعتمد عدمه من العالم، بأسبابهما، وفي التعديل على الإبهام، والبدعة التي يجرح لها، وما أشبه ذلك، مما تقدم في موضع واحد. قاله السخاوي. قلت في ذِكْرِ السيوطي: هنا بين المبهمات ومن خلط من الثقات مناسبة لا تخفى. 938 - مَعْرِفَةُ الثِّقَاتِ وَالْمُضَعَّفِ ... أَجَلُّ أَنْوَاعِ الْحَدِيثِ فَاعْرِفِ 939 - بِهِ الصَّحِيحَ وَالسَّقِيمَ وَارْجِعِ ... لِكُتُبٍ تُوضَعُ فِيهَا وَاتْبَعِ (معرفة الثقات) من الرواة (والمضعف) منهم، فمعرفة مبتدأ خبره (أجل أنواع) أي من أعظم وأنفع أنواع علوم الحديث لأن به معرفة الصَّحِيح والضَّعِيف من الحديث، كما أشار إليه بقوله (فاعرف) أيها الطالب والمحدث (به) أي بسبب معرفة هذا النوع (الصَّحِيح) من الحديث بالنصب مفعول اعرف (والسقيم) منه فهذا النوع مرقاة للتوصل إلى معرفتهما (وارجع) يا من يريد التبصر فيه (لكتب) أي إلى مطالعة كتب (توضع فيها) أي معرفة الثقات، والضعفاء (و) بعد مطالعتك لها وإمعان

نظرك، فـ (ـاتبع) ما يترجح لديك منها، فقد ألف العلماء، في كل منهما تصانيف كثيرة، ففي الضعفاء ليحيى بن معين، وأبي زرعة الرازي، وللبخاري في كبير وصغير، وللنسائي، وأبي حفص الفَلَّاس، ولأبي أحمد بن عدي، في كامله، وهو أكمل الكتب، وأجلّها، ولكنه توسع فيه فذكر كل من تكلم فيه، وإن كان ثقة، وغيرهم، وأنفع كتاب عليه مُعَوَّل المتأخرين هو ميزان الاعتدال، للذهبي، والتقط منه الحافظ من ليس في تهذيب الكمال، وضم إليه ما فاته، مع تحقيق في كتاب سماه " لسان الميزان "، وله كتابان آخران، تقويم اللسان، وتحرير الميزان، كما أن للذهبي المغني في الضعفاء، وآخر سماه " الضعفاء والمتروكين " إلى غير ذلك. وفي الثقات فقد صنف أبو حاتم البستي وهو أجمعها ولكن فيه مؤخذات، وكذا العجلي وابن شاهين، وغيرهم، وفي المشترك بينهما ألف الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي كتاب " الجرح والتعديل "، وهو من أنفع ما ألف في هذا الشأن، وغيره. 940 - وَجُوِّزَ الْجَرْحُ لِصَوْنِ الْمِلَّهْ ... وَاحْذَرْ مِنَ الْجَرْحِ لأَجْلِ عِلَّهْ (وجوز) بالبناء للمفعول (الجرح) أي جرح الرواة، (لِصَوْنِ) لأجل حفظ (الملة) أي الدين يعني: أنه إنما جاز ذكر عيوب الناس مع كون أعراض المسلمين محرمة، لأجل أن يحفظ الدين الإسلامي، عن التبديل، والتحريف وإدخال ما ليس منه فيه، بل هذا واجب لأن الدين النصيحة، وليس من الغيبة المحرمة، وقد أوجب الله تعالى الكشف والتبيين عند خبر الفاسق، حيث قال: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)، وقال - صلى الله عليه وسلم - في الجرح: " بئس أخو العشيرة " وفي التعديل: " إن عبد الله رجل صالح " إلى غير ذلك. وأجمع المسلمون على ذلك، وتكلم في الرجال جماعة من الصحابة، ثم من التابعين، كالشعبي، وابن سيرين، لكنه في القرن الأول

قليل لقلة الضعفاء، إذ أكثرهم صحابة، وغيرهم أكثرهم ثقات، فلما دخل القرن الثاني زاد جماعة الضعفاء، ففي آخر عصر التابعين وهو حدود المائة والخمسين، تكلم في الجرح والتعديل طائفة من الأئمة، كأبي حنيفة والأعمش، وشعبة، ومالك، ومعمر، وهشام، الدستوائي، والأوزاعي، والثَّوري، وغيرهم، ثم طبقة بعدهم كابن المبارك، وهشيم، وابن عيينة، وغيرهم ثم طبقة أخرى، كالحميدي، والقعنبي وَيَحْيَى بن يَحْيَى، وغيرهم، ثم صُنِّفَتِ الكتبُ، وقد ذكر السخاوي الطبقات كلها إلى زمانه بالتفصيل فراجعه، فعدَّلوا، وجرحوا، ولم يحابوا، أباً، ولا ابناً، ولا أخاً، حتى إن ابن المديني سئل عن أبيه، فقال: سلوا عنه غيري، فأعادوا، فأطرق ثم رفع رأسه فقال هو الدِّين إنه ضعيف، وكان وكيع بن الجَرَّاح لكون والده على بيت المال يقرن معه آخر إذا روى عنه، وقال أبو داود: صاحب السنن ابني عبد الله كذَّاب. وحجتهم التوصل بذلك لصون الشريعة وأن حق الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو المقدم، ولذا قال يَحْيَى بن سعيد القطان، لما قيل: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟: لأن يكونوا خصمائي أحب إِلَيَّ من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: لِمَ لَمْ تذب الكذب عن حديثي؟ (واحذر) أيها المتصدي لذلك، المقتفي، أثَرَ مَنْ تقدم (من الجرح) لأي راو كان (لأجل علة) أي هَوىً يحملك على التحامل والانحراف، وترك الإنصاف، كالتعصب للمذاهب، والمنافسة على الدنيا، وقد قال ابن دقيق العيد: أعراض المسلمين حُفْرَة من حُفَرِ النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس، المحدثون، والحُكَّام. 941 - وَارْدُدْ كَلامَ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ ... فِي بَعْضِهِمْ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ (واردد) أيها المحدث (كلام بعض أهل العصر) الواحد (في) حق (بعضهم) بالجرح، أي لا تقبل كلام الأقران المتعاصرين بعضهم

في بعض (عن ابن عبد البر) خبر لمحذوف أي هذا محكي عن الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله، المشهور بابن عبد البر، فإنه عقد لذلك باباً في كتابه " جامع بيان العلم وفضله "، حيث قال: الصَّحِيح في هذا الباب أن من ثبتت عدالته، وصحت في العلم إمامته، وبه عنايته لم يُلْتَفَت إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحه ببينة عادلة تصح بها جَرْحته على طريق الشهادات الخ. 942 - وَرُبَّمَا رُدَّ كَلامُ الْجَارِحِ ... إِذْ لَمْ يَكُنْ ذَاكَ بِأَمْرٍ وَاضِحِ (وربما رد كلام الجارح) فعل ونائب فاعل، يعني: أنه قد يرد كلام الجارح فيمن جرحه. (إذ) تعليلية أي لأجل أنه (لم يكن ذاك) الجرح، أو ظرفية متعلقة بِردَّ أي وقت عدم كونه (بأمر واضح) فيه أي مُفَسَّرٍ. وحاصل معنى البيت: أنه لوجود المتشدد، ومقابله، ربما يرد كلام الجارح إذا لم يكن مفسراً بأمر يتضح فيه الجرح، كالنسائي في أحمد بن صالح المصري الحافظ، فإنه اتفق الحفاظ على توثيقه، وأن النسائي متحامل عليه، وسببه أنه كان لا يحدث أحداً حتى يسأل عنه فجاءه النسائي وقد صحب قوماً من أصحاب الحديث ليسوا هناك، فأبى أحمد أن يأذن له، فَعَمَدَ النسائي إلى جمع أحاديث قد غلط فيها أحمد بن صالح فَشَنَّع فيها، ولكن لم يضره ذلك، وبالجملة فهو على ما قيل: وَعَينُ الرضى عن كُل عَيْبٍ كَلِيلَة ... كما أنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا 943 - الذَّهَبِيْ: مَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ عَلَى ... تَوْثِيقِ مَجْرُوحٍ وَجَرْحِ مَنْ عَلا (الذهبي) بتخفيف الياء للوزن فاعل لمحذوف أي قال الذهبي، أو مبتدأ خبره محذوف أي قائل، وهو أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ومقول القول قوله: (ما اجتمع اثنان) أي رجلان من علماء هذا الشأن (على توثيق) شخص (مجروح) من الضعفاء (و) لا

على (جرح) أي تضعيف (من علا) أي شخص ارتفع قدره بكونه ثقة، والمعنى أن الذهبي وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال، قال: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة. ومعنى هذا الكلام كما قال بعض المحققين: أنه لم يقع الاتفاق من العلماء على توثيق ضعيف، بل إذا وثقه بعضهم ضعفه غيره كما لم يقع الاتفاق من العلماء على تضعيف ثقة فإذا ضعفه بعضهم وثقه غيره، فلم يتفقوا على خلاف الواقع في جرح راوٍ أو تعديله، ولفظ اثنان في كلامه المراد به الجميع كما يقال: هذا أمر لا يختلف فيه اثنان أي يتفق الجميع كما يقال: هذا أمر لا يختلف فيه اثنان أي يتفق الجميع ولا ينازع فيه أحد، والله أعلم. ثم ذكر ما يعرف به كون الراوي ثقة تبعاً لابن دقيق العيد في كتابه الاقتراح فقال: 944 - وَتُعْرَفُ الثِّقَةُ بِالتَّنْصِيصِ مِنْ ... رَاوٍ وَذِكْرٍ فِي مُؤَلَّفٍ زُكِنْ 945 - أُفْرِدَ لِلثِّقَاتِ أَوْ تَخْرِيجِ ... مُلْتَزِمِ الصِّحَّةِ فِي التَّخْرِيجِ (وتعرف الثقة) للراوي (بالتنصيص) عليه (من راو) عنه (و) يعرف أيضاً بـ (ـذكر) أي ذكر الراوي (في) كتاب (مؤلف زكن) بالبناء للمفعول أي علم ذلك المؤلف، وقوله (أفرد) بالبناء للمفعول (للثقات) أي لذكرهم جملة حالية من ضمير زكن، أي علم حال كونه مفرداً للثقات فقط ككتاب الثقات لابن حبان، والعجلي، وابن شاهين، وغيرهم، (أو) يعرف بـ (ـتخريج ملتزم الصحة): أي مشترط الصحة (في التخريج) أي التأليف متعلق بملتزم. وحاصل المعنى: أنه يعرف كونه ثقة بتخريج حديثه من يشترط

الصحة في كتابه، كالشيخين في صحيحيهما، ولا يلتفت إلى من تكلم في بعض من خرجا له، أو من خرج على كتابيهما. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: وارجع: البيت، وقوله: واردد كلام: البيت، وقوله: الذهبي: إلى آخر الباب.

(معرفة من خلط من الثقات)

(معرفة من خلط من الثقات) أي هذا مبحثها وهو النوع الثامن والثمانون من أنواع علوم الحديث. قال السخاوي: وكان الأنسب ذكره فيمن تقبل روايته ومن ترد، كما في الذي قبله، وهو فن مهم عزيز، وفائدة ضبطهم تمييز المقبول، من غيره، ولذا لم يذكر الضعفاء منهم كأبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السَّندي المدني، لأنهم غير مقبولين، بدونه، اهـ. 946 - وَالْحَازِمِيْ أَلَّفَ فِيمَنْ خَلَّطَا ... مِنَ الثِّقَاتِ آخِرًا فَأُسْقِطَا 947 - مَا حَدَّثُوا فِي الاِخْتِلاطِ أَوْ يُشَكّْ ... وَبِاعْتِبَارِ مَنْ رَوَى عَنْهُمْ يُفَكّْ 948 - كَابْنَيْ أَبِي عَرُوبَةٍ وَالسَّائِبِ ... وَذَكَرُوا رَبِيعَةً لَكِنْ أُبِي (و) الحافظ أبو بكر محمد بن موسى (الحازمي) نسبة إلى أحد أجداده (قد ألفا) بالبناء للفاعل والألف إطلاقية والفاعل ضمير الحازمي، أي صنف الحازمي (¬1) جزءً لطيفاً (في) معرفة (من خلطا) بتشديد اللام، والألف إطلاقية (من الثقات) حال مِنْ مَنْ، أي حال كون ذلك المخلط من الثقات، واحترز به من الضعفاء فإنه لا فائدة في ذكرهم، في هذا النوع، ¬

_ (¬1) وممن ألف فيه صلاح الدين العلائي في جزء اختصره جدا، والحافظ برهان الدين سبط بن العجمي ولكنه ذكر الثقات وغيرهم، وأحسن مؤلف فيه، تأليف أبي البركات محمد بن أحمد الشهير بابن الكَيَّال وسماه الكواكب النيرات، في معرفة من اختلط من الرواة الثقات، مطبوع بتحقيق كمال يوسف الحوت.

لردهم بدونه، كما تقدم في كلام السخاوي. (آخرًا) منصوب على الظرفية متعلق بخلط، أي في آخر عمره، يعني: غالباً، وإلا فليس قيداً فيه، ومثله قول مالك: إنما يَخْرَفُ الكذابون. وحقيقة الاختلاط: فساد العقل، وعدم انتظام الأقوال، والأفعال، إما بخرف أو ضرر أو مرض، أو عارض من موت ابن، وسرقة مال، أو ذهاب كتب أو احتراقها. (فأسقطا) بالبناء للمفعول، والألف للإطلاق، ونائب فاعله قوله: (ما حدثوا) أي الحديث الذي حدثوا به (في الاختلاط) أي في حالة اختلاطهم (أو) ما (يشك) بالبناء للمفعول، أي يشك فيه هل هو قبل الاختلاط، أو بعده. وحاصل المعنى: أنه يسقط ما حدث به بعد الاختلاط، أو شك فيه وأشكل: أرواه قبلُ، أو بعدُ؟ وقُبِلَ ما رواه قبلُ الاختلاط لثقته. (وباعتبار) من روى عنهم أي نَقَلَ الحديث عن المخلطين متعلق بقوله: (يفك) بالبناء للمفعول، أي يزال الإشكال، من فككت العَظْمَ فَكًّا من باب قتل: أزلته من مفصله، والمعنى: أنه يتميز ما حدثوا به قبل الاختلاط وبعده، باعتبار الرواة عنهم، فمن نقل قَبْلَ الاختلاط قبِلَ ومن نقل بعده رُدَّ. ثم ذكر أمثلة لهم بقوله (كابني) بصيغة التثنية مضاف إلى (أبي عروبة) وما عطف عليه، وصرف للضرورة، وهو سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي، البصري، أبو النضر، أحد كبار الأئمة، وثقاتهم، فقد اختلط اختلاطاً قبيحاً، وطالت مدته، واختلف في ابتدائها، فقيل في سنة خمس وأربعين ومائة، وقيل في سنة اثنين وأربعين، وقيل في سنة ثمان وأربعين، وقيل سنة ثلاثة وأربعين، وقيل سنة اثنين وثلاثين ومائة، واختلف في موته، فقيل سنة خمسين، أو خمس أو ست أو سبع وخمسين ومائة، وقد سمع منه قبل الاختلاط جماعة، منهم خالد بن الحارث، ورَوْحُ بن عُبَادة، وابن المبارك، وعبد الوهاب الثقفي، وغيرهم. (والسائب) عطف على أبي، وهو عطاء بن السائب، الثقفي، الكوفي، أحد التابعين، أبو محمد، ويقال: أبو السائب، مات سنة 136 هـ.

فقد صرح جماعة من الأئمة باختلاطه، وممن سمع منه قبل الاختلاط فقط أيوب، وحماد بن زيد، وزائدة، وزهير وابن عيينة، والثَّوري، وشعبة، ووهيب، وغيرهم، وممن سمع منه بعده فقط إسماعيل بن علية، وجَرِير بن عبد الحميد، وخالد بن عبد الله الواسطي، وابن جريجٍ، وعلي بن عاصم، ومحمد بن فضيل، وغيرهم، وممن سمع منه في الوقتين، معاً أبو عوانة، وغيره، ووصفه ابن معين بالاختلاط الشديد، لكن قال ابن حبان: إنه اختلط بآخره، ولم يفحش حتى يستحق أن يعدل به عن مسلك العدول. اهـ (وذكروا) أي العلماء فيمن اختلط (ربيعة) بالصرف للضرورة، هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فروخ، المدني، أحد الأثبات، شيخ مالك، الشهير بربيعة الرأي، لأنه كان مع معرفته بالسنة، قائلًا به، قال ابن الصلاح، قيل: إنه تغير في آخر عمره، وتُرِكَ الاعتماد عليه لذلك، قال العراقي: ولم أقف عليه لغيره، ولا أعلم أحداً تكلم فيه بالاختلاط، ولذا قال الناظم: (لكن أبى) بالبناء للمفعول أي منع هذا القول من الاعتماد عليه، لاحتجاج الشيخين به، وتوثيق الحفاظ له، وإنما قال الواقدي: كانوا يتقونه لموضع الرأي، على أن عبد العزيز بن أبي سلمة، قال: قلت لربيعة في مرضه الذي مات فيه، إنا قد تعلمنا منك وربما جاءنا من يستفتينا في الشيء لم نسمع فيه شيئاً، فنرى رأينا خيراً من رأيه لنفسه فنفتيه قال: فقال أقعدوني، ثم قال: ويحك يا عبد العزيز لأنْ تَمُوتَ جاهلاً خير من أن تقول في شيء بغير علم، لا، لا، لا. ثلاث مرات، وكانت وفاته في سنة اثنتين أو ست وثلاثين أو اثنتين وأربعين، ومائة، بالمدينة، وقال ابن عبد البر: ذمَّه جماعة من أهل الحديث لإعراقه في الرأي. اهـ. وذكر ابن الصلاح جماعة آخرين من المختلطين، ثم قال: اعلم أن من كان هذا القبيل محتجاً به في الصَّحِيحين، أو أحدهما، فإنا نعرف على الجملة أن ذلك مما تميز وكان مأخوذاً عنه قبل الاختلاط. اهـ. (تَتِمَّة): الزيادات قوله: (والحازمي ألف فيمن)، وقوله: وباعتبار البيت، وقوله: لكن أبى.

(طبقات الرواة)

(طبقات الرواة) أي هذا مبحثها وهو النوع التاسع والثمانون من أنواع علوم الحديث. وهو من المهمات، وبينه وبين التاريخ عموم وخصوص وجهي، فيجتمعان في التعريف بالرواة، وينفرد التاريخ بالحوادث، والطبقات بما إذا كان في البدريين مثلاً من تأخرت وفاته عمن لم يشهدها، لاستلزامه تقديم المتأخر الوفاة، وقد بينهما بعض المتأخرين بأن التاريخ ينظر فيه بالذات، إلى المواليد والوفيات، وبالعَرَضِ إلى الأحوال، والطبقات ينظر فيها بالذات إلى الأحوال وبالعَرَض إلى المواليد، ولكن الأول أشبه، قاله السخاوي. والطبقات جمع طبقة وهي في الأصل عبارة عن القوم المتشابهين، وفي الاصطلاح ما أشار إليه الناظم بقوله: 949 - وَالطَّبَقَاتُ لِلرُّوَاةِ تُعْرَفُ ... بِالسِّنِّ وَالأَخْذِ وَقَدْ تَخْتَلِفُ 950 - فَالصَّاحِبُونَ بِاعْتِبَارِ الصُّحْبَهْ ... طَبَقَةٌ وَفَوْقَ عَشْرٍ رُتْبَهْ (والطبقات للرواة) أي رواة الأحاديث مبتدأ خبره جملة قوله (تعرف) في الاصطلاح (بالسن) أي باشتراك المتعاصرين في السن ولو تقريباً وبـ (ـالأَخْذِ) عن المشايخ، وربما اكتفوا بالاشتراك في التلاقي، وهو غالباً ملازم للاشتراك في السن (وقد تختلف) أي الطبقات فرب شخصين يكونان من طبقة واحدة، لتشابههما بالنسبة إلى جهة، ومن طبقتين بالنسبة

إلى جهة أخرى لا يتشابهان فيها، ولذا قال ابن الصلاح: والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى معرفة المواليد، والوفيات، ومن أخَذُوا عنه، ومن أُخذَ عنهم، ونحو ذلك، (فـ) ـإذا كان كذلك من اختلاف الطبقات باختلاف الجهات، وأردت بيانه فأقول لك: (الصاحبون) أي الصحابة - رضي الله عنهم - (باعتبار) اشتراكهم في (الصحبة) للنبي - صلى الله عليه وسلم - (طبقة) واحدة (و) باعتبار تفاوتهم في سوابقهم ومراتبهم، فهم، (فوق عشر رتبة) تميز منصوب، أي من جهة المرتبة، يعني: أنه إذا نظرنا إلى تفاوت رتبتهم فهم فوق عشر طبقات كما تقدم في معرفة الصحابة، فأنس بن مالك وأمثاله من صغار الصحابة - رضي الله عنهم - مع العشرة، وغيرهم، من أكابر الصحابة، من طبقة واحدة، باعتبار الصُّحْبَةِ، وإذا نظرنا إِلى السوابق والمراتب فهو دونهم بطبقات. وعلى النظر الأول عمل ابن حبان وغيره فالصحابة طبقة أولى، والتابعون طبقة ثانية، وأتباع التابعين طبقة ثالثة، وهلمَّ جَرَّا، وعلى النظر الثاني فعل ابن سعد في الصحابة ومن بعدهم، حيث عدد في كل الطباق منهم، قال الحافظ: ولكل وجه، قال السخاوي: ومنهم من يجعل كما قاله ابن كثير: كُلَّ طبقة أربعين سنة، واستشهد له بحديث ضعيف. ثم ذكر فائدته فقال: 951 - وَمِنْ مُفَادِ النَّوْعِ أَنْ يُفَصَّلا ... عِنْدَ اتِّفَاقِ الاِسْمِ وَالَّذِي تَلا (ومن مفاد) أي فائدة معرفة هذا (النوع) خبر مقدم (أن) مصدرية (يفصلا) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق وهو في تأويل المصدر مبتدأ مؤخر أي التفصيل والتمييز بين المتشابهين (عند اتفاق الاسم) أي اسم الراويين (والذي تلا) أي تبع الاسم، والمراد به الكنية، ونحوها، مما تقدم في المتفق والمفترق، وإنما قال تلا لأنها تتلو الاسم في الذكر، لأنه يذكر أولًا، ثم تذكر هي بعده.

ومن فائدته أيضاً: إمكان الاطلاع على تبيين التدليس، والوقوف على حقيقة المراد من العنعنة، هل هي محمولة على السماع، أو مرسلة، أو منقطعة إلى غير ذلك، وصنف في الطبقات جماعة كمسلم، وخليفة بن خياط، وطبقاتُ ابن سعد عظيم كثير الفوائد. (تَتِمَّة): قوله: وقد تختلف إلى آخر الباب من زياداته.

(أوطان الرواة وبلدانهم)

(أوطان الرواة وبلدانهم) أي هذا مبحثه وهو النوع التسعون من أنواع علوم الحديث. وهو نوع مهم جليل يعتني به كثير من علماء الحديث، لا سيما وقد يتبين به الراوي المدلس، وما في السَّند من إرسال خفي، ويزول به توهم ذلك، ويتميز به أحد المتفقين من الآخر، ومن مظانه الطبقات لابن سعد، وتواريخ البلدان، وأحسن ما ألف فيه وأجمعه الأنساب لابن السمعاني، وفي مختصره اللباب لابن الأثير فوائد مهمة، وكذا للرشاطي الأنساب، واختصره المجد الحنفي، واختصر الناظم مختصر ابن الأثير، وزاد في الكثير وسماه " لب اللباب ". 952 - قَدْ كَانَتِ الأَنْسَابُ لِلْقَبَائِلِ ... فِي الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ وَالأَوَائِلِ 953 - وَانْتَسَبُوا إِلَى الْقُرَى إِذْ سَكَنُوا ... فَمَنْ يَكُنْ بِبَلْدَتَيْنِ يَسْكُنُ 954 - فَانْسُبْ لِمَا شِئْتَ وَجَمْعٌ يَحْسُنُ ... وَابْدَأْ بِالاوْلَى وَبِثُمَّ أَحْسَنُ (قد كانت الأنساب) أي الانتساب، (للقبائل) أي إليها، وهي جمع قبيلة، وهم بنو أب واحد ولهم الشعوب، هي القبائل العظام، وقيل: الجَمَّاع الذي يجمع متفرقات البطون، واحدها شعب، والقبائل هي البطون، وهي للعرب كالأسباط لبني إسرائيل، بل يقال: لكل ما جمع على شيء واحد قبيل، أخذاً من قبائل الشجرة، وهي غصونها، أو من قبائل

الرأس وهو أعضاؤها، سميت بذلك لاجتماعها، والعمائر جمع عِمارة بالكسر والفتح، قيل: الحي العظيم يمكنه الانفراد بنفسه، وهي فوق البطن، والبيوت جمع بيت، ولهم الأسرة، والبطن، والجذم والجماع، والجمهور، والحي، والرهط، والذرية، والعترة والعشيرة، والفخذ، والفصيلة، قاله السخاوي. (في العرب العرباء) الأول: بفتحتين، والثاني: بفتح فسكون قال في " ق " عَرَبٌ عارِبَة وعَرْبَاء، وعَرِبَة، صَرْحَاء، ومتعربة ومستعربة، دَخْلَاء. (والأوائل) أي المتقدمين، يعني: أن العرب الخلص والأوائل كانوا ينتسبون إلى الشعوب، والقبائل، والعمائر، والعشائر والبيوت، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) وأما العجم فكانوا ينتسبون إلى رساتيقهم، وهي القُرَى، والبلدان، وكانت بنو إسرائيل تنسب إلى أسباطها. (و) لما جاء الإسلام وانتشر النَّاس في الأقاليم، والمدن، والقرى، وضاعت الأنساب العربية كثيراً في البلدان المتفرقة. (انتسبوا إلى القرى إذ سكنوا) إذ ظرفية، أي وقت سكناهم فيها، أو تعليلية أي لسكناهم فيها، يعني أن العرب انتسبوا إلى القرى التي سكنوها كما كانت العجم تنتسب إليها، وهذا وإن وقع في المتقدمين أيضاً فهو قليل، كما أنه يقع في المتأخرين، أيضاً، النسبة إلى القبائل بقلة. والمراد بالقرى محل الإنسان من بلدة، أو ضيعة، أو سكة، وهي الزقاق، أو نحوها، وقد يقع النسبة إلى الصنائع، كالخياط، وإلى الحرف كالبزاز، وتقع ألقاباً كخالد بن مَخْلَد الكوفي القَطَوَاني وكان يغضب منها. (فمن يكن ببلدتين) أو القريتين أو نحوهما (يسكن) بأن انتقل من الشام إلى العراق، أو من دمشق إلى مصر، وأردت نسبته (فانسب) أمر من نَسَبَهُ من باب نصر، بمعنى عزاه، أي فاعزه (لما شئت) منهما مقتصراً طى أحدهما كفُلَانٍ الشامي، أو العراقي، وهو قليل كما قال النووي. (وجمع) أي جمعك بين البلدتين في النسبة، (يحسن) بل هو الأحسن من الاقتصار على أحدهما (و) لكن (ابدأ) في النسبة (بـ) ـالبلدة (الأولى)

بنقل حركة الهمز إلى اللام ودرجها للوزن، أي بالبلدة التي هي الأولى بالسكنى فيها، فتقول لمن انتقل من الشام إلى العراق الشامي العراقي. (و) كونه (بثم) في الثانية المنتقل إليها (أحسن) من عدمها، ومثلها الفاء فتقول الشامي، ثم العراقي. 955 - وَمَنْ يَكُنْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ بَلْدَةِ ... فَانْسُبْ لِمَا شِئْتَ وَلِلنَّاحِيَةِ 956 - كَذَا لإِقْلِيمٍ أَوِ اجْمَعْ بِالأَعَمّْ ... مُبْتَدِئًا وَذَاكَ فِي الأَنْسَابِ عَمّْ 957 - وَنَاسِبٌ إِلَى قَبِيلٍ وَوَطَنْ ... يَبْدَأُ بِالْقَبِيلِ. ثُمَّ مَنْ سَكَنْ 958 - فِي بَلْدَةٍ أَرْبَعَةَ الأَعْوَامِ ... يُنْسَبْ إِلَيْهَا فَارْوِ عَنْ أَعْلامِ (ومن يكن) من الرواة (من قرية) كائنة (من بلدة) كجَرْوَل من مكة مثلاً، (فانسب) أيها المحدث جوازاً (لما شئت) من تلك القرية، والبلدة، فتقول فلان الجَرْوَليّ أو المكي (و) انسبه أيضاً، جوازاً (للناحية) التي منها تلك البلدة كالحجاز في مثالنا فتقول فيه: فلان الحجازي (كذا) يجوز أن تنسبه (لإقليم)، وفي نسخة الشارح للإقليم بالتعريف بنقل حركة الهمزة وحذفها، وهو بكسر الهمزة بوزن قِندِيل، قال في المصباح: قيل مأخوذ من قُلَامة الظفر، لأنه قطعة من الأرض، قال الأزهري: وأحسبه عربياً، وقال ابن الجواليقي: ليس بعربي محض، والأقاليم عند أهل الحساب سبعة كل إقليم يمتد من المغرب إلى نهاية المشرق طولًا ويكون تحت مَدَار تتشابه أحوال البقاع التي فيه، وأما في العرف فهو ما يختص باسم، ويتميز به عن غيره، فمصر إقليم، والشام إقليم، واليمن إقليم، وعلى هذا فلا فرق بينه وبين الناحية ولذا قال السخاوي بعد ذكر الناحية، وتسمى الإقليم، أيضاً، وعلى الأولى فهو أوسع من الناحية، بكثير، قال الشارح: وهي أقسام الأرض كالعرب في المثال، فيقال: فلان العربي اهـ. (أو أجمع) بينهما (بالأعم) متعلق بقوله (مبتدأ) أي حال كونك مبتدأ في النسبة بالأعم، فالأعم، وهو الإقليم، ثم الناحية، ثم البلدة، ثم القرية، فتقول: فلان العربي، الحجازي، المكي، الجَرْوَلي، (وذاك) أي الحكم المذكور في

البلدان وهو الابتداء بالأعم فالأعم، (في الأنساب) أي القبائل (عمّ)، يعني أن الحكم المذكور يعم الانتساب إلى القبائل، فتبدأ بالأعم، فالأعم، فتقول: فلان القرشي، ثم الهاشمي، ليحصل بالثاني فائدة، لم توجد في الأول، ولا تقول الهاشمي، القرشي، لأنه لا فائدة للثاني حينئذ، إذ يلزم من كونه هاشمياً، كونه قرشياً، بخلاف العكس، ولا يقال ذكر الأخص يغني عن الأعم، لأنه قد يخفى على بعض النَّاس، ولا سيما في البطون الخفية كالأشهل من الأنصار، فذكر الأعم لدفع هذا التوهم، وقد يقتصرون على الخاص، وقد يقتصرون على العام، وهو قليل، أفاده في التدريب. (وناسب) مبتدأ (إلى قبيل) لغة في قبيلة (و) إلى (وطن) هو محل الإنسان من بلدة، أو ضيعة، أو سكة، وهي الزقاق، أو نحوها، وجملة (يبدأ) خبر المبتدإ، أي يبدأ، في حال الجمع بينهما (بـ) ـالنسبة إلى (القبيلِ) ثم الوطن، أو الصناعة فيقول: فلان القرشي، المكي، أو الخياط، (ثم) إِنَ (من) شرطية (سكن) أي أقام (في بلدة) ونحوها (أربعة الأعوام) أي أربع سنين كاملة (ينسب) جواب " من " مجزوم وهو فصيح أحسن من رفعه، كما أشار إليه ابن مالك بقوله: " وَبَعْدَ ماضٍ رَفْعُكَ الجَزَا حَسَنْ " إلخ أي والجزم أحسن منه. يعني: أن من أقام ببلدة أربع سنين لنسب إليها (فارو) أيها المحدث هذا الكلام حال كونك ناقلاً (عن أعلام) أي عن أئمة يقتدى بهم، كالعَلَم الذي يَهْتَدِي به المسافر، في الطريق وهم عبد الله بن المبارك ومن تبعه. (تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله " قد كانت الأنساب " البيت، وقوله " فانسب لما شئت، وجمع يحسن ". وقوله " كذا الإقليم " إلى آخر الباب.

(الموالي) أي هذا مبحثه وهو النوع الحادي والتسعون من أنواع علوم الحديث. اعلم أن الموالي من الأسماء المشتركة بالاشتراك اللفظي، الموضوعة لكل واحد من الضدين، إذ هي موضوعة للمولى من أعلى، وهو المُعْتِق، بكسر التاء، والمولى ممن أسفل وهو المُعْتَق بفتحها، ومعرفة كل منهما مهمة، أفاده السخاوي. وصنف في ذلك أبو عمر الكندي بالنسبة إلى المصريين. 959 - وَلَهُمُ مَعْرِفَةُ الْمَوَالِي ... وَمَا لَهُ فِي الْفَنِّ مِنْ مَجَالِ 960 - وَلاَ عَتَاقَةٍ وَلاَءُ حِلْفِ ... وَلاَءُ إِسْلامٍ كَمِثْلِ الْجُعْفِي (ولهموا) أي للعلماء خبر مقدم عن قوله: (معرفة الموالي) من العلماء والرواة يعني: أن من المهم عند العلماء أهل الحديث وغيرهم معرفةَ الموالي بأقسامه، إذ ربما يقع بعدمها، خلل في الأحكام الشرعية، فيما يشترط فيه، كالإمامة العظمى، وكفاءة النكاح، والتوارث. (وما) موصولة مبتدأ أي الذي (له) خبر مقدم (في الفن) أي فن علوم الحديث وغيره (من) زائدة (مجال) مبتدأ مؤخر أي دَوَرَان وتعلق يعني: أن الذي له تعلق في هذا الفن وغيره، إذ هو من الضروريات لاشتراط حقيقة النسب في الإمامة العظمى، وغيرها من الأحكام، ولاستحباب التقديم فيه في

الصلاة، وغيرها وإن كان قد ورد في الحديث الصَّحِيح مولى القوم من أنفسهم. وخبر ما قوله (ولا) بالقصر للوزن مضاف إلى قوله: (عتاقة) بالفتح مصدر عتق، كأبي العالية الرياحي رُفَيع بن مِهْران، كان مولى لامرأة من بني رِيَاح، وأبو البختري سعيد بن فيروز الطائي كان مولى لمن أعتقه من طيء، ومكحول الشامي الهذلي كان مولى لامرأة من هذيل، وعبد الله بن المبارك الحنظلي وغيرهم، مع إطلاق النسبة في كل منهم، بحيث يظن أنه ممن ينسب كذلك صليبة (¬1)، أي من ولد الصلب، وهذا (¬2) وإن كان قليلاً بالنظر للأصل في الانتساب هو الأغلب، في الاستعمال. وقد يراد به ولاء الحلف، وهو الثاني، كما قال: (ولاء حلف) أي الثاني ولاء حِلْف بكسر فسكون، ويقال فيه: حلفة أيضاً، ومعناه العهد، والحليف المعاهد، يقال: تحالفا إذا تعاهدا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحداً، في النصرة والحماية، كما في المصباح، وأبطل الإسلام ما كان في الجاهلية على الفتن، والقتال، بين القبائل، أو الغارات، دون نصر المظلوم، وصلة الأرحام، قاله السخاوي. وهم جماعة كمالك بن أنس الإمام، فإنه حميري، أصبحي، صليبة، ولكن لكون نفره أصبح حلفاء عثمان بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي أخي طلحة نسب تيمياً، وقيل: لأن جده مالك بن أبي عامر كان أجيراً لصلحة بن عبيد الله المذكور حين كان طلحة يختلف في التجارة، كما تقدم في مِقْسَم مولى ابن عباس لملازمته إياه، قال العراقي: وهذا قسم آخر. وقد يراد به ولاء الإسلام، وهو الثالث كما أشار إليه بقوله (ولاء إسلام) أي الثالث من الموالي ولاء إسلام، وهو أن يسلم الرجل على يد الرجل ¬

_ (¬1) يقال: عربي صليب خالص النسب وامرأة صليبة كريمة المنصب عريقة أفاده في التاج اهـ. (¬2) أي الانتساب للعتاقة. اهـ الجامع.

فينسب إِليه، وذلك (كمثل الجعفي) بضم الجيم ثم مهملة ساكنة بعدها فاء، إمام هذه الصنعة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري فإنه انتسب كذلك لأن جد أبيه المغيرة كان مجوسياً فأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي والد جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان المُسْنَدي الجعفي شيخ البخاري. وكأبي علي الحسن بن عيسى بن ماسَرْجِس، الماسرجسي، بفتح السين وكسرها، فإنه كان نصرانياً فأسلم على يد ابن المبارك، فقيل له: مولى ابن المبارك. وقد ينسب للقبيلة مولى مولاها نحو سعيد بن يسار أبي الحباب الهاشمي فإنه لكونه مولى شُقْران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسب لبني هاشم، وكعبد الله بن وهب القرشي الفهري المصري، فإنه مولى يزيد بن رمانة وهو مولى يزيد بن أنيس الفهري. (تَتِمَّة): قوله: وما له في الفن من مجال من زياداته على العراقي.

(التأريخ)

(التأريخ) بالهمزة وتخفف، ويقال فيه توريخ، أي هذا مبحثه وهو النوع الثاني والتسعون من أنواع علوم الحديث وهو آخر ما ذكره الناظم من أنواع علوم الحديث. هو مصدر أرخت الكتاب بالتثقيل في الأشهر، والتخفيف لغة، حكاها ابن القطاع إذا جعلت له تاريخاً، وهو معرب وقيل عربي، وهو بيان انتهاء وقته، ويقال: ورخت على البدل، والتوريخ قليل الاستعمال، أفاده في المصباح. وقال السخاوي: وحقيقة التاريخ التعريف بالوقت الذي تنضبط به الأحوال في المواليد والوفيات ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع، التي ينشأ عنها معان حسنة مع تعديل وتجريح، ونحو ذلك فبينه وبين الوفيات عموم وخصوص من وجه. وقال الصولي: تاريخ كل شيء غايته ووقته الذي ينتهي إليه زمنه، ومنه قيل لفلان تاريخ قومه أي إليه المنتهى في شرف قومه، أو لكونه ذاكراً للأخبار وما شاكلها. وأول من أمر به عمر بن الخطاب، وذلك في سنة ست عشرة من الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة واختير لابتدائه أول سنيها بعد أن جمع المهاجرين واستشارهم، لأنها فيما قيل غير مختلف فيها بخلاف وقت كل

من البعثة والولادة، وأما وقت الوفاة وإن لم يختلف فيه إلا أنه غير مستحسن لتهييجه للحزن والأسف، واختير كون أول السنة من المحرم لكونه شهر الله، وفيه يكسى البيت، ويضرب الوَرِقُ، وفيه يوم تاب فيه قوم فتيب عليهم. وهو فن عظيم الوقع، من الدين، قديم النفع به للمسلمين لا يُستَغنى عنه، ولا يُعْتَنى بأعمَّ منه خصوصاً ما هو القصد الأعظم منه وهو البحث عن الرواة والفحصُ عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم لأن الأحكام كلها متلقاة من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله، والنَّقَلَةُ لذلك هم الوسائط، فكانَ التعريف بهم مَنْ الواجبات، ولذا قام به في القديم والحديث النُقادُ الحفاظ من أئمة الحديث، وإلى ذلك أشار بقوله: 961 - مَعْرِفَةُ الْمَوْلِدِ لِلرُّوَاةِ ... مِنَ الْمُهِمَّاتِ مَعَ الْوَفَاةِ 962 - بِهِ يَبِينُ كَذِبُ الَّذِي ادَّعَى ... بِأَنَّهُ مِنْ سَابِقٍ قَدْ سَمِعَا (مَعْرِفَةُ الْمَوْلِدِ) مبتدأ خبره قوله: من المهمات، والمولد بكسر اللام زمن الولادة، أي معرفة وقت الولادة (للرواة) أي نقلة الأخبار من الصحابة ومن بعدهم كائن (من) الأمور (المهمات) أي تُهِمُّ الإنسانَ في معرفة دينه (مع) معرفة (الوفاة) أي وقت موتهم، ولذلك قال أبو عبد الله الحميدي: ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم التَّهَمُّم بها: العلل، والمؤتلف والمختلف، ووفيات الشيوخ، وليس فيه كتاب، يعني على الاستقصاء، وإلا ففيه كتب كالوفيات لابن زَبْر، بفتح فسكون، ولابن قانع، وذَيَّلَ على ابن زَبْر الحافظ عبد العزيز بن أحمد الكتاني، ثم أبو محمد الأكفاني، ثم الحافظ أبو الحسن بن المفضل، ثم الشريف عز الدين أحمد بن محمد الحسيني، ثم المحدث أحمد بن أيبك الدمياطي، ثم الحافظ أبو الفضل العراقي، وذَيَّل عليه ولده ولي الدين، إلى غير ذلك. ثم ذكر من فوائده ما أشار إليه بقوله: (به) أي بما ذكر من معرفة المولد والوفاة يتعلق بقوله: (يبين) أي يظهر (كذب) الشخص (الذي ادعى)

لنفسه (بأنه من سابق) من الشيوخ (قد سمعا) الحديث، يعني: أن بمعرفة مواليد الرواة ووفياتهم، وكذا قدومهم البلد الفلاني، يتبين كذب من يدعي الرواية من مَشَايخ لم يلقهم، فقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنظر في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين كما سأل إسماعيل بن عياش رجلاً اختباراً أيَّ سنة كتبت عن خالد بن معدان، فقال سنة ثلاث عشرة ومائة، فقال: أنت تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين، فإنه مات سنة 106 وقيل (5) وقيل (4) وقيل (3) وقيل (7)، وسأل الحاكم، محمد بن حاتم الكِسِّي (¬1) عن مولده لما حَدَّث عن عبد بن حُمَيد، فقال سنة 260 فقال: هذا سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة. ولذا قال حفص بن غياث القاضي: إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسِّنَّيْن، يعن سِنَّهُ وسِنَّ من كتب عنه، وقال الثَّوري: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ، وقال حسان بن يزيد: لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ، نقول للشيخ: سنة كم ولدت؟ فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه. ومن فوائده أيضاً أنه يتبين به ما في السَّند من انقطاع، أوإعضال، أو تدليس، أو إرسال ظاهر أو خفي، للوقوف به على أن الراوي مثلاً لم يعاصر من روى عنه، أو عاصره ولكن لم يلقه، لكونه في غير بلده، وهو لم يرحل إليها مع كونه ليس له منه إجازة، أو نحوها، وكون الراوي عن بعض المختلط سمع منه قيبل الاختلاط، ويتبين به أيضاً الناسخ والمنسوخ إلى غير ذلك. ثم ذكر كثيراً من عيون الوفيات، فقال: 963 - مَاتَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ النَّبِي، وَفِي ... ثَلاثَ عَشْرَةٍ أَبُو بَكْرٍ قُفِي ¬

_ (¬1) بكسر الكاف وتشديد السين المهملة نسبة إلى كِس مدينة بما وراء النهر.

964 - وَبَعْدَ عَشْرٍ عُمَرٌ، وَالأُمَوِي ... آخِرَ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، عَلِي 965 - فِي الأَرْبَعِينَ، وَهْوَ وَالثَّلاثُ ... سِتِّينَ عَاشُوا بَعْدَهَا ثَلاثُ (مات بإحدى) أي في سنة إحدى (عشرة) بسكون الشين على إحدى لغاتها، من الهجرة، (النبي) بتخفيف الياء للوزن - صلى الله عليه وسلم -، في شهر ربيع الأول يوم الاثنين، وهذا لا خلاف فيه، والخلاف إنما هو في ضبطه من الشهر بعدد معين فقيل: لاثنتي عشرة، ليلة خلت منه وهو الراجح، وقيل: في مستهله، وقيل: لليلتين خلتا منه، وقيل غير ذلك، (وفي) سنة (ثلاث عشرة) بالصرف للضرورة متعلق بقفي (أبو بكر) الصديق - رضي الله عنه - مبتدأ خبره جملة (قفي) بالبناء للمفعول أي أكرم بمعنى أن الله أكرمه حيث ألحقه بحبيبه - صلى الله عليه وسلم -، يقال: قَفَوته أقفوه إذا أكرمته، أو بمعنى دفِنَ يقال: قُفِيَ العُشْبُ فهو مَقْفُوْ، وقد قَفَاه السيلُ، إِذَا حمل الماءُ الترابَ عليه، أو بمعنى اختير يقال فلان قِفْوَتِي بكسر فسكون أي خيرتي، أفاد هذه المعاني في لسان العرب، والمعنى: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - اختاره الله لرفقة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أو دفن عنده، أوأكرمه الله بذلك يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة 13 هـ وقيل غير ذلك. (وبعد عشر) من وفاة الصديق - رضي الله عنه - قتل (عمر) بن الخطاب - رضي الله عنه - أي سنة 23 هـ بلا خلاف في ذلك، ودفن في مستهل المحرم سنة 24 وقول من قال إنه قتل لأربع أو ثلاث بقين من ذي الحجة مراده طَعْنُ أبي لؤلؤة له فإنه كان عند صلاة الصبح يوم الأربعاء، لأربع وقيل لثلاث بقين منه وعاش بعد ذلك ثلاثة أيام، ودفن مع صاحبيه في بيت عائشة - رضي الله عنهم - (و) قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان (الأموي) نسبة إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أحد أجداده، (آخر خمس وثلاثين) من الهجرة في ذي الحجة يوم الجمعة 18 منه وقيل سنة 36، وفيه أقوال أخر. ودفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء، بالبقيع، وعمره قيل 80 وقيل 83 سنة وأشْهُر وهو الصَّحِيح، وقيل 86، وقيل 88، وقيل لم يبلغ 80، قتله جَبَلَةُ بنُ الأيْهَم، رجل من أهل مصر، وقيل غيره، وقتل (علي) بن أبي طالب - رضي الله عنه - (في) شهر رمضان من العام (الأربعين) من الهجرة، قتله

عبد الرحمن بن مُلْجِم المرادي، أحد الخوارج، واختلف في وقت قتله من الشهر المذكور، فقيل 11 ليلة خلت منه وقيل ليلة الجمعة 13 ليلة خلت منه وقيل يوم الجمعة 17 وقيل في ليلتها، وبه جزم الذهبي تبعاً لابن حبان، وقيل غير ذلك، واختلف في محل دفنه قيل في قصر الإمارة، أو في رَحْبَةِ الكوفة، أو عند باب كِنْدَةَ، وقبره مجهول (وهو) أي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (والثلاث) الأولون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهم -. (ستين) سنة (عاشوا) في الدنيا (بعدها) أي بعد الستين (ثلاث) سنوات، يعني أنها اتفقت في كونها ثلاثاً وستين على القول الأصح في كلهم، فالقول به في النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي عليه الجمهور، وصححه ابن عبد البر، بل حَكَى فيه الحاكم الإجماع، وقيل 60 وقيل 65 وقيل 62 وقيل غير ذلك، والقول في الصديق - رضي الله عنه -، هو قول الأكثر وصححه الذهبي، وغيره، وقيل 65 وقيل 63 وثلاثة أشهر واثنان وعشرون يوماً. والقول في عمر هو قول الجمهور، وصححه المزي، وقيل 54 وقيل 55 وقيل غير ذلك. والقول به في علي مروي عن ابن الحنفية وابن عمر وهو قول ابن إسحاق وأبي بكر بن عياش، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وآخرين، وصححه ابن عبد البر، وقيل 57 وقيل 58 وقيل 62 وقيل غير ذلك. 966 - وَطَلْحَةٌ مَعَ الزُّبَيْرِ قُتِلا ... فِي عَامِ سِتٍّ وَثَلاثِينَ كِلا (وطلحة) بالصرف للضرورة ابن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة التيمي أبو محمد المدني، أحد العشرة والستة الشورى، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، - رضي الله عنه -. (مع الزبير) بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قُصَيّ بن كلاب الأسدي، حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وابن عمته صفية، وأحد العشرة السابقين - رضي الله عنه - (قتلا) بالبناء للمفعول والألف ضميرها في وقعة الجمل (في عام ست وثلاثين) من الهجرة، بل قيل في شهر واحد، ويوم واحد، واختلف

في شهر وقعة الجمل التي كانت بناحية الطَّف، قيل: لعشر خلون من جمادى الآخرة، ثم قيل يوم الجمعة، وقيل يوم الخميس، وعليه الجمهور، وقيل كانت الوقعة في جمادى الأولى، وقيل غير ذلك، وقاتِل طلحة هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بلا خلاف، أخذاً بثأر عثمان فيما زعم، وقاتل الزبير عمرو بن جرموز غدراً في مكان يقال له وادي السباع منصرفَهُ من الجمل، لَمَّا جَرَى بينه وبين علي مما قال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال للزبير: إنك تقاتل عليًّا وأنت ظالم له، فذكرَه على ذلك فتذكر، فانصرف، وكان مبلغ سنهما حين قتلا 64 سنة على الراجح، وفيه أقوال أُخر، وقوله (كلا) توكيد للضمير نائب فاعِل قُتِلَ حذف منه المضاف إليه للضرورة أي كلاهما. 967 - وَفِي ثَمَانِي عَشْرَةٍ تُوُفِّي ... عَامِرُ، ثُمَّ بَعْدَهُ ابْنُ عَوْفِ 968 - بَعْدَ ثَلاثِينَ بِعَامَيْنِ، وَفِي ... إِحْدَى وَخَمْسِينَ سَعِيدٌ، وَقُفِي 969 - سَعْدٌ بِخَمْسَةٍ تَلِي خَمْسِينَا ... فَهْوَ آخِرُ عَشْرَةٍ يَقِينَا (وفي ثماني) بسكون الياء للوزن (عشرة) بسكون الشين لغة، وبالتنوين للضرورة، يعني في سنة ثماني عشرة من الهجرة، والجار متعلق بـ (ـتُوُفِّي) بالبناء للمفعول، أي مات (عامر) بمنع الصرف للوزن ابن عبد الله بن الجراح بن هلال الفهري، أبو عبيدة الأمين، أحد العشرة، شهد بدراً مات في طاعون عَمَوَاس بفتحات آخِرُهُ مهملة، وقد تسكن الميم، موضع بالشام، وعمره ثمانية وستون سنة بلا خلاف، في الأمرين قاله في التدريب (ثم) توفي (بعده) أي بعد عامر المذكور عبد الرحمن (بن عوف) بن عبد عوف، بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب الزهري، أبو محمد المدني، أحد العشرة، وهاجر الهجرتين، وأحد الستة (بعد ثلاثين) سنة (بعامين) أي معهما، بمعنى أنه توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة على القول المشهور، وقيل: إحدى، أو اثنتين، وقيل ثلاث، ودفن بالبقيع ومبلغ سِنِّهِ 73 سنة، وقيل خمس وهو الأشهر، واقتصر عليه ابن الصلاح

وقيل 8 وأوصى لكل من شهد بدراً بأربعمائة دينار، وكانوا مائة نفس، وصولحت إحدى زوجاته عن ربع الثمن بثمانين ألفاً. (و) توفي (في) سنة (إحدى وخمسين) من الهجرة (سعيد) هو ابن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة وقيل سنة 50 وقيل 52 وقيل 58، وهذا غير صحيح، وكانت وفاته بالعقيق، وحمل إلى المدينة، فدفن بها، وقيل بالكوفة وصلى عليه المغيرة بن شعبة ودفن بها، وهذا لا يصح، وسنه بضع وسبعون سنة، إما ثلاث، أوأربع، (وقفي) بالبناء للمفعول أي أكرم، أو دفن، أو اختير، على ما قدمنا في معناها (سعد) نائب فاعل قفي هو ابن أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري، أحد العشرة المدني، شهد بدراً والمشاهد (بخمسة) من السنين (تلي) تلك الخمسة (خمسيناً) عاماً من الهجرة، يعني أنه مات سنة 55 من الهجرة وهو المشهور الراجح، وقيل أو إحدى أو أربع، أو ست، أو سبع، أو ثمان، بعد الخمسين ذلك في قصره بالعقيق، وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة، فدفن بالبقيع، وعمره قيل 73 واقتصر عليه ابن الصلاح، وقيل 74 وقيل اثنان، أو ثلاث، وثمانون (فـ) ـإذا علمت ما تقدم من الأقوال الراجحة، علمت أسعدا هذا (هو آخر عشرة) بُشِّرُوا بالجنة، في حديث واحد، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة. وعثمان في الجنة، وعليٌّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وأبو عبيدة عامر بن الجراح في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، رواه الترمذي وغيره، وورد التبشير لغير هؤلاء إلا أن هؤلاء جمعوا في حديث واحد، وقوله (يقيناً) أي موتاً تمييز للنسبة في قوله هو آخر عشرة، واليقين الموت كما في " ق " قيل هو حقيقة، وقيل مجاز من تسمية الشيء بما يتعلق به، أفاده بعض محشى " ق ". ولما أتم ذكر وفيات العشرة، أتبعه بذكر المعمرين من الصحابة - رضي الله عنهم -، فقال:

970 - وَعِدَّةٌ مِنَ الصِّحَابِ وَصَلُوا ... عِشْرِينَ بَعْدَ مِائَةٍ تُكَمَّلُ 971 - سِتُّونَ فِي الإِسْلامِ ...... ... ................. (وعدة) أي جماعة متعددون (من الصحاب) بالكسر جمع صاحب بمعنى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعدة مبتدأ ومن الصحاب صفته، وخبره جملة قوله (وصلوا) في العمر (عشرين) سنة حال كونها (بعد مائة) من السنين (تكمل) بالبناء للمفعول من التكميل صفة لمائة، أي مكملة، بمعنى أنها لا نقص فيها، منها ستون في الجاهلية و (ستون في الإسلام). يعني أن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - عاشوا مائة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية، وستون في الإسلام، ثم ذكرهم بقوله: ........ حَسَّانٌ، يَلِي ... حُوَيْطِبٌ، مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ 972 - ثُمَّ حَكِيمٌ، حَمْنَنٌ، سَعِيدُ ... .................. (حسان) خبر لمحذوف أي هم حسان بن ثابت بن المنذر بن حَرَام، الأنصاري، شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه عاش 120 ستين في الجاهلية وستين في الإسلام، قال ابن عبد البر بالاتفاق، وسيأتي عام وفاته و (حويطب) بالحاء والطاء المهملتين مصغراً ابن عبد العزى بن أبي قيس العامري، صحابي، أسلم يوم الفتح، وكان عارفاً بأحوال مكة، أخرج له البخاري ومسلم والنسائي، اهـ تقريب. فإنه عاش مائة وعشرين نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام، كما رواه الواقدي، وتوفي سنة 54 وقيل 52 و (مخرمة) بفتح الميمين بينهما خاء ساكنة (بن نوفل) بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري، والد مِسْوَر، له ولولده صحبة أسلم عام الفتح، وتوفي سنة 54 وهو ابن 120 كما جزم به أبو زكريا بن منده، وقيل 115 (ثم حكيم) مكبراً هو ابن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي ابن أخي خديجة أم المؤمنين، - رضي الله عنها -، فإنه عاش 120 ستين في الجاهلية وستين في الإسلام، على الأصح (وحمنن) بفتح الحاء المهملة ثم ميم ساكنة بعدها نون مفتوحة،

ثم أخرى على المعتمد، وضبطه بعضهم بزاي بدل النون الثانية مشتق من الحمز وهي الصعوبة ونونه زائدة، ابن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف، ذكر الزبير بن بكار، والدارقطني، وابن عبد البر، أنه عاش ستين في الجاهلية وستين في الإسلام، ومات سنة 54 قاله في التدريب، ولم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة أحاديث قاله الناظم، في ريح النسرين وأقام بمكة إلى أن مات ولم يهاجر ولم يدخل المدينة، قاله في الإصابة (وسعيد) بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم، أبو هود، أسلم قبل الفتح، وقيل هو من مسلمة الفتح، كان اسمه صرماً فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - سعيداً مات سنة 54 بالمدينة المنورة، وقيل بمكة وعاش 120 سنة ستين في الجاهلية وستين في الإسلام وقيل عمره 124. فهؤلاء الستة كلهم معمرون 120 سنة نصفها في الجاهلية، ونصفها في الإسلام على خلاف تقدم في بعضهم. ولما كان في الصحابة من عاش 120 سنة مطلقاً ذكرهم بقوله: ............... ... وَآخَرُونَ مُطْلَقًا لَبِيدُ 973 - عَاصِمُ، سَعْدٌ، نَوْفَلٌ، مُنْتَجِعُ ... لَجْلاجُ، أَوْسٌ، وَعَدِيٌّ، نَافِعُ 974 - نَابِغَةُ ............ ... ................. (و) وصل هذا المقدار من العمر قوم (آخرون) من الصحابة - رضي الله عنهم - يعني أنهم عاشوا 120 سنة (مطلقاً) أي من غير توزيع نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام لعدم العلم بها، لتقدم وفاتهم على المذكورين أو تأخرها، أو لعدم تاريخها قاله السخاوي. وهم (لبيد) بفتح اللام وكسر الباء، مكبراً ابن ربيعة بن مالك بن جعفر العامري، كان شاعرا، من فحول الشعراء، فارساً شجاعاً سخياً عاش 120، وقيل 140، وقيل 157، و (عاصم) بترك التنوين للوزن ابن عدي بن الجد بن العجلان العجلاني، يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا عمر، وهو أخو معن بن عدي، وهو الذي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعويمر العجلاني

عن الواجد مع زوجته رجلًا، توفي سنة 45 وقد عاش 115 سنة، وقيل 120 سنة و (سعد) بن جنادة بضم الجيم العوفي، الأنصاري، والد عطية العوفي، من عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذبْيَان، عاش كما روى حفيده الحسن بن عطية 120 سنة، و (نوفل) بفتح فسكون ابن معاوية بن عمرو الديلي، ويقال: نوفل بن معاوية بن عروة الديلي، ويقال: الكناني، وهو من بني الديلي بن بكر، قيل: إنه عمّر في الجاهلية 60 سنة وفي الإسلام 60 سنة سكن المدينة حتى توفي زمن الوليد بن معاوية. وعلى هذا القول فهو من القسم الأول، و (منتجع) جد نَاجِيَة ذكره العسكري في الصحابة وكان من أهل نجد، وكان له مائة وعشرون سنة، قال السخاوي: ولا يصح حديثه اهـ. قلت: ضبطه الشارح الترمسي بصيغة اسم الفاعل، ولم أجد من ضبطه غيره. و (لجلاج) بجيمين وترك التنوين للوزن، العامري، والد خالد والعلاء، عاش 120 سنة، و (أوس) بن مغْرَاء أو ابن تميم بن مغراء، من بني أنف الناقة، السعدي، شاعر اشتهر في الجاهلية، عاش 120 سنة ذكره الصريفيني. (وعدي) بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج، الطائي، يكنى أبا طريف، وقيل: أبو وهب، وأبوه حاتم هو الجواد المشهور، الذي يُضرَبُ به المثل، وَفَدَ عدي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، سنة تسع، وقيل عشر، فأسلم، وكان نصرانياً، ذكر ابن سعد وخليفة أنه توفي سنة 68، عن 120 سنة، وقيل 160، وقيل 167، و (نافع) بن سليمان العبدي، روى ابن إسحاق عن ولده سليمان قال: مات أبي وله 120 سنة، وكذا ذكر ابن قانع، و (نابغة) الجعدي الذي قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضض الله فاك، فما سقطت له سن، قال القاضي عياض في الشفا: عاش 120 سنة ووافقه على ذلك الحافظ الصريفيني. قال الناظم: في ريح (¬1) النِّسْرين: فيمن عاش من الصحابة مائة ¬

_ (¬1) هذه الرسالة اختصرها الناظم من كتاب الحافظ ابن منده فيمن عاش من الصحابة 120 سنة، وهي مطبوعة بتحقيق عدنان أحمد مجود.

وعشرين، وهو وهم، فإنما عاش 220 سنة، قال ابن قتيبة وما ذاك بمنكر، لأنه قال في شعره ثلاثة أهلين أفنيتهم، وقد سأله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كم لبثت مع كل أهل، فقال: ستين سنة، فهذه مائة و 180 ثم عمر بعده إلى أيام ابن الزبير، انتهى. وقيل: عاش غير ذلك واختلف في اسمه: فقيل قيس بن عبد الله وقيل: عبد الله بن قيس وقيل: حيان بن قيس بن عبد الله، وقيل: قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة، وقيل له: النابغة، لأنه قال الشعر في الجاهلية، ثم أقام مدة نحو ثلاثين سنة، لا يقول الشعر ثم نبغ فيه، فقاله، فسمى النابغة. فهؤلاء العشرة عاشوا 120 مطلقاً على خلاف تقدم في بعضهم، قال: ومن التابعين أبو عمرو الشيباني، وزِرّ بن حبيش. اهـ وقال السخاوي: وفي المعمرين جماعة من الصحابة ممن زاد سنهم على القدر المذكور، منهم سلمان الفارسي، فروى أبو الشيخ قال: أهل العلم يقولون أنه عاش 350 سنة فأما 250 فلا يشكون فيها، وقال الذهبى: بعد أن ذكر نحو هذا ثم رجعت عن ذلك وظهر لي أنه ما زاد على 80 سنة (¬1) ومنهم قَرَدَة أو فَرْوَةُ بن نُفَاثة السلولي، قيل: إنه عاش 140 سنة، وقيل 150، اهـ كلام السخاوي باختصار وزيادة. .......... ثُمَّةَ حَسَّانُ انْفَرَدْ ... أَنْ عَاشَ ذَا أَبٌ وَجَدُّهُ وَجدّْ (ثمة) هي " ثم " العاطفة زيدت عليها هاء التأنيث، أي ثم بعد أن عرفت ما تقدم فاعلم أنه (حسان) بن ثابت بن المنذر بن حرام أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو الوليد، وقيل: أبو الحسام، الأنصاري، الخزرجي، تقدمت ترجمته. (انفرد) عن نظرائه بـ (ـأن عاش ذا) أي العمر المذكور له ولنظرائه، وهو 120 سنة (أب) له فاعل عاش وهو ثابت (وجده) وهو المنذر (وجد) أبيه، وهو حرام، يعني أن كل واحد من حسان وآبائه ¬

_ (¬1) وتعقبه الحافظ في الإصابة بأنه ما ذكر مستنده في ذلك، فانظره.

إلى حرام عاشوا 120 سنة، ولا يعرف ذلك في العرب لغيرهم، كذا أورده ابن سعد عن حفيد حسان سعيد بن عبد الرحمن، وفي آخره قال: وكان عبد الرحمن ولد حسان إذا ذكر هذا الشيء استلقى على فراشه وضحك، وتمدد لسروره يأمل حياته كذلك، فمات وهو ابن 48 سنة. قال الناظم في ريح النسرين وشبه هذا أن لسانه يصل إلى جبهته ونحره، وكذلك كان أبوه وجده، وابنه عبد الرحمن. 975 - ثُمَّ حَكِيمٌ مُفْرَدٌ بَأَنْ وُلِدْ ... بِكَعْبَةٍ وَمَا لِغَيْرِهِ عُهِدْ (ثم حكيم) هوَ ابن حزام المتقدم (مفرد) عن غيره (بأن) مصدرية (ولد) بالبناء للمفعول (بكعبة) أي داخلها، صرفها للوزن، يعني أنه انفرد بمزية على غيره وهي ولادته في جوف الكعبة (وما لغيره) أي حكيم (عهد) بالبناء للمفعول، أي عرف، أي لم يعرف هذا الأمر لغيره من النَّاس، وذلك أن أمه دخلت الكعبة مع نسوة من قريش وهي حامل فأخذها الطَّلْق فولدت حكيماً بها، وذلك، قبل عام الفيل بثلاثة عشرة سنة، وما في المستدرك من أن علياً ولد فيها ضعيف. 976 - وَمَاتَ مَعْ حَسَّانَ عَامْ أَرْبَعِ ... ِمْن بَعْدِ خَمْسِينَ عَلَى تَنَازُعِ (ومات) حكيم (مع حسان) بن ثابت السابق (عام أربع من بعد خمسين) يعني: أن حكيماً وحساناً ماتاً في سنة واحدة سنة 54 من الهجرة في المدينة المنورة، وقيل غير هذا في وفاتهما، وإليه أشار بقوله: (على تنازع) أي مع اختلاف العلماء في وفاتهما، فقد قيل: إن حكيماً مات سنة 50، وقيل 58، وقيل وهو للبخاري سنة 60، لكن الأول الذي في النظم هو الأصح، كما قال ابن حبان وجزم به ابن عبد البر، وقيل في وفاة حسان سنة 50، وقيل قبل 40، في خلافة علي، وقيل سنة 40، إلا أن الأصح هو الذي في النظم، كما جزم به الذهبي في العِبَر. ولما ذكر المعمرين من الصحابة - رضي الله عنهم - أتبعه بذكر أصحاب المذاهب المتبوعة فقال:

977 - لِمِائَةٍ وَنِصْفِهَا النُّعْمَانُ ... وَبَعْدُ إِحْدَى عَشْرَةٍ سُفْيَانُ 978 - وَمَالِكٌ فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِينَا ... وَالشَّافِعِي الأَرْبَعُ مَعْ قَرْنَيْنَا 979 - وَفِي ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ قَضَى ... إِسْحَاقُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ قَدْ مَضَى 980 - أَحْمَدُ ......... ... ................ (لمائة) من السنين (ونصفها) أي المائة، وهو خمسون سنة، مات (النعمان) بن ثابت، يعني: أن الإمام أبا حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى، الفارسي، إمام العراق وفقيه الأمة، يروى عن عطاء ونافع، والأعرج وطائفة، وعنه ابنه حماد، وزفر وأبو يوسف، ومحمد، وجماعة، وثقه ابن معين، وقال ابن المبارك: ما رأيت في الفقه مثله، وقال مكي: هو أعلم أهل زمانه، وقال القطان: لا نكذب الله ما سمعنا أحسن من رأى أبي حنيفة، قال ابن المبارك: ما رأيت أورع منه، مات ببغداد سنة مائة وخمسين سنة، في رجب هذا هو المحفوظ، وقيل سنة إحدى، وقيل ثلاث، ومولده فيما قاله حفيده إسماعيل بن حماد سنة 80، (و) توفي (بعد) بالبناء على الضم لقطعها عن الإضافة ونية معناها، أي بعد موت نعمان وقوله (إحدى عشر) بالتنوين للوزن منصوب على الظرفية على حذف مضاف، أي سنة إحدى عشرة، يعني أنه مات سنة إحدى عشرة من موت الإمام أبي حنيفة وهو سنة إحدى وستين ومائة وفي نسخة إحدى وستين قَضى سُفيان، والمعنى واحد (سفيان) بن سعيد بن مسروق أبو عبد الله الثَّوري نسبة لثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة على الصَّحِيح، وقيل لثور همدان الكوفي، أحد أئمة الحفاظ، والفقهاء المتبوعين، إلى ما بعد الخمسمائة، ولم يختلف في سنة موته واختلف في مولده فقيل سنة 97 وقيل 95 وفي التقريب أنه مات وله 64 سنة، ومات بالبصرة (و) توفي بالمدينة الإمام (مالك) بن أنس أبو عبد الله إمام دار الهجرة تقدمت ترجمته (في التسع والسبعينا) من السنين، يعني بعد المائة في صفر، وقيل صبيحة 14 من

ربيع الأول، وقيل يوم الأحد لثلاث عشرة، خلت منه، وقيل لعشر مضين منه، وهي في هذه السنة، باتفاق، جزم به الذهبي في العِبَر، وشذ هِقْلُ بن زِيَاد، فقال سنة ثمان، وهو ابن خمس وثمانين أو سبع أو تسع أو تسعين، في خلافة هارون، ودفن بالبقيع، واختلف في مولده فقيل سنة 89، وقيل سنة 90، وقيل 91، وقيل 92، وقيل 93، وهو أشهر الأقوال وقيل سنة 94، وقيل غير ذلك. (و) توفي في مصر الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس (الشافعي) وتقدمت ترجمته، في (الأربع مع قرنينا) تثنية قرن والمراد به ماءتا سنة، يعني: أنه توفي سنة 204، في آخر يوم من شهر رجب، وقيل ليلة الخميس آخر ليلة منه، وقيل غير ذلك، ومولده بغَزَّةَ سنة 150، فعاش 54، وهو الأصح، وقيل 52 (وفي) سنة (ثمان وثلاثين) أي بعد 200 متعلق بـ (ـقضى) أي مات ليلة السبت لأربع عشرة خلت من شعبان، عن 77 سنة، الإمام أبو يعقوب (إسحاق) بن إبراهيم، الحنظلي، المروزي، المشهور بابن راهويه، وكان مولده سنة 161، وتقدمت ترجمته، وهو أيضاً من أصحاب المذاهب المتبوعة، كان له أتباع يقلدونه، يقال لهم الإسحاقية، قاله السخاوي. و (بعد أربعين) أي مع المائتين (قد مضى) أي ذهب، بمعنى مات الإمام المقلد أبو عبد الله (أحمد) بن محمد بن حنبل. تقدمت ترجمته، يعني: أنه مات سنة 241 على الصَّحِيح، واختلف في كل من الشهر، واليوم، فقال ابنه عبد الله يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر وقيل يوم الجمعة لثلاث عشرة بقين منه، وقيل يوم الجمعة في شهر ربيع الأول، وقيل لاثنتي عشرة خلت منه، ومولده في شهر ربيع الأول سنة 164 قاله ابناه عبد الله وصالح. وممن لم يذكره من أصحاب المذاهب الإمامُ الأوزاعيُّ، أبو عمرو، عبد الرحمن بن عمرو، وكان له مقلدون، في الشام، نحواً من مائتي سنة،

وتوفي 157، وقيل 50، أو إحدى أو ست ببيروت، من ساحل الشام، ومولده سنة 88. والإمام أبو جعفر الطبري محمد بن جرير بن يزيد، توفي سنة 310، وعمره 85. والإمام أبو سليمان داود بن علي بن خلف البغدادي إمام أهل الظاهر، وتوفي سنة 209. والليث بن سعد إمام أهل مصر وتوفي سنة 175 ومولده 94. وسفيان بن عيينة وتوفي سنة 198، ومولده 107. ولما أتم ذكر أصحاب المذاهب المتبُوعة أردفه بأصحاب الكتب الستة مع من أضيف إليهم فقال: ........ وَالْجُعْفِيُّ عَامَ سِتَّةِ ... مِنْ بَعْدِ خَمْسِينَ وَبَعْدَ خَمْسَةِ 981 - مُسْلِمُ وَابْنُ مَاجَهٍ مِنْ بَعْدِ ... سَبْعِينَ فِي ثَلاثَةٍ بِحَدِّ 982 - وَبَعْدُ فِي الْخَمْسِ أَبُو دَاوُدَا ... وَالتِّرْمِذِيْ فِي التِّسْعِ خُذْ مَلْحُودَا 983 - وَالنَّسَيءِ بَعْدَ ثَلاثِمِائَةِ ... عَامَ ثَلاثٍ .............. (و) توفي الإمام الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل صاحب الصَّحِيح البخاري (الجعفي) بضم فسكن مولاهم كما تقدم، ليلة عيد الفطر ليلة السبت، وقت صلاة العشاء (عام ستة من بعد خمسين) أي ومائتين بخرْتَنْكَ بفتح الخاء، وقيل بكسرها، وسكون الراء بعدها تاء، ثم نون قرية، من قرى سمرقند، عند أقرباء له بها، وقيل بمصر وهو شاذ، وكان مولده يوم الجمعة، بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة 194 فعمره 62 سنة إلا ثلاثة عشر يوماً. (و) توفي (بعد خمسة) من السنين من موت البخاري، يعني سنة 261 الإمام الحافظ أبو الحسين (مسلم) بمنع الصرف للوزن، ابن الحجاج بن مسلم القشيري، النيسابوري، صاحب الصَّحِيح، عشية يوم الأحد لأربع

بقين من شهر رجب، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين منه بنيسابور، وكان مولده سنة 204 فعمره 57 سنة، وقيل غير ذلك، وكان سبب موته سبباً غريباً نشأ من غَمْرَة فكرة علمية، وذلك أنه عُقِدَ له مجلس للمذاكرة فذُكِرَ له حديث فلم يعرفه فانصرف إلى منزله، وقُدِّمت له سَلَّة فيها تمر، فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة، تمرة، فأصبح، وقد فَنِيَ التمرُ وَوَجَدَ الحديثَ، فكان ذلك سبب موته. (و) توفي الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المشهور بـ (ابن ماجه) بهاء ساكنة وصلًا وقفاً، نَوَّنَها هنا للضرورة، وهو لقب والده لا جَدِّه كما قاله في القاموس، وقيل إنه اسم أمه، أفاده في التاج. (من بعد سبعين) أي ومائتين (في ثلاثة) أي معها، يعني سنة 273 وقوله: (بحد) أي بوقت محدود عند المحققين وتوفي يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان، وكان مولده سنة 209، وقيل توفي سنة 275، والراجح الأول، فعمره 64 (و) توفي بالبصرة (بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة ونية معناها، أي بعد وفاة ابن ماجه (في الخمس) بعد السبعين ومائتين، الإمام الحافظ (أبو داودا) بألف الإطلاق، سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب السنن، ومولده سنة 202 (والترمذي) مفعول مقدم لخذ (في التسع) متعلق بملحوداً أي في السنة التاسعة بعد سبعين ومائتين (خذ) أيها المحدث بمعنى حَقِّقْ ضَبطه بذلك، والمعنى أن الترمذي أبا عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة، صعب الجامع المشهور، توفي سنة 279، وكانت ولادته سنة 209، فعمره 70 سنة، وقوله (ملحوداً) حال من فاعل خذ أي مدفوناً. (و) توفي الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن بحر (النسيء) بتخفيف الياء للوزن نسبة إلى نَسَأ كجبل، ويقال فيه نسوي، وهو الذي في نسخة الشارح، والنسائي بألف بعد السين، وهو الأشهر، لكن لا يوافق هنا للوزن (بعد ثلاثمائة عام ثلاث) الظرفان متعلقان بتوفي المقدر، يعني أن

الإمام النسيء - رحمه الله - توفي سنة 303، وكانت ولادته سنة 215، فعمره 88 سنة، توفي بفلسطين، وقيل بالرملة، ودفن ببيت المقدس، وقيل بمكة ولا يصح. ولما أتم ذكر أصحاب الكتب التي هي أصول الإسلام، أتبعه بذكر أئمة انتفع النَّاس بتصانيفهم وهم سبعة فقال: ......................... ... ................. ثُمَّ بَعْدَ خَمْسَةِ 984 - الدَّارَقُطْنِيْ وَثَمَانِينَ نُعِي ... خَامِسَ قَرْنِ خَامِسَ ابْنُ الْبَيِّعِ 985 - عَبْدُ الْغَنِي لِتَسْعَةٍ وَقَدْ قَضَى ... أَبُو نُعَيْمٍ لِثَلاثِينَ رِضَى 986 - وَلِلثَّمَانِ الْبَيْهَقِي لِخَمْسَةِ ... مِنْ بَعْدِ خَمْسِينَ مَعًا فِي سَنَةِ 987 - يُوسُفُ وَالْخَطِيبُ ذُو الْمَزِيَّهْ ... ................ (ثم) توفي (بعد خمسة) من الهجرة الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد (الدارقطني) بفتح الدال والراء وضم القاف وسكون الطاء، نسبة إلى دَارَقُطْن، محلة ببغداد، يعني أن الدارقطني توفي سنة 385، وقوله (وثمانين) عطف على خمسة، فهو من تتمة تاريخ وفاة الدارقطني، يعني أنه توفي بعد ثلاثمائة وخمسة وثمانين من الهجرة هذا هو الظاهر من عبارته. لكن الذي في تراجمه أنه توفي ثامن ذي القعدة سنة 385، فتأمل، ومولده سنة 306، وتقدمت ترجمته، وقوله (نعى) بالبناء للمفعول، أي أُخْبِرَ بموته (خامس قرن خامس) أي سنة 405 هـ فخامس الأول ظرف لِنُعِي، وخامس الثاني مضاف إليه قَرْنِ، غير منصرف للوزن (ابن البيع) نائب فاعل نعي، وهو بتشديد الياء المكسورة، هو الحافظ المتقن أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على الصَّحِيحين، يعني أنه توفي سنة خمس وأربعمائة في ثالث صفرها وولد سنة 321. (تنبيه): قال في اللباب: البَيِّعُ بفتح الباء الموحدة وكسر الياء المثناة

من تحت وفي آخرها العين المهملة هذه اللفظة لمن يتولى البِيَاعَة والتوسط في الخانات بين البائع والمشتري من التجار للأمَةِ اهـ. (عبد الغني) أي توفي الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري (لتسعة) أي في سنة تسعة بعد أربعمائة سابع صفر، وله 77 سنة. وكان مولده في ذي القعدة سنة 332. (وقد قضى) بالبناء للفاعل أي مات، الحافظ (أبو نعيم) أحمد بن عبد الله بن إسحاق بن موسى بن مهران، الأصفهاني، أجاز له مشايخ الدنيا، وله ست سنين، وتفرد بهم، ورحلت الحفاظ إلى بابه، لعلمه وضبطه، وعلو إسناده، قال ابن مردويهْ: لم يكن في أفق من الآفاق أحفظ ولا أسند منه، صنف الحلية، والمستخرج على البخاري والمستخرج على مسلم، ودلائل النبوة، ومعرفة الصحابة وتاريخ أصفهان، وفضائل الصحابة، وصفة الجنة، والطب وغيرها (لثلاثين) أي في سنة ثلاثين بعد أربعمائة، في 20 شهر محرم ومولده سنة 336 هـ فعمره 94 سنة. وقوله: (رضى) مفعول مطلق لعامل محذوف أي رضي الله عن الجميع رضي، أو حال منهم أي حال كونهم مرضيين، لكونهم حَمَلَةَ السنة، وحُمَاةَ الشرِيعَة (و) توفي (لثمان) أي في سنة ثمان بعد خمسين وأربعمائة، وفي عبارته قصور لأن ظاهرها يوهم أن الثمانية هذه بعد 430، وليس كذلك لما سيأتي، يعني أنه توفي الحافظ، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (البيهقي) بفتح الباء الموحدة وسكون الياء بعدها الهاء، وآخره القاف، نسبة إلى بَيْهَق، وهي قرى مجتمعة، بنواحي نيسابور، على عشرين فرسخاً منها. كان عالماً بالحديث والفقه، له كتب مصنفة تدل على كثرة فضله، وأُستاذُهُ في الحديث أبو عبد الله الحاكم، وفي الفقه أبو الفتح ناصر بن محمد العمري، المروزي، سمع الكثير، ومن أشهر مصنفاته السنن

الكبير، والسنن الصغير، والمعرفة، ودلائل النبوة، وشعب الإيمان، والمبسوط، في نصوص الشافعي، والخلافيات، وغيرها، وكان مولده في شعبان سنة 384، فعمره 74 سنة،. اهـ. اللباب بزيادة وتغيير. وقال إمام الحرمين: ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه مِنَّةٌ إلا البيهقي، فإن له على الشافعي مِنَّةً، لتصانيفه في نصرة مذهبه وأقاويله، اهـ. وقال التاج السبكي: وأما كتاب الخلافيات فلم يسبق إلى نوعه ولم يصنف مثله، وهو طريقة مستقلة حديثة لا يقدر عليها إلا مبرز في الفقه، والحديث، قيم بالنصوص، اهـ. وتوفي (لخمسة من بعد خمسين) وأربعمائة (معاً) أي مع الثمانية السابقة فيكون أربعمائة وثلاث وستين سنة، (في سنة) واحدة الحافظ أبو عمر (يوسف) بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي المالكي، وكان مولده عام 368 هـ فعمره 95. (و) الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (الخطيب) بفتح فكسر، الذي يتولى الخِطَابَة على النَّاس أفاده في اللباب، ولد سنة 392، فعمره 71 سنة (ذو المزية). أي صاحب الخصوصية، وصفه به لأنه وَسَّعَ دائرة هذا الفن وبحث فيه بحثاً دقيقاً واستخرج كنوزه، وحل رموزه، فكان له زيادة تميز وفضل على غيره فَقَلَّ فن من فنونه إلا وقد صنف فيه كتاباً مفرداً، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف عَلِمَ أن المحدثين بعده عِيَال على كتبه. (تنبيه): في هذا البيت تعقيد شديد، فقوله في أوله: وللثمان البيهقي، يوهم أن البيهقي توفي سنة ثمانية وثلاثين وأربعمائة، إذ أبو نعيم توفي قبله سنة 430 وهذا، باطل، لأن البيهقي مات سنة 458 وفي قوله لخمسة من بعد خمسين معاً غموض أيضاً فلو قال بدل هذا البيت.

وَبَعْدَ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ نُعِي ... الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ بَعْدَ أرْبَع يُوسُفُ إلخ ... لكان أوضح وأسلم من هذا التعقيد. فيكون المعنى عليه أن البيهقي مات بعد سنة 457 - أي في سنة 458، وبعد أربع من موت البيهقي أي في سنة 463 مات يوسف بن عبد البر والخطيب البغدادي وحله الشارح الترمسي بما لا يجدي نفعاً، فتأمل. (خاتمة): الزيادات في هذا الباب قوله: فهو أخير عشرة يقيناً، وقوله: لَبِيد إلى قوله: نابغة، وقوله: ثم حكيم مفرد: البيت، وقوله: على تنازع، وقوله: وفي ثمان وثلاثين قَضَى إسحاق، وقوله: وابن ماجه من بعد سبعين في ثلاثة بحد. .................. ... هَذَا تَمَامُ نَظْمِيَ الأَلْفِيَّهْ 988 - نَظَمْتُهَا فِي خَمْسَةِ الأَيَّامِ ... بِقُدْرَةِ الْمُهَيْمِنِ الْعَلاَّمِ 989 - خَتَمْتُهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ الْعَاشِرِ ... يَا صَاحِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الآخِرِ 990 - مِنْ عَامِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ الَّتِي ... بَعْدَ ثَمَانِمِائَةٍ لِلْهِجْرَةِ 991 - نَظْمٌ بَدِيعُ الْوَصْفِ سَهْلٌ حُلْوُ ... لَيْسَ بِهِ تَعَقُّدٌ أَوْ حَشْوُ 992 - فَاعْنَ بِهَا بِالْحِفْظِ وَالتَّفْهِيمِ ... وَخُصَّهَا بِالْفَضْلِ وَالتَّقْدِيمِ 993 - وَأَحْمَدُ اللهَ عَلَى الإِكْمَالِ ... مُعْتَصِمًا بِهِ بِكُلِّ حَالِ 994 - مُصَلِّيًا عَلَى نَبِيٍّ قَدْ أَتَمّْ ... مَكَارِمَ الأَخْلاقِ وَالرُّسْلَ خَتَمْ (هذا) أي هذا الباب مبتدأ خبره (تمام) أي متمم (نظمي) أي منظومتي، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى جميع ما تقدم من أول الكتاب، ويكون تمام بمعنى كامل، أي هذا الذي تقدم كامل نظمي، (الألفية) أي المنسوبة إلى الألف إن كانت من كامل الرجز، أو إلى الألفين إن كانت من مشطوره، لكنها ناقصة ستة أبيات، ولعلها سقطت من النساخ. (نظمتها) أي الألفية من أولها إلى آخرها (في خمسة الأيام) بتعريف

المضاف إليه وهو جائز، أي في مدة قصيرة، وهي خمسة أيام فيكون لكل يوم مائتا بيت مع أنه مشتغل بوظائف متعددة، كالتدريس مثلًا، فهذا من فضل الله وتيسيره ولذا قال (بقدرة المهيمن) أي الرقيب الحافظ لكل شيء قال في " ق " المهيمن أي بكسر الميم الثانية، وتفتح، من أسماء الله تعالى في معنى المؤمن، مِنْ آمَنَ غيره من الخوف، وهو مؤمن بهمزتين قلبت الهمزة الثانية ياء، ثم الأولى هاء، أو بمعنى الأمين، أو المؤتمن أو الشاهد. اهـ. والجار والمجرور متعلق بنظمت والجملة حال من نظمي، أو مستأنفة، استئنافاً بيانياً، فكأنه قيل في كم يوم نظمتها فقال نظمتها في خمسة أيام. وقوله (العلام) صفة للمهيمن وهو كشَذَاد بالفتح، وزُنار، بالضم، العالم، جدا، والمراد عالم غيب السموات والأرض (ختمتها) أي بلغت آخرها، يقال: ختمت القرآن حفظت خاتمته، وهي آخره، أفاده الفيومي، والجملة كما قبلها، يعني أنه يقول: فرغت من نظمها (يوم الخميس) ظرف لختمت (العاشر) ذلك اليوم (يا صاح) منادي مرخم صاحبي على غير قياس قال الحريري في ملحمته. وَقَوْلُهُم فِي صَاحِبٍ يَا صَاحِ ... شَذَّ لِمَعْنًى فِيهِ بِاَصْطِلاَحِ وقيل: لغة في صاحب وجملة المنادي معترضة. (من شهر ربيع الآخر) صفة العاشر، وربيع مضاف والآخر مضاف إليه. قال العلامة الفيومي (¬1) رحمه الله ما نصه: والربيع عند العرب ربيعان ربيع شهور وربيع زمان، فربيع الشهور اثنان قالوا: لا يقال فيهما إلا شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر بزيادة شهر، وتنوين ربيع وجعل الأول ¬

_ (¬1) هو العلامة أحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيومي المتوفى سنة 770 هـ صاحب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي. اهـ.

والآخر، وصفاً تابعاً في الإعراب، ويجوز فيه الإضافة، وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه عند بعضهم، لاختلاف اللفظين، نحو (حَبَّ الْحَصِيدِ)، (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ)، و (حَقُّ الْيَقِينِ)، ومسجد الجامع قال بعضهم: إنما التزمت العرب لفظ شهر قبل ربيع لأن لفظ ربيع مشترك بين الشهر والفصل فالتزموا لفظ شهر في الشهر وحذفوه في الفصل، وقال الأزهري أيضاً: والعرب تذكر الشهور كلها مجردة من لفظ شهر إلا شهري ربيع ورمضان ويثنى الشهر ويجمع فيقال: شهرا ربيع وأشهر ربيع وشهور ربيع، وأما ربيع الزمان فاثنان أيضاً الأول الذي تأتي فيه الكَمْأة والنَّور، والثاني الذي تُدرِكُ فيه الثمار. اهـ كلام الفيومي. قلت: في قول الأزهري ورمضان نظر لكثرة الأحاديث في إطلاق رمضان بدون شهر كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من صام رمضان ... " الحديث. (من عام) أي سنة (إحدى وثمانين) الجار والمجرور حال من شهر ربيع أي حال كون ذلك الشهر من جملة سنة إحدى وثمانين (التي) صفة لإحدى وثمانين (بعد ثمانمائة للهجرة) أي من هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة. والهجرة بالكسر مفارقة بلد إلى غيره، فإن كانت قربة لله فهي الهجرة الشرعية قاله الفيومي. وكانت هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مبدأ التاريخ بأمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما تقدم أول الباب. وسببه أنه أُتِيَ بصَكٍّ مكتوب إلى شعبان فقال: أهو شعبان الماضي أو شعبان القابل ثم أمر بوضع التاريخ، واتفقت الصحابة على ابتداء التاريخ من هجرته - صلى الله عليه وسلم - وجعلوا أول السنة المحرم ويعتبر التاريخ بالليالي، لأن الليل عند العرب سابق على النهار، لأنهم كانوا أميين لا يحسنون الكتابة، ولم يعرفوا حساب غيرهم من الأمم، فتمسكوا بظهور الهلال وإنما يظهر بالليل فجعلوه ابتداء التاريخ أفاده الفيومي.

(نظم) خبر لمحذوف أي هو نظم أي منظوم (بديع الوصف) فعيل بمعنى فاعل أي عجيب الوصف (سهل) في لفظه (حلو) في معناه (ليس به) أي في هذا النظم (تعقد) هو كون الكلام مُغْلَقاً لا يظهر معناه بسهولة، قاله السيد الجرجاني في التعريفات (أوحَشْوٌ) أو بمعنى الواو، والحشو في اللغة ما يملأ به الوسادة وفي الاصطلاح عبارة عن الزائد الذي لا طائل تحته. قاله في التعريفات. فقوله: " ليس به تعقد أو حشو " تعليل لكونها بديع الوصف، وسهلاً وحلواً. قلت: هذا إن أراد به أنها كذلك لكل أحد فليس كما قال لأنها في بعض المواضع ليست سهلة لِكُلٍّ، وإن أراد أنها سهلة عند العلماء الماهرين بالفن فهذا لا يعطي لها الوصفَ بالبَدَاعَة والبَلاَغَةِ. (فاعن) بفتح النون وكسرها أي اهتم أيها الراغب في تحقيق هذا الفن (بها) أي بهذه المنظومة (بالحفظ) للفظها، يقال: حفظت القرآن، إذا وعيته على ظهر قلبك أفاده الفيومي (والتفهيم) مصدر فُهِّمَ بالبناء للمفعول أي فهم معناها، ويحتمل أن يكون مصدر فَهَّمَ بالبناء للفاعل أي تفهيم غيرك إياها، ويكون الحفظ على هذا لِلَّفْظ والمعنى جميعاً. (وخصها) أمر من التخصيص أي خص هذه المنظومة، أيها المحدث (بالفضل) أي بكونها فاضلة في ذاتها (والتقديم) على غيرها، من المؤلفات، كمقدمة ابن الصلاح وتقريب النووي، وألفية العراقي وغيرها، لكونها جمعت ما في هذه كلها وزادت عليها فوائد جمة، لا غنى عنها لطالب علوم الحديث. فقد زادت قواعد وضوابط وربما زادت باباً بكامله، فلله دَرُّهُ ما أجمع منظومته، وأغزر فوائدها فجزاه الله عن خدمة العلم وأهله خير ما جزى محسناً بإحسانه. (وأحمد الله) أي أثنى عليه بما هو أهله (على الإكمال) أي لأجل

توفيقه وتيسيره لإكمال هذه المنظومة، حال كوني (معتصماً) أي ممتنعاً ومتقوياً (به) سبحانه وتعالى (بكل حال) أي في كل أحوالي الدنيوية، والأخروية قال تعالى: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وحال كوني (مصلياً على نبي) أي طالباً من الله أن يصلي على نبي بالهمز، والتخفيف (قد أتم مكارم الأخلاق) أي الأخلاق الفاضلة وهو مقتبس من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: " إنما بُعِثْتُ لأتَمِّمَ مكارم الأخلاق " وفي رواية صالح الأخلاق رواه الحاكم وغيره بإسناد صحيح. قال بعضهم: فالأنبياء بعثوا بمكارم الأخلاق وَبَقِيَت بقية فبعث بما كان معهم وبتمامها، أو أنها تفرقت فيهم فَأمرَ بجمعها، قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) - صلى الله عليه وسلم - (والرسل) مفعول مقدم لقوله: (ختم) أي ختم الرسل، فلا نبي بعده قال الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) وفي قوله: ختم براعة الاختتام ويسمى براعة المَقْطَع كما يسمى ما كان في الابتداء ببراعة الاستهلال وبراعة المطلع وبالإلماع. فبراعة الاستهلال أن يقدم في أول كلامه ما يشعر بمقصوده، وبراعة الاختتام أن يأتي في آخر كلامه ما يشعر بانتهاء مرامه. هذا. قال الشارح ووجدت في بعض نسخ هذا النظم ما نصه: قال: فرغت من نظمها يوم الخميس عاشر ربيع الآخر سوى أبيات ألحقتها بعد ذلك، ومن تبييضها يوم الأحد ثالث عَشَرِهِ، أحسن الله عاقبتها، انتهى. اهـ. ما نقله الشارح رحمه الله. وكتب العلامة المحقق أحمد محمد شاكر ما نصه: وُجِدَ في آخر النسخة المقروءة على المصنف رحمه الله ما صورته: تمت الألفية المباركة يوم الجمعة المبارك ثالث عشر شوال سنة خمس وثمانين وثمانمائة، علقها لنفسه الفقير إلى عفو ربه جرارد الناصري من

طبقة الأشرفية (¬1)، مصلياً ومسلماً، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، حسبنا الله ونعم الوكيل، وتحت هذا بخط المصنف رحمه الله ما نصه: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى سمع عَلَيَّ هذه الألفية تأليفي كاتِبُهَا الفاضل المتقن الصالح نظام الدين جرارد الحنفي الناصري، وأجزت له روايتها عنى وجميع رواياتي ومؤلفاتي، وكتب عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي لطف الله به. اهـ ما نقله العلامة المحقق رحمه الله تعالى. والله أعلم، وبه التوفيق للطريق الأقوم، هذا. وقد تم الفراغ من هذا الشرح الوجيز صباح يوم الثلاثاء 14 جمادى الثانية من سنة 1408 هـ. وذلك في بلد الله الحرام مكة المكرمة زادها الله شرفاً وعزًّا، وزادني بها إقامة وفوزاً. (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ). الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. اللهم لك الحمد حمداً خالداً مع خلودك ولك الحمد حمداً لا منتهى له دون علمك، ولك الحمد حمداً لا منتهى له دون مشيئتك، ولك الحمد حمداً لا آخر لقائله إلا رضاك. اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إِبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ¬

_ (¬1) الطبقة: الجماعة، والأشرفية قرية بمصر.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)). وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين. كتبه العبد الحقير، محمد بن الشيخ علي آدم، وأكمله في مكة المكرمة بالمحلة المسماة: بالقَشْلَة 14/ 6 / 1408 هـ

§1/1