شرح اختصار علوم الحديث - عبد الكريم الخضير

عبد الكريم الخضير

شرح اختصار علوم الحديث (1)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (1) أنواع الحديث- تعريف الحديث الصحيح - أول من جمع صحاح الحديث - عدد ما في الصحيحين من الحديث - الزيادات على الصحيحين الشيخ/ عبد الكريم الخضير بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفيه من خليقته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: الكتاب اختصار لعلوم الحديث، وعلوم الحديث كما هو معروف لابن الصلاح الذي لمّ شتات هذا الفن، وجمع ما تفرق في المؤلفات قبله، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة النزهة المصنفات التي ألفت في هذا العلم، وذكر إن من أول ما كتب كتاب المحدث الفاصل للرامهرمزي، وهو من أول ما كتب حقيقةً مما يجمع أكبر قدر ممكن في وقته؛ لأن العلوم كما تعرفون أو يبدأ التأليف فيها شيئاً فشيئاً حتى تكمل وتنضج، كانت علوم الحديث مبثوثة في مؤلفات المتقدمين، وكثير منها إنما كان نتيجة استقراء لصنيع المتقدمين، فلمّ الشتات الرامهرمزي في المحدث الفاصل، ثم جاء بعده الحاكم فصنف كتابه معرفة علوم الحديث، وهو أوسع من كتاب الرامهرمزي بالنسبة لعدد الأنواع، ثم بعده جاء القاضي عياض فألف كتابه الإلماع، وإن كان في طرق التحمل والأداء وكيفية كتابة الحديث وضبطه إلا أنه نافع في بابه، وعلى كل حال من فضول القول أن أسترسل في هذا المجال؛ لأني بين يدي بين طلبة علم يعرفون هذه الكتب، والكثير منهم رجع إليها.

ابن الصلاح جمع ما تفرق في هذه الكتب وفي غيرها من مؤلفات الخطيب الذي لا يخلو فن ونوع من أنواع علوم الحديث إلا وكتب فيه كتاباً مستقلاً حتى قال ابن نقطة كما هو معروف: "جميع من أتى بعد الخطيب بالنسبة لعلوم الحديث فهو عيال على كتبه" اعتنى من جاء بعد ابن الصلاح بكتاب ابن الصلاح، كان كما قال الحافظ لا يحصى كم ناظمٍ له ومختصر، ومستدركٍ عليه ومنتصر، أو معارضٍ له منتصر .. الخ كلامه كما هو معروف، اختصره النووي في كتابين، التقريب والإرشاد، واختصره أيضاً الحافظ ابن كثير في الكتاب الذي بين أيدينا، ونظمه الحافظ العراقي في ألفيته الشهيرة، ونظمه الخويي في منظومة تبلغ الألف والخمسمائة بيت، لكن لم تبلغ مبلغ الألفية العراقية ولم تدانيها، أيضاً السيوطي له ألفية في هذا الفن، أصلها ألفية العراقي، وكثير من أنصاف أبياتها مأخوذ بحروفه من ألفية العراقي، ولهذا يقول فيها: واقرأ كتاباً تدر منه الاصطلاح ... كهذه أو أصلها وابن الصلاح

يقصد بأصلها ألفية العراقي كما هو معروف، وما زال التأليف والتصنيف في علوم الحديث مستمر إلى وقتنا هذا، كثير ممن ينتسب إلى العلم ألفوا، فجمال الدين القاسمي له كتاب جيد في الباب اسمه (قواعد التحديث) والشيخ طاهر الجزائري هو كتاب أيضاً نفيس لخص فيه كثير من الكتب التي تمت إلى هذا العلم بصلة، اسمه (توجيه النظر) وما زالت الكتابة جارية على سنن المتقدمين ممن ألف وكتب في هذا الفن، ثم بعد ذلك جاءت الدعوات إلى نبذ قواعد المتأخرين والاستفادة من مناهج المتقدمين، وهي في ظاهرها دعوة طيبة، لكن يلاحظ عليها أنها تلقى على عموم الطلاب بما في ذلك صغار المتعلمين، وهذا النوع من الطلبة لا يستوعب مثل هذا الكلام، وهذا فيه تضييع له حقيقةً، نعم من تأهل عليه أن يسلك مسالك المتقدمين، لكن متى يتأهل طالب العلم، لكي يترك قواعد المتأخرين وسلوك المسلك الذي سلكوه؛ لأن قواعد المتأخرين أغلبية، صحيح أنها أغلبية وفي الأمثلة ما يخرج عنها، لكنها تضبط العلم وتحصره حتى يتأهل الطالب لمحاكاة المتقدمين، نظير ذلك لو قيل لصغار الطلاب اجتهد في مسائل الفقه، وخذوا من الكتاب والسنة مباشرة، واتركوا التقليد، وأنتم شيء وأنتم رجال، وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة ومالك والشافعي كلهم رجال، عليكم بالكتاب والسنة، نعم، الأصل الكتاب والسنة، كما أن الأصل في بابنا كلام المتقدمين من أهل العلم في هذا الشأن، الأصل الكتاب والسنة صحيح، لكن الطالب المجتهد هو في الحقيقة هو في حكم العامي والعامي فرضه التقليد، اسألوا أهل الذكر، فإذا تأهل الطالب لينظر في الكتاب والسنة، وعرف ما يعينه ويساعده على الاستنباط من الكتاب والسنة مباشرة لا يسعه أن يقلد أحد، لكن متى يكون هذا؟ إذا تأهل، والكلام فيما بين أيدينا من علوم الحديث كذلك، إذا تأهل وصارت لديه أهلية الحكم بالقرائن، له أن ينبذ قواعد المتأخرين ويحاكي المتقدمين، لكن متى؟ دونه خرط القتاد.

وليس انتقادي لهذه الدعوة من أصلها وأساسها، لا، هي دعوة طيبة ترجع بالطالب إلى المصدر الرئيسي في هذا الباب، فالعمدة والمعول على أهل هذا الشأن، لكن نوجه الانتقاد إلى توجيه هذه الدعوة إلى أصناف المتعلمين صغارهم وكبارهم، بمثل ما يقال على الطالب المبتدئ أن يتفقه على مذهب، ثم بعد ذلك ينظر في مسائل هذا المذهب، على سبيل المثال عندنا، إما أن يعتمد زاد المستقنع، أو دليل الطالب، أو عمدة الفقه أو غيرها من الكتب والمتون المعروفة، ثم بعد ذلك إذا تأهل وصارت لديه الأهلية، أهلية النظر في أقوال أهل العلم بأدلتها والموازنة بينها، واعتماد القول الصحيح والراجح، وترك المرجوح، هذا هو الأصل في التعلم، أما أن يقال لطالب مبتدئ: تفقه من الكتاب والسنة هذا تضييع. . . . . . . . .

هذا مجمل ما يمكن أن أقوله في هذه المقدمة، بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب طبع مراراً، وكانت طبعته الأولى في المطبعة الماجدية بمكة، وقد أسماه طابعه عبد الرزاق حمزة (الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير) وهذه التسمية ليست من الحافظ -رحمه الله-، إنما كتابه: (اختصار علوم الحديث) لكن الشيخ سماه بهذا الاسم لما ساد بين أهل العلم من السجع في عناوين الكتب، وإلا فالكتاب اسمه (اختصار علوم الحديث) الشيخ أحمد شاكر اعتنى بالكتاب واطلّع على طبعة الشيخ عبد الرزاق حمزة، والكتاب قد اشتهر وانتشر وذاع صيته بعد طبعه وعرف عند طلبة العلم باسم: (الباعث الحثيث) فالشيخ -رحمه الله- أراد أن يجمع بين هذه التسمية الحديثة وبين تسمية المؤلف، فاعتنى بالكتاب وعلق عليه وسمى تعليقه (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) فأبقى على تسمية المؤلف واستفاد من تسمية الشيخ عبد الرزاق حمزة؛ لأن الخطأ إذا انتشر يصعب تغييره، فإذا أمكن توجيهه فهو المطلوب، فالشيخ -رحمه الله -من نباهته عمل هذا العمل، فسمى تعليقاته: (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير، يبقى أن بعض الناس قد يفهم أن الباعث الحثيث للحافظ بن كثير مع ذلك؛ لأن عندنا مضاف ومضاف إليه، شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير، من الذي لابن كثير؟ المضاف وإلا المضاف إليه؟ المضاف إليه، ولا بد من قرينة تدل على ذلك، وإلا ما تؤخذ من السياق؛ لأن الوصف إذا تعقب متظايفين فلا بد من قرينة تدل على أن الوصف للمضاف أو المضاف إليه؟ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} [(27) سورة الرحمن] {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ} [(78) سورة الرحمن] إذا كان الإعراب بالحروف أمره سهل، لكن الإشكال إذا كان الإعراب بالحركات، ويزداد الإشكال إذا كان المضاف مجرور مثل المضاف إليه (مررت بغلام زيدٍ الفاضلِ) \هذا مشكل، الوصف لأيهما؟ لزيد أو لغلامه؟ يحتاج إلى قرينة تدل على المراد، وهذا استطراد لكن هو تنبيه؛ لأنه يخفى على كثير من المتعلمين، يظن أن الباعث هو للحافظ بن كثير.

والكلام في مبادئ العلم العشرة طرق مراراً وكرر فلا أظن أن الإخوة المستمعين بحاجةٍ إليه، والأشرطة في شرح النخبة وشرح نظمها وغيرها، حتى هذا الكتاب سجل له أشرطة يمكن الرجوع إليها، لا سيما وأن الوقت قصير ستة أيام لا تفي بشرح كل ما في الكتاب فضلاً عن الاستطرادات التي قد يحتاج إليها. ولذا فإن شرح الكتاب، الكتاب يسمع بإذن الله ويقرأ، لكن ينتقى التعليق على بعض المسائل التي قد تخفى على طلاب العلم، وأما التعليق على جميع ما ذكر في الكتاب قد يحتاج إلى وقتٍ طويل، ووقت الدورة لا يستوعب، فنبدأ بعون الله تعالى. شوف مقدمة الحافظ -رحمه الله-: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-: قال شيخنا الإمام العلامة مفتي الإسلام هذا ما هو المؤلف، هذا أحد تلاميذ المؤلف ممن كتب الكتاب ونسخه، وأما كلام المؤلف -رحمه الله- يبدأ من قوله: "الحمد لله، والصلاة والسلام .. " قدوة العلماء، شيخ المحدثين، الحافظ المفسر، بقية السلف الصالحين، عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الشافعي، إمام أئمة الحديث والتفسير بالشام المحروس، فسح الله للإسلام والمسلمين في أيامه، وبلغه في الدارين أعلى قصده ومرامه. الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فإن علم الحديث النبوي -على قائله أفضل الصلاة والسلام- قد اعتنى بالكلام فيه جماعة من الحفاظ قديماً وحديثاً، كالحاكم والخطيب، ومن قبلهما من الأئمة، ومن بعدهما من حفاظ الأمة. ولما كان من أهم العلوم وأنفعها أحببت أن أعلق فيه مختصراً نافعاً جامعاً لمقاصد الفوائد، ومانعاً من مشكلات المسائل الفرائد، ولما كان الكتاب الذي اعتنى بتهذيبه الشيخ الإمام العلامة: أبو عمرو ابن الصلاح تغمده الله برحمته من مشاهير المصنفات في ذلك بين الطلبة لهذا الشان، وربما عُني بحفظه بعض المهرة من الشبان، سلكت وراءه، واحتذيت حذاءه، واختصرت ما بسطه، ونظمت ما فرطه.

وقد ذكر من أنواع الحديث خمسة وستين، وتبِع في ذلك الحاكم أبا عبد الله الحافظ النيسابوري شيخ المحدثين، وأنا -بعون الله- أذكر جميع ذلك، مع ما أضيف إليه من الفوائد الملتقطة من كتاب الحافظ الكبير أبي بكر البيهقي، المسمى بالمدخل إلى كتاب السنن، وقد اختصرته أيضاً بنحوٍ من هذا النمط، من غير وكس ولا شطط، والله المستعان، وعليه التكلان. من غير زيادة ولا نقص، وكس يعني نقص، والشطط المجاوزة في القدر. (ذكر تعداد أنواع الحديث) تبع فيه الحافظ بن الصلاح -رحمه الله- في مقدمة الكتاب، ذكر أنواع علوم الحديث الخمسة والستين، وتكون كالفهرس للكتاب. صحيح، حسن، ضعيف، مسند، متصل، مرفوع، موقوف، مقطوع، مرسل، منقطع، معضل، مدلَّس، شاذ، منكر، ما له شاهد، زيادة الثقة، الأفراد، المعلَّل، المضطرب، المدْرَج، الموضوع، المقلوب، معرفة من تقبل روايته، معرفة كيفية سماع الحديث وإسماعه، وأنواع التحمل من إجازة وغيرها، معرفة كتابة الحديث وضبطه، وكيفية رواية الحديث وشرط أدائه، آداب المحدث، آداب الطالب، معرفة العالي والنازل، المشهور، الغريب، العزيز، غريب الحديث ولغته، المسلسل، ناسخ الحديث ومنسوخه، المصحَّف إسناداً ومتناً، مختلف الحديث، المزيد في الأسانيد، خفي المرسل، معرفة الصحابة، معرفة التابعين، معرفة أكابر الرواة عن الأصاغر، المدبّج ورواية الأقران، معرفة الإخوة والأخوات، رواية الآباء عن الأبناء، عكسه، من روى عنه اثنان متقدم ومتأخر، من لم يرو عنه إلا واحد، من له أسماء ونعوت متعددة، المفردات من الأسماء، معرفة الأسماء والكنى، من عرف باسمه دون كنيته، معرفة الألقاب، المؤتلف والمختلف، المتفق والمفترق، نوع مركب من اللذين قبله، نوع آخر من ذلك، من نسب إلى غير أبيه، معرفة الأنساب التي يختلف ظاهرها وباطنها، معرفة المبهمات، تواريخ الوفيات، معرفة الثقات والضعفاء، من خلط في آخر عمره، معرفة الطبقات، معرفة الموالي من العلماء والرواة، معرفة بلدانهم وأوطانهم. فهذا تنويع الشيخ أبي عمرو وترتيبه -رحمه الله-، قال: وليس بآخر الممكن في ذلك، فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى، إذ لا تنحصر أحوال الرواة وصفاتهم، وأحوال متون الحديث وصفاتها.

قلت: وفي هذا كله نظر، بل في بسطه هذه الأنواع إلى هذا العدد نظر، إذ يمكن إدماج بعضها في بعض، وكان أليق مما ذكره، ثم إنه فرق بين متماثلات منها بعضها عن بعض، وكان اللائق ذكرَ كل نوع إلى جانب ما يناسبه. ونحن نرتب ما نذكره على ما هو الأنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض طلباً للاختصار والمناسبة، وننبه على مناقشات لا بد منها -إن شاء الله تعالى-. الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في المقدمة يذكر منهجه في الاختصار، وأنه تبع ابن الصلاح في ذكر هذه الأنواع، ثم تعقبه في بسط هذه الأنواع، وأنه يمكن لمّ شملها، وإدماج بعضها في بعض، وأيضاً ابن الصلاح ألف كتابه إملاءً يمليه على الطلاب، كل يوم بيومه، كل درس في وقته، فلم يأت ترتيبه على الوضع المناسب، فالحافظ بن كثير -رحمه الله- قدم وآخر في ترتيب هذه الأنواع نظراً للمناسبة، وبقي عليه أشياء مما ينبغي تقديمه، وأشياء مما ينبغي تأخيره. على كل حال الترتيب أمره سهل، الخطب يسير فيه، المقصود استيعاب المادة العلمية، ولذا يقول: "ونحن نرتب ما نذكره على ما هو الأنسب، وربما أدمجنا بعضها في بعض طلباً للاختصار والمناسبة" يعني لو جاء خفي المراسيل مثلاً على سبيل المثال وجعله مع التدليس، أو مع المرسل الظاهر؛ لأن له صلةً بالتدليس على ما سيأتي، وله أيضاً مشابهة بالمرسل الظاهر على ما سيقرر -إن شاء الله تعالى-. النوع الأول: الصحيح، (تقسيم الحديث إلى أنواعه صحةً وضعفاً) قال: اعلم -علمك الله وإياي- ... على كل حال هذا العنوان (تقسيم الحديث) هذا ليس من نظم المؤلف، ولذا وضع بين قوسين معكوفين. أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف. قلت: هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، فليس إلا صحيح أو ضعيف، وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدثين فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك، كما قد ذكره آنفاً هو وغيره أيضاً.

يقول -رحمه الله-: "الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف" أقر ما ذكره ابن الصلاح من هذا التقسيم، وإن كان أول من قسم الحديث إلى هذه الأقسام الثلاثة الخطابي -رحمه الله- في مقدمة معالي السنن، قسم هذه الأنواع وحصر الأنواع في ثلاثة، ثم تبعه على ذلك من جاء بعده، والأقسام الثلاثة موجودة في كلام المتقدمين، لكن الذي سبق إليه الخطابي هو الحصر في الأنواع الثلاثة، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وأهل هذا الشان قسموا السنن ... إلى صحيح وضعيفٍ وحسن أهل هذا الشان إن كان المراد به الحصر فبدءاً من الخطابي فمن دونه، وإن كان المقصود وجود هذه الأقسام الثلاثة هو موجود في كلام المتقدمين، عند الترمذي وغيره من أهل العلم قبله، ذكروا هذه الأقسام الثلاثة لكنهم لم يجعلوا القسمة ثلاثية.

(تعريف الحديث الصحيح)

والضعيف كما هو معروف أدرج في السنن تغليباً، ومن باب تتميم القسمة؛ ولأنه ليس بمقطوعٍ بكذبه، وإن كان الغالب على الظن عدم ثبوته، يقول الحافظ ابن كثير: "هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، فليس إلا صحيح أو ضعيف" لأن الكلام إما صدق وإما كذب، ولا واسط عند أهل السنة، وإن كان المعتزلة يوجد عندهم قسم ثالث ليس بصدقٍ ولا كذب، لكن استدراك الحافظ بن كثير -رحمه الله- يقول: "هذا التقسيم إذا كان إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيح أو ضعيف، وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدثين فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك" يقول الحديث عندهم: حديث صحيح وضعيف وحسن ومرسل ومدلس ومعنعن ومعلق .. الخ، أنواع كثيرة هو أشار إليها، يقول: "كما قد ذكره آنفاً هو وغيره" لماذا لم يقل: ينقسم الحديث إلى خمسة وستين بل قال هذه الثلاثة؟ يجاب عن هذا الإشكال بأن المراد الثاني، المراد تقسيمه على اصطلاح المحدثين، والكل راجع إلى الثلاثة، فالمرسل يدخل في الضعيف، المدلس كذلك ... الخ، فالضعيف أقسامه كثيرة تندرج تحت هذا الاسم، المرفوع مثلاً منه ما يدخل في الصحيح، ومنه ما يدخل في الحسن، ومنه ما يدخل في الضعيف، الموقوف منه ما يدخل في الصحيح والحسن والضعيف ... الخ، فالمقصود أن المراد الثاني، وهو المنظور إليه اصطلاح المحدثين، والكل -كل هذه الأنواع- تندرج في الأقسام الثلاثة. (تعريف الحديث الصحيح) قال: أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً. الصحيح والضعيف أيضاً صيغة مبالغة من الصحة ضد السقم، والصحة والسقم في المحسوسات يقولون: حقيقة، وفي المعاني مجاز عند من يقول بالمجاز، وإلا فهي حقيقة عرفية، من يقول بالمجاز لا إشكال عنده، لكن الذي لا يقول بالمجاز يكون هذا من باب الحقائق العرفية.

الصحيح عرفه -رحمه الله- بقوله -تبعاً لابن الصلاح-: "الحديث المسند الذي يتصل بإسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً" فقوله: "المسند" يأتي في تعريف المسند أقوال أهل العلم في المراد بالمسند، فالمسند هو المرفوع عند بعضهم، وعند بعضهم المسند هو المتصل، وعند آخرين هو المرفوع المتصل، من يجمع الأمرين معاً، فإذا قلنا: أن المراد بالمسند –المسند المرفوع- فيكون هذا التعريف خاص بما رفع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى هذا فما يضاف عن الصحابة والتابعين لا يسمى صحيح، وإذا قلنا: بالقول الثاني وهو أن المسند المتصل، متصل الإسناد فيشترط لصحة الخبر مرفوعاً كان أو موقوفاً أو مقطوعاً اتصال الإسناد، لكن لا حاجة لهذه الكلمة؛ لأنه يقول: "الذي يتصل إسناده" وعلى كل حال، على كل تقدير لا حاجة لهذه الكلمة فحذفها أولى، فيكون: الحديث الذي يتصل إسناده واتصال الإسناد في أن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمل الحديث عمّن فوقه بطريق ٍمعتبر من طرق التحمل، وأدّاه إلى من بعده بطريقٍ أيضاً معتبر من طرق التحمل التي يأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى-. "يتصل إسناده بنقل العدل" لا بد أن يكون إسناده متصلاً بنقل العدول، الرواة العدول، والعدل عرفه أهل العلم بأنه من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، الضابط الحازم الحافظ الذي يحفظ ويتقن ما يسمعه من حين السماع إلى الأداء، "بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه" في جميع طبقات السند، ولا بد من اشتراط العدالة والضبط، ومن مجموع العدالة والضبط يساوي الثقة؛ لأن الثقة هو العدل الضابط، ولهذا لو قال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل الثقة عن مثله لكفى، لكنه تبع في ذلك ابن الصلاح، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-: أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر بأن يكون ضابطاً معدلاً ... الخ كلامه -رحمه الله- الذي سيأتي في بابه في معرفة من تقبل روايته ومن ترد، "ولا يكون شاذاً" الشذوذ أيضاً مختلف فيه عند أهل العلم، لكن الذي استقر عليه اصطلاح المتأخرين هو ما يراه الإمام الشافعي -رحمه الله- من أنه تفرد الثقة مع المخالفة.

وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملا والشافعي حققه ومنهم من يرى أن مجرد التفرد شذوذ، مجرد التفرد شذوذ، وسيأتي تقريره وتحقيقه -إن شاء الله تعالى- في بابه. "ولا معللاً" يعني مشتمل على علة، والعلة: سبب خفي يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة من هذه العلة، ويأتي -إن شاء الله- بحث المعلّ، هم يقولون: المعلل والمعلول، لكنها لغات مردودة ضعيفة، فالأصل أن يقال: المعل على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، فعلى هذا يكون الحديث الصحيح ما اشتمل على شروطٍ كم؟ خمسة، أن يتصل إسناده بنقل العدل الضابط مع انتفاء الشذوذ والعلة، فلذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله- في تعريفه: فالأول المتصل الإسنادِ ... بنقل عدلٍ ضابط الفؤادِ عن مثله من غير ما شذوذِ ... وعلةٍ قادحةٍ فتوذِ الذي يتصل إسناده، قيد، يخرج به ما انقطع إسناده، سواء كان الانقطاع ظاهراً أو خفياً، فالانقطاع الظاهر يشمل المعلق والمرسل والمعضل والمنقطع أيضاً، على ما سيأتي والانقطاع الخفي يشمل المرسل الخفي والمدلس. "بنقل العدل" يخرج ما رواه غير العدل، ومن ارتكب معصية تخل بعدالته وتخرجه عن ملازمة التقوى، بأن يرتكب كبيرة أو يترك واجب، فمثل هذا فاسق، وقد أمرنا بالتثبت في الخبر، فلا نقل خبره حتى نتثبت فيه، والتثبت أن يأتينا من طرق أخرى، فالعدالة تتطلب التقوى والمروءة، مما يخل بالعدالة الفسق، ومن باب أولى الكفر، والفسق منه الفسق العملي، ارتكاب المحرمات، ومنه الفسق الاعتقادي على ما سيأتي بحثه في رواية المبتدع. ومن أهم ما ينظر إليه في هذا الباب الكذب؛ لأن الأخبار مدارها على الصدق، ولذا يفردونه، وإن كان كاذب يدخل في الفاسق، والتهمة بالكذب والفرق بينهما أن من يطلق عليه وصف كذب يراد به أن يكذب في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي يتهم بالكذب لا يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويعرف عنه الكذب في حديثه مع الناس، يقول: ثم أخذ يبين فوائده وما احترز بها عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في راويه نوع جرح، يعني بأحد الطعون الخمسة، التهمة بالكذب، الفسق، البدعة، الجهالة، على ما سيأتي تفصليه -إن شاء الله تعالى-.

ثم أخذ يبين فوائد قيوده، وما احترز بها عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في راويه نوع جرح، قال: فهذا هو الحديث الذي يُحكم له بالصحة بلا خلافٍ بين أهل الحديث، وقد يختلفون في بعض الأحاديث، لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، أو في اشتراط بعضها، كما في المرسل. هذا الحديث الذي يشتمل على الشروط الخمسة هو الحديث الذي يحكم بالصحة بلا خلافٍ بين أهل الحديث، إذا اشتمل الحديث على هذه الشروط الخمسة فهو صحيح اتفاقاً، الذي ينازع في اشتراط انتفاء الشذوذ يخرج عن هذا الإجماع الذي ذكره الحافظ، من العلماء من نازع في اشتراط انتفاء الشذوذ، يقول: لا يلزم اشتراط انتفاء الشذوذ، بل قد يوجد من الشاذ ما هو صحيح؛ لأن راويه ثقة، وغاية ما في الباب أن يكون هناك صحيح وأصح، إذا وجد راجح ومرجوح صحيح وأصح، ووجد من ينازع في اشتراط انتفاء الشذوذ، والحافظ -رحمه الله- يقول: "هذا والحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلافٍ بين أهل الحديث" من نازع باشتراط بعض هذه الشروط يخرج عن هذا الإجماع الذي ذكره ابن كثير؟ لا، لا يخرج، لماذا؟ لأنه لم يذكر الإجماع في الأقل، وإنما ذكر الإجماع في الأعلى، الذي توافرت فيه هذه الشروط، لو لم يشترط انتفاء الشذوذ، ثم قال: بلا خلاف؟ قلنا: لا، يوجد من يخالف، لا بد من اشتراط انتفاء الشذوذ، لكن الذي لا يشترط انتفاء الشذوذ، وانتفى الشذوذ لا يوافق على أنه حديث صحيح؟ بلى يوافق، فمن باب أولى، وقد يختلفون في بعض الأحاديث، يقول: ما دام هذه الشروط الخمسة عند أهل العلم مضبوطة ومتقنة، محررة وتطبيقها سهل، كيف يختلفون في حديث واحد منهم من يقول: صحيح، ومنهم من يقول: ضعيف؟ أجاب عن ذلك لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، يختلفون في راوي من الرواة، منهم من يقول: ثقة، ومنهم من يقول: هو دون الثقة، ضعيف مثلاً، أو صدوق، فلا يستحق الوصف بالصحة، لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف، ومنهم من يقول: هذا الراوي لقي الراوي الثاني وأخذ عنه، ومنهم من يقول: لم يلقه، لم يثبت عنه أنه لقيه، وهكذا.

"أو في اشتراط بعضها" بعضهم ينازع في اشتراط انتفاء الشذوذ على ما تقدم فيسمي ما اشتمل على الشذوذ صحيح، وغيره يسميه ضعيف؛ لأنه نازع اشتراط بعض الشروط، منهم من لا يشترط الاتصال مثلاً في الإسناد فيقبل المرسل، وهذا قول جمع من أهل العلم، قبول المراسيل، فعلى هذا إن صحت المراسيل فينازع، يأتيه من يقول: الخبر ضعيف؛ لأنه مرسل. احتج مالك وكذا النعمانُ ... به وتابعوهما به ودانوا ورده جماهر النقادِ ... في الجهل في الساقط في الإسنادِ على ما سيأتي في باب المرسل -إن شاء الله تعالى-. المقصود أن هذه الشروط يشترطها جمع من أهل العلم، جمع غفير، وإن نازع بعضهم في اشتراط بعضها في صحة الخبر، فإذا توافرت هذه الشروط التي هي الحد الأعلى فالخبر صحيح اتفاقاً، الخبر صحيح اتفاقاً، إذا انتفى الشذوذ الذي ينازع اشتراط انتفاء الشذوذ، ألا يصححه؟ يصحح، من العلل ما هو قادح، ومنها ما هو ليس بقادح، كما هو معروف، ويأتي هذا في باب المعل -إن شاء الله تعالى-. قلت: فحاصل حد الصحيح: أنه المتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله، حتى ينتهي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو إلى منتهاه، من صحابيٍ أو من دونه، ولا يكون شاذاً، ولا مردوداً، ولا معللاً بعلة قادحة، وقد يكون مشهوراً أو غريباً.

حد الصحيح الذي تقدم أجمله هنا وحذف كلمة المسند لعدم الحاجة إليها، حتى ينتهي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني إن كان الخبر مرفوعاً، أو إلى الصحابي إن كان موقوفاً، أو من دونه إن كان مقطوعاً، ولا يكون شاذاً ولا مردوداً بأي سبب موجب للرد، ولا معللاً بعلةٍ قادحة؛ لأن من العلل ما ليس بقادح، يعني الاختلاف في الراوي مثلاً، إذا وجد راوي مهمل ولم نستطع تمييزه من بين من يشاركه في الاسم، أو وجد اختلاف هل هذا الحديث عن سفيان الثوري أو ابن عيينة، اختلفوا فيه على راويين، وهما ثقتان، هذه علة نعم، تدل على أن هذا الراوي ما ضبط من حدثه، لكن هي علة ليست بقادحة؛ لأنه أينما ذهب فهو على ثقة، ولذا لم يشترطوا مثل هذا، وقد يكون مشهوراً، مستفيضاً، يروى من طرق متعددة، قد يكون عزيزاً بأن يروى من طريقين، وقد يكون غريباً، قد يكون الحديث صحيحاً غريباً؛ إذا لم يأتِ إلا من طريق واحد، أو تفرد به راوٍ واحد، وليس تعدد الطرق شرط، ليس بشرط لقبول الخبر ولا لصحته، وليس بشرط للبخاري كما زعمه بعضهم. ليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقيل شرط وهو قول الحاكمِ الحاكم كلامه يومي إلى اشتراط التعدد في ناقل الأخبار، لكن كلامه مردود، تبعه على هذا جمع من أهل العلم، يعني لا بد أن يكون الخبر مروياً من طريقين فأكثر، في كلام البيهقي ما يفيده، قول أبي الحسين البصري من المعتزلة: ليس بغريب، وقول الكرماني الشارح يزعم أنه شرط البخاري في صحيحه، لكن ليس هذا بصحيح، أول حديث في الصحيح، وآخر حديث في الصحيح يرد هذا الكلام، فإن أول حديث، حديث (الأعمال بالنيات) غريب غرابة مطلقة، ومثله آخر حديث في الصحيح: ((كلمتان خفيفتان على اللسان)) .. الخ، غريب أيضاً غرابة مطلقة، فهذان الحديثان وغيرهما من غرائب الصحيح ترد هذه المقالة.

وهو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله، ولهذا أطلق بعضهم أصح الأسانيد على بعضها، فعن أحمد وإسحق: أصحها: الزهري عن سالم عن أبيه، وقال علي بن المديني والفلاس: أصحها محمد بن سيرين عن عَبيدة عن علي، وعن يحيى بن معين: أصحها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، وعن البخاري: مالك عن نافع عن ابن عمر، وزاد بعضهم: الشافعي عن مالك إذ هو أجلّ من روى عنه. هو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله، قد يشترك أحاديث في الصحة، وبعضها أصحّ من بعض، وكلها حجج يجب العمل بها، لكن يستفاد من هذا التفاوت عند المعارضة فيقدم الأصح على الصحيح، ولذا ذكر أهل العلم أصح الأسانيد، وإن كان الأولى أن لا يحكم على سندٍ ما بأنه أصح مطلقاً؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، والحافظ العراقي -رحمه الله-. والمعتمد إمساكنا عن حكمنا على سندْ ... بأنه أصح مطلقاً وقدْ خاض به قوم فقيل مالكُ ... عن نافع بما رواه الناسكُ ... الخ، ولا شك أن مثل هذا وإن قال به كبار الأئمة، الإمام البخاري له قول، الإمام أحمد له قول، النسائي، الفلاس، يحيى بن معين وغيره لهم أقوال في هذه المسألة؛ لكن لا شك أن هذا قول منتقد، لذا إذا أردنا أن نأتي إلى ما اختاره الإمام البخاري مثلاً: مالك عن نافع عن ابن عمر، مالك نجم السنن؛ لكن هل كل ما رواه الإمام مالك أرجح مما رواه غيره في كل حديث حديث؟ ألم تضبط للإمام مالك بعض الأخطاء؟ في باب الشاذ ومالك سمى ابن عثمان عمر، لم يوافق على ذلك، مالك عن نافع، نافع ضابط متقن لكن الأكثر على أن سالماً ابن عبد الله بن عمر أجلّ من نافع، ابن عمر، هل هو أضبط من أبيه؟ أو أوثق من أبيه؟ فمن هنا أوتي ودخل على هذه الأقوال.

وعلى كل حال يستفاد من معرفة أصحّ الأسانيد وحفظها أن نحكم بالصحة مباشرة لما روي بواسطتها، ونرجحها، كي نرجحها أيضاً إما باعتبار من قيل فيهم ذلك كالرواة، أو باعتبار القائلين عند الحاجة إلى ذلك، وإلا فليست مضطردة، فقد يعرض للمفوق ما يجعله فائق كما هو معروف، ولذا المعتمد الإمساك على الحكم على سندٍ ما بأنه أصح، أو على حديثٍ ما بأنه الأصح مطلقاً، أو على كتابٍ ما بأنه أصح الكتب، وإن كان العلماء قرروا أن صحيح البخاري أصح الكتب، وهذا قول جماهير أهل العلم على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وهو المعتمد عندهم، لكن هل يعني هذا أن كل حديث في البخاري أصحّ من كل ما في صحيح مسلم؟ لا؛ لأن التفضيل هذا إجمالي. (أول من جمع صحاح الحديث) فائدة: أول من اعتنى بجمع الصحيح: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وتلاه صاحبه وتلميذه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، فهما أصح كتب الحديث، والبخاري أرجح؛ لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه منه، ولم يشترط مسلم الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة، ومن هاهنا ينفصل لك النزاع في ترجيح تصحيح البخاري على مسلم، كما هو قول الجمهور، خلافاً لأبي علي النيسابوري شيخِ الحاكم، وطائفة من علماء المغرب. ثم إن البخاري ومسلماً لم يلتزما بإخراج جميع ما يُحكم بصحته من الأحاديث، فإنهما قد صحَّحا أحاديث ليست في كتابيهما، كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده، بل في السنن وغيرها. يقول -رحمه الله-: "فائدة: أول من اعتنى بجمع الصحيح" يعني الصحيح المجرد، وإلا فموطأ مالك مشتمل على أحاديث صحيحة كثيرة، وهو قبل البخاري، فأول من اعتنى بجمع الصحيح أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ثم تلاه تلميذه وخريجه مسلم بن الحجاج، وهذان الكتابان أصح الكتب، والبخاري أرجح وأصح. أول من صنف في الصحيحِ ... محمدٌ وخص بالترجيحِ ومسلم بعدُ -يعني بعد البخاري-. ومسلم بعد وبعض الغرب معْ ... أبي علي فضلوا ذا لو نفعْ

جمهور العلماء على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم وأرجح منه، أبو علي النيسابوري، وبعض المغاربة فضلوا صحيح مسلم على صحيح البخاري، حجة الجمهور في ترجيح البخاري أن الأصحية ترجع إلى اتصال الأسانيد وثقة الرواة، والبخاري لا شك أنه أكثر اتصالاً؛ لأنه يشترط اللقاء على ما استفاض عنه ونقله أهل العلم وقرروه وحرروه، وإن نوزع في ذلك أخيراً، على ما سيأتي في السند المعنعن -إن شاء الله- تعالى، البخاري -رحمه الله- يعتني بهذا عناية فائقة، إذا كان السند عنده معنعن، والراوي وصم بتدليس ولو كان غير مخل يتبع ذلك بمتابعة تبين أن هذا الراوي قد سمعه من هو فوقه، أو يشهد لما ذكره في السند المعنعن، والأمثلة على ذلك في البخاري كثيرة جداً. ومسلم -رحمه الله- يكتفي بالمعاصرة في السند المعنعن، قرر ذلك صراحةً في مقدمة صحيحه، وشنّ على من يشترط ثبوت اللقاء، وهذه مسألة طويلة الذيول، مسلم قررها تقريراً لا مزيد عليه في مقدمة صحيحه، والشراح وضحوا مراده ومقصوده، وهل يريد بمن يرد عليه في مقدمته البخاري أو علي بن المديني أو غيرهما، كلام طويل سيأتي أو تأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى- في موضعه. أيضاً الرواة بالنسبة لصحيح البخاري، من خرج عنهم الإمام أوثق ممن خرج لهم مسلم، بدليل أن من انتقد من الرواة في صحيح مسلم أكثر مما انتقد من رواة صحيح البخاري، وما انتقد من الأحاديث في صحيح مسلم أكثر مما انتقد في صحيح البخاري. أيضاً الإمام مسلم تلميذ البخاري وخريجه يستفيد منه، معرفته بالعلل لا شيء بالنسبة للإمام البخاري، المقصود أن الإمام البخاري أرجح وكتابه أصحّ، وهذا ترجيح إجمالي، يعني جملة ما في صحيح البخاري أرجح من جملة ما في صحيح مسلم، وإن كان في صحيح مسلم ما قد يفوق ما في صحيح البخاري لقرائن تحتفّ به، على ما سيأتي فيما يفيده خبر الواحد.

البخاري ومسلم لم يلتزما إخراج ما يحكم بصحته من الأحاديث، بل تركا من الأحاديث الصحيح الكثير خشية أن يطول الكتاب كما صرح به كل منهما فيما نقل عنه، ومسلم صراحةً في صحيحه يقول: "ليس كل حديث صحيح وضعته هاهنا، وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه" والخلاف في فهم كلام الإمام مسلم طويل، لعلّ الوقت يسمح لبسطه فيما بعد -إن شاء الله تعالى-. نقل عنهما أيضاً التصحيح خارج صحيحهما، فنقل عن البخاري كثيراً، نقل الترمذي أنه صحح أحاديث في علله وفي سننه، وشرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله- على البخاري مملوء بتصحيحات الأئمة، كالبخاري ومسلم وأحمد وغيره، على كل حال لا حاجة للاستدارك على الصحيحين لذات الاستدراك، أما أن تجمع الأحاديث الصحيحة خارج الصحيحين مطلب، لكن ما يقال: أن البخاري أخلّ بشرطه، مسلم أخلّ بشرطه، فينتقد ويعاب عليه أنه ما خرج أحاديث ينبغي أن يخرجها لأنها على شرطه؛ لأنه ما التزم. ولم يعمّاه ولكن قلّما ... عند ابن الأخرم منه قد فاتهما فاتهما شيء كثير، ولكن قلّما عند ابن الأخرم منه قد فاتهما -ورد هذا الكلام-. ورد لكن قال يحيى البرُ ... لم يثبت الخمسة إلا النزرُ الخمسة المراد بها البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي، وفيه ما فيه أيضاً؛ لأنه فات الخمسة شيء كثير من الصحيح، يصفو من صحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، والسنن من الصحيح الشيء الكثير، وفيه ما فيه كناية عن ضعفه لقول الجعفي عن البخاري: "أحفظ منه عُشر ألف ألف" يحفظ مائة ألف حديث صحيح، والذي في كتابه شيء يسير من هذا العدد، سبعة آلاف بالمكرر، بدون التكرار ألفين وستمائة وحديثين.

(عدد ما في الصحيحين من الحديث)

لعل الأسئلة تجمع في نهاية كل درس، لتقرأ في أول الدرس الثاني؛ لأن ما نقدر. . . . . . . . . إلى وقت بين، قد يطول على الدرس الثاني الذي يليه، لكن في بداية الدرس يخصص لها عشر دقائق من اليوم اللاحق -إن شاء الله تعالى-، قد يقول قائل: إذا كان ما يحفظه البخاري من الصحيح مائة ألف، ولو جمعنا من في الصحيحين مع ما في السنن مما صح، والمسانيد والجوامع والمعاجم والمشيخات وغيرها من الكتب والفوائد ما بلغت ولا نصف هذا العدد، وين راحت الأحاديث؟ وهذا ما يحفظه إمام واحد من أئمة الحديث؟ بل فيهم من يحفظ خمسمائة ألف، ومنهم من قال: ستمائة ألف، سبعمائة ألف، أين ذهبت السنة؟ نقول: لا، الأمة معصومة من التفريط بدينها، ما فرطت بشيء يحتاج إليه، الدين محفوظ، ولذا يقول الحافظ العراقي: وعله أراد بالتكرارِ ... لها وموقوف وفي البخاري أربعة الآلاف والمكررُ ... فوق ثلاثة ونوفاً ذكروا لعل الإمام البخاري أراد التكرار؛ لأنه قد يروى الحديث من عشرين طريق، فيعتبر عشرين حديث، يروى من مائة طريق يعد مائة حديث، أيضاً الموقوفات كانوا يعدونها من الأحاديث، ما يروى عن الصحابة يعدونها من الأحاديث، فإذا ضمت إلى ما تكرر أسانيده تبلغ هذه العدة، وقد تزيد عليها بكثير. (عدد ما في الصحيحين من الحديث) قال ابن الصلاح: فجميع ما في البخاري بالمكرر: سبعة آلاف حديث ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً، وبغير تكرار: أربعة آلاف، وجميع ما في صحيح مسلم بلا تكرار: نحو أربعة آلاف. (الزيادات على الصحيحين) جميع ما في البخاري من مكرر سبعة آلاف أو تزيد قليلاً، وأيضاً صحيح مسلم بالتكرار ثمانية آلاف، أو سبعة آلاف وخمسمائة، أو اثنا عشر ألف كما قال بعضهم، البخاري قد يزيد وقد ينقص في العدد. أولاً: روايات الكتب تختلف، البخاري مروي بروايات متعددة يزيد بعضها في العدد وينقص البعض الآخر، مسلم كذلك، وإن كان أقل، أقل في التفاوت بين رواياته؛ لأن البخاري له روايات متعددة ومتباينة.

الأمر الثاني: أن المتقدمين يطلقون الأعداد بالتقريب، شوف الكتاب يقدر أنه ثمانية آلاف يقول: ثمانية آلاف، فإذا قال بعضهم: اثنا عشر ألف، وين راحت أربعة آلاف؟ ما راح شيء، كل هذا تقريب، مسند الإمام أحمد منهم من يقول: أربعين ألف، تعد على التحرير ما يصل ثلاثين، وين راحت العشرة؟ ما راحت، المتقدمون لا يرون مثل هذه الأعمال ولا يدخلون ضمن اهتماماتهم، فبدلا ًمن أن يعد المسند ثلاثين ألف حديث أو أربعين ألف حديث يحفظ مائة حديث، صار الاهتمام بالأعداد والزائد والناقص واحد واثنين .. الخ، من اهتمامات المتأخرين، نعم الترقيم له نفع وله فائدة يخدم الآخرين، لكن ليس من مقاصد المتقدمين. زاد الأمر عند بعض المتأخرين إلى عد حروف، يعني شخص من ينتسب إلى أهل العلم من أهل اليمن أشكل عليه القراءة في تفسير الجلالين، هل يقرأه يحتاج إلى طهارة أو يقرأ بدون طهارة؛ لأن الحكم للغالب؟ فعد الحروف، فعد حروف التفسير وحروف القرآن، يقول: إلى المزمل العدد واحد، من المدثر إلى آخر القرآن زادت حروف التفسير قليلاً، فانحلت عنده المشكلة، صار يقرأ التفسير من دون طهارة.

على كل حال هذا ليس من مقاصد من يحرص على وقته من الضياع، نعم من أراد أن يعتني بكتاب، ويخرجه ليستفيد منه الناس ويضع له أرقام ويفهرس لا بأس، تكون المصلحة متعدية، لكن يضيع وقته على أن يعد أرقام الأحاديث أو حروف؟ هذا تضييع للوقت، ترف، بل تجد من قال: صحيح البخاري ثمانية آلاف، ومنهم من قال: اثنا عشر ألف، كل هذا تقريب، تفاوت، عشرة آلاف حديث في مسند الإمام أحمد، كلهم تتابعوا على أن البخاري بدون تكرار أربعة آلاف، هل تولى واحد منهم عد الأحاديث بدون تكرار؟ لا، بل تولاه الحافظ ابن حجر حينما شرح الصحيح، والعدد مع الشرح أمره سهل، فبلغت الأحاديث من غير تكرار ألفين وستمائة وحديثين، من غير تكرار، فرق بين ألفين وستمائة وحديثين وبين أربعة آلاف من دون تكرار، فرق كبير، لكن الحافظ حرر في نهاية كل كتاب يذكر أحاديث الكتاب، من كتب الصحيح، لما انتهى من بدء الوحي، قال: عدد أحاديثه كذا والمكرر كذا، لما انتهى من كتاب الإيمان قال: عدد أحاديثه كذا، المرفوع منها كذا، والموقوف كذا، وتقدم كذا، والمكرر منها كذا، في النهاية ذكر العدد الإجمالي. (الزيادات على الصحيحين) وقد قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم: قلَّ ما يفوت البخاريَّ ومسلماً من الأحاديث الصحيحة، وقد ناقشه ابن الصلاح في ذلك، فإن الحاكم قد استدرك عليهما أحاديث كثيرة، وإن كان في بعضها مقال، إلا أنه يصفو له شيء كثير. قلت: في هذا نظر، فإنه يُلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما، لضعف رواتها عندهما، أو لتعليلهما ذلك، والله أعلم. أشرنا إلى قول ابن الأخرم شيخ الحاكم وأنه قال: قلّ ما يفوت الصحيحين من الأحاديث الصحيحة شيء، يعني يندر لكن هذا قول مردود، يصفو من السنن، يصفو من المستدرك، ابن حبان، ابن خزيمة، مسند الإمام أحمد، سنن البيهقي، يصفو منها صحيح كثير، فقول ابن الأخرم مردود بلا شك، أضاف النووي إلى الصحيحين السنن، وقال: لم يفت الخمسة إلا النزر، يعني القليل، وأيضاً هذا ضعيف؛ لأنه يصفو أيضاً من هذه الكتب التي ذكرناها شيء كثير.

يقول: "قلت فيه هذا نظر فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما" لذا سمى كتابه (المستدرك على الصحيحين) الاستدراك معناه التعقب، فكأنهما أخلا بما اشترطاه، هم من اشترطا الاستيعاب، ولم يشترطا أن يخرجا جميع ما صح، لا، فألزمهما بغير لازم، نعم كتابه نافع، وفيه أحاديث صحيحة كثيرة، وفيه الضعيف وفيه الموضوع، فهو واسع الخطو في شرطه على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. وقد خرجت كتب كثيرة على الصحيحين، قد يوجد فيها زيادات مفيدة، وأسانيد جيدة، كصحيح أبي عوانة، وأبوي بكر الإسماعيلي والبرقاني، وأبي نعيم الأصبهاني وغيرهم، وكتب أخر التزم أصحابها صحتها، كابن خزيمة، وابن حبان البستي، وهما خير من المستدرك بكثير، وأنظف أسانيد ومتوناً. وكذلك يوجد في مسند الإمام أحمد من الأسانيد والمتون شيء كثير مما يوازي كثيراً من أحاديث مسلم، بل والبخاري أيضاً، وليست عندهما ولا عند أحدهما، بل ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الأربعة، وهم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وكذلك يوجد في معجمي الطبراني الكبير والأوسط، ومسندي أبي يعلى والبزار، وغير ذلك من المسانيد والمعاجم والفوائد والأجزاء ما يتمكن المتبحِّر في هذا الشأن من الحكم بصحة كثير منه، بعد النظر في حال رجاله، وسلامته من التعليل المفسد، ويجوز له الإقدام على ذلك، وإن لم يَنص على صحته حافظ قبله، موافقة للشيخ أبي زكريا يحيى النووي، وخلافاً للشيخ أبي عمرو، وقد جمع الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في ذلك كتاباً سماه (المختارة) ولم يتم، كان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم، والله أعلم. وقد تكلم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على الحاكم في مستدركه فقال: وهو واسع الخطو في شرح الصحيح، متساهل بالقضاء به، فالأولى أن يتوسط في أمره، فما لم نجد فيه تصحيحاً لغيره من الأئمة، فإن لم يكن صحيحاً فهو حسن يحتج به، إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه.

قلت: في هذا الكتاب أنواع من الحديث كثيرة، فيه الصحيح المستدرك، وهو قليل، وفيه صحيح قد خرجه البخاري ومسلم أو أحدهما لم يعلم به الحاكم، وفيه الحسن والضعيف والموضوع أيضاً، وقد اختصره شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي، وبيَّن هذا كله، وجمع فيه جزءاً كبيراً مما وقع فيه من الموضوعات وذلك يقارب مائة حديث، والله أعلم. يقول: "قد خرجت كتب كثيرة على الصحيحين" هذا ما يعرف بالمستخرجات، وحقيقة الاستخراج: أن يعمد إمام من أئمة الحديث إلى كتابٍ مشهور من كتب السنة فيخرج أحاديث الكتاب بأسانيد لنفسه، بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب، يأتي إلى صحيح البخاري فيخرج أحاديث الصحيح حديثاً حديثاً بأسانيده –بأسانيد المخرج نفسه- لا بواسطة صاحب الكتاب الأصلي، من غير طريق البخاري، قد يستغلق عليه الأمر فلا يجد من طريقه، أو لا يجد الحديث مروياً من طريقه فإما أن يترك الحديث ولا يخرجه يسقطه، وإما أن يعلقه من غير إسناد، وإما أن يخرجه من طريق صاحب الكتاب وهذا على خلاف شرط المستخرج. المستخرجات كثيرة على الصحيحين وعلى غيرهما، مستخرج أبي عوانة على مسلم، مستخرج البلقاني، الإسماعيلي، أبي نعيم الأصبهاني على البخاري أو عليهما معاً، وهناك كتب كثيرة لهذا الاسم لها فوائد عظيمة. استخرجوا على الصحيح كأبي ... عوانةٍ ونحوه فاجتنبِ عزوك ألفاظ المتون لهما ... إذ خالفت لفظاً ومعنىً ربما وما تزيد فاحكمن بصحته ... فهو مع العلو من فائدته والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا يقول: ألا ترى أن ندرس معك من الكتاب فقط بعض المباحث المهمة في المصطلح لعدم وجود الوقت الكافي؟

لا شك أن الكتاب أطول من الوقت، أطول من الوقت، ولذا قد يلاحظ البعض أني في درس الأمس أريد أن أبسط وأسترسل ثم أحجم خشية من نهاية الوقت قبل أن ينتهي الكتاب، ولدينا قناعة أن الكتاب لا يكفيه أسبوع ولا أسبوعان ولا ثلاثة ولا أربعة أيضاً، لكن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه، ونذكر البعض، ننبه بعض المسائل التي ينبغي التنبيه عليها. وأما الاقتصار على قول في كل مسألة مما يذكره الحافظ بن كثير، الكتاب كما نعلم إنما هو للمتوسطين وليس للمبتدئين، مثل هذا القول يعني لو كان الكتاب النخبة مثلاً، يقتصر على القول الراجح كما اقترحه بعضهم، لكن الكتاب إنما وضع للمتوسطين وهم بحاجة إلى ذكر بعض الأقوال في كل مسألة، ولكن نحاول أن نسدد ونقارب، وننهي ما نتمكن من إنهائه، ولعل إن بقي في العمر بقية يكون باقية في دورةٍ أخرى -إن شاء الله تعالى-. هذا يقول: سمعنا أن الشيخ عبد القادر شيبة الحمد حقق رواية الهروي لفتح الباري، ما حقيقة هذه الرواية؟ وأين كانت طول الفترة الماضية؟

أولاً: رواية أبي ذر الهروي كما قرره الحافظ ابن حجر هي أتقن الروايات وأجودها لصحيح البخاري، وليست لفتح الباري، رواية أبي ذر إحدى روايات الصحيح، والصحيح له روايات كثيرة، منها: رواية أبي ذر، وهي التي اعتمدها الحافظ وشرحها في فتح الباري، والأصل أن فتح الباري ليس فيه متن، هذا الأصل؛ لأن الحافظ ترك المتن قصداً لئلا يطول الكتاب، الذين طبعوا الكتاب –أعني فتح الباري- في طبعته الأولى في بولاق ما أدخلوا المتن في الشرح، إنما وضعوه في الحاشية، ثم جاءت الطبعة الهندية فصار المتن فوق مفصول بينه وبين الشرح بخط ثم طبع في المطبعة الخيرية بعد ذلك، ووضع المتن في الحاشية، ثم طبع أيضاً في البهية بعد ذلك ثم طبعه الحلبي ثم السلفية الأولى التي أشرف عليها شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، لكن الطابع تصرف فأدخل المتن، وقد قصد الحافظ عدم ذكره لئلا يطول الكتاب، وليت الطابع الذي تصرف بحث عن النسخة الموافقة للشرح، بحث عن الرواية الموافقة للشرح؛ لأن الحافظ اعتمد رواية أبي ذر، وأشار إلى ما عداها من الروايات عند الحاجة، لذا نجد الحافظ لا يشير إلى جمعٍ من الروايات، خلافاً للقسطلاني الذي يشير إلى جميع ما جاء من الروايات في أي كلمة، ولو كان الخلاف في حرف، ولو كان الخلاف لا يترتب عليه أي فائدة، لكنه يشير إلى كل شيء، سواء كان في المتن أو في الإسناد أو في صيغ الأداء أو غيرها، وهذه الميزة يتميز بها؛ لأن الإنسان يقدر أن هذه الرواية لا تختلف عن تلك، وأنه لا يترتب على هذا الاختلاف فائدة، وهو في الحقيقة له فائدة، ويأتي من يظهر له بعض الفوائد. المقصود أن الحافظ لم يقصد إدخال المتن في الكتاب لئلا يطول الكتاب، والطابع تصرف فأدخل المتن، لكن المتن الذي أدخله ملفق، ليس على رواية واحدة، ولذا تجدون الاختلاف الكبير بين الشرح والمشروح، تجد في المتن كلمات بحاجة إلى شرح لم يتعرض لها الحافظ، وتجدون في الشرح قوله كذا، ويشرح كلمة ليست موجودة في المتن.

وكان البحث عن رواية أبي ذر أمنية قديمة إلى أن تيسرت، بحث عنها الشيخ عبد القادر -حفظه الله- ووفق إلى وجود نسخة في مكتبة الحرم المدني، لكنها ناقصة وأكملت من نسخةٍ في الأزهر. وعلى كل حال فتح الباري لا علاقة للشيخ به، بل فتح الباري الذي طبع مع صحيح البخاري رواية أبي ذر هو صورة فوتوغرافية للطبعة السلفية الثانية، التي هي أسوأ من الأولى بكثير، فليت الشيخ أراد أن يصور الكتاب صوره من السلفية الأولى، فيها أسقاط كثيرة، فيها أخطاء فصورها الشيخ وأدخل معها متن البخاري، هذه الطبعة السلفية الثانية والتي صورت فسموها ثالثة وانتشرت باسم الريان وغير الريان، موجودة في الأسواق الآن، صور عنها الشيخ، فالشيخ لا علاقة له بفتح الباري مع أن الشيخ -حفظه الله- أغفل تعليقات للشيخ عبد العزيز -رحمه الله- فلم يذكر منها شيئاً.

شرح اختصار علوم الحديث (2)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (2) موطأ مالك - إطلاق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي - مسند الإمام أحمد - الكتب الخمسة وغيرها الشيخ/ عبد الكريم الخضير فصورها الشيخ وأدخل معها متن البخاري، هذه الطبعة السلفية الثانية التي صورت فسموها ثالثة، وانتشرت باسم الريان وغير الريان، موجودة في الأسواق الآن، صور عنها الشيخ، فالشيخ لا علاقة له بفتح الباري مع أن الشيخ -حفظه الله- أغفل تعليقات للشيخ عبد العزيز -رحمه الله- فلم يذكر منها شيئاً، تعليقات الشيخ -رحمه الله- محررة ومتقنة وفي مواضعها مختصرة ما تثقل الكتاب، وعذر الشيخ أنه طلب الإذن من أبناء الشيخ فما جاءه الجواب فطبع الكتاب، صور الكتاب. على كل حال هذا اجتهاده، وأولى من تصوير السلفية الأولى لو صور بولاق، ووضع المتن في الحاشية، وهذا أمره سهل؛ لأن المتن مطبوع بحاشية الطبعة الأولى التي هي بولاق، يلصق ملصقات على المتن وينتهي الإشكال، كما فعل في تصويره لفتح الباري السلفية الثانية، على كل حال هذا كنز الذي عثر عليه الشيخ، ويؤجر -إن شاء الله- على ذلك، لكن لو طبع البخاري مفرد بهذه الرواية بتمامها مفرد من غير شرح كان أولى وأخف في الحمل؛ لأن اقتناء الكتاب مرة ثانية من أجل المتن هذا أيضاً يثقل الكاهل، بقي أن نشير إلى أن أجود طبعات الصحيح هي طبعة بولاق سنة 1313هـ، وهي التي اعتنى بها الحافظ البوليني -رحمه الله-، قرأ البخاري مراراً على ابن مالك، الإمام النحوي المشهور، قرأ عليه اختلاف الروايات واختار له ما يجعله في صلب الكتاب، وما يشير إليه في الحاشية، ورمز إلى ذلك برموز، تعب على الكتاب تعب، الله يكافئه عليه. هذا يقول: هل الحديث الحسن الصحيح عند الترمذي أقل أو أعلى من درجة الصحيح؟ هذه مسألة تأتي -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما رأيكم بطبعة كتاب الباعث مع تعليقات الألباني وهي التي بأيدي الطلبة؟ طبعة جيدة، طبع المرة الأولى في مطبعة العاصمة، وطبعة طيبة، طيبة في الجملة، لكن حجمها كبر شوي وإلا هي طبعة طيبة.

يقول: في مسألة الزيادات على الصحيحين اعتراض ابن كثير في قوله: "فيه نظر" موافقةً للأخرم، أو أنه يعترض على تمثيل ابن الصلاح في مستدرك الحاكم؟ يأتي -إن شاء الله تعالى-. يقول: طالب العلم لا يستطيع أن يحيط بكل الكتب والمتون في كل فن، ما هو أفضل كتاب ومتن يحتاجه طالب علم حتى يلم بمباحث علم المصطلح، خاصةً غير المتخصصين؟ على كل حال الكتب مثل ما أشار السائل كثيرة جداً، والإحاطة بها متعذرة، وأشد من ذلك الإحاطة بالطبعات، لمن أراد أن يقتني أكثر من طبعة ليصحح الأخطاء مثلاً، فالإحاطة سواء في الجمع –جمع الكتب- أو الطبعات كل هذا شبه متعذر؛ لأن السبل تيسرت -ولله الحمد- الآن لإخراج هذه الكتب، والمطابع أقول: تدفع إلى الأسواق بكمياتٍ هائلة حتى لا يتمكن الطالب من المفاضلة بينها فضلاً عن أن يقتنيها، وكل علم له أهله، يمكن أن يستشير أهل الاختصاص في كل علم، أما بالنسبة للمصطلح الذي أشار إليه، الطالب غير المتخصص الذي أشار إليه السائل، يقتصر مثلاً على النخبة وتوضيحها مع الأشرطة التي توجد عليها في الأسواق، وإن اعتنى بكتاب الحافظ ابن كثير فهو أيضاً طيب. أما ما يشير به كثير من الإخوان، البيقونية فالبيقونية مجرد فهرس، ليس فيها شيء يذكر من علم الحديث، أربعة وثلاثين بيت، ما يختص في علم الحديث، خمسة وستين نوع من أنواع علوم الحديث، نظم النخبة في مائتي بيت وبيت أو بضعة أبيات على اختلاف النسخ لا بأس به، وهو مشروح، وعليه أشرطة، ولله الحمد، ومتيسر، فليعتنى به.

بالنسبة للزيادات على الصحيحين بدأنا بها بالأمس، عرفنا قول ابن الأخرم وهو قوله: "قلما يفوت البخاري ومسلم من الأحاديث الصحيحة" لكنه قول مردود على ما تقدم، يقول: "وقد ناقشه ابن الصلاح في ذلك فإن الحاكم قد استدرك عليهما أحاديث كثيرة، وإن كان في بعضها مقال، إلا أنه يصفو له شيء كثير، قلت: في هذا نظر" يعني في هذا الاستدراك نظر، في هذا الاستدراك من الحاكم نظر، والسبب؟ يقول: "فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما لضعف رواته عندهما" لأن الحاكم في خطبة الكتاب قال: "وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقاة احتج بمثلها الشيخان" نقول: هذه المثلية غير متحققة لوجود الضعيف وهو كثير في المستدرك، والموضوع أيضاً موجود، المقصود أن الاستدراك من الحاكم لا يلزم الشيخان، وإن كان كتاب الحاكم نافع، وفيه أحاديث كثيرة صحيحة وحسنة، لكن هو يريد أن يصف الكتاب في مصاف الصحيحين، لا، لا نسبة بينهما، ابن حبان أمثل منه بكثير، أمثل منه بكثير، ابن خزيمة أمثل من ابن حبان أيضاً، ومع ذلك فيه الضعيف. يقول: "قلت: في هذا نظر، فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما لضعف رواتها عندهما" وإن كان الحاكم يرى أن الرواة ثقاة على الخلاف في مراده بالمثلية، احتج في مثلها الشيخان، هل هي المثلية الحقيقية التي تقتضي أن الرواة غير الرواة، رواة المستدرك غير رواة الصحيحين، وإنما هم مثلهم؛ لأن مثل الشيء ليس الشيء نفسه، أو أن المراد بالمثلية على ما يقول الحافظ ابن حجر وغيره: استعمال المثلية في أعم من الحقيقة والمجاز فتكون المثلية على حقيقتها حينما يخرج الحديث عن غير رواة الصحيحين، بل عن مثلهم، أو تكون من غير حقيقة إذا خرج عنهم أنفسهم. على كل حال الكلام في هذا يطول، ومستدرك الحاكم عليه استدراك كبير، وللحافظ الذهبي عليه أيضاً تعليقات نفيسة، وكلام الحافظ الذهبي عليه استدراك، ابن الملقن، وكلام ابن الملقن عليه استدراك، وما يسلم أحد، والله المستعان.

المستخرجات التي بدأنا بالكلام عليها عرفنا الاستخراج: أن يعمد حافظ إلى كتاب من كتب الحديث فيخرج أحاديث الكتاب بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب، والمستخرجات كثيرة ذكر منها صحيح أبي عوانة، وهو مستخرج عن صحيح مسلم، أبو بكر الإسماعيلي، البرقاني، أبو نعيم الأصبهاني على البخاري وعليهما. واستخرجوا على الصحيحِ ... كأبي عوانةٍ ونحوه فاجتنب عزوك ألفاظ المتون لهما ... إذ خالفت لفظاً ومعنىً ربما فائدة المستخرجات: الزيادة في قدر الصحيح؛ لأن فيها ألفاظ زائدة على ما في الصحيح فتؤخذ من هذه المستخرجات، لذا قال: وما تزيد فاحكمن بصحته ... فهو مع العلو من فائدته وليس القول بصحة ما زاده صاحب المستخرج على إطلاقه، بل فيها ما هو غير صحيح من الحسن والضعيف، فهو مع العلو من فوائد المستخرجات العلو؛ لأن الصحيح قد يخرج من طريق النازل فيخرجه المستخرج من طريق أعلى، ومن فوائده -وهو من أهم الفوائد- تصريح المدلسين بالسماع والتحديث، وأخبارهم في الصحيحين بالعنعنة مثلاً، ومن فوائدها: تمييز المهمل من الرواة، قد يقول البخاري: حدثنا محمد فينسب في المستخرج، وهكذا، إلى فوائد أوصلها السخاوي في نكته على الألفية وشرحها إلى عشرين، عشرين فائدة، لكن هذه النكت مفقودة، وكتب أخر التزم أصحابها صحتها كابن خزيمة وابن حبان البستي وهما خير من المستدرك بكثير، وأنظف أسانيد ومتون بلا شك. وخذ زيادة الصحيح إذ تُنصُ ... صحته أو من مصنف يخصُ بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... وابن خزيمةٍ وكالمستدركِ على تساهل وقال ما انفردْ ... به فذاك حسن ما لم يردْ

أيضاً يوجد في السنن في مسند أحمد يصفو من ذلك الأحاديث الصحيحة الشيء الكثير، أيضاً في معجم الطبراني الكبير والأوسط، وأيضاً مسند أبي يعلى والبزار وغيرها من كتب الحديث من المعاجم والمشيخات والفوائد وغيرها يصفو منها حديث صحيح كثير؛ لكن على طالب العلم أن يعتني بالأهم؛ لأننا نرى بعض الطلاب مثلاً يعتني بالفوائد مثلاً، وهو لم يختم الصحيحين بعد، أو ختم الصحيحين لكنه لم يرقَ بعد ذلك إلى السنن مثلاً، بعضهم يهتم بالأجزاء ويترك الكتب المهمة مثل البيهقي، البيهقي يكاد يحيط بأحاديث الأحكام فعلينا أن نبدأ بالأهم فالأهم. بالمهم المهم ابدأ لتدركه، الشيخ الحافظ الحكمي -رحمه الله-: وبالمهم الهم ابدأ لتدركهُ ... وقدمّ النص والآراء فاتهمِ العمر قصير والعلم طويل، العلم ما ينتهي، فلنبدأ بالأهم، مقدمين في ذلك كلام الله -سبحانه وتعالى-. يقول: "ما يتمكن المتبحر في هذا الشأن من الحكم بصحة كثير منه، بعد النظر في حال رجاله، وسلامته من التعليل المفسد". يعني ينظر في رجاله من حيث العدالة والضبط، وأيضاً من حيث الاتصال والانقطاع، ويجوز له الإقدام على ذلك، يجوز للمتأهل أن يقدم على التصحيح والتضعيف، له أن يقدم على التصحيح والتضعيف، وباب الاجتهاد مفتوح في كل العلوم، مفتوح ولله الحمد، والأجر مرتب على العلم إنما ينال بالاجتهاد؛ لأن المقلد فيما قرره ابن عبد البر وغيره ليس من أهل العلم، فباب الاجتهاد في الاستنباط مفتوح للمتأهل، ونؤكد على هذا، وباب التصحيح والتضعيف مفتوح للمتأهل أيضاً؛ لئلا يتطاول صغار الطلبة، فيصححوا ويضعفوا وينتقدوا كبار الأئمة، وهم ليسوا بشيء، وإن لم ينص على صحته حافظ قبله موافقةً لأبي زكريا النووي، وخلافاً للشيخ أبي عمر الذي يرى انقطاع التصحيح والتضعيف في العصور المتأخرة. وعنده التصحيح ليس يمكنُ ... في عصرنا وقال يحيى ممكنُ

يحيى النووي، على كل حال هذا للمتأهل دون غيره، ولا يعني هذا أن غير المتأهل لا يزاول التصحيح والتضعيف للتمرين، بل عليه أن يخرج وعليه أن يدرس الأسانيد ويحكم ويعرض، ولا يبادر ولا يسرع في النشر للناس، لا، عليه أن يتأنى، يعني مرحلة التمرين شيء لا يمنع منه أحد، بل لا يمكن أن يتخرج طالب الحديث حتى يتمرن على التخريج ودراسة الأسانيد ويعرض على من يثق بعلمه فيسدده، هناك كتاب اسمه (المختار) للضياء المقدسي، وهو كتاب نفيس، وهو كتاب ناقص، طبع منه أكثر من عشرة مجلدات، حق عشرة أو اثني عشر. يقول: "كان بعض الحفاظ من مشايخنا -وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بلا شك- يرجحه على مستدرك الحاكم" وهو أنظف أسانيد من مستدرك الحاكم، وقد تكلم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على مستدرك الحاكم، فقال: "وواسع الخطو في شرح الصحيح -أو في شرط الصحيح في بعض النسخ- متساهل بالقضاء به فالأولى أن يتوسط في أمره، فما لم يرد فيه تصحيحاً لغيره من الأئمة فإن لم يكن صحيحاً فهو حسن" هذا رأي ابن الصلاح في جميع الكتب ما عدا الصحيحين، الكتب المعتمدة عند أهل العلم، السنن مثلاً يتوسط في أمرها، ما الداعي إلى هذا التوسط؟ الداعي قفل باب الاجتهاد، سد باب الاجتهاد، نقول: ما دام الاجتهاد ما هو ممكن نترك الأحاديث، هذه الأحاديث التي لم ينص على صحتها نتركها، وإلا نتوسط في أمرها ونقول: هي أحاديث حسنة؟ هذا الكلام فيه ما فيه، فكم من حديث لم ينص الأئمة على تصحيحه يبلغ مرتبة الصحيح، وكم من حديث لم ينص الأئمة على ضعفه وهو ضعيف، بل ما سكت عنه أبو داوود مما قرر أهل العلم أنه صالح وحسن، كم من حديث مسكوت عنه وهو صحيح، وكم من حديث مسكوت عنه وهو ضعيف، بل شديد الضعف.

"قلت: في هذا الكتاب أنواع من الحديث كثيرة؛ فيه الصحيح المستدرك" يعني ما هو على شرط الشيخين، "وهو قليل، وفيه صحيح قد خرجه البخاري ومسلم أو أحدهما" وهذه غفلة من الحاكم؛ لأن الحاكم أراد أن يستدرك ما لم يخرج الشيخان، فذكر بعض الأحاديث التي أخرجها الشيخان، لم يعلم به الحاكم، وفيه الحسن والضعيف والموضوع أيضاً، وفيه فضائل علي -رضي الله عنه- من الموضوعات شيء، يقول: أن الموضوعات تقارب المائة –مائة حديث- ولو قيل بأنها أكثر من مائة لما بعد، فالحاكم واسع الخطو في شرح الصحيح أو شرطه، نعم. يقول: متى يتأهل طالب الحديث للحكم على الأحاديث، هل يكفي أن يكون متخرجاً في قسم السنة وعلومها في أي جامعة من الجامعات؟ لا، قد يتخرج الطالب وهو شبه عامي، نعم الدراسة النظامية تؤهل الطالب لأن يكون باحث يحسن التعامل مع الكتب ويرجع إلى المسائل التي يريدها؛ لكن قد يتخرج وهو لا يحسن شيء، لاعتماده مثلاً على مذكرات أو لضعف حافظته قرأ ليلة الامتحان ووفق ومشى، لكن ليس معنى هذا أنه تأهل، لا، إذا زاول المهنة، إذا صحح وضعف عدد كبير من الأحاديث وعرضها على أهل العلم، أهل الشأن وأجازوه، نعم إذا أجازوه فإنه حينئذٍ يكون متأهل للحكم على الأحاديث، ونصيحتي لكل طالب علم أن لا يجرؤ على التصحيح والتضعيف، ولا يبادر ولا يسارع به ولا بإخراج إنتاجه وعمله، لا مانع أن يصحح ويضعف ويدرس ويخرج، إلى أن يتخرج ويشهد له بالمعرفة ويطمئن إلى عمله، والله المستعان، كم من عمل في السوق وهو سبة في وجه صاحبه. واحد من الإخوان يذكر أنه رأى تعليق على كتاب الأحاديث لابن عمر حينما طلق امرأته وهي حائض: ((مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر)) يقول: وهذا لما كانت العدة قبل الطلاق، ولا كلام إيش نقول؟ العوام ما يمكن يقولون مثل هذا الكلام، ما يمكن يقول العامي مثل هذا الكلام، العامي يعرف قدر نفسه، والله المستعان، ومثل هذا كثير في السوق، كل هذا سببه الجرأة، طالب العلم يحتاج إلى أن يدرس الأدب كيف يتأدب مع أهل العلم؟ وكيف يعرف قدر نفسه؟ وإن أسعف الوقت ووصلنا آداب طالب الحديث بسطنا الكلام في ذلك، والله المستعان. بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-: موطأ مالك "تنبيه": قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله-: "لا أعلم كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك"، إنما قاله قبل البخاري ومسلم، وقد كانت كتب كثيرة مصنفة في ذلك الوقت في السنن، لابن جريح، وابن إسحق -غير السيرة- ولأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، ومصنف عبد الرزاق بن همام، وغير ذلك، وكان كتاب مالك، وهو الموطأ، أجلها وأعظمها نفعاً، وإن كان بعضها أكبر حجماً منه وأكثر أحاديث، وقد طلب المنصور من الإمام مالك أن يجمع الناس على كتابه، فلم يجبه إلى ذلك، وذلك من تمام علمه واتصافه بالإنصاف، وقال: "إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها". وقد اعتنى الناس بكتابه الموطأ، وعلقوا عليه كتباً جمة، ومن أجود ذلك كتابا: (التمهيد – والاستذكار) للشيخ أبي عمر بن عبد البر النَّمَري القرطبي -رحمه الله-، هذا مع ما فيه من الأحاديث المتصلة الصحيحة والمرسلة والمنقطعة والبلاغات اللاتي لا تكاد توجد مسندة إلا على ندور. لما تقدم الكلام على الصحيحين وأنهما أصح الكتب بعد كتاب الله ذكر المؤلف الحافظ -رحمه الله- قول الشافعي وأنه لا يعلم كتاباً في العلم أكثر صواباً من موطأ مالك، قد يقول قائل: كيف تقولون: أن الصحيحين أصح الكتب والشافعي يقول كذا؟ مقالة الشافعي كانت قبل وجود الكتابين، هناك كتب مصنفة وهناك موطئآت، وهناك سنن، وهناك مصنفات لمن قبل الإمام مالك وعاصر من معاصريه، لكن لم يكتب لها من الشهرة ما كتب لموطأ الإمام مالك، كما أن من شيوخ الإمام مالك من لم يكتب له من الشهرة ما كتب للإمام مالك نجم السنن، فهذا العلم إنما يكتب له البقاء بالإخلاص، وكل ما كان الإخلاص فيه أكثر كان أبقى وأنفع؛ لأن من دل على خير فله مثل أجر فاعله، فكم استفاد من موطأ الإمام مالك من شخص من المالكية وغيرهم، وللإمام مالك مثل أجورهم، وهكذا بقية المصنفين.

(إطلاق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي)

كتاب الإمام مالك هو أجلّ هذه الكتب المتقدمة وأعظمها نفعاً بلا شك، فيه الأحاديث الصحيحة المسندة، وإن كان الكتاب ليس بالكبير، فيه البلاغات والمنقطعات والمراسيل، ولا يستدرك على الإمام مالك في ذلك؛ لأنه يرى حجية المرسل، وهذه البلاغات وصلها ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد سوى أربعة أحاديث، كما هو معروف، اعتنى أهل العلم بالموطأ عناية فائقة لإمامة مؤلفه، ولعظم نفعه، ولاختصاره أيضاً يعني شرحه متيسر، فابن عبد البر -رحمه الله- النمَري بفتح الميم نسبة إلى النمر بكسرها، والقاعدة أن ما كسر ثانيه يفتح في النسبة، النمِر نمَري، سلِمة سلَمي، ملِك ملَكي، وهكذا. كتابا (التمهيد والاستذكار) لابن عبد البر من أنفس ما كتب في شروح الأحاديث، والإمام ابن عبد البر -رحمه الله- مكث ثلاثين سنة في تأليف التمهيد، ولذا جاء على هذا الوضع المتقن المحرر، وهو يعتني في هذا الكتاب بالمعاني، معاني الأحاديث وأسانيدها والروايات، وكتابه الآخر (الاستذكار) وهو أيضاً من أجود ما كتب في فقه السنة، وعناية المؤلف فيه بالفقه، وأقوال فقهاء الأمصار، هناك شروح أخرى للموطأ جيدة ونفيسة، (المنتقى) للباجي، (أوجز المسالك) للكندهلوي، كتاب طيب مطبوع متداول، (تنوير الحوالك) كتاب مختصر للسيوطي، شرح الزرقاني شرح متوسط، وهناك شرح لولي الله الدهلوي اسمه (المسوى شرح الموطأ) وله شرح آخر اسمه (المصفى) لكنه بالفارسية، أما (المسوى) هو بالعربية كتاب نافع على اختصاره الشديد. فالمسألة مفترضة في موطأ الإمام مالك وهو مالكي، ففيه أقوال الإمام مالك وفقه الإمام مالك، أضاف إليه قول الحنفية والشافعية، وأهمل المذهب الرابع وهو مذهب الإمام أحمد، فلا شك أنه يستفاد منه في أقوال الشافعية والحنفية، إضافةً إلى قول مالك، وأما مذهب الإمام أحمد فيعلق على الكتاب من كتب الحنابلة، وهي موجودة ومتداولة، وفيه لفتات وتنبيهات لطيفة. (إطلاق اسم الصحيح على الترمذي والنسائي)

وكان الحاكم أبو عبد الله والخطيب البغدادي يسميان كتاب الترمذي: الجامع الصحيح، وهذا تساهل منهما فإن فيه أحاديث كثيرة منكرة، وقول الحافظ أبي علي بن السكن، وكذا الخطيب البغدادي في كتاب السنن للنسائي: إنه صحيح، فيه نظر، وأن له شرطاً في الرجال أشد من شرط مسلم غير مسلَّم، فإن فيه رجالاً مجهولين: إما عيناً أو حالاً، وفيهم المجروح، وفيه أحاديث ضعيفة ومعللة ومنكرة، كما نبهنا عليه في (الأحكام الكبير). السنن الأربعة لأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة تأتي في المرتبة الثانية بعد الصحيحين، ويأتي بعد ذلك المسانيد، وكونها في المرتبة الثانية لاشتمالها على الصحيح وهو كثير، والحسن وهو أكثر، وفيها الضعيف، وإن كان من أهل العلم من أطلق عليها الصحاح، كالحافظ السلفي وغيره، الحاكم والخطيب يسميان كتاب الترمذي: الجامع الصحيح، وسمي كتاب النسائي صحيح النسائي. ومن عليها أطلق الصحيحا ... فقد أتى تساهلاً صريحا كيف يقال: الصحيح وفيه أحاديث ضعيفة كثيرة، هذا تساهل بلا شك، ففيها الأنواع الثلاثة، من الصحيح والحسن والضعيف، يأتي بعد ذلك المسانيد كمسند الإمام أحمد، والطيالسي، وغيرها، وهي في الرتبة دون السنن، ولذا يقول الحافظ العراقي: ودونها في رتبةٍ ما جعل ... على المسانيد فيدعى الجفلا كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي انتقدا والسبب أن المصنف في السنن يترجم بأحكام، جواز كذا، تحريم كذا، ثم يذكر تحت الترجمة أقوى ما يجد من الأحاديث، أما صاحب المسند فإنه يترجم بأسماء الصحابة فيذكر من أحاديثهم ما وقع له كيفما اتفق، ولذا صارت رتبتها دون السنن، ولذا يقول: ودونها في رتبةٍ ما جعل ... على المسانيد فيدعى الجفلا والكلام في مسند الإمام أحمد، وكلام شيخ الإسلام عليه كثير، وأنه أجود من شرط أبي داود، أو هو المساوي لشرط أبي داوود. (مسند الإمام أحمد)

وأما قول الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني عن مسند الإمام أحمد: إنه صحيح: فقول ضعيف، فإن فيه أحاديث ضعيفة بل موضوعة، كأحاديث فضائل مرو، وشهداء وعسقلان، والبِرث الأحمر عند حمص، وغير ذلك، كما قد نبه عليه طائفة من الحفاظ، ثم إن الإمام أحمد قد فاته في كتابه هذا -مع أنه لا يوازيه كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته- أحاديث كثيرة جداً، بل قد قيل: إنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصحيحين قريباً من مائتين. مسند الإمام أحمد من أعظم دواوين الإسلام، ومن أكبر كتاب السنة وأجلها، وفيه من الأحاديث ما يقرب من ثلاثين ألف، وإن قيل كما نبهنا أمس أنه فيه أربعين ألف، هذا المسند إطلاق الصحيح عليه لا شك أنه قول ضعيف، فيه أحاديث ضعيفة كثيرة، وفي هذا لا تتجاوز النسبة فيه النسبة التي في السنن، ففيه أحاديث ضعيفة بل فيه موضوعة، يقول: كحديث فضائل مرو، وعسقلان، والبرث الأحمر عند حمص، الأرض اللينة السهلة هذا البرث، وغير ذلك وقد نبه عليه طائفة من الحفاظ. الحافظ العراقي صنف في موضوعات المسند، وذكر فيه تسعة أحاديث، والحافظ ابن حجر أيضاً ذكر هذه الأحاديث وذيل عليها، والسيوطي كذلك، والمدراسي أيضاً له زيادات، قد تصل الأحاديث إلى أربعين حديثاً كلها موضوعة، ودافع الحافظ ابن حجر عن المسند دفاعاً طيباً من مثله، وهو حافظ من حفاظ السنة، وذكر هذه الأحاديث وأجاب عنها واحداً واحداً، في كتابه (القول المسدد في الذب عن المسند) وذكر أن دفاعه عن المسند إنما هو دفاع عن السنة، لا لشخص الإمام أحمد؛ لأن الدفاع عن مثل هذا الكتاب الكبير قربة إلى الله -سبحانه وتعالى-، وهو دفاع عن السنة، فما بالكم بالدفاع عن الصحيحين الذين هما أصح الكتب المصنفة، إذا تطاول عليهم أحد فما دونهما من باب أولى، وقد امتدت بعض الأيدي إلى الصحيحين بالتصحيح والتضعيف، والبخاري ومسلم ليسا بمعصومين، وجد عندهم بعض الأحاديث التي تكلم عليها بعض الحفاظ وهي نادرة، يسيرة، بالنسبة لما اشتمل عليه الصحيحان من الأحاديث الصحيحة، والغالب أن الصواب مع الشيخين، مما يدرك من مظانه.

المقصود أن الدفاع عن المسند للحافظ بن حجر كتاب نفيس، ينبغي الإطلاع عليه، اسمه (القول المسدد في الذب عن المسند) له ذيل للسيوطي، وله ذيل آخر لصبغة الله المدراسي، ذكروا فيه الأحاديث المنتقدة في المسند، وأجابوا عن بعضها حسب الإمكان. يقول: "ثم إن الإمام أحمد قد فاته في كتابه هذا مع أنه لا يوازيه مسند –نعم اللهم إلا أن كان مسند بقي بن مخلد- في كثرته وحسن سياقاته" نعم، الإمام أحمد ممن يعتني بالألفاظ سواء كانت في المتون والأسانيد، وممن يفرق بين صيغ الأداء، فهو نظير الإمام مسلم في هذا، فيه أحاديث كثيرة جداً، أو فاته أحاديث كثيرة جداً، "بل قد قيل: أنه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في الصحيحين قريباً من مائتين" هذا الكلام ليس بصحيح، فاته من الصحابة نزر يسير، قليل. (الكتب الخمسة وغيرها) وهكذا قول الحافظ أبي طاهر السِّلَفي في الأصول الخمسة، يعني البخاري ومسلماً وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، إنه اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب، تساهل منه، وقد أنكره ابن الصلاح وغيره، قال ابن الصلاح: وهي مع ذلك أعلى رتبة من كتب المسانيد، كمسند عبد بن حُميد، والدارمي، وأحمد بن حنبل، وأبي يعلى، والبزار، وأبي داود الطيالسي، والحسن بن سفيان، وإسحاق بن راهويه، وعبيد الله بن موسى، وغيرهم، فإنهم يذكرون عن كل صحابي ما يقع لهم من حديثه. نعم هي مع ذلك أعلى رتبة، يعني كتب الخمسة في السنن، الكتب الخمسة يعني الصحيحين مع السنن، والخلاف في السادس عند أهل العلم معروف والأكثر على أنه ابن ماجة لكثرة زوائده، وأما ابن الأثير فجعل الثلاثة الموطأ، ومنهم من جعل الدارمي بدل الموطأ، "وهي مع ذلك أعلى رتبة من كتب المسانيد كمسند عبد بن حميد والدارمي" الدارمي سنن مرتبة على الأبواب وليس على المسانيد، نعم له مسند، لكن هذا المسند مفقود من قبل ابن الصلاح، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-: ودونها في رتبةٍ ما جعل ... على المسانيد فيدعى الجفلا كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي اُنتقدا انتقد عليه، عده للدارمي مع المسانيد لأنه سنن. (التعليقات التي في الصحيحين)

وتكلم الشيخ أبو عمرو على التعليقات الواقعة في صحيح البخاري، وفي مسلم أيضاً، لكنها قليلة، قيل: إنها أربعة عشر موضعاً، وحاصل الأمر: أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عنه، ثم النظر فيما بعد ذلك، وما كان منها بصيغة التمريض فلا يستفاد منها صحة ولا تنافيها أيضاً؛ لأنه وقع من ذلك كذلك وهو صحيح، وربما رواه مسلم، وما كان من التعليقات صحيحاً فليس من نمط الصحيح المسند فيه؛ لأنه قد وسم كتابه بـ (الجامع المسند الصحيح المختصر في أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه). فأما إذا قال البخاري: "قال لنا" أو "قال لي فلان كذا"، أو "زادني" ونحو ذلك، فهو متصل عند الأكثر، وحكي ابن الصلاح عن بعض المغاربة أنه تعليق أيضاً، يذكره للاستشهاد لا للاعتماد، ويكون قد سمعه في المذاكرة، وقد رده ابن الصلاح بأن الحافظ أبا جعفر بن حمدان قال: إذا قال البخاري: "وقال لي فلان" فهو مما سمعه عَرْضاً ومناولة، وأنكر ابن الصلاح على ابن حزم رَدَّه حديث الملاهي حيث قال فيه البخاري: "وقال هشام بن عمار"، وقال: أخطأ ابن حزم من وجوه، فإنه ثابت من حديث هشام بن عمار. قلت: وقد رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وخرجه البرقاني في صحيحه، وغير واحد مسنداً متصلاً إلى هشام بن عمار وشيخه أيضاً، كما بيناه في كتاب (الأحكام) ولله الحمد. التعليقات أو المعلقات وحقيقة المعلق: ما حذف من مباديء إسناده من قبل المصنف راوٍ أو أكثر، إن حذف الشيخ فقط هذا معلق، إن حذف الشيخ وشيخه أيضاً معلق، حذف جميع الإسناد معلق، اختصر على الصحابي فقط معلق، وهكذا، يقولون: إنه مأخوذ من تعليق الجدار والطلاق، رجح ابن حجر أخذه من تعليق الطلاق، وشيخه البلقيني على خلافه، يعني رجح أنه من تعليق الجدار، إيش معنى تعليق الجدار؟ هل المقصود تعليق الجدار أو التعليق على الجدار؟ مأخوذ من تعليق الجدار؟ طالب: التعليق على الجدار.

لكن هو رجح أن يكون مأخوذ من تعليق الجدار، ابن حجر رجح أن يكون مأخوذ من تعليق الطلاق، وأقول: لا هذا ولا ذاك، بل هو مأخوذ من تعليق المرأة، إيش معنى تعليق الطلاق؟ إن فعلت كذا فأنتِ طالق وهكذا، لكن تعليق المرأة التي قال الله -سبحانه وتعالى- عنها: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [(129) سورة النساء] معلقة ليس ذات زوج، وليست مطلقة، نعم، أنه أخذ من هذا صحيح، مثل الشيء المعلق الذي لا يعتمد على الأرض، بل بينه وبين الأرض فراغ، وهو أيضاً يمكن أخذه من التعليق على الجدار، ليس من تعليق الجدار، {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [(129) سورة النساء] يعني ليست بذات زوج ولا مطلقة، لعل المراد بتعليق الطلاق هذا، كما أنه لعل المراد من قوله: تعليق الجدار التعليق على الجدار.

يقول: "تكلم الشيخ أبو عمرو على التعليقات الواقعة في صحيح البخاري ومسلم أيضاً، لكنها قليلاً، قيل: أنها أربعة عشر موضعاً" معلقات مسلم لا داعي لبحثها، لماذا؟ لأنها كلها موصولة بالصحيح نفسه، في صحيح مسلم كلها موصولة، أولاً: هي قليلة أربعة عشر حديث، وكلها موصولة في الصحيح نفسه إلا واحد، وهذا الواحد موصول في صحيح البخاري، إذاً نحتاج إلى بحث معلقات صحيح مسلم، ما نحتاج إلى بحث؟ الكلام في معلقات صحيح البخاري، وعدتها ألف وثلاثمائة وأربعين أو واحد وأربعين حديث، وكلها موصولة في الصحيح نفسه عدا مائة وستين، أو مائة وتسعة وخمسين، والكلام في هذا القدر بمائة وتسعة وخمسين أو مائة وستين، لأن ما وصل في الصحيح لا داعي للكلام فيه، الكلام فيما لم يوصل من معلقات البخاري، وهي قليلة بالنسبة لحجم الكتاب، وهذه تنقسم إلى قسمين، منها: ما صدر بصيغة الجزم، قال فلان، ذكر فلان، حكى فلان، قالوا: هذه صحيحة إلى من علقت عنه، وقال مالك عن نافع عن ابن عمر، هذا معلق عن مالك، في واسطة بين البخاري ومالك، لكن إذا جزم نقول: هذا صحيح إلى مالك، يبقى النظر فيمن أبرز، النظر في مالك لا يحتاج، كذلك نافع وابن عمر، لكن لو قال البخاري يروى عن مالك عن نافع عن ابن عمر، هذه يسمونها صيغة التمريض، وهذه لا يستفاد منها لا صحة ولا ضعف، بل وجد منها ما هو صحيح، ووجد منها ما هو ضعيف ضعف منجبر، وأما الضعيف الضعف الذي لا ينجبر، فإن الإمام البخاري يبينه، مثل قول البخاري: "ويذكر عن أبي هريرة رفعه: ((لا يتطوع الإمام في مكانه)) ولم يصح"، الضعيف الذي ضعفه لا ينجبر يتعقّبه البخاري -رحمه الله تعالى-، يقول: "حاصل الأمر أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فهو صحيح إلى من علقه عنه ثم النظر فيما بعد ذلك، ومنها ما كان بصيغة التمريض فلا يستفاد منه صحة ولا تنافيها؛ لأنه قد وجد ما صدر بصيغة التمريض وهو صحيح" نعم وجد ما علق بصيغة التمريض وهو مخرج في صحيح مسلم، يقول: "وما كان من التعليقات صحيح فليس من نمط الصحيح المسند فيه -يعني مما لم يوصل في الصحيح- لأنه قد وسم كتابه بالجامع المسند -يعني الذي ذكرت فيه الأسانيد- المختصر في أمور رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- وسننه وأيامه. أما إذا قال البخاري: قال لنا" أو قال، إذا عزا لشيخه بقال، قال محمد بن بشار، وهو شيخه، قال هشام بن عمار، وهو شيخه، روى عنه أحاديث بصيغة التحديث، قال: حدثنا هشام بن عمار في خمسة مواضع، الأكثر على أنه موصول متصل، وإن (قال) مثل (عن) محمولة على الاتصال بالشروط المعروفة عند أهل العلم، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-: . . . . . . . . . ... عنعنةٍ كخبر المعازفِ أما الذي عزا لشيخه بقال فكذي ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ فغاية هذه الصيغة أنها مثل عن، وإن قال بعضهم أنه معلق؛ لأنه لو كان رواه عن شيخه مباشرة لقال: حدثنا كالجادة، ولذا علّم الحافظ المزي على حديث المعازف بعلامة التعليق (خ ت)، وعلى كل حال لو قلنا: أنه معلق وقد جزم به إلى هشام بن عمار، قال هشام بن عمار فهو صحيح أيضاً، وهو مخرج في سنن أبي داود وغيره من كتب السنة، بأسانيد صحيحة. طالب:. . . . . . . . . يصبح موصول؟ هو موصول بلا شك، سواء عند البخاري أو غيره، فعلى القول بأنه معلق هو معلق بصيغة الجزم. طالب:. . . . . . . . . صحيح، على كل حال الحديث صحيح، ولذا قال: . . . . . . . . . ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ ابن حزم حكم على جميع الأحاديث الواردة في الغنا بأنها موضوعة، وهذا تأييداً لرأيه وقوله في إباحة الغناء، المقصود أن بعضهم قال: إذا قال البخاري: قال لنا، أو قال لي فلان أو زادني في ذلك فهو متصل، وبعضهم يزعم أن البخاري لا يقول ذلك إلا فيما سمعه في حال المذاكرة، لا على جهة التحديث، إذا سمع من شيخه خبراً مذاكرة، لا على سبيل التحديث فإنه يقول: قال لنا، لكن الحافظ ابن حجر وغيره يقولون: لا يوجد ما يدل على هذا، أبو جعفر بن حمدان يرى أن البخاري إذا قال: قال لي فلان فإنما هو مما سمع عرضاً ومناولة، العرض القراءة على الشيخ، وهي من طرق التحمل المعتبرة المجمع عليها، عرضاً ومناولة إيش معنى عرضاً ومناولة؟ طالب: كونه يقرأ الطالب على الشيخ ثم يعطيه الكتاب. من الذي يعطي الكتاب؟ طالب: الطالب يعطي الشيخ الكتاب.

فيه العرض وفيه المناولة، الشيخ يعطي الطالب الكتاب هذه مناولة، العرض أن يقرأ على الشيخ، الطالب يقرأ على الشيخ، يعرض عليه ما عنده. طالب: الشيخ يعطي للطالب كتابه ليصوب أيضاً بعد القراءة يصوب كتاب الشيخ؟ لكن هناك نوع اسمه عرض المناولة، يعني الطالب يأتي بالكتاب ويعرضه على الشيخ ويقول -يناوله الشيخ- فيقول: هذا من مرويك فيقول: نعم، فيرده عليه، هذا عرض المناولة، على كل حال ستأتي -إن شاء الله- في طرق التحمل. يقول: "وأنكر ابن الصلاح على ابن حزم رده حديث الملاهي حيث قال فيه البخاري: وقال هشام بن عمار وقال: أخطأ ابن حزم فيه من وجوه، فإنه ثابت من حديث هشام بن عمار" ابن القيم -رحمه الله- في إغاثة اللهفان أطال في تصحيح الحديث وذكر شواهده، وقال في ذلك أن (قال) مثل (عن) يشترط فيها براءة الراوي من وسمة التدليس، وقال أن البخاري أبعد خلق الله عن التدليس، مع أنه لو قال: من أبعد خلق الله عن التدليس لكان أولى، أبعد خلق الله عن التدليس مبالغة، مع أنه قيل في ترجمته من الخلاصة في ترجمة الذهلي قالوا: روى له البخاري ويدلسه، ويأتي في مبحث التدليس -إن شاء الله تعالى-. ثم حكى أن الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول، سوى أحرف يسيرة، انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره، ثم استنبط من ذلك القطع بصحة ما فيها من الأحاديث؛ لأن الأمة معصومة عن الخطأ، فما ظنت صحته ووجب عليها العمل به، لا بد وأن يكون صحيحاً في نفس الأمر، وهذا جيد، وقد خالف في هذه المسألة الشيخ محيي الدين النووي وقال: لا يستفاد القطع بالصحة من ذلك. قلت: وأنا مع ابن الصلاح فيما عوَّل عليه وأَرْشَد إليه، والله أعلم.

حاشية: "ثم وقفت بعد هذا على كلام لشيخنا العلامة ابن تيمية، مضمونه: أنه نقل القطع بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول عن جماعات من الأئمة: منهم القاضي عبد الوهاب المالكي، والشيخ أبو حامد الاسفراييني والقاضي أبو الطيب الطبري، والشيخ أبو إسحق الشيرازي من الشافعية. ابن حامد، وأبو يعلى بن الفراء، وأبو الخطاب، وابن الزاغوني، وأمثالهم من الحنابلة. وشمس الأئمة السرخسي من الحنفية قال: "وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشعرية وغيرهم: كأبي إسحاق الاسفراييني، وابن فورك قال: وهو مذهب أهل الحديث قاطبة ومذهب السلف عامة"، وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح استنباطاً، فوافق فيه هؤلاء الأئمة. الصحيحان البخاري ومسلم تقدمت الإشارة إلى أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله، والأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول، حتى قال جمع من أهل العلم: أنه لو حلف شخص بالطلاق أن جميع ما في البخاري ومسلم صحيح لما حنث، فالأمة تلقت الكتابين بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى من كثرة الطرق، قال: سوى أحرفٍ يسيرة، سوى أحاديث يسيرة في الكتابين، ما يقرب من مائتي حديث انتقدها الحافظ الدارقطني وغيره، والغالب أن الصواب مع الشيخين، وقد دافع عن الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري، الحافظ ابن حجر في المقدمة في الباري، والنووي دافع أيضاً باختصار في شرحه على صحيح مسلم عما انتقده الدارقطني في صحيح مسلم، وأكثر الأحاديث المنتقدة في لا سيما في مسلم في بعض الطرق التي أخرج الإمام مسلم من الطرق ما يشهد بصحتها، فعلى هذا هذه الأحاديث اليسيرة المنتقدة وهي مجال للبحث عند أهل العلم الصواب فيها مع الشيخين، هذه خارجة عن إفادة القطع؛ لأن ابن الصلاح يريد أن يقرر أن ما رواه البخاري ومسلم مفيد للقطع، للعلم؛ لأن الأخبار تنقسم إلى أقسام، منها: ما يفيد العلم، ومنها: ما يفيد الظن، ومنها: ما يفيد الشك، ومنها: ما يفيد الوهم.

على كل حال هذه تقسيمات معروفة عند أهل العلم فالذي يفيد القطع العلم اليقيني الضروري هو المتواتر عند أهل العلم، وفي السنة المتواتر، هذا مفيد للقطع ولا كلام فيه، يبقى الآحاد بأقسامه الثلاثة: المشهور والعزيز والغريب، في الأصل تفيد الظن، هذا في الأصل لماذا؟ لأن الراوي مهما بلغ من الحفظ والضبط والإتقان إلا أن نسبة الخطأ والنسيان موجودة وإن قلت، إيش معنى القطع؟ معناه أن الخبر لا يحتمل النقيض، صواب مائة بالمائة، الظن يحتمل النقيض على ضعف، لو افترضنا أن الخبر صحيح بنسبة 99% أو 95% أو 90% قلنا: أفادنا الظن ما أفادنا القطع؛ لأنه يحتمل النقيض، ننتبه لهذه المسألة؛ لأنها هولت من الطرفين، الذي ينفي والذي يثبت، وتشبث بذيولها بعض المبتدعة، فخبر الواحد إذا صح هل يفيد القطع أو الظن؟ الأصل فيه أنه لا يفيد إلا الظن، لماذا؟ لأن الراوي مهما بلغ، مالك نجم السنن، ضبطت عليه أوهام، الراوي مهما بلغ من الحفظ والضبط والإتقان إلا أن خبره يحتمل النقيض ولو بنسبة واحد بالمائة، ما دام الخبر ما صل إلى نسبة مائة بالمائة فهو ظن، احتمال راجح، هذا قول، وهو قول الأكثر، أنه في الأصل لا يفيد إلا الظن. منهم من قال: أن الخبر الواحد بمجرده يفيد القطع، حسين الكراديسي وداود الظاهري وجمع، يقولون: يفيد القطع، يعني مجرد ما تسمع خبر ممن تثق به، زيد من الناس تثق به، ثقة عندك، يقول: حضر فلان، تحلف على هذا أنه حضر فلان، يفيد القطع عندك مائة في المائة، ألا يحتمل أن يأتي زيد بعد ساعة أو ساعتين قال: أخطأت، رأيت شخصاً ظننته فلاناً، ما حصل هذا كثير؟ يحصل هذا، المقصود أن الأكثر على أنه لا يفيد بمجرده بمفرده إلا الظن، منهم من يرى أنه يفيد القطع.

والقول الوسط أنه يفيد القطع إذا احتفت به قرينة، لماذا نحتاج إلى هذه القرينة؟ لكي تكون في مقابل الاحتمال المرجوح، فإذا وجدت هذه القرينة أفادنا القطع، وهذا ما قرره شيخ الإسلام -رحمه الله- في مواضع من كتبه، وقرره ابن القيم في الصواعق، والحافظ ابن حجر في شرح النخبة، وجمع من أهل العلم من أهل التحقيق يرون أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة أفاد القطع؛ وإلا فالأصل أنه لا يفيد إلا الظن، والعلة في ذلك ما سمعتم، الذين قالوا: أنه يفيد القطع من غير نظرٍ إلى القرائن يريدون أن يقطعوا الطريق على المبتدعة الذين يقولون: ما دام خبر الواحد لا يفيد إلا الظن فإنه لا تثبت به العقائد، فخبر واحد لا تثبت به العقائد؛ لأنه لا يفيد إلا الظن، نقول: لا يفيد إلا الظن وتثبت به العقائد كما تثبت به الأحكام، ولا نلتزم بما إلتزمه المبتدعة، من القرائن التي ذكروها مما يحتف بها الخبر، أن يكون الحديث مخرجا ً في الصحيحين أو في أحدهما؛ لأن تلقي الأمة بالقبول لهذين الكتابين قرينة، كون الحديث مروي بطرق متعددة، متباينة، سالمة من القوادح أيضاً قرينة على أن الحديث ضبط، كون الحديث تداوله الأئمة فرواه إمام عن إمام عن إمام، قرينة أيضاً؛ لأنه لو قدر أن الإمام مالك أخطأ يتابعه الشافعي على خطئه؟ لا، لو أخطأ الشافعي يتابعه أحمد على خطئه؟ لا، فهذه قرائن تدل على أن الخبر ضبط وأتقن، فالخبر إذا احتفت به قرينة أفاد القطع. هنا يقول: "وقد خالف في هذه المسألة محي الدين النووي وقال لا يستفاد القطع بصحةٍ من ذلك" نحكم له بالصحة فإن احتفت به قرينة أفادنا القطع، وإلا فالأصل أنه لا يفيد إلا الظن، وهذا ما رجحه النووي. واقطع بصحة لما قد أسندا ... كذا له وقيل ظناً ولدى محققيهم قد عزاه النووي ... وفي الصحيح بعض شيء قد روي

المقصود أن النووي خالف ابن الصلاح فيما ذهب إليه، وأظن الخلاف لفظي؛ لأن ابن الصلاح نظر إلى خبر الواحد المحتف بالقرينة كما قرره شيخ الإسلام، ولا يمكن أن يقول ابن الصلاح: أن أي خبر يأتي به ثقة يقطع به من غير نظر إلى قرينة، النووي نظر إلى الخبر مجرد، والنظر إلى الخبر مجرد لا يفيد إلا الظن، ومن نظر إليه مع القرائن التي احتفت به قال: أنه يفيد القطع. أما ما ذهب إليه داود الظاهري وحسين الكرابيسي من أنه يفيد القطع مطلقاً فلا وجه له لما عرفنا، شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول الحافظ ابن كثير: "وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه، وأرشد إليه -يعني تابع ابن الصلاح في ذلك- ثم وقفت بعد هذا على كلام شيخنا العلامة ابن تيمية مضمونه أنه نقل القطع بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول" هذه قرينة عن جماعات من الأئمة منهم القاضي عبد الوهاب المالكي، شيخ الإسلام صرح في مواطن كثيرة من منهاج السنة أن الخبر الذي تحتف به قرينة يفيد القطع "مضمونه أنه نقل القطع بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول عن جماعاتٍ من الأئمة منهم القاضي عبد الوهاب المالكي والشيخ أبو حامد الاسفراييني، القاضي أبو الطيب الطبري، ابن اسحق الشيرازي، -هؤلاء من أئمة الشافعية- وابن حامد وأبو يعلى، وابن الخطاب وابن الزاغوني من الحنابلة، السَّرَخسي -أو السَّرْخسي يجوز هذا وذاك- من الحنفية، قال: وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشعرية وغيرهم ... ".

يقول: "وهو مذهب أهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامةً" ومراد شيخ الإسلام -رحمه الله- بالخبر الذي احتفت به قرينة، "وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح استنباطاً فوافق فيه هؤلاء الأئمة" ابن الصلاح أطلق لكنه أطلقه فيما رواه الشيخان، وتخريج الشيخين قرينة على أن الخبر ضبط وأتقن، وهو أيضاً مستمد من تلقي الأمة بالقبول، هذه قرينة، وهو الذي نص عليه شيخ الإسلام هنا أنه نقل وقطع بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول، فلا نقول: أن خبر الواحد يفيد القطع مطلقاً، ولو صح، لو جاءنا مالك عن نافع عن ابن عمر، يعني في غير الصحيحين، مالك يهم حصلت له أخطاء وإن كان نجم السنن، ولا يحتاج إلى تزكية، من مشاهير أهل العلم في الضبط والإتقان والحفظ، ومن أهل الانتقاء والتحري والتثبت، لكن ضبطت عليه أوهام -رحمه الله-، فهذه المسألة يطول البحث فيها، وخلاصة القول أن فيها ثلاثة أقوال: أنه يفيد القطع مطلقاً، أنه يفيد الظن مطلقاً، أنه لا يفيد القطع إلا بقرينة، وهذا هو أعدل الأقوال. وأما قول من يقول: أنه يفيد القطع مطلقاً خشيةً من تشبث أهل البدع بمثل هذا القول، وأنه إذا كان لا يفيد إلا الظن لا تثبت به عقائد، كلامهم طويل في هذا، نقول: لا، لا نلتزم باللازم وننتهي من الإشكال، نقول: نثبت الإحكام بخبر الواحد إذا صح ولو احتمل النقيض؛ لأن الأحكام مبنية على غلبة الظن، نثبت العقائد بخبر الواحد إذا صح؛ لأن الشرع واحد، فما تثبت به الأحكام تثبت به العقائد. يقول: هناك من يقول: أن التقسيم إلى متواتر وآحاد أمر حادث قال به أهل البدع لرد الأحاديث، ولهذا لم يعرف عن السلف هذا التقسيم فما رأيك؟

لو قلنا: أن كل هذه التقسيمات ما وجدت عند السلف، ابحث عن كلام الصحابة في الصحيح والضعيف والحسن تجد شيء؟ تجد؟ تجد عن ابن عمر قال: هذا الحديث حسن أو عن عمر؟ لا ما في كلام السلف شيء من هذا، هذه التقسيمات اصطلاحية، المتواتر وإفادته القطع، لا أحصي ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله-، ومثّل للمتواتر بأحاديث، وقسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي، كل هذا موجود من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي تصدى لأهل البدع، إذا وجد هذا الكلام، نعم لو لم يلفظ به إلا مبتدع اجتنبناه، لكنه موجود في كلام أهل السنة، وسواء سميناه متواتر أو آحاد أو لم نسمه، الحقيقة حقيقة، الأخبار متفاوتة، هل الأخبار على حدٍ سواء؟ الخبر الذي يأتيك من طريق عشرة مثل الخبر الذي يأتيك عن طريق واحد؟ لا، في تفاوت، فالأخبار متفاوتة، والخلاف لفظي، والتسمية اصطلاحية، ولا مشاحة في الاصطلاح، وإذا عرفنا أن شيخ الإسلام -رحمه الله- نطق بالمتواتر، وأن في السنة المتواتر، وأنه يفيد القطع، وأن منها المتواتر اللفظي، وأن منها المتواتر المعنوي، وش بقي؟

لا نلتزم باللازم، نقول: العقائد تثبت بالآحاد كالأحكام وينتهي الإشكال، المبتدعة يريدون شيء حينما يقسمون إلى متواتر وآحاد يريدون أن يثبتوا أن المتواتر هو المفيد للقطع، والآحاد لا يفيد إلا الظن، يريدون أن ينفوا كثير مما يثبته أهل السنة في أمور الاعتقاد بهذه الطريقة، لا نلتزم بلازمهم، أما كونهم يقولون بشيء وهو صحيح وحق، الحق يقبل ممن جاء به، لكن باطلهم يرد عليهم، لا يحملنا الحماس والدفاع إلى أن ننفي الحقائق، أو نثبت ما لم يثبت عن الله ولا عن رسوله، يصير مثل واحد يقول: اليهود نفوا صلب المسيح وقتل المسيح، فقام واحد من جهال المسلمين، قال: لا، اليهود قتلوه، هو يزعم أن اليهود يتقربون إلى النصارى في كلامه هذا من أجل كسب القضية، وهو يريد أن يكسب القضية من طرفٍ آخر، لا قتلوه، يفرق بين ... ما سويت شيء، كذبت القرآن، ماذا فعلت؟ فأحياناً الحماس من بعض طلاب العلم يوقع في حرج، ينفي ما هو موجود، مثبت، الأخبار متفاوتة، منها: ما يفيد العلم، يعني بمجرد سماعه تجزم بأنه صحيح، ومنها: ما يفيد إلا الظن، يعني لو جاءك شخص وقال: هناك مدينة اسمها بغداد، وأنت ما شفت بغداد، تقول: لا اصبر خليني أشوف معجم البلدان؟ ما يحتاج، لكن لو قال لك: هناك قرية اسمها: طهب الطيب، إيش تقول؟ انظر في معجم البلدان، عرف بها .... الأخبار متفاوتة، منها: ما يلزم بتصديقه من سماعه، ومنها: ما يحتاج إلى نظر واستدلال، يحتاج إلى مقدمات، على كل حال الكلام في هذا الموضوع يطول، والله المستعان. هنا سؤال: يذكر الإخوان أنه مهم، أما البقية تترك للغد؛ لأننا تأخرنا إلى أكثر من اللازم. يقول: نلاحظ بعض الناس ردوا حديث الآحاد حتى في الأحكام إذا خالف العقل؟

أولاً: العقل الصريح السليم لا يمكن أن يخالف النص الصحيح، لكن العقل الملوث بالشبهات والشهوات لا بد أن يخالف ما يعارض شهواته وشبهاته، العقل لا ينكر أنه يميز ويدرك الحسن ويدرك القبيح؛ لكنه لا يستقل بذلك، وشيخ الإسلام -رحمه الله- قرر هذه المسألة في إفاضة في كتبه لا سيما كتاب (درء تعارض العقل والنقل) وقرر -رحمه الله- أنه لا يمكن أن يوجد نص صحيح يعارض العقل الصريح، يعارض العقل السليم، القلب السليم الخالي من الشبهات والشهوات، لكن قلب تراكمت عليه الشهوات والشبهات، وران عليه ما كسب مثل هذا القلب، مثل هذا العقل لا بد أن يعارض ويخالف، لكن مثل هذا لا عبرة به، يعني حينما يرد حديث: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) يقال: الواقع يشهد بخلاف ذلك، شوف إندي رغاندي، وشوف تاتشر، وشوف كلدمائير التي هزمت العرب، ذا عقل هذا؟ بالله هذا عقل سليم؟ الذي يرد النصوص بمثل هذه السذاجة؟ لا، العقل الذي يسير مع الكتاب والسنة حيثما سار لا يمكن أن يجد أدنى أشكال في النصوص الصحيحة، والله المستعان. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا سؤال يقول: هناك كتب باسم الجمع بين الصحيحين، وباسم اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، فما معناهما وما موضوعهما؟ وما أفضل الطبعات؟ الجمع بين الصحيحين للحميدي وللصاغاني ولغيرهما من أهل العلم ممن حاول أن يجمع الصحيحين في كتابٍ واحد مع حذف المكررات، وكتاب الحميدي كتاب جميل ونفيس، طبع أخيراً، إلا أنه أحياناً لا أقول: دائماً، لا ينقل من الأصول مباشرةً، لا ينقل من الصحيحين مباشرة، بل قد يعتمد على المستخرجات، ولذا تجدون في ألفاظه ما يخالف ما في الصحيحين أحياناً، مع أنه يبيّن ويميزّ اللفظ الذي في الصحيحين، وما زاده من المستخرجات غالباً، لا أقول: دائماً، ولا أقول: بما قاله من كتب في المصطلح أن الحميدي لم يميز، كما يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: . . . . . . . . . ... وليت إذ زاد الحميدي ميزا

الحميدي ميّز؛ لكنه ليس على قاعدة مضطردة، قد يفوته بعض الشيء، أما بالنسبة لما اتفق عليه الشيخان، فهناك كتاب اسمه (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) إلا أن ترتيبه فيه شيء من الصعوبة، وأجود منه ما جاء في السؤال (كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) لمحمد فؤاد عبد الباقي، أما بالنسبة لطبعات هذه الكتب فالجمع بين الصحيحين لا أعرف أنه طبع إلا مرة واحدة، أخيرة أيضاً، أما (اللؤلؤ والمرجان) فطبعة الحلبي الأولى طيبة جداً. يقول: هناك طبعة للصحيح فيها تعليقات مطبوعة عام 1358 فيما أظن صورتها دار اشبيليا في ثلاث مجلدات في تسعة أجزاء، وهي مطبوعة أصالةً في دار الطباعة الفاخرة، فهل لها علاقة باليونينية؟ الذي أعرف أنها مطبوعة في الخمسينات، خمسة وخمسين أو ستة وخمسين هي طبعة الحلبي، وهي مأخوذة من الطبعة السلطانية فيها إشارة إلى الفروق بالحاشية، لكنهم أغفلوا بعض الفروق، الطبعة في الجملة جيدة، إلا أن من صورها فيما بعد وقف على مقالٍ للشيخ أحمد شاكر في إحدى المجلات عن البخاري وعن عناية اليونيني به، وأن أصل هذه الفروق، فصور هذا المقال وأرفقه بهذه الصورة زاعماً أن هذه الصورة بتقديم الشيخ أحمد شاكر، وهذا الكلام ليس بصحيح، إنما هو للترويج، الشيخ أحمد شاكر لا علاقة له بطبعات الصحيح. هذا يسأل عن الدروس والأشرطة؟ هذه ممكن يسأل عنها الإخوان الذين يحضرون الدروس، والدروس معلنة. هذا يقول: لو جعل الخمس الدقائق الأخيرة للأسئلة؟ هذا ما ينضبط، في الأخير ما ينضبط. يقول: هل تحبذ في هذا الزمان القراءة على من عنده أسانيد متصلة إلى الأئمة البخاري ومسلم وغيره؟ وهل وقع لكم أسانيد متصلة إلى أصحاب هذه الكتب؟

أنا لا أهتم بالأسانيد كثيراً، نعم عندنا إجازة من الشيخ حمود التويجري -رحمه الله- والعناية بها على حساب التحصيل والفهم والدراية مضيعة للوقت؛ لأنها لا يترتب عليها تصحيح ولا تضعيف، نعم إذا حصلت من غير تعب، من غير تضييع لوقت لا بأس؛ لأنها محافظة على خصيصة هذه الأمة، وإلا فلا أثر لها في الواقع لأنه ما الذي يستفيد حديث في صحيح البخاري مروي في البخاري ترويه بإسناد صحيح أو ضعيف؟ لا قيمة لك لا أنت ولا إسنادك، لكن إبقاء سلسلة الإسناد من خصائص هذه الأمة، تنبغي المحافظة عليه، لكن لا يكون على حساب التفقه في الأحاديث، ومعرفة صحيحها من ضعيفها. هل يوجد في زماننا من له أسانيد توصي طلبة العلم بالأخذ عنهم؟ يوجد، لكن الشيخ حمود -رحمه الله- أجاز جمع من طلبة العلم، فيؤخذ عنهم لا بأس، لكن لا يكون على حساب فهم الأحاديث وتثبيتها وتصحيحها وتضعيفها. هل البخاري يشترط ثبوت اللقاء؟ في أكثر من سؤال، وهذا يأتي في السند المعنعن -إن شاء الله تعالى-. يقول: هل صحيح أنه يوجد أحاديث في صحيح البخاري لم تبلغ مرتبة الحسن؟ البخاري أصح الكتب بعد كتب الله -سبحانه وتعالى-، وهو كتاب تلقته الأمة بالقبول، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً، وفيه بعض الأحاديث الذي انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي أحاديث يسيرة، مع أن هذا الانتقاد قابل للنقاش، والغالب أن الصواب مع البخاري غالباً، وفي ملاحظات الدارقطني ما له وجه، ولكن البخاري لا يقتصر على إيراد الحديث من طريقٍ واحد أو من وجهٍ واحد، إنما قد يذكر في بعض الطرق ما فيه كلام غير معتمدٍ عليه، ولا يعتمد على هذا الطريق إنما يذكره لتصريحٍ بسماعٍ ونحوه أو لعلوٍ في إسناد، المقصود أن المتون ثابتة. يقول: هل هناك شرح مختصر للبخاري غير فتح الباري؟ ومسلم غير النووي؟

أما بالنسبة للنووي فلا يوجد أخصر من شرح النووي، وهو شرح مختصر وجامع ونفيس، فلا ينبغي أن يبحث عما هو أخصر منه، أما بالنسبة لفتح الباري فهو شرح فيه طول بلا شك لكنه نافع ومفيد، هناك ما هو أخصر منه كالكرماني وهو قبل ابن حجر، وفيه أوهام تعقبها الحافظ وغيره، وهناك إرشاد الساري وهو أخصر أيضاً من فتح الباري، وفيه فوائد وفيه ضبط، إتقان للصحيح. يقول: الطبعة العامرة لصحيح مسلم وهل هي معتمدة أم لا؟ نعم، الطبعة العامرة في صحيح مسلم طبعة جيدة، وهي أجود من طبعتهم لصحيح البخاري، الطبعة العامرة التي من اسطنبول لصحيح مسلم معتنىً بها ومتقنة في الجملة، يعني لا يوجد عليها ملاحظات إلا نادراً جداً، بخلاف طبعتهم لصحيح البخاري، طبعتهم لصحيح البخاري عليها ملاحظات كثيرة، وفيها سقط بعض الأحاديث، وإن زعموا أنهم أخذوا هذه الطبعة من إرشاد الساري. المقصود أن الطبعة العامرة لصحيح مسلم طبعة جيدة، علماً بأن الطبعة الموجودة مع شرح النووي، في الطبعة البهية وما صوّر عنها مأخوذة من الطبعة العامرة بحروفها؛ لكن من قارن بين هذه الطبعة، الطبعة العامرة، وبين الطبعة التي على هامش إرشاد الساري، وجد بعض الفروق، لا سيما في صيغ الأداء، وفي أنساب بعض الرواة، يجد بعض الفروق. طالب:. . . . . . . . . هو يقول: أشبيلية تسعة أجزاء، والعامرة ثمانية. طالب:. . . . . . . . . .... إيه ثمانية، البخاري ومسلم كلاهما ثمانية في العامرة. يقول: ما رأيك بحفظ مختصر مسلم ثم حفظ مفردات البخاري؟ وهل هذا يغني عن حفظ الصحيحين الأصل؟

هذا حسب الحافظة قوةً وضعفاً، إن كانت لديه الحافظة القوية التي تسعفه لحفظ المتون والأسانيد فالأصول لا يعدل بها شيء، لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف، ويريد أن يحفظ ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأحاديث وسلك هذه الطريقة بدءً بحفظ المتفق عليه (اللؤلؤ والمرجان) مثلاً، ثم يحفظ مفردات البخاري ثم مفردات مسلم، وإذا اعتنى بمختصر الزبيدي للبخاري وأضاف إليه مفردات مسلم، وإن قال: أن مسلم أكثر عناية بالألفاظ وقدم مختصره على مختصر البخاري وحفظ زوائد البخاري، فهو على خير على كل حال. لكن ينبغي أن نعرف كيف نبدأ؟ ما نبدأ بالكتب الطويلة قبل المختصرات، لا نصعد إلى السطح من غير سلم، نبدأ بالمتون الصغيرة المعتمدة على أهل العلم، ولا بد قبل ذلك أن تحفظ الأربعين مثلاً، أحاديث قواعد كلية، إذا حفظتها، وقرأت عليها بعض الشروح، حفظت العمدة والبلوغ، لك أن تحفظ ما شئت من الكتب، أما أن تحفظ بأسانيد أو متون مجردة عن الأسانيد فهذا خاضع لقوة الحافظة وضعفها، علماً بأن طالب العلم لا بد أن يحفظ السلاسل المشهورة التي يروى بها أكبر قدر من الأحاديث، وهذا يعينه على الحفظ، والله المستعان.

شرح اختصار علوم الحديث (3)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (3) النوع الثاني: الحسن - تعريفاته، ومظانه، النوع الثالث: الحديث الضعيف - النوع الرابع: المسند الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمدٍ عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-: (النوع الثاني: الحسن) وهو في الاحتجاج به كالصحيح عند الجمهور، وهذا النوع لما كان وسطاً بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر، لا في نفس الأمر، عسر التعبير عنه وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة، وذلك لأنه أمر نسبي شيء ينقدح عند الحافظ، ربما تقصر عبارته عنه، وقد تجشم كثير منهم حده، فقال الخطابي: هو ما عرف مَخْرَجُه واشتهر رجاله، قال: وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء. قلت: فإن كان المعرف هو قوله: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله" فالحديث الصحيح كذلك، بل والضعيف وإن كان بقية الكلام من تمام الحد، فليس هذا الذي ذكره مسلَّماً له، أن أكثر الحديث من قبيل الحسان، ولا هو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء. يقول -رحمه الله تعالى-: النوع الثاني الذي بعد الصحيح الحسن، والحسَن صفة مشبهة باسم الفاعل، والحسْن في اللغة ما تشتهيه النفس وتميل إليه، وهو في الاحتجاج به كالصحيح عند الجمهور، جمهور العلماء يحتجون بالحديث الحسن، ويدخل في ذلك الحسن لذاته، والحسن لغيره، حجة عند جمهور العلماء.

نسب إلى الإمام البخاري كما قال ابن الوزير وغيره أنه لا يحتج بالحسن في الحلال والحرام، وهو ظاهر كلام أبي الحسن بن القطان لا سيما في الحسن لغيره، وقال بذلك أبو حاتم الرازي فيما يظهر من كلامه على بعض الرواة أنه قال في بعضهم: وحسن الحديث، قيل له: أتحتج به؟ قال: لا، وفي بعض الرواة قال: هو صدوق، قيل: وهل تحتج به؟ قال: لا، وإن كان عنده الصدوق حديثه من قبيل الضعيف؛ لأن اللفظ لا يشعر بشريطة الضبط، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في ألفاظ الجرح والتعديل، ابن العربي في (عارضة الأحوذي) رجح هذا الاحتجاج بالحديث الحسن. المقصود أنه محل نظر، وإن كان الجمهور على قبوله، والسبب في الخلاف، منشأ الخلاف أن راوي الحسن خفّ ضبطه قليلاً عن راوي الصحيح، فمن نظر إلى أصل الضبط احتج به، ومن نظر إلى أن هذا الضبط قد خف، والأخبار ينبغي أن يتثبت فيها، ويحتاج لها، قال: إنه لا يحتجّ به، وعلى كل حال المعتمد عند أهل العلم الاحتجاج به، وأنه كالصحيح في الحجية، بالنسبة لتعريف الحسن اختلفت أقوال العلماء فيه، وتباينت أنظارهم، وما من تعريف من تعاريفه إلا وعليه ما يلاحظ، حتى جزم بعض الحفاظ أنه لا مطمع في تمييزه، والسبب في ذلكم أنه في مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف، فمتى يقرب من الصحيح؟ ومتى يقرب من الضعيف؟ هذه منزلة متأرجحة بين أمرين سببت كثرة طول الخلاف في تعريفه وتمييزه، وهو أيضاً كما أشار الحافظ -رحمه الله تعالى- أنه شيء ينقدح عند الحافظ ربما تقصر عبارته عنه، كما قالوا في الاستحسان، شيء ينقدح في ذهن المجتهد لا يستطيع التعبير عنه، وهنا يحكم على هذا الراوي الذي كلام لأهل العلم أن حديثه من قبيل الحسن، ويحكم على هذا الحديث الذي اختلف فيه العلماء من مصحح ومضعف بأنه أو ينقدح في ذهنه أنه حسن. يقول: "وقد تجشم كثير منهم حده" تجشّم، التجشّم إنما يكون في الأمور الصعبة، فدل على أن حد الحديث الحسن وتمييزه أمر صعب، "فقال الخطابي -يعني في مقدمة معالم السنن- هو ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله" انتهى الحد وبقي الحكم؟ أو ما زال الحد ناقص؟ "ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله" إن كان الحد قد انتهى كما يراه الحافظ العراقي -رحمه الله-:

(تعريف الترمذي للحديث الحسن)

حسن معروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد حمد ... انتهى التعريف، وقال الترمذي ما سلم .. الخ إن كان هذا هو التعريف: "ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله" فالأمر كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- الصحيح كذلك، عرف مخرجه، واشتهر رجاله، والضعيف أيضاً كذلك، عرف مخرجه، قد يكون من أخرجه معروف، والمخرج المراد به مكان الخروج، والمراد به المصدر هنا، الراوي، الضعيف قد يكون مما عرف مخرجه، واشتهر رجاله بالضعف مثلاً، وإن كان بقية الكلام من تمام الحد: "وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء" يخرج الصحيح، لأنه يقبله جميع العلماء، ويخرج أيضاً الضعيف؛ لأنه لا يقبله جماهير العلماء، وإن كان فيه خلاف طويل ستأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-. يقول: "وإن كان بقية الكلام من تمام الحد فليس هذا الذي ذكره مسلماً، إن أكثر الحديث من قبيل الحسان"، أكثر الأحاديث من قبيل الصحاح أو الضعاف؟ الإمام البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، فدل على أن الأحاديث الضعيفة كثيرة جداً، نعم على قاعدة ابن الصلاح وانقطاع التصحيح والتضعيف، وأن الحديث الذي يخرجه إمام ولم يقف ضده أحد بتصحيحه يتوسط فيه، كأحاديث السنن والبيهقي والمستدرك وغيره يتوسط فيه، فلا يقال: صحيح ولا ضعيف، بل من قبيل الحسن، فتكثر نسبة الحسن حينئذٍ، ويستعمله عامة الفقهاء، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء، عامة الفقهاء يستعملون الصحيح كما يستعملون الحسن، وقد يستعملون الضعيف، وإن كان الاتفاق يكاد أن يوجد على عدم الاحتجاج في الأحكام على ما سيأتي. (تعريف الترمذي للحديث الحسن) قال ابن الصلاح: وروينا عن الترمذي أنه يريد بالحسن: أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك، وهذا إذا كان قد روي عن الترمذي أنه قال: ففي أي كتاب له قاله؟ وأين إسناده عنه؟ وإن كان قد فُهم من اصطلاحه في كتابه الجامع، فليس ذلك بصحيح، فإنه يقول في كثير من الأحاديث: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

تعريف الترمذي ذكره ابن الصلاح، ونقله الحافظ ابن كثير متابعة، وإن لم يقف عليه من كلامه، وهو موجود في علل الجامع المطبوعة في آخر جامع الترمذي، وهي التي شرحها الحافظ ابن رجب -رحمه الله- تتميماً لشرحه على جامع الترمذي، والشرح كله مفقود، وبقي شرح العلل، فعلى هذا كلام الحافظ ابن كثير: "وهذا إذا كان قد روي عن الترمذي أنه قال: ففي أي كتاب له قاله؟ " قاله في علل الجامع، وانتهى الإشكال، وانتهى التردد، إن كان قاله، وإن كان فهم من كلامه، هو قاله صراحة. يقول: "روينا عن الترمذي أنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً، ويروى من غير وجه" يعني أن الإمام الترمذي يشترط لتسمية الحديث حسناً أن يشتمل على ثلاثة شروط: ألا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون شاذاً، وأن يروى من غير وجه، لكن مجرد انتفاء التهمة بالكذب تكفي ليكون الحديث حسناً؟ قد يكون ضعيفاً ضعف أخف من الاتهام بالكذب، فعلى هذا تعريف الترمذي غير جامع ولا مانع، فهو غير جامع لنوعي الحسن، وغير مانع لدخول أنواع الضعيف كالمنقطع مثلاً، هو لم يشترط الاتصال، وأيضاً غير مانعٍ لما كان بعض رواته فاسق مثلاً، بغير الاتهام بالكذب كما أشرنا، وهو أيضاً غير مانع لدخول الصحيح، فالصحيح لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون شاذاً، ويروى من غير وجه، وإن قال بعضهم دفاعاً عن الترمذي أن الصحيح لا يدخل؛ لأن نفي الاتهام بالكذب يشعر بأنه قاصر عن درجة الصحيح؛ لأنه يؤميء إلى أن الراوي قد تكلم فيه بغير اتهام بالكذب، وعلى كل حال هو متعقب، فالضعيف الذي ضعفه من غير جهة الاتهام بالكذب يدخل فيه. "ويروى من غير وجه نحو ذاك" حكم على أحاديث كثيرة بأنها حسنة مع قوله: "لا نعرفه إلا من هذا الوجه" كيف يشترط لكون الحديث حسناً أن يروى من غير وجه ويقول: حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه؟ وإن كانت الأجوبة كثيرة على ما سيأتي في جمعه بين الصحيح والحسن -إن شاء الله تعالى-. ولهذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وقال الترمذي ما سلم ... من الشذوذ مع راوي ما اتهم بكذب ولم يكن فرداً ورد ... قلت وقد حسن بعض من فرد

هناك تعريفات أخرى للحسن، كتعريف ابن الجوزي مثلاً، وتعريف ابن الصلاح وتقسيمه، على كل حال التعريفات كثيرة للحسن، نقتصر على ما ذكره المؤلف اختصاراً للوقت. (تعريفات أخرى للحسن) قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله-: وقال بعض المتأخرين: الحديث الذي فيه ضعف قريب مُحتمل، هو الحديث الحسن، ويصلح العمل به، ثم قال الشيخ: وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح، وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث، فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان: أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، ولا هو متهم بالكذب، ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجه آخر، فيخرج بذلك عن كونه شاذاً أو منكراً، ثم قال: وكلام الترمذي على هذا القسم يُتنزل. قلت: لا يمكن تنزيله لما ذكرناه عنه، والله أعلم. قال: القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان، ولا يُعد ما ينفرد به منكراً، ولا يكون المتن شاذاً ولا معللاً، قال: وعلى هذا يتنزل كلام الخطابي، قال: والذي ذكرناه يجمع بين كلاميهما. قال الشيخ أبو عمرو: ولا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة كحديث ((الأذنان من الرأس)) أن يكون حسناً؛ لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات، يعني لا يؤثر كونه تابعاً أو متبوعاً، كرواية الكذابين أو المتروكين ونحوهم، ومنه ضعف يزول بالمتابعة، كما إذا كان راويه سيء الحفظ، أو روي الحديث مرسلاً فإن المتابعة تنفع حينئذٍ، وترفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة، والله أعلم. ذكر الحافظ -رحمه الله- ابن كثير نقلاً عن الشيخ أبي عمرو بن الصلاح تعريف ابن الجوزي، وهو موجود في مقدمة الموضوعات لابن الجوزي، لكن هو اعتنى بكتاب ابن الصلاح فلم يرجع إلى الأصول مباشرة، ولذا خفي عليه موضع كلام الترمذي على ما تقدم، بعض المتأخرين يريد به أبا الفرج بن الجوزي في مقدمة الموضوعات حدّ الحديث الحسن: بأنه الذي فيه ضعف قريب محتمل. وقيل: ما ضعف قريب محتمل ... قلت: وما بكل ذا حدٍ حصل

يعني ذكر تعريف الخطابي وتعريف الترمذي وتعريف الجوزي قال: (وما بكل ذا حد حصل) ولذا قال: "وكل هذا مستبهم، لا يشفي الغليل" ابن الجوزي كلامه منتقد، الضعف القريب المحتمل ليس مضبوط بضابط يميّّز به القدر المحتمل من غيره، وإن قلنا: أن بقية كلامه "ويصلح للعمل به" أنه من تمام الحد لزم عليه الدور؛ لأنه عرفه بصلاحيته للعمل، وذلك يتوقف على معرفة كونه حسناً، فيلزم على هذا الدور وهو ممنوع، إذا كنا لا نعرف الحسن إلا بصلاحيته للعمل ولا نعمل إلا بما كان حسناً أو صحيحاً، هذا الدور الممنوع. لولا مشيبي ما جفا ... لولا جفاه لم أشب ما ينتهي الأمر، فعلى كل حال القدر المحتمل غير منضبط وغير متميز، وليس له حد يعرف به أوله وآخره، ولذا ذكر ابن الصلاح أن كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، يقول: "وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح" على ما تقدم، ثم بعد ذلك يقول ابن الصلاح: "وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث فتنقّح لي أن الحديث الحسن قسمان". وقال: بان لي بإمعان النظر ... أن له قسمين كل قد ذكر قسماً وزاد كونه ما عللا ... ولا بنكرٍ أو شذوذٍ شملا ... الخ كلامه.

التقسيم الذي يراه ابن الصلاح هو الذي استقر عليه الاصطلاح، وهو أن الحسن ينقسم إلى قسمين، حسن لذاته، وحسن لغيره، فالحسن لذاته الذي لا يخلو رجال إسناده –هذا كلام الترمذي- القسم الثاني هو الحسن لذاته، والقسم الأول الحسن لغيره، "أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستورٍ لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ" يعني شديد الضعف، إنما ضعفه خفيف محتمل يقبل الانجبار، "ولا هو متهم بالكذب" يعني ليس بشديد الضعف، "ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجهٍ آخر، فيخرج بذلك عن كونه شاذاً أو منكراً"، ثم قال: " وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزّل" وهو ما عرف عند المتأخرين بالحسن لغيره، يقول الحافظ ابن كثير، "قلت: لا يمكن تنزيله لما ذكرناه عنه" يعني عن الترمذي من قوله: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، كيف ننزل كلام الترمذي على الحسن لغيره؟ والحسن لغيره لا بد أن يروى من طرق يرتقي بها من الضعف إلى الحسن، وهو يقول: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه؟ فللعلماء أجوبة عن ذلك، أما أن يكون غريب بالنسبة لهذا الراوي، وأنه روي عن غيره، غريب بهذا اللفظ وإن روي بألفاظٍ أخرى إلى أقوال كثيرة، كل هذا لتوجيه كلام الترمذي، وعدم إهداره، وإلا فما قعّده لا ينطبق على جامعه، وما حكم عليه من الأحاديث الحسان. القسم الثاني: يقول: "أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان -يعني خف ضبطه- ولا يعدّ ما ينفرد به منكراً، ولا يكون المتن شاذاً ولا معللاً، وعلى هذا يتنزّل كلام الخطابي" وهو قريب من قولهم: حسن لذاته. وقال: بان لي بإمعان النظر ... أن له قسمين كل قد ذكر قسماً وزاد كونه ما عللا ... ولا بنكرٍ أو شذوذٍ شملا فكلام الخطابي يتنزل على الحسن لذاته، وكلام الترمذي يتنزل على الحسن لغيره، على أنه استقر عند المتأخرين تعريف الحسن لذاته بأنه: ما رواه عدل حف ضبطه بسندٍ متصل غير معلل ولا شاذ، والحسن لغيره: هو الضعيف على ما سيأتي في حده القابل للانجبار إذا تعددت طرقه.

ابن جماعة له تعريف في (المنهل الروي) كأنه يريد أن يجمع قسمي الحسن في حدٍ واحد، يرى أنه جامع مانع يقول: "ما اتصل سنده وانتفت علله، في سنده مستور له به شاهد أو مشهور غير متقن" مستور له شاهد حسن لغيره، مشهور غير متقن يعني خفّ ضبطه فنزل عن درجة الحفظ والضبط والإتقان، ويدخل في هذا الحسن لذاته. قال الشيخ أبو عمر: "لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة كحديث ((الأذنان من الرأس)) " يعني أنه ليس كل حديث ضعيف يمكن أن يرتقي إلى درجة الحسن؛ لأن من الضعف ما يقبل الانجبار، ومنه ما لا يقبل الانجبار، فأحاديث الكذابين هؤلاء مهما بلغ عددهم لا ترتقي بل لا يزداد إلا سوءً، إذا كان الخبر متداول على ألسنة الكذابين ولو كثر، المتهمين بالكذب، يعني من اشتد ضعفهم لا ترتقي أحاديثهم ولا تنجبر، حديث: ((الأذنان من الرأس)) لا يرتقي، ولو روي من طرق، حديث: ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً)) لا ينجبر وإن كثرت طرقه، وعمل به بعض أهل العلم. يقول: "لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات" يعني لا يؤثر كونه تابعاً أو متبوعاً، كرواية الكذابين أو المتروكين، "ومنه ضعف يزول بالمتابعة، لا سيما إذا كان راويه سيء الحفظ" ضعف الراوي ناشئاً عن خفة ضبطه، إذا كان الضعف ناتج عن سوء الحفظ، "أو روي الحديث مرسلاً فإن المتابعة تنفع حينئذٍ وترفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة" وهذه مسألة مهمة، الضعيف القابل للانجبار إذا جاء من طريق آخر مثله يرتقي إلى الحسن لغيره، لو جاء من طريق ثالث ورابع وخامس وسادس كلها ضعيفة بمقابل الانجبار يرتقي درجة واحدة إلى الحسن لغيره؟ أو إلى الصحة؟ وإذا روي الحديث الضعيف بسندٍ قابل للانجبار وله شواهد تقويه صحيحة أو له متابعات صحيحة يرتقي وإلا ما يرتقي؟ يرتقي، لكن إلى الحسن؟ يرتقي درجة واحدة أو أكثر؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: أنه ضعيف لا يرتقي إلا إلى الحسن لغيره، مهما كانت متابعته وشواهده، ولو كانت في الصحيح.

وهذه لفتة لطيفة من الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، يقول: "ويرفع الحديث عن حضيض الضعف إلى أوج الحسن أو الصحة" أكثر من يزاول التخريج ودراسة الأسانيد لا يرقي الحديث أكثر من درجة، لو قلنا: أن هذا صنيع الأكثر ما بعد؛ لكن هل يرتقي الضعيف إلى الصحيح؟ فيتجاوز أكثر من درجة؟ أقول: إذا كان الشاهد صحيح، أو المتابع في الصحيح إيش المانع؟ لأن المقصود الحكم على المتن، المراد الحكم على المتن، لأنك حكمت على هذا الإسناد بأنه ضعيف، وارتقى بشواهده ومتابعاته الصحيحة إلى الصحيح، فالمتن محفوظ صحيح. إذا روي الضعيف شديد الضعف من طرق كثيرة ومتباينة، وجزمنا بأنهم لم يتواطئوا ولم يتفقوا على تلقي هذا الخبر مثلاً، أو يكون مصدرهم واحد، نقل الخبر من طريق رواته ضعاف شديدي الضعف، لكن طرقهم متباينة، لا شك أن الكذاب قد يصدق، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: ((صدقك وهو كذوب)) فهل نستطيع أن نرقي الحديث شديد الضعف إلى الحسن بتعدد طرقه، طرق متباينة جاءت من جهات؟ الجمهور لا، طريقة السيوطي وأشار إليها في ألفيته أنه يمكن، إيش المانع؟ حتى قال: وربما يكون كالذي بذي ... . . . . . . . . . يعني كالحسن لغيره، وعمل الشيخ ناصر الألباني –ناصر الدين الألباني -رحمه الله- أحياناً يؤيد هذا القول، لكن المعتمد عند جماهير العلماء أن شديد الضعف لا ينجبر حديثه، وأن وجود روايته مثل عدمها. (الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن) قال: وكتاب الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوه بذكره، ويوجد في كلام غيره من مشايخه، كأحمد والبخاري، وكذا من بعده كالدارقطني.

نعم الترمذي هو الذي شهر الحديث الحسن، هو الذي شهره في كتابه، في جامعه، لا يكاد حديث من الحكم عليه بالحسن أو بالصحة مع الحسن غالباً، قد يفرد الصحة، المقصود أن غالب الأحاديث محكوم عليها بالحسن إما مفرداً أو مضموماً إلى الصحة، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: "أول من عُرف أنه قسم هذه القسمة أبو عيسى الترمذي، ولم تعرف هذه القسمة عند أحدٍ قبله"، يعني ذكر الحديث وتقسيمه إلى صحيح وحسن وضعيف، يقول: "وأما من قبل الترمذي من أهل العلم فيقسمونه إلى صحيح وضعيف، والضعيف عندهم نوعان: ضعيف ضعفاً لا يمتنع العمل به، وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي، وضعيف ضعف يوجب تركه وهو الواهي" الخلاف لفظي، هو قال: أن الحسن ما يعرف؟ وهو معروف من قبل الترمذي كأحمد والبخاري وعلي بن المديني ويعقوب بن شيبة، وجمع من أهل العلم حتى الشافعي أشار إليه، الاسم موجود، التسمية موجودة، لكن هل الحقيقة الحقيقة؟ ما دام اللفظ موجود ومطلق والخلاف. . . . . . . . . لأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن الضعيف قسمين، ضعف لا يمتنع العمل به، لماذا لا نسميه حسن؟ وهو يشبه، شيخ الإسلام له مقصد، وله هدف، وإن كان هذا سابق لأوانه لكن لا بد من بيانه، شيخ الإسلام يريد أن يدافع عن الإمام أحمد، وأن الإمام أحمد -رحمه الله- أحتج بالضعيف في الفضائل، يقول: إن مراد الإمام أحمد من قوله الاحتجاج بالضعيف في الفضائل لا يريد به الضعيف الذي لا يقبل، الذي نزل عن درجة الاحتجاج، إنما يريد به النوع الأول من الضعيف الذي ذكره الشيخ، وهو الضعف الذي لا يمتنع العمل به، وهو الحسن في الاصطلاح، لكن كلام الشيخ -رحمه الله- متعقب، أولاً: إطلاق الحسن موجود من قبل الترمذي من طبقة شيوخه وشيوخهم، الأمر الثاني: أنه يلزم منه أن الإمام أحمد لا يحتج بالحديث الحسن في الأحكام؛ لأنه لا يحتج بالضعيف في الأحكام، يحتج بالضعيف في الفضائل، والضعيف عند شيخ الإسلام -رحمه الله- الذي اصطلح عليه فيما بعد بأنه هو الحسن، إذاً الإمام أحمد لا يحتج بالضعيف في الأحكام، وهذا خلاف المعروف في مذهب الإمام أحمد، على كل حال يأتي في الحديث الضعيف كلام طويل حول هذه المسألة، لكن هذه إشارة.

(أبو داود من مظان الحديث الحسن) قال: ومن مظانه سنن أبي داود، روينا عنه أنه قال: ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما كان فيه وهن شديد بيَّنته، وما لم أذكر شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، قال: وروي عنه أنه يذكر في كل باب أصحَّ ما عرف فيه. قلت: ويروى عنه أنه قال: وما سكتُّ عنه هو حسن. قال ابن الصلاح: فما وجدناه في كتابه مذكوراً مطلقاً وليس في واحد من الصحيحين، ولا نصَّ على صحته أحد، فهو حسن عند أبي داود. قلت: الروايات عن أبي داود بكتابه (السنن) كثيرة جداً، ويوجد في بعضها من الكلام بل والأحاديث ما ليس في الأخرى، ولأبي عبيد الآجري عنه أسئلة في الجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل كتاب مفيد، ومن ذلك أحاديثُ ورجال قد ذكرها في سننه، فقوله: وما سكت عنه فهو حسن: ما سكت عليه في سننه فقط؟ أو مطلقاً؟ هذا مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له.

من مظان الحديث الحسن، لما ذكر الحديث الحسن والحد والتعريف والحكم ذكر من مظانه وذكر جامع الترمذي وسنن أبي داود؛ لأن أبا داود قال في رسالته إلى أهل مكة: "ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه ويقاربه" فالذي يشبه الصحيح ويقاربه هو الحسن، قال: "وما كان فيه وهن شديد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، قال: وروي عنه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرف فيه" ابن كثير -رحمه الله- يذكر أنه وقف على رواية من رسالته إلى أهل مكة أنه: "وما سكت عنه فهو حسن" وهذا يوافق اختيار ابن الصلاح، ابن الصلاح الذي يجعله يتوسط في الأحاديث التي لا يذكر فيها كلاماً لا يتعقبها، بل يسكت عنها ولا يوجد نص على صحة الخبر، والحديث غير مخرج في الصحيحين أن المتوسط في أمره ويحكم عليه بالحسن، هذا من باب التوسط في الحكم، وهذا الذي أفرزه رأي ابن الصلاح في انقطاع التصحيح والتضعيف، وإلا فالأصل أن السنن وغيرها من الكتب حاشا الصحيحين مما ينبغي أن تدرس أسانيده ويحكم على كل حديثٍ بما يليق به، كما تقدم في كلامه عن مستدرك الحاكم، يقول ابن الصلاح: "فما وجدناه في كتابه مذكوراً مطلقاً وليس في واحد من الصحيحين، ولا نصَّ على صحته أحد، فهو حسن عند أبي داود" اعترض على هذا الكلام؛ لأن فيما سكت عنه أبو داود الصحيح، وفيما سكت عنه أبو داود الحسن وهو كثير، وفيما سكت عنه الضعيف؛ لأن مقتضى لفظه: "وما كان فيه وهن شديد بينته" معناه أن الوهن والضعيف الغير شديد لا يبينه، إذاً فيه الضعيف، وأيضاً واقع الكتاب يشهد بأنه سكت عن أحاديث ضعيفة، بل شديدة الضعف، فكيف نقول: أن ما سكت عنه أبو داود هو حسن؟ وهذا المسلك يسلكه النووي كثيراً، الحديث الذي خرجه أبو داود وسكت عنه فهو حسن، يسلكه المنذري أيضاً في الترغيب، سكت عنه أبو داود، المقصود أن هذا قول مسلوك، لكنه مرجوح، لماذا؟ لأنه وجدت الأنواع فيما سكت عنه، ففيما سكت عنه الصحيح والحسن والضعيف، والأولى أن يتصدى للكتاب وغيره من الكتب التي لم يلتزم مؤلفوها الصحة، أو التزموا واشترطوا لكن لم يفوا أن يحكم على كل حديث بما يليق به.

كلام أبي داود على الحديث، هل نقول: أن ما أشار إليه هنا كله موجود في السنن؟ يعني ما سكت عنه في السنن فقط؟ أو في كتبه الأخرى؟ سؤالات الآجري، أو يتكلم على راوي من الرواة في موضع ينسحب هذا على جميع الكتاب؟ المقصود أن هذا غير منضبط، فلا بد من الحكم على كل حديث حديث، نعم إذا كان الحديث مخرج في الصحيحين أو في أحدهما لا كلام، لكن الشأن فيما عدا ذلك، والروايات عن أبي داود كثيرة، الكتب لها روايات، والبخاري مروي بروايات متعددة، في بعضها ما لا يوجد في بعضها، مسلم كذلك وإن كان أقل، أبو داود كذلك وهو أكثر من مسلم في هذا، هناك رواية اللؤلؤي، ورواية ابن داسة، ورواية ابن العبد، ورواية ابن الأعرابي في سنن أبي داود، وفي بعضها ما لا يوجد في بعض، وإن كان قليل لكنه موجود، فقد يوجد الكلام في بعض الروايات دون بعض، "ويوجد في بعضها من الكلام بل وأحاديث ما ليس في الأخرى، ولأبي عبيد بن الآجوري عنه أسئلة في الجرح والتعديل" طبع قسم منها "والتصحيح والتعليل كتاب مفيد، ومن ذلك أحاديث وسؤالات قد ذكرها في سننه، فقوله: وما سكت عليه فهو حسن، ما سكت عليه في سننه فقط أو مطلقاً؟ "

نقول: هذا مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له، لكن كل هذا الكلام أفرزه رأي ابن الصلاح في انقطاع التصحيح والتضعيف، وإلا ما دام الآلة موجودة، والشخص متأهل للحكم فلا ينتظر لا كلام أبي داود ولا سكوت أبي داود؛ لأن كلام أبي داود ككلام غيره من أهل العلم، كلام الترمذي أصرح من كلام أبي داود، ينص صراحة على أن هذا الحديث صحيح، لكن هل يلزم من ذلك أن الحديث صحيح بالفعل؟ ما يلزم، الجمهور يرون أن الترمذي متساهل في التصحيح والتحسين، وإن زعم بعضهم أنه تصحيحه معتبر، وإن زاد الشيخ أحمد شاكر في ذلك ورأى أن تصحيحه معتبر وتوثيق لرجاله، يعني إذا قال: هذا حديث صحيح أو حسن صحيح، فالرجال هؤلاء كلهم ثقات، هذا كلام ليس بصحيح، وكم من حديث صححه الترمذي وفيه نظر، كم من حديث حسنه الترمذي وفيه أنظار، قول أبي داود -رحمه الله-: "ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه ويقاربه" فابن سيد الناس يرى أن كلام أبي داود مثل كلام الإمام مسلم حينما قسم الرواة إلى طبقات، فخرج لأهل الطبقة الأولى المعروفين بالضبط والحفظ والإتقان، وخرج عمن دونهم ممن ليسوا كذلك، يقول: ما في فرق بين كلام الإمام مسلم وتقسيمه الرواة إلى طبقات، ونزوله إلى أحاديث الطبقة الثانية بل والثالثة أحياناً، ما في فرق بينه وبين قول الإمام أبي داود: "ذكرت الصحيح، وما يشبهه ويقاربه" ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-: وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلما حيث يقول: جملة الصحيح لا ... توجد عند مالكٍ والنبلاء فاحتاج أن ينزل في الإسنادِ ... إلى يزيد بن أبي زيادِ مسلم نزل عن الدرجة الأولى، عن الطبقة الأولى في الحفظ والضبط والإتقان، لكنه التزم الصحة ووفى بها، وإذا نزل؟ نزل إلى من خفّ ضبطه وارتفعت هذه الخفة بمتابعة غيره من أهل الضبط والإتقان، فرق بينما نزل إليه الإمام مسلم وبينما سكت عنه أبي داود، فرق كبير، وواقع الكتابين يشهد للفرق، وإن قال ابن سيد الناس هذا الكلام. يقول هذه السائل وهذه من الأسئلة: ألا يقال عن تصحيح الترمذي أو تحسينه لبعض الأحاديث توثيق فعلي لرجل من رجال الإسناد عنده وإن لم يكن عند غيره؟

متى يكون توثيق فعلي؟ إذا كان الحديث يدور عليه، لكن إذا قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن فلان وفلان وفلان؟ ما يحتمل أن يكون توثيق فعلي، لكن إذا خرج البخاري عن شخص مدار الحديث عليه قلنا: توثيق فعلي، أما إذا خرج الحديث ثم حكم عليه بالصحة وفي الباب غيره؟ نظر إلى المجموع، معروف طريقة الترمذي التصحيح المجموع كما هو معروف. يقول: ما هو قول الراجح في الحسن لغيره، هل يحتج به في العقائد والأحكام؟ وهل يخصص القرآن والأحاديث المتواترة والآحاد؟ المقصود: إذا قلنا: أن الحسن حجة كالصحيح، على الخلاف في ذلك وما ذكر من الخلاف بين قسميه، هل يحتج بالحسن لذاته أو الحسن لغيره إذا ارتقى؟ ما دام اقتنعنا أن الحديث وصل إلى رتبة الحسن، والحسن حجة فهو حجة، والشرع متساو الأقدام يستوي في ذلك العقائد والأحكام والفضائل وغيرها، كما ستأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى- في الضعيف. (كتاب المصابيح للبغوي) قال: وما يذكره البغوي في كتابه (المصابيح) من أن الصحيح ما أخرجاه أو أحدهما، وأن الحسن ما رواه أبو داود والترمذي وأشباههما: فهو اصطلاح خاص، لا يعرف إلا له، وقد أنكر عليه النووي ذلك، لما في بعضها من الأحاديث المنكرة. البغوي الإمام حسين بن مسعود البغوي له كتاب اسمه: (المصابيح، مصابيح السنة) مطبوع مشهور متداول وله شروح كثيرة، ورتبه التبريزي في المشكاة وزاد عليه، المقصود أنه كتاب مشهور، لكن البغوي سلك مسلك غريب، فإذا ذكر الباب ذكر من الصحاح، ويقصد بذلك ما خرج في الصحيحين أو في أحدهما، ثم يقول بعد ذلك من الحسان ويقصد بذلك ما رواه أهل السنن، من الصحاح لا إشكال، لكن من الحسان؟ هل هو حكم منه على هذه الأحاديث التي خرجت في السنن بأنها حسان؟ ولو صحت أسانيدها ولو ضعفت أسانيدها؟ وهل لقائلٍ أن يقول: أن كلام البغوي مستدرك ويشاحح في اصطلاحه، أو نقول كما يطلق أهل العلم: لا مشاحة في الاصطلاح؟ والبغوي قسم المصابحا ... إلى الصحاح والحسان جانحا أن الحسان ما رووه في السنن ... عيب عليه إذ بها غير الحسن

المقصود هل يشاحح البغوي في اصطلاحه، أو نقول: أنه بيّن اصطلاحه في المقدمة وهو يكفي؟ أهل العلم كثيراً ما يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، لكن هذا الكلام لا ينبغي أن يؤخذ على إطلاقه وعلى عواهنه، فهناك من الاصطلاح ما يشاحح فيه، ومن الاصطلاح ما لا مشاحة فيه، لو اصطلح شخص لنفسه أن يسمي والد الزوجة عم، والناس يقولون: خال، نقول: لا أنا بسميه عم، يشاحح في الاصطلاح؟ لا يشاحح، لأنه اصطلاح لا يترتب عليه حكم، لكن لو قال: عمي ويقصد بذلك أخا والده، الناس يسمونه عم، إخواني كلهم يسمونه عم أنا بسميه خال؟ يشاحح في الاصطلاح وإلا ما يشاحح؟ يشاحح، يترتب عليه حكم شرعي، يرث وإلا ما يرث، والمسألة معروفة. لو قال: أنا أصطلح لنفسي أن أقول: الشرق غرب والغرب شرق، والشمال جنوب والعكس، والسماء تحت والأرض فوق، أنا ببين في المقدمة وهذا اصطلاح، نقول: لا، لكن إذا كان لا يغير هذا الاصطلاح من الواقع شيء، الخارطة بدل ما تكون الشمال فوق اجعل تحت تقلب الخارطة لا بأس، الحكم ما يتغير، ابن حوقل في صورة الأرض يجعل الجنوب هو الذي فوق، وما يتغير شيء من الحكم، لكن ((شرقوا أو غربوا)) في الحديث، تقول: لا أنا الشرق عندي جنوب والجنوب ... نقول: لا، فالاصطلاح الذي يترتب عليه حكم ويخالف هذا الاصطلاح لا بد من مشاحته، فيشاحح البغوي على هذا الاصطلاح ويناقش، فحكمه على أحاديث السنن بأنها حسان مردود عليه، رد عليه إذ بها غير الحسن، بلا شك لأن فيها الصحيح وفيها الضعيف. يقول: "وما يذكره البغوي في كتابه المصابيح من أن الصحيح ما أخرجاه أو أحدهما، وأن الحسن ما رواه أبو داود والترمذي وما أشبههما، فهو اصطلاح خاص لا يعرف إلا به، وقد أنكر عليه النووي ذلك لما في بعضها من الأحاديث المنكرة " وعرفنا أن الاصطلاح الذي يخالف ما تقرر في علم من العلوم استقر عليه أهل الفن لا بد من المشاحة فيه، واحد نصف الاثنين، يقول، واحد ربع الاثنين يطاع؟ لا، ما يمكن.

وهناك قواعد يطلقها أهل العلم لا بد من تقييدها، مثل هذه القاعدة لا مشاحة في الاصطلاح، ومثل قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أحياناً يحتاج إلى خصوص السبب عند التعارض، ومثل قولهم: الخلاف شرط، هذه أمور يطلقونها ولا بد من تقييدها، لو تواطأ كثير من الناس على ارتكاب محرم تقول له: الخلاف شر أو ترك واجب تقول له: الخلاف شر، لكن ما يسعه فيه الخلاف نعم الخلاف شر، المقصود أن البغوي يشاحح في اصطلاحه؛ لأنه خالف ما تقرر في هذا العلم. (صحة الإسناد لا يلزم منها صحة الحديث) قال: والحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذاً أو معللاً. الحكم على السند لا يعني أو لا يلزم منه الحكم على المتن، فإذا حكمنا على إسناد بأنه ضعيف لا يلزم من ذلك ضعف المتن لوروده من طرق أخرى يرتقي بها، كما أننا إذا قلنا: هذا حديث صحيح الإسناد لا يلزم منه صحة المتن، لوجود المخالف مثلاً، المخالف الراجح، بحيث يكون شاذ أو منكر، أو يشتمل المتن على علة، هناك أحاديث جاءت بأسانيد صحيحة، لكنها أحاديث معلة. والحكم للإسناد بالصحة أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأوا لكن إن أطلقه من اعتمد قوله، قال الإمام أحمد: صحيح الإسناد، أو قال البخاري: الحديث صحيح الإسناد يقبل لأنه ما يتصور أن الإمام أحمد يصحح الإسناد وفي متنه علة ويسكت، أو البخاري أو إمام معتبر من أهل الحديث. واقبله إن أطلقه من يعتمد ... ولم يعقبه بضعفٍ منتقد نعم إذا كان آحاد الباحثين وأفرادهم ممن لا يدرك العلل، بل يحكم على ما بين يديه من الأسانيد لا يلزم منه لا الصحة ولا الضعف، نعم الإسناد الذي بين يديك صحيح، لكن متنه هل جمع جميع الطرق الحديث؟ والباب إذا لم تجمع طرقه لا يتبين خطؤه، حكم على الحديث بأنه ضعيف، قد يرد ويروى من طرق أخرى ينجبر بها فيكون المتن حينئذٍ صحيحاً. (قول الترمذي حسن صحيح) قال: وأما قول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، فمشكل؛ لأن الجمع بينهما في حديث واحد كالمعتذر، فمنهم من قال: ذلك باعتبار إسنادين حسن وصحيح. قلت: وهذا يرده أنه يقول في بعض الأحاديث: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه،

ومنهم من يقول: هو حسن باعتبار المتن، صحيح باعتبار الإسناد، وفي هذا نظر أيضاً، فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم، وفي الحدود والقصاص، ونحو ذلك. والذي يظهر لي: أنه يشرب الحكم بالصحة على الحكم بالحسن كما يشرب الحسن بالصحة، فعلى هذا يكون ما يقول فيه: حسن صحيح، أعلى رتبة عنده من الحسن، ودون الصحيح، ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن، والله أعلم. هذه المسألة مشكلة بلغت الأقوال فيها إلى بضعة عشر قولاً لأهل العلم، والإشكال باقي؛ لأن الترمذي -رحمه الله- ليست له قاعدة بينة في هذا، ولذا اضطربت أقوال أهل العلم في مراد الترمذي بقوله: "حديث حسن صحيح" والسبب في ذلك أن الحسن قاصر عن الصحيح، والصحيح مرتفع، فكيف يحكم على خبرٍ واحد بأنه قد بلغ درجة من الضبط والإتقان ثم يحكم عليه بما هو أقل من هذه الدرجة؟ لتوضيح الصورة، لو قلت لولدك: نجحت؟ قال: نعم، تقول: وش تقديرك؟ قال: جيد جداً ممتاز، إيش معنى جيد جداً ممتاز؟ اللهم إلا إذا انفكت الجهة، يعني جيد جيداً التقدير العام، وممتاز التقدير الخاص، أما مع اتحاد الجهة فلا يمكن، التمس أجوبة كثيرة عن هذا منهم من يقول: إن كان الحديث مروي بأكثر من طريق فمراد الترمذي بأنه صحيح من طريق وحسن من طريق، فعلى هذا يكون حكمه بأن الحديث حسن صحيح أقوى من قوله: صحيح فقط، وإذا كان الحديث غريباً ليس له إلا طريق واحد فقالوا: أنه صحيح عند قوم، وحسن عند آخرين، وعلى هذا يكون حكمه بأنه حسن صحيح أقل من كونه صحيح فقط. ومنهم من يقول المراد بحسن صحيح حسن الإسناد صحيح المتن، إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التي لا يكفي لاستيعابها الوقت.

يقول: "وأما قول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح فهو مشكل" نعم عرفنا وجه الإشكال؛ لأن الجمع بينهما في حديث واحد كالمتعذر لما تقرر من أن الحسن قاصر عن الصحيح فالجمع بينهما في حديثٍ واحد جمع بين نفي ذلك القصور، وإثبات له، "فمنهم من قال -وهذا ما يرجحه ابن حجر-: ذلك باعتبار إسنادين أحدهما حسن والآخر صحيح" لكن الإشكال إذا قال: حسن صحيح غريب، يعني ماله إلا سند واحد، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، يقول الحافظ بن كثير -رحمه الله-: "قلت: وهذا يرده أنه يقول في بعض الأحاديث: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه "، ومع ذلك قال بعضهم أن مراده: حسن بإسناد، صحيح بإسناد، غريب بهذا اللفظ مثلاً، لا نعرفه من هذا الوجه عن هذا الراوي، فإذا انفكت الجهات سهل الأمر، "ومنهم من يقول: إنه حسن باعتبار المتن صحيح باعتبار السند" يعني لفظه حسن، ألفاظه جميلة، صحيح باعتبار الإسناد، يقول الحافظ ابن كثير: "وفي هذا نظر، فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم" هل الحسن ما في بشرى للمسلم؟ إذا كان المراد به ذلك نعم، لكن إذا كانت ألفاظه جزلة وجميلة وقوية، وإن كان في صفة جهنم، الحسن حسن، اللفظ حسن وإن كان ليست فيه بشرى، بل فيه تحذير {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] أبلغ ما قيل في الباب ألفاظ حسنة وجزلة وجميلة وهو قصاص، وهم يقولون: القتل أنفى للقتل. يقول: "فإنه يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم، وفي الحدود والقصاص ونحو ذلك" ابن الصلاح يقول: أنه غير مستنكر، يعني أن يطلق الحسن ويريد به حسن اللفظ وجماله وجزاله وقوته، ابن دقيق العيد أورد عليه أن الضعيف ولو بلغ رتبة الوضع قد يأتي بألفاظٍ حسنة، يستحسنها السامع ويتلذذ بسماعها ويميل إليها، حديث القصاص وأكثرها موضوعة، تلذذ الناس بسماعها، وأخبار الزهاد الموجودة في الكتب التي تعتني بذكر أخبارهم، الحلية وصفة الصفوة، فضلاً عن طبقات الصوفية، فيها ألفاظ كثير من الناس يتمنى سماعها ويتلذذ بذكرها، وفيها من الأخبار الموضوعة الشيء الكثير، ولذلك ابن دقيق العيد يقول: الضعيف ولو بلغ رتبة الوضع إذا كان حسن اللفظ ألا يرد على قول ابن الصلاح وأنه غير مستنكر؟

يقول الحافظ ابن كثير بعد ذلك: "والذي يظهر لي أنه –يعني الترمذي- يشرب الحكم في الصحة على الحديث بالحسن، كما يشرب الحسن بالصحة" يعني يمزج، يخلط، يعني مثل لو وضعت ليمون على السكر، حامض حلو، يشرب الحكم بالصحة على الصحيح بالحسن، مثل الذي يطرح شيء متوسط بينهما، شيء متوسط بين الصحة والحسن، وفيه موافقة إلى حدٍ ما مع قول من يقول: أن المراد بقوله: حسن صحيح أنه حسن عند قوم صحيح عند آخرين، يعني فيه خلاف.

يقول: "فعلى هذا يكون ما يقول فيه: حسن صحيح أعلى رتبةً عنده من الحسن ودون الصحيح" يعني لو أتينا بسكر خالص وأتينا بسكر وعصرنا عليه شيء من الحنظل، شيء يسير، صار أقل من السكر الخالص، وإلا الحامض الحلو أحسن من الخالص، نعم، أرفع مرتبة من السكر، على كل حال هذا للتنظير والتوضيح، يقول: "فعلى هذا يكون ما يقول فيه حسن صحيح أعلى رتبةً من الحسن ودون الصحيح -يعني في مرتبة متوسطة بين الحسن والصحيح- ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه على الحديث بالصحة مع الحسن، والله أعلم" على كل حال متى نحتاج إلى هذا الكلام كله؟ هذا الكلام وهذا الإشكال والفهم والإجابة عنه متى نحتاج إليه؟ إذا أردنا أن نقلد الترمذي في أحكامه احتجنا لمثل هذا الكلام، وإلا إذا قلنا: أن المتأهل ينظر في كل حديثٍ حديث، ويتعبد الله -سبحانه وتعالى- بما يظهر له من حكمه، فلسنا بحاجة إلى هذا الكلام، وهو مما ينبغي التنبيه له أن نسخ الترمذي سواء كان منها المخطوط والمطبوع متباينة الأحكام، متباينة تبايناً شديداً، وبعض الأحاديث يحكم عليه بالحسن فقط مع أنه في بعض النسخ حسن صحيح، أو صحيح أو العكس، وهذا التباين قديم، نجد عند الشراح ممن هم في القرن السادس والسابع فمن دونهم ينقلون عن الترمذي أشياء ليست موجودة في .... ، أشياء من الأحكام تخالف ما لدينا من النسخ، ولذا يوصي أهل العلم بالعناية بهذا الكتاب ومقابلة نسخ، والبحث عن نسخ موثقة صحيحة مقروءة على أئمة، ولا شك أن هذا مما تنبغي العناية به جدير وحري وخليق بهذه العناية؛ لأن الكتاب من أنفع كتب السنن، أو من أنفع كتب السنة للمتخرج، للمتعلم، هو أقلها تكراراً، وأكثر من السنن في تعليل الأحاديث والحكم عليها والنقل عن الأئمة في ذك، وذكر الشواهد فهو أنفع ما يتمرن عليه الطالب ويتخرج عليه، فتنبغي العناية به، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: رواية المستور الذي لم تتحقق أهليته مردودة -وهذا الكلام صحيح- يقول: فكيف يجعل ما يرويه من قبيل الحسن وعليه ينزل كلام الترمذي؟ يجعل ما يرويه من قبيل الحسن إذا توبع، إذا روي نحوه من وجهٍ آخر، كما نص على ذلك ابن الصلاح في كلامه. الأسئلة كثيرة. يقول: يسأل عن طبعة فتح الباري دار السلام الجديدة؟ طبعوه أولاً وقالوا: إنهم طبعوه على الطبعة الأنصارية الهندية، وعلى بولاق وغيرها من الطبعات، ووجد في طبعتهم بعض الأخطاء التي لا توجد في الطبعات السابقة؛ لأن الكتاب كبير ويحتاج إلى جمع من المتأهلين لمقابلته والنظر في نسخه، وترجيح بعض الألفاظ على بعض، المقصود أنها طبعة لا بأس بها في الجملة، لكنها ليست خالية تماماً من الأخطاء، بكلامهم وقولهم أنهم قابلوها على الطبعات السابقة كلها، يوحي كلامهم أنها أفضل من الطبعات السابقة؟ لا، ليست بأفضل. أحضرت عندنا في الدرس، ووقفنا على بعض الأخطاء التي لا توجد في غيره، وعلى كل حال طبعتهم الجديدة التي فيها التعليقات على مسائل الاعتقاد من أول الكتاب إلى آخره، ينبغي أن تقتنى ويستفاد منها هذه التعليقات. يقول: ما دام تصحيح الترمذي وتحسينه ليس معتبراً كأحكام الشيخين، فما هي ثمرة الخلاف في قوله: حسن صحيح؟ قلت: إنما يحتاج إلى هذا الخلاف حينما نقول بتقليد المتقدمين في تصحيحهم وانقطاع التصحيح بالنسبة للمتأخرين وهو ما يراه ابن الصلاح، لكن الرأي والصواب في هذه المسألة أن المتأخر إذا تأهل للتصحيح والتضعيف أنه له ذلك، بل هو المتعيّن في حقه، على أن لا يخرج عن مجموع أحكام المتقدمين. يقول: في الحديث الذي يتقوى بالمتابعات والشواهد، إذا كان الحديث في العقيدة، كيف يعقد المسلم عليه قلبه في أمور الاعتقاد مع أنه أصلاً لم يجزم بثبوت الحديث نفسه؟

الأحكام والعقائد والتكاليف مناطة بغلبة الظن، وإلا لو اشترطنا القطع ما ثبت لنا إلا القليل النادر، نعم يثبت، يصفو لنا القرآن وما تواتر من السنة، لكن إذا وجدت غلبة الظن في ثبوت الخبر كفت؛ لأن الأحكام مناطة بغلبة الظن، ولا يلزم أن نقطع بكل خبر نسمعه أو لا نعمل به، لا، يجب العمل به، وإن لم نقطع بثبوته، فالأحكام والعقائد مناطها غلبة الظن، ولا نقول: أنها تحتاج إلى دليل قطعي وإلا فلا، وإلا لم يثبت عندنا شيء يذكر، فعامة الأحاديث أخبار آحاد تفيد غلبة الظن إلا إذا احتفت بها قرينة على ما تقدم. يقول: طبعة سمير الزهيري لبلوغ المرام؟ طبعة لا بأس بها في الجملة، نعم وجد عليها ملاحظات في تصحيح بعض الأحاديث وتضعيفها، لكن هي في جملتها طيبة. أسئلة مكررة. يقول: أين يوجد كلام أبي داود على الأحاديث في غير كتابه السنن؟ يوجد في السؤالات، سؤالات أبي عبيد الآجري، وفيه أيضاً أشياء وإن كانت يسيره في سؤالاته للإمام أحمد يذكر بعض الأشياء، وفي بعض الروايات ما يوجد دون بعض، يعني ذكرنا من سنن أبي داود مروي بروايات متعددة، كغيره من كتب السنة، فيوجد في روايات اللؤلؤ ما لا يوجد في رواية ابن العبد، ويوجد في رواية ابن العبد ما لا يوجد في رواية ابن داسة، فلا نجزم بأن أبا داود لم يتكلم على هذا الحديث ولم ينبه عليه، لأننا وقفنا على رواية واحدة حتى نجمع الروايات كلها. يقول: طبعة دار العاصم لسبل السلام، تحقيق طارق عوض؟ هذه الطبعة ما رأيتها إلى الآن، وطارق عوض مظنة للتجويد. يقول: ما أفضل الشروح للسنن الأربعة؟ الكلام في هذا يطول، والموازنة بينها يحتاج إلى وقتٍ طويل، هناك أشرطة سجلت في شروح الكتب الستة ومزاياها فليرجع إليها. يقول: ما حد التواتر من حيث العدد القول الراجح فيه؟ القول الراجح أنه لا عدد محصور، بل إذا أفاد الخبر طمأنينة النفس والوثوق به وألزم السامع بتصديقه فقد بلغ حد التواتر، وفي هذا كلام يطول جداً من حيث لزوم الدور وعدمه يحتاج إلى وقتٍ لبسطه؛ لأن المسألة دقيقة وتحتاج إلى وقت للبسط، فتراجع الأشرطة المسجلة في شرح النخبة ونظمها. بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-: (النوع الثالث: الحديث الضعيف) قال: وهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح، ولا صفات الحسن المذكورة فيما تقدم، ثم تكلم على تعداده وتنوعه باعتبار فقده واحدة من صفات الصحة أو أكثر، أو جميعها، فينقسم حينئذٍ إلى: الموضوع، والمقلوب، والشاذ، والمعلل، والمضطرب، والمرسل، والمنقطع، والمعضل، وغير ذلك. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: النوع الثالث بعد أن تحدث في النوع الأول عن الصحيح، والثاني عن الحسن، والثالث الضعيف، وهذا هو الترتيب الطبيعي، وأما قول الحافظ العراقي: وأهل هذا الشأن قسموا السنن ... إلى صحيح وضعيفٍ وحسن من أجل مراعاة النظم، وإلا فالأصل أن الضعيف متأخر عن رتبة الحسن، وإدخاله في السنن من باب تتميم القسمة وإلا فالأصل أنه لا يدخل في السنن؛ لأن الغالب على الظن عدم ثبوته. الضعيف من الضَعف أو الضُعف، الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم، وهو خلاف القوة والصحة، والضُعف والضَعف بالفتح والضم لغتان لمدلولٍ واحد ويستعملان للضَعف العام، سواء كان في البدن أو في العقل والرأي, وإن كان بعضهم يخص الضَعف بالفتح لضعف العقل والرأي، وبالضم لضعف الجسد، المقصود أن هاتان لغتان قرئ بهما، والضم لغة قريش، والفتح لغة تميم.

قال –يعني ابن الصلاح-: "وهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن المذكورة فيما تقدم" لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، اختل فيه شرط من شروط الصحيح، شروط الصحيح الخمسة التي تقدمت، عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، إذا تخلف شرط واحد من هذه الشروط قلنا: أنه لم تجتمع فيه في هذه الصفات فهو الحديث الضعيف، ولا صفات الحديث الحسن المذكورة فيما تقدم، يختلف الحسن عن الصحيح في تمام الضبط مثلاً، فيشترط أعلاه للصحة، ويقبل ما دون الأعلى للحسن، وهذا تقدم الكلام فيه، إذا اختل شرط من هذه الشروط الخمسة وانعدم الجابر فهو الحديث الضعيف، والنقاش طويل في هذا الحد وعطف صفات الحسن على صفات الصحيح؛ لأنه إذا لم تجتمع فيه صفة الحسن فمن باب أولى لا تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، إذا لم تتوافر صفات الحديث الحسن وشروطه هل يمكن أن تتوافر شروط الحديث الصحيح؟ لا يمكن، فلماذا يذكر الصحيح في الحد؟ مع أنه المطلوب في الحدود أن تكون مختصرة لتحفظ، وأن تكون جامعةً مانعة، ولذا اختصر الحافظ العراقي في تعريف الضعيف على ذكر الحسن: أما الضعيف وهو ما لم يبلغِ ... مرتبة الحسن وإن بسطاً بغي

الخ، فلا داعي لذكر الصحيح في الحد؛ لأنه إذا قصر عن رتبة الحسن فهو عن رتبة الصحيح أقصر، يعني إذا قلت: الطفل ما لم يبلغ سن الشباب، هل يحتاج أن تقول: ولا الشيخوخة؟ يحتاج، لا يحتاج؛ لأنه إذا قصر عن رتبة سن الشباب فهو عن سن الشيخوخة والكهولة أقصر، بعضهم يدافع عن ابن الصلاح ويقول: أن هذا لا بد منه، لماذا؟ يقول: هو نظير قولهم: الكلمة اسم وفعل وحرف، الحرف ما لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، ما يكفي أن نقول: ما لا يقبل علامات الاسم، ولا يكفي أن نقول: ما لا يقبل علامات الفعل، لكن هذا التنظير غير مطابق، وذكر الاسم والفعل لا بد منه؛ لأنه لا يلزم من عدم قبول علامات الاسم أن يكون حرفاً، قد يكون فعلاً فإذاً لا بد من ذكر الفعل، أما هنا فعندنا مراتب، مراتب مرتب بعضها على بعض، فلا يمكن الوصول إلى الدرجة الثالثة إلا بعد المرور على الدرجة الثانية، على هذا لا نحتاج إلى ذكر الدرجة الثالثة في الحد إذا قُدّر أن الأضعف الضعيف، ثم الحسن فإذا لم يصل إلى رتبة الحسن فلن يصل إلى درجة الصحيح. والكلام في هذا طويل ومناقشات لا يحتملها الوقت، ابن حجر خرج من هذا الكلام كله في تعريف الضعيف، قال: هو الحديث التي لم تجتمع فيه صفات القبول، والقبول يشمل الصحيح ويشمل الحسن، هو الحديث الذي لم تجتمع فيه صفات القبول، ثم تكلم يعني ابن الصلاح على تعداده وتنوعه لاعتباره فقد واحدة من صفات الصحة، أو أكثر، وأطال العلماء تقسيمه بهذه الطريقة تبعاً لتخلف أي صفةٍ من صفات القبول حتى أوصله بعضهم، أوصل بعضهم أقسامه إلى أكثر من خمسمائة صورة، وطريق استخراج هذه الصور عندنا خمسة شروط، نأتي إلى الشروط واحداً بعد الآخر يصير عندنا خمس صور، ثم نأتي إلى الأول مضموماً إلى الثاني صورة ثانية، سادسة مثلاً، الأول إلى الثالث سابعة، الأولي إلى الرابع ثامنة، وهكذا، ثم نأتي إلى الثانية ونفعل به كما فعلنا بالأول.

ابن حجر أضرب عن هذا كله، وقال: إن التقسيم بهذه الطريقة تعب ليس وراءه أَرب، كتبت الرسائل في أقسام الضعيف، لكن ما النتيجة؟ ما النتيجة أن نوصل الأقسام إلى أكثر من خمسمائة قسم، إلى خمسمائة صورة أو أكثر؟ ليس هناك فائدة، المسمى من أنواعه قليل، ولذا قال: "فينقسم جنسه إلى الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل وغير ذلك". ويكتفى في بقية الصور أن يقال: ضعيف، أو ضعيف جداً، إن كان الهدف من هذا التقسيم أن نعرف كم يبلغ فهذه نتيجة مرّة، نتيجة نظرية لا يترتب عليها فائدة، أما الأقسام التي نطق بها العلماء فهي الأقسام المذكورة وهي التي ينبغي أن يعتنى بها، الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل وغير ذلك، وسيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-. الضعف ينشأ من أحد أمرين: إما من فقد العدالة أو فقد الضبط، والعدالة يخرمها أمور، إما بالكذب، الفسق، البدعة، الجهالة، على خلافٍ في المجهول، يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-، وهل الجهالة جرح أو عدم علمٍ بحال الراوي؟ تأتي الإشارة إلى ذلك -إن شاء الله تعالى-، وعدم الضبط يكون بسبب كثرة الخطأ، فحش الغلط، الوهم، مخالفة الثقات، وغير ذلك، المقصود أن الضعف يتسرب إلى الخبر بسبب هذه الأشياء، وأما العمل به فسيأتي في الفصول التالية للمقلوب حيث يشير إليه المؤلف هناك -إن شاء الله تعالى-. (النوع الرابع: المسند) قال الحاكم: هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال الخطيب: هو ما اتصل إلى منتهاه، وحكى ابن عبد البر: أنه المروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سواء كان متصلاً أو منقطعاً، فهذه أقوال ثلاثة. النوع الرابع المسند، وقد اختلف في حده، فالذي يراه الحاكم أنه المتصل المرفوع، ما اتصل إسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ....

شرح اختصار علوم الحديث (4)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (4) النوع الخامس: المتصل - النوع السادس: المرفوع - النوع السابع: الموقوف - النوع الثامن: المقطوع - النوع التاسع: المرسل - النوع العاشر: المنقطع الشيخ/ عبد الكريم الخضير المتصل المرفوع: ما اتصل إسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالمنقطع لا يسمى مسند، والموقوف لا يسمى مسند، والمقطوع لا يسمى مسند، بل لا بد من أن يكون متصل الإسناد، مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا رأي الحاكم، والخطيب يشترط اتصال الإسناد فقط دون الرفع، فيقول: هو ما اتصل إلى منتهاه، ومنتهاه قد يكون مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد يكون موقوفاً إلى الصحابة، وقد يكون الخبر مقطوعاً فينسب إلى تابعي أو دونه، ابن عبد البر يرى أنه المرفوع فقط ولو لم يتصل إسناد، ابن عبد البر يرى أن المسند هو المروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء كان متصلاً أو منقطعاً، مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسند عند من؟ عند الجميع؛ لأنه متصل مرفوع، فهو مسند إلى الحاكم، وهو متصل مسند عند الخطيب، مروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مسند عند ابن عبد البر. مالك عن الزهري عن ابن عباس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا مسند عند ابن عبد البر، لماذا؟ لأنه مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه ليس بمسندٍ عند الخطيب؛ لأنه منقطع، وليس بمسندٍ عند الحاكم أيضاً. المسند المرفوع أو ما قد وصل ... لو مع وقفٍ وهو في هذا يقل والثالث الرفع مع الوصل مع ... شرط به الحاكم فيه قطعا المقصود أن هذه أقوال أهل العلم، لكن إذا قالوا: أسنده فلان وأرسله فلان، يعنون أن المراد بالإسناد هنا أنه وصل إسناده، والآخر قطع إسناده ولم يصله. (النوع الخامس: المتصل) ويقال له: الموصول أيضاً، وهو ينفي الإرسال والانقطاع، ويشمل المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والموقوف على الصحابي أو من دونه.

المتصل: "ويقال له: الموصول أيضاً" والمئتصل بالهمز وهي لغة الإمام الشافعي، المئتصل، لغة الإمام الشافعي كما نص على ذلك ابن الحاجب في شافيته يقول: مؤتعد مؤتزر، لغة الإمام الشافعي، وعبر بالمئتصل في الأم في مواضع، وفي الرسالة، المقصود أن هذه لغته، وهو إمام في اللغة، ويراد به ما اتصل إسناده إلى من نسب إليه الخبر، سواء كان إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو إلى أحدٍ من الصحابة إذا كان موقوفاً أو إلى أحدٍ من التابعين إذا كان مقطوعاً، أو إلى من دونهم، "وهو ينفي الإرسال" يعني يقابل الإرسال "والانقطاع" والإعضال، يقابل، ويقابل التعليق أيضاً؛ لأنه إذا اتصل إسناده عرفنا أنه ليس بمعلق، المعلق ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر، وليس بمنقطع حذف من أثناء إسناده راوٍ أو أكثر من راوٍ في أكثر من موضع، وليس بمعضل وهو ما سقط من إسناده اثنان على ما سيأتي ... الخ. "ويشمل المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-"، يعني إذا روينا بسندٍ روى كل واحد من رواته الحديث عن من سمعه، عمن فوقه بطريقٍ معتبر، وأضيف ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو متصل، وإن أضيف إلى من دونه فهو موقوف أو مقطوع، ولذا قال: "ويشمل المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والموقوف على الصحابي أو من دونه"، فعلى هذا في قوله: "والموقوف على الصحابي أو من دونه" يشمل المقطوع، يدخل فيه المقطوع، يشمل المقطوع؛ لأنه يقول: "والموقوف على الصحابي أو من دونه"، وهذا تبع فيه النووي خلافاً لابن الصلاح والعراقي حيث منعا دخول المقطوع في المتصل، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-: وإن تصل بسندٍ منقولا ... فسمه متصلاً موصولا سواء الموقوف والمرفوعُ ... ولم يروا أن يُدخل المقطوعُ

(النوع السادس: المرفوع)

إذا روينا عن الحسن البصري بسندٍ متصل وهو مقطوع على كل حال؛ لأنه مضاف إلى التابعي، لكن هل نسميه متصل أو لا؟ على كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يسمى متصل، لكن على كلام ابن الصلاح والحافظ العراقي؟ لا، يقول: (ولم يروا أن يدخل المقطوع) لماذا؟ للتنافر اللفظي بين الكلمتين، كيف تقول متصل مقطوع؟! هناك تنافر لفظي بين الكلمتين، متصل مقطوع؟! من رأى أنه لا مانع من إدخال أو من إطلاق المتصل على المقطوع، يقول: الجهة منفكّة، متصل من حيث الإسناد مقطوع من حيث النسبة، ولا إشكال في هذا، يعني لو جاءنا شخص عمره (100) سنة مثلاً، وهو قصير القامة، فقال آخر: جاء الطويل القصير، جاء الطويل القصير، إيش معنى الطويل القصير؟ تنافر لفظي بين الكلمتين، لكن الجهة منفكة، إذا لم يكن هناك لبس إيش المانع؟ جاء الطويل القصير، طويل بالنسبة لعمره قصير بالنسبة لقامته، التنافر موجود لكن اللبس غير موجود، لكن لو جاءنا صغير في السن، وقصير القامة، قال شخص: جاء الطويل القصير، ولحظ ملحظ بعيد، وهو أن عمره طويل من حيث البركة، قد عمل في عمره القصير ما لم يعمله من طال عمره، فلحظ ملحظ بعيد مثل هذا يوقع في لبس. والذي عندنا متصل مقطوع، لا يوقع في لبس إلا عند من يطلق المقطوع على المنقطع على ما سيأتي، بعضهم يطلق المقطوع ويريد المنقطع، حينئذٍ يقع اللبس، وإلا من يرى أن المقطوع هو قول التابعي فمن دونه ما المانع من قال: اتصل سنده وهو مقطوع؟ مقطوع النسبة، على كل حال هذه مسألة سهلة يسيرة لكن تكلموا فيها فأحببنا توضيحها. (النوع السادس: المرفوع) وهو ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قولاً أو فعلاً عنه، وسواء كان متصلاً أو منقطعاً أو مرسلاً، ونفى الخطيب أن يكون مرسلاً، فقال: هو ما أخبر فيه الصحابي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

(النوع السابع: الموقوف)

المرفوع ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقريب أو وصف، هذا مرفوع لفظاً إذا أضيف إليه صراحةً، وألحق بالمرفوع ما له حكم المرفوع على ما سيأتي، ويطلق المرفوع على ما أضيف إليه -عليه الصلاة والسلام- وإن كان منقطع الإسناد، ولو كان مرسلاً، رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- خلافاً للخطيب، حيث قال: هو ما أخبر فيه الصحابي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا بد من أن يكون مما رفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. وسمّ مرفوعاً مضافاً للنبي ... واشترط الخطيب رفع الصاحبِ ومن يقابله بذي الإرسال ... فقد عنى بذاك ذا الاتصال على هذا لا يدخل المراسيل –مراسيل التابعين- في حد المرفوع ولو أضيفت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- عند الخطيب، لكن الحافظ -رحمه الله- ابن حجر ينازع في كون الخطيب يشترط في ذلك، لكون الخطيب قال: "هو ما أخبر فيه الصحابي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، هل معنى هذا أنه يشترط أن يكون مما رفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ بمعنى أنه لو قال الحسن، أو ابن سيرين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيش يسميه؟ مرفوع وإلا موقوف؟ يسميه مرفوع، لكن الغالب أن ما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ما يرفعه الصحابي إليه -عليه الصلاة والسلام-. (النوع السابع: الموقوف) ومطلقه يختص بالصحابي، ولا يستعمل فيمن دونه إلا مقيداً، وقد يكون إسناده متصلاً وغير متصل، وهو الذي يسميه كثير من الفقهاء والمحدثين أيضاً أثراً، وعزاه ابن الصلاح إلى الخراسانيين إنهم يسمون الموقوف أثراً، قال: وبلغنا عن أبي القاسم الفوراني أنه قال: الخبر ما كان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والأثر ما كان عن الصحابي. قلت: ومن هذا يسمي كثير من العلماء الكتاب الجامع لهذا وهذا بالسنين والآثار ككتابي (السنن والآثار) للطحاوي والبيهقي وغيرهما، والله أعلم.

الموقوف مطلقه إذا قيل: هذا موقوف أو هذا الخبر موقوف أو هذا الحديث موقوف يختص بالصحابي، ولا يستعمل فيما دونه، بل يقال بالنسبة لمن دونه: مقطوع، إلا مقيداً، فيقال: هذا الكلام موقوف على مالك، هذا الكلام موقوف على الحسن، هذا الكلام موقوف على ابن سيرين وهكذا. وسم بالموقوف ما قصرته ... بصاحبٍ وصلت أو قطعته سواء كان إسناده متصلاً أو غير متصل، وشذ الحاكم فاشترط عدم الانقطاع، كثير من الفقهاء والمحدثين يسمون الموقوف الأثر، ويخصون الحديث بالمرفوع، والسنن بالأخبار المرفوعة أيضاً، فإذا قالوا: السنن والآثار، فالمراد بالسنن ما رفع إليه -عليه الصلاة والسلام-، والأثر ما وقف على الصحابة، وعزاه ابن الصلاح إلى الخرسانيين، قال: إنهم يسمون الموقوف أثراً، وهو محكي أيضاً عن أبي القاسم الفوراني الشافعي المتوفى سنة إحدى وستين وأربعمائة، قال: "الخبر ما كان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأثر ما كان عن الصحابي" والسنة ما رفع إليه -عليه الصلاة والسلام- على هذا والحديث كذلك؛ لأن إذا قابلنا الأثر بالحديث صار الحديث هو المرفوع والأثر هو الموقوف، إذا قابلنا السنن بالآثار قلنا: السنن المرفوعة والآثار الموقوفة، لكن من ينتسب إلى الأثر فيقال: الأثري، هل مقصوده ومراده الآثار الموقوف عن الصحابة؟ يعني لا علاقة له بالمرفوع، فلان بن فلان الأثري. يقول راجي ربه المقتدرِ ... عبد الرحيم بن الحسين الأثري يعني ما عنده إلا موقوفات، لا يعتني بالمرفوعات، وسمي بذلك السنة، الأثر السنة يعني المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا اصطلاح لبعض الفقهاء إذا قابلوا السنن الآثار، أو قابلوا الحديث بالأثر، رأوا أن الأثر ما روي عمن دون النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصحابة والتابعين، فإذا قلنا: هذا الكتاب يشتمل على مجموعة من الأحاديث والآثار، خصصنا الحديث بالمرفوع، والأثر بالموقوف والمقطوع. يقول الحافظ ابن كثير: "قلت: ومن هذا يسمي كثير من العلماء الكتاب الجامع لهذا وهذا بالسنن والآثار"، ككتابي السنن والآثار شرح معاني الآثار، شرح معاني الآثار للطحاوي، هل هو خاص بالموقوفات؟ لا، ليس خاص بالموقوف، بل الأصل فيه المرفوع.

(النوع الثامن: المقطوع)

وهناك كتاب: معرفة السنن والآثار للبيهقي؛ لأنه جامع للمرفوع والموقوف، لكن عرفنا أن من ينتسب إلى الأثر لا يريد بذلك الموقوف قطعاً، بل يريد بذلك الحديث، إذا انتسب إلى السنة وإلى الحديث والعناية بها والاشتغال بها والاهتمام بها قال عن نفسه: الأثري أو قيل عنه: الأثري، عبد الرحيم بن الحسين الأثري، انتسب إلى الأثر جماعة من المتقدمين والمتأخرين، فالمراد بالأثري حينئذٍ الأحاديث سواء كانت المرفوعة أو الموقوفة. (النوع الثامن: المقطوع) وهو الموقوف على التابعين قولاً أو فعلاً، وهو غير المنقطع، وقد وقع في عبارة الشافعي والطبراني إطلاق المقطوع على منقطع الإسناد غير الموصول. لما ذكر المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والموقوف على الصحابة أردف ذلك بالمقطوع، وهو ما روي عن التابعين قولاً لهم أو فعلاً، وهل يدخل في ذلك التقرير؟ وهل يدخل التقرير أيضاً في الموقوف؟ يعني إذا عمل بحضرة الصحابي شيء وسكت هل يمكن أن ننسب هذا الأمر إلى الصحابي لأنه أقره؟ التقرير من وجوه السنن المرفوعة، إذا فعل بحضرته -عليه الصلاة والسلام- شيء ولم ينكره نسب إليه، لكن الصحابي قد يسكت من غير موافقة، لما يخشى من الأثر المترتب على المخالفة، من باب أولى التابعي قد يسكت، ولذا لا يضاف إليهم التقرير، بخلاف ما يفعل بحضرته -عليه الصلاة والسلام-. وسم بالمقطوع قول التابعي ... وفعله وقد رأى للشافعي تعبيره به عن المنقطعِ ... قلت: وعكسه اصطلاح البردعي هو غير المنقطع الذي سيأتي ما لم يتصل إسناده، وقد وقع في عبارة الشافعي والطبراني والحميدي والدارقطني وجمع من أهل العلم التعبير بالمقطوع عن المنقطع، يقول: هذا الإسناد مقطوع ويريدون به أنه لم يتصل، عكس ما يستعمله الشافعي ومن ذكر معه اصطلاح البردعي يطلق المنقطع ويريد به المقطوع، يطلق لفظ المنقطع يقول: هذا خبر منقطع ويريد به أنه مروي عن تابعي فمن دونه، قلت: وعكسه اصطلاح البردعي، أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي المشهور المعروف.

وقد تكلم الشيخ أبو عمرو هاهنا على قول الصحابي: "كنا نفعل"، أو "نقول كذا"، إن لم يُضفه إلى زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو من قبيل الموقوف، وإن أضافه إلى زمان النبي -صلى الله عليه وسلم-: فقال أبو بكر البرقاني عن شيخه أبي بكر الإسماعيلي: إنه من قبيل الموقوف، وحكم الحاكم النيسابوري برفعه؛ لأنه يدل على التقرير، ورجحه ابن الصلاح، قال: ومن هذا القبيل قول الصحابي: "كنا لا نرى بأساً بكذا"، أو "كانوا يفعلون أو يقولون"، أو "يقال كذا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-": إنه من قبيل المرفوع، وقول الصحابي: "أمرنا بكذا"، أو "نهينا عن كذا" مرفوع مسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم، وخالف في ذلك فريق، منهم أبو بكر الإسماعيلي، وكذا الكلام على قوله: "من السنة كذا"، وقول أنس: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة". قال: وما قيل من أن تفسير الصحابي في حكم المرفوع، فإنما ذلك فيما كان سبب نزول، أو نحو ذلك، أما إذا قال الراوي عن الصحابي: "يرفع الحديث" أو "ينميه" أو "يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-"، فهو عند أهل الحديث من قبيل المرفوع الصريح في الرفع، والله أعلم. لما ذكر المرفوع صراحةً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يتحدث عن المرفوع حكماً إليه -عليه الصلاة والسلام-، فقول الصحابي: كنا نفعل، أو نقول كذا، هذا فيه تفصيل، إن أضافه إلى زمان النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مرفوع؛ لأنه في زمن الوحي، فلو كان مما ينكر لنزل الوحي على النبي -عليه الصلاة والسلام- لإنكاره، "كنا نعزل والقرآن ينزل" "ذبحنا فرساً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، هذا كله من قبيل المرفوع. وقوله: (كنا نرى) إن كان معْ ... عصر النبي من قبيل ما رفعْ

وقيل لا ... إلخ، خالف بعضهم، حتى فيما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال أبو بكر البرقاني عن شيخ أبو بكر الإسماعيلي أنه من قبيل الموقوف، يعني وإن أضيف إلى زمنه -عليه الصلاة والسلام-، ما لم يعلم أنه اطلع -عليه الصلاة والسلام- وأقره، وحكم النيسابوري برفعه، يقصد به أبو عبد الله الحاكم، برفعه؛ لأنه يدل على التقرير ورجحه ابن الصلاح، ورجحه أيضاً النووي في شرح المهذب، والرازي في المحصول والآمدي في الأحكام، ففرق بين أن يضيفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كنا نفعل في عهده -عليه الصلاة والسلام-، كنا نقول، كنا نفاضل، وهكذا، كل هذا من قبيل المرفوع إذا أضيف إلى عصره -عليه الصلاة والسلام-. أما إذا لم يضف إلى عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- فإن هذا موقوف، لاحتمال أن يكونوا يفعلون ذلك بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- وحينئذٍ قد انقطع الوحي من السماء فقد يفعلون الخطأ، لكن إذا كان في الخبر ما يدل على أنه فعل الجميع فهو حجة وإن لم يكن مرفوعاً، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه"، هذا حكم شرعي ويبعد أن تقول عائشة هذا الشيء أو هذا الكلام وليس عندها شيء من النبي -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: "من هذا القبيل قول الصحابي كنا لا نرى بأساً بكذا، أو كانوا يفعلون أو يقولون، أو كان يقال كذا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه من قبيل المرفوع"، يعني كقول جابر: "كنا نعزل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرآن ينزل" هذا مخرج في الصحيحين، "وقول الصحابي: أمرنا بكذا"، كقول أم عطية: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض" وقولها: "نهينا عن إتباع الجنائز، ولم يعزم علينا"، كل هذا "مرفوع مسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم، وخالف في هذا فريق -من أهل العلم- منهم أبو بكر الإسماعيلي" وبعض العلماء والحسن الكرخي أيضاً قالوا: ليس بمرفوع؛ لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ففي قول أم عطية: "أمرنا بإخراج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد" أمرنا، من يتصور الآمر في مثل هذه الصورة؟ مسألة شرعية، هل يتصور أن أبا بكر أو عمر يأمرون الصحابة بإخراج العواتق والحيض والنبي -عليه الصلاة والسلام- موجود بين أظهرهم؟ هل يتصور أن أحد من الصحابة ينهى عن إتباع الجنائز؟ كما قالت أم عطية: "نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا" ينهى النساء والرسول -عليه الصلاة والسلام- بين أظهرهم؟ لا، ولذا الراجح عند أهل العلم أن هذا من المرفوع، فلا يتصور أن يكون الآمر والناهي في المسائل الشرعية إلا الرسول -عليه الصلاة والسلام-، هذا إذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا، فلم يذكر الآمر ولا الناهي. إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرفوع بلا شك وبلا خلاف، لكن هل قول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنزلة قوله -عليه الصلاة والسلام-: افعلوا كذا؟ يعني إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو نهانا عن كذا، هل يدل على الوجوب أو التحريم كقوله: افعلوا أو لا تفعلوا؟ الجمهور نعم، الحكم واحد، فإذا نقل الصحابي أمره -عليه الصلاة والسلام- سواء كان بلفظه أو عبر عنه سيان.

داود الظاهري وبعض المتكلمين قالوا: لا، حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، احتمال أن يسمع الصحابي كلام يظنه أمر أو نهي وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، نقول: هذا كلام مردود؛ لأن الصحابة هم أعرف الناس بمدلولات الألفاظ الشرعية، إذا لم يعرفوا هذه الألفاظ من يعرفها بعدهم؟ وهم أورع وأتقى لله -سبحانه وتعالى- من أن يزعموا شيئاً أو يعبروا عن شيءٍ لم يفهموه عنه -عليه الصلاة والسلام-، إذا قال الصحابي: "من السنة" كقول ابن عمر للحجاج: "إذا أردت السنة فهجر" ونقل الشافعي عن ابن عباس: إنهم إنما يريدون بالسنة سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قال الصحابي: من السنة فلا شك أنه يريد بذلك السنة النبوية. قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ تفسير الصحابي يرى الحاكم أنه مرفوع، وعزاه للشيخين البخاري ومسلم في المستدرك في الجزء الثاني صفحة (258، 263) في مواضع كثيرة يزعم الحاكم أن مذهب الشيخين البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي له حكم الرفع، إذا فسر الصحابي آيةً ولم يصرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول الحاكم: هذا مرفوع، لما عرف واستفاض من التحذير من التفسير بالرأي، ولا يتصور أن الصحابة يفسرون القرآن بآرائهم، لكن أهل العلم حملوا ذلك على أسباب النزول، كقول جابر -رضي الله عنه-: "كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله -عز وجل-: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [(223) سورة البقرة] أما تفاسير الصحابة وفهمهم للقرآن لا سيما وأن من القرآن ما يدرك باللغة، ومنه أيضاً ما يدرك بالاجتهاد لا سيما في الأحكام، هل نقول: أن هذا كله مرفوع؟ لا. وعُد ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحمول على الأسبابِ نعم أسباب النزول إذا قال الصحابي: هذه الآية نزلت بسبب كذا له حكم الرفع لماذا؟ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- طرف في الوجود، يعني هو الذي ينزل عليه القرآن، ولذا حمل أهل العلم قول الحاكم هذا على أسباب النزول. وعُد ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحمول على الأسبابِ

أما إذا قال الراوي عن الصحابي: يرفع الحديث، عن سعيد عن أبي هريرة يرفعه، ينميه، يبلغ به، رواية، فهو عند أهل الحديث من قبيل المرفوع الصحيح، الصحابي يرفع الحديث إلى من؟ هل هناك أحد غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ لا أحد، يبلغ به إيش؟ لا بد وأن يكون المرفوع إليه والمبلغ عنه هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- فهو عند أهل الحديث من قبيل المرفوع الصريح بالرفع، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله- تعالى: وقولهم يرفعه يبلغ بهْ ... روايةً ينميه رفعٌ فانتبهْ روى الإمام مسلم عن أبي هريرة يبلغ به: ((الناس تبع لقريش)) وفي الصحيحين عنه رواية: ((تقاتلون قوماً صغار الأعين)) والأمثلة على ذلك كثيرة، ومثله لو قال التابعي: عن أبي هريرة رده إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذه صيغة من صيغ الأداء النادرة، وهي موجودة في صحيح مسلم. إذا قال ذلك التابعي أو قيل ذلك بعد التابعي: عن ابن سيرين يرفعه، عن ابن سيرين يبلغ به، عن الحسن رواية، منهم من يقول أنه مرفوع أيضاً لكنه مرسل؛ لأنه لم يذكر فيه الصحابي الرفع عن التابعي عنه -عليه الصلاة والسلام- فهو من قبيل المرسل، ومنهم من يقول: يحتمل أن يكون رفعه إلى الصحابي فيكون موقوفاً، وعلى كل حال سواء قلنا: أنه مرفوع مرسل، أو موقوف ينظر في اتصال إسناده من طرق أخرى، أو في رفعه فيكون حينئذٍ إن وجد مرفوع صراحةً فيه تعارض الوقف مع الرفع على ما سيأتي، أو تعارض الوصل مع الإرسال، وكل ذلك سيشار إليه فيما بعد -إن شاء الله تعالى-. طالب:. . . . . . . . . إيش يقول؟

طالب: يقول: أما إطلاق بعضهم أن تفسير الصحابة. . . . . . . . . المرفوع، وأن ما يقوله الصحابة نسبي ما لم. . . . . . . . . بالضعف مرفوع حكم كذلك، كذلك فإنه إطلاق غير جيد؛ لأن الصحابة اجتهدوا كثيراً في تفسير القرآن فاختلفوا وأفتوا مما يرونه من علوم الشريعة تطبيقاً عن الفروع والمسائل، فيظن كثير من الناس أن هذا العلم لا مجال للخوض فيه، وأن ما يحكيه بعض الصحابة من أخبار الأمم السابقة فإنه لا يعطي حكم المرفوع أيضاً؛ لأن كثيراً منهم -رضي الله عنهم- كانوا يروون من الإسرائيليات، أو كان يروي الإسرائيليات عن أهل الكتاب، على سبيل الذكرى والموعظة لا بمعنى أنهم يعتقدون صحتها، أو يستجيزون نسبتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاشا وكلا .... إلخ. لا شك أن تفسير القرآن على أوجه منها: ما لا يمكن أن يدرك بالرأي، لا يمكن أن يدرك بالرأي، الإخبار عن المغيبات سواء كانت في الماضي أو في المستقبل، والصحابي المفسر لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات، ما عرف بالأخذ عن بني إسرائيل، ومثله إذا قال الصحابي قولاً لا يمكن أن يدرك بالرأي، ولو لم يتعلق بالقرآن، أكثر أهل العلم أن له حكم الرفع؛ لأن الصحابي لا يمكن أن يخبر عن غيب، لا بد له من مصدر في هذا، والمسألة مفترضة في من؟ في الصحابة الذين كلهم عدول، فلا يبحث عن عدالتهم، فإذا قلنا: أن الصحابة كلهم عدول، وذكر الصحابي قولاً لا مجال للاجتهاد فيه فإنه له حكم الرفع عند أهل العلم، لكن إذا كان مما يدرك بالاجتهاد، مما يدرك من عمومات، مما يدرك من لغة العرب، كل هذا فيه اجتهاد، أو عرف الصحابي بأخذه عن أهل الكتاب، يحتمل أنه أخذ هذا عن أهل الكتاب، يعني ثبت عن بعض الصحابة أنه قال: "الجراد نثرة حوت" يروى عنه -عليه الصلاة والسلام- لكن ضعيف؛ لكنه متلقى عن أهل الكتاب بلا شك، وإن ثبت عن بعض الصحابة؛ لكن هذا متلقى عن كعب وغيره، المقصود أن الصحابي إذا لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب وقال قولاً لا مجال للرأي فيه، والمسألة مفترضة فيمن لا يفتري، صحابي، فلم يبق إلا أن يكون تحمله عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. (النوع التاسع: المرسل)

قال ابن الصلاح: وصورته التي لا خلاف فيها: حديث التابعي الكبير الذي قد أدرك جماعة من الصحابة وجالسهم، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب، وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك، وحكى ابن عبد البر عن بعضهم: أنه لا يعد إرسال صغار التابعين مرسلاً، ثم إن الحاكم يخص المرسل بالتابعين، والجمهور من الفقهاء والأصوليين يعممون التابعين وغيرهم. قلت: كما قال أبو عمرو بن الحاجب في مختصره في أصول الفقه: المرسل قول غير الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا ما يتعلق بتصوره عند المحدثين، وأما كونه حجةً في الدين، فذلك يتعلق بعلم الأصول، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا (المقدمات)، وقد ذكر مسلم في مقدمة كتابه: أن المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة، وكذا حكاه ابن عبد البر عن جماعة أصحاب الحديث، قال: وقال ابن الصلاح: وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه، هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وتداولوه في تصانيفهم، قال: والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما في طائفة، والله أعلم. قلت: وهو محكي عن الإمام أحمد بن حنبل في رواية، وأما الشافعي فنص على أن مرسلات سعيد بن المسيب حِسان، قالوا: لأنه تتبعها فوجدها مسندة، والله أعلم. والذي عول عليه كلامه في الرسالة إن مراسيل كبار التابعين حجة إن جاءت من وجهٍ آخر ولو مرسلة، أو اعتضدت بقول صحابي أو أكثر العلماء، أو كان المرسل لو سمى لا يسمي إذا سمى إلا ثقة، فحينئذٍ يكون مرسله حجة، ولا ينتهض إلى رتبة المتصل، قال الشافعي، وأما مراسيل غير كبار التابعين فلا أعلم أحد قبلها، قال ابن الصلاح: وأما مراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله، ففي حكم الموصول؛ لأنهم إنما يروون عن الصحابة وكلهم عدول، فجهالتهم لا تضر، والله أعلم.

قلت: وقد حكى بعضهم الإجماع على قبول مراسيل الصحابة، وذكر ابن الأثير وغيره في ذلك خلافاً، ويحكى هذا المذهب عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني، لاحتمال تلقيهم عن بعض التابعين، وقد وقع رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. تنبيه: والحافظ البيهقي في كتابه (السنن الكبير) وغيره يسمي ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة مرسلاً، فإن كان يذهب مع هذا إلى أنه ليس بحجة فيلزمه أن يكون مرسل الصحابة أيضاً ليس بحجة، والله أعلم. المرسل: جمعه مراسل ومراسيل مثل مساند ومسانيد، ومفاتح ومفاتيح، مأخوذ من الإرسال وهو الإطلاق {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ} [(83) سورة مريم] في حديث عمر لما سمع القراءة على خلاف ما سمعها من النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أرسله)) يعني أطلقه، ثم أمره بالقراءة وأمر عمر أن يقرأ وقال: ((هكذا أنزل)) فهو مأخوذ من الإرسال الذي هو الإطلاق، أو من قولهم: ناقة مرسال، أي سريعة السير، أو من قولهم: جاء القوم إرسالاً يعني متفرقين، المقصود أن المرسل له عدة إطلاقات، لكنه في الاصطلاح مختلف فيه أيضاً. يقول: "صورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي قد أدرك جماعة من الصحابة وجالسهم" حديث التابعي الكبير يعني الذي يرفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا لا خلاف فيه، يعني وما عدا هذه الصورة من الصور مختلف فيه، فما رفعه التابعي الصغير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مختلف فيه، والانقطاع في أثناء السند يسميه بعضهم مرسل مختلف فيه، ما أبهم فيه الصحابي عن رجل صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- كقول البيهقي مرسل مختلف فيه، لكن الصورة التي لا خلاف في إطلاق الإرسال عليها هو ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب وأمثالهم، فمثل هؤلاء إذا قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مرسل اتفاقاً، ولكن الأكثر والمشهور عند أهل العلم التسوية بين التابعين أجمعين، سواء في ذلك صغارهم وكبارهم ومتوسطيهم.

مرفوع تابعٍ على المشهورِ ... مرسل أو قيده بالكبيرِ أو سَقْطُ راوٍ منه ذو أقوالِ ... والأول الأكثر في استعمالِ "وحكى ابن عبد البر عن بعضهم: أنه لا يعد إرسال صغار التابعين مرسل" لا يعد إرسال صغار التابعين مرسل، إن كان القصد من حيث التسمية هذا شيء، إن كان القصد أيضاً من حيث الحكم؛ لأن إرسال كبار التابعين الذي يغلب على الظن أن هذا التابعي إنما تلقاه عن صحابي، أما الصغير يحتمل أنه سمعه من تابعي كبير، وهذا التابعي الكبير رواه عن تابعي احتمال أيضاً، كما سيأتي في بيان حكمه، فما رفعه التابعي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المرسل، والمشهور عند أهل العلم استواء الصغار والكبار في ذلك. يقول: "ثم إن الحاكم يخص المرسل بالتابعين، والجمهور من الفقهاء والأصوليين يعمون التابعين وغيرهم" يعني ما رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من دون التابعي يسمى مرسل، بل بعضهم ما سقط من إسناده راوي فيعم جميع أنواع الانقطاع يسميه إرسال، لا شك أن هذا التعريف اللغوي يساعد على هذا، لكن العبرة بأهل الاصطلاح، العبرة بأهل الاصطلاح، جمهورهم على أن المرسل ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول الحافظ ابن كثير: قلت: قال أبو عمرو بن الحاجب في مختصره في أصول الفقه: المرسل قول غير الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيشمل التابعي ومن دونه، ويشمل أيضاً من تأخر زمنه، إذا أضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قولاً يسمى مرسل، على كلامه.

يقول: "هذا ما يتعلق بتصوره عند المحدثين" فالمرسل مختلف في حده، ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما رفعه التابعي مطلقاً سواء كان كبيراً أو صغيراً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما سقط من أثناء إسناده أو من إسناده راوٍ أو أكثر، "وأما كونه حجةً في الدين فذلك يتعلق بعلم الأصول وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا (المقدمات) " وهذا الكتاب لا وجود له فيما نعرف، الاحتجاج بالمرسل مسألة خلافية، طال فيها الخلاف بين أهل العلم، فمذهب مالك وأبي حنيفة الاحتجاج بالمراسيل، الشافعي اشترط لقبوله شروط على ما سيأتي، وأحمد في المشهور عنه رد المراسيل، وهكذا من جاء بعدهم، فنلاحظ التسلسل الزمني، كل ما تقادم العهد قبل المرسل، وإذا تأخر رد المرسل، حتى نقل ابن عبد البر عن التابعين بأسرهم أنهم يقبلون المراسيل، التابعين بأسرهم يقبلون المراسيل، وأنه لم يعرف الخلاف بذلك إلى رأس المائتين، يعني حتى جاء الإمام الشافعي، يعني من قبل الإمام الشافعي كلهم يقبلون المراسيل، الإمام الشافعي توسط فقبله بشروط، من جاء بعد الشافعي ردوا المراسيل. واحتج مالك كذا النعمانُ ... به وتابعوهما ودانوا ورده جماهرُ النقادِ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ يعني جماهر النقاد يعني من بعد الشافعي، أما من قبل الشافعي يعني إلى رأس المائتين فجماهير الأمة على قبول المراسيل، نقل عن سعيد أنه يرد المراسيل، وهذا في مقدمة التمهيد أيضاً، وإن كان في ثبوته من قوله فيه نظر، لكن قد يكون بفعله رد بعض الأخبار على بعض التابعين، احتمال. ورده جماهرُ النقادِ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ وصاحب التمهيد عنهم نقلهْ ... ومسلم صدر الكتاب أصلهْ

قلنا: إذا كان التابعي يرفع الخبر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الاحتمال الأقوى أن هذا التابعي سمعه من صحابي، والصحابة كلهم عدول، فكيف نرد؟ قالوا: الاحتمال الآخر أن التابعي سمعه من تابعيٍ آخر، والتابعي سمعه من تابعيٍ ثالث، والتابعي الثالث من رابع إلى ستة، وقد وجد في إسناد حديث ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، في حديث يتعلق بسورة الإخلاص مخرج في المسند وفي سنن النسائي، وهؤلاء التابعون فيهم من هو ضعيف؛ لأن التابعين ليس كلهم ثقات، بل فيهم المتكلم فيه، وإذا وجد هذا الاحتمال لم توجد غلبة الظن بثبوت الخبر، وحينئذٍ يكون من قسم الضعيف. صاحب التمهيد عنهم نقلهْ ... ومسلم صدر الكتاب أصلهْ وإن كان ليس من قوله، مسلم ليس من قوله، وإنما ذكره على لسان خصمه، مسلم ذكر الكلام على لسان خصمه، ماذا يقول مسلم؟ يقول: "إن المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم في الأخبار ليس بحجة" هذا ليس من قول مسلم، وإنما الخصم الذي رد عليه مسلم في المقدمة قال هذا الكلام، ولم يعترض عليه. يقول ابن الصلاح: "وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل، والحكم بضعفه هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث، ونقاد الأثر، وتداولوه في تصانيفهم" نعم هو الذي استقر عليه الاصطلاح، قال: ورده جماهرُ النقادِ ... . . . . . . . . . النقاد نقاد الحديث، صيارفته، جلهم بعد الشافعي، الإمام أحمد، البخاري، المديني، يحيى بن معين، ابن أبي حاتم، أبو زرعة، الدارقطني، كلهم بعد الشافعي، قال: "والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة"، مقرر في كتب المالكية، في كتب الحنفية أيضاً، "وأصحابها في طائفةٍ، والله أعلم". بل نقل ابن عبد البر عن الطبري أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل، ولم يأتِ عنهم إنكاره ولا عن أحدٍ من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين، هذا الإجماع نقله ابن عبد البر في مقدمة التمهيد عن الطبري، ونقل ابن عبد البر أيضاً خلاف سعيد فهل يستدرك على الطبري بقول سعيد؟

الجواب: لا يستدرك على الطبري، لماذا؟ لأن الطبري يرى أن الإجماع قول الأكثر، الإجماع قول الأكثر وليس بقول الجميع، إنما قول الأكثر يعد إجماعاً، ولذا تفسيره مملوء بقوله: "اختلف القرأة في كذا" ثم يسرد القول الأول ويذكره لأكثر العلماء، ثم يذكر القول الثاني المخالف، ثم يقول بعد ذلك: "والصواب في ذلك عندنا كذا لإجماع القرأة على ذلك"، إجماع، وهو ساق الخلاف، لكن باعتبار قول الأكثر يسميه إجماع، وهذا من باب الاستطراد للفائدة. يقول: إذا كان الساقط في المرسل هو الصحابي أليس جهالة الصحابي لا تضر؟ فلماذا لم يقبل المرسل خصوصاً إذا كان المرسل من كبار التابعين؟ هذا يقول: سؤال عاجل. احتمال أن يكون الساقط من الصحابة، واحتمال أن يكون التابعي قد رواه عن تابعي آخر، وهذا التابعي احتمال أن يكون رواه عن تابعي ثالث، ذكرنا هذا فيما تقدم، وذكرنا أن حديث في فضل سورة الإخلاص مخرج في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي فيه ستة من التابعين، وهذا أنزل إسناد في الدنيا ولا نظير له، ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، لو قدرنا أن التابعي رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قلنا: مرسل، لكن فيه خمسة من التابعين سقطوا، حال هؤلاء الخمسة؟ هل نجزم أن هؤلاء الخمسة كلهم ثقات؟ لا، خمسة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهذا موجود، أربعة من التابعين كثير، أكثر من ذلك الثلاثة، المقصود أنه لا يتحتم أن يكون التابعي رواه عن الصحابي وأسقط الصحابي، وإلا لو جزمنا بذلك قلنا: أن جهالة الصحابي لا تضر، لكن ليس الأمر كذلك.

يقول: "قلت: وهو محكي عن الإمام أحمد في رواية" المذكورة في المسودة لآل تيمية، قبول المراسيل، "وأما الشافعي فنص على أن مرسلات سعيد بن المسيب حسان"، نعم قال: "وإرسال ابن المسيب عندنا حسن" في المختصر للمزني في الجزء الثامن من الأم، صفحة (78) "إرسال ابن المسيب عندنا حسن، قالوا: لأنها تتبعها فوجدها مسندة"، الشافعي -رحمه الله- يشترط لقبول المرسل شروط منها: ما يتعلق بالمرسِل، ومنها: ما يتعلق بالخبر المرسَل، فلا بد أن يكون المرسِل من كبار التابعين، وأن يكون ثقة، وأن يجيء الخبر المرسل من وجهٍ آخر ولو مرسل يرويه غير رجال المرسل الأول، وأن يعتضد المرسل بقول الصحابي أو أكثر العلماء يفتي به عوام أهل العلم كما نص على ذلك في الرسالة. "أو كان المرسل إذا سمى لا يسمى إلا ثقة"، يعني لا يرسل عن كل أحد، لا يرسل إلا عن الثقات، "فحينئذٍ يكون مرسله حجةً، ولا ينتهض إلى رتبة المتصل"، فالمرسل وإن توافرت فيه هذه الشروط، واحتج به الإمام الشافعي إلا أنه دون المتصل، وإن شذّ بعضهم فرجح المرسل على المتصل، وهذا نقله ابن عبد البر وغيره عن بعضهم، لكنه شذوذ، قال الشافعي: "وأما مراسيل غير كبار التابعين فلا أعلم أحداً قبلها"، الذين أطلقوا كابن عبد البر والطبري وغيرهم أن من قبل الشافعي كلهم يقبلون المراسيل، يعني هل مالك وأبي حنيفة قيدوا هذه المراسيل بأن تكون هذه المراسيل من مراسيل كبار التابعين؟ ليقول الشافعي: "وأما مراسيل غير كبار التابعين فلا أعلم أحداً قبلها" يعني قول الإمام المطلع الكبير: لا أعلم كذا يدل على الإجماع؟ يساوي كلمة إجماع؟ طالب:. . . . . . . . . إيه على حسب علمه، ولذا قال الشافعي -رحمه الله-: أنه لا يعلم أحداً قال بزكاة البقر في أقل من ثلاثين مع أنه وجد من يقول بالعشر، وقول مالك: لا أعلم أحداً قال برد اليمين، مع أن قضاة عصره يقولون برد اليمين، ابن شبرمة وابن أبي ليلى يقولون برد اليمين، على كل حال هذه المسألة، قول الشافعي: "لا أعلم أحداً قبلها"، هو على حسب علمه، لا شك أنه إذا كان المرسل من كبار التابعين يغلب على الظن قلة الوسائط، بخلاف ما إذا كان المرسل من صغار التابعين.

قال ابن الصلاح: "وأما مراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله ففي حكم الموصول؛ لأنهم إنما يروون عن الصحابة وكلهم عدول، فجهالتهم لا تضر"، مراسيل الصحابة، الصحابي يرسل إما لصغر سنه أو لتأخر إسلامه، أو لغيبته عن شهود الحادثة، حديث بدء الوحي ترويه عائشة قبل أن تولد بدء الوحي، لكن يغلب على الظن أنها سمعته منه -عليه الصلاة والسلام-، لقوله في ذلك: ((فغطني)) أو ((فغتني)) غمني، فهي تحكي على لسانه -عليه الصلاة والسلام-، ابن عباس أكثر ما قيل فيما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة الأربعين، حتى قيل أنها أربعة سمعها من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، فيوجد الإرسال عند الصحابة، لكن الصحابة كلهم عدول، ولذا أجمعوا على قبول مراسيلهم، نُقل الإجماع، نقل الإجماع أكثر من واحد، السرخسي نفى الخلاف، والأسنوي والنسفي نقلوا الإجماع وغيرهم. يحكى عن أبي إسحاق الإسفرايني أنه رد مراسيل الصحابة كمراسيل غيرهم لاحتمال أن يكونوا رووا ذلك عن التابعين؛ لأنه وجدت رواية بعض الصحابة عن بعض التابعين، كما أنه وجدت رواية النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض الصحابة، فرواية الأكابر عن الأصاغر معروفة. أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ "تنبيه: والحافظ البيهقي في كتابه (السنن الكبير) وغيره يسمي ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة مرسلاً، فإن كان يذهب مع ذلك أنه ليس بحجة، فيلزمه أن يكون مرسل الصحابي أيضاً ليس بحجة" يعني من باب أولى يعني إذا ذكر التابعي عن رجلٍ صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا كان البيهقي يسمي هذا مرسل، فالمرسل الذي لا خلاف فيه من باب أولى، يعني إذا ذُكر أن هذا الصحابي رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو عمن صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يسميه مرسل، والجمهور على أنه ليس بمرسل، بل هو متصل في إسناده مبهم، والمبهم مجهول وجهالة الصحابة لا تضر. ورسموا منقطعاً عن رجلِ ... وفي الأصول نعته بالمرسلِ يقول البرهان الحلبي: قلت: الأصح أنه متصلُ ... لكن في إسناده من يجهلُ

الذي في إسناده مبهم متصل، والذي في إسناده راوٍ مبهم هو من قبيل المتصل وليس من قبيل المرسل، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: ألا يؤخذ من كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في الحديث الضعيف أنه أدخل في أقسامه الموضوع؟ هذا أخذ على من قبله كالخطابي وغيره الذين قالوا: شر الأحاديث الموضوع، ولا شك أن الموضوع حديث، على حسب الإطلاق الأعم بأن الحديث ما يتحدث به، أو على حسب زعم واضعه، على حد زعم واضعه هو يراه حديث، فيدخل في الأحاديث ويبين حكمه، فأدخله أهل العلم من هذه الحيثية في مباحث علوم الحديث. يقول: هل تفسير الصحابي للحديث له حكم الرفع؟ خاصة إذا كان هو راويه؟ تفسير الصحابي إذا كان منشأه ومبعثه فهم الصحابي للنص فليس له حكم الرفع، أما إذا كان لا مجال للاجتهاد فيه؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب فهذا له حكم الرفع. يقول: هل هناك فرق بين المرفوع حكماً أو له حكم الرفع؟ مرفوع حكماً وله حكم الرفع لا فرق. "ذبحنا فرساً على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-" هل هذا مرفوع أم له حكم الرفع؟ هو له حكم الرفع؛ لأنه ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما ذُكر فيه أنه اطلع عليه وأقره، لكن هو في عصره -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان مما لا يجوز لنبه عليه، كما في قول جابر -رضي الله عنه-. هذه أيضاً تقدمت. يقول: أجود كتب القواعد، يقول: القواعد الشرعية، فهل المراد القواعد الفقهية؟ بالنسبة للقواعد خاصة بمذهب فلا أجود من كتاب القواعد لابن رجب، وهو على مذهب الحنابلة، كتاب نفيس، وأما بالنسبة للقواعد عامة فالأشباه والنظائر طيب في القواعد الكلية والأغلبية. كتاب أعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي؟ كتاب أيضاً في العقائد نفيس. يقول: ما أفضل شروح الألفية للعراقي؟

أفضلها وأنفسها وأكثرها فوائد شرح السخاوي، وإن كان شرح المؤلف جيد، وفيه فوائد، وهو الأصل في الموضوع، لكن شرح السخاوي أكثر منه فوائد، لكنه أطول يحتاج إلى وقت، فتح الباقي للشيخ زكريا الأنصاري أيضاً فيه تنبيهات ولطائف لا توجد في الشرحين المذكورين. يقول: أفضل طبعات زاد المعاد؟ إلى الآن طبعة الرسالة تحقيق الأرنؤوط جيدة لا بأس بها. يقول: إذا كان هناك حديث ضعيف ووجد له شواهد وأحاديث، ولكن من نفس المستوى أي في الضعف، فهل تقوي بعضها بعضاً؟ إذا كان الضعف محتمل، إذا كان الضعف ليس بشديد نعم يقوي بعضها بعضاً. يقول: هل يوجد في كتب السنن والمسانيد أحاديث موضوعة، ولماذا تدرج في الكتب، وهل كان أصحاب الكتب يعلمون بحالها؟ نعم، في السنن أحاديث ضعيفة شديدة الضعف، بل في بعضها ما هو موضوع، كسنن ابن ماجة مثلاً، وفي سنن الترمذي وهو من رواية متهم بالوضع، أما سنن النسائي وسنن أبي داود فهما أمثل بكثير من الترمذي وابن ماجة، في المسند أحاديث حكم بوضعها، وتحدثنا عن كتاب (القول المسدد) للحافظ ابن حجر أنه دافع عن المسند بقدر الإمكان، لكن يبقى أن فيه ما فيه، شيخ الإسلام -رحمه الله- ذكر أن هناك مناظرة بين اثنين لعل أحدهما ابن الجوزي والثاني أبو العلاء الهمداني أحدهما ينفي أن يكون في المسند أحاديث موضوعة، والثاني يثبت، الشيخ -رحمه الله- قال: كلاهما صواب، أما وجود الموضوع الذي أخطأ فيه راويه، هذا موجود، ونفي الموضوع الذي تعمد راويه وضعه هذا صحيح، الإمام أحمد لا يروي عن من يتعمد الكذب، لكن يروي عن من يقع منه الخطأ. يقول: أيهما أفضل حفظ ألفية السيوطي أو ألفية العراقي؟ بيّنت مراراً وفي مناسبات أن ألفية العراقي هي الأصل، وإمامة العراقي لا ينازع فيها أحد، نعم في ألفية السيوطي أنواع زائدة تؤخذ منه، وما عدا ذلك ألفية العراقي هي الأصل. يقول: نراك تستشهد بألفية العراقي في المصطلح هل تنصح بحفظها أو بحفظ ألفية السيوطي؟ هذا مثلما سبق، ألفية العراقي هي الأصل. يقول: شرح ابن بطال لصحيح البخاري ما قيمته العلمية؟

شرح من الشروح وهو من الشروح المتقدمة التي اعتمد عليها الشراح ممن جاء بعده كالكرماني وابن حجر والعيني والقسطلاني وغيره، على كل حال هو شرح يستفاد منه، لكن المقل من اقتناء الكتب لا يحتاج إليه مع وجود فتح الباري، أما الذي يريد أن يجمع فهو أصل، كتاب يحتاج إليه طالب العلم. يقول أيضاً: ما صحة حديث: ((كل كلام لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر))؟ ((كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله ... )) حسنه أهل العلم، وأما بقية الألفاظ ففيها مقال، والألباني -رحمه الله- حكم على الحديث بجميع طرقه وألفاظه بالضعف، لكن حسنه النووي وغيره. يقول: نريد التفريق بين الصحيح والمسند والمتصل والمرفوع، حيث قد حصل عندي لبس، وهل المسند والمتصل والمرفوع أحاديث صحيحة أم لا؟ الصحيح سبق تعريفه، ما رواه عدل تام الضبط بسندٍ متصل غير معلل ولا شاذ، المسند: ما اتصل إسناده أو هو المرفوع على الخلاف في ذلك، أو المتصل المرفوع، والمتصل المرفوع، يقول: في أحاديث صحيحة؟ فيما اتصل إسناده ما هو صحيح، وفيه ما هو ضعيف، المرفوع أيضاً منه الصحيح والضعيف والحسن والموضوع أيضاً، وهكذا .. هل خُرج في الصحيحين لأناس من أهل البدع؟ نعم، في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة إلى بدعهم، ومعروف أن البدع منها ما هو خفيف، ومنها ما هو شديد مخرج عن الملة، هذا لا يخرجون لهم، لكن البدعة الصغرى يخرجون لأهلها، أما البدع الكبرى فلا، الحافظ الذهبي بيّن التفريق بين البدع سواء كانت الصغرى أو الكبرى في مقدمة الميزان، في أوائل الميزان. يقول: سمعت أن حديث: ((من جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ... ))؟

أما الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس فهو ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، كما ثبت عنه في الصحيح، وأما الأجر والثواب المرتب على الجلوس بعد صلاة الصبح أنه له أجر عمرة أو حجة تامة، هذا محل خلاف بين أهل العلم، منهم من صححه، ومنهم من ضعفه، والأقرب تحسينه، الحديث لا ينزل عن درجة الحسن، وعلى كل حال جاء عن السلف التحذير من النوم بعد صلاة الصبح، والتشديد في ذلك، وهذا معروف، هذا هجير أهل العلم وديدنهم، حفظ هذا الوقت، والله المستعان. يقول: سمعت أن البخاري خرج للذي قال شعراً في مدح قاتل علي؟

إذا كان هذا صحيح فلا يكون قد خرج عن الداعية، لمن يدعو إلى بدعته، على كل حال عمران بن حطان مخرج له في الصحيح، متابعة وليست أصل، لا شك أنه مدح قاتل علي، معروف أنه من الخوارج، والخوارج من أبعد الناس عن الكذب؛ لأنهم يرون الكذب كبيرة والكبيرة يكفر مرتكبها عندهم، فالصدق متوفر، ولذا يقول الحافظ ابن حجر: "وما المانع أن يخرج له وقد عرف بصدق اللهجة" وتعقّبه العيني بقوله: "وأي صدقٍ في لهجة مادح قاتل علي" في كلام يطول لأهل العلم، لكن ومع ذلك هو صادق اللهجة؛ لأنه نصر ما يراه حق، هذه عقيدته، والخوارج كما قرره أهل العلم من أبعد الناس عن الكذب، إضافةً إلى أن خبره مخرج في الشواهد، وليس في الأصول، ومنهم من يقول: أنه رجع عن بدعته، ومنهم من يقول: أن الحديث قد تحمل عنه قبل ارتكابه هذه البدعة، معروف أنه لم يرتكب مذهب الخوارج إلا في وقتٍ متأخر، لما أراد أن يتزوج من امرأةٍ جميلة، وهي على مذهب الخوارج قالت: لا أريد أن أتزوج، أو هو تزوجها بنية دعوتها إلى المذهب الحق، لكن ما زالت به حتى ترك المذهب الحق إلى مذهب الخوارج، وهذا فيه تنبيه لمن يقول: أنه يطلب الجمال والدين يأتي فيما بعد بالدعوة، هذا ليس بصحيح، فكم من شخص ضل بسبب هذا التصرف، يقول: الآن الجمال ما يعوض لكن الدين بالدعوة، نأخذ أجر الدعوة، ونستفيد من الجمال، هذا الكلام ليس بصحيح، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) نعم الجمال مطلب، الحسب مطلب، لا شك، المال أيضاً مطلب عند بعض الناس، لكن الأصل هو الدين فلا يقدم عليه غيره، والله المستعان. يقول: هل هناك طبعة لصحيح الإمام البخاري في خمسة مجلدات بعناية مصطفى البغاء؟

نعم، هي موجودة، يقابل ما فيها بصحيح مسلم، يعني يذكر ما وافقه على تخريجه مسلم، وميزة هذه الطبعة الإحالات على السابق وعلى اللاحق؛ لأن فؤاد عبد الباقي -رحمه الله- ذكر الأطراف والإحالة إلى اللاحق دون السابق، وميزة طبعة البغاء هذه الإحالة إلى السابق كاللاحق، وهذه ميزة طيبة لكن يبقى أنها ليست أفضل الطبعات، ليس هي أفضل الطبعات بل فيها أوهام، أدق وأفضل طبعات صحيح مسلم الذي يصبر على قراءة الحواشي فأفضل الطبعات المطبوعة على هامش إرشاد الساري، الطبعة السابقة. الأسئلة كثيرة ولا تنتهي. يقول: بحثنا عن شروح لكتب المصطلح في السوق؟ يعني التي أحلت عليها كثيراً مما سجل عني لم نجد شرحاً إلا شرح متن نخبة الفكر ولم يكتمل، إلى الآن ما بعد نزلت التسجيلات وهي كاملة يعاد النظر فيها وترتب وتصفى وتخرج قريباً -إن شاء الله-، ويعاد النظر فيها أيضاً من جهة ثانية وتطبع قريباً -بإذن الله تعالى-. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-: (النوع العاشر: المنقطع) قال ابن الصلاح: وفيه في الفرق بينه وبين المرسل مذاهب. قلت: فمنهم من قال: هو أن يسقط من الإسناد رجل، أو يذكر فيه رجل مبهم. ومثَّل ابن الصلاح الأول بما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة مرفوعاً: ((إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين ... )) الحديث، قال: فقيه انقطاع في موضعين: أحدهما: أن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري، إنما رواه عن النعمان بن أبي شيبة الجَنَدي عنه، قال والثاني: أن الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق إنما رواه عن شريك عنه، ومثَّل الثاني: بما رواه أبو العلاء بن عبد الله بن الشخير عن رجلين عن شداد بن أوس، حديث: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر))، ومنهم من قال: المنقطع مثل المرسل، وهو كل ما لا يتصل إسناده، غير أن المرسل أكثر ما يطلق على ما رواه التابعي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال ابن الصلاح: وهذا أقرب، وهو الذي صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم، وهو الذي ذكره الخطيب البغدادي في كفايته، قال: وحكى الخطيب عن بعضهم: أن المنقطع ما روي عن التابعي فمن دونه، موقوفاً عليه من قوله أو فعله، وهذا بعيد غريب، والله أعلم. يقول الحافظ -رحمه الله-: "النوع العاشر: المنقطع"، وهو اسم فاعل من الانقطاع ضد الاتصال، فالأصل في المنقطع أنه ما يقابل المتصل، على أي وجهٍ كان انقطاعه، سواء كان حذف من مبادئ السند، أو من أثنائه، أو من آخره راوٍ أو أكثر من راوي، على التوالي أو على التفريق، ما دام الانقطاع يقابل الاتصال هذا هو الأصل فيه، لكن أهل الاصطلاح خصصوا كل نوعٍ من الانقطاع باسمٍ خاص، فجعلوا المرسل ما سقط من أعلى سنده، ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجعلوا المعلق ما حذف من مبادئ إسناده من جهة المصنف، وجعلوا المعضل ما سقط منه اثنين فأكثر على التوالي، وبقي ما يحتمل من الصور، خصوا باسم المنقطع، أخرجوا هذه الصور الثلاث عن عموم الانقطاع وسموا كل صورةٍ باسمها الخاص، فبقي ما عدا ذلك على الأصل، وعلى هذا يكون تعريف المنقطع ما حذف من أثناء إسناده ليخرج بذلك المعلق والمرسل راوٍ واحد، أو أكثر من راوي لا على التوالي، يعني في أكثر من موضع ليخرج بذلك المعضل، هذا الذي استقر عليه الاصطلاح عند أهل العلم، وإن كان الخلاف أيضاً قائماً بينهم وبين غيرهم من الفقهاء والأصوليين عند أهل الحديث وغيرهم. فيقول ابن الصلاح: "وفيه في الفرق بينه وبين المرسل مذاهب"، يقول الحافظ ابن كثير: "قلت: فمنهم من قال: هو أن يسقط من الإسناد رجل"، يسقط من الإسناد رجل من أي موضع؟ من مبادئه هذا المعلق، من آخره هذا المرسل، من أثنائه هذا هو المنقطع، "أو يذكر فيه رجل مبهم"، عرفنا أن ما يذكر فيه رجل مبهم لا يسمى منقطع بل متصل، إسناده متصل لكن يبقى الإبهام جهالة في حال الراوي، جهالة ذات للراوي، لا نقول: جهالة عين وجهالة حال إنما هي جهالة ذات. ثم ذكر مثالين نقلا ًعن ابن الصلاح مثل ابن الصلاح للأول بما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق، نعم هذا ينطبق عليه حد المنقطع، لماذا؟

شرح اختصار علوم الحديث (5)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (5) النوع الحادي عشر: المعضل - والنوع الثاني عشر: المدلس - والنوع الثالث عشر: الشاذ الشيخ/ عبد الكريم الخضير لماذا؟ لأنه سقط من أثنائه أكثر من راوي من أكثر من موضع، فعبد الرازق لم يروه عن الثوري، لم يسمعه عن الثوري، وإنما رواه عن النعمان بن أبي شيبة الجندي، وأيضاً الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق، وإنما رواه عنه بواسطة شريك فهذا ينطبق عليه الحد الذي استقر عليه الاصطلاح، وأما الثاني ما فيه راوٍ مبهم ما رواه أبو العلاء بن الشخير عن رجلين، عن شداد بن أوس حديث: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر)) ففيه إبهام وليس فيه انقطاع، وهذا جارٍ على ما يراه بعضهم مما يؤيده أن وجود الراوي المبهم مثل عدمه، كأنه لم يذكر، وجود الراوي المبهم مثل عدمه، فكأنه غير موجود، لكن كونه عن رجلين وإن كانا مبهمين هو أقوى من روايته عن رجلٍ واحد ففيه قوة. على كل حال ما فيه راوٍ مبهم على الاصطلاح ليس بمنقطع، وإنما هو متصل في إسناده من يجهل، "ومنهم من قال: المنقطع مثل المرسل، وهو كل ما لا يتصل إسناده"، هذا هو الأصل فيه، أن كل ما لا يتصل إسناده هو المنقطع، لكن أهل الاصطلاح خصوا المنقطع بما عدا الصور الثلاث التي أشرنا إليها، "غير أن المرسل أكثر ما يطلق على ما رواه التابعي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، المسألة غلبة يعني أكثر ما يطلق المرسل على هذا، وإلا فقد يقال في المنقطع: مرسل، كما إذا قيل: أرسله فلان ووصله فلان، فمعناه أنه لم يصل إسناده على أي وجهٍ كان انقطاعه، "قال ابن الصلاح: وهذا أقرب"، ولا شك أن هذا يؤيده الأصل، "وهو الذي سار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم، والذي ذكره الخطيب البغدادي في كفايته"، وهو أيضاً الذي نصره ابن عبد البر في التمهيد، وقال النووي: هو الصحيح، إذا نظرنا إلى الأصل في الانقطاع وهو ما يقابل الاتصال، نعم يؤيد، يؤيد هذا، لكن يبقى أن تخصيص كل نوع باسمٍ خاص أولى، والذي سلكه جمهور أهل الحديث، يقول الحافظ العراقي: وسم بالمنقطع الذي سقط ... قبل الصحابي به راوٍ فقط

وقيل: ما لم يتصل، وقال: بأنه الأقرب لا استعمالاً؛ لأنه الأقرب يعني من حيث الأصل لا في الاستعمال، قال: "وحكى الخطيب عن بعضهم أن المنقطع ما روي عن التابعي فمن دونه موقوفاً عليه من قوله أو فعله وهذا بعيد غريب" هذا كلام البرديجي، وهو الذي سبق أن أشرنا إليه في قوله: "وعكسه اصطلاح البردعي"، البردعي هو البرديجي، أحمد بن هارون أبو بكر، يرى أو يطلق المنقطع ويريد به المقطوع، يطلق لفظ المنقطع ويريد به ما روي عن التابعي فمن دونه، أبعد من هذا قول إلكيا الطبري الراسي: هو قول الرجل بدون إسناد قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزعم أنه مصطلح المحدثين، بدون إسناده، يعني ولو تأخر عصره يقول: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- اصطلاح المحدثين هذا هو المنقطع، نعم هو ليس له إسناده فضلاً عن أن يكون منقطع أو متصل. (النوع الحادي عشر: المعضل) وهو ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً، ومنه ما يرسله تابع التابعي، قال ابن الصلاح: ومنه قول المصنفين من الفقهاء: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد سماه الخطيب في بعض مصنفاته مرسلاً، وذلك على مذهب من يسمى كل ما لا يتصل إسناده مرسلاً، قال ابن الصلاح: وقد روى الأعمش عن الشعبي قال: ((ويقال للرجل يوم القيامة: عملتَ كذا وكذا؛ فيقول: لا، فيختم على فيه)) .. الحديث قال: فقد أعضله الأعمش؛ لأن الشعبي يرويه عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فقد أسقط منه الأعمش أنساً والنبي -صلى الله عليه وسلم-، فناسب أن يسمى معضلاً.

النوع الحادي عشر: المعضل: وهو اسم مفعول من الإعضال واشتقاقه من حيث ومأخذه من حيث اللغة مشكل، ووجه الإشكال كما قال بعضهم: أنه في الأصل مأخوذ من عول الثلاثي، وليس من الرباعي أعضل، لأنه مأخوذ من اللازم لا من المتعدد، فأعضل يعضل فهو معضَل هذا يكون قد عدي بالهمزة، لكن السخاوي يرى أنه لا مانع أن يكون أيضاً من الرباعي المتعدي، قالوا: أعضله فهو معضل وعضيل، كما في أعله المرض فهو عليل، بمعنى مفعل وفعيل، وهذا إنما يستعمل في المتعدي، لكن جمهور من كتب في المصطلح يقول: إنه من اللازم، بعض الألفاظ لا تستعمل إلا على صيغة المفعول المجهول، تُنتج الناقة، كما تُنتج البهيمة، هنا الحديث المعضل هل الحديث أعضله الراوي بحذف راويين من إسناده أو الحديث هو الذي أعضل العلماء؟ بمعنى أنه أتعبهم في البحث عن ما سقط من رواته، يعني ليس مثل المنقطع سقط واحد، لا، سقط أكثر من واحد على التوالي. على كل حال هذا لفظ استعمله العلماء، وحدوه بما ذكروه من أنه: ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً، شريطة أن لا يكون الساقط من مبادئ الإسناد، ليخرج بذلك المعلق، وأن يكون هذان الساقطان على التوالي، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-: والمعضل الساقط منه اثنانِ ... فصاعداً ومنه قسم ثاني حذف النبي والصحابي معا ... ووقف متنه على من تبعا أضاف بعض الآخذين على الناظم قوله: والشرط في ساقطه التوالي ... والانفراد ليس بالإعضالِ على هذا أن يكون على الولاء ما سقط منه راويان فأكثر على التوالي، أما إذا سقط منه أكثر من راوي لا على التوالي فإنه يسمى منقطع على ما تقدم، وأن لا يكون الساقط من مبادئ الإسناد ليخرج بذلك المعلق، نعم من سقط منه اثنان من أعلى إسناده سقط منه الصحابي والتابعي هذا معضل، وما سقط منه الصحابي ذكر به التابعي ووقف المتن عليه هذا أيضاً سموه معضل؛ لأنه أُسقط منه الصحابي والنبي -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: وهذا باستحقاق اسم الإعضال أولى.

يقول: "ومنه ما يرسله تابع التابعي"، يعني يسقط الصحابي والتابعي، لكن إذا وقف متنه على التابعي فهذا أيضاً معضل على ما ذكرنا، "قال ابن الصلاح: ومنه قول المصنفين من الفقهاء: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد سماه الخطيب في بعض مصنفاته مرسلاً، وذلك على مذهب من يسمي كل ما لا يتصل إسناده مرسلاً"، عرفنا أن فيه تداخل بين أنواع الانقطاع من حيث الحد واختلاف التمييز بينها، لكن الذي استقر عليه الاصطلاح هو ما ذكرنا، "قال ابن الصلاح: وقد روى الأعمش عن الشعبي قال: –يعني موقوف على الشعبي- ((يقال للرجل يقوم القيامة: عملت كذا وكذا، فيقول: لا: فيختم على فيه .. )) الحديث، قال: فقد أعضله الأعمش -يعني حذف الصحابي وحذف النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الشعبي يرويه عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فقد أسقط الأعمش أنساً والنبي -صلى الله عليه وسلم-، فناسب أن يسمى معضلاً"، يقول ابن الصلاح: هذا باستحقاق اسم الإعضال أولى، لكن ابن جماعة قال: هذا فيه نظر، لماذا؟ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع، وحينئذٍ يكون الساقط منه الصحابي فقط، والرسول -عليه الصلاة والسلام- وإن كان محذوفاً من السند إلا أنه في حكم الموجود، هذا وجه تنظير ابن جماعة، يقول: الراوي قد أسقط الصحابي فقط، وعلى هذا يكون حكمه حكم المرسل. بعض الكبار من الأئمة أطلق الإعضال على ما لم يسقط من إسناده شيء، سنده متصل، وذلكم لإشكاله في معناه، مثلاً يكون في معناه إشكال فيكون. . . . . . . . . أو معضل. قال: وقد حاول بعضهم أن يطلق على الإسناد المعنعن اسم الإرسال أو الانقطاع، قال: والصحيح الذي عليه العمل: أنه متصل محمول على السماع إذا تعاصروا، مع البراءة من وصمة التدليس، وقد ادعى الشيخ أبو عمرو الداني المقرئ إجماع أهل النقل على ذلك، وكاد ابن عبد البر أن يدعي ذلك أيضاً.

قلت: وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه، وشنَّع في خطبته على من يشترط مع المعاصرة اللقيَّ، حتى قيل: إنه يريد البخاري، والظاهر أنه يريد علي بن المديني، فإنه يشترط ذلك في أصل صحة الحديث، وأما البخاري فإنه لا يشترطه في أصل الصحة، ولكن التزم ذلك في كتابه الصحيح، وقد اشترط أبو المظفر السمعاني مع اللقاء طول الصحابة، وقال أبو عمرو الداني: إن كان معروفاً بالرواية عنه قُبلت العنعنة، وقال القابسي: إن أدركه إدراكاً بيّناً، وقد اختلف الأئمة فيما إذا قال الراوي: أن فلاناً قال، هل هو مثل قوله: عن فلان، فيكون محمولاً على الاتصال، حتى يثبت خلافه؟ أو يكون قوله: أن فلاناً قال، دون قوله: عن فلان؟ كما فرق بينهما أحمد بن حنبل ويعقوب بن أبي شيبة وأبو بكر البرديجي، فجعلوا (عن) صيغة اتصال، وقوله: أن فلاناً قال كذا في حكم الانقطاع حتى يثبت خلافه، وذهب الجمهور إلى أنهما سواء في كونهما متصلين، قاله ابن عبد البر، وممن نص على ذلك مالك بن أنس، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي، سواء فيه أن يقول: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وبحث الشيخ أبو عمرو هاهنا فيما إذا أسند الراوي ما أرسله غيره، فمنهم من قدح في عدالته بسبب ذلك، إذا كان المخالف له أحفظ منه أو أكثر عدداً، ومنهم من رجح بالكثرة أو الحفظ، ومنهم من قبل المسند مطلقاً، إذا كان عدلاً ضابطاً، وصححه الخطيب وابن الصلاح، وعزاه إلى الفقهاء والأصوليين، وحكى عن البخاري أنه قال: الزيادة من الثقة مقبولة.

هنا حكم الاحتجاج بالسند المعنعن والمؤنن، السند المعنعن: ما يقول فيه الراوي: فلان عن فلان عن فلان .. الخ، والمؤنن ما يقول فيه: أن فلاناً قال، فمنهم من يزعم أن ما لم يصرح فيه بالتحديث أو بالسماع لا يحكم باتصاله، حتى يقول: حدثنا وسمعت، حتى قال بعضهم: كل حديث ليس فيه حدثنا وسمعت فهو خل وبقل، لكن جمهور العلماء على أن الإسناد المعنعن محكوم له بالاتصال وفي حكمه المؤنن، شريطة أن لا يكون الراوي موصوفاً بالتدليس، والخلاف جارٍ بينهم في اشتراط ثبوت اللقاء أو الاكتفاء بالمعاصرة، اشتهر النقل عن الإمام البخاري -رحمه الله- وعلي بن المديني اشتراط ثبوت اللقاء والسماع من الراوي ولو مرة واحدة، ومسلم في صدر الصحيح أطال الكلام في تفنيد هذا القول والتشنيع على قائله بألفاظٍ قوية جداً حتى استبعد بعضهم أن يكون المراد البخاري أو علي بن المديني. وعلى كل حال لا يوجد تصريح سواء كان من البخاري أو علي بن المديني باشتراط اللقاء، وأما الإمام مسلم فقد صرح بأن المعاصرة كافية، ولا شك أنه يشكل على اشتراط ثبوت اللقاء أن أهل العلم في تراجم الرواة لا ينصون على أنه لقيه أو لم يلقه، وإنما يقولون: روى عن فلان وفلان وفلان .. الخ، وهذا الإشكال نظير الإشكال الناتج عن اشتراط تفسير الجرح، وهو قول الجمهور، إذا اختلف في الراوي جرحاً وتعديلاً اشترطوا تفسير الجرح، يقولون: كتب التراجم ليس فيها تفسير الإنكار، بل أهل العلم يكتفون بالنقل عن الأئمة بأن فلاناً ضعيف، وفلان فيه كذا، وفلان سيء الحفظ، هذا فيه تفسير، لكن ضعيف؟ ما فيه تفسير، فعلى هذا ينبغي أن ننظر كتب التراجم حتى يفسر الجرح، ونهمل كتب من يعتني بذكر الشيوخ والتلاميذ حتى ينص على أنه ثبت لقاء الراوي لمن روى عنه، وهذا مشكل، لا شك أنه استفاض النقل عن الإمام البخاري اشتراط ثبوت اللقاء وإن كان منهم من يخص ذلك في صحيحه –صحيح البخاري- يقول أن البخاري في صحيحه لم يخرج إلا عمن ثبت لقاؤه لمن روى عنه، ولا يشترط ذلك في أصل الصحة خلافاً لعلي بن المديني.

على كل حال مذهب الإمام مسلم من حيث العمل، والعمل جارٍ عليه، وأطال في نصره والتشديد على المخالف حتى رماه بأنه يحاول الطعن في السنة، الذي يخالف ويشترط اللقاء؛ لأن أكثر الأحاديث لا توجد مروية إلا بالعنعنة، ولم يذكر أن الراوي ثبت لقاؤه لمن روى عنه، ويُذكر أن أول من صرح بأن المراد البخاري أو علي بن المديني هو القاضي عياض في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، وهذا في رسالة طبعت أخيراً لم أتمكن من الإطلاع عليها. وصححوا وصل معنعنٍ سلمْ ... من دلسة راويه واللقا علمْ هذا القول الأول: أنه لا بد من ثبوت اللقاء، وهو الذي قرره ابن الصلاح والحافظ العراقي وجمع من أهل العلم، هذا القول الثاني وهو قول الإمام مسلم والذي نصره في مقدمة الصحيح أنه لا يشترط اللقاء، تكفي المعاصرة، لكن مع عدم استحالة اللقاء، يعني مع إمكان اللقاء، أما إذا عرفنا أن شخص عاش في أقصى المشرق والآخر في أقصى المغرب فلا يحكم له بالاتصال، لذا ذكر الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في شرح البخاري أن العلماء يحكمون بالانقطاع بتباين البلدان، يعني إذا عرف أن هذا الراوي عاش بالمشرق والآخر عاش بالمغرب ولم يعرف أنهما حجا في سنةٍ واحدة، هذا الذي يغلب على الظن أنهما ما لقيا أحدهما الآخر، والسماع حينئذٍ غير متأكد.

على كل حال العمل جارٍ على قول مسلم، لكن هل يثبت القول الآخر عن الإمام البخاري ولو في صحيحه؟ محل تأمل، يحتاج إلى مزيد من البحث في رواة الصحيح، الإمام البخاري -رحمه الله- في تاريخه الكبير يعتني بذكر السماع، سماع فلان من فلان، وبذكر اللقاء فلان أو فلان، المقصود أنه يهتم بهذه المسألة، لكنه لم يصرح ولا في موضعٍ واحد أنه يشترط، والنقل عنه مستفيض؛ لأنه شرط عنده، كما أنه شرط عند علي بن المديني فيما نقله أهل العلم، والمسألة كما قال الإمام مسلم: ما عرف أن العلماء توقفوا بتصحيح حديث بسندٍ معنعن إلا إذا عرف راويه بالتدليس، فإذا سلم الراوي من وصمة التدليس فإنه يحكم له بالاتصال، والغريب في الأمر أن الإمام مسلم -رحمه الله- ضرب أمثلة بأحاديث لا توجد عند أحد إلا معنعنة، ووجه الغرابة أن الإمام مسلم خرجها في صحيحه بصيغة التحديث، ليست معنعنة، خرج الأحاديث في صحيحه بصيغة التحديث، ونبه على ذلك ابن رشيد في كتابه (السنن الأبين) وهي معروفة، الأحاديث في مقدمة صحيح مسلم نبه عليها وهي مخرجة في صحيحه، وعلى كل حال الخطأ لا يسلم منه أحد، والنسيان من يعرى عنه، قد يقعد قاعدة ثم تنخرم فيما بعد، والله المستعان. منهم من يشترط قدراً زائداً على مجرد اللقاء، يشترطون الصحبة أن يدركه إدراكاً بيّناً مثلاً، هنا يقول: "قال: والصحيح الذي عليه العمل أنه متصل محمول على السماع إذا تعاصروا، -اكتفى بالمعاصرة- مع البراءة من وصمة التدليس، وقد ادعى الشيخ أبو عمرو الداني المقرئ إجماع أهل النقل على ذلك، وكاد ابن عبد البر أن يدعي ذلك أيضاً". "قلت: وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه وشنع في خطبته على من يشترط مع المعاصرة اللقي -أو اللقاء- حتى قيل إنه يريد البخاري"، قيل: إنه يريد البخاري، نعم، ادعي ذلك، القاضي عياض ومن جاء بعده كلهم تتابعوا على أنه يريد البخاري أو علي بن المديني.

قال: "والظاهر أنه يريد علي بن المديني، فإنه يشترط ذلك في أصل صحة الحديث، وأما البخاري فإنه لا يشترطه في أصل الصحة، ولكن التزم ذلك في كتابه الصحيح" هذا كلام من؟ الحافظ ابن كثير -رحمه الله-، فهو مع من يرى أن البخاري يشترط اللقاء، ولو على أقل الأحوال في صحيحه. "وقد اشترط أبو المظفر السمعاني مع اللقاء طول الصحبة، وقال أبو عمروٍ الداني: إن كان معروفاً بالراوية عنه قبلت العنعنة، قال القابسي: إن أدركه إدراكاً بيناً" كل هذا قدر زائد على مجرد ثبوت اللقاء. السند المؤنن: يقول: "وقد اختلف الأئمة فيما إذا قال الراوي: أن فلاناً قال: هل هو مثل قوله: عن فلان فيكون محمولاً على الاتصال حتى يثبت خلافه، أو يكون قوله: أن فلاناً قال دون قوله: عن فلان؟ "، وهذا تبع فيه ابن الصلاح، كما فرق بينهما أحمد بن حنبل ويعقوب بن شيبة وأبو بكر البرديجي فجعلوا (عن) صيغة اتصال، وقوله: (أن فلاناً قال كذا) في حكم الانقطاع حتى يثبت خلافه، يقول الحافظ العراقي: . . . . . . . . . ... وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُّ سووا وللقطع نحا البرديجي **** حتى يبين الوصل في التخريجِ

فالبرديجي يرى أنه في حكم المنقطع، لكن هل الإمام أحمد يرى أن المؤنن في حكم المنقطع؟ ومثله يعقوب بن شيبة؟ نقل ابن الصلاح أن أحمد بن حنبل يرى التفريق ويعقوب بن شيبة يرى التفريق، لكن هل كلام ابن الصلاح صواب؟ الإمام أحمد حكم على حديث محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حكم عليه بالاتصال، وحكم على رواية عن محمد بن الحنفية أن عماراً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بالانقطاع، هل سبب ذلك اختلاف الصيغة أو لا؟ ومثله يعقوب بن شيبة؟ هل السبب في اختلاف الحكم اختلاف الصيغة؟ الطريق الأول عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: هذا متصل، طيب. الطريق الثاني: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: هذا منقطع، لا، ليس هذا مردّه اختلاف الصيغة، بل السبب في ذلك أن محمد بن الحنفية بالطريق الأول يروي عن عمار قصةً حصلت له مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، يروي عن عمار، والقصة حصلت لعمار مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فهي متصلة. الطريق الثاني: يحكي محمد بن الحنفية قصة حصلت بين عمار مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو لم يدركها، فرق، ظهر الفرق وإلا ما ظهر؟ الفرق ظاهر وإلا ما هو ظاهر؟ في الطريق الأول محمد بن الحنفية يحكي عن عمار وقد لقيه وسمع منه، يحكي عن عمار قصةً وقعت له مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو يحكيها عن صاحب الشأن؟ وفي الطريق الثاني محمد بن الحنفية يحكي قصةً لم يحضرها، ولذا قال: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مرّ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني على سبيل المثال، أنتم في طبقتكم في الجملة لو أقول لكم من أدرك الشيخ محمد بن إبراهيم مثلاً، صحيح، يعني في الجملة، جملتكم ما أدركه، لكن لما يقول واحد منكم: عن الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- عن الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أن الشيخ محمد بن إبراهيم قال له كذا، هذا متصل لأنكم أدركتم الشيخ عبد العزيز، لكن لو قال منكم واحد: حدث فلان واحد منكم، أن الشيخ محمد بن إبراهيم قال للشيخ ابن باز، ما أدرك القصة، فالفرق ظاهر، الفرق بين الصيغتين ظاهر، ولذا قال الحافظ العراقي:

. . . ... كذا له ولم يصوب صوبه يعني ما أدرك المعنى الحقيقي للاختلاف، لاختلاف الحكم، هو نظر نظرة عادية وهو أن اختلاف الحكم بسبب اختلاف الصيغة؟ لا، سببه أن محمد بن الحنفية حكى قصةً عن صاحب الشأن في الطريق الأول فحكم له بالاتصال، وفي الطريق الثاني حكى قصةً لم يحضرها فهي منقطعة، ولذا قال: كذا له -يعني ابن الصلاح- ولم يصوب صوبه: يعني ما وقف على حقيقة الأمر، "وذهب الجمهور إلى أنهما سواء - (وحكم أنّ حكم عن فالجلل سووا) - في كونهما متصلين، قال ابن عبد البر: ومن نص على ذلك مالك بن أنس، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه أن يقول: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا متصل؛ لأن الصحابي بالنسبة لصيغ الأداء يعني المحظور باختلاف صيغ الأداء أن يكون الراوي موصوف بالتدليس، وليس في الصحابة مدلس، فسواء قال الصحابي: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال رسول الله، أو سمعت رسول الله سواء.

هنا تعارض الوصل والإرسال، ومثله تعارض الوقف والرفع، يقول: "وبحث الشيخ أبو عمروٍ هاهنا فيما إذا أسند الراوي ما أرسله غيره، فمنهم من قدح في عدالته بسبب ذلك، إذا كان المخالف له أحفظ منه أو أكثر عدداً، ومنهم من رجح بالكثرة أو الحفظ، ومنهم من قبل المسنِد مطلقاً إذا كان عدلاً ضابطاً، وصححه الخطيب وابن الصلاح، وعزاه إلى الفقهاء والأصوليين، وحكى عن البخاري أنه قال: الزيادة من الثقة مقبولة"، وهذا سيأتي في زيادات الثقات، يأتي هذا البحث في النوع السابع عشر، على كل حال نشير إلى مسألة اختلاف الوصل مع الإرسال، ومثلها اختلاف الرفع مع الوقف، إذا روي الخبر مرسلاً وروي من طريقٍ آخر مسند، أو روي موقوفاً ومن طريقٍ آخر مرفوعاً، فمنهم من يقول: الحكم لمن وصل ولمن رفع؛ لأن مع من وصل زيادة علم خفيت على من أرسل، والزيادة من الثقة مقبولة، وهذا كل فرع عما سيأتي في الكلام على زيادة الثقة، يقول: من وصل معه زيادة علم وزيادة الثقة مقبولة، ومنهم من يقول: لا، الحكم لمن أرسل ولمن وقف؛ لأن الإرسال هو المتيقن، والوصل مشكوك فيه، ومثله الوقف والرفع، الوقف متيقن والرفع مشكوك فيه، وهو الجادة أيضاً، وكثيراً ما يقول الخطأ في سلوك الجادة، ولذا منهج بعضهم أنه إذا اختلفت الجادة مع غيرها صحح الغير ترك الجادة، يعني لما يأتي الحديث من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر، أو مالك عن نافع عن ابن عباس يقول: لا، الصواب عن ابن عباس؛ لأن الراوي من كثر ما يسمع مالك عن نافع عن ابن عمر ارتكب هذه الجادة، والثاني لولا أنه متيقن ومتأكد ما طاوعه لسانه أن يقول: مالك عن نافع عن ابن عباس، هذا مسلك لبعض أهل العلم، ويستشف من صنيع أبي حاتم والدارقطني. فالقول الأول في تعارض الوصل مع الإرسال: أن الحكم لمن وصل؛ لأن معه زيادة علم خفيت على من أرسل، القول الثاني: أن الحكم لمن أرسل؛ لأن الإرسال هو المتيقن والوصل مشكوك فيه، والقول الثالث: أن الحكم للأحفظ، إذا كان أحدهم أحفظ من الآخر حكم له، والقول الرابع: أن الحكم للأكثر، إذا كان رواة الإرسال أكثر حكم له، إذا كان رواة الوصل أكثر حكم لهم. واحكم لوصل ثقةٍ في الأظهرِ ... وقيل: بل إرساله للأكثرِ

الذي عليه الأئمة المتقدمون أنه لا يحكم بحكم عام مضطرد، في كل حديث تعارض فيه الوقف والإرسال بقولٍ يسلك باستمرار، لا، إنما يحكم لما ترجحه القرائن، ولذا تجدون في أحكام الأئمة أنهم لم يسلكوا مسلكاً واحداً في هذا، بل الواحد منهم ليس له طريقة واحدة في الترجيح، فعلى سبيل المثال، الإمام البخاري -رحمه الله- رجح وصل حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) رجح الوصل، هل لأن مع من وصل زيادة والزيادة من الثقة مقبولة؟ مع كون من أرسله كالجبل، شعبة وسفيان ممن أرسل الحديث، إنما رجح الوصل لقرائن احتفت به، وتجدونه في بعض الأحيان يرجح الإرسال لقرائن احتفت بالإرسال. وعلى هذا ليس في مثل هذه المسألة قاعدة مضطردة يحكم بها، بل الحكم للقرائن، ومثل هذه المسألة مسألة تعارض الوقف مع الرفع، يترك الحكم فيها للقرائن، ولذا تجدون الأئمة لا يحكمون بأحكام عامة مطردة، لكن الطالب –طالب العلم المبتدئ الذي يريد أن يتمرن- هل نقول: لا تحكم في مثل هذه الحالة؛ لأنك لم تصل إلى حدٍ تدرك فيه القرائن المرجحة؟ أو نقول: اعتمد أي قول من الأقوال للتمرين، وإذا تأهلت احكم بالقرائن، واعرض عملك على أهل العلم، ليوضحوا لك ما يحتف بأحد القولين من القرائن؟ هذا هو المطلوب، تتمرن على قواعد المتأخرين فإذا تأهلت، وأقرك أهل العلم، وشهدوا لك بأنك أدركت المرجحات حينئذٍ عليك أن تحاكي المتقدمين، على كل حال هذه المسألة من المسائل الكبار، وسيأتي بسطها -إن شاء الله تعالى- في زيادة الثقة؛ لأنها فرع عنه. طالب: من يقلد أحد الأئمة يعني مثل حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) ما أحكم عليه، أقلد أهل العلم المتقدمين؟

تقلد البخاري مثلاً في وصله وتترك أبا حاتم وأبا زرعة وتقلد، تترك أحمد مثلاً في بعض الأحاديث، حديث رفع اليدين إذا قام من الركعتين، حديث ابن عمر، الإمام البخاري -رحمه الله- رجح الرفع، خرجه في صحيحه، الإمام أحمد رجح الوقف، أنه موقوف على ابن عمر، تأخذ بقول من؟ ولذلك بعض طلبة العلم يقول: مثل هذه الكتب في مذهب أحمد ممن ينفر من التقليد، يقول: كيف يقول الحنابلة: بأن مواضع الرفع ثلاثة والرابع ثابت في صحيح البخاري؟ هل على الحنابلة أن يقلدوا البخاري وإمامهم يقول: موقوف؟ الراجح عند الإمام أحمد أن حديث ابن عمر موقوف، والذي رجحه البخاري وخرجه في صحيحه أن الحديث مرفوع، فمن تقلد؟ تقلد الإمام أحمد أو البخاري في مثل هذه الصورة؟ أو نقول: ما دمت في مرحلة التقليد خرج على قواعد المتأخرين، واعرض قولك على أقوال أهل العلم وأهل الخبرة ثم إذا تأهلت لست ملزم بقول أحد، على أن لا تخرج على مجموع أقوال المتقدمين، عن مجموعهم، لكن لك النظر في أقوالهم، فترجح ما شئت منها، أما تصحح حديث اتفقوا على تضعيفه، وتضعف حديث اتفقوا على تصحيحه، لا. طالب: هذا صنيع بعض المتأخرين ممن يتصدر للتصحيح والتضعيف، يصحح حديث أو يحسنه، والإمام أحمد قال: منكر، البخاري قال: لا يصح، يعني أجمع العلماء المتقدمين على تصحيحه، وسبب هذا أنه يمشي على قواعد المتأخرين.

(النوع الثاني عشر: المدلس)

نقول: إذا تأهل له أن ينظر في أقوال المتقدمين، وله أن يحكم بالقرائن فيحاكي المتقدمين، لكن قبل التأهل له أن يتمرن على قواعد المتأخرين؛ لأنها منضبطة ومحررة ومتقنة في كتبهم، موجودة، لكن على سبيل المثال حديث ابن عمر، أراد طالب علم يحكم بالقرائن كيف يحكم؟ الإمام أحمد وهو إمام هذا الشأن، إمام السنة، يقول: الحديث موقوف، والبخاري يقول: مرفوع، فهل ترفع يديك إذا قمت من الركعتين أو ما ترفع؟ بهذا نبين أن الكتب -كتب الفقه- وإن كان فيها شيء الراجح خلافه، لكن ما وضعت عبث، قد يقول قائل مثلاً الحجاوي في الزاد أو غيره حينما يذكر أن المواضع ثلاثة، البخاري موجود ومتداول يعني ما اطلع على البخاري؟ فيه الرفع في الموطن الرابع، إمام قال بهذا، وإمام ما قال ما تلقاء نفسه، يعني رجح أن الخبر موقوف، وإلا فهو أتبع الناس، وأشد الناس اتباعاً للسنة، الإمام أحمد. طالب: يا شيخ قلتم: أن الواحد ما يخرج عن مجموع كلام المتقدمين، سبب سؤالي لماذا بعض المصححين والمضعفين يخرجون عن هذا المجموع؟ مثل الشيخ الألباني -الله يرحمه- يصحح حديث أو يحسن حديث كل الأئمة على التضعيف، هل له نظر معين وتوجه معين؟ على كل حال الشيخ يعتني بقواعد المتأخرين -رحمه الله-، والشيخ كما نعلم من طريقته أنه يرقي الحديث من مجموع الطرق، وإن كان بعضها لا تصلح للترقية، وعلى كل حال هو إمام في هذا الباب، هو إمام ومجدد في هذا الباب، رحمه الله رحمةً واسعة. التدليس طويل، لكن مشكلته إن بقي للغد يأخذ وقت؟ ربع ساعة؟ يالله هات هات (النوع الثاني عشر: المدلس)

والتدليس قسمان: أحدهما: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهماً أنه قد سمعه منه، ومن الأول قول علي بن خَشْرم: كنا عند سفيان بنِ عُييْنة، فقال: قال الزهري كذا، فقيل له: أسمعت منه هذا؟، قال: حدثني به عبد الرزاق عن معمر عنه، وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكاراً لذلك، ويروى عنه أنه قال: لأن أزني أحبّ إلي من أن أدلس، قال ابن الصلاح: وهذا محمول منه على المبالغة والزجر، وقال الشافعي: التدليس أخو الكذب، ومن الحفّاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة، فرد روايته مطلقاً، وإن أتى بلفظ الاتصال، ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة، كما قد نص عليه الشافعي -رحمه الله-. قال ابن الصلاح: والصحيح التفصيل بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى فيه بلفظ محتمل فيرد، قال: وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الضرب كالسفيانَين والأعمش وقتادة وهشيمٍ وغيرهم. قلت: وغاية التدليس أنه نوع من الإرسال لما ثبت عنده، وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيرد من أجله، والله أعلم. وأما القسم الثاني من التدليس: فهو الإتيان باسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور به، تعميةً لأمره، وتوعيراً للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارةً يُكره، كما إذا كان أصغر سناً منه، أو نازل الرواية، ونحو ذلك، وتارةً يحرم، كما إذا كان غير ثقة فدلسه لئلا يُعرف حاله، أو أوهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه أو كنيته، وقد روى أبو بكر بن مجاهد المقرئ عن أبي بكر بن أبي داود فقال: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وعن أبي بكر محمد بن حسن النقاش المفسر فقال: حدثنا محمد بن سند نسبه إلى جدّ له، والله أعلم، قال أبو عمرو بن الصلاح: وقد كان الخطيب لهجاً بهذا القسم من التدليس في مصنفاته. التدليس أو المدلس اسم مفعول من الدلس، بفتحتين، اختلاط الظلام، وعرف في الاصطلاح بأنه ما أخفي عيبه على وجه يوهم أنه لا عيب فيه، فالتدليس إخفاء عيبٍ في الإسناد على وجه يوهم أنه لا عيب فيه.

يقول: "والتدليس قسمان" هذا ما فعله ابن الصلاح في علوم الحديث، وزاد الحافظ العراقي قسماً ثالثاً، وهو تدليس التسوية، وأوصلها الحافظ ابن حجر إلى خمسة أقسام: فزاد تدليس القطع وتدليس العطف، فعلى هذا تكون الأقسام: تدليس الإسناد، تدليس الشيوخ، تدليس التسوية، تدليس القطع، تدليس العطف. "والتدليس قسمان: أحدهما أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهماً أنه سمع منه "، هذا القسم الأول، أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهماً أنه سمعه منه، هذا تعريف ابن الصلاح، لكنه متعقب، على هذا التعريف لا فرق بين التدليس والإرسال الخفي، الراوي له مع من يروي عنه أربع حالات: أن يكون الراوي قد سمع ممن روى عنه، أن يكون الراوي قد لقي من روى عنه، أن يكون الراوي قد عاصر من روى عنه، الصورة الرابعة: أن تنتفي المعاصرة، يروي عن شخصٍ لم يعاصره، فإذا روى الراوي عن شخصٍ سمع منه ما لم يسمعه منه، بصيغة موهمة، هذا تدليس اتفاقاً، وإذا روى الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه بصيغةٍ موهمة هذا أيضاً تدليس عند جماهير العلماء، إذا روى الراوي عمن عاصره فقط معاصرة بصيغة موهمة هذا ليس من التدليس، وإنما هو الإرسال الخفي، هذا هو الإرسال الخفي، إذا روى الراوي عمن لم يعاصره بصيغةٍ موهمة بعن مثلاً، هذا ليس من التدليس، ولا من إرسال الخفي، بل هو من الانقطاع الظاهر، وإن شذّ بعضهم وألحقه بالتدليس، كما ذكره ابن عبد البر في مقدمة التمهيد، وعلى هذا قول الحافظ ابن كثير تبعاً لابن الصلاح أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه أو عمن عاصره، لا، نقول: عمن سمعه ما لم يسمعه منه، أو عمن لقيه ما لم يسمعه منه، تبقى المعاصرة تخرج، تبقى هذه الصورة للإرسال الخفي، ولا بد أن تكون الصيغة موهمة مثل (عن) و (أنّ) و (قال) لأنه لو صرح بالتحديث في خبر لم يسمعه منه، ما كفى أن يقال: مدلس، نقول: كذاب.

"من الأول قول علي بن خشرم: كنا عند سفيان بن عيينة فقال: قال الزهري كذا، فقيل له: أسمعت منه هذا؟ قال: حدثني به عبد الرزاق عن معمر عنه"، سفيان بن عيينة لم يسمعه من الزهري، إنما سمعه عنه بواسطة عبد الرزاق عن معمر، يعني بواسطة اثنين، "وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكاراً لذلك" من أجل التنفير، وإلا قال كلمات لا تليق به، حتى قال: "لأن أزني أحبّ إلي من أن أدلس" الزنا أمره شديد، لكن هذا مبالغة في التنفير والتشديد في التنفير عنه، كما قال ابن الصلاح: "وهذا محمول منه على المبالغة والزجر، وقال الشافعي -نقلاً عن شعبة أيضاً-: التدليس أخو الكذب، ومن الحفاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة فرد روايته مطلقاً، وإن أتى بلفظ الاتصال"، يعني وإن قال: حدثني، وسمعته، "ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرةً واحدة كما قد نص عليه الشافعي"، لكن الذي اعتمده أهل العلم أن المدلسين على طبقات، فمنهم من احتمل الأئمة تدليسه، إما لقلة هذا التدليس، أو لكونهم لا يدلسون إلا عن ثقات، أو لإمامتهم، ومن الرواة من لم يحتمل الأئمة تدليسه، فلم يقبلوا من رواياتهم إلا ما صرحوا فيه بالتحديث، ومن الرواة من لا يقبلوا منه ولو صرح بالتحديث لانضمام أمرٍ آخر من وجوه الضعف إلى التدليس، فالضعيف ولو صرح بالتحديث ما يقبل؛ لأنه ضعيف لأمرٍ آخر غير التدليس. على كل حال المدلسون على مراتب وعلى طبقات بيّنها أهل العلم، العلائي، الحافظ ابن حجر، وغيرهم، "قال ابن الصلاح: والصحيح التفصيل بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى فيه بلفظ محتمل فيرد، قال وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الضرب كالسفيانين والأعمش وقتادة وهشيم وغيرهم". وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيمٍ بعده وفتشِ أقصد حديث المدلسين موجودة في الصحيحين، لكنها محمولة على الاتصال، منهم من يقول إحساناً للظن بالشيخين، ومنهم من يقول: أنها وجدت متصلة بطرق أخرى، على كل حال الصحيحان قد تلقيا بالقبول، وليس لأحدٍ أن يضعف بسبب تدليس، أو بسبب عنعنة.

يقول الحافظ ابن كثير "قلت: وغاية التدليس أنه نوع من الإرسال"، نعم، الراوي أسقط بينه وبين من روى عنه راوي، من الإرسال "لما ثبت عنده، وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيرد من أجله، والله أعلم"، نعم إذا كان الشيخ ضعيف فأسقطه من أجل أن يروج الخبر، هذا يذم ذم شديد، لكن إذا كان الباعث له من الشيخ صغير السن مثلاً، ويخشى أنه لو حدث عن شيخ صغير السن والناس بحاجة إلى مثل هذا الحديث فالأمر أخف، أو تكرر اسمه كثيراً ويريد أن ينوع بالعبارة وهذا أكثر ما يكون في تدليس الشيوخ، على ما سيأتي، هناك تدليس وهو شر أنواع التدليس: تدليس التسوية، وهو أن يروي حديثاً عن ضعيفٍ بين ثقتين، وهذان الثقتان لقي أحدهما الآخر، لكن هذا الثقة يروي عن الثقة بواسطة ضعيف، فيأتي المدلس تدليس التسوية فيسقط الضعيف، فالواقف على هذا الحديث، والناظر فيه يرى الأول ثقة، وليس بمدلس، وما في احتمال يكون سقط منه أحد يرويه عن ثقة فيكون صحيح، وهو ما يدري أن ممن جاء بعده ممن وصف بتدليس التسوية أسقط هذا الضعيف بين الثقتين، فيسقط الضعيف الذي في السند ويجعل السند عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظٍ محتمل فيستوي الإسناد، بعضهم يسمي هذا النوع تجويد، جود الإسناد، جعل كل ما فيه أجواد وحذف الأدنياء، وليس من هذا النوع أن يروى الحديث عن شيخين ثقةٍ وضعيف فيسقط الضعيف ويبقى الثقة، يعني إذا روى الحديث عن اثنين، زيد وعمرو، زيد ثقة وعمرو ضعيف، قال: ما لنا حاجة بعمرو يكفينا زيد، هذا لا يسمى تدليس، هذا فعله البخاري، روى حديث عن مالك وابن لهيعة أسقط ابن لهيعة إيش يصير؟ بقي مالك نجم السنن يكفي، فليس من هذا النوع. وتدلس التسوية شر أنواع التدليس، ولا يكفي فيه أن يصرح الموصول بتدليس التسوية بالتحديث ما يكفي حتى يصرح في بقية السند للتحديث؛ لأنه ما من ثقتين إلا ويتحمل أن يكون أسقط بينهما واحد، فإذا صرح بالتحديث في جميع طبقات السند انتهى.

من أنواع التدليس تدليس القطع: وهو أن يسقط الراوي اسم الشيخ الذي سمع الحديث منه مباشرة، مقتصراً على ذكر أداة الرواية فيقول: حدثنا أو سمعت ثم يسكت، ثم يقول: فلان وفلان، موهماً أنه سمع منهما وهو ليس كذلك، يقول: حدثنا أو سمعت ثم يسكت، يقطع الكلام ثم يقول: فلان وفلان، يوهم بذلك أن فلان وفلان حدثاه بالصيغة السابقة، وليس الأمر كذلك، من أنواع التدليس هنا يقول فلان وفلان، يقطع الكلام بين صيغة الأداء وبين الراوي، لكن لو لم يأت بصيغة الأداء أصلاً، يقول: فلان عن فلان عن فلان، كما يفعله النسائي بالنسبة لشيخه الحارث بن مسكين، بدون أخبرنا الذين طبعوا كتابه ألحقوا أخبرنا جرياً على العادة، ومشياً على العادة، الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع ليس من هذا النوع. من أنواع التدليس تدليس العطف: يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخٍ اشتركا فيه، وقد يكون هو سمع من أحدهما دون الآخر، فيقول: حدثني زيد، ثم يقول: وعمرو، أي وعمرو غير مسموع منه، وهذا فعله هشيم، فعله هشيم، يسمى تدليس العطف، يعطف شخص غير مسموع له على شخصٍ مسموع له، ويقدر خبر. من أنواع التدليس وهو مشهور جداً وهو مستعمل، حتى عند أهل العلم تدليس الشيوخ، يسمي شيخه بما لا يعرف به، أو يكنيه بكنية لم يشتهر بها، الإمام أحمد حدثني أبو صالح ابن هلال ابن الشيباني، ينسبه إلى جده، ويكنيه بما لا يعرف، معروف بأبي عبد الله مع أن صالح أكبر لكن هو اشتهر بهذا ... هذا تدليس الشيوخ "على خلاف المشهور به تعميةً لأمره، وتوعيراً للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد"، حكمه يختلف باختلاف المقاصد، إذا كان مقصد المدلس أن يروج على السامع حديثاً رواه عن ضعيف، لو صرح به لم يرج هذا الخبر، هذا قادح، لكن إذا كان قصده التفنن في العبارة خشية أن يرد لصغر الراوي مثلاً فهذا أمره أخف. فشره للضعف واستصغارا ... وكالخطيب يوهم استكثارا

"فتارةً يكره كما إذا كان أصغر سناً منه أو نازل الرواية أو نحو ذلك، وتارة يحرم كما إذا كان غير ثقةٍ فدلسه لئلا يعرف حاله، أو أوهم أنه رجل آخر من الثقاة على وفق اسمه أو كنيته، مثل له لما رواه أبو بكر بن مجاهد المقرئ المعروف عن أبي بكر بن أبي داود، فقال: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وعن أبي بكر محمد بن حسن النقاش المفسر فقال: حدثنا محمد بن سند نسبة إلى جدٍ له –بعيد- والله أعلم"، ثم قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: "وكان الخطيب لهجاً بهذا القسم في مصنفاته"، يقلب الشيخ الواحد على خمسة وجوه، أحياناً يكنيه، وأحياناً يسميه، وأحياناً يهمل اسمه، وأحياناً ينسبه إلى جده، وأحياناً إلى مهنته، وأحياناً إلى بلده وهكذا، على كل حال الخطيب يصنع هذا في مصنفاته كثيراً، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: ما رأيكم في الكتاب الذي ألفه الشريف حاتم حول اشتراط السماع عند البخاري في المعنعن؟ هل النتيجة التي وصل إليها صحيحة؟ سبق أن أشرت إلى هذا الكتاب وأنني لم أتمكن من قراءته، وجميع من كتب في علوم الحديث ينسب هذا القول إلى الإمام البخاري وإذا تمكنت من قراءته يكون لنا رأي فيه -إن شاء الله تعالى-. هنا يقول: تمر علينا أثناء مطالعة كتب الحديث بعض المصطلحات والتي تشكل علينا مثل: صححه الترمذي، رواه الترمذي، أخرجه الترمذي؟ صححه الترمذي يعني نص على صحته، أخرجه ورواه بمعنىً واحد، بإسناده خرجه، المقصود صححه الترمذي نص على صحته، فقال: هو حديث صحيح، حديث فلان حديث صحيح، أو حديث حسن صحيح، هذا صححه الترمذي. يقول: حدثنا، أخبرنا، وعن؟

حدثنا وأخبرنا من صيغ الأداء، فحدثنا يؤدي بها من سمع من لفظ الشيخ، وأخبرنا من كانت روايته عن الشيخ بطريق العرض، يعني قرأ على الشيخ، فيقول: أخبرنا، هذا عند من يفرق بين صيغ الأداء، كالإمام أحمد ومسلم وغيرهما، وأما من لا يفرق كالبخاري مثلاً فلا فرق عنده بين أخبرنا وحدثنا، والإخبار والتحديث بمعنىً واحد في الأصل، إلا أن الإخبار أوسع من التحديث، فالتحديث لا يكون إلا بالمشافهة والإخبار يكون بالمشافهة وبالإشارة وبالمكاتبة فهو أعم من التحديث، و (عن) هي صيغة من صيغ الأداء محمولة على الاتصال بالشروط المعروفة عند أهل العلم، وهي لا تستعمل في طريقٍ معين من طرق التحمل، يعني ليست مخصوصة للسماع من لفظ الشيخ، أو القراءة على الشيخ، كما أنها بلفظها لا تفيد الإجازة، ولا المناولة، وإن كثر استعمالها في الأزمان المتأخرة فيما روي بطريق الإجازة، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وكثر استعمال عن في ذا الزمن ... إجازةً وهي بوصلٍ ما قمن يقول: انتقادات الدارقطني للشيخين هل هي في أصل الصحة؟ معروف أن الشيخين يخرجان أحاديث من طرق متعددة، فقد يضعف الدارقطني ويستدرك على الشيخين في بعض هذه الطرق، والحديث وإن كان مروياً من طرق أخرى وغالب هذه الأحاديث المنتقدة هي في الشواهد والمتابعات لا في أصول الأحاديث التي اعتمد عليها. يقول: وكيف نفرق بين الشواهد؟ يقول: هل الرجال الذين أخرج لهم الشيخان في الشواهد والمتابعات محتج بهم؟ ويكونون من رجالهما؟ شرط الشيخين أعلى درجات الصحة، هذا في الأحاديث الأصول المحتج بها، قد يخرجان الحديث للاستشهاد والمتابعة أو لبيان سماع، أو لعلوٍ في إسناد فينزلان حينئذٍ عما اشترطاه من قوةٍ في الضبط والحفظ والإتقان وملازمة الشيوخ، ينزلون إلى الدرجة التي تلي هذه الدرجة ممن خفت ملازمتهم للشيوخ، أو نزل ضبطهم عن منهم من رجال الطبقة العليا، وعلى كل حال متون الصحيحين لا كلام فيه. يقول: كيف نفرق بين الشواهد وأصل الحديث؟

البخاري يقول: تابعه فلان وفلان، أو فلان عن فلان، فنعرف المتابعِ والمتابَع صراحةً، لكن مسلم يسوق الأحاديث متتابعة في الباب الأول من غير تمييزٍ بين الأصل والمتابع، منهم من يقول: أن الأصل هو الذي صدر به الباب، لكن هذا ليس بلازم وليس بمضطرد، قد يسوق في أول الباب ما سيبين علته في الرواية التي تليه، فليس بمضطرد أن أول ما يسوقه الإمام مسلم هو الأصل وما بعده شاهد ومتابع. يقول: إذا قلنا: أن البخاري يشترط اللقي في أصل الصحة فمعنى هذا أنه سيضعف بعض الأحاديث التي عند مسلم؛ لأنه يكتفي بالمعاصرة؟ أولاً: مسألة اشتراط اللقاء مسألة نزاع عند أهل العلم، وهل يشترطها في صحيحه أو للصحة مطلقاً أيضاً؟ قولان لأهل العلم، وإذا اشترطها في أصل الصحة، وخرج مسلم حديثاً يعني على سبيل التنزل، إذا اشترط البخاري اللقاء في أصل الصحة وخرج مسلم حديثاً لم يثبت لقاء الراوي ممن روى عنه مع إمكان اللقاء فليكن الحديث غير متصل في نقد البخاري، وبينهما خلاف، خرج مسلم أحاديث أعرض عنها البخاري، وخرج البخاري أحاديث أعرض عنها مسلم، وكل منهما إمام معتمد ومعتبر له نقده ومنهجه في النقد. ومثلنا فيما اختلف فيه قول الإمام البخاري مع قول الإمام أحمد، وهؤلاء الأئمة لا يلزم أحدهم بقول بعضهم أبداً، كل إمام معتبر له قيمته عند أهل العلم. يقول: هل الأحاديث المعلقة المجزوم بها عند البخاري تكون على شرطه إلى من جزم بها؟ على كل حال هو ضمن من طواه ولم يذكره فهي صحيحة إلى من علق عنه، ولا يلزم أن تكون على شرطه، وإنما تكون صحيحة؛ لأنه في الصحيح احتاط لمن يخرج لهم في الصحيح، ولا يعني هذا أنه يشترط في أصل الصحة قدر زائد على ما يشترطه أهل العلم في غير الصحيح. يقول: وما حكم باقي السند عند البخاري؟ باقي السند خاضع للنقد، فمن ما علقه البخاري في صيغة الجزم ما هو على شرطه، ومنها الصحيح الذي هو لا على شرطه بل مخرج في مسلم، وعلى كل حال يبقى النظر فيمن أبرز من رجال السند. يقول: ما معنى تدليس البلدان؟ وتدليس القطع؟

تدليس البلدان أن يقول شخص من أهل الرياض مثلاً وهو ما سافر إطلاقاً: حدثني فلان بالقدس وهو يقصد حي القدس، ويوري أنه يقصد مدينة بيت المقدس هذا تدليس من أجل أن يقال: رحل في العلم وطلبه، هذا تدليس، تدليس القطع أن يقول: حدثني ويسكت، ثم بعد ذلك يقول: فلان، من غير صيغة أداء، وهذا مرّ بالأمس. يقول: مالك وأبو حنيفة يحتجون بمراسيل صغار الصحابة؟ هم يحتجون بمراسيل التابعين فضلاً عن مراسيل صغار الصحابة. يقول: انفراد الصدوق أو المجهول عن إمام جبل كالأعمش أو الزهري هل يعد منكراً وإن لم يخالف؟ سيأتي الكلام على الشاذ والمنكر وإطلاقهما والتفريق بينهما -إن شاء الله تعالى-. إذا زاد الثقة لفظةً لا تخالف سائر الرواة، ولكنها تزيد حكماً شرعياً فهل تقبل؟ مثل زيادة فليرقه؟ أيضاً زيادة الثقات يأتي الحديث عنها قريباً -إن شاء الله تعالى-. ما هي الأمالي والأجزاء؟ الأمالي اعتاد أهل الحديث أن يعقدوا مجلساً للأمالي يوم في الأسبوع مثلاً أو يوم في الشهر يعتنون بهذا اليوم، ويملون على طلابهم نوادر مروياتهم، فهذه الأمالي موجودة عند أهل العلم، وهي أيضاً متقنة ومحررة ومعتنىً بها، وقد يملون فيها تخريج أحاديث إما لكتاب، أو لشيخٍ معين من شيوخهم، أو ما أشبه ذلك، ونعرف أن تخريج أحاديث الأذكار للحافظ ابن حجر (نتائج الأفكار) هو من أماليه التي بلغت المئات من المجالس، انقطعت هذه الأمالي ثم أعادها الحافظ العراقي بعد مدة، ثم تتابع الناس عليه، ثم انقطعت بعد ذلك، وإعادتها إحياء لسنة أهل العلم في هذا، لكن الإشكال ما إذا كانت مجرد إملاء مع توفر الوسائل الموجودة ما ينشط الطلبة لحضورها، شخص يسجل ثم آخر يفرغ والثالث يصور وهكذا، وإلا لو ينشط الطلبة لحضورها كان فيها فائدة وفيها خير عظيم، واعتناء من الشيخ؛ لأن أقوى طرق التحمل السماع، وأعلى أنواعه الإملاء؛ لأنه في الإملاء يحتاط الشيخ ويحتاط الطالب، على كل حال هذا أمر موجود عند أهل العلم، وأما الأجزاء فهي كتب صغيرة يعتنى فيها بأحاديث باب معين، أو حديث شيخ من الشيوخ وهكذا.

يقول: إذا سمع الطالب من الشيخ بواسطة الشريط هل يقول: حدثنا أو أخبرنا أم أن هناك اصطلاح خاص بهذا النوع من التحمل؟ على كل حال إذا سمع من الشيخ بصوته الذي لا يشك فيه، فهو كما لو سمعه مباشرةً، نعم هو لم يقصده بالتحديث، وهل يشترط في قوله: حدثنا أن يكون مقصوداً التحديث؟ ما يشترط، لكن لا يقول: حدثني؛ لأن أهل العلم قالوا: إذا قال: حدثني فمراده أنه مقصود بالتحديث. نكتفي بهذا القدر. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-. (النوع الثالث عشر: الشاذ) قال الشافعي: وهو أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيرُه. وقد حكاه الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني عن جماعة من الحجازيين أيضاً، قال: والذي عليه حفاظ الحديث: أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ به ثقة أو غير ثقة، فيُتوقف فيما شذ به الثقة، ولا يحتج به، ويرد ما شذ به غير الثقة، وقال الحاكم النيسابوري: هو الذي ينفرد به الثقة، وليس له متابع، قال ابن الصلاح: ويشكل على هذا حديث: (الأعمال بالنيات) فإنه تفرد به عمر، وعنه علقمة، وعنه محمد بن إبراهيم التيمي، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري. قلت: ثم تواتر عن يحيى بن سعيد هذا، فيقال: إنه رواه عنه نحو من مائتين، وقيل أزيد من ذلك، وقد ذكر له ابن منْدة متابعات غرائب، ولا تصح، كما بسطناه في مسند عمر، وفي الأحكام الكبير.

قال: وكذلك حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الولاء وعن هبته، وتفرد مالك عن الزهري عن أنس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعلى رأسه المِغفر، وكل من هذه الأحاديث الثلاثة في الصحيحين من هذه الوجوه المذكورة فقط، وقد قال مسلم للزهري: تسعون حرفاً لا يرويها غيره، وهذا الذي قال مسلم عن الزهري من تفرده بأشياء لا يرويها غيره يشاركه في نظيرها جماعة من الرواة، فإن الذي قاله الشافعي أولاً هو الصواب: أنه إذا روى الثقة شيئاً قد خالفه فيه الناس فهو الشاذ، يعني المردود، وليس من ذلك أن يروي الثقة ما لم يرو غيره، بل هو مقبول إذا كان عدلاً ضابطاً حافظاً، فإن هذا لو رُد لرُدت أحاديث كثيرة من هذا النمط، وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل، والله أعلم، وأما إن كان المنفرد به غير حافظ، وهو مع ذلك عدلٌ ضابط فحديثه حسن فإن فقد ذلك فمردود، والله أعلم. يقول -رحمه الله تعالى-: النوع الثالث عشر: الشاذ، الشاذ، اختلف فيه أهل العلم فأطلقوه بإزاء أمور، أطلقوه على المخالفة من غير نظرٍ في الراوي، وأطلقوه على التفرد، وأطلقوه على تفرد الثقة، وأطلقوه أيضاً على التفرد مع قيد المخالفة، يقول: "قال الشافعي: هو أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس" فهنا قيدان: أن يكون الراوي ثقة، وأن يخالف هذا الثقة ما روى الناس، "وليس من ذلك" أي من الشذوذ أن يتفرد الراوي من غير مخالفة، اللغة تساعد قول من يقول: بأنه مجرد التفرد؛ لأن الأزهري في تهذيبه قال: شذ الرجل إذا انفرد عن أصحابه، وكذلك كل شيءٍ منفرد فهو شاذ.

الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في حده للشذوذ: وهو أنه ما اجتمع فيه الأمران: ثقة الراوي مع قيد المخالفة وهو -رحمه الله تعالى- يكرر في مواضع يقول: لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد في مواضع من كتبه، العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، هذا إذا تفرد فكيف إذا خالف؟ قول الإمام الشافعي حكاه أبو يعلى الخليلي في الإرشاد عن جماعة من الحجازيين وعن جمعٍ من المحققين، قال: يعني الخليلي: والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ به الراوي ثقةً كان أو غير ثقة، فيتوقف ما شذ به الثقة ولا يحتج به، يعني ولا يرد مباشرة، ويرد ما شذ به غير الثقة، الخليلي ما اشترط المخالفة، ولا اشترط أيضاً ثقة الراوي، إنما اشترط التفرد، كل تفرد شذوذ. الحاكم في معرفة علوم الحديث ما اشترط المخالفة، إنما اشترط التفرد مع كون الراوي ثقة، هو يقول: هو الذي يتفرد به الثقة وليس له متابع، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملا فالشافعي حققه والحاكم الخلاف فيه ما اشترط ... وللخليلي مفرد الراوي فقط (والحاكم الخلاف فيه ما اشترط) إنما اشترط ثقة الراوي مع التفرد، (وللخليلي مفرد الراوي –ثقةً كان أو غير ثقة- فقط). يشكل على قول الحاكم والخليلي ما في الصحيحين من الغرائب مما تفرد به بعض الرواة، كحديث (الأعمال بالنيات) حديث (النهي عن الولاء وعن هبته) آخر حديث في الصحيح: ((كلمتان خفيفتان على اللسان)) فرد مطلق، كيف نقول: أن هذا شاذ؟ هل نستطيع أن نقول: أن حديث (الأعمال بالنيات) شاذ؛ لأنه تفرد به الراوي الثقة؟ وهو شاذ على قولي الحاكم والخليلي؛ لكنه ليس بشاذ على ما قرره وحققه الإمام الشافعي؛ لأنه ليس بمخالف، وهكذا غرائب الصحيحين.

قال ابن الصلاح: ويشكل على هذا حديث (الأعمال بالنيات) فإنه تفرد به عمر، عن علقمة، وعنه محمد بن إبراهيم التيمي، وعنه يحيى بن سعيد، في أربع طبقات حصل التفرد، يعني لم يروه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسنادٍ يصح سوى عمر -رضي الله عنه-، ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري وعنه انتشر حتى قال: إنه روي من نحو سبعمائة طريق عن يحيى بن سعيد، وهذا حكاه شيخ الإسلام الهروي، شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: أنه شيخ الإسلام، ذكر في بعض كتبه، قال: شيخ الإسلام الهروي، ابن القيم يقوله، وإن كان عنده ما عنده من المخالفات، منهم من يقول: أنه روي من مائتي طريق، ومنهم من يقول: أنه أكثر أو أقل، لكن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- يشكك في هذه الأعداد، يقول: أنا أستبعد صحة هذا القدر، وأن من بداية الطلب -يقول الحافظ-: حرصت على جمع الطرق، طرق الحديث فما قدرت على تكميل المائة، مع أنه جمع طرق بعض الأحاديث فبلغت أكثر من ذلك. على كل حال الحديث غريب، تفرد به عمر وعنه علقمة، وعنه محمد بن إبراهيم وعنه يحيى بن سعيد، في أربع طبقات حصلت الغرابة المطلقة، مثله آخر حديث في الصحيح نظيره، مطابق له: ((كلمتان خفيفتان على اللسان)) لم يروه إلا أبو هريرة، ولم يروه عن أبي هريرة إلا أبو زرعة ابن عمرو بن جرير البجلي، ولم يروه عنه إلا عمارة بن القعقاع، ولم يروه عنه سوى محمد بن الفضيل وعنه انتشر، المطابقة تامة بين أول حديث وآخر حديث في الصحيح، فكيف نقول: أن تفرد الثقة شذوذ؟ نعم على قول من يقول: في الصحيح ما هو صحيح شاذ، أما إذا قلنا: أن الشاذ من نوع الضعيف فلا يمكن أن نقول بحالٍ من الأحوال أن مجرد التفرد شذوذ، وإن ساعدت اللغة على ذلك، لكن إذا قلنا: أن من الصحيح ما هو صحيح شاذ ....

شرح اختصار علوم الحديث (6)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (6) الكلام على: (الشاذ، والنوع الرابع عشر: المنكر، والنوع الخامس عشر: في الاعتبارات والمتابعات والشواهد، والنوع السابع عشر: في زيادة الثقة، والنوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير نعم على قول من يقول: في الصحيح ما هو صحيح شاذ، أما إذا قلنا: إن الشاذ من نوع الضعيف فلا يمكن أن نقول في حالٍ من الأحوال: إن مجرد التفرد شذوذ، وإن ساعدت اللغة على ذلك، لكن إذا قلنا: إن من الصحيح ما هو صحيح شاذ، فقد وجد في الصحيح ما ينطبق عليه حد الشاذ حتى عند الشافعي، ما فيه مخالفة من الراوي الثقة، يعني غاية ما هنالك أن يكون فيه صحيح وأصح. حديث جابر وقصة الجمل والبيع على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخلاف في اشتراط الحملان، والاختلاف في قدر الثمن، رواه الإمام البخاري في أكثر من عشرين موضعاً، وفي بعض المواضع ما يخالف بعض، فيها ما يدل على الاشتراط، وفيها ما يدل على عدمه، وفيها ما يدل على أن الثمن أوقية، وفيه ما يدل على أنه أكثر من ذلك، وهي مخرجة في الصحيح، لكن الإمام البخاري يرجح ولا مانع أن يخرج صاحب الصحيح المرجوح لينبه عليه.

يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "قلت: ثم تواتر عن يحيى بن سعيد فيقال: إنه رواه عنه نحواً من مائتين، وقيل: أزيد من ذلك" يعني حتى أوصله أوصل العدة بعضهم إلى سبعمائة "وقد ذكر له ابن منده متابعات غرائب ولا تصح، كما بسطناه في مسند عمر" يعني في جمع المسانيد له "وفي الأحكام الكبير، وكذلك حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الولاء وعن هبته" يعني وغير ذلك من غرائب الصحيح، كحديث أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعلى رأسه المغفر، "وكلٌ من هذه الأحاديث الثلاثة في الصحيحين من هذه الوجوه المذكورة فقط" روى الإمام مسلم، قال الإمام مسلم، ذكر الإمام مسلم، نقل الإمام مسلم، أو ذكر في صحيحه في الجزء الحادي عشر صفحة (107) قال: "للزهري تسعون حرفاً لا يرويها غيره، وهذا الذي قاله مسلم عن الزهري من تفرده بأشياء لا يرويها غيره يشاركه في نظيرها جماعة من الرواة" كل واحد من الرواة له ما تفرد به من الأحاديث، يقول الحافظ العراقي: "ورد ما قالا" يعني الحاكم والخليلي. ورد ما قالا بفرد الثقةِ ... كالنهي عن بيع الولا والهبةِ وقول مسلمٍ روى الزهريُ ... تسعين فرداً كلها قويُ فالمرجح عند أهل العلم في حد الشاذ: أنه ما رواه الثقة مع المخالفة، أنه إذا روى الثقة شيءٌ قد خالفه فيه الناس فهو الشاذ، يعني المردود، وهذا إذا قلنا: إن الشاذ من قسم الضعيف، نوع من أنواع الضعيف، وإلا إذا قلنا: إن الشاذ منه ما هو صحيح، ومنه ما هو ضعيف فالأمر فيه سعة، وأهل العلم أطلقوا الشذوذ بإزاء التفرد، ووجد إطلاقهم الشذوذ بإزاء التفرد، ووجد أيضاً إطلاقهم النكارة بإزاء التفرد، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

شرح: النوع الرابع عشر: المنكر:

"وليس من ذلك أن يروي الثقة ما لم يروِ غيره"، يعني كما قال الحاكم، "بل هو المقبول إذا كان عدلاً ضابطاً حافظاً، فإن هذا لو رُد لردت أحاديث كثيرة من هذا النمط، وتعطلت كثيرٌ من المسائل عن الدلائل" لأنه لا يوجد لها من الأدلة إلا ما كان من هذا النوع، كيف وقد بنيت القواعد والأصول على حديث: (الأعمال بالنيات) وهو حديث فرد؟ يعني لو رد هذا الحديث قاعدة: الأمور بمقاصدها، النية شرط للعبادات كلها، فكيف نقول: إن حديث: (الأعمال بالنيات) شاذ لتفرد راويه؟ لا شك أن إطلاق الشذوذ وجد بإزاء التفرد، لكن إذا قلنا: إن الشذوذ لا يعني الضعف فالأمر فيه سعة، وإذا قلنا: إن الشاذ من قسم الضعيف فلا بد من قيد المخالفة، وأما إذا كان المنفرد به غير حافظ، وهو مع ذلك عدلٌ ضابط فحديثه حسن، فإن فقد ذلك فمردود، فابن الصلاح له تفصيل في التفرد مع عدم المخالفة، التفرد مع عدم المخالفة فصل فيه ابن الصلاح، إن كان عدلاً ضابطاً متقناً فحديثه صحيح، وإن خف ضبطه وقرب من الضابط ففرده حسن، وإن بعد عنه بعد عن حد الضبط والإتقان فهو شاذ، ولذا يقول الحافظ العراقي -يرحمه الله تعالى-: "واختار" من؟ ابن الصلاح. واختار في ما لم يخالف أن من ... يقرب من ضبطٍ ففرده حسن أو بلغ الضبط فصحح أو بعُد ... عنه فمما شذ فاطرحه ورُد "واختار" وما يدرينا أن المراد به ابن الصلاح لأنه ما ذكر الفاعل؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ المقدمة، ماذا يقول؟ كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما كقال، إذا قال: قال، ومثله: اختار، كل هذا يدل على أن المراد ابن الصلاح، وبيّن الحافظ العراقي اصطلاحه في مقدمته، نعم. شرح: النوع الرابع عشر: المنكر: "النوع الرابع عشر: المنكر، وهو كالشاذ إن خالف راويه الثقات فمنكر مردود, وكذا إن لم يكن عدلاً ضابطاً وإن لم يخالف فمنكر مردود، وأما إن كان الذي تفرد به عدلاً ضابطاً حافظاً قبل شرعاً, ولا يقال له: منكر, وإن قيل له ذلك لغة".

المنكر حدُه المحرر عند المتأخرين أنه: ما رواه الضعيف مخالفاً الثقات، فأن يكون الراوي ضعيفاً، وأن توجد المخالفة ليكون الخبر منكراً، أما إذا كان الراوي ثقة فهو الشاذ، وإذا روى الضعيف من غير مخالفة فالأمر أسهل يبقى الخبر ضعيفاً، لكن دون المنكر. يقول: "وهو كالشاذ" منهم من يطلق المنكر بإزاء الشاذ على مجرد التفرد، فإذا تفرد الراوي فسواءً قلت: منكر أو شاذ سيان، "إن خالف راويه الثقات فمنكر مردود" يعني مع وجود المخالفة، "وكذا إن لم يكن عدلاً ضابطاً وإن لم يخالف -يعني وتفرد به- فـ (هو) منكر مردود". الآن ما الذي يميز المنكر عن الشاذ على هذا الكلام؟ منهم من يطلق المنكر بإزاء التفرد. المنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريجِ إجراء تفصيلٍ لدى الشذوذ مر ... جفهو بمعناه كذا الشيخ ذكر هل نقول: إن الشاذ والمنكر معناهما واحد؟ اللغة لا تساعد، نعم إطلاق بعض الأئمة على أحاديث بأنها شاذة وأنها منكرة قد يساعد، وهل الشذوذ والنكارة مجرد التفرد من الراوي؟ أو لا بد من المخالفة أو لا بد أن يكون المتفرد ضعيفاً؟ هذه أمور لا بد منها. يقول: "إن خالف راويه الثقات فمنكر مردود، وكذا إن لم يكن عدلاً ضابطاً، وإن لم يخالف فمنكر مردود" يقول: . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والصواب في التخريجِ إجراء تفصيلٍ لدى الشذوذ مر ... جفهو بمعناه كذا الشيخ ذكر يعني إذا روى الثقة مع المخالفة أو تفرد غير الثقة، هذا هو الشاذ، إذا تفرد غير الثقة أو روى الثقة ما يخالف فيه الناس، ومثله المنكر عند ابن الصلاح ومن يقلده "فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر"، والشيخ المراد به ابن الصلاح: كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما فإذا كان راوي الحديث لا يحتمل تفرده فخبره منكر، ومثاله: ((كلوا البلح بالتمر، فإنه إذا أُكل غضب الشيطان وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق)) تفرد به أبو زكير، وهو ممن لا يحتمل تفرده، يقول: نحو كلوا البلح بالتمر الخبر ... ومالكٌ سمى ابن عثمان عمر

مالك سمى ابن عثمان عمر، فقال: عمر بن عثمان، والناس كلهم يقولون: عمروٌ بن عثمان بفتح العين، وهما أخوان، وكلاهما ثقة، فهل يضر الاختلاف في مثل هذا فنسمي مثل هذا منكر؟ ابن الصلاح مثل به للمنكر مثل حديث أبي زيكر، لكن الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- يقول: "قلتُ: فماذا؟ " ماذا يضير الخبر إذا كان عمر بن عثمان أو عمرو بن عثمان؟ قلت: فماذا؟ بل حديثُ نزعِهِ ... خاتمه عند الخلا ووضعِهِ هذه النكارة التي ينبغي أن تذكر مثال للمنكر، وعلى كل حال إذا تردد في الراوي، وكان التردد بين ثقتين، ولم يمكن الجزم لأحد الاثنين وهم ثقتان فالأمر سهل، يعني كما لو جاء سفيان مهمل، ولم نستطع الوقوف على حقيقة سفيان هل هو ابن عيينة أو الثوري؟ الأمر في هذا سهل، لكن كون جميع الرواة يقولون: عمرو بن عثمان ويقول مالك: لا، عمر بن عثمان، تفرد هو ثقة، نجم السنن، مالك نجم السنن، كما قال الإمام الشافعي وغيره. وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكيةٍ كـ (مالكٍ) نجم السنن لكن خالف، خالف الناس كلهم، كلهم يقولون: عمرو بن عثمان، وهو ثقة هل نقول: هذا شاذ وإلا منكر؟ على اصطلاح المتأخرين شاذ، ما نقول: منكر، وعلى ما اختاره ابن الصلاح من أنه لا يشترط في الراوي أن يكون ضعيفاً في النكارة؛ لأن الشاذ والمنكر عنده بمعنى، فمالك وإن كان ثقة إلا أنه خالف الناس كلهم، فهو منكر عنده، "قلت: فماذا؟ " هذا كلام الحافظ العراقي. قلت: فماذا؟ بل حديثُ نزعِهِ ... خاتمه عند الخلا ووضعِهِ لأن هذا الإسناد ركب له إسناد حديث: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتخذ خاتماً من ذهبٍ ثم رماه، هذا حديث صحيح فركب إسناده على هذا الحديث الضعيف. الخلاصة: أن الشاذ والمنكر عند ابن الصلاح بمعنىً واحد، الإمام الشافعي يرى أن الشذوذ ما توافر فيه الأمران الثقة مع المخالفة، الحاكم يشترط الثقة فقط، تفرد الثقة فقط وإن لم توجد المخالفة، الخليلي تفرد الراوي. . . . . . . . .، لا يشترط لا ثقة راوي ولا مخالفة.

شرح: النوع الخامس عشر: في الاعتبارات والمتابعات والشواهد:

إذا نظرنا إلى إطلاقات الأئمة وجدنا الأئمة يطلقون الشاذ بإزاء التفرد فقط، ويطلقون المنكر أيضاً بإزائه أيضاً، لكن إذا قلنا: إن الشاذ من قسم الضعيف فلا بد فيه من المخالفة، وإذا قلنا: إن من الشاذ ما هو صحيح ومن الصحيح ما هو صحيحٌ شاذ، بل غاية ما هنالك أن يكون صحيح وأصح فالأمر فيه سهل. يقابل الشاذ المحفوظ، فإذا كان الشاذ: ما رواه الثقة مخالفاً من هو أوثق منه، فالمحفوظ: ما رواه الثقات، يعني نعكس الحد، المحفوظ ما رواه الثقات، وإن وجدت المخالفة من واحد، ويقابل المنكر المعروف، وإذا كان تعريف المنكر ما رواه الضعيف مخالفاً سائر الرواة، فيكون تعريف المنكر .. ، إذا كان المنكر ما رواه الضعيف مخالفاً الرواة فيكون حينئذٍ المعروف: ما رواه الثقاة وإن وجدت المخالفة من ضعيف، نعم. شرح: النوع الخامس عشر: في الاعتبارات والمتابعات والشواهد: "النوع الخامس عشر: في الاعتبارات والمتابعات والشواهد: مثاله: أن يروي حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثاً, فإن رواه غير حماد عن أيوب أو غير أيوب عن محمد أو غير محمد عن أبي هريرة, أو غير أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذه متابعات، فإن روي معناه من طريق أخرى عن صحابي آخر سمي شاهداً لمعناه، وإن لم يرو بمعناه أيضاً حديث آخر فهو فرد من الأفراد، ويغتفر في باب "الشواهد والمتابعات" من الرواية عن الضعيف القريب الضعف ما لا يغتفر في الأصول, كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك، ولهذا يقول الدارقطني في بعض الضعفاء: "يصلح للاعتبار", أو "لا يصلح أن يعتبر به" والله أعلم". هذه عبارات يستعملها أهل الحديث، الاعتبار والمتابعات والشواهد، وهذه الترجمة توهم بأن الاعتبار قسيم للمتابعة والشاهد، وليس الأمر كذلك، بل الاعتبار هيئة التوصل والكشف عن المتابعة والشاهد، الاعتبار: السبر والبحث عن المتابعات والشواهد، وعلى هذا فحق الترجمة أن يقال: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-: الاعتبار سبرك الحديث هل ... شارك راوٍ غيره فيما حمل؟

فالاعتبار: هو هيئة التوصل إلى وجود المتابعات والشواهد والبحث، فإذا كان هذا هو الاعتبار فما المتابع والشاهد؟ الذي مشى عليه ابن الصلاح وتبعه الحافظ ابن كثير، ومن اختصر كلام ابن الصلاح ونقله ابن حجر عن قومٍ كالبيهقي ونحوه أن الشاهد ما جاء بمعناه، والمتابع ما جاء بلفظه، يعني نبحث عن الحديث فإذا وقفنا عن حديثٍ آخر بغض النظر عن الصحابي هل اتحد أو اختلف؟ فإن كان باللفظ فالمتابع، وإن كان بالمعنى فالشاهد، هذا ما مشى عليه المؤلف تبعاً لابن الصلاح، وهو محكيٌ عن البيهقي وغيره. والمثال الذي ذكره هو مأخوذٌ من صحيح ابن حبان، مأخوذٌ من صحيح ابن حبان في مقدمة الصحيح قال: "مثاله: أن يروي حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثاً فإن رواه غير حماد عن أيوب أو غير أيوب عن محمد أو غير محمد عن أبي هريرة أو غير أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهنا لم يشترط فيه اتحاد الصحابي أو اختلافه. طالب:. . . . . . . . . نعم، كيف؟ طالب:. . . . . . . . . هو موجود في الجزء الأول صفحة (117 و 118) والذي يغلب على ظني أنه من طبعة الشيخ أحمد شاكر ما هي من طبعة الأرنؤوط، ولذا قال: أو غير أبي هريرة، فإن روي معناه من طريقٍ أخرى عن صحابي آخر سمي شاهداً لمعناه، فالفرق بين المتابع والشاهد أن يكون المتابع باللفظ والشاهد بالمعنى هذا قول، وهو قول من سمعنا من أهل العلم، لكن القول الثاني وهو الذي اعتمده المتأخرون، وخرجوا الأحاديث على أساسه أن المتابع ما جاء عن نفس الصحابي ولو اختلف اللفظ، ولو جاء بالمعنى، والشاهد ما جاء عن صحابي آخر ولو اتحد اللفظ بغض النظر عن اللفظ، وهذا هو الذي مشى عليه المتأخرون، والأمر في هذا سهل؛ لأن الفائدة من الشواهد والمتابعات التقوية، وتحصل التقوية بالمتابع أو الشاهد سواءً اتحد الصحابي أو اختلف.

إذا عرفنا هذا فالمتابعات منها التامة ومنها القاصرة، ففي المثال الذي ذكره صاحب الكتاب إذا روى الخبر غير حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة متابعة تامة، لكن إذا رواه شخصٌ آخر عن آخر عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، أو عن ثالث عن أبي هريرة هذه متابعة قاصرة، وعلى كل حال الفائدة من المتابعات والشواهد هي التقوية، تقوية الأخبار، والشواهد هي التي يعتني بها الترمذي في كل بابٍ من أبواب جامعه، ويقول فيه: "وفي الباب عن فلان وفلان وفلان" هذه شواهد للحديث الذي يذكره، وقد يصحح الخبر بمجموع هذه الشواهد، ومن هنا دخل عليه التساهل، فمن نظر إلى حديث الباب بمفرده وقد قال عنه الإمام الترمذي: "حسن صحيح" قال: إنه متساهل، ومن نظر إلى مجموع الأحاديث في الباب بما في ذلك الشواهد التي أشار إليها قد تبلغ الصحة. يقول: "ويغتفر في باب الشواهد والمتابعات من الرواية عن الضعيف القريب الضعف" القريب الضعف يعني ضعفه محتمل يصلح للمتابعات، يصلح للاعتبار، يحصل للشواهد، يصلح للترقية، أما الذي ضعفه شديد فوجوده مثل عدمه على ما تقدم "ويغتفر في باب الشواهد والمتابعات من الرواية عن الضعيف القريب الضعف ما لا يغتفر في الأصول" يعني قد تروي عن ابن لهيعة وهو ضعيف عند أهل العلم، لكن ضعفه قريب، ضعفه قريب فيصلح للمتابعات، يصلح للشواهد، لكن ما يصلح في الأصول التي يعتمد عليها، ونحوه من الرواة، ولذا كثيرٌ ما يقول أهل العلم: فلان يعتبر به، أو يصلح للاعتبار، وفلان لا يعتبر به، أو لا يصلح أن يعتبر به، يطلق أهل العلم هذه العبارة كثيراً من أجل أن نستفيد من الراوي الذي يعتبر به، فإذا انضم إليه غيره ممن هو في درجته تقوى الحديث، أما الذي لا يعتبر به ارمِ به، ما يفيد. يقول: "كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك" نعم يقع في رواة الصحيحين من مس بضربٍ من التجريح الخفيف في باب المتابعات والشواهد دون الأصول، نعم. "النوع السادس عشر: في الأفراد، وهو أقسام: تارة ينفرد به الراوي عن شيخه كما تقدم, أو ينفرد به أهل قُطْر, كما يقال: ... طالب:. . . . . . . . . إيه، لكن يكون الاعتماد على المجموع. طالب:. . . . . . . . .

أو عمومات الشريعة والقواعد العامة، الإمام الشافعي -رحمه الله- فيما ينجبر به المرسل ويحتج به مثل هذه الأمور، أن يفتي به عوام أهل العلم، أن يكون له شاهد يزكيه من قول صحابي، أو خبر آخر، أو مرسل آخر يرويه غير رجال المرسل الأول، المقصود أن مثل هذا إذا كان له أصل يشهد له فلا بأس. طالب:. . . . . . . . . لكن راويه ممن يصلح للاعتبار؟ ارمِ به، تحتج بغيره. طالب:. . . . . . . . . أقول: ارمِ به، واحتج بغيره، على طريقة أهل الحديث أن مثل هذا الذي لا يصح للاعتبار وجوده مثل عدمه، وجوده مثل عدمه نعم هم يعترفون بأن الراوي مهما بلغ في الضعف، في ضعف الحفظ والضبط والإتقان حتى في عدالته من الطعن قد يصدق، والضعيف قد يضبط، ومع ذلك الذي لا يصلح للاعتبار وجوده مثل عدمه، وجوده مثل عدمه. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، لا، ما يقبل إلا على طريقة السيوطي، السيوطي يقول بهذا، الشيخ الألباني أحياناً يمشي على هذا، والسيوطي في ألفيته يقول في الضعيف الذي لا ينجبر: وربما يكون كالذي بدي ... . . . . . . . . . يعني به بما تحدث عنه من انجبار الضعيف وارتقائه إلى الحسن لغيره، طريقته يرقي بها، لكن جمهور أهل العلم لا، ما دام ما يعتبر به وجوده مثل عدمه، حتى لو تابعه واحد بمنزلته لا يعتبر به ما يزيده إلا ضعف ما يزيده قوة. طالب:. . . . . . . . . إيه، لكن يبقى النظر في هؤلاء الثقات. . . . . . . . . هم الذين خالفوا؛ لأن الأصل القرآن. طالب:. . . . . . . . . إيه يشهد لصحة الجملة لا لصحتها في هذا الموضع، فرق، الجملة ما أحد ينكر، {إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [(9) سورة آل عمران] لكن في هذا الموضع ... طالب:. . . . . . . . . هذه من زيادات الثقات التي تباينت فيها الأنظار، من زيادات الثقات التي تباينت فيها الأنظار، من أهل العلم من يحكم عليها بأنها شاذة، يعني لو كانت محفوظة رواها بقية الرواة، راويها وإن كان ثقة ولم يخالف جاء بما لم يأتِ به غيره، يعني قدر زائد، على ما سيأتي تفصيله في زيادة الثقة -إن شاء الله تعالى-، نعم.

كما يقال: "تفرد به أهل الشام أو العراق أو الحجاز أو نحو ذلك، وقد يتفرد به واحد منهم فيجتمع فيه الوصفان، والله أعلم، وللحافظ الدارقطني كتاب في الأفراد في مائة جزء, ولم يسبق إلى نظيره، وقد جمعه الحافظ محمد بن طاهر في أطراف رتبه فيها. النوع السادس عشر: في الأفراد، ومثلها الغرائب، ويرى ابن حجر أن الفرد والغريب مترادفان لغةً واصطلاحاً، إلا أن أهل الحديث غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، الفرد والغريب مترادفان لغةً واصطلاحاً، هل كلام الحافظ صحيح؟ الفرد هو الغريب في اللغة؟ اللغة لا تساعد، الفرد ما انفرد عن غيره، والغريب وإن اجتمع بغيره، وإن كان مع غيره فهو غريب، قد يوصف الشخص بالغربة وإن كان بين الناس، وأما التفرد فهو شيءٌ آخر، فهو الانفراد عن الناس. أما تغايرهما في الاصطلاح فالفرد أكثر ما يطلقه أهل العلم على الفرد المطلق، وما كانت الغرابة والتفرد فيه في أصل السند، طرفه الذي فيه الصحابي، والغريب أكثر ما يطلقونه على غرابة نسبية، من كانت الغرابة في أثناء السند، فبهذا نعرف أن أنواع التفرد اثنان: الفرد المطلق والفرد النسبي، والنسبي يطلق بإزاء التفرد في أثناء السند في غير طرفه الذي فيه الصحابي، وفي غير أصل الحديث ومنشأه ومنبعه، ويطلق أيضاً بالنسبة لتفرد أهل بلدٍ به هذا تفرد نسبي، وإن رواه جمعٌ من غيرهم، وأيضاً يطلق التفرد النسبي بالنسبة لراوٍ من الرواة يتفرد بالرواية عنه راوٍ واحد، وإن رواه جمعٌ عن غيره، ويطلق التفرد النسبي بالتفرد به عن ثقةٍ من الثقات وإن رواه جمعٌ عن غير هذا الثقة، فإذا تفرد أهل بلد أهل البصرة برواية حديث ولو كثر عددهم قيل: هذه سنة تفرد بها أهل البصرة، إذا روى مالك حديث وتفرد به راوٍ من الرواة عن مالك يقال: تفرد به عن مالك فلان وإن رواه جمعٌ عن غير مالك وهكذا، فالتفرد تارةً ينفرد به الراوي عن شيخه كما تقدم، أو ينفرد به أهل قُطرٍ كما يقال: تفرد به أهل الشام، أو العراق أو الحجاز أو نحو ذلك. طالب:. . . . . . . . .

شرح: النوع السابع عشر: في زيادة الثقة:

في تداخل، في تداخل، في بعض إطلاقات الشاذ وأنه مجرد التفرد من راوي .. ، من الثقة يدخل هنا، أبواب متداخلة، لكن أهل الاصطلاح ممن تأخر من أهل العلم وصنف في علوم الحديث حاولوا أن يجعلوا كل نوع من الأنواع له حدٌ يخصه، وإلا في تداخل، أيضاً زيادة الثقة مع تعارض الوصل والإرسال في تداخل كبير، وأيضاً في التفرد يدخل في زيادة الثقة على ما سيأتي، على كلٍ في اشتراك في كثيرٍ من الأبواب، وقد يتفرد به واحدٌ منهم فيجتمع فيه الوصفان، يعني لا يروى إلا من طريقٍ واحد من أهل بلدٍ واحد، يعني لا يروى إلا من طريقٍ واحد من أهل بلدٍ واحد، وحينئذٍ يكون الحديث فرد بوصفين، يقول: "وللحافظ الدارقطني كتابٌ في الأفراد في مائة جزء لم يسبق إلى نظيره" كتابٌ عظيم، وله أطراف، أطراف الأفراد والغرائب لابن طاهر، لأبي الفضل بن طاهر، وهو كتابٌ مرتب، وفي معاجم الطبراني أمثلة للأفراد، وكذلك في جامع الترمذي، وفي مسند البزار أيضاً، المقصود أن الأفراد موجودة في مثل هذه الكتب. يقول الحاكم في المستدرك: "التفرد من الثقات مقبول" هذا موجود عند الحاكم الجزء الأول صفحة (35)، وفي مواضع أخرى، يقول: "التفرد من الثقات مقبول" وعلى كل حال الراوي إذا كان ثقة فتفرده برواية الحديث مقبول على ما تقدم في غرائب الصحيحين، كحديث: (الأعمال بالنيات) وحديث: (النهي عن بيع الولاء والهبة)، نعم. شرح: النوع السابع عشر: في زيادة الثقة: النوع السابع عشر: في زيادة الثقة، إذا تفرد الراوي بزيادة في الحديث عن بقية الرواة عن شيخ لهم, وهذا الذي يعبر عنه بزيادة الثقة, فهل هي مقبولة أم لا؟ فيه خلاف مشهور، فحكى الخطيب عن أكثر الفقهاء قبولها, وردها أكثر المحدثين، ومن الناس من قال: إن اتحد مجلس السماع لم تقبل, وإن تعدد قبلت، ومنهم من قال: تقبل الزيادة إذا كانت من غير الراوي بخلاف ما إذا نشط فرواها تارةً، وأسقطها أخرى، ومنهم من قال: إن كانت مخالفةً في الحكم لما رواه الباقون لم تقبل وإلا قبلت، كما لو تفرد بالحديث كله فإنه يقبل تفرده به إذا كان ثقةً ضابطاً أو حافظاً.

وقد حكى الخطيب على ذلك الإجماع، وقد مثل الشيخ أبو عمرو زيادة الثقة بحديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حرٍ أو عبد ذكرٍ أو أنثى من المسلمين، فقوله: "من المسلمين" من زيادات مالك عن نافع، وقد زعم الترمذي أن مالكاً تفرد بها، وسكت أبو عمروٍ على ذلك، ولم يتفرد بها مالك، فقد رواها مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع كما رواها مالك، وكذا رواها البخاري وأبو داود والنسائي من طريق عمر بن نافع عن أبيه كمالك، قال: ومن أمثلة ذلك حديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) تفرد أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي بزيادة: ((وتربتها طهوراً)) عن ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه مسلم وابن خزيمة وأبو عوانة الأسفرايني في صحاحهم من حديثه، وذكر أن الخلاف في الوصل والإرسال كالخلاف في قبول زيادة الثقة".

يقول -رحمه الله تعالى- في زيادة الثقة: "إذا تفرد الراوي بزيادة في الحديث عن بقية الرواة عن شيخٍ لهم" وهذا الذي يعبر عنه بزيادة الثقة، هل هي مقبولة أم لا؟ المتأخرون يصدرون الأحكام العامة، ويقولون: زيادة الثقة مقبولة، يطلقون ذلك سواءٌ كان في التقعيد والتنظير أو في التطبيق، والحاكم في مستدركه في الجزء الأول صفحة (3) وصفحة (86) في مواضع كثيرة من مستدركه يقول: "الزيادة من الثقات مقبولة في المتون والأسانيد" وهم يطلقون هكذا، لكن الذي ينظر في مواقع الاستعمال من الأئمة الكبار المتقدمين يجدهم لا يحكمون بأحكام مطردة، فأحياناً يقبلون هذه الزيادة، وأحياناً يردونها، ويحكمون عليها بالشذوذ، فهل من ضابط؟ من كتب في علوم الحديث حاول أن يوجد ضابط لقبول هذه الزيادة أو مثل هذه الزيادة، لكن مثل ما ذكرنا في تعارض الوصل والإرسال، والوقف والرفع لا يمكن أن تنضبط أحكام الأئمة المتقدمين بضابط، بل هو جارٍ على قاعدتهم في الحكم بالقرائن، فأحياناً الناظر في الإسناد يجده من أنظف الأسانيد، والمتن يشتمل على زيادة يترتب عليها حكم، ويجد الإمام أحمد حكم عليها بالشذوذ أو البخاري أو غيره، ونظير هذا الإسناد أو هذا الإسناد في موضعٍ آخر جاء لمتنٍ اشتمل على زيادة يحكم لها بالقبول، وهذا مثل ما قررناه أن الأئمة يحكمون بالقرائن، والإمام الواحد قد يحكم لهذه الزيادة بالقبول، وعلى تلك بالشذوذ، فليس لإمامٍ واحد قولٌ مطرد، وليس لمجموع الأئمة أيضاً قاعدة مطردة.

يطلقون -أعني المتأخرين- أن زيادة الثقة مقبولة، وسمعنا كلام الحاكم، وكلام النووي كثيراً ما يقول: "هذه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة" ابن الصلاح قسم تقسيم يرى أنه يقرب وجهة النظر بين المتأخرين والمتقدمين، فجعل الزيادات على ثلاثة أقسام: زيادة مخالفة، وزيادة موافقة، أو لا مخالفة فيها، أو زيادة موافقة من وجه مخالفة من وجه، فالزيادة الموافقة لا إشكال فيها، والزيادة التي لا موافقة ولا مخالفة فيها هذه كالحديث المستقل في نظره، الزيادة المخالفة هي التي يحكم عليها بالشذوذ، الزيادة المخالفة من وجه الموافقة من وجه هي محل النظر، ومن أوضح أمثلتها ما ذكره المؤلف في نهاية الباب: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) تفرد أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي بزيادة: ((وتربتها طهوراً)) تفرد به عن ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه مسلم، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) الرواية الثانية: ((وتربتها طهوراً)) هل التربة موافقة للأرض أو مخالفة لها أو موافقة من وجه مخالفة من وجه؟ باعتبار التربة جزء من أجزاء الأرض موافقة، فما وجه المخالفة؟ وجه المخالفة عند من يخصص التيمم بالتراب دون غيره، مما على وجه الأرض، فالذي يقبل هذه الزيادة ويخصص التيمم بالتراب دون غيره مما على وجه الأرض كالحنابلة والشافعية يقولون: هذا من باب تخصيص العام أو تقييد المطلق؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . تقييد المطلق، لماذا؟ يعني هل التراب فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصافها؟ طالب:. . . . . . . . . لا. طالب:. . . . . . . . . هاه فرد وإلا وصف؟ إذا قلنا: إنه فرد من أفرادها، والتخصيص تقليل أفراد العام، نقول في مثل هذا الموضع لا يقتضي التخصيص، لماذا؟ لأن ذكر الخاص بحكمٍ موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، فالذي يقبل هذه الزيادة ويرى أنها من باب التخصيص ما عنده مشكلة، يتيمم بالتراب وغير التراب، إلا أن التراب أولى من غيره، فنص عليه للعناية به، وإن كان لا يقتضي التخصيص، والذي يقول: إن التراب وصف من أوصاف الأرض وليس بفردٍ من أفرادها يكون هذا عنده من باب التقييد، وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة أو لا؟

طالب:. . . . . . . . . نعم؟ لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ متى يحمل المطلق على المقيد؟ طالب:. . . . . . . . . إذا اتفقا في الحكم والسبب، وهنا متفقان، هما متفقان في الحكم والسبب؛ لأن للمطلق مع المقيد صور أربع، إما أن يتفقا في الحكم والسبب، أو يختلفا في الحكم والسبب، أو يختلفا في الحكم دون السبب أو العكس، فإذا اتفقا في الحكم والسبب حمل المطلق على المقيد اتفاقاً كما هنا، وكما في قوله تعالى ... طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لا يا أشرف، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] مع قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً هنا للاتحاد في الحكم والسبب، إذا اختلفا في الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد إجماعاً، ونظيره: اليد في آية السرقة وفي آية الوضوء، اختلفا في الحكم والسبب، فلا يحمل المطلق على المقيد، إذا اتحدا في الحكم دون السبب مثل؟ طالب:. . . . . . . . . نعم مثل الرقبة في كفارة القتل، والرقبة في كفارة الظهار، إذا اتحدا في الحكم دون السبب يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، خلافاً لمن أبى ذلك كالحنفية، والعكس إذا اتحدا في السبب دون الحكم كاليد في آية التيمم واليد في آية الوضوء، والتفصيل عند أهل العلم معروف. نعود إلى التربة، إذا قلنا: إنها من باب تقليل أفراد العام ومن باب تخصيص، وحينئذٍ لا يحمل العام على الخاص؛ لأن ذكر الخاص بحكمٍ موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، إنما يقتضي العناية بشأن الخاص والاهتمام به. إذا قيل في وصية إذا أوصى زيد -من الناس- لبني تميم، لبني تميم الفقهاء منهم، هل هذا تخصيص وإلا تقييد؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم تقييد بوصف، إذاً مثال التخصيص؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أعطِ الطلاب مثلاً، أعطِ الطلاب هاه؟ وإذا أردت أن تخصص فأتي بحكم للخاص مخالف لحكم العام، أعطِ الطلاب إلا المتزوجين، نعم. طالب: مثال.

تنفذ الوصية في هذا؟ لو أوصى شخص لبني تميم إلا المتزوجين تنفذ الوصية وإلا لا؟ طالب:. . . . . . . . . مخالفة لمقاصد الشرع، نعم، رأي شيخ الإسلام تعدل على مقاصد الشرع. نعود إلى زيادة الثقة، وهو أن المعتمد عند أهل العلم أنهم لا يحكمون بحكم عام مطرد، بل ينظرون إلى كل حديثٍ بمفرده، وينظرون ما يؤيده القرائن، فإن أيدت القرائن القبول قبلت وإلا ردت، وهذه طريقة أهل العلم أهل هذا الشأن لا سيما المتقدمين منهم. نأخذ المعل وإلا. . . . . . . . . يكفي؟ طالب:. . . . . . . . . شوف الإخوان بيحضرون غداً وإلا نقف على المعل؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا، بعيدة، بعيدة، كان هذا المقرر لكن كان فيه بعد لأن المعل عندنا وقفنا عليه الآن، بعد المعل والمضطرب والمدرج، في أيضاً المقلوب، والموضوع أيضاً، نعم، والمقلوب، وفي أنواع كثيرة يا شيخ، من غير تفصيل، يعني مجرد توضيح عبارات لا بأس، وإلا معرفة من تقبل روايته ومن ترد يكون طيب، على كل بيحضرون الإخوة غداً وإلا الجمعة؟ خير -إن شاء الله-. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا يطلب إتمام الشرح، شرح الكتاب، ويلح في ذلك، والشيخ ناصر بيرتب موعد لاحق -إن شاء الله تعالى- لتكميل الشرح. يقول هذا، هذا يبدي مناسبة ينقلها عن من لم يسمه بكون الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بدأ بالغريب وختم بالغريب مستناً بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً))؟ يعني إن كان قد قيل، وقد قيل ما يشبه ذلك، فهو مجرد التماس من الشراح، مجرد التماس، يعني نظير ما قالوا في كونه -رحمه الله- بدأ بالرواية عن الحميدي؛ لأنه قرشي ومكي، فقريش أفضل القبائل، وجاء الأمر بتقديمهم، ومكة أفضل البلدان، على كل حال هذه التماسات من أهل العلم، وبعضها يصلح للنظر، وبعضها لا يصلح، فيوجد من هذا النوع شيءٌ كثير عند الشراح. يقول: هل يتقوى الحديث الضعيف بشواهد الآيات العامة وبالنظر الصحيح؟

إذا كان الحديث ضعفه منجبر بسبب خفة ضبط راويه فلا بأس، دل على أن هذا الراوي خفيف الضبط ضبط، أما من كان ضعفه شديداً فوجوده مثل عدمه. يقول: وهل صحيح أن طريقة الألباني في التصحيح فيها تساهل بجمع الطرق والشواهد؟ نعم، الشيخ -رحمه الله- قد يعتبر بما لا يعتبر به أهل العلم من شديد الضعف، فإذا كثرت عنده الطرق وتوافرت ولو كان بعضها مما لا يعتد به، ولا يعتبر به من راوي شديد الضعف فإنه يعتد به، وقد سلك هذا السيوطي من قبله. يقول: هناك طبعة لشرح النووي على مسلم عن دار الخير قدم لها الدكتور الزحيلي، ذكروا أنهم صححوها وحرروها، فيقول: هل تنصح بهذه الطبعة؟ على كل حال الطبعات القديمة متقنة ومحررة غالباً؛ لأن لجان التصحيح في المطابع الكبرى علماء، وكان هَم الناشرين في بداية الأمر نشر العلم، ثم صار الهم عند المتأخرين الارتزاق، صارت مهنة من المهن، وحرفة من الحرف، لا يهمهم إلا الربح والخسارة، الذي تقرر عندي أن أجود الطبعات شرح النووي على مسلم هي الطبعة الموجودة على هامش إرشاد الساري، فإن وجدت الطبعة الخامسة فبها ونعمت وإلا فالسادسة. . . . . . . . . أقول: المطابع الكبرى القديمة يتولى التصحيح فيها علماء، وهَم الناشرين في أوائل عهد الطباعة نشر العلم، واللجان التي تصحح لهم علماء أيضاً. فهذا يسأل عن طبعة حديثة لشرح النووي على مسلم، والذي عندي من خلال المقابلة والموازنة في الدرس بين طبعات متعددة أن شرح النووي على مسلم المطبوع بهامش إرشاد الساري الطبعة الخامسة إن وجدت وإلا فالسادسة، حتى السابعة كأنها أقل من السادسة، لكن السادسة في الغالب محررة متقنة، والخامسة لكنها نادرة جداً، لا تكاد توجد. حديث طلق بن علي وبسرة بنت صفوان في مس الذكر يقول: هل هي أحاديث ضعيفة؟ على كلٍ هي بمجموع طرقها حسنة، وحديث بسرة أرجح من حديث طلق من حيث الصناعة، وعلى هذا مس الذكر ناقض للوضوء على القول المرجح، وإن كان بعضهم يرى أن حديث بسرة على جهة الاستحباب، على جهة الاستحباب للجمع بين الحديثين، وكأن هذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله-.

شرح: النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث:

يقول: ألا يكون الراجح في تعريف الشاذ هو ما اختاره ابن حجر في شرح النخبة، أو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه؟ هذا هو ما اختاره الشافعي، هو ما اختاره الشافعي، واختاره ابن الصلاح، واختاره أيضاً الحافظ العراقي وغيره. وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملا فالشافعي حققه لكن قول الحاكم وهو تفرد الثقة، أو قول الخليلي وهو تفرد الراوي ثقة كان أو غير ثقة هذا أخذه من مواقع استعمال أهل العلم، حكموا على بعض الأحاديث التي فيها مجرد التفرد بأنها شاذة، فما معنى الشذوذ حينئذٍ عند من يطلقه يعني بإزاء مجرد التفرد؟ نقول: إن أهل العلم أطلقوه، لكن إن كان الشذوذ من أقسام الضعيف على ما استقر عليه الاصطلاح لا بد من قيد المخالفة؛ لأن مجرد تفرد الثقة مقبول عند أهل العلم، وغرائب الصحيحين كما هو معروف ولم يشترط من يعتد به من أهل العلم أن يتعدد الراوي لصحة الخبر، وقد رد على الحاكم وما يفهم من كلام البيهقي والكرماني الشارح قولهم: إن شرط البخاري أن يكون الحديث مروياً من طريقين فأكثر. يقول: حديث أنس في البخاري: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سلم سلم ثلاثاً، وإذا استأذن استأذن ثلاثاً". معروف عنه -عليه الصلاة والسلام- هذه السنة، لكن هذا يمكن أن يحمل على ما إذا كثر الجمع بحيث يظن أن بعضهم لم يسمع الكلام، لم يسمع السلام، أو لم يستوعب الكلام فإنه حينئذٍ يكرر. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد: فيقول المؤلف رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين: شرح: النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث:

النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث، وهو فنٌ خفي على كثير من علماء الحديث, حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل، وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد منهم, يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه, ومعوجه ومستقيمه, كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف, والدنانير والفلوس، فكما لا يتمارى هذا كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه، ومنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث, وذوقهم حلاوة عبارة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس. فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة, ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك, يدركها البصير من أهل هذه الصناعة، وقد يكون التعليل مستفاداً من الإسناد, وبسط أمثلة ذلك يطول جداً، وإنما يظهر بالعمل، ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجله وأفحله "كتاب العلل" لعلي بن المديني شيخ البخاري، وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص، وكذلك كتاب "العلل" لعبد الرحمن بن أبي حاتم، وهو مرتبٌ على أبواب الفقه، وكتاب "العلل" للخلال، ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد. وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل كتابٍ، بل أجلُّ ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بشكله، فرحمه الله وأكرم مثواه، ولكن يعوزه شيءٌ لا بد منه وهو أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب، أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم ليسهل الأخذ منه، فإنه مبدد جداً، لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة، والله الموفق.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى¬¬-: "المعلل من الحديث" والمعلل لا يوجد في كتب اللغة بالمعنى الذي يريده المؤلف ومن قبله، وإن كان أهل الحديث يطلقون المعلل والمعلول، وكذلك الأصوليون يطلقون أيضاً العلة والمعلول، وأيضاً المتكلمون، لكن لا يوجد معلل وعلله إلا بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به، من تعليل الصبي بالطعام، والأولى أن يقال: معل، عله فهو معل، وأما معلول فهو موجود في كلام كثيرٍ من المحدثين والأصوليين والمتكلمين أيضاً. قال ابن الصلاح عن ذلك: إنه مرذول، مرذول، وقال النووي: لحن، وقال الحريري: لا وجه لهذا الكلام البتة، وقال ابن سيده: "لست منها على ثقةٍ ولا ثلج" يعني ليس مرتاحاً منها، فالأولى أن يقال في ذلك: معل، يرى بعضهم أن استعمال معلول لا بأس به؛ لأنه وجد في عبارات أهل الفن، ولا يلتبس بغيره، معناه واضح ومعروف، فلا مانع من استعماله، لكن المرجع في ذلك اللغة، الشيء الذي لا يوجد له أصل في لغة العرب ينبغي أن لا يطرق. نعم، إن أمكن توجيه كلام أهل العلم على وجهٍ يصح لغةً فلا بأس، على كل حال الحديث المعل هو الحديث الذي طلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها، فالعلة سببٌ خفي يقدح في صحة الخبر مع أن ظاهر الخبر السلامة من هذه العلة، فالناظر في بادئ الأمر يرى أن الحديث لا إشكال فيه، لكن النقاد الخبير الجهبذ يقف على العلة التي لا يقف عليها غيره. ولذا يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "وهو فنٌ خفي على كثيرٍ من علماء الحديث. " نعم، لم يتصدى لهذا الفن أو لهذا النوع من هذا العلم إلا القليل النادر من الجهابذة الحفاظ الكبار، حتى قال بعض حفاظهم: "معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل"، وهذا شيءٌ مشاهد، أن من اعتنى بشيء اطلع على أسراره وخفاياه، بحيث لو تكلم به عند من يجهل ولم تكن له مثل هذه المعرفة ترى ما هو بالسفه طالبه بالدليل ولم يجد.

يعني أهل السيارات مثلاً الخبير بالسيارات مجرد ما يشوف السيارة يقول: هذه ما تصلح، طيب ويش السبب؟ شكلها طيب، ومحركاتها طيبة، يقول: لا أبداً ما تصلح، الصيرفي صاحب الذهب والفضة إذا أتي له بقطعة إما من الذهب أو من الفضة قال: هذه زيف، هذه مغشوشة، كيف؟ ما يقدر يشرح لك، وهكذا في سائر المهن والحرف والصناعات يطلع بعض الناس على ما لا يطلع غيره، الذي زاول مهنة العمار عَمَر مراراً خلاف الذي عَمَر مرة واحدة، يأتي هذا الذي عَمر مراراً يقول: شوف هذا وهذا .. ، هذا ما هو بعمل طيب، وصاحبه هو عنده أنه من أحسن الأشياء، فالمسألة مسألة اهتمام ومسألة خبرة، ولذا يقولون: "معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل"، تقول له: الحديث يقول: لا يصح، فيه علة، إيش هذه العلة؟ ما يستطيع التعبير عنها، فيرميه بالعجز، يقول: اذهب إلى فلان شوف إيش يقول لك؟ يذهب إلى فلان من النقاد ويقول له نفس الكلام، السبب؟ ما يدري، وهكذا من تعامل مع السنة، في حفظ متونها، والدربة على أسانيدها تجده أنه أول ما يسمع الخبر يتوقف فيه، وهم يتفاوتون كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: منهم من يقطع، ومنهم من يظن، ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، ولا شك أن الذي يهتدي إلى تحقيق هذا الفن الجهابذة النقاد كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني، من المتأخرين: ابن القيم وابن كثير، ابن رجب، وأمثال هؤلاء. "فهؤلاء يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، معوجه ومستقيمه كما يميز الصيرفي البصير بصناعته بين الجياد والزيوف -الرديئة المغشوشة- والدنانير والفلوس، فكما لا يتمارى هذا" يعني لو جيء لواحدٍ منكم بثلاث قطع ذهب أبيض وفضة وما يسمونه بالإكسسوار مثلاً، عادي الناس قد لا يميزون، كلها أبيض، وكلها لماع، وما يدريه؟ لكن أهل الخبرة والصناعة يعرفون ويميزون.

يقول: "فكما لا يتمارى هذا يقطع ذاك بما ذكرناه، ومنهم من يظن -يعني تقل درجته عن درجة القطع فيغلب على ظنه أن هذا فيه علة- ومنهم من يقف، بحسب مراتب علومهم وحذقهم واطلاعهم على طرق الحديث، وذوقهم حلاوة عبارة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس". يقول: "فمن الأحاديث المروية ما عليه أنوار النبوة، ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك، يدركها البصير من أهل هذه الصناعة" والمقصود بذلك الزيادات الخفية، والألفاظ التي تشبه كلام النبوة، وليست الألفاظ التي لا تشبه كلام النبوة؛ لأنها يدركها كل الناس، لكن الكلام الذي يشبه كلام النبوة، كلام الحسن البصري مثلاً، في كثيرٍ من الجمل صدرت منه تلتبس على كثيرٍ من طلبة العلم، فيظنها مرفوعة؛ لأن في كلامه شبهاً بكلام النبوة. يقول: "وقد يكون التعليل مستفاداً من الإسناد، وبسط أمثلة ذلك يطول جداً، وإنما يظهر بالعمل" العلة قد تكون في الإسناد بإبدال راوٍ براوٍ مثلاً، وإن كان ثقتين فهي علة، وإن كانت غير قادحة إلا أنها علة عند أهل العلم، "وبسط أمثلة ذلك يطول جداً، وإنما يظهر بالعمل" هناك العلة التي تكون في المتن، يأتي السند مثل الشمس لكن المتن فيه علة، مثلوا لعلة المتن بحديث البسملة، كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله

في صحيح مسلم حديث -في الصحيحين- كان -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، الراوي ظن أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، ما دام يفتتحون بالحمد لله رب العالمين فهم أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، فصرح بذلك، وقال: إنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها، السند صحيح، لكن الراوي ظن هذا الظن فنقله، نقل فهمه للناس، ولا شك أن هذا من بعد الصحابة، هذا من بعد عصر الصحابة، وهي علةٌ خفية إذا نظرنا إلى إسنادها السند مقبول، لكن هذا الراوي ظن فهم من قول الصحابي أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، أنهم يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، قال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، هذا المفهوم، هذا المفهوم فنقل فهمه هذا وأخطأ في ذلك، إذ للكلام أكثر من مفهوم، نعم يفهم منهم أنهم لا يذكرون بسم الله، ويفهم منه أيضاً أنهم لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وإن رأى الحافظ ابن حجر توجيه هذه الرواية: "أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً"، فتلتئم مع الروايات الأخرى، والحديث إذا كان في الصحيحين، وأمكن توجيهه فإنه هو المتعين؛ لئلا يتطاول الناس على الصحيحين، لئلا يتطاول الناس على الصحيحين، لكن ما لا يمكن توجيهه بوجهٍ من الوجوه، لا بد من الإقرار بأن الراوي مهما كان عدالته وضبطه وإتقانه أنه لا بد أن يخطئ، والعصمة ليست متصورة في أحدٍ من الرواة، بل وقع الوهم والخطأ من الصحابة -رضوان الله عليهم-، لكن هذا الخطأ لا يقر، بل لا بد أن يوجد الصواب عند غيره، وقد استدركت عائشة على بعض الصحابة، واستدرك بعضهم على بعض كما هو معروف في كتب السنة.

تعرف العلل بجمع الطرق، تعرف العلل بجمع الطرق، فالباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه، إنما تبين العلة بجمع الطرق، فوظيفة طالب العلم الذي يريد أن يقف على العلل، لا بد أن يجمع الطرق، أما الأئمة الحفاظ المتقدمون الذين يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، الطرق مجتمعة عندهم، لا يحتاجون إلى أن يجمعوا أكثر مما جمعوا، ولذا أناجيلهم في صدورهم، علمهم في صدورهم، مجرد ما يسمع الكلام الذي لا يليق به -عليه الصلاة والسلام-، أو حتى الكلام عن بعض الرواة التي لا تشبه مروياتهم يحكمون بأنها ليست من رواية فلان؛ لأنهم ضبطوا وحرروا وأتقنوا وحفظوا. يقول: "ومن أحسن كتابٍ وضع في ذلك وأجله وأفحله كتاب "العلل" لعلي بن المديني شيخ البخاري، وسائر المحدثين بعده" علي بن المديني من أئمة هذا الشأن، وله مؤلفات في الحديث وعلومه وعلله، لكن مما يؤسف له أن أكثرها ضاع، ولم ينقل عنه إلا هذه القطعة، لم يبقَ منها إلا هذه القطعة التي طبعت في جزءٍ صغير، نعم أقواله محفوظة ومنقولة ومبثوثة في كتب أهل العلم، لكن يبقى أن علمه كان أكثر من ذلك، وكذلك كتاب العلل لابن أبي حاتم، وهو كتابٌ مطبوع في مجلدين، وحقق أيضاً في رسائل علمية، وهو مرتبٌ على أبواب الفقه. وكتاب "العلل" للخلال، وله مختصر للموفق ابن قدامة، وهو كتابٌ جيد في بابه، يقع التعليل في كثيرٍ من كتب السنة، يقع في جامع الترمذي، ويقع كثيراً في سنن النسائي، تراجم النسائي علل، وإشارات أبي عبد الرحمن في آخر الأبواب علل، وكتابه من أنفس الكتب إلا أنه لصعوبته أحجم الناس عن شرحه، ولذا هو أفقر الكتب في الشروح، وقد تصدى لشرحه شخصٌ من المعاصرين بشرح جيد مطول، وجيد في الجملة، وإن كان أكثره نقول، لكنه في الجملة جيد، يخدم الكتاب، لا سيما متون الكتاب، إلا أنه لم يتعرض لهذه العلل لصعوبتها، يقع أيضاً التعليل في مسند البزار، والتعليل أيضاً يقع من الهيثمي في زوائده، مجمع الزوائد وغيرها، يشير إشارات طفيفة إلى هذه العلل.

ثم قال: "وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك" علل الدارقطني، "وهو من أجل الكتب وأنفسها، بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن" لكن قد يسمع الطالب المبتدئ الثناء على مثل هذا الكتاب فيبادر باقتنائه وقراءته قبل الصحيحين وهذا لا ينبغي، بالمهم المهم ابدأ، هذه مرحلة ثانية التعليم، مرحلة لاحقة، كشخصٍ سمع الثناء على كتب العقل والنقل. واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظيرٌ ثاني

قول ابن القيم، فبادر باقتنائه وهو في المرحلة المتوسطة، العلماء الكبار المتمكنين من قراءة كتب شيخ الإسلام الذين قرؤوا جميع كتب شيخ الإسلام يطوون الصفحات الكثيرة من هذا الكتاب ما يفهمونه، فلا بد من التدرج في التعلم، لا بد أن نبدأ بالسلم من أوله، ولا بد أن نبدأ بصغار العلم قبل كباره، تعلماً وتعليماً، ولذا جاء في الرباني، كما قال ابن عباس في الصحيح: هو الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره، يأتيك طالب في المتوسط أو في الثانوي أو حتى في الجامعة أنت محتاج لكتاب أيها المعلم فتقول: ائتِ بالكتاب الفلاني، لا ما يصح، عليك أن تنصح هذا الطالب، وتنصح له، يأتي بكتابٍ يستفيد منه ويناسبه، ليس الملحوظ بالدرجة الأولى في التعليم مصلحة الشيخ، وإن كان هو المستفيد، المعلم هو المستفيد قبل الطالب، المؤلف مستفيد قبل القارئ، لكن ليس جلوسه للتعليم من أجل أن ينفع نفسه فقط، بل عليه أن ينصح من استنصحه، ولو قدر أنه طلب منه قراءة في كتاب، طلب من الشيخ أن يُقرأ عليه من كتاب لحاجة الطالب إليه، ويرى أن غيره من أهل العلم يحسن توضيح وشرح هذا الكتاب فالنصيحة تقتضي أن يدل على من هو أولى منه، وهذه رفعة له في الدنيا والآخرة، إيش المانع إذا جاءنا شخص يريد أن يقرأ في كتاب يعني ما عاملناه ولا زاولناه، وإن كان يعني ما يصعب علينا فهمه، لكن أن ننصح بمن عانى هذا الكتاب، وينفع الطالب أكثر من غيره، فهذا الذي يسمع مثل هذا الكلام من الحافظ ابن كثير: "وقد جمع أزمةَ ما ذكرناه الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل كتابٍ، بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده، فرحمه الله وأكرم مثواه". يقول الحافظ ابن كثير: "ولكن يعوزه شيء لا بد منه، وهو أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب، أو تكون أسماء الصحابة" لا بد أن يرتب، كما اقترح الحافظ ابن كثير، إما على الأبواب، أو على مسانيد الصحابة، والآن الفهارس المتنوعة تخدم الكتاب، هناك فهارس على المسانيد، وفهارس على ألفاظ المتون، وفهارس على الأبواب، وكلها تخدم الكتاب، فهذا الأعواز أمره سهل تؤديه هذه الفهارس. يقول: "فإنه مبدد جداً، لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة" وقد يكون من مقاصد الإمام توعير الحصول على الفائدة من كتابه، كما فعل ابن حبان، يذكر عنه أنه رتب كتابه على الأنواع والتقاسيم ...

شرح اختصار علوم الحديث (7)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (7) شرح: النوع التاسع عشر: المضطرب، والنوع العشرون: معرفة المدرج، والنوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع، والنوع الثاني والعشرون: المقلوب. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير أنه رتب كتابه على الأنواع والتقاسيم من أجل ألا يحصل الطالب ويقف على الحديث بسرعة فيترك الكتاب، إذا أراد الحديث يقرأ الكتاب كامل، كم من فائدة تمر عليه في قراءة الكتاب كامل؟ ونحن نقول: لا، لا بد من فهارس، ولا بد من حواسب بضغطة زر تحصل على كل ما تريد، فيما يتعلق بالحديث وبرواته، لكن ماذا ندرك؟ العلم صعب يحتاج إلى معاناة، ولذا رتب عليه هذا الأجر العظيم، ونباهة الذكر في الدنيا والآخرة. شرح: النوع التاسع عشر: المضطرب: النوع التاسع عشر: المضطرب، وهو أن يختلف الرواة فيه على شيخ بعينه, أو من وجوه أخر متعادلة لا يترجح بعضها على بعض، وقد يكون تارة في الإسناد, وقد يكون في المتن، وله أمثلة كثيرة، يطول ذكرها والله أعلم. المضطرب: اسم فاعل من الاضطراب، وهو اختلال الأمر، وفساد نظامه، وأما تعريفه في الاصطلاح: فهو الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، حديث واحد، لكنه يروى على أكثر من وجه، وأن تكون هذه الأوجه مختلفة لا متفقة، وأن يكون هذا الاختلاف بالتساوي، فلا يمكن ترجيح بعض الوجوه على بعض؛ لأنه إذا أمكن ترجيح بعض الأوجه على بعض انتفى الاضطراب، عمل بالراجح وترك المرجوح، وانتفى الاضطراب.

يقول الحافظ -رحمه الله-: "وهو أن يختلف الرواة فيه على شيخٍ بعينه أو من وجوه أخر متعادلة، لا يترجح بعضها على بعض، وقد يكون تارة في الإسناد، وتارة يكون في المتن " حديث: ((شيبتني هود وأخواتها)) مثلوا به للمضطرب، روي من أوجه كثيرة، فروي من مسند أبي بكر، وروي من مسند عائشة، المقصود أنه روي على أوجه أكثر من عشرة، وهذه العشرة مختلفة، مع أنه لا يمكن الترجيح بينها عند من مثل به، وإن كان الحافظ ابن حجر تمكن من ترجيح بعض هذه الوجوه على بعض، فانتفى الاضطراب، ((شيبتني هود وأخواتها)) فله طرق، منهم من يجعله من مسند عائشة، ومنهم من يجعله من مسند أبي بكر، ومنهم من يجعله من مسند سعد، ومنهم ومنهم .. إلى آخره.

وعلى كل حال السورة مظنة لذلك، لمن ألقى السمع، وقرأ بتدبر، وقرأ القرآن كما أمر، والقرآن كله كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- من قرأه على الوجه المأمور به أورثه من الإيمان والعلم ما لا يدركه من لم يفعل مثل فعله، ما يمكن أن يدرك العلم إلا بهذه الطريقة، ونحن مع الأسف من يقرأ القرآن منا يقرأه على وجهٍ لا يدري كيف قرأ؟ بحيث لو تحرك عنده شيء ما يدري أين وقف؟ وهذا الواقع، نعم أثر عن السلف أنهم يقرؤون القرآن كثيرٌ منهم في سبع، وبعضهم في ثلاث، ووجد من يقرأ القرآن في يوم، لكن قد يُقرأ القرآن في يوم لكن مع حضور القلب والتدبر، ومع المران يُدرك ذلك، أما حديث: ((لن يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) فهذا في عموم الناس الذين تلهيهم الأعمال، وتشغلهم عن قراءة القرآن، لكن من جلس واعتنى بالقرآن، وجلس ليقرأ القرآن الوقت الطويل كل وقته في قراءة القرآن، فالمسألة وقت، إذا افترضنا أن الشخص يقرأ القرآن في سبع وخصص كل يوم ساعة، ما الفرق بينه وبين الذي يقرأ القرآن في يوم يخصص سبع ساعات؟ ما في فرق، صح عن عثمان أنه يقرأ القرآن في ليلة، صح عن الشافعي كذلك وأبو حنيفة، ولا ينكر ذلك إلا من لم يدرك حقيقة هذا الأمر بالفعل، ولا شك أن القرآن في بداية الأمر يحتاج إلى معاناة يحتاج إلى شيء من التعب، يحتاج إلى مجاوزة امتحان، وأعرف شخص اعتكف ليقرأ القرآن في يوم فجلس يوم وليلة ما استطاع أن يقرأ إلا عشرين، ثم اعتكف بعد سنوات فقرأه في يوم وهو مرتاح، والآن يقرأ القرآن في يوم بدون اعتكاف. والخلاف بين أهل العلم معروف في المفاضلة بين الهذ والترتيل، فالجمهور على أن الترتيل أفضل، والشافعي -رحمه الله- يرى أن كثرة الحروف مع الهذ أفضل، وليست المسألة مفترضة فيمن يقرأ جزء ترتيل أو هذ لا هذا لا يختلف فيه أحد، لكن المسألة مفترضة فيمن يجلس ساعة يقرأ جزئين أو أربعة؟ هذا محل الخلاف، وفي ترجمة واحد من أهل العلم كان يقرأ القرآن في ثلاث الدهر كله، وله ختمة تدبر مكث فيها عشرين سنة -رحمه الله-، يقول ابن القيم -رحمه الله-: فتدبر القرآن إن رمتَ الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ

شرح: النوع العشرون: معرفة المدرج:

القرآن فيه العجائب، لكن من يعتني بالقرآن وللأسف، كثيرٌ من طلبة العلم لا يعرفون القرآن إلا في رمضان، يعني إن تيسر له يحضر قبل الصلاة خمس دقائق، أو عشر دقائق فتح القرآن، وإلا إذا سلم خرج، لا، ليست هذه حالة من يريد الدار الآخرة، القرآن كلام الله، فضله على سائر الكلام كفضل الله. هو الكتاب الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ عهدنا شيوخنا وهم يقرؤون سورة هود لهم وضعٌ آخر، المساجد تمتلئ وهم لا يسمعون الصوت، بدون مكبرات، لكن يسمعون البكاء والتأثر، والله المستعان. على كل حال الحديث في هذا الباب يطول، فعلينا أن نعتني بكتاب الله، وأن نقرأه للتعلم والتدبر، إضافة إلى كسب الأجر العظيم، فلا يوجد في الوجود كلام متعبد بتلاوته فقط غير كلام الله -سبحانه وتعالى-، الحرف عشر حسنات، هذا الأقل عشر حسنات، يعني الختمة الواحدة ثلاثة ملايين حسنة، ثلاثة ملايين حسنة، يعني الذي يقرأ القرآن في سبع ما يكلفه شيء، يجلس بعد صلاة الصبح ساعة وينتهي الإشكال، حتى تطلع الشمس، ولا يحتاج إلى غيرها، لكن الحرمان ما له نهاية، الحرمان لا نهاية له، إذا جاء لائحة أو نظام من أنظمة البشر تجد مدير الدائرة والوكلاء ورؤساء الأقسام وغيرهم يحتجبون عن الناس حتى يقرؤوا هذه اللائحة بفهم وتدبر، ويش تحتمل؟ إلى أن تأتي اللوائح التفسيرية، ما هم بصابرين، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [(24) سورة محمد] والله المستعان. فسورة هود ابن حجر -رحمه الله- رجح بعض الطرق على بعض، وانتفى الاضطراب، يعني الحديث وإن كان أكثرهم يمثل بهذا الحديث، ابن الصلاح ومن تبعه مثلوا بحديث الخط في السترة، مثلوا به للمضطرب، والحافظ في البلوغ يقول: "ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديثٌ حسن" وذلكم لأنه رجح بعض هذه الطرق على بعض، وعلى كل حال أمثلة المضطرب كثيرة، مدونة في كتب علوم الحديث. شرح: النوع العشرون: معرفة المدرج:

النوع العشرون: معرفة المدرج، وهو أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي, فيحسبها من يسمعها مرفوعة في الحديث فيرويها كذلك، وقد وقع من ذلك كثير في الصحاح والحسان والمسانيد وغيرها، وقد يقع الإدراج في الإسناد، ولذلك أمثلة كثيرة، وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب في ذلك كتاباً حافلاً سماه: "فصل الوصل لما أدرج في النقل" وهو مفيد جداً. المدرج: اسم مفعول من الإدراج، تقول: أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فيه، أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فيه، وضمنته إياه، كما يقال: أدرج فلان في أكفانه إذا أدخل فيها. وفي الاصطلاح: هو ما غُير إسناده، أو سياق إسناده، أو أدخل في متنه كلاماً ليس منه، ما غير سياق إسناده، أو أدخل في متنه كلاماً ليس منه، عرفه -رحمه الله- بأن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي فيحسبها من يسمعها مرفوعة من الحديث، وذلكم لأن الذي يزيد هذه اللفظة أو هذه الجملة التفسيرية لا يشير إلى أنه زادها، لا يشير إلى أنه زادها، وحينئذٍ يقع اللبس، وغالب ما يقع من ذلك ما هو من تفسير الراوي من الصحابة فمن دونهم، كما في حديث بدئ الوحي: "فيتحنث -وهو التعبد-" تفسير التحنث بالتعبد مزيد، مدرج. والزهري -رحمه الله- له من هذا النوع نصيب، يدرج -رحمه الله- من أجل التوضيح، فيأتي من يأتي بعده ويظن أن هذا من الخبر، أبو هريرة في حديث الإسباغ: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتجيله فليفعل" وكما قال ابن القيم -رحمه الله- أن هذا من كيسه، في النونية نص عليه، وإن كان الخلاف جارٍ، وبعض الروايات تدل على أنه ليس بمدرج، لكن الأكثر على أن مثل هذا مدرج.

شرح: النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع:

والإدراج يقع في أول الحديث، وفي أثنائه، وفي آخره، وهو أكثر، وقد يقع في الأحاديث الصحيحة، بل في الصحيحين منه أمثلة، والحسان في السنن والمسانيد وغيرها، وقد يقع الإدراج في الإسناد، وله صور كثيرة تدرك من شرح النخبة، وقد فصل الكلام في ذلك الحافظ -رحمه الله- فيؤخذ من هناك، الحافظ الخطيب أبو بكر البغدادي صنف في ذلك كتاباً حافلاً سماه: (فصل الوصل لما أدرج في النقل) وهو مفيدٌ جداً، لا يستغني طالب الحديث عن مؤلفات الخطيب بحال، مهما قيل ما قيل فيه، وأنه تأثر بالمتكلمين، ما من نوع من أنواع علوم الحديث إلا صنف فيه مصنف، وما من مؤلف من مؤلف هذا العلم إلا وقد اعتمد على كتب الخطيب، ثم يأتي من يأتي ويقول: إن الخطيب تأثر بالمتكلمين، ونريد أن ننقي وننظف هذا العلم من الكلام وأهله، الحق يقبل ممن جاء به، الحق يقبل ممن جاء به، والخطيب من أئمة هذا الشأن، إمامٌ حافظ مسند، وإن تأثر أو وقع في كلامه شيئاً من ذلك. الإدراج إن كان من أجل التفسير والتوضيح فقد تسامح العلماء في حكمه، وأما إن كان لغير هذا مما يوقع اللبس عند السامع فتعمده حرام عند أهل العلم، والله المستعان. شرح: النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع: النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع، وعلى ذلك شواهد كثيرة: منها إقرار وضعه على نفسه قالاً أو حالاً, ومن ذلك ركاكة ألفاظه, وفساد معناه, أو مجازفة فاحشة, أو مخالفة لما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة فلا تجوز روايته لأحد من الناس إلا على سبيل القدح فيه, ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع.

والواضعون أقسام كثيرة: منهم زنادقة، ومنهم متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعاً, يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب وفي فضائل الأعمال وليعمل بها، وهؤلاء طائفة من الكرامية وغيرهم، وهم من أشر ما فعل هذا لما يحصل بضررهم من الغرة على كثيرٍ ممن يعتقد صلاحهم، فيظن صدقهم، وهم شرٌ من كل كذاب في هذا الباب، وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك، وسطروه عليهم في زبرهم عاراً على واضع ذلك في الدنيا، وناراً وشناراً في الآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وهذا متواترٌ عنه، قال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليه، إنما كذبنا له، وهذا من كمال جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة فجورهم وافترائهم، فإنه -عليه السلام- لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره، وقد صنف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات، غير أنه أدخل فيه ما ليس منه، وخرج عنه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه، ولم يهتدِ إليه، وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية، وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلاً، أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية، وقد حاول بعضهم الرد عليه بأنه قد ورد في الحديث أنه -عليه السلام- قال: ((سيكذب علي)) فإن كان هذا الخبر صحيحاً فسيقع الكذب عليه لا محالة، وإن كان كذباً فقد حصل المقصود، فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن إذ قد بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذكر، وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفظاهم الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح، ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات خشية أن تروج عليهم أو على أحدٍ من الناس -رحمهم الله ورضي عنهم-.

النوع الحادي والعشرون: الموضوع، وذكره وإضافته إلى أنواع الأحاديث كما قال الخطابي: "شر الأحاديث الموضوع" ثم تتابع أهل العلم على ذلك، إما لأنه يدخل في عموم ما يتحدث به، أو على حدِ زعم واضعه، واضعه يزعم أنه حديث، وإلا ليس هو من السنة بقبيلٍ ولا دبير، المختلق المصنوع المكذوب المنسوب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوراً وبهتاناً لا تجوز روايته إلا على جهة التحذير منه، ولا يجوز إلقاؤه بين عامة الناس، كما يفعله بعض القصاص والوعاظ إلا مقروناً ببيان درجته، وإذا كان الأمر في السابق يكتفى فيه بذكر السند، ثم اكتفوا بقولهم: هذا حديثٌ موضوع أو باطل أو لا أصل له، فإنه في هذه الأزمان لا يكفي حتى يقال باللفظ المعروف أنه مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا خفي معنى الموضوع على بعض من ينتسب إلى العلم، فلأن يخفى على العامة من باب أولى، فالحافظ العراقي -رحمه الله- حكم على حديث بأنه باطل مكذوب لا أصل له، فقال له شخص ينتسب إلى العلم من العجم: كيف تقول هذا مكذوب وهو مروي في كتب السنة بالأسانيد؟ فأحضره من كتاب الموضوعات لابن الجوزي بسنده، فتعجب من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، وحينئذٍ لا يكفي في الوقت الحاضر أن يقال على المنبر: هذا حديثٌ موضوع، أو يتحدث إلى عامة الناس ويأتي بحديث قد تشربه قلوبهم، ثم يقول: موضوع، إيش معنى موضوع؟ ما يفهمون، لا بد أن يبين البيان الذي تبرأ به الذمة. الموضوعات عليها دلائل، والواضعون أقسام وأصناف، وأهدافهم مختلفة، يقول: "على ذلك شواهد كثيرة" يعني مما يستدل به على وضع الحديث:

"إقرار واضعه على نفسه قالاً أو حالاً"، يعني بلسان المقال أو بلسان الحال، بأن يعترف بأنه وضع هذا الحديث، وقد اعترف كثيرٌ من الوضاعين بأنهم وضعوا أحاديث، لا سيما من تاب منهم، وضعوا أحاديث روجوها إما لإفساد الدين على أهله، أو حسبة كما يزعم بعضهم، "إقرار واضعه على نفسه" الرجل كذاب فكيف يقبل إقراره؟ ابن دقيق العيد ينازع يقول: كيف نقبل إقرار هذا الواضع وهو كذاب؟ نعم، إذا لم يأتِ الحديث إلا من طريقه نقبل إقراره، واعترافه على نفسه بالكذب يجرحه، ويجعلنا لا نقبل. . . . . . . . .، لكن لو قدر أنه أقر بأنه وضع حديثاً وهو مرويٌ من طرق أخرى لا عبرة بإقراره، لا سيما وأنه قد يعترف بوضع حديث، يأتي إلى حديثٍ يستدل به خصمه إما مخالفه في المعتقد أو في المذهب فيقول: هو الذي وضع هذا الخبر، يعترف على نفسه بأنه وضع الخبر، نقول: لا، إقرارك مردودٌ عليك، نعم أنت كذاب، وجميع ما ترويه ساقط، لكن يبقى أن هذا الحديث مروي من طرق أخرى بدونك؛ لأنه قد يعترف بأنه وضع الخبر لإبطال حجة الخصم، "قالاً" يعني بلفظه يقول ذلك "أو حالاً" بأن يذكر أنه روى هذا الحديث، فيقال له: من أين لك هذا الحديث؟ فيذكر أنه رواه عن شخصٍ نعرف أنه مات قبل ولادته، نعرف أنه كذاب ما روى هذا الحديث. ومن ذلك: ركاكة ألفاظه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- في ذروة الفصاحة والبلاغة، فإذا جاءنا لفظٌ ركيك وزعم لنا راويه أنه رواه باللفظ ما رواه بالمعنى نقول: أبداً الرسول ما يقول مثل هذا الكلام، لكن إذا كان الخبر مروياً بالمعنى، والرواية بالمعنى جائزة عند جمهور العلماء بشروطها قد تقصر عبارة الراوي، وقد تعوزه، يعوزه الموقف إلى عبارة تكون أقل من مستوى عبارته -عليه الصلاة والسلام-. وفساد معناه: قد يكون معناه فاسد، ومخالف لما ثبت بالكتاب ((من أحسن ظنه بحجرٍ نفعه)) مخالف لجميع آيات التوحيد في القرآن.

مجازفة فاحشة: على عملٍ يسير جداً أجر كبير، فنحكم مباشرةً بسبب هذه المجازفة بأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يقول مثل هذا، إذا لم نقف على إسناده، ولم يوجد في دواوين الإسلام المعتبرة، لكن إذا وجد له إسناد يصح في دواوين الإسلام وجدت المجازفة حسبما يتصوره السامع، وإلا فضل الله لا يحد، ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) في الصحيحين، سبحان الله وبحمده مائة مرة في دقيقة ونصف، ما تصل إلى دقيقتين، نقول: هذه مجازفة؟ لا، فكلامهم هذا فيما إذا لم نقف له على إسناد فنحكم عليه، أما إذا وجدناه مروياً بالإسناد في دواوين الإسلام، ووجدنا الإسناد صحيح إيش المانع؟ فضل الله -سبحانه وتعالى-، عمر الإنسان كله ستين سبعين سنة يعمل هذه العبادات التي أمر بها، ويترك هذه المحرمات، وقد يزاول بعضها ثم يتوب ستين سنة، ويش الجزاء؟ الجزاء جنات عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إذا أردنا أن نطلق المجازفة هذه المجازفة، لكن هذه ثابتة في الكتاب والسنة ماذا تقول؟ فليس الكلام هذا على إطلاقه، ونسمع كثيراً ممن يتصدى لإجابة الناس يقول حديث: ((من صلى الصبح في جماعة، وجلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين فله أجر حجة تامة)) يقول: هذه مجازفة، تكفي هذه. . . . . . . . .، ما هو بصحيح، جرب وشوف، خلي واحد يجلس إلى أن تطلع الشمس أثقل من جبل، لكن تمر وتضرب البوري تقول: يالله. . . . . . . . . مشينا. . . . . . . . .، فالأمر ليس بالسهل على النفوس، هذه ليست مجازفة، نعم الخبر بجميع طرقه ما يسلم من مقال، لكن بمجموعها لا يقل عن درجة الحسن، وفضل الله واسع، فضل الله واسع، هل تعلمون أن من الناس من تجري حسناته مئات السنين؟ بسبب إيش؟ سن سنة حسنة، لو تصورنا أنه في القرن الثاني الآن له ألف وثلاثمائة سنة تجري حسناته، فضل الله واسع، له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، فليس هذا من باب المجازفة، ولا نأخذ هذا الكلام على إطلاقه، نعم هو قرينة، فإذا لم نقف في الخبر على إسناد نقول: هذه مجازفة، ولكن فضل الله لا يحد، الذنوب والمعاصي

وإن كانت مثل زبد البحر تحط عن الشخص بسبب إيش؟ سبحان الله وبحمده مائة مرة في دقيقة ونصف، والله المستعان. يقول: "فلا تجوز روايته لأحدٍ من الناس إلا على سبيل القدح فيه ليحذره من يغتر به من الجهلة والعوام والرعاع" لا سيما وأن الوضاعين تفننوا في العبارات، وهولوا بعض الأمور فقبل الناس منهم هذه الموضوعات، وأولعوا بها. والواضعون أقسام: منهم زنادقة يريدون إفساد الدين على أهله، وهؤلاء أمرهم واضح ومكشوف، لكن الإشكال فيمن بعدهم، ولذا هم شرُّ أصناف الوضاعين، قومٌ متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب، في فضائل الأعمال ليعمل بها، حسبة، فالناس لثقتهم بهم، الناس عموماً يثقون فيمن يميل إلى العبادة عموماً، عموم الناس يثقون به، وهو أهلٌ للثقة إذا كان على الجادة، فهؤلاء المتعبدون وضعوا أحاديث في فضائل القرآن؛ لأنهم رأوا الناس انصرفوا إلى فقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق وتركوا كتاب الله، فوضعوا في فضائل السور سورة سورة، فلمكانتهم وعبادتهم وثق الناس بموضوعاتهم وتداولوها، ومن المؤسف جداً أن يتداولها بعض المفسرين، نقلوها، الواحدي، البيضاوي، والزمخشري ذكروا هذه الأحاديث، في نهاية كل سورة يذكرون فضل هذه السورة من هذا الخبر الموضوع الطويل في فضائل السور، ولا شك أنهم أخطئوا في هذا، ويزداد الخطأ حينما تذكر هذه الأحاديث ويبرر لها، كما صنع -صاحب فتح البيان- صاحب (روح البيان) فتح البيان غير، روح البيان لإسماعيل حقي البروسوي، له تفسير كبير اسمه: (روح البيان)، أما (فتح البيان) لصديق غير، كتاب طيب، وتفسيرٍ نظيف في الجملة، لكن روح البيان لإسماعيل حقي، تفسير صوفي، فيه ألفاظ بغير العربية، وفيه ذكر هذه الأحاديث، وقد برر لذكره إياها، يقول: إن صحت بها ونعمت، وإن لم تثبت فقد قال القائل: إنا لم نكذب عليه، فلم نقع في الوعيد الذي ذكره في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً)) هم ما كذبوا عليه، لكل قومٍ وارث، هذا القول قيل به من قبل.

"وهؤلاء الطائفة من الكرامية وغيرهم، وهم من أشر ما فعل هذا" أو من فعل هذا، الأصل من فعل هذا، "لما يحصل بضررهم من الغرر على كثيرٍ ممن يعتقد صلاحهم، فيظن صدقهم، وهم شرٌ من كل كذاب في هذا الباب"، نعم لركون الناس إلى روايتهم، ثقة الناس بهم "وقد انتقد الأئمة كل شيء فعلوه من ذلك، وسطروه عليه في زبرهم عاراً على واضع ذلك في الدنيا، وناراً وشناراً في الآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وهذا متواتر"، وهذا مما تواتر لفظه ومعناه، وهو من طرق، ومن جمع غفير من الصحابة. مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتاً واحتسب وأهل العلم قاطبة يحكمون عليه بالتواتر، وهو مقطوعٌ بالنسبة إليه -عليه الصلاة والسلام-، ومثل به شيخ الإسلام للمتواتر اللفظي في منهاج السنة، ومثل بفضائل أبي بكر وعمر للمتواتر المعنوي، وتحدث عن الآحاد في مواطن، وذكر أنها تفيد العلم بالقرائن، وأكرر هذا الكلام؛ لأنه يتردد كثيراً أن تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد من صنع المتكلمين، ولا ينبغي أن يعتمد، ولا يؤخذ به، فالله المستعان.

"قال بعض هؤلاء الجهلة: نحن ما كذبنا عليه، وإنما كذبنا له، وهذا من كمال جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة فجورهم وافترائهم، فإنه -عليه السلام- لا يحتاج في كمال شريعته وفضلها إلى غيره" يعني الدين صفائه ونقائه ووضوحه ليس بحاجة إلى ترويج، الدين في المشرق والمغرب في الغالب انتشر من غير الجهاد، نعم أدخل الناس، وأرغموا على الدخول في دين الله، لكن كثيرٌ منهم دخل من غير جهاد، ولولا أولئك الأشرار الذين يصدون عن دين الله ما يتصور بعد أن جرب الناس وعانوا من الانحلال والخواء الفكري الذي يعيشه الناس الذي أدى إلى عددٍ كبير منهم إلى الانتحار، لو يعرض الإسلام عرض صحيح، ويطبق تطبيق صحيح في واقع الناس ما بقي على الأرض -والله أعلم- شخص لا يدخل في دين الله، وقد وجد من يدخل في دين الله من غير دعوة، الآن من غير دعوة، يبحثون عن المسلمين يعلنون إسلامهم، وقد جاء شخص إلى مكتب من مكاتب الدعوة في الهند وأعلن إسلامه، وقال: هو مسلم، ما السبب؟ وهو هندوسي، السبب في ذلك قال: إنه ذهب ليحرق أمه فأشعل النار فأكلت النار الكفن، وبقت الأم عارية أمام الناس، ما مستها النار، فبادر بجمع حطبٍ كثير فأحرقها تبعاً لديانتهم المعتقدة، لكن يرى أمه أمام الناس عارية، ويرى المسلمين ماذا يصنعون بموتاهم؟ يعني في حال الموت مؤثر فضلاً عن حال الحياة، فالإسلام ليس بحاجة إلى ترويج، ينشر الإسلام الصحيح فيسلم الناس، الإسلام دين العدل، دين الإنصاف، والله المستعان.

"وقد صنف الشيخ أبو الفرج بن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات غير أنه أدخل فيه ما ليس منه، وخرج منه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه، ولم يهتدِ إليه" ابن الجوزي صنف كتاب الموضوعات وهو كتابٌ حافل، لكنه أدخل فيه ما لا يصل إلى حد الوضع، بل فيه الضعيف الكثير، وفيه الحسن، ويوجد الصحيح وإن كان قليلاً، بل فيه ما هو في صحيح مسلم، وفيه حديث ذُكر أنه في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر، يعني ما هو. . . . . . . . . الروايات المشهورة، لكن في رواية حماد بن شاكر، والذي أوقعه في ذلك أنه يحكم على الحديث بمجرد ما يوجد في سنده مَن اتهم بالكذب أو كذاب، فيحكم على الحديث بأنه موضوع وإن كانت له أسانيد أخرى، وأما الضعيف فهو كثيرٌ جداً، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وأكثر الجامع فيه إذ خرج ... لمطلق الضعف عنى أبا الفرج استدرك عليه أحاديث ينبغي أن تذكر في الموضوعات، فاستدرك السيوطي في اللآلئ وذيل اللآلئ، ومن جاء بعدهم كصاحب تنزيه الشريعة وصاحب الفوائد المجموعة، وغيرها من الكتب في الموضوعات. "وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية" يقول: ما يمكن يكون الحديث موضوع، هذا لا عناية له بعلم الحديث، فقال: إنه لا يوجد حديث موضوع، لا يمكن أن يتصور مسلم يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسنة من الوحي، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] والوحي محفوظ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] ما يمكن أن يكذب عليه -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: "وقد حكي عن بعض المتكلمين إنكار وقوع الوضع بالكلية، وهذا القائل إما أنه لا وجود له أصلاً -هذا كلام ابن كثير- أو أنه في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعية، وقد حاول بعضهم الرد عليه بأنه قد ورد في الحديث أنه -عليه السلام- قال: ((سيكذب علي)) فإن كان هذا الخبر صحيحاً فسيقع الكذب عليه لا محالة، وإن كان كذباً -فهو رد عملي-، ... حصل المقصود"، يقول ابن كثير: "فأجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه إلى الآن" يعني إلى أن قال هذا المتكلم ما قال، فهو نفى وجود الكذب إلى عصره، وقوله: ((سيكذب علي)) ما يلزم .... من الآن، في هذه السنة أو التي قبلها، أو في هذا العصر أو في الزمن الذي قبله، إلى وجوده ما وجد، "إذ بقي إلى يوم القيامة أزمانٌ يمكن أن يقع فيها ما ذكر". على كل حال الحديث يصلح للرد، وإن قال الحافظ ابن كثير: "وهذا القول والاستدلال عليه والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث وحفاظهم، الذين كانوا يتضلعون من حفظ الصحاح، ويحفظون أمثالها وأضعافها من المكذوبات خشية أن تروج عليهم، أو على أحدٍ من الناس -رحمهم الله ورضي عنهم-". شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في المنهاج، في مناهج السنة في الجزء السابع صفحة (61) يقول: "نحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقاً وكذباً، وقد روي عنه أنه قال: ((سيكذب علي)) فإن كان هذا الحديث صدقاً فلا بد أن يكذب عليه، وإن كان كذباً فقد كذب عليه"، هذا كلام الشيخ -رحمه الله-، وكلام ابن كثير ما سمعتم. الشيخ في المنهاج في الجزء السابع صفحة (61) يقول: "نحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقاً وكذباً، وقد روي عنه أنه قال: ((سيكذب علي)) فإن كان هذا الحديث صدقاً فلا بد أن يكذب عليه، وإن كان كذباً فقد كذب عليه"، الرد حاصل حاصل على الوجهين. يمدينا نأخذ المقلوب، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه لا هو طويل المقلوب، وفيه ما فيه، معرفة من تقبل روايته نقف عليه، نأخذ المقلوب؟ ها يا أحمد؟ إيه نأخذ المقلوب، لا بأس، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

إيش فيه؟ نعم من يتعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- على خطرٍ عظيم، مرتكب كبيرة، موبقة من عظائم الأمور، متوعد بالنار، فليتبوأ مقعده من النار، لكنه لا يكفر عند جماهير العلماء، وإن قال أبو محمد الجويني -والد إمام الحرمين- بأنه يكفر، ونقل الحافظ الذهبي عن ابن الجوزي أنه إن كذب في تحليل حرام أو تحريم حلال أنه يكفر، على كل حال هو على خطرٍ عظيم، ومن كذب مرةً واحدة ردت أخباره كلها، وسقط الاحتجاج به، ولبث العار في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية، والخلاف عند أهل العلم على ما سيأتي في قبول توبته، والخلاف في قبول توبته، وليس معنى هذا أنه إذا تاب التوبة النصوح بشروطها أنه يتحتم عذابه في الآخرة، لا، هذا بينه وبين ربه، لكن معاملته في الدنيا إذا تاب هل يقبل خبره أو لا يقبل؟ نظيره من تاب من القذف {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} حكمهم الجلد ثمانين جلدة {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور]، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فالاستثناء إذا تعقب جمل يعود إليها كلها أو إلى الأخيرة منها؟ مسألة خلافية عند أهل العلم، تأتي الإشارة إليها -إن شاء الله تعالى- في حكم توبة الكذاب، وفي قبولها، وخلاف أهل العلم في قبول توبته، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . والله ما أدري، أنا أشوف المقلوب إن كان أسعف وإلا .. ، لأن نريد أن نقف على معرفة من تقبل روايته ومن ترد، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه ما يخالف إذا في وقت ... ، تدري العفش في السيارة، نعم هات، نعم يا أحمد. شرح: النوع الثاني والعشرون: المقلوب:

النوع الثاني والعشرون: المقلوب، وقد يكون في الإسناد كله أو بعضه، فالأول كما ركب مهرة محدثي بغداد للبخاري حين قدم عليهم إسناد هذا الحديث على متن حديثٍ آخر, وركبوا متن هذا الحديث على إسناد آخر, وقلبوا مثاله ما هو من حديث سالم عن نافع، وما هو من حديث نافع عن سالم، وهو من القبيل الثاني، وصنعوا ذلك في نحو مائة حديث أو أزيد, فلما قرءوها عليه رد كل حديث إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه, ولم يرج عليه موضع واحد مما قلبوه وركبوه, فعظم عندهم جداً، وعرفوا منزلته من هذا الشأن فرحمه الله، وأدخله الجنان. وقد نبه الشيخ أبو عمرو هاهنا على أنه لا يلزم من الحكم بضعف سند الحديث المعين الحكم بضعفه في نفسه; إذ قد يكون له إسناد آخر, إلا أن ينص إمام على أنه لا يروى إلا من هذا الوجه. قلتُ: يكفي في المناظرة تضعيف الطريق التي أداها المناظر وينقطع، إذ الأصل عدم ما سواها حتى يثبت بطريقٍ أخرى، والله أعلم، قال: ويجوز رواية ما عدا الموضوع في باب الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ ونحو ذلك إلا في صفات الله -عز وجل-، وفي باب الحلال والحرام، قال: وممن يرخص في رواية الضعيف فيما ذكرناه ابن مهديٍ وأحمد بن حنبل -رحمهم الله تعالى-. قال: وإذا عزوته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير إسناد فلا تقل: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، وما أشبه ذلك من الألفاظ الجازمة، بل بصيغة التمريض، وكذا فيما يشك في صحته أيضاً. يقول -رحمه الله-: المقلوب: هو اسم مفعول من القلب، وهو تحويل الشيء عن وجهه، تقول: قلبت الرداء إذا حولته، وجعلت أعلاه أسفله، وكلامٌ مقلوب أي مصروفٌ عن وجهه، فالمقلوب هو المصروف عن وجهه. وعرف في الاصطلاح: بأنه الحديث الذي أبدل في سنده أو في متنه لفظٌ بآخر بتقديم أو تأخير ونحوه عمداً أو سهواً. والقلب قد يكون في الإسناد كله أو في بعضه، كعب بن مرة يجعل مرة بن كعب، نصر بن علي يجعل علي بن نصر، هذا في بعضه، قد يقلب الإسناد كله فيجعل رواة بدل رواة، الحديث عن نافع يجعل عن سالم وهكذا، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

تعريف اصطلاحي؟ نعم هو الحديث الذي أبدل في سنده أو في متنه لفظ بآخر، هو الحديث الذي أبدل في سنده أو في متنه لفظ بآخر بتقديم أو تأخير ونحوه عمداً أو سهواً.

قد يكون القلب في الإسناد، وقد يكون في المتن، فالأول -القلب في الإسناد- مثل له بقصة البخاري مع محدثي بغداد، البخاري -رحمه الله- اشتهر أمره، وذاع صيته قبل دخول بغداد، فلما أراد دخول بغداد اجتمعوا فأرادوا أن يبينوا منزلة هذا الإمام، وأن يعرفوا مقدار علمه، فركب هؤلاء إسناد بعض الأحاديث على المتون الأخرى وعكسوا، فجعلوا إسناد هذا الحديث على متنٍ آخر، وركبوا متن هذا الحديث على إسنادٍ آخر، وقلبوا عليه ما هو حديث سالم عن نافع، وما من حديث نافع عن سالم، وصنعوا ذلك في نحو مائة حديث أو أزيد، ووزعوها على عشرة أشخاص، كل واحد عشرة أحاديث، فألقى الأول العشرة التي معه كل ذلك ساكت، ثم الثاني، ثم الثالث وهو ساكت -رحمه الله-، إلى أن تم العاشر، فالجهال قالوا: عجز الرجل وبان عجزه، وظهر ضعفه، أما الفهماء قالوا: فهم الرجل، ما بادر، استعجل، لما انتهوا التفت إلى الأول قال: حديثك الأول قلت: كذا، وصوابه كذا، والثاني قلت: كذا، وصوابه كذا إلى ثمانمائة حديث، فاعترف الناس بفضله، وهذه القصة مروية عند الخطيب البغدادي في التاريخ، الحافظ ابن كثير البداية والنهاية، وهدي الساري للحافظ ابن حجر، كتب المصطلح كلها، وهي مروية أيضاً عند ابن عدي في جزءٍ له في شيوخ البخاري، ويرويها ابن عدي عن جمعٍ من شيوخه لم يسمهم، فالذين طعنوا في مثل هذه القصة قالوا: إن شيوخ ابن عدي مجهولون، والذين صححوها وأثبتوها قالوا: وإن كانوا مجهولين إلا أنهم جمع يجبر بعضهم بعض، والقلب للامتحان قد يحصل، ويجوز فعله على أن لا يستمر، يختبر الشيخ تلميذه، فيقلب عليه إسناد، ثم في الحال إن أجاب الطالب وإلا قال الشيخ: الصواب كذا؛ لئلا ينقل عنه على الخطأ، فاستعماله من أجل امتحان الطالب لا بأس به، وهذه طريقة مسلوكة، أحياناً يسكلها من يختبر الطلاب بطريقة الصح والخطأ، لكن على أن لا يتفرق الناس ويروها عن الشيخ على الخطأ، لا بد من البيان، وعلى كل حال هذه القصة لا مانع من إثباتها باعتبار أن شيوخ ابن عدي جمع يجبر بعضهم بعضاً، واستفاضت على ألسنة العلماء، وتداولوها، والإمام أهلٌ لذلك، وقد قلب أحاديث على الدارقطني -رحمه الله- وامتحن فرده، وعلى الحافظ المزي،

وعلى جمع من أهل العلم، المقصود أن هذه طريقة مسلوكة، وليس في متنها ما يستغرب أبداً، وهي متداولة عند أهل العلم. مما قُلب من الأحاديث في متنه حديث في صحيح مسلم: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) وحديث وإن كان عاد فيه نظر حديث: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) قالوا: إنه مقلوب، صوابه: ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) قيل بقلبه، أنه انقلب على الراوي، وإلا ويش (يبرك)؟ ينهى عن البروك كما يبرك البعير، ويضع يديه قبل ركبتيه؟ البعير يضع يديه قبل ركبتيه، فيكون أول الحديث يناقض آخره والعكس، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، فالحديث آخره يشهد لأوله، وليس فيه تناقض بين أوله وآخره بوجه، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني لا يلقي بنفسه على الأرض بقوة كما يفعل البعير؛ لأنه إذا قالوا: برك البعير، وحصحص البعير إذا فرق الحصى، وأثار الغبار يقال: برك، ولذا قال: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) يضع وضع، ما يرمي بنفسه على الأرض بقوة كما يفعل البعير، ولذا فرق بين أن تضع المصحف على الأرض، وأن تلقيه على الأرض، الأول يجوز، والثاني خطرٌ عظيم، فلا يبرك كما يبرك البعير، لا يرمي بنفسه على الأرض بقوة بحيث يفرق الحصى، ويثير الغبار والأتربة، كما يفعل البعير، ((وليضع)) يضع يديه قبل ركبتيه، فبمجرد الوضع ليس ببروك.

الحديث الذي في الصحيح -في صحيح مسلم- يعني المتفق عليه، ((حتى لا تعلم)) حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ((رجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه)) هذه رواية الأكثر، وهي في الصحيحين، وهي ماشية على الجادة؛ لأن الإنفاق إنما يكون باليمين، فرواية: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) هذا مما انقلب، مثل به للمقلوب، لكن لو قال قائل حمايةً للصحيح، وصيانةً له، يقول: إن هذا الرجل ينفق بكثرة، ومن كثرة إنفاقه يعطي أحياناً بيمينه، وأحياناً بشماله، وأحياناً بيديه كلتاهما، صيانة للصحيح لما بعد، وإن كان عاد فيه بعد، التأويل هذا فيه بعد، لكن لا شك أن للصحيحين منزلة، ولا نفترض ونتصور في الرواة أنهم معصومون في الخطأ، لا، لكن لو قيل بهذا حينئذٍ لا بأس -إن شاء الله تعالى-، وإن مثلوا به للمقلوب. هنا نبه ابن الصلاح على أمور وهي: أنه لا يلزم من الحكم بضعف سند الحديث المعين الحكم بضعفه في نفسه، إذ قد يكون له إسناد آخر، يعني الحكم على سند خاص بأنه ضعيف لا يعني الحكم على المتن، إذ قد يثبت المتن بطرق أخرى، اللهم إلا أن ينص إمام مطلع على أنه لا يروى إلا من هذا الوجه، فإذا كان الخبر لا يروى إلا من هذا الوجه، وهذا الوجه ضعيف جزمنا بأن المتن ضعيف، وإذا حكمنا على سند بأنه صحيح، السند صحيح هل يلزم من ذلك صحة المتن؟ لا، لأن قد يكون فيه علة أو شذوذ، إذ شروط الصحة منها ما يرجع إلى المتن، ومنها ما يتعلق بالإسناد، فقد يكون الإسناد صحيحاً لكن متن الحديث فيه مخالفة، وفيه علة خفية تقدح فيه، على كل حال لا تلازم بين الحكم على الإسناد والحكم على المتن، قد يضعف الإسناد ويصح المتن بطرقٍ أخرى والعكس.

يقول الحافظ ابن كثير: "يكفي في المناظرة تضعيف الطريق التي أبداها المناظر وينقطع، إذ الأصل عدم ما سواها حتى يثبت من طريقٍ أخرى" هذا كلام مستغرب من الحافظ ابن كثير -رحمه الله-، إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: إذا كان في مناظرة بين اثنين تناظرا في مسألة، فأبدى المناظر حجته بحديث، يقول: خصمه له أن يبطل الحجة بأن يقدح في سند هذا الخبر، يأتي بحديث يحتج به المناظر، فيقول: الحديث الذي أوردته في سنده فلان، لكن إذا كان هذا الخصم يعرف أن له طرق أخرى يثبت بها يصوغ له أن يقول مثل هذا الكلام؟ ((الدين النصيحة)) وعلى المسلم لا سيما من ينتسب إلى العلم أن ينشد الحق، سواءً كان على لسانه أو على لسان خصمه، فمثل هذا الكلام يستغرب من الحافظ ابن كثير -رحمه الله-. والقول الذي يدعمه الكتاب، وما صح من السنة هو مقصد الجميع، قد يقول قائل: إن الحافظ ابن كثير يرى أن مثل هذه المناظرات بين سني ومبتدع مثلاً، وجاء هذا المبتدع بما يؤيد بدعته من عمومات النصوص، وخفي عليه أضعاف ما جاء به، وما جاء به فيه ضعف، الشخص من الخوارج مثلاً فيأتي بحديث فيه وعيد، وله نظائر، وهو يريد أن يقطع حجة هذا الخصم المبتدع، والحق ثابت ما يخفى على أحد، لكن المسألة آنية، يريد أن يهدم حجة هذا المبتدع ويكتفي بذلك، فيقول: حديثك الذي أوردته فيه فلان، ويسكت عما يؤديه من الأحاديث الأخرى التي جاءت بمعنى هذا الحديث، وإن كانت محمولة عند أهل السنة على وجهٍ صحيح، يعني لو صارت مناظرة بين سني وشيعي، ثم جاء هذا الشيعي بما يبين فضل علي -رضي الله عنه- يعني في باب المناظرة جاء بحديث فيه ضعف، نقول: حديثك الذي أوردته ضعيف من أجل إسكات الخصم فقط، وإلا ففضائل علي ثابتة، لا يماري فيها أحد، لكن حينما يريد الخصم أن يتطاول على الشيخين على أبي بكر وعمر لا شك أن الحق لا بد أن يوضح ويبين.

على كل حال كلام ابن كثير -رحمه الله- فيه ما فيه؛ لأن الحق لا بد من بيانه سواءً جاء على لسان الموافق أو المخالف، وإمامه -الإمام الشافعي -رحمه الله- إمام الحافظ ابن كثير لأنه شافعي المذهب يقول: والله إنه لا يبالي أن يكون الحق على لسانه أو على لسان خصمه، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم المتجرد الذي ينشد الحق. يقول: "ويجوز رواية ما عدا الموضوع في باب الترغيب والترهيب، والقصص والمواعظ ونحو ذلك إلا في صفات الله -عز وجل-، وفي باب الحلال والحرام" الرواية شيء والعمل شيء، لكن عموم من كتب في علوم الحديث يرون العمل بالحديث الضعيف في باب الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ، ولا يرون ذلك في الأحكام من الحلال والحرام والعقائد، ورخصوا في ذلك ونقلت عنهم عبارات تدل على ذلك، بل نقل النووي الإجماع على العمل في الضعيف في الفضائل في مقدمة الأربعين، وفي الأذكار، وفي غيرها من كتبه، وفي شرح المهذب في مواضع نقل الإجماع، والنووي كما نعرف متساهل في نقل الإجماع، والمخالف موجود، وإذا وجد الخلاف بين المتقدمين في الحسن فلأن يوجد في الضعيف من باب أولى.

والفضائل إن كانت مما يترتب على فعله ثواب دون تركه فهي من الأحكام، هي من الأحكام؛ لأن من الأحكام الخمسة المندوب، وعين الفضائل من المندوبات، إذا رتبنا على فعلها الثواب ولم نرتب على تركها شيء فهي المستحبات، هذا حد المندوب، والمندوب حكم من الأحكام التكليفية الخمسة، ولذا نستطيع أن نجمل الخلاف في العمل بالضعيف نقول: بالنسبة للعقائد والحلال والحرام محل اتفاق أنه لا يجوز العمل بالضعيف، بالنسبة للفضائل والقصص والمواعظ والترغيب والترهيب، وما أشبه ذلك، والتفسير أيضاً ألحقوه بها والمغازي كلها جمهور العلماء على العمل بالضعيف في هذه الأبواب بشروط: أن يكون الضعف غير شديد، وأن يندرج الحكم تحت أصلٍ عام، وألا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط، وزاد بعضهم شروطاً أخرى وصلت إلى العشرة، ويصعب تطبيقها على الواقع، والمسألة مفصلة بشروطها، وذكر من قال بذلك من أهل العلم بالتفصيل، ذكر الأقوال والموازنة بينها في رسالة اسمها: الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به، مسألة الاحتجاج استغرقت أكثر من سبعين صفحة، على كل حال الوقت لا يسعف، ويكفينا أن نعرف أن مذهب الجمهور هو الاحتجاج بالضعيف في الفضائل، والترغيب والترهيب والقصص والمواعظ والمغازي والسير والتفسير وما أشبه ذلك، يبقى مسألة الحلال والحرام والعقائد يشترط لها الصحة والحسن على أقل تقدير ومنهم من يرى أنه يحتج بالضعيف أيضاً في الحلال والحرام أيضاً، وهذا قولٌ ضعيف عند أهل العلم، والمسألة مبسوطة بالتفصيل في الكتاب الذي أشرت إليه، وعلى كل حال المسألة طويلة الذيول، ولن تنحسم بكلامٍ يسير، فلا شك أن قول الجمهور -جمهور العلماء- له قيمته، وله وزنه، لكن إذا نظرنا إلى حججهم وما أدلوا به، وما احتج به لهم لا يسلم من أخذ ورد، ولذا كان المرجح عند صاحب الكتاب المذكور أنه لا يعمل بالضعيف مطلقاً؛ لأن الفضائل من الأحكام، وإذا قلنا: بأن الفضائل التي أمرها أيسر من تفسير كلام الله -سبحانه وتعالى- بحديثٍ يغلب على الظن عدم ثبوته، أو قراءة آية فإذا كانت الآية لا تثبت إلا بما تواتر عند بعضهم أو صح سنده عند قومٍ آخرين فلئلا تثبت بالضعيف من باب أولى.

ابن القيم -رحمه الله- يرى -وإن كان لا يرى العمل بالضعيف في الفضائل كشيخ الإسلام وقوله صريح في هذا- يرى أنه يمكن أن يرجح بين الأقوال بالضعيف، يعني إذا وجد قولان متعادلان من كل وجه، ووجدنا حديثٌ ضعيف يؤيد أحد القولين يمكن أن يرجح به، وهذا في تحفة المودود في أحكام المولود، حينما رجح بخبرٍ ضعيف المراد بـ .... ، على كل حال المسألة مبسوطة في الكتاب المذكور، وكلام ابن القيم في تحفة المودود ظاهر، لكن الآن نسيته. يقول: وإذا. . . . . . . . . ها؟ طالب:. . . . . . . . . أصحاب المذاهب يخفى عليهم درجة الحديث، درجة الخبر قد تخفى عليهم، ويتوارثون أحاديث في كتب متقدميهم لكونهم ليسوا من أهل الصناعة، فيستدلون بأحاديث ضعيفة، بل فيها ما هو شديد الضعف، وقد وجد في أدلتهم بعض الموضوع، يوجد عند بعض الفقهاء لبعدهم عن هذه الصناعة، وإن كان أئمتهم يشددون في هذا الباب. قال: "وإذا عزوته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير إسناد فلا تقل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، وما أشبه ذلك من الألفاظ الجازمة، بل بصيغة التمريض" يروى كذا، يذكر كذا عنه -عليه الصلاة والسلام-، "وكذا فيما يشك في صحته أيضاً" لا يجزم بنسبته إلى النبي فيقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما يقال: يذكر، يروى، وإن نبه على درجته فهو أولى؛ لأن الناس لا يدركون، إذا قلت: يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: افعلوا كذا، تعرف أنه خبر ضعيف؟ عند عامة الناس ما تبرأ ذمتك، حتى تقول: وهو حديثٌ ضعيف لا يثبت؛ لأن هذه الصيغة لا يميز بينها كثيرٌ من الناس، وإذا كان كثيرٌ من الفقهاء يجزم بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال كذا في خبرٍ ضعيف، ويغفلون عن هذا، تنبيه العوام على ذلك من باب أولى. والكلام ترون أنه أجمل إجمالاً لضيق الوقت، ولأن ورانا سفر بعد صلاة المغرب مباشرة، والأسئلة كثيرة، لكن في هذه الساعة المباركة، آخر ساعة من يوم الجمعة، وهي ساعة الإجابة عند جمع من أهل العلم، علينا أن ندعو بإخلاص وبصدق لجأ إلى الله -سبحانه وتعالى-، وبتقديم التوبة والندم على ما سلف، أن ندعو الله -جل وعلا- وأن نضرع إليه بأن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، ويرفع شأن هذه الأمة التي حل بها من المحن والمصائب والكوارث ما لا يخفى على أحد ...

شرح اختصار علوم الحديث (8)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (8) شرح: النوع الثالث والعشرون: "معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل" الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير ... وبيان الجرح والتعديل، المقبول الثقة الضابط لما يرويه، وهو المسلم العاقل البالغ, سالماً من أسباب الفسق، وخوارم المروءة, وأن يكون مع ذلك متيقظاً غير مغفل, حافظاً إن حدث من حفظه، فاهماً إن حدث على المعنى, فإن اختل شرط مما ذكرنا ردت روايته، وتثبت عدالة الراوي باشتهاره بالخير، والثناء الجميل عليه, أو بتعديل الأئمة, أو اثنين منهم له, أو واحد على الصحيح، ولو بروايته عنه في قول. قال ابن الصلاح: وتوسع ابن عبد البر فقال: كل حامل علم معروفُ العناية به فهو عدلٌ محمولٌ أمره على العدالة حتى يتبين جرحه، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) قال: وفيما قاله اتساعٌ غير مرضي، والله أعلم، قلت: لو صح ما ذكره من الحديث لكان ما ذهب إليه قوياً، ولكن في صحته نظر قوي، والأغلب عدم صحته، والله أعلم. بركة، بركة. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. النوع الثالث والعشرون: يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل" يعني من ترد روايته، "وبيان الجرح والتعديل"، وهذا النوع من أهم الأنواع، ينبغي أن يعتني به طالب الحديث، ولا يستغني عنه بحال؛ لأنه لا يتمكن من تصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا بمعرفة رواتها، من يقبل منهم ومن يرد، فالمقبول عند أهل العلم "الثقة الضابط لما يرويه" والمراد بالثقة من جمع بين وصفي العدالة والضبط، وتقدم في تعريف الحديث الصحيح: أنه ما رواه عدلٌ تام الضبط، فإذا توافر الشرطان: العدالة والضبط قبل الخبر، وصار صحيحاً، والقبول أعم من الصحة؛ لأنه يشمل الحسن الذي هو أدنى درجات القبول، فمن تقبل روايته.

يقول: "الثقة الضابط لما يرويه" العدالة لا بد منها، والضبط تمامه يشترط لصحة الخبر، ومسماه يشترط لقبوله، وإن نزل عن درجة الصحيح، "وهو المسلم العاقل البالغ سالماً" حال كونه سالماً "من أسباب الفسق وخوارم المروءة" هذا هو العدل، العدل المسلم العاقل البالغ، فالكافر ليس بعدل، غير العاقل لا يقبل خبره؛ لأنه ليس بعدل، لم تتوفر فيه العدالة، وإن لم يتحقق فسقه، البالغ: فلا بد من البلوغ لقبول خبر الراوي، لا بد أن يكون مسلماً، فالكافر لا يقبل خبره؛ لأنه لا يؤمن أن يكذب، والمجنون لا يصح خبره؛ لأنه لا يضبط ما يقول، والقلم قد رفع عنه فلا يؤمن أن يفتري، والبالغ شرطٌ لا بد منه، إذ الصغير لا يقبل خبره؛ لأنه لم يكلف فلا يؤمن أن يكذب. وكل هذه الشروط إنما تشترط عند الأداء، أما التحمل فيصح تحمل الكافر على ما سيأتي، ويؤيده حديث جبير بن مطعم أنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وهو حينئذٍ كافر لما تحمل الخبر قبل أن يسلم، ثم أداه بعد أن أسلم فقبل منه، فهذه الشروط شروط للأداء، وليست شروطاً للتحمل، ومثله الصبي لو تحمل الصبي خبراً وحفظه وأداه بعد بلوغه قبل منه، لكن يؤديه قبل البلوغ لا يقبل منه. "سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة" الفاسق هو الذي يرتكب المحرمات، أو يقصر في أداء الواجبات؛ لأن الفسق خلاف التقوى التي هي التزام الأوامر، واجتناب النواهي، خوارم المروءة يعني ما اعتاد الناس فعله مما تواطئوا عليه، وتعارفوا عليه، بحيث يعد من خرج على فعلهم واتفاقهم على هذا الأمر شاذاً بينهم، فمثل هذا يخرم المروءة، "وأن يكون مع ذلك متيقظاً" منتبهاً لحفظه بحيث يؤديه كما سمعه متى شاء "غير مغفل" فالمغفل لا تقبل روايته؛ لأنه لا يضبط ما يروي "حافظاً إن حدث من حفظه" ضابطاً لما يرويه إن حدث من الحفظ، إن روى باللفظ لا بد أن يكون حافظاً لذلك اللفظ، "فاهماً إن حدث بالمعنى" والرواية بالمعنى جائزة عند جمهور العلماء، شريطة أن يكون الراوي عارفاً بمدلولات الألفاظ، عالماً بما يحيل المعاني، أما إذا لم يكن كذلك فلا تجوز الرواية حينئذٍ بالمعنى، "فإن اختل شرطٌ مما ذكرنا ردت روايته".

أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر بأن يكون ضابطاً معدلاً ... أي يقظاً ولم يكن مغفلاً حافظاً إن حدث حفظاً يحوي ... كتابه إن كان منه يروي يعلم ما في اللفظ من إحالة ... إن يروِ بالمعنى وفي العدالة بأن يكون مسلماً ذا عقلِ ... قد بلغ الحلم سليم الفعلِ من فسقٍ أو خرمِ مروءة ومن ... زكاه عدلان فعدلٌ مؤتمن إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى-، المقصود أنه يشترط لقبول الراوي أن يكون عدلاً ضابطاً، وعرفنا المراد بالعدالة والضبط. بم تثبت عدالة الراوي؟ إذا زكاه اثنان من أهل العلم وعدلوه فهو عدل، ويكفي واحد على القول الصحيح إذا كان عالماً بأسباب العدالة يكفي، يعني لو قال الإمام أحمد -رحمه الله- فلان عدل، أو فلان ثقة، أو قاله البخاري، أو ابن معين، أو ابن المديني أو غيره من أهل العلم فإنه يكفي ولو واحد. أو يشتهر ويستفيض، يستفيض أمره ويشتهر بالعدالة حينئذٍ لا يحتاج إلى تزكية، أو واحد على الصحيح ولو بروايته عنه في قول، يعني إذا روى العدل عن راوي هل يعد تعديلاً له أو لا بد أن يصرح بتعديله؟ يعني لو روى البخاري عن راوي نقول: يكفي، نحكم بعدالته لأن البخاري خرج له؟ نعم، رواة الصحيحين جازوا القنطرة، مسلم كذلك لا سيما إذا كان الخبر مما يدور عليه، أما إذا رواه غيره ولو اشترط الصحة، لو روى ابن حبان في صحيحه عن راوي، ولم يصرح بتوثيقه لا يكفي، لو روى من صرح بأنه لا يروي إلا عن ثقة كشعبة ويحيى بن سعيد القطان وغيرهما من أهل العلم فإنه لا يكفي، لا يكفي أن يروي عنه لوجود رواية هؤلاء الذين صرحوا بأنهم لا يروون إلا عن الثقات روى عن بعض الضعفاء. طالب:. . . . . . . . . لا، لو قال: جميع أشياخي ثقة، أو قال: حدثني الثقة فلا يكفي، لا بد أن يصرح باسمه ويوثقه، لا بد أن يصرح باسمه ويوثقه، والتعديل على الإبهام لا يكفي. طالب:. . . . . . . . . لو قال. . . . . . . . . عن حديث إمام من أئمة الحديث ... طالب:. . . . . . . . .

هذا الحديث رواته ثقات يقتضي أن كل واحدٍ منهم ثقة، بخلاف ما لو قال: هذا الحديث صحيح، لو قال: رواته ثقات أو رجاله ثقات توثيق لهؤلاء الرواة، ولا يلزم منه تصحيح المتن، قد يشتمل المتن على علة أو شذوذ، مخالفة لمن هو أوثق من هؤلاء، لكن لو قال: هذا الحديث صحيح يقبل المتن ولا يلزم منه توثيق الرواة؛ لاحتمال وروده من أكثر من طريق، فلا يلزم أن هؤلاء الرواة ثقة، لكن لو قال: هذا الحديث صحيح ولا يروى إلا من هذا الطريق فإنه توثيق لرواته. . . . . . . . . . ومن ... زكاه عدلان فعدلٌ مؤتمن وصحح اكتفاؤهم بالواحدِ ... جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ وأما من اشتهر واستفاض أمره على العدالة فإنه لا يحتاج فيه إلى توثيق أحد. وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... جج تزكيةٍ كـ (مالكٍ) نجم السنن يعني لو ورد اسم مالك في سند من الأسانيد ما يحتاج إلى أن نبحث في كتب الرجال ماذا قال الأئمة عن الإمام مالك؟ ومثله لو ورد اسم الإمام الشافعي أو أحمد في إسناد حديث ما يحتاج أن نقول: ماذا قال عنه فلان؟ وماذا قيل فيه؟ هل جرح أو لم يجرح؟ لا. وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكيةٍ كـ (مالكٍ) نجم السنن فلا يحتاج مثل هؤلاء إلى تزكية، ابن عبد البر أبو عمر ابن عبد البر -رحمه الله- توسع في التعديل، فقال: "كل حاملِ علمٍ معروف العناية به فهو عدلٌ، محمولٌ أمره على العدالة حتى يتبين جرحه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله)) " قال: "وفيما قاله اتساعٌ غير مرضي"، قال ابن الصلاح قال: "وفيما قاله اتساعٌ غير مرضي، والله أعلم".

ابن كثير ماذا يقول: "قلتُ: لو صح ما ذكره من الحديث لكان ما ذهب إليه قوياً، ولكن في صحته نظر قوي، والأغلب عدم صحته" أولاً: هل الحديث صحيح؟ الحديث ضعيف عند جمهور العلماء، ضعفه جمعٌ من أهل العلم، وإن حسنه بعضهم، لكن حكم الإمام أحمد بضعفه وجمع غفير من أهل العلم على أنه ضعيف، لو صح الخبر لا ينبغي حمله على أنه خبر؛ لأنه مخالف للواقع لوجود من يحمل هذا العلم وهو ليس بعدل، فيكون معناه الحض للثقات العدول أن يحملوا هذا العلم، ويتأيد ذلك برواية: ((ليحمل)) اللام: لام الأم ((ليحمل هذا العلم من كلِّ خلفٍ عدوله)) فهو حض وحثٌ للثقات أن يتصدوا لحمل العلم الشرعي، ولا يتركوا مجالاً لمن يدخل فيه من الأدعياء الذين لا يعملون به؛ لأن العلم في الحقيقة هو العمل، والعلم الذي لا يحمل صاحبه على العمل ليس بعلمٍ على الحقيقة؛ لأن العلم حقيقته ما نفع، أما العلم الذي لا ينفع فوجوده مثل عدمه. يقول: "وفيما قاله اتساعٌ غير مرضي" ابن كثير -رحمه الله- علق القول به على صحته، وقال: لو صح ما ذكره -يعني ابن عبد البر- لكان ما ذهب إليه قوياً، وعلى فرض صحته مع أن جمهور العلماء على ضعفه يكون فيه أمر وحث للثقات أن يحملوا هذا العلم، ويكون المعنى: "ليحمل" كما جاء في بعض الروايات، وليس المراد به الخبر أن كل من حمل العلم الشرعي يكون ثقة، لا، الواقع يشهد بخلاف ذلك، وخبر الله وخبر رسوله لا يتغير، لا بد من مطابقته للواقع، لوجود من يحمل هذا العلم وهم غير ثقات. قلت: ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهنِ فإنه عدلٌ بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا خولف ابن عبد البر، خولف ابن عبد البر في قوله هذا، ولا شك أن ما قاله اتساعٌ غير مرضي، نعم. قال -رحمه الله-: "ويعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات لفظاً أو معنى، وعكسه عكسه، والتعديل مقبولٌ من غير ... " بمَ يعرف ضبط الراوي؟ يعرف بعرض أحاديثه ومروياته على روايات الثقات، فإن وافقهم فهو ضابط، إن خالفهم فهو غير ضابط. ومن يوافق غالباً بالضبطِ ... فضابطٌ أو نادراً فمخطِ

يعني إذا خالفهم وكثرت المخالفات عنده فليس بضابط، أما إذا عرضت أحاديثه على أحاديث الثقات فوجد موافقاً لهم في الغالب والمخالفة نادرة فإنه حينئذٍ يحكم بأنه ضابط. والتعديل مقبولٌ من غير ذكر السبب؛ لأن تعداده يطول، فقبل إطلاقه بخلاف الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسراً؛ لاختلاف الناس في الأسباب المفسقة فقد يعتقد ذلك الجارح شيئاً مفسقاً فيضعفه، ولا يكون كذلك في نفس الأمر أو عند غيره، ولهذا اشترط بيان السبب في الجرح. قال الشيخ أبو عمرو: وأكثر ما يوجد في كتب الجرح والتعديل فلان ضعيف أو متروكٌ أو نحو ذلك، فإن لم نكتفِ به انسد بابٌ كبيرٌ في ذلك، وأجاب بأنا إذا لم نكتفِ به توقفنا في أمره لحصول الريبة عندنا بذلك. قلت: أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم واطلاعهم واضطلاعهم بهذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكاً أو كذاباً أو نحو ذلك، فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفةٌ في موافقتهم لصدقهم وأمانتهم ونصحهم، ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث: لا يثبته أهل العلم بالحديث، ويرده ولا يحتج به بمجرد ذلك، والله أعلم.

الجرح الذي يطلقه الأئمة، والتعديل الذي يطلقونه بإزاء بعض الرواة، فإذا قالوا: فلان ثقة، أو قالوا: فلان ضعيف، هل يقبل هكذا؟ أو لا بد من بيان السبب؟ فالجمهور على أنه لا بد من بيان سبب الجرح، لا بد أن يكون الجرح مفسراً، أولاً لسهولة ذلك، فالجرح يثبت بأمرٍ واحد، الأمر الثاني: أنه ربما استفسر عن سبب جرحه فذكر ما لا يجرح، ذكر ما لا يجرح، كما جرح شعبة فيما لا يجرح، لم ضعفت فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون، لم ضعفت فلان؟ قال: ذُكر عند فلان فامتخط، هذا ما يلزم أن يكون الجرح مقبولاً، ولأن بيان الجرح أمرٌ يسير سهل؛ لأن الجرح يثبت بأمرٍ واحد، يكفي أن يقال: فلان ضعيف لأنه يفعل معصية كذا، أو يخل بالواجب كذا، لا يصلي مع الجماعة، أو يفطر في رمضان، أو يشرب الخمر، أو يسرق، أو ما أشبه ذلك؛ لأن الجرح يثبت بواحد، وأما التعديل فيكفي فيه الإطلاق من غير ذكر سببه؛ لأن ذكر أسبابه يطول، وتعدادها يكثر، يلزم المعدل أن يقول: فلان عدل؛ لأنه يصلي ويزكي ويصوم ويحج ويبر والديه، ولا يفعل ولا يفعل من المحرمات، فيعد كل الواجبات، ويعد كل المحرمات، وهذا يطول.

فالجمهور على أنه لا بد من بيان سبب الجرح دون التعديل، ومنهم من عكس يقول: الجرح يكفي أن يذكر من غير بيان، والتعديل لا بد من ذكر سببه؛ لأن الإنسان قد يغتر بشخص فيعدله بناءً على ما ظهر من حاله فلا بد من أن يبين سبب العدالة، فلان عدل لماذا؟ لا يغتر به كما اغتر الإمام مالك بابن أبي المخارق، قال: غرني بكثرةِ مكثه في المسجد، وهذا نعم أمارة ودلالة على أنه صاحب خير، لكن ما يكفي لقبول الرواية، فلا بد من ذكر العدالة، وأما الجرح فيكفي من غير ذكر سببه، وهذا قولٌ لبعض أهل العلم، وهو عكس القول الأول قول الجمهور، ومنهم من يقول: لا بد من بيان السبب في الجرح والتعديل؛ لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها، فلا بد من ذكر سببها، والجرح قد يجرح المجرح بغير جارح، وحينئذٍ لا بد من بيان سببه، وهذا القول يلزم ببيان السبب في الأمرين معاً، والقول الرابع: وهو المقابل لهذا أنه لا يلزم بيان السبب لا في الجرح ولا في التعديل، فإذا قال الإمام: فلان ضعيف يكفي، فلان ثقة يكفي، ما يحتاج ضعيف لماذا؟ أو ثقة لماذا؟ ابن الصلاح لما ساق كلام الجمهور، ومال إليه، واستروح إليه، قال: أكثر ما يوجد في كتب الجرح والتعديل فلان ضعيف، وفلان متروك، ونحو ذلك، يعني من غير بيانٍ للسبب، كتب الجرح والتعديل ليس فيها بيانٌ للسبب في غالب الأحوال، فعلى هذا يلزم عليه تعطيل هذه الكتب، إذا لم نعتمد ما فيها من الجرح فماذا نصنع؟ يلزم عليه تعطيل هذه الكتب، لكن أجاب ابن الصلاح بأنا إذا لم نكتفِ به توقفنا في أمره، قال ابن معين: فلان ضعيف، نقول: لماذا يا ابن معين على قول الجمهور؟ لماذا فلان ضعيف؟ من يجيب عن ابن معين؟ في كتب الجرح والتعديل فلان ضعيف.

يقول ابن الصلاح: لا نعتمد هذا القول، لكن قول ابن معين أو قول غيره من الأئمة يوجد ريبة عندنا يلزم منها التوقف في الراوي، ومن ثم التوقف في قبول خبره، يقول: توقفنا في أمره لحصول الريبة عندنا في ذلك، لكن إلى متى؟ ما هي بمسألة راوي أو راويين أو مائة، لا، جمعٌ غفير من الرواة، وهذا التوقف يوجب التوقف في كثيرٍ من الأخبار، فالتوقف ليس بحل، ولذا رأى ابن كثير -رحمه الله تعالى- في كلامه قلت: أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، ويستوي في ذلك الجرح والتعديل، إذا كان المعدل أو المجرح إمام معتدل، يعني ليس بمتشدد في التجريح ولا في التعديل، ولا متساهل، عرف بالتوسط في أموره، عارف بأسباب الجرح والتعديل، لماذا نتوقف في قبول من يعدله مثل هذا؟ أو في رد من يضعفه مثل هذا؟ ولذا يقول: "أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن" يعني إذا لم نقبل أقوال هؤلاء الذين عرفوا الرواة، وعرفوا المرويات، وقارنوا بين روايات الثقات، وعرضوا أحاديث بعضهم على بعض، وعرفوا بعضهم بالأعيان، وعاملوهم وعاصروهم وعاشروهم، وحفظوا أحاديثهم، إذا لم نكتفِ بأقوال هؤلاء فمن يحل الإشكال بعدهم؟ من يأتي بعد الرواة لا يستوي من عاش بين الرواة وعرفهم بأعيانهم، وعاصرهم وعاشرهم وبين من جاء بعدهم، يعني إذا لم ينحل الإشكال من قول الإمام أحمد، توقفنا في قوله، توقفنا في قول يحيى بن معين وهكذا، من يحل الإشكال الذي أورده، واستروح إليه، ومال إليه ابن الصلاح وهو التوقف؟ إلى متى؟

ابن كثير -رحمه الله تعالى- يقول: "واتصافهم بالإنصاف" يعني ما يتوقع أن الإمام أحمد يجرح راوي لشحناء بينه وبينه، أو لمخالفة بينه وبينه، أو لاختلاف بينه في أمور الدنيا، حاشاهم عن ذلك، ولا ندعي العصمة لهم، ومثله بقية الأئمة، "واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل" يعني مقتضى قول الجمهور أنهم لو أجمعوا على تضعيف راوٍ نقول: لماذا؟ لماذا ضعفوه؟ لا بد أن يبين السبب، يقول: "لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكاً أو كذاباً أو نحو ذلك" إذا أطبقوا لا يخالج الإنسان أدنى شك، ولا يساوره أدنى ريب في أنه ضعيف أو ثقة، لكن إذا اختلفوا، فيما إذا تعارض، تعارضت أقوالهم، فعدله بعضهم، ووثقه آخرون، وهذه مسألة تعارض الجرح والتعديل، والمسألة ترد قريباً -إن شاء الله تعالى- "فالمحدث الماهر يقول: لا يتخالجه في مثل هذا وقفةٌ في موافقتهم لصدقهم وأمانتهم ونصحهم، ولهذا يقول الشافعي في كثيرٍ من كلامه على الأحاديث: لا يثبته أهل العلم بالحديث" يكل الأمر إلى أهله، لا يثبته أهل العلم بالحديث، طيب أنت إمام يا شافعي لماذا لا تنظر أنت؟ العمر لا يستوعب الاجتهاد في كل شيء، قد يجتهد في وسيلة، في توثيق راوي أو تضعيفه، ثم مع مجموع الرواة، يجتهد في تصحيح حديث، ثم بعد ذلك يجتهد في النظر في الأحاديث في المسألة الواحدة، ويخلص إلى القول الراجح، هذه اجتهاد في الوسائل وفي الغايات لكن دونها الخرط والقتاد في كل مسألة مسألة، فالإنسان قد يجتهد في إثبات الخبر، لكن لا يتيسر له الاجتهاد في الحكم والعكس، فالشافعي حينما يجتهد في الحكم يعتمد في إثبات الخبر ونفيه على أهل الشأن، ولذا كثيراً ما يقول: لا يثبته أهل العلم بالحديث، وكثيراً ما يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ويرده ولا يحتج به بمجرد ذلك، ما يقال: لماذا لم يثبته أهل الحديث؟ الشافعي وهو إمام لا يقول: لماذا لا يثبته أهل الحديث؟ هل الجرح مفسر أو غير مفسر؟ لا يقول هذا لا الإمام الشافعي ولا غير الإمام الشافعي.

فالذي يظهر -والله أعلم- أن الأئمة الموصوفين بالخبرة والاطلاع والإحاطة بالمرويات، ومعرفة أحوال الرواة مع الاتصاف بالديانة والإنصاف والاعتدال في الرأي أنهم يقبل قولهم في الجرح والتعديل من غير ذكرٍ للسبب، والله أعلم. طالب:. . . . . . . . . هذا يقول: الذي. . . . . . . . . سبر أحاديث الراوي. . . . . . . . . أحاديثه ومروياته. . . . . . . . . فهل هذا نقول له أو نعيب عليه؟ لكن هل مروياته وسبرها يكفينا في إثبات عدالة الراوي وضبطه؟ نعم إذا كفى في إثبات الضبط، وعرفنا أنه يوافق الرواة عددناه ضابطاً، لكن عدالته؟ لا بد من أن ينص عليها أهل العلم، وأهل الخبرة به، فلا يكفي أن يقال: لا يمكن الاستغناء بحال عن معرفة أقوال أهل العلم في كل راوٍ راوٍ على حدة، لا يمكن أن يستغني أحدٌ عن معرفة أقوال أهل العلم، فبواسطتهم نعرف أحوال الرواة، نعم. قال: أما إذا تعارض جرحٌ وتعديل فينبغي أن يكون الجرح حينئذٍ مفسراً، وهل هو المقدم أو الترجيح بالكثرة أو الأحفظ؟ فيه نزاعٌ مشهور في أصول الفقه وفروعه وعلم الحديث، والصحيح أن الجرح مقدمٌ مطلقاً إذا كان مفسراً، والله أعلم. إذا تعارض الجرح والتعديل من أكثر من إمام، فحكم بعدالته وثقته أئمة، وحكم بضعفه آخرون، لو حكم بعدالة الراوي أئمة، وحكم به آخرون هذه مسألة، المسألة الأخرى: فيما إذا تعارض قول الإمام الواحد، فعدله في بعض أقواله، وجرحه في قولٍ آخر له، ما الذي يقدم؟ أما إذا كان الجرح مفسراً فلا تردد في تقديمه؛ لأن مع الجارح زيادة علم خفيت على المعدل، فإذا قال أحمد: فلان ثقة، وقال يحيى بن معين: ضعيف؛ لأنه يشرب الخمر، أو قال علي بن المديني: ضعيف لأنه يروي مناكير، جرح مفسر، حينئذٍ نقدم الجرح لأنه مفسر، ومع الجارح زيادة علم خفيت على المعدل، الجارح يوافق المعدل فيما يقول ويزيد عليه، أما المعدل فقد يخفى عليه من أمره ما عرفه الجارح.

إذا عرف المعدل ما جرحه به الجارح ونفاه بعينه، قال أحمد: ثقة، وقال ابن معين: ضعيف، لماذا يا ابن معين؟ لأنه قتل فلان يوم الخميس، قال أحمد: هذا الكلام ليس بصحيح أنا رأيته صلى معنا يوم الجمعة فكيف تقول: مقتول؟ فنفى الجرح بعينه، نعم روى حديثاً منكراً أثبته ابن معين، نفاه غيره من الأئمة، إما أن يكون نفى النكارة لوروده من طرق أخرى، أو أثبت أن الراوي لهذا الحديث المنكر غير الراوي الذي ألصق به، وكم من راوي زعم فيه التعدد والعكس، كم من شخص جعله بعضهم اثنين، وكم من رواة جعلهم بعض أهل العلم واحد، وينفع في هذا الباب كتاب الخطيب البغدادي -رحمه الله- (موضح أوهام الجمع والتفريق) فإذا قال ابن معين: فلان بن فلان ضعيف لأن حديثه منكر، قال له غيره من أهل العلم: لا، فلان الذي زعمت أنه هو الراوي لهذا الحديث غيره ثاني، فحينئذٍ يقدم التعديل؛ لأن السبب الذي جرح به نفي، فلا يقبل الجرح ولو كان مفسراً بالإطلاق. يقول: "وهل هو المقدم أو التجريح بالكثرة أو الأحفظ؟ " لا شك أن من أهل العلم من يرجح بالكثرة، ومنهم من يرجح أهل الحفظ على من دونهم في الحفظ. وقدموا الجرح لكن إن ظهر ... من عدّلَ الأكثرَ فهو المعتبر الأصل أن المقدم الجرح إذا كان مفسراً، إن ظهر المعدلون أكثر من الجارحين فإنهم يقدمون عند قوم، وبعضهم قال: يقدم الجارح ولو واحد على الجمع من المعدلين للعلة التي ذكرت قبل، وبعضهم يقول: يقدم الأحفظ، هذا أعرف بالرواة وأحفظ وأكثر حفظاً للحديث فيقدم قوله ولو كان تعديلاً في مقابل قول من جرح.

إذا كان التعارض من إمامٍ واحد، إمام واحد مرةً قال: فلان ضعيف، ومرة قال: فلان ثقة، فهذا مرده إلى تغير الاجتهاد نعم إن عرف المتأخر من قوليه فهو المعتمد وإلا ينظر فيه على أساس أنه تعدد اجتهاد، غير اجتهاده، فيعتبر كل من قوليه قول من أقوال أهل العلم فيضم التعديل إلى أقوال المعدلين، ويضم التجريح إلى أقوال المجرحين، فعلى سبيل المثال: ابن لهيعة ضعفه ثلاثة عشر إماماً من أئمة الحديث، وعدله ثلاثة، وتوسط في أمره آخرون، وقبله بعضهم في حالٍ دون حال، في رواية العبادلة دون غيرهم، لكن كيف نصنع بتضعيف ثلاثة عشر إماماً؟ واضطربت فيه أقوال المتأخرين، فالحافظ ابن حجر نص على ضعفه في مواطن من الفتح، وقال في التقريب: "صدوقٌ يخطئ، أو له أوهام"، و. . . . . . . . . سنداً في المسند جاء من طريقه، فعلى كل حال اضطرب فيه قول الحافظ، وما دام جمهور الأئمة على تضعيفه فهو ضعيف، ثلاثة عشر إماماً من الأئمة الكبار كلهم على تضعيفه فهو ضعيف، خلافاً لأحمد شاكر الذي وثقه مطلقاً، وثق ابن لهيعة مطلقاً، فكيف يصنع بقول ثلاثة عشر إماماً كلهم يتدين بقوله: ضعيف؟ لأن الكلام في الرجال أمره خطير، وأبيح على خلاف الأصل؛ لأن الأصل في هذا الباب المنع، فأجازه أهل العلم، بل أوجبوه نصحاً للأمة، وصيانة للملة، إذ لولا ذلك لما عرف صحيح الأحاديث من ضعيفه، على كل حال الراجح في حاله أنه ضعيف، وإن عدله بعضهم، نعم. "ويكفي قول الواحد ... " نعم؟ طالب:. . . . . . . . . حتى في رواية العبادلة عنه، هي أمثل من غيرها يكون ضعفها أخف، لكن هي ضعيفة، حتى رواية العبادلة، وعلى كل حال ضعفه محتمل، يعني يقبل الانجبار إذا ورد من طريقٍ آخر، لكن بمفرده خبره لا يثبت، نعم. "ويكفي قول الواحد بالتعديل والتجريح على الصحيح، وأما رواية الثقة عن شيخٍ فهل يتضمن تعديله ذلك الشيخ أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال: ثالثها: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيقٌ وإلا فلا، والصحيح أنه لا يكون توثيقاً له حتى لو كان ممن ينص على عدالة شيوخه، ولو قال: حدثني الثقة لا يكون ذلك توثيقاً له على الصحيح؛ لأنه قد يكون ثقةً عنده لا عند غيره، وهذا واضحٌ، ولله الحمد".

يقول: "يكفي قول الواحد في التعديل والتجريح على الصحيح" سبق أن ذكرنا أن التزكية لا بد فيها من اثنين عند جمع من أهل العلم. . . . . . . . . . ومن ... زكاه عدلان فعدلٌ مؤتمن كالشهادة، كالشاهد لا بد أن يزكيه اثنان، لكن الصحيح عند أهل العلم أنه يكفي واحد إذا كان عارفاً بأسباب الجرح، معتدلاً في أقواله، وجزم بأنه عدل يكفي. وصحح اكتفاؤهم بالواحد ... جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ أما الشاهد فلا بد من اثنين؛ لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة، ولا يؤمن أن يوجد من يكذب فيها، والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس كالكذب على غيره، فالأصل في المسلم أن يهاب الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما دام يكفي في قبول الخبر واحد فيكفي في تزكية راويه واحد أيضاً. رواية الثقة عن شيخ: إذا روى شيخٌ ثقة عن شيخ، هل يعني هذا أن الشيخ لثقته بهذا الراوي يروي عنه؟ أو لأنه لم يقف عليه إلا من طريق هذا الراوي فخرجه عنه ولو كان غير ثقةٍ عنده؟ فيه ثلاثة أقوال: منهم من يرى أنه توثيق؛ لأن المسألة ديانة وأمانة، ولو عرف فيه ما يجرحه لبينه وما اكتفى بالرواية عنه، والقول الثاني: أنه ليس بتوثيق مطلقاً؛ لأن الواقع يرد القول بأنه توثيق؛ لأن كبار الأئمة يروون عن الضعفاء، رووا عن الضعفاء إذا لم يجدوا الحديث إلا من طريقهم فيذكرونه، وذكر الراوي، وذكر السند من قبل الإمام يخرجه من العهدة ويبرئه منها، وثالث الأقوال: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق، إذا ذُكر في المسألة ثلاثة أقوال ثالثها كذا، معروف الأول والثاني متقابلان، يجوز مطلقاً، ولا يجوز مطلقاً، يقبل مطلقاً، أو لا يقبل مطلقاً، والثالث الذي فيه التفصيل، كما قال بعضهم في "إن وأن والثالث أصلان"، "إن وأن والثالث أصلان" إيش نفهم من هذا؟ هذا غاية الاختصار، "إن وأن والثالث أصلان" إيش معنى هذا؟ نعم؟ "إن وأن والثالث أصلان" في النحو؟ يعني هل الأصل (إن) بكسر الهمزة وتفتح في مواضع؟ أو الأصل (أن) وتكسر في مواضع؟ قيل بهذا، وقيل بهذا، والقول الثالث: أنهما أصلان، كل واحد أصل برأسه.

يقول: "والصحيح أنه لا يكون توثيقاً له حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه"، يعني ولو قال: "جميع أشياخي ثقات" لوجود الرواية عن الضعفاء فيمن نص على ثقة شيوخه، ولو قال: "حدثني الثقة" فإنه لا يكفي، بل لا بد أن يبين الاسم؛ لأنه قد يكون ثقة عنده وليس بثقةٍ عند غيره، ويقول الإمام الشافعي: "حدثني الثقة"، "حدثني من لا أتهم"، ويقصد بذلك إبراهيم بن أبي يحيى، إبراهيم بن أبي يحيى جماهير العلماء على ضعفه، بل ضعفه شديد، لكن قد يقول قائل: أنا ما دمت أقلد الإمام الشافعي في الأحكام، وفي الفروع وأوافقه في اجتهاده من غير نظرٍ في دليله لماذا لا أقلده في مثل هذا؟ نعم المقلد له أن يقلد ما ترجح عنده من أقوال الأئمة؛ لأنه فرضه التقليد، فإذا قال إمامك الشافعي: "حدثني ثقة" اقبل كلامه، كما أنه لو قال لك: هذا العمل حلال أو حرام تقبل قوله من غير دليل، أما أهل النظر الذي يستطيع أن ينظر ويوازن بين الأقوال لا يسوغ له أن يقلد أحداً ولو وثق على الإبهام، ولذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي بل لا بد أن ينص على فلان بن فلان وأنه ثقة؛ لأنه قد يكون ثقةً عنده لا عند غيره، وهذا واضح، ولله الحمد، نعم. قال: وكذلك فتيا العالم أو عمله على وفق حديث لا يستلزم تصحيحه له، قلتُ: وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، أو تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه، قال ابن الحاجب: وحكم الحاكم المشترط العدالة تعديلٌ باتفاق، وأما إعراض العالم عن الحديث المعين بعد العلم به فليس قادحاً في الحديث باتفاق؛ لأنه قد يعدل عنه لمعارض أرجح عنده مع اعتقاد صحته.

فتيا العالم إذا سئل عن مسألة فأفتى بمضمون حديث، أو عمل بمضمون حديث من غير ذكرٍ لهذا الحديث، قيل له: ما حكم كذا؟ قال: لا يجوز، وفي الباب حديثٌ يوافق هذه الفتيا، هل يعد تصحيح لهذا الحديث؟ ومثله لو قال: لا يجوز، وفي الباب حديث هل يعتبر تضعيف لهذا الحديث؟ يقول: "لا يستلزم تصحيحه له، قلت: وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، أو تعرض للاحتجاج به" قال: لا يجوز لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا، يكون استدلاله بالخبر وذكره إياه وجزمه بنسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ذكر الحكم يقتضي تصحيحه إياه، "أو استشهد به عند العمل بمقتضاه" رآه أحدٌ يعمل عملاً يقدم ركبتيه فقال: في حديث أبي هريرة كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، فهمنا أنه يقوي هذا الحديث، قواه بفعله، واستشهد به، ولو قواه بفعله فقط، فعله من دون استحضار هذا لا يعتبر تصحيح، وكذلكم لو استشهد أو عمل بحديث أو عمل بحكم وفيه مجموع أحاديث لا يقتضي حكمه أو عمله أو فتياه بمقتضى هذه الأحاديث تصحيح كل حديث حديث من هذه الأحاديث، بل قد يكون عمل بمجموع هذه الأحاديث. "قال ابن الحاجب: "وحكم الحاكم المشترط العدالة تعديلٌ باتفاق" القاضي حينما يؤتى له بشاهد أو بشاهدين يحكم بموجب شهادتهما، هذا القاضي هل يتصور أنه يجرح هذين الشاهدين وقد عمل بمقتضى شهادتهما؟ لا، تعديل، هذا تعديل من القاضي لقبول شهادتهما؛ لأنه لا يتصور أن يغفل عن حالهما وهما أمامه، مع إمكانه أن يعرف ويستخبر لو كان يجهل فيطلب المزكين، "وأما إعراض العالم عن الحديث المعين بعد العلم به فليس قادحاً في الحديث باتفاق"، يعني كون العالم لا يعمل بحديث هل يقتضي هذا تضعيف ذلك الحديث؟ لا؛ لأنه قد يعتقده منسوخاً، أو معارض بما هو أرجح منه وإن كان صحيحاً؛ لأنه عند التعارض إنما يقدم الأرجح والأصح، فيعمل بالأصح ويترك الثاني المعارض وإن كان صحيحاً.

مسألة: مجهول العدالة ظاهراً وباطناً لا تقبل روايته عند الجماهير، ومن جُهلت عدالته باطناً ولكنه عدلٌ بالظاهر وهو المستور فقد قال بقبوله بعض الشافعية، ورجح ذلك سُليم بن أيوب الفقيه، ووافقه ابن الصلاح، وقد حررت البحث في ذلك في المقدمات والله أعلم، فأما المبهم الذي لم يسمَ أو من سُمِّي ولا تعرف عينه فهذا ممن لا يقبل روايته أحدٌ علمناه، ولكنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لهم بالخير فإنه يستأنس بروايته ويستضاء بها في مواطن، وقد وقع في مسند الإمام أحمد وغيره من هذا القبيل كثير، والله أعلم. قال الخطيب البغدادي وغيره: وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه، قال الخطيب: لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه، وعلى هذا النمط مشى ابن حبان وغيره، بل حكم له بالعدالة لمجرد هذه الحالة، والله أعلم. قالوا: فأما من لم يرو عنه سوى واحد مثل عمرو بن ذي مر، وجبار الطائي، وسعيد بن ذي خدان تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي، وجري بن كليب تفرد عنه قتادة، قال الخطيب: والهزهاز بن ميزن تفرد عنه الشعبي، قال ابن الصلاح: وروى عنه الثوري، وقال ابن الصلاح: وقد روى البخاري لمرداس الأسلمي، ولم يروِ عنه سوى قيس بن أبي حازم، ومسلمٌ لربيعة بن كعب، ولم يروِ عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن. قال: وذلك مصير منهما إلى ارتفاع الجهالة برواية واحد، وذلك متجه كالخلاف في الاكتفاء بواحد في التعديل، قلتُ: توجيهٌ جيد لكن البخاري ومسلم إنما اكتفيا في ذلك برواية الواحد فقط؛ لأن هذين صحابيان، وجهالة الصحابي لا تضر بخلاف غيره، والله أعلم.

المجهول، الراوي المجهول، الجهالة ضد المعرفة والخبرة، فالجهالة عدم العلم بحال الراوي، وهي على مراتب ودرجات، أغرقها في الجهالة وأشدها جهالة الذات، ويدخل في هذا الراوي المبهم الذي لم يسم، مجهول، حدثني رجلٌ، حدثني بعضهم، هذا في غاية الجهالة، لكن إذا عرف اسمه، وعرفت ذاته، حدثني محمد بن إسماعيل ابن فلان الأنصاري أبو عبد الله مثلاً، اسمه واسم أبيه ونسبته وكنيته كلها معروفة، هذا معروف الذات، لكن هو مقل من الرواية بحيث لم يروِ عن سوى واحد، راوٍ واحد، هذا مجهول الإيش؟ مجهول العين، مجهول العين، إذا عرف اسمه كاملاً، ولم يروِ عنه إلا راوٍ واحد لكونه مقل، هذا يسميه أهل العلم مجهول العين، إذا لم يروِ عنه أحد ولا واحد إيش يصير؟ ماذا يكون؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يبحث مثل هذا؟ يستحق يبحث مثل هذا اللي ما روى عنه أحد؟ طالب:. . . . . . . . . ما روى عنه أحد هين واحد مجهول العين، إذا لم يروِ عنه أحد ما يبحث إطلاقاً، لا يستحق ولا اسم الجهالة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب: غير موجود. هذا غير موجود، لا يبحث أصلاً مثل هذا، أما إذا روى عنه واحد فقط فهو مجهول العين، إذا روى عنه اثنان فأكثر لكنه خلا عن التعديل ظاهراً وباطناً فهو مجهول الحال، وإن كان معروف العدالة ظاهراً دون الباطن فهو أيضاً مجهول قسم من أقسام جهالة الحال، ويعبر عنه بالمستور، أما مجهول الذات لا يقبله أحد ولم يقل أحد بقبوله، اللهم إلا إن كان من الصحابة، حدثني رجلٌ صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا مقبول؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر. إذا كان من التابعين والقرون المفضلة المشهود لهم بالخير فإنه يستأنس بروايته، ويستضاء بها في مواطن فيما قاله ابن الصلاح، إذا كان ممن تقادم العهد بهم، إذا كان -هذا مجهول الذات- مجهول العين من روى عنه واحد فقط هو مردود عند جماهير العلماء، وأما المستور وهو مجهول الحال ظاهراً وباطناً، أو باطناً فقط على الخلاف بينهم في ذلك، فمنهم من يطلق المستور بإزاء مجهول الحال مطلقاً في الظاهر والباطن، ومنهم من يطلق المستور بإزاء مجهول الحال باطناً فقط دون الظاهر، وإن عرفت عدالته الظاهرة.

أما مجهول الحال ظاهراً وباطناً ولو روى عنه أكثر من واحد مثل هذا الأكثر على رد خبره كمجهول العين؛ لأنه لا بد من التزكية، لا يعرف بجرحٍ ولا تعديل، لا بد أن تعرف حاله من قبل أهل العلم، هذا إذا كان مجهول العدالة ظاهراً وباطناً، أما إذا كان مجهول العدالة باطناً فقط وظاهره على العدالة فقال بقبوله بعض الشافعيين، ورجحه سُليم بن أيوب الرازي، ووافقه ابن الصلاح، وهو القول الراجح -إن شاء الله تعالى-، مثل هذا إذا عرفت عدالته الظاهرة .. ؛ لأننا إنما كلفنا بالبحث عن الظاهر، وأما السرائر فموكولٌ أمرها إلى الله -سبحانه وتعالى-. يقول الخطيب: "ترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له" هل يمكن أن يقال: فلان مجهول مع أن العلماء يعرفونه؟ طالب:. . . . . . . . . إذا عرف الرجل بغير العلم، ما عرف فيه قول لأحدٍ من أهل العلم بالتوثيق ولا التجريح، روى عنه أكثر من واحد، وعرف بغير العلم، عرف بالشجاعة، عرف في مواطن الجهاد، ما إن يعلن عن جهاد إلا ويخرج، عرف بالكرم، اشتهر أمره بغير العلم، ترتفع عنه الجهالة؟ لا شك أن الجهاد مما يؤيد عدالته، لكن الكرم ما يلزم منه العدالة، استُعمل أمير أو قاضي لا سيما إذا كان الذي استعمله من أهل التحري، شخص ما فيه لا جرح ولا تعديل، روى عنه أكثر من واحد واستعمله عمر بن عبد العزيز على القضاء مثلاً، يوثق وإلا ما يوثق؟ تقبل روايته وإلا ما تقبل؟ ما في شك أن النفس تميل إلى قبول رواية مثل هذا، ولو لم ينص على تعديله. "ترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له" ترتفع جهالة الحال بمعرفة العلماء له، وترتفع جهالة العين برواية عدلين عنه، لكن هل يثبت له حكم العدالة بهذا؟ برواية اثنين؟ لا، ولا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه، وإن مشى ابن حبان على ارتفاع الجهالة عنه، وحكم بأن له حكم العدالة بمجرد هذه الحالة، يعني مجرد رواية عدول، ولا عرف .. ، ما جرح الرجل، ولا روى ما ينكر، فإنه يدخله في الثقات.

نعود إلى مسألة الجهالة في كلامٍ مهم، هل الجهالة جرح في الراوي أو عدم علم بحاله؟ هل الجهالة جرح يجرح بها الراوي؟ فإذا بحثنا في كتب الجرح والتعديل وجدنا أن فلان من رواته مجهول، هل نقول: الحديث ضعيف لأن من رواته فلان وهو مجهول؟ أو نقول: فيه فلان مجهول، لا نعرف حاله، نتوقف في الحكم على الخبر حتى نتبين حال هذا الراوي؟ فهل الجهالة جرح أو عدم علم بحال الراوي؟ والفرق بين الأمرين ظاهر، يعني إذا كانت جرح قلنا: الحديث ضعيف، إذا كانت عدم علم بحال الراوي ما نقول: ضعيف، بل نتوقف في أمره حتى نعرف حاله. طالب:. . . . . . . . . عدم العلم بحال الراوي هاه؟ طالب:. . . . . . . . . يعني ليست جرح؟ طالب: يعني ليست جرح وهو مضعف ... لا إذا ضعف بسببه صارت جرح. طالب:. . . . . . . . . إيه، السبب الذي يورد مثل هذا الإشكال أو التردد في حال الجهالة، الحافظ ابن حجر في النخبة قال: "ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحاً أو جهالة" فجعل الجهالة قسيم للجرح والتعديل، فليست بجرح ولا تعديل، فعلى هذا هي إيش؟ عدم علمٍ بحال الراوي توجب التوقف، لكن يشكل على هذا أنه أورد لفظ مجهول في ألفاظ الجرح، في مراتب الجرح، أورد المجهول في مراتب الجرح، في السابعة والثامنة من مراتب التقريب، فعلى هذا يجرح بها الراوي، ويضعف بسببها الخبر.

أبو حاتم الذي هو أكثر من يطلق هذا اللفظ يسأل عن الراوي فيقول: مجهول، وصرح في مواطن كثيرة من كتابه أو فيما سأله عنه ابنه قال: فلان مجهول، أي لا أعرفه، فالجهالة على هذا عدم علم بحال الراوي، وإذا قال أبو حاتم في عدد من الصحابة: مجهول، بل قال في بعضهم من السابقين الأولين: مجهول، فهي عدم علمٍ بحاله في كثيرٌ من الرواة؛ لأنه يقول: مجهول أي لا أعرفه، أو يشير بها إلى قلة رواية هذا الراوي، والحافظ الذهبي في الميزان إذا أطلق على الراوي مجهول فإنه يقلد في ذلك أبا حاتم، ولا يلزم أن ينص عليه، كل من قال فيه: مجهول فإنما قلد فيه أبا حاتم، أبو حاتم اصطلاحه يختلف عن اصطلاح المتأخرين في المجهول، فإذا وجدنا في الميزان: فلان مجهول، وحكمنا على الراوي بالضعف، ورددنا الخبر بسببه أصبنا وإلا ما أصبنا؟ الذهبي قلد أبا حاتم، أبو حاتم يرى الجهالة جرح وإلا لا؟ يقول: لا أعرف، يعرفه غيره، إذا ما عرفه أبو حاتم يعرفه غيره، مجهول أي لا أعرفه، كل راوي لا يعرفه أبو حاتم ضعيف؟ نعم؟ يلزم من هذا، بل يجرؤ بعضهم، يجرؤ بعض الباحثين أن يحكم بضعف الخبر وجهالة الراوي إذا لم يطلع على قول لأهل العلم في الراوي، يبحث فيما بين يديه من الكتب ما يجد فيه قول فيقول: مجهول، من أنت؟ نعم أبو الحسن بن القطان حكم بالجهالة لبعض الرواة؛ لأنه لم يقف فيه على كلام لأهل العلم، لكن من يصف نفسه في مصف أبي الحسن بن القطان؟ طالب من طلاب العلم سواءً كان في المراحل الدنيا أو العليا، ولو باحث ماجستير أو دكتوراه ما وجد، ما وجد في كلام أهل العلم يسوغ له أن يقول: مجهول؟ الجهالة لا بد أن ينص عليها من أهل العلم، أما عدم وجودك لهذا الراوي وعدم وقوفك على أقوال أهل العلم فيه، نعم توقف في الحكم حتى تجد ما يقوي أمره أو يضعفه. فننظر في اصطلاح من أطلق اللفظ، من أطلق اللفظ، فهل هذا الذي أطلق اللفظ يرى الجهالة جرح؟ يعني لو وجدنا مجهول في التقريب فلان مجهول، ووجدنا مجهول في الميزان نحكم بحكم واحد؟ نعم؟ في التقريب وضع المجهول من ألفاظ الجرح، فهي جرحٌ عنده، في الميزان قلد أبا حاتم في المجهول، والجهالة عنده تختلف عن الجهالة عند غيره.

"قالوا: فأما من لم يروِ عنه سوى واحد مثل عمرو بن ذي مر، وجبار الطائي، وسعيد بن ذي حدان تفرد بالرواية عنهم أبو إسحاق، وجري بن كليب تفرد عنه قتادة، قال الخطيب: والهزهاز بن ميزن تفرد عنه الشعبي، قال ابن الصلاح: وروى عنه الثوري" هؤلاء من المجاهيل؛ لأنه لم يروِ عنهم سوى واحد، لكن استدرك على ابن الصلاح، وأثبت .. ، أثبتت الرواية عن هؤلاء عن غير من ذكر عنهم، "وقال ابن الصلاح: وقد روى البخاري لمرداس الأسلمي ولم يروِ عنه سوى قيس بن أبي حازم" مرداس الأسلمي صحابي، فهو ثقة، ولو لم يروِ عنه سوى واحد، ولا نحتاج فيه إلى كثرة الرواة، ولا إلى كثرة المرويات، ولا إلى تعديل أحد كائناً من كان، روى مسلم لربيعة بن كعب وهو كذلك لم يروِ عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن، وقد أثبت الأئمة رواية غير هذين عن هذين الصحابيين، "قال: وذلك مصيرٌ منهما إلى ارتفاع الجهالة بواحد وذلك المتجه كالخلاف بالاكتفاء بواحد في التعديل، قلتُ توجيهٌ جيد، لكن البخاري ومسلم إنما اكتفيا في ذلك برواية الواحد فقط؛ لأن هذين صحابيان، وجهالة الصحابة لا تضر، بخلاف غيره، والله أعلم". لو افترضنا أن البخاري خرج لراوي ممن دون الصحابة لم يروِ عنه سوى واحد، شخص ما روى عنه سوى واحد، تابعي أو تابع تابعي أو دونه، ووثقه من روى عنه، أو أنضاف إلى رواية واحد توثيق لبعض الأئمة، أو خرج له في كتابٍ التزمت صحته، هل يطعن بمجرد رواية واحد عنه فقط؟ أو نقول: تخريج حديثه في الصحيح تقوية لشأنه وأمره؟ توثيق الإمام مع رواية واحد توثيق له؟ كل هذا يقوي أمره، ولو لم يروِ عنه سوى واحد، نعم. طالب:. . . . . . . . . إيش هو؟ طالب:. . . . . . . . . الذهبي في الميزان نبه في المقدمة أنه إذا قال عن راوٍ: مجهول فهو قول أبي حاتم. تحرير معنى الجهالة الباطنة والظاهرة:

عرفنا أن الراوي المجهول أقسام، من لم يذكر اسمه مجهول ذات، وإن لم ينص على أنه مجهول ذات، لكن هذه حقيقته كالمبهم، من ذكر اسمه كامل رباعي أو خماسي، ذكرت نسبته ونسبه وكنيته، لكن لم يروِ عنه إلا واحد فهو مجهول العين، روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق هذا مجهول الحال، عرفت عدالته الظاهرة، شخص يتعامل مع الناس ولا لاحظوا عليه شيء، يصلي مع الناس، يشهد المناسبات مع الناس، يتعامل مع الناس ما شهدوا عليه بشيء، لكن أحواله الباطنة ما يدرى عنه، عمر -رضي الله عنه- لما زكي عنده شخص، قال للمزكي: سافرت معه؟ عاملته؟ بعت معه واشتريت؟ قال: لا، قال: ما تعرفه. هل نحتاج إلى مثل هذا في الرواة؟ نقول: هل المزكي عرفه؟ عرف حاله الباطنة؟ هل تعامل معه؟ نسأله هل تعامل معه؟ هل سافر معه ليعرف خفاياه؟ أو نقول: إنه مجرد ما يعرف حاله يصلي مع الناس، ويزكي مع الناس، يشهد المناسبات، ويتعامل مع الناس بصدق، هذه عدالته، وحال المسلمين كله مبني على هذا، ولا يلزم أن تعرف حاله الباطنة، ما يلزم إذا أردت أن تزكي شخص أن تسكن معه، أو تسافر معه لتعرف خبرته الباطنة، {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} [(81) سورة يوسف] ما أمرنا أن ننقب عن بواطن الناس، فالعدالة الباطنة لم نؤمر بها، بل يكفي في ذلك العدالة الظاهرة، نعم. مسألة: المبتدع إن كفر من بدعته فلا إشكال في رد روايته، وإذا لم يكفر فإن استحل الكذب ردت أيضاً، وإن لم يستحل الكذب فهل يقبل أم لا؟ أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟ في ذلك نزاعٌ قديم وحديث، والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره، وقد حكي عن نصٍ للشافعي وقد حكى ابن حبان عليه الاتفاق، فقال: لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافاً، قال ابن الصلاح: وهذا أعدل الأقوال وأولاها، والقول بالمنع مطلقٌ بعيد، مباعدٌ للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة، وفي الصحيحين من حديثهم بالشواهد والأصول كبير، والله أعلم.

قلتُ: وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره، ثم ما الفرق في المعنى بينهما؟ وهذا البخاري قد خرج لعمران بن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي، وهذا من أكبر الدعوة إلى البدعة، والله أعلم. نعم المبتدع، يعني من ارتكب البدعة، والبدعة المراد بها: ما أحدث في الدين على وجه التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-، من ارتكب بدعة فلا تخلو هذه البدعة: إما أن تكون مكفرة مخرجة عن الملة، أو غير مكفرة، إن كانت البدعة مكفرة فلا إشكال، فالكافر لا تصح روايته قولاً واحداً، لكن يختلف مثل هذا عن الكافر الأصلي، أن هذا يدعي أنه مسلم، ويأتي ببعض شعائر الإسلام، بل قد يأتي بالشعائر كلها، ويرتكب مع ذلك ما يخرجه عن الدين، أو قد يعتقد ما حكم أهل العلم بكفر معتقده، افترضنا أن شخصاً حلولياً أو مجسماً أو نافي للرؤية، أو قائلٌ بخلق القرآن، أو ما أشبه ذلك من البدع المغلظة، العلماء كفروا الجهمية، افترضنا أن جهمي يروي الحديث، أو رافضي من الروافض الغلاة، فما حكم روايته للحديث؟ الجمهور على أن من كفر ببدعته لا تقبل روايته، والذي رجحه ابن حجر أنه لو حكم بكفره بسبب هذه البدعة أن روايته مقبولة، ما لم ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، يقول: لأن كل طائفة تدعي فسق الطائفة الأخرى، وقد تبالغ فتكفر الطائفة الأخرى، لكن العبرة بالطائفة المعتدلة التي دينها الكتاب والسنة، تدور معهما حيث ما دارا، أما كوننا لا نقبل الجهمية؛ لأننا نكفرهم، وهم يكفروننا إذاً لا نقْبَل منهم، هذا الكلام ما هو بصحيح، العبرة بأهل السنة الذين هم أهل الكتاب والسنة. يقول: "فلا إشكال في رد روايته، وإذا لم يكفر فإن استحل الكذب ردت أيضاً" لأن استحلال الكذب عمدة الرواية الصدق، فإذا كان الراوي ممن يكذب أو يستحل الكذب، فهذا مردود اتفاقاً، يخالف مقتضى الرواية، فهذا لا وجه لقبوله، وإن لم يستحل الكذب، إذا عرف بالكذب، كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة واحدة، أو يتعاطى الكذب في حديثه مع الناس، فإن هذا أيضاً مردود الرواية.

أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟ الجمهور على أن الداعية لا يقبل، وغير الداعية يقبل، ونقل ابن حبان عليه الاتفاق، اتفاق أئمتهم، والخلاف في المراد بأئمتهم هل هم المحدثون؟ أو الشافعية؟ على كل حال رد الداعية قول الجمهور، وقال بعضهم بقبول روايته لوجود رواية بعض الدعاة في الصحيح، وأشار الحافظ ابن كثير إلى عمران بن حطان، وهو من الدعاة إلى قول الخوارج، الخوارج القعدية من رؤوس الخوارج، وقد مدح قاتل علي، وهذه دعوة، والحافظ ابن حجر يدافع عن تخريج البخاري لعمران بن حطان أنه ما المانع من قبول روايته وقد عرف بصدق اللهجة؟ ومعروف أن الخوارج من أصدق الناس لهجةً؛ لأنهم يرون الكذب كبيرة، ومرتكب الكبيرة كافر، إذاً لا يكذبون، وأشار إلى ذلك شيخ الإسلام في مواضع، وأن الخوارج من أصدق الناس لهجة، وبهذا أجاب ابن حجر عن رواية البخاري وتخريجه لحديث عمران بن حطان، والعيني تعقبه بقوله: "وأيُّ صدقٍ في لهجة مادح قاتل علي" تعقب في مكانه، في محله، فالذي يمدح قاتل علي أي صدقٍ في لهجته؟ لكن إذا عرفنا أنه يعتقد مثل هذا الكلام، فمثل هذا صدق بالنسبة له، وابن حزم يرجح الداعية على غير الداعية، يقول: الداعية أولى بالقبول من غير الداعية، لماذا؟ لأن هذا الداعية ينصر ما يراه الحق، ينصر ما أداه إليه اجتهاده، وأنه هو الحق، علماً بأن من أهل العلم من يرد المبتدعة مطلقاً، وهو قولُ الإمام مالك، لكن رد المبتدعة مطلقاً، وعدم قبول روايتهم من غير تفصيل هذا قولٌ مباعد عن الشائع عن استعمال أهل العلم، فروايات المبتدعة كتب السنة طافحة بها، بما في ذلك الصحيحين، فكتب السنة مشحونة بالرواية عن المبتدعة، لكن غير من كبرت بدعته أو من غلظت بدعته، والحافظ الذهبي -رحمه الله- في مقدمة الميزان قسم البدع إلى بدع كبرى وبدع صغرى، بدع مغلظة مثل هؤلاء لا تقبل رواية من اتصف بها، وأما البدع الصغرى فمثل هؤلاء تقبل رواياتهم.

قلتُ -يقول الحافظ ابن كثير-: "وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون شهادة الزور لموافقيهم، فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره"، لكن ماذا عن الاتفاق الذي ذكره ابن حبان وهو شافعي المذهب؟ هل يخفى عليه رأي الإمام الشافعي الذي نقل الاتفاق على رد رواية الداعية؟ اتفاق أئمتهم والشافعي داخل على الاحتمالين، يقول: "ثم ما الفرق في المعنى بينهما" يعني هل الدعوة إلى البدعة مؤثرة في الرواية؟ ابن كثير يرى أن الدعوة إلى البدعة لا تؤثر، لكن لنعلم أن الداعية إلى البدعة قد يحمله الحماس إلى بدعته فيكذب في الرواية، وتؤثر هذه البدعة في روايته، حماس، وهذا قد يحمله على أن يضع الحديث للحط من خصومه، هذا وقع، وهذا قد يقول قائل: إنه وقع من الأتباع أيضاً فلنرد المبتدعة جملةٍ وتفصيلاً، نقول: من وقع منه هذا رُد، ومن لم يعرف بهذا يقبل خبره، والحافظ ابن كثير كأنه يميل إلى عدم التفريق بين الداعية وغيره لوجود رواية عمران بن حطان مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي في الصحيح، صحيح البخاري، يقول: "وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة". أجيب عن تخريج الإمام البخاري لعمران بن حطان بأمور: أولاً: أنه خرج عنه ما تحمل عنه قبل اتصافه بالبدعة، عمران بن حطان كان من أهل السنة، والذي حمله على البدعة واعتناق مذهب الخوارج أنه تزوج امرأة جميلة لكنها من الخوارج، فتزوجها بنية دعوتها ليكسب أجرها، وفي هذا يخطئ من يقول: نبحث عن الجميلة ونكسب الأجر في دعوتها، والدين يجيء هذا الكلام ليس بصحيح، هذا خطرٌ عظيم، النتيجة أنها دعته فاعتنق مذهب الخوارج، أثرت فيه، ولم يستطع التأثير فيها، فمما أجيب به عن الإمام البخاري أن الإمام البخاري خرج عنه ما حُمل عنه قبل ابتداعه، ومنهم من قال: إن الإمام البخاري خرج عنه بعد توبته من هذه البدعة، ومنهم من يقول: خرج عنه في المتابعات والشواهد، على كل حال له ذكر في موضعين من الصحيح، والحديث الذي رواه عنه ... موجود هنا؟ ...

فعلى كل حال الإمام البخاري لم يعتمد على عمران بن حطان، بل خرج عنه ما رواه غيره، فالتخريج في الشواهد يحتمل فيها من الرواة ما لا يحتمل من غيرهم، فقد يخرج للضعيف الذي يعتبر به، ويعتد به إذا توبع، نعم. مسألة: التائب من الكذب في حديث الناس تقبل روايته خلافاً لأبي بكر الصيرفي, فأما إن كان قد كذب في الحديث متعمداً, فنقل ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل، وأبي بكر الحميدي شيخ البخاري أنه لا تقبل روايته أبداً, وقال أبو المظفر السمعاني: من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه. قلت: ومن العلماء من كفر متعمد الكذب في الحديث النبوي, ومنهم من يحتم قتله، وقد حررت ذلك في المقدمات، وأما من غلط في حديث فبين له الصواب فلم يرجع إليه فقال ابن المبارك وأحمد بن حنبل والحميدي: لا تقبل روايته أيضاً, وتوسط بعضهم فقال: إن كان عدم رجوعه إلى الصواب عناداً فهذا يلتحق بمن كذب عمداً, وإلا فلا، والله أعلم. ومن هاهنا ينبغي التحرز من الكذب كلما أمكن, فلا يحدث إلا من أصل معتمد, ويجتنب الشواذ والمنكرات, فقد قال القاضي أبو يوسف: من تتبع غرائب الحديث كذب، وفي الأثر: كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع.

التائب من الكذب، الكذب لا يخلو إما أن يكون في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يضع على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يختلق أو يكذب في حديث الناس، لا شك أن الكذب جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب لا سيما على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((إن كذباً عليّ ليس ككذبٍ على أحد)) ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فالتائب من الكذب سواءٌ كان الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أو على غيره مختلفٌ فيه، من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- متعمداً يرى الإمام أحمد بن حنبل والحميدي أنه لا تقبل توبته، ولا تقبل روايته، معنى لا تقبل توبته يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، وجمعٌ من أهل العلم أو جمهور العلماء يرون أن توبته مقبولة، وخبره حينئذٍ مقبول؛ لأن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس بأشد من الكفر، والنووي يرى أن قواعد الشرع تؤيد هذا القول، قواعد الشريعة تؤيد هذا القول، فإن من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم تاب ليس بأعظم ممن كان كافراً ثم أسلم، أو ارتكب من الذنوب الكبائر الشيء الكثير ثم تاب، فمن تاب تاب الله عليه، فهل يحتم جرحُ الكذاب أبداً بحيث لا تقبل روايته ولو تاب، وهذا مخرجٌ على قبول شهادة القاذف، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} هذا الاستثناء يرفع الجمل الثلاث أو يرفع الأخيرة فقط؟ أو ماذا يرفع؟ فإذا كانت شهادة القاذف مردودة أبداً فمعنى هذا أن الاستثناء لا يرفع إلا الجملة الأخيرة، وقال بهذا بعض العلماء، أما رجوع الاستثناء إلى الجملة الأولى فلم يقل به أحد، لا بد من جلده ثمانين جلدة، ولو تاب، وأما رجوعه إلى الجملة الأخيرة وارتفاع وصف الفسق عنه فهو مقتضى الاستثناء، وهو قول أهل العلم قاطبة، ورجوعه إلى الجملة الثانية المتوسطة هو محل الخلاف، هل تقبل شهادته أو يحتم جرحه فلا تقبل

شهادته؟ ومثله الكاذب؛ لأن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد من القذف، فالإمام أحمد والحميدي يشددون في هذا الباب، ويرون أنه مجروح أبداً، فلا تقبل روايته؛ لأنه ما دام كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وجرؤ على الكذب عليه ما الذي يثبت صدقه في توبته؟ وذكرنا أن أكثر العلماء على أن توبته مقبولة، وأن التوبة من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليست بأشد من الكفر، إذ الكافر إذا أسلم فإنه تقبل توبته قولاً واحداً. قال: "ومن العلماء من كفر متعمد الكذب في الحديث النبوي" هذا والد إمام الحرمين قال بكفره، ومنهم من يحتم قتله، وابن الجوزي يرى أنه إذا كذب أو تعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- في تحليل حرام أو تحريم حلال فإنه يكفر، وعلى كل حال القول بكفره قولٌ مرجوح، حتى قال إمام الحرمين: إنها زلة أو هفوة من والده لم يوافقه عليها أحد. من غلط في حديث فبين له الصواب فلم يرجع إليه، يروي الحديث فغلط فقيل له: الصواب كذا، قال: لا، لا، الصواب ما ذكرتُ، بُين له غلطه، جاءه واحد، اثنين، ثلاثة، عشرة، قالوا له: الصواب كذا، ارجع إلى الكتاب الفلاني الصواب كذا، قال: لا أبداً الصواب ما ذكرتُ، يُؤتى بالكتب، ولو، ولو أتيتم بالكتب، مثل هذا معاند هذا لا تقبل روايته، لكن إذا كان عدم رجوعه إلى الصواب ليس عن عناد، لم يكن عن عناد وإنما مجرد ثقة بنفسه بحيث إذا كثر عليه من يبين له الصواب رجع، يعني لا يرجع في أول الأمر، هذا إذا رجع في أول الأمر بين له الصواب فرجع هذا لا يؤثر ما لم يكثر في حديثه، لكن إذا روجع ولم يقبل، إن أصر وعاند مهما بلغ المبلغون مثل هذا لا تقبل روايته؛ لأنه يجرح بهذا، يلتحق بمن كذب عمداً، إن كان إصراره ثقةً بنفسه وعدم اطمئنان واسترواح إلى من بلغه بحيث لو زيد في العدد، وجاءه من يؤكد له أنه أخطأ رجع، فمثل هذا تقبل روايته.

يقول: "ومن هنا ينبغي التحرز من الكذب كلما أمكن" الكذب لا شك أنها خصلة ذميمة، وأشده الكذب على الله وعلى رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والكذب في حديثه مع الناس أيضاً معصية، وكبيرة من كبائر الذنوب، وإثمها على قدر الأثر المترتب عليها، وعلى كل حال تحديث الناس بما يخالف الواقع هذا هو حقيقة الكذب، وإن كان بعض صوره أبيحت للحاجة كالصلح بين الناس، للإصلاح بين الناس لا بأس، كذب الرجل على زوجته بقصد تأليفها مثلاً، منهم من يدخل في ذلك المناظرات العلمية، المقامات وغيره، المبالغات، الكلام الذي يبالغ فيه غير مطابق للواقع، حينما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- فلان لا يضع عصاه عن عاتقه ((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه)) هذه مبالغة، المبالغات فيها شيء من مخالفة الواقع، لكنها متجاوزٌ فيها، ومعفوٌ عنها، المناظرات التي يعقدها أهل العلم ولا حقيقةَ لها، يعقدون مناظرة بين سني وجبري مثلاً، سني وقدَري، بين العلوم، بين علم التفسير وعلم الحديث، قال علم الحديث كذا، وقال علم التفسير كذا، قال علم الفقه كذا، وقال علم الكلام كذا، يعقدونها كثيراً، هل هذا كذب وإلا صواب؟ صحيح الكلام وإلا كذب؟ مطابق للواقع أو غير مطابق؟ غير مطابق، أحياناً يعقد مناظرات على ألسنة الحيوانات والطيور، المقامات حدث الحارث بن همام قال، لا حارث ولا محروث، لا مُحدِث ولا مُحدَث، لكن قالوا: إن هذا يترتب عليه مصلحة ظاهرة، المفسدة مغمورة بجانبها فأجازوا مثل هذا، "فلا يحدث إلا من أصلٍ معتمد" لا يحدث من أصلٍ غير معتمد غير مقابل غير .. ، تكثر فيه الأخطاء، وحينئذٍ تنسب إليه هذه الأخطاء، "ويتجنب الشواذ والمنكرات فقد قال القاضي أبو يوسف: من تتبع غرائب الحديث كذب" لا بد أن يقع في الكذب؛ لأنه في يوم الأيام لا يجد شيئاً من الغرائب، وقد اعتاد الناس منه هذا واستدرجوه فلا يستطيع أن يرجع فيلجأ حينئذٍ إلى الكذب، ومنهم من يروي ذلك يقول: "من تتبع غرائب الحديث كُذِّب" يتعرض لتكذيب الناس إياه، وفي الأثر: ((كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع)) وهذا رواه مسلم في مقدمة الصحيح، أن يحدث بكل ما سمع؛ لأن من يحدث بكل ما سمع لا يؤمن أن ينقل الكذب مرة ثم مرة

ثم مرة ثم يستمريه، ويكون من عادته وديدنه، ثم يقع في الكذب هو، نعم. مسألة: وإذا حدث ثقة عن ثقة بحديث فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية فاختار ابن الصلاح أنه لا تقبل روايته عنه لجزمه بإنكاره، ولا يقدح ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه، بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي، فإنه تقبل روايته عنه، وأما إذا نسيه فإن الجمهور يقبلونه ....

شرح اختصار علوم الحديث (9)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (9) شرح: "مسألة: من أخذ على التحديث أجرةً .. ، ومراتب عبارات التعديل والتجريح، وشرح النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه ... " الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير وإذا حدث ثقةٌ عن ثقةٍ بحديث فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية فاختار ابن الصلاح أنه لا تقبل روايته عنه لجزمه بإنكاره، ولا يقدح ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه، بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي فإنه تقبل روايته عنه، وأما إذا نسيه فإن الجمهور يقبلونه، ورده بعض الحنفية كحديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عنه فلم يعرفه، وكحديث ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: "قضى بالشاهد واليمين" ثم نسي سهيل لآفةٍ حصلت له، فكان يقول: "حدثني ربيعة عني" قلتُ: هذا أولى بالقبول من الأول، وقد جمع الخطيب البغدادي كتاباً فيمن حدث بحديثٍ ثم نسي. نعم إذا حدث الثقة عن شيخه بحديث ثم ذهب من يطلب العلو إلى ذلك الشيخ، فقال: سمعنا من فلان أنه يحدث عنك بكذا، قال: أبداً أنا ما حدثته، كذب عليّ، إن قال مثل هذا الكلام له حكم، إن قال: نسيت، إن جزم بالإنكار له حكم، إن تردد وقال: أنا الآن لا أذكر أنا حدثته أو لم أحدثه هذا أيضاً له حكم.

يقول: "إذا حدث ثقةٌ عن ثقة بحديث فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية" بالكلية يعني جزم بالنفي، "فاختار ابن الصلاح أنه لا تقبل روايته عنه بجزمه بإنكاره"، أما الخبر لا يقبل؛ لأنه إنما ينسب إلى ذلك الشيخ، وذلك الشيخ منكرٌ له "ولا يقدح ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه" يعني في أحاديث أخرى، الراوي عن هذا الشيخ الذي جزم بالإنكار لا يقدح في عدالته؛ لأنك ما تدري الصدق مع من؟ نعم، هل الشيخ متحقق وجازم، وقوله مطابق للواقع فيما نفاه؟ وأنه بالفعل ما حدث ذلك الراوي، أو أن الراوي ضبط وحفظ وأتقن ما سمعه من ذلك الشيخ والشيخ نسي؟ احتمال، فليس قبول قول أحدهما بأولى من قبول الآخر، ولذا لا يقدح في عدالة الراوي عنه في الأحاديث الأخرى، في هذا الحديث يقدح؛ لأن الحديث إنما عُرف من طريقه وأنكره، "بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي فإنه تقبل روايته عنه"؛ لأنه يحمل على النسيان، يحمل على نسيانه، يقول: "وأما إذا نسيه فإن الجمهور يقبلونه" يعني لا أعرف هذا الحديث من سماعي، تردد من غير جزم، هذا يقبل، إذا نسي قال: نسيت، ما الفرق بين كونه نسي أو نفى أن يكون .. ، نفى معرفته بهذا الحديث؟ قوله: لا أعرف هذا الحديث من سماعي هذا .. ، نعم، يعني مرتبة بين مرتبتين، بين الإنكار بقوة والجزم، وبين إثبات النسيان، إذا نسي "فإن الجمهور يقبلونه، ورده بعض الحنفية، كحديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) " لكن هل يؤخذ مذهب من رد بحديثٍ واحد؟ يقول: الحنفية يردون هذا؟ كل من نسي ردوا حديثه، أو نعرف مذهبهم في هذه المسألة ونقول: إنهم لا يرون اشتراط الولي في النكاح فردوا هذا الحديث لأمور أخرى، لا يلزم أن يكون لأن الراوي نسي، يقول: "فرده بعض الحنفية كحديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل))، قال ابن جريج: "فلقيت الزهري فسألته عنه فلم يعرفه" وكحديث ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: "قضى بالشاهد واليمين" ثم نسي سهيل لآفةٍ حصلت له في ذلك، فكان يقول: حدثني ربيعة عني" أني حدثته بكذا، والخطيب البغدادي

مسألة: من أخذ على التحديث أجرة:

له كتاب جمع فيه هذه الأخبار التي نسي فيها الشيخ، وصار يحدث عمن حدثه هو، وللسيوطي رسالة اسمها: (تذكرة المؤتسي في ذكر من حدث ونسي) وهو مختصر من كلام الخطيب نأخذ الأجرة أو نقف عليها؟ هاه؟ إيش رأيك نكمل بسرعة؟ طالب:. . . . . . . . . وين؟ تبي تمشي لأن الكلام طويل جداً. طالب:. . . . . . . . . أجل قف على الأجرة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد. سم. مسألة: من أخذ على التحديث أجرةً: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-: مسألة: ومن أخذ على التحديث أجرةً، هل تقبل روايته أم لا؟ روي عن أحمد وإسحاق وأبي حاتم أنه لا يكتب عنه لما فيه من خرم المروءة، وترخص أبو نعيم الفضل بن دكين، وعلي بن عبد العزيز وآخرون كما تؤخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقد ثبت في صحيح البخاري ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله))، وقد أفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فقيه العراق ببغداد لأبي الحسين بن النقور بأخذ الأجرة لشغل المحدثين له عن التكسب لعياله. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أخذ الأجرة على تعليم العلم الشرعي كالتفسير والحديث والفقه والعقائد وغيرها مختلفٌ فيه بين أهل العلم، فممن منعه الإمام أحمد -رحمه الله- وإسحاق وجمعٌ من أهل العلم، منعوه احتياطاً، وقالوا: ينبغي ألا يروى عمن اشترط الأجرة، وكأنهم قاسوا ذلك على من اشترط الأجرة في إمامة الناس مثلاً، فالإمام أحمد يقول: من يصلي خلف هذا؟ الذي يصلي بهم؟ يقول: لا أصلي بكم رمضان إلا بكذا، بمبلغ كذا، يقول الإمام أحمد: من يصلي خلف هذا؟ لكن في المسألة حديثٌ صحيح صريح، مخرجٌ في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد: ((إن أحق من أخذتم عليه أجراً كتاب الله))، وإذا جازت الأجرة على تعليم القرآن وتعلمه وتعليمه عبادةٌ محضة فأخذ الأجرة على الحديث والفقه والتوحيد وغيره من علوم الشرع من باب أولى.

أعلى العبارات في التعديل والتجريح:

وعلى كل حال من تورع وتبرع وعلم الناس مجاناً، كما عُلم مجاناً فأجره موفورٌ عند الله -سبحانه وتعالى-، لكن المنع من ذلك يحتاج إلى دليل، بل الدليل على خلافه، نعم من كان همه وقصده الدنيا بحيث لا يفعل أو لا يعمل عملاً شرعياً إلا بأجرة هذا لا شك أنه عنده خلل، أما العلم غير العلم الشرعي من علوم الدنيا فلا بأس بأخذ الأجرة عليه قولاً واحداً، كالطب والهندسة وغيرها؛ لأنها كغيرها من المهن والحرف، كما يشتغل المزارع بأجرة يعلم الزراعة بأجرة، كما يشتغل المهندس بأجرة يعلم الناس الهندسة بأجرة لا بأس. الوسائل إلى العلوم الشرعية من أهل العلم من يلحقها بالمقاصد، فتعليم اللغة ينبغي أن يكون مجاناً، وإن كان تعليمها أخف، وأخذ الأجرة عليها أخف من العلوم الشرعية المحضة عند من يمنع ذلك، ومن أهل الحديث من يفرض في تعليم العربية لكل بيتٍ من أبيات الألفية أجر معين، كل بيت بدرهم، ولا إشكال في ذلك -إن شاء الله تعالى-، لكن ينبغي أن يكون هذا العلم الذي يبتغى به وجه الله -سبحانه وتعالى- مما يبذل مجاناً؛ ليكون الأجر موفوراً يوم القيامة. أما من يعلم الناس وقصده الدنيا من غير نظرٍ ولا التفات إلى الآخرة فهذا على خطرٍ عظيم {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [(15) سورة هود] إلى آخره، لكن الشأن فيمن يعلم الناس يبتغي بذلك وجه الله، ويؤخذ أجرةً يستعين بها على أمور دنياه هذا الذي أجازه جمهور العلماء، لا سيما إذا عاقه تعليم الناس عن التكسب لعياله، فأخذ الأجرة خيرٌ من أخذ الزكاة، وتكفف الناس، والحاجة إليهم، نعم. أعلى العبارات في التعديل والتجريح: مسألة: قال الخطيب البغدادي: أعلى العبارات في التعديل والتجريح أن يقال: حجة أو ثقة، وأدناها أن يقال كذاب، قلتُ: وبين ذلك أمورٌ كثيرة يعسر ضبطها، وقد تكلم الشيخ أبو عمروٍ على مراتب منها، وثم اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها.

يكفي، مراتب وألفاظ الجرح والتعديل نوعٌ مهم من أنواع علوم الحديث، كان ينبغي على الحافظ -رحمه الله- ابن كثير أن يبسط القول فيها؛ لأنها من أهم المهمات لمن يدرس الأسانيد، ولا يكتفي بأعلى المراتب وأدنى المراتب، ألفاظ الجرح والتعديل هي ألفاظ وجمل يستعملها أهل العلم يعبرون بها عما يستحقه الراوي من منزلة جرحاً وتعديلاً، والمراتب هي ترتيب لتلك الألفاظ من حيث القوة والضعف، وجمع جميع الألفاظ التي نطق بها أهل العلم في بيان ما يستحقه الرواة لا شك أنه أمرٌ في غاية الأهمية، وتمناه الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، ومن بعده السخاوي، تمنى كل منهما لو اعتنى بارعٌ بتتبعها من كتب الرجال والتواريخ وغيرها، اعتنى بارع، ما يكفى أدنى واحد، فيتتبعها ويجمعها ويصنفها، يجعل ما يتعلق بالتعديل على حدة، وما يتعلق بالجرح على حدة، ولا شك أنه سوف يواجه ألفاظ قد يصعب عليه تصنيفها، ثم بعد ذلكم يتكلم على هذه الألفاظ في اللغة وفي الاصطلاح، ثم يرتبها حسب القوة والضعف، هناك ألفاظ قد يصعب مراد المتكلمِ بها، يصعب فهم مراده، لكن مع المران ومع إدامة النظر وبمقارنة قوله مع أقوال أهل العلم في الراوي يتبين المراد.

الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- يظن أن قول أبي حاتم في جبارة بن مغلس: "بين يدي عدل" يظنها تعديل، ومضى الحافظ ابن حجر على ذلك مدة إلى أن قارن بين أقوال العلماء مع قول أبي حاتم فوجد أنهم مطبقون على تضعيفه، فكيف يعدله أبو حاتم وقد عرف بالتشدد؟! هذا أوجد عنده وقفة، ثم وقف على قصص من كتب الأدب تدل على أن هذه الجملة من أسوأ ألفاظ الجرح، فوقف على قصة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني لأبي عيسى بن هارون الرشيد مع طاهر القائد كانوا على مائدة يأكلون، فجاء أبو عيسى فأخذ هندبات إما كوسا وإلا قرعة وإلا .. ، فرمى بها عين طاهر وهو أعور، رمى بها العين السليمة، فشكاه على أبيه فقال: انظر ماذا صنع بي؟ ضرب عينه السليمة، والأخرى بين يدي عدل، وهو أعور، والأخرى تالفة، يقول: فهمت أن المراد أنها تجريح وليست تعديل، ثم وقف على كلامٍ لابن قتيبة في أدب الكاتب، وهو أن العدل الذي يشار إليه في مثل هذا الكلام العدل بن جزم بن سعد العشيرة، كان على شرطة تبع، وكان موكولاً إليه القتل، فإذا أمر تبع بشخص أن يستلمه العدل هذا ليقتله قال الناس: هذا بين يدي عدل، ومرادهم بذلك أنه مآله إلى الهلاك، فهو تالفٌ حكماً، لهذا لا نستهين من الاستفادة من أي كتاب يمكن أن يستفاد منه، نعم كتب الأدب فيها من الفضول الشيء الكثير، لكن ما المانع أن يطلع عليها بقدرٍ تستجم به النفس، ويفتح به بعض المغاليق من مثل هذه الأشياء؟ على أن لا يسترسل في ذلك؛ لأن الغاية الكتاب والسنة. المقصود أن هناك من الألفاظ النادرة التي لا يستطيع الطالب المبتدئ أو المتوسط فهم مراد قائلها منها، لكن مع إدامة النظر، ومع المقارنة بين أقوال أهل العلم يتبين له المراد، وبقرائن ترشد إلى ذلك، فما على طالب العلم إلا أن يجمع كتب الرجال، ويجرد هذه الكتب، ويجمع هذه الألفاظ وهذه الجمل ويصنفها، ثم تقسيمها وترتيبها إلى مراتب هذه مرحلة ثانية، تحتاج إلى جهد وإلى عناء.

أول من هذب مراتب الجرح والتعديل وصنفها ورتبها ابن أبي حاتم في تقدمة كتابه العظيم (الجرح والتعديل) وجعلها أربع مراتب للتعديل وأربع للجرح، تبعه على ذلك ابن الصلاح ومن دار في فلكه، ثم جاء الحافظ العراقي والذهبي فجعلاها خمس مراتب في القسمين، ثم جاء الحافظ ابن حجر والسخاوي والسيوطي فجعلوها ستاً ستاً، فأعلى هذه المراتب في التعديل .. ، ابن حجر يجعل أعلى مراتب التعديل الصحبة، فجعل الصحابة في المرتبة الأولى، وغيره أخرج الصحابة، من باب أنه ينبغي ألا يضم الصحابة إلى غيرهم من الرواة فشأنهم آخر، فجعلوا أعلى المراتب ما جاء بأفعل التفضيل كأوثق الناس، أو فلان لا يسأل عنه، أو إليه المنتهى بالتثبت، وهذه جعلها الحافظ في المرتبة الثانية في التقريب، وإن جعلها في المرتبة الأولى في النخبة، من المراتب العليا في التعديل تكرار لفظ التعديل، إما بلفظه أو بمرادفه، ثقة ثقة، ثقةٌ ثبت، وإذا كرر أكثر من ذلك فقيل: ثقة ثقة ثقة ثلاث، أربع، خمس، وأكثر ما وجد من ذلك تسع مرات في كتب الجرح والتعديل، وكأنهم بعد يرون أنه انقطع نفسه وإلا ما كان يريد أن يقف على هذا الحد، المقصود أن الرواة متفاوتون في منازلهم. وهذه المراتب وهذه الألفاظ تقريبية في وصف أحوال الرواة، وإلا ليس معنى أن من وصف باللفظ (ثقة) لو وقفنا على كتاب التقريب وجردنا من قال فيه الحافظ: ثقة فوجدناهم ألف مثلاً، وجدنا أن هؤلاء الألف في مرتبة واحدة كلهم ثقات، لا، هؤلاء الثقات متفاوتون. يلي ذلك ما قيل فيه: ثقةٌ فقط، لكن لو قال -وهذا موجود في كتب الإتباع وهي من كتب اللغة ولم أقف عليه في كلام أهل العلم في الجرح والتعديل- لو قال: ثقةٌ ثقة بالتاء، أو ثقةٌ نقة بالنون هذا من باب الإتباع، ويلحق بتكرار الثقة، ومثله ضعيفٌ نعيف، على ما سيأتي. إفراد الثقة مرتبةٌ رابعة، الخامسة: من وصف بصدوق، والسادسة: من أضيف إلى لفظ الصدوق فقيل: صدوقٌ يهم، أو وصف بوصفٍ آخر مع صدوق. طالب:. . . . . . . . . ابن حجر جعلها الصحابة، هنا جعل المرتبة الأولى الصحابة، هذا في التقريب، وله رأيٌ آخر في النخبة وشرحها.

"أولها: الصحابة فأصرح بذلك لشرفهم، الثانية: من أؤكد مدحه إما بأفعل كـ (أوثق الناس) أو بتكرير الصفة لفظاً كـ (ثقة ثقة) أو معنىً كـ (ثقة حافظ) المقصود أن مثل هذه الأشياء يعني لا شك أنها تعطي قوة للراوي، لكن ليس معنى هذا أن هذا أمرٌ متفق عليه بين أهل العلم، بدليل أن من يجعل الصحابة في المرتبة الأولى وأخرجهم عن هذه المراتب جعل الثانية عند ابن حجر أولى، وأضاف إليها "إليه المنتهى في التثبت" وفصل ما فيه تكرار عن ما جاء بأفعل التفضيل، الحافظ ابن حجر جعل التكرار في الثانية مع ما جاء بأفعل التفضيل؛ لأنه جعل الأولى للصحابة، لكن لو أخرج الصحابة كغيرها فجاء بأفعل التفضيل، أو فلان لا يسأل عن مثله أو إليه المنتهى في التثبت في الأولى، وجعل التكرار في الثانية، وجعل إفراد الثقة في المرتبة الثالثة، والرابع من قصر عن درجة الثالثة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس، والخامسة: من قصر عن درجة الرابعة قليلاً وإليه الإشارة بالصدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرةٍ، ويلتحق بذلك من رمي بنوعٍ من البدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم مع بيان الداعية من غيره، السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، هذه آخر مراتب التعديل، من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث.

حقيقة العناية بمراتب التعديل عند الحافظ ينبغي أن تفوق غيره، نعم عند السخاوي ألفاظ أكثر من الحافظ وعند السيوطي في التدريب كذلك، وأكثر من جمع من هذه الألفاظ السخاوي في (فتح المغيث) لكن التقريب كتاب عملي بأيدي الناس كلهم، ولا يمكن التعامل مع محتوى الكتاب إلا بالرجوع إلى مقدمته، والكتاب كتابٌ محرر ومتقن ومضبوط، والحافظ حافظ، وليس بالمعصوم، ولنا عليه استدراكات وملاحظات، فمن ذلكم ما قاله في السادسة، انتبهوا يا الإخوان، السادسة: "من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ (مقبول) حيث يتابع، وإلا فلين الحديث" الآن الكتاب الذي هو التقريب للرواة أو للمرويات؟ وصف للرواة أو للمرويات؟ إيش معنى قوله: "حيث يتابع مقبول وإلا فلين"؟ وصف لروايته، وليست وصفاً للراوي، معنى هذا أنه لو وصف زيد من الناس بلفظ (مقبول)، وورد ذكره في حديثٍ، ورد في سند حديث لم يتابع عليه يستحق مقبول وإلا يرجع للين؟ يرجع للين، فيحتاج إلى متابع ليكون مقبولاً، شخص آخر ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، لكنه ما توبع ويش يستحق؟ يصفه ابن حجر بإيش؟ بلين؛ لأنه ما توبع، لكن لو توبع هذا صار مقبولاً، إذاً هذه الأوصاف للروايات وليست للرواة.

وعلى سبيل المثال الضحاك هنا ثلاثة: الضحاك بن حمرة، والضحاك المعافري، نعم ما أراد الله أن ننبه تحضرون الكتاب، لكن عاد ... ، الضحاك هاه؟ الضحاك بن حمرة هنا إيش؟ بضم المهملة وبالراء، يقول: "ضعيفٌ من السادسة" ضعيف، هذا الضعيف إذا توبع ويش يصير؟ يصير حديثه حسن، مقبول، الضحاك المعافري هنا ... ، الضحاك بن فيروز الديلمي الفلسطيني مقبول، هذا إن توبع صار مقبول، إذا لم يتابع صار لين، وهذا الضحاك بن المنذر مقبول أيضاً، الضحاك بن نبراس الأسدي لين الحديث من السابعة، هذا لو توبع صار مقبول، والآن الذين يتعاملون مع التقريب ما ينظرون إلى مثل هذه القواعد، مجرد ما يرد الضحاك الذي وصف بأنه مقبول يحكم على الحديث بأنه مقبول، ومجرد ما يرد هذا الضحاك بن نبراس الذي وصف بأنه لين يحكمون على الحديث بأنه ضعيف يحتاج إلى متابع، أنا أقول: ما الفرق بين الضحاك بن حمرة الضعيف هذا والضحاك بن نبراس اللين والضحاك بن قيس المقبول؟ أو الضحاك بن فيروز المقبول؟ إيش الفرق في الحقيقة؟ في فرق وإلا ما في فرق؟ هذا واحد في مراتب التعديل، وواحد في مراتب التضعيف اتفاقاً ضعيف هذا، وواحد في المراتب التي يحتمل إذا توبع؛ لأن الحافظ جعله في مرتبة التعديل إذا توبع، الضحاك بن حمرة إذا توبع خلاص صار مثل ذاك، إذاً لا فرق، وهذا لا شك أنه ينبغي أن يلاحظ، فلا تؤخذ هذه القاعدة مسلمة، قد يقول قائل: الحافظ ما حكم على شخصٍ بأنه مقبول إلا وقد توبع في جميع مروياته، وما حكم على الآخر بأنه لين إلا وقد سبر جميع مروياته وأنه لم يتابع عليها، هذا الكلام صحيح؟ الإحاطة ما يمكن، ما تمكن الإحاطة، الإحاطة بجميع مرويات الرواة وإن كانوا مقلين مثل هؤلاء لا يمكن، لا ندعي أن الحافظ اطلع على جميع طرق الأحاديث؛ ليحكم على راوٍ بأنه لين لأنه لم يتابع مطلقاً، وقاعدته تومئ إلى ذلك، يقول: "مقبول حيث يتابع وإلا فلين" إذاً هذا حكم على المرويات وليس حكماً على الرواة، فينبغي أن يلاحظ، هذه مراتب التعديل عنده، ثم أتبعها بمراتب الجرح على سبيل التدلي.

السابعة التي هي الأولى من مراتب الجرح: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ (مستور أو مجهول الحال)، السابع: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ (مستور أو مجهول الحال) بحثنا أمس المجهول، وأوردنا سؤال وهو: هل الجهالة عدم علم بحال الراوي أو جرح يضعف به الحديث؟ وذكرنا من قال بهذا وذاك، وصنيع الحافظ هنا يدل على أنه جرح، وصنيع غيره أيضاً في جعلهم المجهول من ألفاظ التجريح، لكن قول أبي حاتم مجهول أي لا أعرفه يدل على أنه عدم علم بحال الراوي، وكذلك قول الحافظ بالنخبة مما أشرنا إليه سابقاً: "ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحاً أو جهالة" فجعل الجهالة قسيم للتجريح والتعديل وليست قسم. الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ (ضعيف)، التاسعة: من لم يروِ عنه غير واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ (مجهول) هذا مجهول العين على ما تقدم بالأمس مجهول العين، والأول مجهول الحال، اللي هو في السابعة، وجعل بين مجهول العين ومجهول الحال مرتبة وهي من وصف بلفظ ضعيف، وعلى كل حال مجهول الحال الذي هو المستور والضعيف غير شديد الضعف من المتربة الثامنة والتاسعة مجهول العين كلهم ضعفهم غير شديد، بمعنى أنه ينجبر. العاشرة: من لم يوثق البتة، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الإشارة بـ (متروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط) ضعف بقادح، الآن من قيل فيه: ضعيف هل ضعف بقادح أو بغير قادح؟ نعم؟ بقادح، إذاً ما الفرق بين الثامنة والعاشرة؟ نعم إن كان المراد بالقادح القدح الشديد لا بأس؛ لأنه يستحق الوصف بمتروك، متروك الحديث، واهي الحديث، ساقط، ضعفه شديد مثل هذا لا ينجبر خبره ولا يرتقي. الحادية عشرة: من اتهم بالكذب، والاتهام بالكذب يوصف به من يُعرف بالكذب في حديثه العادي، ولو لم يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لو كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- لصار من الثانية عشرة: من أطلق عليه الكذب والوضع.

وعلى كل حال الحافظ -رحمه الله- غالب أحكامه دقيقة، وليس هو بمعصوم، وهو إمام من أئمة هذا الشأن ينبغي أن يعتنى بأقواله، لكن عليه ما عليه من الملاحظات، وهي يسيرة بالنسبة إلى حجم الرواة الذين تكلم فيهم. أيضاً ينبغي أن نعرف أن الحافظ حكم على رواة في التقريب بأحكام، وحكم عليهم في غيره من كتبه بأحكام أخرى كالفتح والتلخيص وغيرهما، وعلى سبيل المثال عبيد الله بن الأخنس، وعندي مجموعة من هؤلاء، وأشرنا به على بعض الأخوة، وسجلوا رسائل في جامعة أم القرى، وانتهى منهم ثلاثة الآن. طالب:. . . . . . . . . وين؟ من اختلف حكم الحافظ عليه، في نسخة من التقريب فيها أشياء كثيرة، لكن عبيد الله بن الأخنس هنا، عبيد الله بن الأخنس، نعم عبيد الله بن الأخنس النخعي أبو مالك الخزاز صدوق، قال ابن حبان: كان يخطئ، صدوق، قال ابن حبان: كان يخطئ. يقول الحافظ في الفتح في الجزء العاشر صفحة (199): "وثقه الأئمة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ" فرق كبير بين الحكمين، وحينما نورد مثل هذه الأشياء، وهي يسيرة بالنسبة لحجم الكتاب لا يعني هذا أننا نقلل من قيمة الكتاب، أو من شأن الحافظ كلا، أو نتطاول عليه، أو نفتح باب لمن يتطاول عليه، لا، لكن نريد من الإخوة الذي يعتمدونه اعتماداً كلياً، ويصححون ما ضعفه الأئمة، أو يضعفون ما صححه الأئمة اعتماداً على التقريب أن يحتاطوا لهذا الأمر، وأن المسألة تحتاج إلى إعادة نظر، وأنه ليس لكل أحد أن يتصدى لمثل هذه الأمور.

الحكم في أهل هذه المراتب الأولى والثانية والثالثة هاذولاء ما فيهم إشكال، يعني من وثق سواءٌ كرر لفظ التوثيق أو جيء بأفعل التفضيل، أو وصف بأنه ثقة، هؤلاء لا إشكال ولا خلاف في الاحتجاج بهم، لكن الرابعة، "الرابعة من قصر من درجة الثالثة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق"، مثل هذا يحتج به أو لا يحتج به؟ وهي مسألة مهمة، عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح أيضاً والسخاوي لا يحتج بهم ابتداءً، الصدوق ما يحتج به ابتداءً، وإنما يكتب حديثه، ويعتبر به، وينظر ويختبر، لماذا؟ لأن لفظ صدوق لا يشعر بشريطة الضبط، نعم هي مبالغة في الصدق، ومن باب التمثيل لو افترضنا أن شخصاً في يوم عيد يكثر الوارد عليه، وعنده ولد، طرق الباب بعد صلاة العيد، افتح يا ولد، فتح، من؟ فلان، وهذا صحيح طابق الواقع، صدق في خبره، طرق ثاني، وثالث، ورابع، وعاشر، ومائة، ومائتين في يوم العيد، ألا يستحق الوصف بصدوق؟ ما خالف الواقع ولا مرة، كلهم يقول: فلان وصحيح كلامه، لكن سأله أبوه من الغد: من جاءنا بالأمس؟ قال: فلان وفلان وفلان ذكر اثنين ثلاثة، ثم عجز أن يستحضر الباقي، ضابط وإلا ما هو بضابط؟ هذا ليس بضابط، يستحق الوصف .. ، وصف المبالغة بصدوق؛ لأنه لزم الصدق، ولا مرة واحدة قال: فلان وهو يكذب، لكن الوصف بصدوق لا يشرع بشريطة الضبط عند هؤلاء، ولذا لا يحتج بالصدوق.

الذين يحتجون بالصدوق وهو الذي جرى عليه عمل المتأخرين يحتجون به، حجتهم .. ، إحنا عرفنا حجة من قال بعدم الاحتجاج به ابتداءً؛ لأن اللفظ لا يشعر بشريطة الضبط، يشعر بملازمة الصدق صحيح، لكن من أين نأتي بالضبط لنحتج بالصدوق؟ قالوا: إن هذا الراوي الذي وصف بصدوق ما استحق المبالغة إلا لملازمته الصدق، ويعني ذلك أنه لا يكذب، والكذب يطلقه أهل العلم بإزاء من يتعمد الكذب والخطأ، ومن يخطئ من غير تعمد؛ لأنه لا واسطة عند أهل السنة بين الصدق والكذب، فالذي لا يخطئ صادق، لكن هل يقال: صادق من يخطئ؟ لا يستحق الوصف بصدوق، فعلى هذا لا يستحق المبالغة إلا إذا كان ملازماً لوصف الصدق، فلا يقع الكذب في خبره لا عمداً ولا خطأ، فما استحق الوصف بصيغة المبالغة إلا أنه ملازم للصدق، وجاء في النصوص إطلاق الكذب على الخطأ، ((صدق الله وكذب بطن أخيك)) المقصود أنهم يطلقونه على الخطأ، وجاء في الصحيح: ((كذب نوف)) وكذب فلان، وكذب فلان، وكلها أخطأ، هذه حجة من يرى الاحتجاج بصدوق، وهي حجة لا شك أنها لها حظٌ من النظر، ولذا اعتمد أهل العلم من المتأخرين الاحتجاج بمن وصف بصدوق. المسألة تحتاج إلى مزيد من البسط والتفصيل، وهذا الموضوع في غاية الأهمية، لكن ما أدري ويش نأخذ؟ ويش نخلي من علوم الحديث بهذه الطريقة؟ طالب: ما الفرق بين صدوق. . . . . . . . . الصدوق له أوهام، صدوقٌ يهم، وصدوقٌ له أوهام، وصدوقٌ يخطئ، وصدوق دون وصف آخر، لا شك أن مرتبة صدوق دون أي وصف آخر أعلى، أعلى مما لو وصف بوصفٍ مضعِف، لكن قد يقول قائل: لولا وجود هذه الأخطاء ووجود هذه الأوهام لما قيل: صدوق أصلاً، لاستحق الوصف بأنه ثقة، ما الذي أنزله عن مرتبة الثقة إلى صدوق إلا وجود مثل هذه الأخطاء وهذه الأوهام، لكن لنعلم أن هذا اصطلاح، اصطلاح طبقوه على الرواة، وميزوا ووازنوا بينهم، والحافظ -رحمه الله- حينما يصف بوصفٍ آخر مع الصدوق إنما ينتقيه من قول بعض الأئمة، وكثيراً ما يعتمد في هذا على ابن حبان. يقول: "وثم اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها" . . . . . . . . . تقرأ يا شيخ، طيب شويه خليه يعدل الشريط. . . . . . . . . خلاص؟ اقرأ.

قال: "وثم اصطلاحات لأشخاصٍ ينبغي التوقيف عليها، من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه، أو فيه نظر فإنه يكون في أدنى المنازل وأردأها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح فليعلم ذلك، وقال ابن معين: إذا قلتُ: ليس به بأس فهو ثقة، قال ابن أبي حاتم: إذا قيل: صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه، وروى ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري أنه قال: لا يُترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، وقد بسط ابن الصلاح الكلام على ذلك، والواقف على عبارة القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال، وبقرائن ترشد إلى ذلك، والله الموفق. قال ابن الصلاح: وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا، ولم يبقَ إلا مراعاة اتصال السلسلة في الإسناد، فينبغي أن لا يكون الشيخ مشهوراً بفسقٍ ونحوه، وأن يكون ذلك مأخوذاً عن ضبط سماعه من مشايخه من أهل الخبرة بهذا الشأن، والله أعلم. يقول -رحمه الله-: "وثمَ اصطلاحات" هناك اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها، إيش الفرق بين ثمَ وثمة؟ ثَمَ وثمةَ في فرق؟ لو قال: ثمةَ اصطلاحات؟ طالب:. . . . . . . . .

هي بمنزلة هنا وهناك، نعم، هناك اصطلاحات أو هنا اصطلاحات، فكأنهم يريدون أن ثمةَ للقريب، وثَم للبعيد، "ينبغي التوقيف عليها من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه، أو فيه نظر فإنه يكون في أدنى المنازل وأردأها" الإمام -رحمه الله تعالى- عنده من الورع، وعفة اللسان، ما يحمله على مثل هذا، فقد يكون الراوي عنده شديد الضعيف لا يقبل حديثه الانجبار، ويقول: سكتوا عنه، هو من أهل التحري يحتاط لنفسه، أو يقول: فيه نظر، وهو شديد الضعف، قال: فإنه يكون في أدنى المنازل وأردأها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح فليعلم ذلك، لا شك أن العقول تتفاوت، والناس يتفاوتون تفاوتاً كبيراً في التحري والتثبت والاحتياط للنفس، فأين من يقول: فيه نظر؟ أو سكتوا عنه مع من يقول: فلان لا يساوي رجيع الكلب؟ نعم، أين هذا من ذاك؟ أين الثرى من الثريا؟ أو قال: فلان بكذا وهو قول من لا يؤمن بيوم الحساب، يصف بذلك كبار الأئمة مالك وأبا حنيفة وغيرهم، على كل حال هذه تنبئ عن عقليات؛ لأن الإنسان أهم ما عليه نفسه، فينبغي أن يحتاط لنفسه، وتجد من آحاد الطلبة وصغارهم يسأل عن فلان وعلان يخطئ، أما مسألة أخطأ فلان، وضل فلان من أسهل ما يقول، وهم شباب نصبوا أنفسهم حكام بين العباد، فعلينا أن يكون اللسان عفيفاً، والذمة بريئة من تعلق المخلوقين بها، وأعراض المسلمين حفرةٌ من حفر النار، كما يقول ابن دقيق العيد -رحمه الله-، يقول: "وقف على شفيرها العلماء والحكام". على كل حال هذا الباب يحتاج إلى شيءٍ من البسط، لكن الوصية الجامعة أن على الإنسان أن يحتاط لنفسه أكثر من غيره، وأن لا يرد يوم القيامة مفلساً يجمع من الأعمال أمثال الجبال ثم يوزعها، كم من شخص حطت رحاله في الجنان والناس يتكلمون في عرضه، وما ذلكم إلا لخيرٍ أراده الله له، والله المستعان.

ابن معين يقول: "إذا قلتُ: ليس به بأس فهو ثقة" ينبغي أن يلاحظ، فلا يجعل قول ابن معين: "ليس به بأس" في المرتبة الرابعة مع "صدوق" مثل "لا بأس به" إنما يجعل مع الثقة، قال ابن أبي حاتم: "إذا قيل: صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه"، ابن أبي حاتم ينقل عن أبيه أن الصدوق لا يحتج به، سئل عن فلان فقال: صدوق، أتحتج به؟ قال: لا، وسئل عن شخص فقال: حسن الحديث، أتحتج به؟ قال: لا، ولأبي حاتم من هذا الشيء الكثير، مسألة الاحتجاج عنده يحتاط لها احتياطاً كبيراً، وهو متشدد في هذه الباب بلا شك، لكن هو إمام معتبر، بل جبل، فهو ممن كتب حديثه، وينظر فيه، وعرفنا مسألة الصدوق والاحتجاج به، وعدم الاحتجاج به. "وروى ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري أنه قال: "لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه" لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، هذا تساهل وسعة في الخطو، لا يلزم أن يجمع الجميع على تركه، نعم إن كان لا يستحق الوصف بمتروك حتى يجتمع الجميع على تركه، فله وجه، لكن نعلم أن متروك، أو متروك الحديث جرحٌ شديد، فإذا اجتمعوا على ترك راوي فهو متروك بلا شك، لكن قد لا يحتج بحديثه، يترك حديثه، معناه أنه لا يحتج به لكلامِ واحد من أئمة الحديث معتبر، ولو لم يجمعوا على تركه، أو وثقه بعضهم، وضعفه آخرون، والتضعيف في حقه أرجح. يقول: "وقد بسط ابن الصلاح الكلام في ذلك، والواقف على عبارة القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال" لا شك أن إدامة النظر في كتب الجرح والتعديل كتواريخ البخاري، وسؤالات الإمام أحمد، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والثقات والمجروحين، وتهذيب الكمال وفروعه وغيرها من كتب الرجال تجعل عند الطالب ملكة يميز بها بين الأقوال التي يظن أنها متماثلة، ويفهم بها، أو بواسطة هذه الملكة ما استغلق على غيره، وهناك قرائن ترشد إلى المطلوب.

"قال ابن الصلاح: "وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا" يعني من الرواة، فقدت شروط الأهلية والناس في سفال، إذا كانت الأهلية قد فقدت في المائة السادسة والسابعة فكيف بزماننا وما تقدمه من الأزمان مع وجود الشواغل والصوارف؟ لا شك أن الأهلية لا سيما ما يتعلق بالضبط ضعفت كثيراً، اعتماداً من الناس على كتبهم، وعدم تعاهدهم إياها، وتساهلهم في حفظها وصيانتها، ثم بعد ذلكم جاءت المطابع فبعد الناس بعداً شديداً عن مزاولة العلم، يكتفي طالب العلم أن يجمع الكتب، ويسمي نفسه طالب علم، والطباعة مع أنها نعمة من نعم الله إلا أنها صدت كثيراً من المتعلمين، والكلام في هذا له مجالٌ آخر.

شرح: النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه:

يقول: "فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا" لماذا؟ أهل العلم لا يطبقون الشروط التي تطبق على الرواة في المائة الأولى والثانية والثالثة، لماذا؟ لأن السنة ثبتت ودونت في الكتب، ولسنا بحاجة إلى تسلسل الإسناد في الأزمان المتأخرة بعد التدوين مثل حاجتنا إلى نظافة الأسانيد قبل التدوين، يعني لو أتيح للإنسان إسناد منه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وبواسطة بعض الضعفاء أو بعض المبتدعة لا يمنع؛ لأنه ليس المعول على هؤلاء بعد تدوين الكتب، ولذا يقول: "ولم يبقَ إلا مراعاة اتصال السلسلة في الإسناد" أما الاعتماد عليهم فلا، هذا شأن آخر "فينبغي أن لا يكون مشهوراً بفسقٍ ونحوه" لأن العلم دين، فانظر عمن تأخذ دينك، لكن كون عندك سند بواسطة بعض الضعفاء، أو بعض المبتدعة، يعني تقول: إن عندي إسناد، والسلسلة باقية، وخصيصة هذه الأمة، لكن ما قيمة هذا الإسناد في التصحيح والتضعيف، ولو كان الإسناد كله أئمة منك إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لا قيمة له بعد التدوين، "فينبغي أن لا يكون مشهوراً بفسقٍٍ ونحوه، وأن يكون ذلك مأخوذاً عن ضبط سماعه من مشايخه" لأنه في القرون بعد التدوين في المائة السادسة والسابعة والثامنة صارت الرواية مقصورة على بعض المسندين، وهم عوام، أو أشباه عوام، عندهم إجازات وعمروا، وتفردوا بالرواية، ووصفوا بعلو الأسانيد، وإن لم يكونوا من أهل العلم، لكن ينبغي "أن لا يكون مشهوراً بفسقٍ ونحوه، وأن يكون ذلك مأخوذاً عن ضبط سماعه من مشايخه من أهل الخبرة بهذا الشأن، والله أعلم" نعم. طالب:. . . . . . . . . وين؟ لا، هذاك في التخريج، يخرج حديث من لم يجمعوا على تركه، نعم. شرح: النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه:

النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه، يصح تحمل الصغار الشهادة والأخبار, وكذلك الكفار إذا أدوا ما حملوه في حال كمالهم، وهو الاحتلام والإسلام، وينبغي المباراة إلى إسماع الولدان الحديث النبوي، والعادة المطردة في أهل هذه الأعصار، وما قبلها بمدد متطاولة أن الصغير يكتب له حضور إلى تمام خمس سنين من عمره, ثم بعد ذلك يسمى سماعاً, واستأنسوا في ذلك بحديث محمود بن الربيع أنه عقل مجة مجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه من دلو في دارهم وهو ابن خمس سنين، رواه البخاري، فجعلوه فرقاً بين السماع والحضور, وفي رواية وهو ابن أربع سنين، وضبطه بعض الحفاظ بسن التمييز, وقال بعضهم: أن يفرق بين الدابة والحمار, وقال بعض الناس: لا ينبغي السماع إلا بعد العشرين سنة، وقال بعض: عشر, وقال آخرون: ثلاثون، والمدار في ذلك كله على التمييز, فمتى كان الصبي يعقل كتب له سماع. قال الشيخ أبو عمرو: وبلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري أنه قال: رأيت صبياً ابن أربع سنين قد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن، ونظر في الرأي, غير أنه كان إذا جاع يبكي. النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه، عرفنا أن الرواة يشترط لهم شروط، وذلك في مبحث من تقبل روايته ومن ترد، وأنه لا بد من البلوغ، وعرفنا أن هذا الشرط إنما هو للأداء دون التحمل، أما التحمل فيصح تحمل الصغير، فيتحمل في صغره بمعنى أنه يسمع الحديث ويحفظه، لكن لا يقبل منه أداءً إلا إذا بلغ، وعرفنا السبب في ذلك، كما أن الكافر إذا سمع وحفظ حال كفره خبراً عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأداه بعد إسلامه فإنه يقبل منه اتفاقاً، وأوردنا حديث جبير بن مطعم حينما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وذلك قبل أن يسلم، ثم أداها بعد إسلامه فقبلت منه، وخرجت في الصحيحين وغيرهما، وكذلك الكفار إذا أدوا ما حملوه في حال كمالهم، وهو الاحتلام والإسلام.

يقول: "وينبغي المبادرة إلى إسماع الولدان الحديث النبوي، والعادة المطردة في أهل هذه الأعصار، وما قبلها بمدد متطاولة .. " إلى آخره، ينبغي المبادرة إلى إسماع الولدان الحديث، وأقول: ينبغي المبادرة إلى تحفيظ الولدان القرآن قبل الحديث على طريقة المغاربة، وما وجد الخلل في حفظ القرآن عند المسلمين إلا بعد أن خلطوا القرآن بغيره، واهتموا بغيره، وقدموه على القرآن، لكن إذا ضبط القرآن، وحفظ وأتقن وضمن يأخذ من العلوم ما شاء، فليقدم بعد ذلك سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما يخدم الوحيين، وما يعين على فهمهما، وهنا يقول: "ينبغي المبادرة إلى إسماع الولدان الحديث النبوي، والعادة المطردة في أهل هذه الأعصار وما قبلها بمدد متطاولة أن الصغير يكتب له حضور إلى تمام خمس سنين" يعني في مجالس السماع يحضر الفئام من الناس، منهم الكبير ومنهم الصغير، منهم الطفل الذي له سنة أو سنتين وثلاث وأربع وخمس وست، وما فوق ذلك، لكن جرت عادتهم أن يكتبوا لمن بلغ خمساً فأكثر سَمِع، ومن لم يبلغ حضر أو أُحضر، قد يقول قائل: هذا الطفل أبو ثلاث سنين إيش يجابه؟ ليش يجاب في مجالس السماع؟ نقول: هذا اعتمده الناس حينما ذهبت قيمة الأسانيد، وانتهت، ودونت الأحاديث في الكتب، وما بقي إلا تسلسل الإسناد، وأبو ثلاث سنين إذا حضر يقال: حضر قراءة الكتاب الفلاني على الشيخ الفلاني، ويثبت اسمه في الطباق، ويروي بهذا الحضور، وإن تيسر له مع ذلك إجازة تجبر هذا الخلل عد نفسه من أكابر الرواة. "ثم بعد ذلك يسمى سماعاً، واستأنسوا في ذلك بحديث محمود بن الربيع -وهو في الصحيح في البخاري- أنه عقل مجة مجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجه من دلوٍ في دارهم، وهو ابن خمسِ سنين" في كتاب العلم من صحيح البخاري، "فجعلوه فرقاً بين السماع والحضور، وفي رواية: وهو ابن أربع سنين" وهذه الرواية ذكرها القاضي عياض في الإلماع، لكن ابن حجر في الفتح قال: لم أقف على هذا صريحاً في شيء من الروايات بعد التتبع التام.

يقول: "وضبطه بعض الحفاظ بسن التمييز" الجمهور على أن من بلغ خمس سنين من أكمل خمس سنين يصح سماعه، يجعلون الحد الفاصل تمام خمس سنين، والصواب أن مرد ذلك إلى التمييز، فإذا ميز فهم السؤال، ورد الجواب المطابق يصح سماعه، وأما قبل ذلك فلا ولو كان ابن خمس أو ابن خمسين، الذي لا يفهم ما يصح سماعه، وعلى كل حال هذا اصطلاح عندهم، مشوا عليه. "وقال بعضهم" يعني بعض من يقول باشتراط التمييز: "أن يفرق بين الدابة والحمار" والمسألة عرفية، يعني لو يؤتى بدابة أو حمار لمن عمره عشر سنوات أو اثنا عشر سنة من أهل هذا الوقت يمكن ما يفرق، لكن هات سيارات، هات شبح، وهات لكزز، وهات جراندي، وهات مدري إيش؟ يفرق بدقة، وهو أمهر من الكبار في هذا؛ لأن اهتمامات الناس اتجهت إلى ذلك، أو لاعبين أو فنانين، وتمييز بينهم، وهذا فلان، وهذا النجم، النجم مالك بن أنس، نجم السنن، لكن الأمة يعني هبطت هبوط في غالب مجالاتها، وفي غالب أحوالها، نجم! نجم ويش يصير النجم ذا؟ الله المستعان، ناس يعني لو وزنوا بميزان العقل هم أشبه بالمجانين، والله المستعان، يسمون نجوم، ويفتن بهم النساء، والجهال من الأطفال، وكم من امرأة طلقت بسبب ذلك؟ الزوج يشجع نادي والزوجة تشجع نادٍ آخر، تحصل المشاكل والكوارث، وتتشتت الأسر بهذا، والله المستعان. "وقال بعض الناس: لا ينبغي السماع إلا بعد عشرين سنة" هذه طريقة أهل الكوفة، لا يسمعون أولادهم الحديث إلا بعد عشرين سنة؛ لأنه الآن في مكتمل القوى العقلية، ينبغي أن يشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن، وفهم السنن والأحكام، يعني وحفظ المتون وغير ذلك، وعادة البصريين عشر، بعد عشر سنين، وأهل الشام يقولون: ثلاثون سنة، يا أخي ماذا بقي من العمر إذا انتظر إلى ثلاثين؟ تنبغي المبادرة، إذا تأهل الإنسان للسماع والحفظ ينبغي المبادرة في ذلك.

والمسألة توفيق من الله -سبحانه وتعالى-، وكم من أهل العلم ومن طلبة العلم في العصور المتأخرة من يظن أن الحفظ مستحيل، يقتصرون على المتون الصغيرة، وأما الكبار ليس لهم يدان بحفظها، ثم لما جربت وجد الأمر سهل، بس المسألة تحتاج إلى توفيق من الله -سبحانه وتعالى-، وفتح لهذا الطريق، ومن سنها له أجرها وأجر من عمل بها -إن شاء الله تعالى-، والناس كثر فيهم الحفظ الآن، ووجد في الناشئة من يحفظ الكتب الكبار، ويوجد الآن من يحفظ الستة، واتجه الآن إلى البيهقي والمستدرك، ما كان الناس يحلمون ولا بالمنتقى فضلاً عن الكتب الأصلية المسندة، والسبب أنهم تعودوا على شيء وفهموا، أو أُفهموا ولو بغير تصريح أن الحفظ ذهب وقته وانتهى، وكثرة الشواغل، والإنسان لا يستطيع أن يحفظ، يستطيع أن يحفظ، والماوردي يقرر أنه لا فرق بين حفظ الكبير والصغير، لا فرق بين حفظ أبو عشر سنين وخمسين سنة، ما في فرق، نعم الشواغل والصوارف مؤثرات، لكن الملكة موجودة، نقول: خلاص ماذا بعد هذا العمر من الحفظ؟ إلا احفظ يا أخي، ويكفيك أن يأتيك أجلك وأنت تطلب العلم، تعالج النصوص بالحفظ والمدارسة والفهم، والله المستعان. يقول: "والمدار في ذلك كله على التمييز، فمتى كان الصبي يعقل كتب له سماع قال الشيخ أبو عمرو: وبلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري أنه قال: رأيتُ صبياً ابن أربع سنين قد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن، ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع يبكي" هذه القصة فيها انقطاع، فيها إعضال، فهي ضعيفة.

أنواع التحمل:

الحافظ أبو بكر الإسماعيلي له حفيد عمره سبع سنين جيء به يحفظ القرآن، ويعرف الفرائض، وأفتى في مسألة أخطأ فيها بعض القضاة، قد يوجد، لكن هذا نادر، ويوجد الآن من عمره سبع، ثمان، تسع ويحفظ الصحيحين، يوجد هذا، هذا ليس بمستحيل، لكنه نادر، فينبغي أن نعتني بأولادنا بعد أن نقدم أنفسنا، ونعتني بما يليق بنا، وما نستطيعه، أما الإنسان الذي لا يستطيع، ومع الوقت كل شيء بإذن الله يستطاع، مع الوقت والنية الصالحة، يعني شخص ينظر إلى البيهقي هذا لا يمكن قراءته ولا نظر، بعض الناس يقول هذا الكلام، من يبي يقرأ هذا، أولاً: الورقة مثل الصك أكثر من ذراع طولها، وعشرة مجلدات كبار، مثل ما يقولون العوام:. . . . . . . . .، نعم يقولون هذا، لكن يا أخي ما الذي يمنعك من أن تحفظ كل يوم حديث واحد، يعني عشر سنوات حافظ كثير من متون السنن، عشر سنوات تمضي بسرعة، أحداث الكويت لها إحدى عشر سنة كأنها أمس، فمع الوقت بإمكانه، شخص يقول: لا أستطيع حفظ القرآن، حاولت جاهدت عجزت، نقول: ما هو بصحيح، تجلس تبي تحفظ جزء بيوم، أو ورقة بيوم، انزل خليها آية، آية واحدة وعشرين سنة وأنت حافظ، نعم، من يعجز عن حفظ آية، لكن يأتي الإنسان بحماس شديد ويبي يلتهم العلم كله، ثم يتركه كله، ما يستطيع. أنواع التحمل: أنواع التحمل: تحمل الحديث الذي هو تلقيه وأخذه عن الشيوخ ثمانية أنواع، ويسمونها أقسام، والقسم والنوع والصنف والضرب، الضرب والقسم والنوع والصنف ألفاظ متقاربة، بعضهم يجعلها أنواع، وبعضهم يجعلها أقسام، ولا مشاحة في الاصطلاح. سم. وأنواع تحمل الحديث ثمانية: الأول السماع، بأن يكون من لفظ المسمِع حفظاً أو من كتاب، قال القاضي عياض: فلا خلاف حينئذٍ أن يقول السامع: حدثنا وأخبرنا وأنبانا وسمعت، وقال لنا، وذكر لنا فلان، وقال الخطيب: أرفع العبارات سمعتُ، ثم حدثنا، وحدثني، قال: وقد كان جماعة من أهل العلم لا يكادون يخبرون عما سمعوه من الشيخ إلا بقولهم: أخبرنا، منهم حماد بن سلمة وابن المبارك وهشيم، ويزيد بن هارون وعبد الرزاق، ويحيى بن يحيى التميمي، وإسحاق بن راهويه، وآخرون كثيرون.

قال ابن الصلاح: وينبغي أن يكون حدثنا وأخبرنا أعلى من سمعت؛ لأنه قد لا يقصده بالإسماع بخلاف ذلك، والله أعلم. قلتُ: بل الذي ينبغي أن يكون أعلى العبارات على هذا أن يقول: حدثني، فإنه إذا قال: حدثنا أو أخبرنا قد لا يكون قصده الشيخ بذلك أيضاً؛ لاحتمال أن يكون في جمعٍ كثير، والله أعلم. نعم، أعلى أقسام التحمل السماع من لفظ الشيخ، وهو الأصل في الرواية، الأصل أن الشيخ يقرأ الأحاديث سواءٌ كان من حفظه أو من كتابه كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتكلم ابتداءً بالسنة، والصحابة يتلقون عنه، والتلاميذ يسمعون من شيوخهم، هذا هو الأصل في الرواية، وهو أعلى أنواع التحمل، وتارةً يكون من لفظ المسمع حفظاً أو من كتابٍ، وتارةً يكون إلقاء، وحيناً يكون إملاء، والإملاء أعلى أنواع -أو أقسام- السماع لما يترتب عليه من تحرز الشيخ المملي، وتحرز الطالب الذي يكتب. "قال القاضي عياض: فلا خلاف حينئذٍ أن يقول السامع: حدثنا، أو أخبرنا، أو أنبأنا، وسمعت، وقال لنا، وذكر لنا" هذا كله مطابق للواقع؛ لأنه إذا قال: حدثنا نعم الشيخ حدثه، إذا قال: أخبرنا الشيخ أخبره إلى آخره.

"وقال الخطيب: أرفع العبارات سمعتُ، ثم حدثنا، وحدثني، قال: وقد كان جماعة من أهل العلم لا يكادون يخبرون عما سمعوا من الشيخ إلا بقولهم: أخبرنا" لا فرق بين أن يقول: سمعت وحدثنا وأخبرنا، يعني من حيث اللغة والأصل، فمن سمعتَ منه فقد حدثك، ومن حدثك فقد أخبرك، وهي ألفاظ مترادفة في الجملة {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [(14) سورة فاطر] المقصود أن هذه ألفاظ متقاربة في الأصل، لكن من حيث الاصطلاح أهل العلم اختلفوا في ذلك، فمنهم من لا يفرق، ويرى أن هذه العبارات تصلح لكل طريقٍ من طرق التحمل، سواءً كان من لفظ الشيخ أو عرض قراءة على الشيخ، وبعضهم يطلقها في الإجازة والمناولة وغيرها من طرق التحمل، فيتسامحوا في ذلك ويتجوزوا، والإمام البخاري ممن لا يفرق بين صيغ الأداء، فلا يمنع أن يروي بصيغة: حدثنا أو أخبرنا ولو كان طريق التحمل السماع أو العرض، بينما مسلم يتحرى الدقة في ذلك، وتجده يعيد الراوي لمجرد اختلاف صيغة الأداء، حدثنا فلان وفلان وفلان قال فلان: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا، أو العكس، فهو يهتم بهذا اهتماماً بالغاً، كما أنه يعتني بصاحب اللفظ فيقول: واللفظ لفلان، والإمام البخاري يتوسع في ذلك، ويتجوز فلا يهتم بمثل ذلك بقدر ما يهتم بالفائدة العظمى من إيراد مثل هذه الأحاديث، وهو الاستنباط.

"قال الخطيب: أرفع العبارات سمعتُ، ثم حدثنا أو حدثني" (سمعتُ) لا شك أنها تنبئ عن أن طريقة التحمل السماع، ولا يحتمل غيره، سمعتُ لا تحتمل أن تكون طريقة التحمل العرض؛ لأنه في حال العرض ما سمع الشيخ يقول شيء، وإن تجوز بعضهم وأطلق السماع في التحمل في حال العرض، لكن سمعتُ ما تحتمل إلا السماع هذا الأصل فيها، ثم حدثنا وحدثني، حدثنا إذا كان معه غيره، وحدثني إذا قصده بالتحديث وحده، فحدثني أقوى من حدثنا، لكن إذا روى بطريق السماع، ثم نسي فيما بعد هل كان معه غيره أو لا؟ أو كان منفرداً في حال التحديث هل يقول: حدثني أو حدثنا؟ بعضهم، يقول: يقول: حدثني، لماذا؟ لأنه متقين، وجوده متيقن، ووجود غيره مشكوك فيه، وبعضهم يقول: لا، يقول: حدثنا؛ لأن حدثني أقوى، فلا يأتي بالصيغة القوية مع احتمال أن طريقة تحمله أدنى من ذلك، والأمر يسير، والخطب سهل. قال: "وقد كان جماعة من أهل العلم لا يكادون يخبرون عما سمعوه من الشيخ إلا بقولهم: أخبرنا، ومنهم حماد بن سلمة وابن المبارك وهشيم ويزيد بن هارون وعبد الرزاق ويحيى بن يحيى التميمي وإسحاق بن راهويه وآخرون كثيرون" لا يكادون يخبرون عما سمعوه إلا بلفظ الإخبار، ولا يروون بلفظ التحديث, وعلى وجه الخصوص إسحاق بن راهويه، فيميز به عن غيره إذا جاء مهملاً، إذا قال مسلم: حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا فلان، إسحاق ابن من؟ إذا قال: أخبرنا فالذي يغلب على الظن أنه إسحاق؛ لأنه لا يروي إلا بصيغة الإخبار، أما غيره وجد منهم بعض التصريح بالتحديث، لكن الغالب عليهم الرواية بالإخبار.

"قال ابن الصلاح: "وينبغي أن يكون حدثنا وأخبرنا أعلى من سمعتُ" لأن سمعتُ قد لا يكون مقصوداً بالسماع، يسمع مع غيره والشيخ لا يقصده بخلاف ذلك، بخلاف حدثنا، حدثنا يعني قصده بالإخبار، وأخبرنا كذلك، لكن هل القصد بالإخبار مقصود في الرواية؟ له أثر في الرواية؟ يعني كون الشيخ يقصدك بالتحديث أو تكون موجود مع مئات تسمع الشيخ وتروي عنه هل له أثر؟ يعني كون الشيخ قصدك بالسماع، قال: تعال عندي لك حديث، اروِ عني هذا الحديث، فيحدثه به، أو تسمع هذا الحديث منه مع جملة من الناس، هناك فرق؟ نعم ما يظهر فرق، نعم الشيخ له بك عناية، لكن ما دام سمعت من لفظه تؤدي عنه. الإمام النسائي -رحمه الله تعالى-، وهو من أهل الورع التام في هذا الباب، يروي عن شيخه الحارث بن مسكين بدون صيغة، لا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، لماذا؟ يروي عن الحارث بن مسكين يقول: الحارث بن مسكين بدون أخبرنا ولا حدثنا، فيما قرئ عليه وأنا أسمع، الحارث بن مسكين منعه من السماع، وطرده من الحلقة، النسائي يسمع، جلس خلف اسطوانة وصار يسمع، والحارث بن مسكين ثقة إمام عنده، فلكونه ثقة روى عنه، ولكونه لم يقصده بالسماع أو بالتسميع ما نسب إليه الرواية، ما قال: حدثنا ولا أخبرنا، بل أورد الإسناد من غير صيغة، فقال: الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع. القسم الثاني، سم. نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

سماع الأشرطة والهاتف أو الإذاعة مثلاً، هل يروي عن الشيخ؟ نعم يروي عن الشيخ بهذا إذا كان لا يشك في صوته، إذا كان لا يساوره أدنى شك، لكن الأحوط أن يبين ويميز؛ لئلا يقع في التشبع بما لم يعطَ، قد يكون المتحدث في بلدٍ آخر، فيظن السامع أنه سمع منه في بلده، وأنه رحل لطلب العلم، يبين يقول: سمعته في الإذاعة، سمعته في شريط، يعني كما تصح الرواية في الوجادة، أن يجد بخط شيخه الذي لا يشك فيه، فيقول: وجدتُ بخط شيخي فلان، كما يقول عبد الله بن أحمد كثيراً: "وجدتُ بخط أبي" عليه أن يبين، يقول: سمعت من الشيخ الفلاني في الإذاعة مثلاً، أو في شرط، أو في الهاتف، أو ما أشبه ذلك، إذا كان لا يشك فيه؛ لأن الاحتمال وإن كان ضعيف، وإن كان الاحتمال ضعيفاً أن يلتبس عليه الصوت، فيظنه فلان وهو في الحقيقة ليس بفلان، فإذا قيل: إنه سمعه من شريط أو في الإذاعة السامع لهذا الخبر يجد في نفسه ريبة، ما هو مثل ما لو قال: سمعته بنفسي، ورأيته بعيني، وسمعته .. ، والسماع من وراء حجاب له حكم ذلك، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الوجادة إذا كان ... ، بالنسبة للأشرطة؟ الأشرطة ما دام ما حضر، وقد يكون ما لقيه في بلدٍ بعيد، وقد يكون ما أدركه، ما أدرك عصره فهي أشبه ما تكون بالوجادة، نعم.

قال: الثاني: القراءة على الشيخ حفظاً أو من كتاب، وهو العرض عند الجمهور، والرواية بها سائغة عند العلماء إلا عند شذاذ لا يعتد بخلافهم، ومستند العلماء حديث ضمام بن ثعلبة، وهو في الصحيح، وهي دون السماع من لفظ الشيخ، وعن مالكٍ وأبي حنيفة وابن أبي ذئب أنها أقوى، وقيل: هما سواء، ويعزى ذلك إلى أهل الحجاز والكوفة وإلى مالكٍ أيضاً وأشياخه من أهل المدينة وإلى اختيار البخاري، والصحيح الأول وعليه علماء المشرق، فإذا حدث بها يقول: قرأتُ، أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به، أو أخبرنا، أو حدثنا قراءة عليه، وهذا واضح، فإن أطلق ذلك جاز عند مالكٍ والبخاري ويحيى بن سعيد القطان والزهري وسفيان بن عيينة ومعظم الحجازيين والكوفيين، حتى إن منهم من سوغ سمعتُ أيضاً، ومنع من ذلك أحمد والنسائي وابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي، والثالث: أنه يجوز أخبرنا، ولا يجوز حدثنا، وبه قال الشافعي ومسلم والنسائي أيضاً وجمهور المشارقة، بل نقل ذلك عن أكثر المحدثين، وقد قيل: إن أول من فرق بينهما ابن وهب، قال الشيخ أبو عمرو: وقد سبقه إلى ذلك ابن جريج والأوزاعي، قال: وهو الشائع الغالب على أهل الحديث. القسم الثاني من أقسام التحمل: القراءة على الشيخ، تعرف عند المشارقة بالعرض، العرض على الشيخ، السماع: الشيخ يتكلم والطالب يستمع، وهنا العكس: الطالب يقرأ والشيخ يستمع، فإذا عرض الطالب الكتاب أو ما حفظه من مرويات الشيخ على الشيخ جازت الرواية عند جماهير العلماء، بل نقل أكثر من واحد الاتفاق على جواز الرواية بالعرض، وشذ من قال بمنعها.

مستند من أجاز الرواية بالعرض حديث ضمام بن ثعلبة، الذي سمع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة، سمع من النبي بواسطة، ثم جاء يعرض ما سمعه على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو في الصحيح، في صحيح البخاري في كتاب العلم، "وهي دون السماع من لفظ الشيخ" عند الأكثر، والجمهور السماع من لفظ الشيخ هو بالدرجة العليا، وهو أعلى درجات التحمل، يليه العرض، ويروى عن مالك وأبي حنيفة أن العرض على الشيخ أقوى، وقيل: هما سواء، عرفنا أن قول الأكثر السماع من لفظ الشيخ أقوى من العرض، وهو الأصل في الرواية، لكن ما حجةُ من يرى أن العرض أقوى من السماع؟ حجته يقول: الشيخ إذا أخطأ في حال السماع من يرد عليه؟ ما في أحد يرد عليه، إذا كان الشيخ يلقي فأخطأ من يرد عليه؟ يرد عليه الطلاب؟ لا، لكن إذا أخطأ الطالب في القراءة، في العرض على الشيخ فإن الشيخ لن يتردد في الرد عليه، من هذه الحيثية رجح العرض على القراءة، وقال جمعٌ من أهل العلم: هما سواء، سواءٌ قرأت على الشيخ أو قرأ عليك لا فرق. والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يغضب حينما يقال له: اقرأ علينا الموطأ، يقول: لا، اقرأ أنت، منهم من صحب الإمام مالك سبعة عشر سنة يقول: ما سمعته يقرأ على أحد، الناس يقرؤون عليه، وغضب على شخصٍ قال: أريد أن أسمع منك، فقال: اقرأ أنت، اعرض أنت، تقنع بالعرض في القرآن ولا تقنع بالعرض في الحديث والقرآن أعظم؟! فرأي الإمام مالك -رحمه الله تعالى- أنهما سواء على أقل تقدير، وإلا له قولٌ آخر بترجيح العرض على السماع. فإذا روى بطريق العرض وحدث يقول: قرأت، أو قُرئ على فلان، إذا كان تولى القراءة بنفسه يقول: قرأت على فلان، يبين الواقع، أو قرئ على فلان وأنا أسمع، وهل يشترط في العرض أن يقر الشيخ فيقول: إذا قيل له: حدثك فلان عن فلان عن فلان ثم يذكر السند، فيقول: نعم أو لا يشترط؟ منهم من اشترط ذلك، ومنهم من قال: يكفي سكوته.

"أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به، أو أخبرنا أو حدثنا قراءةً عليه" يعني إذا جاء بما يبين الواقع لا بأس أن يؤدي بأي صيغة، ولو قال: سمعتُ فلاناً قراءةً عليه، أو فيما قرئ عليه لا بأس، حدثني فلان أو حدثنا فلان فيما قرئ عليه، أخبرنا فلان قراءةً عليه، أو فيما قرئ عليه، كل هذا بيان للواقع، وهذا لا بأس به، لكن هل يقول: سمعتُ أو حدثنا من غير بيانٍ للواقع؟ الأكثر على منع ذلك، بل يقول: أخبرنا، هذا الذي استقر عليه الاصطلاح، وإن كان الإمام البخاري ومعه جمعٌ من أهل العلم لا يرون التفريق بين حدثنا وأخبرنا، ويجيزون الرواية بأي صيغة ولو كان الطريق العرض على الشيخ، فيجيزون حدثنا وأخبرنا على حدٍ سواء. يقول: "فإذا أطلق ذلك جاز عند مالك" حدثنا وأخبرنا من دون قراءة عليه أو فيما قرئ عليه، "جاز ذلك عند مالك والبخاري ويحيى بن سعيد القطان والزهري وسفيان بن عيينة، ومعظم الحجازيين والكوفيين، حتى إن منهم من سوغ سمعتُ أيضاً، ومنع من ذلك أحمد والنسائي -نعم الإمام أحمد يفرق بين صيغ الأداء، وهو على الاصطلاح الجاري عند مسلم وغيره- وابن المبارك، ويحيى بن يحيى التميمي" نعرف يحيى بن يحيى التميمي يلتبس كثيراً بيحيى بن يحيى الليثي راوي الموطأ، وهو غيره، هذا ثقة من رجال الصحاح، ويكثر عنه مسلم، وذاك ورد في كتب الرجال للتمييز، لم يروِ عنه أحدٌ من الكتب الستة، من أصحاب الكتب الستة. طالب:. . . . . . . . . الليثي. طالب: الليثي لم يروِ. . . . . . . . . ما روى عنه أحدٌ من أصحاب الكتب الستة، أورده ابن حجر للتمييز، ويلتبس بيحيى بن يحيى التميمي. طالب:. . . . . . . . . اللي يروي عنه مسلم وغيره، نعم. القول الثالث: يجوز أن يقول: "أخبرنا، ولا يجوز حدثنا" وهذا الذي جرى عليه الاصطلاح عند المتأخرين، "وبه قال الشافعي ومسلم والنسائي أيضاً وجمهور المشارقة، بل نقل ذلك عن أكثر المحدثين، وقيل: إن أول من فرق بينهما ابن وهب" قيل، لكن الحافظ ابن حجر في فتح الباري صرح أن أول من فرق بينهما بمصر ابن وهب، بهذا القيد بمصر، وإلا سبقه ذلك ابن جريج والأوزاعي وغيرهم، نعم.

قال: فرعٌ: إذا قرئ على الشيخ من نسخة وهو يحفظ ذلك فجيدٌ قوي، وإن لم يحفظ والنسخة بيد موثوقٍ به فكذلك على الصحيح المختار الراجح، ومنع من ذلك مانعون، وهو عسر، فإن لم تكن نسخة إلا التي بيد القارئ وهو موثوق به فصحيح أيضاً. نعم، "إذا قرأ الشيخ من نسخة" أو قرئ على الشيخ من نسخة "وهو يحفظ" ما في هذه النسخة "فجيدٌ قوي" يعني الأصل الحفظ، لكن إذا كان الشيخ لا يحفظ، "والنسخة بيد موثوقٍ به" يعني بجانب الشيخ، "فكذلك على الصحيح المختار ... ، ومنع من ذلك مانعون" من الأصوليين وغيرهم، "وهو عسر" افترض أن الشيخ كف بصره، فجعل النسخة بيد شخصٍ بجانبه، أو ضعف بصره، ما يستطيع أن ينظر في هذه النسخة، معناه تعطل الرواية عنه، إذا لم يحفظ، لا شك أن في ذلك عسر، "فإن لم تكن نسخة إلا التي بيد القارئ" الشيخ ما عنده شيء، احتاج وباع النسخة، ولا يوجد نسخة إلا التي بيد القارئ، فإن كان القارئ ثقة، والنسخة مقابلة على نسخة الشيخ، فالرواية بهذه القراءة صحيحة أيضاً، نعم. فرعٌ: ولا يشترط أن يقر الشيخ بما قرئ عليه نطقاً، بل يكفي سكوته وإقراره عليه عند الجمهور، وقال آخرون من الظاهرية وغيرهم: لا بد من استنطاقه بذلك، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وابن الصباغ، وسليم الرازي، قال ابن الصباغ: إن لم يتلفظ لم تجز الرواية، ويجوز العمل بما سُمع عليه. يقول الحافظ -رحمه الله-: "فرعٌ: ولا يشترط أن يقر الشيخ بما قرئ عليه نطقاً" لا يلزم أن يقول: نعم إذا قيل له: حدثك فلان عن فلان عن فلان لا يلزم أن يقول: نعم، بل إذا سكت يكفي، "بل يكفي سكوته وإقراره عند الجمهور" من المحدثين والفقهاء وغيرهم، "وقال آخرون من الظاهرية وغيرهم لا بد من استنطاقه بذلك" لا بد أن يقول: نعم، بناءً على أنه لا ينسب لساكت قول، لكن سماعه للخبر، ونسبة الخبر إليه، والمسألة مفترضةٌ في محدث ثقة، هذه مسألة مفترضة في مثل هذا، نعم، المسألة مفترضة في ثقة، فلا يسكت مجاملة، ولا يسكت تكثر ولا تزيد، هذا الحديث من مروياته وليس من مروياته؛ لأن المسألة مفترضة في شيخٍ ثقة، أما إذا كان غير ثقة فالشيخ من الأصل لا تقبل الرواية عنه من الأصل، إن كان غير ثقة وهو بعد عصر التدوين، سواءٌ قال: نعم أو لم يقل سيان، على ما قدمنا "وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وابن الصباغ، وسليم الرازي" سليم بن أيوب من أئمة الشافعية ...

شرح اختصار علوم الحديث (10)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (10) شرح: فرعٌ: قال ابن وهبٍ والحاكم: يقول فيما قرأ عليه الشيخ وهو وحده: حدثني .. ، وصحة سماع من ينسخ أو إسماعه .. ، والسماع من وراء حجاب، وشرح: فرعٌ: إذا حدثه بحديث ثم قال: لا تروه عني .. ، والإجازة وأقسامها، والمناولة، والمكاتبة، وإعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في الرواية عنه .. ، والوجادة .. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير هذا الحديث من مروياته، وليس من مروياته؛ لأن المسألة مفترضة في شيخٍ ثقة، أما إذا كان غير ثقة فالشيخ من الأصل لا تقبل الرواية عنه من الأصل، إن كان غير ثقة وبعد عصر التدوين سواءٌ قال: نعم أو لم يقل سيان، على ما قدمنا، "وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ وسليم الرازي" سليم بن أيوب من أئمة الشافعية، "قال ابن الصباغ: إن لم يتلفظ لم تجز الرواية، ويجوز العمل بما سمع عليه" وهل هناك تلازم بين العمل والرواية؟ يعني هل يعمل الشخص بما لم تكن له به رواية؟ نعم لا تلازم بين العمل والرواية، افترض أنك ما تروي الكتب، ووجد حديث في صحيح البخاري روايتك منقطعة، لكن العمل يلزم، وهذه المسألة تقدمت، ونقل فيها إجماعان متضادان، فابن خير الإشبيلي نقل الإجماع على أنه لا يجوز لك أن تعمل، ولا تستدل، ولا تحتج بحديث ليست لك به رواية، وابن برهان نقل الإجماع على خلاف ذلك، ما يجوز ولا تنقل الحديث من أي كتاب كان وأنت ما لك رواية. قلتُ: ولابن خيرٍ امتناعُ ... نقل سوى مرويه إجماعُ لكن هذا الإجماع لا يلتفت إليه، بل العمل ما دام الخبر ثابت في الدواوين المعتبرة عند أهل الإسلام، يجب العمل به، وينقل، ويستدل به، ويقرع به الخصم، وغير ذلك. فرعٌ، نعم. صيغ أداء الحديث:

صحة سماع من ينسخ أو إسماعه:

فرعٌ: قال ابن وهبٍ والحاكم: يقول فيما قرأ عليه الشيخ وهو وحده: حدثني، فإن كان معه غيره: حدثنا، وفيما قرأه على الشيخ وحده: أخبرني، فإن قرأه غيره: أخبرنا، قال ابن الصلاح: وهذا حسنٌ فائق، فإن شك أتى بالمحقق وهو الوحدة: حدثني أو أخبرني عند ابن الصلاح والبيهقي، وعن يحيى بن سعيد القطان يأتي بالأدنى، وهو حدثنا أو أخبرنا، قال الخطيب البغدادي: وهذا الذي قاله ابن وهبٍ مستحب لا مستحق عند أهل العلم كافة. هذا الفرع ينقله الحافظ -رحمه الله- يقول: "قال ابن وهبٍ والحاكم: يقول فيما قرئ على الشيخ وهو وحده: حدثني" بالإفراد؛ لأنه يحكي الواقع، "فإن كان معه غيره حدثنا، وفيما قرأه على الشيخ وحده: أخبرني، فإن قرأه غيره: أخبرنا" على أنه يجوز أن يقول: حدثنا وأخبرنا وإن كان منفرداً بذلك؛ لأن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، كما نقله الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في تفسير سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] قال: "والعرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع". "قال ابن الصلاح: وهذا حسنٌ فائق، فإن شك أتى بالمحقق وهو الوحدة" الأصل أنه منفرد واحد، وهل معه غيره أو لا؟ مشكوك فيه، "وعن يحيى بن سعيد القطان يأتي بالأدنى، وهو حدثنا وأخبرنا"، حدثنا مع الجمع لا شك أنه أقل من حدثني؛ لأنه غير مقصود بالتحديث، إذا كان مع جمع، "قال الخطيب البغدادي: وهذا الذي قاله ابن وهب مستحب لا مستحق" يعني غير لازم، وإنما هو لمزيدٍ في بيان الواقع، "لا مستحقٌ" يعني أنه لا مندوحة عنه، بل يلزم الإتيان به، "عند أهل العلم كافة". والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. صحة سماع من ينسخ أو إسماعه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قال الإمام ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-: فرعٌ: اختلفوا في صحة سماع من ينسخ أو إسماعه، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني، وقال أبو بكر أحمد بن إسحاق الصدغي يقول: حضرت، ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، وجوزه موسى بن هارون الحافظ، وكان ابن المبارك ينسخ، وهو يُقرأ عليه، وقال أبو حاتم: كتبت عند عالمٍ وهو يقرأ، وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ، وحضر الدارقطني وهو شاب فجلس إسماعيل الصفار، وهو يملي، والدارقطني ينسخ جزءاً، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك، فقال له: كم أملى الشيخ حديثاً إلى الآن؟ فقال الدارقطني: ثمانية عشر حديثاً، ثم سردها كلها عن ظهر قلب بأسانيدها ومتونها، فتعجب الناس منه. قلتُ: وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي -تغمده الله برحمته- يكتب في مجلس السماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً جيداً بيناً واضحاً، بحيث يتعجب القارئ من نفسه أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ، والشيخ ناعسٌ وهو أنبه منه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال ابن الصلاح: وكذلك التحدث في مجلس السماع، وما إذا كان القارئ سريع القراءة، أو كان السامع بعيداً من القارئ، ثم اختار أن يغتفر اليسير من ذلك، وأنه إذا كان يفهم ما يُقرأ مع النسخ فالسماع صحيح، وينبغي أن يجبر ذلك بالإجازة بعد ذلك كله، قلتُ: هذا هو الواقع في زماننا اليوم أنه يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم، والبعيد من القارئ والناعس، والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم، بل يلعبون غالباً، ولا يشتغلون بمجرد السماع، وكل هؤلاء قد كان يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي -رحمه الله-، وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي أنه زُجر في مجلسه الصبيان عن اللعب فقال: لا تزجروهم، فإنا إنما سمعنا مثلهم.

وقد روي الإمام العلم عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه، وكذا قال غير واحد من الحفاظ، وقد كانت المجالس تعقد ببغداد وبغيرها من البلاد فيجتمع الفئام من الناس بل الألوف المؤلفة ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة، ويبلغون عن المشايخ ما يملون، فيحدث الناس عنهم بذلك، مع ما يقع في مثل هذه المجامع من اللغط والكلام. وحكى الأعمش أنهم كانوا في حلقة إبراهيم إذا لم يسمع أحدهم الكلمة جيداً استفهمها من جاره، قلتُ: وقد وقع هذا في بعض الأحاديث عن عقبة بن عامر وجابر بن سمرة وغيرهما، فهذا هو الأصلح للناس، وإن كان قد تورع آخرون، وشددوا في ذلك، وهو القياس، والله أعلم. بركة. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما ذكر الطريق الأول من طرق التحمل، والثاني السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ العرض، نبه على أمرٍ يوجد مع كثرة الطلاب، يوجد مع كثرة الطلبة، وهو تشاغل بعض الطلاب عن السماع، عن السماع من لفظ الشيخ، أو سماع صوت القارئ على الشيخ، فبعضهم ينعس، وبعضهم يكتب، إيش معنى يكتب؟ يكتب شيئاً آخر غير ما يُملى، وغير ما يُقرأ، وبعضهم ينظر في كتابٍ ثان، يعني نظير ما هو موجود الآن في قاعات المحاضرات إذا كثر العدد، تجد بعض الطلاب يتحدث إلى زميله، وبعضهم ينظر في كتابٍ آخر، وبعضهم عنده امتحان بعد قليل -يعني بعد هذه المحاضرة- فيقرأ في كتابٍ آخر سوف يمتحن به، هذا لا شك أنه خلل في السماع، بل خللٌ كبير؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- ما جعل لرجلٍ من قلبين في جوفه، فهل يصح السماع والحالة هذه؟ يصح أن يروي من هذا وضعه، شخص ينعس والشيخ يحدث يجوز أن ينقل عن الشيخ؟ شخص ينظر في كتابٍ آخر أو يكتب يجوز أن يروي عن الشيخ الذي يحدثه؟ هذا محل البحث في هذا الفرع.

فيقول -رحمه الله تعالى-: "فرعٌ: اختلفوا في صحة سماع من ينسخ أو إسماعه، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني" هذا هو الأصل، الأصل في ذلك المنع، ويندر أن يوجد مثل هذا في عصور الرواية، وإنما يوجد من هذا وصفه بعد أن استقرت السنة، ودونت في الكتب، وصار السماع والقراءة والعرض والإجازة وجميع طرق التحمل فائدتها مجرد إبقاء سلسلة الإسناد، ولا يترتب عليها تصحيح ولا تضعيف، الأحاديث الثابتة ثابتة، والمردودة مردودة، والأمر مفروغٌ منه، فبعد أن دونت الأحاديث في الكتب وأثبت الثابت، ونفي المردود، تساهل الناس في التحمل والسماع، وحصل من كثيرٍ من الطلاب ما يحصل. منع من ذلك جمعٌ من أهل العلم حتى في العصور المتأخرة، وهذا هو الأصل، كيف تقول: سمعتُ فلان وأنت مع جارك كأنك في قاعة أو صالة أفراح، في عرس، كل اثنين يتحدثان معاً، كيف يصوغ لك أن تقول: سمعت فلاناً، أو حدثني فلان، أو أخبرنا فلان؟ هذا هو الأصل، المنع، لكن لما كان الأثر المرتب على هذا السماع ضعيف، لا يترتب عليه ثبوت ولا عدمه، لا تصحيح ولا تضعيف، وإنما مجرد إبقاء السلسلة، سلسلة الإسناد؛ ليقول: حدثنا فلان عن فلان إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير أثرٍ عملي أجازه جمعٌ من أهل العلم، "وكان أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغي يقول: حضرتُ" نعم هو حضر، يعني ما عدا الحقيقة حضر صحيح، لكن هل سمع أو حُدث أو أُخبر؟ لا، "ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، وجوزه موسى بن هارون -الحمال- الحافظ" المعروف، قال: "وكان ابن المبارك ينسخ وهو يُقرأ عليه"، كيف ينتبه الشيخ الذي ينسخ والقارئ يقرأ عليه؟ نعم أفهام الناس تختلف، ومداركهم متفاوتة، يوجد من ينتبه إلى أكثر من شخص يقرأ عليه في آنٍ واحد، ويرد على هذا، ويقوم خطأ هذا، ويذكر عن الإمام المقرئ علم الدين السخاوي أنه كان يقرأ عليه العشرة من الناس، من مواضع مختلفة من القرآن ويرد عليهم، يرد على كل واحدٍ يخطئ منهم، نعم الناس يتفاوتون في النباهة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعض الناس بصدد سماع قراءة واحد، شخصٍ واحد، ويفوته الشيء الكثير.

"قال أبو حاتم: كتبت حديث عارم" عارم من هو؟ اسمه إيش؟ اسمه إيش عارم؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . محمد بن الفضل، نعم "وعمرو بن مرزوق" وهو يقرأ، كلاهما يقرأ، وعارم إمام من أئمة السنة، وشيخ للأئمة، شيخ للبخاري وغيره، وعمرو بن مرزوق مخرجٌ له في الصحيح، وإن كان فيه كلام. وفي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة هذا متكلمٌ فيه بلا شك، لكن يقول: "وحضر الدارقطني، وهو شابٌ فجلس إسماعيل الصفار، وهو يملئ، والدارقطني ينسخ جزءاً" ينسخ كتاب آخر بعيد كل البعد عما يُملى، "فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك" يظن أن الدارقطني مثله، إذا اشتغل بشيء غفل عن غيره "فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، قال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك، فقال له: كم أملى الشيخ حديثاً إلى الآن؟ فقال الدارقطني: ثمانية عشر حديثاً، ثم سردها كلها عن ظهر قلب -يعني على ترتيبها برواتها- بأسانيدها ومتونها -ما أخل بكلمة- فتعجب الناس منه، والله أعلم" ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وكان الشيخ -هنا يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي" وله به عناية، المزي له عناية بابن كثير، وابن كثير ملازم للمزي، والحافظ المزي أهل لأن يلازم، وإن كان عاد الحافظ ابن كثير معه هو زوج بنت المزي، ويعتني به كثيراً -رحمه الله-، "تغمده الله برحمته يكتب في مجلس السماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً بيناً جيداً واضحاً -وهو ينعس- بحيث يتعجب القارئ من نفسه أنه يغلط فيما في يده، وهو مستيقظ، والشيخ ناعسٌ، وهو أنبه منه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".

من اهتم لشيء عرفه وأتقنه وضبطه، ولم يغفل عنه بحال، وصار على ذكرٍ منه في سائر الأحوال، من كان ديدنه النظر في كتاب الله، وقراءة القرآن، ويردده، ويلهج به فإنه لا ينساه، ولو خلّط في آخر عمره، ولو اختلط، يعني ولو (هذرى) على اصطلاح بعض الناس، ولو حصل له ما حصل من إغماء، وقد سُمع من يقرأ القرآن واضحاً وهو في العناية المركزة، ما يسمع ما حوله، ولا ينطق بكلمة، لماذا؟ لأن القرآن اختلط بلحمه ودمه، ويذكر عن أشخاص لزموا الأذان عشرات السنين، أربعين، خمسين سنة، ثم صاروا في أواخر أعمارهم ما يفقهون شيء، إذا جاء وقت الأذان أذن، وسُمع منه الأذان واضح، هناك وقائع وحوادث كثيرة من هذا النوع. شيخٌ من شيوخنا حصل له حادث أدخل العناية ما يعرف أحد، ولا يسمع ولا يبصر، ولا ينطق بكلمة، والقرآن يسمع منه واضح كما هو، ولا شك أن هذا دليل على .. ، أو برهان على حسن الخاتمة، ونعرف شخصاً أقرأ القرآن ستين سنة أو أكثر، ومات فجأةً، وهو ينتظر طلوع الشمس، ورأسه في المصحف، المصحف في حجره ورأسه على المصحف، وهو ينتظر طلوع الشمس، نسأل الله للجميع حسن الخاتمة. على كل حال من اعتنى بشيء واهتم به يدركه إدراكاً بيناً، ويكون على ذكرٍ منه في جميع أحواله، فلا يتعجب أن ينعس الشيخ ويرد على القارئ. أبو زرعة الرازي وهو إمام من أئمة الحديث في النزع، وقت خروج الروح، هابوا أن يلقنوه، هابوا أن يقولوا له: قل: لا إله إلا الله، إمام كبير، كأن الحاضرين قالوا: كيف ننقل هذا إمام كبير ما يحتاج إلى تلقين؟ فتحايل بعضهم وجاء بحديث التلقين فقلب إسناده، قلب الإسناد جعل الأول الثاني والثاني الثالث وهكذا، الشيخ في النزع فانتبه الشيخ فجأة وأعاد الإسناد كما هو، فقال: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله .. )) فخرجت روحه قبل أن يكمل الحديث، فكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله -رحمه الله-.

"قال ابن الصلاح: وكذلك التحدث في مجلس السماع، وما إذا كان القارئ سريع القراءة" بعض الناس إذا صار يقرأ يأكل بعض الحروف، "إذا كان القارئ سريع القراءة، وكان السامع بعيداً من القارئ" ما يسمع كل ما يُقرأ، "ثم اختار أنه يغتفر اليسير من ذلك"، يعني لو فاته حرف حرفين كلمة فقط يجوز له أن يروي ذلك الحديث، وإن فاته ما فاته من الشيء اليسير، "وأنه إذا كان يفهم ما يقرأ مع النسخ فالسماع صحيح، وينبغي أن يجبر ذلك بالإجازة بعد ذلك كله" يعني الشيخ إذا رأى أن بعض الطلبة يتغافلون، وبعضهم ينعس، وبعضهم يحدث بعض، يجبر هذا المجلس بالإجازة، بأن يقول: أجزت لجميع من سمع أن يروي عني هذا الحديث، أو هذا الكتاب، والإجازة نوع من أنواع التحمل، يأتي الحديث عنه قريباً -إن شاء الله تعالى-. يقول: "هذا هو الواقع في زماننا اليوم أن يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم" من الصغار والكبار، العرب والأعاجم وغيرهم، "والبعيد من القارئ، والناعس، والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم، بل يلعبون غالباً، ولا يشتغلون بمجرد السماع، وكل هؤلاء قد كان يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي -رحمه الله-". قد يقول قائل: إذا كان رواية الحديث وسماعه بهذا التساهل كيف نثق بأخبار وصلتنا من طريق هؤلاء؟ نقول: لا، حينما كان العمدة على الرواة ما كان هذا الأمر موجود، ما كان هذا التساهل موجوداً، بل كان هناك التشديد، والاحتياط للرواية، أما بعد أن آل الأمر إلى أن صارت فائدة السماع مجرد إلقاء سلسلة الإسناد فليكن مثل هذا أو ما هو دونه، الأمر سهل. يقول: "وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي أن زُجر في مجلسه الصبيان عن اللعب، فقال: لا تزجروهم، فإنا سمعنا مثلهم"، {كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ} [(94) سورة النساء] كانوا صبيان ثم كبروا، الذي يزجر الصبي كان مثله، صبي يلعب في الصلاة ويعبث ما تزجره تنفره، كنتَ مثله قبل، لكن إذا تعدى ضرره إلى المصلين الآخرين ينبغي أن يكف.

السماع من وراء حجاب:

يقول: "وقد رُوي عن الإمام العلم عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه، وكذا قال غير واحد من الحفاظ" من الذي يكفيه شمه؟ من الذي يكفيه شمه من المحدثين؟ الذي لا يحفظ الحديث يكفيه شمه؟ ما يكفيك شمه، ما يكفيك إلا حفظه وضبطه وإتقانه، لكن الذي يحفظ سبعمائة ألف حديث يكفيه شمه، يكفي أن يسمع طرف الحديث؛ لأن بعد الحديث عنده. "وقد كانت المجالس تعقد ببغداد وبغيرها من البلاد فيجتمع الفئام من الناس بل الألوف المؤلفة" يجتمع عند الشيخ ألوف، عشرات آلاف، عشرين ألف، ويعظم الجمع جداً، ويصعد المستملون كل واحد من العلماء له عدد من المستملين، والمراد بالمستملي الذي يبلغ كلام الشيخ لمن لا يسمع، يوجد شخص في الصف العاشر، وآخر في الصف العشرين وهكذا، فإذا سمع المستملي الأول من الشيخ رفع صوته ليسمعه من ورائه وهكذا، كالذي يبلغ خلف الإمام التكبير وغيره ليسمعه المصلون. "ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة ويبلغون عن المشايخ ما يملون"، ومن سنن أهل الحديث اتخاذ المستملين، على أن يكون المستملي فهماً يقظاً، لا مغفل، "فيحدث الناس عنهم بذلك، مع ما يقع في مثل هذه المجامع من اللغط والكلام، وحكى الأعمش أنهم كانوا في حلقة إبراهيم إذا لم يسمع أحدهم الكلمة جيداً استفهمها من جاره" إذا خفي عليه كلمة واحدة من كلام الشيخ قال له: ماذا قال الشيخ؟ إذا أخبره بالكلمة جازت له روايتها، ووقع "هذا في بعض الأحاديث عن عقبة بن عامر وجابر بن سمرة وغيرهما، وهذا هو الأصلح للناس" لأنه لو اشترطنا أن يسمع من الشيخ كل حرف من الحروف ما صفا شيء، الإنسان لا بد أن يغفل، لا بد أن يسهو، "وإن كان قد تورع آخرون وشددوا في ذلك، وهو القياس" القياس أن يقول: سمعتُ من فلان حديث كذا، وثبتني زميلي فلان أو فلان بكلمة كذا، فاتني من الحديث كلمة كذا فسألتُ عنها فلان، هذا هو الأصل. سم. السماع من وراء حجاب:

شرح: فرع: إذا حدثه بحديث ثم قال: لا تروه عني ... :

قال: فرعٌ، ويجوز السماع من وراء حجاب، كما كان السلف يروون عن أمهات المؤمنين، واحتج بعضهم بحديث: ((حتى ينادي ابنُ أمِّ مكتوم)) وقال بعضهم عن شعبة: إذا حدثك من لا ترى شخصه فلا تروي عنه، فلعله الشيطان قد تصور في صورته يقول: حدثنا أخبرنا، وهذا عجيبٌ وغريبٌ جداً. نعم، السماع من وراء حجاب، شخص لا يرى الشيخ، الشيخ في مكان والطالب في مكانٍ آخر، أو المحَدث عنه امرأة، امرأة تحدث والطلاب يسمعون من وراء حجاب، دون اختلاط بين الرجال والنساء، كما كان الصحابة والتابعون يروون عن أمهات المؤمنين، وهن في بيوتهن، والرواية من وراء حجاب جائزة، صحيحة، والسماع صحيح، السماع صحيح، وإن شدد شعبة فقال: لا تروي عن الشيخ إلا إذا كنت تراه؛ لأنه قد يكون شيطان من وراء هذا الجدار يتكلم وأنت ما تدري، لكن هذا إذا عرف صوت الشيخ، وكان الكلام الذي يتكلم به الشيخ يليق به أن يقوله هذا الشيخ لا بأس، وإلا فقد تلبست الشياطين ببعض الشيوخ، وشيخ الإسلام حصل له من ذلك الشيء الكثير، كثيراً ما يتلبس الشيطان بصورة الشيخ بصورته، والناس يرونه يقول: أنا فلان، أنا أحمد بن تيمية يقول كذا، لكن يُعرف أن هذا الكلام الذي يقوله هذا الشيطان لا يليق بمقام الشيخ، وقد نبه الشيخ مراراً في مؤلفاته، وفي مناسبات كثيرة أن الشيطان قد تلبس به، وألقى عن الناس كذا، وأنا منه بريء. لكن إذا وثقنا من صوت الشيخ، وسمعنا هذا الكلام، وأنه يليق بالشيخ أن يقول مثل هذا الكلام فالأصل الجواز، والناس من عصره -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا يفطرون بسماع صوت المؤذن، وإن لم يروا شخصه، إذا سمعوا المؤذن قال: الله أكبر، أفطروا في رمضان، والصيام ركنٌ من أركان الإسلام، ويعتمدون صوته وهم لا يرون شخصه، وهذا صائغٌ شائع في بلاد المسلمين وأمصارهم كما هو معروف، وأما ما أبداه شعبة من أنه قد يكون شيطان فلا وجه له، نعم قد .. ، قد يتلبس الشيطان في بعض الناس، لكن ما يتلبس ويقول كلام يليق بالشيخ، لا بد أن يأتي بكلام له منه هدف، منه مقصد، لا يقوله الشيخ ولا يليق به، وحينئذٍ يعرف أنه شيطان. شرح: فرعٌ: إذا حدثه بحديث ثم قال: لا تروه عني ... :

الإجازة:

فرعٌ: إذا حدثه بحديث ثم قال: لا تروه عني، أو رجعت عن إسماعك ونحو ذلك، ولم يبدئ مستنداً سوى المنع اليابس، أو أسمع قوماً فخص بعضهم وقال: لا أجيز لفلانٍ أن يروي عني شيئاً، فإنه لا يمنع من صحة الرواية عنه، ولا التفات إلى قوله، وقد حدث النسائي عن الحارث بن مسكين والحالة هذه، وأفتى الشيخ أبو إسحاق الإٍسفراييني بذلك. نعم، إذا حدث الشيخ مجموعة من الطلاب مائة طالب، مائتين طالب، فقال لواحدٍ منهم: أنت يا فلان لا تروي عني، لا أجيز لك أن تروي عني، كل الإخوان الحاضرين ذولاء يروون عني إلا فلان، إيش السبب؟ أبداً، أنا أحر، نقول: لا، ما أنت بحر، الحديث ما هو بملكك، سمع منك يروي عنك، هذا إذا لم يبدِ سبباً للمنع، أحياناً يحدث الشيخ زيد من الناس فيقول: لا تروي عني هذا الحديث، لماذا؟ والله أنا في شكٍ من ثبوته عندي، هل هو من سماعي أو لا؟ نعم إذا أبدى سبب مناسب يمتنع الطالب، لكن إذا لم يبدِ سبب مناسب يقول: بس لا تروي عني، لماذا؟ مزاج، أنا أحر، لا، لا، ما أنت بحر، هذا الحديث ليس بملكك، يروي عنك وأنت غير راضي. يقول: "أو أسمعَ قوماً فخص بعضهم، وقال: لا أجيز لفلان أن يروي عني شيئاً، فإنه لا يمنع من صحة الرواية عنه -بل يروي عنه- ولا التفات إلى قوله، وقد حدث النسائي عن الحارث بن مسكين والحالة هذه" عرفنا أن النسائي -رحمه الله تعالى- حضر مجلس الحارث بن مسكين فطرده، والسبب: الحارث بن مسكين -رحمه الله- من الأئمة الثقات، ويأخذ أجرة على التحديث، والنسائي كأنه أعطاه أجرة أقل من المطلوب، وكان مظهر النسائي يوحي بغنى، فالشيخ كأنه تقال ما دفعه له فقال له: لا تسمع مني، أنا لا أجيز لك أن تسمع مني، فذهب الإمام النسائي -رحمة الله عليه- وجلس خلف اسطوانة، وراء عمود، صار يسمع الحديث ويحدث عن الحارث بن مسكين، ولا امتنع مع هذا المنع، لكن من ورعه -رحمة الله عليه- أنه لا يقول: لا حدثنا ولا أخبرنا، بل يقتصر على قوله: الحارث بن مسكين فيما قُرئ عليه وأنا أسمع، لا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، والذين طبعوا السنن زادوا أخبرنا جرياً على العادة، مشياً على الجادة، وهذا خطأ. الإجازة:

الثالث: الإجازة، والرواية بها جائزةٌ عند الجمهور، وادعى القاضي أبو الوليد الباجي الإجماع على ذلك، ونقضه ابن الصلاح فيما رواه الربيع عن الشافعي أنه منع من الرواية بها، وبذلك قطع الماوردي وعزاه إلى مذهب الشافعي، وكذلك قطع بالمنع القاضي حسين بن محمد المروروذي صاحب التعليقة، وقالا جميعاً: لو جازت الرواية بالإجازة لبطلت الرحلة، وكذلك روي عن شعبة بن الحجاج وغيره من أئمة الحديث وحفاظه، وممن أبطلها إبراهيم الحربي وأبو الشيخ محمد بن عبد الله الأصبهاني وأبو نصر الوائلي السجزي، وحكى ذلك عن جماعة ممن لقيهم، ثم هي أقسام ..

الإجازة: هي الإذن بالرواية، إيش معنى إجازة؟ إجازة إذن بالرواية، يقول الشيخ للطالب: أجزت لك أن تروي عني الحديث الفلاني، أو الكتاب الفلاني، أجزت لفلان بن فلان بن فلان أن يروي عني صحيح البخاري، يعني أذن له أن يروي عنه، طيب سمعت الأحاديث من لفظ الشيخ؟ ما سمع شيء، قرأ الطالب على الشيخ؟ ما قرأ عليه شيء، هل يجوز أو هل تجوز الرواية بمجرد الإجازة؟ فيما تقدم القسم الأول الطالب يسمع من لفظ الشيخ، القسم الثاني الطالب يقرأ على الشيخ، وهنا لا يسمع الطالب من لفظ الشيخ ولا يقرأ على الشيخ، فهل يجوز للطالب أن يروي عن الشيخ بمجرد هذا الإذن بالرواية؟ جمهور العلماء أجازوا الرواية بالإجازة، ولنعلم أن إجازة الرواية بالإجازة لا توجد عند المتقدمين بين الصحابة والتابعين، لكن احتيج إلى الإجازة، متى احتيج إليها؟ لما كثرت جموع الطلبة، ودونت الأحاديث، صار كل شيخ له رواية بكتاب أو كتب يأتيه الطالب من المشرق أو من المغرب فيقول: بأرويه عنك، فالشيخ يرى أن هذه الأحاديث التي يريد أن يرويها هذا الطالب مدونة بكتاب، فإن قال له: اجلس واقرأ علي متى ينتهي؟ ليأتي طالبٌ آخر بعده فيقرأ عليه، نعم لو اجتمع مجموعة يستحقون أن يجلس لهم الشيخ لا بأس، لكن يجيء طالب بيقرأ صحيح البخاري يبي كم سنة؟ ثم ينتهي هذا ويجيء بعده شخص آخر، وذا يقول: أبي البيهقي، وهذا يقول: أبي النسائي، وذا يقول .. ، العمر ينتهي قبل ذلك، لما رأوا أن الرواية بالسماع والقراءة على الشيخ مما يعسر جداً أجازوا الإجازة، وأذنوا بالرواية بمطلق الإذن بالرواية، فإذا قال الشيخ: أذنت لك أن تروي عني الصحيح وذا جاء من المشرق، من أقصى المشرق يبي يروي عن الشيخ شيخٍ في الحجاز يروي عنه صحيح البخاري، يقول له: يا لله توكل على الله، اروِ عني صحيح البخاري، طيب ما سمعته من لفظك ولا قرأته عليك؟ قال: أبداً أذنت لك أن تروي عني، جمهور العلماء أجازوا ذلك، "وادعى أبو الوليد الباجي الاتفاق على ذلك" أن الرواية بالإجازة جائزة بالاتفاق، لكن هذا الاتفاق فيه نظر، هذا الإجماع منقوض لوجود الخلاف، الإمام الشافعي منع الرواية، منع الرواية بالإجازة، وقطع بذلك الماوردي، وهو من أئمة الشافعية،

أقسام الإجازة:

وعزاه إلى مذهب الشافعي، وعرفنا أنه من لفظه -رحمه الله-، قطع بذلك جمعٌ من الشافعية وقالوا: مذهب الإمام الشافعي لا يجيز الرواية بالإجازة، وعلل بعضهم ذلك أنه لو جازت الرواية بالإجازة لبطلت الرحلة، ما يحتاج أن تجيء من المشرق ترحل إلى الحجاز أو العكس لتروي أحاديث،. عارف أن جابر سافر مسافة شهر من أجل رواية حديث واحد، والرحلة سنة عند أهل الحديث من أجل طلب العلم والحديث، لكن لو جازت الإجازة يحتاج رحلة؟ وأنت بالمشرق يقول لك صاحب الحجاز: أجزت لك أن تروي عني صحيح البخاري، ولا تجيء، ما يحتاج. . . . . . . . .، بعضهم يقول: من أجاز، أو من قال لغيره: اروِ عني ما لم تسمعه مني فكأنه قال له: أجزت لك أن تكذب عليّ، إيش معنى الرواية عن الشيخ؟ الرواية عن الشيخ تقول: حدثني فلان، أو سمعت فلان، أو قرأت على فلان، إيش غير هذا؟ تروي عن شخص وأنت ما سمعت من لفظه شيء؟ تروي عن شخص وأنت ما قرأت عليه شيء؟ يقول: "من أجاز الرواية بالإجازة فكأنه أجاز للشيخ أن يقول: أجزت للطالب أن يكذب علي، يروي عني ما لم يسمعه مني. وعلى كل حال الذي استقر عليه العمل عند المتأخرين جواز الرواية بالإجازة، التي هي مجرد الإذن بالرواية، وعرفنا أنه بعد التدوين الأمر سهل، ما يترتب عليه تصحيح ولا تضعيف، فالخطب سهل. ثم هي أقسام، نعم. أقسام الإجازة: ثم هي أقسام، أحدها: إجازة من معينٍ لمعين في معين، بأن يقول: أجزتك أن تروي عني هذا الكتاب، أو هذه الكتب، وهي المناولة، فهذه جائزة عند الجماهير، حتى الظاهرية، لكن خالفوا في العمل بها؛ لأنها في معنى المرسل عندهم، إذ لم يتصل السماع. القسم الأول من أقسام الإجازة أو النوع الأول من أنواعها: إجازة من معين، يعني من شخصٍ معين في معين لشخصٍ معين، إجازة من شخص معين الشيخ معين، لمعين الطالب معين، وفي معين يعني في كتابٍ معين، كأن يقول زيد من الناس وهو شيخ يروي الكتب بالأسانيد: أجزت لفلان بن فلان -يعين المجاز- أن يروي عني الكتاب الفلاني، فيعين الكتاب المجاز به، بأن يقول: أجزتك أن تروي عني هذا الكتاب، أو هذه الكتب، وهي المناولة، كيف هي المناولة؟ طالب:. . . . . . . . .

لا، هذه غير المناولة، المناولة سيأتي ذكرها، هذه غير المناولة، إجازة مجردة بأن يقول: أجزتُ لفلان بن فلان أن يروي عني صحيح البخاري، لكن إن كان معه صحيح البخاري وقال: خذ هذا صحيح البخاري على ما سيأتي، هذا صحيح البخاري خذه فاروه عني هذه المناولة المقرونة بالإجازة على ما سيأتي، لكن المسألة مفترضة بإجازة مجردة، شخص يجيز لزيد من الناس أن يروي عنه صحيح البخاري هذه إجازة من معين لمعين في معين، وهذه جائزة عند جماهير .. ، عند جميع من يقول بالرواية بالإجازة، وهم الجمهور، الظاهرية الذين يقولون: لا تصح الإجازة، ويمنعون الإجازة، وابن حزم يشدد في الإجازة، يقول: يعمل بها، خالفوا في العمل بها؛ لأنها في معنى المرسل عندهم، إذ لم يتصل السماع، الرواية منقطعة بمثل هذه الإجازة عند الظاهرية، لكن العمل بها، العمل بـ .. ، لا بأس، تعمل؛ لأن الكتاب ثابت من غير طريقك، فهل يلزمك أن تأتي بسند متصل إلى البخاري لتعمل بحديثٍ في صحيح البخاري؟ ما يلزم، وأشرنا إلى هذا سابقاً، وعلى كل حال هذه أعلى أنواع الإجازة، والذين يجيزون متفقون على صحة هذا النوع، نعم. الثاني: إجازة لمعين في غير معين، مثل أن يقول: أجزتُ لك أن تروي عني ما أرويه، أو صح عندك من مسموعاتي ومصنفاتي، وهذا مما يجوزه الجمهور أيضاً روايةً وعملاً.

إجازة من معين شخص معين لشخص معين لكن الكتاب غير معين، مثل أن يقول: أجزتُ لك أن تروي عني ما أرويه، أو ما صح عندك من مسموعاتي ومصنفاتي هذه .. ، هذا النوع من الإجازة يحتمل أمرين: الأمر الأول: أن يكون المجاز به غير المعين يؤول إلى التعيين، الاحتمال الثاني: أن لا يؤول إلى التعيين، فإن كان يؤول إلى التعيين أجزتُ لك أن تروي عني ما أرويه، الذي يرويه الشيخ معين، مهما ما بلغ من الكثرة يؤول إلى التعيين، يمكن الآن وقت الإجازة ما هو معين، لكن بالتتبع يتعين، أو ما صح عندك من مسموعاتي ومصنفاتي يؤول إلى التعيين، ويؤول إلى العلم، لكن إذا كان لا يؤول إلى التعيين وهو المجهول، الإجازة بالمجهول على ما سيأتي فإنها لا تصح الإجازة بها على ما سيأتي، إذا كانت الإجازة في غير معين لكنه يؤول إلى التعيين، ويؤول إلى العلم فإنها تجوز عند أكثر من يجيز الإجازة وإن منعها بعضهم، نعم. الثالث: الإجازة لغير معين، مثل أن يقول: أجزتُ للمسلمين أو للموجودين أو لمن قال: لا إله إلا الله، وتسمى الإجازة العامة، وقد اعتبرها طائفة من الحفاظ والعلماء، فممن جوزها الخطيب البغدادي، ونقلها عن شيخه القاضي أبي الطيب الطبري، ونقلها أبو بكر الحازمي عن شيخه أبي العلاء الهمداني الحافظ، وغيرهم من محدثي المغاربة -رحمهم الله-.

الإجازة، الإجازة لغير معين هي الإجازة العامة، أجزتُ لجميع المسلمين، أجزتُ للموجودين ممن هو على ظهر الأرض الآن، وشبيهة بالعامة أن يقول: أجزتُ لأهل الأقليم الفلاني، أجزتُ لأهل الهند، أجزتُ لأهل مصر، أجزتُ لأهل المغرب هذه شبه عامة، فالمجاز غير معين، أجزتُ لمن قال: لا إله إلا الله، هذه ضعيفة، والإجازة في أصل الرواية بها ضعف، وتزداد ضعفاً بمثل هذا التوسع، فإذا وقف على إجازة عند شخص يقول: أجزتُ لمن قال: لا إله إلا الله، مثل هذه الإجازة في غاية الضعف؛ لأن الأصل في إجازة الإجازة فيه نظر، ولو كانت معينة، ولو كان الكتاب معين؛ لأنها على خلاف الأصل، فالرواية إنما هي عن سماع من لفظ الشيخ، أو عرض على الشيخ، لكن إجازة ما لم يسمع، أو رواية ما لم يسمعه الطالب، أو لم يقرأه على الشيخ هذا على خلاف الأصل، وأجيز للحاجة، فالأصل في إجازتها فيه ضعف، وفي الاستدلال لجوازها غموض، فإذا حصل هذا التوسع مع ضعف الأصل لا شك أن الرواية بالإجازة العامة ضعيفة جداً. "وقد اعتبرها طائفة من الحفاظ والعلماء، فممن جوزها الخطيب البغدادي، ونقلها عن شيخه القاضي أبي الطيب الطبري، ونقلها أبو بكر الحازمي عن شيخه أبي العلاء الهمداني الحافظ، وغيرهم من محدثي المغاربة -رحمهم الله-"، وهؤلاء إنما نظروا إلى الأثر المرتب على الرواية، يعني هل الرواية لها أثر؟ كونك تروي أو ما تروي له أثر في صحة الأحاديث وضعفها؟ ما له أثر، لكن يبقى أنك تروي عن شخصٍ بعينه، شخصٍ تقول: أنبأنا فلان بالإجازة أو عن فلان، يعني ينبغي أن يكون لك به وله بك عناية، ولذا الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- يرى أن الإجازة لا تجوز إلا لماهرٍ بالصناعة، ما تجوز لأي شخص، فكيف بمن يقول بجواز إجازة من قال: أجزت من قال: لا إله إلا الله، أجزتُ لجميع الموجودين، أجزتُ لأهل الإقليم الفلاني كل هذا ضعيف. وأما الإجازة للمجهول أو بالمجهول ففاسدة، وليس منها ما يقع من الاستدعاء لجماعة المسمين، لا يعرفهم المجيز، أو لا يتصفح أنسابهم ولا عدتهم، فإن هذا سائغٌ شائع، كما لا يستحضر المسمع أنساب من يحضر مجلسه ولا عدتهم، والله أعلم .. طالب: تابع لها؟ هذه المعلقة، المعلقة، نعم.

ولو قال: أجزت رواية هذا الكتاب لمن أحب روايته عني، فقد كتبه أبو الفتح محمد بن الحسين الأسدي وسوغه غيره، وقواه ابن الصلاح، وكذلك لو قال: أجزتك ولولدك ونسلك وعقبك رواية هذا الكتاب، أو ما يجوز لي روايته، فقد جوزها جماعةٌ منهم أبو بكر بن أبي داود، قال لرجل: أجزتُ لك ولأولادك ولحبل الحبلة، وأما لو قال: أجزتُ لمن يوجد من بني فلان فقد حكى الخطيب جوزاها عن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، وأبي الفضل بن عمروس المالكي، وحكاه ابن الصباغ عن طائفة، ثم ضعف ذلك، قال: هذا يبنى على أن الإجازة إذنٌ أو محادثة، وكذلك ضعفها ابن الصلاح، وأورد الإجازة للطفل الصغير الذي لا يخاطب مثله، وذكر الخطيب أنه قال للقاضي أبي الطيب: إن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة إلا لمن يصح سماعه، قال فقال: قد يجيز الغائب عنه ولا يصح سماعه عنه، ثم رجح الخطيب صحة الإجازة للصغير، قال: وهو الذي رأينا كافة شيوخنا يفعلونه، يجيزون للأطفال من غير أن يسألوا عن أعمارهم، ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن موجوداً في الحال، والله أعلم. ولو قال: أجزتُ لك أن تروي ما صح عندك مما سمعته وما سأسمعه فالأول جيد والثاني فاسد، وقد حاول ابن الصلاح تخريجه على أن الإجازة إذنٌ كالوكالة، وفيما لو قال: وكلتك في بيع ما سأملكه خلاف، وأما الإجازة بما يرويه إجازة، فالذي عليه الجمهور الرواية بالإجازة على الإجازة، وإن تعددت، وممن نص على ذلك الدارقطني، وشيخه أبو العباس ابن عقدة والحافظ أبو نعيم الأصبهاني والخطيب وغير واحدٍ من العلماء، قال ابن الصلاح: ومنع من ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين، والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وشبهوا ذلك بتوكيل الوكيل. يقول -رحمه الله-: الإجازة للمجهول بالمجهول، الإجازة للمجهول: إجازة الشيخ للراوي المجهول، أو بالمجهول الذي لا يؤول إلى العلم، كأن يقول: أجزتُ لبعض الناس، أو يقول: أجزتُ لفلان أن يروي عني بعض مسموعاتي، بعض الناس ما يمكن تحديده، فلا يؤول إلى العلم، وبعض المسموعات لا يمكن أن تؤول إلى العلم، هذا النوع من الإجازة فاسد.

يقول: "وليس منها ما يقع من الاستدعاء لجماعة المسمين لا يعرفهم المجيز، أو لا يتصفح أنسابهم ولا عدتهم، فإن هذا سائغٌ شائع كما لا يستحضر المسمع أنساب من يحضر مجلسه ولا عدتهم، والله أعلم". تكتب قائمة فيها عشرة طلاب، عشرين، ثلاثين، مائة، ألف طالب، يكتبون للشيخ استدعاء، إيش معنى استدعاء؟ خطاب، يطلبون منه أن يجيزهم، ثم يكتبون وكتبه، أو مقدمه فلان وفلان وفلان وفلان يسردون قائمة، قلوا أو كثروا، هل يشترط أن يكون الشيخ يعرف هؤلاء علشان ما نقول: إنها إجازة لمجهول؟ يلزم أن يتصفح أسماءهم ويعرفهم؟ لكن لو كتب بعد ذكر أسمائهم: أجزتُ لهؤلاء المذكورين أن يرووا عني كتاب كذا، صحيح لذلك، قاله فلان بن فلان، تصح الإجازة، ولا يلزم أن يعرف هؤلاء الذين ذُكر أسماؤهم في الاستدعاء، في الخطاب، كما أنه لا يلزم أن يعرف أسماء من حضر عنده، يروون عنه، ولو لم يعرف أسماءهم، ولو لم يعرف أنسابهم، وكذا إذا ذكرت أسماؤهم في الاستدعاء، وطلبت منه إجازة، ليس هذا من النوع المجهول؛ لأنه معلوم مضبوط متقن، لو أراد الرجوع إليهم وجده في المكتوب متى شاء، ولو قال: أجزتُ رواية هذا الكتاب لمن أحب روايته عني، يعني تعليق الإجازة بالمشيئة، لمن شاء أن يروي عني، لمن أحب أن يروي عني أجزتُ لمن أحب أن يروي عني، هذا كتبه أبو فتح الأسدي، وهو معروف من علماء الحديث، لكنه مُتكلمٌ فيه، مطعونٌ فيه، وسوغه غيره، وقواه ابن الصلاح إذا علقه بالمشيئة، معنى هذا أنه متى روى عن هذا الشيخ فقد شاء، يعني وقعت المشيئة.

"وكذلك لو قال: أجزتك ولولدك ونسلك وعقبك رواية هذا الكتاب" ونسلك وعقبك، يعني ما تناسلوا ولو بمائة، مائتين سنة، يروون عن الشيخ، فإذا قال: حبلٌ الحبلة، ولد ولد الولد، أروي هذا الكتاب عن الشيخ الفلاني، الشيخ الفلاني مات قبل أن تولد بمائة سنة، كيف تروي عنه هذا الكتاب؟ و "لو قال: أجزتك ولولدك ونسلك وعقبك رواية هذا الكتاب، أو ما يجوز روايته، فقد جوزها جماعة منهم أبو بكر بن أبي داود -صاحب السنن- قال لرجل: أجزتُ لك ولأولادك ولحبل الحبلة" كل هذا توسع في باب الرواية غير مرضي أصلاً؛ لأن الرواية بالإجازة في أصله ضعف، فكيف يتوسع مثل هذا التوسع؟! "وأما لو قال: أجزتُ لمن يوجد من بني فلان" هناك الإجازة لمن يولد تبعاً للموجود، إجازة لموجود ولمعدوم تبعاً لإيش؟ للموجود، هنا إجازة للمعدوم استقلالاً، وليست تبعاً، وهذه أقرب إلى المنع من تلك. يقول: "وأما لو قال: أجزتُ لمن يوجد من بني فلان فقد حكى الخطيب جوازها عن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، وأبي الفضل بن عمروس المالكي، وحكاه ابن الصباغ عن طائفة ثم ضعف ذلك" لا شك تجيز شخص معدوم لمن سيولد لفلان؟! "قال: هذا ينبني على أن الإجازة إذن أو محادثة، وكذلك ضعفها ابن الصلاح، وأورد إجازة للطفل الصغير الذي لا يخاطب مثله" طفل أبو سنة أو سنتين يخاطب مثله؟ ما يخاطب مثله. "وذكر الخطيب أنه قال للقاضي أبي الطيب: إن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة إلا لمن يصح سماعه، فقال: قد يجيز الغائب عنه، ولا يصح سماع الغائب عنه" يعني قياس الإجازة على السماع مع الفارق، قياس الإجازة على السماع قياسٌ مع الفارق؛ لأن الإجازة تصح مع عدم الحضور، والسماع لا يصح إلا من حاضر يسمع الكلام، "ثم رجح الخطيب صحة الإجازة للصغير"، ثم قال .. ، إذا صححوا سماعه بمجرد الحضور فيما تقدم سماع الصبيان صححوه، وهذا تبعاً لما كررناه مراراً أن الفائدة من الرواية مجرد إبقاء سلسلة الإسناد، وأنه لا يترتب عليه لا تصحيح ولا تضعيف، إذاً يجيزوا لمن شاء، ويأذنوا لمن شاء أن يروي عنهم.

"ثم رجح الخطيب صحة الإجازة للصغير، ثم قال: وهو الذي رأينا كافة شيوخنا يفعلونه يجيزون للأطفال من غير أن يسألوا عن أعمارهم" يقول: "ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن موجوداً في الحال" تطلب إجازة لولدك يسألك الشيخ موجود صغير في المهد نعم يجيز، لكن لا ما بعد يوجد، لعل الله يجيب لنا ولد يروي عنك، هذا ما أجازوه، يقول: "ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن موجوداً في الحال"، والله المستعان. "ولو قال -له-: أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك مما سمعته وما سأسمعه" الشيخ يروي، يروي البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، يروي الستة، لكن ليست له رواية بالمسند، ولا بالبيهقي، ولا مستدرك الحاكم، ولا ابن حبان، ولا ابن خزيمة، يقول: أنت تروي الستة الآن عني وهذه الخمسة؛ لأن هاذولاء الذين أنا جاد في تحصيل الرواية، أجزتُ لك أن تروي عني ما صح عندك مما سمعته من الكتب الستة، وما سأسمعه في المستقبل، أنا إلى الآن ما عندي رواية في الكتب الخمسة هذه، لكن إذا صار لي رواية أجزتُ لك أن تروي من الآن، "فالأول جيد والثاني فاسد" كيف يأذن له بما لا يستطيع أن يرويه بنفسه؟ الشيخ نفسه ما يستطيع أن يروي، ما عنده رواية، فكيف يأذن لغيره أن يروي عنه بما ليست عنده له به رواية؟ "وقد حاول ابن الصلاح تخريجه على أن الإجازة إذنٌ كالوكالة" يعني لو صار لشخصٍ وكيل يبيع عنه، ويشتري له، أصدر وكالة اليوم، تاريخ اليوم (15/ 7) هذا الموكل له عقار، بدأ يبيع من هذا العقار، انتهى هذا العقار الموجود وقت الوكالة، ملك الموكل عقارات جديدة بعد تاريخ (16) تاريخ (20) في آخر الشهر، في الشهر الثاني، وهذا مستمر على البيع –الوكيل-، نقول: تنفع الوكالة السابقة قبل ملك العقار الذي وكل في بيعه؟ تنفع وإلا ما تنفع؟ طالب:. . . . . . . . . إذا قال: وكلتُ فلان أن يبيع عني عقاراتي، باع العقارات الموجودة إلى تاريخ الوكالة، لكن الموكل ملك عقارات بعد التاريخ هذا، وهذاك استمر يبيع، نقول: بيعه صحيح وإلا فاسد؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . الذي بعد التوكيل؟ لكن إذا سمع، سمع هذا الوكيل يحرج ويبيع ولا أنكر عليه ولا شيء؟ طالب:. . . . . . . . .

المناولة:

هم قاسوا الرواية بما لم يسمع على الوكالة بما لم يملك، هو كونه يعرف أنه يبيع ومستمر في البيع ولا يمنعه يدل على صحة الوكالة وصحة البيع. . . . . . . . . لو اقتصر على ما يوجد وقت الوكالة لمنعه من البيع، يقول: قف أنا ما وكلتك إلا إلى تاريخ ... ، ما أملكه إلى وقت تاريخ الوكالة، وعلى كل حال الأصل في الإجازة ضعيف، ثم تزداد ضعفاً في مثل هذا، هذا توسع غير مرضي. الإجازة بما يرويه إجازة، الشيخ يروي عن شيخه بإجازة، وشيخه يروي عن شيخه بإجازة، وشيخ الشيخ يروي بإجازة، هل تصح الإجازة على الإجازة؟ بمعنى أن يكون في السند أكثر من إجازة؟ أو لا يروي بالإجازة إلا من صح سماعه من شيخه عن شيخه؟ أجازوا الإجازة على الإجازة، أجازوا الرواية بالإجازة على الإجازة، يقول: "وأما الإجازة فيما يرويه إجازة فالذي عليه الجمهور الرواية بالإجازة"، وقد اجتمع في بعض الأسانيد ست أجايز، يعني ست إجازات، "وممن نص على ذلك الدارقطني وشيخه أبو العباس بن عقدة، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني والخطيب وغير واحد من العلماء"؛ لأنها إذا صحت لواحد تصح لشيخه تصح لشيخ شيخه وهكذا، "قال ابن الصلاح: ومنع من ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين، والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وشبهوا ذلك بتوكيل الوكيل"، يعني إذا جازت الرواية من زيد لعمرو بالإجازة فلتجز من عمر لبكر إيش اللي يمنع؟ نعم المناولة. المناولة:

القسم الرابع: المناولة، فإن كان معها إجازة مثل أن يناول الشيخ الطالب كتاباً من سماعه، ويقول له: اروِ هذا عني، ويملكه إياه، أو يعيره لينسخه ثم يعيده إليه، أو يأتيه الطالب بكتابٍ من سماعه فيتأمله، ثم يقول: اروِ عني هذا، ويسمى هذا عرض المناولة، وقد قال الحاكم: إن هذا إسماعٌ عند كثيرٍ من المتقدمين، وحكوه عن مالكٍ نفسه والزهري وربيعة ويحي بن سعيد الأنصاري من أهل المدينة، ومجاهدٍ وأبي الزبير وسفيان بن عيينة من المكيين، وعلقمة وإبراهيم والشعبي من الكوفة، وقتادة وأبي العالية وأبي المتوكل الناجي من البصرة، وابن وهب وابن القاسم وأشهب من أهل مصر، وغيرهم من أهل الشام والعراق، ونقله عن جماعة من مشايخه، قال ابن الصلاح: وقد خلط في كلامه عرض المناولة بعرض القراءة، ثم قال الحاكم: والذي عليه جمهور فقهاء الإسلام الذين أفتوا بالحرام والحلال أنهم لم يروه سماعاً، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والثوري والأوزاعي وابن المبارك ويحيى بن يحيى والبيوطي والمزني وعليه عهدنا أئمتنا، وإليه ذهبوا وإليه نذهب، والله أعلم. كمل، كمل مرة واحدة. أما إذا لم يملكه الشيخ الكتاب ولم يعره إياه فإنه منحطٌ عمن قبله، حتى إن منهم من يقول: هذا مما لا فائدة فيه، ويبقى مجرد إجازة، قلتُ: أما إذا كان الكتاب مشهوراً كالبخاري أو مسلم أو شيء من الكتب المشهورة فهو كما لو ملكه أو أعاره إياه، والله أعلم. ولو تجردت المناولة عن الإذن بالرواية فالمشهور أنه لا تجوز الرواية بها، وحكى الخطيب عن بعضهم جوازها، قال ابن الصلاح: ومن الناس من جوز الرواية بمجرد إعلام الشيخ للطالب أن هذا سماعه، والله أعلم. ويقول الراوي بالإجازة: أنبأنا، فإن قال: إجازة فهو أحسن، ويجوز أنبأنا وحدثنا عند جماعة المتقدمين، وقد تقدم النقل عن جماعة أنهم جعلوا عرض المناولة المقرون بالإجازة بمنزلة السماع، فهؤلاء يقولون: حدثنا وأخبرنا بلا إشكال، والذي عليه جمهور المحدثين قديماً وحديثاً أنه لا يجوز إطلاق حدثنا ولا أخبرنا، بل مقيداً، وكان الأوزاعي يخصص الإجازة بقوله: خبَّرنا بالتشديد.

القسم الرابع من أقسام التحمل المناولة، إيش معنى المناولة؟ أن يناول الشيخ الطالب الكتاب، ويأذن له بروايته، يناول الشيخ الطالب الكتاب ويأذن له بروايته، يناوله إياه على سبيل التمليك، يعطيه إياه هبة، أو بيع يبيعه عليه، أو إعارة يعيره إياه حتى ينسخه، أو إجارة يؤجره إياه مدة، بمعنى أنه يمكنه من الكتاب، أما إذا لم يمكنه من الكتاب قال: خذ صحيح البخاري فاروه عني، يوم أخذه الطالب ناظره وقال: هاته، هذه مناولة؟ هذه مناولة لكن مناولة ما تنفع، بعضهم يقول: لا فرق بين هذه المناولة والإجازة، لكن إذا قال: خذ صحيح البخاري فاروه عني، تراه لك هدية، هذه مناولة، إذا قال: خذ صحيح البخاري إعارة لمدة شهر فاروه عني، هذه مناولة، خذ صحيح البخاري فاروه عني إجارة لمدة شهر كل يوم بخمسة إجارة، هذه مناولة إذا اقترنت بالإذن بالرواية، لكن إذا خلت عن الإذن، قال: خذ صحيح البخاري لك هديةً من عندي، يجوز أن يروي عنه بمجرد المناولة؟ بدون إذن في الرواية؟ لا يجوز، لماذا؟ لأن باب الهبة والعطية والهدية غير باب الرواية، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وإن خلت عن إذنٍ المناولة ... قيل: تصح والأصح باطلة

لا تصح الرواية بها، وهنا يقول: "فإن كان معها إجازة مثل أن يناول الشيخ الطالب الكتاب من سماعه ويقول له: اروِ هذا عني، أو يملكه إياه، أو يعيره لينسخه ثم يعيده إليه، أو يأتيه الطالب بكتابٍ من سماعه فيتأمله، ثم يقول: اروِ هذا عني" يأتي الطالب بكتاب وهذه صورة تحصل، الشيخ يحتاج فيبيع كتابه، هذا الطالب يجد هذا الكتاب بالحراج يباع، يشتريه، ثم يذهب إلى الشيخ هذا كتابك، الشيخ ينظر في الكتاب ويتأمله، يتأمل الكتاب، صحيح هذا كتابي احتجت وبعته، خذه فاروه عني، هذا عرض المناولة، بمعنى أن الطالب عرض الكتاب على الشيخ، ثم إن الشيخ ناوله الكتاب، وهذا النوع من العرض يختلف عن عرض القراءة، عرض القراءة الطالب يقرأ الكتاب على الشيخ، رواية بالعرض الذي هو القسم الثاني، هنا عرض مناولة يجد الطالب كتاب الشيخ يباع، أو يصل إليه بأي طريقة من الطرق بإرث أو هبة أو هدية، ثم يحضره للشيخ فيقول: هذا كتابك يا شيخ، ثم يأخذه الشيخ فيتصفحه، يتأمله يقول: صحيح هذا كتابي، والله هذا كتابي، اروه عني، يناوله إياه، فهذا عرض المناولة، "أو يأتيه الطالب بكتابٍ من سماعه فيتأمله، ثم يقول: اروِ عن هذا، ويسمى هذا عرض المناولة، وقد قال الحاكم إن هذا إسماعٌ عند كثيرٍ من المتقدمين، وحكوه عن مالك نفسه والزهري وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري" وجمع من أهل العلم.

"قال ابن الصلاح: وقد خلط في كلامه عرض المناولة بعرض القراءة" حينما قال الحاكم: إن هذا إسماعٌ عند كثيرٌ من المتقدمين، يشير إلى إيش؟ إلى عرض المناولة، والذي هو إسماعٌ عند كثيرٌ من المتقدمين هو عرض القراءة وليس عرض المناولة، هؤلاء الذين أجازوا الرواية بالعرض صحيح هؤلاء أجازوا الرواية بالعرض، لكن هل مقصودهم عرض المناولة أو عرض القراءة؟ مقصودهم عرض القراءة، فالتبس الأمر على الحاكم، ولذا قال ابن الصلاح: "وقد خلط " يعني الحاكم في كلامه- عرض المناولة بعرض القراءة؛ لأن هؤلاء الأئمة الذين ذكر أسماءهم إنما يجيزون عرض القراءة ويسمونه إسماع، يعني في حكم السماع من لفظ الشيخ، أما مجرد المناولة، عرض المناولة يأتي الطالب بالكتاب ويعيده الشيخ إليه هذا إسماع عند هؤلاء الأئمة؟ لا، ما يمكن يصير إسماع عند هؤلاء الأئمة؛ لأن فيهم المتشدد، منهم من لا يجيز الإجازة أصلاً، فهذا هو سبب الخلط، أجازوا العرض فحمله على عرض المناولة، وهو في الحقيقة المراد عرض القراءة. "ثم قال الحاكم: والذي عليه جمهور فقهاء الإٍسلام الذين أفتوا في الحرام والحلال أنهم لم يروه سماعاً"، صحيح ما رأوه سماع، حتى ولا الذين ذكرت يا حاكم لم يروه سماعاً، لكن أنت التبس عليك الأمر، "وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والثوري والأوزاعي وابن المبارك" كيف تذكر هؤلاء أنهم لا يرون سماعاً، وأنت ذكرت عن نظرائهم من الأئمة وتقول: عليه جمهور فقهاء الإسلام؟ كيف فقهاء الإسلام وأنت ذكرت ممن يجيزه مالك والزهري وربيعة أئمة كبار؟ إلا أنه اختلط على الحاكم الأمر. ويقول: "وعليه عهدنا أئمتنا، وإليه ذهبوا، وإليه نذهب" صحيح، هذا هو الحق في هذه المسألة، أن عرض المناولة ليس بإسماع، بل هو مجرد إذن بالرواية.

يقول: "أما إذا لم يملكه الشيخ الكتاب، ولم يعره إياه فإنه منحط عما قبله" يعني لم يمكنه من النسخة، عنده البخاري، جاء الطالب البخاري عنده في الدالوب، قال الشيخ: هذا صحيح البخاري أجزتُ لك أن ترويه عني، ثم سحبه منه، رجعه لمكانه، تسميها مناولة؟ هذه ليست مناولة، هذه مجرد إجازة، هذه إجازة مجردة لا مزية لها عن الإجازة، وإن كان بعضهم يقول: لها نوع من المزية، لها نوع مزية، إيش معنى هذا؟ أن الطالب شاف الكتاب ورأه أحسن ممن لم يرَ شيئاً، يقول: لها نوع مزية، "حتى أن منهم من يقول: هذا مما لا فائدة فيه، ويبقى مجرد إجازة". يقول: "قلتُ: أما إذا كان الكتاب مشهوراً كالبخاري ومسلم أو شيء من الكتب المشهورة فهو كما لو ملكه أو عاره إياه" إيش الفرق بين أن يشتري الشيخ مائة نسخة من صحيح البخاري، وكل ما جاءه طالب من طلاب العلم يناوله البخاري من النسخ الموجودة هذه، يقول: أجزتُ لك -خذ نسخة- أجزتُ لك أن تروي عن صحيح البخاري، هذه نسميها إيش؟ مناولة، لكن ويش الفرق بين هذه النسخة والتي في المكتبات تباع؟ الطبعة واحدة ما تختلف، كتاب مشهور بين الناس معروف، يعني هل لها ميزة هذه المناولة؟ نعم إن كانت هذه النسخة بخط الشيخ وتعليقه، وإثبات سماعاته ومقابلاته لها ميزة، لكن نسخة طبعت منها المطابع ألوف مؤلفة لها ميزة؟ نعم له حقٍ عليك، وله معروف عليك، أهداك الكتاب، لكن يبقى أن لها ميزة هذه النسخة التي أهداك إياها لها ميزة؟ ليس لها ميزة عما في المكتبات، إلا إذا كانت نسخة نادرة، يعني ما توجد في المكتبات صحيح. يقول: "ولو تجردت المناولة عن الإذن في الرواية فالمشهور أنه لا تجوز الرواية بها، وحكى الخطيب عن بعضهم جوازها، قال ابن الصلاح: ومن الناس من جوز الرواية بمجرد إعلام الشيخ الطالب أن هذا سماعه"، سيأتي الرواية بمجرد الإعلام، الإعلام نوع من أنواع التحمل، سيأتي ذكره، والخلاف فيه قوي.

المكاتبة:

طيب إذا روى بالإجازة ماذا يقول؟ هل يستطيع أن يقول: سمعتُ فلان؟ إذا قال: أجزتُ لك أن تروي عن صحيح البخاري، هل يجوز أن يقول: سمعتُ حديث: (الأعمال بالنيات) من فلان وهو يرويه إجازة؟ أو يقول: حدثنا فلان، أو أخبرنا فلان، أو أنبأنا فلان؟ يقول: "ويقول الراوي بالإجازة: أنبأنا، فإن قال: إجازة فهو حسن"، لكن لو قال: حدثنا إجازة، أو إذناً، أو أخبرني فيما أجازني به، أو أنبأنا؛ لأنه في الاصطلاح قالوا: أنبأنا ماشي في الإجازة، هذا مجرد اصطلاح وإلا فالأصل أن الإنباء والإخبار بمعنىً واحد، لا يجوز إلا إذا قيد بما يدل على المراد، وأن الرواية بالإجازة، هم تجوزوا بأنبأنا، وكثر استعمال (عن) عند المتأخرين فيما يروى بالإجازة. وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن ... إجازةً وهي بوصلٍ ما قمن يعني جديرة وحرية بالوصل إذا جاءت بصيغة (عن)، يقول: "فهو أحسن، ويجوز أنبأنا وحدثنا عند جماعة المتقدمين" لكن الأولى أن يبين مراده وطريقته في التحمل، فيقول: حدثنا وأخبرنا إجازةً، أو فيما أجاز لي، أو فيما أذن لي، وما أشبه ذلك. يقول: "وقد تقدم النقل عن جماعة أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة بمنزلة السماع" المناولة، عرض المناولة المقرونة بالإجازة بمنزلة السماع، "فهؤلاء يقولون: حدثنا وأخبرنا بلا إشكال" وعرفنا أن الحاكم وهم، الحاكم وهم في ذكره العلماء الذين قالوا: بأن عرض المناولة مثل عرض القراءة فهي إسماع، هي ليست بإسماع. "والذي عليه جمهور المحدثين قديماً وحديثاً أنه لا يجوز إطلاق حدثنا، ولا أخبرنا، بل مقيداً"، مقيد بما يدل على الواقع، بما يدل على حقيقة الحال، فيقول: حدثنا إجازة، أخبرنا إذناً، أو ما أشبه ذلك، يقول: "وكان الأوزاعي يخصص الإجازة بقوله: خبَّرنا بالتشديد" وهذا مجرد اصطلاح للأوزاعي، فإذا جاء في إسنادٍ يقول فيه الأوزاعي: خبرنا فلان عرفنا أنه رواه بطريق الإجازة، نعم. المكاتبة:

إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في الرواية عنه:

القسم الخامس: المكاتبة، بأن يكتب إليه بشيء من حديثه، فإن أذن له في روايته عنه فهو كالمناولة المقرونة بإجازة، وإن لم تكن معها إجازة فقد جوز الرواية بها أيوب ومنصور والليث وغير واحد من فقهاء الشافعية والأصوليين، وهو المشهور، وجعلوا ذلك أقوى من الإجازة المجردة، وقطع الماوردي بمنع ذلك، والله أعلم. وجوز الليث ومنصور في المكاتبة، أن يقول: أخبرنا وحدثنا مطلقاً، والأحسن الأليق تقيده بالمكاتبة. المكاتبة: مفاعلة بين طرفين، يكتب الطالب إلى الشيخ بأن يكتب له ما بلغه من حديث في مسألة كذا مثلاً، فيكتب إليه الشيخ، أو يكتب الطالب للشيخ أن يكتب له ما يرويه من طريق فلان، أو من حديث فلان من الصحابة فيكتب له الشيخ، هذه مكاتبة، فإذا كتب الشيخ للطالب بحديث أو بأحاديث جاز للطالب أن يروي عنه هذه الأحاديث ولو لم يأذن له بروايتها، لكن أولى ما يقال: إن يقول الطالب: كتب إليّ فلان بكذا قال: حدثنا فلان عن فلان إلى آخره، وهذا النوع من الرواية موجود في الصحيحين وغيرهما من الصحابة إلى التابعين، من التابعين إلى أتباعهم، ممن دونهم، من شيوخ الأئمة، في البخاري كتب إلي محمد بن بشار قال، فالرواية بالمكاتبة صحيحة، ولو قال: أخبرنا أو حدثنا فالإخبار سائغ؛ لأن الإخبار يحصل بغير المشافهة، يحصل بالمكاتبة، يحصل بالإشارة، يحصل بنصب علامة، أو أمارة، كل هذا يحصل به الإخبار، فيجوز أن يقول: أخبرنا، لكن لو قال: كتب إلي فلان، أو حدثني فيما كتب به إلي، أو أخبرني كتابةً فهو أولى، نعم. إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في الرواية عنه: القسم السادس: إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في الرواية عنه، فقد سوغ الرواية بمجرد ذلك طوائف من المحدثين والفقهاء، منهم ابن جريج، وقطع به ابن الصباغ، واختاره غير واحدٍ من المتأخرين، حتى قال بعض الظاهرية: لو أعلمه بذلك ونهاه عن روايته عنه فله روايته، كما لو نهاه عن رواية ما سمعه منه.

إعلام الشيخ الطالب أن هذا الكتاب سماعه من فلان، يأتي الطالب إلى الشيخ وينظر في كتب الشيخ، ما هذا؟ هذا صحيح البخاري أرويه من طريق فلان، أرويه من طريق فلان مجرد إعلام يخبر الطالب أنه يروي هذا الكتاب عن طريق الشيخ الفلاني، يسوغ للطالب أن يروي هذا الكتاب عن هذا الشيخ عن شيخه مجرد إعلام؟ يعني مجرد كونك تدري أن فلان يروي عن فلان تروي عنه؟ لا، لا يجوز لك أن تروي، "إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في روايته عنه، .... سوغ الرواية بمجرد ذلك طوائف من المحدثين والفقهاء منهم ابن جريج .... ، واختاره غير واحد من المتأخرين، حتى قال بعض الظاهرية: لو أعلمه بذلك ونهاه عن روايته فله روايته، كما لو نهاه عن رواية ما سمعه منه"، طيب الظاهرية إيش رأيهم في الإجازة؟ إذا أذن له في الرواية يمنعون، فكيف يقول بعض الظاهرية: لو أعلمه بذلك ونهاه مجرد إعلام يروي عنه؟ الآن الظاهرية يمنعون الإجازة فكيف يجيزون الرواية بمجرد الإعلام؟ الإجازة فيها إعلام وفيها زيادة، فيها إعلام أنه يروي البخاري من طريق فلان، وفيها إذنٌ له أن يرويه عنه، أما مجرد الإعلام ما في، يعني كونك مجرد ما تدري أن فلان يروي الكتب عن فلان تروي عنه؟ مجرد أن أخبرك الشيخ أن له رواية بالكتب من طريق فلان تروي عنه؟ لا شك أن الرواية بهذا الطريق ضعيفة، والله المستعان، نعم. القسم السابع: الوصية، بأن يوصي بكتابٍ له كان يرويه لشخص، فقد ترخص بعض السلف في رواية الموصى له بذلك الكتاب عن الموصي، وشبهوا ذلك بالمناولة وبالإعلام بالرواية، قال ابن الصلاح: وهذا بعيد، وهو إما زلة عالم أو متأول، إلا أن يكون أراد بذلك روايته عنه بالوجادة، والله أعلم.

الوجادة:

الوصية: شخص عنده كتب من مروياته، أراد السفر قال: بدل ما أشيل هذه الكتب معي، أعرضها للتلف في فلان طالب علم يستفيد منها نعطيها إياه، أو حضرته الوفاة قال: بدل ما توزع هذه الكتب وتباع بالحراج بأبخس الأثمان، ويمكن يتفرق كل جزء يصير في بيت، تشال هذه الكتب برمتها وتسلم للطالب الفلاني، طالب علم ينفع الله به الإسلام والمسلمين، يستفيد من هذه الكتب، أوصى بكتبه لزيد من الناس، هل لزيد الموصى له أن يروي عن الموصي بمجرد الوصية؟ إذا آلت كتب زيد لعمرو يرويها عنه من غير إذن في الرواية؟ يعني إيش الفرق بين كونه يوصي بها إليه، أو يروح يشتريها من السوق؟ وجدها تباع في الحراج فاشتراها؟ يعني هل لهذه الوصية أثر في الرواية؟ ليس لها أثر في الرواية، وإن أجاز بعضهم الرواية بمجرد الإعلام، وهذا كما قال ابن الصلاح: "بعيد، وهو إما زلة عالم أو متأول، إلا أن يكون أراد بذلك الرواية بمجرد الوجادة" على القسم الثامن الذي سيأتي، يعني إذ وجد كتب وأحاديث بخط الشيخ الذي لا يشك فيه على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-. نعم، القسم الثامن. الوجادة: القسم الثامن: الوجادة، وصورتها: أن يجد حديثاً أو كتاباً بخط شخصٍ بإسناده، فله أن يرويه عنه على سبيل الحكاية، فيقول: وجدت بخط فلان حدثنا فلان ويسنده، ويقع هذا كثيراً في مسند الإمام أحمد يقول ابنه عبد الله: وجدتُ بخط أبي حدثنا فلان ويسوق الحديث، وله أن يقول: قال فلان إذا لم يكن فيه تدليس يوهم اللقي، قال ابن الصلاح: وجازف بعضهم فأطلق به حدثنا أو أخبرنا، وانتقد ذلك على فاعله، وله أن يقول فيما وجد من تصنيفه بغير خطه: ذكر فلان وقال فلان أيضاً، ويقول: بلغني عن فلان فيما لم يتحقق أنه من تصنيفه أو مقابلة كتابه، والله أعلم. قلتُ: والوجادة ليست من باب الرواية إنما هي حكاية عما وجده في الكتاب، أما العمل بها فمنع منه طائفةٌ كثيرةٌ من الفقهاء والمحدثين أو أكثرهم فيما حكاه بعضهم، ونقل عن الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بها.

قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحابه في الأصول بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به، قال ابن الصلاح: وهذا هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة لتعذر شروط الرواية في هذا الزمان، يعني فلن يبقى إلا مجرد وجادات، قلتُ: وقد ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أيُّ الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ )) قالوا: الملائكة، قال: ((وكيف لا يؤمنون عند ربهم؟! )) وذكروا الأنبياء، قال: ((وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟! )) قالوا: ونحن؟ فقال: ((وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟! )) قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: ((قومٌ يأتون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها)) وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه في شرح البخاري -ولله الحمد-، فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها، والله أعلم.

القسم الثامن: وهو الأخير من أقسام التحمل الوجادة، فهي مصدر وجد يجد وجادةً، وله مصادر أخرى تختلف معانيها كالوجد والوجدان والوجود، والذي معنا الوجادة، إيش معنى وجادة؟ أن يجد حديثاً أو كتاباً كاملاً فيه أحاديث بخط شخصٍ لا يشك فيه، وهذا الخط مسند، يعني بإسناد الكاتب، إذا وجدت بخط شخصٍ لا تشك فيه إن كان من شيوخك وقد أذن لك بالرواية فلا إشكال، إن كان من شيوخك وأنت لا تشك في خطه فلك أن تروي، لكن إن كان بينك وبينه مفاوز، تعرف خط عالم من العلماء، وأنت لا تروي عنه، ولم يجز لك أن تروي عنه، ولم يأذن لك بالرواية عنه، بل لم تدرك عصره، أنت تعرف خط ابن القيم، أو شيخ الإسلام، أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو غيرهم، وجدتَ بخطه الذي لا تشك فيه، شيخ الإسلام خطه معروف، وجدت تقول: قال شيخ الإسلام؟ أو تقول: حدثنا شيخ الإسلام؟ أو تقول: أخبرنا شيخ الإسلام؟ أو تقول: وجدت بخط شيخ الإسلام؟ يقول: "فله أن يرويه على سبيل الحكاية"، فتقول: وجدتُ بخط فلان قال: حدثنا فلان، "ويسنده" يعني الكاتب يذكر السند، "ويقع هذا كثيراً في مسند الإمام أحمد" كثيراً ما يقول عبد الله: "وجدتُ بخط أبي"، هذا متصل وإلا منقطع؟ عندهم الوجادة الأصل فيها الانقطاع، وفيها شوب اتصال، لكن إذا كانت بخط شيخه ولا يشك فيه، خط أبيه الذي لا يشك فيه، وأدركه وروى عنه أحاديث كثيرة، فهي متصلة، في مثل هذه الصورة متصلة، "وجدتُ بخط أبي قال: حدثنا فلان ويسوق الحديث، وله أن يقول: قال فلان إذا لم يكن فيه تدليس يوهم اللقي" يعني وجدت بخط شيخ الإسلام -رحمه الله-، بخط شيخ الإسلام لا تشك أن هذا خط شيخ الإسلام، يعني لك أن تقول: قال شيخ الإسلام من خلال هذا الخط؟ نعم، لك أن تقول، ولا وجه لإيهام التدليس هنا، لماذا؟ لانتفاء المعاصرة، كيف يوهم التدليس وأنت بينك وبينه مفاوز سبعة قرون؟ هذا لا يوهم التدليس، لكن إذا أوهم التدليس، وجدت مثلاً بخط الشيخ فلان، الشيخ ابن عثيمين مثلاً، أو بخط الألباني مثلاً -رحم الله الجميع-، هل لك أن تقول: قال الألباني من خلال خطه؟ ألا يوهم أنك لقيت الألباني وسمعتَ منه هذا القول؟ الأولى أن تقول: وجدت بخط الشيخ فلان؛ لأن إطلاق القول يوهم

اللقي. "قال ابن الصلاح: وجازف بعضهم فأطلق فيه حدثنا أو أخبرنا، وانتقد ذلك على فاعله" حدثنا هو محدثك؟! نعم الإخبار، دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث؛ لأن الإخبار يحصل بالمشافهة وبالمكاتبة، وبنصب علامة، وبإشارة مفهمة، أما التحديث لا يحصل إلا بالمشافهة، فمن قال: من حدثني من عبيدي بكذا فهو حر، فجاء واحد كتب له ورقة وأعطاه إياه يعتق وإلا ما يعتق؟ لا يعتق؛ لأن التحديث لا بد أن يكون مشافهة، لكن لو قال: من أخبرني بكذا فهو حر؟ أخبره بكتابة أو إشارة أو نصب علامة يعتق؛ لأن الإخبار يحصل بغير المشافهة. على كل حال يقول: "وله أن يقول فيما وجد في تصنيفه بغير خطه: ذكر فلان أو قال فلان" يعني مثل المصنفات بغير الخط المطبوعات، وجدت كتاب مكتوب عليه تأليف فلان بن فلان شيخ الإسلام ابن تيمية، ابن القيم، ابن قدامة تنقل من هذا الكتاب وتقول: قال فلان إذا لم تشك بنسبة الكتاب إلى فلان، إذا أنت لم تشك بنسبة الكتاب إلى فلان لا بأس أن تقول: قال فلان، والنسخة مضبوطة موثقة، وإلا إذا كانت الطبعة محرفة كيف تثق بهذه الطبعة وتنسب الكلام المحرف إلى المؤلف؟ لا. طالب:. . . . . . . . . إذا كانت النسخة موثوقة، مصححة، والنسبة، نسبة الكتاب ثابتة إلى مؤلفه لا بأس أن يقول: قال فلان، قال ابن قدامة في المغني إيش اللي يمنع؟ لكن إذا كان الكتاب مشكوك في نسبته تقول: قال فلان، قال ابن القيم في أخبار النساء، لا، قال ابن القيم في الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن، لا، هذه الكتب لا تثبت نسبتها إلى ابن القيم، نعم، أحياناً يوجد كتاب بخط فلان ...

شرح اختصار علوم الحديث (11)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (11) شرح النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وضبطه وتقييده، والنوع السادس والعشرون: في صفة رواية الحديث الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير تقول: قال فلان؟ قال ابن القيم في أخبار النساء؟ لا، قال ابن القيم في الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن؟ لا، هذه الكتب لا تثبت نسبتها إلى ابن القيم، أحياناً يوجد كتاب بخط فلان، ولا يذكر مؤلفه، فينسب إلى الكاتب من باب غلبة الظن، وأن هذا الكلام ما فيه إشكال لو نسب إلى هذا الشخص، حاشية المقنع، الطبعة الأولى ما ذكر عليها اسم، الطبعة الثانية ذكر عليها اسم الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب؛ لأنها وجدت بخطه، والكلام اللي على الحاشية تليق بالشيخ، يعني ما فيها ما ينكر، كتاب: (توضيح توحيد الخلاق) هذا طبع منسوب لمن؟ للشيخ سليمان بن عبد الله؛ لأنه وجد بخطه، وهو في الحقيقة لغيره، على كل حال إذا أنت لم تشك في نسبة الكتاب إلى مؤلفه، واستفاضت نسبته إليه، ونقل منه أهل العلم على أساس أنه لفلان، ولم يشكك فيه أحد، فلك أن تقول: قال فلان، شريطة أن يكون الكلام مضبوط ومتقن، غير معرض لتحريف أو تصحيف؛ لأن بعض المطابع مثل بعض النساخ ما يحسن ولا يتقن. يقول: "وله أن يقول فيما وجد في تصنيفه بغير خطه: ذكر فلان" وذكر ابن قدامة في المغني، وقال فلان أيضاً تقول: قال فلان، ويقول: "بلغني عن فلان فيما لم يتحقق أنه من تصنيفه أو مقابلة كتابه، والله أعلم" يعني إذا شككت في نسبة هذا الكلام تقول: ينسب لفلان، أو وجدت في كتابٍ نسب إلى فلان، نسب لابن القيم، نسب لشيخ الإسلام وهكذا، فلا تجزم بمجرد وجوده في ذلك الكتاب المشكوك فيه.

"قلتُ -يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: والوجادة ليست من باب الرواية، وإنما هي حكاية عما وجده في الكتاب" يعني حكاية واقع، يعني وجدت كذا يصور ما وجد، "وأما العمل بها فمنع منه طائفة كثيرةٌ من الفقهاء والمحدثين، وأكثرهم فيما حكاه بعضهم" يعني إذا كان الكاتب ما تشك في أن هذا خطه، ويروي هذا الكلام بإسناده المتصل الذي لا إشكال فيه، كيف يمنع العمل به؟ أما الكلام المشكوك فيه، الخط المشكوك فيه، الكلام الذي يغلب على الظن أن من نسب إليه لا يقول مثل هذا الكلام لا يجوز لك أن ترويه، إلا على سبيل التمريض، تقول: يذكر عن فلان، أو وجدتُ بخطٍ زعم ناسخه نسبته إلى فلان وهكذا. يقول: "ونقل عن الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بها، قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحابه في الوصول بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به" الوجادة إذا لم يشك في الكاتب مثل الكتاب المؤلف لا يلزم أن يكون لك به رواية، لا يلزم أن تكون لك به رواية، تجزم أن هذا كلام شيخ الإسلام، وأنت تعتقد إمامة شيخ الإسلام، والكلام الذي في هذا .. ، الكلام المكتوب بخط شيخ الإسلام لا تشك أولاً في خطه ولا في صحته ونسبته لشيخ الإسلام لماذا لا تقول: قال شيخ الإسلام؟

"قال ابن الصلاح: وهذا هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة" الكتب كلها وجادات، فإذا لم يعمل بما وجد في هذه الكتب فإنه يتعذر العمل بها، ولا يتوجه غيره في الأعصار المتأخرة "لتعذر شروط الرواية في هذا الزمان" قال: "فلم يبقَ إلا مجرد وجادات" ما الدليل على العمل بالوجادة؟ ما الدليل على العمل في الوجادة؟ ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- حديثاً "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ )) قالوا: الملائكة، قال: ((وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ )) وذكروا الأنبياء، فقال: ((وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ )) قالوا: فنحن؟ قال: ((وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ )) قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: ((قومٌ يأتون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها)) " عملوا بالوجادة، وأُثني عليهم؛ لأن السياق سياق مدح، وعملوا بما يجدون في الصحف، فهم عملوا بالوجادة، وأثني عليهم بها، وهذا الحديث مخرج في جزء الحسن بن عرفة، وهو حديث حسن، رواه الحسن بن عرفة في جزئه المشهور. يقول: "وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه في شرح البخاري ولله الحمد" وذكره أيضاً في أوائل التفسير، الحافظ ابن كثير يقول: "ذكرناه بإسناده ولفظه في شرح البخاري" وهو أقرب من ذلك شرح البخاري مفقود، لكن تفسيره موجود، وذكر هذا الحديث في أوائل التفسير بإسناده، والحديث مخرجٌ كما ذكرنا في جزء الحسن بن عرفة وإسناده حسن. يقول: "فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها، والله أعلم". وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا يقول: ما فائدة الإجازة؟ إيش؟ يقول: باعتبار ضبط المعنى واللفظ في أيامنا هل توجد أحاديث موصولة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟

شرح النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وضبطه وتقييده:

أما بالطرق المعروفة: السماع أو العرض على الشيخ هذا نادر جداً أن تكون الكتب اتصلت بالسماع، وإن يوجد في بعضها سماع، ثم إجازة أو عرض وإجازة، لكن سماع من أول السند إلى آخره منا إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا نادر، هذا موجود في القرآن، أما بالنسبة للسنة فاعتمد الناس في العصور المتأخرة على الإجازة، ويندر أن يوجد أسانيد متصلة بالسماع، والله المستعان، لكن ينبغي لطالب العلم أن لا يقتصر على الإجازات، ولا يعول عليها، بل عليه أن يعتني بالقراءة على الشيوخ؛ لأن العلم لا يمكن أن يحصل إلا بهذه الطريقة؛ لأن الألفاظ لا يمكن أن تضبط إلا بالتلقي، لا سيما أسماء الرواة التي لا تدرك بالاجتهاد، ولا تعرف من خلال السياق، فلا يستدل عليها بما قبلها ولا ما بعدها، بل إنما تدرك ضبطاً وإتقاناً من أفواه الشيوخ، والله المستعان. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سم. شرح النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وضبطه وتقييده: أحسن الله إليك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين. قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وضبطه وتقييده. قد ورد في صحيح مسلم -رحمه الله- عن أبي سعيد مرفوعاً: ((من كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه)) قال ابن الصلاح: وممن روينا عنه كراهة ذلك عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين. قال: وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع من الصحابة والتابعين. قلت: وثبت في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اكتبوا لأبي شاه)) وقد تحرر هذا الفصل في أوائل كتابة المقدمات، ولله الحمد. قال البيهقي وابن الصلاح وغير واحد: لعل النهي عن ذلك كان حين يخاف التباسه بالقرآن, والإذن فيه حين أمن ذلك، والله أعلم.

وقد حكي إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث, وهذا أمر مستفيض شائع ذائع من غير نكير. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وضبطه وتقييده" بدأ -رحمه الله- الكتاب كأصله في حكم كتابة الحديث، والكتابة ورد فيها أحاديث متعارضة، جاء في النهي عن الكتابة حديث أبي سعيد في صحيح مسلم: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه))، وجاء في الإباحة أحاديث منها: ((اكتبوا لأبي شاه)) وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "ما كان أحدٌ أكثر مني حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" ولذا اختلف أهل العلم من السلف، من الصحابة ومن بعدهم في حكم الكتابة، فمنعها قومٌ اعتماداً على حديث أبي سعيد، وأجازها آخرون لما ورد في الإباحة من الأحاديث، بل ورد الأمر بها، ووفق أو جُمع بين هذه الأحاديث، حُمل أحاديث النهي حينما كان يخشى التباس الحديث بالقرآن، ويتصور هذا إذا كتب الحديث مع القرآن في موضعٍ واحد، وحينئذٍ لا يجوز خلط القرآن بغيره إذا لم يؤمن اللبس ((ومن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه)) فإذا أمن اللبس جاز ذلك، ولذا أطبق أهل العلم على مزج التفسير بالقرآن، وهو من كلام الناس.

على كل حال وجد الخلاف، ومنع الكتابة جمعٌ من الصحابة، ذكر المؤلف منهم تبعاً لابن الصلاح أنه قال: "ممن روينا عنه كراهة ذلك عمر -رضي الله عنه- وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين" ثم ذكر جماعة ممن أباحوه، فإذا أمن اللبس جازت الكتابة، منهم من يقول: كان النهي في أول الأمر ثم نسخ، ومنهم من أعل حديث أبي سعيد كالبخاري -رحمه الله تعالى-، وعلى كل حال حديث أبي سعيد صحيح ثابت في صحيح مسلم، فينهى عن الكتابة إذا خشي التباس غير القرآن به، ويؤذن بها إذا أمن اللبس، ويمنع وينهى عن الكتابة إذا خشي من الاعتماد عليها، وأهمل الحفظ، ولا شك أن الإذن في الكتابة والاعتماد على المكتوب صار له أثرٌ سلبي في الحفظ، فلما كان العرب أمةً أمية لا تقرأ ولا تحسب، كانوا يعتمدون على الحفظ، كانوا متميزين بالحفظ، وهذا شيءٌ مشاهد، الذي يكتب يعتمد على الكتابة، فتجده لا يحفظ مما كتب إلا الشيء القليل، نعم من كتب ليحفظ وتعاهد هذا المحفوظ، هذا المكتوب بالحفظ، وراجعه مراراً لا شك أنه يجمع بين الحسنين، أما من كتب واعتمد على الكتابة وأهمل الحفظ، فلا شك أن هذا مذموم؛ لأن الأصل في العلم ما حواه الصدر، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] فالأصل الحفظ، ولذا نأخذ الحذر من بعض الدعاوى التي يرددها من يزعم أنه من رجال التربية والتعليم، حيث يقول: إن المعول على الفهم، والحفظ يبلد الذهن، هذا الكلام خطيرٌ جداً، وظهرت آثاره في المجتمع الإسلامي في منتصف القرن الماضي فما بعد، ما قبل هذه الدعاوى تجد، أو لا تكاد تجد طالب علم لا يحفظ القرآن، ولا تكاد تجد طالب علم يحفظ من السنة القدر الكافي، منهم المقل، ومنهم المستكثر، ويحفظون المتون، لكن بعد انتشار هذه الدعاوي، وتلقيها بالقبول بعد أن أمليت على الطلاب والمتعلمين، وقبلها من قبلها من رجال التعليم، صار لها الآثار السيئة في ضعف التحصيل في العلوم الشرعية.

العلوم الشرعية عمدتها النصوص، قال الله وقال رسوله، فالقرآن لا بد من حفظه بحروفه، ولا يجوز التعبير عنه بحال ولا روايته بالمعنى، السنة أجاز جمهور العلماء الرواية بالمعنى بشروط، لكن لا بد من الرواية بالمعنى من رصيد كافٍ من الحفظ، كيف يروي بالمعنى من لا يحفظ شيئاً؟ لكن استذكار جميع ما حفظه الإنسان في الأوقات عند الحاجة قد يصعب بحروفه، فلجأ أهل العلم على تجويز الرواية بالمعنى، وشواهد الأحوال من الصحابة والتابعين تدل على ذلك، فالقصة الواحدة يرويها الجمع من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعناها واحد، ثم يرويها عنهم التابعون بألفاظ كذلك فيها شيء من الاختلاف ومحتواها واحد، وهذه عمدة من أجاز الرواية بالمعنى وهم الجمهور، منعها نفرٌ يسير من أهل العلم احتياطاً للسنة.

وعلى كل حال الحفظ أمرٌ لا بد منه، كيف تستدل على مسألة أو على واقعة أو على نازلة وأنت لا تحفظ من النصوص شيئاً؟! لا يمكن، كان العلم عند المتعلمين الأوائل حتى ممن أدركناهم راسخ وثابت؛ لأنهم على الطريقة المتبعة عند أهل العلم، يحفظون القرآن، يحفظون القدر المحتاج إليه من السنة، يحفظ متن في كل علم من العلوم، ثم يقرؤون عليها الشروح، ويقرؤون على الشيوخ، ويوضحون لهم وينظرون ويمثلون وبهذا يحصلون، لكن شخص يحضر الدروس لا يحفظ شيئاً، هذا إن ثبت في ذهنه شيء فالقاعدة تقول: أنما أخذ بسرعة يذهب بسرعة، لا يبقى ولا يستقر، فالحفظ أمرٌ لا بد منه، ومن هنا جاءت الخشية في الصدر الأول من الاعتماد على الكتابة؛ لأن لها الأثر على الحفظ، لكن لما كثر المتعلمون، وكثر الداخلون في الإسلام، وكثر من يحتاج إلى الكتابة، ما كل الناس تسعفهم الحافظة لحفظ ما يحتاج إليه، أجمع العلماء على جواز الكتابة، ومع ذلكم نفع الله بها فحفظت السنة في الدواوين، مع أن الصدور لم تهمل، استمر الحفظ عند أهل العلم، ودونت الأحاديث في الصحف ليرجع إليها عند الحاجة، ويستفيد منها اللاحق، يستفيد اللاحق مما كتبه السابق، استمر الأمر على ذلك دهراً طويلاً وأهل العلم يكتبون ويحفظون إلى أن جاءت المطابع، فأنكرها أهل العلم في أول الأمر، واقتصرت الطباعة في بلاد المسلمين على الكتب غير الشرعية في أول الأمر، حتى صدرت الفتوى بجواز طباعة العلوم الشرعية، ولا شك أن مثل هذا أمرٌ محمود، لا يسارع الناس على أمرٍ وإن كان ظاهره المصلحة إلا بتوجيه من أهل العلم، وصار للطباعة الأثر السيئ في تحصيل كثيرٍ من

الناس، في أول الأمر طالب العلم إذا احتاج إلى كتاب يستعير هذا الكتاب إذا لم يكن عنده يستعيره ويحرص على قراءته وفهمه والعناية به، وقد يكتبه، وإذا كتبه فكأنه قرأه عشر مرات، معروف الكتابة فيها معاناة وفيها تعب، وهي ترسخ العلم وتثبته، تسامح الناس في هذا، واعتمدوا على المطبوعات، فصار الشخص من طلاب العلم، بل من أهل العلم من يقتني الكتاب المطبوع في عشر مجلدات، عشرين مجلد، فغاية ما هنالك أنه يقتني الكتاب ويرتاح باله، فيرصه في الدرج والدالوب، ولا يرجع إليه إلا عند الحاجة، ولذا لو تسأل أكثر المتعلمين كم قرأ؟ لخجل من هذا السؤال، اعتمدوا على أن الكتب موجودة عندهم يعرفون كيف يراجعون، فهم علماء وفقهاء بالقوة، لكن هل هذا يكفي للتحصيل؟ ما يكفي، فاعتمد الناس على الطباعة، وكانت الطباعة في أول الأمر الكتاب يعهد به إلى لجنة علمية تراجعه وتصححه وتتابع تصحيح الطباعة، صار الكتاب الكبير يحتاج إلى عشر سنوات للطباعة أو أكثر، فتح الباري قريب من ذلك، لسان العرب عشر سنوات أو أكثر وهكذا، ثم تتابع الناس على هذا الأمر حتى آل الأمر إلى قومٍ ممن يزاول الطباعة ممن لا خلاق لهم، بل كثيرٌ منهم غير مسلمين، ولذا لا يعتنون بالتصحيح ولا بالتصويب ولا بالمراجعة، وصاروا يجلبون الكتب بالألوف المؤلفة، ويزجون بها في الأسواق، مما أوجد حيرة لدى طلبة العلم كيف يختار؟ كيف ينتقي؟ ما الدار التي يعتمد عليها؟ ما المطبعة التي يستفاد منها؟ وكثرت المصنفات في الأسواق، ومعلومٌ أن مثل هذه الكثرة غير الرشيدة والمرشدة توجد حيرة كما قال ابن خلدون: إن كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل، وهذا ملموس، ما تدري ماذا تقتني؟ ما تدري ما .. ، إذا اقتنيت كيف تراجع؟ كيف تصحح؟ كثيرٌ من الكتب تطرق إليها التصحيف والتحريف، وأهل هذه المطابع همهم التجارة، وليس همهم إتقان العلم وضبطه وتحريره، والله المستعان.

على كل حال لا شك أن الحفظ نعمة، لكن قد لا يتيسر لكل الناس أن يحفظ كل ما يريد، فيعتمد على الكتابة، والكتابة نعمة لا بد من شكرها؛ لأنها تحفظ لنا العلم، لكن ينبغي إتماماً لهذا الشكر ألا نعتمد عليها، وألا نهمل مراجعتها، وإدامة النظر فيها، وفهمها، وحفظ ما يتيسر حفظه منها. ثم جاءت الطباعة وهي أيضاً نعمة لمن استعملها واستغلها على وجهها، أما من أراد أن يجمع الكتب، ويكثر من الجمع ليكاثر هذا خاب وخسر، إذا كان القصد مجرد المكاثرة، والله المستعان. ثم بعد الطباعة تجاوز الناس مرحلة الطباعة إلى هذه الآلات، وهذه الحواسب التي تسعفك في أي لحظة شئت، مجرد ما تضغط زر تحصل على ما تطلب وما تريد، تضغط رقم الآية فتقرأها مضبوطة متقنة وتسمعها مرتلة، وتحيلك إلى جميع ما تريده من التفاسير حول هذه الآية، تضغط حديث أو كلمة من حديث فتخرج لك هذه الآلة الحديث من عشرات الطرق، ترجمة راوي، تجيب لك ترجمته من عشرات الكتب، بيت من الشعر كذلك، وهكذا، تيسر الأمر، لكن ما الآثار المترتبة على هذا التيسير، العلم لا يطيقه إلا الفحول من الرجال، وليس بالأمر السهل الهين الذي يمكن تحصيله بأدنى شيء، إذا عرفنا النصوص الواردة في فضله، وفضل العلماء عرفنا أن هذا من متطلبات الجنة، والجنة حفت بالمكاره، نعم من أراد أن يستفيد من هذه الآلات ولا يعتمد عليها لا بأس يختبر ما حصله، يختبر ما وصل إليه من طرق ومن فوائد لا بأس، شخص يحتاج إلى تخريج حديث والوقت ضاق عليه، خطيب وإلا معلم يحتاج إلى تخريجه قبل أن يلقي درسه ليتأكد ويطمأن، شخص خرج الحديث من جميع طرقه التي تيسرت له، ثم أراد أن يختبر عمله هل يوجد في هذه الآلة قدرٌ زائد على ما حصله بعد أن وقف؟ لا بأس، أما أن يعتمد عليها فهي لا تخرج طلاب علم، هي لا تخرج طالب علم. على كل حال هي من النعم التي ينبغي أن تشكر، وأن يستفاد منها الفائدة التي تليق بها، هي لا تخرج طالب علم بحال، طالب العلم لا بد أن يسلك الطرق المتبعة عند أهل العلم، ثم بعد ذلكم يستفيد من هذه الروافد.

بعد الخلاف في الصدر الأول حول الكتابة اتفق العلماء على جوازها، أجمع أهل العلم على جواز الكتابة وارتفع الخلاف، وإذا أجمع أهل العلم على مسألة بعد حصول الخلاف، فهل الإجماع يفيد القطعية، قطعية حكم المسألة، بحيث لو خالف شخص، وقال الكتابة: لا تجوز لوجود الخلاف من السابقين، والأقوال لا تموت بموت أصحابها، ماذا نقول له؟ الخلاف أو الإجماع بعد الخلاف إذا انعقد الإجماع على مسألة بعد أن وقع الخلاف فيها أو العكس، مع أن العكس غير متصور، لكن إحداث قول ثالث هل يعد مخالفة للإجماع؟ يجوزه بعضهم، ويمنعه بعضهم؛ لأن المتقدمين اتفقوا على قولين فقط، فهنا يتصور الخلاف بعد الاتفاق، لكن المسألة التي معنا من الاتفاق بعد الاختلاف، والمسألة خلافية، هل يكون إجماع ملزم وقطعي؟ أو الأقوال لا تموت بموت أصحابها ويبقى الخلاف سائغ إلى آخر الدهر؟ على كل حال إذا عرفنا أن عمدة من منع خشية اللبس، وارتفعت عمدته، وارتفعت هذه العلة التي منع من أجلها ارتفع قوله، وصار وجوده مثل عدمه؛ لأن من الآثار المترتبة على مثل هذه المسألة لو قال شخص: بأن الكتابة حرام ولا تجوز، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن)) وعلى هذا حكم على كل من كتب من الأئمة كمالك والبخاري وأحمد وغيرهم من الأئمة بأنهم ارتكبوا محرم؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن))، نقول: لا، صارت الكتابة محل إجماع من أهل العلم بعد الخلاف القديم الذي انقرض، وعمدته العلة مع النص، مع النص الثابت والعلة، والعلة ارتفعت، والنص جاء ما يعارضه فدل على أنه ((لا تكتبوا)) النهي لا يصل إلى حد التحريم، وإنما هو للكراهة، والصارف ما جاء من الإذن بالكتابة، بل الأمر بها، الأمر بالكتابة ((اكتبوا لأبي شاه)) وعبد الله بن عمرو كان يكتب بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر به أبو هريرة -رضي الله عنه- في الصحيح، فدل على أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن)) لمجرد الكراهة خشية الالتباس بالقرآن، والله المستعان، نعم. طالب:. . . . . . . . .

على كل حال إذا عرفنا أن الإجماع .. ، عرفنا أن المخالف، عرفنا دليل المخالف السابق، وعرفنا علته، وارتفعت علته، وأمكن الجواب عن دليله فارتفع، نعم. فإذا تقرر هذا فينبغي لكاتب الحديث أو غيره من العلوم أن يضبط ما يشكل منه، أو قد يشكل على بعض الطلبة في أصل الكتاب، نقطاً وشكلاً وإعراباً على ما هو المصطلح عليه بين الناس, ولو قيد في الحاشية لكان حسناً. يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "إذا تقرر هذا" يعني إذا تقرر جواز الكتابة، وأنه ارتفع الخلاف فيها فينبغي للكاتب، ينبغي للكاتب .. ، الكتابة لها آداب، وقبل ذلك نقول: على الإنسان أن يعتني بما يصدر عنه من أقوالٍ وأفعال، فلا يكتب إلا شيئاً ينفعه في الآخرة، تجد كثيراً من الناس يكتب ما هب ودب، بل قد يكتب ما يضره، والله المستعان، وهذا كثير كثير جداً، فكم من شخص ضل بسبب الكتابة، كم من شخص انحرف بسبب ما قرأ لكاتب من الكتاب المنحرفين، سواءً كان من أهل المذاهب الباطلة، أو من الزنادقة الذين يريدون هدم الدين، وإفساد أهله من المتقدمين والمتأخرين، وقد كان ضرر الكتابة خفيفاً حينما كان جل الناس لا يطلعون على كثيرٍ مما يكتبه هؤلاء المنحرفون، لكن عظمت المصيبة، وازداد البلاء، وازدادت الآثار السيئة المترتبة على كتابة هؤلاء المنحرفين حينما تيسر دخول كتاباتهم إلى البيوت، فصار يقرأها من يفهم ومن لا يفهم، من يعقل ومن لا يعقل، وصاروا يجادلون وينقاشون في الثوابت والقطعيات، والله المستعان، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يخرس ألسنة هؤلاء الذين يريدون إفساد الدين على أهله، وأن يشل أيديهم عن كتابة مثل هذه الأشياء.

فيقول -رحمه الله تعالى-: "فإذا تقرر هذا فينبغي لكاتب الحديث أو غيره من العلوم" التفسير، الفقه، التوحيد، علوم الآلة وغيرها من العلوم "أن يضبط ما يشكل" يضبط ما يشكل بالشكل، يضم المضموم، ويفتح المفتوح، وهكذا، من أهل العلم من يرى أنه يضبط كل شيء، يضبط ما يكتبه كله، (قال) القاف عليها فتحة، والألف عليها سكون، واللام عليها فتحة، لكن الأكثر على أنه إنما يُشكَل ما يُشكِل؛ لأن ضبط ما لا يشكل زيادة عناء وتعب، وتشويه للكتابة، لكن حجة القول الأول: أن الإشكال أمر نسبي، قد يترك ضبط كلمة يضنها غير مشكلة وهي في الحقيقة مشكلة على كثيرٍ من الناس، فيحتاج إلى أن يضبط مراعاةً لاختلاف مستويات القراء أن يضبط كل شيء، فالقول المعتمد عند أهل العلم أنه إنما يُشكَل ما يُشكِل، والذي لا يشكل مثل: (قام، وقعد) يعني ما تحتاج مثل هذه إلى ضبط، يعني لو أراد شخص أن يضبط: (بسم الله الرحمن الرحيم) ويش الداعي لضبط مثلها، والناس تداولها بألسنتهم، ونطقوها صحيحة، مجرد ما يرون الرسمة ينطقونها صحيحة.

"أن يضبط ما يشكل .. أو قد يشكل على بعض الطلبة" أما ما يشكل على الجميع أمرٌ لا بد منه، والذي يشكل على بعضهم إن أشكل على أوساط المتعلمين يضبط، ولا عبرة بالمبتدئين؛ لأن المبتدئين يلقنون، "في أصل الكتاب نقطاً وشكلاً وإعراباً" نقطاً فيعجم الحروف المعجمة، ويهمل ما أهمل من الحروف المهملة، ويضبط بالشكل الكلمة بالحركات، وإن ضبطها في الحاشية بالحروف، أو بالنظير، أو بالضد كما يفعله كثيرٌ من الشراح فحسن، (عن حرام بن عثمان) قال: ضد الحلال، ماشي ينضبط، لماذا؟ لئلا يأتي شخص يقرأها حزام مثلاً، أو حرَّام، أو حِرام، حرام ضد الحلال وانتهى الإشكال، (الحكم بن عتيبة) قال: تصغير عتبة الدار ماشي وهكذا، "وإعراباً" الإعراب: هو تغيير أواخر الكلمات تبعاً للعوامل الداخلة عليها، على ما هو المصطلح عليه بين الناس، لا بد أن يتقيد بما اصطلح عليه الناس، لا يصطلح لنفسه ضبط وإعراب وتقييد ونقط على خلاف ما دار بين الناس، أو ما دار أو ما اشتهر عند هؤلاء الناس وإن كان صحيحاً عند غيرهم، فيرسم الحروف على ما هو معتمد عندهم في بلده، هو مشرقي يرسم ويضبط على طريقة المشارقة، يرتب الحروف على طريقتهم، مغربي كذلك، وإلا حصل من اللبس الشيء الكثير. القاف عند المشارقة فوقها نقطتين، وعند المغاربة فوقها نقطة واحدة، نعم نقطة واحدة، لو كتب للمشارقة (قسوة) على طريقة المغاربة صارت كارثة، نعم، الفاء عند المشارقة نقطة واحدة لكن فوق، وعند المغاربة نقطة لكنها تحت، فينبغي أن يضبط الكاتب الكتابة على ما هو معمولٌ به في بلده وإقليمه.

"على ما هو المصطلح عليه بين الناس" فلا يصطلح لنفسه، وإن قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح، لكن ينبغي ألا يخالف ما شاع وعرف واستقر بين الناس، "ولو قيده بالحاشية لكان حسناً" فيضبط بالشكل، ويعرب بالحركات في صلب الكتاب، وإن ضبط الحروف، وأحياناً يضبطون بالحروف المقطعة في الحاشية، مثلاً الهجيمي ضبطوها بضم الهاء، وفتح الجيم .. إلى آخره، وفي الحاشية كتب (هـ) لأن الهاء في أثناء الكلمة تختلف صورتها عن الهاء في أول الكلمة أو إذا استقلت، فإذا لم يستطع أن يقرأها في أول الكلمة نظراً لسوء الخط، أو لدقته أو ما أشبه ذلك استطاع أن يقرأها في الحاشية، (هـ) (ج) .. إلى آخره (ي) (م) (ي). على كل حال من نظر في المخطوطات من كتب العلم وجد من ذلك العجب من شدة عنايتهم، ويأتي تكملة هذا البحث في الأبواب اللاحقة، نعم. طالب:. . . . . . . . . هو إن أتى إلى كتابٍ لغيره فنسبه إلى نفسه فهذه سرقة، وإن جاء إلى مجموعة من الكتب واختصر منها، ولخص منها، وخرج منها بمسألة أو فائدة أو فوائد قرّب فيها ما في الكتب الكبيرة، أو جمع شتاتها من كتب كثيرة فهذا نوع من أنواع التصنيف، وإلا فكثيرٌ من المتأخرين هذا عمله، لو مسكت كتاب لمتأخر، وقلت: لكل كلمة ترجع إلى أصلها صار دفتر، صار أبيض ما فيه شيء، لكن كلٌ يُعطى على قدر نيته، والله المستعان، نعم. طالب:. . . . . . . . . على حسب جهده الذي فعله. طالب:. . . . . . . . . ما في شك أنه كتب تأليف، والتأليف من وجوهه الاختصار والترتيب و .. ، نعم. طالب:. . . . . . . . .

في المتأخرين كثرت الدعاوى، المطابع التي تدفع إلى الناس هذه الكتب بالمئات في اليوم الواحد من غير تحقيق ولا تدقيق تجد الخطأ في عنوان الكتاب: (جزء القراءة خلف الصلاة) من يقول مثل هذا الكلام؟ كتاب اسمه: (جزء القراءة خلف الصلاة) كتاب للإمام البخاري مطبوع بهذا الاسم، هذا يمكن أن يخطأ في عنوانه؟! في عنوان الكتاب، وشخص كاتب: كتاب كذا -صحيح ماشي- لفلان، تحقيق وتعليق فلان، تحقيق وتعليق فلان تنظر في الكتاب ما فيه إلا ترقيم آيات فقط، ما فيه فروق نسخ ولا تعليق، ولا توضيح ولا شيء، وجاي في صفحة الخطأ والصواب وكاتب: خطأ (تعليق) صواب (شرح) هذا شيء واقع يعني ما هي بدعوى .. ، شرح يعني ما كفاه أن يقول: تعليق، والمرتزقة من هذا النوع كثر، وهذا الذي يوجد الحيرة عند كثيرٍ من المتعلمين فيما يقتني، والله المستعان، نعم. طالب:. . . . . . . . . ابن الصلاح يقول: "روِّينا" وغيره يقول: "روينا" ما في فرق، ولا شك أنه ما رواه بنفسه، وإنما رواه من طريق غيره، فيقول: "روِّينا" يعني روّانا فلان وفلان عن فلان، لا بأس؛ لأنه أسقط الواسطة، وإن قال: "روينا" يعني بإسنادنا المعروف لا بأس. طالب:. . . . . . . . . إيش هو؟ طالب:. . . . . . . . . أعلَّ الحديث، بين الشيخ -رحمه الله-، "ومنهم أعل الحديث .. " إيش قال الشيخ أحمد شاكر؟ طالب:. . . . . . . . . على كل حال البخاري ممن أعل هذا الحديث، وكلٌ يؤخذ من قوله ويترك، وهذا رأيه في الحديث، لكن الحديث صحيح لا إشكال فيه. "وينبغي توضيحه، ويكره التدقيق والتعليق في ... " طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . . . . . . . . . . موقوف على أبي سعيد من قوله، نعم. وينبغي توضحيه، ويكره التدقيق والتعليق في الكتاب لغير عذر، قال الإمام أحمد لابن عمه حنبل -وقد رآه يكتب دقيقاً-: لا تفعل فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه.

قال ابن الصلاح: وينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة، وممن بلغنا عنه ذلك أبو الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم الحربي وابن جرير الطبري، قلت: قد رأيته في خط الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-، قال الخطيب البغدادي: وينبغي أن يترك الدائرة غفلاً, فإذا قابلها نقط فيها نقطة.

"ينبغي توضيحه" توضيح المكتوب، ينبغي العناية بالكتاب والتوضيح؛ لئلا يرجع إليه في وقتٍ آخر فلا يستطيع قراءته، أو لا يستطيع قراءته غيره مثلاً، وهذا على حسب الاستطاعة؛ لأن بعض الناس يريد التوضيح، لكن ما يستطيع، يحرص أن يوضح ما يكتب، "ويكره التدقيق" تدقيق الكتابة، تصغير الحروف؛ لأنه يخون أحوج ما يكون إليه، أحوج ما يكون إليه إذا ضعفت الحواس، ضعفت الحافظة، احتاج أن يرجع إليه لا يستطيع أن يقرأ؛ لأنه دقيق، لأنه يصاحب ضعف الحافظة ضعف النظر، وضعف السمع، إن جاء بأحدٍ يقرأه عليه أيضاً أحوجه إلى أن يرفع صوته وهكذا، المقصود أن التدقيق يخونه أحوج ما يكون إليه كما قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، "يكره التدقيق والتعليق" والتعليق: خلط الحروف التي ينبغي ألا تخلط، تجد بعض الناس وهو يكتب مع السرعة يشبك بعض الحروف، وهذا موجود بكثرة في خط شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، شيخ الإسلام ما يرفع القلم، نعم، لكن الله المستعان من مثل شيخ الإسلام، بحاجة إلى الوقت مثل شيخ الإسلام، شيخ الإسلام كتب الحموية بين الظهر والعصر، كتاب يدرس في سنة كاملة ولا يكمل، الفتوى الكيلانية في قعدة، وصاحبها مستوفزٌ يريدها، بأكثر من مائتي صفحة، وفتوى أخرى كذلك في مائتين وثلاثين صفحة نسيتها الآن قال: "في قعدة واحدة، وصاحبها يريدها" شيخ الإسلام معذور حينما يكتب مثل هذه الكتابة، والناس لو تعبوا على فك عبارة الشيخ، وكتابة الشيخ يستاهل، يستحق، لكن بعض الناس إذا كتب إن قريته وإلا ارميه، إيش بعدين؟ إيش يصير؟ غير مأسوفٍ عليه، على كل حال ينبغي للإنسان أن يعتني بخطه، يعتني فيما يكتب مما ينفعه في الآخرة، ويعتني بالكتابة؛ لأنه قد يحتاج إليه فلا يستطيع أن يقرأ ما كتب، كما أنه قد يحتاج إليه غيره فلا يستطيع أن يقرأه، وكم من عالم مرت تراجمهم، أو مر في تراجمهم أن مؤلفاتهم هجرت بسبب ضعف الكتابة ورداءتها، كثير. طالب:. . . . . . . . . لا، ابن حجر مقروء، ابن حجر مقروء خطه، السخاوي على رداءة مقروء، لكن ابن عبد الهادي. . . . . . . . . طالب:. . . . . . . . . ابن عبد الهادي أبداً، صعب، صعب قراءتها، نعم. طالب:. . . . . . . . .

على أكثرها. . . . . . . . . هي المشكلة في الكثرة هي التي تجعل الإنسان ما يتأنى، وبعض الناس هذه قدرته، بعض الناس يوهب الكتابة موهبة، يوهب الكتابة، وتجده يسرع أو لا يسرع خطه جميل، وبعض الناس يتأنى وعسى، والله المستعان. "قال الإمام أحمد لابن عمه حنبل، وقد رآه يكتب دقيقاً: "لا تفعل فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه"، نعم أحوج ما تكون إلى هذه الكتابة الدقيقة يخونك، متى تحتاج؟ إذا ضعفت الحافظة وأردت أن ترجع إليه، ويصاحب ضعف الحافظة ضعف النظر وضعف السمع وغيرها من القوى، والله المستعان. "قال ابن الصلاح: وينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة" يعني مثل ما بين الآيات، "وممن بلغنا عنه ذلك أبو الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم الحربي وابن جرير الطبري" إيش الفائدة من هذه الدائرة؟ طالب:. . . . . . . . . الفصل بين الحديثين من جهة، ومن جهة أخرى تكون هذه الدائرة غفل، ما هو يحط دائرة ويطمسها، يخلها سوداء، لا، يخليها بيضاء، علشان إيش؟ كل ما قابل وضع نقطة، إذا قابل الكتاب مرة ثانية وضع نقطة، وبقدر هذه النقط تكون ميزة هذه النسخة، يعني قوبل خمس مرات فيه خمس نقاط، إذا رأينا فيه خمس نقاط عرفنا أن هذا الكتاب قوبل خمس مرات، وهكذا. "قلتُ: وقد رأيته في خط الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-، قال الخطيب البغدادي: وينبغي أن يترك الدائرة غفلاً، فإذا قابلها نقط فيها نقطة" هذه فائدة هذه الدوائر، الفصل بين الأحاديث، ووضع النقاط في جوف هذه الدوائر عند كل مقابلة، نعم. قال ابن الصلاح: ويكره أن يكتب: (عبد الله بن فلان) فيجعل (عبد) في آخر سطر والجلالة في أول سطر, بل يكتبهما في سطر واحد، قال: وليحافظ على الثناء على الله, والصلاة والسلام على رسوله وإن تكرر ولا يسأم، فإن فيه خيراً كثيراً، قال: وما وجد من خط الإمام أحمد من غير صلاة فمحمول على أنه أراد الرواية، قال الخطيب: وبلغني أنه كان يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- نطقاً لا خطاً.

قال ابن الصلاح: وليكتب الصلاة والتسليم مجلسة لا رمزاً، قال: ولا يقتصر على قوله: (عليه السلام) يعني وليكتب (صلى الله عليه وسلم) واضحة كاملة، قال: وليقابل أصله بأصل معتمد مع نفسه أو مع غيره من موثوق به ضابط، قال: ومن الناس من شدد وقال: لا يقابل إلا مع نفسه، قال: وهذا مرفوض مردود، وقد تكلم ... بركة، بركة. يقول ابن الصلاح -رحمه الله تعالى-: "يكره أن يكتب: (عبد الله بن فلان) فيجعل (عبد) في آخر السطر والجلالة في أول السطر" لئلا يقرأ السطر الثاني دون الأول، فيبدأ القارئ الله بن فلان، وهذا ممنوع، وطرد بعضهم كراهية الفصل بين المتضايفين، فلا يجعل المضاف في آخر السطر الأول والمضاف إليه في أول السطر الثاني، لكن إذا كان المضاف إليه من أسماء الله -سبحانه وتعالى- تزداد هذه الكراهة، فينبغي أن يكتب (عبد) وما أضيف إليه في مكانٍ واحد؛ لئلا يحصل المحظور الذي ذكرناه. وهناك أمور نبه عليها أهل العلم في الكتابة، ومن المؤسف أن بعض كتب المصطلح طبعت طباعات مثل: التدريب، في طبعة للتدريب، جميع هذه الأمثلة التي نبه عليها أهل العلم، وأنها لا تنبغي في الكتابة مثلنا بها من الكتاب نفسه، من التدريب، كلها فعلها الطابع، والله المستعان، وهذا سببه تصدي من لا يحسن إلى مثل هذه الأعمال، وإن كان السبب الأصلي الحقيقي تخلي من يحسن، وتفريط من يتقن، وتركه المجال لمثل هؤلاء السفهاء، وإلا لو كلٌ قام بجهده وعمله، وبذل جهده، واستفرغ وسعه لخدمة الكتاب والسنة ما جرئ مثل هؤلاء؛ لأن فعلهم زبد، لكن احتاج الناس إليه لعدم وجود ما يقوم مقامه من غيره، نعم. طالب:. . . . . . . . . العلماء الذين هم مسلمون، وينتقدون الذين لا يحسنون؛ ليتبين للناس الزبد؛ لأن بعض الناس يقول: هذا العالم شديد، وينتقد وكذا. لا، لا بد من البيان، البيان أمرٌ لا بد منه.

قال -رحمه الله- -يعني ابن الصلاح-: "وليحافظ على الثناء على الله، والصلاة والسلام على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإن تكرر فلا يسأم فإن فيه خيراً كثيراً" ولو لم يوجد في الأصل، قد تمر بذكرٍ لله في كتاب، فيقول: قال الله، ثم يسوق القول، فتقول: "عز وجل"، أو "سبحانه وتعالى"؛ لأن هذا ليس من باب الرواية، ليس من باب الرواية إنما من باب الثناء، ومثله الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو لم توجد في الأصل، ومثله الترضي عن الصحابة -رضوان الله عليهم-، ولو لم يوجد في الأصل؛ لأنه ليس هذا من باب الرواية. ولا يسأم؛ لأنه رتب عليه أجرٌ عظيم، فلا يحرم نفسه، ويحرم القارئ من هذا الأجر العظيم، فإن فيه خيراً كثيراً، قال: "وما وجد من خط الإمام أحمد من غير صلاة فمحمولٌ على أنه أراد الرواية" يعني نقله نقلاً، كما وجده، وأراد ألا يتصرف في كتب الآخرين، لكن هذا التصرف ليس من باب التزيد، أو التصرف في كتب الناس، بل هو من باب الثناء والدعاء، والله المستعان.

"قال الخطيب: وبلغني أنه كان يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- نطقاً لا خطاً" لكن ينبغي أن يجمع بينها، فينطق ويكتب؛ ليحوز الأجر المرتب على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقرن معه إن أراد الآل والصحب، ولا يقتصر على الصلاة دون السلام؛ لأن بعض الناس إذا طالت الجملة نسي وسلم، كما فعل مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في بداية الصحيح، وانتقده النووي، وصرح بكراهة ذلك، وأحياناً يقول: (عليه السلام) وإفراد الصلاة دون السلام تأتي الإشارة إليه، نص النووي على الكراهة، وإن خصه ابن حجر بمن كان ديدنه ذلك، يعني استمر في كل مناسبة يقول: (عليه السلام) في كل مناسبة يصلي ولا يسلم، لا يتم الامتثال إلا بالصلاة والسلام معاً، امتثال قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، يعني إن أراد أن يضيف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- أحداً فليضف الآل والأصحاب، ولا يقتصر على الآل؛ لأنه شعار لبعض المبتدعة، وما ورد في الصلاة الإبراهيمية فهو في الصلاة، ولا يقتصر على الصحب؛ لأنه شعارٌ لقومٍ آخرين من المبتدعة، فيجمع بينهما ليجمع بين الحسنيين، وإن اقتصر على النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا هو المأمور به، وأما اتهام أهل العلم من المحدثين وغيرهم أنهم أهملوا الصلاة على الآل مع الأمر بها ممالأة للحكام، ومداهنة لهم فهذا قولٌ في غاية السقوط، هذا قولٌ في غاية السقوط، يُتهم الأئمة كلهم قاطبة ما يقولون: (وآله)، (صلى الله عليه وسلم) في كتب السنة، قاطبة دون استثناء، ويتهمون بأنهم يمالئون الحكام ويداهنونهم، هذا كلام ليس بصحيح، من قال: (صلى الله عليه وسلم) فقد امتثل الأمر الوارد في الآية، من صلى على الآل فليضف الصحب؛ لأن الاقتصار على الآل صار شعار لبعض المبتدعة، والجمع بينهما شعار أهل السنة، الذين يوالون الصحب والآل معاً، والله المستعان، نعم. طالب: يقول: "وليحافظ على الثناء على الله" ما علقتم على هذا يا شيخ. قلنا: الله -سبحانه وتعالى-، -عز وجل-. طالب:. . . . . . . . .

لفظاً وكتابةً، مثل الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-. قال ابن الصلاح: "وليكتب الصلاة والتسليم مجلسة" يعني كاملة (صلى الله عليه وسلم) "لا رمزاً" لا يكتب (ص)، يرمز بها إلى (صلى الله عليه وسلم)، أو (صلعم) حتى ذكر بعض أهل العلم أن من كتب .. ، أول من كتب هذا الرمز (ص ل ع م) قطعت يده، والله أعلم بحقيقة الحال، لكن الامتثال لا يتم، والأجر المرتب على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يتم بالرمز، بل لا بد من الكتابة كاملة، والله المستعان. طالب: في نهي عن الاختصار بالألفاظ هذه؟ من أين؟ نهي إيش؟ من أهل العلم. طالب: نهي اختصار (صلى الله عليه وسلم) أو اختصار (عز وجل) أو .... من أهل العلم. طالب: نعم. كثير كثير، كلهم نبهوا على هذا. قال: "ولا يقتصر على قوله: (عليه السلام) يعني وليكتب: (صلى الله عليه وسلم) واضحة كاملة" إلا أنه لا يتم الامتثال إلا بالجمع بين الصلاة والسلام، وإن أفرد السلام دون الصلاة أو الصلاة دون السلام أحياناً فلا بأس، لكن يكون ديدنه يصلي ولا يسلم، أو يسلم ولا يصلي هذا نص أهل العلم على كراهته.

قال: "وليقابل أصله بأصلٍ معتمد مع نفسه أو مع غيره، من موثوق به ضابط" بالمقابلة نسخت الكتاب فلا بد من مقابلته؛ لأنه لا يؤمن السقط، وتكرار بعض الأسطر، أو نقص أسطر أحياناً، وهذا كثير، وهذا يمكن تلافيه بالمقابلة، لكن هل يقابل مع نفسه؟ يأتي بالأصل ويضعه بين يديه والفرع المنسوخ ويضعه بين يديه وينظر في كلمة كلمة؟ أو يكفي أن يحضر الأصل بيد ثقة والفرع معه أو العكس، وأحدهما يقرأ والثاني يصحح؟ بعضهم يقول: لا، يشدد، يقول: لا تعتمد على أحد في هذا، لا بد أن تقوم بهذا بنفسك؛ لأنك ما تدري لعله غفل، نعم يتصور الغفلة من أجيرٍ ونحوه إذا لم يكن ثقة، لكن إذا اشترطنا الثقة انتفى المحظور، ولو قيل: إن المقابلة مع شخصٍ آخر أولى من المقابلة من الشخص نفسه لما بعد؛ لأن الإنسان يفوت عليه أشياء؛ لأنه ينظر في الأصل والفرع فيفوت عليه بعض الشيء، لكن إذا حدد في نسخة واحدة، والطرف الثاني المفترض فيه الثقة يحدد في نسخة أخرى، وتضافر عليه جهد شخصين، لا شك أنه أتقن وأضبط، بعض الناس يتورع في مقابلة النسخ، ويسجل الأصل على شريط، ويسمعه على الفرع، ويصحح، ويقابل بهذه الطريقة، لكن هذا حقيقةً تشديد لا مبرر له، فالمقابلة تقبل النيابة، وحينئذٍ لا ضير فيما وُكِل إليه عمل ولو كان يقتضي عليه أجر أن يكلف من يقابل معه شريطة أن يكون ثقة متقناً. وقد تكلم الشيخ أبو عمرو على ما يتعلق بالتخريج والتضبيب والتصحيح وغير ذلك من الاصطلاحات المطردة والخاصة ما أطال الكلام فيه جداً، وتكلم على كتابة (ح) بين الإسنادين, وأنها (ح) مهملة من التحويل، أو الحائل بين الإسنادين, أو عبارة عن قوله: "الحديث". قلتُ: ومن الناس من يتوهم أنها (خاء) معجمة, أي إسناد آخر، والمشهور الأول, وحكى بعضهم الإجماع عليه.

يقول -رحمه الله تعالى-: "وقد تكلم الشيخ أبو عمرو -يعني ابن الصلاح- على ما يتعلق بالتخريج والتضبيب والتصحيح، وغير ذلك من الاصطلاحات المطردة والخاصة ما أطال ... فيه جداً" ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- في أصل هذا الكتاب، كتاب: (علوم الحديث) بسط القول في هذه الأشياء، ما يتعلق بالتخرج للساقط أو للتعليق، فإذا أراد أن يكتب كلمة بانت من خلال المقابلة أنها ساقطة من النسخة المنسوخة يخرج لها، فيأتي بعلامة تسجل هذه العلامة، يأتي بعلامة، رمز ... كيف؟ طالب:. . . . . . . . . مثل الهلال تبدأ من نهاية الكلمة التي قبل هذه الكلمة الساقطة، وتتجه إلى جهة اليمين، فيعلق هذه الكلمة الساقطة ويكتب فوقها صح، إن احتاج إلى كلمة ثانية في السطر نفسه إلى جهة اليسار وهكذا، إن كان الكلام طويلاً السقط طويل يحتاج إلى إلحاق صفحة أو شبهها يشير، ويكتب تتمة الكلام أو السقط في صفحة مرفقة، أو في أعلى الصفحة إذا كان سطرين، ثلاثة، يمكن يكتب، أو في أسفل الصفحة، أو في الجهة اليمنى، أو تتمته على الصفحة اللاحقة، وما أشبه ذلك، المقصود أنه يشير، هذا بالنسبة للسقط بعد الكلمة التي تكون قبل الكلام الساقط، وإذا كان هذا التعليق والتخريج لشرح كلمة فتكون هذه الإشارة من وسط الكلمة المراد شرحها، والتضبيب يعني يضع ضبة على الكلام الذي يريد أنه ثابت من حيث الرواية، يعني هكذا في الأصل، فيضع عليها ضبة رأس صاد كذا ويمدها على قدر الكلام الذي يريد أن يضبب عليه، فيضع هذه الضبة على كلامٍ صح روايةً وإن لم يصح معناه؛ لئلا يأتي من يجرؤ فيصحح هذا الكلام، يضع ضبة على كلام صح وثبت في الأصل، لكنه من حيث العربية فيه خلل؛ لأنه لا يؤمن أن يأتي بعض المتسرعين فيصحح، وقد يكون له وجه، يكون له وجه في العربية، وهذا لا يدركه، وما يدريه يبقيه كما هو، ويضبب عليه، وكم من كلمة أشكل إعرابها حتى في القرآن، وهي لها وجوه في العربية، وبعض الناس تشكل عليه، نعم، على كل حال بعض الناس مغرم بالجرأة على الكتب فتجده يهجم على الكتب ويصحح، وإن لم يكن أهلاً، وهذا موجود، ينشر في الأسواق كثير جداً، وأشرنا إلى شيء منه.

والتصحيح إذا كانت الكلمة خطأ يصححها في الحاشية، يبقيها كما هي في الأصل، ويثبت الصواب في الحاشية، وبعضهم يقول: لا مانع إذا لم يكن هناك له وجه ولو بعيد أن يصحح في الأصل، ويشير إلى أنه .. ، يشير في الحاشية إلى أنه في الأصل خطأ كذا، وإن أبقاها كما هي على الأصل، وأشار إلى الحاشية أو وضع رقم كما اصطلح عليه المتأخرون، وقال: كذا في الأصل والصواب كذا، فلا بأس، المقصود أنه لا بد من البيان، والأصل أن تبقى الكتب كما هي، كما وجدت؛ لأنها إذا صححت، ثم جاء آخر واجتهد وصحح، ثم جاء ثاني واجتهد وصحح، وثالث، ورابع، وخامس مسخت الكتب بهذه الطريقة؛ لأن أفهام الناس تتفاوت، وكم من شخص له غرض من إبقاء مثل هذه الأشياء، والله المستعان، نعم. طالب:. . . . . . . . . التضبيب قد تضع الضبة على كلامٍ ثابت في الرواية، لكنه من حيث العربية ضعيف، أو لا وجه له، أو خطأ تضبب عليه، وتصحح. . . . . . . . .، لكن التصحيح وقع خطأ في النسخ فتصحح، التضبيب على كلامٍ صحيح في الأصل، هو منقول كما هو في الأصل، لكن لئلا يجرؤ أحد فيصحح فتضبب عليه، والضبة موجودة، ومن نظر في بعض طبعات الصحيح وجد هذه الاصطلاحات موجودة، والمخطوطات مملوءة مشحونة بمثل هذه الأمور. "وغير ذلك من الاصطلاحات المطردة والخاصة" ولو كان اصطلاح خاص لذلك الرجل فإنك لا يجوز لك أن تصحح ما اصطلح عليه، لا سيما إذا بين، لك أن تعلق تقول: هذا خالف فيه اصطلاح العامة، وفي التعليق لك أن تقول ما شئت.

شرح: النوع السادس والعشرون: في صفة رواية الحديث:

" ... ما أطال الكلام فيه جداً، وتكلم على كتابة (ح) بين الإسنادين" وهي حاء التحويل، وهي كلمة توجد في كتب الحديث في صحيح مسلم، في سنن أبي داود، سنن النسائي، سنن ابن ماجه وغيرها من الكتب بكثرة، لكنها عند البخاري والترمذي قليلة، قليلة عند البخاري قليلةٌ جداً، ومسلم قد يسوقها في طرق الإسناد الواحد أحياناً خمس مرات، في طرق الحديث الواحد يسوقها أحياناً خمس مرات، فهو مكثرٌ منها جداً، والمقصود منها التحول من إسنادٍ إلى آخر، والمغاربة يقولون: إن المقصود منها الحديث، أو هي من الحيلولة، فتكون حائلاً بين إسنادين، يقول: "من الناس أن يتوهم أنها "خ" معجمة، أي إسناد آخر، والمشهور الأول" بعض الناس لا سيما فيما يرد في صحيح البخاري يقول: هي "خ"، وهي رمزُ الإمام، وكل هذا ليس بصحيح، "حكى بعضهم الإجماع عليه" وأنها من التحول من إسناد إلى آخر .... طالب:. . . . . . . . . وين؟ البخاري يوردها قليلاً، وقد يوردها ولا حاجة إلى إيرادها في الموضع الذي أوردها فيه البخاري -رحمه الله تعالى-، لماذا؟ لأن البخاري غالباً ما يوردها إذا انتهى الإسناد، يسوق الإسناد كاملاً عن فلان عن فلان عن فلان عن أنس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- (ح)، إيش الفائدة من هذه هنا؟ ما تفيد شيء، صحيح أنك انتقلت من إسناد، تحولت من إسناد إلى آخر، لكن ما أفادت الفائدة التي من أجلها وضعت وهي اختصار الأسانيد. طالب:. . . . . . . . . عند البخاري والترمذي قليلة، لكن عند مسلم وأبي داود بكثرة. طالب:. . . . . . . . . من جديد من شيخه حتى. طالب:. . . . . . . . . لكن ويش الفائدة منها؟ يمكن أن يختلط إسناد بهذا؟ كامل هو كامل، لكن لما يضعها في أثناء الإسناد عند نقطة الالتقاء بين الإسنادين هذه فائدتها، اختصار الأسانيد. شرح: النوع السادس والعشرون: في صفة رواية الحديث: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: النوع السادس والعشرون: في صفة رواية الحديث.

قال ابن الصلاح: شدد قوم في الرواية, فاشترط بعضهم أن تكون الرواية من حفظ الراوي أو تذكره, وحكاه عن مالك وأبي حنيفة وأبي بكر الصيدلاني المروزي، واكتفى آخرون -وهم الجمهور- بثبوت سماع الراوي لذلك الذي يسمع عليه, وإن كان بخط غيره، وإن غابت عنه النسخة إذا كان الغالب على الظن سلامتها من التبديل والتغيير، وتساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل بمجرد قول الطالب: "هذا من روايتك" من غير تثبت ولا نظر في النسخة، ولا تفقد طبقة سماعه، قال: وقد عدهم الحاكم في طبقات المجروحين. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

النوع السادس والعشرون: وهو يجمع فروع كثيرة، تتعلق بصفة رواية الحديث، هو متضمن .... لفروع: أولها: التشديد في الرواية، وتقدم في تعريف الصحيح أن الحفظ والضبط أمرٌ لا بد منه لصحة الخبر وثبوته، إضافة إلى العدالة اللذان هما ركنا التوثيق، فلا يستحق الراوي الوصف بالثقة إلا إذا ضم إلى العدالة الضبط كما تقدم في تعريف الحديث الصحيح، والضبط قسمه أهل العلم إلى ضبط صدر وهو الأصل، وإلى ضبط كتاب، وكان الصدر الأول من هذه الأمة كان ضبطهم واعتمادهم على صدورهم، والحفظ هو المعول عليه في العلم، وهو الأصل، وقد يحتاج إلى ضبط الكتاب وإتقانه من أجل مراجعته إذا طرأ على الحفظ ما طرأ من الغفلة والذهول والنسيان، ولذا مدح الله أهل العلم بكونهم يحفظون، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] وجاء في وصف هذه الأمة أن أناجيلها في صدورها، ولما اعتمد الناس على الكتابة -كما أشرنا سابقاً- ضعف الحفظ، واحتاج الناس إلى الكتابة وتوسعوا فيها، فصححوا الرواية من الكتاب، وإن كان القول الأول في المسألة المنع من الرواية من الكتاب، مهما بلغت دقته وضبطه وإتقانه، فلا بد من الحفظ، وهذا مرويٌ عن مالك وأبي حنيفة كما قال ابن الصلاح يقول: "شدد قومٌ في الرواية، فاشترط بعضهم أن تكون الرواية من حفظ الراوي أو تذكره، وحكاه عن مالك وأبي حنيفة وأبي بكر الصيدلاني المروزي -من أئمة الشافعية-، واكتفى آخرون -وهم الجمهور- بثبوت سماع الراوي لذلك الذي يسمع عليه" والأصل أن يكون بخطه، لكن إن ثبت مرويه بخط غيره من أهل الضبط والإتقان فلا بأس، ولذا يقول: "وإن كان بخط غيره، وإن غابت عنه النسخة .. " أولاً: يثبت مرويه وسماعه في الكتاب، سواءً كان بخطه أو بخط غيره، شريطة أن يكون الكاتب ثقة، ثم يقابل هذا المكتوب بأصله، ثم يحافظ عليه بحيث لا يخرجه من يده بإعارةٍ ولا إجارة ولا غيرها إلا لمن يثق به؛ ليغلب على الظن سلامته، أما إذا كان يعيره ويخرجه من يده إلى أي شخص دون شرطٍ ولا قيد ممن لا يؤمن منه الزيادة والنقص، والإلحاق والكشط والمحو فإنه حينئذٍ لا تعود الثقة إلى هذا الكتاب، "وإن غابت عنه النسخة إذا

كان الغالب على الظن سلامتها من التبديل والتغيير" وقد جاء في معرفة من تقبل روايته ومن ترد فيما تقدم: "يحوي كتابه إن كان منه يروي" يحوي: يعني يحفظه من التلاعب، وكم من راوٍ من الرواة قدح به، وأنزل عن درجة التوثيق والقبول بسبب التصرف بكتبه، إما كاتب يتدخل أو ربيب له يُدْخِل في كتبه ما ليس منها، وهذا حصل، وذُكر في تراجم أهل العلم. على كل حال لا بد من ضبط الكتاب وإتقانه، وحفظه من أن يتطرق إليه تغيير أو تبديل، "وتساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل" لا بد أن تكون النسخة التي يروى منها مقابلة على أصول، واكتفى النووي بأصلٍ واحد إذا كان الناسخ قليل الغلط، متقناً لنسخه يكفي أصلٍ واحد، وهذا تقدم في مباحث الصحيح. "تساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل بمجرد قول الطالب: هذا من روايتك" يأتي الطالب إلى الشيخ ويقول: هذا من روايتك، هذا من روايتك فيقول: نعم، فيروي عنه، ولا يدرى عن هذه النسخة هل هي مقابلة أو غير مقابلة؟ ونظير هذا عدم التثبت في الطبعات المعتمدة من كل كتاب، فلا شك أن المطابع متفاوتة كالنساخ، منهم من يتقن ويضبط الطباعة، ويكل أمر التصحيح إلى أهل العلم بالفن الذي هم بصدده، ومنهم من يتساهل فيأتي بالأجراء، ويهمه الربح المادي، ويأتي بأجراء أجورهم قليلة ليتوفر له الكسب، وهذا حال كثيرٍ من المطابع التي تدفع بالكتب إلى الأسواق، بل وجد في بعض المطابع التي تطبع كتب الشرع، التفسير والحديث وغيرها من يتعامل مع نساءٍ غير مسلمات يطبعن له، فكيف يؤمن مثل هؤلاء على كتب الشرع؟ والله المستعان.

يقول: "وتساهل آخرون في الرواية من نسخ لم تقابل بمجرد قول الطالب: هذا من روايتك، من غير تثبت ولا نظر في النسخة، ولا تفقد طبقة سماعه" يعني لا ينظر في النسخة هل هي موثقة أو غير موثقة؟ الذي كتبها متقن وضابط أو غير متقن؟ هل قوبلت على نسخ أو لم تقابل؟ لا يعتني بذلك، ولا ينظر في الطباق الذي يذكره أهل العلم في أواخر الكتب، الذي يثبتون به سماع الطلاب عن الشيخ هذا الكتاب، يعني في نهاية الكتب يقولون: بلغ سماعاً من فلان وفلان وفلان وفلان على الشيخ فلان، هذا يسمونه الطباق، وحينئذٍ إذا أثبت اسمه في الطباق يكون ممن يروي هذا الكتاب عن هذا الشيخ، والشيخ يعلق على هذا الكلام فيقول: صحيحٌ ذلك، فلان ابن فلان، هذه عادة أهل العلم، فإذا كان الاسم موجود في الطباق له أن يروي، غير موجود كيف يروي؟ إذا لم يجزم بأنه من مرويه. المقصود أن بعض الناس يتساهل، وهؤلاء "عدهم الحاكم في طبقات المجروحين" لكن إذا عرفنا أن هذا التساهل إنما وجد بعد عصور الرواية، وبعد ثبوت السنة وإثباتها في الدواوين المعتمدة صار الأمر سهل الأمر أسهل، يعني غاية ما هنالك أن يكون هذا الراوي مجروح وبعد ذلك، إذا كان الحديث في البخاري سواءً سمعه هذا الراوي أو لم يسمعه يتغير أو ما يتغير الحكم؟ لا يتغير، لكن على طالب العلم أن يعتني بالنسخة التي ينقل منها. سم. فرعٌ: قال الخطيب البغدادي: والسماع على الضرير أو البصير الأمي إذا كان مثبتاً بخط غيره أو قوله فيه خلاف بين الناس، فمن العلماء من منع الرواية عنهم، ومنهم من أجازها. هذا الفرع مما ذكره الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى-، وله عناية واهتمام بهذا العلم، فلا يوجد بابٌ من أبوابه، ولا نوعٌ من أنواعه إلا وصنف فيه كتاباً مستقلاً، وقدمه ورسوخه في هذا الشأن أمرٌ معروف لدى الخاص والعام، وإن نال منه بعض طلاب العلم ما نال لتأثره ببعض مصطلحات أهل الكلام، لكن يبقى أن أهل الحديث عيالٌ على كتبه، شئنا أم أبينا، لا تجد كاتب يكتب في علوم الحديث إلا ويقول: قال الخطيب، فينقل من كتبه، وعلى كل حال هو ليس بمعصوم.

يقول: "السماع على الضرير الأعمى أو البصير الأمي إذا كان مثبتاً بخط غيره" إذا كانت روايته لكتابٍ من الكتب مثبتة بخط غيره هل نروي عنه أو لا نروي؟ هذا الأعمى الذي يروي هذا الكتاب الخط ليس بخطه وهو لا يحفظ هذا المروي ما قيمته؟ أو هذا البصير الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ ما يروي، ومحفوظه مكتوبٌ بخط غيره قيمة الراوية عنه؟ طالب:. . . . . . . . . أعمى ما يحفظ ما يروي، أو بصير أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ ما يروي، نعم، هذا لما امتد الزمان بالرواية وصار المعول عليه مجرد إبقاء سلسلة الإسناد رجعوا إلى مثل هؤلاء، وإلا ففي عصور الرواية ما يوجد مثل هؤلاء، شخص لا يكتب ولا يقرأ ولا يحفظ كيف تروي عنه؟! مثل هذا غالباً روايته بالإجازة، أو سماع وهو رديء الحفظ كيف يعول عليه مثل هذا؟ "فيه خلافٌ بين الناس فمن العلماء من منع الرواية عنهم، ومنهم من أجازه ا، وإذا عرفنا أن من منع الرواية عنهم كما هو الأصل، يعني هذا كيف تروي عنه، لا يحفظ ولا يقرأ ولا يكتب وأعمى ما يرى النسخة التي بجانبه؟ كيف يرد على القارئ إذا أخطأ؟ يستطيع الرد؟ الذي لا يحفظ وكتابه بيده، ويرد على القارئ من كتابه لا بأس، له وجه، لكن الذي لا يحفظ ولا يقرأ، يقرأ طالب والكتاب بيد غيره ووجوده كعدمه، لا يستطيع أن يرد على القارئ إذا أخطأ، ولا .. ، لكن تساهل بعضهم لا سيما في العصور المتأخرة حينما تساهل الناس في الشروط، وحق لهم أن يتساهلوا؛ لأن الأحاديث ثبتت ودونت في الدواوين المشهورة، يعني كون هذا الراوي الأعمى الذي لا يحفظ يروي صحيح البخاري، شيخٌ من شيوخه قال: أجزت لك أن تروي عني صحيح البخاري، وهو أعمى، أو أمي لا يقرأ ولا يكتب، عنده إجازة في صحيح البخاري، لكن إيش يستفيد هو؟ وإيش يستفيد غيره؟ مجرد إبقاء خصيصة هذه الأمة، وهي سلسلة الإسناد تروي عن شخص له به إجازة، وإلا من الناحية العملية لا قيمة له. سم.

فرعٌ آخر: إذا روى كتاباً كالبخاري مثلاً عن شيخٍ ثم وجد نسخة به ليست مقابلة على أصل شيخه، أو لم يجد أصل سماعه فيها عليه، لكنه تسكن نفسه إلى صحتها، فحكى الخطيب عن عامة أهل الحديث أنهم منعوا من الرواية بذلك، ومنهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ الفقيه، وحُكي عن أيوب ومحمد بن بكرٍ البرساني أنهما رخصا في ذلك. قلتُ: وإلى هذا أجنح، والله أعلم، وقد توسط الشيخ تقي الدين ابن الصلاح فقال: إن كانت له من شيخه إجازة جازت روايته والحالة هذه. في هذا الفرع يقرر الإمام -رحمه الله تعالى- أن الشخص إذا كانت له رواية لكتابٍ معين، يروي صحيح البخاري عن شيخ من الشيوخ، ثم وجد نسخة ليست مقابلة على أصل شيخه، المسألة مفترضة في شخص يروي صحيح البخاري، ثم وجد نسخة ليست مقابلة على أصل شيخه الذي روِّي له الأصل؛ لأن الأصل أن الشيخ إنما يروِّي لطلابه ما يرويه، فإذا كان الشيخ له رواية بالكتاب من طريقٍ معين، من طريق أبي ذر مثلاً، هل لمن يروي عن هذا الشيخ أن يروي البخاري عن طريق حماد بن شاكر مثلاً؟ طالب: لا. لأن في هذه الرواية ما ليس في الأخرى؟ هذا مجرد ما رأى صحيح البخاري أخذه وبدأ يروِّي الناس منه، ما يدري على أي رواية كانت، وليست مقابلة على أصل شيخه، أو لم يجد أصل سماعه فيها عليه، لكنه تسكن نفسه إلى صحتها، لما تأملها واختبرها في مواضع وجدها مثل النسخة التي يروي منها، فحكى الخطيب عن عامة أهل الحديث أنهم منعوا من الرواية بذلك؛ لئلا يكون فيها من الزيادات ما لا يوجد في النسخة التي وصلته بالرواية، ومنهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ فقيه، وهذا القول أيضاً محكيٌ عن أيوب السختياني ومحمد بن بكرٍ البرساني أنهما رخصا في ذلك، الأمر سهل، يعني إذا كان الفرق أحاديث يسيرة توجد في بعض الروايات، أو زيادة حروف أو نقص حروف أمرها سهل، لا سيما إذا كانت النفس تسكن إلى أن هذه النسخة مثل الأصل الذي يروي منه.

"قلتُ: وإلى هذا أجنح، والله أعلم" لأن الأمر مردود إلى طمأنينة النفس، وهذه الرواية إن لم تروَ من طريقك فهي مروية من طرق أخرى، وعرفنا أنه ليس عليك المعول في رواية هذه الأحاديث الموجودة في هذه النسخة، الحديث اشتهر بين الأمة، وتلقي بالقبول، وتلقاه الناس طبقةً عن طبقة. "وقد توسط الشيخ تقي الدين ابن الصلاح فقال: إن كانت له من شيخه إجازة جازت روايته والحالة هذه" لأن الإجازة تجبر الخلل الواقع في هذه النسخة، فإذا كانت له لشيخه إجازة بأن يروي عنه صحيح البخاري لا إشكال، نعم يروي عنه صحيح البخاري، وهذه الأحاديث الموجودة في هذا الأصل وهي لا توجد في أصله من صحيح البخاري، وقد أجيز بصحيح البخاري، فمثل هذه الإجازة تجبر مثل هذا الخلل، نعم. فرع آخر: إذا اختلف ....

شرح اختصار علوم الحديث (12)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (12) الكلام على: رواية الحديث بالمعنى، واختصار الحديث، وشرح: فرعٌ آخر: ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية .. ، والزيادة في نسب الراوي، وإبدال لفظ الرسول بالنبي أو النبي بالرسول، والرواية في حال المذاكرة، وشرح: النوع السابع والعشرون: في آداب المحدث .. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير إذا اختلف حفظ الحافظ وكتابه فإن كان اعتماده في حفظه على كتابه فليرجع إليه، وإن كان من غيره فليرجع إلى حفظه، وحسنٌ أن ينبه على ما في الكتاب مع ذلك كما روي عن شعبة، وكذلك إذا خالفه غيره من الحفاظ فلينبه على ذلك عند روايته، كما فعل سفيان الثوري، والله أعلم. شخص يروي الحديث ويحفظ ما يرويه، ويكتب أيضاً، يحفظ ويكتب فاجتمع له نوعا الضبط، لكن مع الوقت وجد حديثاً يختلف فيه حفظه عن كتابته، فهل يعول على ما في حفظه، أو يعول على ما في كتابه؟ نعم؟ يقول: "فإن كان اعتماده في حفظه على كتابه فليرجع إليه" إذا كان كتب أولاً ثم حفظ منه فالأصل الكتاب، إذا كان حفظ ثم نسخ فليعول على الحفظ، "وإن كان من غيره فليرجع إلى حفظه" إن كان اعتماده في حفظه على كتابه فليرجع إلى الكتاب، وإن كان اعتماده في حفظه على كتاب غيره فليرجع إلى حفظه؛ لأن حفظه أولى من الرجوع إلى كتاب غيره، يقول: "وحسن أن ينبه على ما في الكتاب من ذلك" يعني إذا أراد أن يروي يذكر الفرق، يقول: في كتابي كذا، وفي حفظي كذا، والذي أحفظه كذا، والذي في كتابي كذا، ينبه على الفرق؛ لكي يأتي من بعده من يتبين له الوجه الصحيح. "وكذلك إذا خالفه غيره من الحفاظ" يروي الحديث على لفظ، وغيره من الحفاظ يرونه على لفظ آخر، فيقول: الذي في حفظي كذا، والذي يرويه فلان كذا، في حفظي كذا، وفي حفظ فلان كذا، يبين الفرق بين حفظه وحفظ غيره إذا كان غيره ممن يعتمد على حفظه، والله أعلم، نعم.

من حدث ونسي:

فرعٌ آخر: لو وجد طبقة سماعه في كتابٍ إما بخطه أو خط من يثق به، ولم يتذكر سماعه لذلك فقد حكي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنه لا يجوز له الإقدام على الرواية، والجادة من مذهب الشافعي، وبه يقول محمد بن الحسن وأبو يوسف الجواز اعتماداً على ما غلب على ظنه، وكما أنه لا يشترط أن يتذكر سماعه لكل حديث حديثٍ أو ضبطه، كذلك لا يشترط تذكره لأصل سماعه. قلتُ: وهذا يشبه ما إذا نسي الراوي سماعه فإنه تجوز روايته عنه لمن سمعه منه، ولا يضر نسيانه، والله أعلم. نعم، هذا الفرع: لو وجد اسمه في الطباق من بين من يروي هذا الكتاب من الطلاب عن شيخٍ بعينه، سمع هذا الكتاب فلان وفلان وفلان وفلان من فلان ثم الشيخ وقع صحيحٌ ذلك، لكنه نسي، نسي هل هو من بينهم بالفعل؟ أو ذكر اسمه إدراج؟ لا يتذكر سماعه لذلك، يقول: "حكي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنه لا يجوز له الإقدام على الرواية" لأن روايته لهذا الكتاب مشكوكٌ فيها، فلا يجوز له الإقدام، لكن "الجادة من مذهب الشافعي" وغيره وهو الصحيح أنه يجوز له ذلك اعتماداً على ما غلب على ظنه، لا سيما إذا كان من كتب الطباق ثقة، والشيخ صحّح المكتوب. "كما أنه لا يشترط أن يتذكر سماعه لكل حديث حديث أو ضبطه" نعم، قد يجزم بأنه يروي الكتاب، لكن يروي الكتاب بطريق السماع، لكن من أحاديث الكتاب ما نسيه، هل هو بالفعل قرأه على الشيخ أو قُرئ على الشيخ بحضرته؟ أو سمعه من لفظ الشيخ؟ هل يروي بطريقٍ معتبر؟ نسي، له أن يروي الكتاب كاملاً وإن نسي بعض أحاديثه أنه يرويه .. ، إذا جزم أنه يروي الكتاب عن الشيخ. من حدث ونسي:

رواية الحديث بالمعنى:

من حدث ونسي: شخص حدث بحديث فنقل عنه الحديث، فصار من رواه عنه يقول: حدثني فلان، فجاء الشيخ إلى فلان قال: أنا ما حدثتك، ناسي، لكن لثقته بالطالب يطمئن إلى كلامه، ويتهم نفسه، وحينئذٍ يقول: حدثني فلان عني أني حدثته بكذا، نسي، نسي المروي، وهذه مسألة: هل يعتمد على الفرع مع نسيان الأصل؟ نعم يعتمد عليه؛ لأن المسألة مفترضة في فرعٍ ثقة، والشيخ ما كذب الراوي، ما أكذبه، ما قال: يكذب، ما رويتُ الحديث، وليس الحديث من مروياتي، يبقى أن الجازم مقدم على المتردد، وحينئذٍ يقول الشيخ: حدثني فلان عني أني حدثته بكذا، وألف في ذلك: من حدث ونسي، وفيه أيضاً فيه كتاب: (تذكرة المؤتسي في ذكر من حدث ونسي)، نعم. طالب: أحسن الله إليكم: قوله: حكي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنه لا يجوز له الإقدام على الرواية، على الرواية التي تخالف الكتاب والسنة… وين؟ طالب:. . . . . . . . . على الرواية من هذا الكتاب الذي لا يتذكر سماعه من ذلك الشيخ، التي معنا، أما المسألة المفترضة في كتاب مثل هذا، نفترض أنه مثلاً الشمائل للترمذي، في آخره إذا قرئ الكتاب على شيخ، وأراد أن يصحح كُتب الطباق، سمع فلان وفلان وفلان وفلان ذُكرت الأسماء عشرة، عشرين، ثلاثين، أقل، أكثر، ثم قال الشيخ .. ، عن فلان بن فلان بن فلان الشيخ فلان، ثم قال الشيخ: صحيحٌ ذلك، يكتبون هكذا، اسمك مذكور مع هؤلاء، لكن أنت ما تدري متى؟ نسيت، احتمال أن يكون الكاتب .. ، المسألة مفترضة في كاتب ثقة، ما يدرج اسمك لأنك عزيزٍ عليه، يقول: نبي نثبته مع الرواة لأنه عزيز علينا، لا، المسألة مفترضة في كاتبٍ ثقة، فوجود اسمك بين هؤلاء بخط كاتب ثقة وتصحيح شيخ، يعني يورث غلبة ظن، ونسيانك يعني حقيقة كما يعرض لغيرك من النسيان، مثل ما نسيت غيره من المسائل نسيت هذه. طالب: الصحيح أنه يجوز تروي ... يجوز نعم. رواية الحديث بالمعنى:

فرعٌ آخر: وأما روايته الحديث بالمعنى فإن كان الراوي غير عالمٍ ولا عارفٍ بما يحيل المعنى فلا خلاف أنه لا تجوز له رواية الحديث بهذه الصفة، وأما إن كان عالماً بذلك بصيراً بالألفاظ ومدلولاتها، وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً، وعليه العمل كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدةً وتجيء بألفاظ متعددة من وجوهٍ مختلفة متباينة، ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء والأصوليين، وشددوا في ذلك آكد التشديد، وكان ينبغي أن يكون هذا المذهب هو الواقع ولكن لم يتفق ذلك، والله أعلم، وقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس -رضي الله عنهم- يقولون إذا رووا الحديث: أو نحو هذا، أو شبهه، أو قريباً منه. مسألة الرواية بالمعنى والخلاف فيها: مسألة معروفة مشهورة، جماهير أهل العلم على جواز الرواية بالمعنى لمن توافر فيه الشرط، للعارف بالمعاني ومدلولات الألفاظ، يعرف ما يحيل المعاني، ويعرف ما يدل عليه اللفظ، أما إذا لم يكن كذلك فلا يجوز بحال، وإن كان الأصل أن يحدث كما سمع، لكن هذا الأصل متعذر، والواقع يشهد بخلافه، فالقصة الواحدة تروى في الصحاح وغيرها من وجوه، المضمون واحد، المعنى واحد، والألفاظ مختلفة، فالبخاري يخرج القصة الواحدة في مواضع متعددة، تجد بينها من الفروق والاختلاف من حيث اللفظ الشيء الكثير، وهي قصة واحدة عن صحابيٍ واحد، فدل هذا على جواز الرواية بالمعنى قولاً وفعلاً، وغيرها أيضاً من كتب السنة هذا واقعها.

اختصار الحديث:

وشدد بعضهم في منع الرواية بالمعنى كمحمد بن سيرين وبعض العلماء؛ لأن الرواية باللفظ هي الأصل، فكيف تقول: حدثني فلان بكذا وأنت غيرت لفظه؟! لكن إذا كان هذا التغيير لا يترتب عليه شيء فما المانع من أن تروي الحديث إذا جزمت بأنك أتيت بالمراد منه؟ ومع ذلك لو احتطت وقلت: نحوه، أو شبهه، أو قريباً منه، أو المعنى، المعنى واحد كما ينبه الأئمة على ذلك، منهم من جوز ذلك للصحابة دون غيرهم، ومنهم من جوز ذلك لمن يحفظ الأصل دون غيره، لكن هذا القول أو الذي قبله أيضاً تجويزه للصحابة دون غيرهم مخالف لما عليه عمل الأئمة، وجد اختلاف بعض الألفاظ من الرواة من بعد الصحابة كالزهري مثلاً، مع أنه من أحفظ الناس للمتون، وكون الرواية بالمعنى إنما تجوز لحافظ للفظ يتصرف فيه ويعبر عنه بأي معنىً لا وجه له؛ لأنه إنما جوزت الرواية بالمعنى لتعذر الحرف واللفظ، المقصود أن هناك أقوال أخرى لا يتلفت إليها، والذي استقر عليه عمل الأئمة هو قول الجمهور، نعم. اختصار الحديث: فرعٌ آخر: وهل يجوز اختصار الحديث فيحذف بعضه إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمذكور؟ على قولين، فالذي عليه صنيع أبي عبد الله البخاري -رحمه الله- اختصار الأحاديث في كثيرٍ من الأماكن، وأما مسلمٌ -رحمه الله- فإنه يسوق الحديث بتمامه ولا يقطعه، ولهذا رجحه كثيرٌ من حفاظ المغاربة، واستروح إلى شرحه آخرون لسهولة ذلك بالنسبة إلى صحيح البخاري، وتفريقه الحديث في أماكن متعددة بحسب حاجته إليه، وعلى هذا المذهب جمهور الناس قديماً وحديثاً. قال ابن الحاجب في مختصره: مسألةٌ: حذف بعض الخبر جائزٌ عند الأكثر إلا في الغاية والاستثناء ونحوه، فأما إذا حذف الزيادة لكونه شك فيها فهذا سائغ، كان مالكٌ -رحمه الله- يفعل ذلك كثيراً تورعاً، بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله، وقال مجاهد -رحمه الله-: أنقص الحديث ولا تزد فيه.

اختصار الحديث إذا كان الحديث طويل، أو مشتمل على جمل متعددة لا يرتبط بعضها ببعض فإنه حينئذٍ يجوز اختصاره، شريطة ألا يحتاج المذكور للمحذوف، أو لا يتعلق المذكور بالمحذوف، وإذا جاز الاختصار في القرآن، والاقتصار على الحاجة منه فلأن يجوز في السنة من باب أولى، إذا ساغ لك أن تقول: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] وتسكت، أخطأت وإلا ما أخطأت؟ إذا كنت تتحدث عن الأمانة هل يلزمك أن تقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء]؟ ما يلزم، وإذا أردت أن تتحدث عن العدل هل يلزمك أن تقول: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء]؟ ما يلزم، فالاختصار جائز، لكن ممن يعرف وجوه الكلام، وارتباط بعضه ببعض، فيحذف ما لا حاجة إليه، ويختصر الحديث إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمذكور، والذي عليه صنيع الإمام البخاري جواز الحذف، فتجد الإمام يقطع الحديث في مواضع، تبعاً لما يستنبط منها من فوائد، ويترجم على كل جزءٍ من الحديث بترجمة هي الفائدة المستنبطة من هذا الحديث، بخلاف "مسلم فإنه يسوق الحديث بتمامه ولا يقطعه، ولهذا يرجحه كثيرٌ من حفاظ المغاربة" على ما تقدم تقريره. أول من صنف في الصحيحِ ... محمدٌ وخص بالترجيحِ ومسلمٌ بعدُ وبعض الغربِ مع ... أبي عليٍ فضلوا ذا لو نفع فالبخاري عند الجمهور مقدم ومرجح، وبعض المغاربة وأبو علي النيسابوري يفضلون مسلم؛ لهذه الحيثية، يجمع لك الحديث بطرقه وألفاظه في موضعٍ واحد، فيسهل على الطالب، لكن يفوت أمر مهم جداً، وهو إيش؟ الاستنباط من الحديث، إذا كان الحديث فيه فوائد كثيرة ومسلم أدخله في بابٍ واحد، والبخاري -رحمه الله تعالى- فرق هذا الحديث في مواضع هي فوائده، ترجم عليه بتراجم هي الفوائد المستنبطة من هذا الحديث، ففات شيءٌ عظيم من الاستنباط، وهذا فاق به الإمام البخاري غيره، وبز فيه أقرانه، فلا يوجد من يقاربه، ولا يدانيه في هذا، وإن وجدت تراجم من الأئمة على الأحاديث وفيها فقه وخيرٌ عظيم.

على كل حال ولذا الاعتناء بصحيح مسلم أسهل، يعني حينما يريد شخص شرح كتاب يقدم على البخاري وإلا على مسلم؟ على مسلم؛ لأنه يجمع الأفكار مسلم، جامع لك جميع روايات الحديث في موضعٍ واحد، لكن أنت من أجل أن تشرح حديثاً في صحيح البخاري تحتاج إلى أن تتصور المواضع من الصحيح، وتنظر ما ترجم به الإمام على هذا الحديث لكي يكون الشرح متكامل. "واستروح إلى شرحه آخرون لسهولة ذلك بالنسبة إلى صحيح البخاري" ومع ذلك وسهولة شرح مسلم فإن لصحيح البخاري النصيب الأوفر من الشروح، وله القدح المعلى، ولا زال مسلم أو صحيح مسلم بحاجة إلى شرحٍ موسع يستخرج درره، وكنوزه وفوائده، جميع الشروح التي كتبت على مسلم إلى الآن شبه الحواشي وإن كان فيها خير إلا أنها بالنسبة لشروح البخاري كالحواشي. يقول ابن الحاجب في مختصره، مختصره الأصلي وإلا الفرعي؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . له مختصر في الفروع، ومختصر في الأصول. طالب:. . . . . . . . . إيش اللائق هنا؟ الفقهاء يذكرون مثل هذه الأشياء. طالب: في الأصول.

شرح: فرع آخر: ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفا بالعربية:

في الأصول؛ لأن في كتب الأصول مباحث متعلقة بالسنة، يقول: "حذف بعض الخبر جائزٌ عند الأكثر إلا في الغاية والاستثناء" إذا جاء خبر مغيا بغاية هل يجوز الاقتصار على الخبر دون الغاية؟ أو جاء استثناء بعده هل تجوز روايته دون الاستثناء؟ ما بعد الغاية خارج عما قبلها، وما بعد الاستثناء خارج في الحكم عما بعده، فكيف نعرف أن المغيا مخصوص؟ الغاية مخصوصة والمستثنى مخصوص؟ وقد حذفنا هذا من الخبر، وعلينا الاعتماد في روايتها، إذا أردت أن تستدل بحديث فلا يجوز لك أن تسوقه إلا بجميع ما يرتبط به من غاية، أو استثناء، أو شرط، أو وصفٍ مؤثر، أما الأوصاف غير المؤثرة يجوز اختصار الحديث، "أما إذا حذف الزيادة لكونه شك فيها فهذا سائغ" يقتصر على ما جزم به، ويحذف ما شك فيه، كما "كان مالك يفعل ذلك كثيراً، بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله" أحياناً يذكره بلاغاً، وأحياناً يرسله، وأحياناً يسقط بعض روايته إذا شك في وصله، "وقال مجاهد: انقص الحديث ولا تزد فيه" انقص الحديث؛ لأنك إذا نقصت أتيت بالمتيقن، وإذا زدت أثبت شيئاً مشكوكاً فيه فتحملت تبعته، والله المستعان. طالب:. . . . . . . . . إذا ذكرت كل ما تحتاجه من الآية، فلا يلزمك أن تقول: الآية، لماذا؟ لأنك إذا قلت: الآية معناه: اقرأ الآية، أو أكمل الآية، وهو ليس بحاجة إليها، لكن إذا كان ما تركته مما يحتاجه القارئ تقول: الآية، أو الآيات إن كان هناك آيات ترتبط بالموضوع، نعم. شرح: فرعٌ آخر: ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية: فرعٌ آخر: ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية، قال الأصمعي: أخشى عليه إذا لم يعرف العربية أن يدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن، وأما التصحيف فدواؤه أن يتلقاه من أفواه المشايخ الضابطين، والله الموفق.

وأما إذا لحن الشيخ فالصواب أن يرويه السامع على الصواب، وهو محكيٌ عن الأوزاعي وابن المبارك والجمهور، وحكي عن محمد بن سيرين وأبي معمروٍ عبد الله بن سخبرة أنهما قالا: يرويه كما سمعه من الشيخ ملحوناً، قال ابن الصلاح: وهذا غلوٌ في مذهب اتباع اللفظ. وعن القاضي عياض: إن الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم، ولا يغيروها في كتبهم، حتى في أحرفٍ من القرآن استمرت الرواية فيها على خلاف التلاوة، ومن غير أن يجيء ذلك بالشواذ، كما وقع في الصحيحين والموطأ، لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على ذلك عند السماع وفي الحواشي، ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها، منهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي لكثرة مطالعته وافتنانه، قال: وقد غلط في أشياء من ذلك، وكذلك غيره ممن سلك مسلكه، قال: والأولى سد باب التغيير والإصلاح؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، وينبه على ذلك عند السماع، وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل -رحمه الله- أن أباه كان يصلح اللحن الفاحش، ويسكت عن الخفي السهل. قلتُ: ومن الناس من إذا سمع الحديث ملحوناً عن الشيخ ترك روايته عنه؛ لأنه إن تبعه في ذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن في كلامه، وإن رواه عنه على الصواب فلم يسمعه منه كذلك. هذا الفرع مهمٌ جداً بالنسبة لمن يطلب العلوم الشرعية كلها، ولا يختص هذا بأهل الحديث، ولا أهل التفسير ولا أهل الفقه والعقائد وغيرها، لا بد لطالب العلم الشرعي من العناية بالعربية؛ لأن القرآن بلسانٍ عربي مبين، والرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي، وكلامه عربي، والذي لا يحسن العربية يتعثر غالباً، وإذا كان اللحن لا سيما إذا كان يحيل المعنى يبطل الصلاة، إذا كان يحيل المعنى فاللحن في القراءة يبطل الصلاة، هذا يجعلنا نعتني بالعربية، إذا كان يحيل المعنى يغير الحكم الشرعي، وذكرنا له فيما تقدم أمثلة، فعلى طالب العلم أن يعتني بهذا، وأن يهتم به، وأن يقرأ كتاب -بل كتب- في العربية على من يفتح مغاليقها له، ممن عرف بذلك.

يقول: "ينبغي لطالب الحديث أن يكون عارفاً بالعربية، قال الأصمعي: أخشى أن يكون إذا لم يعرف العربية أن يدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يلحن" لو قال: "إنما الأعمالَ بالنيات" يدخل في الحديث أو لا يدخل؟ هو خطأ لكن هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إنما الأعمالَ بالنيات"؟ إذاً كذبت عليه، نعم هو كذب، يعني قد .. ، إذا كان لا يحيل المعنى، أو إذا كان مع الجهل يعذر لكنه كذب؛ لأنه خلاف الواقع، ولذا قال الأصمعي ما قال. علاج هذا الفرع بقراءة متنٍ مناسب في العربية، العربية بكافة فروعها، أو متون مناسبة؛ لأن علم العربية له فروع عشرة، كما هو معروف، النحو والصرف والاشتقاق والبيان والبديع والمعاني والوضع وغيرها من .. ، متن اللغة، فقه اللغة، المقصود أنها فروعٌ عشرة ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها. التصحيف والتحريف في الألفاظ، تغيير الشكل، تغيير النقد، زيادة الحروف ونقصها، الدواء الناجح لذلك أن يتلقى من أفواه الشيوخ الضابطين؛ لأن من يروي من كتابه لا يؤمن عليه الخطأ؛ لأن هناك ألفاظ صورتها واحدة، لكن النطق فيها يختلف، فدواء ذلك وعلاجه أن يتلقى هذا العلم من أفواه المشايخ الضابطين، إذا لحن الشيخ فما موقف الطالب؟ إذا لحن الشيخ فما موقف الطالب؟ هل يصوب ويروي لغيره الصواب أو يروي على الخطأ؟ لحن الشيخ لحناً لا وجه له في العربية، ماذا يصنع الطالب؟ قالوا: يروي على الصواب، ومع ذلكم لا بد أن يبين هذا اللحن الذي وقع فيه الشيخ في الحاشية؛ لئلا يكون له وجه في العربية، أو يكون هو الصحيح في الرواية، وأنت سارعت وبادرت وهجمت على الكتاب أو هجمت على الرواية وصححت.

"وهو محكيٌ عن الأوزاعي وابن المبارك والجمهور وحكي عن محمد بن سيرين وأبي معمر بن أبي سخبرة أنهما قالا: يرويه كما سمعه من الشيوخ ملحوناً" يروي كما سمع من الشيخ لحن، وينبه على الصواب في الحاشية، لا شك أن مثل هذا أسلم، لكن ما تدري يمكن يكون له وجه صواب وأنت هجمت وسارعت وبادرت بالتصحيح، وكم من شخص هجم على الكتب وصحح وخطأ وما أثبته مرجوح، وما أهمله راجح، وهذا يتبين كثيراً في الكتب التي ادعي تحقيقها، بعد مقابلة النسخ تجد المحقق يقول: في الأصل كذا، أو ثبت ما أثبته في نسخة كذا، وفي الأصل كذا، أو في النسخ كذا، اجتهد فوضع اللفظ المرجوح في الصلب، واللفظ الراجح وضعه في الحاشية، هذا من تصرفه، وإلا فالأصل أن يعتمد أوثق النسخ أصل، ويثبت جميع ما فيها، ويثبت فروق النسخ في الحاشية. "قال ابن الصلاح: وهذا غلوٌ في مذهب اتباع اللفظ" لأنه معروف مذهب ابن سيرين و ... وعبد الله بن سخبرة منع الرواية بالمعنى، "وهذا غلوٌ في مذهب اتباع اللفظ، وعن القاضي عياض: أن الذي استمر عليه أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم" كما ذكرنا هذا أحوط؛ لئلا يتصرفوا في الرواية، فيأتي بعدهم من يتصرف، يبين له وجه آخر فيتصرف، ثم يأتي ثالث وهكذا، ثم يحصل المسخ التام للكتب، لأن هذا الهجوم على هذه الكتب بالتغيير والتبديل على غير مراد مؤلفيها يوقع في مثل هذه الأوهام الكبيرة.

يقول: "حتى في أحرف من القرآن استمرت الرواية فيها على خلاف التلاوة" يمر آيات في صحيح البخاري وآيات في موطأ مالك وغيره جاءت على غير التلاوة المعروفة المتداولة بين الناس، "من غير أن يجيء ذلك في الشواذ" الروايات مروية، كما وقع في الصحيح من الموطأ، "ولكن أهل المعرفة منهم ينبهون على ذلك عند السماع في الحواشي" في الحاشية يقول: إن الصواب كذا، أو القراءة المعتمدة عندنا كذا، في بلدنا القراءة كذا؛ لأن بعض الناس اعتادوا على قراءة واحدة، ثم إذا قرأ في تفسير من التفاسير لفظة على غير ما اعتاده من القراءة هجم عليها وصححها، وإن كانت هذه القراءة معتمدة عند المفسر؛ لكونه يروي القرآن على قراءة غير القراءة التي اعتمدها من السبع مثلاً، وهذا من شؤم التصرف في كتب الآخرين. "ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها" بعض الناس يجزم، نعم هناك من الناس من هو أهل ومع ذلكم يقع منه الخطأ، من يعرى من الخطأ؟ "منهم أبو الوليد هشام بن عبد الملك الوقشي لكثرة مطالعته وافتنانه" صاحب فنون وعلوم، وصاحب اطلاع واسع، ومعرفةٍ تامة، ومع ذلكم وقع فيما وقع فيه. قال: "وقد غلط في أشياء من ذلك، وكذلك غيره ممن سلك مسلكه" ممن يهجم على الكتب ويصحح، قال: "والأولى سد باب التغيير والإصلاح؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، وينبه على ذلك عند السماع" يقرأ الخطأ ويصحح ويقول: الصواب كذا. "وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل أن أباه كان يصلح اللحن الفاحش" اللي ما له تأويل، الذي ليس له محمل صحيح، "ويسكت عن الخفي السهل، قلتُ: ومن الناس من إذا سمع الحديث ملحوناً عن شيخ ترك روايته" حديث فيه لحن يتركه لا حاجة له به؛ لأنه إن تركه على الخطأ مشكل، وإن صححه وهجم عليه وصححه مشكل؛ "لأنه إن تبعه في ذلك فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يلحن، وإن رواه عنه على الصواب فلم يسمعه كذلك" ما سمع من شيخه هذا، فلا بد أن يخطئ في حق النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يخطئ في حق الشيخ الذي روَّاه الحديث، نعم.

فرعٌ: وإذا سقط من السند أو المتن ما هو معلومٌ فلا بأس بإلحاقه، وكذلك إذا اندرس بعض الكتاب فلا بأس بتجديده على الصواب، وقد قال الله تعالى: {وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [(220) سورة البقرة]. يقول -رحمه الله-: "وإذا سقط من السند أو المتن ما هو معلومٌ فلا بأس بإلحاقه" إذا سقط كلمة وأنت تنسخ من المتن في نسبة راوٍ، أو متن حديث، فإنه لا بأس بإلحاقه إذا كانت معلومة محفوظة عند من ألحقها، "وكذلك إذا اندرس بعض الكتاب" تمزقت أطرافه، أو قصه المجلِد حينئذٍ لا بأس بتجديده، وكتابة ما يغلب على الظن أنه صواب، لكن إن تيسر له نسخة أخرى يرجع إليها فهو الأصل، إن لم يتيسر له ذلك يجتهد في ربط الكلام، ويبين أنه هو الذي ألحق هذه الكلمات الساقطة، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [(220) سورة البقرة] لأن هذا نيته الإصلاح ما نيته الإفساد، ولذا جُوِّز صنيعه على أن يبين أنه هو الذي ألحق هذه الأشياء الساقطة، نعم. فرعٌ آخر: وإذا روى الحديث عن شيخين فأكثر وبين ألفاظهم تباينٌ فإذا ركب السياق من الجميع كما فعل الزهري في حديث الإفك حين رواه عن سعيد بن المسيب وعروة وغيرهما عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-، وقال: كلٌ حدثني طائفةً من الحديث، فدخل حديث بعضهم في بعض، وساقه بتمامه فهذا سائغٌ، فإن الأئمة قد تلقوه عنه بالقبول، وخرجوه في كتبهم الصحاح وغيرها، وللراوي أن يبين كلَّ واحدةٍ منها عن الأخرى، ويذكر ما فيها من زيادة ونقصان، وتحديثٍ وإخبارٍ وإنباء، وهذا مما يعنى به مسلمٌ -رحمه الله- تعالى في صحيحه ويبالغ فيه، وأما البخاري فلا يعرج غالباً على ذلك، ولا يلتفت إليه، وربما تعاطاه في بعض الأحايين، والله أعلم، وهو نادر.

يقول: "إذا روى الحديث عن شيخين فأكثر" وكان بين ألفاظ هؤلاء الشيوخ تباين فالمسألة لا تخلو: أن يكون هؤلاء الشيوخ كلهم ثقات، أو فيهم الثقات والضعفاء، فإن كانوا ثقات فلا إشكال في جمعهم وسياق خبرهم مساقاً واحداً، كما حصل من الزهري في حديث الإفك؛ لأنه إن كانت هذه الجملة من رواية سعيد وعروة، من رواية سعيد أو من رواية عروة، أو من رواية غيرهما من الثقات، فالأمر متردد بين ثقتين ولا إشكال حينئذٍ، وإن كان فيهم الثقة والضعيف فلا بد من فصل ما يرويه الضعيف عما يرويه الثقة؛ لئلا يلتبس الأمر، إذا قلت: حدثني فلان وفلان وبعضه عن فلان الثقة وبعضه عن فلان الضعيف لا بد أن تميز؛ لئلا تنسب هذا ما رواه الضعيف إلى ذلك الثقة، فيحصل اللبس على القارئ فيثبت الخبر، أو فيثبت ما ليس بثابت، أو يتردد في رواية ما رواه الثقة، فيكون فعلك سبباً في رد ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلاهما قبيح، لا شك أن رد الثابت قبيح، وإثبات غير الثابت أيضاً شنيع. "فإن الأئمة قد تلقوه عنه بالقبول" يعني تلقوا حديث الإفك عن الزهري بالقبول، وإن كان أدرج بعض ألفاظ الرواة في بعض، لماذا؟ لأنهم كلهم ثقات، "وخرجوه في كتبهم الصحاح وغيرها، وللراوي أن يبين كل واحدةٍ منها عن الأخرى، ويذكر ما فيها من زيادة ونقصان" لا شك أن هذا هو الأحوط، هذا هو الأحوط أن يبين رواية عروة ويبين رواية سعيد ورواية غيرهما، ولو كانوا ثقات لا شك أن هذا هو الأحوط، لكن إذا جمعهم فالأمر لا يعدوهم، وهم كلهم ثقات، "ويذكر ما فيها من زيادة ونقصان، وتحديثٍ وإخبارٍ وإنباء" حتى يبين ما بين صيغ الأداء من فروق، يذكر أن هذا يقول: حدثنا، وقال ذاك: أخبرنا، وقال ذاك: أنبأنا إلى آخره، وهذه الفروق يعتني بها مسلم -رحمه الله تعالى-، ويميز بعضها عن بعض بدقة، فيقول: حدثنا فلان وفلان وفلان قال الأول: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا، يبين أيضاً في ألفاظ المتون فروق الروايات بالحرف، "وأما البخاري فإنه لا يعرج على ذلك" لأن المسألة مفترضة في مجموعة من الثقات، سواءً رووه بهذا اللفظ أو بذاك فالأمر لا يعدوهم، ربما. . . . . . . . . بعض الأحايين ربما لكنه قليل، نعم.

الزيادة في نسب الراوي:

فرعٌ: وتجوز الزيادة في نسب الراوي إذا بين أن الزيادة من عنده، وهذا محكيٌ عن أحمد بن حنبل وجمهور المحدثين، والله أعلم. انتهى الوقت؟ نواصل القراءة؟ نقف يا شباب على هذا الفرع، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الزيادة في نسب الراوي: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الإمام الحافظ ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى- وغفر الله له ولنا ولشيخنا والسامعين: فرعٌ: وتجوز الزيادة في نسب الراوي إذا بين أن الزيادة من عنده، وهذا محكيٌ عن أحمد بن حنبل وجمهور المحدثين، والله أعلم. يقول -رحمه الله تعالى-: "تجوز الزيادة -في نسب الشيخ- في نسب الراوي" أما في نسب شيخ المحدث فلا يحتاج إلى بيان، له أن يقول: حدثنا فلان بن فلان بن فلان إلى آخره الفلاني، لا يحتاج إلى بيان؛ لأنه هو الذي يحكي فالكلام منسوبٌ إليه، لكن إذا زاد في نسب شيخ شيخه أو من فوقه على ما رُوي له .. ، الآن الإمام البخاري له أن يزيد في نسب شيخه محمد بن بشار مثلاً، لكن هل له أن يزيد على قوله: حدثنا محمد بن بشار هذا له أن يزيد ما شاء، لكن بعد ذلك إذا قال: حدثنا غُندر هل له أن يقول: غندر محمد بن جعفر، له أن يزيد على أن يبين؛ لأن محمد بن بشار قال له: حدثنا غندر، فالإمام البخاري ليس له أن يزيد، وإن كان الأمر سهل، لكن هذا من دقة أهل الحديث، فلا بد أن يبين بأن يقول: هو محمد بن جعفر، أو يقول: يعني محمد بن جعفر وهكذا، فإذا جاء بـ (هو) بين أن هذه الزيادة من عنده، وكذا في نسب شيخ شيخ الشيخ وهكذا إلى آخر الإسناد، مثلاً لو قال: حُميد عن أنس، فجاء فقال: أنس يعني ابن مالك أو هو ابن مالك لا بأس.

وهنا يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وتجوز الزيادة في نسب الراوي إذا بين أن الزيادة من عنده، وهذا محكيٌ عن أحمد بن حنبل وجمهور المحدثين" لكن إن زاد من غير بيان الأمر سهل، ما عدا الواقع، لكن الأولى أن يقتصر على ما روِّي له من ألفاظ الشيوخ، ولا سيما في صيغ الأداء، وفي أنساب الشيوخ ينبغي أيضاً أن يقتصر على ما روِّي له، وإذا أراد أن يزيد من أجل البيان فلا بد أن يقول: هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان. فرعٌ: جرت عادةُ المحدثين إذا قرؤوا يقولون: أخبرك فلان؟ قال: أخبرنا فلان، قال: أخبرنا فلان، ومنهم من يحذف لفظة (قال)، وهو سائغ عند الأكثرين، وما كان من الأحاديث بإسنادٍ واحد كنسخة عبد الرزاق عن معمرٍ عن همام عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، ومحمد بن عمروٍ عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وعمروِ بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه-، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- ونحو ذلك، فله إعادة الإسناد عند كل حديث، وله أن يذكر الإسناد عند أول حديث منها، ثم يقول: وبالإسناد أو وبه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال كذا وكذا، ثم له أن يرويه كما سمعه، وله أن يذكر عند كل حديث الإسناد. قلتُ: والأمر في هذا قريبٌ سهل يسير، والله أعلم، وأما إذا قدم ذكر المتن على الإسناد كما إذا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، ثم قال: أخبرنا به وأسنده، فهل للراوي عنه أن يقدم الإسناد أولاً ويتبعه بذكر متن الحديث؟ فيه خلافٌ ذكره الخطيب وابن الصلاح، والأشبه عندي جواز ذلك، والله أعلم. ولهذا يعيد محدثو زماننا إسناد الشيخ بعد فراغ الخبر؛ لأن من الناس من يسمع من أثنائه بفوتٍ فيتصل له سماعُ ذلك من الشيخ، وله روايته عنه كما يشاء من تقديمِ إسناده وتأخيره، والله أعلم.

يقول -رحمه الله-: "جرت عاد المحدثين إذا قرؤوا يقولون: أخبرك فلان" يعني إذا قرؤوا على من يروي الحديث بإسناده يخاطبونه بهذا، يقولون: أخبرك فلان، قال: أخبرنا فلان، وفي النهاية هل يقول: نعم؟ إذا قرأ الحديث يلزم أن يقول: نعم؟ جمهور المحدثين على أنه لا يلزم أن يقول المحدث: نعم؛ لأن أخبرك فلان سؤال، يعني هل أخبرك فلان؟ هل يلزمه أن يقول: نعم؟ الظاهرية يقولون: لا بد أن يقول: نعم، أخبرك فلان قال: أخبرنا فلان إلى آخره يقول الشيخ: نعم، لا بد أن يقر، لكن الجمهور جروا على أنه لا يلزم الإقرار، والفرع مسوق لبيان قال، أخبرك فلان قال: أخبرنا فلان قال: أخبرنا فلان، ولفظ (قال) محذوفة في الكتب، وفي الخط، لكنهم ينطقون بها، منهم من يقول: إنه لا بد من الإتيان بها، حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان إلى آخره، ومنهم من يقول: حذفها لا يوقع في لبس، إذاً لا يلزم الإتيان بها، والحذف في الخط كثير، وفي النطق منهم من يلزم من الإتيان بها، ومنهم من يقول: ما دام أنه لا يوقع في لبس فالأمر يسير. قال: "وهو سائغٌ عند الأكثرين لا سيما في الخط" الصحف والنُسخ التي تروى بإسنادٍ واحد، وتشتمل على جمل كصحيفة همام ابن منبه، عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة قال: هذا ما حدثنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) ثم سرد جملاً تبلغ أكثر من ثلاثين ومائة، كل جملة منها تصلح حديثاً منفرداً، سيقت مساقاً واحداً في المسند، وهي موجودة في صحيفة مستقلة محققة، وهي صحيحة، سيقت مساقاً واحداً في المسند لماذا؟ لأنها في مسند يجمع أحاديث الصحابي الواحد في مكانٍ واحد، فسيقت مساقاً واحداً، وهذا موضعها في مسند أبي هريرة.

البخاري -رحمه الله تعالى- يقطع هذه الصحيفة، ويأتي في كل موضعٍ منها بجملة تناسب المقام، ومسلم كذلك، ما ساقوا الصحيفة مساقاً واحداً، بل قطعوها في الأبواب، ولكلٍ منهما طريقته، فطريقة الإمام البخاري يذكر الجملة الأولى: ((نحن الآخرون السابقون)) بعد أن يذكر الإسناد يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) ثم يأتي بالجملة التي يحتاج إليها، القطعة التي يحتاج إليها من الحديث أو من الصحيفة. مسلم -رحمه الله تعالى- بعد أن يسوق الإسناد عن همام عن أبي هريرة هذا ما حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر أحاديث منها ثم يذكر الجملة التي يريدها، ولكلٍ منهم طريقته، وهذه الطريقة مناسبة، وتلك أيضاً. إذا ذكر الإسناد في الموضع الأول احتاج إلى جملة في أول الكتاب، ثم احتاج في أثنائه مراراً، وفي آخره، هل يحتاج أن يكرر الإسناد أو يقول: بالإسناد السابق عن أبي هريرة قال: هذا ما حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكر أحاديث، يحتاج أن يذكر الإسناد أو يحيله إلى الإسناد السابق؟ منهم من يفعل هذا، ومنهم من يفعل هذا، والأمر واسع، ما دام ذكر الإسناد في أول موضع. طالب:. . . . . . . . . على كل حال إذا خشي من أحدٍٍ أن يلتبس عليه لا بد من البيان، وهنا يقول: "وما كان من الأحاديث بإسنادٍ واحد كنسخة عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة ومحمد بن عمروٍ عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وغير ذلك فله إعادة الإسناد عند كل حديث، وله أن يذكر الإسناد عند أول حديثٍ منها ثم يقول: وبالإسناد" يعني يشير إلى أنه تقدم ذكر الإسناد، "أو وبه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كذا وكذا، ثم له أو يرويه كما سمعه، وله أن يذكر عند كل حديثٍ الإسناد" له أن يرويه ويحيله على الإسناد السابق، وله أيضاً أن يذكر الإسناد في كل قطعة يحتاج إليها.

إذا روى كتاب كامل بإسنادٍ واحد هل يلزمه أن يذكر إسناده إلى صاحب الكتاب في كل حديث؟ أو يذكره في أول موضع، ويحيل إليه فيما بعد؟ وبه الشراح يكتفون بذكر الأسانيد في موضعٍ واحد، وبقية الأحاديث: وبه إلى الإمام البخاري قال: حدثنا إلى آخره، وهذا الأمر فيه سهل، ولذا يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "والأمر في هذا قريبٌ سهل يسير" سواءً ذكر الإسناد في كل موضع، أو أحال إليه، ذكره في الموضع الأول ثم أحال إليه. "وأما إذا قدم المتن على الإسناد كما إذا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، ثم قال: أخبرنا به" الأصل تقديم الإسناد على المتن، يقول الإمام البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان .. ، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان عن محمد بن إبراهيم التيمي، نعم، عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . محمد بن سعيد .. ، يحيى بن سعيد، يحيى بن سعيد، نعم. قال الإمام البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)) فهل للإنسان أن ينقل هذا الحديث من البخاري ويقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا به الحميدي قال: حدثنا سفيان إلى آخره، فيقدم المتن على الإسناد خلافاً على القاعدة خلاف الأصل؟ له ذلك، فلا فرق بين أن يذكر الإسناد قبل أو بعد، ما لم يعرف من اصطلاح المؤلف أنه لا يؤخر الإسناد إلا لعلة كابن خزيمة، ابن خزيمة لا يقدم المتن على الإسناد فيؤخر الإسناد إلا إذا كان الحديث فيه مقال، وعلى هذا ويقول: قد صرح ابن خزيمة بأن من رواه على غير الوجه الذي ساقه عليه بأنه ليس منه في حل، فأنت إذا سمعت الحديث منسوب إلى ابن خزيمة وقدم فيه الإسناد عرفتَ أنه ليس فيه مقال؛ لأنك تعرف منهج ابن خزيمة وعادة ابن خزيمة، لكن إذا سيق المتن أولاً ثم عقب بالإسناد عرفتَ أن فيه مقالاً، هذه طريقة ابن خزيمة، ومن عداه الأمر فيه سهل؛ لأنه صرح بذلك.

طالب:. . . . . . . . . أي الكتب؟ طالب:. . . . . . . . . ابن خزيمة هذا في الصحيح. . . . . . . . .، وشرطه في التوحيد شرطه في الصحيح، نعم. طالب:. . . . . . . . . شرطه في الصحيح شرطه في التوحيد ما يختلف. طالب:. . . . . . . . . إيه عرفنا أن فيه علة، إذا جاء بالإسناد بعد المتن عرفنا أن في الحديث مقال، ولو من وجهة نظره. يقول: "فهل للراوي عنه أن يقدم الإسناد أولاً ويتبعه بذكر المتن؟ فيه خلافٌ ذكره الخطيب وابن الصلاح" يعني المسألة عكسية، يعني إذا روى عن شيخه المتن ثم ذكر الإسناد هل له أن يقدم الإسناد على القاعدة المطردة على الجادة؟ يعني لو افترضنا أنك رويت حديث من صحيح ابن خزيمة المتن مقدم، فهل لك أن تقدم الإسناد؟ لا ليس لك، وقفت على حديث المتن فيه مقدم في صحيح ابن حبان مثلاً، هل لك أن تقدم الإسناد؟ الأمر فيه سعة. يقول: "والأشبه عندي جواز ذلك، والله أعلم، ولهذا يعيد محدثو زماننا إسناد الشيخ بعد فراغ الخبر" يذكرونه في الأول ثم في الأخير؛ لأنه عندهم لا فرق، لماذا؟ لأن من الشيخ من يسمع في أثنائه بفوتٍ، يعني يفوته ذكر الإسناد، يفوته سماع الإسناد، فيتصل سماع ذلك من الشيخ، فيذكر الإسناد في الأول وفي الآخر، وما دام جاز ذكره في الأول وفي الآخر فيجوز في أحدهما، "وله روايته عنه كما يشاء من تقديم إسناده وتأخيره، والله أعلم". سم. فرعٌ: إذا روى حديثاً بسنده ثم أتبعه بإسنادٍ له آخر وقال في آخره: مثله، أو نحوه، وهو ضابطٌ محرر، فهل يجوز روايته لفظ الحديث الأول بإسناد الثاني؟ قال شعبة: لا، وقال الثوري: نعم، حكاه عنهما وكيع، وقال يحيى بن معين: يجوز في قوله: مثله، ولا يجوز في نحوه، قال الخطيب: إذا قيل بالرواية على المعنى فلا فرق بين قوله: مثله أو نحوه، ومع هذا أختارُ قول ابن معين، والله أعلم.

أما إذا أورد السند وذكر بعض الحديث ثم قال: الحديث أو الحديث بتمامه أو بطوله أو إلى آخره، كما جرت به عادة كثيرٍ من الرواة فهل للسامع أن يسوق الحديث بتمامه على هذا الإسناد؟ رخص في ذلك بعضهم ومنع منه آخرون منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني الفقيه الأصولي، وسأل أبو بكرٍ البرقاني شيخه أبا بكرٍ الإسماعيلي عن ذلك، وقال: إن كان الشيخ والقارئ يعرفان الحديث فأرجو أن يجوز ذلك، والبيان أولى. قال ابن الصلاح: قلتُ: وإذا جوزنا ذلك فالتحقيق أنه يكون بطريقِ الإجازة الأكيدة القوية، قلتُ أنا: وينبغي أن يفصّل فيقال: إن كان قد سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو في غيره فتجوز الرواية وتكون الإشارة إلى شيء قد سلف بيانه، وتحقق سماعه، والله أعلم. "إذا روى حديثاً بسنده" يعني مثل ما يصنع الإمام مسلم كثيراً يسوق الأحاديث من طرق كثيرة، فيسوق اللفظ في بعضها، ويحيل في البعض الآخر، ويذكر ما بين الروايات من فروق، "فإذا روى الحديث بسنده ثم أتبعه بإسنادٍ آخر" روى الحديث بالسند والمتن، ثم قال: وحدثنا به فلان عن فلان عن فلان مثله، أو قال: نحوه، وهو ضابطٌ محرر، يعني مثل مسلم ضابط محرر يعتني بألفاظ الشيوخ، ويبين ما بينها من الفروق، فإذا وقفتَ في صحيح مسلم على حديثٍ ذكر لفظه ثم ذكر إسناد الثاني وقال: مثله، أو قال: بلفظه؛ لأن المثل تعني اللفظ، والنحو يعني المعنى، فإذا قال: مثله فهل يجوز لك أن تروي الحديث بالإسناد الثاني الذي أحيل به على اللفظ الأول؟ تروي لفظ الحديث الذي سيق إسناده أولاً وأحيل على اللفظ بإسنادٍ ثاني، فهل لك أن تروي اللفظ الأول وتركب عليه الإسناد الثاني؟ لأن مسلماً قال: بمثله أو مثله أو بلفظه، افترض أنه قال: بلفظه، لك ذلك أو ليس لك ذلك؟ منهم من تسمَّح، شعبة يقول: لا، وهو معروفٌ بالشدة والاحتياط، والثوري يقول: نعم، ويسوي الثوري بين مثله ونحوه، مع أن بينهما فرق؛ لأن مثله تعني اللفظ، ونحوه تعني المعنى مع الاختلاف اليسير في الألفاظ.

يحيى بن معين يجوز في مثله ولا يجوز في نحوه، وكلُّ هذا جارٍ على جواز الرواية بالمعنى إذا قيل: مثله أو قيل: نحوه، إذا قيل: نحوه لا نضمن أن الألفاظ المذكورة بالطريق الثاني هي الألفاظ المذكورة في الطريق الأول؛ لأن نحوه تعني معناه، وعلى جواز الرواية بالمعنى الخطب سهل، أقول: الأمر سهل، نفترض أننا رويناه بالمعنى، فلا فرق حينئذٍ، وهذا يقوي قول الثوري، لكن لا شك أن الاحتياط ينبغي أن يسلك في مثل هذه الأمور، فإذا أردت المتن وأردت الإسناد الثاني لعلو مثلاً، أو لإمامة في هؤلاء الرواة دون أولئك فإنك تذكر الإسناد كاملاً، وتقول: بنحو حديثٍ قبله لفظه كذا، أو بمثل حديثٍ قبله لفظه كذا، هذا هو الاحتياط في الرواية.

يقول الحافظ ابن كثير: "ومع هذا أختارُ قول ابن معين" أنه يجوز في مثله ولا يجوز في نحوه، إذا أورد السند وذكر بعض الحديث ثم قال: الحديث، أو أورد بعض الآية وقال: الآية، أولاً: الحديثَ بالنصب، والآيةَ بالنصب أيضاً يعني: اقرأ الحديث، أو اقرأ الآية، أو أكمل الحديث، أو أكمل الآية، فهي بالنصب "أو الحديث بتمامه أو بطوله أو إلى آخره كما جرت به عادة كثيرٍ من الرواة" ساق طرف الحديث ثم قال: الحديث، فهل لك أن تسوق الحديث بتمامه؟ لأنه أحالك وقال لك: الحديث، يعني: أكمل الحديث، "فهل للسامع أن يسوق الحديث بتمامه على هذا الإسناد؟ رخص في ذلك بعضهم، ومنع منه آخرون، منهم أبو إسحاق الإسفراييني" من الأئمة الفقهاء الأصوليين كما هو معروف، أبو بكر البلقاني سأل شيخه أبو بكر الإسماعيلي عن ذلك، وهو إمام من أئمة هذا الشأن، أبو بكر الإسماعيلي إمام من أئمة الشأن، حتى قال الحافظ الذهبي -رحمه الله-: من عرف حال هذا الرجل جزم يقيناً أن المتأخرين على يأسٍ تام من لحاق المتقدمين، على كل حال البرقاني سأل الإسماعيلي عن ذلك فقال: "إن كان الشيخ -فصّل- إن كان الشيخ والقارئ يعرفان الحديث فأرجو أن يجوز ذلك" يعني تكون معرفتهما بالحديث واحدة، لاحتمال أن يكون عند الطالب، عند التلميذ زيادة ليست عند الشيخ، يكون هذا التلميذ يروي الحديث من طريق آخر، شيخٍ آخر وفيه طول، والقدر الذي يرويه الشيخ هنا أخصر مما يرويه هذا التلميذ عن شيخٍ آخر، فإذا قيل له: الحديث احتمال أن يأتي باللفظ الذي يحفظه عن غير هذا الشيخ، فإذا كانت معرفتهما بالحديث واحدة فلا بأس حينئذٍ، "فأرجو أن يجوز ذلك، والبيان أولى" فيقتصر على القدر الذي ذكره الشيخ، قال: وأحال بباقي الحديث على حفظي مثلاً، أو على روايتي، أو قال: الحديث يعني أكمل الحديث وهذا تمامه، فذكر طرفاً من الحديث وتمامه كذا إلى آخره، البيان أولى.

إبدال لفظ الرسول بالنبي أو النبي بالرسول:

"قال ابن الصلاح: قلتُ: وإذا جوزنا ذلك فالتحقيق أن يكون بطريق الإجازة الأكيدة القوية" لأنه أذن له في إتمام الحديث، أو برواية باقي الحديث عنه، أذن له برواية باقي الحديث عنه، والإجازة هي الإذن بالرواية، ومثل هذه الإجازة، ومثل هذا الإذن من أقوى أنواع الإجازات؛ لأنها من معين إلى معين في حديثٍ معين، فمثل هذه الإجازة تجوز من باب أولى عند من يقول: بجواز الإجازة، وتقدم الكلام في هذا. قال: "وينبغي أن يفصل فيقال: إن كان قد سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو في غيره فتجوز الرواية، وتكون الإشارة إلى شيء قد سلف بيانه وتحقق سماعه" يعني أنت إذا كان الطالب قد سمع الحديث من الشيخ في مجلسٍ آخر أو في المجلس نفسه قبل ذلك، ويعرف لفظ الحديث الذي يرويه هذا الشيخ، والشيخ أحال على ما سمع منه سابقاً فلا بأس حينئذٍ أن يكمل الحديث؛ لأننا أمنا مفسدة أن يكون في ذهنه من متن الحديث ما لم يروه هذا الشيخ بعينه، بل رواه من طريق شيخٍ آخر، نعم. طالب:. . . . . . . . . أستاذ إيش فيه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . معروف أن الأستاذ هو الأصل عند أهل العلم، في مقام الشيخ، الشيخ ترى حادثة ما هي .. ، الشيخ فلان أبداً، بل هي من ألفاظ التليين عند أهل الحديث، نعم إذا قالوا: شيخ ترى ما هو .. ، نعم لو رجعت ألفاظ الجرح والتعديل .. ، لكن العرف جرى على أن الشيخ هو من أهل العلم عند المتأخرين الشيخ، لكن في عرف المتقدمين لا، الإمام مسلم يقول للبخاري: يا أستاذ الأستاذين، والأستاذ معروف عندهم كما هو معلوم. طالب:. . . . . . . . . على كل حال الأعراف محكمة في مثل هذا، نعم. إبدال لفظ الرسول بالنبي أو النبي بالرسول: فرعٌ: إبدال لفظ الرسول بالنبي أو النبي بالرسول، قال ابن الصلاح: الظاهر أنه لا يجوز ذلك، وإن جازت الرواية بالمعنى، يعني لاختلاف معنييهما، ونقل عن عبد الله بن أحمد أن أباه كان يشدد في ذلك، فإذا كان في الكتاب النبي فكتب المحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب على رسول وكتب النبي.

قال الخطيب: وهذا منه استحبابٌ، فإن مذهبه الترخص في ذلك، قال صالح: سألتُ أبي عن ذلك فقال: أرجو أنه لا بأس به، وروي عن حماد بن سلمة أن عفان وبهزاً كانا يفعلان ذلك بين يديه، فقال لهما: أما أنتما فلا تفقهان أبداً. إبدال لفظ الرسول بالنبي والعكس، فإذا قال الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل يجوز لمن روى عنه أن يقول قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- أو العكس؟ الآن النقل نقل الخبر عن ذاتٍ واحدة متصفة بوصفين نبوة ورسالة، فهل يختلف الأمر إذا قال الصحابي: قال رسول الله، أو قال نبي الله -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يختلف؛ لأن مرد الأمرين إلى ذاتٍ واحدة لا تختلف، ولا مانع من ذلك أصلاً هذا في السند، لكن لو جاء لفظ الرسول بمتن حديث هل يجوز لنا إبدال لفظ الرسول بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أو العكس؟ لا شك أن لكلٍ من الرسالة والنبوة معنىً يختص به، فالنبوة تختلف عن الرسالة على خلافٍ بين أهل العلم في الفرق بين الرسول والنبي، وعلى كل حال إذا كان اللفظ مما يتعبد به كالأذكار فلا، وإن كان اللفظ مما لا يتعبد به فعلى القول بجواز الرواية بالمعنى لا بأس. لو افترضنا أنه جاء حديث سيق فيه {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [(40) سورة الحاقة] على أساس أنه من لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه الجملة وردت في متن حديث بغض النظر عن كونها في القرآن، هل نستطيع أن نقول: "إنه لقول نبي كريم"؟ لأن لفظ الرسالة هنا مقصودة نعم؛ لأن لها دلالة تدل على أن هذا الرسول له مرسِل، وهو الذي تكلم بهذا الكلام، فلفظ الرسول هنا يدل على أن الرسول مبلغ عن غيره، ولذا لا يمكن الطعن في القرآن حينما أضيف إلى الرسول في الموضعين من القرآن، سواءً كان الرسول من البشر أو الرسول من الملائكة، لماذا؟ لأن الرسول الأصل فيه أن يبلغ عن مرسله، لو افترضنا أن مثل هذا السياق جاء في متن حديث هل نقول .. ، هل يختلف المعنى فيما إذا قلنا: قول نبي؟ النبي قد يجتهد ويقول من تلقاء نفسه، وهذا من دقائق الفروق التي نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.

الرواية في حال المذاكرة:

على كل حال إذا جاء في المتن متن الحديث الذي هو غير متعبد بلفظه كالأذكار فإنه حينئذٍ لا بأس عند جمهور أهل العلم الذين يقولون بجواز الرواية بالمعنى، أما إذا جاء في خبرٍ متعبد بلفظه كالأذكار، في حديث النوم في حديث البراء، حينما علمه النبي -عليه الصلاة والسلام- حديث النوم، وطلب منه الإعادة، فقال: "ورسولك الذي أرسلت" قال: ((لا، قل: ونبيك الذي أرسلت)) وحينئذٍ لا يجوز في مثل هذا النص إبدال لفظ الرسول بالنبي ولا العكس، والله المستعان. يقول: "نقل عن عبد الله بن أحمد أن أباه كان يشدد في ذلك فإذا كان في الكتاب النبي فكتب المحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب على رسول الله وكتب النبي، قال الخطيب: وهذا منه استحباب" لا شك أن هذا في باب اتباع اللفظ وهو أحوط، "فإن مذهبه الترخيص في ذلك، قال صالح: سألت أبي عن ذلك؟ فقال: أرجو أنه لا بأس به" وينبغي أن نعرف أن هذا في إضافة القول للنبي -عليه الصلاة والسلام- أو للرسول لا فرق ينبغي أن يرخص فيه. "وروي عن حماد بن سلمة أن عفان وبهزاً كانا يفعلان ذلك بين يديه فقال لهما: أما أنتما فلا تفقهان أبداً" لا شك أن التزام اللفظ مع تيسره ومعرفته أولى من اقتحام المعنى وإن أجازه الجمهور؛ لأن الذي يجيز الراوية بالمعنى لا يصحح الرواية باللفظ؟ نعم من باب أولى، إن صحح الرواية بالمعنى صحح الرواية باللفظ، وهو أحوط، وهو يدل أيضاً على ضبط وإتقان من الراوي، وأهل العلم الذين أجازوا الرواية بالمعنى يصرحون أنك إذا نقلت الحديث من كتاب لا بد أن تنقله بلفظه، لماذا؟ لأنه لا يتعذر ولا يتعسر عليك الإتيان بلفظه، أما أن تنقل من كتاب وترويه بالمعنى، ثم ينقل عنك شخص بالمعنى، ثم الأول الذي نقلت عنه رواه بالمعنى، يعني ينتهي، ينتهي الحديث. الرواية في حال المذاكرة:

فرعٌ: الرواية في حال المذاكرة هل يجوز الرواية بها؟ حكى ابن الصلاح عن ابن مهدي وابن المبارك وأبي زرعة المنع من التحديث بها؛ لما يقع فيها من المساهلة والحفظ خوان، قال ابن الصلاح: ولهذا امتنع جماعة من أعلام الحفاظ من رواية ما يحفظونه إلا من كتبهم، منهم أحمد بن حنبل، قال: فإذا حدث بها فليقل: حدثنا فلان مذاكرة، أو في المذاكرة، ولا يطلق ذلك فيقع في نوع من التدليس، والله أعلم. الرواية في حال المذاكرة، الرواية في حال المذاكرة يعني يجلس مجموعة من طلاب العلم فيتذاكرون، ما تحفظ في هذا الباب؟ ما تحفظ .. ؟ هل عندك دليل لهذه المسألة؟ في مذاكرة، التحديث غير مقصود، ويحصل في المذاكرة التساهل الكثير، أحفظ في هذه المسألة خبر فلان، أو الحديث الفلاني، أو ما أشبه ذلك، هذه يحصل التساهل فيها كثيراً، ولا تذكر الأحاديث بالألفاظ، وحينئذٍ تورع بعضهم عن روايتها، وهو الأولى والأحوط أن لا تساق مساق الرواية، بل يقول المحدث: حدثني فلان مذاكرة، ونظير ذلك ما يرد من الأحكام على ألسنة أهل العلم في التقرير على كتاب أو شرح مسألة، ويمر على لسان الشيخ شيء ما احتاط له، بمعنى أنه لم يذكره على أساس أنه ينقل عنه كفتوى، يتساهلون في التقارير وفي التعاليق على الكتب، ويحتاطون للفتاوى، ولذا لا بد أن ينبه على أن هذا نقل عن الشيخ على أساس أنه تقرير، لا على أساس أنه فتوى محررة، تتداول على هذا الأساس. نعود إلى المذاكرة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم إيه، بس فرق بين أن يسأل الشيخ قصداً عن هذه المسألة فيجيب بكلامٍ محرر يلتزم بلوازمه، وبين أن تمر المسألة عرضاً ضمن كلام على جملة أو شرح لمسألة أو شيء من هذا، فهم يفرقون بين التقرير والفتوى، كما أن رواية الحديث تختلف، فالشيخ إذا أراد أن يروِّي الحديث لطلابه عليه أن يحتاط ويهتم، ولذا كان بعضهم لا يروي إلا من الكتاب؛ لأن الحفظ خوان، أما في حال المذاكرة سهل أن تأتي بطرف الخبر وتحيل بباقيه على نباهة السامع.

فإذا رويت عن شخصٍ سمعتَ منه شيئاً في حال المذاكرة تقول: حدثني فلان مذاكرة، منهم من يرى أن الإمام البخاري لا يقول: قال فلان -من شيوخه- إلا إذا كان الحديث مروي بطريق المذاكرة، لكن هذا ليس عليه دليل، منهم من يطلق أن الإمام البخاري لا يأتي بصيغة قال: قال فلان إلا إذا كان قد روى الحديث في حال المذاكرة، لكن لا دليل على ذلك، وإن ادعاه بعضهم، على كل حال سماع الخبر من الشيخ أو من الزميل أو المتحدث في حال المذاكرة غير سماعه في حال التحديث الذي ينبغي أن يحتاط له، ومثله ما ذكرنا ونظرنا به سماع الحكم في حال التقرير غير سماع الحكم في حال الفتوى المقصودة المحررة المضبوطة نعم. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . هم قالوا: غاية ما يقال في (قال) إنها مثل (عن) مثل (عن) محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين، نعم. طالب:. . . . . . . . . هاه؟ من شيوخه روى عنه بصيغة التحديث مثل هشام بن عمار معروف. . . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ (قال) فكذي عنعنةٍ كخبر المعازفِ ... لا تصغِ لابن حزمٍ المخالفِ هذا تقدم، نعم. وإذا كان الحديث عن اثنين جاز ذكر ثقةٍ منهما وإسقاط الآخر ثقةً كان أو ضعيفاً، وهذا صنيع مسلم -رحمه الله تعالى- في ابن لهيعة غالباً، وأما أحمد بن حنبل -رحمه الله- فلا يسقطه بل يذكره، والله أعلم. إذا كان الحديث عن اثنين جملة الحديث عن كل واحدٍ منهما، ما يصير الحديث ملفق من رواية اثنين، لا، الحديث كامل يرويه البخاري عن مالك، ويرويه البخاري أيضاً عن ابن لهيعة، لا مانع من أن يسقط ابن لهيعة ويقتصر على مالك، هل فيه ضير أن لا يذكر ابن لهيعة؟ يسقط ابن لهيعة، وهذا ليس من تدليس التسوية؛ لأن هذا الضعيف ليس بين ثقتين، بل هو مع ثقة، فرق بين أن يكون الضعيف بين ثقتين فيسقط الضعيف، وبين أن يكون مقروناً بثقة يروي الحديث في طبقة ثقة أسقط الضعيف وأعتمد على الثقة فلا إشكال، الإمام البخاري يسقط، وقد فعل، روى الحديث من طريق مالك وابن لهيعة فأسقط ابن لهيعة، والإمام مسلم يبهمه فيقول: حدثنا فلان وآخر، ويقصد به ابن لهيعة.

شرح: النوع السابع والعشرون: في آداب المحدث:

على كل حال الإمام البخاري ومسلم لا يذكران الضعفاء في كتبهم؛ لأنهم اشترطوا الصحة، أما غيرهم كالإمام أحمد يسقط ابن لهيعة أو لا يسقطه؟ لا داعي لإسقاطه لماذا؟ لأنه روى عن من هو أقل من ابن لهيعة، فلا مانع من أن يذكر ابن لهيعة، أما كتاب اُشترط فيه الصحة، التزمت فيه الصحة ونظافة الأسانيد ينبغي أن يسقط مثل ابن لهيعة فلا يذكر، نعم رووا عن أناس -أعني البخاري ومسلم- أقل من شرطهم في المتابعات في الشواهد لا بأس، ومع ذلكم يقال في كتب الرجال: أخرجه له البخاري مقروناً، وأخرج له مسلم مقروناً هكذا، نعم. طالب:. . . . . . . . . عن ثقة، يقول هذا الثقة: وآخر؛ ليبين أن الحديث عنده من أكثر من طريق، لكنه لا يسميه؛ لأنه ليس من شرط الكتاب، البخاري يسقطه ويرتاح منه. شرح: النوع السابع والعشرون: في آداب المحدث: النوع السابع والعشرون: في آداب المحدث: وقد ألف الخطيب البغدادي -رحمه الله- في ذلك كتاباً سماه: (الجامع لآداب الراوي والسامع) وقد تقدم من ذلك مهمات في عيون الأنواع المذكورة. قال ابن خلاد وغيره: ينبغي للشيخ ألا يتصدى للتحديث إلا بعد استكمال خمسين سنة, وقال غيره أربعين سنة, وقد أنكر القاضي عياض ذلك بأن أقواماً حدثوا قبل الأربعين، بل قبل الثلاثين، منهم مالك بن أنس ازدحم الناس عليه وكثير من مشايخه أحياء، قال ابن خلاد: فإذا بلغ الثمانين أحببت له أن يمسك خشية أن يكون قد اختلط. وقد استدركوا عليه بأن جماعة من الصحابة وغيرهم حدثوا بعد هذا السن منهم أنس بن مالك, وسهل بن سعد, وعبد الله بن أبي أوفى وخلق ممن بعدهم, وقد حدث آخرون بعد استكمال مائة سنة منهم الحسن بن عرفة, وأبو القاسم البغوي, وأبو إسحاق الهجيمي, والقاضي أبو الطيب الطبري -أحد أئمة الشافعية- قلتُ: وجماعة كثيرون، لكن إذا كان الاعتماد على حفظ الشيخ الراوي فينبغي الاحتراز من اختلاطه إذا طعن في السن.

وأما إذا كان الاعتماد على حفظ غيره وخطه وضبطه فهاهنا كلما كان السن عالياً كان الناس أرغب بالسماع عليه، كما اتفق لشيخنا أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار فإنه جاوز المائة محققاً، سمع على الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة صحيح البخاري، وأسمعه في سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان شيخاً كبيراً عامياً لا يضبط شيئاً، ولا يتعقل كثيراً من المعاني الظاهرة، ومع هذا تداعى الناس إلى السماع منه عند تفرده عن الزبيدي، وسمع منه نحوٌ من مائة ألفٍ أو يزيدون ... يقول -رحمه الله تعالى-: "النوع السابع والعشرون: في آداب المحدث" وهذا النوع والذي يليه من أولى ما ينبغي أن يعتني به طالب العلم؛ لأن طالب العلم بحاجة إلى الأدب؛ لأنه بصدد أن يؤدب الناس، فإذا لم يتأدب بنفسه كيف يؤدب غيره؟ فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه، لا بد أن يعتني بنفسه لكي يستطيع أن يؤثر في الناس. يقول: "ألف الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً سماه: (الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع) " ...

شرح اختصار علوم الحديث (13)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (13) شرح: النوع الثامن والعشرون: في آداب طالب الحديث .. ، والنوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل .. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير يقول: "ألف الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً سماه: "الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع" وهو كتاب نفيس مطبوع في مجلدين طبعات متعددة، ولعل من أجودها طبعة محمد عجاج الخطيب، طبع قبل ذلك بتحقيق محمد رأفت سعيد، وتحقيق محمود الطحان، لكن طبعة عجاج الخطيب أجودها. هو كتابٌ نفيس لا يستغني طالب حديث عنه، "تقدم من ذلك مهمات في عيون الأنواع المذكورة" يمر في ثنايا الأبواب ما ينبغي أن يعتني به طالب العلم، مما ينفعه في دينه ودنياه، "قال ابن خلاد -يعني الرامهرمزي صاحب كتاب: (المحدث الفاصل) - وغيره: ينبغي للشيخ أن لا يتصدى للحديث إلا بعد استكمال خمسين سنة" يعني إذا بدأ يضعف، ولا دليل على ذلك، نعم هو كمل نضوجه الآن، لكن ما الذي يضمن له أن يبقى إلى الخمسين ليستفاد منه؟ فقد يموت قبل الخمسين، وكم من إمام من أئمة المسلمين نفع الله به وبعلمه ومات لم يكمل الخمسين كالنووي مثلاً، النووي -رحمه الله تعالى- مات ولم يبلغ خمسين خمسة وأربعين سنة، كتب كُتب صار لها من الصدى والأثر ما ليس لغيرها، وكتابه: (المجموع) لو اجتمعت اللجان الكثيرة لأن تعمل مثله ما استطاعت، وهذا لا شك أن علامات الإخلاص ظاهرة فيه، شرحه لمسلم على اختصاره فيه نفعٌ لا يتصور، لا يتصوره إلا من كرر النظر فيه، وأدام النظر فيه، فيه فوائد وعجائب على اختصاره، كتابه: (رياض الصالحين) الذي سرى في الأمة، وانتشر انتشاراً واسعاً بحيث لا يفوقه في ذلك إلا المصحف، لو قيل: إن انتشاره أكثر من انتشار صحيح البخاري ما هو بعيد، انتشار رياض الصالحين؛ لأنه يصلح لجميع طبقات الناس، كتابه: (الأذكار) أيضاً كتابٌ نافع وماتع ونفيس، لا يستغني عنه متدين، كما قال النووي نفسه.

على كل حال قد يموت الإنسان ولم يبلغ الخمسين، إذا سمع مثل هذا الكلام: لا تعلم الناس حتى تبلغ الخمسين، هذا قولٌ مهجور، بل هو قولٌ ضعيف، لا حظ له من النظر، والواقع يرده، كثيرٌ من أئمة الإسلام درّسوا قبل الخمسين، بل قبل الأربعين، بل قبل الثلاثين، بل منهم من تصدى للتحديث قبل العشرين كمالك -رحمه الله تعالى-، ونفع الله بهم نفعاً عظيماً، فكون الإنسان يمني نفسه أن يدرس بعد الخمسين بعد الستين سبحان الله من يضمن لك أن تبقى؟ لا شك أن مثل هذا حرمان أن يبقى، نعم طلب العلم لا حد له، يستمر يطلب العلم ويعلم بقدر ما عنده من العلم، أما ألا ينفع الناس ولا يفيدهم حتى يكمل الخمسين! هذا لا حظ له من النظر، "وقال غيره: أربعين سنة". السيوطي لما كمل الأربعين انقطع عن التدريس، عكس ما يقوله هؤلاء، لما كمل الأربعين انقطع عن التدريس، وعن الإفتاء، وعن كل شيء، تفرغ للتأليف، ولذا صار .. ، عُد من المكثرين، حتى بلغت مؤلفاته الستمائة، وهي متفاوته من ورقة إلى المجلدات، على كل حال من تأهل للتعليم فليبادر؛ لأن نفع التعليم متعدي، وله -إذا خلصت نيته بهذا القيد- من الأجر ما لا يحصى، وكل شخصٍ يستفيد منه له مثل أجره، لكن بالقيد المذكور، إحسان النية وإخلاص العمل لله -سبحانه وتعالى-، والله المستعان. يقول: "وقد أنكر القاضي عياض ذلك بأن أقواماً حدثوا قبل الأربعين، بل قبل الثلاثين، منهم الإمام مالك ابن أنس -رحمه الله تعالى - نجم السنن- ازدحم الناس عليه، وكثيرٌ من مشايخه أحياء"، يُدرس وربيعة موجود في المسجد، ربيعة بن عبد الرحمن شيخ الإمام مالك، كثير من شيوخه أحياء هم عنده في المسجد وهو يدرس، حدث صغير، لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، تجد الصغير عنده الفئام، والكبير عنده الأقل، والله المستعان. وقبل جلوسه للتدريس ينبغي أن يتحسس ويتفقد نيته؛ لأن النية شرود، والنفس ميالة وحيافة، تميل إلى حب المدح والثناء، وتقديم العاجل على الآجل، لكن إذا عرفنا أن الحديث من علوم الآخرة المحضة فهو عبادة لا يجوز التشريك فيه، فعلينا أن نكون على ذكرٍ دائم للنية، والله المستعان.

"قال ابن خلاد –الرامهرمزي-: فإذا بلغ الثمانين أحببت له أن يمسك خشية أن يكون قد اختلط" وهذا مثل ما تقدم، وقد تقدم أيضاً أن بداية الطلب ليس له سن معين، بل متى فهم الخطاب، ورد الجواب ينبغي أن يبادر بطلب العلم، فلا يحدد بسن، وسبق أن ذكر المؤلف كغيره أن من أهل العلم من أهل البصرة والكوفة والشام كلٌ حدَّ سناً معيناً، منهم من قال: عشر يبدأ يطلب الحديث، ومنهم من قال: عشرين، ومنهم من قال: يبدأ يطلب الحديث ثلاثين، ومنهم من قال: أربعين واكتمل الأشد، طيب إيش يسوي. . . . . . . . .، قبل الأربعين، قبل الثلاثين ماذا يصنع؟ يقول: يحفظ القرآن، ويعرف الأحكام، يعني الحلال والحرام، لكن ماذا؟ على ما يعتمد في معرفة الأحكام؟ كيف يعرف الأحكام ولم يعرف الحديث؟ جلُّ الأحكام مأخوذة من الأحاديث، فينبغي أن يبادر بعلم الكتاب والسنة، والعلوم متكاملة يكمل بعضها بعضاً، فينبغي أن تؤخذ معاً بالتدريج؛ لأنها متكاملة، أما الذي يقول: أنا أقتصر على حفظ القرآن وقراءة كتب التفسير فإذا أتقنت ذلك انتقلت إلى السنة، متى ينتقل إلى السنة؟ نعم عليه أن يحفظ من القرآن القدر الكافي لتصحيح صلاته، ويحفظ منه أيضاً المفصل على أقل تقدير، ويحفظ من السنة ما يعينه على تحرير الأحكام. . . . . . . . . أحاديث الأحكام مثلاً، وما يرغبه في الآخرة، كأحاديث الترغيب ونحوها. على كل حال الطريقة المتبعة عند أهل العلم لا سيما في المشرق حفظ بعض القرآن وإدخال العلوم الأخرى، بينما طريقة المغاربة يتفرغون لحفظ القرآن قبل كل شيء، ثم بعد حفظه وإتقانه ينتقلون إلى العلوم الأخرى، وفي كلٍ خير، على ألا ينسى القرآن؛ لأنه يخشى من تزاحم العلوم ينسى القرآن، فإذا التفت إليه في آخر عمره وجد أنه لا يستطيع أن يحفظ، يصعب عليه الحفظ، والله المستعان، وكلٌ على خير -إن شاء الله تعالى-.

فليس لبداية الطلب سن معينة، وليس لبداية التدريس والإقراء سن، وليس لنهاية التعليم سن، بل مرد ذلك كله إلى التأهل والحاجة، فإذا تأهل الإنسان للتحمل عليه أن يبادر، إذا تأهل الإنسان للتعليم واحتاج الناس إليه عليه أن يبادر، إذا تأهل الإنسان للتأليف عليه أن يبادر؛ ليغتنم الوقت، إذا خشي من الاختلاط فليكف، ويمتنع من التدريس، والله المستعان. يقول: "فإذا بلغ الثمانين أحببت له أن يمسك خشية أن يكون قد اختلط" جماعة من الصحابة حدثوا بعد الثمانين، من التابعين كذلك، من أهل العلم من بلغ المائة، بل منهم من جاوز المائة وهو يحدث، ويعلم الناس على أحسن حال، نعم الثمانين فما بعدها مظنة للضعف الشديد، ومظنة للخرف والاختلاط، لكن إذا وجد منه شيء من ذلك يمسك، وإذا لم يشعر هو بذلك ينبغي أن يؤخذ على يده، "وقد استدركوا عليه بأن جماعة من الصحابة وغيرهم حدثوا بعد هذا السن، منهم أنس بن مالك وسهل بن سعد وعبد الله بن أبي أوفى، وخلقٌ ممن بعدهم، وقد حدث آخرون بعد استكمال مائة سنة، منهم الحسن بن عرفة -صاحب الجزء المشهور- وأبو القاسم البغوي وأبو إسحاق الهجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري أحد أئمة الشافعية وجماعة كثيرون". لكن إذا كان الاعتماد على حفظ الراوي فينبغي الاحتراز من اختلاطه إذا طعن في السن، هو مظنة للاختلاط، مظنة للنسيان، لكن ليس الأصل هو النسيان، نعم ينبغي أن يكون الإنسان على حذر، "وأما إذا كان اعتماده على حفظ غيره وخطه وضبطه فهاهنا كلما كان السن عالياً كان أرغب في السماع عليه"؛ لأنه إذا تفرد برواية أحاديث أو برواية كتب أو كتاب فإنه يكون حينئذٍ سنده عالياً، والعلو مطلوب عند أهل العلم، والمراد بالعلو قلة الوسائط بين الراوي والنبي -عليه الصلاة والسلام-، فكلما قل الوسائط وقل رجال الإسناد كان تطرق الخلل إليه أو احتمال تطرق الخلل إليه أقل؛ لأنه ما من راوي من الرواة وإلا ويحتمل أنه نسي أو أخطأ، أو وهم، أو ما أشبه ذلك، فإذا قلت الوسائط قلت هذه الاحتمالات.

يقول: "كما اتفق لشيخنا أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار فإنه جاوز المائة محققاً، سمع على الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة صحيح البخاري، وأسمعه في سنة ثلاثين وسبعمائة" بعد مائة سنة، يقول: "وكان شيخاً كبيراً عامياً .. " كم عمر الحافظ ابن كثير يوم يسمعه سنة ثلاثين وسبعمائة؟ الحافظ ولد سنة؟ لا تنظرون ما هي مسألة غش، لا، أنا أريد جواب متى ولد؟ ومتى مات؟ طالب:. . . . . . . . . سبعمائة ولد، ولد سنة سبعمائة، أو سبعمائة وواحد إيه، ومات سنة أربعة وسبعين وسبعمائة، عن أربعٍ وسبعين سنة. يقول: "وكان شيخاً كبيراً عامياً، لا يضبط شيئاً، ولا يتعقل كثيراً من المعاني الظاهرة" إذاً ما الفائدة من القراءة عليه؟ هو يروي الحديث، يروي الصحيح بالإسناد المتصل عن شيوخه، وهذه احتيج إليها في الأزمان المتأخرة حينما صارت الغاية والهدف من الرواية إبقاء سلسلة الإسناد فقط، ولا عمدة على الرواة بعد عصر التدوين، لا عمدة عليهم، يعني كون يكون في طريقك الحجار هذا العامي الذي لا يتحقق كثيراً من المعاني يضر حديثه في صحيح البخاري؟ ما يضره، نعم. "ومع هذا تداعى الناس إلى السماع منه عند تفرده عن الزبيدي، فسمع منه نحو من مائة ألف أو يزيدون" طلباً لعلو الإسناد كما هو معروف. قالوا: وينبغي أن يكون المحدث جميل الأخلاق، حسن الطريقة، صحيح النية، فإن عزبت نيته عن الخير فليسمع، فإن العلم يرشده إليه، قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.

"قالوا -وهذا من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المحدث وطالب الحديث أيضاً-: ينبغي أن يكون المحدث جميل الأخلاق" كريم النفس، سهل، سمح، يصبر على جفا الطلاب، وعلى جهل بعضهم، وشدة بعضهم تأسياً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، قد لقي من الأذى، ولقي من سوء المعاملة من بعض الناس ما لقي، وقال عن موسى -عليه السلام-: ((رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)) هذه طريقة الأنبياء، وهي أيضاً ينبغي أن تكون طريقة الوراث، وراث الأنبياء، ورثة الأنبياء، ورثة الأنبياء هم العلماء، ينبغي أن يكون لهم بالأنبياء قدوة وأسوة، فعلى العالم أن يكون جميل الأخلاق، حسن الطريقة، إن لم تكن هذه سجية، وغريزة جبل عليها الإنسان وهذا من فضل الله -سبحانه وتعالى- أن يجبل على مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، إن لم يكن كذلك فليتخلق وليتطبع، فإنه يؤجر على هذا التخلق وهذا التطبع، وفي النهاية يكون خلقاً بعد أن كان اكتساباً يكون جبلياً، والله -سبحانه وتعالى- إذا علم صدق النية أعان. يقول: "حسن الطريقة" حسن السيرة، حس السمت، حسن الطريقة في هيئته، في ملبسه متوسط لا يبالغ ولا يغالي، وأيضاً لا يكون .. ، يظهر بمظهر يستقذره الناس ويستقبحونه، بل يكون متوسط في أموره كلها، أيضاً يكون في هيئته ونظراته ومشيته وتعامله مع الناس أسوة وقدوة للناس، وكم من شخصٍ استفاد الناس من هيئته أكثر من علمه، ابن الجوزي ذكر في فهرست شيوخه عن أحد شيوخه أنه استفاد من بكائه أكثر مما استفاد من علمه، لا شك أن مثل هذه الأمور لها أثر في الطلاب، والله المستعان. حسن الطريقة أيضاً في التعليم، في إيصال المعلومة إلى الطالب، ينبغي أن يكون الشيخ أيضاً يقصد الوضوح في الأسلوب، والتكرار غير الممل، والتغيير في الأساليب التي جربها ووجدها لا تجدي، وأيضاً يحرص كل الحرص على إفادة الطالب والنصح له، وأن يكون "صحيح النية" والمدار عليها؛ لأن العلم الشرعي عبادة إذا طلبت لغير وجه الله -سبحانه وتعالى- ضرت، فالذي يريد زينة الحياة الدنيا ليس لهم في الآخرة -نسأل الله العافية- إلا النار، نسأل الله العافية.

فالعلم الشرعي علم الكتاب والسنة، علم الحلال والحرام المبني على الكتاب والسنة كله شرعي، من علوم الآخرة المحضة التي لا يجوز التشريك فيها، الأجر عظيم، والإثم مع الزلل كبير، فأول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، منهم من تعلم وعلم، فيجاء به يوم القيامة فيقال: ماذا عملت؟ فيقول: تعلمت وعلمت، علمت فيك العلم، قال: كذبت، إنما علمت ليقال: عالم، ومثله المجاهد والمتصدق، والله المستعان، نسأل الله السلامة والعافية. يقول: "فإذا عزبت نيته عن الخير فليسمع" يعني داخله شيء من الرياء، شيءٌ من المقاصد الأخرى من أمور الدنيا يقول: لا يتوقف، لا يتوقف بحجة أن النية عزبت، ليس العلاج أن تترك، بعض الناس يترك الدراسة في الأقسام الشرعية مثلاً إذا سألته قال: والله عجزت، أبي أخلص وعجزت، فالعلاج نترك الدراسة، ومثل طلاب الحلق، بعضهم يقول: والله إني أتردد على الشيخ سنين والله أعلم بهالنية، نقول: لا تترك هذا ليس بعلاج، جاهد نفسك، جاهد نفسك على الإخلاص، وإذا علم الله -سبحانه وتعالى- صدق النية أعانك، والله المستعان. "فإذا عزبت نيته عن الخير فليسمع، فإن العلم يرشد إليه" يرشد إلى الإخلاص، يدلك على الإخلاص، كلما زاد علمك زاد إخلاصك، وزاد تواضعك. "قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله" ما نعتمد على مثل هذا الكلام ونسترسل ونقول: خلاص السلف طلبوا العلم بالنيات المدخولة فقادهم العلم الشرعي إلى الإخلاص، ما نقول: نطلب العلم من أجل الوظيفة، أو من أجل الذكر، أو من أجل أن تقدر في المجالس وبعدين تجي النية الصالحة؛ لأن السلف طلبوه لغير الله، وفي النهاية صار لله، لا، من يؤمنك، من يؤمنك أن تخترمك المنايا وأنت ما حصل لك هذا الإخلاص، نسأل الله العافية، نعم. وقالوا: لا ينبغي أن يحدث بحضرة من هو أولى سناً أو سماعاً، بل كره بعضهم التحديث لمن في البلد أحق منه، وينبغي له أن يدل عليه ويرشد إليه، فإن الدين النصيحة.

قالوا: من الآداب للمحدث أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه سناً أو سماعاً، بل كره بعضهم التحديث، نعم إذا وجد في المجلس شخص أكبر منك سناً أو أعلم منك ينبغي أن تترك له المجال، ما تتحدث بحضرته إلا بقدر الحاجة إلا إذا امتنع الأعلم فإنه حينئذٍ يتحدث من دونه؛ لئلا يحرم الناس، ومثله إذا كان في البلد أكثر من عالم، والبلد لا يحتاج إلا إلى عالمٍ واحد يعلم الناس، ينبغي أن يكون هو الأعلم، فإذا امتنع الأعلم من التحديث يقوم الذي بعده وهكذا؛ لئلا يحرم الناس بحجة أن الأعلم تردد أو رفض. فإذا كان عند غيره من العلم ما ليس عنده في العلوم كلها أو في بعضها، جاء شخص ليقرأ في كتاب وأنت تعرف أن من أهل العلم من له عناية بهذا الكتاب، من النصيحة -والدين النصيحة- أن تقول لهذا الطالب: اذهب إلى فلان فاقرأ عليه، فهو أولى مني بإقراء هذا الكتاب، فإن الدين النصيحة، لكن الإشكال إن من طلاب العلم من لا يقتنع، خلاص أعجب بفلان يرى أن كل العلوم عنده، تقول: يا أخي اذهب إلى فلان يحسن ويفتح لك مغاليق هذا الكتاب أكثر مما عنده .. ، لا، لا أريد .. ، هذا يحصل كثيراً، فالله المستعان. فليحرص طالب العلم على التلقي عن الكبار، وعندنا -ولله الحمد- في هذه البلاد من أهل العلم من تشد إليه الرحال، نعم فقدنا جملةً منهم، لكن بقي من فيه الخير والبركة، ولا يعني هذا أن الإنسان عنده علم الدنيا كلها، يؤخذ عنه ما يحسنه، وينتقل إلى غيره ليأخذ عنه ما يحسنه، وتنوع الشيوخ أيضاً مطلوب؛ لأن كل شيخ له طريقته ومنهجه، وهم مدارس، كل واحد يمثل مدرسة، وكل واحد عنده ما ليس عند الآخر، فتنويع الشيوخ لا سيما الكبار منهم أمرٌ مطلوب؛ لئلا يندم الطالب لماذا لم يؤخذ عن فلان؟ لو اخترمته المنية ندم ندامة الكسعي، والله المستعان.

"بل كره بعضهم التحديث لمن في البلد أحق منه، وينبغي أن يدل عليه، ويرشد إليه" جاءك شخص يريد أنك تقرأ كتاب في العقائد تقول: اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان هو في هذا الباب راسخ، في الفقه اذهب إلى فلان، في أصول الفقه اذهب إلى فلان وهكذا، لأنك لا تجد عالم واحد يحيط بالدنيا كلها، بعضهم يقول: أنا أحدد الجهة، وأتعامل مع شخصٍ واحد أعرف نفسيته وكيفيته وطريقته أحسن لي من أن أتنقل من حلقة إلى حلقة، وكل يوم عند شيخ، وكل واحد يعطيني من العلم ما يختلف عن الآخر وهكذا، هذه وجهة نظر على كل حال، ومن أهل العلم السابقين من فعل ذلك يقرأ العلوم كلها، لكن ينبغي أن نقدر الرجال، ونعرف أقدارهم، وننزلهم منازلهم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرنا أن ننزل .. ، قالت عائشة: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم". .... باقي؟ نسرده؟ وهو سهل نعم، أعطينا إياه. قالوا: وينبغي عقد مجلس التحديث، وليكن المسمع على أكمل الهيئات، كما كان مالكٌ -رحمه الله تعالى- إذا حضر مجلس التحديث توضأ، وربما اغتسل وتطيب، ولبس أحسن ثيابه، وعلاه الوقار والهيبة، وتمكن في جلوسه، وزبر من يرفع صوته، وينبغي افتتاح ذلك بقراءة شيءٍ من القرآن تبركاً وتيمناً بتلاوته، ثم بعده التحميد الحسن التام، والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليكن القارئ حسن الصوت، جيد الأداء، فصيح العبارة، وكلما مرَّ بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى عليه وسلم. قال الخطيب -رحمه الله-: ويرفع صوته بذلك، وإذا مرَّ بصحابيٍ ترضى عنه، وحسنٌ أن يثني على شيخه كما كان عطاء يقول: حدثني الحبر البحر عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، وكان وكيعٌ يقول: حدثني سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث، وينبغي أن لا يذكر أحداً بلقبٍ يكرهه، فأما لقبٌ يتميز به فلا بأس.

يقول -رحمه الله تعالى-: "قالوا: وينبغي عقد مجلس التحديث" ينبغي للمحدث أن يعقد مجلساً للتحديث يقصد فيه تبليغ ما حمله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الطلاب، كما أنه ينبغي أن يعقد مجالس للإملاء وهذه سنة متبعة عند أهل العلم، "وليكن المسمع –الشيخ- على أكمل الهيئات" لماذا؟ لأنه بصدد نقل كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، تكون هيئته وجلسته مناسبة، كان الإمام مالك -رحمه الله تعالى- "إذا حضر مجلس التحديث توضأ، وربما اغتسل وتطيب، ولبس أحسن ثيابه، وعلاه الوقار والهيبة، وتمكن في جلوسه"، كل هذا احتراماً لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-. "وزبر من يرفع صوته" أخذاً من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [(2) سورة الحجرات] فالذي يسمع قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرفع صوته أكثر من هذا الصوت كان الإمام مالك -رحمه الله- يراه رفع صوتٍ فوق صوت النبي، وإن كان الصوت صوت القارئ، الصوت صوت القارئ بلا شك، لكن باعتبار هذا القارئ يقرأ حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- فكأنه رفع صوته على صوت النبي -عليه الصلاة والسلام- فحصلت مخالفة الآية من هذه الحيثية. يقول: "وينبغي افتتاح ذلك -يعني مجلس التحديث- بقراءة شيء من القرآن تبركاً وتيمناً" كان الصحابة والسلف من بعدهم إذا اجتمعوا استمعوا إلى قراءة قارئ حسن الصوت في بداية المجلس أو في نهايته، أو فيهما معاً، ثم بعد هذه القراءة يبدأ المجلس بالتحميد الحسن التام، والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتحميد والتمجيد لله -سبحانه وتعالى-، وذكر نعمه وآلائه، ثم الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وآله من أهل بيته وذريته وأصحابه وأعوانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ لأن من دعا بظهر الغيب لأحد قيل: ولك بمثله، ومثله إذا دعا وذكر الله في ملأ ذكره الله -سبحانه وتعالى- في ملأٍ خيرٍ منهم، "وليكن القارئ حسن الصوت، جيد الأداء" لأن حسن الصوت سواءً كان في القرآن، أو في الحديث، أو في غيره يجعل للكلام قبول، ولذا أمرنا أن نزين القرآن بأصواتنا، ((زينوا القرآن بأصواتكم)).

النوع الثامن والعشرون: في آداب طالب الحديث:

"جيد الأداء" أداء الحروف، ويخرج الحروف من مخارجها، ولا يأكل بعض الحروف مثل بعض القراء، بعض القراء يأكل بعض الحروف، والله المستعان، وبعض المتكلمين أيضاً يأكل بعض الحروف. "فصيح العبارة" واضح الكلام، يخرج من فمه واضحاً، بحيث لا يخفى على السامع، "وكلما مرَّ بذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- ... صلى عليه وسلم"، فيقرن بين الصلاة والتسليم؛ ليتم امتثاله لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] ((من صلى عليَّ مرةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً)) والنصوص في الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- كثيرة، "قال الخطيب: ويرفع صوته بذلك" بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، "وإذا مر بصحابيٍ ترضى عنه"، ومن بعد الصحابة يترحم عليهم، وأهل العلم يثنى عليهم، ويذكرون بخير، ويدعى لهم. يقول: "وحسنٌ أن يثني على شيخه" نعم حسنٌ أن يثني عليه إذا كان بغير حضرته، والشيخ بحاجة إلى الدعاء أكثر من حاجته إلى الثناء، "كما كان عطاء يقول: حدثني الحبر البحر ابن عباس، وكان وكيعٌ يقول: حدثني سفيان الثوري أميرُ المؤمنين في الحديث، وينبغي أن لا يذكر أحداً بلقبٍ يكرهه"، إذا كان قصده النبز بهذا اللقب فهو حرام، وإذا كان قصده مجرد التعريف بهذا اللقب بحيث لا يعرف، أو يغمض عند السامع إلا بذكر اللقب كالأعرج والأعمش، وما أشبه ذلك فلا بأس به، وهو مشهور مستفيض متداول عند أهل العلم، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سم. النوع الثامن والعشرون: في آداب طالب الحديث: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: النوع الثامن والعشرون: في آداب طالب الحديث، ينبغي له بل يجب عليه إخلاص النية لله -عز وجل- فيما يحاوله من ذلك, ولا يكن قصده عرضاً من الدنيا, فقد ذكرنا في المقدمات الزجر الشديد، والتهديد الأكيد على ذلك، وليبادر إلى سماع العالي في بلده, فإذا استوعب ذلك انتقل إلى أقرب البلاد إليه, أو إلى أعلى ما يوجد من البلدان، وهو الرحلة، وقد ذكرنا في المقدمات مشروعية ذلك, قال إبراهيم بن أدهم -رحمة الله عليه-: إن الله ليدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث، قالوا: وينبغي له أن يستعمل ما يمكنه من فضائل الأعمال الواردة في الأحاديث، كان بشر بن الحارث -الحافي- يقول: يا أصحاب الحديث أدوا زكاة الحديث من كل مائتي حديث خمسة أحاديث، وقال عمرو بن قيس الملائي: إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به ولو مرةً تكن من أهله، وقال وكيعٌ: إذا أردت حفظ الحديث فاعمل به، قالوا: ولا يطول على الشيخ بالسماع حتى يضجره، قال الزهري: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب، وليفد غيره من الطلبة، ولا يكتم شيئاً من العلم، فقد جاء الزجر عن ذلك، قالوا: ولا يستنكف أن يكتب عمن هو دونه في الرواية والدراية، قال وكيعٌ: لا ينبل الرجل حتى يكتب عمن هو فوقه، ومن هو مثله، ومن هو دونه. قال ابن الصلاح: وليس لموفقٍ من ضيع شيئاً من وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد الكثرة وصيتها، قال: وليس من ذلك قول أبي حاتم الرازي: إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش، قال ابن الصلاح: ثم لا ينبغي لطالب الحديث أن يقتصر على مجرد سماعه وكتبه من غيره فهمه ومعرفته، فيكون قد أتعب نفسه، ولم يظفر بطائل، ثم حث على سماع الكتب المفيدة من المسانيد والسنن وغيرها. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- آداب المحدث، وما ينبغي أن يكون عليه من حسن الخلق، وإخلاص العمل وإتقانه، والحرص أردف ذلك بآداب طالب الحديث، فقال -رحمه الله تعالى-: "ينبغي له -بل يجب عليه- إخلاص النية لله -عز وجل-" وهذا مشترك بين المعلم والمتعلم، الطالب والشيخ، المحدث وطالب الحديث على حدٍ سواء؛ لأن هذا العلم أعني علم الحديث، وما يتعلق به من علوم الآخرة المحضة التي لا يجوز التشريك فيها بحال، بل لا بد أن يكون طلبه للحديث خالصاً لوجه الله -سبحانه وتعالى-، بل يجب عليه إخلاص النية لله -عز وجل-، ولنعلم أن العلم الشرعي مما يبتغى به وجه الله -سبحانه وتعالى-، بل رتب عليه الثواب العظيم، والأجر الجزيل في الآخرة، مثل هذا لا يجوز بحال أن يصرف شيءٌ منه لغير الله -عز وجل-، فلا يجوز أن ينظر الطالب -طالب العلم الشرعي- إلى المستقبل، إلى الشهادة، إلى بناء الأسرة، إلى غير ذلك من أمور الدنيا، بل عليه أن يطلبه لوجه الله خالصاً.

كثيرٌ من طلاب العلم لا سيما في التعليم النظامي في الكليات الشرعية يقلقلهم هذا الأمر، فيقولون: لا نستطيع، بل لم نستطع، حاولنا وجاهدنا فلم نستطع إخلاص العمل لله -عز وجل-، ظروف الحياة تملي علينا، وتفرض علينا أن ننظر إلى التخرج والشهادة والتعيين، والله المستعان، فهل العلاج لمثل هؤلاء الترك؟ نقول: لا، ليس العلاج الترك، العلاج في المجاهدة، على الإنسان أن يجاهد نفسه، ويستحضر النية، ولا يعزب عنه ما هو بصدده من علمٍ يوصله إلى الله -سبحانه وتعالى- والدار الآخرة، وإذا علم الله -سبحانه وتعالى- صدق النية أعان، ويؤثر عن بعض السلف أنهم طلبوا هذا العلم لغير الله فأبى ألا يكون إلا لله، لا شك أنه يوجد من طلب العلم مع دخن في قصده، بل مع انحرافٍ أحياناً في سلوكه، ثم لا يلبث أن يهديه هذا العلم إلى الصراط المستقيم، وإلى الإخلاص والعمل، لكن لا نعتمد على مثل هذه الأقوال، نعم هي ثابتةٌ عن بعض السلف، لكن لا نعتمد عليها فنترك المجاهدة من أول الأمر، نقول: نطلب العلم الآن والإخلاص يأتي، لا، بل عليك أن تطلب الإخلاص أولاً؛ لأنك ما تدري ماذا يحصل لك؟ وقد جاء عنهم أيضاً أن من طلب العلم لغير الله مُكر به، نسأل الله العافية، وما يدريك لعلك تموت، أو تخترمك المنية قبل أن يحصل لك ذلك الإخلاص، فعليك أن تجاهد من الآن في تصحيح النية، والله المستعان.

"ولا يكن قصده عرضاً من الدنيا" فجاء في الحديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، من تعلم، طلب العلم حتى عُد في العلماء وعلم الناس، فيجاء به يوم القيامة، فيقال له: فيقول: طلبت العلم لله، وعلمتُ الناس لله، وقد يكون تعليمه للناس مجاناً، فيقال له: كذبت إنما طلبت العلم ليقال: عالم، وقد قيل، بعض الناس قد يستدل على الإخلاص بعدم الأخذ، أخذ المقابل، يقول: هذا جالس في بيته، في مسجده، تارك لجميع المصالح الدنيوية، ومعرض عن الدنيا، ومقبل على الآخرة، ويعلم الناس مجاناً. . . . . . . . . ما هو بأكيد، الذي يذهب إلى ساحات الجهاد، ويقدم نفسه للسيوف والرماح يكفيه أن يقال: شجاع وهو يقدم نفسه، وقد استدل بعضهم على صحة عمل من يرقي مجاناً، وأنه مخلص، وأنه ينفع بإذن الله، نقول: ما يلزم، الإخلاص أمرٌ غيبي بين العبد وبين ربه، يكفي مثل هذا أن يقال: شفى الله على يده فلان وفلان وفلان يكفيه أحياناً، لا نقول: كل الناس بهذه المثابة، لكن أيضاً لا نقول: إن كل الناس بمجرد تركهم أخذ المقابل هم مخلصون، لا، ما يلزم، نعم ترك المقابل لله -عز وجل- مع الإخلاص مما يرفع الله به الدرجات، لكن ليس هو الإخلاص فلننتبه إلى هذا، بعض الناس يقول: لا نروح لفلان أنفع؛ لأنه ما يأخذ مقابل، ما يلزم، أبو سعيد أخذ المقابل على الرقية، وشفى الله على يده سيد الحي، اللديغ، مع كونه أخذ المقابل، فعدم أخذ المقابل لا يدل على صدق النية. أقول: مثل هذا في المعلم جالس في مسجده يعلم الناس الخير بدون مقابل، وقد جاء في الأثر: "علم مجاناً" "ابن آدم علم مجاناً كما علمت مجاناً" لكن لا يلزم من هذا الإخلاص، وسبق -فيما مضى- مسألة أخذ الأجرة على التحديث، على كل حال الإخلاص أمرٌ باطن، لكن قد تظهر له علامات، الإنسان إذا استوى عنده الظاهر والباطن، إذا استوى عنده المادح والذام نعم دل على إخلاصه.

ولذا يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الفوائد: إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فأقبل على حب المدح والثناء فاذبحه بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه، ولا أحد يضر ذمه إلا الله -عز وجل-، ثم أقبل على الحرص والطمع بما في أيدي الناس، يعني وتخلص منه بقوة وبشدة، وتعلق بالله -عز وجل- في كلامٍ نفيس ذكره في الفوائد، وأنا بعيد العهد به جداً. على كل حال الإخلاص ما في شك أنه مقلق؛ لأن هذا العلم ليس فيه حل وسط، ليس مثل أمور الدنيا، ليس مثل علوم الدنيا، طب، هندسة، زراعة، مدري إيش؟ هذه إن أخلصت وأتقنت لك الأجر، إن لم تخلص فلا شيء عليك؛ لأن أصل هذه الأمور إنما هي للدنيا، مثل الزراعة، ومثل النجارة، ومثل التجارة. نعم إن أخلصت في ذلك، وقصدت الخير، ونفع الناس بهذا العلم لحاجتهم إليه أجرت على ذلك، من باب أن العادات تصير بالنية عبادات، أما العلم الشرعي، وما جاء فيه من فضل ((العلماء ورثة الأنبياء)) وجاء في فضل العلم والعلماء ما يضيق المجال، {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ .. } [(9) سورة الزمر]، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] إلى آخره، نصوص كثيرة في الكتاب والسنة متظافرة على فضل العلم وأهله، وألف في ذلك المؤلفات، ولهذا صارت الضريبة قوية وشديدة، هذا العلم ليس فيه حل وسط تقول: أخرج منه سالماً كفافاً، لا علي ولا لي، لا، والله المستعان. طالب:. . . . . . . . . هو هذا من خلال الواقع، الواقع يدل على هذا، لكن مع المجاهدة يوجد طلاب مبتدئون روائح الإخلاص تفوح منهم، والله المستعان، ويوجد من أهل العلم ممن يشار إليه وضد ذلك ظاهرٌ من تصرفاتهم، والله المستعان، ليس لكبير ولصغير إنما هو التوفيق من الله -عز وجل-، نسأل الله التوفيق.

يقول: "وليبادر إلى سماع العالي في بلده، فإذا استوعب ذلك انتقل إلى أقرب البلاد إليه، أو إلى أعلى ما يوجد .. " نعم، يبادر إلى سماع العالي؛ لأن أهل العلم يفضلون العوالي على النوازل، ويأتي في بحث العالي والنازل المراد بذلك، فالإسناد العالي هو الذي تقل فيه الوسائط بين الراوي وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنازل بضد ذلك تكثر الوسائط، وأعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، هذه أعلى ما في الكتب الستة، مسلم ليس فيه أحاديث ثلاثية، فيه رباعية، وهي تعتبر عوالي بالنسبة له؛ لأنه من طبقة تلاميذ البخاري، أبو داود .. ، مسلم ليس فيه عوالي، أبو داود؟ فيه وإلا ما فيه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . حديث واحد إيش هو؟ طالب:. . . . . . . . . حديث الحوض، إيش رأيك إن قلنا: ما فيه ولا حديث واحد عالي ثلاثي، إيش تقول؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، ما هو بهذا، ليس لهذا، على كل حال من قال: إن فيه عالي له وجه، ومن قال: إنه ليس فيه ثلاثي له وجه. الإمام مسلم يروي حديث أبي برزة في الحوض، القصة -قصة أبي برزة- ثلاثية، الواسطة بينه وبين أبي برزة اثنان، لكن الحديث المرفوع الذي هو حديث الحوض رباعي، القصة ثلاثية، والحديث المرفوع التي اشتملت عليه هذه القصة رباعي؛ لأن فيه واسطة، والواسطة مبهم فيصح النفي حينئذٍ. على كل حال أبو داود .. ؛ لأن العبرة بالمرفوع، والمرفوع ليس بثلاثي، ابن ماجه فيه، الترمذي فيه وإلا ما فيه؟ فيه وإلا ما فيه؟ طالب:. . . . . . . . .

ابن ماجه فيه أربعة أحاديث أو خمسة، النسائي لا عوالي فيه؛ لأنه متأخر، بل فيه أطول إسناد كما قالوا، أطول إسناد في الدنيا حديث سورة الإخلاص يرويه بواسطة أحدى عشر راوياً، وفيه ستةٌ من التابعين يروي بعضهم عن بعض، هذا نازل جداً، لكن إذا نظرنا إلى هذه الوسائط أحدى عشر، ونظرنا إلى صحيح البخاري ووجدنا فيه التساعي، وجدنا أنه قريب، نعم قريب. . . . . . . . .، صحيح التساعي نازل جداً بالنسبة للبخاري، فالأحدى عشر بالنسبة للنسائي مناسبة، هي نازلة بلا شك، لكنها مثل نزول التساعي بالنسبة للبخاري، لكن أين تساعي البخاري من تساعيات الحافظ العراقي؟ نازلة وإلا عالية تساعيات الحافظ العراقي؟ عالية جداً؛ لأن كم بينه وبين البخاري؟ طالب:. . . . . . . . . مفاوز، خمسة قرون ونصف. يحرص الإنسان على العوالي؛ لأن أهل العلم يرجحون ويهتمون بالعوالي، وقيل لأحدهم في مرضه: ماذا تشتهي؟ قال: يشتهي بيتاً خالي، وإسناداً عالي، والله المستعان، هذه أمنيته. "فإذا استوعب -هذه العوالي التي في بلده- ذلك انتقل إلى أقرب البلاد إليه، أو إلى أعلى ما يوجد من البلدان، وهو الرحلة"، الرحلة في طلب الحديث، والرحلة مطلوبة، وسافر، رحل بعض الصحابة من أجل حديث واحد، نعم. طالب:. . . . . . . . . والله إني الآن أظن فيه واحد أو اثنين، المقصود أنه .. ، الآن ما يحضرني شيء، لكن يغلب على ظني أنه فيه اثنين أو شيء من هذا، أو واحد. "قال إبراهيم بن أدهم -رحمة الله عليه-: إن الله ليدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث" ما الذي جعلهم ينتقلون من بلادهم إلى بلادٍ أخرى بعيدة؟ والرحلة ليست بالأمر المتيسر بطائرة لمدة ساعة أو ساعتين، أو سيارة يوم أو يومين، لا، شهر من أجل حديث واحد كما في الصحيح، شهر كامل من أجل حديثٍ واحد، من الذي ارتحل؟ طالب:. . . . . . . . . لا. طالب:. . . . . . . . . جابر إلى؟ طالب:. . . . . . . . . عبد الله بن أنيس، نعم، مدة شهر كامل من أجل حديثٍ واحد، هذا الأمر مع الإخلاص، من أجل حفظ الدين وحفظ هذا الحديث للأمة له وقع عند الله -سبحانه وتعالى-، بهذا يسقط واجب من واجبات الدين.

على كل حال الرحلة أمرٌ مطلوب للحاجة؛ لأن الرحلة لذاتها ليست مقصودة، بل إذا انتقل الإنسان إلى البلدان من أجل المكاثرة في الشيوخ، أو من أجل أن يقول: انتقل ورحل وفعل، هذا قدح وليس بمدح. "قالوا: وينبغي له أن يستعمل ما يمكنه من فضائل الأعمال الواردة في الأحاديث" نعم؛ لأن الفائدة من العلم العمل، ما الذي يستفيده الطالب إذا جمع ألوف مؤلفة من الأحاديث وهو لا يعمل؟ لا يستفيد شيئاً؛ لأن الفائدة من العلم هو العمل، "كان بشر بن الحارث -الحافي- يقول: يا أصحاب الحديث أدوا زكاة الحديث، من كل مائتي حديث خمسة أحاديث" يعني اعملوا من كل مائتي حديث خمسة أحاديث، اعملوا بخمسة تكونوا أديتم الزكاة، وهذا في الأحاديث المتداخلة، أما تعمل بخمسة وتترك مائة وخمسة وتسعين بدون عمل، العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر، لا قيمة له، هم يحفظون ألوف مؤلفة من الأحاديث بطرقها، فإذا أدوا زكاتها وعملوا بالخمس، عملوا بأحكام الشريعة كلها. "وقال عمرو بن قيسٍ الملائي: إذا بلغك شيءٌ من الخير فاعمل به -بادر إلى العمل به- ولو مرة، تكن من أهله" هذا في غير الواجبات، وكلما أكثرت كان الله في الثواب أكثر. "قال وكيع: وإذا أردت حفظ الحديث فاعمل به" يعني أدعية الاستفتاح لولا أنها مما يستعمل لصعب حفظها، التشهد وغير ذلك من الأذكار لولا أنها يعمل بها لصعب حفظها، ولذا لا تجد عند من لا يعمل من العلم إلا الشيء القليل؛ لأن العلم النظري ما يثبت، لكن إذا طبق وعمل به ثبت "إذا أردت حفظ الحديث فاعمل به". قال: "ولا يطول على الشيخ في السماع حتى يضجره" يأتي ليعرض على الشيخ فيقرأ عليه، يقرأ، يقرأ، إذا قال الشيخ: بركة، قال: لا، بعد شوي، شوي شوي. . . . . . . . .، لا تضجره، ما يدريك عن ظرف الشيخ.

يقول: "ولا يطول على الشيخ في السماع حتى يضجره، قال الزهري، إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب"، وإذا كان هذا في مجلس الحديث فالمجالس الأخرى من باب أولى، كان للشيطان فيه نصيب، فما بالكم بالمجالس .. ، مجالس القيل والقال، التي تطول بين عموم الناس على مختلف مستوياتهم، من طلاب علم وعامة، كثيرٌ منهم يجلس الساعات لا يخرج بفائدة، هذا السلامة منه شبه مستحيلة، والله المستعان. "وليفد غيره من الطلبة ولا يكتم شيئاً من العلم، فقد جاء الزجر عن ذلك"، استفاد فائدة وعلقها عن الشيخ فاتت غيره من الطلاب يطلع إخوانه عليها، وهذا مما يؤسف له، لا سيما في الدراسة النظامية قليل عند الطلاب، تجد الطلاب الذي يقف على فائدة يظن أنها موضع سؤال، فهم من المدرس أنه معتني بهذه الفائدة يندر أن يوجد من يبثها بين إخوانه، والله المستعان، فعلى طالب العلم أن يحرص على إشاعة هذا العلم، ولا يكتم شيئاً منه؛ لأن من سئل عن شيء من هذا العلم فكتمه ألجم بلجام من نار، نسأل الله العافية. قال: "ولا يستنكف أن يكتب عمن هو دونه في الرواية والدراية، قال وكيع: لا ينبل الرجل حتى يكتب عمن هو فوقه، ومن هو مثله، ومن هو دونه" سواءً كان في السن أو في التحصيل، إذا لمست من نفسك أنك فقت فلان من الناس هل معنى هذا أنك تقدمت عليه من كل وجه؟ لا، قد يكون عنده ما ليس عندك، وإن كنت في الواقع حصلت من العلم أكثر منه، لا يلزم، وفي الأنهار ما ليس في البحار، فيحاول الشخص ويبذل جهده أن يستفيد من كل أحد، سواءً كان فوقه هذا هو الأصل، يستفيد من شيوخه بقدر الإمكان، أو مثله من زملائه وأقرانه، أو من هو دونه، وكم من فائدة أفادنا بها الطلاب، والمعلم يستفيد من الطلاب غالباً أكثر مما يستفيد. . . . . . . . .، وهذا هو الواقع. ذهب العلماء الذين علمهم في صدورهم، الذين يحفظون، ويفهمون الفهم المناسب، يحفظون الألوف المؤلفة من النصوص. . . . . . . . .، تجد عند كثيرٍ من الطلاب ما ليس عند هذا الشيخ الذي تصدر، لكن لما فاقهم بسنه وتقدم عليهم بطلبه العلم، وظنوا به الخير فجلسوا عنده، وهو في الغالب يستفيد منهم أكثر مما يستفيدون منه، وهذا هو والواقع، والله المستعان.

"قال ابن الصلاح: وليس بموفق من ضيع شيئاً من وقته في الاستكثار من الشيوخ" تجده ينتقل في البلدان وفي البلدة الواحدة من شيخ إلى شيخ علشان إذا كتب ثَبْتاً بشيوخه أثبت عدداً كبيراً من أهل العلم، قرأ على فلان وفلان وفلان وفلان، يسمع أن البخاري كتب عن أكثر من ألف شيخ، وفلان عن ألف وألف وزيادة والدارقطني ويسمع عن الطبراني وغيرهم ممن كتبوا أعداد كبيرة من الشيوخ، يستكثر من الشيوخ، وهذا ظاهر فيمن يتتبع الإجازات، تجد بعض الإخوان يضيع من الوقت الشيء الكثير والنفيس الثمين من أجل أن يحصل على إجازة من فلان وعلان، ويضيع عليه ذلك الحفظ والفهم والعلم والعمل. نعم إن تيسر له شيئاً من ذلك ومن غير تعب، ومن غير أن يكون على حساب التحصيل لا بأس؛ لأن الإبقاء على سلسلة الإسناد من خصائص هذه الأمة، فينبغي المحافظة عليها، لكن الإكثار منها وتضييع الوقت من أجلها، أو الانتقال من شيخ إلى شيخ ليقول: إني قرأت على فلان وفلان وفلان، وحضرت فلان وفلان هذه حقيقةٌ مُرَّة إن كان هذا هو الهدف، والله المستعان. "وليس بموفق -يقوله ابن الصلاح- من ضيع شيئاً من وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد الكثرة وصيتها، قال: وليس من ذلك قول أبي حاتم الرازي: إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش"، إذا كتبت اكتب عن كل أحد، واكتب كل شيء، كل ما تسمعه قيده، لكن إذا حدثت، يعني في التحمل تحمل كل شيء سهل هذا ما فيه إشكال، لكن إذا حدثت وأردت أن تبلغ علمك إلى الآخرين ففتش، تخير من هذه العلوم التي جمعتها الأنفع للناس، والأصح منها.

"قال ابن الصلاح: ثم لا ينبغي لطالب الحديث أن يقتصر على مجرد سماعه وكتبه من غير فهمه ومعرفته"، هذا كثر في المحدثين بعد عصور الرواية الاقتصار على مجرد سماع الحديث وكتابته من غير فهمه والاستنباط منه، الذي هو الفائدة العملية من معرفة هذه النصوص، "فيكون قد أتعب نفسه، ولم يظفر بطائل"، بعض الناس يحرص على الكثرة، لكن إذا نظرت إلى ما في حفظه وما يستعمله من هذا المحفوظ وجدت الشيء اليسير، وما يفهمه من هذا المحفوظ وجدت الشيء القليل، ونظير هذا من يبتلى بداء المكاثرة، والتكاثر في جمع الكتب، تجد عنده ألوف مؤلفة من الكتب، لكن ماذا قرأ؟ إذا تسأله ماذا قرأ؟ ما يدري، ما يجيب؛ لأنه ما قرأ شيء، هذا مع الأسف الشديد واقع كثير من طلاب العلم، يجمعون الكتب؛ لأنها تيسرت الأسباب، ثم ماذا قرأ؟ لا شيء بخلاف السابقين، تجد عندهم من الكتب الشيء اليسير تفسيرين أو ثلاثة، وكتب السنة الأمهات، ومن كل مذهب كتاب معتمد، وكتاب في اللغة أو اثنين، وكتب العقائد المهمة وهكذا، يعني إن تعدى ذلك أخذ من التواريخ أصحها، والأدب أعفه، ويستفيد من هذه الكتب الفائدة المطلوبة، بينما الآن تجد طالب العلم عنده مائة تفسير، وشروح كتب السنة كلها، كتب المذاهب على اختلافها وتنوعها، مذاهب أهل السنة، بل المبتدعة أيضاً، ويجمع من الكتب ما لا يسمح له وقته بمعرفة أسمائها، وكثرة هذه التصانيف لا شك أنها مشغلة عن التحصيل، والواقع يشهد بذلك، ونحن ممن يعاني من هذا، أنا أعاني من كثرة الكتب، وهي مشغلة بلا شك، والله المستعان. فأنصح طلاب العلم أن لا يقتنوا من الكتب إلا ما يحتاجون إليه، يعني شيوخنا عندهم تجد دالوب أو دالوبين فيه مائة أو مائة وخمسين مجلد، تجد هذه الكتب قرئت مراراً، وعلق عليها، وعرفوا ما فيها، لكن مع الكثرة الكاثرة ينشغل الإنسان بأمور -والله المستعان- هو في غنية عنها، والله المستعان. طالب: هناك من يقول: إن شراء الكتب عبادة. شراء الكتب بالنية الصالحة، الكتب التي ينوي بها أن يستفيد منها الفائدة المرجوة، لكن ويش تظن في شخصٍ يشري من كل كتاب عشر نسخ، خمس نسخ، أربع نسخ، ثلاث، أكثر أقل؟ نعم إيش يتصور من هذا؟ ليستفيد؟ الله المستعان.

طالب:. . . . . . . . . نعم إذا كان هناك مقصد حسن لا بأس، تفاوت الطبعات أو تعدد أماكن بالنسبة له في مكان نسخة، وأموره ميسورة لا بأس، إذا كان هناك هدف ومقصد حسن لا بأس، والله المستعان. طالب: أيضاً -عفا الله عنك- بالنسبة لطلبة العلم اللي يجمعون كمية من الكتب ليس المقصد قراءة الكتب كلها وإنما قراءة الأصول والسنن ... المراجعة، المراجعة يقصدون منها المراجعة، يشتري كتابين، ثلاثة في اللغة يراجع بها لا بأس. طالب: للبحث والمراجعة .. يراجع، قد لا يجد حاجته وبغيته في هذا الكتاب ينتقل إلى الآخر، على كل حال مثل ما ذكرنا كل شيء له ضريبة، الكثرة لها ضريبة، والله المستعان. "فيكون قد أتعب نفسه، ولم يظفر بطائل، ثم حث -يعني ابن الصلاح- على سماع الكتب المفيدة من المسانيد والسنن وغيرها" يعتني بكتب السنة، طالب العلم عليه أن يعتني بكتاب الله -عز وجل- أولاً، ويحفظه، أو يحفظ ما تيسر له، ويديم النظر فيه، ويتلوه، ويكون ديدنه القرآن بالتدبر على الوجه المأمور به، ويطالع عليه التفاسير الموثوقة عن أهل العلم ليفهمه، وتعينه هذه المطالعة على التدبر والفهم والاستنباط، ويعتني بعد ذلك بالسنة التي هي المصدر الثاني بعد القرآن فيعتني بالصحيحين، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وموطأ مالك، ومسند أحمد، يعتني بهذه الكتب، وإن أضاف إليها البيهقي فقد أحسن، والعمر لا يستوعب كل الكتب، لكن إذا اعتنى بالكتب الستة أو السبعة أو هذه الكتب الثمانية يحصل على خيرٍ عظيم، ولا نقول ما يقوله بعضهم: إن السنة يكفي منها الصحيحان، فكم من حديث صحيح في السنن، كم من حديث صحيح في المسند لم يخرجه البخاري ولا مسلم، فلا غنية عن بقية الكتب، لكن لتكن العناية بالصحيحين ثم بالسنن ثم بالمسانيد وهكذا، ويعتني بما يعينه على فهم هذه الكتب من الشروح الموثوقة عند أهل العلم، المعتمدة المطروقة التي تحل له خفايا هذه المتون، وتعينه على الاستنباط فيقرأ في بداية الطلب على كل كتاب شرح أو شرحين، ثم بعد ذلك تكن له ملكة بواسطتها يفهم ما يعرض له من المتون من دون مراجعة شروح، والله المستعان، نعم.

النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل:

النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل: النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل، ولما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة وذلك أنه ليس أمة من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيها إسناداً متصلاً غير هذه الأمة؛ فلهذا كان طلب الإسناد العالي مرغباً فيه, كما قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-: الإسناد العالي سنة عمن سلف، وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيت خالي، وإسناد عالي. ولهذا تداعت رغبات كثير من الأئمة النقاد والجهابذة الحفاظ إلى الرحلة إلى أقطار البلاد؛ طلباً لعلو الإسناد, وإن كان قد منع من جواز الرحلة بعض الجهلة من العباد، فيما حكاه الرامهرمزي في كتابه: (الفاصل). ثم إن علو الإسناد أبعد من الخطأ والعلة من نزوله، وقال بعض المتكلمين: كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر فيكون الأجر على قدر المشقة, وهذا لا يقابل ما ذكرناه، والله أعلم. وأشرف أنواع العلو ما كان قريباً إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما العلو بقربه إلى إمامٍ حافظ أو مصنفٍ أو بتقدمِ السماع فتلك أمورٌ نسبية، وقد تكلم الشيخ أبو عمروٍ هاهنا عن الموافقة: وهي انتهاء الإسناد إلى شيخ مسلم مثلاً، والبدل: وهو انتهاؤه إلى شيخ شيخه أو مثل شيخه، والمساواة: وهي أن تساوي في إسنادك الحديث لمصنف، والمصافحة: وهي عبارةٌ عن نزولك عنه بدرجة حتى كأنه صافحك به وسمعته منه، وهذه الفنون توجد كثيراً في كلام الخطيب البغدادي ومن نحا نحوه. وقد صنف الحافظ ابن عساكر في ذلك مجلدات، وعندي أنه نوعٌ قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون. فأما من قال: إن العالي من الإسناد ما صح سنده وإن كثرت رجاله فهذا اصطلاح خاص، وماذا يقول هذا القائل فيما إذا صح الإسنادان لكن هذا أقرب رجالاً؟ وهذا القول محكيٌ عن الوزير نظام الملك، وعن الحافظ السلفي.

وأما النزول فهو ضد العلو، وهو مفضولٌ بالنسبة إلى العلو، اللهم إلا أن يكون رجال الإسناد النازل أجلَّ من رجال الإسناد العالي، وإن كان الجميع ثقات، كما قال وكيعٌ لأصحابه: أيما أحب إليكم: الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود؟ أو سفيان عن منصورٍ عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود؟ فقالوا: الأول، فقال: الأعمش عن أبي وائل شيخٌ عن شيخٍ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود فقيه عن فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء أحب إلينا مما يتداوله الشيوخ. يقول -رحمه الله تعالى-: "النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل" وعرفنا المراد بالعلو والنزول، المراد بالعلو قلة الوسائط بين الراوي وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنزول يراد به كثرة الوسائط، كثرة الرواة بين الراوي وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول -رحمه الله-: "ولما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة، وذلك أنه ليس أمة من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيها إسناداً متصلاً غير هذه الأمة" قرر ابن حزم في (الفصل) أن اليهود والنصارى فضلاً عن غيرهم ممن تقدمت بهم العهود والقرون لا يستطيعون أن يثبتوا خبراً واحداً عن أنبيائهم بالسند المتصل، بل هذا الأمر من خصائص هذه الأمة، هي التي ضُمن لدينها البقاء إلى قيام الساعة، فاحتيج إلى مثل هذه الخصيصة تبعاً لحفظ الدين، والله المستعان. يقول: "فلهذا كان طلب الإسناد العالي مرغباً فيه" لا شك أن الإسناد العالي مرغوب عند أئمة الحديث، وذلكم أنه كلما قلت الوسائط قلَّ احتمال الخلل في الإسناد، الإسناد بين الراوي وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة احتمال الخطأ والوهم والسهو والغلط فيه أقل من الاحتمال فيما لو كان الإسناد خمسة مثلاً أو ستة؛ لأنه ما من راوي من الرواة وإلا ويحتمل أنه وقع فيه، أو وقع له شيء من ذلك، وإذا كان الأمر كذلك كان الإسناد العالي أرغب من الإسناد النازل. "كما قال الإمام أحمد بن حنبل: الإسناد العالي سنةٌ عمن سلف، وقيل لحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيتٌ خالي، وإسنادٌ عالي" بيتٌ خالي إيش يستفيد من البيت الخالي؟ طالب:. . . . . . . . .

يتفرغ ويخلو بربه، ويأنس به، ويتلذذ بمناجاته، الآن واقع كثير من الناس يستوحش من البيت الخالي، بل لو كان. . . . . . . . . العدد الذي يسكن هذا البيت شيء يسير طلب الزيادة، نادوا آل فلان يكثرون، هذا واقع كثير من الناس يردون الصوت، ولو قيل: هلمَّ يا فلان نجلس إحنا وإياك ساعة نستذكر أو نفهم، يقول بلسانه، بلهجته نتقابل كأننا جن، نعم، المشكلة أنه ما روضت النفوس على التلذذ بمناجاة الله، ما روضت على هذا، ولذا تجد الإنسان يندر أن يجلس في بيت بعد خروج أهله منه، يطلع على ما يقولون: يوسع صدره، والله المستعان. والعمر قصير ينبغي للمسلم على وجه الخصوص طالب العلم أن يعتني بهذه الأنفاس، وهذه الأوقات التي هي في الحقيقة هو، هي عمره، الدقائق التي يعيشها والساعات هي عمره، وعمر الإنسان نفسه، هو في كل ساعة ينقص، ينقص وهو يسير إلى الدار الآخرة، فعليه أن يغتنم هذه الأنفاس، وهذه الأوقات، وهذه الساعات. ومن سار نحو الدار -يقول ابن عبد القوي -رحمه الله- ستين حجةً ... فقد حان منه الملتقى وكأن قدي تصور شخص ستين سنة يقطع الفيافي أو خمسين سنة يصل، إلى متى؟ والله المستعان. يقول: "ولهذا تداعت رغبات كثيرٍ من الأئمة النقاد، والجهابذة الحفاظ إلى الرحلة إلى أقطار البلاد"، يُرجل إلى من تميز في هذا الشأن في الرواية والدراية، كثيراً ما يُذكر في ترجمة فلان من الناس من العلماء الكبار أنه رُحلة، إيش معنى رُحلة؟ يعني يُرحل إليه، والذهبي في صدر التراجم في السير إذا أراد أن يصف: هو الإمام المحدث الكذا الجوال، إيش معنى الجوال؟ نعم، الذي يرحل، يجول في البلدان. طالب:. . . . . . . . . نعم يرحل في البلدان من أجل طلب الحديث.

"طلباً لعلو الإسناد، وإن كان قد منع من جواز الرحلة بعض الجهلة من بعض العباد فيما حكاه الرامهرمزي في كتابه: (الفاصل) "، المحدث الفاصل –معروف- بين الراوي والواعي، منع بعض الجهال من العباد، يقول: تسافر شهر كامل، ما تيسر لك تتعبد على الوجه المطلوب، من أجل حديث أو أحاديث في هذا الشهر، كم تقرأ من القرآن من مرة، وكم تصلي لله من ركعة، وكم تقوم لله من ليلة في هذا الشهر، وأنت بهذا السفر يضيع عليك أمور كثيرة، هذه نظرتهم، والموفق يستعمل هذه الأشياء، وهو يرحل وينتقل من بلد إلى بلد، ما الذي يرده؟ وما الذي يصده عن قراءة القرآن؟ نعم وقد تتجه همته ورغبته وعنايته إلى ما هو بصدده، يعني يعجب الإنسان إذا قرأ في ترجمة شخص من أهل الحديث أنه التقى في الحج بفلان وفلان، وسمع عليه أحاديث أو سمع عليه كتاب كامل في أربعة أيام، خمسة أيام ليل ونهار يقرأه، نقول: أين هذا؟ قد يقول قائل: من هذا النوع الذين أشار إليهم الحافظ ابن كثير يقول: شخص جاء إلى البلاد المقدسة يصرف هذه الأيام، وهذه الأوقات في المسامرة مع فلان ومع علان، أو يقرأ عليه كتاب، لماذا لا يستغل هذا الوقت بالعبادة الخاصة؟ يعني نفترض شخص معه صحيح البخاري في هذه الأزمان، معه صحيح البخاري، يذهب إلى مكة لشخص عنده إسناد عالي بينه وبين البخاري، فيقرأ عليه البخاري في مدة عشرة أيام، عشرين يوم ليل نهار، ولا يستغل الأوقات لا في صلاة ولا في طواف، ولا في تلاوة، وهو عنده البخاري يمكن أن يقرأ في بلده، ويستغل الوقت في هذا المكان الفاضل بالعبادات الخاصة المضاعفة، نقول: لماذا لا يفعل هذا؟ أو نقول: طلب العلم أفضل؟ هو عنده البخاري يعرف يقرأ ويستنبط، والشيخ مجرد إسماع وليس منه أي تعليق على الكتاب، ماذا نقول؟ نقول: اقرأ القرآن، اختم بدل ما تقرأ البخاري على هذا الشيخ، في عشرة أيام، اقرأ القرآن ثلاث مرات، وصلِ كذا ركعة، وطف كذا أسبوع، واترك البخاري إذا رجعت إلى بلدك، أو خله معك، لكن لا تنفق عليه الوقت كله، ولأن المسألة مسألة قراءة، والقراءة البخاري ليس متعبداً بتلاوته كالقرآن، ها؟ طالب:. . . . . . . . .

في تراجم الأئمة الحافظ ابن حجر وغيره الحافظ العراقي التقوا بعلماء في بلاد الحرمين وقرأوا عليهم كتب، وقٌرئت عليهم كتب، فرص يمكن لا يجد هذا العالم غير هذه المرة، وكم من فائدة تحصل من خلال هذه القراءة، نعم. طالب:. . . . . . . . . نقول: إن كان مع هذه القراءة يحصل له قدر زائد من الفوائد، ولا شك أن لقاء الشيوخ فيه فوائد، وكم من فائدة دونت في الرحلات التي يكتبها أهل العلم، لا سيما أهل العلم الشرعي، فيها فوائد في هذه الرحلات، كم من فائدة نفيسة عزيزة في رحلة ابن رشيد: (ملئ العيبة، بما جمع بطول الغيبة، في الوجهة الشريفة إلى مكة وطيبة" حينما سافر إلى بلاد الحرمين جمع، والكتاب في أكثر من خمسة مجلدات، مملوء مشحون بالفوائد سببه لقاء الشيوخ، هذه الفوائد المتعدية لا شك أنها أفضل، والعناية بها أهم من العبادات الخاصة، لكن إذا افترضنا أن شيخ من العوام عنده إسناد عالي في البخاري تذهب إلى تلك الأماكن المقدسة فتشغل نفسك الشهر الكامل تقرأ البخاري، ولا يعلق بكلمة نقول: لا، اغتنم وقتك في العبادات الخاصة نعم، فالأمور تقدر بقدرها. "ثم إن علو الإسناد أبعد من الخطأ والعلة من نزوله" نعم، مثل ما ذكرنا أن سبب اهتمام أهل العلم بالعلو قلة الوسائط، والنزول مرغوب عنه لكثرة الوسائط بين الراوي وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قلت هذه الوسائط قلّ احتمال الخطأ؛ لأنه ما من واسطة، ما من راوي إلا ويحتمل أنه أخطأ، فإذا كثر الرواة كثر احتمال الخطأ، وإذا قلّ الرواة قلّ احتمال الخطأ. "وقال بعض المتكلمين" ما أدري ما الذي يقحمهم في مثل هذه العلوم؟ يعني سبق أن بعض المتكلمين قال: لا يوجد حديث موضوع، كيف لا يوجد حديث موضوع؟ كتب الموضوعات مملوءة، في هذا الكتاب تقدم، لا يوجد حديث موضوع، فقيل له: ما رأيك بحديث: ((سيكذب علي))؟ إيش رأيه؟ صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ إيش بيقول هو؟ ما في إلا صحيح أو غير صحيح؟ فإن قال: صحيح بطلت حجته بالحديث، وإن قال: ليس بصحيح بطلت حجته بالرد العملي، هاه ما دام ما هو بصحيح سيكذب علي، والله المستعان، فالمتكلمون يقحمون أنفسهم في هذه الأمور وليسوا منها من قبيلٍ ولا دبير.

"قال بعض المتكلمين: كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر" يقول: بدل من أن تنظر في حديث إسناده ثلاثي تنظر في تراجم هؤلاء الرواة، كل واحد بخمس دقائق تبي لك ربع ساعة لتنتهي من هؤلاء الثلاثة بربع ساعة، لكن لو كان تساعي تحتاج إلى ثلاثة أرباع الساعة، ثلاثة أضعاف من الوقت والأجر على قدر النصب، وأنت تعبت ثلاثة أرباع ساعة أفضل من أن تتعب ربع ساعة، لكن هذا كلام من لا يفقه من هذا العلم شيء، ولا يعرف أن المشقة ليست مطلوبة لذاتها، فإذا ثبتت تبعاً للعبادة أجر المسلم عليها، أما لذاتها يريد أن يشق على نفسه لذات المشقة فلا. لو كان منزله بعيداً عن المسجد كتب له أجر هذه الخطوات، لكن لو كان المسجد قريب منه، بيته قريب من المسجد، قال: بدلاً من أن أخطو عشرين خطوة إلى المسجد، أروح أدور على الحارة، أخطو ألف خطوة، نقول: ما لك أجر، ليس لك من الأجر شيء؛ لأن تعبك هذا وخطواتك ليست للعبادة؛ لأن هذا المشي لا يقصد لذاته هو تابع للعبادة، لو قال: أنا أحج بدلاً من أن أذهب من الطريق المستقيم ثمانمائة كيلو أروح أقصى الشرق ثم أقصى الشمال، ثم آتي إلى الغربية في خمسة آلاف كيلو، نقول: لا، ما لك أجر، نعم الأجر على قدر النصب، إذا كان هذا النصب مما تتطلبه العبادة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد. "فيكون الأجر على قدر المشقة، وهذا لا يقابل ما ذكرنا، والله أعلم" ما في شك أن النظر في هذا الباب إلى الصحة والضعف والتعب لا دخل له في هذا الباب، ولا في هذا الشأن.

يقول: "وأشرف أنواع العلو ما كان قريباً إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأنهم يقسمون العلو: العلو المطلق، وهو ما كان القرب فيه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ظاهر، تقل الوسائط بينه وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهناك علو نسبي، كالقرب من مصنف، أو القرب من كتابٍ مشهور من الكتب، يعني أنت تروي صحيح البخاري بوسائط عدتها في الغالب عشرين بينك وبين البخاري غالباً، لكن لو وجدت إسناد يكون بينك وبين البخاري خمسة عشر هذا علو؛ لأنك قربت من إمام وهو البخاري، كما أنك قربت من مصنف، لكن هل حقيقة الأمر .. ؟ الحديث استفاد من قربك وبعدك؟ استفاد؟ ما استفاد شيء، فهو علوٌ نسبي، القرب من النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأكمل، وهو الأولى من أنواع العلو. يقول: "وقد تكلم الشيخ أبو عمرو -يعني ابن الصلاح- هاهنا على الموافقة، وهي انتهاء الإسناد إلى شيخ مسلم" أو شيخ البخاري، يعني نفترض أنك شخص عشتَ في القرن الرابع مثلاً، واستطعت أن تصل إلى حديث رواه البخاري عن شيخه محمد بن بشار، أو رواه مسلم عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة، فصار بينك وبين ابن أبي شيبة أو محمد بن بشار ...

شرح اختصار علوم الحديث (14)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (14) شرح النوع الثلاثون: معرفة المشهور، والنوع الحادي والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز، والنوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث، والنوع الثالث والثلاثون: معرفة المسلسل، والنوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه، والنوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متناً وإسناداً، والنوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير يعني نفترض أنك شخص عشتَ في القرن الرابع مثلاً، واستطعت أن تصل إلى حديث رواه البخاري عن شيخه محمد بن بشار، أو رواه مسلم عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة فصار بينك وبين ابن أبي شيبة أو محمد بن بشار راوي واحد، فتكون كأنك إيش؟ وافقت البخاري في روايته عن شيخه، نعم، والبدل: هو انتهائه إلى شيخ شيخه اطلع فوق، يعني وصل إسنادك إلى غُندر شيخ محمد بن بشار محمد بن جعفر هذا بدل، والمساواة: أن تساوي في إسنادك الحديث لمصنف، البخاري يروي حديث: ((ويلٌ للعرب، من شرٍ قد اقترب)) من طريق تسعة، والحافظ العراقي بعده بخمسة قرون ونصف يروي بعض الأحاديث بواسطة تسعة، نقول: هذه مساواة للبخاري، وهي فيها علو شديد بالنسبة لمن؟ للحافظ العراقي، وفيها نزول شديد بالنسبة للإمام البخاري، والمصافحة: وهي عبارة عن نزولك عنه بدرجة حتى كأنه صافحك به وسمعته منه، يعني إذا ساويت في إسنادك تلميذ البخاري أو تلميذ مسلم فصرت بمنزلة التلميذ لأحدهما، فكأنك صافحت الإمام البخاري، أو صافحت الإمام مسلم؛ لأن المعتاد أن التلميذ يصافح شيخه. "وهذه الفنون توجد كثيراً في كلام الخطيب البغدادي ومن نحا نحوه، وقد صنف الحافظ بن عساكر في ذلك مجلدات -في العوالي والنوازل- وعندي أنه نوعٌ قليل الجدوى بالنسبة لبقية الفنون" يعني كونك تصل إلى مصنف مشهور من دواوين الإسلام بإسناد أقل، برجالٍ أقل تحرص على هذا العلو، لكن قليل الجدوى؛ لأن الحديث ما دام دون في هذا الكتاب المعتبر، والمعتمد عند أهل العلم لا يستفيد بقربك منه، ولا ببعدك منه، لا علو ولا نزول حقيقي، والله المستعان. طالب:. . . . . . . . . الموافقة والبدل والمساواة.

ويش يصير؟ أنت في الموافقة تنتهي إلى شيخ مسلم، توافق مسلم في الرواية عن أبي بكر بن أبي شيبة نعم، البدل تنتهي إلى شيخ شيخه كأنك أبدلت الشيخ بغيره نعم، المساواة: تساوي في إسنادك بغض النظر عن إسناده في العدد، والمصافحة: تكون مساوياً أو تصل إلى تلميذ الشيخ ومن عادة التلميذ أن يصافح الشيخ، ومثل ما قال الحافظ ابن كثير: "نوعٌ قليل الجدوى بالنسبة .. " يعني هل تظن أن العلو والنزول من أنواع علوم الحديث مثل المعلّ؟ إيش بين هذا وهذا من فرق؟ طالب: شاسع. شاسع، يعني بينهما مفاوز، هذا أعظم الأنواع وهذا قليل الجدوى، "فأما من قال: إن العالي من الإسناد ما صح سنده وإن كثرت رجاله" لا شك أنه علو، عالي وهو في الوقت نفسه غالي إذا صح السند هذا هو المطلوب، وإن كثرت الرجال لكنه اصطلاح خاص، أهل العلم إذا أطلقوا العالي والنازل فيريدون به قلة رجال الإسناد. "وماذا يقول هذا القائل فيما إذا صح الإسنادان" صح كثير الوسائط، وصح قليل الوسائط كلاهما عالي؟ ماذا يقول الذي يقول: إن العالي ما صح سنده؟ لو صح سند النازل وصح سند العالي؟ صح الثلاثي وصح التساعي؟ كلاهما عالي؟ لا يستطيع أن يقول: إن كلاً منهما عالي. يقول: "وهذا القول محكي عن الوزير نظام الملك وعن الحافظ السلفي" الحافظ أبي طاهر السلفي معروف إمام محدث رحال جوال جمع وروى عن عددٍ كبير من الشيوخ. يقول: "وأما النزول فهو ضد العلو" ما كان من نوع من أنواع العلو إلا وفي مقابله نوعٌ من أنواع النزول، "وهو مفضولٌ بالنسبة إلى العلو، اللهم إلا أن يكون رجال الإسناد النازل أجل من رجال الإسناد العالي"، يعني إذا قدر أن الحديث روي بإسناد عالي وفيهم المتكلم فيه، بينما حديث آخر روي بإسنادٍ نازل ورواته كلهم ثقات لا شك أن هذا أرجح.

النوع الثلاثون: معرفة المشهور:

"وإن كان الجميع ثقات" هؤلاء ثقات وهؤلاء ثقات، لكن رجال الإسناد النازل أوثق من رجال الإسناد العالي حينئذٍ يرجح النازل على العالي، "كما قال وكيعٌ لأصحابه: أيما أحب إليكم: الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود؟ " ثقات "أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود؟ " هذا نازل، الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود كم؟ ثلاثي، الثاني: سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود خماسي، الأول أعلى، والثاني أغلى، لماذا؟ لأن "الأعمش عن أبي وائل شيخ عن شيخ" أهل حديث، أهل رواية، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود هؤلاء أهل دراية، فقيهٌ عن فقيهٍ عن فقيه. يقول: "وحديثٌ يتداوله الفقهاء أحب إلينا من حديثٍ يتداوله الشيوخ" وليست هذه الكلمة على إطلاقها؛ لأن الغالب أن الضبط والإتقان عند أهل الحديث، لكن إذا اجتمع مع الحديث فقه ونظر، يعني مع الأسف فقه ونظر لا شك أن ما يرويه الفقيه أولى بالاعتماد مما يرويه المحدث الصرف إذا اشتركا في الضبط والحفظ والإتقان؛ لأن الفقيه مع نظره إلى ثبوت الإسناد ينظر أيضاً في المتن من حيث المخالفة وعدمها، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. النوع الثلاثون: معرفة المشهور: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين. قال الإمام الحافظ ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-: النوع الثلاثون: معرفة المشهور، والشهرة أمر نسبي, فقد يشتهر عند أهل الحديث أو يتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية، ثم قد يكون المشهور متواتراً أو مستفيضاً وهو ما زاد نقلته على ثلاثة. وعن القاضي الماوردي: أن المستفيض أقوى من المتواتر، وهذا اصطلاح منه، وقد يكون المشهور صحيحاً كحديث: (الأعمال بالنيات)، وحسناً، وقد يشتهر بين الناس أحاديث لا أصل لها، أو هي موضوعة بالكلية، وهذا كثير جداً.

ومن نظر في كتاب الموضوعات لأبي الفرج بن الجوزي عرف ذلك, وقد روي عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أنه قال: أربعة أحاديث تدور بين الناس في الأسواق لا أصل لها: "من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة"، و"من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة"، و"نحركم يوم صومكم"، و"للسائل حق وإن جاء على فرس". الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "النوع الثلاثون: معرفة المشهور"، يقول: "والشهرة أمرٌ نسبي" المشهور اسم مفعول من الشهرة، "فقد يشتهر .. " "الشهرة أمرٌ نسبي، فقد يشتهر" المشهور المعروف الواضح، ومنه سمي الشهر لوضوحه واشتهاره بين الناس، والشهرة أمرٌ نسبي، يعني أن هذا الأمر قد يكون مشتهراً مشهوراً لقومٍ، خفياً غامضاً عند آخرين، وهذا واضح بغض النظر عن كونه مشهور من الحديث أو غيره في عموم الأشياء، الشهرة أمرٌ نسبي، يشتهر عند أهل العلم ما لا يشتهر عند العامة، يشتهر عند العامة ما لا يشتهر عند الخاصة، يشتهر عند التجار ما لا يشتهر عند الفقراء، يشتهر عند الفقراء ما لا يشتهر عند الأغنياء وهكذا، فالشهرة أمرٌ نسبي في كل شيء. "فقد يشتهر عند أهل الحديث أو يتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية" حديث يتداوله الناس، ويستفيض عندهم من أهل العلم لا سيما عند أهل الحديث، وقد يكون من أهل العلم ممن له عناية بالعلوم أخرى، قد يكون ليس معروفاً عنده، أو لم يطرق سمعه البتة، وإن كان منتسباً إلى العلم، واشتهر عند أهل الحديث وتواتر عندهم أحاديث واستفاضت، وتداولها المحدثون وهي لا تعرف عند قومٍ آخرين، وإن كانوا ممن يعتني بالعلم ويعنى به، "فقد يشتهر عند أهل الحديث أو يتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية" يعني ممن يعنى بالعلوم الأخرى فضلاً عن من لا عناية له بالعلم البتة، فإن مثل هؤلاء قد تخفى عليهم الأحاديث المتواترة، حديث: ((من بنى لله بيتاً)) هذا متواتر عند أهل العلم. مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتاً واحتسب

تواتر عند أهل الحديث تواتر معنوي حديث الحوض والشفاعة، وقد تخفى على بعض الناس من المسلمين وهي متواترة، والمتواتر حكمه إفادة العلم القطعي على خلافٍ بينهم هل يفيد العلم النظري أو الضروري؟ هل يحتاج إلى نظر واستدلال أو لا يحتاج؟ المقصود أنه كما قال الحافظ -رحمه الله تعالى- هذه الأمور نسبية. "فقد يشتهر عند أهل الحديث ويتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية" قد يستفيض حديث يتداوله الأدباء وهو لا يعرف حتى عند أهل الحديث، حديث يشتهر عند الفقهاء لا يعرفه أهل الحديث، حديث يشتهر عند النحاة لا يعرفه أهل الحديث وهكذا، أهل الحديث لا يعرفونه، "ثم قد يكون المشهور متواتراً أو مستفيضاً" المشهور له حقيقة تميزه عن المتواتر، وإن كان المشهور والمستفيض عند أكثر العلماء بمعنىً واحد، لكن المتواتر له حقيقة وحد يميزه عن غيره، قد يكون المشهور مستفيضاً صحيح، والمستفيض مشهوراً صحيح، لكن قد يكون المشهور متوتراً يمكن وإلا لا؟ إلا إذا قصد به الشهرة على الألسنة، يعني الشهرة غير الاصطلاحية.

يقول: "وهو ما زاد نقلته على ثلاثة" يريد بذلك الشهرة الاصطلاحية، لكن إن زادت هذه .. ، هؤلاء النقلة زادوا على ثلاثة وبلغوا حد التواتر خرج عن كونه مشهور اصطلاحاً إلى كونه متواتراً، وإن كان مشهوراً على الألسنة شهرة غير اصطلاحية، فالمتواتر: يرويه عدد يستحيل في العادة أن يتواطئوا على الكذب عن مثلهم، وينسبوه إلى أمر محسوس، شيء محسوس، إلى أمرٍ محسوس لا معقول، لا بد أن يكون مستنده الحس، والمتواتر والمشهور والمستفيض والعزيز والغريب هذه ألفاظ اصطلاحية تداولها أهل العلم، وبينوا حقيقتها، لكن إن بحثت عنها في القرون الثلاثة المفضلة قد لا تجدها، وهكذا في جميع العلوم، جدت اصطلاحات بعد القرون المفضلة، ولا ضير في ذلك؛ لأن المقصود منها التيسير على طلاب العلم، المقصود منها التحديد والتيسير، وضبط العلوم، ولا يعني هذا أنه يتدين بهذه الألفاظ، لكنها أمور اصطلاحية، اصطلحوا على تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد، اصطلحوا على تقسيم المتواتر أيضاً إلى ضروري ونظري في إفادته، اصطلحوا على تقسيم الآحاد إلى مشهور وعزيز وغريب، ولا إشكال في ذلك -إن شاء الله تعالى-، فقد جد في كثيرٍ من العلوم أو جميع العلوم الشرعية اصطلاحات لا توجد عند الصحابة، بل ولا عند التابعين، فهل نقول: إن هذه من البدع التي ينبغي تركها أو يجب تركها؟ لا، المقصود منها التيسير والتسهيل والتقسيم. هل يعرف أبو بكر وعمر أن المياه تنقسم إلا ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس نعم؟ هل نقول: إن هذا من البدع؟ هذا تيسير وتسهيل على طلاب العلم؛ ليعرفوا هذه الحقائق، ويميزوا بينها، ويغايروا بينها، قد يقول قائل: من أين لكم أن هذه الأخبار تنقسم إلى كذا؟ ومن أين لكم أن الماء ينحصر في هذه الأقسام؟ من أين لكم أن شروط الصلاة تنحصر في تسعة؟ من أين لكم أن أركان الصلاة تنحصر في أربعة عشر؟ هاتوا أدلة على أنها محصورة في الأربعة عشر، نقول: الطريق في إثباتها الاستقراء، استقراء النصوص، الطريق في إثبات مثل هذه الأمور الاستقراء.

ولا يشك ولا يظن ظان ولا يذهب وَهْل وَاهِل أن الأخبار متفاوتة في إفادتها؟ الأخبار لا شك أنها متفاوتة، فمنها ما يلزم بقبوله بمجرد سماعه، ومنها ما يتوقف في قبوله على .. ، ويتثبت فيه، ومنها ما يرد بمجرد سماعه، فالأخبار متفاوتة، وهذا شيء يشهد به الحس والواقع أن خبر زيد من الناس ليس مثل خبر عمرو، الناس متفاوتون في قوة الضبط والحفظ والإتقان والعدالة والديانة هم يتفاوتون، وتبعاً لتفاوتهم في هذين الأمرين تتفاوت أخبارهم، أيضاً عددهم يختلف ويتفاوت، خبرٌ يحمله عشرة ما هو مثل خبر يحمله واحد، خبر يحمله مائة أو ألف ليس مثل خبر يحمله واحد أو اثنان، الاحتمال قائم في خطأ الواحد والاثنين وهو عن الجماعة أقل أو أبعد، الاحتمال أقل وروداً في خبر الجماعة، والجماعة أولى بالحفظ والضبط من الواحد، كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله-، وإذا عرفنا أن الأخبار متفاوتة فكوننا نسمي هذا النوع من هذه الأخبار بهذا الاسم، أو هذا النوع بهذا الاسم، أو جاء من يصطلح ويغير هذه الاصطلاحات ويبين، والنصوص الشرعية لا تمنع من ذلك، هذه اصطلاحات ولا مشاحاة في الاصطلاح. منهم من قال: ينبغي أن يكون خبر الثلاثة عزيز، لا يسمى مشهور، ليش؟ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [(14) سورة يس] وخبر الاثنين ليس بعزيز نسميه إيش؟ مؤزر، من أهل العلم من قال بهذا الكلام، {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} [(29) سورة طه] يعني ضم الثاني إلى الأول. يقول: والاصطلاحات كلما قربت من الإطلاقات الشرعية كانت أولى، على كل حال هي اصطلاحات، وشيخ الإسلام الذي لا يشك في إمامته في الدين، وحربه للبدع والمبتدعة يستعمل هذه الاصطلاحات، ويقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ولا يختلف مع أهل العلم في هذا، بل يمثل بأمثلته، ثم يأتي من يقول: إن هذه بدع ينبغي أن تنظف كتب المصطلح منها، حتى قال قائلهم: إن النخبة زبالة المصطلح، التي بنيت على هذه الأقسام ورتبت على هذا.

هذه دعاوى سمعناها ممن له عناية بهذا العلم ولا شك، له عناية ولا يتهم في قصده، لا نقول: إن قصده هدم العلم، أو الإساءة إلى العلم وأهله أبداً، لا نظن بهم هذا الظن، لكن ينبغي أن نعرف للناس أقدارهم، للمتقدمين أقدارهم، وللمتأخرين أقدارهم وهكذا، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم. على كل حال هذه التقاسيم لا ضير منها، ولا إشكال، ولا خطر على الدين ولا على أهله؛ لأنها مجرد اصطلاحات، والواقع والحس يشهد بأن الأخبار متفاوتة، وإذا كانت متفاوتة ينبغي أن تصنف إلى درجات، وإذا صنفت إلى درجات فلتسمى هذه الدرجات ما سميت، ولا مشاحاة في الاصطلاح، هناك نصٌ .. ، هل هنا من هذه الاصطلاحات شيء يخالف النصوص الشرعية؟ ليس في ذلك ما يخالف، نعم الحساسية تأتي عند بعضهم من رد المبتدعة لخبر الواحد، وكون خبر الواحد يفيد الظن نعم هو يفيد الظن، لكن مع كونه يفيد الظن هو موجب للعمل، إيش معنى مفيد للظن؟ هذه مسألة قررناها مراراً، وذكرناها سابقاً، لكن لا يمنع بمناسبة ذكر أول أقسام الآحاد وهو المشهور لا مانع من إعادتها. إيش معنى كون الخبر الواحد .... ؟ أولاً: ما خبر الواحد؟ خبر الواحد هو الخبر الذي ينقله العدد الذي لم يبلغوا حد التواتر، لم يبلغ العدد حد التواتر، يعني ليس مجرد سماع كلامهم ملزم بقبوله، يضطرك إلى قبوله، خبر ينقله واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، عشرة عدد محصور نقول: خبر واحد، آحاد، وهذا مجرد اصطلاح، خبر الواحد سواءً نقله واحد، أو اثنان، أو ثلاثة هو محتمل للصواب والخطأ.

الحافظ الضابط مالك بن أنس نجم السنن هل خبره ملزم بالقبول؟ بمعنى أنه معصوم من الخطأ، لا يغفل، لا يخطئ، لا يسهو، من يعرو من الخطأ والنسيان؟ ما في أحد، ليس بأحد معصوم، إذاً إذا نقل الإمام مالك خبر نقول: هذا خبر واحد، ولو جاء من طريق ثاني وثالث، لكن الاحتمال قائم، هل معنى هذا أنك تحلف على جميع ما نقله الإمام مالك؟ أو على جميع ما رواه الإمام أحمد بن حنبل؟ ما نقله إليك؟ لا تحلف على هذا، إذاً ما دام هذا الاحتمال قائم الخبر لم يصل إلى درجة العلم، إيش معنى العلم؟ الذي لا يحتمل النقيض مائة بالمائة، وما دام الاحتمال -احتمال الخطأ والسهو والنسيان- وارد هل يمكن أن نقول: إن الخبر وصل إلى مائة بالمائة؟ لا يمكن، لا بد أن ينزل بنسبة ما يتصف به هذا الناقل من الحفظ والضبط والإتقان، قد تصل النسبة في خبر بعض النقلة إلى قريب من الكمال، إلى تسعة وتسعين، وثمانية وتسعين بالمائة، بس إلا أننا لا ندعي عصمته، وحينئذٍ ما دام وجد الاحتمال فالخبر يفيد الظن، إيش معنى الظن؟ الظن هو الاحتمال الراجح، والراجح من نسبة واحد وخمسين إلى تسعة وتسعين، متفاوتة، والمرجوح من تسعة وأربعين إلى واحد؛ لأن نسبة الصفر هو الكذب الصريح، والخمسين هو الشك، يعني على حدٍ على سواء. ما دام نقول: إن خبر مالك لا يصل إلى نسبة مائة بالمائة، دعونا نوصل خبر مالك -رحمه الله تعالى- نجم السنن إلى خمسة وتسعين بالمائة، نقول: خبر واحد ويفيد الظن؛ لأن الظن هو الاحتمال المرجوح، لكن لا نلتزم بلوازم المبتدعة، خبر الواحد لا يفيد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، نعم، نقول: جاء الظن ويراد به اليقين أيضاً، يراد به الاعتقاد الجازم، {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] ولا شك أن الظنون متفاوتة، ولا نلتزم بلوازم المبتدعة؛ لأن المبتدعة يقولون: ما دام الاحتمال قائم إذاً الظن لا قيمة له، لا يغني من الحق شيئاً، وعلى هذا يردون خبر الواحد، نقول: لا، نقول: مع إفادته الظن هو موجب للعمل؛ للأدلة الكثيرة الصحيحة الصريحة.

قد يكون الخبر في القرآن فيه احتمال نقيض؟ ما في احتمال، إذاً هو قطعي، قطعي الثبوت، فالخبر المتواتر بمثابة قطعي الثبوت، لا يحتمل النقيض بمعنى أن نسبته مائة بالمائة، هل كل ما كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة؟ لا، يعني نسبة دلالة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] صلِّ على صلاة العيد نسبته؟ هل نقول: إن الآية قطعية في الدلالة فنوجب صلاة العيد كالحنفية؟ الآية وإن كانت قطعية الثبوت إنما ظنية الدلالة، ولا نقول في مثل هذا: إن الظن لا يغني من الحق شيئاً، وإلا يلزم علينا أن نقول: الظن لا يغني من الحق شيئاً ونطرح مثل هذا الكلام. على كل حال التقسيم لا ضير فيه، ولا خطر منه، ولا نلتزم بلوازم المبتدعة، هذا نوع من العلم ألزمنا بالعمل به نعمل به، ولا نعتقد عصمة أحد، العلم أو خبر الواحد الذي يفيد الظن في أصله قد يفيد العلم، متى؟ إذا احتفت به قرينة، قلنا: إن خبر مالك نسبته خمسة وتسعين بالمائة؛ لأنه الذي يغلب على ظننا إصابة الإمام مالك، طيب وجد قرينة تدعم هذا الخبر ارتفعت هذه النسبة الباقية الخمسة بالمائة ارتفعت بالقرينة، فعلى هذا ارتفع خبر مالك بالقرينة إلى مائة بالمائة فأفاد العلم، وهذا هو القول المعتمد في خبر الواحد أنه إذا احتفت به قرينة أفاد العلم، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وجمعٌ غفير من أهل العلم، وهو القول الوسط المعتمد في هذه المسألة، وعرفنا وجهه. "وعن القاضي الماوردي: أن المستفيض أقوى من المتواتر" منهم من يجعل المستفيض في مرتبة متوسطة بين المتواتر والمشهور، وعلى كل حال هذا اصطلاح، لكن الأكثر على أن المستفيض والمشهور بمعنىً واحد.

قد يكون المشهور صحيحاً كحديث: (الأعمال بالنيات) هل حديث: (الأعمال بالنيات) مشهور على الاصطلاح؟ لأنه قال قبل: "قد يكون المشهور متواتراً أو مستفيضاً، وهو ما زاد نقلته على ثلاثة" يعني قرب من الاصطلاح، الحافظ ابن كثير قرب في هذا من الاصطلاح، ونعرف أن ابن الصلاح ومن يقول بقوله يرى أن المشهور: ما زادت نقلته على ثلاثة، والعزيز: مروي اثنين أو ثلاثة، لكن مروي ثلاثة عزيز، لكن المعتمد عند ابن حجر وغيره أن مروي الثلاثة مشهور، والخلاف أقول أمره يسير، الخطب سهل، المقصود هنا يقول الحافظ: "وقد يكون المشهور صحيحاً كحديث: (الأعمال بالنيات) "، حديث: (الأعمال بالنيات) مشهور؟ هو صحيح بلا شك، لكن هل هو مشهور؟ اصطلاحاً ليس بمشهور، بل هو غريب، بل فردٌ مطلق، كما سيأتي في التمثيل للغريب، ليس بمشهور اصطلاحاً، وإن كان مشهوراً عند أهل العلم، مستفيض عند أهل العلم، متداول بينهم، مشهور في آخر طبقة، الطبقة الخامسة من طبقات الإسناد، بل لو قيل بتواتره في الطبقة الخامسة لما بعد، لكن العدد الأقل يقضي على الأكثر، كما قررنا ذلك مراراً، العدد الأقل ولو في طبقة من طبقات الإسناد تفرد به راوي خبر غريب وهكذا. قد يكون حسناً؟ نعم قد يكون المشهور حسناً، وقد يكون صحيحاً، وقد يكون ضعيفاً أيضاً، يروى من طرق وهو ضعيف، يروى من طرق لكن كلها ضعيفة، ويبقى ضعيف لا يجبر بعضها بعضاً، وهو مع ذلك مشهور، "وقد يشتهر بين الناس أحاديث لا أصل لها، أو هي موضوع بالكلية"، تداولها الناس، وهناك كتب ألفت في الحديث المشتهرة على الألسنة، وغالبها مما لا أصل له، الأحاديث التي اشتهرت على ألسنة الناس، "وهذا كثيرٌ جداً". طالب:. . . . . . . . . (المقاصد الحسنة) للسخاوي، (كشف الخفاء ومزيل الألباس) للعجلوني، (والدرر المنتثرة) وغيرها، ألفت الأحاديث المشتهرة. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، المقصود بالشهرة هنا الشهرة غير الاصطلاحية، بل المقصود بذلك الشهرة على الألسنة. يقول: "ومن نظر في كتاب الموضوعات لأبي الفرج بن الجوزي عرف ذلك" يقرأ في هذا الكتاب ويجد أحاديث يتداولها الناس، وهي موجودة في الموضوعات التي لا أصل لها.

النوع الحادي والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز:

"وقد روي عن الإمام أحمد أنه قال: أربعة أحاديث تدور بين الناس في الأسواق لا أصل لها: (من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة) -وآذار كما هو معروف شهر- (ومن آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة) " بهذا اللفظ: "أنا خصمه يوم القيامة" أما: ((من آذى ذمياً فقد آذاني)) فهو معروف، وليس بهذه المثابة من الضعف، (نحركم يوم صومكم) بهذا اللفظ لا أصل له، لكن جاء من طرق: ((يوم صومكم يوم نحركم)) "و (للسائل حقٌ وإن جاء على الفرس) " هذا الحديث مخرج في المسند، مخرج عند الإمام في المسند. إيش معنى لا أصل له؟ الإمام أحمد يقول: أربعة أحاديث تدور على ألسنة الناس في الأسواق لا أصل لها، إذا قالوا: هذا الحديث لا أصل له يعني لا إسناد له، والحديث الذي لا إسناد له إيش يكون حكمه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، الذي لا أصل له الوضع، الموضوعات، لكن حديث: (للسائل حقٌ وإن جاء على فرسه) فيه مقال، لا يخلو من مقال عند أهل العلم، لكنه لا يصل إلى درجة الوضع. النوع الحادي والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز: النوع الحادي والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز، أما الغرابة فقد تكون في المتن بأن يتفرد بروايته راوٍ واحد، أو في بعضه كما إذا زاد فيه واحد زيادة لم يقلها غيره، وقد تقدم الكلام في زيادة الثقة. وقد تكون الغرابة في الإسناد كما إذا كان أصل الحديث محفوظاً من وجه آخر أو وجوه، ولكنه بهذا الإسناد غريب. فالغريب: ما تفرد به واحد، وقد يكون ثقة، وقد يكون ضعيفاً، ولكل حكمه، فإذا اشترك اثنان أو ثلاثة في روايته عن الشيخ سمي: (عزيزاً)، فإن رواه عنه جماعة سمي: (مشهوراً) كما تقدم، والله أعلم.

يقول -رحمه الله-: "معرفة الغريب والعزيز" هما متمما قسمة الآحاد القسمة الثلاثية، فالآحاد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: المشهور والعزيز والغريب، الغرابة قد تكون في المتن، يعني بجملته بأن يتفرد بروايته راوٍ واحد، ومثاله بل من أوضح أمثلته حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) تفرد بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عمر بن الخطاب، وتفرد بروايته عن عمر علقمة بن وقاص الليثي، وعنه تفرد محمد بن إبراهيم التيمي، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري متفرداً به، ثم عن يحيى بن سعيد انتشر، فهذا من أوضح الأمثلة للغريب، بل هو من غرائب الصحيح التي يرد بها على من قال: إن شرط البخاري ألا يروي ما تفرد به الواحد عن الواحد. "أو في بعضه" قد يتفرد الراوي ببعض الحديث، بجملة من جمل الحديث، وإن كان له ما يشهد له عند غيره في باقي جمله. كما إذا زاد فيه واحد زيادة لم يقلها غيره، وهذه الزيادة تقدم حكمها في زيادة الثقة، وأحياناً تدل القرائن على أن هذه الزيادة محفوظة فيحكم بصحتها، وأحياناً يحكم بشذوذها، يحكم أهل العلم بأنها غير محفوظة تبعاً للقرائن، ولا يحكم في ذلك بحكمٍ عام مطرد، كما هو معروف. وقد تكون الغرابة في الإسناد، كما إذا كان أصل الحديث محفوظاً من وجه، أو من وجوه، لكنه بهذا الإسناد غريب، الغرابة: غرابة مطلقة وغرابة نسبية، قد يتفرد بهذا الحديث راوٍ واحد عن جميع الرواة، فهذه غرابة مطلقة، قد تطلق الغرابة المطلقة ويراد بها الفرد، وهي ما إذا كان التفرد في أصل السند، الطرف الذي فيه الصحابي.

النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث:

أما الغرابة النسبية فهي على وجوه: إما أن تكون الغرابة والتفرد في أثناء السند هذا غريب نسبي، يسمونه غريب، أو غرابة نسبية بأن يتفرد به أهل بلد، وإن رواه جماعة منهم، هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر، وإن رواها جمعٌ من أهل مصر، لكن كلهم من أهل مصر، هذه سنة غريبة تفرد بها أهل البصرة مثلاً، قال أهل العلم هذا الكلام، وإن اشترك في روايته جماعة من أهل البصرة، أو تكون الغرابة نسبية بالنسبة للشيخ، يعني يتفرد بروايته عن فلان عن شعبة مثلاً محمد بن جعفر، وإن رواه عن غيره -عن غير شعبة- جماعة، لكنه تفرد به عن هذا الراوي عن شعبة هذا الراوي، فهذه غرابة نسبية، وكثيراً ما يقول الترمذي: هذا حديثٌ حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قد تكون الغرابة والتفرد من هذا الوجه بهذا اللفظ، وعلى هذا تحمل الغرابة في إطلاق الترمذي؛ لأنه يكون له طرق، لكن بهذا اللفظ تفرد به هذا الراوي، المقصود أن إطلاقات أهل العلم في الغرابة كثيرة، ولها محامل عندهم، أشرنا إلى بعضها. يقول: "فالغريب ما تفرد به واحد، وقد يكون ثقةً" يعني في الأحاديث الغريبة ما هو صحيح، إذا كان راويه ثقة، كحديث: (الأعمال بالنيات) وحديث: (كلمتان خفيفتان على اللسان) .. إلى آخره، في الصحيح، وغير ذلك من غرائب الصحيح، قد يكون راويه ثقة فعلى هذا يكون الحديث صحيحاً "وقد يكون ضعيفاً" يكون الراوي ضعيفاً وحينئذٍ يكون ما تفرد به ضعيف، وقد يكون حسن، "ولكلٍ حكمه" فرواية الثقة مقبولة، ورواية الضعيف مردودة، ورواية الحسن مقبولة، إلا أنها دون رواية الثقة. "فإن اشترك اثنان أو ثلاثة في روايته عن شيخ سمي عزيزاً" هذا جاري على اصطلاح ابن الصلاح الذي يرى أن المشهور: ما رواه فوق الثلاثة، والعزيز: ما رواه اثنان أو ثلاثة، والغريب: ما تفرد بروايته واحد فقط، ولو في بعض طبقات السند، على كل حال هذا اصطلاح، وجرى عليه أهل العلم، ولا ضير فيه -إن شاء الله تعالى-. "فإن رواه جماعةً سمي مشهوراً كما تقدم" يعني إن زاد العدد على ثلاثة، أو ثلاثة فأكثر على القول الآخر سمي الخبر مشهوراً، نعم. النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث:

النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث، وهو من المهمات المتعلقة بفهم الحديث والعلم والعمل به، لا بمعرفة صناعة الإسناد وما يتعلق به. قال الحاكم: أول من صنف في ذلك النضر بن شُميل, وقال غيره: أبو عبيدة معمر بن المثنى. وأحسن شيء وضع في ذلك كتاب أبي عبيد القاسم بن سلَّام, وقد استدرك عليه ابن قتيبة أشياء, وتعقبهما الخطابي فأورد زيادات. وقد صنف ابن الأنباري المتقدم وسُليم الرازي وغير واحد في ذلك كتباً، وأجل كتابٍ يوجد فيه مجامع ذلك كتاب: (الصحاح) للجوهري، وكتاب: (النهاية) لابن الأثير -رحمهما الله تعالى-. النوع الثاني والثلاثون: "معرفة غريب ألفاظ الحديث" الذي تقدم غريب الحديث، ويبحث في الأسانيد، وهنا غريب الألفاظ، الغريب من ألفاظ الحديث، وهذا يبحث في المتن، وهو من أهم المهمات لمن أراد الدراية وفهم الأخبار، والاستنباط منها، وهو فنٌ على أهميته وشدة الحاجة إليه إلا أنه ينبغي لطالب العلم أن يحتاط لدينه، وأن يتحرى في ذلك، ويتوقى أشد التوقي، ولا يتكلم في معاني الأحاديث إلا بعلم؛ لأنه يزعم بكلامه من غير علم أن هذا هو مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- المبلغ عن الله، وعرف عن السلف شدة الاحتياط في هذا الباب. والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- على ما عرف به من الورع، وشدة الاحتياط يقول في هذا الباب: إنه ينبغي أو لا يجوز لطالب الحديث أن يقول فيه برأيه كالقرآن سواءً بسواء؛ لأنه كله شرع؛ فإذا قلت: معنى هذا الحديث كذا فأنت تزعم أن الشرع قال كذا، كما أنك إذا قلت: معنى الآية كذا فأنت تزعم أن الله -سبحانه وتعالى- أراد بقوله كذا وكذا، وقد جاء التحذير الشديد في من فسر القرآن برأيه، فحريٌ بطال العلم التحري والتوقي، وشدة الورع في هذا الباب، ولما سئل الأصمعي عن معنى: ((الجار أحق بصقبه)) على أنه يحفظ لغة العرب، قلّ أن يوجد له نظير في هذا الباب، كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي، سئل عن ((الجار أحق بصقبه)) قال: أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن العرب تزعم أن الصقب: اللزيق، يعني الجار الملاصق.

كم يحفظ الأصمعي من قصيدة؟ ستة عشر ألف قصيدة، بعضها يبلغ المائتي بيت، كلها عن العرب الأقحاح ويقول هذا الكلام، وعندنا آحاد المتعلمين لا يتردد في بيان معاني الشرع، معاني النصوص من غير مستند، هذا دليلٌ على الجهل، والله المستعان، فعلينا أن نعتني بهذا الباب، وليس معنى هذا أننا نترك هذا يحثنا على إيش؟ أن نطالع في كتب الغير، ونستفيد منها، وما قاله أهل العلم في معاني كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-. "قال الحاكم: أول من صنف في ذلك -في غريب الحديث- النضر بن شميل، وقال غيره: أبو عبيدة معمر بن مثنى" على كل حال صنف في هذا العلم جمعٌ يضمهم عصرٌ واحد، فلا يدرى أيهم السابق. يقول: "وأحسن شيء وضع في ذلك كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام" وهو إمام، ومحله في معرفة النصوص ومعرفة الآثار، وأقوال الصحابة ومن بعدهم، ومنزله في الدين وإمامته معروفة لدى الخاص والعام، فينبغي أن يعتنى بكتابه، "وقد استدرك عليه ابن قتيبة أشياء" واستُدرك على ابن قتيبة أشياء، على كل حال هذه الكتب تنبغي العناية بها، وليس مؤلفيها من أهل العصمة لكي يقال: كيف يستدرك على فلان؟ كيف يستدرك على علان؟ لا، كلٌ قابل لأن يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-. "فأورد زيادات، وقد صنف ابن الأنباري المتقدم، وسُليم الرازي وغير واحد" ألفت كتب كثيرة في غريب الحديث، وطبع منها مجموعة من الكتب، يستفاد أيضاً من غريب الحديث من غير كتب الحديث، من كتب اللغة يستفاد، لكن ينبغي أن نعتني ونتهم بكتب المتقدمين الذين لم يتأثروا بالمذاهب لا الكلامية ولا الفرعية؛ لأن من تأثر بالمذاهب أثر ذلك في اختياره المعنى المناسب للمقام؛ لأن كل كلمة يأتي لها معاني عن العرب، لكن ما المعنى المناسب لهذا السياق؟ المعنى المناسب للسياق لا شك أنه لا يستطيع تحديده من تخصص باللغة فقط، كما أنه لا يستطيع تحديده من تخصص بالحديث فقط، وهو لا يعرف من لغة العرب شيئاً، فلا بد لمن يتصدى لهذا الشأن أن يكون ممن جمع بين الأمرين معاً، لا بد أن يكون على قدرٍ كبير من معرفة لغة العرب، وأن يكون عارف بالحديث وطرقه ورواياته؛ لكي يختار اللفظ المناسب في السياق المناسب، أو للسياق المناسب.

حينما نأتي إلى لفظة في الحديث ونأتي إلى كتاب صنف في غريب كتب الفقه مثلاً (المصباح المنير)، أو (تهذيب الأسماء واللغات) مثلاًً، أو (المطلع)، أو (المغرب) للمطرزي أو غيرها من الكتب التي تعتني بغريب كتب الفقه، لا شك أنها تبين معاني الكلمات، وهي نافعة في الجملة، لكن لا شك أن لمذهب المؤلف أثر في الكتاب، ولو أتينا إلى تعريف النبيذ الوارد، ونظرنا إلى تعريفه في كتب غريب الحديث التي ألفها بعض الحنفية كالزمخشري مثلاً، يختلف اختياره عن تأليف من اعتنق مذهب الشافعي، يختلف اختياره عمن يتبع الإمام مالك، وهكذا تبعاً لاختلاف مذاهبهم الفرعية، وقل مثل ذلك في تأثير المذاهب الكلامية. مما ينبغي أن يعتنى به كتاب تذهيب اللغة للأزهري، هذا كتاب من أهم المهمات في الباب، وليس مؤلفه بمعصوم، لكنه كتاب قديم، ومؤلفه إمام، كتب أبي عبيد أيضاً ينبغي أن يعتنى بها، وهنا ذكر: "وأجلُّ كتاب يوجد فيه مجامع ذلك كتاب: (الصحاح) للجوهري" الصحاح للجوهري كتاب قيم ونفيس، واحتذي، أُلف بعده كتب سلكت مسلكه، لكن لا يسلم من أوهام، كتاب لا يسلم من أوهام. في حديث المواقيت مثلاً، قرن المنازل، ((ولأهل نجدٍ قرنا)) قال: هو قرن الثعالب، استُدرك عليه، قال: وينسب إليه أويس القرني واستدرك عليه، قرن: قبيلة، ليس منسوب أويس إلى هذا المكان، نعم، هو قرَني وليس بقرْني، المقصود أن هذه الكتب يستفاد منها، وأيضاً يستفاد من تعقبات هذه الكتب، وما من كتاب إلا وفيه الخير الكثير، لكن لا يسلم إلا كتاب الله، المقصود أن هذه الكتب مفيدة ومهمة ونافعة، ومما ينبغي أن يعتنى به أيضاً كتاب: (المحكم) لابن سيدة و (المخصص) له، والكتب الكبيرة مثل: (لسان العرب) أيضاً يستفاد منه، وإن كان من المتأخرين إلا أنه جمع، وأطول كتابٍ في اللغة كتاب إيش؟ (تاج العروس) يقول أهل العلم: إن فيه مائة وعشرين ألف مادة، (اللسان) على سعته فيه إيش؟ كم؟ ثمانين ألف مادة، و (القاموس) فيه ستين ألف على اختصاره، المقصود أن هذه الكتب متفاوتة فيستفاد منها.

النوع الثالث والثلاثون: معرفة المسلسل:

وأجمع كتاب في غريب الحديث هو: (النهاية) لابن الأثير، جمعت الكتب المتقدمة وزادت عليها، المقصود أن هذا كتاب من أراد أن يقتصر على كتاب في الباب واحد فعليه بالنهاية، من أراد أن يجمع هذه الكتب كلها ويستفيد منها فهناك كتب أخرى أيضاً: (الدلائل) للقاسم بن ثابت وأبيه ثابت، هذا كتاب نفيس جداً، طُبع قطعة منه حققت وطبعت، لكن ما يزال بقية الكتاب مخطوط، نعم. النوع الثالث والثلاثون: معرفة المسلسل: النوع الثالث والثلاثون: معرفة المسلسل، وقد يكون في صفة الرواية, كما إذا قال كل منهم: سمعت، أو حدثنا، أو أخبرنا، ونحو ذلك، أو في صفة الراوي بأن يقول حالة الرواية قولاً قد قاله شيخه له أو يفعل فعلاً فعل شيخه مثله، ثم يتسلسل الحديث من أوله إلى آخره، وقد ينقطع بعضه من أوله أو آخره، وفائدة التسلسل بعده من التدليس والانقطاع، ومع هذا قلما يصح حديث بطريق مسلسل، والله أعلم. النوع الثالث والثلاثون: معرفة المسلسل، والتسلسل الاتفاق على صفة، أو هيئة في الرواة، أو في صيغ الأداء، أو في أسماء الرواة، أو ما أشبه ذلك، يقول: وقد يكون في صفة الرواية كما إذا قال كل منهم: سمعت، إذا كانت صيغة الأداء في الإسناد كلها: سمعت، قال: سمعت، قال: سمعت، هذا مسلسل بالسماع، وقد يكون مسلسلاً بالتحديث، إذا كان الإسناد كله: حدثنا، قال: حدثنا، أو بالإخبار كما إذا قال: أخبرنا، قال: أخبرنا، إلى آخره، أو بالعنعنة كل هذا يسمى مسلسل، أو في قولٍ يقوله الراوي حال الرواية مسلسل بالأقوال، حدثني فلان وهو أول حديثٍ سمعته منه، قال: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، قال: حدثني فلان وهو .. ، هذا تسلسل، لكن هذا التسلسل، حديث المسلسل بالأولية حديث: ((الراحمون يرحمهم الرحمن)) لا شك أنه من أقوى المسلسلات، لكن تسلسله لم يستمر، يعني ما وجد من أوله، ينقطع عند سفيان بن عيينة. التسلسل بقول الراوي: إني أحبك، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن؟ طالب: لأنس. لمعاذ، ((إني أحبك، فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة .. )) طالب: اللهم أعني ...

النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه:

((اللهم أعني على ذكرك وشكرك)) إلى آخره، تسلسل بعد ذلك، قال معاذ لمن روى عنه: إني أحبك فلا تدع، قال للذي روى عنه: إني أحبك فلا تدع أن تقول .. إلى آخره، قد يكون التسلسل بالأفعال، حرك النبي -عليه الصلاة والسلام- شفتيه، وحرك ابن عباس شفتيه، وحرك الراوي عنه شفتيه .. إلى آخره، كما كان الرسول يحركها، كما كان ابن عباس يحركهما .. إلى آخره، بعد أن حدثني تبسم، مسلسل بالتبسم، قبض لحيته مسلسل بـ .. إلى آخره، هناك أحاديث مسلسلة وفيها الكتب، لكن غالبها ضعيف. "ثم قد يتسلسل من أوله إلى آخره، وقد ينقطع بعضه من أوله أو آخره" وهذا معروف، "وفائدة التسلسل بعده من التدليس والانقطاع" لا شك أن هذا التسلسل يدل على أن هناك ارتباط وثيق بين الراوي ومن روى عنه، فيقوي مسألة الاتصال، ويضعف احتمال الانقطاع، يقول: "ومع هذا قلما يصح حديث بطريق مسلسل" يعني من أوله إلى آخره، والله المستعان. النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه: النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه، وهذا الفن ليس من خصائص هذا الكتاب، بل هو بأصول الفقه أشبه، وقد صنف الناس في هذا كتباً كثيرة مفيدة من أجلها وأنفعها كتاب الحافظ الفقيه أبي بكر الحازمي -رحمه الله تعالى-، وقد كانت للشافعي -رحمه الله تعالى- في ذلك اليد الطولى, كما وصفه به الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-. ثم الناسخ قد يعرف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كقوله: ((كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) ونحو ذلك، وقد يعرف ذلك بالتاريخ وعلم السيرة، وهو من أكبر العون على ذلك كما سلكه الشافعي -رحمه الله تعالى- في حديث: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) وذلك في زمن الفتح في شأن جعفر بن أبي طالب -رحمه الله-، وقد قتل بمؤتة قبل الفتح بأشهر، وقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صائمٌ محرم"، وإنما أسلم ابن عباس مع أبيه في الفتح. فأما قول الصحابي: هذا ناسخ لهذا فلم يقبله كثيرٌ من الأصوليين؛ لأنه يرجع إلى نوعٍ من الاجتهاد، وقد يخطئ فيه، وقبلوا قوله: هذا كان قبل هذا؛ لأنه ناقلٌ، وهو ثقةٌ مقبول الرواية.

"النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه" وهذا أيضاً من الفنون المهمة المشتركة بين هذا العلم وعلم أصول الفقه، فلا يستغني المحدث عنه ولا فقيه ولا طالب علم شرعي، وقد مر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على قاص، وقال له: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت؛ لأنه قد يتعرض لسؤال فيسأل فيجيب بخبرٍ منسوخ، أو يفتي بحكمٍ كان أولاً قبل النسخ ثم نسخ، فعلى طالب العلم أن يعتني بأخبار الناسخ والمنسوخ منها، سواءً كان من الآيات أو من الأحاديث؛ لأن المعمول به هو الآخر، والمتقدم منسوخ رُفع حكمه. فالنسخ في اللغة: الرفع والإزالة، وفي الاصطلاح: رفع حكم شرعي ثابت بنص، بنصٍ آخر، متراخٍ عنه، فالنسخ من خصائص النصوص، فغير النص لا يَنسخ ولا يُنسخ، من أهم الكتب في ناسخ القرآن ومنسوخه كتاب: (الناسخ والمنسوخ) لمن؟ طالب:. . . . . . . . . لأبي عبيد، وغيره؟ نعم. . . . . . . . . النحاس وهو أشمل وأطول، في الناسخ والمنسوخ من السنة كتاب: (الاعتبار) للحازمي، كتاب نفيس جامع، كتاب: (الناسخ والمنسوخ) للجعبري، وغير ذلك من الكتب المهمة المفيدة النافعة في هذا الباب، أيضاً شراح كتب السنة يعتنون بهذا الباب عناية فائقة ويبينونه، والإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- له في ذلك اليد الطولى في معرفة المتقدم والمتأخر، كما وصفه بذلك الإمام أحمد بن حنبل. "ثم الناسخ قد يعرف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قد يعرف من النص: ((كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) يعني كنتُ نهيتكم في المستقبل؟! في الماضي، ((فزورها))، "كان آخر الأمرين -قول الصحابي- كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار"، هذا نحتج به أو لا نحتج؟ أو نقول: هذا اجتهاد؟ إذا قال الصحابي: هذا ناسخٌ لهذا، تردد العلماء في قبول مثل هذا الكلام؛ لأنه اجتهادٌ منه، لكن إذا نقل خبراً، أو أخبر عن خبرٍ من الأخبار أنه متأخر عن خبرٍ آخر، كقوله: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار"، هذا إخبار عن تأخر هذا الخبر عن غيره الذي فيه الوضوء من كل شيء.

"وقد يعرف ذلك بالتاريخ وعلم السيرة" عندنا حديث: ((أفطر الحاجم والمحجوم))، وحديث: "احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائمٌ محرم"، الحديث الأول يرويه شداد بن أوس، وهذا يرويه ابن عباس، قرر الإمام الشافعي أن ذاك في الفتح، وهذا في حجة الوداع، ولا شك أن حجة الوداع متأخرة عن غزاة الفتح، وعلى هذا يكون على ما قرره الإمام الشافعي حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد بن أوس. " ... قول الصحابي هذا ناسخٌ لهذا" قال: "لم يقبله كثيرٌ من الأصوليين، لأنه يرجع إلى نوع من الاجتهاد" وقد يخطئ في الاجتهاد، لا شك أنه ليس بمعصوم، إذا كان مرده إلى رأيه واجتهاده، لكن إذا نقل خبراً لزمنا قبوله؛ لأنه ثقةٌ مقبول الرواية، والصحابة كلهم عدول، نعم. وهذا المبحث من المباحث العظيمة التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها؛ لأنه يترتب عليها الصواب والخطأ في اعتماد النص المتقدم والمتأخر؛ لأنك تجد بين يديك نصاً صحيحاً، رواته ثقات، وقد يكون مما نص عليه في القرآن إلا أنه منسوخ كعدة الوفاة، التربص للوفاة حول، قد يقول قائل: هذه .. ، {مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [(240) سورة البقرة] قد يقول قائل: هذا في القرآن، ما المانع من العمل به؟ نقول: هذا نصٌ منسوخ. وهذا الباب والذي عمدته الرواية كما قال الزهري: "أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه" لأنهم عمدتهم الرأي والاستنباط، لكنهم لا يحفظون الآثار، ولا يعرفون متقدمها من متأخرها، فهذا أعياهم وأعجزهم، ولذا تجد الكثير ممن ينحى منحى الفقهاء، ولا يعتني بحفظ النصوص يشكل عليه كثير من الأمور، فإذا سئل عن مسألة إن كانت مبنية على فهم وكان النص حاضر استطاع أن يستنبط، وإلا اضطر إلى الأقيسة والرأي، وغفل عن النصوص الصحيحة الصريحة ولعدم حفظه لها، وحينئذٍ يسلك هذا المسلك الخطير الذي يبني فيه دينه وفتواه وعلمه على الرأي في مقابلة النصوص، ومعلوم أن الرأي الذي لا يعتمد على النص لا قيمة له، والاحتمالات العقلية المجردة التي لا مستند لها من النصوص لا يعبأ بها، ولا يكترث بها.

النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متنا وإسنادا:

هناك تقسيمات في هذا الباب من نسخ إلا بدل وإلى غير بدل، وإلى الأخف وإلى الأثقل وغير ذلك من التقسيمات التي يرجع إليها في مظانها، نعم. طالب:. . . . . . . . . ليست من المفطرات هذا رأي الإمام الشافعي، والخلاف فيها معروف، نعم، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . مثلها إذا كان مما يضعف البدن ويهلكه مثل الحجامة، نعم. النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متناً وإسناداً: النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متناً وإسناداً، والاحتراز من التصحيف فيها، وقد وقع من ذلك شيء كثير لجماعة من الحفاظ وغيرهم ممن ترسم بصناعة الحديث وليس منهم, وقد صنف العسكري في ذلك مجلداً كبيراً، وأكثر ما يقع ذلك لمن أخذ من الصحف ولم يكن له شيخ حافظ يوقفه على ذلك. وما ينقله كثير من الناس عن عثمان بن أبي شيبة أنه كان يصحف في قراءة القرآن فغريب جداً; لأن له كتاباً في التفسير, وقد نقل عنه أشياء لا تصدر عن صبيان المكاتب، وأما ما وقع لبعض المحدثين من ذلك فمنه ما يكاد اللبيب يضحك منه، كما حُكي عن بعضهم أنه جمع طرق حديث: ((يا أبا عمير ما فعل النغير)) ثم أملاه في مجلسه على من حضره من الناس فجعل يقول: "يا أبا عمير ما فعل البعير" فافتضح عندهم، وأرخوها عنه. وكذا اتفق لبعض مدرسي النظامية بغداد أنه أول يوم إجلاسه أورد حديث: ((صلاةٌ في إثر صلاة كتابٌ في عليين)) فقال: كنارٍ في غلس، فلم يفهم الحاضرون ما يقول حتى أخبرهم بعضهم بأنه تصحف عليه "من كتابٌ في عليين" وهذا كثيرٌ جداً، وقد أورد ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- أشياء كثيرةً هاهنا. وقد كان شيخنا الحافظ الكبير الجهبذ أبو الحجاج المزي -تغمده الله برحمته- من أبعد الناس عن هذا المقام، ومن أحسن الناس أداءً للإسناد والمتن، بل لم يكن على وجهِ الأرض فيما نعلم مثله في هذا الشأن أيضاً، وكان إذا تغرب عليه أحدٌ بروايةٍ مما يذكره بعض شراح الحديث على خلاف المشهور عنده يقول: هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصحف والأخذ منها.

يقول -رحمه الله تعالى-: "النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متناً وإسناداً، والاحتراز من التصحيف فيها" ينبغي على طالب العلم أن يعتني بالألفاظ لا سيما في الأسانيد، يعتني بضبطها وإتقانها، وأخذها من أفواه المشايخ أهل الضبط والعناية، وكثيراً ما تلفظ بعض من ينتسب إلى العلم بذكر بعض الرواة بما يضحك منه، "سلمة بن كهيل" قال -وهو يعد من الكبار-: بن كهبل، فضلاً عن أن يقول في عَبيدة: عُبيدة هذا أمره سهل، لكن على طالب العلم أن يعتني بهذا، وأن يديم النظر في الكتب التي صنفت في هذا الشأن، والشروح -شروح كتب السنة- التي تكرر الضبط للرواة، وتكرر ضبط الألفاظ في المتون ينبغي أن يعظ عليها بالنواجذ. فالتصحيف لا شك أنه شين وعيب في طالب العلم، وأن يقرأ الشيء وهو لا يعرف ضبطه ولا معناه، يقول: "وقع من ذلك شيء لكثير لجماعة من الحفاظ وغيرهم ممن ترسم بصناعة الحديث وليس منهم" تسمى بالحديث وتصدى لروايته، وأكثر من الرواية على غير الحفاظ الضابطين المتقنين فوقع في المضحكات. "وقد صنف العسكري" أكثر من كتاب في التصحيف، ثلاثة كتب في التصحيف والتحريف، هناك فرق بين التصحيف والتحريف، منهم من يقول: هما بمعنىً واحد، ومنهم من يرى أن الفرق بينهما أن التصحيف يكون بالشكل والتحريف بالنقد أو بتغيير بعض الحروف مع بقاء الوزن، المقصود أن التصحيف واضح، لا يحتاج إلى تعريف، تغيير الكلمة على أي وجهٍ كان، سواءً كانت في الأسانيد أو في المتون، مع أن العناية بالأسانيد وإن كانت وسيلة إلى المتون ينبغي أن تكون مقدمة لدى طالب العلم؛ لأن العَلَم إذا تصحف لا يمكن أن يوقف على حقيقته؛ لأنه لا يدرك بالرأي، ولا يستدل عليه بالسياق المتقدم ولا المتأخر.

رسالة علمية مر فيها اسم شخص نُعيم بن سالم من الوضاعين، تعب صاحب الرسالة إلى أن أيس، وأخيراً قال: لا أجد له ترجمة فيما بين يدي من المصادر، وهو موجود في كل الكتب، لماذا؟ لأنه ما هو بـ (نعيم) يغنم بن سالم، اسمه: يغنم، لم يجده بهذه الطريقة، يعني قدم حرف زاد حرف نقص حرف لن تجد العَلَم في كتب الرجال، فرق بين نُعيم ويغنم، الصورة واحدة، لكن فرق بين أن تقف على يغنم في حرف النون من كتب الرجال مستحيل. "وأكثر ما يقع ذلك ممن أخذ من الصحف" التصحيف في المتون أمور وقعت من بعض من ينتسب إلى العلم فجاءت المضحكات "صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى عنْزَة"، ورواه آخر بالمعنى فنصب (شاةً) بين يديه، قال: صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى شاة، هذا سببه التصحيف، بدل ما هي بـ (عَنَزَة) صارت (عَنْزَة) وصحف بعضهم الكلمة في المعنى، بل نقول: حرف المعنى، العَنَزَة عَنَزَة لا إشكال، لكن هل هي العَنَزة العصا الذي ينصب ليكون ساتراً، أو هو القبيلة قبيلة عَنَزة، "نحنُ قومٌ لنا شرف، صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عَنَزة" كل هذا مما يضحك. "وأكثر ما يقع ذلك لمن أخذ من الصحف" وتلقى العلم من الكتب، وما أخذ عن الشيوخ، لأن الشيخ إذا أخطأ الطالب يسدده، ويوقفه على الصواب، "وما ينقله كثيرٌ من الناس عن عثمان بن أبي شيبة أنه كان يصحف في قراءة القرآن .. غريبٌ جداً" نعم تداول بعض الناس بعض الكلمات عن هذا الشيخ -عثمان بن أبي شيبة- بعضها مضحك، وبعضها نجزم بأنه لا يثبت عن مثله: (فإذا نتفنا الحبل) (برجل أخيه) ماذا فعل بالصواع؟ نعم، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . في رحل أخيه، يقول: برجل أخيه! المقصود أن مثل هذه التحريفات الظاهرة قد لا تثبت عن هذا الإمام، نعم هو عُرف بالطرافة والنكتة، لكن ما يصل إلى أن يقول في القرآن مثل هذا الكلام، وله كتاب في التفسير، ولا يتصور أن شخص يؤلف في التفسير ويخفى عليه مثل هذه الأمور.

"وقد نقل عنه أشياء لا تصدر عن صبيان المكاتب" يوجد من بعض الصبيان وأشباه الصبيان وإن كانوا كبيري السن والأجسام يوجد أقل مما يصنعه. . . . . . . . . (المنفقين والمستغفرين بالأسحار)، (إلهكم التكاثر) نسأل الله العافية، وجد مثل هذا من الذي ينصرف عن القرآن، مع الأسف أن يوجد مثل هذا ممن تخصصه في القرآن وعلومه، هذه .. ، هذا خطرٌ جسيم، هذا نسأل الله العافية يدل على سوء قصد، جاء للقرآن وعلومه بنية صالحة لطلب العلم وقراءة القرآن وفهم القرآن؟ لا، لا، ما أتقن لفظ القرآن ليعرف معانيه وألفاظه، والله المستعان. يقول: "وأما ما وقع لبعض المحدثين من ذلك فمنه ما يكاد اللبيب يضحك منه، كما حكي عن بعضهم أنه جمع طرق حديث: ((يا أبا عمير ما فعل النغير)) " النغير: طائر صغير تصغيره نغير، أخ صغير لأنس، يداعبه النبي -عليه الصلاة والسلام- فيقول له: ((يا أبا عمير ما فعل النغير)) هذا البعض الذي جمع طرق هذا الحديث "أملاه في مجلسه على من حضره من الناس فجعل يقول: "يا أبا عمير ما فعل البعير" يعني في الرسم البعير والنغير متقاربان، "افتضح عندهم، وأرخوها عنه" دل على أنه ليس من أهل الحديث، وإن تصدى له. "وكذلك اتفق لبعض مدرسي النظامية ببغداد أنه يوم إجلاسه أورد حديث: ((صلاةٌ في إثر صلاة كتابٌ في عليين)) فقال: كنارٍ في غلس" كتاب كنار، قريبة، عليين وغلس صورتها متقاربة، "فلم يفهم الحاضرون ماذا يقول" الكلمة إذا صحفت اليأس التام من معرفة معناها، يمكن تعرف معنى كلمة مصحفة؟ فيها زيادة حرف أو نقص حرف تقديم أو تأخير؟ ما يمكن، اللهم إلا إن كان مما يشمله الاشتقاق الكبير والصغير فقد تقرب في المعنى، لكن إذا كانت لا تشاركها فمشكلة، "فلم يفهم الحاضرون ما يقول، حتى أخبره بعضهم بأنه تصحف عليه كتابٌ في عليين، وهذا كثيرٌ جداً، وقد أورد ابن الصلاح أشياء كثيرة" ها هنا، وذُكر بعض الأشياء في كتاب: (الحمقى والمغفلين) لابن الجوزي، أورد بعض الأشياء ولا شك أنها طرائف، لكن مع الأسف أنها في النصوص.

النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث:

يقول: "وقد كان شيخنا الحافظ الكبير الجهبذ" يقول الحافظ ابن كثير هذا، ما لابن الصلاح فيه علاقة، ويمدح المزي، وحق له ذلك، فهو إمامٌ حافظ كبير جهبذ، ومع ذلكم .. ، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . ابن كثير صهره. طالب:. . . . . . . . . نعم، ابن كثير تزوج بنت الحافظ المزي، فلا لوم عليه ولا ضير أن يمدحه بمثل هذا الكلام، وهو أهلٌ لأن يمدح، "وقد كان شيخنا الحافظ الكبير الجهبذ أبو الحجاج المزي -تغمده الله برحمته- من أبعد الناس عن هذا المقام" من أبعد الناس عن التصحيف والتحريف، "ومن أحسن الناس أداءً للإسناد والمتن" لا غرابة ولا غرو من مثل هذا الإمام الذي تصدى لهذا العلم، وانقطع إليه، تفرغ له، لكن من مثل شيخ الإسلام يوجد مثل هذا، من أبعد الناس عن التصحيف والتصريف لا في المتون ولا في الأسانيد، مع أن علم الحديث بالنسبة لشيخ الإسلام كغيره من العلوم، الشيخ برع في التفسير أكثر من الحديث شيخ الإسلام، في العقائد عقائد الناس ومعرفة الملل والمذاهب شيء لا يخطر على البال، ويشارك أهل الحديث كأنه إمام، بل هو إمامٌ في هذا، حتى قال قائلهم: "كل حديثٍ لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث" وليس هذه مبالغة، ليس هذا من المبالغة، بل عرف هذا من مؤلفاته، كثيراً ما يكتب الكتاب من حفظه، الكتاب الكامل في قعدة يشحنه يملأه من النصوص من الأحاديث والآثار، لا تجد خطأ إلا القليل النادر، ولعله اعتمد على رواية أو نسخة لم نقف عليها، فيما وقع فيه مما يُظن أنه وهم فيه -رحمه الله-. يقول: "بل لم يكن على وجه الأرض -فيما نعلم- مثله في هذا الشأن أيضاً، وكان إذا تغرب عليه أحد برواية شيء مما يذكره بعض الشراح" يعني يأتي إليه بشيء غريب يستغربه فالشيخ على خلاف المشهور عنده يقول: "هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصحف والأخذ منها" يعني ما اعتنى بالرواية، رواية العلم من أهله، والأخذ من معدنه، فكل فنٍ يؤخذ من أهله، والله المستعان، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله تعالى- ونفعنا الله بعلمه: النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث، وقد صنف فيه الشافعي فصلاً طويلاً من كتابه: (الأم) نحواً من مجلد، وكذلك ابن قتيبة له فيه مجلدٌ مفيدٌ، وفيه ما هو غث، وذلك بحسب ما عنده من العلم، والتعارض بين الحديثين قد يكون بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجهٍ كالناسخ والمنسوخ فيصار إلى الناسخ ويترك المنسوخ، وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين فيتوقف حتى يظهر له وجه الترجيح بنوعٍ من أقسامه، أو يهجم فيفتي بواحدٍ منهما أو يفتي بهذا في وقتٍ، وبهذا في وقتٍ، كما يفعل أحمد في الروايات عن الصحابة. وقد كان الإمام أبو بكر بن خزيمة -رحمه الله- يقول: ليس ثمَّ حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئاً من ذلك فليأتني لأؤلف له بينهما. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"النوع السادس والثلاثون" يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "معرفة مختلف الحديث" وهذا النوع نوعٌ من الأهمية بمكان؛ لأنه به يدفع التعارض بين النصوص، سواءٌ كان بين حديثٍ وحديث، أو حديثٍ مع غيره من آية ونحوها، المقصود بمختلف الحديث أن يقع، أو أن يوجد حديثان متعارضان في الظاهر، في الظاهر متعارضان، والناظر إذا كان من أهل النظر إما أن يستطيع الجمع بين هذه النصوص بوجهٍ من وجوه الجمع فيتعين عليه حينئذٍ، أو يعرف .. ، لا يستطيع الجمع لكن يعرف المتقدم من المتأخر، وهذا ما يعرف بالنسخ وقد تقدم، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ، إن لم يعرف المتقدم من المتأخر فالترجيح، فيعمل بالراجح ويترك المرجوح، إن لم يكن هذا ولا هذا فالتوقف؛ لأنه ليس للإنسان أن يعمل بنصٍ معارض من غير ترجيح، الترجيح بين النصوص المتساوية بمجرد الهوى تحكم، لا يجوز لأحد أن يسلكه، ووجوه الترجيح بين النصوص كثيرةٌ جداً عند أهل العلم، ذكر منها الحازمي في مقدمة: (الاعتبار) نحواً من خمسين، وأوصلها الحافظ العراقي في حاشيته على ابن الصلاح إلى ما يقرب من المائة، وحصرها السيوطي في ثمانية أقسام. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "معرفة مختلف الحديث، وقد صنف فيه الشافعي فصلاً طويلاً من كتابه الأم، نحواً من مجلد" الشافعي له مختلف الحديث، أو اختلاف الحديث، وهو مطبوع مفرد ومستقل في حاشية الأم، والمؤلف يرى أنه فصل من كتاب الأم، وغيره يرى أنه كتاب مستقل، وللإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- كلام كثير في (الأم) في ثنايا الكتاب لدفع التعارض بين الأحاديث، وأما كتاب: (اختلاف الحديث) فهو ألفه استقلالاً لهذا النوع، وهو كتاب طبع مراراً. "وكذلك ابن قتيبة له ... مجلدٌ مفيد" مطبوع باسم: (مختلف الحديث) وفيه ملاحظات، وعليه استدراكات؛ لأن أوجه الجمع يدخلها شيءٌ من الاجتهاد، وفهم النصوص، والإنسان قد يوفق في فهمه، وقد لا يوفق، وقد يوفق من وجه بينما يفوته التوفيق من وجوه، ولذا تجد وجوه الجمع عند الأئمة تأخذ مسالك، وكلٌ له مسلك خاص للتوفيق بين النصوص المتعارضة.

وإذا أخذنا على سبيل المثال حديث: ((لا عدوى ولا طيرة)) مع حديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) ((ولا يوردن ممرض على مصح)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخذ بيد المجذوم وأكل معه، متوكلاً على الله، معتمداً عليه، هذه النصوص في ظاهرها التعارض، وللأئمة مسالك وطرق، منهم من يقول: إن ((لا عدوى)) على حقيقته، العدوى منفية، ولا أثر للخلطة بين الصحيح والسقيم، لا أثر إطلاقاً، يعني مثل ما تعاشر المريض تعاشر الصحيح، لا أثر لذلك مطلقاً، إذاً كيف نؤمر بالفرار من المجذوم؟ قالوا: تفر من المجذوم لئلا يصيبك شيء ابتداءً من الله -سبحانه وتعالى- فتنسب ذلك إلى المخالطة فتقع في معارضة النص، ويكون هذا من باب سد الذريعة لمخالفة النص فقط، وإلا فلا عدوى أصلاً، ومنهم من يثبت العدوى يقول: ((فر من المجذوم)) لأنه يعدي، إذاً كيف يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا عدوى))؟ نقول: نعم ((لا عدوى)) بمعنى أن المرض لا يسري بنفسه، وليست مخالطة الصحيح للسليم تسبب انتقال المرض بذاته وبنفسه إلى السليم، لكن هناك عدوى المعاشرة والمخالطة سبب ...

شرح اختصار علوم الحديث (15)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (15) شرح: النوع السابع والثلاثون: معرفة المزيد في الأسانيد، والنوع الثامن والثلاثون: معرفة الخفي من المراسيل، والنوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير لا يسري بنفسه، وليست مخالطة الصحيح للسليم تسبب انتقال المرض بذاته وبنفسه إلى السليم، لكن هناك عدوى، المعاشرة والمخالطة سبب، والناقل للمرض هو الله -سبحانه وتعالى-، فالمنفي بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا عدوى)) كون المرض يتعدى ويسري بنفسه، ويستقل بالسريان، والأمر بالفرار من المجذوم لأن المخالطة سبب للانتقال، والمسبب هو الله -سبحانه وتعالى-، أظن هذا ظاهر مخالفته للقول الأول، لذاك منحى وذاك منحى، ماذا يترتب على القولين؟ يترتب على القولين أنه على القول الأول إذا كان عندك مزيد ثقة وتوكل على الله -سبحانه وتعالى-، وأنك لو أصبت ابتداءً بهذا الداء أنك لا تلتفت إلى معاشرتك لهذا المريض، ويجول بخاطرك أنك لو لم تخالط هذا المريض ما أصابك شيء، والحديث يقول: ((من أعدى الأول)) هذا على القول الأول، وأنه لا عدوى مطلقاً، فإذا قوي توكل الشخص يجلس مع المريض، ويعاشر المريض، ويأكل معه ويشرب، لكن إن أصيب ابتداءً من غير عدوى وانتقال المرض المنفي في الحديث إن كان ممن يقوى توكله على تحمل مثل هذا المرض، وعدم نسبة إصابته بالمرض إلى مخالطته المريض فليفعل، وإلا فليفر من المجذوم فراره من الأسد. على القول الثاني: أن هناك عدوى، هناك تأثير لكن المخالطة سبب، سبب مرتب على المخالطة، العدوى المنفية كون المرض يتعدى بنفسه، ويسري بنفسه، والأمر بالفرار لأن للمخالطة أثر، فالمخالطة سبب، والمسبب هو الله -سبحانه وتعالى-، فمن هذه الحيثية تجد الإنسان إذا أراد أن يوفق بين النصوص أحياناً يوفق إلى الجمع القوي، وأحياناً يوفق إلى جمع متوسط، وأحياناً يوفق إلى جمعٍ ضعيف، وأحياناً لا يوفق إلى وجه الجمع أصلاً، ولذا جاء كتاب ابن قتيبة على رغم إفادته وأهميته فيه شيء غث، وقد أحسن من وجه وأساء من وجه، كما قال ابن الصلاح.

يقول: "والتعارض بين الحديثين قد يكون بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجه" لا يمكن، تقلب النظر في النصين فلا يمكن بوجه من الوجوه التي ذكرها الأئمة التي تقرب من المائة، مائة وجه كالناسخ والمنسوخ، حينئذٍ إن عرفت التاريخ -إذا لم يمكن الجمع- إن عرفت التاريخ فاعمل بالمتأخر، واحكم على المتقدم بأنه منسوخ، فيصار إلى الناسخ، ويترك المنسوخ، وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين، إذا لم تعرف التاريخ ولا يمكن الجمع، إذا لم يكن الجمع ولا يعرف التاريخ التوقف، المتعين التوقف؛ لأن الترجيح بغير مرجح تحكم. "وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين فيتوقف حتى يظهر له وجه الترجيح بنوعٍ من أقسامه، أو يهجم فيفتي بواحدٍ منهما" يستروح ويميل ويستحسن أحد القولين فيعمل بأحد النصين ويترك الآخر، لا سيما إذا ترتب على النص الذي عمل به نوع احتياط، أو يفتي بهذا في وقت وبهذا في وقت، لكن إن أفتى بهذا في وقت وهو مرجوح في نفس الأمر، أو أفتى بذلك في وقت آخر، وهو راجح أو مرجوح في نفس الأمر، هذا عملي وإلا ليس بعملي؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أقول: إن كان .. ، استطاع أو توصل إلى أنه يمكن العمل بالنصين معاً، ويحمل هذا على حال وذاك على حال، أو هذا بالنسبة لبعض الناس وذاك .. ، هذا جمع، هذا وجه من وجوه الجمع، يقول: "كما يفعل -الإمام- أحمد في الروايات عن الصحابة" يروى عن الصحابة قول عن بعضهم، وعن آخرين قولٌ آخر، بحيث لا يستطيع أن يوفق بين القولين، وحينئذٍ يعمل بهذا في وقت، وبهذا في وقت، هذا يمكن أن يسلك إذا أمكن الاحتياط للقولين، أما إذا كان القولان متضادين من كل وجه فلا يمكن الاحتياط.

يقول: "وقد كان الإمام أبو بكر بن خزيمة يقول" الإمام ابن خزيمة في هذا الباب قلَّ أن يوجد له نظير، في باب اختلاف الحديث، والتوفيق بين النصوص، يقول: "ليس ثمَّ حديثان متعارضان من كل وجه" لا يوجد تعارض بين حديثين صحيحين في الحقيقة والواقع، وليس أحدهما منسوخاً والآخر ناسخ، لا يوجد، فالشريعة متآلفة متجانسة غير متضادة ولا متعارضة ولا متضاربة، مرد التعارض الظاهر إما أن يكون بسبب فهم المجتهد فهم الناظر والواقف على الأحاديث، أو بسبب تقدم وتأخير وحينئذٍ لا إشكال في الحكم بالنسخ، أو يخفى على المجتهد وجه الترجيح، المجتهد لا يمكنه إحاطته بكل شيء. يقول: "ليس ثمَّ حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد بشيء من ذلك فليأتني لأؤلف ... بينهما" هذه منزلة ابن خزيمة في هذا الفن، لكن هل يقال: إن ابن خزيمة يستطيع التوفيق بين كل النصوص المتعارضة التي ظاهرها التعارض؟ هو إمام من الأئمة، وهو بارز في هذا الباب، وفي هذا النوع، لكن ليس بالمعصوم، ابن خزيمة نفسه حكم على حديث بالوضع لمعارضته لحديثٍ صحيح، ((لا يَؤمَّن أحدكم .. )) أو ((ومن أمّ قوماً فخص نفسه بدعوةٍ دونهم)) وجاء النهي عن ذلك ((لا يَؤمَّن أحدكم قوماً فيخص نفسه بدعوةٍ دونهم)) يقول: هذا حديث موضوع، لماذا؟ لأنه معارض لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما، الرسول -عليه الصلاة والسلام- في دعاء الاستفتاح يقول: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) بيني وبين خطاياي ما قال: "بيننا" قال: ((باعد بيني)) خص نفسه بدعوةٍ دون المأمومين، وقد ورد النهي عن أن يخص الإمام نفسه بالدعوة دون المأمومين، وهذا في الصحيحين، وذاك في السنن فحكم على الثاني بالوضع، خفي عليه وجه الجمع، وهناك مسالك للجمع بين الحديثين.

النوع السابع والثلاثون: معرفة المزيد في الأسانيد:

شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: النهي عن تخصيص النفس بالدعاء محمولٌ على الدعاء الذي يؤمَّن عليه، أما الدعاء الذي لا يؤمَّن عليه فللإمام أن يخص نفسه، يدعو وهو ساجد إيش المانع؟ يدعو لنفسه وهو ساجد، يدعو لنفسه بين السجدتين "ربِ اغفر لي وارحمني" .. إلى آخره، ما يقول: "ربِ اغفر لنا وارحمنا" ما يلزم، ولا يقول في دعاء الاستفتاح: "اللهم باعد بيننا" ما يلزم، لماذا؟ لأن هذا الدعاء لا يؤمن عليه، لكن يعقل أن إمام يؤمُّ الناس في الوتر مثلاً يقول: "اللهم اهدني فيمن هديت" والمأمومون خلفه يقولون: "آمين" نعم، هنا المخالفة، والنهي هنا، ما يقول: "اللهم اهدني فيمن هديت" والمأمومون .. ، يمكن بعضهم يقول: الله لا يهديك، ما هو ببعيد، يخص نفسه دونهم "وعافني فيمن عافيت" والمأمومون صفوف خلفه يقولون: "آمين"؟ هنا يرد النهي، هذا مورد النهي عند شيخ الإسلام. السخاوي له ملحظ آخر في الحديث يقول: يخص الإمام نفسه بالدعاء المشترك الذي يقوله الإمام والمأموم، دعاء الاستفتاح يقوله الإمام والمأموم، فلا يلزم الإمام أن يكون يجمع الضمير، الدعاء بين السجدتين يقوله الإمام والمأموم فلا يلزم الإمام أن يجمع الضمير، لكن لو خص نفسه بدعوةٍ في السجود مما لا يقوله المأموم لا بد أن يجمع الضمير، لكن كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- كأنه أوضح. طالب:. . . . . . . . . لا، يفرد، الأصل الإفراد، الأصل أنه يدعو لنفسه، فإذا جمع يكون من باب التأكيد، لا من باب التعظيم، تعظيم النفس، وإلا هو واحد، أقول: هو واحد، والأصل في الواحد إفراد الضمير، لكن العرب، قد تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، كما ذكر ذلك الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في تفسير سورة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] من الصحيح، نعم. النوع السابع والثلاثون: معرفة المزيد في الأسانيد:

النوع الثامن والثلاثون: معرفة الخفي من المراسيل:

النوع السابع والثلاثون: معرفة المزيد في الأسانيد، وهو أن يزيد راوٍ في الإسناد رجلاً لم يذكره غيره، وهذا يقع كثيراً في أحاديث متعددة، وقد صنف الحافظ الخطيب البغدادي -رحمه الله- في ذلك كتاباً حافلاً، قال ابن الصلاح: وفي بعض ما ذكره نظر، ومثَّل ابن الصلاح هذا النوع بما رواه بعضهم عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن عبد الله بن يزيد بن جابر قال: حدثني بُسر بن عبيد الله، قال: سمعت أبا إدريس يقول: سمعت واثلة بن الأصقع يقول: سمعت أبا مرفد الغنوي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها)) ورواه آخرون عن ابن المبارك فلم يذكروا سفيان، وقال أبو حاتم الرازي: وهم ابن المبارك في إدخاله أبا إدريس في الإسناد، فهاتان زيادتان. النوع الثامن والثلاثون: معرفة الخفي من المراسيل: النوع الثامن والثلاثون: معرفة الخفي من المراسيل، وهو يعم المنقطع والمعضل أيضاً، وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابه المسمى بـ (التفصيل لمبهم المراسيل). وهذا النوع إنما يدركه نقاد الحديث وجهابذته قديماً وحديثاً, وقد كان شيخنا الحافظ المزي إماماً في ذلك، وعجباً من العجب فرحمه الله، وبل بالمغفرة ثراه. فإن الإسناد إذا عرض على كثير من العلماء ممن لم يدرك ثقات الرجال وضعفاءهم قد يغتر بظاهره, ويرى رجاله ثقات فيحكم بصحته ولا يهتدي لما فيه من الانقطاع أو الإعضال أو الإرسال; لأنه قد لا يميز الصحابي من التابعي، والله الملهم للصواب. ومثَّل هذا النوع ابن الصلاح بما روى العوَّام بن حوشب عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال بلال: قد قامت الصلاة نهض وكبر، قال الإمام أحمد: لم يلقَ العوَّام ابن أبي أوفى يعني فيكون منقطعاً بينهما، فيضعف الحديث لاحتمال أنه رواه عن رجلٍ ضعيفٍ عنه، والله أعلم.

هذان النوعان متقابلان، معرفة المزيد في متصل الأسانيد، ومعرفة الخفي من المراسيل، فعلى سبيل الإجمال إذا جاء حديث من طريقين في أحدهما زيادة في الرواة، يكون مروي من طريق ستة رواة، ومن طريقٍ آخر خمسة، الخمسة موجودون في الإسناد الأول والثاني، وبينما سادس زائد أو سابع، وهؤلاء خمسة متعاصرون أو على الأقل هذان اللذين سقطا منهما السادس في الإسناد الثاني، الناظر في الإسناد إما أن تترجح له الزيادة فيكون النقص من خفي المراسيل، أو يترجح عنده النقص فتكون الزيادة من المزيد في متصل الأسانيد، أو يصح عنده الأمران. ولا يبعد أن يروي الراوي الثقة حديثاً عن شخص عن آخر، ثم يلتقي بالشخص الآخر الذي روي عنه الحديث، روى عنه الحديث بواسطة فيرويه عنه بغير واسطة، الآن الصورة واضحة وإلا ما هي بواضحة؟ عندنا حديث مروي من طريقين، أحد الطريقين الوسائط ستة بينه وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والطريق الثاني الوسائط خمسة، الناظر في هذين الطريقين -وهو من أهل النظر- إن ترجح عنده الإسناد الناقص الخمسة، كيف يترجح؟ بالقرائن كما هو معروف، ترجح عنده الإسناد الناقص، فيكون السادس المذكور في الإسناد الأول من المزيد في متصل الأسانيد، إن ترجح عنده الإسناد الزائد الستة يكون الثاني من خفي المراسيل، إن ترجح عنده الأمران، ثبت عنده الأمران؛ لأنه قد يثبت الأمران، وليس بمستحيل أن يرد الحديث من طريق ستة أو من طريق خمسة، ليس بمستحيل، وهذا متصور جداً، تروي عن شخص عن آخر في بلدٍ آخر، ثم تسافر أو تلتقي به في حجٍ أو غيره الذي رويتَ عنه بواسطة فتروي عنه مباشرة، هذا واضح، فيصح الأمران، وحينئذٍ لا يحكم بأن ذاك زائد ولا ناقص، هذا من حيث الإجمال. "معرفة المزيد في متصل الأسانيد، وهو أن يزيد راوٍ في الإسناد رجلاً لم يذكره غيره" مثل ما نظرنا، هذا السادس الذي ذكر في الإسناد الأول ما ذكره غيره في الإسناد الثاني، وهذا يقع كثيراً في أحاديث متعددة، هذا واقع، له أمثلة كثيرة.

"وقد صنف الحافظ الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً حافلاً، قال ابن الصلاح: في بعض ما ذكره نظر" لماذا؟ لأنه مبنيٌ على اجتهاده؛ لأنه مبني على الاجتهاد، حكم بأن هذا من المزيد في متصل الأسانيد، نظر بين الأسانيد فترجح عنده الإسناد الناقص فحكم على هذه الأسانيد التي أوردها في كتابه بأنها من المزيد، وهل يكلف الإمام الحافظ الخطيب البغدادي رغم ما قيل فيه من بعض المعاصرين في اجتهاد غيره؟ ما يكلف، هو إمام في هذا الشأن، وفي كل باب، وفي كل نوع يمر علينا أنه صنف فيه كتاب، ويقال عنه ما يقال؟ والله المستعان. "وفي بعض ما ذكره نظر" لا بد أن يوجد نظر، الإمام الدارقطني في بعض ما ذكره نظر، أبو حاتم الرازي في بعض ما ذكره نظر، في أحد يخلو من النظر؟ من يعرو؟ من في أحد يعرو، في بعض ما ذكره نظر صحيح؛ لأنه قد يظهر للمجتهد الثاني خلاف ما ظهر للخطيب، فيكون فيه حينئذٍ نظر من هذه الحيثية، وقد يظهر للخطيب ما لم يظهر للدارقطني فيكون في اجتهاد الدارقطني نظر، فليس هناك أحد معصوم، أو أحد محيط بالعلم كله، أبداً، والله المستعان. " ... مثَّل ابن الصلاح هذا النوع بما رواه بعضهم عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن عبد الله بن يزيد بن جابر قال: حدثني بُسر بن عبد الله سمعتُ أبا أدريس يقول: سمعت واثلة بن الأصقع قال: سمعت أبا مرثدٍ الغنوي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تجلسوا على القبور، أو تصلوا إليها)) " الحديث مخرج في صحيح مسلم، "رواه آخرون عن ابن المبارك فلم يذكروا سفيان"، مباشرة عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن يزيد، "وقال أبو حاتم الرازي: وهم ابن المبارك في إدخال أبا إدريس في الإسناد" فيكون هناك زيادتان، رواه الآخرون عن ابن المبارك عن عبد الله بن يزيد بن جابر، قال: حدثني بسر بن عبد الله يقول: سمعت واثلة قال: سمعت أبا مرثد الغنوي فسقط اثنان، من يرجح الإسناد الأول الذي معنا، الذي مثل به ابن الصلاح، الذي يرجح هذا الإسناد، الذي فيه الاثنان معاً، يحكم على الثاني بأنه مرسل خفي، والذي يرجح الإسناد الثاني يحكم على الأول بأنه مزيد في متصل الأسانيد، وبهذا تتضح الصورة، الآن الصورة فيها خفاء؟

نأتي إلى معرفة الخفي من المراسيل، يقول: وهو .... هاه؟ طالب:. . . . . . . . . مخرج على أبي مرثد. إيه. . . . . . . . . طالب:. . . . . . . . . ما يخالف، لكنه .. ، هذا حديث أبي مرثد في صحيح مسلم، مروي من طريقين، الكلام في حديث أبي مرثد. "معرفة الخفي من المراسيل" يقول: "وهو يعم المنقطع والمعضل أيضاً" عندنا الانقطاع من أسباب الضعف، من أسباب ضعف الخبر الانقطاع في إسناده، والانقطاع نوعان: ظاهر وخفي، الظاهر أنواع: يشمل المعلق الذي حذف من مبادئ إسناده من جهة المصنف راوٍ أو أكثر، ولو إلى آخر الإسناد، المنقطع الذي سقط من أثناء إسناده راوٍ واحد، أو أكثر من راوي لا على التوالي، المعضل الذي سقط من إسناده أكثر من راوي، راويان فصاعداً على التوالي، والمقصود من أثناء إسناده؛ لأنه إن سقط اثنان على التوالي من مبادئ الإسناد صار معلقاً. المرسل: الذي يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا على قول الأكثر، وإلا هناك تعريفات لهذه الأنواع تعرضنا لها في وقتها، لكن القسمة هنا الأصلية ثنائية ظاهر وخفي، الظاهر قسمته رباعية، الخفي ينقسم إلى قسمين؛ لأن للراوي مع من يروي عنه حالات، إذا وقفت على إسناد فيه فلان عن فلان، لا يخلو إما أن يكون فلان الثاني لقي الأول وسمع منه، أولاً: إما أن يكون سمع منه، وهذا أخص الخصوص، أو يكون لقيه ولم يسمع منه، أو يكون عاصره ولم يلقه، أو لم يعاصره، الحالات أربع في احتمال غير هذه الأربع؟ سمع منه، أو لقيه ولم يسمع منه، أو عاصره ولم يلقه، أو لم يعاصره، صح وإلا لا؟ في احتمال خامس؟ في صورة يمكن أن تصور خامسة؟ إذا سمع الراوي عمن .. ، إذا روى الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه بصيغةٍ موهمة هذا يسمى إيش؟ تدليس، إذا روى الراوي عمن سمع منه أحاديث ما لم يسمعه منه، يعني هذا الحديث ما سمعه منه، بصيغةٍ موهمة كالعنعنة مثلاً هذا إيش؟ تدليس اتفاقاً.

الصورة الثانية: إذا روى الراوي عمن لقيه، يعني لم يثبت سماعه منه، هناك في الصورة الأولى ثبت سماعه منه لأحاديث، لكن هذا الحديث على وجه الخصوص لم يسمعه منه، إذا روى الراوي عمن لقيه ولم يثبت أنه سمع منه، إذا لقيه ثبت لقاؤه له ما لم يسمعه منه بصيغةٍ موهمة هذه أيضاً تدليس، إذا روى الراوي عمن عاصره ولم يثبت لقاؤه له بصيغةٍ موهمة كالعنعنة يصير من النوع؟ طالب: تدليس. لا، المرسل الخفي، وهذا هو الفرق بين المرسل الخفي والتدليس، لأن بعضهم لا يفرق، وحينئذٍ يقع في إشكالٍ كبير، لو قلنا: إن الرواية عن مجرد المعاصر تدليس ما سلم أحد من التدليس. المقصود أن الصورة الرابعة: إذا روى شخص عمن لم يعاصره، هذا الراوي مات سنة مائة، والذي روى عنه ولد سنة مائة وعشرة، هل نقول: تدليس؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . ظاهر ظاهر، سقطٌ ظاهر، انقطاع ظاهر، ليس بتدليس ولا بإسناد خفي، فلنكن على ذكرٍ من هذه الصور وفصلناها فيما مضى. ولذا فقوله: "يعم المنقطع والمعضل أيضاً" المعضل الساقط منه اثنان، فكيف يكون من خفي المراسيل؟ اللهم إلا في صورةٍ واحدة لو أسقط المعاصر في حالة من روى عنه وقد عاصره أسقط واسطتين، حينئذٍ هو معضل في الحقيقة، لكنه باعتباره خفي مرسل خفي.

"وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً وهو المسمى بـ (بالتفصيل لمبهم المراسيل)، وهذا النوع إنما يدركه نقاد الحديث وجهابذته قديماً وحديثاً" مثل التدليس ما كلٍ يدركه، يعني إيش يدريك أنت هذا ما روى هذا الحديث على هذا الشيخ؟ ما الذي يدريك أنه ما رواه؟ هو لقيه أو على أقل الأحوال عاصره، واحتمال أن يكون لقيه والاحتمال الثاني ما لقيه، ولذا لا يدرك هذا النوع إلا نقاد الحديث وجهابذته قديماً وحديثاً، ليدخل مثل شيخه، "وقد كان شيخنا الحافظ المزي إماماً في ذلك، وعجباً من العجب" كررها مراراً، وأثنى على الحافظ المزي في مواضع، وهو أهل لأن يثنى عليه، أهلٌ بل هو فوق ما ذكر -رحمه الله-، لكن من الحافظ ابن كثير وهو زوج ابنته؟ نعم، في كل موضع يشيد به، هو أهلٌ لذلك، بل فوق ما يذكره الحافظ ابن كثير، والله المستعان، يقول: "فرحمه الله، وبل بالمغفرة ثراه" يعني له أمثال يدركه أئمة جهابذة مثل الحافظ المزي بل فوقه، لكن كونه ينص على الحافظ المزي في كل المواضع، ويغفل غيره، عاد هذه ما تسلم من انحياز، وإن كان الحافظ المزي فوق ما ذكر. يقول: "فإن الإسناد إذا عرض على كثيرٍ من العلماء" كثير؟! ومن العلماء أيضاً؟! "ممن لم يدرك ثقات الرجال وضعفاءهم" هل نستطيع أن نقول: من العلماء وهم لا يدركون الثقات من الضعفاء؟ هاه؟ هؤلاء ليسوا بأهل العلم، والمقصود العلم بهذا الشأن، "قد يغتر بظاهره ويرى رجاله ثقات" هو ما يدرك هل هم ثقات أم ضعفاء؟ كيف يرى أنهم ثقات؟ "فيحكم بصحته، ولا يهتدي لما فيه من الانقطاع" هو الذي قد يغتر إذا كانوا ثقات، ما في احتمال أنهم ضعفاء، قد يغتر بظاهره من فتش في كتب الرجال فوجد الرواة ثقات، ليس فيهم ضعف، فيغتر به فيصححه، وهؤلاء الثقات لقي بعضهم بعضاً، وغفل عن قضية التدليس، أو الإرسال الخفي "فيحكم بصحته، ولا يهتدي لما فيه من الانقطاع، أو الإعضال، أو الإرسال؛ لأنه قد لا يميز الصحابي من التابعي" يمكن أن يكون هذا؟ كثير من العلماء لا يميزون بين الصحابي والتابعي؟ لا يمكن، "والله الملهم للصواب".

النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-:

"ومثَّل هذا النوع ابن الصلاح بما رواه العوَّام بن حوشب عن عبد الله بن أبي أوفى كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال بلال: "قد قامت الصلاة" نهض وكبر، قال الإمام أحمد: لم يلقَ العوَّام ابن أبي أوفى" إذا لم يلقَ الراوي من روى عنه يكون هناك واسطة، فيكون الخبر منقطعاً، "يعني فيكون منقطعاً بينهما فيضعف الحديث لاحتمال أنه رواه عن رجلٍ ضعيف عنه" كما تقدم نظيره في المنقطع وفي المرسل وغيره، والله المستعان. الحديث أيضاً عند البيهقي من طريق الحجاج بن أرطأة، وهو ضعيف أيضاً، فالصواب أن المأموم ينهض إذا رأى الإمام، ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)) نعم، وهذا الحديث في الصحيح، نعم. النوع التاسع والثلاثون. . . . . . . . . طالب:. . . . . . . . . بعضهم يخلط فيجعل من صور التدليس المعاصرة فقط، التي هي خاصة بالإرسال الخفي، وعلى هذا ابن الصلاح ومن دار في فلكه عنده شيء من الخلط في هذا، لكن لا يتحرر الفرق إلا إذا خصصنا التدليس بالسماع واللقاء، والمرسل الخفي بالمعاصرة فقط دون سماعٍ ولا لقاء. النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-: النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، والصحابي: من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حال إسلام الرائي، وإن لم تطل صحبته له, وإن لم يروِ عنه شيئاً، وهذا قول جمهور العلماء خلفاً وسلفاً. وقد نص على أن مجرد الرؤية كافٍ في إطلاق الصحبة البخاري وأبو زرعة وغير واحد ممن صنف في أسماء الصحابة كابن عبد البر وابن مندة وأبي موسى .... منده منده بدون تاء، منده وداسه وماجه كلها بدون نقط، نعم. كابن عبد البر وابن منده وأبي موسى المديني وابن الأثير في كتابه: (الغابة في معرفة الصحابة) وهو أجمعها وأكثرها فوائد وأوسعها -أثابهم الله أجمعين-. قال ابن الصلاح: وقد شان ابن عبد البر كتابه: (الاستيعاب) بذكر ما شجر بين الصحابة مما تلقاه من كتب الإخباريين وغيرهم، وقال آخرون: لا بد من إطلاق الصحبة مع الرؤية أن يروي عنه حديثاً أو حديثين.

وعن سعيد بن المسيب -رضي الله عنه ورحمه-: لا بد من أن يصحبه سنةً أو سنتين، أو يغزو معه غزوةً أو غزوتين، وروى شعبة عن موسى ... طالب: السبلاني؟ بالباء أو بالياء؟ طالب: بالباء. نعم ابن كثير تَبِعَ ابن الصلاح بالباء، وحرر الحافظ العراقي تبعاً لابن السمعاني في الأنساب أنه بالياء بالمثناة، نعم، لكن أنت على أنه بالموحدة؛ لأن المؤلف قاله كذلك. وروى شعبة عن موسى السبلاني وأثنى عليه خيراً، قال: قلتُ لأنس بن مالك -رضي الله عنه-: هل بقي من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدٌ غيرك؟ قال: ناسٌ من الأعراب رأوه، فأما من صحبه فلا، رواه مسلم بحضرة أبي زرعة، وهذا إنما نفى فيه الصحبة الخاصة، ولا ينفي ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كافٍ في إطلاق الصحبة لشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجلالة قدره وقدر من رآه من المسلمين، ولهذا جاء في بعض ألفاظ الحديث الصحيح: ((تغزون فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لكم)) حتى ذكر من رأى من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحديث بتمامه، وقال بعضهم في معاوية وعمر بن العزيز: "ليومٌ شهده معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ من عمر بن العزيز وأهل بيته". يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في حد الصحابي: "من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به في حال إسلام الراوي" يعني ومات على الإسلام، ولو تخلله ردة، يقول: "الصحابي: من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حال إسلام الراوي" أو الرائي؟ طالب: الرائي. الرائي نعم؛ لأن عندنا في النسخة الراوي، "في حال إسلام الراوي -أو الرائي- وإن لم تطل صحبته له، وإن لم يروِ عنه شيئاً".

رأي الجمهور في حد الصحابي أنه: من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به، ولو قيل: من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به، ومات على ذلك؛ ليشمل العميان، اللقاء أوسع، وأشمل من مجرد الرؤية، لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به ومات على ذلك، ولو تخلله ردة، لو ارتد ورجع إلى الإسلام ومات على الإسلام فهو صحابي، "هذا قول جمهور العلماء خلفاً وسلفاً، وقد نص على أن مجرد الرؤية كافٍ لإطلاق الصحبة الإمام البخاري" في صحيحه، نص على ذلك، في فضائل الصحابة، كما نص على ذلك "أبو زرعة الرازي، وغير واحد ممن صنف في أسماء الصحابة" على كل حال هو قول جمهور أهل العلم "كابن عبد البر وابن منده وأبي موسى المديني وابن الأثير في كتابه: (الغابة) " واسمه؟ طالب: أسد الغابة. نعم (أسد الغابة في معرفة الصحابة)، "وهو أجمعها وأكثرها فوائد" لأنه جمع الكتب التي تقدمت "وأوسعها، أثابهم الله أجمعين" حرصوا على تمييز الصحابة عن غيرهم لما للصحبة من فضل ومزية وشرف، وأُفردوا بالكتب، وبعد ذلك جاء الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- فجمع ما في هذه الكتب كلها، وزاد عليها ما وقف عليه، إما في سند حديث يقول: سمعت النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو ثبتت صحبته بقول واحد، أو بطريقٍ آخر، أو ادعيت صحبته، فالكتاب مقسم إلى أقسام، كتاب: (الإصابة) وهو أجمع هذه الكتب، وفيه ما يزيد على اثني عشر ألف ترجمة. "قال ابن الصلاح: وقد شان ابن عبد البر كتابه: (الاستيعاب) -في معرفة الأصحاب- بذكر ما شجر بين الصحابة مما تلقاه عن كتب الإخباريين وغيرهم" نعم ذكر ما شجر بين الصحابة، لا شك أنه مما ينبغي الإعراض عنه؛ لأن هذا لا بد أن يؤثر في النفس، والصحابة منزلتهم عند الله عظيمة، وجاءت النصوص بذكرهم وشرفهم، والإشادة بهم بنصوص الكتاب والسنة، على ما سيأتي قريباً -إن شاء الله تعالى-.

"وقال آخرون: لا بد في إطلاق الصحبة مع الرؤية أن يروي حديثاً أو حديثين" هذا قول في تعريف الصحابي، الذي لم يروِ شيئاً على هذا لا يقال له: صحابي، لكن لو غزا بدون رواية ماذا نقول عنه؟ القول الذي يليه: لا بد من أن يصحبه سنة أو سنتين، أو يغزو معه غزوة أو غزوتين، يعني ولو لم يروِ شيئاً، والصواب أنه لا هذا ولا ذاك؛ لأن الأئمة أطبقوا على ذلك الحد السابق أنه مجرد الرؤية واللقاء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- مثبت للصحبة، نعم الصحبة الخاصة من صحبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة، والمقربين من الصحابة هذه صحبة خاصة، وأما مجرد الرؤية فهي صحبة عامة، {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ثناء {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [(29) سورة الفتح]. سعيد بن المسيب يقول: "لا بد من أن يصحبه سنةً أو سنتين" إن صح عنه، وإلا ففي ثبوته عنه نظر، "أو يغزو معه غزوةً أو غزوتين" المقصود أنها تثبت صحبته، إما برواية أو بغزوة أو بشهادة ثقة، أو بادعائه هو، والمفترض أن يكون ثقة، يعني الذي ذكر أنه صحابي وهو ثقة يقبل قوله؛ لأن هذا خبر، وخبر الثقة مقبول مع إمكان القبول، أما إذا لم يمكن القبول، جاءنا شخص سنة مائة وخمسين وقال: هو صحابي يقبل وإلا ما يقبل؟ ما يقبل، لو جاءنا سنة مائة واثنا عشر قال: أنا صحابي قلنا: ما هو بصحيح، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم هذا الحديث.

أقول: إذا أمكن قبول الدعوى من شخصٍ ثقة ثبتت صحبته على ما سيأتي بما تثبت به الصحبة، لكن إذا لم يمكن سنة مائة واثنا عشر شخص قال: هو صحابي، وظاهره العدالة، نقول: لا؛ لأنه ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ما من نفسٍ منفوسة يأتي عليها مائة سنة ممن هو على وجه الأرض .. )) صح وإلا لا؟ الحديث. . . . . . . . . ما تكمل، فهذا يعارض، ولذا جزم أهل العلم أن آخر من مات من الصحابة أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة عشرٍ ومائة، وقد ادعى رتن الهندي الصحبة بعد ستمائة، وصدقه جمعٌ غفير من أوباش الناس، واعتقدوا فيه، زعم أنه صحابي، وهو جاء بعد الستمائة، وترجم في كتب الرجال، لكن لبيان كذبه وافترائه، والله المستعان. "روى شعبة عن موسى السبلاني – أو السيلاني- وأثنى عليه خيراً قال: قلتُ لأنس بن مالك" وقد توفي سنة ثلاثٍ وتسعين في أواخر القرن الأول: "هل بقي من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدٌ غيرك؟ قال: ناس من الأعراب رأوه، فأما من صحبه فلا، رواه مسلم، في حضرة أبي زرعة" خبر جيد، إسناده جيد، لكن الصحبة المنفية هي التي تثبت لمن دام الصحبة، الصحبة اللغوية، الصحبة العرفية، لا الصحبة الشرعية، الصحبة العرفية يعني شخص لقيته في الشارع تقول: هذا صاحبٍ لي، أو جمعك به مجلس واحد لمدة ساعة أو نصف ساعة، تقول: هذا صاحب؟ نعم عرفاً ليس بصاحب، فهذا المنفي في هذا الخبر، أما الصحبة المحررة للصحابة عند جمهور أهل العلم فتثبت بمجرد الرؤية. "وهذا إنما نفى فيه الصحبة الخاصة، ولا ينفي ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كافٍ في إطلاق الصحبة لشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجلالة قدره، وقدر من رآه من المسلمين، ولهذا جاء في بعض ألفاظ الحديث: ((تغزون)) -حديث صحيح مخرج في الصحيحين وغيره- ((تغزون فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم)) حتى ذكر من رأى من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحديث بتمامه" يعني فيفتح لهم.

وقال بعضهم في المفاضلة بين معاوية -رضي الله عنه- وعمر بن عبد العزيز، ومنزلة عمر بن عبد العزيز بين التابعين معروفة، ومنزلة معاوية من الصحابة معروفة، فبعضهم قد يتراءى له مع ما اتصف به عمر بن عبد العزيز من العلم والزهد والورع ونقاء السيرة، ما قد يجعله يفضل على بعض الناس ممن خاض في بعض الأمور التي تورع عنها كثيرٌ من الصحابة، في قتال وحروب وتولى أعمال، المقصود أن بعض الناس قد يتراءى له تفضيل بعض الناس على من هو دونه من وجهة نظره، ويغفل عن السبب المؤثر في الترجيح، الصحبة لا يعدلها شيء، ولذا لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) دل على أن الصحابة هم أفضل ناس على الإطلاق، فلا يمكن أن يوجد في التابعين ولو أفضل التابعين أويس القرني أو سعيد بن المسيب أفضل من أقل الصحابة شأناً. المقصود أن الصحابة هم أفضل الأمة، ولا يوجد من يدانيهم ولا يقاربهم، وإن كان رأي ابن عبد البر في المسألة أن التفضيل إجمالي ((خيركم قرني، ثم الذي يلونهم)) يعني في الجملة، تفضيل القرن على القرن، وإلا قد يوجد في أفراد القرن الثاني من هو أفضل من بعض أفراد القرن الأول، لكنه قول مرجوح، وقد جاء في الحديث -وهو صحيح-: أن للعامل بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- أجر خمسين من الصحابة، إذاً هو أفضل من الصحابة؟ نعم قد يكون أفضل في هذا العلم على وجه الخصوص الذي عمله، لكن شرف الصحبة قدرٌ لا يشاركهم ولا يدانيهم فيهم أحد، وهذا ظاهر. لو تصورنا شخص لو تصورنا اثنين أحدهم متصف بالعلم والعمل، والآخر عامي لا علم ولا عمل يذكر، يعني وإن كان مسلم، هذا العالم تصدق على شخص قد لا يكون هذا الشخص محتاج، أو حاجته أقل، ثم جاء هذا العامي فتصدق على شخصٍ أنقذه من موت بهذه الصدقة، نقول: صدقة هذا العامي أفضل من خمسين من صدقة هذا العالم، لكن أين هذا العامي في الجملة من هذا العالم العامل ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ فالوصف الذي شرف به صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يدانيهم فيه أحد.

"وقال بعضهم في معاوية وعمر بن عبد العزيز: ليومٌ شهده معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ من عمر بن عبد العزيز، وأهل بيته" على ما اتصف به عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، ورحمه رحمةً واسعة، ورضي عن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان. طالب:. . . . . . . . . لا شك أن المتقدم له شأن، التقدم في الزمن له شأن، والعلماء السابقون لا يلحقهم ولا يدانيهم من جاء بعدهم، فالفصل للمتقدم، ولولا المتقدم ما حاز المتأخر شيء، بواسطة الصحابة انتقل لنا الدين، ولولا الصحابة ما وصل إلينا الدين، كيف يصل إلينا؟ بطريق منقطع؟! فلهم الفضل علينا، والفضل أولاً وآخراً لله -سبحانه وتعالى-، لكن لهم فضل، حفظوا الدين، ونقلوه إلى من بعدهم وبلغوه، ولم يألوا جهداً في تبليغه للناس، وعلمهم لا شك أنه قليل، كلامٌ قليل لكنه علمٌ مبارك، بخلاف العلم عند المتأخرين الكلام كثير، لكن البركة قليلة، فمن نظر في كتاب: (فضل علم السلف على الخلف) للحافظ ابن رجب عرف مقدار الرجال، ومن عرف حال أبي بكر الإسماعيلي كما قال الحافظ الذهبي جزم يقيناً أن المتأخرين على يأسٍ تام من لحاق المتقدمين، لكن ما يمنع أن يوجد في القرن الثالث أو الرابع أو الخامس شخص أفضل من أهل القرن الثاني، لكن في الجملة أهل القرن الثاني أفضل من أهل القرن الثالث وهكذا، هنا التفضيل إجمالي، ولم يستثنَ من ذلك إلا الصحابة لشرف الصحبة. وإذا أردنا المفاضلة مثلاً بين شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً، أو الإمام أحمد أو مالك أو الشافعي أو أبو حنيفة ماذا نقول؟ أيهم أفضل؟ إيش؟ طالب:. . . . . . . . . إحراج؟ ما في إحراج. طالب:. . . . . . . . .

رشيد رضا، محمد رشيد رضا سئل هذا السؤال أيهم أفضل شيخ الإسلام ابن تيمية؟ أو أعلم شيخ الإسلام أو الأئمة الأربعة؟ أقول: باعتبار أنه تخرج على كتبهم وكتب أتباعهم فلهم الفضل عليه، وباعتبار أنه أحاط بكتبهم وكتب أتباعهم فهو أعلم من هذه الحيثية، لكن يبقى أن الحافظ ابن رجب -رحمه الله- أورد كلام مقتضاه أن من يفضل مثل شيخ الإسلام على الإمام أحمد يلزمُ منه أنه يفضل المتأخر على المتقدم عموماً، لماذا فضلت شيخ الإسلام؟ لكثرة كلامه في العلوم، فجعلت الإمام أحمد مفضول لقلة كلامه، إذاً فضل الإمام أحمد على من قبله على الصحابة؟ كم يُحفظ لأبي بكر بالنسبة لما حفظه الإمام أحمد من السنة؟! يلزم عليه لوازم باطلة، فيعرف للناس أقدارهم، شيخ الإسلام إمام، ومن جاء بعده أئمة، وجاء قبله هم الأئمة على التحقيق، نعم فرع. فرعٌ: والصحابة كلهم عدولٌ عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغبةً فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل. وأما ما شجر بينهم بعده -عليه الصلاة والسلام- فمنه ما وقع عن غير قصدٍ كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهادٍ كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذورٌ وإن أخطأ ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان عليٌ وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه -رضي الله عنهم أجمعين-.

وقول المعتزلة: الصحابة عدولٌ إلا من قاتل علياً قولٌ باطل مرذول ومردود، وقد ثبت في صحيح البخاري -رحمه الله- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال عن ابن بنته الحسن بن علي، وكان معه على المنبر: ((إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر بعد موت أبيه علي -رضي الله عنه-، فاجتمعت الكلمة على معاوية وسمي عام الجماعة، وذلك سنة أربعين من الهجرة، فسمى الجميع مسلمين، وقال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، ومن كان من الصحابة مع معاوية؟ يقال: لم يكن في الفريقين مائة من الصحابة، وعن أحمد: ولا ثلاثون، والله أعلم. وجميعهم صحابة فهم عدولٌ كلهم، وأما طوائف الروافض وجهلهم وقلة عقلهم ودعواهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابياً وسموهم فهو من الهذيان بلا دليلٍ إلا مجرد الرأي الفاسد عن ذهنٍ باردٍ وهوىً متبع، وهو أقل من أن يرد عليه، والبرهان على خلافه أظهر وأشهر، مما علم من امتثالهم أوامره بعده -عليه السلام-، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبليغهم عنه الكتاب والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة، ومواظبتهم على الصلوات والزكوات وأنواع القربات في سائر الأحيان والأوقات، مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمةٍ من الأمم المتقدمة، ولا يكون أحدٌ بعدهم مثلهم في ذلك، ورضي الله عنهم أجمعين، ولعنَ الله من يتهم الصادق ويصدق الكاذبين، آمين يا رب العالمين.

يقول -رحمه الله تعالى-: "فرعٌ والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة" مذهب أهل السنة والجماعة الوسط في هذه الأمور، فهم يرتضون عن الصحابة، ويتولونهم كلهم خلافاً للروافض، كما أنهم يترضون عن الآل لا سيما من كان منهم على الهدى خلافاً للنواصب، فالصحابة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن توافر فيه الحد السابق الذي عليه جماهير أهل العلم كلهم عدول، لا يجوز الطعن في أحدٍ منهم ولا واحد، ولو كان أقلهم شأناً، وليس معنى أنهم عدول .. ، عدول من حيث الديانة، وأما من حيث الضبط فهم متفاوتون، وليسوا بمعصومين من حيث الضبط، يخطئ الصحابي، قد يخطئ، وقد ينسى، وقد يحفظ، وأخبارهم في ذلك معروفة، ليسوا بمعصومين، لكنهم من حيث العدالة كلهم عدول، ومن قارف منهم شيئاً مما يعاب به ويذم فإن الله -سبحانه وتعالى- يكفره له بأعماله العظيمة، وبشرف صحبته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ويوفقون مع ذلكم للتوبة، مستند ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- أثنى عليهم في كتابه العزيز: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [(29) سورة الفتح] وفي سورة الحشر ذكرهم وذكر المهاجرين وأثنى عليهم، ثم ذكر الأنصار وأثنى عليهم، ثم ذكر من اقتدى بهم ممن أتى بعدهم، وترضى عنهم وترحم عليهم، "وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم"، والسنة مستفيضة في مدح الصحابة، ومدح ذلك الجيل الذين صحبوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا التفات إلى قولِ من قدح فيهم، ولا حظ له حينئذٍ من النظر، فنطقت السنة المستفيضة، بل المتواترة في مدح الصحابة في جمع أحوالهم وأخلاقهم وأفعالهم، قد بذلوا الأموال والأرواح، بذلوا مهجهم وأرواحهم وأنفسهم فداءً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فداءً لدينه بين يديه -عليه الصلاة والسلام- "رغبةً فيما عند الله -سبحانه وتعالى- من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل".

حصل من الصحابة بعده -عليه الصلاة والسلام- ما حصل من ارتداد بعضهم، وقاتلهم الصديق -رضي الله عنه-، ورجع كثيرٌ ممن ارتد، وقتل من قتل، لكن يبقى أن هذا النوع نفرٌ يسير بالنسبة لجملة الصحابة، ووقع بينهم أيضاً بعض النزاع والخلاف، حصل بينهم شيء من الحروب منه ما هو من غير قصد، والفتن إذا حلت قد تلجئ الناس وتحوجهم وتجرهم إلى ما لا يريدون وما لا يقصدون، نسأل الله السلامة من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، من هذا النوع ما وقع من غير قصد؛ لأن الإنسان إذا ماجت الفتنة ماذا يصنع؟ يحتار ويطيش عقله، وحينئذٍ لا يتصرف التصرف حسب مقتضى النظر الصحيح، قد لا يسعفه الوقت في الموازنة بين الأمور، نعم من الصحابة من اعتزل وترك، ولا شك أن مثل هذا أسلم، ومنهم من وفق وانضم إلى الصف الذي في جانبه الإصابة، ومنهم من اجتهد وانضم إلى الصف المفضول، وعلى كل حال هم مجتهدون ومعذورون، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجرٌ واحد. يقول: "منه ما وقع من غير قصد كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران" أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، والمخطئ معذور وله أجرٌ واحد وهو أجر الاجتهاد، "وكان عليٌ وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية"، وجاءت النصوص التي تدل على ذلك. "وقول المعتزلة الصحابة عدول إلا من قاتل علياً" مقتضاه أن معاوية ومن قاتل معه ليسوا بعدول، لكن هذا "قولٌ باطل مرذول ومردود" ولا التفات له، والمعتزلة في هذا الباب ضلوا كما ضل من هو شرٌ منهم، يعني في باب الصحابة من الروافض وغيرهم.

يقول: "وقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال عن ابن بنته الحسن بن علي، وكان معه على المنبر: ((إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) " وقد وقع ولله الحمد، تنازل لمعاوية عن الأمر، واستتب الأمر لمعاوية، وكلهم مسلمون، ومدح بالتنازل لمعاوية، وسمي سماه النبي -عليه الصلاة والسلام- صلح، والصلح خير، فلو لم يكن معاوية صحابي وأهل للخلافة والولاية، وأن خلافته شرعية لما مدح من تنازل له، ((إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) فدل هذا على صحة خلافة معاوية، وأنها شرعية، وأن طاعته واجبة، نعم هو في وقت علي -رضي الله عنه- مخطئ، لكنه مجتهد -رضي الله عن الجميع وأرضاهم-. "وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر بعد موت أبيه علي، واجتمعت الكلمة على معاوية" بعد اجتماع الكلمة لا يجوز لأحد ولا يصوغ له بوجه أن يخرج على من اجتمعت له الكلمة، واستتب له الأمر ولو كان عبداً حبشياً، فضلاً عن كونه صحابياً، "وسمي عام الجماعة، وذلك في سنة أربعين من الهجرة فسمى الجميع مسلمين"، ((بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) قال الله -جل وعلا-: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] اقتتلوا ومع ذلكم هم مؤمنون بنص القرآن، فالقتال سواءً كان بين الصحابة أو بين غيرهم لا يخرجهم عن دائرة الإيمان مع الاقتتال. "ومن كان مع الصحابة مع معاوية؟ يقال: لم يكن في الفريقين مائة من الصحابة" في الفريقين لا مع معاوية ولا مع علي، لم يكن في الفريقين الصحابة، وإنما الفريقان جمعٌ من مجتمع الناس الذين اجتمعوا، الذين حرضوا على قتل عثمان -رضي الله عنه-، والذين يطلبون بثأره فحصلت الفتنة، وطاشت العقول، فحصل ما حصل بسبب ذلك، والله المستعان.

"وأما طوائف الروافض" الذين يزعمون أن الصحابة ارتدوا بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، "وجهلهم" يقول: لجهلهم وقلة علمهم، ودعاواهم الباطلة في "أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابياً" لأن هؤلاء الصحابة هم خواص علي -رضي الله عنه-، يريدون بذلك أن يبينوا أن هؤلاء الذين قاتلوا علياً، والذين لم ينصروه كلهم كفار، نسأل الله العافية، كلهم ارتدوا، وهؤلاء الروافض يظهر من تصرفاتهم عدم قصد الحق، وإلا لو بحثوا عن الحق لوجدوه، وقولهم يترتب عليه هدم الدين بالكلية؛ لأنه كيف وصلنا الدين؟ كيف وصل الدين بجملته من جيل الصحابة إلى جيل التابعين، ومن جيل التابعين إلى من بعدهم إلى يومنا هذا؟ إلا عن طريق الصحابة، فإذا طعنا في الراوي طعنا في المروي، كيف تقبل رواية مرتد؟! فإذا طعنا في الراوي طعنا في المروي، وعلى هذا يلزم من قولهم الطعن في الدين بالكلية، ولا يبقى لنا حينئذٍ دين؛ لأنه إنما وصلنا من طريقهم. يقول: "فهو من الهذيان بلا دليل إلا مجرد الرأي الفاسد عن ذهنٍ بارد" لا نقول: عن ذهنٍ بارد، بل صدر عن كيد للإسلام، وبابُ الرفض مدخلٌ واسع، كما قال شيخ الإسلام: دخل معه كل زنديق يكيد للإسلام وأهله. يقول: "وهو أقل من أن يرد"، وقد تولى شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- الرد عليهم، وتفنيد مزاعمهم ودعاويهم، وإبطال أدلتهم في كتابه العظيم الذي لا يستغني عنه طالب علم، لا سيما في مثل هذه الأيام، وهذه الظروف والأحوال التي رفع الروافض فيها رؤوسهم، في كتابه: (منهاج السنة) في الرد ابن المطهر الحلي.

أفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد الأنبياء:

يقول: "والبرهان على خلافه أظهر وأشهر، مما علم من امتثالهم أوامره بعده -عليه الصلاة والسلام-، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبليغهم عنه الكتاب والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة" هذا أمرٌ مستفيض لا يحتاج إلى استدلال، "ومواظبتهم على الصلوات والزكوات وأنواع القربات، في سائر الأحيان والأوقات" في زمنه -عليه الصلاة والسلام- وبعده، "مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار" وعرفنا أنهم قدموا أنفسهم فداءً لدينهم ونبيهم -عليه الصلاة والسلام-، كما اشتملوا على "الأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة، ولا يكون أحداً بعدهم مثلهم في ذلك، فرضي الله عنهم أجمعين، ولعن الله من يتهم الصادق، ويصدق الكاذبين"، يقول الحافظ ابن كثير: "آمين يا رب العالمين". وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سم. أفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد الأنبياء: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين. قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في النوع التاسع والثلاثين: "وأفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أبو بكر عبد الله بن عثمان التيمي خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسمي بالصديق لمبادرته إلى تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل الناس كلهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما دعوتُ أحداً إلى الإيمان إلا كانت له كبوةٌ إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم)) وقد ذكرتُ سيرته وفضائله ومسنده والفتاوى عنه في مجلدٍ على حدة، ولله الحمد. ثم من بعده عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهم أجمعين-، هذا رأي المهاجرين والأنصار حين جعل عمر الأمر من بعده شورى بين ستة، فانحصر في عثمان وعلي، واجتهد فيهما عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها، حتى سأل النساء في خدورهن، والصبيان في المكاتب فلم يروهم .. " يرهم، يرهم، فلم يرهم يعني عبد الرحمن بن عوف.

فلم يرهم يعدلون بعثمان أحداً، فقدمه على علي وولاه الأمر قبله، ولهذا قال الدارقطني -رحمه الله تعالى-: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وصدق -رضي الله عنه وأكرم مثواه-، وجعل جنة الفردوس مأواه، والعجب أنه قد ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم علي على عثمان، ويحكى عن سفيان الثوري، لكن يقال: إنه رجع عنه، ونقل مثله عن وكيع بن الجراح، ونصره ابن خزيمة والخطابي، وهو ضعيفٌ، مردود بما تقدم. ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية، وأما السابقون الأولون فقيل: هم من صلى القبلتين ... إلى، إلى، من صلى إلى القبلتين، صلى القبلتين؟ صلى الصلاتين ما نقول: صلى القبلتين، الذي تُصلى الصلاة وليست القبلة، القبلة هي جهة يُصلى إليها، نعم. وأما السابقون الأولون فقيل: هم من صلى إلى القبلتين، وقيل: أهل بدر، وقيل: أهل بيعة الرضوان، وقيل: غير ذلك، والله أعلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا النوع المهم الذي ينبغي لطالب العلم أن يعتني به تعريف الصحابي، وما للصحابة من حقوق، ذكر -رحمه الله تعالى- بعد ذلك أفضل الصحابة، بادئاً بالعشرة، ثم من يليهم على الترتيب، فقال: أفضل الصحابة يعني على الإطلاق، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء -عليهم السلام- أبو بكر عبد الله بن عثمان أبي قحافة التيمي خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصديق، سُمي بذلك لمبادرته إلى تصديق الرسول -عليه الصلاة والسلام- قبل الناس كلهم، صدقه -رضي الله عنه- صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- في أمورٍ لم تحتملها عقول كثيرٍ من الناس، وبادر إلى التصديق فاستحق هذا اللقب وأُنزل من الإسلام بهذه المنزلة.

بعض الناس إذا رأى الأعمال الظاهرة، وما ينقل عن الصحابة وعن الخلفاء استروح ومال من خلال هذه النقول مما يتعلق بالأعمال الظاهرة إلى تفضيل عمر، ولا شك أن عمر له مواقف كثيرة، وذكره قد يفوق ذكر أبي بكر في كثيرٍ من الأمور الظاهرة، وأبو بكر -رضي الله عنه- ما فاق الناس بكثرة صيامٍ ولا صلاة، إنما فاقهم بما وقر في قلبه، وهذا أمرٌ يغفل عنه كثيرٌ من الناس، ومثله ما ذهب إليه بعضهم من تفضيل علي -رضي الله عنه- لنباهة ذكره بين الصحابة، ولقربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- على عثمان، ولم يلتفتوا إلى أن الميزان هو القلب، وهذا أمرٌ خفي لا يُطّلع عليه، لكن إذا وجد النص قضى على كل قال، فالنص المستفيض عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل الذي قد يصل إلى حد التواتر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أفضل الأمة وأنه أبو بكر -رضي الله عنه-، ثم عمر، ثم عثمان، ثم ربع بعلي -رضي الله عنه-، في حديث ابن عمر وغيره في الصحيحين. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما دعوتُ أحداً إلى الإيمان إلا كانت له كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم)) بادر، دُعي إلى الإسلام فأجاب، ولذا هو أول من أسلم من الرجال كما هو معروف، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقد ذكرتُ سيرته وفضائله ومسنده، والفتاوى عنه في مجلدٍ على حدة" والأمر يحتمل أكثر من ذلك، إذا دُرس أبو بكر -رضي الله عنه- من جميع الجهات، فكلُّ نوعٍ وفرعٍ من أنواع المعرفة يحتاج إلى مجلد. يقول: "ذكرتُ سيرته وفضائله" ورد في ذكره والتواريخ مملوءة بذكر أخباره وسيرته العطرة، فضائله أيضاً النصوص دلت على ذلك، وفيها كثرة أيضاً، وإذا خُرجت هذه النصوص جاءت في مجلد، مسنده أيضاً، وما رواه من الأحاديث على أنه لم يكن من المكثرين، لكنه روى جملة صالحة من السنة وحفظها، والفتاوى عنه نقل عنه في هذا الباب، بل هو من سادات الموقعين عن الله -سبحانه وتعالى-، وقد ذكره ابن القيم وغيره في صدر من يفتي بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "والفتاوى عنه في مجلدٍ على حدة، ولله الحمد" مع أن الأمر يحتمل مجلدات.

"ثم بعد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ثم عثمان، ثم علي بن أبي طالب" هذا قولُ جماهير أهل السنة، كلهم على هذا الترتيب، ولا شك أن الذي يقدم على أبي بكر أحداً كائناً من كان أنه ليس من أهل السنة، وليس بقول ولا ضعيف عند أهل السنة، فأهل السنة كلهم مجمعون على تقديم أبي بكر، ثم عمر، والخلاف في الثالث مع أن القول المخالف قولٌ ضعيف مرجوح، فالثالث عند جماهير أهل السنة هو عثمان -رضي الله عنه-، ثم علي بن أبي طالب -رضي الله عن الجميع-. يقول: "هذا رأي المهاجرين والأنصار حين جعل الأمر من بعده شورى بين ستة" الذين توفي عنهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو راض، الآن مضى منهم أبو بكر وعمر، بقي من العشرة كم؟ طالب:. . . . . . . . . يعني ليش جعل الأمر بين ستة؟ أخرج من؟ طالب:. . . . . . . . . طيب، أبو عبيدة حي؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم. طالب:. . . . . . . . . نعم، أبو عبيدة توفي قبل وفاة عمر، نعم. طالب:. . . . . . . . . نعم، عمر -رضي الله عنه- جعل الأمر من بعده شورى بين ستة. طالب:. . . . . . . . . نعم. طالب:. . . . . . . . . سعيد وسعدٌ وابن عوف وطلحة ... جج وعامرُ فهرٍ والزبير الممدحُ طالب:. . . . . . . . . سعد، سعد بن أبي وقاص لا تأخر طويل، تأخر، أدرك الفتن، لكنه اعتزل بالعقيق -رضي الله عنه وأرضاه-. طالب:. . . . . . . . . المقصود أن الأمر انحصر بين هؤلاء الستة في عثمان وعلي -رضي الله عنهم-، اجتهد "عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها حتى سأل النساء في خدورهن، والصبيان في المكاتب، ولم يرهم يعدلون بعثمان أحداً" لكن الشخص الذي ينظر إلى المظاهر والمواقف مثل ما تقدم في المفاضلة بين أبي بكر وعمر، عمر -رضي الله عنه- صاحب شدة وبأس وقوة وحزم، وفي هذا الباب ما في شك أنه يلفت، وعلي كذلك بالنسبة لعثمان، لكن من يعدل بعثمان غيره مع وجوده؟! تستحي منه الملائكة، وسابقته معروفة، وما قدمه للإسلام أمرٌ لا يخفى على أحد، وبذله في نصر الدين، وتجهيز الجيوش، لا يخفى على صبيان المكاتب "فقدمه على علي وولاه الأمر قبله" على أنه جاء في النصوص ما يدلُّ على الترتيب لهؤلاء الأربعة.

يقول: "ولهذا يقول الدارقطني -الإمام المعروف أبو الحسن-: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار"، لا شك أنه متنقصٌ لهم؛ لأنهم قدموا عثمان على علي، فمن قدم غير ما قدموه فقد تنقصهم، ورأى أن قولهم غير صواب، ورأى أن قولهم ليس بصائب، بل قولٌ مرجوح، وهذا تنقص، "وصدق -رضي الله عنه وأرضاه-، وأكرم مثواه، وجعل جنة الفردوس مأواه"، والله المستعان. والعجب -يقول الحافظ ابن كثير-: "أنه -قد- ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم علي على عثمان" ولا شك أن هذا من تأثير البيئة، تقديم علي على عثمان من قبل بعض أهل الكوفة لأن علي -رضي الله عنه- استوطن الكوفة، وكثر أنصاره وأتباعه فيها، وحفظت مناقبه فيها أكثر من غيره، فاستروحه بعضهم ومال إلى تقديمه على عثمان، وهذا محكي "عن سفيان الثوري، لكن يقال: إنه رجع عنه، ونقل مثله عن وكيع بن الجراح، ونصره ابن خزيمة والخطابي، وهو قولٌ ضعيف، مردود بما تقدم" لما ثبت من النصوص الصحيحة الصريحة التي تدل على فضل عثمان، وأنه أفضل من علي -رضي الله عن الجميع-. وليس معنى هذا أن المفضول متنقص، لا، وجود مثل هذا الخلاف يدل على أن الترجيح لأن هذه الفضائل وهذه المزايا، وهذه المناقب زادت على الطرف الآخر، مما يدل على أن للطرف الآخر من المناقب والمزايا الشيء الكثير، أن هذا لا يتضمن تنقص إذا فضلنا عثمان -رضي الله عنه-،. . . . . . . . . يتنقص علي، لا، علي معروف في علمه وحلمه وعقله، وفقه علي -رضي الله عنه- مضرب المثل، حزم علي -رضي الله عنه-، شجاعة علي، كرم علي، سابقة علي أول من أسلم من الصبيان، قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، مصاهرته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، كل هذه مزايا وفضائل، والله المستعان.

يقول: "ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية، أما السابقون الأولون" اختلف فيهم، لكن أكثر أهل العلم على أنهم من صلى إلى القبلتين، من صلى إلى بيت المقدس قبل النسخ، ثم صلى إلى الكعبة، "وقيل: أهل بدر، وقيل: أهل بيعة الرضوان" وجاء من النصوص ما يدل على فضل أهل بدر، كما جاء في النصوص ما يدل على أهل بيعة الشجرة، وقيل: هم من أسلم قبل الفتح، هم السابقون الأولون، ولذا جاء تفضيلهم على من أسلم وأنفق بعد الفتح وقاتل بعد الفتح ليسوا كمن فعل ذلك قبل الفتح. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، النساء والصبيان وعامة الناس ودهماؤهم لا علاقة لهم بهذه الأمور. طالب:. . . . . . . . . لا،. . . . . . . . . عبد الرحمن بن عوف هو من أجل أن ينظر يستقرئ هذه المناقب؛ لأن بعضهم يحفظ ما لا يحفظه الآخر، يستقرئ هذه المناقب التي هي مأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما عامة الناس ودهماؤهم وفساقهم وغيرهم هؤلاء لا قيمة لهم؛ لأن الخلافة ولاية شرعية، ولا يدرك ما ينبغي أو ما يشترط للوالي وللخليفة إلا أهل العلم، وإلا لو ترك الأمر فوضى ترشيح كانت القبائل لها دور كثرةً وقلة، كانت الآراء والأهواء أيضاً لها دور في ترشيح الناس، لكن الأمر متروك لأهل الحل والعقد من أهل العلم، ينظرون من تتوافر فيه الشروط المطلوبة لمن يلي أمر المسلمين، وهذا معروف أنه في حال الانتخاب والترشيح، أما في حال الغلبة والقهر فإذا غلب الناس بسيفه، واستتب له الأمر، وثبتت له الخلافة فإنه لا يجوز الخروج عليه كائناً من كان، ولو كان عبداً حبشياً، ولو لم تتوافر فيه الشروط على أن يحكم الناس بشرع الله. طالب:. . . . . . . . . على كل حال الانتخابات ما هي بشرعية، ليست بشرعية، لكن إذا لم يكن إلا هي، أمر مفروض على الناس، ولم يكن هناك وسيلة إلا هي فتكثير سواد الصالحين والمصلحين مطلوب. فرعٌ: قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورآه من المسلمين نحو من ستين ألفاً، وقال أبو زرعة الرازي: شهد معه حجة الوداع أربعون ألفاً، وكان معه بتبوك سبعون ألفاً، وقبض -عليه الصلاة والسلام- عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة. قال أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-: وأكثرهم رواية ستة ...

شرح اختصار علوم الحديث (16)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (16) شرح: النوع الموفي أربعين: معرفة التابعي، والنوع الحادي والأربعون: في معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر، والنوع الثاني والأربعون: معرفة المدبج، والنوع الثالث والأربعون: معرفة الإخوة والأخوات من الرواة، والنوع الرابع والأربعون: معرفة رواية الآباء عن الأبناء الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير قال أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-: وأكثرهم روايةً ستة: أنس وجابر وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وعائشة -رضي الله تعالى عنهم أجمعين-. قلتُ: وعبد الله بن عمرو وأبو سعيد وابن مسعود ولكنه توفي قديماً، ولهذا لم يعده أحمد بن حنبل في العبادلة، بل قال: العبادلة أربعة: عبد الله بن الزبير وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص. يقول -رحمه الله تعالى-: "فرع قال الشافعي: روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورآه من المسلمين نحو من ستين ألفاً" وهذا على حد علمه، وما وصله، وما بلغه، وإلا فهم أكثر من ذلك، الصحابة أكثر من ستين ألف "قال أبو زرعة: شهد معه حجة الوداع أربعون ألفاً" قيل: أكثر من ذلك، يزيدون على مائة ألف، ولذا يقول جابر -رضي الله عنه- أنه ينظر مد البصر؛ للحديث في صحيح مسلم في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- بين يديه مد البصر، وعن يمينه كذلك، وعن شماله كذلك، ومن خلفه وورائه كذلك، المقصود أنه جمع غفير جاؤوا ليقتدوا بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ويأتسون به في هذه الحجة، والله المستعان. "وقُبض -عليه الصلاة والسلام- عن مائة وأربعة عشر من الصحابة" وكل هذه أقوال تقريبية، وعرفنا الضابط بالأمس، وما تثبت به الصحبة، وستأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-، فالمتقدمون لا يهتمون بالأعداد على التحرير، ولذا تجدون أقوالهم متباينة تبايناً كبيراً، فمن قائل: هم أربعون ألف، ومنهم من قائل مائة وأربعة عشر ألف؛ لأنهم ليس عندهم مصلحة إحصاء تعد الناس، فلان وفلان وفلان وفلان عنده سبعة أطفال، وفلان عنده خمسة، نعم، إنما هم يهتمون بما يبلغهم إلى الدار الآخرة، أما هذه الأمور التي تأخذ من الأوقات ما تأخذ مع أن أثرها يسير، والأرزاق بيد الله، والله المستعان.

فالمتقدمون لا يعتنون بذكر هذه الأعداد على التحرير، ولذا تجدونه في عدد الأحاديث تتباين أقوالهم، مسند أحمد قيل: أربعون ألف حديث، وقيل: ثلاثون ألف، فرق عشرة آلاف، ما هو بواحد، حديثين، ثلاثة، عشرة يقال: زاغ البصر وما عد هذا الحديث، لا، صحيح مسلم قيل: سبعة آلاف، وقيل: ثمانية آلاف، وقيل: اثنا عشر ألف، المسألة ما هي .. ، الفرق شيءٍ يسير، ويقولون عن صحيح البخاري: إنه بدون تكرار أربعة آلاف، وهذا شيء تواطؤوا عليه، استمروا على أنه أربعة آلاف، حتى جاء ابن حجر وعده على التحرير: ألفين وستمائة وحديثين، أكثر من الثلث الفرق، يعني في كتابٍ واحد، فهذه أمور لا يهتم بها المتقدمون، يعتنون بالترقيم وعدد واحد اثنين، ويأخذ عليهم وقت طويل، بدل هذا العدد يحفظون عشرات الأحاديث، هذه اهتمامات المتأخرين، أما المتقدمون فأمرهم أعلى وأسمى من هذا كله، بلغ الحد عند المتأخرين إلى أن عدت الحروف، وبلغ الترف في بعض المؤلفين ممن يؤلف بالحروف المهملة، يعني تقرأ الكتاب من أوله إلى آخره ما تقف ولا على نقطة، أو بالحروف المعجمة، ألف تفاسير بالحروف المهملة، لكن هل هذا هدف ينبغي لطالب الآخرة أن يعتني به؟ نعم، لا، بعضهم أشكل عليه القراءة في تفسير الجلالين هل يقرأه على طهارة أو لا بأس أن يقرأ في تفسير الجلالين وهو محدث؟ قال: والحكم للغالب، إذا كان الغالب القرآن فتقرأ على طهارة وإلا فلا بأس، عد الحروف حروف القرآن وحروف التفسير، فيقول: إلى آخر سورة المزمل العدد واحد، متساوي، ومن سورة المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير قليلاً على حروف القرآن، هذا يمكن أن يذكر عن أحدٍ من المتقدمين؟ ما يعتنون بهذا أبداً، لا من قريب ولا من بعيد، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

لا ما هو بيتوضأ مرة، يتوضأ مرة لا بأس، لكن عناية المتقدمين غير هذا، طرائقهم في التأليف والتصنيف أمرٌ سهل سمح، يكتبون ما تيسر من غير مقدمات ولا عناية باصطلاحات ولا شيء، يحفظون العلم بهذه الأوراق وإلا فالأصل هي في الصدور، يحفظونها في الأوراق لمن جاء بعدهم، ولذا الترف عند المتأخرين في التأليف وصل إلى حد يجعل الأمور الشكلية والعناية بها أهم من المحتوى والمضمون، ولذا لا تجدون البركة في علم المتأخرين، يعني ترتيب منطقي، تعريف الحد لغةً واصطلاحاً، وتصوير المسألة، والاستدلال لها، وذكر من خالف، المتقدمون ما يقولون بهذا كله، أمور معروفة يحتاج إلى تعريف؟ الإجارة تخفى على أحد؟ نعم يذكرون لها كم تعريف؟ وهي أمر لا يخفى على أحد، ولذا لو تبحثون في الكتب المتقدمين من بيعرف الإجارة؟ أو من يعرف البيع؟ أو من يعرف .. ؟ تعريف الأمور المعروفة التي يزاولها الناس في حياتهم اليومية هذا ما يعتني به طالب الآخرة، إلا أنه فرض نفسه بعد ذلك، صار الذي لا يعرّف نقص، وقد يحتاج إليه التعريف في العصور المتأخرة لما دخل في العلم والتعلم من ليسوا بأهل، طرأ على الأفهام ما طرأ، والمناطقة يقولون: الحكم على الشيء فرع عن التصور، لا بد أن تتصور، فتعرف أولاً، ثم تحكم. على كل حال هذا استطراد وسببه هذا العدد الذي ذكر من أربعين ألف إلى مائة وأربعة عشر ألف، وأكثرهم رواية هم متفاوتون في الملازمة، وفي الحفظ، وفي الرواية والضبط والاهتمام، كل له اهتمامه، منهم من يهتم بالجهاد، ومنهم من يهتم في الإنفاق بالصدقة، ومنهم من يتهم بالعبادات الخاصة، ومنهم من يهتم لحفظ العلم، ولذا أكثرهم رواية ستة: أنس بن مالك وجابر بن عبد الله وابن عباس عبد الله، وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعائشة، هؤلاء هم المكثرون من الصحابة، وأعداد ما رووه لا على طريق التحرير، وإنما من يحيط بالروايات كلها جعلوا مسند بقي بن مخلد اللي هو أوسع الأسانيد، جعلوه مقياس، فذكروا، عدوا ما فيه من روايات أبو هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين أو قريب من هذا، فهو أكثر الصحابة وحافظهم على الإطلاق.

"قلتُ: وعبد الله بن عمرو" هناك ابن عباس وابن عمر، زاد الحافظ ابن كثير -رحمه الله- "قلتُ: وعبد الله بن عمروٍ وأبو سعيد وابن مسعود" هؤلاء أيضاً من المكثرين، يقول: "ولكنه توفي قديماً" يعني ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين، بينما غيره ممن عاش بعده طويلاً، واحتاج الناس إلى علمه، نعم إذا عاش الإنسان وتفرد ومات أقرانه، واحتاج الناس إلى علمه لا شك أن الله ينفع به نفع عظيم، ويشتهر أمره، ويكثر أصحابه وطلابه، لهذا الإمام أحمد بن حنبل لم يعد ابن مسعود من العبادلة، فإذا أطلق العبادلة الأربعة المقصود بهم ابن الزبير وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، هؤلاء هم العبادلة، والسبب أنهم تأخروا في الوفاة، تأخرت وفياتهم حتى احتاج الناس إلى علمهم. فرعٌ: وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقاً، ومن الولدان عليٌ، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقاً، ولا دليل عليه من وجهٍ يصح، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الأرقاء بلال، ومن النساء خديجة، وقيل: إنها أول من أسلم مطلقاً، وهو ظاهر السياقات في أول البعثة، وهو محكيٌ عن ابن عباس والزهري وقتادة ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي وجماعة، وادعى الثعلبي المفسر على ذلك الإجماع، قال: وإنما الخلاف فيمن أسلم بعدها.

أول من أسلم من الصحابة كما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- على خلافٍ بين أهل العلم في ذلك، لكن حديث البعثة يدل على أنه يدل على أن أول من أسلم مطلقاً خديجة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أول ما نزل عليه الوحي وهو بالغار ذهب إليها، وقص عليها ما حصل، وصدقته، وآمنت به، ونُقل عليه الإجماع، الثعلبي -المفسر- نقل الإجماع على أن من أول أسلم مطلقاً خديجة -رضي الله عنها-، لكن الأورع خروجاً من هذه الخلافات المذكورة أن تختلف الجهة، فيكون بعدة اعتبارات، فيقال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر هذا لا خلاف فيه، فإذا اختلف أهل العلم في أول من أسلم خديجة أو علي أو أبو بكر هل يقال لمن قال: إن أول من أسلم من الرجال أبو بكر يقال له: أخطأت؟ لا، وإذا قال: أول من أسلم من الصبيان علي يقال له: أخطأت؟ لا يمكن أن يقال له: أخطأت، لا يمكن أن يرد عليه أبو بكر أو خديجة، وكذلك إذا قال: أول من أسلم مطلقاً خديجة، لا يمكن أن يرد عليه، إذا قيل: أول من أسلم من النساء خديجة لا يمكن أن يرد عليه علي ولا أبو بكر -رضي الله عن الجميع-، وهذا هو الأورع، الورع يقتضي هذا، "ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الأرقاء بلال .. " إلى آخر ما ذكر -رحمه الله تعالى-، وهذا هو المناسب، نعم. فرعٌ: وآخر الصحابة على الإطلاق موتاً أنس بن مالك، ثم أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، قال علي بن المديني: وكانت وفاته بمكة، فعلى هذا هو آخر من مات بها من الصحابة، ويقال: آخر من مات بمكة ابن عمر، وقيل: جابر، والصحيح أن جابراً مات بالمدينة، وكان آخر من مات بها، وقيل: سهل بن سعد، وقيل: السائب بن يزيد، وبالبصرة أنس، وبالكوفة عبد الله بن أبي أوفى، وبالشام عبد الله بن بسر بحمص، وبدمشق واثلة بن الأسقع، وبمصر عبد الله بن الحارث الزبيدي، وباليمامة الهرماس بن زياد، وبالجزيرة العرس بن عميرة، وبإفريقيا رويفع بن ثابت، وبالبادية سلمة بن الأكوع -رضي الله عنهم أجمعين-.

يقول -رحمه الله تعالى-: "آخر الصحابة موتاً أنس بن مالك" أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادم النبي -عليه الصلاة والسلام-، طالت به الحياة وتأخر، وتأخرت وفاته بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، توفي سنة ثلاث وتسعين عن مائة وثلاث سنين، دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأجيبت الدعوة، وكثر ماله وولده، وطال عمره، لكنه ليس بآخر الصحابة موتاً على الإطلاق، بل آخر الصحابة موتاً على الإطلاق أبو الطفيل عامر بن واثلة؛ لأنه توفي سنة عشرٍ ومائة بعد مائة سنة، بعد قرن من مقالة النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ما من نفسٍ منفوسة يأتي عليها مائة عام وهي على وجه الأرض ممن هو اليوم أحد)) وتحقق هذا في أبي الطفيل عامر بن واثلة، حيث توفي على القول المرجح عند الذهبي وغيره سنة عشرٍ ومائة، وهو آخر الصحابة موتاً على الإطلاق، نعم من الصحابة من تأخر بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- خمسين سنة، ومنهم من تأخر ستين، سبعين، تأخر أنس أكثر من ثمانين سنة، أكثر من إيش؟ كم؟ طالب:. . . . . . . . . ثلاثة وتسعين؟ طالب:. . . . . . . . . ثلاثة وتسعين توفي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- توفي سنة إحدى عشر، اثنين وثمانين سنة، وإذا أضفنا العشر التي قبل الهجرة من عمره لما جيء به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كان عمره عشر سنين، إذا أضفناها إلى الثلاثة والتسعين صار عمره مائة وثلاثة سنين، تجدون في بعض الكتب في سبل السلام في أكثر طبعاته قال: مائة وثلاثة وستين، وهو خطأ، صوابه: مائة وثلاث سنين، ما هي ستين. يقول: "فعلى هذا هو آخر من مات بها" يعني أبا الطفيل، وقيل: آخر من مات بمكة ابن عمر، وقيل: جابر، والصحيح أن جابر مات بالمدينة، وكان آخر من مات بها، وقيل: سهل بن سعد، كل هؤلاء تأخرت وفياتهم، لكن مثل ما ذكرنا لو يحدد البلد صار الأمر أيسر، آخر من مات من الصحابة بمكة، آخر من مات بالمدينة إلى آخره، يصير أضبط شوية، نعم.

فرع: وتعرف صحبة الصحابة تارة بالتواتر، وتارة بأخبار مستفيضة، وتارة بشهادة غيره من الصحابة له، وتارة بروايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماعاً أو مشاهدةً مع المعاصرة، فأما إذا قال المعاصر العدل: أنا صحابي فقد قال ابن الحاجب في مختصره: احتمل الخلاف، يعني؛ لأنه يخبر عن حكمٍ شرعي، كما لو قال في الناسخ: هذا ناسخ لهذا لاحتمال خطأه في ذلك، أما لو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال كذا، أو رأيته فعل كذا، أو كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحو هذا فهذا مقبول لا محالة، إذا صح السند إليه، وهو ممن عاصره -عليه الصلاة والسلام-. ختم الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- هذا الفصل وهذا النوع بما تعرف به الصحبة، تعرف صحبة الصحابة تارة بالتواتر، التواتر المفيد للعلم القطعي الضروري الذي يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى تصديقه، لا شك أن من الصحابة من لا يخفى أمره على أحد، إذا مرَّ عليك ذكر عمر أو عثمان أو أبو هريرة أو أنس هل تحتاج أن تراجع كتب الصحابة لتنظر هل هو موجود أو لا؟ لا يمكن، بل ثبتت صحبة مثل هؤلاء، ومثلهم كثيرٌ جداً بالتواتر، وثبتت صحبة بعضهم بالأخبار المستفيضة المشتهرة التي جاءت من طرق مما يدل على صحبتهم. "تارة بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-"، "تارة بشهادة غيره من الصحابة" إذا شهد له صحابي، تقدم أن الصحابة كلهم عدول، أخبارهم مقبولة، فإذا أخبر صحابي عن شخص بأنه صحابي قبل قوله؛ لأن هذا خبر وليس بشهادة، ويقبل خبر الواحد عند جماهير أهل العلم؛ لأن هذا مما يختلف به .. ، تختلف به الرواية عن الشهادة، الرواية يكفي فيها الواحد، ولو كان عبداً أو امرأة، بخلاف الشهادة فلا بد فيها من اثنين، ولا تدخل شهادة المرأة، ولا تقبل شهادة العبد في كثيرٍ من الأبواب.

"وتارة بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- سماعاً أو مشاهدة، مع المعاصرة" إذا وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- دلَّ على أنه رآه، إذا صرح بأنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- دلَّ على أنه لقيه، فأما إذا قال المعاصر العدل: أنا صحابي أخبر عن نفسه، والمسألة مفترضة في رجل ثقة مع إمكان قبول الدعوى، إذا قال هذا الثقة في وقت الإمكان: إنه صحابي، هاه؟ فهذا يخبر عن حكم شرعي كأنه ينقل خبر، كأنه ينقل خبراً، إذا عاملناه معاملة الخبر يخبر عن نفسه، والمسألة مفترضة في ثقة قلنا: يقبل قوله، وهذا قول الأكثر، وإذا قلنا: إنه يشهد لنفسه بهذه المنزلة فالشهادة لا بد فيها من اثنين، نقول: هذه دعوى لا بد أن يشهد له غيره. "قال ابن الحاجب في مختصره: احتمل الخلاف يعني؛ لأنه يخبر عن حكمٍ شرعي كما لو قال في الناسخ: هذا ناسخ لهذا لاحتمال خطأه في ذلك" إذا قال الصحابي: هذا ناسخ، هذه الآية ناسخة لتلك، أو هذا الخبر ناسخ لذلك الخبر، يمكن يدخله الاجتهاد، وإذا دخل الاجتهاد صار احتمال الخطأ وارداً، وحينئذٍ لا يقبل قوله لا سيما مع المعارضة. "أما لو قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال كذا، أو رأيته فعل كذا، أو كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحو هذا -فهو- مقبولٌ لا محالة، إذا صح السند إليه، وهو ممن عاصره -عليه الصلاة والسلام-". وعرفنا أنه لا بد من أن يكون الوقت ممكن، أما إذا ادعى الصحبة وهو مولود بعد سنة مائة وعشر .. ، ممن وفاته بعد مائة وعشر، أو موجود بعد سنة مائة وعشر، يقال له: غير ممكن، فإذا قال: شخص سنة مائة وخمسين وهو صحابي ادعى الصحبة نقول: كذبت؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بالحديث الصحيح أنه لا يبقى بعده بعد مائة سنة أحد ممن هو على وجه الأرض، فكيف يصدق من ادعى ذلك بعد الستمائة نعم، وهذا أشرنا إليه سابقاً رتن الهندي بعد الستمائة، قال: هو صحابي، صدقه جماهير جمع غفير من الناس، من أوباش الناس والمساكين صدقوه، يعني هذا لا شك أنها دعوى باطلة، إن لم تكن هلوسة، بعد ستمائة يقول: صحابي؟! طالب:. . . . . . . . . فترجم له في الميزان وغيره من كتب الضعفاء، وبينوا كذبه وافتراءه.

النوع الموفي أربعين: معرفة التابعي:

طالب: يا شيخ بالنسبة لمن قال: أنا صحابي وكان عدل ثقة، ما يفرق بين أنه ينقل كلام يريد أن يؤخذ منه الكلام، وبين من يثبت لنفسه الصحبة؟ إيه، لكن إيش يستفيد من إثبات الصحبة إلى نفسه؟ طالب: إذا كان. . . . . . . . . المسألة مفترضة في ثقة استصحب هذا. طالب: أي نعم. شخص ثقة وادعى أنه صحابي ويش اللي يمنع هذا خبر يقبل خبره، لماذا؟ لأنه لا يترتب عليه فائدة مادية. طالب: لكن إن قال: أنا صحابي لأجل أن ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من فعله أو قوله أو حدث .. ويش يستفيد هو؟ الطالب: يثبت، بدل ما يذكر أنه روى عن صحابي إذا كان تابعي بدل ما يذكر أنه روى عن صحابي يذكر أن رأى وعاصر وشاهد .. أنت إذا افترضت المسألة في ثقة انتهت كل الاحتمالات؛ لأن الثقة ما يمكن أن يدعي وهو كاذب انتفت الثقة ما صار ثقة، وكون الإنسان ينقل خبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يصرح بأنه قال: سمعت أو يصف النبي -عليه الصلاة والسلام- أو يقول: هو صحابي لا فرق؛ لأنها كلها أخبار، وتقبل عنه. لو ادعى شخص أنه من أهل البيت يقبل خبره وإلا ما يقبل؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا، هو يمكن أن يصدق من وجه ويكذب من وجه، يحرم من الزكاة ولا يعطى من الفيء، حتى يأتي ببينة. طالب:. . . . . . . . . لأن هذا بإقراره أسقط حقه من الزكاة بإقراره هو، وأما الفيء لا بد فيه من بينة، يأتي ببينة أنه من أهل البيت. طالب:. . . . . . . . . لكن لو استفاض عن شخص أنه من أهل البيت فنفى أنه من أهل البيت يقبل قوله أو لا يقبل؟ استفاض بين الناس أنه من أهل البيت عكس المثال السابق، لا يعطى من الزكاة إلا ببينة أنه ليس من أهل البيت، وبالنسبة للفيء هو أخرج نفسه، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . إيه ناس يشهدوا، يشهدون أنه من أهل البيت وليس من أهل البيت بالاستفاضة، على العموم هذه الأشياء بالاستفاضة، إذا جاءك شخص يقول: اشهد لي أني ابن فلان، وأنت من طلع هذا فلان ابن فلان تشهد له، لكن أنت حضرت العملية التي بواسطتها وجد هذا الشخص، ما في أحد حضر، إذاً مثل هذه الأمور يكتفى فيها بالاستفاضة. النوع الموفي أربعين: معرفة التابعي:

النوع الموفي أربعين: معرفة التابعي، قال الخطيب البغدادي: التابعي من صحب الصحابي، وفي كلام الحاكم ما يقتضي إطلاق التابعي على من لقي الصحابي، وروى عنه وإن لم يصحبه. قلت: ولم يكتفوا بمجرد رؤيته الصحابي كما اكتفوا في إطلاق اسم الصحابي على من رآه -عليه الصلاة والسلام-، والفرق عظمة وشرف رؤيته -صلى الله عليه وسلم-، وقد قسم الحاكم طبقات التابعين إلى خمس عشرة طبقة، فذكر أن أعلاهم من روى عن العشرة، وذكر منهم سعيد بن المسيب -رضي الله عنه- وقيس بن أبي حازم وقيس بن عباد وأبا عثمان النهدي وأبا وائل وأبا رجاء العطاردي وأبا ساسان حضين بن المنذر وغيرهم، وعليه في هذا الكلام دخلٌ كثير، وقد قيل: إنه لم يروِ عن العشرة من التابعين سوى قيس بن أبي حازم قاله ابن خراش، وقال أبو بكر بن أبي داود: لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف، والله أعلم. وأما سعيد بن المسيب فلم يدرك الصديق قولاً واحداً؛ لأنه ولد في خلافة عمر لسنتين مضتا أو بقيتا، ولهذا اختلف في سماعه من عمر، قال الحاكم: أدرك عمر فمن بعده من العشرة، وقيل: إنه لم يسمع من أحد من العشرة سوى سعد بن أبي وقاص، وكان آخرهم وفاة، والله أعلم. قال الحاكم: وبين هؤلاء التابعين الذين ولدوا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف وأبي إدريس الخولاني، قلت: وأما عبد الله بن أبي طلحة، فلما ولد ذهب به أخوه لأمه أنس بن مالك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحنكه وبرك عليه وسماه عبد الله، ومثل هذا ينبغي أن يعد من صغار الصحابة لمجرد الرؤية، ولقد عدوا فيهم محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما ولد عند الشجرة وقت الإحرام بحجة الوداع، فلم يدرك من حياته -صلى الله عليه وسلم- إلا نحواً من مائة يوم، ولم يُذكر أنه أُحضر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا رآه، فعبد الله بن أبي طلحة أولى أن يعد في صغار الصحابة من محمد بن أبي بكر، والله أعلم.

وقد ذكر الحاكم النعمان وسويداً ابني مقرن في التابعين وهما صحابيان، وأما المخضرمون وهم الذين أسلموا في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يروه والخضرمة القطع فكأنهم قطعوا عن نظرائهم من الصحابة، وقد عدَّ مسلم نحواً من عشرين نفساً منهم: أبو عمرو الشيباني وسويد بن غفلة وعمرو بن ميمون وأبو عثمان النهدي وأبو الحلال العتكي وعبد خير بن يزيد الخيواني وربيعة بن زرارة، وقال ابن الصلاح: وممن لم يذكره مسلم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثُوَب، قلتُ: وعبد الله بن عكيم والأحنف بن قيس. وقد اختلفوا في أفضل التابعين من هو؟ فالمشهور أنه سعيد بن المسيب قاله أحمد بن حنبل وغيره، وقال أهل البصرة: الحسن، وقال أهل الكوفة: علقمة والأسود، وقال بعضهم: أويس القرني، وقال بعض أهل مكة: عطاء بن أبي رباح. وسيدات النساء من التابعين حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن وأم الدرداء الصغرى -رضي الله عنهم أجمعين-. ومن سادات التابعين الفقهاء السبعة بالحجاز وهم: سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد وعروة بن الزبير وسيلمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة والسابع: سالم بن عبد الله بن عمر وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وقد أدخل بعضهم في التابعين من ليس منهم، كما أخرج آخرون منهم من هو معدود فيهم، وكذلك ذكروا في الصحابة من ليس صحابياً كما عدوا جماعة من الصحابة فيمن ظنوه تابعياً، وذلك بحسب مبلغهم من العلم، والله الموفق للصواب. يقول -رحمه الله تعالى- في النوع الأربعين: معرفة التابعين، وتعريف التابعي قريب من تعريف الصحابي، الصحابي من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به، وهنا من صحب الصحابي من المسلمين، وهنا لا يكفي مجرد الرؤية، من صحب الصحابي أو لقي الصحابي إنما مجرد رؤية لا يكفي كما نبه على ذلك المؤلف -رحمه الله تعالى-.

قلت: لم يكتفوا بمجرد رؤية الصحابي كما اكتفوا في إطلاق الصحابي على من رآه -عليه السلام-، يقول: الفرق في ذلك عظمة وشرف رؤيته -عليه الصلاة والسلام-، يعني الذي تثبت به الصحبة، لأهمية هذا الوصف، ولميزة هذا النعت الذي هو الصحبة اكتفوا فيه بالرؤية، بخلاف رؤية الصحابي، فإنها إذا كانت مجرد رؤية للسيرة لمحة فإنها لا تكفي في إثبات كون الشخص تابعياً، على أن هذا لا أثر له في الواقع؛ لأنه ليس للتابعين من المنزلة مثل ما للصحابة ليحتاط في أمرهم، التابعون مثل غيرهم إلا أنهم في الجملة أفضل من غيرهم، لكن على سبيل الانفراد الواحد منهم .. ، افرض أنه صحب الصحابي وطالت صحبته، لكنه ساءت سيرته ما ينفعه كونه تابعي، ولا يقال مثل هذا في الصحابي. وأما بالنسبة للرواية فمجرد كونه تابعي تثبت روايته عن الصحابة؟ ما يلزم، نعم إن لم يوصف بالتدليس وقال: عن فلان محمول على الاتصال، لكن قد يعرف بالتدليس، وقد رأى جمعاً غفيراً من الصحابة، ولا يحمل على الاتصال كمن عرف من المدلسين من التابعين كالحسن وغيره. الحاكم قسم "التابعين إلى خمسة عشر طبقة" كما أنه قسم الصحابة إلى اثنتي عشر طبقة، وهذا تقسيم لم يسبق إليه، وعليه فيه مؤاخذات واستدراكات في معرفة علوم الحديث، "فذكر أن أعلاهم" الطبقة العليا من التابعين "من روى عن العشرة" مع أن فيه مناقشات ومؤاخذات على كلامه هذا وأوهام، "وذكر منهم سعيد بن المسيَّب" أو المسيِّب المشهور الفتح المسيَّب، وقد ذُكر عنه أنه دعا على من قال: المسيَّب، لكن هو المشهور، "وقيس بن أبي حازم وقيس بن عباد وأبا عثمان النهدي" عبد الرحمن بن مُل أو مِل، "وأبا وائل -شقيق بن سلمة- وأبا رجاء العطاردي وأبا ساسان حضين بن المنذر"، يقول: "وعليه في هذا الكلام دخلٌ كثير" لا شك أنه عليه استداركات، "وقد قيل: إنه لم يروِ عن العشرة من التابعين سوى واحد قيس بن أبي حازم، قاله ابن خراش، وقال أبو بكر بن أبي داود: لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف" يعني حتى هذا الواحد لم يسلم،

"وأما سعيد بن المسيب فلم يدرك الصديق" قطعاً بلا شك "لأنه -إنما- ولد في خلافة عمر -رضي الله عنه- في سنتين بقيتا أو مضتا من خلافة عمر، فهو لم يدركه، والخلاف في سماعه من عمر أيضاً "قال الحاكم: أدرك عمر فمن بعده من العشرة" إذا كان الحاكم يقول: أدرك عمر فمن بعده، فكيف يذكره ممن روى عن العشرة؟ طالب:. . . . . . . . . إن كان من باب التغليب ممكن، لكن هذا توسع؛ لأن مثل هذا الكلام يترتب عليه حكم أنك إذا رأيت روايته عن أبي بكر وقد ذُكر فيمن روى عن العشرة ما تدقق في الاتصال والانقطاع، المقصود أن الحاكم هو الذي قال هذا، ونقض كلامه -رحمه الله-. "وقيل: إنه لم يسمع من أحد من العشرة سوى سعد بن أبي وقاص، وكان آخرهم وفاةً" -رضي الله عنه وأرضاه-. "قال الحاكم: وبين هؤلاء التابعين الذين ولدوا في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة" يعني جعله في التابعين مع أنه جيء به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فحنكه، "وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف وأبي إدريس الخولاني" أبو إدريس الخولاني ما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه مخضرم، أدرك زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه ما رآه.

"قلتُ: أما عبد الله بن أبي طلحة فلما ولد ذهب به أخوه لأمه أنس بن مالك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحنكه، وبرك عليه" دعا له بالبركة "وسماه عبد الله، ومثل هذا ينبغي أن يعد من صغار الصحابة" هو أولى بالذكر من محمد بن أبي بكر الذي ولد في المَحرم، في حجة الوداع في آخر سنة عشر، قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بثلاثة أشهر، مع أنه عده بعضهم في الصحابة، وينبغي أن لا يعد؛ لأنه لم يُذكر أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا رآه النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم قرب أبي بكر من النبي -عليه الصلاة والسلام- يجعل هناك غلبة ظن أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- رآه، لكن سيرته ليست حميدة، كما هو معروف، سيرة محمد بن أبي بكر ليست حميدة، هو شارك مع من شارك، إما بالمباشرة أو السبب في مقتل عثمان -رضي الله عنه-، على كل حال هو غير محمود السيرة، فلا ينبغي أن يعد في الصحابة، لكنه -نسأل الله العافية- قتل شر قتلة، من يذكر كيفية قتله؟ طالب:. . . . . . . . . أحرق في جوف حمار -نسأل الله السلامة- على كل حال أفضى إلى ما قدم، لكن عبد الله بن أبي طلحة أولى منه في الصحبة، يقول الحافظ -رحمه الله-: "ولم يذكروا أنه أحضر عند النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا رآه، فعبد الله بن أبي طلحة أولى أن يعد في صغار الصحابة من محمد بن أبي بكر، والله أعلم". " ... ذكر الحاكم: النعمان وسويد ابني مقرن من التابعين، وهما صحابيان" ومعروف أولاد مقرن كم هم؟ طالب:. . . . . . . . . بيجي ذكرهم في الإخوة -إن شاء الله تعالى-. "أما المخضرمون فهم الذين أسلموا في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يروه" ومنهم عدد، مات النبي -عليه الصلاة والسلام- وهم في الطريق إليه، هؤلاء مخضرمون "والخضرمة: القطع كأنهم قطعوا عن نظرائهم من الصحابة" نظرائهم يعني من عاصرهم وشاركهم في الوجود في وقته -عليه الصلاة والسلام- هؤلاء قطعوا عن هذا الوصف.

"قد عد منهم مسلم نحواً من عشرين نفساً: منهم أبو عمرو الشيباني وسويد بن غفلة وعمرو بن ميمون وأبو عثمان النهدي وأبو الحلال العتكي وعبدُ خير بن يزيد الخيواني ... ، قال ابن الصلاح: وممن لم يذكرهم مسلم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثُوَب" وهناك أبو إدريس، وين أبو إدريس الخولاني؟ طالب:. . . . . . . . . هنا أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثُوب معروف سيد من سادات التابعين، ومثله أبو مسلم -أيضاً- الخولاني اسمه: عائذ الله بن عبد الله، الله المستعان، الله المستعان. "قلت: وعبد الله بن عكيم" من الذي وصل إليه كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام- روي من طريقه: ((لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)) قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- "والأحنف بن قيس" هؤلاء من المخضرمين بلا شك. "اختلفوا في أفضل التابعين من هو؟ " كل أهل بلد يفضلون من كان من أهل بلدهم من التابعين، أهل البصرة يفضلون الحسن، وأهل الكوفة يفضلون علقمة، وأهل مكة يفضلون عطاء، والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- حكم بأن أجلَّ التابعين سعيد بن المسيب، ولا شك أنه من ناحية العلم والحفظ والضبط والإتقان لا نظير له في التابعين، لكن أويس القرني صح الخبر عنه في صحيح مسلم، وهذه منقبة لا يشاركه فيها أحد من التابعين، وقد أمر عمر -رضي الله عنه- على جلالة قدره أن يطلب منه إيش؟ الاستغفار، فما دام صح الخبر فيه مرفوع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فالقول المرجح أنه أفضل التابعين على الإطلاق. "سيدات النساء من التابعين حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن وأم الدرداء الصغرى" معروفة زوجة أبي الدرداء هجيمة، أما أم الدرداء الكبرى فهي صحابية -رضي الله عن الجميع-، والسيادة هنا بالنسب؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . حفصة بنت سيرين، سيرين مولى من سبي عين التمر، ابنه سيد -محمد- من سادات التابعين، وبنته حفصة سيدة من سادات التابعين، لكنه الدين، من عمل به ساد، ومن تركه وتنكب عنه ضاع، ولو كان من أشراف الناس، ولو كان من علية القوم لسفل بضياع الدين وتضييعه، والله المستعان.

النوع الحادي والأربعون: في معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر:

"من سادات التابعين: الفقهاء السبعة بالحجاز: وهم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد .. " إلى آخره، ومات جلهم في سنة الفقهاء سنة أربع وتسعين، من يضبط البيتين اللي فيهم ذكر الفقهاء السبعة؟ طالب:. . . . . . . . . "فخذهم" هذا الثاني، هذا البيت الثاني: فخذهم عبيد الله عروةُ قاسمٌ ... سعيد أبو بكرٍ سليمان خارجة البيت الأول ما تحفظوه؟ أو هذا المقصود؟ هاه؟ يقول: "وقد عدَّ علي بن المديني في التابعي من ليس منهم" عدَّ بعضهم كما في بعض النسخ من ليس منهم "كما أخرج آخرون منهم من هو معدودٌ فيهم" وهذه لا شك أنها أمور اجتهادية "وكذلك ذكروا في الصحابة من ليس صحابياً" والقسم الرابع من الإصابة في كل حرف مَن ذكر في الصحابة وهو في الحقيقة ليس منهم. "كما عدوا جماعة من الصحابة فمن ظنوه تابعياً" يعني لقربه من عصر الصحابة، كبر سنه، كونه مخضرم فغلب على الظن أنه صحابي، وهو في الحقيقة ليس بصحابي، وذلك بحسب ما بلغهم من العلم، والله المستعان. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- ولشيخنا والسامعين: النوع الحادي والأربعون: في معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر: النوع الحادي والأربعون: في معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر، قد يروي الكبير القدر أو السن أو هما عمن دونه في كل منهما أو فيهما. ومن أج‍لِّ ما يذكر في هذا الباب ما ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطبته عن تميم الداري -رضي الله عنهما- مما أخبره به عن رؤية الدجال في تلك الجزيرة التي في البحر، والحديث في الصحيح. وكذلك في صحيح البخاري رواية معاوية بن أبي سفيان عن مالك بن يخامر عن معاذ، وهم بالشام في حديث: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى ... )) الحديث.

قال ابن الصلاح: وقد روى العبادلة عن كعب الأحبار، قلت: وقد حكى عنه عمر وعلي وأبو هريرة وجماعة من الصحابة، وقد روى الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك وهما من شيوخه، وكذا روى عن عمرو بن شعيب جماعة من التابعين قيل: إنهم نيف وعشرون، ويقال: بعض وسبعون، فالله أعلم، ولو سردنا جميع ما وقع من ذلك لطال الفصل جداً. قال ابن الصلاح: وفي التنبيه على ذلك من الفائدة معرفة قدر الراوي على المرويِّ عنه، قال: وقد صح عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في النوع الحادي والأربعين: "معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر" لماذا لم يسبق هذا النوع بنوع رواية الأصاغر عن الأكابر؟ هي الجادة. قد يروي الكبير سواءً في قدره أو في سنه عمن هو دونه سناً وقدراً، من أجلِّ .. -يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "من أجل ما يذكر في هذا الباب ما ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" النبي -عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق يروي عن تميم الداري قصة الجساسة، وهو مخرج في صحيح مسلم، وهي صحيحة، وإن قال بعضهم حكم عليها بعضهم بالشذوذ أو النكارة، لكن لا وجه للحكم؛ لأنه مخرج في الصحيح. النبي -عليه الصلاة والسلام- يروي عن تميم وهو أجل قدراً منه بلا إشكال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أكبر قدراً من تميم، كما أنه أكبر سناً، فهذا من أشرف ما يذكر، وأجلّ ما يذكر في هذا الباب، ولا شك أن مثل هذا مزيد فضل لتميم الداري الذي روى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا من فائدة هذا الباب الذي هو على خلاف الأصل، الأصل أن يروي الصغير عن الكبير، فإذا روى الكبير عن الصغير دلَّ على أن لهذا الصغير مزية بحيث يتحمل عنه العلم وهو صغير من قبل من هو أكبر منه.

ومن الأمثلة الظاهرة أيضاً، وهي موجودة رواية الصحابي عن التابعي، والصحابي أجلُّ قدراً، رواية التابعي الكبير عن التابعي الذي دونه في السن وهذا كثير، فصالح بن كيسان روايته عن ابن شهاب كثيرة جداً، وهو أكبر منه بكثير، لكنه العلم ليست فيه محاباة، من حمله بحقه وعمل به ساد غيره، وساد قومه وغيرهم، فينبغي أن يحمل عن أهل العلم العاملين به، وإن كانوا صغاراً في السن، وقد مثل بين يدي الإمام مالك ولما يتجاوز العشرين من عمره أئمة كبار. يقول: "وكذلك في صحيح البخاري رواية معاوية بن أبي سفيان -وهو صحابي كما هو معروف- عن مالك بن يُخامر -وهو تابعي- عن معاذ" صحابي عن تابعي عن صحابي "وهم بالشام، في حديث: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق)) "، "وقد روى العبادلة عن كعب الأحبار" وتقدم ذكرهم: ابن الزبير، ابن عمر، ابن عمرو، ابن عباس، العبادلة الأربعة: ابن الزبير، ابن عمر، عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عباس، وليس ابن مسعود منهم، وإن وهم بعضهم كصاحب الصحاح فجعله منهم، فله أوهام مثل هذا كثيرة. "وقد حكى عنه -يعني عن كعب الأحبار- عمر" على جلالة قدره، ولتقدم سنه، وكعب تابعي حكماً، كما حكى عنه علي وأبو هريرة وجمع من الصحابة يحكون عنه، ما في كتب أهل الكتاب؛ لأنه من أحبار بني إسرائيل فلما أسلم حمل عنه الناس ما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالحديث به، وقال: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) والأخبار التي تتلقى عن أهل الكتاب إن جاء في شرعنا ما يؤيدها فهي تروى كما تروى أخبار العالم، وعِبَر الأمم الماضية، ولا يعتمد عليها؛ لأن في شرعنا ما يغني عنها، لكن في أخبارهم الأعاجيب كما جاء في رواية البزار، أما إذا جاء في شرعنا ما يخالف وينقض هذه الأخبار، وإن كانت في شرعهم فإنها لا يعتمد عليها ولا يعول عليها، ولا تتداول إلا ببيان أنها منقوضة في شرعنا، والنوع الثالث وهو الذي لا مؤيد له ولا معارض من شرعنا هذا الذي تجوز روايته ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)).

"وقد روى الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك وهما من شيوخه" عرفنا أن صالح بن كيسان روى عن الزهري وهو من طبقة شيوخه، وأكبر منه سناً، وإن تأخر في طلب العلم فطبقته من .. ، معدود من حيث الطبقة من تلاميذ الزهري، ومن حيث السن من شيوخه؛ لأن صالح بن كيسان طلب العلم وهو كبير، رجح بعضهم أن عمره تسعين سنة حينما بدأ طلب العلم، وأقل ما قيل: خمسين، وحمل عن الزهري العلم الجمّ وروى عن غيره حتى عُد من كبار الآخذين عن الزهري، وعلى هذا لا ييأس الإنسان يقول: أنا كبرت وتقدمت بي السن، وضعفت القوى لا، المقصود أن تموت وأنت طالب علم، يختم لك بخير، وأن تقصد مجالس الذكر ومجالس العلم، تدخل في حديث أبي الدرداء: ((من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)). يقول: "وكذا روى عن عمرو بن شعيب جماعة من الصحابة والتابعين" قيل: نيف وعشرون، جماعة إيش؟ طالب:. . . . . . . . . وكذا روى؟ طالب: كذا روى عن عمرو بن شعيب جماعة من التابعين. إيه الصحابة ما هو بمعقول، ليس بمعقول، كذه عندكم؟ طالب:. . . . . . . . . لا غلط، غلط، غلط، لا يمكن أن يروي عنه أحد من الصحابة، نعم من التابعين نعم "قيل: نيف وعشرون، ويقال: بضع وسبعون، فالله أعلم، ولو سردنا جميع ما وقع من ذلك لطال الفصل جداً" لماذا يطول الفصل في سرد رواية الأكابر عن الأصاغر؟ لأن الهدف عند المتقدمين تحصيل العلم، ولا يلقون بالاً لمن يأخذوا عنه إذا كان أهلاً لأن يؤخذ عنه العلم، ويتحمل عنه العلم سواءً كبر في سنه أو صغر، ما يأنفون أن يرووا عن الصغير، الأنفة من الرواية عن الصغير هذه علامة كبر نسأل الله العافية، الصغير إذا كان عنده علم يؤخذ عنه ولو كان صغيراً، لا ينبل الرجل حتى يأخذ العلم عمن هو مثله أو فوقه أو دونه، لا يمنع لا يقول: هذا صغير، سن أولادي أو طلابي، لا، كفؤ وأهل لأن يؤخذ عنه العلم ويتحمل عنه العلم، وعنده ما ليس عند غيره، هذا يتحمل عنه العلم مهما كان سنه.

"قال ابن الصلاح: وفي التنبيه على ذلك من الفائدة معرفة قدر الراوي من المروي عنه" لا شك بهذا تبين أقدار الرجال سواءً كان الراوي والمروي عنه، المروي عنه في تقدمه في العلم، وأنه أهل لأن يأخذ عنه من هو أكبر منه، والراوي الذي روى عنه في حرصه على تحصيل العلم وتواضعه في أخذ العلم عن أهله ولو كانوا صغاراً. قال: "وقد صح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم" في مقدمة الصحيح، صحيح مسلم، معلق عن عائشة: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" في السنن عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث عائشة: ((أنزلوا الناس منازلهم)). طالب:. . . . . . . . . الحديث صحيح، نعم. طالب:. . . . . . . . . إيه يدخل، يدخل، إيه أكابر كبير القدر جمعه أكابر يدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر. طالب:. . . . . . . . . إيه، لا تدخل .... لماذا؟ ويش نعرب القدر؟ الكبير: فاعل، والقدر: مضاف إليه، ويش استفاد من الإضافة وهو معرفة؟ طالب:. . . . . . . . . {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} [(35) سورة الحج] بـ (أل) التعريف. ووصل (أل) بذا المضاف مغتفر ... إن وصلت بالثاني كالجعد الشعر أو بالذي له أضيف الثاني ... كـ (زيدٌ) الضارب رأس الجاني يصح وإلا ما يصح؟ إيه نعم اقرأ. طالب:. . . . . . . . . هو معلق في صحيح مسلم. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . إيه، لكن ما هو بطريقه واحد؛ لأن لفظ: "أمرنا" غير: ((أنزلوا الناس منازلهم)) هذا بطريق وهذا بطريق. طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . إيه هذا معلق بالانقطاع، وتلك معلقة لكنها موصولة عند غير مسلم. طالب:. . . . . . . . . أنت باحثه أنت؟ إيه ابحثه، ابحثه. طالب:. . . . . . . . . لا اللي أعرفه أنه يثبت بطرقه. طالب:. . . . . . . . . ما يلزم، ما يلزم. طالب:. . . . . . . . . نعم. طالب:. . . . . . . . . ما في ما يمنع أبداً، ما في ما يمنع أن يكون الدجال، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . يبقى ويش اللي يمنع؟ وكونه في جزائر البحر يعني يخرجه من كونه ((ما من نفسٍ منفوسة)) على وجه الأرض يعني، نعم.

النوع الثاني والأربعون: معرفة المدبج:

النوع الثاني والأربعون: معرفة المدبج: النوع الثاني والأربعون: معرفة المدبج، وهو رواية الأقران سناً وسنداً، واكتفى الحاكم بالمقارنة في السند وإن تفاوتت الأسنان، فمتى روى كلٌ منهما عن الآخر سمي مدبجاً، كأبي هريرة وعائشة, والزهري وعمر بن عبد العزيز, ومالك والأوزاعي, وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني, فما لم يروِ كل عن الآخر لا يسمى مدبجاً، والله أعلم. مدبج، أولاً: عندنا رواية الأقران، رواية الأقران يروي الشخص عن زميله هذه رواية الأقران، صحابي عن صحابي، تابعي كبير عن تابعيٍ كبير، تابعي صغير عن تابعي صغير وهكذا، هذه رواية الأقران، فإن روى الثاني عن الأول أيضاً سُمي مدبجاً، إذا روى زيد عن عمرو وهما متقاربان في السن والطبقة والإسناد والأخذ سمي رواية الأقران، فإن روى عمروٌ عن زيدٍ سُمي مدبجاً، نعم. النوع الثالث والأربعون: معرفة الإخوة والأخوات من الرواة: النوع الثالث والأربعون: معرفة الإخوة والأخوات من الرواة، وقد صنف في ذلك جماعة منهم: علي بن المديني وأبو عبد الرحمن النسائي. فمن أمثلة الأخوين: عبد الله بن مسعود وأخوه عتبة, عمرو بن العاص وأخوه هشام، وزيد بن ثابت وأخوه يزيد. ومن التابعين: عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة وأخوه أرقم كلاهما من أصحاب ابن مسعود، ومن أصحابه أيضاً هزيل بن شرحبيل وأخوه أرقم، ثلاثةٌ إخوة: سهل وعباد وعثمان بنو حنيف، عمرو بن شعيب وأخواه عمر وشعيب، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأخواه أسامة وعبد الله، أربعةٌ إخوة: سهيل بن أبي صالح وإخوته: عبد الله الذي يقال له: عباد ومحمدٌ وصالح، خمسة إخوة: سفيان بن عيينة وإخوته الأربعة: إبراهيم وآدم وعمران ومحمد.

قال الحاكم: سمعتُ الحافظ أبا علي الحسين بن علي -يعني النيسابوري- يقول: كلهم حدثوا ستةٌ إخوة: وهم محمد بن سيرين وإخوته أنس ومعبد ويحيى وحفصة وكريمة كذا ذكرهم النسائي ويحيى بن معين أيضاً، ولم يذكر الحافظ أبو عليٍ النيسابوري فيهم كريمة، فعلى هذا يكونون من القسم الذي قبله، وكان معبد أكبرهم وحفصة أصغرهم، وقد روى محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه أنس عن مولاهم أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لبيك حقاً حقاً، تعبداً ورقاً)). ومثال سبعة إخوة: النعمان بن مقرن وإخوته سنان وسويد وعبد الرحمن وعقيلٌ ومعقل ولم يسمَّ السابع، هاجروا وصحبوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقال: إنهم شهدوا الخندق كلهم، قال ابن عبد البر وغيرُ واحد: لم يشاركهم أحدٌ في هذه المكرمة. قلتُ: وثمَّ سبعة إخوة صحابة كلهم شهدوا بدراً لكنهم لأمٍّ وهي عفراء بنت عبيد تزوجت أولاً بالحارث بن رفاعة الأنصاري فأولدها معاذاً ومعوذاً، ثم تزوجت بعد طلاقه لها بالبكير بن عبد ياليل بن ناشب فأولدها إياساً وخالداً وعاقلاً وعامراً، ثم عادت إلى الحارث فأولدها عوفاً .. هاه؟ فأولدها؟ طالب: فأولدها عوفاً. عوفاً وإلا عوناً؟ طالب:. . . . . . . . . هاه؟ طيب. فأربعةٌ منهم أشقاء وهم بنو البكير وثلاثة أشقاء وهم بنو الحارث، وسبعتهم شهدوا بدراً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعاذ ومعوذ ابنا عفراء هما اللذان أثبتا أبا جهل عمرو بن هشام المخزومي، ثم احتزا رأسه وهو طريح عبد الله بن مسعود الهذلي -رضي الله تعالى عنهم أجمعين-. هذا النوع في معرفة الإخوة والأخوات من الرواة صنفت فيه المصنفات لعلي بن المديني وأبي عبد الرحمن النسائي وأيضاً؟ أبو داود له كتاب مطبوع. من أمثلة الأخوين عبد الله بن مسعود وأخوه عتبة بن مسعود بن غافل الهذلي، عمرو بن العاص وأخوه هشام بن العاص بن وائل، زيد بن ثابت وأخوه يزيد.

من التابعين عمرو بن شرحبيل -أبو ميسرة- وأخوه أرقم، لماذا لا يعد هزيل بن شرحبيل ثالث؟ أخوهما؟ من التابعين عمرو بن شرحبيل -أو ميسرة- وأخوه أرقم كلاهما من أصحاب ابن مسعود، ومن من أصحابه أيضاً هزيل بن شرحبيل وأخوه أرقم، إيش معنى هذا الكلام؟ لماذا لم يكونوا ثلاثة: عمرو بن شرحبيل وأرقم وهزيل؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . المهم أنهم إخوة، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، كيف؟ طالب:. . . . . . . . . هو عد اثنين عمرو بن شرحبيل وأخوه أرقم. طالب:. . . . . . . . . إيه أبو ميسرة وأخوه أرقم، الثالث: هزيل، الآن ما نتفق على أنهم ثلاثة؟ أرقم كرر مرتين في عمرو وفي هزيل، لماذا لم يكونوا من النوع الذي يليه: ثلاثة إخوة؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، كلهم شرحبيل، كلهم عيال شرحبيل. طالب:. . . . . . . . . لا يكتب ما في حاشية هنا إلا إذا عجز معنا الإخوان، لماذا لا يكونوا من النوع الذي يليه، من المثال الذي يليه، ثلاثة إخوة؟ طالب:. . . . . . . . . ما يلزم. . . . . . . . . يقول: وثالث لم يسمَّ، قد يكون ثالث. طالب:. . . . . . . . . ها؟ ها يا عبد الله؟ إيش عندك؟ طالب: كلام صاحب الحاشية. إيش يقول؟ طالب: كذا وقع أم شرحبيل اثنان، وهو وهم، والصواب أن أرقم بن شرحبيل هو واحد، واختلف هل أرقم أخو عمرو أو أخوه زيد، والظاهر أنه أخو عمرو. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا، يقول: أرقم أخو لأحدهما، ما هو مكرر، ما هو أخو الاثنين، نعم، هو أخ لأحدهما، هل هو أخٌ لعمرو أو أخٌ لهزيل؟ فهما اثنان على كل تقدير، إن كان أخ لعمرو فهو ليس بأخ لهزيل. طالب:. . . . . . . . . هو ليس بأخٍ له، نعم، لكن إذا شككنا في أرقم هل يمكن أن نشك في عمرو بن شرحبيل وهزيل بن شرحبيل أنهما أخوان؟ طالب:. . . . . . . . . نشك وإلا ما نشك؟ إذا كان أخاً لأحدهما بيقين فهل نشك؟ طالب:. . . . . . . . . إذا قلنا: أرقم واحد، وهو أخ لأحدهما بيقين، والثاني مشكوكٌ فيه، إذاً الأول مع الثالث مشكوكٌ فيه في إخوته له، إذا شككنا في أخوة أرقم لعمرو أو لهزيل شككنا في أخوة هزيل لعمرو.

النوع الرابع والأربعون: معرفة رواية الآباء عن الأبناء:

طالب:. . . . . . . . . ثلاثة إخوة سهل وعباد وعثمان بنو حنيف، عمرو بن شعيب وأخوه عُمر وشعيب، عبد الرحمن بن زيد وأخواه أسامة وعبد الله زيد بن أسلم، أربعةٌ إخوة، خمسةٌ إخوة، ستة أخوة، سبعة من الصحابة كلهم صحابة، أما الستة هما أبناء سيرين، سيرين هذا معروف من سبي عين التمر، صار مولىً لأنس، أنس ومعبد ويحيى وحفصة وكريمة أربعة إخوة وأختان، سبعة أخوة .. ، لا شك أن هذه مزايا أن يكون الإخوة كلهم ممن يحمل الحديث، كلهم ممن صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل بنو مقرن، يندر أن يوجد مثل هذا العدد ممن يحمل العلم، يعني يوجد في البيت عشرة إخوة مثلاً تجد واحد اثنين طلاب علم والبقية لهم -أقول-: أعمال أخرى، وقد يوجد ثلاثة، وقد يوجد أربعة، لكن يوجد سبعة هذا نادر، وهو موجود، لكنه نادر، هو موجود لكنه نادر. "قال ابن عبد البر وغير واحد: -لم يشركهم- أو لم يشاركهم أحد في هذه المكرمة، قلتُ: وثم سبعة إخوةٍ صحابة شهدوا كلهم بدراً لكنهم لأم ... عفراء بنت عبيد تزوجت أولاً بالحارث بن رفاعة فأولدها معاذ ومعوذ، ثم تزوجت بعد طلاقه لها بالبكير بن عبد ياليل فأولدها إياساً وخالداً وعاقلاً وعامراً" أربعة من الثاني، ثم عادت إلى الأول فأولدها ثالثاً اسمه: عوف، فأربعةٌ منهم أشقاء أولاد البكير وثلاثة أشقاء معاذ ومعوذ وعوف بنو الحارث، مزيتهم أنهم إخوة لكنهم إخوة لأم "سبعتهم شهدوا بدراً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ ومعوذ" ابنا عفراء هما اللذان أثبتا أبا جهل عمرو بن هشام المخزومي أبو جهل المعروف، ثم جاء ابن مسعود وهو طريح فرقي على صدره واحتز رأسه -رضي الله عنهم أجمعين-. الموضوعات خفيفة ما فيها شيء، نعم. النوع الرابع والأربعون: معرفة رواية الآباء عن الأبناء:

النوع الرابع والأربعون: معرفة رواية الآباء عن الأبناء، وقد صنف فيه الخطيب البغدادي كتاباً، وقد ذكر الشيخ أبو الفرج بن الجوزي -رحمه الله- في بعض كتبه أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- روى عن ابنته عائشة -رضي الله عنها-، وروت عنها أمها -أم رومان- أيضاً، قال: روى العباس عن ابنيه عبد الله والفضل، قال: وروى سليمان بن طرخان التيمي عن ابنه المعتمر بن سليمان، وروى أبو داود عن ابنه أبي بكر بن أبي داود. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وروى سفيان بن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أخروا الأحمال فإن اليد مغلقة، والرجل موثقة)) قال الخطيب: لا يعرف إلا من هذا الوجه. قال: وروى أبو عمر حفص بن عمر الدُوري المقرئ عن ابنه أبي جعفر محمد ستة عشر حديثاً أو نحوها، وذلك أكثر ما وقع من رواية أب عن ابنه، ثم روى الشيخ أبو عمرو عن أبي المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد عن أبيه عن ابن أبي المظفر بسنده عن أبي أمامة مرفوعاً: ((أحضروا موائدكم البقل فإنه مطردة للشيطان مع التسمية)) سكت عليه الشيخ أبو عمرو، وقد ذكره أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات، وأخلق به أن يكون كذلك. ثم قال ابن الصلاح: وأما الحديث الذي رويناه عن أبي بكر الصديق عن عائشة -رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((في الحبة السوداء شفاءٌ من كلِّ داء)) فهو غلط، إنما رواه أبو بكر بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن عائشة، قال: ولا نعرف أربعةً من الصحابة على نسق سوى هؤلاء محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة -رضي الله عنهم-، وكذا قال ابن الجوزي وغير واحد من الأئمة، قلتُ: ويلتحق بهم تقريباً عبد الله بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، وهو أسن وأشهر في الصحابة من محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، والله أعلم.

قال ابن الجوزي: وقد روى حمزة والعباس -رضي الله عنهما- عن ابن أخيهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وروى مصعب الزبيري عن ابن أخيه الزبير بن بكار، وإسحاق بن حنبل عن ابن أخيه أحمد بن محمد بن حنبل، وروى مالك عن ابن أخته إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس. هذا النوع في معرفة رواية الآباء عن الأبناء، وهو داخلٌ إلا أنه أخص في رواية الأكابر عن الأصاغر، يدخل وإلا ما يدخل؟ وإلا احتمال أن يكون ... ؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يدخل، لكن أفرد للعناية به، ولماذا لم يذكر رواية الأبناء عن الآباء؟ طالب:. . . . . . . . . لكنه ذُكر، لأنه ما هو مثل رواية الأصاغر عن الأكابر هذاك جادة، ما يحتاج إلى ذكر، والرواة كلهم على هذا، لكن رواية الأبناء عن الآباء ذكرت، بتجي؛ لأهميتها؛ لأنه وجد سلاسل فلان عن أبيه عن جده، سلاسل مهمة جداً معرفتها والتنبيه عليها، ما نقول: إنها مثل رواية الأصاغر عن الأكابر هي الجادة فلا تذكر، لكنها ذكرت، وسيأتي الحديث عنها. صنف الخطيب في رواية الآباء عن الأبناء "وقد ذكر الشيخ أبو الفرج في بعض كتبه أن أبا بكر الصديق روى عن ابنته عائشة" وسيأتي أنه غلط "وروت عنها أمها أمُّ رومان، قال: روى العباس عن ابنيه عبد الله والفضل، وروى سليمان بن طرخان التيمي عن ابنه المعتمر بن سليمان، روى أبو داود -سليمان بن الأشعث صاحب السنن- عن ابنه أبي بكر بن أبي داود"، "قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وروى سفيان بن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أخروا الأحمال فإن اليد مغلقة، والرجل موثقة)) " كأنه رأى بعيراً عليها حمل ثقيل، وقد قدم هذا الحمل فصار على اليدين، والحمل إذا كان على اليدين فقط أو الرجلين فقط فإنه يشق على الدابة، فإذا أخر قليلاً ووسط ساعدت اليدان الرجلين والعكس، فلا يشق حينئذٍ على الدابة، وعلى كل حال الحديث مخرج في المراسيل.

"قال: وروى أبو عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ عن ابنه أبي جعفر محمد ستة عشر حديثاً ونحوها، فذلك أكثر ما وقع من رواية أبٍ عن ابنه" لكن رواية الأبناء عن الآباء صحائف -على ما سيأتي- فيها أحاديث. "ثم روى الشيخ أبو عمرو عن أبي المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد عن أبيه عن ابنه أبي المظفر -المظفر السمعاني كما هو معروف- بسنده عن أبي أمامة مرفوعاً: ((أحضروا موائدكم البقل فإنها مطردةٌ للشيطان مع التسمية)) " يقول: "سكت عليه الشيخ أبو عمرو" ولا ينبغي له أن يسكت؛ لأن هذا الحديث موضوع، هم يذكرون الأمثلة تحقق فيه، انطبق فيه المثال، لكن ما وراء هذا المثال؟ كون الخبر موضوع، لا ينبغي أن يعتنى به، إنما يذكر للتنبيه عليه، ولا بد من التنبيه على ذكر الخبر الموضوع، ومثله الضعيف، وقد كانوا في السابق يذكرون الإسناد ويبرأون من العهدة، لكن في العصور المتأخرة لا يكفي ذكر الإسناد، بل لا بد من التنصيص على وضعه، ولو قيل: إنه لا يكفي أن يقال: موضوع، بل لا بد أن تفسر كلمة موضوع؛ لأن كثيراً من الناس ما يفهموش معنى الموضوع، يقال: مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، زور وبهتان لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-. وذكرنا مراراً الحافظ العراقي سئل عن حديث فقال: لا أصل له، باطل مكذوب، فانبرأ له شخص من العجم ينتسب إلى العلم، فقال له: يا شيخ كيف تقول: مكذوب وهو مروي بالسند إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! فأحضره من كتاب الموضوعات لابن الجوزي، فتعجب من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، على هذا الذي يخاطب عوام الناس لا بد أن يبين له بالأسلوب الذي يفهمونه، ولا يكفي أن يقول: موضوع، يمكن يتصور العامي أن كلمة موضوع شيء عظيم فوق صحيح مثلاً، وما يدريك؟ لأن العامة ما يفهموا مثل هذه الاصطلاحات، بل لا بد أن يبين لهم أن هذا مكذوب، ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"ثم قال ابن الصلاح: وأما الحديث الذي روِّيناه عن أبي بكر الصديق عن عائشة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في الحبة السوداء: ((شفاء من كل داء)) " هذا الحديث في الصحيح، صحيح البخاري، لكن الراوي أبو بكر ليس المراد به الصديق، وإنما هو حفيد ابنه عبد الرحمن، حفيد ابنه، هو حفيد ابنه عبد الرحمن، إنما هو أبو بكر عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن عائشة، وعلى هذا يصلح مثال وإلا ما يصلح؟ لا يصلح مثال. "قال: ولا نعرف أربعةً من الصحابة على نسقٍ سوى هؤلاء" يعني أربعة من الصحابة متوالدون على نسق "محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة -رضي الله عنهم- كذلك قال ابن الجوزي وغير واحد من الأئمة" هذا من حيث التوالد من جهة الأب، أما من جهة الأم فعبد الله ابن الزبير كذلك، بل أولى. "قلتُ: ويلتحق بهم تقريباً عبد الله بن الزبير" هو صحابي وأمه أسماء صحابية وجده من؟ طالب:. . . . . . . . . لا ما توالدوا ما توالدوا، وجده أبو بكر صحابي وأبو قحافة صحابي. يقول: "وهو أسن وأشهر في الصحابة من محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، والله أعلم". "قال ابن الجوزي: وقد روى حمزة والعباس عن ابن أخيهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وعمُّ الرجل صنو أبيه، يعني مثل أبيه، فإذا روى العم فكأن الأب قد روى "وروى مصعب الزبيري عن ابن أخيه الزبير بن بكار" هو عمه يصير الراوي عم المروي عنه "وإسحاق بن حنبل عن ابن أخيه -الإمام- أحمد بن حنبل" هو عمه "وروى مالك عن ابن أخته إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس" ويكون خاله الإمام مالك، والجادة ...

شرح اختصار علوم الحديث (17)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (17) شرح: النوع الخامس والأربعون: في رواية الأبناء عن الآباء، والنوع السادس والأربعون: في معرفة رواية السابق واللاحق، والنوع السابع والأربعون: معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد من صحابي وتابعي وغيرهم، والنوع الثامن والأربعون: معرفة من له أسماء متعددة فيظن بعض الناس أنهم أشخاص عدة، والنوع التاسع والأربعون: معرفة الأسماء المفردة والكنى التي لا يكون منها في كلِّ حرفٍ سواه، والنوع الموفي خمسين: معرفة الأسماء والكنى الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير "وروى مصعب الزبيري عن ابن أخيه الزبير بن بكار" هو عمه، يصير الراوي عم المروي عنه "إسحاق بن حنبل عن ابن أخيه -الإمام- أحمد بن حنبل" هو عمه "وروى مالك عن ابن أخته إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس" ويكون خاله الإمام مالك، والجادة رواية إسماعيل عن مالك، كما هو معروف في الصحيح، كثير في الصحيح، صحيح البخاري وغيره، نعم. النوع الخامس والأربعون: في رواية الأبناء عن الآباء: النوع الخامس والأربعون: في رواية الأبناء عن الآباء، وذلك كثير جداً، وأما رواية الابن عن أبيه عن جده فكثيرة أيضاً، ولكنها دون الأول, وهذا كعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو عن أبيه، وهو شعيب عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص هذا هو الصواب، لا ما عداه, وقد تكلمنا على ذلك في مواضع في كتابنا: (التكميل) وفي (الأحكام) الكبير والصغير. ومثل بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده معاوية، ومثل طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده وهو عمرو بن كعب، وقيل: كعب بن عمرو، واستقصاء ذلك يطول، وقد صنف فيه الحافظ أبو نصر الوائلي كتاباً حافلاً, وزاد عليه بعض المتأخرين أشياء مهمة نفيسة. وقد يقع في بعض الأسانيد فلان عن أبيه عن أبيه عن أبيه، وأكثر من ذلك، ولكنه قليل، وقلما يصح منه والله أعلم.

رواية الأبناء على الآباء، وعرفنا أنها هي الجادة، وهي داخلة في رواية الأصاغر عن الأكابر، وأفردت بنوع أفردت بالذكر؛ لأن هناك سلاسل تسلسلت، ورويت فيها أحاديث كثيرة بل صحف، كعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده. وقد اختلف العلماء بالاحتجاج في هاتين السلسلتين اختلافاً كبيراً، عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومنشأ الاختلاف مرجع الضمير في جده، هل يعود إلى عمرو وجده محمد تابعي فيكون الخبر مرسل؟ أو يعود الضمير إلى شعيب الأب وجده عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي المعروف؟ والخلاف في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو معروف، وقد جاء التصريح بالجد في مواضع عند النسائي وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، فصرح بالجد، وحمل عليه باقي المواضع، وجمهور أهل العلم يثبتون سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، ولذا كان القول الوسط في هذه السلسلة أنه إن ثبت وصح السند إلى عمرو يتوسط في الأمر فيقال: لا تبلغ درجة أصح الصحيح، ولا تنزل عن الحسن، فما يروى بهذه السلسلة إذا كانت الواسطة إلى عمرو ثقات، فإن أقل ما يقال فيه: إنه حسن, وبعضهم أوصله إلى درجة الصحيح، ومنهم من ضعف للاختلاف في عود الضمير، فإن كان المراد به شعيب الجد جد عمرو، فالمراد به محمد وهو تابعي فيكون الخبر مرسل، والمرسل من قسم الضعيف كما هو معروف. إذا عرفنا هذا فالخلاف في بهز بن حكيم عن أبيه عن جده من أجل الخلاف في عود الضمير وإلا لا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لماذا؟ بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة فالجد؟ طالب:. . . . . . . . . لا، الجد الأول بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، يعني هل المقصود الجد الأول أو الجد الثاني؟ هناك قلنا: الجد الثاني. طالب:. . . . . . . . .

الجد الأول قطعاً، وعلى هذا لا يكون منشأ الاختلاف الاختلاف الضمير مثل ما قلنا في عمرو بن شعيب، وإنما الاختلاف في الاحتجاج ببهزٍ نفسه هل يحتج به أو لا؟ هناك في عمرو بن شعيب الاحتمال والتردد في كون الخبر متصل أو منقطع؟ وهنا الخلاف في ثقة بهز، وحينئذٍ مثل ما قالوا هناك قالوا هنا الأولى أن يتوسط في هذه السلسلة فيقال: إنها من قبيل الحسن أيضاً. لكن لو تعارض عندنا حديثان أحدهما مروي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والثاني من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، فأيهما المرجح؟ طالب:. . . . . . . . . أرجح؟ على كل حال البخاري علق لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده علق، وصحح حديثاً مروي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من الترمذي، قال: حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، يعني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أصح ما في الباب. فمن قال: إن تخريج البخاري في الصحيح أقوى من تصحيحه خارج الصحيح ولو معلقاً رجح رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ومن قال: التصريح بالتصحيح أقوى من التخريج لا سيما في حال التعليق رجح رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعلى كل حال هما من قبيل الحسن، لكن كأن النفس تميل إلى رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن الكلام فيه خفيف جداً بخلاف الكلام في بهز بن حكيم. يقول: "وقد صنف فيه الحافظ أبو نصر الوائلي -يعني السجزي- كتاباً حافلاً، وزاد عليه بعض المتأخرين أشياء مهمة نفيسة"، (من روى عن أبيه عن جده) كتاب مطبوع في مجلد. طالب:. . . . . . . . . لمن؟ طالب:. . . . . . . . . (من روى عن أبيه عن جده) من هو له يا أبا عبد الله؟ مطبوع في مجلد. طالب:. . . . . . . . . لا، لا، مو العلائي؟ طالب:. . . . . . . . . حققه باسم إيش اسمه؟ طالب:. . . . . . . . .

النوع السادس والأربعون: في معرفة رواية السابق واللاحق:

"وقد يقع في بعض الأسانيد فلان عن أبيه عن أبيه عن أبيه وأكثر من ذلك" إلى ستة عشر شخصاً، فلان عن أبيه عن أبيه عن أبيه .. إلى آخره، وهذا لا شك أنه في الغالب أنه لا يصح؛ لأنه يكون في الإسناد والوسائط ممن هو غير مرضي، التميميين الحنابلة يروي بعضهم عن بعض في ستة عشر راوياً، فلان عن أبيه عن أبيه عن أبيه، وفيهم الواهي جداً، والله المستعان، نعم. النوع السادس والأربعون: في معرفة رواية السابق واللاحق: النوع السادس والأربعون: في معرفة رواية السابق واللاحق، وقد أفرد له الخطيب كتاباً، وهذا إنما يقع عند رواية الأكابر عن الأصاغر، ثم يروي عن المروي عنه متأخر. كما روى الزهري عن تلميذه مالك بن أنس، وقد توفي الزهري سنة أربع وعشرين ومائة, وممن روى عن مالك زكريا بن دويد الكندي، وكانت وفاته بعد وفاة الزهري بمائة وسبع وثلاثين سنة أو أكثر، قاله ابن الصلاح. وهكذا روى البخاري عن محمد بن إسحاق السراج, وروى عن السراج أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري, وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة, فإن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين, وتوفي الخفاف سنة أربع أو خمس وتسعين وثلاثمائة، كذا قاله ابن الصلاح. قلت: وقد أكثر من التعرض لذلك شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي في كتابه: (التهذيب)، وهو مما يتحلى به كثير من المحدثين, وليس من المهمات فيه. رواية السابق واللاحق يجلس الشيخ للإقراء والتحديث في حداثة سنه، فيروي عنه شخص فلا يطول عمره يموت بعد الرواية، ثم يطول عمر الشيخ ويدركه أناس بعد عقود فيأخذون عنه في أواخر حياته، ثم يعمر واحد منهم، فيكون بين وفاة هذا المعمر وبين ذلك الطالب الذي أخذ العلم عن الشيخ ومات في أول الأمر ما ذُكر بل أكثر وقد يصل إلى مائة وخمسين سنة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

ما فهمتَ؟ لو أنا مثلاً أنا جلست سنة (99) للتدريس، لو قدر أن واحد من أولئك مات سنة (99، 1399هـ) زين، مات في وقتها، اضبط وفاته سنة كم؟ (1399هـ) قدر الله لي وعمرت وجلست أقرئ الناس سبعين سنة، من (99) إلى (70) سنة (69) مثلاً، في آخر العمر جاء واحد صغير السن وطلب العلم، وعُمِّر هذا الطالب بعدي، عُمّر سبعين ثانية تو تسعين بعد احتمال؛ لأنه يأتي يطلب العلم عمره خمسة عشر عشرين، فإذا أضفت له ثمانين متى يموت؟ طالب:. . . . . . . . . لا الآن أضف (69) خلنا على المثال أضف لها (80) يموت عن مائة سنة مثلاً هو، (1549هـ)، (1549هـ) أضفها إلى (99) السابقة (150) سنة، الفرق (150) سنة، هذا السابق المسكين اللي ما عاش والعلم عند الله -سبحانه وتعالى-، ولا يدري وين الخيرة بعد؟ لكنه في منظور الناس أنه مات في شبابه مسكين، ويمكن أن الله -سبحانه وتعالى- صده عن كثير من الفتن والمحن، زميل باعتبار الشيخ لهذا الشخص الذي عمر بعده (150) سنة، كلهم أخذوا عن هذا الشيخ، واضح وإلا ما هو بواضح؟ الله المستعان، الله المستعان، الله المستعان. يقول: "وقد أفرد له الخطيب كتاباً، وهذا إنما يقع عند رواية الأكابر عن الأصاغر، ثم يروي عن المروي عنه متأخر" شخص متأخر في آخر عمره روى عنه شخص صغير السن ثم عُمِّر، فيكون بين وفاة هذا المعمر الأخير مع الزميل القديم هذه المدة التي ذكروها بل أكثر، وفي مثالنا وهو متصور جداً يعني ما في واحد زاد على المائة هنا، هذا متصور، يعني لا الطالب الأول .. ، الطالب الأول معروف أنه مات وهو صغير، نفترض أن عمره عشرين سنة، لكن الشيخ والطالب الثاني لا يزيد عمره عن مائة في مثالنا. "كما روى الزهري عن تلميذه مالك بن أنس، وقد توفي الزهري سنة أربعٍ وعشرين ومائة" الزهري روى عن مالك وتوفي الزهري قبل وفاة مالك بكم؟ بخمسة وخمسين سنة، مات الزهري روى عن مالك ومات قبله بخمس وخمسين سنة "وممن روى عن مالك زكرياً بن دويد الكندي" كانت .. ، متى توفي الكندي هذا؟ طالب:. . . . . . . . . (259هـ) يعني بعد مالك بكم؟ بـ (80) سنة، مطابق لمثالنا، نعم. طالب:. . . . . . . . . حوالي (55) سنة. طالب:. . . . . . . . .

إيه (124) و (179) خمسة وخمسين سنة، هذا عُمِّر بعد مالك ثمانين سنة، إذا أضفت له الخمسة والخمسين صارت مائة وخمسة وثلاثين. يقول: وبين وفاتيهما "وكانت وفاته بعد وفاة الزهري بمائة وسبعة وثلاثين سنة أو أكثر" سهل، يعني أنت تشوف العمر ذا مائة وسبعة وثلاثون سنة، يتصور أن عمر الشيخ مائة وسبعة وثلاثين، أو عمر الطالب الثاني مائة وسبعة وثلاثين، أو عمر الطالب الأول مائة وسبع وثلاثين، ما هو بصحيح، لا تنظر إلى هذا وذاك، أنت انظر إلى أن هذا شيخ واحد جلس للتعليم سبعين سنة، ولا هو ببعيد أن يجلس سبعين سنة، يجلس عمره خمسة وعشرين يموت خمسة وتسعين متصور، بل كثير هذا، نعم، طلب عليه العلم واحد في أول الأمر وما طال عمره مات، ثم في آخر عمره طلب العلم عنده واحد صغير طلب العلم عند هذا الشيخ بعد بلوغه خمسة وتسعين سنة، ثم عُمِّر هذا الطالب، وانظر إلى وفاة الأول والثاني اترك الشيخ، هذا سابق وذا لاحق، كم بينهما؟ العدة التي ذكرناها، احتمال مائة وخمسين سنة، ما هو بعيد. "وهكذا روى البخاري عن محمد بن إسحاق السراج، وروى عن السراج أبو الحسن أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري، وبين وفاتيهما مائة وسبعة وثلاثون سنة، فإن البخاري توفي سنة ستٍ وخمسين ومائتين، وتوفي الخفاف سنة أربع وتسعين وثلاثمائة".

النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد من صحابي وتابعي وغيرهم:

"قلتُ: وقد أكثر من التعرض إلى ذلك شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي في كتابه: (التهذيب)، وهو مما يتحلى به كثيرٌ من المحدثين" يزعم أنه عُمّر، وأنا عُمّرت، وأنا أخذت، وأنا زاملت، لكنه ليس من المهمات، العبرة بما جنيت من علمٍ وعمل، كونك تأخرت أو تقدمت الكمال الإجباري والنقص الإجباري لا مدح فيه ولا ذم، لكن الكلام على الاختياري، إيش معنى هذا الكلام؟ رجل طويل يفتخر على الناس أنه طويل؟ أو قصير يذم لأنه قصير؟ لكن الكلام على السجايا التي هي اختيارية، التي يكتسبها الإنسان، ويتطبع بها، فكون الإنسان تقدمت وفاته أو تأخرت هذا ما هو بمدح؛ لأن الأيام خزائن، أوعية، ماذا أودعت في هذه الخزائن؟ ولذا يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وهو مما يتحلى به كثيرٌ من المحدثين، وليس من المهمات"؛ لأن هذا ليس بيدك كونك تأخرت ومات زميلك قبل مائة وخمسين سنة، فيه مدح لك؟ لكن الكلام ماذا تركت من علمٍ وعمل؟ من أثر؟ والله المستعان. النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد من صحابي وتابعي وغيرهم: النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد من صحابي وتابعي وغيرهم، ولمسلم بن الحجاج وصنفوا في ذلك. تفرد عامر الشعبي عن جماعة من الصحابة منهم عامر بن شهر, وعروة بن مضرس, ومحمد بن صفوان الأنصاري, ومحمد بن صيفي الأنصاري, وقد قيل: إنهما واحد، والصحيح أنهما اثنان, ووهب بن خنبش ويقال: هرم بن خنبش أيضاً، فالله أعلم. وتفرد سعيد بن المسيب بن حزن بالرواية عن أبيه، وكذلك حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه، وكذلك شتير بن شَكَل بن حميد عن أبيه، وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه، وكذلك قيس بن أبي حازم تفرد بالرواية عن أبيه, وعن دكين بن سعيد المزني, وصنابح بن الأعسر, ومرداس بن مالك الأسلمي، وكل هؤلاء صحابة. قال ابن الصلاح: وقد ادعى الحاكم في: (الإكليل) أن البخاري ومسلماً لم يخرجا في صحيحيهما شيئاً من هذا القبيل.

قال: وقد أنكر ذلك عليه ونقض بما رواه البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه, ولم يروِ عنه غيره في وفاة أبي طالب، وروى البخاري من طريق قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي حديث: ((يذهب الصالحون الأول فالأول)) وبرواية الحسن عن عمرو بن تغلب، ولم يروِ عنه غيره حديث: ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه)). وروى مسلم حديث الأغر المزني: ((إنه ليغان على قلبي)) ولم يروِ عنه غير أبي بردة، وحديث رفاعة بن عمرو ولم يروه عنه غير عبد الله بن الصامت، وحديث أبي رفاعة ولم يروِ عنه غير حميد بن هلال العدوي، وغير ذلك عندهما. ثم قال ابن الصلاح: وهذا مصير منهما إلى أنه ترتفع الجهالة عن الراوي برواية واحدٍ عنه. قلتُ: أما رواية العدل عن شيخ فهل هي تعديل أم لا؟ في ذلك خلاف مشهور، ثالثها: إن اشترط العدالة في شيوخه كمالكٍ ونحوه فتعديلٌ وإلا فلا، وإذا لم نقل إنه تعديل فلا تضر جهالة الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول بخلاف غيرهم، فلا يصح ما استدل به الشيخ ... استدرك، استدرك به الشيخ، وإلا الثاني محتمل، لكن هو استدراك، استدراك من الشيخ نعم، استدراك من الشيخ أبي عمرو بن الصلاح على الحاكم كما هو معروف. فلا يصح ما استدرك به الشيخ أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله-؛ لأن جميع من تقدم ذكرهم صحابة، والله أعلم، وأما التابعون فقد تفرد حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه بحديث: ((أما تكون الذكاة إلا في اللبة؟ فقال: أما لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك)). ويقال: إن الزهري تفرد عن نيف وعشرين تابعياً، وكذلك تفرد عمرو بن دينار وهشام بن عروة وأبو إسحاق السبيعي ويحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابيعن، وقال الحاكم: وقد تفرد مالكٌ عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة لم يروِ عنهم غيره. هذا النوع عقده ابن الصلاح وتبعه الحافظ ابن كثير -رحمهم الله- للوحدان، المنفردات والوحدان أي الرواة الذي لم يروِ عنهم إلا واحد.

تقدم في بحث المجهول أن مجهول العين من روى عنه واحد فقط، مجهول الحال من روى عنه اثنان فأكثر على أنه لا تعرف حاله من حيث العدالة والضبط أو عدمه ثقةً وضعفاً، هذا مجهول العين الذي لم يروِ عنه إلا شخصٌ واحد هم من عرفوا بالمنفردات والوحدان، وهم من يبحثهم الشيخ هنا، ولمسلم بن الحجاج مصنف مطبوع قديماً في الهند وأعيد طبعه مع تعليقات يسيرة في بيروت، المقصود أن كتاب مسلم معروف متداول. يقول: "تفرد عامر الشعبي عن جماعة من الصحابة منهم عامر بن شهر وعروة بن مضرس ومحمد بن صفوان الأنصاري ومحمد بن صيفي الأنصاري، وقد قيل: إنهما واحد، والصحيح أنهم اثنان" وكيف نجزم بأنهما واحد أو اثنان؟ في كتب تحل الإشكالات وإلا ما في؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . مثل إيش؟ ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، الخطيب؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، ما تنفع. طالب:. . . . . . . . . (بيان خطأ البخاري في تأريخه) لابن أبي حاتم، و (موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب، هذان كتابان يحلان كثير من الإشكال، على أنهما ليسا بمعصومين، البخاري -رحمه الله- كثيراً ما يعد الاثنين واحد والعكس، ثم يُستدرك عليه في التفريق بين من جعلهما واحد، (موضح أوهام الجمع والتفريق) هذا كتاب عظيم للخطيب البغدادي، وكتابه هذا مع بقية كتبه لا تدع مجالاً لمن طعن فيه، ومن قرأ مقدمة هذا الكتاب عرف قدر الرجل وعرف قدر نفسه، عرف قدر هذا الإمام وعرف قدر نفسه، وأنه ليس بشيء بالنسبة له، ويوجد من ينتسب إلى الحديث وطلبه وعلمه وتعليمه من يطعن في الخطيب، ويقول: أدخل المنطق وأدخل العلوم الدخيلة على علوم الحديث، وهو في الحقيقة إذا نسب نفسه إلى الخطيب وجد أنه لا شيء. طالب:. . . . . . . . . إيه (المنفردات والأحكام) مطبوع، طُبع بالهند قديماً في أكثر من عشر ورقات، ثم طُبع محققاً في جزء لطيف.

"تفرد سعيد بن المسيب بن حزن -الإمام المشهور- بالرواية عن أبيه" وروايته عن أبيه مخرجة في الصحيح في وفاة أبي طالب، "وكذلك حكيم بن معاوية بن حيدة ... ، ... وشتير بن شكل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه" ابن أبي ليلة عبد الرحمن من رواة الصحيح كما هو معروف، بخلاف ابنه محمد الفقيه القاضي، الفقيه الكبير، لكنه سيء الحفظ، ولا بد من التفريق بينهما. "كذلك قيس بن أبي حازم تفرد بالرواية عن أبيه وعن دكين بن سعد" متفرداً، "وصنابح بن الأعسر ومرداس بن مالك الأسلمي كل هؤلاء من الصحابة"، فكونه لم يروِ عن كل واحد منهم إلا واحد لا يقدح؛ لأن الصحابة كلهم عدول، ولا يقال: إن هذا صحابي مجهول جهالة عين؛ لأنه لم يروِ عنه إلا واحد؛ لأن الصحبة لا يعدلها شيء، يعني لو قدر أن شخص من التابعين روى عنه مائة هل نقول: إنه بمثابة هذا الصحابي الذي لم يروِ عنه إلا واحد؟ كلا، شرف الصحبة لا ينال. في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وصف بعض الصحابة بالجهالة، بل قال عن بعضهم من السابقين الأولين مجهول، ويريد بذلك قلة الرواية، لا أنه من حيث العدالة والضبط، من حيث كونه ثقة أو لا يسمى .. ، لا، لا يقال: مجهول من حيث الاصطلاح العام. "قال ابن الصلاح: وقد ادعى الحاكم في الإكليل أن البخاري ومسلم لم يخرجا في صحيحهما شيء من هذا القبيل" لم يخرجا لراوٍ لم يكن له إلا راوٍ واحد، وهذا مردود عليه، وأشرنا إليه في بحث العزيز، وعرفنا أن في الصحيحين من الغرائب ما يرُد دعوى الحاكم كما هو معروف ... "قال: وقد أنكر ذلك عليه، ونقض بما رواه البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه" يعني في قصة وفاة أبي طالب، مخرجة في الصحيح "وروى البخاري من طريق قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي حديث: ((يذهب الصالحون الأول فالأول)) ورواية الحسن عن عمرو بن تغلب ولم يروِ عنه غيره حديث: ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه)) وروى مسلم حديث الأغر المزني: ((إنه ليغان على قلبي)) لم يروه عنه غير أبي بردة" يعني ابن أبي موسى الأشعري. "وحديثُ رفاعة بن عمروٍ ولم يروِ عنه غير عبد الله بن الصامت" وغير ذلك من أفراد الصحيح وغرائب الصحيح.

وذكرنا سابقاً أن في الصحيحين الأحاديث الغرائب، بل فيها الأفراد سواءً كانت في الأحاديث أو في الرواة، وهذه أمثلة للرواة، وهناك أحاديث تسمى غرائب الصحيح يرد بها على قول الحاكم ومن قال بقوله كالبيهقي والكرماني الشارح وابن العربي أيضاً الذي شرح البخاري زعم أن ذلك شرط البخاري وليس بصحيح، كما قال الصنعاني -رحمه الله- في نظم النخبة لما ذكر العزيز وعرفه، قال: وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقد رُمي من قال بالتوهمِ "ثم قال ابن الصلاح: وهذا مصير منهما إلى أنه ترتفع الجهالة عن الراوي برواية واحدٍ عنه" وهذا ليس بصحيح؛ لأن هؤلاء الذين استدركوا على الحاكم كلهم صحابة، فلو قدر أن راوٍ من غير الصحابة لم يروِ عنه سوى واحد لا ترتفع عنه جهالته، لكن لا يمكن أن يوصف الصحابي بالجهالة مع ثبوت الصحبة له، ولو لم يروِ عنه سوى واحد. "قلتُ: أما رواية العدل عن شيخ فهل هي تعديلٌ له أم لا؟ " وهذا تقدم في مباحث الجرح والتعديل رواية العدل عن الراوي هل تعد تعديل له؟ لا، ولو صرح بأن جميع أشياخه ثقات، لو صرح بأنه لا يروي إلا عن ثقة ولو قال: حدثني الثقة ولم يسمه كل هذا لا يعتد به، بل لا بد أن يسميه، بل لا بد أن يسمي من روى عنه وحينئذٍ ينظر في حاله "فهل هي تعديلٌ أم لا؟ في ذلك خلافٌ مشهور ثالثها" أين الأول والثاني؟ طالب:. . . . . . . . . نعم هما متقابلان، كثيراً ما يساق الخلاف فيه ثلاثة أقوال ثالثها كذا، الأول: نعم والثاني: لا، متقابلان، كما قالوا في (إن) و (أن) والثالث أصلان، إيش معنى هذا؟ "إن وأن والثالث أصلان"؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، هل الأصل في (إن) الكسر أو الفتح؟ أو هما أصلان؟ ثلاثة أقوال "ثالثها: إن اشترط العدالة في شيوخه كمالك" يعني إن كان ممن لا يروي إلا عن ثقة قُبل "فتعديلٌ وإلا فلا" والصواب أنه ليس بتعديل، بل لا بد أن ينص على تعديله؛ لأن من يطلق هذه القواعد العامة أنه لا يروي إلا عن ثقة قد يغفل عنها، وقد يتغير اجتهاده، وقد يوثق من ليس بثقة اغتراراً بحاله، كما فعل الإمام مالك -رحمه الله- بالنسبة لعبد الكريم بن أبي المخارق، روى عنه ولا يروي إلا عن ثقة، إذاً عبد الكريم بن أبي المخارق ثقة؟ لا، قال: غرني بكثرة جلوسه في المسجد، فاغتر بظاهر حاله. "وإذا لم نقل أنه تعديل فلا تضر جهالة الصحابي" هذا الكلام، هؤلاء صحابة فلا تضر جهالتهم، أو نقول: إن رواية الواحد عن الصحابي أو عدم الرواية عن الصحابي ليست بجهالة، وعدم الرواية أصلاً عن الصحابي، لو ذكر صحابي ما روي عنه أصلاً نقول: مجهول؟ لا نقول: مجهول. "فلا يصح ما استدرك به الشيخ أبو عمرو -يعني ابن الصلاح يعني على الحاكم- لأن جميع ما ذكرهم صحابة"، يقول: "أما التابعون فقد تفرد فيما نعلم حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه بحديث: "أما تكون الذكاة إلا في اللبة؟ قال: ((أما لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك)) " هذا نعم راويه مجهول جهالة ذات وإلا عين وإلا حال؟ طالب:. . . . . . . . . ها يا أبو عبد الله؟ جهالة عين؛ لأنه لم يروِ عنه سوى واحد، لكن لو روى عنه اثنان ولم يوثق جهالة حال، إذا لم يعرف اسمه بل أبهم يسمى جهالة ذات. "يقال: إن الزهري تفرد عن نيفٍ وعشرين تابعياً، كذلك تفرد عمرو بن دينار وهشام بن عروة وأبو إسحاق السبيعي ويحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابعين" وهؤلاء كلهم في عداد المجاهيل، لكن هؤلاء المجاهيل الذين تقادم العهد بهم وهم في طبقة أوائل التابعين، وكبارهم مثل هؤلاء يتسامح في حالهم إذا لم يكن في المتن ما ينكر. "وقال الحاكم: تفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة لم يروِ عنهم غيره" فيبقون مع ذلك مجاهيل جهالة عين، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

النوع الثامن والأربعون: معرفة من له أسماء متعددة فيظن بعض الناس أنهم أشخاص عدة:

النوع الثامن والأربعون: معرفة من له أسماء متعددة فيظن بعض الناس أنهم أشخاص عدة: النوع الثامن والأربعون: معرفة من له أسماء متعددة فيظن بعض الناس أنهم أشخاص عدة أو يذكر ببعضها أو بكنيته فيعتقد من لا خبرة له أنه غيره. وأكثر ما يقع ذلك من المدلسين يغربون به على الناس، فيذكرون الرجل باسم ليس هو مشهوراً به, أو يكنونه ليبهموه على من لا يعرفها وذلك كثير. وقد صنف الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري في ذلك كتاباً, وصنف الناس كتب الكنى, وفيها إرشاد إلى حل مترجم هذا الباب. ومن أمثلة ذلك: محمد بن السائب الكلبي وهو ضعيف .... فيها إرشاد؟ إيش عندك ... ؟ طالب:. . . . . . . . . إيه نعم، وفيها إرشاد إلى إظهار تدليس المدلسين. طالب: في نسخ: "وطمست هذه الجملة في نسخة (أ) فأثبتها الشيخ شاكر ... " إظهار تدليس المدلسين. طالب: أعيدها يا شيخ؟ إيه أعدها. وصنف الناس كتب الكنى، وفيها إرشادٌ إلى إظهار تدليس المدلسين. ومن أمثلة ذلك: محمد بن السائب الكبي، وهو ضعيف، لكنه عالم بالتفسير وبالأخبار، فمنهم من يصرح باسمه هذا, ومنهم من يقول: حماد بن السائب, ومنهم من يكنيه بأبي النضر, ومنهم من يكنيه بأبي سعيد, قال ابن الصلاح: وهو الذي يروي عنه عطية العوفي التفسير موهماً أنه أبو سعيد الخدري. وكذلك سالم أبو عبد الله المدني المعروف بسبلان الذي يروي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ينسبونه في ولائه إلى جهات متعددة، وهذا كثير جداً, والتدليس أقسام كثيرة كما تقدم، والله أعلم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "النوع الثامن والأربعون: معرفة من له أسماء متعددة" النوع الذي يليه والذي يليهما أنواع كلها تتعلق بالرواة في أسمائهم وكناهم وألقابهم.

يقول: "معرفة من له أسماء متعددة فيظن بعض الناس أنهم أشخاص متعددة" والمتأخر معذور إذا روي في الإسناد عن حماد بن السائب وفي إسنادٍ آخر محمد بن السائب ما يدريه؟ إلا إذا أوقفه الأئمة على ذلك "فيظن بعض الناس أنهم أشخاص متعددون، أو يذكر ببعضها، أو بكنيته، فيعتقد من لا خبرة له أنه غيره"، ومثله من له كنى متعددة "وأكثر ما يقع ذلك من المدلسين، يغربون به على الناس" فإذا أراد أن يوعر الطريق إلى معرفة الراوي سماه باسمٍ غير معروفٍ به بين الناس أو كناه بذلك أو نسبه. يقول: "فيذكرون الرجل باسمٍ ليس مشهوراً به، أو يكنونه ليبهموه على من لا يعرفه، وذلك كثير" مضى هذا في تدليس الشيوخ، فإذا قيل: حدثنا أحمد بن هلال تبحث في كتب الرجال لا تجد أحمد بن هلال وهو إمام، إمام أهل السنة، الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال فينسب إلى جده، أو يكنى بكنيةٍ لا يعرف بها، وهو مشهور ومعروف على ما سيأتي بأبي عبد الله، ويكنى مثلاً بأبي صالح. فيقول: "صنف الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري في ذلك كتاباً، وصنف الناس في ذلك كتب الكنى" صنف الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري من له أسماء متعددة، هناك كتب في الكنى من له كنية واحدة لكنه لم يعرف بها، فمثلاً: قتادة بن دعامة السدوسي مشهورٌ باسمه، فإذا جاء في إسناد يقول من يروي عنه: حدثني أبو الخطاب السدوسي من يعرفه؟ من يعرف أن هذا قتادة؟ يقول: "وفيها إرشادٌ إلى تدليس المدلسين، ومن أمثلة ذلك: محمد بن السائب الكلبي وهو ضعيف، لكنه عالمٌ بالتفسير وبالأخبار" أخباري من أهل الأخبار لكنه ضعيف عند أهل العلم، وضعفه في الرواية هل يعني إهدار قيمته في غير الرواية من العلوم؟ معرفته بالتفسير والتفسير مبني على الرواية. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني حينما يضعف عاصم بن أبي النجود، يقال: سيء الحفظ، وهو إمام في القراءة، نعم إيش هو؟ طالب:. . . . . . . . .

أقول: إذا ضعف الشخص في علمٍ من العلوم هل يعني أن هذا الشخص يضعف في سائر العلوم؟ فإذا ضعف عاصم بن أبي النجود القارئ المشهور في الرواية، وقيل عنه: سيء الحفظ، هل معنى هذا أن قراءته فيها شيء؟ فيها كلام؟ لا، إذا ضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي الفقيه المشهور، ورمي بسوء الحفظ في الرواية، يعني هذا أنه ليس بفقيه ولا إمام في الفقه، ولا يعني أنه ناجح في القضاء؟ لا، وهكذا. فقد يبرز الإنسان في شخص، ويعرف في علم، يبرز شخص في علم ويعرف به ويجيده ويتقنه لكنه في غيره من العلوم يضعف، السيوطي الذي ما من علمٍ من العلوم إلا وألف فيه كتب، لا أقول: كتاب كتب، يقول: نقل جبل أسهل عليّ من حلِّ مسألة حساب. طالب:. . . . . . . . . ولا يعني هذا أن الشخص إذا تخصص بالرياضيات أو شيء، يعني ينظر إلى هذا الشخص الإمام في كثير من العلوم أنه ... ، ها يا أحمد؟ طالب:. . . . . . . . . المقصود أن الكمال لله، يعني ما من شخص وإلا يوجد فيه خلل، ما من شخص وإلا ولا بد أن يوجد فيه علامة نقص في جانب من جوانب حياته، مهما قيل عن الشخص ومدح وقرب من الكمال البشري إلا أنه ما من شخص إلا ويوجد فيه شيء من النقص. أقول: محمد بن السائب الكلبي هذا ضعيف في الرواية لا يحتج به، لكن هل يعتمد عليه في التفسير أو لا؟ يعتمد عليه في التفسير أو لا يعتمد؟ طالب:. . . . . . . . . المسألة تحتاج إلى تفصيل، إن كان التفسير من تلقائه مما يروى عنه .. طالب: يعامل معاملة الحديث. لا، العكس، هو إذا كان ينقل التفسير عن غيره ينظر فيه على أساس أنه رجل في إسناد، وتطبق عليه شروط الرواية إذا كان ينقل عن غيره، أما إذا كان التفسير من تلقائه فينظر على أنه قول من الأقوال في هذه الآية، في معنى هذه الآية. يقول: "منهم من يصرح باسمه هذا، ومنهم من يقول: حماد بن السائب، ومنهم من يكنيه بأبي النضر، ومنهم من يكنيه بأبي سعيد" عطية العوفي يروي عنه، ويقول: حدثني أبو سعيد، أو قال أبو سعيد، ويوهم أنه أبو سعيد الخدري، وهو في الحقيقة محمد بن السائب الكلبي، ولا شك أن هذا تدليس شديد، يعني تدليس ما هو بين ثقة وضعيف، بين صحابي وضعيف، والله المستعان.

يقول: "كذلك سالم أبو عبد الله المدني المعروف بسبلان الذي يروي عن أبي هريرة، ينسبونه في ولائه إلى جهات متعددة" سالم مولى مالك بن أوس بن حدثان، سالم مولى شداد بن الهاد النصري، سالم مولى النصريين، سالم مولى المهري، سالم مولى شداد بن الهاد، سالم أبو عبد الله الدوسي ينسب إلى مواليه، سالم مولى دوس، وغير ذلك. الخطيب -رحمه الله- يفعل هذا كثيراً في شيوخه، ولعاً بمثل هذا، يصرف الشيخ ويقلبه على جهات متعددة، أحياناً يكنيه بولده، وأحياناً يلقبه، وأحياناً ينسبه إلى أبيه، وأحياناً إلى جده، وأحياناً إلى جد أبيه، وأحياناً إلى بلده، وأحياناً إلى قبيلته، فالشخص الواحد يمكن أن يسمى بخمسة أو ستة أشياء أو أسماء. "ينسبونه في ولائه إلى جهات متعددة، وهذا كثيرٌ جداً، والتدليس أقسامٌ كثيرة" تقدمت، عرفنا أن هناك تدليس الشيوخ، وتدليس ... طالب:. . . . . . . . . الشيوخ وين يصيرون. . . . . . . . .؟ لا هم يقسمونه إلى تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ، ولكن التقسيم صحيح؟ طالب:. . . . . . . . . يعني إذا قسموا التدليس إلى تدليس إسناد وتدليس شيوخ، الشيوخ. . . . . . . . . صح وإلا لا؟ يعني هل الشيوخ من المتن علشان يقابل بالإسناد؟ إذاً هي. . . . . . . . .، نقول: تدليس الشيوخ، وتدليس العطف، تدليس القطع، تدليس التسوية، وغير ذلك، تدليس البلدان يدلسون في البلدان، ماذا يقول: فلان في القدس وهو يريد الحي .... وهكذا. طالب:. . . . . . . . . محمد بن السائب. . . . . . . . . يوهم أنه يروي عن أبي سعيد الخدري؟ لا، عطية العوفي يقول: حدثني أبو سعيد يقصد محمد بن السائب الكلبي كنيته أبو سعيد. طالب: ابن الصلاح قال: "وهو الذي يروي عنه عطية العوفي". إيه التفسير، يروي عنه عطيةُ، عطية يروي عن الكلبي ويوهم أنه أبو سعيد الخدري. طالب:. . . . . . . . . والله المدلسون على طبقات، منهم من احتمل الأئمة تدليسه لإمامته وقلة تدليسه في جانب من روى، ومنهم من لم يحتمل الأئمة تدليسه هم طبقات، منهم من ضعف بالتدليس أيضاً، طبقات المدلسين معروفة. طالب:. . . . . . . . . لا، من حيث كثرة التدليس وشدة التدليس، كثرته وشدته.

النوع التاسع والأربعون: معرفة الأسماء المفردة والكنى التي لا يكون منها في كل حرف سواه:

النوع التاسع والأربعون: معرفة الأسماء المفردة والكنى التي لا يكون منها في كل حرفٍ سواه: النوع التاسع والأربعون: معرفة الأسماء المفردة والكنى التي لا يكون منها في كلِّ حرفٍ سواه، وقد صنف في ذلك الحافظ أحمد بن هارون البرديجي وغيره، ويوجد ذلك كثيراً في كتاب: (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم وغيره, وفي كتاب: (الإكمال) لأبي نصر بن ماكولا كثيراً. وقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح طائفة من الأسماء المفردة, منهم: أجمد بالجيم بن عجيان، على وزن عليان، قال ابن الصلاح: ورأيته بخط ابن الفرات مخففاً على وزن سفيان، ذكره ابن يونس في الصحابة، أوسط بن عمرو البجلي تابعي، تدوم بن صبح الكلاعي .... صُبْح وإلا صبيح؟ طالب: ابن صبح. صبيح بالتصغير، ويش عندك؟ طالب: في الحاشية صبيح بالتصغير. ابن صبيح نعم، تدوم بن صبيح. تدوم بن صبيح الكلاعي عن تبيع الحميري ابن امرأة كعب الأحبار، جبيب -بالجيم- بن الحارث صحابي، جيلان بن أبي فروة أبو الجلد الأخباري تابعي، الدجين بن ثابت أبو الغصن يقال: إنه جحا. قال ابن الصلاح: والأصح أنه غيره، زر بن حبيش، سعير بن الخمس، سندر الخَصي مولى زنباع الجذامي له صحبة، شَكَل بن حميد صحابي، شمغون -بالشين والغين المعجمتين- بن زيد أبو ريحانة صحابي, ومنهم من يقول بالعين المهملة، سُدي بن عجلان أبو أمامة صحابي، صُنابح بن الأعسر، ضُريب بن نقير بن سَمير .. ابن سُمير كلها بالتصغير. أبو السليل القيسي البصري، يروي عن معاذة، عزوان بالعين المهملة ... معاذ وإلا معاذة؟ معاذ. طالب: معاذة، عندنا معاذة. عزوان بالعين المهملة، ابن زيد الرقاشي، أحد الزهاد تابعي، كلدة بن حنبل صحابي. لعله ابن يزيد الرقاشي الزاهد المعروف. لبي بن لبأ صحابي، لمازة بن زبار، مستمر بن الريان رأى أنساً، نبيشة الخير صحابي، نوف البكالي تابعي. طالب: كذا يا شيخ البكالي؟ إيه إيه نعم. . . . . . . . . طالب:. . . . . . . . . إيه في الصحيح، قصته في الصحيح، قصة موسى وصاحبه الخضر، في الحديث الصحيح في كتاب العلم. وابصة بن معبد صحابي، خبيب بن مغفل، همدان بريد عمر بن الخطاب بالدال المهملة وقيل: بالمعجمة.

وقال ابن الجوزي في بعض مصنفاته: مسألةٌ هل تعرفون رجلاً من المحدثين لا يوجد مثل أسماء آبائه؟ فالجواب: إنه مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مطربل بن أرندل بن عرندل بن ناسك الأسدي، قال ابن الصلاح: وأما الكنى المفردة فمنها: أبو العبيدين واسمه: معاوية بن سبرة من أصحاب ابن مسعود، أبو العشراء الدارمي تقدم، أو المدلة من شيوخ الأعمش وغيره لا يعرف اسمه، وزعم أبو نعيم الأصبهاني أن اسمه: عبيد الله بن عبد الله المدني، أو مراية العجلي عبد الله بن عمرو تابعي، أو معيد حفص بن غيلان الدمشقي عن مكحول. قلتُ: وقد روى عنه نحوٌ من عشرةٍ، ومع هذا قال ابن حزمٍ: هو مجهولٌ لأنه لم يطلع على معرفته، ومن روى عنه، فحكم عليه بالجهالة قبل العلم به، كما جهل الترمذيَ -صاحب الجامع- فقال: ومَن محمد بن عيسى بن سَورة؟ ومن الكنى المفردة أبو السنابل لبيد .. عبيد، عبيد ربه. طالب: لبيد عندنا. عبيد ربه، ما في ربه عندك. طالب: إلا. ما تجي لبيد ربه، ما يمكن. ومن الكنى المفردة أبو السنابل عبيد ربه بن بعكك رجلٌ من بني عبد الدار صحابيٌ اسمه واسم أبيه، وكنيته من الأفراد ... قصته في الصحيحين، في عدة الحامل في الصحيحين. قال ابن الصلاح: وأما الأفراد من الألقاب فمثل سفينة الصحابي اسمه: مهران، وقيل غير ذلك، مندل بن علي العنزي اسمه: عمرو، سحنون بن سعيد صاحب المدونة اسمه: عبد السلام، مطيَّن مشكودانة الجعفي في جماعة آخرين سنذكرهم في نوعٍ الألقاب -إن شاء الله تعالى-، وهو أعلم. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الأفراد من الأسماء والكنى والألقاب، يعني الذي لا يوجد له نظير في الأسماء، يعني هذا الاسم فقط لهذا الشخص، هذه يفعلها المترجمون للرواة في أواخر الحروف، وصنف البرديجي كتاباً في (الأفراد) يعني الذي لا يشاركه في الاسم غيره، كم في الدنيا من شخص اسمه: أجمد؟ كم؟ طالب:. . . . . . . . .

ما في غيره، تسمي عليه ثاني؟ نعم هؤلاء هم الأفراد، ولبي بن لبأ، ابن عجيان على وزن عليان، أجمد بن عجيان، عجيان مطروق، لكن أجمد، أوسط، تدوم، تُبيع، جبيب، يعني حبيب موجود، لكن جبيب، وهذا يوجد كثيراً عند ابن ماكولا وغيره، (الإكمال) لابن ماكولا، و (المشتبه) للذهبي، و (تبصير المنتبه) وغيرها من الكتب التي تعتني بالمشتبه. "الدجين بن ثابت أبو الغصن -هذا- يقال: إنه جحا" وجحا مذكور في كتب المتقدمين، والأكثر على أنه هو الدجين بن ثابت المعروف بالنكتة، وألفت حوله الأساطير، وكل كتاب كُتب عن هذا الشخص يختلف عن الآخر، حتى في وقته، في زمن وجوده، كتب عن جحا على أنه في القرن الأول، كتب عنه على أنه في الدولة العباسية، كتب على أنه في الدولة العثمانية، في العصور المتأخرة، على كل حال .. ، "والأصح أنه غيره" لكن الأكثر على أنه الدجين بن ثابت. زر بن حبيش .... طالب:. . . . . . . . . ويش هو؟ طالب:. . . . . . . . . لا، هذه الحكايات التي تنسب إلى جحا يذكر في هذه الكتب أنه .. ، القصص تدل على أنه في القرن الأول، ويذكر أيضاً قصص تدل على أنه في أثناء الدولة العباسية، وقصص ذُكر فيها أنه في عصر تيمور لنك، وفي قصص أيضاً متأخرة في عهد الدولة العثمانية، العصور المتأخرة، على كل حال كل هذا يدل على أن هذا الشخص قد يكون لوجوده أصل، وأنه معروف بالفكاهة، لكن الناس إذا عرفوا شخصاً بشيء ركبوا عليه ما وقع وما لم يقع، سواءً كان شخص بعينه أو أهل بلد كامل، قد يكون عن أهل قطر من الأقطار، شوف كتاب (البخلاء) للجاحظ ويش ركب على أهل البلدان من القصص والحكايات التي كثيرٍ منها فرية، قد يوجد لذلك أصل لكن بهذا التوسع!. "زر بن حبيش، سعير بن الخمس، سندر .. " شَكَل بن حميد، شتير بن شكل، ها يا عبد الله؟ اسمه: شتير بن شكل؟ ويش تقول: يا سليمان بها الاسم؟ طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . الظاهر. . . . . . . . . ما يوجد غيره. . . . . . . . . شمغون بالغين، سمعون موجود مطروق لا سيما عند أهل الكتاب، سدي بن عجلان أبو أمامة، صنابح، ضريب بن نقير .. ، ضيزى. . . . . . . . .؟

أبو السليل القيسي، عزوان، غزوان صحيح، لكن عزوان بن زيد، ولعله بن يزيد الرقاشي، يقول: أحد الزهاد، المعروف بالزهد يزيد الرقاشي، لكنه ضعيف في الرواية. طالب:. . . . . . . . . مين اللي يقول: فيه نظر؟ طالب:. . . . . . . . . إيه، على كلٍ الأمر سهل، الخطب سهل، كلدة بن حنبل، لبي بن لبأ. طالب:. . . . . . . . . يجعل يا شيخ صعب النظر في هذا .... وراه؟ طالب: غريب. . . . . . . . . إيه ما طرق على السمع غير ها المرأة، الذي لا يطرق السمع مراراً ما يثبت. لمازة بن زبار، مستمر بن الريان، نبيشة الخير، نوف البكالي، اسم رجل، وإلا يطرق على أنه اسم امرأة؟ طالب:. . . . . . . . . في المتأخرين، لكن تعرف نوف قديم؟ طالب:. . . . . . . . . في المتأخرين فهد صح وإلا لا؟ وفي المتقدمين في فهد؟ في الرواة؟ طالب:. . . . . . . . . لا، في الرواة. طالب:. . . . . . . . . ما يسمون قهد؟ طالب: قهد يسمون قهد. شوفوا الفرق. وابصة بن معبد، خبيب بن مغفل، همدان، أو همذان بالمهملة والمعجمة، بريد عمر -رضي الله عنه-، يرسله بالرسائل إلى البلدان. "يقول ابن الجوزي: هل تعرفون رجلاً من المحدثين لا يوجد مثل أسماء آبائه" على أن من أهل العلم من يشكك في التسلسل على هذا النسق "مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مطربل بن أرندل بن عرندل بن سرندل". طالب:. . . . . . . . . يقال: إنها تصلح رقية للعقرب هذه. أما الكنى المفردة التي لم يكنى بها إلا شخص واحد أبو العبيدين، أبو العشراء، تعرف العشراء؟ ها أبو عبد الله؟ طالب:. . . . . . . . . ويش هيه؟ طالب:. . . . . . . . . تعرف العشراء؟ ما سمعت أبو عبد الله؟ أبو عبد الله مخضرم. طالب:. . . . . . . . . العشراء الناقة الحامل التي بلغ حملها عشرة أشهر، يقال لها: عشراء. . . . . . . . . ما يقال لهم: عشراء؟ أبو مراية، إيش معنى مراية؟ المرآة؟ طالب:. . . . . . . . . كل الناس أبو مراية يا أخي، كل الناس عليهم نظارات إذا كان القصد هذا؟ أبو معيد كنيته لا يشاركه فيها أحد، واسمه: حفص بن غيلان الدمشقي عن مكحول روى عنه نحو من عشرة، الآن هذا له علاقة بالباب كونه روى عنه عشرة؟

طالب: لا. . . . . . . . . يعني أضافة. . . . . . . . . كيف؟ طالب: لما ذكر أبو معيد. . . . . . . . . الأسماء المفردة هنا غير المنفردات والوحدان الذين تقدم ذكرهم، كونه يروي عنه عشرة هل يخرج من هذا الباب؟ ما يخرج، فالأسماء المفردة التي لم يسمَّ بها إلا هذا الشخص غير المنفردات والوحدان الذين لم يروِ عنهم سوى شخصٍ واحد. "قلتُ: وقد روى عنه نحوٌ من عشرة" كأن الشيخ يستدرك على ابن الصلاح، يقول: "ومع هذا قال ابن حزمٍ أنه مجهول" اللهم إلا إن كان يريد التنبيه على وهم ابن حزم "لأنه لم يطلع على معرفته، ومن روى عنه فحكم عليه بالجهالة قبل العلم به" وهذا يرجع فيه إلى ما تقدم في بحث المجهول، وأن الجهالة هل هي ضعف في الراوي أو عدم علم بحاله من قبل من أطلق الجهالة؟ "كما جهل الترمذي -صاحب الجامع- وقال: من محمد بن عيسى بن سَورة؟ " ابن حزم قال: من محمد بن سورة؟ ما أعرفه، ما يعرف الترمذي، من محمد بن عيسى بن سَورة؟ طالب: هذا يدل على. . . . . . . . . صحيح. يقول: "من الكنى المفردة أبو السنابل عبيد ربه بن بعكك، رجل من بني عبد الدار صحابي" قصته في الصحيحين في عدة المتوفاة عنها "اسمه واسم أبيه وكنيته من الأفراد" عبيد ربه لحاله؟ طالب:. . . . . . . . . يا شيخ مبهم. عبيد ربه؟ طالب: إيه. مطروق. "قال ابن الصلاح: وأما الأفراد من الألقاب فمثل سفينة صحابي اسمه: مهران، وقيل غير ذلك، مندل بن علي العنزي اسمه: عمرو -هذا لقب- سحنون بن سعيد صاحب المدونة -إمام من أئمة المالكية- اسمه: عبد السلام" سحنون بن سعيد، هاه "مطيَّن" إيش سببه تلقيبه مطين؟ ها يا سليمان؟ لماذا لقب بـ (مطين)؟ من يعرف؟ تعرف يا أبو عبد الله؟ كانوا يلعبون لما كانوا أطفال ملبخين عليه طين وقالوا: مطين، "مشكودانة، زين مشكودانة؟ هذه مثل ما قالوا وعاء المسك، يعني مثل الجؤنة جؤنة العطار التي هي وعاء الطيب. في جماعة آخرين، في الألقاب كتب من أوسعها وأشملها: (نزهة الألباب في الألقاب) لابن حجر، وهو مطبوع متداول. طالب: يا شيخ -عفا الله عنك- ما يقال: إن الأسماء هذه الغريبة أكثر ما تكون في البادية ما تكون في الحاضرة؟

النوع الموفي خمسين: معرفة الأسماء والكنى:

لا ما تقدر تحكم، أما بالنسبة للوقت الحاضر نعم هي موجودة في البادية. طالب:. . . . . . . . . إيش فيه؟ طالب:. . . . . . . . . باللام، هو موجود بالنسخة المحققة، ويمشي على كونه اسمه واسم أبيه وكنيته من الأفراد؛ لأن عبيد عبيد ربه اسم مطروق، ما فيه غرابة. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . يعني شرعاً، حكمه الشرعي، إيش معنى لبيد؟ طالب:. . . . . . . . . على كل حال سهل أمره سهل، أبو السنابل اشتهر بكنيته، ولا يبعد أن اسمه الحقيقي لم يوقف عليه، كما هو شأن من يشتهر بشيء يضيع الاسم الآخر، إن اشتهر بالكنية ضاع الاسم، إن اشتهر بالاسم ضاعت الكنية، الناس يعتمدون ما هو شائعٌ عندهم وينسى الثاني، لو اشتهر بنسبته أو بأبيه أو قبيلته أو بلده كثير من الناس يعرف ابن حجر، لكن من يعرف أنه أحمد بن علي؟ قليل. طالب:. . . . . . . . . على كل حال مثل هذا الحصر الذي يذكره أهل العلم هذا على حسب علمهم، فمن وجد غيره يضيف ويستدرك، وما منهم إلا من هو مستدرك ومستدركٌ عليه. النوع الموفي خمسين: معرفة الأسماء والكنى: النوع الموفي خمسين: معرفة الأسماء والكنى، وقد صنف في ذلك جماعة من الحفاظ منهم علي بن المديني, ومسلم, والنسائي, والدولابي, وابن منده, والحاكم أبو أحمد الحافظ, وكتابه في ذلك مفيد جداً كثير النفع، وطريقتهم أن يذكروا الكنية وينبهوا على اسم صاحبها, ومنهم من لا يُعرف اسمه, ومنهم من يختلف فيه. وقد قسمهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح إلى أقسام عدة: أحدها: من ليس له اسم سوى الكنية, كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني, أحد الفقهاء السبعة, ويكنى بأبي عبد الرحمن أيضاً، وهكذا أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني, ويكنى بأبي محمد أيضاً، قال الخطيب البغدادي: ولا نظير لهما في ذلك, وقد قيل: لا كنية لابن حزم هذا، وممن ليس له اسمٌ سوى كنيته ... يعني غير أبي بكر. أبو بلالٍ الأشعري عن شريك وغيره، وكذلك كان يقول: اسمي كنيتي، وأبو حصين بن يحيى بن سليمان الرازي شيخ أبي حاتم وغيره.

القسم الثاني: من لا يعرف بغير كنيته ولم يوقف على اسمه، منهم أبو أناس بالنون الصحابي، أبو مويهبة صحابي، أبو شيبة الخدري الذي قتل في حصار القسطنطينية، ودفن هناك -رحمه الله-، أبو الأبيض عن أنس، أبو بكر بن نافع شيخ مالك، أبو النجيب بالنون مفتوحة، ومنهم من يقول بالتاء المثناة من فوق مضمومة. تُجيب، تُجيب نعم. وهو مولى عبد الله بن عمرو، أبو حرب بن أبي الأسود، أبو حريج المَوقِفي شيخ ابن وهب، والموقف محلّة بن مصر. الثالث: من له كنيتان إحداهما لقبٌ، مثاله: علي بن أبي طالب كنيته أبو الحسن، ويقال له: أبو تراب لقباً، أبو الزناد عبد الله بن ذكوان، يكنى بأبي عبد الرحمن وأبو الزناد لقب، حتى قيل: إنه كان يغضب من ذلك، أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن يكنى بأبي عبد الرحمن وأبو الرجال لقبٌ له؛ لأنه كان له عشرة أولاد رجال، أبو تميلة يحيى بن واضح كنيته أبو محمد، أبو الآذان الحافظ عمر بن إبراهيم يكنى بأبي بكر ولقب بأبي الآذان لكبر أذنيه، أبو الشيخ الأصبهاني الحافظ هو عبد الله وكنيته أبو محمد وأبو الشيخ لقب، أبو حازم العبدوي. العبدري. طالب: العبدوي إيش عندك؟ نبه عليها؟ طالب: تحرفت في نسخة (ب) في طبعة الشيخ شاكر إلى العبدري. الحافظ عمر بن أحمد كنيته أبو حفص وأبو حازم لقب، قاله الفلكي في الألقاب. الرابع: من له كنيتان كابن جريج كان يكنى بأبي خالد وأبي الوليد، وكان عبد الله العمري يكنى بأبي القاسم فتركها واكتنى بأبي عبد الرحمن، قلتُ: وكان السهيلي يكنى بأبي القاسم وبأبي عبد الرحمن. قال ابن الصلاح: وكان لشيخنا منصور بن أبي المعالي النيسابوري حفيد الفراوي ثلاث كنى أبو بكر وأبو الفتح وأبو القاسم، والله أعلم. الخامس: من له اسمٌ معروف، ولكن اختلف في كنيته فاجتمع له كنيتان أو أكثر، مثاله زيدُ بن حارثة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد اختلف في كنيته فقيل: أبو خارجة، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد، وهذا كثيرٌ، يطول استقصاؤه.

القسم السادس: من عرفت كنيته واختلف في اسمه، كأبي هريرة -رضي الله عنه- اختلف في اسمه واسم أبيه على أزيد من عشرين قولاً، واختار ابن إسحاق: أنه عبد الرحمن بن صخر، وصحح ذلك أبو أحمد الحاكم، وهذا كثيرٌ في الصحابة فمن بعدهم. أبو بكر بن عياش اختلف في اسمه على أحد عشر قولاً، وصحح أبو زُرعة وابن عبد البر أن اسمه: شعبة، ويقال: إن اسمه كنيته، ورجحه ابن الصلاح قال: لأنه روي عنه أنه كان يقول ذلك. السابع: من اختلف في اسمه وفي كنيته، وهو قليل كـ (سفينة) قيل: اسمه: مهران، وقيل: عُمير، وقيل: صالح، وكنيته قيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختني. الثامن: من اشتهر باسمه وكنيته كالأئمة الأربعة، أبو عبد الله مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة النعمان بن ثابت، وهذا كثير. التاسع: من اشتهر بكنيته دون اسمه، وكان اسمه معيناً معروفاً، كأبي إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله، أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله، أبو الضحى مسلم بن صبيح، أبو الأشعر الصنعاني، شراحيل بن آدة، أبو حازم سلمة بن دينار، وهذا كثيرٌ جداً. معرفة الأسماء والكنى، بعضهم ينبغي العناية به من قبل طالب العلم لا سيما الذي يزاول تخريج ودراسة الأسانيد؛ لأنه قد يسمى في إسناد، ويكنى في إسناد آخر فيتوهم الباحث أنهما اثنان، وهما في الحقيقة واحد، أو يكون مشتهر بكنية وله كنىً أخرى، أو من ذُكر له أكثر من كنية واكتنى بأكثر من كنية مثل هذا ينبغي العناية به، لكن من كان عمدته الكتب دون الحفظ الكتب موجودة فيها هذه الأشياء، وحينئذٍ يكون ضبطه ضبط كتاب، والله المستعان، وهذا حال كثير ممن يزاول هذا الفن ويعانيه ويشتغل به.

يقول: "صنف في ذلك جماعة منهم علي بن المديني ومسلم والنسائي والدولابي وأحمد والحاكم وابن منده" جمع من أهل العلم صنفوا في الأسماء والكنى "طريقتهم أن يذكروا الكنية وينبهوا على اسم صاحبها، ومنهم من لا يعرف اسمه، ومنهم من يختلف فيه" يعني الأصل في الكتاب الكنى والأسماء تأتي تبعاً، بخلاف كتب الرواة والرجال الأصل الاسم ثم تذكر الكنى، وتفرد الكنى في آخر الكتاب، ويحال على من عرف اسمه وترجم له باسمه في ضمن الكتاب. طالب:. . . . . . . . . وداسه، منده، وُصل وإلا وقف بالهاء، انطق جرب. طالب:. . . . . . . . . إيه، إيه، انطق، انطق، منده سكن وخلاص ترتاح. طالب: منده. . . . . . . . . سكن وامشِ. "قسمهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح إلى أقسام عدة، يقول: أحدها من ليس له اسم سوى الكنية كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ... أحد الفقهاء السبعة، يكنى بأبي عبد الرحمن أيضاً" إضافة إلى أبي بكر ولا يعرف له اسم، أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود له اسم وإلا ما له اسم؟ اسمه كنيته، كثير من الرواة الذين اشتهروا بالكنى تضيع الأسماء، ويموت الاسم ويتواطأ الناس على تركه، وحينئذٍ لا يعرف. "وهكذا أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني يكنى بأبي محمد أيضاً" وهل يُكْنَى أو يُكَنَّى بالتشديد أو بالتخفيف؟ طالب:. . . . . . . . . الدليل؟ ... تشديد وإلا تخفيف؟ طالب:. . . . . . . . . لكن أنت ويش قريت؟ طالب: بالتشديد. ويش الدليل على أنه بالتخفيف؟ طالب:. . . . . . . . . الاسم واللقب والإيش؟ طالب: الكنية. الكنية، تدل على إيش؟ على أنه .. ، إذا قلت: كنية، ها؟ تدل على أنه بالتخفيف، ولو كان بالتشديد لصارت كنَّى يُكنِّي تكنية، على كل حال الأمر سهل -إن شاء الله-. "وممن ليس له اسم سوى كنيته فقط أبو بلال الأشعري عن شريك وغيره ... كان يقول: اسمي كنيتي، وأبو حصين بن يحيى بن سليمان الرازي شيخ أبي حاتم" إذا كانت اسمه، إذا كان الاسم هو الكنية يعرب بالحروف وإلا بالحركات؟ طالب:. . . . . . . . . بالحركة؟ حدثني أبوك بلالٌ، تجي؟ طالب:. . . . . . . . .

أو بحركة مقدرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الكسرة المناسبة للإضافة، وحينئذٍ تقول: جاء أبو بلال، ورأيت أبو بلال مثل: أبو ظبي، تقول: ذهبتُ إلى أبي ظبي؟ أو زرتُ أبا ظبي ممكن؟ المقصود أنه إذا كان هذا الاسم علم تعربه بالحروف وإلا حركات؟ طالب:. . . . . . . . . إذا كان في صورة المضاف إليه لا يمكن الإعراب بالحركات، ما تقول: حدثني أبو بلالٌ .... طالب:. . . . . . . . . ولا مانع من إعرابه بحركة يمنع من ظهورها -المقدرة- يمنع من ظهورها اشتغال المحل بالجرة المناسبة للإضافة. طالب:. . . . . . . . . إيش اللي يمنع؟ ما في ما يمنع. "من لا يعرف بغير كنيته ولم يوقف على اسمه منهم أبو أناس" أبو مويهبة، أبو شيبة، أبو النجيب، أبو حريز، المقصود أن هذه الأمور -هذه الأعلام- لا بد من العناية بها، وبضبطها، لا بد من معرفتها مضبوطة، ومثلها لا تكتب مهملة؛ لأنه لا يعدم من يقرأها خطأً؛ لأن العناية بالأسانيد وضبطها وإتقانها أولى من العناية بالمتون أقصد من حيث الشكل، من حيث الضبط ضبط الكلمة بالحروف، لماذا؟ لأن الأسماء توقيفية، ولا يستدل عليها بما قبلها وما بعدها، يعني ما تفهم من السياق، إذا جاءك عَبيدة مثلاً في السند تجتهد وتقول: أبداً يمكن أن عُبيدة وتضبطه ما يجيء، فمثل هذا ينبغي أن يعتنى به، لكن الكلام اللي هو متن يمكن أن يستدل على ضبط الكلمة بما قبلها وما بعدها، فأمرها أسهل، وإن كان هي الأصل وهي اللب الذي من أجله اعتني بالإسناد.

"الثالث: من له كنيتان إحداهما لقب، مثل علي بن أبي طالب كنيته أبو الحسن" قولاً واحداً، "ويقال له: أبو تراب" ((قم أبا تراب)) لأنه نام في المسجد، وعلق به التراب، فأيقظه النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه الكنية، أبو الزناد، أبو الرجال له عشرة أولاد كلهم رجال سمي بأبي الرجال، كنِّي بأبي الرجال، طيب أبو الأشبال من أبو الأشبال؟ هو أحمد شاكر الذي معنا، أبو تميلة يحيى بن واضح أبو الآذان، أكثرهم ما يقول؟ أبو عيون لسعة في عينه، هذا أبو الآذان لكبرٍ في أذنيه، من له كنيتان وهذا كثير لا سيما من كان يكنى في أول الأمر قبل الزواج بكنية، ثم لما تزوج ما صار له استقلال في الاسم، كان يجري وكان أعزب فيه قوة وشجاعة على أن يكنى بما شاء، لكن لما صار له شريك في التسمية قد يعدل عن رأيه. طالب:. . . . . . . . . إذا كان هذا مما يكرهه صاحبه من التنابز إذا كان مما يدل على عيب .. ، من له اسم معروف واكتني بكنيته واجتمع له كنيتان أو أكثر، من عرفت كنيته واختلف في اسمه كأبي هريرة، يقول: "اختلف في اسمه واسم أبيه على أزيد من عشرين قولاً" أوصلها بعضهم إلى الثلاثين، وهذا الخلاف في اسمه واسم أبيه، والمعروف أن المرجح عند أكثر أهل العلم أنه عبد الرحمن بن صخر، أبو بكر بن عياش اختلف في اسمه على أحد عشر قولاً، رجح أبو زرعة وابن عبد البر أن اسمه: شعبة. من اختلف في اسمه وفي كنيته، وهو قليل كـ (سفينة) اشتهر باللقب فضاع الاسم وضاعت الكنية، كما أنه إذا اشتهر بالكنية ضاع الاسم وضاع اللقب والعكس، وقيل: عمير، وقيل: صالح .. إلى آخره. من اشتهر باسمه وكنيته كالأئمة الأربعة، هل في أحد يخفى عليه اسم أحمد أو الشافعي أو مالك، لكن النعمان بن ثابت من يعرفه؟ شهرته بالنعمان مثل شهرة مالك أو محمد بن إدريس الشافعي؟ شهرته بكنيته، لكن اسمه معروف عند أهل العلم، أبو الخطاب الكلوذاني اسمه؟ هاه؟ اشتهر بأبي الخطاب، وهو من أئمة الحنابلة من كبارهم هاه؟ أين صاحب. . . . . . . . .؟ ما هو بمحفوظ عندكم؟ ما هو محفوظ عندكم؟ طالب:. . . . . . . . . إلا محفوظ. طالب:. . . . . . . . . اسمه محفوظ، واحد يدرس طلابه يقول: من العجيب أن الأئمة الأربعة كلهم كنيتهم أبو عبد الله، قال واحد من الطلاب الصغار: حتى أبو حنيفة يا شيخ. من اشتهر بكنيته دون اسمه، وكان اسمه معين ...

شرح اختصار علوم الحديث (18)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (18) شرح: النوع الحادي والخمسون: معرفة من اشتهر بالاسم دون الكنية، والنوع الثاني والخمسون: معرفة الألقاب، والنوع الثالث والخمسون: معرفة المؤتلف والمختلف، والنوع الرابع والخمسون: معرفة المتفق والمتفرق من الأسماء والأنساب، والنوع الخامس والخمسون: نوعٌ يتركب من النوعين قبله، والنوع السادس والخمسون: في صنفٍ آخر ممن تقدم، والنوع السابع والخمسون: معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم، والنوع الثامن والخمسون: في النسب التي على خلافِ ظاهرها، والنوع التاسع والخمسون: في معرفة المبهمات من أسماء الرجال والنساء، والنوع الموفي ستين: معرفة وفيات الرواة ومواليدهم ومقدار أعمارهم. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير " ... من اشتهر بكنيته دون اسمه، وكان اسمه معيناً معروفاً كأبي إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله، أبو مسلم الخولاني" شهرتهما بالكنية، ومع ذلكم الأسماء معروفة عبد الله بن ثوب "أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله، أبو الضحى مسلم بن صبيح، أبو الأشعث الصنعاني" أبو حازم، حدثني أبو حازم، يعني كل ما مر في الأسانيد نقول: سلمة بن دينار؟ دائماً نقول: أبو حازم كذا، حدثني أبو حازم كثير في الأسانيد، معروف من رجال الشيخين. طالب:. . . . . . . . . الذي يروي عن أبي هريرة اسمه إيش؟ سلمان، سلمان إيش؟ مولى عزة صح وإلا لا؟ والذي يروي عنه؟ هاه؟ سلمة بن دينار يروي عن سهل بن سعد، الذي يروي عن سهل بن سعد اسمه سلمة بن دينار، وهذا معروف في علمه وعبادته، أبو حازم العابد المعروف. النوع الحادي والخمسون: معرفة من اشتهر بالاسم دون الكنية: "النوع الحادي والخمسون: معرفة من اشتهر بالاسم دون الكنية، وهذا كثير جداً, وقد ذكر الشيخ أبو عمرو ممن يكنى بأبي محمد جماعة من الصحابة, منهم الأشعث بن قيس, وثابت بن قيس, وجبير بن مطعم, والحسن بن علي, وحويطب بن عبد العزى, وطلحة بن عبيد الله, وعبد الله بن بحينة, وعبد الله بن جعفر, وعبد الله بن ثعلبة بن صعير, وعبد الله بن زيد صاحب الأذان, وعبد الله بن عمرو, وعبد الرحمن بن عوف, وكعب بن مالك, ومعقل بن سنان.

النوع الثاني والخمسون: معرفة الألقاب:

وذكر من يكنى منهم بأبي عبد الله وأبي عبد الرحمن، ولو تقصينا ذلك لطال الفصل جداً، وكان ينبغي أن يكون هذا النوع قسماً عاشراً من الأقسام المتقدمة في النوع قبله". هذا النوع في معرفة من اشتهر بالاسم، يعني الأصل أن الإنسان يشتهر بالاسم، هذا هو الأصل، وهذا كثيرٌ جداً؛ لماذا؟ لأنه الأصل، فإذا اشتهر الإنسان بالاسم قل من يعرف الكنية إلا من يعتني بالشخص، مثل ما ذكرنا عن قتادة كنيته ها؟ طالب:. . . . . . . . . قتادة بن دعامة السدوسي، أبو الخطاب نعم، قد ذكر أبو عمرو ممن يكنى بأبي محمد جماعة من الصحابة منهم الأشعث بن قيس إذا ذكر ذكرت الكنية ثم ذكر تحت كل من يكنى بهذه الكنية سهل حفظها، مع أن ضبط الرجال وحفظهم من الصعوبة بمكان ليس بالأمر السهل، يعني أسماء الأعلام إلا مع المران والمدة الطويلة، ولعل من أقصر ما يسهل حفظ الأعلام وضبطهم قراءة الشروح، شروح كتب الحديث التي تعتني بضبط الرواة والتراجم لهم، وذكر أخبارهم وتعتني بالتكرار، ما يترجم للراوي في أول موضع وينساه، لا، ولذا إرشاد الساري لما تنتهي من الكتاب تكون ضبط رجال الصحيح كلهم، قراءة مجرد قراءة إمرار في إرشاد الساري تضبط رجال البخاري كلهم؛ لأنه يكرر الاسم واللقب والكنية ويضبطه في كل موضع، بينما كثيرٌ من الشراح يضبط في أول مرة بالتفصيل ثم يذكره باختصار مرة ثانية، ثم يحيل على ذلك. يقول: "ولو تقصينا ذلك لطال الفصل جداً" يندر أن يوجد شخص ما له كنية عرف باسمه، والأصل أن يعرف الإنسان باسمه، ويندر أن لا توجد له كنية فيعتنى بذلك. إيش لونه ويش يكفيه من ساعة؟ هاه؟ طالب:. . . . . . . . . وعصر الاثنين ما يكفي. . . . . . . . . ما هو بشيء. طالب:. . . . . . . . . إيش هو؟ لا ما يمديه، لا ما يجي السبت ما يجي، عصر الاثنين -إن شاء الله- عدل؟ عصر الاثنين -إن شاء الله تعالى-. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين. النوع الثاني والخمسون: معرفة الألقاب:

"النوع الثاني والخمسون: معرفة الألقاب، وقد صنف في ذلك غير واحد, منهم أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، وكتابه في ذلك مفيد كثير النفع، ثم أبو الفضل ابن الفلكي الحافظ. وفائدة التنبيه على ذلك أن لا يظن أن هذا اللقب لغير صاحب الاسم، وإذا كان اللقب .. " ابن الجوزي أبو الفرج، والحافظ ابن حجر "نزهة الألباب في الألقاب" وكتابه مطبوع، مطبوع في مجلدين ومحقق. "وإذا كان اللقب مكروهاً إلى صاحبه فإنما يذكره أئمة الحديث على سبيل التعريف والتمييز، لا على وجه الذم واللمز والتنابز، والله الموفق للصواب". نعم إذا كان اللقب مكروه كالأعمش والأعرج والأعمى، وما أشبه ذلك فأهل الحديث إنما يذكرونه لتمييزه عن غيره، ولم يقصدوا في ذلك عيبه وشينه، إذا أمكن تعريفه بغير هذا فهو الأولى، وإذا لم يمكن إلا بهذا ولم يقصد بذلك الشين والعيب لهذا الراوي فإنه يدخل، ولا بأس به حينئذٍ -إن شاء الله-. "قال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري: رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان معاوية بن عبد الكريم الضال وإنما ضل في طريق مكة، وعبد الله بن محمد الضعيف، وإنما كان ضعيفاً في جسمه لا في حديثه". نعم هذا اللقب معاوية بن عبد الكريم الضال، يعني الذي لا يعرف سبب التلقيب يسيء الظن بهذا الرجل، بل قد يطرح روايته؛ لأن الضلال شين، أقول: الضلال قدح في الراوي، نسأل الله العافية، فهو قدحٌ شديد، وصفة اليهود ومن اهتدى بهديهم الضلال، لكنه ضلَّ في طريق مكة ضاع فقيل له: الضال، ومثله أيضاً الضعيف عبد الله بن محمد الضعيف ظنَّ أنه حُكم على هذا الراوي بأنه ضعيف، فينبغي أن يقرن اسمه بدرجته، فإذا قيل: محمد بن عبد الله الضعيف من أجل التعريف قيل: وهو ثقة، كما قال البخاري ومسلم وغيرهم في أبي الحجاج الشاعر عن أبي الحجاج الشاعر وهو ثقة؛ لأن كونه شاعر أو وصفه بالشعر يدل على أنه ممن يقول ما لا يفعل، أنه يتزيد ويقول ما لا واقع له، ولا حقيقة له، فأردف بما يدل على ثقته وضبطه وإتقانه. "قال ابن الصلاح: وثالث: وهو عارم أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي, وكان عبداً صالحاً بعيداً من العرامة, والعارم الشرير الفاسد، غُندر .. "

هذا لقب، لكنه لقب سيء رُكب على هذا العبد الصالح أبو النعمان محمد بن الفضل من شيوخ البخاري، وأحياناً يقول الإمام البخاري: حدثنا عارم بن الفضل بلقبه، وأحياناً يقول: حدثنا أبو النعمان، وأحياناً يسميه باسمه: محمد بن الفضل. " (غُندر) لقب لمحمد بن جعفر البصري الراوي عن شعبة, ولمحمد بن جعفر الرازي روى عن أبي حاتم الرازي, ولمحمد بن جعفر البغدادي الحافظ الجوال شيخ الحافظ أبي نعيم الأصبهاني وغيره، ولمحمد بن جعفر بن دران البغدادي، روى عن أبي خليفة الجمحي ولغيرهم". هذا اللقب في الأصل لمحمد بن جعفر شيخ البخاري، ثم تتابع التلقيب به لمن وافقه في الاسم محمد بن جعفر في اسمه واسم أبيه، وإلا فالأصل أن شعبة هو الذي لقَّبه بغُندر، فيه حركة، وفيه مشاغبة وفيه .. ، اسكت يا غُندر. " (غُنجار) لقبٌ لعيسى بن موسى التميمي أبي أحمد البخاري، وذلك لحمرة وجنتيه، روى عن مالك والثوري وغيرهما، وغنجار آخرٌ متأخر، وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد البخاري الحافظ صاحب تاريخ بخارى، توفي سنة ثنتي عشرة وأربعمائة". نعم، قد يشترك في اللقب أكثر من واحد لاشتراكهم في الوصف، فإن كان لأمرٍ خلقي كحمرة الوجنتين لا يلزم فيه اتفاق الاسم، فإذا وجد هذا الوصف سمي به أو لقب به، وقد لا يشتركان في الوصف، وإنما يشتركان في الاسم كما تقدم. " (صاعقة) لقِّب به محمد بن عبد الرحيم شيخ البخاري لقوة حفظه، وحسن مذاكرته". نعم صاعقة عدل حافظ ضابط من شيوخ البخاري في صحيحه، من شيوخ الأئمة لقوة حفظه، وحسن مذاكرته وحسن أدائه وانتقائه للألفاظ سمي صاعقة. " (شباب) هو خليفة بن خياط المؤرخ، (زنيد) محمد بن عمرو الرازي شيخ مسلم، (رسته) عبد الرحمن بن عمر، (سنيد) هو الحسين بن داود المفسر، (بندار) محمد بن بشار شيخ الجماعة؛ لأنه كان بندار الحديث". لأنه مكثر من الرواية، محمد بن بشار مكثر من الرواية، وبندار المكثر من الشيء، فقد يشتبه بندار بغندر عند كثيرٍ من الطلاب، لكن فيه تقارب في ضبط الاسم يعني غندر محمد بن جعفر هذه ما فيها إشكال، هذا مقصور وهذا مقصور، وبندار محمد بن بشار هذا ممدود وهذا ممدود، ومعروف أن بندار هو شيخ البخاري وشيخه محمد بن جعفر شيخ بندار.

طالب:. . . . . . . . . نعم من المكثرين معروف. " (قيصر) لقب أبي النظر هاشم بن القاسم شيخ الإمام أحمد بن حنبل". قيصر هذا لقب في الأصل لمن ملك الروم، والسبب أنه أخرج من بطن أمه بما يشبه العمليات الآن، ولذا يقال للعمليات: قيصيرية لهذا؛ لأنه في الأصل فتح بطن أمه وأخرج منه، فقيل له: قيصر، فنسبت إليه العمليات، فكل من أشبهه في هذا قيل له: قيصر. " (الأخفش) لقبٌ لجماعة منهم: أحمد بن عمران البصري النحوي، وروى عن زيد بن الحباب ... " سكن الحاء النحْوي نسبة إلى النحو. "لقبٌ لجماعة منهم: أحمد بن عمران البصري النحْوي، وروى عن .. " روى روى مباشرة، روى عن زيد بن الحباب. طالب:. . . . . . . . . "زيد بن الحباب، وله غريب الموطأ .. " طالب: عندنا وروى. روى روى على طول، معطوف على إيش؟ ما في معطوف عليه. "قال ابن الصلاح: وفي النحويين أخافش ثلاثة مشهورون، أكبرهم أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد وهو الذي ذكره سيبويه في كتابه المشهور، والثاني: أبو الحسن سعيد بن مسعدة راوي كتاب سيبويه عنه، والثالث: أبو الحسن علي بن سليمان تلميذ أبوي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، ومحمد بن يزيد المبرد". نعم الأخافش ثلاثة عشر، بل زادهم بعضهم على الثلاثة عشر، لكن أشهرهم هؤلاء الثلاثة، والأخفش إذا أطلق فهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة إذا أطلق، قال الأخفش، ذكر الأخفش، مذهب الأخفش، وبهذا يقول الأخفش هو سعيد بن مسعدة إذا أطلق، وإذا أريد غيره قيد، والأخافش كما ذكرنا ثلاثة عشر، وأشهرهم هؤلاء الثلاثة. " (مربع) لقبٌ لمحمد بن إبراهيم الحافظ البغدادي، (جزرة) صالح بن محمد الحافظ .. ؟ المربع بصيغة وزن المفعول أو اسم الفاعل؟ طالب: مفعول. مربع ويش معناه؟ الذي عرضه طوله وإلا .. ؟ طالب: لا. أو تقول: مربِّع، إيش معنى مربِّع؟ ترى هم حول بعض مربِّع ومربَّع كلهم واحد. طالب:. . . . . . . . . على كل حال سواءً قلت: باسم المفعول أو اسم الفاعل ما يختلف اللفظ مربِّع وإلا مربَّع كلهن تدل على أنه سمين، هذا الذي يظهر من اللفظ. " (جزرة) صالح بن محمد بن الحافظ البغدادي .. "

النوع الثالث والخمسون: معرفة المؤتلف والمختلف:

نعم الأصل هو صحف كلمة خرزة قال: جزرة فلقب، تبعه هذا الاسم، وهو إمام حافظ ناقد مشهور من أئمة الجرح والتعديل، من أهل الرواية والضبط والحفظ والإتقان، فلقب لأنه صحف هذه الكلمة، لكن لو رأيت شخصاً لونه يقرب من لون الجزر وهذا يوجد، يوجد، وقيل له: جزرة إيش اللي يمنع؟ فالتلقيب لأدنى سبب. " (كيلجة) محمد بن صالح الحافظ البغدادي أيضاً، (ماغَمّه) عليٌ .. " هؤلاء كلهم بغاددة. "علي بن عبد الصمد البغدادي الحافظ، ويقال: علان ماغمه، فيجمع له بين لقبين، (عبيدٌ العجل) لقبُ أبي عبد الله الحسين بن محمد بن حاتم البغدادي الحافظ أيضاً، قال ابن الصلاح: وهؤلاء القوم الخمسة البغداديون الحفاظ كلهم من تلامذة يحيى بن معين، وهو الذي لقبهم بذلك، (سجادة) الحسن بن حماد من أصحاب وكيع، والحسين بن أحمد شيخ بن عدي، (عبدان) لقب جماعة فمنهم: عبد الله بن عثمان شيخ البخاري، فهؤلاء ممن ذكره الشيخ أبو عمرو، واستقصاء ذلك يطول جداً، والله أعلم. نعم لو جاء في سند عند الإمام البخاري مثلاً حدثنا عبدان، وبحثت عن اسمه لن تقف عليه، وأنت لا تعرف أنه لقب، بحثت عنه في الأسماء لن تقف عليه. أقول: لو بحثت عنه بهذا اللفظ في الأسماء لن تجده، ولهذا معرفة الألقاب مهمة عبدان يسمى به، عبد الله بن عثمان العتكي المروزي من الآخذين عن ابن المبارك، وهو من شيوخ البخاري الذين أكثر عنهم -رحمه الله-. النوع الثالث والخمسون: معرفة المؤتلف والمختلف: "النوع الثالث والخمسون: معرفة المؤتلف والمختلف، وما أشبه ذلك في الأسماء والأنساب". يعني عندنا مؤتلف ومختلف، ومتفق ومفترق، مؤتلف ومختلف ومتفق ومفترق، المؤتلف مع المختلف تتفق الصورة في الخط وتفترق في النطق. . . . . . . . . يختلف في اللفظ. "ومنه ما تتفق في الخط صورته، وتختلف في اللفظ صيغته". بخلاف ما سيأتي من المتفق والمفترق، اللفظ والنطق واحد، لكن هذا شخص وهذا شخص، محمد بن عبد الله الأنصاري أكثر من واحد، هذا يسمى مؤتلف ومختلف؟ لا، متفق ومفترق، لكن الذي لا يعرف هذا النوع يقع في المضحكات على ما سيأتي.

"قال ابن الصلاح: وهو فنٌ جليل، ٌ ومن لم يعرفه من المحدثين كثر عثاره، ولم يعدم مخجلاً، وقد صنف فيه كتبٌ مفيدة من أكملها (الإكمال) لابن ماكولا على إعوازٍ فيه، قلتُ: قد استدرك عليه الحافظ عبد الغني بن نقطة كتاباً قريباً من الإكمال فيه فوائد كثيرة، وللحافظ أبي عبد الله البخاري من المشايخ المتأخرين كتابٌ مفيدٌ أيضاً في هذا الباب، ومن أمثلة ذلك .. " مما يفيد في ذلك كتاب الحافظ الذهبي -رحمه الله- (المشتبه)، والحافظ ابن حجر (تبصير المنتبه) كلاهما مطبوع. "ومن أمثلة ذلك: سلَّام وسلام، وعُمَارة وعِمارة". يطلقون قواعد يقولون: سلّام كله بالتشديد ما عدا والد عبد الله بن سلام، عبد الله بن سلام الصحابي المعروف، وأما شيخ البخاري محمد بن سلَّام الخلاف فيه قائم بين أهل العلم هل هو بالتخفيف أو بالتشديد؟ وما عدا ذلك كله بالتشديد. "حزامٌ وحرام، عباس وعياش، غنَّام وعثَّام، بشار ويسار، بشر وبسر، بشير ويسير ونسير. قرأ قارئ قطن بن بشير فرد عليه الدارقطني -رحمه الله تعالى- وهو يصلي {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [(1) سورة القلم] يعني نسير وليس بشير، فمثل هذه أمرها إذا لم يعتنَ بها مشكل. "حارثة وجارية، جرير وحريز، حبان وحيان، رباح ورياح، سريج وشريح، عِبَّاد وعُبَاد .. " عَبَّاد، عَبَّاد. طالب: مكسورة عندي. لا غلط عَبَّاد، عَبَّاد هذا الجادة، عبَّاد هو الجادة، وعُبَاد قيس بن عباد معروف، الذي لا يعرف هذا يقول: قيس بن عَبَّاد، يمشي على الجادة. "عَبَّاد وعُبَاد ونحو ذلك، وكما يقال: العنسي والعيشي .. " مثل ما يقال: عَبيدة وعُبيدة، هذا بابٌ مهم جداً يقبح بطالب العلم جهله. "وكما يقال: العنسي والعيشي والعبسي، الحمَّال والجمال، الخياط والحناط والخباط، البزَّار والبزاز، الأُبُلِي ... " الأُبُلِّي. "الأُبُلِّي والأيلي، البصري والنصري، الثوري والتوزي ... " شددها والتوَّزي. "الثوري والتوَّزي، الجُريري والجَريري والحريري، السَلمي والسُلمي ... "

النوع الرابع والخمسون: معرفة المتفق والمتفرق من الأسماء والأنساب:

السَلمي نسبة إلى بني سَلِمة مكسور الثاني، والسُلمي نسبة إلى سُليم، مكسور الثاني يفتح في النسبة، سَلِمة سَلَمي، نَمِرة هو النمر نَمَري، أبو عمر بن عبد البر النَمَري، مثلها إذا نسبت إلى الملك تقول: ملكي وهكذا. "الهمداني والهمذاني، وما أشبه ذلك، وهو كثير، وهذا إنما يضبط بالحفظ محرراً في مواضعه، والله تعالى المعين الميسر، وبه المستعان". النوع الرابع والخمسون: معرفة المتفق والمتفرق من الأسماء والأنساب: "النوع الرابع والخمسون: معرفة المتفق والمتفرق من الأسماء والأنساب" هذا النوع يختلف عن النوع السابق، وعرفنا أن النوع السابق في اللفظ نفسه، وهذا في من سمي به هذا اللفظ، هناك تتفق الصورة في الخط، وإن كان لم يكن هناك عاد اختلاف لا بد .. ، إن كان فيه اختلاف لا بد إما في النقط أو في الشكل، لكن اللفظ يختلف، وهنا اللفظ واحد، لكن المسمى به مختلف، وقد يركب من النوعين نوع ثالث تكون الصورة واحدة، لكن .. ، على ما سيأتي. "معرفة المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب، وقد صنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً، وقد ذكره الشيخ أبو عمروٍ أقساماً، أحدها: أن يتفق اثنان أو أكثر في الاسم واسم الأب، مثاله: الخليل بن أحمد ستة .. " ستة كلهم يسمى الخليل بن أحمد، على خلافٍ في بعضهم هل هو أحمد أو محمد أبوه؟ "أحدهم: النحوي البصري، وهو أول من وضع علم العروض، قالوا: ولم يسمَّ أحدٌ بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأحمد قبل أبي الخليل بن أحمد إلا أبا السفر سعيد بن أحمد في قول ابن معين، وقال غيره: سعيد بن يُحمد، والله أعلم، الثاني: أبو بشر المزني .. " اسمه: الخليل بن أحمد، الثاني ممن يسمى بالخليل بن أحمد بعد الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع العروض أبو بشر المزيني بصري اسمه الخليل بن أحمد أيضاً. "بصريٌ أيضاً، روى عن المستنير بن أخبر عن معاوية، وعنه عباس العنبري وجماعة، والثالث: أصبهاني .. " يعني ممن يسمى بالخليل بن أحمد. "روى عن روح بن عبادة وغيره، والرابع: أبو سعيد .. " وإن كان الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- رجح أن اسمه: الخليل بن محمد في التقييد والإيضاح على ابن الصلاح المرجح عنده أنه الخليل بن محمد.

"والرابع: أبو سعيد .. " يعني الرابع ممن سُمي بالخليل بن أحمد أبو سعيد السجزي "والرابع: أبو سعيد السجزي القاضي الفقيه الحنفي المشهور بخرسان، روى عن ابن خزيمة وطبقَتَه ... " وطبقتِه، عن ابن خزيمة وطبقتِه. "روى عن ابن خزيمة وطبقتِه، الخامس: أبو سعيد البستي القاضي، حدث عن الذي قبله، وروى عنه البيهقي .. " الخامس والسادس ممن يسمى بالخليل بن أحمد. "السادس: أبو سعيد البستي أيضاً شافعيٌ أخذ عن الشيخ أبي حامد الاسفراييني، ودخل بلاد الأندلس. القسم الثاني: أحمد بن جعفر بن حمدان .. " بهذا التركيب: أحمد بن جعفر بن حمدان، واحد وإلا اثنين وإلا ثلاثة، أربعة؟ كلٌ منهم يسمى أحمد بن جعفر بن حمدان. "أربعة: القطيعي والبصري والدِينُوري ... " الدِينَوَري، الدِينَوَري. "الدِينَوَري والطرسوسي، محمد بن يعقوب بن يوسف اثنان من نيسابور شافعيان، أبو العباس الأصم وأبو عبد الله بن الأخرم .. " من شيوخ الحاكم في المستدرك، أكثر ما يقول: حدثنا محمد بن يعقوب. طالب:. . . . . . . . . الدِينَوَري إيه، الدِينَوَري، بلده يقال لها: الدِينَوَر. "الثالث: أبو عمران الجوني اثنان .. " يعني بهذه الكنية وهذه النسبة أبو عمران الجوني اثنان. "اثنان: عبد الملك بن حبيب تابعيٌ، وموسى بن سهل يروي عن هشام بن عروة، أبو بكر بن عياش ثلاثة: القارئ المشهور، والسُلمي الباجدائي صاحب غريب الحديث، توفي سنة أربعٍ ومائتين، وآخر حمصيٌ مجهول. الرابع: صائح بن أبي صالح أربعة. الخامس: محمد بن عبد الله الأنصاري اثنان، أحدهما المشهور صاحب الجزء، وهو شيخُ البخاري، والآخر ضعيفٌ يكنى بأبي سلمة، وهذا بابٌ واسع كثير الشعب، يتحرر بالعمل والكشف عن الشيء في أوقاته".

النوع الخامس والخمسون: نوع يتركب من النوعين قبله:

يبدأ من الموافقة في الاسم الأول إذا أهمل، وهذا حدث ولا حرج فيه، يعني حينما يقال: حدثنا محمد، حدثنا سعيد حدثنا .. ، هذا يتفق فيه خلائق، ثم تضيق الدائرة إذا اتفق الاسم مع اسم الأب، فلان بن فلان يشترك فيه مجموعة، لكنهم أقل من الاشتراك في إهمال الاسم الأول فقط، ثم إذا صار الاسم ثلاثياً قل الاشتراك مع أنه موجود، ثم إذا صار رباعياً قلَّ أيضاً، والاشتراك في خمسة أسماء نادر جداً وقد يوجد، قد يوجد لكنه نادرٌ جداً. النوع الخامس والخمسون: نوعٌ يتركب من النوعين قبله: "النوع الخامس والخمسون: نوعٌ يتركب من النوعين قبله، وللخطيب البغدادي فيه كتابه الذي وسمه بـ (تلخيص المتشابه في الرسم) مثاله: موسى بن عَلي بفتح العين جماعة، وموسى بن عُلي بضمها مصريٌ يروي عن التابعين، ومنه المُخرمي والمَخرمي، ومنه ثورُ بن يزيد الحمصي، وثور بن زيد الديلي الحجازي .. " التوافق في الاسم واسم الأب مع اختلاف يسيرٍ كما في المؤتلف والمختلف ففيه اشتراك من النوعين، فهو مؤتلف ومختلف من جهة إيش؟ عدم التطابق في اللفظ، وهو متفق ومفترق باعتبار أن هذا يطلق على شخص وذاك يطلق على شخص آخر. "وأبو عمروٍ الشيباني النحوي إسحاق بن مرار .. " إسحاق بن مرار هذا اسمه، وجاءت تسميته في مقدمة التهذيب للأزهري مراد. طالب: بدل الراء. بدل الراء دال، ولا يظهر أن هذا تصحيف، هكذا وضعه الأزهري نفسه، الأزهري معروف متقدم، توفي سنة كم؟ في القرن الرابع، تقدم سنة ثلاثمائة واثنين وثمانين تقريباً. طالب:. . . . . . . . . إيش ينضبط؟ طالب:. . . . . . . . . ما ضُبط بالحروف، لكن ... هاه؟ طالب:. . . . . . . . . ما يحتمل أنه تصحيف، لماذا؟ لأن القفطي ذكر أن العلماء انتقدوه في تسميته مراد، إيه، وإلا لو القفطي فسر الاسم .. ، القفطي في إنباه الرواة قال: إن الأزهري صحف والد أبي عمرو الشيباني. طالب:. . . . . . . . . نعم إيه. "عمرو بن زرارة النيسابوري شيخ مسلم، وعمرو بن زرارة الحدثي .. " طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . ما تدري، ما تدري، أسهل من مرار. طالب:. . . . . . . . . قديم. . . . . . . . .

النوع السادس والخمسون: في صنف آخر ممن تقدم:

اسم مفعول من الإرادة .... "وعمرو بن زرارة الحدثي يروي عنه أبو القاسم البغوي .. " النوع السادس والخمسون: في صنفٍ آخر ممن تقدم: النوع السادس والخمسون: في صنفٍ آخر ممن تقدم، ومضمونه في المتشابهين في الاسم واسم الأب أو النسبة مع المفارقة في المقارنة هذا متقدم وهذا متأخر. مثاله: "يزيد بن الأسود" خزاعي .. " إيش الفرق بينه وبين النوع الذي قبل قبله، الرابع والخمسون، المتفق والمفترق؟ طالب:. . . . . . . . . ما فيه إلا الاسم، هناك أقران، وهنا الزمن. "مثاله: يزيد بن الأسود خزاعي صحابي، ويزيد بن الأسود الجرشي أدرك الجاهلية وسكن الشام, وهو الذي استسقى به معاوية .. " نعم يزيد بن الأسود هذا الجرشي من كبار التابعين مخضرم، سكن الشام من العباد من الصالحين، استسقى به معاوية، أمره أن يدعو ودعا الناس وراءه، لكنه بعد ذلك قال: فضحتني يا معاوية، وسأل الوفاة فمات -رحمه الله-. "وأما الأسود بن يزيد فذاك تابعي من أصحاب ابن مسعود، الوليد بن مسلم الدمشقي تلميذ الأوزاعي وشيخ الإمام أحمد، ولهم آخر بصري تابعي. فأما مسلم بن الوليد بن رباح فذاك مدني يروي عنه الدراوردي وغيره، وقد وهم البخاري في تسميته له في تاريخه بـ (الوليد بن مسلم)، والله أعلم". سماه مقلوب، مسلم بن الوليد سماه الوليد بن مسلم. "قلتُ: وقد اعتنى شيخنا الحافظ المزي في تهذيبه ببيان ذلك، وميِّز بين المتقدم والمتأخر من هؤلاء بياناً حسناً، وقد زدتُ عليه أشياءً حسنةً في كتابي (التكميل)، ولله الحمد". طالب:. . . . . . . . . وين؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، يوضح في الترجمة أن هذا غير ذلك، وهذا متقدم وهذا متأخر. طالب:. . . . . . . . . التمييز اللي ما رووا له في الكتب الستة، الذي لم يروَ له في الكتب الستة بس. طالب:. . . . . . . . . إيه، إيه، إنما ذكر لتمييزه عن هؤلاء. النوع السابع والخمسون: معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم:

"النوع السابع والخمسون: معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم، وهم أقسام، أحدها: المنسوبون إلى أمهاتهم كمعاذ ومعوذ ابني عفراء, وهما اللذان أثبتا أبا جهل يوم بدر, وأمهم هذه عفراء بنت عبيد, وأبوهم الحارث بن رفاعة الأنصاري، ولهم آخر شقيق لهما وهو عوذ, ويقال: عون، وقيل: عوف، فالله أعلم. بلال بن حمامة المؤذن .. " عوف أو عون أو عوذ على الخلاف في اسمه، هذا بعد ما رجعت إلى أبيه، تقدم في ... طالب:. . . . . . . . . تزوجت .. ، في باب الإخوة والأخوات، نعم. "بلال بن حمامة أبوه رباح .. " أمه حمامة، وهؤلاء أمهم عفراء. "ابن أم مكتوم الأعمى المؤذن أيضاً, وقد كان يؤم أحياناً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غيبته, قيل: اسمه .. " يستخلفه النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سافر. "قيل: اسمه عبد الله بن زائدة, وقيل: عمرو بن قيس, وقيل غير ذلك .. " قيل: اسمه اسم إيش؟ ابن أمِّ مكتوم اسمه عمرو بن قيس؟ طالب: وقيل: عمرو بن قيس، وقيل غير ذلك. يعني إذا قيل: ابن أمِّ مكتوم يمكن هو، لكن إذا قيل: عبد الله بن أمِّ مكتوم يمكن أن يقال: هو عمرو بن قيس؟ طالب: لا، اسمه عبد الله بن عمرو. أو باعتباره اشتهر بنسبته إلى أمه، واختلف في اسمه على ما تقدم. "عبد الله بن اللتبية وقيل: الأتبية صحابي، سهيل بن بيضاء وأخواه منها سهل وصفوان, واسم بيضاء دعد، واسم أبيهم وهب، شرحبيل بن حسنة أحد أمراء الصحابة على الشام هي أمه, وأبوه عبد الله بن المطاع الكندي، عبد الله بن بحينة وهي أمه، وأبوه مالك بن القشب الأسدي .. " يعني راوي حديث سجود السهو، لما ترك النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيحين- التشهد الأول، عبد الله بن بحينة عرف بأمه وإلا عبد الله بن مالك. طالب:. . . . . . . . . السجود. نعم. "سعد بن حبته، وهي أمه، وأبوه بجير بن معاوية، ومن التابعين فمن بعدهم محمد بن الحنفية، واسمها: خولة، وأبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- .. " نسب إلى أمه للتمييز بينه وبين إخوانه الذين هم من فاطمة -رضي الله عنها¬-. "إسماعيل بن عُلية هي أمه، وأبوه إبراهيم، وهو أحد أئمة الحديث والفقه، ومن كبار الصالحين.

قلتُ: فأما ابن عُلية الذي يعزو إليه كثيرٌ من الفقهاء فهو إبراهيم بن إسماعيل هذا، وقد كان مبتدعاً يقول بخلق القرآن. " المؤلف -رحمه الله- مشى على أنهما اثنان، وهما في الحقيقة واحد، هو المحدث الفقيه من كبار الصالحين، وحصلت منه هذه الهفوة والزلة، وتاب منها -رحمه الله-. "ابن هراسة .. " الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: الذي يقال له: ابن عُلية؛ لأنه يكره نسبته إلى أمه. "ابن هراسة .. " لحظة، نعم. طالب:. . . . . . . . . لكن لو قيل: الذي يقال له كما قال الإمام أحمد؛ لأنه ما يعرف إلا بأمه، ما يعرف إلا بها، إيش تسوي؟ "ابن هراسة هو أبو إسحاق إبراهيم بن هراسة، قال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري: هي أمه، واسم أبيه سلمة، ومن هؤلاء من قد ينسب إلى جدته كيعلى بن مُنية، قال الزبير بن بكار: هي أمُّ أبيه أمية، وبُشير بن الخصاصية اسم أبيه معبد، والخصاصية أم جده الثالث، قال الشيخ أبو عمرو: ومن أحدث ذلك عهداً شيخنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي البغدادي، يُعرف بابن سكينة، وهي أمُّ أبيه، قلتُ: وكذلك شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية هي أمُّ أحد أجداده الأبعدين، وهو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني -قدس الله روحه-. ومنهم من ينسب إلى جده، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين -وهو راكبٌ على البغلة يركضها إلى نحر العدو وهو ينوه باسمه- يقول: ((أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)) وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. وكأبي عبيدة بن الجراح وهو عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري أحد العشرة، وأول من لُقِّب بأمير الأمراء بالشام، وكانت ولايته بعد خالد بن الوليد -رضي الله عنهما-.

مجمع بن جارية هو مجمع بن يزيد بن جارية بن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أحد الأئمة، أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي صاحب المصنف، وكذا أخواه عثمان الحافظ والقاسم، أبو سعيد بن يونس صاحب تاريخ مصر هو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي. وممن نسب إلى غير أبيه المقداد بن الأسود، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي البهراني، والأسود هو ابن عبد يغوث الزهري، وكان زوج أمه، وهو ربيبه فتبناه فنسب إليه. الحسن بن دينار هو الحسن بن واصل، ودينارٌ زوج أمه، وقال ابن أبي حاتم: الحسن بن دينار بن واصل". النسبة إلى غير الأب كثيرة، أما إلى الجد فكثيرة وسائغة، ولا إشكال فيها، لكن من انتسب إلى غير أبيه -نسأل الله العافية- مع علمه بذلك هذه كبيرة من كبائر الذنوب، نسأل الله العافية، جاء فيها الوعيد الشديد، من انتسب إلى غير أبيه، أو من انتسب إلى غير مواليه. أحياناً يكون الشخص ربيب عند أحد فيشتهر به فينسب إليه، مثل واحد معروف مات أبوه وهو صغير فرباه عمه وهو في البادية، ذهب به عمه إلى المدرسة لما بلغ ست سنوات فقال له: إيش اسم الولد؟ قال: عبد الله، وأنت إيش اسمك؟ فلان، سجله على اسمه، وهو ليس بابن له هو ابن أخيه، وهو إلى الآن وهو على عمه، وحاول التغيير الظاهر أنه ما أدرك شيء. المقصود أن مثل هذا كبيرة من كبائر الذنوب -نسأل الله العافية- لا سيما إذا انتسب متبرئاً من أبيه، أو متبرئاً من قبيلته وعشيرته ومواليه، جاء الوعيد الشديد في الحديث الصحيح، بل أطلق عليه الكفر، نسأل الله العافية. طالب: يا شيخ عفا الله عنك إيش السبب؟ وين؟ طالب:. . . . . . . . . يعني عظم هذا الذنب؟ هذا كفران النعمة، الأب له نعمة عظيمة على ولده، بل هو أولى الناس بشكره بعد الله -سبحانه وتعالى-، فكونه ينتسب إلى غيره دل على رخصه لديه. طالب:. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . . على كل حال المحرم ما يرتكب بأدنى سبب، لا يبيحه إلا ضرورة إذا وجدت هناك ضرورة لا بأس.

النوع الثامن والخمسون: في النسب التي على خلاف ظاهرها:

طالب: لكن غير الانتساب يا شيخ تغيير اسم الأب، الأبناء يغيرون اسم الأب. وين؟ طالب: يغيرون اسم أبوهم. وبالفعل تغير اسمه هو؟ عرف أنهم غيروا اسمه وإلا .. ؟ طالب: توفي يا شيخ. وليش يغيرون؟ طالب: ما يرغبون بالاسم، ينسب إليهم .... يحلق الاسم هذا. المقصود إن كان الاسم مما ينبغي تغييره يغير في وقت أبيهم لا بأس، لكن التغيير من غير مبرر ورد فيه النص الشديد كما هو معروف. وهذا أحد احتمالات الحديث أن النسبة في الاسم فقط، لكن أعظم منه لو أنكر أن زيداً من الناس أبوه الحقيقي، وقال: إن أباه الحقيقي فلان، وهو يعلم ذلك هذا يدخل دخولاً أولياً في النص، والأول النسبة في الاسم فقط مع اعترافه واعتقاده أن أبوه فلان، وأنه ولد رشدة لفلان بن فلان، وانتسب إلى غير أبيه في الظاهر يتناوله النص، لكنه أخف ممن -نسأل الله العافية- يقول: لا، ليس بأبٍ له، نسأل الله العافية. النوع الثامن والخمسون: في النسب التي على خلافِ ظاهرها: "النوع الثامن والخمسون: في النسب التي على خلافِ ظاهرها: وذلك كأبي مسعود عقبة بن عمرو البدري، زعم البخاري أنه ممن شهد بدراً, وخالفه الجمهور فقالوا: إنما سكن بدراً فنسب إليها. " البخاري ذكره في الصحيح ممن شهد بدر، والجمهور على خلاف قوله، بل سكن بدراً فنسب إليها. "سليمان بن طرخان التيمي لم يكن منهم وإنما .. " لم يكن من تيم أنفسهم نزل فيهم فنسب إليهم. "وإنما نزل فيهم فنسب إليهم, وقد كان من موالي بني مرة، أبو خالد الدالاني بطن من همدان، نزل فيهم أيضاً, وإنما كان من موالي بني أسد، إبراهيم بن يزيد الخوزي إنما نزل شعب الخوز بمكة، عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وهم بطن من فزارة نزل في جبانتهم بالكوفة .. " الجبانة مصلى الجنائز كما هو معروف، الجبانة ما يتعلق بالجنائز والمصلى والمقبرة كلها يقال لها: جبانة. "محمد بن سنان العَوَقي بطن من عبد القيس، وهو باهلي لكنه نزل عندهم بالبصرة، أحمد بن يوسف السلمي شيخ مسلم وهو أزدي، ولكنه نسب إلى قبيلة أمه، وكذلك حفيده أبو عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي، وحفيد هذا أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي .. " صاحب الطبقات وغيره.

النوع التاسع والخمسون: في معرفة المبهمات من أسماء الرجال والنساء:

"ومن ذلك مقسم مولى ابن عباس للزومه له، وإنما هو مولى لعبد الله بن الحارث بن نوفل، وخالدٌ الحذاء إنما قيل له ذلك لجلوسه عندهم، ويزيد الفقير؛ لأنه كان يألم من فقار ظهره .. " وهو شبيه بمعاوية بن عبد الكريم الضال، وعبد الله بن محمد الضعيف، ويزيد الفقير إلا أن هناك له أثر في الرواية، هنا لا أثر له في الرواية. النوع التاسع والخمسون: في معرفة المبهمات من أسماء الرجال والنساء: النوع التاسع والخمسون: في معرفة المبهمات من أسماء الرجال والنساء: وقد صنف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، والخطيب البغدادي وغيرهما، وهذا إنما يستفاد من رواية أخرى من طرق الحديث, كحديث ابن عباس: "أن رجلاً قال: يا رسول الله الحج كل عام?" هو الأقرع، وحديث أبي سعيد: "أنهم مروا بحي قد لدغ سيدهم فرقاه .. " هو الأقرع؟ طالب: هو الأقرع. ابن حابس وإلا ما عندك؟ طالب: ما عندي ابن حابس. "وحديث أبي سعيد: "أنهم مروا بحيٍ قد لدغ سيدهم، فرقاه رجل منهم" هو أبو سعيد نفسه، في أشباه لهذا كثيرة يطول ذكرها، وقد اعتنى ابن الأثير في .. " نعم المبهمات هذا نوعٌ مهم، مهم في الوقوف على المبهم لا سيما إذا كان في الإسناد، المبهمات في الأسانيد مهمةٌ جداً، لا يمكن التصحيح والتضعيف ومعرفة درجة الخبر إلا بعد الوصول إلى اسم هذا المبهم، ومعرفة حاله، أما الإبهام في المتن فأمره أخف، وقد يكون الأولى عدم ذكره، قد لا يذكر هذا المبهم ولا يعتني به النقلة ستراً عليه. طالب:. . . . . . . . . نعم المقصود أنه أحياناً قد لا يحتاج إلى ذكره ستراً عليه، أما في الإسناد فلا بد من الوصول إلى اسمه. "وقد اعتنى ابن الأثير في أواخر كتابه: (جامع الأصول) بتحريرها, واختصر الشيخ محيي الدين النووي كتاب الخطيب في ذلك .. " (الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة) للخطيب البغدادي مجلد كبير مطبوع، أيضاً النووي له كتاب، الحافظ عبد الغني بن سعيد أيضاً له كتاب، الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي له كتاب مستفاد من. . . . . . . . . المتن والإسناد، وهو أجمع كتاب في الباب. طالب: ابن الحافظ العراقي يا شيخ؟ ابن الحافظ العراقي.

النوع الموفي ستين: معرفة وفيات الرواة ومواليدهم ومقدار أعمارهم:

"وهو فنٌ قليل الجدوى بالنسبة إلى معرفة الحكم من الحديث, ولكنه شيء يتحلى به كثير من المحدثين وغيرهم .. " نعم، هو قليل الجدوى بالنسبة لمبهمات المتن، أما بالنسبة لمبهمات الإسناد فأمرٌ لا بد منه. "وأهم ما فيه ما رفع إبهاماً في إسناد، كما إذا ورد في سند عن فلان ابن فلان, أو عن أبيه أو عمه أو أمه فوردت تسمية هذا المبهم من طريقٍ أخرى، فإذا هو ثقةٌ أو ضعيف، أو ممن ينظر في أمره، فهذا أنفع ما في هذا النوع .. " وهذا أمرٌ لا بد منه، إذا وجد مبهم في السند لا بد من الوقوف على اسمه وعلى حاله؛ ليتم الحكم عليه. النوع الموفي ستين: معرفة وفيات الرواة ومواليدهم ومقدار أعمارهم: النوع الموفي ستين: معرفة وفيات الرواة ومواليدهم ومقدار أعمارهم: ليعرف من أدركهم ممن لم يدركهم من كذاب أو مدلس, فيتحرر المتصل والمنقطع وغير ذلك. معرفة التواريخ من أهم المهمات، كيف تعرف أن هذا الراوي عاصر هذا الراوي أو لم يعاصره؟ يمكن لقاؤه أو لا يمكن؟ قد يكون بينهما مدد متطاولة وأنت لا تدري، فالتاريخ أمرٌ لا بد منه، وأول من بدأ التاريخ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سنة ستة عشرة، لما جيء له بصك مكتوبٌ فيه دين، حلوله في شعبان، حلول الدين في شعبان، شعبان إيش؟ الماضي وإلا الجاي؟ ما هو بمشكل؟ طالب: إلا مشكل. مشكل، فأمر بوضع التاريخ، وجعل الهجرة هي رأس هذا التاريخ، وجعل المحرم هذا رأس السنة -رضي الله عنه-. "قال سفيان الثوري: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التأريخ .. " متى ولدت؟ ومتى مات شيخك؟ وبعد ذلك يكتشفون، يفتضحون. "وقال حفص بن غياث: إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين، وقال الحاكم: لما قدم علينا محمد بن حاتم الكشي .. " الكشي أو الكسي بالسين المهملة، لكن الأكثر على أنه من كش. "فحدث عن عبد بن حميد سألته عن مولده؟ فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين, فقلت لأصحابنا: إنه يزعم أنه سمع منه بعد موته بثلاث عشرة سنة.

قال ابن الصلاح: شخصان من الصحابة عاش كل منهما ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام, وهما: حكيم بن حزام وحسان بن ثابت -رضي الله عنهما-، وحكي عن ابن إسحاق أن حسان بن ثابت بن المنذر بن حزام عاش كل منهم مائة وعشرين سنة .. " حزام وإلا حرام؟ طالب: حزام. كذا؟ هؤلاء الأربعة كل واحد منهم عاش مائة وعشرين سنة، لكن ولد حسان كم عاش؟ طالب: عاش. . . . . . . . . ما عاش، يؤمل آمال أجداده الأربعة كلهم ماتوا أبو مائة وعشرين، أظن ما بلغوا ولا النصف. طالب: ولا، أقل. إيه نعم، فالإنسان قد يعتمد على سن أبيه أو سن أمه أو خاله أو عمه أو كذا، ويقول: نحن من أناس تطول أعمارهم، فيعلق على ذلك الآمال، ويتمادى في المخالفات والتفريط، ولا يدري متى يحل به الأجل؟ والله المستعان. شخص من المعاصرين -نسأل الله العافية والسلامة- بلغ الستين من العمر وهو لم يتزوج ولا يصلي -نسأل الله العافية- فذهب إليه قريبٌ له وقال له: أنت الآن ستين وعذر الله لامرئ بلغه الستين، تزوج تذكر، صلِ يختم لك بخير، قال: لا، أبي كم عمره يوم مات أبوي؟ يسأل هذا الشخص لأنه من أقاربه، يقول: عمره مائة وعشرين، وخالي كم؟ مائة وخمسة عشر، وعمي مدري إيش؟ المهم كلهم جاوزوا المائة، فإحنا من ناس أعمارهم طوال. . . . . . . . .، سبحان الله العظيم يقول: إنه كلمه عصر الجمعة، فلما جاءت الجمعة الأخرى بلغه نبأ وفاته، وهو على حاله، نسأل الله حسن الخاتمة، فلا يعول الإنسان على مثل هذه الأمور. ومن سار نحو الدار ستين حجةً ... فقد حان منه الملتقى وكأن قدِ وصل خلاص، ويش أكثر من ستين؟ ثلاثة وستين عمر محمد -صلى الله عليه وسلم- ...

شرح اختصار علوم الحديث (19)

شرح كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (19) شرح: النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم، والنوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في آخر عمره، والنوع الثالث والستون: معرفة الطبقات، والنوع الرابع والستون: في معرفة الموالي من الرواة والعلماء، والنوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم. الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير فلا يعول الإنسان على مثل هذه الأمور. ومن سار نحو الدار ستين حجةً ... فقد حان منه الملتقى وكأن قدِ وصل خلاص، ويش أكثر من ستين؟ ثلاثة وستين عمر محمد -صلى الله عليه وسلم-، قد بلغ شخص الثلاثة والستين فقيل له: هذا عمر نبيك خلاص استعد، قال: لا، لنا نبي ثاني اسمه نوح، توفي -رحمه الله- هو من طلاب العلم، ومن خيارهم، لكن صاحب فكاهة دعابة -رحمة الله عليه-، توفي في العام الماضي، يقول: لنا نبي ثاني اسمه نوح. طالب:. . . . . . . . . . . . . . . . . . للدعوة هذا. . . . . . . . . خمسين عام، الله المستعان، رحمه الله، غفر الله لنا وله. "قال الحافظ أبو نعيم: ولا يعرف هذا لغيرهم من العرب". يعني الأربعة جميعاً، جد الأب والجد والأب والابن كل الأربعة ماتوا على مائة وعشرين. "قلتُ: قد عُمّر جماعة من العرب أكثر من هذا, وإنما أراد أن أربعة نسقاً يعيش كل منهم مائة وعشرين سنة لم يتفق هذا في غيرهم، وأما سلمان الفارسي فقد حكى العباس بن يزيد البحراني الإجماع على أنه عاش .. " البحراني إيش معنى البحراني؟ طالب:. . . . . . . . . ها؟ إيش معنى بحراني؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . إيش تسمونه. . . . . . . . . بحراني؟ إيه لكن نسبة إلى البحرين بحراني، هذا هو الصحيح، النسبة إلى البحرين بحراني كما حققه كثير من أهل العلم، وإلا كيف يقول: بحراني واسم أبوه يزيد يجتمع؟ "وأما سلمان الفارسي فقد حكى العباس بن يزيد البحراني الإجماع على أنه عاش مائتين وخمسين سنة". هذا المتفق عليه، لكن الزيادة محل الخلاف.

"واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين سنة، وقد أورد الشيخ أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله- وفيات أعيان من الناس، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو بن ثلاثٍ وستين سنة على المشهور .. " قيل: ستين، وقيل: خمسة وستين، في وفاته -عليه الصلاة والسلام- قيل: ستين، ومن قال الستين حذف الثلاث لأنها كسر،. . . . . . . . . خمس وستين وعد سنة الولادة وجبرها، وسنة الوفاة وجبرها، والجماهير على أنه ابن ثلاثٍ وستين سنة كأبي بكر وعمر. "على المشهور يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وأبو بكر عن ثلاثٍ وستين أيضاً في جمادى سنة ثلاثة عشرة، وعمر عن ثلاثٍ وستين أيضاً في ذي الحجة سنة ثلاثٍ وعشرين. قلتُ: وكان عمر أول من أرخ التاريخ الإسلامي بالهجرة بالنبوية من مكة إلى المدينة، كما بسطنا ذلك في سيرته، وفي كتابنا التاريخ وكان أمره .. " كتاب التاريخ المسمى: (البداية والنهاية) وهو من أجل كتب التاريخ وأوثقها، صاحبه إمام ثقة يعتمد عليه في النقل، إلا أن التواريخ تجمع، هم يذكرون الأسانيد، ويجعلون العهدة على الرواة، لكنه من أوثق التواريخ وأجلها وأنفعها وأنفسها. "وكان أمره بذلك في سنة ستة عشرة من الهجرة، وقتل عثمان بن عفان وقد جاوز الثمانين، وقيل: بلغ التسعين في ذي الحجة سنة خمسٍ وثلاثين، وعلي في رمضان سنة أربعين عن ثلاثٍ وستين في قول، وطلحةُ والزبير قتلا يوم الجمل سنة ستٍ وثلاثين، قال الحاكم: سنُّ كلٌ منهما أربعٌ وستون سنة، وتوفي سعدٌ عن ثلاثٍ وسبعين سنة خمسٍ وخمسين، وكان آخر من توفي من العشرة، وسعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، وله ثلاثٌ أو أربعٌ وسبعون، وعبد الرحمن بن عوفٍ عن خمسٍ وسبعين، سنة اثنتين وثلاثين، وأبو عبيدة سنة ثمانية عشرة، وله ثمانٌ وخمسون -رضي الله عنهم أجمعين-. قلتُ: وأما العبادلة فعبد الله بن عباس سنة ثمانٍ وستين، وابن عمر وابن الزبير في سنة ثلاثٍ وسبعين، وعبد الله بن عمروٍ سنة سبعٍ وستين .. "

وهؤلاء تأخرت وفياتهم حتى احتاج الناس إلى علمهم فنقلت مذاهبهم، أما ابن مسعود تقدمت وفاته، فلذا لم يعده الإمام أحمد من العبادلة، وإن قاله الجوهري، وغلط في ذلك، له أوهام الجوهري. "وأما عبد الله بن مسعود فليس منهم، قاله أحمد بن حنبل خلافاً للجوهري حيث عدَّه منهم، وقد كانت وفاته سنة إحدى وثلاثين، قال ابن الصلاح: الثالث أصحاب المذاهب الخمسة المتبوعة، سفيان الثوري توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة وله أربعٌ وستون سنة .. " له مذهب سفيان الثوري، له مذهب انقرض تبعه أناس إلى القرن الثالث، ثم انقرض مذهبه كالأوزاعي، الطبري أيضاً صار له مذهب متبوع وانقرض، داود الظاهري له أتباع، المقصود هؤلاء هم الأئمة المتبوعون، ولم يبقَ من المذاهب إلا الأربعة من مذاهب أهل السنة الذين يعتد بهم في الإجماع والخلاف، وأما ما عداهم فلا عبرة بهم. "وتوفي مالكُ بن أنس بالمدينة سنة وتسعين وسبعين ومائة، وقد جاوز الثمانين، وتوفي أبو حنيفة ببغداد سنة خمسين ومائةٍ وله سبعون سنة، وتوفي الشافعي محمد بن إدريس سنة أربعٍ ومائتين عن أربعٍ وخمسين سنة، وتوفي أحمد بن حنبل ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين عن سبعٍ وسبعين سنة. قلتُ: وقد كان أهل الشام على مذهبٍ الأوزاعي نحواً من مائتي سنة، وكانت وفاته سنةَ سبعين وخمسين ومائة ببيروت من ساحل الشام، وله من العمر بضعٌ وستون، وكذلك إسحاق بن راهويه .. " راهَوَيه راهَوَيه .... المحدثون يقولون: راهَوْيه، ويقولون: إن (ويه) اسم من أسماء الشيطان، ويعتمدون في ذلك على خبرٍ ضعيف، لكن الجادة عندهم -عند أهل اللغة والنحو- هو راهويه مثل سيبويه، ونفطويه. "وكذلك إسحاق بن راهويه قد كان إماماً متبعاً له طائفةٌ يقلدونه ويجتهدون على مسلكه، يقال لهم: الإسحاقية، وقد كانت وفاته سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين عن بضعٍ وسبعين سنة.

قال ابن الصلاح: الرابع أصحاب كتب الحديث الخمسة: البخاري ولد سنة أربعٍ وتسعين ومائة، ومات ليلة عيد الفطر سنة ستٍ وخمسين ومائتين بقريةٍ يقال لها: خرتنك، ومسلمُ بن الحجاج توفي سنة إحدى وستين ومائتين عن خمسٍ وخمسين سنة، أما أبو داود سنة خمسٍ وسبعين ومائتين، الترمذي بعده بأربع سنين سنة تسعٍ وسبعين، أبو عبد الرحمن النسائي سنة ثلاثٍ وثلاثمائة .. " هو آخرهم. "قلتُ: وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني صاحب السنن التي كُمِّل بها الكتب الستة، والسنن الأربعة بعد الصحيحين التي اعتنى بأطرافها الحافظ ابن عساكر، وكذلك شيخنا الحافظ المزي .. " أول من أدخل ابن ماجه في الستة أبو الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي الأطراف هو أول من أدخل ابن ماجه، والخلاف قائم في السادس، هل هو ابن ماجه لكثرة زوائده على الخمسة؟ أو هو الموطأ لإمامة مؤلفه وكثرة الصحيح فيه؟ أو الدارمي أيضاً لكثرة صحيحه وعلو إسناده؟ المقصود أن المسألة خلافية بين أهل العلم. "وكذلك شيخنا الحافظ المزي اعتنى برجالها وأطرافها وهو كتابٌ مفيد قويُّ التبويب في الفقه .. " كتابٌ مفيد يعني كتاب ابن ماجه، فيه أحاديث كثيرة زائدة على ما في الكتب الخمسة، وتراجمه مفيدة تدل على قوةٍ في فقهه، وإن كان الضعيف فيه كثير. "وقد كانت وفاته سنة ثلاثٍ وسبعين ومائتين -رحمهم الله تعالى-. قال الخامس: سبعةٌ من الحفاظ انتفع بتصانيفهم في أعصارنا، أبو الحسن الدارقطني توفي سنة خمسٍ وثمانين وثلاثمائة عن تسعٍ وسبعين سنة، الحاكم .. " انتفع بتصانيفه الدارقطني لا سيما (العلل) و (السنن) علله لا نظير له في الدنيا، لكن يحتاج إلى أهل يطالع فيه وينتفع منه. "الحاكم أبو عبد الله النيسابوري توفي في صفر سنة خمسٍ وأربعمائة وقد جاوز الثمانين ... " كتابه: (المستدرك) كتابٌ نافع، وفيه من الصحيح الزائد على الصحيحين شيء كثير، لكن إنما ينتفع به المتأهل لتساهله الشديد. "عبد الغني بن سعيد المصري في صفر سنة تسع وأربعمائة بمصر عن سبع وسبعين سنة، الحافظ أبو نعيم الأصبهاني سنة ثلاثين وأربعمائة وله ست وتسعون سنة.

ومن الطبقة الأخرى الشيخ أبو عمرو بن عبد البر النمري توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن خمس وتسعين سنة ... " لو قدم قبله البيهقي لأنه يأتي بالعطف بـ (ثم) ما هو موجودة عندكم (ثم)؟ طالب: إلا (ثم) نعم. كذا قال؟ طالب: ثم أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي. لعله نظر إلى الولادة، لا شك أن ولادة ابن عبد البر قبل البيهقي وإن تقدمت وفاته. "ثم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي توفي بنيسابور سنة ثمانين وخمسين وأربعمائة عن أربعٍ وسبعين سنة ... " يعني العطف بـ (ثم) يقتضي الترتيب، قد يقول قائل كيف يقول: (ثم) والبيهقي بعد ابن عبر البر وقبله بالوفاة خمس سنوات، لكن كأنه نظر إلى الولادة ابن عبد البر متقدم في الولادة، عمره خمسة وتسعين سنة، فتكون ولادته سنة ثمان وستين وثلاثمائة، والبيهقي .. ؟ طالب:. . . . . . . . . كم؟ طالب:. . . . . . . . . أربعة وسبعين سنة عمره توفي في سنة ثمان وخمسين، أربعة وعشرين ... ، ستة وسبعين يصير ميلاده، يصير ثلاثمائة وستة وسبعين. "ثم أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن إحدى وسبعين سنة .. " من العجائب الوفاة واحدة، ابن عبد البر حافظ المغرب وهذا حافظ المشرق في سنة واحدة. "قلتُ: وقد كان ينبغي أن يذكر مع هؤلاء جماعةٌ اشتهرت تصانيفهم بين الناس، ولا سيما عند أهل الحديث كالطبراني، وقد توفي سنة ستين وثلاثمائة صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها، والحافظ أبو يعلى الموصلي والحافظ أبو بكر البزار وإمام الأئمة ... " .... سبع وثلاثمائة، والبزار سنة اثنتين وتسعين ومائتين، هؤلاء لا شك أنهم نفعوا، وأفادت الأمة من تصانيفهم، فالإشادة بهم مناسبة، ليسوا بأقل ممن ذكر. "وإمامُ الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة توفي سنة إحدى عشر وثلاثمائة صاحب الصحيح ... " أنواع التقاسيم صحيح ابن خزيمة، أنواع التقاسيم لابن حبان الآتي. "وكذلك أبو حاتم محمد بن حبان البستي صاحب الصحيح أيضاً، وكانت وفاته سنة أربعٍ وخمسين وثلاثمائة، والحافظ .. "

النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم:

يعني ابن خزيمة وابن حبان أولى بالذكر من الحاكم، ابن خزيمة ثلاثة أرباع الكتاب مفقود، لكن الربع الموجود فيه خير -إن شاء الله-، ابن حبان موجود ترتيبه ومطبوع ومتداول. "والحافظ أبو أحمد بن عدي صاحب الكامل، توفي سنة سبعٍ وستين وثلاثمائة. النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم: النوع الحادي والستون: في معرفة الثقاة والضعفاء من الرواة وغيرهم، وهذا الفن من أهم العلوم وأعلاها وأنفعها, إذ به تعرف صحة سند الحديث من ضعفه .. " هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الصحيح من الضعيف، والتمييز بين المقبول والمردود، لا وسيلة إلا ذلك، معرفة ثقة الرواة وضبطهم وضعفهم. "وقد صنف الناس في ذلك قديماً وحديثاً كتباً كثيرة من أنفعها كتاب ابن أبي حاتم، ولابن حبان كتابان نافعان أحدهما: في الثقاة، والآخر في الضعفاء، وكتاب الكامل لابن عدي .. " نعم صنف الناس في تواريخ الرجال، وتراجمهم، والحكم عليهم مؤلفات نافعة كتواريخ يحيى بن معين، وسؤالات الإمام أحمد، وتواريخ البخاري أيضاً، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم كل هذه كتب لا يستغني عنها طالب علم، أقوال الأئمة كلها فيها، ابن حبان أيضاً له الثقات وله المجروحون، ابن عدي له الكامل كتابٌ نفيس، الحافظ الذهبي له الميزان، ابن حجر له لسانه، الحافظ عبد الغني المقدسي له الكمال في أسماء الرجال في تراجم الكتب الستة، وتهذيبه للحافظ المزي، وتهذيب تهذيبه لابن حجر، وتقريب التهذيب له، والتذهيب للحافظ الذهبي، والكاشف له، والخلاصة للخزرجي، هذه كتب ينبغي أن يعتني بها طالب العلم، وأن يطلع على ما فيها من أقوال في الرواة جرحاً وتعديلاً، فإن كان متأهلاً للموازنة بين هذه الأقوال والترجيح بينها فلا بأس، وإلا فليقلد. "والتواريخ المشهورة, ومن أجلها تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب، وتاريخ دمشق للحافظ أبي القاسم بن عساكر .. "

نعم هذه التواريخ تواريخ بغداد، تاريخ أصبهان، تاريخ دمشق، تاريخ بخارى، تاريخ قزوين، تواريخ تعتني بالرواة، وما قيل فيهم جرحاً وتعديلاً، وتذكر بعض عواليهم وما أشبه ذلك وأخبارهم، هذه كتب ينبغي لطالب العلم العناية بها؛ لأنها يوجد فيها ما لا يوجد في كتب الرجال، لا سيما إذا كان الرجل من غير رواة الكتب الستة، ففي الغالب يوجد في هذه التواريخ تواريخ البلدان. "وتهذيب شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي، وميزان شيخنا الحافظ أبي عبد الله اللهبي، وقد جمعتُ بينهما وزدتُ في تحرير الجرح والتعديل عليهما في كتابٍ وسميته: بـ (التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل) وهو من أنفع شيء للفقيه البارع، وكذلك المحدث، وليس الكلام في جرحٍ الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين بغيبة. " لأن بعض الناس يقول: هؤلاء أئمة كبار أهل التحري والورع وقعوا في الناس: فلان ضعيف، فلان يكذب، فلان يسرق الحديث، فلان كذا، ويش معنى الغيبة؟ نقول: هذا من النصيحة، هذا ما لا يتم الواجب إلا به، بل هو واجب على الأمة أن تتصدى لمثل هذا، وقد قام به الأئمة خير قيام. "وليس الكلام في جرح الرجال على وجه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين بغيبة، بل يثاب متعاطي ذلك إذا قصد به ذلك، وقيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك يوم القيامة؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خصمي يومئذٍ، وسمع أبو تراب النخشبي أحمد بن حنبل وهو يتكلم في بعض الرواة فقال له: أتغتاب العلماء؟ فقال له: ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة، ويقال: إن أول من تصدى للكلام في الرواة شعبة بن الحجاج، وتبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم تلامذته أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وعمرو بن علي الفلاس وغيرهم". تكلم قبلهم من الصحابة لكن شيء يسير جداً، ومن التابعين كابن سيرين على نطاق ضيق جداً؛ لعدم الحاجة إلى الكلام، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((بئس أخو العشيرة)) يعني نقد الرجل، وهذا أصل في هذا الباب، لكن هؤلاء تكلموا في الرواة بشكل عام، كلما ازدادت الحاجة زاد الكلام، والله المستعان.

النوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في آخر عمره:

"وقد تكلم في ذلك مالكٌ وهشام بن عروة وجماعة من السلف الصالح، وقد قال -عليه السلام-: ((الدين النصيحة)) وقد تكلم بعضهم في غيره فلم يعتبر لما بينهما من العداوة المعلومة". نعم أهل العلم يميزون بين الكلام الذي باعثه النصيحة وبين الكلام في الأقران، التشفي بعضهم من بعض، وهذا وإن كان نادر جداً جداً، يعني حصل في حالات يسير بين مالك وابن إسحاق، وبين النسائي لما تكلم في أحمد بن صالح المصري لسبب من الأسباب هذا لا يقدح فيهم؛ لأن وقوع الهفوة من الشخص من الذي يسلم من الخطأ، من الذي يسلم من الهوى، لكن الله المستعان، مثل هذا لا يعول عليه عند أهل العلم، ويميزونه من غيره. "وقد ذكروا من أمثلة ذلك كلام محمد بن إسحاق في الإمام مالك، وكذا كلام مالك فيه، وقد وسع السهيلي القول في ذلك، وكذلك كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري حين منعه من حضور مجلسه". النوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في آخر عمره: "النوع الثاني والستون: في معرفة من اختلط في .. " النسائي -رحمه الله- لما منعه الحارث بن مسكين من سماع الحديث ما تكلم فيه، بل روى عنه وخرج، النسائي معروف في شدة الورع، لكن هذا اجتهاده بالنسبة لأحمد بن صالح ولم يوافق عليه، بالنسبة للحارث بن مسكين منعه من حضور الدرس فكان يروي عنه، يجلس وراء السارية ويسمع الحديث ويروي عنه بدون صيغة، لا يقول: أخبرنا؛ لأنه ممنوع من الإخبار، ولا حدثنا إنما يقول: الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع. طالب:. . . . . . . . . إيش فيه؟ طالب:. . . . . . . . . على كل حال هناك هفوات وقعت من الأئمة لكن باعثهم في ذلك النصيحة، واجتهدوا، ولذا لا بد من الموازنة في أقوالهم، ومن نعم الله -سبحانه وتعالى- أنه لا يتفق اثنين أو ثلاثة على تضعيف ثقة أو العكس. "في معرفة من اختلط في آخر عمره إما لخوف أو ضرر أو مرض أو عرض، كعبد الله بن لهيعة لما ذهبت كتبه اختلط في عقله, فمن سمع من هؤلاء قبل اختلاطهم قبلت روايتهم, ومن سمع بعد ذلك أو شك في ذلك لم تقبل".

نعم الرواة الذين اختلطوا في آخر أعمارهم حصل لهم النسيان الكامل أو الخرف، هناك من يضعف وهذا هو الجادة، والغالب أن الإنسان يضعف في آخر عمره، لكن هذا لا يؤثر عليه إلا إذا كثر، أما من اختلط اختلاطاً كلياً فلا بد من التوقف عن الرواية عنه بعد الاختلاط، وهناك كتب ألفت في الرواة المختلطين (نهاية الاغتباط) وغيره من الكتب تبين الرواة الذين اختلطوا، ومن روى عنهم قبل الاختلاط، ومن روى عنهم بعد الاختلاط، ومن روى عنهم قبله وبعده، على كل حال من روى بعد الاختلاط لا تقبل روايته، وقبله روايته مقبولة كما هو معروف. "وممن اختلط بأخرة عطاء بن السائب وأبو إسحاق السبيعي, قال الحافظ أبو يعلى الخليلي: وإنما سمع ابن عيينة منه بعد ذلك، وسعيد بن أبي عروبة, وكان سماع وكيع والمعافى بن عمران منه بعد اختلاطه، والمسعودي وربيعة وصالح مولى التوأمة، وحصين بن عبد الرحمن قاله النسائي، وسفيان بن عيينة قبل موته بسنتين قاله يحيى القطان، وعبد الوهاب الثقفي قاله ابن معين، وعبد الرزاق بن همام قال أحمد بن حنبل: اختلط بعدما عمي، فكان يلقن فيتلقن، فمن سمع منه بعدما عمي فلا شيء ... " هذه مشكلة من يعتمد على الكتاب، ويهمل الحفظ، إذا عمي ضاع، إذا احترق الكتاب وفُقد كذلك، إذا سافر دون كتبه صار لا شيء، هذه حال كثير من ينتسب إلى العلم في العصور المتأخرة، لما اعتمدوا على هذه الكتب، ورصت هذه الكتب في الدواليب إذا راح يمين وإلا يسار قال: لا بد أراجع، فإذا عمي. . . . . . . . .، ولهذا يحرص الإنسان في حال الصحة وفي حال الشباب أن يكثر من المحفوظ، بادئاً بكتاب الله -جل وعلا-؛ لأنه يحتاج إلى الكتاب، وقد لا يحصل له، لا يحصل له في كل ظرف، لا يتهيأ له الكتاب، فإذا كان محفوظاً الحمد لله وجد الكتاب أو لم يوجد، الخطب سهل، والله المستعان. "قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما رواه الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، فلعل سماعه كان منه بعد اختلاطه .. "

النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات:

نعم الدبري متأخر جداً، يروي عنه الطبراني، وبين الطبراني وعبد الرزاق كم؟ نحو ثلاثمائة وستين وهذا مائتين وستة أو سبع .. ، أكثر من قرن ونصف بينهم، والدبري واسطة بينهما، لم يدرك من حياة عبد الرزاق إلا ست سنوات أو سبع، يذكره مثل الحلم، فعله روى عنه بعد اختلاطه. "وذكر إبراهيم الحربي أن الدبري كان عمره حينما مات عبد الرزاق ست أو سبع سنين، وعارم اختلط بأخرة، وممن اختلط بعد هؤلاء أبو كلابة الرقاشي وأبو أحمد الغطريفي وأبو بكر بن مالك القطيعي خرف حتى لا يدري ما يقرأ". النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات: "النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات .. " . . . . . . . . . فيه (الاغتباط)، (نهاية الاغتباط)، كتب في الاختلاط. "معرفة الطبقات، وذلك أمرٌ اصطلاحي، فمن الناس من يرى الصحابة كلهم طبقة واحدة، ثم التابعون بعدهم أخرى، ثم من بعدهم كذلك، وقد يستشهد .. " نعم منهم من يجعل الصحابة كلهم طبقة واحدة باعتبار الشرف شرف الصحبة، وأن كلاً منهم لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا مفاوتة ولا مفاضلة بينهم من حيث السماع منه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الحاكم جعلهم على اثنتي عشرة طبقة. "وقد يستشهد على هذا بقوله -عليه السلام-: ((خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) فذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، ومن الناس من يقسم الصحابة إلى طبقات, وكذلك التابعين فمن بعدهم، ومنهم من يجعل كل قرن أربعين سنة، ومن أجل الكتب في هذا .. " والطبقة تجمع أقوام متشابهين في السن والأخذ عن الشيوخ، يعني أشبه ما تكون بالزملاء، الطبقة يعني الزملاء. "ومن أجل الكتب في هذا (طبقات محمد بن سعد) كاتب الواقدي، وكذلك كتاب: (التاريخ) لشيخنا العلامة أبي عبد الله الذهبي -رحمه الله-، وله كتاب (طبقات الحفاظ) مفيد أيضاً جداً". نعم له تاريخ رتبه على الطبقات تاريخ الحافظ الذهبي تاريخ كبير تاريخ الإسلام، وله أيضاً تذكرة الحفاظ كلاهما مطبوع. النوع الرابع والستون: في معرفة الموالي من الرواة والعلماء:

النوع الرابع والستون: في معرفة الموالي من الرواة والعلماء، وهو من المهمات، فربما نسب أحدهم إلى القبيلة فيعتقد السامع أنه منهم صليبة، وإنما هو من مواليهم فيميز ذلك ليعلم، وإن كان قد ورد في الحديث: ((مولى القوم من أنفسهم)) ومن ذلك أبو البختري الطائي، وهو سعيد بن فيروز، وهو مولاهم، وكذلك أبو العالية الرياحي، وكذلك الليث بن سعد الفهمي، وكذلك عبد الله بن وهب القرشي، وهو مولى لعبد الله بن صالح كاتب الليث، وهذا كثير .. " أبو البختري ليس من طيء وإنما مولى، وكذلك أبو العالية ليس من الرياح، وكذلك الليث، وعبد الله بن وهب كل هؤلاء موالي. "فأما ما يذكر في ترجمة البخاري أنه مولى الجعفيين فلإسلام جده الأعلى على يد بعض الجعفيين .. " نعم يمان الجعفي والي بخارى، وهو جد عبد الله بن محمد المسندي شيخ البخاري، أسلم جد البخاري الأعلى على يد يمان الجعفي فنسب إلى جعف، ليس منهم إنما هو مولاهم. "وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجسي ينسب إلى ولاء عبد الله بن المبارك؛ لأنه أسلم على يديه وكان نصرانياً، وقد يكون الولاء بالحلف, كما يقال في نسب الإمام مالك بن أنس: مولى التيميين, وهو حميري أصبحي صليبة, ولكن كان جده مالك بن أبي عامر حليفاً لهم، وقد كان عسيفاً عند طلحة بن عبد الله التيمي أيضاً فنسب إليهم كذلك". نعم أجير عندهم أجير، والأجير إذا طالت المدة عند صاحبه قد يعرف بالنسبة إليه، هذا واضح. "وقد كان جماعة من سادات العلماء في زمن السلف من الموالي, وقد روى مسلم .. " بل غالبهم، وهذا من حكمة الله -سبحانه وتعالى- أن الشرف شرف النسب إذا لم يصاحبه العمل لا ينفع وحده ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) فمن حكمة الله -سبحانه وتعالى- أن برز في العلوم كلها أو جلها الموالي على ما سيأتي. "وقد روى مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب لما تلقاه نائب مكة أثناء الطريق في حج أو عمرة, قال له: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى, قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من الموالي, فقال: أما إني سمعت نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله يرفع بهذا العلم أقواماً، ويضع به آخرين)).

النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم:

وذكر الزهري أن هشام بن عبد الملك قال له: من يسود أهل مكة؟ فقلت: عطاء, قال .. " قال: من العرب أم من الموالي؟ قلتُ: من الموالي -عطاء-، ومثله من يأتي بعده كلهم، اللهم إلا النخعي إبراهيم. "فقلت: عطاء، قال: فأهل اليمن؟ قلت: طاوس, قال: فأهل الشام؟ فقلت: مكحول, قال: فأهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب, قال: فأهل الجزيرة؟ فقلت: ميمون بن مهران, قال: فأهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم, قال: فأهل البصرة؟ فقلت: الحسن بن أبي الحسن, قال: فأهل الكوفة؟ فقلت: إبراهيم النخعي, وذكر أنه يقول له عند كل واحد ... " المقصود أن كلهم من الموالي إلا إبراهيم لما قال له قال: فرجت عني، كلهم من الموالي إلا إبراهيم. "وذكر أنه يقول عند كل واحدٍ: أمن العرب أم من الموالي؟ فيقول: من الموالي, فلما انتهى قال: يا زهري والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها, فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه, فمن حفظه ساد، ومن ضيعه سقط .. " نعم هذا المقياس، المقياس الدين من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط، ولو كان من أشراف الناس، ولو كان من نسل محمد بن عبد الله، الله المستعان. "قلتُ: وسأل بعض الأعراب رجلاً من أهل البصرة, فقال: من هو سيد هذه البلدة؟ قال: الحسن بن أبي الحسن البصري, قال: أمولى هو؟ قال: نعم, قال: فبم سادهم؟ فقال: بحاجتهم إلى علمه وعدم احتياجه إلى دنياهم, فقال الأعرابي: هذا لعمر أبيك هو السؤدد. النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم: النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم، وهو مما يعتني به كثير من علماء الحديث، وربما ترتب عليه فوائد مهمة، منها معرفة شيخ الراوي .. " إذا عرفت بلد الراوي وأنه نفس بلد الذي روى عنه أو قريبٌ منه، وأمكن لقاؤه يعني يسهل عليك الحكم على أنه لقيه أو لم يلقه، أما تباعد البلدان كما نص الحافظ ابن رجب -رحمه الله- فالسلف والأئمة كلهم يحكمون بالانقطاع مع تباعد البلدان.

"فربما اشتبه بغيره, فإذا عرفنا بلده تعين بلديه غالباً، وهذا مهم جليل، وقد كانت العرب إنما ينسبون إلى القبائل والعمائر والعشائر والبيوت, والعجم إلى شعوبها ورساتيقها وبلدانها, وبنو إسرائيل إلى أسباطها، فلما جاء الإسلام .. " نعم العرب تنتسب إلى القبائل فلان قرشي، فلان مخزومي، فلان ثقفي، أما الأعاجم ينتسبون إلى البلدان، فلان نيسابوري، فلان خرساني، فلان بغدادي، هكذا، لما انتشر العرب في البلدان وخالطوا الأعاجم انتسبوا مثلهم. "فلما جاء الإسلام وانتشر الناس في الأقاليم نسبوا إليها، أو إلى مدنها أو قراها، فمن كان من قرية فله الانتساب إليها بعينها وإلى مدينتها إن شاء أو إقليمها, ومن كان من بلدة ثم انتقل منها إلى غيرها فله .. " له الانتساب إليها بعينها إلى القرية، وإن عمم قليلاً وانتسب إلى ما هو أعم من ذلك مما تدخل تحته هذه القرية فلا بأس، انتسب إلى الإقليم الأعم لا بأس. "فمن كان من قرية فله الانتساب إليها بعينها وإلى مدينتها إن شاء أو إقليمها، ومن كان من بلدةٍ ثم انتقل منها إلى غيرها فله الانتساب إلى أيهما شاء, والأحسن أن يذكرهما فيقول مثلاً: الشامي ثم العراقي, أو الدمشقي ثم المصري, ونحو ذلك، وقال بعضهم: إنما يسوغ الانتساب إلى البلد إذا أقام فيه أربع سنين فأكثر, وفي هذا نظر .. " التحديد لا دليل عليهم، نعم قد يقال: هذا اصطلاح أنه إذا أقام أربع سنين، لكن أربع سنين يمكن ينتسب في عمره إلى عشر من البلدان إذا كان رحال في كل بلدٍ يجلس، لكن هذا لا دليل عليه. "وفي هذا نظر، والله -سبحانه وتعالى- أعلم بالصواب. وهذا آخر ما يسره الله تعالى من اختصار علوم الحديث، وله الحمد والمنة. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ على محمد.

§1/1