شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة

التنوخي، ابن ناجي

ترجمة مختصرة للمصنف

بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة مختصرة للمصنف هو الشيخ الإمام العالم العلامة الفقيه أبو الفضل وأبو القاسم: قاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي القيروانى: من القضاة من أهل القيروان. تعلم فيها وولي القضاء فى عدة أماكن. له كتب منها: شرح المدونة الكبرى لسحنون. وزيادات على معالم الإيمان. شرح رسالة أبو زيد القيروانى. ومشارق أنوار القلوب , وشرح التهذيب للبراذعى. - الشافى فى الفقه. - وانظر: نيل الابتهاج (ص223). - والبستان (ص149). - معجم المؤلفين (2/ 646) كتبه أبو الحسن أحمد فريد المزيدى ***

المقدمة الحمد لله مالك يوم الدين المعبود الموصوف بالقدم والجود، الذى خلق الإنسان من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وشق سمعه وبصره وأنشأه خلقاَ آخر فتبارك الله أحسن الخالقين؛ اخترعه وابتدعه، ثم وفقه لما ارتضاه وشرعه، فسبحان من رفع فى جنته درجة من سبقت له العناية بتفقهه في الدين، وبجمعه ما اقتفى من آثار السلف الصالح وبثه لسائر العالمين، أحمده على ما أسبغ من آلائه وعلم من عظيم دينه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله التي الكريم الرءوف الرحيم، المبعوث بالحنيفية السمحة ليبين للناس ما نزل إليهم من تحليل وتحريم، صلى الله وعلى آله أفضل صلاة يتبعه أفضل تسليم. وبعد: فإنه لما كثر إقرائي لرسالة الشيخ الفقيه العالم العامل الورع أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني استخرت الله في وضع تعليق يعين الناظر على ما يتعلق بما تكلم عليه الشيخ من أقوال في المسألة وتتميم لما نطق به الشيخ من ظاهر كلامه إلى غير ذلك من الفوائد فمهما عبرت ببعض شيوخنا فهو الشيخ الفقيه العالم الصالح التقي الزاهد أبو عبدالله محمد ابن الشيخ الصالح المجاور والمرحوم أبي عبد الله محمد بن عرفة الورغمي عرفه الله الخير في الدنيا والآخرة ومهما عبرت به فأكثره من تأليفه المنسوب إليه بعضه تلقيه من بعض من لقيناه وأقله سمعته منه مشافهة نسأل الله تعالى الإعانة وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

الكتاب الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته: الحمد لله ثمانية أحرف والجنة لها ثمانية أبواب فمن قال الحمد لله فتحت له أبواب الجنة الثمانية قاله ابن الخطيب. وابتدأ الشيخ بالحمد لأنه مفتتح كتاب الله الكريم فجعله فاتحة كلامه وأول ما جاء به القرآن في نظامه ولأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبه ومواعظه وسنة الخلفاء الراشدين من بعده روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمر ذي بال لا يبتدأ فيه بالحمد لله فهو حرام" وفي رواية: "فهو أقطع" وفي رواية: "فهو أبتر" وبذلك تعقب الشيخ الفقيه أبو محرز على أسد بن الفرات لما بادر في قراءة عقد فقال: هذا ما اشترى الأمير الأجل. فقال أبو محرز أخطأت يا أسد وبين له خطأه لما سأل عن ذلك بتركه الحمد لله حسبما هو مذكور في كتاب أبي بكر المالكي والمدارك لعياض ولولا الإطالة لذكرت القضية بكمالها وليس المراد بعين لفظ الحمد بل المطلوب إيقاع ذكر من الأذكار إذ المراد بحمدا لله الثناء على الله سبحانه. وبذلك أجيب عن مالك بن أنس رحمه الله لكونه ابتدأ كتابه الموطأ بوقوت الصلاة فإنه ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وهو الجواب عن الشيخ أبي القاسم الزجاجي، ومن الشيخ أبي عمر وابن الحاجب وغيرهما. واختلف هل الحمد أعم من الشكر أم لا على ثلاثة أقوال: فقيل بذلك لأن الشكر إنما يكون في مقابلة الإنعام وقيل عكسه لأن الشكر يكون بالقول والفعل بخلاف الحمد إنما يكون بالقول خاصة وقيل ليس بينهما عموم ولا خصوص فيستعمل كل واحد منهما في موضع الآخر، والمراد بالإنسان الجنس. وقول من حمله على عيسى عليه السلام بعيد وأبعد من قول من حمله على آدم عليه السلام والباء في قوله بنعمته للمصاحبة أو السبية أي ابتدأه بسبب أن ينعم عليه والضمير المضاف إليه نعمة يعود على الخالق سبحانه ويجوز عوده على الإنسان لما كانت النعمة ملتبسة به ومصاحبة له. وظاهر كلام الشيخ أن لله عز وجل على الكافر نعمة وهو كذلك عند أكثر العلماء في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فواضح وأما في الآخرة فلأن ما من نعمة وعذاب إلا وثم ما هو أشد منهما إلا أنه لا يقال إنهم في نعمة لأنهم في محل الانتقام والغضب

والعذاب الشديد لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. ونقل الشيخ أبو بكر بن العربي عن الشيخ أبي الحسن الأشعري أنه قال لا يقال إن لله تعالى على الكافر نعمة لا دينية ولا دنيوية، وجعل التالي الخلاف لفظيا بعيد لما قدمت والله أعلم. (وصوره في الأرحام بحكمته): الضمير يعود على الإنسان وهو للجنس فلذلك جمع الأرحام باعتبار ما في الجنس من الجمع، ومعنى بحكمته أي بعلمه ومشيئته وهي وضع الشيء في محله، ألا ترى أنه وضع البصر وجعله في أعلى الجسد لتكون منفعته أعم وأتم وجعل عليه أجفانا كالأغطية تغطي وتقيه من الآفات وجعلها متحركة تنطبق وتنفتح على مقدار حاجته وجعل في أطرافها أشفارا تدع الذباب والهوام إذا نزلت عليها، وجعلها عليه زينة كالحلية لماي حلى وجعل عظم الحاجب ناتئا عليها يقيها ويدفع عنها لما كانت لطيفة في شكلها إلى غير ذلك من المصالح والمنافع والآلاء التي لا يحيط بها إلا خالقها تعالى، هذا بالنظر إلى ما في عضو من أعضائه فما ظنك بسائر جسده. (وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه): أي أبرزه من الصلب إلى الرحم وقيل: أوجده وأخرجه من الضيق ضيق الأحشاء إلى الموضع الواسع وخلق تعالى في قلوب عباده الرفق الشفقة عليه ويسر له رزقا لينا في ثدي أمه متوسطا بين الملوحة والعذوبة باردا في الصيف حارا في الشتاء يخرج من عرقين يتغذى من أحدهما يشرب من الآخر، وتكفل برزقه مدة حياته ودفع عنه مالا يستطيع دفعه عن نفسه منة منه تعالى عليه ولطفا به. واعلم أن مذهب أهل السنة أن الله تعالى يرزق الحلال والحرام فجميع ما يتغذى به الإنسان من حلال أو حرام فهو رزقه. قال الله عز وجل: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) [هود: 6] وقد علمت أن جميع المكلفين لا يأكلون الحلال كلهم لأنهم قد يسرقون ويغصبون يتغذون به وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وإن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها": وأجمع المسلمون على القول بأن الله تعالى هو الذي يرزق البهائم ما تأكله وليس لها ملك فدل ذلك على أن الغذاء يكون رزقا لمن أكله وإن لم

يملكه. وهذا الذي ذكرنا معناه لابن فورك. (وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيم): جعل يعدد نعم الله تعالى على عباده وتنقله من طور إلى طور إلى أن يصير هذا الإنسان يعلم مصالح نفسه فيقصدها ويجتنب مضارها فيباعدها قال الله تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) [النحل: 78] قال القرافي: وقع في "كان" حديث الفقهاء، هل يجوز إطلاقها على وجوده سبحانه وتعالى أم لا؟ فمنع قوم كثي لإشعارها بانصرام الشيء وعدمه، والصحيح جوازه لأنها أعم فلا دلالة لها على خصوص الانقطاع فجاز أن تقول كان الله سبحانه ولا شيء معه ولا محظور في ذلك. (ونبهه بآثار صنعته): أي أيقظه من نوم الغفلة والجهالة بإيجاد آثار صنعته قال الله تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [الذاريات: 21] وقال تعالى: (ومن ءاياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) [الروم:22] إلى غير ذلك من الآي فمن وفقه الله ونبهه وأيقظه وتأمل بأدنى فكره مضمون هذه الهيئات وأدار ذهنه على عجائب خلق الأرض والسموات وبدائع فطر الحيوان والنبات علم أن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم الغريب لا يستغنى عن صانع يدبره وفاعل يحكمه ويقدره. وفي كلام الشيخ حذف لا بد من تقديره كأنه قال ونبهه بآثار صنعته على وجوده سبحانه وتعالى ووحدانيته وغير ذلك من صفاته. (وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه): الإعذار: المبالغة في طلب المعذرة ومنه الإعذار في الحكم، قالوا: أعذر من أنذر أي بالغ في المعذرة من تقدم إليك بالإنذار وقد ورد النص بذلك في مواضع منها قوله تعالى (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) [طه:134]. (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) [النساء:165] و (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) [فاطر:37] إلى غير ذلك من الآي. والألسنة جمع لسان وهو يذكر ويؤنث من ذكره ذهب به مذهب الدليل والبرهان، ومن أنثه ذهب به مذهب اللغة والحجة.

والمرسلون: جمع مرسل وهو المأمور بتبليغ الوحي، وهو أخص من النبي والمرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر كلهم أعجمي إلا خمسة: محمد، واسماعيل، وصالح، وشعيب، وهو على جميع الصلاة والسلام. والخيرة بتسكين الياء وفتحها ذكر اللغتين الجوهر وغيره، قبل بالفتح المصدر وبالسكون الاسم وقيل بالعكس ذكره ابن جني. قال التادلي: ويجوز أن يكونا مصدرين وجاء أحدهما مسكن الياء رغبة في التخفيف وفي هذا تنبيه على أن العقل لا يكتفي به عن بعثة الرسل وأنه لا يحسن ولا يقبح فلا حكم إلا ما جاءت به الرسل ولا حسن ولا قبح إلا ما حسنه الشرع وقبحه، وظاهر كلا المصنف يقتضي تفضيل الأنبياء على الملائكة على جميعهم الصلاة والسلام وهو المختار عند أهل الحق على ما يأتي إن شاء الله تعالى. قال التادلي: وهذا الأخذ يتأتى إذا جعلت "من" في قوله: "من خلقه" لبيان الجنس وإن جعلت للتبعيض فلا. (فهدى من وفقه بفضله وأضل من خذله بعدله): الهدى هو البيان والإرشاد ومنه قوله تعالى: (وهديناه النجدين) [البلد:10] وهديناه السبيل أي بينا له طريق الخير والشر وقيل: هي المعرفة فمن سبقت له العناية الأزلية وهي التوفيق اهتدى وسلك طريق الخير ومن لم تسبق له العناية أضله الله وصرفه عن طريق الخير. فهداية المهتدين وسلوكهم طريق الخير إنما هو بفضل الله عز وجل إذ ليس ذلك عوضا من شيء ولا سابقة استحقاق للعبد ولا يجب ذلك على الله تعالى بل هو فضل محض والإضلال والخذلان منه عدل إذ هو تعالى مالك لجميع الأشياء ولا حجر عليه فيها وذلك نفى الله تعالى الظلم عن نفسه فقال تعالى: (ومارك بظلام للعبيد) [فصلت:46]. قال بعضهم كل وصف صالح وصالح ورد في القران مكررا مرتين أو أكثر إلا التوفيق فإنه لم يرد إلا مرةواحدة في قوله تعالى: (وما توفيقي إلا بالله) [هود:88]. تنبيها على قلة المتصف به قيل له: قد ذكره في مواضع آخر في قوله تعالى: (إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا) [النساء:62] وقوله: (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) [النساء:35] قال هذا توفيق دنيوي والذي لم يتكرر التوفيق الأخروي.

(ويسر المؤمنين لليسرى وشر صدورهم للذكرى فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين وبقلوبهم مخلصين) يسر أي هيأ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "وكل ميسر لما خلق له" واليسرى قيل المراد بها الجنة أو الخير أو طريقهما لأن طريق الخير عاقبته يسر ويجوز أن يراد بالتيسير تهوين فعل الطاعات بأن يجعلها فيهم محبوبة لهم حتى تكون عليهم أهون الأمور وأيسرها. ومعنى شرح: فتح ووسع ومنه شرح المسائل إذا بسطها وعبر بالصدور عن القلوب كما يعبر عنها بالأفئدة وهو من التعبير عن الشيء بمحله أو بمجاوره، والذكرى مصدر ويراد به الموعظة فنور قلوبهم، ووسعها حتى قبلوا المواعظ واهتدوا بها، وتعلموا مقتضاها فكان ذلك سببا لإيمانهم بوجود الله تعلى ووحدانيته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، فأمنوا بالله نطقا واعتقادا وعملا بما أتتهم به الرسل امتثالا وتصديقا بقول الله تعالى: (وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر:7] ووقفوا عند ما حد لهم. (أما بعد، أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه وحفظ ما أودعنا من شرائعه): أي ما بعد ما سبق قيل إن رسول الله صلى الله عليه السلام كان يقولها في خطبه. قال جماعة: هي فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام، وقيل: هو أول من قالها. وقيل: أول من قالها قس بن ساعدة، وقيل: كعب بن لؤي وتسمى كلمة إقبال وفصل وتفصيل وفيهما معنى الشرط، والتحقيق أن الفصل والشرط إنما هو في إما خاصة دون بعد فقيل إن أما

حرف تفصيل نابت عن حرف الشرط وفعله. وبعد بضم الدال وأجاز الفراء أما بعد بالنصب والتنوين وأجازه هشام بفتح الدال دون تنوين، وأنكره النحاس وفي علة ضم يعد للنحويين بضعة عشر قولا وهي كلمة توضع في صدور الرسائل عند إرادة المقصد قال ثعلب: معناها خروج عما نحن فيه إلى غيره وفيها معنى التنبيه. وقول الشيخ، وإياك: خطاب للمؤدب العابد محرز وإن كان دخل معه في الضمير في أعاننا ولكن أراد أن يفرده بالذكر لأنه الذي سأله تأليف الرسالة وهكذا قال غير واحد من التونسيين وغيرهم كابن سلامة وناصر الدين. وقال أبو زيد عبدالرحمن بن الدباغ القروي صاحب معالم الإيمان الذي سأله تأليفها هو الشيخ الصالح أبو إسحاق إبراهيم السبائي وهو ضعيف ولا يقال إنهما معا سألاه وأسعهما جميعا لأن إفراد الضمير يأباه، وأيضا فإنه قوله: كما تعلمهم حروف القرآن يدل على أنه المؤدب محرز لأني لا أعلم أحدا ممن تعرض لمناقب أبي إسحاق ذكر أنه كان مؤدبا وقدم الشيخ نفسه في الدعاء تأديبا بآداب الشريعة بالكتاب والسنة، أما بالكتاب فقوله تعالى: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) [محمد:19] (رب اغفر لي ولوالدي) [نوح:28] (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) [الحشر:10] ، وأما بالسنة فروى أو داود في سننه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدأ بنفسه وقال صلى الله عليه وسلم "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" فإذا طلب تقديم النفس في الدنيا فطلبه في أمور الآخرة أولى وقال الشيخ ناصر الدين خلاف ذلك قال: فإن قلت لم قدم نفسه في الدعاء وكان الأولى تقديم غيره فيقول أعانك الله وإياي، إذ هو أتم في الإيثار. فالجواب لا نسلم أنه قدم نفسه فقط لجواز أن يكون الضمير في أعاننا أراد به نفسه والسائل، فإن قلت: لا فائدة إذن في قوله وإياك قلت فائدته تحقيق الغير في الدخول. والرعاية والحفظ والكلأ والمراقبة، كلها بمعنى واحد وهو القيام بالشيء والاحتفال به. والودائع: الأمانات وقيل العبادات كالوضوء والصلاة وقيل الجوارح وقيل لا يمتنع أن تكون الودائع مجموعة ما تقدم لأن الإنسان راع على جوارحه وعبادته وجميع

تصرفاته. وقد قال عليه السلام "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" والشرائع جمع شريعة وهي أحكام الله تعالى التي تتلقى من رسله وحفظ الشرائع الإتيان بها من جميع جهاتها من فرض وسنة وفضيلة. (فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانات): السؤال والالتماس يكون من المتماثلين والدعاء من الأدنى إلى الأعلى والأمر عكسه هكذا قال بعض من شرحها وليس كذلك قال في الجمل: واللفظ المركب إن دل بالقصد الأول على طلب الفعل كان مع الاستعلاء أمرا ومع الخضوع سؤالا ومع التساوي التماسا والجملة من أجملت الشيء إذا لم تفصله ومنه أجملت الحساب إذا جمعت بعضه إلى بعض والاختصار والتعبير باللفظ القليل عن المعنى الكثير. والأمور جمع أمر، والأمر تارة يراد به الفعل والشأن وتارة يراد به القول الطالب للفعل على سبيل الاستعلاء فالذي بمعنى القول يجمع على أوامر، والذي بمعنى الفعل، والشأن يجمع على أمور فلذلك أضاف الواجب إلى الأمور لأن الأحكام الشرعية هي المتعلقة بأفعال العباد وأفعال العباد لا تخرج من نطق اللسان واعتقاد القلب وعمل الجوارح، والألسنة: جمع لسان يذكر ويؤنث ويقع على العضو المعروف. ويقع على اللفظ والكلام فمن ذكره ذهب به مذهب الدليل ومن أنثه ذهب به مذهب الحجة. والقلوب: جمع قلب والجوارح الكواسب وهي أعضاء الإنسان التي يكتسب بها الخير والشر. (وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن ومن مؤكدها ونوافلها ورغائبها وشيء من الآداب منها): اعلم أن كل مطلوب بالشرع ليس بواجب يصح أن يطلق عليه مندوب ومسنون ومرغب فيه وفضيلة ونافلة إلا أن الفقهاء لا سيما المالكية خصوصا خصوا كل لفظ بمعنى يخصه فقالوا الفرق بين السنة والفضيلة والنافلة: أن السنة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه وأظهره في الجماعة ولم يدل على وجوبه كالوتر، والفضيلة والمرغب فيه ما كان دون السنة في الرتبة إما لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله في الجماعة كركعتي الفجر أو لم يداوم عليه كصلاة الضحى.

والنوافل: هي أتباع الفرائض ونحو ذلك، وقول الشيخ من مؤكدها بدل من السنن، والآداب: جمع أدب وهو فعل ما يحسن بينه وبين ربه وقصد بذلك ما ذكره في الجامع من آداب الأكل والشرب إلى غير ذلك. (وجمل من أصول الفقه إلى آخره): يصح في جمل النصب عطفا على جملة مختصرة عطفا على السنن، وأصول الفقه أراد به أمهات المسائل ويدل على أن هذا مراده. (وفنونه): أي ما يتفرع منه وما يتقنن، والفنون جمع فن وهو الفرع قال بعضهم ويحتمل أن يريد بأصول الفقه أدلته على ما هو المصطلح عليه عند بعض المتقدمين وقد ذكر شيئا من ذلك في باب جمل من الفرائض والسنن واستعمل فيه طريق القياس على المتعارف عند الأصوليين ومن جملةذلك إن قال الخمر حرام، وقال عليه السلام "كل ما اسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام" فكل ما خامر العقل فأسكره من كل شراب فهو خمر وهو حرام وهذا استعمال للمقدمات والنتائج والله أعلم. فإن قيل لم طلب السائل أن يكون على مذهب مالك وهو ميت مع تمكنه من تقليد إمام حي وهو مؤلفه ابن أبي زيد وقد أجمع أهل الأصول على منع تقليد الميت كما حكاه القرافي في شرح المحصول قال نص ابن أبي الملحمة في شرح الرسالة على أنه لا يجوز تقليد العالم مع وجود الأعلم وإن كان ميتا لأن يموته أمن من رجوعه عن قوله بخلاف الحي. قال التادلي: وبصائر أهل الأبصار والأمصار اليوم على ذلك من غير تنازع ولو سد هذا الباب لقلد من لا يستحق التقليد لا سيما وقد فسدت العقول وتبدلت وكثرت البدع وانتشرت، فكان الرجوع والفزع إلى سلفنا الصالح المسلمين وأئمة الدين هو الواجب على المقلدين بل على أكثر المجتهدين واختار الشيخ مذهب مالك لأنه إمام دار هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعني في قول أكثرهم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة" وقيل إنما اختاره لأنه جمع بين الشرفين الحديث والفقه وغيره من أئمة الدين

إما فقيه صرف كالشافعي وأبي حنيفة ليس لهما ذكر في الصحيحين وإما محدث صرف كأحمد وداود. وقيل لأن أئتمته أخذوا عه بعد أخذه عنهم إلا القليل كابن شهاب فقيل أنه لم يأخذ عنه، وقيل لشدة اتباعه السف. وقد قال ليس لأحد رأي مع السنة وما استمر عليه عمل أئمة الهدى وقد أجمع أهل الفضل على فضل مالك رحمه الله تعالى، ولم يزل أئمة الدين المقتدى بهم المعول في التحقيق عليهم يختارون مذهبه ويرجحونه على غيره من المذاهب كله والحمد لله على تمهيده. وذكر أبو محمد عبد الله بن سلامة أن القاضي أبا بكر لسان الأمة وسيد أهل السنة رضي الله عنه كان في مجلس إقرائه وبين يديه جمع وافر وكان يقرئ المذاهب الأربعة ويرجحها ثم يأخذ في الترجيح والاحتجاج لمذهب الإمام مالك رحمه الله فقال بعض أهل المجلس: ما وجهتموه رضي الله عنكم ليس بواضح، هذه حجة ضعيفة قال: فاصفر لونه وتغير وجهه وأطرق مليا ثم قال: يا هذا أتقول في إمام دار هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ضعيفة وأين الأدب مع العلم وأهله اخرج من مجلسي واحذر أن تقع عيني عليك بعد هذا اليوم. فلم يقدر أن يسكن معه العراق وانتقل إلى القيروان واستوطنها ودرس فيها مذهب مالك وألف كتابا في مناقب الشيخ أبي بكر وصدره بمسألته هذه فجزاه الله خيرا عن تخلقه وتواضعه. والمذهب والطريقة قيل هما بمنعى واحد وإنهما لفظان مترادفان وقيل مذهبه ما يفتي به وطريقته ما يفعله في خاصة نفسه فقد يحمل على نفسه أشياء لا يفتي بها غيره، وقيل مذهبه ما قاله وثبت عليه وطريقته ما قال ورجع عنه، والصواب أنه أراد بالمذهب قول مالك والطريقة قول أصحابه إذ طريقة أصحابه طريقته ولذلك تجد الشيخ كثيرا ما يذكر قول بعض أهل المذهب ويترك قول مالك وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو محمد عبد الله ابن الشيخ أبي محمد عبد الله الشبيبي وكان من عادته التكلم بالوعظ في أول ميعاده لكثرة من يحضر عنده من العوام، فتارة يعظ في تفسير كتاب الله عز وجل وهو الأعم والأغلب منحاله وتارة يعظ في تفسيره لمسلم وتارة فيهما وفي قراء العقيدة فقرئ عليه هذا المحل سنة فذكر ما قلناه. وقال: سأعرف بمالك وأصحابه فكان كل يوم يذكر رجلا ورجلين ويعظ على نحو ما يذكر من الحكايات المنقولة في الذي يعرف به إلى أن وصل إلى الشيخ أبي يوسف الدهماني وهو آخر من ذكر الشيخ

صاحب معالم الإيمان نفعنا الله بجميعهم. وكان الشيخ المذكور يقرئ العلم من طلوع الشمس أو قرب طلوعها إلى أن تحضر صلاة الظهر وكان فصيحا متواضعا لا يعنف على من يستشكل أو يسأل فيخرج لينال شيئا من الطعام ويتوضأ بعد ويصلي الظهر قريبا من العصر ثم يصلي العصر ويجلس ليجود عليه من حينئذ إلى أن تصلي العشاء الآخرة وربما يقرأ عليه بعد ذلك وظهرت له كرامات متعددة والغالب أن من قرأ عليه انتفع من حسن نيته وكثرة بيانه. نسأل الله أن ييسر علي بتأليف كتاب أذكر فيه أيضا فضل الشيخ وما كان عليه. (مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك إلى آخره): سهل بمعنى يسر وهون والرسوخ لغة الثبوت فيريد الثابتين في العلم والمتفقهون الفقهاء وأراد بذلك أصحاب مالك كابن القاسم وأشهب وابن وهب وغيرهم ويقال فقه بكسر القاف إذا فهم وفقه بفتحها إذا سبق غيره للفهم وفقه بضمها إذا صار له الفقه سجية ذكره ابن عطية وغيره. قال صاحب البيان: التفقه في القرآن معرفة أحكامه وحدوده ومفصله ومجمله وعامه وخاصه وناسخه ومنسخوه وذلك أكد من حفظ شواذ حروفه، فإن لم يتفقه فيه ولا عرف شيئا من معانيه فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا. (لما رغبت إلى آخره): هذا بيان للسبب الموجب لسؤال السائل تأليف هذه الرسالة وهي الرغبة في تعليمه للولدان أو يكون بيانا لسبب سؤاله أن تكون جملة مختصرة لأنها أقرب للحفظ وأسهل للضبط. والبركة: الخير وزيادته. (فأجبتك إلى ذلك إلى آخره): المراد بهذه الجملة ترجي حصول الثواب لهما، هذا بدعائه، وهذا بتعليمه قيل ويحتمل أن تكون "أو" بمعنى الواو إذ كل واحد منهما في الحقيقة داع ومعلم فالشيخ أبو محمد داع بتأليفه مع جهة المعنى ومعلم به، والشيخ أبو محفوظ محرز داع إلى التأليف ومعلم به ولم يقطع بحصول الثواب لأن القبول مغيب وهو متوقف على العاقبة والله أعلم. (واعلم أن خير القلوب إلى آخره): يعني أن القلوب متفاضلة فأفضلها أكثرها وعيا للخير وأقربها من هذه الحالة قلب

لم يسبق الشر إليه إذ لا مانع فيه وقلوب الصبيان بهذه المثابة. (وأولى ما عني الناصحون به إلى آخره): الناصحون المرشدون للخير المحذرون من الشر. والرسوخ الثبوت. والتنبيه هنا الإيقاظ من سنة الغفلة والجهالة والمعالم المراد بها قواعد الدين. وخرج مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" قالها ثلاثا قيل لمن يا رسول الله قال: "لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" فهذا من النصح لعامة المسلمين. (وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم إلى آخره): قيل يحتمل أن تكون ما استفهامية التقدير أي شيء عليهم في ذلك أي: أي مشقة تلحقهم فيه مع كبير فائدته وهو الرسوخ في القلب والرياضة والتأنيس وحصول شرف الدنيا وعز الآخرة فتحصل لهم المنفعة بهذه الجملة والسيادة بعلمها، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب" ومنهم من حمل قوله وما عليهم على النفي للوجوب وضعف لأن اللفظ لا يساعده. ومعنى قول الشيخ يطفيئ غضب الله أي النار التي أعد الله لمن خالف أمره ونهيه والمراد إطفاء الغضب عن آبائهم ومن تسبب في تعليمهم أو معلميهم أو عنهم فيما يستقبل من الزمان، وقد ورد: لولا صبيان رضع وشيوخ ركع وبهئائم رتع لصب عليكم العذاب صبا. (وقد مثلت لك إلى آخره): الانتفاع بالرسالة ظاهر لا ينكر وقيل فيها أربعة آلاف مسألة والنفع يقع بكل مسألة منها فضلا عن الكل وكل مسألة بحديث فقيها أربعة آلاف حديث وأسندها الأبهري في كتاب سماه مسالك الجلالة في إسناد أحاديث الرسالة. (وقد جاء إلى آخره): روى هذا الحديث جماعة منهم ابن وهب في المدونة. ورواه ابن أبي شبية في مصنفه ورواه ميسرة بن معبد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس في حديث ميسرة التفريق في المضاجع والعجب أنهم اختلفوا مع ذلك في الوقت الذي يؤمر فيه الصبي بالصلاة،

فقال يحيى بن عمر يؤمر بها إذا عرف يمينه من شماله فقيل بظاهره وقيل إذا ميز الحسنات من السيئات لأن كاتب الحسنات عن يمينه وكاتب السيئات عن شماله وكلا التأويلين نقلهما التادلي. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون يؤمر بها إذا أطاقها وإن لم يحتمل. وما روي عن مالك في المجموعة يؤمر بها إذا بلغ الحلم فمحمول على أمر المكلفين. وروى ابن وهب عن مالك في العتبية يضربون عليها لسبع، واختلف في الزمان الذي يفرق بينهم في المضاجع عنده، فقال ابن القاسم: إذا بلغ سبع سنين. وقال ابن وهب إذا بلغ عشر سنين ولا يؤمر المطيق للصوم به على المشهور وفرق بينهما بثلاثة فروق أذكرها إن شاء الله تعالى في الصوم. قال ابن رشد للصبي حال لا يفهم فيها ولا يعقل، فحاله فيها كالبهيمة فعله جبار، وحال يعقل فيها ينبه فيها الصبيان على الصلاة والزكاة. ثم اختلف في أجر الصبي لمن يكون فقيل للأب وقيل للأم وقيل بينهما قال بعضهم: ولا يمتنع أن يكون للصبي أجر أيضا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصبي ألهذا حج قال: "نعم ولك أجر". (فكذلك ينبغي إلى آخره): العباد جمع عبد وهو يجمع على عباد وعبيد وأعبد القول ما يتلفظ به والعمل ما يتعلق بالجوارح والقلوب وهو يتناول القول بخلاف الفعل فإنه لا يتناوله هكذا أدركت بعض من لقيته يقرره فيكون على هذا عطف الشيخ العمل على القول من باب عطف العام على الخاص، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "وإنما الأعمال بالنيات" فهو يتناول القول بلا شك وحمل بعض الشيوخ كلام المؤلف على أن القول مغاير للعمل لأن الأصل في العطف المغايرة قال: ويقوي ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "اللهم أني أعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل" وقد قال بعض الناس في قول النحاة فعل ولم يقولوا علم لأن الفعل يعم القول والعمل. والبلوغ يكون بالاحتلام اتفاقا، ويكون بالسن واختلف في مقداره على أربعة أقوال: فقيل: خمس عشرة سنة، قاله ابن وهب، وقيل سبع عشرة سنة وقليل ثمان عشرة

سنة وكلاهما لابن القاسم والآخر منهما هو المشهور قاله المازري، وقيل ستة عشر سنة ذكره ابن رشد مع الثلاثة الأول في كتاب المأذون له من المقدمات ولم يعزها. وما ذكرناه هو الذي أعرف في المذهب، وذكر التادلي عن أبي محمد صالح قولا خامسا تسع عشرة سنة ولا أعرفه، واختلف في الإنبات فقيل علامة للبلوغ وقيل لا وكلاهما في المدونة في كتاب السرقة والأول لمالك والثاني لابن القاسم. قال ابن رشد وهذا فيما يلزمه في ظاهر الحكم من طلاق وحد وفيما بينه وبين الله لا يلزمه وقول الفاكهاني ثالثها يعتبر في الجهاد خاصة لا أعرفه، وهذه العلامات يشترك فيها الذكر والأنثى وتزيد الأنثى بالحيض والحمل وظاهر كلام أهل المذهب أن تغير رائحة الجناحين ليس بعلامة وفي الذخيرة أنه معتبر. (وسأفصل لك إلى آخره) انتصب بابا على الحال وإن لم يكن مشتقا لكنه بمعنى المشتق إذ هو في معنى مفصل فهو مشتق من التفصيل وفعل ذلك لأنه أعون على الحفظ وأقرب إلى الفهم. ونستخير أي نطلب منك الخيرة وكذلك ينبغي لكل عازم على أمر أن يستخير الله عز وجل في الاقدام عليه فإن في الاستخارة تسليما لأمر الله تعالى. ونستعين أي نطلب منك الإعانة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فقال: "أخبرك بتفسيرها" فقلت: بلى بأبي وأمي يا رسول الله فقال: "لا حول عن معصية الله إلا بمعصية الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله" وفي رواية أنه قال كذا أخبرني جبريل عن الله عز وجل. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أكثروا منقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنه يدفع تسعة وتسعين داء أدناها اللمم". قال الفاكهاني: اللمم لفظ مشترك والظاهر اللائق بالحديث إن شاء الله تعالى أنه الطرق من الجنون يقال رجل ملموم أي به لمم لأنه من جملة الأدواء وعن مكحول رضي الله عنه من قالها كشف الله عنه سبعين بابا من الشر أدناها الفقر. وأجاز النحويون في لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم نصبها من غير تنوين ورفعها مع

باب ما تنطق به الألسنة إلى آخره

التنوين ونصب الأول من غيرتنوين. ورفع الثاني معه والعكس. وقول الشيخ وصلى الله على سيدنا محمد الصلاة من الله عز وجل رحمة ومن الملائكة استغفار ومن الآدميين تضرع ودعاء والإجماع أن الصلاة عليه واجبة على الجملة. واختلف في الصلاة على غيره صلى الله عليه وسلم فقال عياض في الشفاء وجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك أنه لا يجوز أن يصلى على أحد من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم وهذا غير معروف من مذهبه. وقد قال في المبسوط ليحي بن اسحاق أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا أن نتعدى غير ما أمر به. وقال يحيى بن يحيى لست آخذا بقوله ولا بأس بالصلاة عل الأنبياء كلهم وعلى غيرهم واحتج بحديث ابن عمرو وما جاء من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم عليه وفيه وعلى أزواجه وعلى آله. ووجدت معلقا عن أبي عمران الفاسي روي عن ابن عباس كراهة الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم قال وبه نقول قال ولم يكن يستعمل فيما مضى وسمي نبينا بمحمد صلى الله عليه وسلم لكثرة خصاله المحمودة وجمهور العلماء على جواز إضافة أل إلى المضمر كما فعله الشيخ في قوله وآله وأنكره الكسائي والنحاس والزبيدي وقالوا لا تصح إضافته إلى المضمر وإنما يضاف إلى الظاهر فيقال على آل محمد، وفي حقيقة الآل مذاهب فقال الشافعي: بنو هاشم وبنو المطلب وقيل: عشيرته وأهل بيته وقيل: جميع الأمة واختاره الأزهري وغيره من المحققين والسلام التحية. باب ما تنطق به الألسنة إلى آخره الباب هو الطريق للشيء الموصل إليه وهو حقيقة في الأجسام كباب المسجد مجاز في المعاني كباب ما تنطق به الألسنة وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا باب بيان ما تنطق به الألسنة وما في قوله ماتنطق بمعنى الذي ومن من قوله من واجب أمور الديانات للتبعيض لأن واجب أمورالديانات أعم من أن يكون نطقا أو اعتقادا ويجوز أن تكون لبيان الجنس فيكون مراده ما يجب اعتقادا ونطقا ومتعلقا بهما. (من ذلك الإيمان إلى آخره): الإيمان في اللغة هو التصديق مطلقا سواء كان بالقلب أو باللسان أو بهما. وفي الشرع هو التصديق بالقلب بوجود الحق سبحانه وتعالى وصفات كماله وجلاله وصحة الرسالة وما جاءت به الرسل من عنده مع الجزم بذلك كله. وهل يشترط الإقرار باللسان به أم لا، فقيل يشترط وهو مذهب الجمهور، فمن آمن بقلبه، ولم ينطق بلسانه

ومات فإنه كافر وقيل ليس بشرط قاله القاضي أبو بكر الباقلاني. وبه قال ابن رشد وهو ظاهر المدونة، لو أجمع على الإسلام بقلبه فاغتسل له أجزأه وإن لم ينو الجنابة لأنه نوى الظهر ولما كان ظاهرها كما قلنا مخالفا للجمهور نسبه ابن الحاجب للمدونة فقال: وفيه لو أجمع على الإسلام واغتسل له أجزأه وإن لم ينو الجنابة لأنه نوى الطهر وأردفها بقوله وهو مشكل. وقال بعض شيوخنا لعله يجمع بين القولين فيحمل الأول على غير العازم على النطق والثاني على العازم أو يحمل الأول على الآبي والثاني على غير الآبي. واختلف هل يكفي إيمان المقلد أم لا فجمهورهم على أنه كا غير أنه عاص بإهمال النظر المؤدي إلى العلم بالله وما يجب له، وقيده الغزالي يقيد أن يكون لذلك أهلا. قيل لا يكفي قاله القاضي أبو بكر وغيره. ومذهب أهل السنة أنه لا يشترط العمل بالجوارح خلافا للمعتزلة، والواحدة قال أبو المعالي: معناه المتوحد المتعالي عن الانقسام، وقيل معناه الذي لا مثل له. وقال القشيري الواحد: الذي لا قسيم له ولا يستثنى منه. قال الشافعي وغيره: واسم الجلالة ليس بمشتق. وقال غير واحد بل هو مشتق فإن قلت من جعل اسم الله مشتقا غير مرتجل يلزمه كون القديم مسبوقا بغيره ضرورة لأن المشتق منه سابق على المشتق فالجواب أن المشتق اللفظ لا مدلوله، أو نقول ليس المراد هنا الاشتقاق الذي هو إنشاء فرع عن أصل بل مجاوز وهو تقارب الألفاظ والمعاني صح من تعليق البسيلي رحمه الله. وقال صاحب الأسرار: والصحيح أنه كان مشتقا ثم صار علما جمعا بين القولين واختلف في اشتقاقه فقيل من لاه إذا علا يقال لاهت الشمس إذا علت إلى غير ذلك من الأقوال. وقول الشيخ لا إله غيره تأكيد ومبالغة في ثبوت الوحدانية ونفي إله آخر لأن صيغة النفي والإثبات أبلغفي نفي الكمية المتصلة والمنفصلة. وقد اختلف العلماء هل الأفضل للمكلف عند التلفظ بلا إله إلا الله مد الألف من لا النافية أو القصر فمنهم من اختار القصر لئلا تخترمه المنية قبل التلفظ بذكر الله تعالى ومنهم من اختار المد لما فيه من الاستغراق في نفي الألوهية، وفرق الفخر الرازي بين أن يكون أول كلمة فتقصر أو لا فتمد.

(ولا شبيه له إلى آخره): أي لا شبيه له في ذاته ولا نظير له في صفاته، هكذا فسره بعض الشيوخ وتردد بعضهم في ذلك هل الأمر كما تقدم أو هما لفظان مترادفان، والولد لغة يقع على الذكر والأنثى والوالد يقع على الأب الأدنى والأعلى وهو الجد لكنه حقيقة في الأدنى مجاز في الأعلى. (ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء): قال الفاكهاني: يريد أن الله تعالى يجب أن يكون قديما باقيا ويستحيل عدم ذلك عليه سبحانه وتعالى ولا تناقض في كلام المؤلف كما توهمه بعض الناس حيث قال أضاف الأولية والآخرية ثم نفاهما عنه كأنه قال له أولوية لا أولوية له، له آخرية لا آخرية له وليس كما توهم لما قيل إن الأول هو السابق للأشياء والآخر هو الباقي بعد فناء الخلق وليس معنى الآخر ما له انتهاء قاله الخطابي. واعلم أن كل ما له أول له آخر إلا الجنة والنار وينبغي أن يزاد على ذلك أهلهما والله أعلم. (لا يبلغ كنه صفته الواصفون) قصد الشيخ بقوله ليس لأوليته ابتداء وبقوله هنا لا يبلغ كنه إلخ إلى تفسير قوله تعالى (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) [الحديد:3] فمعنى قوله الظاهر بآياته الباطن عن أن تكيفه العقول والأوهام فلا يبلغ كنهه أي حقيقة صفته وصف واصف لأن كنه عظمه الله لا ينتهي إليها. قال بعض الشيوخ ويفهم من كلام المصنف أن مذهبه نفى العلم بالحقيقة واختاره جماعة من المتقدمين، وأطلق الشيخ أبو القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه القول بأنه لا يعرف الله إلا الله، واختاره أكثر المتأخرين وهو مذهب الأستاذ الضرير رحمه الله تعالى وكان من المحققين وأنكر الأستاذ أبو بكر هذا القول ورده وتبعه عليه الإمام أبو المعالي مع طائفة. وقال الباري تعلى يعلم والعلم يتعلق بالمعلوم على ما هو به فلو تعلق العلم به على خلاف ما هو به لكان العلم جهلا، وقد اجتمعت الأمة على وجوب معرفة الله تعالى، ولو كانت مستحيلة لما اجتمعت عليه الأمة وقد قال صلى الله عليه وسلم "ومن عرف نفسه فقد عرف ربه" أي من عرف نفسه بالافتقار والذل والصغار ونفى عنها العز الاقتدار

عرف ربه موصوفا بالكمال منفردا بالعز والجلال منزها عن لحوق التغير والزوال متعاليا عن الأين والكيف والمثال. قال بعضهم: وخلاف الأئمة عندي في هذه المسألة خلاف في حال، فمن نفى العلم بالحقيقة فإنه مقر بأن الله تعلى لا يحاط بهوبأن جلالته وعظمته وكبرياءه لا يلحقها وهم ولا يقدرها فهم، وأن العقول قاصرة عاجزة عن إدراك ذلك الجلال ومن أثبت العلم بالحقيقة فإنه مقر بأنه تعالى عرفه العارفون بدلالة الآيات وتحققوا اتصافه تعلى بواجب الصفات وتيقنوا تنزيهه عن التشبيه بالمحدثات تقديسه عن الحدود والكيفيات وعلموا بأنه المستبد بابداع الكائنات فهو تعالى الملك المطاع الذي عزه لا يرام وسلطانه لا يضام. (ولا يحيط بأمره المتفكرون): يقال حاط وأحاط بمعنيين فمعنى حاطه كلأه ورعاه وأحاط به علما وهو من الواوي لظهورها في المضارع الثلاثي نحو يحوط وتنقلب ياء في المضارع الرباعي والتفكر التأمل. (يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في مائية ذاته): آيات الله تعالى عقلية وشرعية، فالعقلية أدلة مخلوقاته وعجائب مصنوعاته. وفي كل شيء له أية = تدل على أنه واحد والشرعية آيات كتابه وأدل خطابه وجملة أسراره ومعانيه، والماهية والمائية بمعنى الحقيقة وقد أخذ على الشيخ في إطلاق لفظ المائية على الباري سبحانه وتعالى. قال ابن رشد رد على الشيخ في قوله مائية ذات والصحيح أنه لا مائية لذاته فيقع التفكر. قال عبدالوهاب والمائية لا تكون إلا لذي الجنس والنوع وما له مثالا إلا أن يريد بالمائية ضربا في المجاز والاتساع. وقوله: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" [البقرة:255] : أي بشيء من معلوماته، دل على صحة ذلك الاستثناء والبعضية وإطلاق العلم على المعلوم كثير، وقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم اللهم اغفر لنا علمك فينا. وفي قضية الخضر على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ما نقص علمي وعلمك من علم الله تعالى إلخ يريد من معلوم الله تعالى وهذا لا خفاء به. قيل المعلومات كلها خمسة أقسام: قسم لا يعلمه أحد سواه كعلمه بذاته وصفاته وقسم علمه اللوح والقلم وهو معرفة ما جرى به القلم في اللوح وقسم علمه الملائكة وقسم علمه الأنبياء والخامس علمه الأولياء

فسبحانه من لا يخفى عليه شيء. (وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم): الكرسي مخلوق عظيم من مخلوقاته سبحانه وتعالى والعرش أعظم منه والسموات والأرض في جنبه كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض وهو بالنسبة إلى العرش أيضا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، كما ثبت في الصحيح. وقيل كرسيه علمه الكرسي العلم في اللغة ومعنى وسع أنه لم يضق عن السموات والأرض لسعته فما ظنك بسعة علم خالقه ومعنى لا يؤوده حفظهما أي لا يشغله وهذه مناسبة ظاهرة لأن النفوس أبدا تجد من التعظيم والهيبة عند سماع الأشياء المحسوسة الدالة على الكبرياء ما لا تجده عند عدم ذلك والمراد بذكر الكرسي والعرش الذي هو أعظم منه استشعار النفوس عند سماع ذلك من عظمة الله وعزة اقتداره لا أنهما محلان للاستقرار، تنزه الخالق عن التحيز والافتقار إلى المحل ولهذا ختم الآية الكريمة بقوله (وهو العلي العظيم) [البقرة: 255] اسمان من أسمائه تعالي يدلان صريحا على تنزيه الحق وتقديسه عن المكان والجهة وعلى ثبوت العلو والعظمة. (العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير): قال القشيري رحمه الله تعالي: اعلم أن العالم من أسمائه سبحانه وتعالي ورد به نص القرآن وهو عالم وعليم وعلام وأعلم والتوقيف في أسمائه سبحانه وتعالى معتبر والإذن في جواز إطلاقها منكر إلا ما ورد به الكتاب والسنة وانعقد عليه إجماع الأمة ولهذا لا يسمى عارفا ولا فطنا ولا داريا ولا عاقلا وإن كان الجميع بمعنى واحد وعلمه تعالى نعت من نعوته. قال غيره والخبير بمعنى العليم، وقد يراد بالخبير المختبر والمدبر. قال الجوهري والتدبير في الأمر أن ينظر إلى ما تؤول إليه عاقبته والتدبر التفكر فيه. وقال غيره هو النظر في أدبار الأمور، وعواقبها ليوقع على الوجه الأصلح والأكمل وهذا من صفات البشر، وأما بالنسبة إلى الخالق سبحانه وتعالى فمعناه انبرام الأمر وتنفيذ عبر عنه بذلك تقريبا للأفهام وتصويرا لأن الله سبحانه وتعالى عالم بعواقب الأمور كلها من غير نظر ولا فكر يعلم ما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون. واعلم أن المدبر لم يرد في الأسماء الحسنة وورد في القرآن في قوله تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) [السجدة: 5] واختلف فيما ورد من أسمائه تعالى

بخبر الآحاد فمنعه الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله وحجته قوله تعالى: (أتقولون على الله ما لا تعلمون) [الأعراف: 28] وخبر الواحد لا يحصل علما وأجازه الجمهور. قالوا لأنه من باب العمل والعمل يكفي فيه خبر الواحد. والقدير مبالغة في القدرة لأن قدرته تعالى متعلقة بجميع الممكنات دليل على ظهور الأفعال المتقنة، والسميع البصير سواء وهما من أبنية المبالغة من سامع ومبصر والسماع حقيقة في إدراك المسموعات مجاز فيما عداها كإطلاق معنى العلم والإبصار حقيقة في رؤية الموجودات وقد يستعمل بمعنى العلم مجازا. وقد أثبت تعالى لنفسه السمع والبصر في غير ما موضع من القرآن الكريم ولا خلاف في ذلك بين الأئمة إلا عند البلخي ومن تابعه من معتزلة البغداديين والمراد بالعلي الكبير مكانة ورفعة وشرفا لاستحالة الجسمية والمكان عليه سبحانه. (وأنه فوق عرشه المجيد بذاته): روي المجيد بالرفع على أنه خبر مبتدأ وروي بالخفض على النعت للعرش وهذا مما انتقد على الشيخ رحمه الله في قوله بذاته فإنها زيادة على النص فمن مخطئ ومن معتذر، قال الفاكهاني: وسمعت شيخنا أبا علي البجائي يقول أن هذه لفظة دست على المؤلف رضي الله عنه فإن صح هذا فلا اعتراض على الشيخ. وقال الشيخ أبو عبدالله محمد بن محمد بن سلامة الأنصاري من متأخري التونسيين: الفقيه إذا فهم ما ذكر فليس بمنتقد أي ما ذكر اعلم أولا أن هذا الكلام وهو الإطلاق ليس من إطلاق الشيخ المؤلف رحمه الله وإنما هو من إطلاق السلف الصالح والصدر الأول نص، على ذلك الإمام أبو عبدالله بن مجاهد في رسالته قال فيها ما نصه ومما أجمعوا على إطلاقه أنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه يريد إطلاقا شرعيا ولم يرد في الشرع أنه في الأرض. فلهذا قال دون أضه وهذا مع ثبوت علمهم باستحالة الجهة عليه تعالى فليس هذا عندهم مشكلا لعلمهم بفصاحة العرب واتساعهم في العبارة، ونقل هذا الكلام بعينه الشيخ أبو محمد في مختصره وغير لفظه هنا قصدا للتقريب على المبتدئ، فإذا تقرر هذا فالناس عالة للصدر الأول، وإذا ثبت على إطلاقهم هذا فيتعين علينا تفهمه بالتمثيل والبسط إذا غلبت العجمة على القلوب حتى ظنت أن هذا الإطلاق يلزمه منه إثبات الجهة في حق المنزه عنها تعالى وتقدس، فأما لفظ الفوقية فمشترك بين الحس والمعنى

والقرينة تخصص المراد منهما، ويكون من باب الحقيقة والمجاز فهو حقيقة في الأجرام مجاز في المعنى وكم من مجاز يرجح على الحقيقة. وأما العرش فهو اسم لكل ما علا وارتفع والمراد به هنا مخلوق عظيم وهو سقف الجنة قال الله تعالى: (والله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) [النمل: 26] ، وأما المجد فهو الشرف والرفعة. فإذا تقرر هذا فحمل الفوق على الحس معلوم بالاستحالة بالدليل اليقيني لتقديسه سبحانه على الجواهر والأجسام ومعلوم ذلك من سياق كلام المؤلف رحمه الله بحيث لا يوهم على ربه أنه أراد الحس فهو تعالى فوق العرش فوقيه معنى وجلال وعظمة. ثم الفوقية المعنوية من حيث هي فوقية إما أن تكون واجبة بالذات أو مستفادة من حكم الغير لا ترجع لمعنى في الذات وإنما ذلك بحكم الله وتشريفه فهو تعالى وصف العرش بالمجد والعظم وجعله أعظم المخلوقات وعلو الله تعالى ومجده ليس كعلو غيره بل هو مخالف لكل المخلوقات مخالفة مطلقة، فمجده تعالى وعظمته وعلياؤه حكم واجب له لذاته لا يشارك فيه وسواء على هذا قلنا إن المجيد نعت للعرش أم لا فأراد المصنف رحمه الله تعالى أن يبين أن ذلك العلو والمجد والجلال الذاتي ليس إلا لله تعالى رب العالمين فكأنه يقول هو العلي المجيد بذاته ليس مستفادا من غيره. قلت وفي أجوبة عز الدين بن عبد السلام لما سئل عن قول الشيخ وأنه فوق عرشه المجيد بذاته هل يفهم منه القول بالجهة أم لا وهل يكفر معتقدها أم لا؟ فأجاب بأن ظاهر ما ذكره القول بالجهة وأن الأصح أن معتقد الجهة لا يكفر.

(وهو في كل مكان بعلمه): قال القاضي أبو الوليد بن رشد إنما يقال علمه محيط بكل شيء ولكنه أراد أن يبين قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) [المجادلة:7] والمقصود أن الله تعالى عالم بكل شيء. قال الفاكهاني: روى ابن عباس صلى الله عليه وسلم ما من عام إلا وهو مخصوص إلا أربع آيات، الأولى قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) [آل عمران: 185] الثانية قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) [هود:6]. الثالثة: قوله تعالى: (وهو بكل شيء عليم) [الحديد:3]. الرابعة: قوله تعالى: (وهو على كل شيء قدير) [المائدة: 120]. وكان يغلط من يقول إن القدرة لا تتعلق بالمستحيلات لأن الشيء الممكن المعدوم لا يطلق عليه شيء عندنا يريد حقيقة فما ظنك بالمستحيل.

(خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد): خلق يكون بمعنى أوجد ويكون بمعنى التقدير وظاهره هنا الإيجاد والإنسان هنا المراد به الجنس ويحتمل أن يراد به آدم عليه السلام وضعفه بعضهم وقال هو عام في غير الأنبياء عليهم السلام لأجل ذكر وسوسة النفس لأنهم معصومون من ذلك والوسوسة ما يختلج في النفس واستعمالها في الغالب في غير الخير فلهذا أضيفت إلى النفس، قال الله تعالى (إن النفس لأمارة بالسوء) [يوسف: 53] إلى غير ذلك. قال عز الدين في مختصر الرعاية اختلف في أخذ الحذر من الشيطان فقالت طائفة يجوز التحرز منه ليعمل على طاعة الله تعالى ويجعلها بدلا منه. وقالت طائفة أخذ الحذر مناف للتوكل إذ لا قدرة على الإغواء إلا بمشيئة الله تعالى والفرقتان غالطتان ومخالفتان للإجماع ونصوص القرآن على وجوب الحذر من الكفار الذين نراهم فالحذر من عدو يرانا ولا نراه أولى. والوريد عرق في العنق وإضافة الحبل إليه من إضافة الجنس إلى نوعه نحو قولهم لا يجوز حي الطير بلحمه وقرب الحق تعالى من الإنسان قرب إحاطة لا قرب مسافة أي أنه سبحانه لا يغيب عنه شيء من أمور عبيده. (ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين): هذا تنبيه على تعلق علمه تعالى بالخفيات والورقة قيل أي ورقة كانت في جميع أقطار الأرض وقيل المراد بها ورقة شجرة تشبه الرمان تحت ساق العرش فيها أوراق على عدد أرواح الخلائق مكتوب في كل ورقة اسم صاحبها وملك الموت ينظر إليها

فإذا اصفرت منها ورقة علم قرب أجل صاحبها فيوجه أعوانه فإذا سقطت قبض روحه. وفي بعض طرق هذا الأثر أن سقوطها على ظهرها علامة على حسن العاقبة وسقوطها على بطنها علامة على سوء العاقبة، والعياذ بالله، والمراد هنا بالحبة أقل قليل عبر عنه بالحبة تقريبا للأفهام. والرطب واليابس قيل على ظاهرهما. وقيل الرطب قلب المؤمن واليابس قلب الكافر. وقيل الرطب المدائن واليابس البادية. والكتاب المبين هو اللوح المحفوظ أخبر تعالى عنه أنه فيه علم كل شيء تقريبا للأفهام فإن الشيء المكتوب لا ينسى فيما يعتاده الخلائق وإلا فعلمه تعالى متعلق بجميع المعلومات على التفصيل. قال تعالى مخبرا عن موسى عليه السلام قال: (علمها عند ربي في كتاب) [طه: 52] ثم نفى ما يستحيل من ذلك من توقع نسيان وضلال فقال: (لا يضل ربي ولا ينسى) [طه: 52]. (على العرش استوى وعلى الملك احتوى): وقال ابن عطية قالت فرقة هو بمعنى استولى وقال أبو المعالي وغيره هو بمعنى القهر والغلبة، وقال سفيان الثوري فعل فعلا في العرش سماه استوى. وقال الشعبي وغيره هذا من متشابه القرآن ولا يتعرض لمعناه. قال مالك بن أنس لرجل سأله عن هذا الاستواء فقال له مالك: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عن هذا بدعة وأظنك رجل سوء أخرجوه عني. زاد غيره والإيمان به واجب فأدبر الرجل وهو يقول يا أبا عبدالله لقد سألت عنها أهل العراق وأهل الشام فما وفق أحد فيها توفيقك. قال القاضي أبو الوليد بن رشد وقول من قال: إن الاستواء بمعنى الاستيلاء فقد أخطأ لأن الاستيلاء لا يكون إلا بعد المغالبة والمقاهرة. وقال غيره الاستواء هنا بمعنى الارتفاع وأبطل لكونه يشعر بالانتقال من سفل، ومعنى على الملك احتوى أي كل شيء هو مملوك لله تعالى في قهره وقبصته فيلزم من ذلك استغناؤه تعالى عن كل شيء الغنى المطلق إذ هو منتهى الحاجة وكل ما سواه فقد أحاطت به قدرته ونفذت فيه مشيئته. (له الأسماء الحسنى والصفات العلي لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة): الأسماء جمع اسم وهو مأخوذ من السمو دليله الجمع والتصغير. وقالت المعتزلة

ومن السمة وهو باطل والحسنى أي المستحسنة والحسن ما حسنه الشرع فلا أثر للاشتقاق فلهذا يجوز عالم ولا يجوز عارف فأسماؤه تعالى توقيفية، فالاسم يطلق ويراد به المسمى ويطلق ويراد به التسمية. واختلف هل هو حقيقة في المسمى مجاز في التسمية أم لا على ثلاثة أقوال: فقيل بذلك فقال الجمهور، وقيل بالعكس قاله المعتزلة، وقيل: هو حقيقة فيهما قاله الأستاذ أبو منصور من أئمتنا ومما يدل على المراد أن الاسم يراد به المسمى قوله تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى) [الأعلى:1]. وقوله تعالى: (ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وءابآؤكم) [يوسف: 40] مما يدل على أن الاسم يراد به التسمية قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى) [الأعراف:180] وقوله صلى الله عليه وسلم (إن لله تسعة وتسعين اسما) واستشكل بعض الشيوخ هذا الخلاف لأنه لو أخر الإنسان تسمية ولده شهرا مثلا فجسمه قبل التسمية موجود وإنما طرأ بعد ذلك قال وينبغي أن يحمل اختلافهم على مثل قوله تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى) [الأعلى:1] و (فسبح باسم ربك العظيم) [الحاقة: 52] هل المراد عظم هذا الاسم فلا ينطق به إلا بالتعظيم والتوقير أو عظم هذا المسمى بتنزيه الله تعالى عن الأضداد والأنداد والشركاء والأولاد والله تعالى أعلم. وقال غيره سببه الخلاف بيننا وبينهم أنا نقول بإثبات الكلام القديم وهم يقولون بنفيه وكذلك سائر الصفات فلم يثبتوا لله تعالى اسما في أزليته ولا صفات وقد شهدت قضايا العقول ودلائل الشرع المنقول بوجوب اتصاف الخالق سبحانه بصفات، الكمال باستحالة النقص وكل ما ينافي الجلال ولهذا أكد المصنف رحمه الله هذا الفصل بقوله تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة أي أن صفاته تعالى يجب أن تكون قديمة لاستحالة قيام الحوادث به وكذلك أسماؤه لأنها ثابتة في الأزل بكلامه القديم. (كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته لا خلق من خلقه وتجلى للجبل فصار دكا من جلاله): قال بعض الشيوخ هذا الكلام يتضمن مسائل: الأولى: الكلام على الحقيقة كله لله عز وجل وإضافته لغيره مجاز لأنه إن كان

قديما فهو صفته وإن كان حادثا فهو فعله. الثانية: الكلام في اللغة ينطلق على ما بين حقيقة ومجاز فيستعمل مجازا في اللفظ المهمل والكتابة والإشارة ودلالة الحال، ويستعمل عند النحاة في الجملة المفيدة فيكون حقيقة عرفية خاصة، ويستعمل في اللفظ الموضوع للمعنى وعلى المعنى القائم بالنفس فقيل حقيقة في المعنى القائم بالنفس وقيل بالعكس وهو مذهب المعتزلة لأنهم ينكرون كلام النفس فالكلام عندهم لا يكون حقيقة إلا في اللفظ. الثالثة: اتفقوا على أن الله سبحانه متكلم واختلفوا في وجه كونه متكلما فأهل الحق يقولون هو متكلم بكلام قائم به ويعبرون عنه بكلام النفس، وحده بعضهم بأنه قول قائم بالنفس يعبرون عنه بالعبارات والاصطلاح عليه من العلامات، والمعتزلة يقولون حقيقة المتكلم فاعل الكلام وأنه سبحانه يتكلم بكلام يخلقه في جسم واحد. الرابعة: الله سبحانه كلم موسى عليه السلام ويدل عليه قوله تعالى (وكلم الله موسى تكليما) [النساء: 164] (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) [الأعراف: 143] وقوله: (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي) [الأعراف: 144] قال بعضهم اجتمعت الأمة سنيها ومعتزلها على أن الله تعالى كلم موسى في الجملة من غير تفصيل وإنما اختلفوا في الكيفية. فقال أهل الظاهر نؤمن بالكلام ولا نقول بالكيفية مصيرا منهم إلى أن ذلك من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى واختلف الباقون، فقالت الباطنية خلق الله تعالى لموسى فهما في قلبه وسمعا في أذنيه سمع به كلاما ليس بحرف ولا صوت، وقال بعضهم اتفق أهل الحق على أنه تعالى خلق في موسى إدراكا أدرك به كلامه من غير واسطة وبه اختص سماعه له والله تعالى قادر على مثل ذلك في خلقه وأن موسى علم سماعه كلام الله تعالى إما بوحي وإما بمعجزة نصبها له على ذلك، وخلق فيه علما ضروريا بذلك. وقالت المعتزلة خلق الله لموسى فهما وصوتا في الشجرة سمعه موسى بإذنه بناء على مذهبهم في إنكار كلام النفس وأن المتكلم حقيقة فاعل الكلام ومذهبهم في ذلك باطل لأنه قد يعلم حقيقة المتكلم من لا يعلم كونه فاعلا ولأنه يلزم أن يكون كل أحد يسمع كلام الله لسماعه الكلام المخلوق لله تعالى فلا يكون بين موسى وغيره ولا بين

الأنبياء وغيرهم فرق ولا خصوصية ولأنه لو جاز أن يكون متكلما بكلام قائم بغيره لجاز أن يكون عالما بعلم قائم بغيره وقادرا بقدرة وإرادة قائمتين بغيره. (وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة لمخلوق فينفد): قال بعض الشيوخ: القرآن لغة الجمع ومنه قولهم قرأت الماء في الحوض إذا جمعته. وقيل ليس بمشتق من شيء وإنما هو توقيف ويطلق تارة ويراد به الكلام القديم ويطلق تارة ويراد به العبارة عنه التي هي قراءة الخلق ويطلق على المكتوب أيضا لشهرته في الكلام القديم فلا يفهم عند الإطلاق إلا هو، فلهذا امتنع إطلاق القول بالقرآن أنه مخلوق واختلف العلماء إذا كان مقيدا مثل أن يقول كلامي بالقرآن مخلوق أو نطقي به أو ما أشبه ذلك في الصيغ التي ينتفي معها الإيهام. فذهب الإمام أبو عبدالله البخاري وعبدالله بن سعيد الكلاعي إلى جواز ذلك وهو مذهب أكثر المتأخرين وذهب الإمام مالك فلم يسمع عنه في ذلك شيء. قال بعضهم: والصحيح ما ذهب إليه الإمام البخاري ومن تابعه في ذلك لأن الحكم إذا علل بعلة فإنه ينتفي بانتفائها وأما امتناع الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من ذلك حين امتحن على أن يقول بخلق القرآن فأبى فقيل له فقل لفظي بالقرآن مخلوق فقال ولا أقول ذلك، ولا يسمع من التلفظ بالخلق مع ذكر القرآن مع ما في ذكر اللفظ من معنى المج والطرح فاتقى رضي الله عنه أن يوهم المتبدعة على السامعين القول بخلق القرآن ويتوصلون بذلك إلى غرضهم فامتنع من كل إطلاق يؤدي إلى ذلك حسما للذريعة وصبرا على ما أوذي في الله عز وجل. ثم حدثت فرقة أخرى بعد وفاته رحمه الله وقالوا: إنما امتنع من ذلك لأنه يقول بقدم الحروف فاعتقدوا ذلك ونسبوه إليه وتسموا بالحنابلة وحاشاه منهم والله تعالى حسيبهم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القرآن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق"

وقال السيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمحضر الجمهور من الصحابة رضي الله عنهم أني ما حكمت مخلوقا إنما حكمت القرآن وسمع ابن عباس رضي الله عنهما رجلا وهو يقول يا رب القرآن فنهاه عن ذلك وقال القرآن غير مربوب وإنما المربوب المخلوق فمن قال القرآن مخلوق يؤدب أشد الأدب. وروي عن مالك أن رجلا سأله عمن يقول القرآن مخلوق فأمر بقتله وقال هو كافر بالله وقال لسائل وإنما حكيته عن غيري فقال له مالك إنما سمعناه منك قيل وهذا من مالك رحمه الله إنما هو على وجه الزجر والتغليظ بدليل أنه لم ينفذ قتله. (والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره): وكل ذلك قد قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه قال بعض الأئمة أجمعوا على أن قدر الله هو عين إرادته لقول العرب قدر الله كذا أي أراده، وما ذكرناه عن بعض الأئمة نقله ابن سلامة، ونقل التادلي عن ناصر الدين عن بعضهم أن القدر غير الإرادة واختلفوا في قضائه فمنهم من رده إلى الإرادة ومنهم من رده إلى الفعل والخير المراد به الطاعة والشر المراد به المعصية والحلو لذة الطاعة والمر مشقة المعصية. وقيل الحلو والخير لفظان مترادفان وكذلك الشر مع المر والإيمان بالقدر واجب لا يصح الإيمان بدونه وقد تبرأ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ممن أنكر القدر وقال لا يتقبل الله منهم وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا آخرهم أنا". وقال: "القدرية مجوس هذه الأمة" والقدري هو مدعي القدر لنفسه وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لقدري: أتقدر بالله أم دون الله فإن قلت بالله فأنت مؤمن وإلا ضربت عنقك. (علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به): هذا راجع إلى ما تقدم وأن الأفعال مخلوقة لله عز وجل خلافا للقدرية المثبتين مع الله خالقين كثيرين تعالى الله عن قولهم وتقدس مع أنا لا نقول بالجبر المحض بل نثبت للإنسان الكسب التهيؤ الذي أثبته له الشرع وقد نطق به القرآن العزيز في آي كثير كقوله تعالى: (إن كنتم لا تعلمون) [النحل: 43] (بما كنتم تكسبون) [يونس: 52] ونحو ذلك ولأن كل واحد يفرق بين حركة المرتعش وغير المرتعش فإن

المرتعش لا اختيار له بخلاف غيره والله أعلم. (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير): قيل: ألا مركبة من همزة الاستفهام ولام النفي والاستفهام إذا أدخل على النفي أفاد التحقيق والمعنى ألا يعلم الخالق خلقه أيصدر مخلوق من غير أن يعلمه خالقه فمن في موضع رفع على الفاعلية والمفعول محذوف ولا يصح أن تكون في موضع نصب لأنه يلزم عليه الاعتزال، واللطيف: اسم من اسمائه الحسنى وهو إما يعني ملطف فيكون من أسماء الأفعال أو بمعنى الباطن وهو الذي لا يتصور في الأوهام ولا يتخيل في الضمائر والأفهام فيكون من أسماء الأفعال أو بمعنى التنزيه. ويحتمل أن يكون بمعنى العليم أي أنه تعالى يعلم الخفيات يعلم السر وأخفى فيكون مبالغة في تعلق العلم فيكون من أسماء الصفات قاله بعضهم وأما الخبير فتقدم معناه. (يضل من يشاء فيخذله بعدله ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد): الهداية هي خلق القدر والمقدور موافقا لأمر الله تعالى والضلالة هي خلق القدرة والمقدور مخالفا لأمر الله تعالى وضابط هذا كله أنه لا خالق إلا الله سبحانه فكل مخلوق فعن قدرته حدث وعن إرادته تخصص والهدى والضلال مخلوقان من جنس الكائنات وقد صرح القرآن العزيز بهذا الإطلاق فقال: (يضل من يشاء) [النحل:93] وغيرها وقال (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) [الكهف: 17] وقال: (ومن يهد الله فما له من مضل) [الزمر: 37] وما ورد من قوله: (بما كنتم تعملون) [المائدة: 105] بما كنتم تصنعون إلى غير ذلك من الآي التي فيها إضافة الفعل إلى العبيد فالمراد بذلك إضافة مجازية لما لهم من الكسب. (تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد أو يكون لأحد عنه غنى أو يكون خالق لشيء ألا هو رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم الباعث الرسل إليهم لإقامة الحجة عليهم): ذكر أنه اجتمع عبد الجبار الهمداني يوما مع الأستاذ أبي الحسن الأشعري فقال عبدالجبار سبحان من تنزه عن الفحشاء ففهم عنه الأستاذ أنه يريد عن خلقها فهي

كلمة حق أريد بها باطل. فقال الأستاذ: سبحان من لم يقع في ملكه إلا ما يشاء فالتفت عبد الجبار وعرف وفهم عنه فقال له: أيريد ربنا أن يعصى؟ فقال له الأستاذ: أفيعصى ربنا قهرا؟ فقال له عبد الجبار: أرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردي أحسن إلي أم أساء؟ فقال له الأستاذ إن كان منعك ما هو لك فقد أساء وإن كان منعك ما هو له فيختص برحمته من يشاء فانصرف الحاضرون وهم يقولون والله ليس عن هذا جواب. واختلف العلماء هل يجوز إطلاق القول بأن الله سبحانه أراد الكفر والمعصية أم لا فقال عبدالله بن سعيد القلانسي لا يجوز إطلاق ذلك وإن صح في الاعتقاد لأن الإطلاق يلزم فيه الأدب مع الله تعالى ولأن ذلك يوهم أن تكون المعصية حسنة مأمورا بها كما نقول الأفعال كلها الله تعالى ولا نقول الصاحبة لله تعالى. وقال غيره يجوز ذلك وليس ما مثل به مطابقا لأن الإيهام في هذا المثال قوي والإيهام في الأول ضعيف وهو من باب لزوم الأدب فيمكن أن يمنع. قال ابن العربي قال شيخنا والصحيح جواز ذلك كله حيث لا إيهام ومنعه حيث الإيهام والرب هو المصلح للمربوب القائم بأموره الخالق لمنافعه الرافع عنه مضاره. والبتاعث اسم من أسمائه ومعناه هنا الباعث الرسل بالأمر والنهي إلى المكلفين من عباده والأمر والنهي يرجعان إلى كلامه عز وجل فيكون الاسم على هذا من أسماء الصفات والرسول هو المبلغ عن الله عز وجل أمره ونهيه بإذن الله تعالى ووحيه. وأشار بقوله لإقامة الحجة عليهم إلى قوله تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) [النساء: 165] وإلى قوله (أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير) [المائدة: 19] الآية. وقالت المعتزلة انبعاث الرسل عليهم السلام حكم واجب بالعقل بناء منهم على التحسين والتقبيح والصلاح والأصلح وهو باطل. وقالت البراهمة انبعاث الرسل محال ولا فائدة في ذلك والمعتزلة أفرطوا وتحكموا على العزيز وهو تعالى حليم لا يعجل والبراهمة فرطوا فجهلوا أمر ربهم. (ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم فجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) الختم لغة الطبع والتغطية على الشيء بحيث لا يدخله شيء الخاتم الطابع وفيه أربع لغات خاتم بفتح التاء وكسرها وخاتام وخيتام واعلم أنه يلزم من ختم النبوة ختم الرسالة ولا ينعكس، ولذلك قال الشيخ ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة فلو قال النبوة في صدر كلامه لم يمكنه أن يقول بعدها والرسالة والنذارة

والنبوة ولهذا قال الله تعالى: (ولكن رسول الله وخاتم النبين) [الأحزاب: 40] قيل وإنما لم يقل والبشارة بعد قوله والنذارة لوجهين أحدهما أن النذارة تستلزم البشارة لأن من أنذرك بالعقوبة على فعل شيء فقد بشرك بالسلامة من ذلك مع الترك الثاني أن يكون مراعاة لقوله صلى الله عليه وسلم "ذهبت النبوة وبقيت البشارة" يريد الرؤيا والله أعلم. قال القرافي: الرسالة أفضل من النبوة لأن الرسالة ثمرتها هداية الأمة والنبوة قاصرة على النبي صلى الله عليه وسلم فنسبتها إليه كنسبة العالم إلى العابد. وكان عز الدين يذهب إلى تفضيل النبوة لشرف المتعلق لأن المخاطب بها الأنبياء والمخاطب بالرسالة الأمة وهو ضعيف لأن الرسول مندرج في خطاب التبليغ وورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا فالمرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر. قال أبو ذر رضي الله عنه قلت يا رسول الله من كان أولهم قال: "آدم عليه السلام" قلت: يا رسول الله أنبي مرسل؟ قال: "نعم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه" ثم قال: "يا أبا ذر أربعة سريانيون آدم وشيث وأخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم ونوح وأربعة من العرب هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وأول الرسل آدم وآخرهم محمد" صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين والحديث طويل جدا خرجه أبو بكر الآجري في أربعينه. واعلم أن البشارة خاصة بالطائعين كما أن النذارة خاصة بالعاصين والدعوة عامة لجميع المكلفين والبشارة خاصة أيضا للمؤمنين قال الفاكهاني: والمعتبر في البشارة الأول خاصة بخلاف النذارة فإنها معتبرة في الجميع قال الفقهاء فيمن قال من بشرني من عبيدي بكذا فهو حر فبشره واحد بعد واحد لم يعتق غير الأول وفي النذارة يعتق جميعهم. قال وانظر إذا بشره جماعة دفعة واحدة هل يعتقون أم لا، والظاهر عتقهم والفرق بين البشارة والنذارة في هذا المعنى أن مقصود البشارة حصل بالأول بخلاف النذارة فإنه يتزايد الخوف بتزايد المنذرين. وأما إذا بشره جماعة معا فبالكل وقعت البشارة قيل وإنما وقع الاختصاص بالتسمية بالسراج المنير دون الشمس والقمر لوجهين أحدهما أن الله تعالى شبهه به فيقتصر على ذلك. الثاني أن نور الشمس والقمر لا يؤخذ منهما نور وإذا غابا غاب نورهما ونور السراج تؤخذ منه الأنوار من غير تكلف ومن غير نقص منه وإذا ذهب نور الأصل بقي نور فرعه ونوره عليه السلام كذلك تؤخذ منه الأنوار من غير تكلف

ولا يذهب بذهابه عليه الصلاة والسلام. قيل والأشياء المنتفع بها في الدنيا بالنسبة إلى الزيادة والنقصان عند الانتفاع بها ثلاثة أقسام؛ قسم إذا انتفع به زاد وهو العلم تعليما وعملا، وقسم إذا انتفع به نقص بل يذهب وهو المال؛ وقسم إذا انتفع به لا يزيد ولا ينقص وهو السراج ونحوه من الاقتباسات ولا يبعد أن يلحق بذلك النظر في المرآة والاستظلال بالجدران. (وأنزل عليه كتابه وشرح به دينه القويم وهدى به الصراط المستقيم): الكتاب هو القرآن، قال الله تعالى (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) [النساء:113] ووصفه بالحكيم إما لأنه أحكمت آياته فلا يقع فيها نسخ بعد إحكامها أو لأنه أحكمت فيه علوم الأولين والآخرين أو لأنه أحكم على وجه لا يقع فيه اختلاف كما قال الله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [النساء: 82] فحكيم على هذا بمعنى محكم قال الشيخ أبو اسحاق: القرآن ستة آلاف آية وستمائة وست وستون والمتحدى به منه ثلاث آيات فهو ألفا معجزة ومائتان ونيف وجعله الله تعالى معجزة باقية إلى قيام الساعة بخلاف غيره من المعجزات فإنها تنقضي بانقضاء وقتها تشريفا منه لسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم ودليلا على مكانته وعلو منزلته ومعنى شرح وسع وأفهم والضمير في "به" يعود على النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يعود على الكتاب الحكيم والأول أظهر لأنه لو أراد الكتاب لقال فشح بالفاء. والدين لفظ مشترك والمراد به هنا الإسلام قال الله عز وجل: "إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران:19] والقويم المستقيم وهدى أي أرشد والضمير في به مثل الذي قبله والصراط المراد به هنا طريق الجنة. قال الله عز وجل: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) [الأنعام: 153] قال القاضي أبو بكر بن الطيب رضي الله عنه الصراط صراطان حسي ومعنوي فالمعنوي في الدنيا والحسي في القيامة فمن مشى على المعنوي هنا وفق للحسي يوم القيامة. (وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من يموت كما بدأهم يعودون): مما يجب الإيمان به أن الساعة آتية لا ريب فيها بلا امتراء والساعة هي القيامة

سميت بذلك إما بالنسبة إلى كمال قدرته وجلاله كأنها ساعة وإما بالنسبة إلى تسمية الكل باسم البعض. والريب هو الشك ومعنى لا ريب فيها وإن كان قد ارتيب فيها أي لا ريب فيها في علم الله تعالى وملائكته ورسله والمؤمنين أو ما حقها أن يرتاب فيها أو أنها ليست سببا للريب فيها ولا مظنة له لوضوح الدلالة عقلا ونقلا على إتيانها إلا أنه لا يعلم وقت إتيانها على الحقيقة إلا الله سبحانه لقوله: (إليه يرد علم الساعة) [فصلت: 47] إلى غير ذلك لكن لها علامات وشروط ومن جملة ذلك بعثه صلى الله عليه وسلم وظهور أمته. ومنها أشراط مؤكدة للقرب كالدجال والدخان وطلوع الشمس من المغرب ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك. واختلف في السابق فقيل أولها فساد البلاد وقيل خراب مكة ونقل حجرها إلى البحر وقيل الدجال وقال ابن وهب وابن حبيب أولها الفتن ثم الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام ثم يأجوج ومأجوج ثم طلوع الشمس من مغربها ثم كثرة الشر والأشرار ثم الدابة ثم الدخان ثم الريح ثم نار تسوق الناس إلى المحشر. وفي مسلم أولها طلوع الشمس من المغرب ويغلق عند ذلك باب التوبة على المؤمن والكافر. قال الله تعالى: (يوم يأتي بعض ءايات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) [الأنعام: 158] ثم تقوم الساعة فينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم اختلف العلماء فمن قائل بعدم السموات والأرض والعرش والكرسي والجنة والنار، ثم يعيدها محتجا بقوله تعالى: "كل من عليها فان" [الرحمن: 26] (كل شيء هالك إلا وجهه) [القصص: 88] وقوله (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا) [الأنبياء: 104] ومن قائل العرش والكرسي والجنة والنار لا تهلك. وقال ابن عباس مثله وزيادة القلم واللوح والأرواح قال بعض الشيوخ وأجمع أهل الحق على القول برد الجواهر بأعيانها وإنما اختلفوا في الأعراض، والجمهور على أنها تعاد بأعيانها واختلفوا هل كانت الجواهر عدمت ثم أعيدت يوم القيامة أو كانت متفرقة فجمعها الله تعالى. قال الإمام أبو المعالي رضي الله عنه لم يقم دليل قاطع على تعيين أحد هذين الجائزين والظواهر تقتضي الإعدام بالتفريق فإذا قلنا بالإعدام فترد بأعيانها. قال الأستاذ أبو الحجاج الضرير رحمه الله تعالى في هذا المعنى:

ورده بعد صريح العدم = إلى الوجوه جائز في الحكم فخالق الشيء كما ميزه = بالعلم أولا فلن يعجزه كون الابتداء والإعادة = بالعلم والقدرة والإرادة وأما إذا قلنا بالتفريق لا بالإعدام فتجتمع الجواهر وتخلق فيها الصفات بأعيانها كما كانت أول مرة وكل ما هو في مادة الإمكانن فالقدرة صالحة لإيقاعه. (وأن الله سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات): أي ضاعف جزاء الحسنات والتضعيف الزيادة والتكثير. قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى والتضعيف خمس مراتب أولها الحسنة بعشر أمثالها قال الله تعالى: (ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) [الأنعام: 160] الثانية بخمس عشرة في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو بن العاص "صم يومين ولك ما بقي من الشهر" فالحسنة بخمس عشرة الثالثة بثلاثين في الحديث نفسه "صم يوما ولك ما بقي من الشهر" فالحسنة بثلاثين الرابعة بخمسين في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال "من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف خمسون حسنة لا أقول ألم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف". الخامسة بسبعمائة قال الله عز وجل (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبة مائة حبة) [البقرة: 261] فهذه خمس مراتب التضعيف فيها مقدر ومرتبة سادسة غير مقدرة وهو أجر الصابرين. قال الله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) [الزمر: 10] وذكر غيره قولا ثانيا أن أجره مقدر قال وليس المراد بالحسنة أجر العبادة فإن الصلاة مثلا مشتملة على أنواع من العبادات كالقراءة والتسبيح والخشوع وغير ذلك. وإنما المراد الصلاة بكمالها هي حسنة فمن أتى ببعض صلاة لم يدخل في هذا أيضا إجماعا فإن صلاها فذا فتضاعف له عشرا بالوعد الأصلي فإن صلاها في جماعة فبمائتين وخمسين فإن كانت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فبمائتي ألف وخمسين ألف والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.

ويظهر أثر هذا التضعيف مع الموازنة، الصفح هو التجاوز والعفو والنظر في التوبة في عشر مسائل: الأولى: في حقيقتها قال الإمام أبو المعالي رضي الله عنه حقيقتها الندم على المعصية لرعاية حق الله تعالى. وقال بعضهم حقيقتها نفرة النفس عن المعصية بحيث يحصل منه الندم على المعاصي والعزم على ترك في الاستقبال والإقلاع في الحال فيرد المظالم ويتحلل من الأعراض ويسلم نفسه للقصاص إن أمكن ذلك قال ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "الندم توبة" أي معظمها الندم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة". الثانية: إذا وقعت التوبة بشرائطها مكملة فهل يقطع بها أم لا فذهب الإمام أبو بكر الباقلاني إلى أنه لا يقطع بها وذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري إلى أنه يقطع بها والإجماع على قبولها قطعا من الكافر لوجود النص المتواتر قال الله تبارك وتعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال: 38] بخلاف الآثار والأحاديث الواردة بالعموم فإنها تتناول المغفرة تناولا ظاهرا وليست بنص في المسلم إذا تاب كقوله تعالى: (قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر: 53] الآية. وما ورد من الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم: (والتوبة تجب ما قبلها) فليس بمتواتر ولأنه إذا قطع بتوبة الكافر كان ذلك فتحا لباب الإيمان وسوقا إليه وإذا لم يقطع بتوبة المؤمن كان ذلك سدا لباب العصيان ومنعا منه وهذا والذي قبله ذكره القاضي لما قيل له إن الدلائل مع الشيخ أبي الحسن وقد ذكر الشيخ القاضي ابن عطية أن جمهور أهل السنة على قول القاضي أبي بكر قال: والدليل على ذلك دعاء كل واحد من التائبين في قبول التوبة ولو كانت مقطوعا بها لما كان معنى للدعاء في قبولها ذكره في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) [التحريم: 8] ويرد استدلاله بأن ذلك منه على طريق الإشفاق منهم. الثالثة: هل يجب عليه تجديد الندم إذا ذكر الذنب أم لا في ذلك قولان للقاضي وإمام الحرمين والخلاف في هذه المسألة يشبه ما تقدم والله أعلم.

الرابعة: إذا تاب ثم عاود الذنب فذهب القاضي إلى أنها منقوضة لأن من شرطها الندم ولا يتحقق إلا بالاستمرار واختاره ابن العربي وذهب إمام الحرمين إلى أنها ماضية وهذه معصية أخرى واختاره المتأخرين ولم يذكر ابن عطية غيره مستدلا بأنها كسائر ما يحصل من العبادات إذ هي عبادة. الخامسة: هل توبة الكافر نفس إيمانه أو لا بد من الندم على الكفر؟ فأوجبه الإمام وقال غيره بل يكفيه إيمانه لأن كفره ممحق بإيمانه وإقلاعه عنه قال الله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال: 38] السادسة: إذا لم يرد المظالم إلى أهله مع الإمكان من ذلك فصحح الإمام توبته وهو مذهب الاجمهور وقيل إنها لا تصح. السابعة: زمانها ما لم يغرغر قال الله تعالى (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) [النساء: 18] وما لم تطلع الشمس من مغربها قال الله تعالى: (يوم يأتي بعض ءايات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) [الأنعام: 158] قال العلماء المراد بها طلوع الشمس من مغربها. الثامنة: مذهب أهل السنة تصح التوبة من بعض الذنوب دون بعض. التاسعة: قال صاحب الحلل وغيره اختلف في توبة القاتل عمدا فقيل لا توبة له لقوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) [النساء: 93] الآية وهذا مذهب مالك لأنه قال لا تجوز إمامته قال وليكثر من شرب الماء البارد وقيل تقبل لقوله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلها ءاخر) [الفرقان: 68] الآية. العاشرة: اختلف هذ يشترط في توبة القاذف تكذيب نفسه أم لا؟ فقال مالك لا يشترط وقال الباجي وغيره يشترط لأنا قضينا بكذبه في الظاهر. (وغفر الصغائر باجتناب الكبائر): قال بعضهم في الذنوب كبيرة لا أكبر منها كالشرك وصغيرة لا أصغر منها كحديث النفس وبينها وسائط كل واحدة منها بالإضافة إلى ما فوقها صغيرة وبالإضافة إلى ما دونها كبيرة ومعنى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) [النساء: 31] الآية أن من عرض له أمران فيهما مأثم واضطر الى ارتكاب أحدهما فارتكب أصغرهما

وترك الآخر كمن أكره على قتل مسلم أو شرب قدح من خمر فارتكب أصغرهما كفر عنه ما ارتكب واعترض الفاكهاني تمثيله الأول وهو قوله كالشرك والأولى أن يقول وهي الشرك إذ الشرك كبيرة لا مثل لها فلا يحسن التشبيه به قال وكذلك تمثيله مسألة الإكراه فيه نظر لأنه مع الإكراه غير آثم قال عياض في الإكمال وقد اختلفت الآثار وأقوال السلف والعلماء في عدد الكبائر فقال ابن عباس كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة وسئل أهي سبع فقال هي إلى السبعين أقرب. وروي إلى سبعمائة أقرب. وقال أيضا الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو يغضب أو لعنة أو عذاب ونحوه عن الحسن وقيل هي ما أوعد الله عليه بنار أو حد في الدنيا وعدوا الإصرار على الصغائر من الكبائر فروي عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار. واختلف في حقيقة الإصرار فقال بعضهم هو التكرار على الذنب كأن يعزم على العودة أم لا، وقال بعضهم إن تكريره من غير عزم لا يكون إصرارا وكلاهما نقله القرافي. وقال ابن مسعود رضي الله عنه وجماعة من العلماء: الكبيرة جميع ما نهى الله عنه في أول سورة النساء إلى قوله (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) [النساء: 31] وقال غيره هي في قوله تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) هي الكفر والشرك (نكفر عنكم سيئاتكم) [النساء: 31] أي ما سواهما وإنما عبر الشيخ عن ترك المؤاخذة بالكبائر بالصفح وعن ترك المؤاخذة بالصغائر بالغفران لما فيه من عظيم الامتنان وسعة الجود والإحسان لأن محو الكبيرة أبلغ في الدلالة على الكرم من سترها ومغفرتها. واختلف في مغفرة الصغائر باجتناب الكبائر هل ذلك مقطوع به أو مظنون وكلاهما نقله الفاكهاني ونقله ابن سلامة معبرا عنه بقوله نقله بعض شراح هذه العقيدة واعترضه بقوله لم يعز هذا النقل لأحد من أئمة الدين وليس كل ما يوجد منقولا في الأوراق يعتد به حتى يعزي الإمام من أئمة الدين فحينئذ ينظر فيه إما بإبقائه على ظاهره وإما بتأويله والله الهادي إلى سواء السبيل. قلت: ويرد بقول ابن عطية عند تفسير قوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) الآية اختلف العلماء في هذه المسألة فجماعة من المحدثين والفقهاء يرون أن من اجتنب الكبائر وامتثل الفرائض كفرت صغائره كالنظر وشبهه قطعا بظاهر الآية وظاهر الحديث.

وأما الأصوليون فقالوا: لا يجب على القطع تكفير الصغائر باجتناب الكبائر وإنما يحمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء والمشيئة ثابتة ولو قطعنا بتكفير صغائره لكانت لهم في حكم المباح الذي لا تباعة فيه وذلك نقض لعزائم الشريعة. (وجعل من لم يتب من الكبائر صائرا إلى مشيئته: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء: 48]). أجمع أهل الحق على جواز المغفرة لعصاة الموحدين وأنه جائز واقع أما قبل دخول النار فالجواز ثابت بالنسبة إلى آحاد الأشخاص لا إلى جميعهم لانعقاد إجماع أهل السنة أنه لابد أن تدخل طائفة من الموحدين النار وأما بعد دخول النار وأخذها منهم فالعفو عنهم واقع ويخرجون بالشفاعة. وقالت المرجئة هم في الجنة يإيمانهم ولا تضرهم سيئاتهم وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مختصة بالكفار وآيات الوعد كلها عامة بالمؤمنين تقيهم وعاصيهم. وقالت المعتزلة إذا كان المذنب صاحب كبيرة فهو في النار مخلد ولا بد. وقالت الخوارج إذا كان صاحب صغيرة أو كبيرة فهو في النار مخلد ولا إيمان له لأنهم يرون أن الذنوب كلها كبائر وبنوا هذه المقالة على أن جعلوا آيات الوعد كلها مختصة بالمؤمن المحسن الذي لم يعص قط والمؤمن التائب وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كفارا أو مؤمنين. (ومن عاقبه بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) [الزلزلة:7]). قيل إن النار بجملتها سبع أطباق فأعلاها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم وفيها أبو جهل ثم الهاوية وإن في كل طبقة منها بابا فالأبواب على هذا بعضها فوق بعض ذكره ابن عطية. وإنما خصص الشيخ العقاب بالنار وإن كان العقاب يكون بغيرها أيضا لأن العقاب بها هو المعظم كقوله صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة" ولأن النار مشتملة على أنواع العذاب إن كان المراد بالنار الدار نفسها لا نفس النار والباء في قوله بناره يحتمل أن تكون سببية ويحتمل أن تكون للتعدية ورجحه الفاكهاني وأبعد الاحتمالات

أن تكون للاستعانة إذ هي على الله تعالى محال إذ هو المعين للكل والمستغني عنهم. وقد تقدم قول من قال من دخل النار فلا يخرج منها، واختلف في الذرة فقيل النملة الصغيرة الحمراء وقيل البيضاء وقيل ما يرى من الهباء في شعاع الشمس وقيل غير ذلك. قال الفاكهاني: ولا أعلم للأقوال هنا مستندا ومعنى يره أي جزاءه في الآخرة. وقال ابن لبابة في خطبه الحمد لله الذي وعد وفا وإذا توعد تجاوز وعفا. قال عز الدين كلامه يوهم الفرق بين وعد الله تعالى ووعيده وهو لا يجوز على الله تعالى فإن الوعد والوعيد خبران فإذا أخبر الله تعالى عن ثواب أحد أو عقابه ولم يعذبه أو يثبه كان كذبا والله متعال عن ذلك. وقال عز الدين أيضا في مختصر الرعاية: الخلائق على ثلاثة أقسام؛ قسم ركب فيه العقل دون الشهوات والملل والكراهة وهم الملائكة فلا ثواب لهم لعدم مجاهدتهم أنفسهم، وقسم ركب فيه الشهوات فقد دون العقل وهم البهائم فلا يعاقبون ولا يثابون، وقسم ركب فيه العقل والشهوة كبني آدم فكلفوا لأجل عقولهم وأثيبوا لأجل طاعتهم ومخالفة أهوائهم وعوقبوا على معاصيهم وحسنات الكفار يخفف عنهم بسببها العذاب. فقد ورد أن حتما يخفف عنه لكرمه ومعروفه وورد ذلك في حق غيره كأبي طالب هكذا قال بعض من شرحها والحق أن التخفيف عن أبي طالب إنما هو بالشفاعة قال عياض في الإكمال وأما الكافر فإنه يكافأ على حسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجازي بها وذهب بعض الناس إلى أنه يخفف عنه من العذاب بقدرها. (ويخرج منها بشفاعة محمد نبيه صلى الله عليه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمته): أجمع السلف والخلف من أهل السنة والحق على قبول الشفاعة من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن سائر الرسل والملائكة والمؤمنين مطلقا وأجلها وأعظمها شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم لأنها أعظم الشفاعات وأتمها، وأنكرها بعض المعتزلة، قال بعض أئمتنا وحقيق لمن أنكرها أن لا ينالها وتمسك بظاهر قوله تعالى: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) [المدثر: 48] قوله تعالى: (فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم) [الشعراء: 100، 101] قيل لهم هذا المراد به الكافرون ولهذا قال تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) [الأنبياء: 28] فإن قالوا الفاسق ليس بمرتضى قلنا لهم مرتضى على توحيده وإيمانه

وطاعته والشفاعة على ستة أقسام الأولى لأهل الموقف وهي خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم والثانية شفاعة لقوم يدخلون الجنة بغير حساب وهي خاصة به أيضا، والثالثة الشفاعة في قوم استوجبوا النار فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن شاء الله من خواص عباده، والرابعة الشفاعة فمن دخل النار من المؤمنين فقد جاء في مجموع الاحاديث إخراجهم من النار بشفاعته صلى الله عليه وسلم وبشفاعة غيره من النبيين والملائكة والمؤمنين، والخامسة الشفاعة في زيادة الدرجات، والسادسة شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب. قال بعض التونسيين وفي تسمية هذه السادسة شفاعة نظر قلت لا نظر فيها لأنه نقله من غمرات العذاب إلى ضحضاح كما قال في الحديث. قال الفاكهاني: ولا تنافي في قول المصنف أخرجه منها بإيمانه مع كونه يخرج بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن الإيمان سبب للشفاعة لتوقفها عليه وسبب السبب سبب ولأن الشيء يضاف إلى الكل تارة وإلى البعض أخرى فيضاف الإخراج تارة إلى مجموع الإيمان والشفاعة وتارة إلى أحدهما. (وإن الله تعالى قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه):

ما ذكره الشيخ من أن الجنة قد خلقت هو مذهب أهل السنة لقوله تعالى: (أعدت للمتقين) [آل عمران: 133] ولقوله (ولقد رءاه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى) [النجم: 13 - 15]. ولقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "عرضت علي الجنة فتناول منها عنقودا" الحديث وفيهما: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة" واتفق سلف الأمة ومن تبعهم من الخلف على إجراء هذه الآي على ظاهرها من غير تأويل لها. وأجمعوا على أن تأويلها من غير ضرورة إلحاد في الدين. وقالت المعتزلة بتأويل هذه الآية والأحاديث وزعموا أنه لا فائدة في خلقها وجعلوا ذلك موجبا لتأويلها وقال إمام الحرمين وهذا انسلاخ عن إجماع المؤمنين وأفعال الله تعالى لا تحمل على الأغراض وهو تعالى يفعل ما يشاء. قال بعضهم ويقال لهم لم قلتم إنه لا فائدة في خلقها بل له فوائد منها الحث بها والحض والترغيب في الطاعات الموصلة إليها، ومنها أن أرواح السعداء تتنعم بها في البرزخ وأرواح الشهداء ترزق منها إلى غير ذلك فإن عارضونا بقوله تعالى: (كل شيء هلك إلا وجهه) [القصص: 88] فلو خلقت لهلكت لكنها لم تخلق فلم تهلك. قيل لهم ذلك عموم مخصوص والجنة أحد المستثنيات التي خصها الدليل قال الله: (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله) [الزمر: 68] قال ابن عباس الموجودات المحدثة التي لا تفنى سبعة: اللوح والقلم والعرش والكرسي والجنة والنار والأرواح ومن هذه السبعة ما وافقت على بقائه المعتزلة كالعرش والكرسي واللوح والأرواح وما ذكره من النظر إلى وجه الله الكريم فقد أجمع عليه السلف ومن تبعهم من الخلف وذهب المعتزلة ومن تبعهم إلى استحالة رؤية الله ثم اختلفوا في رؤية نفسه فأحال ذلك بعضهم بناء منهم على أن الرؤية إنما تكون بالحاسة وبنية مخصوصة واتصال الأشعة بالمرئ ومنهم من جوز رؤيته لنفسه ورؤيته تلك بغير حاسة ولا إدراك. وقد أجمع السلف ومن تبعهم على أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم في الآخرة في دار السلام. وأما رؤيته تعالى في عرصات القيامة ففي السنة ما يقتضي وقوعها للمؤمنين وجوزها بعض المتأخرين للكافرين في العرصات وذلك باطل لقوله تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) [المطففين: 15] وتمسك بظاهر قوله تعالى:

(ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) [الأنعام: 30] وأجيب بأن المراد بين يدي ربهم للحساب والتوبيخ وكذلك لا حجة لهم في قوله تعالى: (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا) [الملك: 27] والاحتمال عود الضمير على النبي صلى الله عليه وسلم أو على الحشر أو غير ذلك. والمراد بالوجه الذات عند الجمهور وذهب أبو الحسن الأشعري إلى أن الوجه صفة لله تعالى معلومة من الشرع يجب الإيمان بها مع نفي الجارحة المستحيلة وكل ما ينافي الجلال فهو مستحيل، وما ذكر الشيخ من أنها الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام فهو مذهب أهل السنة خلافا لمن زعم أن التي أهبط منها آدم جنة في الأرض بأرض عدن وليست بالجنة التي أعدها الله عز وجل لأوليائه وأنبيائه في الآخرة محتجا على ذلك بأنه تعالى وصف الجنة بالخلد والقرار والإقامة والسلام والجزاء ولا حزن فيها ولا نصب ولا لغو ولا تأثيم ولا كذب ولا حسد ومن دخلها لم يخرج منها لقوله تعالى: (وما هم منها بمخرجين) [الحجر: 48] وهذه الصفات منتفية عن جنة آدم عليه السلام لأنه أخرج منها وكذب فيها إبليس لعنه الله وأثم وتكبر وحسد وإلى هذا القول ذهب منذر بن سعيد البلوطي حكاه ابن عطية وهي نكتة اعتزالية. قال بعضهم كان قد رحل إلى المشرق وخالط بعض المعتزلة فدس له ذلك وهو مسبوق بالإجماع ومحجوج به وأيضا فإن صفات الجنة ليست ذاتية لها وإنما هي بفعل الله فجاز وصفها بذلك في وقت دون وقت ويكون وصفها بذلك موقوفا على شرط فلا توصف بها قبل الشرط. وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته): وخلق النار فأعدها إلخ هذا خلاف للمعتزلة في خلق النار كقول في خلق الجنة وتقدم الكلام على الرؤية ولو أخرها إلى هنا لكان أولى. (وإن الله تبارك وتعالى يجئ يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها): معنى تبارك تنزه وتزايد خيره وكثر ومعنى تعالى تعاظم عن صفات المخلوقين وإسناد المجئ إلى الله تعالى المراد به التمثيل لظهور آيات قهره وسلطانه وقيل التقدير

جاء أمره وسلطانه وهو من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ومنه حديث النزول ينزل ربنا أي أمره ونهيه على ما تقرر عند أهل السنة فمن تأول فقال: إنه تعالى فعل فعلا سماه مجيئا فكأنه قال وجارء فعل ربك وهذا كالأول ومعنى صفا صفا ينزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن والإنس ونب صفا على الحال وقد وهم بعض النحاة حيث جعله من باب التوكيد اللفظي. وأشار بعض الشيوخ إلى أن الشيخ اشتمل كلامه على الحقيقة والمجاز لأن مجئ الله سبحانه مغاير لمجئ الملائكة في الحقيقة والبحث فيه كالبحث في قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) [الأحزاب: 56] والعرض قيل الحساب اليسير وفي الحديث: "أتظنون أنه حساب إنما هو عرض ومن نوقش الحساب عذب" والمحاسبة لأهل اليسار وقد قال تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه، فسوف يحاسب حسابا يسيرا) [الانشقاق: 7، 8]. وروي أن في يوم القيامة ثلاث عرصات فأما العرصتان فاعتذر واحتجاج وتوبيخ، وأما الثالثة ففيها نشر الكتب فيأخذ الفائز كتابه بمينيه والهالك بشماله. قال الفاكهاني: انظر هل تعرض الأمم كلها مؤمنهم وكافرهم حتى السبعون ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب حسبما جاء في الحديث الصحيح حتى أبو لهب وأبو جهل وغيرهما من المشركين والمنافقين أو لا يعرض إلا من يحاسب هذا لم أر فيه نقلا، فمن وجده فليضفه إلى هذا الموضع راجيا ثواب الله الجزيل وبالله التوفيق. (وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون): أجمع أهل الحق على وجود ميزان حسي له كفتان ولسان فتوزن فيه صحائف أعمال العباد ليظهر الرابح والخاسر، واختلف هل هو ميزان واحد أو لكل أمة ميزان أو لكل أحد ميزان على ثلاثة أقوال، والصحيح أنه واحد وحمل قوله تعالى: (فمن ثقلت موازينه) [المؤمنون: 102] على الموزونات أو على أنه أتى بلفظ الجمع تعظيما لشأنه وتفخيما لأمره وتحذيرا من اكتساب السيئات وتحريضا على اكتساب الطاعات ولو لم يسمع من القرآن إلا هذه الآية لكان للعاقل فيها كفاية لاشتمالها على الوعيد التام لأهل الذنوب والوعد الجميل لأهل الطاعات. وأنكرت المعتزلة الميزان وقالوا المراد به معادلة الأعمال بالحق فهو وزن معنوي

لتعذر وزن الأعمال حقيقة، قيل لهم توزن صحائف الأعمال فإن قالوا هذا مجاز وليس مجازكم بأولى من مجازنا قيل لهم هذا أولى لأنه استعمال الحقيقة وضم مجاز إليها وما ذكرتموه ترك للحقيقة فكان قولنا أولى، ويؤيد ذلك أنه لما سئل صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "توزن صحائف الأعمال" والحمل على ما نص عليه السلام أولى من الحمل على غيره. وقد أجمع السلف الصالح على ذلك وليست المسألة عقلية إنما مأخذها الخبر فالرجوع في ذلك إليه. واختلف هل توزن للكافر أعمال أم لا والأكثر على ذلك لقوله تعالى: (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) [المؤمنون: 102، 103] فهذا الوزن يعم أهل الإيمان والكفران. وقال بعضهم الكافر لا يوزن له لقوله تعالى: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) [الكهف: 105] وجوابه لا نقيم لهم وزنا نافعا جمعا بين الآيتين. واعلم أنه إذا وقع الوزن فيما بين العباد من المظالم والحقوق ونفدت حسنات الظالم من قبل أن يفرغ ما عليه فإنه يؤخذ من سيئات المظلوم وتطرح على الظالم، نص على ذلك في مسلم ولا معارضة بين هذا وبين قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) [الأنعام: 164] فإن المراد بالآية شخصان لا حق لواحد منهما عند الآخر وأما ها فبذنبه أخذ وبكسبه عوقب. ومعنى ذلك إذا مات وهو قادر على القضاء وأما إذا مات وهو عاجز عنه فإنه لا يطرح عليه من سيئاته شيء نص على ذلك الشيخ عز الدين بن عبدالسلام، فإن لم يكن للمظلوم سيئة كالأنبياء عليهم السلام ولا للظالم حسنة كالكافر فإنه يعطي المظلوم من الثواب بقدر ما يستحقه على الظالم ويزاد في عقوبة الظالم بقدر ما كان يأخذ من المظلوم أن لو كان ثم ما يأخذ. واختلف العلماء إذا كان المظلوم ذميا والظالم مسلما فقال بعضهم يسقط حقه كالحربي وقال آخرون صار حقا للنبي صلى الله عليه وسلم يطلب به لقوله صلى الله عليه وسلم: "من آذى ذميا كنت خصيمه يوم القيامة". (ويؤتون صحائفهم بأعمالهم فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولئك يصلون سعيرا):

قال الفاكهاني رحمه الله: انظر على من يعود الضمير من يؤتون هل هو راجع لكل الأمم فلا يدخل الإنسان أحد الدارين حتى يؤتى صحيفته أو يكون ذلك في بعض الناس دون بعض، لأنه قد جاء أن قوما يقومون من قبورهم إلى قصورهم والصحف هي الكتب التي كتبت الملائكة فيها أعمالهم عند الأكثر. وفي الخبر عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكتب كلها تحت العرش فإذا كان في الموقف بعث الله عز وجل ريحا فتطيرها بالأيمان والشمائل أول خط فيها (اقرأ كتباك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) [الإسراء: 14] ، وقيل هي صحف يكبتها العبد في قبره كان في الدنيا كاتبا أو لم يكن ذكره الغزالي في كتاب كشف علوم الآخرة له، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يا رسول الله ما أول ما يلقى الميت في قبره؟ فقال "يا ابن عباس لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد إلا أنت فأول ما ينادي به ملك اسمه رومان يجوس خلال المقابر فيقول له يا عبد الله اكتب عملك فيقول ليس معي قرطاس ولا دواة ولا قلم فيقول له هيهات هيهات فكفنك قرطاسك ومدادك ريقك وقلمك اصعبك فيقطع له قطعة من كفنه ثم يجعل العبد يكتب وإن كان غير كاتب في الدنيا ويتذكر حينئذ حسناته وسيئاته كيوم واحد ثم يطوي ذلك الملك تلك الرقعة ويعلقها في عنقه" ثم تلا صلى الله عليه وسلم (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) [الإسراء: 13] أي عمله الحديث بطوله. واعلم أن المؤمن الطائع يأخذ كتابه بيمينه بإجماع وأما العاصي فالأكثر على أنه يأخذه بيمينه ووقف بعضهم في ذلك وقال الله أعلم. وقال الأستاذ أبو الحجاج الضرير في هذا المعنى. والمذنب الفاسق ذو الإيمان = من آخذي الكتاب بالأيمان وقيل إن حكمه موقوف = ولم يرد في أمره توقيف وأما الكافر فقيل تغل يمناه إلى عنقه ويجعل شماله خلف ظهره فيأخذ بها كتابه جزاء على نبذه كتاب الله وراء ظهره وقيل تغل يداه وراء ظهره وقيل بل يثقب صدره فتدخل شماله منها فيأخذ بها كتابه من وراء ظهره والعياذ بالله من سخطه.

(وأن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليهم من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيها أعمالهم): الإيمان بالصراط واجب عند أهل السنة وهو جسر ممدود على متن جهنم أرق من الشعر وأحد من السيف يرده الأولون والآخرون كذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام شهاب الدين القرافي في كتاب الانتقاد في الاعتقاد: لم يصح في الصراط أنه أرق من الشعر وأحد من السيف شيء والصحيح أنه عريض وفيه طريقان يمني ويسرى، فأهل السعادة يسلك يهم ذات اليمين وأهل الشقاوة يسلك بهم ذات الشمال، وفيه طاقات كل طاقة تنفذ إلى طبقة من طبقات جهنم وجهنم بين الخلائق وبين الجنة والجسر على متنها منصوب فلا يدخل أحد الجنة حتى يعبر على جهنم وهو معنى قوله عز وجل على أحد الأقوال (وإن منكم إلا واردها) [مريم: 71] قلت في قوله لم يصح في الصراط أنه أرق من الشعر وأحد من السيف شيء نظر ففي مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه أرق من الشعر وأحد من السيف، ووجه النظر يظهر بما ذكره الإمام الغزالي قال ما نصه: وأما الصراط فهو جسر يضرب على ظهراني جهنم يمر عليه جميع الناس وقد وردت به الأحاديث الصحيحة واستفاضت وهو محمول على ظاهره وفي رواية أنه أرق من الشعر وأحد من السيف. وقال البيهقي لم أجده في الرواية الصحيحة وإنما يروي عن بعض الصحابة وأشار بذلك إلى ما في مسلم عن أبي سعيد الخدري: بلغني أنه أرق من الشعر وأحد من السيف. قال بعضهم ولو ثبت ذلك لوجب تأويله لتوافق الحديث الآخر في قيام الملائكة على جنبيه وكون الكلاليب والحسك فيه وإعطاء المار فيه من النور قدر موضع قدميه وما هو في دقة الشعر لا يحتمل ذلك فيمكن تأويله بأن مراده أرق من الشعر بأن ذلك يضرب مثلا للخفي الغامض، ووجه غموضه أن يسر الجواز عليه وعسره على قدر الطاعة والمعاصي، وأما تمثيله بحد السيف فلإسراع الملائكة فيه إلى امتثال أمر الله تعالى في إجازة الناس عليه. واختلف المعتزلة في اثبات الصراط ونفيه وأكثرهم على نفيه وأجازه الجبائي مرة ونفاه أخرى، ومنهم من قال العقل يجوزه ولا يقطع به ومن نفاه تأول ما ورد من الصراط أن المراد به المعنوي لأنه لا يمكن المشي على صفة ما ذكر وهذا من جهلهم أمر ربهم ووقوفهم على معتادهم. وقل سئل النبي صلى الله عليه وسلم كيف يمشي الكافر على وجهه؟

قال "إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه" وقال الشيخ أبو الحجاج الضرير رحمه الله في هذا المعنى: والرب لا يعجزه أمشاؤهم = عليه إذا لم يعيه إنشاؤهم تبا لقوم ألحدوا في أمره= ما قدروا الإله حق قدره (والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ترده أمته لا يظمأ من شرب منه ويذاد عنه من بدل وغير): قد خرج أحاديث الحوض أهل الصحة البخاري ومسلم وغيرهما وأجمع عليه السلف الصالح وأطبقوا على الابتهال إلى الله تعالى أن يسقيهم منه، أسأل الله البر الرحيم أن يسقينا منه ويجعلنا من الواردين عليه بفضله ورحمته. وذكر الشيخ أبو القاسم السهيلي في الروض الأنف عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله سبحانه أعطاني نهرا يقال له الكوثر لا يشاء أحد من أمتي أن يسمع خريره إلا سمعه" قلت وكيف يا رسول الله قال: "أدخلي إصبعيك في أذنيك وشدي" قالت ففعلت قال "هذا الذي تسمعين هو خرير الكوثر وجريه". واختلف هل لكل نبي حوض أم هو حوض خاص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ واحتج من قال بالعموم بما خرجه أبو عيسى الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لكل نبي حوضا وإنهم يتبهون أيهم أكثر واردا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردا" قال أبو عيسى هذا الحديث حسن غريب والله أعلم بصحته. اختلف أيضا هل هو قبل الصراط أو بعده؟ واستدل كل واحد من الفريقين بظواهر لا تفيد قطعا، وتوقف القاضي أبو الوليد الباجي في ذلك وقال لا أدري، وقال غيره لم يرد في ذلك خبر ولا له فائدة في النظر. قال الفاكهاني: والقصد بذلك مجرد الإيمان به على ما وردت به الأخبار ولا اعتبار بترتيبها والله أعلم. (وإن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصها فيكون فيها النقص وبها الزيادة): قال الإمام أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي الفقيه الأديب الشافعي

المحقق رحمه الله تعالى في كتابه معالم السنن: ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة، فأما ابن مزين فقال: الإسلام الكلمة والإيمان العمل واحتج بالآية أعني قوله تعالى: (قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) [الحجرات: 14] الآية. وذهب غيره إلى أن الإيمان والإسلام شيء واحد واحتج بقوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) [الذاريات: 35، 36]. قال الخطابي وقد تكلم في هذا الباب رجلان من أكابر أهل العلم وصار كل واحد منهما إلى قول من هذين القولين، ورد الآخر منهما على المتقدم وصنف فيه كتابا يبلغ عدد أوراقه المائتين، قال الخطابي رحمه الله والصحيح في ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق وذلك أن مسلم قد يكون مؤمنا مسلما في بعض الأحوال فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن، فإذا حملت الأمر على هذا استقام لك معنى الآية واعتدل القول فيها ولم يختلف شيء منه وأصل الإيمان التصديق. وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد فقد يكون المرء مسلما في الظاهر غير منقاد في الباطن وقد يكون المرء صادقا في الباطن غير منقاد في الظاهر. وما ذكر الشيخ من أن الإيمان يطلق على عمل الجوارح صحيح، دليله قوله تعالى:" وما كان الله ليضيع إيمانكم) [البقرة: 143] أجمعوا على أن المراد به صلاتكم، وما ذكر أن يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقص الأعمال هو مذهب السلف رضي الله عنهم والمحدثين وجماعة المتكلمين. وروي عن مالك وقيل عكسه. قال جماعة من المتكلمين لأنه متى قبل الزيادة والنقصان، كان شكا وكفرا وقيل يزيد لا ينقص مراعاة للإطلاق الشرعي في ذلك وهو قوله تعالى: (فزادهم إيمانا) [آل عمران: 173] ولم يرد نقصهم في الشرع وهو قول مالك أيضا، وظاهر كلام بعضهم أنه المشهور عنه وأراد الأولون كما صرحوا به أن المراد بالزيادة والنقصان باعتبار زيادة ثمرات الإيمان وهي الأعمال ونقصانها لا نفس التصديق وهذا إذا تأملت تجده في المعنى موافقا لعكسه والله أعلم. قال بعضهم إن نفس التصديق يزيد وينقص بكثرة النفر وتظاهر الأدلة ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بخلاف غيرهم كالمؤلفة قلوبهم ومن قاربهم وهذا مما لم يمكن إنكاره ولا يشك أحد في أن نفس تصديق أبي بكر رضي الله عنه لا يساويه تصديق آحاد الناس.

ولهذا قال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي مليكة إني أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه وما منهم أحد يقول أنه على إيمان جبريل وميكائيل عليهما السلام، واعلم أن قول الشيخ باللسان وبالقلب تأكيد أن القول لا يكون إلا باللسان والإخلاص لا يكون إلا بالقلب ونظيره قوله تعالى: (ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم) [الأنعام: 38] ، وقوله تعالى: (يقولون بألسنتهم من ليس في قلوبهم) [الفتح: 11] وأما قوله وعمل بالجوارح فتأسيس، لأن العمل قد يكون بالقلب يقال عمل قلبي وعمل بدني وقد يكون بهما معا كالوضوء والصلاة وغير ذلك من العبادات البدنية المفتقرة إلى النية، وخصص بعض المتأخرين من أهل الخلاف الأعمال بما لا يكون قولا وأخرج القول من ذلك وأبعده بعض الشيوخ. قال النووي في شرح البخاري: اختلف السلف رضي الله عنهم هل يجوز أن يقال أنا مؤمن إن شاء الله تعالى أم لا؟ فذهبت طائفة إلى تقييده بالمشيئة وحكي عن أكثر المتكلمين وذهبت طائفة أخرى إلى الإطلاق من غير تقييد، وذهب الأوزاعي إلى التخيير. وفيها قول رابع بالفرق بين الحال والمآل فيجوز التقييد في الحال فإن المؤمن مشفق من التقصير لا أنه شاك في الحق. وقال عياض في مداركه قد فشا اختلاف بعد الثلاثمائة هل يقال أنا مؤمن عند الله أم لا؟ وجرى بين ابن التبان وابن أبي زيد والمسيسي وأبدى ان أبي ميسرة وغيرهم في ذلك وجوها ومطالبات، والصحيح ما ذهب إليه ابن أبي زيد أنه إن كانت سريرته مثل علانيته فهو مؤمن عند الله تعالى. وأما ابن التبان وغيره فأطلق القول بأنا مؤمن. قال النووي: للشافعية خلاف كبير في الكافر هل يقال هو كافر إن شاء الله أم لا؟ فمنهم من قال بالإطلاق من غير تقييد ومنهم من قال كالمسلم. (ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة): هذا كالتصريح بأن التصديق من غير قول لا يكون إيمانا وهو كذلك عند الجمهور خلافا للقاضي أبي بكر بن الطيب، وقد تقدم ذلك. وقول الشيخ بنية من قوله ولا قول ولا عمل إلا بنية أي خالصة لله تعالى، والإجماع على أن الإخلاص في العبادات فرض والإخلاص هو إفراد المعبود بالعبادة وقيل تصفية العمل وقيل هو سر جعله الله في قلب من أحب من عباده وقيل هو سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه

ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده. وقيل الإخلاص هو ما استوى فيه السر والعلانية فهذا هو الإخلاص، وهذه الألفاظ يقرب بعضها من بعض. وقيل الإخلاص هو أن يكون العمل لله تعالى ويعتقد ذلك في قلبه إلى تمامه ويكتمه بعد فراغه منه فيخلص العمل بهذه الثلاثة شروط فإذا ابتدأ العمل، لغير الله فسد باتفاق. وإذا ابتدأه لله بقلبه وأحب أن يحمد عليه فلا يضره ذلك لقوله تعالى: (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) [آل عمران: 188] فدليل الخطاب إذا أحبوا الحمد بما فعلوا فلا بأس به وإن ابتدأ العمل لله وتمادى على ذلك إلى أثناء العمل. فاطلع عليه فيه فأحب بقلبه أن يحمد على ذلك الفعل ومر عليه ولم يرفعه من قلبه فما بعد ذلك يبطل باتفاق. وما قبل ذلك فقيل يبطل وقيل يصح والمشهور البطلان وأما إن أبى ذلك بقلبه ودفعه فلا يبطل عليه باتفاق. واختلف في النية مع الإخلاص هل هما بمعنى واحد أو هما شيئان؟ والنية هي القصد، والإخلاص هو إفراد المعبود بالعبودية، فمن نظر إلى أن النية لا تصح إلا بالإخلاص قال هما بمعنى واحد ومن نظر إلى أن النية من الكافر والمرائي تصح قال هما شيئان. فالنية روح العمل والإخلاص روح النية قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) [البينة: 5] وقال صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات". وقال بعضهم: مراده بالنيات الإيمان فكأنه قال ولا نطق باللسان ولا عمل بالجوارح إلا بشرط الإيمان بالقلب. وضعفه بعض التونسيين بأنه يلزم منه أن يسمى التصديق بالقلب من غير نطق إيمانا لأن الشرط يغاير المشروط وقد تقدم أن مذهب الجمهور خلافه. واعلم أن العبادة المحضة تفتقر إلى النية بإجماع وذلك كالصلاة وعكس ذلك رد الودائع والمغصوبات وشبهه، واختلف فيما فيه شائبتان كالطهارة وقول الشيخ ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة مجمع عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قالوا: وما الواحدة يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي". وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".

وقال الحسن عمل قليل في سنة خير من عمل كثيل في بدعة. وقال بعضهم: أبواب الخير كلها مسدودة إلا لمن قصدها من باب محمد صلى الله عليه وسلم. (وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة): قال صاحب الحلل: أهل القبلة عبارة عن أهل الصلاة، وقيل هو اسم لكل مؤمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم صلى أو لم يصل، وما ذكر الشيخ هو قول جماعة أهل السنة سلفا وخلفا. وقالت المعتزلة من مات غير تائب فهو مخلد في النار ولا يطلق عليه اسم كافر ولا مؤمن إنما يسمى فاسقا. وقالت المرجئة: لا يدخل النار من كان في قلبه الإيمان وهذا منهم بناء على التحسين والتقبيح العقليين وهو باطل من وجوه منها: أنه لو سلم ذلك فالعقل لا يوجب إحباط خدمة العبد لسيده مائة سنة بزلة واحدة في الشاهد فكذلك في الغائب. ومنها أن الذنب لو كان الإصرار عليه محبطا للطاعة لوجب أن لا تصح معه طاعة كالخروج عن الملة وذلك خلاف الإجماع، لأن شارب الخمر مثلا تصح صلاته وصومه وحجه ويترحم عليه، ومنها أن الإيمان في اللغة التصديق ومحله القلب وفسقه لا يزيل تصديقه، ومنها أنه لو كان الذنب موجبا للكفر لما نصبت على المعاصي الزواجر والحدود بل كان الواجب القتل كالردة ولا قائل بذلك، وهذا الأخير للفاكهاني وما سبق لغيره. (وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون): الشهداء جمع شاهد وشهيد المراد بالشهيد هنا قتيل الكفار. واختلف في أسباب تسميته شهيدا فقيل: إنه مشهود له بالجنة فهو فعيل بمعنى مفعول، وقيل لأن الملائكة تشهده وقيل غير ذلك. ودليل ما ذكر الشيخ قول الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) [آل عمران: 169] الآية. واختلف العلماء رضي الله عنهم في معنى الحياة المسندة إليهم بعد الإجماع على تزويج نسائهم وإرثهم وتنفيذ وصاياهم، فقيل هي حياة غير مكيفة ولا معقولة للبشر فيجب الإيمان بها بظاهر الشرع ويكف عن كيفيتها إذ لا طريق للعلم بها إلا من الخبر فيجوز أن يجمع الله تعالى جملة من أجزاء الشهيد فيحييها فتتنعم بالأكل والشرب أو على ما أراد الله تعالى من ذلك. وقيل حياة مجازية بأن فضلهم الله تعالى بدوام حالهم التي كانوا عليه من الرزق وإجراء الثواب عليهم كالأحياء بخلاف أرواح سائل المؤمنين، فلما أشبهوا الأحياء في

ذلك وصفوا بالحياة، قال بعضهم أجمعوا على أن أرواحهم لا تعود إلى أجسادهم على ما كانت عليه في الدنيا إلا إذا كان يوم القيامة، وأجمعوا أن لهم مزية وزيادة على غيرهم من المؤمنين لأنهم خصوا بالرزق والفرح وغير ذلك. واختلف العلماء هل يتنعمون حالة كونهم في الجنة أم لا فقيل بذلك وهو مذهب الجمهور. وقيل الشهداء يأكلون من الجنة وليسوا فيها وإنما يدخلون الجنة يوم القيامة، وأنكر هذا القول أبو عمر بن عبد البر ورده الشيخ أبو القاسم السهيلي بما خرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الشهداء بنهر أو على نهر يقال له بارق عند باب الجنة في قبة خضراء يأتيهم رزقهم فيها بكرة وعشية". قيل: وقد يمكن الجمع في ذلك بأن تكون أحوالهم مختلفة أو للجميع في أوقات مختلفة والله أعلم. (وأرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون وأرواح أهل الشقاء معذبة إلى يوم الدين): واختلف في الروح والنفس هل هما لفظان مترادفان أو بمعنيين اختلافا شديدا واختلف في الروح فقيل إنه عرض وهو اسم للحياة القائمة بالجسم، واختاره الأستاذ أبو إسحاق، واختار أبو المعالي أنه جسم لطيف، وبه قال ابن فورك وهو ظاهر كلام الشيخ أبي الحسن، واحتجوا بحجج يطول ذكرها وهي مبسوطة في محلها وأهل السعادة المراد بهم أهل الجنة نسأل الله العظيم رب العرش الكريم ألا يحرمنا إياها، وأهل الشقاوة أهل النار نسأل الله أن يسلمنا منها والدليل على ما ذكر الشيخ ما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل

الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله". (وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة): الافتتان هو الاخبار والواو في قوله ويسألون واو الحال فتكون بمعنى إذ لأن السؤال هو بعينه الاختبار، ولا غرابة في سؤالهم مرة واحدة للجم الغفير في أقاليم مختلفة فيخيل لكل واحد منهم أن المخاطب هو دون من سواه أو يكون الله يحجب سمعه من مخاطبة الموتى لهما. وخالف الملحدة فأنكروا فتنة القبر واحتجاجهم بالعيان مضادة لبلوغ الأخبار في ذلك مبلغ التواتر. وظاهر كلام الشيخ أن الصبي يفتن في قبره وهو كذلك قاله القرطبي في تذكرته قائلا: ويكمل لهم العقل ليعرفوا بذلك منزلتهم وسعادتهم ويلهمون الجواب عما يسألون عنه. وقد جاء أن القبر ينضم عليهم كم ينضم على الكبار. قال الفاكهاني: انظر هل يسأل المجانين والبله وأهل الفترة أم لا. وأما الملائكة فالظاهر عدم سؤالهم وظاهر كلام الشيخ أيضا أن الكافر لا يسأل وهو كذلك نص عليه الشيخ أبو عمر بن عبد البر قائلا الأخبار دلت على ذلك بخلاف المنافق فإنه يسأل لكونه حقن دمه وماله ودخل في حزب المؤمنين فيسأل ليتميز، وأما الكافر فهو متميز بظاهره عنهم والاخبار تدل على أن الفتنة مرة واحدة وعن بعضهم أن المؤمن يفتن سبعا، والمنافق أربعين صباحا. قال القرطبي: جاء في حديث البخاري ومسلم سؤال الملكين وكذلك في حديث الترمذي وجاء في حديث أبي داود سؤال ملك واحد، وفي حديثه الآخر سؤال ملكين ولا تعارض في ذلك والحمد لله بل كل ذلك صحيح المعنى بالنسبة إلى الأشخاص قرب شخص يأتيانه جميعا ويسألانه جميعا في حالة واحدة ليكون ذلك السؤال عليه أهون والفتنة في حقه أعظم وأشد، وذلك بحسب ما اقترف من الآثام. وآخر يأتيانه قبل انصراف الناس عنه وآخر يأتيانه كل واحد منهما على الانفراد فيكون ذلك أخف عليه في السؤال وأقل في المراجعة والعتاب لما عمله من صالح الأعمال. وقد يحتمل في حديث أبي داود وجها آخر وهو أن الملكين يأتيان جميعا ويكون السائل أحدهما وإن تشاركا في الإتيان ويكون الراوي اقتصر على الملك السائل وترك غيره لأنه لم يقبل في الحديث لا يأتيه إلى قبره إلا ملك واحد، فلو قال هذا صريحا لكان الجواب عنه ما

قدمناه من أحوال الناس والله أعلم. وقد يكون من الناس من يوقي فتنتهما ولا يأتيه واحد منهما والقول الثابت هو لا إله إلا الله في الحياة الدنيا عند الموت وفي الآخرة عند سؤال الملكين، والقبر أول منزل من منازل الآخرة. (وإن على العباد حفظة يكتبون أعمالهم ولا يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم): الحفظة جمع حافظة ككاتب وكتبة وسموا حفظة لحفظهم ما يصدر من الإنسان من قول وعمل وعلمهم به. واختلف هل هما اثنان بالليل واثنان بالنهار أو هما اثنان لا يفارقان الشخص والأكثر هو الأول بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" الحديث. وقال الآخر يحتمل أن يكون المتعاقبون غير الحفظة، وعلى الأول فالملائكة الذين يأتون اليوم غدا وهلم جرا مادام حيا. واستدل قائل هذا بقول الملكين أراحنا الله منه فبئس القرين ولا يقولان ذلك لمن يكونان معه يوما واحدا أو بعض يوم لأن ذلك خلاف لسان العرب. وقال ابن السكيت: القرين الصاحب وقال الجوهري: قرينة الرجل صاحبته واعلم أن لسانك قلم الحفظة، وريقك مدادهم كذا جاء في الحديث، وظاهر كلام الشيخ أن المباح يكتب ولا يسقط وهو كذلك قاله بعض الشيوخ مستدلا بقوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [ق:18] ، فقول نكرة جاءت في سياق النفي فعمت. وقيل إنه لا يكتب وظاهر كلامه أن الحفظة على الكافر كالمؤمن، والصحيح خصوصهم بالمؤمن قال عياض في الإكمال. واختلف فيما يتعلق بالقلب فقيل يكتبونه وأن الله تعالى يجعل لهم عليه علامة وقيل لا يكتبونه لأنهم لا يطلعون عليه. وفي كتب ما عزم عليم مصمما ولم يفعله، قولان للباقلاني والأكثر واعلم أن على الإنسان ملائكة غير الحفظة قال الله تعالى: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) [الرعد: 11] فهؤلاء غير الكاتبين بلا خلاف. وقال الهروي في التفصيل ما نصه. وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من ملك على الإنسان؟ فذكر عشرين ملكا فقال: "ملك عن يمينه على حسناته وهو أمين

على الذي على يساره فإذا عملت حسنة كتبت عشر أو إذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين اكتب فيقول لا لعله يستغفر الله عز وجل ويتوب فإذا لم يتب قال نعم اكتب أراحنا الله منه فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله عز وجل وأقل استحياءه لقوله تعالى: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) وملكان من بين يديك ومن خلفك لقول الله عز وجل: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) وملك قائم على ناصيتك فإذا تواضعت لله عز وجل رفعك وإذا تجبرت على الله عز وجل قصمك وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وملك قائم على فيك لا يدع الحية أن تدخله وملكان على عينيك فؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي تنزل ملائكة الليل على ملائكة النهار لأن ملائكة الليل غير ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي وإبليس بالنهار وأولاده بالليل". (وإن ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه): ما ذكره الشيخ هو قول مجاهد وقتادة وغيرهما وقيل ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه، ثم يأمر أعوانه يقبضها وعلى الأول فنص قتادة وغيره على أن له أعوانا وأطلق القول بذلك.

وقال الغزالي في كشف أمور الآخرة: إن الميت إذا حان أجله نزل عليه أربعة من الملائكة ملك يجذب نفسه من قدمه اليمنى وملك يجذبها من قدمه اليسرى وملك يجذبها من يده اليمنى وملك يجذبها من يده اليسرى ثم يطعنه ملك الموت بحربة فيقبض نفسه. ومن الناس من يقبض وهو قائم يصلي أو نائم أو سائر في بعض أشغاله أو منعكف على لهو وهي ميتة البغتة فيقبض نفسه مرة واحدة، ومن الناس من إذا بلغت نفسه الحلقوم كشف له عن أهله السابقين من الموتى وحيئنذ يكون له خوار يسمعه كل شيء إلا الإنس لو سمعه لهلك وصعق. وظاهر كلام الشيخ أنه يقبض روح غير الآدمي من الحيوانات وهو كذلك وقال بعض المبتدعة أعوانه تتولى قبض أرواح الحيوانات، ونص الشيخ أبو الحسن على أن الموت صفة وجودية وهي ضد الحياة، قال الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني: الموت راجع إلى عدم الحياة وبينهما احتجاج يطول ذكره وهو مبسوط في كتبه. (وإن خير القرون القرن الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم): اختلف في مقدار القرن على أحد عشر قولا فقيل عشر سنين، وقيل عشرون وقيل ثلاثون وقيل أربعون وقيل خمسون وقيل ستون وقيل سبعون وقيل ثمانون وقيل مائة وقيل مائة وعشرون، وقيل من عشرة إلى مائة وعشرين، وقال الجوهري القرن من الناس أهل زمان واحد وأنشد: إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم = وخلفت في قرن فأنت غريب والمقصود بهذا اعتبار تفاوت القرن في الفضل، وفسر الشيخ القرن بمن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به ثم من رآهم ثم من رأى من رآهم وبهذا فسره أكثر العلماء. وقال المغيرة: أفضل القرون الصحابة ثم أبناؤهم ثم أبناء أبنائهم واختلف فيما بعد ذلك من القرون فقيل إنها سواء لا مزية لأحدها على الآخر قاله ابن رشد. وقال المغيرة وغيره لا يزال التفاوت كذلك إلى قيام الساعة ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم "ما من يوم إلا الذي بعده شر منه" وروي في كل عام ترذلون وإنما يسرع بخياركم. (وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون الهادون المهديون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم): اختلف في الصحابي من هو فقيل هو اسم لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه فيصدق

الاسم على من رآه ولو مرة واحدة بشرط الاتباع، وإلى هذا ذهب البخاري وأحمد بن حنبل والقاضي أبو بكر، وقال الآخرون لا يسمى صحابيا من كان صغيرا في زمانه صلى الله عليه وسلم وقال ابن المسيب ولا من كا كبيرا ورآه مرة أو مرتين أو شهرا وإنما لمن كثرت صحبته كالسنة ونحوها. وقال أبو عمر بن عبد البر يصدق الاسم على من ولد في حياته وإن لم يره وأبعده بعضهم، واختلف في التفضل بين الصحابة، فمنهم من وقف قال مالك أدركت جماعة من أهل بلدنا لا يفضلون من الصحابة أحدا على أحد ويقولون الكل فضلاء وأكثر الناس على القول بالتفضيل، وعليه فأفضل الصحابة أهل الحديبية قال الله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) [الفتح: 18] قيل نزلت في أهل الحديبية وأهل بدر. خرج مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اطلع الله على أهل بدر فقال "يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وأهل بدر أفضلهم العشرة وأفضل العشرة الخلفاء الأربع ثم هم في الفضل على ترتيبهم في الخلاف وقيل بالوقف عن التفضيل فيما بين عثمان وعلي رضي الله عن جميعهم والقولان لمالك ورجع إلى تفضيل عثمان. واختلف في التفضيل بين عائشة وفاطمة رضي الله عنهما فتوقف الأشعري في ذلك واحتج لتفضيل فاطمة رضي الله عنها بقوله صلى الله عليه وسلم "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو تكوني سيدة نساء هذه الأمة". واحتج لتفضيل عائشة رضي الله عنها بكونها مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وفاطمة مع علي وشتان ما بين المنزلتين. واعترض بأن بقية أزواجه يكن معه في الجنة ولا قائل بتفضيلهن على فاطمة. وقال النووي في شرح البخاري أفضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وخديجة واختلف في أيتهما أفضل. وظاهر كلام أبي المعالي رضي الله عنه أن التفضيل بينهما ظني وليس بقطعي ولفظه. ولم يقم عندنا دليل قاطع بتفضيل بعض الأئمة على بعض إذ العقل لا يشهد على ذلك والأخبار الواردة في فضائلهم متعارضة ولكن الغالب على الظن أن أبا بكر رضي الله عن أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر بعده، وتعارضت الظنون بين عثمان

وعلي رضي الله عنهما. وانعقد إجماع المسلمين على أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين وأحب الخلق إلى رب العالمين صلى الله عليه وسلم والصحيح المعروف أن الأنبياء أفضل من الملائكة. (وأن لا يذكر أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكر): دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم من آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى ومن أذى الله يوشك أن يأخذه". وقال: "لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"، وقال صلى الله عليه وسلم "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وقال صلى الله عليه وسلم "من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا". وقال أبو أيوب السختياني من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله ومن أحب عليا فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق ومن انتقص أحدا منهم فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح وأخاف ألا يصعد له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه لهم سليما. (والإمساك: عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب): الإمساك الكف والسكوت وشجر معناه وقع واختلط ويريد ماوقع بين علي ومعاوية رضي الله الله عنهما. وقال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: تلك دماء لم يخضب الله فيها أيدينا فلا نخضب بها ألسنتنا. وروي أن أهل البصرة أرسلوا إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يسألونه عن أمر علي ومعاوية فقال رضي الله عنه (تلك أمة قد خلت) [البقرة: 134] الآية. وقال

بعض العلماء: ضابط هذا أنهم عدول وأعيان اختارهم الله لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولنصرة دينه وأثنى عليهم في كتابه، فكل ما وقع بينهم في ذلك فليس عن هوى ولا لتحصيل دنيا وإنما هو عن اجتهاد ورأي. وقول الشيخ وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج لا يعارضه ما تقدم من وجوب الكف لان هذا خاص بالعلماء الذين يميزون بين الصحيح والسقيم ويفرقون بين الغث والسمين وما تقدم لعوام الناس. (والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم): الإمام هو القائم بأمور المسملين والولي هو النائب، والإمامة أعم من الخلافة إذ كل إمام خليفة ولا ينعكس. قال الغزالي: وشرائط الإمام بعد الإسلام والتكليف خمسة: الذكورية والورع والعلم والكفاية ونسبة قريش وكونه واحدا وغير متغلب. واختلف إذا انعقدت الإمامة لاثنين في وقت واحد في بلدين فقيل إنها للذي عقدت له في بلد الإمام الميت. وقيل يقرع بينهما وقيل إن كان العقد لكل واحد منهما دفعها عن نفسه للآخر. وقيل إن كان العقد لهما في وقت واحد فسد كزوجين عقد لهما على امرأة واحدة. وزاد صاحب العروة وأن يكون من أفضل القوم في عصره عند الأشعري والقاضي، والصحيح أنه لا يشترط. وتنعقد الإمامة ببيعة أهل الحل والعقد، وقيل تنعقد بواحد إذا كان أهلا لما ذكر، وقيل لابد من اثنين وقيل لابد من أربعة، وقيل خمسة وقيل لابد من بيعة جميع العلماء وحضورهم عند البيعة واتفاقهم على واحد، وشرط أصحابنا اشتهار العقد كالنكاح والأصلي فيما ذكر الشيخ قوله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا أطعيوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء: 59] وعنه صلى الله عليه وسلم "من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني فطاعتهم واجبة) إذ بهم تقام الأحكام وتصلح الأحوال وتحفظ الفروج والأموال. واعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. قيل كان الخليفة يقول أطيعوني ما عدلت فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم. وعن أبي حازم عن مسلمة بن عبد الملك أنه قال لهم: ألستم أمرتم بطاعتي في قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)؟ فقالوا له أو ليس يرغب عنكم

إذا خالفتم لقوله تعالى: (فإن تنزاعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) [النساء: 59]. (واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم إلخ): السلف الصالح وصف لازم يختص عند الإطلاق بالصحابة ولا يشاركهم غيرهم فيه قاله صاحب الحلل والاقتفاء والاتباع معناهما واحد. واعلم أن العبد الصالح يطلق على النبي والولي قال الله تعالى في اسماعيل وادريس وذا الكفل (كل من الصابرين) [الأنبياء: 85]. وقال تعالى في صفة يحيى (نبيا من الصالحين) [الصافات: 112] وقال تعالى: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين) [النساء: 69] والاستغفار طلب المغفرة وأصلها من الغفر وهو الستر فمعنى غفر الله ذنوبك أي سترها. (وترك المراء والجدال في الدين وترك كل ما أحدثه المحدثون إلخ): اعلم أن المراء والجدال لفظان مترادفان وقال الجوهري: المراء هو الجدال وأراد الشيخ كراهية مناظرة أهل الأهواء والمبتدعة ومجادلتهم والندب إلى ترك مكالمتهم وإلا فالمناظرة حسنة، قال عبد الوهاب في المناظرة خمس فوائد: إيضاح الحق وإبطال الشهبة ورد المخطئ إلى الصواب والضال إلى الرشاد والزائغ إلى صحة الاعتقاد مع الذهاب إلى التعليم وطلب التحقيق. وللمناظرة أحكام وآداب، فمن أحكامها أن يقصد بها وجه الله تعالى وإظهار قول الحق وأن يجتنب فيها الرياء والسمعة والمباهاة واللجاج وغير ذلك مما ينافي تقوي الله تعالى، ومن آدابها أن يكون الكلام مناوبة لا مناهبة وأن يعتدل في رفع صوته ويتحرز من التعنت والتعصب والمداهنة والله الهادي إلى سواء السبيل. قال القرافي رحمه الله: الأصحاب رضي الله عنهم فيما علمت متفقون على إنكار البدع والحق أنها على خمسة أقسام: الأول: أنها بدعة واجبة إجماعا وهو تدين قواعد الواجب كتدوين القرآن والشرائع إذ خيف عليها الضياع، فإن تبليغها لمن بعد واجب إجماعا وإهمالها حرام إجماعا. والثاني: بدعة محرمة إجماعا وهي ما تناولته أدلة التحريم وقواعده كالمكوس وتقديم الجهلاء على العلماء وتولية المناصب الشرعية بالتوارث لمن لا يصلح لها وفي

باب ما يجب منه الوضو والغسل

مثل هذا القسم الذي ذكرنا أنشد الشيخ أبو حيان رحمه الله تعالى ورضي الله عنه: بلينا بقوم صدروا في المجالس = لا قراء علم ضل عنهم مراشده لقد آخر التصدير عن مستحقه = وقدم غمر خامد الذهن جامده وسوف يلاقي من سعى في جلوسهم = من الله عقبى ما أكنت عقائده علا عقله فيهم هواه وما درى = بأن هوى الإنسان للنار قائده الثالث: بدعة مندوب إليها كصلاة التراويح وإقامة صون الأئمة والقضاة والولاة بالمراكب والملابس هو خلاف ما كانت عليه الأئمة والصحابة، فإن التعظيم كان في الصدر الأل بالدين فلما اختل النظام وصار الناس لا يعظمون إلى بالصون صار مندوبا حفظان لنظام الخلق. الرابع: بدعة مكروهة وهي ما تناولته قواعد الكراهة كتخصيص الأيام الفاضلة بنوع من العبادات ومنه الزيادة على القرب المندوبة كالتسبيح ثلاثا وثلاثين والتحميد والتكبير والتهليل فيفعل أكثر من ذلك ما حده الشرع فهو مكروه لما فيه من الاستظهار على ما وقته الشرع وقلة الأدب معه، فإن شأن العظماء إذا حدوا حدا يوقف عنده ويعد الخروج عنه قلة أدب. الخامس: بدعة مباحة وهي ما تناولته قواعد الإباحة كاتخاذ المناخل لإصلاح الأقوات واللباس الحسن والمسكن الحسن ونحوه فالحق في البدعة إذا عرضت أن تعرض على قواعد الشرع فأي القواعد اقتضتها ألحقت بها. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما باب ما يجب منه الوضو والغسل اعلم أنه يقال الوضوء بفتح الواو وضمها فقيل الفتح للماء والضم للفعل وقيل بالعكس، وقيل لفظان مترادفان. قال ابن دقيق العيد: وإذا قلنا إن الفتح اسم للماء فهل هو اسم لمطلق الماء أو له بعد كونه معدا للوضوء أو بعد كونه مستعملا في العبادة فيه نظر ثم رجح الثالث لأنه الحقيقة. وخرج عليه مسألة فقهية من قول جابر في الحديث: "فصب عليه من وضوئه" ظاهره الماء المستعمل. واختار الشيخ عبارة موجبات الوضوء وعبر غيره بنواقض الوضوء وجمع القاضي أبو محمد عبدالوهاب بينهما في تلقينه. وكذلك يقال الغسل بالفتح والضم فالمعنى على ما تقدم، وأما الغسل بالكسر

فهو اسم للذي يغسل به الرأس من طفل وغيره. (الوضوء يجب لما يخرج من أحد المخرجين من بول أو غائط أو ريح): قال غير واحد ينقض الوضوء باتفاق كل خارج معتاد من المخرج المعتاد على سبيل الصحة والاعتياد، واختلف إذا خرج ما ليس بمعتاد من المخرج المعتاد كالدود فأوجب منه الوضوء ابن عبد الحكم اعتبارا بالمخرج، قيل إنه لا أثر له قاله في المدونة وهو المشهور، وقيل إن خرجت معه بلة توضأ وإلا فلا، قاله ابن نافع وبه كان بعض من لقيته من القرويين يفتي، واختلف إذا تكرر خروج البول مثلا والمشهور سقوطه. قال المازري: روي عن مالك أنه يجب منه الوضوء وعبر عنه ابن الحاجب بقوله. وقال المازري: وإن تكرر وشق. واعترضه ابن عبد السلام بأنه رواه فقط ومراد الشيخ بقوله أو ريح إذا كان من الدبر وأما إذا كان من القبل فكالعدم على ظاهر المذهب. وذهب بعض الشافعية إلى نقض الوضوء به ويتخرج مثله من قول ابن عبد الحكم السابق، لأنه إنما يعتبر المخرج مع زيادة اعتبار الصور النادرة ولا خلاف في المذهب فيما علمت أن الوضوء لا يجب إلا بعد دخول الوقت. وقال التادلي: قد يقال إن ظاهر كلام الشيخ يقتضي إيجاب الوضوء ايجابا موسعا عند وجود الخارج لأنه علق الوجوب بالخارج وهو أحد قولي ناصر الدين، قلت هذا تكلف لا يحتاج إليه وهذا القول ليس بمذهبي، قالوا والوضوء مما خص الله به هذه الأمة إكراما لها واعتذروا عن قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي" بأنه لم يصح وإن صح فالخصوصية للأنبياء لا للأمة ولأن فضيلته في الدار الآخرة إنما هي لهذه الأمة للغرة والتحجيل لهم في المحشر دون سائر الأمم. (أو لما يخرج من الذكر من مذي مع غسل الذكر كله منه وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالإتعاظ عند الملاعبة أو التذكار): ما ذكر الشيخ أنه يغسل كل الذكر هو قول أكثر الإفريقيين وهو ظاهر رواية

علي في المدونة وقيل يقتصر على محل الأذى خاصة قاله اللخمي مع جميع البغداديين وعلى الأول فقال بعضهم يفتقر إلى نية ورآه عبادة. وقال أبو محمد: لا يفتقر إليها. واختلف إذا اقتصر على محل الأذى وصلى فقال الأبياني يعيد أبدا، وقال يحيى بن عمر: لا إعادة عليه، وقيل يعيد في الوقت قاله أبو محمد بن أبي زيد نقله القفصي في أسئلة عنه وبه قال بعض من لقيته من القرويين يفتي وظاهر كلام الشيخ أن الإنعاظ لا أثر له وإن كان كاملا وهو كذلك عند مالك. وقال ابن شعبان: الإنعاظ البين ينقض الوضوء واختاره اللخمي إن كانت عادته خروج المذي عقبه أو اختلفت عادته وإن كان الأمر على خلاف ذلك فلا، وفي كلام الشيخ تقديم التصديق على التصور وقد علمت أنه مجتنب. وقال ابن هارون لا يلزم ذكر التصور لأنا نحكم على الملائكة بالوجود ولا نعرف صورهم سلمنا لكن لا فرق بين أن يكون قبل الحكم أو بعده يليه، قلت يرد الأول بأنا لم نكلف ذلك فلذلك لم يضرنا جهلنا بصفة الملائكة ويرد الثاني بأن إطباقهم على أن المطلوب تقديم التصور قبل التصديق يدل على ضعفه والله أعلم، نعم الجواب الحقيقي أحد أمرين، أحدهما أن المطلوب مطلق الشعور لا تحصيل كل الماهية وذلك يحصل بالإخبار بالحكم الثاني أن المشترط عندهم إنما هو التصور في نفس المتكلم على الحكم لا السامع والأول هو الذي عرج عليه غير واحد ممن أدركتهم والثاني هو اختيار أبي علي ناصر الدين الجائي رحمه الله تعالى. (وأما الودي فهو ماء أبيض خاثر يخرج بإثر البول يجب منه ما يجب من البول): ما ذكر أنه يخرج بإثر البول يريد في الأعم الأغلب ونبه عليه القاضي أبو محمد عبد الوهاب. (وأما المني فهو الماء الدافق يخرج عن اللذة الكبرى رائحه كرائحة الطلع وماء المرأة رقيق أصفر يجب منه الطهر فيجب من هذا طهر جميع الجسد كما يجب من طهر الحيضة): يريد كونه يخرج عند اللذة الكبرى بالجماع في الأعم الأغلب وإلا فقد يخرج بمجرد النظرة والفكرة وما ذكر أن رائحته كرائحة الطلع يعني به طلع فحل النخل يسقط منه غبار رائحته كرائحة المني ولا رائحة لطلع إناثها تشبهه قاله التادلي، ويعرف في حال يبسه بجعل نقطة من ماء عليه فإن نشفها بسرعة فهو مني قاله صاحب الحلل وإنما شبهه الشيخ بطلع النخل لوجهين، إما لأن النخل خلقت من طين آدم على نبينا

وعليه الصلاة والسلام ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أكرموا عماتكم النخل" وإما لأن أطوارالإنسان سبعة كأطوار حمل النخل. (وأما دم الاستحاضة فيجب منه الوضوء ويستحب لها ولسلس البول أن يتوضأ لكل صلاة): اعلم أن دم الاستحاضة وسائر الأسلاس على ثلاثة أقسام: تارة تكون ملازمته أكثر من مفارقته فهذا يستحب منه الوضوء وعكسه المشهور يجب وأسقطه البغداديون، وتارة تستوى ملازمته مفارقته ففي الوضوء قولان متساويان، وتارة يلازم دائما فهذا لا يجب ولا يسحب إذ لا فائدة فيه. والقسمان الأولان هما اللذان أراد الشيخ بقوله يجب ويستحب أي يجب حيث تكون مفارقته أكثر ويستحب حيث تكون الملازمة أكثر فلا تناقض في كلامه وهذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الشيخ. وأجيب بأجوبة أخر لم أذكرها لطولها وعدم الحاجة إليها. وقال الشيخ ابن عبدالسلام: القياس في دم الاستحاضة سقوط الوضوء منه مطلقا لأن الأصل في الدم ليس هو من نواقض الوضوء فلا مبالاة بقلته ولا بكثرته كبعض ما قيل في المني الخارج لغير اللذة، وحيث يستحب من السلس الوضوء فقال سحنون: لا يستحب غسل فرجه لأن النجاسة أخف من الحدث. وقال صاحب الطراز: بل يستحب كهو واختلف هل يلزم صاحبه أن يعد خرقة عند صلاته أم لا؟ على قولين للأبياني وسحنون وكلاهما نقله القرافي ومن كثر عليه المذي بطول عزبة أو تذكر، فقال ابن الحاجب: المشهور الوضوء في مقابل التداوي قولان وأفتى الشيخ أبو الحسن اللخمي بتيمم من جرت عادته إن توضأ أحدث وإن تيمم فلا. (ويجب الوضوء من زوال العقل بنوم مستثقل أو إغماء أو سكر أو تخبط جنون): أخبر الشيخ أن زوال العقل موجب للوضوء، بين أن زواله بأربعة أشياء كما ذكر إلا أن قوله زوال العقل فيه مسامحة والأولى أن يقول استتار العقل إذ العقل لا يزيله النوم ولا الإغماء ولا السكر، وإنما يستره خاصة ولهذا سميت الخمر خمرا لأنها تغطي العقل وكذلك المجنون الذي يصيبه الجن ثم يعوده إلى حاله بخلاف المطبق الذي لا يفيق

أصلا فإنه قد زال عقله لا محالة، ولذلك اتفق على عدم خطابه مطلقا قاله الفاكهاني. وظاهر كلام الشيخ أن النوم سبب للحدث لكونه اشترط فيه الثقل وهو المشهور، وقيل إنه حدث قاله ابن القاسم في كتاب ابن القصار. ورواه أبو الفرج عن مالك كذا عزاه ابن بشير. وأشار ابن الحاجب إلى أنه يؤخذ من المدونة وذلك أنه لما ذكر أنه سبب وتكلم في أقسامه كما سنقوله بعد إن شاء الله تعالى قال وفيها إذا قمتم يعني من النوم. واعلم أن اللخمي اعتبر النوم فقسمه على أربعة أقسام طويل ثقيل ينقض مقابله لا ينقض طويل خفيف يستحب مقابله قولان وذكر غيره في القسم الثالث قولين. قال ابن عبد السلام: فيحتمل أن يكونا بالوجوب والاستحباب، ويحتمل أن يكون بالوجوب والسقوط، واعتبر الشيخ عبد الحميد الصائغ حالات النائم فقال ما معناه لا يخلو ذلك من أربعة أوجه، تارة يكون على هيئة يتيسر فيها الطول والحدث كالساجد ينقض مقابله كالقائم والمحتبي لا ينقض وتارة يتيسر فيها الطول دون الحدث والعكس كالجالس مستندا والراكع ففي النقض بذلك قولان، وظاهر كلام الشيخ أن الجنون والإغماء حدثان لكونه لم يشترط فيهما الثقل، كما اشترطه في النوم وهو كذلك قاله مالك وابن القاسم. ونقل اللخمي عن عبد الوهاب أنهما سببان وخرج على القولين من جن قائما أو قاعدا بحضرة قوم ولم يحسوا أنه خرج منه شيء واعترض كلامه من وجهين أحدهما لابن بشير أن عبد الوهاب أطلق عليهما أنهما سببان إلا أنه أوجب منهما الوضوء دون تفصيل. والثاني: لبعض شيوخنا أنه لا يلزم من عدم إحساسهم عدم خروجه قال ويلزمه في النوم. (ويجب الوضوء من الملامسة للذة والمباشرة بالجسد للذة والقبلة للذة): اعلم أن الملامسة على أربعة أقسام تارة يقصد ويجد فالوضوء باتفاق وعكسه لا وضوء باتفاق، وتارة يقصد ولا يجد فروى أشهب لا أثر له وروى عيسى عن ابن القاسم ينقض وهو ظاهر المدونة، وكلاهما حكاه ابن رشد. وجعل اللخمي المنصوص النقض وخرج من الرفض عدمه وضعفه ابن عبد السلام بأنه انضم هنا إلى النية فعل وهو اللمس فليسا سواء وتارة يجد ولا يقصد فالوضوء باتفاق عند ابن الحاجب. وقال الرجراجي في النقض قولان قائمان من المدونة وهذا الخلاف إذا كان اللمس مباشرة، وأما إن كان من فوق حائل فروى ابن القاسم كالمباشرة، وروى

علي بن زياد إن كان خفيفا فحمله ابن رشد على التفسير، وحمله اللخمي على الخلاف قائلا رواية علي أحسن إن كان باليد وإن كان ضمها إليه فالكثيف كالخفيف، وذكر الشيخ المباشرة بالجسد بعد الملامسة حشو ويريد إذا كان مما يلتذ بلمسها عادة، وأما الصغيرة فلمسها لا أثر له لأن لمسها لا يوجب لذة وكذلك المحرم لقيام المانع العادي وظاهر كلام الشيخ ولو كان الملموس ظفرا أو شعرا وهو كذلك نص عليه ابن الجلاب. وقيل أنهما لا يلحقان بما عداهما من الجسد لأن اللذة ليست بلمسهما وإنما هي بالنظر ولا أثر له، نقله ابن عبدالسلام عن بعض الشيوخ. وظاهر كلام الشيخ سواء كانت القبلة على الفم أم لا لأنه يعتبر قصد اللذة وهو كذلك في أحد القولين والمشهور أن القبلة في الفم تنقض مطلقا للزوم اللذة غالبا ما لم تكن قرينة صارفة عن قصد اللذة كقبلة الوداع. (ومن مس الذكر) اختلف في مس الذكر على ثمانية أقوال: فقيل ينقض بباطن الكف خاصة رواه أشهب وهو ظاهر كلام الشيخ في باب الغسل حيث قال: ويحذر أن يمس ذكره في تدلك بباطن كفه وقيل مثله مع زيادة باطن الأصابع قاله ابن القاسم في المدونة ونصها. قال مالك: ولا ينتقض الوضوء من مس شيء من البدن إلا من مس الذكر وحده بباطن الكف. قال ابن القاسم: وبباطن الأصابع مثله فحمله ابن رشد على التفسيرن ومقتضى كلام اللخمي أنه خلاف، وقيل مثله مع زيادة باطن الذراع قاله أبو بكر الوقار، وقيل إن التذ توضأ وإلا فلا قاله العراقيون. وقيل إن تعمد توضأ وإن لم يلتذ وإن نسي فلا شيء عليه رواه ابن وهب. وقيل إن مس الكمرة توضأ وإلا فلا حكاه الشارقي عن ابن نافع. وقيل إن الوضوء منه حسن وليس بسنة.

وقيل: إن الوضوء منه ساقط وكلاهما عن مالك. واختلف إذا مسه من فوق حائل على ثلاثة أقوال ثالثها إن كان خفيفا انتقض وإلا فلا. وإذا فرعنا على ما في المدونة فهل ينتقض الوضوء بحرف اليد والأصابع، في ذلك قولان حكاهما ابن العربي وفي النقض بإصبع زائدة قولان. (واختلف في مس المرأة فرجها في إيجاب الوضوء): اختلف قول مالك في مس المرأة فرجها على أربع مقالات: فقيل لا ينقض. رواه ابن القاسم وأشهب وهو مذهب المدونة. وقيل ينقض رواه علي بن زياد وقيل إن ألطفت توضأت وإلا فلا، رواه ابن أبي أويس. وقيل إن الوضوء منه مستحب حكاه ابن رشد عن مالك، فمن الشيوخ من راد القولين الأولين إلى الثالث ومنهم من قال إنها أقوال متباينة. وأما الدبر فالمنصوص أنه لا أثر له هوخرجه حمديس على مس فرج المرأة، ورد بوجهين أحدهما عدم صحة القياس فإن الدبر لا يسمى فرجا وهذا لابن بشير. الثاني: عدم وجود اللذة في مس الدبر قاله عبد الحق ومثله لابن بشير أيضا. وفي ابن عبد السلا ما يرد على ابن بشير، وذلك أنه قال لابن عبد البر ميل إلى مذهب الشافعي لقوله عليه السلام: "من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ". والدبر فرج لقوله صلى الله عليه وسلم في مريد قضاء الحاجة: "لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه". وكذلك تفريق عبد الحق ضعفه ابن سابق بأن حمديسًا لم يعلل باللذة بل بمجرد اللمس، قلت وهو الصواب وقول ابن بشير كلهم يحومون على اللذة بعيد. (ويجب الظهر مما ذكرنا من خروج الماء الدافق للذة في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة): قال صاحب الطراز خروج ماء المرأة ليس يشترط في جنابتها لأن عادته ينعكس إلى الرحم ليخرج منه الولد فإذا أحست بنزوله وجب عليها الغسل وإن لم يبرز. وظاهر كلام الشيخ أن وجود المني في مسألة النوم موجب الغسل وإن لم يتذكر الموطن وهو كذلك عندنا. وشذ بعض المتقدمين فرأى اعتبار تذكر الموطن وظاهر كلام الشيخ سواء

كانت معتادة أو غير معتادة وهو كذلك عند سحنون وابن شعبان. وقيل لا يجب في اللذة غر المعتادة وختلف إذا أمنى لغير لذة كمن ضرب فأمنى، ففي وجوب الغسل قولان لابن شعبان وابن سحنون والأخير منهما جعله ابن بشير هو المشهور. وسبب اختلافهم في هذين الفرعين اختلافهم في الصور النادرة هل تراعي أم لا؟ وإذا فرعنا على عدم وجوب الغسل فهل يجب الوضوء أم لا؟ فيه اختلاف والجاري على أصول المذهب أنه لا يجب لأنه ليس بمعتاد في نواقض لوضوء فأشبه الحصى. (وانقطاع دم الحيضة أو الاستحاضة أو النفاس): أما انقطاع دم الحيض والنفاس فالإجماع على وجوب الغسل كما قال الشيخ وأما دم الاستحاضة فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقيل لا أثر له وقيل تتطهر استحبابا وكلاهما قاله مالك ورجع إلى الأخير والقولان في المدونة. وقيل إنها تغتسل وجوبا على ظاهر نقل الباجي، قال مالك مرة تغتسل ومرة ليس ذلك عليها، وقال ابن القاسم ذلك واسع فإذا عرفت هذا فاعلم أنه لا اعتراض على الشيخ في قوله إن الغسل واجب. قال ابن عبد السلام: ظاهر كلام الشيخ أبي محمد الوجوب واستشكله غير واحد، قلت ورده بعض شيوخنا بأنه إن كانت مخالفة المدونة فالمشهور لا يتقيد به وإن كان لعدم وجود فقصور لما سبق، وظاهر كلام الشيخ أنها إذا ولدت ولدا جافا أنه لا يجب الغسل عليها وهو أحد القولين في نقل ابن بشير وحكاهما ابن الحاجب روايتين. وفي العتبية من سماع أشهب من ولدت بغير دم اغتسلت ثانيا ولم يجزها الأول قال اللخمي: هذا استحسان لأن الغسل للدم لا للولادة ولو اغتسلت لخروج الولد دون الدم اغتسلت ثانيا ولم يجزها الأول، وقال ابن رشد معنى سماع اشهب دون دم كثير إذ خروج الولد بلا دم معه ولا بعده محال عادة، قلت: وكان بعض من أدركناه يحكي عمن يثق بقوله إنه شاهد خروج الولد من زوجته بلا دم البتة ولم يعقبه بعده دم. (أو بمغيب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل): قال أبو محمد صالح يعني في محل الافتضاض، وأما في محل البول فلا أثر له وأبعده التادلي قائلا لأن غاية أمره أن يكون كالدبر وهو يوجب الغسل، قلت يريد في مشهور المذهب. وحكى ابن رشد رواية عن مالك لا غسل من الوطء في الدبر وخرجها على القول بمنع الوطء فيه ورده بعض شيوخنا بأن اتفاق الأكثر على المنع من الوطء، وعلى

وجوب الغسل يريد تخريجه والبهيمة كالآدمي نص عليه غير واحد كابن العربي عن المذهب. وقال الشيخ أبو القاسم بن محرز ثلاث وجبات: مغيب الحشفة في قبل أو دبر من آدمي، قال بعض شيوخنا ظاهره أن وطء البهيمة دون إنزال لا أثر له إلا أن يريد لمن عليه الوجوب لا لسببه، وظاهر كلام الشيخ أن الحشفة إذا غابت موجبة الغسل وإن دخلت ملفوفة وهو كذلك ومعناه إذا كان اللف رقيقا، وأما الكثيف فلا ونص عليه ابن العربي. وكان بعض من لقيناه يخرج فيه قولان بوجوب الغسل مطلقا من أحد القولين في لمس النساء من فوق حائل كثيف. قلت ولا يتخرج فيه قول بنفي الغسل مطلقا من أحد الأقوال في مس الذكر لأن الوطء أخص في استدعاء اللذة. وقال التادلي: اختلف في المسألة على ثلاثة أقوال: ثالثها إن كان الحائل رقيقا وجب وإلا فلا وهو الأشبه بمذهبنا، وما ذكره لا أعرفه وأراد بقوله وهو الأشبه بمذهبنا أي الجاري على أصول المذهب المشهور قياسا على مس الذكر والله أعلم. وظاهر كلام الشيخ أن بعض الحشفة لغو وهو كذلك على ظاهر المدونة. ونص على هذا اللخمي ونقل صاحب الحلل عن غير اللخمي إذا غاب الثلثان منها وجب وإلا فلا، قلت: وما ذكره لا أعرفه. (ومغيب الحشفة في الفرج يوجب الغسل ويوجب الحد ويوجب الصداق ويحصن الزوجين ويحل المطلقة ثلاثا للذي طلقها ويفسد الحد ويفسد الصوم): إنما كرر كون مغيب الحشفة يوجب الغسل ليركب عليه ما بعده وإلا فقد ذكر ذلك. ومعنى يوجب الصداق أي كماله وإلا فالنصف حاصل بالعقد، واختلف إذا وطئها في دبرها هل هلا جميع الصداق كالوطء في القبل أم النصف فقط كلاهما حكاه اللخمي، قلت وأخذ بعض شيوخنا الأول من قول رجم المدونة وطؤها في دبرها جماع لأن شك فيه. واختلف إذا افتضها بإصبعه على ثلاثة أقوال قيل: لها كل المهر قاله ابن القاسم وقيل لها النصف وما شأنها قاله في سماع أصبغ وقيل إن لم يرج لها إنها لا تتزوج بعد ذلك إلا بمهر ثيب فلها جميعه، قاله اللخمي. وما ذكر أن المطلقة ثلاثا تحل بالوطء بمغيب الحشفة هو كذلك عندنا خلافا للحسن في قوله لا تحل إلا بالإنزال وقيل إن العقد كاف في الإحلال، قاله سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب. قال أبو عمران: وإلى

هذا القول ذبه ابن اللباد الفرضي في النكاح. قلت: وأخذه المغربي من قول أشهب في النكاح الثالث من المدونة ونصها قال أشهب في كتاب الاستبراء: عقد النكاح تحريم للأمة كان يطؤها أم لا، ذكر قول أشهب هذا فيما إذا وطئ أمة بملك ثم تزوج أختها، والمشهور أنه يشترط في التحليل الانتشار قال بعض من لقيناه وانظر هل يتخرج هذا الخلاف في وجوب الغسل أم لا، ولم أر فيه نصا وهو قصور لنقل أبي محمد عن ابن شعبان إذا أدخلت زوجة العنين ذكره في فرجها لزمها الغسل قال أبو محمد لا أعرف فيه خلافا. (وإذا رأت المرأة القصة البيضاء تطهرت وكذلك إذا رأت الجفوف تطهرت مكانها رأته بعد يوم أو يومين أو ساعة): قال ابن الحاجب: الحيض الدم الخارج بنفسه من فرج الممكن حملها عادة غير زائد على خمسة عشر يوما من غير ولادة واعترض بأربعة أوجه: أحدها: استعمال لفظ بنفسه في غير موضعه لأنه إنما يستعمل إذا أريد تأكيد الذات كقولك جاء زيد نفسه. الثاني: أنه غير مانع لدخول نوع من دم الاستحاضة فيه وهو ما زاد على العادة أو العادة والاستظهار إذا كان أقل من خمسة عشر يوما. الثالث: أن في حده الحشو وهو قوله من غير ولادة فإن قوله بنفسه يغني عنه. وهذه الثلاثة حكاها ابن عبدالسلام ويجاب عن الثاني بأن قول مالك فلا يعترض بها هو مختلف اختلافا قويا إذ هو في المدونة. الرابع: ذكره ابن هارون بأنه يخرج عن كلامه دم الحامل فإنه فيه تفصيلا بين أول الحمل وآخره ففي أوله خمسة عشر يوما ونحوها وبعد ستة العشرين ونحوها، قلت ويجاب بأن أشهب روى عن مالك أنها كغيرها فكلامه جار على قول مالك أيضا وظاهر كلام الشيخ أن القصة والجفوف سيان وإليه ذهب الداودي وعبدالوهاب قال ابن القاسم القصة أبلغ. وقال ابن عبد الحكم: الجفوف أبلغ وهذا في حق المعتادة وأما المبتدئة فقال ابن القاسم تنتظر الجفوف. قال الباجي: هذا نزوع منه إلى قول ابن عبد الحكم، ورده المازري بأن المبتدئة لم تتقرر في حقها عادة أحدهما فإذا رأت الجفوف أولا فهي علامة، والأصل عدم القصة في حقه فلا معنى للتأخير لأمر مشكوك فيه. وإذا رأت المرأة القصة أولا

أخرت لأنه لا بد أن يعقبها الجفوف فكان التأخير لأمر محقق وليس كذلك المعتادة. (ثم إن عاودها دم أو رأت صفرة أو كدرة تركت الصلاة ثم إذا انقطع عنها اغتسلت وصلت ولكن ذلك كله كدم واحد في العدة والاستبراء حتى يبعد ما بين الدمين): أما الدم فلا خلاف فيه أن الأمر كما ذكر وكذلك الصفرة والكدرة في مشهور المذهب مطلقا، وقيل هما كالدم ما لم يكونا بعد اغتسال قبل تمام طهرها فإنه لا أثر لخروجها قاله ابن الماجشون قائلا: يجب منهما الوضوء فقط. قال اللخمي: وهو خلاف نص المدونة وجعله الباجي والمازري المذهب. (مثل ثمانية أيام أو عشرة فيكون حيضا مؤتنفا): اختلف في أقل الطهر على خمسة أقوال: فقيل: خمسة أيام قاله ابن الماجشون وقيل ثمانية أيام قاله سحنون وقيل عشرة أيام قاله ابن حبيب وقيل خمسة عشر يوما قاله ابن مسلمة وجعله ابن شاس وابن الحاجب المشهور. وقيل ما يراه النساء قاله مالك من رواية ابن القاسم. وأما أكثر الطهر فلا حد له اتفاقا واعلم أن الشيخ أراد بقوله مثل ثمانية أيام أو عشرة الإخبار بأن المسألة اختلف فيها على قولين فكأنه يقول مثل ثمانية أيام في قول أو عشرة في قول، وكثيرا ما يفعل ذلك ومنه وترفع يديك حذو منكبيك ودون ذلك. وقوله: وإذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع أو ما يصلي فيه عشرين صلاة أتم الصلاة، ولا يقال إن كلامه غير مطرد في ذلك ألا ترى إلى قوله تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك لأن قرينة قوله وذلك واسع يفهم منه إرادة التخيير فقط. (ومن تمادى بها الدم بلغت خمسة عشر يوما ثم هي مستحاضة تتطهر وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها): ظاهر كلامه سواء كانت معتادة أو مبتدئة أو حاملا وهو كذلك في أحد الأقوال عموما فأما المبتدئة ففي المدونة تمكث خمسة عشر يوما وروى علي بن زياد تطهر لعادة لداتها وروى ابن وهب وثلاثة أيام استظهارا.

وقال عبد الوهاب مثله ما لم تزد على خمسة عشر يوما، وقال اللخمي لو قيل تطهر لعادة أمثالها من قرابتها لكان حسنا، ومثل هذا اللفظ لا يعد قولا حسبما نص عليه صاحب اللمع فيما إذا قال المجتهد لو قال بهذا قائل لكان مذهبا فإنه لا يعد قولا. وأما المعتادة ففي المدونة خمسة عشر يوما وترجع إلى عادتها مع الاستظهار بثلاثة أيام ما لم تزد على خمسة عشر يوما، وقيل عادتها فقط قاله ابن عبد الحكم. وقيل خمسة عشر يوما واستظهار يوم أو يومين، وقيل بل تستظهر بثلاثة أيام قاله ابن نافع فهذه خمسة أقوال. واختلف على القول باعتبار العادة مع الاستظهار فقيل العادة الأكثرية وهو المشهور، وقيل الأقلية ابن حبيب وابن لبابة، وكذلك اختلف فيما بين العادة والعادة مع الاستظهار إلى خمسة عشر يوما هل هي طاهرة حقيقة أو تحتاط على قولين، وأما الحامل فالأكثر على أنها تحيض، ووقع لابن القاسم ما يقتضي أنها لا تحيض كقول ابن لبابة وذلك أنه قال فيمن اعتدت بالحيض ثم ظهر حملها لو علمته حيضا مستقيما لرجمته فأخذ منه غير واحد ما قلناه. قال ابن بشير في شرحه على ابن الجلاب إنما هو إشارة للتشكيك كقول الداودي لو أخذ فيه بالأحواط لكان حسنا وعلى الأول فقال مالك يجتهد لها وليس في ذلك حد وليس أول الحمل كآخره، وقال ابن القاسم تمكث بعد ثلاثة أشهر ونحوها خمسة عشر يوما ونحوه بعد ستة أشهر العشرين ونحوها، واختلف أصحابنا من التونسيين هل هو خلاف لقول مالك السابق أو هو تفسير له؟ وروى أشهب أن الحامل كغيرها والخلاف في الحامل أكثر من المعتادة ولولا الإطالة لذكرناه. (وإذا انقطع دم النفساء وإن كان قرب الولادة اغتسلت وصلت): قال ابن الحاجب: النفاس الدم الخارج للولادة قال ابن عبد السلام: وكان يلزم على طريقه في حد الحيض أن يقول غير زائد على ستين إلا أن يعتذر عنه بأن الخمسة عشر هناك على الأكثر على المشهور، والذي رجع إليه في النفاس أن يسأل عنه النساء فيمكن ذكر الزمان هناك ولم يكن هنا وفيه نظر، قلت وجه النظر الذي أشار إليه والله أعلم هو أن القول المرجوع إليه هناك أيضا العادة مع الاستظهار ما لم تبلغ خمسة عشر يوما، فلو كان المعتبر إنما هو القول المرجوع إليه لما قال في الحيض غير زائد على خمسة عشر يوما.

باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

قال الجوهري: ويقال نفست بضم النون وفتحها في الولادة وبالفتح في الحيض فقط، وحكى الأصمعي وأبو حاتم الوجهين معا ولا خلاف أعلمه بين أهل العلم أنه إذا انقطع دم النفساء أنها تغتسل، وجملة نساء عوام إفريقية يعتقدون أنها تمكث أربعين يوميا ولو انقطع عنها الدم وهو جهل منهن فليعلمن. (وإن تمادى بها الدم جلست ستين ليلة ثم اغتسلت وكانت مستحاضة تصلي وتصوم وتوطأ): ما ذكر أنها تجلس ستين يوما هو قول مالك. قال مطرف: بذلك رأيته يفتي وقيل ما يراه النساء وإليه رجع مالك والقولان معا في المدونة، وقال ابن الماجشون: السبعون أحب إلي من الستين. قلت: وسمعت بعض من لقيته ممن يظن به حفظ المذهب ينقل غير ما مرة: أن بعض أهل المذهب حكى قولا في المذهب باعتبار أربعين ليلة. قال: وغاب عني ناقله وأكثر أهل المذهب إنما يعزون لأبي حنيفة. باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة والمصلي يناجي ربه فعليه أن يتأهب لذلك بالوضوء أو بالطهر إن وجب عليه الطهر، ويكون ذلك بماء طاهر غير مشوب بنجاسة ولا بماء قد تغير لونه لشيء خالطه من شيئ نجس أو طاهر. انظر لأي شيء ذكر الشيخ في هذه الترجمة ما يجزئ من اللباس في الصلاة وذكر ذلك في الصلاة أمس ولذلك كرر الشيخ ذلك في جامع الصلاة. والطهارة في اللغة النظافة والنزاهة. وفي الاصطلاح قال المازري: إزالة النجس أو ما في معناه بالماء أو ما في معناه

واعترضه بعض شيوخنا بأن كلامه إنما يتناول التطهير، والطهارة غير التطهير لثبوتها دونه فيما لم يتنجس وفي المطهر بعد الإزالة. وأما الطهارة فهي صفة حكمية توجب لموصوفها جواز استباحة الصلاة به أو فيه أول فالأولان من خبث والأخير من حدث والطهورية توجب له كونه الموصوف بحيث يصير المزال به نجاسته طاهرا قال: فهي ثلاثة حقائق. (إلا ما غيرت لونه الأرض التي هو بها من سبخة أو حماة ونحوهما): إنما جاز الوضوء بماء السبخة والحماة ونحوهما لأن ذلك ملازم للماء فألحق بالمطلق لعدم الانفكاك فلابد من معرفة المطلق. قال ابن الحاجب: المطلق الطهور وهو الباقي على أصل خلقته واعترضه بعض شيوخنا بأنه ينتقض بماء الورد وشبهه ولا يجاب بإطلاق المطلق لأنه المعرف، واختلف المذهب فميا غير لونه ورق حشيش أو شجر غالبا على ثلاثة أقوال: فقيل إنه لا يضر قاله العراقيون وقيل عكسه قاله الأبياني وقيل يكره أخذا من قول السليمانية تعاد الصلاة بوضوئه في الوقت مراعات للخلاف، قلت في هذا الأخذ نظر، لأن المكروه لا تعاد منه الصلاة في الوقت وإنما يحمل هذا القول على أنه لا يجوز ابتداء ولكن تعاد الصلاة في الوقت مراعاة للخلاف، وكذلك اختلف في الماء المغير بحبل السانية على ثلاثة أقوال: فقيل إنه طهور. قاله ابن زرقون وعكسه قاله ابن الحاج، وقيل بالأول إن كان تغيره غير فاحش قاله ابن رشد. وفي التغير بالملح ثلاثة أقوال: فقيل إنه لا أثر له قاله ابن القصار وعكسه قاله القابسي وقيل الفرق بين المعدني فالأول والمصنوع فالثاني قاله الباجي وزعم البلنسي أنه المشهور والكلام في هذا الفصل متسع جدا ومحله المدونة وابن الحاجب. (وما غير لونه بشيء طاهر حل فيه فذلك الماء طاهر غير مطهر في وضوء أو طهر أو زوال نجاسة): ما ذكره في الوضوء والطهر متفق عليه وفي النجاسة هو كذلك عند الأكثر وقيل إنها تزال بكل مائع، قال ابن الحاجب: وقيل كنحو الخل يريد كماء الورد وشبهه لا أنها تزال بالخل لأنه إدام. قال ابن عبد السلام: وهذا القول هو القياس للاتفاق على عدم اشتراط النية، قلت ما ذكره من الاتفاق نقله ابن القصار بلفظ الإجماع وحكى القرافي عن التلخيص أنها تفتقر إلى نية. قال ابن العربي: ولو جففت الشمس موضع بول لم يطهر على المشهور.

(وما غيرته النجاسة فليس بطاهر ولا مطهر) ظاهر كلام الشيخ: سواء كان التغير في اللون أو في الطعم أو في الريح، فأما الطعم واللون فالأكثر على أن من توضأ به يعيد أبدا، ونقل ابن زرقون عن ابن شعبان عن ابن القاسم أن من توضأ بماء تغير بموت دابة برية سائلة النفس فإنه يعيد في الوقت كذا نقله عن بعض شيوخنا وظاهر نقله وسياقه ولو تغير باللون أو الطعم وليس كذلك بل إنما نقله ابن زرقون في تغير الريح فقط، واختلف في تغير الريح على ثلاثة أقوال: فقيل إنه يؤثر. وقال ابن الماجشون: لا أثر له وقيل بالأول إن تغير شديدا أخذ من قول سحنون أن من توضأ بماء تغير بما حل فيه تغيرا شديدا يعيد أبدا، وهذه الأقوال حكاها ابن رشد وقال عياض: أجمعوا على نجاسة ما غير ريحه نجس وضعف نقله بما سبق، وقال ابن بشير في قول ابن الماجشون: ولعل قصد التغيير بالمجاورة ورده غير واحد من شيوخنا وغيرهم بنقل الباجي عن ابن الماجشون إن وقعت فيه ميتة لم يضره إن تغير ريحه فقط. (وقليل الماء ينجسه قليل النجاسة وإن لم تغيره): ما ذكر من أنه نجس هو قول ابن القاسم وهو ظاهر المدونة عند بعضهم في قولها يتمم ويتركه، فإن توضأ به وصلى أعاد في الوقت، فقول المدونة يتيمم يقتضي أنه نجس وإنما قال يعيد في الوقت مراعاة للخلاف وقيل إنه مكروه. قال ابن رشد وهو المشهور وتأول على المدونة أيضا لقولها يعيد في الوقت وقيل مشكوك فيه فيجمع بينه هو وبين التيمم، وهذا القول تأوله القاضي عبد الوهاب على المدونة أيضا وضعف لبعده من اللفظ وبه قال ابن الماجشون وسحنون وضعفه ابن رشد؛ لأن الشك في الحكم ليس بمذهب وإنما هو وقف غيره وإنما المشكوك ما شك في حلول النجاسة فيه. قال ابن هارون: وفيه نظر لأن الشك في الحكم قد يكون لتعارض الأدلة عند المجتهد فيرى في المسألة بالاحتياط وقيل إنه طاهر من غير كراهة نقله اللخمي عن أبي

مصعب واعترضه ابن بشير بعدم وجوده وإنما الموجود الطهورية مع الكراهة لأن البغداديين قالوا بالكراهة ومعولهم رواية عن أبي مصعب قال ابن هاروبن: وهو ضعيف لأنه شهادة على النفي، وأيضا فإن أبا مصعب حكى عن مالك أنه قال: الماء كله طاهر ما لم يتغير أحد أوصافه معينا كان أو غير معين وظاهره نفي الكراهة. وقال المازري: ذهب بعض من قال إن الماء طهور إلى الكراهة وهذا يدل على أن بعضهم لم يقل بالكراهة، ونقل هذا القول الإمام فخر الدين عن الحسن البصري والنخعي ومالك وداود قال: وإليه ما الغزالي في الإحياء، واختلف على القول بأنه مشكوك، فقيل يتوضأ ويتيمم لصلاة واحدة قاله ابن الماجشون ورواه ابن مسلمة وقيل بتيمم ثم يتوضأ لصلاتين قاله ابن سحنون. (وقلة الماء مع أحكام الغسل سنة والسرف منه غلو وبدعة وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمد وهو وزن رطل وثلث وتطهر بصاع وهو أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم): قال ابن هارون: ظاهر كلام الشيخ في قوله السرف منه غلو وبدعة أن طرح الماء ممنوع، وهو خلاف المشهور من المذهب في الدجاج والأوز المخلاة أن الماء يراق بخلاف الطعام لاستجازة طرح الماء فظاهره جواز طرحه بغير سبب، قال: وقد يحمل جواز الطرح على ما حصل فيه شبهة كلاذي يشربه ما عادته استعمال النجاسة والمنع على ما كان من غيرسبب، قلت: لا معارضة بين قول الشيخ وغيره وإنما كان السرف منه بدعة فيما ذكر الشيخ لأنه إسراف في عبادة وقد جاء في الشرع التقليل من ذلك، وأما إراقة الماء لا في استعمال العبادة فذلك جائز اختيارا والله أعلم. وقوله وقد توضأ صلى الله عليه وسلم بمد إلى آخره المشهور من المذهب أن الواجب الإسباغ فمهما حصل الإسباغ ولو بأقل من المد فإنه يجزئ، وكذلك في الغسل بأقل من الصاع وقال ابن شعبان: لا يجزئ أقل من المد والصاع لأنه لا أحد أرطب من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وطهارة البقعة للصلاة واجبة): وكذلك طهارة الثوب فقيل إن ذلك فيهما واجب وجوب الفرائض وقيل

وجوب السنن المؤكدة اختلف المذهب في إزالة النجاسة على خمسة أقوال: فقيل أن ذلك واجب وليس بشرط وهذان قولان هما اللذان أرد الشيخ بقوله: فقيل إن ذلك فيهما إلخ، كذا فهمه غير واحد كابن الحاجب. والأقرب أن الشيخ إنما أراد بذينك الوجوب والسنة المؤكدة كذا فهمه وعليه حمله ابن هارون فهذه ثلاثة أقوال. والرابع: أنه واجبة مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان وهو ظاهر المدونة وقيل فضيلة حكاه ابن رشد في المقدمات، وزعم الشيخ عبد الحق في تهذيب الطالب أن المشهور من المذهب القول بالسنية وهو كذلك. قال الشيخ أبو الحجاج الصنهاجي- أحد شيوخ الفاكهاني رحمهم الله- وهذا يعني النجاسة الظاهرة، واخلتف في النجاسة الباطنة كمن شرب خمرا ولم يسكر ففي كتاب ابن المواز اعتبار ذلك لأنه أدخله في جوفه اختيارا وقال التونسي لغو. قال الفاكهاني: وانظر لم جعل المؤلف البقعة أصلا وحمل طهارة الثوب عليه ولم يشرك بينهما بواو العطف؟! فيقول طهارة البقعة والثوب وربما كان طلب الطهارة في الثوب أكد منه في البقعة بدليل أنه يصلي على حصير بطرفه الآخر نجاسة لا تماس، ولا يصلي بثوب فيه شيء من النجاسة وإن لم تماس وانظر أيضا لم يذكر طهارة البدن وهو أيضا مشترط في صحة الصلاة؟ قلت لأن كلامه دل عليه من باب أحرى فلذلك لم يذكره، والله أعلم. (وينهى عن الصلاة في معاطن الإبل ومحجة الطريق وظهر بيت الله الحرام): قال المازري: خص ابن الكاتب النهي بالمعطن المعتاد وأما ما كان لمبيت ليلة واحدة فلا، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم لبعيره في السفر. قلت: ورده بعض شيوخنا باحتمال كونه في غير معطن، وظاهر كلام الشيخ أن مرابض البقر والغنم الصلاة فيها جائزة وهو كذلك على المنصوص، وخرج بعضهم البقر على الإبل للتعليل بالنفور ورده عبد الوهاب لشدته في الإبل وخرجها بعضهم على الإبل على قول ابن القاسم الشاذ أن بول ما يؤكل لحمه وروثه نجس وهي رواية موسى بن معاوية الصمادحي حكاه ابن رشد. وقوله: ومحجة الطريق قال ابن رشد قال ابن حبيب: ويعيد العامد والجاهل أبدا والساهي في الوقت، وأما المضطر للطريق فتجوز صلاته بها، وفي المدونة أكره الصلاة بما لما يقع فيها من أرواث الدواب وأبوالها وصلاة من صلى بها تامة ولو كان بها. وقوله: وظهر بيت الله الحرام ظاهر كلام الشيخ أن الصلاة في الجوف جائزة وهو كذلك فسواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا قاله اللخمي.

وقيل: أما النافلة فجائزة وأما الفريضة فلا وهو المشهور فيحصل من هذا أن النفل لا خلاف في جوازه، وأما الفرض ففيه قولان وإلى هذا أشار ابن الحاجب بقوله: والمشهور جواز النفل في الكعبة لا الفرض يريد، والشاذ جواز الفرض كالنفل. وقال ابن عبد السلام: الشاذ منع النفل كالفرض واعترضه بعض شيوخنا بأن تفسيره يرد بالنقل والفهم، أما النقل فإنه لم يقل بمنع النفل إلا داود، وأما الفهم فأن ابن الحاجب إنما أراد جواز الفرض كالنفل فإن صلى الفريضة في الكعبة فقال في المدونة يعيد في الوقت وحمل على الناسي. وقال ابن حبيب: يعيد أبدا وقال أشهب: لا إعادة عليه وإن صلى فوق الكعبة فقيل يعيد أبدا وقيل لا إعادة عليه. وقيل إن أقام ساترا فكالصلاة في الجوف تعاد في الوقت وإلا فأبدا، وقيل: إن ترك بين يديه قطعة من سطحها فكالصلاة في الجوف نقله ابن شاس عن المازري عن أشهب وتبعه ابن الحاجب وابن عبد السلام ووهمهم بعض شيوخنا بأن المازري إنما عزاه لأبي حنيفة فقط. (والحمام حيث لا يوقن منه بطهارة والمزبلة والمجزرة): ظاهر كلام الشيخ إن أيقن بطهارته أن الصلاة فيه جائزة، وهو كذلك على مشهور المذهب، وقيل إن الصلاة فيه مكروهة نقله اللخمي عن القاضي عبد الوهاب المتقدم، وسمعت بعض من من لقيته من القرويين ممن تولى قضاء الجماعة بتونس يحكي أن الشيخ أبا القاسم بن زيتون لما قدم من الشرق إلى تونس سأله المنتصر أميرها عن الصلاة بالحمام فقال جائزة بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) [البقرة: 144] وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" وأجمعت الأمة على ذلك واعترضته بقول القاضي عبد الوهاب المتقدم فلا إجماع مع وجوده فلم يجيبني إلا بما لا يصلح أن يكون جوابا ويمكن أن يقال: إن المكروه من قبيل الجائز بالنسبة إلى صحة الصلاة على أن الذي ذكره في الحديث يمكن أن يكون مخصوصا وفي الترمذي ونهى عن الصلاة في سبعة فذكر منها الحمام والمسلخ، محمول على الطهارة حتى تظهر النجاسة، نص عليه القاضي ابن رشد.

(ومقبرة المشركين): ظاهره أن مقابر المسلمين الصلاة فيها جائزة وهو قول ابن حبيب قائلا: إن مقبرة المشركين حفرة من حفر النار وألحق بمقابر المشركين مقابر المسلمين إذا نبشت لأجل النجاسة وقيل تكره الصلاة بالمقبرة مطلقا وقيل تجوز مطلقا، وقال عبد الوهاب: تكره في الجديدة ولا تجوز في القديمة إن نبشت إلا ببساط طاهر عليها. (وكنائسهم): إنما نهى عن الصلاة في الكنائس للنجاسة والصور؛ فإن وقعت الصلاة في الكنيسة العامرة فإن تحققت نجاستها فواضح وإن لم تتحقق فاختلف في إعادة الصلاة على ثلاثة أقوال: فقيل: تعاد وقتا قاله سحنون. وقل مثله ما لم يضطر فلا يعيد وهو سماع أشهب وعزاه ابن رشد للمدونة أيضا وقيل يعيد العامد والجاهل أبدا والمضطر والناسي في الوقت قاله ابن حبيب، والصلاة في الكنيسة الدائرة من آثار أهلها جائزة باتفاق إن اضطر إلى النزول فيها وإلا كره وهو ظاهر قول ابن عمر. ونقل المازري عن ابن حبيب أن من صلى ببيت كافر أو مسلم لا يتنزه من نجاسة يعيد أبدا، وسمع ابن القاسم لا بأس بالصلاة في مساجد الأفنية يدخلها الدجاج والكلام قال ابن رشد يريد ما لم يكثر دخولها. (وأقل ما يصلي فيه الرجل من اللباس في الصلاة ثوب ساتر من درع أو رداء والدرع القميص): اعلم أن ستر العورة عن أعين الناظرين لا خلاف في وجوبه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الناظر والمنظور إليه"، وأما سترها في الخلو فالمعروف أن ذلك مستحب ولم يحك المازري غيره، وقيل إن ذلك واجب حكاه ابن شاس واختاره ابن عبد السلام لقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم فاستحيوا منهم وأكرموهم". وإذا فرعنا على القول الأول فقيل إنها تجب في الصلاة وقيل لا، وقال ابن بشير لا خلاف أن ذلك واجب وإنما الخلاف في الشرطية وعدمها، وانتقد على اللخمي حكاية الخلاف بالوجوب والسنية.

قال ابن هارون وهو منه تعسف؛ لأن من حفظ مقدم على من لم يحفظ وقد حكى ما ذكره اللخمي أبو القاسم بن محرز وابن رشد والباجي وغيرهم. واختلف في عورة الرجل على ستة أقوال: فقيل سوأتاه خاصة قال أصبغ وقيل سوأتاه وفخذاه قاله ابن الجلاب. وقيل في السرة إلى الركبة قاله جمهور أصحابنا نقله الباجي وقيل: من السرة حتى الركبة قاله بعض أصحاب مالك، وقيل السوأتان مثقلها وإلى سرته وركبتيه مخففها قاله الباجي، وقيل الفخذ عورة وليس كالعورة نفسها قاله أبو محمد في باب الفطرة وأخذ الأبهري من المدونة من كتاب الأيمان والنذور أن ستر جميع الجسد في الصلاة واجب. (ويكره أن يصلي الرجل بثوب ليس على أكتافه منه شيء فإن فعل لم يعد): لا معنى لقوله فإن فعل لم يعد مع قوله ويكره ويمكن على "يعد" أن يكون إنما ذكره لئلا يفهم منه أن تكون الكراهة للتحريم واختلف الشيوخ في تأويل الكراهة فقيل لأنه يصف. وقيل لأنه من زي الأعاجم وضعف بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في جبة شامية ضيقة الأكمام وهي من زي الأعاجم، وما ذكره الشيخ من أنه لا يعيد هو المشهور مطلقا وقال أشهب: من صلى بسراويل فإنه يعيد قال ابن حارث والإزار مثله قلت إن كان نصا فمسلم وإلا فمشكل لأن السراويل تصف العورة. (وأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف السابغ الذي يستر ظهور قدميها وخمار تتقنع به وتباشر بكفيها الأرض في السجود مثل الرجل): اعلم أن المرأة كلها عورة حتى دلاليها وقصتها قاله الباجي ما عدا الوجه والكفين وقيل وقدميها حكاه ابن عبد البر، فإن صلت عريانة الصدر أو الشعر أو القدمين أعادة في الوقت وقيل إنها لا تعيد مطلقا وقيل تعيد أبدا، وإلى هذه الأقوال الثلاثة أشار ابن الحاجب بقوله ورأس الحرة وصدرها وأطرافها كالفخذ للأمة على تفسير ابن عبد السلام، وأما إن صلت عريان اختيارا فالمنصوص تعيد أبدًا، وخرج اللخمي من قول أشهب في الرجل يعيد في الوقت أن تكون هي في ذلك مثله ورده بعض شيوخنا بأن تعريها أشنع، قلت ويجاب بأن الشناعة إنما بالنسبة إلى أعين الناظرين وأما في الصلاة فلا فرق بينها وبين الرجل والله أعلم. ونقل ابن هارون عن

باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

أشهب أنها تصلي في الوقت ولا أعرف له نصا بل بالتخريج كما تقدم وفي المدونة، ومن تؤمر بالصلاة كالبالغة في الستر وروى اللخمي بنت إحدى عشرة سنة كالبالغة وبنت ثمان أخف إن صلت بغير قناع أعادت في الوقت وكذلك الصبي يصلي عريانا فإن صليا بغير وضوء أعادا أبدا قاله أشهب. وقال سحنون يعيدان فيما قرب كاليومين والثلاثة، قلت وقول أشهب بعيد لأنه قلب النفل فرضا للاتفاق على أن من لم يبلغ إنما يؤمر بالصلاة تمرينا فكيف يعيدها بعد بلوغه على ظاهر قوله يعيد أبدا أرأيت إن كان لا يصلي أيقول يعيد أبدا فتأمله. باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار الاستنجاء: غسل موض الخبث بالماء، والاستجمار: إزالة ما على المخرجين من الأذى بكل جامد طاهر منق ليس بمطعوم ولا بذي حرمة ولا بذي سرف ولا يتعلق به حق، لذي حق وسمي ذلك استجمارا من الجمار وهي الحجارة الصغار وقيل من الاستجمار بالبخور والحجر يطيب المحل مثل ما يطيب البخور، وقد يطلق الاستنجاء على الاستجمار أيضا. (وليس الاستنجاء مما يجب أن يوصل به الوضوء لا في سنن الوضوء ولا في فرائضه وهو من باب إيجاب زوال النجاسة أو بالاستجمار لئلا يصلي بها في جسده ويجزئ فعله بغير نية وكذلك غسل الثوب النجس): الضمير المجرور بحرف الجر وهو قوله به عائد على الماء لانجرار ذكره في الباب السابق ولو لم يجر له ذكر فللعلم به، ويقوم من كلام الشيخ أن من حلف ليتوضأ فغسل أعضاء الوضوء ولم يستنج أنه لا يحنث وهو واضح بناء على اعتبار الألفاظ، وأما على اعتبار المقاصد فأكثر العوام أو كلهم يعتقدون أن الاستنجاء من الوضوء فيجب أن يسألوا عن قصدهم. وقوله يجزئ فعله بغير نية وكذلك غسل الثوب النجس قال ابن القصار: الإجماع على أن النجاسة لا تفتقر إلى نية، قلت وحكى القرافي عن التلخيص أنها تفتقر إلى النية، ورأى ابن عبد السلام أن قولهم تفتقر إلى نية يدل على أنها معقولة المعنى وقولهم لا تزال إلا بالماء المطلق عند أكثر العلماء يدل على أنها عبادة فهو تناقض، وما ذكر صحيح لا شك فيه وأوردته في كثير من دروس أشياخي فلم يقع عليه جواب إلا

بما لا يصلح. (وصفة الاستنجاء أن يبدأ بعد غسل يديه فيغسل مخرج البول ثم يمسح ما في المخرج من الأذى بمدر أو غيره أو بيده ثم يحكها بالأرض ويغسلها ثم يستنجي بالماء يواصل صبه): ما ذكر الشيخ من أنه يغسل يديه جميعا هو خلاف قول ابن الحاجب ويغسل اليسرى ثم محل البول ثم الآخر قال ابن عبد السلام: وهو أولى من قول الشيخ أبي محمد إذا لا موجب لغسل اليمنى لأن حكم الغسل إنما هو لتقليل الرائحة وذلك يحصل ببلها دون غسلها، وما ذكر الشيخ أنه يستنجي عند قضاء الحاجة صحيح إن كان يعلم فاعل ذلك أن مزاجه يقطع البول وإن لم يعلم فاعل ذلك أن مزاجه لا يقطع البول فلا بد من التربص حتى يتحقق قطعه، ومهما علقت رائحته بيده وعسر زوالها فذلك معفو عنه. (ويسترخى قليلا): إنما ذكر الشيخ ذلك ليكون أقرب لزوال النجاسة التي في غضون المحل وذلك أن المحل ذو غضون تنقبض عند مس الماء على ما تعلق به من الأذى فإذا استرخى تمكن من الإنقاء، وقيل ليتمكن بذلك من تقطير البول وغيره والوجهان حكاهما أبو عمران الحوراني، قلت: ولم أزل أسمع من غير واحد أن الشيخ لم يسبقه أحد إلى التنبيه على الاسترخاء. (وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين): يريد ولا له ذلك لوجهين اثنين وهما: التعمق في الدين وخشية الضرر في جسده

قال التادلي: والصواب إفراد المخرجين إذ مخرج البول من الرجل لا يمكن غسل داخله. (ولا يستنجي من ريح): ظاهر كلامه النهي عن ذلك وهو كذلك وخرج بعض من لقيناه قولا بأنه يستحب الاستنجاء منه من قول مالك يستحب غسل يديه من نتف إبطيه وكنت أرد عليه بوجهين: أحدهما: أن هذا التخريج فاسد الوضع لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من استنجى من ريح" قيل معناه ليس بهدينا ولا متبع لسنتنا. الثاني: أن الجاعل يده تحت إبطيه لا يضطر إلى ذلك إلا عند زوال ما هنالك من الشعر، ولا يتكرر ذلك وخروج الريح أمر يتكرر لم يكن له جواب عن الأول ولأن هذا الحديث لم ينقله أهل الصحيح. (ومن استجمر بثلاثة أحجار يخرج آخرهن نقيا أجزأه): ظاهر كلامه أن من استجمر بدون الثلاثة وأنقى أنه لا يجزئه وبه قال ابن شعبان والمشهور الإجزاء، وعلى الأول ففي كون حجر ذي ثلاث شعب قولان، وفي إمرار كل حجر من الثلاثة على جميع المحل أول لكل جهة واحدة والثالث للوسط قولان وظاهر كلام الشيخ أن غير الحجر كالمدر لا يجزئ وهو قول موجود في المذهب، وتمسك قائله بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار" فرأى أن هذه رخصة لا يقاس عليها غيرها والمشهور أنه كالحجر وظاهر كلامه الأحجار تجزئ وإن كان الماء موجودا، وهو كذلك خلاف لابن حبيب القائل أنها تجزئ إلا عند عدم الماء ولا شك أن الاستجمار يكفي في المعتاد كالبول، وكذلك رأى أبو عمر بن عبد البر حكم غير المعتاد من السبيلين. وقال صاحب الطراز: جوز القاضي عبد الوهاب الاستجمار من القيح والدم وشبهه ويحتمل المنع، ونص القرافي على أنه لا يجزئ المرأة الاستجمار من البول

لتعدية محله لجهة المقعدة وكذلك الحصى، واختلف في المذي هل يكفي فيه الاستجمار أم لا؟ والمشهور لا يكفي. (والماء أطهر وأطيب وأحب إلى العلماء): يعني أن الاقتصار على الماء أحسن في الإجزاء من الاقتصار على الأحجار لأن الماء يزيل الأثر والعين، وليس مراده التكلم على أن الجمع بين الماء والأحجار أولى من الاقتصار على أحدهما لأنه سبق له ذلك قبل في قوله: وصفة الاستنجاء أن يبدأ إلى آخره ومن لم يخرج منه بول ولا غائط وتوضأ لحدث أو نوم أو لغير ذلك مما يوجب الوضوء فلابد من غسل يديه قبل دخولهما في الإناء. اختلف العلماء في غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء على ثلاثة أقوال: فقيل سنة وهو المشهور وهو الذي أراد الشيخ بقوله فلا بد، وقيل إن ذلك مستحب حكاه ابن رشد وحكى ابن حارث عن ابن غافق التونسي أن من أدخل يديه في ماء قبل غسلهما وهما طاهرتان فقد أفسد الماء وهو يدل على الوجوب. وقال ابن عبد السلام: اتفق المذهب فيما علمت أن غسل اليدين سنة ولذلك تأول ما ذكره الشيخ ابن الجلاب من الاستحباب بأنه عبارة العراقيين الذين يطلقون على السنة الاستحباب، قلت ويرد نقله بما تقدم من الخلاف وما ذكره من التأويل خلال ما ذكره أبو الطاهر بن بشير في شرحه على ابن الجلاب. قال: حكي عن مالك الاستحباب وذكر القاضي عبد الوهاب أن ذلك سن واختلف هل غسلهما عبادة أو للنظافة؟ على قولين لابن القاسم وأشهب قال المازري: وأجرى عليهما الأصحاب إذا أحدث قرب غسلهما، قلت وهو قصور لاختلاف قول مالك في ذلك وأخذ ابن القاسم بالغسل وأشهب بعدمه نص على ذلك أبو الوليد الباجي ونبه عليه بعض شيوخنا، ونقل ابن رزقو عن مالك أنه يغسلهما مفترقتين وعن ابن القاسم مجتمعتين، قلت الجاري على أصل ابن القاسم أن غسلهما عبادة أن يغسلهما مفترقتين فهو تناقض منه وشاع في المذكرات أن أشهب يقول بقول مالك يغسلهما مفترقتين وأنه ناقض أصله ولم يقف المازري على النص السابق بل أجرى ذلك على ما سبق هل غسلهما للعبادة أو للنظافة؟ (ومن سنة الوضوء غسل اليدين قبل دخولهما في الإناء والمضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين وباقيه فريضة): لما قال فلا بد من غسل يديه خاف أن يتوهم عنه أنه أراد الفريضة فنبه بما قاله

وما ذكر أن المضمضة والاستنشاق سنتنان هو المعروف من المذهب، وذكر الشيخ أبو الطاهر بن بشير في شرحه على ابن الجلاب قولا بأنهما فضيلتان ثم وقفت على مثله وفي عد الاستثنار سنة مستقلة خلاف. قال التادلي: ومعنى قوله وباقيه فريضة أي باقي أفعال الهيئة، قال ولا يعترض برد اليدين لأنه زائد على الإيعاب الواجب قلت: أراد بقوله أفعال الهيئة أي ما يفعل من الأعضاء على طريق الاستقلال فالرد تبع لأن المسح قد حصل وكذلك وتجديد الماء للأذنين والترتيب فليسا بعضوين، فكأنه يقول وباقي الأعضاء فريضة واختلف في الترتيب على أربعة أقوال: فقيل سنة وهو المشهور وقيل فضيلة وقبل واجب وقيل فرض مع الذكرة والقدرة ساقط مع العجز والنسيان وكل هذا فيما بين الفرائض أنفسها، وأما فيما بين السنن والفرائض فإن ذلك مستحب وقيل سنة وأما تقديم الميامن قبل المياسر فلا خلاف أن ذلك فضيلة. (فمن قام إلى وضوء من نوم أو غيره فقد قال بعض العلماء يبدأ فيسمي الله ولم يره بعضهم من الأمر المعروف): اختلف في حكم التسمية على ثلاثة أقوال: فقيل فضيلة وهو المشهور وبه قال ابن حبيب، وقيل منكر وهو الذي أراد الشيخ بقوله ولم يره بعضهم من الأمر المعروف يعني بل ذلك من الأمر المنكر، وقيل إن ذلك مباح وكل هذه الأقوال عن مالك. ويظهر من كلام الشيخ أنه لم يقف على القولين اللذين ذكرا عن مالك لكونه عزا كل قول من قوليه لبعض وذلك يدل على التبري والله أعلم، وهذا المحل هو أحد الأمكنة التي التسمية فيها مطلوبة. وكذلك الغسل والتيمم وذبح النسك وقراءة والقرآن والأكل والشرب والجماع قال القرافي: بعد ذكر ما قلنا وتارة تكره التسمية كعند الأذان والحج والعمرة والأذكار والدعاء وتارة تحرم التسمية وذلك عند فعل المحرمات. (وكون الإناء على يمينه أمكن له في تناوله): صرح ابن رشد أن كون الإناء على اليمين فضيلة والمراد إذا كان واسعا، وأما الضيق فكونه على اليسار أمكن له قاله عياض عن اختيار أهل العلم، قلت وكان بعض من لقيناه يحمل على الشيخ أنه لم يرد الفضيلة وإنما جعله من باب الإمكان. ومن الفضائل أن يبدأ بمقدم رأسه وأن يبدأ باليمين والسواك وتكرار المغسول ثلاثا في قول

الشيخ عبدالسلام بن غالب المسراتي في وجيزه وأن لا يتكلم حالة الوضوء. (ويبدأ فيغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا فإن كان قد بال أن تغوط غسل ذلك منه ثم توضأ): لم يزل أشياخنا بأجمعهم ينبهون على أن غسل اليدين الذي هو سنة إنما هو بعد الاستنجاء لا قبله نص عليه المتيوي، وهو واضح لأن الاستنجاء ليس من الوضوء بوجه كما تقدم، فإذا عرفت هذا فقول الشيخ فإن كان قد بال أو تغوط غسل ذلك منه جملة اعتراضية والله أعلم. (ثم يدخل يده في الإناء فيمضمض فاه ثلاثا من غرفة واحدة إن شاء أو من ثلاث غرفات): حقيقة المضمضة غسل باطن الفم بنية، وما ذكر أنه بالخيار بين أن يمضمض ثلاثا من غرفة واحدة أو يفعل ذلك من ثلاث غرفات. وذكر بعد ذلك أن له جمع المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة وهو كذلك. واختلف أيهما أولى فقيل يفعل المضمضة والاستنشاق بغرفة ثم يفعلهما من غرفة ثانية ثم يفعلهما من غرفة ثالثة، وقيل الأولى لكل واحدة ثلاثا، وكلا القولين حكاه الباجي عن الأصحاب فيما فهم من قول مالك في الموطأ. وقال ابن الحاجب: الاستنشاق بغرفة ثلاثا كالمضمضة أو كلاهما بغرفة قال ابن عبد السلام: في صحة اختيار الصورة الثانية نظر والمعروف جوازها، وأما اختيارها فليس بصحيح وإنما صرحوا باختيار النهاية والله أعلم. (وإن استاك بإصبعه فحسن): حكم السواك مندوب إليه بمعنى الفضيلة واختار بعض شيوخنا أنه سنة لدلالة الأحاديث على مثابرته صلى الله عليه وسلم والأمر به وإظهاره، وقال أحمد بن حنبل وغيره إنه فرض وقال الفخر في معالمه الإجماع على أنه مندوب إليه واعترضه ابن هارون بما سبق لأحمد بن حنبل مع غيره، وروى ابن العربي يكون بقضيب الشجر وأفضله الأراك وكرهه بعضهم بذي صبغ لأجل التشبه بالنساء وضعفه ابن العربي بجواز الاكتحال وفيه التشبيه بهن، ورده بعض شيوخنا لكراهة مالك الاكتحال لذلك أيضا وفي إجزاء المضمضة بغسول قولان لابن العربي وغيره، وفي سماع ابن القاسم من لم يجد سواكا فإصبعه يكفي قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام الشيخ أبي محمد أن الإصبع كغيره ولو

قيل إنه عنده الأصل ما بعد قلت قيد كلامه التادلي بأنه أراد مع فقد غيره وكلام الشيخ قابل للتقييد فحمله على ما قال التادلي أولى من حمله على العموم. وفي الإصبع عشر لغات تحريك الباء بثلاث حركات مع فتح الهمزة وبالثلاثة مع ضمها وبالثلاثة مع كسرها والعاشرة أصبوع والعوام عندما بإفريقية يقولون صبع وهو لم ينقل عن أهل اللغة. (ثم يستنشق بأنفه الماء ويستنثره ثلاثا يجعل يده على أنفه كامتخاطه ويجزئه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق وله جمع ذلك في غرفة واحدة والنهاية أحسن): قال عياض في الإكمال والحكمة في تقديم المضمضمة والاستنشاق على الوجه اختبار رائحة الماء وطعمه لكونه مشاهدا بالعين فجعل هذا أول الوضوء لئلا يبتدئ بما لا يجوز، وقال ابن الحاجب: الاستنشاق أن يجذب الماء بأنفه ويستنثره بنفسه وإصبعه واعترضه ابن عبد السلام بأن حقيقته إنما هي في جذبه خاصة ولذلك ما عد غير واحد الاستنثار سنة أخرى قلت كلامه عندي معترض من وجهين: أحدهما: إن قوله ولذلك ما عد غير واحد الاستثنار سنة أخرى ينافي ما ذكره في حقيقته إلا أن تحمل ما من قوله ما عد زائدة الثاني: إن حكم الاستنثار مختلف فيه وقد علمت أن مثل هذا لا يعترض به وإنما يعترض بمسألة متفق عليها، واختلف إذا ترك المضمضة والاستنشاق وصلى على أربعة أقوال: فقيل يعيد في الوقت ساهيا كان أو عامدا وهو اختيار اللخمي وقيل لا إعادة مطلقا حكاه غير واحد. وقيل يعيد العامد في الوقت والناسي لا يعيد. قال ابن القاسم في سماع يحيى وقيل يعيد العامد في الوقت أبدا خرجه ابن رشد على من ترك سنة عامدا وزعم الاتفاق على أن الناسي لا يعيد مطلقا قلت ويرد تخريجه بأن سنة الصلاة أقوى لأنها المقصود والوضوء وسيلة. (ثم يأخذ الماء إن شاء بيديه جميعا إلى آخره): ظاهر كلام الشيخ أن نقل الماء باليد شرط وهو ظاهر كلام ابن حبيب وعزاه ابن رشد لابن الماجشون وسحنون، وقيل إنه لا يشترط بل إنما المطلوب إيقاع الماء على سطح الوجه كيفما أمكن ولو بميزاب وهذا القول هو المشهور، وأخذ من قول ابن القاسم من مسألة خائض النهر ولم يحفظ ابن عبد السلام غير الثاني. واختلف إذ ألقى رأسه إلى رش ماء ومسحه بيده، فقال ابن عبد السلام:

المنصوص أنه لا يكفيه وغلط فيه بعض المتأخرين، قلت واعترضه بعض شيوخنا بقول ابن رشد يجزئ عند ابن القاسم وأجمعوا على إجزاء انغماس الجنب في الماء ودلكه فيه وناقل الإجماع المذكور ابن رشد، وانظر هل هو مما يرجح المشهور أم لا وظاهر كلام المصنف أن التدلك واجب وهو المشهور. وقيل لا يجب وقيل يجب لإيصال الماء إلى العضو لا لذاته. قال ابن عبدالسلام: وأضرب ابن الحاجب عن الثالث ورأى أنه يرجع إلى الثاني وعده غيره ثالثا، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يأخذ شيئا من شعر الرأس وهو كذلك لأنه أراد منابت الشعر المعتاد وهو أحد نقلي شيوخنا وهما جاريان على اختلاف الأصوليين فيما لا يتم الواجب إلا به هل هو واجب أم لا؟ ومنه اختلاف أهل المذهب هل يجب إمساك جزء من الليل أم لا بالنسبة على الصوم، واختلف المذهب في ما بين العذار والأذن هل يجب غسله أم لا؟ على أربعة أقوال والمشهور وجوبه وقيل لا يجب وقيل يجب فيمن لا شعر له وقيل سنة، قاله عبد الوهاب واعترضه ابن هارون بأنه صلى الله عليه وسلم كان يغسله وهو عندي ضعيف لأن فعله أعم من كونه واجبا أو سنة وقد علمت أن الوجه مأخوذ من المواجهة وما بين العذار إلى الأذن لا يواجه. (ويمر يديه إلى آخره): ما ذكره أنه يمر يديه على ما غار من ظاهر أجفانه صحيح وكذلك يجب عليه أن يمد يديه على ظاهر شفتيه ونص عليه اللخمي.

(وليس عليه تخليلها في الوضوء في قول مالك): قال المغربي: ظاهر كلام الشيخ أنه يستحب له التخليل لأنه إنما نفى الوجوب وهو خلاف ظاهر المدونة قال فيها ويمر يديه عليها من غير تخليل فظاهرها كراهة التخليل، قلت الأقرب أن الشيخ إنما أراد كراهة ذلك لأن الاستحباب لم يقل به مالك فيما قد علمت وإنما هو قول ابن حبيب حسبما يأتي إن شاء الله. واختلف في تخليلها في الوضوء على ثلاثة أقوال: فقيل: إن ذلك مكروه وهو ظاهر المدونة والعتبية وبه قال ربيعة. وقيل مستحب قاله ابن حبيب في واضحته، وقيل تخليلها واجب قال مالك في روايتي ابن وهب وابن نافع وبه قال ابن عبد الحكم، وكل هذا الخلا في اللحية الكثيفة وأما الخفيفة التي لا تستر البشرة فإنه يجب إيصال الماء إليها وإذا قلنا بوجوب التخليل فقيل إلى داخل الشعر فقط رواه ابن وهب وبه قال بعض شيوخ المازري. وقيل لابد من وصوله إلى البشرة نقله المازري عن الحذاق وقول الشيخ في قول مالك إشارة لعدم ارتضائه لذلك كقول ابن الحاجب، والمذهب وظاهر كلام الشيخ أنه يخلل في الغسل وبه الفتوى عندنا لعدم المشقة بخلاف الوضوء لتكرره. (ويجري عليها يديه إلى آخره) ظاهر كلام الشيخ ولو طالت، وهو كذلك وعزه ابن رشد لمعلوم المذهب وقيل لا يجب فيما طال منها، قاله مالك في رواية ابن القاسم وبه قال الأبهري. واختلف هل يجب غسل محل اللحية إذا سقطت أم لا؟ على قولين ومن هذا المعنى إذا حلق رأسه أو قلم أظفاره فقال في المدونة هو لغو وقال عبدالعزيز وابن الماجشون يعيد المسح واختار اللخمي أن وضوءه ينتقض، حكاه عياض وابن يونس عن عبدالعزيز أيضًا، وأسقط البرادعي من المدونة تقليم الأظفار ونقله ابن يونس عنها وكذلك سلم ابن عبد السلام وغيره قول ابن الحاجب، وفيها لو حلق رأسه وقلم أظفاره لم يعد ونص

اللخمي على أن من قطعت بضعة من لحمه فإنه يغسلها أو يمسحها إن عجز ورأى بعض الشيوخ أن قول المدونة في حلق الرأس خلافه. (ثم يغسل يده اليمنى إلى آخره): انظر لأي شيء خير في غسل يديه مرتين أو ثلاثا ولم يخير في الوجه والرجلين والبداءة بالميامن قبل المياسر لا خلاف أنها مستحبة لأنهما كالعضو الواحد، ولذلك لما استدل مالك على من قال بوجوب الترتيب بقوله وقد قال علي وابن مسعود: ما نبالي بدأنا بأيماننا أو بأيسارنا ولم يرتضه كل من لقيناه لأنه لم يمس المحل إذ لم يقل أحد بوجود ذلك إذ هما كالعضو الواحد. (ويخلل أصابع يديه إلى آخره): واختلف في تخليل أصابع اليدين على ثلاثة أقوال: فقيل إن ذلك واجب قاله مالك وابن حبيب وقيل مستحب قاله ابن شعبان، وقيل إن ذلك منكر قاله مالك أيضًا. قال ابن الحارث عن ابن وهب رجع ابن مالك من إنكاره إلى وجوبه لما أخبرت بحديث ابن لهيعة، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل أصابعه في الوضوء". قلت: رجوع مالك إلى الوجوب لتخليله صلى الله عليه وسلم فيه نظر، إذ تخليله أعم عن الوجوب والندب، ورجوع مالك إلى ما قال ابن وهب إشارة إلى مكانته في الحديث وهو كذلك وقد قرأ رضي الله عنه على أربعمائة عالم ومع ذلك كان يقول لولا مالك والليث لضللت. واختلف في إجالة الخاتم على ثلاثة أقوال: فقيل يجال وقيل لا يجال وقيل بالأول في الضيق وقال ابن عبد الحكم: ينزع فقيل إنه خلاف قول مالك وأصحابه، وقال ابن بشير يحتمل الوجوب والاستحباب، قلت: وكان بعض من لقيناه يقول كل هذا الخلاف إنما هو إذا لم يقصد بلباسه المعصية. وأما لو قصد ذلك فالاتفاق على النزع وما ذكره لا أعرفه وأصول المذهب تدل على الخلاف عموما، ألا ترى أن المسافر العاصي اختلف فيه هل يجوز له أن يقصر أم لا؟ وهل يمسح على خفيه أم لا؟ وهل يباح له أكل الميتة أم لا؟. (ويبلغ فيهما بالغسل إلى المرفقين يدخلهما في غسله وقد قيل إليهما حد الغسل فليس بواجب ادخالهما فيها وادخالهما فيه أحوط لزوال تكلف التحديد): القول الأول بدخول المرفقين وجوبا هو المشهور والقول بعدم ادخالهما رواه

ابن نافع من مالك وهو قول أبي الفرج أيضًا. وقول الشيخ: وإدخالهما فيه أحوط أراد به قولا ثالثا بالاستحباب ومثله للقاضي عبد الوهاب وغيره، ولو نبت ذراع في ذراع لوجب غسلهما ولو نبت في العضو ولم يمتد إلى الذراع الأصلية لم يجب، وإن امتد إليه وجب غسلهما نقله عبد الحميد الصائغ عن بعض الأئمة. قال عبدالحميد: وفيه نظر، وذكر في السليمانية أن من خلقت كفه بمنكبه بلا عضد ولا ساعد أنه غسل ذلك الكف وأن من خلق بلا يدين ولا رجلين ولا ذكر ولا دبر ويتغوط ويبول من سرته أنه يغسل مكان الأذى ويفعل من فرائض الوضوء وسنته ما يتعلق بوجهه ورأسه خاصة. وقيل فيها في امرأة خلقت من سرتها إلى أسفل خلقة امرأة وإلى فوق خلقه امرأتين تغسل محل الأذى وتغسل الوجهين فرضا وسنة وتمسح الرأسين وتغسل الأيدي الأربع والرجلين قبل أفتوطأ هذه المرأة؟ قال: نعم وتعقبه عياض أنهما أختان، قلت ومنع بعض شيوخنا قوله إنهما أختان لوحدة منفعة الوطء لاتحاد محله. (ثم يأخذ الماء بيده اليمنى إلى آخره): ما ذكره الشيخ من الصفة هو المشهور في المذهب وقيل يبدأ من ناصيته ذاهبا إلى مقدم رأسه ثم إلى قفاه ثم إلى ناصيته حكاه الباجي عن أحمد بن داود من أصحابنا قلت: وحكاه أبو عمران الفاسي من رواية علي قال ما نصه: رأيت بخط ابن التبان أن علي بن زياد روى عن مالك ما تأول بعض الناس في أن معنى بدأ من مقدم رأسه أنه بدأ من الناصية، قال وما رأيته لغيره ولو كانت الرواية صحيحة لنقلها ابن عبدوس ولقد أرانا الشيخ أبو علي حسان صفتين ذكر أن أبا محمد بن الحجاج وصفهما له، إحداهما ما في رواية علي والأخرى أن يبدأ بمقدم رأسه. قلت: وصفة ابن الجلاب ثالثة، وخارج المذهب قول بأنه يبدأ من المؤخر مقبلا إلى المقدم ثم يرجع إلى المؤخر، قال ابن عبد السلام: المشهور أنه يبدأ من المقدم وقيل من وسط رأسه وقيل من مؤخره. قلت: ظاهره أنه في المذهب ولا أعرفه والبداءة من مقدم الرأس فضيلة وقيل سنة حكاه ابن رشد وظاهر كلام الشيخ أنه لا يأخذ شيئا من الوجه، والكلام فيه مثل ما تقدم في الوجه ومنتهى الرأس الجمجمة. وقال ابن شعبان

آخر شعر القفا المعتاد وقال اللخمي ليس بحسن. (وكيفما مسح أجزأه إلى آخره): ظاهر كلام الشيخ أنه إن ترك بعضه وإن قل فلا يجزئه وهو كذلك عند مالك وقال محمد بن مسلمة يجزئ ثلثاه، وقال أبو الفرج الثلث. وقال أشهب إن مسح الناصية أجزأه وعنه إن لم يعم رأسه أجزأه. قال ابن عبد السلام: وانظر هل أراد بقوله هذا مثل قول الشافعي في ثلاث شعرات في قول أو بعض شعره في قول لكن قوله إن لم يعمم رأسه ظاهر في أنه لا بد من جزء معتبر، قلت: وكان بعض من لقيته يحكي عن ابن عطية أن هذا الخلاف إنما هو إذا وقع المسح من مقدم الرأس. وأما إذا وقع من غير ذلك فلا يجزئه اتفاقا ويمرضه أن الاتفاق على البداءة بمقدم الرأس وليست بفرض وإذا كان كذلك فلا فرق في الحقيقة بين البداءة بمقدم الرأس وغيره ويرد بأن قول ابن عطية كل هذا الخلاف إلى آخره يقتضي أنه وقف لهم على النص بذلك فتكون البداءة بمقدم الرأس التي ليست بفرض اتفاقا إنما هي حيث التكملة أما حيث الاقتصار على البعض فلا. قال ابن عبدالسلام: كل هذا الخلاف إنما هو بعد الوقوع وكان بعض أشياخي يحكي عن بعض الأندلسيين أن الخلاف فيه ابتداء ولم أقف عليه. (ولو أدخل يديه في الإناء إلى آخره): يريد وكذلك لو نصبهما على الماء ومسح لأجزأه، واختلف إذا جف بلل اليدين قبل استيعابه فقيل يجدد رواه ابن حبيب في المرأة وسمعه أشهب فيها وفي الرجل، وقيل إنه لا يجدد قاله إسماعيل القاضي وهو ظاهر قول ابن القاسم إن مسحها بإصبع واحدة أجزأه وقيد عبد الحق قول ابن القاسم هذا فقال يريد ويستأنف وأطلقه اللخمي كما قلنا واختلف في غسل رأسه في الوضوء فقال ابن شعبان يجزئه. قال ابن سابق وأباه غيره وكرهه آخرون فقول ابن شعبان يجزئه إنما هو بعد الوقوع والنزول وليس في المذهب نص بجوازه ابتداء. وقال ابن الحاجب: وغسله ثالثها يكره قال ابن عبدالسلام: فظاهر هذا النقل فيه قولا بالجواز ابتداء، وفي وجوده في المذهب عندي نظر فهو قد أشار إلى أن المنقول في المذهب كما صرحنا به والله أعلم.

(ثم يفرغ الماء على سبابتيه وإبهاميه إلى آخره): قال ابن الحاجب: ظاهرهما بإبهاميه وباطنهما بإصبعيه، قال ابن عبد السلام: لو قال بسبابتيه بدلا من قوله بإصبعيه لكان أحسن كما أشار إليه ابن أبي زيد لأن المسح بالبسابتين أمكن منه بغيرهما، قلت إنما أراد ابن الحاجب بالإصبعين السبابتين نعم لو صرح به لكان أولى. واختلف المذهب في تجديد الماء للأذنين على ثلاثة أقوال: فقيل مستحب قاله مالك وقيل سنة على ظاهر قول ابن الحاجب فتركه كتركهما. وقال محمد بن مسلمة إن شاء جدد وإن شاء لم يجدد، وقال ابن عبد السلام: تجديد الماء لهما فيه قولان منصوصان قلت لا أعرف من نص على أنه لا يجدد، وأما مسح الأذنين ففيه طريقان: منهم من يعمم الخلاف ويذكر على المشهور أن مسحهما نفل وعن ابن مسلمة والأبهري أن ذلك فرض. قال عبد الوهاب داخلهما سنة وفي فرض الظاهر قولان وفي كون الظاهر ما يلي الرأس أو ما يواجهه قولان ذهب إلى الأول ابن سابق وغيره، وذهب إلى الثاني بعضهم والطريق الأخرى سلكها ابن الحاجب، وفي وجوب ظاهرهما قولان وظاهرهما ما يلي الرأس وقيل ما يواجه، وإذا تأملت كلامه تجد فيه التناقض لأن أول كلامه يقتضي أن الباطن لا خلاف أنه سنة وتفسيره الظاهر بأنه مما يلي الوجه يقتضي أن فيه قولا بالوجوب والله أعلم، وفي المدونة: والأذنان من الرأس فحملها اللخمي على ظاهرها من الوجوب وهو ظاهر كلام ابن الحاجب وقال ابن يونس يريد في الصفة لا في الحكم. (ولا تمسح على الوقاية إلخ): يريد وكذلك الرجل لا يمسح على العمامة وهذا مع الاختيار وأما مع الاضطرار فجائز. قال ابن حنبل يجوز ذلك اختيارا ووافقه على ذلك جماعة من أصحابه بالإطلاق وفرق بعض أصحابه بين أن يكون لها حنائك أم لا، فإن كان لعذر فجائز كالخف واحتج أحمد ابن حنبل بأنه صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة وحمله بعض أصحابنا على احتمال أن يكون لعذر، وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنه أقرب وهو الذي يميل إليه بعض أصحابنا لأن الأصل عدم الأعذار وكونه صلى الله عليه وسلم دوام على غيره لا يدل على قول أهل المذهب لأن مداومته تدل على أن فعله لذلك مرة واحدة يؤذن بالإباحة.

(ثم يغسل رجليه إلخ): ما ذكر الشيخ أن الرجلين يغسلان هو مذهبنا ومذهب العلماء المفسرين، وما ذكر من غسلهما ثلاثا مثله في الجلاب وهو ظاهر قول ابن الحاجب في الفضائل، وأن يكون المغسول ثلاثا أفضل فظاهره مدخول الرجلين في ذلك والمنصوص لغير من ذكرنا لا تحديد في ذلك، وحمل غير واحد ما ذكرناه على الخلاف والصواب عندي أنهما يرجعان إلى قول واحد وأن معنى قول الشيخ ومن ذكر معه إذا كانتا نقيتين، ومعنى قول غيرهما إذا كانتا وسختين لقول الإمام المازري في شرح الجوزقي إذا كانتا نقيتين فكسائر الأعضاء يطلب فيهما التكرار وإلا فلا تحديد إجماعا. (وإن شاء .. إلخ): اختلف في تخليل أصابع الرجلين على خمسة أقوال: الوجوب والندب والإنكار والرابع الإباحة وهو الذي ذكره الشيخ ولم أره لغيره والخامس تخليل ما بين الإبهام والذي يليه خاصة وبه كان شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي يفتي إلى أن مات، ووجهه أنه لا جرح فيه لانفراجه بخلاف بقية الأصابع لأن تخليلها من باب الحرج المسقوط عن هذه الأمة، ويقول شيخنا هذا أقول والقول بالندب ذهب إليه ابن حبيب فهو قائل بالوجوب في اليدين والفرق بينهما من ثلاث أوجه: إحداهما: ما أشرنا إليه من انفراج أصابع اليدين بخلاف الرجلين. الثاني: أن اليدين لم يختلف في أن فرضهما المسح أو الغسل أو التخيير. الثالث: أن الرجلين يسقط فرض غسلهما بالمسح على الخفين ويسقطان في التيمم واليدين بخلاف ذلك لأنهما لا بد من غسلهما في الوضوء ومسحهما في التيمم. (فإنه جاء الأثر إلخ): قال ابن الصلاح: الفقهاء يطلقون الأثر على ما جاء عن الصحابي، والخبر على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقول الشيخ معترض على هذا ونبه عليه بعض من شرح كلام الشيخ وهو عندي بمنجاة منه لأن هذا الإطلاق إنما هو عرف المتأخرين، وأما المتقدمون فلا فرق عندهم في ذلك بين الأثر وبين الخبر، ألا ترى إلى قوله في المدونة: وقدا ختلفت الآثار في التوقيت فقد أطلق على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا فإن المحدثين يطلقون الأثر عليهما فلعل الشيخ سلك طريقهم في ذلك والأمر خفيف، قال عياض

والويل كلمة تقال لمن وقع في الهلاك وقيل لمن يستحق الهلاك وقيل الهلاك نفسه وقيل مشقة العذاب وقيل الحزن وقيل واد في جهنم. (وليس عليه تحديد غسل أعضائه ثلاثا ثلاثا بأمر لا يجزئ دونه إلخ): اعلم أنه لا خلاف أن الغرفة الأولى إذا أسبغ بها واختلف في الثانية والثالثة على خمسة أقوال: فقيل فضيلتان وقيل سنتان وقيل الأولى سنة والثانية فضيلة وهذه الأقوال الثلاثة حكاها عياض عن شيوخه. وقيل عكس الثالث نقله شيخنا أبو محمد عبدالله الشبيبي وغيره من متأخري القرويين وبه قال بعض متأخري التونسيين أيضًا. وكان بعض من لقيناه يوجهه بأن فيه الحرص على تحصيل الفضيلة لكون السنة متأخرة فالغالب عدم تركها بخلاف القول الذي قبله، فإذا حصلت السنة بالغرفة الثانية فقد يتهاون بالفضيلة، وحكى الإسفراييني عن مالك وجوب الغرفة الثانية ولا يقتصر على الغرفة الواحدة. قال المازري: للحض على الفضلة والعامة لا تكاد تستوعبه بالواحدة ولذلك روى ابن زياد إلا من العالم قال وهذه هي التي غرت الإسفرايني في نقله عن مالك وجوب الغرفة الثانية، وأما الرابعة فقال ابن بشير لا تجوز بإجماع قال ابن الحاجب: تكره الزيادة وقال ابن عبدالسلام: وربما فهم من أبحاثهم التحريم. قلت وظاهر كلامه أنه حمل الكراهة على بابها والصواب حملها على ما قال ابن بشير المراد بذلك التحريم. وقال ابن الجلاب: والفرض في تطهير الأعضاء مرة مرة والفضل في تكرير مغسولها ثلاثا ثلاثا، وفي كلامه رحمه الله مناقشة لفظية وهي أن كلامه يوهم أن الرابعة فضيلة لقوله والفضل إلخ فهو أمر زائد على الفرض ولم يرد ذلك. واختلف إذا شك هل هي ثالثة أو رابعة فقيل إنه يفعلها كركعات الصلاة. وقيل لا لترجيح السلامة من ممنوع على تحصيل الفضيلة، قلت وهذا هو الحق عندي وبه أدركت كل من لقيته يفتي، وخرج المازري على هذين القولين صوم عرفة لمن شك في كونه عاشرا. قال ابن بشير في شرحه على ابن الجلاب قيل له ما تختار من القولين حفظك الله؟ قال الصوم قيل له بناء على استصحاب الحال؟ قال نعم.

(وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من توضأ" إلخ):

المراد بقوله: "فأحسن الوضوء" تحصيله بفرائضه وسننه وفضائله ورفع الطرف وهو النظر إلى السماء لأنها قبلة الدعاء ولأنها أعظم المخلوقات المرئية لنا في الدنيا فيشغل بصره بها ويعرض بقلبه عن كون الدنيا فيكون ذلك أدعى لحضور قلبه لا لغير ذلك والمراد بتفتيح أبواب الجنة الحقيقة. وقيل المراد به الطاعات قلت وهو عندي تقريبي والأصل الحقيقة ولا مانع يمنع من ذلك والقولان حكاهما غير واحد كالتادلي، وظاهر الحديث أن هذا الشرف العظيم يحصل بفعل مرة واحدة وهو اللائق بفضل مولانا سبحانه وتعالى ولا معارضة بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم "إن في الجنة بابا يقال له باب الريان لا يدخل منه إلا الصائمون فإذا دخل آخرهم أغلق" لأن التخيير لا يستلزم الدخول منه قال التادلي: بعد أن ذكر الحديث أنه معارض، وفرق آخر وهو أن المتوضئ المحسن يوفق حتى يكون من أهل الصوم قلت والأقرب هو الأول وقد رأيت كثيرًا ممن يحسن الوضوء جدا لا يصوم غير الفرض إلى مماته وكذلك العكس ويعرف الإنسان هذا من نفسه. (وقد استحب بعض العلماء إلى آخره): سمعت من بعض من لقيته يذكر أن الشيخ أراد بقوله بعض العلماء ابن حبيب وكذلك مهما ذكره وما ذكره نص عليه التادلي في باب ما يفعل بالمحتضر وفي نفسي منه شيء فتأمله.

باب في الغسل

(ويجب عليه أن يعمل إلى آخره): لا شك أن الشيخ جرى على الترتيب الوجودي في هذا الباب وهو حسن في التأليف وما عدا هذا المحل فإن محله إما عند غسل اليدين وإما عند غسل الوجه على الخلاف المعلوم في محل النية لأن كلامه راجع إليها. وما ذكر الشيخ من أن النية في الوضوء فرض هو المشهور. وحكى المازري قولان أنه لا يفتقر إليه وخرجه في الغسل. قال ابن هارون: ويحتمل أن يفرق بأن الوضوء قد يتلمح فيه معنى النظافة لاختصاصه بالأعضاء التي لا تخلق من وسخ ودون ذلك يناسب عدم الافتقار إلى النية بخلاف أعضاء الغسل، وأما التيمم فاتفق المذهب على النية فيه، وقال الأوزعي لا يفتقر إليها، وقال ابن الحاجب: والإجماع على وجوب النية في محض العبادة، قال ابن عبد السلام: كالصلاة والتيمم ويعترض تمثيله بما تقدم إذ عادة ابن الحاجب إذا قال بإجماع أراد به سائر أهل العلم بخلاف الاتفاق، واختلف إذا تقدمت النية على الوضوء بالزمان اليسير على قولين، قال البلنسي: والصحيح البطلان. باب في الغسل قد تقدم أنه يقال بفتح الغين وضمها وفرائضه النية على المنصوص، واستيعاب جميع البدن بالغسل إجماعا وبالدلك على المشهور والموالاة كالوضوء، وسنته أربع: غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء والمضمضة والاستنشاق ومسح الصماخين وفي تخليل اللحية روايتان: فقيل فرض وقيل لا. وفضائله خمسة: التسمية والسواك والبداءة باليمين قبل الشمال وبالأعلى قبل الأسفل وتقديم الوضوء قبله. (أما الطهر فهو من الجنابة ومن الحيضة والنفاس سواه): قال عياض عن الأزهري معنى الجنابة: البعد فإن من أجنب فقد قصي عن مواضع القرب، وقال الشافعي معناه المخالطة من قولهم أجنب الرجل إذا خالط امرأته وهو ضد الأول لانه القرب يريد الشيخ بقوله سواء في الصفة ويلحق بذلك سائر الاغتسالات الشرعية، ولم يرد بذلك التكلم على الحكم لأن ذلك سبق له بزيادة دم الاستحاضة.

(فإن اقتصر إلى آخره): قال ابن عبد السلام: لا خلاف فيما قد علمت في المذهب أنه لا فضل في الوضوء بعد الغسل وإنما اختلف في سقوط الوضوء تقديرا أو يقدر الآتي بالغسل آتيا بالوضوء معه حكما، قلت: ما زعم من الاتفاق يرد بنقل الباجي عن مالك: إن أخر غسل رجليه من وضوء أعاد وضوءه بعد غسله وبقول التهذيب: ويؤمر الجنب بالوضوء قبل غسله فإن أخره بعده أجزأه ونبه على هذه بعض شيوخنا وما ذكره من الخلاف لا أعرف صورته فتدبره، لا يقال: إن صورته إذا لم يأت بالوضوء فهل يثاب عليه أم لا؟ للاتفاق على أن تقديمه مطلوب فلو كان يثاب عليه بتقديمه لاندراجه في الغسل لما كان لقولهم المطلوب تقديمه فائدة ويحتمل أن يكون أراد بالخلاف في التسمية فقط. (وأفضل له أن يتوضأ بعد أن يبدأ بغسل ما بفرجه أو جسده من الأذى ثم يتوضأ وضوء الصلاة إلى آخره): ما ذكر أن تقديم الوضوء فضيلة هو كذلك تشريفا لها ومعنى قوله: بعد أن يبدأ بغسل ما بفرجه أو جسده من الأذى يعني به على طريق الاستحباب، ويريد ثم يغسل ذكره ثم يتوضأ. فلو غسله بنية الجنابة ولم يغسل محل الأذى فإنه يجزئه، وقال ابن الجلاب: غسل النجاسة سنة إلا أن تكون في أعضاء الوضوء فيجب إزالتها لارتفاع الحدث لا لذاتها. وروى بعض من لقيناه أن قوله في أعضاء الوضوء وصف طردي، بل وكذلك أعضاء الغسل للعلة التي ذكرها ولو غسل المحل بنية الجنابة والنجاسة فإنه يجزئه. قال بعض الشيوخ قال المازري وهو متعقب: متى اعتقد المتطهر عدم فرض زوال النجاسة قلت إنما هو متعقب على أحد القولين فيمن جمع بين الجمعة والجنابة في غسل واحد، هل التنافي في النية حاصل لأنه لا يمكن اجتماع نفل وفرض في نية واحدة أو لا تنافي؟ لأن النفل جزء الفرض على أن تسليمه إذا اعتقد فرضيتها فيه نظر لأن غسل النجاسة لا يفتقر إلى نية والجنابة تفتقر فكان التنافي حاصل، وقد حكى عن أحد قولي المذهب إذا نوى رفع الحدث والتبرد أنه لا يجزئه وظاهر كلام الشيخ أنه يغسل أعضاء وضوئه ثلاثا ثلاثا، وهو ظاهر كلام غيره أيضًا. وقال عياض لم يأت في تكراره شيء، وقال بعض الشيوخ لا فضيلة فيه واختلف

هل المطلوب تقديم غسل الرجلين أم لا؟ فقيل بذلك وقيل المطلوب تأخيرهما، وقيل إن كان الموضع نقيا قدمهما وإن كان وسخا أخرهما وقيل مخير وهو الذي ذكر الشيخ رحمه الله. (فيخلل بهما أصول شعر رأسه إلى آخره): اعلم أن للتخليل فائدتين فقهية وطبية، هما سرعة إيصال الماء إلى البشرة وتأنيس رأسه بالماء فلا يتأذى لانقباضه على المسام إذا مس بالماء، وما ذكر أنه يخلل رأسه هو المنصوص، وخرج القاضي عبدالوهاب قولا بعدم التخليل من الاختلاف في تخليل اللحية ورده الباجي بأن بشرة الرأس ممسوحة في الوضوء مغسولة في الغسل، فاختلف بذلك حكم شعرها وبشرة الوجه مغسولة فيهما فاتحد حكم شعرها. وقال ابن الحاجب: الأشهر وجوب تخليل اللحية والرأس وغيرهما وسلمه ابن عبدالسلام، وقال ابن هارون: اعتمد في ذلك على نقل أبي الطاهر بن بشير والذي يحكيه غيرهما أن الخلاف في الرأس إنما هو بالتخريج كما تقدم. وقول الشيخ غاسلا له يحتمل أن يعم بكل غرفة غرفة وهو ظاهر كلام أهل المذهب وبه الفتوى. وقال الباجي: يحتمل أن يكون لما ورد في الطهارة من التكرار أو لأن الغرفة الواحدة لا تكفي في الرأس، وقال غيره الثلاث غرفات مستحبة والتكرار غير مشروع في الغسل فيحتمل أن تكون اثنتين لشقي الرأس والثالثة لأعلاه ويدل على هذا قوله في الحديث: أخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه فأفرغ على رأسه. وكلاهما نقله ابن هارون، قلت: والصواب الجزم بهذا الاحتمال جريا على الاستجمار في أحد القولين. (وليس عليها حل عقاصها إلى آخره): يريد إذا كان رخوا بحيث يدخل الماء وسطه وإلا كان غسلها باطلا وهذا يكفي عند قيد المسألة بما إذا كانت خيوط عليه يسيرة وأما إذا كانت كثيرة فلا. قال عبد الوهاب: ومن له شعر معقوص من الرجال فليس عليه حله، قال صاحب الحلل يريد من له عادة في العقص كالأعراب وأهل الرفق والرقص في الأعراس فإنهم يعقصون شعورهم بالعقاص كالنساء، وأما من لم تكن له عادة بذلك وعرض له العقص لعلة ما فلا رخصة له في ترك نقضه.

قال التادلي: جعل عقص الفساق رخصة مسقطة لحل عقاصهم بخلاف من عرضت له علة لا رخصة له في ذلك، وحاشا أن يحمل كلام عبد الوهاب على هذا الترخص المضحك، وقد نص البلنسي في شرح الرسالة على أنه لا يجوز للرجال أن يضفروا رءوسهم، قلت: كلام التادلي يحتمل وجهين: إما أن يحمل كلام القاضي عبد الوهاب على عكس ما فسره به صاحب الحلل وإما أن يحمل على العموم وهو الأقرب عندي على الشرط الذي ذكرناه أولا وهو إذا كان الضفر رخوا، وأما إن صح ما قال البلنسي فلا يضر في صحة الصلاة. (ويتدلك بيديه بإثر صب الماء حتى يعم جسده): المشهور من المذهب أن التدلك فرض، وقيل لا يجب، رواه مروان الظاهري، وقيل واجب لغيره قاله أبو الفرج، وقد تقدم أن ابن الحاجب لم ينقل الثالث وكأنه رأى أنه راجع إلى الثاني والمعنى يقتضيه؛ لأنه إذا لم يتحقق إيصال الماء إلى العضو إلا به فلا بد منه، وإذا حقق سقط عند من يقول بأنه ساقط وما عجز عنه من التدلك ساقط اتفاقا وأفاض عليه الماء وفي وجوب ما أمكنه بنيابة أو خرقة ثالثها إن كثر لسحنون وابن حبيب وابن القصار وظاهر كلام الشيخ أنه لا يشترط المقارنة وهو كذلك عنده خلافا لأبي الحسن القابسي. (وما شك أن يكون الماء أخذه من جسده عاوده بالماء ودلكه بيده حتى يوعب جميع جسده فيتابع عمق سرته): قال التادلي: ظاهره أن الظن يبني عليه وفي الصحيح لم يخلل بيديه أصول شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليها الماء. وقال ابن اللتبية في أحكامه فيه دليل على الاكتفاء بغلبة الظن، وقال تقي الدين: لا دليل فيه لأنه أفاض على رأسه الماء بعد ذلك ثلاثا وفيما قاله نظر وإذا ثبت العمل بالظن ثبت في سائر الجسد إذ لا قائل بالفرق. (وتحت حلقه ويخلل شعر لحيته إلى آخره):

باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

الصواب أن يقول وتحت ذقنه والأليتان بفتح الهمزة وسكون اللام المقعدتان والرفغان باطنا الفخذين وقيل ما بين القبل والدبر. ويحذر أن يمس ذكره إلى آخره: قال التادلي: ظاهر كلامه كقول اشهب إن مس الذكر بباطن الكف خاصة هو الناقض للوضوء لا بزيادة باطن الأصابع، وما ذكر الشيخ أنه إذا مس ذكره بعد تكلمة غسله أنه يعيد الوضوء هو كذلك باتفاق ويريد بنية وهو المشهور من المذهب على الإطلاق. وحكى المازري قولان بأنه إذا كان بالقرب لا يفتقر إلى نية وهو بعيد. وما ذكر الشيخ أنه يفقر إلى نية في أثناء الوضوء إذا مسه في أثناء غسله خالفه فيه صاحبه أبو الحسن القابسي. رأى أنه لا يفتقر إلى نية، وفي المدونة: من مس ذكره في غسله من جنابته أعاد وضوءه إذا فرغ من غسله إلا أن يمر بيديه على مواضع الوضوء في غسله فيجزئه. قال ابن الحاجب: وظاهرها للقابسي يعني لكونه لم يذكر النية ولو كانت شرطا لذكرها. ولابن عبدالسلام اعتراض عليه لم أذكره لطوله وضعفه ومعنى قوله على ما ينبغي من ذلك يعني من الترتيب والموالاة وعدد المرات قال التادلي. باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم التيمم في اللغة هو القصد قال الله تعالى: "فتيمموا صعيدا طيبا" [النساء: 43]

أي اقصدوا وقال تعالى: (ولا ءامين البيت الحرام) [المائدة: 2] أي قاصدين، وفي الاصطلاح: طهارة ترابية تستعمل عند عدم الماء أو عند عدم القدرة على استعماله. وحكمه الوجوب من حيث الجملة بإجماع. وأما حكمته فقال بعض الشيوخ لما علم الله تعالى من النفس الكسل والميل إلى ترك الطاعة وترك العمل الذي فيه صلاحها شرع لها التيمم عند عدم الماء حتى لا تصعب عليها الصلاة عند وجوده، وقيل تكون طهارته دائرة بين الماء والتراب الذي منها أصل خلقته وقوام بنيته. وقيل لما كان أصل حياته الماء ومصيره بعد موته إلى التراب شرع له التيمم ليستشعر بعدم الماء موته وبالتراب إقباره فيذهب عنه الكسل. قلت: ليس المراد أنها أقوال متباينة فإن من علل بالأول مثلا نفى ما بعده بل كل من ظهرت له حكمة تكلم بها والمراد الجميع وغير ذلك مما لم يظهر لنا والله أعلم. (التيمم يجب لعدم الماء في السفر إذا يئس أن يجده في الوقت): ما ذكر الشيخ أنه واجب على المسافر العادم الماء هو كذلك باتفاق إلا أنه اختلف هل المراد به كل مسافر سواء كان سفرا تقصر فيه الصلاة أم لا؟ وإليه ذهب القاضي عبد الوهاب، أو إنما المراد به إذا كان سفرا تقصر فيه الصلاة؟ وأما إذا كان دون مسافة القصر فيختلف فيه كالحضر وفي ذلك قولان وظاهر كلام الشيخ سواء كان سفر معصية كالمحارب والعاق لوالديه، وهو كذلك في أحد القولين، قال ابن الحاجب: ولا يترخص بالعصيان على الأصح والقول بعدم الترخص هو قول القاضي عبد الوهاب، واختار ابن عبد السلام أنه يترخص له قائلا: كل رخصة يظهر أثرها في السفر والحضر كالتيمم والمسح على الخفين فلا يمنع العصيان منها بخلاف الرخصة التي يظهر أثرها في السفر خاصة كالقصر والفطر ومعنى هذا لابن رشد. قال التادلي: وظاهر كلام الشيخ أن حكم التيمم للمسافر عزيمة واجبة وفي مختصر ابن جماعة أنه رخصة، والحق عندي أنه عزيمة في حق العادم الماء رخصة في حق الواجد له العاجز عن استعماله. والقول بالرخصة مطلقا لا يستقيم في حق العاجز فإن الرخصة تقتضي إمكان الفعل المرخص فيه وتركه كالفطر في السفر بخلاف عادم الماء لا سبيل له إلى تركه التيمم. قال وقول من قال إن الرخصة قد تنتهي إلى الوجوب غير مسلم فإنها إذا انتهت إليه صارت عزيمة، وزال عنها حكم الرخصة. (وقد يجب مع وجوده إذا لم يقدر على مسه إلخ): عدم القدرة على استعماله إن كان يخاف منه الموت فالاتفاق على التيمم وإن

كان يخشى زيادة مرض أو تأخير برء أو تجديد مرض فالمشهور كذلك وقيل لا يتيمم ويستعمل الماء قاله مالك، وقلت والأقرب هو الأول لقول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج: 78] و (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) [البقرة: 286]. ولقد أحسن أشهب رضي الله عنه في قوله لما سئل عن مريض: لو تكلف الصوم والصلاة قائما لقدر لكن بشقة وتعب، فأجاب بأن قال: فليفطر وليصل جالسا ودين الله يسر والمشهور أن الجنب كغيره فمهما تعذر غسله تيمم، وقال عياض في الإكمال قال أحمد بن ابراهيم المصري عرف بابن الطبري من أصحاب ابن وهب: من خاف على نفسه المشقة من الغسل أجزأه الوضوء لحديث ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، واختلف في الحضري إذا خاف خروج الوقت إن هو استعمل الماء والمشهور التيمم، وعليه إن خاف فوات الجمعة على ثلاثة أقوال: فقيل يتيمم لها، نقله ابن القصار وأبو بكر الأبهري عن بعض أصحابنا واختار ابن القصار أنه لا يتيمم لها. ونقله ابن هارون عن أشهب فقط قائلا عنه: ولو أحدث فيها وخشي فوات وقت الصلاة لذهابه للوضوء، ونقل القرافي عن بعضهم أنه يتيمم ويصلي ثم يتوضأ ويعيد. وحكاه غير واحد بلفظ لو قيل يتيمم ويدرك الجمعة ثم يتوضأ ويعيد احتياطا ما بعد وبهذا القول كان شيخنا أبو محمد عبدالله الشبيبي يفتي إلى أن مات. قلت وأشهب رحمه الله ناقض أصله وذلك أنه قال فيمن ذكر صلاة منسية وهو في الجمعة إن خاف فواتها تمادى وإن لم يخف قطع وقضى فجعل وقتها لا يمتد فتأمله. (وكذلك مسافر يقرب منه الماء ويمنعه منه خوف لصوص أو سباع): إذا خاف من سباع فلا خلاف أنه يتيمم؛ لأنه يخاف على نفسه وكذلك اللصوص إذا كان يخاف منهم على ماله خاصة فقيل يتيمم وقيل لا، واستبعده ابن بشير. قلت: الجاري على أصل المذهب أنه إن كان يحتاج إليه فإنه يتيمم مطلقا وإن كان لا يحتاج إليه فإن كان بحيث يجب عليه بذله في الشراء لقلته فإنه لا يتيمم وإلا تيمم فالقولان ينبغي أن يكونا خلافا في حال والله أعلم. وقال ابن عبد السلام: ينبغي أن يفصل في المال بين القليل والكثير وهو الذي أراد المؤلف، فظاهره أن القولين الذين ذكرهما ابن الحاجب في قوله أو على ماله على الأصح إنما هو في اليسير دون الكثير والحق ما قلناه والله أعلم.

واختلف في المقدار الذي يبذل في شراء الماء إن كان لا يضطر إليه فقيل يرجع فيه إلى العرف وهو الذي رجع إليه مالك ذكره اللخمي، قال: أما الرخيص فيشتريه وإن زيد في ثمنه مثله وروى أشهب ما لا يلزم شراؤه بالثمن المعروف وهو بعيد، وقال ابن الجلاب لا حد لمقدار ثمن الماء في الغلاء فيحتمل أن يحد بالثلث. (وإذا أيقن المسافر بوجود الماء إلخ): في كلامه رحمه الله مخالفة للمذهب وذلك أن ظاهر كلامه في الراجي لا يؤخر بل يتيمم وسط الوقت وليس كذلك بل حكمه كالموقن، ولقد قال ابن هارون لا أعلم من قال في الراجي: إنه يتيمم وسط الوقت غير ابن الحاجب ويمكن أن يريد بقوله وكذلك إن خاف هو راجع إلى القسم الأول لا إلى ما يليه وما ذكر من التفصيل هو المشهور، وروي عن مالك آخره في الجميع وروى ابن عبد الحكم المسافر مطلقا يتيمم أوله وفي المجموعة الراجي آخره وغيره وسطه وقيل الجميع آخره إلا اليائس أوله، والمراد بالوقت الذي ذكره الشيخ هو الاختياري نقله أبو محمد في مختصره عن ابن عبدوس وظهر لي أنه يتخرج قول باعتبار الضروري من قول ابن رشد: من تمادى به الرعاف فإنه يعتبر الضروري وكان من لقيته ممن تولى قضاء الجماعة بتونس لا يرتضي مني هذا التخريج حين ذكر له في درسه ويقول: النجاسة أشد بدليل أن من صلى بنجاسة مضطرا فإنه يعيدها في الوقت ومن تيمم وصلى ثم وجد الماء فلا إعادة عليه جملة، فإن قدم ذو التأخير ثم وجد الماء أعاد في الوقت وقيل أبدا قاله ابن عبدوس وغيره، وقيل إن ظن إدراكه ففي الوقت وإن أيقن فأبدا قاله ابن حبيب، وإن قدم ذو التوسط ففي إعادته في الوقت المختار خلاف ولا يعيد بعده اتفاقًا. (ومن تيمم من هؤلاء ثم أصاب الماء في الوقت إلخ): ما ذكر الشيخ أنه يعيد هو كذلك إلا أن كلامه يحتمل أبدًا، وفي الوقت والأقرب من كلامه الإعادة في الوقت بقرينة قوله ثم أصاب الماء في الوقت، وقال ابن الحاجب: يعيد في الوقت ويحتمل أبدًا، قلت: والأقرب أنه لا إعادة مطلقا بالنسبة إلى المريض لأنه إذا لم يجد من يناوله إياه إنما ترك الاستعداد للماء قبل دخول الوقت وهو مندوب إليه على ظاهر المذهب، وذلك لا يضر فلا إعادة مطلقا. وأما الخائف وما بعده فالأقرب فيه الإعادة في الوقت كمن صلى بالنجاسة أو عريانا، إلا أن يقال إن النجاسة آكد كما تقدم، ومثل ما ذكر الشيخ المطلع على الماء بقربه والإعادة في هذا

واضحة لأن معه ضربا من التفريط ولو وجد الماء بعد التيمم وقبل الدخول في الصلاة؛ فإن التيمم يبطل إن اتسع الوقت وإن ضاق. فقال عبد الوهاب: لا يبطل وخرجه اللخمي على التيمم حينئذ، وقال المازري: هذا آكد لحصوله بموجبه وأما إن وجده في الصلاة فالمنصوص لا يبطل، وخرج اللخمي قولا بالقطع من العريان يجد ثوبا وهو في الصلاة ومن ذكر صلاة من صلاة ومن نوي الإتمام ومن إذا قدم وال في الجمعة ورده بعض شيوخنا بأن مسألة التعدي لا بدل لها، ومسألة ذاكر صلاة في صلاة سبقية العلم بالصلاة المنسية فكان معه ضرب من التفريط وفي مسألة ناوي الإتمام هو قد تسبب في ذلك ومسألة قدوم الوالي بأن العزل يتقرر بالنزول. قال ابن عبد السلام: خرج القطع من ذاكر الصلاة في الصلاة ورده بما تقدم قلت: كلامه يوهم أنه لم يخرج إلا منها فقط وليس كذلك.

(ولا يصلي صلاتين بتيمم واحد من هؤلاء إلا مريض لا يقدر على مس الماء لضرر بجسمه مقيم وقد قيل يتيمم لكل صلاة، وقد روى عن مالك فيمن ذكر صلاة أن يصليها بتيمم واحد): القول الأول: ومن الثلاثة التي ذكر الشيخ عزاه في النوادر لبعض أصحابنا وهو اختيار التونسي، قال ابن الحاجب أبو إسحاق: يجوز للمريض قال ابن عبد السلام: هو ابن شعبان، قلت إنما فسره به ولم يفسره بالتونسي لنص ابن شاس بذلك وتعقبه بعض شيوخنا بأن الزاهي إنما فيه من جمع بين صلاتين بتيمم، قلت حكاه ابن يونس عن أبي محمد بن أبي زيد قائلا: أخبرت به عن ابن شعبان لعدم وجوب الطلب عليه، والقول الثاني من أقوال الشيخ هو المشهور ومرضه الشيخ بوجهين وهما تقدمة الشيخ القول عليه، وقوله وقد قيل ولم يقل وقيل، والقول الثالث: رواه أبو الفرج عن مالك وعزاه ابن يونس لقوله أيضًا، وعزاه ابن الحاجب لقوله فلا يعترض عليه إذ هو قوله بلا شك. ونصه أبو الفرج في الفوائت وأخذ بعض من لقيناه من رواية أبي الفرج أن من عليه صلوات كثيرة أن يقيم لها إقامة واحدة وأجبته بيسر الإقامة لأنها قولية وعسر التيمم لأنه فعلي، فإذا قلنا بالمشهور وجمع بين صلاتين بتيمم واحد فأما الأولى فصحيحة باتفاق. واختلف في الثانية على أربعة أقوال: فقيل يعيدها وقتا، وقيل أبدا، وقيل إن كانتا مشتركتين أعادها وقتا وإلا أعادها أبدا وقيل يعيدها ما لم يطل كاليومين والثلاثة قاله سحنون ذكر جميع الأربعة ابن يونس. قال ابن عبد السلام: وانظر في الفائتين إذا كانتا غير مشتركين الوقت هل تكونان كالمشتركين أم لا؟ والمذهب جواز النفل بتيمم الفريضة بعدها متصلا أو ما هو في حكم المتصل وقال التونسي ما لم يطل تنفله جدا وقال الشافعي، يتنفل إلى دخول وقت الفريضة الثانية وارتضاه ابن عبد السلام للتبعية وعدمها. (والتيمم بالصعيد الطاهر وهو ما ظهر على وجه الأرض منها من تراب أو رمل أو حجارة أو سبخة): لم يرد الشيخ بقوله من تراب إلخ الحصر بل يتيمم على غير ذلك كالشب والنورة والزرنيخ وشبه ذلك كالكحل والكبريت والزاج اللخمي يمنع بالجير والآجر والجص بعد حرقه والياقوت والزبرجد والرخام، والذهب، والفضة، فإن فقد سوى ما منع وضاق الوقت يتيمم به، نص على ذلك جميع البغداديين وقيل لا يتيمم على الشب

ولا على ما بعد نقله أبو بكر الوقار وقيل بالأول وإن لم يجد غيره وضاق الوقت وكذلك يتيمم على الثلج عند مالك من رواية ابن القاسم. وروى أشهب أنه لا يتيمم عليه وقيل إن عدم الصعيد فالأول وإلا فالثاني ورابعها يعيد في الوقت بالصعيد. (واختلف في الملح على أربعة أقوال): ثالثها الفرق بين المعدني والمصنوع، ورابعها للسليمانية إن لم يجد غيره وضاق الوقت يتيمم وإلا فلا، نقله ابن يونس، واختلف في التيمم على الزرع والخشب على قولين، وأخذ الجواز من قول يحيى بن سعيد في المدونة، ما حال بينك وبين الأرض فهو منها، وظاهر كلام الشيخ أنه يتيمم على غير التراب وإن كان التراب موجودا وهو المشهور. وقال ابن شعبان: لا يتيمم إلا على التراب خاصة سواء كان منبتا أم لا، وقال ابن حبيب يتيمم على غير التراب مع فقده، وأخذه ابن الحاجب من قول المدونة، ويتيمم على الجبل والحصباء من لم يجد ترابا وأنكر هذا الأخذ بعض المشارقة قائلا إنما وقع هذا الشرط في المدونة من كلام السائل لا من كلام ابن القاسم فيحتمل أن يكون مقصودا ويحتمل أن الجواز عموما وقبله ابن عبد السلام، وظاهر كلام الشيخ أنه يتيمم على التراب المنقول وهو كذلك خلافا لابن بكير، قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام الشيخ أنه يتيمم وهذا إذا عمل في وعاء وأما لو جعلت على وجه الأرض فاسم الصعيد باق عليه. (ويضرب بيديه الأرض وإن تعلق بهما شيء نفضهما نفضا خفيفا ثم يمسح بهما وجهه كله مسحا ثم يضرب بيديه الأرض فيمسح يمناه بيسراه يجعل أصابع يده اليسري على أطراف أصابع يده اليمني ثم يمر أصابعه على ظاهر يده وذراعه وقد حنى عليه أصابعه، حتي يبلغ المرفقين ثم يجعل كفه على باطن ذراعه من طي مرفقه قابضا عليه حتى يبلغ الكوع من يده اليمني ثم يجري باطن بهمه على ظهر بهم يده اليمني ثم يمسح اليسرى باليمنى هكذا فإذا بلغ الكوع مسح كفه اليمني بكفه اليسرى إلى آخر أطرافه ولو مسح اليمني باليسرى واليسرى باليمنى كيف شاء وتيسر عليه وأوعب المسح لأجزأه): اعلم أن المشهور استحباب صفته، وقال ابن عبد الحكم: لا تسحب وما ذكر الشيخ من الصفة هول تأويله على المدونة، وقيل تأويله عليها أنه لا ينتقل إلى يده

اليسرى حتى يكملها وصوب إذ الانتقال إلى الثانية قبل كمال الأولى مفوت فضيلة الترتيب الذي بين الميامن والمياسر. فإن قلت إنما اغتفر هذا عند القائل بالصفة الأولى وهو الشيخ أبو محمد حفظا على النقل وهو أشد في الطلب، قلت النقل لم يشترطه الشيخ ألا ترى إلى قوله يتيمم على الحجر، وما ذكر الشيخ من إمرار الإبهام مثله لابن الطلاع وظاهر الروايات مسح ظاهر إبهام اليمني مع ظاهر أصابعها، ونبه على هذا بعض شيوخنا. قال ابن عبدالحكم: وينزع الخاتم، وقال ابن شعبان يخلل أصابعه، قال اللخمي على قول ابن مسلمة ترك القليل من العضو عفو يصح دون نزع أو تخليل، وقال أبو محمد في قول ابن شعبان لا أعرفه لغيره. قلت: وعادة الشيخ إذا قال مثل هذا أراد أن المذهب على خلافه كمن قال يا فلان فعل الله بك كذا، فقال ابن شعبان تبطل صلاته قال الشيخ لا أعرفه، وقول ابن بكير من التذ بالفكرة في القلب انتقض وضوؤه، وقال أيضا لا أعرفه ففهم عنه أهل المذهب ما قلناه، فإذا عرفت هذا فقول ابن الحاجب. قالوا ويخلل أصابعه متعقبا لانفراد ابن شعبان به وأشار إليه ابن رشد وصرح به خليل رحمه الله تعالى، وما ذكر الشيخ أنه ينتهي إلى المرفقين هو المعروف عند مالك وعنه إلى الكوعين، وعنه كذلك إلا أنه يستحب إلى المرفقين حكاه عنه أبو الجهم وأبو الفرج وقيل إلى المنكبين ينتهي مطلقا قاله ابن مسلمة وقيل الجنب إلى المنكبين. والمحدث الحدث الأصغر إلى الكوعين حكاه ابن رشد عن ابن لبابة فتحصل في ذلك خمسة أقوال. واختلف إذا اقتصر على ضربة واحدة أو إلى الكوعين على أربعة أقوال، فقيل يعيد في الوقت، وقيل أبدًا، وقيل لا إعادة عليه، وقيل لا يعيد في الأولى ويعيد في الثانية في الوقت وهو المشهور. (وإذا لم يجد الجنب أو الحائض الماء للطهر تيمما وصليا فإذا وجدا الماء تطهرا ولم يعيدا ما صليا): أما ذكر الشيخ أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء تيمما هو المشهور بل هو مذهبنا وعن ابن مسعود الجنب ليس من أهل التيمم فلا يصلي، ويعزي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وما ذكر أنهما يغتسلان إذا وجدا الماء هو المنصوص. وخرج القاضي عبد الوهاب عدم الغسل على القول بأنه يرفع الحدث، ورده المازري بأن من

قال يرفع الحدث إنما أراد أنه يصلي به ما شاء إلى وجود الماء أما أنه لا يغتسل فلا، وقال ابن الحاجب: وصفته أنه ينوي استباحة الصلاة محدثا أو جنبا لا رفع الحدث فإنه لا يرفعه على المشهور وعليهما وجوب الغسل لما يستقبل. قال ابن عبد السلام: هو مشكل لأنه لا يعلم خلاف بين فقهاء الأمصار في وجوب الغسل إذا وجد الماء من قال منهم بأنه يرفع الحدث، ومن لم يقل إلا ما حكي عن بعض التابعين فجعله هذا الفرع ثمرة للخلاف لا يصح، واعتذرنا بأن ضمير التثنية عائد على المحدث والجنب من قوله وعليهما في المعنى والغسل عليهما قال وهو بعيد من حيث أن الغسل إذا أطلق في الاصطلاح إنما المراد به الطهارة الكبرى لا الصغرى. قلت هذا تكلف لا يحتاج إليه إذ ما سلكه ابن الحاجب هي طريقة القاضي عبد الوهاب فليس عليه في ذلك درك والله أعلم، وما ذكر أنهما لا يعيدان ما صليا هو كذلك في المدونة وقيدت بما إذا لم تكن في بدنه نجاسة. وقال أبو بكر ابن اللباد: وكذلك إذا كانت الجنابة من وطء لأن فرجه تنجس من بلة فرج المرأة. ولا يطأ الرجل امرأته التي انقطع عنها دم حيض أو نفاس بالتطهر بالتيمم حتى يجد من الماء ما تتطهر به المرأة ثم ما يتطهران به جميعا وفي باب جامع الصلاة شيء من مسائل التيمم): ما ذكر الشيخ أنه لا يطؤها بالتيمم هو المشهورن وقال ابن شعبان ذلك جائز. قال ابن بكير يكره له أن يطأها قبل الاغتسال، واختلف هل يجب على الزوج شراء الماء لزوجته؟ على قولين: الأول حكاه عبد الحق في النكت قياسا على النفقة، قلت: الأقرب إن كانت جنابتهما منه وجب عليه وإلا فلا يغلب على ظني أني وجدته منصوصا قول الشيخ حتى يجدا كالنص في أنه يجب عليه إذا أراد وطأها ولا يجب عليه إذا لم يرده والله أعلم.

باب في المسح على الخفين

باب في المسح على الخفين مثل هذا الترتيب أعني تأخير هذا الباب عن باب التيمم سلك ابن الحاجب فأورد ابن هارون سؤالا وهو إن قلت لأي شيء أخر هذا الباب عن باب التيمم مع أن كل واحد منهما بدل عن طهارة الماء؟ وأجاب بأن التيمم ثبت بالقرآن ومسح الخفين ثبت بالسنة، والقرآن مقدم قلت وما ذكره صحيح ولذلك اختير في البقر الذبح لكونه بالقرآن لقوله تعالى: (تذبحوا بقرة) [البقرة: 67] ونحرها إنما جاء بالسنة من فعله صلى الله عليه وسلم ورجع اسم العشاء على اسم العتمة لقول الله عز وجل (ومن بعد صلاة العشاء) [النور: 58]. (وله أن يمسح على الخفين في الحضر والسفر ما لم ينزعهما): ظاهر كلام الشيخ أن مسح الخفين رخصة وهو كذلك في قول وقيل سنة وقيل فرض وكلها حكاها ابن الطلاع قائلا: والأحسن أن نفس المسح فرض والانتقال إليه رخصة، قلت: كلامه يوهم أن ما اختاره رابع في المسألة وليس كذلك بل من قال بالسنة والرخصة إنما أراد ذلك والله أعلم، وكذلك من قال بالفرضية إنما يريد إذا أراد أن يمسح أن ينوي الفرضية لأن ذلك فرض بالإطلاق والله أعلم. وما ذكر أنه يمسح المسافر والمقيم هو إحدى الروايات عن مالك. وروي المسافر خاصة وكلاهما في المدونة، وروي عنه لا يمسح مطلقا قال وفي المجموعة أقوال اليوم مقالة ما قلتها قط في ملأ قط من الناس. أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين وأبو بكر وعمر وعثمان في خلافتهم فذلك خمس وثلاثون سنة فلم يرهم أحد يمسحون وإنما هي الأحاديث، وكتاب الله أحق أن يتبع ويعمل به. قال ابن وهب

فرأيته يكره المسح في الحضر والسفر وقال ابن العربي في القبس لا ينكره إلا الرافضة والإجماع على جوازه، قال التادلي وقد قال بعض من نبذ مذهبهم: أشكو إلى الله ما لقيت = من شؤم قوم بهم بليت لا أبغض الصالحين دهري = ولا تشيعت ما حييت أمسح خفي ببطن كفي = ولو على جيفة وطيت قال الفاكهاني: وإنما قدم المصنف رحمه الله تعالى الحضر اهتماما به لما صح عنده أنه الذي رجع إليه مالك فكأنه اقتدى بقوله تعالى: (يوصي بها أو دين) [النساء: 12] : فقدم تعالى الوصية على الدين وهو آكد لما ذكرنا من الاهتمام بأمرها إذ كانت الوصية شرعية أعني أنها لم تكن معهودة في الجاهلية بخلاف الدين فإن أمره معلوم عند كل واحد، وظاهر كلام الشيخ أنه يمسح عليهما وإن طال جدا وهو كذلك على المشهور. وقال ابن نافع: حده للمقيم من الجمعة إلى الجمعة فأطلقه الأكثر وحمله ابن يونس على الندب كغسل الجمعة، وفي كتاب السي: ر للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة واختاره ابن عبدالسلام لموافقته حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وإن كانت تلك الرسالة منكرة عند شيوخ المذهب. وروى أشهب للمسافر ثلاثة أيام وسكت عن المقيم فيحتمل أن يقول بما في كتاب السير ويحتمل أن يقول بعدم المسح للمقيم قاله ابن عبد السلام. (وذلك إذا أدخل فيهما رجليه بعد أن غسلهما في وضوء تحل به الصلاة فهذا الذي إذا أحدث وتوضأ مسح عليهما وإلا فلا): ظاهر كلام الشيخ أنه إذا غسل رجله اليمنى وأدخلها في الخف ثم غسل

الرجل اليسرى وأدخلها في الخف أنه لا يمسح وهو كذلك خلافا المطرف وسبب الخلاف على أحد الطريقين هل كل عضو يطهر بانفراده أم لا. وظاهر كلام الشيخ أنه يمسح عليهما إذ لبسهما عقب الغسل من الجنابة لأنه إذا كان يمسح عقب الوضوء فأحرى عقب الغسل لأنه وضوء وزيادة وهو المشهور. وحكى صاحب الطراز عن بعض المتأخرين أنه لا يمسح وهو قول غري بعيد وظاهر كلام الشيخ أنه لا يمسح إذا لبسهما عقب طهارة التيمم وهو كذلك خلافا الأصبغ ويشترط في الخف أن يكون ساترا لمحل الوضوء صحيحا، فإن كان غير ساتر فلا يمسح. وروى الوليد بن مسلم عن مالك أنه يمسح ويغسل ما ظهر، وضعفه الباجي بأن هذا القول معروف للأوزاعي لا لمالك وهو كثير الرواية عنه فأشار إلى احتمال وهمه، ومثله قال المازري ورده ابن عبد السلام بأنه أحد الرجال الثبت الذي لم ينسبه أحد إلى الوهم، وأجابه بعض شيوخنا بأن الذهبي والمزي ذكرا فيه عن بعضهم أنه مدلس ولم يفضلاه ومقتضى كلام الثلاثة الباجي والمازري وابن عبد السلام انفراده بالرواية. ونص ابن رشد ومفهومه عدم الانفراد بالرواية والاقتصار على مسحه دون غسل ما بقي قال وروى علي وأبو مصعب والوليد أنه يمسح، وزاد الأوزاعي غسل ما

بقي قال: ورووا لا يمسح على الخف المخرق إذا كان خرقه كثيرا وذلك أن يظهر جل القدم، وقال العراقيون ما يتعذر مداومة المشي فيه. (وصفة المسح أن يجعل يده اليمنى من فوق الخف من طرف الأصابع ويده اليسرى من تحت ذلك ثم يذهب بيديه إلى حد الكعبين وكذلك يفعل باليسرى ويجعل يده اليسرى من فوقها واليمنى من أسفلها): ما ذكره الشيخ من الصفةة خالفه فيها صاحبه الشيخ أبو القاسم ابن شبلون وقال اليسرى كاليمنى على ظاهر المدونة، وحكى عنه ابن بشير تأويلا على المدونة أيضا أنه يمسح الرجلين مرة واحدة ويده اليمني من فوقها واليسرى من أسفلها، ولا يعترض عليه بترك بعض المسح؛ لأن المسح مبني على التخفيف وقيل يبدأ من الكعبين حكاه الشيخ بعده. وقال ابن عبد الحكم: يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابع اليمنى واليسرى على مؤخر خفه من عقبه يمر بها إلى آخر أصابعه واليمنى إلى عقبه فلو مسح أعلاه بها أو أسفله فقال أشهب يجزئه، وقال نافع لا يجزئه وصوب وقال في المدونة لا يجزئه مسح أعلاهما دون أسفلهما ولا أسفلهما دون أعلاهما إلا أنه إن اقتصر على الأعلى أعاد في الوقت لأن عروة كان لا يمسح أسفلهما. قلت: في قول المدونة مناقشة وفائدة، أما المناقشة فإن في كلامه التنافي لأن قوله لا يجزئه ظاهر في التكلم بعد الوقوع فيعيد أبدا، وقوله بعد يعيد في الوقت في الاقتصار على الأعلى ينافيه فهو أراد ولا يجوز، ففي كلامه التسامح، والفائدة أن مالكا يعلم من هذا أن مذهبه أنه يرعى القائل الواحد إذا قوي دليله لما علم أن المسح مبني على التخفيف يدل عليه قول أشهب السابق، وقد علمت أن اشتهار الخلاف هل يراعي كل خلاف أو لا يراعي إلا الخلاف القوي، وهل القوي ما كثر قائله أو ما قوي دليله ومن غسل خفه فالمنصوص يجزئ مع الكراهة. قال ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريج الخلاف في غسل يراعي أصله فيجزئ لأن مسحه بدل من الغسل ولا كذلك الرأس لأن المسح فيه أصلي والله أعلم والمذهب أنه لا يتتبع الغضون. (ولا يمسح على طين في أسفل خفه أو ورث دابة حتى يزيله بمسح أو غسل وقيل يبدأ في مسح أسفله من الكعبين إلى أطراف الأصابع لئلا يصل إلى عقب خفه شيء من

باب أوقات الصلاة وأسمائها

رطوبة ما سمح من خفيه من القشب): حمل القاضي عبد الوهاب قوله بمسح أو غسل على التخيير، وحمله صاحب الحلل على ضرب من اللف والأقرب هو الأول إذا كان كل منهما كافيا، وإن لم يكف المسح تعين الغسل على طريق الوجوب ابتداء حسبما قدمنا عن المدونة، وعليه حمله القاضي عبد الوهاب وحمله الفاكهاني على الاستحباب لقول المدونة يعيد في الوقت وهو بعيد بل إنما قاله للخلاف على أن الشيخ يحتمل أن يكون إنما أشار بكلامه إلى قول مالك في الخف إذا أصابه روث الدواب هل يكفي فيه المسح أم لا والله أعلم. (وإن كان في أسفله طين فلا يمسح عليه حتى يزيله): هذا عندي تكرار لا شك فيه ولا ريب والله أعلم. باب أوقات الصلاة وأسمائها

قال المازري: الوقت حركة الأفلاك ورده بعض شيوخنا بأنه صالح لغة لا عرفا قال وهو كون الشمس أو نظيرها بدائرة أفق معين أو بدرجة علم قدر بعدها منه والصلاة أداء وقضاء. قال ابن الحاجب: فوقت الأداء ما قيد الفعل به أولا والقضاء ما بعده وأراد بقوله أولا الخطاب، الأول على رأي الأصوليين أن القضاء بأمر جديد هكذا كان يفهمه بعضهم وانظر بقية كلام ابن عبد السلام فيه، وقال بعض شيوخنا وقت الأداء ابتداء تعلق وجوبها باعتبار المكلف والقضاء انقضاؤه، والأداء اختياري وهو المذكور غير المنهي عن تأخير فعلها عنه وإليه وضروري وهو المذكور المنهي عنه وإليه فلا تنافي بين الأداء والعصيان، قال وعلى تفسير المازري بأنه وقت مطابقة امتثال الأمر يتنافيان. ويكون وقت الضرورة لغير ذي عذر قضاء، وهو قد رضي قول ابن القصار أنه وقت أداء وتنافيهما عزاه التونسي للمخالف ونفيه لنا والاختياري فضيلة أن نرجح فعلها فيه على اختياري آخر وإلا فتوسعة، والوجوب يتعلق بكل الوقت وقيل بما يسع الفعل منه مجهولا بعينه الواقع خرجه الباجي على المذهب في خصال الكفارة وهل يشترط في جواز التأخير العزم على الأداء قاله القاضي عبد الوهاب وغيره أو لا يشترط قاله الباجي وغيره في ذلك قولان.

(أما صلاة الصبح فهي الصلاة الوسطى عند أهل المدينة وهي صلاة الفجر فأول وقتها انصداع الفجر المعترض بالضياء في أقصى المشرق ذاهبا من القبلة إلى د بر القبلة حتى يرتفع فيعم الأفق): ما ذكر الشيخ أن لها ثلاثة أسماء الصبح والفجر والوسطى صحيح أما الصبح فلوجوبها حينئذ والصبح والصباح أول النهار وقيل مأخوذ من الحمرة التي فيه كصباحة الوجه مأخوذة من الحمرة التي فيه وأما الفجر فلوجوبها عند ظهوره، والوسطى لأن الظهر والعصر مشتركتان والمغرب والعشاء كذلك الصبح مستقل بنفسه فكانت وسطى بهذا الاعتبار؛ ولأن المغرب والعشاء صلاتا الليل والظهر والعصر صلاتا النهار وهي وقتها مستقل لا من الليل ولا من النهار وبقي عليه أنها تسمى صلاة الغذاة لأنها تجب غدوة أول النهار وما ذكر الشيخ من أنها تسمى الوسطى فهو إشارة إلى معنى قوله تعالى: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) [البقرة: 238] وهذا هو المشهور من المذهب. وقال ابن حبيب هي العصر واختاره ابن عبد السلام وابن العربي وبه قال أبو حنيفة والشافعي، واضطرب العلماء في الصلاة الوسطى على أربعة عشر قولا وقول الشيخ عند أهل المدينة يحتمل أن يكون مرتضيا لذلك وهو الأقرب، ويحتمل أن يكون متبرئا من ذلك لخصوصية نسبة هذه المسألة لهم دون غيرهم لا يقال إنما ذكر هذه المسألة للاختلاف فيها فهو إنما ذكر ذلك ارتضاء واحتجاجا على المخالف فيها لأنه

لم يطرد ألا ترى إلى قوله والصناع ضامنون لما غابوا عليه، ولم يقل عند أهل المدينة أو ما أشبه ذلك ليحتج به على من نفى الضمان مطلقا وهو الشافعي أو بقيد أن يعمله بغير أجر وهو أبو حنيفة كقول القاضي عبد الوهاب أجمع على ضمانهم الصحابة وكقول مالك في المدونة قضى الخلفاء بتضمينهم. (وآخر الوقت الإسفار البين الذي إذا سلم منها بدا حاجب الشمس وما بين هذين وقت واسع): واختلف في آخر وقت الصبح فقيل طلوع الشمس رواه ابن وهب وبه قال الأكثر وأخذه الباجي من قول مالك من رجا وجود الماء قبل طلوع الشمس فلا يتيمم وقيل الإسفار الأعلى، رواه ابن القاسم، وبه قال الأكثر وأخذ الباجي من رواية ابن نافع صلاتها أول الوقت فذا أحب إلي منها جماعة في الإسفار. قال ابن الحاجب في تفسيره ابن أبي زيد الإسفار يرجع بهما إلى وفاق قلت: وقيل إن الخلاف حقيقة وإن الإسفار المراد به ما تبين به الأشياء قاله ابن العربي ونقله عبد الحق عن بعض المتأخرين. (وأفضل ذلك أوله): ظاهره للفذ والجماعة صيفا وشتاء وهو كذلك، وقال ابن حبيب: يؤخرها الأئمة في الصيف إلى الإسفار لقصر الليل وغلبة النوم نقله عنه أبو محمد ونقل اللخمي عنه تؤخر إلى نصف الوقت، قال ابن رشد في أجوبته المذهب أن أول الوقت أفضل إلا في مساجد الجماعة فتأخيرها عنه شيئا قليلا أفضل. (ووقت الظهر إذا زالت الشمس عن كبد السماء وأخذ الظل في الزيادة): سميت الظهر من ظهور زوال الشمس بعد وقوفها ومن الارتفاع لبلوغها غاية ارتفاعها والظهور الارتفاع، وقيل سميت بذلك لأن وقتها أظهر الأوقات وتسمى أيضا الهجيرة وقد جاء في الحديث اسمها بذلك مأخوذ من الهاجرة وهي شدة الحر، وتسمى الأولى لأنها أول صلاة صلاها جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ابتدأ غير واحد بها ولا خلاف أن أول وقتها زوال الشمس كما قال الشيخ رحمه الله قال في المدونة: وما دام الظل في نقصان فهو غداة وأقام المغربي منها ما في سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق فيمن حلف لغريمه لأقضينك حقك غدوة أن له أن يقضيه حقه ما بينه وبين الزوال ولا حنث عليه.

ورده بعض من لقيناه بافتراق المأخذين، وذلك أن ما ههنا نظر فيه إلى اللغة، وما في العتبية نظر فيه إلى العرف ولو كان العرف على خلاف ذلك عمل عليه. (يستحب أن تؤخر في الصيف إلى أن يزيد ظل كل شيء ربعه بعد الظل الذي زالت عليه الشمس): لا مفهوم لقوله في الصيف بل وكذلك في الشتاء قال في التهذيب، قال مالك أحب إلي أن تصلي الظهر في الصيف والشتاء والفيء ذراع كما قال عمر وظاهر كلام الشيخ في هذا القول أن حكم الفذ مساو لحكم الجماعة يدل عليه ما يقوله بعد، وكذلك هو ظاهر التهذيب وبه قال عبد الوهاب وغيره. (وقيل إنما يستحب ذلك في المساجد ليدرك الناس الصلاة وأما الرجل في خاصته فأول الوقت أفضل له): هذا القول لابن حبيب حكاه أبو عمر بن عبد البر عن ابن عبد الحكم، وبه قال البغداديون واختاره اللخمي قائلا وكذلك حكم الجماعة إذا لم ينتظروا غيرهم. (وقيل أما في شدة الحر فأفضل له أن يبرد بها وإن كان وحده لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم" وآخر الوقت أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل نصف النهار): ظاهر كلام الشيخ أنه أراد بهذا القول أن في شدة الحر يبرد بها، وفي غير ذلك تصلى الفيء ذراع وبقي في المسألة قول رابع وهو أنه لا مزية لأول الوقت على آخره حكاه غير واحد، وأما الجمعة فنقل ابن حبيب عن مالك أن من سنة الجمعة تقديمها عند الزوال وبعد ذلك بيسير. وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يصلي بهم الجمعة ثم ينصرفون فيقيلون قائلة الضحى يريد يستدركون ذلك والحكم ما تقدم سواء قلنا إنها أصل أو بدل عن الظهر للسنة كما تقدم. (وأول وقت العصر آخر وقت الظهر)

يعني أن وقت آخر الظهر تشاركها فيها العصر فإذا زاد الظل أدنى زيادة على القامة الثانية فيختص الوقت بالعصر وهو قول مالك في المجموعة واختاره عبد الوهاب، وروى أشهب الاشتراك فيما قبل القامة فيما قبل القامة فيما يسع إحداهما واختاره التونسي. وقيل إن الظهر تشارك العصر في القامة الثانية بمقدار أربع ركعات قاله أشهب في مدونته نقله اللخمي عنه، وحكاه ابن بشير ولم يسم قائله وقال ابن حبيب لا اشتراك ونحوه حكى اللخمي عن عبد الملك وابن المواز وصوب ابن العربي قول ابن حبيب قالا تالله ما بينهما اشتراك وقد زلت في ذلك أقدام العلماء. وقال أبو محمد منكر القول ابن حبيب وليس بقول مالك وقيل بينهما فاصل يسير حكاه ابن رشد. (وآخر الوقت أن يصير ظل كل شيء مثليه بعد ظل نصف النهار): هذا أحد قولي مالك من رواية ابن عبد الحكم وبه قال ابن المواز وابن حبيب. (وقيل إذا استقبلت الشمس بوجهك وأنت قائم غير منكس رأسك ولا مطأطئ له فإن نظرت إلى الشمس فقد دخل الوقت وإن لم ترها ببصرك فلم يدخل الوقت وإن نزلت عن بصرك فقد تمكن دخول الوقت): أنكر ابن الفخار على الشيخ قوله هذا لأن الشمس تكون مرتفعة في الصيف ومنخفضة في الشتاء، قلت: وهذا الاعتراض لا يرد إلا على صاحب القول لا على الشيخ ولا يقال إن الاعتراض وارد على الشيخ أيضا لأن من نقل قولا ولم يمرضه دليل على أنه ارتضاه لأن تقدمة القول الأول عليه دليل على ضعفه عند الشيخ والله أعلم. (والذي وصف مالك أن الوقت فيها ما لم تصفر الشمس): هذا القول مروي عن مالك كما قال من رواية ابن القاسم إلا أن في كلام الشيخ عندي قصورا لأن كلامه يقتضي أن القول الأول باعتبار القامتين ليس هو عن مالك وليس كذلك بل هو عنه من رواية ابن عبد الحكم نص عليه في المختصر، وقال إسحاق بن راهويه وداود آخر وقتها أن يدرك المصلي منها ركعة وحجتها قول النبي صلى الله عليه وسلم "من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". (ووقت المغرب وهي صلاة الشاهد يعني الحاضر يعني أن المسافر لا يقصرها

ويصليها كصلاة الحاضر فوقتها غروب الشمس فإذا توارت بالحجاب وجبت الصلاة لا تؤخر وليس لها إلا وقت واحد لا تؤخر عنه): ما ذكر الشيخ أن لها اسمين المغرب وصلاة الشاهد، أما المغرب فلكونها تصلى عند الغروب وأما صلاة الشاهد فلما ذكر وهو أن المسافر يشهدها كما يشهدها الحاضر، ونقض الفاكهاني عليه بالصبح، وقال إنما تسمى بالشاهد لأن نجما يطلع عند الغروب يسمى بذلك فسميت المغرب به والذي علل به أولى مما قال الشيخ قال وقد رأيت للتونسي ما يدل على ذلك، قال الذي جاء في الحديث من أن الشاهد النجم أولى بالصواب. مما قال مالك رحمه الله ولا يقال لها لعشاء فقد جاء في الحديث النهي عن ذلك، وقد قال في المدونة ونومه قدر ما بين العشاءين طويل فظاهره أنه يقال لها العشاء. قال ابن هارون إلا أن يقال أنه من باب التغليب كالأبوين وفيه نظر لأنه مجاز والأصل عدمه وما ذكر أن وقتها غروب الشمس وقع الإجماع عليه والمراد غروب قرص الشمس دون شعاعها وأثرها وقد صرح به القاضي عبد الوهاب، وقد نقل ابن هارون عن بعضهم من حال بينه وبينها جبال من ناحية المغرب فيعتبر ابتداء الظلام من المشرق وما ذكر أن وقتها لا يمتد هو قول الأكثر، وقيل إن وقتها يمتد إلى مغيب الشفق أخذه ابن عبد البر وابن رشد واللخمي والمازري من قول الموطأ إذا غاب الشفق خرج وقت المغرب، ودخل وقت العشاء. وأخذه بعض الشيوخ من المدونة من موضعين من قولها لا بأس أن يمر المسافر الميل ونحوه، ومن قولها إذا طمع من خرج من قرية إلى قرية وهو مسافر في المساء قبل

مغيب الشفق فإنه يؤخر المغرب إليه ورده المغربي بأنه قد تقرر أن للمسافر خصوصيات ليست للحاضر، قلت: ويرد بأن المنصوص في المذهب على أن المسافر يتيمم للظهر مثلا إذا خاف دخول الوقت من القامة الثانية فلو كانت المغرب لا يمتد وقتها لأمر بالتيمم لها حينئذ، والله أعلم. وإذا قلنا بعدم الامتداد فالمعتبر قدر الوضوء والأذان والإقامة وليس الثياب. (ووقت صلاة العتمة وهي صلاة العشاء وهذا الاسم أولى بها غيبوبة الشفق والشفق الحمرة الباقية في المغرب من بقايا شعاع الشمس)

اختلف في تسميتها العتمة على ثلاثة أقوال: أحدها ما ذكر الشيخ ولا أعرفه لغيره وقيل يكره تسميتها بالعتمة وهو في سماع ابن القاسم، قال أكره تسميتها بالعتمة وأستحب تعليم الأهل والولد تسمية العشاء وأرجو سعة تكليم من لا يفهمها إلا بالعتمة وقيل يحرم تسميتها بالعتمة وهو ظاهر نقل ابن رشد عن كتاب ابن مزين من قال عتمة كتبت عليه سيئة. (والشفق الحمرة إلى آخره): ما ذكره الشيخ هو نقل الأكثر وقال ابن شعبان أكثر أجوبة مالك الحمرة فأخذ اللخمي وابن العربي منه أن أقل أجوبته البياض ورده المازري باحتمال إرادة رواية ابن القاسم أرجو أنه الحمرة والبياض أبين وهذا تردد وليس بجزم، قال عياض والقول بالبياض عندي أبين للخروج من خلاف أهل اللسان والفقه واحتج بعض الشيوخ للمشهور بوجهين أحدهما أن الغوارب ثلاثة أنوار: الشمس والشفقان والطوالع ثلاثة الفجران والشمس. والحكم يتعلق بالوسط من الطوالع وكذلك يتعلق بالوسط من الغوارب الثاني أنه روي عن الخليل بن أحمد رضي الله عنه أنه قال ارتقبت البياض أربعين صباحا فوجدته يبقى إلى آخر الليل وفي مختصر ما ليس في المختصر عنه إلى نصف الليل فلو رتب الحكم عليه للزم تأخير العشاء إلى نصف الليل أو آخره وما ذكر أن وقتها المختار ثلث الليل هو المشهور. وقال ابن حبيب النصف وبه قال ابن المواز بالأول قال الشافعي وبالثاني قال أبو حنيفة. (والمبادرة بها أولى ولا بأس أن يؤخرها أهل المساجد قليلا لاجتماع الناس): يعني أن المنفرد أول الوقت أفضل له وأما الجماعة فتأخيرها قليلا أحسن وما

باب الأذان والإقامة

ذكر من أن التأخير قليلا للجماعة هو قول مالك وهو أحد الأقوال الخمسة وقيل عنه إنها تؤخر إلى ثلث الليل وكلاهما حكاه ابن عبد البر، وقيل تقديمها أفضل وهي رواية العراقيين على أنه يمكن رد هذا القول لما قال الشيخ، وقال ابن حبيب تؤخر شيئا قليلا في الشتاء وفوقه في رمضان، وقال اللخمي تأخيرها أفضل إن تأخروا وتقديمها أفضل إن تقدموا وعزاه ابن عبد السلام لأكثر نصوص أهل المذهب وفيما قاله نظر. (ويكره النوم قبلها والحديث لغير شغل بعدها): ما ذكر من أن النوم قبلها مكروه هو سماع ابن القاسم قيل فبعد الصبح قال ما أعلمه حراما وظاهر كلام الشيخ أنه يكره ولو وكل من يوقظه وحديث الوادي يدل على جوازه، ويقوم من كلام الشيخ أنه يكره للرجل الخروج قبل دخول الوقت من منزله إلى مكان يحدث فيه مثلا على أميال دون ما إذا كان شك هل فيه ماء أم لا، وانظر إذا كان يتحقق أنه ليس فيه ماء هل يجب حمل الماء أو يستحب فقط لأن الطهارة لا تجب ولا بعد دخول الوقت فذلك استعداد الماء لها وشاهدت في حال صغرى فتوى شيخنا أبي محمد عبد الله الشبيبي رحمه الله تعالى بالأمر بذلك ولا أدري هل ذلك منه على طريق الوجوب أو على طريق الندب ونفسي أميل إلى الوجوب. باب الأذان والإقامة

الأذان في اللغة الإعلام ومنه قوله تعالى: (فأذن مؤذن بينهم) [الأعراف: 44] ومنه قول الشاعر: أذنت ببينها أسماء = ليت شعري متى يكون اللقاء وحقيقته في الاصطلاح الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة المؤداة في الوقت وثمرته قصد الاجتماع لها وأن الدار دار إيمان وإظهار لشعائر الإسلام، واختلف هل يؤذن للفوائت أم لا على ثلاثة أقوال: فقيل لا يؤذن لها قاله أشهب وهو نقل الأكثر، وعلي العمل، وقيل يؤذن لأول الفوائت حكاه الأبهري رواية عن المذهب، واختار إن رجي اجتماع الناس لها أذن لها وإلا فلا وهذان القولان حكاهما عياض في الإكمال، وقول ابن عبد السلام: المذهب أنه لا يؤذن للفوائت والنظر يقتضي أنه مندوب إليه لحديث الوادي قصور لما تقدم وأما غير الفرائض، فلا يؤذن لها قال ابن عبد السلام: اتفاقًا. وحكى زياد النداء للعيدين قلت: إن عنى بالنداء الأذان حقيقة فهو ينقض الاتفاق الذي ذكر وإن عنى به "الصلاة جامعة" مثلا فهما مسألتان فلا تناقض والذي تلقيناه عن شيوخنا أن مثل هذا اللفظ بدعة. (الأذان واجب في المساجد والجماعات الراتبة): أراد الفريضة وذهب بعض البغداديين إلى أنه سنة وفي الموطأ إنما يجب الأذان في مساجد الجماعات واختلف تأويل الشيوخ في معناه بالفرضية والسنية فحمله أبو محمد على الفرضية وحمله عبد الوهاب على السنية وكلا التأويلين ذكره ابن بشير، وحمل الفاكهاني قول الشيخ على السنة وهو بعيد لما ذكرنا من تأويله على الموطأ فتفسير قوله بقوله أولى والله أعلم. والمراد بالفرض هنا فرض كفاية ولم يذهب أحد إلى أنه فرض عين، وقال ابن الحاجب: الأذان سنة وقيل فرض، وفي الموطأ إنما يجب الأذان في مساجد الجماعات وقيل فرض كفاية على كل بلد يقاتلون عليه لا يقال ظاهر يقتضي أن القول الثاني فرض عين ليكون مغايرا لما بعده لأن المغايرة حاصلة على غير هذا الوجه وذلك أن كلامه يدل على أنه أراد بقوله، وقيل فرض أي فرض كفاية على كل مسجد يدل عليه قول

الموطأ وما بعد كما صرح به فرض كفاية على كل بلد فاعمله والله أعلم وبهذا التفسير فسره ابن هارون رحمه الله. (وأما الرجل في خاصة نفسه فإن أذن فحسن ولا بد له من الإقامة): ما ذكر الشيخ أن المنفرد إن أذن فحسن مثله الجماعة الذين لا يدعون أحدا بأذانهم وهذا قول مالك ووقع له لا يؤذنون فحمله اللخمي والمازري على الخلاف ورده ابن بشير بحمل نهيه على نفي تأكده فليسوا كالأئمة في مساجد الجماعات، وإن أذنوا فهو ذكر والذكر لا ينهي عنه من أراده ولا سيما إذا كان من جنس المشروع، واستحب مالك وبن حبيب للفذ المسافر ولو بفلاة الأذان لما ورد فيه حكاه ابن عبد البر وقول ابن الحاجب وابن بشير استحبه المتأخرون للمسافر، وإن انفرد لحديث أبي سعيد وحديث ابن المسيب قصور ونبه علي بعض شيوخنا. وحكى ابن عبد البر عن رواية أشهب إن تركه مسافر عمدًا أعاد صلاته فهذا يقتضي أنه فرض لكونه وحده فأشبه إذا تركه أهل مصر عمدا أن صلاتهم باطلة حسبما رواه الطبري عن مالك وتحمل رواية أشهب على الإعادة في الوقت. وقال ابن عبد السلام: وقع في ترك الأذان والإقامة الإعادة في الوقت. (ولابد له من الإقامة): قال التادلي: ظاهر كلامه يقتضي الوجوب كقول ابن كنانة أن من تركها عمدا بطلت صلاته، وإنما أراد الشيخ والله أعلم أن الإقامة في حقه سنة وعليه حمله عبد الوهاب، قلت: ما ذكر لابن كنانة نحوه، نقله ابن يونس عنه وعن عبد الملك وابن زياد نافع ووجهه بما يقتضي البطلان. وقال في المدونة ويستغفر الله العامد ووجهه غير واحد ممن أدركتهم أن تركه الإقامة عمدا مشعر بأنه فعل ذنبا ولم يشعر به فالاستغفار إنما هو لغير الإقامة وهذا وإن كان بعيدا فللضرورة يحسن والله أعلم. وحكم الإقامة السنة في مشهور المذهب ومنصوصه، وقال مالك في المبسوط من دخل مسجدا فوجد أهله قد صلوا فأحب إلي إن يقيم قال اللخمي فجعلها فضيلة وقبله بعضهم، ويرد بالتبعية لأهل المسجد فلهذا جعلها مستحبة، وقال ابن هارون فيما قاله نظر لاحتمال أن يريد بقوله أحب إلى السنة. كقول ابن الحاجب يستحب لمن استيقظ من نومه غسل يديه والإقامة يطلب بها كل مصل فرض عين سواء كانت حاضرة أو فائتة، قال في المدونة وعلى من ذكر صلوات إقامة لكل صلاة قلت وخرج

بعض من لقيناه من رواية أبي الفرج يتيمم للفوائت تيممًا واحدًا وإقامة واحدة أن من عليه صلوات كثيرة أن يقيم لها إقامة واحدة وأجبته بيسر الإقامة لكونها قولية بخلاف التيمم لأنه فعلي والله أعلم. (وأما المرأة فإن أقامت فحسن وإلا حرج): ما ذكر من الإقامة للمرأة حسن هو نص المدونة، وفي ابن الجلاب عن ابن عبد الحكم روى في الطراز عدم استحسانها إذ لم يرو عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهن كن يقمن وأما الأذان لها فيمنع اتفاقا لأن صوتها عورة ولذا قيل: والأذن تعشق قبل العين أحيانا وإنما أجيز بيعها وشراؤها للضرورة واعترض أبو محمد صالح قول المدونة وليس عل المرأة أذان من حيث أنه إنما نفي الوجوب بقول علي فكلامه يدل على أن ذلك جائز وليس كذلك. قال الفاكهاني: والحرج بفتح الحاء والراء وفيه لغة أخرى بكسر الحاء وإسكان الراء وهو التضييق. (ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها إلا الصبح فلا بأس أن يؤذن لها في السدس الأخير من الليل): ما ذكره هو قول ابن وهب وسحنون وهو المشهور وقيل يؤذن لها إذا خرج وقت العشاء المختار، وقيل إذا صليت العشاء قاله أبو بكر الوقار، فمنهم من أطلقه ومنهم من قيده بما قبله يليه، وقال صاحب الطراز يؤذن لها آخر الليل دون تحديد وإليه أشار في الموطأ، ونقل ابن هارون عن ابن عبدالحكم يؤذن لها عند الثلث الآخر من الليل فتحصل في وقت نداء الصبح خمسة أقوال، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا ينادى لها إلا بعد دخول وقتها كغيرها. وظاهر كلام الشيخ أن الجمعة كغيرها وهو كذلك. ونقل القرافي عن ابن حبيب أنه يؤذن لها قبل الزوال والاتفاق على أنها لا تصلى إلا بعد الزوال ومرض بعض شيوخنا نقله عن ابن حبيب بقوله لا أعرفه بل نقل أبو محمد عنه يؤذن للصبح وحدها قبل دخول الوقت، وقال ابن حارث اتفقوا على منعه قبل الوقت إلا الصبح. (والأذان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله ثم ترجع بأرفع من صوتك أول مرة فتكرر

التشهد فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح فإن كنت في نداء الصبح زدت ههنا الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، لا تقل ذلك في غير الصبح الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله مرة واحدة). اختلف المذهب هل يرفع المؤذن صوته بالتكبير ابتداء أم لا والمشهور الرفع وذكر بعضهم أن مذهب مالك ليس إلا الإخفاء وهي إحدى المسائل التي خالف فيها الأندلسيون مذهب مالك، وكلام الشيخ يحتمل القولين وذلك أن قوله ثم ترجع بأرفع من صوتك أول مرة يحتمل عوده على التكبير، ويحتمل عوده على التشهدين وكذلك اختلف الشيوخ في معنى المدونة فحملها اللخمي على القول الأول، وحملها أبو عمران على القول الثاني. واحتج بما في رواية ابن وهب وسماع أشهب عن مالك أنه يخفض صوته بالتكبير والتشهد وظاهر كلام الشيخ أن الترجيع لا بد منه ولو كثر المؤذنون، وهو كذلك عن مالك إذا كثروا فيرجع الأول خاصة وما ذكر من تكرير الصلاة خير من النوم هو نص المدونة، وقل مرة واحدة قاله ابن وهب في أحد قوليه وظاهر كلام الشيخ أنه يقول الصلاة خير من النوم ولو لم يكن ثم واحد وهو كذلك. وروى ابن شعبان: من تنحى في ضيعته عن الناس أرجو أن يكون من تركها في سعة حكاه اللخمي عنه قلت: والأقرب هو الأول إذ يلزمه ذلك الأذان أجمع إذا قلنا إن أصل مشروعيتها عن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن عمر. وشروط المؤذن الإسلام والذكورية والعقل فلا يعتد بأذان كافر ولا مجنون ولا امرأة قاله غير واحد كابن الحاجب. قال الفاكهاني: ويكون أذانه إسلاما له قلت إذا كان كذلك فلم لا يجزئ لكونه مسلما، وقد قال في المدونة إذا أجمع على الإسلام بقلبه واغتسل أجزأه. واختلف في جواز أذانه إسلاما له قلت إذا كان كذلك فلم لا يجزئ لكونه مسلما، وقد قال في المدونة إذا أجمع على الإسلام بقلبه واغتسل أجزأه. واختلف في جواز أذان الصبي على أربعة أقوال: فقيل: لا يؤذن قاله في التهذيب، ونصه، لا يؤذن إلا من احتلم زاد في المدونة لأن المؤذن إمام ولا يكون من لم يحتلم إماما، قال ابن أبي زمنين لأن الناس يقتدون به في أوقات الصلاة؛ ولذلك كانوا يختارون للأذان أهل الصلاح والمعرفة، وقيل يؤذن رواه أبو الفرج وقيل كذلك إن لم يوجد غيره رواه أشهب، وقيل إن كان ضابطا تابعا لبالغ فإنه يؤذن وإلا فلا، قاله

باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

اللخمي. واختلف في أذان الجنب خارج المسجد، فقال ابن القاسم لا يؤذن وحمله اللخمي على الكراهة وقال سحنون وابن نافع بل يؤذن، قلت: وبه كان شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله تعالى يفتي إلى أن مات وهو الأقرب عندي لأنه ذكر كما لا يمنع من الأذكار اتفاقا غير القرآن فكذلك الأذان والله أعلم. وحكاية المؤذن مستحبة وأطلق ابن زرقون عليها الوجوب وهو غريب وفروع الحكاية كثيرة ولولا الإطالة لذكرتها. (والإقامة وتر: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله مرة واحدة): قال المازري: اختلف إذا شفع الإقامة غلط فقال بعض أصحابنا يجزئ والمشهور لا يجزئ، قلت: وعن ابن يونس الأول لأصبغ ولهذه المسألة نظائر منها من غسل رأسه في وضوئه بدلا من مسحه ومن قطع جميع الرأس في الذبح ومن بجبهته قروح فكان فرضه الإيماء وسجد على أنفه وليست مثلها أي المسألة من وجبت عليها شاة فأخرج عنها بعير وإن كان فيها خلاف لعدم المجانسة والله أعلم. ولو أراد أن يؤذن فأقام فإنه لا يجزئ باتفاق وإذا قطعت الصلاة لذكر نجاسة فإنه يعيد الإقامة قاله في المدونة فمنهم من أطلقها ومنهم من قيدها بما إذا بعد أما مع القرب فلا، وأما إذا أقيمت لمعين فلم يمكن فهل تعاد أم لا؟ اختلف في ذلك على قولين لابن العربي وغيره ولا بأس أن يقيم خارج المسجد للإسماع، وروى علي بن زياد وإن كان على المنار أو على ظهر المسجد وإن كان يخص رجلا بالإسماع فداخل المسجد أحب إلي. باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن لما فرغ رحمه الله من الأذان والإقامة لم يبق إلا التكلم على كيفية الصلاة، واعلم أن لها شروطا وفرائض وسننا وفضائل، فالشروط طهارة الخبث والحدث وستر العورة

واستقبال القبلة، وترك الكلام وترك الأفعال الكثيرة، وقال ابن عبد السلام: عد الأخيرين في الشروط فيه نظر لأن ما هو مطلوب الترك إنما يعد من الموانع. قال ابن الحاجب: والفرائض تكبيرة الإحرام والفاتحة والقيام لها والركوع والرفع والسجود والرفع والاعتدال والطمأنينة على الأصح والجلوس للتسليم، والسنن سورة مع الفاتحة في الأوليين والقيام لها والجهر والإسرار والتكبير، وسمع الله لمن حمده، والجلوس الأول وتشهده والزائد على قدر الاعتدال والتسليم من الثاني وتشهده والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الأصح والفضائل ما سواها. قلت: وقوله سورة مع الفاتحة في الأوليين فيه مسامحة لأن كلامه يقتضي أنها ليست بسنة حيث لا أخيرتين كالصبح ولهذا بينه بعد قوله والصبح والجمعة. (والإحرام في الصلاة أن تقول الله أكبر لا يجزئ غير هذه الكلمة) معنى الإحرام في الصلاة الدخول في حرمها لأنه إذا أحرم حرم عليه كل ما هو

مباح له قبل التلبس بها ومعنى الله أكبر عند بعضهم الله أكبر من كل شيء، قال عياض وأباه آخرون قائلين إنما المراد الكبير قال تعالى: (هو أهون عليه) [الروم: 27] أي هين، قال المازري في شرحه: حكى بعض أصحابنا البغداديين أن تكبيرة الإحرام ركن لا شرط، وقال أبو حنيفة: شرط وقال في تعلقة الجوزقي حكى الشيخ عبد الحميد الصائغ قولين في كون الإحرام والسلام من نفس الصلاة أم لا؟ فظاهره أن الخلاف مذهبي واتفق أهل المذهب على أن غير الله أكبر لا يجزئ ولو كان اللفظ مجانسا كما إذا قال الله أكبر، ويقوم منه أن من أبدل سمع الله لمن حمده بربنا ولك الحمد في ثلاث ركعات فأكثر فإن صلاته باطلة. ووجه الإقامة هنا أنهم أطبقوا أن المجانسة لا اعتبار بها في قولهم لا يجزئ الله أكبر فيلزم اطراده وبهذا كان شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله يفتي ويوجه فتواه بأن المستحب لا يقوم مقام السنة، وكان بعض شيوخنا يفتي بالصحة ويحتج بأن المحل لم

يخل من ذكر مجانس، وقد قال ابن بشير كل سنة في الوضوء لم يعر موضعها عن فعل فإنها إذا تركت لا تعاد كمن ترك غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء والاستثنار ورد اليدين في مسح الرأس ولا خلاف أن الأخرس تكفيه النية. واختلف في العاجز لعجمته على ثلاثة أقوال: فقال الأبهري: يدخل بنية وقال أبو الفرج: يدخل بالحرف الذي دخل به الإسلام وقيل: يترجم عنه بلغته قاله بعض شيوخ القاضي عبد الوهاب قال في المدونة: وينتظر الإمام به قدر تسوية الصفوف، ونقل ابن عبد السلام عن ابن عبد البر أنه مخير في الانتظار والإحرام عند قد قامت الصلاة ووهمه بعض شيوخنا بأنه إنما حكاه عن أحمد بن حنبل لا غير. (وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك): اختلف في حكم رفع اليدين على ثلاثة أقوال: فقيل: فضيل وهو نقل الأكثر وقيل: سنة حكاه ابن يونس وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يرفع حكاه ابن شعبان وفي ثاني حج المدونة تضعيفه. واختلف في منتهى الرفع فروى أشهب حذو صدره وقيل إلى المنكبين وهوالمشهور والمدونة محتملة لهما في قولها يرفع شيئا قليلا وقطع ابن رشد بأن الأول وهو ظاهرها وهذان القولان هما اللذان أراد الشيخ بقوله وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك، وقال عياض: جمع بعض مشايخنا بين روايات الحديث وقول مالك يجعلهما مقابلة أعلى صدره وكفاه حذو منكبيه، وأطراف أصابعه حذو أذنيه. قلت: قال بعض من لقيناه وفي هذا القول مسامحة؛ لأن اليد لا تطول لذلك وإنما المراد على طريق المقاربة، ولذلك عده غير واحد خلافا كابن الحاجب وليس كما قال والعيان والحس يشهدان بحقيقته وظاهر كلام الشيخ أن الرفع مما يختص بتكبيرة الإحرام، وهو كذلك في مشهور المذهب وروى ابن عبد الحكم يرفع في رفع الركوع أيضًا. وقال ابن وهب: وعند الركوع وعنه إذا قام من اثنين وروى ابن خويز منداد يرفع في كل خفض ورفع حكاه ابن عبد البر في المحصول لحاصل خمسة أقوال: وحكمة الرفع إما لنبذ الدنيا وراءه ظهره وإما لإتيان المنافقين بأصنامهم، وإما علم على التكبير ليرى ذلك من قرب ومن بعد وإما لإتمام القيام إلى غير ذلك، وفي صفة رفعه قولان أحدهما أنه يبسط يديه ويجعل ظهورهما مما يلي السماء وبطونهما مما يلي الأرض وهذه صفة الراهب. والثاني: أنه يرفعهما منبسطتين فيجعل بطون أصابعهما مما يلي السماء

وهذه صفة النابذ للدنيا وراء ظهره، واستحب بعض الشيوخ هذه الصفة لأنه يمكن بها الجمع بين الأحاديث الواردة في منتهى الرفع. (ثم تقرأ): مثل هذا اللفظ في المدونة وفيه مسامحة من حيث أن ثم تقتضي المهلة ولقد أحسن ابن الحاجب في قوله الفاتحة إثر التكبير ولا يتربص إلا أن قوله ولا يتربص كالمستغني، عنه والجواب عن الشيخ أنه إنما قصد بذلك مقتضى العطف باتفاق وهذا معلوم من مذهبه في تكلمه على صفة الصلاة، واختلف المذهب في قوله: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" بني التكبير والفاتحة على ثلاثة أقوال: فقيل يكراهة ذلك وهو المشهور ونص عليه في المدونة، وقيل إنه جائز رواه ابن شعبان عن مالك أنه كان يقوله مع سماع ابن القاسم لا بأس بقوله إذا كبر: "سبحانك اللهم وبحمدك" وقيل إنه مستحب حكاه ابن رشد عن رواية النسائي. وخرج اللخمي عليه: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد" وصوبه، لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم. (فإن كنت في الصبح قرأت جهرا بأم القرآن لا تستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن ولا في السورة التي بعدها): اختلف في حكم الجهر على ثلاثة أقوال: فقيل سنة وهو المنصوص وروي عن مالك أنه لا سجود في تركه، وقال ابن القاسم تبطل الصلاة بتركه عمدا فأخذ الباجي من الرواية الفضيلة، ومن قول ابن القاسم الفرضية قلت ورد باحتمال كون البطلان لترك السنة عمدا، ومذهبنا تعيين أم القرآن لاي قوم غيرها مقامها وقال أبو حنيفة لا تتعين ومن تركها في ركعة أو في أكثر فيأتي الكلام عليه حيث يتكلم الشيخ عليه إن شاء الله تعالى. وما ذكر الشيخ أن البطلان مسألة غير مشروعة هو قول مالك وهو المشهور عنه وقيل إنها مستحبة قاله ابن مسملة وقيل إنها واجبة قاله ابن نافع، وقيل إنها مباحة قاله مالك في المبسوط الأربعة حكاها ابن عات، وهذا بالنسبة إلى الفرض، وأما النفل فقال ابن رشد في ذلك روايتان يقرؤها ولا يقرؤها، وقال عياض من رواية ابن نافع لا تترك بحال قلت: وقول المدونة يقتضي الإباحة ونصها وله أن يتعوذ ويبسمل في النافلة

قال الفاكهاني: وفي ظني أن في قراءة سورة الوتر خلافا هل يفصل بينهما ببسملة أم لا وأظنه في النوادر. (فإذا قلت (ولا الضالين) [الفاتحة: 7] فقيل آمين إن كنت وحدك أو خلف إمام وتخفيها): اعلم أن حكم التأمين الاستحباب وقال ابن عبد السلام: الأقرب أن يبعد في السنن. قلت وقول التادلي هو سنة للمأموم وفضيلة للإمام والفذ لا أعرفه وقصور منه في حفظه المذهب إذ المذهب الاستحباب مطلقا، وبعد كتبي ما ذكر وقفت على ما قال لابن رشد في المقدمات وقبله خليل ولغات أربع: المد، والقصر مع تخفيف الميم، والوجهان مع شدها ولا خلاف أن الفذ يقولها، وكذلك المأموم إذا كان يقرأ أو يسمع صوت الإمام في الجهر، وأما إن كان بعيدا بحيث لا يسمع فقيل يتحرى فراغ الإمام، ويؤمن قاله ابن عبدوس ولقمان. وقيل لا يتحرى وقيل هو بالخيار قاله في سماع ابن نافع وصوب ابن رشد الثاني بقوله: المصلي ممنوع من الكلام والتأمين كلام أبيح له في موضعه فإذا تحراه قد يضعه في غير موضعه، ورأى بعض شيوخنا أن قوله والتامين كلام أبيح له يقتضي أن التأمين عنده مباح فناقضه بقوله في المقدمات لا فرق بينه وبين سائر المستحبات إلا أنه آكد فضلا، قلت لم يرد الشيخ ما صرح به عنه وإنما أراد التأمين مشروع عند قول الإمام (ولا الضالين) [الفاتحة:7] فإذا تحراه المأموم البعيد فقد يضعه في غير محله، ففي كلامه مسامحة فقط، ولم يرد ما قال والله أعلم، وظاهر كلام الشيخ أنه يقولها خفية ولو كانت الصلاة جهرية وهو كذلك، وقيل يجهر الإمام في الجهر ليقتدي به وقيل فيه أنه مخير. (ولا يقولها الإمام فيما جهر فيه، ويقولها فيما أسر فيه وفي قو له إياها في الجهر اختلاف): تحصيل ما ذكر أنه إذا أسر يؤمن اتفاقا وفي الجهر خلاف على أن في كلامه رحمه الله قلقا والقول بالتأمين رواه المدنيون عن مالك، والقول بعدمه رواه المصريون عنه. وفي المسألة قول ثالث بالتخيير قاله ابن بكير. (ثم تقرأ سورة من طوال المفصل وإن كانت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس

اختلف في حكم السورة على ثلاثة أقوال: فقيل سنة وهو المنصوص، وقيل فضيلة أخذه اللخمي من قول مالك وأشهب لا يسجد لتركها سهوا، ورده ابن بشير باحتمال قصر السجود على ما ورد ولم يرد فيها وأجابه ابن هارون، بأن أصل مذهب مالك أن السجود لا يقتصر فيه على ما ورد قال ولا نعلم فيه خلافا، ولو لزم ذلك لزم ترك السجود في جل مسائل السهو. وقيل إنها فرض أخذه اللخمي أيضا من قول عيسى بن دينار: من تركها عمدا بطلت صلاته. ورده المازري باحتمال أن يكون البطلان لترك السنة عمدا وليست بكمالها سنة، وإنما مطلق الزيادة على أم القرآن هو السنة وتكميلها فضيلة، وما ذكرناه من حكمها إنما هو بالنسبة إلى الفرض، وأما قراءتها في النفل فقال ابن رشد هي مستحبة لسماع ابن القاسم لا سجود لتركها في الوتر، ونقل الشيخ في نوادره عن رواية ابن عبد الحكم أنه لا بأس في النفل بأم القرآن فقط. ونقل ابن عبد السلام من كتاب ابن شعبان يقرأ في تحية المسجد بأم القرآن فقط وهو المشهور في ركعتي الفجر ولا يقرأ ببعض سورة قاله في المختصر. وروى الواقدي: لا بأس بمثل آية الدين وقال عياض: المشهور كمالها وظاهر كلام الشيخ كقول ابن حبيب يقرا في الصبح والظهر من البقرة إلى عبس، وقال الفاكهاني: إنما أراد الشيخ بقوله أطول ما يقارب طوال المفصل لا أنه يقرأ البقرة ونحوها لأنه لا يبقى معه التغليس في الغالب. قال التادلي: واختلف إذا افتتح سورة طويلة ثم بدا له عنها فقيل يلزمه تمامها وقيل لا وقيل إن نذرها لزمه وإلا فلا قلت: وما ذكره لا أعرفه نصا والذي تلقيته عن غير واحد من الشيوخ إجراء ذلك على من افتتح نافلة قائما ثم شاء الجلوس.

(فإذا تمت السورة كبرت في انحطاطك إلى الركوع فتمكن يديك من ركبتيك وتسوي ظهرك مستويا ولا ترفع رأسك ولا تطأطئه وتجافي بضبعيك عن جنبيك وتعتقد الخضوع بذلك في ركوع وسجودك)

الركوع في اللغة الانحناء وفي الشرع ما قال الشيخ، ووضع اليدين على الركبتين مستحب فإن لم يضعهما عليهما فصلاته مجزئة نقله ابن يونس عن مالك في المجموعة ولم يحك غيره وظاهر المدونة وجوب ذلك ونصها: وإذا مكن يديه من ركبتيه في الركوع وإن لم يسبح وأمكن جبهته وأنفه من الأرض في السجود فقد تم ذلك إذا تمكن مطمئنا. قال ابن عبد السلام: وانظر إن نكس رأسه إلى الأرض هل يجزئه عند من يوجب الطمأنينة أم لا؟ قلت الصواب أنه يجزئه لأن الطمأنينة تحصل مع ذلك وانحناؤه لا يضر لأنه أتى بالمطلوب وزيادة ومجافاة الضبعين مستحبة اتفاقا. (ولا تدع في ركوعك وقل إن شئت سبحان ربي العظيم وبحمده وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في الليث):

اعلم أن هذا أحد الأمكنة التي يكره الدعاء فيها وثانيها بعد الإحرام وثالثها بعد الجلوس، وقبل التشهد وهذه ذكرها عبد الحق في نكته، وزاد ابن الطلاع وبعد سلام الإمام وقبل سلام المأموم وزاد غيرهما وبعد التشهد الأول. (ثم ترفع رأسك وأنت قائل سمع الله لمن حمده، ثم تقول اللهم ربنا ولك الحمد إلى آخره): اختلف المذهب في الرفع من الركوع فقيل فرض وهو نقل الأكثر وقيل سنة حكاه ابن رشد وأ جرى عليهما قول مالك في عقد الركعة هل هو الركوع، أو رفع الرأس منه وحكم سمع الله لمن حمده السنة اتفاقا، وهل مجموعة في الصلاة سنة واحدة أو كل تسميعة سنة يجري عندي على الخلاف في التكبير حسبما حكاه ابن رشد وحكم ربنا ولك الحمد الفضيلة باتفاق، وما ذكر الشيخ أن الفذ يجمع بينهما هو كذلك باتفاق، وكذلك حكم الإمام في القول الشاذ والمشهور يقول سمع الله لمن حمده فقط. وما ذكر أن المأموم يقول ربنا ولك الحمد فقط هو المشهور، وقال عيسى إنه يجمع بينهما كالفذ ومثله لابن نافع حكاه الباجي عنهما ومثله نقل المازري وغلطهما عياض في الإكمال فانظره، وروى ابن القاسم ولك الحمد بإثبات الواو كما قال الشيخ وروى ابن وهب لك بإسقاط الواو وما ذكر من إثبات اللهم هو نص المدونة وغيرها وقيل بإسقاطها قاله ابن حارث ومثله في المعلم والإكمال وغيرهما. (وتستوي قائتما مطمئنا مترسلا): المطلوب كمال الرفع كما قال الشيخ واختلف إذا رفع ولم يعتدل فقال ابن القاسم يجزئه ويستغفر الله وقال أشهب لا يجزئه وهو قول ابن القصار وابن الجلاب وابن عبد البر، وبه أفتى كل من قرأت عليه وقيل إن قارب الاعتدال أجزأه وإلا فلا قاله القاضي عبد الوهاب وغيره. واختلف في الطمأنينة فقيل فرض سنة ومعنى قول الشيخ مترسلا أي ساكنا قاله في مختصر العين. (ثم تهوي ساجدا لا تجلس ثم تسجد وتكبر في انحطاطك للسجود فتمكن جبهتك وأنفك من الأرض): حقيقة السجود ما ذكر الشيخ وهو تمكين الجبهة والأنف من الأرض، ولا

يشترط تمكين الجبهة كلها بل بعضها كاف صرح بذلك ابن عبد السلام، فإن قلت ما نسبته لابن عبد السلام أليس أنه مأخوذ من المدونة قال فيها ومن صلى على كور العمامة كرهته ولا يعيد وأحب إلي أن يرفع عن بعض جبهته حتى يمس الأرض بذلك، قلت: ليس كذلك لأنه سجد ببعض جبهته على العمامة فهو قد مكن جميع جبهته بعضها مباشرة وبعضها بحائل. واختلف إذا ترك السجود على الجبهة والأنف على أربعة أقوال: فقال ابن حبيب يعيد أبدا وقيل لا إعادة عليه حكاه ابن الحاجب وقيل إن سجد على الجبهة صحت صلاته وعلى الأنف يعيد أبدا قاله في المدونة وقيل إن سجد على الأنف يعيد في الوقت خاصة حكاه أبو الفرج عن ابن القاسم قال في المدونة ومن بجبهته قروح أومأ ولم يسجد على أنفه، ونص أشهب على أنه سجد عليه أجزأه وألزم الخمي على قول ابن حبيب السابق أنه يسجد عليه وجوبا. واختلف هل قول أشهب وفاق أم لا؟ فذهب ابن يونس وشيخه عتيق إلى أنه وفاق وقال ابن القصار هو خلاف وإليه ذهب بعض شيوخ ابن يونس فإن سجد على كور عمامته ففي المدونة تكره وتصح، وقال ابن عبد الحكم: وابن حبيب إن كانت يسيرة كالطاقة وإن كانت كثيرة أعاد في الوقت إن مس بأنفه الأرض ذكره الباجي رواية لابن حبيب فحمل التونسي قول ابن حبيب على الوفاق وظاهر كلام المازري أنه خلاف. وقال التادلي: اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: ثالثها إن عظمت أعاد أبدا فكلامه يدل على أن في المذهب قولا بالبطلان مطلقا ولا أعرفه. (وتباشر بكفيك الأرض بسطا يديك مستويتين إلى القبلة تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك وذلك واسع غير أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض ولا تضم عضديك إلى جنبيك ولكن تجنح بهما تجنيحا وسطا): مباشرة الأرض بالكفين مستحبة ومثله مباشرة الأرض بالوجه وفي غيرها مخير واختلف أين يضع يديه على أربعة أقوال: فقيل لا تحديد في ذلك قاله في المدونة وقيل حذو منكبيه نقله صاحب الطراز عن ابن مسلمة وقيل حذو أذنيه قاله ابن مسلم أيضًا، واختاره اللخمي وقيل حذو صدره قاله ابن شعبان، وقول الشيخ حذو أذنيك أو دون ذلك أراد بذلك الإخبار أن في المسألة قولين إلا أن قوله أو دون ذلك يحتمل

المنكبين أو الصدر وهو الأقرب والله أعلم، وأشار بقوله وذلك واسع إلى عدم فرضية ما ذكر على أنه يحتمل وكأنه الأقرب أن إشارته إنما هي إلى التوسعة بعدم التحديد كما قال في المدونة. (وتكون رجلاك في سجودك قائمتين وبطون إبهاميهما إلى الأرض): قال ابن القصار والسجود على الركبتين وأطراف القدمين سنة فيما يقوى في نفسي وظاهر كلام اللخمي وغيره أن ذلك واجب، وقول ابن العربي أجمعوا على وجوب السجود على السبعة الأعضاء قصور، وقال ابن الحاجب: أما الركبتان وأطراف القدمين فسنة فيما يظهر، وقيل واجب، فظاهره أن القول الأول لم يسبقه إليه غيره وليس كذلك بل هو كلام ابن القصار. (وتقول إن شئت في سجودك سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءًا فاغفر لي أو غير ذلك إن شئت وتدعو في السجود إن شئت وليس لذلك وقت وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكنا): حكم الدعاء في السجود الفضيلة، وقال يحيى بن يحيى وعيسى بن دينار من لم يذكر الله في ركوعه ولا في سجودة أعاد صلاته أبدا، قال عياض فتأوله القاضي التميمي لتركه الطمأنينة الواجبة، وتأوله ابن رشد لتعمده تركه حتى التكبير كتعمد ترك السنة قال في البيان إنما قالاه استحبابا لا وجوبا، والمطلوب أن يجمع في دعائه بين مصالح دينه ودنياه قال في المدونة ولا بأس بالدعاء على الظالم. قلت: وأفتى بعض شيوخه غير ما مرة بأن يدعي على المسلم العاصي بالممات على غير الإسلام، واحتج بدعاء موسى عليه الصلاة والسلام بذلك على فرعون، فقال تبارك وتعالى حاكيا عنه (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) [يونس: 88] والصواب عندي أنه لا يجوز وليس في الآية دليل لأنه فرق بين الكافر الميئوس منه، كفرعون وبين المسلم العاصي المقطوع له بالجنة إما أولا، وإما ثانيا. وقد قال عياض في إكماله في قوله عليه السلام "لعن الله السارق" وهو حجة في لعن من لم يسم. وكذلك ترجم عليه البخاري لأنه لعن للجنس لا المعين ولعن الجنس جائز لأن

الله تعالى قد أوعدهم وينفذ الوعيد على من يشاء منهم وإنما يكره، وينهى عن لعن المعين والدعاء عليه بالإبعاد من رحمة الله عز وجل وهو من معنى اللعن وقد ذهب بعض المتكلمين على معاني الحدي أن اللعن جائز على أهل المعاصي، وإن كان معينا ما لم يحد لأن الحدود كفارات لأهلها، وهذا الكلام غير سديد ولا صحيح لنهيه عليه الصلاة والسلام عن اللعن في الجملة وحمله على المعين أولى ليجمع بين الأحاديث. واختلف إن قال يا فلان فعل الله بك كذا وكذا فقال ابن شعبان صلاته باطلة والمذهب على خلافه قال ابن العربي في القبس: اختلفت الصوفية هل الدعاء أفضل من الذكر المجرد أم العكس؟ فقيل بالأول لقوله تعالى: (ادعوني استجب لكم) [غافر: 60] ولأن الدعاء المأثور عنه عليه الصلاة والسلام أكثر من الذكر المأثور ومنهم من قال بالثاني لقوله عليه الصلاة والسلام حاكيا عن الله عز وجل: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". (ثم ترفع رأسك بالتكبير فتجلس فتثني رجلك اليسرى في جلوسك بين السجدتين وتنصب اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض): اعلم أن الرفع من السجود فرض بلا خلاف وفي الاعتدال والطمأنينة خلاف قال ابن الحاجب: والرفع منه، والاعتدال والطمأنينة كالركوع وتعقبه ابن دقيق العيد بأن ظاهره يقتضي أن فيه خلافا لقوله كالركوع وهو ممتنع لتوقف الثالثة عليه، وأجيب عنه بأنه إنما قصد إلى ثبوت أصل الطلب في الرفع من السجود كما هو في الرفع من الركوع، ولم يقصد أن الرفع من السجود مختلف فيه كما اختلف في الرفع من الركوع. قال ابن عبد السلام: وفي هذا الجواب نظر لأنه بتقدير صحته يكون كلام المؤلف قاصرا في عدم التعرض للخلاف الذي في الاعتدال والطمأنينة في الرفع من السجود، وبالجملة فإن قصد المؤلف حقيقة التشبيه لزم الإشكال المذكور وإن قصد ما قال هذا المجيب لزم قصور كلامه من حيث إنه لم يتعرض للخلاف الذي في الاعتدال والطمأنينة. قلت هذا كله لا يحتاج إليه وليس في كلامه ما يدل على خلاف السنة؛ لأن قوله الرفع منه هو آخر الكلام لكونه ترجمة؛ ولأنه قال أحد الفرائض السابقة الرفع منه، ثم استأنف التفريع في مسائلة فقال: والاعتدال في الطمأنينة كالركوع أي اختلف فيها كالركوع، ومثل هذا لابن هارون رحمه الله تعالى، ومن علم طريقة ابن الحاجب في هذا

الفصل فقد علم ما قلناه، وإن سلمنا أن الأمر كما قالوا فابن الحاجب لم يحك خلافا في الرفع من الركوع هل هو فرض ابتداء أم لا نعم حكي بعد الوقوع خلافا، وهنا فرض ذلك متعذر فهو أراد التشبيه في الحكم ابتداء، وذلك صحيح وهو الفرضية بلا خلاف. (وترفع يديك عن الأرض على ركبتيك ثم تسجد الثانية كما فعلت أولا): أما وضعهما على الركبتين فلا خلاف أن ذلك مستحب وأما رفعهما عن الأرض فقال سحنون اختلف أصحابنا إذا لم يرفعهما، فقال بعضهم بالإجزاء وقال بعضهم بعدمه، قلت: وبه أدركت جماعة ممن لقيت يفتون، وقد أخبرت أن بعض متأخري إفريقية كان يفتي بالبطلان إذا لم يرفعهما معا وبالصحة إذا رفع واحدة. (ثم تقوم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس ولكن كما ذكرت لك وتكبر في حال قيامك): ما ذكر أنه يعتمد على يديه يريد على طريق الاستحباب وهو قول مالك وخفف تركه في المدونة، قال فيها فإن شاء اعتمد على يديه في القيام أو ترك فظاهره الإباحة وروى عن مالك يكره ترك اعتماده وما ذكر الشيخ أنه لا يرجع للجلوس هو المشهور واستحب ابن العربي أن يجلس لثبوته عنه علي السلام، وبه قال الشافعي. قال ابن عبد السلام: وهو المختار وعلى الأول فإن رجع جالسا عمدا فلا سجود والصلاة مجزئة باتفاق مراعاة للخلاف وإن رجع ساهيا ففي السجود قولان. (ثم تقرأ كما قرأت في الأولى أو دون ذلك وتفعل مثل ذلك سواء): اعلم أن المذهب اختلف في قراءة الثانية فقال في المختصر لا بأس بطول قراءة ثانية الفريضة على الأولى وفي الواضحة الاستحباب وعكسه، فجعلها المازري قولين وجهل ابن العربي من لم يطل الأولى على الثانية. قلت: فقول الشيخ كما فرأت في الأولى أو دون ذلك إن أراد المسألة ذات قولين كعادته فالقول الأول من قوليه خلاف ما تقدم ولا أعرفه. (غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قنت قبل الركوع بعد تمام القراءة): اختلف في حكم القنوت والمشهور من المذهب أن ذلك فضيلة وقيل سنة قاله ابن سحنون وعلي بن زياد، وهو ظاهر السليمانية يسجد لسهوه وهو مذهب المدونة، قال فيها عن ابن مسعود: القنوت في الفجر سنة ماضية والأصل الحقيقة وإتيان سحنون بذلك يدل على ارتضائه له وقال يحيى بن يحيى لا يقنت وإنما قال ذلك لما في الموطأ

كان ابن عمر لا يقنت. قال بعض الشيوخ: واستمر العمل بذلك في مسجد يحيى بعد موته، وإذا قلنا بأنه فضيلة فلا سجود له كسائر الفضائل فإن سجد له بطلت صلاته قاله أشهب حكاه ابن رشد ومثله للطليطي، وإذا قلنا بالسنة فنص علي بن زياد على أنه إن لم يسجد بطلت، وهو قائل بذلك في كل سنة، وقال بعض المتأخرين: من أراد أن يخرج من الخلاف فليسجد بعد السلام وبه أفتى بعض من لقيته غير ما مرة ونص ابن الحاجب على أنه لا بأس برفع يديه في دعاء القنوت. قلت وظاهر المدونة خلافه قال فيها: ولا يرفع يديه إلا في الافتتاح شيئا خفيفا والمشهور أنه لا يكبر له قبل، وروى علي أن مالكا كبر حين قنت، واختلف ما الأفضل في محله فقيل قبل الركوع أفضل. وقال ابن حبيب: بعده أفضل وهو ظاهر كلام الشيخ، وفي المدونة والقنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع والذي أخذ به مالك في خاصته قبل. (والقنوت اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد): ما ذكره مثله في المدونة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر القاضي عبد الوهاب في تلقينه هذا الدعاء من أوله إلى نحفد وزاد اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، ولا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت. قال ابن عبد السلام: واختار ابن شعبان الجمع بينهما مع زيادة الدعاء على الكفار والدعاء للمسلمين، ومعنى نستعينك أي نطلب منك العون، ونستغفرك: أي نطلب منك المغفرة، ونؤمن بك: أي نصدق بوجودك ونخنع أي نخضع، ونخلع: أي ربقة الكفر من أعناقنا، ونترك من يكفرك: أي لا نحب دينه ولا يعترض على هذا بإباحة نكاح الكتابية لكوننا إذا تزوجناها ملنا إليها لأن النكاح في باب المعاملات، والمراد هنا كما تقدم إنما هو بعض الدين وحكاية البهلول بن راشد المذكور في المدارك وغيرها، إنما خرج ذلك منه على طريق الورع ولولا الإطالة لذكرناها وتقديم المفعول في قوله إياك نعبد إشارة للحصر أي لا نعبد إلا إياك، وعطف السجود على الصلاة لأنه مخها ومعنى نحفد أي نخدم بسرعة وقوله نرجو رحمتك، ونخاف عذابك

الجد إلخ فيه الإشارة إلى أن الجمع بين الرجاء والخوف من المطلوب وهو كذلك لقوله عليه الصلاة والسلام " لا يجتمعان في قلب عبد المؤمن إلا أعطاه الله ما يرجوه منه، وأمنه مما يخاف" إلا أنه في حال الشبوبية والكهولية يغلب الخوف، وفي حال الشيخوخية والمرض يغلب الرجاء. قال الفاكهاني: والجد بكسر الجيم أي الحق وقيل معناه الدائم الذي لا يفنى ويروى الجد بالفتح مصدر جد والكسر أكثر وأشهر وهي روايتنا في هذا الكتاب وملحق فيه الكسر والفتح، فالكسر بمعنى لاحق وبالفتح أي يلحقه بالكافرين وهي رواية في الرسالة. (فإذا جلست بين السجدتين نصبت رجلك اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وثنيت اليسرى وأفضيت بأليتك إلى الأرض ولا تقعد على رجلك اليسرى وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها إلى الأرض فواسع): اختلف المذهب في الجلوسين على ثلاثة أقوال: فقيل سنتان وهو المشهور وروى أبو معصب وجوب الآخر منهما. وقال ابن زرقون ظاهر نقل أبي عمر بن عبد البر وجوبهما معا. وهذا كله في غير مقدار ما يوقع فيه السلام وأما مقدار ما يوقع فيه السلام ففرض باتفاق، وما ذكر الشيخ من التخيير في جنب الإبهام هو خلاف قول الباجي يكون باطن إبهامهما ما يلي الأرض لا جنبهما. قال الفاكهاني: عن الغريب كأن الشيخ أبا محمد رحمه الله وهم في قوله بهما وإنما يقال إبهام كما هو المعروف قال الجوهري الإبهام الإصبع العظمى والبهم هو أولاد الضأن كما أن السخل أولاد المعز. (ثم تشهد): حكم التشهد السنة باتفاق على ظاهر كلام الأكثر وقال ابن بزيزة في حكم التشهدين ثلاثة أقوال: المشهور سنة وقيل فضيلة وقيل الأول سنة والثاني فرض وقبله خليل. (والتشهد: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلخ): سمي التشهد تشهدا لتضمنه الشهادتين، وإنما اختار مالك هذا التشهد لأنه تشهد

عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ كان يعلمه الناس على المنبر من غير نكير عليه، قلت: وليس جميعه سنة بل بعضه هو السنة قياس على السورة والله أعلم. وأقيم من هنا الرجل إذا لقي رجلا فأخبره أن فلانا يسلم عليه ولم يأمره بذلك أنه غير كاذب لقوله المصلي ما يدل عليه، وهو قوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لأن المراد بذلك المؤمنون وهذه إقامة ظاهرة إذا كان القائل لذلك يعلم أن المنقول عنه يعلم ما وقعت الإشارة إليه من كونه يفهم معنى ما هو متكلم به، وقول الشيخ فإن سلمت بعد هذا أجزأك وصف طردي وكذلك إذا قال بعضه أو تركه جملة. (ومما تزيده إن شئت: وأشهد أن الذي جاء به محمد حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور): قال عبد الوهاب: هذه الزيادة مروية عن السلف الصالح رضي الله عنهم، ومعنى أشهد: أتحقق وأوقن، وذكر الجنة وما بعدها من باب عطف الخاص على العام وأراد الشيخ أن الجنة والنار موجودتان لا أنهما سيوجدان وذهبت المعتزلة إلى ما نفيناه، وذكره القبر إما لأنه الأعم الأغلب، وإما لأن قبر كل شيء بحسبه. (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وبارك في محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد): اختلف المذهب في حكم التصلية في التشهد الذي يوقع فيه السلام على ثلاثة أقوال: فقيل سنة وهو المشهور وقيل فرض وقيل فضيلة نقل هذا الخلاف عياض عن بعض البغدادين عن المذهب، وقال ابن محرز: وقول ابن المواز بالفرضية لعله يريد في الجملة واعترض الشيخ أبو بكر بن العربي على الشيخ في قوله وارحم محمدا بقوله وهم شيخنا أبو محمد وهما قبيحا خفي عليه علم الأثر والنظر فزاد، وارحم محمدا وهي كلمة لا أصل لها إلا حديث ضعيف وردت فيه خمسة ألفاظ، وهي اللهم صل على محمد وارحم محمدا وبارك وتحنن وسلم، وهذا لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه في العبادات فحذار أن يقوله أحد. قلت: يرد احتمال أن يكون هذا الحديث المذكور صح عند الشيخ ولو سلمنا أنه لم يصح فيعتذر عنه بما اعتذر عياض، وذلك أنه قال: اختلف أصحابنا في الدعاء بالرحمة له عليه الصلاة والسلام فاختار ابن عبد البر منعه وأجاز ذلك غير واحد وهو

مذهب الشيخ أبي محمد بن أبي زيد، وقد جاء في بعض الطرق: اللهم اغفر لمحمد وتقبل شفاعته، وهو بمعنى وارحمه والمطلوب أن يتلمس للشيخ تأويلا وإن بعد، وقد علمت اعتذاره عما يقع لأهل المذهب متقدمهم ومتأخرهم فمثل الشيخ أبي محمد لا يخاطب بالكلام الذي ذكر لعلمه وصلاحه إذ يستحي الإنسان من سماعه، ولولا هذا الذي ذكرناه لكان عدم ذكر اعتراضه خيرا من كتبه والله أعلم. واختلف في الآل فقيل قرابته وقيل أهل بيته وقيل أمته إلى غير ذلك. (اللهم صل على ملائكتك والمقربين وعلى أنبيائك والمرسلين وعلى أهل طاعتك أجمعين): قيل أن أكثر النسخ فيها إثبات الواو من قوله والمقربين والمرسلين وصح أقل النسخ بإسقاطها والأول أحسن لشموله جميع الملائكة، وإنما خصص المقربين والمرسلين تشريفا. والمراد بالمقربين قرب رضا لا قرب مكان، وذلك كجبريل وميكائيل وأخذ التادلي من قول الشيخ وعلى أهل طاعتك أجمعين، جواز الصلاة على غير الأنبياء والصحيح قصرها على الأنبياء قلت: كلام الشيخ إنما يدل على أن الصلاة على غير الأنبياء والصحيح قصرها على الأنبياء قلت: كلام الشيخ إنما يدل على أن الصلاة على غير الأنبياء تجوز بحكم التبع للأنبياء لا أن الصلاة بالاستقلال جائزة والله أعلم. (اللهم اغفر لي ولوالدي ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزما): أول ما بدأ الشيخ بالدعاء له وثنى بوالديه إلخ، وذلك هو المطلوب إذ ذلك من كمال الأدب ليظهر كمال الافتقار إلى الله تعالى، والأئمة أراد بهم الجمع المركب من العلماء والأمراء والله أعلم، وأشار بقوله: ومن سبقنا بالإيمان إلى الامتثال لقوله تعالى: (والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) [الحشر: 10] ومعنى عزما أي لا غنى لنا عن مغفرتك ولو قال إن شئت لكان فيه إظهار الغنى، وفي كلام الشيخ عندي دليل على أن المطلوب لمن أراد زيارة القبور أن يبدأ بوالديه ثم بمن قرأ عليه لأن للتقديم مزية، وكان بعض من مضى من العلماء يبدأ بمن تعلم عليه العلم قبل أبويه. ويحتجا بأن معلمه قد تسبب له في حياته الباقية، وأبويه إنما تسببا له في حياته الفانية، قلت والحق عندي هو الأول وبه كان بعض من لقيته يفتي لأن الشرع دل على ذلك، ألا ترى أن نفقة الأبوين إذا كانا فقيرين تجب على الولد القادر عليها، ولم يقل أحد من أهل العلم فيما قد علمت بوجوب ذلك لمن تعلم عليه العلم.

(اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك صلى الله عليه وسلم إلخ): هذا اللفظ عام والمراد به الخصوص إذ الشفاعة العظمى مختصة به عليه الصلاة والسلام لا يشاركه غيره فيها. (اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا): في كلام الشيخ إشارة إلى أن المجانسة في الدعاء حسنة. (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار): اختلف في الحسنة في الدنيا فقيل المال الحلال، وقيل العلم والعبادة وقيل الزوجة الحسنة وقيل غير ذلك وأما قوله تعالى: (وفي الآخرة حسنة) [البقرة: 201] فالجنة بإجماع قاله ابن عطية. (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب النار وسوء المصير): أراد والله أعلم بفتنة المحيا ما يفتتن به الإنسان في حياته، ومن فتنة الممات حضور الشيطان له عند حضور أجله والمسيح يروى بالحاء المهملة مأخوذ من مسحه البركة، ويروى بالخاء لمسخ صورته، وقول الشيخ وسوء المصير إن أراد به سوء الخاتمة كما قيل فهو حشو لقوله والممات، وإن أراد سوء المنقلب فهو حشو لقوله من عذاب النار ويبعد أن يريد بقوله والممات ما يدرك الإنسان بعد موته لذكره فتنة القبر والنار والله أعلم. (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين): إنما كرره لأن السلام المطلوب أن يكون عقبه، ومن كان مصليا وحده فحسن أن يذكر في تشهده ما ذكر الشيخ، ومن كان وراءه جماعة وهو يعلم أنه يشق عليهم ذلك فليقتصر عن إكماله، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ "أفتان أنت يا معاذ" لما كان يطول في صلاته. (ثم تقول السلام عليكم تسليمة واحدة عن يمينك تقصد بها قبالة وجهك وتتيامن برأسك قليلا هكذا يفعل الإمام والرجل وحده): مذهب مالك المعروف تعيين السلام عليكم قال الباجي، ووقع لابن القاسم أن

من أحدث في آخر صلاته أجزأته صلاته، قال ابن زرقون ويرد نقلا ومعنى أما نقلا فلان المنقول عن ابن القاسم أن من أحدث في آخر صلاته وهو في جماعة صلوا خلف إمام فأحدث إمامهم فسلموا هم لأنفسهم فسئل عن ذلك فقال تجزئهم صلاتهم أي تجزئ صلاة المأمومين فقط. وأما معنى فلان الأئمة على قولين: منهم من يرى لفظ السلام بعينه وهو مالك ومنهم من لا يرى لفظ السلام ولكن يشترط أن ينوي بكل مناف الخروج من الصلاة. أما ما حكاه الباجي من إطلاق كلامه فهو خلاف ما عليه الأئمة. وقبل ابن عبد السلام قول ابن زرقون هذا ويرد الثاني بأن سبقية الخلاف لا تمنع من نقل قول ثالث أو اختياره، والمطلوب أن يقول السلام عليكم غير منون فلو نكر، فقال الشيخ أبو محمد وعبد الوهاب لا يجزئ، وروي عن مالك وقال أبو القاسم بن شبون يجزئ وكل هذا الخلاف بعد الوقوع، وأما ابتداء فالمطلوب عدمه واختار بعض أصحاب الباجي ترجيحه على التعريف ولو عرف ونون فالمنصوص لمتأخري أشياخنا عدم الإجزاء ونقل غير واحد ممن شرحها كالتادلي قولا بالإجزاء جريا على اللحن، وأما إذا قال عليكم السلام ففي الصحة قولان حكاهما صاحب الحلل، ولا أعرف القول بالصحة. وفي كلام الشيخ تناف فلم يزل أشياخنا ينبهونا عليه وهو أن قوله عن يمينك ينافي قوله تقصد بها قبالة وجهك وتتيامن برأسك قليلا، وما ذكر أن الإمام الفذ يسلمان تسليمة واحدة وهو المشهور، وروي عن مالك أنهما يسلمان تسليمتين. (وأما المأموم فيسلم واحدة يتيامن بها قليلا ويرد أخرى على الإمام قبالته يشير بها إليه ويرد على من كان سلم عليه عن يساره فإن لم يكن سلم عليه أحد لم يرد على يساره شيئا): ما ذكر هو المشهور وروي عن مالك أنه يبدأ بالسلام على من على يساره ثم على الإمام، وظاهر كلام الشيخ أن لو كان على يسار المسلم مسبوق لا يسلم عليه، وظاهر كلام ابن الحاجب أنه يسلم عليه لعموم قوله أمامه ثم يساره إن كان فيه أحد، واختلف في المسبوق إذا قضى كيف يسلم، فقيل كالمأموم وقيل كالفذ وكلاهما لمالك رحمه الله، وسبب الخلاف انسحاب حكم المأموم عليه ونفيه فإن شرط الرد الاتصال، قال الإمام المازري هذا يدل أن الخلاف باق ولو كان من يرد عليه حاضرا، قال وزعم بعض أشياخي الاتفاق إذا كان حاضرا أنه يسلم عليه. قاله ابن سعدون ولو كان المأموم

بين يدي الإمام فإنه يسلم على الإمام وهو على حاله وينوي الإمام ولا يلتفت إليه. (ويجعل يديه في تشهده على فخذيه ويقبض أصابع يده اليمنى وببسط السبابة يشير بها وقد نصب حرفها إلى وجهه): جعل اليد في التشهد على الفخذ مستحب، وكذلك القبض وهو شبه عاقد ثلاث وعشرين قاله ابن بشير، وقال ابن الحاجب: شبه تسعة وعشرين والمروي شبه ثلاثة وخمسين، وأما الإشارة فقال ابن رشد هي سنة من فعله عليه الصلاة والسلام، وذهب ابن العربي إلى إنكار ذلك، وعلى الأول فقيل في جميع التشهد وقيل عند التوحيد خاصة وصفة ذلك قيل يمينا وشمالا كالمذبة وقيل إلى السماء والأرض، وقيل عند التوحيد كما في القول الثاني وعند غيره كالأول، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها بعض من شرح الرسالة. (واختلف في تحريكها فقيل يعتقد بالإشارة بها أن الله أحد ويتأول من يحركها أنا مقمعة للشيطان وأحسب تأويل ذلك أن يذكر بذلك من أمر الصلاة ما يمنعه إن شاء الله عن السهو فيها والشغل عنها): يحتمل أن يريد بالخلاف التحريك وعدمه، ويحتمل في علة التحريك فقط، وأنكر ابن العربي العلة ليطرد بها الشيطان فلا يسهو، وقال إن الشيطان لا يطرد بتحريك الإصبع وإنما يطرد بذكر الله تعالى وإن حركتم إليه إصبعا حرك إليكم عشرا وإياكم وما وقع من ذلك في العتبية فإنها بلية. قال التادلي: والعجب منه كيف ينكر هذا وهو مصرح به في مسلم ففيه أنها مذبة للشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بإصبعه، قال الباجي فهذا يدل على أن في تحريكها القمع للشيطان ونفي السهو، وكثير من الأشياخ يعتقد أن الإشارة والتحريك معناهما واحد وهو باطل إذ يمكن أن يشير بها ولا يحركها. (ويبسط يده اليسرى على فخذه الأيسر ولا يحركها ولا يشير بها): بسط اليد اليسرى مستحب وهل التحريك مرادف للإشارة أو مغاير قولان كما تقدم، ولأن ظاهر كلام الشيخ المغايرة لعطفه الإشارة على التحريك، قال النووي ولو كان مقطوع اليد اليمنى فلا ينتقل إلى اليد اليسرى لأن شأنها البسط، قال التادلي: وفيه مجال لأن اليسرى قد يقال إنما شأنها البسط من وجود اليمنى، وأما مع فقدها فلا. (ويستحب الذكر بإثر الصلوات يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين،

ويكبر الله ثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير): الأصل فيما ذكر الشيخ أن فقراء المهاجرين أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال: "وما ذاك" فقالوا يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا تتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "تسبحون وتحمدون، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة وتختمون المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". قال أبو محمد صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" فقال الفقهاء لا خصوصية للفقراء في هذا الحديث لقوله، "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"، وقال الصوفية بل قوله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يريد بذلك أن هذا الفضل مخصوص بهم لا يلحقهم غيرهم في ذلك. (ويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها وليس بواجب): اعلم إن قوله وليس بواجب مستغنى عنه إذ قوله، ويستحب يدل على ذلك وإنما كان ذلك مستحبا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس كان له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" قال الترمذي: هذا حديث حسن. قلت: ويظهر من يقرأ القرآن في هذا الوقت يحصل له هذا الشرف لأنه من أشرف الأذكار فهذا داخل فيما قال الشيخ والله أعلم. وروى بعض من لقيناه أنه غير داخل في قوله في الذكر لقرينة قوله والاستغفار زاعما أن ابن عبد البر نص على ذلك وهو بعيد قال في المدونة، وكان مالك يسأل بعد

طلوع الفجر حتى تقام الصلاة ثم لا يجيب من يسأله بعد الصلاة بل يقبل على الذكر حتى تطلع الشمس، وقال التادلي: فيقوم منها أن الاشتغال بالذكر في هذا الوقت أفضل من قراءة العلم فيه. وقال الأشياخ: تعلم العلم فيه أولى قلت وهو الصواب وبه كان يفتي بعض من لقيناه ولا سيما في زماننا اليوم لقلة الحاملين له على الحقيقة وسمع ابن القاسم: مرة صلاة النافلة أحب إلي من مذاكرة العلم ومرة العناية بالعلم بنية أفضل، قلت: وبهذا القول أقول وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية وعلم ينتفع به بعد موته" فتعليم العلم مما يبقي بعده كما قال عليه الصلاة والسلام. (ويركع ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح بعد الفجر يقرأ في كل ركعة بأم القرآن يسرها): حكم ركعتي الفجر الفضيلة عند الأكثر، وقيل سنة، والوتر آكد منها ولا شك إن وقتها، كما قال الشيخ قال في المدونة: ومن تحرى الفجر في غيم فركع فإذا هو قبل الفجر أعادهما بعده، ولا يعارضها قول أضحيتها إذا تحرى من لا إمام لهم ذبح أقرب الأئمة إليهم فأخطئوا فإنهم لا يعيدون ليسر إعادة الركعتين وعسر إعادة الأضحية والله أعلم. وقال ابن حبيب: إذا أخطأ في وقت ركعتي الفجر فإنه لا يعيدها، وبه قال ابن الماجشون وما ذكر أن القراءة تكون بأم القرآن فقط هو المشهور، وهو قول جمهور أصحاب مالك، وقيل وسورة قصيرة قاله مالك حكاه اللخمي من رواية ابن شعبان في مختصر ما ليس في المختصر، وقال أحمد بن خالد: يقرأ مع أم القرآن بالكافرون والإخلاص، وقيل (قولوا ءامنا بالله) [البقرة: 136] (قل يا أهل الكتاب تعالوا) [آل عمران: 64] قاله ابن حبيب وخرج فيه حديثا، وخارج المذهب قولان آخران أحدهما أنه لا يقرأ فيهما جملة، خرجه الطحاوي عن قوم وذهب النخعي إلى إطالة القراة فيهما واختاره الطحاوي. وما ذكر الشيخ أن القراءة تكون سرا هو قول كافة العلماء لقول عائشة رضي

الله عنها كان عليه الصلاة والسلام يخفف حتى أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن أم لا، وهذا القول هو المشهور في المذهب، وحكى اللخمي قولا في المذهب أنه يقرأ فيهما جهرا، والضجعة بعد ركعتي الفجر غير مشروعة على المشهور خلافا لابن حبيب وصوبه ابن عبد السلام قائلا لاسيما لمن اتصل قيامه بطلوع الفجر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلها، وروي عنه أنه أمر بها وخارج المذهب قول بوجوبها وهو شذوذ. (والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطوال أو دون ذلك قليلا ولا يجهر فيها بشيء من القراءة ويقرأ في الأولى والثانية في ركعة بأم القرآن وسورة سرا): يعني أن المذهب اختلف هل قراءة الظهر مساوية لقراءة الصبح أم لا؟ فقيل إنهما سواء قاله أشهب وابن حبيب، وقيل إن الصبح أطول قليلا قاله مالك ويحيى، وقد نبهناك على أن الشيخ إذا أتى بأو في كلامه إنما يريد بها عوض، وقيل فكأنه قال والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطول في قول أو دون ذلك في قول آخر والله أعلم. (وفي الأخيرتين بأم القرآن وحدها سرا): ما ذكر أنه يقرأ في الركعتين الأخريين بأم القرآن فقط هو المعروف في المذهب، وقيل يقرأ بسورة مع أم القرآن في كل ركعة كالأوليين، قاله ابن عبد الحكم. وعلى الأول فإن قرأ في كل ركعة منهما بسورة فلا سجود عليه، قال ابن الحاجب: وذكر لي بعض أصحابنا عن أشهب أنه قال في هذه المسألة عليه السجود، قلت إنما قال في هذه المسالة عليه السجود إشارة منه إلى أنه لو قرأ بذلك في ركعة فقط فإن أشهب يقول لا يسجد، فالخلاف إنما هو حيث القراءة بذلك في الركعتين، وقال ابن الحاجب: وزيادة سورة في نحو الثالثة مغتفر على الأصح وتعقبه ابن عبد السلام بأن كلامه يقتضي أن الخلاف في السجود في زيادة ركعة وليس كذلك. (ويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله): ظاهر كلامه أن الدعاء فيه لا ينبغي وليس بموضع له وهو كذلك في رواية علي بن زياد، وقيل يجوز الدعاء فيه كالثاني في رواية ابن نافع وغيره عن مالك. (ثم يقوم فلا يكبر حتى يستوي قائما هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام يقوم المأموم أيضا فإذا استوى قائما كبر ويفعل في بقية صلاة الظهر من صفة الركوع والسجود والجلوس نحو ما تقدم ذكره في الصبح):

ما ذكر أن الإمام والفذ لا يكبران حتى يقع الاستواء منهما هو المعروف، واختار ابن العربي أن يكبر حال القيام ووقع في بعض نسخ تقريب، خلف عن ابن الماجشون مثله والقول الأول علل بثلاثة علل وهي العمل، وكونه لم ينتقل عن ركن ولقول عائشة رضي الله عنها "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" فالقائم إلى الثلاثة كالمستفتح لصلاة جديدة. (ويستحب له أن يتنفل بأربع ركعات يسلم من كل ركعتين): المطلوب أن النافلة لا تكون إلا ركعتين يسلم منهما كما قال الشيخ رحمه الله وهذا هو مذهبنا، واضطرب العلماء في ذلك اضطرابا شديدا، فلو صلى ركعتين وسها فإن ذكر قبل عقد الثالثة رجع وسجد بعد السلام اتفاقا وإن عقدها تمادى مطلقا وأكمل أربعا على المشهور، وقيل إن كانت نافلة نهار فكما تقدم وإن كانت نافلة ليل رجع قاله ابن مسلمة، وحيث يتمادى فهل يسجد قبل السلام أو بعده؟ فقال في المدونة يسجد قبل السلام وقيل إنه يسجد بعده، ووجه القول الأول بوجهين، وهما إما لنقص السلام وإما لنقله عن محله، وضعف الأول بأنه يلزم عليه البطلان وضعف الثاني أيضا بأن ذلك منقوض بمن صلى الظهر خمسا ساهيا فإنه يسجد بعد السلام مع أنه نقله عن محله. ولهذا الذي ذكرناه اختار ابن عبد السلام عدم السجود مطلقا قائلا لأن أمرهم بالتمادي مع أمرهم بالسجود متناقض قلت: لا مناقضة في ذلك للاحتياط، وذلك أن التمادي مراعاة للخلاف والسجود مراعاة لمذهبنا فجمع بذلك بين المذهبين احتياطا والله أعلم، فإن قلت ما بال الشيخ أبي القاسم بن الجلاب رحمه الله نسب السجود قبل السلام لابن عبد الحكم مع أنه في المدونة كما ذكرتم على أنه يقع له ذلك كثيرا، ألا ترى إلا قوله وأما المرأة فإن قامت فحسن قاله ابن عبد الحكم. قلت: كان أهل بغداد يعتنون بكتاب ابن عبد الحكم كل الاعتناء ويرجحونه على غيره، حتى إن الأبهري شيخ ابن الجلاب شرح كتابه، فهم أهل بغداد إذا وجدوا قولا لابن عبد الحكم وغيره عزوه لابن عبد الحكم وهم في الغير في الاختيار بين أن يذكروه أم لا، كنحن بالنسبة إلى قول ابن القاسم مع غيره. قال التادلي: وتعقب على الشيخ في تحديده التنفل بأربع ركعات مع أنه في المدونة قال: إنما يوقت في هذا أهل العراق، قلت: لم أزل أسمع بعض من لقيته يقول إن ما ذكر الشيخ هو نص ابن حبيب

في واضحته للأحاديث فإن صح فلا اعتراض على الشيخ لأن الرسالة لا تقيد المدونة. (ويستحب له مثل ذلك قبل صلاة العصر ويفعل في صلاة العصر كما وصفنا في الظهر سواء إلا أنه يقرأ في الركعتين الأوليين بالقصار من السور): أكثر أهل المذهب على أن التنفل قبل العصر من الرواتب، وقال عياض في الإكمال حكى العنبري من شيوخنا العراقيين أنه لا رواتب قبل العصر جملة. (مثل والضحى وإنا أنزلناه ونحوهما) ظاهر قول الشيخ ونحوهما خلاف قول ابن حبيب يقرأ في العصر والمغرب من الضحى إلى آخر القرآن، ولو افتتح في العصر سورة طويلة تركها، وإن قرأ نصفها ركع، ولو افتتح قصيرة بدل طويلة فإن أتمها زاد غيرها وإن ركع بها فلا سجود عليه روى جميع ذلك ابن حبيب. (وأما العشاء الأخيرة وهي العتمة واسم العشاء أخص بها وأولى إلخ): كلام الشيخ يقتضي أن المغرب تسمى عشاء لوصفه العشاء بالأخيرة وقد تقدم ما في ذلك، وكذلك قدمنا أن في تسميتها بالعتمة ثلاثة أقوال: الجواز والكراهة والتحريم على ظاهر ما في كتاب ابن مزين من قال عتمة كتبت عليه سيئة. (ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لغير ضرورة): وجه كراهية النوم قبلها خشية أن تفوته صلاة الجماعة أو نسيانها وقد قدمنا أن ظاهر كلامه، ولو وكل بذلك من يوقظه، ووجهه إن سلم خشية أن ينام الموكل، وحديث الوادي يدل على الجواز، ووجه كراهية الحديث بعدها إما خشية فوات صلاة الصبح جماعة وإما خشية خروج وقتها، وكل هذا ما لم تكن ضرورة فإن كان كالعروس وناظر كتب العلم فجائز كما أشار إليه الشيخ في قوله لغير ضرورة. (والقراءة التي يسر بها في الصلوات كلها هي بتحريك اللسان بالتكلم بالقرآن وأما الجهر فأن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده): اعلم أن أدنى السر أن يحرك لسانه بالقرآن وأعلاه أن يسمع نفسه فقط فمن قرأ في قلبه فكالعدم، ولذلك يجوز للجنب أن يقرأ في قلبه. وأدنى الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه وأعلاه لا حد له وقول الشيخ بالتكلم بالقرآن أراد بالقراءة كما قال الشاعر: يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

أي قراءة فلا مؤاخذة على الشيخ البتة وقد أطنبوا في الأخذ عليه. (والمرأة دون الرجل في الجهر وهي في هيئة الصلاة مثله): يعني تسمع نفسها فقط كالتلبية كما قال في المدونة، ووجه ذلك أن صوتها عورة ولذلك لا تؤذن اتفاقا وبيعها وشراؤها إنما أجيز للضرورة. (غير أنها تنضم ولا تفرج فخذيها ولا عضديها وتكون منضمة منزوية في سجودها وجلوسها وأمرها كله): ما ذكر الشيخ هو معنى ما روي عن علي بن زياد، تجلس على وركها الأيسر وفخذها اليمنى على اليسرى، ثم تضم بعضها إلى بعض قدرالطاقة ولا تفرج بخلاف الرجل، وفي المختصر جلوسها وكل شأنها في صلاتها كالرجل إلا في اللباس، قال أبو محمد يريد الانضمام، قلت والجهر ونبه عليه بعض شيوخنا، وفي المدونة جلوسها كالرجل قال الفاكهاني: وقول ولا تفرج رويناه بتفح التاء وإسكان الفاء وضم الراء وهو تفسير لقوله تنضم، وكان ترك الواو أولى، وقوله وتكون منضمة منزوية تكرار لا معنى له فيما يظهر لأن الانضمام هو الانزواء وقد تقدم قوله تنضم فأغنى عن منضمة أيضًا. (ثم يصلي الشفع والوتر جهرا وكذلك يستحب في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار إلخ): الوتر بكسر الواو وفتحها لغتان مشهورتان، وحكم الشفع الفضيلة، وأما الوتر فالمشهور أنه سنة وهو المنصوص، وقال سحنون يحرج تاركه، وقال أصبغ يؤدب فأخذ اللخمي وابن زرقون منهما الوجوب واعتذر بعض شيوخ المازري عن الأول بأن تركه، علامة على استخفافه بأمور الدين، واعتذر المازري عن الثاني بأن تأديبه لاستخفافه بالسنة، كقول ابن خويز منداد تارك السنة فسق وإن تمادى عليه أهل بلد حوربوا، وقال ابن عبد السلام: تخريج اللخمي عندي حسن قوي من قول أصبغ

ضعيف من قول سحنون، قلت: إذا كان ضعيفا من قول سحنون فليس إذا بحسن فكلام الشيخ ابن عبد السلام متناقض فيما يظهر والله أعلم. وقال ابن الحاجب: الوتر غير واجب على المشهور، واستدل اللخمي بقول سحنون يحرج وأصبغ يؤدب واعترض من حيث جعل فعل المحرج منصوصا، قال أبو عمر بن عبد البر ضارع مالك من قال بوجوبه من قوله تقطع الصلاة له، والمطلوب الجهر في الوتر ولا يسر إلا لضرورة كتشويش المصلين بعضهم على بعض، وقال ابن الحاجب: والسر في النافل جائز، وكذلك الوتر على الشمهور فتعقب لأنه خلاف ما سبق، وقد قال الأبياني من أسر في وتره متعمدا أعاد وأنكره عبد الحق، والشفع قبل الوتر قيل للفضيلة، وقيل للصحة، وهل يشترط تعيين ركعتين له من آخر تهجده وينويهما له أم لا يلزمه ذلك قولان ثم في شرط الاتصال بالوتر قولان. (وإن جهر في النهار في تنفله فذلك واسع وأقل الشفع ركعتان): ما ذكر هو أحد قولي أهل المذهب، وقيل إن ذلك مكروه، وتجوز صلاة النافلة جماعة ليلا ونهارا قاله في المدونة فأطلقه اللخمي وقيده ابن أبي زمنين وغيره برواية ابن حبيب، وقوله إن قلة الجماعة كالثلاث، وخفي محل قيامهم، إلا كره وسلك ابن بشير هذه الطريقة قائلا وكرهه ابن حبيب، وهو مقتضى المذهب، قال ومنه ما يفعل في بعض البلاد من الجمع ليلة النصف من شعبان وليلة عاشوراء، ولا يختلف المذهب في كراهته، وينبغي للأئمة أن يتقدموا في النهي عنه. (ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون يتشهد ويسلم): (ثم يصلي الوتر ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين وإن زاد من الإشفاع جعل آخر ذلك الوتر): ما ذكر الشيخ هو قول القاضي عبد الوهاب، وفي المدونة قول بعدم التحديد وكلاهما لمالك، وقال ابن العربي يقرأ فيه المتهجد من تمام حزبه وغيره بقل هو الله أحد فقط لحديث الترمذي وهو أصح من حديث قراءته بها مع المعوذتين، وانتهت

الغفلة بقوم يصلون التراويح فإذا انتهوا للوتر قرءوا فيه بقل هو الله أحد والمعوذتين. (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل اثنتى عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدة): مداومته صلى الله عليه وسلم على ما ذكر تدل على أن قيام جميع الليل مرجوح، واختلف في ذلك قول مالك بالكراهة والجواز وحكاهما عياض في الإكمال، قال واختلفلوا هل طول القيام أفضل وإن قل السجود أم لا؟ فقيل طول القيام أفضل وقيل كثرة السجود أفضل، وقيل بالأول في نوافل الليل وبالثاني في نوافل النهار، قلت وكان بعض من لقيناه من القرويين يفتي وهو شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله بأنه ينظر إلى المصلي في خاصة نفسه فالذي يجد الحلاوة فيه أكثر القيام للقراءة أحسن والعكس للعكس، وأفتى غيره ممن أدركناه من القرويين أيضًا بالعكس لأنه إذا مالت النفس لشيء لابد فيه من آفة. ويذكر أن شيخا من الفضلاء دخل مسجدا ليبيت فيه فأحبت نفسه الصلاة وعزم عليها بعد أن خالفها مرارا فقام ليفتش المسجد فوجد رجلا ملفوفا في حصير من حصر المسجد فعلم أنها مكيدة منها، وكنت أجيبه بأن النفس لا قدرة لها على معرفة هذا وهو إنما وقع اتفاقيا فلا يضر، وبالقول الذي قبله أقول والإنسان يعلم حسن ذلك من نفسه، وأما التعليق بالحبل فنهى عنه أبو بكر، وقطع الجبل لمن فعله وبه قال حذيفة ورخص فيه آخرون. وأما الاتكاء على العصا فلم يختلف في جوازه إلا لشيء روي عن ابن سيرين في أنه مكروه وهذا والذي قبله نقله عياض في الإكمال، واختلف المذهب في جواز النافلة مضطجعا على ثلاثة أقوال: ثالثها يجوز للمريض لعذره لا لغيره. (وأفضل الليل آخره في القيام فيمن أخر تنفله ووتره فذلك أفضل إلا من الغالب عليه أن لا يتنبه فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل ثم إن شاء إذا استيقظ في آخره تنفل ما شاء مثنى مثنى): ما ذكره الشيخ قال به جميع أهل المذهب لحديث: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه" والمعنى ينزل أمره ورحمته ومغفرته، وقوله ولا يعيد الوتر ما ذكره هو مشهور المذهب، وقيل إنه يعيده قاله ابن عبدالسلام: والأول

والجاري على قواعد المذهب من حيث إن القول بإعادته ملزوم لرفض العبادة بعد الفراغ منها، وأمر في المدونة من أراد أن يتنفل فليتربص قليلا بعد الوتر. (ومن غلبته عيناه عن حزبه فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار): ظاهر كلامه أنه لو أخر حزبه عمدا أنه لا يصليه وهو كذلك عند غيره خلافا لابن الجلاب، قال بعض من لقيناه وهو عندي ظاهر التهذيب قال فيه: ومن فاته حزبه من الليل أو تركه حتى طلع الفجر فليصله ما بينه وبين طلوع الفجر إلى صلاة الصبح. وما ذلك من عمل الناس إلا من غلبته عيناه فلا بأس به قال فظاهر قوله أو تركه ولو عمدا. وقوله وما ذاك إلخ، أراد به التكلم ابتداء على معنى أنه لا ينبغي أن يتركه عمدا ولكن إن تركه عمدا ووقع ذلك فإنه يصليه وهو الذي أراد والله أعلم قال صاحب البيان التقريب، ونقل البراذعي هذه المسألة نقلا فاسدا لأن مالكا لم يقل فيها إذا تركه فليصله وإنما قال ذلك فيما إذا فاته غلبة، والشيخ في الرسالة لم يذكر إلا مسألة الغلبة. (ثم يوتر ويصلي الصبح): لا خلاف أن الأمر كما قال وذلك إذا اتسع الوقت واختلف إذا بقي لطلوع الشمس مقدار ركعتين فالأكثر أنه يصلي الصبح، وقال أصبغ يصلي الوتر ويدرك من الصبح ركعة، وقال ابن الحاجب: إن اتسع الوقت لثانية فالوتر على المنصوص، وتعقبه ابن عبد السلام بأنه خلاف المدونة لأنه قال فيها ومن لم يقدر إلا على الصبح صلاها، وترك ركعة الوتر ولا قضاء عليه للوتر قال، ويقال إن متقدمي الشيوخ كانوا إذا نقلت لهم المسألة من غير المدونة وهي موافقة لما في المدونة عدوها خطأ فكيف ينقل خلاف ما فيها ويترك ما فيها. واختلف إذا اتسع الوقت لأربع ركعات فقيل يصلي الوتر والصبح قيل يصلي الشفع والوترويدرك من الصبح ركعة قبل طلوع الشمس، وأما إذا بقي مقدار خمس ركعات وقد كان تنفل ففي تقديم الشفع على ركعتين الفجر قولان.

(ولا يقضي الوتر من ذكره بعد أن صلى الصبح): ما ذكر الشيخ هو المذهب وعلى تخريج اللخمي أنه فرض يلزم أن يقضي وكذلك سائر السنن فإنها لا تقضي قال ابن الحاجب: ولا تقضي سنة، وجاء إذا ضاق الوقت عن ركعتي الفجر تقضي بعد طلوع الشمس على المشهور فقيل مجاز، فأشار بقوله وجاء إلى أن قولهم لا تقضي سنة كالوتر مع قوله يقضي الفجر تناقض، وكان بعض من لقيناه يجيب عن ذلك بأن الفجر لما كان من صلاة النهار ناسب أن يقضي بالنهار، ولما كان الوتر من صلاة الليل ناسب أن لا يقضي بعد صلاة الصبح. وإنما أبيحت صلاته بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح لأن ما قرب من الشيء أعطي حكمه وهذا الجواب وإن نهض في الوتر فهو لا ينهض في غيره من السنن، وقال ابن عبد السلام: قولهم لا تقضي سنة هو الأصل إذا فرع على مذهب الأصوليين وأن الأزمنة لها خصوصية في المأمور به، وأما إذا فرع على مذهب الفقهاء فقد قال عليه الصلاة والسلام "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" فالأصل القضاء، وقد ثبت القضاء في ركعتي الفجر يوم الوادي بعد طلوع الشمس عنه عليه

السلام وشغله صلى الله عليه وسلم الوفد عن الركعتين اللتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم واظب عليهما بعد ذلك الوقت وأنت تعلم أن الركعتين بعد الظهر دون ركعتي الفجر في الفضل. وتعلم صحة النهي عن الصلاة بعد العصر ولم يمنع ذلك من قضاء النافلة وهذا ينفي المجاز الذي قيل نعم من اعتقد مذهب الأصوليين، ولم يحفظ القضاء إلا في ركعتي الفجر قصره عليه، واختلف فيمن ذكر الوتر في الصبح على أربعة أقوال: فقيل يقطع استحبابا، لأنه لو تمادى على الصبح لفاتت، وقيل يتمادى وجوبا وقيل يقطع إن كان فذا فقط، وقيل يقطع الفذ والإمام دون المأموم، وهل هذا الخلاف وإن عقد ركعة أو إن عقد ركعة تمادى قولا واحدا في ذلك قولان. (ومن دخل المسجد على وضوء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين إن كان وقت يجوز فيه الركوع): تحية المسجد فضيلة واختار ابن عبد السلام أنها سنة وإن جلس قبل أن يركع فإنه يقوم ويصلي خلافا للشافعي وإن صلى الفريضة فإنها تكفي، قلت: ولا يقال الصواب لا تكفي لخصوصية أمره عليه الصلاة والسلام بركعتين، والأصل أن العبادة الواحدة لا تقوم مقام العبادتين، لأن ذلك مع التساوي بين العبادتين، أما إذا كانت إحداهما آكد كما هنا فإنها تنوب عنهما معا بدليل الاتفاق على أن من اغتسل للجنابة ونوى النيابة عن الجمعة أنه يحصل له ثواب الغسلين معا، ويريد الشيخ ما لم يتكرر دخوله فإن تكرر فإن التحية تسقط كنظائرها، واختلف إذا خرج من المسجد بعد أن صلى التحية ثم رجع عن قرب فقيل يركع ثانيا، وقيل لا والأول نقله بعض من لقيناه، والثاني نقله الفاكهانين وكان بعض من لقيته يفتي بأنه إن خرج ليعود فإنه لا يركع وإلا ركع وظاهر كلام الشيخ أنه إن كان مارا فإنه لا يفتقر في دخوله إلى ركوع وهو كذلك. وقال ابن الحاجب: وتحية المسجد ركعتان قبل أن يجلس، وإن كان مارا جاز الترك ولم يأخذ به مالك واعترضه ابن عبد السلام بأن كلامه يقتضي أن مالكا يقول يركع وليس كذلك، وما ذكرناه من جواز المرور وهو كذلك إلا أن يكثر فإذا أكثر ففيه تغير الحبس ويقرأ في ركعتي التحية بأم القرآن وسورة كغيرها ووقع في كتاب ابن شعبان أنه يقرأ بأم القرآن فقد كركعتي الفجر في المشهور ذكره ابن عبد السلام.

(ومن دخل المسجد ولم يركع للفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر): المطلوب أن يقتصر على ركعتي الفجر دون زيادة فقول الشيخ أجزأه كأنه خلاف ذلك وما ذكرناه هو المشهور، وقال القابسي يصلي التحية وركعتي الفجر، وفي المذهب قول ثالث بإباحة ما خف من النوافل وصوب ابن عبد السلام قول القابسي قائلا لأن العبادة الواحدة لا تقوم مقام الاثنين، وكان صاحب القول الأول رأى أن المقصود أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين وقد حصل ثم إنه استغنى بالأوكد وهو ركعتا الفجر عما دونه وهو تحية المسجد، قال ولا يبعد أن يسلك بهما ما في المشهور من نية غسل الجنابة وغسل الجمعة. (وإن ركع الفجر في بيته ثم أتى المسجد فاختلف فيه فقيل يركع وقيل لا يركع): ما ذكر من القولين كلاهما لمالك قال ابن عبد السلام: والظاهر ركوعه ولا مانع يمنع والحديث "لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر" لا يقوى قوة "إذ أتى أحدكم إلى المسجد" وقيد أبو عمران وأبو بكر بن عبد الرحمن وغيرهما القول بالركوع بأنه يصلي ركعتين بنية التحية، وحكى ابن بشير قولا بأنه يعيدهما بنية الفجر حقيقة وضعف. (ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر إلى طلوع الشمس): لما كان قوله قبل ومن دخل المسجد ولم يركع للفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر يوهم جواز صلاة التحية لقوله أجزأه كما قلنا نفاه بقوله ولا صلاة نافلة بعد الفجر والله أعلم، وقول الشيخ يحتمل الكراهة والتحريم كقول ابن الحاجب، وأوقات المنع قال ابن عبد السلام: وظاهر قوله بعد ومن أحرم في وقت منع قطع يقتضي التحريم، قلت: ليس فيه دليل لأن من تلبس بمكروه، ثم ذكر ابن رشد ثلاثة أقوال: في النافلة بعد صلاة الجمعة للمأموم أحدها أن ذلك مكروه فيثاب لتركه ولا يأثم لفعله. وعزاه لأول صلاة المدونة فقول ابن الحاجب قطع يحتمل أن يكون على الاستحباب والله أعلم، وظاهر كلام الشيخ أن الفائتة يصليها في هذا الوقت وهو كذلك حتى عند الطلوع وعند الغروب، وقد تقدم من فاته حزبه فإنه يصليه بعد طلوع الفجر، وفي العمد خلاف وبالله التوفيق.

باب الإمامة وحكم الإمام والمأموم

باب الإمامة وحكم الإمام والمأموم لما كان اجتماع الناس على رجل يصلي بهم مطلوبا وذلك من توفرت فيه شروط يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى ترجم عليه المؤلف رحمه الله تعالى بالإمامة، واعلم أن المذهب اختلف في صلاة الجماعة على أربعة أقوال: فقيل سنة مؤكدة قاله أكثر شيوخ المذهب وقيل فرض كفاية نقله ابن محرز وغيره من بعض أصحابنا، وقيل مندوب إليها مؤكدة الفضل قاله عبد الوهاب في تلقينه ومثله لابن العربي في عارضته هي مندوبة يحث عليها وقال ابن رشد مستحبة للرجل في خاصته فرض في الجملة سنة بكل مسجد، واختلف هل تتفاضل بالكثرة أم لا؟ والمشهور أنها لا تتفاضل خلافا لابن حبيب، وحمل بعض الشيوخ المذهب على قول ابن حبيب وجعل المشهور أن الجماعة سواء بالنسبة إلى عدم الإعادة في جماعة نقله ابن عبد السلام، وأقل الجماعة اثنان باتفاق المذهب. (ويؤم الناس أفضلهم وأفقههم): قال ابن الحاجب: وشرط الإمام أن يكون ذكرا مسلما بالغا عاقلا عالما بما لا تصح الصلاة إلا به فقها وقراءة قادرا عليها، واختلف المذهب في إعادة مأموم إمام كافر ظنه مسلما فقيل يعيد أبدا، وقيل تصح فيما جهر فيه إن أسلم، وقيل إن كان إماما وأسلم بعد ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل يقتل، وقيل ينكل ويطال سجنه ثم يرسل وقيل إن كان آمنا قتل وإلا فلا. قلت: وهذا الخلاف فيه ضعف عندي لقول إسحاق بن راهوية أجمعوا على أن من رأيناه يصلي فإن ذلك دليل على إيمانه، واختلف في إمامة اللحان على أربعة أقوال، فقيل صحيحة وعكسه، وقيل بالأول إن كان في غير الفاتحة، وبالثاني إن كان في الفاتحة، وبهذا القول الفتوى عندنا بإفريقية وهو قول أبي بكر بن اللباد وابن شلبون، وقيل بالأول إن لم يغير المعنى، وبالثاني إن غيره كأنعمت ضما وكسرا. قال اللخمي: والأحسن المنع إن وجد غيره فإن أم لم يعد مأمومه، وقال المازري: لا أعرف القول بالصحة ممرضا بذلك نقل اللخمي له قلت وأجابه بعض شيوخنا بأن ابن رشد حكاه عن ابن حبيب والقول الثالث الذي به الفتوى هو عندي ضعيف لأنه لا يخلو إما أن يكون اللحان ممن صار بلحنه متكلما بغير القرآن أم لا،

وعلى كل حال فلا فرق، وأجابني بعض من كان يفتي به بأنا نختار قسما ثالثا وهو أن يصير كالتارك وأجبته بأنه يلزم عليه الصحة مطلقا لأنه إذا قل لحنه في أم القرآن فقصارى أمره على ما ذكرتم أن يكون تاركا لبعض آية وذلك لا يضر والله تعالى أعلم. (ولا تؤم المرأة في فريضة ولا نافلة لا رجالا ولا نساء): ما ذكره هو المشهور وأحد الأقوال الثلاثة، وروى ابن أيمن أنها تؤم النساء وإلا كره قال عياض في الإكمال واختاره بعض شيوخنا، وقال الخمي إن عدم الرجال أمت النساء وإلا كره وصحت، وعلى المشهور فمن أمته أعاد أبدا، لو كانت امرأة على ظاهر قول ابن حبيب من صلى خلفها أعاد أبدا وبه الفتوى، قال أبو إبراهيم الأندلسي من أمت من النساء أعدن في الوقت وحيث تؤم فإنها تقف في الصف قاله ابن هارون. قلت: وكان بعض من لقيناه يذهب إلى أنها تقف آخرهن وحدها وهن أمامها لقوله عليه السلام "أخروهن حيث أخرهن الله" وكنت أجيبه بأن معنى الحديث إنما هو حيث تكون مأمومة وأما إذا أمت النساء على القول به فتصير كرجل مع رجال والله أعلم. قال ابن بشير والخنثى كامرأة ولا خلاف أن الصبي لا يؤم في الفرض فإن أم ففي إعادة من ائتم به ثلاثة أقوال: يعيد أبدا وهو المشهور، وقيل لا يعيد نقله أبو محمد عن أبي مصعب، وقيل إن استخلف لتمامها يعيد في الوقت قال أشهب. وزعم الشيخ أبو القاسم الليبدي أن أبا محمد وهم في نقله قوله أبي مصعب فإنه ليس في كتاب أ [ي مصعب، قال اللبيدي فهم أبو محمد بإصلاحه بعد مطالعته للكتاب المذكور فاختر منه المنية، وفي إمامة الصبي في النافلة روايتان. قلت: والعمل عندنا بإفريقية استمر على جوازه في التراويح.

(ويقرأ مع الإمام فيما يسر فيه ولا يقرأ معه فيما يجهر فيه): ما ذكر أنه يقرأ مع الإمام في السرية هو المشهور، وقيل لا يقرأ معه فيها قاله ابن حبيب وغيره، وعلى الأول فحكم ذلك الاستحباب عند الأكثر وقيل إن ذلك سنة؛ حكاه ابن عبد البر عن مالك، وما ذكر الشيخ أنه لا يقرأ معه في الجهرية هو كذلك، وظاهر كلامه: ولو كان لا يسمع صوت الإمام وهو كذلك على المنصوص. وأشار ابن عبد البر إلى أنه يتخرج فيه قول بأنه يقرأ من قول من قال من أصحاب مالك أنه يجوز التكلم لمن لم يسمع خطبة الإمام، وقيل إن كان الإمام يسكت بين التكبير والقراءة فإنه يقرأ حينئذ حكاه الباجي عن رواية ابن نافع. (ومن أدرك ركعة فأكثر فقد أدرك الجماعة فليقض بعد سلام الإمام ما فاته على نحو ما فعل الإمام في القراءة وأما في القيام والجلوس ففعله كفعل الباني المصلي وحده): ما ذكر أنه إذا أدرك ركعة فقد أدرك الجماعة هو كذلك بلا خلاف، وما ذكر أنه يكون بانيا في الأفعال قاضيا في الأقوال هو المشهور من المذهب وقيل يكون قاضيا مطلقا، وقيل يكون بانيا مطلقا، حكى هذه الأقوال الثلاثة اللخمي وسلم ابن بشير وغيره هذه الأقوال له، ومهما أدرك المصلي ركعتين قام بتكبير وإن أدرك واحدة أو ثلاثا قام بغير تكبير قاله في المدونة. وقيل إنه يقوم بتكبير مطلقا قاله ابن الماجشون قائلا: إنما كبر مع الإمام موافق له وبعد سلامه يبني على حكم نفسه، وإنما كان مدرك ركعة أو ثلاث يقوم بغير تكبير على المشهور؛ لأن تكبيرة القيام جلس بها. وقال في المدونة في مدرك التشهد الآخر يقوم بتكبير، فرأى كثير من الشيوخ أنه يناقض ما في المدونة كابن رشد، وقال ابن عبد السلام: المناقضة بينة إلا أنه في المدونة لم يجعل التكبير هنا بالمتأكد مثل غيره من التكبير، قالوا لأنه لما لم يدرك من الصلاة ما يعتد به صار كمبتدئ الصلاة فلذلك أمر بتكبير، في أولها وعارضوا قولها في مدرك التشهد الآخر أنه يقوم بتكبير لقول ابن القاسم في صلاة العيدين من المدونة إن

من أدرك مع الإمام منها الجلوس كبر وجلس ثم يقضي بعد سلام الإمام باقي التكبير. ووجه المعارضة أنه في المسألة المعارض بها اعتد بتكبيرة الجلوس مع الإمام وههنا يأمره بالاعتداد بها وفرق بأن صلاة العيدين الركعة الأولى مشغولة بالتكبير فاستغنى لأجل ذلك عن الإتيان بتكبير يشبه تكبيرة الإحرام، بخلاف غير صلاة العيد لأنه لو لم يأت بتكبير في أول الركعة مع أنها الركعة الأولى صار كمتبدئ الصلاة من غير تكبير وسلم ابن عبد السلام هذا الفرق. (ومن صلى وحده فله أن يعيد في الجماعة للفضل في ذلك إلا المغرب وحدها): اعلم أن من صلى وحده فإنه يستحب له أن يعيد في جماعة نص عليه عبد الوهاب في تلقينه وهو الذي أراد الشيخ، وإنما قال فله لنفي ما يتوهم من الوجوب ويدل على ما قلناه قوله للفضل في ذلك، وعبارة المدونة كعبارة الشيخ، ونصها: ومن صلى وحده فله إعادتها في جماعة، وكذلك قول الموطأ لا بأس أن يعيد كل ذلك نفيا لما يتوهم من الوجوب. وهذا كله ما لم تقم الصلاة عليه وهو في المسجد فإن أقيمت عليه فقال ابن الحاجب: الظاهر لزومها أراد والله أعلم أن ثم قول غير ظاهر بعدم لزومها، فإن قلت أحمله على أنه اختار ذلك من نفسه لكونه لم يقف عليه منصوصا لغيره فهو لم يقصد بذلك ذكر الخلاف، قلت: مثل هذا الشيخ لا يليق به ذلك لأن المسألة من المدونة قال فيها: ومن سمع الإقامة وقد صلى وحده فليس بواجب عليه إعادتها إلا أن يشاء، ولو كان في المسجد لدخل مع الإمام إلا في المغرب فإنه يخرج فظاهر كلامه يقتضي اللزوم، ولم يتعرض ابن عبدالسلام إلى ما تعرضنا إليه وإنما نبه على قول كالتي لم يصليها. قال: تشبيه المؤلف واقع في أصل الحكم لأن الحكم في حق من صلى مأخوذ من الحكم في حق من لم يصل لظهور الفارق، قال ابن هارون كلامه يدل على أن في المسألة قولا بعدم اللزوم، ويحتمل أن يريد الظاهر في النطق ويقتضي أن فيه احتمالا أيضا بعدم اللزوم مقابلا للظاهر، قال وأظن القاضي عياضا حكى في المسألة قولين وظاهر كلام الشيخ أنه لا يعيد مع الواحد وهو المعروف في المذهب. وحكى ابن الحاجب قولا بأنه يعيد معه ونصه: ويستحب إعادة المنفرد مع اثنين فصاعدا لا مع واحد على الأصح، فكثير من الشيوخ ممن أدركناهم يمرضونه بعدم

وقوفهم عليه وحفظه ابن هارون لصاحب اللباب عن ظاهر المذهب. قلت: وكان بعض من لقيناه يقول إن نقل صاحب اللباب لا يعول عليه لأنه لم يكن بذاك قال: ويكفي فيما قلناه أنه جعله ظاهر المذهب مع أن الأول هو المذهب وعزوه إياه للقابسي فقط قصور بل قال به أبو عمران وغيره، وظاهر كلام الشيخ أن من صلى بامرأته فإنه لا يعيد وهو كذلك عند أكثر القرويين، وقيل إنه يعيد قاله ابن كنانة والأزهري وابن مغيث وغيرهم، وكذلك عند أكثر القرويين اختلف إذا صلى مع صبي فقيل يعيد قاله أبو بكر بن عبد الرحمن وغيره، وقيل لا يعيد قاله بعض شيوخ عبد الحق. واختلف بأي نية يعيد على أربعة أقوال فقيل: بنية التفويض، وقيل بنية الفرض وقيل إكمال الفرض وقيل بنية النفل واستبعد ابن عبد السلام الأول بأنها نية مترددة واستبعد الثاني بأن الذمة قد برئت بالصلاة الأولى فعمارتها ثانيا يفتقر إلى دليل ولا وجود له سوى دليل مطلق الإعادة، ولا إشعار له، واستبعد القول بنية النافلة؛ لأن الأمر بالنفل المجرد من غير أن يكمل به الفرض السابق لا معنى له. وما ذكر الشيخ أن المغرب لا تعاد لم يرد به الحصر بل وكذلك العشاء الآخرة إذا أوتر، ومثل عبارة الشيخ عبر صاحب المدونة وذهب المغيرة إلى إعادة الجميع وفي المسألة قول ثالث حكاه اللخمي فانظره. (ومن أدرك ركعة فأكثر من صلاة الجماعة فلا يعيدها في جماعة): ظاهر كلام الشيخ أن المساجد الثلاثة كغيرها فمن صلى في جماعة في غيرها فإنه لا يعيد فيها جماعة، وهو كذلك خلافا لابن حبيب وهذه طريقة ابن بشير ومن تابعه كابن الحاجب وجعل غيرهم المذهب هو قول ابن حبيب، وألزم اللخمي ابن حبيب أن يعيد فيها فذا وتمسك المازري معه بقول المدونة من أتى أحد المساجد الثلاثة، وقد صلى فيها وهو يرجو جماعة في غيره فإنه يصلي فيه فذا، وذلك أفضل من جماعة في غيره، ولما ذكر ابن بشير إلزام اللخمي قال يلزمه ذلك من طريق القياس إلا أن يقال إنما ورد الأمر بإعادة الفذ في جماعة، وهذا عكسه والموضع موضع عبادة فلا يتعدى به ما ورد، ورأي بعض شيوخنا أن قول ابن بشير يلزم ابن حبيب ذلك من طريق القياس مع ما بعده تناقض، وتما تمسك به المازري لم يرتضه غير واحد من أشياخي لأنه إذا صلى في جماعة ذلك حكم مضى كما إذا صلى خلف إمام مفضول أو في جماعة صغرى فإنه لا يعيد إلا على أصل ابن حبيب القائل بأن الجماعة تتفاضل بالكثرة

بخلاف إذا كان ذلك ابتداء. (ومن لم يدرك إلا التشهد أو السجود فله أن يعيد في جماعة): ولو صلى وحده ودخل مع الإمام في الجلوس ظنا منه أنه الجلوس الأول فإنه إذا سلم الإمام سلم وانصرف، قاله في سماع ابن القاسم، وقد قال ولو ركع ركعتين قال ابن رشد: إنما أمره بالانصراف لأنه دخل بنية الفرض لا النفل، وقيل إن نوى رفضها أتمها وإن لم يرفض الأولى لم يلزمه إتمامها قاله مالك من رواية اسماعيل نقله اللخمي، وقيل ينبغي أن يجلس ولا يحرم فإن كانت ثانية أحرم وإلا انصرف، نقله أبو محمد عن مالك من رواية علي بن زياد. (والرجل الواحد مع الإمام يقوم عن يمينه ويقوم الرجلان فأكثر خلفه فإن كانت امرأة معهما قامت خلفهم فإن كان معهما رجل صلى على يمين الإمام والمرأة خلفهما ومن صلى بزوجته قامت خلفه والصبي إن صلى مع رجل واحد خلف الإمام قاما خلفه إن كان الصبي يعقل لا يذهب ويدع من يقف معه): ما ذكر الشيخ من الرتبة حكمها الاستحباب فلا تضر مخالفتها قال في المدونة وإن صلت امرأة بين صفوف الرجال أو صلى رجل بين صفوف النساء لضيق المسجد فلا بأس به، ونبه صاحب الطراز على أن قوله لضيق المسجد وصف طردي، ونقل ابن عبد السلام عن بعضهم عن ابن القاسم أنها باطلة كالحنفي ومرضه بعض شيوخنا بقوله لا أعرفه. وقال لعله وهمه نقل قول ابن زرقون عن ابن القاسم لا يأثم النساء بمن لم ينو إمامتهن كالحنفي، والخنثى يكون بين صفوف الرجال والنساء قال الشيخ القرافي الصف الأول معل بثلاث علل: سماع القراءة وإرشاد الإمام وتوقع الاستخلاف وهذه العلل موجودة في الصف الثاني والثالث مما يلي الإمام؛ فيلزم أن يكون أفضل من طرف الصف الأول. واعلم أن المصلي بالنسبة إلى الصف الأول والبكور إلى المسجد على أربعة أقسام: رجل أتى أول الوقت وصلى في الصف الأول فهذا أشرفها وعكسه أشرها ورجل أتى آخر الوقت وصلى في الصف الأول وعكسه قيل هما على حد السواء، وقال ابن العربي عندي أن الأول منهما أفضل من الثاني، ومن صلى وبين يديه فرجة اختيارا فلا يضره، وقيل إن صلاته باطلة نقله المازري عن ابن وهب.

(والإمام الراتب إن صلى وحده قام مقام الجماعة): ما ذكره هو معروف المذهب، وقال أبو عمر في الكافي يعيد المنفرد ولو كان إماما راتبا، قلت وألزم عليه بعض شيوخنا أن من صلى وحده فإنه لا يعيد معه، وأقام الشيخ أبو القاسم الغبريني رحمه الله من ههنا مسألتين إحداهما: أن الإمام الراتب إذا كان وحده ليلة المطر فإنه يجمع، والثانية: إذا كان وحده أيضًا يقول سمع الله لمن حمده ولا يزيد ربنا ولك الحمد، وسلم له بعض من كان معاصرا له من أشياخنا المسألة الأولى، وخالفه في اثانية ورأى أنه يجمع بينهما والأقرب عندي هو الأول والله أعلم. (ويكره في كل مسجد له إمام راتب أن تجمع فيه الصلاة مرتين): ظاهر كلام الشيخ أن الكراهة على بابها وحمله التادلي على التحريم وعبر ابن الحاجب بالكراهة كالشيخ، وعبر ابن بشير بالمنع قائلا من غير خلاف قلت: وأخذ من قول أشهب الجواز، وذلك أنه دخل مسجدا فوجد أهله قد صلوا فقال لأصبغ تباعد عني وائتم بي وأنت تعلم أن هذا فعل عالم، وقد علمت ما فيه، قال ابن العربي في القبس وانفرد مالك من بين سائر الفقهاء بأنه لا يصلي في مسجد واحد مرتين. وظاهر كلام الشيخ أن الكراهة باقية ولو أذن الإمام وهذا الذي شاهدت غير واحد من شيوخنا يفتون به، ونقله سند عن ظاهر المذهب قائلا لأن من أذن لرجل أن يؤذيه لا يجوز له ذلك ومثله لابن عطاء الله، وقال اللخمي أنه جائز، وظاهر كلامه أنه إذا لم يكن فيه إمام راتب أنه يجوز وهو كذلك، وأما إذا كان إماما راتبا في بعض الصلوات دون بعض فالصلوات التي هو إمام راتب فيها لا تعاد الجماعة فيها، والصلوات الأخر اختلف في كراهية الإعادة فيها واختار ابن عبد السلام الجواز، وهذا كله إذا صلى الإمام في وقته المعلوم، ولو قدم عن وقته فأتت الجماعة فإنهم يعيدون فيه جماعة وكذلك العكس. (ومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحدا): ما ذكر هو المنصوص وقال ابن بشير قد يلزم من قال إنه يعيد بنية النفل وبصحة الرفض أنه يؤم فيها، هذا إن لم يراع فيها الخلاف، وإذا فرعنا على النصوص وأم، فقيل يعيد مأمومه أبدا، قاله ابن حبيب وقيل ما لم يطل قاله سحنون، وظاهر قول المدونة وأعاد من ائتم به أنهم يعيدون جماعة. وقال ابن حبيب أفذاذا ولم يحك ابن بشير غيره قاله وهذا لأن الصلاة الأولى

تجزئهم عند الشافعي وغيره وإذا أعادوها جماعة صار عند هؤلاء كمعبد في جماعة بعد أن صلى في جماعة فيراعى في الإعادة مذهب المخالف لا مذهب نفسه، وقال اللخمي إن أعاد بنية الفرض صحت على القول بالرفض، وإن أعاد بنية التفويض صحت إن بطلت الأولى، وإن أعاد بنية النفل صحت على إمامة الصبي ورده المازري بأنه ينوي الفرض، قلت ونية الفرض منه محالة عادة. (وإذا سها الإمام وسجد لسهوه فليتبعه من لم يسه معه ممن خلفه): اعلم أن هذه المسألة لا تخلو إما أن يكون سجود الإمام قبل السلام أو بعده، فإن كان قبل السلام وأدرك معه ركعة فإن يسجد معه على المشهور، ونقل ابن عبدوس قولا أنه لا يسجد معه فخرجه ابن رشد على أن ما أدرك مع الإمام هو أول صلاته، ولم يرتضه بعض شيوخنا بل لزومه حكم الإمام يقتضي تبعيته مطلقا ووجهه باحتمال سهو يحدث عليه فأخر تخفيفا عليه، ويرد بعدم اطراده إذ المنصوص عليه في المقيم يصلي خلف المسافر فإنه يسجد معه للنقص، ويجب بأن المسبوق يقضي ما تدقم من صلاة الإمام فلذلك يؤخر سجوده حتى يستكملها بخلاف المقيم فإنه يتيم لنفسه فيسجد لموافقة الإمام وإن كان لم يدرك معه ركعة، فقال ابن القاسم لا يسجد معه، وهو المشهور وقال ابن عبد السلام: فإن سجد بطلت صلاته هكذا قالوا قال: والظاهر لبادئ الرأي قول سحنون أنه يتبعه. قلت: وإنما قال الظاهر ما قال لأنه لما أحرم معه انسحب عليه حكم المأمومية بحيث لو تعمد الإمام بطلان صلاته لبطلت عليه، وأظن أن أبا حفص العطار نبه على هذا وإنما تبرأ من قولهم أن من سجد بطلت صلاته؛ لأنه من أصل مذهبنا مراعاة الخلاف، ومراعاة خلاف أهل المذهب أولى وأحرى والله أعلم، ولهذا أفتى بعض المتأخرين فيها بالصحة. وأما السجود البعدي فلا يتبعه فيه باتفاق فإن سجد معه سهوا فلا يضر وسجد بعد قضائه، وأما إن كان عامدا فسمع عيسى ابن القاسم أن صلاته مجزئة وبه كان بعض من لقيناه من القرويين يفتي مراعاة لقول سفيان أنه يسجد معه، واختار عيسى أنها باطلة، وبه الفتوى بتونس. وانظر إذا كان على الإمام سجود سهو قبل السلام فسها عنه حتى سلم وقصد إلى أن يسجد بعد فهل يسجده الذي حصلت له ركعة معه اعتبارا بأصله أو لا يسجده اعتبارا بما آل الأمر إليه؟ لم أر في ذلك نصا للمتقدمين

والذي ارتضاه بعض من لقيناه أنه إن كان هذا السجود مما تبطل الصلاة بتركه لو لم يسجده الإمام فإنه يسجد معه وإلا فلا. (ولا يرفع أحد رأسه قبل الإمام ولا يفعل إلا بعد فعله ويفتح بعده ويقوم من اثنتين بعد قيامه ويسلم بعد سلامه، وما سوى ذلك فواسع أن يفعله معه وبعده أحسن): إنما قال ذلك لقوله عليه السلام "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله وجهه وجه حمار" فلو رفع لاعتقاده أن الإمام رفع فليرجع إليه ما لم يلحقه فيتمادى خلافا لسحنون في قوله لابد من رجوعه ليقع رفعه بعده، وظاهر كلام الشيخ أن المأموم لا يفعل الفعل كالركوع مثلا إلا بعد أن يحصله الإمام أجمع وهو كذلك في قول، وقيل إذا شرع الإمام اتبعه المأموم والقولان لمالك إلا أن في كلام الشيخ تنافيا. وهو قوله وما سوى ذلك فواسع أن يفعله معه إذ هو مناقض لعموم قوله ولا يفعل إلا بعد فعله، ونبه على هذا ابن عبد السلام بقوله وفي لفظ الشيخ ابن أبي زيد في رسالته اضطراب. قلت: ويجاب بأنه بيان منه أن نهيه أولا ليس على طريق التحريم والله أعلم، والأكثر على أنه إذا أحرم مع إمامه أنه لا يجزئه، وقال ابن القاسم أنه يجزئه. وسئل سحنون عن رجلين ائتم أحدهما بالآخر نسيا قبل إكمال الصلاة من الإمام منهما، فقال إن سبق أحدهما بالسلام أعاد الصلاة وإن سلما معا جرت على اختلاف أصحابنا في المساواة في الإحرام، ولهذا الاختلاف المذكور كان المطلوب أن يخطف الإمام إحرامه وسلامه لئلا يشاركه المأموم فتبطل صلاته، قلت وهذه إحدى المسائل التي يعلم بها فقه الإمام، وثانيها تقصير الجلوس الوسط، وثالثها دخوله المحراب بعد فراغ الإقامة والله أعلم. (وكل سهو سهاه المأموم فالإمام يحمله عنه إلا ركعة أو سجدة أو تكبيرة الإحرام والسلام أو اعتقاد نية الفريضة): اعلم أنه بقي على الشيخ الجلوس للسلام فإن المأموم لو سلم وهو قائم فإنه لا يحمل ذلك عنه الإمام، والاعتذار عنه بأنه اكتفى بالسلام الضعيف؛ لأنهما منفكان ومثله الرفع من الركوع، والقيام للإحرام وبقي عليه أيضًا ترتيب الأداء فإنه لو سها المأموم فسجد ثم ركع فإنه لا يحمل عنه.

وذكره الركعة لا معنى له لأنه إذا كان لا يحمل السجدة فأحرى الركعة أجمع إذ هي سجدة وزيادة، ولا يقال إنما أراد بذلك ركوع ركعة لأن مجاز وما ذكر أنه لا يحمل عنه تكبيرة الإحرام هو كذلك في القول المشهور، قيل إنه يحملها عنه رواه ابن وهب، وعزاه ابن يونس له والأشهب بزيادة، والأفضل إعادة الصلاة احتياطا وعزاه ابن زرقون لرواية المتيطي. وقال التادلي: الصواب حذف الاعتقاد والاقتصار على النية لأن الاعتقاد هو العزم على الشيء والتصميم عليه، والنية هي الإرادة للفعل والعزم سابق عليها لأنه يعزم أولا على أن ينوي فإذا حصل العزم عقبته النية. (وإذا سلم الإمام فلا يثبت بعد سلامه ولينصرف إلا أن يكون في محله فذلك واسع): لا خصوصة لقوله إلا أن يكون في محله بل وكذلك في السفر قال صاحب الحلل، ويلزم من يعلل أصل المسألة بخوف العجب أن ينصرف مطلقا، قلت: إنما يخشى العجب حيث يكون معه غيره أما إذا كان وحده فلا وكذلك في السفر لقلة المصلين خلفه لأنه مظنة للقلة؛ فالغالب نفي ذلك والله أعلم. قال الشيخ القرافي: كره مالك وجماعة من العلماء لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقب الصلوات المكتوبة جهرا للحاضرين، فيجتمع لهذا الإمام التقديم وشرف كونه ينصب نفسه واسطة بين الله تعالى وبين عباده في تحصيل مصالحهم على يديه بالدعاء، فيوشك أن يعظم نفسه ويفسد قلبه ويعصي ربه في هذه الحالة أكثر مما يطيعه. وروي أن بعض الأئمة استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدعو لقومه بدعوات بعد الصلاة فقال له لا لأني أخشى عليك أن تنتفخ حتى تصل إلى الثريا، وهذه الإشارة لما ذكرناه. قال ويجري هذا المجرى كل من نصب نفسه للدعاء لغيره. قلت واستمر العمل عندنا بإفريقية على جواز ذلك، وكان بعض من لقيته ينصره بأن الدعاء ورد الحث عليه من حيث الجملة فقال تعالى: (ادعوني استجب لكم) [غافر: 60] وقال: (قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم) [الفرقان: 77] وإذا صار شائعا ذائعا فعله كما هو عندنا فالغالب على من نصب نفسه لذلك نفي العجب والله أعلم.

باب جامع في الصلاة

باب جامع في الصلاة قال التادلي: جرت عادة الشيوخ فيما تباعدت أوصافه وتباينت أطرافه وكانت معانيه لا ترتبط ومقاصده لا تنضبط بأن يرسم له باب جامع لذلك، وأول من اخترعه مالك بن أنس في موطئه إذ هو للتأليف أول سالك، قلت: ويعترض على الشيخ لكونه ذكر في الباب مسائل ليست من الصلاة كقوله: ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء، وكقوله: وإن لم يقدر على مس الماء لضرر به أو لأنه لا يجد من يناوله إياه تيمم ويجاب بأن أكثر ما ذكره في الصلاة. (وأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف السابغ الذي يستر ظهور قدميها وهو القميص والخمار الحصيف ويجزئ الرجل في الصلاة ثوب واحد) انظر لأي شيء كرر هذا الكلام مع سبقيته في باب طهارة الماء والثوب والبقعة، وقد قدمنا أن ستر العورة في الصلاة اختلف فيه على ثلاثة أقوال فقيل: فرض شرط، وقيل لا تعلق للصلاة به، وقيل سنة حسبما تقدم بسط ذلك وقد قدمنا أيضًا في المرأة

إذا صلت عريانة الأطراف هل تعيد أبدا أم في الوقت أم لا إعادة، أنها إذا صلت عريانة العورة فالمنصوص أنها تعيد أبدا وخرج اللخمي من قول أشهب في الرجل يعيد في الوقت أن تكون هي كذلك ورد بأن تعريها أشنع. وأجيب عنه بأن شناعة إنما هي بالنسبة إلى عيون الناظرين أما بالنسبة إلى الصلاة فلا فرق بينها وبين الرجل والله أعلم. (ولا يغطي أنفه أو وجهه في الصلاة أو يضم ثيابه أو يكفت شعره): يعني على طريق الكراهة وذلك عام في الرجل والمرأة، أما تغطية الأنف بالنسبة إلى الرجل فللكبر، وأما بالنسبة إلى المرأة فلما في ذلك من التعميق في الدين، وأما تغطية الوجه فيهما فإنه يكره للتعمق في الدين والله أعلم. وأما من جرت عادته بالتنقب ولم يقصد بذلك الكبر فإن ذلك جائز، ونص عليه ابن رشد في مرابطي الأندلس قائلا لأنه زيهم وبه عرفوا ويستحب تركه في الصلاة، قلت: وخرج بعض من لقيناه جوازه في الصلاة من قول المدونة ومن صلى محتزما أو جمع شعره، أو شمر كميه فإن كان ذلك لباسه أو كان في عمل فلا بأس به. وكان بعض أشياخي يحصل قول المدونة أو كان في عمل إذا كان يعود إليه ثانيا أما إذا كان لا يعود إليه فإنه يكره له ذلك، وحمل بعضهم المدونة على عمومها، والأول أقرب إلى المعنى وظاهر كلام الشيخ أن التلثم جائز وهو كذلك. وقيل إنه مكروه كالتنقيب والقولان عن مالك حكاهما صاحب الطراز. (وكل سهو في الصلاة بزيادة فليسجد له سجدتين بعد السلام يتشهد لها ويسلم منهما): هذا عموم أريد به الخصوص لأن من دعا مثلا في ركوعه فلا يسجد لأنه إنما تكلم بذكر، ويعني أيضًا ما لم تكثر الزيادة أما إن كثرت فهي مبطلة كمن تكلم ساهيا وأطال أو زاد في صلاته مثلها. واختلف في الحكم السجود البعدي فقيل إنه سنة قاله عبد الوهاب وغيره، وقيل إنه واجب قاله صاحب الطراز، واعترض ابن رشد وابن هارون وخليل قول ابن الحاجب، وللسهو سجدتان. وفي وجوبها قولان بقولهم لا خلاف في السجود البعدي أنه غير واجب، ومثله لابن عبد السلام وقواه بقولهم إذا ذكر السجود البعدي في صلاة فإنها لا تقطع بل يأتي

به بعدها، قلت هذا منهم قصور إذ هو قول سند كما قلناه وترد التقوية بأنه لا يلزم من كونه واجبا أن تقطع له الصلاة، إما مراعاة للخلاف وإما لكونه ضعيفا لذاته لكونه في الأصل يوقع خارج الصلاة ولا خلاف به يتشهد لهما ويسلم منهما، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يحرم للسجود البعدي وهو نقل الأكثر وقيل إنه يحرم له وقيل إن سها وطال أحرم وإلا فلا. واختلف قول مالك هل يجهر بالسلام البعدي أو يسر على قولين. (وكل سهو بنقص فليسجد له قبل السلام إذا تم تشهده ثم يتشهد ويسلم وقيل لا يعيد التشهد): هذا كلام عام أريد به الخصوص أيضًا لأن من نقص فضيلة كالتأمين فإنه لا يسجد بل إن سجد بطلت صلاته، وكذلك التكبيرة الواحدة وشبهها حسبما يقوله الشيخ بعد، وما ذكر من السجود قبل السلام في النقص هو المشهور وفي المجموعة هو بالخيار إما قبل وإما بعد. واختلف في حكم السجود القبلي على ثلاثة أقوال: فقيل سنة، وقيل واجب وقيل إن ترتب على ثلاث سنن فواجب وعن سنتين فسنة والقولان اللذان ذكر الشيخ في التشهد كلاهما عن مالك واستمر العمل عندنا على التشهد. (ومن نقص وزاد سجد قبل السلام): ما ذكر من أنه يسجد قبل السلام في الزيادة والنقصان هو نقل الأكثر، وقيل إنه يسجد بعد، قاله في العتبية وأخذه ابن لبابة من قول ابن القاسم يسجد مصلي النافلة خمسا سهوا بعد السلام لنقص السلام وزيادة الركعة، وروي عن مالك أنه مخير وقال عبد العزيز بن الماجشون يسجد قبل وبعد ونفسي ليه أميل وليس في ذلك مشقة إذ اجتماع الزيادة والنقصان ليس بأكثر بخلاف أحدهما. (ومن نسي أن يسجد بعد السلام فليسجد متى ما ذكر وإن طال ذلك مثل ما ذكر الشيخ في المدونة بزيادة ولو بعد شهر وفي غيرها ولو بعد سنة): والمراد أبدا ووجهه أن البعدي ترغيم للشيطان فناسب أن يسجده وإن بعد وظاهر كلام الشيخ والمدونة وغيرهما ولو كان ذكره في الوقت المنهي عنه، وقيل لا يسجد في ذلك الوقت حكاه غير واحد كابن عبد السلام واعتذر رحمه الله عن الظاهر المذكور بأنه قد يقال إنما المراد عدم سقوطه البتة لقرينة قوله ولو بعد شهر.

وقال عبد الحق عن بعض شيوخه: إن ترتب عن فرض أتى به حيث الذكر ولو كان في وقت نهي كالصلاة المنسية وإن ترتب عن نفل فلا يسجد إلا في الأوقات المباحة، وقول الشيخ فليسجد متى ما ذكر عام أريد به الخصوص كما تقدم أن من ذكره في صلاته فلا تقطع قال التادلي: وظاهر كلام الشيخ أنه إن ترتب من صلاة الجمعة فإنه لا يرجع إلى الجامع ثم نقل عن المذهب أنه يرجع وأما القبلي فإنه يرجع. (وإن كان قبل السلام سجد إن كان قريبا وإن بعد ابتدأ صلاته إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة مع أم القرآن أو تكبيرتين أوالتشهدين وشبه ذلك فلا شيء عليه): قيد التادلي قول الشيخ في السورة بكونه وقف لها قائلا إنها ثلاث سنن فعلى تفسيره يكون الذي دل عليه قول المؤلف إن ترك سنتين صحت، وإن كان أكثر بطلت والأقرب عندي أن الشيخ أراد أن السورة بجملتها لا تبطل لأن الجهر والإسرار صفة للقراءة فهي سنة تابعة، وهذا هو الفارق بينها وبين الجلوس الوسط. ولهذا قال في المدونة: ومن ترك السورة عمدا فلا شيء عليه ومن ترك ثلاث تكبيرات بطلت صلاته، واختلف المذهب إذا لم يسجد للنقص المأمور بالسجود له على خمسة أقوال: فقيل تبطل وقيل تصح، وقيل تبطل إن كان عن نقص فعل لا قول، وقيل تبطل إن كان عن الجلوس والفاتحة، وقيل تبطل إن كان عن تكبرتين أو سمع الله لمن حمده مرتين وظاهر كلام الشيخ في قوله لا شيء عليه لا بطلان ولا سجود وهو كذلك، وفي الجلاب يسجد. (ولا يجزئ سجود السهو لنقص ركعة ولا سجدة ولا لترك القراءة في الصلاة كلها أو في ركعتين منه وكذلك في ترك القراءة في ركعة من الصبح): أما الركعة والسجدة فالإجماع على ذلك وبالجملة كل ركن من أركان الصلاة فمتفق عليه، وأما ترك القراءة في الصلاة كلها فالأمر كما قال الشيخ عند الأكثر. وروى الوافدي عن مالك: أن صلاته مجزئة قال الباجي وهو شذوذ من القول وروى علي بن زياد أحب إلى أن يعيد، وظاهره الاستحباب وأما ترك القراءة من ركعتين أو ثلاث فإنه مؤثر في البطلان أيضا، وقيل لا شيء عليه إن قرأ أم القرآن في ركعة لقوله

عليه الصلاة والسلام "كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" وأجاب ابن عبد السلام بأن الحديث يتقيد بالحال والسياق، وأن محل أم القرآن من الصلاة كالقيام فيها كما لو قيل كل صلاة لم يركع فيها لم يسجد فيها، واشتهر الخلاف هل القراءة تجب في كل ركعة أم في ركعة كما سبق أو في النصف أو في الجل. (واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها فقيل يجزئ فيه سجود السهو قبل السلام وقيل يلغيها ويأتي بركعة وقيل يسجد قبل السلام ولا يأتي بركعة ويعيد الصلاة احتياطيا وهذا أحسن ذلك إن شاء الله تعالى): ما ذكر من الأقوال الثلاثة كلها عن مالك، واختلف الشيوخ ما الذي اختار ابن القاسم منها فقيل إنه اختار القول الثاني بالإلغاء قاله بعضهم، وقال آخرون إنما اختار القول الثالث من أقوال الشيخ وهو الإعادة مع السجود وكلاهما تأول على قول ابن القاسم في المدونة. وبقي في المسألة قول بالإعادة أبدا مفرع على القول بالسجود واعترض بأنه يقتضي عدم صحة الصلاة، والجبر بالسجود يقتضي صحتها فيتناقضان وأجاب ابن هارون بأن الصلاة في هذا القول غير صحيحة وإنما جبرها بالسجود مراعاة لقول من يصححها. (ومن سها عن تكبيرة أو عن سمع الله لمن حمده مرة أو القنوت فلا سجود عليه): ما ذكر من أنه لا سجود في التكبيرة الواحدة هو المشهور ووقع لابن القاسم أنه يسجد، وأخذ في المدونة من قولها إذا أبدل الله أكبر بسمع الله لمن حمده أو العكس على رواية أو عارض ابن الحاجب قولهم هنا بعدم السجود للتكبيرة الواحدة بقوله يسجد لترك السورة ونصه وإن كان قولا قليلا كالتكبيرة فيغتفر، وقيل يسجد لترك السورة ونصه وإن كان قولا قليلا كالتكبيرة وإن كان أكثر فثالثها يسجد بعدها وجاء في السورة يسجد وأشار إلى ما ذكرناه بقوله، وأجاب ابن عبد السلام بأن محافظة السلف على الزيادة على أم القرآن أكثر من محافظتهم على التكبيرة الواحدة، وذلك يدل على أنهم بينوا أن الزيادة على أم القرآن آكد من التكبيرة الواحدة. قلت: والصواب عندي أنه لا معارضة بينهما كما تقدم من أن السورة إما ثلاث

سنن أو سنتان وصفة القراءة تابعة على أنه يمكن وهو الأقرب أن يكون إنما قصد بمعارضة ذلك لما يليه وهو أن المذهب اختلف في ترك أكثر من تكبيرة واحدة، هل يسجد قبل أو بعد أولا يسجد كما ذكر ولم يختلف أنه في السورة يسجد قبل السلام على ظاهر نقله، وهذا يفتقر إلى مزيد نظر ومحله غير هذا التصنيف وإنما قصدنا إلى تمرين المبتدئ على بعض مناقضات له لتعلق فكرته والأعمال بالنيات. وأما من ترك القنوت فقد تقدم أن المشهور السجود عليه خلافا لابن سحنون، وعلي بن زياد ولا يقال يقوم من كلام الشيخ أن القنوت سنة لقرينة ذكره مع ما هو سنة لأن ذلك وصف طردي، ألا ترى إلى قوله في المدونة ولا يصلي في الكعبة فريضة ولا الوتر ولا ركعتي الفجر فقد ساوى بين الوتر وركعتي الفجر في أنهما لا يصليان في الكعبة، ولا أعلم أحدا من أهل المذهب أخذ منها أن الفجر سنة كالوتر. (من انصرف من الصلاة ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها فليرجع إن كان بقرب ذلك فيكبر تكبيرة يحرم بها ثم يصلي ما بقي عليه وإن تباعد ذلك أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته): ظاهر كلام الشيخ أنه لا يرجع بإحرام إن كان قريبا جدا لقوله ثم وهو كذلك لنقل الباجي عن ابن القاسم عن مالك أن كل من جاز له أن يبني بالقرب فليرجع بإحرام. وزعم ابن بشير الاتفاق فيه على عدم الإحرام وتبعه ابن الحاجب، وأما إذا كان القرب متوسطا ففي الإحرام قولان حكاهما غير واحد، فيتحصل في الإحرام ثلاثة أقوال: ثالثها إن قرب جدا فلا إحرام، وحيث يرجع بإحرام وذكر قائما فهل يكبر ثم يجلس ثم يقوم أو يجلس إذ ذاك يكبر ثم يقوم أو يكبر ويتمادى ولا يرجع في ذلك ثلاثة أقوال لابن القاسم وابن شبلون وابن نافع، وهل يرجع إلى مصلاه أو إلى حيث شاء في ذلك قولان حكاهما الباجي. قلت: وهذا لا أعرفه وظاهر المذهب يقتضي أنه يصلي بمكانه فورا فإن لم يفعل وصلى بمكان آخر وكان بعيدا بطلت صلاته والله أعلم؛ فإن ترك الإحرام ورجع بنية فقط فقيل إن صلاته باطلة قاله أبو محمد وابن شبلون وابن أخي هشام، وقال الأصيلي إنها تجزئه، قلت: وهو الأقرب عندي مراعاة للخلاف ويظهر أنه يرفع يديه على القول الأول، وذلك محتمل على القول الثاني والله أعلم.

وما ذكر أنه لا يبني إن بعد هو المشهور، وقال أشهب يبني كما إذا قرب وهي رواية في المبسوط، وظاهر كلام الشيخ أنه إذا خرج من المسجد أنه لا يبني ولو صلى بقرب بابه، وهو ظاهر المدونة لأن عبارتها كما صرح بها إليه وبه كان بعض من لقيناه يفتي من القرويين، ويحمل المذهب عليه وأفتى بعض من لقيناه أيضا بالصحة واعتذر عن قول ابن القاسم وغير بأن الخروج من المسجد مظنة للطول وهو بعيد والله أعلم. والأقرب هو الأول لأن العطف يقتضيه والله أعلم، ومن حيث المعنى أن المسجد لما كان محلا للصلاة فخروجه منه يتنزل منزلة البعد، إذا بقي فيه والله أعلم. (وكذلك من نسي السلام): ما ذكر من أن السلام كسائر الفروض فإن أتى به صحت إن كان قريبا وإن تباعد بطلت هو كذلك، وهل الحدث يقوم مقامه أم لا؟ المعروف من المذهب أنه لا يقوم مقامه، وحكى الباجي عن ابن القاسم أن من أحدث في آخر صلاته أجزأته صلاته، وتقدم رد ابن زرقون على ذلك واختلف إذا سلم على شك ثم ظهر الكمال فقيل إنها باطلة، واختاره ابن رشد وبه الفتوى عندنا وبإفريقية وفي النوادر أنها مجزئة قياسا على من تزوج امرأة لها زوج غائب لا يدري أحي هو أو ميت ثم يتبين أنه قد مات لمثل ما تنقضي فيه عدتها قبل نكاحه إياها أن النكاح ماض. (ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا بنى على اليقين وصلى ما شك فيه وأتى برابعة وسجد بعد سلامه): ما ذكر الشيخ أنه يسجد بعد السلام هوالمشهور، ونقل الباجي والمازري عن ابن لبابة أنه يسجد قبل السلام قلت: وبه أقول لنص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حسبما هو في مسلم ولم يزل الأشياخ حديثا وقديما يستشكلون قول الشيخ، وأتى برابعة إذ قوله وصلى ما شك فيه يغني عنه وأجاب عنه بعض من لقيناه بوجهين. أحدهما أنه من باب عطف التفسير وهو جائز قال الله تعالى (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) [التوبة: 61]. الثاني: أن قوله وصلى ما شك أراد به العموم في كل مشكوك فيه، وإن قوله وأتى برابعة يرجع إلى المسألة المفروضة. (ومن تكلم ساهيا سجد بعد السلام): يعني ما لم يكثر فتبطل صلاته قاله غير واحد وظاهر كلامه لو تكلم عامدا أو

جاهلا بطلت صلاته وهو كذلك في العامد باتفاق وفي الجاهل على المشهور، ولو تكلم عمدا لوجوب ذلك عليه كإنقاذ أعمى وشبهه فهو كغيره صلاته باطلة مطلقا. وقال اللخمي: إن ضاق الوقت اغتفر كالمقاتلة ولم يرتضه المازري مفرقا بأن المقاتلة في الصلاة أول الوقت مغتفرة بخلاف واجب الكلام في الصلاة في أول الوقت واختلف في المتكلم لإصلاح الصلاة ففي المدونة لا يضر، وقال أكثر أصحاب مالك ومنهم ابن كنانة أنها تبطل. وقال سحنون إن كان بعد السلام من اثنتين فلا تبطل، وهذا كله إذا تكلم بغير الذكر، وأما إذا تكلم بذكر فإن كان اتفق على ذلك في قراءته كاتفاق: (ادخلوها بسلام ءامنين) [الحجر: 46] فلا يضر اتفاقا وإن لم يتفق له ذلك بل قرأها لمجرد التفهم ففي البطلان قولان. (ومن لم يدر أسلم أم لم يسلم سلم ولا سجود عليه): يريد إذا كان قريبا لا متوسطا في القرب وأما إن كان متوسطا في القرب فإنه يسجد، وإن تباعد ابتدأ صلاته قال بعض الشيوخ وإنما كان لا سجود عليه لأنه إن كان سلم فهذا السلام الثاني وقع خارج الصلاة فلا أثر له وإن كان لم يسلم فقد سلم الآن. (ومن استنكحه الشك في السهو فليله عنه ولا إصلاح عليه ولكن عليه أن يسجد بعد السلام وهو الذي يكثير ذلك منه يشك كثيرا أن يكون سها زاد أو نقص ولا يوقن فليسجد بعد السلام فقط): إنما لم يؤمر بالإصلاح للمشقة وما ذكر أنه يسجد بعد السلام هو قول ابن القاسم وغيره، وقيل إنه يسجد قبل رواه أبو مصعب وغيره، وقيل لا يسجد لا قبل ولا بعد قاله ابن نافع، وأشار الشيخ بقوله فليله عنه إلى أن الوسواس ليس له دواء إلا الترك وهو كذلك مجرب. وقد حكى القاضي أبو الفضل عياض في مداركه لما عرف بعبد الله بن المبارك رضي الله عنه أن توضأ يوما فوسوسه الشيطان بأنه لم يمسح رأسه فقال له إنك عدوي فلا أقبل قولك فإن كنت صادقا فأقم على البينة غيرك، فقد أشار ابن المبارك رضي الله عنه إلى هذا الذي قلناه قال الفاكهاني: وقول المصنف فليله عنه رويناه بفتح الهاء ليس إلا وهو القياس في العربية لأن ماضيه لهي يلهى مثل علم يعلم فلما دخل الجازم حذف الألف فبقيت الهاء مفتوحة على حالها، وإنما ذكرت هذا مع ظهوره لأني رأيت من

يقرأه بالضم وهو خطأ. قلت: وفي كلام الشيخ تكرار وهو قوله آخر فليسجد بعد السلام فقط إذ قوله قبل ولكن عليه أن يسجد بعد السلام يغني عنه وفي كلامه تقديم التصديق على التصور، وقد علمت أنه مجتنب وأكثر ما يجيب عنه بعض شيوخنا بأن حكم المسألة يشعر بصورتها فكأنها مصورة وهو ضعيف لأن الشعور لا يحصل في كثير من المسائل المعترضة بهذا. (وإذا أيقن بالسهو وسجد بعد إصلاح صلاته): أخبر في كلامه على أن المستنكح له حالتان حالة يشك وهي الحالة السابقة وحالة يوقن وهي هذه، من هنا تعلم أن قول أهل المذهب الشك في النقصان كتحققه مخصوص بهذه المسألة. (فإن كثر ذلك منه فهو يعتريه كثير أصلح صلاته ولم يسجد لسهوه): ما ذكر الشيخ من عدم السجود هي رواية محمد وقال فضل يسجد. (ومن قام من اثنتين رجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه فإذا فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام):

اعلم أن له ثلاث حالات تارة يذكر قبل مفارقته الأرض بيديه وركبتيه فهذا لا سجود علهي على المشهور، والقولان حكاهما ابن بشير، وتارة يفارق الأرض بذلك ولم يستقل قائما ففي ذلك ثلاثة أقوال: فقيل يتمادى كما قال الشيخ هو مشهور المذهب. وقال عبد الملك يرجع وقال القاضيان ابن القصار وعبد الوهاب إن كان إلى القيام أقرب تمادى وإلا رجع، وتارة يستقل قائما فيتمادى ولا يرجع من غير خلاف قال ابن بشير قلت: ويتخرج من قول أبي مصعب أن الجلوس فرض أنه يرجع كسائر الفروض، وكان بعض من لقيناه لا يرتضي مني هذا الترجيح لاحتمال أن يراعى الخلاف ويقوم من كلام الشيخ أن من ذكر المضمضة والاستنشاق بعد غسل الوجه أنه يتمادى على وضوئه ويفعلهما بعد فراغه. وبه كان يفتي غير واحد من شيوخنا من القرويين كالشيخ الصالح أبي محمد عبد الله الشبيبي رحمه الله تعالى، وأفتى بعضهم بالرجوع لنص مالك في الموطأ بذلك، والأول هو الأقرب الجاري على نظائر هذه المسألة كمن نسي السورة أو تكبيرة العيدين أو الجهر أو الإسرار حتى ركع، وبالجملة كل من نسي سنة فلم يذكرها حتى شرع في الفرض، ونص مالك في الموطأ بالرجوع لا يدل على أنه المذهب إذ ليس كل ما في الموطأ هو المشهور، ورد بعض أصحابنا الثاني بأن السنة في الصلاة ينوب عنها السجود شرعا وتأخير السنة في الوضوء تنكيس من غير ضرورة، فإن رجع عامدا بعد الاستقلال فقال ابن القاسم تصح وقال غيره تبطل وأفتى بعض من لقيناه من القرويين بالأول وبعض التونسيين بالثاني، قلت: والأقرب هو الأول مراعاة لمن يقول خارج المذهب بالرجوع وعلى الصحة ففي محل سجوده قولان قاله ابن بشير في كتاب الأيمان والنذور: من وجب عليه سجود سهو قبل السلام فأعرض عنه وأعاد الصلاة ثانيا لم يجزه والسجود باق في ذمته لأنه أتى بما لم يؤمر به.

(ومن ذكر صلاة صلاها متى ما ذكرها على نحو ما فاتته ثم أعاد ما كان في وقته مما صلى بعدها): اعلم أن تارك الصلاة لا يخلو إما أن يتركها سهوا أو عمدا، فإن تركها سهوا فالقضاء بلا خلاف وإن تركها عمدا فكذلك على معروف المذهب، وقال عياض سمعت بعض شيوخنا يحكي أنه بلغه عن مالك قولة شاذة بسقوط القضاء ولا يصح عنه ولا من غيره من الأئمة سوى داود وأبي عبدالرحمن الشافعي، وخرجه صاحب الطراز على قول ابن حبيب بتكفيره؛ لأنه مرتد تاب. قلت: وكان بعض من لقيته يخرج من عدم الكفارة في يمين الغموس أن ذلك أعظم من أن يكفر وكذلك الصلاة وإن كان هذا مصادرة للقياس الحلي في كلام الشارع وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" فإن الله تعالى يقول (وأقم الصلاة لذكري) [طه: 14] فإذا كان يقضي فيما ذكر فأحرى مع العمد وظاهر كلام الشيخ أن قضاء الفوائت على الفور ولا يجوز تأخيرها ويريد لا لعذر، وهو كذلك في نقل أكثر المذهب وهو ظاهر الحديث السابق. وقال ابن رشد في البيان ليس وقت ذكر المنسية بمضيق لا يجوز تأخيرها عنه بحال كغروب الشمس للعصر وطلوعها للصبح لقولهم إذا ذكرها مأموم تمادى، وكذلك الفذ عن ابن حبيب ومثل هذا قال في آخر أجوبته إنما يؤمر بتعجيلها خوف معالجة الموت فيجوز تأخيرها حيث يغلب على ظنه أداؤها، ونقل التادلي أن من قضى يومين في يوم لم يكن مفرطأ وهو أقل القضاء وما ذكره لا أعرفه لغيره، وأفتى ابن رشد بأن من عليه فوائت لا يتنفل سوى الوتر والفجر، ونحوهما قائلا فإن فعل أثيب وأتم لترك القضاء. وقال ابن العربي يجوز له أن يتنفل ولا يحرم من الفضيلة ورجح التادلي قول ابن رشد لقولهم لا يجوز عتق من أحاط الدين بماله قلت ويرد باتفاق أهل العلم فيما قد علمت على أن دين الآدميين واجب قضاؤه فورا ولا كذلك في الصلاة المنسية على ما تقدم، ومعنى قول الشيخ على نحو ما فاتته إن سفرا فركعتين وإن حضر فأربعا وإن تركها وهو صحيح ثم مرض فإنه يصليها على قدر طاقته، وإن تركها وهو مريض ثم

صح قضاها على أتم وجوهها ولا معارضة لما سبق لأن صلاة السفر قد قيل إنها أصل، ولا كذلك صلاة المريض إذا صح وإنما أمر بقضائها إذا مرض على قدر طاقته لأن القضاء على الفور فصارت كالحاضرة لاسيما إذا قلنا إن القضاء بأمر جديد، والمراد بالوقت الذي ذكر الشيخ قيل القامة في الظهر والقامتان في العصر، وقيل الاصفرار وقيل الغروب وفي الليل الثلث وقيل نصف الليل وقيل طلوع الفجر حكى هذا الخلاف المتيوي. (وإن كانت يسيرة أقل من صلاة يوم وليلة بدأ بهن وإن فات ما هو في وقته وإن كثرت بدأ بما يخاف فوات وقته): ما ذكر من أن اليسير أربع صلوات هو أحد الأقوال الثلاثة، وقيل إن الأربع هو حيز الكثير وهما تأويلان على المدونة ونصها وإن كانت صلوات كثيرة مثل الثلاثة وما قرب في وقت صلاة بدأ بهن فهل قوله وما قرب كالاثنين أو كالأربع فيه خلاف والأكثر على الثاني، وقيل إن الخمس في حيز اليسير حكاه ابن بشير وما ذكره من أن ذلك مقدم على الحاضرة مع خوف خروج وقتها هو المشهور، وقال ابن وهب بتقديم الحاضرة وقال أشهب هو الخيار. (إن كثرت بدأ بما يخاف فوات وقته): اختلف في المسألة على ثلاثة أقوال: فقيل يقدمها على الوقتية إن قدر على الإتيان بها في وقتها وإلا قدم الوقتية، قاله ابن القاسم وابن حبيب وقيل يصلي ما قدر عليه فإن ضاق فالوقتية، قاله ابن عبد الحكم وهو عندي ظاهر كلام الشيخ والله أعلم. وقيل يقدمه وإن خرج وقت الحاضرة إن كان يستوفي ما عليه، قاله ابن مسلمة وكلها حكاها اللخمي، والوقت في ذلك المختار قاله ابن حبيب وقيل الاصفرار نقله يحيى بن عمر عن ابن القاسم. وقيل الغروب نقله سحنون عن ابن القاسم أيضًا وما ذكرناه من العزو هو لابن رشد، وعن اللخمي الغروب لمالك مع ابن القاسم وعزا القول بالاصفرار لمالك أيضا وعزا قول ابن حبيب له ولأشهب. (ومن ذكر صلاة في صلاة فسدت هذه عليه): لا لخصوصية لقوله ذكر صلاة بل وكذلك حكم الأربع وبالجملة كل ما يقدم

على الحاضرة ولو خاف خروج الوقت فحكمه كالواحدة، وقد علمت الخلاف في قدر ذلك، وظاهر كلام الشيخ أن القطع واجب وهو أحد القولين، وقيل إنه مستحب حكاه غير واحد واستشكله ابن عبد السلام بأن الترتيب عنده لا يخلو إما أن يكون واجبا أو مستحبا فإن كان واجبا لزم القطع وإن كان مستحبا وجب التمادي، وفي المدونة إن ذكرها قبل عقد ركعة قطع وبعدها شفعها فإن عقد الثالثة أتمها. وقال ابن القاسم بقطع بعد ثلاث أحب إلي وفي بعض الروايات أحب إليه يعني إلى مالك، ثم قال وإن ذكر مكتوبة في نافلة فليقطع إن لم يكن ركع وإن ركع واحدة شفعها، وقد كان مالك يقول يقطع واستحب ابن القاسم أن يشفع، وإنما قال في هذا القول يقطع ليظهر أثر الذكر إذا قطعها، وهو ضعيف لتماديه على الفريضة إذا عقد الثالثة وروى ابن رشد لا فرق بينهما. وفي المسألة أقوال كثيرة ولولا الإطلالة لذكرناها. وفي كلام الشيخ مناقشة وهي أن ظاهر كلامه أنه لا يتم الفريضة وإن عقد الثلاثة بل يقطعها وجوبا وهو خلاف قول مالك وابن القاسم، لأن ملكا إنما قال أحب إلي فظاهره الاستحباب وظاهر كلام الشيخ أن المأموم يقطع كغيره، وهو قول في المذهب والمشهور ما في المدونة يتمادى، وعليه ففي وجوب الإعادة خلاف، واختلف في الإمام إذا ذكر منسية فقيل يقطع مطلقا وقيل يستخلف وقيل إن لم يركع قطع وإلا استخلف وقيل إن لم يركع قطع وإلا تمادى وأعاد وحده، ونقل المازري عن ابن كنانة إن لم يركع استخلف وإلا أثم وأعاد قائلا نقل عنه ابن حبيب وغيره الاستخلاف مطلقا وإنما في كتابه ما فصلناه. (ومن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد الوضوء): ظاهر كلام الشيخ وإن كان ضحكه سهوا وهو كذلك خلافا لأشهب وسحنون وأصبغ وابن المواز أنه لا يضره قياسا على الكلام، وكل من لقيته لا يرتضي هذا القول للزوم الضحك عدم الوقار مطلقا، وظاهر كلامه وإن كان ضحكه سرورا لما أعد الله للمؤمنين كما إذا قرأ آية فيها صفة أهل الجنة فضحك سرورا وبه أفتى غير واحد ممن لقيته من القرويين والتونسيين. وقال صاحب الحلل لا أثر له كالبكاء من عقاب الله عز وجل قال التادلي: لم أره لغيره، قلت وهو الصواب عندي لأنه لم يقصد اللعب والهزل بل هو مأجور في ذلك كالبكاء من عقاب الله كما قال.

(وإن كان مع إمام تمادى وأعاد): ما ذكر هو نص المدونة قال المازري: وظاهر الواضحة القطع قال عبد الوهاب والتمادي هو الواجب والإعادة مستحبة، وقيل بالعكس حكاه التادلي قلت ولا أعرفه ولعله التبس عليه بمن ذكر فائتة وهو مأموم فإن فيه القولين. (ولا شيء عليه في التبسم) اختلف في التبسم في الصلاة على ثلاثة أقوال: فقيل لا سجود عليه قاله في سماع عيسى وهو الذي أراد الشيخ وإن كان في كلامهما مسامحة لقولهما عليه فالمراد ولا له، ومثل عبارتهما عبارة التهذيب ونصها: ولا شيء عليه إن تبسم، وسمع أشهب يسجد قبل السلام حكاه ابن رشد وغيره، وقال ابن عبد الحكم: يسجد بعده حكاه ابن يونس وهو قول مالك في مختصر ما ليس في المختصر واختاره سحنون، ونقله التادلي عن رو اية ابن عبد الحكم لا عن قوله، قلت ولا أعرفه من روايته ولعله اغتر بظاهر لفظ ابن الحاجب، وروى ابن القاسم لا يسجد وأشهب قبله وابن عبدالحكم بعده والله أعلم، ثم وقفت على أنه روى ما تقدم عن مالك فنقله خليل عن ابن رشد وغيره على أن ابن رشد لم يذكر أنه روى ما تقدم ونصه وما قاله ابن عبدالحكم قاله مالك في مختصر ما ليس في المختصر، وعلل سماع أشهب بأنه نقص الخشوع قال صاحب الطراز وهو ضعيف؛ لأن الغافل في صلاته لا سجود عليه، وقد نقص الخشوع وأجيب بأن الغفلة ليست مقصودة بل هي غالبة على الناس لا يمكنهم الانفكاك عنها بخلاف التبسم. (والنفخ في الصلاة كالكلام والعامد لذلك مفسد لصلاته): لا يقال إن في كلامه الحشو لأن قوله كالكلام يغني عن قوله والعامد لذلك مفسد لصلاته لأنه لم يبين قبل هذا حكم العامد للكلام، نعم هو مفهوم قوله قبل كما قلنا فرأى المؤلف أن بيانه بالنص أولى، وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو بالناسي خلاف وما ذكره هو المشهور، وروى علي أنه ليس كالكلام فلا أثر له قلت: وكان بعض أشياخ أشياخي يرد القولين إلى قول واحد وهو أنه ينظر هل تركبت منه حروف أم لا؟ فإن تركبت فالبطلان، فتحمل رواية علي على ما إذا لم تتركب. والتنحنح إن كان لضرورة فلا أثر له اتفاقا وإن كان لغير ضرورة ففي إلحاقه بالكلام روايتان. ونقل

عياض الخلاف في تنحنح المضطر واستغر به بعض شيوخنا. (ومن أخطأ القبلة أعاد في الوقت): يعني إذا اجتهد فأخطأ فإنه يعيد في الوقت وما ذكره هو مذهب المدونة وقال ابن سحنون يعيد أبدا، وقيل إن استدبر القبلة يعيد أبدا قاله ابن مسلمة والوقت في ذلك إلى الاصفرارن قال ابن عتاب ويتخرج قول إلى الغروب من المصلي بثوب نجس، وحكاه ابن شاس نصا ويريد الشيخ ما لم تكن قبلة عيان فإن يعيد أبدا ومن صلى بغير اجتهاد لم يجزه، وإن أصاب القبلة قاله ابن رشد، قلت: ولا يتخرج قول بالصحة من نقل أبي محمد في نوادره أن من سلم على شك هل أكمل أم لا ثم تبين له أنه أكمل فإنه يجزئه لأن المصلي بغير اجتهاد أحرم على غير يقين، وكذلك إن سلم والمسلم من الصلاة أحرم عن يقين فصادف أن سلم على ما أحرم عليه، وانظر هل يتخرج من الرجل إذا تزوج امرأة لها زوج غائب لا يدري أحي أم ميت، ثم تبين أنه قد مات لمثل ما تنقضي فيه عدتها قبل إنكاحه إياها أن النكاح ماض أم لا. وأما من صلى إلى غير القبلة ناسيا فإنه يعيد أبدا وقيل في الوقت وكذلك في الجاهل، وزعم ابن الحاجب أن المشهور يعيد أبدا في الصورتين فقال ويعيد الناسي والجاهل أبدا على المشهور فيهما قال في المدونة، ومن علم أنه استدبر القبلة أو شرق أو غرب ابتدأ الصلاة بإقامة، وخرج صاحب الطراز قو لا بانحرافه ويبني على القول بطرح نجاسة ذكرها بها وظاهر المدونة أعم من أن يذكر وهو متلبس بالصلاة لغير جهة القبلة بعد أن انحراف إليها، فإذا علمت هذا فاعلم أنه أقام منها بعض شيوخنا إن من رفع رأس من السجود فنظر فإذا بموضع جبهته نجاسة فإنه يقطع، وخالفه بعض أصحابنا قائلا يتنحى عنها ويتمها ولا إعادة. وأفتى الشيخ أبو محمد بن الرماح من القرويين المتأخرين فيمن رأى بعمامته بعد سقوطها عنه نجاسة أنه يتمها ويعيد، ويظهر لي أن الإقامة ضعيفة وكذلك تخريج صاحب الطراز لأن القبلة أشد، وبيانه أن من صلى بالنجاسة ساهيا يعيد في الوقت على المشهور، ومن صلى لغير القبلة ناسيا بعيد أبدا على المشهور كما قدمنا لابن الحاجب والله تعالى أعلم. (وكذلك من صلى بثوب نجس أو على مكان نجس)

عطفه يقتضي أنه إذا اعتقد أنه طاهر فبانت له النجاسة بعد صلاته بها أنه يعيد في الوقت، وإن تعمد بها الصلاة فإنه يعيد أبدا ومثل هذا في المدونة فكلام الشيخ كما ترى يقتضي أن غسل النجاسة واجب مع الذكر يريد والقدرة ساقطا مع غير ذلك. فإذا عرفت هذا فاعلم أنه يناقضه قوله وطهارة البقعة للصلاة واجبة، وكذلك طهارة الثوب إلى آخره حسبما فهمه غير واحد، والأقرب أن ما هنا يفيد ذلك المطلق والله أعلم، ولا يقال إن في كلام الشيخ قصورا لأنه بقي عليه إذا كانت النجاسة في جسده، لأن كلامه يدل على ذلك دلالة أحروية لأنه إذا كان يعيد فيما إذا كانت النجاسة في المنفصل، وهو البقعة أو كالمنفصل وهو الثوب فأحرى إذا كانت النجاسة في ذاته. ونص عياض على أن سقوط طرف ثوبه على جاف النجاسة لغو، وقال في المدونة: ومن صلى وفي ثوبه نجاسة أو عليه أو لغير القبلة أو على موضع نجس قد أصابه بول فجف إن كانت النجاسة في موضع جبهته أو أنفه أو غيره أعاد في الوقت فظاهرها يشهد لما قال عياض، لأنه إنما اعتبر أعضاء المصلي لقولها إن كانت النجاسة إلخ والله أعلم. وكان بعض من لقيته يفتي بالبطلان في صورة عياض ويستروح لقول المدونة وكنت أجيبه بما قلناه، ونقل أبو محمد عن ابن حبيب أن من صلى متعمدا وبين يديه نجاسة فإنه يعيد صلاته إلا أن يبعد جدا أو يواريها عنه، قلت كأنه رأى أن النجاسة إذا كانت قريبة منه أن الغالب وصولها إلى ذلك المكان فنزل الغالب منزلة المحقق، وقد علم أن هذا أصل ابن حبيب وكذلك يجب حمل قوله أن النجاسة بين يديه وصف طردي وإنما أراد أنها قريبة منه والله أعلم. (وكذلك من توضأ بماء نجس مختلف في نجاسته): ما ذكره مثله في التهذيب قال فيه في الماء الذي بلغ فيه الدجاج والأوز المخلاة أنه يتيمم ويتركه فإنه توضأ به وصلى ولم يعلم أعاد في الوقت، واعترض عليه بأن الأمهات ليس فيها ولم يعلم وأجيب عنه بأن البراذعي، نقل ذلك من كتاب الصلاة ولا يضره ذلك ورأى الشيخ عبد الحق أن ابن القاسم في كلامه التناقض، وقيل إنما قال في الوقت لرعي الخلاف، وقد قدمنا الخلاف في المذهب في طهارة الماء اليسير إذا حلته نجاسة يسيرة ولم تغيره بالطهارة والكراهة والنجاسة والشك فيه هل هو طاهر أو نجس

فيجمع بينه وبني التيمم وإلى هذا الخلاف أشار الشيخ. (وأما من توضأ بماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه أعاد صلاته ووضوءه أبدًا): أما الإعادة أبدًا في الطعم واللون فهو نقل الأكثر، ونقل ابن زرقون عن ابن القاسم أن من توضأ بماء تغير بموت دابة بر ذات نفس سائلة وصلى فإنه يعيد في الوقت، قيل فظاهره ولو تغير بها وظاهر كلام الشيخ أن تغيير الريح للماء ولا يبطل الصلاة وهو يقرب من قول ابن الماجشون لا أثر له، والمشهورأنه مغتفر كغيره. وقيل إن كانت الرائحة شديدة أعاد أبدًا أخذه ابن رشد من قول سحنون: من توضأ بماء تغير بما حل فيه تغيرا شديدا أعاد أبدًا. قلت: وهذا الكلام كما ترى يتناول الطعم واللون إذ ليس في قول سحنون ما يدل على خصوصية الريح والله أعلم. (وأرخص في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر) ما ذكر الشيخ من أن الجمع رخصة هو خلاف رواية ابن عبد الحكم الجمع ليلة المطر سنة، وهو خلاف ما في المدونة عن ابن القاسم الجمع ليلة المطر سنة ماضية والأصل الحقيقة وإتيان سحنون به دون أن لا يأتي بما يخالفه دليل على ارتضائه حسبما قدمنا ذلك في القنوت، ووقع لابن القاسم أن الجمع غير مشروع وأن من جمع أعاد العشاء أبدًا حكاه الباجي وإليه نحا القرافي في استشكاله الجمع، فإن رعاية الأوقات واجبة وفائدة الجمع تحصيل فضيلة الجماعة وهي مندوب إليها فكيف يترك الواجب لأجل تحصيل المندوب؟ قلت: ويجاب عن الاستشكال المذكور بأن الجمع لها سنة كما قدمنا والأصل الحقيقة، فاستشكال السنة لا يجوز لأنه مصادمة لكلام الشارع فهو فاسد بالوضع وإما رخصة وقد علمت أن الرخصة هي عبارة عما شرع في الأحكام لعذر مع قيام المانع لولا العذر والعزيمة بخلافه والله أعلم، وللقرافي جواب عن ذلك لم أذكره لطوله وضعفه. وتولى خليل بيان ضعفه وهل هذه الرخصة على القول بها راجحة أو مرجوحة قولا اللخمي وابن رشد، وظاهر كلام الشيخ أن الجمع سائغ في كل مسجد وهو

المشهور، وقيل بمسجده صلى الله عليه وسلم فقط رواه زياد عن عبدالرحمن الأندلسي وقيل بمسجده عليه السلام ومسجد مكة أخذه المازري من قول مالك: من فاته الجمع بأحد الحرمين صلى العشاء بهما قبل مغيب الشفق لفضلهما. وقيل لا يجمع بالمدينة إلا بمسجده صلى الله عليه وسلم رواه أشهب وغيره، وقيل يجوز بالبلاد الباردة الممطرة كالأندلس حكاه ابن العرب عن مالك، وظاهر كلام الشيخ أن الجمع غير مشروع في الظهر والعصر وهو المنصوص، وأخذ الباجي الجمع في الموطأ قال فيه: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر قال مالك أرى ذلك في المطر وضعف بأنه لا يلزم من نفس الحديث الأخذ به، ولم يرتضه ابن عبد السلام ولا خليل قال لأن الأصل عدم التعارض لا سيما والتفسير هنا مخالف لظاهر اللفظ، فعدول المفسر إليه دليل على أنه المعمول به عنده لكن استشكل تفسير الإمام لأن في مسلم من غير خوف ولا سفر ولا مطر وحمله بعضهم على الجمع الصوري، وبعضهم على أنه لمرض ولعل هذه الزيادة لم تصح عند الإمام أو لم تبلغه. (وكذلك في طين وظلمة يؤذن للمغرب أول الوقت خارج المسجد) ظاهر كلامه أن الطين بانفراده لا أثر له وإن كان فيه وحل وهو كذلك، وقيل إن كان فيه وحل فالجمع جائز وهو سماع ابن القاسم، وإن لم يكن فيه وحل فإنه لا يجمع، وهذه طريقة ابن رشد وعكس اللخمي النقل فنقل إن لم يكن فيه وحل قولين عن مالك فيتحصل من الطريقتين ثلاثة أقوال: ثالثها إن كان فيه وحل جاز وإلا فلا. (ثم يؤخر قليلا في قول مالك ثم يقيم في داخل المسجد ويصليها ثم يؤذن للعشاء في داخل المسجد ويقيم ثم يصليها): ما ذكر الشيخ نحوه في المدونة في قولها يؤخر المغرب شيئا قليلا واستشكل الشيخ القول المشهور الذي ذكره بقوله في قوله مالك، كقول ابن الحاجب والمذهب فكأنه ارتضى قول ابن عبد الحكم وابن وهب أن التقديم دون التأخير هو أولى، وروى ابن عبد الحكم يؤخر المغرب ثم يصلي ويطيلون في أذان العشاء لمغيب الشفق وقاله أشهب وضعفه المازري بأنه يخيل معنى الجمع لأنهم ينصرفون في الظلمة.

قلت: وتردد شيوخ شيوخنا هل تأخير المغرب على المشهور أمر واجب لابد منه أم ذلك على طريق الندب؟ فمنهم من ذهب إلى الأول ومنهم من ذهب إلى الثاني، وما ذكر أنه يؤذن للصلاتين هو أحد الأقوال الثلاثة، وقيل لا يؤذن لهما وقيل للأولى فقط. وما ذكر أنه يؤذن للعشاء داخل المسجد هو قول مالك من رواية علي، وقال ابن حبيب يؤذن لها في صحنه خافضا صوته. (ثم ينصرفون وعليهم إسفار قبل مغيب الشفق الجمع بعرفة بين الظهر والعصر عند الزوال سنة واجبة بأذان وإقامة لكل صلاة وكذلك في جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة إذا وصل إليها) اختلف المذهب هل يوترون بعد صلاتهم العشاء قبل مغيب الشفق أم لا؟ فالأكثر على المنع من ذلك ونقل أبو محمد صالح أن في كتاب الجبر لابن سعدون عن ابن عبد الحكم جوازه. قال أبو القاسم عبد الحق وأنا أفغل ذلك لأن الفرض قدم فأحرى النفلن قال التادليك كاشفت كتاب الجبر لابن سعدون فما وجدت للمسألة فيها ذكرا. قلت: وما وقع الاستدلال به ضعيف لأن الفرض إنما قدم لفضيلة الجماعة فلا يلزم من تقديم العشاء لما ذكر إلحاق الوتر بها، وأفتى يحيى بن عمر بجواز تقدمه لقوم أميين لا يقرءون أن يصلي بهم إمامهم، وهذا ينبغي أن يحمل ذلك على الوفاق لا على الخلاف، وكان بعض أشياخي يحمله على الخلاف وهو بعيد لضرورتهم. واختلف إذا لم ينصرفوا حتى جاء وقت العشاء فقيل أنهم يعيدون قاله ابن الجهم وعكسه لأشهب وابن نافع، وقيل إن بقي أكثرهم أعادوا وإلا فلا قاله أبو محمد، وقيل إن بقي الإمام أعادوا حكاه التادلي ولا أعرفه لغيره، وناقض ابن لبابة القول بعدم الإعادة بقول عيسى وغيره في المريض إذا خاف أن يغلب على عقله فجمع ثم سلم أنه يعيد، وفرق ابن رشد بينهما بأن المريض صلى فذا فيتلافى ما فاته من فضيلة الوقت وهؤلاء لما صلوها جماعة ناب فضل جماعتهم عن فضيلة الوقت كمسافر أتم فذا يعيد خلف مقيم لا يعيد. قلت: ويظهر لي فرق ثان وهو أن المريض لما أخذ يصلي لم يكن يعلم قطعا أنه

يبقى كذلك فكأنه دخل على أنه إن انتقلت حالته يعيد بخلاف الذي أقام إنما طرأت له الإقامة بعد صلاته والله أعلم. (وإذا جد السير بالمسافر فله أن يجمع بين الصلاتين في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وكذلك المغرب والعشاء): ظاهر كلام الشيخ أنه لا يشترط مسافة القصر، وهو كذلك وذلك مشروطا في قصر الصلاة لثبوت ذلك في السنة ويبين ذلك أحد أمرين: إما أن القصر يسقط بعض العبادة، وينقل من أربع ركعات إلى ركعتين وليس في الجمع سوى تقديم الصلاة أو تأخيرها عن وقتها المختار وذلك أضعف. الثاني: أن القصر من الرخص المختصة بالسفرن والجمع ليس كذلك دليل الجمع في الحضر كالجمع في المطر (انظر البيان والتقريب) وظاهر كلام الشيخ أيضا إن جد السير معتبر وشرط وهو كذلك، وقال أصبغ لا يشترط وقيل يشترط في حق الرجال دون النساء قاله بعض شيوخ عبد الحق، وظاهر كلامه أنه لا يشترط فوات أمر وهو كذلك عند ابن حبيب وفي التهذيب اشتراطه. ونصه: لا يجمع المسافر إلا أن يجد به السير ويخاف فوات أمر، وقال أشهب يشترط فوات أمر مهم إذ كلامه أخص من كلام التهذيب فهو قول ثالث في المسألة والرابع لابن الماجشون، والفرق بين الرجال والنساء وظاهر كلامه أن الجمع جائز دون كراهة وهو كذلك. وروي عن مالك الكراهة مطلقا وروي عنه الكراهة للرجال دون النساء وهذه الأقوال الثلاثة حكاها عياض في الإكمال، قال التادلي: وفي غير الإكمال جوازه في البر دون البحر. قلت: نقله عبد الحق عن بعض شيوخه ومن جمع بشرطه ثم أقام فلا إعادة عليه قاله ابن كنانة نقله عنه أبو محمد رحمه الله. قلت: قال بعض شيوخنا مثل هذا ما نص عليه ابن القاسم فيمن صلى جالسا لعذر ثم زال عذره في الوقت فلا يعيد، ويخالفه من جمع لخوف فقد عقله ثم سلم فإنه يعيد. (وإذا ارتحل في أول وقت الصلاة الأولى جمع حينئذ) ويعيد إذا كان لا ينزل إلا بعد الغروب وإن كان نوى أن ينزل قبل الاصفرار فلا

يجمع، وإن كان نوى أن ينزل بينهما، فقال ابن بشير: المشهور الجمع وقيل يؤخر الثانية، وقال اللخمي: يجوز تأخير الثانية، وهو أولى ولا يتعلق على المصلى حينئذ ذنب لأن ذلك للضرورة فإذا عرفت هذا فقول ابن الحاجب مخير يتعقب الخلاف السابق فليس ثم اتفاق حتى يقول قالوا ويعني بالخيار في تأخير الثانية، وفسره ابن عبد السلام بغير ذلك وتعقبه بعض شيوخنا ولولا الإطلالة لذكرناه فانظره، وفي المدون لم يذكر المغرب والعشاء في الجمع عند الرحيل كالظهر والعصر، وقال سحنون الحكم متساو فقيل تفسير وقيل خلاف. (وللمريض أن يجمع إذا خاف أن يغلب على عقله عند الزوال عند الغروب): ما ذكر أنه يجمع هو المشهور وقال ابن نافع بمنعه وما ذكر أنه يجمع عند أول وقت الأولى هو المشهور، وقيل يصلي الأولى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها وقيل النهاريتان أول الأولى والليتان أول الثانية قاله ابن شعبان واستغربه ابن زرقون لظهور عكسه لضيق وقت المغرب وسعة وقت الظهر. (وإن كان الجمع أرفق به لبطن به ونحوه جمع وسط وقت الظهر عند غيبوبة الشفق): قد قدمنا في المسألة ال أولى أن ابن نافع منع الجمع فيها، وكذلك هو قائل هنا نقله ابن رشد، فلذلك تعقب بعض شيوخنا قول ابن بشير: المريض يجمع مطلقا اتفاقا لقصوره، وحكى ابن الحاجب الخلاف في هذا دون الأولى فقال: والمريض إذا خشي الإغماء وإن لم يخش فقولان وعكس ابن عبد السلام، قال شيخنا ولا أعرفهما والخلاف في كيفية الجمع كما سبق. (والمغمى عليه لا يقضي ما خرج وقته وفي إغمائه ويقضي ما أفاق في وقته مما يدرك منه ركعة فأكثر من الصلوات وكذلك الحائض تطهر): لا خلاف أنه لا يقضي ما خرج وقته كما أنه لا خلاف أنه يصلي ما أدرك وقته والمراد بالركعة أن تكون يسجدتيها وهي إحدى المسائل التي يشترط فيها أن تكون بسجدتيها. وثانيها الراعف لا يبني إلا على ركعة بسجدتيها. وثالثها من امتنع من الصلاة فإنه يؤخر إلى آخر الوقت والمعتبر الركعة بسجدتيها.

ورابعها تحصيل فضل الجماعة لا يحصل إلا بإدراك ركعة مع الإمام بسجدتيها والأعذار: الحيض والنفاس والكفر والصبا والجنون والإغماء، وألحق بذلك النوم والنسيان بالنسبة إلى رفع الإثم فقط. والركعة معتبرة بالنسبة إلى الأداء باتفاق. واختلف في السقوط على أربعة أقوال: فقيل كذلك، وهو المشهور، وقيل يعتبر أقل لحظة قاله ابن الحاجب، ونصه قلت واعتبار قدر الركعة للأداء وأما السقوط فبأقل لحظة وإن أتم المتعمد، وقيل لا تسقط عن متعمد التأخير إلا بقدر كل الصلاة نقله اللخمي عن بعض المتأخرين وألزمه عدم قصر المتعمد يسافر حينئذ، قيل لا تسقط عن متعمد التأخير إلا بقدر ركعة إن كان متعمد التأخير متوضئا. حكاه المازري عن بعض شيوخه قلت: قول ابن الحاجب ضعيف ولو عكس لكان أولى من طريق الاحتياط والله أعلم. (وكذلك الحائض تطهر فإذا بقي من النهار بعد طهرها بغير توان خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن كان بقي من الليل أربع ركعات صلت المغرب والعشاء، وإن كان من النهار أو من الليل أقل من ذلك صلت الصلاة الآخرة وإن حاضت لهذا التقدير لم تقض ما حاضت في وقته وإن حاضت لأربع ركعات من النهار فأقل إلى ركعة أو لثلاث ركعات من الليل إلى ركعة قضت الصلاة الأولى فقط): المراد بالطهر الذي ذكر طهر الماء لا طهرها من الدم، واختلف المذهب في اعتبار الطهارة في حق جميع أصحاب الأعذار على أربعة أقوال: فقيل باعتباره قاله أصبغ وغيره وعكسه خرجه بعض شيوخ المازري على أن الطهارة شرط في الأداء لا في الوجوب، وقيل لا تعتبر إلا في الكافر لانتفاء عذره قاله ابن القاسم وقيل بزيادة المغمى عليه قاله ابن حبيب وضعف لكونه سوى بين الكافر والمغمى عليه. وزعم أبو محمد أن الحائض تعتبر الطهارة في حقها باتفاق، وهو قصور لنقل الباجي عن ابن نافع: لا تعتبر الطهارة للحائض، واختلف المذهب إذا تبين أن الماء غير طاهر فتطهرت ثانيا فغربت الشمس هل تقضي أم لا، وكذلك الخلاف إذا أحدثت والمختار القضاء. (واختلف في حيضتها لأربع ركعات من الليل فقيل مثل وقيل إنها حاضت في

وقته فلا تقضيهما): اختلف المذهب هل التقدير في المشتركين بالأولى أو بالثانية، فقال ابن القاسم وأصبغ التقدير بالأولى وقال ابن عبد الحكم: وابن الماجشون، وابن مسلمة وسحنون التقدير بالثانية، فإذا قلنا بالتقدير بالأخيرة وقد حاضت لأربع ركعات تسقط العشاء الأخيرة فقط وقضت المغرب لترتبها في ذمتها، وإذا قلنا بالتقدير بالأولى فتبقى ركعة للعشاء الأخيرة فصارت حائضا في وقتها فيسقطان واطرد هذا المعنى بالنسبة إلى الإدراك. قال أصبغ: هذه آخر مسألة سألت عنها ابن القاسم وأخبرته بقولي فيها وبقول ابن عبد الحكم فقال لي أصبت وأخطأ ابن عبد الحكم وسأل سحنون فعكس. (ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء): ظاهر كلام الشيخ أن الوضوء واجب هو كذلك في مشهور المذهب، وقيل إنه مستحب، وقيل إنه ساقط، وقيل إن كان في صلاة فلا أثر له، وإن كان خارج الصلاة توضأ، وقيل إن كان في سبب ناجز لا يضر كمن شك في ريح ولم يدرك صوتا ولم يجد ريحا حكى هذه الأقوال الخمسة ابن بشير عن اللخمي، واعترضه بأن القول بالوجوب والاستحباب، كلاهما في المذهب وليس ثم غير ذلك، قال وقول من قال بسقوط الوضوء أراد به الاستحباب والقول بأنه لا يقطع إذا كان في الصلاة يرجع إلى المستحب أيضًا، لأن المستحب لا تقطع له الصلاة، واعترض بعض شيوخنا كلام بن بشير بوجهين أحدهما أنه بقي عليه أن يبين القول الخامس، الثاني أن اللخمي ليس في كلامه السقوط، وذلك أنه قال في ذلك خمسة أقوال. روى ابن وهب أحب إلي أن يعيد وضوءه، وفيها يجب، وروى إلا أن يكون في صلاة فيتم، وروي يقطع ابن حبيب إن خيل له ريح فشك أو دخله الشك بالحس فلا وضوء عليه، وإن شك هل بال مثلا توضأ، وكان بعض من لقيته يقول إن ابن بشير تعسف عليه هذا كعادته في كثير من المسائل، ويذكر أن عياضا في الإكمال حكى ما حكاه اللخمي من الخمسة، وذكر جميعها عن مالك، ونقل ابن العربي مثل ما نقل اللخمي ورد القول بالقطع إلى القول بالوجوب، واختار ابن عبد السلام سقوط

الوضوء قائلا ولا يبعد الاستحباب آخذا باستصحاب الحال كعكسها قلت ويرد بالاحتياط. (ومن ذكر من وضوئه شيئا مما هو فريضة منه فإن كان بالقرب أعاد ذلك وما يليه): إطلاق الإعادة هنا مجاز لأن الفرض أنه لم يفعل، وإعادة ما بعد المتروك ومستحبة للترتيب، وما ذكر أنه إذا تطاول لا يعيد ما بعده وهو قول ابن القاسم خلافا لابن حبيب القائل بأنه يعيده وما بعده كما إذا قرب، واختاره ابن عبد السلام قائلا لما هو مذكور في المطولات. (وإن تطاول ذلك أعاده فقط، وإن تعمد ذلك ابتدأ الوضوء إن طال ذلك): مفهومة لو لم يطل فإنه لا يضر وهو كذلك، والكلام في هذه المسألة يرجع إلى الموالاة وقد تقدم ذلك. (وإن كان قد صلى في جميع ذلك أعاد صلاته أبدًا ووضوءه): إنما قال يعيد الصلاة لأن من ترك فرضا فإن صلاته باطلة إجماعا، واختلف المذهب إذا ترك لمعة يسيرة كالخيط الرقيق من العجين والمشهور أنه معتبر. (وإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين فإن كان قريبا فعل ذلك ولم يعد ما بعده وإن تطاول فعل ذلك لما يستقبل ولم يعد ما صلى قبل أن يفعل ذلك): ما ذكر أنه لا يعيد ما بعده هو قول مالك في الموطأ لقوله من غسل وجهه قبل أن يتمضمض تمضمض ولم يعد غسله، ومذه ابن حبيب أن الترتيب فيما بين المفروض والمسنون سنة فعلية يعيد ما بعده وما ذكر أنه لا يعيد ما صلى هو كذلك، ولو كان عامدا في أحد الأقوال الأربعة، وقيل يعيد في الوقت ولو كان ناسيا قاله اللخمي للخروج من الخلاف، وقيل يعيد العامد في الوقت والناسي لا إعادة عليه، وقيل يعيد العامد أبدًا أخرجه ابن رشد على سنن الصلاة، وهو ضعيف لأن سنن الصلاة أقوى لكونها المقصد، والوضوء وسيلة إلا أن قول الشيخ، وإن ذكر إنما يتناول الناسي فيحتمل أن يكون مقصودا، ويحتمل أن يكون طرديا وظاهر كلام الشيخ أيضًا أنه لو ذكر رد اليدين في مسح الرأس أنه يفعل ذلك وهو ظاهر نقله في النوادر عن ابن حبيب: من ترك من مسنون وضوئه شيئا أعاده وهو خلاف قول ابن بشير: من ترك سنة إن فعل في محلها عوضا كغسل اليدين قل إدخالهما في الإناء وإعادة مسح الرأس من المقدم إلى المؤخر لا يعيده وإلا أعاد كالمضمضة.

(ومن صلى على موضع طاهر من حصير وبموضع آخر منه نجاسة فلا شيء عليه): ظاهر كلامه وإن تحركت النجاسة وهو كذلك في قول وقيل ما لم تتحرك، أما إن تحركت فلا، والقولان حكاهما عبد الحق عن المتأخرين، وأما طرف العمامة إذا كانت فيها نجاسة فهي معتبرة مطلقا عند الأكثر وقيل إن تحركت بحركته وأما إن لم تتحرك فلا، حكاهما ابن الحاجب. (والمريض إذا كان على فراش نجس فلا بأس أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا ويصلي عليه): ظاهر كلامه أن الصحيح لا يغتفر له ذلك وهو ظاهر المدونة قال فيها: لا بأس بصلاة المريض على فراش نجس إذا بسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا وهو كذلك في أحد القولين وبه قال أصبغ نقله عنه يحيى بن اسحاق في مبسوطه، وقيل إن ذلك عام في المريض، والصحيح والقولان حكاهما ابن يونس عن شيوخه وصوب الثاني. قلت: ويجري عليهما إذا فرش ثوبا على ثوب حرير ولا أعرف أحدا من أهل المذهب نص على هذا الفرع، وسمعت بعض من لقيته يذكر أن الغزالي أجراه على ما ذكرناه في كتابه البسيط، قال ابن العباس الأبياني وإذا كان أسفل نعله نجاسة فنزعه ووقف عليه جاز كظهر الحصير نقله في الذخيرة. (وصلاة المريض إذا لم يقدر على القيام صلى جالسا إن قدر على التربع وإلا فبقدر طاقته وإن لم يقدر على السجود فليومئ بالركوع والسجود): يريد لعجزه عن القيام ولو باستناد إلى حائط أو غيره فلو قدر أن يصلي قائما متوكئًا على عصا وجب ذلك عليه على ظاهر المذهب عندي، وسمع أشهب وابن نافع صلاته متكئا على عصا أحب إلى من جلوسه في الفرض، والنفل. قال ابن رشد لأنه لما سقط عنه فرض القيام صار نفلا وفضيلة، كما هو في

النافلة قلت: والأقرب أن المراد حمل أحب على الوجوب في الفرض كقول المدونة وصلاته جالسا ممسوكا أحب إلي من اضطجاعه، قال ابن بشير: فإن اضطجع أعاد أبدًا، وقول ابن يونس إن اضطجع أعاد يريد أبدًا، كما تقدم والله أعلم وعجزه إن كان بحيث يخاف الموت فمتفق عليه، وإن كان إنما يخاف زيادة المرض وشهبه فيختلف فيه قياسا على التيمم. وقد قدمنا أن المشهور التيمم ومن كان قدح الماء من عينيه فإن كن يصلي جالسا إيماء فإنه جائز، وأما إن كان يتنفل في ذلك إلى الاستلقاء ففي ذلك ثلاثة أقوال: فقال في المدونة يعيد أبدًا وقال أشهب جائز، وروى ابن حبيب مثله في اليوم وشبهه، واليومين وما طال كره قال ابن الحاجب: والصحيح قول أشهب، قلت: ولم يحك ابن بشير قول أشهب إلا بعد الوقوع وكلاهما أعني ابن الحاجب وابن بشير لم يحكيا رواية ابن حبيب، وحكاها اللخمي وغيره والفتوى عندما بإفريقية بقول أشهب، واستشكل قول المدونة وأجيب بتردد البرء بخلاف السفر في طلب الأرباح فإن الغالب وجودها. وقال ابن بشير: قائل هذا لم يقف على حقيقة الأمر في القدح والغالب وجود المنفعة به قلت، وقال ابن الحاج إن كان القدح لصداع جاز وإن كان للرؤية فهي مسألة الخلاف. (ويكون سجوده أخقض من ركوعه): ما ذكر هو مذهب المدونة وأخذ منها أن المريض لا يلزمه أن يأتي بما في وسعه من الإيماء، وقيل يلزمه أن يأتي بجميع ما في وسعه، قال الشيخ ويومئ للسجود الأول من قيام، وللثاني من جلوس إن أمكنه ذلك، وأجرى أبو الحسن اللخمي والمازري الخلاف السابق في ما وسعه على الخلاف في الحركة هل هي مقصودة أم لا. قال ابن بشير وفي هذا نظر لأن المطلوب في هذا أن يكون بدلا عما عجز عنه فلو عجز عن إكمال السجدة فيطلب إكمال الإيماء، وإكماله هو المعنى المفروض كنفس السجود فحاصل كلام ابن بشير أنه جعل هنا الحركة مقصودة ليس إلا، قال بعض من لاقيناه وأخذ أبو الحسن القابسي من قولهم هنا يومئ للسجود والركوع إن لم يجد ماء ولا ترابا أنه يومئ للأرض ويتيمم حكاه عنه أبو عمران الفاسي فلا غرابة فيه. قلت: الذي في التعاليق إنما هو قول القابسي مجردا على الأخذ قال ولا وجه له، ولا يقاس ذلك على الصلاة لأنا نجد النافلة يجوز ترك القيام فيها، وصلاة المسافر إياها

على الدابة إيماء والطهارة للمكتوبة والنافلة سواء، وأطال في الرد عليه جدا فانظره، وقد علمت الأربعة الأقوال في ذلك وهي الصلاة بلا طهارة والقضاء قاله ابن القاسم وعكسه قال مالك، والصلاة ولا قضاء قاله أشهب وعكسه قال أصبغ فقول القابسي خامس. (وإن لم يقدم صلى على جنبه الأيمن إيماء وإن لم يقدر إلا على ظهره فعل ذلك): اختلف في كيفية صلاته على أربعة أقوال: فقيل الجنب الأيمن ثم الأيسر ثم الظهر قاله ابن المواز وغيره، وقيل الظهر مقدم على الأيسر قاله ابن القاسم، وقيل إن الظهر والجنب الأيسر سيان لا مزية لأحدهما على الآخر، وقيل إن الظهر مقدم على الجنب الأيمن نقله ابن محرز عن أشهب وابن مسلمة وابن القاسم وكل هذا الخلاف على طريق الاستحباب لأنها حالة واحدة وهي الاضطجاع. (ولا يؤخر الصلاة إذا كان في عقله وليصلها بقدر ما يطيق إلى آخره): اعلم أن المريض إذا عجز عن كل أمر سوى نيته، قال ابن بشير نصف في ذلك المذهب وأوجب عليه الشافعي القصد إلى الصلاة بقلبه لأن روح الصلاة القصد، ومقصودها حالة تحصل بالقلب، وأسقط عنه أبو حنيفة الصلاة لأن الصلاة أقوال وأفعال والنية قصد إلى التقرب بالأقوال والأفعال، فإذا عجز عن التقرب به فلا مقصود ههنا تميزه النية. وقد طال بحثنا عن مقتضى المذهب في هذه المسألة والذي عولنا عليه في المذاكرات موافقة مذهب الشافعي مع العجز عن نص يقتضيه المذهب، والمسألة في غاية الإشكال والاحتياط مذهب الشافعي، والرجوع إلى براءة الذمة هو مقتضى مذهب أبي حنيفة، ولا يبعد أن يختلف المذهب في المسألة. قلت: قوله لا نص اعترضه ابن عبد السلام بقول الشيخ أبي محمد بن أبي زيد، ولا يؤخر الصلاة إذا كان في عقله وبنص ابن الجلاب كذلك، وأجاب عنه باحتمال أن يريد نصا أصوليا لا نصا فقهيا واختار مذهب أبي حنيفة لأن النية إنما هي لتخصيص الفعل المتعبد به عن نظيره مما ليس بعبادة فوجوب النية كالتابع لوجوب الفعل، فإذا سقط المتبوع سقط تابعه كالنية في الصوم في حق العاجز عنه وغير ذلك في نظائره، قلت: قال بعض شيوخنا. ويرد على ابن بشير أيضًا بما نص عليه ابن رشد قال: اختلف المذهب في

سقوطها عن الغريق العاجز عن الإيماء وغيره، فقيل: إنها تسقط رواه معن عن مالك، وقيل: تقضي لقول المدونة: ومن تحت الهدم ولا يستطيع الصلاة يقضي والجواب عن هذا ما سبق لابن عبد السلام. (فإن لم يجد من يناوله ترابا تيمم بالحائط إلى جانبه إن كان طينا أو عليه طين): ما ذكر من أنه يتيمم عليه لا أعرف فيه خلافا، وتردد بعض من لقيناه هل يتخرج قول ابن بكير القائل لا يصح على التراب المنقول أم لا؟ وقطع بعضهم بأنه لا يتخرج لأنه لا يصدق عليه اسم تراب وإنما هو طوب. (فإن كان عليه جص أو جير فلا يتيمم به): ما ذكر هو المنصوص، وقال ابن حبيب إن كان الجدار حجرا أو آجرا جاز إن لم يجد ماء ولا ترابا، وتعقبه التونسي وابن رشد بأنه مطبوخ وألزمه الباجي أن يقول بجوازه على الجير. (والمسافر يأخذ الوقت في طين خضخاض لا يجد أين يصلي فلينزل عن دابته، ويصلي فيه قائما يومئ بالسجود أخفض من الركوع فإن لم يقدر أن ينزل فيه صلى على دابته إلى القبلة): ظاهر كلام الشيخ، وإن كان إنما يخشى على ثيابه فقط وهو قول مالك وهو المشهور، وقال ابن عبد الحكم: ورواه أشهب وابن نافع يسجد عليه وإن تلطخت ثيابه ولا يومئ وقيل بالأول إن لم يكن واسع المال وكانت ذات قيمة والطين يفسده خرجه ابن رشد على ماء الوضوء، وأما إن كان يخشى على نفسه فالاتفاق على ما قال الشيخ. (وللمسافر أن يتنفل على دابته في سفره حيثما توجهت به إن كان سفرا تقصر فيه الصلاة):

ظاهر كلامه خصوصية الدابة فالسفينة لا يتنفل فيه وهو كذلك وهو نص المدونة، وروى ابن حبيب كالدابة قال بعض شيوخنا لعله يريد الصغيرة، واختلف الشيوخ في فهم المدونة فتأوله ابن التبان على أن ذلك لمن يصلي بالسفينة إيماء، وأما من يركع ويسجد فهي كالدابة، وخالفه أبو محمد وقال ليست كالدابة ولا يتنفل فيها أحد إلا إلى القبلة، وإن ركع وسجد ذكره في تهذيب الطالب. واختلف في جواز النافلة مضطجعا على ثلاثة أقوال: فقيل بالجواز قاله الأبهري وقيل لا يجوز نقله أبو محمد عن بعض أصحابنا وقيل إن كان مريضا جاز قاله ابن الجلاب، واختلف إذا صلى النافلة جالسا وأراد أن يومئ بالسجود على ثلاثة أقوال: فقيل بالجواز قاله ابن حبيب وعكسه قاله عيسى وقيل يكره قاله ابن القاسم وهذه الأقوال الثلاثة ذكرها أبو محمد في نوادره. (وليوتر على دابته إن شاء ولا يصلي الفريضة وإن كان مريضا إلا بالأرض): أخذ بعض التونسيين من شيوخ شيوخنا من هنا أن الوتر يصلي جالسا اختيارا

وكنت أضعف هذه الإقامة في صغري بأن للمسافر خصوصيات ليست لغيره، ألا ترى أنهم اشترطوا هنا مسافة القصر ثم ظهر لي أن الإقامة ظاهرة لأنه لما كان الفرض في مسافة القصر مغاير للنوافل ذكروا وجعلوا الوتر في جملة النوافل لزم اطراده في الحضر والله أعلم. ومن التونسيين ممن ذكر من كان يذهب المنع من ذلك وأخذه من قول المدونة لا يصلي في الكعبة الفريضة ولا الوتر ولا ركعتي الفجر فقد سوى فيما ذكر بين الوتر والفريضة فيلزمه اطراده فيما يمكن، واختلفت فتوى القرويين من المتأخرين أيضًا في هذه المسألة فأفتى الشيخ أبو عبدالله محمد بن الرماح بجواز ذلك، وأفتى غيره بالمنع وهو الأقرب أخذ بالاحتياط لقول أبي حنيفة بوجوبه. (إلا أن يكون إن نزل صلى جالسا بماء لمرضه فليصل على الدابة بعد أن توقف له ويستقبل بها القبلة): ما ذكر خلاف عليه الأكثر من كرهية ذلك. (ومن رعف مع الإمام خرج فغسل الدم ثم بنى ما لم يتكلم أو يمش على نجاسة): يحتمل أن يكون قوله مع الإمام مقصودا إشارة إلى أن الفذ لا يبني كما قال ابن حبيب، وروي عن مالك ويحتمل أن يكون قوله طرديا فيبني الفذ كما قاله أصبغ وغيره وهو ظاهر المدونة. وقال ابن عبد السلام: في أخذه من ظاهر المدونة نظر، ولا خلاف في صحة البناء إذا حصلت له ركعة واختلف إذا لم تحصل له ركعة على خمسة أقوال: فقيل بصحة البناء كما هو ظاهر كلام المؤلف، وقيل لا يصح وقيل إن كان مأموما بنى، وقيل ما لم تكن جمعة وقيل يستحب القطع، وظاهر كلام الشيخ أن البناء هو المطلوب واختلف في المسألة على أربعة أقوال: فقيل أن البناء أرجح من القطع قاله مالك اتباعا للعمل وعكسه قاله ابن القاسم. وقيل إنهما سواء لا مزية لأحدهما على الآخر نقله غير واحد عن المذهب كصاحب التلقين وقيل أن البناء يجب أخذه ابن رشد من قول ابن حبيب إن استخلف متكلما عمدا أو جهلا بطلت صلاتهم عليهم، وظاهر كلام الشيخ لو تكلم سهوا أو مشى على نجاسة كذلك أنه لا يبني وهو أحد الأقوال الأربعة في المتكلم ساهيا، وقيل إنه يبني، وقال ابن حبيب إن تكلم في حال الذهاب بطلت وفي حال الرجوع صحت

حكاه غير واحد كاللخمي وعزاه ابن يونس لان الماجشون، وقيل بعكسه نقله ابن شاس وعزاه خليل لابن بشير أيضًا وهو وهم، وأما إن مشى على نجاسة فقال ابن بشير هو كالمتكلم في أقواله، وقد ذكر فيه الثلاثة الأقوال، وقال ابن شاس إنه مثل ما إذا تكلم. قال ابن عبد السلام: يعني فتبطل في العمد وتصح في النسيان قال وفيما قاله نظر إن كان نقلا وإن كان تخريجا فهو أبعد قلت ما فسره به بعيد والأقرب أنه إنما أراد بذلك ذكر الأقوال التي ذكرها أجمع، فإن قلت ما معنى قول ابن عبد السلام فيما قاله نظر إلخ، قلت: أراد أن المنقول في المذهب قولان فقط قال ابن سحنون لا يبني وقال ابن عبدوس يبني فما ذكره خلاف المنقول إن كان أراد ذلك، وإن كان إنما أراد بالإجراء لا بالنص فأبعده لأن النجاسة أشد من التكلم ناسي بدليل أن من تكلم في صلاته ناسيا فلا شيء عليه اتفاقا، ومن صلى بالنجاسة يعيد في الوقت على المشهور وأبدًا على الشاذ. (ولا يبني على ركعة لم تتم بسجدتيها وليلغها إلخ): اعلم أن قوله وليلغها زيادة في البيان وإلا فقوله ولا يبني يغني عنه وما ذكره هو المشهور، وقيل يبني على ما عمل قاله ابن الماجشون وابن حبيب وقيل إن كانت الأولى فالأول وإلا فالثاني حكاه ابن حارث عن أشهب وغيره. (ولا ينصرف لدم خفيف وليفتله بأصابعه إلا أن يسل أو يقطر): يعني بالأنامل الاربع العليا والمراد الاقتصار على يد واحدة ويريد أيضًا من اليد اليسرى لا اليمنى لقوله صلى الله عليه وسلم "اليمنى لأطهاركم واليسرى لأقذاركم" وقول الشارمساحي بأنامل اليد اليمنى لأن اليمنى مختصة بالوجه بعيد غريب ولو سال منه الدم، وغلب على ظنه التمادي به إلى خروج الوقت فإنه يصلي به. واختلف في كيفية صلاته فقيل يصلي إيماء قاله ابن حبيب وقيل يركع ويسجد، قاله ابن مسلمة، قلت: ويجري عليهما من كان عنده من الماء ما يقوم به إما لغسل النجاسة وإما لوضوئه، فمن قال هنا يصلي إيماء يقول بغسل النجاسة به لأن الوضوء عنه بدل وهو التيمم والإيماء هنا هو بدل عن السجود، ومن يقول يركع ويسجد هنا

ويصلي بالنجاسة يقول يتوضأ به ويترك النجاسة، وإلى هذا ذهب الشيخ أبو عمران الفاسي، والأول هو الذي ارتضاه الأكثر من شيوخ المذهب كابن عبد السلام، وأخذه المازري من لابس الخف إذا حصلت به نجاسة وكان على طهارة بأنه يزيله ويتيمم. (ولا يبني في قيء ولا حدث): ما ذكره هو المشهور ونقل ابن العربي في القبس عن أشهب أنه يبني في الحدث كمذهب أبي حنيفة، وإنما كان لا يبني على المشهور لأن الأصل عدم البناء في الجميع رجاء ما جاء في الرعاف وبقي ما سواه على أصله. (ومن رعف بعد سلام الإمام سلم وانصرف): ما ذكر أنه يسلم وينصرف مثله في المدونة، وأخذ منها أن السلام غير فرض كما حكاه الباجي عن ابن القاسم أن من أحدث في آخر صلاته أجزأته صلاته ولم يرتض معظم الشيوخ هذا الأخذ ورأوا أن سلامه وهو حامل للنجاسة أخف من خروجه وزيادته في صلاته. (وإن رعف قبل سلامه انصرف وغسل الدم ثم رجع فجلس وسلم): يريد ويتشهد وسلم سواء تشهد أم لا لنص المدونة بذلك قال فيما وإذا رعف المأموم بعد فراغه من التشهد قبل سلام الإمام ذهب فغسل الدم ثم رجع فتشهد وسلم، وهو الذي أراد ابن الحاجب بقوله: ولو رعف فسلم الإمام رجع فتشهد ثم سلم، وقال ابن عبد السلام: عناه إن كان لم يتشهد أولا، وأما لو تشهد أولا فإنه يسلم دون تشهد، وتعقبه بعض شيوخنا بصريح المدونة كما تقدم، وكان بعض من لقيته يجيب عنه بأن قوله جار على أحد الروايتين فيمن سجد السجود القبلي فإنه لا يتشهد اكتفاء بتشهد الصلاة وكنت أجيبه بوجهين: أحدهما: أنهما ليسا سواء لقرب السلام من التشهد الأول وبعد السلام من التشهد في الرعاف لأن خروجه وغسله للدم، ورجوعه مظنة للطول غالبا. الثاني: هب أنهما سواء فقصارى الأمر أن يكون في المسألة قول ثالث وهو قد قصد إلى أن يجعل ذلك المذهب مع أن نص المدونة يدل على خلافه، فكيف يمكن أن يجعل المخرج المذهب وظاهر كلام الشيخ كما هو ظاهر كلام المدونة وغيرها أنه لو كان لما رعف سلم إمامه أنه يخرج لغسل الدم كغيره، وليس كذلك بل المراد إذا لم يسلم بالقرب فإن سلم عليه بالقرب فإنه يسلم وينصرف حسبما نص عليه ابن يونس.

(وللراعف أن يبني في منزله إذا يئس أن يدرك بقية صلاة الإمام إلا في الجمعة فلا يبني إلا في الجامع): ظاهر كلام الشيخ أنه إذا طمع أن يدرك شيئا من صلاة الإمام، ولو السلام فإنه يرجع إليه وهو كذلك على ظاهر المدونة وغيرها، وقال ابن شعبان إن لم يطمع بإدراك ركعة فإنه لا يرجع إذ لا فائدة فيه، وظاهر كلام الشيخ أن مسجد مكة والمدينة كغيرها فحيث يطمع بإدراك شيء من صلاة الإمام رجع وإلا فلا، وهو كذلك في القول المشهور، وروى السبائي عن مالك أنه يرجع لأحد المسجدين مطلقا، وما ذكر أن الجمعة لا بد فيها من الرجوع إلى الجامع مثله في المدونة قائلا لأن الجمعة لا تكون إلا في الجامع، وهو المشهور وأحد الأقوال الثلاثة، وقيل الجمعة كغيرها وقيل إن أمكنه رجع، وإلا فمكانه وهذه طريقة ابن بشير ومن تابعه كابن الحاجب وسلمها الشيخ خليل وابن عبد السلام وغيرهما، واعترضها بعض شيوخنا بأنه اغترار بكلام اللخمي في قوله. وقال المغيرة: إن منعه من الرجوع وإذا أضاف ركعة أخرى ثم صلى أربعا وهو ليس بخلاف في الحقيقة كما زعم اللخمي وإنما هو بيان للمشهور وهو تفسير وعليه حمله المازري، وبنص المدونة السابق رد بعض شيوخنا على الصالحي المستقرئ من المدونة أن الجامع ليس بشرط في الجمعة لأن ذكر الأسواق مرة ومرة لم يذكرها فلو كان الجامع شرطا لذكره، واختلف إذا أدرك تكبيرة الإحرام في الجمعة ثم رعف فلما رجع وجد الإمام قد سلم فقيل يبتدئ ظهرا بإحرام مستأنف، وقال سحنون يبني على إحرامه وصوبه ابن يونس وفسره بعضهم بقول المدونة قائلا لأنه صاحبها وتفسيرها بقول مؤلفها أولى ونصها ابتدأ طهرا، وقال أشهب إن شاء قطع أو بنى على إحرامه أو على ما عمل فيهما. (ويغسل قيل الدم من الثوب ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره): يعني على طريق الاستحباب يدل على قوله ولا تعادل الصلاة إلا من كثيره، وما ذكره هو مذهب المدونة وقيل إن يسير الدم جدا لا أثر له فلا يستحب غسله، قاله الداودي لقول مالك لا يغسل دم البراغيث ما لم ينتشر وقبله الباجي ورده بعض شيوخنا بالمشقة في دم البراغيث، ولذلك لم يقيد العفو باليسارة جدا بل بعدم التفاحش، ونقل ابن العطار عن أبي بكر بن عبد الرحمن أنه يعفي عنه في البدن لا في

الثوب، وقيل إن أصابه من غيره غسله نقله المازري في دم الحيض خصوصا لندور نيله، ونقله ابن عبد السلام في سائر الدماء. وظاهر كلام الشيخ أن دم الحيض والميتة كغيرهما وهو كذلك في القول المشهور، وقيل إن يسيرهما كالكثير ويسير القيح والصديد كالدم قاله في المدونة وقيل كالكثير قاله مالك في أحد قوليه، والأول أقرب لأن وصولهما إلى الجسد والثوب أقل من وصول الدم ولا يجاب بأنهما أقذر لأن القذارة لا اعتبار لها كما قد علمت، واختلف في مقدار اليسير والكثير ففي العتبية من سماع أشهب لا أجيبكم إلى التحديد بالدراهم، وتحديد بذلك ضلال فإن الدراهم تختلف تصغر وتكبر فقد أشار بذلك إلى أن المعتبر العرف، وقال ابن سابق، اليسير ما دون الدرهم، والكثير ما فوقه وفي الدرهم روايتان. وروى علي أنه يسير، وروى ابن حبيب أنه كثير، وقال ابن بشير اليسير ما دون الدرهم والكثير ما فوقه، وفي الدرهم قولان ونقل ابن المنذر عن مالك تعاد الصلاة من كثير الدم، وكثيره نصف الثوب فأكثر وكل ما لقيته من القرويين وغيرهم يقولون هو قول غريب بعيد. (وقليل كل نجاسة غيره وكثيرها سواء): ظاهر كلام الشيخ أن يسير البول كغيره فلا يعفى عنه وهو مذهب المدونة ونصها قلت أرأيت ما تطاير علي من البول مثل رءوس الإبر قال لا أحفظ هذا بعينه عن مالك، ولكن قال مالك يغسل قليل البول وكثيره واختصرها البراذعي على ما هي عليه، فإن قلت عادة صاحب التهذيب لا يأتي بالمسألة سؤالا وجوابا لا لمعنى من المعاني كقول ابن الحاجب وفيها فما هو هذا المعنى، قلت: لأحد أمرين: أحدهما: إن جوابه يوهم أنه لم يقل بالعموم ولا الإجابة بالغسل إذ هو أحد أفراده. الثاني: لما قد علمت من أن العام يتناول أفراده بطريق الظهور لا بالنص فهو يمكن تخصيصه بما سأله عنه، وهو ما تطاير من البول مثل رؤوس الإبر وما ذكره في الإكمال قال ابن عبد السلام: يحتمل أن يريد بذلك عموما، ويحتمل أن يريد مقصورا على التطاير عند البول لأنه محل ضرورة لتكرره كل وقت، قلت: الأقرب من القولين العفو وإن الاحتمال الأول أقرب لأن المشهور في الدم عفوه عموما فكذلك البول والله أعلم.

(ودم البراغيث ليس عليه غسله إلا أن يتفاحش):

ظاهر كلامه أنه لا يشترط أن يكون تفاحشه بادرا، وكذلك ظاهر المدونة وغيرها واشترطه ابن الحاجب ونصه عن دم البراغيث غير المتفاحش النادر، وظاهر كلام الشيخ أنه يجب غسله إذا تفاحش وهو ظاهر كلام غير واحد، وقيل يسحب كالدمل قاله المتيوي وفرق بينهما بالاتصال والانفصال، قال الشيخ خليل رحمه الله تعالى، وذكر مصنف الإرشاد في العمدة قولين إذا تفاحش بالوجوب والاستحباب، وكذلك نقل اللخمي، وقيل لا يؤمر بغسله إلا في الأوقات التي جرت عادت بغسل ثيابه فيها ولا يؤمر بغسله في أثناء الغسلات المعتادة حكاه التادلي ولا أعرفه، وحد التفاحش ما يستحيا به في المجالس بين الناس، وقيل ما له رائحة نقلهما التادلي أيضًا، وألحق صاحب الحلل بدم البراغيث دم البق والقمل. وبعث أمير إفريقية رجلا يسأل عبد الله بن فروح الفارسي عن دم البراغيث فسأله بمحضر أهل درسه عن ذلك، فقال لا بأس بالصلاة به ثم قال بمحضره: عجبا يسألنا عن دم البراغيث ولا يسألنا عن دم المسلمين التي يسفكها، وكان رحمه الله لا يخاف في الله لومة لائم، وكان مفتي إفريقية يغسل موتى الضعفاء بيده ويحملها على عنقه ويدخلها في قبرها تواضعا منه لله تعالى. ومن أراد الوقوف سيرته فعليه بالمدارك واعلم أن عادة الشيوخ يتعرضون هنا إلى نظائر منها، أن ثمانية أثواب لا يجب غسلها إلا مع التفاحش: ثوب دم البراغيث والمرضع وصاحب السلس، وصاحب البواسير وثوب الجرح السائل والقرحة وثوب الغازي الذي يمسك فرسه في الجهاد وثوب المتمعش في سفره بالدواب نقله الباجي، وثمانية يجزي زوال النجاسة فيها بغير الماء وهي: النعل والخف والقدم والمخرجان وموضع الحجامة والسيف الصقيل والثوب والجسد وثمانية تحمل على الطهارة وهي: طين المطر وأبواب الدور وحبل البئر والذباب يقع على النجاسة وقطر سقف الحمام وميزاب السطوح، وذيل المرأة وما نسجه المشركون، وثمانية تجب مع الذكر والقدرة وهي: النجاسة والفور والترتيب والتسمية والكفارة في صوم رمضان والفطر في التطوع وترتيب الحاضرتين، وتقديم الفوائت اليسيرة على الحاضرة عند مالك في رواية ابن الماجشون.

باب في سجود القرآن

باب في سجود القرآن

اختلف المذهب في حكم سجود القرآن فقيل سنة قاله الأكثر وأخذه ابن محرز من قول المدونة يسجدها من قرأها بعد العصر والصبح ما لم تصفر أو تسفر كالجنازة، فإن قلت هذه إقامة ضعيفة لأن صلاة الجنازة قد قيل فيها إنها قضية حسبما رواه ابن عيشون فقد قال إنما يقوم منها الفضيلة. قلت المعلوم من المذهب في حكمها إما السنة وإما الفريضة على الكفاية والقول بالفضيلة لم ينقله إلا ابن زرقون، وقيل أن سجود القرآن فضيلة قاله عبد الوهاب وابن الكاتب وأخذه من قول المدونة يستحب أن لا يدعها في أثناء صلاته، واختار ابن عبد السلام القول بالسنة لفعله عليه الصلاة والسلام مداوما مظهرا، وذهب أبو حنيفة إلى الوجوب، ورده ابن يونس بقول عمر أن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء. قلت: وهو ضعيف لأن الكتب هو الفرض وأبو حنيفة لم يقل بالفريضة وإنما قال واجب وهو أضعف عنده من الفرض، فالفرض عنده ما ثبت بدليل قطعي من القرآن، والواجب ما ثبت بدليل ظني من السنة فعمر رضي الله عنه لم ينف إلا الفرض الذي هو أخص. (وسجود القرآن إحدى عشرة سجدة وهي العزائم ليس في المفصل منها شيء في المص عند قوله (ويسبحونه وله يسجدون) [الأعراف: 206] وهو آخرها): ما ذكر الشيخ من أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة هو مشهور المذهب وقيل خمسة عشرة بزيادة ثانية الحج والنجم، والانشقاق آخرها، وقيل لا يسجدون و (اقرأ باسم ربك) [العلق: 1] وقيل أربع عشرة بإسقاط ثانية الحج قاله مالك. واختلف المتأخرون هل هذا اختلاف حقيقي قاله الأ كثر أو ليس بخلاف بل السجود في جميعها إلا أن السجود في الإحدى عشرة آكد قاله حماد بن إسحاق وفي غير ذلك قولان. (فمن كان في صلاته فإذا سجدها قام فقرأ من الأنفال أو من غيرها ما تيسر عليه ثم ركع وسجد إلى قوله (وزادهم نفورا) [الفرقان: 60]). إنما قال الشيخ يقرأ شيئا من الأنفال أو من غيرها إذا كان في صلاة لأن الركوع لا يكون إلا عقب قراءة شرعا ولذلك من أخل بركوع فإنه يرجع قائما على الصحيح واستحب له أن يقرأ شيئا.

(وفي الهدهد (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) [النمل: 26] إلخ): ما ذكره هو المعروف في المذهب وقيل محلها منها (وما يعلنون) [النمل: 74] قاله ابن حبيب، وأبو بكر الوقار وغيرهما. (وفي حم تنزيل، (واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) [فصلت: 37]). ما ذكر أن محلها منها (تعبدون) مثله في المدونة وقيل (لا يسئمون) [فصلت: 38] قاله ابن وهب وخير ابن حبيب بينهما واختار بعض شيوخ شيوخنا أنه يسجد في المحل الأخير في كل موضع مختلف فيه ليخرج من الخلاف لأن ما قرب من الشيء أعطى حكمه، وإليه ذهب بعض المتأخرين من المشارقة. (ولا تسجد السجدة في التلاوة إلا على وضوء): ما ذكره هو كذلك اتفاقا وكذلك يشترط سائر شروط الصلاة، كالتوجه إلى القبلة وستر العورة ما عدا الإحرام والسلام، قال خليل وفي النفس من الإحرام والسلام شيء، وقال ابن وهب يسلم منها ويقوم من كلام الشيخ أن سجود الشكر على القول به يفتقر إلى طهارة وهو كذلك على ظاهر المذهب، واختار بعض من لقيناه من القرويين عدم افتقاره إليها بل يسجد بلا طهارة لأنه إذا تركه حتى يتطهر أو يتوضأ أو يتيمم زال سؤال سجوده منه. (ويكبر لها ولا يسلم منها وفي التكبير في الرفع منها سعة وإن كبر فهو أحب إلينا): لا خلاف في المذهب أنه يكبر خفضا ورفعا إذ كان في الصلاة واختلف إن سجد في غير الصلاة فقيل يكبر خفضا ورفعا، وقيل لا يكبر والقولان لمالك وخير ابن القاسم فيها وكلها في المدونة، وقول الشيخ رابع لأنه خير في الرفع ولم يخير في الخفض ونبه على هذا ابن عبد السلام والتادلي، والمستمع لحفظ أو تعلم يسجد اتفاقا إن كان القارئ صالحا للإمامة وسجد، فإن لم يسجد القارئ ففي سجوده قولان وإن كان استماعه للثواب فإن لم يسجد القارئ لم يسجد اتفاقا، وإن سجد فقولان عكس الفرع الأول واختلف في السامع دون جلوس لاستماعه فالأكثر على عدم السجود، وقيل يسجد قال الباجي وهو قول شاذ. (ويسجدها من قرأها في الفريضة والنافلة): لا خلاف في المذهب أن قراءتها في النافلة جائزة سواء كانت سرا أو جهرا فذا

باب في صلاة السفر

أو إماما، واختلف في جواز قراءتها في الفرض ففي الفذ قولان: الكراهة والجواز والأول هو المشهور، واختلف في الإمام على ثلاثة أقوال: الكراهة للمدونة والجواز مطلقا حكاه ابن زرقون عن رواية ابن وهب وقيل إن قلت الجماعة جاز وإلا كره وعلى الأول فإنه يسجد إذا قرأ، وحكى ابن الحاجب قولا بعدم السجود قال ابن هارون ولا أعرفه لغيره ونص ابن الحاجب: ففي الفرض تركه قراءتها على المشهور جهرا أو سرا فإن قرأ فقولان وإذا كانت الصلاة سرية فإنه يجهر بالآية ليعلم من خلفه، فإن لم يجهر وسجد قال ابن القاسم يتبع وقال سحنون لا يتبع لاحتمال السهو والقولان حكاهما المازري. (ويسجد من قرأها بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس): ما ذكره هو مذهب المدونة وقيل يمنع سجوده بعد صلاة العصر والصبح قاله في الموطأ، وحمله ابن عبد السلام على الكراهة وقيل إنها جائز ولو عند الاسفار والاصفرار نقله ابن عبد البر عن رواية ابن عبد الحكم، وقيل يمنعنه بعد صلاة العصر مطلقا، وبجوازه بعد صلاة الصبح ما لم يسفر نقله ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، وظاهر كلام المازري وابن الحاجب الاتفاق على المنع حين الإسفار والاصفرار وصرح به ابن حارث وهو قصور لما تقدم، وقال اللخمي لو قيل إنه يسجد حين الإسفار لأنه وقت اختيار في الفريضة لا حين الاصفرار لانه وقت ضروري لكان حسنا. باب في صلاة السفر السفر على خمسة أقسام: واجب كسفر الحج والجهاد العينين ومندوب إليه كالسفر لهما إذا لم يتعينا، ومباح كسفره لطبل الأ رباح ولا خلاف أنه يقصر في جميعها، ومكروه كالصيد للهو على المشهور خلافا لابن عبد الحكم ونحوه لليث بن سعد، وحرام كسفره لقطع الطريق وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. (ومن سافر مسافة أربعة برد وهي ثمانية وأربعون ميلا فعليه أن يقصر الصلاة): ظاهر كلام الشيخ سواء كان سفره سفر معصية أم لا وهو قول مالك من رواية زياد بن عبد الرحمن، والمشهور أن العاصي لا يقصر وفي المدونة لا يقصر من سافر للهو ويقصر على أصل ابن عبد الحكم القائل بجوازه كما تقدم، ولما ذكره اب الحاجب أنه لا يترخص المعاصي على الأصح قاله، وكذلك المكروه كصيد اللهو وظاهره أن الأصح تحريم القصد له كالعاصي، والصواب عندي أنه يستحب له أن لا يقصر فإن قصر فلا شيء عليه، وعليه تحمل المدونة ولا يبعد أن يكون هو مراد ابن

الحاجب وأن العطف إنما وقع في كونه لا يقصر، وذلك أعم من التحريم والكراهة. وظاهر كلام الشيخ أن القصر فرض وهو قول القاضي اسماعيل وسحنون وابن الجهم قائلا ورواه أشهب وعمر وابن رشد فهمه من رواية أشهب، ولولا الإطالة لذكرناه، وقيل القصر سنة رواه ابن خويز منداد وأبو مصعب، وقال عياض في الإكمال هو المشهور من مذهب مالك وأكثر أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف، وقيل مستحب وقيل مباح وعزه عياض لعامة أصحابنا البغداديين وعزا الاستحباب للأبهري. وما ذكره الشيخ من أن المعتبر في المسافة ثمانية وأربعون ميلا هو المشهور وسمع أشهب خمسة وأربعين ميلا وروى أبو قرة اثنان وأربعون ميلا، وفي المبسوط أربعون ونقل ابن عطية عن المذهب قولين آخرين وهما ثلاثون وستة وثلاثون ذكر ذلك عند تكلمه على معنى قوله تبارك وتعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) [البقرة: 184]. وروي عن مالك اعتبار مسافة يومين، وروي يوم وليلة، وفي المبسوط في البحر يوم فذكر المازري أنه رد الثالث للثاني لأن حركة البحر أسرع والثاني للأول لأن الليلة بدل اليوم الثاني، والكل للأول المشهور وهو ثمانية وأربعون ميلا لأنه السير المعتاد، وقال عياض حمل الأكثرون ذلك على الخلاف والميل ألفا ذراع قاله ابن حبيب، وقال ابن عبد البر الأصح ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع. (ولا يقصر حتى يجاوز بيوت المصر وتصير خلفه ليس بين يديه ولا بحذائه منها شيء): ظاهر كلامه سواء كان الموضع موضع جمعة أم لا وهو كذلك في القول المشهور، وقيل إن كان الموضع موضع جمعة فلا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال قاله مطرف وابن الماجشون، قال ابن عبد السلام: وله حظ في النظر لأن حقيقة السفر واحدة فالمسقط للجمعة وهو سبب القصر فكما أن ما دون ثلاثة أميال لا يسقط الجمعة فكذلك لا أثر له هنا، قلت وعزا الباجي والمازري هذا القول لرواية مطرف وابن الماجشون لا لقولهما وحمله ابن رشد على التفسير والأكثرون على الخلاف، وقيل باعتبار ثلاثة أميال سواء كان الموضع موضع جمعة أم لا نقله القاضي سند عن مالك وهو ظاهر كلام ابن الحاجب، فإن قلت إنما حكاه ابن الجلاب بلفظ قد قيل ولم يعزه لمالك فلعله لغيره.

قلت كل ما في ابن الجلاب هو لمالك حتى ينص عليه أنه لغيره ذكر هذا ابن عبد السلام عند تكلمه على قول ابن الحاجب في النكاح وزيد البخر والإفضاء، وانظر إذا فرعنا على المشهور فهل الثلاثة الأميال محسوبة من الثمانية والأربعين ميلا كما هو ظاهر كلامهم أو لا تحسب لأجل أنه لما حكم بأنه يتم فيها فكأنها وطنه لم أر في ذلك نصا، وهي أول مسألة استشكلها في صغرى فلم يجيبني عنه من سألته حينئذ قائلا لا أدري وهو الشيخ أبو محمد الشبيبي رحمه الله تعالى، واختار واحد ممن لقيته بعد أنها تحسب والصواب عندي أنها لا تحسب. (ثم لا يتم حتى يرجع إليها أو يقاربها بأقل من الميل): ما ذكر الشيخ نحوه في المدونة ولم يرتضه ابن عبد السلام قائلا إذ لا فرق بين الخروج والرجوع قال والأولى قول ابن الحاجب والقصر إليه كالقصر منه وقول المجموعة لا يزال يقصر حتى يدخل منزله يرجع إليه. (وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع أو ما يصلي فيه عشرين صلاة أتم الصلاة حتى يظعن من مكانه ذلك): قد قدمنا غير مرة أن الشيخ إذا أتى في كلامه بأو أراد أن المسألة ذات قولين، والقول بأن المعتبر إقامة أربعة أيام هو نص المدونة وهو المشهور، والقول باعتبارعشر ين صلاة هو لسحنون وابن الماجشون ولا يقال إن القولين بمعنى واحد، لأنه إذا نوى الإقامة مثلا قبل طلوع الشمس؛ فإن هذا اليوم ملغي على الأول ومعتبر على الثاني وقال ابن نافع يعتد به إلى مثل وقته، ولهذه المسألة نظائر المعتدة والعهدة الكبرى والصغرى وبيع الخيار والعقيقة والكراء والحالف لا أكلم فلانا عشرة أيام مثلا وتلومات القاضي، والصواب أن تلومات القاضي مما يرجع فيها إلى نظره، وإليه كان يذهب بعض من لقيته ممن تولى قضاء الجماعة بتونس حرسها الله تعالى. وأقام المغربي قولا من المدونة أن من دخل بلدة وهو مريض وهي ليست ببلده ونوى أن يقيم فيها أربعة أيام فأكثر وفيها تحبيس على المرضى بها فإنها يدخل معهم في ذلك قال، ونص على ذلك ابن سهل وابن العطار، وقال فضل يدخل معهم عند قدومه وإن لم ينو إقامة، وانظر ما في وصايا اللخمي فيمن أوصى لجيرانه أن من سكن قبل القسمة ولو بيوم دخل في القسمة ولا شيء لمن رحل، قلت وكان بعض من لقيته يمنع دخوله، وهو الأقرب لأن من يوقف شيئا على من ذكر فإن الغالب عليه أنه إنما يريد

باب في صلاة الجمعة

من سكنها ناويا على التأبيد والله أعلم. (ومن خرج ولم يصل الظهر والعصر وقد بقي من النهار قدر ثلاث ركعات صلاها سفريتين فإن بقي قدر ما يصلي في ركعتين أو ركعة صلى الظهر حضرية والعصر سفرية): ما ذكر الشيخ أنه من سافر لقدر ثلاث ركعات أنه يصلي الظهر والعصر سفريتين هو كذلك باتفاق إذا كان ناسيا ولهما واختلف إذا تعمد تركهما والمنصوص كذلك، وألزم الشيخ أبو الحسن اللخمي القائل بأن الصلاة لا تسقط عن متعمد التأخير من أصحاب الأعذار إلا بقدر كل صلاة عدم قصر المسافر حينئذن وظاهر كلام ابن الحاجب أن الخلاف فيه بالنص ولم أقف عليه وذلك أنه لما ذكر عن اللخمي أن من أخر الصلاة عمدا حتى بقي من الوقت قدرها، فإنه مأثوم إجماعا، فذكر كلاما بعده زاد عليه، ثم قال ويلزم أن لا يقصر المسافر ولا يتم القادم إلا مع ذلك وفيه خلاف فتدبر كلامه ولولا الإطلالة لذكرناه. (ولو دخل خمس ركعات ناسيا لهما صلاهما حضريتين فإن كان بقدر أربع ركعات فأقل إلى ركعة صلى الظهر سفرية والعصر حضرية وإن قدم في ليل وقد بقي للفجر ركعة فأكثر ولم يكن يصلي المغرب والعشاء صلى المغرب ثلاثا والعشاء حضرية): اعلم أن قوله ناسيا طردي بل وكذلك العامد وتقدم نقل ابن الحاجب الخلاف في ذلك. (ولو خرج وقد بقي من الليل ركعة فأكثر صلى المغرب ثم صلى العشاء سفرية): اعلم أنه إذا سافر لأربع ركعات قبل الفجر فإنه يقصر العشاء وإن سافر لأقل فالرواية كذلك، وروى ابن الجلاب يتم ولو قدم لأربع قبل الفجر أتم ولأقل فإنه يقصر وخرج ابن الجلاب إتمامه. باب في صلاة الجمعة اعلم أنه يقال الجمعة بضم الميم وإسكانها وفتحها قاله الواحدي عن الفراء. والجمعة من خصائص هذه الأمة واختلف في حكمها على ثلاثة أقول: فالمعروف أنها فرض عين مطلقا، وروى ابن وهب أنها سنة، فحملها بعضهم على ظاهرها، قال ابن

عبد البر وهو جهل، ونقل بعض شيوخنا عن اللخمي أنه خرج أنها فرض كفاية من قول ابن نافع وابن وهب أن مصلى ظهرا وهو يلزمه سعي إدراكها لم يعد، ولم أجد له إلا قوله القول بالبطلان أحسن إلا أن يترجح بقول من قال إن الجمعة ليست بفرض. ونص ابن عبد الحكم على أن المسجون لا يخرج للجمعة، قال المازري عن بعض أشياخه منعه من الجمعة إنما هو على قول من شذ أن الجمعة فرض كفاية ورده بأن لها بدلا وتسقط بالمطر على قول وأبيح التيمم إذا كثر ثمن الماء، وكذلك الخوف على تلف مال الغرماء بخروجه يوم الجمعة، قال: والأولى أن لا يمنع منها إن أمكن خروجه لها مع عدم ضرر الغرماء. (والسعي إلى الجمعة فريضة وذلك عند جلوس الإمام على المنبر وأخذ المؤذنون في الأذان والسنة المتقدمة أن يصعدوا حينئذ على المنار فيؤذنون): كلام الشيخ ظاهر في أن الجمعة فر ضعين لأنه إذا كانت الوسيلة وهي السعي فرضا فأحرى المقصد وظاهر كلامه أن المؤذنين ثلاثة وهو قول مالك في رواية القاسم. وروى ابن عبد الحكم أنه يؤذن واحد لا أكثر ونقل ابن الحاجب قولا بمؤذنين لا أكثر ولم يحفظه أشياخنا إلا منه، وكل هذا الخلاف إنما هو في عدد من يؤذن عند جلوس الإمام على المنبر. وقال ابن العربي: كان يؤذن عند جلوسه صلى الله عليه وسلم واحد ثم يقوم آخر ثم زاد عثمان ثالثا بالزوراء قبل جلوسه، ثم قلب الناس الأذان فهو بالمشرق كقرطبة وأما بالمغرب فثلاثة لجهل مفتيهم سمعوا أنها فجهلوا أن الإقامة منها.

قلت: ورده بعض شيوخنا بنقل ابن حبيب كان إذا رقي صلى الله عليه وسلم المنبر أذن ثلاثة مرتبا على المنار فلما كثر الناس أمر عثمان بأذان الزوال بالزوراء؛ فإذا خرج أذن ثلاثة ثم نقل هشام أذان الزوراء للمنار والثلاثة بين يديه، وما قاله شيخنا ضعيف لما قد علمت من اضطراب أهل العلم في رواية ابن حبيب للاحاديث هل هي ضعيفة أم لا حسبما هو مذكور في المدارك، والاتفاق على أنه ثبت في نقل فروع المذهب. وظاهر كلام الشيخ أن السعي يجب عند سماع المؤذن الأول واختلف فيها فقهاء بجاية من المتأخرين حسبما أخبرني بذلك بعض من لقيته من التونسيين فقال جماعة منهم بذلك، وقال آخرون إنما يجب السعي عند سماع الثالث، والصواب عندي أن اختلافهم إنما هو خلاف في حال فمن كان مكانه بعيدا جدا بحيث يعلم أنه إن لم يسمع نداء المؤذن الأول فاتته الصلاة، وجب عليه حيئنذ وإن كان قريبا فلا يجب عليه حينئذ، وكذلك لو كان مكانه بعيدا جدا فإنه يجب عليه بمقدار ما إذا وصل حانت الصلاة إن كان ثم من يخضر الخطبة غيره ممن يكتفي بهم. (ويحرم حينئذ البيع وكل ما يشغل عن السعي إليها): هذا مخصوص بشراء الماء لمن انتقض وضوءه وقت النداء فلم يجد الماء إلا بثمن نص عليه أبو محمد ونقله عبد الحق في النكت وابن يونس وبه الفتوى ولم يحفظه غيره في المذهب، وهو ظاهر في أن صاحب الماء لا يجوز له بيعه وإنما الرخصة في ذلك للمشتري المذكور، وبه أفتى بعض من لقيته. واختلف إذا وقع البيع على ثلاثة أقوال: ففي المدونة يفسخ وفي المجموع عن مالك البيع ماض وليستغفر الله، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال ابن الماجشون بالأول في حق من اعتاد ذلك وبالثاني فيمن لم يعتده وهذا كله إذا كان المتبايعان، أو إحدهما ممن تلزمه الجمعة. وإذا فرعنا على مذهب المدونة وهو المشهور فإن يفسخ ما دام قائما اتفاقا فإن فات بتغير سوق فأعلى فإنه يمضي بالقيمة كسائر البيوع الفاسدة وقيل يمضي بالثمن قاله المغيرة وسحنون واختاره اللخمي، واحتج له ابن عبدوس بأن فساده في عقده فإذا فات فيمضي بالمسمى كنكاح فساده في عقده، وعلى الأول فقال ابن القاسم تعتبر القيمة حين البيع وقال أشهب بعد الصلاة، وقيل يوم الحكم نقله ابن عبد السلام عن بعض المفسرين عن أصبغ، واختلف إذا وقع ما يتكرر وقوعه كالنكاح والإجازة والصدقة فقال ابن القاسم لا يفسخ واختاره ابن بكير، وقال الأبهري والقاضي عبد

الوهاب وابن الجلاب يفسخ. واختلف في فسخ بيع من باع لخمس ركعات للغروب وعليه ظهر يومه وعصره فقال اسماعيل القاضي وابو عمران يفسخ وقال سحنون لا يفسخ، وصوبه ابن محرز وغيره وفرقوا بأن الجمعة لا تقضي. (وهذا الأذان الثاني أحدثه بنو أمية): أراد الثاني في الإحداث ولو قال عوض قوله ينو أمية عثمان لكن أولى لأن أقيس في الاقتداء وإن كان أمويا والله أعلم. (والجمعة تحب بالمصر والجماعة): ما ذكر الشيخ مثله عن يحيى بن عمر أجمع مالك وأصحابه أنها لا تقام إلا بالمصر، قال ابن سحنون وأسقطها سحنون عن أهل المنستير وأقامها بقلشانة ولم يجزها بسوسة وسفاقس إلا زحفا، وأنكر ابن سحنون على ابن طالب إقامتها بأولج قال اللخمي، وأخبرت أن بها عشرة مساجد، وروى مطرف وابن الماجشون إن قاربوا ثلاثين رجلا جمعوا، وفي مختصر ما ليس في المختصر إن بلغوا في الكسوف خمسين رجلا جمعوا وأجراه اللخمي هنا، وقال عبد الوهاب والباجي: المعتبر من تتقرى بهم قرية يمكن ثواؤهم. وجعله المازري المشهور وقال الباجي رد أصحابنا قول الشافعي لا تنعقد الإ بأربعين دون الإمام لحديث جابر: ما بقي حين انفضوا عنه صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم إلا اثنا عشر رجلا مقتضاه إجازتها باثنى عشر وإمام، ذكر صاحب اللمع عن بعض الأصحاب اعتبار عشرة فقط. فيتحصل في ذلك ستة أقوال. قال ابن عبد السلام: ولا يشترط حصول هذا العدد في كل جمعة كما جاء في حديث العير لأنه لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم إلا اثنا عشر رجلا، قلت: واختار غير واحد من شيوخنا أن ذلك شرط في كل جمعة، واختلف هل يعتبر في العدد من لا تجب عليهم الجمعة كالمسافرين والعبيد على قولين، وهذا الخلاف إنما هو إذا كمل بهم عدد الجمعة لا أنهم كانوا كلهم عبيدا أو مسافرين على ظاهر كلام ابن بشير وابن شاس وابن عات خلافه. (والخطبة فيها واجبة قبل الصلاة): ما ذكر أن الخطبة واجبة هو المشهور وقيل أنها سنة قاله ابن الماجشون ونحوه ما رواه أبو زيد في ثمانيته عن ابن الماجشون عن مالك أن من ترك الخطبة على أي

وجه تركها فجمعته صحيحة، وعلى الأول فنص ابن بشير وغيره على أنه شرط قال ابن الحاجب: والخطبة واجبة خلافا لابن الماجشون شرط على الأصح قال ابن هارون، وظاهره أن القاتلين بوجوب الخطبة اختلفوا في شرطيتها قال ولا أعرفه لغيره. قلت: ورد الشيخ خليل الخلاف لقوله واجبة لا لقوله شرط للاتفاق على الشرطية، وما ذهب إليه به أدركت بعض من لقيته يفسره، والأقرب ما فهمه ابن هارون لأن من حفظ مقدم على من لم يحفظ إذ هو ظاهر اللفظ والله أعلم على أنه لا يبعد أن يكون هو معنى ما دلت عليه رواية أبي زيد السابقة. واختلف في أقل الخطبة على قولين: فقال ابن القاسم أقل ذلك ما يسمى خطبة عند العرب، وقيل أقله حمد الله والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم وتحذير وتبشير وقرآن قاله ابن العربي واختلف إذا اقتصر على تسبيحة أو تهليلة، وقال ابن القاسم لا تجزئه، وقال ابن عبد الحكم: تجزئه ولو أسر بخطبته حتى إنه لم يسمعه أحد وأنصت لها فإنها تجزئه. نقله ابن هارون متبرئا منه بقوله قالوا قلت: واعترضه غير واحد من شيوخنا بأن ظاهر المذهب عدم الإجزاء وبأن ما ذكره لم يوجد لغيره، واختلف هل تجب الطهارة لها ام لا؟ فقال سحنون بوجوبها قائلا يعيد من خطب بغير طهارة أبدًا، واختاره ابن العربي وقال ابن الجلاب والقاضي عبد الوهاب هي مستحبة. (ويتوكأ الإمام على قوس أو عصا): اختلف قول القاسم هل توكؤه على عصا بيمينه مستحب أم لا، والمشهور عنه هو الأول، وظاهر كلام الشيخ أن القوس مشروع سفرا وحضرا وهو قول مالك في رواية ابن وهب، وروى ابن زياد أن ذلك مختص بالسفر وألحق بعض الشيوخ السيف بهما، واختلف في حكمة ذلك فقيل مخافة أن يعبث بلحيته عند فكرته في الخطبة، وقيل تهيب للحاضرين وإشعار بأن لم يقبل تلك الموعظة فله العصا فإن تمادى قتل بالقوس أو السيف. (ويجلس في أولها وسطها): أما الجلوس الأول فلا خلاف أنه مشروع هنا عند الأكثر، وإنما الخلاف في العيدين ونحوهما، وقال عياض روي عن مالك قول كمذهب أبي حنيفة أنه يمنع أن يجلس الإمام على المنبر قبل الخطبة في الجمعة ذكره في الإكمال وهو قول غريب فاعلمه، والمشهور أنه ليس بشرط في صحة الصلاة حتى لو خطب ولو لم يجلس في

أولها فإنه يجزئه وقيل لا يجزئه. وأما الجلوس الثاني فذكر ابن حبيب عن ابن القاسم أنه واجب، وأنه إن خطب واحدة لم تجزئه وذكر عن مطرف عن مالك أنه سنة، قال ابن القصار وهو الذي يقوى في نفسي، واختلف في مقداره فقال يحيى بن يحيى قدر الفصل بين السجدتين وقيل قدر ما يقرأ (قل هو الله أحد) [الأخلاص:1] حكاه ابن عات، واختلف في وجوب القيام للخطبة فقال ابن حبيب من السنة أن يخطب قائما، ومثله لابن العربي والأكثر على أن ذلك فرض. واختلف هل يشترط حضور الجماعة للخطبة أم لا؟ فعزا ابن رشد شرطية ذلك للمدونة وعزا لغيرها عدم ذلك. وقال ابن القصار والقاضي عبد الوهاب وغيرهما لا نص وظاهر المذهب وجوبه. (وتقام الصلاة عند فراغها): هذا هو المطلوب أعنى أن الصلاة يشترط وصلها بالخطبة ويسير الفصل عفوا بخلاف كثيره والمطلوب أن يكون الذي خطب هو الإمام، فإن طرأ ما يمنع إمامته كحدث أو رعاف فإن كان الماء بعيدا فإنه يستخلف باتفاق وإن قرب فكذلك عند مالك، وقيل ينتظر قاله ابن كنانة وابن أبي حازم وحيث يستخلف ففي المدونة من حضر الخطبة أولى ولأشهب إن قدم غيره ابتدأها أحب إلي. (ويصلي الإمام ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ في الأولى بالجمعة ونحوها وفي الثانية بـ (هل أتاك حديث الغاشية) ونحوها): ما ذكر أنه يقرأ في الأولى والثانية بما قال هو خلاف ظاهر المدونة قال فيها يستحب قراءتها بالجمعة ثم بهل أتاك، وروي عن مالك أنه يقرأ في الثانية بسبح فقط وقيل بالمنافقين فقط قيل والأمر فيهما واسع، قاله اللخمي فيتحصل في ذلك خمسة أقوال. فإن قلت قول ابن الحاجب يستحب في الأولى الجمعة وفي الثانية هل أتاك أو سبح أو المنافقين أليس أنه يقتضي التخيير، قلت قال ابن عبد السلام: هي أقوال فتكون "أو" للتفصيل. (ويجب السعي إليها على من في المصر ومن على ثلاثة أميال منه فأقل): ظاهر كلامه وإن كان المصر على ستة أميال فأكثر وهو كذلك رواه ابن أبي

أويس وهو متفق عليه. وظاهر كلامه أنه لا يزاد على ثلاثة أميال شيء، وهو كذلك في رواية أشهب وجعل في المدونة الزيادة اليسيرة عليها كحكمها وكان بعض من لقيته يوجه ذلك لتحقق الثلاثة الأميال، وقيل تجب على من على ستة أميال وقيل تجب على بريد وكلاهما حكاه ابن الحاجب وسلمه ابن عبد السلام. وقال ابن راشد وابن هارون ولا أعرفهما إلا في إقامة الجمعة بقرية قريبة من الأخرى تصلي فيها الجمعة، وقال الشيخ خليل لعله بنى على أحد القولين في أن لازم القول قول لأنه يلزم من الخلاف المذكور الخلاف فيما ذكره، واختلف في الموضع الذي يعتبر منه التحديد فقال من المسجد، وقال ابن عبد الحكم: من طرف البلد، والمشهور من المذهب عدم تعدد الجمعة في المصر الكبير وقال ابن عبد الحكم: ويحيى بن عمران عظم كمصر فلا بأس بها بمسجدين، وقال ابن القصار إن كان ذات جانبين كبغداد وقال اللخمي إن كثروا بعد من يصلي بأفنيته جاز. (ولا تجب على مسافر ولا على أهل منى ولا على عبد ولا امرأة ولا صبي): ما ذكر أنها لا تجب على المسافر هو كذلك باتفاق وما ذكر أنها لا تجب على أهل منى هو كذلك في المدونة وتأولها ابن يونس على غير القاطنين بها وفهمه غيره على العموم، وما ذكر من أنها لا تجب على العبد هو كذلك باتفاق عند ابن حارث، وحكى ابن شعبان فيه خلافا عن مالك، وقال مشهور قول مالك أنها لا تجب وقال أيضًا من قدر على إتيانها من عبد يلزمه ذلك ويقام لها من حانوت ربه، وروى ابن وهب إن قدر عليها عبد فهمي عليه ففهم عنه اللخمي قلنا وتعقبه المازري بأن في رواية ابن شعبان أثر حانوت زيادة، لأنه إذا حضرها صار من أهلها قائلا هذه العلة تدل على عدم وجوبها في الأصل. قلت ورده بعض شيوخنا بأن ظاهر منطوقه في الوجوب مقدم على المفهوم ولو سلم فأين رده من قوله هو مشهور قول مالك من رواية ابن وهب، وما ذكر في المرأة والصبي متفق عليه ولا معنى لذكر الصبي هنا إذ هو غير مكلف. (وإن حضرها عبد أو امرأة فليصلها وتكون النساء خلف صفوف الرجال ولا تخرج إليها الشابة): ما ذكر هو كذلك باتفاق يريد وكذلك إذا حضرها مسافر فإنها تجزئه قاله مالك، ونقل المازري عن ابن الماجشون أنها لا تجزئه لأنه غير مطالب بها والنفل لا

يجزئ عن الفرض ورد بالاتفاق في المرأة والعبد على الإجزاء وزعم ابن عبد السلام أن صلاة المسافر تجزئه اتفاقا وهو قصور. (وينصت للإمام في خطبته): ظاهره وإن كان بعيد بحيث لا يسمع صوت الإمام وهو كذلك حكى ابن زرقون عن ابن نافع لا بأس بكلام من لم يسمع صوت الإمام لخبر أو لحاجة، والاتفاق على أنه لا يجوز الكلام حين يجلس الإمام بين الخطبتين، واختلف هل يجوز الكلام فيما بين نزوله عن المنبر والصلاة، على قولين لمالك حكاهما ابن العربي، وخرج بعض شيوخنا عليهما التخطي حينئذ وظاهر كلام الشيخ ولو سب الإمام من لا يجوز سبه أو مدح من لا يجوز مدحه أنه ينصت له في ذلك وهو كذلك قاله مالك. وقال ابن حبيب حينئذ يجوز الكلام وصوب والإشارة جائزة قاله عيسى بن دينار، وقال الباجي مقتضى المذهب منعها واختلف في خفيف الذكر سرا في نفسه فقال ابن القاسم إنه جائز، وقال ابن عبد الحكم: إنه ممنوع وكلاهما حكاه ابن حارث، ويجوز أن يحمد العاطس في نفسه قاله مالك وقيل يسر بذلك قاله ابن حبيب. (ويستقبله الناس): يريد أن ذلك على طريق الوجوب كما هو نص المدونة واسقط اللخمي الاستقبال على من بالصف الأول، وقال الشيخ أبو عبد الله السطي وهو عندي خلاف ظاهر المدونة، واختلف إذا خرج الإمام على الناس ولم يجلس على المنبر هل يجوز الركوع أم لا؟ فقال في المدونة يجلس ولا يركع وفي المختصر جواز الركوع وأما بعد أن يجلس على المنبر فالأكثر على المنع من ذلك، وجوز أبو القاسم السيوري التحية ولو كان يخطب وزعم ابن شاس أن محمد بن الحسن رواه عن مالك. (والغسل لها واجب والتهجير حسن): لا يريد بقوله واجب أنه فرض، وإنما يريد به السنة المؤكدة وهو المعروف في المذهب، وقيل إن الغسل مستحب رواه أشهب وقيل هو سنة مؤكدة لا يجوز تركه دون عذر فأخذ اللخمي منه الوجوب ورده المازري بتأثيم تارك السنن، وقال ابن عبد السلام: أطلق عليه في المدونة الوجوب واعترضه بعض شيوخنا بأنه اغترار بلفظ التهذيب، وإنما هو في المدونة لفظ حديث. قلت: ويجاب بأن اتيان سحنون به دون ما يخالفه دليل على أنه قائل به حسبما

فهمه أهل المذهب عنه في قوله عن ابن مسعود القنوت في الصبح سنة ماضية، وفي قوله عن ابن قسيط الجمع ليلة المطر سنة إلى غير ذلك، وقال اللخمي يجب على من له رائحة يذهبها الغسل ويستحب لغيره فيتحصل في حكم الغسل أربعة أقوال، والمشهور من المذهب أنه عبادة وصفته، وماؤه كالجنابة، وقال ابن شعبان يجوز غسله بماء الورد وعزاه ابن العربي لأصحابنا ويشترط اتصال الغسل بالرواح، وقال ابن وهب أن اغتسل بعد الفجر أجزأه فأخذ منه غير واحد عدم اشتراطه وحمله ابن يونس على أنه وصله بالرواح وقول ابن الحاجب، وقال ابن وهب وغيره موصول يتعقب لأن المنقول عنه إنما هو ما قلناه. (وليس ذلك في أول النهار): ما ذكر هو قول مالك وقال ابن حبيب ذلك في أول النهار. (وليتطيب لها ويلبس أحسن ثيابه وأحب إلينا أن ينصرف بعد فراغها): يعني أن ذلك على طريق الاستحباب وكذلك يستحب أن يقص شاربه وظفره ويستاك وينتف إبطيه ويستحد إن احتاج قاله ابن حبيب. (ولا يتنفل في المسجد بعدها وليتنفل إن شاء قبلها ولا يفعل ذلك الإمام وليرق المنبر كما يدخل): أما الإمام فلا يتنفل إثر الجمعة في المسجد باتفاق واختلف هل يجوز ذلك لغيره أم لا؟ على ثلاثة أقوال: حكاها ابن رشد: فقيل إن ذلك جائز فيثاب إن فعل قاله في سماع أشهب وقيل إن تنفله مكروه فيثاب لتركه ولا يأثم لفعله قاله في أول صلاة المدونة، وقيل يستحب تركه وفعله فيثاب ترك أم صلى قاله في ثاني صلاة المدونة، وعلى القول الثاني فاختلف إذا صلى على جنازة إثر الجمعة فقيل إنه يجوز التنفل وهو حاجز حصين وقيل لا.

باب في صلاة الخوف

باب في صلاة الخوف المشهور من المذهب أن صلاة الخوف مشروعة في السفر والحضر، وقال ابن الماجشون في السفر خاصة وقال ابن المواز وأداؤها على صفتها رخصة وتوسعة وقيل سنة ذكره ابن يونس في أول كتاب الصلاة الأول فقال: خمس سنة في فريضة وهي الجمع بعرفة والجمع بمزدلفة والقصر في السفر وصلاة الخوف والجمعة، وعلى الأول فقال ابن المواز لو صلوا جميعا بإمام واحد أو بعضهم بإمام وبعضهم أفذاذا جازت

صلاتهم وأحب إلي أن يفعلوا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم قال اللخمي، ومقتضى هذا جواز صلاة طائفتين بإمامين لأن المخالفة بصلاة بعضهم أشد وضعف المازري قول اللخمي فانظره. (وصلاة الخوف في السفر إذا خافوا العدو أن يتقدم الإمام بطائفة ويدع طائفة مواجهة العدو فيصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يثبت قائما ويصلون لأنفسهم ركعة ثم يسلمون فيقفون مكان أصحابهم ثم يأتي أصحابهم فيحرمون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يتشهد ويسلم ثم يقضون الركعة التي فاتتهم وينصرفون هكذا يفعل الإمام في صلاة الفرائض كلها إلا المغرب فإنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة): يعني بقوله إذا خافوا العدو سواء خافوا على أنفسهم أو على ما لهم ويكفي في ذلك الظن، وما ذكر الشيخ من صفة هي المشهورة في المذهب وقال أشهب ينصرفون قبل الإكمال وجاه العدو فإذا سلم أتمت الثانية صلاتها، وقامت وجاه العدو ثم جاءت الأولى فقضت وعنه فإذا سلم قضوا جميعا وصوبه أبو عمر بن عبد البر، وما ذكره الشيخ من سلام الإمام هو قول مالك الذي رجع إليه وكان يقول لا يسلم بل يشير لتتم الثانية فيسلم بهم والقولان في المدونة. (وإن صلى بهم في الحضر لشدة خوف صلى في الظهر والعصر والعشاء بكل طائفة ركعتين ولكل صلاة أذان وإقامة): اختلف إذا صلى بالطائفة الأولى ركعتين فقال ابن القاسم ينتظر الثانية قائما رواه ابن الماجشون عن مالك، وروى ابن وهب ينتظرهم جالسا، وقال اللخمي لم يأت في انتظاره قائما أو جالسا سنة والأحسن الجلوس؛ لأنه أرفق به، وعلى الأول فقال ابن القاسم إن شاء سكت أو دعا، واختلف هل له أن يقرأ أم لا؟ على قولين حكاهما اللخمي وعلى الثاني فهو بالخيار إن شاء سكت أو ذكر الله تعالى، ولو جهل الإمام فصلى بكل طائفة ركعة فصلاة الأولى والثانية في الرباعية باطلة باتفاق، واختلف في غيرها فقيل إنها صحيحة قاله ابن حبيب وقيل إنها باطلة قاله سحنون وصوبه غير واحد لمخالفتهم السنة. (وإذا اشتد الخوف عن ذلك صلوا وحدانا بقدر طاقتهم مشاة أو ركبانا ماشين أو ساعين مستقبلي القبلة وغير مستقبليها):

باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

لا خلاف أن الأمر كما قال، وذلك إذا خيف خروج الوقت قال ابن هارون والظاهر أنه الضروري، قلت والأقرب أنه الاختياري كالتيمم ولا يبعد أن تكون المسألة ذات قولين كالخلاف في الراعف إذا تمادى به الدم وخاف خروج الوقت فإنه يعتبر الاختياري، ونقل ابن رشد قولا باعتبار الضروري، واختلف إذا انهزم العدو بعد أن صلوا بعضها. فقال ابن عبدالحكم: يتمونها على الأرض كصلاة الأمن وقال ابن حبيب هم في سعة لأنهم مع عدوهم لم يصلوا إلى حقيقة الأمن، وقيل أن أمنوا كرة العدو فالأول وإلا فالثاني حكاه ابن شاس فذكر الثلاثة الأقوال، واختلف إذا وقع إلا من بعد أن صلوا فقال في المدونة لا إعادة بخلاف من صلى على دابته لخوف لصوص أو سباغ ثم أمن فإنه يعيد في الوقت، وقال المغيرة لا فرق بينهما ويعيد خائف العدو وخائف اللصوص والسباع والفرق بينهما على المشهور من وجهين: أحدهما: أن خوف العدو متيقن بخلاف اللصوص والسباع ولو استوى الخوف فيهما لا ستوى الحكم. الثاني: أن العدو يطلب النفس واللص يطلب المال غالبا، وحرمة النفس أقوى وضعف هذا بأن السبع يطلب النفس وقد جعلوه كاللص. باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى سمي العيد عيدا لكونه يعود على قوم بالسرور وعلى قوم بالحزن، وقيل لما فيه من عوائد الإحسان من الله تعالى على عباده وقيل تفاؤلا ليعود على من أدركه من الناس كما سميت القافلة في ابتداء خروجها تفاؤلا بقفولها سالمة ورجوعها. (وصلاة العيدين سنة واجبة): ما ذكر من أن صلاة العيدين سنة واجبة هو المعروف في المذهب وقال ابن بشير لا يبعد كونها فرض كفاية لأنها إظهار لأبهة الإسلام، ونقل ابن الحارث عن ابن حبيب انها واجبة على كل من عقل الصلاة من النساء والعبيد والمسافرين إلا أنه لا خطبة عليهم، وناقض بعض شيوخنا نقل ابن حارث هذا بقوله أول الباب اتفقوا على أنها لا تجب على النساء إلا على أهل القرى البعيدة عن الحواضر ولما ذكر ابن عبد السلام القول بالسنة قال: وذهب بعض الأندلسيين إلى أنها فرض كفاية وسلمه خليل وقال بعض شيوخنا لا أعرفه إلا لمن ذكر، فإن قلت ما ذكره نقله ابن رشد في

المقدمات عن ابن زرقون وقال صلاة العيدين سنة وقد قيل فيهما إنهما واجبتان فالسنة على الكفاية، وإليه كان يذهب شيخنا ابن زرقون والأول هو المشهور والمعروف أنهما سنتان على الأعيان، قلت ما ذكرتموه كان يذهب إليه بعض من لقيته والذي أقول به أن كلام ابن رشيد ليس فيه خلاف لما ذكر لأن قوله والمعروف أنهما سنتان على الأعيان يقتضي أن القول الآخر سنتنان على الكفاية، فيحتمل أن يكون الخلاف عنده هل هما سنتان على الأعيان أو سنتان على الكفاية؟ والله أعلم. (يخرج لها الإمام والناس ضحوة بقدر ما إذا وصل حانت الصلاة): يريد فيمن قربت داره، أما من بعدت فيخرج قبل ذلك. قال مالك في سماع أشهب ويؤتي إليها من ثلاثة أميال كالجمعة، ولو تركها أهل بلد فإنهم لا يقاتلون عليه قاله ابن العربي، قلت ولا يعارض هذا بقول أصحابنا إن ترك الأذان أهل بلد قوتلوا لأن الأذان آكد يعارضه عموم قول ابن خويز منداد ترك السنة فسق وإن تمادى عليه أهل بلد حوربوا. نقله المازري عند تكلمه على حكم الوتر قال صاحب الصحاح الضحوة إذا بزغت الشمس، ثم بعده الضحى مقصور وهو إذا أشرقت الشمس، ثم بعده الضحاء ممدود وهو إذا ارتفع النهار الأعلى، والصحراء أفضل من المسجد إلا بمكة قال ابن بشير لئلا يخرجوا عن الحرم والحرم أفضل من خارجه، واعترضه التادلي بأنه يلزم عليه أن لا تقام خارج مسجد المدينة. وقد أقامها صلى الله عليه وسلم خارجه بالمصلى وإنما لعلة – والله أعلم- أن في صلاتها في المسجد الحرام مشاهدة البيت وهي عبادة لما خرجه الحافظ أبو عبد الله محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل كل يوم على البيت مائة وعشرون رحمة ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين" وهذه الخصوصية مفقودة في غيره من المساجد، وما ذكره التادلي من الإلزام مثله لخليل قال انظر قولهم هنا إنهم لا يخرجون من مكة، وتعليلهم ذلك بأمرين زيادة الفضل والقطع بجبهة القبلة وقد ثبت إلغاؤهما معا في المدينة واللازم أحد أمرين إما أن يخرجوا من مكة وإما أن يصلوا بمسجد المدينة. (وليس فيها أذان ولا إقامة فيصلي بهم ركعتين): الأصل في ذلك ما رواه جابر بن سمرة قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد بلا

أذان ولا إقامة قال أبو عمر بن عبد البر وهذا خلاف فيه بين أئمة المسلمين وإنما أحدث فيه الأذان والإقامة بنو أمية، واختلف في أول من فعل ذلك فقيل معاوية وهو الصحيح، وقيل زياد وقيل: بنو مروان. ولما ذكر ابن عبد السلام أنه لا يؤذن لغير الفرائض باتفاق قال بإثره وحكى زياد النداء للعيدين: قلت: إن عنى بالنداء الأذان حقيقة فهو ينقض الاتفاق الذي ذكر، وإن عنى به الصلاة جامعة مثلا فهما مسألتان لا تناقض، والذي تلقيناه من شيوخنا إن مثل هذا اللفظ بدعة لعدم وروده. (يقرأ فيهما جهرا بأم القرآن (سبح اسم ربك الأعلى) و (الشمس وضحاها) ونحوهما): ما ذكر الشيخ من القراءة هو المشهور وروى على بـ (والليل إذا يغشى) و (الشمس وضحاها) ونحوهما نقله أبو محمد قال ابن حبيب بـ (ق) و (اقتربت)، واختار ابن عبد البر يقرأ بسبح والغاشية وبه قال أبو حنيفة فيتحصل في ذلك أربعة أقوال. (ويكبر في الأولى سبعا قبل القراءة يعد فيها تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات لا يعد فيها تكبيرة القيام وفي كل ركعة سجدتان ثم يتشهد ويسلم ثم يرقى المنبر ويخطب): ما ذكر هو مذهبنا فإن كبر الإمام أكثر من سبع أو خمس فإنه لا يتبع قاله أشهب ومن لم يسمع تكبيرة الإمام فإنه يتحرى ويكبر قاله ابن حبيب. قلت: ولا يتخرج أنه يتحرى من أحد القولين في التأمين لأن التكبير آكد منه. واختلف في رفع اليدين فمذهب المدونة أنه يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام خاصة، وروى مطرف وابن كنانة أنه يرفع في الجميع وفي المجموعة إن شاء رفع يديه في الأولى خاصة وإن شاء في الجميع. وأشار ابن عبد السلام إلى أنه يتخرج قول بعدم الرفع في الجميع لقوله الخلاف

في الرفع هنا يشبه الخلاف في الرفع في صلاة الجنازة. ومن نسي التكبير حتى أكمل القراءة فإنه يتداركه ما لم يركع ويعيد القراءة إذ من سنتها أن تكون بعد التكبير، وحكى ابن الحاجب قولا بأنه لا يعيدها ونصه ويعيد القراءة على الأصح، قال بن هارون ولم أر ذلك لغيره. قلت: هذا منه رحمه الله قصور إذ هو في ابن بشير قال في المدونة ويسجد بعد السلام. وقال فيمن قدم السورة على أم القرآن يعديها بعدها واختلف هل عليه سجود بعد السلام أم لا؟ على قولين، فعلى القول بنفي السجود يكون معارضا لهذه المسألة قال اللخمي يتخرج فيها القولان، وفرق غيره بينهما بأن مسألة تقديم السورة قدم قرآنا على قرآن فلا سجود عليه، وفي مسألة العيد قام قرآنا على غير قرآن فكان عليه السجود، قال خليل وانظر ما في المدونة ما الفرق بينهما وبين من زاد السورة في الثالثة والرابعة فإنه لا يسجد قال: وقد فرق بينهما بأن زيادة السورة في الثالثة والرابعة قد استحبها بعض الأشياخ فيراعي قوله. (ويجلس في أول خطبته ووسطها ثم ينصرف): أما جلوسه في وسط خطبته فبالاتفاق عليه وكذلك في أولها على المشهور، وفي كتاب أبي الفرج لا يجلس لأن جلوس الجمعة للأذان ولا أذان هنا، ويستفتح الخطبة بسبع تكبيرات متواليات واستحب مطرف وابن الماجشون تسعا في الأولى وسبعا في الثانية وكلما تمت كلما كبر ثلاثا. قالا: وبذلك استمر العمل عندنا ولم يحد مالك التكبير في أول الخطبتين ولا خلالهما لعدم وروده، واختلف هل الإقلال منه أحسن أو الإكثار؟ فقال مالك في المبسوط يستفتح الخطبة بالتكبير ثم يكبر تكبيرا كثيرا وفي الثانية أكثروا وقال المغيرة كنا نعد الإكثار منه عيا وفي تكبير الحاضرين بتكبيره قولان لمالك والمغيرة. وقول الشيخ ثم ينصرف يعني إن شاء، وله أن يقيم بمكانه وهل له أن يتنفل قبل أو بعد أم لا؟ أما الصحراء فإنه لا يتنفل فيها بالإطلاق عند الأكثر اتفاقا وقال عياض عن ابن وهب يتنفل بعدها لا قبلها، وقال ابن أبي زمنين يجوز مطلقا لغير الإمام وله يكره وأما في المسجد فثالثها يتنفل بعدها حكاه غير واحد واستحب ابن حبيب أن لا

يتنفل إلى الزوال فعلى هذا لا يتنفل في منزله إذا رجع. (ويستحب له أن يرجع من طريق غير الطريق التي أتى منها والناس كذلك): الأصل في ذلك فعله عليه الصلاة والسلام حسبما رواه جابر قال ابن القصار، واختلف في تأويله فقيل لأنه كان يسأل في طريقه عن أمور الدين فيرجع من غيره ليسأله أهل الطريق الثاني، وقيل لينال أهل الطريق الثاني من النظر إليه والتبرك به والسلام عليه مثل ما نال الأولون. وقيل لتنتشر أصحابه بالمدينة ويكثروا في عين العدو وقيل لتكثير خطاه فيكثر ثوابه وقيل لتتسع الطريق بالناس، وقيل من أجل الصدقة التي كانت تفرق على الفقراء، وقال الأبهري والقاضي عبد الوهاب ذكر في ذلك معان أكثرها دعاوى فارغة وليس فيها إلا الاقتداء ذكره ابن عات. وسئل مالك عن قول الرجل لأخيه في العيد تقبل الله منها ومنك، وغفر لنا ولك، قال لا أعرفه ولا أنكره. قال ابن حبيب لم يعرفه سنة ولم ينكره على من قاله لأنه قول حسن، ورأيت من أدركنا من أصحابنا لا يبدءون به ولا ينكرونه على من قاله لهم ويردون عليه مثله قال ولا باس عندي أن يبدأ به. قلت: وكان بعض من لقيته من القرويين وهو الشيخ الصالح أبو محمد عبد الله الشبيبي يفتي إلى أن مات بأن الابتداء به واجب فأحرى الرد به قائلا لما يؤول إليه الأمر من الغيبة والفتنة إن لم يفعل ذلك حسبما هو مشاهد. (وإن كان في الأضحى خرج بأضحيته إلى المصلى فذبحها أو نحرها ليعلم ذلك الناس فيذبحون بعده): المطلوب أن يخرج الإمام أضحيته للمصلى كما قال وهل ذلك مستحب أم لا؟ فقيل إن ذلك مستحب على ظاهر رواية محمد في قوله الصواب ذبح الإمام بالمصلى بعد نزوله عن المنبر ثم يذبح الناس في منازلهم، ومن شاء ذبح بالمصلى بعد ذبح الإمام وللإمام تأخير ذبحه إلى داره. وقال ابن رشد: السنة ذبحه بالمصلى فظاهره كما قيل كراهة ذبحه بمنزله قال ابن الحاجب: فإن لم يبرزها ففي الذبح قبله قولان، ولو توانى فظاهره أن الخلاف فيه ابتداء والذي يحكيه غير واحد إنما هو بعد الوقوع فيمن ذبح قبله بحيث لو ذبح الإمام

في المصلى كان يذبح هذا بعده. (وليذكر الله عز وجل في خروجه من بيته في الفطر والأضحى جهرا حتى يأتي المصلى الإمام والناس كذلك): لا خلاف أن الأمر كما قال إذا خرج بعد طلوع الشمس، واختلف إذا خرج قبل الطلوع على ثلاثة أقوال: فقيل يكبر وقيل لا يكبر والقولان لمالك الأول منهما في المبسوط، والثاني في المجموعة، وفهم اللخمي المدونة عليه وسلمه خليل وقيل إن أسفر كبر وإلا فلا، قاله ابن حبيب وسأل سحنون ابن القاسم: هل عين مالك التكبير؟ فقال: لا وما كان مالك يحد في مثل هذا شيئا واختار ابن حبيب التكبير أيام التشريق دبر الصلوات وهو الذي نص عليه مالك في مختصر ابن عبد الحكم وصفته: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وزاد على هذا اللهم اجعلنا لك من الشاكرين وزاد أصبغ عليه الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: وما زدت أو نقصت أو قلت غيره فلا حرج. (فإذا دخل الإمام للصلاة قطعوا ذلك): يريد الشيخ بقوله للصلاة أي محل الصلاة وليس مراده إذا كبر تكبيرة الإحرام قطعوا، وما ذكرناه من التأويل هو قول ابن مسلمة، ورواه أشهب عن مالك وقيل إذا وصل إلى المصلى قطعوا قاله مالك أيضًا. ونقل التادلي عن صاحب الحلل أن الناس افترقوا بالقيروان في المصلى فرقتين للذكر بمحضر أبي عمران الفاسي وأبي بكر بن عبد الرحمن؛ فإذا فرغت إحداهما من التكبير سكتت وأجابت الأخرى بمثل ذلك فسئلا عن ذلك فقالا إنه لحسن. قلت: واستمر العمل على ذلك عندنا بإفريقية بمحضر غير واحد من أكابر الشيوخ. (ويكبرون بتكبير الإ مام في خطبته وينصتون له فيما سوى ذلك): ما ذكر من أن الحاضرين يكبرون بتكبيره هو قول مالك في المبسوط، وقال المغيرة لا يكبرون، ووجه بأن ذلك مخافة أن يتصل ذلك فيمتنع الإنصات وما ذكر أنه ينصتون فيما سوى ذلك هو قول مالك في سماع ابن القاسم، وروى أشهب وغيره ليس الكلام فيهما كالجمعة.

(فإن كانت أيام النحر فليكبر الناس دبر الصلوات من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح في اليوم الرابع منه وهو آخر أيام منى يكبر إذا صلى الصبح ثم يقطع): حكم التكبير الاستحباب ولا أعلم فيه خلافا، وانظر هل يتخرج فيه قول بالسنية من أحد القولين أن من نسيه يكبره متى ما ذكره حسبما نقله المازري أم لا؟ وما ذكر الشيخ من أنه يقطع إذا صلى الصبح هو المشهورن وقيل يكبر ستة عشرة فيقطع إذا صلى الظهر نقله هو رحمه الله عن ابن الجهم وعزاه غيره لبعض أصحاب سحنون وظاهر قوله أنه لا يكبر عقب النوافل لقوله: من صلاة الظهر إلى صلاة الصبح وهو كذلك في القول المشهور قاله الفاكهاني في شرح العمدة. وقيل: يكبر عقبها رواه الواقدي وظاهر كلامه أيضًا أن النساء يكبرن كغيرهن وهو المعروف، وفي المختصر لا يكبرن وظاهر كلامه ولا يكبر في غير دبر الصلوات وهو كذلك، وروي عن مالك أنه يكبر في دبر الصلوات وفي الطريق وفي غير ذلك، قال في المدونة ومن نسي تكبيرالعيدين رجع فكبر إن قرب وإن بعد فلا شيء عليه، وتقدم نقل المازري القول الثاني ولو ترتب على المصلي سجود السهو بعد السلام فإن التكبير يؤخر. (والتكبير دبر الصلوات الله أكبر الله أكبر وإن جمع مع التكبير تهليلا وتحميدا فحسن يقول إن شاء ذلك الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وقد روي عن مالك هذا والاول وكل واسع والأيام المعلومات: أيام النحر الثلاثة والأيام المعدودات: أيام منى وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر): بقي عليه رواية ابن القاسم في المدونة بعدم التحديد قال عياض والمشهور التحديث بالثلاث. (والغسل للعيدين حسن وليس بلازم): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة ونصها: وغسل العيدين حسن وليس كوجوبه في الجمعة وظاهره الاستحباب، وحكى ابن بشير قولا بأنه سنة ومثله لابن يونس قال المسنون من الغسل خمسة: غسل الجمعة، وغسل العيدين، والإحرام والطواف والوقوف بعرفة واختار اللخمي مساواته لغسل الجمعة وغسل العيدين، لقوله عليه السلام وهو في الموطأ: "إن هذا يوم جعله الله عيدا للمؤمنين فاغتسلوا له" فأمر بغسل الجمعة لشبهها بالعيد وأوجبه على ذي رائحة خبيثة أحب لشهود العيد، قال ابن حبيب

باب في صلاة الخسوف

وأفضله بعد صلاة الصبح، وفي المختصر وسماع أشهب وابن نافع هو قبل الفجر واسع قال ابن زرقون ظاهره ولو غدا بعد الفجر وقال ابن رشد لم يشترط فيه اتصاله بالغد ولأنه مستحب غير مسنون. (ويستحب فيهما الطيب والحسن من الثياب): ما ذكره هو المذهب وقال ابن الحاجب: ومن سنتهما الغسل والطيب والتزين باللباس، واعترضه ابن هارون بأن المنصوص لمالك أن الطيب والتزين باللباس مستحب قلت: ويجاب عنه بأنه أراد ومن طريقها؛ لأن السنة قد تطلق على الطريقة التي هي أعم من الفضيلة والسنة والله أعلم. باب في صلاة الخسوف قيل أن الخسوف، والكسوف بمعنى واحد وهو ذهاب نور أحد النيرين أو بعضه وقيل بمعنيين، واختلف القائلون بذلك فقيل الكسوف في الشمس والخسوف في القمر وحكي عن بعض أهل اللغة عكسه وضعف بقوله تعالى (وخسف القمر) [القيامة: 8] وقيل الكسوف ذهاب البعض والخسوف ذهاب الجميع. (وصلاة الخسوف سنة واجبة): ويريد بقوله واجبة أي مؤكدة وما ذكره هو كذلك باتفاق في خسوف الشمس وفي خسوف القمر عن ابن الجلاب واللخمي وقيل ذلك فضيلة، وروي عن مالك وبه قال أشهب ومثله في التلقين. (إذا خسفت الشمس خرج الإمام إلى المسجد فافتتح الصلاة بالناس بغير أذان ولا إقامة ثم قرأ قراءة طويلة سرا بنحو سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا نحو ذلك ثم يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده ثم يقرأ دون قراءته أولا ثم يركع نحو قراءته الثانية ثم يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده ثم يسجد سجدتين تامتين ثم يقوم فيقرأ دون قراءته التي تلبي ذلك ثم يركع نحو قراءته ثم يرفع كما ذكرنا ويقرأ دون قراءته هذه ثم يركع نحو ذلك ثم

يرفع كما ذكرنا ثم يسجد كما ذكرنا ثم يتشهد ويسلم): ما ذكر من أنها تصلي في المسجد مثله في المدونة وحكى ابن حبيب عن أصبغ أنه واسع أن يخرج لها إلى المصلى، وقال اللخمي إن كان المصر كبيرا ففي المسجد مخافة أن يشق الخروج على كثير منهم، وقد ينجلي الكسوف قبل وصولهم إلى المصلى وإن كان صغيرا، فذلك واسع؛ لأن الشأن في السنن أن تقام خارج المصر. وظاهر كلام الشيخ أن الجماعة لا يشترط فيها عدد محصور كالجمعة وهو كذلك وفي رواية ابن شعبان إذا كانت قرية فيها خمسون رجلا ومسجد تصلى فيه الجمعة فلا بأس أن يجمعوا صلاة الخسوف قال اللخمي فأجزاها في ذلك مجرى الجمعة، قال ابن الحاجب: ويصليها كل مصل حاضر أو مسافر وغيرهما واعترض بأن قوله غيرهما يرجع لإحداهما، وأجيب بأن المراد به البدوي من أهل العمود لأنه ليس بحاضر ولا وجبت عليه الجمعة ولا مسافر وإلا قصر الصلاة، وهذا الجواب نقله ابن هارون ولم يعزه وعزاه لشيخه رحمه الله تعالى، وقد علمت ما فيه وما ذكر الشيخ من أنه لا يؤذن لها ولا يقيم هو المذهب، ونقل ابن هارون عن بعض أصحابه أنه لو نادى مناد الصلاة جامعة لم يكن به بأس، وهو مذهب الشافعي وما ذكر من أنها تقرأ سرا المشهور، وروى الترمذي عن مالك أن قراءتها جهرا واختاره اللخمي لثبوته عنه عليه السلام في مسلم والبخاري. وبالقياس على السنن التي يؤتى بها نهارا كالعيدين، وما ذكر من صفتها هو قول الأكثر واختار القاضي عبد الوهاب أن الإمام يطيل بحسب من خلفه والمشهور أنه يعيد الفاتحة في القيام الثاني والرابع، خلاف لابن مسلمة ويطيل السجود مثل الركوع، وفي المختصر لا يطيل السجود ولا الفصل بين السجدتين وهو ظاهر كلام الشيخ. (ولمن شاء أن يصلي في بيته مثل ذلك أن يفعل): يعني أن الجماعة فيها إنما هي مستحبة وقال ابن حبيب من شرطها الجماعة فمن فاتته صلاة الإمام فليس عليه أن يصليها، وأول وقتها حين تحل النافلة باتفاق واختلف في آخر وقته على أربعة أقوال: فقيل إلى الزوال، وروى ابن وهب إلى صلاة العصر وكلاهما في المدونة، وقيل إلى الاصفرار قاله غير واحد، وقيل إلى الغروب حكاه ابن الجلاب والقاضي عبد الوهاب. (وليس في صلاة خسوف القمر جماعة وليصل الناس عند ذلك أفذاذا والقراءة فيها

باب في صلاة الاستسقاء

جهرا كسائر ركوع النوافل): ما ذكر أنها تصلى أفذاذا هو المشهور، وقال أشهب لا يمنعون من الجمع لها واختاره اللخمي، وبه قال الشافعي وما ذكر من أنها كسائر النوافل هو قول مالك، وقال الشافعي بل هي كصلاة كسوف الشمس للحديث: "فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة" فسوى بينهما وفعله عثمان وابن عباس، وبه قال أحمد واسحاق وداود والطبري وسائر المحدثين وبهذا القول أخذ عبد الملك بن الماجشون إلا أنه يقول تصلى أفذاذا. (وليس في إثر صلاة خسوف الشمس خطبة مرتبة ولا بأس أن يعظ الناس ويذكرهم): ما ذكره هو قول مالك قائلا يحضهم على الصدقة والعتق وقال أبو حنيفة والشافعي: يخطب لها كالجمعة والعيدين والاستسقاؤ لقوله في الحديث: خطب ناس، وقد ألف لها الشيخ أبو الطاهر محمد بن عبد الرحمن خطبتين. باب في صلاة الاستسقاء (صلاة الاستسقاء سنة تقام): ما ذكر من أنها سنة هو نص المدونة رواية ابن عبد الحكم قال اللخمي وذلك لجدب أو شرب ولو لدواب بصحراء وسفينة، وقلة النهر كقلة المطر قال أصبغ استسقى بمصر للنيل خمسة وعشرين يوما متوالية وحضرها ابن القاسم وابن وهب ورجال صالحون، قال اللخمي والاستسقاء لسعة خصب مباح ولنزول الجدب بغيرهم مندوب إليه لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) [المائدة: 2] ولقوله عليه

الصلاة والسلام "من استطاع منكم أن ينفع أخاه المؤمن فليفعل" ولقوله: "دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة" ورده المازري بأنه بالدعاء لا بالصلاة، وأما إقامة الصلاة على سنتها في مثل هذا فلم يقم عليه دليل قال: وفي ذلك عندي نظر وتبعه ابن الحاجب قال وفي إقامة المخصبين لها لأجلهم نظر. (ويخرج لها الإمام كما يخرج للعيدين ضحوة): اعلم أنه اختلف في خروج أربعة، الأول: من لا يعقل الصلاة من الصبيان يمنع في المدونة خروجهم وأجازه غيره والثاني: أهل الذمة قال في المدونة ولا يمنعون من الخروج ومنعه أشهب في مدونته وصوبه بعض شيوخنا قائلا: إذ لا يتقرب إلى الله تعالى بأعدائه، وقد قال بعض الناس من أعظم العار أن يتوسل إلى الله بأعدائه، وعلى الأول، فقال ابن حبيب يخرجون وقت خروج الناس، ويعتزلون في ناحية ولا يخرجون قبل الناس ولا بعدهم لئلا يوافقوا نزول المطر فيكون ذلك فتنة لضعفة الناس. وقال عبد الوهاب يجوز انفرادهم بالخروج، الثالث: خروج المرأة الشابة فتخرج إن كانت غير حائض وروى اللخمي يكره لها ولا تمنع وأما الحائض فلا تخرج باتفاق، وكذلك من يخشى من خروجها الفتنة فإنها تمنع باتفاق قاله ابن حبيب، الرابع: البهائم قال اللخمي: على قول المدونة تمنع الحائض كما يمنع من خروج البهائم، وأجاز ذلك موسى بن نصير حين استسقى بأهل القيروان فخرج إلى المصلى، وفرق بين الولدان وأمهاتهم وأخرج البهائم على حدة قال ابن حبيب فر أيت المخزومي وغيره من علماء المدينة يستحسنون ذلك، ويقولون إنما أراد بإخراج المواشي وتفرقة الولدان من الأمهات أن يستدعي بذلك رقة قلوب الناس والاجتهاد في الدعاء. واختلف في وقت صلاة الاستسقاء على ثلاثة اقوال: فقيل تصلى ضحوة فقط نقله الباجي عن المدونة، وقيل إلى الزوال قاله ابن حبيب، وقيل تصلى في كل وقت ولو بعد الغروب والصبح قاله في سماع أشهب، وتأوله ابن رشد على الدعاء ورده ابن زرقون بأنه خلاف الظاهر وتردد سند في قول ابن حبيب هل هو تفسير لما في المدونة، أو خلاف؟ وقطع خليل بأنه تفسير لكون عبد الوهاب وابن الجلاب وغيرهم لم يذكروا غيره وقطع بعض شيوخنا بأنه خلاف كما قلناه. (فيصلى بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها وفي كل ركع سجدتان وركعة واحدة ويتشهد ويسلم):

ما ذكر من كونها ركعتين جهرا هو كذلك باتفاق ودليله حديث عباد بن تميم قال "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقى فتوجه إلى القبلة قائما يدعو وقلب رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة ثم انصرف " خرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم إلا أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الخطبة قبل الصلاة وهو مروي عن مالك والمشهور عنه عكسه، قال أشهب. واختلف في ذلك الناس، واختلف النقل عنه عليه السلام في ذلك ونقل خليل قولا بأنه لا خطبة فيها وما ذكر من أنه يقرأ فيها بما قال عليه العمل عندنا وقال في المدونة يقرأ بسبح ونحوها. وقال اللخمي يقرأ بسورة من قصار المفصل وأجاز في المدونة التنفل قبلها وبعدها، وفي المذهب قول بعكسه وكل هذا بالمصلى وأما في المسجد فالاتفاق على الجواز. (ثم يستقبل الناس بوجهه فيجلس جلسة فإذا اطمأن الناس قام متوكئا على قوس أو عصا فخطب ثم جلس ثم قام فخطب فإذا فرغ استقبل القبل فحول رداءه يجعل على منكبه الأيمن على الأيسر وما على الأيسر على الأيمن ولا يقلب ذلك): ما ذكر من أنه يجلس جلسة هو المشهور، وقيل لا يجلس لأن الجلوس في الجمعة إنما كان للأذان وما ذكر من أنه يجلس ثانيا هو كذلك خلافا لمحمد بن مسلمة وبه قال أبو يوسف وأبو مهدي ولا يخرج لها بمنبر ولا يدعو في خطبته لأمير المؤمنين، وروي أن موسى بن نصير لما خطب لم يدع لعبد الملك بن مروان، فقيل له مالك لم تدع لأمير المؤمنين؟ فقال ليس هذا يوم ذلك، ويجعل الخطيب بدل التكبير الاستغفار لقوله تعالى فقلت: (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا) [هود: 52] وانظر هل يقول المأمومون مثل قول الإمام في الاستغفار أم لا؟ والأقرب أنه يجري على الخلاف في تكبيرهم بتكبير الإمام في خطبته للعيدين والله أعلم، ثم وقفت عليه لخليل، قال ينبغي أن يسغفروا إذا استغفر كتكبيرهم في العيدين وما ذكر من تحويل الرداء إنما هو بعد الفراغ من الخطبة مثله في المدونة.

باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

وفي المجموعة محله بين الخطبتين وقيل في أثناء خطبته وقال أصبغ: إذا أشرف على الفراغ منها، وصفة التحويل هو أن يحول ما يلي ظهره إلى السماء وما على الأيمن على الأيسر ولا يجعل أعلاه أسفله قاله في المدونة، وقال ابن الجلاب له قلبه فيجعل أسفله أعلاه. (وليفعل الناس مثله وهو قائم وهم قعود ثم يدعو كذلك ثم ينصرف وينصرفون): ما ذكر مثله في المدونة وقال محمد بن عبد الحكم لا يحولون واختاره اللخمي، وبه قال الليث بن سعد، ويريد الشيخ بقوله يحول الناس غير النساء لأن تحويلهن كشف في حقهن ونص عليه عبد الملك بن الماجشون، وقال ابن عيشون: من كان عليه برنس أو غفارة حوله يريد يخلع ثم يحول ثم يلبس. (ولا يكبر فيها وفلا في الخسوف غير تكبيرة الإحرام والخفض والرفع ولا أذان فيها ولا إقامة): ما ذكر هو مذهبنا وقال الشافعي يكبر كتكبير العيدين وهو قول ابن عباس وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز. باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه قال بعض الشيوخ: الاحتضار عبارة عن قرب الأجل ودنوه وسمي بذلك إما لحضور أجله وإما لحضور الملائكة، قال ابن العربي في القبس: الموت ليس بعدم محضر ولا فناء صرف، وإنما هو تبدل حال بحال وانتقال من دار إلى دار ومن غفلة إلى ذكر ومن نوم إلى يقظة ولو لم يكن الامر كذلك لكان الخلق عبثا. ثم قال أيضًا جبل الله الخلق على حب الدنيا وبغض الموت فمن كان ذلك منه ركونا إلى الدنيا وحبالها وإيثارا لها فله الويل الطويل، وإن كان خوفا من ذنوبه ورغبة في عمل صالح يحصله فله البشرى والمغفرة والنعيمن وإن كان حياء من الله تعالى لما ارتكب من الذنوب فالله تعالى: أحق أن يستحيا منه فعلى هذه الأحوال يتنزل قوله عليه السلام مخبرا عن الله تعالى: "إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه وإذا كره عبدي لقائي كرهت لقاءه". قلت: وفي كلامه نظر لأن كل مؤمن لا يؤثر الدنيا على الآخرة أصلا نعم لخوفه من ذنوبه، يطلب طول البقاء في الدنيا لعله يحصل على نصيب وافر من طاعة ربه ليكون ذلك سببا لمغفرة ذنوبه، وأما أنه يؤثر الدنيا لذاتها على الآخرة فالذي أتحققه أنه

لا يوجد فيمن له مطلق عقل والله أعلم. (ويستحب استقبال القبلة بالمحتضر وإغماضه إذا قضى): ما ذكر من أن استقبال القبلة بالمختصر مستحب هو المعروف في المذهب وقيل إنه مكروه، وعلى ظاهر قول مالك من رواية ابن القاسم قال ما أعلم إلا من الأمر القديم وذكره ابن رشد من رواية علي، واختلف في تعليل الكراهة على ثلاثة أقول: فقال ابن حبيب إنما ذلك لأنهم كانوا يستعجلون به قبل نزول أسباب الموت ولا ينبغي لأهله أن يوجهوه حتى يغلب عليه ويوقن بالموت. وقال ابن بشير: إنما الكراهة لخوف التحديد فيعتقد أنه فرض أو سنة، وقال ابن رشد: إنما كرهه لأنه لم يرو أنه فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بأحد من أصحابه، ورده بعض شيوخنا بما في النوادر عن ابن حبيب، روي التوجه إلى القبلة عن علي بن أبي طالب وجماعة من السلف رضي الله عنهم وعلى المعروف روى ابن القاسم وابن وهب على شقه الأيمن فإن عجز فعلى ظهره ورجلاه إلى القبلة وخرج من المريض يصلي على ظهره كونه على ظهره وما ذكر من أن إغماضه مستحب هو نقل الأكثر، وقال ابن شعبان إغماضه سنة وفائدة إغماضه ستر شناعة منظره لو لم يغمض فإذا غمض بقي كالنائم. (ويلقن لا إله إلا الله عند الموت): يعني أن ذلك مستحب كما صرح به غيره، والأصل في ذلك ما أخرجه الترمذي ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله محمد رسول الله" قال عبد الحق فيه حسن صحيح، قال المازري: في المعلم الأمر بالتلقين يحتمل أمرين: إما أن يكون لاعتراض الشيطان لإفساد عقيدة الإنسان في حالة الاحتضار، وإما أن يكون رغبة في أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله فيحصل له ما وعد به في الحديث الآخر وهو قوله: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، قلت: والصواب التعليل بهما معا، وذهب بعض من لاقيناه إلى أن معنى قول الشيخ ويلقن لا إله إلا الله أن ذلك ترجمة والمراد لا إله إلا الله محمد رسول الله لقوله عليه الصلاة والسلام "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" ومثله

للفاكهاني ونقله خليل عن ابنه فقط وهو قصور ولا يكثر عليه من التقلين، فإن قالها مرة ثم تكلم أعيدت عليه وإن لم يتكلم ترك والمطلوب أن لا يلقنه أعدى الناس إليه إلا من يحبه، فظاهر كلام الشيخ أن الصغير يلقن كغيره وهو ظاهر كلام غيره. وقال النووي: لا يلقن إلا من بلغ، قال التادلي: وظاهر كلام الشيخ أنه لا يلقن بعد الموت، وبه قال عز الدين وحمل قوله: "لقنوا موتاكم" على من دنا موته وهو بدعة إذ لم يصح فيه شيء. وقال النووي في فتاويه: وأما التلقين المعتاد في الشام بعد الدفن فالمختار استحبابه، وقد استحبه من أصحابنا القاضي حسين وأبو الفتح الزاهد وأبو الرافع المتيوي فيستحب أن يجلس إنسان عن رأس الميت عقب دفنه: يا فلان ابن فلانة أو يا عبد الله أو يا أمة الله اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا وهو شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور رضين بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، وبالقرآن إماما وبالمؤمنين إخوة وبالكعبة قبلة الله ربي لا إله إلا هو عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم. وسئل عنه أبو بكر بن الطلاع فقال هو الذي نختار ويعمل به، وقد روينا فيه حديثا عن أبي أمامة ليس بقوي السند ولكن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام به قديما. (وإن قدر على أن يكون طاهرا وما عليه طاهر فهو أحسن): يريد وكذلك ما تحته، ويستحب تقريبه الطيب ولو بخورا وسمع ابن القاسم وأشهب البخور من عمل الناس. (ويستحب أن لا يقربه حائض ولا جنب): ما ذكر الشارح هو أحد القولين، وقال ابن عبد الحكم: لا بأس بإغماض الحائض والجنب، وقال اللخمي اختلف في تجنبه الحائض والجنب والمنع أحسن، ونقل التادلي قولا بالفرق بين الحائض فتغمضه لأنها لا تملك طهرها بخلاف الجنب وكل هذا الخلاف بحيث يكون غيرهما، أما مع الفقد فالاتفاق على أنهما كغيرهما للضرورة. (وأرخص بعض العلماء في القراءة عند رأسه بسورة يس ولم يكن ذلك عند مالك أمرًا معمولا به): قال التادلي: المراد ببعض العلماء هو ابن حبيب وكذلك حيث ما أطلقه في كتابه

وخرج أبو داود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرءوا يس عند موتاكم" قال النووي في إسناده ضعف وفيه رجلان مجهولان. قلت: وظاهر كلام الشخي أن الخلاف إنما في القراءة بسورة يس أما القراءة بغيرها فالاتفاق على أنها غير مشروعة هنا، وهو كذلك وظاهر كلام ابن الحاجب أن الخلاف عموما، وذلك أنه لما ذكر الخلاف بالاستحباب والكراهة في توجيه المحتضر قال، وكذلك قراءة شيء من القرآن عنده ونبه على هذا ابن عبد السلام. (ولا بأس بالبكاء بالدموع حينئذ وحسن التعزي والتصبر أجمل لمن استطاع وينهى عن الصراخ والنياحة): اعلم أن قول الشيخ بالدموع تأكيد وتبيين لئلا يحمل على الحزن والتنوين في قوله حينئذ عوض من الإضافة والتقدير والبكاء حين الاحتضار، وذلك قبل الموت فإذا مات نهي عنه حينئذ قاله الفاكهاني. وقال الشيخ أبو محمد عن ابن حبيب: البكاء قبل الموت وبعده مباح بلا رفع صو ت ولا كلام يكره ولا اجتماع نساء. انتهر عمر بن الخطاب نساء يبكين على ميت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهن يا ابن الخطاب فإن العين دامعة والنفوس مصابة والعهد حديث" ويكره اجتماعهن للبكاء ولو سرا ونهاهن عمر عند موت أبي بكر رضي الله عنه أن يبكين وفرق جمعهن، وكذلك في موت خالد ونهي صلى الله عليه وسلم عن لطم الخدود وشق الجيوب وضرب الصدور والدعاء بالويل والثبور. وقال: "ليس منا من حلق ولا من خرق ولا من دلق ولا من سلق" والحلق حلق الشعر والخرق خرق الثياب والدلق ضرب الخدود والسلق الصياح بالبكاء وقبيح القول. (وليس في غسل الميت حد ولكن ينقى): اختلف في غسل الميت فقيل سنة قاله أبو محمد وغيره وقيل إنه فرض قاله عبد الوهاب وابن محرز وابن عبد البر وزعم ابن بزيزة أن المشهور هو الأول وخير ابن

شاس بين غسله بالماء السخن والبارد وفي الجلاب لا بأس بالسخن، ويعني أنه خير من غيره لأنه أنقى، وكثيرا ما يسمع ذلك أعني لا بأس بإطلاقها على ما ذكر، واختلف هل الغسل للعبادة أو للنظافة؟ فالمشهور أنه للعبادة، وقال ابن شعبان هو للنظافة إذ قال يجوز غسله بماء الورد ونحوه إن لم يكن سرفا فإنه للقاء الملائكة لا للتطهيرن قال أبو محمد: هو خلاف قول أهل المذهب، واختار ابن العربي في القبس أنه عبادة ونظافة كالعدة فإنها عبادة وبراءة الرحم، وعلى الأول من أنه عبادة فلا يحتاج إلى نية وإنما يحتاج التعبد إليها إذا كان مما فعله الإنسان في نفسه ذكره الباجي وابن رشد قال ابن شعبان: ولا يغسل بماء زمزم ولا تزال به نجاسة قال أبو محمد: هو خلاف قول مالك وأصحابه. (ويغسل وترا بماء وسدر ويجعل في الآخرة كافور): قال اللخمي: لا يقتصر في غسله على الثلاث إن لم ينق فإن أنقي بأربع خمس أو بست سبع، وقال ابن حبيب يستحب الوتر وأدناه ثلاث ومثله لابن رشد وظاهر كلامهما لو أنقي بثمان أوتر وقال ابن عبد البر ذهب أكثر أصحاب مالك إلى أن أكثره ثلاث، وقال المازري: حكي عن مالك أن المعتبر الإنقاء لا العدد تعلقا برواية ابن القاسم ليس في حد معلوم فيتحصل في ذلك أربعة أقوال. وقول الشيخ بماء وسدر يعني ورق النبق ومثله في المدونة فأخذ منه اللخمي غسله بالماء المضاف كقول ابن شعبان، وأجيب بأن المراد لا يخلط الماء السدر بل يحك الميت بالسدر ويصب عليه الماء، وهذا الجواب عندي متجه وهو اختيار أشياخي والمدونة قابلة لذلك لأنه فرق بين ورود الماء على الإضافة والنجاسة وورودهما عليه، فالأول لا يضر وعكسه يضر، ومنهم من تأولها كقول ابن حبيب: الأولى بالماء وحده والثانية بغاسول والثالثة بكافور وإنما استحب في الآخرة كافور قيل لأنه قوي الرائحة مع ما فيه من منع الميت من السيلان. واختلف هل يجب الغسل على من غسل ميتا أم لا فقيل بوجوبه. وقيل بسقوطه وقيل باستحبابه وكلها لمالك قاله ابن عات. (وتستر عورته): قال الباجي ظاهر قول أصحابنا أنها تستر عورته، وقال ابن حبيب من سرته إلى ركبتيه، ونقل اللخمي قول ابن حبيب وفهم أن الأول هو قول المدونة وضعفه عياض في التنبيهات قائلا ليس في الكتاب ما يدل على ذلك بل لو قيل فيه ما يدل على قول

ابن حبيب لكان له وجه لأنه قال بأثره، ويقضي بيده إلى فرجه إن احتاج ولو كانت العورة هي نفس الفرج لما ذكر الفرج بلفظ آخر، قلت: وقد تقدم لنا في باب طهارة الماء والثوب أن في العورة ستة أقوال: فهي جارية هنا، قال المازري: استحب سحنون ستر صدره وصوبه بعضهم وظاهر نقله سواء أنحل جسمه المرض أم لا، وصوبه اللخمي فيه فقط وقيل يستر وجهه وصدره نقله الباجي عن أشهب، قال اللخمي: وأما غسل المرأة للمرأة فإنها تستر منها سرتها إلى ركبتها وعلى قول سحنون تستر جميع جسدها في الحمام في الغسل كذا تستره هنا ولا يطلع على المغسول غير غاسله ومن يليه. (ولا تقلم أظفاره ولا يحلق شعره): ما ذكر هو مذهبنا وللشافعي في أحد القولين جواز ذلك قياسا على استحباب ذلك للحي ووافقوا على أنه لا يختن، قال المؤلف ثم وقفت على قول النووي المشهور أنه لا يختن وقيل يختن الكبير دون الصغير ذكر ذلك عن مذهبهم. وإن كان المغسول امرأة فقال ابن القاسم يلف شعرها وعنه يفعلون به ما شاءوا وأما الضفر فلا. وقال ابن حبيب لا بأس أن يضفر واستحسنه بعض المتأخرين لحديث أم عطية "فنقضنا شعرها وضفرناه ثلاثة قرون وألقيناه خلفها): (ويعصر بطنه عصرا رفيقا): ما ذكر نحوه في المدونة فإن خرجت من فضلة غسل محلها وفي إعادة وضوئه خلاف.

(وإن وضئ وضوء الصلاة فحسن وليس بواجب ويقلب لجنبه في الغسل أحسن وإن أجلس فذلك واسع): لا معنى لقوله وليس بواجب بعد قوله فحسن وما ذكره هو المشهور ومثله لأشهب، وعنه في ترك وضوئه سعة والقولان حكاهما عنه المازري وعلى الأول ففي تكرره بتكرر الغسلات قولان أشهب وسحنون. (ولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه من غير ضرورة): اعلم أن لا بأس هنا لما هو خير من غيره لقول المدونة ويغسل أحد الزوجين صاحبه من غير ضرورة فظاهره الأمر بذلك، واختلف هل يقضى لهما بذلك أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم يقضى لهما بذلك وعكسه قاله غيره وقال سحنون يقضى للزوج دون الزوجة وظاهر كلام الشيخ ولو لم يبن بها وهو كذلك، وظاهره ولو طلقها طلاقا رجعيا لأنه يصدق عليها أنها زوجة، ألا ترى أن أحكام الزوجية باقية بينهما من الميراث وغيره وهي رواية ابن نافع عن مالك في المبسوط ومذهب المدونة عدم الغسل. واختاره اللخمي قائلا: لأن المراعى حال الحياة وقد كانت حراما لا يجوز له مسها حتى يحدث رجعة وظاهر كلامه ولو وضعت حملها منه وهو كذلك، واختلف إذا نكح أختها بعد موتها على قولين بالكراهة والجواز وفي المدونة يستر كل واحد صاحبه. وقال ابن حبيب يغسل أحدهما صاحبه والمرأة عريانة اختيارا، قال التونسي فظاهره رؤية كل واحد منهما عورة صاحبه إذ عورتهما في التحقيق كأجسادهما وتقدم إباحة ذلك في حال الحياة، وقال أبو عمر بن عبد البر أجمعوا على حرمة نظر فرج حي أو ميت غير الطفل الذي لا إرب فيه. (والمرأة تموت في السفر لا نساء معها ولا ذو محرم من الرجال فلييمم رجل وجهها وكفيها): ما ذكر من أنها تيمم هو المنصوص، وألزم اللخمي قول ابن شعبان بأن غسل الميت إنما هو للنظافة نفي تيمم الميت عموما وما ذكر من أن منتهى تيممها إلى الكوعين هو المذهب، وأخذ بعض الشيوخ منه أن مسح الذراعين في التيمم ليس بواجب قال ابن عبد السلام، وفيه نظر يعني إنما منع من مسحه كونه عورة ومسح الذراعين في التيمم مختلف فيه في المذهب إذ قد قيل فيهما بالاستحباب فناسب ترك

مسحهما هنا لما ذكر، قال وانظر كيف جاز للرجل والمرأة الأجنبيين لمس وجه الآخر ويديه مع أنه لا يجوز ذلك في حال الحياة، ثم سأل نفسه فقال إن قلت أحمله على أنه يجعل على يديه خرقة وحينئذ يضعها على التراب وأجاب بأنه لو كان كذلك لما اقتصر بالتيمم على الكوعين إذا، واختلف في المذهب إذا حضرت كتابية على ثلاثة أقوال: فقيل تغسلها قاله مالك وعكسه قال أشهب. وقال سحنون تغسلها وتيمم. (ولو كان الميت رجلا يمم النساء وجهه ويديه إلى المرفقين إن لم يكن معهن رجل يغسله ولا امرأة من محارمه): وإذا وجد ذمي ففي غسله الثلاثة الأقوال وعزوها لمن ذكر. (فإن كانت امرأة من محارمه غسلته وسترت عورته): ظاهر كلامه أنها تغسله مجردا وهو أحد الأقوال الثلاثة وهو ظاهر المدونة عند التونسي والباجي، وقيل تغسله من فوق ثوب قاله ابن القاسم وسحنون وتأوله اللخمي على المدونة. وقال أشهب تيممه أحب إلي وظاهر كلام الشيخ سواء كانت من محارم النسب أو الصهر وهو المنصوص وخرج بعض الشيوخ من تفرقة ابن نافع في غسل الرجل ذوات محارم النسب دون الصهر أن تكون المرأة كذلك قال ابن هارون وفيه نظر. (وإن كان مع الميتة ذو محرم منها غسلها من فوق ثوب يستر جميع جسدها): ما ذكر مثله في المدونة، وقال أشهب ييممها أحب إلي، وقال ابن نافع يغسلها إن كانت محرمة بالنسب دون غيره، وروي أنه يصب عليها الماء ولا يباشر جسدها ولا من فوق ثوب، وقال ابن حبيب يغسلها وعليها ثوب يصب الماء بينه وبينها خوف لصوقه بجسمها وظاهره لا يباشر جسمها بيده، قال ابن رشد: ومعناه عندي ويده ملفوفة في خرقة فيما بين سرتها وركبتيها إلا أن يضطر لذلك وقيل كذلك إلا أن يده ملفوفة في كل غسلها قاله اللخمي فيتحصل في المسألة ستة أقوال. (ويستحب أن يكفن الميت في وتر ثلاثة أثواب أو خمسة أو سبعة): قال ابن بشير: أقل الكفن ثوب يستر جميع جسد الميت ونحوه قال ابن الحاجب. ويجب تكفين الميت بساتر لجميعه قال ابن عبدالسلام: هذا مما لم يختلف فيه، قلت: وهو قصور منه لقول ابن رشد في التقييد والتقسيم ومثله لابن عبد البر: الواجب منه ستر العورة فقط وباقيه سنة، وقال عيسى بن دينار في المدونة يقضى على

الورثة والغرماء بثلاثة أثواب قال ابن رشدن ويقضى على الأولياء عند المشاحة بمثل ما يلبس في الجمع والأعياد إلا أن يوصي بأقل فلا يزاد ونحوه في كتاب ابن شعبان. وقال سحنون ولو أوصى بثوب فزاد بعض الورثة ثوبين ولم يرض غيره لم يضمن من زاد فقيل لأن عليهم في الثوب الواحد وصما، وقال ابن رشد لأنه أوصى بما لا قربة فيه فلا تنفذ وصيته، وقال ابن الحاجب: وخشونته ورقته على قدر حاله، قال ابن هارون فظاهره أن المعتبر ما يقتضيه حاله من اللباس في سائر الأيام لا في الجمعة والأعياد، وهو خلاف قول ابن رشد وما ذكر الشيخ من صفته المستحبة هو كذلك، وقيل أعلاه في الاستحباب خمسة وقال مالك في العتبية ليس في الكفن حد ولا على الناس فيه ضيق. كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب، والشهداء في يوم أحد ويوم بدر اثنان في ثوب ممشق وكفن عمر ابنا له في خمسة أثواب، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يزاد على السبع وهو كذلك ونص عليه اللخمي قائلا لأنه من معنى السرف. (وما جعل له من أزرة وقميص وعمامة فذلك محسوب في عدد الأثواب الوتر): قال في المدونة ويعمم الميت، وفي الموطأ ويقمص ويؤزر ويلف في الثوب الثالث، وهذا مثل ما ذكر الشيخ ونقل غير واحد أن القميص والعمامة مباحان، وروى يحيى عن ابن القاسم في العتبية: لا يجعل في الكفن عمامة ولا مئزر ولا قميص، ولكن يدرج في ثلاثة أثواب درجا، وقال ابن شعبان: السنة ترك العمامة والقميص. (وقد كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية أدرج فيها إدراجا صلى الله عليه وسلم): هذا الحديث خرجه مالك في الموطأ، وسحولية منسوبة إلى سحولي قرية باليمن ومعنى أدرج اي لف فيها لف، وسأل أبو محمد الموفق اسماعيل القاضي ما الذي صح عندكم في كفن النبي صلى الله عليه وسلم فإن عبدالعزيز الهاشمي يقول في خمسة أثواب قميص وعمامة، وثلاثة أبواب، فقال اسماعيل القاضي: الذي صح عندنا ثلاثة أثواب سحولية وقال جعفر بن محمد عن أبيه كفن في ثوبين صحراويين وثوب حبرة. وقال ابن عبد السلام: كفن في ثوبه الذي مات فيه وحلة نجرانية وقيل في برد ورائطتين وقيل في برد أحمر، وقيل أسود، حكى ذلك ابن عات. واختلف المذهب هل يكفن الميت في الحرير أم لا؟ على ثلاثة أقوال: ثالثها يجوز للنساء دون الرجال ومنع

اللخمي الأزرق والأخضر والأسود وقيل يكره في الجميع قاله ابن عات، وفي كراهة المعصفر ثلاثة أقوال: الكراهة والجواز وكلاهما لمالك والجواز للنساء قاله ابن حبيب. (ولا بأس أن يقمص الميت ويعمم): يعني هو خير من غيره لما سبق قوله وينبغي أن يحنط ويجعل الحنوط بين أكفانه وفي جسده ومواضع السجود منه، يعني أن حكم الحنوط الاستحباب وهو كذلك باتفاق، وقال في المدونة عن عطاء: أحب الحنوط إلي الكافور قيل وإنما اختاره لأنه اختص بالتجميد ومنع السيلان وسطوع الرائحة، قال القاضي عبد الوهاب: يحنط بالمسط والعنبر وسائر الطيب الذي يجوز التطيب به لأن النبي صلى الله عليه وسلم حنط بالمسك وحنط عمر بالكافور، وأوصى علي أن يجعل في حنوطه مسك وقال هو أفضل حنوط النبي صلى الله عليه وسلم وأول ما يبدأ به مواضع السجود لشرفها ثم سائر الجسد من مغابنه ومراقه وحواسه وبقية جسده ثم بين أكفانه، وهو الذي أراد الشيخ لما قد علمت من أن الواو لا تفيد الترتيب عند البصريين. وقال ابن حبيب: وتسد أذناه ومنخراه بقطنة فيها كافور وكذلك قال سحنون يسد دبره بخرقة فيها ذريرة يبالغ فيها برفع، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يفعل شيء من الحنوط من فوق الأكفان وهو كذلك لأنه سرف، وإذا حنط لف في أكفانه وربط عند رأسه ورجليه فإذا ألحد في قبره حل ذلك، قاله ابن حبيب وقال ابن شعبان يخاط عليه كفنه. (ولا يغسل الشهيد في المعترك ولا يصلى عليه): ما ذكر الشيخ من أن الشهي لا يغسل هو كذلك باتفاق، لأن الغسل إنما يراد للصلاة فإذا تعذرت الصلاة تبعها الغسل، وما ذكر أنه لا يصلى عليه هو المعروف وحكي الجوازعن مالك أنه يصلى عليه ولا يغسل ووهم في نسبته للإمام مالك ما ذكر، وظاهر كلام الشيخ وإن كان الشهيد في بلاد الإسلام وهو كذلك عند ابن وهب وأشهب، وهو ظاهر المدونة، وعن ابن القاسم أنه كغيره يغسل ويصلى عليه، وظاهر كلامه ولو كان الشهيد قتل نائما وهو قول سحنون وأصبغ، وقال أشهب هو كغيره لأن هذا يشبه ما فعل بعمر استغفله العلج وطعنه وقد غسل وصلي عليه. وظاهر كلام الشيخ ولو كان الشهيد جنبا وهو كذلك عند ابن الماجشون وأشهب، وقال سحنون هو كغيره وإنما يغسل الشهيد ولم يصل عليه لكماله فإن

قيل فلم غسل الأنبياء وصلي عليهم وهم أكمل الخلق فالجواب عن ذلك من وجوه ذكرها الشيخ خليل. أحدها: أن المزية لا تقتضي الأفضلية ألا ترى ما ورد من أنه إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط فإذا صلى أقبل بوسوسته. الثاني: أن الصحابة فهموا الخصوصية في شهيد المعترك فبقي ما عداه على الأصل، ولأن الشرع في إبقائهم على حالهم غرضا وهو البعث عليها لقوله صلى الله عليه وسلم: "زملوهم بثيابهم فإنهم يبعثون يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك". الثالث: تشريع وأسوة. (ويدفن بثيابه): يحتمل أن يكون أراد بثيابه المعدة للباس غالبا فأما الدرع والمنطقة وآلة الحرب فإنها تنزع عنه، وهو كذلك عند ابن القاسم ويحتمل أن يريد بثيابه التي مات فيها فلا ينزع عنه الدرع وشبهه وهو قول مالك في المختصر، قال ابن القاسم وينزع الخاتم إن كان له فص ثمين وخرجه اللخمي على الخلاف الذي في المنطقة، ولو قصرت الثياب التي عليه فإنه يستر بقيته وظاهر كلام الشيخ أنه لا يزاد عليه شيء وهو قول مالك. وقال أشهب وأصبغ لا بأس بالزيادة قال اللخمي والأول أحسن لأنه يبعث يوم القيامة على هيئته. (ويصلى على قاتل نفسه ويصلي على من قتله الإمام في حد أو قود): لا خلاف في المذهب أن الأمر كما قال الشيخ لأنه مسلم وينبغي لأهل الفضل اجتناب الصلاة عليه وعلى أمثاله ليقع الردع بذلك، قال ابن القاسم ويصلى على ولد الزنا، وأما المبتدعة فاختلف فيهم: فقال ابن عبد الحكم: يصلى عليهم، وقال في المدونة: لا يصلى عليهم ولا تعاد مرضاهم ولا تشهد جنائزهم قال سحنون أدبا لهم، فإن خيف ضيعتهم غسلوا وصلى عليهم. وأما لو ارتد صبي ومات فإن كان غير مميز فارتداده كالعدم بلا خلاف وإن كان مميزا ففي المدونة لا يغسل ولا يصلى عليه ولا تؤكل ذبيحته، وقال سحنون يصلي عليه لأنه يجبر على الإسلام من غير قتل ويورث. (ولا يصلي عليه الإمام ولا يتبع الميت بمجمر): ما ذكر من أن الإمام لا يصلي على من قتل في حد أو قود هو مذهب المدونة،

وقال ابن نافع وابن عبدالحكم يصلي عليه وعلى الأول فقيل ردعا لأمثاله، وقيل لأنه منتقم لله عز وجل فلا يكون شفيعا له بالصلاة عليه، ونص أبو عمران على أن الإمام يصلي عليه إذا مات هذا المقدم للقتل خوفا من القتل قبل إقامة الحد عليه لأنه ترك الصلاة عليه من توابع الحد وقبله خليل. (والمشي أمام الجنازة أفضل): ظاهر كلام الشيخ أن الركبان يتأخرون وهو كذلك على المشهور: وقال أشهب بالتقدم مطلقا وعكسه قاله غيره، وقال أبو مصعب يجوز المشي أمام وخلف وذلك واسع قال اللخمي وهو ظاهر قول مالك في المدونة لأنه قال لا بأس بالمشي أمامها، قلت: ووهمه بعض شيوخنا لأنه قال في المدونة المشي أمامها هو السنة، ومثله لصاحب البيان والتقريب قائلا قاله فيها عقب ذكر ما نقله عنها، وقيل بالمشي أمامها إلى المصلى ثم خلفها إلى القبر، وقيل يمشون خلفها إلا أن يكون نساء فيمشون أمامها لئلا يختلط الرجال بالنساء، وهذان القولان ذكرهما الشيخ خليل وعزا الأول لبعضهم، والثاني لنقل ابن رشد فيتحصل في المسألة ستة أقوال: وعلى الأول فإن المشي أمامها هو المطلوب فيتحصل في حكمه قولان فقيل إن ذلك سنة على ما قال شيخنا، وقيل إن ذلك فضيلة على ما قال المؤلف رحمه الله. ومثله لابن الجلاب، وكل هذا في حق الرجال وأما النساء فيتأخرون قولا واحدا، والنساء بالنسبة إلى الخروج على ثلاثة أقسام: يجوز للقواعد ويحرم على مخشية الفتنة وفيما بينهما الكراهة إلا في القريب جدا كالأب والابن والزوج وكره ابن حبيب خروجهن في جنازة القريب وغيره قال: وينبغي للإمام أن يمنعهن من ذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطرد امرأة، وقال لنساء في جنازة "أتحملنه؟ قلن: لا قال: أفتدخلنه في قبره؟ قلن: لا، قال: أفتحثين عليه التراب؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات" وكان مسروق يحثي التراب في وجوههن، ويطردهن فإن رجعن وإلا رجع وكان فعل الحسن كذلك ويقول لا تدع حقا لباطل. وقال اللخمي كانوا إذا خرجوا بالجناز غلقوا الأبواب على النساء وقال ابن عمر ليس للنساء حق في الجنازة. (ويجعل الميت في قبره على شقه الأيمن): يعني للقبلة ويمد يمناه تحت جسده ويعدل رأسه بالتراب ورجلاه برفق ويحل عقد كفنه فإن جعلوا رأسه مكان رجليه أو استدبروا به القبلة ووراوه لم يخرجوا من

قبره نزعوا ترابه وحولوه إلى القبلة، وإن خرجوا من قبره وواروه تركوه، قال سحنون وقال ابن حبيب يخرج ما لم يخف تغيره وقال ابن القاسم وغيره ميت السفينة إن طمعوا بالبر في يوم ونحوه أخر إليه، وإلا جهز وشد كفنه عليه ووضع في البحر كوضعه في قبره ولا يثقل بشيء وحق على واجده بالبر دفنه، وقال سحنون يثقل ونقل التادلي قولاً ثالثًا وهو إن كان قريبًا من البر فلا يثقل وإلا ثقل. وقال النووي إن كان أهل السواحل كفارا ثقل قال التادلي: وهذا لا يختلف فيه عندنا، قال ابن حبيب لا بأس بالصلاة والدفن ليلا وقاله مطرف وابن أبي حازم ودفن الصديق وعائشة وفاطمة ليلا. (وينصب عليه اللبن): قال ابن سيده اللبنة ما يعمل من الطين بالتبن وربما عمل بدونه والجمع لبن ولبن وسمع موسى أكره الدفن في التابوت ويجعل ألواح على القبر إن وجد لبن أو أجر، وقال ابن حبيب: أفضله اللبن ثم الألواح ثم القراميد ثم القصب ثم سن التراب وهو خير من التابوت، وقال سحنون لم يكره التابوت غير ابن القاسم قال ابن عات التابوت مكروه عند أهل العلم، وقال بعض الصالحين ما جنبي الأيمن بأخص بالتراب من جنبي الأيسر وأمر أن يحثى عليه التراب دون غطاء. (ويقول حينئذ اللهم إن صاحبنا قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره وافتقر إلى ما عندك اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم): ما ذكر لا يتعين بل يدعو بما أحب قال ابن عبدوس عن أشهب يقول: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم تقبله بأحسن قبول وإن دعا بغيره فحسن والترك واسع. (ويكره البناء على القبور وتجصيصها): اعلم أن البناء على القبور على ثلاثة أقسام: قسم لا يجوز وهو إذا قصد به المباهاة، وقسم مكروه وهو غذا لم يقصد به شيئا، وقسم اختلف فيه وهو إذا قصد به التمييز بالكراهة والجواز، وعزا اللخمي الأول للمدونة، والثاني لغيرها وهذه طريقة اللخمي واعترض بعض شيوخنا نقله بأن البناء إذا قصد به التمييز لا خلاف أنه جائز، وحمل قول المدونة على ما إذا لم يقصد به التمييز، ونص ابن هارون واللخمي قائلا كذلك حكاه غيره قال ابن القاسم ولا بأس بالحجر والعود يعرف الرجل بله قبر وليه ما لم يكتب عليه ولا يجعل على القبر بلاطة ويكتب عليها ونحوه.

باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

قال ابن حبيب يكره النقش على القبر، وقال الحاكم في مستدركه إثر تصحيح أحاديث النهي عن البناء والكتب على القبر ليس العمل، فإن أئمة المسلمين شرقا وغربا مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذه الخلف عن السلف، وأما لو بنى بيتا أو حائطا حول القبر ليصونه فقال بعض البغداديين: ذلك جائز إلا أن يضيق على الناس في موضع مباح أو بنى في ملك رجل بغير إذنه، وقال اللخمي: يمنع بناء البيوت على القبور لأن ذلك مباهاة ولا يؤمن ما يكون فيها من الفساد ولا بأس بالحائط اليسير ليكون حاجزا لئلا يختلط على الناس موتاهم. (ولا يغسل المسلم أباه الكافر ولا يدخله قبره إلا أن يخاف أن يضيع فليواره): ما ذكر الشيخ صحيح، قال أشهب ولا يتعمد به قبلة أحد وروى ابن حبيب لا بأس أن يقوم بأمر أمه الكافرة ويكفنها ثم يسلمها لأهل دينها ولا يصحبها إلا أن يخش ضياعها فيتقدم إلى قبرها ولا يدخلها فيه إلا أن لا يجد كافيا، وقال ابن حبيب في الأب والأخ وشبهه وزاد إن لم يخش ضاعها وأحب حضور دفنه فليتقدمه معتزلا عنه. وعن حامله قال الشيخ أبو محمد وروى علي إذا ماتت الكتابية حملت من مسلم يلي دفنها أهل دينها بمقبرتهم، ونقل الشيخ عبد السلام بن غالب المسراتي القيرواني في وجيزه عن المذهب: تدفن بطرف مقبرة المسلمين ووهمه بعض شيوخنا بأن المذهب ما تقدم. (واللحد أحب إلى أهل العلم من الشق وهو أن يحفر للميت تحت الجرف في حائط قبلة القبر وذلك إن كانت تربة صلبة لا تتهيل ولا تتقطع وكذلك فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم): ما ذكر من أن اللحد هو أحب من الشق مثله لابن حبيب والمستحب أن لا يعمق القبر جدا بل قدر عظم الذراع فقط، نقله أبو محمد عن ابن حبيب وقبله وقال الباجي: ولعله يريد في حفر اللحد وأما نفس القبر فيكون أكثر قال ابن عات من رأى تعميقه القامة والقامتين إنما رآه في أرض الوحش أو توقع النبش. باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت الجنائز جمع جنازة كسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتها فقيل بمعنى واحد، وقيل بالفتح الميت وبالكسر النعش وعليه الميت وقيل عكسه، حكاه صاحب المطالع فإن لم يكن عليه ميت فهو سرير ونعش وقيل مشتق من جنزه إذا ستره. واختلف في حكم الصلاة على الجنازة على ثلاثة أقوال: فقيل سنة قاله أصبغ

وقيل فرض كفاية قاله ابن عبدالحكم وأشهب وسحنون والقاضي عبد الوهاب وهو ظاهر نقل ابن الجلاب عن مالك في قوله قال مالك: صلاة الجنازة واجبة، وقال ابن زرقون في تلقين الشارقي هي مستحبة، ورواه ابن عيشون وأخذ القابسي أنها غير واجبة من قول مالك تجوز صلاة الجنازة بتيمم الفريضة ومن تشبيهه فعلها بعد صلاة العصر بسجود التلاوة قال ولم أجد لمالك فيها نصا. وأجيب بالنسبة إلى التحريم لكونها فرض كفاية، قال بعض شيوخنا بقصور كلامه في قوله لم أجد لمالك فيها نصا فنقل ابن الجلاب عن مالك وجوبها، قال بعضهم قال ابن رشد في البيان والنداء بالجنازة في المسجد لا ينبغي ولا يجوز باتفاق، وأما على باب المسجد فكرهه مالك في العتبية واستحبه ابن وهب، وأما الأذان بها والإعلام من غير نداء فذلك جائز باتفاق، وقال أبو محمد في نوادره ولا ينادى استغفروا لها، وسمع سعيد بن جبير شخصا يقول ذلك فقال لا غفر الله لك، قال مطرف عن مالك ولم يزل شأن الناس الازدحام على نعش الرجل الصالح ولقد تكسر تحت سالم بن عبدالله نعشان وتحت عائشة ثلاثة. قال ابن حبيب وابن وهب ولا باس أن يحمل الميت من البادية إلى الحاضرة ومن موضع إلى موضع آخر يدفن فيه، قلت وذكر ابن عبد البر أن سعد بن أبي وقاص حمل من موضعه من العقيق على عشرة أميال في المدينة وحمل على أعناق الرجال. (والتكبير على الجنازة أربع تكبيرات): اختلف الناس في مقدار التكبير من ثلاث إلى تسع، وانعقد الإجماع بعد ذلك على أن مقدار التكبير أربع ما عدا ابن أبي ليلى قائلا بأن التكبير خمس، وإن سها المصلي فكبر ثلاثا وسلم وذكر بالقرب فقال ابن عبد السلام: يرجع بنيته فقط ولا يكبر لما يلزم عليه من الزيادة في عد التكبير بل يقتصر على النية ويأتي بالتكبيرة التي بقيت عليه ويسلم. قلت: الصواب عندي أنه يكبر كالفريضة وقد تقدم ما في ذلك من الكلام، واختلف المذهب إذا زاد الإمام خامسة فروى ابن القاسم يسلم المأموم ولا ينتظره، وروى ابن الماجشون ينتظره ساكتا حتى يسلم بسلامه، واعترض ابن هارون الأول بما إذا قام الإمام إلى خامسة سهوا فإنهم ينتظرونه حتى يسلموا بسلامه واعترض غيره الثاني بأنه يقول إذا سجد الإمام لسهو لا يرى المأموم فيه سجودا فإنه يتبعه فيه وإن كان

خلاف مذهبه. وأجيب بأن ترك المتابعة في السجود إظهار المخالفة الممنوعة بخلاف تركها في التكبير والاتفاق على أن الصلاة مجزية مراعاة للخلاف القوي بخلاف إذا زاد على الخامسة عمدا على ظاهر قولهم قاله ابن هارون، واختلف إذا كان مسبوقا فقيل يكبر الخامسة ويعتد بها قاله أصبغ وقيل لا يعتد بها ولو كبرها قاله أشهب. (يرفع يديه في أولاهن وإن رفع في كل تكبيرة فلا بأس): ما ذكر الشيخ مثله في سماع أشهب قال: يرفع يديه في الأولى وهو مخير في البواقي، ورواه ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وقيل يرفع في الأولى خاصة واختاره أبو اسحاق التونسي كسائر الصلوات، وروى ابن وهب أنه يرفع في الأربع، وذكر ذلك ابن شعبان عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلا القولين في المدونة، وقيل لا يرفع أصلا قاله في الأسدية ومختصر ابن شعبان. واختلف هل يدخل المسبوق بين التكبيرتين أم لا؟ فروى ابن القاسم أنه لا يكبر بل يقف حتى يكبر الإمام فيكبر معه، قال في المجموعة ويدعو في انتظاره تكبير الإمام، وبهذا أخذ ابن الماجشون وأصبغ، وروى أشهب أنه يكبر ويدخل معه وبه قال مطرف وابن حبيب، وقال الشيخ أبو الحسن القابسي ينظر فإن كان ما بينه وبين التكبيرة الماضية أقل مما بينه وبين التكبيرة الآتية دخل وإن كان أكثر انتظر. قال ابن عبد السلام: وهذا استحسان وتحويم على الجمع بين القولين، واختلف هل يدعو في قضائه للتكبير أم لا على أربعة أقوال: فقال في المدونة يقضي التكبير متتا بعا وظاهره أنه لا يدعو، ونحوه رواه علي عن مالك وبه قال التونسي، قال أشهب لا يدعو لأن الدعاء لا يقضي، وقيل يدعو رواه ابن شعبان، وقيل هو بالخيار قاله ابن شعبان عن مالك وكلاهما حكاه ابن عبد البر، وقيل إن ترك له الميت دعا وإلا فلا قاله القاضي عبد الوهاب. وقال الباجي يحتمل أن يكون تفسيرا للمدونة ويحتمل أن يكون خلافا، قلت والأقرب أنه خلاف وقول ابن عبد السلام قالوا إن وضعت له الجنازة دعا وإلا كبر نسقا قصور ولا أعرفه إلا لمن ذكر ومثله لابن الجلاب. (وإن شاء دعا بعد الأربع ثم يسلم وإن شاء سلم بعد الرابعة مكانه): اختلف في الدعاء بعد الرابعة على قولين: فذهب سحنون إلى أنه يدعو وذهب

ابن حبيب إلى أنه لا يدعو، هذا الذي أعرفه في المذهب وظاهر كلام الشيخ التخيير فيكون قولا ثالثا ولم أقف عليه لغيره، وفهم الشيخ خليل على الشيخ ما قلناه وذلك أنه لما ذكر القولين قال وخير في الرسالة. (يقف الإمام في الرجل عند وسطه وفي المرأة عند منكبيها): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة عن ابن مسعود، وإتيان سحنون به دون أن لا يأتي بخلافه يدل على أنه قائل به ومثل هذا قوله في المدونة عن ابن قسيط: الجمع ليلة المطر سنة ماضية، وعن ابن مسعود القنوت في الفجر سنة ماضية. وقيل يقف عند وسط الرجل والمرأة رواه ابن غانم، وقال ابن شعبان يقف حيث شاء من الميت، وقال اللخمي الأحسن التيامن للصدر في الرجل والمرأة إن كان عليها قبة أو كفتها بالقطن وإلا فوسطها والمطلوب أن يجعل رأس الميت على يمين المصلي، ولو عكس لم تعد الصلاة عليه، ولو صلى عليه لغير القبلة لم تعد بعد دفنه وأما قبله فقال سحنون كذلك وقال ابن القاسم إعادتها أحسن لا واجب، وقال أشهب تعاد ما لم يخف فساده. (والسلام من الصلاة على الجنائز تسليمة واحدة خفية للإمام والمأموم): ما ذكر أن الإمام والمأموم يسلمان تسليمة واحدة هو نص المدونة، قال أشهب بل يسلم كل منهما تسليمتين كذا نقله ابن هارون والذي نقل غير واحد إنما هو في المأموم فقط، واستشكل ابن هارون قول المدونة في المأموم مع قولها يسلم في الفرض تسليمة أخرى على الإمام، واختلف هل يجهر الإمام بالسلام أو يسر على روايتين وأما المأموم فالمطلوب أن يسر بلا خلاف، قال ابن عبد السلام: وقول ابن الحاجب وفي الجهر بالسلام قولان إنما أراد بالخلاف الإمام فقط. (وفي الصلاة على الميت قيراط من الأجر وقيراط في حضور دفنه وذلك في التمثيل مثل جبل أحد ثوابا): دليل ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط من الأجر واحد ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان من الأجر". قال الفاكهاني: يحتمل ظاهر هذا الحديث عندي أن يكون له بالصلاة قيراط

وشهود الدفن قيراطان فتكون ثلاثة، قال وإذا قلنا أنهما قيراطان فالأول يحصل بالفراغ من الصلاة والثاني بالفراغ من الدفن وما يتبعه من صب الماء وغير ذلك. قال غير واحد: وإنما مثل لهم بجبل أحد لقوله عليه السلام "إن هذا جبل يحبنا ونحبه" وقيل مثل لهم ذلك بما يعلمون، وقيل لأن أكبر الجبال لأن أرضه متصلة بالأرض السابعة. قال الفاكهاني: ويكون ذلك لأحد معنيين أحدهما: أنه لو كان هذا الجبل من ذهب وفضة وتصدق به لكان ثوابه مثل ثواب هذا القيراط، وقيل إنه لو جعل هذا الجبل في كفة وجعل القيراط في كفة كان يساويه، قال التادلي: وظاهر كلام المؤلف يقتضي أن القيراط في الدفن يحصل وإن لم يتبعها في الطريق وهو ظاهر المدونة في قولها وجائز أن تسبق وتنتظر. (ويقال في الدعاء للميت غير شيء محدود وذلك كله واسع ومن مستحسن ما قيل في ذلك أن يكبر ثم يقول الحمد لله الذي أمات وأحيا إلخ): قال ابن بشير: لا يستحب دعاء معين اتفاقا وتعقبه ابن عبد السلام بأن مالكا استحب دعاء أبي هريرة: اللهم إنه عبدك وابن عبدك إلى آخره" وبقول أبي محمد ومن مستحسن ما قيل في ذلك فإنه يدل على التعيين ونحو لابن هارون قلت على فهم الشيخين يظهر أن قول الشيخ ومن مستحسن ما قيل يناقض قوله أولا، ويقال في الدعاء على الميت غير شيء إلا أن يريد به نفي الوجوب. وقول الشيخ خليل إن قلت قول ابن الحاجب ولا يستحب دعاء معين اتفاقا يعارضه قول الرسالة ومن مستحسن ما قيل في ذلك وقول المدونة أحب ما سمعت إلي فالجواب أن الرسالة ليس فيها تعيين دعاء مخصوص إذا قال فيها قبله، ويقال في الدعاء غير شيء وايضا فالمستحب ما ثبت بنص المستحسن ما أخذ من القواعد الكليةن وأما في المدونة فإنما رجحه ولم يعينه ولم يرد الشيخ بقوله ثم تقول الحمد لله ما وضعت له ثم من المهلة، بل يقول ذلك بأثر التكبير والمشهور من المذهب أن قراءة الفاتحة غير مشروعة. ونقل الباجي عن أشهب أنه يقرؤها إثر الأولى فقط، قلت ويعني بذلك على طريق الاستحباب. وقال ابن الحاجب: ولا يستحب دعاء معين اتفاقا ولا قراءة الفاتحة على المشهور، واعترضه ابن هارون بأن كلامه يقتضي إباحتها على المشهور لأنه إنما نفى الاستحباب وظاهر المذهب فيها الكراهة، قال عبد الحق الميت لا ينتفع بالقراءة

فلا معنى للقراءة عليه، قلت: يعترض أيضًا بأن ظاهره أن القول الشاذ أنها تقرأ في كل تكبيرة وليس كذلك، وإنما قال ذلك الحسن رضي الله عنه، ونقل الشيخ خليل عن ابن رشد أنه قال: كان شيخنا القرافي يحكي عن أشهب أن قراءة الفاتحة واجبة ويقول إنه يفعله واحتج بقوله عليه السلام "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". قلت: والأقرب أن يكون إنما أراد قراءتها مرة واحدة واستدلاله بالحديث يدل على ذلك لا أنها بإثر كل تكبيرة، واختلف قول مالك هل يستحب الابتداء بالحمد والتصلية أم لا؟ وظاهر كلام الشيخ أنه مستحب. (اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك إلى آخره): ذكر الشيخ هذا وبما بعده وسيلة للدعاء له. (تقول هذا بإثر كل تكبيرة إلخ): ليس العمل على ما قال الشيخ عندنا لقوله قال عبد الحق عن إسماعيل القاضي: قدر الدعاء بين كل تكبيرتين قدر الفاتحة وسورة، وقال ابن رشد: أقله اللهم اغفر له وسمع زياد إن كبر الإمام دون دعاء أعاد الصلاة. (وإن كانت امرأة قلت اللهم إنها أمتك ثم تتمادى بذكرها على التأنيث إلخ): وإن نوى المصلي امرأة ثم ظهر أن الميت رجل أو العكس لم تعد قاله ابن نافع قائلا: وقد يصلي على جنازة من لا يعرف أنها رجل أو امرأة في ليل أو يأتي آخر الناس فذلك واسعز (ولا بأس أن تجمع الجنائز في صلاة واحدة ويلي الإمام الرجال إن كان فيهم نساء إلى آخره): يعني أن المصلين بالخيار بين أن يفردوا كل جنازة بصلاة أو يصلون على جميعها صلاة واحدة وهو كذل نص عليه غير واحد كابن شاس. (وجعل من دونهم النساء والصبيان من وراء ذلك إلى القبلة): اعلم أنه إذا اجتمعت جنائز أول ما يقدم الذكور الأحرار البالغون مما يلي الإمام الأفضل فالأفضل، فإن اجتمع أعلم وأصلح ففي تقديم أحدهما على الآخر قولان حكاهما ابن رشد، فإن وقع التساوي فالقرعة باتفاق، ثم الذكور الأحرار الصغار فإن تفاضل الصغار قدم من عرف بحفظ القرآن وشيء من أمور الدين ثم من يحافظ على الصلوات ثم الأسن منهم ثم بعد هاتين الرتبتين الخنثى البالغ ثم الصغير ثم بعد ذلك الأرقاء الذكور.

وروي عن ابن القاسم أنهم مقدمون على ذكور صغار الأحرار لأن العبد يؤم في الفرض بخلاف الصغير، ثم أحرار النساء ثم صغارهن ثم أرقاؤهن وهو كذلك، ونقل الباجي عن ابن حبيب عن من لقي من أصحاب مالك تقديم المرأة على الصبي، قلت: وعلى نقل أبن حبيب هل اعتمد الشيخ في قوله وجعل من دونه النساء والصبيان من وراء ذلك إلى القبلة ولا اعتراض عليه في ذلك لما تقرر لأن الرسالة لا تتقيد بالمشهور، وكونه لم ينقل ابن حبيب هذا في النوادر لا يدل على عدم وقوفه عليه. وقول ابن العربي أخذ عليه في تقديم النساء على الصبيان وإن أردنا زوال الإشكال قلنا الواو لا تفيد الترتيب ولا يحتاج إليه لما قلناه والله أعلم، واعلم أنه يقدم الأفضل من أولياء الجنائز فإن تساووا فالقرعة. واختلف في تقديم ولي الذكر إذا كان مفضولا فقال مالك: يقدم ولي المرأة لفضله، وقال ابن الماجشون: بل يقدم ولي الذكر محتجا بأن أم كلثوم بنت سنن لم يتوارثا وجعلا معا، وحمل الغلام مما يلي الإمام، وقال الحسن لابن عزم صل لأنه أخو زيد ورده بعضهم بأن الثابت في هذا الأثر سعيد بن العاص هو الذي صلى عليهما، وكان يومئذ أمير المدينة ذكره ابن هارون واختار اللخمي أنهما إذا تشاحا قدم كل واحد منهما على وليه. (ولا بأس أن يجعلوا صفا واحدا ويقرب إلى الإمام أفضلهم): ظاهر كلام الشيخ التخيير من جمع الجنائز صفا من الإمام للقبلة وجعلها من المشرق إلى المغرب وهو قول مالك من رواية أشهب وغيره، وقيل المطلوب الأول فقط قاله مالك أيضًا، وقيل إن قلوا كاثنين فالمطلوب أن يكون أحدهما خلف الآخر وإن جعلا سطرا فواسع بخلاف إذا كثروا قاله ابن كنانة، وقيل حكم العشرين حكم الاثنين بخلاف ما هو أكثر قاله مطرف وابن الماجشون. (وأما دفن الجماعة في قبر واحد فيجعل أفضلهم مما يلي القبلة): ظاهر كلام الشيخ أن دفن الجماعة في قبر واحد جائز للضرورة وغيرها وليس كذلك، وإنما مراده إذا كان ذلك للضرورة أما لغيرها فلا، قال أصبغ وعيسى بن دينار. ونص التهذيب في كتاب الغصب إن دفن رجل وامرأة في قبر واحد جعل الرجل للقبلة قيل أيجعل بينهما حاجز من صعيد ويدفنان في قبر من غير ضرورة؟ قال ما سمعت منه فيه شيئا.

(ومن دفن ولم يصل عليه وووري فإنه يصلى على قبره): مفهومه أنه لو لم يوار أنه يخرج ويصلى عليه وهو كذلك، وما ذكر من أنه يصلى على قبره هو قول ابن القاسم وابن وهب ويحيى بن يحيى، وقيل إنه لا يصلي على قبره وأصحابه هذا القول اختلفوا على ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم يدعون وينصرفون قاله مالك في المبسوط. والثاني: أنه يخرج إلا أن يخاف تغيره قاله سحنون. والثالث: يخرج إلا أن يطول، وقال ابن الحاجب: ثالثها يخرج ما لم يطل فظاهره يقتضي أن أحد الأقوال يخرج مطلقا وإن تغير وليس كذلك، وإنما حكاه ابن بشير وابن شاس كما تقدم ونبه على هذا ابن هارون وكذلك حكم من دفن ومعه مال له بال. (ولا يصلى على من قد صلي عليه): يريد إذا صلى عليه جماعة بإمام ولو صلى عليه رجل فإنه يستحب تلافي الجماعة وهو قول اللخمي، وجعل ابن رشد كون الصلاة عليه بإمام شرط إجزاء يجب التلافي ما لم يفت، ولما كان المذهب ما تقدم من أنه لا يصلي على من قد صلى عليه جماعة أجاب أصحابنا عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على قبر المسكينة بعدما صلوا عليها بوجوه: أحدهما: أنه كان وعدها أن يصلي عليها والوعد منه عليه السلام واجب. والثاني: أنه المستحق للصلاة على الجنائز والوالي لها فإذا صلى غيره لم يسقط الفرض بذلك وبقي جواب ثالث لم اذكره لضعفه. (ويصلى على أكثر الجسد واختلف في الصلاة على مثل اليد والرجل): ظاهر كلامه أن أكثر الجسد لا خلاف فيه إلا أنه يتعارض في كلامه المفهومان فيما بين الأكثر ونحو اليد، وكذلك مفهوم المدونة في قولها ولا يصلى على يد ولا على رجل ولا على رأس ولا على الرأس مع الرجلين وإنما يصلى على أكثر الجسد، واختلف في المسألة على خمسة أقوال: فقيل يصلي على ما وجد منه وإن قل، قاله ابن حبيب وابن أبي مسلمة وابن الماجشون، وقيل إن كان رأسا صلي عليه وإلا فلا قاله عبد الملك، وقيل إن بلغ النصف صلي عليه وقيل إن بلغ الثلثين مجتمعا وقيل أو مفترقا، واختلف في الصلاة على المفقود من الغريق ومأكول السبع، فقال ابن حبيب وابن أبي مسلمة يصلي عليه

باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

والمشهور أنه لا يصلي عليه، وهذا الخلاف يجري على الخلاف في جواز الصلاة على الغائب والمشهور منعها، وحكى ابن القصار عن مالك جوازها وبه قال ابن وهب وغيره، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي بالمدينة وهو بأرض بالمدينة وهو بأرض الحبشة ورد بأحد أمرين إما أن ذلك خاص به عليه الصلاة والسلام، وإما أنه كشف عن بصره حتى رآه. باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله (تثني على الله تبارك وتعالى وتصلي على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ثم تقول اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه اللهم فاجعله لوالديه سلفا وذخرا وفرطا وأجرا وثقل به موازينهم وأعظم به أجورهم ولا تحرمنا وأياهم أجره، ولا تفتنا وإياهم بعده اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وعافه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم تقول ذلك في كل تكبيرة وتقول بعد الرابعة اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقنا بالإيمان اللهم من أحييته منه فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ثم تسلم): قال التادلي: في كلامه حذف وحشو مستغنى عنه، فالحذف تقديره سلف أولاد المؤمنين والحشو زيادة قوله صالح، فإن كفالة ابراهيم عليه السلام لا تخص بصلحاء أولاد المؤمنين بل هي عامة لأولاد المؤمنين. قلت: يرد بأنه ليس بحشو لأنه لم يقم الدليل على أنهم في كفالة إبراهيم مستوون فلعلهم متفاوتون فقد أراد الشيخ بالدعاء أخص وصف وما ذكرناه ذهب إليه بعض من لقيناه أيضًا. قال المازري: وأجمع العلماء على أن أولاد الأنبياء في الجنة وكذلك أولاد المؤمنين عند الجمهور وأنكر بعضهم الخلاف فيه. قلت: ولم يذكر ابن رشد غير الأول وفي النوادر لم يختلف العلماء أنهم في الجنة، واختلفوا في أولاد الكفار على أربعة أقوال: فقيل في الجنة وقيل في المشيئة وقيل في النار تبعا لآبائهم وقيل تؤجج لهم نار، فمن عصى أمره ففي النار، وقوله وعافه من فتنة القبر وعذاب جهنم هذا كالنص في أن الصغير يسأله منكر ونكير وانظر قوله في عذاب

جهنم هل يدل على أنهم في المشيئة أم لا، وقد تقدم أنهم في الجنة بلا خلاف. (ولا يصلى على من لم يستهل صارخا ولا يرث ولا يورث): اختلف المذهب في تسمية من لم يستهل صارخا فقيل لا يسمى لأن التسمية تابعة للحياة، وقيل يسمى لأنه ولد ترجى شفاعته، فإن أشكل هل هو ذكر أو أنثى سمي باسم مشترك للذكر والأنثى كحمزة، ويغسل عنه الدم لا كسغل الميت ويلف في خرقة قاله ابن حبيب والرضاع الكثير كالصراخ بلا خلاف. واختلف في اليسير فقال مالك لا يدل على الحياة وقيل يدل عليها واستحسنه اللخمي قال لأنه لا يكون إلا لمزية حياة محققة، واختلف في الحركة الكثيرة فالأكثر على أن ذلك كالصراخ. وقال يحيى بن عمر: لو بقي عشرين يوما أو اكثر لم يصرخ ثم مات لم يغسل ولم يصل عليه واستبعد لأن الميت يتغير في مثل هذه المدة واختلف في العطاس، فقال اللخمي لا يكون له بذلك حكم الحي لاحتمال أن يكون ريحا وقيل هو دليل على الحياة إذ لا يكون إلى من حي. (ويكره أن يدفن السقط من الدور إلخ): ما ذكره هو أحد القولين وقيل إنه جائز والقولان حكاهما ابن بشير، قال عبد الوهاب: ووجهه ما قاله المؤلف من الكراهة لأنه من جملة موتى المسلمين قال الفاكهاني: فيه نظر، لأن الميت عبارة عن شخص تقدمت له حياة والسقط ما تقدمت له حياة ولا تعلم منه، وحركته في بطن أمه كالعدم. وقد أجمعنا على أنه لا يرث ولا يورث، واختلف إذا بيعت دار وجد بها فقيل إنه عيب وقيل لا وصوب ابن عبد السلام، الأول لكراهة النفوس ذلك، وأما لو وجد قبر غير سقط فالمذهب أنه عيب يوجب الخيار وتعقبه عبد الحق بأنه عيب يسير يوجب قيمته فقط ورده ابن بشير بأنه لا يمكن إزالته فهو كالكثير. (واختلف فيها إن كانت لم تبلغ أن تشتهي والأول أحب إلينا): قال غير واحد كابن الحاجب إذا كانت رضيعة أو فوق ذلك بيسير جاز اتفاقا أن يغسلها الأجنبي وعكسه إذا كانت مطيقة للوطء وفيما بينهما قولان. قال ابن هارون وفيه نظر لأنه روي عن ابن القاسم أنه قال لا يغسل الرجل الصبية، وإن صغرت جدا وأجاز ذلك مالك في الصغيرة جدا، وقال أشهب إن كان

باب في الصيام

مثلها لا يشتهى جاز. وقال ابن أبي زيد يختلف فيها ما لم تشته، وقال اللخمي يجوز غسلها مجردة والستر أفضل فعلى هذا يجيء فيها ثلاثة أقوال: المنع مطلقا لابن القاسم، والجواز لأشهب ما لم تشته، والتفصيل لمالك فيجوز في الصغيرة جدًا ويمنع فيمن كانت فوق ذلك، وهذه المسألة لو ذكرها الشيخ في باب ما يفعل بالمحتضر لكان أنسب للترتيب والله أعلم. باب في الصيام الصوم في اللغة: الإمساك مطلقا. وفي الشرع: قال ابن رشد: الإمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية، واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير جامع لقول المدونة بمن صب في حلقه ماء وبمن جومعت نائمة وبمن أغمي عليه أكثر نهار أو أمنى أو أمذى يقظة، قلت ويعترض أيضًا بغبار الطريق إذا دخل اختيارا فإنه يفطر وبفلقة الحبة بين أسنانه تبلع فإنه لا يقضي بسببها على المشهور. (وصوم شهر رمضان فريضة): الدليل عل أنه فريضة الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: (شهر

رمضان) إلى قوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) [البقرة: 185] وقول (كتب عليكم الصيام) [البقرة: 183] ، وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام: "بني الإسلام على خمس" فذكر فيها "صوم رمضان". وأما الإجماع فأجمع المسلمون على أنه واجب فيمن تركه غير مقر بفريضته فهو كافر بإجماع فإن أقر بوجوبه ولم يصمه قتل حدا على المشهور. وقال ابن حبيب كفرا، وفرض رمضان في شعبان قال الخوارزمي في ليلتين خلتا منه، وفي النصف منه حولت القبلة وفيه فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر قال غيره وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة. (يصام لرؤية الهلال ويفطر لرؤيته كان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما): ظاهر كلام سواء كانت الرؤية مستفيضة أو بشاهدين فقط مع الغيم أو بشاهدين مع الصحو، وهو كذلك إلا أن الأولين متفق عليهما وأما الثالث فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: أحدها العمل بذلك وهو المشهور، وقال سحنون بعكسه. وقيل إن نظر الشاهد أن الجهة التي نظر الناس إليها لم تقبل شهادتهما وإلا قبلت حكاه ابن الجلاب، ومال التونسي إلى التوفيق القولين بذلك وكل هذا الخلاف إنما هو في المصر الكبير، وأما الصغير فالاتفاق على الأول. ونص ابن الحاجب على قبول الشاهدين في الصحو في المصر الكبير ثالثها إن نظروا إلى صوب واحد ردت وقال الشيخ خليل لم أر من صرح بالثالث، ولم يذكره ابن بشير على أنه خلاف بل قال بعد القولين، وهو خلاف في حال إن نظر الكل إلى صوب واحد ردت وإن انفرد بالنظر إلى موضع قبلت شهادتهما فلا ينبغي عده ثالثا، قلت: ذكره اللخمي إلا أن كلامه يقتضي أنه متفق عليه وعده بعض شيوخنا ثالثا، ويشترط في الشاهدين الحرية والذكورية والعدالة. وذهب محمد بن مسلمة إلى قبول شهادة رجل وامرأتين، وقال أشهب في المبسوط تقبل شهادة رجل وامرأة ذكره خليل، وأما الشاهد الواحد فكالعدم قال سحنون ولو كان مثل عمر بن عبد العزيز، ونقل ابن حارث الاتفاق على ذلك، وقال ابن ميسر إذا أخبرك عدل أن الهلال ثبت عند الإمام في بلد آخر وأنه أمر بالصوم لزم العمل بقوله قال أبو محمد كما يخبر الرجل أهله وابنته البكر فيلزم الصوم بقوله فيخرج من قوله قبول شهادة الواحد، وضعف، ولو حكم القاضي بالصوم بشهادة واحدة لم

يسع أحد مخالفته لأن حكمه وافق الاجتهاد قاله ابن راشد. قال الشيخ خليل ولم يذكر ابن عطاء الله في هذا الفرع شيئا بل تردد فيه وقال سند لو حكم الحاكم بالصوم بالواحد لم يخالف قال وفيه نظر لأنه فتوى لا حكم، ونص القرافي في فروقه في الفرق الرابع والعشرين والمائتين على أنه لا يلزم المالكي الصوم في هذا، قال لأن ذلك فتوى وليس بحكم وقال: وكذلك إذا قال الحاكم ثبت عندي أن الدين يسقط الزكاة، وبنى ذلك على قاعدة وهي أن العبادات كلها لا يدخلها حكم بل الفتوى فقط، وليس للحاكم أن يحكم أن هذه الصلاة باطلة أو صحيحة وإنما يدخل الحكم في مصالح الدنيا، وظاهر كلام الشيخ أن سائر البلاد يلزمهم الصوم إذا ثبتت الرؤية وهو كذلك على المشهور بالإطلاق. وقال ابن الماجشون كذلك إن كانت الرؤية بالاستفاضة وإن كانت بالشهادة عند الحاكم لم يلزم من خرج من ولايته إلا أن يكون أمير المؤمنين. (فإن غم الهلال فيعد ثلاثين يوما من غرة الشهر الذي قبله ثم يصام وكذلك في القطر): ظاهر كلامه أنه لا يلتفت إلى كلام المنجمين وهو كذلك قال ابن بشير وركن بعض البغداديين إليه في الغيم، وهو باطل ومثله قول ابن الحاجب. ولا يلتفت إلى حساب المنجمين اتفاقا، وإن ركن إليه بعض البغداديين واعترض ابن هارون ذكره الاتفاق على ذلك لابن رشد حكى العمل على ذلك من مطرف ونحوه للشافعي، قلت ليس هو مطرف المالكي إنما هو مطرف بن عبد الله بن الشخير الشافعي حسبما صرح به غير واحد. ولقد قال ابن العربي: كنت أنكر على الباجي نقله عن الشافعي لتصريح أئمتهم بلغوه حتى رأيته لابن شريح وقاله بعض التابعين فعلى هذا لا اعتراض على ابن الحاجب لأن الاتفاق عنده مقصور على المذهب بخلاف الإجماع، وقال ابن بزيزة روي عن مالك رواية شاذة رواها بعض البغداديين عنه، والعمل بذلك ويحمل على هذا قوله عليه الصلاة والسلام "فاقدروا له" من التقدير والحساب والتنجيم قال الشيخ خليل وهذه تنقض الاتفاق المذكور قال ونفل بعضهم مثلها على الداودي.

(ويبيت الصيام في أوله وليس عليه البيات في بقيته): المشهور من المذهب أن رمضان يفتقر إلى النية وذهب ابن الماجشون وصاحبه أحمد بن المعدل إلى أنه لا يفتقر إلى النية، وعلى الأول فتكفي النية في أول ليلة منه كما قال الشيخ، وقال أبو بكر الأبهري: القياس خلافه لجواز الفطر له بخلاف رمضان ومثله من نذر كل خميس يأتي مثلا فقيه القولان أيضا، وظاهر كلام الشيخ أيضًا أنه يلزم تجديد النية لمن انقطع صومه كالحائض وهو كذلك قاله أشهب وغيره والمشهور تجديدها وقيل يجدد غير الحائض. قال التادلي: واختلف هل يلزم تعيين السنة لرمضان أم لا كالخلاف في تعيين اليوم للصلاة قلت: هذا لا أعرفه نصا ولا إجراء لغيره نعم نعم يتخرج على الصلاة والله أعلم، قال صاحب الحلل والصواب أن يقول الشيخ ليس عليه المبيت لأن البيات إنما يستعمل في طلب غرة العدو. وقوله ويتم الصيام إلى الليل قال الباجي وجوب الإمساك إلى الليل يقتضي وجوبه إلى أول جزء منه غير أنه لا بد من إمساك جزء منه لتيقن إمساك النهار. وقال التادلي: اختلف في إمساك آخر جزء من الليل عند الإفطار، وعند السحور قلت: والخلاف في الثاني شهير، قال عبد الوهاب وابن القصار بوجوبه، وقال اللخمي لا يجب ولا أعرفه في الأول غير ما تقدم للباجي، قال عياض في الإكمال اختلف العلماء في الإمساك بعد الغروب، فقال بعضهم يحرم كما يحرم يوم الفطر والأضحى، وقال بعضهم هو جائز وله أجر الصائم ونهيه عليه الصلاة والسلام إنما هو تخفيف في طريق مسلم نهاهم عن الوصال رحمة بهم. (ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور): في مسلم عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور" قال عياض: الروية بضم الهمزة ومعناه اللقمة الواحدة وصوابه فتحها ومعناه الأكل مرة واحدة وهو الأشبه، قال التادلي: وفيما قاله

نظر والأشبه ما في الرواية لما فيه من التنبيه على قلة الأكل باللقمة الواحدة بخلاف الأكل مرة واحدة فإنه قد يكون فيها الطعام الكثير والشبع المذموم. قال الباجي: وتعجيل الفطر هو أن لا يؤخر بعد غروب الشمس على وجه التشديد والمبالغة واعتقاد أنه لا يجوز الفطر عن الغروب على حسب ما تفعله اليهود، وأما من أخره لأمر عارض أو اختيارا مع اعتقاد أن صومه قد كمل بغروب الشمس فلا يكره له ذلك رواه ابن نافع عن مالك في المجموعة. قال عياض، واختلف إذا حضرت الصلاة والطعام فذهب الشافعي إلى تقديم الطعام، وذكر نحوه ابن حبيب، وحكى ابن المنذر عن مالك أنه يبتدئ بالصلاة إلا أن يكون الطعام خفيفا، قال ابن العربي في القبس: ووقعت في بغداد نازلة في رجل حلف بطلاق امرأته وهو صائم أن لا يفطر على حار ولا با رد فأفتى أبو نصر بن الصباغ إمام الشافعية بالجانب الغربي أنه يحنث إذ لابد من الفطر على أحد هذين، وأفتى أبو إسحاق الشيرازي بالمدرسة بعدم حنثه قائلا إنه يفطر على غيرهما وهو دخول الليل لقوله عليه السلام: "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقط أفطر الصائم" وفتوى ابن الصباغ أشهب بمذهب مالك لأنه يعتبر المقاصد، وفتوى أبي اسحاق صريح مذهب الشافعي الذي يعتبر الألفاظ. (وإن شك في الفجر فلا يأكل): صرح في المدونة بالكراهة قال فيها: كان مالك يكره للرجل أن يأكل إذا شك في الفجر فحملها اللخمي على بابها، وحملها أبو عمران على التحريم. قال الشيخ خليل هو مقتضى فهم البرادعي لأنه اختصرها على النهي فقال ومن شك في الفجر فلا يأكل ونحوه في الرسالة قلت والأقرب أن كلامها يحتمل الكراهة والتحريم، واختلف في المسألة على أربعة أقوال: هذان القولان والمشهور التحريم وقيل إنه مباح قاله ابن حبيب واختار اللخمي وجوب الإمساك مع الغيم واستحبابه مع الصحو، ولو شك في الغروب حرم الأكل باتفاق والفرق بينهما ظاهر وهو استصحاب الفطر والصوم، فإن أكل في شك الغروب ولم يتبين أنه أكل بعد الغروب، فقال القاضيان ابن القصار وعبد الوهاب لا كفارة عليه كأكله في شك الفجر. وذهب بعض الأندلسيين إلى إيجاب الكفارة والفرق بينهما عنده ما تقدم، والمنصوص إذا طلع الفجر وهو آكل أو شارب وألقى أنه لا يقضي وخرج القضاء على إمساك جزء من الليل، وإذا طلع عليه الفجر وهو بجامع ففي القضاء قولان ولا كفارة

على المشهور، وبه قال عبد الملك بن الماجشون قائلا لأنه لم ينتهك حرمة الصوم، ويقضي لأن نزعه فرجه جماع بعد الفجر، قلت وهذا الذي قال عبد الملك يناقض قوله إن وطئ في نهار رمضان ناسيا أن الكفارة تلزمه، ولا يجاب بأن هذا الأصل إباحة الاستمتاع، ولا كذلك في المسألة المعار ض بها لا سيما والناسي معه ضرب من التفريط لأنه علل بعدم الانتهاك وذلك حاصل في الصورتين، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام "رفع عن أمتي خطؤها ونسيانها وما استكرهوا عليه". (ولا يصام يوم الشك ليحتاط به من رمضان): يحتمل قول الشيخ الكراهة والتحريم، وفي المدونة لا ينبغي صيام يوم الشيك وذلك ظاهر في الكراهة، وصرح بالكراهة ابن الجلاب قال يكره صوم يوم الشك، وقال ابن عطاء الله الكافة مجمعون على كراهة صومه احتياطا، وقال ابن الحاجب: المنصوص النهي عن صيامه احتياطا. قال ابن عبد السلام: لم يتبين من حكمه سوى النهي وظاهره أنه على التحريم لقوله عثمان رضي الله عنه "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم" ونحوه للشيخ خليل قائلا وهو ظاهر ما نسبه اللخمي لمالك لأنه قال ومنعه مالك، وفي المدونة ولا ينبغي صيام يوم الشك وحملها أبو إسحاق على المنع، وخرج اللخمي أنه يؤمر بصيامه على الوجوب والاستحسان من مسألتين إحداهما من شك في الفجر، فاختلف هل يباح له الأكل أو يحرم أو يكره، والجامع أن كل واحد من الزمانين مشكوك فيه، والثانية الحائض يجاوز دمها عادتها، ولم يبلغ خمسة عشر يوما فقد قيل إنها تحتاط فيجب أن يكون الحكم كذلك في يوم الشك، ورد ابن بشير الأولى الموافقة لأهل البدع في صوم يوم الشك والثاني للموافقة للمنجمين. وقال ابن الحاجب: تخريجه غلط لثبوت النهي، وقال ابن عبد السلام: هو قول عثمان السابق. (ومن صامه كذلك لم يجزه وإن وافقه من رمضان): ما ذكر من أنه لا يجزئه هو كذلك قال أشهب في مدونته كمن صلى شاكا في الوقت ثم يتبين له الوجوب أنه يجزئه ونقل عنه ابن الحاجب ما تقدم إلى قوله ثم تبين الوجوب، وقال بإثره وفيها قولان بإثره وفيها قولان، فكلامه يوهم أنه من كلام اللخمي وليس كذلك

وإنما هو إخبار منه، وقال بأثره والصواب مع أشهب، قال ابن هارون يريد أن تنظيره أحسن لثبوت النهي عن صيام يوم الشك وعن الصلاة مع الشك في الوقت، بخلاف الشاك في الحدث فإنه مأمور بالوضوء إما وجوبا أو ندبا، ولهذه المسألة نظائر منها من التبست عليه الشهور فصام مع الشك شهرا تحريا عن رمضان فصادفه قال ابن القاسم في العتبية لا يحزئه كمن صلى يوم الشك. وقال سحنون يجزئه والقولان حكاهما عياض ومنهما من سلم على الشك هل أكمل أم لا ثم تبين أنه قد أكمل ففي صحتها قولان حكاهما ابن رشد وصحح البطلان. (ولمن شاء صومه تطوعا أن يفعل): ظاهر كلامه سواء من شأنه أن يسرد الصوم أم لا وهو كذلك قاله مالك وعبد الملك، وعن ابن مسلمة أنه يكره بالإطلاق ونقله عن ابن عطاء الله، ونقل اللخمي عنه أنه قال إن شاء صامه وإن شاء أفطر كقول الشيخ، وله قول آخر فرق فيه بين أن يكون شأنه أن يسرد الصوم أم لا والأول يجوز والثاني يكره نقله الباجي، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: ولا خلاف أن من عليه قضاء يوم من رمضان أنه يصوم. وكذلك يصام نذرا، وقال ابن عبد السلام: ومعنى ذلك إذا وافق أياما نذرها، ولو نذر يوم الشك من حيث هو يوم الشك سقط لأنه نذر معصية، ورد بعض شيوخنا كونه معصية بأن المشهور عدم كراهة صومه تطوعا. (ومن أصبح فلم يأكل ولم يشرب ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان لم يجزه وليمسك عن الأكل في بقية يومه ويقضيه): إنما لم يجزه لفقد النية فقوله بعد ويقضيه تأكيد وإذا كان لا يجزئه مع كونه لم يأكل ولم يشرب فأحرى ولو فعل أحدهما وإنما أمره بالإمساك لحرمة الشهر، وتقدم قول ابن الماجشون وصاحبه أحمد بن المعدل أنه يجزئه لأن معين فلا يفتقر إلى نية، وكذلك الخلاف في عاشوراء، قال التادلي: عبادتان يجب التمادي في فسادهما كما يجب في صحيحهما وهما الصوم والنسك بخلاف الصلاة وغيرها من العبادات، والفرق أن غالب فساد الصوم بإحدى شهوتي الفرج والفم، والحج بشهوة الفرج لقلة من يملك إربه فيها أو شدة ميل النفوس إليهما لموافقتهما الطباع بخلاف الصلاة وغيرها؛ فإن غالب فسادها لترك ركن أو شرط وليس ذلك مما تميل النفوس إليه فأراد الشارع في غالب فسادها لترك ركن أو شرط وليس ذلك مما تميل النفوس إليه فأراد الشارع في الأولين الزجر فغلظ بإيجاب التمادي والقضاء مع الكفارة، وفرق ثان وهو أن الصوم

والنسك لا يفعلان إلا مرة فلا مشقة فيهما بخلاف الصلاة فإنها تتكرر ولو حكم التمادي لفسادها لشق ذلك. (وإذا قدم المسافر مفطرا أو طهرت الحائض نهارا فلهما الأكل في بقية يومهما): لا خصوصية للمسافر والحائض بل وكذلك الصبي يبلغ والمجنون والمغمى عليه يفيقان والمريض يقوى والمرضع يموت ولدها، وبالجملة كل من أبيح له الفطر مع علمه برمضان جاز له الأ: ل بقية لايوم، ولما ذكر اللخمي عن ابن حبيب أن المجنون والمغمى عليه كغيرهما، قال الذي يقتضيه المذهب لزوم الإمساك لأنه صوم يختلف فيه بالإجزاء وعدمه ولا خصوصية لقول الشيخ فلهما الأكل بقية يومهما، بل وكذلك لا يجوز للمسافر أن يطأ زوجته المسلمة إذا وجدها قد طهرت من الحيض واختلف في الكتابية إذا وجدها قد طهرت من الحيض فظاهر المذهب الجواز خلافا لابن شعبان قال الشيخ خليل، وقال بعض أصحابنا يطؤها إذا كانت كما طهرت كما لو كانت مسلمة ولا يطؤها إذا كانت طاهرا قبل قدومه، واستشكل قول ابن شعبان أنه لا يجوز وطؤها ولو وجدها بعد الطهر لأنها لو أسلمت يومئذ لجاز له وطؤها فلا أثر لكفرها، قال وكان ابن شعبان لاحظ كون فطرها للكفر لا للحيض فمنعه أن يعينها عليه، واختلف في الكافر إذا أسلم فقال مالك في الموطأ يمسك بقية يومه. وقال أشهب في المجموعة لا يمسك واختلف إذا أفطر لعطش ونحوه فأزاله فقال سحنون في كتاب ابنه له أن يتمادى عل الأكل ويطأ وبه قال جمهور أهل العلم، وقال ابن حبيب لا يفعل فإن فعل متعمدا فلا كفارة عليه، قال التادلي: وقول الشيخ أو طهرت الحائض يريد وكذلك إذا حاضت فلها الأكل إلا أن هذه يجب عليها الفطر بقية يومها. (ومن أفطر تطوعه عامدا أو سافر فيه فأفطر لسفره فعليه القضاء): قال التادلي: حقه أن يقول بعد قوله عامدا حراما كما زاده ابن الحاجب في قوله ويجب في النفل بالعمد الحرام خاصة وأراد بذلك إخراج ما كان عمدا بسبب كجبر الولد ولده وجبر السيد عبده إذا تطوعا، الشيخ بغير إذنه، وما ذكر أنه يقضي في العمد هو المذهب، وهل يجب عليه الكف في بقية اليوم الذي أفسده أم لا في ذلك قولان. حكاهما ابن الحاجب وكلام الشيخ يدل على أنه لا يجوز القدوم على ذلك ابتداء وهو كذلك.

قال مطرف: يحنث الحالف بالله مطلقا وبالطلاق والعتق والمشي إلى مكة إلا أن يكون لذلك الواجب كطاعة مثل أبويه إن عزما على فطره ولو بغير يمين زاد ابن رشد عنه إن كان رأفه عليه لإدامة صومه، قلت: وظاهر المذهب أن شيخه الذي تعلم عليه العلم لا يتنزل منزلة الأب وكان بعض من لقيته يفتي بأنه كالأب. وقال الشافعي وغيره ويجوز الفطر اختيارا في التطوع، قال ابن عبد السلام: قولهم أظهر للآثار الواردة في ذلك، قلت ونحا إليه عيسى بن مسكين في قوله لصديقه لما أمره بالأكل معه وقال إني صائم ثوابك في سرور أخيك المسلم بفطرك عنده أفضل من صومك ولم يأمره بقضائه قال عياض في مداركه وقضاؤه واجب، وإنما لم يذكره لوضوحه. قلت: وكان بعض من لقيناه يذهب إلى حمله بعدم القضاء كالمخالف وما ذكر الشيخ أنه إذا سافر فأفطر فإنه يقضي هو قول ابن حبيب، وقال مالك ليس قضاؤها بالواجب قال التادلي، ويقوم من كلام الباجي أنه إذا أفطر متأولا أنه لا يقضي لقوله كل ما يسقط الكفارة في رمضان يسقط القضاء في التطوع. (وإن أفطر ساهيا فلا قضاء عليه بخلاف الفريضة): يريد ويجب عليه التمادي على الصوم لأنه يعتد به واعلم أن هذه إحدى المسائل السبع التي تلزم بالشروع فيها وهي: الصلاة والصوم والاعتكاف والحج والعمرة والائتمان والطواف ونظمها بعضهم فقال رضي الله عنه. صلاة وصوم ثم حج وعمرة ... = ... يليها طواف واعتكاف وائتمام بعيدهم من كان للقطع عامدا ... = ... لعودهم فرض عليه وإلزام قال الشيخ خليل بعد أن ذكر ما قلناه وانظر ما ذكر من لزوم الإعادة في الائتمام فإن الظاهر عدم لزومه ذكر الشيخ خليل ما قلناه عند تكلمه على قول ابن الحاجب، ومن قطع نافلة عمدا لزمه اعادتها بخلاف المغلوب، ومعنى قول الشيخ بخلاف الفريضة أي فإنه إذا أفطر ناسيا يقضي، وهذا هو المعروف في المذهب. وقال عياض: مشهور مذهب مالك قضاء من أفطر في رمضان ناسيا فظاهره أن في المذهب قولا بأنه لا يقضي وهو غريب، واختلف إذا أفطر في الواجب المعين لعذر كمرض على أربعة أقوال: فقيل يقضي وقيل لا يقضي، وقيل يقضي الناسي فقط، وقال ابن الماجشون إن كان لليوم فضيلة كعاشوراء ويوم عرفة فلا يقضي وإلا قضى، ولما

ذكر ابن الحاجب الأربعة الأقوال قال: والمشهور لا يقضي واعترضه ابن هارون بأنه نص في المدونة على أن الناسي يقضي وهو ضعيف لما قد علمت من أن المشهور قد لا يتقيد بالمدونة لاسيما عند ابن الحاجب. (ولا بأس بالسواك للصائم في جميع نهاره): اعلم أن لا بأس هنا لصريح الإباحة، وقال ابن الحاجب: والسواك مباح، وبمثل عبارة الشيخ عبر في المدونة ولا خلاف أنه مباح في أول النهار، وكذلك في آخره على المشهور، وحكى البراقي عن أشهب كراهيته في آخر النهار كمذهب الشافعي، ويريد الشيخ بما لا يتحلل وأما الرطب فمكروه قاله في المدونة، ولا خلاف أنه مباح. قال الباجي: والكراهة للجاهل والعالم لما يخاف أن يسبق شيء من طعمه إلى حلقه قد علمت أنه يسبق منه شيء إلى حلقه. وقال ابن حبيب إنما يكره للجاهل الذي لا يحسن أن يمج ما يجتمع في فيه، وأما السواك الذي يستعمل من الجوز فيكره للرجال مطلقا لأنه من زينة النساء، قال ابن حبيب إن جهل أن يمج ما يجتمع في فيه فعليه القضاء فقط. وقال الباجي الظاهر لزوم الكفارة وإنما لا يكفر في التأويل والنسيان. (ولا تكره الحجامة إلا خشية التغرير): يعني أن الحجامة على ثلاثة أقسام: قسم جائز باتفاق وهو إذا كان يعلم من نفسه السلامة وعكسه عكسه والقسم الثالث إذا كان يجهل حاله فهو مكروه وإلى هذا أشار ابن الحاجب كما أشار إليه الشيخ بقوله: ولا تكره له الحجامة إلا خشية التغرير والله أعلم، وهذا التفصيل هو المشهور وقيل إنها مكروهة، وإن علم من نفسه السلامة قال الباجي وهذا القول رواه ابن نافع عن مالك وقيل لا يحتجم ضعيف، ولا قوي لأنه ربما ضعف القوي ونحوه روى عيسى عن ابن القاسم، وكذلك يكره ذوق الطعام والعلك وشبههما، وأما المضمضة فجائزة للوضوء ولشدة العطش قاله مالك في المجموعة قائلا ويبلتع ريقه قال الباجي، وهذا بعد زوال طعم الماء منه ويخلص طعم ريقه. (ومن ذرعه القيء في رمضان فلا قضاء عليه): يريد لا يستحب له القضاء ولذلك قال ابن الحاجب: والقيء الضروري كالعدم فإن رجع منه إلى جوفه غلبة أو نسيان فروى ابن أبي أويس أنه يقضي في الغلبة وروى ابن شعبان: أنه لا يقضي إن كان ناسيا، فخرج اللخمي قول إحداهما في الآخر وأما إذا

رده مختارا فهو كالأكل، قال ابن الحاجب: وفي الخارج منه من الحلق يسترد قولان كالبلغم فظاهره ولو رده عامدا. (وإن استقاء فقاء عليه القضاء): يعني إذا طلب القيء فقاء عليه القضاء وظاهره الوجوب عليه حمل أبو يعقوب في المدونة ولفظه كلفظ الشيخ، وحمله أبو بكر الأبهري على الاستحباب وقيل يقضي في الفرض وهو في التطوع لغو رواه ابن حبيب، وقيل إن كان لغير عذر فكالأول قاله ابن الماجشون. (وإذا خافت الحامل على ما في بطنها أفطرت ولم تطعم وقد قيل تطعم): القول بأنها لا إطعام عليها هو المشهور، والقول بأنها تطعم رواه ابن وهب، وقيل يستحب الإطعام لها ولا يجب قاله أشهب وهذه الأقوال الثلاثة في المدونة، وقيل إن خافت على ولدها وجب عليها الإطعام وإن خافت على نفسها فقد سقط قاله ابن الماجشون وابن حبيب، وقيل لا تطعم إذا دخلت في السابع وإن كانت قبل وخافت على ولدها فلتطعم قاله أبو مصعب هكذا نقله ابن شاس وغيره، واعترض ابن هارون عبارة ابن الحاجب عن هذا القول بقوله وخامسها تجب إن كان قبل ستة أشهر فلم يقيد الإطعام بالخوف على الولد، فإن كلامه يقتضي أن بنفس دخولها في السادس يسقط الإطعام وليس كذلك لما تقدم، وأنكر أبو عمران وجود القول الثاني في المذهب قائلا إنما نقله سحنون عن موطأ ابن وهب بالتأويل وقول الشيخ أفطرت يعني وجوبا وقول الباجي إن خافت على ولدها أبيح فطرها إنما هو نفي لما يتوهم، وإلا فهو الواجب. (وللمرضع إن خافت على ولدها ولم تجد من تستأجر له أو لم يقبل غيرها أن تفطر وتطعم): حال المرضع لا يخلو من ثلاثة أوجه: تارة لا يضر رضاعها أو يضر ويمكن إرضاعه غيرها ولو بأجر وجب عليها الصوم، وتارة لا يمكن إرضاعه غيرها وخيف عليها وعليه فإنه يحرم صومها، وتارة يشق عليها إرضاعه فهي مخيرة وأجر المرضعة يكون من مال الصبي ثم مال الأب إن لم يكن له مال ثم من مال الأم إن لم يحجف بها، وما ذكر الشيخ من الإطعام هو نص المدونة وروى ابن عبد الحكم لا إطعام عليها. (ويسحب للشيخ الكبير إذا أفطر أن يطعم والإطعام في هذا كله مد عن كل يوم يقضيه):

ما ذكره هو قول مالك في الموطأ وبه قال سحنون وهو المشهور من المذهب، وحكى ابن بشير قولا بوجوب الإطعام وقال ابن الحاجب: ولا فدية على المشهور، فظاهره نفي الوجوب والاستحباب قاله ابن عبد السلام والمنقول ما تقدم من القولين لا ما يعطيه ظاهر كلامه، قلت بل هو اختيار اللخمي، وتأوله بعضهم على المدونة نعم يعترض عليه من حيث جعله المشهور وما ذكرناه عن اللخمي كذلك نقله ابن هارون عنه، ولفظ اللخمي ولا شيء عليه من طعام ولا غيره فهو بالإنصاف محتمل لما ذكرناه من الاستحباب، وكذلك لفظ المدونة فلا فدية عليه. (وكذلك يطعم من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر): قال التادلي: يريد وكذلك إذا دخلت عليه رمضانات متعددة فليس عليه إلا مد واحد لكل يوم ولا يتعدد بتعدد السنين قاله ابن شاس. واعلم أنه لا يجب قضاء رمضان على الفور باتفاق عند ابن بشير، واستقرأ ابن رشد قولا بأنه على الفور من قوله في الكتاب إذا قدم أو صح شهرا ثم مات وأوصى أن يطعم عنه أن ذلك في ثلثه مبدأ على الوصايا لأنه إنما يبدأ بالواجب، واختلف إذا مرض أو سافر عند تعيين القضاء، فقيل عليه الفدية وقيل لا، والقولان كلاهما تأولا على المدونة ذكر ذلك عياض وأما إذا تمادي به المرض أو السفر من رمضان إلى رمضان فإنه لا يطعم على المشهور. وروي عن مالك أن عليه الإطعام وقاله ابن الماجشون، واختلف في وقت الإطعام فقيل عند الأخذ في القضاء أو بعده وهو المشهور، وقيل عند تعدد الصوم قاله أشهب. (ولا صيام على الصبيان حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية): إنما نفى رحمه الله الوجوب بقوله لا صيام على .. ، فقوة كلامه تقتضي أنهم يؤمرون به استحبابا، ولهذا ذهب أشهب قال يستحب لهم إذا أطاقوه وفي المدونة لا يؤمر الصبيان بالصيام بخلاف الصلاة، وقال ابن الماجشون ويلزمهم إذا أطاقوه قضاء ما أفطروا بعد إطاقتهم إلا ما كان من علة، وهذه المقالات الثلاثة حكاها ابن يونس وظاهره كما ترى يقتضي أن أشهب يقول ما أفرطوا فيه ألا يقضي، وهو يناقض قوله في الصغيرة إذا وطئها زوجها فصلت دون غسل إنها تعيد وظاهره أبدا وهو ضعيف لأنه قلب النفل فرضا وفرض بين الصلاة والصيام عمل مذهب المدونة بثلاثة فورق: أحدها: السنة وذلك أن الأصل لا يؤمر الصبي بشيء لقوله عليه الصلاة والسلام

"رفع القلم عن ثلاث" فذكر "الصبي حتى يحتلم" وجاء ما جاء في الصلاة بقوله: "مروا الصبيان بالصلاة لسبع" وبقي ما سواه على الأصل. الثاني: إنما يؤمر الصبي بالصلاة لكثرة أحكامها وتفريع مسائلها فكلف قبل البلوغ ليأتي زمان البلوغ وقد أحاط بالذي يحتاج إليه، بخلاف الصوم لقلة أحكامه وكلاهما ذكره ابن يونس. وذكر غيره فرقا ثالثا وهو كون الصلاة تكرر في كل يوم فأمر بها ليمرن عليها بخلاف الصوم وإنما ذكر الشيخ الاحتلام والحيض لأنهما الأعم الأغلب. (وبالبلوغ لزمتهم أعمال الأبدان فريضة قال الله العظيم (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا) [النور: 59]). اعلم أن البلوغ يكون بالاحتلام والسن اتفاقا وتزيد الأنثى بالحيض والحمل، هكذا قاله غير واحد كابن الحاجب، وفيه نظر لأن الحمل لا يكون إلا بعد سبقية الإنزال من المرأة فهو يرجع إلى الاحتلام أيضًا والله أعلم. واختلف في الإنبات هل هو علامة للبلوغ أم لا؟ على قولين كلاهما في المدونة في كتاب السرقة، قال ابن رشد وهذا فيما يلزمه في الحكم الظاهر من طلاق أو حد وفيما بينه وبين الله تعالى لا يلزمه، واختلف في مقدار السن الذي هو علامة على البلوغ على ثلاثة أقوال، فقيل خمس عشرة سنة قاله ابن وهب وقيل سبع عشرة سنة، وقيل ثمان عشرة سنة، وكلاهما لابن القاسم والأخير منهما هو المشهور قاله المازري ويصدق في الاحتلام ما لم تقم ريبة والإنبات مثله. وقال ابن العربي: ينظر في المرأة قال ابن الحاجب: وهو غريب أراد به بعيد وكذلك أنكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام قائلا هو كالنظر لعين العورة وكذلك ابن القطان المحدث، ومعنى هذا لخليل لعله أطلق الغرابة على هذا لإنكار ابن القطان له وإن أراد أنه لم يقله غيره، وكثيرا ما يطلق المحدثون على الحديث الغرابة لهذا المعنى ففيه نظر لأن عبد الوهاب حكاه عن بعض شيوخه في كتاب الأحكام له لأنه قال ذلك في عيب المرأة في النكاح قال خليل، ولو قيل يحبس على الثوب كما قاله في العنة ما بعد. (ومن أصبح جنبا ولم يتطهر أو امرأة حائض طهرت قبل الفجر فلم يغتسلا إلا بعد

الفجر أجزأهما صوم ذلك اليوم): اعلم أن قول الشيخ فلم يغتسلا إلا بعد الفجر وهو وصف طردي وكذلك إذا لم يغتسلا، ولا خلاف أعلمه في المذهب أن صوم الجنب صحيح، وأما الحائض فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: أحدها: أن صومها يجزئ سواء أمكن الغسل قبل طلوع الفجر أم لا، وسواء اغتسلت أم لا، وهو المشهور. وقيل إنما يصح صومها إذا انقطع الدم عنها يزمان يمكن الغسل فيه قبل طلوع الفجر وإلا لم ينعقد صومها. وقيل إنما ينعقد صومها إذا اغتسلت قبل طلوع الفجر وإلا فلتقض وكلا هذين القولين لعبد الملك نقل ابن الحاجب عنه الأول. ونقل الثاني عنه أبو عمر بن عبد البر قال في المدونة: فإن شكت هل طهرت قبل الفجر أو بعده صامت وقضت واستقرئ منها فرعان: أحدهما: وجوب صوم الشك احتياطا ثم يقضي وهو للخمي، ورده ابن هارون بأن الشك في الحيض في زوال المانع مع تحقق السبب والشك في صوم يوم الشك وجود السبب. الثاني: أن الحائض لا يجب عليها تجديد نية الصوم وفيه خلاف تقدم. (ولا يجوز صيام يوم الفطر ولا يوم النحر ولا يصام اليومان اللذان بعد يوم النحر إلا المتمتع لا يجد هديا): ما ذكر أنه يصومها المتمتع الذي لا يجد هديا هو مذهب المدونة، روي عن مالك أنه لا يصومهما متمتع ولا غيره وبه قال أبو حنيفة والشافعي لثبوت النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام التشريق. (واليوم الرابع لا يصومه متطوع ويصومه من نذره أو من كان في صيام متتابع قبل ذلك): اختلف المذهب هل يجوز قضاء رمضان في الأيام المعدودات أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل جائز قاله أشهب، وقيل عكسه قاله في المدونة ونص عليه أشهب أيضًا، وقيل يجوز القضاء في الثالث فقط، وكذلك من أفطر وهذه الأقوال منصوصة في نذرها

(ومن أفطر في نهار رمضان ناسيا فعليه القضاء فقط وكذلك من أفطر فيه لضرورة من مرض): ما ذكر من وجوب القضاء هو المعروف وقال عياض مشهور مذهب مالك قضاء من أفطر في رمضان ناسيا، فظاهره أن في المذهب قولا بأنه لا يقضي وهو غر يب وقد قدمنا ذلك، وظاهر كلام الشيخ أنه لا كفارة عليه سواء كان فطره بجماع أو غيره وهو كذلك على المشهور بالإطلاق، وقال ابن الماجشون: تجب الكفارة إذا كان قطره بجماع، وبه قال الشافعي وأحمد ابن حنبل واحتجوا بحديث الأعرابي أنه أتى يضرب صدره، وينتف شعره ويقول هلكت وأهلكت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "وما ذاك"؟ قال جامعت أهلي في رمضان فأمره بالكفارة ولم يستفسره هل وقع ذلك منه سهوا أو

عمدا، وترك الاستفصال في محل السؤال ينزل منزلة العموم في المقال. وأجاب أصحابنا بأن قرينة الحال من الضرب والنتف تدل على أن الجماع كان عمدا على أنه نقل عن الشافعي أيضًا إن ترك الاستفصال في محل السؤال يكسوه ثوب الإجمال ويسقط به الاستدلال وهو أصل متنازع فيه بين أرباب الأصول. (ومن سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فله أن يفطر وإن لم تنله ضرورة وعليه القضاء والصوم أحب إلينا): قال ابن الحاجب: ويسوغ الفطر سفر القصر بالإجماع وظاهر كلامه سواء دخل عليه رمضان في الحضر ثم سافر أم لا وليس كذلك بل الإجماع من أهل العلم، إنما هو إذا دخل عليه رمضان وهو مسافر وأما إذا سافر بعد دخوله ففيه خلاف بينهم؛ حكاه ابن عبد البر ولقد أحسن أن رشد في قوله لا خلاف بني الأئمة أن السفر من مقتضيات الفطر على الجملة. ويريد الشيخ إن كان السفر غير سفر معصية على الصحيح في هذا الأصل وما ذكر أن الصوم أفضل هو قول مالك، وهو المشهور، وقيل الفطر أفضل قاله ابن الماجشون، وقيل هما سواء لا مزية لأحدهما على الآخر قاله مالك في سماع أشهب وعزاه ابن عطية لجل مذهب مالك وفي عزوه نظر. وقال ابن حبيب الصوم أفضل إلا في الجهاد للتقوي على العدو، كما جاء أن الفطر أفضل للحاج يوم عرفة للتقوي على المناسك وجعله اللخمي كالتفسير للمدونة. وظاهر كلام ابن يونس أنه لا خلاف ولا تعارض بين قولهم هنا في المشهور أن الصوم أفضل وبين قولهم القصر سنة على المشهور، لأن القصر تبرأ به الذمة كالإتمام بخلاف إذا أفطر في السفر فإن الذمة لم تزل عامرة، وتبعه على هذا غير واحد وهو جلي، وفرق ثان وهو أن الإتمام عند أبي حنيفة وجماعة من العلماء لا يجزي، وأجمع العلماء المعتبرون على إجزاء الصوم وهو أولى وهذا الفرق ذكره الفاكهاني وذكر فرقا ثالثا فانظره، ويريد الشيخ أن له الفطر إذا شرع في السفر في زمان انعقاد النية وأما لو سافر بعد طلوع الفجر فإنه لا يجوز له الفطر، وحكى ابن الحاجب قولا بأنه جائز فقال لم يجز إفطاره على الأصح ولم يحفظه ابن عبد السلام قائلا إن أكثر اعتماده في النقل عن ابن بشير والجواهر ولم يذكراه، ونظرت ما أمكنني اليوم من التآليف فلم أجد لهذا القول ذكرا ولا إشارة، ونقل ابن هارون كلام ابن عبد السلام هذا معبر عنه يقال

بعض أصحابنا واعترضه بأن الباجي حكاه عن ابن حبيب، وحكى عن ابن القصار أنه مكروه. (وكل من أفطر متأولا فلا كفارة عليه): يريد إذا كان تأويله قريبا، وأما التأويل البعيد فتجب فيه الكفارة، وقطع في المدونة بالتأويل القريب في أربع مسائل: ما ذكر الشيخ ومن أكل ناسيا فظن أن الفطر مباح له فأفطر وامرأة طهرت في رمضان ليلا فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت، ومسافر قدم إلى أهله ليلا فظن أن من لم يدخل نهارا قبل أن يمسي أن صومه لا يجزئ فأفطر، ثم قال ابن القاسم ما رأيت مالكا يرى الكفارة في شيء من هذا الوجه على التأويل إلا المفطرة على أنها تحيض، فتفطر ثم تحيض والمفطر على أنه يوم الحمى فيفطر ثم يحم، وجعل الشيخان ابن عبد السلام وابن هارون الاستثناء منقطعا وحملا قوله على أنه أراد به التأويل القريب. وقال ابن عبد الحكم: هما من التأويل القريب، وكذا إن اختلف فيمن رأى الهلال فلم يقبل فأفطر متأولا، واختلف في المسألة الثانية هل هي من التأويل القريب أم لا، وهو إذا أكل ناسيا فيتمادى متأولا على ثلاثة أقوال: أحدها ما تقدم وقيل تجب الكفارة، وقيل إن كان فطره بجماع وجبت وإلا فلا وكلاهما لعبد الملك وبالأول منهما قول المغيرة. (وإنما الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أو جماع مع القضاء): ظاهر كلامه الحصر لقوله وإنما الكفارة وهو كذلك، وقد تقدم قول ابن الماجشون أن من جامع ناسيا أن الكفارة تلزمه، ولا خلاف أن من أفطر متع مدا أنه يؤدب إذا لم يأت تائبا وأما إن جاء تائبا فالمختار العفو وأجراه اللخمي على الخلاف في شاهد الزور وساعده غيره على هذا التخريج، وفرق بعضهم بأن شهادة الزور من أكبر الكبائر فلعظم المفسدة فيها عوقب فاعلها وإن تاب، بخلاف المفطر عامدا في رمضان قال ابن عبد السلام: وتكليف الفارق بهذا لا يحتاج إليه إنه إن صح الفرقلا إشكال وإلا فالمانع من القياس وجود الحكم منصوصا عليه على خلاف مقتضى القياس، وعبر ابن هارون عن هذا بقوله قال بعض أصحابنا قائلا فيما قاله نظر لاحتمال أن يكون ترك العقوبة في الحديث لجهل الفاعل بالحكم أو لكونه حديث عهد بالإسلام فكان من النظر استئلافه والصفح عنه.

(والكفارة في ذلك إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فذلك أحب إلينا وله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين): ما ذكر الشيخ من أن التخيير في الثلاثة العتق والصوم والإطعام أحسن هو قول مالك من رواية مطرف وابن الماجشون وقالا به وهو أحد الأقوال السبع، وقيل التخيير فيها على السوية رواه ابن وهب وابن أبي أويس، وبه قال أشهب. وقيل العتق ثم الصيام ثم الإطعام كالظهار قاله ابن حبيب، وقيل العتق أو الصيام للجماع والإطعام لغيره قاله أبو مصعب وضعفه ابن عبد السلام بأن الحديث الذي هو أصل هذا الباب إنما كانت الكفارة فيه بالإطعام للجماع. وقيل: أهل اليسار يتعين في حقهم الصوم قاله يحيى بن يحيى أفتى به الأمير عبد الرحمن ذكره غير واحد كعياض في مداركه، وقيل يتعين الإطعام في الشدة والعتق في الرخاء نقله الباجي عن فتوى متأخري أصحابنا. وقيل إن الكفارة مخصوصة بالإطعام فقط ليس فيها عتق ولا صوم وتأول هذا على المدونة في قولها لا يعرف مالك غير الإطعام لا عتقا ولا صوما قال عياض ولا يحل تأويله عليه لأنه خرق للإجماع، ولم يقل به. قال القاضي عبد الوهاب: ولم يختلف العلماء أن الثلاث كفارة وإنما اختلف هل هي على التخيير أو على الترتيب، قال ابن هارون بعد أن نقل هذا الذي قلناه، فإذا كان هذا القول في الضعف والسقوط بهذه المنزلة لمخالفة الإجماع فكيف ينبغي لابن الحاجب أن يجعله المشهور، فعليه في ذلك درك، وما ذكر الشيخ أن الكفارة تكون بمده عليه السلام هو نص المدونة ولا أعلم فيه خلافا. (وليس على من أفطر في قضاء رمضان متعمدا كفارة): ما ذكر لا خلاف فيه وإنما اختلف هل يقضي يوما واحدا أو يومين؟ قال مالك في كتاب الظهار من المدونة يقضي يوما واحدًا، ونحوه عن ابن القاسم في العتبية رواه عنه سحنون. وقال في كتاب الحج منها أن عليه يومين واختلف إذا أفطر في قضاء القضاء، فقيل عليه يومان وقيل يوم واحد، وكلاهما لمالك حكاهما ابن يونس وحكى ابن عات أن عليه ثلاثة أيام. (ومن أغمي عليه ليلا فأفاق بعد طلوع الفجر فعليه قضاء الصوم ولا يقضي من الصلوات إلا ما أفاق وقتها):

اعلم أنه إذا أغمي عليه كل النهار فإنه يقضي مطلقا على المشهور وقيل إن كان بمرض وإلا فلا قاله ابن هارون وهو ظاهر المدونة لقولها وإن أغمي نهاره كله أجزأه وإن كان ذلك إغماء لمرض به لم يجزه لقيده بالمرض، وأما إذا أغمي بعد انعقاد الصوم وكان يسيرا فلا أثر له وظاهر كلام اللخمي أنه متفق عليه وليس كذلك بل حكى ابن يونس عن عبد الملك أنه يقضي في القليل والكثير، وإما إذا أغمي عليه نصف النهار أو أكثره ففي ذلك أربعة أقوال: فقيل يجزئه، وقيل لا وقيل يجزئه في النصف ولا يجزئه في الأكثر قاله مالك في المدونة، وقال أشهب بأثره هذا استحسان ولو اجتزأ به ما رغب عنه. (وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه ويعظم من شهر رمضان ما عظم الله سبحانه): ينبغي هنا على الوجوب وإنما خصص الشيخ ذلك برمضان وإن كان غيره كذلك، لأن المعصية تغلظ بالزمان والمكان فمن عصى الله تعالى في الحرم فهو أعظم من الجرأة ممن عصاه خارجا عنه، ومن عصاه بمكة فهو أعظم ممن عصاه خارجا عنها، ومن عصاه بمسجدها فهو أعظم ممن عصاه خارجا عنه، ومن عصاه في الكعبة فهو أعظم مما قبله. وهذا الذي قلناه كان يذهب إليه بعض من لقيناه ممن تولى قضاء الجماعة في تونس، ولقد زاد في حد الخمر عشرين سوطا لرجل أخذ وهو سكران بمقربته من جامع الزيتونة بتونس حرسها الله تعالى لحرمة الجامع، وفي هذا الأخير نظر لأن الحدود لا يزاد عليها لا يقال إنهما أمران لأنه يلزم عليه الزيادة على الحد لمن شرب الخمر بالمدينة ومكة ولا علم أحدا نص على ذلك، وظاهر كلامهم نفيها، نعم الأدب يغلظ بالزمان والمكان. (ولا يقرب الصائم النساء بوطء ولا مباشرة ولا قبلة للذة في نهار رمضان ولا يحرم ذلك عليه في ليله ولا بأس أن يصبح جنبا من الوطء): أما الوطء فالإجماع عليه ولو لم يذكره لكان أحسن لأن كلامه يدل عليه من باب أحرى، واعترض ابن الفخار كلام الشيخ لأن ظاهره يقتضي إباحة القبلة لغير اللذة قائلا: وقد تحدث اللذة وإن لم يقصدها والصواب منعها مطلقا، وقد كان بعض السلف بهجر منزله في نهار رمضان. وقالت عائشة رضي الله عنها "وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وظاهر كلام الشيخ أن القبلة منهي عنها سواء كان في فرض أو تطوع لشيخ أو شاب وهو

كذلك في المشهور، والمراد بذلك على وجه الكراهة، وقيل إنها مباحة للشيخ وتكره للشاب رواه الخطابي عن مالك، وقيل إنها مباحة في النفل مطلقاً وتمنع في الفرض رواه ابن وهب، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها عياض في الإكمال. وقسم غير واحد القبلة والمباشرة والملاعبة على ثلاثة أقسام: فإن علم من نفسه السلامة لم تحرم وعكسه عكسه وإن شك ففي ذلك قولان: الكراهة والتحريم وقال ابن هارون والذي عني أنه إن شك في خروج المني فالظاهر التحريم وإن شك في المذي فالظاهر الكراهة، وظاهر كلام الشيخ أن الفكرة والنظر ليس منهيا عنهما وجعلهما ابن الحاجب كالقبلة ونحوها وجعل اللخمي النظر المستدام كالقبلة، وقال ابن بشير لا يختلف أنهما لا يحرمان وإنما اختلف في القبلة والمباشرة هل تحرم أم تكره أو يفرق بين الشيخ والشاب وبين الواجب وغيره. (ومن التذ في نهار رمضان بمباشرة أو قبلة فأمذى لذلك فعليه القضاء و‘ن تعمد ذلك حتى أمنى فعليه الكفارة): ظاهر كلام الشيخ إن التذ بقبلة فلا شئ عليه، وهو كذلك وظاهره إذا أنعظ ولم يخرج منه شئ أنه لا يقضي وهو كذلك في أحد القولين، وظاهر كلامه أنه يلزمه وإن لم يستدم وهو كذلك وظاهره إذا أنعظ، ولم يخرج منه شئ أنه لا يقضي وهو كذلك في أحد القولين، وظاهر كلامه أنه يلزمه وإن لم يستدم وهو كذلك في قول. والملاعبة والمباشرة مثل ما تقدم إلا أن الكفارة تجب في المني من غير تفصيل بين استدامة وغيرها على المشهور، وأسقط أشهب الكفارة فيه مع عدم الاستدامة نقله الباجي. (ومن قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه: وإن قمت فيه بما تيسر فذلك مرجو فضله وتكفير الذنوب به والقيام فيه في مساجد الجماعات بإمام ومن شاء قام في بيته): اختلف في قيام رمضان فقيل: فضيلة قال ابن حبيب، وقيل: سنة قاله أبو عمر بن عبد البر. ومعنى قول الشيخ إيمانا أي تصديقا ومعنى احتساباً أي خالصا لله ويريد بالمغفرة الصغائر، وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، ويريد أيضاً فيما بين العبد

وربه وأما ذنوب الخلق فلا ب من التحليل لأربابها. قال بعض من شرح كلام الشيخ، وهذا الموضوع هو أحد ما تغفر بسببه الذنوب ومثله المصلي للجمعة والمريض والحاج والمجاهد والمفطمة لولدها والكافر يسلم زاعما أن الحديث ورد بذلك، ولا شك أن ما ذكره في الكافر صحيح يل عليه قوله عليه السلام " الإسلام يجب ما قبله " والمجاهد قد علمت ما جاء فيه من الحث وإليك النظر في بقيتها. (وذلك أحسن لمن قويت نيته): ما ذكر أن صلاة المنفرد أحسن هو المشهور، وقيل قيامه في المساجد أفضل ولا يبعد أن يكون سبب الخلاف ما تقدم من حكمه هل هو فضيلة أو سنة، وهذا الخلاف عند غير واحد إنما هو ما لم تتعطل المساجد وظاهر كلام بعضهم أن الخلاف عموما، وهذا على سبب الخلاف المتقدم، ونقل أبو عمر بن عبد البر في التمهيد عن الطحاوي أنه قال، أجمعوا على منع تعطيل المساجد منه، قال مالك وختم القرآن فيه ليس بسنة وقال ربيعة إن أمهم فيه بسورة أجزأهم وكلا المقالتين في المدونة قال اللخمي والختم أحسن. (وإن كان السلف الصالح يقومون فيه في المساج بعشرين ركعة ثم يوترون بثلاث ويفصلون بين الشفع والوتر بسلام ثم صلوا بعد ذلك ستا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر وكل ذلك واسع ويسلم من كل ركعتين): ويذكر عن ابن شعبان أنه يكره تقسيط القرآن ليوافق الختم ليلة سبع وعشرين ذكره في كتاب البيوع، ونقل ذلك عنه ابن أبي يحيى عند تكلمه على هذا المحل، قال التادلي، وهذا خلاف قول مالك أنه يقام بتسع وثلاثين ركعة، وذكر اللخمي عن مالك أنه قال الذي آخذ به ما جمع عمر عليه الناس إحدى عشرة ركعة، وقال ابن حبيب رجع عمر إلى ثلاث وعشرين ركعة. (وقالت عائشة رضي الله عنها: ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على اثنتي عشرة ركعة بعدها الوتر): قال بعض الشيوخ: يريد في الأغلب وإلا فقد روي عنها أنه أوتر بخمس عشرة، وروي عن غيرها من أزواجه أنه رجع إلى تسع ثم إلى سبع وليس اختلافا كما ظنه بعضهم، وإنما هو اختلاف في حال فإنه كان عليه الصلاة والسلام أول ما يبدأ به إذا دخل بيته بعد العشاء بتحية البيت، وإذا قام يتهجد يفتتح ورده بركعتين خفيفتين

باب في الاعتكاف

لينشط وإذا خرج لصلاة الصبح ركع ركعتي الفجر، فتارة عدت جميع ما يفعله في ليله وذلك سبع عشرة ركعة. وتارة أسقطت ركعتي الفجر لأنهما ليستا من الليل فعدت خمس عشرة وتارة أسقطت تحية المسجد فعدت ثلاث عشرة وتارة أسقطت الركعتين الخفيفتين فعدت إحدى عشرة ركعة، قلت وهذا أحسن في الفقه لأن الفقه جمع أحاديث الباب على حسب الاستطاعة على أن ما ذكر لا يتناول ما نقل الشيخ عن عائشة رضي الله عنها. باب في الاعتكاف

الاعتكاف في اللغة هو اللزوم مطلقاً، وفي الاصطلاح قال ابن الحاجب: هو لزوم المسلم المميز المسجد للعبادة صائما كافا عن الجماع ومقدماته يوماً فما فوقه بالنية واعترضه ابن عبدالسلام من ثلاثة أوجه: أحدها: أن قوله المسلم كالمستغنى عنه بقوله للعبادة صائما إذا علم أن العبادة والصوم لا يصحان إلا من المسلم. الثاني: أن قوله للعبادة فيه إجمال إذ من العبادة ما ليس للمعتكف فعله. الثالث: أن قوله الجماع مستغنى عنه لاستلزام الكف عن مقدماته الكف عنه، قلت واعترضه أيضاً بعض شيوخنا بأنه يخرج عنه إذا اعتكف يوماً مثلا فخرج فيه لحاجة الإنسان فإن اعتكافه يجزئ وحده يدل على خلاف ذلك فكلامه غير جامع. (والاعتكاف من نوافل الخير): اختلف في حكم الاعتكاف على أربعة أقوال: أحدها: ما قاله الشيخ ونحوه قال القاضي عبدالوهاب هو قربة وقال ابن العربي في العارضة هو سنة ولا يقال فيه مباح وقول أصحابنا في كتبهم جائز جهل قلت ليس بجهل وإنما يذكرون ذلك لنفي ما يتوهم من كراهته، وقال ابن عبد البر في الكافي هو في رمضان سنة وفي غيره جائز، وقال ابن عبدوس روى ابن نافع ما رأيت أحدا من أصحابنا اعتكف، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبض وهم أشد اتباعا فلم أزل أفكر حتى حدث بنفسي أنه لشدته لأن نهاره وليله سواء كالوصال المنهي عنه مع وصاله صلى الله عليه وسلم، فأخذ ابن رشد منه كراهية مالك له ولا خلاف أن الاعتكاف يصح من الصبي المميز وكذلك من المرأة والعبد إن أذن الزوج والسيد ولا خلاف أنها إذا دخلا في الاعتكاف بإذنهما لم يكن لهما قطعه عليهما، واختلف إذا لم يدخلا وبدا للزوج والسيد في إذنهما فظاهر المدونة أن لهما الرجوع، قال فيها وإن أذن لعبده أو لامرأته في الاعتكاف فليس له قطعه عليهما إذا دخلا فيه. وبه قال ابن شعبان وحكى عياض عن مالك أنه ليس لهما رجوع ولا خلاف أن المكاتب لا يمنع من الاعتكاف اليسير ويمنع من الكثير. (والعكوف الملازمة): قد تقدم حد الاعتكاف فأغنى عن إعادته ولو أخر إلى ههنا لكان أحسن وفي

كلام الشيخ تقديم التصديق قبل التصور بحسن الجواب المشهور هنا، وبقية الأجوبة سبقت عند قوله أو لما يخرج من الذكر من مذي فانظرها. (ولا اعتكاف إلا بصيام): يريد لا الاعتكاف يجزئ إلا بصوم وهذا هو المشهور من المذهب، وقال ابن لبابة ليس من شرطه الصوم وهو قول الشافعي، وعلى الأول فإن كان اعتكافه تطوعا فلا يفتقر إلى صوم يخصه بل يصح إيقاعه في رمضان أو غيره بلا خوف، وإن كان منذورا فقال ابن عبد الحكم: كالأول وقيل لا بد من صوم يخصه قاله ابن الماجشون وسحنون وعزا الباجي الأول لمالك وتعقبه ابن زرقوم بعدم وجوده له، وهو ضعيف لما قد علمت من أنه من حفظ مقدم على من لم يحفظ لثقة الناقل واطلاعه على ما لم يطلع عليه الآخر ولم يحك اللخمي غير الثاني، وقيده بكون الناذر نوى أنه لا يكون إلا في صوم غير واجب ولم يعلم صحته في واجب أو جهل شرط الصوم فيه صح في واجبه، وسبب الخلاف هل الصوم ركن فناذر الاعتكاف ناذر لجميع أجزائه ومنها الصوم، وهو شرط فكما يصح له إيقاع الصلاة المفروضة المنذورة بطهارة أتى بها لغيرها فكذلك هنا. (ولا يكون إلا متتابعاً): يعني كما إذا قال لله تعالى علي اعتكاف عشرة أنه يلزمه تتابعها، قال ابن عبد السلام: والأقرب عندي مذهب المخالف أنه لا يلزمه ذلك لأن النذر المطلق أعم من المتتابع وغيره فلا يلزمه الآخر وكما في صيام هذا في حق الناذر، فأحرى في حق غير الناذر والله أعلم. (ولا يكون إلا في المساجد كما قال الله سبحانه): المشهور من المذهب أن المسجد لا بد منه في الاعتكاف، وخالف فيه ابن لبابة أيضاً فقال يصح الاعتكاف في غير المسجد، ولا يلزم ترك المباشرة إلا فيه قال ابن رشد وهو شذوذ، وعلى الأول فهل هو ركن نص عليه ابن العربي في القبس، وهو ظاهر كلام غيره، وقيل إنه شرط قاله في الذخيرة ولم يظهر لي أين تظهر ثمرة هذا الخلاف في هذا الباب، واختلف هل المستحب عجزه أو رحبته أم لا؟ فقيل بما ذكر رواه ابن عبدوس قال لم أره إلا في عجزه، وقيل المستحب في رحبته رواه ابن وهب قال لم أره إلا في رحبته، وقيل هما سواء.

قال اللخمي: وهو مذهب المدونة واعترضه بعض شيوخنا لأن نصها لا بأس به في رحابه وليعتكف في عجزه فظاهرها كالأول والرحبة هي صحنه قاله الباجي، ونص في الموطأ على أنه لا يعتكف فوق ظهر المسجد، ونقل ابن الحاجب قولاً بأنه يعتكف فيه ونصه: والمسجد ورحابه سواء بخلاف السطح على الأشهر وقبله ابن عبدالسلام، فقال: اضطرب المذهب في إلحاق السطح بحكم ما تحته في الاعتكاف والجمعة وحكموا بالحنث على من حلف أن لا يدخل بيتا فصعد على سطحه وجعلوه حرزا يقطع من سرق منه ثوباً منشورا عليه، قلت وغمز بعض شيوخنا القول المقابل الأشهر بقوله نظرت ما أمكنني من التأليف قديما وحديثا فلم أقف عليه. (فإن كان في بلد الجمعة فلا يكون إلا في الجامع إلا أن ينذر أياماً لا تأخذه فيها الجمعة): المطلوب إذا نذر أياماً تأخذه فيها الجمعة أنه لا يعتكف إلا في الجامع إن كان من أخل الجمعة، فإن اعتكف في غيره خرج، واختلف هل يبطل اعتكافه أم لا؟ فقيل يبطل قاله مالك في المجموعة، وقيل إنه يصح ولا يؤثر خروجه شيئاً كما إذا خرج لغسل الجنازة أو لشراء طعامه قال ابن عبدالسلام، ولا يخفى عليك الفرق يريد أن اعتكافه في غير الجامع مع قدرته على الاعتكاف فيه أمر اختياري بخلاف خروجه لما ذكر فإنه ضروري على القول الثاني فقيل يتم في الجامع قاله مالك وابن الجهم وقيل يتم بمكانه أولا قاله عبد الملك. (وأقل ما هو أحب إلينا من الاعتكاف عشرة أيام): ظاهر كلام الشيخ أن الزيادة على عشرة أيام جائزة وهو كذلك إلا أن كلامه يقتضي عدم التحديد، وقال ابن رشد، على القول به أكثره شهر ويكره ما زاد عليه، وقيل إن أقل الاعتكاف المستحب في المسجد يوم وليلة وأعلاه عشرة أيام قاله ابن حبيب والقولان حكاهما ابن رشد وقيل إن أقله ثلاثة أيام حكاه ابن عبد البر عن رواية ابن وهب، وفي المدونة، قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال: أقل الاعتكاف يوم وليلة فسألته عنه، فأنكر وقال أقله عشرة أيام وبه أقول قال ابن رشد أي أقول مستحبه لا واجبه إذ يلزم من نذر الاعتكاف أقل من عشرة أيام العشرة اتفاقاً وناذر مبهمه يلزمه على الأول يوم وليلة وعلى الثاني عشرة أيام في قول مالك. قلت: يظهر من كلامه التناقض لأنه جعل في نذر المبهم يلزمه عشرة أيام في

قول، وذلك يدل على أن قوله أقل حمله على الوجوب بخلاف قوله أولا، وبالجملة فإن عنى مالك رحمه الله تعالى بقوله أقل الاعتكاف بالنسبة إلى الكمال فيلزم أن يكون قائلاً بأن أقل من يوم وليلة يجزئ كما هو ظاهر قول ابن حبيب المقدم، وقد علمت قول المتأخرين لا خلاف أن أقل من يوم وليلة لا يجزئ لا على من لا يشترط الصوم، وممن صرح بهذا ابن عبد السلام قائلاً، وكذلك من يرى الصوم شرطا وليس بركن فإنه يجزئ أقل من ذلك، وإن عنى بقوله أقل الاعتكاف بالنسبة إلى الإجزاء فيلزم ما صرح به ابن رشد، وكان بعض من لقيته من التونسيين يحمل المقالة الأولى على أن مالكاً فهم من السائل أنه أراد بالنسبة إلى أقل الإجزاء في الأولى، والمقالة الثانية على الكمال وهو ضعيف كما ترى لأن فيه التوهيم لابن القاسم لأن ظاهر كلامه كالنص في أن قول مالك اختلف في أقله ألا ترى إلى قوله وبه أقول. (ومن نذر اعتكاف يوم فأكثر لزمه وإن نذر ليلة لزمه يوم وليلة): ما ذكر هو قول ابن القاسم في المدونة، وقال سحنون لا يلزمه وصوبه اللخمي بأنه إن صح ما نذره أتى به وإلا سقط، قال ويلزم ابن القاسم أن من نذر ركعة أو صوم بعض يوم أن يلزمه ركعتان وصوم يوم ورد بعض شيوخنا قوله وإلا سقط قائلاً بل يجب لأن ما لم يتوصل إلى الواجب إلا به وهو مقدور عليه فهو واجب قال وظاهر كلامه بطلان ما ألزمه ابن القاسم وليس كذلك بل هو حق يؤيده ما تقدم لابن رشد فيمن نذر اعتكافا مبهما. (ومن أفطر فيه متعمداً فليبتدئ اعتكافه): ظاهر كلامه أنه لو أفطر فيه ناسيا أنه يبني وهو كذلك ويصله باعتكافه ولا خلاف في النذر، وإن كان في التطوع فقال ابن القاسم وعبد الملك يقضي زاد عبد الملك ويتم صوم يومه وقال ابن حبيب لا قضاء عليه، وإذا أمر بوصله باعتكافه فنسي فظاهر المدونة أنه يبتدئ قال فيها فإن لم يصله استأنف فظاهرها ولو سهواً، ومثله قولها في كتاب الطهارة وناقضوا ما ذكر بما له في كتاب الطهارة إذا رأى نجاسة في ثوبه فنسي أن يغسلها حتى صلى قال يعيد في الوقت فق عذره بالنسيان الثاني، ولو لم يعذره لأعاد أبداً، وفرق المغربي بأن النجاسة الأمر فيها ضعيف إذا قيل في حكمها، إن غسلها مستحب والصواب عندي في الفرق هو أن النجاسة إنما تزال عند إرادة التلبس بالصلاة فالرواية الأولى كالعدم بخلاف المسائل المذكورة كغسل الجمعة فإن غسلها

يطلب وفورا لذاتها فيناسب عدم العذر بها. (وكذلك من جامع فيه ليلا أو نهارا ناسيا أو متعمداً): اعلم أن ذكر الجماع طردي بل وكذلك القبلة والمباشرة، قال في أول اعتكاف من المدونة فإن أفطر عامدا أو جامع في ليل أو نهار ناسيا أو قبل أو باشر ولمس فسد اعتكافه وابتدأه وظاهرها وإن لم تحصل لذة وهو ظاهر قول مطرف، وشرط اللخمي في بطلانه للقبلة والمباشرة وجود اللذة، وقال أبو عمران وطء المكرهة كالمختارة قال ابن يونس والنائمة كاليقظانة، وأما الاحتلام فهو لغو قال عياض وتقبيله مكرها لغو إن لم يلتذ، وفي إبطاله بالكبائر التي تبطل الصوم كقذف، أو شرب قليل خمر ليلا قولان: فذهب البغداديون إلى البطلان وذهب المغاربة إلى عدمه. (فإن مرض خرج إلى بيته فإذا صح بنى على ما تقدم): يعني أن المريض إذا عجز عن الصوم فإن له أن يخرج وسواء قدر على المكث في المسجد أم لا يدل على ذلك عطف الحائض عليه وهو كذلك رواه في المجموعة، وقيل إن قدر على المكث في المسجد فإنه لا يخرج قاله القاضي عبدالوهاب ولا خلاف أنه إذا عجز عن المكث في المسجد أنه يخرج، وكذلك إذا أصابه إغماء وجنون فإن من حضره يخرجه منه. (وكذلك إن حاضت المعتكفة وحرمة الاعتكاف عليهما في المرض وعلى الحائض في الحيض): يعني أنها تخرج وعلى تخريج اللخمي أن الحائض إذا استثفرت تدخل المسجد وتجلس فيه قياساً على قول ابن مسلمة في الجنب يكون حكمها كحكم المريض والله أعلم. (فإذا طهرت الحائض أو أفاق المريض في ليل أو نهار رجعا ساعتئذ إلى المسجد): ما ذكر من أنهما يرجعان حينئذ مثله في المدونة فناقضها غير واحد بقولها من اعتكف في بعض العشر الأواخر من رمضان ثم مرض فخرج ثم صح قبل الفطر بيوم فليرجع إلى معتكفه، ولا يبيت يوم الفطر في المسجد ويخرج فإذا مضى يوم الفطر عاد إلى معتكفه فمنعه من الرجوع إلى المسجد لكونه غير صائم، وفرق ابن محرز بخوف إيهام صوم يوم الفطر وفرق التونسي بعدم قبوله الصوم ورأى اللخمي وعياض أنه تناقض.

(ولا يخرج المعتكف من مكتفه إلا لحاجة الإنسان): لا خصوصية لما ذك بل وكذلك يخرج لغسل الجنابة والوضوء وغير ذلك وبالجملة فإنه يخرج للأمر الضروري، وقال الباجي يستحب كون الحاجة في غير داره وقال ابن كنانة لا يدخل بيته ويتوضأ في غيره، وفي المدونة أكره دخوله في بيته خوف الشغل به، وكان بعض من مضي يتخذ بيتا قرب المسجد غير بيته ويخرج القريب حيث يتيسر عليه ولا يخرج لعيادة مريض ولا حكومة ولا لأداء شهادة، وفي العتبية عن مالك إذا مرض أحد أبويه فليخرج إليه ويبتدئ اعتكافه، وقال في الموطأ لا يخرج لجنازتهما قال ابن رشد لأنه غير عقوق ووجهه ما في العتبية فإن بر أبويه يفوت واعتكافه لا يفوق، قال في المدونة ولا ينتظر غسل ثوبه ولا تجفيفه ويستحب له أن يتخذ ثوباً غير ثوبه إذا أصابته جنابة، وروى ابن نافع لا يعجبني إن أجنب أول الليل أن يؤخر غسله للفجر ويريد بقوله لا يعجبني على التحريم لحرمة بقاء الجنب في المسجد. (وليدخل معتكفه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يبتدئ فيها اعتكافه): يريد أن ذلك على طريق الاستحباب ولو دخل عند الغروب لأجزأه لقول المدونة: من اعتكف في الشعر الأواخر من رمضان دخل معتكفه حين تغرب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ومثل قولها نقل أبو محمد من المجموعة من رواية ابن وهب، وذهب البغداديون إلى أنه لا يشترط دخوله عند الغروب بل قبل الفجر فقط، والمعروف أن من دخل بعد الفجر لا يعتد بيومه، وقال اللخمي أرى أن يدخل عند طلوع الفجر لقوله عائشة رضى الله عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر وكنت أضرب له خبء فيصلى الصبح ثم يدخله" قال بعض شيوخنا وهو وهم منه لأن الضمير للخباء لا للاعتكاف، وفي رواية مسلم "إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه" أي محل اعتكافه وقاله عياض: (ولا يعود مريضاً ولا يصلي على جنازة ولا يخرج لتجارة، ولا شرط في

الاعتكاف): ما ذكر أنه لا يعود مريضاً هو نص المدونة قال فيها: إلا أن يغشاه بمجلسه فلا بأس أن يسلم عليه وما ذكر أنه لا يصلي على جنازة يريد بذلك على طريق الكراهة لقوله المدونة: لا يعجبني أن يصلى على الجنازة وإن كانت في المسجد قال ابن نافع عنه، وان انتهي اليه زحام المصلين عليها قال عياض: وهذا يدل على جواز دخول الجنازة في المسجد، وقد كرهه في كتاب الجنائز قال، وإنما كرهه خوف ما يخرج من الفضلات، وفي كتاب الرضاع ما يدل على أن ذلك لا يجوز فإن الآدمي ينجس بالموت كما يقول ابن شعبان، وهي مسألة اختلف الناس فيها، قلت قال بعض العراقيين: ظاهر المذهب الطهارة وهو الذي تعضده الآثار من تقبيله عليه الصلاة والسلام عثمان بن مظعون وصلاته على ابن بيضاء في المسجد. وكذلك صلاة الحابة بعده على أبي بكر وعمر في المسجد وكلام عائشة المشهور من أجل سعيد بن أبي وقاص، ولا خلاف أن المعتكف يحاكي المؤذن وفرق بين الحكاية والصلاة على الجنازة بثلاثة فروق: أحدها: أن صلاة الجنازة فرض كفاية فلم تتعين عليه، وحكاية المؤذن يخاطب بها كل واحد وهو يحسن لو كانت حكاية المؤذن واجبة. الثاني: أن حكاية المؤذن ذكر من جنس الصلاة بخلاف صلاة الجنازة. الثالث: الحكاية أمرها قريب بخلاف الصلاة لطولها. (ولا بأس ان يكون إمام المسجد): ما ذكره هو المشهور وبه قال سحنون وعنه يمنع أن يكون إماماً في فرض أو

نفل والقولان حكاهما عياض في الإكمال عنه وعلى الأول فإنه لا يكون إماماً ليلة المطر لمكثه في المسجد بل يجمع مأموماً نص عليه عبدالحق، وظاهره أو نصه التحريم، وقل ابن عبدالسلام: استحب بعضهم للإمام المعتكف أن يتخلص من يصلي بالناس، ويصلي وراء المتخلف قال فضل، واختلف قول مالك هل يؤذن المعتكف في المسجد أم لا؟ واختلف في صعوده المنار ليؤذن على ثلاثة أقوال، ثالثها يكره. (وله أن يتزوج ويعقد نكاح غيره): وفرق بين المعتكف والمحرم بأمرين وهما: إما لأن مفسدة الإحرام أعظم وإما لأن المحرم غير معتزل عن النساء بخلاف المعتكف. (ومن اعتكف أول الشهر أو وسطه خرج من اعتكافه بعد غروب الشمس من آخره وإن اعتكف بما يتصل فيه اعتكافه بيوم الفطر فلبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى): يعني بقوله فليبت على طريق الاستحباب وإليه ذهب ابن القاسم، وذهب عبدالملك إلى وجوبه واختلف في ذلك قول سحنون، وفي المذهب قول ثالث أنه يخرج عند الغروب من ليلة الفطر رواه ابن القاسم.

باب في زكاة العين والحرث والماشية

باب في زكاة العين والحرث والماشية (وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين) الزكاة في اللغة: لها معنيان: أحدهما النمو لقوله زكا الزرع وغيره يزكوا إذا نما. الثاني: التطهير لقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) [التوبة: 103] ، وحقيقتها في الشرع: قال بعض شيوخنا: الزكاة اسم لجزء من المال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصاباً ومصدراً إخراج لجزء إلى آخره. واعلم أن الزكاة وردت في الشرع بألفاظ مختلفة فمنها الصدقة قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) [التوبة: 103] ومنها الإنفاق (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) [التوبة: 54] ومنها العفو قال تعالى: (خذ العفو) [الأعراف: 199] ومنها الماعون قال تعالى: (ويمنعون الماعون) [الماعون:7]. (زكاة العين والحرث والماشية فريضة):

الزكاة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، أما بالكتاب فقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة) [البقرة: 43] ، (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) [التوبة: 34] والكنز في الآية هو المال الذي لم تؤد زكاته وإن لم يدفن، وأما السنة فقوله عليه السلام "بني الإسلام على خمس" فذكر منها "الزكاة" وأجمعت الأمة على ذلك فمن كذب بذلك فقد كفر ومن امتنع من أدائها وأقر بوجوبها أخذت منه كرها وأبعد قول ابن حبيب تاركها كافر، واختلف هل تفتقر إلى نية أم لا؟ فالأكثر على أنها تفتقر، وقيل إنها لا تفتقر وأخذ ذلك من القول الشاذ أن الفقراء شركاء لأن وصول الشرط إلى حقه مما بيد شريكه لا يشترط فيه لا نية القابض ولا نية الدافع، ومن قول أهل المذهب: الممتنع من أداء الزكاة تؤخذ منه كرها وتجزئه مع ظهور المنافاة بين الإكراه بين التقريب ورده ابن القصار بأنه يعلم فنحصل النية، وألزم إذا لم يعلم، وقال ابن العربي في الزكاة المأخوذة كرها أنها تجزيه ولا يحصل الثواب. (فأما زكاة الحرث فيوم حصاده والعين والماشية ففي كل حول مرة): المشهور من المذهب أن الزكاة تجب بالطيب المبيح للبيع، وقال المغيرة تجب بالخرص، وقال ابن مسلمة تجب بالجداد والحصاد وهو مذهب الشيخ، وحكى اللخمي قولاً إنها تجب باليبس، وقال ابن بشير سمعناه في المذكرات، وفائدة هذا الخلاف تظهر فيمن باع او ماتت او عتق فيما بين ذلك. (ولا زكاة من الحب والتمر في أقل من خمسة أوسق وذلك ستة اقفزة وربع قفيز والوسق ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعة أمداد يمده صلى الله عليه وسلم): المشهور من المذهب أن الزكاة تجب في كل مقتات متخذ للعيش غالباً وقيل تجب في كل ما يخبز من الحبوب فتخرج القطاني على هذا القول، وقال ابن الماجشون بالقول الأول مع كونها تجب في كل ذي أصل من الثمار كالرمان والتفاح، وقول الشيخ وذلك ستة أقفزة وربع قفيز يعني بأفريقية في زمانه، وصرح بذلك سحنون.

أيضاً، وقال ابن الحاجب والصاع خمسة أرطال وثلث والرطل مائة وثمانية وعشرون درهماً، والدرهم سبعة أعشار المثقال، والمثقال اثنان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة من الشعر المطلق، قال ابن عبدالسلام: تبع في نقله هذا ابن شاس وابن شاس تبع في ذلك عبدالحق صاحب الأحكام على خلل في نقل ابن شاس وأظنه كان في نسخته، ونقله عبدالحق المذكور عن كلام ابن حزم، وقد انفرد بشئ شذ فيه على عادته بل خالف الإجماع على ما نقله ابن القطان وغيره وذلك انه جعل وزن الدينار اثنين وثمانين حبة وثلاثة أعشار حبة من الشعير المطلق، والدرهم سبعة أعشاره وكون الدرهم سبعة أعشاره، وهذا المثقال الذي ذكره متفق عليه، وأما وزن الدينار فهو الذي خالف فيه الناس، بل قال جميعهم أن وزن الدينار اثنان وسبعون حبة، والدرهم سبعة أعشاره وهو خمسون حبة وخمساً حبة من الشعير المطلق. (ويجمع القمح والشعير في الزكاة وكذلك السلت فإذا اجتمع من جميعها خمسة أوسق فليزك ذلك): ما ذكره في القمح والشعير هو كذلك على منصوص الذهب قاله ابن بشير يعني ويتخرج من خلال ابن القاسم السيوري وتلميذه عبدالحميد الصائغ ان الشعير جنس آخر بالنسبة الى القمح في باب الربا، ورده بعض شيوخنا بتفريق الموطأ بين الزكاة والربا في الذهب والفضة واختلف في العلس فالأكثر على تعلق الزكاة به وحكي ابن عبدالبر عن ابن عبدالحكم أنها لا تتعلق به، وحكي ابن زرقون عن مطرف عن مالك، وعلى الأول فقيل يلحق بما ذكر الشيخ قال الشيخ قاله ابن كنانة وغيره، وقيل أنها لا تلحق قاله ابن وهب وغيره. (وكذلك تجمع أصناف القطنية وكذلك تجمع أصناف التمر وكذلك أصناف الزبيب): اعلم أن قول مالك اختلف في القطاني في البيوع فقال: مرة هي جنس واحد يحرم التفاضل بين أنواعها ومرة أجازه بناء على أنها أجناس قال ابن بشير واختلف المتأخرون هل يجري هذه الخلاف في الزكاة أم لا؟ فرأي القاضي عبدالوهاب جريانة، وقال الباجي: الصواب أنه لا يجري وعول على ما ذكره مالك في الموطأ في أن الدنانير والدراهم جنسان في الربا ويضاف بعضها إلى بعض في الزكاة بلا خلاف قلت، ونقله اللخمي عن القاضي قي إنها أجناس كالبيوع وتبعه ابن الحاجب فقال، وفي القطاني.

الضم على المشهور بخلاف الربا، واختلف في الكرسنة فقيل هي من القطاني وقيل لا فتسقط الزكاة فيها قاله يحيي بن عمر ومالك وصوبه بعض الشيوخ لأنها علف لا طعام وهي البسيلة قاله الباجي. (والأرز والدخن والذرة كل واحد صنف لا يضم إلى الآخر في الزكاة): ما ذكر الشيخ هو المشهور وهو ظاهر لتباين مقاصدها واختلاف صورها في الحلقة، وقيل هي جنس واحد، والمعروف لأنها لا تضاف إلى القمح والشعير والسلت في الزكاة وقال الليث هي معها جنس واحد، وقال اللخمي وهي أقيس لاتفاق المذهب على أن أجناس جميع هذه الستة صنف يحرم التفاضل فيه والغالب من هذه الحبوب أنها تستعمل خبزاً فقد استوت فيما هو مقصود منها. (وإذا كان في الحائط أصناف من التمر أدي الزكاة عن الجميع من وسطه): ظاهر كلامه ولو كان صنفاً واحداً كجعرور وغيره فإنه يؤخذ منه بحسابه وهو كذلك قال مالك في المدونة، وقيل إنه يؤخذ منه وإن كان مختلفاً وهو قول مالك في كتاب محمد واختاره اللخمي، وقيل يؤخذ من الوسط وإن كان كله جيداً أو رديئاً كلف الوسط قاله مالك في المجموعة وقاله ابن حبيب وابن نافع، وأما الحب فيؤخذ منه كيف كان باتفاق قاله ابن الحاجب قال ابن عبدالسلام: وما ذكره من الاتفاق ذكره بعضهم وفيه نظر. وقد ألزم ابن القاسم القائل في أنواع التمر إذا كثرت أن يخرج من وسطها أن يقول في الذهب والفضة إذا اختلف أجناسه بالجودة والرداءة كذلك، وبالجملة لا فرق بين الذهب والورق والحب والتمر فإما أن يؤخذ منه إن كان نوعاً واحداً على أي حال من جودة ورداءة وإما أن يكلف بالوسط ولا يلزم مثل هذا في الماشية لأنها إذا أثقلت لا تحمل ولا يستطاع حمله رديئاً فكلف صاحب الردئ بالوسط فكان من العدل ان يكلف مثل ذلك إذا كان ماله جيداً كله وما عدا الماشية من الأموال يستوي فيها الردئ وغيره. (ويزكي الزيتون إذا بلغ حبه خمسة أوسق أخرج من زيته): ما ذكر من أن الزيتون يزكي هو المعروف: وحكى ابن زرقون عن ابن وهب كمذهب الشافعي أنه لا تجب فيه زكاة قال ابن عبدالسلام: وهو الصحيح على أصل المذهب لأنه ليس بمقتات ولا يتعرض بجريان الربا فيه لأن الربا أصل آخر، ألا ترى أن

الشافعي نص على جريانه في الملح، قال اللخمي، وكذلك الجلجلان بالمغرب لا تجب فيه زكاة لأنه لا يستعمل فيه إلا للدواء، وإذا فرعنا على المعروف من المذهب فاختلف فيما لا يخرج منه زيت فقيل بوجوب الزكاة فيه، وقيل لا، وما ذكر الشيخ من أن النصاب خمسة أو سق هو كذلك كغيره، والوسق بالزيتون سواء أخرجت الخمسة أوسق من الزيت كثيراً او يسيراً على ظاهر كلام الشيخ، قال اللخمي إن أخرجت الخمسة الأوسق قدر النصف ونحوه مما جرت به العادة في كل عام في ذلك الموضع لقحط السماء لم تجب فيه زكاة لأنه ليس يغني، ولو نقصت يسيراً وجبت الزكاة فيها، وان وجد في الحائط فوق خمسة أوسق لكنه يخرج من الزيت قدر ما يخرجه الخمسة لقحط السماء وجبت عليه الزكاة، وما ذكر أنه يخرج من زيته هو المشهور حتى أنه لو أخرج من الحب فإنه لا يجزئ، وقال محمد بن عبدالحكم ونحوه لابن مسلمة الواجب الحب وليس على ربه عصره قال وصوبه اللخمي لقوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) وقيل كيفما أخرج أجزأه إما من الحب وإما من الزيت. (ويخرج من الجلجلات وحب الفجل من زيت): قال ابن يونس: اختلف قول مالك في زريعة حب القرطم وزريعة الكتان فقال مرة لا زكاة فيهما وبه أخذ سحنون وقال مرة فيهما الزكاة وبه أخذ أصبع، وروى عنه ابن القاسم تجب الزكاة في حب القرطم وتسقط في بذر الكتان وزريته، وقال ابن بشير اختلف في زريعة الفجل وحب العصفر والكتان على ثلاثة أقوال: ثالثها إن كثر خروج الزيت منه وجبت وإلا فلا، وحب العصفر هو حب القرطم. (فإن باع ذلك أجزأه أن يخرج من ثمنه إن شال الله تعالى، الأظهر أن الإشارة بذلك راجعة للزيتون وما بعده وهذا القول مروي عن مالك قال يخرج عشر الثمن كالزيتون والرطب والعنب مما يعتصر ويثمر ويزبب أم لا). قال عبدالوهاب وأخذ بعض الأشياخ منه قولاً بأنه يجوز إخراج القيم في الزكاة، والمشهور من المذهب أن الزيتون الذي له زيت إنما يخرج عنه الزيت فقط وما لا زيت له يخرج من ثمنه، واختلف إذا أعدم البائع فقال ابن القاسم يرجع الفقراء على المشترى ويتبع هو ذمة البائع، وقال أشهب لا رجوع لهم عليه لأن بيعه كان جائزاً وصوبه سحنون والتونسي، وقال اللخمي هذا إن باع ليخرج الزكاة، وإن كان لا.

يخرجها فالأول وسبب الخلاف بين القولين الأولين هو هل الفقراء شركاء أم لا؟ وعكس ابن الجلاب نسبة القولين ونسب في ذلك الى الوهم، وقال ابن هارون ويجب على أن الفقراء شركاء لأرباب الأموال أن يفسخ البيع في جزء الزكاة إلا أن يقال أنهم لم يكونوا معينين ضعف حقهم في ذلك ولذلك جاز لرب الحائط بيع جميعه. (ولا زكاة في الفواكه والخضر ولا وزكاة من الذهب في أقل من عشرين دينارا فإذا بلغت عشرين ديناراً فقيها نصف دينار ربع العشر): ما ذكر أن نصاب الذهب عشرون ديناراً هو مذهبنا باتفاق وذهب الحسن والثوري إلى أن النصاب أربعون ديناراً، وقال بعضهم النصاب من الذهب ما قيمته مائتا درهم كان أقل من عشرين ديناراً أو أكثر، واحتج أصحابنا بقوله عليه الصلاة والسلام في عشرين ديناراً نصف دينار وتلقته الأئمة بالقبول ويريد الشيخ أن المعتبر الوزن الأول وهو ذلك. وقال ابن حبيب إن كثر نقص الدنانير وصارت كوازنة بالبلد زكيت، فحمله الباجي وابن رشد على أن المعتبر عنده عدد النصاب بوزن كل بلد فنسباه لحرق الاجماع، وألزمه الباجي أن يقول بوجوب الزكاة على من بيده عشرون ديناراً من رباع صقلية لأنها كالدنانير عندهم، وأجابه ابن رشد بأنهم لا يتعاملون بها على أنها دنانير بل على أنها أجزاء من دنانير، ورده المازري بأن مراده ما جاز كوازنه بالوزن الأول على المعروف، فإن كانت الدنانير ناقصة فإن كان نقصها لا يحطها عن سعر الوازنة فاختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: احدها وجوب الزكاة قال ابن المواز، ولو كان ينقص كل دينار ثلث حبة، وقيل إنها لا تجب قال ابن لبابة وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقيل إن كان النقص يسيراً وجبت الزكاة وإلا فلا قاله ابن القاسم في العتيبة. قال ابن هارون وهو المشهور وجعل ابن الحاجب المشهور الأول وليس كما قال، واختلف في حق اليسير فقال عبدالوهاب وهو كالحبة والحبتين وان اتفقت الموازين عليه، وقال ابن القصار والأبهري إنما يكون ذلك إذا اختلفت الموازين في النقص وأما إن اتفقت عليه فهو كالكثير، وأما إن حطها النقص عن سعر الناس ولم تجز بجواز الوازنة فإن كان النقص كثيراً فلا زكاة باتفاق وإن كان يسيراً فقيل كذلك، وقيل بوجوب الزكاة ولو كان النقص بصفة فإن كان لا يحطها كالمرابطية فكالخالصة.

وإن حطها فالمشهور بحسب الخالص، وقال ابن الفخار إن كان الخالص الأكثر اعتبر الجميع وإلا اعتبر الخالص. (فما زاد فيحاسب ذلك وإن قل): ما ذكر الشيخ هو مذهبنا وقال أبو حنيفة لا شئ في الزائد على النصاب حتى يبلغ أربعة دنانير في الذهب وأربعين درهما في الورق فإذا بلغ زكاة ثم كذلك يبقى الوقص فيهما، واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام "فأتوا الى ربع عشر ما عندكم من كل أربعين درهما" وهذا يقتضي بأن ما دون الأربعين وقص مثل قوله عليه الصلاة والسلام في زكاة الغنم" فما زاد ففي كل مائة شاة" وقول الشيخ وإن قل ظاهره، وإن لم يكن الإخراج من عينه فإنه يشتري به طعام أو غيره مما يمكن قسمه على أربعين جزءاً وفي التلقين فما زاد فبحسابه به في كل ممكن، قال ابن عبدالسلام: فكان بعض اشياخي يجعله خلافاً للأول ويري أن الإمكان المراد به انقسام الزائد على النصاب الى جزء الزكاة ويأتي ذلك فيه، قال ويحتمل ان يقال الإمكان المأخوذ من هذا القول هو الذي أوجبه في القول الآخر لأنه ربما زاد النصاب زيادة محسوسة، لا يمكن أن يشتري بها ما ينقسم أربعين جزءاً، قلت وقطع بعض شيوخنا بأن قول التلقين خلاف قائلاً ونقله المازري قال ومن رأي أن الأصل إنما وجب وتعذر بذاته وأمكن تغيره وحب الغير له كجزء من الرأي في غسل الوجه وجزء من الليل في الصوم، وما ذكر شيخنا ضعيف لأنه ذلك مختلف فيه عند أهل الأصول وعند أهل المذهب حسبما قدمناه في محله. (ولا زكاة من الفضة في أقل من مائتي درهم وذلك خمس أواق ذلك والأوقية أربعون درهماً من وزن سبعة أعني أن السبعة دنانير وزنها عشرة دراهم فإذا بلغت هذه الدراهم مائة درهم ففيها ربع عشرها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك): والأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء وجمعها أواقي بتشديد الياء وتخفيفها وأواق بحذفها، ودرهم الكيل وزنه خمسون وخمساتً حبة وسمي درهم الكيل لأنه بتكييل عند الملك بن مروان أي بتقديره وتحقيقه، وذلك أن الدراهم التي كان يتعامل بها الناص قديماً نوعان: نوع عليه نقش فارق والآخر عليه نقش الروم، فكان الناس يتعاملون بها.

مجموعة على النصف من هذه والنصف من هذه عند اطلاق وكذلك كانوا يؤدون الزكاة في أول الإسلام باعتبار مائة من هذه ومائة من هذه في النصاب، ذكر ذلك ابو عبيدة وغيره الى زمان عبدالملك بن مروان رحمه الله تعالى. (ويجمع الذهب والفضة في الزكاة): ما ذكر الشيخ أنه يجمع الذهب الى الفضة في الزكاة هو المشهور من المذهب، وقال ابن لبابة كالشافعي بعدم الضم لأنهما جنسان مختلفان كالبقر والغنم حكاه ابن رشد، والمعتبر في الجمع الوزن لا القيمة باتفاق خلافاً لأبي حنيفة، وقال ابن الحاجب: ويكمل أحد النقدين بالآخر بالجزء لا بالقيمة اتفاقاً فقال ابن عبدالسلام الاتفاق راجع إلى القسمين وهما الضم بالجزء وبقي القيمة وخالف الشافعي في الأول وهو الظاهر كما لا يضم أجزاء سائر النصب وخالف ابو حنيفة في الثاني. وقال ابن هارون يرجع الى قوله بالجزء لا إلى التكميل بخلاف ابن لبابة قلت ظاهر اللفظ ما فسر به ابن هارون ولم يحفظ ابن عبدالسلام قول ابن لبابة فلذلك ذكر ما تقدم عنه، وقال ابن عبد البر عدم الضم صحيح لتباينها بالتفاضل فيهما. (فمن كان له مائة درهم وعشرة دنانير فليخرج من كل مال ربع عشر): اختلف المذهب هل يجوز إخراج الذهب عن الورق والعكس على ثلاثة أقوال: فقيل أنه جائز قال في المدونة، وقيل أنه ممنوع لأنه من إخراج القيم في الزكاة وقيل يخرج الورق عن الذهب بخلاف العكس، قاله ابن كنانه قائلاً: إن خالف ذلك أجزأه، ونحوه لابن القاسم وهو الذي ذكرناه من الخلاف بالمنع والجواز هو ظاهر كلام ابن الحاجب وتصريح كلام ابن هارون ونصف ابن هارون ونص ابن الحاجب وفي إخراج أحدهما عن الآخر، ثالثها يخرج الورق عن الذهب. وانتقده ابن عبدالسلام بأن الخلاف إنما هو بالكراهة والجواز ومثله قول ابن راشد: لم أقف على المنع في المذهب، قلت وهذا منهما قصور لنقل ابن بشير إياه نصاً، وإذا قلنا بالجواز فقيل يعتبر صرف الوقت ما لم ينقص عن الصرف الأول، قاله ابن حبيب، وقيل باعتباره صرف الوقت مطلقاً قاله ابن المواز وهو ظاهر المدونة، وقيل باعتبار الصرف الأول مطلقاً حكاه الأبهري عن بعض أصحابنا وجعل ابن الحاجب المشهور قول ابن حبيب، قال ابن عبدالسلام: وليس كذلك بل المشهور اعتبار صرف الوقت مطلقاً ونحوه لابن هارون وما ذكراه من المشهور وصرح به المازري.

(ولا زكاة في العروض حتى تكون للتجارة فإذا بعتها بعد حول فأكثر من يوم أخذت ثمنها أو زكيته ففي ثمنها الزكاة لحول واحد أقامت قبل البيع حولا أو أكثر): أعلم أن أكثر أهل المذهب قالوا بزكاة العروض وذهب أهل الظاهر إلى سقوط الزكاة فيها، وعلى الأول فمذهبنا يفرق فيها بين حكم الإدارة وحكم الاحتكار، وقال أكثر الفقهاء لا يفرق بل إذا حال الحول قومها بغالب نقد بلده مطلقاً، وبدأ الشيخ بزكاة المحتكر وذكر فيها أربعة شروط. الأول: أن تكون بنية التجارة ونبه على هذه بقوله حتى تكون للتجارة احترازاً من عدم النية أو نية مضادة لنية التجارة، كالقنية أو في حكم المضادة كنية الإجارة فإنها لا تزكي في جميع ذلك، وقيل تزكي في الأخير إذا باع. الثاني: أن يملكه بمعاوضة ونبه عليه الشيخ بقوله من يوم أخذت ثمنه أو زكيته احترازاً من ملكها بالميراث والهبة ونحوهما فإنه لا زكاة فيها إلا بعد حول من يوم قبض ثمنها، وتلحق بالعين المشتراة بع بعرض تجارة احترازًا من عرض القنية فإن كان كذلك ففيه قولان. الثالث: أن يرصد السوق إلى أن يجد فيها ربحاً معتبراً عادة وأشار إليه بقوله: فإذا بعتها بعد حول احترازاً من المدبر فإنه يكتفي بما أمكنه من الربح وربما باع بغير ربح وبأقل من رأس المال. الرابع: أن يبيع بعين وأشار إليه بقوله ففي ثمنها الزكاة احترازاً من أن يبيع بعرض فإنه لا يزكي. (إلا أن تكون مدبراً لا يستقر بيدك عين ولا عرض فإنك تقوم عوضك كل عام وتزكي ذلك مع ما بيدك من العين): اختلف المذهب في علة كونه يزكي كل عام بالتقويم فقيل لاختلاط الأحوال عليه وعدم انضباطها بكثرة البيع بالعين، وقيل لأنه لما كثرت الإدارة في العروض صارت في حقه كالعين، وعلى هذا الخلاف انبنى من بيع العروض بالعروض هل يقوم أم لا؟ فعلى الأول لا يقوم وهو قول ابن القاسم وأشهب وابن نافع، وعلى الثاني يقوم وهو قول مالك من رواية مطرف وابن الماجشون، وعليه فقيل يخرج عرضه ويقومه ويجزئه وقيل يكلف بإخراج العين وهو ضعيف لأننا بنينا أن العروض في حقه كالعين ولا سيما إذا قلنا إن الفقراء شركاء، وعلى الأول أنه إذا كان يبيع العروض بالمعروض فلا يزكي فهل يشترط أن يكون الناض نصاباً أم لا؟ فاشترطه أشهب وابن نافع.

ومذهب المدونة أن نصوص الدرهم كاف ولا يبالي في أي أجزاء الحول حصل النصوص عند الأكثر، وقيل لابد من أن ينص في آخره. (وحول ربح المال حول أصله وكذلك حول نسل الأنعام حول الأمهات): ما ذكر من أن ربح المال مضموم إلى أصله وظاهره كان الأصل نصاباً أم لا هو المعروف من المذهب, وروى أشهب وابن عبد الحكم أنه يستقبل به حولا وإن كان الأصل نصاباً كالفوائد. ولا أنكر أبو عبيد القول الأول وقال لا نعلم أحدا قاله قبل مالك ولا فرق بين ربح المال والفوائد ولم يتابعه عليه أحد غير أصحابه، وقال أبو عمر بن عبد البر قال بقول مالك هذا الأوزاعي وأبو ثور وطائفة من السلف إلا أن هؤلاء راعوا أن يكون أصله نصاباً، فإذا كان دون النصاب استقبل به حولا إذا كمل به النصاب ولا خلاف في المذهب فيما قد علمت أن أولاد الماشية مضمومة إلى أمهاتها، وفيها خلاف خارج المذهب والفرق بينها وبين الأرباح على القول الثاني هو أن الماشية إذا بقيت تناسلت بأنفسها والنفقة عليها إنما هي لحفظها في أنفسها لا للتناسل ولا تحصل الأرباح في الأموال بالحركة فيها. وانقلاب أعيانها قال ابن عبد السلام: بدليل أن الغاصب يرد الأولاد ولا يرد الأرباح، وقول الشيخ وكذلك حول نسل الأنعام حول الأمهات إنما قصد به الإخبار بالحكم به لا أنه أتى به دليلاً للأول إذ الفارق ما تقدم والله أعلم، قال الفاكهاني رحمة الله تعالى: الأمهات جمع مفرده أمهة إنما تقع في الغالب على من يعقل ومن لا يعقل فكان الأحسن وإلا وجب أن يقول حول لا الأمهات فأعرفه. (ومن له مال تجب فيه الزكاة وعليه دين مثله أو ينقصه عن مقدار الزكاة فلا زكاة عليه): ما ذكر هو المذهب وقال ابن عبد السلام: ليس لأهل المذهب في سقوط الزكاة عن المديان نص ظاهر والذي ينبغي أن الزكاة تجب عليه لأن المديان المالك لنصاب من أنواع العين والحرث والماشية يتناوله لظاهر المقتضي للوجوب، قلت: ووجه بعض شيوخ المذهب بعدم كمال ملكه إذ هو بصدد الانتزاع ولكونه غير كامل التصرف كالعيد ولما في الموطأ عن عثمان أن الدين يسقط الزكاة وقال صاحب اللباب، وقال ذلك بمحضر الصحابة ولم ينكر عليه أحد. وظاهر كلام الشيخ ولو كان الدين مهر

امرأته التي في عصمته. وهو كذل قاله ابن القاسم. وقال ابن حبيب لا يسقط الزكاة إذ ليس من شأن النساء القيام به إلا في موت أو فراق، أو إذا تزوج عليها، وقاله أبو القاسم بن محمد وقال أبو محمد وهو خلاف قول مالك، وقال اللخمي هو حسن في الفقه. قلت: واختلف ما المشهور من القولين فقال ابن شاش: السقوط هو المشهور وقال ابن بزيزة: المشهور أن الدين غير مسقط للزكاة اعتباراً بالفوائد ولكونه عن عوض ليس بمحقق قال ابن بشير، وكذلك الدين الذي جرت العادة بتأخيره وقبله ابن عبد السلام قائلاً: وذلك كدين الزوجة ودين الأب على الولد، وقال ابن هارون هو أضعف من المهر ولعله أراد بذلك ما يكون من سلف المرأة لزوجها أو من ابنتها له تضمنها لمودة فيحتمل أن يجري ذلك مجرى المهر والله أعلم. وظاهر كلام الشيخ، ولو كان الدين دين زكاة وهو كذلك على المشهور. وقيل إنه لا يسقط الزكاة لضعف أمه إذ ليس له طالب معين ولا يخرج بعد الموت من رأس المال، وأما الدين الكائن بسبب نفقة الولد فإن قضى بها فلا خلاف أنها كغيرها وإن لم يقض بها فقولان، ونفقة الأبوين على العكس ونفقة الزوجة معتبرة مطلقاً لأنها مرتبة عن عوض، قال ابن عبد السلام: والنظر بحسب قواعد المذهب يقتضى أن الغرامة تمنع من إخراج الزكاة وتقدم أن الحكم وصف طردي. (إلا أن يكون عنده مما لا يزكى من عروض مقتناة أو رقيق أو حيوانات مقتناة أو عقار أو ربع ما فيه وفاء لدينه فليزك ما بيده من المال فإن لم تف عروضه بدين حسب بقية دينه فيما بيده فإن بقى بعد ما فهي الزكاة زكاة ولا يسقط الدين زكاة حب ولا تمر ولا ماشية): ما ذكر هو المشهور وقال ابن عبد الحكم: لا يجعل دينه فيما ذكر بل في الناض الذي بيده لأن الحاكم إنا يقضي عليه بدفع الناض الذي عنده وعلى الأول فاختلف هل يشترط في هذا العرض أن يكون مملوكاً من أول الحول قاله ابن القاسم أو لا يشترط إلا كونه مملوكاً في آخر الحول، قاله أشهب وفي ذلك قولان. ونص في المدونة على أن يجعل دينه في خاتمة وفي كل ما باع عليه الإمام، وخالف أشهب في الختم قائلاً هو لباس مباح فأشيه العمامة فلا يباع عليه، ومما يباع عليه ثوباً يوم الجمعة إن كان لهما قيمة معتبرة وإلا فلا، وكان يتقدم في درس بعض

التونسيين أن العكس أولى فلا يعتبر أن كانت لهما قيمة لأنهما حينئذ لهما خصوصية بالجمعة وإن لم تكن لهما قيمة صارت كثياب سائر الأيام وهي زائدة عليها فتباع، وأجاب بعض شيوخنا بأن الفرض أنهما من ثياب يوم الجمعة وذلك يمنع كونهما من ثياب سائر الأيام فحينئذ إنه كانت لهما قيمة بيعتا لأنهما في حقه سرف، وإلا بقيتا إذ لا سرف فيهما مع كونهما من ثياب الجمعة. (ولا زكاة عليه في دين حتى يقبضه وإن أقام أعواما فإنما يزكيه لعام واحد بعد قيضه وكذلك العرض حتى يبيعه وإن كان الدين أو العرض من ميراث فليستقبل حولا بما يقبض منه): ظاهر كلامه وإن كان فارا من الزكاة وهو كذلك، وقال ابن القاسم إن فارا زكي لماضي السنين، قال ابن الحاجب: وخولف قال ابن عبد السلام: فأشار بذلك إلى انفراد ابن القاسم به مع ضعفه وليس بضعيف بل الصحيح مذهب الشافعي وهو إيجاب الزكاة لماضي السنين مطلقاً، وقد وقع في المذهب في غير ما مرة أن الدين إنما لم يزك قل الاقتضاء خشية أن لا يقتضى فينبغي على هذا إذا اقتضى أن يزكى لماضي السنين. (وعلى الأصاغر الزكاة في أموالهم في الحرث والماشية والعين وزكاة الفطر): أما كون الزكاة لازمة لهم في الحرث والماشية فلا خلاف في المذهب في ذلك، وأما لزوم الزكاة في العين فهو المنصوص، وخرج اللخمي فيه قولاً بسقوط الزكاة حيث لا ينمي ماله من حكم المال المعجوز عن تنميته كالمدفون الذي ضل عنه صاحبه ثم وجده وكمال الموروث الذي لم يعلم به واره إلا بعد حول أو أحوال، ورده ابن بشير بأن العجز في مسألة الصبي من قبل الملك ولا خلاف أن من كان عاجزاً من المكلفين عن تنمية ماله تجب عليه الزكاة، وإنما اختلف إذا كان عدم المال من قبلا لمال وقبله ابن عبد السلام وابن هارون وابن الحاجب، فقال تجب الزكاة في مال الأطفال والمجانين اتفاقاً عينا أو حرثا أو ماشية وتخريج اللخمي النقد المتروك على المعجوز عن إنمائه ضعيف. وقال بعض شيوخنا تفريق ابن بشير فرق في الصورة نعم يرد التخريج بأن فقد المال يوجب فقد مالكه وعجز الصبي والمجنون لا يوجبه، وعلى المنصوص فقال أبو محمد يؤمر الولي بإخراج الزكاة إذا لم يخف أن يتعقب ففعله كقول مالك في المدونة في كتاب الرهون فيمن مات وفي تركته خمر فليدفعها إلى الإمام لتهراق بأمره، وقال ابن

حبيب: يزكي الولي لليتيم ويشهد فإن لم يشهد وكان مأموناً صدق وقال اللخمي هذا في البلد الذي يقضي فيه بمذهب مالك فإن كان في بلد من يقول فيه بسقوط الزكاة رفع أمره إلى الإمام فإن أمره بإخراجه أخرجها، وإن كان ممن لا يرى ذلك لم يزك إلا أن يكون الولي من أهل الاجتهاد ويرى بقول مالك وخفي عليه إخراجها لجهل معرفة ما وقع بيده فليخرجها. (ولا زكاة على عبد ولا على من فيه بقية رق في ذلك كله): يريد ولا على سيده ويريد أيضاً بقوله ولا على من فيه بقية رق كالمكاتب والمدير وأم الولد والمعتق بعضه وإلى أجل، وما ذكر هو المعروف في المذهب وقال ابن هارون وقع لابن كنانة في المدونة ولم ير أحد نقله عن غيرها بل قال ابن بشير لا تجب اتفاقاً ونقله ابن المنذر عن الشافعي والثوري وإسحاق وأحد قولي عمر. قلت: قال الشيخ ابن راشد كثيراً ما يجري ابن بشير وغيره خلافاً فيمن ملك أن يملك هل يعد مالكاً أم لا؟ ويلزم القائل بأنه يعد مالكاً أن يقول بوجوب الزكاة على السيد هنا وقبله خليل قال الشيخ ابن هارون استشكال قول مالك من ثلاثة أوجه: أحدها: أن هذا المال إما أن يكون ملكاً للعبد أو السيد وأيا ما كان فتلزم زكاته لدخولهما تحت الأمر بالزكاة. الثاني: أن العبد يتسرى والتسري دليل على الملك. الثالث: أنه إذا أذن له السيد في الكفارة بالإطعام أو بالكسوة كفر فيجب أن يزكي إذا أذن له. (فإذا اعتق فليأتنف حولا من يومئذ بما يملك من ماله ولا زكاة على أحد في عبده وخادمه وفرسه وداره ولا فيها يتخذ للقنية من الأرباع والعروض): يريد لأن ماله يتبعه في العتق إلا أن ينزعه السيد فليستقبل به حولا قال ابن راشد، ويمكن أن يجري قول بوجوب الزكاة فيما إذا اعتق من مسألة من عنده مائة لا يملك غيرها وعليه مائة فحال عليها الحول فوهبها له ربها فقد قيل بوجوب الزكاة لأن الغيب كشف أن المانع من زكاتها ليس بمانع وقبله خليل، قال ابن هارون واختلف إذا كان للعبد عروض للتجارة فقيل فإنه يستقبل بثمنها حولا يعد القبض، وقيل إن كان مديرا فإنه يقومها بعد حول من يوم العتق وهذا الخلاف في النصراني يسلم وكذلك

العبد، قلت في كلامه قلق لأن قوله واختلف يقتضي أن الخلاف فيه إنما هو بالنص، وقوله وهذا الخلاف إلى آخه يقتضي أن الخلاف إنما هو بالتخريج فتأمله، وتقدم الخلاف فيما تجب به زكاة الحبوب والثمار والعتق يتبني على ذلك ما تقدم. (ولا فيما يتخذ للباس من الحلي): ما ذكره هو المعروف، وقيل إن الزكاة تجب في كل حلي نقله ابن زرقون عن رواية المازري عن مالك وبه قال أبو حنيفة وحكي الطحاوي عن مالك أيضاً أن الزكاة تجب إذا كان الحلي لرجل وتسقط إذا كان لامرأة، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال، ووقف الشافعي عن الجواب في ذلك قائلاً استخبر الله فيه واختلف أصحابه على قولين بالوجوب والسقوط، ويريد الشيخ إذا كان استعماله جائزاً وأما إن كان حاماً فإن الزكاة تجب كالمكاحل والمرايا والمداهن وأما القبقاب للمرأة فقال ابن هارون الأشبه فيه المنع للسرف ولأنه لا يتجمل به دائماً بخلاف الحلي. قلت: كلامه يقتضي أنه لم يقف على نص فيه، وفيه قولان حكاهما أبو حفص العطار، وظاهر كلام الشيخ أن الحلي لو اتخذ لكراء أن الزكاة تجب فيه، وبه قال ابن مسلمة وابن الماجشون وصوبه اللخمي وقيل إنها تسقط، وهو ظاهر المدونة بل هو نصها، وقيل إن كان لرجل فالزكاة، وإن كان لامرأة فلا، قاله ابن حبيب وكلها لمالك، وكذا اختلف إ‘ذا اتخذ رجل حليا ليتزوج به امرأة ففي وجوب الزكاة فيه قولان لمالك وأشهب، وأجرى عليهما الزكاة من أمسك حليا لابنته الصغيرة لتلبسه إذا كبرت، وكذلك اختلف إذا اتخذه عدة للزمن. (وفيها يخرج من المعدن من ذهب أو فضة الزكاة إذا بلغ وزن عشرين دينارا ذهباً أو خمس أواق فضة ففي ذلك ربع العشر يوم خروجه، وذلك فيما يخرج بعد ذلك متصلاً به وإن قل): العدن في اللغة الإقامة يقال عدن الرجل بالمكان إذا أقام به ومنه قوله تعالى: (جنات عدن) [التوبة:72] أي إقامة وما ذكر الشيخ من اعتبا النصاب هو كذلك باتفاق، وظاهر كلامه أنه لا يشترط فيه الحول لقوله يوم خروجه وهو كذلك عندنا، وقال إسحاق والليث وابن ذئب ما يخرج منه يستقبل به حولا وحجتهم أنه عليه السلام جعل المعدن جباراً، وفي الركاز الخمس فلو كان في المعدن شئ لذكره قال ابن هارون والجواب عنه أن ذلك مسكوت عنه وقد بينه فعله عليه السلام فيه.

حديث بلال بأخذه الزكاة من، واختلف المذهب إذا أذن لجماعة فقيل أنه يشترط أن يكون لكل واحد منهم نصاب وهو المشهور، وقيل إنما يعتبر النصاب في حق الجميع قاله ابن الماجشون، وأجرى عليهما لو كان المدفوع له ليس من أهل الزكاة كالعبد والذمي، واختلف إذا استخرج من المعدن عشرة دنانير مثلاً، وكان بيده من غيره عشرة دنانير حال عليها الحول فقال القاضي عبدالوهاب يضم ويزكي ومال اللخمي إلى أنه وفاق للمدونة وقال ابن يونس هو خلاف، واختلف هل يضم الذهب إلى الفضة أم لا؟ فقيل بالضم حكاه ابن الجلاب وقيل بعدمه حكاه الباتجي تخريجاً على ما يخرج من المعدنين في وقت واحد، وقال ابن الحاجب: وفي ضم الذهب إلى الفضة وإن كان المعدن واحداً قولان فظاهره أن الخلاف فيه بالنصب وليس كذلك، ونبه على هذا ابن عبدالسلام. (فإن انقطع نيله بيده غيره لم يخرج شيئاً حتى يبلغ ما فيه الزكاة): ما ذكره متفق عليه لأن ذلك كزرع سنين واختلف في تكميل معدن بمعدن في وقته فقيل بعدم الضم قاله مالك، وقيل بالضم قاله ابن مسلمة وصوبه بعض الشيوخ لتشبيههم ما يخرج من المعدن بالزرع، وقد اتفقنا على أن الزرع يضم قال ابن رشد وإذا انقطع النيل ثم عاد لا يخلو إما أن يتلف ما أخذه من النيل الأول قبل أن يظهر النيل الثاني أو بعد أن ظهر أو بعد أن استخرج منه تمام النصاب، ففي الأول لا يضم احدهما إلى الآخر كزرعين حرث الثاني منهما بعد حصاد الأول وعكسه الثالث، وأما الوجه الثاني فيخرج منه قولان: الزكاة ونفيها، من اختلاف قولي ابن القاسم وأشهب فيمن أفاد عشرة دنانير ثم عشرة فتلفت الأولى بعد حولها ثم جاء حول الثانية فإنه لا يخرج زكاته عند ابن القاسم ويزكي عند أشهب. (وتؤخذ الجزية من رجال أهل الذمة الأحرار البالغين): قال ابن رشد: الجزية العنوية ما يؤخذ من كافر على تأمينه، واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير مانع إذ قد يدخل في كلامه ما أخذ من مال على مجرد تأمين اللحاق دار الحرب وليس بجزية قال وهي ما لزم الكافر من مال لأمنه باستقراره تحت حكم الإسلام وصونه، والجزية الصلحية لا حد لها إلا ما صالح عليه الإمام من قليل أو كثير قاله ابن حبيب وغيره، قال ابن رشد وهو كلام فيه نظر والصحيح أنه لأحد لأقل ما.

يلزم أهل الجزية الرضا به لأنهم مالكون لأمرهم وأن لأقلها حداً إذا بذلوه لزم لإمام قبوله وحرم عليه قتالهم لقوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة:29] ولم أر لأحد من أصحابنا في ذلك حدا والذي يأتي على المذهب عندي أن أقلها ما فرض عمر على أهل العنوة. فإذا بذل ذلك أهل الحرب في الصلح على أن يؤدوه عن يد وهم صاغرون لزم الإمام قبوله، وحرم عليه قتالهم وله أن يقبل منهم في الصلح أقل من ذلك وهم أغنياء. قلت: وها بعض شيوخنا بأن قال: هي ما التزم الكافر بعينه أداءه على إبقائه بذلك تحت حكم الإسلام حيث يجري عليه، وحكم الجزية الجواز المعروض للترجيح بالمصلحة وقد يتعين عند الإجابة عليها قبل القدرة، وما ذكر الشيخ أنها تؤخذ من أهل الكتاب هو كذلك بإجماع صرح به غير واحد، ويرد ما لم يكن الذمي راهباً بحيث لا يقتل فإنها لا تضرب عليه، رواه ابن حبيب وقال ابن حارثة اتفاقاً، واختلف إذا ضربت عليه ثم ترهب فقيل إنها تسقط نقله ابن رشد عن ابن القاسم مع ظاهر قول مالك وعزاه ابن حارثة لأشهب فقط، وقيل إنها لا تسقط رواه مطرف وابن ماجشون، قال الفاكهاني: وقول الشيخ البالغين كالمستغني عنه لأن الرجل لا يطلق في اللغة والعرف إلا على البالغ ويقال بلغ الصبي ولا يقال بلغ الرجل، نعم لو قال العقلاء ليتحرز بذلك من المجانين لكان أولى من قوله البالغين، وإن كان يقال ذلك على طريق التوكيد. (ولا تؤخذ من نسائهم وصبيانهم وعبيدهم). اختلف هل تضرب على معتق على ثلاثة أقوال: فقيل تضرب قاله ابن حبيب وغيره وعكسه لأشهب ورواه عن مالك، وقيل غنه اعتقه كافر ضربت عليه وإن اعتقه مسلم فلا، قاله في المدونة، وأطلق هذا الخلاف غير واحد، وقال ابن رشد إنما هي فيمن اعتق ببلد الإسلام، وأما في بلاد الحرب فهي عليه بكل حال. (وتؤخذ من المجوس ومن ناصري العرب): اختلف في آخذ الجزية من غير أهل الكتاب على أربعة أقوال: فقيل تؤخذ وهو مذهب المدونة قال فيها وتؤخذ الجزية ممن دان بغير دين الإسلام، وقيل إنها لا تؤخذ وقيل تؤخذ إلا من مجوس العرب، وقيل تؤخذ إلا من قريش، واختلف في علة ذلك فقيل لمنع إذلالهم بها لمكانهم منه عليه السلام، وقيل لإسلامهم كلهم يوم الفتح فكل كافر من قريش مرتد والى هذا ذهب القرويون وذهب إلى الأول بعضهم.

(والجزئية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعون درهماً): ظاهر كلام الشيخ إسقاط ما فرضه عمر رضي الله عنه عليهم مع ذلك من إرفاق المسلمين وضيافة ثلاث أيام وهو كذلك رواه ابن المواز عن مالك قائلاً لأنه لم يوف لهم، قال الباجي فهذا يدل على أنها لازمة مع الوفاء، ونقله اللخمي بصيغة لما أحدث عليهم من الجوز قال: ولا أري أن توضع عنهم اليوم بالمغرب لأنهم لا جور عليهم، ومرضه بعض شيوخنا بأنه قل أن يكون وفاء غير عمر كوفائه ونقل أبو محمد عن سحنون أنه لا يؤخذ من أهل الذمة شئ إلا عن طيب أنفسهم إلا الضيافة التي وضعها عمر، وهذا كالنص في إلزامهم الضيافة، قال الباجي وابن رشد لا نص لمالك وأصحابه في زمن وجوبها وظاهر المذهب والمدونة أنها تؤخذ بآخر العام وهو القياس كالزكاة. (ويخفف عن الفقر): يريد الشيخ إنها تؤخذ منه على قدر استطاعته ولا تسقط البتة وهو كذلك في قول حكاه بعضهم، قال وظاهر قول ابن القاسم أنه إذا لم يقدر على جميعها أنها تسقط ولو كان يقدر على جميعها فإنه لا يسقط عنه شئ وقال اللخمي: اختلف في أخذها من الفقير فذهب ابن القاسم إلى أخذها منه، وقال ابن الماجشون: لا تؤخذ منه وهو أحسن ووجهه ابن بشير بالقياس على الزكاة، وعلى قول ابن القاسم فلا حد لمقدار ما يحمل، وقيل إن عجز عن دفعها سقطت عنه وكلاهما حكاه ابن القصار، ونقل خلف عن أصبغ أنه يخفف عمن ضعف فإن لم يجد طرحت عنه وان احتاج اتفق عليه قال عمر بن عبدالعزيز، وما نقله من الاتفاق إنما عزاه ابن يونس لعمر فقط زاد ويسلفون من بيت المال، وإن غاب واجتمعت عليه جزية سنين إن كانت غيبته فراراً منها أخذت منه لماضي السنين وإن كانت لعسر لم تؤخذ منه ولم يكن في ذمته ما عجز عنه منها فإذا الفقير لا جزية عليه نقله ابن شاس عن القاضي ابي الوليد، قلت ويتعارض المفهومان فيما إذا كانت غيبته لغير ما ذكر ككونها للتجارة والعمل على مفهوم الثاني فتجب عليه والله أعلم. (ويؤخذ ممن تجر منهم من أفق إلى أفق عشر ثمن ما يبيعونه وأن اختلفوا في السنة مرارا):

ظاهر كلام الشيخ لو لم يبيع وأراد الرجوع بماله بعينه فإنه لا يؤخذ منه شئ، وهو كذلك وقيل يؤخذ منه والقولان لمالك، وسبب الخلاف اختلاف في عله الأخذ منهم هل هي لأجل الانتفاع او للوصول فقط؟ وعلى الأول لا يحال بينهم وبين رقيقهم في استخدام أو وطء، وعلى الثاني يمنعون إلا بعد الأداء واختلف إذا اشتري بعيدن قدم به سلعاً فقيل يؤخذ منهم عشرها وهو المشهور وقيل عشر قيمتها نقله أبو محمد وقيل عشر ثمنها نقله أبو عمر في الكافي وقبل غير ذلك، ولولا الإطالة لذكرناه، ومقتضي الروايات أن افقه محل أخذ جزيته وعمالاتها وفي المدونة الشام والمدينة أفقان. (وإن حملوا الطعام خاصة إلى مكة والمدينة خاصة أخذ منهم نصف العشر من ثمنه): ما ذكر أنه يؤخذ منهم نصف العشر هو المشهور وقيل العشر كاملاً كغيرها رواه ابن نافع، وظاهر كلام الشيخ إن سائر الأطعمة سواء لا يستثني منها شئ وهو ظاهر كلام غيره أيضا، وظاهر كلام مالك أن القطنية لا تلحق بذلك لأنه احتج على ذلك بفعل عمر قال كان يأخذ منهم في القطنية العشر وظاهر كلام الشيخ أن قرى مكة والمدينة ليست كهما وألحقها ابن الجلاب بهما. (ويؤخذ من تجار الحربيين العشر إلا أن ينزلوا على أكثر من ذلك): ما ذكر أنه يؤخذ منهم العشر هو كذلك قال مالك، وقيل بحسب ما يرى الإمام من الاجتهاد قاله ابن القاسم، قله أن يأخذ وإن لم يبيعوا على الأول فاختلف إذا قاموا بشئ غير مصنوع ثم استأجروا على حياكته وعلى صناعته أو ضربه مثلاً على ثلاثة أقوال: فقيل لا شئ عليهم قاله أشهب، وقيل يؤخذ منهم عشرة غير مصنوع قاله ابن المواز، وقيل بل عشرة مصنوعا قاله ابن القاسم، ولا يمكنون من بيع خمر لمسلم باتفاق والمشهور تمكينهم لغيره، وذلك إذا حملوا لأهل الذمة الى أمصار المسلمين التي لا ذمة فيها. (وفي الركاز وهو دفن الجاهلية الخمس على من أصابه). ظاهر كلامه: وإن كان المدفون غير عين كرصاص ونحاس فإنه يخمس وهو كذلك في أحد قولي مالك في المدونة ونصها قال مالك مرة فيه الخمس، ثم قال لا.

باب في زكاة الماشية

خمس فيه ثم قال فيه الخمس، وبه أقول، فإن كان الإمام عدلاً دفع الواحد الخمس له يصرفه في محله وإن كان غير عدل فقال مالك يتصدق به الواحد ولا يدفعه إلى من يعيث فيه وكذلك العشر وما فضل من المال للورثة قال ولا أعرف اليوم بيت مال، وإنما هو بيت ظلم، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يشترط ففي الركاز النصاب وهو كذلك في المشهور، وقيل لا يخمس ما دون النصاب قال المغيرة: ولا يشترط في واجده الإسلام والحرية. باب في زكاة الماشية (قول وزكاة الإبل والبقر والغنم فريضة): قوه كلامه تقتضي أن زكاة الماشية محصورة فيما ذكر وهو كذلك عندنا، وقال أهل العراق: وتجب في الخيل السائمة إذا كانت ذكوراً وإناثاً فقط متخذة للنسل وذلك دينار في كل فرس، وإن شاء قومها وأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم ورد بعض أهل المذهب عليهم ذلك بالنص والمعنى. أما النص فقوله عليه السلام "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه" وقوله: "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق". وأما المعني فلأن النعم تختص بالدر والنسل والأصواف والأوبار والأشعار بما لا يوجد في غيرها من الحيوان على هذه الصفة فواجب اختصاصها بالزكاة، وأيضا فلأن الخيل حيوان لا تجب في أحد نوعية زكاة فلا تجب في الآخر كالحمر. واختلف المذهب في المتولد من النعم ومن الوحش على ثلاثة أقوال: فقيل بإسقاط الزكاة قاله محمد بن عبدالحكم، وعكسه حكاه ابن بشير وحكي الأستاذ أبو بكر اتفاق الأئمة الثلاثة على إبطال هذا القول، وقيل إن كان الأمهات من النعم وجبت وإلا فلا قاله أبن القصار، قال ابن بشير وقد استقرئ هذا القول من المدونة لقولها لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها. (ولا زكاة من الإبل في أقل من خمس ذود وهي خمسة من الإبل فقيها شاة جذعة أو ثنية من جل غنم أهل ذلك البلد من شأن أو معز إلى تسع ثم في العشر شاتان إلى أربعة شعر ثم في خمس عشر ثلاث أشياء إلى تسعة عشر فإن كانت عشرين فأربع شياه إلى أربع

وعشرين. إنما قدم الشيخ الكلام على زكاة الإبل اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ فعل ذلك في كتاب الصدقة المكتوبة لعمرو بن حزم، وظاهر كلام الشيخ سواء كانت الإبل عوامل أم لا، وهو كذلك عندنا خلافاً للشافعي وأبي حنيفة في إسقاطهما الزكاة عن العوامل لقوله عليه السلام (في السائمة الزكاة). وأجاب بعض أهل المذهب يمنع كون المفهوم حجة سلمنا ما قالوه من أنه حجة فقد عارضة العموم في قوله عليه السلام والسلام (في كل أربعين شاة) وهو أقوى من المفهوم، وقال ابن عبدالسلام: مذهب المخالف هو الذي تركن النفس إليه وعارض أبو عمر نبن عبدالبر قول أهل المذهب هنا بقولهم لا زكاة في الحلي المعد للباس، ورأي أن الزكاة في أحدهما دون الآخر كالمتناقض، وفرق بأن اتخاذ النعم للاستعمال والعلوفة لا يمنع من حصول النماء فيها كما يحصل من السائمة بخلاف نماء العين إنما يكون بصرفه في التجارة، وذلك لا يحصل مع اتخاذه للباس، وما ذكر الشيخ من أن الشاة تؤخذ من جل غنم أهل البلد هو المشهور وهو نص المدونة. وقيل إنما يعتبر جل كسب المخرج نص عليه في كتاب ابن سحنون وقاله ابن حبيب قائلاً: فإن استوى الصنفان خير الساعي، واختار اللخمي أن الأمر واسع يخرج إما من كسبه وإما من كسب أهل البلد، فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال: ولو أخرج بعيرا عن شاة فقال ابن شاسي أطلق القاضيان أبو الوليد وأبو بكر القول بأنه لا يجزئ، وقال أبو الطيب عبدالمنعم القروي من أصحابنا من أبناه وليس بشئ لأنه مواساة من جنس المال بأكثر مما وجب عليه. (ثم في خمس وعشرين بنت مخاض وهي بنت سنتين): سميت بنت مخاض لأن أمها مخاض أي حامل وظاهر كلام الشيخ أنها كملت سنتين ودخلت في الثالثة والمنصوص لغيره ما دخل في الثانية ولا يبعد أن يحمل كلام المؤلف عليه. (فإن لم تكن فيها فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين ثم في ست وثلاثين بنت لبون وهي بنت ثلاث سنين إلى خمس وأربعين ثم في ست وأربعين حقة وهي التي يصلح على ظهرها الحمل ويطرقها الفحل وهي بنت أربع سنين إلى ستين ثم في إحدى وستين جذعة وهي بنت خمس سنين إلى خمس وسبعين ثم في ست وسبعين بنتاً لبون إلى تسعين ثم في

إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة): اختلف المذهب إذا فقدا معًا وهما بنت مخاض وابن لبون على أربعة أقوال: فقيل إن الساعي يكلفه بالأصل وهي بنت مخاض إلا أن يأتيه رب المال بابن اللبون ويراه الساعي نظرا قاله في المدونة. ووقع لابن القاسم إن أتى بابن لبون قبل مطلقًا، وقال أشهب تتعين بنت مخاض مطلقًا لأنها الأصل فإن أخرج غيرها لم يجزه لأنها من إخراج القيم في الزكاة على أن المنقول عن أشهب في فصل إخراج القيم الجواز ابتداء حسبما يأتي فيكون له قولان، وقيل إن الساعي مخير ذكره ابن المواز تأويلا عن ابن القاسم ولم يرتضه اللخمي، وهذا الخلاف كما قلنا إنما هو مع فقدها وأما إن كان السنان عنده فالواجب بنت مخاض، وقال التونسي لا يبعد أن يأخذ الساعي ابن لبون لأنه إذا جاز أخذه مع عدمه نظرا جاز مع وجوده. (فما زاد على ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون): اعلم أنه إذا كان عند المكلف عشرون ومائة ففيها حقتان بلا خلاف، وكذلك في الثلاثين ومائة حق وبنت لبون، واختلف إذا كان عنده ما بين ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل يتعين حقتان قاله مالك خارج المدونة من رواية أشهب، وبه أخذ المغيرة وابن مسلمة وابن الماجشون وعن مالك أيضًا مخير بين ذلك وبين ثلاث بني اللبون. وقال ابن القاسم بقول ابن شهاب تتعين ثلاث بنات لبون في الإبل أم لا، وهذان القولان كلاهما في المدونة وهذه إحدى المسائل الأربع التي أخذ فيها ابن القاسم بغير قول مالك، والثانية في كتاب المديان أخذ فيها بقول ابن هرمز، والثالثة في تضمن الصناع أخذ فيها بقول ابن أبي سلمة، والرابعة في العتق، الثاني أخذ فيها بقول ابن المسيب ولولا الإطالة لذكرنا نص جميع ذلك كما هو في المدونة، واختلف إذا وصلت الإبل مائتين على أربعة أقوال: فقيل إن الساعي مخير بين أربع حقاق أو خمس بنات لبون قاله أصبغ، وقيل التخيير في ذلك لرب المال واختاره اللخمي، وقبل إن وجدا خير الساعي وإن فقدا أو فقد أحدهما خير رب المال قال ابن القاسم ونحوه لابن المواز، وقيل إن وجدا أو فقدا خير الساعي وإن وجد أحدهما خير رب المال وهو المشهور.

(ولا زكاة من البقر في أقل من ثلاثين فإذا بلغتها ففيها تبيع عجل جذع قد أوفى سنتين): ما ذكر الشيخ هو مذهبنا، وقال ابن المسيب في كل خمس شاة كالإبل إلى خمس وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة فبقرتان إلى عشرين ومائة فإذا جاوزتها ففي كل أربعين بقرة وقيل غير ذلك. والذي تدل عليه السنة الثابتة في كتاب عمرو بن حزم ما قاله مالك، وما ذكر الشيخ من تعيين الذكر هو المشهور مطلقًا. وروى أشهب أن الساعي مخير في أخذ جذعة أو تبيع إن وجدا في البقر أو فقدا معًا وأما إن وجد أحدهما فليس له غيره وصوبه القاضي عبد الوهاب محتجا بما في كتاب عمرو بن حزم أن في الثلاثين تبيعا أو جذعة فأتى أو المقتضية للتخيير، وما ذكر الشيخ من أنه في أوفي سنتين هو قول ابن حبيب، وقيل ما أوفي سنة ودخل في الثانية قاله عبد الوهاب، وقال ابن نافع في المجموعة هو ابن ثلاث سنين حكاه اللخمي قال الجوهري التبيع ولد البقرة في أول سنة قال ابن عبد السلام: فظاهره يقتضي أنه يسمي تبيعا في أول السنة ووسطها. (ثم كذلك حتى تبلغ أربعين فتكون فيها مسنة ولا تؤخذ إلا أثنى وهي بنت أربع سنين وهي ثنية): ما ذكر من أن سنها أربع هو قول ابن حبيب وعبد الوهاب في نقل اللخمي، ونقل ابن يونس عن ابن حبيب أنها التي دخلت في الرابعة، وبه قال ابن شعبان. وقيل بنت سنتين حكاه ابن الحاجب قال ابن هارون ولا أعرفه لغيره وسلمه ابن عبد السلام قائلاً بل قال في التبيع ما أوفى سنة ثم قال في المسنة ما أوفت سنتين. (فما زاد ففي كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين تبيع): اعلم أن المائة والعشرين من البقر كالمائتين من الإبل لأن فيها ثلاث أربعينات وأربع ثلاثينات فيختلف في التخيير على حسب ما تقدم من الأقوال الأربعة. (ولا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغتها ففيها شاة جذعة أو ثنية إلى عشرين ومائة فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان إلى مائتي شاة فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فما زاد ففي كل مائة شاة): اختلف في أقل المجزئ على ثلاثة أقوال: فقيل تتعين الجذعة قاله ابن القصار قائلاً ضأنا كانت أو معزا، وبه قال الشافعي قياسًا على الإبل فإن الواجب فيها الإناث،

والمشهور أن الجذع من الضأن والمعز يجزئ فضلا عن الأنثى وهو نص ابن القاسم وأشهب. قال الفاكهاني: وهو ظاهر كلام المصنف يريد لأن قوله شاة تتناول الذكر والأنثى والضأن والمعز وقوله جذعة يريد سنها من الجذعة أو الثنية، وقال ابن حبيب إنما يجزئ الجذع من الضأن والثني من المعز كالضحايا قال أبو محمد ليس هذا بقول مالك وأصحابه، ورده غيره بأن الشرع فرق بين البابين بإجازته في زكاة الإبل والبقر من سن ما لا يجوز في الضحايا. (ولا زكاة في الأوقاص وهو ما بين الفريضتين من كل الأنعام): سياق كلامه ههنا في غير الخليطين وهو كذلك باتفاق، وأما الوقص في الخليطين فيأتي الكلام عليه في موضعه إن شاء الله. (ويجمع الضأن والمعز في الزكاة والجواميس والبقر والبخت والعراب): ما ذكر الشيخ من جمع الجواميس للبقر والبخت للعراب متفق عليه وما ذكر من جمع الضأن للمعز هو المشهور، وقال ابن لبابة بعدم الضم وحكاه ابن رشد عنه في المقدمات في أواخر الزكاة ونقله عنه ابن بزبزة أيضًا وعلى المشهور فإن كان الواجب شاة من الضأن والمعز فإن كانا متساويين كأربعين ضائنة وأربعين معزة ففي المدونة تخيير الساعي، وزعم ابن رشد الاتفاق عليه، وقال اللخمي القياس أخذ نصفين لأن تخيير الساعي ليس بأولى من تخيير رب المال فيترجح عليه ترجيحاً بلا مرجح فهو كما تنازعه اثنان قال الشيخ خليل وليس بظاهر لأن ذلك يوقع في مخالفة الأصول لأنه إما أن يقول بأخذ قيمة نصفين أو يكون شريكا والأول يلزم منه أخذ القيم، والثاني

يلزم منه الشركة، وفيه ضرر على رب الماشية، وإنما لم تشرع زكاة الأوقاص في الماشية والله أعلم لضرر الشركة قلت: والأخير من كلام الشيخ خليل ذكره ابن بشير رحمه الله، وإن لم يكونا متساويين كأربعين ضائنة وعشرين معزة أو أربعين وستين فالمشهور من الأكثر مطلقا وقال ابن مسلمة مثله إلا أن يكونا مستقلين بحيث يكون كل واحدًا نصابًا فأكثر كالمثال، الثاني فيخير الساعي وإن كان الواجب شاتين فإن كانا متساويين كمائة ومائة أخذ منهما وإن كانا غير متساويين فله صور إحداهما أن يكون الصنف الأول بلغ النصاب وأثر في وجوب الشاة الثانية كمائة وعشرين ضائنة وأربعين معزا فمذهب المدونة أنه يأخذ منهما. وقال سحنون بل من الأكثر، وخرج اللخمي قولاً آخر أنه يأخذ شاة من الضأن ويخير في الآخر الصورة الثانية عكس الأولى وهي أن يكون الأقل دون النصاب ولم يؤثر شيئًا كمائة وإحدى وعشرين ضائنة وثلاثين معزا فقد وافق سحنون ابن القاسم هنا الصورة الثالثة أن يكون المعز أربعين فقال ابن القاسم يأخذ الشاتين من الضان وقال ابن مسلمة يأخذ شاة من الضأن ويخير الساعي في أخذ الثانية، وقيل شاة من الضأن وأخري من المعز من غير تخيير حكاه ابن عات، وهذا الفصل والكلام فيه متسع جدًا ومحله المدونة. (وبكل خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية): أما إن لم يكن وقص فواضح وأما إن كان فذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون الوقص لكل واحد منهما حالة الانفراد ويتعلق بهما نصاب كصاحبي تسع وست فهذا الوجه لا خلاف في التراجع فيه يكون على صاحب التسع شاة وأربعة أخماس أخرى، وعلى الآخر شاة وخمس. والوجه الثاني: أن يكون الوقص من جهة واحدة أو من الجهتين ولا يبلغ نصابًا كخليطين لأحدهما تسع وللآخر خمس فكان مالك يقول على كل واحد منهما شاة ثم رجع إلى أن على صاحب التسع شاة وسبعين وعلى الآخر خمسة أسباع والقولان في المدونة والأخيرة منهما هو المشهور. واختلف هل المعتبر في تقويم ما أخذ الساعي يوم أخذه قاله ابن القاسم أو يوم الوفاء قاله أشهب في ذلك قولان وشروط الخلطة خمسة الراعي والفحل والدلو والمراح والمبيت ولا خلاف أعلمه أنه لا يشترط جميعها، ونقل الفاكهاني قيل يشترط الخمسة

لا أعرفه، واختلف في أقل المجزئ منها على ثلاثة أقوال: فقيل ثلاثة وهو ظاهر قول في العتبية، وقيل اثنان قاله الأبهري، وقيل الراعي فقط قاله ابن حبيب، وقال ابن بشير يمكن أن يرجع الخلاف الواقع في المذهب إلى القولين اعتبار الاثنين أو لأكثر. (ولا زكاة على من لم تبلغ حصته عدد الزكاة): اعلم أن المشهور من المذهب أنه يشترط في الخليط أن يكونا حرين مسلمين وقال ابن الماجشون إذا كان أحدهما من أهل الزكاة والآخر عبدًا أو نصرانيا زكي الحر المسلم ما يجب عليه في زكاة الخلطة، ويسقط نصيب النصراني والعبد، فإذا عرفت هذا فما ذكر الشيخ هو المشهور والمنصوص ومثله إذا حل حول أحدهما وخرج اللخمي من قول ابن الماجشون السابق أن يزكي صاحب النصاب، ومن حال عليه الحول زكاة الخلطة ويسقط مناب من لم يحل عليه الحول إلى حوله، وفرق ابن بشير بمراعاة الخلاف في مسألة العبد والنصراني لاختلاف العلماء في خطابهما بالزكاة واجتماعهم على سقوط الزكاة عن مالك دون النصاب ولم يحل حول ماله، وما ذكرناه عن اللخمي تخريجا حكاه ابن عات عن ابن الماجشون نصًا، وقال ابن زرقون اكتفى ابن وهب في النصاب ببلوغه مجموع حظهما. (ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة وذلك إذا قرب الحول فإذا كان ينقص أداؤها بافتراقهما أو باجتماعهما أخذ بما كانا عليه قبل ذلك، ولا تؤخذ في الصدقة السخلة وتعد على رب الغنم ولا تؤخذ العجاجيل في البقر، ولا الفصلان في الإبل وتعد عليهم ولا يؤخذ تيس ولا هرمة ولا الماخض ولا فحل الغنم ولا شاة العلف ولا التي تربي والدها): مثال التفريق خشية الصدقة رجلان لكل منهما مائة شاة وشاة فيفترقان في آخر الحول لتجب عليهما شاتان، وقد كان الواجب عليهما ثلاثًا. ومثال الجمع ثلاثة رجال لكل واحد منهم أربعون فيجمعونها في آخر الحول لتجب عليهم شاتان وقد كان الواجب عليهم ثالثا والمنصوص أخذهم بالأول كما قال الشيخ، وخرج اللخمي أنهما يؤخذان بزكاة ما رجعا إليه من مسألة البائع ماشيته يذهب فرارا من الزكاة فقد قال مالك في مختصر ابن شعبان يؤخذ بزكاة الذهب، وقال ابن بشير هذا لا يلزم لأن مسألة الخلطة تختلف فيها الزكاة ومسألة البائع من لا يختلف فيها الحال بين زكاة العين والماشية وربما كانت زكاة العين أنفع للمساكين، واختلف

المذهب إذا لم تقم قرينة وأنها في الجمع، والتفريق لنقص الزكاة فالمشهور اعتبار قرب الزمان وقيل بعدم اعتباره، واختلف في حد القرب على ثلاثة أقوال: شهران وشهر ودودنه. (ولا خيار أموال الناس): يريد أنه لا يؤخذ من خيارها ولا من شرارها وإنما يؤخذ من الوسط، واختلف إذا كان خيارًا كلها أو شرارا كلها على أربعة أقوال: فقيل يكلف بالوسط قاله مالك في المدونة وهو المشهور، وقيل يؤخذ منها على الإطلاق قاله محمد بن عبد الحكم، وقيل يؤخذ منها إلا أن تكون سخالا قاله ابن الماجشون، وقيل يؤخذ منها إلا أن تكون خيارًا أو سخالا قاله مطرف في ثمانية أبي زيد وعبر ابن الحاجب عن هذا القول بقوله تؤخذ إلا أن تكون خيارًا متبعًا في ذلك ابن بشير، قال ابن هارون والمنقول ما تقدم بزيادة أو سخالا والاعتراض عليهما واحد. (ولا يؤخذ في ذلك عرض ولا ثمن فإن أجبره المصدق على أخذ الثمن في الأنعام وغيرها أجزأة إن شاء الله ولا يسقط الدين زكاة حب ولا تمر ولا ماشية): ظاهر كلامه أنه على التحريم لقوله: فإن أجبره المصدق، مفهومه لو طاع بدفع القيمة اختيارًا فإنها لا تجزئ والذي دل عليه كلام المؤلف بالنص، والمفهوم وهو المشهور هو أحد الأقوال الأربعة، وقيل إن إخراج القيمة مطلقًا جائز قاله أشهب وبه قال ابن القاسم في العتبية وقيل بعكسه، وفي سماع ابن أبي زيد عن ابن القاسم له أن يخرج العين عن الحب بخلاف بخلاف العكس ولم يحفظه خليل إلا لأشهب فقط. قال ابن هارون: والقول الأول بالفرق بين الطوع فلا يجزئ إخراج القيمة وبين الإكراه فيجزئ هو قول ابن القاسم في المدونة، وقال ابن عبد السلام: ظاهر المدونة وغيرها أنها من باب شراء الصدقة والمشهور فيه أنه مكروه محرم ذكر هذا كالتمريض لقول ابن الحاجب، وإخراج القيمة طوعا لا يجزئ وكرها يجزئ على المشهور فيهما قلت: ففي المدونة ما يشهد للشيخين ابن عبد السلام، وابن هارون قال في موضع: ومن أجبره المصدق على أن أدى في صدقته ثمنا رجوت أن يجزئه فمفهومه لو طاع بذلك لما أجزأه، وقال في موضع آخر: ولا يأخذ الساعي فيها دراهم، واستحب مالك

باب في زكاة الفطر

أن يترك المرء شراء صدقته وإن كانت قد قبضت وهذا يدل على ما قال ابن عبد السلام: والأول لما قال ابن هارون – والله أعلم. باب في زكاة الفطر (وزكاة الفطر سنة واجبة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل كبير أو صغير ذكر أو أنثى حرًا أو عبدًا من المسلمين صاعا عن كل نفس بصاع النبي عليه السلام وهو أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم): يريد أن زكاة الفطر سنة وأراد بقوله فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قدرها فلا تمريض في كلامه، وقول أبي عمر بن عبد البر قول الشيخ أبي محمد سنه فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم تمريض للشيخ ضعيف لما قلناه، وما ذكرناه عن الشيخ من أن حكمها السنة عزاه أبو عمر بن عبد البر لبعض أصحاب مالك قائلاً وهو ضعيف، وعزاه ابن رشد لبعض أصحابنا وذكرنا بعضهم عن مالك، وقال الباجي واللخمي أنها واجبة وأخذ ذلك من قول مالك في المجموعة أنها داخلة في قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة) [البقرة: 43] ، وجعله ابن الحاجب المشهور ومنهم من استدل على وجوبها بقوله تعالى: (افلح من تزكى (14) وذكر اسم ربه فصلى) [الأعلى: 14، 15] وقيل أن دليل الوجوب من السنة فيتحصل في حكمها قولان: السنة والوجوب، وعليه فقيل بالسنة وقيل بالوجوب وبالقرآن وعلى الثاني فقيل بالعمومات وقيل بتخصيص قوله تعالى: (افلح من تزكي). واختلف في وقت وجوبها على خمسة أقوال: فقيل عند الغروب من ليلة الفطر قال ابن القاسم. ورواه أشهب عن مالك وهو المشهور، وقيل تجب بطلوع الفجر ورواه ابن القاسم وعبد الملك ومطرف عن مالك، وقيل بطلوع الشمس قاله بعض أصحاب مالك، وقيل تجب من ليلة الفطر إلى الزوال قاله عبد الملك، وقيل من المغرب إلى الغروب حكاه اللخمي عن مالك، قلت ويقوم من المدونة من قالها ولا تؤدى عن الحمل زكاة الفطر إلا أن يولد ليلة الفطر حيا أو يومه فتؤدى عنه، وثمرة هذا الخلاف تظهر فيمن ولد وإذا مات أو أسلم أو بيع أو عتق أو طلق أو وهب أو تصدق، وما ذكر الشيخ من أن مقدارها صاع هو المشهور بالإطلاق ونقل ابن يونس عن ابن حبيب قدرها من البر نصف صاع وهو قول أبي حنيفة.

(وتؤدي من جل عيش أهل ذلك البلد من بر أو شعير أو سلت أو تمر أو أقط أو زبيب أو دخن أو ذرة أو أرز وقيل إن كان العلس قوت قوم أخرجت منه وهو حب صغير يقرب من خلقة البر): ما ذكر من أنها تؤدى من قوت أهل البلد هو المشهور وأحد الأقوال الثلاثة، وقال أشهب وابن المواز إنما يراعى عيش المخرج وعيش عياله إذا لم يشح على نفسه وعليهم واختاره ابن العربي، وقال اللخمي إن شاء أخرج من قوته أو قوت البلد الذي هو فيه، وما ذكر الشيخ في القول الأول أنها تؤدي من التسع هو مذهب المدونة والقول الثاني هو قول ابن حبيب وفيه يقول بعضهم. والفاضل ابن حبيب زادنا علسا = فتلك عشر بلا وكس ولا شطط وبقي في المسألة أقوال أخر حكاها ابن رشد أحدها: أنه يخرج من خمسة فقط: من القمح والشعير والزبيب والتمر والأقط، قاله ابن القاسم. والثاني: من الخمسة المذكورة إلا أنه أبدل الزبيب بالسلت قاله ابن الماجشون، والثالث: من الخمسة وقاله أصبغ في النذور وكذلك الخبز قال ابن يونس عن بعض علمائنا وليس قول ابن حبيب بخلاف المدونة وقال الباجي هو خلاف لها، وفي تأليف ابن هارون بخطه عن ابن يونس هو خلاف لها وهو غلط من قلمه لا شك فيه واختلف المذهب إذا اقتيت غير ما تقدم ذكره كالقطاني فقال مالك في المدونة لا يجزئ، وقال ابن القاسم يجزئ إذا كان عيشهم وبه قال أبو بكر بن العربي رحمه الله قائلاً: مساكينهم شركاؤهم لا يتكلفون لهم بغير ما عندهم ولا يحرمونهم مما بأيديهم. (ويخرج عن العبد سيده والصغير لا مال له يخرج عنه والده): ما ذكر متفق عليه إن كان قنا ولا يلزمه أن يخرج عن عبد عبده كما لا تلزمه نفقته نص على ذلك في المدونة، وأما العتق بعضه ففيه ثلاثة أقوال: فقيل على السيد حصته وتسقط حصة جزء العتيق قال مالك في المدونة وهو المشهور، وقيل يؤدي كل من العبد والسيد حصته قاله أشهب وهو قول مالك في المبسوط، وقيل يلزم السيد جميع الزكاة قاله عبد الملك في كتاب محمد، واختلف في العبد المشترك على ثلاثة أقوال: فقيل إن زكاته على قدر ما يملك كل واحد منه وهو المشهور، وقيل على قدر رءوسهم وهو ظاهر كلام ابن المواز، وقيل إن على كل واحد منهم زكاة كاملة رواه عبد الملك ولم يأخذ بل أخذ بالمشهور، وأنكره سحنون.

وأما المكاتب فيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. (ويخرج الرجل زكاة الفطر عن كل مسلم تلزمه نفقته): هذا كلام عام أريد به الخصوص فإن من التزم نفقة من ليس بقربه كالربيب أو قريب لا تلزمه نفقته بالأصالة فإنه لا يلزمه أن يخرج عنه زكاة الفطر باتفاق، وإنما أراد الشيخ بقوله عمن تلزمه نفقته بالقرابة أو بالرق أو بسبب النكاح، فأما الأولان فالاتفاق على ذلك، واختلف في الثالث وهي الزوجة على قولين المشهور منهما أنه يلزمه أن يخرج عنها، وذهب ابن بشير إلى أنه لا يلزمه ومثله في المبسوط عن ابن نافع، وسبب الخلاف هل النفقة عليها من باب المعاوضة فتزكي عن نفسها أو من باب المواساة والإحسان كنفقة الآباء والبنين فتجب على الزوج، قال ابن هارون: وقد يعترض هذا بأن نفقة المواساة مشروطة بفقر أحدهما، وقال في المدونة ويؤديها عن خادم واحد من خدام امرأته التي لابد لها منها، وما ذكره فيها هو أحد الأقوال الثلاثة، وقيل يؤديها عن خادمين من خدمها إذا كان لها غنى وشرف رواه أصبغ في العتبية عن ابن القاسم، وقال أصبغ لو ارتفع قدرها كابنة السلطان والملك والهاشميات رأيت أن يزاد في عدة الخدم ما يصلحها كالأربع والخمس وتلزم الزوج نفقتهن وزكاتهن، وما ذكر الشيخ من اشتراط الإسلام هو المشهور وفي المبسوط عن ابن وهب أنه لا يشترط. (وعن مكاتبه وإن كان لا ينفق عليه لأنه عبد له بعد): ما ذكر أنه يؤديها عن مكاتبه هو المشهور وأحد الأقوال الثلاثة وقيل إنها على المكاتب حكاه عبد الوهاب عن مالك، وقيل إنها ساقطة عنهما معًا حكاه اللخمي ولم يسم قائله وعزاه ابن الجلاب لمالك. (ويستحب إخراجها إذا طلع الفجر من يوم الفطر): قال في المدونة ويخرجها قبل الغدو إلى المصلى وذلك واسع قبل الصلاة وبعدها، قال اللخمي والأول أحسن فحمل كلامه على الخلاف ولم يرتضه كثير من الشيوخ كابن بشير وفهموا أنه قول واحد استحباب إخراجها قبل الصلاة، وثم بين أن ذلك ليس بلازم فواسع له إخراجها قبل وبعد ولذلك قال ابن الحاجب: ويستحب إخراجها بعد الفجر وقيل الغدو إلى المصلى واتفاقا وواسع بعده، واعترض بعض شيوخنا دعواه الاتفاق فنقل سحنون من أوجبها بطلوع الشمس لم يستحبها حينئذ لعدم وجوبها، ومثل هذا الاعتراض المذكور للشيخ خليل رحمه الله، واختلف هل يجوز

تقديمها بالزمن اليسير أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم في المدونة إن أداها قبل يوم الفطر بيوم ويومين فلا بأس به وفعل ذلك ابن عمر، وقال ابن الماجشون وابن مسلمة لا يجزئ ومثله لسحنون قائلاً إنما كان ابن عمر، يدفعها إلى من يلي الصدقة فيخرجها يوم الفطر وحمل اللخمي، قول المدونة على ظاهرة من الجواز. وقال ابن يونس يحتمل أن يكون إنما أراد كتأويل سحنون عن ابن عمر قال: ومن حمل قوله على ظاهره لزمه أن يقول يجزئه إخراجها من أول الشهر، قال ابن هارون وفيه نظر لأن ما قرب من الشيء قد يحكم له بحكمه بخلاف ما بعد عنه، وقيل بجواز الثلاثة الأيام كاليومين نقله ابن الجلاب ومثله لابن بشير ولم يفهم المدونة على ظاهرها، وتبعه ابن الحاجب فقال وفي تقديمها بيوم إلى ثلاثة قولان ففسره ابن عبد السلام بأنه أراد تقديمها بيوم أو يومين أو ثلاثة كما قلناه، وقال ابن هارون ظاهر لفظه أن الخلاف في اليومين فقط لأن ما بعد إلى لا يدخل فيما قبلها وهو الذي حكي اللخمي وغيره. (ويستحب فيه الفطر قبل الغدو إلى المصلى وليس ذلك في الأضحى): ما ذكر الشيخ أن فطره قبل الغدو إلى المصلي في الفطر المستحب هو كذلك قال الباجي ويكون فطره على تمر إن وجده وترا، وقول الشيخ وليس ذلك في الأضحى يعني أنه لا يستحب الفطر فيها قبل الغدو إلى المصلى بل ذلك مباح ومثل ما ذكر الشيخ في المدونة قال فيها: ولا يؤمر بذلك في الأضحى وهو كذلك في الموطأ قال أبو عمر بن عبد البر فظاهره التخيير، واستحب غيره تركه حتى يأكل من أضحيته، وقال ابن الحاجب: ومن سنتها الغسل، والطيب والتزين باللباس والفطر قبل الغدو إلى المصلى في الفطر، وتأخيره في النحر، فجعل تركه الفطر قبل الغدو إلى المصلى هو المطلوب، قال بعض شيوخنا: ولا أعرفه لغيره، قلت: بل هو معروف نقله أبو محمد في نوادره عن ابن حبيب في الضحايا قال: ينبغي أن يأكل من أضحيته وأن يكون أول أكله منها يوم النحر فأنت ترى كيف جعل المطلوب أن يكون أكله منها فهو يدل على أن أكله قبل الغدو إلى المصلى مرجوح. وقال عبد الوهاب في تلقينه: يستحب في الفطر الأكل قبل الغدو إلى المصلي وفي الأضحى تأخيره إلى الرجوع من المصلى، وأراد ابن الحاجب بقوله ومن سنتها أي من طريقتها.

باب في الحج والعمرة

(ويستحب في العيدين أن يمضي من طريق ويرجع من أخرى): قد ذكر المؤلف هذه المسألة في العيدين فانظر لأي شيء كرر ههنا، وقد قدمنا هنالك أقوالا كثيرة في علة رجوعه عليه الصلاة والسلام من طريق أخرى فانظره. باب في الحج والعمرة الحج في اللغة القصد وقيل بقيد التكرار قال ابن عبد السلام: رسمه عسير ولذلك تركه ابن الحاجب وقال ابن هارون لا يحد لأنه ضروري للحكم بوجوبه ضرورة وتصور المحكوم عليه ضروري، قلت ولما كان ابن هارون حج أثبت ما قال ولما لم يحج ابن عبد السلام حن منه أن يقول بعسره. (وحج بيت الله الحرام الذي بمكة فريضة على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا من المسلمين الأحرار البالغين مرة في عمره): أما كونه فريضة فهو معلوم من الدين ضرورة، واختلف هل هو على الفور أم على التراخي فقيل إنه على الفور قاله العراقيون، وقيل له على التراخي قاله المغاربة وأخذه اللخمي من قول مالك لا تخرج له من المعتدة من وفاة، ومن رواية ابن نافع يؤخر لإذن الأبوين عامين وأخذه غيره من سماع أشهب لا يعجل بحنث حالف لا تخرج زوجته لخروجها له ولعله يؤخر سنة، ورد بعض شيوخنا الأخذ من المعتدة لوجوب العدة فورًا إجماعا ورد ابن بشير الأخذ الثاني بوجوب طاعة الأبوين فمراعاته كتعارض واجبين، وأجابه بعض شيوخنا بقول المدونة إذا بلغ الغلام فله أن يذهب حيث شاء وسماع أشهب وابن نافع سفر الابن البالغ بزوجته ولوالي العراق وترك أبيه شيخا كبيرا عاجزا عن نزع الشوكة من رجليه جائزة فقبله ابن رشد وحمله ابن محرز في البر لا في البحر ضعيف وعلى الأول فاختلف إذا أخره عامًا مستطيعا ثم أتى به فقيل يكون قاضيا قاله ابن القصار وقيل مؤديا قاله غيره، وإنما قال الشيخ الذي ببكة لأن كثيرًا من العتاة بنودا بيوتا وأمروا الناس بالحج إليها كبعض من كان بالمهدية أبعده الله.

وذكر الشيخ أن الشروط وجوبه أربعة: الاستطاعة والإسلام والحرية والبلوغ وهو كذلك عند غيره. قال ابن عبد السلام: وقد كثر استدلال الأصوليين على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة بظاهر قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) [ال عمران: 97] واستدلالهم ظاهر وعلى هذا إنما يكون شرطا في الصحة لا في الوجوب، وما ذكر الشيخ أنه فرض مرة في العمر هو كذلك بإجماع إلا ما حكاه ابن العربي عن بعضهم ممن لا يلتفت إليه. (والسبيل الطريق السابلة والزاد المبلغ إلى مكة والقوة على الوصول إلى مكة إما راجلا وإما راكبًا مع صحة البدن): اعلم أنه إذا كانت الطريق غير سابلة فإن كان يخاف على نفسه يسقط اتفاقًا وإن كان إنما يخشى على بعض ماله فإن كان مما يجحف به سقط وإلا فقولان هكذا قال غير واحد، وقال ابن عبد السلام: الأقرب أن الخلاف عموما سواء أجحف به أم لا لاختلاف ابن القاسم وغيره فيما إذا لم يكن له إلا مقدار ما يكفيه لحجه خاصة ولا يبقى له ما يعيش به بعد ذلك، ولا يترك لولده شيئًا فقال ابن القاسم يجب وقال غيره يسقط لأن هذا من الحرج والمعتبر في الاستطاعة الإمكان من غير تحديد على المشهور وكأنه ظاهر كلام الشيخ، وقال سحنون وابن حبيب باعتبار الزاد والراحلة وهو قول ابن أبي مسلمة، ومذهب الأكثرين خارج المذهب واحتجوا بما رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، واللفظ هنا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك أن الله عز وجل يقول: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) وأجابه أصحاب القول الأول بوجهين أحدهما أن هذا الحديث مطعون في صحته. قال الترمذي هو غريب في اسناده وكذلك حديث ابن عمر في إسناده من تكلم فيه من قبل حفظه وكذلك الأحاديث التي خرجها الدارقطني في هذا المعنى، قال عبد الحق ليس فيها إسناد صحيح. الثاني أنه معارض لظاهر الآية لأنه قد توجد الاستطاعة بدون الراحلة كما في حق الصحيح القريب المسافة ويوجد الزاد والراحلة والاستطاعة، كما في حق الهرم وإذا ثبت ذلك وجب الاعتماد على ظاهر الآية وهذا الوجه الأخير

أشار إليه مالك في كتاب ابن المواز وقاله غيره، واشترط بعض العلماء في الاستطاعة وجود الماء في كل منهل وصوبه عبد الحق، واختلف في السائل الذي يغلب على الظن أنه يجد من يعطيه فروى ابن وهب ما يقتضي الوجوب وروى ابن القاسم أنه يسقط. (وإنما يؤمر أن يحرم من الميقات): يعني وكونه من أول الميقات أفضل لأن فيه المبادرة إلى فعل الخير مع الأمن من مجاوزة الميقات ونص العراقيون على أنه يكره تقديم الإحرام، وقيل لا يكره وعزاهما اللخمي لمالك قيل إن قرب كره وإن بعد جاز رواه الشيخ أبو محمد. (وميقات أهل الشام ومصر وأهل المغرب الجحفة فإن مروا بالمدينة فالأفضل لهم أن يحرموا من ميقات أهلها من ذي الحليف، وميقات أهل العراق ذات عرق، وأهل اليمن يلملم، وأهل نجد من قرن، ومن مر من هؤلاء بالمدينة فواجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة):

ما ذكره من التحديد هو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ذات عرق فعند البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي حده، وعند النسائي أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها هو الذي حده وعند النسائي وميقات المحاذي ما يحاذي به وإن كان يحاذي ميقاتين فقال ابن عبد السلام: الذي يظهر لي على أصل المذهب أنه يحرم من أولهما محاذاة إلا في الشامي والمصري وإن كان لا يمر بذي الحليفة والجحفة وإنما يحاذيهما فإنه يكون حكمه حكم ما لو مر بهما قال: وإن كان في البحر، فالمنصوص أنه يحرم إذا حاذى الميقات، وذكر لي بعض أشياخي أن المذهب قولاً آخر أنه يؤخر الإحرام إلى البر، وفي المدونة يستحب الإحرام وعلى الأول فروى أشهب من داخل المسجد، وروى ابن حبيب من بابه، وكلاهما حكاه الباجي، قال ابن عبد السلام: وأكثر النصوص استحباب المسجد ولم يحك لزومه غير ابن بشير واعترض بعض شيوخنا بنقل ابن رشد إياه بلفظ الوجوب. (ويحرم الحاج أو المعتمر بإثر صلاة فريضة أو نافلة): قال الشيخ تقي الدين: الإحرام هو الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأعمالهما قال وقد كان شيخنا العلامة ابن عبد السلام رحمه الله يستشكل معرفة حقيقة الإحرام جدا ويبحث فيه، فإذا قيل أنه النية اعترض عليه بأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه وشرط الشيء غيره ويعترض على أنه التلبية بأنها ليست بركن والإحرام ركن أو

قريب منه وكان يحرم على تعيين فعل تتعلق به النية والتلبية في الابتداء، قلت واعترض ابن عبد السلام ما ذكره تقي الدين بأن ما يدخل به النية والتوجه لغير المكي والأولان للملكي والواجب منهما النية فقط ويغر الواجب لا يكون جزء الواجب وأجابه بعض شيوخنا بوجوب التوجه لتوقف سائر الأركان عليه، قال ابن عبد السلام: وظاهر الرسالة وابن الحاجب أنه لا رجحان في إحرامه عقب النفل على الفرض وهو قول في المذهب واستحب في المدونة أن يكون بإثر النافلة. (يقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك): اعلم أن حكم التلبية السنة وفي الجلاب التلبية مسنونة غير مفروضة قال الباجي معناه أي ليست ركنا وإلا فهي واجبة، وما ذكر الشيخ من لفظ التلبية هي تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن زاد على ذلك ما زاده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلا بأس ومن لم يلب وكبر وتوجه ناسيا حتى طال لزمه هدي، واختلف إذا لبى حين أحرم وتركه على ثلاثة أقوال: فقيل عليه هدي، وقيل لا قاله في كتاب محمد، وقيل بالأول إن لم يعوضها بتكبير وبالثاني إن كبر قاله اللخمي، ومعنى لبيك إجابة بعد إجابة عند من رأى هذا اللفظ مثنى لفظا ومعنى أو لفظا خاصة ومنهم من رآه مفردا وانقلاب ألفه لاتصاله بالضمير كما انقلبت ألف على ولدي ومعنى سعديك في تلبية ابن عمر ساعدت طاعتك يا رب مساعدة بعد مساعدة، ويقع ضبط إن مكسورة ومفتوحة من قوله إن طاعتك يا رب مساعدة بعد مساعدة، ويقع ضبط إن مكسورة ومفتوحة من قوله إن الحمد وزعم غير واحد من الأئمة إن كسرها أبلغ لما يعطيه الفتح من التعليل فكان موجب الإجابة هو أن الحمد لله والنعمة وعلى الكسر يكون إنشاء ثناء عاريا من التعليل. وقال الزمخشري وغيره إن مكسورة ومفتوحة دالة على التعليل وقال آخرون أن المفتوحة وأصرح في التعليل والرغباء يضبط بفتح الراء وبفتحها وبالقصر وبضمها والقصر ومعناه هنا الطلب والمسألة أي الرغبة إلى من بيده الخير وهو المقصود بالعمل والحقيق بالعبادة. (أو ينوي ما أراد من حج أو عمرة): دليله قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) [البينة:5] وقوله عليه السلام " إنما الأعمال بالنيات".

(ويؤمر أن يغتسل عند الإحرام قبل أن يحرم ويتجرد من مخيط الثياب ويستحب له أن يغتسل لدخول مكة): الأصل في ذلك فعله صلى الله عليه وسلم والأكثر على أن الغسل للإحرام سنة معلل بالنظافة ولذلك تفعله الحائض ووقع لمالك إطلاق الاستحباب عليه. (ولا يزال يلبي دبر الصلوات وعند كل شرف وعند ملاقاة الرفاق، وليس عليه كثرة الإلحاح بذلك فإذا دخل مكة أمسك عن التلبية حتى يطوف ويسعى ثم يعاودها حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها): الشرف هو الجبل والمكان العالي والرفاق جمع رفقة بضم الراء وقد تكسر قال الأزهري وهي الجماعة يترافقون للنزول والتحمل ويرتفق بعضهم بمؤنة بعض وما ذكر الشيخ أنه يقطع إذا دخل مكة هو أحد الأقوال الأربعة، وقيل يقطع بنفس دخوله الحرم لمن أحرم من ميقاته، وقيل إذا دخل المسجد وقيل إذا ابتدأ الطواف وما ذكر أنه إذا عاودها يقطعها إذا راح إلى المصلى هو أحد الأقوال الثلاثة وكلها في المدونة قال فيها إذا فرغ من سعيه وعاد إلى التلبية فلا يقطعها حتى يروح يوم عرفة إلى المسجد، قال ابن القاسم يريد إذا زالت الشمس وراح يريد الصلاة قطع التلبية. وثبت مالك على هذا وعلمنا أنه رأيه لأنه قال لا يلبي الإمام يوم عرفة على المنبر ويكبر بين ظهراني خطبته ولم يوقت في تكبيره وقتا، وقال مالك قبل ذلك يقطع التلبية إذا خرج إلى الموقف وكان يقول يقطع إذا زاغت الشمس ثم رجع فثبت على ما ذكرناه، واختلف الشيوخ ما المختار واختار ابن القاسم الأول واختار أشهب الثاني، واختار ابن المواز الثالث، وذهب ابن خالد إلى أن جميع ما في الكتب يرجع لقول واحد وذهب غيره إلى أنها راجعة لقولين وقدر كل واحد منهما قوله بما فيه تكلف وقول ابن القاسم وثبت مالك على هذا يضعها معًا فلا يتشاغل بكيفية جملها. (ويستحب أن يدخل مكة من كدا الثنية بأعلى مكة وإذا خرج خرج من كدى وإن لم يفعل في الوجهين فلا حرج): كداء الأول قال خليل يفتح الكاف والدال غير مصروف وهو في حديث ابن عمر بالصرف وفي حديث الهيثم بضم الكاف مقصورة وللقابس فإذا عرفت هذا فقول الفاكهاني لا أعرف إلا منونا ولا يبعد فيه منع الصرف إذا حمل على البقعة إذ هو علم على المكان المخصوص المعروف به قصور، قال ابن المواز وهي المنازل بأعلى مكة

يهبط منها على الأبطح والمقبرة تحتها من يسار المنازل وكدى الثانية بضم الكاف قال خليل وشد الدال قال غيره بل والقصر ابن المواز وهي الوسطى بإشعار وأما من عكس فلا حرج. (فإذا دخل مكة فليدخل المسجد ومستحسن أن يدخل من باب بني شيبة فيستلم الحجر الأسود بفيه إن قدر وإلا وضع يده عليه ثم وضعها على فيه من غير تقبيل):

أما دخول المسجد فقال عبد الوهاب لأن المستحب المبادرة إلى البيت للطواف وحيازة الثواب، بذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم فإنه روي " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة لم يلهه أمر عن المسجد" وأما استحباب دخوله من باب بني شيبة فلفعله صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه وكذلك استلام الحجر الأسود. وفي الصحيحين " أن عمر رضي الله عنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، وقال أني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" فهو من سنن الطواف، وما ذكر أنه لا يقبل مع العجز هو المشهور وفي كتاب محمد تقبيله جائز وفي المدونة كره مالك وضع الخدين على الحجر الأسود وهو بدعة. وروى محمد بن جعفر قال رأيت ابن عباس قبل الركن ثم سجد عليه فعل ذلك ثلاثا، ومثله عن طاوس وذكره ابن حبيب عن ابن عمر، وقال من فعله في خاصته

فذلك له وتأول كراهة مالك خيفة أن يرى ذلك واجبًا قال بعض الشيوخ وقول ابن حبيب خلاف لقول مالك. (ثم يطوف والبيت على يساره سبعة أطواف ثلاثة خببا ثم أربعة مشيا ويستلم الحجر كلما مر به كما ذكرناه ويكبر): ما ذكر الشيخ من طوافه والبيت عن يساره ذلك من واجبات الطواف فلو جعله على يمينه فسد طوافه ورجع إليه ولو بلده قال اللخمي وعزاه غيره لأشهب، وكذلك ينبغي أن يحتاط فيقف قبل الركن بقليل بحيث يكون الحجر عن يمين موقفه ليستوعب جملته بذلك، وقيل إنه يجزئه إذا رجع إلى بلده حكاه ابن بشير قائلاً للخلاف ويشترط أن يطوف بجميع البيت فلذلك لا يطوف على شاذر وأنات البيت وهي ما أسقط من أساس البيت ولم يرفع على الاستقامة ولا يطوف داخل الحجر ولو تصور أن يطوف من طرف الحجر لأجزأه لأن طوافه ليس من البيت وليس بحسن أن يفعل ذلك. واختلف إذا طاف من وراء زمزم فقال ابن القاسم يجزئه مع العذر وقال أشهب لا يجزئه قال سحنون ولا يمكن أن ينتهي الزحام إلى السقائف واختلف الشيوخ إذا فعل ذلك لغير عذر فقال ابن أبي زيد لا يرجع من بلده. وقال ابن شبلون يرجع قال ابن عبد السلام: قال الباجي وقول ابن أبي زيد أقيس ولا دم عليه، واعترضه بعض شيوخنا بكونه لم يجده للباجي في المنتقي بحال بل تممه ابن يونس وعليه الدم قال في المدونة ومن جهل أو نسي فترك الرمل في الأشواط الثلاثة بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فهذا خفيف، وكان مالك يقول عليه الدم ثم رجع فقال لا دم عليه وكان يقول في تارك الرمل إن قرب أعاد الطواف والسعي وإن بعد فلا شيء عليه ثم خففه وإن لم ير أن يعيده. قال الباجي: واختلاف القول في ذلك مبني على أصل هو من الهيئات التي يسوغ فعلها وتركها كاستلام الحجر بل استلام الحجر آكد منه لأنه يؤتي به في كل طواف وهي عبادة منفردة بنفسها وهي من الأمور الملازمة للطواف كركعتي الطواف. (ولا يستلم الركن اليماني بقيه ولكن بيده ثم يضعها على فيه): قال في التهذيب: ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر ولا يكبر إذا حاذاهما، وذكر ابن يونس مثله ونسبه للمدونة واعترض ذلك بعض شيوخنا بكونه لم يجده نصًا

فيها بل هو دليل عدم ذكرهما، وعلل ابن عمر رضي الله عنه عدم تقبيلها بأنهما ليسا على قواعد إبراهيم عليه السلام وقبلوه قال القابسي وغيره لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الركنان على قواعد إبراهيم عليه السلام لقبلا. (فإذا تم طوافه ركع عند المقام ركعتين ثم استلم الحجر إن قدر): اختلف في مقام إبراهيم عليه السلام فقال ابن عباس وقتادة وغيرهما وخرجه البخاري أنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم عليه السلام حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل عليه السلام يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه، وقال الربيع بن أنس هو حجر ناولته إياه امرأته فاغتسل عليه وهو راكب جاءت به امرأته من شق إلى شق فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه، وقال فريق من العلماء المقام المسجد الحرام، وقال عطاء بن أبي رباح المقام عرفة والمزدلفة والجمار وقال ابن عباس مقامه مواقف الحج كلها وقال مجاهد مقامه الحجر كله. (ثم يخرج إلى الصفا فيقف عليه للدعاء ثم يسعى إلى المروة ويخب في بطن المسيل فإذا أتى المروة وقف عليها للدعاء): الصفا والمروة جبلان بمكة الصفا جمع صفاة وقيل اسم مفرد وجمعه صفي وأصفاء، والمروة واحد المرو وهي الحجارة الصغار التي فيها لين وذكر الصفا قيل لأن آدم عليه السلام وقف عليه وأنث المروة لأن حواء وقفت عليها، وقيل كان من الصفا صنم يسمى إسافا وعلى المروة صنم يسمى نائلة فأطرد ذلك على التذكير والتأنيث قاله ابن عطية وبطن المسيل بطن الصفا والمروة وأهل مكة يقولون له الميل الأخضر والسعي واجب ولا يجبر بالدم خلافا لأبي حنيفة. (ثم يسعى إلى الصفا يفعل سبع مرات فيقف بذلك أربع وقفات على الصفا وأربعًا على المروة): قال ابن رشد في مقدماته: أصل السعي بين الصفا والمروة في الحج هو ما جاء في الحديث الصحيح من أن إبراهيم عليه السلام لما ترك ابنه إسماعيل مع أمه بمكة وهو رضيع نفد ماؤها وعطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلون أو قال يتلبط، وانطلقت كراهة أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي لتنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ردائها ثم سمعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة.

فقامت عليها ونظرت فلم تر أحدا سبع مرات. (ثم يخرج يوم التروية إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم يمضي إلى عرفات ولا يدع التلبية في هذا كله حتى تزول الشمس يوم عرفه ويروح إلى مصلاها): قال عبد الوهاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل قيل وهذا إذا كان غير مراهق وأما إن كان مراهقا فلابد من أن يصلى فيه الصلوات الخمس ولا بأس للضعيف ومن له حاجة أن يغدو قبل ذلك. (وليتطهر قبل رواحه فيجمع بين الظهر والعصر مع الغمام ثم يروح معه إلى موقف عرفه فيقف معه إلى غروب الشمس): سميت عرفة لأن جبريل عليه السلام لما علم إبراهيم عليه السلام المناسك وأراه إياها فلما انتهيا إلى جبل عرفة وهو الموقف قال له عرفت قال عرفت، وقال الفاكهاني: وانظر قول الشيخ رحمه الله فيقف معه إلى غروب الشمس فظاهر أنه لا يأخذ جزءًا من الليل بخلاف من يقول يدفع بعد أن يأخذ من الليل شيئًا قاله عبد الحق. (ثم يدفع بدفعه بقرب فيصلي معه بمزدلفة المغرب والعشاء والصبح ثم يقف معه بالمشعر يومئذ بها ثم يدفع بقرب طلوع الشمس إلى منى ويحرك دابته ببطن محسر): الأصل في ذلك فعله عليه الصلاة والسلام كما هو مبين في حديث جابر، وبطن محسر موضع بمنى قال الفاكهاني: انظر سن التحريك ببطن محسر فإني لم أقف على شيء فيه اعتمد عليه. (فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة سبع حصيات مثل حصى الخذف ويكبر مع كل حصاة):

قيل إنما سميت منى لما يمني فيها من الدم أي يسيل والجمرة مجتمع الحصيات التي ترمى والخذف بالخاء والذال المعجمتين والفاء قال الجوهري والخذف بالحصا المرمي بها بالأصابع قال غير واحد، وهو فوق الفستق ودون البندق، وقال الفاكهاني: وسمعت خطيب الحاج يقوله ثم رأيته لأصحابنا. قال ابن رشد والأصل في رمي الجمار على ما جاء في بعض الآثار أن إبراهيم عليه السلام لما أمر ببناء البيت سارت السكينة بين يديه كأنها قبة فكانت إذا سارت سار وإذا وقفت نزل فلما انتهت إلى موضع البيت استقرت عليه، وانطلق إبراهيم مع جبريل عليه السلام فمر بالعقبة فعرض له الشيطان فمراه ثم مر بالثانية فعرض له فرماه ثم مر بالثالثة فعرض فرماه، فكان ذلك سبب رمي الجمار ثم مشى معه يريه المناسك حتى انتهى إلى عرفات، فقال له عرفت فقال عرفت فسميت عرفه، ثم رجع فبني البيت على موضع السكينة. وقد روي في سبب رمي الجمار ما ذكرته في كتاب الضحايا من شأن إبراهيم عليه السلام مع الكبش الذي فدى الله به ابنه من الذبح والله اعلم، والسكينة ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان قاله على بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيها أقوال كثيرة انظر ابن عطية فيها وما ذكر الشيخ أنه يرمي بمثل حصى الخذف هو قول أكثر الشيوخ واستحب مالك في المدونة أن تكون بأكبر قليلاً، وإنما خالفوه للأحاديث الواردة في ذلك.

قال ابن عبد السلام: وأظن أن الإمام رحمه الله لم تبلغه الأحاديث لأنه في الموطأ إنما حكي في ذلك بعض أهل العلم أعني كونه مثل حصى الخذف وعقبه بأن قال وأكبر من ذلك قليلاً أعجب إلى وأقرب ما قيل في الاعتذار عنه أن حصى الخذف لا تنضبط لأن فيه الصغير والكبير واستحب الأكبر لأن فيه القدر المشروع وزيادة وفيه نظر. ويشترط كونه حجرا فلا يجزئ المدر عنه مالك. وتردد الشيخ أبو على حسان بن مكي من طبقة الإمام المازري هل تجزئ الأحجار النفيسة والخاتم أم لا؟ قال بعض شيوخنا ويرد توقفه برواية ابن رشد إنما يجزئ بالحصي لا المدر ولا الطين اليابس، وما رمي به المشهور لا يرمي به، وروي ابن وهب من سقطت له حصاة أخذ من موضعه حصاة رمي بها، وروى ابن القاسم يكره رميه بما رمي به فإن فعل فأرجو خفته، وقال أشهب إن نفدت حصاه فأخذ من الجمرة حصاة ورمي بها لم تجزه، وقول الباجي الذي يظهر لي أنها كالوضوء بالماء المستعمل سبقه به ابن شعبان شيوخنا قال اللخمي عنه لا تجزئ لأنه تعبد به كما لو توضأ به ونبه على هذا بعض شيوخنا قال اللخمي وهذا فيما رمى به غيره، ولو كرر رميه بحصاة واحدة سبعًا لم يجزه قال بعض شيوخنا، وكأنه خلاف ظاهر المدونة من نفدت حصاه فأخذ ما بقي عليه من حصى الجمرة أجزأه، قال أبو عمر بن عبد البر أحسن ما قيل في علة قلة الجمار بمنى، قول أبي سعيد وابن عباس إنها قربان ما تقبل منها رفع ولو كان أعظمهن من ثبير، وقول الشيخ يكبر مع كل حصاة يريد رافعا صوته ابن المواز وفي المدونة إن سبح قال التكبير سنة فإن رمى السبع مرة احتسب منها بواحدة، فإن ترك التكبيرة فلا شيء عليه فقال أبو عمر إجماعا. (ثم ينحر إن كان معه هدي ثم يحلق ثم يأتي البيت فيفيض فيطوف سبعًا ويركع): قال عبد الوهاب: ما يفعل بمنى من رمي ونحر وحلق فلا شيء عليه في تقديم بعضه على بعض إلا تقديم الحلاق على الرمي ففيه دم، وقال ابن بشير إن ابتداء بالنحر قبل الرمي فالمذهب سقوط الفدية وإن ابتدأ بالحلق قبل الرمي فقولان، وسقوط الدم وجوبا لمالك وعبد الملك قال غير واحد وإن ابتدأ بالإضافة قبل جمرة العقبة فقال مالك وابن القاسم تجزئه الإفاضة وهو في يوم النحر آكد وكذلك إن أفاض قبل حلقه فقيل إنه لا يجزئه وقيل إنه يجزئه وقيل تستحب الإعادة ولا تجب، قال عياض وعن مالك في الموطأ أحب إلى أن يهدي ومثله لابن عبد السلام ووهمهما بعض شيوخنا

بكون ما ذكراه ليس في الموطأ، وإن أفاض قبل ذبحه فالمنصوص الإجزاء وخرج إعادته. (ثم يقيم بمنى ثلاثة أيام فإذا زالت الشمس من كل يوم منها رمي الجمرة التي تلي منى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يرمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة ويقف للدعاء بإثر الرمي في الجمرة الأولي والثانية ولا يقف عند جمرة العقبة ولينصرف فإذا رمي في اليوم الثالث وهو رابع يوم النحر انصرف إلى مكة وقد تم حجه وإن شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف): اعلم أن للرمي وقت أداء، ووقت انقضاء ووقت فوات. فأما وقت الأداء ففي يوم النحر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وتردد أبو الوليد الباجي في الليلة التي تلي يوم النحر على هل هي وقت أداء أو وقت قضاء؟ وكذا نقل ابن بشير عنه، وقال ابن الحاجب: عنه قضاء كل يوم تاليه بالتاء المثناة من فوق ولام بعد ألف اسم فاعل من تلاه وفي بعضها بالثاء المثلثة أولا ونون عوض اللام، وتعقبه ابن عبد السلام بأنه لم يجده في المنتقي وإنما فيه أن وقت القضاء يمتد من غروب الشمس كل يوم إلى آخر أيام التشريق فليس فيه اختصاص بالثاني ولا بالتالي، ولا فيه أيضًا أن الخامس محل قضاء اليوم الرابع كما يعطيه ظاهر كلام المؤلف، والفضيلة من هذا الوقت من بعد طلوع الشمس إلى الزوال وما بعده لا يشاركه في الفضل وإن شاركه في كونه وقت أداء وكذلك ما قبل طلوع الشمس. ووقت الأداء في كل يوم من الأيام الثلاثة من بعد زوال إلى مغيب الشمس والفضيلة تتعلق بعقب الزوال من هذه الأيام، ووقت القضاء لكل يوم ما بعده منها ولا قضاء لليوم الرابع، وإن ترك جمرة أتى إلى موضعها إن ذكرها فيه ثم لا شيء عليه إلا أن تكون الأولي والوسطى فيعيد ما بعدها وقيل لا وإن ذكرها بعد مضي يومها أعاد ما كان في وقته خاصة، وقيل لا وإن كان المتروك حصاة وذكرها في موضعها رماها يجبر بها النقص ولم يعد رمي الجمرة. ويختلف فيما بعدها على ما تقدم وقيل يعيد رمي الجمرة، وقيل يجزئه جبر نقصها إن كان يوم الأداء ويبتدئ رميها إن كان يوم القضاء، وكذلك إن لم يذكر موضعها وقال في الكتاب يرمي عن الأولى بحصاة ثم يعيد ما بعدها، وقال فيه أيضًا يبتدئ رمي الجميع ولا يعتد بشيء، والكلام في هذا الفصل متسع جدًا ومحله المدونة.

(فإذا خرج من مكة طاف للوداع وركع وانصرف): يقال طواف الوداع طواف الصدر وهو مشروع بلا خلاف لكنه عندنا مستحب وعند الشافعي مسنون وعند الحنفي واجب وليس بركن، وشرط مشروعيته عندنا أن يكون ذلك بعد أن لا يبقى عليه شيء من أفعال الحج مطلقًا وأن لا يبقى له شغل وقد عزم على الانصراف عن مكة فإذا عرفت هذا فأعلم أن قول الشيخ وإذا خرج من مكة أراد به وإذا أراد الخروج من مكة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى الجمعة فليغتسل" وقوله تبارك وتعالى: (فإذا قرأت القرءان فاستعذ باله من الشيطان الرجيم) [النحل: 98] تأويله عند الأكثر إذا أردت فإذا عرض له بعد ذلك شغل خفيف لم يعده وإلا أعاده ومثل هذا من اغتسل للجمعة ثم تربص ثم صار إلى الجامع يفصل فيه بين القرب والبعد ومن خرج ولم يودع رجع لم يخش فوات ورفقته ولا يجب بتركه دم ولا غيره ولا يودع مكي، ولا قادم أوطان مكة ولا خارج للتنعيم ليعتمر ولا من اعتمر ثم خرج من فوره فإن أقام ثم خرج ودع. (والعمرة يفعل فيها كما ذكرنا أولا إلى تمام السعي بين الصفا والمروة ثم يحلق رأسه وقد تمت عمرته): المشهور من المذهب كراهة أن يعتمر في العام الواحد أكثر من مرة وقال مطرف يجوز ذلك وبه قال ابن المواز واختاره اللخمي وهي تشتمل على إحرام وسعي وطواف وحلاق أو تقصير. (والحلاق أفضل في الحج والعمرة والتقصير يجزئ وليقصر من جميع شعره وسنة المرأة التقصير): قال اللخمي: الناس في الحلاق والتقصير على ثلاثة أقسام: حلاق وتقصير تخيير، فالحلاق لمن لا شعر له وللأقرع ولمن لبد أو ضفر أو عقص من الرجال، والتقصير للنساء ولا يجوز الحلق لأن ذلك مثله لهن إلا لمن برأسها أذى والحلاق أصلح كذلك لبنت تسع أو عشر والخيار لمن له وفرة من الرجال ولم يلبد ولا عقص ولا ضفر. قال في المدونة وليس تقصير الرجال أن يأخذ من طرف شعره ولكنه يجزه جزًا وليس كالمرأة فإن لم يجزه وأخذ منه فقد أخطأ وأجزأه، وقال الأبهري معناه أن يأخذ

منه ما يقع عليه اسم التقصير وليس ذلك بأن يأخذ اليسير من شعر رأسه. وقال الباجي وفي هذا نظر لأنه قد منع أن يفعل منه ما تفعله المرأة ما يقع عليه اسم التقصير ولو كان الذي يأخذ من أطراف شعره لا يقع عليه اسم التقصير لم يجزه، وقد قال مالك أنه يجزئه وإنما أراد المبالغة في ذلك على وجه الاستحباب، قال ابن عبد السلام: وهو لعمري أقرب إلى ظاهر الكلام غير أن في المدونة وإن قصر فليأخذ من جميع شعره وما أخذ من ذلك أجزأه فظاهره خلاف ما تقدم وعلى هذا حمله التونسي وهو أيضًا فيه نظر لأن اسم التقصير صادق عليه، واعلم أن أقل ما يكفي من التقصير الأخذ من جميع الشعر قصيره وطويله كذلك نص عليه في المدونة مع ما يصدق عليه اسم التقصير من غير اعتبار بأنملة وأقل أو أكثر. وروى ابن حبيب يقصر قدر الأنملة وفوقها بيسير أو دونها وروي في الطراز قدر الأنملة فقط، وفي المدونة لابن القاسم فيما إذا وطئ بعد تقصيره بعضا وتركه بعضا عليه الدم قال ابن يونس يريد وقد أفاض، وقال ابن القاسم إن اقتصر على بعضه لم يجزه على المشهور وقال ابن عبد السلام: وغيره لا أعرف مقابله. (ولا بأس أن يقتل المحرم الفأرة والحية والعقرب وشبهها والكلب المعقور وما يعدو من الذئاب والسباع ونحوها يقتل من الطير ما يتقى أذاه من الغرباء والأحدية فقط): في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهم الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور" وقال أيضًا " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغرب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحدأة" فأسقط في هذا الحديث العقرب وزاد الحية فوجب جمعها معًا لصحة الحديثين وزاد في هذا اللفظ الأبقع، قال ابن عبد السلام: وهل لفظ الغراب مطلق فيكون الأبقع مقيدا له أو عام فيكون هذا على وقفه لا مخصصا في ذلك نظر، والأقرب هو الثاني وقد ذهبت فرقة إلى النهي يقصر على الغراب الأبقع، واختلف المذهب ما المراد بالكلب العقور في الحديث على قولين فالمشهور أنه كل عاد من السباع كالأسد والنمر والشاذ أنه الكلب الأنسي حكاه ابن الحاجب نصا تبع في ذلك ابن شاس. قال ابن عبد السلام: وأظنهما رأيا ما في تبصرة اللخمي وهو قوله وظاهر قول

أشهب أنه الإنسي لأنه قال يقتل الكلب وإن لم يعقر انتهي كلام اللخمي، وزاد في النوادر وإن كان كلب ماشية وليس في هذا اللفظ ما يدل على ما قاله اللخمي رحمه الله لاحتمال أن يقول أشهب يقتل مع ذلك الأسد والنمر وغيرهما من السباع المؤذية، بل نص أشهب في هذا اللفظ، وهو في النوادر قبل الكلام الذي حكاه اللخمي ومتصل به على أنه يقتل صغار السباع وهو يدل على أنه يقول مثل قول جمهور أهل المذهب. وروي عنه قول آخر أنه يمنع أنه يقتل صغارها وعليه الجزاء إن قتلها وهو مؤذن بجواز قتل الكبار، والأشبه أن الخلاف الذي في المذهب هو ما قاله بعض الشيوخ هل يتناول اللفظ السباع والكلاب معًا أو إنما يتناول الكلاب أو السباع الذي تلحق بها معنى من باب الأولى، وحمل بعض الشيوخ على أن مذهب مالك في طائفة أن المراد منها السباع خاصة قال: وليس المراد الكلاب الإنسية لا العادي منها ولا غيره، والحاصل من هذا كله أن المذهب دخول السباع تحت هذا اللفظ، وإنما الخلاف في دخول الكلب وهو عكس ما نقله هؤلاء المتأخرون، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عتبة بن أبي لهب: " اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك، فعدا عليه الأسد" فاحتج بذلك جماعة على أن المراد بالكلب العقور هو الأسد وما في معناه، واختلف المذهب في قتل الغرب والحدأة إذا لم يؤذيا وكذلك اختلف في قتل صغارهما وكذلك ما آذى من الطير مما ليس بغراب ولا حدأة. (ويجتنب في حجه وعمرته النساء والطيب ومخيط الثياب والصيد وقتل الدواب والقاء التفث): أما اجتناب النساء في الإحرام فمتفق عليه أي مجمع عليه لقوله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) [البقرة: 197] قال ابن عباس وغيره الرفث هنا الجماع فإن وطئ في حجه فلا يخلو إما أن يطأ قبل الوقوف بعرفة فهذا لا خلاف في فساد حجه، وإما أن يطأ بعد الوقوف وقبل رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة ففيه قولان المشهور فساده، وإما أن يطأ قبل طواف الإفاضة، وبعد رمي جمرة العقبة، فقال ابن القاسم عليه العمرة والهدي كان قد حلق أم لا، وأما عكسه فعليه الهدي فقط ولا عمرة عليه. وقال ابن المواز هو كتارك رمي جمرة العقبة قاله ابن كنانة، وقال ابن وهب إن وطئ يوم النحر فسد حجه إذا لم يرم وإن أفاض وقاله أشهب، وأما الطيب فتجب

الفدية فيه باستعمال المؤنث منه أو لمسه كالزعفران والورس والكافور والمسك، وقيل لا تجب بمجرد اللمس ويكره له شم غير المؤنث ولا فدية على وجه كان استعمله أو مسه واستخف ما أصابه من خلوق الكعبة إذ لا يكاد ينفك منه ولينزع الكثير منه وهو مخير في نزع اليسير، وأما مخيط الثياب فالأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يلبس المحرم من الثياب فقال: " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات" الحديث. ولا خلاف في تحريم ذلك على الرجال دون النساء قال ابن الماجشون: ولا باس أن يستظل المحرم إذا نزل بالأرض ولا بأس أن يرمي ثوبًا على شجرة ويقيل تحتها ولي كالراكب والماشي وهو للنازل كالخباء والفسطاط والبيت المبني وقال اللخمي إن كان في محارة كشف عنها فإن لم يفعل ابتدأ وقد نقل الإمام أبو عبد الله والقاضي أبو بكر أن ابن عمر أنكر على من استظل راكبا، وقال أضح لمن أحرمت له ثم نقلا عن الرماني أنه قال رأيت ابن المعدل الفقيه في يوم شديد الحر وهو ضاح للشمس فقلت يا أبا الفضل هذا أمر اختلف فيه فلو أخذت بالتوسعة فأنشأ يقول: ضحيت له كي أستظل بظله = إذا الظل أضحي في القيامة قالصا فيا أسقي إن كان سعيك باطلا = ويا حسرتي إن كان حجك ناقصا وأما الصيد يعني به صيد البر لقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا) [المائدة: 96] ولا فرق في صيد البر أن يكون متأنسا أو وحشيا كان مما يؤكل لحمه أم لا كان مملوكا أم لا ويحرم التعرض لأفراخه وبيضه، ويلزم الجزاء بقتله، وأما قتل الدواب فيريد به دواب جسده فلا يقتل القمل ولا يلقيه عن جسده إذ ذاك كقتله بخلاف البرغوث فإنه يجوز إلقاءه لأنه من الأرض، وأما إلقاء التفث فهو كقص الشارب والأظفار ومنهم من فسر كلام الشيخ بأن مراده ما يلقي من الدواب عن جسده وضعف للتكرار. (ولا يغطي رأسه في الإحرام ولا يحلقه إلا من ضرورة ثم يفتدي بصيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي عليه السلام أو ينسك بشاة يذبحها حيث

شاء من البلاد وتلبس المرأة الخفين والثياب في إحرامها وتجتنب ما سوى ذلك مما يجتنب الرجل وإحرام المرأة في وجهها وكفيها وإحرام الرجل في وجهة ورأسه ولا يلبس الرجل الخفين في الإحرام إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين): الأصل في ذلك قوله تعالى: (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله) [البقرة: 196] قال ابن عطية المعنى حلقه لإزالة الأذى بيديه وهذا هو فحوى الخطاب عند أكثر الأصوليين ونزلت هذه الآية في كعب بن عجرة حين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه يتناثر قملا فأمره بالحلاق ونزلت الرخصة والصيام عند مالك وأصحابه ثلاثة أيام والصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وذلك مدان بمد النبي عليه السلام والنسك شاة بإجماع ومن ذبح أفضل منها فهو أفضل. وقال الحسن بن أبي الحسن الصيام عشرة أيام والإطعام عشرة مساكين وتعجب الفاكهاني من قوله صلى الله عليه وسلم " فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع" حسبما هو في الصحيحين. وقول الشيخ يذبحها حيث شاء من البلاد يريد ما لم يقلدها أو يشعرها فإن فعل ذلك لم يذبحها إلا بمنى. (والإفراد بالحج أفضل عندنا من التمتع ومن القران): اعلم أن هذا النسك يصح أداؤه بالإفراد والتمتع والقران واتفاقًا واختلف هل يفضل بعضها على بعض أم لا؟ فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى عدم التفضيل والأكثرون على التفضيل وعليه فقيل أفضلها الإفراد وهو المشهور وقيل التمتع قاله اللخمي، وقيل الإفراد للمراهق والتمتع حيث يشتد الإحرام لطول أمده والقران لغيرهما رواه أشهب، وعلى الأول فقيل إن القران أفضل من التمتع نقله ابن بشير وقيل بالعكس نقله ابن شاس. (فمن قرن أو تمتع من غير أهل مكة فعليه هدى يذبحه أو ينحره بمنى إن أوقفه بعرفة وإن لم يوقفه بعرفة فلينحره بمكة بالمروة بعد أن يدخل به من الحل فإن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج يعني من وقت يحرم إلى يوم عرفة فإن فاته ذلك صام أيام منى وسبعة إذا رجع):

ظاهر كلام الشيخ أن المكي لا هدي عليه في تمتع ولا قران وهو كذلك إلا أنه في التمتع متفق عليه، وفي القران على المشهور خلافًا لابن الماجشون في إيجابه الهدي، واختاره اللخمي لأن موجب الدم في حق غير الحاضر إنما هو سقوط أحد العملين وذلك مشترك بين أهل مكة وغيرهم، ويبعد أن يقال موجبه في حقهم سقوط أحد السفر إذ لا معني لطلب السفر وهو وسيلة لسقوط العمل وهو المقصود بخلاف التمتع ودليل سقوط الهدي عن المكي قوله تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام) [المسجد: 169]. (وصفة التمتع أن يحرم بعمرة ثم يحل منها في أشهر الحج ثم يحج من عامه قبل الرجوع إلى أفقه أو إلى مثل أوقفه في البعد ولهذا أن يحرم من مكة إن كان بها ولا يحرم منها من أراد أن يعتمر حتى يخرج إلى الحل): اختلف لم سمي متمتعا فقال ابن القاسم لأنه متمتع بكل مالا يجوز لمحرم فعله من وقت حله في العمرة إلى وقت إنشاء الحج، وقال غيره سمي متمتعا لإسقاط أحد السفرين وذلك أن حث العمرة أن تقصد بسفر وحق الحج أن يقصد كذلك فلما تمتع بإسقاط أحدهما لزمه عليه هدي كالقارن الذي يجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد قاله ابن عطية فإذا ثبت هذا فلتعلم أن للتمتع ستة شروط متى أسقط شرطا منهما لم يكن متمتعا. أحدها: الجمع بين العمرة والحج في عام واحد. الثاني: في سفر واحد. الثالث: أن يقدم العمرة على الحج. الرابع: أن يأتي بها أو ببعضها في أشهر الحج. الخامس: أن يحرم بعد الإحلال منها بالحج. السادس: أن يكون المتمتع مقيما بغير مكة. قاله القاضي عبد الوهاب، قال الفاكهاني: وكلام الشيخ يشتمل عليها إذا أعطي من التأمل حقه. (وصفة القران أن يحرم بحجة وعمرة معًا ويبدأ العمرة في نيته وإذا أردف الحج على العمرة قبل أن يطوف ويركع فهو قارن وليس على أهل مكة هدي في تمتع ولا قران ومن

حل من عمرته قبل أشهر الحج من عامه فليس بمتمتع): اختلف المذهب إذا شرع في عمل العمرة فقال أشهب لا يصح قرانه حينئذ وقال ابن القاسم يصح ما لم يكمل الطواف، وقال أيضًا ما لم يركع وذكر عبد الوهاب أنه يصح ويردف الحج ما لم يكمل السعي. (ومن أصاب صيدا فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذو عدل من فقهاء المسلمين ومحله منى إن وقف به بعرفة وإلا فمكة ويدخل به من الحل وله أن يختار ذلك أو كفارة طعام مساكين أن ينظر إلى قيمة الصيد طعامًا فيتصدق به أو عدل ذلك صيامًا أن يصوم عن كل مد يومًا ولكسر المد يومًا كاملاً): الأصل في هذا قوله تعالى: (ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم) [المائدة: 95] الآية فمن قتل صيد لم يجتز بمعرفة نفسه ولابد أن يحكم على نفسه فقيهين من المسلمين كمال قال تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم) [المائدة: 95] ولذلك دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عبد الرحمن بن عوف ليحكم معه على رجل قتل صيدا وهو محرم فقال له المحكوم عليه أنت أمير المؤمنين، ولا تحكم علي حتى تدعو آخر فقال له عمر أتقرأ سورة المائدة قال لا قال لو قرأتها لأوجعتك ضربًا قال الله تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم) [المائدة: 95] وهذا عبد الرحمن بن عوف. ثم إن المحكوم عليه بالخيار إن شاء أن يحكما عليه بالجزاء أو بالإطعام أو بالصيام وهذا فيما له مثل فإن لم يكن له مثل كالأرنب والعصافير كان مخيرا في شيئين: الطعام والصيام، ولو أراد المحكوم عليه الطعام فلما حكما عليه أراد الصيام فلا يحتاج إلى حكمهما بالصيام قاله غير واحد لأن الصوم بدل من الإطعام لان الهدي بدليل قوله تعالى: (أو عدل ذلك صيامًا) [المائدة: 95] فكان الصوم مقدرا بالطعام بتقدير الشرع فلا حاجة في تقديره إلى الحكمين، واختلف إذا حكما عليه بالنعم لأمره بذلك وأصابا ثم أراد بعد ذلك أن يتنفل إلى الطعام أو الصوم هل له ذلك أو هو حكم قد نفذ؟ فإن أخطأ بينا فحكما بشاة فيما فيه بدنة انتقض حكمهما لأن الحكم بالحيف والجور غير مشروع. قال الله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) [النساء: 58] وإنما قال الشيخ ولكسر المد يومًا كاملاً لأن صوم بعض يوم غير مشروع فلم يبق إلا

باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان

صيام يوم كامل لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كالإيمان في القسامة، وأما إن اختار الإطعام فإنه يطعم في ذلك الكسر ولا يلزمه تكميله، قال القاضي أبو محمد ولا يجوز إخراج شيء من جزاء الصيد لغير المحرم إلا الصيام، وحكى القاضي أبو إسحاق أنه يطعم حيث شاء ثم قال وقيل أنه يطعم في موضع قتله الصيد. (والعمرة سنة مؤكدة في العمر): ما ذكر أنها سنة هو المشهور من المذهب وقال ابن الجهم إنها واجبة وقد قدمنا الخلاف هل يكره تكريرها في العام أم لا؟ على قولين في المذهب. (ويستحب لمن انصرف من مكة وحج أو عمرة أن يقول آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده): إنما استحب هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا انصرف من غزو أو حج أو عمرة، ومعنى آيبون أي راجعون بالموت، تائبون أي من كل مخالفة، عابدون لله أي بما افترض علينا مما كلفنا به، لربنا حامدون ولله عز وجل على ذلك فإن الحمد حقيقة لا يكون إلا لله عز وجل ولذلك قدم المجرور المؤذن بالحصر، وصدق الله وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم بالنصر ونصر عبده عليه السلام، وهزم الأحزاب وحده لا شريك له ولا معين ولا معاضد ولا وزير يفعل ما يشاء وهو على كل شيء قدير صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا. باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة قال بعض شيوخنا: الأضحية اسم ما تقرب بذكاته من جذع ضأن أو ثني سائر

النعم سالمين من بين عيب مشروطا بكونه في نهار عاشر ذي الحجة وتالييه بعد صلاة الإمام عيد الأضحية وقدر زمن ذبحه لغيره ولو تحريا لغير حاضره والذبائح لقب لما يحرم بعض أفراد من الحيوان لعدم ذكاته أو سببها عنه وما يباح بها مقدورا عليه. والعقيقة ما تقرب بذكائه من جذع ضأن أو ثني سائر النعم سالمين من بين عيب مشروطا بكونه في نهار سابع ولادة آدمي حي عنهن وقال ابن الحاجب: العقيقة ذبح الولادة فأبطل طرده بذبح غير النعم وبالذبح بعد موت الولد به لولادة غير آدمي إلى غير ذلك، والصيد أخذ مباح أكله غير مقدور عليه من وحش طير أو حيوان بحر يقصد واسمًا ما أخذ إلى آخره. (والأضحية سنة واجبة على من استطاعها): يريد أنها سنة مؤكدة وفي حكمها ثلاثة أقوال: فقيل ما ذكر الشيخ وهو قول الأكثر كالتلقين والمعلم والمقدمات وقيل إنها واجبة وأخذه ابن يونس والباجي وغيرهما من قول ابن القاسم في المدونة من كانت له أضحية فأخرها حتى انقضت أيام النحر أثم، ورد بحمله على أنها كان أوجبها. وقال ابن عبد السلام: يمكن أخذ الوجوب من قول المدونة الضحية واجبة على من استطاعها ورده بعض شيوخنا بأنه اغترار بلفظ التهذيب ولفظ المدونة قلت الناس عليهم كلهم الأضحية إلا الحاج قال نعم، وهو في لفظ السائل دون لفظ وجوبه، وقيل إن الأضحية مستحبة وأخذه ابن الحاجب من قوله المدونة يستحب لمن قدر أن يضحي ويرد بأن لفظها أحب إلى ولذلك قال بعض المغاربة يحتمل الوجوب والاستحباب. وفي سماع أشهب وابن نافع روى معن: من وافق يوم عقيقة ولده يوم الأضحى ولا يملك إلا شاة واحدة عق بها، ابن رشد إن رجا الأضحية في تالييه وإلا فالأضحية لأنها آكد فقيل إنها سنة واجبة ولم يقل في العقيقة وما ذكره سبقه به اللخمي، وهل الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها أم لا؟ فقيل بذلك وقيل بالعكس وكلاهما عن مالك حكاهما ابن رشد، والصواب أنها أفضل لأنه يلزم على القول الآخر أن تكون الأضحية نافلة ولا قائل به ولقد أحسن ابن حبيب في قوله هي أفضل من العتق وما ذكرناه من

الإلزام نبه عليه بعض شيوخنا، ويريد الشيخ بقوله على من استطاعها من لا يجحف به شراؤها كما صرح به ابن بشير وروى أشهب في يتيم له ثلاثون دينارا أيضحى عنه بنصف دينار ويلزم من بيده مال اليتيم أن يضحي عنه كنفقته قاله ابن حبيب. (وأقل ما يجزئ فيها من الأسنان الجذع من الضأن وهو ابن سنة وقيل ابن ثمانية أشهر، وقيل ابن عشرة أشهر والثني من المعز وهو ما أوفى سنة ودخل في الثانية ولايجزئ في الضحايا من المعز والبقر والإبل إلا الثني والثني من البقر ما دخل في السنة الرابعة والثني من الإبل ابن ست سنين): ظاهر كلام الشيخ أن الوحش لا يجزئ وهو كذلك بالاتفاق، واختلف إذا ضربت إناث النعم في الوحش فنقل ابن شعبان عن المذهب عدم الإجزاء واختار الإجزاء لقوله عليه السلام " كل ذات رحم فولدها بمنزلتها" ولو كانت الذكور من النعم فنقل ابن شعبان عن المذهب عدم الإجزاء، قلت والأقرب أنه يتخرج فيها الخلاف كالأولى قياسًا على أخذ الزكاة منها حسبما قدمنا أن الخلاف فيها. وتردد خليل هل يتخرج أم لا ضعيف والقول الأول في سن الجذع قول أشهب وابن نافع وابن حبيب، والقول باعتبار ستة أشهر قاله على بن زياد وما ذكر في سن الثني هو المشهور، وقال ابن حبيب وهو ابن سنتين، وقال عيسى بن دينار هو ابن سنة حكاه ابن عات وقال عيسى عنده يرجع كما قال الشيخ لأن بنفس فراغ السنة يدخل الثانية إلا أن يريد دخولا معتبرا. (وفحول الضأن في الضحايا أفضل من خصيانها وخصيانها أفضل من إناثها وإناثها أفضل من ذكور المعز ومن إناثها وفحول المعز أفضل من إناثها وإناث المعز أفضل من الإبل والبقر في الضحايا): ما ذكر من أن الفحل أفضل من الخصي هو المشهور وقيل بعكسه لطيب لحم الخصي حكاه ابن بزيزة، وقيل إنهما سيان لا مزية لأحدهما على الآخر، ويريد الشيخ ما لم يكن الفحل هزيلا فإن كان فالخصي أفضل قاله ابن حبيب ولم يحك الباجي غيره، وما ذكر من أن الذكر أفضل من الأنثى من صنفه هو قول مالك في المختصر، وعنه في المبسوط أنهما سواء والقولان حكاهما اللخمي، وصرح المازري بأن المشهور الأول ولم يحك الباجي غيره ولم يتعرض الشيخ هل البقر أفضل من الإبل أو العكس واختلف في ذلك فالمشهور أن البقر أفضل وقال ابن شعبان بالعكس.

وقال أشهب: الأضحية لمن كان بمنى فالإبل والبقر أحب إلى من الغنم قائلاً: وإن كانت لا أرى على من بمنى أضحية وسمع أشهب وابن نافع أكره التغالي فيها أن يجد بعشرة دراهم فيشتري بمائة، قال ابن رشد لأنه يؤدي للمباهاة، وقد قال أبو أيوب كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن بيته ثم صارت مباهاة، وذلك في زمانه فكيف الآن، وقال اللخمي يستحب أن تكون من أعلى المكاسب لقوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) [آل عمران: 92] ولقوله (وفدينه بذبح عظيم) [الصافات: 107] ، وبالقياس على قوله صلى الله عليه وسلم " أفضل الرقاب أغلاها ثمنا" فرأى بعض شيوخنا أنه خلاف ما تقدم لابن رشد قائلاً إلا أن يحمل التغالي لمجرد المباهاة. واختلف هل يجوز تسمين الضحية أم لا. فقيل إن ذلك جائز قاله الجمهور، وقال ابن شعبان إنه مكروه لمشابهة اليهود والقولان حكاهما عياض، وقال أبو محمد رواية ابن نافعالمستحب كونها بكبش عظيم سمين فحل أقرن ينظر في سواد، ويمشي فيه ويأكل فيه زاد ابن يونس عنه أملح وهو ما كان بياضه أكثر من سواده. (وأما في الهدايا فالإبل أفضل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز): ما ذكره هو مذهبنا، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن الضحايا كالهدايا، وقال بعض أهل المذهب ويرد عليهما من طريق النقل والمعنى. أما النقل فلما روي عن النبي عليه السلام " أنه كان يضحي بكبشين أقرنين" ومثل هذا اللفظ لا يستعمل إلا فيما يواظب عليه، ومعلوم أنه عليه السلام إنما يواظب على الأفضل. أما المعنى فلأنه لا خلاف أنه لا يضحي بجذع إلا من الضأن وهذا يقتضي أن لها مزية على غيرها في الضحية. (ولا يجزئ في شيء من ذلك عوراء ولا مريضة ولا العرجاء البين ظلعها ولا العجفاء التي لا شحم فيها): ما ذكر أنه لا يجزئ من الأربعة التي ذكرها هو كذلك باتفاق لما في الموطأ عن البراء بن عازب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يتقى في الضحايا فأشار بيده، وقال أربع فكان البراء يشير بيده ويقول يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم العرجاء البين ظلعها والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي" ولا خلاف أن ما هو أشد من الأربع أنها لا تجزئ معه، واختلف في المساوي لها كقطع الأذن

والذنب فقيل إن عدم الإجزاء مختص بالأربع فتجزئ معه قاله جميع البغداديين منهم ابن القصار وابن الجلاب. وذهب العراقيون أجمع وغيرهم إلى عدم الاختصاص بالأربع، وهو ظاهر المدونة، وسبب الخلاف هل يقدم العدد على القياس أم العكس قال ابن حارث واختلف إذا كان البياض على بعض الناظر فقال مالك لا تجزئ، وقال أشهب إن كان على أقله أجزأ، وقال ابن عبد السلام: ظاهر قول أشهب، إن نقص نظرها لم تجز ومرض بعض شيوخنا ما نقله عن أشهب بأنه لم يقف عليه لنقل غيره مع أنه خلاف ما تقدم لابن حارث عنه، وفي المدونة لا تجزئ التخمة، وهي البشمة لأنه مرض، وقال الباجي لا نص في المجنونة ورآه كالمرض. وقال اللخمي إن كان لازما تجز معه وإن كان يجيء المرة بعد المرة ثم ذهب فهو خفيف. قلت: فهم بعض أشياخي أنهما قولان وليس كذلك بل المرض على قسمين: خفيف فتجزئ وكثير فلا تجزئ فما صرح به اللخمي هو مراد الباجي والله أعلم، وما ذكر الشيخ من أن العجفاء هي التي لا شحم فيها هو أحد الأقوال الثلاثة، وبه قال ابن حبيب، وقال غيره التي لا مخ فيها، وقال ابن الجلاب لا شحم لها ولا مخ في عظامها لشدة هزالها وأما التي أقعدها الشحم فإنها لا تجزئ معه نقله أبو محمد عن سحنون. (ويتقى فيها العيب كله): يعني بذلك كالخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قال اللخمي: الخرقاء مثقوبة الأذن والشرقاء مشقوقتها والمقابلة مقطوعة الأذن من قبل وجهها والمدابرة من قبل قفاها، وحمل ابن القصار نهيه عليه السلام على الاستحباب واعترضه الباجي قائلاً هذا مطلق والمذهب فيه تفصيل فكثير القطع يمنع الإجزاء بخلاف يسيره كالسمة، وقال ابن بشير حمل ابن القصار النهي على الاستحباب وهو قوله المتقدم بقصر الحديث على العيوب الأربعة فيتحصل من هذا أن المذهب على خلاف قول ابن القصار عن الباجي وابن بشير ولذلك اعترض ابن هارون قول ابن الحاجب، والنهي عنها بيان للإكمال على الأشهر ولو زالت سن واحدة من أسنانها فروى ابن المواز لا بأس بذلك. وروى إسماعيل لا يضحى بها فحمله الباجي على ظاهره، وقال اللخمي محله

على الاستحباب لخفته، وحكي ابن بشير القولين في السن والسنين ونقل أبو محمد عن ابن حبيب إن طرحت ثنيتها ورباعيتها دون إثغار لم تجز وفهم عنه غير واحد عدم لحوق ما لا يساويها في الجمال فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال والأشهر في عدم الكل والجل عدم الإجراء. (ولا المشقوقة الأذن أن يكون يسيرا وكذلك القطع): هذا معطوف على قوله ولا يجزئ وأخبر في كلامه على أنه إذا كان الشق أو القطع يسيرا فإنها تجزئ وإلا فلا ولم يبين مقدارهما، وقال اللخمي قطع ما دون الثلث يسير وما فوقه كثيرا، وفي الثلث قولان فقال ابن حبيب هو كثير ومفهوم قول أبي محمد أنه يسير قال، وأما الشق فهو أيسر من القطع وشق النصف يسير، وقال المازري: رواية المتأخرين تشير إلى أن القطع والشق باعتبار الكثرة سيان ورأى بعض المتأخرين أن الشق أيسر من القطع والتفصيل المذكور الأذن هو بعينه في الذنب عند ابن رشد وقال الباجي الصحيح أن الثلث من الأذن يسير ومن الذنب كثير لأنه لحم وعصب والأذن طرف جلد ونحوه للمازري. (ومكسورة القران إن كان يدمي فلا تجوز وإن لم يدم فذلك جائز): ما ذكر الشيخ مثله فى المدونة وقال أشهب تجزئه وإن كانت تدمي قال بعضهم يعني إذا كان مرضها به خفيفا وقال ابن حبيب إنما هذا إذا انكسر القرن الخارج دون الداخل وتسمي العضباء، وأما إن انكسر الداخل والخارج فلا تجوز الأضحية به وإن لم يدم وتسمى العضباء والذكر أعضب، وقد " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب القرن والأذن". (وليل الرجل ذبح أضحيته بيده بعد ذبح الإمام أو نحره يوم النحر ضحوة ومن ذبح قبل أن يذبح الإمام أو ينحر أعاد أضحيته):

يريد أن ذلك على طريق الاستحباب لفعله عليه السلام ذلك قال ابن المواز وليذبح له غيره من ضرورة أو ضعف ومثله لابن حبيب، فإن استناب مسلما دون عذر فإنه يجزئه وبئس ما صنع قاله ابن المواز، وفي مختصر ابن عبد السلام لا يجزئه نقله خليل وقال ابن حبيب إن وجد سعة أحب إلى أن يعيدها بنفسه. وظاهر كلام الشيخ أن الصبي والمرأة لا يذبحان بأنفسهما بل يستنيبان غيرهما، وهو كذلك في الصبي باتفاق وفي المرأة عند ابن رشد قائلاً: الأظهر منع ذبحها إلا من ضرورة لنحره صلى الله عليه وسلم في الحج عن أزواجه، وروى ابن المواز واختار أن تلي المرأة ذبح أضحيتها بيدها وكان أبو موسى يأمر بناته بذلك. واختلف إذا استناب كتابيا فقيل لا تجزئه قاله في المدونة وقيل تجزئه قاله أشهب، ولو استناب من يضيع الصلاة فقيل تجزئه وقيل لا تجزئه وهما جاريان على فسقه أو كفره إن مات، واستحب اللخمي أن تعاد على الخلاف واختلف إذا نواها المأمور عن نفسه على ثلاثة أقوال: فقيل تجزئ بها قال أشهب وابن نافع وقيل تجزئ الذابح قاله أصبغ قائلاً ويضمن قيمتها وقيل: لا تجزئ واحداً منهما قاله فضل وصوب ابن رشد الأول بأن المعتبر نية ربها كالموضيء لأن نية الذابح كالماضئ ورده ابن عبد السلام بأن شرط النائب في الذكاة صحت ذكاته بدليل منع كونه مجوسيا فنيته إذا مطلوبة فإذا نواها لنفسه لم تجز ربها والموضىء لا تطلب منه نية دليل صحة كونه جنبا، وأجيب بأن الكلام في نية التقرب لا نية الذكاة.

(ومن لا إمام لهم فليتحروا صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه ومن ضحي بليل أو أهدى لم يجزه): وما ذكر مثله في المدونة وظاهرها كان الإمام الذي يليهم قدمه الخلفية أم لا فإذا عرفت هذا فأعلم أنه أخذ منها أن المعتبر إمام الصلاة وبه قال ابن رشد، وقال اللخمي: المعتبر الخليفة ومن يقوم مقامه، وقال البوني: الإمام المعتبر ذبحه الذي يقيم الحدود والجمعة والأعياد فظاهره أنه ثالث وكذلك فهمه خليل على ظاهر كلامه، وأشار اللخمي إلى أن المتغلبين لا يعتبرون، وقال ابن عبد السلام: فيما قال نظر لنصوص أهل المذهب بتنفيذ أحكامهم وأحكام قضاتهم، ورآه بعض شيوخنا للضرورة إذ لا يمكن غير ذلك ولا ضرورة هنا لأنه يمكن تحري وقت الإمام غير المتغلب فإن تحروا فأخطئوا، فقيل لا تجزئهم قاله مالك من رواية أشهب، وقيل تجزئهم قال في المدونة، وهو المشهور ولا يعارض قوله هنا بقولها من تحرى الفجر فإذا هو صلى قبل الفجر أعاد وبقوله من أخطأ القبلة أعاد في الوقت لمشقة إعادة الأضحية ويسر إعادة الصلاة ولا يقال الفرق بين الأضحية والفجر هو أنه في الأضحية مأمور بالتحري على ظاهر قول الشيخ فليتحروا صلاته بخلاف الفجر فإن المصلي مأمور بالتربص حتى لا يشك لأن ذلك ينتقض بمن أخطأ القبلة مع أنه غير مأمور بالتربص. (وأيام النحر ثلاثة يذبح فيها أو ينحر إلى غروب الشمس من آخرها وأفضل أيام النحر أولها): ما ذكر هو مذهبنا وقال الشافعي أيام النحر أربعة وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن وحكي عن الحسن أيضًا أنه كان يقول الشهر كله إلى غير ذلك من الأقوال. (ومن فاته الذبح في اليوم الأول إلى الزوال فقد قال بعض أهل العلم يستحب أن يصير إلى ضحى اليوم الثاني): يريد وكذلك إذا فاته الذبح في اليوم الثاني فإنه يستحب تربصه إلى ضحى اليوم الثالث وهذا القول رواه ابن حبيب عن مالك وفي كتاب ابن المواز عن مالك أن اليوم الأول كله أفضل من الثاني والثاني كله أفضل من الثالث، وأنكر الشيخ أبو الحسن القابسي رواية ابن حبيب قائلاً الذي عند ابن المواز أحسن منه وهو المعروف، وقال ابن الحاجب: وفي أفضلية ما بعد الزوال على أولية ما بعده قولان، واعترض بأن كلامه موهم بأن القول الثاني بالمواساة وموهم أيضًا بأن الخلاف إنما هو في اليوم الثاني لا في

اليومين معًا ولا قائل به. قال الفاكهاني: وقول الشيخ ومن فاته الذبح في اليوم الأول إلى آخره ظاهره أن الخلاف خارج المذهب لأن هذه العبارة في الغالب والاصطلاح لا تكون إلا خارج المذهب كقوله في كتاب الجنائز وأرخص بعض العلماء في القراءة عند رأسه بسورة يس، وكذلك قولهم أن النافلة في قول بعض العلماء أربع نحو ذلك، وليس الأمر هنا كذلك بل القولان منقولان في المذهب ذكرهما ابن رشد وابن بشير وغيرهما فليت شعري لم آتي بهذه العبارة الموهمة مع إمكان غيرها على جري عادته في جزالة لفظه وفصيح عبارته. قلت: ليس في كلامه إيهام لأنه إذا عبر ببعض العلماء أراد به ابن حبيب حيثما وقع له حسبما قاله التادلي عند قول الشيخ، وأرخص بعض العلماء في القراءة، وكذلك هو قول ابن حبيب هنا عزاه اللخمي له، والقول الآخر لابن المواز لا لروايتهما. واختلف هل يراعى النهار في اليومين أم لا؟ فقيل بمراعاته وهو المشهور وروى عن مالك إن ذبح ليلا أنه يجزئه حكاه ابن القصار وبه قال أشهب في احد قوليه وعلى الأول فهل يراعى قدر الصلاة فيهما أم لا؟ فقال ابن المواز لا يراعي ذلك، ولكن إذا ارتفعت الشمس وحانت الصلاة ولو فعل ذلك بعد الفجر أجرأه كذا نقله ابن يونس وحكاه الباجي من رواية ابن حبيب عن مالك، ونقله اللخمي عن أصبغ، وقال ابن بشير: المشهور مراعاة الصلاة، والشاذ يجزئ من ذبح بعد الفجر، واعترضه بعض شيوخنا بأن ظاهره عدم الإجزاء على المشهور وهو خلاف نص الروايات. (ولا يباع شيء من الأضحية جلد ولا غيره): ظاهر كلام الشيخ ولو كان المبيع صوفا أو شعرا وهو كذلك قاله في المدونة، وظاهر كلامه وإن كان تصدق بذلك على مساكين أو وهبه لرجل فإنه لا يجوز بيعه للمسكين ولموهوب له كالمضحي وكالوارث قاله مالك في كتاب ابن المواز، وقيل يجوز كالصدقة على الفقير، وكالزكاة إذا بلغت محلها، وهو قول أصبغ في كتاب ابن حبيب وإليه مال ابن رشد، واعترض عن سماع ابن القاسم إذا وهب رجل جلد أضحيته لخادمه أنه لا يباع لوجهين وهما قدرته على الانتزاع والحجر عليها فكأنه هو المتولي بيعه، واضطرب من كان معارضا لابن عبد السلام فيها حتى ألف بعضهم على بعض، واختلف الشيوخ من التونسيين المتأخرين أيضًا هل يعطى منها القابلة والفران والكواش

فمنعه بعضهم وأجازه بعضهم، والصواب عندي أن يكون خلافهم خلافًا في حال، ويقوم من كلام الشيخ أن الحرارة البونية لا يجوز بيعها إذا وجدت في الأضحية لعدم نهيه عن البيع. وبه أفتى غير واحد من التونسيين كالشيخ أبي القاسم الغبريني رحمه الله، وظاهر كلام الشيخ أنه لو عمل شيء من صوف الأضحية مع غيره ونسج فإنه لا يباع ولو كان صوف الأضحية قليلاً وقال التادلي: إذا كان تبعًا فإنه يباع ولم يحك غيره مستدلاً بالسيف المحلى. قلت: ويراد استدلاله بأن بيع الأضحية ممنوع لذاته بدليل أن يبعه منفردا لا يجوز، وبيع المحلي إنما هو لعارض بدليل جواز حالة الانفراد فلا يلزم من جوازه في السيف جوازه في الأضحية والله أعلم. والجاري على المذهب هنا الأول وقد روى ابن القاسم كراهة دهن الخراز النعال بشحم أضحيته قال ابن رشد لأن للشحم حصة من ثمن النعال فتعليله يقتضي أنه حمل الكراهة على التحريم، وقد علمت أنه لا يصير له من الثمن إلا شيء يسير. قاله ابن شاس وإجارة الجلد كالبيع فلا يجوز خلافًا السحنون قلت وفيما قاله نظر إذ لم يحك أبو محمد في نوادره ولا الباجي ولا ابن يونس غير ما قاله بعض شيوخنا واختلف إذا وقع بيع شيء من الأضحية وفات على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم وابن حبيب يتصدق الثمن، وقال سحنون يجعل ثمن الجلد في ماعون أو طعام وثمن اللحم في طعام، وقال محمد بن عبد الحكم يصنع به ما شاء، قال الباجي يحتمل أن يكون كمذهب أبي حنيفة القائل بجواز بيع الأضحية بما سوى الدراهم قال والأظهر أنه يمنع البيع ابتداء ولكن إذا فات يصنع به ما شاء. (وتوجه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة): المطلوب أن توجه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة كما قال ويستحب أن يضجعها على الجنب الأيسر ولا يضرب بها الأرض ويوضح محل الذبح ولو كان أعسر فإنه يضجعها على شقها الأيمن لضرورة رواه ابن القاسم، وقال ابن حبيب يكره له أن يذبح فإن ذبح واستكمن أكلت وكره مالك ذبح الطير وهو قائم فإن فعل أكل إن أصاب وجه الذبح، قال ابن المواز ولا يجعل رجله على عنقها قال ابن عبد السلام، وفيه نظر لما صحيح مسلم عن أنس قال " ضحي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين

أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحيهما. واختلف هل يستخف ذبح شاة وأخرى تنظر أم لا فقيل إنه لخفيف قاله مالك واحتج بنحر البدن مصطفة وقال ابن حبيب إنه مكروه قائلاً: بأنه في البدن سنة. والقولان حكاهما ابن رشد، والمطلوب في الإبل أن تنحر قائمة معقولة ولا خلاف أن من ترك الاستقبال ساهيا أو جاهلا أنها تؤكل واختلف إذا فعل ذلك عامدا على ثلاثة أقوال: فقيل تؤكل وبئس ما صنع قاله في المدونة وقيل: لا تؤكل قاله ابن حبيب وقيل: يستحب ترك أكلها قاله ابن المواز. (وليقل الذابح باسم الله والله أكبر، وإن زاد في الأضحية ربنا تقبل منا فلا بأس بذلك): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة لا يقال يحتمل أن يكون باسم الله من قول الشيخ وفي المدونة والمراد أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم بل المراد أنه يقتصر على ذلك فقط وعليه حمل الفاكهاني المذهب معبرا عنه، بقوله: قالوا: لا يقل بسم الرحمن الرحيم، قال التادلي: وإليه ذهب صاحب الحلل محتجا بأنه لو عمل بمقتضى قوله الرحمن الرحيم لتركها ولم يذبحها، قال ومثله لابن العربي وزاد أن أعرابيا سمع صبيا يقرأ آية

السرقة فقال: نكالا من الله والله غفور رحيم فقال قل والله عزيز حكيم، قال ولقائل أن يقول أنه يصرف معنى الرحمة إلى نفسه لكونه جعله ذابحًا لغيره، واعلم أنه لا خصوصية لهذا اللفظ بل إذا قال غيره من سائر الأذكار فإنه يجزئه نص على ذلك ابن حبيب، وقال: إن قال: باسم الله، والله أكبر ولا إله إلا الله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنه يكفيه عن التسمية، ولكن ما مضي عليه العمل أحسن وهو باسم الله والله أكبر زاد في الدونة على ما قال الشيخ وليس بموضع صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يذكر لا إله إلا الله، وأنكر مالك قولهم اللهم منك وإليك قاله هذه بدعة. وقال ابن شعبان: حسن أن يقول على ما يتقرب به من هدي أو نسك أو أضحية أو عقيقة: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ولا بأس بقوله اللهم منك العطاء وإليك النسك وإليك تقربت وسمع ابن القاسم كراهة قوله صلى الله على محمد رسول الله ونحوه ما تقدم للمدونة، وأجازه ابن حبيب وصوبه ابن رشد. (ومن نسي التسمية في ذبح أضحية أو غيرها فإنها تؤكل وإن تعمد ترك التسمية لم تؤكل وكذلك عند إرسال الجوارح على الصيد ولا يباع من الأضحية والعقيقة والنسك لحم ولا جلد ولا ودك ولا عصب ولا غير ذلك): ما ذكر من أن من ترك التسمية سهوًا أنها تؤكل هو كذلك باتفاق قاله ابن حارث وغيره، وما ذكر من أنها لا تؤكل في العمد، وظاهره التحريم وهي رواية ابن مزين عن عيسى وأصبغ، وقال مالك: لا تؤكل فحمله بعض الشيوخ على التحريم، وحمله ابن الجهم والأبهري وغيرهما على الكراهة، وقيل إن أكلها جائز قاله أشهب، قال عياض في الإكمال: وحكاها الخطابي عن مالك فيتحصل في أكلها مع العمد ثلاثة أقوال: وكل هذا في غير المتهاون وأما المتهاون فلا خلاف أنها لا تؤكل تحريما قاله ابن الحارث وابن بشير وقال ابن الحاجب: فإن تركها عامدا متهاونا أو غير متهاون ولم تؤكل على المعروف فظاهرة أن الخلاف فيه كغيره. ويظهر من كلام غير واحد أن القول بالكراهة فيه موجود كغير المتهاون، قال بعض شيوخنا: والمتهاون هو الذي يتكرر ذلك منه كثيرًا، قال ابن بشير: وحكم التسمية قيل: هي سنة والخلاف على ترك السنة عمدًا، وقيل: واجبة مع الذكر ساقطة مع العجز والنسيان، قلت: والقول الأخير هو الذي يعرج عليه شيوخنا في درسهم ويذكرون لها نظائر كالنجاسة والموالاة والترتيب ووجوب الكفارة على المفطر في رمضان وترتيب الحاضرتين.

(ويأكل الرجل من أضحيته ويتصدق منها أفضل له وليس بواجب عليه، ولا يأكل من فدية الأذى وجزاء الصيد ونذر المساكين وما عطب من هدي تطوع قبل محله ويأكل مما سوى ذلك إن شاء): ظاهر كلام الشيخ أن الجميع بين الأكل والصدقة أفضل من الصدقة بها جملة فأحرى أكلها وهو كذلك عند ابن حبيب وعزاه عياض لروايته لا لقوله، وقال ابن المواز: الصدقة بجميعها أفضل للأجر، واختلف هل يطعم منها النصراني والنصرانية، قال ابن القاسم كان مالك يجيزه ثم رجع عنه وما يعجبني أن يطعم منهم إلا من كان في عياله فأما أن يهدي لهم فلا يعجبني وما ذكر الشيخ أن الصدقة ليست بواجبة هو كذلك اتفاقًا وإنما هي مستحبة. واختلف في مقدارها على أربعة أقوال: فقال ابن حبيب: ليس في ذلك حد، وقال ابن الجلاب: لو قيل إنه يأكل الثلث ويتصدق بالثلثين لكان حسنا وقيل محدودة بالثلث، وقيل: بالنصف كلاهما حكاه ابن الحاجب، ونصه في تحديد الصدقة استحبابًا ثلاثة الثلث والنصف والمشهور نفي التحديد وقبلهما ابن عبد السلام وقال ابن هارون: ما علمت من نقلهما غيره، وقال خليل: تصور كلامهم ظاهر فالعجب منه حيث لم يذكر كلام ابن هارون والقول بالنصف حكاه عياض في الإكمال ونصه لا حد له عند مالك وأكثرهم بل يتصدق بما شاء ويأكل ما شاء ويطعم ما شاء، واستحب الشافعي الصدقة بالثلث، واختار بعض شيوخنا وغيرهم الصدقة بالأكثر، وأكل الثلث فأقل واستحب آخرون الصدقة بالنصف ففهم بعض من لقيناه أنه مذهبى لقرينة القول الذي قبله يليه. (والذكاة قطع الحلقوم والأوداج ولا يجزئ أقل من ذلك): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وتمام الذبح فري الأوداج والحلقوم، وظاهر كلامه لو بقي يسير من الأوداج فإنها لا تؤكل كذلك قاله سحنون وابن شعبان، وقال ابن محرز: لا تحرم بذلك واختلف إذا ترك أحد الودجين على قولين لمالك حكاهما عياض ونص في المدونة على أنه إذا ترك الحلقوم لا تؤكل وخرج اللخمي رحمه الله قولاً بأكلها من قول المدونة إن أدرك الصيد منفوذ المقاتل استحب أن تفرى أوداجه فإن أفراها الجارح فقد فرغ من ذكائه ومن رواية المبسوط لا بأس بذبيحة سقطت بماء بعد قطع ودجيها من القول يأكل المغلصمة، وأجيب عن الأول بأن المراد من الذكاة هي

ذكاة الصيد ويكفي منها إنفاذ المقاتل وقطع الودجين أحد المقاتل فيكفي إلا أن يقال قطعه ما فوق الجوزة يتنزل منزلة القطع في الحلقوم لاتصاله بالحلقوم فلا يلزم عليه الاكتفاء بالودجين خاصة قاله ابن عبد السلام، وهذا هو الجواب عن رواية المبسوط وأما الثالث فلا يلزم وأيضًا فمن البعيد أن يفري الكلب أو السهم مجموع الودجين مع سلامة الحلقوم فلعله إنما اكتفى بقطعها لاستلزامه قطع الحلقوم، وعلى المنصوص فاختلف إذا قطع نصف الحلقوم أو الثلثان فقيل: إنه كقطع الكل قاله ابن القاسم في الدجاج والعصفور والحمام. وقال سحنون: لا يؤكل، وقال ابن عبد السلام: خصص بعض من لقيته قول ابن القاسم بالطير لصعوبته قلت: ورده بعض شيوخنا بنقل أبي محمد عبد ابن حبيب مطلقًا، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يشترط قطع المريء وهو كذلك على المشهور وقيل: إنه يشترط عزاه اللخمي لرواية أبي تمام وعزاه ابن زرقون لقوله وعزاه عياض لرواية البغداديين، وقول الباجي لا أعلم من اعتبره غيره الشافعي قصور، وظاهر كلام الشيخ أن النحر يشترط فيه قطع الودجين معًا لقوله الذكاة قطع الحلقوم والأوداج. وقال ابن عبد السلام: ظاهر كلام اللخمي أنه شرط في أول كلامه قطع ودج واحد وفي آخره قطع الودجين معًا فأشار إلى أنه اختلاف من قوله قلت، وقال ابن رشد: النحر لا يشترط فيه قطع شيء من الحلقوم ولا من الودجين لأن محله اللبة وهو محل تصل منه الآلة إلى القلب فتموت بسرعة. (وإن رفع يده بعد قطع بعض ذلك ثم أعاد يده فأجهز فلا تؤكل): ظاهر كلامه سواء طال أم لا وهو كذلك إذا طال باتفاق واختلف إذا كان قريبا على خمسة أقوال: فقيل تؤكل قاله ابن حبيب وقيل: تكره نقله ابن وضاح عن سحنون وقيل لا تؤكل تحريما على ظاهر كلام الشيخ، وقال سحنون أيضًا: وتأول ابن وضاح عليه إن رفع يده كالمختبر أكلت وإن كان يعتقد التمام فلا تؤكل وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: لو عكس هذا الجواب لكان أصوب لقولهم فيمن سلم من اثنتين معتقدا التمام أنه لا يضر ذلك، ويتم باقي صلاته ولو سلم على شك أبطل صلاته قال: وعرضت هذا على الشيخ أبي الحسن القابسي فصوبه. وكل هذا إذا بلغت مبلغا لا تعيش معه. قال التونسي: وانظر لو غلبته قبل تمام الذكاة فقامت ثم أضجعها وأتم الذكاة وكان أمدا قريبًا هل تؤكل على ما مر أم لا؟ فقال أبو حفص العطار تؤكل لأنه معذور

ولم يقيد بالقرب ولا بالبعد، ونزلت بتونس أيام قضاء ابن قداح في ثور فحكم بأكله وبيان بائعه ذلك، وكانت مسافة هروبه نحوا من ثلاثمائة باع، واختلف في أكل المغلصمة على أربعة أقوال: فقيل: يحرم أكلها قاله ابن القاسم وأشهب وغيرها وبه كان بعض من لقيناه من القرويين يفتي وهو شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله، قال التلمساني: وهو المشهور وقيل: أكلها جائز قاله ابن وهب وابن عبد الحكم وغيرهما وبه الفتوى عندنا بتونس منذ مائه عام مع البيان في البيع، وقيل يكره أكلها حكاه ابن بشير ولم يسم قائله وقيل يأكلها الفقير دون الغني قاله بعض القرويين وأفتى به ابن عبد السلام وليس بسديد. ولو استؤجر جزار على ذبح شاة فغلصمها فحكي ابن يونس عن بعض شيوخه أنه يضمنها على القول الأول ولا يضمنها على القول الثاني، قلت: وهو مشكل من وجهين. أحدهما: أن القاعدة عندنا أن كل من فعل مأذونا له فيه فإنه لا يضمن إلا أن يفرط كثاقب اللؤلؤ، ومن استؤجر على نقل جرار، الثاني على تسليم ما قال فالمناسب أن يلزمه قيمة العيب على القول الثاني: لأنه عيبها عليه للخلاف في أكلها. (وإن تمادى حتى قطع الرأس فقد أساء ولتؤكل): يعني بقوله تمادى عامدا يدل عليه قوله فقد أساء وإن كانت تؤكل مع العمد فأحرى مع النسيان وغلبة السكين، وما ذكره هو قول ابن القاسم وأصبغ، ولو تعمد ذلك ابتداء وهو أحد التأولين عن مالك، فقيل بمقابله: لا تؤكل مطلقًا قاله ابن نافع، وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إن تعمد ذلك ابتداء فإنها لا تؤكل لأنه كالعابث بالذكاة حين ترك سنة الذبح، فإن ترامت يده بعد الذكاة فإنها تؤكل وتأول على قول مالك في المدونة فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال ذكرها ابن عبد السلام قائلاً: والأخير منها هو أقرب إلى الصواب واعلم أن لهذه المسألة نظائر منها من غسل رأسه في الوضوء بدلا من مسحه، ومنها من بجبهته قروح تمنعه من السجود فسجد على أنفه ولم يقتصر على الإيماء، وليست منها من وجبت عليه شاة فأخرج عنها بعيرا لعدم المجانسة وإن كان فيها خلاف.

(ومن ذبح من القفا لم تؤكل): لا خصوصية لقوله من القفا بل وكذلك إذا ذبح من صفحة العنق ولا أعلم فيه خلافًا في المذهب قالوا لأنه نخعها قبل تمام الذبح، قلت ويتخرج على القول بأن منفوذة المقاتل تعمل فيها الذكاة أن تؤكل إذا تحققت حياتها بعد نخعها ولذلك قال كثير من أهل العلم أنها تؤكل، ولو قطع الحلقوم وعسر مرور السكين على الودجين لعدم حد السكين فقلبها وقطع الأوداج من داخل لم تؤكل قاله سحنون وهو المذهب، وتردد بعض شيوخنا في أكلها إذا كانت السكين حادة قائلاً الأحواط عدم أكلها، وأفتى الشيخ أبو القاسم الغبريني رحمه الله في مسألة سحنون في زمان شدة بالأكل قائلاً مراعاة لقول من قال من العلماء بأكلها إذا ذبحت من القفا. (والبقر تذبح فإن نحرت أكلت): يعني أن المستحب في البقر الذبح ويجوز نحرها ابتداء على أن الظاهر كلامه لا يفي بذلك لأنه إنما تكلم على ذبحها بعد الوقوع ولكن مراده ما قلناه لأن الذبح جاء بالقرآن قال الله تعالى (أن تذبحوا بقرة) [البقرة: 67] والنحر بالسنة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نحرها عن نسائه فاستحب الذبح لأنه الذكاة المذكورة في القرآن كترجيح اسم العشاء على العتمة وما ذكرناه هو نص المدونة وروى إسماعيل بن أبي أويس من نحر البقرة بئس ما صنع، قال الباجي والخليل في الذكاة كالبقر يريد وكذلك البغال على القول بأن أكلها مكروه والحمير على القول بذلك، أو بالإباحة والقول بالإباحة فيها حكاه النووي عن مالك فذكر عن ثلاث روايات ولا أعرفه لغيره. (والإبل تنحر فإن ذبحت لم تؤكل وقد اختلف في أكلها): ولا خلاف أن المطلوب في الإبل النحر فقط قال الشيخ أبو بكر الأبهري: وكذلك الفيل ينحر إذا أريد الانتفاع بجلده وعظمه، قال الباجي وإنما خصصه مع قصر عنقه لأنه لا يمكن ذبحه لغلظ موضع الذبح واتصاله بجسمه وله منحر فوجب أن تكون ذكاته فيه، واختلف المذهب إذا ذبحت الإبل على قولين فقيل: لا تؤكل قاله في المدونة، وقيل: تؤكل قاله أشهب وابن مسلمة وعلى الأول فحمله ابن حبيب على التحريم وحمله غيره على الكراهة فإن كانت ضرورة فلا خلاف في أكلها. واختلف في الضرورة ما هي فظاهر قول الأكثر وقوعه فيما هو آت فقط، وقال ابن رشد عدم آلة النحر ضرورة تبيح ذبحه وكذلك العكس وقيل الجهل في ذلك

ضرورة، واختلف إذا وقع في مهواة ولم يمكن نحره ولا ذبحه ففي المدونة: لا يؤكل بالطعن وهو المشهور، وقال ابن حبيب: يجوز أكله وهو قول أهل العراق، وربما أفتى به بعض من لقيناه. (والغنم تذبح فإن نحرت لم تؤكل وقد اختلف أيضًا في ذلك): لا خصوصية لقوله والغنم تذبح بل وكذلك غير الإبل والبقر والخلاف في أكلها إذا نحرت كما سبق. (وذكاة ما في البطن ذكاة أمه إذا تم خلقه ونبت شعره): يريد بتمام خلقته أنه كمل خلقه ولو خلق ناقص يد أو رجل فإنه لا يمنع نقصه من تمامه نص على ذلك الابجي وهذا الشرط اختلف فيه، ونقل ابن العربي فقال في القبس قال مالك: إذا لم تتم خلقته فهو كعضو منها ولا يزكي العضو مرتين، ونقل في العارضة عن مالك مثل نقل الجماعة واختار هو لنفسه ما تقدم وعدول الشيخ عن أن يقول وكمل شعره إلى قوله، ونبت شعره يدل على أنه لا يشترط في الإنبات بعض الشعر، وهو كذلك نعم اختلف هل يؤكل بنبات أشفار عينيه أم لا؟ فقال بعض شيوخنا ظاهر الروايات وأقوال الشيوخ أنه لا يؤكل بذلك وإنما المعتبر شعر جسده، وذهب بعض أهل العصر إلى جواز أكله بذلك واختلف في أكل مشيمته على ثلاثة أقوال، فقيل إنها تؤكل نقله ابن رشد عن سماع عيسى من كتاب الصلاة قال السلا هو

وعاء الولد وهو كلحم الناقة المذكرة وقيل: لا يؤكل به. وبه أفتى عبد الحميد الصائغ وقيل: تبع للولد بحيث يؤكل وإلا فلا قاله بعض المتأخرين المذكرة من التونسيين وهذا الذي ذكرناه إنما هو إذا خرج ميتا وأما إذا خرج الجنين حيا فإن رجيت له حياه لو بقي، ففي المدونة عن مالك لا يؤكل إلا بذكاة تخصه شرط في أكله قاله عيسى بن دينار في نقله ابن رشد ونقل عبد الباجي أحب إلي أن لا يؤكل إلا بذكاة قال ونحوه روى محمد وابن وهب، وزاد في روايته فإن سبقهم بنفسه كره أكله، وقال ابن عبد الغفور في استفتائه عن ابن كنانة أنه إن استخرج حيا، ومثله لا يعيش لو ترك لم يحل ولو ذكي ونحوه لابن القاسم، قال بعض شيوخنا إن رد بأن حياته إن ألغيت كفت فيه ذكاة أمه وإلا كفت ذكاته أجيب بمنع لزوم كفاية ذكاته كمنفوذ مقتله ضرورة لا يعيش. (المنخنقة بحبل ونحوه والموقوذة بعصا وشبهها والتردية والنطيحة وأكيلة السبع إن بلغ ذلك منها مبلغا لا تعيش معه تؤكل بذكاة): ظاهر كلام الشيخ سواء أنفذت المقاتل أم لا فأما إن لم تنفذ ففي ذلك قولان منصوصان، فقيل تؤكل قاله مالك وابن القاسم وقيل لا تؤكل، وكذلك الخلاف إذا شك في حياتها وأما إن أنفذت المقاتل ففي ذلك ثلاثة طرق، وقال الباجي زكاتها لغو اتفافًا. وقال ابن رشد لا تنفع زكاتها على المنصوص ويتخرج اعتبارها من سماع أبي زيد عن ابن القاسم من أجهز على من أنفذ مقاتله غيره فإنه يقتل به ويعاقب الأول فقط قال: والصواب رواية سحنون وعيسى عنه عكسه ومن الشيوخ من رد تخريج ابن رشد هذا الاحتمال أن يكون قتل الثاني إنما هو من باب حقن الدماء لئلا يتجرأ عليها بخلاف الحيوان البهيمي، وهذا الرد نقله ابن عبد السلام وسلمه وهو عنده ضعيف لأنه لو كان كما قال لزم قتلها معًا والله أعلم. وقال اللخمي إن كان إنفاذها بموضع الذكاة، وذلك فري الأوداج لم تؤكل وإلا فقولان وفي المدونة لمالك لا تؤكل مقطوعة النخاج ولابن القاسم كل منتثرة الحشوة قال ابن عبد السلام: ومن أهل المذهب من ينسب القول بالتذكية لابن وهب غيره وصوب ابن وهب قول المدونة إن منفوذه المقاتل لا تعمل فيها الذكاة قائلاً لأنها ميتة ألا ترى أن الإنسان لو أصيب بذلك لورث وإن لم تزهق نفسه وإن مات له ابن حينئذ لم يرث منه لأنه ابن الابن قد ورثه، وذكر اللخمي هذا عن ابن القاسم إذا ذبح الأب

قال وإن أنفذت مقاتله ولم يذبح ورث هو ابنه ومثله حكي التونسي عن ابن القاسم. واعلم أن المقاتل خمسة: انقطاع النخاع وانتثار الدماغ وقطع الأوداج وخرق المصران الأعلى وانتثار الحشوة ونص عبد الحق على أن قطع الودج الواحد مقتل ونص محمد على أن قطع بعض الأوداج كاف، وأفتى ابن زرقون بجواز أكل ثور وجد كرشه بعد ذبحه مثقوبًا وأفتى ابن حمد بعكسه وصوب الأول والكلام في هذا الفصل متسع جدًا ومحله المدونة ولولا الإطالة لذكرناه. (ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويزود فإن استغني عنها طرحها): قال التادلي: يؤخذ منه أن الحرام إذا غلب وتعذر تحصيل الحلال أنه لا يمنع من الأكل منه، واعلم أن القول الشيخ لا بأس نفي لما يتوهم وإلا فالواجب أكله منها إجماعا، وما ذكر من أنه يشبع هو قول سحنون، وأكثر أهل المذهب، وقال ابن حبيب وابن الماجشون وأبوه وحكاه ابن المواز وعبد الوهاب عن مالك لا يأكل منها إلا ما يسد به رمقه خاصة نقله عياض، قلت: وهو الذي تركن النفس إليه ومثل هذا الاختلاف اختلف سحنون وابن حبيب أيضًا فيمن أفطر في رمضان لضرورة هل يباح له الأكل في بقية يومه أم لا، ويقرب منه اختلافهم فيمن يباح له أخذ الزكاة فقيل بجواز إعطاء ما يغنيه نصابًا فأكثر قاله مالك وقيل: يمنع أن يعطي النصاب قاله عبد الملك والقولان حكاهما ابن الجلاب. ونقل ابن رشد عن المغيرة مثل قول عبد الملك ولم يحك غيره، وقال اللخمي بعد أن ذكر الخلاف في إعطاء النصاب: الصواب أنه يعطي قدر كفايته لوقت خروجها، ويريد الشيخ ما لم تكن ميتة آدمي فإنه لا تؤكل يدل عليه قوله بعد ولا بأس بالانتفاع يجلدها إذ دبغ وإليه ذهب ابن القصار وتبعه عبد الحق وغيره، وظاهر كلامه أنه يأكل الميتة وإن كان ملتبسا بمعصية وهو كذلك، وقال ابن الجلاب لا يأكل حتى يفارقها وروي عن مالك، ومثله لابن العربي قائلاً ما أظن أحدا يقول بإباحة الأكل فإن قاله أحد فهو خطأ قطعا، واختار ابن يونس الأول بعد أن ذكر الثاني لابن حبيب ووجهه بأنه قد توجه عليه فرضان، النزع عن المعصية وإحياء النفس فإن فعلهما فهو المراد وإن أراد أن يفعل أحدهما لم يؤمر بتركه من أجل أنه لم يفعل، الآخر كمن يشرب الخمر ويزني ويرد بأن الشرب والزنا منفكان فحالة تلبسه بالزنا غير ملتبس بالشرب بخلاف أكله الميتة وهو عاص، ولو وجد ميتة وخنزيرا فإنه يأكل ويزكي

المضطر الخنزير استحبابا نقله الفاكهاني عن بعض شيوخه. وقال النووي في روضته يجوز في الاضطرار قتل الآدمي الذي لا حرمه له وأكله كالمرتد والحربي والزاني المحسن وتاريك الصلاة قال لو أراد المضطر أكل قطعة من لحمه فإن لحقه من الخوف في قطعها ما لحقه من الخوف بالجوع أو أشد منع وإلا جاز على الأصح. (ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ): ظاهر كلامه أن الدبغ يفيد في جلد كل ميتة حتى الخنزير وبه قال سحنون وابن عبد الحكم وهو أحد الأقوال الخمسة، وقال ابن وهب مثله إلا الخنزير وقيل إلا الخنزير والدواب وأخذه ابن رشد من المدونة من قولها ولا يصلي على جلد حمار وإن زكي، وقيل لا يطهر بالدبغ إلا المأكول وقيل إلا الأنعام وعزا ابن رشد الأول من هذين القولين لمفهوم سماع أشهب وابن نافع، والثاني لصريح سماعها وظاهر كلام الشيخ أنه لا ينتفع بالجلد قبل أن يدبغ وهو كذلك في المشهور، وحكي ابن رشد عن ابن وهب وظاهر سماع ابن القاسم أنه ينتفع به وزعم ابن حارث الاتفاق على الأول، وظاهر كلامه أيضًا أن طهارته عامة في المائعات وغيره، وهو كذلك عند سحنون وغيره وقيل: إن طهارته مقيده باليابسات والماء وحده من المائعات لأن الماء يدفع عن نفسه. وهذا القول هو المشهور، وقال ابن حارث اتفقوا على جواز الجلوس والطحن عليه، قلت ما ذكر من الجلوس عليه هو نص المدونة في كتاب الغصب قال فيها وكره مالك بيع جلود الميتة والصلاة فيها أو عليها دبغت أم لا، لكن إذا دبغت جاز الجلوس عليها وتفترش وتمتهن للمنافع ويقوم منها جواز الجلوس على ثوب الحرير وهو قول عبد الملك بن الماجسون والمشهور لا يجوز، وما ذكر في الطحن اتقاه بعض المتأخرين خوف تحلل شيء منه في الدقيق، وكان بعض من لقيته يقتبس جوازه من قول المدونة السابق وهو قولها: وتفرش وتمتهن للمنافع وكنت أجيب بأن الطحن أشد لما ذكر. واعلم أن الدبغ هو ما يزيل شعره وريحه ودسمه، ورطوبته نص عليه الباجي. (ولا يصلي عليه ولا يباع): أما ما ذكر من أنه لا يصلى عليه فهو المشهور، وأما ما ذكر من أنه لا يباع فظاهره وإن دبغ وهو كذلك في نقل الأكثر وقيل: يجوز مطلقاً وقيل: إن دبغ جاز وإلا فلا.

(ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها): ما ذكر من الصلاة على جلود السباع إذا ذكيت هو كذلك، وبالجملة أن كل مزكي الحكم فيه كذلك على المشهور، وقال في المدونة: ولا يصلى على جلد حمار وإن زكي، فرأي ابن الحاجب أنه مناقض لقولهم في المشهور أن المزكي طاهر وإن لم يدبغ وما ذكر من جواز البيع مثله في المدونة وقيل لا تعمل الزكاة فيه ولا يطهر بالدبغ حسبما تقدم في نقل ابن رشد وعزاه ابن شاس لابن حبيب، وقال ابن حارث: اتفقوا على طهارة جلد السبع المختلف في أكله وبيعه إن زكي لأخذ جلده، واختلف في المتفق على منع أكله على ثلاثة أقوال ثالثها: إن دبغ كره ولم يفسح وإن لم يدبغ فسخ بيعه ورهنه وأدب فاعله إن لم يعذر بجهل وأجاز في المدونة بيع السباع لتذكيتها لجلودها فأخذ منها غير واحد كابن رشد جواز بيع جلود الخرفان على ظهورها لأن لحم السباع لا يؤكل على المشهور، فإذا بيع السبع لأخذ جلده فكان ابيع لا تقع إلا في جلده وحده، وقيل إنه لا يجوز لأنه غرر قاله ابن القاسم في العتبية نقله ابن رشد، وسمع ابن القاسم ما بيع الجلود قبل الذبح بحرام بين وما يعجبني وعسى أن يكون خفيفا وما هو بالمكروه فرأي ابن رشد أن كلامه متناقض، أوله يقتضي التحريم وآخره يقتضي الجواز. (وما ينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في الحياة وأحب إلينا أن يغسل): ظاهر كلامه ولو من الخنزير والكلب وهو كذلك عند مالك وابن القاسم وقيل شعرهما معًا نجس حكاه ابن الحاجب، وقال ابن هارون ولا أعرفه في المذهب نعم هو قول الشافعي وأبي حنيفة قال، وقال بعض أصحابها إنه جار على من تأول قو لسحنون وابن الماجشون أنهما نجسان، وإنما أراد العين وقال شعر الخنزير نجس فقط قاله أصبغ وما ذكر الشيخ من استحباب غسله هو خلاف قول ابن حبيب بوجوب غسله.

(ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها): ما ذكر من أنه لا ينتفع بريشها يريد ما يشبه العظم منه هو كذلك وفيه خلاف كما يأتي إن شاء الله، وأما شبه الشعر فطاهر كالشعر وفيما بينهما خلاف أيضًا وما ذكر من أنه لا ينتفع بقرنها وما عطف عليه فظاهره التحريم، وهو المشهور وقال ابن وهب: طاهر، وقيل: الفرق بين طرفها وأصلها وهذه الأقوال الثلاثة حكاها غير واحد، وحكى الباجي في العظم الفرق بين أن يصلق أم لا كأحد الأقوال الأربعة في أنياب الفيل. (وكره الانتفاع بأنياب الفيل وقد اختلف في ذلك): الخلاف في ذلك أربعة أقوال كما سبق وحمل بعض من لقيناه قول الشيخ على بابه من الكراهة فجعله خامسًا والأقرب عندي حمله على التحريم، وإذا أطلق فقال مالك: لا يباع وقال ابن وهب: يباع، وقال أصبغ: لا يفسد إن فات ويفسخ إن أطلق وإن فات واستمر العمل عندنا بإفريقية على جواز بيعه. (وما ماتت فيه فأرة من سمن أو زيت أو عسل ذائب طرح ولم يؤكل): اعلم أنه اختلف المذهب في الزيت إذا وقعت فيه دابة وماتت هل يقبل التطهير أم لا؟ فقيل: إنه لا يقبل التطهير قاله ابن القاسم وعكسه قاله مالك، وأبو بكر ابن اللباد وقيل بالأول إن قل وبالثاني إن كثر قال أصبغ قال ابن عبد السلام، وما غير واحد من المحققين إلى الأول لأن الماء يتنجس بأول الملاقاة فيكون التطهير بماء نجس قال وأنت قد علمت أن هذا ملغى في الثوب واختلف في اللحم ويؤكل قاله ابن القاسم من رواية موسي، وعكسه قاله أشهب، وقيل: إن وقعت بعد طيبه فالأول وقبله فالثاني، ونقله ابن رشد عن أبي حنيفة واختاره وتبعه ابن زرقون.

قال بعض شيوخنا: وهو قصور لنقلة عبد الحق وابن يونس عن السليمانية وخرج اللخمي والروايتين الأولتين في تطهير الزيتون يملح بماء نجس وحكاهما ابن الحاجب نصا فيه وقال سحنون: إن تنجس زيتون قبل طيبه طرح وبعده غسل وأكل قلت: ويجري على الزيتون إذا تنجس القمح وشبهه. (ولا بأس أن يستصبح بالزيت وشبهه في غير المساجد وليتحفظ منه وإن كان جامدا طرحت وما حولها وأكل ما بقي): اختلف في الانتفاع به وبيعه على ثلاثة أقوال: فقيل: ذلك جائز ففيهما قاله مالك وابن وهب وعكسه قاله ابن الماجشون وقيل: يجوز الانتفاع ولا يجوز البيع قاله ابن القاسم وأكثر أصحاب مالك، وحكى هذا الخلاف ابن رشد، وكذلك اختلف هل يعمل منه الصابون أم لا؟ وكذلك اختلف هل يسقى بالماء النجس البقل والزرع على ثلاثة أقوال: فقيل ذلك جائز وعكسه وقيل لا يسقي فيما يسرع إليه القلع كالبقل بخلاف ما بعد قلعه كالزرع وظاهر كلام الشيخ أن ما هو نجس بذاته كشحم الميتة فإن لا ينتفع به أطلا وهو كذلك. ونقل الشيخ رحمه الله في نوادره عن ابن الجهم والأبري لا بأس أن يوقد بشحم الميتة إذا تحفظ منه قلت في الصحيحين " قيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة أنطلي بها السفن ويدهن بها الجلود؟ قال لا تطلي" الحديث عندهما منسوخ بغيره، قال ابن المواز: لا يحمل الميتة لكلبه بل يأتي به إليه، وفي المدونة إن وقد بعظم الميتة على حجر أو طين فلا بأس بذلك فأخذ منه الشيخ أبو القاسم بن الكاتب خلاف ما تقدم لمحمد، واجيب بأحد أمرين إما أنه تكلم بعد الوقوع وإما أن يحمل على أنه لم يحمل العظم بل أتي بالحجر إليه ووجده عند وهذا الأخير هو الذي كان يعرج عليه بعض من لقيناه. (قال سحنون إلا أن يطول مقامها فيه فإنه يطرح كله): الاتفاق على أن قول سحنون تفسير لا خلاف. (ولا بأس بطعام أهل الكتاب وذبائحهم): يريد بقوله لا بأس صريح الإباحة قال الله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتب حل لكم وطعامكم حل لهم) [المائدة:5] وظاهر كلامه سواء كان الكتابي صغيرا أو كبيرا ذكرًا أم أنثي ذميا أو حربيا وهو كذلك ويشترط في الصغير التمييز كالمسلم،

ويختلف فيه وفي المرأة كما يأتي إن شاء الله تعالى، وهذا الذي قلناه إذا كان ممن لا يستحل الميتة وأما من يستحلها فإن ذبح لك بحضرتك وأصاب وجه الذكاة جاز لك أكلها وأما إن غاب عليها عند الذبح فلا يجوز لك الأكل قاله الباجي، ومثله في الذخيرة. وقال ابن رشد القياس لا يؤكل مطلقًا على ما قاله الباجي في تعليل ما حرام على أهل الكتاب من أن الذكاة لابد فيها من النية وإذا استحل الميتة فكيف ينوي الذكاة وإن ادعى أنه نواها فكيف يصدق، واختلف المذهب إذا كان ممن يسل عنق الدجاجة، فالمشهور لا تؤكل واختار ابن العربي أكلها ولو رأيناه لأنه من طعامهم، قال ابن عبد السلام: وهو بعيد لأن معني طعامهم في الآية هو ما أبيح لهم في شرعهم فإذا أطبق جمهور شرعهم ومن هو مستمسك بظاهر دينهم على أن هذا مما يدل على من شرعهم وجب أن لا يكون من طعامهم، قلت فيما زعمه من التبديل نظرا بل لفظ ابن العربي في أحكام القرآن لأنها طعامهم وطعام أحبارهم ورهبانهم وإن لم تكن هذه زكاة عندنا، ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقًا وكل ما يرونه في دينهم فهو حل لنا إلا ما أكذبهم الله تعالى فيه، قال ولقد قال علماؤنا: إنهم يعطون أولادهم ونساءهم في الصلح ملكا فيحل لنا وطؤهن فكيف لا يحل لنا ذبائحهم والأكل دون الوطء في الحل والحرمة. واختلف إذا ذبح الكتابي لمسلم على ثلاثة أقوال: ففي المدونة يجوز إلا في الضحايا فتعاد لأنها قربة وقيل: لا يجوز مطلقًا لأن المباح من ذبائحهم يختص فيما يكون طعامهم لظاهر الآية وهذا لم يقصد به الإباحة لنفسه فلا تؤكل وقيل يجوز حتى في الأضحية كما سبق. (وكره أكل شحوم اليهود منهم في غير التحريم): ما ذكر من أنه مكروه هو المشهور، وقيل إنه حرام نص عليه في كتاب محمد، وحكاه ابن القصار عن ابن القاسم، وأشهب، وفي المبسوط أنه جائز قاله ابن نافع وبالجملة أن ما ثبت تحريمه عليهم بشرعنا كذي الظفر ففيه ثلاثة أقوال كما سبق، والمشهور التحريم وأن ما حرموه دون أن يثبت في شرعنا ففيه ثلاثة والمشهور الإباحة وأما ما ذبحوه لعيد أو كنيسة فإنه مكروه قاله في المدونة وقيل إنه حرام قاله ابن لبانة ورد بأن قوله تعالى: (أو فسقا أهل لغير الله به) [الأنعام: 145] يتناول، وقيل إنه مباح قاله ابن وهب ولم ير أن الآية تتناوله، واحتج مالك على الكراهة بالآية المتقدمة،

واستشكل بأن الآية تقتضي التحريم، وأما ما ذبح للأصنام فإنه حرام باتفاق، قال ابن هارون وكذلك عندي ما ذبح للمسح بخلاف ما سموا عليه اسم المسيح يعني فلا يحرم، واختلف هل هو مكروه أم لا؟ على قولين حكاهما ابن حارث. (ولا يؤكل ما ذكاه المجوس وما كان مما ليس فيه ذكاة من طعامهم فليس بحرام): ما ذكر مثله في المدونة وهو متفق عليه ففي المذهب في نقل الأكثر مطلقًا في الوثني وغيره، وخالف جماعة من أهل العلم وقالوا يؤكد ما ذكاه واحتجوا بوجهين: أحدهما: أنهم كانوا من أهل الكتاب ورفع. الثاني: أن قوله عليه السلام " سنوا بهم سنة أهل الكتاب" يدل على ذلك. وأجابوا على الأول بأنه إذا ارتفع الكتاب لم يبقوا من أهله وعن الثاني بأن المراد بالحديث أخذ الجزية منهم لأن الصحابة لما اختلفوا في أخذها منهم روى لهم عبد الرحمن بن عوف الحديث، وهذان الجوابان ذكرهما ابن هارون من رواية على إلا أن الثاني لا يسلم من اعتراض وهو أن الجزية يحتمل أن يكون فهمها الصحابة من عموم الحديث لأن الحديث إنما دل على ذلك والله أعلم. وقد قال ابن عبد السلام: الاتفاق لاشك فيه في الوثني ومنفي معناه ممن يقال فيه ذلك مجازا، وأما من كان هذا الاسم خاصا به في الزمان الأول كالفرس فالصحيح عندي أنهم يلحقون بأهل الكتاب في جميع أحكامهم ولم يمنع من ذلك إجماع، وهذا مذهب ابن المسيب وأبي ثور في أكل ذبائحهم، وأما الصابئون فقد منع أهل المذهب ذبائحهم وهم قوم بين النصرانية والمجوسية، وأما المرتد فلا تؤكل ذبيحته وإن ارتد إلى دين أهل الكتاب لأنه لا يقر عليه. وقال اللخمي: ينبغي أن تصح ذكاته حينئذ لأنه صار من أهل الكتاب وإن كان غير معصوم الدم كالحربي، وأما السكران والمجنون فلا تؤكل ذبيحتهما ولو أصاب التذكية لفقدان عقلهما، واختلف في ذبيحة الصبي المميز والمرأة على ثلاثة أقوال: الكراهة لأبي مصعب والجواز لمالك والجواز للضرورة والكراهة لغيرها رواه ابن المواز، وقال ابن الحاجب: وتصح من الصبي المميز والمرأة من غير ضرورة على الأصح، فظاهره أن القول الثاني بتحريم الأكل. واعترضه ابن عبد السلام بأن الخلاف إنما هو بالكراهة والجواز، قلت قال ابن بشير في المذهب رواية بعدم الصحة وهي مجهولة على الكراهة فلعل ابن الحاجب

اعتمد على إطلاق الروايات والله أعلم. (والصيد للهو مكروه والصيد لغير اللهو مباح): اعلم أن الاصطياد على خمسة أقسام: مباح ومندوب وممنوع وواجب ومكروه. فالمباح ما كان للمعاش اختيارًا إما للأكل، وإما لينتفع بثمنه.

والمندوب ما إذا كان يصطاد ليسد به خلته، ويكف به وجهه وليوسع به على عياله إذا كانوا في ضيق. والممنوع إذا كان يقتل الوحش ولا يريد ذكاته لأنه من الفساد في الأرض وإذا كان يؤدي الاشتغال به إلى تضييع الصلاة. والواجب إذا كان لإحياء نفسه أو غيره ولم يجد إلا الصيد. واختلف في القسم الخامس وهو الصيد للهو على ثلاثة أقوال مكروه كما قلناه وهو المشهور وقيل إنه جائز قاله محمد بن عبد الحكم قاله غير واحد وإليه ذهب الليث بن سعد لقوله: وما رأيت حقا أشبه بباطل منه، قلت الصواب رده لقول مالك بالكراهة وكأنه سلك به مسلك معني قوله صلى الله عليه وسلم " أبغض الحلال إلى الله الطلاق" وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك أنه استخف الصيد لمن يسكن بالبادية لأنهم من أهله، ولا غني لهم عنه وكرهه لأهل الحاضرة، ورأى إخراجهم إليه من السفه والخفة فإذا عرفت هذا فاعلم أن قول الشيخ والصيد للهو مكروه ولغيره مباح لا يفي بالتقسيم المذكور. وقال ابن الحاجب: الصيد جائز بإجماع وانتقده ابن هارون بأنه أراد بالجائز المباح فينتقض عليه بصيد اللهو فإنه مكروه وإن أراد بالجائز القدر المشترك بين المباح والمكروه فيعيد لحكاية الإجماع في ذلك قال، ويحتمل أن يريد بذلك ما اتخذ للعيش أو للانتفاع به؛ لأنه المجمع عليه دون ما هو للهو. قلت: ما ذكره لا يحتاج إليه لأن ابن الحاجب ذكر أن الصيد للهو مكروه في باب القصر وأراد الإخبار عما صرح به هنا من حيث الجملة فلا احتمال كما يقال النكاح مندوب إليه ونصه ولا يترخص للعاصي بسفره كالأبق والعاق بالسفر على الأصح ما لم يتب إلا في تناول الميتة على الأصح وكذلك المكروه كصيد اللهو. (وكل ما قتله كلبك المعلم أو بازك المعلم فجائز أكله إذا أرسلته عليه وكذلك ما أنفذت الجوارح مقاتله قبل قدرتك على ذكائه وما أدركته قبل إنفاذها لمقاتله لم يؤكل إلا بذكاة): اختلف في كيفية التعليم على طريقتين إحداهما لابن بشير أنه يرجع في ذلك إلى العاة فما يمكن من التعليم في الطير والكلب اعتبر وما لم يمكن فلا والطريقة الثانية للخمي ذكر أن المذهب اختلف في ذلك على أربعة أقوال، ونقلها ابن الحاجب عنه وانتقد عليه ابن هارون لأنه ذكر خلاف ما في اللخمي في قولين منها، ورأيت حذف هذه الطريقة لطولها خشية السآمة، وظاهر كلام الشيخ أنه إذا أرسله وليس في يده فإنه يؤكل وهو كذلك قاله مالك ثم رجع، وقال لا يؤكل، واختار ابن القاسم الأول

والجميع في المدونة وقال ابن حبيب إن كان قريبا أكل وإن كان بعيدا فلا اختار غير واحد كاللخمي ما اختاره ابن القاسم إذ لا فرق بين أن يكون الجارح في يده أو معه إذا لم ينبعث إلا بأشلائه. واختلف إذا انشلي من تلقاء نفسه ثم أغراه على ثلاثة أقوال: فقيل: إنه مباح قاله أصبغ وقيل لا يؤكل وهو المشهور وقال ابن الماجشون إن زادهم أشلاؤه قوة انبعاثه أكل وإلا فلا ولو أرسله ثم ظهر ترك ثم انبعث فإن طال فلا يؤكل ما صاده اتفاقًا وإن كان قريبا فالمنصوص كذلك قال اللخمي: والصواب أن الشيء اليسير لا يقطع عن حكم الأول، وفيه قال مالك، وإذا أرسل على جماعة فأخذ اثنين فإنهما يؤكلان فلم ير اشتغاله بالأول قطعا عن الثاني ورده المازري بأنه في المسألة المخرج منها في عمل واحد ولم يقطعه فإنه يلزمه وإن طال على ظاهر كلامه في المسالة المخرج منها، وقد وافق على التحريم في الطول. قلت: وظاهر كلام ابن الحاجب أن اللخمي خرج الخلاف في الطول والقرب وليس كذلك. (وكل ما صدته بسهمك أو رمحك فكله): أما إن كان الصائد مسلمًا فالاتفاق على ذلك، وأما إن كان كتابيا فنص في المدونة على أنه لا يؤكل وروى ابن المواز عن مالك كراهته، وروى ابن حبيب عن ابن وهب إباحته، وقال أشهب واختاره اللخمي والباجي وابن يونس وغيرهم واحتج في المدونة على المنع بقوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) [المائدة: 94] فخص المؤمنين دون أهل الكتاب واعترض بأن الآية لم تخرج لبيان جنس الصائدين وإنما جاءت لبيان ابتلاء المحرم بالصيد الممنوع منه في حال إحرامه كما ابتلي اليهود بتحريم الصيد في السبت، واحتج غير واحد للإباحة بقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتب حل لكم وطعامكم حل لهم) [المائدة: 5] ومعلوم أن كل أمة تصيد وتأكل وبأن هذا نوع من الذكاة فتصح من الكتاب كالذبح والنحر. (فإن أدركت ذكائه فذكه، وإن فات بنفسه فكله إذا قتله سهمك ما لم يبت عنك، وقيل عن ذلك فيما بات عنك مما قتلته الجوارح وأما السهم يوجد في مقاتله فلا بأس بأكمله): ما ذكر من أنه يذكيه يريد وجوبًا إذا قدر على ذلك متفق عليه لأنه إنما جاز أكله بغير ذلك للضرورة، والمراد ما لم تنفذ الجوارح مقاتله فإن أنفذت ففي المدونة حسن أن يفري أوداجه، قال اللخمي: وكذلك الحلقوم إذا أفرى الجارح أوداجه، وعلل بعض الشيوخ مسألة المدونة بكونه أعلى درجات التذكية، قال ابن عبد السلام: وفيه

نظر لأن أعلى درجات التذكية إنما تطلب في حق من لم تحصل فيه الزكاة البتة فيطلب له أكمل الأنواع، وأما من حصل له نوع منها وهو كاف فزياده فري والأوداج في حقه تعذيب آخر إلا أن يمنع ذلك فيقال إن الإجهاز في حقه إراحة له من العذاب الذي هو فيه فله وجه. وقد اختلف المذهب في الحيوان الذي لا يؤكل إذا بلغ به المرض الإياس فأجاز ابن القاسم ذبحه راحة مما هو فيه، ومنعه بعضهم وبعضهم وافق ابن القاسم في الإراحة وخالفه في الذبح وقال تعقر عقرا لئلا يكون ذلك تشكيكا للعوام في إباحة أكلها إذا رأوها مذبوحة وما ذكر من أنه إذا فات بنفسه فإنه يؤكل صحيح إذا لم يتراخ في الطلب فإن تراخي لم يؤكل إلا أن يتحقق أنه لو جد في الطلب لوجده منفوذ المقاتل فإنه يؤكل وأحرى إذا مات برمية سهم، وأما الجارح فلا يتأتي هذا فيه. واعلم أنه يشترط أن يكون للجارح أثر ولو أدماه في أذنيه فإنه كاف، وأما الصدم والعض من غير تدمية فإنه يؤكل إذا مات به عند ابن وهب وأشهب نقل ذلك عنهما ابن شعبان، وقال في المدونة: ولو أخذته الجوارح فقتلته بالعض أو بغيره ولم تنيبه أو تدمه لم يؤكل، قال عياض ظاهر الكتاب أن نيبته ولم تدمه أكل وقال ثانية لا يصح تنبيه إلا بإدماء وإن قل وهو مقتضي قوله في الكتاب إن لم تنبيه لم يؤكل وهذا منه رحمه الله تناقض ونبه عليه بعض شيوخنا. قال التونسي: ولو مات من الجري انبهارًا فإنه لا يؤكل ولم يذكروا فيه خلافًا وفيه نظر، فأشار إلى أنه يمكن تخريج الخلاف بالأكل من الطالب بسيفه رجلاً فيموت فإن يقتل به في قول، وذلك يدل على أن موته انبهار كالصدم قاله ابن عبد السلام وحكي صاحب الذخيرة جواز الأكل فيه، قال خليل: ولعله أراد إلزامًا من القول في الصدم والعض بالأكل، والقول الأول من قول الشيخ فيما إذا فات هو قول مالك في المدونة قائلاً، وتلك السنة قال ابن الحاجب: وعورض بنقل خلافه وانفراده، والقول الثاني هو قول ابن المواز وأصبغ، وقيل إنه يؤكل مطلقًا وإن رجع عن اتباعه رواه ابن القصار وصوبه بعض الشيوخ وقي بالفرق بين أن تنفذ مقاتله فيؤكل وإلا فلا قاله ابن الماجشون، وفي مدونة أشهب الكراهة وعزاها لمالك فحملها اللخمي على ظاهرها وردها غيره للتحريم كذا نقله ابن عبد السلام، والذي أعرفه لابن بشير أن ذلك محتمل لها وللكراهة فيحصل في المسألة خمسة أقوال. (ولا تؤكل الإنسية بما يؤكل به الصيد): ظاهر كلامه ولو ندت بقرا كانت أو غيرها وهو كذلك في البقر على المشهور

وفي غيرها على المنصوص، وقال ابن حبيب: تؤكل البقر إذا ندت بما يؤكل به الوحش لأن لها أصلا في التوحش ترجع إليه يعني لشبهها ببقر الوحش قال ابن عبد السلام: وفيه ضعف لأن مشابهة الصورة لا توجب شيئاً وإلا فيجب طرده في المعز إذا ندت وتوحشت لأن لها شبها بالظباء، وألزمه اللخمي أن يقول كذلك في الإبل والغنم من قوله إذا وقعت في مهواة ولم يوصل إلى نحرها ولا إلى ذبحها أنها تطعن حتى تموت وتؤكل والجامع العجز عن الوصول إلى تذكية كل واحد منها، وفرق المازري في المعلم بأن ما وقع في مهواة محقق التلف إذا تركه فلعل ابن حبيب إنما أباح في هذا النوع من التذكية صيانة للأموال، وأما البعير إذا ند فغير محقق ذلك فيه لاحتمال التحليل على تحصيله مع رجاء تأنيسه، وبهذا فرق ابن بشير. قال ابن عبد السلام: وفيه نظر لأن البعير إذا أقوى شبها بالوحش من الساقط في مهواة ورده بعض شيوخنا بأن العلة العجز عن تذكيته لا التوحش، ولذلك ولو حصل الوحش بحيث يقدر عليه صار كالمتأنس اتفاقًا، وفي المسألة فرق ثان وهو أن البقرة إذا ندت فقد رجعت إلى أصلها من التوحش كما ذكرناه فجاز قتلها بالصيد كالمتوحش إذا تأنس ثم توحش بخلاف الإبل والغنم فإنه لا أصل لهما في التوحش ونقل هذا الفرق ابن هارون. (والعقيقة سنة مستحبة):

يعني أنها سنة ضعيفة وقيل: أنها سنة مستحبة ولم يحك غير واحد كالمازري غيره، ونقل الشيخ أبو محمد عن رواية ابن حبيب أنها سنة واجبة وإن لم تكن واجبة فيستحب العمل بها وهو كقول الشيخ، قال الباجي ومقتضي قول مالك أنها من مال الأب لا من مال الولد، وظاهر قوله يعق عن اليتيم من ماله أنها لا تلزم قريبا غير الأب. وروى أبو محمد أنه لا يعق عبد عن ابنه ولا يضحي إلا بإذن ربه قال في المأذون من المدونة ولو كان مأذونا فإنه لا يعق إلا بإذنه. (ويعق عن المولود يوم سابعه بشاة مثل ما ذكرنا من سن الأضحية وصفتها): ما ذكر من أنه يعق عنه يوم سابعه هو كذلك باتفاق، واختلف إذا فات في اليوم

السابع من ولادته على أربعة أقوال: فقال مالك لا يعق عنه وهو ظاهر المدونة، وفي العتبية أنه يعق فيما قرب من السابع وروى ابن وهب أنه يعق في السابع الثاني فإن لم يفعل ففي الثالث. وفي مختصر الوقار إن فات الأول عق في الثاني، وإن فات فلا عقيقة له واختار اللخمي الأول قال لأن الذي ورد أن يعق عنه يوم سابعه ولم يرد حديث بغير ذلك ولو جاز أن يعق في غير الأسبوع الأول لعق في الخامس والسابع، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يعق بالبقر والإبل وهو وقول مالك في العتبية وبه قال ابن المواز وابن شعبان، وقيل يعق بها كالغنم قاله مالك في كتاب ابن حبيب. قال ابن رشد في البيان وهو المشهور، ومثله لابن شاس واختاره اللخمي قائلاً: لأن كل هذه الأصناف مما يتقرب بها إلى الله تعالى، وما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة تخفيف على أمته، وظاهر كلامه أيضًا أن الشاة تكفي سواء كان الولد ذكرا أو أنثى وهو كذلك. وقال أبو حنيفة والشافعي يعق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة ومال إليه ابن حبيب وقال قد ورد ذلك عن عائشة رضي الله عنها وهو حسن لمن فعله ذكر ذلك الباجي. (ولا يحسب في السبعة الأيام اليوم الذي ولد فيه وتذبح ضحوة ولا يمس الصبي بشيء من دمها): ما ذكر هو نص المدونة في زكاة الفطر وهو أحد الأقوال الأربعة. وقيل يستحب ذلك اليوم مطلقًا نقله اللخمي عن عبد الملك وابنه عبد العزيز بن أبي سلمة واختاره ابن الماجشون، واختاره وقيل إن ولد في أول النهار من غدوة إلى نصف النهار أجزأه قاله مالك في ثمانية أبي زيد وقال أصبغ: أحب إلى أن يلغي فإن احتسب به ثم عد إلى مقداره من اليوم السابع أجزأة وقال ابن الحاجب: ولا يعد ما ولد فيه بعد الفجر على المشهور قال ابن عبد السلام: ظاهره أن القول الشاذ يحتسب بيوم الولادة مطلقًا سواء كانت أول النهار أو آخره، وهذا القول إنما يعرف لعبد العزيز وسلمه خليل، قلت ويجاب بأنه كما قلناه لعبد الملك وولده أيضًا وبه قال اللخمي، وذلك إنما نقله وعنهما قال هو حسن من وجهين، أحدهما أن الحديث ورد بذبحها في السابع مطلقًا، وهذا قد ذبح في السابع. والثاني إن ردها إلى الهدايا أو إلى من ردها إلى الضحايا لأن الضحايا إنما اتبع فيها صلاة الإمام في اليوم الأول، ولهذا أجزنا ذبحها في اليومين الأخيرين إذا طلع الفجر. وظاهر كلام غير واحد أنه إذا ولد قبل طلوع الفجر أنه يحتسب به اتفاقا وليس كذلك

بل نقل ابن رشد في البيان عن ابن الماجشون أنه لا يحتسب، إلا من غروب الشمس التي بعد الولادة سواء كانت الولادة ليلا أو نهارا وهو خلاف قول ابن الماجشون. (ويؤكل منها ويتصدق وتكسر عظامها وإن خلق شعر رأس المولود وتصدق بوزنه من ذهب أو فضة فذلك مستحب حسن): ما ذكر صحيح بلا خلاف من حيث الجملة، واختلف هل يكره أن تعلمها وليمة أم لا؟ فقيل إنه مكروه قاله مالك وابن القاسم خشية الفخر وقيل: إن ذلك جائز لأنه طعام سرور فأشبه الولائم، وهذا القول ذكره ابن بشير، وقبله ابن عبد السلام قائلاً: الذي أجازه هو ابن حبيب في ظاهر كلامه، وقال بعض شيوخنا لا: أعرف هذا القول لا قدم من ابن بشير قال وما ذكره ابن عبد السلام عن ابن حبيب يرد بأن نصه في النوادر حسن أن يوسع بغير شاة العقيقة لإكثار الطعام ودعاء الناس إليه، وروى أن ابن عمر ونافع بن جبير كانا يدعوان إلى طعام الولادة فظاهره أن الدعاء لطعام الولادة لا لطعام العقيقة وهما متغايران. (وإن خلق رأسه بخلوق بدلاً بخلوق بدلاً من الدم الذي كانت تفعله الجاهلية فلا بأس بذلك): أراد بالخلوق الطيب عمومًا، قال ابن عبد السلام: ولم يتعرض ابن الحاجب إلى استحباب تلطخ المولود بالزعفران، وقد ذكره الشيخ أبو محمد في الرسالة وذكره غير واحد، قلت ما نسبه للرسالة لا أعرفه نصا فيها إلا دخوله في العموم، وسمع ابن القاسم يسمي الولد يوم سابعه. قال ابن رشد لحديث يذبح عنه يوم سابعه ويخلق ويسمي والمشهور أن السقط لا يسمى خلافًا لابن حبيب. وقال بعض شيوخنا: ومقتضي القواعد وجوب التسمية، قال عياض وذهب فقهاء الأمصار إلى جواز التشمية والتكنية بأبي القاسم، والنهي عنه منسوخ، قلت: ودخل الشيخ الفقية القاضي أبو القاسم بن زيتون على سلطان بلده أمير إفريقية المستنصر بالله أبي عبد الله ابن الأمير أبي زكريا فقال له لم تسميت بأبي القاسم مع صحة الحديث تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، فقال " إنما تسميت بكنية بأبي القاسم" صلى الله عليه وسلم، ولم أتكن بها واستحسن هذا الجواب أهل عصره، وقال بعض شيوخنا لو حضر له طالب لقال له هذا لا ينجيك لأن موجب الاشتراك حاصل لأن أبا القاسم مشترك بين الكنية والاسم. (والختان سنة في الذكور واجبة): يريد أن حكمها السنة بتأكيد كما صرح به ابن يونس وروى ابن حبيب هو من

الفطرة لا تجوز إمامة تاركه اختيارًا ولا شهادته، قال الباجي لأنها تبطل بترك المروءة، ولو أسلم شيخ كبير يخاف على نفسه إن هو اختتن فقيل إنه يتركه قال ابن عبد الحكم: وقيل يلزمه أن يختتن قاله سحنون قائلاً: رأيت لو وجب قطع يده في سرقة أيترك للخوف على نفسه؟ وهذان القولان حكاهما ابن عبد البر ولم يحك الباجي غير قول سحنون دون هذه المقالة قائلاً مقتضاه بتأكد وجوبه. قلت: واستشكل بعض شيوخنا قطعة للسرقة مع الخوف على نفسه قائلاً إذا سقط قصاص المأمومة للخوف فأحرى القطع لحديث: " ادرءوا الحدود بالشبهات" ويكون كمن سرق ولايد له يؤدب بما يليق، ويطلق قال أبو عمر بن عبد البر، ولو ولد مختونا فقالت فرقة يجرى عليه الموس فإن كان فيه ما يقطع قطع وأباه آخرون. قلت: وأجرى ذلك بعض شيوخنا على الأقرع في الحج ويكره أن يختن يوم ولادته أو سابعه لفعل اليهود إلا لعلة يخاف على الصبي فلا بأس ويستحب من سبع سنين إلى عشر وكل هذا رواه ابن حبيب عن مالك وروى اللخمي يختن يوم يطيقه، وقال الباجي اختار مالك وقت الإثغار وقيل عنه من سبع سنين إلى عشرة فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال. (والخفاض في النساء مكرمة): ما ذكره هو خلاف رواية الباجي وغيره الخفاض كالختان قال الفاكهاني رحمه الله: هل يختتن الخنثي المشكل أم لا؟ وإذا قلنا يختتن ففي أي الفرجين أو فيهما جميعا لم أر لأصحابنا في ذلك نقلا، واختلف أصحاب الشافعي فقيل يجب ختانه في فرجيه بعد البلوغ وقيل لا يجوز حتى يتبين وهو الأظهر عندهم، قلت: الحق أنه لا يختتن لما علمت من قاعدة تغليب الحظر على الإباحة ومسائله تدل على ذلك، قال ابن حبيب لا ينكح الخنثي ولا ينكح في بعض التعاليق ولا يحج إلا مع ذي محرم لا مع جماعة رجال فقط ولا مع نساء فقط إلى غير ذلك من مسائله. ثم الجزء الأول من شرح الرسالة لسيدي ابن ناجي ويليه الجزء الثاني أوله باب الجهاد

باب في الجهاد

باب في الجهاد قال ابن هارون: الجهاد قتال العدو لإعلاء كلمة الإسلام واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير جامع لأنه يبقى عليه صورتان: إحداهما: إذا مات من خرج للجهاد عند حضوره للقتال ولم يقاتل. الثانية: إذا مات وهو في أرض الكفر قبل أن يحضر القتال فإنه يكون مجاهدا بإجماع في المسألتين معا. وقال ابن عبد السلام: وهو إتعاب النفس في مقاتلة العدو واعترضه بما تقدم وبكونه غير مانع لدخول قتاله لإعلاء كلمة الله تعالى وحده بأن قال قتال مسلم كافر غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو حضوره له أو دخول أرضه له، فيخرج قتال الذمي المحارب لأنه غير نقض على المشهور. قلت: واعترض بعض شيوخنا بهاتين الصورتين إن عني بذلك أنه مجاهد بالنسبة إلى الغنيمة، فقد علمت اشتهار المذهب في ذلك، يعني إذا مات قبل أن يشرف على الغنيمة فالاتفاق فضلا عن الإجماع، وإن أراد فيما يرجع إلى الثواب فيلزم أن يكون حده غير جامع لقول المدونة جهاد المحاربين جهاد. وقد قال ابن شعبان: إن قتالهم أفضل من قتال الكفار وصوب والمشهور ليس هو أفضل. (والجهاد فريضة يحمله بعض الناس عن بعض): ما ذكر من أن حكمه الفرضية على الكفاية هو كذلك بإجماع نص عليه ابن العطار وابن رشد في المقدمات، وانتقد ابن عبد السلام قول ابن الحاجب الجهاد واجب على الكفاية بإجماع بأن ابن المسيب وابن شبرمة وغيرهما قالوا إنه فرض عين، وحكي عن سحنون أنه سنة وليس بفرض وقال طاوس السعي على الأخوات أفضل منه غير أن هذه الأقوال لا يبعد تأويلها وردها إلى ما نص عليه الجمهور قال فكان حقه أن يقول الجهاد فرض على الكفاية عند الجمهور وقال خليل ما حكاه عن ابن المسيب حكاه المازري كذلك والذي حكاه اللخمي عن ابن شبرمة أنه ليس بفرض والذي لسحنون في كتاب ابنه كان الجهاد فرضا في أول الإسلام وليس اليوم بفرض إلا أن يرى الإمام أن يغزي طائفة فيجب أن يطيعوه ويكون جهازهم من بيت المال، وإذا تأملته لا تجده يدل على السنة لأن قوله وليس اليوم بفرض يريد بذلك فرض عين وهو الظاهر لأنه كان في أول الإسلام كذلك، واختلف المذهب هل تطوع الجهاد أفضل أو تطوع الحج أفضل؟ فقيل بذلك قاله مالك في رواية ابن وهب.

وقال ابن القاسم من سماع عيسي: الحج أحب إلى من الغزو إلا في الخوف ومن الصدقة إلا في مجاعة، قال ابن عبد البر في الكافي فرض على الإمام إغزاء طائفة للعدو في كل سنة يخرج إما هو أو من ينوبه وفرض على الناس في أموالهم وأنفسهم الخروج المذكور لا خروجهم كافة والنافلة منه إخراج طائفة بعد أخرى. (وأحب إلينا ألا يقاتل العدو حتى يدعى إلى دين الله إلا أن يعاجلونا فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية وإلا قوتلوا): واختلف في الدعوة هل هي واجبة أم لا على أربعة أقوال: فقيل: إنها واجبة مطلقًا وهو معنى قول مالك في المدونة لا يقاتل المشركون حتى يدعوا: وقيل: إنها غير واجبة قاله مالك في غير المدونة. وقيل: أما من قربت داره فلا تجب ومن بعدت فتجب وهو معني قول مالك في المدونة في القول الثاني عنه فالدعوة فيمن بعدت داره أقطع للشك. وقيل: تجب في الجيش الكثير الآمن وجعل بعض من لقيناه قول الشيخ، وأحب إلينا قولاً خامسًا، والأقرب عندي أنه يرجع إلى القول الثاني لأن قائله إنما نفي الوجوب فقط فيريد ويستحب ذلك للخلاف. وفي المدونة: وأما القبط فلا يقاتلون ولا ينتهبون حتى يدعوا بخلاف الروم فقيل لأنهم لا يفقهون ما يدعون إليه، وأنكر بعضهم هذا وقال إنهم من أحذق الناس في الأعمال والحساب وغير ذلك إنما العلة كونهم ركبوا الظلمة في عهد كان لهم، وهذان ذكرهما عبد الحق في تهذيبه وعن ابن محرز الأول للمذاكرين والثاني لابن شبلون، وقيل لشرفهم بسبب مارية وهاجر لقوله صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالقبط خيرا فإن لهم نسبًا وصهرا" وهذا القول نقلة القرافي واستشكل بعض شيوخنا القول الأول بأن تعليل وجوب دعوتهم بعدم فهمهم إياها متناف والخلاف المذكور في وجوب الدعوة هو ما لم يعاجلونا فإن عاجلونا قوتلوا فورا اتفاقاً، وأما قول الشيخ فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية لأنهم يخيرون فيها فيعني أنه يطلب منهم أولا الإسلام فإن أبوا طلبت منهم الجزية لأنهم يخيرون فيها مرة واحدة وهو معنى قول مالك في أواخر الجهاد من المدونة إذا دعوا إلى الإيمان فلم يجيبوا دعوا إلى إعطاء الجزية، ولما قرر ابن عبد السلام

المذهب بهذا اعترض قول ابن الحاجب وهو أن يدعوا إلى الإسلام أو الجزية وظاهره أنهم يخيرون في الأمرين معًا قائلاً وليس كذلك. (والفرار من العدو من الكبائر إذا كانوا مثلي عدد المسلمين فأقل وإن كانوا أكثر من ذلك فلا بأس بذلك): ما ذكر أنه من الكبائر صحيح بل ذكر أنه من الموبقات قال سحنون لا يحل للناس فرار وإن فر أمامهم من مثلي عدتهم، ومن فر في الزحف من المسلمين لم تقبل شهادته إلا أن يتوب وتظهر توبته. قلت: قال بعض شيوخنا يريد بثباته في زحف آخر والأظهر أنه إنما أراد أن توبته تظهر عند الناس بكثرة قدومه على ذلك احترازًا من مجرد دعواه ذلك فإنه لا يقبل منه، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يشترط التساوي في السلاح. قلت: وهو المعروف في المذهب، وقيل بشرطية ذلك قاله ابن الماجشون، ورواه عن مالك واختاره ابن حبيب. قال اللخمي: ولا أعلمهم اختلفوا أنه متى جهل منزلة بعضهم من بعض في القوة أنهم مخاطبون بالعدد فقط. قال ابن عبد السلام: يريد أن هذا الاتفاق مما يقوي القول الأول لأنه إذا حمل اللفظ في هذا الصورة على الحقيقة وجب حمله في سائر الصور على ذلك إلا بدليل ولا دليل، وظاهر كلام الشيخ أن الفرار جائز مع الشرط الذي ذكره وإن كان جيش المسلمين اثني عشر ألفا وهو كذلك نقله في النوادر عن سحنون منكرا قول العراقيين يعلم الجواز حينئذ، وعزي ابن رشد قول العراقيين لأهل العلم وارتضاه قال وهو دليل قول مالك في الذي شكي إليه بعض الأمراء فقال له إن كان معك اثنا عشر ألفا فجاهدهم ولم يذكر قول سحنون بحال. (ويقاتل العدو مع كل بر وفاجر من الولاة) ما ذكر الشيخ هو قول مالك الذي

رجع إليه وكان يقول لا يجب الجهاد مع ولاة الجور والقول الأول في المدونة واعتذر له بأنه لو ترك مثل هذا لكان ضررا على الإسلام يعني أن الغزو معهم على هذه الحالة إعانه لهم على الجور، وفي ترك الغزو خذلان الإسلام، وسبب استيلاء العدو عليه، ولا يشك في عظم هذه المفسدة بالنسبة إلى المفسدة الأولى قال في المدونة ولا يستعان بالمشركين في القتال إلا أن يكونوا نواتية أو خدامًا قال عياض، وذهب بعض أئمتنا إلى جواز الاستعانة بهم وحمل النهي عن ذلك في وقت خاص، وعلى الأول فقال ابن حبيب يستعملون في رمي المجانيق وكره بعض أهل المذهب رميهم بها وأما إعارة السلاح منهم فلا بأس بذلك اتفاقًا. قلت: وسمعت بعض من لقيته يحكي غير ما مرة أن الشيخ الصالح أبا على القروي غزا مع أبي يحي اللحياني سلطان إفريقية فاجتاز يومًا عليه وهو عند باب السويقة والنصاري يلحقون به، فجعل الشيخ يقول يا فقيه يا أبا يحيى والناس لا يعرفون من هو مراده فلما سمعه السلطان وقف فقال نعم يا سيدي ما تريد، قال إن الله تعالى أمر أن لا تستعينوا بمشرك فقال نعم يا سيدي وانصرف برفق، واختلف إذا خرج الكفار من تلقاء أنفسهم فظاهر ما في سماع يحيى أنهم لا يمنعون وقال أصبغ يمنعون أشد المنع وكلاهما حكاه ابن رشد. (ولا يقتل أحد بعد أمان ولا يخفر لهم بعهد): ظاهره سواء كان الأمان من الأمير أو من غيره، وهو كذلك باتفاق في الأمير وغيره على المشهور، وقيل إن أمانه موقوف على نظر الإمام وهذا القول ذكره الشيخ وهو قول ابن الماجشون، وعلى الأول فهل يصح تأمينهم بعد الفتح كتأمينهم قبله؟ في ذلك قولان، واختلف هل يقبل قول المؤمن إذا قال أمنت هذا بغير بينة فقيل يقبل قاله ابن القاسم وأصبغ وعكسه قال سحنون وعلى الثاني فاختلف قول سحنون إذا شهد رجل واحد لمن أمنه. (ولا يقتل النساء والصبيان): يريد بعد أسرهم وهو المشهور من المذهب مطلقًا وهو أحد الأقوال الثلاثة وقيل تقتل إن قالت قاله ابن القاسم وقد خرج في الصبي، وقيل إن قتلت أحد أجاز قتلها وإلا فلا قاله ابن حبيب، واختلف في قتل الرجل الزمن العاجز عن القتال المجهول

بكونه ذا رأي على ثلاثة أقوال: فقيل وقيل لا والقول بعدم القتل لابن حبيب وغيره والقول بالقتل لسحنون، وقي إن كان في جيش فإنه يقتل وقيل في مستوطن فلا قاله بعضهم. ومثل الزمن الشيخ الفاني. (ويجتنب قتل الرهبان والأحبار إلا أن يقاتلوا): ما ذكره هو المشهور ونقل ابن حارث عن مالك أنهم يقتلون ووجه الأول كما قال ابن حبيب لاعتزالهم عن محاربة المسلمين لا لفعل ثبت لهم بل هم أبعد عن الله من أهل دينهم لشدتهم في كفرهم، وإن وجد الراهب منهزما مع العدو وقد نزل من صومعته، وقال إنما هربت خوفا منكم لم يتعرض له قاله سحنون، قال ابن نافع قيل لمالك في السرية تمر براهب فيخافون أن يدل عليهم فيأخذونه معهم فإذا أمنوا أرسلوه قال ما سمعت أنه ينزل من صومعته، واختلف في المرأة الراهبة فقيل كالرجل قاله في سماع أشهب وابن نافع، وقيل هو لغو منها قاله سحنون. واعلم أن ما ادعاه الراهب مما هو قدر كفايته ترك له وأما ما كثر فإن جهل صدق دعواه وأخذ الزائد منه على قدر كفايته، واختلف إذا علم صدقه فقيل يترك له أجمع وقيل بل يترك له منه قدر ما يستر به عورته ويعيش به الأيام خاصة نقله ابن رشد في البيان، قال ابن عبد السلام: ويترك للشيخ الكبير إذا لم نقتله ما يترك الراهب. (وكذلك المرأة تقتل إن قاتلت): ما ذكر من أنها تقتل إذا قاتلت يريد في حالة القتل هو المعروف لأنا لو لم نفعل ذلك لأدى إلى قتلنا مع القدرة على المدافعة وذلك لا يجوز، وحكي ابن الحاجب قولا إنها لا تقتل كما لا تقتل بعده قال ابن عبد السلام: ولا أعرفه لغيره، ومثله لابن هارون وخليل واختلف في قتالها بالحجارة هل يتنزل منزلة قتالها بالسيف أم لا؟ في ذلك قولان حكاهما ابن الحاجب، وأما صياح المرأة واستغاثتها وحراستها فكالعدم عندنا خلافًا للأوزاعي في الحراسة. وقتال الصبي غير المطيق له لغو وإنما هو ولع قاله ابن سحنون. واعلم أن من قتل من لا يقتل بدار الحرب فإن كان قبل صيرورته مغنما استعفر الله تعالى وإن كان بعد صيروته في المغنم فإنه يعطي قيمته للمغنم قاله سحنون. (ويجوز أمان أدنى المسلمين على بقيتهم): ظاهر كلامه أن العبد تأمينه معتبر وهو نص المدونة وأحد الأقوال الخمسة وقيل عكسه حكاه أبو الفرج عن مالك، وقيل إما أن يوفي بتأمينه وإما أن يرد إلى أمانه قاله سحنون وابن حبيب، وعن سحنون أيضًا إن أذن له سيده في القتال جاز تأمينه وإلا

فلا، وقيل إن قاتل اختبر تأمينه وإلا فلا، وظاهر كلام الشيخ أن تأمين الذمي يرد عليه وهو الذي عليه الأكثر لأن مخالفته في الدين تحمله على سوء النظر للمسلمين وإذا اتهم المسلم على ذلك في بعض الأحوال فكالكافر بل هو أولى بذلك، وحكى ابن الحاجب قولاً بأن أمانه معتبر وقبله ابن هارون قائلاً لأن له ذمة فكان تابعًا للمسلمين وانتقده ابن عبد السلام بأن قصارى ما يوجد لهم التنصيص، بأن المسألة مختلف فيها فمن يراه معتبراً لا يراه لازما مطلقًا بل يجعل الإمام مخير فيه بين أن يمضيه أو يرده إلى ما منه، وقال بعض شيوخنا أنه قول ثابت في المذهب لاشك فيه. قال الشيخ أبو إسحاق التونسي في آثار المدونة جائز قال ابن يونس عقب هذا الأثر قال سحنون هكذا يقول أصحابنا وهذا كالنص في أنه المذهب وأن سحنون قائل به، وفي النوادر وظاهره من كتاب ابن سحنون ما نصه: أجاز ابن القاسم أمان العبد بالأولى من الذمي، وقال المازري: وابن بشير: المشهور لغو أمانه والشاذ اعتباره وعلى الأول لو قال المؤمن ظننته مسلمًا ففي قبول عذره قولان لابن القاسم حكاهما اللخمي. (وكذلك المرأة والصبي إذا عقل الأمان): ما ذكر هو نص المدونة وما ذكر أن أمانها لغو قيل إما أن يوفي بتأمينها وإما أن يرد إلى مأمنه وعزو هذين القولين لمن سبق ذكره في الصبي قول رابع إن أجاز الإمام تأمينه جاز وإلا فلا. (وقيل إن أجاز ذلك الإمام) ما ذكر من أن المرأة والصبي المميز والعبد معتبر هو نص المدونة لحديث: "يجير على المسلمين أدناهم" قال بأثره قال غيره لم يجعله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم لازما للإمام بل ينظر فيه بالإجتهاد وعزاه الشيخ في نوادره لابن الماجشون، وسحنون وكذلك أبو عمر بن بعد البر وهو شاذ لم يقله أحد من أئمة الفتوي، وقال ابن يونس جعل أصحابنا قول الغير وفاقا لابن القاسم وجعله القاضي عبد الوهاب خلافًا، قال ابن العربي هذا الخلاف إنما هو حيث يكون جيش فيه الإمام فإن غاب الإمام عن موضع الأمان نفذ الأمان، ونقل ابن عبد السلام عن بعض الشيوخ أن معني حمل قول الغير على الخلاف، أن قول ابن القاسم يقول الإمام مخير في إمضائه ورده إلى مأمنه والغير يقول بإمضائه وجعلها فيئا. (وما غنم المسلمون بإيجاف فليأخذ الإمام خمسه ويقسم الأربعة أخماس بين أهل الجيش): ظاهر كلام الشيخ وإن كان الغانمون عبيد فإنه يخمس ما أخذوه وهو كذلك

عند ابن القاسم، وقال أصبغ وسحنون لا يخمس وأجراهما ابن رشد على الخلاف هل يدخلون في خطاب قوله تعالى (واعلموا أنما عنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول) [الأنفال:41] الآية كالأحرار أم لا؟ قال اللخمي ويختلف تخميس ما انفرد به النساء والصبيان لغنيمة قتالهم، ومذهبنا أن الخمس مصروف إلى نظر الإمام فإن شاء أوقفه لنوائب المسلمين وإن شاء قسمه وقال ابن عبد الحكم: لا يوقف، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإذا قسمه فإن شاء دفعه كله لآل النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد أو لغيرهم أو جعل بعضه فيهم وبقيته في غيرهم وللشافعي وغيره خلاف هذا فلا تشاغل بذكره. وفي المدونة ويبدأ بالذين فيهم المال فإن كان غيرهم أشد حاجة نقل إليهم أكثر فرأى ابن الحاجب أن ظاهره يقوي لزوم تبدئة بعض الناس على بعض فينسب إلى المسألة للمدونة فقال فيها ويبدأ بالذين فيهم المال إلى آخره بعد أن ذكر خمسها كالفيء، ورده ابن عبد السلام فإنك إذا تأملته تجده عين الاجتهاد لأن المصلحة صرف كل مال في مصالح الذي جيئ فيهم ما لم يعارض بقوة المصلحة ما هو أرجح منها، وذلك لشدة حاجة غيرهم فيصرف الأكثر إلى غيرهم. (وقسم ذلك ببلد الحرب أولى وإنما بخمس ويقسم ما أوجف عليه بالخيل والركاب ما غنم بقتال): ظاهر كلام الشيخ: أن الغنيمة تقسم بذاتها ولا تباع وذلك إذا أمكن، وقال سحنون تقسم الأثمان إن وجد من يشتري وإلا قسمت وهو ظاهر المدونة في قولها، والشأن قسم الغنائم ببلد الحرب وهم أولى برخصها قال ابن المواز ذلك بحسب نظر الإمام وما ذكرناه من قول سحنون وابن المواز هو عن الباجي، وأما السرية إذا خرجت من المعسكر وغنمت فليس لها أن تقسم حتى تصل إلى العسكر قاله سائر أصحابنا إلا ابن الماجشون فإنه قال: إلا أن يخشى من ذلك في السرية مضرة من تضييع طرح أثقال وقلة طاعة والى السرية فتباع الغنيمة ويمضي البيع على من غاب من الجيش، وهكذا نقل أبو محمد واللخمي والباجي، وقال بعض شيوخنا إذا كان الأمر كما قال عبد الملك فلا أظنه يخالفه فيه غيره وحيث يبيع الإمام فليبيع بالنقد إلا من ضرورة. وقال ابن حبيب: وبيع الإمام بيع براءة ومن قام قبل القسم وافتراق الجيش فلا بأس أن يقبله الإمام وبيعه بالبيان قال أبو محمد وهذا استحسان غير لازم للإمام لأنه عند أصحابنا بيع براءة.

(ولا بأس أن يؤكل من الغنيمة قبل أن يقسم الطعام والعلف لمن احتاج إلى ذلك): اعلم أنه في المدونة عبر بلا بأس كعبارة الشيخ وزاد فيها بلا إذن الإمام وهي ههنا والله أعلم كصريح الإباحة على ظاهر كلام أهل المذهب وهو الظاهر من فعل السلف الصالح، وفي الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه، ولا يبعد أن يقال هي هنا لما غيره خير منه لقول ابن شاس لا يؤخذ الطعام إلا بإذن الإمام واختلف المذهب في أخذ الأنعام الحية في الذبح، ففي المدونة وغيرها جواز ذلك وقيل: إنه لا يجوز ذكره ابن بشير قال ابن عبد السلام: ولا أعرفه الآن لمن ينسبه من أهل المذهب وهو المذهب الشافعي ونحوه قول خليل لا أعرفه معزوا، واختلف في أخذ السلاح بنية الرد للقسم فقيل: ذلك جائز قاله ابن القاسم وقيل: يمنع ذلك قاله مالك من رواية على عن ابن وهب والقولان معًا في المدونة قال ابن رشد وهذا الخلاف يرتفع في جواز الانتفاع بالخيل والسلاح في معمعة الحرب. قال في المدونة محتجا لرواية المنع: ولو جاز ذلك لجاز أن تؤخذ العين ويشترى بها قال ابن عبد السلام: فأشار بعض الشيوخ إلى التزام ذلك إذا دعت الضرورة إليه إذ لا فرق بين أخذ هذه الأشياء عند الضرورة إليها ولا بين أخذ ما يشتريها به ومنهم من

رأى أن الشراء زيادة تصرف على ما أن فيه إذ لا يلزم من جواز التصرف في شيء ما على وجه أن يجوز على سائل الوجوه. قلت: الأول: هو قول التونسي، والثاني: قول عبد الحق في النكت، واختلف هل يجوز بدل القمح بالشعير متفاضلا بين أهل الجيش أم لا، فقال سحنون ذلك جائز ومنعه ابن أبي نعيم ولو كان أحدهما من غير أهل الجيش منع وفاقا. (وإنما يسهم لمن حضر القتال أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم): لا خلاف في المذهب أن من مات بعد الغنيمة وقبل قسمها أن سهمه لورثته وما يوجد من الخلاف هل تملك الغنيمة بنفس أخذها، أو بالقسمة على الغانمين ليس بعام في سائر الصور، وإنما مرادهم به إدخال من لحق الجيش قبل القسمة أو أسلم، وأعتق أو بلغ وما أشبه ذلك لا مطلقًا. واختلف فيما غنم بقرب موته هل يسهم لورثته فيه أم لا؟ وظاهر كلام الشيخ أن من مات قبل أن يحضر القتال فإنه لا يسهم له وهو قول سحنون، وروى ابن المواز نحوه عن مالك وروى ابن حبيب عن أصحاب مالك أن مشاهدة القرية أو الحصن أو العسكر كالقتال، وقال ابن الماجشون بمجرد الإدراب يحصل السهم إلى قفول الجيش ولو مات قبل لقاء العدو. (ويسهم للمريض وللفرس الرهيص): اعلم أن المريض على وجهين تارة يمرض بعد أن يشهد الوقيعة ويشرف على الغنيمة فهذا لا خلاف أنه يسهم له وتارة على خلاف ذلك، ويتحصل فيه أربعة أقوال: أحدها: أنه يسهم له ولو خرج من بلد الإسلام مريضا قال اللخمي، وهذا إذا كان له رأي صائب وإلا لم يسهم له لأنه لم ينتفع به وقيل: لا يسهم له وقيل: إن مرض في أول القتال أسهم له وإن مرض قبل ذلك لم يسهم له، وقيل: إن مرض بعد دخول أرض العدو أسهم له. قال اللخمي: واختلف هل يسهم للأعمى أم لا؟ فقال سحنون: يسهم له، لأنه يبري النبل، ويكثر الجيش والصواب أنه لايسهم له وإن كان يبري السهم فهو من الخدمة قال سحنون: ويسهم لأقطع اليدين ولأقطع اليسرى وللأعرج والمقعد والصواب أنه لا يسهم لأقطع اليدين، ويسهم لأقطع اليسرى وللأعرج إن حضر القتال ما لم يحين على حضوره لعرجه إلا أن يقاتل فارسا، ويسهم للمقعد إن كان فارسا يقدر على الكر والفر وإلا فلا، وما ذكر الشيخ أنه يسهم للفرس الرهيص هو نص

المدونة، وقيل: إنه لا يسهم له رواه ابن نافع وهذا القول حكاه ابن حارث وعزى الأول لأشهب وسحنون، وكذلك ذكر الباجي في الفرس المريض قولين منصوصين وعزى الأولى بالإسهام له لمالك وعكسه لأشهب وابن نافع. (ويسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه): ما ذكر أنه يسهم للرجل سهم واحد لا أعلم فيه خلافًا وما ذكر أنه يسهم للفرس سهمان هو كذلك باتفاق في نقل ابن رشد وقيل: إن يسهم لها سم واحد ذكره ابن العربي قال في عارضته حديث ابن عمر يرد على أبي حنيفة، ومن اغتر من علمائنا فقال: لا تفضل البهيمة على الآدمي، وقال في القبس يسهم لكل فرس سهم واحد عند أكثر العلماء، وقيل: سهمان والأول أصح. وقال ابن عبد السلام: القول بسهم واحد للفرس عزاه بعض المؤلفين لابن وهب واختلف هل يسهم للفرس الثاني أم لا، والمشهور أنه لا يسهم له وقيل: إنه يسهم له قاله ابن وهب وابن حبيب وابن الجهم ولا خلاف أن الثالث لا يسهم له، وظاهر كلام الشيخ أن الخيل إذا كانت في السفن يسهم لها وهو نص المدونة، وقال اللخمي: القياس عدم الإسهام لها لأنها لم تعد للبحر ولم تبلغ محل قتالها، والحمير والبغال والبعير راكبها كراجل قال ابن العربي وكذلك الفيل. واختلف في البراذين على ثلاثة أقوال: ففي الموطأ هي كالخيل وقال ابن حبيب أن أشبهتها في الكر والفر فهي كهي وإلا فلا، وفي المدونة هي كالخيل إن أجازها الإمام، وما ذكرناه أن الأقوال ثلاثة صرح به بعض شيوخنا والأقرب عندي أنها ترجع لقول ابن حبيب والله أعلم، ولذلك لم يذكر ابن بشير غيره، والبراذين هي الخيل والعظام قال ابن حبيب، وفي الموطأ: هجين الخيل منها قال ابن حبيب وهو ما أبوه عربي وأمه من البراذين. (ولا يسهم لعبد ولا امرأة ولا لصبي إن الصبي الذي لم يحتلم القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له): ما ذكر أنه لا يسهم لعبد هو المعروف وقيل إنه يسهم له وقيل إن كان الجيش بحيث لو انفرد عن العبيد لم يقدر على الغنيمة أسهم لهم وإلا فلا، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن بشير نصًا، وهي منصوصة في الذمي، أيضًا حكاهما المازري قائلاً: وأشار بعض الشيوخ إلى تخريجها في العبد وما ذكره في المرأة هو كذلك عن ابن رشد باتفاق وقال الباجي هو قول جمهور أصحابنا. وقال ابن حبيب: إن قاتلت قتال الرجال أسهم لها وإلا فلا، ونقله عنه أيضًا أبو

محمد واللخمي وصوبه واختار أن يسهم لها إن كانت ذات شدة ونصب للحرب ولو لم تقاتل، واختلف في مقدار ما يسهم للخنثى فقيل ربع سهم وقيل نصف سهم قاله ابن عبد الحكم نقله الشعبي عن بعض أهل العلم، واختلف في الإسهام للصبي على أربعة أقوال: فقيل لا يسهم له وإن قاتل قاله في المدونة وقيل: يسهم له إن راهق وبلغ مبلغ القتال رواه محمد وقيل: إن قاتل أسهم له وإلا فلا قاله محمد وقيل: إن أنبت وبلغ خمس عشرة سنة أسهم له ولو لم يقاتل قاله ابن حبيب، ولما ذكر اللخمي هذه الأقوال الأربعة قال وأرى أن يسهم له إن قوي على القتال وحضر الصف وأخذ أهبة الحرب وإن لم يقاتل قلت: وقول الشيخ سادس فتأمله. (ولا يسهم للأجير إلا أن يقاتل): ما ذكره هو نص المدونة قال فيها: إذا قاتل الأجير أسهم له وإلا فلا قال المازري: وهو أحد الأقوال الثلاثة وقال محمد: يسهم له إن حضر القتال، وقيل: لا يسهم لا واختلف في التاجر على ثلاثة أقوال: يسهم له إن شهد القتال وقيل: إن قاتل: وقال ابن القصار إن خرج للجهاد وائتجر أسهم له وإن لم يحضر القتال، وإلا فلا إن يشهد القتال. (ومن أسهم من العدو على شيء في يديه من أموال المسلمين فهو له حلال): ما ذكر الشيخ أنه يطيب له ما أسلم عليه من أموال المسلمين هو له حلال صحيح ويدخل في كلامه الرقيق وهو كذلك، وقال الشافعي يردها إلى أربابها وهو ضعيف لأنه يؤدي إلى سد الباب مع شبهتهم في الملك، وظاهر كلام الشيخ ولو أسلم على أحرار المسلمين أنهم ينزعون من يده وهو المشهور، وقال ابن شعبان في زاهيه يطيب لهم تملكهم هكذا نقل ابن بشير عنه، واعترضه بعض شيوخنا بأنه لم يجده في الزاهي ولا حكاه المازري ولا التونسي وعزى ابن عبد السلام قول ابن شعبان له ولأحمد بن خالد، وقال بعض شيوخي قول ابن شعبان هو ظاهر عموم قوله صلى الله عليه وسلم " من أسلم على شيء في يديه فهو له" إلا أنه يصح أن يحمل على أن المراد ما يصح تملكه بدليل أنه لو أسهم على خنزير أو خمر لما كان له، وعلى الأول فظاهر الروايات أنه يؤخذ منه مجانا بغير عوض قال أبو إبراهيم الأندلسي: أنه يعوض واختلف إذا أسلم على ذمي في يديه فقال ابن القاسم يبقي رقا وقال أشهب: هو كأحرار المسلمين ولو أسلم على أم ولد مسلم فإنها تفدي من مال ربها فإن لم يكن له مال اتبع بذلك. (ومن اشتري شيئًا منها من العدو لم يأخذه ربه إلا بالثمن)

لا شك أن الأمر كما قال وهو يجوز شراؤها ابتداء أم لا؟ فقيل: إن ذلك مكروه قاله ابن عبد القاسم في المدونة وقيل: إنه مستحب قاله ابن المواز واختاره القاضي إسماعيل وضعف بأن فيه إغراء للحربيين بأخذ أموال المسلمين ورجح بعض الشيوخ الأول قائلاً لاسيما إذا انضم لذلك. رخص في المبيع كما هو الغالب فيكون تحصيل ذلك إلى أربابها أولى من بقائه بيد الكفار ومن عاوض في دار الحرب على مال مسلم أو ذمي فلمالكه أخذه بالثمن اتفاقًا قاله ابن بشير، فإن كانت معاوضة بمكيل أو موزون فلربه أن يأخذه بمثل ذلك في دار الحرب إن كان الوصول إليها ممكنا كمن أسلف ذلك فليس له إلا مثله بموضع السلف إلا أن يتراضيا على ما يجوز وإن لم يكن الوصول إليها ممكنا كمن سلف ذلك فليس له إلا مثله بموضع السلف إلا أن يتراضيا على ما يجوز وإن لم يكن الوصول إليها ممكنا فعليه ههنا قيمة ذلك بدار الحرب، واختلف المذهب فيما فدى من أيدي اللصوص هل يأخذه ربه مجانا أو لا؟ فقيل يأخذه مجانا، وقيل بل بالثمن الذي فداه به. قال ابن عبد السلام: وهو الذي كان يميل إليه بعض من يرضي من شيوخنا لكثرة النهب في بلادنا فيعمد بعض من له وجاهة عند الأعراب أو من يعتقدون فيه إجابة الدعوة إليهم فيفتك من أيديهم بعض ما ينتهبون بأقل من قيمته فلو أخذه مالكه من يده من فداه بغير شيء كان سدا لهذا الباب مع شدة حاجة الناس إليه، قلت: وبه كان شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله يفتي ويوجهه بما تقدم قائلاً: إلا أن يكون ربها يقدر على أن يخلصها بلا شيء ولا يبعد أن يكون هو مراد من ذهب إلى القول الثاني،

قال ابن هارون والقولان إذا قصد به الفادي لربه وأما لو افتداه لنفسه وقصد بذلك تملكه فلا يختلف إن لربه أخذه مجانا كالاستحقاق، وقال ابن عبد السلام: وكثيراً ما يسأل عنه بعض من هو منتصب لتخليص ما في أيدي المنتهبين هل يجوز له أخذ الأجرة على ذلك أم لا، ولاشك أنه إن دفع الفداء من عنده فلا تجوز له الأجرة لأنه سلف وإجارة وإن كان الدافع غيره ففي إجازة ذلك مجال للنظر. (وما وقع في المقاسم منها فربه أحق به بالثمن وما لم يقع في المقاسم منها فربه أحق به بلا ثمن): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وغيرها ووجهه خفة الضرر إذا كان قبل القسمة لكبر الجيش غالبًا وكثرة الضرر إذا كان بعد القسم، ولابن القاسم لا يكون به أحق به مطلقًا سواء كان قبل القسم أو بعده، وقيل إنه يفوت بنفس القسم رواه أبو القاسم الجوهري، وحكاه عنه ابن زرقون وعلى الأول إذا كان قبل القسم لا يخلو إما أن يعلم ربه بعينه أم لا، فإن علم بعينه دفع له إن كان حاضرا بلا شيء باتفاق قاله ابن حارث وإن كان غائبًا وقف له قال سحنون ولو كان بالصين. قال ابن بشير: ووقع في بيعه أو بعثه لربه في الروايات إشارة إلى خلاف فيه وليس كذلك بل ينظر الإمام لربه بالأصلح وإن لم يعلم ربه بعينه، وإنما علم أن ذلك من أموال المسلمين فقط فقيل أنه يقسم على حكم الغنيمة وهو المشهور، وقيل إنه يوقف قال ابن المواز والقاضي عبد الوهاب وغيرهما لأن ظاهر كلام ابن المواز أنه يوقف إذا رجي العلم بصاحبه. وظاهر كلام القاضي عبد الوهاب وقفه مطلقًا، وقال البرقي وغيره إذا غنموا أحمال متاع مكتوب عليها هذا لفلان وعرف البلد الذي اشتري منه ككتان مصر وشبهه لم يجز قسمه، ووقع حتى يبعث إلى ذلك البلد فيكشف عنه فإن وجد من يعرف ذلك وإلا قسم قالا ولو عرف ذلك واحد من العسكر لم يقسم. وروى ابن وهب عن مالك إذا عرف صاحبه ولم يستطيع تسليمه إليه أنه يقسم ولو باع الإمام ما عرفه ربه جهلا أو عمدًا فقيل: يأخذه ربه مجانا قاله ابن القاسم وقيل بالثمن قاله سحنون محتجا بأنه قضاء مختلف فيه وهو قول الأوزاعي وهذان القولان حكاهما الشيخ أبو محمد. (ولا نفل إلا من الخمس على الاجتهاد من الإمام ولا يكون ذلك قبل الغنيمة والسلب من النفل): ما ذكر أن النفل من الخمس هو المعروف من المذهب، وبه قال أكثر علماء

الحجاز وذهب علماء الشام وبعض علماء العراق إلى أنه يكون من جملة الغنيمة، وقيل إن النفل إنما يكون من خمس الخمس حكاه عياض في الإكمال عن منذر بن سعيد عن مالك، ولا يجوز للإمام إذا فرغ القتال أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه، واختلف هل يجوز ذلك قبل القتال أم لا، فمنعه مالك ووقعت له الكراهة أيضًا قال ابن عبد السلام: ومال بعض شيوخ المذهب إلى الجواز ولم يصرح به، وبه قال جماعة من أهل العلم وعلى الأول فاختلف إذا وقع فقيل: ينفذ لأنه حكم بما اختلف فيه أهل المذهب وإليه ذهب سحنون وابنه وهو ظاهر كلام أصبغ، وقيل إنه لا ينفذ لضعف الخلاف قاله ابن حبيب قائلاً تعرف قيمة ما سمي الإمام، ويدفع ذلك من الخمس. قال ابن الحاجب في إمضائه قولان، فظاهره أن القول الثاني يبطل ولا يعطي شيئًا وليس كذلك ونبه عليه ابن عبد السلام قال ابن سحنون: واختلف فيمن جاء برأس فدعا أنه قتل صاحبه على قولين فقيل: يقبل منه فيكون سلبه له وقيل لا، وأما إن جاء بسلب وزعم أنه قتل صاحبه لم يستحقه إلا ببينة، والفرق أن الرأس في الأغلب لا يكون إلا بيد من قتله لأنه علم أن الإمام ينفله سلبه فصارت يده تشهد له بخلاف السلب قال ابن الحاجب: والمشهور لا يكون فيما ليس بمعتاد من سوار وتاج وكذلك العين على المشهور. (والرباط فيه فضل كبير وذلك بكثرة خوف أهل ذلك الثغر وكثرة تحرزهم من عدوهم): قال الشيخ أبو محمد في كتاب ابن سحنون وغيره قال مالك: ليس من سكن بأهله في الإسكندرية وطرابلس ونحوهما من السواحل بمرابطين وإنما المرابط من خرج من منزله فرابط في نحر العدو وحيث الخوف، قال الباجي وعندي أن اختيار استيطان ثغر للرباط فقط ولولا ذلك لأمكنه المقام بغيره له حكم المرابط، وقد قال مالك فيمن جعل شيئاً في سبيل الله لا يجعل في غيرها لأن الخوف الذي بها قد ذهب، وقلت: ونقل بعض من لقيناه الاتفاق على أنه من خرج من بلد إلى بلد بأهله بنية الرباط يكون مرابطا، وإنما الخلاف السابق إذا كان مقيما بنية الرباط ولم يكن أصل سكناه في ذلك المنزل لذلك. وذكر ابن زرقون أن سبب خط القيروان بمحلها رعي كون بينها وبين البحر أقل من مسافة القصر ليكون حرسا وارتضي نقله غير واحد من أشياخي قال الباجي: وإذا ارتفع الخوف من الثغر لقوة الإسلام به أو لبعده من العدو زال حكم الرباط عنه، وقال مالك فيمن جعل شيئًا في السبيل لا تجعل في جدة لأن الخوف الذي كان بها ذهب قال أبو محمد عن ابن

حبيب روي أنه إذا نزل العدو بموضع مرة فهو رباطي أربعين سنة، وروى ابن وهب: الرباط أحدب إلى من الغزو على غير وجهه وهو على وجهه أحب إلى من الرباط قال ابن رشد: إلا إذا خيف على موضع الرباط قال الباجي لا يبلغ الرباط درجة الجهاد وروى ابن وهب لم يبلغني أن أحدا ممن يقتدي به من صحابي ويغره خرج من المدينة إلى الرباط إلا واحدًا أو اثنين وهي أحب المساكين إلا من خرج له ثم رجع إليها قال ابن حبيب، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تمام الرباط أربعين ليلة". (ولا يغزي بغير إذن الأبوين إلا أن يفجأ العدو ومدينة قوم ويغيرون عليهم ففرض عليهم دفعهم ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا): ظاهر كلامه ولو كانا مشركين وهو كذلك قال سحنون قائلاً: إلا أن يعلم أن منعهما كراهية إعانة المسلمين قال وبر الجد والجدة واجب وليس كالأبوين وأحب أن يسترضيهما ليأذنا له فإن أبيا فله أن يخرج. قلت: في كلامه تناف فتأمله ونص ابن المواز في ذلك، لا يغزي إلا بإذن أجداده فأخذ منه القاضي عياض أن بر الجد مساو لبر الأب، ومن قولهم لا يقتص منه لابن ابنه واختلف في تغليظ الدية عليه وفي قطعه إذا سرق من مال ابن ابنه وقال الطرطوشي بره دون بر الأب، واحتج بقول المدونة ويحبس للولد من سوى الأبوين من الأجداد والأقارب قال ابن عبد السلام: في باب التفليس: وهو أحسن لأن مقصوده أن لكل واحد من الجد والأب حظا من البر على الولد إلا أن حظ الجد دون حظ الأب، وذلك حاصلا قطعا من قول مالك يحلف الجد ولا يحلف الاب ويشتر كان معًا في البر في غير هذا من المسائل التي ذكرها عياض وإنما يتم احتجاج عياض على من يدعي أن الجد لا حظ له من البر، وهذا لم يذهب إليه أحد وقبله خليل، قال ابن المواز فإن خرج دون إذن أبويه خوف فساد جهازه رجع حتى يأذنا له قال مالك: إن أبيا فلا يكابرهما ولا يأكل جهازه وليدفعه أو ثمنه إن خاف فساده إلا أن يكون مليا فيلفعل به ما يشاء حتى يمكنه الغزو فإن مات رجع ميراثا ولو جعله على يد غيره إلا أن يوصي به فيخرج من ثلثه ويشهد بإنفاذه على كل حال فيكون من رأس ماله، وسمع ابن القاسم: للمدين العديم الغزو دون إذن غريمه قاله سحنون ولو كان مليا بدينه ويحل قبل قدومه، فله الخروج إن وكل من يقضي عنه، والعبد ولو كان مكاتبًا لا يغزو إلا بإذن سيده ونقل العتبي عن سحنون قال: أرادت غزوا في البحر فنهاني عنه ابن القاسم قال ابن رشد لأنه علم منهم أنهم كانوا لا يغزون على الصواب، ولا يحافظون فيه على الصلاة في أوقاتها قلت أو لرجحان العلم على الجهاد وقد ذكر عياض في مداركه أن ابن القاسم.

باب في الأيمان والنذور

قال لبعض أصحاب سحنون: وقل له: يعطي الخيل لمن يقتل عليها فالعلم أولي به. باب في الأيمان والنذور قال ابن العربي اليمين ربط العقد بالامتناع والترك أو الإقدام على فعل بمعني معظم حقيقة أو اعتقادًا واعترضه بعض شيوخنا بأن قوله بالامتناع يغني عن قوله والترك فهو حشو وبأنه يخرج عنهما الغموس واللغو والتعليق وقول ابن عبد السلام لا يحتاج إلى تعريف بحد ولا رسم لاشتراك الخاصة والعامة في معرفته ضعيف. قال بعض شيوخنا: وأما النذر الأعم الجائز فهو إيجاب امرئ على نفسه لله أمرًا الحديث: " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" وإطلاق الفقهاء على المحرم نذرا والأخص المأمور بطاعته التزام طاعة بنية قربة قال: وقول بعضهم هو التزام طاعة غير مطرد وقول ابن شاس هو التزام وإيجاب واضح تضعيفه.

(ومن كان حالفا فليحلف بالله ليصمت): قال التادلي: وظاهر كلامه أن اليمين بالله مباحة لأن الأمر أقل مراتبه الإباحة. قلت: بل ظاهره أنه مرجوح لقوله: "ومن " وبه قال بعض الشيوخ لسماع أشهب وابن نافع كان عيسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل كان موسي ينهاكم أن لا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون وأنا أنهاكم أن تحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين. وقال ابن رشد: قول عيسى بخلاف شرعنا لأنه صدر منه صلى الله عليه وسلم كثيرًا وأمره الله به فلا وجه لكراهته لأنه تعظيم لله تعالى يحتمل أن يكون كراهية عيسى عليه السلام خوف الكثرة فيؤول إلى الحلف بالكذب أو التقصير في الكفارة ولا خلاف أن اليمين بما دل على ذاته العلية جائز، وأما الحلف في جوازه بصفاته الحقيقية كعلمه وقدرته وجلاله ففيه طريقتان الأكثر على أن ذلك جائز باتفاق، وقال اللخمي: اختلف في جواه بصفاته كعزته وقدرته فالمشهور جوازه وروى محمد وابن حبيب لا يعجبني بلعمر الله وأكرهه بأمانة الله وضعفه بعض شيوخنا لقول ابن رشد في الكفارة: في لعمر الله نظر لأن العمر على الله محال وباشتراك أمانة الله قال: فإذا كره اليمين بهما فلا يلزم ذلك في غيرهما وأما الحلف بما هو مخلوق فقيل: ممنوع قاله اللخمي ونحوه قال ابن بشير: إنه حرام وقيل: مكروه قاله ابن رشد وحملهما ابن الحاجب على الخلاف قال: واليمين بغير ذلك مكروه، وقيل حرام وصرح الفاكهاني بأن المشهور الكراهة ولم يعزها. وقال ابن عبد السلام: ويحتمل أن ترجع الكراهة للتحريم وأما الحلف بما عبد كاللات فإن اعتقد تعظيمها فكفر وإلا فحرام يلزمه أن يتوب وقال ابن بشير وإلا فعاص ويستحب أن يستغفر واعترضه التادلي بأن قوله فعاص ينافي استحبابه. (ويؤدب من حلف بطلاق أو عتاق ويلزمه): قال التادلي: ظاهر كلامه أن اليمين بالطلاق والعتاق حرام لأنه أثبت فيهما الأدب ولا يلزم الأدب إلا في ارتكاب المحظور ونص مطرف وابن الماجشون على ذلك إذا تعدد الحلف بهما وهي جرحة في الشهادة والأمانة، قال ابن القاسم ويضرب من لا امرأة له ومن ليس عنده ما يعتق أكثر لإضافته إلى النهي الكذب. قلت: يرد قوله بأن التأديب لا يلزم إلا في ارتكاب المحظور بأن تأديبه قد يكون باستخفافه بالسنة كقول ابن خويزمنداد: إن من استدام ترك السنة فسق وإن تمادي عليه أهل بلد حوربوا بأحد القولين إنه يجب تغيير المنكر فيما طريقته الندب، وبهذين

رد على اللخمي في أخذه من قول أصبغ يؤدب تارك الوتر أنه واجب الأول للمازري والثاني لابن بشير. (ولا ثنيا ولا كفارة إلا في اليمين بالله أو بشيء من أسماء الله وصفاته): ما ذكر هو المشهور وقال ابن عبد البر، وروى العدول الثقاة عن ابن القاسم أنه أفتى لابنه عبد الصمد وكان حلف بالمشي إلى مكة بكفارة يمين، وقال أفتيتك بقول الليث فإن عدت لم أفتك إلا بقول مالك ولم يذكر أن ذلك كان منه على وجه اللجاج والغضب. وقال بعض شيوخنا عن أبي عمر بن عبد البر: فتوى ابن القاسم هذه بذلك قولة بعيدة لأنه أفتى له بغير مذهب إمامه، ونقل ابن بشير عن الشيوخ أنهم وقفوا على قوله لابن القاسم أن ما في هذا القبيل على سبيل اللجاج والغضب يكفي فيه كفارة يمين وهو أحد أقوال الشافعي، قال: وكان من لقيناه من الشيوخ يميل إلى هذا المذهب ويعدونه من نذر المعصية فلا يلزمه الوفاء به. قال ابن عبد السلام: فظاهره أنهم أسقطوا عنه الكفارة فإن كان مراده هذا هو قول خارج المذهب تحصل في المذهب ثلاثة أقوال في نادر اللجاج. قلت: ويتخرج على القول بالكفارة صحة الاستثناء كاليمين بالله تعالى ولا خصوصية لقول الشيخ ولا ثنيا ولا كفارة إلا في اليمين بالله بل وكذلك النذر الذي لا مخرج له، وذكره الشيخ بعد وظاهر كلام الشيخ أن الثنيا لا ينعقد في الطلاق المعلق كما إذا قال: أنت طالق إذا دخلت الدار إن شاء الله ولو رده إلى الفعل وهو كذلك عند ابن القاسم. وقال ابن الماجشون: إن رده إلى الفعل فلا شيء عليه وصوبه ابن رشد؛ لأنه جار على مذهب أهل السنة. (ومن استثنى فلا كفارة عليه إذا قصد الاستثناء وقال: إن شاء الله ووصلها بيمينه قبل أن يصمت وإلا لم ينفعه ذلك): ظاهر كلام الشيخ أن الاستثناء يدفع الكفارة فقط وليس هو حل لليمين وهو قول ابن القاسم وأحد الأقوال الثلاثة، وقيل إنه حل لليمين من أصله قاله ابن الماجشون وقيلك لا حل له ولا رفع حكاه خليل. قال الفاكهاني: ولم يظهر لي الآن أين تظهر فائدة الخلاف؟ وقال ابن عبد السلام: لا يكاد يظهر لهذا الخلاف في اليمين بالله فائدة إلا بالتكلف، فلذلك أضربنا عنها. قلت: ورده بعض شيوخنا بأنها تظهر بلا تكلف فيما إذا حلف بالله تعالى أن لا

يطأ زوجته إن شاء الله فاختلف مالك والغير هل يكون موليا أم لا، والقولان في المدونة وخلافهما مبني على ذلك. وقال الشيخ أبو القاسم السلمي تظهر فائدته أيضًا فيما إذا حلف واستثنى ثم حلف أنه ما حلف فعلي أنه حل لا يحنث، وعلى أنه رفع للكفارة يحنث وقبله غير واحد من أشياخي وذكر الشيخ ثلاثة قيود: الأول: أن يقصد بذلك الاستثناء احترازًا من أن يجري ذلك على لسانه أو يأتي به تبركا كقوله تعالى: (ولا تقولن لشاىء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله) [الكهف: 23، 24]. والقيد الثاني: أن ينطق بالاستثناء احترازا من أن ينوي ذلك فقط لا يفيد. ورأى اللخمي أن ذلك يفيد إذا انعقدت اليمين بالنية عند من يرى ذلك، ورده بعض شيوخنا بأن العقد أيسر من الاستثناء لأنه كابتداء حكم والاستثناء كنسخه ونحوه لابن محرز. القيد الثالث: أن يكون ذلك متصلاً بيمينه ويريد ما لم يضطر كتنفسه لسعال. وقال عياض أثر نقله عن الشافعي سكتة التنفس والسعال لغو وكذلك التفكر وهي كالوصال تأوله بعضهم عن مالك قال: والذي يمكن أن يوافق عليه مالك أن مثل هذا لا يقطع كلامه إذا كان عازما على الاستثناء ناويا له وإليه أشار ابن القصار. قلت: وقال بعض شيوخنا ظاهر قول أهل المذهب أن سكتة التذكر مانعة من التعول عليه مطلقًا. وظاهر كلام الشيخ إذا طرأت له نية الاستثناء بعد تمام يمينه ووصله به أنه ينفعه وهو كذلك، وقال ابن المواز: من شرط الاستثناء أن يكون منويا قبل تمام الحلف ولو بحرف ونحوه للقاضي إسماعيل. (والأيمان بالله أربعة فيمينان يكفران وهو أن يحلف بالله إن فعلت أو يحلف ليفعلن ويمينان لا يكفران أحدهما لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء يظنه كذلك في يقينه ثم يتبين له خلافه فلا كفارة عليه ولا إثم والآخر الحالف متعمدًا للكذب أو شاكا فهو آثم ولا تكفر ذلك الكفارة وليتب من ذلك إلى الله سبحانه): ما فسر الشيخ به لغو اليمين هو المشهور وقيل لغو اليمين ما سبق إليه اللسان

من غير عقد قاله القاضي إسماعيل والأبهري واللخمي وبه قال الشافعي. قال ابن عبد السلام: وهو الأقرب لأنه أسعد بظاهر قوله تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمن) [المائدة: 89] وبقوله جل وعلا: (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) [البقرة: 225] وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: نزلت في قول الرجل لا والله وبلي والله. وقد تقرر في علم الحديث أن قول الصحابي نزلت هذه الآية بسبب كذا يجري مجرى المسند ولما ذكر ابن الحاجب القولين كما سبق قال: وعن عائشة القولان. قال ابن رشد: إن كان ذلك مرويا عنها حمل لفظه على ظاهره وإلا حمل على أن فيه إضمارًا أو عن الأشياخ في تفسير قول عائشة رضي الله عنها القولان، وقال ابن عبد السلام: لم يوجد لها إلا كقول مالك بعد البحث عنه وأجاب خليل بأن ابن بشير حكاهما عنها نصًا وكذلك ابن بطال حكي عنها في باب الأيمان ما حكاه المصنف. قلت: وحكي ابن يونس عنها القولين نصًا أيضًا وقول الشيخ يظنه في يقينه لم يرتضه ابن عبد السلام وكذلك قول المدونة لغو اليمين أن يحلف بالله على أمر يوقنه ثم يثبين له خلافه. قال: عبارة المؤلف في قوله وهو اليمين عن ما يعتقده فيتبين خلافه خير من عبارة من عبر عن هذا المعني باليقين أو من جمع بينه وبين الظن فقال يظنه في يقينه فإن الاعتقاد قد يتبدل أو يظهر خلاف المعتقد فيكون جهلاً، وأما اليقين فلا يتبدل وألحق باليمين بالله في اللغو النذر الذي لا مخرج له والحلف بالمشي إلى مكة والصدقة وما أشبه ذلك على القول بأن كفارته كاليمين بالله تعالى وما ذكر الشيخ في الغموس كذلك يقوله أكثر المذهب وسكتوا عن الظن، وقاله ابن الحاجب. قلت: والظاهر أن الظن كذلك، قال ابن عبد السلام: وهو قد سبق بذلك، وقال الشيخ أبو محمد في ثاني ترجمة من كتاب النذور من النوادر عن ابن المواز بعد أن حكى كلامًا في الغموس عن ابن حبيب. قال: وقال ابن المواز: وكذلك الحلف على شك أو على ظن فإن صادف ذلك كما حلف فلا شيء عليه وقد خاطر فعطفه الظن على الشك دليل على أنه أراد به الحقيقية العرفية. وقول الشيخ فهو آثم ظاهره وإن وافق ما حلف عليه وهو خلاف ما تقدم لمحمد وظاهر المدونة كقول محمد ونصها في التهذيب ومن قال: والله ما لقيت فلانا أمس وهو لا يدري ألقيه أم لا؟ ثم علم بعد يمينه أنه كما حلف بر وإن كان على خلاف

ذلك أثم، وكان كمتعمد الكذب وهي أعظم من أن تكفر، وحملها غير واحد على أنه وافق البر في الظاهر لأن أثم جرأته بالإقدام على الحلف شاكا يسقط عنه، وأقام بعض من لقيناه من قولهم هنا بإسقاط الكفارة في الغموس من أن إثمها أعظم من أن تكفر سقوط قضاء الصلاة إذا تركت عمدًا، ويرد بأنه تخريج في محل النص قال صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" فإن ذلك وقت لها فإذا وجب القضاء فيما نسيه فأحرى العامد والله أعلم. (والكفارة إطعام عشرة مساكين من المسلمين الأحرار مدًا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وأحب إلينا أن لو زاد على المد مثل ثلث مد أو نصف مد وذلك بقدر ما يكون وسط عيشهم في غلاء أو رخص ومن أخرج مدا على كل أجزأه): ما ذكر الشيخ من اشتراط المسكنة في أخذ الكفارة هو بنص التنزيل وأما اشتراط الإسلام فذلك بالقياس على الزكاة، وأما اعتبار الحرية فلأن العبد غني بسيده ومن فيه عقد حرية كأم الولد كأن كان السيد فقيرا أو لا يمكنه بيعها لكن السيد قادر على أن يعتقهم إن عجز عن نفقتهم فهم كالأغنياء، وأما اعتبار المد فقال ابن القاسم: حيثما أخرج مدًا أجزأه كما هو ظاهر كلام الشيخ. وقال مالك بعد أن ذكر المد في المدينة: فأما سائر الأمصار فإن لهم عيشا غير عيشنا، وأفتى أشهب بمد وثلث بمصر وأفتى ابن وهب بمد ونصف وكلاهما ليس بخلاف لمالك والخلاف بينهما في قدر المزيد خلاف في حال قاله ابن عبد السلام. وحمل بعض الشيوخ قول ابن القاسم على أنه خلاف لقول مالك وعليه حمله اللخمي لقوله قول مالك أبين منه، وخرج اللخمي من الخلاف في الجنس هل المعتبر قوت المكفر أو قوت أهل البلد خلافًا في المقدار هل يعتبر قدر قوته أو قوت أهل البلد واختلف إذا غدى أو عشى فالمعروف الإجزاء، وقال الشافعي: لا يجزئ. قال ابن عبد السلام: وهو ظاهر قول يحيي لا أعرف فيها غداء ولا عشاء. قلت: ما ذكره عن يحيى نقلته لبعض من لقيته من أشياخي ممن يظن به حفظ المذهب من غير مطالعة في كتب غير ما مرة فلم يقبله قائلاً: لا أعرف من نقله. قال غيره: ولا غرابة فيه وهو في المبسوط عنه وزاد بل مدا نبويا وعلى المعروف فهل يجزئ إذا غدى أو عشي قفارا من غير إدام أم لا؟ فقال ابن مزيز يجزئ وقال ابن

حبيب لا يجزئ وكلاهما نقله اللخمي. وقال ابن عبد السلام: وقول المدونة كقول ابن حبيب بأن الإدام شرط، وقال ابن هارون: مذهب المدونة الإجزاء إلا أن الأفضل عنده أن يكون مأدوما بزيت وشبهه والأمر كما قال ابن عبد السلام: ولولا الإطالة لذكرنا لفظها فانظره. (وإن كساهم كساهم للرجل قميص وللمرأة قيمص وخمار): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة بزيادة وذلك أقل ما يجزئ في الصلاة، فأخذ الأبهري منه أن ستر جميع البدن في الصلاة واجب وتأوله بعضهم على أنه أراد بأقل ما يجزئ على سبيل الأفضل والكمال وقبله ابن هارون. واختلف هل يشترط وسط كسوة الأهل أم لا؟ على قولين والقول باشتراط ذلك ذهب إليه اللخمي قائلاً كالإطعام واحتج بالعطف. قال ابن هارون: وجوابه أن العطف إنما يقتضي التشريك في الإعراب وفي صلاحية كل واحد منهما للكفارة لا فيما سوى ذلك من المتعلقات والمجرورات ألا ترى أنك تقول: جاء زيد ضاحكا وعمرو فيقتضي العطف التشريك في الإعراب والمجيء لا في الضحك، وقال ابن بشير: لو قيل: إنه من باب رد المطلق إلى المقيد لكان له وجه. قال: ويمكن أن يكون لم يراع ذلك لأن المقصود من الكسوة ستر الفقير فيكفي فيه ما يحصل به ذلك. وقال ابن رشد: القول بمراعاة الوسط لم أقف عليه ذكر ذلك تعقيبًا على ابن الحاجب في نقله له قال: ولعل قائله قاسه على الإطعام وفيه بعد. قلت: ويجاب بنقل ابن بشير إياه عن اللخمي كما سبق وإن كان ليس في التبصرة. واختلف في كسوة الصغير على أربعة أقوال: فقيل يعطى الصغير كسوة كبير والصغيرة كسوة كبيرة قاله ابن القاسم، وقال أشهب: تكسي الصغيرة التى لم تبلغ الصلاة الدرع دون الخمار وظاهره الدرع الذي يصلح للباسها قال: فإذا بلغت الصلاة أعطيت الدرع والخمار، وروى ابن المواز عن ابن القاسم أنه لم يعجبه كسوة الأصاغر وكان يقول: من أمر بالصلاة فله الكسوة قميصا وقيل: يعطي صغار الإناث ما يعطى كبار الرجال قميصًا كبيرًا. (وأعتق رقبة مؤمنة): يريد سالمة من العيوب فإن أعتق رقبة وبها عيب فلا يخلو ذلك من ثلاثة أقسام: قسم لا يجوز بلا خلاف وهو ما يمنع من الكسب ويشينه وعكسه عكسه، والقسم الثالث ما يشين ولا يمنع من الكسب كالأعراج، قال في المدونة: كرهه مرة وأجازه مرة

وآخر قوليه لا يجزئ إلا خفيفة. قال أصبغ: ومن أعتق منفوسا فإنه يجزئ ولو أصابه بعد كبره خرس أو صمم أو جنون قائلاً هذا شيء يحدث بعد ذلك، وكذلك في البيع لا يرد به قال ابن محرز: وأما الشيخ الزمن فلا يجزئ، والفرق أن الصغير يقدر على الكسب في المال بخلاف الكبير، ويجزئ ولد الزنا باتفاق نص عليه ابن رشد رحمه الله تعالى، وفي إجزاء المريض في غير النزع قولان حكاهما اللخمي. (فإن لم يجد ذلك ولا إطعامًا فليصم ثلاثة أيام يتابعهن فإن فرقهن أجزأه): قال ابن يونس عن رواية ابن المواز: لا يصوم حتى لا يجد إلا قوته أو كونه في بلد لا يعطف عليه فيه وعزاه اللخمي لمحمد لا لروايته قال: وهذا حرج ومقتضى الدين التوسعة فوق هذا وقال الباجي: المعتبر في ذلك أن يفضل عن قوت يومه ما يحصل به أقل ما يجزئ من الثلاثة. قلت: وقال بعض شيوخنا الأقرب عجزه عما يباع في فلسه. قال ابن عبد السلام: لا يبعد إلزام من قدر على بعض غير المعتق فعليه ذلك، وينتظر مالك تكميله والفرق بينه وبين من وجد من الماء ما يكفيه لبعض طهارته ظاهر، ويريد أنه لا يغنيه شيئًا فهو كالعدم وهذا ينبني عليه، وضعفه بعض شيوخنا بأنه يلزم على قوله أن ينتظر إذا عجز عن الكل وهو خلاف الإجماع لأن البعض كالكل في عدم بعض أجزاءه، واختلف فيمن له مال غائب فقيل: يتسلف ولا يجزئ الصوم قاله ابن القاسم، وقيل: إن قرب مجيئه انتظر أو تسلف فإن صام أجزأه وإن وجد من يسلفه. (وله أن يكفر قبل الحنث أو بعده وبعد الحنث أحب إلينا): ما ذكر الشيخ هو مذهب المدونة وهو أحد الأقوال الخمسة وقيل: إن ذلك ممنوع قاله مالك أيضًا، وقيل: إن كان على حنث جاز وإن كان على بر فلا قاله ابن القاسم، وقيل: يجوز تقديمها في اليمين بالله تعالى وما في معناه ولا يجوز في غير ذلك وهذه الأقوال الأربعة حكاها غير واحد كابن بشير، وقال ابن عبد البر في الكافي: قيل: يجوز تقديمها بغير الصوم، وأما بالصوم فلا، وفي التهذيب: وإن كفر معسر بالصوم قبل حنثه ثم أيسر بعد حنثه فلا شيء عليه يجيء سادسًا والله أعلم لتفصيله فانصره لأن عمل البدن لا يقدم، واستشكل اللخمي الفرق بين البر والحنث لاشتراكهما في عدم وجوب الكفارة. ورده بعض شيوخنا بأن استصحاب حال ذات الحنث توجب الكفارة وذات البر تنفيها والاستصحاب معتبر شرعًا وسبب الخلاف ما في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو

خير" وفي بعض الطرق تقديم الحنث واعترضه غير واحد بأن التقديم والتأخير في ذلك سواء لأن الواو لا تقتضي رتبة وإنما سبب الخلاف هل الحنث هو شرط في وجوب الكفارة فتجوز قبله لوجود السبب في الكفارة وهو اليمين أو ركن فلا تجوز؟ قال ابن هارون وفيه نظر لأن المشروط لا يوجد بدون الشرط كما أن الماهية لا توجد بدون ركنها. (ومن نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ولا شيء عليه): احتوى كلام الشيخ على المندوب والواجب والحرام ونفي المباح والمكروه تأتي إشارته أيضًا إلى ذلك. (ومن نذر صدقة مال غيره أو عتق عبد غيره لم يلزمه شيء): يريد إلا أن يعلقه كما إذا قال إن اشتريت عبد فلان فإنه يلزمه. (ومن قال: إن فعلت كذا فعلي نذر كذا لشيء يذكره من فعل البر من صلاة أو صوم أو حج أو عمرة أو صدقة شيء سماه فذلك يلزمه إن حنث كما يلزمه لو نذره مجردا بغير يمين إلى آخره): ما ذكره هو المشهور وتقدم فتوي ابن القاسم لابنه عبد الصمد في المشي إلى مكة بكفارة يمين قائلاً: أفتيتك بمذهب الليث بن سعد وإن عدت أفتيتك بمذهب مالك، وظاهر كلام الشيخ ولو كان على وجه اللجاج والغضب وتقدم ما نقله ابن بشير في ذلك فانظره، وظاهر كلامه ولو نذر شيئًا لا يبلغه عمره وهو كذلك على ظاهر المدونة قال فيها: من كثر نذر مشيه بما لم يبلغه عمره فليمش ما قدر عليه من الزمان ويتقرب إلى الله عز وجل بما يقدر عليه من الخير وقال التونسي: تقربه بذلك ندب لأن نذر ما لا يقدر عليه ساقط. (ومن نذر معصية من قتل نفس أو شرب خمر أو شبهه أو ما ليس بطاعة ولا معصية فلا شيء عليه وليستغفر الله): ظاهر كلام الشيخ أن نذر المباح والمكروه حرام لأن قوله وليستغفر الله ظاهر في أنه راجع للجميع وقول من تأول عن الشيخ أن الاستغفار يرجع إلى المعصية فقط بعيد والتأويلان ذكرهما التادلي ولكن ما قلناه منهما هو الأقرب وعليه حمله الفاكهاني

إلا أنه ذكر المباح فقط فالمكروه أحرى ولا مانع يمنع منه. أما بالنسبة إلى المعني فهو قد عكس الشريعة لكونه أفرغ المباح والمكروه في قالب الطاعة، وأما بالنسبة إلى المنقول فهو ظاهر الموطأ وفي المقدمات نذر المكروه مكروه ونذر المباح مباح. (وإن حلف بالله ليفعلن معصية فليكفر يمينه ولا يفعل ذلك إن تجرأ ففعله أثم ولا كفارة عليه ليمينه): قال الشيخ خليل: ما ذكر الشيخ من أنه إذا فعل المعصية بر في يمينه مثل في الجلاب، وذكر ابن الحاجب نحوه في الطلاق فقال وإن كان محرما مثل إن لم أقتل زيدًا تنجز إلا أن يتحقق قبل التنجيز على المشهور وقال: قول ابن عبد السلام: إن نجز أو فعل المعصية فقال أهل المذهب تلزمه كفاره يمين خلاف ما تقدم، فإن قلت: هل يصح حمله على الشاذ من نقل ابن الحاجب قيل قد أنكر هو وجوده. نعم قد يتخرج ما قاله على أحد القولين في أن المعدوم شرعًا كالمعدوم حسا كما قيل فيمن حلف ليطأنها فوطئها حائضا. قلت: ما نقله عن الشيخ ابن عبد السلام وهم لا شك فيه، ولفظ ابن عبد السلام في النسخة التي رأيتها عندنا بتونس: لو تجرأ وفعل تلك المعصية لم يلزمه عد أهل المذهب أن يكفر كفارة اليمين بالله تعالى. (ومن قال علي عهد الله وميثاقه في يمين فحنث فعليه كفارتان): ما ذكر الشيخ من أن الكفارة تلزمه في قوله على عهد الله وميثاقه هو كذلك باتفاق قاله ابن حارث قائلاً اختلفوا إذا قال وعهد الله فذكر عن المدونة اللزوم وعن الدمياطية عدمه، وإن قال عهد الله فلا كفارة عليه. واختلف إذا قال أعاهد الله وأجري عليه أبايع الله واختلف في حاشا الله ومعاذ الله، واختلف المذهب إذا كرر الحلف بالصفات على ثلاثة أقوال: فقيل بالتعدد وعكسه، وقيل إن كانت الصفة المذكورة ثانيًا هي الأولى في المعنى لم تتعدد وإلا تعددت. (وليس على من أكد اليمين فكررها في شيء واحد غير كفارة واحدة): ظاهر كلام الشيخ ولو قصد بالثانية غير الأولى وهو كذلك على المشهور، وقيل إنها تتعدد إذا قصد ذلك ولا خلاف أنه إذا قصد الكفارة أنها تلزمه، ولو نوى باليمين الثانية تأكيد الأولى أو لم ينو شيئًا لم تتعدد اتفاقًا، ولم يرتض ابن عبد السلام هذا الاتفاق لاختلافهم فيمن قال: والله والله أو والله والله قائلاً: الأقرب عندي تعدد الكفارة فيما إذا قصد التكرار إذ لا فرق بين أن يقصد إلى تعددى الكفارة أو على ما هو مستلزم لتعددها والمذهب أن تكرار الطلاق يحمل على التأسيس ما لم ينو به التأكيد فيقبل، وفرق بين البابين بأن المحلوف به هنا شيء واحد فيستحيل التعدد عليه فوجب

اتحاد الكفارة إلا أن يقصد تعددها كما سبق في باب الالتزام يمكن تعدده فوجب الرجوع فيه إلى الأصل. وتبرأ ابن عبد السلام من هذا الفرق بقوله: قالوا: وفي العتبية عن مالك فيمن حلف بالله لأفعلن كذا فقيل له: إنك ستحنث فقال: لا والله لا أحنث، أن عليه كفارتين إن حنث وقال ابن القاسم في المبسوط ليس إلا كفارة واحدة واختلف المذهب إذا قال: على أربعة أيمان لا أفعل كذا ففعله هل تتعدد الكفارة أم لا؟ (ومن قال: أشركت بالله أو هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا فلا يلزمه غير الاستغفار): ما ذكرنا هو مذهبنا وقال أبو حنيفة والثوري: من قال هو يهودي أو نصراني أو كافر بالله وأشركت بالله أو برئت من الله أو الإسلام فهو يمين وعليه الكفارة إن حنث. (ومن حرم على نفسه شيئًا مما أحل الله فلا شيء عليه إلا في زوجته فإنها تحرم عليه إلا بعد زوج): ما ذكر أنه يلزمه في زوجته الثلاث هو المشهور من المذهب وقيل: تلزمه واحدة رجعية وقيل بائنة وقيل ثلاثة في المدخول بها ولا ينوي وينوي في غير ذلك من الأقوال حسبما أذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، واختلف المذهب إذا قال أشد ما أخذه أحد على أحد فقيل: يلزمه كفاره يمين بالله تعالى فقط قاله ابن وهب وقيل: يلزمه جميع الأيمان قاله ابن القاسم في رواية عيسى عنه وفي كتاب ابن المواز أيضًا، ومثله لمالك في المبسوط، وزاد عليه عشرة نذور. وقال ابن عبد السلام: - بعد أن ذكر ما قلناه-: ولا نعلم أحدًا من المتقدمين والمتأخرين بعد البحث عن أقوالهم أوجب في أشد ما أخذه أحد على أحد كفارة ظهار ولا صوم سنة ذكر ذلك تمريضًا، الظاهر قول ابن الحاجب ففي كفارة اليمين أو جميع الأيمان قولان، وأجاب خليل بأن في المفيد عن بعضهم إلزام كفارة ظهار، واختلف إذا قال: الأيمان تلزمه فقيل لا يلزمه فيها إلا الاستغفار قاله الأبهري وابن عبد البر وعنه تلزمه كفارة يمين وكلاهما نقله ابن هشام. وقيل: إن عليه ثلاثة كفارات قاله الطرطوشي وابن العربي والسهيلي والمشهور من المذهب أنه يلزمه جميع الأيمان فإذا عرفت هذا فقول ابن بشير وابن الحاجب يلزمه جميع الأيمان اتفاقًا قصور، وعلى المشهور اختلف ما الذي يلزمه من الطلاق، على ثلاثة أقوال: فالأكثر على لزوم الثلاث وقيل طلقة واحدة بائنة، وهو المشهور أو طلقه رجعية اهـ. قاله الأشبيلي وأحد بن عبد الملك.

وقيل: بل طلقة رجعية قاله غير واحد، وأما إذا قال الأيمان تلزمه، وامرأته طالق فقال المغربي تلزمه طلقة واحدة وأخذه من ظاهر المدونة وإذا قال: أنت علي حرام كأمي أنه يلزمه الظهار لأنه جعل للحرام مخرجًا. ورده بعض شيوخنا بوجهين: أحدهما: أن العطف يقتضي المغايرة بخلاف عدم العطف بالنسق فيه وإرادة البيان ظاهر. الثاني: أن الطلاق هو أحد أفراد الأيمان تلزمه فكأنه قال: أنت طالق ثلاثًا أو واحدة. (ومن جعل ماله صدقة أو هديًا أجزأه ثلثه): ما ذكر الشيخ هو المشهور وعن سحنون يلزمه ما لا يجحف به، وروي عن ابن وهب أنه قال يفتي الناذر في ذلك بإخراج ثلث ماله إن كان مليا على قول مالك وإن كان قليل الدراهم أفتاه بإخراج ربع عشره على قول ربيعة، وإن كان عديما أفتاه بكفارة يمين وقاله ابن حبيب. وحكي ابن رشد عن ابن وهب أنه يلزمه إخراج جميع ماله، وقيل: يلزمه في الحلف به كفارة يمين نقله أبو عمران عن ابن وضاح عن أبي زيد عن ابن وهب وقيل: يلزمه كفارة يمين أو زكاة ماله قاله ابن وهب أيضًا، وأما الحلف بصدقة ما يفيده أبدًا أو ما يكسبه فهو لغو اتفاقًا. واختلف إذا كان محصورا بأجل أو ببلد فقيل كذلك وقيل: يلزمه والقولان حكاهما ابن رشد واختلف إذا التزام صدقة معين وهو كل ماله فقيل: يلزمه وهو المشهور وقيل: ثلثه فقط وقيل ما لا يجحف به. (ومن حلف بنحر ولده فإن ذكر مقام إبراهيم أهدى هديا يذبح بمكة وتجزئه شاة، وإن لم يذكر المقام فلا شيء عليه): ما ذكر الشيخ من التفصيل بين أن يذكر مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام يريد أو ما في معناه كمكة ومنى فعليه هدي وبين أن لا يذكره فلا شيء عليه وهو المشهور من المذهب وهو أحد الأقوال الأربعة وقيل: لا شيء عليه مطلقًا وهذا والذي قبله لمالك وقيل: إن عليه كفارة يمين مطلقًا وتردد الشيوخ في نسبة هذا القول لمالك فقطع بذلك صاحب التقريب وخالفه غيره، وقيل: يلزمه أن يحج بابنه وينحر هديا قاله الليث بن سعد، قال ابن عبد السلام، ونقله بعضهم عن مالك وعلى الأول فاختلف المذهب إذا نذر نحر جماعة من ولده فقيل يتعدد اليمين قاله ابن القاسم.

وقيل: هدى واحد كاف ولا خصوصية للولد في هذا وإنما ذكره الشيخ لأنها القضية الواقعة في قصة إبراهيم عليه السلام، ولو نذر نحر أجنبي فالمشهور لا شيء عليه مطلقًا وقيل عليه هدي، وجعل الباجي المسألة قريبة من الأولى فنقل في المدونة إن لم يذكر مقامًا ولا هديًا روايتين: لا شيء عليه وكفارة يمين، وما ذكر الشيخ من أن الشاة تجزئه هو كذلك في المدونة عن على وعطاء رضي الله عنهما، وهو مقتضى قول المدونة، ومن نذر ذبح نفسه فليذبح كبشا ونقل أبو محمد عن رواية حبيب الهدي بدنة فإن لم يجدها فبقرة فإن لم يجدها فشاة فإن لم يجدها صام عشرة أيام، وقال مالك: أحب إلى في ابنه هدي بدنتين. (ومن حلف بالمشي إلى مكة فحنث فعليه المشي من موضع حلفه فليمش إن شاء في حج أو عمرة فإن عجز عن المشي ركب ثم يرجع ثانية إن قدر فيمشي أماكن وركوبه فإن علم أنه لا يقدر قعد وأهدي، وقال عطاء: لا يرجع ثانية وإن قدر ويجزئه الهدي وإنما يستحب له التقصير في هذا استبقاء للشعث في الحج):

ظاهر كلامه أنه يلزمه المشي وإن لم تكن له نية وهو قول أشهب خلافًا لما في المدونة، ولو نوي المشي إلى مكة فإنه يلزمه وتقدم ما أفتي به ابن القاسم لابنه عبد الصمد وظاهر نقل ابن عمر سواء كان على وجه اللجاج والغضب أم لا، وألزم أهل المذهب ههنا المشي إلى مكة لأنها قربة كالمشي إلى المساجد والجنائز والعيدين وعورض ذلك بقول مالك أن الركوب في الحج أفضل من المشي وأجابوا بأن التزام المرجوح لا يسقط بوجود ما هو أرجح عليه كما لو نذر الحاج صوم يوم عرفة. قال ابن عبد السلام: وفي النفس من هذا الفرق شيء ما ذكر الشيخ من أنه يلزمه من حيث حلف فهو كذلك باتفاق إذ نواه وكذلك إن كان غير معلق، واختلف في المعلق على ثلاثة أقوال: فقيل يلزمه من حيث حلف قاله في المدونة وغيرها، وقيل مثله إن كان على حنث وإن كان على بر فمن حيث حنث قاله الشيخ أبو إسحاق التونسي، وقيل: من حيث حنث في البر والحنث ذكره بعض الشيوخ نصًا، وبعضهم تخريجًا، وما ذكر الشيخ أنه مخير في الحج والعمرة معناه إذا لم تكن له نية في أحدهما وهو المشهور. وقال اللخمي: إن هذا التخيير إنما يحسن في حق من هو ساكن بالمدينة أو ما قرب من مكة وهو الذين جرت عادتهم أن يأتوا مكة لكل واحد من النسكين وأما من بعد من مكة كأهل المغرب فأكثرهم لا يعرف العمرة فضلا عن أن ينويها حين النذر ومن يعرفها منهم لا يقصد إليها بسفر وإنما يسافر بسبب الحج. (ومن نذر مشيا إلى المدينة أو إلى بيت المقدس أتاهما راكبًا إن نوى الصلاة في مسجديهما وإلا فلا شيء عليه، وأما غير هذه الثلاثة مساجد فلا يأتيها ماشيا ولا راكبًا

لصلاة نذرها وليصل بموضعه ومن نذر رباطًا بموضع من الثغور فذلك عليه أن يأتيه): اعلم رحمك الله أن مسجد المدينة أفضل ثم مكة ثم بيت المقدس على المشهور من المذهب وقيل: إن مسجد مكة أفضل من المدينة، حكاه عياض عن ابن حبيب وابن وهب ووقف الباجي في ذلك، وأكثر العلماء خارج المذهب قالوا بالقول الثاني وهو الذي اختاره ابن عبد السلام فإذا عرفت هذا فاعلم أنه اختلف المذهب إذا كان الناذر ساكنا بأحد المساجد الثلاث ونوى الصلاة بأحد المسجدين الباقين على ثلاثة أقوال، فقيل: يلزمه مطلقًا، وعكسه، وقيل: يلزمه إلا أن يكون الثاني مفضولاً وهو المشهور وهذا الأقوال الثلاثة حكاها ابن الحاجب وقال ابن هارون: القول بأنه لا يلزمه مطلقًا لم أره لغيره فتأمله وأما قول الأول فقال أبو الطاهر: وهو ظاهر المذهب. وأما الثالث فحكاه اللخمي وكذلك مرض ابن عبد السلام نقله له فقال: لا أعلم الآن من ذهب إليه ولا أذكره إلا من إشارة المؤلف، ونص ابن الحاجب فلو كان في أحدهما والتزم الآخر لزمه على الأصح والمشهور إلا أن يكون الثاني مفضولا ففهم عنه من ذكر أن مقابل الأصح مقابله لاستغنائه بذكر المقابل عن مقابله وقال بعض شيوخنا: بل مقابله إنما هو ما صح به لعدوله عن قوله وثالثها وظاهر كلام الشيخ أيضًا أن مسجد قباء لا يلحق بالمساجد الثلاثة وهو كذلك. وحكى عياض عن ابن أبي مسلمة أنه يلحق بها وظاهر كلام الشيخ أيضًا أن غير المساجد الثلاثة لا يلزم الذهاب إليها، وإن كان الموضع قريبًا وهو كذلك في أحد القولين، وعلى الثاني فاختلف هل يلزم مع ذلك المشي أم لا؟ في ذلك قولان وبالله التوفيق.

باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

بسم الله الرحمن الرحيم باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع قال ابن بشير: النكاح عقد على البضع بعوض واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير مانع لدخول بعض صور الزنا وإن أراد صحيحه فيعترض أيضا بدخول نكاح المعتمد وما عقد بغير ولي وكثير من صور فاسدة، وقال ابن عبد السلام: ترك ابن الحاجب تعريفه اكتفاء بذكر أركانه: الصيغة والولي والزوج والزوجة والصداق إذ لا معنى للحد إلا ذكر مجموع الأجزاء. واعترضه شيخنا بأن ما ذكره أركانه الحسية لامتناع حملها عليه لا المعنوية وحده الجامع المانع عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير والكافي بعد أن يسلم له عدم اعتبار الهيئة الاجتماعية في التعقل الثانية لا الأولى، وقال: عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر وهو مندوب إليه من حيث الجملة. قال اللخمي: وهذا لمن لا أرب له إن رجى نسله وإلا فمباح كالعقيم والشيخ الفاني والخصي والمجبوب وذو أرب كالأول إن قدر على العفة وإلا وجب وإن لم يعفه صوم أو تسر وإلا فهو أولى منها والمرأة مثله، إلا في التسري لا متناعه عليها وصيغته كل لفظ يدل على التأبيد مدة الحياة كأنكحت وزوجت وبعت. واختلف هل ينعقد بلفظ الهبة أم لا؟ فقيل: ينعقد قاله القاضيان ابن القصار، وعبد الوهاب وقيل: عكسه وقيل: وإن ذكر الصداق فالأول وإلا فالثاني قاله ابن القاسم، وهذا والذي قبله كلاهما لمالك ونص على ذلك ابن عبد البر قال ابن القصار ولفظ الصدقة كالهبة، وقيل: إنها لغو قاله ابن رشد والإحلال والإباحة لا ينعقد بهما عند ابن القصار خلافا لبعض أصحابه قيل وزعم ابن عبد البر والإجماع على الأول. (ولا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدين عدلين): مذهبنا أن الولي شرط في العقد وقال أبو حنيفة للمرأة أن تعقد النكاح على نفسها قياسا على بيعها وشرائها ووافق على أن وجود الولي أكمل واحتج أهل المذهب بما خرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة وصححه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " لا تزوج

المرأة المرأة ولا المرأة نفسها" فإن الزانية هي التي تزوج نفسها، وما ذكره أصحابنا لا يرد به على أبي حنيفة لما تقدم من مذهبه أنه يقدم القياس على خبر الآحاد ونقل بعض أئمة الشافعية عن مالك مثل قول أبي حنيفة في الدنية. قال ابن عبد السلام: وهو غلط لا شك فيه وأما الصداق فهو أحد أركان النكاح كما سبق لابن الحاجب ورده بعض شيوخنا بدليل صحة نكاح التفويض قال: والأظهر أنه غير ركن في صحيح النكاح وإسقاطه غير مناف له، وأما الشهادة فهي شرط في جواز الدخول لا في صحة العقد. وقال الشافعي وأبو حنيفة: هي شرط في العقد قال عياض وهو ظاهر رواية أشهب: فإذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذكره الشيخ من قوله ولا نكاح إلى آخره هو لفظ الحديث الوارد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فإذا حملنا لفظ نكاح من قوله: " ولا نكاح إلا بولي" على العقد لزم التخصيص لخروج نكاح التفويض ولو حملناه على الوطء لم يلزم ذلك ونبه على هذا ابن عبد السلام وهو بين. (فإن لم يشهدا في العقد فلا يبن بها حتى يشهدا): فإن وقع الدخول ولم يقع الإشهاد فإنه يفسخ بطلقة لأن العقد وقع صحيحا بدليل لو وقع الإشهاد قبل الدخول لصح النكاح خلاف ظاهر رواية أشهب كما سبق وتكون هذه الطلقة بائنة؛ لأنها من طلاق القاضي والأصل فيما يوقعه القاضي من الطلاق أن يكون بائنا ثم إن وقع وجهالة فلا حد اتفاقا وعكسه عكسه. واختلف إذا وجد أحد الوصفين والشاهد الواحد فشو قاله ابن الماجشون وغيره. وقال ابن الحاجب: والإشهاد شرط في جواز الدخول لا في صحة العقد فإن دخل قبله فسخ بطلقة بائنة، وقيل: ويحدان إن ثبت الوطء ما لم يكن فاشيا وعن ابن القاسم ما لم يجهلا فظاهر كلامه أن المذهب سقوط الحد في جميع الصور وأن من أهل المذهب من اعتبر الفشو في سقوط الحد وأن ابن القاسم اعتبر الجهالة. قال ابن عبد السلام: وهذا شيء لا يقوله أحد من أهل المذهب؛ لأن الحد ساقط مع انتفاء الفشو والجهالة.

(وأقل الصداق ربع دينار): اعلم أن أقل الصداق ربع دينار أو ثلاثة دراهم ما قيمته أحدهما في مشهور المذهب وقيل: تعتبر القيمة للدراهم فقط نقله المتيطي عن ابن شعبان ونقله اللخمي بلفظ (قيل) قائلاً: هو كقول ابن القاسم في نصاب السرقة. وقال ابن وهب في الواضحة: يجوز بأدنى من درهمين وما تراضى عليه الأهلون هكذا نقله المتيطي، ونقل اللخمي عنه: يجوز بالدرهم والنعل والسوط واعتمد إنما قطعت في ربع دينار نكالاً لخيانتها والنكاح مباح جائز فلا يقاس أحدهما على الآخر ونحو هذا الاعتراض لابن الفخار على ابن العطار فتأمله قال المتيطي وغيره: ويشترط الخلوص في الذهب والفضة، وأشار ابن عبد السلام إلى أنه يمكن تخريج الخلاف في اشتراط الخلوص من الزكاة وقبله خليل، وأما أكثره فلا حد فيه. قال ابن عبد البرد بلا خلاف لقوله تعالى: (وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئاً) [النساء:20] قال ابن الجلاب: ولا أحب الإغراق في كثرته ونقله عياض في الإكمال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مستدلاً بفعله (صلى الله عليه وسلم) فإن قلت: قول عمر يناقض فعله؛ لأنه أصدق أم كلثوم بنت علي أربعين ألفا ولا سيما إن أصدقتهم كانت على النقد. قلت: لا مناقضة بينهما لأن الإغراق معتبر بالأشخاص فمن كان وافر المال جدا حتى لا تكون الأربعون ألفا في حقه كالعدم فليس بإغراق والله أعلم فمن نكح بأقل الصداق فإن كان قبل الدخول فالزواج بالخيار بين أن يتمه أو يفسخ النكاح، وقيل: لا بد من تحتم الفسخ قاله بعض الرواة وكلا القولين في المدونة، وفسر المتيطي بعض الرواة بابن الماجشون، وعلى الأول لو اختار الفسخ ففي لزوم نصف المسمى قولان، وأما إذا طلق ففي المدونة لها نصف الدرهمين، وحكي ابن بشير قولا بانه لا شيء لها ولم يحكه اللخمي إلا بالتخريج على قول الغير وتعقبه بعض شيوخنا بقول ابن كنانة: إذا طلق وهو مختار فيلزم بخلاف إذا فسخه الحاكم وأما إذا وقع الدخول فإنه يتمه جبراً وفي رواية الدباغ عن الغير أنه يفسخ ويكون لها صداق مثلها كمن تزوج بغير صداق. (وللأب إنكاح ابنته البكر بغير إذنها وإن بلغت وإن شاء شاروها): أما إن لم تبلغ البكر فالاتفاق على أنه يجبرها على النكاح وإذا بلغت فكذلك

على المشهور ومال الشيخ أبو الحسن اللخمي إلى عدم جبرها لحديث مسلم " البكر يستأذنها أبوها" ونحوه لابن الهندي، وأفتى به الشيخ أبو القاسم السيوري فيما ذكر بعض من جمع فتاوى جماعة من الإفريقيين. قال في المدونة: ولا يجبر أحد أحدا على النكاح إلا الأب في ابنته البكر وظاهرها ولو كانت البكر مرشدة، وهو كذلك في اختيار ابن عبد البر قال المتيطي وغيره: المشهور ولا يجبرها، وعليه فإذنها لابد أن يكون نطقا قاله ابن الهندي وابن القطان والباجي وهو المشهور، وقيل: صماتها كاف قاله ابن لبانة، وقيل مثله إن كان صداقها عينا وإن كان عرضا طولبت بالكلام قاله غير واحد، وظاهرها ولو كانت معنسة وهو أحد قولي مالك من رواية محمد بن المواز وروى ابن وهب عنه لا يجبرها. ونقله أبو إبراهيم عن مالك قائلاً: ومثله رواية عبد الرحيم في كتاب الكفالة، واختلف في حد التعنيس فقيل: الأربعون سنة وقال ابن وهب ثلاثون سنة وقيل: خمس وثلاثون سنة وقيل: خمس وأربعون وقيل: من الخمسين إلى الستين وقيل: ثلاثة وثلاثون وقيل: خمسون فيتحصل فيها سبعة أقوال، وكل هذا في ذات الأب، وأما إن كانت مهملة فقيل لا يبلغ بها الثلاثين ولابن الماجشون يبلغ بها ذلك. وقال أصبغ: أربعون وقيل: من الخمسين إلى الستين، ولما ذكر ابن عبد السلام هذه الأقوال قال: وأنت تعلم أن وجود دليل شرعي على مثل هذا التحديث متعذر وحيث يجبر الأب ابنته فهل يستحب له أن يستأذنها أم لا؟ اختلف في ذلك على قولين حكاهما اللخمي وتعقبه ابن بشير بأن ظاهر المذهب استحبابه اتفاقا، ورده بعض شيوخنا بنقل الباجي روى عيسى عن ابن القاسم إنكاره ومثله لخليل قائلاً: في كلام اللخمي نظر من وجه آخر وذلك أنه نسب القول بعدم الاستحباب للمدونة وهو لا يؤخذ منها لأن الذي فيها ليس المشهور لازمة وذلك لا ينافي الاستحباب، والاستحباب أولى وهو الذي اقتصر عليه ابن الجلاب للخروج من الخلاف ولتطييب قلبها ولأنها قد يكون بها عيب فتظهره حينئذ. (وأما غير الأب في البكر وصي أو غيره فلا يزوجها حتى تبلغ وتأذن وإذنها صماتها):

يريد إلا أن ينص الأب للوصي على الإجبار فيتنزل منزلته وقيل: والولي والوصي سيان وقيل: لا ولاية لوصي وهو كالأجنبي حكاه ابن بشير ولو لم يسم قائله وعزاه ابن عات لحكاية ابن مغيث عن منذر بن سعيد محتجا بقوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام (فهب لى من لدنك وليا (5) يرثنى) [مريم: 5 - 6] ، والوصي ليس بوارث فدل على أنه غير ولي وفيه أقوال لولا الإطالة لذكرناها، وكذلك اختلف في مقدم القاضي فقيل: إن ولي النسب مقدم عليه؛ لأنه مقدم على القاضي والمقدم مقدم قاله ابن حبيب، وقيل: إن المقدم غير واحد قال: لأن القاضي أنزله منزلة الأب. وأما غير الوصي كالأخ فهل له أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ أم لا؟ اختلف في ذلك على خمسة أقوال، فقيل: لا يزوجها كما قال المؤلف وهو المعروف في المذهب، وقيل: إنه يجبرها على النكاح وعزاه المازرى لقولة شاذة. وقيل بالأول إن لم تطق المسيس وبالثاني أن أطاقته حكاه ابن حارث عن رواية وخيف عليها الحاجة. قال ابن بشير: اتفق المتأخرون عليه إن خيف فسادها. قال ابن عبد السلام: وعليه العمل ببلدنا اليوم مع زيادة بلوغ سنها عشر سنين مع مشورة القاضي، وقيل: تزوج ولها الخيار إذا بلغت نقله ابن الحاجب وتعقبه ابن عبد السلام ابن نافع قائلا: اتفقوا على منعه قبل إطاقتها المسيس وقيل: يجبرها إن كانت مميزة بأن غيره إنما حكاه بعد الوقوع. وإذا فرعنا على القول بالمنع فإنها تخير وقوي نقل غيره بأن نقل أهل المذهب يقتضيه لأن الخيار عندهم مناف لعقده النكاح وأجابه خليل رحمه الله بتصريح ابن شاس بأن ذلك ابتداء وبقربه من إحدى روايتي ابن الجلاب أن

النكاح جائز، ولها الخيار إذا بلغت في فسخه وإمضائه وما ذكر الشيخ أن إذنها صماتها صحيح قال في المدونة: إن قال وليها إني زوجتك من فلان فسكتت فذلك منها رضا قال غيره: إذا كانت تعلم أن السكوت رضا، فقيل وفاق قاله حمديس، وقيل خلاف قاله سحنون وابن حارث واختلف رأي أبي عمران فقال مرة بالأول ومرة بالثاني ومرة بالوقوف حكى هذه الأقوال الثلاثة عنه المتيطي. قال شريح في المدونة: فإن معصت وجهها لم تنكح وفسر ذلك بلطم وجهها قاله أبو إبراهيم والأقرب تفسير غيره أي غطت وجهها، وأقيم منها أن بكاءها يدل على عدم رضاها وهذه الإقامة لأبي إبراهيم ومثله في ابن الجلاب، وقيل: إنه رضا كالضحك لنقل ابن مغيث نزلت، واختلف فيها وحكم بإمضاء النكاح، وقلت: ووجهه أن بكاءها لكونها تذكرت إياها على ما جرت به العادة. (ولا يزوج الثيب أب ولا غيره إلا برضاها وتأذن بالقول): ظاهر كلام الشيخ سواء كانت سفيهة أو رشيدة وهو كذلك في الرشيدة باتفاق وفي السفيهة على المشهور، وقيل الأب يجبرها حكاها المتيطي عن بعض القرويين لنقل ابن المواز عن أشهب: لا إذن لسفيهة في نفسها ولا مالها كالبكر وظاهر كلام الشيخ ولو كانت الثيوبة من زنا لا تجبر وهو كذلك عند ابن عبد الحكم ذكره ابن حارث وغيره وهو مذهب ابن الجلاب. وقيل: إنها تجبر على النكاح قاله في المدونة وقيل: إن تكرار الزنا منها حتى زال جلباب الحياء عن وجهها لم تجبر وإلا تجبر وإلا جبرت قاله القاضي عبد الوهاب لمناظرة وقعت بينه وبين مخالفه في عله الإجبار هل هي البكارة أو الحياء واختار اللخمي الأول أنها لا تجبر ويكون إذنها كبكر فيجمع عليها حكم الثيب وحكم البكر. وعزاه ابن رشد للشيخ أبي محمد وعزاه أبو إبراهيم لمحمد بن وضاح فيتحصل في المسألة أربعة أقوال وجعل بعض الشيوخ قول القاضي عبد الوهاب تفسيرا للمديونه وهو الأقرب؛ لأنه إنما قصد المناظرة عن المذهب. قال ابن رشد: والوطء بالغصب كوطء الزنا ولم يرتضه بعض شيوخنا قائلا: المغتصبة أقرب إلى الجبر. قلت: وهذا التضعيف إنما يتمشى أن لو قصد التخريج ولكنه ذكر الخلاف فيها بالنص.

فقال في مقدماته: اختلف فيها إذا زنت أو غصبت فقيل: حكمها حكم البكر عموما وقيل: حكم الثيب، وقيل: مثلها في أنها لا تزوج إلا برضاها وحكم البكر في أن إذنها صماتها. وظاهر كلام الشيخ إن ثيبت قبل البلوغ أنها لا تجبر وهو أحد الأقوال الثلاثة وقيل: إنها تجبر وقيل: إن أراد أن يزوجها قبل البلوغ فله الجبر وإلا فلا. (ولا تنكح امرأة بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها كالرجل من عشيرتها أو السلطان): قال في التهذيب: وقول عمر لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان فذو الرأي من أهلها كالرجل من العشيرة أو العم والمولى. وقال عنه ابن نافع: هو الرجل من العصبة ونقل أبو إبراهيم عن عبد الملك هو الرجل من البطن وقال اللخمي: اختلف في معنى ذي الرأي فقيل: هو الرجل الصالح والفاضل، وقيل: هو الوجيه الذي له رأي ومن يرجع إليه في الأمور فيتحصل فيه ابن نافع قائلا: اتفقوا على منعه قبل إطاقتها المسيس وقيل: يجبرها إن كانت مميزة والفاضل، وقيل: هو الوجيه الذي له رأي ومن يرجع إليه في الأمور فيتحصل فيه قولان وفي كيفية كونه من أهلها ثلاثة أقوال وقول عمر الى الترتيب عند اللخمي وعلى التخيير عند الباجي ولا يكون الحاكم وليا في النكاح حتى يثبت عنده أربعة عشرة فصلا، وهي كونها صحيحة بالغة غير مولي عليها ولا محرمة على الزوج وأنها حرة وأنها بكر أو ثيب وإن لا ولي لها أو عضله لها أو غيبته عنها وخلوها من الزوج والعدة ورضاها بالزوج والصداق وأنه كفؤ لها في الحال والمال وأن المهر مهر مثلها في غير المالكة أمر نفسها، وإن كانت غير بالغ فيثبت فقرها وأنها بنت عشرة أعوام فأكثر أنظر وثائق الغرناطي. (وقد اختلف في الدنية تولي أجنبيا): اختلف في ولاية الإسلام مع ولاية النسب على ثلاثة أقوال حكاها غير واحد فقيل: لها مدخل ويصح ذلك إن وقع مع وجود ولي النسب حكاه القاضي عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وقيل: إن الدنية وغيرها سواء لا يزوجها إلا ولي أو سلطان، رواه أشهب وقيل بالأول في الدنية وبالثاني في غيرها قاله مالك في المدونة ونصها: قيل لمالك في رجال من الموالي يأخذون صبيان الأعراب تصيبهم السنة فيكفلونهم ويربونهم حتى يكبروا فتكون فيهم الجارية فيريد أن يزوجها فقال: ذلك جائز، ومن أنظر لها منه وأما كل امرأة لها بال وغنى وقدر فتلك لا يزوجها إلا وليها أو السلطان.

قال ابن رشد: يريد بغير رضاها؛ لأنه جعله بحضانتها كوكيل على إنكاحها لا يفتقر إلى رضاها، وقال ابن حبيب في روايته عن مالك: إذا مات أبوها أو غاب أولياؤها فإنه يزوجها وإلا فلا وقول أبي إبراهيم، وعلى هذا حمل الشيوخ المسألة على أنها غير ذات أب خلاف ما تقدم لابن رشد، وظاهر المدونة، والحاصر لا يزوج إلا الدنية فقط قال المتيطي: وظاهر قول ابن العطار أنه ولي مطلقا وأقيم منها أن الحاضن يبيع ربع المحضون، وهذه الإقامة لأبي عبد الرحمن وغيره ونحوه لابن لماجشون في الواضحة وهو أحد الأقوال الأربعة، وقيل: إنه لا يبيع أخذه من كتاب القسم من المدونة فيمن كنف أخا له صغيرا قال: لا يجوز بيعه عليه ولا قسمه وهو قول أصبغ في الثمانية وقيل بالأول في اليسير، وبالثاني في الكثير قاله في العتبية، وقاله أصبغ أيضا، وبه مضي عمل الموثقين وقيل بالأول إن كانت البلدة لا سلطان فيها، وبالثاني إن كان فيها قاله ابن الهندي، وكلاهما ذكره المتيطي قائلا: وعلى الثالث، واختلف في مقدار اليسير على ثلاثة أقول فقال بعض الاندلسيين عشرة دنانير ونحوها. وقال ابن العطار عشرون ونحوها وقال محمد ثلاثون. قلت: ويقوم منها أن له أن يرشدها، وأباه شيخنا أبو مهدي عيسي الغبريني أيده الله تعالى قائلا: هو اشد وما قلناه أولى؛ لأن التسلط على ذاتها أشد فهو أحروي والله أعلم. فإن قلت: ما بال البراذعي اختصرها سؤالا وجوابا كما هو في الأم؟ قلت: لأنها فيها الخلوة بالأجنبية، وفي إجازة المدونة: أكره للأعرابي أن يؤاجر غير ذي محرم منه حرة أو أمة وظاهر المدونة أنه لا حد لمقدار زمان الحضانة وإنمايرجع في ذلك إلى العرف وإلى هذا ذهب بعض الشيوخ وقال بعض الموثقين: إنها محدودة بعشر سنين. وقال أبو محمد صالح: أقلها أربعة أعوام وظاهرها أيضا أن الولاية للحاضن ولو طلقت أو ماتت وهو كذلك عند ابن عتاب، وقيل: لا تعود قاله ابن العطار في وثائقه، وقيل: إن كان خيرا فاضلا عادت وإلا فلا قاله ابن الطلاع في وثائقه وقيل: إن عادت إلى كفالته عادت نقله ابن فتحون. (والابن أولى من الأب والأب أولى من الأخ ومن قرب من العصبة أحق): ما ذكر الشيخ من أن الابن مقدم على الأب هو المشهور، وقيل: إن الأب أولى منه حكاه من رواية المدنيين قائلاً: ذلك في بعض الكتب قال ابن عبد السلام:

واختار بعض أشياخ أن لا ولاية للابن في هذا الباب إلا أن يكون من عشيرة أمه وهو القياس ويريد الشيخ أن ابن الابن كالابن نص على ذلك في المدونة ومعنى قوله " ومن قرب من العصبة أحق" يعني به أن الأخ وابنه مقدمان على الجد وهو كذلك لأن الأخ يتقرب ببنوة الأب والجد يتقرب بأبوته. وقال المغيرة: الجد أولى منهما واختلف هل الأخ الشقيق مقدم على الأخ للأب أو هما سواء؟ قولان والأول منهما رواه ابن القاسم في كتاب حبيب واختاره، والثاني رواه على عن مالك في المدونة وأجراهما اللخمي في ابنيهما والعمين وابنيهما. وقال ابن الحاجب: وفي تقديم الشقيق من الأخ والعم وابنه على الآخر روايتان لابن القاسم والمدونة فظاهره أن الخلاف في الجميع بالنص وليس كذلك بل كما قدمناه ونبه عليه ابن عبد السلام. (وإن زوجها البعيد مضى ذلك): ظاهر كلام الشيخ أنه لا يجوز ابتداء وهو كذلك قال في المدونة: وإن زوجها الأبعد برضاها وهي ثيب وولدها حاضر فأنكر ولدها وسائر الأولياء ولم يرد النكاح، وروى البغداديون جوازه ابتداء وتأول على المدونة نقله عياض وفي المدونة روي على إن كانا أخوين جاز ولا ينبغي إن كانا أخا وعما وابنه، وفيها روى أكثر الرواة ينظر السلطان بعضهم للأقرب رده ما لم يطل وتلد الأولاد، وقال ابن حبيب في الواضحة: ما لم يبن بها. وقال المغيرة يفسخ على كل حال؛ فيتحصل في المسألة سبعة أقوال وكل هذا في ذات المنصب والقدر وأما الدنية فيمضي فيها باتفاق قاله اللخمي. قلت: وأشار إليه في المدونة بقوله: وهو في ذات المنصب والقدر ويريد بالمنصب عمل يدها وبالقدر مالها وجمالها قاله البلوطي، وهذا في غير المجبرة، وأما المجبرة كالأب في ابنته البكر وكالسيد في أمته فالمشهور تحتم الفسخ وروى عبد الوهاب عن مالك أنه يمضي بإجازة السيد، وخرجه اللخمي في الأب ولم يحفظ ابن عبد السلام التخريج المذكور قائلاً: الفرق على هذا القول بين الحرة والأمة أن الغالب في حال الأمة صلاحية كل أحد لها وأنه كفؤ لها فلم يبق إلا إلحاق عيب النكاح، وذلك بيد السيد ومن حقه فإذا رضيه لزمه ومضى النكاح فكلامه رحمه الله هذا يرد به تخريج اللخمي.

(وللوصي أن يزوج الطفل في ولايته): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة ونقل ابن زرقون عن سحنون أنه لا يزوجه وقيل بالأول إن كانت ذات شرف أو مال أو بنت عم قاله المغيرة وروى ابن المواز لا يعجبني أن يزوجه فيتحصل في المسألة أربعة أقوال، وخرج اللخمي الخلاف في الأب وبعده بعض شيوخنا يريد لأن الأب محمول على النظر بخلاف الوصي فإنه محمول على غير النظر على أحد القولين ويجاب بأن المانع علل بكونه إذا بلغ طلق لكونه مكرها فلا فرق على هذا بين الأب وغيره. قال ابن رشد: ولم أر في الحاكم خلافا، وينبغي أن يجوز له ذلك بلا خلاف لأن الحاكم لا يفعل ذلك إلا بعد أن يثبت عنده أن في ذلك مصلحة قلت: ويرد بما قلناه والله أعلم. واختلف في جبر السفيه فقال ابن القاسم: يجبره وقال عبد الملك: لا يجبره وأخذه عبد الحق من كتاب إرخاء الستور من المدونة وذلك أنه قال في العبد يزوجه سيده بغير إذنه والسفيه لا يزوجه إلا بإذنه، وقال عياض: في إرخاء الستور لعبد الملك لابن القاسم وأخذ الأول من النكاح من قولها والولي في يتيمه. قال ابن عبد السلام: والصحيح عدم جبره وللزومه الطلاق إذا طلق فإذا جبره على ما لا يجب فيلزمه الصداق أو نصفه من غير منفعة تعود عليه وهذا سوء نظر في حقه والله أعلم. (ولا يزوج الصغيرة إلا أن يأمره الأب بإنكاحها وليس ذوو الأرحام من الأولياء والأولياء من العصبة): إنما كان له تزويج الذكر دون الأنثى قالوا لأن الذكر قادر على أن يحل عن نفسه بعد البلوغ بالطلاق بخلاف الأنثى. قلت: وهو ضعف لأن حاله التزويج ليس له فيها منفعة في الحال وما هذا شأنه لا ينبغي لناظر فعله ولا سيما إن كان الابن فقيرا فليس بمصلحة تعمير ذمته بالصداق بخلاف تعمير ذمته بالديوان في المعاملات المالية؛ لأن المنفعة بأعواض الديون حاصلة في الحال. (ولا يخطب أحد على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه وذلك إذا ركنا وتقاربا):

ظاهر كلام الشيخ أن الركون كاف وإن لم يقدر وهو كذلك عند ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وغيرهم، وقيل: لا يكفي الركون حتى يسمى الصداق لاحتمال عدم الموافقة عند تقديره قاله ابن نافع وهو ظاهر قول مالك في الموطأ على واحد كالبالجي، وحكاه أبو عمر بن عبد البر على معنى آخر فقال ابن القاسم معني النهي في ذلك في رجلين صالحين، وأما عن ركنت لرجل سوء فينبغي للولي أن يحضها كل واحد فذلك في المتقاربين فأما فاسق وصالح فلا قاله ابن القاسم حسبما نقله عنه على رجل صالح الذي يعلمها الخير ويعينها عليه، وهذا إنما فيه الحض على مخالطة أهل الخير ومجانبة أهل الشر فإن وقع العقد بعد الركون للأول فقيل يفسخ مطلقا وعكسه. وقيل: يفسخ قبل الدخول لا بعده وهو المشهور، وكلها لمالك ومفهوم كلام الشيخ إذا لم يقع تراكن أنه جائز وهو كذلك باتفاق، وإذا أمر رجل رجلاً أن يخطب له فأراد أن يخطب لنفسه فله ذلك ويعلمها بالباعث له أولا وفعله عمر حسبما نقله ابن عبد البر عن ابن وهب ولولا الإطالة لذكرنا ذلك وفي سماع ابن أبي أويس أكره لك، وما سمعت فيه رخصة وتأوله بعض شيوخنا على ما إذا خص نفسه، وأما السوم على سوم الأخ فذكره الشيخ أيضا في البيوع فلنؤخر الكلام على ما يتعلق به إلى ذلك المكان. (ولا يجوز نكاح الشغار وهو البضع بالبضع): اعلم أن في كلام الشيخ تقديم التصديق قبل التصور وقد علمت ما فيه، ولا خلاف أن نكاح الشغار لا يجوز ابتداء واختلف إذا وقع صريحه على ثلاثة أقوال: فقيل: يفسخ أبدا وهو المشهور وقيل: يمضي بالدخول رواه على بن زياد، وقيل: إنه يمضي العقد حكاه ابن بشير في آخر الفصل عن مالك بعد أن قال في أوله: لا خلاف فقد تناقض كلامه رحمه الله ونبه عليه بعض شيوخنا وهذا القول الأخير أخذه الشيخ أبو القاسم السيوري وابن شبلون من المدونة من قولها فيه الإرث والطلاق ورده ابن سعدون بأن قوله بالإرث في إنما هو تفوت موضع الفسخ بالموت وألزمه بعض شيوخنا القول به منصوص أنه يفسخ قبل البناء ونقل وبعض المتأخرين فيه خلافا منصوصا، وهو باطل في كل نكاح فاسد وخرجه بعض شيوخنا من أحد قوليه فيما اختلف فيه أنه يمضي ولا يرد وأن نزوله كحكم حاكم به وعلى المشهور أنه يفسخ أبدا وإن

وقع الدخول فقال في المدونة لها صداق المثل، وأما في وجه الشغار فقال أيضا في المدونة يفرض لها صداق مثلها ولا يلتفت إلى ما سميا. قال سحنون: إلا أن يكون ما سميا أكثر فلا ينقص من التسمية فحمل بعض الشيخ قول سحنون على التفسير واحتج بتنظير ابن القاسم بالتي بعدها وبأن ابن لبابة ذكر من قول ابن القاسم ولم يذكر فيه اسم سحنون يكون معنى قوله ولا يلتفت إلى ما سميا إن كان أقل من المثل فيكون لها الأكثر وحمله بعض الشيوخ على الخلاف، واحتج بأن هذه الزيادة لم تقع في الأسدية وبأن في مختصر ابن أبي زيد لها صداق المثل كان أقل من التسمية أو أكثر وأما وجه الشغار فإنه يفسخ قبل الدخول ويمضي بعده وأخرى فيه بعض الشيوخ قولا بالفسخ بعد البناء من الصداق الفاسد وقبله خليل. وقال ابن أبي حازم: لا يفسخ قبل البناء وظاهر ما حكاه المتيطي عنه جواز الإقدام عليه لأنه قال: وقال ابن أبي حازم في المدونة: لا بأس وأما المركب منهما فيجري كل من الصريح والوجه على أصله السابق. (ولا نكاح بغير صداق): لا خلاف أنه لا يجوز ابتداء فإن وقع فقيل يفسخ أبدا، وقيل قبل الدخول فقط والقولان في المدونة نصها قال ابن القاسم ومن نكح بغير صداق فإن كان على إسقاطه فسخ قبل البناء وثبت بعده ولها صداق المثل، وهذا الذي استحسن وقد بلغني ذلك عن مالك، وقيل: يفسخ ذلك وإن دخلا. قال ابن القاسم: وإن لم يذكر الصداق ولا شرطا فذلك تفويض جائز وبالقول الثاني قول أشهب وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ إلا أن أشهب قال: لها ثلاثة دراهم فقط إذا وقع الدخول وقال ابن وهب وأصبغ: لها صداق المثل. (ولا نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل): لا خلاف في المذهب أن نكاح المتعة لا يجوز ويفسخ أبدا وفي كونه بطلاق أو دونه قولان وهل لها بالدخول المسمى أو صداق المثل؟ قولان قال اللخمي: والأحسن المسمي لأن فساده في عقده وصوبه ابن رشد بأن شروط النكاح من الولي وغيره حصلت ولكن وقع التوافق على انحلاله بعد شهر مثلا وقيل: بل هو بغير ولي وبغير صداق وبغير شهود قاله أبو عمر بن عبد البر في التمهيد، وقال القاضي وهو ظاهر أحاديث مسلم: وأما نكاح النهارية فقال مالك: لا خير فيه قال ابن القاسم يفسخ قبل

البناء ويمضي بعده بصداق المثل. وقال عيسى يفسخ مطلقا نقله ابن رشد وعليه يكون لها المسمى إذا وقع الدخول، ولو تزوج المسافر ليفارق إذا سافر وفهمت ذلك المرأة ففي جوازه ومنعه قولان ذكرهما اللخمي، وأما نكاح الخيار فإن كان في المجلس فإنه جائز لأنه كالمراودة على النكاح وهو أخف من الصرف فيه، وأما بعد الافتراق فما قرب منه فجائز أيضا قال اللخمي: وهو في هذا الموضع أوسع من الصرف، وقد قال ابن القاسم في كتاب محمد: إن شرطا مشورة فلأن الشيء القليل وهو حاضر في البلد فأتيا به من فوره جاز. قلت: وحمل ابن رشد سماع أصبغ مثله على أنهما لم يفترقا من المجلس، وأما إذا كان الخيار ليوم أو يومين فمنعه في المدونة قائلا: لأنهما لو ماتا لم يتوارثا وخرج اللخمي جوازه من الصرف على القول به وضعف تعليلها قائلا: لأن المانع عنده خوف الموت ومراعاته في اليومين والثلاثة نادر والنادر لا حكم له، وأيضا فإن النكاح غير منعقد حتى يمضي فلا يضر عدم الميراث ويجوز على تعليلها إذا كان الزوج عبداً وكانت هي أمة لأنه لا ميراث فيه ولو كان منعقدا ونص في المدونة على أن الخيار للزوجين والولي لا يجوز كما إذا كان لأحدهم. وقال ابن رشد: وهو جائز لانحلاله وحيث يمنع فلا خلاف أنه يفسخ قبل البناء وفي فسخه بعد البناء قولان لمالك والذي رجع إليه عدم الفسخ والقولان في المدونة ورجح بعض الشيوخ الفسخ لأن فسادة في عقده قال في المدونة: ولها المسمى دون صداق المثل، قال عياض في الأسدية: لها صداق المثل، قال الفاكهاني: فقول شيخنا جمال الدين الصنهاجي ظاهر المدونة فيها وفي التي بعدها تليها صداق المثل هو ظاهر. وكذلك القولان فيها في إن لم يأت بالصداق وإلى أجل كذا بالنسبة إلى الفسخ بعد البناء وقال أشهب: هو نكاح جائز ابتداء. (ولا النكاح في العدة ولا ما جر إلى غرر في عقد أو صداق ولا بما لا يجوز بيعه): لا خلاف أن عقد النكاح في العدة لا يجوز بل التصريح بالخطبة حرام إجتماعا وعكسه التعريض فإنه جائز ويأتي الكلام على ذلك حيث تكلم عليه الشيخ إن شاء الله. (وما فسد من النكاح لصداقة فسخ قبل البناء فإن دخل بها مضى وكان فيه صداق المثل): اختلف المذهب فيها فسد لصداقه كمن نكح على عبد آبق على ثلاثة أقوال:

فقيل: يفسخ أبدا وعكسه وقيل: يفسخ قبل البناء لا بعده قاله في المدونة وهو المشهور وعليه الشيخ وكلها لمالك، ولم يقف ابن عبد السلام على القول بعدم الفسخ لمالك لقوله ذكره غير واحد ولم ينسبه وأجابه خليل بأن عبد الوهاب في الإشراف نقله، وكذلك نقله ابن الجلاب أيضا. وظاهر كلام الشيخ أن فسخه قبل البناء على طريق الوجوب، وهو كذلك عند جميع المغاربة الذي هو منهم، وذهب العراقيون إلى أن ذلك على طريق الاستحباب، وكلاهما تأويل على المدونة ولو دعا الزوج إلى البناء والنفقة فأنفق ثم عثر على الفساد، وفسخ فقيل يرجع بها عليها كمن اشترى من رجل داره على أن ينفق على البائع حياته، وقال عبد الله بن الوليد: لا يرجع بها عليها لأن الفسخ قبل البناء غير واجب إذ أجازه جماعة من العلماء إذا عجل ربع دينار، ورده بعض شيوخنا بأن الفرض الحكم بفسخه، ومراعاة الخلاف مع الحكم بنقضه لا يصح، ويجاب بأنه إنما قصد مراعاة الخلاف. وأجرى غير واحد ممن لقيته ذلك الخلاف في الحمل إذا نقش بعد النفقة عليه، وذكر في المدونة من الأشياء التي فسادها في الصداق الجنين في بطن أمه ثم قال وما هلك بيد الزوجة ضمنته قبل قبضه وتكون مصيبتها من الزوج وما قبضت ثم تغير في يدها في بدن أو سوق فقد فات وترد القيمة فيما له قيمة والمثل فيما له مثل وأقام عياض من مسألة الجنين أن يبيع التفرقة بقيمة حوالة الأسواق. (وما فسد من النكاح لعقده وفسخ بعد البناء ففيه المسمى): قال الشيخ أبو الحسن اللخمي كل نكاح أجمع على فساده فإنه يفسخ أبدا وكل نكاح اختلف فيه، فإن كان فساده لعقده فسخ قبل البناء وفي فسخه بعده خلاف كنكاح المريض والمحرم ومثله نقل ابن شاس. وقال ابن الحاجب: وما اختلف فيه فإن كان بنص أو سنة أو لحق الورثة فكذلك يعني يفسخ أبداً اتفاقا فإن لم يكن كذلك، فإن كان لخلل في عقده ففي فسخه بعد الدخول قولان، واعترضه بعض شيوخنا من ثلاثة أوجه: أحدها: أن نكاح المريض مختلف فيه كما سبق. الثاني: أن قوله وإن كان لنص أو سنة خلاف إطلاق الشيوخ وظاهر الروايات الحكم في المختلف فيه مطلقا.

الثالث: أن وجود فيه بالقرآن أو السنة ينفي القول بجوازه. (وتقع به الحرمة كما تقع بالنكاح الصحيح ولكن لا تحل به المطلقة ثلاثا ولا يحصن به الزوجان): اعلم أن النكاح المختلف في صحته وفساده بين أهل العلم والمذهب قائل بفساده فإنه يعتبر عقدة في التحريم كما يعتبر العقد الصحيح المتفق عليه احتياطا فتحرم به على الآباء والأبناء وتحرم أمهات النساء، وكذلك يعتبر وطؤه من باب أحرى فتحرم الربيبة. ثم اعلم أنه اختلف المذهب هل يراعي كل خلاف أولا يراعى إلا الخلاف المشهور، وعلى الثاني فقيل هو ما كثر قائله وقيل ما قوي دليله. قال ابن عبد السلام: والذي ينبغي أن يعقد من ذلك، وهو الذي تدل عليه مسائل المذهب أن الإمام رحمه الله تعالى – يعني به مالكا- إنما يراعي من الخلاف ما قوي دليله فإذا تحقق فليس بمراعاة الخلاف البتة وإنما هو إعطاء كل واحد من الدليلين ما يقتضيه من الحكم مع وجود المعارض والله أعلم. وقد أجاز رحمه الله تعالى الصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وأكثرهم على خلافه وأباح بيع ما ليس فيه حق توفيه من غير الطعام قبل قبضه وأجاز أكل الصيد إذا أكل منه الكلب إلى غير ذلك من المسائل ولم يراع في ذلك خلاف الجمهور وهذا مما يدل على أن المراعي عنده إنما هو الدليل لا كثرة القاتل والله أعلم. وأما كل نكاح مجمع على فساده فإن كان مما يدرأ الحد فيه فإن وطأه معتبرا ولا يعتبر العقد على المشهور، وقيل: ويعتبر قاله ابن القاسم في المدونة. وقال ابن عبد السلام وهو قول ابن الماجشون، واعترضه بعض شيوخنا بأنه خلاف ما نقل الباجي عنه في قوله ما حرم بالكتاب أو بالسنة كخامسة أو معتدة أو المرأة على أختها أو خالتها لغو وإن كان مما لا يدرأ حده فعكس ما قبله لا يعتبر عقده باتفاق وفي الوطء قولان وهما كالخلاف في الزنى هل يحرم الحلال أم لا؟ (وحرم الله سبحانه من النساء سبعا بالقرابة وسبعا بالرضاع والصهر فقال تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} [النساء: 23] فهؤلاء من القرابة):

قال ابن الحاجب: والقرابة هي السبع في قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] ، وهي أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا، قال الشيخ ابن عبد السلام: اعلم أن كل من له عليك ولادة بمباشرة أو بدرجة فأكثر فهو أصلك وكل ما لك عليه ولادة بمباشرة أو بدرجة فهو فصلك فيدخل في الأول الأم باعتبار ولدها وأمها وإن علت، وكذلك الأب باعتبار ابنه وأبيه وإن علا فهذا مراد المؤلف بأصوله وفصوله، وقد علمت من هذا أن أول أصوله هو من باشره بالولادة وذلك هو الأب والأم وفصولهما هو الأخ والأخت من أي جهة كانا وأولادهما. وهذا معنى قول المؤلف وفصول أول أصوله وهم بنو أبيه وبنو أمه وإن سفلوا؛ لأنهم أولاد أبيه ثم قوله وأول فصل من كل أصل وإن علا يعني أول فصل خاصة من كل أصل ماعدا الأصل الأول لأن الأصل الذي يلي الأصل الأول هو الجد الاقرب والجدة القربى، وإن الأول عم أو خال أو عمة أو خالة وابنة الجدة الموصوفة وابنها كذلك وهم أول الفصول والتحريم مقصور عليهم، وأما أولادهم، فهم حلال لأنهم إما أولاد عم أو أولاد عمة أو أولاد خال أو أولاد خالة وأولاد أولادهم، ورأي بعض شيوخنا أن عبارة ابن الحاجب فيها طول فقال هي فرعه وأصله وأقرب فرعه وأبعد أقربه. واختلف المذهب في تحريم المخلوقة من مائة على وجه الزنى والمشهور أنها تحرم عليه وبه قال أبو حنيفة. وقال ابن الماجشون: لا تحرم عليه قال سحنون هو خطأ صراح وبقول ابن الماجشون قال الشافعي قال ابن عبد السلام وهو الأقرب لأنها لو كانت بنتا لحصلت لها أحكام البنت من الميراث وولاية الإجبار ووجوب النفقة وجواز الخلوة بها وحمل الجناية عنها إلى غير ذلك، واللازم باطل انظر تمامه ولولا الإطالة لذكرناه. (واللاتي من الرضاع والصهر قوله تعالي: {وأمهتكم التي أرضعنكم وأخوتكم من الرضعة وأمهت نسائكم وربئبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} [النساء: 23] ، وقال تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء} [النساء: 22] وحرم النبي عليه السلام بالرضاع ما يحرم من النسب):

ظاهر كلام الشيخ أن أمهات النساء يحرمن سواء دخل بالبنت أم لا وسواء طلق البنت أو ماتت وهو كذلك باتفاق المذهب، وحكي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه، وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وجابر وإحدى الروايتين عن ابن عباس أنها لا تحرم إلا بدخول البنت وحكي عن زيد أنه إن طلق البنت لم تحرم وفي الموت تحرم، ومذهبنا أن الربيبة تحرم على من دخل بأمها وإن لم تكن في حجره، وحكي عن علي أنه طلق البنت لم تحرم وركن إليه ابن عبد السلام بقوله هو ظاهر الآية لأنها مقيدة بوصفين: أحدهما: كون الأم مدخولا بها. والثاني: كون البنت في حجره والحكم المعلل بعلة مركبة لا يثبت إلا بعد حصول جميع أجزائها ويقوي اعتبار هذا القيد ما وقع في الصحيح وقد عرض على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نكاح ربيبته بنت أم سلمة، فقال: "لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثوبية" فانظر كيف ذكر هذا الوصف كما هو مذكور في الآية، ولو كان ملغي لما تكرر ذكره في الكتاب والسنة والله أعلم. والمشهور أن أمة الابن لا تحرم على الأب حتى يطأها الابن أو يتلذذ بها، وقال الشافعي تحرم عليه ومثله لابن حبيب حسبما نذكره إن شاء الله تعالى بعد، وسبب الخلاف هل يصدق عليها بالملك أنها حليلة أم لا يصدق عليها إلا بعد الاستمتاع. (ونهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها فمن نكح امرأة حرمت بالعقد دون أن تمس على أبائه وأبنائه وحرمت عليه أمهاتها ولا تحرم عليه بناتها حتى يدخل بالأم): ما ذكر الشيخ صحيح وقاس عليه أصحابنا وغيرهما وضابطه ما قاله بعض المتقدمين كل امرأتين يمنع نكاحهما لو كانت إحداهما ذكرا وانتقض عليه بصورتين وهما الجمع بين المرأة وأم زوجها والمرأة مع ابنة زوجها فإنه جائز فزيد في الحد المذكور من القرابة فيتخرج بذلك الصورتان فإنهما أجنبيتان وقيل ضابطه كل امرأتين بينهما من القرابة والرضاع ما يمنع نكاحهما أن لو كانت إحداهما ذكرا فإن جمع بينهما في عقد فسخ فيهما ولا مهر إن لم بين ولمن بنى منهما مهرها. قال الشيخ أبو الطاهر: هذا مع عدم العلم بالتحريم وأما مع العلم به ففي كونه كمحض زنا في هذا الأصل قولان ويجري عليهما نفي الصداق وثبوته، وأما إذا كان

تزويجهما في عقدين فإن علمت الأولى منهما فسخ نكاح الثانية وثبتت الأولى في غير الأم وابنتها باتفاق وأما فيهما ففيه كلام يطول جلبه وإن جهلت الأولى فسخ فيهما وإن ادعى الزوج تعيينهما فقال محمد بن المواز: يصدق ويفارق الأخرى وعارضها اللخمي بقول: نكاح المدونة لا تصدق المرأة إذا تزوجها رجلان جهل أولهما. وفرق ابن بشير بينهما بوجهين أحدهما: أن عدم تصديق الزوجة للتهمة، الثاني: أن الزوج قادر على فسخ النكاح وابتدائه ورده بعض شيوخنا بأنه أيضا يتهم لاحتمال خوف عدم إصابته من يريد نكاحها منهما بعد الفسخ وأنها قادرة على الفسخ لعدم تعيينها. (أو يتلذذ منها بنكاح أو ملك يمين أو بشبهه من نكاح أو ملك): ظاهر كلام الشيخ سواء كانت لذة بقبلة أو نظرة أو مباشرة وهو كذلك فأما النظرة فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: أحدها ما تقدم وهو المشهور وقال ابن القصار نظره إلى وجهها أو غيره من جسدها لا يحرمها. وعزاه ابن رشد لابن شعبان قال: وروى ابن وهب إيجابه الكراهة وذكر ابن بشير قولين في غير النظر للوجه قال، وأما النظر له فهو لغو باتفاق وخصص ابن الحاجب الخلاف بباطن الجسد فقال والمشهور أن اللذة بالمباشرة والقبلة، والنظر لباطن الجسد كالوطء في تحريم البنت. قال ابن عبد السلام: وهو خلاف ظاهر الروايات قال ابن حبيب ومن تلذذ بأمته بتقبيل أو تجريد أو ملاعبة أو مغامزة أو نظر إلى شيء من محاسنها نظر شهوة حرم على أبيه وأبنه التلذذ بشيء منها ورواه أيضا محمد عن مالك، وزاد وكذلك إن نظر إلى ساقها ومعصمها تلذذ وأما القبلة والمباشرة فقد تقدم كلام ابن الحاجب فيهما، وأنه حكي الخلاف فيهما كالنظر. قال ابن عبد السلام: ولا أعرف القول الشاذ في المذهب نعم هو قول الشافعي والحسن. قلت: ومثله لبعض شيوخنا وأجابهما شيخنا أو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى بأن ابن عبد البر ذكره في الكافي رواية عن مالك. قال ابن حبيب: لا يحل مسيس جارية ملكها أبوه وابنه الذي بلغ مبلغ من يتلذذ بالجواري خيفة أن يكون قد مسها. قال ابن عبد السلام: وفيما قاله نظر وينبغي

أن يكون المنع على الاحتياط لا على اللزوم. (ولا يحرم بالزنا حلال): اختلف المذهب في وطء الزنا هل ينشر الحرمة أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل إنه لا ينشر الحرمة كما قال الشيخ قاله مالك في الموطأ وبه قال جميع أصحابه وهذا القول مذكور في المدونة، وزعم ابن عبد السلام أنه المشهور وقيل إنه ينشر الحرمة كالصحيح قاله في سماع أبي زيد ورواه ابن حبيب في واضحته قائلاً: رجع مالك عما في الموطأ إلى التحريم وأفتى به إلى أن مات وقيل: إنه ينشر الكراهة رواه ابن المواز وهذان القولان مؤولان معا على المدونة فتأولها اللخمي وابن رشد في البيان على الكراهة وتأولها غيرهما على التحريم. قال عياض: والأكثرون على الكراهة قال في الأمهات في موضع لا أحب وفي آخر لا ينبغي وفي آخر أكرهه وفي آخر فليفارقها، وقال في التهذيب: ومن زنى بأم زوجته أو ابنتها حرمت عليه زوجته. قالت: وتعقب غير واحد اختصاره لما ذكر وأما إذا كان الوطء مستندا إلى شبهة كمن وطئ أجنبية يظنها زوجته فإنه ينشر الحرمة في المشهور. وعن سحنون لا أثر له قال ابن عبد السلام: وهذا الخلاف إنما هو على القول بأن الزنا لا يحرم وأما على أنه يحرم فلا شك أن وطء الاشتباه يحرم وعلى الأول لو حاول أن يلتذ بزوجته فوضع يده على ابنتها فالتذ فالجمهور على الفراق، وقيل: لا أثر له قاله ابن القاسم وبه قال سعيد ابن أخي هشام، وأبو القاسم بن شبلون وأبو محمد بن أبي زيد في أحد قوليه وهو مقتضى قول سحنون واختاره الشيخ أبو القاسم بن محرز وألف فيها تأليفا، واعتمد المازري عليه في تأليفه المسمي بكشف الغطا عن لمس الخطا، وعلى الأول فذلك محمول على وجوب الفراق والإجبار عليه عند الأكثر ورأى القابسي وأبو عمر أن ذلك على وجه الاستحباب لا على الإجبار وهو مذهب أبي الطيب عبد المنعم فإنه أمر بالفراق وتوقف في الإجبار وذهب بعض فقهاء صقلية إلى أن لمس الإبنة ينشر الحرمة وإن لم يلتذ إذا كان أصل لمسه لقصد اللذة. قال المازري: وهو ضعيف لا يتخرج على الأصل ولا ينبني على التحقيق. قلت: بل له أصل وهو نقض الطهارة به وإن كانت الطهارة أيسر.

(وحرم الله سبحانه وطء الكوافر ممن ليس من أهل الكتاب بملك أو نكاح)

ما ذكر هو المعروف من المذهب ونقل اللخمي عن ابن القصار عن بعض أصحابه على القول بأن لهم كتابا تجوز مناكحتهم واختلف في الصابئة والسامرية فعلى أن الصابئين من النصارى والسامرية من اليهود ويجوز وعلى نفيه نفيه. (ويحل وطء الكتابيات بالملك ويحل وطء حرائرهن بالنكاح ولا يحل وطء امهاتهن بالنكاح لحر ولا لعبد): ما ذكره متفق عليه في المذهب، وقال أبو عمر لا يجوز محتجا بقوله تعالى:

(ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) [البقرة: 221] ولا أعظم شركا من قولها أن ربها عيسى وتمسك الجمهور بقوله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات) [المائدة: 5] إلى قوله: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) [المائدة:5]. وفي المدونة يجوز للمسلم نكاح الحرة الكتابية وإنما كرهه مالك ولم يحرمه لما تتغذى به من خمر وخنزير وتغذي به ولدها وهو يقبل ويضاجع. قال ابن عبد السلام: فنسبة ابن القاسم الكراهة لمالك تدل على أن ذلك عنده ليس بمكروه. قلت: ولم يرتضه بعض من لاقيناه وقيل في علة الكراهة: خشية أن تموت حاملا، والجنين في بطنها ابن مسلم فتدفن به في مقابر الكفار وهي حفرة من حفر النار. وقيل: لأنه يوجب مودة لقوله تعالى: (وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم:21] مع قوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله) [المجادلة:22] إلى آخره وكلاهما حكاه المتيطي قال في المدونة: وليس له منعها من التغذي بالخمر والخنزير ولا من الذهاب إلى الكنيسة وقال إبراهيم في كتاب طلاق السنة عن محمد بن المواز: وله منعها من ذلك إلا من الذهاب للكنيسة لفريضتها ولا يمنعها صومها ولا يطؤها وهي صائمة لأن صومها من دينها وليس شرب الخمر وأكل الخنزير منه، وروي عن مالك غير هذا، وأظنه وهما وما أخبرتك به هو أحب إلى، وقاله ابن وهب قال: لأنها كما رضيت أن يملكها مسلم كان له منعها من ذلك. (ولا تتزوج المرأة عبدها ولا عبد ولدها ولا الرجل أمته): قال في المدونة: ولا مكاتبها وهو عبدها ما دام في حال الأداء ولا بأس أن يرى شعرها إن كان وغدا وكذلك عبدها وإن كان لغيرها فيه شركة فلا، ونقل اللخمي عن ابن عبد الحكم أنه لا يراها وإن كان وغدا ولا يخلو معها في بيت، وكذلك اختلف في عبد زوجها وعبد الأجنبي هل يدخل عليها ويرى شعرها أم لا؟ واختلف أيضا في العبد الخصي، قال ابن القاسم والوغد الذي لا منظر له ولا خطب. (ولا أمة ولده وله أن يتزوج أمة والده أمه وله أن يتزوج بنت امرأة أبيه من رجل غيره وتتزوج المرأة ابن زوجة أبيها من رجل غيره):

ما ذكر أنه أمة ولده هو المشهور من المذهب وأجازه ابن عبد الحكم على كراهة في ذلك وإن وقع لم يفسخ. قال ابن رشد: وهو ينحو إلى ما روي عن مالك في عبد سرق من مال ابن سيده أنه تقطع يده وأجاز في العتبية أنه يتزوج الرجل أمة زوجته، وعن ابن كنانة كراهته وهذا في جارية ملكتها ولم تكن من صداقها، وأما جارية الصداق فيجوز له ذلك فيها بعد الدخول ومنع منه في العتبية قبل الدخول. وقال ابن رشد: إنه يجري على الخلاف في حده أن لو زنى بها حينئذ وضعفه ابن عبد السلام للشبهة فلا يلزم من نفي الحد تزويجها يريد لقوله (صلى الله عليه وسلم) " ادرءوا الحدود بالشبهات" (ويجوز للحر والعبد نكاح أربع حرائر مسلمات أو كتابيات): يريد أن الزيادة على أربع زوجات حرام بإجماع من أهل السنة، وحكي عن بعض المبتدعة جواز ذلك. قال ابن عبد السلام: فمن الأئمة من نسب إليهم من غير حصر، ومنهم من بلغ به إلى التسع خاصة، ولا حجة لهم في قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) [النساء:3] الآية، لأن المعنى في لسان العرب فانكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا هذا هو موضوع هذه الألفاظ في اللسان فالآية حجة للجمهور لا عليهم ولا حجة لهم أيضا في أنه صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع لأن ذلك من خصائصه بالدلائل الدالة عليه وهو حديث غيلان الثقفي. وأما تزويج الاثنين فما دون فمباح في حق العبد والحر، وأما الثالثة والرابعة فيباحان في حق الحر باتفاق وكذلك في حق العبد على المشهور وقيل: إنهما في حقه ممنوعان نقله أبو محمد عن رواية ابن وهب، قال ابن عبد البر: وهو القياس على تشطير حده وطلاقه وعزا واحد كابن الحاجب هذا القول لابن وهب لان لروايته. وفي النوادر: روى أشهب في نكاحه، أربعا وقال إنا نقول ذلك وما أدري ما هو؟ قال بعض شيوخنا: وهذا يقتضي الوقف والتقليد فلعله يريد ما أدري ما سبق لي من دليل ترجيح دخوله في عموم قوله تعالى: (فانكحوا) [النساء:3] على قياسه على تنصيف وحده. (وللعبد نكاح أربع إماء مسلمات وللحر ذلك إن خشي العنت ولم يجد للحرائر

طولا): ما ذكر من أن العبد له تزويج الأمة المسلمة هو كذلك باتفاق لأن الأمة من نسائه وشرط في الحر ثلاثة شروط شرط في المنكوحة وهي كونها مسلمة وشرطان في الناكح وهما أن يخشى العنت ولم يجد للحرائر طولا وهو كذلك في مشهور المذهب. وقيل: بإلغاء الشرطين الأخيرين وهو أحد قولي مالك وابن القاسم، قال الباجي في شرح الموطأ: العنت الزنا. وقال أصبغ: قال ربيعة وهو من أوعية العلم: هو الهوى واختلف في الطول على خمسة أقوال، فقيل: قدر ما يتزوج به الحرة قاله في المدونة وقيل: ويشتري به أمة نقله ابن الحاجب وسلمة ابن عبد السلام، وقال بعض شيوخنا لا أعرفه لكن هو مقتضى علة رقاق الولد واشترط ابن حبيب أن يكون قادرا على النفقة مع ذلك، وقيل: الطول وجود الحرة في عصمته لا الأمة، وقيل: الأمة وقيل: قدر ما يتوصل به إلى دفع العنت وعلى الأول فنقل ابن الحاجب أنه يشترط في الحرة أن تكون مسلمة قال ابن عبد السلام وهو خلاف المدونة بل خلاف الاتفاق على ما حكى بعضهم. قلت: ما ذكر ابن الحاجب مثله لابن العربي في الأحكام فلا غرابة فيه وحيث يباح له تزويج الأمة ففي جواز الزيادة عليها لأربع قولان حكاهما ابن بشير. (وليعد بين نسائه):

هامش

هامش

يريد فيما يرجع إلى ذاته وماله لا أنه ليس عليه المساواة في الجماع ما لم يقصد توفير نفسه لينشط للأخرى، قال ابن رشد في رسم الأقضية، الثاني من سماع أشهب وابن نافع يقضي على الرجل أن يسكن كل واحدة بيتا ويقضي عليه أن يدور عليهن في بيوتهن ومثله للخمي وقال ابن شعبان في زاهيه من حق كل واحدة انفرادها بمنزل منفرد بمرحاض وليس عليه إبعاد الدارين. وسمع ابن القاسم لا بأس أن يكسو إحداهما الخز ويحليها دون الأخرى إن لم يكن مليا، قال ابن رشد وهذا في مذهب مالك وأصحابه أنه إن أقام لكل واحدة ما يجب لها بقدر حالها فلا حرج عليه أن يوسع على من يشاء منهن وبما شاء. وقال ابن نافع: يجب عليه أن يعدل بينهن في ماله بعد إقامته لكل واحدة ما يجب لها والأول أظهر وما نقله عن ابن نافع عزاه المتيطي رواية، وظاهر كلام الشيخ أنه لو كانت من نسائه أمة فإنه يقسم لها في المبيت كالحرة وهو كذلك في المشهور. وقال ابن الماجشون: ورجع مالك إلى أنها ليست كالحرة، وبه أقول وعليه قال ابن شاس لو أعتقت في أثناء زمنها أتم لها كالحرة ولا يدخل على ضرتها في زمنها غلا لحاجة، وقيل إلا لضرورة وسمع أشهب وابن نافع سمعت أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان فكان لا يشرب الماء في بيت إحداهما في يوم الأخرى. قال ابن رشد: وروي أنهما توفيتا معا في وباء الشام ودفنتا في حفرة وأسهم بينهما أيتهما تقدم في القبر وذلك على وجه التحري في العدل دون وجوبه، واختلف في جميع الحرتين في فراش واحد من غير وطء فمنعه مالك وكرهه ابن الماجشون وفي الإماء ثلاثة أقوال: المنع والكراهة وكلاهما لمالك وقال ابن الماجشون يجوز ذلك

بخلاف الحرتين. (وعليه النفقة والسكنى بقدر وجده): اعلم أنه تجب عليه النفقة والسكنى بقدر حاله من حالها، واختلف هل يجب عليه ثياب تخرج فيها والملحفة فقال اللخمي ظاهر المذهب أنها لا تفرض عليه، وقال في المبسوط تفرض على الغني دون الفقير ولا تفرض لها فاكهة خضراء ولا يابسة ولا جبن ولا زيتون ولا عسل ولا سمن وهذا الفصل متسع جدا واختصاره أنه يرجع فيه إلى العوائد. واختلف إذا عجز عن نفقة مثلها وقدر على ما دونها مما يكفي من هو دونها فقيل: تطلق عليه، قاله فضل وغيره وقيل لا تطلق عليه، قاله ابن وهب وغيره وعلى الثاني فاختلف إذا عجز عما سوى ما يقيم رمقها فالمشهور تطلق عليه، وقال محمد: لا تطلق عليه. قال اللخمي: وقول محمد فيما لا تعيش إلا به حرج تصبح وتمسي جائعة وعليه ما يسد جوعها وإلا فرق بينهما وإن كان من خشن الطعام والإدام معه لم تطلق عليه إلا أن تكون من أهل الشرف وممن لا تألف مثل ذلك ولا اتساع لها وإن جاعت لم تلزم به، وكذلك الكسوة إن كان لباس مثل ذلك معرة عليها طلقت عليه وإلا فلا، ولا يلزمه أن يضحى عنها اتفاقا وكذلك عن ابن نافع لا يلزمه أن يخرج عنها زكاة الفطر، والأكثر على خلافه فيها، وعلى الزوج من الزينة ما يزيل الشعث عنها كالمشط والمكحلة والنضوخ وحناء رأسها. قال ابن المواز: واختلف في أجرة القابلة فقيل عليها وقيل عليه وقيل إن كانت المنفعة لها فعليها وإن كانت للولد فعلى الأب والثلاثة حكاها المتيطي رحمه الله وأما الإخدام ففي أجوبة ابن رشد الإخدام واجب للزوجة كنفقتها تطلق بالعجز عنه قاله ابن الماجشون. وقيل: يجب كالنفقة ولا تطلق بالعجز عنه وهو مذهب ابن القاسم، وقال ابن حبيب: لا تجب إلا أن يكون الزوج موسرا والزوجة من ذوات القدر والإنفاق على أنها تطلق عليه في عجز النفقة بعد التلوم على المشهور وقيل لا يفتقر إلى تلوم وعلى الأول فقيل يوم ونحوه وقيل يؤخر أياما وقيل ثلاثة أيام وقيل ونحوها وقيل شهر وقبل غير ذلك والحق أنه يرجع إلى اجتهاد القاضي.

(ولا قسم في المبيت لأمته ولا لأم ولده): يعني وإنما له أن يطأ أمته وأم ولده ويقيم عندهما ما شاء ما لم يقصد الضرر فيمنع وقال ابن الحاجب: ويجب القسم للزوجات دون المستولدات إلا أن الأولى العدل وكف الأذى واعترضه ابن عبد السلام بأن لفظ المدونة يدل على أن كف الأذى واجب قال فيها: وليس لأم ولد مع الحرة قسم وجائر أن يقيم عند أم ولده ما يشاء ما لم يضار. وقلت: روده بعض شيوخنا بوجهين: أحدهما: أن المحكوم عليه بالأولوية مجموع العدل وكف الأذى لا مجرد كف الأذى فقط. الثاني: أن الأذى غير الضرر وأخف منه فلا تنافي بين كون ترك الأذى، وكون كف الضرر واجبا ودليل كون غيره وأخف منه قوله تعالى (لن يضروكم إلا أذى) [آل عمران: 111] قال اللخمي: المذهب أن لا مقال للحرة في إقامته عند الأمة وفيه نظر إلا أن يثبت فيه إجماع. (ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها): ظاهر كلامه وإن كانت يتيمة وهو كذلك وقال ابن عبد الحكم: تجب من حين عقد النكاح عليها مطلقا وقاله سحنون في اليتيمة وحكاه المتيطي رواية ولم يحفظ قول ابن عبد الحكم، وذكر الشيخ أنه يشترط في المرأة أن تكون ممن تطيق الوطء وسكت عن الزوج واختلف فيه فقيل كالمرأة وقيل يشترط البلوغ وهو المشهور، ويشترط أن لا يكون أحدهما مريضا فإن كان فلا يخلو من ثلاثة أوجه فإن كان بلغ بصاحبه به السياق فالدعوة حينئذ لغو وإن كان لا يمنع الوطء فمعتبر باتفاق فيهما وفيما بينهما قولان حكاهما اللخمي. قال عياض: ظاهر مسائل المدونة أن لأبي البكر دعاء الزوج للبناء الموجب للنفقة وإن لم تطلبه وابنته، وهو المذهب عند بعض شيوخنا، وقاله أبو المطرف والشعبي كجبره على النكاح وبيعه ما لها وقال المارودي: ليس له ذلك إلا بالذي دعاها أو توكيلها إياه ومثله لابن عات. قلت: واختار بعض شيوخنا إن كانت نفقتها على أبيها فالأول وإن كان في مالها فالثاني.

(ونكاح التفويض جائز وهو أن يعقداه ولا يذكران صداقا): في كلامه تقديم التصديق على التصور ومثله في المدونة وابن الحاجب وقد قدمنا غير ما مرة أنه مجتنب وأكثر ما يجيب به عنه بعض شيوخنا بشعور التصديق بذكر الحكم كما هنا وما ذكر أنه جائز هو كذلك باتفاق قاله الباجي والأصل في ذلك قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) [البقرة: 236] وخرج أو داود عن عقبة بن عامر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لرجل: " أترضى أن أزوجك فلانة" قال: نعم، وقال للمرأة: " أترضين أن أزوجك فلانا" قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه فدخل الرجل بها ولم يفرض صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية وله سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زوجني فلانه ولم يفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا وإني أشهدكم أني أعطيتها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة الف دينار. واعلم أن نكاح التفويض أصل وقيست عليه هبة الثواب قال في شفعة المدونة: وإنما جازت هبة الثواب على غير عوض مسمي لأنه على وجه التفويض في النكاح وسمعت بعض من لقيته من القرويين ينقل غير ما مرة أن بعض أهل المذهب جعل نكاح التفويض فرعا وقاسه على هبة الثواب قائلاً: غاب عني موضعه. قلت: وهو ضعيف للاستدلال المذكور فلا يحتاج إلى قياس وإذا طلق الزوج في نكاح التفويض فلا شيء لها من الصداق اتفاقا وكذلك لا شيء لها في الموت على المشهور وترثه لأنها زوجته ومثله ذكر الشيخ بعد وحكى عبد الحميد الصائغ قولا بلزوم الصداق كالمدخول بها قال ابن بشير وهو قول شاذ. (ثم لا يدخل بها حتى يفرض لها فإن فرض لها صداق المثل لزمها وإن كان أقل فهي مخيرة فإن كرهت فرق بينهما إلا أن يرضيها أو يفرض لها صداق مثلها فيلزمها): ما ذكر من أنه لا يدخل حتى يفرض لها معناه إن منعته من الدخول وما ذكر من أن فرضه قبل البناء مستحب وعليه حمل قول المدونة ليس للزوج البناء حتى يفرض وفي المقدمات إنما يجب تسمية الصداق عند الدخول، قال خليل: فظاهره أن التقدير قبل البناء واجب وما ذكر من أنه إذا فرض لها صداق المثل يلزمها هو المذهب وخرج بعض من لقيته من القرويين قولا أنه لا يلزمها إلا أن ترضى من قول مطرف في الهبات إنما يهب الناس ليعاوضوا أكثر، وكنت أجيب بأن النكاح مبني على المكارمة فلا يتخرج والله اعلم.

وما ذكر من أن الخيار لها إذا فرض من صداق المثل معناه إذا كانت رشيدة وأما البكر ذات الأب فالنظر في ذلك للأب باتفاق قاله أبو حفص العطار، وأما التي لا أب لها ولا وصي فقال ابن القاسم: لا يعتبر رضاها، وقال غيره: يعتبر رضاها والقولان في المدونة وطرح سحنون قول الغير على أنه قد قال به في العتبية ورواه زياد عن مالك، وحمل الأشياخ المسألة على من لم يعلم حالها بسفه ولا رشد، قال ابن الحاجب: وفي رضى السفيهة غير المولى عليها بدونه قولان وتعقبه ابن عبد السلام بما سبق من حمل الأشياخ المسألة على ما ذكر وأما التي عليها وصي فالمشهور يعتبر رضاها معا إن كان نظرا. وقيل: ذلك موقوف على رضى الوصي فقط قاله في الواضحة واختاره غير واحد إذ النظر له في المال خاصة ومهر المثل ما يرغب به مثله في مثلها ويعتبر الدين والجمال والحسب، والزمان والبلاد. قال في المدونة: وينظر فقد يزوج فقير لقرابته وأجنبي لماله فليس صداقهما سواء وصداق المثل يعتبر يوم العقد وقيل يوم الحكم إن لم يبن أو يوم الدخول إن بني والقولان حكاهما عياض. (وإذا ارد أحد الزوجين انفسخ النكاح بطلاق وقد قيل بغير طلاق): القول بالردة طلقة ويريد بائنة هو مذهب المدونة وهو المشهور والقول بأنه فسخ قاله مالك وابن الماجشون وبقي عليها قول ثالث بأنه يلزمه طلقة رجعية فيكون أحق بها إذا رجع إلى الإسلام في العدة، قاله ابن الماجشون أيضا وسحنون والمغيرة وهو مذهب المدونة في كتاب أمهات الأولاد في بعض الروايات والرابع وهو إن رجع إلى الإسلام فلا شيء عليه حكاه ابن يونس ونصه، قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإن ارتد الزوج ثم عاود الإسلام في عدتها فهو أحق بها في الطلاق كله كما لو أسلمت ثم أسلم في عدتها، ولو لم يسلم حتى انقضت عدتها لزمه فيها طلقة.

وظاهر كلام الشيخ: ولو علم رغبة الزوجة في فراق زوجها وهو ظاهر المذهب وذكر ابن عادت أن ابن زرب وقف عن الجواب فيها فقال له بعض من حضره من أهل بجاية: نزلت ببجاية وأفتي فيها الفقيه الحوفي بأن ارتدادها لا يكون طلاقا وظاهر كلامه أيضا ولو ارتد إلى دين زوجته، وهو كذلك عند ابن القاسم في المدونة. وقال أصبغ: لا يحال بينهما وأخذ ابن عبد السلام من قول أصبغ قول ابن المواز أن المرأة تدخل على زوجها في السجن إذا سجن في حق غيرها، واختار ابن رشد خلاف قول سحنون. قلت: ووجه الإقامة أن المطلوب التضييق عليه ليراجع الإسلام كما أن المطلوب ذلك في المحبوس لأداء ما عليه فلما لم يعتبره أصبغ في المرتد لزم اطراده من باب أحرى. والله أعلم. والفتوي عندنا بإفريقية بقول سحنون: ولو ادعى الزوج على زوجته ارتداد فأنكرته فرق الحاكم بينهما لإقراره بما يوجب الفرقة وهي الردة قاله سحنون في كتاب ابنه نقله ابن يونس. (وإذا أسلم الكافران ثبتا على نكاحهما): ظاهر كلامه وإن كان نكاحهما بالأولى ولا صداق، وهو كذلك ما لم يكن ثم مانع من الاستدامة من نسب أو رضاع وكذلك إن تزوجها في العدة ووقع إسلامهما قبل انقضائها، فإن النكاح يفسخ قاله ابن القاسم وأشهب ومثله إذا تزوجها بنكاح متعة وأسلما قبل انقضاء الأجل نص على ذلك أشهب وجعله غير واحد المذهب، وقال عبد الحق الإشبيلي: أجمعوا على أن الزوجين إذا أسلما في حالة واحدة أن لهما البقاء على النكاح الأول، إلا أن يكون بينهما نسب، أو رضاع يوجب التحريم. قلت: ورأى بعض شيوخنا أن ما ذكره ينقض بما تقدم. واختلف في أنكحتهم فقيل: إنها فاسدة والإسلام هو الذي يصحح بعضها وقيل: إنها صحيحة وإنما الفاسد منها بعضها والمشهور أنها على الفساد ولأجل هذا الاختلاف اختلف التونسيون هل تجوز شهادة الشهود المعينين للشهادة بين الناس لليهود في أنكحتهم بولي ومهر شرعي أو تمنع؟ على فريقين وألف كل واحد منهما على صاحبه ورجح ابن عبد السلام المنع، وسبب الخلاف الخلاف في أنكحتهم هل هي على الصحة، أو على الفساد؟ وهل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ في ذلك

قولان في المذهب ثالثها مخاطبون بالنواهي دون الأوامر ورابعها مخاطبون بغير الجهاد، وأما الجهاد فلا وكلاهما لأرباب الأصول. قال ابن عبد السلام: وفي هذا الإجراء نظر من وجوه يطول ذكرها منها: أن ما عقدوه على الصفة التي توافق شرعنا لا معنى لدخول الخلاف فيه على هذا التقدير ولكن الخلاف فيه أيضا قال في المدونة: وطلاق المشرك ليس بطلاق ونقل غير واحد عن المغيرة إلزامهم ذلك، وذلك يجري على الأصل المذكور. (وإن أسلم أحدهما فذلك فسخ بغير طلاق): ما ذكر هو قول مالك وأصحابه، وقال ابن القاسم: وإن أسلمت قبل إسلامه ولم يسلم مكانه فلا رجعة وهي طلقة بائنة ورد بعض الشيوخ الأول بأن طلاق الكافر لغو. (فإن أسلمت هي كان أحق بها إن أسلم في العدة): يعني إذا أسلمت الزوجة بعد البناء وسواء كانت مجوسية أو كتابية فإن ينتظر في العدة وهو كذلك باتفاق قاله ابن حارث زاد في الموازنة للسنة وفي موضع آخر: ولو كان عبداً، وسمع أصبغ ابن القاسم يقول إسلامه رجعة دون إحداث رجعة، وأطلق الشيخ على الانتظار عدة، ومثله للبراذعي وابن يونس وغيرهما. قال ابن عبد السلام: إطلاق ابن الحاجب لفظ العدة مجاز إنما هو استبراء على المشهور، واعترضه بعض شيوخنا بأن كلامه يوهم أنه مختص بهذا الإطلاق وليس كذلك بل أطلقه البراذعي ومن ذكر معه. وظاهر كلام الشيخ لو لم بين بها لبانت وهو كذلك باتفاق عند بعضهم وقيل: إنما ذلك مع الطول وفي القرب قولان منصوصان وهذه طريقة اللخمي وأشار الباجي إلى أن الخلاف في القرب وإنما هو مخرج. (وإن أسلم هو وكانت كتابية ثبت عليها): ما ذكر هو كذلك باتفاق ولكن مع الكراهة في الاستدامة كما يكره للمسلم نكاح الكتابية ابتداء هكذا نبه عليه بعضهم وقبله ابن عبد السلام، ورده شيخنا أو مهدي عيسي الغبريني بأنهما ليسا سواء لسبقية النكاح في الكافر بخلاف المسلم والجملة إنما يمنع من يرى أن الدوام كالإنشاء. (فإن كانت مجوسية فأسلمت بعده مكانها كانا زوجين وإن تأخر ذلك فقد بانت منه):

ما ذكر من أن المجوسية إن أسلمت مكانها ثبت عليها وإلا فلا هو قول ابن القاسم، وقيل: يعرض ... عليها الإسلام ثلاثة أيام فإن لم تسلم فرق بينهما حكاه غير واحد، وقيل إن أسلمت في العدة بقيت زوجة قاله أشهب في أحد قوليه. وفي المدونة: يعرض عليها الإسلام فإن أبت وقعت الفرقة بينهما وإن أسلمت بقيت زوجة ما لم يبعد ما بين إسلامهما. قلت: كم الطول؟ قال: لا أدري الشهودر وأكثر منه قليل، وفي بعض الروايات ورأى الشهرين. وفي النوادر عن الموازية إن لم توقف فحتى يمضي مثل الشهر عند ابن القاسم، فقال أبو إبراهيم هذا خلاف رواية الشهر والشهرين، وتأول الشيخ أبو بكر بن اللباد قول المدونة على أنه غفل عنهما. وكلام ابن أبي زمنين يقتضي أنه باق على ظاهره، وإذا سبق إسلام الزوج سقطت نفقتها باتفاق وأما إذا سبق إسلامها فإن كانت حاملا فالنفقة باتفاق عليه، وإن لم تكن حاملا فسمع أصبغ: هي عليه لأنه أحق بها ما دامت في العدة كالمطلقة واحدة، قال أصبغ وبه أفتيت لما أرسل السلطان إلى فاستفتاني في ذلك، وسمع عيسى لا تلزمه لأن أمرها فسخ لا طلاق والسنة لا نفقة في الفسخ. قال ابن رشد: وهو الصواب عند أهل النظر لما ذكر لأن النفقة إنما وجبت للمتعة فقد سقطت متعته مهما بإسلامها فإن وجبت للعصمة سقطت أيضا لارتفاعها بالفسخ وكونه أحق بها إن أسلم في عدتها أم لا يحمله القياس وأما السكنى فالاتفاق على ثبوتها ويوجد في بعض نسخ ابن بشير الخلاف فيها كالنفقة قال ابن عبد السلام: وليس بشيء. (وإذا أسلم مشرك وعنده أكثر من أربع فليختر أربعا ويفارق باقيهن): ظاهرة أوائل كن أو أواخر وهو كذلك في منصوص المذهب وقال أبو حنيفة يتعين الأول وخرجه اللخمي في المذهب، وقال: يلزم على قول أشهب من تزوج امرأة في شركه ولم يبن بها ثم أسلمت حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وأن من تزوج أما وابنتها في حال شركه أو أختين أو أكثر من أربع ثم أسلم أنه يلزمه العقد الأول، ويفسخ الثاني، واختلف هل له الخيار إذا كان محرما أو مريضا أو كانت المخير فيها أمة وهو واجد للطول أم لا فقيل بذلك لكونه كرجعة.

وقيل: يمنع كابتداء نكاح وهذا الخلاف أشار إليه عبد الحميد الصائغ إلى إجرائه هل الفرقة فسخ أو طلاق، ولو اختار أربعا فإذا هن أخوات فله تمام الأربع ما لم يتزوجن قاله ابن الماجشون، قال ابن عبد الحكم: له ذلك، وإن دخل بهن أزواجهن، وقال اللخمي: أما لو كانت الفرقة بطلاق وبانت فلا تمام له، وإذا اختار أربعا وفارق البواقي فلمن بني بها من البواقي مهرها. واختلف فيمن لم يبن بها على ثلاثة أقوال: فظاهر المذهب لا شيء لهن لأنه فسخ قبل الدخول، وقال ابن المواز لكل واحدة خمس صداقها لأنه لو فارق الجميع لزمه صداقان وهو خمس اثنان من عشرة، وقال ابن حبيب لكل واحدة نصف صداقها لأنه في الاختيار كالمطلق. (ومن لاعن زوجته لم تحل له أبداً): اختلف الفرقة بين المتلاعبين هل هي بطلاق أم لا؟ فالأكثر على أنها بغير طلاق واستحب عيسى بن دينار أن يوقع الطلاق بأثر اللعان، وقال ابن شعبان عن ابن مسلمة أنه طلاق البتة تحل له بعد زوج إن أكذب نفسه وكان ينحو إليه أشهب. وقال عبد الملك في الثمانية واعلم أن بنفس حلف الزوج تقع الحرمة بينهما وإن لم تلتعن الزوجة وهو مقتضى قول سحنون وأصبغ والموطأ، والمشهور أن الفرقة لا تكون إلا بتمام حلفهما معا، وهو ظاهر قول الشيخ لأن اللعان في علة لا تقع إلا من الزوجين معا فهو كقوله بعد وإن افترقا باللعان لم يتناكحا أبداً فلا تعارض في كلامه والله اعلم. (وكذلك الذي يتزوج المرأة في عدتها ويطؤها في عدتها): ما ذكره هو المشهور وقال ابن نافع لا تحرم عليه بحال واحتج للمشهور بأنه حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمحضر الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكروا عليه فهو اجتماع سكوتي وقد علمت ما فيه، وظاهر كلام الشيخ لو عقد في العدة ودخل بعدها أنها لا تحرم عليه وهي إحدى الروايتين وكلاهما لمالك في المدونة قاله ابن عبد السلام. قلت: وفيه نظر وذلك أنه لما ذكر في كتابه العدة وطلاق السنة أن مالكا قال: تحرم عليه للأبد وأن المغيرة وغيره قالوا: لا تحرم عليه قال بإثره قال ابن القاسم: وكان مالك يفسخ هذا النكاح وما هو بالحرام البين أراد به وما تأبيد التحريم بحرام بين

فالتأييد حاصل في قوليه معا فأين القول الأول له فيها أنها لا تحرم عليه للأبد نعم هو قول له في غير المدونة وظاهر كلامه ولو كانت العدة من طلاق رجعي لأنه يصدق عليه أنه نكاح في عدة وهو كذلك عند غير ابن القاسم في المدونة. وقال ابن القاسم: لا تحرم عليه كالمتزوج في العدة ألا ترى أن أحكام الزوجية بينهما فاقية من الميراث وغيره، وقال ابن رشد: ويحتمل أن يتخرج قول ثالث وهو إن راجعها زوجها لم يكن هذا متزوجا في العدة من قول ابن بشير في النصرانية تسلم تحت النصراني، فتتزوج في العدة أنه إن لم يسلم زوجها حتى انقضت العدة كان نكاحها فيها تزويجها في العدة، وإن أسلم لم يكن نكاحها فيها. قلت: وإنما قال يحتمل لأنه يفرق بينهما لأن إسلامه كشف دوام عصمته دون طلاق قاله بعض شيوخنا وظاهر كلامه أن القبلة والمباشرة لا تحرم بهما، وهو نحو ما في كتاب ابن المواز يؤمر بالتحريم ولا يقضى عليه واستحسنه أشهب لأنه لم يوجب لبسا في لحوق النسب. وفي المدونة هما كالوطء فتحرم، نص على ذلك في كتاب العدة في آخر فصل المفقود فاعلم ذلك. واختلف إذا وطئها في الاستبراء على أربعة أقوال: فقيل تحرم وقيل لا ووقع لابن القاسم أنها تحرم إن كانت حاملا ولا تحرم في غيره قال ابن رشد ولو عكس لكان أصوب لأن فيه إذا وطئ غير الحامل اختلاط الأنساب. (ولا نكاح لعبد ولا أمة إلا بإذن السيد): ما ذكر هو كذلك باتفاق لأن تزويج العبد يعيبه ولذلك لو طلب العبد من سيده أن يزوجه وامتنع من ذلك فإنه لا يجبر قال ابن عبد السلام: وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يقصد الضرر، فإن قصده أمر بالتزويج أو البيع، وقد اختلف المذهب هل يجب على الولد أن يزوج أباه إذا طلبه أم لا؟ وسبب الخلاف هل يلحق النكاح بالأقوات أم لا؟ وللشافعية في المسألة تفصيل ونص بعض المتأخرين منهم على الوجوب حتى قال في الحيوان البهيمي يجب إرسال الذكور على الإناث زمان الضراب وللسيد أن يجبره على النكاح إذا أباه منه ما لم يقصد الضرر ولا يختلف فيه كما اختلف في الوصي هل يجير محجوره أم لا؟ لأن المحجور هناك إذا أكره على النكاح وطلق أتلف مال نفسه وإذا طلق العبد هنا أتلف مال سيده الذي أجبره لأن مال العبد لسيدة قاله ابن عبد السلام أيضا.

قلت: وفيه عندي نظر بدليل أن السيد لا يزكي مال العبد ولو كان مالكا له لزكاه كما إذا كان له مال وديعة وقد علمت أن مال العبد يتبعه في العتق ولو كان غير مالك له لما تبعه فبان بهذا أن السيد لا يملكه إلا بعد الانتزاع نعم إن مالك العبد غير كامل لقدره السيد على الانتزاع، ولذلك لا زكاة عليه فيه، ولو تزوج بغي إذن سيده فله فسخه بطلقة وقال الأبهري: القياس دون طلاق على الأول فلا يطلق إلا واحدة وقيل بالبتات طلقتين وبالأول قال أكثر الرواة وبالثاني قال مالك والقولان في المدونة. (ولا تعقد امرأة ولا عبد ولا من على غير دين الإسلام نكاح امرأة): ظاهرة كلامه يقتضي أن من ذكر يعقد على الذكور وهو كذلك قاله في الواضحة والعتبية وغيرهما لأن الولاية إنما تشترط في المرأة خاصة. قال المتيطي: وهو المشهور المعمول له وقيل إن المرأة لا تعقد مطلقا وأخذ ذلك من المدونة من قولها ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس فظاهرها العموم قاله غير واحد كابن سعدون، وعبد الوهاب وعبد الحميد ومثله في الموازية وتأويلها ابن رشد على أن المراد من النساء لنص سماع عيسى لا بأس أن يوكل الرجل نصرانيا أو عبدا أو امرأة على عقد نكاحه. ومثل هذا التأويل لأبي محمد بن أبي محمد عبد الحق. قلت: والأقرب عندي هو الأول ويؤيده قول اللبيدي وقع في وصايا المدونة لا تعقد على أنثى ولا ذكر، وما ذكر الشيخ في العبد وهو كذلك، وقال ابن عبد السالم ولا أعلم الآن في ذلك خلاف على أن ظاهر كلام أصبغ يدل على وجود الخلاف فيه لقوله لاميراث في النكاح الذي تولي العبد عقدته وإن فسخ بطلقة لضعف الاختلاف. قلت: فيما قاله نظر لأنه يحتمل الخلاف أن يكون خارج المذهب لأن باب الميراث لا يقتصر في مراعاة الخلاف فيه على المذهبين فقط والله أعلم. ودل كلام الشيخ من باب أحرى أن الصبي والمعتوه لا يعقدان وهو كذلك، وقال ابن البشير قال اللخمي: يعقد الصبي المميز قلت ورده بعض شيوخنا بأن اللخمي إنما حكاه فيمن أنيت، وقد قيل إنه علامة على البلوغ، وظاهر كلام الشيخ في الكافر أنه لا يعقد سواء كان كفره كفر جزيه أم لا؟ وهو كذلك باتفاق في غير كفر الجزية وباختلاف في كفر الجزية والقول بأنه لا يمنع الولاية حكاه ابن بطال عن أصبغ وإلى هذا أشار ابن الحاجب بقوله: والمشهور أن كفر الجزية من الولي يسلب الولاية عن

المسلمة كغيره. وتعقبه ابن عبد السلام قائلاً: لم أر أحداً من الحفاظ وغيرهم إلا وهو ينكر وجود هذا القول الشاذ ونسب المؤلف فيه إلى الوهم وقال ابن هارون: بقيت زمانا أبحث عليه فلم أقف عليه حتى أخبرني بعض فضلاء أصحابنا أنه في ابن بطال فنظرته فوجدته نقله عن أصبغ. قلت: وكذلك نقل ابن رشد انه وقف عليه لابن بطال عن اصبغ بعد أن كان لا يحفظ إلا ما أخبره به شيخه الفقيه القاضي أبو عبد الله ابن الشيخ أبي عبد الله الزواوي أنهم وجدوا في بجاية كتابا لبعض الأندلسيين، وفيه أن الكافر من أهل الجزية تكون له الولاية أو قال البنت المسلمة لا تتزوج بغير أمره ورضاه. وحاصل هذا الباب أنه يشترط في الولي العقل والبلوغ والحرية والذكورية والاسلام واختلف في المسلم الفاسق هل نصح ولايته أم لا؟ فأجاز ابن القصار نكاحه وكره عبد الوهاب مع وجود عدل فإن عقد جاز وكلاهما نقله اللخمي، وقال ابن شاس وابن الحاجب، والمشهور أن الفسق لا يسلب إلا الكمال فظاهر كلامهما أن الشاذ يسلب الأجزاء، قال بعض شيوخنا ولا أعرفه ومثله لخليل. (ولا يجوز أن يتزوج الرجل امرأة ليحلها لمن طلقها ثلاثا ولا يحلها ذلك).

ظاهر كلام الشيخ: ولو لم يشترط عليه التحليل فإنه لا يحلها إذا نواه وهو كذلك في المشهور، وحكاه عبد الحميد الصائغ في تعليقه عن مالك قال: وذهب غير واحد من أصحابنا إلي أنه يحلها وهو مأجور ولو اشترط تحليلها ما حلت اتفاقا. قال ابن حبيب: ويجب على المحلل أن يعلم الأول أن قصده التحليل بإنكاحها. وقال ابن عبد البر في كافيه: علم الأول وجهله في ذلك سواء، وقيل: إن علم الأول قصد الثاني إجلاله فينبغي له تركها، وقيل إن علم أحد الثلاثة بالتحليل فسخ النكاح وهو شذوذ. وكذا نقل المتيطي هذا القول ظاهره أنه في المذهب ولم يعزه ابن عبد البر في الاستذكار إلا للنخعي والحسن البصري، ولو زوجها من غيره ليس له طلاقها بعد وطئه حلت له قاله بعض الشيوخ مستدلا بما رواه ابن نافع: لا بأس أن يتزوج الرجل المرأة تعجبه ليصيبها وقد أضمر في قلبه فراقها بعد شهر. ولو تزوجها من حلف ليتزوجن على امرأته فقيل: يحلها وإن لم يشبه أن تكون من نسائه أم لا ففيه خلاف وكذلك في إبرائه من يمينه حكاه ابن رشد. (ولا يجوز نكاح المحرم لنفسه ولا يعقد نكاحا لغيره): ما ذكر هو مذهبنا، وقال أبو حنيفة وغيره: يجوز للمحرم أن ينكح وبين الفريقين احتجاج يطول ذكره. قال ابن الجلاب: وله رجعة امرأته في العدة، ومثله في المدونة والموطأ قال ابن عبد البر: وهو متفق عليه بين فقهاء الأمصار، ونقل الباجي عن احمد بن حنبل منعها. قال ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريجه في المذهب على القول بأنها قبل الارتجاع محرمة الوطء، وأن الإشهاد في الرجعة واجب، ورده بعض شيوخنا بأن حرمة الإحرام أشد لعدم القدرة على عدم رفعها وبالاتفاق على ثبوت الإرث بينهما في المسألة المخرج منها. قال ابن الجلاب: وله شراء الجواري وقال ابن عبد السلام: ولا يبعد منعه على القول بأنها فراش بنفس عقد البيع، وإن لم يقر سيدها بوطئها كما ذهب إليه بعض شيوخ المذهب فيمن تراد للفراش منهن. ورده بعض شيوخنا بأن مظنة وقوع الوطء في الزوجة أقوى لحقها فيه وهو

مظنة الطلب مظنة الإباحة وبأن النكاح خاص بالوطء وإليه أشار ابن الجلاب في قوله لأنه لا ينكح إلا من يحل له وطؤها فإن وقع نكاح المحرم أو إنكاحه فإنه يفسخ أبداً، وفي فسخه بطلاق روايتان، وكذلك الروايتان في تأبيد التحريم والمشهور عدم التأبيد قاله ابن عبد البر. (ولا يجوز نكاح المريض ويفسخ): يريد المرض والمخوف وهو الذي يحجر فيه عن ماله قال ابن بشير، وقال اللخمي: ما ظاهرة إذا أشرف على الموت أنه لا يجوز بلا خلاف، وكذلك ألحق بغير المخوف ما يكون مخوفا إلا أنه يتطاول كالسل والجذام في أوله وظاهر كلام الشيخ، ولو احتاج المريض إلى زوجة تقوم به وسواء كانت ترثه أم لا، واختلف في المسألة على أربعة أقوال فالمشهور ما قال الشيخ. ونقل اللخمي عن مطرف جوازه وكذلك عزاه ابن المنذر والمتيطي وحكاه ابن الحاجب عن مالك، وحكى ابن المنذر أيضاً عن مالك أنه يجوز إن لم يكن مضارا وكانت له حاجة لمن يقوم به أو في الإصابة، وإن لم تكن له حاجة إلى شيء من ذلك فهو مضار. وقيل: إن كانت لا ترثه فإنه جائز كما إذا كانت أمة أو كتابية بناء على أنه لحق الورثة وأجيب بجواز الإسلام والعتق. وقوله: ويفسخ إنما قال يفسخ لئلا يقال يراعى فيه الخلاف بعد الوقوع كما يوجد في كثير من الأنكحة الفاسدة. وظاهر كلام الشيخ: ولو صح المريض فإنه يفسخ بناء على فساده في عقده وهو كذلك قاله في سماع أشهب وبه قال سحنون وأصبغ وأشهب، ورواه ابن وهب أيضاً، وقيل لا يفسخ وهو اختيار ابن القاسم وبه قال ابن رشد بناء على أنه لحق الورثة وكلاهما في المدونة قال فيها: قال مالك وإن صحا ثبت النكاح دخلا أو لم يدخلا وكان يقول لا يثبت وإن صحا ثم عرضها عليه فقال امحها وأرى إذا صحا ثبت النكاح ومنهم من علل فساده بأنه في صداقه إذ لا تدري ما يخرج لها من الثلث كله أو بعضه ورد بأنه لو كان كذلك لمضى بالبناء كغيره ورد بأن غيره إذا وجب فيه صداق المثل بالدخول زال الغرر لتعلق صداق المثل بالذمة بخلاف ما هنا. قال ابن عبد السلام: وهو ضعيف لأن إخراج الصداق من الثلث معلل بفساد

النكاح فلو جعل الإخراج من الثلث علة الفساد للزم الدور. قلت: وهذه المسألة إحدى ممحوات المدونة الأربع وثانيها في الضحايا وثالثها في الإيمان والنذور ورابعها في السرقة وأمره بالمحو مبالغة في طرحه لظهور الصواب في القول المرجوع إليه، ووقعت المسامحة في بقائه مكتوبا لأنه يصح أن يذهب إليه المجتهد يوماً ما وهذا هو الموجب لتعدد الأقوال التي يرجع المجتهد عنها ونبه على هذا ابن عبد السلام. (وإن بنى بها فلها الصداق في الثلث مبدأ ولا ميراث لها): ظاهر كلام الشيخ أن لها المسمى وإن كان أكثر من صداق المثل وهو قول ابن عبد الملك قائلاً: لأنه بالتسمية أصابها وكذلك رواه ابن نافع وأشهب قال سحنون: وهو خير من قول ابن القاسم من قول لها صداق المثل ولا يعجبني وفي ثاني نكاح المدونة إن دخل بها فمهرها في ثلثه وزاد في الأيمان بالطلاق وإن زاد على مهر مثلها سقط ما زاده، ففسرها أبو عمران بالأقل منهما فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال ثالثها: لها الأقل من صداق المثل والمسمى وما ذكر الشيخ أنه في الثلث وهو المشهور واحد الأقوال الثلاثة وقيل يكون من رأس ماله نقله القابسي عن المغيرة، وقيل أما ربع دينار فمن رأس المال قاله القابسي. قال عبد الحق: وهو الذي حفظت من شيوخنا وهو حسن إذ لا يستباح بضع بأقل منه وكالسيد يفسخ نكاح عبده بعد بنائه يترك لزوجته ربع دينار، وقال أبو عمران: لا أدري من أين نقل القابسي عن المغيرة ما ذكر والذي رأيته في كتاب المغيرة أنه من الثلث قال خليل: ولا يلزم القابسي ما ذكره أبو عمران لاحتمال أن ينقل عنه بواسطة دون كتاب ونقل عبد الحق عن ابن حبيب أنه يدخل فيما لم يعلم به. (ولو طلق المريض امرأته لزمه ذلك وكان لها الميراث منه إن مات في مرضه ذلك): تكلم رحمه الله على الوجه المشكل وهو إذا طلقها ثلاثا وأخرى إذا طلقها أقل من ذلك أنها ترثه وعمدة أهل المذهب في إرثها قضاء عثمان لامرأة عبد الرحمن بن عوف وهو المروي عن عمر وعائشة رضي الله عنهما قال ابن عبد البر: لا أعلم لهم مخالفا من الصحابة إلا عبد الله بن الزبير وجمهور علماء المسلمين على ما روي عن الصحابة وقالت طائفة منهم بقول ابن الزبير. قال ابن عبد السلام: وهو القياس لأن الزوجية أمر نسبي لا تعقل إلا بين اثنين

فلو صحت من جانب المرأة لصحت من جانب الزوج فوجب إذا ورثته أن يرثها وأجمعوا على أنه لا يرثها فوجب أن لا ترثه إلى غير ذلك من اللوازم المنتفية، وظاهر كلام الشيخ: ولو كان الطلاق بخلع أو تخييرا وتمليكا وهو كذلك قاله في إرخاء الستور من المدونة قائلاً: لأن طلق في الصحة طلاقا رجعيا ثم مرض في العدة ولم يرتجعها، وخرجت من العدة ومات بعد فإنها لا ترثه وقيل: إنها ترثه حكاه ابن عبد البر في الكافي، واختلف إذا كان أوقع الطلاق في الصحة والحنث وقع منه في المرض ففي الأيمان بالطلاق من المدونة أنها ترثه. وروي زياد بن جعفر أنها لا ترثه حكاه الباجي وعزا الأول لمشهور قول أصحابنا. قال ابن عبد السلام: وما رواه زياد هو الصحيح عندي لانتفاء التهمة فيه من كل الوجوه ألا ترى أن اليمين وقعت في الصحة من الزوج والحنث وقع في المرض واختلف إذا طلق أمة أو ذمية فعتقت الأمة وأسلمت الذمية بعد العدة وقبل موته ففي إرثهما قولان لمحمد وابن الماجشون وعزاهما الباجي لابن القاسم وسحنون. قال في المدونة: ومن ارتد في مرضه فقتل على ردته لم ترثه ورثته المسلمون ولا زوجته إذ لا يتهم أحد بالردة على منع الميراث، وظاهره وإن كان معروفا بالبغض لمن يرثه قال اللخمي: وإن راجع الإسلام بالقرب ثم مات في مرضه فإنها لا ترثه على قول ابن القاسم لأن ردته طلاق وترثه على قول عبد الملك أن إسلامه يوجب بقاءها زوجة دون طلاق. قلت: قال بعض شيوخنا: الأظهر أن ترثه زوجته على قول ابن القاسم، أيضاً لأنه مطلق في المرض ورافع تهمة قتله والفرض نفيه لإسلامه. وأجابه شيخنا أبو مهدي أيده الله بأنه إنما علل في الكتاب بأن نفس الردة تزيل التهمة لا أن قتله هو الموجب لرفع التهمة وإنما ذكر القتل في التصوير لا في التعليل واضطراب المذهب فيما إذا عاجله الموت على أربعة أقوال: فقيل: إنه لا يورث قاله في المدونة وعكسه نقله ابن شعبان وقيل بالأول إن لم يتهم قاله في المدونة وقيل إن ورثه بعيد ومن يعلم أن بينه وبينه عداوة حسن إرثه والثلاثة الأقوال حكاه اللخمي واختار الرابع. (ومن طلق امرأته ثلاثا لم تحل له بملك ولا نكاح حتى تنكح زوجا غيره).

أتى رحمه الله بلفظ الآية في قوله تعالى (حتى تنكح زوجاً غيره) [البقرة: 230] ، واختلف هل المراد بالنكاح العقد مع الوطء أم العقد كاف فالمعروف هو الأول وصرح به الشيخ في باب ما يجب منه الوضوء والغسل وذهب سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير رضي الله عنهما إلى أن العقد كاف، وحكاه أبو عمران الفاسي عن أبي الحسن اللباد الفرضي البغدادي وأخذ الشيخ أبو الحسن المغربي مثله من قول أشهب في المدونة في النكاح الثالث. وقال أشهب في كتاب الاستبراء: عقد النكاح تحريم للأمة كان يطؤها أم لا حكى قول أشهب هذا فيما إذا وطئ أمة بملك ثم تزوج أختها ويرد بأن قول أشهب في باب ما يحرم به الشيء ومسألتنا في باب ما يباح به الشيء وما يباح به الشيء أشد يدل عليه ما في باب الأيمان في قولهم يحنث بالأقل ولا يبرأ إلا بالجميع ونص على هذا المعني أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله مستدلا على قاعدة البر والحنث بالفرق بين المبتوتة فإنها لا تحل إلا بالوطء وبين ما نكح الآباء والأبناء فإن العقد فيه كاف ويكفي إيلاج الحشفة أو مثلها من مقطوعها. وظاهر كلام الشيخ أنه لا فرق في المحلل بين أن يكون مسلما أو ذميا لذمية، وهي رواية ابن شعبان وقاله علي بن زياد وأشهب. والمشهور من المذهب أن وطء الذمي لا يحلها وليحيي بن يحيي الفرق بين

طلاق الذمي إياها فلا تحل لأن طلاقه ليس بطلاق وبين موته عنها فتحل ذكره المتيطي رحمه الله. قال اللخمي: والصواب ما روى ابن شعبان لعموم قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) [البقرة: 230]. ورده بعض شيوخنا بنفي العموم للفعل والنكره في غير نفي قال: ويجاب بأنهما في سياقه كقوله تعالى (إذا تداينتم بدين) [البقرة: 282] قال مالك: هذا يجمع الدين كله واستشكل ويجاب بابه في سياق الشرط، ويشترط في الوطء الذي نحل به الانتشار في القول المشهور، وقيل: لا يشترط ذكره في الموازية قال بعض من لقيناه وانظر هل يتخرج هذا الخلاف في الغسل، ورجع الثاني وذكر أنه لم يقف على نص في ذلك وهو قصور لقول ابن شعبان إن أدخلت زوجة العنين ذكره في فرجها لزمها الغسل قال أبو محمد لا أعرف خلافه. (وطلاق الثلاث في كلمة واحدة بدعة ويلزم إن وقع): ما ذكر الشيخ من طلاق الثلاثة في كلمة واحدة بدعة هو مذهبنا، وقيل خارج المذهب، إنه من طلاق السنة متمسكا قائله بحديث اللعان ونصه: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها؛ فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره، وما ذكر الشيخ من أنه يلزمه هو المغروف وكذلك قال ابن رافع رأسه ومحمد بن مخلد من أئمة قرطبة ونص ابن مغيث، قال محمد بن ناصر ومحمد بن عبد السلام وهو فقيه عصره وابن زنباع وغيرهم بأنه تلزمه طلقة واحدة في ذلك أخذاه من مسائل متعددة من المدونة من ذلك قولها إذا تصدق الرجل بجميع ماله يلزمه منه الثلث. وقد اختلف شيوخ القرويين في القائل الأيمان تلزمني، فقال أبو محمد ثلاثا، وقال أبو عمران وأبو بكر بن عبد الرحمن تلزمه طلقة واحدة إذا لم تكن له نية ونقل الشيخ أبو الحسن المغربي في كتاب الحج عن ابن سيرين أنه قال: ما ذبحت قط ديكا بيدي ولو وجدت من يرد المطلقة ثلاثا لذبحته بيدي، وهذا منه مبالغة وتغليظ في الزجر عن ذلك. وكذلك سمعت بعض من لقيته من القرويين يذكر أن الإمام المازري قال: نصرهم ابن مغيث لا أغاثه الله على أن في دعائه عليه نظرا لأنه رحمة الله لم يذكر ما ذكره بالتشهي بل بما ظهر له من الاجتهاد فهو مأجور سواء أصاب أو أخطأ.

ويرد أخذه من مسألة المدونة في باب الأيمان أشد، وبيانه أنا لو أخرجنا عنه جميع ماله لأصابه الحرج والضيق الشديد ولا سيما إن كان ذا مال طائل وعيال كثير ولا صنعة له ووجود مثل زوجته وأحسن منها موجود في كل زمان بلا تكلف وكذلك مسألة الأيمان تلزمه يحتمل أن يكون الشيخان رأيا فيها أن القائل ذلك إنما يتناول لفظه لزوم الطلاق ظاهر إلا نصا فأشبه ما إذا قال: أنت طالق فإنه تلزمه طلقة واحدة لا ثلاث بخلاف مسألتنا فإنه صرح فيها بالطلاق ثلاثا والله أعلم. وخرج أبو داود عن ابن عمر عن أنمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أبغض الحلال إلى الله الطلاق" وصرفه الخطابي لسوء العشرة لا للطلاق لإباحة الله له وفعله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومحمل كونه أبغض فيكون أحل من الطلاق كقول مالك إلغاء البياض أحله وقبله المتيطي. وحمله اللخمي على المرجوحية وقسمه إلى أربعة أقسام فقال: إذا كان الزوجان كل واحد منهما يقول بحق صاحبه استحب البقاء وكره الطلاق لحديث " أبعض الحلال إلى الله الطلاق" وإن كانت غير مؤدية حقه كان مباحا. قلت: وذكر ابن رشد أنه مندوب إليه وإن كانت غير صينية في نفسها استحب الفراق إلا أن تتعلق بها نفسه. قلت: وذكر ابن رشد أنه مباح قال وإن فسد ما بينهما، ولا يكاد يسلم دينه معها وجب الفراق. قلت: وزاد ابن بشير حرمته أصلاً وهو إذا خيف من وقوعه ارتكاب كبيرة مثل أن يكون لأحدهما بالآخر علاقة إن فارقها خاف ارتكاب الزنا وهو عندي من حيث الجملة مكروه كما قال ابن عطية لأنه تبديل ينشأ في الإسلام، قال وروى أبو موسى الأشعري أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات". وروى أنس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال " ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق". (وطلاق السنة مباح وهو أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه طلقة ثم لا يتبعها طلاقا حتى تنقضي العدة):

ذكر الشيخ رحمه الله لطلاق السنة أربعة قيود: الأول: أن يطلقها في ظهر احترازاً من طلاقها في الحيض فإنه ممنوع للإجماع واختلف في علة المنع فقيل: لأنها لا تعتد بتلك الحيضة فيكون تطويلا عليها في العدة، وقيل: تعتد وعليهما الخلاف في طلاق غير المدخول بها وهي حائض وكذلك الحامل وسيأتيان، قال في المدونة: ولا تطلق التي رأت القصة البيضاء حتى تغتسل بالماء وإن كانت مسافرة فتيممت فلا بأس أن يطلقها بعد التيمم لجواز صلاتها به. واعترض بأن النهي عن الطلاق في الحيض إنما هو لتطويل العدة وبنفس رؤيتها القصة البيضاء قد ارتفع عنها الحيض فليس فيه تطويل، ولذلك قال ابن عبد السلام: الظاهر للقول الثاني أنه يجوز أن يطلقها برؤية القصة ولو قلنا بالتعبد لانتفاء الحيض وتعذره. القيد الثاني: كونه لم يطأ فيه، قال في المدونة: ويكره أن يطلقها في طهر جامع فيه. واختلف في علة الكراهة على ثلاثة أقوال: فقيل للبس العدة عليها بماذا تكون لأنها لا تدري بماذا تعتد هل تعتد بالإقراء أو بوضع الحمل قاله أبو محمد بن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب، وقيل لتكون مستبرأة فتكون على يقين من نفي الحمل إن أتت بولد، وقيل خوف الندم إن خرجت حاملا فإن طلقها في طهر جامع فيه لزمه واعتدت به ولا يؤمر برجعتها قاله في المدونة، وقال ابن كنانة لا تعتد به. وقال ابن عبد السلام: أظن أني وقفت على قول في المذهب أنه يجبر على الرجعة ولا اتحققه الآن فإن صح وجوده فوجهه ظاهر. قلت: قال بعض شيوخنا لا أعرفه إلا من قول عياض ذهب بعض الناس إلى جبره على الرجعة كمن طلق في الحيض، وقال خليل حكاه بعض المغاربة. القيد الثالث: أن تكون الطلقة واحدة احترازاً من طلاقها اثنتين أو ثلاثا وقد تقدم اختلاف العلماء في طلاق الثلاث في كلمة واحدة هل هو من طلاق السنة أم لا؟ الرابع: لا يتبعها طلاقا وهو معروف المذهب وقال في المدونة عن ابن مسعود: إن أراد أن يطلقها ثلاثا فيطلقها في كل طهر طلقة قال غير واحد: وبه أخذ أشهب ما لم يرتجعها إلا أن يطأها. وبقي ثلاثة شروط أخر وهي كونه لم يتقدم له طلاق في حيض وكون المطلقة ممن تحيض، وكون الطلقة خلت عن عوض والستة الأول حكم جميعها عبد الوهاب في

تلقينه وزاد ابن العربي السابع قال في أحكام القرآن له وهي سبعة شروط ذكرها علماؤنا مستقرأة من حديث ابن عمر رضي الله عنه. قلت: وما زاده مختلف فيه في المذهب فقد قيل: إن الخلع ليس كالطلاق لأنه برضاها، ورأى بعض المتأخرين أن هذا القول هو الجاري على المشهور بأن النهي معلل. (وله الرجعة في التي تحيض ما لم تدخل في الحيضة الثالثة في الحرة أو الثانية في الأمة): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة قال فيها: وليرتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد وغير الحامل ما لم تر أول قطرة من الحيضة الثالثة في الحرة أو الثانية في الأمة واختصره أبو محمد وغيره على أنه من كلام ابن القاسم واختصره ابن أبي زمنين. قال غيره: وغير الحامل، ما لم تر أول قطرة وهو أشهب، وزاد في المدونة عن أشهب أيضا أحب إلى أن لا تنكح حتى تستمر الحيضة لأنها ربما رأت الدم ساعة أو يوما ثم ينقطع عنها فيعلم أن ذلك ليس يحيض، فإذا رأت المرأة هذا في الحيضة الثالثة فلترجع إلى بيتها والعدة باقية ولزوجها عليها الرجعة حتى تعود إليها حيضتها صحيحة مستقيمة. وأخذ غير واحد من قول ابن القاسم أن الدفعة الواحدة حيض من قول أشهب أن اليوم ليس بحيض في العدة والاستبراء وعلى اختصار أبي محمد وغيره فاختلف الشيوخ هل قول أشهب وفاق لابن القاسم أو خلاف وإلى أنه خلاف ذهب سحنون وابن رشد، قال المتيطي رحمه الله: وهو الصحيح، لأن أقل الحيض لا حد له عند ابن القاسم، وقد يكون يوما أو ساعة. قلت: إذا كان قبله طهر تام فلا معنى لاستحباب تربصها، وإنما يلزمها التربص على النكاح على قول ابن الماجشون الذي يقول: أقل الحيض خمسة أيام. وعلى قول ابن مسلمة الذي يقول أقله ثلاثة أيام لاحتمال أن ينقطع عنها قبل ذلك ونحوه في رواية ابن وهب، قال ابن عبد السلام – بعد أن ذكر هذا الإلزام لبعضهم – وقد لا يلزم ألا ترى أن مالكا وابن القاسم يقولان: إن الدفعة وما اشبهها ليست بحيض في هذا الباب مع أنها تبين برؤية أول الدم الثالث أن لا يبعد أن يسلك ابن الماجشون وابن مسلمة هذه الطريقة. قال عبد الحق في النكت: وإذا نكحت ثم قالت انقطع الدم عني صدقت وفسخ

النكاح ولا يمين عليها في إرادة فسخ النكاح لأن هذا أمر لا يعلم إلا من جهتها وقول أشهب: إنها إذا لم تستمر الحيضة ترجع إلى بيتها ولزوجها رجعتها يبين ما قلناه لأنه لم يتهمها في رجعة الزوج ووجوب النفقة والسكني فكذلك لا تتهم فيما وصفنا. ثم قال: وأما لو قالت هذه المرأة قد انقضت عدتي بهذا اللفظ ثم تزوجت فبعد ذلك قالت: ظننت أن الحيضة تستمر فلهذا قلت قد انقضت عدتي، وقد انقطع عني فههنا تتهم في فسخ النكاح ولا يقبل ذلك منها والله أعلم. (فإن كانت ممن لم تحض أو ممن يئست من المحيض طلقها متى شاء وكذلك الحامل). أراد بقوله أو ممن قد يئست من لم تر الحيض في عمرها وليس مراده من جاوز سنها الخمسين أو السبعين سنة كما قال في غير هذا الموضع، وتلحق المستحاضة لغير المميزة بما ذكر لأن عدتها بالأشهر، واختلف في المميزة على قولين وسبب الخلاف هل عدتها بالأقراء وبالسنة كما سنبينه في موضعه إن شاء الله وما ذكر الشيخ من أن الحامل يطلقها متى شاء هو قول ابن شعبان وعزاه عبد الحق لأبي عمران وصوبه ونقل عن ابن القصار أنها لا تطلق في الحيض وهو جار على التعبد ولو طلقها في دم بين توأمين فهو كدم حيضتها. (وترتجع الحامل ما لم تضع والمعتدة بالشهور ما لم تنقض عدتها والأقراء هي الأطهار): ظاهر كلام الشيخ أنه إذا خرج بعض الولد أن له الرجعة قبل وضع باقيه وهو ظاهر كلام المدونة في كتاب العدة وطلاق السنة ونصها: وترتجع الحامل ما لم تضع آخر ولد في بطنها وهو مخالف لظاهر كتاب إرخاء الستور ونصها: وترتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد فظاهره إذا خرج بعضه لا ترتجع ونقل أبو الحسن المغربي عن ابن

وهب ما يقتضي أنه إذا خرج ثلثاه لا رجعة له. واختلف هل يجب الإشهاد في الرجعة أم لا فالمشهور أنه مستحب وقال ابن بكير إنه واجب ورواه أبو بكر القاضي وبه قال أبو بكر بن العلاء وأخذ بعض شيوخنا من المدونة من قولها فيمن منعت نفسها وقد ارتجعت حتى يشهد فقد أصابت قائلاً: إذ لا يمنع ذو حق من حقه لأمر غير واجب. قال ابن عبد السلام: وأشار غير واحد إلى عدم الخلاف في المسألة وإن الاستحباب في ذلك هو اقتران الإشهاد بالارتجاع وأن الإيجاب إنما يرجع إلى التوثق لأنه شرط في الارتجاع كما ذهب إليه الشافعي وفي كتاب العدة من المدونة قال مالك: بأس أن يدخل عليها ويأكل معها إذا كان ممن يتحفظ بها ثم رجع فقال: لا يفعل. قال عياض: فظاهره منع التلذذ على كل حال وإنما الخلاف في غيره وإليه ذهب وابن محرز وغيره، وقال اللخمي: الباب كله واحد وإن قوله اختلف في جميع ذلك، وخرج الخلاف في التلذذ بها وهو بعيد والرجعة تكون بالقول كراجعتك وبالفعل كالوطء واختلف هل يفتقر إلى نية أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل باشتراطها قاله أشهب وعكسه وهو ظاهر قول ابن وهب وقيل: يشترط في الفعل دون القول قاله في المدونة وهو المشهور وعليه فلو وطئها ولم ينو رجعتها واسترسل على ذلك وطلقها ثلاثا بعد خروجها من العدة فقال أبو محمد: لا يلزمه لأنها أجنبية، وقال أبو عمران: يلزمه مراعاة لقول ابن وهب والليث والوطء لا يفتقر إلى نية. قلت: وهو الصواب أخذا بالاحتياط وبه أفتى غير واحد من شيوخي كشيخنا أبي مهدي عيسي أيده الله تعالى. (وينهى أن يطلق في الحيض فإن طلق لزمه ويجبر على الرجعة ما لم ينقض العدة): ما ذكر الشيخ أنه ينهي أن يطلق في الحيض صحيح ولا أعلم فيه خلافا وما ذكر أنه يلزمه هو نقل الأكثر باتفاق وشذ بعض التابعين في قوله بعدم اللزوم إذا طلق في الحيض قال خليل: وبذلك قال بعض البغداديين وما في الصحيح يرده وما ذكر من أنه يجبر على الرجعة صحيح ويعني بالتهديد ثم بالسجن ثم بالسوط ويكون ذلك قريبا في موضع واحد فإن أبي ألزمه الحاكم الرجعة قاله ابن القاسم وأشهب في نقل ابن المواز وسمع أصبغ بن

القاسم من أبي الارتجاع من طلاق الحيض قضى عليه السلطان بها، وأشهد على القضية بذلك فكانت رجعة تكون بها امرأة أبداً حتى إذا خرجت من العدة توارثا. قال ابن رشد: فظاهر هذا السماع إجباره بالإشهاد بما ذكر دون السجن والضرب خلاف ما تقدم لابن المواز. قلت: قوله في السماع فإن أبي أعم من الضرب وغيره فالأولى تفسيره به ليكون وفاقاً وهو أولي من حمله على الخلاف مع الاحتمال المذكور، وذكر ابن رشد أن الباجي حكى في وثائقه قولين في سجنه فلعل مستنده السماع المذكور، واستشكل ابن عبد السلام كونه يضرب ويسجن بقوله إذا كان حصول الرجعة من القاضي بالحكم عليه ممكنا فلا معنى لضربه وسجنه إلا أن يقال من شرطها إلزام القاضي له ذلك تحقيق إباية المطلق ولا يتحقق إلا بذلك وفيه نظر. واختلف هل للزوج أن يطأ بارتجاع الحاكم إذا لم ينوها الزوج أم لا؟ فقال أبو عمران ذلك له قائلا: كما كان له أن يطأ في نكاح الهزل وقال بعض البغداديين: لا يطأ وصوب ابن رشد الأول قائلاً: كالسيد يجبر عبده على النكاح، قال الشيخ اللخمي: إن أخطأ الحاكم فطلق لإعسار ونحوه في الحيض لم يتم بخلاف طلاق الزوج لنفسه؛ لأن القاضي فيه كالوكيل على صفة لأنه لو أجيز فعله لجبر الزوج على الرجعة ثم يطلق إذا طهرت فتلزمه طلقتان. (والتي لم يدخل بها يطلقها متى شاء): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وذهب أشهب إلى كراهة طلاقها في الحيض، ونقل عبد الوهاب عن مالك منعه وسبب الخلاف هل النهي معلل بتطويل العدة أو متعبد به. (الواحدة تبينها والثلاث تحرمها إلا بعد زوج): ظاهر كلام الشيخ: وإن كانت مطلقة بسبب الإعسار بالنفقة وهو كذلك على ظاهر المدونة ونصها، وإن أيسر الزوج في العدة ارتجع إن شاء فمفهومه أن الطلاق قبل البناء لا رجعة فيه لما قد علمت أن المطلقة قبل البناء لا عدة عليها، وقال أبو إبراهيم: انظر في كتاب ابن الجلاب فإنه سواء قبل الدخول وبعده ونقل أبو عمر بن عبد البر في الكافي كذلك رواه عن مالك وقال: لا أدري ما هذا. قلت: ما نقله أبو عمر بن عبد البر صحيح، وكذلك نقله غيره عنه كالمتيطي

وما نقله عن ابن الجلاب قال بعض شيوخنا هو وهم وإنما فيه مثل ما في المدونة قال الشيخ خليل: ولعل ما في الكافي محمول على ما إذا دخل بها وتصادقا على نفي الوطء وإلا فلا يصح إذ لا عدة على غير مدخول بها لنص القرآن. (ومن قال لزوجته أنت طالق فهي واحدة حتى ينوي أكثر من ذلك): ظاهر كلام الشيخ أنه يقبل قوله بغير يمين وهي رواية المدنيين وقيل: لابد من يمينه قاله ابن القاسم ويجعله ابن بشير المشهور قائلا: وهما جاريان على يمين التهمة، وإذا نوى بقوله: أنت طالق واحدة الثلاث فإنه تلزمه الثلاث بلا خلاف لأنه طلق بنية صحبها قول ويكون أراد إيقاع الثلاث مرة واحدة في كلمة واحدة، وكذلك لو قال: أنت طالق واحدة ونوى به الثلاث، وهو أبين في التقدير من المسألة الأولى. وفي المدونة ولو قال لها: أنت طالق تطليقة ونوى اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى وإن لم ينو شيء فهي واحدة وهذه أشد إشكالا من المسألة الأولى لأنه يبعد ذلك التقدير المتقدم في قوله تطليقة ولذلك قال بعض من تكلم عليه يختلف هل هو طلاق باللفظ أو بالنية. قال ابن عبد السلام: يعني أن اللفظ لا يطابق هذه النية لا لغة ولا شرعا فيجب أن يكون بالنية وحدها وقد تقدم أن المشهور عدم اشتراط اللفظ الموضوع للطلاق وأنه يلزم بقوله واسقني الماء إذا أراد الطلاق أو لم يعد من الطلاق بالنية ولو قال: أنت طالق الطلاق فهي طلقتان إلا أن يريد به واحدة، نقله ابن عات عن ابن سحنون، وهي أول مسألة في الأيمان بالطلاق من المدونة من طلق زوجته فقيل له ما صنعت فقال هي طالق وقال: إنما أردت إخباره بالتطليقة التي طلقتها قبل قوله واختلف هل بيمين أم لا؟ فقال أبو القاسم بن محرز: يحلف إن تقدمت له فيها طلقة وعزاه ابن يونس لبعض شيوخنا بعد أن قيد المدونة باليمين مطلقا، وقال عياض: إنما ذلك إذا أراد رجعتها وحيث يجب حلفه قال عبد الحق: إن أبي فلا رجعة له وعليه نفقتها في عدتها لإقراره إلا أن يقر أنها الثلاث أو يوقعها، وقال ابن شاس: إن لم تكن له نية في لزومه طلقة أو طلقتان قولان للمتأخرين وفي كتاب ابن المواز من أشهد رجلا أن امرأته طالق ثم آخر كذلك وقال: إنما أردت واحدة دين وحلف اختلف هل اليمين في هذه أبين من الأولى أم لا؟ لأن كثرة الشهود مما يقصده الناس قولان للأكثر وعياض.

(الخلع طلقة لا رجعة فيها وإن لم يسم طلاقا إذا أعطته شيء فخلعها به من نفسه): قال في المدونة: والمختلعة هي التي تختلع من كل الذي لها والمفتدية التي تعطيه بعض الذي لها والمبارئة هي التي تبارئ زوجها قبل الدخول تقول له خذ الذي لك وتاركني، وروى محمد بن يحيى: والمبارئة هي التي لا تأخذ ولا تعطي والمختلعة هي التي تعطي ما أعطاها وزيادة عليه، والمفتدية هي التي تعطي بعض ما أعطاها وكذلك المصالحة، ونقل ابن عبد السلام عن بعضهم المفتدية هي التي تترك كل ما أعطاها. وقال أبو عمر بن عبد البر: الخلع والصلح والمفتدية سواء وهي أسماء مختلفة ومعانيها متفقة ومنهم من قال: الخلع أخذ الكل والصلح أخذ البعض والفدية أخذ الأكثر والأقل، وما ذكر الشيخ أن الخلع طلقة بائنة هو المذهب وقال الشافعي في أحد قوليه إنه يفسخ إذا لم يذكر طلاقا، وإعطاء الأجنبي مالا كإعطاء الزوجة ولذلك يتحيل به في إسقاط موجبات الطلاق الرجعي والخلع قال في المدونة: وإذا أخذ منها شيء وانقلبت وقالا ذلك بذلك ولم يسميا طلاقا فهو طلاق الخلع وإن سميا طلاقا لزم ما سميا. وأخذ منها بعض من لقيناه من القرويين أن الحفر والدفن والواقع بين أهل البادية في زماننا تلزم فيه طلقة واحدة ما لم يكن عرف بأكثر. وصورة ذلك أن يحفر أحدها حفرة ويردمها الآخر إشارة منهما إلى المتاركة وعدم المطالبة بشيء، وقال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى: هذه إقامة ضعيفة وإن كنت أقول بموجبها لأن هذا فعل صحبه قول وهو قول وقالا ذلك بذلك، وفي الفرع المقيس فعل خاصة فهو أضعف فلا يلزم ما قيل والله أعلم. قلت: وفيما قاله نظر لأن القضاء بهما ملزوم للقول غالبا، واختلف في جواز الغرر في الخلع على أربعة أقوال: الجواز قاله الغير في المدونة على ظاهر قولة لأنه يرسل من يده بالغرر ولا يأخذ والغير هو ابن نافع والكراهة لأصبغ وهو أحد قولي ابن القاسم. والمنع والجواز في الغرر الذي يقدر على إزالته وعدم الجواز فيما لا يقدر على إزالته واختلف إذا وقع لفظ الخلع على غير عوض على ثلاثة أقوال طلقة رجعية طلقة بائنة ثلاثا. (ومن قال لزوجته أنت طالق البتة فهي ثلاث دخل بها أو لم يدخل): ما ذكر الشيخ هو مذهذب المدونة وقيل ينوي إن لم يكن دخل بها نقله الباجي

عن مالك وابن زرقون عن ابن الماجشون قال الباجي: وسبب الخلاف هل تتبعض البته أم لا؟ وجعل ابن بشير المشهور وما في المدونة وجعل ابن الحاجب القول الثاني هو المشهور فيها وفي سائر الكنايات الظاهرة، قال الشيخ خليل ومثله لابن غلاب وحكم بتلة مثل بتة قاله ابن شاس. (وإن قال: أنت برية أو خلية أو حرام أو حبلك على غاربك فهي ثلاث في التي دخل بها وينوي في التي لم يدخل بها): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة إلا في قوله: حبلك على غاربك فإن ظاهرها يقتضي أنه لا ينوي مطلقا قاله اللخمي، وفي كتاب محمد وغيره أنه ينوي قبل الدخول أو يحلف ويقوم منها في حبلك على غاربك أنه إذا قال لها: أنت أطلق من الأرنب في فحص كذا أنه يلزمه الثلاث. وبه أفتى ابن عات لما نزلت بقرطبة، وأفتى ابن القطان بطلقة رجعية إلا أن ينوي الثلاث مستدلا بقول المدونة إذا قال: أنت طالق لا رجعة لي عليك أنها رجعية إلا أن ينوي الثلاث وذكر القولين ابن حمديس واختار الأول، واختلف إذا قال: أنت على حرام على سبعة أقوال، فقيل ينوي مطلقا نقله أبو عمر في الكافي عن مالك وجماعة من أصحابه، وعكسه قاله عبد الملك وقيل كما قال الشيخ وهو قول مالك وابن القاسم

وهو المشهور وقيل يلزم فيها طلقة بائنة رواه ابن خويز منداد، وقيل: طلقة رجعية قاله ابن مسلمة وقيل واحدة قبل البناء وثلاث بعده قاله أبو مصعب وابن عبد الحكم. وقيل: لا يلزمه فيه شيء نقله عياض في الإكمال عن أصبغ، وظاهر لفظ اللخمي والمازري والباجي وغيرهم أن معني القول بأنه لا ينوي بعد البناء أنه مطلقا ولو مستفتيا ولابن رشد بعض أصحاب سحنون خلافه، وأطلق المازري وعياض والأكثر فرض المسألة وقيدها اللخمي بكونه أراد الطلاق فيسقط السابع، وعبر المازري بقوله أولا: أنت على حرام، وثانيا: بقوله الحلال على حرام، وكان الشيخ الصالح العالم أبو الربيع سليمان المراغي مفتيا بسوسة فأفتى بالحلال على حرام لرجل بطلقة وأمر من كان حينئذ قاضيا بها أن يحكم بذلك ليكون محترما بحكم الحاكم، وحمله على هذا كون الرجل له أولاد من زوجته فبلغ الخبر إلى الشيخ الفقيه أبي القاسم الغبريني وكان مفتيا بتونس فأفتي بنقض ذلك الحكم وإلزامه الثلاث قائلاً: محجرا على قضاة القرى أن لا يحكموا إلا بالمشهور ولا يعول إلا على مفتي تونس بإفريقية لا على غيره. قلت: وهذا منه رحمه الله تعسف كما ترى بل كل من يعرف بالعلم، وإن كان في بادية يعول على فتواه إذ رآه الناس أهلا لذلك كالشيخ المذكور نفعنا الله بعلمه وعمله ولقد رأيت بعض من لقيته من القرويين وهو شيخنا أبو محمد عبد الله الشيبي رحمه الله قام له على قدميه إجلالا لما يظن به وهو يقرئنا العلم في مسجده المعروف به وما رأيته عمل ذلك لأحد غيره قط إذا كان لا يخاف في الله لومة لائم. وفي المدونة قيل فيمن قال على حرام إن فعلت كذا قال لا يكون الحرام يمينا في شيء إلا أن يحرم به زوجته فيلزمه الثلاث فإن قلت ما بال البراذعي اقتصرها سؤالا وجوابا كما هي في الأم قلت قال بعض شيوخنا لاحتمال لفظه أن يحرم زوجته كونه بالنص عليها أو بالنية أو بمجرد التعليق، قال اللخمي: من قال علي حرام ولم يقل أنت أو قال الحلال حرام ولم يقل على فلا شيء عليه ومثله لابن العربي في الأحكام له قائلاً: وإنما يلزمه في قوله أنت حرام وأنت على حرام والحلال على حرام ولو قال ما انقلبت إليه حرام أو ما أعيش فيه حرام وأما ما أملكه حرام علي فإنه يلزمه إلا أن يحاشي وهل يكفي إخراجها بقلبه؟ قاله أكثر أصحابنا ولا يحاشيها إلا بلفظه كما دخلت في لفظة قاله أشهب في ذلك قولان. وفي المدونة إذا قال: أنت على حرام وقال: أردت الكذب لا الطلاق لزمه

التحريم ولا ينوي لقول مالك في شبهه ولا نية له سأل عمن لاعب امرأته فاخذت بذكره تلذذ فنهاها فأبت فقال هو عليك حرام وقال أردت أن أحرم أن تمسه لا تحريم امرأتي فوقف وخشي أنه حنث وألزمه غيره من أهل المدينة التحريم وهذا عندي أخف والذي سألت عنه أشد وأبين إلا أن ينوي لأنه ابتدأ التحريم من قبل يمينه وما سأل عنه مالك كان له سبب ينوي به. (والمطلقة قبل البناء لها نصف الصداق إلا أن تعفو عنه هي إن كانت ثيبا): لا خلاف في المذهب أن المطلقة قبل البناء وقد سمي لها أن لها نصف الصداق لقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم) [البقرة: 237] الآية، واختلف المذهب هل تملك المرأة جميع الصداق بالعقد أم لا؟ على ثلاثة أقوال، فقيل تملك جمعيه بالعقد قاله عبد الملك، وهو قول رهونها قال فيها ومن راهن امرأته رهنا قبل البناء بجميع الصداق جاز ذلك لأن عقد النكاح يوجب لها الصداق وقيل: تملك النصف خاصة ويكمل بالموت قاله مالك وابن القاسم وقيل: غير مستقر يستقر نصفه بالطلاق وكله بالموت وقيل: تملك النصف خاصة ويكمل بالموت قاله مالك وابن القاسم، وقيل: غير مستقر يستقر نصفه بالطلاق وكله بالموت قاله ابن رشد على مقتضي المذهب مبطلا الأول بأنه لو وجب به لما سقط بالردة ومبطلا الثاني باستحقاقها كله بالموت، والموت لا يوجب شيء. ومفهوم كلام الشيخ أنه لو بنى ثم طلقها فإن لها جميع الصداق إن لم يطأها وهو كذلك عند مالك من رواية ابن القصار، وبه قال المغيرة، وقيل أن لها النصف وإن طالت إقامته معها قاله ابن أبي سلمة وعبر عنه في المدونة بقوله، وقال ناس لها نصفه وإنما عبر عنه بذلك؛ لأن له اتباعا، وفي المدونة إن طالب إقامته معها فلها جميعه لطول تلذذه وأخلاقه شورتها، قال أبو عمران فظاهر إن انخرم تخليق الثياب والتلذذ لم يجب كل المهر، وقال المتيطي أسقط البراذعي لفظ وخلق ثيابها ذكره كالمعترض عليه وأجابه شيخنا أبو مهدي عيسي أيده الله تعالى بأن طول الإقامة مستلزم لتخليق الثياب فرأى أن ذكره لا يحتاج إليه والطول سنة وقيل: ما يعد طولا في العرف. قال ابن بشير: وفي المذهب قول ثالث إنه أكثر من السنة وهو راجع إلى القول بالعرف واختار اللخمي أن يكون لها النصف وتعارض من تمتعه بها واختلف إذا افتضها بإصبعه فقيل لها كل المهر قاله ابن القاسم وقيل: لها النصف مع ما شأنها، وفرق

اللخمي بين أن يرى أنها لا تتزوج بعد لا مهر ثيب أم لا، واختلف في استحقاق المهر بوطء الدبر أم لا وفيه نظر وفي البكر أبعد، قلت: وفي كتاب الرجم لو جامع في الدبر انحل الإيلاء فأخذ منه بعض شيوخنا أن لها جميعه. (وإن كانت بكرا فذلك إلى أبيها وكذلك السيد في أمته): ظاهر كلام الشيخ وإن بلغت وروى ابن زيادة عن مالك رفع الحجر عنها ببلوغها وفي رواية مطرف استحباب تأخير أمرها العام ونحوه من غير إيجاب وظاهره وإن كانت معنسة، وهو كذلك في أحد الأقوال الثلاثة قال في المدونة: وإذا عنست الجارية البكر في بيت أبيها وأونس منها الرشد جاز عتقها وهبتها وكفالتها قيل هذا قول مالك قال: هذا رأيي وقوله إن ذلك ليس بجائز هو الذي يعرف. قال ابن القاسم وقد سأل مالك عن الجارية المعنسة إذا أعتقت أجائز؟ قال إن أجازه الوالد، وسئل ابن القاسم في باب آخر عن البكر التي عنست في بيت أهلها تجوز كفالتها، قال: قال مالك في هبتها وصدقتها إنها لا تجوز فكذلك كفالتها لا تجوز وكان مالك مرة مرة يقول فما وجدت في كتاب عبد الرحيم إنها إذا عنست جاز أمرها قيل هي ثلاثة فعلي قول ابن القاسم تجوز أفعالها بشرطين إيناس الرشد مع التعنس. وعلى قول مالك ثلاثة شروط يزاد إلى ما ذكر إجازة الولد وعلى رواية عبد الرحيم شرط واحد وهو التعنيس، ومعنى قوله: إن أجازه الوالد إن قال في المجهولة الحال هي رشيدة لأن المعلوم سفهها لا يجوز له إجازة تبرعاتها فإن قلت: ما بال البراذعي اختصرها سؤالا وجوابا في قوله هذا قول مالك على ما هو عليه في الأم وجرت عادته لا يفعل ذلك إلا لمعني من المعاني فما هو هذا المعنى لا يجيبه إلا بما سمع من مالك، أو ما هو جار على ما سمع ولولا أن سحنونا أعاد السؤال بقوله أهذا قول مالك؟ لفهمه أن ما أجابه به ابن القاسم وهو قول مالك قال: وكذلك استدلال ابن القاسم كفالتها لا تجوز لسماع مثله من مالك في هبتها وصدقتها ضعيف لأن الكفالة مرجع ولذلك قال ابن الماجشون: يجوز للمرأة أن تتكفل بجميع مالها وتقدم الخلاف في سن العانس في أوائل النكاح. (ومن طلق فينبغي له أن يمتع ولا يجبر والتي لم يدخل بها وقد فرض لها لا متعة لها): اعلم أن قوله: " ولا يجبر" تأكيد؛ لأن قوله ظاهر في أنها مستحبة ومعلوم أن المستحب لا يجبر عليه من أباه وما ذكرناه من أنها مستحبة هو المشهور، وقيل: إنها

واجبة، قاله ابن مسلمة وابن حبيب والأبهري وبه قال السيوري وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وإن ماتت الزوجة دفعها إلى ورثتها قاله ابن القاسم، وقال أصبغ: لا شيء لهم لأنه عوض لها وتسلية من الطلاق ولو بقيت حية لدفع ذلك إليها وإن طالت المدة، قاله ابن القاسم، قال أبو عمران الفاسي: وهي على قدر حالها وقال أبو عمر بن عبد البر بل هي على قدر حاله وقيل: بقدر حالهما قاله ابن رشد وعزاه ابن عبد السلام لابن خويز منداد. وفي التهذيب عن ابن عباس وغيره أعلاها خادم ونفقة وأدناها كسوة ويعني بالنفقة ما يقرب من ثمن الخادم وقال ابن منذر في الإشراف: أعلاها خادم ثم كسوة ثم نفقة وهو خلاف ما تقدم وإتيان سحنون بالنص عن المتقدمين هو آخذ به على ما دل عليه السياق وكثيرا ما يفعل ذلك. (ولا للمختلعة): يريد وكذلك المصالح والمفتدية ومن اختارت نفسها للعتق والملاعنة نص على جميع ذلك في المدونة وكذلك لا متعة لمن قامت بعيب ولا لمن فسخ نكاحها العارض حدث نص على ذلك الشيخ أبو الحسن اللخمي، واختلف في متعة المخيرة والمملكة فروى ابن وهب ثبوت المتعة ونفاها ابن خويز منداد وهو المشهور قاله ابن رشد. (وإن مات عن التي لم يفرض لها ولم يبن بها فلها الميراث ولا صداق لها ولو دخل بها كان لها صداق المثل إن لم تكن رضيت بشيء معلوم): ما ذكر الشيخ من ثبوت الميراث لها وهو كذلك لا أعلم فيها خلافاً وما ذكر من نفي الصداق هو المشهور، وحكى عبد الحميد الصائغ قولين لها الصداق، وقال ابن بشير: وهو شذوذ قال خليل واختار ابن العربي وغيره ما نقله عبد الحميد لما رواه الترمذي وصححه أنه عليه السلام قضى به ولا خلاف أنه إذا طلقها لا تستحق شيئاً. (وترد المرأة من الجنون والجذام والبرص وداء الفرج):

ما ذكر أنها ترد من العيوب الأربعة هو مذهبنا فالجنون هو الصرع أو الوسواس المذهب للعقل، وأما الجذام فهو معلوم، وفي مختصر ما ليس في المختصر يرد النكاح للجذام لأنه يخشي حدوثه بالآخر ولأنه لا تطيب نفس الواطئ وقل ما يسلم ولدها وإن سلم كان في نسله. وظاهر كلام الشيخ أنها ترد من الجذام وإن قل وهو كذلك نص عليه غير واحد كالمتيطي وكذلك ظاهر كلامه في البرص وترد بفاحش القرع لأنه من معنى الجذام والبرص نقله الباجي عن ابن حبيب قائلا: لم أره لغيره من أصحابنا وظاهر المذهب خلافه وأنه كالجرب ونقل المتيطي عن فضل أنه قال هو خلاف قول مالك ولما نقل ابن عبد السلام كلام الباجي قال: كلام ابن حبيب عندي أقرب إلى أصول المذهب لأن التأذي عندي بالقرع أشد من التأذي بالجرب وأيضا فإن القرع عسير الزوال بخلاف الجرب والله أعلم وداء الفرج ما يمنع الوطء ولذاته كعفل لا يقدر معه على الوطء. وفي وثائق ابن العطار ما يمنع الجماع وتعقبه ابن الفخار قائلاً: هو خطأ، وإذا

أنكرت دعوى عيبها فما كان ظاهراً كالجذام بوجهها وكفيها ثبت بالرجال وما كان بسائر جسدها غير الفرج ثبت بالنساء وما كان بالفرج فقال مالك تصدق ومثله لابن القاسم وغيره، وقال سحنون: ينظرها النساء، ونقلة أبو عمر عن مالك من رواية علي وبه قال ابن لبابة ونقله عن مالك وأصحابه ونقله حمديس وغيره من رواية ابن وهب. قال ابن أبي زمنين: هو مثل قول المدونة في نظر النساء إلى الفرج قال المتيطي: إن أراد قول نكاحها الأول ما علم أهل المعرفة أنه من عيوب الفرج ردت به لا مكان تقارر الزوجين على صفته ثم يسأل أهل المعرفة به عن ذلك وعلى الأول فقال ابن الهندي تحلف وقال الشيخ أبو إبراهيم: ولها رد اليمين على الزوج قال: ورأيت بعض من مضي يفتي به والكلام في هذا الفصل متسع جدا ومحله المدونة ولولا الإطالة لذكرناه. وقوله: فإن دخل بها ولم يعلم أدى صداقها ورجع به على أبيها وكذلك إن زوجها أخوها يقوم من كلام الشيخ أن من أكرى مطمورة وهو يعلم أنها تسيس فساس ما عمل فيها المكتري فإنه يرجع عليه، وبذلك حكم ابن عبد السلام ولو باعها لما رجع عليه بشيء ومثله في نوازل الشعبي عن محمد بن عبد الحكم الخولاني فيما إذا أكرى أو باع خابية دلس فيها بكسر وعلم أن المشتري يجعل فيها سمنا أو زيتا فانهرق من كسرها فإنه يضمن في الكراء لا في البيع. وما ذكر الشيخ من أن الرجوع على الولي هو المذهب ويمكن عندي أن يتخرج في عدمه قول بنفيه من عموم قول ابن بشير اختلف في الغرور بالقول: الفعل على ثلاثة أقوال ثالثها يثبت الغرم في الغرور الفعلي دون القولي والله أعلم. ولا خصوصية لذكر الأب والأخ بل كذبك الولد قال ابن رشد في قريب القرابة هو الأب والابن والأخ قاله مالك في موطئه وابن حبيب في واضحته. قلت: والأقرب أن الجد من قريب القرابة وهو ظاهر قول المدونة ويرجع به الزوج على وليها إن كان الذي أنكحها أبا أو أخا أو من يرى أنه يعلم ذلك منها يريد كالجد وأما الابن فقد دل عليه ذكر الأخ من باب أحرى وبه قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني. وذهب إلى الأول بعض من لقيناه من القرويين، وظاهر كلام الشيخ أن للولي الرجوع عليه لا يرجع على المرأة بشيء وهو كذلك وظاهر كلامه أيضاً أنه يرجع

على الولي في كل عيب من العيوب الأربعة وهو المشهور وحكى فضل من عيسى بن دينار أن داء الفرج لا يرجع به إلا على المرأة خاصة وزعم أنه في العتبية، وتعقب بأنه لم يقع له ذكر فيها فيما عندنا، وظاهر كلامه أن قريب القرابة يرجع عليه ولو غاب غيبة بعيدة بحيث يخفي عليه خبرها وهو كذلك عند أشهب ربطا للحكم بمظنته. وقال ابن حبيب: يحلف ما علم به ويسقط عنه الغرم ويرجع على الزوجة ويترك لها ربع دينار وظاهر كلامه ولو أعسر الولي فإنه لا يرجع على المرأة وهو كذلك قاله مالك وابن القاسم وقال ابن حبيب يرجع عليها إن كانت موسرة فإن كانا معدمين فإنه يرجع على أولهما يسرا. (وإن زوجها ولي ليس بقريب القرابة فلا شيء عليه ولا يكون لها إلا ربع دينار): إنما قال يترك لها ربع دينار لئلا يعرى البضع عن عوض وظاهر كلام الشيخ أن الحكم عام في سائر العيوب وهو كذلك، ونقل ابن رشد عن بعض المتأخرين أن الجنون والجذام محمول على العلم به من كل الأولياء، وكذلك برص الوجه والذراع والساق، وأما داء الفرج الخفي فالأولياء كلهم فيه محمولون على الجهل، وأما داء الفرج الظاهر للأم فالأب فيه وحده محمول على العلم، وأما البرص في غير الأطراف فقريب القرابة محمول على العلم فيه بخلاف غيره، وظاهر كلامه أنه لا يمين على الولي البعيد وهو كذلك عن ابن المواز، وقال ابن حبيب: إن اتهم حلف وتعقب بعض شيوخنا إطلاق ابن الحاجب الخلاف في قوله وفي تحليفه قولان والولي البعيد كابن العم أو السلطان. (ويؤجل المعترض سنة فإن وطئ وإلا فرق بينهما إن شاءت): يعني من يوم ترافعه نص على ذلك في المدونة ونقله الباجي من رواية محمد قال: وتحقيقه من يوم الحكم إذ قد يطول إثبات عنته، وظاهر كلام الشيخ أنه لا فرق في ذلك بين الحر والعبد وهو كذلك قاله ابن الجهم وحكاه عبد الوهاب عن مالك، وبه قال جمهور الفقهاء، قال اللخمي: وهو أقيس لأن العلة في أجله إنما هو لتمر عليه الفصول الأربعة وذلك يعطي أن لا فرق بينهما وقيل: أجل العبد نصف سنة قاله في المدونة ونصها في كتاب النكاح الأول وأجله في الفقد والاعتراض والإيلاء نصف أجل الحر، وعزاه ابن عبد البر لمالك وأصحابه. وقال المتيطي: وبه الحكم وكل هذا ما لم يسبق من المعترض وطء، وأما إن سبق فلا مقال لها، قال في النكاح الثاني من المدونة: من وطئ امرأته ثم حدث ما منعه

من الوطء من علة أو زمانة أو اعتراض عنها لا قول لامرأته ومثله في الإيلاء منها، وخرج اللخمي أن لها مقالا من قول مالك فيمن قطع ذكره بعد أصابته وظاهر كلامه أنه لو مرض في التأجيل أنه لا يزاد على السنة شيء وهو كذلك عند ابن القاسم قائلاً: ولو عم مرضه السنة كلها. وقال أصبغ: إن مرض أعمها استأنف سنة، وقال ابن الماجشون: لا تطلق عليه بعد انقضاء السنة هكذا حكي هذه الأقوال الثلاثة المتيطي وغيره على أنه لا يبعد أن يرد القولان الآخران إلى قول واحد وكل هذا إذا مرض بعد التأجيل وأما لو رافعته وهو مريض فإنه لا يؤخر حتى يصح نقله الباجي عن يحيى عن ابن القاسم قال: ولو قطع ذكره في التأجيل فإنه يعجل طلاقها قاله ابن القاسم وقيل لا قول لها قاله أشهب وعبد الملك وأصبغ وغيرهم فلا فراق البتة وهي مصيبة نزلت بالمرأة قال خليل وحكي في البيان قولا ثالثا لا يعجل الفراق حتى تنقضي السنة إذ لعلها ترضى به. (والمفقود يضرب له أجل أربع سنين من يوم ترفع ذلك وينتهي الكشف عنه ثم تعتد كعدة الميت ثم تتزوج إن شاءت): ما ذكر الشيخ من أن ضرب الأجل بعد انتهاء الكشف عنه هو المشهور وقيل من يوم الرفع نقله اللخمي عن رواية مختصر ابن عبد الحكم قال الفاكهاني: وانظر على من تكون أجرة البعث للكشف هل هي على الزوج أو على الزوجة أو بيت المال فإني لم أر في ذلك نقلا؟ قلت والصواب أنها على المرأة لأنها هي الطالبة للفراق لاسيما إن ادعى الزوج عذرا منعه من الإتيان إلى بلده والله أعلم فاختار شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أنها من بيت المال. واختلف هل يكتفي بالضرب للواحدة من نسائه أو يستأنف لمن قامت على قولين: والأول لمالك وابن القاسم، والثاني لأبي عمران واختاره بعض القرويين وكلاهما حكي المتيطي رحمه الله، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يشترط في ضرب الأجل قاضي الجماعة، بل غيره كاف في ذلك وهو المشهور قال في ثاني نكاح المدونة ويجوز ضرب ولاة الصلاة، وصاحب الشرطة لأجل العنين والمفقود وقال سحنون لا يضرب أجله إلا من ينفذ كتابه في البلدان، قال فضل مثل قاضي الجماعة بقرطبة والقيروان وأن لا قاضي كورة الأندلس وإفريقية وعزا المتيطي قول سحنون لأبي مصعب وابن الماجشون لا غير وعلى الأول فنص أبو الحسن القابسي وأبو عمران على أن صالحي

البلد يتنزل منزلة القاضي عند عدمه وخرج على قول سحنون عدم الاكتفاء بذلك واختلف لأي شيء كانا الأجل لأربع سنين فقال الأبهري لأنها أقصى أمد الحمل وضعف بأربعة أوجه: أحدها: أن أجل العبد سنتان ولو كان كما قال للزم إطراده فيه كالحر. الثاني: أن ذلك ينقض عليه بالصغيرة التي أقام أبوها بحقها. الثالث: أن قائله يقول سائراً أو راجعا لو قامت بعد عشرين سنه فلابد من ضرب الأجل المذكور. الرابع: اختلف في أقصى أمد الحمل فقيل إنه أمد وصول الكتاب في بلاد المسلمين، وقيل لأن الجهات أربع فيوجه إلى كل جهة منها، وقيل للإجماع باتفاق الأمة عليها ووقف نكاحها على موته فامتنع إحداث ثالث، واختلف إذا قدم زوجها بعد انقضاء عدتها، فقيل لا سبيل له إليها نقله ابن عيشون عن ابن نافع ولم يحفظها اللخمي له بل قال غير واحد من البغداديين إن الطلاق عليها من الضرر الذي يدركها من عدم الوطء، وعلى هذا لا يكون أحق بها وإن لم تتزوج وخرج رحمه الله أنه أحق بها ولو دخل بها الثاني من الكتابية تسلم وتتزوج ثم يثبت الأول أنه أسلم قبلها أو في عدتها، قال ابن رشد وفيه نظر لأن امرأة المفقود اجتهد لها الحاكم بعد الكشف وضرب الأجل وأذن لها في النكاح بخلاف النصرانية تسلم. وقيل: هو أحق بها ما لم يعقد عليها النكاح وقيل: ما لم يدخل وكلاهما لمالك في المدونة قال سحنون فيها بالأول أخذ المغيرة وغيره وبالثاني أخذ ابن القاسم وأشهب، قال المتيطي وهو المشهور وبه القضاء وهو المروي عن عمر قال ابن رشد: وقول ابن نافع بعيد جدا لأن حكم الاجتهاد إذا بان خطؤه متفق على نقضه إجماعا ولو قيل على هذا إن المفقود أحق بها وإن بني بها الثاني كالمنعي لها زوجها لكان له وجه في القياس، ولكن لم يقوله فأين هذا من قول ابن نافع إلا أنه يشبه الرواية فيمن خرص عليه أربعة أوسق فوجد خمسة إنه يعمل على ما خرص عليه فظاهر كلام ابن رشد قبول نقل كلام ابن عيشون ونبه عليه بعض شيوخنا. وقال أبو عمران وعبد الحق إن نقل ابن عيشون ضعيف. (ولا يورث ماله حتى يأتي عليه من الزمان مالا يعيش إلى مثله): ما ذكر الشيخ هو المشهور وقيل يقسم ماله بعد أربع سنين حكاه ابن رشد

وقبله خليل وعلى الأول فاختلف في حد تعميره فقال ابن القاسم وأشهب ومالك مرة سبعون سنه واختاره القاضي عبد الوهاب، وقال مالك وابن القاسم أيضا ومطرف ثمانون واختاره أبو محمد وأبو الحسن القابسي وأبو القاسم بن محرز، قال ابن العطار وبه القضاء، وعن ابن القاسم تسعون، وقال ابن الماجشون وأشهب مائة وللداودي عن محمد بن عبد الحكم مائة وعشرون. وفي نظائر أبي عمران قيل وستون سنة ذكره ابن عيشون قال المتيطي عن الباجي في تسجيلاته قيل: يعمر خمساً وسبعين سنه، وبه القضاء وبه قضي ابن زرب وابن الهندي وكان ابن عبد السلام قاضي الجماعة يقضي بالثمانين وإذا فرعنا على القول بسبعين فإن فقد زيد لها عشرة وكذلك على القول بثمانين، قال أبو عمران وإن فقد ابن خمس وتسعين زيد خمس سنين وإن فقد وهو ابن مائة على القول به اجتهد فيما يزاد له. وقال ابن سحنون: استحب أصحابنا أن يزد له عشر سنين وقيل العام والعامان وإن فقد ابن مائة بالأقل والاحتياطي إذا شهد به اثنان قيل: فإن لم يعرف الشهود تاريخ ولادته وشهدوا على التقدير نفذ ذلك ويأخذ بالأقل كما تقدم قال ابن الهندي: وإذا أثبت الحاكم موته بالسبعين وأراد الورثة قسم ماله فلابد من إيمانهم على مبلغ سنة لأن البينة إنما شهدت بالتقدير ولو شهد بتاريخ الولادة لم يكن عليهم يمين ولا يضرب للأسير أجل وتبقي زوجته على حالها، قالوا لأن القاضي لا يمكنه الكشف عن حالها كما يمكنه ذلك في المفقود في بلاد المسلمين. واختلف في المفقود في بلاد المسلمين في حرب العدو على أربعة أقوال حكاها المتيطي فقيل: تعتد زوجته بعد التلوم ولا يقسم ماله حتى يموت بالتعمير وهو قول أحمد بن خالد، وفي كتاب محمد حكمه حكم المفقود في زوجته وماله وأنكره ابن المواز، وقال مالك وابن القاسم هو كالأسير لا تنكح امرأته أبدا ويوقف ماله حتى تعلم وفاته أو ينقضي تعميره وروى أشهب وابن نافع يضرب لامرأته سنه من وقت النظر فيها فإذا انقضت سنه فإنه يورث ماله وتنكح امرأته بعد العدة. وأما من فقد في فتن المسلمين فقال مالك: ليس في ذلك أجل وتعتذر زوجته من يوم التقاء الصفين وقال ابن القاسم: تتربص زوجته سنة ثم تعتد وعنه أنها داخلة في السنة، وقال في العتبية: إن كان ذلك في بلده تلوم الإمام لزوجته بقدر ما ينصرف من

هرب أو من انهزم، قال ابن القاسم وتعتد امرأته يوم التلوم وعنه من يوم اللقاء ويقسم ماله، وفي كتاب محمد أن ما بعد تتربص فيه الزوجة أربع سنين كالمفقود. وأما ماله فمن قال إن العدة من يوم اللقاء؛ ورث ماله حينئذ ومن قال: أجل الزوجة أربع سنين كالمفقود؛ قال يقسم ماله بعد التعمير، واختلف على القول أن الزوجة تتربص سنة فقيل يقسم ماله بعد السنة، وقال ابن حبيب بعد التعمير ولسحنون قول ثالث فانظره، وأما من فقد من الطاعون فيحكم فيه بحكم الموت ناجزاً وكذلك حكم البادية ينتجعون في الشدائد من ديارهم إلى غيرها أمن البوادي ثم يفقدون نص عليه اللخمي. (ولا تخطب المرأة في عدتها): لا خلاف أن تصريح خطبة المعتدة حرام فإن فعل ووقعت المواعدة فيها فلا يتزوجها بعد فإن فعل فخمسة أقوال حكاها المتيطي والمشهور يستحب الفراق بطلقة ثم تعتد ثم يخطبها إن شاء الله وقيل يجب الفسخ بغير قضاء، وقيل بالقضاء وكلاهما لابن القاسم، وقيل بمثل ما قبله وتحرم عليه للأبد قاله أشهب في سماع عيسى إن كانت المواعدة تشبه الإيجاب فليفارقها بطلقة ولا ينكحها أبداً وإن كانت تشبه التعريض ثبت النكاح. قالت: ما ذكره من الاضطراب عن ابن القاسم إنما عزاه اللخمي لابن الماجشون وما ذكره من سماع عيسى نقله ابن حارث. (ولا بأس بالتعريض بالقول المعروف): اعلم أن بأس هنا لصريح الإباحة وهي على ثلاثة أقسام. تارة تكون كما قلناه كقوله في الرسالة ((ولا بأس بالسواك للصائم)) وتارة تكون لما غيره خير منه كقوله ((ولا بأس بعتق الأعور في الظهار)) إذا فيه

اختلاف ولقائل أن يقول ((إن لا بأس)) هنا لصريح الإباحة أيضا ألا ترى إلى قول مالك في المدونة في كتاب الظهار وأجاز مالك عتق الأعور. وتارة لما هو خير من غيره كقوله: ((ولا بأس بغسل أحد الزوجين، صاحبه من غير ضرورة)). ومن التعريض قوله إنك على لكريمة وإن الله لسائق إليك خيرا وإني لأرجو أن أتزوجك وتبرأ ابن الحاجب من بعض ... ألفاظ التعريض وكأنه رأى أنها تقرب من التصريح ونصه قالوا: مثل إني فيك لراغب ولك محب وبك معجب تعريض، ونقل الباجي عن إسماعيل القاضي إنما يعرض للخطبة ليفهم مراده للإيجاب، وفي المقدمات يجوز التعريض من كلا الجانبين معاً، وروى ابن حبيب لا بأس أن يهدي لها، ولا أحب أن يفتي به إلا لمن تحجزه التقوى عما وراءه. وأما المواعدة وهي مفاعلة لا تكون إلا من الجانبين فإنها في العدة لا تجوز قاله ابن حبيب ونحوه قال اللخمي: النكاح والمواعدة في العدة ممنوعان فظاهره أن المواعدة حرام ونبه عليه بعض شيوخنا، والهدية في زماننا أقوى من المواعدة فالصواب حرمتها إن لم تكن مثله قيل وأما العدة بالتخفيف وهي أن تكون من جانب واحد فحكمها الكراهة باتفاق خوف خلف الوعد. (ومن نكح بكرا فله أن يقيم عندها سبعاً دون سائر نسائه وفي الثيب ثلاثة أيام): ظاهر كلام الشيخ أنه حق للزوج لقوله فله إذ هو الواقع في أكثر النسخ وهو كذلك في رواية أشهب وفي رواية ابن القاسم انه حق للزوجة وكلاهما حكاه ابن يونس، وحكي الباجي عن ابن القصار أنه حق لهما معا فجاءت الأقوال الثلاثة وعلى الثاني فإنها مما يقضي به لأن الأصل أن من له حق يقضي له به عند التشاجر نقله الباجي عن ابن عيد الحكم وهو الصحيح قاله القاضي أبو بكر قال أصبغ: لا يقضي عليه وعلى أنه حق لها فالحكم عام، وإن لم يكن للزوج امرأة غيرها في رواية الفرج عن مالك وبه قال ابن عبد الحكم. وقال القاضي أبو بكر: لا معني له فلا يلتفت إليه بل يسقط حقها وعزا المتيطي هذا القول لمشهور المذهب المذهب وعزاه ابن يونس لنص ابن حبيب وظاهر رواية محمد عن مالك، وظاهر كلام الشيخ سواء كانت الزوجة حرة أو أمة مسلمة أو كتابة وهو كذلك باتفاق وسمع ابن القاسم، لا يتخلف عن الجمعة ولا عن الجماعات، ونقل

سحنون عن بعض الناس لا يخرج وهو حق لها بالسنة ونقل ابن يونس عن بعض فقهائنا بأنه يرجع إلى أقرب مذكور وهو الجماعات وأما الجمعة فلا. قلت: هذا يدل على أنه قول مذهبي ولم يقيده اللخمي، وخرجه على أن الجمعة فرض كفاية وقبله المازري ورده ابن بشير وبأن كون فرضيتها على الكفاية لم يذهب إليه إلا أصحاب الشافعي وجمهور الأئمة على خلافه ظنا منه أن القائل بالتخلف مذهبي، فلذلك قال المشهور لا يتخلف والشاذ يتخلف فلعله عند اللخمي خارج المذهب لأن نقله كالأكثر حكاه سحنون عن بعض الناس. وكان بعض شيوخنا يتردد هل هو مذهبي أم لا والأقرب الجزم بالأول وإنما عبر سحنون ببعض الناس إشارة لضعفه والله أعلم. وقال اللخمي: العادة اليوم أن لا يخرج إلا للصلاة وإن كان خلوا من غيرها وعلى المرأة لخروجه وصم وأرى أن يلزم العادة، وقال محمد بن عبد الحكم إن زفت إليه امرأتان في ليلة واحدة أقرع بينهما وقال اللخمي: وعلى أحد قولي مالك إن الحق له فهو مخير دون قرعة. قلت: واختار بعض شيوخنا إن سبقت إحداهما بالدعاء للبناء فهي مقدمة وإلا فالسابقة بالعقد وإن عقدا معا فالقرعة. (ولا يجمع بين أختين من ملك اليمين فى الوطء فإن شاء وطء الأخرى فليحرم عليه فرج الأولى ببيع أو كتابة أو عتق وشبهه مما تحرم به ومن وطء أمة بملك لم تحل له أمها ولا ابنتها وتحرم على آبائه وأبنائه كتحريم النكاح والطلاق بيد العبد دون السيد): ظاهر كلامه وإن بيعت وبها عيب وهو كذلك نص عليه في المدونة قائلاً: لأن للمشتري التماسك بها، قال ابن محرز: فظاهرها ولو بيعت بتدليس ونقل أبو محمد عن الموازية قيل لا تحرم به وقال اللخمي: بيعها وبها عيب تحريم وفي الموازية ليس بتحريم فظاهرها عموم قول الموازية في المدلس وغيره ويريد الشيخ بالبيع إذا كان بتلا وأما بيع الخيار فلا ويريد إذا كان صحيحا أو فاسدا بعد فوته وما ذكر من أن الكتابية يحرم بها الفرج مثله في الموطأ والمدونة والجلاب والتلقين. وقال اللخمي: الكتابية لا تحرم لأنها إن ظهر بها حمل أو عجزت حلت قال

بعض شيوخنا وهو وهم منه أو توهيم. قلت: الصواب أنه توهيم لابن القاسم لأنه شارح للمدونة فترك قولها للعلم به وذكر غير ما فيها إشارة بالتوهيم وتكميلا للفائدة وإلى هذا ذهب شيخنا الغبريني أيده الله تعالى، وظاهر كلامه سواء كان العتق ناجزا أو مؤجلا وهو كذلك لأنه يمنع من الوطء ومقدماته وإخدامها الأجل الطويل كالسنين الكثيرة أو حياة المخدم تحريم والسنة لغو قاله ابن الماجشون، وقال ابن بشير لم يذكر عن غيره خلافه وفيه نظر لإمكان رجوعها له وهو يطأ الأخرى إلا أن يغلب على الظن إن إحداهما لا تجيء إلى ذلك الوقت. (ولا طلاق لصبي): ما ذكر هو كذلك باتفاق لأنه غير مكلف وظاهر كلام الشيخ ولو كان الطلاق معلقا أو حنث بعد البلوغ أنه لا يلزمه وهو ظاهر المدونة أيضا وأما البالغ السفيه فطلاقه لازم لتكليفه، وتردد بعض البغداديين في لزومه الطلاق من قول المغيرة إذا أعتق أم ولده فإنها ترد ورده المازري ببقاء الأرش له في أم ولده وأجابه بعض شيوخنا ببقاء الخلع في زوجته أيضاً فهو كالأرش في أم الولد ورده أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى بأن الأرش أتي بخلاف الخلع. وأما طلاق السكران فأطلق غير واحد من الرواة بلزومه وقال ابن رشد ونحوه للباجي: إن كان لا يميز الرجل من المرأة ولا الأرض من السماء فهو كالمجنون باتفاق. وقال ابن رشد: وأما السكران المختلط فطلاقه لازم، وقال محمد بن عبد الحكم طلاقه لا يلزم وذكره المازري رواية شاذة ولو شرب من طلق سكرانا ولم يعلم به أو علم قصد به التداوي فلا شيء عليه قاله أصبغ وأما إن شربه متعديا فهل يكون كالخمر نظر إلى عدوانه أو لا؟ لأن النفوس لا تدعو إليه فيه نظر قاله ابن بشير. قلت: الصواب أنه كالخمر وهو ظافر قول أصبغ السابق. (والمملكة والخيرة لهما أن يقضيا مادامتا في المجلس): يعني أن الرجل إذا قال لزوجته: خيارك بيدك أو أمرك بيدك كان لها القضاء ما لم يفترقا من المجلس وما ذكر هو قول مالك الأول وقوله الآخر إن لها الخيار وإن افترقا ما لم توقف أو توطأ، وكلاهما في المدونة قال فيها وبالأول أخذ ابن القاسم وجماعة من الناس، واحتج بعض الشيوخ للقول الآخر بقوله (صلى الله عليه وسلم) لعائشة رضي الله عنهما لما خيرها

" ألا عليك لا تعجلي حتى تستأمري أبويك". وأجيب بأنه (صلى الله عليه وسلم) قد جعل ذلك بيدها على هذا الوجه والخلاف إنما هو إذا لم ينص على أن ذلك بيدها بعد الافتراق ولا على عدمه وخروج اللخمي رحمه الله قولاً آخر ببقاء ذلك بيدها ثلاثة أيام من أحد قولي مالك في الشفعة إذا أوقف المشتري الشفيع على الأخذ أو الترك فطلب الشفيع أن يمهل ثلاثة أيام ليري رأيه ومن المصراة ومن التي تدعي الحمل وهو ينكره له فسخه في ذلك بعد الوضع من الذي اشترى سلعة بالخيار يمهل، ويضرب له من الأجل بقدر ما يختار في مثلها ويرد بفرق واضح وهو أن العصمة لا تقبل التأخير في احتمال حلها للزومية الخيار وشبيهة نكاح المتعة قاله بعض شيوخنا. ونقل ابن عبد السلام عن بعضهم تخريج الخلاف من الشفعة فقط قال وهو تخريج ضعيف لأن الزوج بتمليكه طالب للجواب وشأن الجواب أن يكون بأثر السؤال وحق الشفيع واجب بالشرع لا بإمضاء المشتري واستدعائه الجواب ولذلك قيل في الشفعة: إن الشفيع باق على حقه أبداً وإن كان المشهور خلافه. قلت: وهذا التضعيف يضعف به التخريج من بقية النظائر المذكورة. وظاهر كلام الشيخ أن الحكم لها وإن طال المجلس حتى يفترقا بالأبدان وهو قول حكاه عياض عن نقل بعضهم وفي المدونة إن وثب حين ملكها يريد قطع ذلك عنها لم ينفعه ذلك وحد ذلك إذا قعد معها قدر ما يرى الناس إنها تختار في مثله ولم يقم فرار فلا خيار لها في ذلك، وقال في باب بعد هذا طال المجلس، وذهب عامة النهار وعلم أنهما قد تركا ذلك وخرجا مما كانا فيه إلى غيره فلا قضاء لها، وأجراه المازري على قول مالك إذا تأخر القبول في الوكالة بالزمان الطويل. قال ابن عبد السلام: وقد يفرق بين الوكالة والتخيير لأن الوكالة التي ليست بعوض غير لازمة من جانب الموكل لأن الموكل إن رأى مصلحة أبقاه وإلا عزله، وأما الزوج فعليه ضرر في إنفاذ الخيار لكونه لازما له فلذلك تقيد خيارها بالقرب ويسقط بطول المجلس على أحد القولين قال خليل، وهذا الفرق وإنما يتم في الوكالة ليست بعوض وأما التي بعوض فلا للزومها وعلى هذا فلعل المازري رأي أن الغالب في الوكالة أن تكون بعوض ولم يلتفت إلى الفرق المذكور والله أعلم. وظاهر كلام الشيخ يقتضي أن الخيير جائز للرجل يرى أن يجعله بيد زوجته

وهو كذلك نص عليه الشيخ أبو عمران الفاسي قائلاً: ما علمت من كرهه إنما يكره للمرأة خاصة أن تطلق نفسها ثلاثة فيلزمه قيل له هو السبب في ذلك قال ليس من قصد البدعة كمن لم يقصدها حكاه ابن يونس وقيل: إنه مكروه، وقال أبو بكر القاضي في نقل الباجي وعزاه عبد الملك لأبي محمد عن بعض البغداديين قائلاً: الكراهة إيقاع الثلاث، قال بعض شيوخنا تشبيه يوجب حرمته وهو مقتضى قول اللخمي ويمنع لمنع الزوج من إيقاع الثلاث فإن فعل انتزعه الحاكم من يدها ما لم توقع. (وله أن يناكر المملكة خاصة فيما فوق الواحدة): يعني إذا ملكها وقضت باثنين أو ثلاث، وقال: إنما أردت واحدة فالقول قولها ويريد إذا قال ذلك فورا ويريد أيضا يحلف قاله في المدونة، قال ابن عبد السلام: ولا أعلم فيه نص خلاف وأصله من أيمان التهمة وهي مختلف فيما كما قد علمت، قال ابن المواز: وإن كانت المناكرة بعد الدخول حلف الزوج مكانه أن له الرجعة، وقال الباجي وغيره: لا يحلف إلا عند إراره الارتجاع وإن كانت قبل الدخول فإنه يحلف إذا أراد نكاحها باتفاق. والحلف المذكور لا يكون إلا في الجامع لأن به ينفسخ وإرادة نكاح لا ينعقد بأقل من ربع دينار هذا هو الجاري على أصولهم فتدبره وسمع عيسى من ملك امرأته فقضت بالبتة فلم يناكرها وادعى أنه جاهل بأن له ذلك وأراد مناكرتها حين علم أنه لا يعذر بذلك وسمع أشهب وابن نافع من قال لامرأته: وليتك أمرك إن شاء الله فقالت: فارقتك لزمه فراقها فإن أراد بقوله اللعب لا الطلاق حلف ما أراد الطلاق ولا شيء عليه. قال ابن رشد: الاستثناء في التمليك لغو كالطلاق وقوله في عدم إرادة الطلاق لأنه مستفت مع موافقتها له وهو جار على أصولهم فيمن ادعى نية مخالفة لظاهر لفظه وهو مستفت فينوي ولا يمين عليه وقوله " حلف ما أراد الطلاق" معناه لإن طالبه أحد باليمين. (وليس لها في التخيير أن تقضي إلا بالثلاث ثم لا نكرة له فيها): ما ذكر الشيخ أنه لا نكره له هو المشهور وقيل تقبل منه إراده طلقة رجعية على ظاهر قول سحنون وقيل: مثله إلا أن الطلقة بائنة قاله ابن الجهم وقيل: لا يلزمه في التخيير إلا واحدة بائنة مطلقا ذكره ابن خويز منداد عن مالك وقيل: إن اختارت نفسها فيلزمه الثلاث وإن اختارت زوجها ردت عليه الخيار عليه فهي واحدة بائنة حكاه

النقاش عن مالك ويريد الشيخ إذا كانت مدخولا بها وأما غير المدخول بها فله مناكرتها لبينونتها واختلف في المدخول بها إذا أعطته شيئا على أن يخيرها ففعل فقيل له المناكرة لأنها تبين بالواحدة كغير المدخول بها قاله سحنون وابن المواز، وقيل لا قاله مالك. وظاهر كلامه لو قضت بواحدة فإنها كالعدم وهو كذلك قاله في المدونة وقال عبد الملك تلزمه الثلاثة ووجه بأن اختيار البعض فيما لا يتبعض اختيار له بكماله كمن طلق بعض طلقة ويرد بأن التخيير ظاهر في الثلاث لا نص فهو قابل للتبعيض ولذلك قال سحنون وابن الجهم: يقبل منه إرادة طلقة كما تقدم وبالجملة فيتحصل في المسألة ستة أقوال ظاهرة مما تقدم مع عزوها وذكرها عياض في تنبيهاته، وعلى ما في المدونة فهل تمكن بعد ذلك من أن تطلق نفسها بالثلاث أم لا فالمشهور أن ليس لها ذلك لأنها لما أوقعت واحدة وهي غير ما خيرت فيه صارت كالتاركة لمقتضى التخيير. وقال أشهب: إن لها أن تقضي بالثلاث واختاره اللخمي لأنها ما تركت ما جعلت لها مطلقا وإنما تركته على شرط لزوم الواحدة فلما لم يحصل ذلك الشرط وجب أن لا يحصل المشروط وهو ترك ما فعل بيدها، قال ابن المواز متمما للمشهور إنما إذا أوقعت واحدة لا تلزم المراد ما لم يتبين منه الرضا بما أوقعته فيلزم ذلك وهل لزوم ما دون الثلاث على ما قاله ابن المواز من باب الطلاق بالنية أم لا؟ تردد بعض الشيوخ في ذلك. وفي المدونة: وإن خيرها فقالت اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي فإنها توقف فتختار أو تترك وعورضت بالمسألة السابقة إذا طلقت واحدة إنها يبطل ما بيدها وذلك لأن المخيرة في المسألة الأولى اختارت بعض حقها وهو الواحدة وأسقطت ما زاد عليها، كما أنها في المسألة الثانية أخذت بحقها في إحدى الحالتين، وهي إن دخلت عليها ضرتها وأسقطت غير ذلك من الأحوال ولذلك قال سحنون: إن قولها اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي رد لما خيرها الزوج فقه فقد سوى بينهما وبينهما فرق ولولا الإطالة لذكرناه. (وكل حالف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر فهو مول): الإيلاء: في اللغة: هو اليمين، وقيل مطلق الامتناع. وفي الاصطلاح قال ابن الحاجب: الإيلاء الحلف بيمين يتضمن ترك وطء الزوجة غير المرضعة أكثر من أربعة أشهر يلزم الحنث فيها حكما وللعبد أكثر من شهرين

وظاهره أنه لا يكون مواليا لا بزيادة مؤثرة قاله عبد الوهاب، فإذا عرفت هذا فاعلم أن ظاهر كلام الشيخ أنه إذا حلف أن لا يطأ حتى تفطم ولدها أنه مول، وهو قول أصبغ واختاره اللخمي. وقال في المدونة: لا يكون موليا ومثله في الموطأ والموازية ولذلك قال ابن الحاجب: فيما سبق غير المرضعة وإنما لا يكون موليا عند مالك لأنه لم يقصد إلى الضرر بالزوجة وإنما قصد استصلاح الولد وأصل الإيلاء مراعاة الضرر، وعورض هذا بأن الإيلاء يصح من المريض مع أنه لا يريد الإضرار وإنما يريد استصلاح بدنه فإذا كان حال الولد مانعا من لزوم الإيلاء فرعي حال الحالف أولي فخرج من كل واحد منهما خلاف في الأخرى وظاهر كلام الشيخ أنه إذا حلف على أربعة أشهر لا يكون موليا وهو كذلك في المشهور وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما، وروى عبد الملك عن مالك أنه يكون مواليه وبه قال أبو حنيفة والثوري ويريد الشيخ بقوله أكثر من أربعة أشهر بالنسبة إلى الحر وأما العبد فاختلف فيه فالمشهور امتناعه أكثر من شهرين وفي مختصر ابن شعبان أجله أربعة أشهر واختاره اللخمي وهو مذهب الشافعي. (ولا يقع عليه الطلاق إلا بعد أجل الإيلاء وهو أربعة أشهر للحر وشهران للعبد حتى يوقفه السلطان): ظاهر كلام الشيخ أنه إذا أوقفه السلطان أنه لا يمهل بل يجبر بالفيئة أو الطلاق ناجزاً وهو كذلك في سماع أشهب وابن نافع، وقال ابن رشد كسماعهما: لا يؤجل صاحب الشفعة لينظر وفي مختصر ابن عبد الحكم يؤجل ثلاثة أيام لذلك وحيث يطلق عليه السلطان فإنه يوقع عليه طلقة رجعية ولو طلق عليه ثلاثا خطأ أو جهلا سقط الزائد قاله ابن القاسم في سماع محمد بن خالد، وفي المدونة لا يفئ إلا بالجماع إن لم يكن له عذر ولا بالجماع بين الفخذين قال ابن عبد السلام وهو مشكل في النظر ألا ترى أن الكفارة تلزم بالوطء بين الفخذين إن لم تكن له نية في الفرج عند مالك قال ابن شاس: الفيئة بمغيب الحشفة في القبل إن كانت ثيبا والافتضاض إن كانت بكرا. قلت: واستشكله بعض ... شيوخنا قائلا: الأول كاف لاستلزامه الثاني، وقال ابن عبد السلام قد يقال يكفي أقل من مغيب الحشفة بناء على أصل المذهب في التحنيث

بالأقل، وفي رجم المدونة إن جامع في الدبر انحل الإيلاء لأنه عند مالك جماع لا شك فيه إلا أن ينوي الفرج بعينه فلا تلزمه كفارة في الدبر وهو مول، ولم يقره سحنون قال بعضهم إنما طرحها سحنون لأنها مسألة شنعاء يريد لأنها توهم إجازة وطء الزوجة هنالك، والمذهب على المنع منه. قال ابن عبد السلام: ويحتمل أن يكون إنما طرحها لمخالفتها ما في إيلائها في الوطء بين الفخذين وفي حال الإيلاء بالوطء المحرم كوطء الحائض قولان ووطء المكره لغو كالمجنون قاله ابن شاس قال خليل وهو خلاف ما نص عليه ابن المواز وأصبغ في العتبية ونقله صاحب تهذيب الطالب واللخمي وصاحب البيان إن وطء المجنون في جنونه فيئة قال في البيان لأنها نالت بوطئه في جنونه ما نالت بوطئه في صحته. (ومن تظاهر من امرأته فلا يطؤها حتى يكفر بعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ليس فيها شرك ولا طرف من حرية): قال ابن الحاجب: الظهار تشبيه من يجوز وطؤها بمن يحرم واعترضها بعض شيوخنا بأنه غير مانع لقول المدونة من قال لزوجته: أنت على كفلانة الأجنبية فهي كالبتات وبأنه غير جامع لأن من قال: أنت على كرأس أمي مثلا أنه يلزمه الظهار لأن كلامه يقتضي تشبيه الجملة واعتراضه غيره بأنه غير مانع أيضا لأنه يدخل فيه ما إذا قال لإحدى زوجتيه أنت علي كظهر زوجتي الأخرى وبأنه غير جامع لخروج الزوجة الحائض منه إذا قال لها أنت على كظهر أمي فهو ظهار. ورد بأن مراده بقوله من يجوز وطؤها من الأصل جواز وطئها، وإن كان قد يعرض عدم الجواز ولو شبه من زوجته ما هو شبه المنفصل عنها كالكلام والشعر أجراه ابن رشد على من طلق ذلك منها وفيه خلاف وحكمه التحريم قاله عبد الوهاب لأنه منكر من القول ونحوه رواية ابن شعبان يؤدب المظاهر، قال الباجي وفي المبسوط رواية بأن الظهار يمين تكفر وهي محتملة الجواز والكراهية وهي أرجح. وظاهر كلام الشيخ أن للمظاهر الاستمتاع بغير الوطء كنظره إلى شعرها وكتقبيله إياها وهو كذلك في أحد القولين إلا أنه يستحب له عدم ذلك وقيل: إنه يجب عليه ترك الاستمتاع بذلك وعزا اللخمي منع رؤية شعرها لمالك في المدونة وعزا الجواز لابن القاسم في العتبية. قلت: واعترضه بعض شيوخنا بأن ما نسبه للعتبية وهم إنما هو فيها لأشهب

وهي آخر مسألة من سماعه قال فيها ما نصه قال أشهب: قلت لمالك: هل يرى شعرها؟ قال: نعم أرجو ذلك، قال في المدونة: وجائز أن يكون معها في بيت ويدخل عليها بلا إذن إذا كان تؤمن ناحيته وجائز أن ينظر إلى وجهها وقد ينظر غيره إليه. قال المغربي: معناه لذة، ويدل على هذا جواز النظر بغير لذة لغير عذر وفيه قولان بالجواز والمنع لما يتوقع وقد يقال معنى الكتاب وقد ينظره غيره إليه لعذر من شهادة أو مداواة أو خطبة والأول أظهر. قلت: القول بالمنع لا أعرفه وقد سألت عنه كثيراً ممن يظن به حفظ المذهب فكل لم يعرفه كشيخنا أبي مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى، فإن قلت: ما الفرق بين المظاهر وبين من طلق طلقة رجعية فإن الذي رجع إليه مالك لا يدخل عليها وكل منهما محرم. قيل: لأن الرجعية منحلة العصمة منحلة النكاح بخلاف المظاهر منها فإنها ثابتة العصمة منحلة النكاح قال عياض. قلت: ولا تجب الكفارة إلا بالعودة، واختلف فيها على خمسة أقوال: أحدها: العزم على إمساكها قاله مالك ونحوه لعبد الله بن عبد الحكم ويحيى بن عمر، وقيل العزم على وطئها قاله مالك وحمل على المدونة وقبل العزم عليها رواة أشهب وبه قال أصبغ وتأول على المدونة أيضا وقيل الوطء نفسه حكاه ابن الجلاب ونصه ومن أصحابنا من قال: لا تجب الكفارة بالعودة على إحدى الروايتين عن مالك هو الوطء نفسه فعلى ما قال يجوز الوطء مرة ثم يحرم حتى يكفر، وقيل العودة مجرد بقاء العصمة وإن لم يعزم على الإمساك قال ابن رشد تأويلا لقول ابن نافع في المدونة. (فإن لم يجد صام شهرين متتابعين): لا خلاف أن الأمر كما قال لأنه بنص التنزيل، ولذلك قال في المدونة: من ظاهر وليس له إلا خادم واحد أو دار لا فضل فيها أو عوض ثمن رقبة لم يجزه الصوم لقدرته على العتق. فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين عادم الماء فإنه يجوز له أن يتيمم إذا كان محتاجا لنفقة ما يشتريه به والله سبحانه لم يجز التيمم إلا عند عدم الماء كما لم يجز الصوم هنا إلا عند العجز عن العتق، قيل لأن آية التيمم مخصوصة بالذي لم يقدر على استعمال الماء، والعام إذا خصص ضعف في قول ولم يقع تخصيص لآية الظهار قاله

شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى. قال خليل: لأن المظاهر لما أدخل الظهار على نفسه شدد عليه ولأنه أتى المنكر والزور ولتكرار الوضوء ولأن الحكم في الظهار معلق على عدم المطلق بخلافه في التيمم فإنه معلق على وجود الصعيد وهو وجدان ما لا حرج فيه لقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج: 78]. قلت: ولم يذكر ابن عبد السلام غير الأخير قائلاً: ذلك من الفروق لكنه أحسنها واختلف متى يعتبر العجز عنه فالمشهور أنه يعتبر وقت الأداء. ونقل محمد عن ابن القاسم أن من ظاهر وهو موسر فلم يعتق حتى أعدم وصام ثم أيسر فإنه يعتق فحمله الباجي على الاستحباب مستدلاً بمسألة الصلاة إذا تركها وهو قادر على القيام وصلي لكونه مريضا جالسا ثم صح فإنه لا يقضي ومسألة إذا ترك الصلاة وهو قادر على الطهر بالماء ثم تركها ثم قضاها بالتيمم. وقال الفاكهاني: وفي باب الأيمان والنذور وكأنه من عنده مثلها مسألة الصلاة السابقة ولا أعرف في إعادتها خلافا وينبغي أن يختلف فيها ويرد بأنه في الظهار غير مأمور بالصوم وتركه ليس فيه محظور فلذلك أمره بالإعادة وفي الصلاة هو مامور بها لقوله (صلى الله عليه وسلم) " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" فإن ذلك وقت لها فإن الله تعالى يقول: (وأقم الصلاة لذكرى) [طه: 14] وذلك يناسب عدم الإعادة وقال شيخنا الغبريني أيده الله وانظر ابن عبد السلام فإنه نقل اعتذار عما ذكر الباجي ورده ولولا الإطالة لذكرناه وحمله ابن شاس وابن الحاجب على الوجوب فقالا ويعتبر العجز عن العتق، وقت الأداء، وقيل وقت الوجوب كالفاكهاني متبعين في ذلك أبا الحسن اللخمي رحمه الله تعالى. قال ابن شاس: ولو تكلف المعسر الإعتاق فإنه يجزئه وما ذكره لا أعلم فيه خلافا قال ابن عبد السلام وهو ممن فرضه التيمم فتركه واغتسل وكمن فرضه في الصلاة الجلوس فتكلف القيام أو تكلف الصيام ولم يفطر، وتردد الغزالي في إجزاء الغسل إذا كان يخشي عليه الهلاك فاغتسل وصلي وسلم ومن قال كل مملوك أملكه إلى عشر سنين حر فلزمه ظهار وهو موسر فإن صبرت امرأته هذه المدة لم يصم وإلا صام

قاله سحنون. قال ابن عبد السلام: وقد يقال إن طلبت الاحتياط فيه أن يشتري ويعتق ويصوم للخلاف في لزوم العتق المعلق على الملك، وقد علمت ما في الطلاق المعلق على النكاح من الخلاف والصائم لا يخلو إما أن يبتدئ في الشهرين بالأهلة أو بغيرها فإن صام بالأهلة كمل الشهرين ولو قصرا على الستين فإن أفطر في شهر لعذر فقيل يلزمه بقدر ما أفطر قاله سحنون مع ابن عبد الحكم وقيل يلزمه إكمال ثلاثين قاله عبد الملك وغيره، ولو ابتدأ بغير الأهلة فإن الشهر المبتدأ يكمل ثلاثين على المنصوص وخرج اللخمي على قول ابن عبد الحكم إنه يصام بقدر ما فات منه، ولا خلاف أنه إذا أفطر متعمداً أن يبتدئ كما أنه لا خلاف إذا أفطر لمرض أنه يبني. واختلف إذا أفطر خطأ كمن ظن أن الشمس غربت أو نسيانا على ثلاثة أقوال حكاها ابن بشير ثالثها يبني في النسيان ويبتدئ في الخطأ ولما ذكرها ابن الحاجب قال والمشهور لا يقطع واعترضه خليل بأن اللخمي إنما عزاه لابن عبد الحكم ومثله لصاحب البيان وغيره. قلت: ما ذكر عن ابن رشد صحيح قال في سماع يحيى المشهور لا عذر بتفرقة النسيان وعذره به ابن عبد الحكم وما ذكره عن اللخمي فغير صحيح إنما ذكر عدم القطع عن المدونة في الخطأ وخرجه في النسيان والقطع للموازية نصا في النسيان وخرجه في الخطأ، وذكر عن ابن عبد الحكم أنه يبني في النسيان قال وهو أبين لقوله عليه الصلاة والسلام " حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فسوى بين النسيان، والاستكراه ثم قال: وأما الجاهل فيبتدئ الصوم في ذي القعدة أو ذي الحجة، والصواب أنه يبتدئ الصوم بخلاف الناسي فلم يعز بعض شيوخنا الثالث لنقل اللخمي إلا لاختياره وكأنه رأى أن قول ابن عبد الحكم يرجع لمذهب المدونة على تخريجه والغالب أن كل ما في المدونة هو المشهور فصدق ما ذكره ابن الحاجب، وإن كان الثالث هو لابن عبد الحكم مع اللخمي فليس هو المشهور الذي ذكره ابن الحاجب وبطل قوله ولم يعزه إلا لابن عبد الحكم وجعل اللخمي في فرض المسألة الجهل عوض الخطأ.

(فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدين لكل مسكين)

لا خلاف أنه يطعم ستين مسكينا قال اللخمي لأنه بنص التنزيل، واختلف في مقدار ما يعطي لكل مسكين، فقيل مد بمد النبي (صلى الله عليه وسلم) قاله ابن القصار وبه فسر اللخمي قول ابن الماجشون وإن غدى أو عشى أجزأه وعزاه الباجي لابن كنانة، والمشهور أنه لا يعطي إلا بمد هشام وهو مذهب المدونة، واختلف في قدره على أربعة أقوال، فقيل مد وثلثان قاله في المدونة وهو المشهور، وقال ابن حبيب: مد وثلث، وقيل مد ونصف نقله ابن بشير، وقيل إنه مدان رواه البغداديون وهو الذي ذكر الشيخ رحمه الله تعالى بالنسبة إلى أن المدين هنا مقدار ما يخرج فيتحصل في مقدار ما يعطى لكل مسكين خمسة أقوال، ومد هشام جعله لفرض الزوجات قاله ابن حبيب وهو هشام بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان واليا بالمدينة لعبد الملك بن مروان. واختلف إذا لم يكف الفقير مد هشام هل يزاد أم لا؟ فقال بعض الشيوخ إنه يزاد قال عياض: وظاهر المدونة خلافه في قولها ويطعم الرضيع من الكفارات إذا كان قد أكل الطعام ويعطى ما يعطى الكبير، قال في المدونة: ولا يجزئ فيها عرض ولا ثمن فيه وفاء بالقيمة وخرجه بعضهم على إجزاء القيمة في الزكاة ورده بعض شيوخنا بظهور التعبد في الكفارات ومن نقل ابن الحاجب لا تجزئ القيمة في كفارته وقيل كاليمين بأن كلامه يقتضي خلافا فيها منصوصاً ولا يذكره في اليمين ومثله الخليل قائلاً: ولا يقال إن المصنف شبه لإفادة الحكم لأنه لم يذكر هنا حكما والأقرب في هذا المحل أن يكون معنى قوله. وقيل كاليمين في إجزاء الغداء والعشاء وهو قول ابن الماجشون، وقد يقال على بعد وقيل كاليمين أي إذا قلنا فيه مد النبي (صلى الله عليه وسلم) فهل يزاد ثلث المد أو نصفه.

(ولا يطؤها في ليل أو نهار حتى تنقضي الكفارة): يعني أن التي ظاهر منها لا يطؤها بالإطلاق ودل كلامه أن غير التي ظاهر منها توطأ وهو كذلك بالإطلاق في الإطعام وليلا في الصيام. (فإن فعل ذلك فليتب إلى الله سبحانه): يعني إن فعل ذلك عمداً وإما إن فعل ذلك نسيانا فلا يفتقر إلى توبة لقوله (صلى الله عليه وسلم) " حمل عن أمتى خطؤها ونسيانها وما استكرهوا عليه" أي حمل أئمة عن الأمة. (فإن كان وطؤه بعد أن فعل بعض الكفارة بإطعام أو صوم فليبتدئها): سياق كلام الشيخ رحمه الله تعالى يقتضي إن فعل ذلك عمداً وما ذكر هو المذهب في الصوم وهو المشهور في الإطعام، وقال ابن الماجشون: ومن وطئ قبل تمام إطعامه أحب إلى أن يبتدئ قال اللخمي هذا الداعي أحد قولي الثوري فجوز له أن يطأ قبل تمامها وفي نوازل أصبغ من قبل امرأته في صوم ظهاره استغفر الله ولا شيء عليه. وقال سحنون وقيل إنه يستأنف قال في سماع أبي زيد وهو قول مطرف وابن الماجشون. وظاهر كلام المؤلف على ما قلناه من السياق أنه لو فعل ذلك ناسيا أنه يعذر به وهو كذلك في أحد القولين تخريجا على قول اللخمي قال يختلف فيه كأكله نسيانا، وقال ابن حارث عن أشهب يتمادى ويصل قضاءه. (ولا بأس بعتق الأعور في الظهار وولد الزنا): اعلم أن العيوب على ثلاثة أقسام: قسم لا يجزئ بلا خلاف من حيث الجملة وهو الذي يمنع الكسب ويشين وفي إجزاء المجنون في أقل الأزمنة كمرة في شهر قولان لأشهب ومالك عن ابن القاسم وعكسه عكسه والثالث ما يشين ولا يمنع الكسب كالعور وفيه اختلاف وجعل من أمثلته في التهذيب كجدع أذن وتعقبها عبد الحق بأن في الأم كجدع في أذن فإذا عرفت هذا فاعلم أن قول الشيخ لا بأس هنا لما هو خير منه لرعي الخلاف إذ هو شبهة، ولقائل أن يقول الصواب أن لا بأس هنا لصريح الإباحة ألا ترى إلى قوله في المدونة وأجاز مالك عتق الأعور وقد قدمنا هذا عن قرب. (ويجزئ الصغير ومن صلى وصام أحب إلينا): ما ذكر مثله في المدونة زاد فيها عن ابن القاسم يريد من عقل الصلاة والصيام، قال ابن القاسم تفسيره صحيح بناء على أن الكافر إذا أسلم فتشهد بالشهادتين فلم

يصل ثم ارتد أنه يقتل وحكى ابن القاسم أنه لا يقتل حتى تتقدم منه صلاة. ويريد الشيخ أن نفقته عليه حتى يبلغ الكسب وهو كذلك حسبما كان يدرس به بعض من لقيته من القرويين، ويفتي به قائلاً: نص عليه أبو حفص العطار قلت: ويؤخذ ذلك من المدونة من كتاب التجارة بأرض العدو، ومن أعتق ابن أمته الصغير فله بيع أمه ويشترط على المبتاع نفقة الولد ومؤنته قال المغربي: وأقام الشيخ منها أن من أعتق زمنا كانت نفقته عليه ومثله في كتاب ابن المواز وقيل نفقته على السلطان وعلى المسلمين قلت: وهو الصواب فيه وفي الصغير فإن قلت ظاهر كلام الشيخ إن أعتق الشغير لا يشترط فيه العجز عن القدرة على الكبير، وهو مخالف لظاهر المدونة قال فيها ويجزئ عتق الصغير والعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة قلت: الأمر كما قلناه عند بعضهم، ونقله ابن عبد السلام ولكن قد قيدها أبو عمران. وصوب على أن ذلك على طريق الاستحباب قائلا: ولو أعتق صغيرا وهو قادر على غيره لأجزأه قال أصبغ: ومن أعتق منفوسا ثم كبر وأخرس أو أصابه جنون أو صمم فلا شيء عليه وقد اجزأه وهذا شيء يحدث بعد ذلك وكذلك في البيع لا يزد به قاله ابن محرر: وأما الشيخ الزمن فإنه لا يجزئ والفرق بينه وبين الصغير أن الصغير يقدر على الكسب في الحال بخلاف الشيخ الكبير ومن أعتق عبداً معضوبًا له فإنه يجزئه لأن ملكه باق عليه فقد أخرج رقبة من الرق ولا يجزئ المنقطع الخبر لأنه لا يدري أموجود هو أو معدوم صحيح أو معيب ما لم تعلم سلامته بعد ذلك نص عليه في المدونة في آخر الضوال والإباق وعارضها المغربي بقول ظهارها إذا أعتق ما في بطن أمته فإنه لا يجزئه ويعتق إذا وضعته ويجاب بأن ما في البطن أشد غررا والله أعلم. (واللعان بين كل زوجين في نفي حمل يدعي قبله الاستبراء أو رؤية الزنا كالمرود في المحكلة واختلف في اللعان في القذف): قال ابن الحاجب: اللعان يمين الزوج على الزوجة بزني أو ينفي نسب ويمين الزوجة على تكذيبه وأبطل لكون غير جامع بلعان من لا يجب على زوجته لعان، وبلعان من إيان زوجته لأن كونه زوجا مجاز وأبطل كونه غير مانع بحلفها مرة قال ابن رشد وغيره لا خلاف أنه يلاعن في ثلاث مسائل وهي أن ينفي حملا لم يقربه، وادعى استبراء أو ادعى رؤية لا مسيس بعدها في غيرها ظاهره الحمل أو قال ما وطئتها قط أو منذ وضعت منذ مدة عينها لما تلحق لمثله الأنساب.

واختلف في ثلاث مسائل وهي أن يقذفها ولا يدعي رؤية وأن ينفي حملا ولا يدعي استبراء ويدعي رؤية ولا مسيس بعدها في بينة الحمل وما ذكر الشيخ أنه يشترط في رؤية الزنا الصفة التي ذكرها هو سماع أشهب وابن نافع، ونقل أبو محمد في نوادره عن ابن القاسم أن قوله رأيتها تزني كاف ونقله ابن رشد عن ابن نافع، واختلف في مقدار الاستبراء الذي يدعي الزوج على أربعة أقوال، فقيل بحيضة وقيل بثلاثة والأخير منهما لعبد الملك وأكثر أصحابه وعن عبد الملك أيضًا إن كانت أمة فحيضة وإن كانت حرة فثلاث والمغيرة لا ينفيه إلا بخمس سنين فاعتبر الأمد وله القولان الأولان أيضًا. وقال ابن عبد السلام: الأظهر هو القول الأول لأن المطلوب ما يحصل به الظن، وذلك يحصل بحيضة واحدة وظاهر حديث هلال بن أمية أنه لا يحتاج إلى الاستبراء فإن لم يكن إجماع فالأظهر عدم اشتراطه، قال في المدونة: ويلاعن الأخرس بما يفهم عنه من إشارة أو كتابة وكذلك يعلم قذفه ويقوم منها جوز شهادته وهو قول أبي إسحاق في زاهيه واختار أبو حفص العطار أنها لا تجوز قياسًا على المحرم ولا تجوز شهادته، وتجوز في الأحكام التي بينه وبين غيره قاله وخالفوني فيها ذكر ذلك في كتاب الحمالة من تعليقه وقال غيره لا يجوز ويقوم منها أيضا إن إشارته في صلاته تتنزل منزلة كلام غيره فتبطل مع العمد قال ابن العربي في القبس. ووقعت في دمشق فقال شيخنا أبو الفتح لا تبطل لأن الإشارة لا تبطل الصلاة إجماعا وقال شيخنا أبو حامد: تبطل لأن إشارته كلام والكلام محرم على الأبكم في الصلاة على قدره ولا يقوم منها أن شهادة المفهوم يعول عليها لأن إشارته ككلام غيره وفي ذلك ثلاثة أقوال: العمل بها لسماع أشهب وابن نافع مع سماع أصبغ وابن القاسم وعكسه قاله ابن القاسم في سماع يحيى وقيل بالأول وتثبت شهادته بذلك ذكر ذلك ابن رشد في التخيير والتمليك، ووقعت في زمان ابن عبد السلام في مال معتبر وحكم بأعمال الشهادة. (وإذا افترقا باللعان لم يتناكحا أبدًا): ظاهر كلام الشيخ أن الافتراق لا يكون إلا بتمام لعانهما حتى لو لم يبق من لعان المرأة إلا مرة واحدة وأكذب الزوج نفسه بقيت له زوجة وجلد الحد هو معروف من

قول مالك وأصحابه وقيل: بتمام لعان الزوج تنقطع العصمة بينهما وإن لم تلاعن وهو ظاهر لسحنون ونحوه لأصبغ في العتبية، وهو ظاهر الموطأ، وفي المدونة إن ماتت قبل أن تلاعن وبعد لعانه ورثها وإن مات هو فإن التعنت لم ترثه وإلا ورثته. قال المتيطي: فيأتي على هذا أن الفرقة تقع بتمام لعان الزوج إن التعنت فهي ثلاثة أقوال وظاهر كلامه أن الفرقة تكون بغير حكم، وهو المذهب عند ابن الجلاب والباجي وقال عياض: اختار ابن لبابة أن لا تقع الفرقة إلا بحكم ومثله نقل المتيطي عن غير واحد من الموثقين لا يتم الفراق بينهما على قول ابن القاسم إلا بحكم القاضي، وقال ابن الجلاب: وفرقة المتلاعنين فسخ بغير طلاق قلت مثله قال غير واحد قال ابن شعبان عن أبي سلمة طلاق البتة وتحل له بعد زوج إن أكذب نفسه ونحا إليه أشهب وبه قال عبد الملك في الثمانية وذكرناه قبل. (ويبدأ الزوج فيلتعن أربع شهادات بالله ثم يخمس باللغة ثم تلتعن هي أربعًا أيضًا وتخمس بالغضب كما ذكر الله سبحانه): ما ذكر أن الزوج هو المبدأ هو نص المدونة بل نص التنزيل وهل ذلك على طريق الوجوب فلو بدأت المرأة أولا لزمتها الإعادة أم ذلك على طريق الاستحباب فيه خلاف في المذهب وجعل عبد الوهاب المذهب الأول، ونقل ابن الكاتب واللخمي وصاحب البيان عن ابن القاسم عدم إعادتها وقاس أشهب عدم الإجزاء على ما إذا حلف الطالب قبل نكول المطلوب فإنه لا يجزي واختاره ابن الكاتب وغيره. وقال ابن رشد: محل الخلاف بين ابن القاسم وأشهب إذا وقعت يمين المرأة على ألفاظ الرجل فقالت أشهد بالله إني لمن الصادقين ما زنيت أو حملي هذا منه، فإذا وقعت على طريق الرد عليه في تكذيبه فلا يجزئ أصلاً لأنه لم يتقدم له يمين. قال في المدونة: ويلتعن المسلم في المسجد على طريق الأولى قال وهي عبارة المتقدمين واعتراض قول ابن الحاجب بوجوبه ورده بعض شيوخنا بأن ظاهر المذهب الوجوب لا الاستحباب. وفي المقدمات: لا يكون اللعان إلا في المذهب ولا يكون إلا في المسجد وقال ابن شعبان: ويشترط في الحالف أن يكون قائما في القبلة بالمسجد الأعظم فإن كان في

المدينة ففي الروضة مما يلي القبر فإن كان بمكة فبين الركن والمقام فهذه النصوص ترد عليه والله أعلم، قال ابن الجلاب: ويكون بعد العصر ومثله قول سحنون بعد العصر، وقال ابن شعبان بعد العصر والصبح وفي كتب محمد هو جائز في كل وقت، وفي المدونة في كتاب الأقضية نفي الوقت، وقال اللعان منها عند الإمام دبر الصلوات واختلف هل هو اختلاف قول أو أراد بالنفي الصلاة المعينة وبالإثبات الصلاة الغير المعينة، وقال مالك ويحضر الإمام وطائفة من المؤمنين. قال ابن محرز: فائدة ذلك أنه حكم تتعلق به حقوق كثيرة فوجب لذلك أن يحضره من يشهد عليه وأعني الطائفة عند مالك والليث أربعة على عدد شهود الزنا. (وإن نكلت هي رجمت إن كانت حرة محصنة بوطء تقدم من هذا الزوج أو زوج غيره وإلا جلدت مائة جلدة): ظاهر كلامه أنها لو أرادت أن تلاعن بعد نكولها أن ليس لها ذلك وإلى هذا ذهب سحنون وابن القاسم بن الكاتب وأبو عمران لما تعلق للزوج عليها في ذلك من الحق، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو محمد اللؤلؤي وأبو على بن خلدون وغيرهم أن ذلك لها قائلين لا يكون نكولها عن اللعان أشد من إقرارها بالزنا. (وإن نكل الزوج جلد حد القذف ثمانين ولحق به الولد): اختلف إذا عاد إلى اللعان بعد نكوله فقيل: يدخله وقيل: لا وكلاهما حكاه المتيطي قائلاً: والصحيح أنه لا يدخل والفرق بينهما أن نكول المرأة كإقرارها بالزنا فيصح لها الرجوع، ونكول الرجل كإقراره بالقذف فلا يصح له الرجوع عنه. (وللمرأة أن تفتدي من زوجها بصداقها أو أقل أو أكثر إذا لم يكن عن ضرر بها فإن كان ضرر بها رجعت بما أعطته ولزمه الخلع): ما ذكر من أن لها أن تفتدي ولو بأكثر من صداقها هو المذهب بل وبجميع ما لها وما ذكر أنها ترجع عليه إن كان يضرها هو كذلك أيضًا إن كانت الشهادة بالقطع وإن من لفيف الناس والجيران وإن كانت بالسماع فكذلك نعم اختلف في كيفيتها على خمسة أقوال حكاها المتيطي فقيل: تقبل ولو من لفيف الناس والجيران، وقيل: لا تقبل إلا من العدول قاله ابن القاسم، وقيل: يكفي أن يكون السماع من الثقات وقيل: لا تجوز فيه شهادة النساء إلا مع رجال والطلاق في معني الحدود قاله مالك.

وقال ابن الهندي: إذا شهد بالضرر صالحات النساء والخدم التى يدخلن إليها جاز والمشهور أنه يكفي اثنان أو واحد مع اليمين، وقال ابن الماجشون: لا يجزئ في السماع أقل من أربعة والمشهور من الأقوال السابقة العمل بمقتضي شهادة السماع مطلقاً لكن اختلف هل يمين أم لا على قولين لابن القاسم حكاهما ابن رشد ولو انفرد شاهد واحد بالسماع فلابد من اليمين اتفاقًا، قال المتيطي: هذه إحدى المسائل الثمانية عشر التي تجوز فيها شهادة السماع، والأحباس المتقادمة والأشربة المتقادمة والنكاح والأنساب والولاء والموت والمواريث وولاية القاضي وعزله، والعدالة والتجريح والإسلام والكفر والولادة والرضاع والترشيد والسفه، وفي بعضها خلاف ولتعلم أن قول الشيخ وإن كان عن ضرر رجعت بما أعطته ولزمه الخلع أعم من أن يكون ضرره في بدنها أو في مالها. ولذلك اعترض ابن عبد السلام قول ابن الحاجب ولو خالعته لظلمة أو لضرره فلها استرجاعه بأنهما لفظان كالمترادفين. قلت: والصواب عندي حمل الضرر من كلامه على الضرر بها في بدنها وحمل الظلم على مالها أو أعم، وبالجملة فإنه قصد إلى أن الضرر أخص والله أعلم. وبمثل عبارة ابن الحاجب عبر في المدونة، ولا يقال أن هذا يرد فسرنا به كلام الشيخ فإنه لما أتى بلفظ واحد دل على أنه أراد به العموم والله أعلم. قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى، وإنما عدل الشيخ عن أن يقول ولزمه الطلاق إلى قوله ولزمه الخلع إشارة منه إلى بينونتها منه ولو رجعت عليه وهو كذلك. قلت: وحكى أبو عمر في الكافي عن مالك أن الطلاق رجعي إذا رجعت عليه. (والخلع طلقة لا رجعة فيها إلا بنكاح جديد برضاها): ما ذكر الشيخ هو المذهب وقال الشافعي في أحد قوليه: هو فسخ إذا لم يذكر طلاقا، وظاهر كلام الشيخ ولو وقع النص على أنها رجعية وهو كذلك وروي عن مالك، أنها رجعية أخذا بالشرط المذكور، واختلف إذا طلق وأعطى فأكثر الروايات على أنها رجعية وروى أنها بائنة والقولان في التهذيب، واختلف إذا وقع لفظ الخلع دون بدل على ثلاثة أقوال طلقة رجعية بائنة ثلاث قال في المدونة: وله أن ينكحها في

عدتها لأن الماء ماؤه وفي العتبية عن ابن القاسم إن كانت حاملا فله أن يزوجها ما لم تثقل فتصير كالمريضة فلا يجوز نقله ابن يونس وهو وفاق للمدونة والله أعلم. (والمعتقة تحت العبد لها الخيار أن تقيم معه أو تفارقه): يعني ويحال بينهما إلى أن تختار نص على ذلك في الأيمان بالطلاق من المدونة وفيها أيضا عتق بعضها لغو فأخذ منه بعض شيوخنا أن تدبيرها وكتابتها وإيلادها بوطء السيد إياها في غيبة زوجها بعد حيضة من وطئها كذلك قائلاً: أخذا حرويا وإنما كان للأمة إذا أعتقت أن تختار لنقص زوجها بعد حريتها قال اللخمي: وقيل لأنها كانت مجبورة في النكاح فعليه يكون لها الخيار تحت الحر، وعزاه ابن بشير لأبي حنيفة قيل ولم يعني اللخمي قائله واختياره طلقة بائنة. وروى ابن نافع: ولم يرتض له الرجعة إذا عتق في عدتها، وعزاه اللخمي لرواية ابن شعبان قائلاً: هو القياس كمن طلق عليه لغيبته فقدم في العدة قاله محمد، قلت: هو قول شاذ وليس بالمشهور وفي الكافي عن بعض أصحاب مالك أنها رجعية وليس بشيء قال بعض شيوخنا فظاهره وإن لم يعتق وفي المبسوط عن ابن القاسم تطلق اثنين لأن ذلك جميع طلاق العبد، وفي المدونة: لها أن تقضي بالثلاث على حديث زيد في أحد قولي مالك وأشار بعضهم إلى أنه وهم لما علم من قاعدة المذهب أن الطلاق معتبر بالرجال ووجهه غير واحد بأن جهة لما انتقل إليها الطلاق، أنتقل إليها العدد والموقع له حر فوجب اعتباره، ويسقط خيارها برضاها إما بقول وإما بتمكينها منه ما لم تكن جاهلة بالعتق فتخير اتفاقًا ولو كانت جاهلة بالحكم ففي المدونة لا تعذر، وفي مختصر ابن عبد الحكم تعذر وحسنه بعض الشيوخ لاشتهاره في الزمان الأول وأما اليوم فلا. (ومن اشترى زوجته انفسخ نكاحه): ما ذكر الشيخ مجمع عليه للتنافر ولا يخلو حينئذ من أن يكون قبل الدخول أو بعده فإن كان قبل الدخول فلا صداق لها على المشهور، وقال ابن الجلاب: لها نصفه لأن الفرقة جائت من قبله وأبعده ابن عبد السلام؛ لأن هذه الفرقة فسخ ولا صداق في الفسخ وأما بعده فهو كمالها، وكذلك عكس المسألة إذا اشترت المرأة زوجها فإن النكاح يفسخ ومن أجل أن النكاح والملك لا يجتمعان استثقل مالك تزويج العبد ابنة سيده وأجازه ابن القاسم، واختلف في علة قول مالك فقيل ما ذكرنا وقيل لأن النكاح معرض للفسخ لاحتمال أن يموت أبوها فترث بعضها وقيل لأنه ليس من مكارم

الأخلاق، وربما عرض للابنة فتنة لأن الطباع مجبولة على الأنفة من هذا وكراهيته، وهذا الأخير اختيار ابن محرز، ونقل الأول عن المذكورين وضعفه. وفي المدونة: إن اشترت زوجها وهي غير مأذون لها فرده السيد فهما على نكاحهما قال سحنون إلا أن يري أنها وسيدها اعتزيا فسخ نكاحها بالبيع فلا يفسخ وتبقي له زوجه وهو تفسير لاخلاف وأقيم منها أن الرجل إذا حلف لزوجته لا تخرج فخرجت قصدا للنكاية له فإنه لا يحنث وهو قول أشهب خلافاً لابن القاسم ورده المغربي بأن زوج الأمة ليس له تسبب بخلاف الزوج في مسألة اليمين فإنه تسبب في الحنث لجعل ما بيده وسلم رحمه الله تعالى إقامة بعض المتأخرين منها أو من ارتد في موضعه وعلم أنه قد الفرار بماله من الورثة فإنهم يرثونه ويعاقب بنقيض مقصوده. (وطلاق العبد طلقتان): ما ذكر هو المذهب وهو نص كتاب النكاح الأول من المدونة وكتاب العدة وطلاق السنة منها واستشكل ابن عبد السلام كون طلاقه طلقتين قائلاً: مقتضي القاعدة طلقة واحدة فإن موجب نقصه عن الثلاث عندهم تشطير طلاقه برقة فكان كقول الحر: أنت طالق شطر الطلاق فيلزمه بمطابقة لفظة طلقة ونصف طلقة فتكمل عليه فيلزمه طلقتان الباقي له طلقة واحدة، فكذلك العبد لأن رقة الموجب لتشطير طلاقه كلفظ الحر الموجب له. (وعدة الأمة حيضتان وكفارة العبد كالحر بخلاف معاني الحدود والطلاق): قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني رحمه الله صوابه عدتها طهران لا حيضتان، وفي كلامه مسامحة. (وكل ما وصل إلى جوفي الرضيع في الحولين من اللبن فإنه يحرم وإن مصة واحدة):

ظاهر كلام الشيخ وإن كانت المرضعة صغيرة لا يوطأ مثلها وهو كذلك على ظاهر المدونة في قولها إذا درت بكر لا زوج لها فأرضعت صبيا فهي له أم وذهب ابن الجلاب إلى أنه لا يؤثر ومثله للكافي، والاتفاق على اعتبار إرضاع من توطأ، وقال ابن الحاجب: وفي لبن من نقصت عن سن المحيض قولان فقبله ابن عبد السلام وتعقبه ابن هارون بأنه إنما ذكر الأشياخ الخلاف فيمن لم تبلغ حد الوطء ولم يذكر الشيخ خليل تعقب ابن هارون بل قال تبع في ذلك ابن بشير، وابن شاس ثم ذكر قولي المدونة وابن الجلاب وأن اللخمي حملهما على الخلاف وهو مقتضي قول ابن الحاج ومن ذكر معه قال ولا يبعد أن يحمل ما في المدونة على ما إذا كانت في سن من توطأ فيكون ما فيها وفاقًا لابن الجلاب. وظاهر كلامه ولو كانت المرضعة كبيرة لا توطأ وهو كذلك.

ونقل ابن عبد السلام عن ابن رشد أن لبن الكبيرة التي لا توطأ من كبر لغو، وتعقبه بعض شيوخنا بأن ابن رشد لم يذكره بل قال في مقدماته تقع الحرمة بلبن البكر والعجوز التي لا تلد وظاهره ولو كانت صاحبة اللبن ميتة وهو نص المدونة، وقال ابن رشد: كان يجري لنا في المذكرات قول بأنه لغو وعزاه ابن شاس لنقل ابن شعبان قال ابن عبد السلام: ولا يقال هذا الصواب لأن قوله تعالى: (وأمهاتكم التى أرضعنكم) [النساء: 23] يخرج الميتة لكونها لا توصف بكونها أرضعت لأنا نقول إنما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وأيضًا فإنه منقوض بما لو حلب غيرها من ثديها وأوجر به صبيا أو أرضع منها الصبي وهي نائمة، واختلف إذا كان المرضع ذكرا على ثلاثة أقوال: فقيل إن إرضاعه معتبر قال ابن اللبان الفرضي، قال أبو الحسن اللخمي وبه قال شيخنا وهو أبين وفي المدونة لا أثر له وهو المشهور. وقال ابن شعبان: وروى أهل البصرة عن الشافعية ومالك أنه يكره، واختلف إذا كان اللبن مغلو بغيره كطعام مزج بلبن فقيل إنه معتبر قاله مطرف وابن الماجشون وأشهب ولم يعزه ابن عبد السلام إلا لأشهب قائلاً: وعليه فانظر إذا كان اللبن مغلوبًا ينبغي أن يقدر في الواصل إلى بطن الصبي مقدار مصة خالصة لا أقل من ذلك وفي المدونة أنه لا يحرم وأخذ أبو عمران الفارسي منها أنه يشتري من الأسواق ولا يسأل عن حليه ما فيها إذا كان الغالب الحلال. (ولا يحرم ما أرضع بعد الحولين إلا ما قرب منهما كالشهر ونحوه وقيل والشهرين): القول باعتبار الشهرين هو نص التهذيب، والقول الأول من قولي الشيخ عزاه المتيطي لابن حبيب وابن القصار، وروى أبو الوليد اعتبار ثلاثة أشهر، وقيل باعتبار شهر فقط رواه ابن الماجشون، وفي المختصر لمالك الأيام اليسيرة وله في الحاوي اعتبار نقضان الشهر وبه قال سحنون، ونقل ابن رشد قولا باعتبار يومين، ونقل الباجي عن ظاهر الموطأ ورواية ابن عبد الحكم أن المراعي الحولان فقط فيتحصل في مقدار الزمان المعتبر ثمانية أقوال، ثم اعلم أن زيادة الشهر والشهرين على المشهور إنما هو تمام الحولين لقوله تعالي (حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) [البقرة: 233] فدل على أن ثم حولين غير كاملين بما يدور عليهما الزمان فزاد الشهرين لذلك وللاحتياط من مذهب غير الذي يقول إن الرضاع للكبير فاحتاط بالشهرين فما رضع

باب في العدة والنفقة والاستبراء

بعد ذلك ولو بيوم فإنه لا يحرم لأنه إنما زيد الشهران احتياطًا قاله الشيخ أبو حفص العطار رحمه الله. (ولو فصل قبل الحولين فصالا استغني فيه بالطعام لم يحرم ما أرضع بعد ذلك): ما ذكر مثله في ابن الجلاب ونحوه في المدونة، وقيل إن إرضاعه مؤثر قاله ابن حبيب ومطرف وابن الماجشون، وقال بعض الشيوخ: إن كان الرضاع مصة أو مصتين لم يحرم وإن أعيد إلى الرضاع وأسقط الطعام حرم، وقبله ابن عبد السلام وظاهره أنه ثلاث للجمع بين القولين، قال ولم يتعرضوا في هذا القسم إلى تحديد اليسير فيما رأيت كما تعرضوا لذلك في القسم الأول والكلام في هذا متقارب. (ويحرم بالوجور والسعوط ومن أرضع صبيا فبنات تلك المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر إخوة له، ولأخيه نكاح بناتها): أما الوجور فلا خلاف أنه يحرم والقطرة كافيه رواه ابن حبيب وهو ما صب في وسط الفم وقيل ما صب في وسط الحلق وظاهر كلام الشيخ أن السعوط يحرم وإن لم يتحقق وصوله إلى الجوف وهو كذلك، وقيل إن وصلت إليه حرم وإلا فلا. وهذا قول ابن القاسم في المدونة والأول هو قول مالك في كتاب ابن حبيب وصوبه بعض المتأخرين لأنه منفذ واسع يصل منه قدر المصة وتأول اللخمي رحمه الله قول ابن القاسم على الوقف قليلاً كأنه يقول إنما تقع الحرمة إذا وصل ولا يدري هل وصل أم لا لأنه ليس بكبير فيختبر بوصوله، ورده ابن بشير بأنه ليس يشك وإنما أحال الأمر فيه على تحقق الوصول وعدمه، واختلف في الحقنة على أربعة أقوال: فقيل إنها تحرم مطلقا قاله ابن الماجشون وابن حبيب وعكسه حكاه ابن المنذر عن بعض المصريين عن مالك ومثله لابن الجلاب وحكاه المتيطي عن مالك في كتاب ابن شعبان، وقيل إن وصل إلى جوفه حتى يكون غذاء له حرم وإلا فلا قاله في المدونة، وقيل بالتأثير بشرط إن لم يطعم ويسبق إلا بالحقنة عاش نقله غير واحد كاللخمي عن محمد، وجعله بعض الشيوخ تفسيرًا للمدونة وبالله تعالى التوفيق. باب في العدة والنفقة والاستبراء قال بعض شيوخنا: العدة: مدة منع النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه

والنفقة: ما به قوام معتاد حال الأدمي دون سرف فتدخل الكسوة وهو مقتضى قول ابن زرب: ومن التزم نفقة إنسان ثم قال: أردت النفقة دون الكسوة فإنها تجب عليه محتجا بقوله تعالي (وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) [الطلاق: 6]. والاستبراء: مدة براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق. (وعدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء كانت مسلمة أو كتابية والأمة ومن فيها بقية رق قرآن كان الزواج في جميعهن حرا أو عبدًا): ظاهر كلامه وإن كان طلقها مقطوع الأنثيين قائم الذكر إنها تعتد وهو كذلك قاله ابن شعبان في زاهيه وقيل إنها لا عدة عليها، قاله ابن حبيب، وصوبه اللخمي وألزم القائل الأول ولم يعزه أن الصبي القادر على الوطء أن العدة على زوجته، وكذلك قال ابن حبيب إذا ذهبت البيضة اليسرى لا عدة عليها، وقال ابن دينار الولد يلحق بالخصي كيفما كان قيل فعليه تجب العدة كيفما كان. وفي النكاح الأول من المدونة قيل لمالك من كان مجبوب الذكر قائم الخصيتين قال إن كان يولد لمثله فعليها العدة ويسأل عن ذلك فإن كان يحمل لمثله لزمه الولد وإلا فلا فإن قلت ما بال البراذعي رحمه الله اختصرها سؤالا وجوابًا وعادته لا يفعل ذلك إلا لمعنى من المعاني كقول ابن الحاجب وفيها فما هو هذا المعنى. قلت: قال بعض شيوخنا لثلاثة أوجه: أحدهما: عدم استقبال جوابه لقوله ويسأل عن ذلك فإنه ليس بقطع في المسألة. الثاني: كون السائل أجمل لفظه في المسئول عنه. الثالث: اعتبار جوابه باعتبار الإنزال حسبما دل عليه آخر استبرائها وكلها على طريق التأنيس وإلا فكل ما قال شيخنا يمكن تمريضه بما لا يخفى عليك، قال في المدونة: وإن دخل بها وهي لا يجامع مثلها لصغر فلا عدة عليها ولا سكنى لها وليس لها إلا نصف الصداق. (والأقراء: هي الأطهار التي بين الدمين): ما ذكر الشيخ من أن الأقراء هي الأطهار هو المنصوص وخرج اللخمي إنها الحيض من إطلاقها في المذهب على ذلك ومثله نقل المتيطي عن ابن سعدون، وروى ابن وهب لا تحل مطلقة إلا بانقطاع دم الحيضة الثالثة كقول أهل العراق قال بعضهم فعليه الإقراء هي الحيض ورد ابن بشير ما قال اللخمي بأن لفظ الحيض إنما جاء في

موضع الطهر مسامحة لا حقيقة. (فإن كانت ممن لم تخض أو ممن قد يئست من المحيض فثلاثة أشهر في الحرة والأمة): يعني بالتي لم تحض إذا كان يجامع مثلها وأما إذا كانت لا يجامع مثلها لكونها صغيرة جداً فلا عدة عليها قاله عبد الوهاب، وقال ابن لبابة: الصغيرة إذا كانت في سن من لا تحيض، ويؤمن منها الحمل لا عدة عليها نقله ابن رشد في المقدمات قائلاً هو شذوذ، وقال اللخمي: رواية ابن عبد الحكم في الأمة التي لا تحمل غالبا وهي تطيق الوطء كبنت تسع وعشر لا يجب استبراؤها خلاف رواية ابن القاسم فيها بوجوب الاستبراء، وظاهر ترجيح هذه الرواية لقوله قياسا على الحرة قال بعض شيوخنا فظاهره أن الحرة متفق عليها. ونقل ابن يونس عن ابن حبيب وجماعة من التابعين مثل رواية ابن عبد الحكم، قال ابن هارون: هي أشبه لقولهم في الصغير الذي لا يولد لمثله لا تعتد زوجته ولو أطاق الوطء، وعلى المشهور فإن كانت حرة فثلاثة أشهر باتفاق وإن كانت أمة فقال في المدونة: كذلك وأصحابه غير أشهب فإنه قال بالثاني وقيل شهر ونصف وعزاه ابن العربي لابن الماجشون وذكر ابن بشير الثلاثة، واختلف قول مالك هل يلغي اليوم الذي وقع فيه الطلاق، أو يحتسب به إلى مثل وقته، ولهذه المسألة نظائر تقدمت في القصر. (عدة الحرة المستحاضة أو الأمة في الطلاق سنة): ظاهر كلام الشيخ سواء كانت مميزة أم لا وهو كذلك في غير المميزة باتفاق قال ابن حارث، وأما المميزة فقيل كذلك قاله أصبغ نقله أو عمر وحكاه ابن يونس رواية وقيل إن عدتها بالإقراء وهو نص المدونة في الطهارة والعدة والاستبراء وهو المشهور، وظاهر المدونة أن مجموع السنة عدة وهو كذلك عند ابن عبد الحكم قاله اللخمي، قال ابن العربي في الأحكام هو مشهور قول علمائنا، وفي المدونة عدتها ثلاثة أشهر بعد تسعة للاستبراء قال الشافعي وغيره عدتها ثلاثة أشهر قال اللخمي وهو أحسن. قال ابن العربي قاله جماعة من القرويين وهو الصحيح عندي ولو تأخر حيض المرضعة فعليها أن تنتظر الحيض أبداً ما دامت ترضع باتفاق واختلف إذا تأخر لمرض فروى ابن القاسم، عن مالك أنه قال: عدتها منه تسعة أشهر ثم ثلاثة وبهذا أخذ ابن

القاسم، وعبد الله بن عبد الحكم وابن وهب وأصبغ، وقال أشهب: بل عدتها بالإقراء وإن تبادت وهي بمنزلة التي ترضع وليس الرضاع بمانع للحيض من المرض. (وعدة الحامل في وفاة أو طلاق وضع حملها كانت أمة أو حرة أو كتابية): ما ذكر من أن عدة الحامل وضع حملها بالنسبة إلى المطلقة وهو كذلك باتفاق، وما ذكر أن المتوفى عنها زوجها هو المشهور وقيل أقصي الأجلين حكاه غير واحد وقد قدمنا أن ظاهر كلام الشيخ ولو خرج بعض الولد وبقي بقيته في البطن فإن له الرجعة، ولا تتزوج حينئذ ونقل ابن العربي عن ابن وهب ما يقتضي إذا خرج ثلثاه أنها خرجت من العدة وتتزوج حينئذ ولا خلاف أن العلقة كافية كالكامل واختلف في الدم المجتمع إذا ألقته هل ذلك لرحمها أم لا ففي استبراء المدونة أنه كذلك. ونقل أبو محمد في نوادره عن أشهب أنه لغو قال بعض شيوخنا وهو ظاهر قول ابن الجلاب والتلقين وغيرهما ونص ابن الجلاب إذا وضعت الحامل علقة أو مضغة أو جنينا ميتا خلقة أو لم يتم حلت قال فاقتصاره على العلقة والمضغة يدل على أن ما دونهما كالعدم ولتعلم أن عياضًا في الإكمال عكس العزو في المسألة فعزوا ما لابن القاسم لأشهب وما لأشهب لابن القاسم ولم يزل جميع أشياخي ينبهون على ذلك كما نبه عليه ابن عبد السلام فأعلمه قيل ويعرف بأن يصب عليه ماء سخن فلا يذوب. (والمطلقة التي لم يدخل بها لا عدة عليها): ما ذكر هو كذلك، وظاهر كلامه ولو كان المطلق مريضًا وهو المعروف في المذهب، وحكي أبو عبيد فيها عن مالك أن عليها العدة، وقال ابن عبد السلام ويلزمه مذهب الحسن البصري أن لها الصداق كاملاً وهو بعيد ولعل الحسن رأى أن تكملة الصداق عقوبة له بدليل الجمهور أن لها الميراث فقد غلبوا حكم الموت على حكم الطلاق وهذا إن لم يثبت له بها خلوة، وقال اللخمي: في كتاب إرخاء الستور: وإن ثبت له بها خلوة، فالعدة ثابتة إن كانت خلوة الاهتداء بلا خلاف تصادقا على نفي المسيس أم لا وكذلك في خلوة الزيارة إذا تصادقا على المسيس. واختلف في ذلك على ثلاثة أقوال فيما إذا اتفقا على نفي المسيس أو ادعى هو الوطء وأنكرت هي فقيل عليها العدة وإلى هذا ذهب مالك وابن القاسم وقيل لا عدة عليها قاله مطرف وابن الماجشون وأري أنها تستحب إن اتفقا على نفي المسيس فإن تزوجت لم يفسخ وإن ادعي الزوج الوطء فقط وجبت العدة وإن أنكرت فإن تزوجت

فسخ إلا أن تكون بكرا أو تراضيا فإن النساء ينظرن إليها فإن وجدت بكرا لا عدة عليها وإذا وافقت الزوجة على عدم الإصابة عمل على ذلك في إسقاط النفقة والسكنى وكمال المهر إن كانت رشيدة باتفاق وإن كانت سفيهة ففيها اختلاف ففي والواضحة أنه يعمل على قولها ونحوه لعبده الملك في الثمانية، وهو المشهور لأنه لا يعرف إلا من قولها. وقال مطرف: لا يقبل قولها لإسقاط ما وجب لها وقاله سحنون فيها وفي الأمة ومال ابن عبد السلام ومرض ما علل به المشهور بأن المحجور لا يقبل قوله في إتلاف الأموال مع أن ذلك لا يعلم غالباً إلا من جهته، وأجرى بعض من لقيناه من القرويين عليهما هل يفتقر إلى توكيل السفيهة في طلب حقوقها من زوجها أو لا يفتقر إلى ذلك وجرى العمل على التوكيل. (وعدة الحرة من الوفاة أربعة أشهر وعشر كانت صغيرة أو كبيرة دخل بها أو لم يدخل مسلمة كانت أو كتابية): ما ذكر في المسألة هو كذلك باتفاق في المذهب وما ذكره في الكتابية هو المشهور وقيل إن عدتها ثلاثة حيض والقولان لمالك، وهما على الخلاف في الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا مع أن كل الاستبراء ثلاث حيض وخرج ابن رشد على أنهم غير مخاطبين وأن الاستبراء بواحدة والزائد تعبد إنما يلزمها حيضة واحدة، وكل هذا إذا دخل بها وأما إن لم يدخل بها فقال ابن الجلاب: يخرج على روايتين إحداهما لا شيء عليهما للعلم ببراءة رحمها والرواية الأخرى يلزمه أربعة أشهر وعشر على أنها تعبد. قلت: لم يحرر رحمه الله تعالى العبارة، لأن ما علل به الرواية الأولى ينتقض عليه بالمسألة وإنما يصح تخريجها على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة وهو الذي

أراد الشيخ رحمه الله تعالى، والله أعلم. (وفي الأمة ومن فيها بقية رق شهران وخمس ليال): ما ذكر هو المشهور بالإطلاق وقيل لا عدة على الأمة الصغيرة قبل البناء وإن أطاقت الوطء نقله غير واحد عن مالك من رواية ابن أبي زيد وابن العطار، وقيل هو قول شاذ. (ما لم ترتب الكبيرة ذات الحيض بتأخيره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة): يعني أن زوال الريبة يكون بأحد أمرين إما بحيضة وإما بمضي تسعة أشهر قاله مالك وأكثر أصحابه، ونقل ابن رشد عن ابن الماجشون وسحنون أن تأخير الحيض، لا أثر له، وأما إن ارتابت بحبس بطن فقيل لا تحل أبداً إلا بوضعه إذا كانت تحيض، نقله اللخمي عن رواية أشهب وعزاه ابن العربي في الأحكام لأشهب ومالك قال وهو الصحيح لأنه إذا جاز أن تبقى خمسة أعوام جاز أن تبقى أكثر، وقيل يكفيها مضي مدة أقصى الحمل وهو المشهور وعليه فاختلف في قدره على ستة أقوال، فقيل مايراه النساء وقيل أربع سنين، وقيل خمس سنين، وقيل سبع، وقيل ست وكلها لمالك رحمه الله تعالى، وقيل يكفيها تسعة أشهر حكاه الجوهري في إجماعه عن محمد بن عبد الحكم. قال ابن عبد السلام: ولا أعلم له موافقًا كما لا أعلم له وجهًا لأن العيان اقتضى خلافه بما لا شكل فيه ولعله لم يصح عنه قلت قال بعض شيوخنا تقرب منه رواية المدونة في أمهات الأولاد من أقر بوطء أمته فجاءت بولد لما يشبه أن يكون حملا لذلك الوطء لحق به ونحوه في أوائل العدة والقول بخمس سنين هو المشهور قاله غير واحد والقول بأربع سنين وهو اختيار ابن القصار وصرح عبد الوهاب بأنه المشهور، وقال ابن الهندي لم يقض العمل إلا بها وقال المتيطي القضاء هو بالخمس. (وأما التي لا تحيض لصغر أو كبر وقد بنى بها فلا تنكح في الوفاة إلا بعد ثلاثة أشهر): قال المتيوي يعني به الأمة. (والإحداد أن لا تقرب المعتدة من الوفاة شيئا من الزينة بحلي أو كحل أو غيره): قال ابن محرز: ومثله لابن الحاجب هو ترك الزينة المعتادة واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير جامع لأنه مقتضى جواز لبس الخاتم مثلا لمن عليها ثياب رثة لأن العادة تقتضي أن لا تلبس الخاتم إلا من عليها زي يقتضيه قال فالحد الجامع المانع هو

أن يقال الإحداد ترك ما هو زينة ولو مع غيره. وسمع أشهب وابن نافع أن من توفي زوجها وقد امتشطت أنتقض مشطها قال لا رأيت ول كانت مختضبة في سائر جسدها لوجب غسله كما يجب عليها نزع الزينة وكما يجب على الرجل إن أحرم وهو متطيب غسل طيبه، قلت وتعقبه بعض شيوخنا بوجهين: أحدهما: أن تفسيره بما ذكر يقتضي منعها من الامتشاط بغير طيب، وهو خلاف قول المدونة تمتشط بالسدر وشبهه مما لم يختمر في رأسها. والثاني: قوله لوجب كما يجب على الرجل إن أحرم وهو متطيب غسل طيبه هو خلاف قول الشيخ عبد الحق في تهذيبه. قال بعض شيوخنا: إذا لزمتها العدة وعليها طيب فليس عليها غسل بخلاف من يحرم وعليه طيب، قال عبد الحق: يحتمل أن يفرق بينهما بأن المحرم أدخل الإحرام على نفسه فلو شاء نزع الطيب عنه قبل أن يحرم وبأن فيما دخل على المرأة من وفاة زوجها والاهتمام به شغلا لها عن الطيب. (وتجتنب الصباغ كله إلا السواد): ما ذكر من أن لباس السواد جائز هو قول عروة في المدونة وذكر قبله فيها عن مالك لا تلبس من الثياب المصبوغة ولا من الحلي شيئا فظاهره العموم ونبه على هذا بعض شيوخنا، وفسر اللخمي المذهب بجوازه وعزاه الباجي لرواية محمد، وقال القاضي عبد الوهاب كل لون يتزين به النساء تمنع منه الحاد، قال اللخمي وهذا أحسن ورأي أن تمنع الثياب الحسنة وإن كانت بيضاء وكذلك رفيع السواد ولا تمنع الأخضر والأزرق والوردي وتمنع النفيس من الحرير وإن لم تجد إلا مصبوغا باعته أو غيرته بسواد، وقد يستخف بقاؤه بحاله إن كان في تغييره فساد. قلت: ظاهر كلامه أنه حمل قول القاضي على الخلاف لقوله وهذا أحسن والأقرب أنه تفسير ويحمل على أن كل أحد تكلم على عرفه. فالسواد في الزمان الأول كان ليس من الزينة المعتادة فلهذا أجازه من تقدم ذكره بخلاف الأبيض ولو كان عرفهم على العكس لا نعكس الحكم والله أعلم.

(وتجتنب الطيب كله): يعني مذكره ومؤنثه كما صرح به ابن الحاجب فالمؤنث كالكافور والمذكر كالياسمين. (ولا تختضب بحناء ولا تقرب دهنا مطيبا ولا تمتشط بما يختمر في رأسها): قال في المدونة: ولا تكتحل إلا من ضرورة فلا بأس به وإن كان فيه طيب ودين الله يسر فظاهرها إنها إذا اكتحلت لضرورة لا يلزمها إزالته بالنهار قال بعض شيوخنا ولا يخفى عليك ما فيه، وقيل إنه يجب مسحه بالنهار قاله مالك في رواية محمد، ولمالك في المختصر لا تكتحل بإثمد فيه طيب وإن اشتكت عينها وقيد بعدم اضطرارها لذلك. واختلف في دخولها الحمام فقيل لا تدخله أصلاً وظاهر قول قائله ولو من ضرورة وقال أشهب: لا تدخل إلا من ضرورة وأجازه ابن لبابة. (وعلى الأمة والحرة الصغيرة والكبيرة الإحداد): ما ذكر في الأمة والكبيرة متفق عليه وما ذكر في الصغيرة هو المشهور وفي الكافي قيل لا إحداد على الصغيرة وعلى الأول فإن امتشطت فواضح وإلا فأهلها يجنبونها ذلك. (واختلف في الكتابية وليس على المطلقة إحداد): القول بأن الإحداد على الكتابية هو قول ابن القاسم، والقول بنفيه هو قول ابن نافع وكلاهما في المدونة وعزا أبو عمر بن عبد البر قول ابن نافع له ولأشهب وروايته واختلف في وجوبه على امرأة المفقود في عدة وفاته فلابن القاسم في المدونة واجب، وقال سحنون وابن الماجشون أنه لا يجب حكاه ابن رشد. (وتجبر الحرة الكتابية على العدة من المسلم في الوفاة والطلاق): هذا مما يضعف قول ابن نافع السابق لأن الإحداد هو من توابع العدة والله أعلم، وظاهر كلام الشيخ سواء بنى بها أم لا، وقد تقدم ما في ذلك وإنما جبرت لحق الزوج لأن العدة للزوج بها تعلق وله فيها حق، وما هذا شأنه يغلب فيه حكم الإسلام، وقال بعضهم إنما جبرت لأنها مخاطبة بفروع الشريعة وهو بعيد إذ لو كان كما قال لكان فيها خلاف وإن دخل بها ولا أعرفه. (وعدة أم للولد من وفاة سيدها حيضة وكذلك إذا أعتقها فإن قعدت عن الحيض

فثلاثة أشهر): ما ذكر الشيخ من أن عدة أم للولد حيضة هو نص المدونة زاد فيها ولو مات عنها وهي في أولها أو غاب فحاضت بعده حيضة ومات في غيبته لزمتها حيضة بعد وفاته لأنها لها عدة بخلاف الاستبراء قال ابن القاسم لقوة الخلاف فيها قال بعض العلماء عليها عدة أربعة أشهر وعشر وقال بعضهم ثلاث حيض. قال مالك ولا أحب لها المواعدة فيها ولا تبيت إلا في بيتها ولا إحداد عليها، ونقل ابن رشد عن المذهب في ثالث مسألة من رسم عيسى في طلاق السنة لها المبيت في الحيضة في غير بيتها من عتق أو وفاة قال بعض شيوخنا فقف على ما زعم عن المذهب في نقله هو خلاف نص المدونة. (واستبراء الأمة في انتقال الملك حيضة انتقل الملك ببيع أو هبة أو سبي أو غير ذلك ومن هي في حيازته قد حاضت عنده ثم أنه اشتراها فلا استبراء عليها إن لم تكن تخرج): ما ذكر من الاستبراء بحيضة هو المنصوص وأخذ ابن عبد السلام أن الاستبراء قرء واحد من المدونة في الأمة المتواضعة في ضمان بائعها حتى تدخل في أول الدم وضعفه بعض شيوخنا بأنه بأول الدم فقط لا به مع طهر قبله لقوله إن ابتاعها في دمها فلا استبراء وضعف شاذ قول ابن الحاجب وهو حيضة على المشهور بقوله لا أعرفه منصوصًا لغيره. ومثله لخليل وقال إنما خرجه المازري على قول أشهب أن المشتراة في أول دمها لا تكتفي بذلك، وقبله ابن عبد السلام فإن قيل فقدمت ذات الحيض على الدم لا لمرض ولا لرضاع فروى ابن القاسم وابن غانم ثلاثة أشهر، وروى ابن وهب وأشهب تسعة أشهر، وهكذا نقل ابن رشد، وقال اللخمي: نقل ابن القاسم وابن وهب تسعة وابن أبي حازم وأشهب ثلاثة، وقال أشهب وينظرها النساء. قال بعض شيوخنا: والصواب عن ابن القاسم نقل ابن رشد عن المدونة فإن ارتابت بحبس بطن فتسعة اتفاقًا واستشكل بأنه إن زالت ريبتها قبلها حلت وإن بقيت لم تحل فالتسعة لغو. وأجاب ابن شاس بأن التسعة مع بقاء الريبة دون زيادة تحلها وإنما لغوها إن ذهبت أو زادت وقبلوه وأما إن تأخر الحيض لمرض أو رضاع فثلاثة أشهر، قال ابن رشد لا أعلم فيه خلافًا وقد يدخله الخلاف بالمعنى وجعلها ابن الحاجب كالأولى

وسلمه ابن عبد السلام، وقال بعض شيوخنا لم أقف على ما قال ومثله لخليل قيل ويحتمل أن يرجع للقول الأخير فقط من القولين السابقين في المسألة السابقة. قلت: ولولا الإطالة في كلام ابن الحاجب لذكرنا لفظه. (واستبراء الصغيرة في البيع إن كانت توطأ ثلاثة أشهر): ما ذكر من أن الصغيرة التي توطأ عليها الاستبراء هو المشهور وتقدمت رواية ابن عبد الحكم بأنه لا استبراء عليها وما ذكر أن مقداره ثلاثة أشهر هو المشهور أيضا، وقيل شهر وقيل شهر ونصف وقيل شهران وكلها في البيان لابن رشد. (واليائسة من المحيض ثلاثة أشهر والتي لا توطأ فلا استبراء فيها): واعلم أن اليائسة فيها الأربعة السابقة وأما المستحاضة ففي المدونة ثلاثة أشهر وفي الموازية تسعة، وأما الحامل فمنتهاه وضع حملها والمرتابة بحبس البطن منتهى أقصى أمد الحمل باتفاق وقد تقدم ما فيه من الخلاف. (ومن ابتاع حاملا من غيره أو ملكها بغير البيع فلا يقربها ولا يتلذذ منها بشيء حتى تضع): ما ذكر هو المشهور وقال ابن حبيب لا يحرم من الحامل من زنا والمسبية إلا في الوطء نقله ابن الحاجب رحمه الله وقال ابن عبد السلام ما ذكر عن ابن حبيب في الزنا لا أعرفه له لكن قال سحنون فيمن اشتري أمه بالبراءة من حمل ظاهر لا بأس أن ينال منها ما ينال من الحائض إذا كان من غير السيد، وقال ابن يونس لعله رخص في هذا للشيخ لأنه يملك نفسه كما أرخص له النبي (صلى الله عليه وسلم) في القبلة في الصوم وأما الشاب فلا وأجابه خليل بأنه نقله غير واحد عنه كالمازري وابن شاس وابن راشد، قال عبد الحق عن أصبغ من زنت زوجته وهي غير بينة الحمل لم يطأها إلا بعد ثلاث حيض فإن وطئها فلا شيء عليه قاله محمد، واختلف إذا اغتصبت وهي بينة الحمل، فقيل إن وطأها جائز قاله أشهب، وقيل إنه مكروه قاله اصبغ ورواه، وقيل يستحب تركه قاله ابن حبيب. (والسكنى لكل مطلقة مدخول بها): يريد إلا أن تكون صغيرة دخل بها وهي لا يجامع مثلها فلا سكني لها إذ لا عدة عليها في الطلاق. (ولا نفقة إلا للتي طلقت دون الثلاثة وللحامل كانت مطلقة واحدة أو ثلاثًا):

يريد إذا كان الطلاق رجعيا، وإما إن كان الطلاق بائنًا فلا نفقة لها حسبما يقوله الشيخ الآن وظاهر كلام الشيخ أن ظهور الحمل كاف في وجوب النفقة فإن لم يتحرك قيل وهو الذى وقع لمالك في غير ما كتاب وفي الموازية يعتبر ظهور الحمل وتحريكه وقيل تجب لها الآن ولا تدفع لها حتى تضع لاحتمال أن يكون ريحا فينفش وهي رواية المبسوط وكتاب ابن شعبان والقول الثاني يرجع للأول وسمعت بعض من لقيته يقول إنه قول ثالث ونظير هذه المسألة هل يلاعن بظهور الحمل أم لا. واختلف إذا أنفق على الحمل ثم أنفش على أربعة أقوال: فقيل يرجع عليها وعسكه وقيل إن حكم بذلك حاكم رجع وإلا فلا وهذه الأقوال الثلاثة حكاها غير واحد، وقيل عكس الثالث إن كان بحكم فلا رجوع لأنه حكم مضى وإلا رجع حكاه ابن حارث، قال ابن رشد ولهذه المسألة نظائر منها مسألة كتاب النفقة من المدونة الذي يثيب على الصدقة وهو يظن أن الثواب يلزمه ومنها مسألة كتاب الصلح فيها في الذي يصالح عن دم الخطأ وهو يظن أن الدية تلزمه. (ولا نفقة للمختلعة إلا في الحمل ولا نفقة للملاعنة وإن كانت حاملا ولا نفقة لكل معتدة من وفاة): واختلف هل لها السكني أم لا فقال القاضي إسماعيل: لا سكني لها واختاره ابن رشد وابن عبد السلام والمشهور أن لها السكني، واختلف هل للناشزة نفقة أم لا على ستة أقوال: فقيل لها ذلك قاله في كتاب محمد وسماع عيسى، وعكسه قال عبد الوهاب في الإشراف وقيل إن كانت حاملا وجبت لها النفقة لأجل الولد وإلا فلا قاله ابن الجلاب، وقيل إن خرجت من المسكن فلا نفقة لها وإن لم تخرج فلها قاله أبو بكر الوقار وقيل إن عجز عن ضربها على نشوزها فلا نفقة لها، وإلا وجبت لها قال أبو الحسن القابسي، وقيل لها النفقة إن فعل ذلك بغضا فيها كالعبد الآبق، وإن ادعت أنه طلقها فلا نفقة لها نقله ابن يونس عن سحنون وفي المدونة فيمن غلبت زوجها فخرجت من منزله في العدة من طلاق بائن وسكنت غيره لا كراء لها عليه فيما سكنت فأقام منها ابن الناشزة لا نفقة لها. ورده أبو عمران بأن بقاءها في المنزل حق لله تعالي وبقاءها مع الزوج حق له ولابن رشد فرق آخر بينهما وهو أن السكني متعينة لها في مسكن الطلاق لا في ذمته فليس لها أن توجب في ذمته ما لم يكن واجبا عليه، وصوب بعض شيوخنا هذا الفرق

قائلاً: هو أبين من فرق أبي عمران وأقام منها أبو إبراهيم أن المرأة إذا كان لها ولد وانتقلت به إلى بلد آخر مختفية ثم جاءت به بعد مدة تطالب بما أنفقت عليه أنه لا شيء لها، وعبر المغربي عن الإقامة المذكورة بقوله أقاموا منها. (ولها السكنى إن كانت الدار للميت أو قد نقد كراءها): ما ذكر الشيخ أن لها السكنى هو المشهور، وروى ابن خويز منداد سقوط السكنى في الوفاة وقاله ابن القصار محتجا بأن ملك الزوج للدار قد زال بموته واختاره ابن عبد السلام، وقال اللخمي: إن قام الغرماء والمسكن في ملك الزوج بيع واستثنى مدة العدة كانت عدة طلاق أو وفاة وإن كانت بكراء ونقده فهي أحق به بذلك الكراء بقدر العدة وبيع الباقي للغرماء وإن كان لم ينقده والعدة من الطلاق فللمكري أخذ مسكنه وإن أسلمه فتكون الزوجة أحق به ويحاص المكري مع الغرماء فيما سواه، وإن كانت لوفاة لم يكن المكري أحق ولا الزوجة وبيع للغرماء والمكري أحدهم، وإن يكن عليه غرماء بيع له وليس له أخذه. قلت: وأخذ بعض شيوخنا من بيع دار الميت واستثناء سكنى العدة مع احتمال الريبة جواز بيع الدار واستثناء سكناها خمس سنين وأجاز المغيرة استثناء عشر سنين وأخذه بعضهم من قول المدونة فيمن استعار أرضًا من رجل على أن يبنيها ويسكنها عشر سنين ويكون البناء لصاحب الأرض ذلك جائز إذا وصف البناء وأجاز سحنون استثناء ثلاث سنين وابن حبيب استثناء سنتين إلى غير ذلك من الأقوال وقال ابن عبد السلام في قول أهل المذهب بتقديم حق المعتدة على الغرماء نظر لأنه يوجب كون حقها بعد الموت وانقطاع الزوجية أقوى منه في الحياة مع بقاء العصمة فيكون التابع أقوى من متبوعه وهذا خلف لأن سكنى العدة إنما وجب تبعًا لسكني الحياة. وقال ابن عات خروج بعضهم من بيعها للغرماء أن من خلف حاملا وعليه دين وله عقار أنه يباع للغرماء وخالف فيه ابن أيمن وقال لا يباع حتى تضع الحمل. قلت: قال بعض شيوخنا قد يفرق بأن الحمل مانع لوجوب الأعذار في الدين للولد الحمل والمعتدة المبهمة لمانع مشكوك فيه، وقد علمت أن العادة أن الشك في المانع لغو بخلاف تحققه، واختلف أيضًا إذا أوصى بوصية وثم حمل نقل يعطي للموصي له الوصية أو حتى تضع واختلف أيضًا في المرأة إذا كانت حاملا وطلبت ثمنها عاجلا. (ولا تخرج من بيتها في وفاة أو طلاق حتى تتم العدة إلا أن يخرجها رب الدار ولم

يقبل من الكراء ما يشبه فلتخرج وتقيم بالموضع الذي تنتقل إليه حتى تنقضي العدة): قال في المدونة: إن انهدم المسكن فدعت إلى مسكن غير ما دعا إليه الزوج فذلك لها فيما لا يضر به لكثرة كراء ولو أسقطت الكراء سكنت حيث شاءت أراد بقوله أو سكنى أحد أمرين إما مسكن سوء غير مأمون وإما بحيث لا يعلم أنها معتدة وهذا التقييد الأخير قيد به ابن شاس قولها ولو اسقطت الكراء سكنت حيث شاءت، فقال يريد حيث يعلم أنها معتدة بحيث لا يخفى عليه خبرها. وقال ابن عبد السلام: لا يبعد أن يكون القول قوله كما كان ذلك قبل الطلاق ورده بعض شيوخنا بأنه قبل الطلاق ومقارن معها في السكني فعليه حكمه وفي المدونة لا تخرج امرأة الأمير لوال غيره قبل تمام العدة واضطرب أهل المذهب إذا مات إمام المسجد وهو في الدار المحبسة عليه فقيل كذلك قال ابن عات وعليه جرى عمل أهل قرطبة وقيل تخرج منها إن أخرجتها جماعة المسجد. قاله ابن العطار واقتصر أكثر الشيوخ عليه كعبد الحق والباجي وابن رشد وابن زرقون وغيرهم وفرقوا بينها وبين مسألة الأمير بثلاثة فروق. أحدها لابن رشد أن امرأة الأمير لها حق في بيت المال، وهذه الدار لبيت المال. والثاني: أن أصل أجرة الإمام مكروهة، وكلا الفرقين ذكره ابن عات وعزا الأول لمن ذكر، والثاني لابن المناصف، قلت ورد بعض شيوخنا الثاني بمنع كونها إجازة مكروهة في الإمامة بل هي إعانة وإلا افتقرت إلى ضرب الأجل ولا قائل به. الثالث: أن سكنى الإمام على وجه الإجارة فإذا مات انتقضت الإجازة بخلاف الإمارة وإلى هذا ذهب عبد الحق والباجي وغيرهما وفهمه خليل على أنه مغاير لما قبله، كما قلنا قال وإنما يقصد الناس في زماننا في أئمة المساجد الإجارة فيقوى قول ابن العطار. وفي المدونة: وتنتوي البدوية حيث انتوى أهلها لا حيث انتوى أهل الزوج وأراد بقوله تنتوي أي تترحل وتبعد من النوى وهو البعد، قال عياض: وأخذ بعضهم منه أنه إنما كان لها ذلك إذا كان رحيلهم عن بعد وإن كان عن قرب بقيت لتمام عدتها قلت: وأخذ منها بعض شيوخنا أن المرأة إذا ماتت وأراد زوجها دفنها في مقبرته وأراد أهلها دفنها في مقبرتهم أن القول قول أهلها، وقال الفاكهاني: لم أر لأصحابنا فيها نصا فمن رأى ذلك فليضمه إلى هذا الموضع راجيا ثواب الله الجزيل ذكر ذلك عند قول الشيخ واختلف في كفن الزوجة.

(والمرأة ترضع ولدها في العصمة إلا أن يكون مثلها لا ترضع وللمطلقة رضاع ولدها على أبيه ولها أن تأخذ أجر رضاعها إن شاءت): يريد بقوله إلا أن يكون مثلها لا ترضع لأحد أمور ثلاثة: إما لشرفها، وإما لمرضها وإما لانقطاعه لبنها، قال اللخمي ولذات الشرف رضاعه بأجر قال الشيخ خليل، وأفتى بعض مشايخ شيخي بأن الشريفة إذا تواضعت الرضاع لا أجر لها لإسقاطها حقها ولا كبير مؤنة عليها في لبنها وإن مات أبوه وله مال استؤجر له من مال أبيه والأم أحق به إن قبل غيرها وإن لم يقبل غيرها لزمها بالأجر، وإن لم يكن له مال وكان لها لبن فالمشهور يلزمها إرضاعه وقيل لا يلزمها وهو من فقراء المسلمين، قاله ابن الجلاب ونقله ابن يونس عن القاضي عبد الوهاب قائلاً: ولها أن تأخذ أجر رضاعها إن شاءت وإن لم يكن لها لبن فقيل يجب عليها في مالها واختار التونسي أنه لا يجب عليها وبه قال اللخمي وهو قول القاضي عبد الوهاب قائلاً: واختلف المذهب إذا وجد من يرضعه بدون أجره المثل فقيل إن حقها ساقط إلا بما وجد خاصة. رواه ابن وهب، وقيل لها أجر المثل ولا يلتفت إلى ما وجد. والمدونة محتملة للقولين معا ونصها والأم أحق بما يرضع به غيرها فيحتمل أن يكون في واجد الأب ولمن كان أقل من أجرة المثل وعليه اختصر أبو محمد والبراذعي ويحتمل أن يكون أراد رضاع المثل وعليه حمل ابن يونس وغيره كلام المدونة، ثم اختلف الشيوخ فحكى ابن بشير عن بعض المتأخرين إنما هو الخلاف إذا قالت المرضعة أو رضعه عندي وإن قالت أنا أرضعه عند الأم فلا قول للأم بلا خلاف ومنهم من رد القولين لذلك ومنهم من أبقاهما على إطلاقها فاعلم أنها ثلاثة طرق واختلف إذا وجد من يرضعه مجانا وهو موسر، ففي المدونة لا مقال له. وروى ابن وهب له متكلم وحمله ابن رشد على أن الأب وجد من يرضعه عند الأم وحيث وجب على الأم إرضاعه بأجر فهو أجر المثل نص عليه ابن الكاتب وغيره وفي طرز ابن عات إن اختلف في الأجرة فحكى ابن فتحون عن أبي الوليد بن مقبل أنه سأل عن ذلك فقال على الزوج الموسر ديناران في الشهر وعلى المتوسط دينار وأربعة درهم وعلى العامل بيده دينار، وظاهر كلام بعض شيوخنا أنه خلاف والحق أنه وفاق

أنه إنما تكلم على عرفه لأن ما ذكره دعوى لم يقم عليها دليل شرعي والله أعلم، وإن لم ترض الأم بأجرة مثلها فللأب أخذه إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر على إرضاعه بأجر مثلها. قال اللخمي وابن عادت ولا سكنى للمرضع مدة إرضاعها لأن مسكنه حجر أمه قلت وذكر ابن عبد السلام قولاً أن لها ذلك على الأب. (والحضانة للأم بعد الطلاق إلى احتلام الذكر ونكاح الأنثى ودخولها) ظاهر كلام الشيخ ولو كانت الأم كافرة وهو نص المدونة خلافا لابن وهب وعن ابن القاسم مثله واختاره اللخمي وظاهر كلامه أيضًا وإن كانت الأم سفيهة أن لها الحضانة وهو كذلك في أحد القولين وحكاهما المتيطي ووقعت بباجة في أيام الأمير أبي بكر فأفتى فيها ابن عبد السلام بأن لا حضانة لها، وأفتى ابن هارون بأن لها الحضانة فأمر الأمير أن يعمل بقول ابن هارون بأن الحضانة لها، واختاره بعض شيوخنا لكونه ظاهر رواية المدونة وغيرها ولا خصوصية للأم في هذه المسألة بل لكل حاضنة وإن كان بالحاضن جذام أو برص، فإن كان خفيفا فمغتفر وإن كان فاحشا فمانع من الحضانة. واختلف في أم الولد إذا أعتقت والمشهور أن لها الحضانة خلافا لابن وهب ولو أعتق ولد الأمة فإن الحضانة لها قاله في المدونة قال اللخمي وفيه نظر لأن الغالب في الأمة أنها تكون مقهورة على عمل سادتها والحرة إذا تزوجت سقطت حضانتها بما تعلق بها من حقوق الزوج فكيف بهذه وفرق الشيخ المغربي بينهما وبين ما استدل به بأن الحرة إذا تزوجت أحدثت بعد الطلاق ما يخل بالحضانة والأمة لم تحدث بعد الطلاق ما يخل بها وكونها مقهورة على عمل ساداتها فعليه دخل الزوج وفرق ابن عبد السلام بينهما بأنهما رأوا في المذهب كون المرأة إذا تزوجت حصل بين زوجها الثاني وبين مطلقها بغض وعداوة والشنئان له ولولده فنزعوا الولد لذلك والأمة وإن كانت مشغولة بالخدمة إلا أنهم لا يبغضون ولدها كما يبغضه الزوج واعلم أن ما تقدم من سقوط الحضانة إذا تزوجت الأم المراد بذلك إذا دخل بها زوجها وزعم ابن حارث الاتفاق على سقوطها وقال المتيطي هو المشهور المعمول به وفي التعبية ليحيى وروى ابن القاسم: ليس للأب أخذه من الأم وإن دخل بها زوجها إن كان الابن في كفاية عندها وعلى الأول فلا يرد لها إن خلت من الزوج عند الأكثر وقيل يرد إليها قاله ابن وهب

وابن نافع ورواه ابن خويز منداد، وقاله عبد الوهاب واختار ابن يونس الأول مستدلا بعدم عود النفقة على الأب إذا أسقطت في حق ولده قال، واختلف شيوخنا إذا تزوجت تزويجا فاسدا ودخل بها ونزع الولد ثم فسخ فقال بعضهم يرجع إليها الولد وقيل لا يرجع قلت وذكر ابن رشد قولاً بأن الدخول بالزوجة لا يسقط الحضانة بل حتى يحكم الحاكم فلو تأيمت قبله فهي أحق به ذكره في المقدمات ولكل حاضن قبض نفقة محضونه، وكسوته وغطائه ووطائه قال ابن عات في المجالس إذا ادعت الحاضنة أن كسوة الولد خلقت منه أو أتلفها في خروجه عنها حلفت وكانت من الأب، وقال هشام هو منها وبه جري العمل. قلت: وأجرى بعض شيوخنا القولين على الخلاف في الحضانة هل هي حق المحضون أن للحاضن وكذلك أجرى عليها غير واحد اختلافهم فهل لها أجرة أم لا وظاهر كلام الشيخ أن الإنبات لا أثر له وهو كذلك عند ابن القاسم، وقيل إن قارب الاحتلام وأنبت، وأسود نباته فللأب ضمة إليه قاله ابن الماجشون ووجهه بأن الإنبات هو الذي يمكن إثباته بالشهادة عليه والاحتلام لا يعلم إلا بقول الصبي وروى ابن وهب أن منتهي الحضانة في الذكور والإثغار كذا عزاه الباجي وعزاه اللخمي لمالك وأبي مصعب، ومختصر ابن عبد الحكم. وكان بعض من لقيناه يعارضه بقوله في التفرقة بين الأم وولدها أنه لا يفرق بينهما أبدًا بأنا نمنع أن أخذ الوالد ولده في الحضانة تفرقة سلمنا أنه تفرقة لكن في البيع أشد فناسب المنع للأبد والله اعلم واختار ابن القصار وابن رشد استفهام الأبوين على الذكر وقيل الولد الذكر في أبويه مخير ولقد بعدنا عن كلام الشيخ ولنرجع إليه. (وذلك بعد الأم إن ماتت أو نكحت للجدة ثم للخالة فإن لم يكن من ذوي رحم الأم أحد فالأخوات والعمات فإن لم يكونوا فالعصبة): اعلم أن الحضانة في النساء للأم ثم أمها ثم جدة الأم لأمها ثم الخالة ثم الجدة للأب ثم جدة الأب لأبيه ثم الأخت ثم العمة ثم بنت الأخت، واعلم أن خالة الخالة تنزل منزلة الخالة نقله ابن يونس عن ابن المواز وعزاه الباجي لروايته وجعله بعض شيوخنا المذهب قائلاً: وقول ابن شاس وابن الحاجب وفي إلحاق خالة الخالة بالخالة قولان لا أعرفه وسلمه ابن عبد السلام قائلاً عن بعضهم: وكذلك عمة العمة التي هي أخت الجد للأب قال وهي عبارة المؤلف قلق لأن القول بأنه لا تلحق خالة الخالة بالخالة

لا يلزم منه سقوط حقها في الحضانة مطلقا والحضانة في الذكور للأب ثم الأخ ثم الجد ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم ثم المولي الأعلى والأسفل على المشهور فيها قال اللخمي: ولم أر للجد في الحضانة نصا وأرى له في ذلك حقا وقال ابن العطار: إذا اجتمع الجدان فالجد للأب أولى من الجد للأم والأم ثم أمها أولى من كل من له الحضانة وفي تقديم الأب على بقيتهن أربعة أقوال ثالثها المشهور ويقدم على من بعد الجدة للأب ورابعها يقدم على من بعد الخالة. (ولا يلزم الرجل النفقة إلا على زوجته كانت غنية أو فقيرة):

اختلف ما الذي يفرض لزوجته على أربعة أقوال: فقيل يفرض الثمن وقيل: الأعيان وقيل: إن كانت الأعيان مما يجوز بيعها قبل قبضها فالأول وإلا فالثاني وقيل: إن الحاكم مخير واختلف إذا مرضت فقل أكلها أو خرجت قليلة الأكل وطلبت قوتا كاملاً فقال أبو عمران يقضي لها بالوسط وتصرف الفاضل فيما أحبت قال المتيطي والصواب أنه لا يكون لها إلا ما تقدر عليه من الأكل كذا عزاه الشيخ خليل وفيه نظر بل نقله المتيطي عن اختيار ابن سهل فقط، ولوجدها فادحة الأكل فلا كلام له وهي مصيبة نزلت به قال بعض القرويين لأنها لا ترد إلا من العيوب الأربعة بخلاف إذا وجد المكتري أكولا فإن له أن يفسخ إجارته وقبله غير واحد كالمتيطي ونص الشيخ ابن رشد على أن للزوج أن يمنعها من الغزل وجعله بعض من لقيناه من القرويين المذهب قائلاً: نقله ابن يونس عن أبي محمد بن أبي زيد عن مالك، وما ذكره لا أعرفه وجعله شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله خلاف ظاهر المذهب لأن الزوج ليس له فيها إلا المتعة وبه أقول ولا يقال الأول أقرب بدليل أن له منعها من صوم التطوع لأن الصوم يضعفها غالبا بخلاف الصنعة غالبا والعيان يشهد لذلك ولأن الصوم يمنعه من الوطء فلذلك وقف على رضاه. (وعلى أبويه الفقيرين): ظاهر كلام الشيخ ولو كان الأبوان كافرين وهو كذلك، وحكي ابن حارث عن رواية ابن غانم أنه لا نفقة لهما وظاهر كلام الشيخ أيضًا ولو كان الأبوان يقويان على العمل وهو كذلك عند الباجي خلافا للخمي والأظهر أن لا يمين على الأبوين خلافا لابن لبانة وإذا كانت عند الأب دار لا فضل في ثمنها فهي كالعدم ولذلك يعطى من الزكاة، واختلف إذا تعددوا وكانوا موسرين فقيل: على قدر رءوسهم قاله ابن الماجشون وأصبغ وقيل: على قدر أموالهم قاله ابن المواز وقيل: على قدر الميراث قاله

مطرف وابن حبيب وقيل: إن كل واحد من الأولاد تلزمه النفقة على انفراده فهي على السواء وإن كان بعضهم يلزمه منها إن لو انفرد بعضها لزمه بقدر ذلك معهم ويجب على الولد أن ينفق على امرأة واحدة لأبيه لا أكثر وقال ابن عبد الحكيم لا يلزمه ذلك. واختلف هل يجب على الولد أن يزوج أباه على قولين لأشهب وابن القاسم وسبب الخلاف هل النكاح قوت أو فاكهة وسمع ابن القاسم لا يجب عليه أن يحجه، قال ابن رشد هذا على القول بأنه على التراخي وأما على القول الذي يقول بالفور فإنه يجب عليه وكل هذا إذا اعترف الابن بفقر أبيه وأما إذا أنكر فقره فعلي الأب إثبات فقره ثم اختلف هل يحلف مع ذلك أم لا فقال ابن لبابة: يحلف، وقال غيره لا يحلف، قال بعض الموثقين وبه القضاء وعليه العمل والقولان حكاهما المتيطي ولو زعم الولد أنه فقير لتسقط عنه نفقة أبيه فقيل: يقبل قوله قاله ابن الفخار وقيل: لا قاله ابن العطار. (وعلى صغار ولده الذين لا مالك لهم على الذكور حتى يحتلموا ولا رمانة بهم وعلى الإناث حتى ينكحن ويدخل بهن أزواجهن ولا نفقة لمن سوى هؤلاء من الأقارب): ظاهر كلام الشيخ أن الزمانة لو طرأت بعد البلوغ لا أثر لها فلا تعود النفقة وهو كذلك عند ابن القاسم ولابن وهب في الموازية لا نفقة عليه وإن بلغ زمنا ولابن الجلاب عن ابن الماجشون تلزمه نفقته ولو حدثت الزمانة بعد البلوغ ولا خصوصية للزمانة بل وكذلك العمي وشبهه. (وإن اتسع فعليه إخدام أم زوجته وعليه أن ينفق على عبيده): اختلف في الإخدام فقيل: هو واجب للزوجة كنفقتها تطلق بالعجز عنه قاله ابن الماجشون وقيل يجب كالنفقة ولا تطلق بالعجز عنه وهو مذهب ابن القاسم، وقال ابن حبيب لا تجب إلا أن يكون موسراً أو الزوجة من ذوات القدر وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن رشد في أجوبته وصرح في البيان بأن المشهور القول الثاني وحيث تجب لها الخدمة فقيل: تقصر على خادم واحد وقيل يقضي عليه بأكثر وقيل إن ارتفع قدرها كبنت السلطان والهاشمية فالثاني وإلا فالأول قاله أصبغ وظاهر كلام الشيخ أن الزوج محمول على عدم الاتساع حتى يثبت وهو كذلك على ظاهر المدونة وفي ذلك قولان حكاهما صاحب الطراز. (ويكفنهم إذا ماتوا): ما ذكر الشيخ من أن على السيد أن يكفن عبيده هو كذلك باتفاق قاله بعض

باب في البيوع وما شاكل البيوع

الشيوخ وهو نص المدونة في الرهون قال فيها: وعليه كسوة العبد وكفنه إن مات ودفنه وأخذ منها بعض من لقيناه من القرويين أن البهيمة إذا ماتت بفناء قوم فإنه يجب على ربها أن يرفعها. وفي ذلك قولان حكاهما صاحب الطراز ورده شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى بأن للآدمي حرمة ليست لغيره فأفتي أبو القاسم الغبريني لقاضي القيروان لما كتب له فيها حين نزلت به بأن فيها قولين ذكرهما صاحب الطراز إشارة منه إلى أن القولين على حد السواء وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى، قلت: وهو الأقرب، الأول لأن ربها لو أخذ جلدها لكان له ذلك على ظاهر المذهب قولاً واحداً. (واختلف في كفن الزوجة فقال ابن القاسم في مالها وقال عبد الملك في مال الزوج وقال سحنون إن كانت ملية ففي مالها وإن كانت فقيرة ففي مال الزوج): يريد إذا كانت الزوجة مدخولا بها أو دعى إلى البناء بها واعتبر ابن القاسم رحمه الله تعالى الحياة فأسقطه عن الزوج ورعى ابن الماجشون الاستصحاب وقول سحنون استحسان ونسبه ابن شاس لمالك وعزا المتيطي الثاني لرواية ابن الماجشون وزاد رابعا لابن القاسم في سماع عيسى وهو أن كانت بكرا فعلي أبيها وإن كانت مدخولا بها ففي مالها وإن كانت فقيرة ولها ولد فذلك عليه وكذلك اختلف في كفن الأبوين والولد على قولين وسببهما ما قدمناه قال بعض من لقيناه، ولا يتخرج هذا الخلاف في العبد لأن نفقته لازمة فكفنه كذلك ولا يتخرج من الزوجة وإن كانت نفقتها متأصلة لأنها معاوضة. باب في البيوع وما شاكل البيوع قال ابن عبد السلام: معرفة حقيقة البيع ضرورية حتى للصبيان ورده بعض شيوخنا بأن المعلوم ضرورة وجودة عند وقوعه لكثرة تكرره ولا يلزمه منه علم حقيقته حسبما تقدم في الحج وعرفه بعض الشيوخ بأنه دفع عوض عن معوض فيدخل الفاسد وخصص المازري وابن يونس تعريف الحقائق الشرعية بصحيحها لأنه المقصود بالذات فقال: نقل الملك يعوض لاعتقادهما أن الفاسد لا ينقل الملك بل شبهة الملك انتقدهما ابن عبد السلام بأن ذكر لفظي العوض فيهما يوجب خللا لأنه لا يعرف إلا بعد معرفة البيع أو ما هو ملزوم له ورد بعض شيوخنا الأول لأنه لا يتناول إلا بيع المعاوضة ورد الثاني بأنه لا يتناول شيئا من البيع لأن نقل الملك لازم للبيع الأعم منه.

وكونه بعوض يخصصه بالبيع عن ملك الهبة والصدقة ولا يصيره نفس المبيع ويدخل فيه النكاح والإجارة قال: وحقيقته عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة ومكايسة أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة معين غير المعين فيه، واعلم أن البيع ينقسم على أربعة أقسام: بيع مساومة وبيع مزايدة وبيع استرسال واستيهاب وبيع مرابحة. فالأولان جائزان بلا خلاف وكذلك يجوز بيع المرابحة بالإطلاق ومال المازري إلى منعه أن افتقر إلى فكرة حسابية وكذلك بيع الاسترسال في الأكثر وسمع عيسى عن ابن القاسم من قال لبائع بعني كما تبيع من الناس فإنه لا يصلح ويفسخ إن كان قائمًا ويرد مثله إن كان مثليا وإلا رد قيمته، وهل لا يكون الاسترسال إلا في المشتري أو فيه وفي البائع قولان لابن القاسم وابن حبيب وغيره وهو الصحيح قاله ابن رشد في أول المرابحة وآخره. (وأحل الله البيع وحرم الربا) لا خلاف أن البيع من حيث الجملة جائز قال ابن عبد السلام وهو معلوم من الدين ضرورة فالاستدلال على ذلك من الكتاب والسنة المذكورة في الكتب والمجالس

على سبيل التبرك يذكر الآي والأحاديث مع تمرين الطلبة على الاستدلال واختلف السلف في معنى قوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربوا) [البقرة: 275] فقيل: المراد به ما كانت الجاهلية عليه من فسخ الدين في الدين يقول المطلوب أخزني وأزيدك فقالوا سواء علينا إن زادنا في أول البيع أو عند محل الأجل فكذبهم الله وإلى هذا ذهب مجاهد وغيره فالألف واللام لتعريف العهد، وقيل المراد به كل بيع محرم بالإطلاق وإليه ذهب عمر به الخطاب وعائشة (رضي الله عنها) ولا خلاف أن من استحل الربا كافر لأن من أحل ما حرم الله تعالى فهو كافر، ودليله قوله تعالى (ومن عاد فينتقم الله منه) [المائدة: 35] وقوله (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [البقرة: 275] ويريد مستحلا وأما غير المستحل ففاسق يؤدب خاصة وكذلك من قال إن المسكر حلال فهو كافر أيضا وبالجملة كل من أحل ما حرم الله فهو كافر. (وكان ربا الجاهلية في الديون إما أن يقضيه وإما أن يربي له فيه): كأنه رحمه الله قصد بهذا الكلام تبيين ما سبق من قوله وحرم الربا وأما إذا أخر الطالب المطلوب بحميل أو رهن بعد الأجل فإنه جائز لكنه كابتداء سلف على حميل أو رهن فإن لم يحل الأجل وأخره إلى أبعد من أجله فلا يجوز لأنه سلف جر نفعا وإما إلى الأجل دونه فذلك جائز نص على جميع ذلك في المدونة في كتاب الحمالة، وأما من أسلم له ربا فإن كان قبضه طاب له وكذلك إن قبض بعضه طاب له ما قبض فإن لم يقبض فلا يحل له أن يأخذه وهو موضع عن الذي هو عليه وزعم بعض الشيوخ الاتفاق عليه، فإن قلت يلزم من قال أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أن يقول برد ما أخذ لصاحبه، قلت لنص التنزيل بإباحته قال تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف) [البقرة: 275]. وقال (صلى الله عليه وسلم) " ومن أسلم على شيء فهو له حلال". (ومن الربا في غير النسيئة بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا وكذلك الذهب بالذهب ولا تجوز الفضة بفضة ولا ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالذهب ربا إلا يدا بيد):

ما ذكر الشيخ من أن الذهب بالذهب والفضة بالفضة لا يجوز فيه التفاضل هو كذلك وهو مخصوص عندنا بالمبادلة فإنه يجوز أن يبادل الثلاثة دنانير أو أقل بأوزن منها اتفاقًا ولا يجوز السبعة بأكثر اتفاقا واختلف فيما بينهما على قولين، واختلف هل ذلك سدس في الدينار أو دانقان على قولين حكاهما ابن شاس. قال ابن عبد السلام: والأول ظاهر المدونة ورده بعض شيوخنا بأنه لم يذكره تحديدا بل فرضًا ونصها: ولو أبدل ستة دنانير تنقص سدسًا سدسًا فلا بأس به، قلت: وسمعت غير واحد من شيوخي يقول إن الجزء من الدينار كالدينار، واختلف في الفلوس هل حكمها حكم العين في ربا الفضل والنسا وذلك جائز أو مكروه على ثلاثة أقوال، وأخذ التحريم والكراهة من قول المدونة وليست بحرام بين ولذاكره التأخير فيها، ومنهم من تأول الكراهة فيها على التحريم فردها إلى قول واحد وبه أقول ومثله منعه في السلم الثالث من المدونة بيعها جزافا كالعين، ويعارض ذلك قول زكاتها ألا تزكي إلا في الإدارة كالعروض وقولها في سلمها الثاني إذا باع بها وكيل ضمن لأنها كالعروض إلا سلعة يسيرة إلى غير ذلك من النظائر. واختلف إذا اشترى ببعض درهم ودفع درهما ورد عليه باقيه على ستة أقوال: فقيل أنه جائز وإن كانت أكثر من النصف وهذا نقله التونسي مع صاحب الأمر المهم قاصرا ما زاد على النصف على ثلاثة أرباعه مضعفا له قال بعض من لقيناه ومثل هذا حكي في أحكام الشعبي عن أبي زيد قال: كان أبو بكر بن اللباد يبعثي بالدرهم أشتري يجزئه بقلا وأرد عليه بقيته خراريب وقيل يمنع ذلك مطلقا. قاله سحنون وصوبه ابن عبد السلام قائلاً: لم يثبت أن الشرع اعتبر هذه الضرورة وإن ثبت اعتبارها في غير هذا الباب فلا تتحقق المساواة بين هذا الباب وبين ذلك الموضع، قلت: وأخذ من المدونة قال فيها أصل قول مالك لا تجوز فضة بفضة مع أحدهما أو مع كل منهما سلعة ولو كانت الفضة يسيرة وقيل: يمنع ما زاد على الثلث وقيل: ما زاد على النصف وهو المشهور وقال مالك في الموازية: كنا نكرهه فحمله بعض شيوخنا على ظاهره والأقرب رده إلى التحريم وقيل: إن كان في البلد خراريب فلا يجوز أن يرد نصفه ويأخذ نصفه طعام إذ لا ضرورة وهذا ذكره ابن يونس على طريق التقييد، وظاهر كلام غير خلافه وإليه ذهب بعض من لقيناه. (والطعام من الحبوب القطنية وشبهها مما يدخر من قوت أو إدام لا يجوز الجنس منه

بجنسه إلا مثلاً يدا بيد ولا يجوز فيه تأخير): قال ابن الحاجب: المطعومات ما يعد طعامًا لا دواء قال ابن عبد السلام يريد به كل ما يتخذ للأكل أو الشرب مما ليس بدواء واعترضه بعض شيوخنا بأنه إذا أراد الأكل والشرب فقد خرج الملح لاتخاذه لغير ذلك كتلميح الجلد للدبغ وإلا دخل الزعفران قال والأولى تفسيره بما غلب اتخاذه لأكل آدمي لإصلاحه أو سربه فيدخل الفلفل واللبن، ويخرج الزعفران لعدم غلبة اتخاذه لإصلاحه والماء كذلك. واختلف المذهب في علة ربا بالفضل على ستة أقوال: فقيل الاقتيات قاله إسماعيل القاضي، وقيل الاتخاذ للأكل غالبا قاله ابن نافع ومثله في الموطأ، وقيل الاقتيات والادخار وهو قول مالك في غير الموطأ وهذه الثلاثة حكاها وقيل الادخار مع التفكه والقوت وإصلاحه ذكره ابن بشير، وقيل العلة في البر الاقتيات وفي التمر التفكه الصالح للقوت. وفي الملح كونه مؤتدما وهذا نقله اللخمي عن الأبهري عن بعض أصحابنا وقيل: العلة المالية فكل ما هو عنده من جنس واحد لا يحل التفاضل بينهما فلا يباع ثوب بثوبين قاله ابن الماجشون قال ابن بشير وهو يوجب الربا في الدور والأرضين ولا يمكن قوله قلت: وبيان الصحيح من هذه الأقوال له موضع غير هذا ولا حد للادخار على ظاهر المذهب وإنما يرجع فيه إلى العرف، وحكى التادلي أنه سمع في بعض المجالس أن حده ستة أشهر فأكثر، وقد تقدم أن الزعفران ليس بطعام فمن منع سلف طعام في زعفران إلى أجل فيستتاب ثلاثا، فإن لم يتب ضربت عنقه لمخالفته الإجماع لأن الإجماع دل على أنه ليس بطعام نقله عبد الحق في تهذيب الطالب عن ابن سحنون قال ابن عبد السلام وليس بصحيح للخلاف خارج المذهب في كونه محكوما عليه بحكم الطعام لأجل أنه مصلح للطعام سلمنا الإجماع لكن من شرط الذي يستتاب منه مخالفة أن يكون منقولاً بالتواتر وهو غير حاصل هنا. قلت: ويرد على خلاف في ذلك ثلاثة أقوال تخالفها إن كان نحو العبادات الخمس قال بعض شيوخنا على أن هذا الإجماع لم أجده في كتب الإجماع بحال ومن أوعبها كتاب الحافظ أبي الحسن بن القطان ووقفت على نسخة بخطة فلم أجده. (ولا يجوز طعام بطعام إلى أجل كان من جنسه أو من خلافه كان مما يدخر أو لا يدخر إلى قوله يدا بيد): اختلف في التوابل فنص في المدونة في السلم الثالث وكتاب أكرية الدور على أن

الفلفل طعام وقال أصبغ في التوابل أدوية كذلك نقله ابن الحاجب متبعًا لابن شاس فإنه ذكر التوابل ولم يعزها واعترضه بعض الشيوخ بأنه إنما خالف ابن المواز في أربعة خاصة وهي الأنيسون والشمار والكمونان، قال وأما التوابل التي هي من مصلحة الطعام فالفلفل والكراوية والكزبرة والقرفة والسنبل وأجابة خليل بنقل المازري، واختلف في التوابل كالكمون والفلفل والكراوية هل هي من الربويات أم لا وإذا فرغنا على مذهب المدونة، فالمشهور أنها أجناس مطلقاً وهو اختيار الباجي. وقال ابن القاسم: الأنيسون والثمار جنس والكمونان جنس وضعفه الباجي واختلف في الحلبة على ثلاثة أقوال: فقيل: إنها دواء قاله ابن الحاجب صوبه ابن عبد السلام لأن غالب استعمالها في الأدوية وقيل: إنها طعام قاله ابن القاسم، وقيل: الخضراء طعام واليابسة دواء قاله أصبغ ومنهم من يجعله تفسير اللأولين. (ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد فيما يدخر من الفواكه اليابسة وسائر الأداء والطعام والشراب إلا الماء وحده): ما ذكر أن الماء يجوز فيه التفاضل هو نص الكتاب السلم الثالث من المدونة قال فيها لا يجوز بيع الماء قبل قبضه ويجوز متفاضلا يدا بيد، وظاهر كلام الشيخ وإن كان الماء عذبا وهو كذلك في منصوص المذهب وخرج عبد الوهاب أنه لا يجوز من رواية ابن نافع أنه يمنع بيعه بطعام إلى أجل أنه لا يجوز فيه التفاضل ورده المازري بأن ربا النساء أعم من ربا التفاضل، ولا يلزم من وجود ربا النساء التفاضل، ألا ترى أن الخس والهنديا يمنع بيع بعضهما ببعض إلى أجل ولا يمنع التفاضل فيهما وفرع المازري فيها على التخريج إذا بيعت دار بدار ولكل منهما ماء عذب فإنه لا يجوز على رأي ألا تباع ويجوز على رأي لغوها قلت: وألزم بعض شيوخنا على رواية ابن نافع أن لا تغسل به نجاسة. (وما اختلفت أجناسه من ذلك ومن سائر الحبوب والثمار والطعام فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه إلا في الخضر والفواكه): اختلف المذهب في الأخباز إذا كان أصلها مختلفا هل يجوز فيها التفاضل أم لا كما إذا كان أحد الخبزين من قمح والآخر من ذرة على ثلاثة أقوال فقال أشهب: إنها كلها صنف واحد وقيل إنها تابعة لما عملت منه قاله البرقي وقيل إن خبز القمح والشعير والسلت، والذرة والدخن والأرز صنف واحد وخبز القطنية صنف واحد قاله

ابن القاسم وأشهب، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن زرقون واختلف في الخبز والكعك بأبزار فقال المازري: يجوز بينهما التفاضل وقيل هما صنف واحد قاله بعض المتأخرين ونقله ابن شاس وإن كان الكعك بلا أبزار لم يجز التفاضل فيه قولاً واحداً. واختلف في جواز التمر بخله على ثلاثة أقوال: فقيل بالجواز وهو مذهب المدونة وقيل بمنعه وقيل: يجوز في اليسير دون الكثير للمزابنة وهذه الثلاثة حكاها ابن رشد، واختلف في نبيذ التمر ونبيذ العنب فقيل: إن ذلك جنس واحد قاله في المدونة وقيل جنسان قاله في كتاب أبي الفرج والقولان حكاهما الباجي وهذا الفصل الكلام فيه متسع جداً ولولا الإطالة لذكرناه. (والقمح والشعير والسلت كجنس واحد فيما يحل منه ويحرم):

ما ذكر الشيخ من أن القمح والشعير جنس واحد هو المشهور المعروف من المذهب وقال الشيخ السيوري: إنهما جنسان وحكاه المازري في المعلم قائلاً: ووافقه في ذلك بعض من أخذ عنه يريد عبد الحميد الصائغ وبقول أبي القاسم السيوري قال الشافعي وأبو حنيفة قال ابن عبد السلام: وهو الصحيح لقوله عليه السلام " التمر بالتمر والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربي إلا ما اختلفت ألوانه". وما ذكر الشيخ من أن السلت حكمه حكم القمح والشعير هو المذهب، وقول السيوري لا يتخرج فيه لأنه أقرب القمح من الشعير قاله بعض شيوخنا، واختلف في العدس هل هو من جنس القمح والشعير أم لا والمعروف عدم الإلحاق وقيل: بالإلحاق وحكاه ابن عبد البر عن ابن كنانة وعزاه اللخمي لرواية ابن حبيب واختلف في الأرز والدخن والذرة والمشهور أنها لا تلحق بما تقدم وعليه ففي جنسيتهما قولان. (والزبيب كله صنف واحد): يعني سواء كان أحمر أو أسود وصرح به ابن الجلاب والتين كله جنس واحد قاله الباجي وكذلك العنب. (والتمر كله صنف واحد): يعني كان جديدا أو قديما ولذلك أجاز مالك جديد التمر بقديمه ومنعه عبد الحق قال اللخمي وليس بحسن إن اختلف صنفاهما كصيحاني وبرني، قال ابن حبيب وتمر النخل يكون له ست درجات أولها طلع، ثم أغريض ثم بلح ثم بسر ثم زهو، ثم رطب ثم تمر. (والقطنية أصناف في البيوع واختلف فيها قول مالك ولم يختلف قوله في الزكاة إنها صنف واحد):

القول بأنها أصناف رواه ابن القاسم وبه قال سحنون وأكثر أصحاب مالك كذا قال ابن عبد البر قال ابن رشد، وبه قال سائر أصحاب مالك والقول بأنها صنف رواه ابن وهب وقال ابن القاسم وأشهب عن مالك الحمص والعدس، واللوبيا صنف واحد والجلبان صنف واحد وما عدا ذلك أصناف مختلفة، وروى أشهب عن مالك الحمص والعدس صنف واحد وسائر القطاني، وأصناف فتحصل في المسألة أربعة أقوال واختلف في الكرسنة فقيل هي من القطاني قاله مالك وقيل صنف على حدة قاله ابن حبيب وقيل إنها غير طعام وهو ظاهر قول يحيى بن عمر وقاله غيره وقيل لا زكاة فيه قال ابن رشد وهو الأظهر لأنها علف وليست بطعام. (ولحوم ذوات الأربع من الأنعام والوحش صنف ولحوم الطير كله صنف): يعني سواء كان صغيرًا أو كبيرًا أو وحشيا أو أنسيا بريا أو بحريا أو يدخل في ذلك النعام وصرح بذلك ابن الجلاب وخارج المذهب قول إنه كلحوم ذوات الأربع وقال ابن عبد السلام: والقياس أن لحوم الطير تختلف والاختلاف بين لحوم ذوات الأربع أكثر فإن لحوم الإبل لا تقارب لحم الضأن قطعا. (ولحوم دواب الماء كلها صنف): قال ابن الجلاب: الجراد صنف وذكر ابن الحاجب مثله قال ابن عبد السلام يعنى على القول بأنه ربوي واضطراب المذهب في ذلك، قلت ظاهرة أنه أضطراب هل هو صنف واحد أو أصناف على القول بأنه ربوى ولم أقف عليه فتأمله ويمكن أن يتخرج على القول بأنه لا يفتقر إلى نية ذكاة لأنه نثره حوت أن يكون من دواب الماء لا صنفا منفردا بذاته. (وما تولد من لحوم الجنس الواحد من شحم فهو كلحمه): لا يريد الشيخ بالشحم خصوصه بل وكذلك غيره قال في المدونة: وما أضيف اللحم من شحم، وكبد، وكرش، وقلب، ورئة، وطحال، وكلى، وحلقوم، وكراع، وخصاء ورأس وشبهه حكمه حكم اللحم، قلت: ويقوم من قولها جوازا أكل خصا الخصي وذكر أنه منصوص عليه كذلك في النوادر، ويقوم منها أيضًا أن المشيمة تؤكل وهو أحد الأقوال الثلاثة وقيل: لا تؤكل وقيل: إن أكل الولد أكلت وإلا فلا، وقد ذكرنا عزو ذلك في الذبائح، وفي المدونة لا بأس باللحم الطري بالمطبوخ إذا غيرته الصنعة وقال ابن عبد الحكم: لا يجوز مثلا بمثل بحال وإن طبخ بأبزار أو خل، مرق

نقله عنه ابن زرقون، واختلف في الخبز هل هو ناقل أم لا، فالمشهور أنه ناقل. وفي المبسوط عن ابن نافع لا يجوز بيع القمح والدقيق بالخبز وعلى المشهور أن الصنعة معتبره فإن كانت يسيرة كتجفيف اللحم دون أبزار فكالعدم وإن كانت بأبزار فتعتبرة وأما طبخه بالماء والملح فقال ابن حبيب لا أثر له وأما إذا أضيف إليها بصل أو كراث أو ثوم فكان بعض شيوخنا يراه معتبرا وسمعت بعض من لقيناه يعزوه لأبي عمران الفاسي قائلا خلافا للخمي، واختلف المذهب في اللحوم إذا طبخت طبخا مختلفا، والمشهور أنه لا يخرجها عن أصلها، واختار اللخمي وابن عبد السلام أن ذلك يخرجها. (وألبان ذلك الصنف وجبته وسمنه صنف): يعني سواء كان مضروبا أم لا وخرج اللخمي في اللبن الذي أخرج زبده قولاً بأنه ليس بربوي من قول المدونة ويجوز سمن بلبن قد أخرج زبده قائلاً: ولو كان ربويا لكان من الرطب باليابس ورده ابن بشير بأن السمن نقلته الصنعة والنار قال ابن الحاجب: ووهما فإما بلبن فيه زبد فلا قال ابن عبد السلام، ويعني وهم اللخمي في تخريجه وابن بشير في الرد عليه لأن في المدونة متصلاً بالمسألة فأما بلبن فيه زبد فلا يجوز كبيع لبن فيه زبد بالسمن ولو كانت الصنعة والنار ناقلتين في هذا الموضع لجاز بيع الزبد باللبن قال وهذا الذي رد به على ابن بشير في غاية الظهور فإنه اقتصر على الوصف الذي فرق به وأما توجيهه على اللخمي فقلق لأنه إنما يتوجه عليه أن لو كان تخريج اللخمي اللبن في كل لبن مضروب، وأما إذا كان تخريجه في المضروب وحده فإنه لا يتناوله أصلاً، وقال: قيل كان تخريج اللخمي مما يرد بأول وهلة لأنه إذا ثبت أنه ربوي قبل إخراج زبده لكونه مقتاتا وكونه قادم دوام وجوده مقام ادخاره فلا يزيل عنه ذلك إلا زوال ذلك الوصف. وأطال رحمه الله الكلام في هذه المسألة وناقشه بعض شيوخنا في ذلك وهي مسألة صعبة قل من يفهم كلام ابن عبد السلام فيها مع ما أورد عليه ولم أستطع فهمه قال في كتاب محمد: الجبن والسمن والزبد لا يجوز باللبن واختلف في اللبن المضروب فأجيز وكره واختلف في بيع الحليب بالحليب متماثلا ومذهب المدونة جوازه وروى أبو الفرج عن مالك منعه لما فيهما من الزبد المجهول قال الفاكهاني: ظاهر قول الشيخ وألبان ذلك الصنف إلى آخره يقتضي جواز بيع بعضه ببعض متماثلا لأن ذلك شأن الصنف الواحد قال ولم يجز ذلك مالك ولا أحد من أصحابه فلا يجوز لبن بجبن ولا

بسمن فانظر هذا فإنه عندي من مشكلات الرسالة. (ومن ابتاع طعاما فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه إذا كان شراؤه ذلك على وزن أو كيل أو عدد بخلاف الجزاف وكذلك كل طعام أو إدام أو شراب إلا الماء وحده وما يكون من الأدوية والزرايع التي لا يعتصر منها زيت فلا يدخل ذلك فيما يحرم من بيع الطعام قبل قبضه أو التفاضل في الجنس الواحد منه): ظاهر كلام الشيخ سواء كان الطعام ربويا أم لا وهو كذلك في مشهور المذهب وروى أبو الفرج أنه جائز في الطعام إذا كان غير ربوي وأبعد لأن عموم أحاديث النهي عن بيع الطعام قبل قبضه يتناول غير الربوي كتناولها الروي، وقيل إن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا، وإن كان غير مطعوم ولا يجوز بيعه قبل قبضه قاله ابن حبيب وعبد العزيز بن مسلمة ويحيى بن سعيد وربيعة. قال ابن عبد السلام: وهو الصحيح لنهيه (صلى الله عليه وسلم) عن ربح ما لم يضمن وحمل أهل المذهب هذا النهي المذكور على الطعام وحده وذلك دعوى لا دليل عليها وقيل: لو سلم بيع الطعام من أهل العينة وبيع بنقد فإنه يجوز بيعه قبل قبضه قاله أبو الفرج، وما ذكر الشيخ من أن بيع الطعام إذا كان جرافا يجوز هو مشهور المذهب وقيل: لا يجوز حتى ينقله، رواه أبو بكر الوقار، وروى ابن نافع أنه يكره بيعه قبل نقله، وحكى عبد الوهاب عن مالك أنه استحب أن لا يباع مطلقا حتى ينقل فيتحصل في ذلك أربعة أقوال إذا بنينا على أن نقيض المستحب ليس بمكروه وعلى المشهور فاختلف إذا كان ضمان الجزاف من البائع مثل أن يشتري لبن غنم بأعيانها فهل يجوز بيعه قبل قبضه؟ نظرا إلى كونه جزافا وهو قول أشهب أولا نظرا إلى كونه في ضمان البائع، وهو قول ابن القاسم في ذلك قولان. ووقع لمالك في العتبية فيمن اشترى نصف ثمرة بعدما بدا صلاحها قال: ليس له بيعها حتى يستوفيها قال ابن القاسم ثم سألناه عنه فقال ذلك جائز قلت: ويقوم من كلام الشيخ أن من اشترى بدينار قمحا فاكتال نصفه ثم سأله أن يعطيه بالنصف الثاني زيتا أنه لا يجوز وهو كذلك في سماع ابن القاسم قال لا خير فيه لأنه بيع الطعام قبل قبضه وطعام النكاح كالبيع باتفاق وما يأخذه المستحقون من بيت المال من طعام ففي جواز بيعه قبل قبضه قولان حكاهما ابن بشير ولم يحك ابن رشد في أرزاق القضاة وشبههم خلافا فإنه لا يجوز وطعام الخلع لا يجوز كغيره قاله في السلم الثالث من

المدونة قال بعض شيوخنا: وأظن أن في المذهب قولاً بجواز بيعه قبل قبضه قلت: وذكر أبو عمران الصنهاجي ولا أعرفه لغيره ويتخرج في النكاح من باب أحرى ولو ثبت الطعام في الذمة عن تعد أو غصب ففي جواز بيعه قولان وأخذ الجواز من المدونة من كتاب الصرف ولو باع أشجار أو استثني ثمرتها فهل يمنع من بيع ما استثناءه قبل قبضه أم لا قولان لمالك واختار ابن عبد الحكم والأبهري الجواز وسبب الخلاف هل المستثنى مبقى أو مشترى قال الفاكهاني عن الغريب الشراء يمد ويقصر الجزاف بكسر الجيم وفتحها وضمها. (ولا بأس ببيع الطعام القرض قبل أن يستوفيه): يعني أن من أقرض طعامًا فإنه يجوز له أن يبيعه قبل قبضه ودليل ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) " من ابتاع طعامًا فلا بيعه حتى يستوفيه" قالوا خصوصية البيع تدل على أن القرض بخلافه وفي المدونة من أقرض طعامًا له من سلم قبل قبضه فقبضه المقرض له لم يعجبني أن بيعه منه قبل قبضه لأنه بيع له قبل قبضه قاله ابن يونس ولا يجوز من غيره كهو وقيل: أما اليسير من الكثير فلا بأس به وكأنه وكيل على قبضه قال مالك في كتاب ابن المواز ومن أحيل بطعام قرض له على طعام مسلم فقال ابن القاسم: لا يجوز بيعه إياه قبل قبضه وخرج اللخمي قولاً فيه بالجواز من رواية ابن حبيب قال: واختلف فيمن وهب له طعام سلم أو تصدق به عليه فروى ابن حبيب أنه لا يجوز له بيعه قبل قبضه وقيل لا يجوز رواه غيره قلت: وإلى الثاني ذهب المغيرة وابن القاسم. (ولا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل قبل قبضه): أما الشركة فقال في المدونة: أجمع أهل العلم على جوازها وروى أبو الفرج منعها حكاه غير واحد كابن زرقون وعلى الأول لو كان الثمن مؤجلا ففي المدونة جوازها وقيل لا يجوز قاله ابن القاسم وأشهب وأما التولية فإنها جائزة عندنا ومنعها أبو حنيفة والشافعي ووافقونا على جواز الإقالة وهما محجوجان بما ذكر عبد الرزاق عن جريج قال أخبرني ربيعة بن عبد الرحمن عن النبي (صلى الله عليه وسلم) حديثا مستفيضًا بالمدينة قال: " من ابتاع طعامًا فلا بيعه حتى يقبضه ويستوفيه" إلا أن يشترط فيه أو يوليه أو يقبله. واستدل العلماء على جواز الإقالة أيضًا بما خرج أبو داود عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " من أقال مسلمًا أقال الله عثرته" وفي المدونة: إن ابتعت سلعة فلم تقبضها حتى أشركت فيها رجلاً فهلكت قبل قبضه إياها وابتعت طعاماً فلم تكتله حتى أشركت فيه رجلاً فهلك قبل قبضه إياه أو لم تقاسمه حتى هلك الطعام فضمانه منكما وترجع عليه بنصف الثمن قال عياض: وأنكرها سحنون، وحكى فضل في التولية إنها من المولى حتى يكتاله وكذلك ينبغي في الشركة وعليه حمل إنكار سحنون. قال أبو عمران: ولا يعرف هذا إلا من قول فضل وقول ابن القاسم إنه من المولي بنفس العقد كالجزاف وقد سوى في الكتاب بعد هذا بين الشركة والتولية في وجود النقص قال على المولي نقصه وله زيادته إذا كان من نقص الكيل وزيادته وليس ذاك للذي ولي وإن كان كثيراً وضع عليه بحسابه ولم يكن عليه ضمان فيما نقص والشركة مثله، قال أبو محمد زهده يدل على أن ليس على المشترك أجر الكيل وكذلك ينبغي في الإقالة إذ هما معروفان كالشركة، وكذلك ينبغي في القرض والهبة وإن وجدوا زيادة أو نقصانا فلهم وعليهم بخلاف البيع ذلك للبائع قال. واختلف فيمن وهب أقساطا من دهن جلجلان أنه على من عصر فينبغي أن يجرى على الخلاف الذي ذكرناه أيضاً ولم يجعل الطعام في الشركة إن لم يكن قبض ثمنه كالمحبوسة في الثمن لما كان أصل الشركة معروفا وتأول بعض المذاكرين مسألة الكتاب على أن الهلاك ببينة ولو كان بدعوى لخرجت على الخلاف في المحبوسة في الثمن والصواب ما ذكرناه قال في المدونة: ومن قال لرجلين اشتريا عبداً أشركاني فيه فأشركاه كان بينهم أثلاثاً قال ابن محرز: قالوا هذا على أنه لقيهما معاً، ولو لقيهما منفردين لكان له نصفه قال ابن يونس: اختلف في هذا على ثلاثة أقوال أحدها قول المدونة بالإطلاق، والثاني لغيرها أنه يكون له نصفه والثالث لبعض أصحابنا القرويين الفرق أن يلقاهما معًا أو مفترقين فإن لقيهما معًا فله ثلثه أو مفترقين فله نصفه. (وكل عقد بيع أو إجارة أو كراء بخطر أو غرر في ثمن أو مثمون أو أجل فلا يجوز): وفي الموطأ من مراسيل ابن المسيب أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهي عن بيع الغرر وقال المازري ما تردد فيه بين السلامة والعطب قلت واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير

جامع الخروج غرر فاسد كصور بيع الجزاف وبيعتين في بيعة ونحوهما إذ لا عطب فيهما قال، وقول ابن الحاجب وهو ذو الجهل والخطر وتعذر التسليم يتعقب من ثلاثة أوجه أحدها جهل صفة المبيع فهو تعريف مباين الثاني أن الخطر مساو في المعرفة للغرر أو أخفى منه الثالث إن تعذر التسليم إنما ذكره الأصوليون من حكمة التعليل بالغرر قال والأقرب أن الغرر ما شك في حصول أحد عوضيه أو مقصود منه غالبا. قال الباجي: ويسير الغرر عفو إذ لا يكاد يفارق وزاد المازري كون متعلق اليسير غير يسير ومقصود لضرورة ارتكابه وقدره في جواز بيع الأفنية وجواز الكراء بالشهر مع احتمال نقصه وتمامه وجواز دخول الحمام مع اختلاف قدر ما يكفي الناس ولبثهم فيه والشرب من الساقي إجماعا في الجميع وذلك دليل على إلغاء ما هو منه يسير غير مقصود دعت الضرورة إليه قال ابن عبد السلام وزيادة القيد الأخير فيه إشكال من وجهين: الأول: أنه إذا كان يسيرا في نفسه غير مقصود إليه من المتبايعين ولا أحدهما فلا معنى للمنع منه لأن المنع من بيع الغرر إنما هو لما يؤدي إليه من المخاصمة والمنازعة. والثاني: أنهم قالوا والمازري فيهم العيان يشهد له أن أكثر البياعات لا تخلو عن يشير الغرر فلو اشترطنا مع ذلك في اجازة البيع احتياج المتبايعين إلى ارتكاب ذلك الغرر ومعلوم أن الذي يباح عند الحاجة، ويمنع منه عند عدمها هو رخصة فيلزم عليه أن تكون أكثر البياعات رخصة وهو باطل قطعا وخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الملامسة والمنابذة والملامسة عندنا أن يلمس الثوب، فيجب البيع من غير تبيين والمنابذة أن يتنابذا أن يتنابدا ثوبين فيجب البيع. وخرج مسلم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن بيع الحصاة. قال المازري: واختلف في تأويله وأحسن ما قيل فيه تأويلات منها أن يبيع من أرضه قدر رمي الحصاة ولا شك في جهله لاختلاف قوة الرامي، وقيل: معناه أي ثوب وقعت عليه الحصاة فهو المبيع وهو مجهول أيضا كالأول وقيل: معناه إذا أعجبه الثوب تركه على حصاة وقيل معناه أرمي بالحصاة فما خرج كان لي بعدده دنانير أو دراهم وهذا مجهول أيضًا وهذا إذا كان بمعنى الخيار وجعل ترك الحصاة علما على الاختيار لم

يمنع إلا أن تكون عادتهم في الجاهلية أن يضعوا أمورا تفسر مثل أن يكون متى ترك الحصاة ولو بعد عام وجب البيع وقيل كان الرجل يسوم الثوب وبيده حصاة ويقول إذا سقطت من يدي وجب البيع. وهذا إذا كان معناه إذا سقطت باختياره فهو بيع خيار إذا وقع مؤجلا فلا يمنع إلا أن يكون ثمنه مجهولا، وقد يكون هذا هو معني القولين الأخيرين قال ابن رشد: وشراء الغاصب ما غصبه وهو بيده إن علم منعه ربه إن لم يبعه فسد البيع وإن علم رده إليه إن لم يبعه جاز اتفاقًا فيهما وإلا فقولان وأما بيعه ربه من غير الغاصب وهو بيد الغاصب فإن كان الغاضب لا يأخذه حكم فسد إجماعا وإن كان يأخذه الحكم فإن كان حاضرا مقرا بالغصب جاز البيع وإن أنكر فقولان لأنه شراء ما فيه خصومة وهما قائمان من المدونة وإن كان الغاصب غائبا عن مجلس الشراء فإن كان على غصبه بينة جاز وإلا فلا وقيل إنما الخلاف إذا كان ببينة وإلا فالمنع اتفاقًا. (ولا يجوز بين الغرر ولا بيع شيء مجهول ولا إلى أجل مجهول): قال الفاكهاني: لا أدري لم كرر الشيخ هذه المسألة وهي بعض ما قبلها لأن الغرر الذي ذكره ثانيا هو ما في الثمن أو المثمون وقد تقدم استيفاء الكلام عليه، وقوله ولا بيع شيء مجهول هو الغرر في المثمون المتقدم أيضًا وكذلك الأجل المجهول فتأمله. (ولا يجوز في البيوع التدليس ولا الغش ولا الخلابة ولا الخديعة):

قيل إنها ألفاظ مترادفة والصحيح أنها متباينة فمثال التدليس أن يعلم بسلعته عيبًا فيكتمه ومثال الغش أن يجعل في اللبن ماء ومثال الخلابة أن يكذب في الثمن أو يرقم على السلعة أكثر مما اشتراها به ومثال الخديعة أن يخدعه بالكلام، وقال في المدونة: ومن ابتاع ثيابًا فرقم عليها أكثر مما ابتاعها به وباعها برقمها ولم يقل قامت على بكذا فقد شدد مالك فيه الكراهة واتقي فيها وجه الخلابة وأقام منها بعض من لقيناه من القرويين ما يفعله فسقة التجار يبيع الثوب ويربط فيه صره دراهم ويرى البدوي أن لا علم له بذلك فيطمع البدوي فيها فيدفع أكثر من الثمن المعتاد أو يأخذ التاجر دراهمه ويعلم أن للمشتري فيه مقالا قال ابن أبي زمنين: فإن نزلت مسألة الكتاب خير المبتاع بين أخذها وردها فإن فاتت ففيها القيمة كذا فسره ابن الماجشون وقال ابن أخي هشام، ويلزمه الأقل من الثمن أو القيمة وسواء باعها مرابحة أو مساومة ومن الخديعة أن ينسب السلعة إلى غير جنسها وللمبتاع الرد بذلك قاله ابن حبيب واختلف فيمن باع حجرا بثمن يسير ثم وجده ياقوته أو زبرجدة تساوي مالا كثيرًا فسمع أشهب وابن نافع أنه لا مقال للبائع، ولو شاء لتثبت وهو المشهور وفي سماع أبي زيد أن له مقالا قال ابن رشد: وهذا الاختلاف إنما هو لم يسم أحدهما الشيء بغير اسمه كقوله: أبيعك هذه الزجاجة فيجدها المشتري ياقوتة فإنه لا يلزم المبيع باتفاق. قال ابن يونس في كتاب الصيد وأما لو اشتري رجل حوتا فوجد في جوفه جوهرة فقال الأبياني هي له وقال بعض شيوخنا أنها للبائع قلت: وأعرف فيها قولاً ثالثاً بالفرق بين أن تباع وزنا فللمشتري أو جزافا فللبائع ذكره بعض القرويين وأظنه أبا زيد عبد الرحمن بن الدباغ صاحب معالم الإيمان وكان بعض من لقيناه يعزوه لنقل اللخمي عن بعض القرويين وكل هذا إذا لم تكن مملوكة قبل وأما لو ملكت كما لو وجدت مثقوبة فهي لقطة اتفاقاً. وأما الخرزة البونية فسمعت شيخنا أبا مهدي عيسى الغبريني رحمه الله تعالى ينقل عن ابن الحاج أنها للمشتري باتفاق والخلاف فيما تقدم ليس هو من باب الغبن وإن كان فيه اختلاف واضطراب أيضًا والمشهور أنه لا قيام له وعليه العمل عندنا بإفريقيا وذهب البغداديون إلى القيام به وهو الثلث قاله الأبهري وأصحابه، وقال ابن القصار هو

ما زاد عليه، وقيل ما خرج عن المعتاد وظاهر قول أبي عمر بن عبد البر أن قول الغبريني في بيع الوصي والوكيل، كقدره في بيع من باع ملك نفسه قال بعض شيوخنا وكان بعض من لقيناه ينكر ذلك ويقول غبن بيعهما ما نقص عن القيمة نقصًا بينا، وإن لم يبلغ الثلث وهو صواب لأنه مقتضى الروايات في المدونة وغيرها ولو ابتاع الوكيل بمالا يشبه من الثمن لم يلزمه. (ولا كتمان العيوب ولا خلط دنئ بجيد): في مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مر على صبرة من طعام فأدخل يده فنالت أصابعه بللا فقال " ما هذا يا صاحب الطعام" فقال أصابته السماء يا رسول الله قال " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا" قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: يعاقب من غش بسجن أو ضرب أو إخراجه من السوق إن اعتاده، ونقل ابن القاسم، أنه لا يشترط اعتياده في إخراجه من السوق بل يخرج مطلقا قال وعليه يصح رده بعد مدة يرجي فيها أنه قد تاب وإن لم تظهر توبته وعلى الأول لا يرد حتى تظهر توبته. قال ابن حبيب: ويؤدب بالمال اليسير كلبن غشه بماء يتصدق به مع تأديبه وأما بالمال الكثير فلا نعم لا يرد إليه ويباع ممن لا يغش به قاله أصحاب مالك، قلت وأقيم من العتق بالمثلة الأدب بالملال الكثير ويرد بحرمة الآدمي وسيأتي عزو ذلك عند ذكر الشيخ والعتق بالمثلة إن شاء الله تعالى قال ابن رشد لا يتصدق على من لم يعلم بغشه إذا اشتراه أو ورثه، وسمع أشهب وابن نافع أحب إلى أن لا يخلط لبن البقر بلبن الغنم لإخراج زبدهما فإذا وقع الخلط فلابد من البيان فحمل ابن رشد أحب إلي على الوجوب ومن خلط قمحا بشعير لقوته وفضلت منه فضلة فروى محمد يكره أن يبيعه وإن قل ثمنه. وقال ابن الماجشون ومطرف وخففه ابن القاسم وقال بعض الشيوخ: إن أمكن تمييز الدنئ من الجيد كسمين اللحم مع هزيله لم يجز بيع كثيره حتى يميز ويجوز بيع قليله والقليل كالخمسة أرطال والكثير كالعشرين رطلا قاله ابن القاسم، وإن لم يمكن تمييزه كالسمن مع العسل، فقيل يجوز بيعه بعد وقيل: يمنع وقيل: إن خلط للأكل جاز، وإن خلط للبيع لم يجز وقيل: مثله إن كان يسيرا، فإن بان الغش فإن المشتري بالخيار ودليله حديث المصراة فهو خير النظرين وخرج فيه قول بالفسخ من بيع

النجش على قول القرويين وابن الجهم بفسخه، وألحق فيه للآدمي ورده المازري بأن الرد عندهم في مسألة النجش لدلالة النهي على الفساد وشرطها عدم النص بلغو دلالته. وقوله (صلى الله عليه وسلم) في حديث المصراة؛ فهو بخير النظرين نص في لغو الدلالة قال: ولا يتوهم تخريج الفسخ من أحد القولين فيما إذا اطلع على أنه مغصوب لأن الغصب لو علم به في العقد أفسده بخلاف الغش. (ولا أن يكتم من أمر سلعته ما إذا ذكره كرهه المبتاع أو كان ذكره أبخس له في الثمن): يريد كجلد الميتة والثوب المنسوخ من شعر الميتة وكل مسألة فيها خلاف شهر بين أهل العلم كلحم المغلصة إلى غير ذلك مما يكثر تكرره، ونقل بعض من لقيناه عن بعض المغاربة بأنه أخذ من قول الشيخ ولا أن يكتم من أمر سلعته إلى آخره أن الكيمياء لا تجوز لأن من يدفع له من ذهبها شيء لو أعلمه ما قبله ولا يمكنه أن يبينه لأنه يخاف على نفسه قال شيخنا أبو مهدي: وهب أنه لا يخاف فيدخله الفساد من جهة أرى وهي صيرورتها إلى أصلها وإن بعد أمرها وذكر حكاية المازري المقتضية لذلك ولولا الإطالة لذكرناها. (ومن ابتاع عبداً فوجد به عيبًا فله أن يحبسه ولا شيء له أو يرده ويأخذ ثمنه إلا أن يدخله عنده عيب مفسد فله أن يرجع بقيمة العيب القديم من الثمن أو يرده ويرد ما نقصه العيب عنده): قال القاضي عبد الوهاب: وليس للمبتاع أن يحبسه ويرجع بقيمة العيب لحديث المصراة وما ذكر الشيخ من أنه بالخيار مراده به ما لم يصرح بالرضا أو يسكت من غير عذر وجعل ابن القاسم في المدونة: السكوت رضا ولم يقيده وقال أشهب: إن كان قريبا كاليومين فليس سكوته برضا وأكثر من لقيناه حمله على الخلاف وعلى كل حال، فالسكوت يدل على الرضا إما مطلقًا وإما مقيدا بالطول من غير خلاف. وإن كان الشيوخ يحكي الخلاف في السكوت هل يتنزل منزلة النطق أم لا وما ذكرناه من نفي الخلاف هو اختيار ابن عبد السلام واختلف المذهب إذا تصرف على الدابة بعد اطلاعه على العيب فروي عن مالك أنه يدل على الرضا وبه أخذ ابن القاسم وأصبغ وابن حبيب، وقيل عكسه قال مالك أيضًا وبه أخذ أشهب وابن عبد الحكم ونقل عن ابن كنانة إذا وجد العيب وهو مسافر فليشهد على عدم الرضا ويردها

ولا يركبها في ردها إلا أن يكون بين قريتين فليبلغ عليها القرية. وقال ابن نافع: لا يركبها إلا أن لا يجد بدا قلت: فيتحصل في المسألة أربعة أقوال، واختلف المذهب في العيب الظاهر إذ زعم المشتري أنه لم يعلم به هل له مقال أم لا فقال ابن حبيب لا مقال له، قال ابن عبد السلام وعليه اعتمد غير واحد ممن صنف في الأحكام وعليه يعتمد أصحاب الوثائق واعترض بعض شيوخنا نقله عن الموثقين بأن المتيطي وابن سهل منهم ومع هذا فقد أوجبا اليمين فقط على البت في العيب الظاهر، ومثله لابن عات في غير موضع من الطرر منها قوله ومن امتنع من دفع ثمن ما ابتاعه لدعواه عيبًا به إن كان ظاهراً لا طول في الخصام فيه لم يلزمه دفعه حتى يحاكمه، وقال في المدونة: إذا وجد العبد أعورًا أو أقطع إن له مقالا فحملها غير واحد على خلاف قول ابن حبيب وتأولها بعضهم على أن البيع وقع على غاية الصفة ولا يثبت العيب إلا بعد لين من أهل العلم بعيوب تلك السلعة وإن لم يوجد عدل قبل غيرهم ولو كانوا غير مسلمين للضرورة. (إلا أن يدخله عنده عيب مفسد فله أن يرجع بقيمة العيب القديم من الثمن أو يرده ويرد ما نقصه العيب عنده): ظاهر كلام الشيخ ولو قال البائع: أن أقبله بالعيب الحادث وإليه ذهب عيسى بن دينار ورواه يحيى عن ابن القاسم وقال به ابن نافع ورواه عن مالك لأن المشتري قد يتعلق له غرض بعين المبيع وقيل إن كانت فيه زيادة مع العيب أو فراهية لحاجة المبتاع وأما إن لم يكن فيه غير النقص، فلا مقال للمشتري ونحا إلى هذا القول اللخمي قال عياض: ورجع هذا القول شيوخنا وقيل لا مقال للمشتري مطلقًا وهو مذهب المدونة، ورواه عيسى عن ابن القاسم. وقال أشهب: وقال ابن لبابة: إن كان البائع مدلسًا فالتخيير باق وإلا فلا قال عياض: وهو جيد في الفقه فيتحصل في المسألة أربعة أقوال وكلها في التنبيهات والعيوب الحادثة عند المشتري على ثلاثة أقسام: قسم: لا أثر له وهو ما إذا كان يسيرا كالعجف. وقسم: يتحتم فيه الرجوع بالأرش وهو كل ما يخرج عن المقصود كالعمي وما بينهما هو بالخيار كما قال الشيخ وهو الذي أراد بقول عيب مفسد والله أعلم. واختلف المذهب إذا تلف المبيع بعد أن طلع المشتري على بيعه وقبل قبض

البائع له على أربعة أقوال: فقيل ضمانه من البائع بنفس قول المشتري رددته قاله ابن القصار وقيل حتى يقبضه البائع قاله مالك في الموازية. وقيل إن حكم به حاكم من البائع وهو مذهب المدونة وأول رواية الموازية وكلها نقلها اللخمي وقيد بالأول بكونه عيب رد لا شك فيه وقيل إن الضمان من البائع إذا أشهد المشتري أنه غير راض به ولم يطل أمده يرى بحيث أنه رضيه حكاه ابن رشد في المقدمات عن أصبغ. (وإن رد عبدًا بعيب وقد استغله فله غلته): ما ذكر الشيخ هو مذهبنا واحتجوا على أن الغلة للمشتري بحديث الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان. وبما ذكر أبو داود بسنده إلى عائشة رضي الله عنها أن رجلاً ابتاع غلامًا فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم فوجد به عيبًا فخاصمه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرده عليه فقال الرجل: يا رسول الله قد استغل غلامي فقال عليه السلام: " الخراج بالضمان". " وأما من اشترى نخلا وفيه ثمر قد أبر واشترطها أو اشترى غنما وعليها صوف قد كمل فجد النخل طيبها أو جز الصوف" فقال ابن القاسم: يرد ذلك للبائع، وقال أشهب: وهو للمشتري، وقال ابن القاسم في المدونة: ولا يرد اللبن وإن كان في الضروع يوم البيع، وقال ابن المواز: اتفق على ذلك ابن القاسم، وأشهب. وقال ابن عبد السلام: وانظر هل فيه قولة لأشهب أم لا: قلت، والصواب أنه لا قولة فيه ليسارة اللبن وأنه لا يبقي كالصوف والتمر. (والبيع على الخيار جائز إذا ضربا لذلك أجلا قريباً إلى ما تختبر فيه تلك السلعة أو ما تكون فيه المشورة): ظاهر كلام الشيخ أن خيار المجلس لا يعول عليه، وهو كذلك عند مالك وقال به الفقهاء السبعة كذا قال ابن شاس وابن الحاجب وسلمه التونسيون كابن عبد السلام واعترضه الشيخ خليل بأن الإجماع على أن سعيد بن المسيب من الفقهاء السبعة وهو

قائل بخيار المجلس قاله المازري، وصاحب الإكمال، وبه قال ابن حبيب لحديث الموطأ. وقد أكثر المازري في الاعتذار عن مالك حيث روى الحديث، ولم يأخذ به فمن شاء فلينظره في شرحه، وحقيقة بيع الخيار بيع وقف أولا على إمضاء متوقع فيخرج الخيار الحكمي قاله بعض شيوخنا. قال المازري: وفي كونه رخصة لاستثنائه من بين الغرر، وحجر المبيع خلاف قال في المدونة: أمر الخيار في الدور الشهر، ونحوه. وقال ابن حبيب فيها وفي الأرضين الشهران ومثله في الموازية، قال عبد الحق الدور والأرضون سواء لا وجه لمن فرق بينهما وجعل ما تقدم وفاقًا للمدونة لا خلافًا، وهل المدة في الدور الثلاثة الأشهر نقله عياض في الإكمال عن الداودي. قال التونسي: له أن يقيم بالدار ليلا ليختبر جيرانها دون سكناه، قال المتيطي: واختلف في جواز شرط السكني على ثلاثة أقوال: فقيل: جائز نقله غير واحد، وقيل: لا يجوز قاله ابن القاسم، وقيل: إن كان من أهل محلتها لم يحتج إلى السكنى لأنه عالم بجيرانها، وإن لم يكن من أهلها جاز شرط السكنى، قاله اللخمي، وفي المدونة: أمدا بالخيار في الجارية الجمعة وشبهها ابن حبيب، وكذلك العبد. قال محمد: أجاز ابن القاسم فيه عشرة، وروى ابن وهب فيه شهراً قلت: وأما المكاتب فإنه أجاز فيه الخيار شهراً. قال في المدونة: ومن كاتب أمته على أن أحدهما بالخيار يوما أو شهراً جاز، ولا يقال: هو خلاف لأن الشرع متشوف للحرية. وأما الدابة فإن كان اختبارها بركوبها ففي المدونة: اليوم وشبهه، وإن كان اختبارها في كثرة الأكل وقلته وغلاء ثمنها، ورخصه فيوسع له في الأجل فتجوز الثلاثة الأيام كالثوب. قال عياض: كذا في رواية شيوخي، وكذا رواه ابن وضاح، وفي بعض النسخ اليوم واليومان، وما نبه عليه في كتاب ابن عتاب ليس عند ابن وضاح، واختار اللخمي أن يكون بحساب الثمن ليس الدينار كالعشرين، ولا هي كالمائة، ولا فرق بين الثياب وغيرها إذا كان المقصود اعتبار حال الثمن وصوبه ابن عبد السلام قائلاً: ينبغي أن لا

يقتصر القاضي، ولا المفتي على ما وقع في الروايات. قال الفاكهاني عن الغريب، والمشورة بفتح الميم وإسكان الشين وفتح الواو وبضم الشين وإسكان الواو لغتان. (ولا يجوز النقد في الخيار، ولا في عهدة الثلاث ولا في المواضعة بشرط) اعلم أن قيد الشرط راجع إلى الثلاث التي ذكرها الشيخ ويزاد بيع الشيء الغائب على الصفة ولا يجوز دفع الثمن، ولو مع الطوع في الأمة إذا بيعت على خيار، وفيها مواضعة وكذلك بيع الشيء الغائب على الخيار والسلم على خيار، وكذلك الأرض غير المأمونة على خيار. وذكر عبد الحق في النكت: أنه لا يجوز ولو مع الطوع بخلاف الرهن إذ ليس الحق في غير الرهن، وإنما هو توثقة، في غير الحق في عينه، وما ذكر الشيخ أن شرط النقد فيما ذكر لا يجوز هو كذلك اتفاقًا لاحتماله تارة بيعًا، وتارة سلفًا، فيقوم من قوله إن كل ما لا يعرف بعينه من مكيل أو موزون لا يصح بيعه بالخيار بشرط الغيبة عليه، ونص على ذلك سحنون في المدونة: إلا أنه ذكر ذلك في المبتاع. وفي الموازية والبائع لأنه إذا أمضى البيع كان بيعا، وإن لم يمض البيع وجب رده، وقد يكون تصرف فيه، ويرد مثله فيكون سلفًا، ويريد سحنون ما لم يطبع عليه، ونص عليه اللخمي. قلت: فإن وقع البيع في بيع الخيار على شرط النقد فهل يفسد البيع أم لا والمعروف من المذهب أنه يفسد وحكي ابن الجلاب قولاً بعدم فساده ونصه، وفي

فساد البيع بشرط النقد قولان. قال بعض شيوخنا ولا أعرفه إلا كرواية محمد عن نقد ثمن ثوب حتى يراه فإن لم يرضه رده جاز إن قرب وطبع عليه، وعلى الأول لو وقع الاتفاق على إسقاط الشرط، فذهب سحنون إلى صحة العقد. وقيل: إنه لا يصح عزاه عبد الحق لبعض الأندلسيين قال ابن رشد: وهو ظاهر المدونة، وعزا المازري القولين للمتأخرين. (والنفقة في ذلك والضمان على البائع): أما النفقة فهي على البائع سواء قلنا: إن البيع منعقد من أوله أو بآخره، وظاهر كلام الشيخ في الضمان سواء كان المبيع مما يعاب عليه أم لا، وليس كذلك، وإنما يضمن البائع ما لا يغاب عليه، وأما ما يغاب عليه فمن المشتري، وهو نص المدونة، وهو المشهور، وهو الذي أراد الشيخ، والله أعلم. وقيل: إن الضمان ممن شرطه الخيار مطلقًا قاله مالك، وحكاه ابن رشد وتتخرج النفقة والغلة عليه، وعلى الأول فاختلف لو قامت البينة بهلاكه من غير سببه، فقال ابن القاسم لا يضمن. وقال أشهب: يضمن بناء على أصليهما هل الضمان بالتهمة أو بالأصالة، وكلاهما حكاه المازري، واللبن والسمن، غلة اتفاقًا. وأما الصوف فإن اشترطه المشتري فهو له كمن اشترى سلعتين، وإن لم يشترطه فهو للبائع واختلف في أرش الجناية، فقيل: إنها للبائع وهو مذهب المدونة، وقيل: إنه تبع له قاله ابن حبيب، ولو ولدت الأمة ثم أمضي البيع. فقال ابن القاسم: يتبعها كالصوف، وقال أشهب: كالغلة وكلاهما في المدونة: واستشكلت هذه المسألة من وجهين: أحدهما: كيف جاز بيعها مع أن الحامل المقرب لا يجوز بيعها وأجيب بأنه لا مانع من أن يكون باعها في آخر الشهر السادس وولدته في أول السابع قاله عياض على غير ذلك من التأويلات. وقال بعض من لقيناه: هذا الإشكال إنما يرد على غير طريق ابن رشد، وأما هو فقال رحمه الله مذهب مالك جواز بيع المريض، قال وهو دليل خيار المدونة وظاهرها في الاستبراء وسماع عيسى عن ابن القاسم.

ونص أصبغ ونسب المنع لابن حبيب، وابن الماجشون، قال: ومال إليه سحنون، وهي طريقة لا اعتراض عليها. الثاني: أن كلا من ابن القاسم، وأشهب ناقض أصله، وذلك في الحرة إذا تزوجت عبدًا بغير إذن سيده، فأجاز نكاحه بعد أن زنت فقال ابن القاسم: لا ترجم، وقال أشهب: ترجم. وأجاب بعض شيوخنا عن أشهب: بأن الحدود تدرأ بالشبهات، وعن ابن القاسم بأنه خيار حكمي وناقضًا أصليهما، وبقوليهما أيضًا في الأمة إذا جنت ثم ولدت ثم أسلمها سيدها للمجني عليه، فقال ابن القاسم: لا يتبعها ولدها خلافًا لأشهب، وإذا وهب للعبد المبيع بالخيار مال ففي المدونة هو للبائع، وقال ابن الكاتب: يعني بذلك أن يباع بدون ماله وحمله الأكثر على الوفاق، وحمله ابن الجلاب على الخلاف وارتضاه بعض من لقيناه. (وإنما يتواضع للاستبراء الجارية التي للفراش في الأغلب أو التي أقر البائع بوطئها وإن كانت وخشا): اختلف المذهب إذا باعها بشرط ترك المواضعة فقيل: البيع جائز والشرط باطل، ويحكم بينهما بالمواضعة، وقيل: إن البيع فاسد، قاله الأبهري ومثله في كتاب ابن المواز، ولهذه المسألة نظائر منها إذا اشترط إسقاط الجائحة فقال ابن القاسم لا يعول عليه، وقيل: إن البيع فاسد وعزاه اللخمي للسليمانية، ومنها إذا اشترط ضمان العارية فقال ابن القاسم: لا يلتفت إليه خلافًا لأشهب. قال ابن الجلاب: ولو ماتت الأمة المتواضعة، ولم يعلم هل كان موتها قبل مدة الاستبراء أو بعدها فقال مالك الضمان من البائع، وقال مرة من المشتري. (ولا تجوز البراءة من الحمل إلا حملا ظاهرًا): اعلم أنه اختلف المذهب في بيع الجارية التي يزيد في ثمنها الحمل أو البقرة، أو غيرها على أنها حامل على أربعة أقوال: فقيل: لا يجوز قاله مالك في سماع ابن القاسم، وقيل: إنه جائز وإن وجدت غير حامل فله الرد قاله أشهب: وقيل: جائز فإذا وجدها غير حامل فإن كان يظن أنها حامل، فلا يردها، وإن كان يعلم أنها حامل بمعرفته فله ردها لأنه غره، وأطمعه. قال ابن أبي حازم، وقيل: يجوز في الحمل الظاهر دون الخفي قاله سحنون وهذه

الأقوال الأربعة حكاها ابن زرقون والقول بالمنع مطلقًا هو نص البيوع الفاسدة من المدونة. قال فيها: ومن باع شاة على أنها حامل لم يجز وكأنه أخذ لجنينها ثمنا حين باعها بشرط أنها حامل، وهو ظاهر كلام الشيخ ولتخصيصه الجواز في بيع البراءة بالحمل الظاهر فدل على أن غير البراءة لا يجوز مطلقًا وتعقب ابن الفخار قول الشيخ قائلاً: الصواب أنه لا تجوز البراءة من الحمل في الجواري الرفيعات إلا في الحمل الظاهر، ويجوز من حمل الوخش، وإن لم يكن ظاهراً هذا قول مالك، ولا يعرف خلافه وزعم ابن زرقون وابن رشد أن بيعها بشرط البراءة متفق عليه لأنه تبرأ من عيب، وهو قصور لنقل ابن يونس في أواخر كتاب الخيار. قال: ولو شرط حمل الجارية في البيع فسخ، وقيل: إن كان ظاهراً جاز فيها، وفي الغنم. وقيل: إن كان على البراءة جاز في الوجهين، قال ابن زرقون، وغيره: إنما يجوز في الرمكة على القول به إن قال: إنها حامل مطلقًا، ولو قيل: إنها حامل من فرس أو حمار لفسد البيع؛ لاحتمال أن يكون انفلت عليها غيره. قلت: واختار بعض من لقيناه الجواز إذا كان يعلم أنه حفظها من غيره. (والبراءة في الرقيق جائزة مما لم يعلم البائع). ظاهر كلام الشيخ أن غير الرقيق لا تفيد فيه البراءة، وهو نص المدونة قال المتيطي، وعليه العمل وبه الفتوى، وبه قال الجمهور من أصحاب مالك. وقيل: تفيد في كل شيء من عرض وغيره، قاله أشهب، وابن وهب وابن حبيب، وابن كنانة، واستقرئ من المدونة، وبه قال مالك في كتاب ابن حبيب. وقيل: فيما عدا الحمل الخفي من الرائعة إذ لا تصح البراءة منه لخطره، وقيل عكسه، قاله عبد الوهاب، وتأوله اللخمي على المدونة أيضًا، وعليه العمل عندنا بتونس. وقيل: تفيد في الحيوان وهو نص الموطأ، والواضحة وأحد قولي الموازية، وقيل: تفيد من السلطان خاصة قاله مالك، وحكي ابن أبي زمنين وابن الكاتب وغيرهما أنه لا يختلف قول مالك في بيع السلطان: إنه بيع براءة، وقيل: يفيد من الورثة لقضاء دين وشبهه. وقيل: فيما طالبت إقامته عند بائعه، واختبره، قاله في الواضحة والموازية، وتأول على المدونة، وقيل: تفيد في كل شيء إذا كان العيب تافهًا غير مضر، رواه ابن القاسم

في كتاب محمد ونحوه في العتبية وعليه حمل قول المغيرة، وهو مثل قول المدونة إن البراءة لا تنفع في أهل الميراث، ولا غيرهم إلا أن يكون خفيفا، وزعم ابن الكاتب انه لا يختلف قول مالك في اليسير، وغيره جعله مختلفا فيه كما قلنا فهذه ثمانية أقوال. وبالجملة فقد أطال عياض الكلام عليها جدا وذكر أولا أن فيها تسعة أقوال ثم زاد في آخر كلامه عاشرا ويظهر أن في بعضها التكرار قال: وفي الكتاب منها ستة، قلت: وكل هذه الخلاف فيما لا يشترط فيه التماثل، وأما ما يشترط فيه التماثل كمد قمح بمد فلا يجوز اشترط البراءة، لما يؤدي إليه من التفاضل. وكذلك لا يجوز في القرض كما إذا استقرض عبداً وتبرأ من عيوبه دخله سلف جر منفعة نص على ذلك الباجي والمازري، وقبله خليل، وقال بعض من لقيناه بدخول المسألة الأولى في الخلاف إذ ليس ثم تفاضل البتة؛ لأن الفرض أن القدر واحد وقصاري الأمر أن الصفة تختلف على تقدير الوجود، وذلك لا يضر. (ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع حتى يثغر): الأصل في هذا ما خرجه الترمذي عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبائه يوم القيامة". ووقع في المدونة: ما يوهم جواز التفرقة قال في كتاب المرابحة في الجارية التي ولدت عنده: لا يبيعها مرابحة، ويحبس ولدها إلا أن يبين واعترضه فضل، قال: هذه من بيع التفرقة، وللناس في ذلك تأويلات: أحدها: لعله أعتق الولد. الثاني: لعله بلغ حد التفرقة. الثالث: لعله مات. الرابع: لعله على تأويل ابن القاسم عن مالك في العتبية، وتخريجه في سماعه على المسألة أنه رجع إلى إجازة بيع التفرقة، وقد وهموه في هذا التأويل. الخامس: أن يكون ذلك برضا الأم على أحد القولين. السادس: أنه إنما تكلم هنا على أحكام بيع المرابحة ولم يتعرض للكلام على التفرقة فلم يتحرز منها وكلها ذكرها عياض رحمه الله تعالى، وما ذكر الشيخ من أن

حده الإثغار هو قول مالك في المدونة قائلاً: ما لم يعجل به، وهو أحد الأقوال الستة. وقيل: سبع سنين قاله ابن حبيب، وقيل: عشر سنين، قاله ابن وهب، والليث بن سعد، وقيل: باستغنائه عن أمه، ومعرفة ما يؤمر به، وينهي عنه، ولا يقال يمكن أن يتأول هذا القول برجوعه إلى أحد هذه الأقوال السابقة؛ لأن معرفة ما ذكر يختلف باختلاف قرائح الأطفال. وقيل: وحدة البلوغ، رواه ابن غانم عن مالك، وقيل: لا يفرق بينهما وإن بلغ نقله ابن يونس عن ابن عبد الحكم لقوله للأب أخذ الولد وظاهره التأبيد، وصرح به اللخمي، وأبعده المازري ووجه ابن يونس بعموم الحديث وقد تقدم معارضة بعض من لقيناه قول ابن عبد الحكم بقوله للأب أخذ الولد الذكر من الأم عند الإثغار والجواب عن ذلك. وظاهر كلام الشيخ أن التفرقة لا تجوز ولو رضيت الأم بذلك، وهو كذلك ونص عليه مالك في كتاب محمد، وقيل: إن الجمع بينهما حق للأم قاله في المختصر، واختار ابن يونس الأول. وظاهر كلام الشيخ أن الأب لا يلحق بالأم وهو كذلك، واختار اللخمي انه يلحق بها كقول بعض المدنيين، والاتفاق على أنه لا يلحق بهما غيرهما، والمراد بالأم من النسب أما من الرضاع فلا، قاله التادلي، وهو واضح لأن الأم من الرضاع ليس لها من الحنان والشفقة ما للأم من النسب ألا ترى أنه لا حضانة لها، ويريد الشيخ إلحاق الهبة وشبهها بالبيع في التفرقة وهي جائزة في العتق وشبهه كالكتابة وفي الحيوان البهيمي على ظاهر المذهب، وروى عيسى عن ابن القاسم أنها لا تجوز وأن حد التفرقة أن يستغني عن أمه بالرعي، قاله التادلي والمغربي، وأظنه في العتبية، ولا أتحققه، ووقع للشيخ أبي بكر بن اللباد نحوه وذلك أن ابن يونس نقله عنه في الراعي إذا استؤجر على رعاية غنم، ولم يكن عرف برعي الأولاد ولا شرط فإن على ربها أن يأتي براع معه للأولاد للتفرقة وتأوله بعض شيوخنا بأن معناه أن التفرقة تعذيب لها فهو من باب النهي عن تعذيب الحيوان. وقال الفاكهاني: ظاهر الحديث يعم العقلاء وغيرهم ولم أقف عليه بالنص في غير العقلاء فمن وجده فليضفه إلى هذا الموضع راجيا ثواب الله تعالى. (وكل بيع فاسد فضمانه من البائع فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه):

يريد بالفاسد ما كان حرامًا وصرح ابن رشد باندراج المكروه في الفاسد، وقال بعض شيوخنا إن غني بالفاسد ما نهي عنه فقط فمندرج وإن عني به مع سلب خاصية البيع عنه فغير مندرج، وما ذكر الشيخ من أن الضمان من المشتري إذا قبضه هو المشهور. وسمع أبو زيد بن القاسم في جامع البيوع: ومن ابتاع زرعا قبل بدور صلاحه ثم حصده وحمله إلى منزله فأصابته نار فاحترق وعلم أن ذلك القمح بعينه احترق فمصيبته من البائع قال ابن رشد: وهو خلاف المعلوم من المذهب ونحوه سمع يحيى في كتاب الخلع ووجهة بأنه لما كان بيعا فاسدا لم ينعقد فيه بيع زاد في أجوبته ولا يفيته بيع ولا غيره. قلت: قال بعض شيوخنا وظاهر هذا السماع إنما يكون الضمان من البائع إذا قامت بهلاكه بينة، وقيل: إن كان البيع متفقا على تحريمه فمصيبته من البائع، وهو في يد مشتريه كالرهن هكذا نقله المازري عن سحنون وعبر عنه اللخمي بقوله: إن كان البيع حراماً. وظاهر كلام الشيخ: إذا أمكنه البائع من قبضه ولم يقبضه أن مصيبته من البائع وهو كذلك. وقال أشهب: يضمنه المشتري بالتمكين أو ينقد الثمن كقبضه، وناقضه أو عمر أن قوله هذا بروايته عن مالك أن من تزوج امرأة على عبد فمات العبد قبل القبض وهو لم يكن يقدر على منع الزوجة منه أن ضمانه من الزوج. قلت: ولا مناقضة عليه في ذلك إذ لا يلزم من الرواية الأخذ بها وعلى تسليمه فالتمكين أخص مما في الرواية والله أعلم. (فإن حال سوقه أو تغير في بدنه فعليه قيمته يوم قبضه ولا يرده، وإن كان مما يوزن أو يكال فليرد مثله):

ما ذكر الشيخ من أن تغيير السوق مفيت هو المشهور. وقيل: إنه غير مفيت حكاه ابن عبد البر قال في كافيه، وفي الفوت يتغير الأسواق اختلاف عن مالك وأصحابه، وما ذكره من تغير البدن متفق عليه فيما قد علمت قال في المدونة: مثل الولادة والعيب، وزيادة بدن وزوال بياض العين. وظاهر كلام الشيخ أن طول الزمان لا أثر له في التفويت، وهو كذلك العروض قاله في المدونة: وذكر ابن رشد أنه فوت فيها لسرعة التغيير فيها قال اللخمي: واختلف إذا طال الزمان في الحيوان فقال في التدليس من المدونة من كتاب عبدا اشتراه شراء فاسدًا فعجز بعد شهر فات رده لأنه طول وقال في ثالث سلمها الشهر والشهران ليس بفوت في العبيد والدواب. وقال المازري: اعتقد بعض أشياخي أن قولي المدونة واختلاف حقيقة، وليس كذلك وإنما هو اختلاف في شهادة بعادة؛ لأنه أشار في المدونة: إلى المقدار من الزمان الذي لا يمضي إلا وقد تغير الحيوان فتغيره في ذاته أو سوقه معتبرا وإنما الخلاف في قدر الزمان الذي يستدل به على التغير. قلت: قال بعض شيوخنا هذا منه تعسف على اللخمي كان حاصل كلامه إنما هو في قدر الزمان الذي هو مظنة التغيير لا في التغيير وهذا مقتضى كلام اللخمي لمن تأمل وأنصف قال في المدونة: ولو تغير سوق السلعة له فروي بخلاف رجوعها بعد بيعه بها ففرق القابسي بأن سوق الثانية ليست هى الأولى بعينها وإنما هي مثلها والسلعة التي اشتريت شراء فاسدًا ثم بيعت ثم عادت فإنك تقطع أنها هي ومنهم من فرق بأن تغيير السوق غير داخل تحت قدرة البشر فلا يتهم الناس فيه بخلاف البيع ورد بأن فرض المسألة في المدونة: فيما إذا عادت إليه بميراث أيضاً، ولا تهمة فيه، ولما رأى أشهب رحمه الله تعالى أنه لا فرق بينهما جعل مسألة البيع كرجوع السوق.

وظاهر كلام الشيخ أن تغير السوق في المكيل والموزن معتبر وهو قول ابن وهب والمشهور أنه لا أثر له قال بعض الشيوخ الأربعة يفيتها حوالة الأسواق البيع الفاسد، واختلاف المتبايعين وبيع العرض بالعرض وبيع المرابحة وأربعة لا يفيتها حوالة الأسواق الرد بالعيب وهبة الثواب والإقالة في السلم والاستحقاق يجمعها قول الشاعر: وأربعة إذا الأسواق حالت = منعن من الفوات كما علمت إقالتك السلم ورد عيب = وعطاء الثواب وما استحقت وأربعة تفوت إذا استحالت = فأولها المبيع إذا اختلفت وعرض فيه عرض من مبيع = وبيع فاسد مع ما ربحت (ولايفيت الرباع حوالة الأسواق): ما ذكر الشيخ وهو المشهور، وقال ابن وهب: إنه يفيته تغير الأسواق كالعروض والحيوان، واعتذر عن المشهور بأن العقار المقصود منه غالبًا وإنما هو الاقتناء دون التجارة وما هو كذلك لا يطلب منه كثره الأثمان وقلتها، فلا يكون تغير سوقه مفيتا له بخلاف العروض، والحيوان غالباً، وبقيت الرباع الغرس والهدم والبناء قاله في رهون المدونة. واختلف إذا طال الزمان في الدور الأرضين فالمشهور أنه ليس بفوت وقيل: إن طالت المدة كعشرين سنة فإنه مفيت نقله اللخمي عن أصبغ قائلاً: ولابد من أن يدخلها التغيير في ذلك. وأشار المازري إلى أنه وفاق، وقال ابن رشد في ذلك قولان كلاهما في كتاب الشفعة من المدونة. وأما الزرع فليس بمفيت نقله أبو محمد عن ابن المواز قائلاً: فإن فسخ بيعه في إبانه لم يقلع وعليه كراء المثل، وبعد الإبان لا كراء عليه، ولو أثمرت الأصول عند مبتاعها ففسخ بيعها، وقد طالبت الثمرة فهي للمبتاع ولو لم تجد وإن لم تطلب فهي للبائع وعليه للمبتاع ما أنفق. (ولا يجوز سلف يجر منفعة):

يعني القرض بالمنفعة إما للمقرض، وإما للأجنبي؛ لأن المنفعة إذا انتفع بها الأجنبي من جهة المقرض فكأنه هو الذي انتفع بها، وما ذكرناه من منفعة الأجنبي مأخوذ من رهون المدونة وقراضها ولو الإطالة لذكرنا لفظها في الكتابين ويقوم من كلام الشيخ أن السفاتج ممتنعة وهو نص المدونة في بيوع الآجال وزعم الباجي أن هذا القول هو المشهور. وقيل: إنه جائز نقله عياض عن ابن عبد الحكم وعزاه الباجي لرواية أبي الفرج، وقيل: إن غلب خوف الطريق جاز وإلا منع، وهو اختيار اللخمي محتجا بإجازة مالك تأخير نقد كراء المضمون لاقتطاع الأكرياء أموال الناس. قال ابن عبد السلام: وفي احتجاجه نظر لأن المحظور في مسألة الكراء بيع الدين بالدين، وهو أخف من المحظور في مسألة السفاتج؛ لأنه سلف جر منفعة وهو عين الربا، وقيل: إن طلب المستقرض السلف جاز وإلا منع نقله ابن يونس عن الموازية، وفي الجلاب عن مالك الكراهة فيتحصل في ذلك خمسة أقوال، وتردد خليل هل تحمل الكراهة على التحريم فترد للمشهور أم لا، وكذلك تردد في قول اللخمي قال ومثله لعبد الوهاب هل هو تقييد أو خلاف ولما ذكر ابن بشير في السفاتج القولين، وأن المشهور المنع قال: وكذلك الطعام المسوس أو القديم في زمان الشدة بشرط أخذه جديداً، واعترضه بعض شيوخنا بأن كلامه يقتضي أن المشهور المنع ولم يحك غيره في السائس إلا الجواز. قلت: قال ابن عبد السلام ظاهر المذهب المنع والأقرب الجواز لأن منفعة السلف يسيرة جدا لا يمكن العاقل أن يقصدها غالبا. وقال خليل ك المشهور المنع خلافًا لسحنون، وقيد اللخمي المنع بما لم يقم دليل

على إرادة نفع المسلف فقط. وقال ابن حبيب: يمنع مطلقًا ونقل أبو محمد صالح عن أبي موسى الموماني أن قول اللخمي تفسير للمذهب لقول المدونة إن أقرضك فدانًا من زرع لتحصده أنت وتدرسه لحاجتك وترد مثله فإن فعل ذلك رفقًا بك دونه جاز. واختلف إذا اشترط المقرض إسقاط يمين دعوى القضاء في العقد أو تطوع له به على ثلاثة أقوال: فقيل: يمنع قاله يحيى بن عمر، وقيل: إنه جائز قاله ابن لبابة، وقيل: إنه يمنع في العقد قاله ابن العطار. وأما شرط التصديق في البيع في العقد ففيه ثلاثة أقوال ثالثها: إن كان البائع من المتورعين جاز ووفي له بشرطه وإلا فلا، واستمر العمل عندنا بتونس على العمل بذلك مطلقاً. (ولا يجوز بيع وسلف): الأصل في ذلك ما خرجه الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا يحل بيع وسلف" وذكر الباجي أن الإجماع على منعه فإن وقع وأسقط مشترط السلف شرطه فنص في المدونة على الصحة وهو المشهور. وقيل: إنه لابد من فسخ البيع قاله ابن عبد الحكم ونقله ابن حارث وغيره وعزاه الباجي لبعض المدنيين وعلى الأول فهل التخيير في إسقاط شرطه ما لم يغب على السلف فإن غاب فقد فات الربا فلا تخيير أو يخير مطلقًا، في ذلك قولان، واشترط ذلك سحنون، وابن حبيب، وابن القاسم، ولم يشترط ذلك أصبغ، وعلى الأول فإن كانت السلعة قائمة ردت وإن فاتت بيد المشتري ففيها القيمة ما بلغت، وعلى الثاني فعليه في الفوات الأكثر من الثمن أو القيمة وكلا هذين القولين تؤول على المدونة، ونص في المدونة: على أن المعتبر في القيمة يوم القبض. وقال ابن الجلاب: يوم الفوات لا يوم الحكم ولا يوم القبض ويقوم من كلام الشيخ أن من عليه دينار قد حل وباع لصاحب الدين سلعة وشرط عليه أن لا يقاصه أنه لا يجوز ووجه الإقامة إنما كانت المقاصة واجبة لمن طلبها عند اجتماع شرائطها كان

اشتراط عدم المقاصة قرينة في إدارة تأخير الدين السابق فيكون بيعًا وسلفًا، وهو كذلك عند ابن القاسم. وقال أشهب: يصح ويبطل الشرط. وقال أصبغ: يصح ويوفي بالشرط، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن الحارث. (وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء): لا خصوصية لما ذكر بل وكذلك النكاح والشركة والقراض مع السلف. (والسلف جائز في كل شيء إلا في الجواري وكذلك تراب الفضة): أنما قال السلف جائز نفيًا لما يتوهم وإلا فهو مندوب إليه من حيث الجملة، ويعرض له التحريم، والكراهة، وأما الإباحة فمتعذرة؛ لأنه من القرب، وما ذكر الشيخ من منع قرض الجواري مثله في الآجال والسلم الأول من المدونة. وقيل: جائز على رد المثل قاله ابن عبد الحكم كذا نقله عنه ابن يونس والمارزي، ولفظ ابن بشير فيه إجازة ابن عبد الحكم وأوجب رد المثل وفي الحمديسية عنه أجازه إذا اشترط عليه أن لا يرد عينها وإنما يرد مثلها، وهو مثل النقل الأول عنه واعترضه بعضهم بأن الشرط لا ينفع لأنها على مثل الدين صفة ومقدارًا ومن أتى بذلك أجبر ربه على قبوله. قال خليل: وفيه نظر لجواز استثناء هذه الصورة لئلا يؤدي إلى إعارة الفروج ويريد الشيخ ما لم يكن قرض الجواري للمرأة أو لذي محرم أو كانت في سن من لا توطأ وقيد به اللخمي وغيره المدونة وحمله الباجي على الخلاف للمذهب وهو بعيد فإن وقع قرض الجواري وفرعنا على المشهور فإنه يفسخ ما لم يفت فإذا فات لزمته القيمة، وقيل: المثل واختلف في المفيت ما هو على ثلاثة أقوال: مجرد الغيبة عليه نقله ابن يونس عن بعض الأصحاب وقيل: مجرد الغيبة عليها لا أثر له الأثر للوطء قاله عبد الوهاب في معونته. وقيل: إن كانت غيبة يشبه الوطء فيها فهي فوت وإلا فلا قاله المازري وتراب المعادن والصواغين لا يجوز قرضه وقول ابن عبد السلام في السلم اختلف في قرض تراب المعادن لا أعرف وكذلك لا يجوز قرض الدور والأرضين والبساتين، واختلف في قرض قواديس قفصه، ونحوها قال بعض شيوخنا لا يجوز. قال التادلي: وظاهر كلام الشيخ أن قرض لحوم الأضاحي جائز، وفيه القولان اللذان في جلد الميتة وقد ذكرهما اللخمي في جلد الميتة بعد الدبغ، ويجريان هنا بطريق

الأولي ذكر هذا في الأضاحي أعني التادلي. (ولا تجوز الوضيعة من الدين على تعجيله): إنما لا يجز ذلك لأنه يدخله في الوضيعة ثلاث علل سلف جر منفعة، والتفاضل بين الذهبين أو الفضتين والنساء؛ لأنه عجل عشرة في عشرين فهو إذا حل يقبض من نفسه عشرين ويدخله الطعام من قرض إذا كان مما لا يجوز فيه التفاضل والثلاث علل، وإن كان مما يجوز فيه التفاضل دخلته علتان من الثلاث سلف جر منفعة والنساء وإن كان الطعام من بيع دخلته أربع علل الثلاثة المذكور والرابعة بيع الطعام قبل قبضه ويدخله في القرض سلف جر منفعة والنساء، وما ذكر الشيخ هو المشهور وذكر اللخمي في إرخاء الستور عن ابن القاسم أنه جائز. قال بعض شيوخنا: حكي غير واحد من شيوخ بلدنا أن بعض الطلبة ذكر مجلس تدريس بعض شيوخه في كتاب الآجال من المدونة قول ابن القاسم هذا فأنكر عليه. وقال اللخمي: حكاه عنه فلما انقضى المجلس نظروا محله من كلام اللخمي في بيوع الآجال حيث ذكرها في المدونة: فلم يجدوا في اللخمي ما ذكر عنه فلما كان من الغد قالوا له: ما ذكرت عن اللخمي غير صحيح إذا لم يذكره في محله فانصرف الطالب عنهم في هم شديد فلما نام من الليل رأى في نومه الشيخ أبا الحسن اللخمي فقال له: يا سيدي نقلت عنك كذا وكذا له القصة وكون الطلبة نظروا كتابك في بيوع الآجال، ولم يجدوا فيه ذلك النقل فقال له: ذكرته في فضل الخلع فانتبه الطالب فرحًا فقام في ليلته، ونظر الكتاب فوجده كما نقل فلما أصبح ذكر ذلك لأهل المجلس واشتهرت قصته وتفضل الله عليه برؤيته المذكورة. (على تعجيله): علته حط عني الضمان وأزيدك لأن الطالب لا يجبر على قبضه قبل الأجل لأن منفعة التأجيل لهما معاً. (ولا التأخير به على الزيادة فيه): يريد سواء كانت الزيادة من المديان أو من أجنبي ومنه هدية المديان إلا أن تكون معتادة. وقال ابن الحاجب: وفي مبايعته بالمسامحة الجواز والكراهية قال غير واحد فظاهره أنه لا يختلف إذا لم تكن مسامحة أنه جائز ومقتضى ما حكاه المازري وابن

بشير وغيرها أن النفل على العكس إن كانت مسامحة منع اتفاقًا لأنها هدية مديان وإلا فقولان الجواز والكراهة. وقيد اللخمي الخلاف بما قبل الأجل، وأما بعده فلم يحك إلا الكراهة وصرح المازري بعدم الجواز بعد الأجل وهو آكد في التهمة؛ لأن الدين قد وجب على من عليه قضاؤه وأما هدية رب المال للعامل لئلا يدع العمل فلا يجوز لأنه سلف جر منفعة وكذلك لا تجوز هدية العامل لرب المال قبل الشغل بالمال وبعده. (ولا تعجيل عرض على الزيادة فيه إذا كان من بيع ولا بأس بتعجيله ذلك من قرض إذا كانت الزيادة في الصفة): قال غير واحد: الفرق بين البيع والقرض أن الأجل في القرض حق للمقرض فلم يسقط بالتعجيل حقا له بخلاف البيع؛ لأن الأجل حق لهما، ونقل الفاكهاني هذا الفرق عن ابن عيسى في إقالته، وهو يقتضي سواء كان المزيد في الصفة كإعطاء أجود مما في ذمته أو في الذات، وهو خلاف ظاهر قول الشيخ إذا كانت الزيادة في الصفة. (ومن رد في القرض أكثر عددا في مجلس القضاء فقد اختلف في ذلك إذا لم يكن فيه شرط، ولا وأي ولا عادة فأجازه أشهب وكرهه ابن القاسم، ولم يجزه): أراد الشيخ بالوأي التصريح بالوعد وبه فسر صاحب مختصر العين. قال التادلي: وقيل: هو التعريض بالعدة وفي المشارق هو الوعد المضمر والعادة معروفة وسواء كانت خاصة مع المستقرض أو عاملة لأهل البلد. وقال أبو محمد صالح: لا خلاف في العادة الخاصة واختلف في العامة بالجواز والمنع، وظاهر كلام الشيخ أن أشهب يجيز ذلك سواء كانت الزيادة يسيرة أو كثيرة كمن سلف عشرة دراهم مثلاً فقضى أحد عشر أو خمسة عشر، وابن القاسم يحرمه مطلقاً، وبقول أشهب قال القاضي عبد الوهاب، قال ابن عبد السلام وعزاه اللخمي لابن حبيب وعيسى. قلت: واعترض بعض شيوخنا عليه من وجهين: أحدهما: أن قول ابن حبيب ليس في التبصرة. الثاني: قول عز وابن الحاجب لأشهب الجواز مطلقاً قائلاً: لا أعرفه. قلت: ويرد بأن ظاهر الرسالة كما تقدم، وقول ابن القاسم مثله، وروى ابن المواز في المسألة قولاً ثالثًا: أنه لا تجوز الزيادة إذا كانت يسيرة كدرهمين في مائة نقله أبو محمد

عن أشهب وابن حبيب، وعزاه غيره لابن القاسم إلا أنه لم يذكر تحديد اليسير. قلت: والصواب عندي عكس الثالث؛ لأنه إذا كانت الزيادة يسيرة فهما يتهمان فيها بخلاف الكثيرة، والله أعلم. وفي الصحيح عن أبي رافع أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل الصدقة فأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبا رافع أن يقضي الرجل بكرا فرجع إليه أبو رافع فقال: يا رسول الله لم أجد فيها إلا خياراً رباعيا فقال: " أعطه إياه إن خير الناس أحسنهم قضاء". قال ابن عبد السلام: الظاهر أن هذا الحديث يشتمل على جواز المتصل والمنفصل لقوله: " إن خير الناس أحسنهم قضاء: فمهما كثرت الزيادة في القضاء كانت أحسن. (وكذلك أن يعجل العروض والطعام من قرض لا من يبع): قال الفاكهاني: يريد إذا كان المعجل في البلد الذي اقترض فيه، وأما إن كان في غيره فلا يلزمه أخذه. قلت: ما ذكره صحيح، وكذلك لو طلبه المقرض بعد حلول الأجل بغير البلد الذي اقرضه فيه فإنه لا يجبر على الدفع له ولكنه يلزمه أن يوكل من يقبضه عليه في البلد الذي اقرضه فيه. ونص عليه الشيخ أبو القاسم بن الجلاب، وبه أفتي من لقيناه قائلاً: لا أعرف فيه خلافًا إلا أن الصواب في الضامن عدم لزومه إلا أن يكون ملكاً، ويريد أيضا إذا كان البلد آمنا، وأما لو طلبه في أخذه بين بلدين أو مكان مخوف فإنه لا يجبر قال ابن بشير في الموازية واختلف في الجوهر إذا كانا من بيع وطلب أخذه في غير البلد المشترط ففيه القضاء، ولم يكن حمل فقيل كالعين يجبر على قبوله، وقيل: كالعروض، وهو المشهور. قال ابن بشير: هو خلاف في شهادة إن كان الأمن في الطريق فهو كالعين وإلا فهو كالعرض واختلف المذهب إذا أراد المديان دفع بعض ما عليه، وهو موسر هل يجبر رب المال على قبضه أم لا؟ فروى محمد وبه قال ابن القاسم في رواية أبي زيد: إنه يجبر، وقال ابن القاسم لا يجبر، وأما المعسر فيجبر اتفاقًا.

(ولا يجوز بيع ثمر أو حب لم يبد صلاحه): يريد إذا كان على التبقية والمسألة لا تخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: ما تقدم، وهو إذا كان على التبقية فنصوص المذهب على فساده، وأجازه أبو حنيفة وحلم النهي على الكراهة وخرج اللخمي قولاً في المذهب بجوازه إذا لم ينقد الثمن. وقال اللخمي: هذا إذا اشترط مصيبته من المشتري أو من البائع والبيع بالنقد؛ لأنه تارة بيعاً وتارة سلفًا، وإن كانت المصيبة من البائع والبيع بغير النقد فإنه جائز. وقال المازري: بعد أن ذكر عن المذهب المنع وأن بعض أشياخه انفرد بذكر ما تقدم: وفي المذهب ما يشير إلى الاختلاف في هذا الأصل فإن فيه قولين مشهورين في جواز كراء الأرض الغرقة على أن العقد إنما يتم بتصرف الماء عنها يريد مسألة المدونة وفيها قولان لابن القاسم وغيره وفرق بعض شيوخنا بأن الغرر هنا يقدر على رفعه بالعقد مع شرط الجد وغرر انكشاف الماء غير مقدور على رفعه وقد فرقوا بهذا المعني في فصل الخلع بالضرر. الثاني: أن يكون على القطع فإنه جائز بثلاثة شروط قاله اللخمي في السلم الأول: أن يبلغ الثمر مبلغا ينتفع به، وإن يحتاج إلى بيعه وإن يتمالأ عليه أكثر أهل موضعه ومهما اختل شرط منها فإنه لا يجوز لأنه فساد. الثالث: إذا وقع العقد عاريا عن الجد والتبقية فظاهر ما في كتاب البيوع الفاسدة من المدونة أنه جائز، وقيل: إنه لا يجوز قاله عبد الوهاب وعزاه المازري لرواية البغداديين، وهو أصل ابن القاسم في البيع المحتمل للصحة والفساد نص عليه في الرواحل والدواب من المدونة خلافًا لابن حبيب وحمل فضل قول المدونة على أن عرفهم على الجد ونحوه لأبي محمد وجعل اللخمي كثرة الثمن دليلا على البقاء وقلته دليلا على الجد. (ويجوز بيعه إذا بدا صلاح بعضه وإن نخله من نخيل كثيرة): يريد إذا كان طيبه متلاحقًا، وما ذكره هو قول مالك الذي رجع إليه، وقيل: لا يجوز حتى يبدو صلاح جميعه، وهو قول مالك الأول، وقيل: يجوز إذا بدا صلاح بعضه، ولو لم يقرب إذا لم ينقطع الأول حتى يبدو صلاح ما بعده قاله ابن كنانة، وقيل: يجوز بيعه ببدو صلاح ما حوله وبه قال مالك أيضًا وابن حبيب، وهذه الأقوال الأربعة حكاها ابن رشد، وفي المسألة قول خامس حكاه ابن حارث أحب إلى أن لا

يباع ما حوله ولا أراه حرامًا، وعزي لابن القاسم وابن حبيب قال ابن رشد: وما استعجل زهوه بسبب مرض في الثمرة وشبهه لم يبع به الحائط اتفاقًا، وفي الحديث نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. قال ابن عبد السلام: هذا يدل على أنه يشترط عموم ذلك في جميع الحائط كما اشترط ذلك بعض أهل العلم بعد أن جعل أصل المذهب أن الصلاح في بعض الحائط كاف. قلت: فظاهر كلامه أنه لم يحفظه في المذهب، وهو قصور لما تقدم وصلاح الثمرة زهوها زاد ابن الحاجب وظهور الحلاوة فيها. قال ابن عبد السلام: لا أحفظه الآن عن المتقدمين، وإنما ذكروا الحلاوة في التين مع ظهور السواد في أسوده والبياض في أبيضه، وكذلك العنبري في لونه وطعمه. قلت: واعترضه بعض شيوخنا بأنه قصور في حفظ المذهب لقول المتيطي بدو صلاح العنب ظهور الحلاوة فيه مع السواد في السواد في أسوده وحاصله في سائر الثمار إمكان الانتفاع به. وقال خليل: الظاهر أن ابن الحاجب أراد التنويع فالزهو خاص بالتمر وظهور الحلاوة في غيره قال وفي كلامه نظر لأن الحلاوة لا تعلم؛ لأن بعضها قد لا تظهر فيه الحلاوة كالموز لأنه يباع في شجره. قال ابن المواز: ولا يطيب حتى ينزع قال الباجي: يريد إذا بلغ مبلغا إذا نزع من أصله تهيأ للنضج، قال غير واحد: وبدو الصلاح في الزيتون أن ينحو إلى السواد وبدو صلاح القثاء والفقوس أن ينعقد، ويبلغ مبلغا يوجد له طعم وسمع أصبغ وأشهب أن بدو الصلاح في البطيخ أن يؤكل فقوسًا قد تهيأ للبطيخ. قلت: هذا في الكبار، وأما في الصغار فلا، وقال ابن حبيب أن ينحو ناحية الاصفرار والطيب؛ لأنه الغرض المقصود منه. قال الفاكهاني: وقول الشيخ، وإن نخلة من نخلات كثيرة رويناه بالرفع أي، وإن أزهت نخلة ويجوز النصب على خبر كان مقدرة ولها نظائر كثيرة والرفع أحسن. (ولا يجوز بيع ما في الأنهار والبرك من الحيتان، ولا بيع الجنين في بطن أمه ولا بيع ما في بطون سائر الحيوانات): قال الفاكهاني عن الغريب الأنهار جمع نهر بفتح الهاء، وإسكانها لغتان مشهورتان.

قالوا: وكذلك كل ما كان على ثلاثة أحرف وعينه حرف حلق نحو شهر، وأما قوله في (جنت ونهر) [القمر: 45] فقال الزهري: أي أنهار وقد يعبر عن الجمع بالواحد كما قال تعالى (ويولون الدبر) [القمر: 45] والبرك جمع بركة بكسر الباء سميت بذلك لإقامة الماء فيها والجنين كأنه فعيل بمعني مفعول أي مستور ومنه سميت الجن لأنها مستورة، ويقوم من كلام الشيخ من باب أحرى أنه لا يباع الطير في الهواء وهو كذلك وسمع عيسى وأصبغ ابن القاسم لا يحل صعاب الإبل للغرر في أخذها وربما عطبت به ولجهل ما فيها من العيوب، وكذلك المهاري والفيلة، وكل ذلك مفسوخ. قال أصبغ: احتجاجه بجهل عيوبها غير صحيح لأن البراءة في بيعها غير جائزة. قال ابن رشد: اعتراض أصبغ غير لازم؛ لأن ابن القاسم لا يجيز بيع البراءة وهو الصحيح المعروف من قول مالك. (ولا بيع نتاج ما تنتج الناقة ولا بيع ما في ظهور الإبل): النتاج بكسر النون ليس إلا وفي الموطأ مرسلا، روى مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال: لا ربا في الحيوان وأنهاكم عن ثلاثة المضامين والملاقيح، وحبل الحبلة، فالمضامين ما في بطون الإناث من الإبل، والملاقيح: ما في ظهور الفحول وعكس ابن حبيب وخرج مسلم ومالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه نهى عن بيع حبل الحبلة فسره ابن وهب وغيره بنتاج ما تنتج الناقة، وأما النزو فإن كان مضبوطًا بمرة أو زمان فإنه جائز وروى ابن حبيب كراهيته للنهي عنه، وأن أخذ الأجر فيه ليس من مكارم الأخلاق فإن فعل لم يفسخ ولم يؤد الأجر ومنعه جماعة من أهل العلم مطلقاً. قال ابن عبد السلام: وهو أسعد بظاهر الحديث وسمع عيسى بن القاسم جواز نزو البغل على البغلة واختلف المذهب في جواز الأجرة على ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل: إن ذلك جائز قاله عيسى بن دينار وصوبه ابن رشد، وقيل: مكروه قاله ابن القاسم، وعنه الوقف ولو سمي أعواماً فحصلت في الأول انفسخت قاله سحنون كالصبي في الرضاع. (ولا يبع الآبق والبعير الشارد).

ظاهر كلام الشيخ بيع بنقد أو بغير نقد كان الطلب في ذلك كله على البائع أو على المشتري، وهو كذلك وللخمي فيه تفصيل مال فيه إلى الجواز إذا لم ينقد الثمن وكان البيع فيهما على أن صفته كذا، وأن طلبه على البائع فإن أتى به على تلك الصفة أخذ الثمن وإلا فلا، واحتج بقول ابن القاسم فيمن قال اعصر زيتونك فقد أخذت زيته كل رطل بدرهم، وكان يختلف خروجه لا خير فيه إلا أن يشترط إن خرج جيداً أو أنه بالخيار ولا ينقد، وصرح المازري وابن بشير وغيرهما بأنه اختيار اللخمي لا أنه المذهب. (ونهى عن بيع الكلاب واختلف في بيع ما أذن في اتخاذه منها): أما الكلب المنهي عن اتخاذه فاتفق المذهب على تحريم بيعه، وأما المأذون فيه فاختلف فيه على سبعة أقوال: أحدها: أن بيعه لا يجوز وهو مذهب المدونة، وقيل: إنه جائز قاله مالك، وابن كنانة، وابن نفاع وسحنون قائلاً: أبيعه وأحج بثمنه، قال خليل وشهره بعضهم والأكثرون على المنع. قلت: وعزو ابن الفاكهاني هذا القول لابن كنانة فقط قصور وقيل: إنه مكروه قاله مالك أيضاً وقيل: بجوازه إن وقع في المغانم، وقيل: وكذلك في الميراث والدين ويكره في غيرهما والمراد بالميراث يعني لليتيم. وأما للبالغين فلا كذا فسره ابن مزين وقيل: لا بأس بشرائه ولا يجوز بيعه كذا نقله ابن زرقون ونقل ابن رشد ويكره بيعه، وإذا فرعنا على مذهب المدونة بالمنع ووقع البيع فروى أشهب في مدونته أنه يفسخ إلا أن يطول. وحكى ابن عبد الحكم أنه يفسخ وإن طال والقولان حكاهما ابن زرقون. قلت: والصواب أنه يمضي بالعقد مراعاة لقول من قال ممن تقدم بجوازه وهو قول أبي حنيفة أيضًا، وأما بيع الصور التي على قدر البشر يجعل لها وجوه فقال مالك: لا خير فيها وليس التجر فيها من عمل الناس، وحمله ابن رشد على أنها ليست مصورة

بصور الإنسان وإنما فيها شبه الوجوه بالتزاويق فصارت كالرقم، ومثله قول أصبغ لا بأس بها ما لم تكن تماثيل مصورة تبقي ولو كانت فخارا أو عيدانا تتكسر وتبلى خف بيعها وصوب ابن رشد أن ما يبقي كما لا يبقي. (وأما من قتله فعليه قيمته): يعني: أن من قتل كلبا مأذونا في اتخاذه فعليه قيمته، وأما غير المأذون فلا وهو كذلك قاله في المدونة في الضحايا، ونقل الفاكهاني عن سحنون أن من قتل الكلب المأذون فيه فلا قيمة عليه كالشافعي. قلت: لا أعرفه وليس هو أصله، ويقوم من كلام الشيخ أن من قتل أم ولد رجل فإنه يغرم قيمتها وأن من استهلك لحم أضحية فإنه يغرم قيمته، وكذلك من استهلك جلد ميتة أو زرعا قبل بدو صلاحه أو قتل مدبرا وهو كذلك في الجميع. ونقل ابن يونس في كتاب الغصب في أم ولد إذا غصبت فماتت قيل: لا ضمان عليه كالحرة وقيل: كالأمة قال بعض من لقيناه ولا يتخرج القول الأول فيما سبق من لحم الأضحية وما بعده؛ لأنه لم يبق له في أم الولد إلا المتعة وغيرها إذا أتلفه إنما أتلف أمرا ماليا ولذا قال كالحرة. (ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه): الأصل في ذلك ما خرجه مسلم وأبو داود عن سعيد بن المسيب أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن بيع اللحم بالحيوان من جنسه، وما ذكر الشيخ من أنه محمول على الجنس الواحد هو تفسير مالك بحديث وأخذ به وخصصه عبد الوهاب وابن القصار والأبهري وغيرهم من البغداديين بالحسي الذي لا يراد إلا للذبح وأجرى اللخمي قولاً بالجواز في الجنس إذا تبين الفضل من أجل أن مالكًا لم يطرد العلة، وقال بالمنع وإن ظهر الفضل مع كونه علل بالمزابنة. وقال أبو حنيفو: لا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه، ومن غير جنسه، قال أبو عمر بن عبد البر: وعن أشهب نحوه والمعروف عنه كما قال مالك في المدونة: ذوات الأربع من الأنعام والوحش جنس والطير صغره وكبيره وحشيه وإنسيه جنس والحوت صغيره وكبيره جنس يجوز لحم كل جنس بحي ولا بأس بلحم الأنعام بالخيل وسائل الدواب ولو لأجل لأنها لا تؤكل لحومها. وأما بالثعلب والضبع والهر، فقال ابن القاسم: هو عندي مكروه لكراهة مالك

أكلها دون تحريم ولا بأس بالجراد بالطيور وليس هو لحما، واختلف المذهب في الحي الذي لا تطول حياته كطير الماء أو لا منفعة فيه إلا كونه متخذا للحم كالخصي من المعز على قولين لمالك وأخذ ابن القاسم بالمنع وأشهب بالجواز ورجحه ابن عبد السلام بوجهين: أحدهما: أنه كالصحيح المراد للاقتناء؛ لأنه يصدق عليه أنه حيوان. الثاني: لا يجوز بيعه باللحم إلا على قول من يجيزه بشرط التحري إذا فرعنا على ما اختار ابن القاسم فاختلف على قولين فيما إذا كانت تطول حياته أو كانت منفعته يسيرة، كالصوف في الخصي. (ولا بيعتان في بيعة وذلك أن يشتري سلعة إما بخمسة نقدا أو عشرة إلى أجل قد لزمته بأحد الثمنين): الأصل في ذلك ما في الموطأ وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصححه قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن بيعتين في بيعة قال أبو عمر بن عبد البر، ورد هذا الحديث من طرق صحاح، وتلقاه أهل العلم بالقبول وظاهر كلام الشيخ أنه لو كان بخمسة إلى أجل أو بعشرة نقدا أنه جائز، وهو كذلك؛ لأن كل عاقل يختار لنفسه ما هو يسير عليه، وهو ههنا خمسة إلى أجل، واختلف المذهب إذا قال: خذ الثوب أو الشاة بدينار إن شئت فروي أشهب جواز ذلك، وروي ابن القاسم لا يجوز واختلف أيضًا إذا اشترى على اللزوم ثوباً يختاره من ثوبين فأكثر على الجواز ولو اختلفت القيمة وهو مذهب المدونة. وقال ابن المواز: إنه لا يجوز ولو اختلفت قيمتها وصفتها ما لم تتباين تباينا يجوز معه سلم أحدهما في الآخر، وقال ابن حبيب: لا يجوز حتى تكون مساوية غير مختلفة القيمة ولا خلاف في المنع إذا اختلفت الأجناس كحرير وصوف وهو آكد من بيعتين في بيعة لأنه بيع شيئين مختلفين بثمن واحد على اللزوم وسمع عيسى بن القاسم ولو اشترى عشرة يختارها من غنم بعد اشترائه عشرة منها كذلك قبل اختيارها جاز، ولو اشتراها غيره قبل اختياره لم يجز لأنه غرر. قال ابن رشد: الفرق بينهما أنه يعلم ما يختار فلم يدخل في العشرة الثانية على غرر وغيره لا يعلم ذلك، وقال ابن المواز: يجوز ذلك لغيره كهو ووجهه أن الثاني علم

أن الأول لا يختار إلا خيارها وخيارها لا يخفى على ذي معرفة. (ولا يجوز بيع التمر بالرطب ولا الزبيب بالعنب لا متفاضلا ولا مثلاً بمثل ولا رطب بيابس من جنسه من سائر الثمار والفواكه وهو مما نهي عنه من المزابنة): ما ذكر الشيخ من أن التمر بالرطب لا يجوز هو المنصوص وخرج اللخمي فيه قولاً بالجواز من أحد القولين في بيع اللحم الطري باليابس ورده ابن بشير بأنا نمنع أن اليبس في اللحم حال كمال وإنما الكمال فيه حال الرطوبة فلا يطلب التيبيس فيه كما يطلب في الرطب فإن تيبيس الثمرة هو كمالها. قلت: ورده بعض شيوخنا بأنه فاسد والوضع لأنه في معرض النص إذا خرج مالك في الموطأ وأبو داود أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سئل عن شراء التمر بالرطب فقال لمن حوله: " أينقص الرطب إذا جف" قالوا: نعم فنهي عن ذلك، ومثله قول خليل قياس فاسد الوضع لمقابلة النص واختلف المذهب هل يجوز بيع الرطب بالرطب أم لا؟ والمشهور جوازه. وقال ابن عبد الحكم: لا يجوز لنقصه إذا جف قال ابن عبد السلام: وهو أجري على الأصل لأنه لا يتحقق مقدار ما ينقص كل واحد منهما، وأما الزيتون بالزيتون مثلا بمثل فإنه جائز نص عليه اللخمي قائلاً: وإن كان زيت أحدهما أكثر من الآخر وزعم ابن الحاجب الاتفاق عليه قال ابن عبد السلام: ولولا الاتفاق عليه لكان الأنسب المنع لأن المطلوب زيته، وهو غير معلوم التساوي بخلاف اللحم باللحم. قلت: وأجابه بعض من لقيناه بأن الاتفاق على جواز القمح بالقمح وإن علم أن ريع أحدهما أكثر من الآخر مع أن القمح المقصود منه الدقيق بخلاف الزيتون فإنه كثيراً ما يؤكل كذلك، واختلف في طري الزيتون بيابسه بتحري النقص والمشهور منع القمح المبلول بمثله وجواز المشوي بالمشوي والقديد بالقديد، وقد علمت ما فرق به بينهما. (ولا يباع جزاف بمكيل من صنفه ولا جزاف بجزاف من صنفه إلا أن يتبين الفضل بينهما إن كان مما يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه): إنما جاز إذا بان الفضل لانتفاء وصف المزابنة؛ لأنه يصير حينئذ بيع معلوم معلوم من جنسه، واختلف في بيع الرطب باليابس إذا كانا ربوبيين على ثلاثة أقوال: أحدهما: أن ذلك ممنوع وهو دليل ما في سماع عيسى وأصبغ. والثاني: أنه يجوز بشرط تحري المساواة وهو أيضًا في سماع عيسى.

الثالث: إن علم أحدهما أكثر جاز وإلا فلا وذهب فضل إلى رد القولين إلى الثالث. (ولا بأس الشيء الغائب على الصفة): ظاهر كلام الشيخ وإن كان حاضر البلد، وهو كذلك، وروى ابن المواز، وقال به أنه لا يجوز والقول الأول نص عليه في المدونة في غير ما موضع قال في آخر كتاب السلم الثالث منها، وإن بعت من رجل رطل حديد بعينه في بيتك برطلين من حديد في بيته قثم افترقتما قبل قبضه ووزنه جاز ذلك، وفي كتاب الرد بالعيب منها، وإن بعت من رجل سلعة حاضرة في بيتك أو في موضع قريب يجوز فيه النقد ووصفتها جاز ذلك ويريد الشيخ ما لم يبعد الغائب جدا نقله هو رحمه الله عن ابن حبيب، ونقله المازري غير معزو له كأنه المذهب ولم يحده بتعيين مسافة. وقال ابن شاس كإفريقية من خراسان وظاهر كلام الشيخ أنه لو بيع الغائب دون وصف ولا تقدم رؤية أنه لا يجوز وإن كان على خياره عند رؤيته، وهو المعروف وهو نص المدونة وظاهر ما في السلم الثالث، منها جوازه، وأنكره ابن القصار والأبهري وعبد الوهاب لجهله حين العقد. وقال بعضهم: إنها من بقايا أسئلة أسد لمحمد بن الحسن. قلت: قال بعض شيوخنا: وهذا جهل لسماع سحنون أسئلتها من ابن القاسم حسبما هو مذكور في المدارك ونحوه قول خليل هو باطل؛ لأن نسبة الوهم بغير دليل إلى أسد وسحنون لا تجوز، وأما بيع الأعمى فقال المازري: إن كان بعد إبصاره أجناس المبيع وصفاته جاز وإن كان خلق أعمى فمنع الأبهري بيعه. وأجازه القاضي عبد الوهاب، قلت: ويتعارض المفهومان فيمن عمي صغيرا بحيث لا يعلم أجناس المبيع وصفاته ونبه على هذا بعض شيوخنا، وألحقه ابن عبد السلام بالأصلي قال: وينبغي أن يكون هذا في الصفات التي لا تدرك إلا بحاسة البصر، وأما ما يدرك بغير ذلك من الحواس فلا مانع من أن يجوز بيعهما وشراؤهما لذلك قال: ولولا أنهم اتفقوا فيما قد علمته على صحة بيع الأعمى الذي تقدم منه إبصار وشرائه لكان النظر يقتضي أن لا يجوز ذلك. (ولا ينقد فيه بشرط إلا أن يقرب مكانه أو يكون مما يؤمن تغيره من دار أو أرض أو شجره فيجوز النقد فيه):

ظاهر كلام الشيخ أن التطوح بالنقد جائز، وهو كذلك كنظائره من بيع الخيار، وعهده الثالث والمواضع وظاهر كلامه أيضًا أن القريب يجوز بالنقد فيه سواء كان حيوانا أو غيره، وهو أحد القولين فيهما. أما الحيوان فحكى الخلاف فيه غير واحد، وأما القريب من غير الحيوان فزعم ابن الحاجب الاتفاق على الجواز وقبله ابن عبد السلام واعترضه بعض شيوخنا بأن في أول سماع يحيى بن القاسم من كتاب المرابحة لا يجوز لمن ابتاع طعامًا غائبًا بعينه أن يوليه أحداً ابن رشد يحتمل قوله هذا على القول أن النقد في الغائب، وإن قربت غيبته لا يجوز في المقدمات في جواز شرط النقد في العروض القريبة قولان ومثله لخليل قال لاختلاف قول مالك في قريب الغيبة ذكره ابن رشد، واختلف في حد القرب في الحيوان على خمسة أقوال: يوم ويومان ونصف يوم وبريد وبريدان، وظاهر كلام الشيخ أن الدور والأرضين يجوز اشتراط النقد فيهما، وإن بعدتا، وهو كذلك في المشهور. ونقل ابن الحاجب منعه عن أشهب. قال ابن عبد السلام، ولست أذكر الآن الموضع الذي حكي أشهب فيه مثل ما حكاه المؤلف، وأجاب بعض شيوخنا بأن ابن حارث نقله عنه قال: قال أشهب: إن كان بعيداً لم يجز النقد فيه كان المبيع داراً أو ما كان من شيء ولم يحفظه خليل إلا بنقل الباجي عنه، ولم يذكر كلام ابن عبد السلام. (والعهدة في الرقيق جائزة إن اشترطت أو كانت جارية بالبلد):

يريد الشيخ أو يحمل السلطان الناس عليها، وما ذكره مع ما قلناه هي رواية المصريين، وروى المدنيون: يقضي بها في كل بلد وإن لم يعرفوها وعلى الإمام أن يحكم بها ولو على من جهلها وفي الموازية عن ابن القاسم: لا يحكم بها ولو اشترطوها ذكره ابن رشد. قال اللخمي: ولو شرط أسقاطها حيث العادة ثبوتها فقيل: نسقط، وقيل: لا، ويتخرج قول بفساد العقد من فساد البيع بإفساد شرطه. قلت: وأشار المازري لرده بأن ذلك في الشرط المتفق على فساده بخلاف المختلف فيه هنا والنفقة، والكسوة على البائع والغلة للمشتري على المشهور والشاذ للبائع وصوب، واختلف هل يلغى اليوم الذي وقع فيه البيع أم لا؟ على أربعة أقوال: فقيل: يلغي، رواه ابن القاسم، وقيل: لا يلغى بل يكمل من الرابع بقدر ما مضى منه رواه غيره، وقيل: إن عقد قرب طلوع الشمس حسب ذلك اليوم وإلا ألغي قاله ابن عبد البر. وقيل: إن مر أكثر النهار ألغي وإلا حسب يومًا كاملاً حكاه عياض وتقدمت نظائره في القصر. (فعهدة الثلاث الضمان فيها من البائع من كل شيء وعهدة الصفة من الجنون والجذام والبرص): اعلم أن العهدة مخصوصة بالرقيق على المعلوم من المذهب وقول التادلي، وقيل: إنها في كل شيء لا أعرفه وكذلك أنكره بعض من لقيناه كما نقلته له. (ولا بأس بالسلم في العروض والرقيق والحيوان والطعام والإدام بصفة معلومة وأجل معلوم): السلم جائز بإجماع من حيث الجملة، واستدل ابن عباس على جوازه بقوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمي فاكتبوه) [البقرة: 282] الآية. قال مالك: هذا لجميع الدين كله، واستشكل ابن عبد السلام رحمه الله تعالى الاستدلال بالآية من وجهين: أحدهما: أن لفظ دين نكرة في سياق الثبوت فلا تعم ورده بعض شيوخنا بأنه في سياق الشرط فهي كالنفي فتعم ومثله لبعض من لقيناه قائلاً: نص على ذلك إمام

الحرمين في البرهان له. الثاني: أن مقصود الآية إنما هو وجوب الكتب في أي دين ما وفي كل دين جائز لا أن كل دين جائز. قلت: هذا بناء منه على الوجه الأول بنفي التعميم أما على ما اختاره غيره فالآية تدل على أن كل دين جائز إلا ما قام الدليل على تحريمه من غيرها، وفي الصحيح أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"، وحده بعض شيوخنا بأنه عقد معاوضة بوجوب عمارته في ذمة بغير عين ولامنفعة غير متماثل العوضين وأحد شروط السلم معرفة الأوصاف التي تختلف فيها القيمة اختلافا لا يتغابن بمثله في السلم فلذلك لا يجوز السلم في تراب المعادن ولا يقال الصواب جوازه في تراب معادن الذهب كبيعه في أحد القولين لأن الصحيح في بيعه أنه خلاف في حال وذلك أن ابن حمدون منع بيعه واحتج بأنه تراب ذهب مختلط فإن صح فلا يخالفه غيره ولا يقال يتخرج منه الخلاف في جواز قسمته؛ لأن القسمة تمييز حق على الصحيح. فإن قلت: هل يتخرج الجواز من قول ابن عبد السلام؟ قد قدمنا أن أهل المذهب اختلفوا هل يجوز قرضه أم لا قلت: لا يتخرج؛ لأن القرض معروف على أن قوله قد قدمنا أن أهل المذهب اختلفوا هل يجوز قرضه أم لا لم يذكره في البيع ولم يذكره فيما بعد في القرض فلا أدري أين ذكره ولا أعرفه من نقل غيره، وفي أخذه من كلام ابن يونس نظر في قوله قال يحيى بن عمر لا تجوز فسمته ولو جازت لجاز قرضه. وقاله ابن عبد الحكم، ويحتمل أن يكون راجعا إلى ما قاله يحيى من عدم جواز قسمته لا إلى جواز قرضه والله أعلم. ولا يجوز السلم في الربع على المنصوص وخرج بعض الشيوخ الجواز من قول أشهب يجوز السلم في فدادين القصيل، والبقول بصفة الطول والعرض والجودة والرداءة، وعبر المازري عن المنصوص بالمشهور مسامحة ورد التخريج بما حاصله أن إجازة أشهب السلم في القصيل على فدادين معلومة لا يلزم منه تعيين الموضع المشخص إذ لا أثر له في المبيع، وإنما أثره في علم قدر المشترى من القصيل بمجموع مسافته وصفاته وخفته.

قال الفاكهاني: ولو اكتفى الشيخ أبو محمد بقوله الحيوان لأجزأه عن ذكر الرقيق. (ويعجل رأس المال أو يؤخره إلى مثل يومين أو ثلاثة، وإن كان بشرط): المطلوب تقديم رأس المال خوف الكالئ بالكالئ فإن لم يقدم فجوز في المدونة تأخير ثلاثة أيام بشرط نص على ذلك في بيع الخيار منها وعليه واعتمد الشيخ، وقال عبد الوهاب إنما يجوز يومان لا أكثر وحكي ابن سحنون وغيره من البغداديين قولاً بأنه إذا وقع التأخير بشرط فإنه لا يجوز مطلقاً، وهو اختيار ابن الكاتب، وعبد الحق، وصاحب الكافي؛ لأنه ظاهر النهي عن الكالئ بالكالئ ولم يحك الباجي قول المدونة فاستدركه عليه ابن زرقون. قال ابن يونس: قال بعض أصحابنا على القول بإجازة السلم إلى ثلاثة أيام لا يجوز تأخير رأس المال له اليومين ومثله لابن الكاتب. وذكره الباجي غير معزو وكأنه المذهب وظاهر كلام الشيخ أنه إن تأخر أكثر من ثلاثة أيام لا يجوز سواء كان بشرط أو بغير شرط، وهو كذلك. وقيل: إن كان بغير شرط جاز التأخير ولو إلى حلول الأجل والقولان معًا لابن القاسم، وأما إن حصلت صورة القبض حسا، ولو لم تحصل معني ففي مختصر ابن شعبان إذا وجد في رأس المال درهما ناقصًا انتقض من السلم بقدره. قال ابن عبد السلام: وقد علمت أن هذا الباب أخف من الصرف باعتبار المناجزة فكل ما جاز في الصرف من هذا النوع كان متفقا عليه أي: ومختلفا فيه فيجوز في هذا الباب أحرى. وأما إن اطلع على أن بعض رأس المال نحاساً أو رصاصًا أو زائفًا فالمنصوص أنه يجوز للمسلم إليه البدل. وقال أشهب: لم يكونا عملا على ذلك وليس بخلاف ويجوز تأخير البدل الثلاثة الأيام لا أكثر، وقال أشهب: يجوز أكثر بشرط أن يبقى من اجل السلم اليوم واليومان ولو اطلع على زائف فأخره به بشرط أمد بعيد فإن عثر على ذلك بعد يومين أمر بالدبل وفسخ تراضيهما وإن لم يعثر على ذلك إلا بعد أيام كثيرة، فقال أبو بكر بن عبد الرحمن يفسد السلم كله. وقيل لا يفسد إلا ما قابلة قاله أبو عمران. (وأجل السلم أحب إلينا أن يكون خمسة عشر يومًا أو على أن يقبض ببلد آخر، وإن كانت مسافته اليومين أو ثلاثة):

اعلم أنه اختلف المذهب في أجل السلم على ستة أقوال: أحدهما: مقدار ما تتغير فيه الأسواق دون تحديد قاله مالك، وقيل: حده خمسة عشرة يومًا قاله ابن القاسم، وهو الذي عول عليه الشيخ في قوله أحب ولفظة أحب على الوجوب، وهذان القولان في المدونة قال فيها ولا يجوز للرجل أن يبيع ما ليس عنده إلا أن يكون على وجه السلف مضمونا عليه إلى أجل معلوم تتغير فيه الأسواق ولم يحد مالك فيه حدا، وإن الخمسة عشر يومًا في البلد الواحد. قلت: وكان بعض أشياخي من القرويين يرد قول مالك إلى قول ابن القاسم ويري أنه قصد به التفسير وهو ظاهر كلام ابن الحاجب لكونه لم يذكر قول مالك. والصواب عندي حمله على الخلاف وهو اختيار ابن عبد السلام، وقيل: يجوز إلى يوم قاله ابن عبد الحكم، ورواه، وقيل: إلى اليومين قاله ابن وهب، وقيل: يجوز إلى خمسة أيام على ظاهر سماع عيسي بن القاسم في العتبية. وقيل: يجوز إلى شهر لا أقل نقله المازري عن بعض الشافعية عن مالك، واستبعده وجمهور المذهب لم يحك خلافًا في منع السلم الحال ونقل ابن رشد عن سماع يحيى أن ذلك جائز، وذكره عياض في كتاب المرابحة عن مالك وعزاه المتيطي لرواية أبي تمام، ولم يحكه التونسي إلا بالتخريج من رواية ابن عبد الحكم بجوازه إلى يومين وعبد الوهاب من روايته إلى يوم وضعف بأن فيهما مطلق الأجل وأخذه غير واحد من قول المدونة في المرابحة يجوز البيع مرابحة والثمن عوض وأخذه بعضهم من الشفعة والثمن، وكذلك قال بعض شيوخنا والأخذ الأول أظهر بأن بيع المرابحة بيع اتفاقًا، والأخذ بالشفعة يشبه الاستحقاق وفي شراء الغائب من المدونة من له عرض دين فباعه من رجل بدنانير أو دراهم فوجد فيها نحاسًا أو رصاصًا فله بدله والرضا به والبيع في ذلك تام فظاهره. وإن أحل وهو نفس السلم الحال قال: وأصرح منه قول هباتها وكل دين لك من عرض أو عين فلك بيعه من غير غريمك قبل محله وبعده بثمن معجل وظاهر كلام الشيخ إذا اشترط قبضه ببلدة أخري إنه لا يشترط تسمية الأجل ولا الخروج عاجلا، وهو كذلك نص عليه في الموازية. وقال ابن أبي زمنين: يشترط أحدهما، واختاره ابن يونس ومراد الشيخ بالبلد إذا كانت بعيدة بحيث يكون تغيير الأسواق فيها لبعدها غالبا.

(ومن أسلم إلى ثلاثة أيام يقبضه ببلد أسلم فيه فقد أجازه غير واحد من العلماء وكرهه آخرون): يعني: أنها إذا وقع السلم إلى ثلاثة أيام فاختلف فيه هل يمضي أم لا إلا أن في كلامه مسامحة وهو قوله أجازه، وكرهه، وأراد إمضاءه غير واحد وفسخه آخرون وعزا ابن يونس عدم الفسخ لأصبغ قائلاً: لأنه ليس بحرام ولا مكروه بين، وعزا الفسخ لمحمد قائلاً: أحب إلينا وعزاه غير واحد لأصبغ أيضًا، وهو ظاهر المدونة عند ابن رشد إلا أن ابن يونس صور المسألة فيما إذا وقع السلم إلى يومين وكلام الشيخ يقضي أن اليومين لا خلاف أنه يفسخ فيهما إلا أن يقال ما قارب الشيء له حكمه. وقال الفاكهاني رحمه الله تعالى: روايته في هذا الموضع يقبضه بالمضارع وفي بعض النسخ فقبضه ماض، ويختلف المعنى لاختلاف الروايتين فعلى المضارع يكون المعني أنهما دخلا على ذلك وعلى الماضي يكون الأمر مبهما. (ولا يجوز أن يكون رأس المال من جنس ما أسلم فيه): اعلم أنه إذا أسلم الشيء في جنسه لا يخلو من ثلاثة أوجه: الأول: إذا أسلمه في أزيد منه فهو سلف جر منفعة وهو لا يجوز. قال ابن عبد السلام: وهذا بين على مذهبنا في اعتبار سد الذرائع، وأما من لم يعتبرها من أهل العلم فيجيزون التفاضل في العروض والحيوان نقدا أو إلى أجل، وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن أجهز له جيشا فأمرني أن آخذ بشاتين وأمرني أن آخذ بعيرا ببعيرين. الثاني: سلم الشيء في أقل منه فلا يجوز أيضًا؛ لأنه ضمان بجعل كبعيرين في بعير إلى أجل أو ثوبين في ثوب من جنسهما إلى أجل؛ لأن أحد الثوبين المعجلين عوض عن المؤجل. وهو الثوب الثاني عن ضمان المؤجل، وذلك عوض عن المعروف وذلك لا يجوز بناء على اعتبار سد الذرائع. الثالث: إذا أسلم الشيء في مثله صفة ومقداراً ففي ذلك قولان منعه في كتاب ابن المواز مطلقاً: وفي المدونة إن ابتغيت به نفع نفسك منه، وإن ابتغيب به نفع الذي أسلمت إليه جاز ولو أسلم رديئا في جيد أو العكس فإنه لا يجوز قاله في المدونة؛ لأنه ضمان يجعل وسلف وجر منفعة وفي المدونة يجوز سلم فرسين سابقين في فرسين ليسا مثلهما.

(ولا يسلم شيء في جنسه أو فيما يقرب منه إلا أن يقرضه شيئاً في مثله صفة ومقدارًا والنفع للمتسلف): قال الفاكهاني رحمه الله: انظر لأي شيء كرر سلم الشيء في جنسه والذي يظهر أنه ليس بين الكلامين تفاوت لأن رأس المال إذا كان حديدا مثلاً وأسلمه في حديد أيضًا صدق عليه أن يقال: إن رأس المال من جنس ما أسلم فيه، وأنه أيضًا أسلم الشيء في جنسه. واعلم أن مثل الأول كالحيوان المأكول اللحم إن لم يكن فيه عمل مقصود، ولا منفعة مقصودة فصغيره وكبيره سواء لا يجوز أن يسلم حجل في يمام وكالبقر لا يجوز أن يسلم بقرة في بقرتين إلا أن يسلم البقرة القوية على العمل الفارهة في الحرث وشبهها في حواشي البقر قاله في المدونة. قال الباجي: تسلم البقرة القوية على الحرث في ذكور البقر اتفاقًا، وهو ظاهر قول ابن القاسم في الإناث، وحكي ابن حبيب أن المقصود كثرة اللبن فعلي ما ذكره يجوز سلم البقرة الكثيرة اللبن، وإن كانت قوية على الحرث في الثور القوي عليه. وفي المدونة: لا يسلم الضان في المعز ولا العكس إلا غنما غزيرة اللبن موصوفه بالكرم فلا بأس أن تسلم في حواشي الغنم. وقيل: إن كثرة اللبن في الغنم لغو قاله ابن حبيب، وغيره، ومثال الثاني كسلم البغال في الحمير وثوب القطن في الكتان المتقاربين، وفي ذلك قولان. واختلف المذهب في سلم السيف الجيد في الردئ ففي المدونة الجواز وقال سحنون بالمنع، وهذا الفصل متسع جداً ومحله المدونة قال التادلي: ويقوم من كلام الشيخ افتقار القرض لأن يكون بلفظه وفيه قولان، ويؤخذ منه جواز اشتراط ما يوجبه الحكم من قوله في مثله صفة ومقداراً لأن الصفة والمقدار مما يوجبه الحكم وإن لم يقع العقد عليهما في القرض، واختلف في فساد العقد به إن وقع واشترط على ثلاثة أقوال ثالثها: يمنع في الطعام فإن وقع فسخ. (ولا يجوز دين بدين): اعلم أن حقيقة بيع الدين بالدين أن تتقدم عمارة الذمتين أو إحداهما على المعاوضة كمن له دين على رجل، وللثاني دين على ثالث وللثالث دين على رابع فباع كل واحد من صاحبي الدين ما يملكه من الدين بالدين الذي على الآخر، وكذلك لو

كان لرجل على رجل دين فباعه من ثالث بدين. (وتأخير رأس المال بشرط إلى محل السلم أو ما بعد من العقدة من ذلك): اعلم أن هذا يسمي عند أهل المذهب ابتداء الدين بالدين وهو إذا لم تعمر الذمة إلا عند المعاوضة والبعد الذي أراد الشيخ إذا كان أكثر من ثلاثة أيام على حسب ما تقدم قبل هذا. (ولا يجوز فسخ دين في دين وهو أن يكون لك شيء في ذمته فتفسخه في شيء آخر لا تتعجله): اعلم أن فسخ الدين في الدين هو أن يكون الدينان من جنس واحد والذي يفسخ فيه أكثره ويكونان من جنسين مختلفين وذلك إذا باع دينه من الذي هو عليه. وكلام الشيخ فيه تقديم التصديق على التصور وقد علمت ما فيه وظاهر كلامه سواء كان الذي فسخه فيه مضمونا أو منافع فأما المضمون فلا خلاف فيه وكذلك المنافع غير المعينة وأما المنافع المعينة كمن له دين على رجل ففسخه في ركوب دابة معينة فاختلف في ذلك، والمشهور قول ابن القاسم أنه لا يجوز وأجازه أشهب، وقيل: إنه جائز إذا كان العمل يقتضي قبل الأجل أو إلى الأجل، وأما إن كان يتأخر بعد الأجل لم يجز وهذا معنى ما قاله مالك في كتاب محمد، وكذلك اختلف ابن القاسم وأشهب في بيعه بدار غائبة أو بجارية تتواضع أو بثمرة يتأخر جدادها. قال في المدونة: ومن لك عليه ألف درهم حالة فاشتريت منه بها سلعة حاضرة بعينها فلا تفارقه حتى تقبضها فإن دخلت بيتك قبل أن تقبضها فالبيع جائز، وتقبضها إذا خرجت، وقال في البيوع الفاسدة وكل دين لك على رجل من دين بيع أو قرض

فلا تفسخه عليه إلا فيما تتعجله فإن أخذت به منه قبل الأجل أو بعده سلعة معينة فلا تفارقه حتى تقبضها وإن أخرتها لم يجز. قال عياض: قال سحنون: مسألة هذا الكتاب خير من الأخرى وقاله يحيى بن عمر، وذهب إلى أنه اختلاف من قوله، وذهب فضل وابن أبي زمنين والاندلسيون إلى الفرق بينهما، وأن الأولى حاضرة المجلس كما نص عليه في الكتاب فصارت في ضمان المشتري لحضورها والأخرى لم يحضر ولم يدخل في الضمان وبقيت في ضمان البائع فصارت ذمة بذمة وتأول القرويون المسألة على غير هذا وخطئوا هذا التأويل قالوا: لأن ما يسقط الضمان هنا لا يتنزل منزلة القبض كما أنه لا يجوز له أن يأخذه في دينه عقارا غائبا، وإن دخل في ضمانه بالعقد. قالوا: إنما الفرق بينهما قرب أمد هذه المسألة إنما هو دخول البيت ودخول البيت، والخروج منه قريب، ومسألة البيوع الفاسدة بعد أمد التفريق بينهما. (ولا يجوز بيع ما ليس عندك على أن يكون عليك حالا): قد قدمنا أن السلم الحال لا يجوز على المشهور المنصوص وهذا ما لم يكن الغالب وجوده عند المسلم إليه فإن كان الغالب وجوده فإنه يجوز أن يسلم إليه على الحلول إجراء له مجرى النقد كالقصاب والخباز الدائم، وأخذ اللخمي منه جواز السلم على الحلول وأجيب بأنه إنما أجيز هنا لتيسره عليهم بخلاف غيرهم. (وإذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأقل منه نقدا أو إلى أجل دون الأجل الأول ولا بأكثر منه إلى أبعد من أجله، وأما إلى الأجل نفسه فذلك كله جائز وتكون مقاصة): قال ابن الحاجب: بيوع الآجال لقب لما يفسد بعض صوره منها لتطرق التهمة فإنهما قصدا إلى ظاهر جائز ليتوصلا به إلى بطن ممنوع حسما للذريعة، واعترضه ابن عبد السلام بأنه غير مانع لقوله هذا الكلام وإن كان شاملا لبياعات الآجال إلا أنه يدخل تحته كثير من البياعات الممنوعة عند أهل المذهب وإن لم تكن من بياعات الآجال كصرفك فضة رديئة من رجل بذهب ثم تشتري منه بذهب فضة طيبة هي دون الأولى في الوزن وذلك في مجلس واحد، وفي مجلسين متقاربين، ومثل هذا في الأطعمة كثير وكاقتضاء الطعام من الطعام المخالف له في القدر الجنس وغير ذلك مما لا يحصى كثرة في المذهب.

وأجاب الشيخ خليل بأن في صدر الكلام ما يخرج ما ذكره لان قوله لقب لما يفسد معناه لقب لصور مخصوصة من بيوع الآجال يفسد بعضها للتهمة، وتلك الصور المخصوصة مذكورة في الباب، وليست الصورتان وشبههما منها وذكر أهل المذهب طرقا في الدليل على اعتبار سد الذرائع وأحسنها أن الأمة اجتمعت على المنع من بيع وسلف، وذلك أن البيع على انفراد جائز إجماعا، وكذلك السلف على انفراده إجماعا، والإجماع على المنع من اجتماعها في عقد واحد فإذا ثبت ذلك فالمنع ليس لأجل هذا العقد، وإنما هو للهيئة الاجتماعية، وليس ذلك المنع لذاتها لأن الأحكام الشرعية إنما تتبع غالبا فيتعين أن يكون الحكم بالمنع تابعًا للصفة في هذا العقد، ولا معنى بعد البحث إلا ما يتقى في هذا العقد أن يكون أسقط شيئًا من الثمن أو زيد فيه لأجل انضمامه وهذا هو القول بسد الذرائع من حيث الجملة، فلم يبق بعد ذلك نظر إلا في تحقيق الذريعة فحيث تحققت منع منها. ولابن عبد السلام اعتراضات على هذا الدليل لم أذكر كلامه لطوله، وقد أكثر أهل المذهب الكلام في هذا المذهب وهو من أصعب كتب المالكية ولا سيما من ابن الحاجب، لقت أخبرني بعض من لقيناه عن شيخه القاضي الحافظ أبي العباس أحمد بن حيدرة رحمه الله أنه كان يأمر طلبته أن لا ينظروا على كلام ابن الحاجب في هذا الباب شيئا لابن عبد السلام ولا غيره فلما أخذ مرة يقرر كلامه في بياعات أهل العينة، قال كلامه مجحف هنا فيما قال ابن عبد السلام عليه فقالوا: إنما لم ننظره امتثالا لأمرك فأمر القارئ بالوقف وأمرهم أن ينظروا كلام الشيخ وأقرأهم المسألة من الغد. (ولا بأس بشراء الجزاف فيما يوزن أو يكال سوي الدنانير والدراهم ما كان مسكوكا وأما نقار الذهب والفضة فذلك فيهما جائز): ظاهر كلام الشيخ، وإن قل الطعام وحضر المكيال أن الجزاف جائز وهو كذلك نص عليه ابن حارث ويشترط في الجزاف أن يكون المتبايعان عالمين بالحواز وجاهلين بقدر المبيع من كيله أو وزنه أو عدده. قال المازري: ولا يصح ما في كتاب ابن حبيب من جواز الجزاف في الأترج والبطيخ وإن اختلفت آحاده بالصغر والكبر، لأنه تقصد آحاده فيمتنع لذلك إلا أن يكون الثمن عند المتعاقدين لا يختلف باختلاف صغره وكبره فإن علم البائع بقدر المبيع أو علم المشتري به عند الشراء فلا يجوز ذلك وإن رضي به.

ونقل ابن زرقون عن سحنون جوازه، ولو لم يظهر ذلك للمشتري إلا بعد البيع فإنه بالخيار بين إمضائه وفسخه، وذهب الأبهري إلى تحتم الفسخ، قال المازري: وهو ممن انفرد به وناقض ابن القصار قولهم: إنه بالخيار إذا اطلع عليه مع قولهم ذكره في العقد مانع من الخيار بل يتحتم الفسخ وأجابه عبد الوهاب بأن العيب قد يكون ذكره في العقد يوجب فسادا؛ لأنه يوجب غرراً بخلاف إذا اطلع عليه بعد البيع فإنه كالعيب كما قال سحنون فيمن باع أمة وشرط أنها مغنية: إن البيع فاسد ولو اطلع على ذلك بعد لم يفسد وكان له الخيار وتتم خليل قول سحنون بما إذا كان القصد من ذلك زيادة الثمن ولو كان القصد التبري فإنه جائز. وظاهر كلام الشيخ أن الدنانير والدراهم لا يجوز بيعها جزافا سواء كان التعامل بها وزنا أو عددا، وهو أحد الأقوال الثلاثة، وقيل: إنه يجوز بالإطلاق، قاله ابن عبد السلام، وقيل: إن كانت التعامل بها وزنا جاز وعددا لا يجوز وهو المشهور وظاهر كلامه أن الفلوس يجوز بيعها جزافا، وليس كذلك بل حكمها حكم النقدين قاله ابن بشيرة وغيره. (ولا يجوز شراء الرقيق والثياب جزافا، ولا ما يمكن عدده بلا مشقة جزافا): يؤخذ من كلام الشيخ أنه يمتنع الجزاف في كبير الحيتان؛ لأنه مما يمكن عدده بلا كبير مشقة، وهو كذلك نص عليه في كتاب ابن المواز، ويدخل فيه الخشب المجموع بعضها على بعض؛ لأنه مما يخف عدده. (ومن باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، وكذلك غيرها من الثمار): ما ذكر الشيخ من أن النخل إذا أبرت هي للبائع هو المذهب ما لم يكن لفظ يدل على دخول الثمرة فتكون للمشتري كالنص. قال ابن عات عن ابن عتاب: أفتى ابن الفخار فيمن باع ملكًا في قرية، وفي الملك شجرة زيتون طاب ثمرها، ولم يشترطه المبتاع إلا أن في الوثيقة اشترى فلان من فلان جميع ما حوت أملاكه من الأرض والشجر ولم يذكر الثمرة فطلب المبتاع أخذها أنها له واحتج بأن الشجر نفسه لو لم يذكر في الابتياع لدخل فيه وتبع الأرض فإذا دخلت الأصول في الشراء فأحرى الثمرة. وقال ابن عات: ولم يذكر ذلك رواية ولم يسأل عنه إذا كان لا يجتر أعلى سؤاله، وكان حافظا ذاكرا للرواية، ولم أزل أطلب ذلك. رواية فلما امتحنت بالفتوى، ونزلت هذه المسألة في دار بيعت وفيها نخلة

مزهية فأفتيت بما كنت سمعته منه وخولفت في ذلك ولم أزل أطلبها إلى أن ظفرت بها في كتاب الشروط لابن عبد الحكم قال: ومن الناس من يقول من اشترى داراً بما فيها وفيها نخلة فالثمرة للمشتري ولو طابت. وأما نحن فنجعل ذلك للبائع إلا أن يشترطه المبتاع تبعًا للسنة. قال ابن عادت: والذي أقول به ما شهدت به الفتوي ونفذ به الحكم. قلت: واعترض بعض شيوخنا كلامه بأن ظاهر قوله وظفرت بها بأنه ظفر بما يوافقه، وحاصل ما ذكر أنه ظفر بما يخالفه. وقال المتيطي: والمشهور من المذهب والمعمول به أن الثمار المأبورة لا تندرج في الشجر. وقال ابن الفجار: هي للمبتاع، واحتج بأن الشجرة لو لم تذكر في الابتياع لدخلت فيه، وكانت تبعاً للأرض. وقال ابن عات: وبه كنت أفتي. قلت: ووهمه بعض شيوخنا من وجهين: أحدهما: أن تصور مثل هذا فاسد؛ لأنه قياس في معرض النص والإجماع على بطلانه، وروى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " ومن اتباع نخلا بعد أن أبرت فثمرها للذي باعها إلا أن يشترطه المبتاع"، وهو في الموطأ والترمذي وغيرهما. الثاني: فهمه قولي الشيخين على ذلك، وليس كذلك في مسألتي الأرض والدار لخاصية فيهما، وهي اشتمالهما على لفظ دل على اشتراط المبتاع الثمرة لأن مسألة ابن الفخار هي من باع جميع ما حوته أملاكه، ولفظ جميع ما احتوته أملاكه كالنص في دخول الثمرة وكذلك مسألة ابن عات لقوله ونزلت هذه المسألة وأجابه بعض من لقيناه بأن احتجاج ابن الفخار يدل على إلقاء وصف معني جميع ما احتوته أملاكه إذا لم يعمل به. (والإبار التذكير): وهو عبارة عن ثبوت ما يثبت وسقوط ما يسقط. وقيل: هو جعل الذكار في النخل. (وإبار الزرع خروجه من الأرض): ما ذكر الشيخ صرح المتيطي بأنه المشهور وهو أحد الأقوال الخمسة، وقيل:

إباره بذره في الأرض نقله ابن عبد البر عن مالك، وقيل: أن يستقل ويبرز. حكاه ابن رشد، وقيل: إذا أخذه الحب ووقع في الأسدية وهو أحد قولي ابن عبد الحكم، وقيل: هو إذا سنبل حكاه التادلي. (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع): ما ذكره الشيخ صحيح لا أعلم فيه خلافًا، وأخرج أهل المذهب ثياب مهنة العبد في كونها للمشتري لأجل العرف، واختلف إذا اشترط البائع ثياب المهنة لنفسه هل يوفي بالشرط، وهي رواية ابن القاسم أو يبطل الشرط، وهي رواية أشهب، وقال ابن مغيث في وثائقه، وبه مضت الفتوى عند الشيوخ المتيطي وغيره، وهذه إحدى المسائل الست التى قال مالك فيها بصحة البيع، وبطلان الشرط. وثانيها: من اشترى أرضًا بزرعها الأخضر على أن الزكاة على البائع. وثالثها: البيع على أن لا مواضعة على البائع. ورابعها: البيع على أن لا عهدة عليه. وخامسها: البيع على أن المبتاع إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا فلا بيع بينهما. وسادسها: اشترط عدم القيام بالجائحة. قال ابن عبد السلام خلافًا لما في السليمانية من أن البيع جائز، والشرط جائز واعترضه خليل بنقل اللخمي عنها أن البيع فاسد وزاد سابعة وهي إذا اشترط على المشتري ما لا غرض فيه ولا مالية فإنه يلغى. اعلم أن مال العبد بالنسبة إلى بيعه به كالعدم على المعروف فيجوز أن يشتري بالعين وإن كان ماله عينا، واختار اللخمي اعتباره وكأنه هو الأقرب لقصد الناس إليه، وعلى الأول فقال عبد الحق لو كان في ماله جارية حامل منه واستثناها مبتاعها فإنها تتبعه ويبقي ولدها لبائعها ويصلح بيعه كما لو كان ماله عبداً آبقًا أو بعيرا شاردًا واختلف المذهب إذا اشترى العبد أو لا ثم أراد أن يشتري ماله فقل: يجوز كما يجوز به شراؤه معه قاله ابن القاسم. وقيل: لا رواه أشهب وقيل بالأول إن قرب، وبالثاني: وإن بعد قاله ابن القاسم أيضاً حكي هذه الأقوال الثلاثة ابن رشد قائلاً: رجعت عن جعل الثالث مفسرا للأولين وأن الخلاف في القرب لا في البعد إلى كون الأقوال ثلاثة وفي كتاب العيوب سمع ابن القاسم لا والله لا يجوز لمشتري حائط أبرت ثمره اشتراء ثمرته بعده كاستثنائها مع أصلحا قبل بدو صلاحها.

وحصل ابن رشد فيها ثلاثة أقوال كما تقدم. (ولا بأس ما في العدل على البرنامج بصفة معلومة): البرنامج بفتح الباء وكسر الميم وما ذكر الشيخ من أنه جائز هو نص الموطأ والمدونة وغيرهما، وروي ابن شعبان: انه لا يجوز ونقل العتبي عن أصبغ. قلت لابن القاسم من ابتاع قلل خل مطينة لا يدري ما فيها ولا ملأها قال: إن كان مضى عليه عمل الناس أجزأته كأنه لا يرى به بأسا. وقال أصبغ: لا بأس به؛ لأن فتحه فساد أصلاً وذوق واحد منه وبيعه عليه صواب. وقال ابن رشد: جوازه على الصفة من خل طيب أو وسط كجواز بيع البرنامج والثواب الرفيع الذي يفسده النشر على الصفة. وقوله: مطينة لا يدري ملأها ملأها أي لا يدري هي هل ملأى أو ناقصة فلذلك لا يجوز لأنه بيع جزاف غير مرئي. (ولا يجوز شراء ثوب ولا ينشر ولا يوصف أو في ليل مظلم لا يتأملانه ولا يعرفان ما فيه): قال ابن المواز: اختلف قول مالك هل يجوز بيع الساج المدرج في جرابه على الصفة أم لا؟ على قولين: قلت: وحكى التادلي قولاً ثالثًا بالفرق بين أن يخرج طرفه فيجوز وإلا فلا، وما ذكره لا أعرفه، ولا يشبه قول ابن عبد البر بيع الثوب في طيسه دون أن ينظر إليه لا يجوز عند الجميع؛ لأنه من معنى بيع الملامسة فإن عرف ذرعه طولا وعرضا ونظر إلى الشىء منه، واشتري على ذلك جاز فإذا خالف كان له القيام كالعيب؛ لأنها مسألة أخرى ولذلك لم يحك فيه خلافاً، وعرضت هذه على بعض من لقيناه فأقره واستحسنه. وقال اللخمي: إن كان لا مضرة في إخراجه من جرابه جري على الخلاف في بيع الحاضر على الصفة وإن كان فيه مضرة جرى على الخلاف في بيع البرنامج قال المتيوى وقول الشيخ في ليل مظلم يدل على الجواز في ليل مقمر وأباه أبو محمد صالح وتمسك بقول المدونة ولا يجوز شراء في ليل ولم يقيده. (وكذلك الدابة في ليل مظلم): قال التادلي: الحيوان المأكول اللحم يجوز شراؤه ليلا؛ يدرك سمنه باللمس قال: ويقوم من هنا أنه لا يجوز شراء الأعمي.

قلت: وقد قدمنا الخلاف فى ذلك على نقل المازرى، وما يتعلق به فانظره. (ولا يسوم احد على سوم أخيه، وذلك إذا ركنا وتقاربا لا في أول التساوم): الأصل في هذا ما خرجه مالك ومسلم وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا يبع بعضكم على بيع بعض". قال ابن حبيب: إنما النهي للمشتري لا للبائع، وقال الباجي: يحتمل حمله على ظاهره فيمنع البائع أيضا أن يبيع على بيع أخيه، وإنما خصصه ابن حبيب بالمشتري؛ لأن الإرخاص مستحب مشروع وما ذكره الشيخ من أن معناه إذا ركنا وتقاربا هو معنى قول مالك في الموطأ، وإنما النهي إذا ركن البائع للسائم وجعل يشترط وزن الذهب والتبري من العيوب وشبه ذلك ما يعرف به أن البائع إنما أراد المبايعة للسائم. وقول الشيخ على بيع أخيه طردي لنقل الباجي عن رواية ابن المواز الذمي كالمسلم واختلف إذا وقع هل يفسخ أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل: يفسخ مطلقا وقيل: عكسه رواه ابن حبيب وحكاه ابن يونس عن ابن القاسم، وقيل: يفسخ ما لم يفت قاله ابن عبد البر، وسمع سحنون بن القاسم عن أبي القاسم يؤدي فاعل ذلك فأطلقه ابن رشد، وابن يونس، وقال الباجي لعله يريد من يتكرر منه ذلك بعد الزجر. قلت: وهذا كالنص في أن النهي محمول على التحريم، وقول التادلي قيل: محمول على الكراهية وقيل: على التحريم لا أعرفه وقول ابن وهب يزجر ولا يؤدب وإن كان عالما بمكروهيته ولا يثبته؛ لأنه أراد تحريمه بقوله يزجر، وكذلك قول مالك لا يفسخ لقوله وليستغفر الله. (والبيع ينعقد بالكلام وإن لم يفترق المتبايعان): ما ذكر الشيخ هو المشهور قال ابن شاس، وابن الحاجب، وبه قال الفقهاء السبعة واعترضه خليل بأن سعيد بن المسيب هو من الفقهاء السبعة بلا خلاف وهو قائل بخيار المجلس كقول ابن حبيب لا ينعقد البيع إلا بعد الافتراق من المجلس ذكره المازري، وصاحب الإكمال وتلكم الناس في قول مالك بسبب مخالفته للحديث مع كونه رواه حتى قال ابن أبي ذئب فيه على طريق المبالغة إن لم يرجع عن قوله يضرب عنقه، وقد أطال المازري في الاعتذار عن مالك فمن شاء فلينظره ولا خصوصية لقول الشيخ ينعقد بالكلام بل وكذلك بالمعاطاة والإشارة قاله التادلي.

(والإجازة جائزة إذا ضربا لذلك أجلا وسميا الثمن): قال بعض شيوخنا: الإجازة بيع منفعة ما يمكن نقله غير سفينة ولا حيوان لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض كتبعضها فيخرج كراء الدور والسفن والرواحل والقراض والمساقاة والمغارسة والجعل، وقول عبد الوهاب هي معاوضة على منافع الأعيان لا يخفي بطلان طرده، ونحوه قول عياض بيع منافع معلومة بعوض معلوم. قال محمد بن المواز: هي جائزة إجماعا قال ابن يونس: وخلاف الأصم فيها كالعدم؛ لأنه مبتدع، واستدل غير واحد على جوازها بقوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن) [الطلاق: 6] ، وقال تعالي (على أن تأجرني ثمني حجج) [القصص: 27] وقال تعالي: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) [الزخرف: 32] ، وقال صلى الله عليه وسلم: " من استأجر أجيرا فليعلمه أجره ". وقال: "أوفوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"، وهي من العقود اللازمة باتفاق وظاهر كلام الشيخ إذا لم يسميا الثمن لم يجز وهو كذلك إلا أن يكون العرف لا يختلف فيجوز وفي سماع ابن القاسم لا بأس باستعمال الخياط المخاط الذي لا يكاد يخالف مستعمله دون تسمية أجر إذا فرغ أرضاه بشيء. قال ابن رشد: لأن الناس استأجروه كما يعطي الحجام والحمامي، والمنع منه حرج في الدين وغلو فيه وكره النخعي أن يستعمل الصانع إلا بشيء معلوم، وقاله ابن حبيب. (ولا يضرب في الجعل أجل في رد آبق أو بعير شارد أو حفر بئر أو بيع ثوب ونحوه ولا شيء له إلا بتمام العمل): قال ابن رشد: الجعل جعل الرجل جعلا لرجل على عمله أن لم يكمله لم يكن له شيء، وانتقده بعض شيوخنا بالقراض وحده بأن قال معاوضة على عمل آدمي يجب عوضه بتمامه لا بعضه ببعض فتخرج الإجازة والمساقاة لاستحقاق بعضها ببعض فيهما والقراض لعدم وجوب عوضه لجواز تجره ولا ربح.

واستدل غير واحد لجواز الجعل بما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: انطلق نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا بكل شيء فلم ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتينا هذا الرهط الذين أضافونا لعل أن يكون عندهم بعض شيء فأتوهم فقالوا: أيها الرهط: إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء فلم ينفعه شيء فهل عندكم من شيء؟ فقال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن الله لقد استضفناكم فلم يضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق فتفل عليه، وقرأ الحمد لله رب العالمين إلى آخرها فقام فكأنما نشط من عقال فقال: فانطلق يمشي وما به علة قال: فأوفوهم جعلهم الذي جاعلوهم عليه فقال بعضهم: اقسموا، وقال بعضهم: لا تفعلوا حتى نأتي النبي (صلى الله عليه وسلم) فنذكر الذي كان فننظر ما يأمر به فقدموا على رسول الله (صلي الله عليه وسلم) فذكروا له ذلك فقال: " وما يدريك أنها رقية " ثم قال: " قد أصبتم اقسموا واضربوا لى معكم بسهم – وضحك رسول الله (صلىالله عليه وسلم) - ". قال بعض شيوخنا: وفي الاستدلال به على الجعل نظر لجواز أن يكون إقراره عليه الصلاة والسلام إياهم على ذلك لاستحقاقهم إياه الضيافة فأجاز لهم استخلاص ذلك بالرقية. قلت: لا نظر فيه؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: " وما يدريك أنها رقية " مع قوله عليه الصلاة والسلام: " إن أحق ما أخذتهم عليه أجرا كتاب الله " يقتضي صرف ما أخذوه للرقية، ولا خلاف في جوازه فيما قل، واختلف فيما كثر فنقل ابن رشد عن المذهب الجواز. قال: وقول عبد الوهاب وغيره بمنعه غير صحيح. قلت: قال بعض شيوخنا والروايات عامة فإن اشتراط الجعل على البيع تسمية الثمن أو تفويضه للمجعول له وهو نقل ابن رشد، وابن يونس عن المذهب فيجب تقييد المدونة بجواز الجعل في بيع قليل السلع بالبلد سموا لها ثمنا أم لا بالتفويض له فيه. قال ابن يونس عن بعض القرويين معنى قول المدونة لا يجوز الجعل على بيع كثير السلع والدواب: أنه لا يأخذ شيئًا إلا ببيع جميعها وهو عرفهم، ولو كان على ما باع فله قدره من الجعل أو على أنه إن شاء ترك وسلم الثياب جاز وكذلك قوله يجوز

الجعل على شراء كثير السلع يريد لأنه كلما اشترى أخذ بحسابه وهو عرفهم ولو كان لا يأخذ شيئًا إلا بعد شراء الجميع لم يجز ابن يونس، ونحوه لابن المواز. (والأجير على البيع إذا تم الأجل ولم يبع وجب له جميع الأجر وإن باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة): قال ابن يونس في المدونة: من آجر من يبيع له متاعه شهرا فباعه قبل الشهر فليأته بمتاع آخر لبيعه له لتمام الشهر. قال محمد بن المواز: هذا إن لم يكن متاعا بعينه، وكذلك القمح وغيره ويجوز فيه النقد والمعين لا يجوز فيه النقد، وإن باع في نصف الأجل فله بحسابه. قلت: ولهذا قال التادلي يريد الشيخ بيع المعين كالدابة لا المضمون قائلاً، وظاهره شرط فيه الخلف أم لا وهو المشهور وقيل: لابد من اشتراط الخلف فيها، وإلا فهي فاسدة. واعلم أنه اختلف المذهب إذا باع رجل نصف ثوب على أن يبيع مشتريه باقيه لبائعه هل يجوز أم لا؟ على أربعة أقوال: فقيل ذلك جائز مطلقاً، قاله في الموطأ، وبه قالابن لبانة. وقيل: لا يجوز وقاله ابن المواز، وقيل: إن ضرب أجلا للبيع جاز وإلا فلا، وهو المشهور وكلا هذين القولين في المدونة عن مالك وقيل: إن ضرب الأجل كره وإلا جاز رواه في مختصر ما ليس في المختصر، وحمل بعض شيوخنا الكراهة على التحريم، وهو ظاهر كلام ابن الحاجب لقوله: ورابعها عكسه، وفي المدونة: تجوز الإجارة على بيع سلع كثيرة على أنه بالخيار شهرا ولا ينقد بشرط. قال ابن يونس: يريد ولا تطوعا، وقال بعض المغاربة: يجوز مع التطوع، وقال سحنون: إنما يجوز خيار ثلاثة أيام فقط، وقال حمديس: بل إذا كان شهراً فسدت ومعنى المدونة بعتها على حساب الشهر كذا. وقيل: معناها أنه بالخيار ما لم يعمل قاله القابسي. قلت: ومن هذا أخذ بجواز الكراء على قبول الزيادة مطلقاً، وقال شيخنا أو مهدي عيسي الغبريني أيده الله تعالى: الصواب تحريمه فيما يكثر الغرر فيه وذلك في الحمامات، والأفران والكوش فإن معظم كرائها إنما هي للأعياد فيزاد على المكتري قرب الموسم فيلحقه في ذلك ضرر شديد.

(والكراء كالبيع فيمايحل ويحرم): قال التادلي: ما ذكر الشيخ ليس على إطلاقه فإن الكراء على وجهين: مضمون ومعين، فالمضمون كدابة مكتراة وهو جائز نقدا وإلى أجل إذا شرع في الركوب وإن لم يشرع في الركوب كالكراء في سفر الحج في غير وقته فإنه لا يجوز وإلا بالنقد؛ لأنه سلم، وقد أرخص مالك في دفع الدينار والدينارين ويتأخر الباقي إلى أن تشرع في الركوب، واختلف في جواز ذلك لغير الحاج على قولين وهذا بخلاف البيع؛ لأنه دين بدين والمعين كالدابة يسلمها إليه بعينها وفي تعيينها بالإضافة كدابتك قولان فيجوز كراؤها بنقد أو إلى أجل إذا شرع في الركوب وإن لم يشرع فإن تأخر يسيرا فقولان. وحد اليسير: وقيل: عشرة أيام، وقيل: أقل من ذلك. (ومن اكترى دابة بعينها إلى بلد فماتت انفسخ الكراء فيما بقي وكذلك الأجير يموت والدار تنهدم قبل تمام مدة الكراء): اعلم أن الموت وصف طردي والمراد إذا تعذر السفر بها كما إذا مرضت أو استحقت أو سرقت وكذلك رجوعه لخوف الطريق أو لحمل واد، واختلف إذا غصب المكترى من يد مكتريه هل له في ذلك مقال أم لا فقيل له ذلك، ويسقط عنه الكراء من حينئذ قاله مالك في سماع ابن القاسم. وقيل بل هي جائحة نزلت بالمكترى نقله ابن الحارث عن سحنون واختار: إن قصد الغاصب غصب الرقاب فالأول وإن قصد غصب المنافع، فالثاني وضعف، وقيل: إن المصيبة من المكتري إلا أن يكون سلطانا ليس فوقه سلطان لايمنعه منه إلا الله تعالى قاله ابن القاسم، وعبد الملك في المجموعة وجعله ابن رشد تفسيرًا السماع ابن القاسم قائلاً: لأنه عن أخرجه من يقدر على الامتناع منه فرفعه لم يمنعه منه فلم يفعل فكأنه أسلم ذلك إليه قال ابن عبد السلام وينبغي أن يكون ذلك مقصورا على ما إذا غصبت المنفعة أو الرقبة بعد قبض المكتري إياها وأما لو كان ذلك قبل القبض فتكون المصيبة من المكتري؛ لأن المكتري لم يتمكن من القبض ولو أقر المكتري بقبضه المكتري فإنه لا يقبل ذلك منه قاله ابن شاس وابن الحاجب. وأخذه بعض شيوخنا من قول المدونة إذا أقر الراهن بجناية العبد الرهن بعد رهنه لا يقبل على المرتهن قائلاً: ويخير المقر له بغصب العبد المكترى في إمضاء الكراء فيستحق ما أكرى به في تضمينه قيمة العبد إن طالت مدة إجارته لا مطلقاً خلافاً لبعضهم وما ذكر الشيخ من فسخ الكراء في انهدام الدار صحيح إذا كان مما يضر به.

وأما إذا كان خفيفا كالشرافات فكالعدم قاله في المدونة وظاهر كلام الشيخ: أن رب الدار لا يجبر على الإصلاح، وهو كذلك عند ابن القاسم، وقال غيره: يلزمه ما لم يكثر فلا يلزمه بإجماع كذا نقله ابن رشد. وقيل: إن كانت السكني لا تصلح إلا بإزالة الهطل وأجبر وإلا فلا حكاه ابن الحاجب. (ولا بأس بتعليم المعلم القرآن على الحذاق ومشارطة الطبيب على البرء ولا ينتقض الكراء بموت الراكب أو الساكن ولا بموت غنم الرعاية وليأت بمثلها): صرح في المدونة بلا بأس كما فعل ابن الحاجب الشيخ والمراد به الإباحة في أخذ الأجرة على تعليمه ولا يقال: لما غيره خير منه؛ لأن أبا حنيفة يمنع الإجارة على تعليم القرآن؛ لأن الدليل دل على ضعف قوله لما في البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله". قال ابن رشد: إجازة ذلك هو المذهب وأجمع عليه أهل المدينة وهم الحجة على من سواهم، واحتج بحديث جواز الجعل على الرقية من القرآن حسبما ذكرناه، وناقض ابن يونس، قول ابن حبيب بجواز ذلك بقوله لا تجوز إجارة المصحف قائلاً كما أن المعلم يتعب فكذلك الاوراق تتمزق وتبلي ذكره عند الكلام على إجازه المصحف، وما ذكر الشيخ أن التعليم على الحذاق جائز هو المشهور. وقال ابن الجلاب، وقيل: لا يجوز على التعليم إلا مدة معلومة مشاهرة أو غيرها، وقيل: يريد لاختلاف أفهام الصبيان فالمشاهرة أخف غررا وأجاز ابن حبيب أن يسمي في المقاطعة أجلا ورواه عن مالك قال بعض الشيوخ وهو خلاف المشهور في توقيت ما أجله فراغه. وقال اللخمي: إن جمع الأجل والقدر الذي يعلمه فإن كان لا يدري هل يتعلم ذلك القدر في المدة أم لا فسخت الإجارة، واختلف إذا كان الغالب التعليم فيها فأجيز ومنع، وفي المدونة: ولا يعجبني الإجارة على تعليم الفقة، والفرائض لكراهة مالك بيع كتبهما. قال: وعليه تكره على كتابته. وروى محمد منع بيعها في الدين وقال في غير الموازية الوارث فيها كغيره إن كان اهلا لها، وقاله سحنون، وعلى هذا لا تجوز على تعليمه وكتابته، وقيل: جائزة وتباع في الدين وغيره قال محمد بن عبد الحكم يبعت كتب ابن وهب بثلاثمائة دينار

وأصحابنا متوافرون ولم ينكروه وكان أبي وصيه فعلي هذا تجوز الإجازة على تعليمه وكتابته، وهو أحسن ولا أرى أن يختلف فيه اليوم لنقص حفظ الناس وفهمهم عمن تقدم. قال مالك: لم يكن للقاسم ولا لسعيد كتب وما كنت أكتب في هذه الألواح. وقلت لابن شهاب: أكنت تكتب العلم؟ قال: لا. قلت: أكنت تطلب أن يعاد عليك الحديث؟ قال: لا فلو فعل الناس هذا لضاع العلم وتلف رسمه، والناس اليوم مع كتبهم في قصور، والقول في الفروع والقياس فيه واجب ومعرفة أقوال المتقدمين والترجيح بينهما متعين في موضع الاجتهاد. قلت: وضعف بعض من لقينا من القرويين أخذ الجواز من بيع كتب ابن وهب؛ لأن أكثر كتبه الحديث. وقال أبو عمر بن عبد البر: بيع الكتب الصحاح جائز كمسلم ويرد بأنه سمع من مالك ما قد علمت من الكراهة ويبعت كتبه أجمع وذلك يدل على ما قاله ابن عبد الحكم. واعم أن كتب الطب كالفقة فيما يظهر والله أعلم. (ومن اكترى كراء مضمونا فماتت الدابة فليأت بغيرها): الدابة المضمونة يجوز كراؤها بذكر جنسها ونوعها والذكورة والأنوثة، ونص على ذلك غير واحد، وفي المعونة لا يحتاج لتعيين الراكب لتقارب الناس عادة ولا لوصفه وتبعه ابن شاس، وابن الحاجب، وقبله ابن عبد السلام وظاهره عدم لزوم ذكر كونه رجلاً أو امرأة. قال بعض شيوخنا: والأظهر لزوم تعيين أحدهما؛ لأن ركوب النساء أشق. قال ابن شاس: ويصف المحمل بالسلعة أو الضيق وعلى مكرى الدابة تسليم ما العادة تسليمه معها من إكاف وبرذعة وحزام وسرج في الفرس وغير ذلك من المعتاد؛ لأن العرف كالشرط. قال بعض شيوخنا: وهو كالنص في أنه إن لم يكن بذلك عرف لم يلزمه. (وإن مات الراكب لم ينفسخ الكراء وليكتروا مكانه غيره): سبق ما يغني عن هذا ويريد لابد أن يكون الثاني مثل الأول في الخفة والأمانة ولا تكن المرأة؛ لأن الغالب أنها اثقل على البهيمة لرخوة أعضائها وكذلك الميت. قال اللخمي: ولمكترى المنافع بيعها كالرقاب إلا ما يتعذر كونه كالأول أو يشك فيه، ويختلف ذلك في الدواب والثياب والدور، وفي جوازه في الدواب وكراهيته

روايتان، وفي المدونة لمكتري الدابة للحمولة والسفينة والدار كراؤها من مثله في مثل ما اكتراها له، وكذلك الفسطاط له كراؤه من مثله في حاله وأمانته وصنعته فيه ومن استأجر ثوبا يلبسه إلى الليل لم يعطه غيره لاختلاف الناس في اللباس والأمانة فإن دفعه لغيره ضمنه إن تلف ولو بدا له على السفر بالدابة أو مات اكتريت ومثله، وكذلك الثياب في الحياة والموت. وقال اللخمي: المنع في الثياب أحسن لاختلاف اللباس واليسير فيها يؤثر والأمر في الخباء والفسطاط أخف. قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى: وكتب العلم كالثياب فمن اكتراها لا يعيرها لغيره لاختلاف الناس فيها. قال ابن الحاجب: وفي ضمانه ما أجره لغيره ثالثها المشهور إن كان مثل أمانته لم يضمن. وقال ابن عبد السلام: إطلاق هذا الكلام في كل مستأجر من دار أو غيرها لا يصح ومقتضى كلامه أن مكتري الدابة إن اكتراها ممن ليس مثله في حفظه إياها وخفته أنه لا ضمان عليه في قول وهذا لا يوجد ونحوه. قال ابن هارون: لا يوجد هذا الخلاف وأجابهما بعض شيوخنا بأن سياق الكلام يقتضي أن خلافه إنما هو فيما يغاب عليه، وذلك أنه لما قال والمستأجر أمين فرع عليه قوله السابق، وهذا الخلاف إنما هو فيما يغاب عليه، والقول الثاني هو الثاني لم يوجد بحال. (ومن اكتري ما عونا أو غيره فلا ضمان عليه في هلاكه بيده وهو مصدق إلا أن يتبين كذبه): قال التادلى: قيل: إن كراء الماعون مكروه وقيل: لا وقال اللخمي: إن من كانت عادته يتعيش به فإنه يجوز له من غير كراهة، وإن لم تكن عادته فإن أكراه إلى مدة تنقص الشيء المكترى فهو جائز وإن كان لا ينقصه فمكروه لما فيه من دناءة الأخلاق. قلت: فيما قاله نظر بل قال اللخمي فأما إجازة الثياب والحلي والماعون فهي على ثلاثة أوجه فمن كان شأنه أن يشتري هذه الأشياء ويدفعها للكراء ذلك جائز وكذلك ما لم يكن ذلك شأنه ويكره لمن يطيل استخدامه حتى ينقصه واختلف إذا كان الاستعمال في الأمر الخفيف مما لا ينقص مثله فأجيز وكره. قال مالك في إجازة الحلي لا بأس به، وقال مرة اكرهه وليس من الحرام البين

وليس من أخلاق الناس فيريد أنه ليس من مكاره الأخلاق أخذ الإجازة في مثل ذلك وكذلك إذا كان الذي يستأجره قليل الثمن، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): " لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجًا معلومًا "، أخرجه الصحيحان فظاهر كلامه كما تري أن القسمين الأولين إنما نقل الجواز فيهما عن المذهب بلا خلاف من اختياره وأن القسم الثالث فيه قولان وأشار إلى أنهما يتخرجان من الخلاف في الحلي والماعون، وما ذكر الشيخ من تصديقه وهوالمشهور، ونقل ابن سحنون قولاً آخر أنه لا يصدق حكاه اللخمي وفي التهذيب من رواية أشهب فيمن اكترى جفنة فادعى ضياعها ضمنها إلا أن يقيم بينة على ذلك والذي ذكرناه هو طريق الأكثر. وقال ابن المواز: إنما الرواية في دعوى من كسرها لقدرته على تصديث نفسه بإحضاره فلقتيها ويصدق في الضياع وفي رواية فأين فلقتاها. قال محمد: إلا أن يقول: سرقتا أو تلفتا وسلك ابن رشد طريق محمد قائلاً: لا خلاف أعلمه أن المكتري يصدق إلا ما في الدمياطية لابن القاسم فيمن يكتري المناجل والحديد أنه ضامن. قلت: قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى وأفتى شيخنا بما في الدمياطية في جوهر فيحتمل أن يكون لخصوصية في النازلة. ويحتمل أن يكون للمصلحة لأن العوام لو علموا أنه لا ضمان عليهم لكثرت منازعتهم في ذلك وعلى الأول فقال ابن القاسم يلزمه الكراء. وقال غيره: لا يلزمه والقولان في المدونة وعزا ابن يونس قول الغير لأشهب: قال: وبه أخذ سحنون قائلاً: في قول ابن القاسم في هذه المسألة عراقية يصدقه في الضياع ويغرمه الكراء، ولبعض علمائنا أنه ناقض كل من ابن القاسم وسحنون جوابه بجوابه في مسألة كتاب العارية فيمن استعار دابة فركبها إلى موضع فما رجع زعم ربها أنه إنما أعاره إياها إلى دون ما ركبها إليه فذهب ابن القاسم إلى أن القول قول المستعير في رفع الضمان والكراء. وقال سحنون: القول قول المستعير في الضمان لا في الكراء، والصواب: أنه لا يتناقض والفرق لابن القاسم بينهما أن المكتري مقر بالكراء مدع إسقاطه فعليه البيان، وفي مسألة العارية المعير مقر بالعارية مدع على المستعير فوجب قبول قوله لأنه مدعى عليه. والفرق لسحنون أن الأصل براءة الذمة من عدم العداء؛ لأن وضع يد المستعير

على الدابة بإذن فكان القول قوله في عدم عدائه، والأصل في تناول ما الغير عن عوض لا عن عطية. قال التادلي: وقول الشيخ وصدق يريد ويحلف إن كان متهما لقد ضاع ولا فرطت ولا يمن عليه إن كان غير متهم. وقال ابن القاسم. وقيل: يحلف مطلقاً، وقيل: يحلف غير المتهم أنه ما فرط، قال: ولو أخرجه من يده فهلك فإن كان مما يجوز له أن يكريه من غيره فلا ضمان عليه وإلا ضمن. قلت: وقد تقدم في المسألة التي قبلها كلام ابن الحاجب، وما عليه. (والصناع ضامنون لما غابوا عليه عملوه بأجر أو بغير أجر): قال الباجي: ضمان الصناع مما أجمع عليه العلماء، وقال القاضي عبد الوهاب: أجمع على تضمينهم الصحابة رضي الله عنهم، وفي المدونة قضاء الخلفاء بتضمينهم، وهو صالح للعامة يريد لاحتياج الناس إليهم فغلبوا رعي المصلحة العامة، وهي الضمان على رعي المصلحة الخاصة وهي سقوط الضمان كما روعي ذلك في التلقي وغيره، وحكي ابن رشد أن الشافعي قال في أحد قوليه لا ضمان على الصناع ولو عملوا بأجر ولو انتصب الصانع لبعض الناس فقط فإنه يضمن قاله بعض شيوخ ابن يونس، وهو ظاهر سماع ابن القاسم. وقيل: لا يضمن حتى يكون منتصبا لعموم الناس قاله عياض، وابن رشد في المقدمات، وفي تضمين الأوعية وشبهها كالثياب للنساج قولان فذهب ابن القاسم ورواه عن مالك أنها تضمن وبه قال ابن المواز. وقال سحنون: لا تضمن وأخذه الشيخ المغربي من قول رهون المدونة، ومن ارتهن نصف ثوب فقبض جميعه فهلك عنده لم يضمن إلا نصفه خاصة، ولم يرتضه بعض ما لقيناه مفرقاً له بأن الصناع مضطرون إلى المثال، فهو كنفس المصنوع فيستصحب الضمان، وظاهر كلام الشيخ أنهم ضامنون ولو قامت البينة على الضياع، وهو كذلك عن أشهب خلافًا لابن القاسم وظاهر كلامه ولو شرطوا عدم الضمان وهو كذلك عند ابن القاسم خلافًا لأشهب وكل منهما روى عن مالك مثل ما قاله ابن عبد السلام والجاري على أصليهما عكس قوليهما؛ لأن الضمان عند ابن القاسم ضمان تهمة ويصح اشتراط سقوط موجبه كما إذا اشترط الوكيل المخصوص سقوط البينة على قضاء الدين والجاري على أصل أشهب أنه يضمن؛ لأنه ضمان أصاله عنده.

فشرط سقوطه يتضمن مخالفة مقتضى العقد، وهو باطل. قلت: ويجاب عن ابن القاسم بأن شرط نفي الضمان مما يقوي التهمة وعن أشهب بأن شرطه كناسخ الضمان. (ولا ضمان على صاحب الحمام): ظاهر كلام الشيخ أنه المكتري لا حارس الثياب، وما قاله صحيح إلا أن يفرط قال ابن عبد السلام: ولا أعرف فيه غير ذلك قال ابن الحاجب: والحمامي أمين على الثياب، وقيل: يضمن فإن كان مراده المكترى فليس القول الثاني بالضمان مطلقًا بموجود في المذهب والله أعلم. قال: والذي قاله مالك في العتبية أمرت صاحب السوق أن يضمن أصحاب الحمامات ثياب الناس أو يأتوا بأمين يحرسها. قال ابن يونس: ورأيت في بعض الحواشي لابن عبد الحكم وزاد ولا ضمان على من يحرسها. قلت: وأجابه بعض شيوخنا بأن ما ذكره ابن الحاجب نقله عياض في مداركه لما عرف بأبي على الحسن بن نصر السوسي. قال: سمعت من يحيى بن عمر وغيره كان فقيها عدلا ورعا زاهدًا ولي أحكام سوسة فكان لا يضمن الحمامي ما تلف عنده فكثر مشاكوه فحكم يتضمينهم لما حدث به يحيى بن عمر عن الحارث عن ابن وهب عن مالك بتضمين صاحب الحمامي وفي إجازة المدونة ولا ضمان على من جلس لحفظ ثياب من دخل الحمام؛ لأنه أجير ومثله سماع ابن القاسم لا ضمان على حارس الحمام. وقال ابن رشد: إن إكراه رب الحمام لحفظ ثياب من داخله بأجر في ذمته فلا ضمان عليه اتفاقًا إلا أن يتعدى أو يفرط وإن كان يحرس بجعل يأخذه من كل من يدخل الحمام ويحرس ثيابه فقال مالك: لا ضمان عليه قال ابن لبابة: وما سواه خطأ، وقال ابن حبيب يضمن كالراعي المشتري على قول ابن المسيب، والحسن ومكحول والاوزاعي لانه لما نصب نفسه لذلك صار كالصانع المشترك ولو نام حارس بيت فسرق ما فيه فلا ضمان عليه وله أجره وكذلك حارس النخل وغيره، وكذلك من أعطى متاعا ليبيعه فيضيع أو يضيع ثمنه لا أجر له ولا ضمان عليه وكل هذا نقله ابن يونس عن رواية ابن المواز، وقيده بعض شيوخنا بكونه في نوم وقته المعتاد لا في نومه في وقت حاجة العس والحرس حسبما قاله اللخمي في نوم الراعي نهارا. قال التادلى: اختلف في السماسرة فقال مالك: لا يضمنون وقال سحنون:

يضمنون وفرق ابن رشد بين المتهم ومنهم فيضمن وإلا فلا. قلت: ذكر عياض في أواخر كتاب التدليس بالعيوب ما نصه والمعروف من قول مالك وأصحابه في السماسرة والمأمورين والوكلاء أنهم لا يضمنون؛ لأنهم أمناء وليسوا بصناع سواء كانوا أرباب حوانيت أم لا كذلك جاء في أمهاتنا وأجوبه شيوخنا ثم استمر في كلامه وهو كالنص في أن المراد بالسمسار الجليس. (ولا ضمان على صاحب السفينة): قال غير واحد يريد إلا ما حمل من الطعام والإدام فإنه يضمن إلا أن تقوم بينة على هلاكه. قال اللخمي: اختلف إذا حمل الطعام على المدينة ولم يصحبه ربه أو في السفر في البحر وصاحبه معه أو لم يكن معه صاحبه، وليس الطعام مما تدعو إليه الحاجة في الغالب فالمعروف في المذهب أنه ضامن، وقال ابن كنانة: لا ضمان عليه ويريد؛ لأن ربه قادر على أنه يصحبه دون ضرر فتركه قصدا دليل على أنه أئتمنه فإن صحبه في البحر ثم نقص أو ذهب بعضه صدق عند مالك وفي أكريه السفر أنه غير مصدق؛ لأنه ائتمنه وحازه وإنما يدخل التاجر وقت إقلاعه. وفي المدونة: إذا غرقت السفينة بمد النواتية فإن فعلوا ما يجوز لهم من المد والعمل فيها لم يضمنوا فإذا تعدوا فأغرقوا في مد أو علاج ضمنوا ما هلك فيها من الناس، والحمولة ابن يونس قيل في أموالهم وقيل: الديات على عواقلهم. (ولا كراء له إلا على البلاغ): ما ذكره هو قول مالك وابن القاسم ولو غرقت بالساحل. وقال ابن نافع له بحساب ما سار كحكم البر، والقولان في المدونة وروى ابن أبي جعفر عن ابن القاسم مثل قول ابن نافع. وقال يحيى بن عمر: إن أكريت على قطع البحر فهي على البلاغ وإن أكريت إلى الريف فبحساب ما بلغت، وفرق أصبغ في نوازنه بين كونهم ملججين أو غير ملججين محاذين لقرية قادرين على النزول إليها أو غير قادرين وسواء على ظاهر قوله كان كراؤهم على قطع البحر أو على الريف، وهذه الأقوال الأربعة حكاها ابن رشد قائلاً: قول أصبغ هو استحسان على غير قياس، وكذلك تفرقة يحيى. وقول ابن نافع أظهر من قول ابن القاسم في المدونة؛ لأن رد الكراء إلى الاجارة أولي من رده إلى الجعل.

واعلم أنه إذا هال البحر، وقد وقع الخوف وجب الرمي عاجلا، ويرمي الأثقل والأقل ثمنا فإن تقاربت الأثمان رمي الأثقل. قال الطرطوشي: ويبدأ بطرح الأمتعة ثم البهائم لشرف النفس، وقبله القرافي ومرضه بعض شيوخنا بقوله: الشرف إنما هو للنفس الآدمية. واختلف في جرم السفينة هل يقع عليه غرام أو لا؟ ثلاثة أقوال: فقيل: كغيره رواه إسماعيل القاضي، وبه قال سحنون وابن عبد الحكم قال ابن يونس: وهو القياس. وقيل: لا غرم عليه رواه ابن القاسم، وقيل: إن قام دليل على هلاكه لولا الطرح فالأول وإلا فالثاني قاله محمد بن محمد بن عبد الحكم. وقال بعض شيوخنا: وقول ابن عبد السلام: قال ابن عبد الحكم أجمع أصحابنا أن المركب لا يدخل في شيء من حكم الطرح لا أعرفه، واختلف في دخول متاع السفينة في الغرم على قولين: وفي دخول العبيد ثلاثة أقوال: فقيل: يدخلون، وقيل: لا يدخلون، وقيل: إن كانوا للتجارة دخلوا وإلا فلا ولا شيء على الأحرار باتفاق والعين للقنية لغو وللتجر قولان. (ولا بأس بالشركة بالأبدان إذا عملا في موضع واحد عملا واحدًا أو متقاربا): ظاهر كلام الشيخ أن لو اختلفت صنعتهما أنه لا يجوز، وهو كذلك وسمع أصبغ أشهب إن اشتركا خراز وحداد في حانوت واحد يعمل كل واحد مع صاحبه لأنهما يحسبان ذلك ويعملانه جميعا فلا بأس به. قال ابن رشد: أجازه لتعاونهما معًا وسمع أن الشركاء في حانوت وصنعة كل واحد غير صنعة صاحبه فال خير فيه، ولو كان عملهما واحدًا في حانوتين مفترقين فلا بأس به. قال ابن رشد: لا وجه لقوله لا بأس به إلا أن يكون معناه أنهما يجتمعان معًا على أحد الأعمال ثم يأخذ كل واحد منهما ما يعمل من العمل يذهب به لحانوته يعمله فيه لرفيق له في ذلك لسعة حانوته أو انشراحها وقربه من منزله وشبه ذلك. وقال عياض: تأول شيوخنا ما في العتبية من جواز الافتراق بتعاونهما في الموضعين وارتفاق السلعتين سواء في الموضعين فيكون وفاقًا للمدونة؛ لأن المقصود من وحدة المكان تقارب أسواقه ومنافعه. قال أبو محمد عبد الله الدكالي في مسائله: لو اشترك قارئ وحاسب على أن يقتسما على قدر عمليهما جاز ذلك على جميع الرجلين سلعتيهما في البيع ورده بعض

شيوخنا بقوة الغرر في الشركة بجهل قدر عمل كل واحد منهما، وقدر عوضه والمجهول في السلعة قدر العوض فقط. (وتجوز الشركة بالأموال على أن يكون الربح بينهما بقدر ما أخرج كل واحد منهما والعمل عليهما بقدر ما شرطًا من الربح لكل واحد، ولا يجوز أن يختلف رأس المال ويستويا في الربح): اعلم أن الشركة بالدنانير والدراهم من كلا الجانبين جائزة نص على ذلك في المدونة وغيرها. قال ابن المنذر إجماعًا: قال ابن رشد وهو اجماع على غير قياس، وفي صحبة القياس عليه قولان واختلف في جوازها بالطعام المتفق في صفته ونوعه، فأجازه ابن القاسم قياسًا على الدنانير والدراهم ومنعه مالك فقيل: لأنه بيع الطعام قبل قبضه قال بعض شيوخ عبد الحق، وقيل: لأن علل الطعام كثيرة بخلاف علل الدنانير والدراهم. وقيل: لأن الطعام مما تختلف فيه الأغراض، وقيل: لأن الطعام يطلب فيه التساوي في الشركة والشركة تطلب التساوي في القيمة، وذلك لا يكاد يوجد ذكره إسماعيل القاضي، وقال ابن رشد: لأن الإجماع عنده على غير قياس لا يقاس عليه. فإن قلت: كيف يقول ابن القاسم في المدونة لم يجزه لنا مالك منذ لقيناه ولا أعلم لكراهته له وجهًا مع أن قول مالك وجه بوجوه كثيرة كما قلناه؟ قلت: أراد وجها بينا واضحا ويدل على ذلك أن بعض التعاليل السابقة زائفة، والله أعلم. واختلف إذا غاب أحد النقدين فأجازه مالك وابن القاسم ومنعه سحنون، وكذلك نقله اللخمي عنه ونقله التونسي عنه الكراهة. قال بعض شيوخ عبد الحق: إنما يجوز عند ابن القاسم بشرط قرب الغيبة ووقف التجر بالحاضر عن حضور الغائب وتردد بعض شيوخنا في كونه وفاقًا أو خلافًا قائلاً: الأظهر أنه خلاف لاحتجاج ابن القاسم على الجواز بقول مالك فيها، وقال بعض من لقيناه من القروبين هو وفاق لا شك فيه، وأجازه في المدونة أنه يخرج أحدهما ذهب وفضة والآخر كذلك وعورضت بقول سلمها الثالث بمنع بيع مد من قمح ومد من شعير بمثلهما وأجيب ببقاء اليد هنا على ما لكل واحد منهما وتصح الشركة بالعرض من جانب والنقد من جانب وحكاه ابن الحاجب قولاً بالمنع. (والقراض جائز بالدنانير والدراهم):

قال ابن الحاجب: القراض إجارة على التجر في مال بجزء من ربحه واعتراض بأنه غير جامع لقوله بعد ولو شرط الربح كله لأحدهما أو لغيرهما جاز. وأجيب بأن إطلاق القراض عليه إنما هو مجاز؛ لأنه من باب التبرعات، وقبله خليل واعترضه غير واحد أيضًا بأنه غير مانع لمدلول لفظ من قال آجرتك على أن تتجر لي بهذه المائة سنة بنصف ربحها. وقال ابن عبد السلام وأجيب بأن معنى القراض هو الإجارة على الصفة المذكورة، ولكن هذا المعني لا ينعقد بكل لفظ بل بلفظ القراض وغيره من الألفاظ التى ذكرها الفقهاء، وانعقاده بها ليس من تصوره وإنما هو من أحكامه فرجع إلى التصديق والكلام في التصور في هذه الطريقة يدفع كثيراً من الأسئلة عن التعريف فتأمله والقراض جائز بلا خلاف قاله عبد الوهاب وأول من عمل به في الإسلام عبد الله بن عمر وعبيد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وقيل: إن أول من عمل به يعقوب مولي عثمان بن عفان وذلك أن عمر بن الخطاب بعث من يقيم من الأسواق من ليس بفقيه فأقيم يعقوب فيمن أقيم فجاء إلى عثمان بن عفان فأخبره فأعطاه مزودتين قراضًا على النصف، وقال: إن جاءك من يعرض لك فقال له المال لعثمان فقال ذلك فلم يقم فجاء بمزودتين إحداهما ربح والأخرى رأس المال، ولا يلزم القراض إلا بالشروع وخرج اللخمي انعقاده من الجعالة ولزوم أول حصة من أحد قولي مالك في لزوم أول شهر من كراء المشاهرة، وظاهر كلام الشيخ أن القراض بالذهب والفضة جائز وإن كانا مغشوشين، وهو كذلك. وقاله الباجي حيث تعامل بها لتقويم المتلف بها كالطيبة والاتفاق على تعلق الزكاة بها. وقيل: إنه ممنوع مطلقًا قاله عبد الوهاب، وقال ابن الحاجب: ويجوز بالمغشوش على الأصح وقبله ابن عبد السلام بإطلاقه، ورده بعض شيوخنا بالاتفاق على المنع حيث لا يتعامل بها وظاهر كلام الأكثر أن الغش غير محدود. وقال ابن الحاجب: إن كان الغش النصف جاز واختلف في القراض بالفلوس. فقيل: إنه ممنوع قاله مالك وابن القاسم، وقيل: مكروه نقله اللخمي، وقيل: إنه جائز قاله أشهب وقيده ابن رشد باليسير وأطلقة اللخمي واختار الجواز حيث يتعامل بها ولا يتغير سوقها.

(وقد أرخص فيه بنقار الذهب والفضة): اختلف في القراض بالنقار على ثلاثة أقوال المنع والكراهة، والجواز، وكل هذا إذا كان لا يتعامل بها، وأما إن كان يتعامل بها فلا خلاف في جواز ذلك قاله غير واحد كاللخمي، واختلف في الحلي على ما تقدم من الثلاثة الأقوال بالكراهة، رواه ابن المواز والقولان بالجواز والمنع، رواهما ابن الحاجب، واختار اللخمي رحمه الله: إن كان يتعامل به كأرض المصامدة جاز، وإلا كره إن كان لا يوجد مثله وإلا منع. (ولا يجوز بالعروض ويكون إن نزل أجيرا في بيعها وعلى قراض مثله في الثمن): ما ذكر الشيخ أن القراض بالعروض لا يجوز هو كذلك باتفاق عند ابن حارث، وقال اللخمي: إن كان لا خطب لبيع العرض أو علم أنه يبيعه له وهو لم يأخذه قراضًا أو يقول له كلف من بيعه ويأتيك بالثمن فاجعله قراضًا جاز قال المازري: وذكر أنهم وجدوا وثيقة بخط ابن أبي زيد أنه دفع لرجل عرضا، وقال له بعد ولك دينار فإذا قبضت ثمنه فاجعله قراضا، وهذا يدل على جواز القراض بالعروض وتأول بعضهم عليه أن يكون بناء على أحد القولين في اجتماع جعل وإجارة فالإجارة في البيع والجعل في القرض وفيه نظر؛ لأن الجعل لا يجوز في الكثير بل في القليل فيلزمه أن يقيد في الوثيقة هذا الوجه لو قصد به القليل، ولو كان قصده أيضًا الإجارة لضرب لها أجلا. قلت: وحمل شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى ما تقدم عن الشيخ أبي محمد بن أبي زيد: أنه قراض بالوديعة، وهو جائز عند ابن المواز فليس عليه في ذلك درك الجعل، قال: ويدل على ما قلناه: أنه لو تلف هذا المال قبل العمل لكان من ربه كالحكم بعد الشروع في العمل، وفي المدونة: ولا يجوز بدين على غريمه يقتضيه فأطلق ابن يونس وعبر عنه أبو عمر بن عبد البر في الكافي بالكراهة. وقال اللخمي: إن كان على غير حاضر أو موسر غير مالك جاز، ولو اقتضي الدين ثم رده عليه فراضًا فإنه جائز قاله في المدونة. قال ابن رشد: وعلى قولهما فيمن صرف دنانير بدراهم ثم أراد أن يصرفها منه بدنانير مخالفة لعيوبها أنه لا يجوز في المجلس إلا بعد اليوم واليومين والثلاثة حتى يبرأ من التهمة، وعلى قول ابن حبيب في صاحب المال يعلم ضياع بعضه فيقول للعامل: اعمل بما بقي، ويكون ذلك قراضًا مؤتنفا يصح جعل الدين قراضًا بمجرد إحضاره.

وعن أشهب أنه إن نزل مضى، وهو بعيد وفرق غيره بين ما هنا وبين مسألة الصرف في كتاب السلم لأن ما هنا خرج من ذمة إلى أمانة، وما في الصرف من ذمة إلى ذمة فما هنا أخف، وأما القراض بالوديعة فإن أحضرها فلا خلاف في الجواز واختلف قبل إحضارها على أربعة أقوال ثالثها: إن كان المودع ثقة مأمونا جاز، ورابعها يكره وكلها حكاها ابن رشد واللخمي قول خامس حذفته لطوله. (وللعامل كسوته وطعامه إذا سافر في المال الذي له بال): ما ذكر الشيخ أن له طعامه في السفر ويريد سيرا ورجوعا وهو كذلك على المعروف من المذهب. وقال الشافعي: لا ينفق في سفر ولا حضر إلا بإذن رب المال، ولأصحابه ثلاثه أقوال، هذا وقول مالك والثالث ينفق في السفر بقدر ما بين نفقة السفر، والحضر. وهذا الذي ذكرناه قاله أبو عمر بن عبد البر قائلاً: القياس هو الأول منها؛ لأنه لا يجوز القراض على جزء مجهول فإطلاق النفقة له يصير الحصة مجهولة وربما اغترقت النفقة كثير المال ولم يكن ربح. وقال ابن عبد السلام: لا يبعد القول الثالث على أصول المذهب، وقيل في الوصي يخرج المحجور في سفر الحج دون ضرورة: إن زيادة نفقة السفر على الحاضر على الوصي. قلت: ورده بعض شيوخنا بقوله: ولا يخفي ضعف هذا التخريج؛ لأن السفر بالمحجور المذكور عداء وسفر العامل جائز ولا جاحة لهذا التخريج لقول اللخمي. قال عبد الوهاب: من سافر لأجل المال له النفقة، والكسوة التى لولا الخروج بالمال لم يحتج إليها في الحاضر، ومحل هذا فيمن كانت مؤنته في المقام من أجل متاجر يرجو حوالة سوقها، وأما المدير أو ذو صنعة عطلها السفر فله جميع النفقة والكسوة، كقول مالك. قلت: فيتحصل في المسألة أربعة أقوال: وعزوها ظاهر، وما ذكر عن عبد الوهاب هو في تلقينه فيما يرجع إلى النفقة، وهو اختيار أبي إسحاق التونسي وعبد الحميد الصائغ وظاهر كلام الشيخ أنه لا تحديد في المال الذي يجب فيه ما ذكر من النفقة بل المعتبر العرف ومثله في الموازية، واختاره شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى ولمالك في مختصر ما ليس في المختصر السعون يسير لا ينفق منها. وقيل: ينفق منها إن كانت خمسين قاله مالك في نقل اللخمي، وقيل: في الأربعين

دينارا النفقة، رواه ابن المواز في نقل الباجي، وعزاه ابن يونس لنقل محمد لا لروايته، وظاهر كلام الشيخ أنه لو كان يتجر به في بلده أنه لا ينفق منه، ولو كان ما ينفق منه يسيرا، وهو كذلك قال ابن العطار عن نوادر الإجماع أجمعوا أنه يأكل منمال القراض إن لم يسافر به إلا الليث قال: له أن يتغذى منه إذا اشتغل به عن الانقلاب إلى أهله وفي المدونة قول الليث معزو له، وذكره ابن فتوح كأنه المذهب غير معزو لليث فقال من تجر في الحضر فليس له أن يأكل من مال القراض إلا أن يتغذى بالأفلس ونحوها، وأسقط قوله إذا اشتغل عن الانقلاب إلى أهله. وفي الموازية بإثر قول الليث، وأباه مالك، وقال التونسي لا فرق بين اشتغاله في سفره وإقامته بالمال ولعل الفرق بينهم في سفره وإقامته، وإن أمره كذا جرى فيما مضى. وقال اللخمي: يحمل قول مالك بسقوطها في الإقامة على أن عمل القراض لم يقطعه عما كانت تقوم نفقته منه في سفره، ولو كانت له صنعة أو تجارة منها نفقة فعطلها لأجل عمل القراض كانت له نفقته كسفره. (وإنما يكتسي في السفر البعيد): يريد إلا أن تطول إقامته في السفر القريب، قال في المدونة: له أن يكتسي منه في بعيد السفر إن حمل المال ذلك لا في قريبه إلا أن يقيم بموضع يحتاج فيه إلى الكسوة. قال الباجي: وروى أبو محمد له في الأربعين دينارًا النفقة والكسوة في بعيد السفر، وفي سماع عيسى بن القاسم: إن كثر المال وقرب السفر فله فيه الطعام لا الكسوة إلا أن يقيم للشراء الشهرين والثلاثة. وفي الموازية فله أن يكتسي من مال القراض، واختلف في البضاعة، فقيل: هي كالقراض في النفقة والكسوة، وقيل: هما ساقطان، وكلاهما لمالك، وفي المدونة له أن يرد ما بقي من النفقة لصاحبه. وقال بعض شيوخنا: الصواب عليه لا له وسمع ابن القاسم ما فضل عن المقارض إذا قدم من سفره مثل الجبة لا تؤخذ منه. قال ابن رشد كقول سحنون في نوازله لا تؤخذ منه الثياب التي اشتريت للسفر إلا أن يكون لها قدر، وقال: ومثله لمالك في الموطأ، وهو استحسان لا قياس ليسارة ذلك مع العرف الجاري على قوله في المدونة في كسوة السنة للزوجة ثم يموت أحد الزوجين قبل السنة استحسن أن لا تتبع المراة بشيء من ذلك لباقي السنة بخلاف النفقة.

قلت: ولا يعارض قول المدونة في نفقة العامل قول جهادها ما فضل عنه بعد أن رجع إلى بلده من طعام أخذه من الغنيمة بغير إذن الإمام يأكل القليل، ويتصدق بالكثير؛ لأن طالبها هنا معين، وفي الجهاد غير معين، ونبه على هذا بعض شيوخنا وهو جلي واضح. (ولا يقسمان الربح حتى ينض رأس المال): ظاهر كلامه وإن رضيا بذلك، ونص ابن الجلاب على أنهما لو تفاصلا بغير حضرة المال ثم حضر المال وفيه وضيعة فإنه يرد ما أخذ إليه ويجبر به النقص، ونقل ابن حبيب مثله عن ابن القاسم، ونقل عن مالك وأصحابه أنه قراض مؤتنف، واختاره. قال ابن عبد السلام: واختار غير واحد من المتقدمين والمتأخيرن نقل ابن حبيب، وهو ظاهر الموطأ، وقال بعض شيوخنا ما ذكره عن غير واحد لا أعرفه ومشاهير مؤلفي المذهب كابن يونس واللخمي والتونسي وابن رشد، ونحوهم ليس لهم في ذلك نص وكذلك ما ذكره عن الموطأ، لأن الذي في الموطأ قال مالك: لا يجوز للمتقارضين أن يتحاسبا ويتفاصلا، والمال غائب عنهما حتى يحضر المال فسيتوفي صاحب المال رأس ماله ثم يقتسمان الربح على شرطهما. (والمساقاة جائزة في الأصول على ما تراضيا عليه من الإجزاء): قال ابن رشد: المساقاة عبارة عن العمل في الحائط بجزء من ثمرته، وانتقده بعض شيوخنا بأن كلامه غير مانع لأنها لا تنعقد بلفظ الإجارة عند ابن القاسم خلافًا لسحنون، وإذا وقعت كذلك يحكم فيها بالإجارة الفاسدة لا بالمساقاة الفاسدة، وبأنه غير جامع؛ لأن كلامه يقتضي أنها لا تلزم إلا بالعمل، وليس كذلك بل تلزم بالعقد. قلت: وفي النقض عليه بهذه الصورة نظر، وينقض عليه أيضًا بقول المدونة: لا بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل، وكذلك ينتقض عليه أيضًا بقول المؤلف على ما تراضيا عليه من الإجزاء، والله أعلم. وقال ابن عبد السلام: لم يعرفها ابن الحاجب؛ لأن رسمه للقراض بأنه إجارة على التجر في المال بجزء من ربحه دل على رسم المساقاة فإنها إجازة على عمل الحائط بجزء من غلته، وهي كالمعلومة ضرورة عند الفقهاء، ورده بعض شيوخنا بأنه لو كان كما قال لدل عليه القراض إما مطابقة أو تضمنا أو التزامًا، ولا خفاء بنفي الأولين؛ لأن رسم القراض ليس نفس المساقاة، ولا جزءاً منه وكذلك الثالث ضرورة أن رسم المساقاة بما قال ليس من لوازم القراض لا ذهنيا ولا خارجيا إلا أن يريد الدلالة

المعنوية لا العرفية كدلالة الفعل على الفاعل، وفيه نظر؛ لأنه غير معتبر في التعريفات ورسمها بما ذكر يبطل بقول المدونة لا بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل كما سبق وحدها شيخنا بأن قال: عقد على عمل مؤنة النبات بقدر لا من غير غلته لا بلفظ بيع أو إجارة أو جعل والمذهب جواز المساقاة. قال عبد الوهاب: وهي مستثناة من أصول ممنوعة للضرورة، وظاهر كلام الشيخ أن المساقاة في الزرع وشبهه لا تجوز وإن عجز عنه صاحبه، وهو أحد الأقوال الأربعة ذكرها اللخمي، وبه قال ابن عبدوس. وقيل: بعكسه قاله ابن نافع وقيل: تكره المساقاة فيه، رواه محمد بن المواز وقيل: تجوز بشرط العجز قاله في المدونة، وهي لازمة بالعقد على المشهور، وقيل: لا تلزم، وقال سحنون: أولها لازم كالإجارة وآخرها كالجعال. (والعمل كله على المساقي): يعني من السقي والتنقية والجداد، واختلف في عصر الزيتون فقال في كتاب محمد: إن لم يشترط علىأحد فهو بينهما، وقال ابن حبيب: العصر على العامل وإن شرط على صاحب الحائط، وكان له قدر لم يجز ورد العامل إلى إجازة مثله. قال ابن الحاجب: ولا يسترط تفصيل العمل، ويحمل على العرف قال ابن عبد السلام: لعل مراده إذا كان العرف منضبطًا وإلا فلا بد من البيان وقد يقال لابد من تفصيله لأنه اختلف في أمور هل هي على العامل أو على رب الحائط فالسكوت عنها جهالة. قلت: قال بعض شيوخنا: عمل المساقاة كله في الذمة كمسلم فيه فيجب ذكره في العقد مبينا كوصف المسلم فيه، وذكر قولي ابن الحاجب، وابن عبد السلام ثم قال: إن كانت بموضع عرفه منضبط فواضح عدم وجوب بيانه مسائل المدونة الدالة على أن العرف كالشرط وإلا فالظاهر وجوب بيانه ففي أكرية الدور من المدونة لا بأس بكراء حانوت لا يسمي ما يعمل فيه، وله أن يعمل فيه ما لا يضر بالحانوت في البناء. قال غيره: إن تفاوت ضر الأعمال لم يجز الكراء إلا على أمر معروف، وقال الباجي: إن كان ثم عرف قام مقام الوصف وإلا فلابد من وصفه. واعلم أنه قصر العامل عما وجب عليه فإنه يؤخذ بذلك قاله سحنون فمن

أعطى كرمه أو زيتونه مساقاة على أن يسقي ويقطع ويجني وعلى أن يحرثه ثلاث حرثات ففعل ما شرط عليه إلا أنه لم يحرثه إلا حرثتين، قال: ينظر إلى عمل جميع الحائط المشترط عليه من سقي وحرث فإن كان ما ترك يكون منه الثلث حط من النصف الذي هو له ثلثه إن ساقاه على النصف ثم على هذه النسبة. وقال مالك: إذا دخل الحائط سيل أقام فيه حتى استغني عن الماء فلا يحاسبه رب الحائط بذلك، قال ابن رشد: وهذا مما لا اختلاف فيه بخلاف الإجارة بالدنانير والدراهم على السقي زمنه، وهو معلوم عند أهل المعرفة فإن سقى المطر الحائط فيجب أن يحط من إجارته قدر ما أقام الماء في الحائط، ويسقط عنه سقيه. (ولا يشترط عليه عملا غير عمل المساقاة ولا عمل شيء ينشئه في الحائط إلا ما لا بال له من سد الحظيرة وإصلاح الضفيرة، وهي مجتمع الماء من غير ان ينشئ بناءها): قال الفاكهاني: قال الغريب سد الحظيرة رويناه بالسين المهملة، وقال بعض شراح الرسالة بالشين المعجمة، ونقل عن يحيى بن يحيى ما حظر بزرب فبالمعجمة، وما كان بجدار فهو بالمهملة. (والتذكير على العامل وتنقية مناقع الشجر وإصلاح مسقط الماء من الغرب وتنقية العين وشبه ذلك جائز أن يشترط على العامل): قال اللخمي: اختلف قول مالك في الإبار فجعله مرة على رب الحائط ومرة على العامل وتأول بعضهم كونه على رب الحائط أنه الشيء الذي يلقح به، وكونه على العامل عمله وتعليقه، وليس ببين. (ولا تجوز المساقة على إخراج ما في الحائط من الدواب):

ما ذكر الشيخ مثله في المدونة ودل كلام الشيخ على أن ما في الحائط من رقيق وشبهه أنه يجب دخوله في العقد سواء اشترط العامل ذلك أو لم يشترطه، وهو كذلك وكذلك الأجراء إن كانت إجارتهم وجيبة فهي على رب الحائط لأنه لم يرو أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أخذ لليهود شيئا مما ذكر أنه يترك للعامل. وقال ابن نافع: لا يكون الرقيق والدواب للعامل إلا أن يشرطهم، والعقد صحيح وقاله عيسى بن دينار محتجا بأن صاحب الحائط يقول: لو اشترطتهم على ما ساقيتك إلا على أقل من هذا الجزء. قال الباجي: وهذا يقتضي أن له اشتراط إخراج ذلك، واختلف إذا نزلت مسألة الشيخ، وهي إذا اشترط إخراج ما في الحائط ويلحق بذلك ما إذا اشترط العامل على رب الحائط إدخالهم في المساقاة وليسوا فيها فقال في المدونة: الثمرة لربها وللعامل إجارة مثله. وقال ابن المواز: له مساقاة مثله فيها وعنه كالأول ولابن القاسم في المدونة إذا اشترط إخراج الرقيق كان للعامل مساقاة مثله. (وما مات منها فعلى ربه خلفه): يريد وكذلك لو مرض أو غاب أو أبق وهو معنى ما في الموطأ والمدونة وزاد في غيرهما، وإن لم يشترط ذلك عليه العامل. قال الباجي: وهذا لأن العقد كان على عمل في ذمة صاحب الحائط ولكنه يتعين

بما فيه بالتسليم، واليد كالذي يكري راحلته مضمونة ثم يسلم إحدى وراحله إلى الراكب فإن ليس له أن يبدلها، ولم يكن ذلك بمنزلة العبد المستأجر بعينه؛ لأنه ليس في الذمة. قال: وهذا إذا كان مستأجراً لجميع العام، وأما إن كان مستأجرًا لبعضه فلم أر فيه نصا وعندي أنه يعوض عنه من يتم العام كالموت، واختلف فيما رث من آلة الحائط كالأجبل والدلاء والزرانيق فقيل: على رب الحائط خلفه كالدواب، وقيل: يكون ذلك على العامل هذان القولان حكاهما الباجي، وإنما ترك هذا الأصل في الدواب والرقيق؛ لأن مدة حياتها مجهولة فلو لم تتعلق الخدمة حينئذ بذمة رب الحائط لفسدت المساقاة للغرر، وأما الآلة فأمد الانتفاع بها معلوم في العادة فوجب بقاؤها على مقتضى الأصل في التعيين ولو سرق ما ذكر فعلى ربه خلفه اتفاقًا ثم إذا مضي قدر الانتفاع جاء القولان قاله ابن الحاجب. (ونفقة الدواب والأجراء على العامل): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وهر المشهور وفي مختصر ما ليس في المختصر أن نفقة الرقيق على رب الحائط، قال اللخمي: وهو مقتضى القياس ولأ، ها على العامل كالطعام بطعام إلى أجل، وأما في المدنة فقدم فيه خبر الواحد على القياس؛ لأنه لم يرو أنه (صلى الله عليه وسلم) كلف بشيء من ذلك لأهل خيبر، وفي المدونة فيمن سوقي في أصل أو زرع فله مساقاة غيره في مثل أمانته فإن ساقى غير أمين ضمن. وقال اللخمي: للعامل أن يدفعه لأمين وإن لم يكن مثله في الأمانة، وقال ابن رشد: إن ساقي أمينا مثله جاز اتفاقًا، وإن كان دونه في الأمانة إلا أنه مأمون فيتخرج على ما تقدم في سماع عيسى من كتاب الشفعة يعني: أنه يتخرج فيه القولان، قال فيه: من اشترى شقصًا بثمن لأجل لشفيعه الشفعة فيه، وإن كان مليا دون المشتري في الملاء لغير حميل يلزمه، قاله محمد، وقال أشهب: ليس له ذلك إلا بحميل مثل المشتري في الملاء. واختلف أشياخ أشياخنا في لفظ المدونة مثل قولها هنا وذلك أن أول لفظها يدل على شرط المساواة وآخر لفظها يدل على الاكتفاء بمطلق الأمانة فكان بعضهم يحمل قولها على قولين إذا كانا منصوصين خارجها وكان بعضهم يجعل آخر الكلام مفسراً لأوله وقاضيا عليه. وحمل ابن عبد السلام قول المدونة هنا على ما فهم من لفظها الأول من

المساواة معترضًا قول ابن الحاجب له أن يساقي أمينا غيره بأنه خلاف المدونة ومقتضى النظر لأن المطلوب كون الثاني مساويا للأول في الأمانة، والقوة على العمل، وأجاب عن ظاهرها الثاني ما جرت به عادة المتقديمن في التمثيل بالجلي وأطال الكلام في ذلك فانظره. قال ابن رشد في البيان: وظاهر قول مالك له أن يساقي أمينا أن المساقي الثاني محمول على غير الأمانة حتى تثبت بخلاف ورثة العامل، وهذا هو ظاهر ما في المدونة في القراض، والمساقاة والفرق بينهما أن مال القراض يغاب عليه بخلاف الحائط على المساقاة قال خليل: وهذا هو الفرق في إجازة مساقاة العامل غيره وعدم جواز مقارضة العامل غيره. (وعليه زريعة البياض اليسير): إنما قال ذلك، لأنه لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم دفع إلى أهل خيبر شيئاً من البذر وكأنه من جملة العمل الذي يكون على العامل، ولذلك قال جماعة من أهل العلم: يجوز إعطاء الأرض بما يخرج منها، وممن قال بذلك خارج المذهب أحمد بن حنبل، وبه قال يحيى بن يحيى من أصحابنا ذكره عياض في مداركه وغيرها ويريد المشيخ باليسير الثلث، فأقل. واعلم أن هذه إحدى المسائل التى الثلث فيها يسير. وثانيتها: هبه ذات الزواج ثلث مالها. وثالثها: الوصية بالثلث. ورابعتها: استثناء ثلث الصبرة إذا باعها وكذلك الثمار والغنم إذا باعها وكذلك بيع الشاة واستثناء عند أشهب. وخامستها: حلية السيف المحلى إذا كانت الثلث فلا بأس أن تباع بما فيها. وسادستها: قطع ثلث الأذن والذنب من الأضحية على أحد القولين وحكموا بالكثرة للثلث في الجائحة، وفي حمل العاقلة ولا تحمل ما دونه، وفي المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها فإذا بلغت الثلث رجعت إلى عقلها، وفي استحقاق الدور، وكذلك الطعام على خلاف فيه. (ولا بأس أن يلغي ذلك للعامل، وهو أحله وإن كان البياض كثيرًا لم يجز ان يدخل في مساقاة النخل): كلامه يدل على أن لا بأس لما هو خير من غيره وهو كذلك، قال في المدونة:

أحب إلي أن يلغى البياض للعامل وهو أحله. قال ابن عبد السلام: يعني: ليسلم من كراء الأرض بالجزء مما يخرج منها غير أنه لفظ فيه نظر إذا لا ينبغي أن يطلق تفضيل الحلية على شيء لم يفعله النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا أمر به ويجعل راجحا على شيء فعله. قلت: ما ذكر قرره عبد الحق سؤالا وأجاب عنه بأنه جاء في الحديث الآخر أنه (صلى الله عليه وسلم) تركه لهم. قال شيخنا أبو مهدي رحمه الله تعالى: واعلم أن الحلال متفاوت فما كان دليله قاطعا أو له أدلة كثيرة يؤتى فيه بصيغة أفعل، وما كان على غير ذلك فلا يقال: حلال وأحل وحرام كما قال في المدونة قيل لمالك: فإن ضرب للبيع أجلا قال: فذلك أحرمه قال: ونص على ذلك المازري في تعليقه على المدونة. (إلا أن يكون قدر الثلث من الجميع فأقل): ما ذكر الشيخ من أن التبعية منسوبة للجميع هو المشهور، وقال ابن عبدوس: إنما يراعي أن يكون تبعًا لحصة العامل خاصة ومعرفة التبعية على الشيخ هو أن يقوم كراء البياض فإن قيل: خمسة نظر إلى الثمرة وقدرها عادة وطرح منها قدر النفقة فإن كان الباقي إذ ذاك ما قاله عشرة فأكثر جاز لتحقق التبعية، وإن كان أقل من عشرة لم يجز لأن كراء البياض حينئذ أكثر من الثلث ونسب اللخمي في أول أكرية الدور القول المشهور لابن القاسم، وغلطه قال: لأن السقي والعلاج ثمن الثمرة فكيف يصح أن يحط أحدهما من الآخر وإنما باع العامل عمله بالجزء الذي يأخذه بعد الطيب، وإنما يطيب علىملك رب الحائط، ولذلك قيل: يزكى إن كان في جملته خمسة أو سق، وإن كان علامل عبدًا أو نصرانيًا وغلطه بعض شيوخنا فقال: تغليطه غلط؛ لأن كراء البياض لما كان محض فائدة وجب أن لا ينسب إلا لما هو فائدة والذي هو فائدة من الثمرة إنما هو الباقي بعد قيمة مؤنتها. (والشركة في الزرع جائزة إذا كانت الزريعة منها جميعا والبرح بينهما كانت الأرض لأحدهما والعمل على الآخر أو العمل بينهما واكتريا الأرض أو كانت بينهما أما إن كان البذر من عند أحدهما ومن عند الآخر الأرض والعمل عليه أو عليهما والربح بينهما لم يجوز ولو كانا اكتريا الأرض والبذر من عند واحد وعلى الآخر العمل جاز إذا تقاربت قيمة ذلك): اختلف المذهب هل تلزم الشركة بالعقد أم لا؟ على ثلاثة أقوال حكاها ابن

رشد فقيل: تلزم به قاله سحنون وابن الماجشون، وابن كنانة، وابن القاسم في كتاب ابن سحنون وقيل: لا تلزم به بل بالشروع قاله ابن كنانة في المبسوط وبه جرت الفتوي بقرطبة، وهو على قياس رواية على فى لزوم الجعل بالشروع. وقيل: لا تلزم إلا بالأبدان قاله ابن القاسم في المدونة ورواه عنه أصبغ في العتبية، وعلى هذا الخلاف ينبني سلف أحدهما بعد العقد. قال أبو عمران الصنهاجي: وهذه إحدى المسائل التى لا تلزم بالعقد وكذلك القراض والجعل والمغارسة والوكالة والذي يلزم بالعقد البيع والنكاح والإجارة والكراء والمساقاة على خلاف. قال عياض: ووجوه الشركة ثلاثة: أحدهما: أن يشتركا في الأرض والعمل والآلة والزريعة فإنها جائزة باتفاق. الثاني: أن يختص أحدهما بالبذر من عنده والآخر بأرض لها قيمة ويشتركان في غيرهما بالتساوي أو بالتفاوت فإنها فاسدة باتفاق لاشتمالها على كراء الأرض بما يخرج منها إلا على قول الداودي الذي يجيز كراءها بما يخرج منها والأصيلي، ويحيى بن يحيى في جواز كرائها بالجزء، وهو مذهب الليث بن سعد في الوجهين وكلاهما خلاف مذهب مالك، وأصحابه. الثالث: أن يشتركا على غير غير هذين الوجهين وفي شركتهما خلاف مشهور معلوم في الأصل. وقال ابن حارث: اتفقوا إذا كانت الأرض من عند أحدهما والبذر من عند الآخر أن الشركة فاسدة بكل حال، وهو قصور لما سبق من نقل عياض. قال اللخمي: لو اشتركا على أن تكون الأرض والبذر كلاهما من عند واحد، والعمل على الآخر فذهب سحنون إلى جوازها، وذهب ابن حبيب وابن المواز إلى منعها وقد قال ابن عبد السلام: هذه مسألة الخماس، وقد قال ابن رشد فيهما: إن عقداها بلفظ الشركة جازت بلا خلاف، وإن عقداها بلفظ الإجارة امتنعت بلا خلاف، وإن كان العقد عاريا من اللفظين فأجاز ذلك ابن القاسم، ومنعه سحنون ورأى أن هذا تحصيل المذهب في ذلك. قلت: واعترضه بعض شيوخنا بوجهين: أحدهما: أنه عكس العزو بل في أجوبه ابن رشد ما نصه حمله ابن القاسم على الإجارة فلم يجزه وإليه ذهب ابن حبيب، وحمله سحنون على الشركة، فأجازه وعبر

عنها بما إذا قال: أدفع لك أرضي وبذري وبقري وتتولي أنت العمل. الثاني: دعواه أن مسألة عرفنا هي مسألة سحنون وابن المواز فيه نظر من وجوه: أحدها: إن عرفنا في الخماس بإفريقية في زمانه، وقبله وبعده إنما هو على أن كل التبن لرب الأرض، والبذر ومسألتهما ليس فيها اختصاص رب الأرض والبذر بشيء. والثاني: أن مسألتهما فيها المنفرد بالعمل أخرج معه البقر، ومسألة عرفنا لا يأتي العامل بشيء بل يعمل بيده فقط، وكونه كذلك يصيره أجيرا أو يمنع كونه شريكًا. الثالث: أن ظاهر أقوال المذهب أن شرط الشركة كون العمل فيها مضمونا لا عمل عامل معين ومسألة عرفنا إنما يدخلون فيها على أن العامل معين بنفس العمل، والحامل لنا على هذا الكلام خوف الاغترار بقوله فيعتقد أن في مسألة عرفنا قولاً بالصحة، وليس الأمر كذلك فتأمله منصفا. ولقد أجاد ونصح شيخ مشايخنا الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن شعيب حيث سئل عن مسألة الخماس في الزرع بجزء مسمى من الزرع هل يجوز أم لا؟ وهل ينهض له عذر في إباحته لتعذر من يدخل على غير هذا؟ فأجاب بأنها إجارة فاسدة وليست بشركة؛ لأن الشركة تستدعي الاشتراك في الأصول التي هي مستند الأرباح وعدم المساعدة على ما يجوز من ذلك لا ينهض عذراً لأن غلبة الفساد في ذلك، وأمثاله إنما هو من إهمال حملة الشرع، ولو تعرضوا لفسخ عقود ذي الفساد لما استمروا على فسادهم فإن حاجة الضعيف إلى القوي أشد قال الله تعالى: (فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين* فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين* والوزن يومئذ الحق) [الأعراف: 6 - 8]. قلت: وكان الشيخ الخطيب المفتي أبو عبد الله محمد الرماح يفتي بأنه عذر يبيح الشركة على الوجه المذكور، وتبعه مفتينا بذل شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي رحمه الله تعالى، وكلاهما من القرويين نفعنا الله تعالى ببركاتهما. (ولا ينقد في كراء أرض غير مأمونة قبل أن تروي): يريد بشرط وظاهر كلامه أن العقد عليها جائز وهو كذلك عند ابن القاسم. قال ابن رشد: لا يفرق ابن القاسم بين الأرضين في جواز العقد لعام أو لعامين أو لأعوام كثيرة ولو كانت غير مأمونة وفي جواز النقد قسمان، فالمأمونة كأرض النيل والمطر المأمون والسقي بالأنهار والعيون الثابتة، والآبار المعينة النقد فيها للأعوام الكثيرة جائز، وغير المأمونة لا يجوز فيها إلا بعد ريها وإمكان حرثها كانت من أرض

النيل أو المطر أو العيون أو الآبار وهي في وجوب النقد قسمان أرض النيل يجب فيها إذا رويت لأنها لا تفتقر إلى السقي بريها يكون المكتري قابضًا لما اكترى، وفي أرض ... السقي والمطر لا يجب فيها حتى يتم الزرع ويستغني عن الماء وكذلك ما يزرع بطونا لا يلزمه في البطن حتى يستغنى عن الماء. ووافقه ابن الماجشون في أرض النيل، وفي أرض المطر والسقي غير المأمون وخالفه وفي أرض السقي المأمون وجعلها ابن القاسم كأرض المطر والسقي غير المأمون وجعلها ابن الماجشون كأرض النيل والأرض عغلى قول ابن الماجشون أربعة أرض النيل المأمونة يجوز كراؤها الأعوام الكثيرة ولو بالنقد قرب إبان ريها أو بعد قاله في المدونة. وأرض السقي بالآبار والأنهار يجوز كراؤها العشرة الأعوام لا أكثر والنقد فيها على مذهبه جائز قاله فضل، وأرض السقي بالعيون لا يجوز كراؤها إلا الثلاثة أعوام أو أربعة ولا ينقد إلا السنة يريد ينقد للسنة الثانية قبل تمام الأولى بيسير وإن لم ترو الأرض هذا قوله في الواضحة، وأرض المطر لا يجوز كراؤها إلا لعام واحد قرب إبان ريها، ولا يجوز النقد فيها حتى تروي ريا مبلغا لزراعها أو لأكترها مع رجاء وقوع غيره قاله في المدونة. قلت: وما فسر به ابن رشد قول الغير فسره المتيطي لأشهب. (ومن ابتاع ثمرة في رءوس الشجر فأجيح ببرد أو جراد أو جليد أو غيره فإن أجيح قدر الثلث فأكثر وضع عن المشترى قدر ذلك من الثمن، وما نقص عن الثلث فمن المتباع): قال بعض شيوخنا: الجائحة ما أتلف من معجوز عن دفعه عادة قدرا من الثمرة أو نباتا بعد بيعه. روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح. قال عبد الحق وروى أبو محمد من حديث عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصيب ثلث الثمرة فقد وجب على البائع الوضيعة" وظاهر كلام الشيخ أن الجائحة لا تختص بالأفات السماوية وهو كذلك في المشهور.

وقال ابن الماجشون: هي مختصة بها، وظاهر كلامه أيضًا ولو كانت الثمرة صداقًا فإنه لا جائحة فيها لقوله: ومن ابتاع؛ لأن إطلاق البيع على ذلك مجاز؛ لأن الصداق نحلة، وهو كذلك عند ابن القاسم؛ لأنه يشترط البيع المحض خلافًا لابن الماجشون، وصوبه اللخمي وابن يونس وضعف ابن رشد قول ابن القاسم بإيجاب الجائحة في العرية مع أنها لست بيعًا محضا. وأجابه شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني رحمه الله بأنها بيع محض، وإنما المعروف فيها هبة الثمرة أولا وليست بمحل النزاع، ويريد الشيخ ما لم تكن الثمرة مشتراة مع الأصل فإنه لا جائحة فيها، ونص على ذلك في المدونة والموازية. وقيل بثبوتها إن عظم خطرها قاله أصبغ، وظاهر كلام الشيخ، ولو اشترط إسقاط الجائحة، وهو كذلك في سماع ابن القاسم. قال ابن رشد: لأنه لو أسقطها بعد العقد لم تلزمه لأنه أسقط حقا قبل وجوبه، وكذلك في العقد، ولا يؤثر فساده؛ لأنه لاحظ له من الثمن، ولأن الجائحة أمر نادر. قلت: وما ذكره من السماع نقلة اللخمي عن رواية محمد، ونقل عن السليمانية أن البيع فاسد، واختار أن يخير البائع فإن أسقط شرطه صح البيع وإلا رد وله في الفوات الأكثر من الثمن أو القيمة، واختلف إذا لم تهلم الثمرة بل تعيبت كالغبار يصيبها أو الريح يسقطها قبل تناهي طيبها فتنقص قيمتها ففي البيان المشهور أن ذلك جائحة ينظر ما نقصها هل الثلث أم لا؟ وقال ابن شعبان، وهو أحد قولى ابن الماجشون: ليس ذلك بجائحة، وإنما هو عيب المبتاع بالخيار بين أن يتماسك أو يرد واختلف هل يعتبر الثلث في ذلك من الملكية أو من القيمة والأول لابن القاسم، والثاني لأشهب. (ولا جائحة في الزرع ولا فيما اشترى بعد أن يبس من الثمار): ما ذكر الشيخ هو المشهور وقيل: فيه الجائحة قال ابن الحاجب: لو انتهت كالعنب يطيب والبقول والقصيل فلا جائحة كالتمر على النخل. وقال سحنون: فيه الجائحة. قلت: وقول سحنون نقله المتيطي عبد الرحمن بن دينار عن ابن كنانة، ونقل ابن يونس عن سحنون مثل المشهور. (وتوضح جائحة البقول وإن قلت وقيل لا يوضع إلا قدر الثلث): القول الأول من قولى الشيخ هو رواية ابن القاسم والقول الثاني هو رواية على بن زياد وابن أشرس وكلاهما في المدونة، ولم يقع ذكر ابن أشرس في التهذيب إلا

هنا فيما قد علمت، وحكى ابن الجلاب عن مالك ما تقدم وزاد ورواية ثالثة بأنه لا جائحة فيها بالإطلاق، ولم يحفظها ابن حارث بل ذكر مثل ما ذكر الشيخ فقال: اتفقوا على وضع جائحة البقل واختلفوا في قدر ما يوضع ومثل ما ذكر ابن حارث ذكر اللخمي في المقانئ وألحقوا الزعفران والريحان والقرط والقضب بالبقول واختلف في الأصول المغيبة في الأرض مثل الجزر واللفت والبصل هل هي كالبقول أم لا؟ ومذهب المدونة أنها كالبقول وألحق أشهب المقانئ بالبقول فتوضع، وإن قلت: ألحقها ابن القاسم وابن المواز وابن حبيب بالثمار وكذلك اختلف في قصب السكر على ثلاثة أقوال كالبقل، واختلف في وضع الجائحة في ورق التوت. فقيل: توضع بالإطلاق قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد، وقيل: إذا بلغت الثلث قاله ابن حبيب. قال ابن سحنون: وانظر لو مات دود الحرير الذى لا يراد ورق التوت إلا له هل يكون مشتريه كمكتري حمام أو فندق ثم جلا بلده فلم يجد من يعمره فيكون له متكلم أو لا يشبهه؛ لأن منافع الربع في ضمان مكتريه وورق التوت مبتاعه يضمن بالعقد كمن اشترى علفا لقافلة تأتيه فعدلت عن محله أو ليس هي مثله لا مكان نقل الطعام حيث يباع وورق التوت لا ينقل. قال ابن يونس: وكذلك لو اشترى قوم ثماراً من بلد فانجلى أهلها لفتنة أو لموت كان ذلك جائحة. (ومن أعرى ثمر نخلات لرجل من جنانة فلا باس أن يشتريها إذا أزهت بخرصها ثمرا يعطيه ذلك عند الجداد إن كان فيها خمسة أو سق فأقل): العرية بتشديد الياء لغة وعرفا يقال عرية وعرايا، قاله عياض والأصل في ذلك ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من الثمر" وثبت لفظ " رخص" في حديث مسلم والبخاري وأبي داود. قال الباجي: الرخصة عند الفقهاء تخصيص بعض الجملة المحظورة بالإباحة وسموها رخص؛ لأنها مستثناة من قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تبيعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها ولا تبيعوا التمر بالتمر"، وقال المازري: هي مستثناة من بيع الرطب بالتمر وربا الفضل والنساء. قال ابن رشد: اختلف في جواز بيع العرية على ثلاثة أقوال:

باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

فقيل: تجوز بالخرص والعين، وهو المشهور، وقيل: تمنع إلا بالخرص، وقيل: يمنع شراؤها بكل شيء للنهي عن العودة في الهبة وعن الربا وعن بيع الرطب بالتمر، واختلف إذا أعطاه الثمرة بغير لفظ العرية بل بلفظ الهبة والمنحة مثلاً فالمشهور عدم جواز الشراء اتباعا للفظ الحديث، وقيل: إنه جائز قاله ابن حبيب، وغيره، واختلف في علة شراء العارية فقيل: لقصد المعروف، وقيل: لرفع الضرر. قاله ابن الماجشون، وعلله بهما معًا مالك وابن القاسم، والمراد على البدلية لا على لاجمع وعلى هذا الخلاف أجروا إذا أراد أن يشتري بعضها أو جميعها، وهي كل الحائط، وما ذكر الشيخ أن المعتبر خمسة أو سق هي رواية المصريين، وروى أبو الفرج عن مالك يشترط أن تكون أقل من الخمسة. (ولا تجوز شراء أكثر من خمسة أو سق إلا بالعين أو العرض): ظاهر كلام الشيخ ولو أعراه عرايا من حوائط عدة فإنه لا يشتري إلا الخمسة فقط، وهو كذلك عنده وعند يحيى بن عمر رضي الله عنهما، وقيل: يشتري من كل حائط خمسة أو سق قاله أبو الحسن القابسي. وقيل: إن كانت بلفظ واحد فالأول وإلا فالثاني قاله الشيخ أبو القاسم بن الكاتب، ورجحه عبد الحق لقول مالك: من اشترى حوائط فأصابتها جائحة: إنها إن كانت في صفقة واحدة اعتبر ثلث الجميع، وإن كانت صفقات اعتبر ثلث كل واحدة وكلها تؤول على المدونة قاله عياض. وقال المازري: وسبب الخلاف هل يتعدد العقد بتعدد المعقود عليه أم لا؟ قلت: ومرضه بعض شيوخنا بقوله هذا يوجب قصر الخلاف على كونها في عقد واحد فيسقط الثالث وقد ذكر الثلاثة غير واحد كعبد الحق. باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء قال بعض شيوخنا الوصية عقد يوجب حقًا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده والوصية مطلقة ومقيدة كما إذا قال: فلان وصيي ولم يزد، فإن قيل: ما الفرق بين هذا، وبين من قال: وكلتك فإنه لا يفيد شيئاً إلا أن يقيد بالتفويض أو بأمر يعرف عند غير واحد من أهل المذهب كابن الحاجب خلافًا لابن رشد. قيل: لأن اليتيم لما كان محتاجا بأن يتصرف له في كل شيء، ولم يوص عليه والده غير ما أطلق الوصية له كان ذلك قرينة في تفويض الأمر للوصي بخلاف الموكل فإنه قادر على التصرف فيما جعل للوكيل، ولابد من أمر مستبد به في العادة احتاج

إلى تقييد الوكالة بالتفويض، أو بأمر مخصوص، وهذا الفرق أشبه ما قيل في الفرق بينهما. (ويحق على من ما يوصي فيه أن يعد وصيته): مذهبنا أن الوصية مندوب إليها ويعرض لها والوجوب والتحريم والكراهة والإباحة، وأمثلتها واضحة معلومة، وفي الحديث: " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عند رأسه مكتوبة" فحمله أبو عمران على المريض والصحيح، بعدم أمن الموت فجأة وحمله عبد الحق على المريض، فقال: معناه بيت موعوكا. قلت: والمراد بالكتب والإشهاد على نفسه، وأما لم وجدت مكتوبة بخط يده ولم يشهد عليها فلا تنفع قاله مالك، وغيره. قال عياض: إلا أن يقول إذا مت فينفذ ما كتبته، وظاهر كلام الشيخ أن الوصية ماضية من السفيه والصبي، وهو كذلك. واختلف أبو حنيفة في الصبي، واحتج أهل المذهب بما في الوطأ أنه قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن هنها غلامًا يفاعًا لم يحتلم من غسان وورثته بالشام، وهو ذو مال، وليس له ههنا إلا ابنة عم له فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فليوص لها قال: فأوصى لها بما يقال له: بئر جشم. قال عمر بن سليم الزرقي: فبيع ذلك المال بثلاثين ألف درهم وابنة عمه التي أوصي لها هي أم عمر بن سليم الزرقي. واختلف في السن الذي تجوز وصية الصغير فيه على ستة أقوال: فقيل: تجوز إذا كان ابن عشر سنتين أو أقل باليسير قاله في المدونة، وقيل: ابن تسع سنين قاله في كتاب محمد. وقيل: إن عقل الصلاة قاله أصبغ. وقيل: إن أثغر وأمر بالصلاة وأدب عليها قاله مالك في العتبية، وقيل: إن كان يفاعًا مراهقًا، قاله عبد الملك. وقيل: ينظر إلى حال كل صبي على انفراده، وهذا القول أشار إليه اللخمي، وصوبه بعض المتأخرين قال عبد الملك: وتجوز وصية المجنون في حال إفاقته كما تجوز شهادته كذلك إن كان عدلا.

واعلم أن الوصية من الكافر للمسلم بشيء جائزة إلا أن يمنع من ذلك مانع شرعي كالخمر لمسلم قاله ابن شاس، وأما عكسه فقال ابن القاسم: إنها جائزة قال أشهب: ولو كان أجنبيا. وقال أصبغ: تجوز للذمي لا للحربي؛ لأنها قوة للحربي وترجع ميراثا لا صدقة، ووصايا المرتد باطلة، وإن تقدمت في حال إسلامه لا سيما على قول من يقول إن ماله لا يرد إليه إذا رجع للإسلام. (ولا وصية لوارث): الأصل في ذلك ما خرجه الترمذي وصححه عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته المشهورة عام حجة الوداع: " إن الله تعالى قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر" ويريد الشيخ إلا أن يجيزه الورثة على المنصوص. وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك مردود ولو أجازه الورثة. وحجتنا في ذلك ما خرجه الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" رواه ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس، وعطاء هذا لم يدرك ابن عباس، ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس. قال عبد الحق: وكونه مقطوعا هو المشهور. قلت: وخرج بعض شيوخنا قول المخالف من نقل ابن فتوح عن عبد الملك: ليس لوارث أن يجيز ما زاد الموصي على الثلث؛ لأنه عقد فاسد للنهي عنه، واختلف المذهب إذا وقعت الإجازة هل هو ابتداء عطية أو تنفيذ؟ فقال ابن القاسم في المدونة: إذا أوصى الأب بأكثر من ثلثه فأجازه الابن وعليه دين أن للغرماء أن يردوا ذلك. وقال ابن القصار: إذا أجاز الوارث ما أوصي به الميت من الزيادة على الثلث أو الوصية لوارث كان ذلك تنفيذًا لفعل الميت ولم يكن ذلك ابتداء عطية من الوارث. واختلف إذا أجاز الوارث ولا دين عليه فلم يقبل ذلك الموصي له حتى استدان الوارث دينًا أو مات فقيل: إن غرماء الوارث وورثته أحق بها؛ لأنها هبة ولم تجز.

وقال أشهب: يبدأ بوصية الأب قبل دين الابن وهذا الخلاف ذكره اللخمي فلو قال: إن لم يجيزوا فهي للمساكين، وشبه ذلك، فإن لم يجيزوها كان ميراثا بلا خلاف فإن أجازوها ففي ذلك قولان مرويان عن مالك. قال ابن عبد السلام: والأقرب إلى أصل المذهب إجازتها؛ لأن الحق دائر فيها بين الميت، وورثته، وقد أجمعوا على إجازتها للموصى له، فإن قال للمساكين إلا أن يجيزوه لابني فقال المدنيون: تجوز وقال به من المصريين ابن القاسم، وابن وهب، وقاله أصبغ استحسانا قائلاً: فيه بعض المغمز. وقال أشهب: تبطل قال أصبغ وهو القياس. (الوصايا خارجة من الثلث): ظاهر كلامه أن الثلث ماض، ولو قصد بذلك الضرر، وهو كذلك في أحد القولين، ومثل هذا الخلاف إذا وهبت ذات الزوج ثلث مالها على وجه الضرر. فقيل: إنه جائز قاله ابن القاسم، وأصبغ، وقيل: لا يجوز رواه ابن حبيب، واختار اللخمي الأول قائلاً: قد اختلف في الوصية بالثلث على وجه الضرر. وظاهر كلام الشيخ أيضًا أنه يدخل في ثلث الميت، ما لم يعلم به، وهو كذلك بالنسبة إلى المدبر في الصحة باتفاق، واختلاف في المدبر في المرض والمبتل فيه على أربعة أقوال ثالثها يدخل المبتل دون المدبر، ورابعها عكسه. وأما الوصايا بالمال فالمعروف من المذهب أن ما لم يعلم به إلى حين الموت لا يدخل نص عليه المفيد. قال ابن عبد السلام: ولم أر فيه خلافًا سوي ما ذكر اللخمي حيث قال: اختلف في دخول الوصايا ما لم يعلم به الموصي. قال: فأرى أن يكون ذلك على ثلاثة أقسام فإن كانت الوصايا بالثلث لم يكن لأهل الوصايا غير ثلث ما علم به أوصى لواحد أو لجماعة معينين أو مجهولين فإنه هو الذي أعطاهم الميت فلا يزاد عليه، وإن كانت الوصية بغير الثلث بواجبات من زكاة أو عتق عن ظهار وشبه ذلك، وضاق الثلث تممت مما لم يعلم به ومشي في بقية كلامه بنحو من هذا، وهو العمل على ما يفهم من قصد الموصي، وعلى الأول لو اشتهر غرق سفينة ثم أوصي ثم ظهرت السلامة فهل تدخل أم لا؟ في ذلك قولان، والمنصوص في العبد الآبق والبعير الشارد إذا اشتهر موتها ثم ظهرت السلامة قولان كغرق السفينة.

قال ابن عبد السلام: لتقارب الفقد حمل الصور كلها محملا واحدًا. قلت: قال بعض شيوخنا فظاهر كلامه يقتضي أن الخلاف في العبد إنما هو للتخريج اعتمادا منه على لفظ اللخمي، وهو خلاف قول ابن شاس في العبد الآبق والبعير الشارد إن اشتهر موتهما روايتان لأشهب، وهذا هو الصواب لنقل الشيخ أبي محمد عن الموازية، والمجموعة أن أشهب روى القولين في السفينة والعبد الآبق. وظاهر كلام الشيخ أنه يرد ما زاد وإن كان الزيادة يسيرة، وهو كذلك، واختلف فيه فقيل: فيمن أوصى بعتق عبده إن وسعه الثلث فزادت قيمته على الثلث بشيء يسير عتق ولا يتبع بشيء، وقيل: يتبع بذلك القدر، وقيل: يكون مقدار ذلك القدر رقيقًا كما هو ظاهر كلام الشيخ كما قلناه. وقيل: يرد جميعه بقول الميت إن وسعه الثلث ولا معارضة بين هذا الكلام وبين المشهور في المرأة إذا زادت على ثلثها أنه يبطل الجميع خلافًا للمغيرة؛ لأن المرأة يمكنها استدراك مخرجها بإنشاء الثلث ثانيًا قاله الفاكهاني ثم ذكر فائدة، وهي أن مما اختصت به هذه الأمة ثلاثة أشياء: الصلاة على الميت، وثلث الأموال والغنائم. قال بعض شيوخنا: لا أعرف من خرج الأولين وقال شيخنا أبو مهدي عيسي الغبريني رحمه الله تعالى خرجه أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار من طرق وقال أبو عمر وهي أحاديث واهية. قلت: وبقي عليه من خصائص هذه الأمة ثلاثة أشياء: الأول: اليتيم الثاني: كون الأصل في الأرض الطهارة حتى تظهر النجاسة، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم: " جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلها". الثالث: الوضوء ذكره الفاكهاني عند تكلمه على قول الشيخ في باب ما يجب منه الوضوء والغسل. (ويرد ما زاد عليه إلا أن يجيزه الورثة العتق بعينه مبدأ عليها): نقل الفاكهاني عن المذهب أن من لا ورثة له فإن لا يوصي بأكثر من الثلث بعد أن قال: اختلف في ذلك وظاهر كلام المغربي أن الخلاف مذهبي لقوله في كتاب العدة

وطلاق السنة، وسبب الخلاف في بيت المال هل هو وارث محقق فلا يجوز، وإنما هو جائز للأموال الضائعة فيجوز. (والمدير في الصحة مبدأ على ما في المرض من عتق وغيره، وعلى ما فرط فيه من الزكاة فأوصى به فإن ذلك في ثلثه مبدأ على الوصايا ومدبر الصحة مبدأ عليه وإذا ضاق الثلث تحاص أهل الوصايا التي لا تبدئة فيها): اعلم انه إذا ضاق الثلث أو ما يقدم المدبر في الصحة على المشهور وهو ظاهر المدونة في كتاب الوصايا والصوم، ولابن القاسم قول آخر بتقديم صداق المنكوحة في المرض وهو ظاهر كتاب الإيمان بالطلاق منها. وقيل: إنما يتحاصان قاله ابن القاسم أيضًا ثم المدبرون في الصحة إن كانوا متفاوتين قدم في الثلث الأول فالأول منهم، وإن كانوا في كلمة واحدة فالمشهور أنهم يعتقون بالحصص، وقيل: يقرع بينهم ثم بعد ذلك الزكاة الموصي بها إلا أن يعترف بحلولها وأنه لم يخرجها فتكون من رأس المال، ولو لم يوص فإن الوارث يؤمر بإخراجها ولا يجبر قاله ابن القاسم. وقال أشهب: إذا حلت في مرضه فمن رأس ماله وسواء أوصى بها أم لا، وكلاهما حكاه اللخمي، وهذا الذي ذكرناه من الترتيب هو المشهور، وفي المجموعة أن الزكاة تبدأ على المدبرن وقيل: إنها بعد العتق المعين، وقيل: الوصايا ثم العتق في الظهارة وقتل النفس معًا وقيل: يبدأ عتق النفس إذ لا بدل عنه، وعتق الظهار عنه بدل وهو الإطعام ثم كفارة اليمين ثم المبتلي في المرض والمدبر فيه معًا. وقيل: إن المبتلي في المرض مقدم على المدبر فيه؛ لأن المبتلي يخرج من رأس المال في حياة المعتق إن لو صح من مرضه بخلاف المدبر ثم الموصى بعتقه معينا أو يشترى على المشهور. وقيل: الذي في ملكه مقدم على الذي يشتري لاحتمال أن لم يتم شراؤه وعلى الأول فقيل: يلحق بهما في هذه المرتبة من أوصى بعتقه إلى أجل قريب كالشهر أو أوصى بعتقه على مال يعجله، وقيل: لا يلحقان بهما ثم المكاتب ثم المنذور مثل قوله لله على إطعام عشرة مساكين ثم الموصي بعتقه غير معين، والمال والحج معًا. وقيل: المعتق مقدم وعلى الأول فمعناه إذا كان الحج ضرورة، وأما حج التطوع فالمعتق مبدأ عليه، وهذا الفصل متسع جداً، ولو أفرد له تأليف لكان لذلك أهلا ومحل التكلم بالاستيفاء على ذلك المدونة.

(وللرجل الرجوع عن وصيته من عتق وغيره): لا خلاف أعلمه أن للرجل الرجوع عن وصيته وسواء كانت وصيته في حال الصحة أو المرض بعتق أو غيره. وظاهر كلام الشيخ، ولو أشهد أنه لا رجوع له في وصيته أن له ذلك، وهو كذلك على خلاف بين التونسيين وألف بعضهم على بعض فيها، وقال بعضهم، وهو الشيخ أبو على بن علوان في لزومها بالتزامه. ثالثها: إن كانت بعتق، ولم يعزها. قلت: وفي أول المدبر للتونسي ما يفهم منه اللزوم، ويقوم عدمه من كتاب التخيير والتمليك من المدونة قال فيها: وإن قال: أنت طالق تطليقة ينوي لا رجعة لي عليك فيها فله الرجعة. وقوله: لا رجعه لي عليك البتات باطل إلا أن ينوي بقوله لا رجعة لي عليك البتات، وقاله غير واحد من شيوخنا، والرجوع إن كان بالنطق كما إذا قال رجعت عن وصيتي فواضح، وإن كان أوصى بشيء لزيد ثم أوصي به لعمرو فليس برجوع قاله ابن القاسم في المجموعة. وقال الباجي: بالدرس والتصفية ينتقل اسمه من الزرع إلى اسم القمح والشعير فكان رجوعا، وقوله أدخله بيته تأكيد لمقصوده، وكذلك قوله: وكالة وإنما يريد بلغ حد اكتياله، ولو جصص الدار وصبغ الثوب ولت السويق فليس برجوع، واختلف هل تكون الزيادة للموصى له أم لا؟ فالمشهور أنها له وقال أصبغ: الورثة شركاء بما زاد ميتهم، واختلف إذا بني العرصة، فقيل: برجوع قاله أشهب، وقيل: يشتركان قاله ابن القاسم، واختلف أيضًا في نقض العرصة، فقيل: رجوع، وقيل: لا، قاله أشهب فعورض بما سبق له. (والتدبير أن يقول الرجل لعبده: أنت مدبر أو أنت حر عن دبر مني): قال ابن الحاجب: التدبير عتق معلق على الموت على غير الوصية واعترضه ابن عبد السلام بأنه تعريف بالإضافيات. وقد ذكروا أنه مما يجتنب في التعريف لإجماله وكذلك يجتنب في تعريف الوصية بالعتق مثلا أن يقال: عتق معلق على الموت على غير التدبير فاعترضه، وأجابه بعض شيوخنا بأن ما ذكره عنهم من اجتناب الإضافيات لا أعرفه لهم حيث تقرر في موضعه، وليست الإضافة ملزومة للإجمال فلذلك وقعت في تعريفاتهم كثيرًا كقول القاضي:

القياس حمل معلوم بإضافة حمل إلى معلوم ثم سأل ابن عبد السلام نفسه، فقال: إن قلت: وهل يرد عليه مع ذلك كونه التعريف غير مانع لدخول بعض انواع العتق إلى أجمل كمن علق عتق عبده على موت أجنبي؟ فإن كلامه ينطبق عليه، وليس ذلك تدبيرا عندهم. وأجاب بأن قول على غير الوصية قرينة تدل على أنه إنما أراد كون التعليق على موت المعتق وحده إذ الوصية لا تكون معلقة إلا على موت الموصي وحده. قلت: وقطع ابن هارون بأن كلامه غير مانع بما وقع السؤال عنه. قال بعض شيوخنا: وينتقض بحكم عتق أم الولد فإنه عتق معلق على موت مالكها، ولا يجاب بعدم تعليقه؛ لأنه إن أراد به أنه معنى التعليق اللفظي خرج عنه قوله: أنت حر عن دبر منى فإنه لا تعليق فيه لفظا، وإن أريد به التعليق معنى فعتق أم الولد كذلك وحده بأن قال: التدبير عقد يوجب عتق مملوك من ثلث مالكه بعد موته بعتق لازم والمدبر هو المعتق من ثلث إلى آخره، ولا خلاف في الصيغتين اللتين ذكرهما المؤلف أنهما من صيغ التدبير. اختلف إذا قال لعبده في صحته: أنت حر بعد موتي، فقال في المدونة عن مالك، وابن القاسم، إن أراد به وجه الوصية صدق وإن أراد به التدبير صدق. وقال ابن القاسم: هي وصية أبدًا حتى يتبين أنه أراد التدبير، وقال أشهب فيها: إذا قال هذا في حين إحداث وصية لسفر أو لما جاء أنه لا ينبغي لأحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه فهو تدبير إذا قال ذلك في صحته. واختلف إذا قيد تدبيره بشرط كقوله: إن مت في سفري أو في مرضي فقيل: إنها وصية قال ابن القاسم إلا أن يكون قصد التدبير، وقيل: هو تدبير لازم قاله ابن كنانة، وابن سحنون، وابن القاسم أيضًا. وفي المدونة: إذا قال: أنت حر يوم أموت كقوله: أنت حر بعد موتي، وناقضوها بقول مالك فيمن قال لزوجته: أنت طالق يوم أموت، إنه يعجل عليه. قال ابن يونس: فينبغي عليه أن يكون في قوله: أنت حر يوم أموت معتقًا إلى أجل. قلت: قال بعض شيوخنا: وقد يفرق بينهما بأن تعليقه على الموت ظاهر في كونه بعده فلما كان العتق يصح بعد الموت حمل عليه عملا برجحان حمل اللفظ على ظاهره، ولما لم يصح الطلاق بعد الموت حمل على أنه قبله صونا للفظ من حمله على الإهمال. (ثم لا يجوز له بيعه وله خدمته): يريد إلا في دين سابق ولا خصوصية للبيع بل، وكذلك هبته والصدقة به نقله

رحمه الله تعالى عن الموازية، وما ذكر أنه لا يجوز بيعه هو المشهور مطلقًا. وفي نوازل ابن الحاج عن ابن عبد البر: كان ابن لبابة يفتي ببيعه إذا تخلق على مولاه وأحدث أحداثا قبيحة لا ترضى كما روي عن عائشة رضي الله عنها، وأول ابن رشد فعل عائشة بأنها أرادت قتلها بالسجن وذلك بين من قولها أرادت تعجيل العتق فحرمتها منه كحرمان القاتل من الميراث. وقال الشافعي وغيره: التدبير وصية يجوز بيعها بكل حال. قال ابن عبد البر: وناقض الشافعي على مالك بيع المدبر في المقاواة فيما إذا دبر أحد الشريكين قال غيره: وأجاب سحنون بأن المقاواة إنما قلنا بها لإزالة الضرر عن الشريك الذي لم يدبر وعلى المشهور فإن بيع فإنه يفسخ ما لم يفت اتفاقًا. واختلف إذا فات بعتق المشتري له فقيل: بإمضاء البيع ويكون الولاء للمشتري وقيل: يفسخ البيع، ويرجع مدبرا على ما كان عليه والقولان لمالك. (وله انتزاع ماله ما لم يمرض وله وطؤها إن كانت أمة ولا يطأ المعتقة إلى أجل ولا يبيعها وله أن يستخدمها): يريد إذا كان المرض مخوفا عليه فيه، وما ذكر الشيخ زعم ابن حارث في ترجمة باب جامع المدبر الاتفاق عليه. وقال ابن هارون: حكي ابن رشد في المريض أن له انتزاع ماله؛ لأنه ينتزعه لنفسه وحكاه ابن عبد السلام بلفظ: وقيل له: انتزاعه مطلقًا. قال: وهو الأصل قال بعض شيوخنا: ولا أعرفه وأظنه لابن نافع، ولم أجده لابن رشد، وظاهر كلام الشيخ: ولو فلس السيد أنه يجوز له أن ينتزع ماله، وهو ظاهر المدونة. وقيل: ليس له ذلك وجعله ابن الحاجب المذهب، فقال: وللسيد أخذ ماله ما لم تحضره الوفاة أو يفلس وأراد بقوله ما لم تحضره الوفاة ما لم يمرض المرض المخوف، وليس لغرماء السيد أخذ ماله. واختلف هل لهم أن يجبروا السيد على انتزاعه أم لا؟ فالمنصوص أن ليس لهم ذلك، وخرج بعضهم مما قيل في المذهب فيمن حبس عليه الحبس وشرط عليه المحبس أن يبيع متى احتاج إلى البيع أن للغرماء جبر السيد المحبس عليه على البيع أن يكون للغرماء إجبار القادر على انتزاع مال عبده. (وله أن ينتزع مالها ما لم يقرب الأجل وإذا مات فالمدبر من ثلثه والمعتق إلى أجل من

رأس ماله): قال الفاكهاني: قدر القرب الشهر والشهران. (والمكاتب عبد ما بقي عليه شيء): قال ابن عبد السلام: لما كانت حقيقتها العرفية معلومة، وهي إعتاق العبد على مال منجم لم يتعرض ابن الحاجب إلى رسمها، واعترضه بعض شيوخنا بأنه يدخل في كلامه عتقه على منجم على أجنبي، وليس بكتابة ولا حكمه حكمها وحدها بأن قال الكتابة عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه. قال ابن عبد السلام: قالوا: والحد الذي تجوز فيه كتابة المكاتب إذا بلغ حد السعاية، وهو بلوغ سنه عشر سنين، واختلف في كتابة الصغير والأمة للذين لا مال لهما، ولا يسعيان بالجواز، والكراهة. وظاهر كلام أشهب التحريم لقوله: تفسخ كتابة الصغير ما لم يعرف بالأداء. قلت: قال بعض شيوخنا: تأمل قوله: قالوا: فإن أراد بذلك على قول أشهب فهو خلاف نصه تمنع كتابة ابن عشر سنين، وإن أراد على قول ابن القاسم فظاهر نقل الباجي عنه جوازه، وإن لم يبلغ عشر سنين. (والكتابة جائزة على ما رضيه العبد وسيده ما المال منجما قلت النجوم أو كثرت): اعلم أن قول الشيخ جائزة نفي لما يتوهم، وإنما أراد أنها مندوب إليها. قال الله تعالى: (والذين يبتغون الكتب مما ملكت أيمنكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا وءاتوهم من مال الله الذي ءاتكم) [النور: 33] ، ونص على الندبية ابن شعبان في نقل الباجي، وعزاه اللخمي لرواية ابن القصار في قول مطرف وتأول اللخمي عن مالك في الموطأ أنه يقول: الكتابة مباحة لا مندوب إليها لقوله هناك: إن بعض أهل العلم كان إذا سئل عن آية الكتاب تلا قوله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا) [المائدة: 2] ، وقوله: (فإذا قضيت الصلوة فانتشروا) [الجمعة: 10] قلت: وعزاة الباجي لإسماعيل القاضي وعبد الوهاب، ورواية ابن الحاجب، وقال اللخمي، أرى إن كان العبد لا يعرف بسوء وسعاية من مباح وقدر الكتابة ليس بأكثر من خراجه بكثير فمباحة، وإن عرف بالسوء والإذاية فمكروهة، وإن كانت سعايته من حرام فحرمة. وظاهر كلام الشيخ: أن السيد لا يجبر عبده على الكتابة، وهو كذلك على

المشهور وروى إسماعيل القاضي عن مالك أنه يجبره وهو ظاهر سماع أشهب، وبه قال ابن بكير وإسماعيل، وأخذه ابن رشد من قول المدونة عتقه بتلاً على مال عليه بعد العتق دينًا فالكتابة أحرى. ورده بعض شيوخنا بتحقق العتق في مسألة المدونة وأما الكتابة فهي معروضة للعجز بعد أداء جلها واختار اللخمي أن السيد إذا رضي من عبده بمثل خراجه أو زيادة يسيرة فله الجبر، وإلا فلا وحسنه ابن عبد السلام قائلاً: لأنها منفعة للعبد خالية عن الضرر. واختلف المذهب إذا اشترط السيد وطء مكاتبته، واستثنى حملها فقيل: إن الشرط ساقط، قاله ابن القاسم، ونقل ابن المواز عن أشهب عن مالك أن الكتابة تفسخ إلا أن يرضي السيد بطرح الشرط، واختار ابن المواز مثله ما لم تؤد نجما منها فإن الكتابة ماضية، ويبطل الشرط. واختلف هل تنافي الكتابة الحلول أم لا؟ فقيل: تنافيه؛ لأن الكتابة لم تقع قديمًا وحديثا إلا مؤجلة. وقيل: إنها كالبيع تقبل الحلول والتأجيل غير أن الغالب عليه عند أهل المذهب التأجيل، ولذلك قالوا: إذا أوصى الموصي بالكتابة مجملة نجمت على حسب ما يراه أهل المعرفة. وزعم ابن رشد أنه مذهب مالك قال: وقول الشيخ أبي محمد في رسالته الكتابة جائزة على ما رضيه العبد وسيده من المال منجما ظاهر في أنها لا تكون إلا منجمة وليس بصحيح، وإنما منعها حالة أبو حنيفة ورده بعض شيوخنا بأن قول أبي محمد لا يدل على منعها حالة بل عدم صدق لفظ الكتابة عليها فقط فتأمله. (فإن عجز رجع رقيقًا وحل له وأخذ منه ولا يعجزه إلا السلطان بعد التلوم إذا امتنع من التعجيز): ما ذكر الشيخ من أنه إذا عجز رجع رقيقًا وحل له ما أخذ منه هو مذهبنا واضطراب العلماء فيه اضطرابًا كثيرًا وظاهر كلام الشيخ أنهما إذا اتفقا على التعجيز لا يفتقر إلى السلطان وإن كان له مال ظاهر، وهو كذلك عند مالك. وقال أيضًا: إن كان له مال ظاهر فلابد من تعجيز السلطان. وقال سحنون: لابد من السلطان مطلقًا، وكلها نقلها اللخمي قائلاً: وعلى القول بالمنع إذا رضي بالفسخ، ولم ينظروا في ذلك حتى فات بالبيع أو بإعتاق المشتري فقيل: البيع فوت، وقيل: ليس بفوت إلا أن يفوت بعتق.

وقيل: يريد البيع، ولو أعتق فإنه ينقض، وقيل: إذا باع السيد رقبته برضاه جاز قاله ابن القاسم في الديماطية، وقول الشيخ: لا يعجزه إلا السلطان ظاهر في أن التلوم لابد منه سواء كان يرجى له الخلاص أم لا!! وهو كذلك إلا أن القلة والكثرة تختلف بذلك صرح في المدونة، وفيها أيضًا: ومن شرط على مكاتبه أنه إن عجز عن نجم ما فهو رقيق، وإن لم يرد نجومه إلى أجل كذا فلا كتابة لم يكن للسيد تعجيزه بما شرط، ولا يعجزه إلا السلطان بعد أن يجتهد له في التلوم بعد الأجل، فمن العبيد من يرجي لهم في التلوم، ومنهم من لا يرجى له فإن رأى له وجه أداء تركه، وإلا عجزه فظاهرها أن التلوم لابد منه وإنما الاجتهاد في قدره. وقال المغربي: إنها محتملة لذلك، ومحتملة لأن يكون معناها أن من لا يرجى له لا يتلوم له كمسألة العجز عن النفقة فإن للشيوخ تأولين عليها، وليس كذلك بل الفرق من وجهين: أحدهما: حق الله هنا وحق الآدمي هناك، وقد علمت أن حق الله آكد. والثاني: أن العبد مظنة أن يرجى له لأن الغالب كونه ممن يتصدق عليه ويوهب له بخلاف الحر فليس هو في مظنة ذلك، والله أعلم. (وكل ذات رحم فولدها بمنزلتها من مكاتبة أو مدبرة أو معتقة إلى أجل أو مرهونة وولد أم الولد من غير السيد بمنزلتها): قال التادلي: يخرج من هذا العموم الأمة المستأجرة والمستخدمة والموصى بعتقها. قلت: لا يحتاج إلى هذا الإخراج لقوله: من، فليس في كلامه عموم وظاهر كلام الشيخ سواء حملت به بعد العقد أو قبل العقد، وهو كذلك وسواء كان من زوج أو من زنا. (ومال العبد له إلا أن ينتزعه السيد فإن أعتقه أو كاتبه، ولم يستثن ماله فليس له أن ينتزعه، وليس له وطء مكاتبته، وما حدث للمكاتب والمكاتبة من ولد دخل معهما في الكتابة وعتق بعتقهما): ظاهر كلام الشيخ أنه يملكه حقيقة فيقوم من كلامه فرعان: الفرع الأول: أنه يجوز له أن يطأ جاريته إذا ملكها، وهو كذلك نص عليه مالك في الموطأ. قال ابن زرقون وذكر ابن القصار أن أهل العراق لا يجيزون للعبد أن يطأ

جاريته وتقدم نحو كلامه على أبي عمر يريد أنه قال فيما سبق من يقول العبد لا يملك لا يجوز له التسري بحال، وما في الموطأ هو ظاهر الروايات من المدونة، وغيرها. وقال ابن عبد السلام في كتابه الرهون: المحجور عليه لا يجوز له أن يطأ أمته إلا بإذن سيده بخلاف المأذون له ورده بعض شيوخنا بكلام مشبع فانظره. الفرع الثاني: يجب على العبد أن يزكي المال الذي بيده، وتقدم في محله أن ابن هارون نقل عن ابن كنانة مثله في المدونة والمشهور لا يزكي، هكذا رأيته في النسخة التي كانت بيدي، ورأيت الآن في بعض النسخ إسقاط ابن كنانة فلعله أخذ لا نص. وتقدم اعتراض بعض شيوخنا عليه بأن ما ذكره لم يجده في المدونة بحال. (وتجوز كتابة الجماعة ولا يعتقون إلا بأداء الجميع): يريد إذا كان المالك واحدًا وأما عبد لك وعبد لغيرك لم يجز لكما جمعهما قاله في المدونة فإن وقعت فقال اللخمي: يختلف هل تمضى وتفض الكتابة عليهما وتسقط حمالة أحدهما عن الآخر أو تفسخ ما لم يؤد نجما واحدًا من الكتابة على ما تقدم في الشروط الفاسدة، وهذا كله إن دخلا على الحمالة، وأما إن كان السيدان عقدا الكتابة لا على الحمالة فقال ابن عبد السلام: وقال الباجي: إنها جائزة، ويجعل على كل واحد من العبدين ما ينوبه من جملة الكتابة. وأشار إلى أنه لا يختلف فيه كما اختلف في جمع الرجلين سلعيتهما في البيع. قلت: قال التادلي: منهم من أجرى ذلك على جمع الرجلين سلعيتهما في البيع، وأما لو كان العبدان شركة لرجلين فاختلف في جمعهما في كتابة واحدة فلم يجز ذلك أشهب قائلاً: لأن كل عبد يتحمل لغير سيده إلا أن يسقطا حمالة بعضهم فيجوز، وقال ابن ميسر ليس كما احتج لأن لكل واحد نصف كل عبد فإنما يقبض كل واحد عن نصفه نصف الكتابة فلم يقبض أحدهما عن غير ملكه شيئاً. واختلف المذهب في صورة الشيخ على أربعة أقوال: فقيل: إن الكتابة توزع على قدر قوتهم على الأداء يوم عقد الكتابة قاله في المدونة وهو قوله أيضًا في كتاب ابن المواز، وفيه أيضًا أنها تفض على اعتبار حالهم ذلك اليوم مع رجاء الحال التي يكونون عليها بعد ذلك من قوة وضعف. وقال عبد الملك: تفض على عددهم وكذلك إذا استحق أحدهم وهم أربعة سقط عنهم ربع الكتابة، هذا ظاهر ما حكاه ابن يونس عنه وحكى اللخمي عنه أنها تكون على قدر القوة على الأداء وقيمة الرقاب، وما ذكر الشيخ أنهم لا يعتقون إلا

بأداء الجميع صحيح إذ هو ثمرة الحمالة، وكذلك يؤخذ المليء بالجميع. ونص على ذلك في المدونة ولابن رشد في المسألة التاسعة من نوازل سحنون ظاهر قول المغيرة أنهم لا يكونوا حملاء بعضهم عن بعض إذا كوتبوا كتابة واحدة إلا أن يشترطوا ذلك وهو خلاف المدونة وغيرها، واختلف هل يوضع لموت أحدهم شيء أم لا؟ فالمعروف من المذهب أنه لا يوضع لذلك شيء، وقال اللخمي: القياس أن يحط عنهم ما ينويه لأن كل واحد اشترى نفسه بما ينوبه من تلك الكتابة فمن مات في الرق سقطت الحمالة عنه، وإن استحق أحدهم بحرية أو ملك سقط عنه ما ينوبه نقله الباجي عن الموازية. قال: ولابن حبيب عن أصبغ من أعتقه سيده وأبي ذلك شركاؤه فأدى معهم حتى عتقوا لم يرجع على سيده بما أدى. قلت: وقال أبو حفص العطار في رجوعه عليه قولان، والصواب الرجوع. (وليس للمكاتب عتق ولا إتلاف ماله حتى يعتق): ظاهر كلام الشيخ: إن أذن له سيده وهو كذلك عند غير ابن القاسم في المدونة قائلاً: لأنه داعية إلى رقه، وقال ابن القاسم فيها: لا يجوز إلا بإذن السيد والقولان فيها في كتاب الحمالة والأقرب أنهما يرجعان إلى قول واحد فيحمل قول الغير على إتلاف المال الكثير، وقول ابن القاسم على اليسير قال في المدونة: ويجوز كتابة جماعة ووكالتهم في الخصومة بإذن السيد لأن من وكل عبده بقضاء دينه فقام للعبد شاهد أنه قد قضاه حلف العبد وبرئ كالحر سواء، ولا يحلف السيد، وأقام منها المغربي صحة وكالة الصبي لأنه محجور عليه كالعبد وارتضى هذه الإقامة بعض من لقيناه ممن تولي قضاء الجماعة بتونس، وهو شيخنا أبو مهدي عيسى رحمه الله تعالى، واجبته بأنها إقامة ضعيفة؛ لأن حجر الصبي ذاتي فالغالب عليه إتلاف ما يوكل عليه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال بخلاف حجر العبد فإنما هو لحق السيد، وقد يكون العبد في ذاته رشيدًا فالحق أن وكالة الصبي لا تجوز وهو نقل اللخمي قال: لأنه تضييع للمال، وعليه العمل عندنا بتونس وظاهر كلام ابن رشد جواز توكيله، وكذلك في نوازل ابن الحاج، وقال: ومن كل على قبض دين له صبيا قبل بلوغه فقبضه براءة للغريم؛ لأن رب الحق رضي به وأنزله منزلته.

قال بعض شيوخنا: وهو ظاهر كتاب المديان من المدونة وفيها ما نصه. قلت: أرأيت إن دفعت إلى عبد أجنبي محجور عليه مالا يتجر لك به أو ليتيم محجور عليه ثم لحقهما دين أيكون في ذمتهما؟ قال قال مالك: يكون في المال الذي دفع إليهما، وما زاد فهو ساقط إلا أن يقال: إنما تكلم عليه بعد الوقوع، والأول أظهر، وهو الأكثر من أخذ الأشياخ الأحكام من مفروضات المدونة. (ولا يتزوج ولا يسافر السفر البعيد بغير إذن سيده): يقوم من كلام الشيخ أنه لا يكفر إلا بالصيام وهو مقتضى نقل المدونة أنه كالعبد ونص ابن شاس على ذلك، وقال بعض شيوخنا: ولا أعرفه لغيره نصًا في المذهب بل للغزالي في وجيزه، واختلف إذا تزوج بغير إذن سيده فالمشهور أنه بخير السيد في فسخه وإمضائه، وقال الأبهري: القياس فسخه، وعلى الأول إذا اختار الفسخ فقيل بطلاق، وقيل: بغيره، وعلى الأول فقيل: بطلقة، وقيل: بطلقتين، والقولان في المدونة والمعروف أنه بائن وقيل: رجعي فلو عتق في العدة كان أحق بها كما قيل في المعتقة تحت العبد تختار الفراق ثم يعتق هو في عدتها. واختلف في إذا دخل بها العبد ثم علم السيد به بعد البناء وبعد أن دفع الصداق لها فقال في المدونة: يترك لها ربع دينار، وقال ابن الماجشون: لا يترك لها شيئًا. وظاهر كلام الشيخ: أن السفر القريب جائز، وهو كذلك عند ابن القاسم، ومنعه مالك مطلقًا. وقال اللخمي: إن كان صانعا أو تاجرا قبل كتابته فللسيد منعه، وإن بارت صناعته أو تجارته، واحتاج للسفر لم يكن ذلك له إلا بحميل بالأقل من باقي كتابته أو قيمته، وإن كان شأنه السفر ومنعه السيد قبل كتابته لم يمنع إلا في السفر يحل النجم عليه قبل رجوعه منه، وإن اتهم على ذلك منع إلا بحميل. قلت: قال بعض شيوخنا: الحمالة خلاف المذهب، وقال الفاكهاني: وكان الشيخ أراد بقوله السفر البعيد الذي تحل فيه نجومه قبل قدومه كالمديان. (وإذا مات وله ولد قام مقامه وأدى من ماله ما بقي عليه حالا وورث من معه من ولده ما بقي): اعلم أن المكاتب إذا مات، وكان له وفاء بالكتابة، وفضلت فضلة فالمذهب أنه لا يرثه ورثته الأحرار، وإنما يرثه من معه في الكتابة على خلاف في تبعيتهم، وفي ذلك أربعة أقوال: فقيل: لا يرثه إلا قريب يعتق عليه من الأب والأولاد والإخوة قاله عبد

الملك وابن القاسم مرة وقيل: لا يرثه إلا الولد خاصة، وقيل: يرثه قريبه الحر ممن معه إلا الزوجة قاله ابن القاسم أيضًا، وقيل والزوجة وكل هذه الأقوال منسوبة إلى مالك، والمشهور منها الثالث. وقال الشافعي: يرثه سيده قال الفاكهاني، وكأنه القياس لقوله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم: " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم". (وإن لم يكن في المالك وفاء فإن ولده يسعون فيه ويؤدون نجوما إن كانوا كبارا): قوة كلام الشيخ تقتضي أن هذا المال لا يرجع لمن معه في الكتابة من أجنبي أو قريب غير الولد وهو كذلك قاله ابن القاسم في المدونة، وقال أشهب: يدفع إلى من معه، وقال ربيعة: لا يدفع لأحد سواء كان قريبًا أو أجنبيا ولو كانوا ذوي قرابة، وأمانة، وليتعجله السيد، ويحاسبهم به من آخر النجوم. (وإن كانوا صغارا وليس في المال قدر النجوم إلى بلوغهم السعي رقوا وإن لم يكن له ولد معه في كتابته ورثه سيده): يريد ما لم تكن معهم أم ولد فإن كانت ولها قوة وأمانة، دفع إليها إن رجي لها قوة على سعي بقية الكتابة، أو كان في المال ما يبلغهم السعي، وأما إن لم يكن لها قوة فإنها تباع ويضم ثمنها إلى التركة فيؤدي إلى بلوغهم السعي وحيث آل الأمر إلى بيع أم الولد فقال مالك في المدونة: للولد بيع من فيه نجابة من أمهات الأولاد أمهم كانت أو غيرها. وقال ابن القاسم: أرى أن لا يبع أمه إذا كان في بيع سواها ما يكفيه، واختلف قول سحنون إذا كن أمهات أولاد متعددات فقال مرة يقرع بينهن، وقال مرة يباع من كل واحدة بقدرها. قالوا: يريد غير أم الولد الموجود إلا أن يكون لكل واحدة ولد فيباع من كل واحدة بقدرها. (ومن أولد أمة فله أن يستمتع منها في حياته، وتعتق من رأس ماله بعد مماته): ما ذكر الشيخ صحيح ومذهبنا أنه لا يردها دين سابق، وقد روى على أنها تباع في الدين وروي عنه أنه رجع عنه، ولو قال في مرضه هذه ولدت منى، ولا ولد معها فلا يخلو أما أن يكون له ولد من غيرها أم لا فإن كان فإنه يصدق وقيل: لا يصدق

قاله أكثر أصحاب مالك: والقولان لمالك رحمه الله، وإن لم يكن له ولد فإنه لا يصدق. قاله في المدونة. قال اللخمي: وعلى قوله في المرض يقر بقبض كتابة مكاتبه وورثته كلالة: إنه يقبل قوله هنا، ولو كانت ورثته كلالة إذا كان الثلث يحملها، ولم يشغل الثلث بوصية. واختلف إذا اشترى زوجته، وهي حامل منه فقيل: إنها تكون به أم ولد، وقيل: لا، والمشهور هو الأول. (ولا يجوز له بيعها ولا له عليها خدمة، ولا غلة، وله ذلك في ولدها من غيره، وهو بمنزلة أمه في العتق بعتقها): ما ذكر من أن بيعها لا يجوز هو مذهبنا باتفاق بل زعم غير واحد الإجماع على ذلك ومنع بعضهم ثبوته، وكذلك بيعها حاملا من سيدها، وحكى البرذعي عن النخعي في احتجاجه على داود الظاهري الإجماع على منع بيعها، وقدح فيه بعض فقهاء تونس بناء على قول من يجيز بيع الحامل واستثناء جنينها. ونقل بعض من شرح التهذيب أنه أبو سعيد البرذعي الحنفي، واشتد نكير شيخنا أبي مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى بقوله: إنما هو أبو سعيد البراذعي الخراساني. ذكر الشيخ ابن سيد الناس الأندلسي وغيره قالوا: سار البرذعي من بلده إلى الحج، فلما وصل إلى بغداد وجد داود الظاهري في مجلسه وهو يقول: أجمعنا على أن بيع أم الودل قبل حملها جائز فكذلك بعد وضعها أخذا بالاستصحاب فقال البرذعي: أجمعنا على أن بيعها حالة العلوق لا يجوز فكذلك بعده أخذا بالاستصحاب فانقطع قال: فخرجت وأنا أستخير الله في الجلوس لتعليم العلم، وترك الحج لغلبة مذهب داود على غيره فرأيت في المنام تلك الليلة قارئا يقرأ قوله تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) [الرعد: 17] فلما استيقظت وإذا بصارخ يقول: إلا أن داود الظاهري قد مات فتركت الحج، وجلست للناس قال: يقول هذا القائل هو الزناتي شارح التهذيب أنه أبو سعيد البرذعي خطأ من وجوه منها أنه لم يكن في عصر داود، ومنها أن هذا المنقول عنه إنما هو البرذعي بإسكان الراء على غير ذلك. قلت: قال بعض شيوخنا: وأخبرني بعض من لقيناه من الثقات الحفاظ يريد به أبا عبد الله محمد الشطي أنه وقف على حاشية في رسالة ابن أبي زيد بخط من يوثق به

إمضاء بيعها عن على بن زياد، وإذا فرعنا على المعلوم من المذهب ووقع بيعها فإنه يفسخ ويتحفظ منه عليها لئلا يعود إلى بيعها، ولا يمكن من السفر بها، وإن خيف عليها وتعذر حفظها عتقت عليه. كقول مالك فيمن باع زوجته أن لا يكون بيعها طلاقا، ويطلق عليه إن خيف عوده لذلك، والحكم ما ذكرناه من الفسخ، ولو أعتقها المشتري فمصيبتها من البائع بخلاف البيع الفاسد في غيرها، وما ذكر أنه ليس له عليها خدمة يريد معتبرة. وأما الخدمة الخفيفة فإنها عليها قاله القاضي عبد الوهاب، وقال ابن القاسم: ليس له في أم الولد أن يعتقها في الخدمة، وإن كانت دنيئة، وتبتذل الدنيئة في الحوائج الخفيفة ما لا تبتذل فيه الرفيعة فحمله ابن عبد السلام وغيره على خلاف قول القاضي عبد الوهاب، ولا يبعد حمله على الوفاق، وقال أبو حنيفة له فيها الخدمة. قال الباجي: وهو الأظهر عندي لأنها باقية على حكم الملك، وإنما منع أن يملكها غيره قياسًا على استخدامه ولدها؛ لأن حرمتهما واحدة إذ كل ذات رحم فولدها بمنزلتها في الحرمة فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال، وإذا فرعنا على المشهور فليس له أن يؤاجرها ولو وقع ذلك، وفات لم يرد، وكانت الإجارة له قاله اللخمي. (وكل ما أسقطته مما يعلم أنه ولد فهي به أم ولد): لا خلاف في المذهب أنه إذا أقر السيد بوطئها وثبت الإتيان بولد حي أو ميت علقة فما فوقها مما يقول النساء: إنه منتقل إنها تكون به أم ولد. واختلف في الدم المجتمع فقال ابن القاسم في المدونة في كتاب الديات: إنه معتبر ذكر ذلك في أخذه في الكلام على الغرة، وألغاه أشهب. قال شيخنا أبو مهدي عيسي الغبريني رحمه الله: وأسقطه البراذعي، وهو مما يتعقب به عليه. قلت: لا يتعقب عليه لكونه ذكره في كتاب الاستبراء، ونصه: ومن اشتري جارية حاملا فليتواضعها حتى تلد، وليقبضها المبتاع، وينقد ثمنها، ولا يطؤها حتى تلد فإن ألقت دما أو مضغة أو شيئًا مما يستيقن النساء أنه ولد فاستبراؤها ينقضي به كما تنقضي بذلك العدة في الحرة وتكون به الأمة أم ولد، وعكس عياض في الإكمال فعزا لكل واحد من ابن القاسم وأشهب ما للآخر، ولم يزل أشياخنا بأجمعهم ينبهون عليه كما نبه عليه ابن عبد السلام في العدد فاعلمه. واختلف إذا أنكر السيد الوطء فالأكثر أنه لا يتوجه عليه اليمين إذا ادعت عليه

ذلك؛ لأنها من دعوى العتق، وهي غير موجبة لليمين على أصل المذهب، واختار اللخمي تحليفه إذا كانت من الوخش، وعلم منه الميل إلى ذلك الجنس. والفرق بين هذا وبين دعوى العتق أن الغالب حصول الوطء في هذا الموضع والعتق نادر، ولو قيل: لا يصدق في العلي إذا طال مقدمها لكان له وجه وإذا أقر السيد بالوطء، وأنكر الولادة وليس مع الأمة ولد فإن اليمين تتوجه عليه بذلك. واختلف إذا أتت بامرأتين على الولادة هل تكون بذلك أم ولد أن لا؟ وكذلك اختلف إذا كان معها الولد. فقيل: يقبل قولها قاله مالك في المدونة، وقال أيضًا: لابد من امرأتين على الولادة، وقال ابن المواز: يقبل قولها إن صدقها جيرانها ومن حضرها، وليس يحضر مع ذلك الثقات. واختار اللخمي بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة الرجوع إلى دلائل الأحوال في ذلك من اللبن ودم النفاس، وتغير الوجه إن اختلف قرب ما تزعم أنها ولدت فيه. واختلف إذا توفي سيدها وهي حامل منه فمرة، قال مالك: تكون حرة إذا تبين الحمل بتحرك الولد وهو قول ابن القاسم وروايته، ومرة قال: لا تكون حرة حتى تضع الحمل لاحتمال أن ينفش الحمل، وهو مذهب ابن الماجشون وسحنون. (ولا ينفعه العزل إذا أنكر ولدها وأقر بالوطء) ما ذكر الشيخ من أنه لا ينفعه العزل عنها صحيح؛ لأن الماء قد يغلبه ولو اليسير منه، وقال اللخمي: إلا أن يكون العزل البين، وأما الوطء في الدبر، وبين الفخذين مع الإنزال ففي ذلك قولان: فقيل: كالأول، وقيل: لا يلحق به؛ لأن الماء إذا باشر الهواء فسد وكلاهما ذكره اللخمي، واختار الأول؛ لأن ما ذكره مظنون فلا يسقط النسب لمثله، واستبعد الباجي الأول قائلاً: وإذ لو صح أن يكون من الوطء بين الفخذين ولد لما لزم من ظهر بما حمل حد. قال سحنون: ولو كان الإنزال بين شفري الفرج لحق الولد قولاً واحدًا. قال ابن القاسم: ولو قال: كنت أطؤها ولا أنزل لم يلزمه به الولد. (فإن ادعى استبراء لم يطأ بعده، ولم يلحق به ما جاء من ولد): ما ذكر الشيخ هو المشهور في كتاب ابن سحنون عن المغيرة لا يبرأ منه إلا إلى خمس سنين، وهذا منه تضعيف للاستبراء، وهو الأول فاختلف هل يلزم في ذلك يمين أم لا؟ فالأكثرون على أنه يحلف وتؤول على المدونة في قولها فهو مصدق، وقيل:

يحلف قاله عيسى. وقال ابن مسلمة: يحلف إن اتهم واحتار بعض المتأخرين قول عيسى؛ لأن دعواها قد حققتها ولا يحتاج إلى التفصيل بين المتهم، وغيره. واختلف هل الاستبراء بحيضة كاف أم لا؟ فالأكثر على أنه كاف قال ابن الحاجب، وانفراد المغيرة بثلاث حيض، ويحلف، قال ابن عبد السلام: وهو غير صحيح فإن ابن رشد ذكره عن عبد الملك عن مالك قائلاً، ويحلف كما قال. قلت: عزاه اللخمي لعبد الملك في كتابة لا لروايته. (ولا يجوز عتق من أحاط الدين بماله): إنما لا يجوز ذلك لحق الغير؛ لأنهم لم يعاملوه على ذلك، ولا أعلم فيه خلافًا. قال في المدونة في كتاب العتق الأول: ولا يحوز عتق من أحاط الدين بماله ولا صدقته، ولا هبته، ولو كانت الديون التي عليه إلى أجل بعيد إلا بإذن غرمائه، وأخذ منها شيخنا أبو مهدي رحمه الله أن من أحاط الدين بماله يجوز له أن يضحي؛ لأنه إنما نفى ما ذكر فقط ومن حيث المعنى أن الغرماء عاملوه على ذلك. قال المغربي: وأخذ الشيوخ أن من عليه فوائت أنه لا يتنفل. قلت: وأخذ التادلى مثله من قول الشيخ أبي محمد قائلاً: فإ، تنفل فقال ابن رشد في أجوبته أثم يترك الفرض وأثيب بفعل النوافل. وقال المغربي: يجوز له أن يتنفل، ولا يحرم نفسه من الفضيلة. قلت: ويرد هذا الأخذ الإجماع على أن رد مظالم الخلق في كل واجب فورا في كل آن آن، ولا كذلك في الفوائت لقول ابن رشد في البيان: وليس وقت ذكر المنسية بمضيق لا يجوز تأخيرها عنه بحال كغروب الشمس للعصر، ولقولهم: إن ذكرها مأمون تمادى، وكذلك الفذ عند ابن حبيب، ولقوله في آخر أجوبته إنما يؤمر بتعجيلها خوف معالجة الموت، فيجوز تأخيرها حيث يغلب على ظنه أداؤها. واعلم أن رد الغرماء رد إيقاف على المشهور. وقال ابن نافع: رد إبطال، واختلف قول مالك في قضاء من أحاط الدين بماله لبعض الغرماء دون بعض، وكذلك اختلف قوله في رهنه حينئذ. (ومن أعتق بعض عبده استتم عليه): ما ذكر الشيخ هو مذهبنا باتفاق، وذهب بعض العلماء على أنه لا يستتم عليه، ويريد الشيخ أن حكم عبد غيره كعبده.

وظاهر كلام الشيخ: أنه مذهبنا، وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يستتم عليه، ويريد الشيخ أن حكم عبد غيره كعبده وظاهر كلام الشيخ أنه يعتق عليه بالحكم لا بالسراية لقوله: استتم عليه، وهو كذلك فى إحدى الروايتين وكلتاهما نقلهما اللخمي قائلاً: والأحسن الأولى ثم قال: وهو الصحيح من المذهب. وقال ابن رشد في أول رسم سماع يحيى بن القاسم: من أعتق نصف عبده في صحته فلم يرفع ذلك حتى مات المعتق لم يعتق منه إلا ما عتق في صحته، هذا هو مشهور المذهب. وقيل: يكون حرا كله لسريان العتق في جميعه حكاه عبد الوهاب، ولو أعتق نصف عبده، وتصدق بنصفه على آخر فليقوم على المعتق، ويلزمه نصف قيمته للمتصدق عليه فإن مات المعتق أو أفلس قبل أن يستتم عليه عتقه فالمتصدق عليه أولى بنصيبه يسترقه وسواء تصدق عليه بنصفه قبل عتق النصف أو بعده فالقيمة تلزمه في الوجهين؛ لأنه رضي أن يكون شريكًا معه قاله مطرف، وابن الماجشون. وقال ابن القاسم في العتبية وكتاب ابن سحنون: من قال لرجل في كلام واحد نصف عبدي صدقة على فلان ونصفه حر فالصدقة ثابتة، ويقوم عليه إن كان مليا، وإن بدأ بالعتق فهو حر كله. (وإن كان لغيره معه فيه شركة قوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم يقام عليه وعتق): ما ذكر أنه يقوم عليه لا أعلم فيه خلافًا، ووافقنا من خالفنا في الفرع الأول قالوا: لأن الموجب للتقويم على المعتق إنما هو إدخاله العيب في ملك غيره، وذلك مفقود في تبعيضه عتق عبده، وظاهر كلام الشيخ أنه يعتق عليه بالحكم وهو كذلك على المشهور، وكلاهما لمالك والقول المشهور هو قول التهذيب، ومن أعتق شقصًا له في عبد بإذن شريكه أو بغير إذنه وهو ملي قوم عليه نصيب صاحبه بقيمته يوما لقضاء وليس في الأم أو بغير إذنه لكنه أحروي ولا يوم القضاء إلا أنه مراده. فإن قلت: هذا القول مشكل؛ لأن القاعدة في سائر المتلفات أن تكون قيمتها يوم الجناية قيل: لما كان الشريك بالخيار بين عتق نصيبه أو التقويم ناسب أن تكون القيمة يوم الحكم والله أعلم. واختلف هل يقوم نصيب الشريك، وهو المشهور أو يقوم جميع العبد، وهو قول التونسي؟ في ذلك قولان.

واختلف إذا قال إذا مت فنصيبي حر، والأصح أنه لا تقويم فيه وهو نص المدونة قال فيها: وسواء كان له مال مأمون أم لا، ومثله مالك في المبسوط، ويشترط في التقويم عليه أن يكون هو المبتدئ لتبعيض العتق فلو كان بعضه حرا لم يقوم عليه، ولأجل هذا لو كانوا جماعة مشتركين في عبد فأعتق اثنان منهم متعاقبين فالتقويم لمن لم يعتق على المعتق الأول وحده، ولا تقويم على من بعده، وذكر سحنون عن ابن نافع أنه يقوم على الثاني، ولو أعتق اثنان معًا فإنه يقوم عليهما بلا خلاف واختلف هل ذلك على قدر حصصهما وهو مذهب المدونة وهو المشهور أو على عدد الرءوس قاله المغيرة وغيره، في ذلك قولان وممن قال بالقول الأخير خارج المذهب الشافعي رحمه الله. قال ابن عبد السلام: وكأنه الأسبق إلى الذهب لأن التقويم يترتب على أقل الأجزاء. قلت: ونظير هذه المسألة يأتي ذكره في الشفعة إن شاء الله تعالى، وفي المدونة في العتق الأول لابن القاسم: إن أعتق مسلم حظه من عبد مسلم أو كافر بينه وبين ذمي قوم عليه وإن أعتق نصراني حصته من مسلم بينه وبين مسلم قوم عليه قال ابن حارث اتفاقًا فيهما وإن أعتق نصراني بينه، وبين مسلم فقيل: إنه لا يقوم عليه قال ابن القاسم، وقيل: بل يقوم عليه قاله غيره، وكلاهما في المدونة، والغير هو أشهب. قلت: قال بعض شيوخنا عزوه قول الغير لأشهب خلاف نقل الباجي فإنه عزا لأشهب قول ابن القاسم ولم يعز قول الغير. واعلم أن قول ابن القاسم نوقض بقوله في الشفعة في دار بين مسلم وذمي فباع المسلم من مسلم أو ذمي نصيبه أن لشريكه الشفعة، ووجه المناقضة أن في كليهما ... ذميين تخللهما مسلم لغلب في الشفعة حكم الإسلام بخلاف ما هنا، ولو كان العبد مسلمًا لنصرانيين فأعتق أحدهما حصته ففي التقويم روايتان ذكرهما ابن شاس ولو أعتق أحدهما جنين الأمة فإنها لا تقوم عليه ولم يجعلوه كالجزء منها، وعارض الفاكهاني ذلك بقولهم من أعتق أمة، وهي حامل فإن جنينها يتبعها قالوا: لأنه كالعضو منها. قلت: ويجاب بأن في عتقه الجنين بانفراده عتق شيء غير محقق يدل على ذلك قول مالك في المبسوط، وكتاب ابن شعبان تفرض للحامل النفقة، ولا تدفع إليها لاحتمال أن يكون ريحا فينفش وفي مسألة الأمة أعتق شيئًا محققًا فكان جنينها تبعًا لها كالعضو منها والله أعلم.

(فإن لم يوجد له مال بقي سهم الشريك رقيقا): قال في العتق الأول من المدونة، ويباع في ذلك شوار بيته، والكسوة ذات البال ولا يترك إلا الكسوة التي لابد له منها، وعيشه الأيام وفي الواضحة المراد بالأيام الشهر، ونحوه. وقال أشهب: يباع عليه كل ما يفضل عما يواريه لصلاته كذا عزاه الباجي. قال بعض شيوخنا: ولا أعرفه عن أشهب لنقل غيره، وهذا الباب وباب المفلس واحد فكل ما قيل فيه فاطرده هنا ولو كان موسرا بالبعض سرى فيه. واختلف إذا رضي الشريك باتباع ذمة المعسر هل له ذلك أم لا؟ على قولين، فقال ابن المواز: له ذلك، وقيل: ليس له ذلك قاله الغير في كتاب أمهات الأولاد من المدونة. قال اللخمي: وهو أحسن قال ابن يونس، وهو ظاهر قول مالك وابن القاسم، وعزا الباجي الأول لرواية محمد لا لقوله، والثاني لابن القاسم، ولو كان المعتق لبعض العبد مريضًا فإنه يقوم عليه نصيب شريكه من الثلث فقط. واختلف هل يقوم عليه الآن أم لا؟ فقيل: كذلك إلا أنه لا يعتق عليه إلا بعد الموت، وعلى هذا حمل المدونة غير واحد، وهو منصوص عليه في كتاب محمد، وقيل: إنه لا ينظر فيه إلا بعد الموت، وقيل بالأول: إن كان له مال مأمون وبالثاني: إن لم يكن له ذلك. (ومن مثل بعبده مثلة بينة من قطع جارحة ونحوه عتق عليه): اعلم أنه أخذ من ههنا ثبوت العقوبة بالمال وهو أخذ ضعيف لحرمة الآدمي فإن قلت: هو ضعيف أيضًا بالنسبة إلى نقل المذهب لأن المنقول فيه اشترط يسارته ولو صح هذا الأخذ لزم ولو كان كثيراً ولا أعرفه في المذهب. قلت: بل هو معروف في المذهب، ويتحصل في ذلك أربعة أقوال، حكاها ابن سهل فقيل: ما ذكرتم من اشتراط اليسارة، وهو قول ابن القاسم مقيدا به سماعه، وقيل: يجوز للأدب ولو كان كثيرًا كالملاحف الرديئة النسخ فإنها تحرق بالنار قاله ابن القطان، وأفتى ابن عتاب بذلك في أعمال الخرازين إذا غشوا فيها. وقيل: تقطع الملاحف خرقًا خرقًا وتعطي للمساكين إذا تقدم إلى أهلها قاله ابن عتاب.

وقيل: لا يحل الأدب في مال مسلم قاله ابن القطان في الخبز المغشوش أو الناقص. قال ابن سهل: وهذا تناقض منه بقوله في الملاحف. قلت: وكذلك ابن عتاب يتناقض قوله في الملاحف مع قوله في أعمال الخرازين. واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في نفس المغشوش هل يصح الأدب به أم لا؟، وأما لو زنا رجل مثلاً فإنه لا قائل فيما قد علمت أنه يؤدب بالمال، وما يفعله الولاة من ذلك فجور لا شك فيه، والمشهور أن العمد كاف، وإن لم يقصد المثلة، وهو ظاهر المدونة لقولها: إنما يعتق بما تعمد، ونقل اللخمي عن عيسى بن دينار اشتراط تعمد المثلة وهو صحيح؛ لأن الغالب شفقة الإنسان على ماله، وعلى الأول فالقول للسيد أنه لم يتعمد على الأصح، وكلاهما لسحنون، وظاهر كلام الشيخ، وإن كان الفعال بعبده ذلك سفيها، وهو كذلك عند ابن القاسم في أحد قوليه ذكرهما في الموازية، وبه قال ابن وهب، وأشهب وصوبه بعض المتأخرين؛ لأن العتق بالمثلة شبيه بالحدود والعقوبات. وإذا قلنا بهذا القول فهل يتبعه ماله؟ فقال ابن القاسم: لا يتبعه واستقرئ لأشهب أنه يتبعه، ومثلة الصبي والمجنون لغو اتفاقًا، وظاهر كلام الشيخ أيضًا ولو كان الممثل ذميا وعبده ذميا، وهو كذلك عند أشهب وقيل: لا يعتق عليه قاله ابن القاسم، واختاره أصبغ، واختار ابن حبيب الأول. واختلف في مثلة العبد بعبده والمديان على قولين، ويمكن أن يقوم من كلام الشيخ أن الزوج إذا مثل بزوجته أنها تطلق عليه، وهو قول مالك في العتبية. وقال في المبسوط بطلقة بائنة مخالفة أن يعود إليها بمثل ذلك. وذكر ابن رشد مثلة الزوج بزوجته وبيعه لها وانكاحه إياها، وقال: إنها في المعنى واحد فيتخرج من بعضها الخلاف في بقيتها فحصل في كل مسألة منها ثلاثة أقوال: طلاق الثلاث وواحدة بائنة وعدم الطلاق ولا شك أن قطع عضو مثلة، كما قال الشيخ. واختلف في السن الواحدة فقيل: إنها مثلة قاله ابن القاسم، ومطرف وابن الماجشون، وقيل: لا، قاله أصبغ وكلا القولين نقلهما ابن يونس، وأما حلق رأس الأمة ولحية العبد فإن كان العبد تاجرا والأمة رفيعة فقال ابن الماجشون: يعتقان، وقال مطرف في الثمانية لا يعتقان، ولم يحفظه الفاكهاني بل قال: هو ظاهر كلام المؤلف لوصفه المثلة بكونها بينة مع قوله من قطع جارحة، ونحوه.

وأما غير التاجر والرفيعة فليس فيه شيء بلا خلاف ولا يعتق إلا بالحكم في المثلة عند ابن القاسم، وقيل: بنفس المثلة عند أشهب. قال التادلي: وهو ظاهر كلام الشيخ: وفرق ابن عبد الحكم بين غير الواضح فالأول وبين الواضح فالثاني. (ومن ملك أبويه أو أحد من ولده ولده أو ولد بناته أو جده أو جدته أو أخاه لأم أو لأب أولهما جميعا عتق عليه): ما ذكر الشيخ هو قول مالك في المدونة، وهي أول مسألة من كتاب العتق الثاني، وهو المشهور، وقيل بإسقاط الأخوة قاله مالك من رواية ابن خويز منداد، وقيل: كل ذي رحم محرم يعتق عليه رواه ابن القصار عن مالك وبه قال ابن وهب وكل الأقوال ذكرها اللخمي، وأخذ الثاني من قول المدونة في كتاب المكاتب: من اشترى أباه بإذن سيده دخل معه في كتابته، ومن اشترى أخاه بإذنه لم يدخل ورده بعض شيوخنا بأن ملك الحر أقوى من ملك المكاتب، وكان في ذكر أشار إليه ابن عبد النسلام بقوله في استقرائه نظر ولولا الإطالة لذكرناه واختار اللخمي الثالث لما رواه الترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ملك ذا رحم محرم فقد عتق" وذكر ابن الجلاب قولاً بزيادة العم على ما في المدونة وعزاه لابن وهب فيتحصل في المسألة أربعة أقوال، وفي كتاب العتق الأول من المدونة، قال مالك: ومن ابتاع أباه وعليه دين يغترقه لم يعتق عليه، وإن اشتراه وليس عنده إلا بعض ثمنه قال مالك يرد البيع، وقال ابن القاسم: بل يباع منه بقدر الثمن يعتق ما بقي، وقال غيره: لا يجوز في السنة أن يملك أباه إلا إلى عتق فإذا كان عليه دين يرده صار خلاف السنة أن يملكه فيباع في دينه ويقضي غرماؤه. قال عياض: واختلف هل قولاً مالك سواء في المسألة وإن مضى لم يعتق عليه في الأولى كقوله يرد البيع في الثانية قاله القابسي، أبوهما مختلفان ولا يرد البيع في الأولى ويباع في الدين بخلاف الثانية قاله أبو محمد بن أبي زيد. والصحيح الأول لأن المسألة جاءت مبينة في سماع يحيى بن القاسم مما لا يحتاج إلى تفسير وقول الغير وهو المغيرة حجة لمالك ولذلك أدخله سحنون. واختلف هل يكون القريب حرًا بنفس الملك ولا يحتاج إلى حكم أو لابد منه، أو يفرق بين الأبوين والإخوة، قاله اللخمي. قال ابن عبد السلام: وهو حسن لضعف الخلاف في الآباء وقوته في الإخوة

وأشار اللخمي إلى تخريج الخلاف في جواز انتزاع ماله إذا فرعنا على القول بافتقاره إلى الحكم من الخلاف في انتزاع مال المعتق إلى أجل إذا قرب الأجل وقد منع منه في المشهور، وأجازة ابن نافع. قال ابن عبد السلام: والأقرب عندي أن مال القريب لا ينتزع؛ لأن القاضي إذا عثر عليه يعتقه، ولا ينظر به ساعة والمعتق إلى أجل يؤخره إلى أجله، وأيضًا فقد كان ماله مباحا قبل ثبوت عقد الحرية له وبعده فالأصل دوام ذلك الحكم إلى الغاية التي يجوز له الاستخدام فيها. (ومن أعتق حاملا كان جنينها حرًا معها): قال عبد الوهاب: هذا لما ذكرناه إن كان ولد حدث من غير ملك من تزويج أو زنى فإنه تابع لأمه في الحرية والعبودية وإنه لا يوجد في الأصول حرة حاملا بعبد، وإنما يوجد أمة حامل بحر فوجب ما قاله أبو محمد يعتق بعتقها؛ لأن الحرية مثبتة، وهو في بطنها إذ هو عضو من أعضائها. قال الفاكهاني: قول القاضي إنما توجد أمه حامل بحر، وهذا في أربع مسائل: الأولى: إذا وطئ أمته المرهونة، وكان عديما. الثانية: إذا وطئها السيد بعد علمه بالجناية، وهو عديم، فإنها تسلم للمجني عليه، الثالثة: أمة المفلس إذا وقفت للبيع ووطئها فحملت. الرابعة الابن يطأ أمة من تركه أبيه وعلى الأب دين يغترق التركة والابن عديم، وهو عالم بالدين حالة وطئها فهذه الأربع لا أعلم لها خامسًا فمن وجد شيئًا من ذلك

فليضفه إليها راجيا ثواب الله الجزيل. قلت: بقي عليه رحمه الله تعالى مسألتان: الأولى: أمة الشريكين يطؤها أحدهما وهو معسر. والثانية: إذا وطئ العامل أمة القراض فحملت وكان معسرا، وما قاله عبد الوهاب من أنه لا يوجد في الأصول حرة حامل بعبد وتسليم الفاكهاني له ذلك فيه نظر لقول خليل إن قلت: كيف يتصور عكس هذا بأن يكون العبد في بطن الحرة قيل نعم، وذلك إذا وطئ العبد جاريته وحملت وأعتقها ولم يعلم السيد بعتقه حتى أعتقه فإن عتق العبد ماض وتكون حرة والولد الذي في بطنها رقيق؛ لأنه للسيد وقبله شيخنا أبو مهدي رحمه الله قائلاً: وهو المذهب ومحمله على أن الولد وضعته قبل عتق السيد، وأما لو لكان في بطن أمة حين العتق فإنه يتبع أمه والله أعلم. (ولا يعتق في الرقاب الواجبة من فيه معنى من عتق بتدبير أو كتابة أو غيرهما ولا أعمى ولا أقطع اليد وشبهه ولا من على غير الإسلام): وقد تقدم ما في ذلك في باب الأيمان والظهار فأغني عن إعادته. (ولا يجوز عتق الصبي ولا المولى عليه): قال عبد الوهاب: لأن الصبي ليس من أهل التكليف فلم يصح عتقه كالمجنون، ولأن القلم مرفوع عنه فلم يكن لقوله حكم المغلوب؛ لأنه لما لم يصح طلاقه لم يصح عتقه كالنائم، وناقشه الفاكهاني فقال: قوله: كالمجنون فيه نظر لجواز وصيته، ومن شرط الوصية التمييز بلا خلاف أعلمه والمجنون لا تمييز عنده فليس كالمجنون، والأصل المقيس عليه علته معدومة في الفرع وقوله لأن القلم مرفوع عنه إنما رفع عنه قلم المؤاخذة لا قلم القربات بدليل أنه إذا أسلم اعتبر إسلامه ولو ارتد لم يقتل ويدل على ما نقوله قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ألهذا حج؟ قال: " نعم، ولك أجر". واختلف المذهب إذا أعتق المولى عليه أم ولده، والمشهور أنه يمضي ورده المغيرة وابن نافع، وعلى الأول فهل يتبعها مالها أم لا؟ اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل: يتبعها مطلقاً، رواه أشهب، وعكسه رواه يحيى عن ابن القاسم، وقيل: إن كان يسيرا تبعها وإلا فلا قاله أصبغ، والمذهب لزوم الطلاق لأنه مكلف، وهو نص كتاب المديان من المدونة.

وقال المازري: مال بعض المحققين إلى الوقف في لزومه من تعليل المغيرة رد عتقه أم ولده بأنه يدخل عليه نقصًا في ماله لاحتياجه لتزويج أو تسر ويرد بأن في عتق أم الولد تفويت أمر مالي وهو ما يعرض من أرش جناية عليها فأشبهت الأمر المالي حقيقة. قلت: وأجابه بعض شيوخنا بأن العصمة معروضة للخلع كالأرش في أم الولد، وقصر شيخنا أبو مهدي ما قاله المازري مفرقًا بأن الخلع ليس عوضه أمر ماليا حقيقة بخلاف الأرش. قلت: وقول خليل خرج بعضهم على قول المغيرة عدم لزوم طلاقه كقول ابن أبي ليلى، ورده بنقل المازري غلط، وإنما المنقول في نقل المازري الوقف خاصة، ويلزم الصبي ما أفسد أو كسر مما لم يؤتمن عليه باتفاق، وما عومل عليه لا خلاف أنه لا يضمنه، وفيما اؤتمن عليه قولان، وبسط هذا يأتي في الغصب إن شاء الله تعالى. (والولاء لمن أعتق): الأصل في هذا ما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت بريرة فقالت: إني كاتبت أهلى على تسع أوراق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة وأعتقك فعلت، ويكون ولاؤك لي فذهبت إلى أهلها فأبوا ذلك عليها فقالت: إني عرضت عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته فقال: " خذيها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق" فقالت عائشة رضي الله عنها قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله تعالى وأثني عليه فقال: " أما بعد ... فما بال رجال منكم يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله فأيما شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق إنما الولاء لمن أعتق، ما بال رجال منكم يقولون: أعتق يا فلان والولاء لي إنما الولاء لمن أعتق". وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهي عن بيع الولاء وهبته" وحده بعض شيوخنا فقال: هو لمن ثبت العتق عنه، ولو بعوض، أو بغير إذنه ما لم يمنع مانع.

(ولا يجوز بيعه، ولا هبته): ما ذكره صحيح لا أعلم فيه خلافًا لنهيه عليه السلام عن ذلك. (ومن أعتق عبدًا عن رجل فالولاء للرجل): ظاهر كلام الشيخ سواء بإذنه أو بغير إذنه وهو كذلك في القول المشهور، وقول أشهب: الولاء للمعتق، وقاله الليث والأوزاعي وسواء في قوله أمره بذلك أو لم يأمره نقله ابن عبد البر.

(ولا يكون الولاء لمن أسلم على يديه، وهو للمسلمين، وولاء ما أعتقت المرأة لها وولاء من يجر من ولد أو عبد أعتقته ولا ترث ما أعتق غيرها من أب أو ابن أو زوج أو غيره): وما ذكر الشيخ هو مذهبنا وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم وقد ورد بصيغة إنما المقتضية للحصر وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: جعل الله إسلامه على يديه موالاة وجعل لمن لا ولاء عليه لشيء أن يوالى من شاء، وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أسلم على يدي رجل فله ولاؤه" قال ابن عبد السلام: فإن صح هذا الحديث وجب العمل عليه؛ لأنه خاص وحديث بريرة عام ومذهب أبي حنيفة في الموالاة قريب من هذا إلا أنه أجاز له نقل الموالاة. (وميراث السائبة لجماعة المسلمين): يعني: إذا قال لعبده: أنت سائبة يريد بذلك العتق فإن الولاء للمسلمين، وما ذكره هو المشهور، وقيل: إن الولاء لربه. قاله ابن الماجشون، وابن نافع، وابن عبد الحكم، ورواه ابن وهب كذا عزاه عياض، وكذلك الخلاف إذا قال: عبدي حر عن المسلمين، ولم يتعرض الشيخ رحمه الله تعالى للتكلم على حكم ما ذكره ابتداء. وفي ذلك ثلاثة أقوال: الجواز لأصبغ والكراهة لابن القاسم، والمنع لابن الماجشون كذا عزاها ابن رشد وعزا الباجي لسحنون مثل قول أصبغ ولم يحك اللخمي إلا الكراهة لمالك وابن القاسم والجواز لغيرهما. قال ابن عبد السلام: والأقرب الكراهة وأكثر الناس على أن السائبة المنهي عنها في القرآن إنما هي في الأنعام. واختلف إذا كان للكافر عبد مسلم فلم يرفع أمره للقاضي حتى أعتقه فقيل: إن ولاؤه للمسلمين لا يرجع للمعتق سواء بقي على كفره أو أسلم، وهو المشهور في المذهب وخالف فيه أكثر العلماء خارج المذهب ورأوا أن الولاء لمن أعتق، وأنه يرجع إليه إذا أسلم، واختاره أبو عمر بن عبد البر. وقال اللخمي: أنه القياس؛ لأن العتق موجب للولاء الذي هو لحمة كلحمة النسب كما جاء في الحديث فكما أن الكفر لا يبطل النسب فكذلك لا يبطل الولاء

باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

ويتوقف بعد ذلك على شرط اتفاق المدنيين فمتى حصل ذلك الشرط تم الحكم وهو وجوب الميراث. (والولاء للأقعد من عصبة الميت الأول فإن ترك ابنين فورثا ولاء مولي لأبيهما ثم مات أحدهما وترك بنين رجع الولاء إلى أخيه دون بنيه وإن مات واحد وترك ولدًا أو مات أخوه وترك ولدين فالولاء بين الثلاثة أثلاثًا): اعلم أن المعتق وابنه أقوى من الأب فلا شيء للأب مع وجود أحدهما والأخ الشقيق أو للأب وأبناؤها مقدمون على الجد، وهو مقدم على العم وابنه والولاء كالعصوبة في عدمها. قال ابن الحاجب: كالمدونة وغيرهما فيفيد عن عدمها الميراث، وولاية النكاح وحمله العاقلة. قال ابن عبد السلام: لا يقتصر بإفادته على هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرها بل كل موضع للعصبة فيه مدخل كصلاة الجنازة وغسل الميت، وربما لا يشترط عدم العصبة في بعض مسائل النكاح. قلت: قال بعض شيوخنا: يلزم على قوله أن يكون للمعتق القيام بقذف معتقه وهو يعيد والحق في ذلك اتباع النصوص والله سبحانه الموفق للصواب. باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب قال عياض رحمه الله: هي بتسكين الفاء. قلت: وحكي بعض فضلاء أصحابنا عن النووي فيها الضم قال عياض: وأصل ذلك من الشفع، وهو ضد الوتر؛ لأن الشفيع يضم الحصة التي يأخذها إلى حصته فتصير حصته حصتين. وقيل: من الزيادة؛ لأنه يزيد مال شريكه إلى ماله وهو يقرب من الأول. وقيل: من الشفاعة؛ لأنه يشفع نصيبه إلى نصيب صاحبه. وقيل: كانوا في الجاهلية إذا باع الرجل حصته جاء المجاور شافعًا إلى المشتري ليوليه ما اشتراه. وحقيقتها في الاصطلاح وقال ابن الحاجب: الشفعة أخذ الشفيع حصة شريكه جبرًا بشراء، واعترضه ابن هارون بأنه غير مانع؛ لأنه يقتضي وجوب الشفعة في العروض وهى لا شفعة فيها. قال بعض شيوخنا لا يخفي سقوط ما اعترض به لذي فهم.

قال ابن عبد السلام: نقض عليه بأخذ أحد الشريكين مشتركًا بينهما لا ينقسم بما وقف عليه بثمن إذا دعا أحدهما إلى بيعه. وقال: وجوابه بأن المأخوذ هو كل المشترك لاحظ الشريك ليس بقوي. قال خليل: وأحسن من هذا الجواب أن يقال: لا نسلم أنه يأخذه أحدهما جبراً بل اختياراً من صاحبه إذ له أن يزيد فوق ما أعطى شريكه بخلاف الشفيع فإنه يأخذ الحصة بمصل الثمن من غير زيادة. قلت: واعترضه بعض شيوخنا أيضًا بأن حده إنما يتناول أخذها لا ماهيتها وهو غير آخذها لأنها معروضة له ولنقيضه وهو تركها، والمعروض لشيئين متناقضين ليس عين أحدهما وإلا اجتمع عليه النقيضان وحدها بأن قأل: هي استحقاق شريك أخذ مبيع شريك بثمنه. (وإنما الشفعة في المشاع ولا شفعة فيما قد قسم ولا لجار ولا في طريق ولا عرصة دار قد قسمت بيوتها): يريد في غير العروض، وما أشبهها حسبما يأتي إن شاء الله تعالى، واختلف في الشفعة هل هي معللة أم لا؟ فقيل: إنما غير معللة بل هي عبادة نقله ابن العربي عن إمام الحرمين وقيل: معللة بضرر من الشريك الذي أدخله البائع قاله ابن رشد في أجوبته قائلاً: أجمع عليه أهل العلم. واعترضه بعض شيوخنا بأن في نقله تنافيا لقوله في مقدماته في كونها لضرر الشركة أو للقسم قولان للمتأخرين. واختلف هل في المناقلة شفعة أم لا؟ وهي بيع شقص بعقار على أربعة أقوال: فقيل: بثبوت الشفعة فيها كغيرها قاله مالك، وابن القاسم، وقيل: لا حكاه ابن الجلاب، قال خليل: ولم أره، ولعل صاحبه رأى أنه من باب المعروف، وقيل: إن علم القصد بالمسكن فلا شفعة، وإلا وجبت قاله مالك أولا ثم رجع إلى ما تقدم. وقيل: إن ناقل بحصته حصة بعض شركائه فلا شفعة ذكره ابن الحاجب وذكر الأربعة الأقوال ولم يذكره المغربي إلا تقييدًا وذلك أنه قال: إن مطرفًا وابن الماجشون قالا: إن المناقلة التي قال فيها مالك لا شفعة إنما هي إذا باع شقصه من شريكه بشقص له فيه شرك، ويكون كل واحد إنما أراد التوسعة في حصته بما صار إليه وكذلك ذكره اللخمي وابن رشد، وغيرهما. قال خليل الله: ولعل ما نقلاه عن مالك بنفي الشفعة هو القول الثاني، قال

ابن حارث: واختلف في الشفعة في الكراء، قال ابن القاسم: إن اكتري رجلان دارًا أو أرضًا ثم اكتري أحدهما حصة فلا شفعة لشريكه، وقاله سحنون، وقال ابن القاسم في المستخرجة له الشفعة، وقاله أشهب، وقال: وكذلك لو اكترى أحد الشريكين في دار حظه منها فلشريكه الشفعة. قال ابن رشد: إنما وقع اختلاف قول مالك في الكراء في الواضحة، وبقوله بالشفعة فيه قال ابن الماجشون، وابن عبد الحكم وبنفيها فيه قال ابن القاسم، ومطرف وأصبغ وابن حبيب. قال ابن المواز: ولو كان الأصل لواحد فأكرى نصفه مشاعا ثم أكري المكتري لغيره فلرب الأصل الشفعة. (ولا في فحل نخل أو بئر إذا قسمت النخل أو الأرض): قال ابن رشد: وقيل إن الشفعة في الأصول ثابته، وإن لم تنقسم وقيل: تقصر على ما يحكم بقسمته، وقيل: تقصر على ما ينقسم، وإن لم يحكم بقسمته. قلت: وإلى هذا يرجع اختلافهم في هذا الأصل، وسأذكر بعضه على طريق الاستئناس، وقال الشيخ أبو محمد عن محمد بن المواز لم يختلف مالك وأصحابه أن الشفعة في الحمام. وقال ابن الماجشون في غير الموازية أبي مالك من الشفعة في الحمام؛ لأنه لم ينقسم إلا بتحويله عن كونه حمامًا، وأنا أرى فيه الشفعة. قال بعض شيوخنا: وما ذكر عن ابن الماجشون: هو خلاف نقل اللخمي عنه،

قال رواية المدونة في الحمام الشفعة، وقال ابن الماجشون: لا شفعة فيه هو خلاف قوله في النخلة والشجرة الشفعة. قال ابن عبد السلام: وفي المدونة ما يدل على القولين قال غيره، وبعدم الشفعة قال ابن القاسم ومطرف، وبالشفعة قال أشهب وابن الماجشون وأصبغ، وقال صاحب الوجيز وعدم الشفعة هو المشهور. وقال صاحب المعين: وبه القضاء، وأفتى فقهاء قرطبة به لما جمعهم القاضي منذر بن سعيد إذ كان به القضاء عندهم فرفع الشفيع أمره إلى أمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد، وقال: حكم عبى بقول غير مالك فوقع بخط يده إلى القاضي أن يحمله على قول مالك ويقضي له به فجمع القاضي منذر بن سعيد الفقهاء وشاورهم فقالوا: مالك يرى الشفعة في الحمام فقضي منذر بن سعيد بذلك وحكم بها. قلت: وقيل هذا غير واحد كخليل واستشكل شيخنا أبو مهدي رحمه الله نقض حكم نفسه مع كونه حكم بما عليه العمل وأجاب باحتمال أن يكون إنما حكم به لكونه معتقدا أنه قول مالك فلما أخبر بخلافه ولم يخفظوا له غيره على ظاهر ما تقدم حكم بنقض الأول لا لغير ذلك؛ لأنه كان لا يخالف في الله لومة لائم حسبما هو مذكور في محله. قال ابن حارث: واختلف في الشفعة في الأندر فقال أشهب وابن نافع في سماع عبد الملك فيه الشفعة، وفي سماع سحنون لا شفعة فيه يعني في الأندر، ولا في الأفنية. واختلف في حجر رحا الماء إن بيعت على ثلاثة أقوال: ففي المدونة لا شفعة فيها، وقال ابن القاسم وأشهب في كتاب ابن سحنون فيه الشفعة، وقيل: الشفعة في الحجر السفلي دون الأعلى قاله عبد الحق وبعض شيوخه، قال عياض: وأشار الباجي إلى أن الخلاف في حجر رحا دون محلها وأشار التونسي إلى أن الخلاف فيهما. (ولا شفعة إلا في الأرض وما يتصل بها من البناء والشجر): ظاهر كلام الشيخ أن الثمرة لا شفعة فيها وهو كذلك عن ابن الماجشون وسواء بيعت مع الأصل أو دونه والشفيع شريك في الأصل أم لا؟ وقيل: إن الشفعة فيها ثابتة قاله مالك في المدونة قائلاً: ما علمت أحدا من أهل العلم قاله قبلي ولكني استحسنته، وقيل: إن بيعت مع الأصل ففيها الشفعة وإلا فلا قاله أشهب وهذه الأقوال الثلاثة ذكرها غير واحد وكذلك استحسن مالك في الشفعة في نقض الحبس.

قال في المدونة: وإذا بنى قوم في دار حبست عليهم ثم مات أحدهم فأراد ورثته بيع نصيبه من البناء فلإخوته فيه الشفعة، وهي شيء استحسنته وما سمعت فيه شيئًا وخارج المدونة قول لابن المواز بأنه لا شفعة في ذلك. واعم أن مالكاً لم يقل بالاستحسان إلا في خمس مسائل هاتان وقول قسمتها إذا أوصت الأم بالصبي ولمالها فإن كان يسيرا نحو ستين دينار فلا ينتزع من الصبي استحسنه مالك وليس بقياس والقصاص بالشاهد واليمين في كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل. وسمعت شيخنا أبا مهدي عيسى رحمه الله تعالى ينقل عن أبي بكر عن العربي أنه قال في كتابه المسمى بالمحصول في أصول الفقه: أنكر الشافعي وأصحابه الاستحسان وكفروا أبا حنيفة في القول به تارة، وبدعوه تارة وبه قال مالك ولم يكن في أصحابه شديد عارضة يبرزه إلى الوجود، وقد تتبعناه في مذهبنا فألفيناه ينقسم إلى أربعة أقسام: الأول: ترك الدليل للعرف كرد الأيمان إلى العرف. الثاني: ترك الدليل لمصلحة كتضمين الصناع، والدليل يقتضي ائتمانهم. الثالث: ترك الدليل لإجماع الصحابة كإيجاب القيمة على من قطع ذنب بغلة القاضي. الرابع: ترك الدليل في اليسير ورفع المشقة وإيثار التوسعة على الخلق بجواز التفاضل اليسير في المراطلة الكثيرة وإجازة بيع وصرف في اليسير. قال أبو محمد وغيره قال ابن المواز: لو ساقي أحد الشريكين في النخل حظه منها فقال أشهب: لا شفعة لشريكه في ذلك، وأظن أن ابن القاسم يرى له الشفعة وجدته في كتاب، ولا أدري ممن سمعته. وظاهر كلام الشيخ أنه لا شفعة في العروض وهو كذلك باتفاق عند أهل العلم ولذلك أنكروا نقل الإسفراييني من الشافعية عن مالك وجوب الشفعة فيها وفي الحيوان وقد أكثر الشيوخ الاعتذار عنه وكذلك حكي بعض الحنفية عن مالك وجوب الشفعة في السفن؛ لأنها تشبه الرباع. قال ابن عبد السالم: وهو لا يصح نعم الشفعة في رقيق الحائط ودوايه عند أهل المذهب على أن بعض الشيوخ خرج من ذلك خلافًا كثيراً، وكذلك لا شفعة في الممر ومسيل الماء. قال ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريج الخلاف فيهما من الخلاف في النخلة

الواحدة وشبهها، وكذلك لا شفعة في الدين باتفاق، واختلف هل يكون المديان أحق به أم لا؟ فقال ابن القاسم: لا يكون أحق به، وقيل: هو أحق به للضرر الذي يدخل عليه فيأخذه بقيمة العرض إن كان الثمن عرضا، وبعدده إن كان عينا، والقولان حكاهما ابن حارث رحمه الله تعالى. (ولا شفعة للحاضر بعد السنة): اختلف المذهب هل تسقط الشفعة بنفس الشراء إذا كان الشفيع حاضرا عالما بالبيع أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل: تسقط به قاله ابن وهب في كتاب ابن شعبان، وقيل: هو على شفعته أبدًا ما لم يوقف قاله مالك والأبهري. وقيل: إنها تسقط بمضي مدة طويلة وعلى الثالث فاختلف في منتهي المدة على تسعة أقوال: فروى أشهب، وقال به: إن مضيت سنة فلا شفعة له، وهو مذهب الشيخ رحمه الله. وقيل: لا يكفي ذلك بل حتى يمضي مع ذلك أكثر من شهرين نقله المتيطي عن ابن الهندي ونحوه لابن فتوح غير معزو وكأنه المذهب وحكى الصدفي يسقطها ما زاد على ثلاثة أشهر. وقال ابن سهل: بل على أربعة أشهر، وقال أصبغ: وهو على شفعته الثلاث سنين ونحوها قيل له بأكثر من ذلك قال: ليس هذا طولا ما لم يحدث المشتري بناء، وقيل: تثبت للحاضر إلى أربعين سنة قاله ابن الماجشون. ثم رجع إلى عشر سنين وكلاهما حكاه ابن رشد في مقدماته عن أحمد بن المعذل. وروي عن أبي عمران أنه يسقطها ثلاثون سنة وعن بعضهم خمسة عشرة سنة فيتحصل في ذلك أحد عشر قولا، وهذه المسألة إحدي المسائل الستة، وهي إحدى وعشرون مسألة وقد ذكرتها في اللقطة حسبما تقف عليه عن قريب إن شاء الله تعالى. وتسقط الشفعة بالمغارسة والسكوت وهو يبنى ويهدم ويغرس، واختلف في المساومة والمساقاة والاستئجار والمشهور أنها مسقطة خلافًا لأشهب والمعبر في إسقاط الشفعة أن تكون بعد الشراء، وأما قبله فكالعدم على المنصوص؛ لأنه إسقاط للشيء قبل محله. وخرج اللخمي اعتباره من قوله في المدونة إن اشتريت عبد فلان فهو حر، وإن تزوجت فلانة فهي طالق، ومن جعل لزوجته الخيار إن تزوج عليها فأسقطت ذلك الخيار قبل أن يتزوج عليه قائلاً: وهو في الشفعة أبين؛ لأنه أدخل المشتري في عهدة

الشراء فهو كهبة قارنت البيع. وفي أجوبة ابن رشد: الفرق بين قوله: وإن تزوجت فلانة فهي طالق وإن اشترى فلان شقص كذا فقد أسقطت عنه الشفعة إن الطلاق حق لله تعالى لا يملك المطلق رده إن وقع لو رضيت المرأة برده إذا ليس بحق لها، وإسقاط الشفعة إنما هو حق له لا لله يصح له الرجوع فيه برضى المشتري فلا يلزم إلا بعد وجوبه، وذكر ابن بزيزة القولين منصوصين قال: وهما جاريان على لزوم الوفاء بالوعد قال خليل: وقد يقال: هما على الخلاف فيما جر سببه دون شرطه أن الشركة سبب والبيع شرط. (والغائب على شفعته وإن طالت غيبته): ما ذكر مثله في المدونة قال فيها: الغائب على شفعته، وإن طالت غيبته، وهو عالم بالشراء وإن لم يعلم بذلك أحرى. قال ابن عبد السلام: لو قيل: العالم بالشفعة في غيبته لا يوسع له في الأجل إذا قدم له لكان له وجه، وهذا كله في الغيبة البعيدة، وأما ما قرب ولا ضرورة في الشخوص إليه على الشفيع فهو فيه كالحاضر، ونص عليه أشهب. قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: المريض الحاضر والصغير والكبير كالغائب، ولهم بعد زوال العذر ما للحاضر سواء علم المريض والغائب بالشفعة أم لا!! وقال أصبغ: المريض كالصحيح إلا أن يشهد في مرضه وقت الشفعة إنه على شفعته، وإن تركه التوكل عجز عنه وإلا فلا شيء له، ولما ذكر الباجي قول أشهب في إشهاد المريض، وقال: وهذا يقتضي أن الغائب إنما يبقي على شفعته إن لم يعلم فإن علم فإنه يقدر على شهادة بأخذ بالشفعة فإن لم يفعل فحكمه حكم الحاضر. (وعهدة الشفيع على المشتري): قال بعضهم: ظاهر كلامه سواء دفع الشفيع الثمن للمشتري أو للبائع أنها على

المشتري وقبله الفاكهاني. (ويوقف الشفيع فإما أخذ أو ترك): ما ذكر الشيخ هو المشهور والمعمول به قال المتيطي وابن رشد ووجهه قياسًا على قول مالك في الولي أنه لا يؤخر حتى بنظر قاله ابن رشد، وقيل: أنه يمهل ثلاثة أيام عزاه ابن رشد لابن عبد الحكم قياسًا على المرتد وحديث المصراة، وعزاه ابن يونس واللخمي والباجي لروايته لا لقوله. قال اللخمي: وهو أحسن إن أوقفه بنفس شرائه؛ لأنه إذا كان لا بنفس شرائه فقد تربص، وأمهل، ونظير هذه المسألة ما في ثالث نكاح المدونة وفي المجوسيين يسلم الزوج فيعرض عليها الإسلام أنه يفرق بينهما إن لم تسلم ولو تؤخر ونظيره أيضًا المملكة يوقفها السلطان فلا يؤخرها وهاتان النظيرتان ذكرهما ابن رشد قائلاً: لا يبعد دخول الخلاف في هذه المسائل كلها، والأصل في هذا المعنى قوله تعالى (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) [هود: 65]. واختلف المذهب إذا طلب أن يؤخر أيامًا ليأتي بالثمن على أربعة أقوال: فقيل: يؤخر ثلاثة أيام قاله في المدونة. ونقل الباجي عن ابن الماجشون انه يمهل عشرة أيام ونحوها. قال أصبغ: بقدر قلة المال، وكثرته وعسره ويسره وأقصاه شهر فلا أدري ما وراء ذلك، وقال اللخمي: الشهر كثير للموسر. (ولا توهب الشفعة ولا تباع): يريد لغير المشتري قاله المشتري قاله الفاكهاني واختلف إذا أخذ بالشفعة ليبيع على قولين. (وتقسم بين الشركاء بقدر الأنصباء): ما ذكر هو المنصوص والمشهور، وخرج اللخمي قولاً باعتبار العدد من قول عبد الملك في المعتقين وحصصهم متفاوتة أن التقويم عليه بالسواء وكأنه رجحه، وحكى الفاكهاني نصا لعبد الملك ولا أعرفه قال خليل: وقد يقال في هذا التخريج نظر إذ لا شك أن العلة هنا الضرر ومتى كثر النصيب كثر الضرر ومتى قل قل بخلاف العتق فإن من قال بالتقويم فيه على قدر الرءوس علل بأنه حق لله تعالى ولا تفاوت فيه. قال عياض: وخرجه آخرون من قول المدونة في الأقضية أجر القاسم على عدد الرءوس والفرق بين البابين بين، وحكاه ابن الجهم عن بعض أصحاب مالك نصًا.

قلت: وصرح المغربي بالفرق فقال: إن عمل الفريضة وحسابها يكثر لأجل صاحب القليل فذلك فذلك كانت على الرءوس. واعلم أن لهذه المسائل الثلاث نظائر منها توزيع نفقة الوالد على أولاده وأجرة كاتب الوثيقة، وكانس المراحض وحارس الأندر وزكاة الفطر في العبيد المشتركة وإذا أرسل أحد الصائدين كلبًا والآخر كلبين وإذا أوصى لمجاهيل من أنواع، وكلها ذكرها خليل في النفقات قائلاً: اختلف في جميعها. (ولا تتهم هبة ولا صدقة، ولا حبس إلا بالحيازة): قال المغربي: الصدقة نقل الملك بغير عوض، وكذلك الهبة. قلت: وقال بعض شيوخنا: الهبة تمليك متمول بغير عوض إنشاء فيخرج الإنكاح والحكم باستحقاق وارث إرثه وتدخل العارية والحبس والعمري والصدقة. قال: والحبس مصدرا إعطاء منفعة شيء مدة وجودة لازما بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا. وقول ابن عبد السلام إعطاء منافع على سبيل التأبيد يبطل طرده بالمخدم حياته، ولا يرد بأن جواز بيعه يمنع اندراجه تحت التأبيد؛ ولأن التأييد إنما هو في الإعطاء، وهو صادق على المخدم المذكور لا في لزوم بقائه في ملك معطيه، وهو اسم ما أعطيت منفعته مدة إلى آخره. ويلحق بما قال الشيخ من قوله: ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلى آخره القرض والعارية، قاله في المدونة، وغيرها، وأما الكفالة فالمشهور أنها لا تحتاج إلى حيازة، وما ذكر في الهبة متفق عليه، وما ذكر في الصدقة والحبس هو المشهور، وروي أبو تمام أنهما لا يفتقران إلى حيازة حكاه ابن زرقون، والمذهب أنهما لا زمان بالقول ويجبر على التحويز إن هو امتنع. وكذلك في الهبة على المشهور، وروي عن مالك أنها لا تنعقد إلا بالقبض. (فإن مات قبل أن تحاز عنه فهي ميراث إلا أن يطول ذلك في المرض فذلك نافذ من الثلث إن كان لغير وارث): ظاهر كلامه وإن كان جادا في الطلب، وهو كذلك عن ابن الماجشون، وقال ابن القاسم: لا تبطل قال التادلي: وظاهر كلامه أنه لا تؤخذ منه في حالة المرض، ولو كانت له أموال مأمونة. وروي ابن القاسم أن له أخذها في المرض إن كان له ذلك.

قلت: ما ذكره من ظاهر كلامه هو أحد قولي مالك في كتاب الصدقة، والمال المأمون هو العقار والرباع، قاله مالك في العتق الأول من المدونة. واختلف في الناض الكثير فعند ابن القاسم: ليس بمال مأمون، وقيل: هو مال مأمون قاله أشهب، وأصبغ. (والهبة لصلة الرحم أو لفقير كالصدقة لا رجوع فيها): يريد وكذلك الهبة لليتيم وما ذكره زعم ابن عبد البر الاتفاق عليه وعزاه ابن عبد السلام لبعض الشيوخ كعادته في التعمية بعدم العزو، وقال: فيه نظر فإن مطرفًا قال فيمن وهب هبة لأبيه أو لوجه الله: فله الاعتصار. وقال ابن الماجشون: لا يعتصر. قلت: وما ذكره عن مطرف ذكره ابن زرقون بعد أن ذكر كلام ابن عبد البر، وزاد ابن رشد في قول مطرف أنه إذا وهب لولده لوجه الله أو لصلة الرحم أن له الاعتصار أبدًا حتى يسمي الصدقة. وقال عياض: خرج بعض شيوخنا من إجازة مالك في العتبية لكل ما تصدق به على ابنه الصغير جواز الاعتصار في الصدقة. (ومن تصدق على ولده فلا رجوع له): كلامه في المسألة السابقة يغني عما ذكر هنا والله أعلم. (وله أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير ما لم ينكح لذلك، أو يداين أو يحدث في الهبة حدثًا): ظاهر كلام الشيخ: أن الجد لا يعتصر، وهي رواية ابن القاسم في المدونة ورواية ابن وهب في غيرها، وهو المشهور، وروي أشهب أنه يلحق بالأب وهو اختيار ابن عبد الحكم وظاهر كلامه أن الولد إذا نكح لذلك يمنع الاعتصار سواء كان الولد ذكرا أو أثني وهو كذلك على ظاهر المدونة وابن الحاجب وتصريح مالك في الموطأ. وقال ابن دينار: نكاح الذكر لغير الهبة لا يمنع الاعتصار ولأن الذكر دخل فيما المخرج بيده منه، وذلك في الأنثى بيد غيرها حكاه غير واحد كالباجي. وظاهر كلامه ولو زال النكاح بموت أو طلاق قبل البناء أو بعده، وهو كذلك عند ابن القاسم، وظاهر كلامه أن المداينة لا يشترط فيها أن تكون على الهبة بل هي مانعة مطلقاً، كما لو كان الابن غنيا فوهب له أبوه هبة يسيرة يرى أنه لا يداين لمثلها، وهو كذلك عند ابن الماجشون.

وقال مالك، وابن القاسم وأصبغ ومطرف: لا يمنع والقولان حكاهما ابن رشد. قال الباجي: ولو كان الابن مديانا فوهب له أبوه مالا فقال ابن الماجشون: لا يعتصر كما لو تقدمت الهبة، وقال أصبغ: يعتصر، وتغيير السوق لا يفيت نص عليه غير واحد كابن الماجشون. قال ابن عبد السلام: وهو ظاهر المدونة، وقال بعضهم: لا يختلف فيه ولا يبعد تخريج الخلاف في هذا. قلت: أراد بالبعض عياضًا رحمه الله تعالى، واعترض بعض شيوخنا قوله: ولا يبعد تخريج الخلاف فيه بأن من حقه أن يبين الذي يتخرج منه الخلاف وذكره دون تعيينه ساقط، ونص متأخر الأصوليين على أن القياس المنكر هو القياس على صورة غير معينة باطل ومثلوه بقول المستدل الزكاة واجبة في الحلي بالقياس على صورة من صور الوجوب فيسقط ليس معارضته بمثله وهو القياس على صورة من صور عدم الوجوب، وللأصبهاني شارح العتبية في ذلك كلام حسن ليس هذا موضعه. وظاهر كلام الشيخ أن العطية إذا كانت دنانير وصرفها فإنها فوت، وهو كذلك قاله بعض من لقيناه من القرويين وأفتى به. وقال شيخنا أبو مهدي رحمه الله: ليس بفوت والأقرب هو الأول وقد قال ابن الجلاب: وعبد الوهاب خلط الدنانير بمثلها فوت وإن كان استقر لي من المدونة خلافه، وذلك أنه قال في المدونة: من اتباع زيتا فصبه بمحضر بينة على زيته ثم فلس فالبائع أحق بقدر زيته، وهو كعين قائمة، وكذلك خلط الدنانير ومسألتنا أشد والله أعلم. الحمل من الولد مفيت اتفاقًا وفي مجرد الوطء قولان. (والأم تعتصر ما دام الأب حيًا فإذا مات لم تعتصر ولا يعتصر من يتيم واليتم من قبل الأب): قال الفاكهاني: هكذا روايتنا من يتيم في هذا الموضع، وفي بعض النسخ: والأم تعتصر ما دام الأب حيًا فإن مات لم تعتصر ولا يعتصر من يتيم. قلت: هما في المعنى واحد، وظاهر كلام الشيخ أنها تعتصر من ولدها اليتيم حالة الهبة، وإن كان غنيا، وهو كذلك قاله جمهور أصحاب مالك. قال الباجي: وروى ابن المواز عن أشهب أن اليتيم إذا كان غنيا أن لها أن تعتصر كما تعتصر من الكبير.

واختلف إذا وهبته في حياة أبيه ثم مات الأب ففي الاعتصار قولان: قال المغربي: والتهذيب يحتمل القولان قال فيها: وللأم أن تعتصر ما وهبت أو نحلت لولدها الصغير في حياة أبيه فيحتمل أن يكون العامل في حياة أبيه تعتصر أو قوله وهبة. وظاهر كلام الشيخ: وإن وقعت حيازة أن لها أن تعتصر، وهو المشهور، وقال ابن الماجشون: لا تعتصر ما حاز عنها له أبوه أو وصيه أو هو إن كان يلي نفسه، وإنما تعتصر ما وهبت له إن كانت هي التي تليه فلم تخرج الهبة من يدها حكاه ابن حارث وغيره. (وما وهبه لابنه الصغير فحيازته له جائزة إذا لم يسكن ذلك أو يلبسه إن كان ثوبًا وإنما يجوز له ما يعرف بعينه وأما الكبير فلا تجوز حيازته له): قال ابن عبد السلام: يقع في الإشهاد رفع يد الملك ووضع يد الحوز وظاهر كلامه أن ذلك على طريق الشرطية. وقال شيخنا أبو مهدي رحمه الله: الصواب عندي ما رأيته بخط ابن رشد وليس في شرحه لا يحتاج إلى الكتب برفع يد الملك ووضع يد الحوز، وما يكتبه جهلة الموثقين من ذلك لا يحتاج إليه. واختلف فيما لا يعرف بعينه من المكيلات والموزونات فقيل: يكون حوزه فيها كغيره، وقيل: لا، كما قال الشيخ بل يجوز غيره وذكره الهبة طردي بل وكذلك الصدقة وكذلك ذكر الصبي وكذلك ذكر السفيه، وأراد بالكبير الرشيد، والوصي، ومقدم القاضي ملحقان بالأب وألحقوا الأب بالأجنبي في هبة دار سكناه فشرطوا معاينة الشهود الدار خالية من شواغل الأب. قال الباجي عن ابن العطار: إن وهب أحد الوصيين يتيمهما لم يجز حوزه له وقيل: يجوز. قلت: واختار بعض شيوخنا إن رضي الوصي الثاني وإلا فالأول، واختلف إذا قبض الزوج ما وهب لزوجته بدون أمرها فقيل: حوزه لها ماض قاله ابن الماجشون. وقال ابن القاسم، وأصبغ: كالعدم فلا يصح وكلاهما حكاه ابن حارث. قلت: وأخذ المغربي القول الأول من المدونة من قولها: ومن وهب لحاضر أو غائب أرضًا فقبض الحاضر جميعها فقبضه حوز للغائب، وإن لم يعلم ولا وكله، ونقل ابن حارث عن عبد الملك في مسألة المدونة: أنه ليس بحوز وكان عبد الملك رأى أن قبض الزوج ما وهر لزوجته كأنها وكلته عليه بخلاف الغائب فلا تناقض في كلامه-

والله أعلم – ولذا ينبغي حمل الخلاف على أنه خلاف في حال. (ولا يرجع الرجل في صدقته ولا ترجع إليه إلا بالميراث): كلام الشيخ رحمه الله يحتمل الوجهين الكراهة والتحريم، وظاهره أن الهبة بخلاف ذلك قال اللخمي: واختلف في خمسة مواضع هل النهي على الوجوب أو على الندب؟ وهل النهي عن الشراء من المتصدق عليه أم منه أو ممن صارت إليه؟ وهل تدخل في ذلك الصدقة الواجبة أو لا؟ وهل الهبة كالصدقة أم لا؟ وهل المنافع كالرقاب أم لا؟ وهل العود بالثمن أو بغيره؟ فذكر في الأول المشهور من المذهب أن النهي في ذلك على الندب. قال مالك: لا ينبغي أن يشتريها، وقال: يكره، وقال الداودي: هو حرام وظاهر الموازية لا يجوز قال: والأول أحسن لأن المثل ضرب لنا بما ليس بحرام. قلت: واعترض بعض شيوخنا ما استدل به بأن التعليل يدل على ذم الفاعل لتشبيهه بالكلب العائد في قيئه، والذم على الفعل يدل على حرمته. وقال عز الدين بن عبد السلام وأبعد اللخمي عن ذكر قواعد أصول الفقه حسبما قاله المازري في صلاة الجنازة. قال: هذا والله أعلم، وكذلك قول ابن عبد السلام المشهور الكراهة فيه نظر؛ لأن ظاهر كلام اللخمي فبما حكاه عن الموازية أن معنى لا يجوز الحرمة، وهو لفظ المدونة وسماع ابن القاسم ولم يحك ابن رشد في سماع عيسى غير لفظ لا يجوز. قلت: تبع ابن عبد السلام اللخمي في تصريحه بالمشهور كما تقدم إذ معنى كلامهما واحد إلا أن عبارة ابن عبد السلام أشد لأنهما يتكلمان في النهي وليس الندب من عوارضه. وظاهر كلام شيخنا أنه انفرد به وليس كذلك. قال التادلى: واختلف إذا أخرج لسائل كسرة فلم يجده على ثلاثة أقوال ثالثها لابن رشد: إن أخرجها لسائل معين أكلها، وإلا فلا وفي النوادر: ولو أخرجها لسائل فلم يقبلها فليعطها لغيره وهو أشد من الذي لم يجده وفرق ابن رشد في بيانه بينهما بأنه لما أن وجده فأبي أن يقبلها وقد كان له أن يقبلها فردها أشبه عند ردها إليه بعد قبوله إيهاها ولعله إنما ردها إليه ليعطيها لغيره مثل أن يقول له أنا لا حاجة لي بها فادفعها لغير فيكون ذلك قبولا منه لها، ويكون بذلك راجعا في صدقته. (ولا بأس أن يشرب من لبن ما تصدق به ولا يشتري ما تصدق به):

يريد بلا بأس هنا لما غيره خير منه قال الفاكهاني: الظاهر أن هذا خلاف قول المدونة في كتاب الصدقة، ومن تصدق على أجنبي بصدقة لم يجز له أن يأكل من ثمرتها، وأي فرق بين اللبن والثمرة فانظره. ونحوه قول شيخنا أبي مهدي رحمه الله تعالى: الصواب أن له الأكل من الثمرة كاللبن. قلت: ويظهر لي فرق بينهما من حيث المعني، وهو أن الابتذال في اللبن أغلب من الثمرة والله أعلم. قال التادلي: وانظر هل يأكل من ربح ما تصدق به يجري على حكم اللبن بل هو أجوز منه والله أعلم، وإذا تصدق بداية فلا ينتفع بركوبها قاله في كتاب الصدقة من المدونة بأثر ما تقدم عنها. وزعم ابن عبد السلام: أن المشهور الجواز وعزا عدم الانتفاع لعبد الملك، واختاره بعض الشيوخ للأحاديث الواردة في هذا الباب وأما العرية فقد تقدم أن ذلك إنما جاز للضرورة أو لقصد المعروف. (والموهوب للعوض إما أثاب القيمة أو رد الهبة فإن فاتت فعليه قيمتها، وذلك إذا كان يرى أنه أراد الثواب من الموهوب له): ما ذكر الشيخ أن الموهوب إذا أتي بالقيمة لا مقال للواهب هو المشهور، وقال مطرف: يخير الواهب حينئذ فإن شاء سلمها له بذلك، وإن شاء استرجع هبته حتى يرضي كذا عزاه أكثرهم، وعزاه ابن رشد له ولروايته وعزاه الباجي له ولسماع ابن القاسم وأبهم اللخمي روايته فعزاه له، ولمالك، ونقل الفاكهاني عن الباجي مثل عزو ابن رشد، وهو غلط لا شك فيه، وهذا القول هو قائم من كتاب الشفعة من المدونة، قال فيها: ولو أثابه بعد تغييرها أضعاف القيمة قبل قيام الشفيع ثم قام لم يأخذ إلا بذلك كالثمن الغالى وإنما يهب الناس ليعارضوا أكثر. قال مطرف وهو ظاهر قول عمر رضي الله عنه قال في الموطأ: ومن وهب هبة يرى أنه أراد الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها. وظاهر كلام الشيخ أن الموهوب بالخيار ولو قبض الشيء الموهوب، وهو كذلك في المشهور وروى ابن الماجشون عن مالك أن القبض فوت يوجب القيمة، ولابن القاسم أن حوالة الأسواق فوت، وقاله أشهب، وأصبغ، وظاهر كلامه أن الزيادة والنقصان مما تفوت به الهبة فتلزم القيمة. قال الباجي: وهو المشهور عن مالك، وقاله ابن القاسم، ولمالك وأشهب أن

والزيادة لا تلزم بها الموهوب القيمة، قال أشهب: وهو معنى قول مالك ليس للموهوب له ردها في النقص ولا للواهب في الزيادة. وقال ابن عبد الحكم: ليس له الزيادة إلا باجتماعها زادت القيمة أو نقصت. قال ابن رشد: واختلف إذا تشاح الواهب والموهوب له فيما يكون ثوابًا، فقال أشهب: تتعين الدنانير والدراهم، وقال سحنون: لا تتعين ويصح أن يثيبه بكل ما يتمول، وقال ابن القاسم في المدونة: إلا فيما لا يثاب منه عادة كالحطب، وفي المدونة: لا ثواب في هبة العين ابن القاسم إلا بشرط، واختلف في هبة الحلى. فقال ابن القاسم فيه الثواب. وقال أشهب: بعكسه والقولان حكاهما المتيطي رحمه الله تعالى، واشتهر الخلاف في اعتبار القيمة هل هي يوم الهبة أو يوم الحكم إلا فيوم القبض على قولين: وكلاهما لمالك رحمه الله تعالى. قال الفاكهاني: ورأيت لابن عبادة البطليوسي التفصيل بين أن يكون العوض مما لا تتعين فيه الهبة فيوم الحكم وإلا فيوم القبض فكأنه تفقه فيه وهو عندي لا بأس به. (ويكره أن يهب لبعض ولده ماله كله وأما الشيء منه فذلك سائغ): إنما كان مكروها خشية العقوق، ولذلك قال: وأما الشيء منه فذلك سائغ؛ لأنه يؤدي على البر. (ولا بأس أن يتصدق على الفقراء بماله كله لله): قال الفاكهاني: لأنه فعل خير وقربة، وقد أثنى الله تعالى على فاعل ذلك فقال: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) [الحشر:9] وبقوله: (وما انفقتم من شيء فهو يخلفه) [سبأ: 37] وقوله: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) [الحشر:9] ، وفي الحديث: " ينادي مناديان كل يوم في السماء: اللهم أعط كل منفق خلفا، وكل ممسك تلفا"، وهذا له عندي شرطان أن لا يتشوش إذا بقي بغير شيء إلى أن يفتح الله عليه وأن يكون ما يرجوه مثل المال المتصدق به في الحلية. قلت: كلامه يدل على أن لا بأس هنا: راجحة الفعل من حيث الجملة، وقال التادلي: يريد مع الكراهة إذا بلا قائل بجوازه دونها

قلت: وقال سحنون في العتبية من تصدق بكل ماله ولم يبق ما يكفيه ردت صدقته كذا عزاه اللخمي، وتعقبه بعض شيوخنا بكونه لم يجده في العتبية إلا في سماع ابن القاسم تصدق بكل ماله وتخلى عنه صحيحا فلا بأس به قال: وظاهر قوله ردت صدقته أنه لا يلزمه شيء، ولما ذكر ابن بشير الخلاف في إمضاء فعله بعد الوقوع والنزول ولم يعزه. قال: وفي الشريعة ما يدل على الوجهين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة من أبي بكر بجميع ماله ورده على كعب بن مالك وغيره، وقد قال أبو حامد الإسفراييني: إن من يرجع إلى اليقين كما رجع إليه أبو بكر بحيث لا يسخط فتجوز صدقته بجميع ماله ومن يكون على خلاف في ذلك فلا ويرد إليه فيجعل ذلك خلافًا في حال. (ومن وهب هبة فلم يحزها الموهوب له حتى مرض الواهب أو أفلس فليس له حينئذ قبضها): يريد بالمرض المخوف عليه، وظاهر كلام الشيخ أن إحاطة الدين بمال الواهب ليست بمانعة من الحيازة بل حتى يفلس، وهو كذلك عند أصبغ. قال ابن الماجشون، ومطرف: الدين أولى ويشترط في صحة القبض أن يكون الواهب في عقله نص على ذلك ابن القاسم. قال الباجي: يريد ويكون موقوفا فإن اتصل ذلك بموته بطلت وإلا جاز ذلك. وقال ابن عبد السلام: إنما يتبين هذا على القول الشاذ أن الهبة لا تلزم بالقول، وأما على القول المشهور أنها تلزم به فمقتضى القياس كان دفعها للموهوب له والفرق بين ذهاب العقل وبين المرض والدين أن الحق في ذهاب العقل للواهب وقد أسقطه بالتزامه، وهو في المرض لغير الواهب، وهو للوارث، وكذلك في الدين لغير الوارث، ولا يلتزم أحدهما شيئًا، وشرط إنفاذ الهبة قد فات فتبطل الهبة. (ولو مات الموهوب له كان لورثته القيام فيها على الواهب الصحيح): ما ذكر مثله في أول كتاب الهبة من المدونة قال فيها: وإن وهبت هبة لحر أو عبد فلم يقبضها حتى مات فلورثة الحر، وسيد العبد قبضها، وقال: في كتاب الصدقة في المرسل بهدية يموت المرسل أو يموت المرسل إليه قبل وصولها فإنها ترجع إلى المهدي أو لورثته واستشكلت وأجيب بقوة الحوز إذا مات الواهب وباحتمال أن لا يقبل الموهوب له العطية لو وصلت إليه. قال ابن عبد السلام مضعفا له: وقد علمت أن هذا الاحتمال قائم إذا أشهد

الواهب مع ذلك فلا أثر له، وأيضًا لو كان هذا التعليل صحيحا لما افترق الحكم بين هبة الحاضر والغائب فالصواب عنده تعليل المسألة بأن الإشهاد هو غاية المقدور عليه في التحويز فإن موت الموهوب لا يضر في الحيازة ألا ترى إلى قوله في المسألة التي قبل هذا: وما اشترى الرجل من هدية لأهله في سفره من كسوة ونحوها ثم مات قبل أن تصل إلى بلده فإن كان أشهد على ذلك فهي لمن اشتراها له، وإن لم يشهد فهي ميراث فقد أمضى، هذه الهدية مع عدم القبول. (ومن حبس دارًا فهي على ما جعلها عليه إن حيزت قبل موته ولو كانت حبسًا على ولده الصغير جازت حيازته له إلى أن يبلغ وليكرها له ولا يسكنها): اعلم أن المذهب وبه قال أكثر العلماء في الحبس أنه مندوب إليه. قال بعض شيوخنا: ويتعذر عروض وجوبه بخلاف الصدقة، وقال أبو حنيفة وأصحابه ممنوع لقوله تعالى: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) [المائدة: 103] وما في معني هذا من الآي وليس معناه كما ظنوه إذ مقتضي الآية الكريمة توبيخهم على اتباع خطوات الشيطان وليس ما يحبسه الإنسان على ولده أو غيره بشيء من ذلك بل هي قربة، وأيضًا فقد وقع الإجماع على تحبيس المساجد والطرقات، والقناطر وللقوم احتجاج يطول جلبه ورده فمن شاءه فلينظره في المطولات. قال الباجي: وقد نزع أبو يوسف عن مذهبه إلى مذهب مالك لما ظهر عليه مالك في مجلس الرشيد، وقال: هذه أوقاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلها أهل المدينة خلفهم عن سلفهم يشير بذلك إلى الخير المتواتر، وهذا فعل أهل الدين والعلم في الرجوع إلى الحق متى ظهر، وتبين ولا خلاف عندنا أنه يصح في العقار المملوك لا

المستأجر. قال اللخمي: ومن حبس حظه في مشاع قبل أن يأذن شريكه فإن كان المشاع مما ينقسم بما خرج للحبس مضى حبسًا، وإن كان مما لا ينقسم رد الحبس للضرورة؛ لأنه لا يقدر على بيع الجميع وإن فسد فيه شيء لم يجد من يصلحه معه، وما ذكر مثله في نوازل الشعبي، وقال بعض شيوخنا في القسم الأول هذا على أن القسم تمييز حق، وإما على أنه بيع فإنه يؤدي إلى بيع الحبس إلا أن يقال الممنوع بيعه ما كان معينا لا المعروض للقسم؛ لأنه كالمأذون في بيعه من محبسه. قال: وما ذكر اللخمي عن المذهب هو أحد الأقوال الثلاثة، وقال ابن حبيب، وابن الماجشون فيما لا ينقسم: يباع فما أصاب المحبس اشترى به مثل ما حبسه فيه وظاهر آخر مسألة من شفعة المدونة أنه جائز مطلقًا، ولا مقال للشريك، ونقله ابن سهل عن ابن زرب. قلت: ولم يذكر ابن عبد السلام إلا القول الثاني: وعزاه لبعضهم زاد واختلفوا هل يقضى عليه بذلك أم لا؟ واختلف قول مالك في وقف العروض وكذلك اختلف قوله أيضًا في الحيوان فقيل: يجوز في الخيل وحدها. واعلم أن الحبس لا يصح بالشاهد واليمين، وقال أبو عمران الصنهاجي: وكذلك النكاح والطلاق والعتق والولاء والنسب، والوصايا لغير المعينين وهلال رمضان وهلال ذي الحجة، والتمويت والقذف والإيصاء، ونقل الشهادات والترشيد. قلت: زاد شيخنا أبو مهدي الحضانة لا يصح إسقاطها بشاهد ويمين قال أبو عمران، وفي التعديل والتجريح خلاف وكذلك الوكالة وشاهد على نكاح امرأة وقد ماتت وشاهد على نسب رجل أنه قد مات وكذلك على ولاء رجل أنه قد مات وترك مالا. قلت: وكذلك الأدب بالشاهد واليمين ذكره ابن رشد، وما ذكر الشيخ أن الدار تصرف فيما جعلت فيه صحيح، وإن لم ينص صاحبها على شيء، ومات فإنه يرجع إلى العرف فإن لم يكن فهي على الفقراء قاله في المدونة وقاله عبد الوهاب في المعونة وتصرف في وجوه الخير. (فإن لم يدع سكناها حتى مات بطلت): ما ذكر الشيخ من أنه إذا لم يدع سكناها فإنها تبطل، وهو كذلك وتقدمت رواية أبي تمام أن الحبس والصدقة لا يفتقران إلى حوز، واختلف إذا سكن بعضها ووقع

الحوز في بعض. فقال ابن القاسم في المدونة في آخر الرهون: ومن حبس على صغار ولده دارًا أو وهبها لهم أو تصدق بها عليهم فذلك حوز وحوزه حوز لهم إلا أن يكون ساكنا في كلهما أو رجلها حتى مات فيبطل جميعها وتورث على فرائض الله تعالى، وأما الدار الكبيرة ذات المساكن يسكن أقلها ويكري لهم باقيها فذلك نافذ فيما سكن وفيما لم يسكن. وفي المذهب أقوال أخر أحدهما: أنه يمضي الجميع بشرط أن يكون ما حيز منها أكثر من النصف وعكسه وإن حيز النصف وسكن النصف صح ما لم يسكن وبطل ما سكن. وقيل: إن سكن القليل وأبقي الكثير خاليا بطل حتى يكريه لهم؛ لأن تركه منع لهم فكأنه أبقاه لنفسه وكلاهما لشيوخ عبد الحق وعزا عياض الأخير منهما للصقليين قال: وهو صحيح في النظر ظاهر من لفظ الكتاب وقيل: يبطل الجميع مطلقًا حكاه ابن شاس. وقيل: ما حيز لزم بخلاف الباقي عزاه ابن الحاجب لابن القاسم، وهو خلاف ما تقدم له في الدونة؛ لأنه حاصل ما فيها إن سكن الجل بطل الجميع، وإن سكن الأقل صح الجميع، ويتعارض المفهومان في النصف، واختلف إذا كان المحبس يتولى صرف منفعة الحبس على من حبس عليه، وهم غير معينين هل يؤثر ذلك في صحة الحوز أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل: يؤثر وقيل: لا يؤثر. وقيل: إن كانت الرقبة بيدة وإنما يتصرف في الغلة كالحائط يبقيه بيده ويدفع غلته للفقراء فإنه يؤثر، وإن كان سلاحا أو كتبًا يدفعها لم يقاتل بها أو ينظر فيها ثم غلته للفقراء فإنه يؤثر قاله في المدونة وما ذكرناه من أنها ثلاثة أقوال هو عزو ابن الحاجب وذكرها ابن شاس رواية وقبله ابن عبد السلام وابن هارون. وقال بعض شيوخنا: لا أعرف بطلانه في الفرس والسلاح إن أخرجها وعادت إليه بحال ويشترط في إثبات الحوز الشهادات بالمعاينة لا بالإقرار. (وإن انقرض من حبست عليه رجعت حبسًا على أقرب الناس بالمحبس يوم المرجع): ويريد من الفقراء قال ابن كنانة: وإنما يرجع إلى أولى الناس بالمحبس ولم يرجع إلى المحبس؛ لأنه رجوع في الصدقة. قال ابن عبد السلام: وهذا قد يظهر إذا كان الحبس أولى بمعني الصدقة وهو أعم

من ذلك لأن المذهب لا يشترط فيه ظهور القربة، وإنما كان الحكم أن يرجع إلى أولى الناس بالمحبس لما يجتمع به من الصلة، وسد خلة الفقير قاله ابن كنانة أيضًا. وقال مالك في رواية أشهب أحب إلي أن يرجع صدقة على المساكين وأهل الحاجة ولا يرجع ميراثا وما ذكرناه من اشتراط الفقير هو المشهور. وقيل: يدخل الأغنياء في السكنى دون الغلة، وقيل: إذا لم يكن أهل المرجع فقراء أعطى للأغنياء منهم، والمشهور من المذهب أنه يدخل من النساء من لو كان رجلاً كان عاصبا. وقيل: لا يدخلن وعلى الأول فقال مالك في كتاب محمد الذكر والأنثى فيه سواء واشترط في أصل الحبس للذكر مثل حظ الأنثيين قال: إن المرجع ليس فيه شرط ولو لم يكن له يوم الموجع إلا ابنة واحدة لكان لها جمعيه فإن لم يكن للمحبس من القرابة من يصرف إليه المرجع فإنه يصرف إلى الفقراء. (ومن أعمر رجلاً حياته دارًا رجعت بعد موت الساكن ملكًا لربها، وكذلك إن أعمر عقبه فانقرضوا بخلاف الحبس): ما ذكره صحيح جلي المعني من حيث إن العمرى إنما هي تمليك للمنافع دون الرقاب بخلاف الحبس فإنه تملك للرقاب. (فإن مات المعمر يومئذ كان لورثته يوم موته ملكا): قال الفاكهاني: يريد إذا قال له: أعمرتك هذه الدار أيام حياتي، وأما إن قال له: أيام حياتك فمات المعمر فإنها لا ترجع لورثته إلا بعد موت المعمر. (ومن مات من أهل الحبس فنصيبه على من بقي): قال ابن رشد: إذا مات أحد من أهل الحبس فلا يخلو من ثلاثة أوجه: تارة يكون بعد الطيب فهذا حصته لوارثه اتفاقًا. قلت: وذكر اللخمي قولاً أن المعتبر من وجد عند القسم فيما إذا كانت تقسم عليهم الغلة، وليسوا يلون عملها. قال ابن رشد: وتارة يموت قبل الإبار فلا شيء لوارثه اتفاقًا، وتارة يكون بعد الإبار، وقبل الطيب ففي ذلك خمسة أقوال: فقيل: لوارثه مطلقًا قاله غير واحد من الرواة في المدونة، وقيل: مثله إن كانت الميت أبر وسقًا قاله في هذا السماع وقيل: هو لمن بقي من أهل الحبس وهذا الحبس وهذا الذي رجع إليه مالك، وقيل: مثله إن كانوا يلون عملها، وكان المحبس عبدًا يخدمهم أو دارًا يسكنونها، وإن كان ثمرا يقسم رجع لمحبسه، وقيل:

له مطلقًا وإن لم يعرها وأولهما هو الذي رجع عنه مالك في المدونة. وثانيهما: مقتضى قول اللخمي وعزاه لرواية عبد الوهاب في المعونة وصوبه إلا أن تكون العادة رجوعه لبقية أصحابه. (ويؤثر في الحبس أهل الحاجة بالسكني والغلة): ما ذكر هو المشهور، وقيل: لا يفضل ذو الحاجة على الغنى إلا بشرط من المحبس وسواء كان التحبيس على قوم بأعيانهم وأعقابهم أو على ولده وولد ولده إلا أن المخالف في الأولى عبد الملك، والمخالف في الثانية المغيرة والفقه قريب. (ومن سكن فلا يخرج لغيره إلا أن يكون في أصل الحبس شرط فيمضي): زاد في المدونة ولو لم يجد مسكنا ولا كراء له، وظاهر كلامه ولو استغني بعد أن سكن لأجل فقره، وهو كذلك. قال ابن عبد السلام: ولعل ذلك لأن عودته لا تؤمن وإلا فالأصل كان أن لا يخرج. قلت: وقال بعض شيوخنا: ونص ابن رشد عن ابن القاسم على أنه لا يخرج إذا كان الحبس على العقب فإذا سكن لغيبة غيره فلا يخرج، ولو كان على الفقراء فإنه يخرج إذا استغني قال: وقول ابن الحاجب: ولا يخرج الساكن لغيره وإن كان غنيا يوهم خلاف ذلك لقول ابن عبد السلام: ولو سكن ثم خرج فإن كان خروج انقطاع يسقط حقه وكان من سكن أولى وإلا فلا قال في المدونة: ومن مات أو غاب غيبة انتقال استحق الحاضر مكانه. وأما من سافر لا يريد مقامًا فهو على حقه إذا رجع وأقام منها المغربي ما في جامع العتبية أن من أقام بموضع في المسجد في الصف الأول وقام لتجديد وضوء أو لغيره على أن يؤوب إليه بالقرب أنه أحق والقرب هو أن يكون ذلك المعنى الذي جلس إليه قائمًا مثل أن يكون ينتظر الصلاة. قلت: ومن هذا المعني قيام الطالب من درس العلم لحاجة ثم يعود وكذلك قال شيخنا أبو مهدي رحمه الله: لا يجلس غيره من أصحابه في مكانه إذا سبقه إذا كان لكل إنسان موضع معلوم به كما هو المألوف عندنا بتونس؛ لأن ذلك مقصود من المجلس للعرف المقتضي لذلك. (ولا يباع الحبس وإن خرب)

ما ذكر هو المعروف وروي أبو الفرج جوازه وهو الذي حكاه ابن رشد، وكذلك ذكر اللخمي وعزا الجواز لابن القاسم جريا على قوله في الثياب إذا بليت إلا أنه قصر الخلاف على ما بعد من العمل ولم يرج صلاحه، وأما ما كان بالمدينة فلا يباع وظاهر كلامه باتفاق فجعله بعض شيوخنا ثالثًا. وقال ابن عبد السلام: حكى أبو الفرج وابن شعبان قولاً بجواز بيع الخرب مثل ما في الرسالة واعترضه بعض شيوخنا بأن الذي في الرسالة إنما هو المناقلة بالمعاوضة فقط كما سيأتي ورواية أبي الفرج بالبيع أعم منه. قلت: على أن ما حكاه عن ابن شعبان لم أجده. واختلف هل يجوز نقض بيع نقض الحبس إذا خرب أم لا؟ على قولين ذكرها في الزاهي، وكذلك اختلف هل يجوز نقله إلى حبس آخر ليبني به إذا لم ترج عمارة الخرب أم لا؟ وبالجواز مضى العمل عندنا. قال مالك: ولا بأس أن يشتري من دور محبسة إن احتيج إلى توسعة مسجد أو طريق؛ لأنه نفع عام، وقيل به في مساجد جوامع الأمصار لا القري قاله غير واحد كابن عبد الحكم ومطرف واختلف المتأخرون إذا أبوا من بيعها للمسجد فقال أكثرهم: تؤخذ بالقيمة جبرًا، وقيل: لا يجبرون وقيل بالأول في المسجد الجامع بخلاف غيره، وأما إذا كانت الدار الملاصقة لمسجد الجمعة مملوكة، فقال الباجي: يجبر أهلها بإجماع. وقال ابن رشد: في الجبر قولان وأفتي بالجبر، واحتج بقول سحنون يجبر ذو أرض تلاصق طريقًا هدمها نهر لا ممر للناس إليه فيها على بيع طريق لهم بثمن يدفعه الإمام من بيت المال، وبفعل عثمان رضي الله عنه، في توسعة مسجده صلى الله عليه وسلم ويقول مالك وغيره إذا غلا الطعام واحتيج إليه أمر الإمام أربابه بإخراجه للسوق. (ويباع الفرس الحبس يكلب ويجعل ثمنه في مثله أو يعان به فيه): ما ذكر الشيخ هو المشهور، وقول ابن الماجشون: لا يباع ويوقف، وإن ذهبت

منفعته إلا أن يكون شرط فأطلق هذا الخلاف غير واحد. وقال اللخمي: إن انقطعت منفعة الحبس وعاد بقاؤها ضررا جاز بيعه وإن لم يكن ضررا ورجا أن تعوده منفعته لم يجز بيعه. واختلف إذا لم يكن ضرر أو لا رجيت منفعته، وما ذكر الشيخ من صفة الجعل هو كذلك في المدونة في الفرس، وقال في الثياب: يتصدق بها في السبيل إن لم تبلغ ثيابًا ينتفع بها فقيل: إن الثياب لما لم يظهر لها كبير منفعة في الغزو واستخفت الصدقة بما عجز عن ثمن ثوب بخلاف الخيل لعظم منفعتها في الغزو وحوفظ على أصل التحبيس فيه. قال ابن عبد السلام: وفي هذا الفرق نظر، قال ابن وضاح سألت سحنون عن زيت المسجد يكون كثيراً أيباع ويتخذ في منفعة الحبس؟ قال: تجعل فتائله غلاظا ولم ير بيعه. قلت: أيوقد في مسجد آخر؟ قال: لا بأس، قلت: فالخشب تكون في المسجد قد عفنت لا يكون لها كبير منفعة أترى أن تباع ويشترى بثمنها خشب، ويرم بها المسجد قال: أما أنا فلا أجعل سبيلا إلى بيعها أصلاً وأشار بقوله أنا إلى أن ثم قولاً ضعيفا. وقال ابن زرب بيع حصر المسجد جائز وكذلك ما يلي من أنقاض المسجد ويصرف في منافعه. (واختلف في المعارضة بالربع الخرب بربع غير خرب): قد قدمنا أن القول بالجواز داخل في عموم رواية أبي الفرج، والقول بالمنع نقله الباجي عن ابن شعبان قائلاً: وإن خرب ما حوله وقد تعود العمارة ولم يحك الباجي غيره. واعلم أن المتولي للوقف يكريه بنظره السنة والسنتين فإن أكراه ممن مرجعه إليه جازت الزيادة على ذلك وقد أكرى مالك منزله، وهو كذلك عشر سنين واستكثرت. قال ابن عبد السلام: ومعنى ما تقدم إذا كانت الدار وقفا على معينين ثم على أولادهم، وشبه ذلك، وأما إن كانت الدار على الفقراء وشبههم فينبغي أن يكون أوسع من هذا الأجل إذا لا يتقي في ذلك سوى انهدام الدار، وهذا الاحتمال لا يمنع من طول الأجل في الدور ثم قال: وأجاز جماعة من فقهاء بلدنا وعمل به منذ عشرين عامًا كراء بقعة من أرض الحبس أربعين عامًا لمن بناها دارًا وليس الحبس فيها على معينين بعد أن بذل فيها مكتريها عوضًا خارجًا في الكثرة عن العادة.

قال ابن الحاجب: ولا يفسخ كراء الوقف لزيادة، قال ابن عبد السلام: يعني إذا كان عقده غبطة، وأما إن كان فيه غبن فتقبل فيه الزيادة قيل: وسواء كان من طلب الزيادة فيه حاضرا أو غائبًا وأهل تونس في هذا التاريخ وقبله بسنين كثيرة استمروا على أنه يكري ربع الحبس على قبول الزيادة فيه ويجعلونه منحلا من جهة المكري ومنعقدا من جهة المكتري وهو قول منصوص عليه في المذهب ووقع في المدونة ما يقتضيه، وإن بعضهم رأى ما في المدونة خارجًا عن أصول المذهب، واعتقد بعض من لقيناه أن ذلك مخالف للإجماع؛ لأنه راجع إلى بيع الخيار ولم يجزه أحد إلى سنة. وأشار ابن رشد إلى أن هذه المسألة ليست كبيع الخيار الذي جعل أمد الخيار فيه سنة فإن ذلك ينتقض فيه البيع من أصله إذا أراد حله من جعل له الخيار وهنا لا ينتقض إلا ما بقي من المدة. قلت: وهذا الفصل لما كان مضطرا إليه ذكرنا في هذا المحل اتباعا لمن ذكر، وإن كان غير هذا الفصل أليق به والأعمال بالنيات. (والرهن جائز):

وقال ابن الحاجب: الرهن إعطاء امرئ وثيقة بحق واعترض بأنه غير مانع بالمنع لذي حق على الوفاء به والحميل لحق والإشهاد به. قال ابن عبد السلام: وأجيب بمنع قبول دخول شيء منها تحته؛ لأن لفظة إعطاء تقتضي حقيقة دفع شيء ولفظ وثيقة يقتضي صحة رجوع ذلك الشيء لدافعه إذا استوفي ذاك وذلك لا يصح في الحميل واليمين الأخذ والرد حقيقة. وأما الوثيقة بذكر الحق فهو وإن صح دفعها فلا يلزم ردها بعد استيفاء الحق. قلت: ورده بعض شيوخنا بأن قوله لفظة إعطاء يقتضي دفع الشيء إلى آخذه، وإن أراد دفعه حسب المحسوس منع لصحة قولنا: إعطاء عهد الله والأصل الحقيقة، وإن أراد الأعم منه، ومن المعني دخل ما وقع النقص به وإن سلم كونه حسبا بطل بإخراجه رهن الدين، وقوله لفظة وثيقة تقتضي صحة رجوع ذلك الشيء إلى آخذه يريد؛ لأنه لا يلزم من نفي لزوم ردها نفي صحته واللازم عنده إنما هو الصحة حسبما تصرح به قال: ويتعقب رسم ابن الحاجب بأنه لا يتناول الرهن بحال؛ لأنه اسم والإعطاء مصدر وهما متباينان، وظاهر كلام الشيخ: أن الرهن جائز حضرًا أو سفا وهو كذلك عندنا. (ولا يتم إلا بالحيازة): ظاهر كلام الشيخ إذا لم يحز فإنه يبطل، وإن كان جد في الطلب إلى أن قام عليه الغرماء، وهو كذلك قال ابن حارث وقال عبد الوهاب عجزه مع جده في طلبه إلى أن قاموا لا يبطله كالهبة. وحكى اللخمي القول الثاني غير معزو كالأول دون استدلال قائلاً، وهو أحسن. قلت: واستدلال القاضي بالهبة يدل على أنه متفق عليه فيما وليس كذلك بل هو قول ابن القاسم، وقال ابن الماجشون: تبطل حسبما قدمنا ذلك في موت الواهب ولا فرق بين الموت والتفليس. واعلم أن الحواز المتقدم لغير الرهن كالمتأخر على الأصح، واختلف هل يصخ رهن مشاع العقار أم لا ففي المدونة صحته. وقال ابو حنيفة والشافعي: لا ينعقد فيه رهن قال المازري، وخرجه الشيخ عبد المنعم، وهو أحد شيوخ شيوخي من قول بعض أصحابنا أن هبة المشاع لا تصح؛ لأن قبضه لا يتأتى. قلت: وخرجه بعض المتأخرين من منع صرف جزء الدينار لامتناع القبض

والحسي فيه ورده شيخنا أبو مهدي رحمه الله بأن الصرف أشهد فهو أضيق بدليل أنه يشترط فيه القبض الحسي. وقال ابن الحاجب: وقبض الجزء المشاع، والباقي لغير الراهن إن كان عقارا جائز باتفاق. وقال ابن عبد السلام: لم يطلع المؤلف على الرواية بمنع رهن المشاع كأبي حنيفة. قلت: ومرض بعض شيوخنا نقله بقوله: لا أعرف هذه الرواية وظاهر نقل شيوخ المذهب نفيها، ولو كانت ثابتة ما اضطر إلى التخريج الذي ذكره المازري والشأن من التحقيق في ذكر غريب مثل هذا عزوه. (ولا تنفع الشهادة في حيازته إلا بمعاينة البينة): ظاهر كلامه أن الإقرار بحوزه ووجوده في يده بعد الموت أو التفليس كالعدم، وهو ظاهر المدونة قال فيها: ولا يقضى بالحيازة إلا بمعاينة البينة بحوزه في حبس أو هبة أو رهن. وقيل: إن وجود الرهن بيد المرتهن بعد موت راهنة يقبل قوله حزته في صحته نقله أبو محمد في نوادره عن مطرف وأصبغ، ونقل خلافه عن ابن الماجشون، وابن حبيب، وفي الطرر لابن عات العمل أنه إذا وجد بيده وقد حازه كان رهنا، وإن لم يحضروا الحيازة ولا عاينوها؛ لأنه صار مقبوضًا وكذلك الصدقة. (وضمان الرهن من المرتهن فيها يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه، وثمرة النخل الرهن للراهن): ما ذكر الشيخ أن ضمان ما يغاب عليه من المرتهن هو كذلك باتفاق من حيث الجملة ويريد ما لم يكن بيد أمين فإنه من الرهن كما سيأتي له. وظاهر كلامه ولو قامت البينة على هلاكه وهو كذلك في رواية أشهب وقيل: لا يضمن رواه ابن القاسم، وقال به، وبه قال عبد الملك وأصبغ نقله ابن يونس وسبب الخلاف هل الضمان بالأصالة أو بالتهمة، ولو اشترط نفي الضمان؟ فقال ابن القاسم: لا يعول عليه، ويضمن، وقال أشهب: لا يضمن وقيل: إن كلا منهما ناقض أصله. وأجاب بعض شيوخنا عن ابن القاسم: بأن الضمان يتقوى معه الشرط؛ لأن الضمان عنده معلل بالتهمة، وعن أشهب بأن شرط عدم الضمان ناسخ. قلت: ولا مناقضة على ابن القاسم في قوله في العارية إذا اشترط المستعبر أنه

مصدق فيها وكانت مما يغاب عليه فإن يوفي له بشرطه؛ لأن العارية معروف وإسقاط الضمان معروف ثان بخلاف ما أصله المكايسة كالرهن قاله اللخمي في العارية، وما ذكر الشيخ من نفي الضمان فيما لا يغاب عليه هو المنصوص والمشهور، وقال المازري: وخرج بعضهم ضمانه من رواية ضمان المحبوس بالثمن. ورده بعض أشياخي بأن ضمان المحبوس بالثمن ليس لأنه رهن بثمنه لاحتمال كونه على رواية شرط مضى زمان إمكان قبض المبيع بعد عقده في ضمانه بالعقد والحبس مانع من تمكن قبضه وخرجه بعضهم من قول شركة المدونة إن استعار أحد الشريكين دابة لحمل شيء من مالك الشركة بغير إذن شريكه فتلفت: لا ضمان على الشريك غير المستعير، وأجيب بأنه بيان لحكم الشركة لو حكم حاكم بضمانه لا أنه بيان لحكم ضمان المستعير. قال رحمه الله: ويستغني عن هذا التخريج بقول أبي الفرج عن ابن القاسم فيمن قبض عبدًا ارتهن نصفه فتلف: ضمن نصف فقط. قال في المدونة في السلم الثاني: ما لا يغاب عليه هو الحيوان والدور والأرضون والثمر في رءوس النخل والزرع إذا لم يحصد. قال اللخمي: وهو عام في الحيوان على اختلاف أنواعه من شاة وطير، وأري أن يضمن ما يستخف أكله وذبحه. (وكذلك غلة الدور): ما ذكر الشيخ أن غلة الدور للراهن هو المشهور، وفي المبسوط لمالك: ومن استرهن دارًا أو عبدًا قبضه أو لم يقبضه؛ فإن إجارة العبد والدار تجمع لا تصل إلى الراهن ولا للمرتهن حتى يفك الرهن فتكون تبعًا للرهن فإن كان في الدار كفاف الحق كانت الإجارة للراهن. قال في البيان: وهذه الروايات شاذة لا تعرف في المذهب، ويريد الشيخ إلا أن يشترط المرتهن ذلك فيكون له، وسمع أصبغ ابن القاسم: لا بأس أن يشترط بيع المبيع، ويرتهن الدار أو العبد انتفاعه به لأجل معلوم كان أبعد من أجل الرهن أو قبله. قال ابن رشد: هو كقوله في المدونة خلاف نص مالك جوازه في الربع والأصول دون الحيوان والثياب إذ لا يدري كيف يرجع ذلك إليه، واحتج ابن القاسم بجواز إجارة ذلك، وهو لا يدري كيف يرجع إليه، ولا حجة على مالك؛ لأنه إنما كرهه للغرر كالرهن إذ لا يدري متى تكون القيمة بعد استعماله.

واختلف في رهن الجنين فمعروف قول مالك أنه ممنوع وأجازه ابن ميسر كذا نقله الشيخ أبو محمد ولم يحك ابن الجلاب إلا الجواز وعزاه ابن حارث لابن الماجشون والمعروف جواز رهن الثمر قبل بدو صلاحه. ونقل ابن رشد عن ابن القاسم: أنه ممنوع ولم يذكره غيره إلا بالتخريج. قال المازري: ورهن الثمرة التي لم تخلق كالجنين، وهو خلاف قول ابن الحارث اتفق ابن القاسم، وابن الماجشون على ارتهان الثمرة التي لم تخلق. واختلف في ارتهان ما في البطن فأجازه عبد الملك كالثمرة ومنعه ابن القاسم. (والولد رهن مع الأمة الرهن تلده بعد الرهن): ما ذكر مثله في المدونة قال فيها: ومن ارتهن أمة حاملا كان ما في بطنها وما تلد بعد ذلك رهنا معها، وكذلك نتاج الحيوان. قال ابن رشد: لأنه كجزء منها، ونحوه للمازري في منع استثنائه واستشكل بعض التونسيين كونه كالجزء بأنه لو كان كذلك للزوم من عتق الجنين عتق أمه كعتق يديها وليس كذلك. وأجاب بعض شيوخنا بأن الجزء ملازم ومفارق فالملزوم للعتق الملازم لا المفارق، وفي الجلاب وفراخ النخل، والشجر رهن مع أصولها. قال في المدونة: ولا يدخل إلا صوف كمل نباته يوم الرهن معها كلبن في ضروعها. (ولا يكون مال العبد معه رهنا إلا بشرط، وما هلك بيد أمين فهو من الراهن): ما ذكر مثله في المدونة، قال ابن حارث اتفاقًا، قال: واختلف فيما يستفيده بهبة أو شبهها. قال ابن عبدوس عن ابن القاسم: لا يدخل إلا باشتراطه، وقاله أشهب، واحتج بالوصية؛ لأنها لا تدخل في الأرباح إلا فيما لم يعلمه الموصي. وقال يحيى بن عمر: تدخل وهي أشبه بالمبيع من الوصية. قال التونسي في الموازية: إذا اشترط مال العبد في الرهن لا يدخل ما أفاد فيه، وإلا شبه دخوله كشرط ماله إذا ابتيع على الخيار فما أفاد من مال في أيامه دخل فيه. وفي المدونة فيمن كوتبت على خيار فما أفادت في أيامه فهو لسيدها، وهو فيها لغير ابن القاسم، والمعروف الأول. وقال المازري: وقيل في الأرباح: إنها كالفائدة في الزكاة فأشار إلى تخريج الخلاف في ربح مال العبد.

(والعارية مؤداة يضمن ما يغاب عليه ولا يضمن ما لا يغاب عليه من عبد أو دابة إلا أن يتعدى): العارية هي بتشديد الياء، قاله الجوهري. وقال ابن شاس، وابن الحاجب العارية تمليك منافع العين بغير عوض، واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير جامع؛ لأنه لا يتناولها إلا مصدرا والعرف إنما هو استعمالها اسما وهو الشيء المعار. قال مالك في المدونة فيما تلف من عارية الحيوان عند من استعارها: لا ضمان عليه إلا أن يتعدى، وبأنه غير مانع؛ لأنه يدخل عليه الحبس، وحدها بأن قال: هي مصدرًا: تمليك منفعة مؤقتة لا بعوض فتدخل العمرى والإخدام لا الحبس واسما مالك ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض، وهي مندوب إليها من حيث الجملة؛ لأنها إحسان والله يحب المحسنين ويعرض لها الوجوب كمن هو مستغن عنها لمن يخشى هلاكه والتحريم ككونها معينة على معصية والكراهة إذا أعين بها على مكروه والمباح إذا أعين بها غني. واختلف في علف الدابة المعارة فقيل: على المعير، وقيل: على المستعير، قال ابن رشد في المقدمات: وأجرة حمل العارية على المستعير، واختلف في أجرة ردها فقيل: على المستعير وهو الأظهر وقيل: على المعير؛ لأن العارية معروف فلا يكلفه أجرف بعد معروف صنعه. وقبل الفاكهاني قول ابن الجلاب ومن استعار شيئًا إلى مدة معلومة فلا بأس أن يكريه من مثله، وفي المدونة: ولا بأس أن يعيره من مثله كما قال ابن هارون وابن عبد السلام، قول ابن شاس، وابن الحاجب المعير مالك للمنفعة غير محجور عليه فتصح من المستعير، والمستأجر، ويؤيد ما قالوه قول المدونة في الوصايا الثاني، وللرجل أن يؤاجر ما أوصى له به من سكنى دار أو خدمة عبد قال في الوصايا الأول إلا أن يريد رب العبد ناحية الكفالة والحضانة، وهو خلاف ما في الزاهي لابن شعبان من استعار دابة فلا يركبها غيره وإن كان مثله في الخفة والحال ومثله قول إجارة المدونة إن استأجرت ثوبًا تلبسه يومًا إلى الليل فلا تعطه غيرك ليلبسه لاختلاف الناس في اللباس والأمانة. وكره مالك لمكتري الدابة لركوبة كراؤها من غيره، وإن كان أخف، وخرج ابن عبد السلام قوله في العارية، وما ذكر الشيخ أنه لا يضمن ما لا يغاب عليه، قال اللخمي: هو المشهور من قولي مالك وأصحابه وروى ابن شعبان: لا يصدق في ذهاب الحيوان حتى يعلم ذهابه، وقاله ابن القاسم في كتاب الشركة، ولا حاجة لتأويل بعضهم

إذا كان أحد قولي مالك، وقيل: لا يصدق فيما صغر فقط، وقد يرجح هذا فيما يراد منه الأكل دون غيره. قلت: ونقل ابن يونس عن أشهب يضمن الحيوان ولو قامت بينة على هلاكه بغير سببه فيتحصل في المسألة أربعة أقوال. (والمودع إن قال: رددت الوديعة إليك صدق إلا أن يكون قبضها بإشهاد): قال ابن شاس: وابن الحاجب: الوديعة استنابة في حفظ المال، واعترض بعض شيوخنا ما ذكراه بأنه غير جامع؛ لأنه بقي عليهما إيداع الوثائق بذكر الحقوق وبأنه غير مانع لأنه يدخل فيه حفظ الإيصاء، والوكالة؛ لأنها أزيد من الحفظ وحفظ الربع، وحدها بأن قال الوديعة بمعنى الإيداع نقل مجرد حفظ مالك بنقل، وهي مباحة، ويعرض لها الوجوب والتحريم، وأمثلتها واضحة. وما ذكر الشيخ من أنه مصدق مثله في التهذيب، وظاهرهما بغير يمين وعزى للمدونة، وقيد الفاكهاني قول الشيخ فقال يريد، ويحلف كان متهما أم لا قال عبد الحق. وقال اللخمي: يحلف ولو كان مأمونا لدعوى ربها عليه التحقيق إلا أن تطول عليه المدة مما يعلم أن مثل المودع لا يستغني عنها لما يعلم من قله ذات يده أو تمر عليه عشرة فتضعف اليمين إن كان المودع عدلا، ونقل ابن الحاجب قولاً بعدم حلفه فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال منصوصة، ومرض غير واحد من أشياخي ما نسب لابن الحاجب لعدم وقوفهم عليه لغيره. وأجابهم شيخنا أبو مهدي رحمه الله بأنه ظاهر قول أبي محمد في مختصره في الوكالات في قوله، ويحلف إن كان متهما وظاهره إذا كان غير متهم لا يحلف، وما أجابهم به شيخنا صحيح؛ لأن ظواهر كلام الفقهاء كالمنصوص، ويريد الشيخ بقوله إذا قبضها بالإشهاد أن تكون البينة مقصورة التوثق، وبذلك قيد غير واحد المدونة كعبد الحق واللخمي. ونقل ابن عات عن ابن زرب ما يقتضي أن البينة لا يشترط فيها ذلك بل يضمن مع وجودها مطلقًا، قال بعض شيوخنا: ولا أعرفه لغيره وقيل: لا يضمن والبينة كالعدم عزاه ابن شاس لابن القاسم نصًا، ولم يذكره ابن رشد إلا تخريجا من قوله في دعوى المستأجر رد ما استأجره من العروض أنه يصدق ولو قبضه ببينة على تردد عنده في التخريج، وجعله ابن الحاجب المذهب وجعل ما يقوله غيره أنه المذهب، وأنه المشهور ثانيًا له ونصه وإذا ادعى الرد قبل مطلقًا، وقيل: ما لم تمكن بينة مقصودة

التوثق، وتعقبه ابن عبد السلام، بقوله: الثاني: هو مذهب المدونة، وأما الأول فشاذ على نظر في صحة نسبته إلى المذهب. (وإن قال ذهبت فهو مصدق بكل حال): ما ذكر الشيخ هو كذلك باتفاق، واختلف في حلفه على ثلاثة أقوال: فقيل: يلزمه قاله ابن نافع وعليه حمل الفاكهاني قول الشيخ، وقيل: لا يحلف نقله اللخمي، وقيل: إن كان متهما حلف وإلا فلا، نقله أبو محمد عن أصحاب مالك رحمه الله وبه فسر ابن يونس المدونة في قولها صدق وصرح ابن رشد بأنه المشهور. قال: ولو حققت الدعوى توجهت اليمين باتفاق، وقال ابن الحاجب: فيها وفي التي قبلها: وأما المتهم فيحلف باتفاق وهو قصور لما تقدم من الخلاف قاله ابن عبد السلام، وتعقبه خليل. قلت: وهو خلاف قوله في الزكاة فإن قال: قراض أو وديعة أو على دين أو لم يحل الحول صدق ولم تحلف فإن أشكل أمره فثالثها بحلف المتهم كأيمان التهم. (والعارية: لا يصدق في هلاكها فيما يغاب عليه): لا حاجة إلى هذا بعد قوله قبل، والعارية مؤداة، واختلف قول مالك لو قامت بينة فيما يغاب عليه فإنه لم يتعد وأخذ ابن القاسم بعدم الضمان وأشهب بعكسه، ولم يحفظها ابن يونس وذكر ابن الحاجب قولين لهما وحكاهما ابن الجلاب روايتين. (ومن تعدى عله وديعة ضمنها): ما ذكر هو كذلك باتفاق كما إذا أودعها لغير عذر، واختلف في مسائل يتردد النظر هل هو متعد فيها أم لا؟ فمن ذلك إذا نزى على بقرة وشبهها فعطبت به أو ماتت من الولادة، فقال ابن القاسم في المدونة: يضمن، وقال أشهب: لا يضمن قائلاً: إنزاؤه عليه أرجح؛ لأنه مصلحة، ولو ختن المودع علجا أسلم عنده، وهو يطيقه فمات فإنه ليس بمتعد اتفاقًا وسواء قلنا: الختان واجب أو سنة على ما تقدم قاله شيخنا أبو مهدي رحمه الله وكذلك اختلف إذا وضع الوديعة في جيبه فضاعت فهل يضمنها أم لا على قولين حكاهما ابن شعبان. والذي أفتى به بعض شيوخنا: أنه لا يضمن قائلاً: لا ينبغي اليوم أن يختلف فيه ومن ذلك اختلف ابن القاسم، وأشهب، فيما إذا أودعها زوجته وخادمة المعتادة عنده لذلك فقال ابن القاسم: لا يضمن خلافًا لأشهب. وأما عكسها، وهي إذا أودعت المرأة زوجها وديعة فضاعت فأظن أن عياضًا

حكى في مداركه فيها خلافًا لما عرف بأحمد بن صالح الفهري عرف بابن الطبري من أصحاب ابن وهب فانظره فإنه قد تعذر علي الآن، وفي المعنى لا فرق وهذا الفصل متسع جداً. (وإن كانت دنانير فردها في صرتها ثم هلكت فقد اختلف في تضمينه): اعلم أنه اختلف المذهب في المسألة على أربعة أقوال فقال مالك وابن القاسم في المدونة، ومحمد: لا يضمن، وبه قال أشهب، وعبد الحكم، وأصبغ وهو المشهور، وقيل: يضمن رواه يحيى بن عمر عن مالك، وهو قول المدنين. وقال ابن الماجشون: وإن كانت مربوطة أو مختومة لم يبرأ إلا بردها إلى ربها وكذلك إن كان سلف بعضها ضمن جميعها، ولو أشهد على إخراجها من ذمته لم يبرأ إلا بردها لربها، والجميع ذكره اللخمي إلا أنه لم يعز إلا الثلاث الأول فقط، وقيل: إن ردها كما كانت بإشهاد برئ قاله مالك، وأخذ به ابن وهب وعلى الأول فاختلف في اليمين فقيل: لا يخلف، وهو ظاهر المدونة قاله الباجي، وأشار أبو محمد إليه بقوله لم يذكر في المدونة يمينا، وقيل: يحلف قاله ابن المواز، وابن الماجشون في المبسوط. وقيل: إن تسلفها بغير بينة فالأول وإلا لم يصدق إلا بينة قال في الموازية، ولم يعزه اللخمي بل ذكره اختيارًا له وقيل: إلا أن يكون إشهاده لخوف موته حفظ الحق المودع فيبرأ، وإن لم يشهد على ردها. قال ابن شعبان: من أودع وديعة وقال له: تسلف منها إن شئت فتسلق لم يبرأ يردها إلا إلى ربها. وقال ابن رشد، واللخمي: لا يختلف فيه؛ لأن السلف من ربها وهذا التوجيه الذي ذكرنا هـ ذكره الباجي أيضًا وقال عندي إنه يبرأ بردها. (ومن اتجر بوديعة فذلك مكروه والربح له إن كانت عينا): ذكره التجر طردي، وإنما المراد تسلفها، وما ذكر من الكراهة، وهو أحد الأقوال الستة، وبه قال مالك في سماع أشهب، وعليه يحمل منع مالك في كتاب اللقطة من المدونة، وقيل: إنه جائز إن أشهد قاله في سماع أشهب ثانيًا. وقيل: إن كانت مربوطة أو مختومة لم يجز قاله عبد الملك، ولما ذكر اللخمي هذه الأقوال الثلاثة قال: وأرى إن علم عدم كراهته المودع لذلك جاز، وإن علم كراهته لم يجز، وإن أشكل أمره كره. قلت: وسمع أشهب ترك تسلفها أحب إلي فجعله بعض شيوخنا خامسًا بناء على

أن نقيض المستحب ليس بمكروه ونص ما في لقطة المدونة، ولا يتجر باللقطة في السنة ولا بعد السنة أيضًا كالوديعة فأخذ بعضهم منها التحريم، وقبله الفاكهاني فيكون سادسها. والصواب: حملها على الكراهة كما صرح بها في أواخر كتاب الوديعة، ولم يذكر ابن الحاجب غير المدونة الكراهة والجواز فقال: وإن كان له وفاء وهي نقد فجائز إن أشهد، وقيل مكروه فقدم الجواز في أن الثاني هو مذهب، وأما سلف المبضع معه فإنه جائز ذكره ابن يونس في الوكالة وأجرى بعض من لقيناه من القرويين فيه ما في الوديعة وكنت أجيبه بأنه فرق بين من لم يؤذن له فيه التصرف البتة، وبين من أذن له فيه على وجه ما فالأول: أشهد والثاني: وأخف فلم يقبله. وما ذكرناه من الخلاف في تسلف الوديعة إنما هو في غير الفقير، وأما فيه فلا يجوز قاله اللخمي قائلاً: وليس له تسلفها إن كانت مما يقضى فيه بالقيمة، وكذلك المكيل والموزون إذا كثر اختلافه، كالكتان. واختلف في تسلق القمح والشعير وشبهه، فقال في المدونة: إن تسلفها ثم رد مثلها لم يضمنها، وقال عبد الملك: إن خلطها بمثلها ضمن. وقال الباجي: حكي عبد الوهاب هذا في كل مكيل أو موزون. قلت: وذكر ابن الحاجب القولين منصوصين، واعترضه ابن عبد السلام بأن وجودها غريب بل هما مخرجان على أن التخريج الأول لا يسلم من اعتراض؛ لأنه لا يلزم من عدم ضمانه جوازه وأجابه بعض شيوخنا بوجودهما في كلام ابن الحاجب في قوله وفي اتفاق الوديعة بغير إذن ربها روايتان: الكراهة، والإجازة قال: فإن قلت: لفظ الإنفاق يدل على أنها عين والكلام إنما هو في الطعام، ونحوه. قلت: ليس كذلك لحمل أبي محمد وابن رشد سماع أشهب من استنفق طعامًا أودعه غرم مبلغه على ظاهره. (وإن باع الوديعة، وهي عرض فربها مخير بين أخذ الثمن أو القيمة يوم التعدي): قال الفاكهاني: أنظر هل تكون له أجرة في بيع للعرض والعرض هنا ما عدا العين والاشتراء به أو لا شيء له، وهو الظاهر من إطلاقهم فإني لم أر فيه نصًا. (ومن وجد لقطة فليعرفها سنة بموضع يرجو التعريف بها):

قال ابن الحاجب: اللقطة كل مال معصوم معرض للضياع في عامر أو غامر. قال ابن عبد السلام تبع في ذلك ابن شاس، وقد تبع هو في ذلك الغزالي كعادته

في كشقير وهي بسكون القاف وفتحها. قلت: وقال بعض شيوخنا: اللقطة مال وجد بغير حرز محترم ليس حيوانا ناطقًا ولا نعما فيخرج الركاز وما بأرض الحرب، وتدخل الدجاجة وحمام الدور إلا السمكة تقع في سفينة هي لمن وقعت إليه قاله ابن عات عن ابن شعبان والأظهر في السمكة إن كانت في موضع بحيث لو لم يأخذها من سقطت إليها لنجت بنفسها لقوة حركتها وقرب محل سقوطها من ماء البحر فهي كما قال ابن شعبان في زاهيه: وإلا فهي لرب السفينة كقول المدونة فيمن طرد صيدا حتى دخل دار قوم إن اضطره إليها فهو له، وإن لم يضطره، وبعد عنه فهو لرب الدار. واعلم أن واجد اللقطة على ثلاثة أقسام: تارة يعلم من نفسه الخيانة فهذا يحرم عليه التقاطها لأن ذلك مستلزم لإتلاف المال المعصوم وتارة يخاف على نفسه الخيانة فهذا يكره له التقاطها ولا يحرم، وتارة يعلم من نفسه الأمانة فإن كانت في مكان يخاف عليها من أهل الخيانة فهذا يجب عليه التقاطها باتفاق، وإن لم يخف عليها الخيانة ففي ذلك ثلاثة أقوال: الاستحباب والكراهة، والاستحباب فيما له بال، وكلها لمالك. وفي المدونة مع سماع ابن القاسم من التقط ثوبًا يظنه لقوم يراهم فسألهم فقالوا له: ليس لنا فرده حيث وجده لا بأس به. قال ابن القاسم: إن كانت علينا فأخذه أحب إلى فجعل بعض شيوخنا قول ابن القاسم رابعًا، وهو الفرق بين العين وغيرها، وتأوله ابن رشد فقال: معناه لا ضمان عليه إن فعل والاختيار أن لا يفعل كقوله في الثوب إذ لا فرق بينهما وبين الثوب ورده شيخنا بوضوح خفة الحفظ في العين دون الثوب ولما يلزم من تفقده. وقال ابن عبد السلام: والأظهر إن كان مع القدرة على الحفظ أن يجب الالتقاط ولا يعد علمه بخيانة نفسه مانعا وأحرى خوفه ذلك؛ لأنه يجب عليه ترك الخيانة والحفظ للمال المعصوم وقصارى الأمر أن من يأمن على نفسه الخيانة فقد توجه عليه الخطاب بالحفظ وحده ومن يخاف على نفسه الخيانة وجب عليه أمران: الحفظ وترك الخيانة، وبعد تسليم هذا فالأظهر من الأقوال الثلاثة الاستحباب أو الوجوب لو قيل به لوجوب أعانة المسلمين عند الحاجة والقدرة على الإعانة. وما ذكر الشيخ أنه يعرف بها بموضع يرجو التعريف بها هو كذلك؛ لأن ذلك مظنة لوجود صاحبها، ويريد في غير المسجد ولكن على بابه.

قال في المدونة: ويعرف بها على أبواب المساجد مع أنه أجاز في المدونة الحكومة في المسجد وهي مظنة لرفع الصوت فيه وكأنه رآه من باب المذاكرة في العلم فاستخفه أو لقلة الحكومة في زمانهم قاله المغربي. وقال ابن الحاجب: يعرف بها في الجوامع والمساجد، وغيرها. قال ابن عبد السلام: لعل ذلك مع حفظ الصوت، وما في المدونة أولى ويريد الشيخ أيضًا، ويكون تعريفه بها فورا بحيث لو تواني بها وضاعت ثم جاء صاحبها فإنه يضمن وهو كذلك على تفصيل فيه ذكره اللخمي، وظاهر كلامه أنه يعرف بنفسه، وهو كذلك إلا أن يكون مثله لا يعرف فيستأجر منهما؛ لأن ذلك مصلحة لربها قاله ابن شاس، وتبعه ابن الحاجب. وظاهر لفظ اللخمي أجاز ابن شعبان أن يستأجر عليها منها أنه لو كان ممن يلي ذلك لم يلزمه. (فإن تمت سنة ولم يأت لها أحد فإن شاء حبسها وإن شاء تصدق بها وضمنها لربها إن جاء وإن انتفع بها ضمنها، وإن هلكت قبل السنة أو بعدها بغير تحريك لم يضمنها): اعلم أن هذه إحدى مسائل السنة، وكذلك الشفعة والمعترض والمجنون والأجذم والأبرص، وعدة المستحاضة والمرتابة والمريضة والجرح، ولا يحكم فيه إلا بعد سنة والبكر تقيم عند زوجها سنة، ولم يصبها ثم تطلق فإنها لا تجبر واليتيمة تمكث في بيتها سنة فإنها تحمل على الرشد في قول والذي يوصي بشراء عبد ليعتق وأبي أهله البيع فإنه يستأني سنة، والتي تقيم شاهد الطلاق، ويأبى زوجها أن يحلف فإنه يحبس سنة في قول. والهبة إن حاز الموهوب الهبة سنة صح الحوز فيها وإن رجعت إلى الواهب على المشهور والزكاة والصوم لا يجبان إلا بعد السنة، والعمرة لا يباح فعلها على المشهور في السنة إلا مرة واحدة وعهدة السنة، والشاهد إذا تاب من فسقه قيل: لابد من مضي السنة، وقيل: ستة أشهر. وقيل: لا حد لذلك وكل هذه النظائر ذكرها الشيخ خليل وأكثرها في نظائر أبي عمران الصنهاجي، وظاهر كلام الشيخ أن السنة كافية، ولو كانت لقطة مكة، وهو كذلك لم يحك المازري عن المذهب غيره، ومثله وعزاه عياض لمالك، وأصحابه. وقيل: يعرف بها أبدًا لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل ساقطته إلا لمنشد" قاله الباجي،

وابن رشد عن المذهب ولفظ ابن رشد أقوى ونصه في المقدمات لقطة مكان لا يحل استنفاقها بإجماع، وعليه أن يعرف بها أبدًا وبها أيضًا قال اللخمي، وابن العربي في القبس بعد أن ذكر اللخمي القول الأول عن ابن القصار، وكذلك ابن العربي، وإنما اختار ما ذكره بعد أن ذكر الأول مالك قال: وتكلم علماؤنا في الاحتجاج لمالك والانفصال عن الحديث، ولا أرى مخالفة الحديث ولا تأويل ما لا يقبل. وأجابه بعض شيوخنا بقاعدة مالك في تقديمه العمل على الحديث الصحيح حسبما ذكره ابن يونس في كتاب الأقضية، ودل عليه استقراء المذهب. قال: وقول المازري: محمل الحديث على أصلنا على المبالغة في التعريف؛ لأن ربها يرجع لبلده وقد لا يعود إلا بعد أعوام حجة عليه لا له، وظاهر كلامه وإن كانت يسيرة أنها كالكثيرة ولابد من سنة وهو كذلك على ظاهر قول مالك في المدونة. وقيل: يعرف بها أيامًا فقط قاله ابن وهب، وابن القاسم في المدونة والقولان حكاهما ابن رشد في المقدمات، وذلك مثل الدريهمات مما جرت العادة أن ربها يسمح بها. وأما التافه فلا يعرف به وظاهر كلام التسوية بين حبسها وصدقتها ومثله في ابن الجلاب، وزاد ويتملكها وليس في كلام الشيخ خلاف. وقال اللخمي: واختلف في صفة تصرفه فيها على أربعة أقوال: فقيل: إنه مخير في انفاقها والصدقة ويخير صاحبها في تضمينه وهو قول مالك: لا أحب أن يأكلها مع قول ابن القصار، ويكره أكلها، وقيل: يجوز استمتاعه بها غنيا كان أو فقيرا، ويضمنها لربها، وهو مقتضى قول ابن القاسم في المدونة، وقيل إن كان غنيا بمثلها قاله أشهب، وابن شعبان، وقيل: مثله إن قلت وكان فقيرا قاله ابن وهب في العتبية، وذكر ابن رشد مثل ما ذكر اللخمي من الأربعة الأقوال إلا أنه عزا قول ابن القاسم للشافعي لا لأحد من أهل المذهب. وقال ابن العربي: لم أجد لأحد من المسلمين خلافًا في ضمان مستنفقها لربها، وأجابه بعض شيوخنا بأن في معلم المازري اختلف الناس في غرامة ملتقطها إن أكلها جاء ربها فعندنا يغرمها، وقال داود: لا غرامة عليه. (وإذا عرف طالبها العفاص والوكاء أخذها): قيل العفاص: هو وعاء الدراهم، والوكاء ما يشد به وهذا هو المعلوم في اللغة، وعليه أكثر الفقهاء، وقيل: بالعكس عزاه الباجي لأشهب، وعزا الأول لابن القاسم وهو

واضح لقوله صلى الله عليه وسلم: "اعرف عددها ووكاءها ووعاءها" فجعل بدل العفاض الوعاء. وظاهر كلام الشيخ أن الدنانير والدراهم لا يشترط معرفة عددها، وهو كذلك عند أصبغ واعتبر ذلك ابن القاسم وأشهب كذا عزاهما الباجي. وعزا اللخمي الثاني كما ذكر والأول للمدونة. قال بعض شيوخنا: وفيه نظر؛ لأن فيها يلزم دفعها لمن وصف عفاصها، ووكاءها وعددها قال: لم أسمع من مالك فيها شيئًا، ولا شك أن وجه الشأن أن تدفع إليه فظاهر هذا اعتبار العدد، وعلى هذا اللفظ اختصرها البراذعي، وفيها بعد ذلك أن دفعها لمن وصف عفاضها، ووكاءها وعددها ثم جاء آخر فوصف مثل ما وصف الأول وأقام بينه أن تلك اللقطة كانت له لم يضمنها له لأنه قد دفعها بأمر كان وجه الدفع فيه كذا جاء في الحديث " اعرف عفاصها ووكاءها". فظاهر هذا مثل ما قال اللخمي قال: وفي اقتصاره على هذا دون الأول نظر، وكذلك بالنسبة إلى البراذعي لكونه اقتصار على الأول فقط، ظاهر كلام الشيخ، أنه لا يفتقر إلى اليمين كما هو ظاهر المدونة، وهو المشهور. وقال أشهب: لابد من من اليمين وسبب الخلاف هل العرف يتنزل منزلة الشاهدين أو الشاهد الواحد، ولهذه المسألة نظائر كتصديق الزوجة في المسيس بإرخاء الستر عليه في خلوة الاهتداء، وكالقمط والعقود في الحائط، وكالحكم لأحد الزوجين بما يصلح ما في اختلافهما في متاع البيت، وتصديق المغصوبة إذا جائت مستغيثة عند النازلة أو جاءت تدمي وتصديق أحد المتداعيين مع الحوز وتصديق المرتهن في مبلغ قيمة الرهن. وذكر المغربي في إرخاء الستور عوض هذه النظيرة تصدق الراهن في دفع الدين إذا قبض الرهن، ولا أعرفها منصوصه لغيره وكأنها مناقضة لما نص عليه ابن الهندي، وقبله هو وغيره فيما إذا وجدت الوثيقة بيد المديان ويقول ما قبضتها حتى دفعت ما على فإنه لا يقبل منه ويؤخذ بالحق؛ لأن من حجة رب الدين أن يقول سقطت لي أو سرقت إلا أن يقال: إن الاحتفاظ على الرهن أشد. وقال شيخنا أبو مهدي رحمه الله: أعرفها منصوصة لغيره، ومحملها عندي على ما إذا اقر المرتهن إنه إذا دفع الرهن، وأما إذا خالف وقال: لم أدفعه فإن القول قوله

كمسألة الوثيقة. قال المازري في المعلم: ولو جهل عين المسروق منه فكاللقطة يأخذ السرقة ويصفها بما تؤخذ به اللقطة قاله أصحابنا. واختلف في جهل المودع فقيل: كذلك وقيل: لأنه قادر على دفعها ببينة؛ لأنه مختار. واعلم أنه إذا وصفها اثنان بما يأخذها به المنفرد تحالفا وقسمت بينهما فإن نكل أحدهما أخذها الحالف قال الباجي زاد اللخمي عن أشهب إن نكلا لم تدفع إليهما قال: وأرى أن يقتسماها. قلت: قال بعض شيوخنا، وهو الجاري على قول ابن القاسم بعدم وقف أخذها بالصفة على اليمين قال اللخمي: وإن أخذها بالصفة ثم أتى آخر فوصفها بمثل وصف الأول قبل أن يتبين ويظهر أمرها قسمت بينهما على الصحيح من القولين فظاهره أن في ذلك خلافًا. وقال ابن يونس: تقسم بينهما على قول ابن القاسم وعلى قول أشهب تكون للأول. (ولا يأخذ الرجل ضالة الإبل من الصحراء):

ظاهر كلام الشيخ: وإن كانت بموضع لا يؤمن عليها من السباع وهو كذلك في أحد القولين، وظاهر كلامه أيضًا أنه يلتقطها إذا وجدها في غير الصحراء، وهو واضح؛ لأن وجود ربها في غير الصحراء أسهل فليلتقطها ليحفظها له حتى يجدها عن قرب بخلاف ما إذا وجدها في الصحراء فلا يتأتى له معرفه ربها إذا نقلها إلى العمارة. واختلف هل يلحق البقر والخيل والبغال والحمير بالإبل أم لا؟ على ثلاثة أقوال: ثالثها لابن القاسم تلحق البقر دونها وهذه الأقوال حكاها ابن الحاجب. قال ابن عبد السلام: وإنما تتصور الأقوال الثلاثة على نوع من التخريج. (وله أخذ الشاة وأكلها إن كانت بفيفاء لا عمارة فيها): ظاهر كلام الشيخ ولا ضمان عليه إن جاء صاحبها، وهو كذلك قاله مالك. قال ابن عبد البر، وقال سحنون في العتبية: إذا أكل الشاة واجدها بالفلاة أو تصدق بها ثم جاء صاحبها ضمنها له، وهو الصحيح، وقد قال مالك: ومن اضطر إلى طعام غيره، وأكله فإنه يضمنه فالشاة الملتقطة أولى بذلك ورأوا أن قوله صلى الله عليه وسلم: " هي لك أو لأخيك أو للذئب" ليس بتمليك لقوله أو للذئب. قالوا: وقد جاء: " هي لك أو لأخيك أو للذئب فاردد على أخيك ضالته" قيل: وإنما قوله هي لك مثل قوله في اللقطة فشأنك بها. قلت: وما نقله عن العتبية قبله ابن عبد السلام: وقال بعض شيوخنا هو وهم وليس في العتبية شيء من ذلك، وإنما لسحنون فيها ضمانه فيما يجب عليه فيه التعريف. قال فيها عنه: من اختلطت بغنمه شاة ولم يجد ربها كانت لقطة يتصدق بها ويضمنها لربها وشرب لبنها خفيف؛ لأنه يرعاها ويتفقدها فهذا هو الموجود فيها لا ما تقدم، وإذا فرعنا على الأول فإذا ذبحها في الفلاة ثم أتى بلحمها أكله غنيا كان أو فقيرا. قال أصبغ: ويصير لحمها وجلدها مالا من ماله، ولا ضمان عليه في ذلك إلا أن يجده صاحبها في يده فيكون أحق به.

قال اللخمي: يريد ويغرم أجر نقلها. قلت: قال بعض شيوخنا: وفيه نظر؛ لأنه نقلها لنفسه، وإن أتى بالشاة من الفلاة إلى العمارة فلها حكم اللقطة فإن أتى ربها أخذها قاله أصبغ أيضًا، وقال اللخمي: والقياس لا شيء فيها لربها؛ لأنه نقلها بعد أن ساغ له ملكها ولولا ذلك لما نقلها، وأجابه بعض شيوخنا بأن المملوك له منها الانتفاع بها لا ملكها. وقال ابن رشد: تعقب التونسي قول أصبغ إذا قدم بها مذبوحة، وقال: الأصوب عدم أكله إياها، وإن يبيعها، ويوقف ثمنها؛ لأن الإباحه إنما كانت حيث لا ثمن لها، وهو صحيح، فيتحصل من هذا ثلاثة أقوال: قول أصبغ، وقول سحنون وقول التونسي. وأما إذا وجد ما يفسد كالطعام وكان كثيرًا فلا يخلو إما أن يكون مما لا يخشى تلفه كوجوده في رفقة مأمونة أو قرية أم لا؟ فالأول: إن أكله أو تصدق به، واختلف في ضمانه له على ثلاثة أقوال: فقيل: إنه يضمنه أكله أو تصدق به وهو ظاهر قول أشهب يبيعه، ويعرف بثمنه وقيل: بعكسه، وهو ظاهر المدونة وقيل: إن أكله ضمنه، وإن تصدق به لم يضمنه قاله ابن حبيب. وأما الثاني فيجوز له أكله ولا شيء عليه وهذه طريقة ابن رشد في المقدمات وما ذكر اللخمي الثلاثة في التافه وغيره وعزاه الأول كما تقدم والثاني لمالك والثالث لمطرف قال: وأرى فيما لا يطلبه ربه غالبًا لقلته لا شيء فيه إذا أكله أو تصدق به، وأما ما الغالب طلبه فعلى واجده حفظه لبقائه على ملك ربه فذكر كما ترى الأقوال في الكثير واليسير. (ومن استهلك عرضًا فعليه قيمته): ما ذكر أن العرض تلزمه فيه القيمة هو المشهور، وحكى الباجي عن مالك قوله بأن جميع المتلفات مثليه كقول أبي حنيفة والشافعي. قال المازري: كذا في نسخ المنتقي وأراه وهما. قلت: وحكاه عنه ابن زرقون، ولم يتعقبه، ولا نقل كلام المازري، مع أنه نقل عنه في غير موضع. (وكل ما يوزن أو يكال فعليه مثله): ظاهر كلام الشيخ أن من استهلك غزلا فعليه مثله، وهو كذلك عند غير ابن القاسم، وهو أشبه.

وقال ابن القاسم: تلزمه قيمته وكلاهما في المدونة وهي أول مسألة من كتاب تضمين الصناع. فإن قلت: وهل حكم سلف الغزل يتنزل منزلة استهلاكه فيختلف فيه أم لا؟ قلت: ليس كذلك بل نقل ابن يونس في أوائل الجعل والإجارة عن البراذعي وعن محمد بن أبي زيد أنه يرد مثله، وسألت شيخنا أبا مهدي: هل تحفظ خلافة؟ قال: لا، وهو صواب؛ لأنه فرق بين السلف والاستهلاك، وكذلك اختلف ابن القاسم، وأشهب فيمن استهلك حليا إلا أن قول اشهب ليس هو في المدونة، وإنما نقله ابن يونس والأصل قول أشهب ولذلك قال بعض شيوخ الفاكهاني: الأصل أن يحكم في ذوات الأمثال بالمثل إلا في أربع مسائل: الأولى: مسألة الغزل. الثانية: من فدى أسيرًا بدار الحرب بقنطار قطن مثلاً فإنه يأخذ قيمته ببلد الإسلام؛ لأنه لو أخذ القطن ربما أضر بالمفتدى. الثالثة: إذا وهب لغيره هبة ثواب مما يكال أو يوزن فيفوت فعليه قيمته، وهل له أن يعطيه مثله؟ فقال ابن القاسم: ليس له ذلك خلافًا لأشهب. الرابعة: إذا كان لشريكين على رجل قنطار كتان مثلاً فاقتضى أحدهما منه نصفه فدخل معه شريكه فيما اقتضى، وقلنا: إنه يرجع الآخر بالنصف الثاني، فقبضه منه فعليه أن يعطيه قيمة نصفه لشريكه. وأما من قال: يرجعان جميعا فلا تخرج هذه المسألة عن الأصل. وزاد الفاكهاني مسألة خامسة: وهي من اشترى صبرة جزافا فأتلفها البائع أو غيره فإنما فيها القيمة لا المثل ذكر ذلك عند تكلمه على كلام الشيخ، وكل بيع فاسد فضمانه من البائع. ومسألة الحلي السابقة سادسة: وظاهر كلام غير واحد أن المعدود من ذوات القيم بالإطلاق. وقال ابن رشد: المعدود الذي لا تختلف أعيان عدده كالجوز والبيض مثلي، قلت: وأما اللؤلؤ الصغير القدر جداً الذي لا يباع إلا وزنا فهو مثلي أيضًا بخلاف ما فوقه فإنه من ذوات القيم لكمال تباين آحاده، ولذلك قال في المكاتب لا تجوز الكتابة على لؤلؤ غير موصوف لتقارب الإحاطة بصفته يريد بصفة الوسط منه قاله بعض شيوخنا.

(والغاصب ضامن لما غصب) قال ابن الحاجب مختصرا لكلام ابن شاس: الغصب أخذ المال عدوانا قهرًا من غير حرابة فأخرج بالعدوان ما أخذ قهرا لا عدوانا كأخذ الإمام الزكاة من الممتنع وتعقب بوجهين: أحدهما: أن فيه التركيب وهو وقف معرفة على معرفة حقيقة أخرى ليست أعم منه، ولا أخص من أعمه. الثاني: بأنه غير مانع لأنه يدخل عليه فيه المنافع كسكنى ربع وحرثه، وليس غصبًا بل تعديل، وهو لبعض شيوخنا وحده بأن قال: الغصب أخذ مال غير منفعة ظلما قهرا لا لخوف قتال فيخرج أخذه غيلة إذ لا قهر فيه؛ لأنه بموت مالكه وحرابه، ومعرفة حرمة الغصب في الدين ضرورة؛ لأن حفظ الأموال أحد الكليات التي اجتمعت الملل عليها. قال ابن رشد في مقدماته، ومثله لابن شعبان، وغيره: ويؤدب فاعله سواء عفا عنه المغصوب منه أم لا!! لئلا يتجرأ على الناس، وما ذكروه هو خلاف نقل المتيطي لا يؤدب إن عفا عنه المغصوب منه فجعل الحق فيه للآدمي، وإن كان الغاصب صغيرا لم يبلغ فقيل: يسقط أدبه لرفع الإثم عنه. وقيل: إنه يؤدب كتأديبه في المكتب وكلاهما حكاه ابن رشد في مقدماته، وغيره ولم يحك ابن الحاجب غير الثاني، ولم يتحقق ابن عبد السلام وجود الأول بل قال: أظن أني وقفت عليه لبعض الشيوخ. قال ابن شعبان: والغصب بين الزوجين وبين الوالد، وولده ثابت لابد من أدبه، وفي اغتصاب الوالد من ولده خلاف، وبهذا أقول: وظاهر كلام الشيخ أن الغاصب يضمن وإن كان صبيا مميزا وهو كذلك باتفاق. وأما غصب الصغير الغير المميز فقيل: كذلك وقيل، لا، كذلك الخلاف في الدم وجمع ابن الحاجب بينهما فذكر ثلاثة أقوال فقال: وأما غير المميز فقيل: المال في ماله

والدية على عاقلته، وقيل: المار هدر كالمجنون، وقيل: كلاهما هدر، واعترضه ابن عبد السلام بأن هذه الطريقة، وإن كانت حسنة في الفقه لكن الروايات لا تساعدها، وإنما تعرضوا للتحديد في هذه المسألة بالسنين فقيل: ابن سنتين، وقيل: ابن سنة ونصف إلى غير ذلك. وأجابة بعض شيوخنا بأنها تساعده، قال ابن رشد في ثاني مسألة في رسم العتق من سماع عيسى من الجنايات: لا خلاف أن الصبي الذي لا يعقل ابن سنة ونصف ونحوها أنه في جنايته في المال، والدماء كالمجنون، وفيها ثلاثة أقوال المذكورة وعزا الثالث لهذه الروايات والصبي قال: والصبي والمميز ضامن المال في ذمته والدماء على حكم الخطأ والمشهور أن الضمان يعتبر حالة الغصب إن فات المغصوب. وقيل: يلزمه أرفع القيم نقله ابن شعبان عن ابن وهب، وأشهب، وعبد الملك قال: لأن عليه رده في كل وقت فمتى لم يرده فهو كغصبه حينئذ قال: وكذلك إذا كانت قيمته خمسين ثم بلغت ألفا ثم عادت إلى خمسين أو هلك فالقيمة عندهم على أرفع القيم. قال اللخمي: فجعلوا له أرفع القيم مع وجود عينه وعدمها وأراه كذلك إن كان المغصوب للتجر لا للقنية، ولقول مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم وأصبغ، فيمن غصب دارًا فأغلقها أو أرضًا فبورها أو دابة فأوقفها يغرم إجارتها لمنعه ربها إياها. (فإن رد ذلك بحاله فلا شيء عليه وإن تغير في يده فربه مخير بين أخذه بنقصه أو تضمينه القيمة): ظاهر كلامه وإن تغير في سوقه وهو المشهور وتقدم الآن ما في ذلك. واختلف إذا نقل الغاصب الطعام لغير البلد الذي غصبه فيه ووجده ربه على أربعة أقوال، فقيل: إنما يلزمه مثله في البلد الذي غصبه فيه قال ابن القاسم وقيل: إنه مخير في ذلك بين قيمته وأخذه قاله أشهب وقيل: إن لقيه ببلد بعيد عن بلد غصبه فالأول وإلا فالثاني قاله أصبغ. وقال اللخمي: بعد أن نقل ما تقدم: إن له أخذ الطعام إن كان الغاصب مستغرق الذمة أو لم يكن سعره في بلد الغصب أقل منه في بلد النقل أو قال ربه: ادفع الأقل من نقله وزيادة سوقه. قال ابن الحاجب: ولا خلاف أن الغاصب يمنع منه حتى يتوثق.

قال ابن عبد السلام: هذا صحيح في النظر، ولا يبعد وجود الخلاف فيه أو ما يدل عليه في فروعهم وأظن أني وقفت على ما يقتضي ذلك. قلت: ولم ينقل الشيخ خليل ما ذكره، واعترضه بعض شيوخنا بأن قول وجود الخلاف فيه يقتضي وجود القول عنده؛ لأنه لا يحال بينه وبينه مع عدم التوثق منه، وهذا خلاف الإجماع على منع الحاكم من الحكم بما يقتضي تضييع الأموال على أربابها فتأمله. وفسر خليل التوثق المذكور بأحد أمرين: إما برهن أو بضامن وقبله شيخنا أبو مهدي وهو عندي بعيد بالنسبة إلى الرهن، والصواب: الضامن فقط، والله أعلم. قال الشيخ أبو مهدي، وفي الموازية عن ابن القاسم: لو اتفقا على أن يأخذ منه ثمنا نقدا جاز كبيع طعام القرض قبل قبضه، وقاله أصبغ، وروي ابن القاسم في المجموعة والعتبية: لا يجوز أخذه منها طعامًا يخالفه في جنس أو صفة؛ لأنه طعام بطعام مؤخر. (ولو كان النقص بتعديه خير أيضًا في أخذه وأخذ ما نقصه، وقد اختلف في ذلك): هذه المسألة هي من باب التعدي لا من باب الغصب ويعني أن من خرق ثوبًا مثلاً فأفسده فسادًا كثيرًا أن ربه مخير في أخذه وأخذ ما نقصه أو أخذ القيمة بخلاف اليسير، وهذا قول مالك في المدونة. قال ابن القاسم فيها: وكان مالك يقول: ويغرم ما نقصه، ولم يفصل بين القليل والكثير ونقل غير واحد كابن يونس عن أشهب إنما له أخذ القيمة أو أخذه ناقصًا ولا شيء له معه، وقاله ابن القاسم في أحد قوليه. قال سحنون وفي المدونة إن أفسده يسيرا فلا خيار له وإنما له ما نقصه بعد رفوه. قال ابن حارث: اتفاقًا من ابن القاسم، وأشهب زاد غيره، ومالك قال اللخمي: وليس فيه القضاء بالمثل ولو كان منه ما غرم النقص بعد إصلاحه، وقد تكون قيمة الثوب سالما مائة ومعيبًا تسعين فأجرة رفوة عشرة وتكون قيمته بعد إصلاحه خمسة وتسعين بخسر المتعدي خمسة، وقد لا تزيد إلا صلاح في قيمته معيبًا شيئًا وإنما يلزمه إصلاحه؛ لأن ربه لا يقدر على استعماله إلا بعده، ومثله من حلق رأس محرم كرها بفدي عنه؛ لأنه أدخله في ذلك. واختلف في هذا الأصل هل يغرم الجارح أجرة الطبيب أم لا؟ على قولين الأحسن أنه على الجارح كأنه كالرفو قال ابن يونس: ولو قال قائل السير إنما عليه فيه ما نقصه فقط، لم يبعد؛ لأنه إذا أعطاه ما نقصه دخل فيه الرفق كقولهم فيمن وجد آبقا، وكذلك شاة له جعل مثله، ولا نفقة له؛ لأنها داخلة في تقويم جعل مثله.

قلت: وما ذكرناه قول ابن الحاجب قالوا: بعد رفو الثوب وشعب القصعة وضعف. واعترضه خليل بأنه يوهم تواطؤ أهل المذهب أو أكثرهم عليه، وإنما نقله ابن يونس عن بعض الأصحاب، ونحوه. قال ابن عبد السلام: وإنما حكاه بعض الشيوخ وأنكره غيره، وقال ظاهر نصوصهم لا يلزم رفو الثوب ولا شعب القصعة ولعل هذا وما في معناه هو ما أراد بقوله: وضعف. (ولا غلة للغاصب ويرد ما أكل من غلة أو انتفع بها، وعليه الحد إن وطئ ولده رقيق لرب الأمة): قال ابن رشد في المقدمات: تحصيل اختلافهم في الغلة بعد اجتماعهم على أن ما هلك ببينة لا ضمان على الغاصب فيه، وأنه لا يقبل دعواه التلف، وإن كان مما لا يغاب عليه على ثلاثة أقسام قسم على خلقه الأصول كالولد، وفي إطلاق الغلة عليه نظر فلا خلاف عندهم أن عليه رده مع الأم إن كانت قائمة، وإن ماتت خير بين الولد وقيمة الأم. قلت: وخرج الشيخ ابن القاسم السيوري: أن الولد غلة وهو للغاصب من قول مالك في المدونة في كتاب الرد بالعيب فيمن رد أمة ابتاعها بعيب فقد زوجها فولدت يجبر نقص النكاح بالولد كما يجبر بزيادة قيمتها، والنكاح ثابت. قال المازري: ورد بوجهين: أحدهما: لو كان غلة ما جبر به العيب؛ لأن الولد غير عين وقيمة العيب، إنما هي عين والجبر فيه يوجب كونه كعضو منها. الثاني: أنه يجبرها وإن زاد على أرش العيب ولو كان كما قال لما جبر به مع الزيادة. قال ابن رشد: وما كان متولدا على غير خلقة الأصول كالصوف واللبن ففيه قولان، وأما ما كان غير متولد كالأكرية والجراحات ففي ذلك خمسة أقوال ولم يعزها، وما ذكر من العزر هو للمغربي، فقيل: يرد ذلك قاله مطرف، وابن الماجشون، وأشهب وابن عبد الحكم، وأصبغ، وعكسه قاله مالك، وقيل: يرد إن اكتري ولا يلزمه إن انتفع أو عطل رواه أبو الفرج. وقيل: يلزمه إن أكرى أو انتفع، ولا يلزمه إن عطل قاله مطرف، وقيل: يرد غلة الأصول دون الحيوان قاله ابن القاسم.

قلت: وأقام المغربي من قول المدونة من أنه إذا عطل لا شيء عليه على ما نص عليه في الواضحة من وكل على ربع فتركه ولم يكره فلا شيء عليه، قال: ويتخرج من قول مطرف ومن ذكر أنه يضمن. قلت: ويرد بأن الغاصب أشد، وقبل شيخنا أبو مهدي ما نص عليه ابن سهل أن الوصي إذا بور ربع اليتيم؛ أنه ضامن وهو الصواب، ولا يتخرج في الوكيل؛ لأن الموكل قادر على أن يكري بنفسه أو يوكل غيره وبخلاف الموصى عليه والله أعلم. (ولا يطيب لغاصب المال ربحه حتى يرد رأس المال على ربه): قال اللخمي: واختلف في ربح الغاصب على ثلاثة أقوال: فقيل له سواء كان موسرا أم لا قاله مالك وابن القاسم. وقيل له: إن كان موسرا قاله ابن حبيب، وابن مسلمة في الولي يتجر في مال يتيمه لنفسه. قلت: ويرد بأن الغاصب أشد، وقيل: للمغصوب منه بقدر ما ربح في ذلك المال لو بقي في يده، وما زاد عليه للغاصب، وذكره ابن سحنون فيمن شهد بدين حال أن صاحبه أخر الغريم به سنة ثم رجع عن الشهادة بعد محل الأجل. قال التادلى: وقول الشيخ: ولا يطيب أي لا يحل اختلاطه بالمحرم وحمل عبد الوهاب على الكراهة قائلاً: لأن الشيء المعصوب في ذمته فكان الربح بحكم الشرع؛ لأنه مكروه؛ لأنه نشأ عن مال لم تطب نفس مالكه بتقبله فإذا رد رأس المال على ربه ساغ له. (ولو تصدق بالربح كان أحب إلى بعض أصحاب مالك، وفي باب الاقضية شيء من هذا المعني): كلام الشيخ دل على قولين: أحدهما: إذا رد رأس المال على ربه؛ أنه يطيب له الربح، ولا يستحب له الصدقة به، وإلى هذا أشار بقوله: ولا يطيب لغاصب المال ربحه حتى يرد رأس المال على ربه. الثاني: أنه يستحب له الصدقة به ولهذا أشار بقوله: ولو تصدق بالربح كان أحب إلى بعض أصحاب مالك وعرضت هذا على شيخنا أبي مهدي رحمه الله فاستحسنه وقال به.

باب في أحكام الدماء والحدود

باب في أحكام الدماء والحدود قال ابن رشد: قتل المسلم عمدًا عدوانا كبيرة ليس بعد الشرك أعظم منه وفي قبول التوبة منه وإنفاذ وعيده مذهبان للصحابة رضوان الله عليهم، وإلى الثاني ذهب ملك لقوله: لا تجوز إمامته. قلت: قال بعض شيوخنا: لا يلزم منه عدم قبول توبته لعدم علم رفع سابق جرأته وقبول توبته أمر باطن وموجب منصب الإمامة أمر ظاهر. قال ابن رشد في سماع عيسى من قول مالك: ليكثر العمل الصالح، والصدقة والحج والجهاد ويلزم الثغور من تعذر القود منه دليل على الرجاء عنده في قبول توبته خلاف قوله: لا تجوز إمامته. قال: والقول بتخليده خلاف السنة، ومن توبته عرض نفسه على ولي المقتول قودا أودية وفي كون القود منه كفارة له أم لا؟ مذهبان وجه الثاني أنه لا نفع فيه للقتيل بل لوليه قال غيره، ونقل الأصوليون إجماع الملل على حفظ الأديان والعقول والنفوس والأعراض والأموال، وذكر بعضهم الأنساب عرض الأموال واستشكل الفاكهاني قول مجاهد جعل الله جزاء من قتل نفسًا مؤمنة بغير حق جهنم وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا فول قتل جميع الخلق لم يزد من عذاب الله على ذلك؛ لأن الإثم على قدر عظم المفسدة هذا أصل الشريعة والمستقرأ من أحكامها. (ولا تقتل نفس بنفس إلا ببينة عادلة أو اعتراف أو بالقسامة إذا وجبت يقسم الولاة خمسين يمينا، ويستحقون الدم): مذهب مالك أن القود يجب بالقسامة، وبه قال ابن أبي ذئب، وابن حنبل وداود، وروى ذلك عن عبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين. وقال إسحاق بن راهويه: من قال القود في القسامة لم يبعد، وأما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لا يقاد بالقسامة وإنما تجب بها الدية وإليك النظر في بقية اختلاف العلماء في ذلك. (ولا يحلف في العمد أقل من رجلين): ما ذكره هو قول مالك لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: " أتحلفون خمسين

يمينا وتستحقون دم صاحبكم" فأتى بصيغة الجمع، وأقل الجمع عندنا اثنان ومن أهل العلم من قال: لا يحلف أقل من ثلاثة رعيا للصيغة، وأقلها عنده ثلاثة، ومنهم من قال: يحلف واحد وحمل الكلام على مجازه، وهو بعيد. وعبر التادلى عن هذين القولين بلفظة قيل، وذلك يوهم أنها في المذهب وليس كذلك ويشترط في الحالفين أن يكونا عصبة اتباعا لقضية الأنصار فإن لم يكونا فالموالي فإن لم يكونا ردت اليمين. (ولا يقتل بالقسامة أكثر من رجل واحد): ما ذكره هو قول الموطأ لا نعلم قسامة كانت قط إلا على واحد. وقال المغيرة: يقسم على جماعة في العمد، ويقتلون كما يقتلون بالشهادة القاطعة قال: وكذلك كان في الزمان الأولى إلى زمان معاوية وعلى رضي الله عنهما. وفي المجموعة وكتاب ابن المواز عن ابن القاسم في قوم وجب لهم دم رجل بقسامة فقدم للقتل فأرادوا قتله فأقر غيره أنه قتله قال: إن شاءوا قتلوا المقر بإقراره وإن شاءوا قتلوا الأول بالقسامة ولا يقتلون إلا واحدًا منهما، وهذا نحو ما قال مالك وإذا فرعنا عليه، وكان المدعي عليه جماعة، ففي ذلك ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم في المجموعة: إنهم لا يقسمون إلا على واحد بعينه. وقال أشهب: هم بالخيار أن يقسموا على واحد كما قال ابن القاسم أو يقسموا على اثنين أو على الجميع فإذا أقسموا عليهم اختاروا واحدًا منهم فقتلوه وكلامهما نقله ابن يونس والباجي، ولابن حارث عن سحنون: إن كان الضرب واحدًا كاحتمالهم صخره حلفوا على جميعهم كالخطأ وإن افترق الضرب كما إذا ضربه واحد على الرأس وآخر على البطن وآخر على الظهر لم يحلفوا إلا على واحد وعزا الفاكهاني هذا القول لنقل مكي بن أبي طالب في تذكرته وهو قصور. (وإنما تجب القسامة بقول الميت دمي عند فلان أو بشاهد على القتل أو بشاهدين على الجرح ثم يعيش بعد ذلك ويأكل ويشرب): ما ذكر أنه يقتل بقول الميت دمي عند فلان هو قول مالك. قال ابن رشد: وتابعه على قوله أصحابه والليث بن سعد، والجمهور على

خلافه. قلت: وفي اختصار الحريري، وقال عبد الرحمن بن أحمد بن مخلد: إنه توقف عن القول في التدمية ففهم منه بعض شيوخنا أنه قال بلغوها كقول المخالف، وسمعت شيخنا أبا مهدي رحمه الله يقول: هذه إحدى المسائل التى حلف فيها بالمشي إلى مكة أبو القاسم السيوري أن لا يفتي فيها بمذهب مالك، وكذلك وقف فيها اللؤلؤي ولم يفت به. قلت: واحتج مالك على قوله بقوله تعالى: (فقلنا اضربوه ببعضها) [البقرة: 73] الآية. قال ابن العربي: في أحكام القرآن فإن قيل: كان ذلك آية ومعجزة لموسى عليه السلام، قلنا: الآية، والمعجزة إنما كانا في إحياء الميت فلما صار حيا كان كلامه كسائر كلام الآدميين كلهم في القبول والرد، وهذا دقيق من العلم لا يتفطن له إلا مالك، فإن قيل: إنما قتله موسي بالآية. قلنا: أليس في القرآن آية إنه إذا أخبر وجب صدقة فلعله أمرهم بالقسامة معه أو صدقه جبريل عليه السلام، وكما قتل النبي صلى الله عليه وسلم الحارث بن سويد. وظاهر كلام الشيخ: ولو كان المدعي عليه القتل ورعا عدلا والمدعي مسخوطًا، وهو كذلك على المشهور، وقال ابن عبد الحكم: صواب. قال: واختلف إذا قال ذلك على عدوه وفيه شبهة فيصح أن يقبل قوله؛ لأن عدو الإنسان يصح أن يفعل به ذلك، ويصح أن لا يقبل لتهمة إذا نزل به ذلك أنه يرميه بدعواه عليه ليشتفي منه، وظاهره أيضًا أنه لا فرق بين كون المدعي امرأة على زوجها أم لا، وهو ظاهر المذهب. ومن الشيوخ من أخرج دعواها عليه لما شرع له من أدبها وربما أدى ذلك إلى قتلها نقله ابن هشام وابن عات عن ابن أبي زمنين عن الشعباني عن ابن مزين قائلاً: هو الذي تعلمناه من شيوخنا. وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يكون هناك أثر ضرب أم لا، وهو كذلك عند أصبغ خلافًا لابن كنانة، واختاره ابن رشد، وغيره. وبالثاني: العمل، واختلف إذا قال الابن: إن أبي قتلني مثلاً فالأكثر أنه لا يقتل به، وقال أشهب: يقتل به. واختلف قول مالك في أعمال قول دمي عند فلان خطأ، ويريد الشيخ أن الشاهد الواحد على القتل لابد من عدالته، وهو المشهور، وقيل: لا يشترط.

واعلم أنه إذا تعدد اللوث فلابد من القسامة كما لو شهد شاهد على الموت، وقال المقتول دمي عند فلان. (وإذا نكل مدعو الدم حلف المدعي عليهم خمسين يمينا فإن لم يجد من يحلف من ولاته معه غير المدعي عليه وحده حلف الخمسين يمينا): اعلم أنه اختلف المذهب إذا نكل ولاة الدم، وكانت القسامة وجبت بقول المقتول أو بشاهد على القتل على ثلاثة أقوال حكاها ابن رشد في المقدمات: أحدها: أن الأيمان ترد على المدعي عليه فيحلف أو يحلف عنه رجلان فأكثر من ولاته خمسين يمينا إن أطاعوا بذلك، ولا يحلف هو معهم قاله ابن القاسم. والثاني: أن المتهم يحلف معهم قاله ابن القاسم أيضًا. والثالث: لا يحلف إلا المدعى عليه وحده، وليس له أن يستعين بأحد قاله مطرف. قلت: وذكر ابن حارث قول مطرف رواية له ونقلة الشيخ أبو محمد قولاً له ورواية وإن وجبت القسامة بشاهدين على الجرح ففي رد الأيمان على القاتل قولان: أحدهما: أنها ترد على المدعي عليه، فيحلف ما مات من ضربي فإن نكل سجن حتى يحلف ولو حلف ضرب مائة وسجن عامًا، وإن أقر قتل قاله ابن القاسم، وابن الماجشون. والقول الثاني: أن الأيمان لا ترد على القاتل ولا يحلف؛ لأن يمينه حينئذ غموس فعلى هذا إن أقر لم يقتل وهو قول أشهب، وابن عبد الحكم وأصبغ. قال اللخمي: واختلف إن نكل المدعي عليه عن الأيمان ففي المدونة يحبس حتى يحلف. وقال أشهب: عليه الدية وأرى أن يخير الأولياء في حبسه أبدًا حتى يحلف أو أخذهم الدية. (ولو ادعى القتل على جماعة حلف كل واحد خمسين يمينا، ويحلف من الولاة في طلب الدم خمسون رجلاً خمسين يمينا): لأن كل واحد من الجماعة مدعي عليه فلا يبرأ إلا بالخمسين. واختلف إذا كان المدعى عليهم أكثر من خمسين هل يحلفون كلهم أو إنما يحلف خمسون رجلاً منهم. (وإن كانوا أقل قسمت عليهم الأيمان): يعني: إذا كان اثنان فإنه يحلف كل واحد منهما خمسًا وعشرين يمينا فإن أطاع

أحدهما أن يحلف أكثر الأيمان لم يجز ذلك قاله ابن رشد في مقدماته ولم يعزه وعزاه غيره لنقل أبي محمد عن ابن القاسم في الموازية. قال ابن رشد: فإن كانوا أكثر من ذلك إلى الخمسين وتشاحوا مع تساويهم في العدد قسمت بينهم على عددهم فلو وقع كسر كما لو كانوا عشرين فيحلف كل واحد منهم يمينين يمينين ثم لا سبيل لهم إلى القتل إلا أن يحلف العشرة منهم العشرة الإيمان الباقية فإن أبي جميعهم من حلفها بطل الدم كنكولهم. واختلف إذا طاع اثنان بحلف الخمسين فقال ابن القاسم: ذلك جائز، ولم يجزه المغيرة وأشهب وابن الماجشون، وأما لو كانوا أكثر من خمسين فإنه يجتزأ منهم بخمسين باتفاق عند الأكثر، وقد رأيت لابن الماجشون في كتاب مجهول أنه لابد أن يحلف كل واحد منهم يميناً يمينًا وإلا لم يستحق الدم. (ولا تحلف امرأة في العمد): ما ذكر مثله في الموطأ والمدونة قال الفاكهاني: وقيل: تحلف. (ويحلف الورثة في الخطأ بقدر ما يرثون من الدية من رجل أو امرأة): ما ذكر من أنه يحلف واحد منهم على قدر ميراثه هو متفق عليه؛ لأن الأيمان سبب لحصول الدية لهم فيجب توزيع الأيمان كما توزع الدية. (وإن انكسرت يمين عليهم حلفها أكثرهم نصيبًا منها وإذا حضر بعض ورثة الخطأ لم يكن له بد أن يحلف جميع الأيمان ثم يحلف من يأتي بعده بقدر نصيبه من الميراث):

يعني كما لو كان الوارث ابنا وبنتا فإنها إنما تحلفها البنت مراعاة للتبعية والمتبوعية، والضمير المجرور في قوله منها عائد على اليمين المذكورة وتردد التادلي هل هو كذلك أو عائد على الدية، وهو بعيد. وما ذكر الشيخ هو كذلك في القول المشهور ومثله قول المدونة إن لزم واحدًا نصف اليمين ولزم آخر ثلثها وآخر سدسها يحلفها صاحب النصف وصورتها بنت وزوج وأم عاصب. وقيل: إنما يحلفها صاحب الأكثر من عدد الأيمان لا من عدد اليمين المنكسرة حكاه ابن رشد، ولم يعزه وعزاه غيره للموطأ من رواية يحيى. وقيل: على كل واحد منهم يمين مستقلة نقلة ابن الحاجب ومثله في الكافي لابن عبد البر، وقال ابن حارث: واتفقوا على أنها لا تجبر على كل واحد منهم فتصير الأيمان أكثر من خمسين، وهذا يقتضي نفي الثالث. قال ابن رشد: واختلف إذا انكسرت اليمين بأجراء متساوية مثل ما لو كان الورثة ثلاث إخوة لوجب على كل واحد منهم ستة عشر يمينا وثلثا بيمين فقال ابن القاسم، يجبر على كل واحد منهم الكسر الذي صار إلى حظه فيحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا. وقال أشهب: يحلف كل واحد منهم ستة عشر يمينا، ويقال لهم: عينوا اثنين منكم يحلفان يمينين فإن تشاحوا فيمن يحلف ما بقي فرأيت لابن كنانة: لايجبر الإمام منهم أحدًا، ويقال لهم: لا تأخذوا شيئًا إلا أن تحلفوا بقية الأيمان ويشبه أن يقول

أشهب مثل هذا أو يقرع بينهم فيها. وقاله بعض أهل النظر وقاسه على قول ابن القاسم، ولا يصح إلا على قول أشهب. (ويحلفون في القسامة قيامًا): ما ذكر هو المشهور، ونقل مكي في تذكرته عن ابن الماجشون أنهم يحلفون قعودا ولا خصوصية للحلف قيامًا في القسامة بل وكذلك كل الحقوق المالية على المشهور ونص الشيخ على ذلك بعد قوله: ويحلف قائمًا. وظاهر كلام الشيخ: أنه لا يعتبر في أيمان القسامة زمن معين وهو كذلك. وقيل: إنه تقع الأيمان بعد صلاة العصر يوم الجمعة ذكره ابن رشد واختلف في الذي يحلف به على أربعة أقوال: فقيل: يقول: بالله الذي لا إله إلا هو. والثاني: يقول معه الذي أمات وأحيا. والثالث: يقول معه لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. والرابع: لا يزيد فيها الرحمن الرحيم، وذكر ابن رشد أن العمل مضى عندهم مع كون اليمين بعد صلاة العصر من يوم الجمعة كما تقدم. (ويجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس أهل أعمالها للقسامة): لأن ذلك أيضًا أهول وأخوف على الحالف وأردع. (ولا يجلب في غيرها إلا من الأميال اليسيرة): قال التادلي: واختلف في الأميال اليسيرة، فقال ثلاثة أميال. وقيل: بريد، وقيل: عشرة أميال. (ولا قسامة في جرح ولا في عبد ولا بين أهل الكتاب، ولا في قتيل بين الصفين أو وجد في محلة قوم): ما ذكر من أنه لا قسامة في الجرح هو نص المدونة، وما ذكر أنه لا قسامة في عبد هو كذلك؛ لأنه مال. قال ابن زرقون: ولو قال العبد دمي عند فلان ففيه أربعة أقوال: يحلف المدعى عليه خمسين يمينا ويبرأ قال أشهب: ويضرب مائة ويسجن فإن كل حلف السيد يمينا واحدًا ويستحق قيمة عبده مع الضرب والسجن. وقال ابن القاسم: ويحلف المدعي عليه يمينا واحدة ولا قيمة عليه ولا ضرب ولا سجن فإن نكل ضرب وسجن وغرم القيمة. وروى أشهب عن مالك مثل قوله إلا أن مالكًا قال: إذا حلف المدعى عليه

الأيمان لم يضرب، ولم يسجن، وقال أصبغ: يحلف المدعى عليه خمسين يمينا فإن حلف برئ، وإن نكل لم يلزمه شيء لا قيمة ولا ضرب ولا سجن، وأما إذا أقام السيد شاهدا على أحد أنه قتل عبده حلف السيد يمينا واحدة وأخذ قيمته ويجلد مائة ويسجن عامًا قاله ابن القاسم، وأشهب، وفي المدونة قال مالك في نصراني قام على قتله شاهد واحد مسلم يحلف، ولأنه يمينا واحدة ويستحقون الدية على قاتله مسلمًا كان أو نصرانيا ومثله في رسم أوصى من سماع عيسى من الجنايات وسماع أشهب في الديات. قال ابن رشد: وقيل: دم النصراني لا يستحق بالشاهد واليمين، وهو قول أشهب وظاهر سماع يحيى في الديات وفيه قول ثالث، وهو أن يحلف أولياؤه مع شاهدهم خمسين يمينا ويستحقون ديته، وهو قول المغيرة لمالك في المدونة من رواية محمد بن يحيى السبائي أنه يستحق بغير يمين. قلت: وحكى ابن زرقون فيها وفيما إذا قال الذمي: دمي عند فلان أربعة أقوال فذكر ما تقدم عن المدونة في المسألتين، وعزاه لنقل ابن حبيب عن ابن القاسم، وقول المغيرة على فرض ما حكاه ابن رشد في مسألة الشاهد وعزاه لنقله قال: وهو غريب، وقيل: يحلف المدعى عليه خمسين يمينا ويبرأ قاله مالك، وأشهب وابن عبد الحكم. وقيل: إن لم يكن إلا قول الذمي دمي عند فلان فلا قسامة فيه، وفي مسألة الشاهد فيحلف ولاته يمينا واحدة ويأخذون الدية ويضرب مائة ويسجن سنة قاله ابن القاسم في المدونة. قال الفاكهاني: انظر قول الشيخ ولا بين أهل الكتاب هل المعنى إذا كان المقتول ذميا، والقاتل مسلماً أو المعنى لا قسامة بينهم إذا تحاكموا إلينا فلا نوجبها عليهم وكلاهما قد قيل. ورجح بعضهم القول الأول لقوله: ولا في عبد، وما ذكر أنه لا قسامة في القتيل بين الصفين هو قول مالك في المدونة ورجع إليه ابن القاسم بعد أن أخذ بقوله في الموطأ بثبوتها قيل لابن القاسم في العتبية فإن كان القتيل الذي وجد بين الصفين إنما كانوا يقتلون على تأويل، قال: ليس على الذين قتلوه قتل، وإن عرفوا قيل: له فديته هل عليهم منها شيء؟ قال: لما سقط القتل سقطت الدية، وليس أهل التأويل كغيرهم، وروي معناه عن مالك، قال القاضي أبو الوليد بن رشد: ومن أهل العلم من يري أنه يقاد من صاحب التأويل ويقتص، وهو قول أصبغ وعطاء والخلاف في القصاص منه مطلقًا سواء تاب أو أخذ قبل أن يتوب ولا يقام عليه حد الحرابة وإن أخذ قبل أن

يتوب ولا يؤخذ منه ما أخذ من مال وإن كان موسرا إلا أن يوجد شيء بعينه بيده فإنه يرد إلى ربه. واختلف إذا شهدت البينة أنه قتل ودخل في جماعة فقيل: لا شيء عليهم قاله سحنون وقيل: يستحلف كل واحد منهم خمسين يمينا ويغرمون الدية بلا قسامة قاله ابن القاسم في العتبية، وما ذكر أنه لا قسامة فيما إذا وجد في محلة قوم هو المعروف في المذهب بالإطلاق. وقال ابن رشد في مقدماته: إنه لوث إذا وقع الأمر فيه على الصورة التي وقعت بخيبر للأنصار وذهبت طائفة من العراقيين خارج المذهب إلى أنه لوث بالإطلاق. وكذلك قال بعض العلماء في الذي يموت في ازدحام الناس في الأعياد وغيرها: إن ديته على جميع الناس من ذلك، وتأول ابن يونس قول المدونة إذا وجد قتيل في قرية قوم أو دارهم لا يدرون من قتله لم يؤخذ به أحد بأن معناه إن لم يكن معه أحد، ولو وجد في دار ومعه رجل وعليه أثر قتله لقتل به مع القسامة. (وقتل الغيلة لا عفو فيه): ظاهره وإن كان المقتول كافرًا أو القاتل له مسلم، وهو كذلك نص عليه في المدونة قال فيها: لا يتقل مسلم بكافر إلا أن يقتله قتل غيلة. قال بعض شيوخنا: والاستثناء منقطع؛ لأن بالحرابة قتل لأن الغيلة حرابة، ولذا قال فيها: إن قطع يديه ورجليه غيلة حكم عليه بحكم المحارب. قلت: ويجري فيه قول أبي مصعب أن الإمام مخير في المحارب إن قتل كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقال الفاكهاني عن أهل اللغة: قتل الغيلة هو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع خفي فإذا صار فيه قتله فهذا يقتل، ولا عفو فيه؛ لأنه حق الله وكل حق تعلق به حق الله فلا عفو فيه كالزنى، ونحوه. واعترضه بأنه لا يختص حق الله تعالى بقتل الغيلة حتى يكون عله لما ذكر إذا لا حق من الحقوق للعبد إلا ولله فيه حق، وهو إيصال الحق إلى مستحقه فانظر العله في ذلك. ونقل عن بعض أصحابنا وأظنه البوني رحمه الله تعالى أنه اشترط في ذلك أن يكون القتل على مال، وأما الثائرة، وهي العداوة بينهما يجوز العفو فيه. قلت: ما ظنه عن البوني مثله نقل الباجي عن العتبية والموازية قال: قتل الغيلة حرابة، وهو قتل الرجل خفية لأخذ ماله، وقال: ومن أصحابنا من يقول هو القتل على

وجه القصد الذي لا يجوز عليه الخطأ، وقبله ابن زرقون فالعجب من الشيخ رحمه الله. (ولرجل العفو عن دمه العمد إن لم يكن قتل غيلة وعفوه عن الخطأ في ثلثه): اعلم أنه اختلف المذهب إذا قال رجل لرجل: إن قتلتني فقد وهبت لك دمي، وهذا الخلاف حكاه سحنون عن أصحابنا قال: وأحسن ما رأيت في ذلك أنه يقتل القاتل؛ لأن المقتول عفا عن شيء لم يجب له، وإنما يجب للأولياء، ولا يشبه هنا من أنفذت مقاتله. وقال: وأشهدكم أني قد عفوت عنه فقيل: فلو أنه قال له: اقطع يدي فقطعها قال: لا شيء عليه؛ لأن هذا جرح لا نفس، وذكر ابن رشد قولاً ثالثًا في مسألة القتل أنه لا يقتل به بل تكون الدية في ماله قال: وهو أظهر الأقوال. (وإن عفا أحد البنين فلا قتل، ولمن بقي نصيبهم من الدية ولا عفو للبنات مع البنين): اعلم أنه إذا عفا بعض البنين فإنه يسقط نصيب العافي وحده؛ لأن الحق المشترك بين جماعة لا يسقط جميعه بإسقاط بعض الشركاء له وإلا لما كان للشركة فائدة، وهذا إذا بقي بعض العصبة، وأما إذا عفا البنون وثم بنات فإنه يسقط حق البنات من الدية وكذلك الأخوات مع الأخوة، قاله ابن القاسم، وأشهب. وروى أشهب عن مالك أن حق الإناث باق وقال ابن المواز، وبالقول الأول قال: من أدركناه من أصحاب مالك، وهو أصله في موطئه، قال الباجي: وهذا إذا عفا الرجال في فور واحد فأما إن عفا أحدهم ثم بلغ الآخر فعفا فلا يضر ذلك من كان معهما من أخت أو غيرها؛ لأنه مال ثبت بعفو الأول قاله محمد. (ومن عفي عنه في العمد ضرب مائة وحبس عامًا): ظاهر كلامه وإن كان رقيقًا أو امرأة وهو كذلك قاله في المدونة. وقيل: إن الضرب والسجن ساقطان عنهما حكاه ابن عبد السلام مفسرا به قول ابن الحاجب، ومن عفي عنه ضرب مائة وحبس عامًان وإن كان رقيقًا أو امرأة على الأشهر والذي أعرفه للباجي رحمه الله تعالى قولين: أحدهما: مثل ما في المدونة. والثاني لأصبغ في الموازية: لا حبس على عبد ولا على امرأة ويجلدان قاله

المغيرة، وخرجه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً قتل عبده متعمدًا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة ونفاه سنة ومحا اسمه من المسلمين ولم يغربه وأمره أن يعتق رقبة قال عبد الحق في سنده إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف في غير الشاميين، وهذا الإسناد حجازي، رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي قرة عن إبراهيم عن عبد الله بن جبير عن أبيه عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر رقبة وإسحاق بن أبي قرة متروك وذكر حديثه أيضًا الدارقطني ولا يصح في هذا شيء، وتعقب ابن القطان قوله هذا في الإسناد حجازي فإنه شامي بأنه في إسناد الدارقطني حدثنا إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الحديث، وجعل أهل المذهب هذا الحديث أصلاً في قاتل العمد إذا تعذر القصاص منه لموجب ما ولو وجبت القسامة للأولياء فنكلوا فحلف المدعى عليه. فقال ابن المواز على المدعى عليه الجلد، والسجن، ولم يخالف فيه إلا ابن عبد الحكم فإنه قال: إذا نكلوا فلا جلد، ولا سجن، والأكثر على تعميم هذا الحكم في كل مقتول واختاره ابن حبيب ورواه عن مالك إنما ذلك في المسلم عبدًا كان أو حرًا وأما غير المسلم فإنما لم يجب فيه إلا الأدب المؤلم. وقال أشهب: إن شاء بدأ بالجلد أو بالحبس وذلك واسع وظاهر رواية عيسى عن ابن القاسم في العتبية أنه يبدأ بالجلد؛ لأنه قال: يأتنف حبس سنة من يوم جلد، ولا يحتسب بما مضى، ولم يذكر ابن رشد غير ما في السماع وحفظ الباجي قول أشهب. (والدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم): في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم. وروى أهل العراق أن عمر وضع الديات فوضع على أهل الورق اثني عشر ألف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألف شاة، وعلى أهل الحلل ألف حلة. وروي مثله مرسلا إلا أنه لم يذكر الدراهم، وهو قول عطاء والزهري وفقهاء المدينة السبعة وغيرهم.

قال مالك: أهل البادية وأهل العمود أهل الإبل. قال الباجي: لا خلاف في ذلك، وأما أهل مكة فقال إصبع في العتبية: هم أهل الذهب. وقال أشهب: أهل الحجاز أهل إبل، وأهل مكة منهم، وأهل المدينة أهل الذهب، وفي الموازية عن مالك أهل الشام، وأهل مصر أهل الذهب. وقال ابن حبيب: وكذلك أهل مكة، والمدينة، وقال أصبغ: هم اليوم أهل الذهب، وقال ابن الحاجب: أهل المغرب أهل الذهب. وقال ابن حبيب: أهل الأندلس أهل ورق وأشار أصبغ في قوله: أهل مكة وأهل المدينة هم اليوم أهل الذهب إلى أن المعتبر في كل جهة الزمان الذي تجب الدية فيه، وهو اختيار القاضي الباجي رحمه الله تعالى. (ودية العمد إذا قبلت خمس وعشرون حقة وخمسة وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت ليون وخمس وعشرون بنت مخاض): اختلف المذهب في الواجب في العمد فقال أشهب: يخير الولي في القصاص أو الدية وروى ابن القاسم تعيين القود فعلى رواية أشهب تعيين دية العمد لا إشكال فيها، وأما على رواية ابن القاسم فالقياس أن يقال لا يجب فيها إلا ما اصطلحوا عليه كما حكي عن أبي حنيفة، قاله ابن عبد السلام. وظاهر كلام الشيخ سواء وقع النص على الدية بالتعيين أو بالإبهام. قال الباجي: وهو المشهور عن مالك في الموازية إن اصطلحوا على شيء فهو ذلك، وإن اصطلحوا على دية مبهمة أو عفا بعض الأولياء رجع الأمر إلى دية مثل دية الخطأ. (ودية الخطأ مخمسة عشرون من كل ما ذكرنا وعشرون ابن لبون ذكرا) قال ابن عبد السلام: الأحاديث في الخطأ مختلفة لم تقع بشرط الصحة فيما قد علمت فخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون ابن لبون". قالوا: إسناده ضعيف وخرج أيضًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن قتل خطأ بمائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وعشرون ابن لبون ذكروًا.

(وإنما تغلظ الدية في الأب يرمي ابنه بحديدة فيقتله فلا يقتل به ويكون عليه ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون خلفة في بطونها أولادها، وقيل ذلك على عاقلته، وقيل ذلك في ماله): دل كلام الشيخ من باب أحرى أن الأم كالأب فلا تقتل؛ لأنه لم يقتل الأب إذا قتل أبنه لما طبع عليه من الحنانة والشفقة وبالإذن له في التأديب فالأم أحرى، وهذا ما لم تكن قرينة تدل على أ، هـ أراد قتله حقيقة فإن كانت فإنه يقتل به على المشهور خلافًا لأشهب وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وغيرهما، وذلك إذا ذبحه أو شق جوفه وما أشبه ذلك. وذكر الشيخ في ذكر كون الدية على من تكون؟ على ثلاثة أقوال: فقيل: إنها تكون على الأب يعني في ذمته فإن كان له مال الآن أخذه منه، وإلا انتظر يسره. الثاني: أنها على العاقلة. الثالث: أنها تكون في ماله إن كان وإن لم يكون فعلى عاقلته وإليه أشار الشيخ بقوله وقيل ذلك في ماله. والثاني لمالك واللخمي وعزا ابن رشد الثالث لمطرف وابن حبيب لا غير ويريد الشيخ أنها حالة، قال ابن زرقون: لا خلاف أنها في مال الجاني حالة. قلت: وقال ابن عبد السلام: لا يبعد وجود قول بأنها منجمة في مال الجاني إذا اختلف في تنجيم دية العمد مع كونها في مال الجاني. قال اللخمي: قال عبد الملك هي على العاقلة معجلة، ولابن القاسم في الواضحة هي عليها منجمة ثم رجع لقول المدونة، وهو أحسن، والمشهور أنها تغلظ على أهل الذهب والورق، وقيل: لا تغلظ عزاه اللخمي لأول قول مالك في الموازية، ولم يعزه ابن رشد إلا لنقل عبد الوهاب وعزاه الباجي لرواية سحنون وابن عبد الحكم، وفي كيفية التغليظ خلاف شهير في المذهب، وكذلك اختلف هل تغظ الجراح أم لا؟ على ثلاثة أقوال حكاها ابن زرقون فروى ابن عبد الحكم: لا تغلظ فيها وقال مالك في المدون والمبسوط: تغلظ في الجراح كلها، وفرق عبد الملك وسحنون بين ما يقتص منه في العمد وما لا يقتص منه. (ودية المرأة على النصف من دية الرجل): هو كذلك في كتابه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم. (وكذلك دية الكتابيين ونساؤهم على النصف من ذلك):

ما ذكر هو المذهب وقال أبو حنيفة: دية الكتابي مثل دية المسلم، وقال الشافعي: ديته مثل دية المسلم، ونقل الفاكهاني عنه مصل قول أبي حنيفة رضي الله عنه، واحتج أبو حنيفة بما رواه الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ودي ذميا دية مسلم، وأجيب بأن في إسناده من هو متروك وفي مراسيل أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار" واحتج أصحابنا بما خرجه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى" وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عقل الكافر نصف عقل المؤمن". (والمجوسي ديته ثمانمائة درهم ونساؤهم على النصف من ذلك ودية جراحهم كذلك): ما ذكر الشيخ هو قولنا وقول الشافعي، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: دية المجوسي مثل دية الحر المسلم. واختلف المذهب في دية المرتد على ثلاثة أقوال: فقيل: كدية المجوسي قال ابن القاسم وأشهب وأصبغ، في كتاب ابن سحنون وقيل: كدية من ارتد إليه ورواه سحنون عن أشهب وكلاهما حكاه الباجي، وقيل: لا شيء فيه حكاه ابن رشد في مقدماته، ولم يعزه كالأولين وعزاه في البيان لأشهب، وسحنون. قال ابن عبد السلام: وهو الظاهر سواء قلنا بوجوب الاستنابة أو باستحبابها غير أنه إذا قيل بوجوبها فقد يظهر لوجوب الدية وجه، وهذه المسألة تشبه قتل الكافر إذا قتل قبل الدعوة هل تكون فيه الدية أم لا؟ قلت في تعليق الطرطوشي: من لم تبلغه الدعوة بحال كمن هو في جزيرة إن قتل لا يضمن ومن قول مالك إن أقام مسلم بدار الحرب مع القدرة على خروجه لا دية فيه. (وفي اليدين الدية وكذلك في الرجلين أو العينين وفي كل واحد منهما نصفها): يريد أن الدية كاملة في مجموع اليدين سواء قطعت الأصابع خاصة أو قطعت من

الكف أو مع الذراع أو قطعت اليدان من المنكب، وهذا الذي قلناه هو قول مالك من رواية أشهب مستدلاً باستكمال دية الذكر بقطع الحشفة فتكون ديته كدية قطعه من أصله ولو قطع كفه وليس فيها إلا إصبع واحد فله دية الإصبع، واستحسن ابن القاسم في كف حكومة. وقال أشهب: لا شيء له في الكف ما بقي له شيء فيه دية، واتفقوا إذا بقي الكف خاصة ففيها حكومة وإنه إذا لم يذهب إلا إصبع واحد لا شيء له فيها ما بقي من الكف. واختلفوا فيما بين ذلك فجعل ابن القاسم الإصبع قليلاً كما لو لم يبق فيها شيء وجعل أشهب وجودها مانعا من أخذ الحكومة ووافقه على ذلك سحنون قاله ابن القاسم في الإصبعين وجعل عبد الملك الثلاثة من حيز القليل فله في الكف عنده بحساب ما ذهب من الأصابع. وقال المغيرة: إذا ذهب منها إصبعان ثم قطع بعد فإن أخذ في الإصبعين عقلا وقودا فله عقل ثلاثة أصابع ولا حكومة له، وما ذكر الشيخ أن في الرجلين الدية صحيح لأنه بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم وسواء قطعت الأصابع وحدها أو الأصابع مع الرجل أو الرجل بإصبعها إلى الركبة وكذلك إلى الورك. قال الفاكهاني: روينا قول الشيخ بالياء في الرجلين والعينين والوجه فيه، وكذلك الرجلان والعينان ويبعد فيه تقدير في عند البصريين إذ لا يحذف الجر ويبقى عمله عندهم قياسًا. (وفي الأنف يقطع مارنه الدية): ما ذكر هو مذهب المدونة وهو المشهور، وفي المبسوط عن مالك أنه يعتبر من أصل الأنف. قال ابن الحاجب: والأصح هو الأول وصحح غيره القول الثاني لموافقته ظاهر ما في كتاب عمرو بن حزم، وفي الأنف إذا أوعب جدعا مائة من الإبل، والمارن ما فوق العظم الذي هو أصل الأنف ويسمي أيضًا الأرنبة والرونة قاله أشهب، وإذا فرعنا على ما قال الشيخ وقطع بعض المارن كان فيه إلا دية واحدة، وهذا كما أن الذكر إذا قطع من أصله وجبت فيه الدية وإذا قطعت الحشفة فكذلك وإذا قطع بعض الحشفة نظر المقطوع منها فبحسابه منها يجب من الدية لا من أصل الذكر قاله في المدونة والمجموع والموازية. وأما الشم فروي عن مالك أن فيه حكومة، وقال أبو الفرج: فيه الدية وكلاهما

نقله ابن زرقون وقال اللخمي: واختلف إذا ذهب الشم والأنف معًا فقال ابن القاسم: فيهما معًا دية واحدة، وقال ابن الجلاب: القياس ديتان والأول أحسن قياسًا على الذكر واللسان. (وفي السمع الدية): يعني إذا لم يسمع بشيء من أذنه فيجب عليه الدية بلا خلاف وفي إبطال أحدهما نصف الدية وما نقص فبحسابه، ويعرف ذلك بأن يصاح من مواضع عدة مختلفة الجهات، وتكون الأذن الصحيحة مسدودة فإذا لم يضطرب قول المجني عليه بل تساوت الأماكن التي بلغ سمعه إليها سدت تلك الأذن الناقصة وفتحت الأذن الصحيحة وصيح حينئذ ثم يقدر أهل المعرفة ما نقصه من السمع ويلزم ذلك الجاني، وحكي نحو هذا عن على بن أبي طالب رضي الله عنه، وسكت في المدونة عن يمينه ونص في غيرها على لزومها. قال بعض الشيوخ: وينبغي أن يختلف فيه؛ لأن ذلك يمين تهمة إذ الجاني لا يحقق دعوى المجنى عليه، وإنما هو متهم له فإن اختبر، واختلف قوله لم يكن له شيء. وقال عيسى بن دينار: له الأقل مع يمينه. واعلم أنه إن لم يكن يسمع إلا بأذن واحدة ففيها ما تقدم نصف الدية. قال الفاكهاني: انظره مع قولهم في عين الأعور الدية الكاملة. قلت: فرق ابن القاسم بين عين الأعور وغيرها بالسنة قاله في المدونة. قال ابن الجلاب: فإذا ذهب السمع والأذن بضربة واحدة ففيهما دية واحدة قاله ابن القاسم، والقياس عندي أن تكون فيهما دية وحكومة أو ديتان على اختلاف الروايتين. واختلف في أشراف الأذنين فقيل: فيهما دية، وقيل حكومة حكاهما القاضي عبد الوهاب. (وفي العقل الدية): قال ابن رشد في مقدماته: محل العقل القلب لا الدماغ عند مالك خلافًا لابن الماجشون، وما ذكر الشيخ أن العقل فيه الدية صحيح، وكيف لا تكون فيه الدية، وهو أفضل صفات الإنسان فإذا وجبت الدية في السمع وشبهه فلأن تجب فيه أحرى ولو ذهب بعض العقل فبحسابه، وقدر اللخمي بالأيام وشبهها من الشهر فإن كان يذهب عقله يومًا وليلة في الشهر وجب له جزء من ثلاثين وهكذا.

(وفي الصلب ينكسر الدية): اختلف في المسألة على أربعة أقوال: فقيل: إن امتنع من القيام والجلوس وجبت الدية كاملة وإلا فلا. وقيل: إن تعذر القيام فقط وجبت الدية، وإن لم يتعذر الجلوس قاله مالك، وقيل: فيه الدية إذا انطوى. قال اللخمي: يريد إذا صار كالراكع، وقال عبد الملك في كتاب ابن حبيب: في الصلب الدية إن انكسر فلم يقدر على الجلوس ثم على هذه الأقوال فما نقص فبحسابه، واتفق المذهب على أنه إذا ضرب على صلبه فبطل بذلك قيامه وجماعه فإنه يلزمه فيه ديتان. (وفي الأنثيين الدية): خرج النسائي في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في البيضتين الدية، وروي عن ابن المسيب أنه قال: في البيضة اليسرى نصف الدية وفي اليمنى الثلث، فقيل له: لم؟ فقال: إن اليسرى إذا ذهبت لم يولد له وإذا ذهبت اليمنى ولد له. قال ابن حبيب: وقيل: في اليسرى دية كاملة قال اللخمي: يريد لما قيل: إن النسل منها خاصة، ولو قطع الذكر والأنثيين بضربة كان فيها ديتان. قال ابن حارث: اتفاقًا وهو قصور لنقل اللخمي رواية القاضي عبد الوهاب فيهما معًا دية واحدة وإن كان واحدة بعد أخرى فمذهب المدونة والمجموعة والموازية ديتان مطلقًا، وقال ابن الماجشون في الأول منهما قطعا الدية كاملة وفي الذكر إن كان هو الآخر الدية أيضًا كاملة وإن كان الاثنين فحكومة. قال الفاكهاني: ذكر هذا القول مكي في تذكرته. قلت: وعزاه اللخمي لابن حبيب ونقل الباجي عن مالك أن قطع الذكر أولا وآخرًا ففي الآخر الحكومة وعن ابن حبيب إن قطعهما بعد الذكر فلا دية فيهما، وفي الذكر الدية قطع قبلهما أو بعدهما، وقيل: أيهما قطع قبل صاحبه ففي الثاني حكومة حكاه أبو الفرج عن مالك فيتحصل في ذلك خمسة أقوال. (وفي الحشفة الدية): ما ذكر هو المنصوص وخرج اللخمي من أحد القولين في الأنف أن الدية لا تجب فيه إذا من أصله لا من المارن قولاً هنا بأن الدية لا تجب في الحشفة وحدها بل يقطعه من أصله.

قال ابن عبد السلام: وفي هذا التخريج بعد؛ لأن في الحديث أن الأنف إذا أوعب جدعا الدية وروي هنا في الحشفة الدية فلا يبعد أن يفرق بينهما باتباع ما روي والله اعلم، ولو قطع عسيبها بعدها فحكومة كالكف بعد الأصابع. وأما قطع أليتي المرأة أو الرجل فقال ابن القاسم في المدونة: فيهما حكومة. قال الباجي، وقاله ابن وهب وقال أشهب: فيهما من المرأة الدية الكاملة. (وفي اللسان الدية وفيما منع منه الكلام الدية): قال التادلي: والألسنة ثلاثة غير ناطق فيه الحكومة ولسان الصبي، قال مالك: يتربص به إذ لعله ينبت فلا دية وإلا فله الدية، وإذا قطع لسان الناطق ففيه دية كاملة فإن قطع ما لا يمنع النطق شيئًا فحكومة؛ لأن الدية للنطق لا له، ولذلك كان في لسان الأخرس حكومة. (وفي ثديي المرأة الدية): يريد وكذلك قطع حلمتيهما وكذلك إن بطل اللبن قاله ابن القاسم، ولو بطل اللبن فأخذت الدية ثم عاد ردت. (وفي عين الأعور الدية، وفي الموضحة خمس الإبل):

ما ذكر هو مذهبنا وبه قال الزهري، وربيعة، وقضى به عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وقاله ابن عمر والليث بن سعد، وقال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما فيها نصف الدية، قاله الشافعي، وعطاء. قال أشهب: محتجا لقول مالك لأن ينظر بالعين الواحدة ما ينظر بالعينين معًا، ولا يعمل بيد واحدة ما يعمل باليدين، وعبر الفاكهاني عن أشهب ببعضهم، واعترضه بأنها دعوى محتاج عليها لدليل وأي فرق بين الأعور، ومن لا يسمع إلا بأذن واحدة ثم لا يقال فيها أيضًا انتقل السمع إليها. قلت: وفرق ابن القاسم بين عين الأعور وغيرها بالسنة ومثله قول ابن الحاجب، وفي عين الأعور الدية كاملة بخلاف كل زوج في الإنسان لما جاء في السنة قال ابن

عبد السلام: وفيه نظر فإن ظاهر السنة مع المخالف؛ لأن في كتاب عمرو بن حزم في العين خمسون. واختلف المذهب في ذكري العنين والخصي فقيل: تجب فيه الدية، وقيل: بل حكومة، وكذلك ما ليس فيه إلا الجمال كأشفار العينين فيه حكومة عندنا، معنى الحكومة هو أن يقوم المجني عليه عبدًا سالما بعشرة مثلاً ثم يقوم مع الجناية بتسعة فالتفاوت عشر فيجب عشر الدية قاله الشافعي وتبعه أصحابنا البغداديون وفي تفسير ابن مزين أن الحكومة أن ينظر الإمام أو الحاكم على قدر اجتهاده، ومن يحضره معه، وذكر أبو عمران في تعليقه القولين كما تقدم قائلاً: هو الذي كنا نقول قبل أن نظهر على قول ابن إدريس. قلت: وذكر غيره أن القول الأول معزو لمالك ومثله في كتاب أبي الفرج وهو نص ابن الجلاب، وأن القول الثاني ذكره في النوادر لأشهب، وأما لو قطع من لحمه بضعة فإنه يجب القصاص، ويعتبر في البضعتين المساواة في المقدار طولا وعمقًا إن أمكن لسمن المجروح ونحافة الجارح، ولا شك في اعتبار محلها، وهذه المسألة داخلة في عموم قوله تعالى: (والجروح قصاص) [المائدة: 45] ولا قود في اللطمة باتفاق وفي ضربة السوط القود على المشهور، وقاله ابن القاسم، وروي عن مالك لا قود فيه كاللطمة نقله سحنون وعزاه في المجموعة لأشهب قائلاً: لأنه لا يعرف أحد تلك الضربة والضرب من الناس مختلف. قال شيخنا أبو مهدي رحمه الله تعالى: ويفرق لابن القاسم بأحد أمرين أحدهما إما لنهيه صلى الله عليه وسلم عن لطم الوجه، وإما لأنه رأى الضرب بالسوط ينضبط بخلاف اللطمة. (وفي السن خمس): من الإبل ظاهر كلام الشيخ لا فرق بين أن تكون من مقدم الفم أو مؤخرهن وهو كذلك؛ لأن السن تصدق على الأضراس وغيرها، ففي الفم اثنان وثلاثون سنا خلافًا للخمي في قوله: الأسنان اثنا عشر سنا والأضراس عشرون. وقال ابن شعبان: للرجل الألح اثنان وثلاثون وللكوسج ثمانية وعشرون سنا. قال اللخمي: يريد لأنه لا نواجذ له واسودادها كزوالها قاله في المدونة خلافًا للشافعي في قوله فيه حكومة وفي الموازية عن أشهب قال عمر وعلى وابن المسيب وعدد من التابعين: إذا اسودت وجب عقلها ولم يبلغني عن أحد خلافه، وسئل

القرويون رضي الله عنهم عمن أطعمته زوجته ما اسود به لونه فوقفوا فقال أحمد بن ناصر هي المدونة وأوجب الدية أخذها من قولها في السن إذا اسودت وأول ما وقفت على الإقامة المذكورة للشيخ المذكور في حال صغرى في تأليف الشيخ أبي بكر المالكي المسمي برياض النفوس وسلمها كغيره. وقال بعض شيوخنا: قد يفرق بلزوم البياض للسن وسواد بعض الآدميين ولو قلع سن سوداء فكغيرها وسن الصبي الذي لم يثغر يوقف عقلها إلى الإياس كالقود. قال ابن عبد السلام: وهذا ربما يظهر في الخطأ وأما في العمد فالمتبادر إلى الذهن وجوب القصاص وسواء نبتت أو لم تنبت؛ لأن المقصود من القصاص إنما هو إيلام الجاني بمثل ما آلم به المجني عليه، ولكن يجاب عن هذا بأنه لو وجب فيه القصاص لوجبت الدية والإلزام باطل. (وفي كل إصبع عشر من الإبل وفي الأنملة ثلاث وثلث): الإصبع مؤنث بلا خلاف وقد قدمنا أن في الإصبع عشرة لغات منها قول الشيخ: وإن استاك بإصبعه، وفي الأنملة لغتان أصحهما الفتح في الميم والضم طردي. وظاهر كلام الشيخ من غير تفضيل بعض الأصابع على بعض وهو كذلك عندنا وللسلف في تفضيل بعض الأصابع على بعض كلام يطول ذكره ولو قطعت يد لها أربع أصابع فله دية أربع أصابع قاله أشهب، وابن القاسم في المدونة. قال اللخمي: واختلف فيمن له ستة أصابع فلا بن القاسم وفي العتبية إن كانت السادسة قوية ففيها عشر ولو قطعت عمدًا إذ لا قصاص فيها وفي كل يدها ستون وإن كانت ضعيفة ففيها حكومة إن انفردت مع اليد لا يزاد لها شيء، وقال ابن سحنون عنه إذا قطعت يد خطأ ففيها نصف الدية فقط وقيل: حكومة في الزائد ولم يفرق بين قوية وضعيفة، وقول ابن القاسم أبين. (وفي كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل): ما ذكر الشيخ هو قول مالك قال ابن المواز وذكر عنه أنه رجع عن ذلك وقيل: إن فيها ثلاث أنامل وكذلك روى عنه سحنون أنه رجع إلى ذلك قال: وأخذ أصحابنا بالقول الأول. قال الفاكهاني: وأما أبهام الرجلين ففي كل واحد أنملتان ولم يذكر أن بي ذلك خلافًا. قلت: وقال اللخمي: بعد أن ذكر ما تقدم عن محمد بن المواز: المسألة تحتمل القولين جميعا أن يقال فيها أنملتان؛ لأن ذلك هو البائن منها وإن يقال فيها ثلاثة؛ لأن

الثالث وإن لم يكن بائنًا فهو متحرك بحركة الإبهام عن استعمال البائن من ذلك واستعمال الإبهام بالجميع البائن وغيره، وهو أقيس، ويريد الشيخ في أقل من أنملة بحساب ذلك الأقل. (وفي المنقلة عشر ونصف عشر والموضحة ما أوضح العظم والمنقلة من طار فراشها من العظم ولم يصل إلى الدماغ وما وصل إليه فهي المأمومة ففيها ثلث الدية، وكذلك الجائفة وليس فيها دون الموضحة إلا الاجتهاد وكذلك في جراح الجسد ولا يعقل جرح إلا بعيد البرء): المنقول بكسر القاف المشددة قاله الجوهري. (وما برأ على غير شين مما دون الموضحة فلا شيء فيه): قال الفاكهاني: ظاهرة أنه لا يعطى أجر الأدوية ولم يقل به مالك، وقيل: يعطى ما أنفق من الأدوية قال الفقهاء السبعة رضي الله تعالى عنهم. قلت: وأخذه بعضهم من قول مالك بوجوب رفو الثوب قال بعض شيوخنا: وهو أخذ أحروي لأن الدماء أكد من الأموال وأراد الشيخ بقوله: ولم يقل به مالك أي لم يقل بأن له الأجرة، بل قال: مثل ظاهر كلام الشيخ إذا قيل له من انكسرت فخذه ثم انجبرت مستوية له ما أنفق في علاجه قال: ما علمته من أمر الناس أرأيت من برأ علي غير شين أتكون له قيمة الشين وما أنفق. (وفي الجراح القصاص في العمد إلا في المتألف مثل المأمون والجائفة والمنقلة والفخذ والأنثيين والصلب ونحوه ففي كل ذلك الدية): يعني: أن الجراح على قسمين منها ما هو غير المتلف ومنها ما هو متلف فالأول قال الشيخ: فيه القصاص، ويعني بذلك إذا تحققت فيه المماثلة. وأما مالا تتحقق فيه المماثلة فعلى ضربين ضرب لا تتأتى فيه المماثلة كالبياض العين فهذا لا قصاص فيه وضرب قد تتأنى فيه المماثلة والغالب نفيها ككسر العظام فحكى القاضي عبد الوهاب في ذلك روايتين وذكر في المدونة عن مالك أنه يقاد من الظفر وفي غيرها عنه: أنه لا يقاد بناء على أنه كالعظم أو كالشعر. وأما المتلف فذكر الشيخ أنه لا قصاص في المأمونة الجائفة، وهو كذلك باتفاق لنصه صلى الله عليه وسلم بذلك وما ذكر أنه لا قصاص في المنقلة هو المشهور. قال اللخمي: وروي عن مالك القصاص فيها حكاه عبد الوهاب. قلت: وذكره ابن الجلاب أيضًا قال ابن زرقون قال محمد بن عبد الحكم القصاص.

في كل جرح ولو كان متلفا إلا ما خصصه الحديث عنه من الجائفة والمأمومة وقال ربيعة: القصاص عموما ولم يستثن وحيث لا قصاص فلابد من الأدب قاله في المدونة. (ولا تحمل العاقلة قتل عمد ولا اعترافا به): قال الفاكهاني: روينا ولا اعتراف بغير تنوين والصواب تنوينه وكذلك هو في بعض النسخ، واختلف في المقر بالخطأ على خمسة أقوال: فقيل تكون الدية في مال المقرر وحده، وقيل: على العاقلة بقسامة في رواية ابن القاسم، وأشهب، وكلاهما في المدونة في كتاب الصلح، وقيل: تسقط الدية مطلقًا حكاه عبد الوهاب، ونجوه حكاه ابن ميسر عن ابن وهب، وابن القاسم. وقيل: تقسط عليه، وعلى العاقلة فيلزمه منها ما يخصه، ولا يلزم العاقلة شيء حكاه ابن الجلاب عن رواية ابن وهب، وهو قول ابن دينار وغيره وفي المدونة في كتاب الديات إن اتهم أنه أراد غناء ولد المقتول كالأخ والصديق ولم يصدق، وإن كان من الأباعد صدق إن كان ثقة مأمونا ولم يخف أن يرشي على ذلك، وأطال عياض رحمه الله الكلام عليها في كتاب الصلح، وحصل فيها ستة أقوال وهو أحسن من تكلم عليها. (وتحمل من جراح الخطأ ما كان قدر الثلث فأكثر، وما كان دون الثلث ففي مال الجاني): ما ذكر الشيخ هو مذهبنا خلافًا للشافعي في قوله تحمل القليل، والكثير إلى غير ذلك من المذاهب. (وأما المأمومة والجائفة عمدًا فقال مالك ذلك على العاقلة، وقال أيضًا: إن ذلك في ماله إلا أن يكون عديما فتحمله العاقلة؛ لأنهما لا يقاد من عمدهما وكذلك ما بلغ ثلث الدية مما لا يقاد منه؛ لأنه متلف): ما ذكر الشيخ من القولين كلاهما في المدونة والذي رجع إليه مالك منهما هو القول الأول. قال ابن القاسم فيها: وبه أقوال. قال الفاكهاني: ترك الشيخ قولاً ثالثًا لمالك أيضًا أنها تكون في ماله وليس على العاقلة شيء، وإن كان عديما وذكره ابن الجلاب. قلت: وذكر ابن زرقون هذه الروايات أيضًا وعزا ابن هارون هذا القول لظاهر ديات المدونة. (ولا تعقل العاقلة من قتل نفسه عمدًا أو خطأ): ما ذكر هو مذهبنا وقال الأوزاعي من أخذ يضرب بسيفه في العدو فأصاب

نفسه فعلي عاقلته الدية ونحوه عن احمد بن حنبل رضي الله عنه وروي أن رجلاً فقأ عين نفسه خطأ فقضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بديتها على عاقلته، وقال أصابته يد من أيدي المسلمين وقال الفاكهاني: لا أعرف من خالف في الخطأ سوى الأوزاعي. (وتعاقل المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل فإذا بلغتها رجعت إلى عقلها): قال في المدونة: في كتاب الجراحات: والمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديته فإذا بلغت إلى ذلك رجعت إلى عقل نفسها، وقصد بقوله: تعاقل أي تساوي قال فيها: وتفسير ذلك أن للها في ثلاثة أصابع، ونصف أنملة أحدا وثلاثين بعيرا وثلثي بعير وهي والرجل في ذلك سواء إن أصيب منها ثلاث أصابع وأنملة رجعت إلى عقلها وكان لها من ذلك ستة عشر بعيرًا وثلث بعير ونحوه في الموطأ قال ربيعة لابن المسيب لما عظم جرحها واشتدت بليتها نقص عقلها قال أعراقي أنت؟ قلت: بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال: هي السنة يا ابن أخي وظاهر لفظه هذا يدل على أنه أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم. (والنقر يقتلون رجلاً فإنهم يقتلون به):

النقر والنفير عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة قاله الفاكهاني عن أهل اللغة، وظاهر كلام الشيخ ولو كثروا جدًا وهو كذلك ويعني سواء باشروا القتل كما لو جرحه كل واحد جرحا أو ضربه كل واحد سوطًا وهم قاصدون قتله أو باشر بعضهم القتل والباقون بحضرته. واختلف قول ابن القاسم إذا أنفذ رجل مقاتل رجل وأجهز عليه آخر فقال مرة في سمع يحيى يقتل الأول ويعاقب الثاني، وقال مرة في سماع أبي زيد بعكسه، وبالأول قال أشهب، وأختاره غير واحد كابن رشد قال ابن عبد السلام، ولكن قد يلزم عليه أمور شنيعة وهو أنه إذا كان يتعين على الأول القصاص لأنه هو الذي قتله حقيقة فهو من حينئذ كالميت فلا تجوز وصاياه، وقد ذهب إلى ذلك أصبغ، وهو خلاف ما أجمع عليه الصحابة، ويلزم أن لا يخاطب بالصلاة إلى ذلك، وقد أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصلى على تلك الحالة وأنفذ المسلمون وصاياه وأشار إلى لزوم الصلاة له حينئذ بقوله: ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وأشار بعض الشيوخ يعنى به ابن رشد إلى أنه لو قيل بقتلهما معًا ما كان بعيدًا. قال ابن شاس، واختلف المذهب إذا حفر رجل حفر لشخص معين لكي يقع فيها فوقف الرجل على شفيرها فرداه آخر فقال القاضي أبو الحسن يقتلان معًا للاعتداء، وقال القاضي أبو عبد الله بن هارون البصري يقتل المردي دون الحافز تغليبًا

للمباشرة. قلت: قال بعض شيوخنا: الأظهر أن علم المردي بتقدم فعل الحافر وقصده قتلا معًا كبينة الزور مع القاضي العالم بزورها وإلا قتل وحده على رواية ابن القاسم في بينة الزور. واختلف في قتل الأب إذا أمر ولده الصغير بالقتل وفي قتل المعلم على قولين، وكذلك القولان في السيد يأمر عبده وسواء كان العبد صغيرا أو كبيرا، وقيل: الفرق بين أن يكون العبد فصيحا فيقتل به، وبين أن يكون أعجميا فلا يقتل به، رواه ابن وهب عن مالك، ويقتل العبد إذا كان بالغاء اتفاقًا، وكذلك اتفق المذهب لو قتل بعض أعوان الإمام رجلاً ظلما بأمر الإمام على قتلهما معًا. (والسكران إن قتل قتل): يقوم من كلام الشيخ من باب أحرى أن طلاقه يلزم وهو كذلك قال في المدونة: في كتاب الأيمان بالطلاق، ويلزم السكران طلاقه وخلعة وعتقه، وإن قتل قتل به فأطلقه غير واحد كابن يونس، وقال ابن رشد في النكاح الأول من بيانه السكران على قسمين طافح ونشوان فأما الطافح فهو الذي لا يميز بين الذرة والفيل، ولا يميز بين الرجل والمرأة فحكمه حكم المجنون غير أنه اختلف هل يقضي الصلاة أم لا؟ وأما النشوان فهو الذي معه شيء من التمييز ففيه أربعة أقوال: الأول: لا يلزمه شيء قاله ابن عبد الحكم. الثاني: يلزمه كل شيء قاله ابن نافع. الثالث: تلزمه الأفعال دون الأقوال قاله الليث. الرابع: تلزمه الجنايات والطلاق والعتاق والحدود ولا تلزمه الإقرارات ولا العقود قاله مالك، ومثل له سلك ابن رشد، في أن الطافح لا يلزمه شيء باتفاق إلا في الصلاة ففيه اختلاف سلك أبو الوليد الباجي رحمه الله تعالى، ولم يتعرض للخلاف في الصلاة ولذلك تعقب على ابن الحاجب في قوله، وقال الباجي: المطبق به كالمجنون اتفاقًا إلا في الصلاة، وظاهر كلام غيرهما لا فرق بين الطافح وغيره؛ لأنه أدخله على نفسه اختيارًا وذلك يناسب عدم التفصيل، ولو تعرض السكران إلى الجانب العلي أسال الله السلامة من ذلك فقال شيخنا أبو مهدي رحمه الله يلزمه حكم ما لفظ كغيره ولا يختلف فيه لحرمة الجانب العلي، وقال بعض من أدركناه من مشايخنا من القرويين: لا فرق بين هذه المسألة وغيرها على ظاهر كلام ابن رشد، وغيره، وهو الباجي فيختلف فيها.

قلت: ونص الشيخ أبو الحسن القابسي على أنه يقتل وقبله عياض في الشفاء. (وإن قتل مجنون رجلاً فالدية على عاقلته): خرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبي حتى يحتلم". قال ابن عبد السلام: وهذا الحديث قوي في الحجة لما في كتاب ابن المواز، وإن ما أصابه الجنون المطبق والصبي هدر من الدماء، والأموال، ولو قتل المجنون في حالة إفاقته فهو كالصحيح يقتص منه نص على ذلك في المدونة، ولو أشكل على البينة أقتل في حال عقله أو جنونه، فقال بعض من لقيناه: لا يلزمه شيء، وهو صواب. وقال شيخنا أبو مهدي رحمه الله معتلا بأنه شك في المقتضى لأن الحاكم لا يحكم عليه إلا بعد أن تشهد البينة أنه قتله في حال كونه في عقله. قال الشيخ أبو محمد في المجموعة لابن القاسم: ما جنى المجنون في حال إفاقته من حد أو قتل فلم يقم عليه حتى جن أخر لإفاقته الحد والقصاص فإن أيس من إفاقته وقد قتل كانت الدية عليه في ماله، وقال المغيرة: يسلم إلى أولياء المقتول فيقتلونه إن شاءوا. (وعمد الصبي كالخطأ وذلك على عاقلته إن كان ثلث الدية فأكثر وإلا ففي ماله): ما ذكر مثله في المدونة وذلك في جناياتها وإذا جنى الصبي أو المجنون عمدًا أو خطأ بسيف أو غيره فهو كله خطأ تحمله العاقلة إن بلغ الثلث وإن لم يبلغ ففي ماله يتبعه به دينًا في عدمه والحكم ما تقدم إن كان مميزا باتفاق، وأما غير المميز فقال ابن الحاجب فقيل: المال في ماله والدية على عاقلته، وقيل: المال هدر كالمجنون وقيل: كلاهما وتقدم في الغصب اعتراض ابن عبد السلام ورده بعض شيوخنا عليه. واختلف المذهب إذا اشترك بالغ عاقل في قتل رجل مع صبي وشبهه كالمجنون على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يجب على البالغ نصف الدية. الثاني: القصاص بعد أن يقسم ولاة المقتول أنه من ضربه مات في الحال وبعد أن طال. الثالث: أنه مات في الحال قتل هذا البالغ من غير قسامة كما لو انفرد ولو مات

المقتول بعد طول قتل بقسامة وكل من شاركه يجب على عاقلته نصف الدية، وهذه الثلاثة الأقوال ذكرها ابن الحاجب مطلقًا. وقال ابن يونس في قول المدونة في قتل رجل وصبي رجلاً عمدًا يقتل الرجل ما نصه يريد إذا تعمدًا جميعا قتله وتعاونا عليه كما لو لم يباشر قتله إلا الصبي والرجل معين له حتى لو كان رجلان لقتلا معًا فحينئذ يجب قتل الرجل وإلا لم يقتل الرجل عند ابن القاسم كما لو كانت من رمية الصبي خطأ واللخمي نحوه، ولم يفرق ابن حارث بين معرفة ضربة غير المتعمد وجهلها، وهو ظاهر المدونة. وقال اللخمي: إن افترق ضربهم وعملت ضربة كل واحد منهم ولم يقصدوا التعاون فلهم أن يقسموا على بعض الضربات لمات منها ويثبت القود والدية على العاقلة ثم استمر في كلامه فانظره. (وتقتل المرأة بالرجل والرجل بها ويقنص لبعضهم من بعض في الجراح): ما ذكر هو مذهبنا وذهب علي والحسن وعثمان رضي الله عنهم إلى أن أولياء المرأة إن قتلوا الرجل أدوا نصف الدية، وإن لم يقتلوا أخذوا ديتها الخيار لهم في ذلك. (ولا يقتل حر بعبد ويقتل به العبد): ما ذكر من أنه لا يقتل حر بعبد هو مذهبنا أيضًا وسواء كان قنا أو فيه عقد حرية من مكاتب، وأم ولد ومدبر ومعتق إلى أجل. وقال أبو حنيفة ك يقتل الحر بالعبد وبالمكاتب الذي لم يترك وفاء ولا يقتل بالمكاتب الذي يترك وفاء ولابد من أن يكون هذا العبد ملكا لغير القاتل عنده. وقال النخعي: يقتل بعبد نفسه، قال الباجي وقولنا هو إجماع الصحابة رضوان الله عليهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وابن عباس والزبير وزيد بن ثابت، ولا مخالف لهم وما روي من خلافه عن ابن مسعود فمرسل واتفقوا على أن العبد يقتل بالحر. قال في جنايات المدونة فإن استحياه الولي خير السيد في إسلامه أو فدائه بالدية، وكذلك يخير في فدائه بالدية في قتله خطأ. (ولا يقتل مسلم بكافر ويقتل به الكافر): تقدم أن المسلم يقتل بالكافر في الغيلة فما ذكره الشيخ مخصوص بذلك، وما ذكره هو مذهبنا وبه قال الشافعي والثوري وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وداود وغيرهم. وقال أبو حنيفة: يقتل المسلم بالكافر، وبه قال ابن أبي ليلي، وهو قول عمر بن

عبد العزيز، والشعبي، وغيرهما. واحتج أهل المذهب بما في الصحيح عن على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يقتل مسلم بكافر" واحتج الآخرون بما خرجه أبو داود في المراسيل عن عبد الله بن عبد العزيز الحضرمي، قال: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خبير مسلمًا بكافر قتله غيلة، وقال: " أنا أولى وأحق من أوفى بذمته" قيل: وهو ضعيف السند مع ما يرد عليه من القول بالوجوب على أصل مذهبنا في إلحاق قتل الغيلة بالحرابة واحتج بعض الحنفية بقوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) [البقرة: 178] ، وهو لفظ عام في كل قتل. وأجابه الفاكهاني بأن الكاف والميم في قوله تعالى: (كتب عليكم) [البقرة: 178] خطاب للمؤمنين بلا خلاف أعلمه فلم يدخل الكافر في عمومه، ولأن الله تعالى ربط آخر الآية بأولها، فقال: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر) [البقرة: 178] إلى آخر الآية فإذا نقص العبد عن الحر بالرق وهو من آثار الكفر فأحرى أن ينقص عنه الكافر، ولأن الله تعالى قال: (فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف) [البقرة:178] ولا مداخلة بين المسلم والكافر فدل على عدم دخوله في هذا العموم والله أعلم. (والسائق والقائد والراكب ضامنون لما وطئت الدابة وما كان منها من غير فعلهم أو وهي واقفة لغير شيء فعل بها فذلك هدر): قال في المدونة: ما أهلكت الدابة بيدها أو رجليها وعليها مؤخر ومقدم فعلي عاقلة المقدم إلا أن يحركها المؤخر فعليها إلا أن يعجز المقدم عن ردها فعلى المؤخر فقط. واعلم أنه اختلف المذهب فيها إذا كان رجل راكبًا دابة وطارت حصاة من تحت حافرها فكسرت آنية مثلاً فقال الأشبيلي: هو ضامن لذلك، وقال ابن زرب: لا يضمن، وذهب بعض المتأخرين إلى الأول إن طارت بطرف حافرها، وإلى الثاني إن طارت من تحتها، ونص غير واحد كابن شاس أن الميزاب إذا سقط على شيء فأهلكه

فإنه هدر، وهو نص المدونة في كتاب الديات، وقيده بعضهم بما يأتي. واختلف المذهب في الجدار المائل إذا وقع على شيء فأهلكه فقال أشهب: يضمن صاحبه سواء تقدم إليه أم لا إذا بلغ الحائط ما يجوز تركه وكذلك لو تقدم إلى السلطان في هدم حائط على حسن النظر للرعية فهو ضامن. وأما نهي الناس وإشهادهم فليس بلازم له وقيل: إن أنكر رب الحائط ما قيل من ميل الحائط فههنا يحتاج إلى التقديم إليه، وإن أقر بأن حائطه مخوف فههنا ينفع الإشهاد عليه دون الحكم قاله بعض فقهاء القرويين وكلاهما نقله ابن يونس، ومذهب المدونة أنه لا يضمن حتى يشهد عليه. قال ابن عبد السلام: ومعناه من القاضي ولا ينفع إشهاد غير القاضي أو من له النظر في ذلك، وإن كان ظاهر المدونة عندهم أن الإشهاد من غير القاضي كاف في ذلك، وأشار ابن شاس إلى أن هذا الكلام إنما هو مقصور على الميل الحادث في الجدار الذي بني مستقيما ولو بني مائلا فربه يضمن بالإطلاق، وفي المدونة في كتاب كراء الدور والأرضين إذا ربط دابته على باب الدار فحرنت فكسرت أو قتلت ولدرب الدار فذلك جبار كقول مالك فيمن نزل عن دابته وأوقفها بالطريق لشراء حاجته أو أوقفها لباب المسجد أو الجامع: قال أبو حفص العطار: إن كان يعلم أنها تضرب برجلها فهو ضامن كمتخذ الكلب العقور حيث لا يجوز له يضمن وإن لم يتقدم إليه، وإنما يحتاج على التقديم إذا كان في داره فأما في الطريق فهو ضامن. (وما مات في بئر أو معدن من غير فعل أحد فهو هدر): دليله قوله صلى الله عليه وسلم: " البئر جبار والمعدن جبار"، وقال أهل اللغة: الجبار الهدر يقال: ذهب دمه جبارا قال التادلي: ويريد الشيخ إذا حفره في موضع يجوز له وإلا فهو ضامن. (وتنجم الدية على العاقلة في ثلاث سنين وثلثها في سنة ونصفها في سنتين): قال ابن عبد السلام: كانت الدية في الجاهلة تحملها العاقلة فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام وكانوا يتعاقلون بالنصرة فجرى الأمر على ذلك حتى فعل عمر الديون اتفق القول بذلك. والعاقلة هي العصبة والموالي الأعلون وبيت المال لا سيما إذا قلنا: إنه وارث

والمحالف ليس منها، وفي الموالي الأسفلين قولان: قال ابن المواز: أجمع العلماء على أن الموالي من الأسفلين لا يعقلون مع من أعتقهم وهو معني قول ابن القاسم. قال ابن رشد وقاله سحنون وليس قول ابن المواز بصحيح بل يعقلون معهم على سماع أصبغ، وابن القاسم هذا ومثله لابن كنانة في المدونة وفي كتاب الجنايات من المدونة، وهو قوله في المبتل في المرض إذا لم تكن لسيده أموال مأمونة إن جنايته جناية عبد لأن العاقلة لا تحمل له جريرة حتى يحمل هو مع العاقلة ما لزم العاقلة من الجرائر، وهذا الأخذ من المدونة سبقه به ابن حارث. قال بعض شيوخنا: وفيه نظر لاحتمال أن يريد بالعاقلة عاقلة قومه أو عشيرته لا عاقلة معتقه. قال ابن شاس: وفي دخول الجاني في التحمل روايتان وتبعه ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون، وهو خلاف قول الباجي ويؤدي الجاني مع العاقلة قاله مالك، ومن أصحابنا من قال: هذا استحسان وليس بقياس فمقتضى عزوه عدم دخوله لبعض الأصحاب أنه لا يحفظه رواية وعبر عنه اللخمي بقوله: وقيل: لا يدخل ويبدأ بالفخذ ثم البطن ثم العمارة ثم العصابة ثم القبيلة ثم أقرب القبائل فإن لم تكن عصبة فالموالي فإن لم يكونوا فبيت المال إن كان الجاني مسلمًا وإن كان ذميا فأهل إقليمه من أهل دينه ثم يضم الأقرب الذي من كورهم ولا تضرب على فقير ولا على مخالف في الدين ولا على عبد ولا صبي ولا امرأة. وقول الشيخ ونصفها في سنتين هو قول مالك وعنه يجتهد في ذلك وكلاهما في المدونة. (والدية موروثة على الفرائض): قال الفاكهاني: هذا بلا خلاف أعلمه فيغير دية الجنين كما سيأتي. (وفي جنين الحرة غرة أو وليدة تقوم بخمسين دينارا أو ستمائة درهم وتورث على كتاب الله تعالى): والأصل في ذلك قضاؤه صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة فيما رواه البخاري ومسلم عن المغيرة، والرواية الصحيحة التي عليها الجمهور بالتنوين دون الإضافة وعبد بدل منه وذكر صاحب مطالع الأنوار: التنوين والإضافة نقله الفاكهاني. ويعني الشيخ أن من ضرب حرة فألقت جنينا ميتا فإنه يلزمه دفع عبد أو أمة وهو معنى قوله غرة عبد أو وليدة إلا أن العلماء اختلفوا هل لفظة الغرة الواقعة في

الحديث بسبب اللغة زيادة على ذلك أم لا؟ فالمعلوم من مذهبنا أن ليس لها زيادة وإنما المراد بالغرة النسمة، وبه قال كثير من أهل العلم، ومنهم من قال بل هي مأخوذة من غرة الفرس، فلابد من عند من ذهب إلى هذا أن تكون من البيض أو تكون مأخوذة من الغرة بمعني الخيار والأحسن لأن الغرة عند العرب أحسن ما يملك واستحب مالك هذا الوجه، ولم يره على الوجوب. وقال ابن عبد البر: يشترط أن تكون من البيض لا من السود؛ لأن أصل الغرة البياض الذي في الوجه قال: ولولا النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معني زائدا على شخص العبد والأمة لما ذكره، واعترضه الفاكهاني بأن قال: ما ذكره لا يلزم لأنه صلى الله عليه وسلم عبر عن الجسم كله بالغرة، وهو كقوله عتق رقبة قاله الجوهري في صحاحه. قال ابن عبد السلام: ولم أر لأحد من أهل العلم حدا في سن الغرة، وقال الشافعي أقلها سبع سنين. فيها وفي الحيوان وقد أكثر الشيوخ الاعتذار عنه وكذلك حكى بعض الحنفية عن مالك وجوب الشفعة هذا خلاف قول ابن رشد في مقدماته وذلك أنه لما ذكر قول الشافعي ووجهه يكون لا يفرق بينهما وبين أمها دون هذا السن قال، وهذا مما لا يختلف فيه إلا ما استحسنه مالك من أن تكون قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم وخلاف عزو ابن عبد البر قول الشافعي لبعضهم معه والمذهب أن ليس عليه أن يقبلها معيبة ولابد من أن تكون الغرة تساوي ما ذكره الشيخ، وإلا لم يجبر على أخذها نص على ذلك في المدونة. قال اللخمي: وليس ببين لأنه عليه أفضل الصلاة والسلام إنما أوجب الغرة من غير اعتبار القيمة وأثمان العبيد تختلف في البلدان وتختلف أثمانها في الأسواق وظاهر كلام الشيخ ولو تعددت الغرة تعدد ما ذكر وهو كذلك. قال ابن عبد السلام: انظره مع المصراة وظاهر كلامه أيضًا ولو قصد إلى ضربها عمدًا وهو كذلك في قول أشهب وجعلها ابن الحاجب المشهور. وقال ابن القاسم في المدونة والمجموعة إن تعمد الجنين بضرب بطن أو ظهر فالقود بالقسامة وألحق أبو موسي بن مناس ضرب الرأس بالبطن بخلاف ضرب الرجل وشبهها. واختلف المذهب هل الغرة على الجاني أو على العاقلة فقيل عليه، وهو المشهور، وقال اللخمي: وروى أبو الفرج عن مالك أنها على العاقلة، وهذا الخلاف في

الخطأ إذا لم يبلغ ثلث الدية، وأما إذا بلغ ثلث دية الجاني فتكون الغرة على العاقلة، وفي المدونة وتورث الغرة على فرائض الله تعالى. قال الباجي: قال ابن حبيب، وبه قال أصحاب مالك، وقال ربيعة: هي للأم فقط، وقال ابن هرمز هي للأبوين فإن انفرد أحدهما اختص بها وقاله مالك مرة ثم رجع إلى الأول وبقول ابن هرمز قال المغيرة. قلت: وعزا ابن رشد في المقدمات قول المغيرة لابن دينار، وعبد العزيز بن أبي سلمة. (ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية وقاتل الخطأ يرث من المال دون الدية): ما ذكر الشيخ من أن قاتل العمد لا يرث من المال، ولا من الدية زعم بعض الشيوخ أنه مجمع عليه من سائر العلماء وقبله ابن عبد السلام ورد بنقل الفاكهاني عن شيخه أبي محمد الغمري الفرضي عن بعض العلماء أنه يرث في العمد والخطأ ويجاب بأن الواحد لا ينقض الإجماع، ومذهبنا أنه لا يحجب وقيل خارج المذهب أنه يحجب وما ذكر الشيخ في الخطأ هو قولنا وقال الشافعي: لا يرث من المال ولا من الدية، وخرج أو داود في المراسيل عن ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرث قاتل عمد ولا خطأ شيئًا من الدية" وخرج الدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم فتح مكة فقال: " لا يتوارث أهل ملتين وترث المرأة من دية زوجها وماله، وهو يرث من ديتها ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه لم يرث من ديته وماله شيئًا، وإن قتل أحدهما صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته". ورواه محمد بن سعيد عن عمرو بن شعيب قال: أخبرني أبي عن جده قال عبد الحق عن محمد بن سعيد أظنه المصلوب وهو متروك الحديث عند الجميع قال الحوفي: وقاتل العمد والخطأ يرثان الولاء. قلت: قال بعض شيوخنا، وقاله عبد القهار، ونقله عن المذهب وهو وهم، قال أصبغ: لا يرث قاتل العمد الولاء. قال ابن رشد: لا خلاف فيه لأحد من أصحاب مالك، وفيه نظر إذ لا يصح إلا على القول بإرث الولاء كالمال يستحقه الأقرب للميت لا للمعتق، وقياس قول

الجمهور: إرث قائل العمد الولاء إن مات المولي بعد مدة لا يمكن أن يحيا إليها القتيل لو لم يتقل وإلا اتهم على إرث الولاء. قلت: قال بعض شيوخنا: ويلزم مثله في النسب كقتل أخ لأب أحد أخويه الشقيقين، ومات الآخر لمدة لا يحيا إليها القتيل نعم لو قتل المولي والمعتق مشرف على الموت اتهم. (وفي جنين الأمة من سيدها ما في جنين الحرة): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وكذلك جنين النصرانية من زوجها العبد المسلم. قال اللخمي: ولأشهب في كتابه أن فيه عشر دية أمه، ولو كان زوج النصرانية مجوسيا كان فيه قولان هل فيه أربعون درهما على حكم الأب أو فيه عشر دية أمة ولو ذكر الشيخ هذه المسألة والتي بعدها عقب مسألة الغرة لكان أحسن لأنها منها. (وإن كان من غيره ففيه عشر قيمتها): ما ذكر الشيخ هو المشهور، وقيل: إنما يلزمه ما نقصها كالبهيمة قاله ابن وهب وظاهر كلام الشيخ فيما ذكر سواء زاد على الغرة أو نقص كان أبوه حرًا أو عبدًا وهو كذلك نقله الباجي من رواية ابن نافع، وأما جنين الكتابية فهو على النصف من دية الحرة لما تقدم أن ديته على النصف من دية الحر المسلم. (من قتل عبدًا فعليه قيمته): ظاهر كلامه: وإن بلغت القيمة دية الحرة أو زادت وسواء كان القتل عمدًا أو خطأ وهو كذلك قال في أول الديات من المدونة: وعلى قاتل عبيد أهل الذمة قيمتهم ما بلغت كعبيد المسلمين وإن كانت القيمة أضعاف الدية، وقال أبو حنيفة: ما لم تبلغ دية الحر فينقض منها عشرة دراهم. (وتقتل الجماعة بالواحد في الحرية والغيلة وإن ولي القتل بعضهم): لا خصوصية لما ذكر بل وكذلك في غير الحرابة والغيلة كما تقدم إلا أن يريد بتحتم القتل في هذين ولا يصح العتق بخلاف غيرهما على أنه قد سبق له، وقتل الغيلة لا عفو فيه والله أعلم بمراده. (وكفارة القتل في الخطأ واجبة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ويؤمر بذلك إن عفي عنه في العمد فهو خير له): لا يقال: إن ظاهر كلام الشيخ: أولاً: دل من باب أحرى على أن الكفارة تجب في العمد وهو مناقض لقوله.

ثانيا: ويؤمر بذلك إن عفي عنه في العمد فهو خير له، وذلك كالنص في الاستحباب؛ لأنه معنى يوجب القتل فلم يوجب كفارة، ولأن قتل المؤمن عمدًا أعظم من أن يكفر قال الأبهري: ألا تري أن الكبائر لا كفارة فيها كعقوق الوالدين. وقال الشافعي: تجب الكفارة كالخطأ وما ذكر الشيخ هو كذلك بإجماع لأنه بنص التنزيل قال تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطئًا) [النساء: 92] الآية، ويشترط في الرقبة ما تقدم في الأيمان والظهار من كونها سليمة من العيوب ومن الشركة فيها إلى غير ذلك. قال ابن الجلاب: ومن لم يستطع الصوم فإنه ينتظر القدرة على العتق أو الصيام، ولا يجزئه الإطعام. واعلم أن الكفارة المذكورة تجب في مال الصبي والمجنون نص على ذلك ابن شاس وتبعه ابن الحاجب، وقال بعض شيوخنا: ما ذكر ابن شاس واضح كالزكاة، ولم أجده لغيره من المذهب نصًا بل في وجيز الغزالي. قلت: وقبله ابن عبد السلام ووجه ذلك بكون الكفارة عوضًا عن النفس فأشبهت أعواض المتلفات ومرضه بقوله إن كان هناك دليل شرعي من إجماع وغيره يجب له التسليم فحسن وإلا فمقتضى النظر سقوطها عنهما وردها إلى خطاب التكليف وقد جعل الشرع عوضًا عن الرقبة الصيام الذي هو من خطاب التكليف، قال شيخنا أبو مهدي رحمه الله، لما نقلت له كلام ابن عبد السلام هذا بقوله أقوال: واختلف قول مالك هل تجب الكفارة في شبه العمد أم لا؟ على قولين ذكرهما ابن الحاجب، وفي استحبابها في الجنين روايتان أيضًا ذكرهما غير واحد والأولي منهما هو مذهب المدونة قال فيها قلت: من ضرب امرأة خطأ فألقت جنينا ميتا أعليه كفارة؟ قال: قال مالك: إنما الكفارة في كتاب الله في قتل الحر خطأ واستحسن مالك الكفارة في الجنين. فإن قلت: ما بال أبي سعيد البراذعي اختصرها سؤالا وجوابًا على ما هي في الأم وعادته أن لا يفعل ذلك إلا لمعني من المعاني فما هو هذا المعنى؟ قلت: قال بعض شيوخنا: لإشكال الجواب لعدم انحصار طرق الأحكام في نصوص القرآن. (ويقتل الزنديق ولا تقبل توبته، وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام): ما ذكر هو المشهور، وقال ابن زرقون في المبسوط: قال المخزومي، وابن أبي

حازم ومحمد بن مسلمة: لا يقتل من أسر دينًا حتى يستتاب والإسرار والإظهار في ذلك سواء. قلت: وبه قال ابن لبابة قياسًا على المرتد؛ لأنه من الذين كفروا فيعتبر في معرفة انتهائه عن الكفر في إقراره بالإسلام؛ لأنه غاية المقدور في ذلك واحتمال بقائه على مذهب الكفر لا يمنع من إجراء حكم الإسلام عليه إذ قيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأجاب بقوله: " فهلا شققت على قلبه"، وظاهر كلام الشيخ: ولو جاء تائبا، وهو كذلك نقله ابن شاس عن بعض المتأخرين وقال المتيطي: تقبل توبته. قال غير واحد، وهو مقتضى قول سحنون في شاهد الزور: إنه إذا جاء تائبًا لا يعاقب، وقال ابن الحاجب: الأصح قبوله وارتضاه ابن عبد السلام معبرا عنه بالصحيح لقوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) [الأنفال:38] ولو تزندق يهودي أو نصراني فقال أصبغ: لا يقتل؛ لأنه خرج من كفر إلى كفر وقاله مطرف، وابن عبد الحكم. وروي عن مالك، وقال ابن الماجشون: بل يقتل؛ لأنه دين لا يقر عليه، ولا تؤخذ عليه الجزية، قال ابن حبيب: لا أعلم من قاله غيره، ولا أقول به. قال الباجي: يحتمل أن يريد بالزند هنا الخروج إلى غير شريعة مثل التعطيل ومذاهب الدهرية، وحكى الشيخ عن ابن أبي محمد عن أبي بكر بن محمد، قال: روى عبد الرحمن بن إبراهيم الأندلسي في النصراني أو اليهودي يتزندق أنه يقتل؛ لأنه خرج من ذمة إلى ذمة، ولو أسلم لقتل كمسلم تزندق ثم تاب. وعزا الفاكهاني قول ابن الماجشون لنقل مكي في تذكرته. واعلم أن في كلام الشيخ تقديم التصديق على التصور، وقد علمت ما فيه. (وكذلك الساحر، ولا تقبل توبته): ما ذكر الشيخ مثله حكي القاضي عبد الوهاب أنه لا يستتاب وحمله عليه قول مالك، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ هو كالزنديق من كان للسحر والزندقة مظهرًا استتيب وكلاهما ذكره الباجي. وروى ابن نافع عن مالك في المبسوط في المرأة تقر أنها عقدت زوجها عن نفسها أو عن غيرها من النساء أنها تنكل، ولا تقتل ولو سحر نفسه لم يقتل بذلك وقبله الشيخ أبو محمد وغيره. وقال بعض شيوخنا: الأظهر أن فعل المرأة سحر، وأن كل فعل ينشأ عنه حادث

في أمر منفصل عن محل الفعل سحر. وفي الموازية من لم يباشر عمل السحر أو جعل من يعمله فإنه يؤدي أدبًا شديدا وفيها أيضًا في الذي يقطع أذن المرأة أو يدخل السكاكين في جوف نفسه إن كان سحرًا قتل به، وإن كان خلافه عوقب. قال الشيخ شهاب الدين القرافي في كتاب الانتقاد في الاعتقاد: من اعتقد أن هاروت وماروت بالهند يعذبان على خطيئاتها فهو كافر بل هم رسل الله وخاصته يجب تعظيمهم وتوقيرهم وتنزيههم ومن لم يعتقد ذلك وجب إراقة دمه. وقبله الفاكهاني وهو الحق الذي لاشك فيه وعليه الأكثرون وكذلك قال به بعض شيوخنا القرويين واشتد نكيره على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى في في كلامه فيهما بما يقتضي ذلك وتعرض للملائكة بكلام شنيع فظيع لا يقدر أحد على سماعه ذكره في كتابه المسمى بالدرياق في أوائله فاحذر من قراءة ذلك المحل منه، والميل لجميع ما دل عليه مما ذكرناه وكان إنكار شيخنا لما ذكرنا لما قرأته عليه في درسه في حال صغرى بالقيروان بمحضر الطلبة. وبعض العوام فهم أن يسكتني فتماديت إلى أن فرغت الدولة فقال: ما أشك أن هذا الكلام كفر فالعجب من الشيخ رحمه الله تعالى، وكذلك قرأته بجامع القصبة من تونس في حال كتبي لهذا الموضع على شيخنا أبي مهدي رحمه الله تعالى خاليا عن الناس فأنكره أشد إنكار وتفجع على الشيخ رحمه الله، وقال: لم أزل أسمع أن أهل بغداد تكلموا فيه فلعل هذا المحل هو الموجب لكلامهم أو هو أحد الموجبات قال أصبغ: ولا يقتل الساحر حتى يثبت أن ما فعله من السحر الذي وصفه الله تعالى بأنه كفر قال: ويكشف عن ذلك من يعرف حقيقته. قال الباجي: يريد ويثبت ذلك عند الإمام وقد استصوب بعض المتأخرين كلام أصبغ هذا، وحكاه الطرطوشي عن قدماء الأصحاب، واستشكل قول مالك أن تعلمه وتعليمه كفر وكذلك استشكل جواب من أجاب عن ذلك الإشكال بأن السحر علامة على الكفر فقال: لا إنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا. قال ونحن نعلم أن حال الإنسان في تصديقه لله ولرسوله بعد عمل هذه الأعمال كحاله قبل ذلك وإن أراد الخاتمة فمشكل لأنا لا نكفر في الحال بكفر واقع في المال. قلت: ولم يتعرض الشيخ رحمه الله لتبيين السحر، ولعل ذلك لصعوبته عنده، والله أعلم.

وقال ابن العربي في أحكامه هو كل كلام مؤلف يعظم فيه غير الله عز وجل وتنسب إليه المقادير والكائنات وقبله الفاكهاني. (ويقتل من ارتد إلا أن يتوب): الأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه" وروي "فاضربوا عنقه" خرجه البخاري ومسلم. (ويؤخر للتوبة ثلاثًا وكذلك المرأة): اختلف قول مالك رحمه الله تعالى هل يؤخر ثلاثة أيام أم لا؟ فقيل: يؤخر وهو المشهور وقيل: يستتاب في الحال رواه ابن القصار والقول الأول مروي عن عمر رضي الله عنه على ما تضمنه حديث الموطأ، وعلى هذا القول فظاهر كلامهم أن التأخير واجب. وقول التادلي اختلف فيه فقيل واجب وقي: مستحب لا أعرفه وعليه فلا يجوع ولا يعطش وكذلك لا يعاقب إن تاب؛ لأن في عقوبته تنفيرا له عن الإسلام، وليس في استتابته تخويف خلافًا لأصبغ بالقتل. قال الفاكهاني: وقول الشيخ وكذلك المرأة إشارة إلى خلاف أبي حنيفة في ذلك مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تقتل المرأة " ونقل عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا تقتل المرأة بل تسترق وقاله جماعة ودليلنا الحديث المتقدم. (ومن لم يرتد وأقرب بالصلاة، وقال: لا أصلي أخر يمضي وقت صلاة واحدة فإن لم يصلها قتل): اختلف المذهب هل المراعى الوقت الضروري وهو المشهور والمختار، وهو قول نقله ابن خويزمنداد. قال ابن بشير وهو بعيد جدًا لأن التأخير إلى ذلك الوقت لا يحرم فكيف يراق به دم وتأخيره مكروه فقط، وعلى القولين فهل تقدر العصر مثلاً بكمالها أو بمقدار ركعة فقط في ذلك قولان. قال اللخمي: ولا تعتبر قراءة الفاتحة للخلاف. قال المازري: ولا الطمأنينة، واختلف هل يقتل بالسيف ناجزا أم لا؟ فقيل بذلك قاله في سماع أشهب وقيل: بل بالطعن نخسًا لأن المطلوب رجوعه إلى الإسلام قاله بعض المتأخرين والأكثر على أنه يقتل حدا لا كفرا. وقال ابن حبيب بل كفرا واختاره ابن عبد السلام ثم قال وعلى تسليم أنه ليس

بكافر فالأقرب قول أبي حنيفة أنه لا يقتل ولمتأخري أهل المذهب صوغ إلى ذلك إذ الأصل بعد الحكم بالإسلام حقن الدماء. قال صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" قال: وهذا الحديث وإن كان مخصوصًا يعني بالمحارب وشبهه فلا يضر ذلك في الاستدلال به في غير محل التخصيص. قلت: ونقل الفاكهاني الاستدلال بالحديث لأبي حنيفة وقال: كون الحديث على تقدير صحته مخصوصًا بما ذكر يدل على أنه متروك الظاهر، وأورد على المشهور أنه يقتل حد بأنه لو كان كذلك لم يسقط بتوبته قبل إقامة الحد عليه كسائر الحدود. وقال ابن عبد السلام: ويمكن أن يقال: إن الترك الموجب لقتله حدا إنما هو الترك الجازم، وذلك لا يتحقق إلا بعد إقامة الحد عليه، واختلف إذا قال أنا أصلي، ولم يفعل فقيل يقتل قاله مالك. وقيل: لا يقتل قاله ابن حبيب نقله عنه غير واحد وليس هو مناقضًا لأصله. قال التادلي: وقول ابن حبيب هو ظاهر كلام الشيخ، وكذلك اختلف في قتله إذا امتنع من قضاء الفوائت على قولين للمتأخرين واستدل من قال بعدم قتله بالخلاف في وجوب القضاء عليه. قال المازري: وبإجازة مالك تأخير القضاء للشغل. (ومن امتنع من الزكاة أخذت منه كرها): يعني وتجزئه وأخذ من قولهم هذا أن الزكاة لا تفتقر إلى نية لظهور المنافاة بين التقرب وأخذ أيضًا من أحد القولين أن الفقراء شركاء لأن وصول الشريك إلى حقه مما في يد شريكه لا يشترط فيه لا نية القابض، ولا نية الدافع ورد ابن القصار الأول بأنه يعلم فتحصل النية. وقال ابن العربي في الزكاة المأخوذة كرها إنها تجزئ ولا يحصل الثواب. قلت: وأفتي شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي رحمه الله تعالى في الفقير إذا قدر أن يأخذ من مال من يعلم أنه لا يزكي قطعا قدر ما عليه من الزكاة أنه لا يجزئ إذا لا شعور لصاحبه بخلاف المكره. (ومن ترك الحج فالله حسيبه): قال الفاكهاني: قال أهل اللغة: معني حسيبك الله أي انتقم الله منك قال: ويريد الشيخ أنه لا يقتل لاختلاف الناس في وجوب الحج هل هو على الفور أو على التراخي والمشهور من مذهب مالك أنه على التراخي بخلاف تارك الصلاة فإن أوقاتها معروفة.

قلت: لا يرد على الشيخ أنه يلزم على قوله إن ظهر تعينه عليه بكبر سنه وكثرة ماله وأمن الطريق ووجود الماء في كل منهل أن يكون تاركه حينئذ الصلاة؛ لأن تعيينه لا يعلم إلا من جهته إذ كثير من الناس يعتقد أنه غني، وهو فقير في باطن الأمر، ويعتقد أنه قوي في بنيته، وأنه قوي على المشي على رجليه، وهو لا يستطيع ذلك. (ومن ترك الصلاة جحدا لها فهو كالمرتد يستتاب ثلاثًا فإن لم يتب قتل): يريد وكذلك إذا شك فيها، وما ذكر أنه مرتد هو كذلك بإجماع قاله ابن بشير في تنبيهه وعياض في إكماله في كتاب الأيمان، وقول ابن الحاجب أما جاحدها فكافر باتفاق فيه مسامحة؛ لأنه إذا قال ذلك إنما يريد به اتفاق أهل المذهب ويكون منه تنبيها على أن الخلاف خارج المذهب بخلاف الإجماع هذا هو المستقرأ من كلامه، ولا أعرف هنا نص خلاف. وقال الفاكهاني: إنما حسن التشيبه في قول الشيخ كالمرتد؛ لأنه لم يخرج عن الإسلام بالكلية كما خرج المرتد عنه من حيث إنه لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه ورثته، ولا غيرهم. وقال الحنفي: لا يقتل واستدل بالحديث السابق، ولا دليل له في ذلك لأنا إذا قلنا: إنه مرتد صدق عليه أنه كافر بعد إيمانه فهو راجع لإحدى الخصال الثلاثة. قلت: إنما أراد الشيخ بقوله كالمرتد أن حكم من تكلم بالكفر فهو كافر حقيقة فإذا عرفت هذا فاعلم أن قول الفاكهاني معترض من وجهين: أحدهما: أن في كلامه التناقض؛ لأنه حكم أولا بأنه ليس بكافر، وفي رده على أبي حنيفة حكم بكفره. الثاني: أن خلاف أبي حنيفة إنما هو فيما سبق، وهو إذا أقر بوجوبها وقال: لا أصلي والله أعلم. (ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ولا تقبل توبته): قال التادلي: يريد وكذلك كل مرسل أو نبي أو ملك ومن اختلف في نبوته كأم موسى وأم عيسى وأم إسحاق والخضر ولقمان وذي القرنين والحواريين وإخوة يوسف عليهم الصلاة والسلام، واختلف فيمن سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أو أحدا من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. ومن اختلف في كونه ملكًا كهاروت وماروت نكل نكالا شديدا ولا يقتل وفي كتاب الافتداء لابن أبي زيد سئل عن الرجل يقول قال الفاروق كذا، وقال على كذا

فيعارضه الرجل فيقول له: قال الشافعي كذا قال الحنفي فقال: أرى أن يستتاب قال عياض، وأجمع المسلمون خاصتهم وعامتهم من لدن عهد الصحابة إلى هلم جرًا في مشارق الأرض ومغاربها أن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصًا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرضه أو شبهه بشيء على طريق الذم أو الازدراء به أو التصغير لشأنه أو النقص منه أو العيب له أو دعا عليه أو تمني مضرته أو نسب إليه ما لا يليق بنسبه العلي أو عنت في جانبه العزيز بهجو من القبيح أو سخف من الكلام أو منكر من القول أو غيره من بلاء ومنحه جرت عليه أو برئ منه أو كذبه أو استجهله أنه ساب له صرح بذلك أو لوح. ويقتل كفر إن استحل شيئًا من ذلك ولم يرجع عنه فإن لم يستحله ورجع عنه قتل حدا ولا تقبل توبته على المشهور فيهما ويتخرج عليهما غسله والصلاة عليه ودفنه وميراثه والفرق بين استتابة من سب الله تعالى وعدم استتابة من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله برئ من النقص لذاته لا يلحقه النقص ولا استكمال بغيره سبحانه وتعالى بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه من جنس من يلحقه النقص فلا يزول إلا بقتل مستنقصه. وقيل: إنما ثبت له ذلك الكمال بإخباره تعالى الذي لا يتبدل ولا يتحول. قلت: وما ثبت بالعرض لا يقاوم ما ثبت بالذات وإن كان لا يلحقه نقص. (ومن سبه من أهل الذمة بغير ما به كفر أو سب الله عز وجل بغير ما به كفر قتل إلا أن يسلم): ما ذكره من أن من سبه من أهل الذمة بغير ما به كفر فإنه يقتل هو المشهور، وحكى ابن الجلاب وعبد الوهاب، قولاً بالقتل مطلقًا كان بما به كفروا أو غيره وما ذكر من سقوط القتل عنه بالإسلام هو أحد قولي مالك. (وميراث المرتد لجماعة المسلمين): ما ذكره لا أعلم فيه خلافًا، واختلف في ميراث الزنديق فقيل كذلك قاله أشهب وابن نافع وقيل لورثته قاله ابن القاسم. (والمحارب لا عفو فيه إذا ظفر به): قال ابن الحاجب: الحرية كل فعل يقصد به أخذ المال على وجه تتعذر معه الاستغاثة عادة من رجل أو امرأة حرًا وعبدًا ومسلم أو ذمي أو مستأمن واعترضه ابن عبد السلام بأنه غير مانع لدخول ما ليس بحرابة، وهو غصب السلطان وشبهه فإنه فعل يقصد به على وجه تتعذر به على وجه تتعذر معه الاستغاثة عادة ثم سأل نفسه،

فقال: إن قلت: المتعذر في الحرابة عادة إنما هو الإغاثة وليس الاستغاثة فإن المسلوب يستغيث وجد مغيثا أم لا فلا تتعذر الاستغاثة أصلاً. وأجاب بأن استغاثة المعدوم ومن لا تنفع إغاثته كلا شيء وإنما المعتبر الاستغاثة التي ترجى معها الإغاثة وهذا النوع من الاستغاثة هو المعتبر في الكلية، وقال بعض شيوخنا: الحرابة الخروج لإخافة السبيل بأخذ مال محرم بمكابرة قتال أو خوفه أو إذهاب عقل أو قتل خفية أو لمجرد قطع الطريق لا لإمرة أو نائرة، ولا عداوة فيدخل في قوله، والخناقون والذين يسقون الناس السيكران ليأخذوا أموالهم محاربون. (فإن قتل أحدا فلابد من قتله): ما ذكره هو المشهور في المذهب وقال أبو مصعب الإمام فيه بالخيار وظاهر كلام الشيخ ولو عفا عنه أولياء المقتول وهو كذلك وظاهر كلام أهل المذهب ولو رأي الإمام من حسن المصلحة إطلاقه لكثرة إذاية الذين وراءه كأعراب إفريقية لفعل والله أعلم. وأفتي شيخنا أو مهدي عبد الله الشبيبي رحمه الله تعالى بالعفو عن نحو أربعين محاربًا أخذوا في حالة واحدة بالقيروان والحالة هذه وبه أقول ومال إليه شيخنا أبو مهدي رحمه الله، وظاهر كلامه: وإن كان المقتول غير كفؤ وهو كذلك وصرح به بعد وقد قتل عثمان رضي الله عنه مسلمًا قتل ذميا حرابة. (فإن لم يقتل فيسع الإمام فيه اجتهاده بقدر جرمه وكثرة مقامه في فساده فأما قتله أو صلبه ثم قتله أو يقطعه من خلاف أو ينفيه إلى بلد يسجن بها حتى يموت): ما ذكر الشيخ هو قول مالك وغيره وفهموا قوله تعالى: " إنما جزؤا الذين يحاربون الله ورسوله) [المائدة: 33] الآية على التخيير الاجتهادي فكل ما رآه الإمام سدادا تعين ولا يجوز الانتقال لغيره. قال ابن عبد السلام: فعلى هذا يكون لا فرق بين قولنا أو للتخيير هنا، ولا بين قول غيرنا إنها للتفصيل. قلت: فيما نسبه للمذهب دون ذكر غيره قصور وكذلك في فهمه نظر لقول اللخمي في كونه على الترتيب أو التخيير روايتان للأكثر، وابن وهب فعلى الترتيب إن لم يخف ولم يأخذ مالا، ولا قتل أخذ فيه بأسر الحكم ابن القاسم، وهو أن يجلد وينفي ويسجن في الموضع الذي نفي إليه، وإن أخاف أو أخذ مالا أو جمعهما خير في قتله وقطعه، وكذلك إن طال أمره ونصب، ولم يأخذ مالا، وإن طال زمنه وعلا أمره،

وأخذ المال ولم يقتل قتل ولا بخير فيه. وعلى رواية ابن وهب قال مالك: إن نفر الناس من كل مكان وعظم فساده، وأخذ أموال الناس فالسلطان يرى فيه رأيه في أحد الأربعة ويستشير في ذلك، وحيث يقتل قال اللخمي يقتل على الوجه المعتاد المعروف بالسيف والرمح ولا يقتل على صفه يعذب بها ولا بحجارة ولا بغير ذلك، وإن رأى صلبه فليصلبه قائمًا لا منكسًا وينبغي أن تطلق يداه؛ لأن له في ذلك بعض الراحة إلى أن يموت وإن لم تطلق فلا بأس. قال: وظاهر القرآن أن الصلب حد قائم بنفسه كالنفي والمذهب إضافته للقتل ولمالك في بعض المواضع قال: يقتل أو يصلب أو يقطع أو ينفى كظاهر القرآن. واختلف هل يقدم الصلب على القتل أو العكس على قولين لابن القاسم، وأشهب وعلى الأول فاختلف قول سحنون إذا مات هل ينزل من ساعته، ويدفع إلى أهله للصلاة عليه والدفن ونحوه لأصبغ وإذا صلوا عليه رده الإمام للخشبة اليوم والثلاثة ليردع به أهل الفساد على قولين. قال ابن الماجشون: لا يمكن أهله من الصلاة عليه، ويبقي على الخشبة حتى يفني وتأكله الكلاب. وقول الشيخ أو ينفيه إلى بلد يسجن بها حتى يموت يريد أو تظهر توبته الحقيقية ويريد إذا كان حرا، وأما العبد فإنه لا ينفى ويسجن ببلده. (فإن لم يقدر عليه حتى جاء تائبًا وضع عنه كل حق هو لله من ذلك، وأخذ بحقوق الناس في مال أو دم): ظاهر كلام الشيخ إذا جاء إلى السلطان طائعا بغير سلاح، وقال: جئتك تائبا؛ أنه ينفعه ذلك، وإن لم تثبت توبته، وهو كذلك عند ابن القاسم، قال: وكذلك إذا ترك ما كان عليه وإن لم يأت خلافًا لابن الماجشون في قوله توبته إنما هي أن يترك ما هو عليه، ويجلس في موضعه حتى لو علم الإمام حاله لم يقم عليه حد الحرابة. وقيل: إنما تكون بالمجيء إلى الإمام وإن ترك ما هو عليه لم يسقط ذلك حكما من الأحكام إن أخذ قبل أن يأتي الإمام. قال ابن رشد في مقدماته فهي ثلاثة أقوال واختلف إذا فر المحارب في القتال فقال ابن القاسم: إن كان قتل أحدا فليتبع وإلا فلا أحب أن يتبع ولا يقتل. وقال سحنون: ويتبعون ويقتلون مقبلين ومدبرين ومنهزمين وليس هروبهم توبة

وفي الإجهاز على جريحهم قولان لهما، ولا يجوز أن يؤمن المحارب إن سأل الأمان بخلاف المشترك؛ لأن المشرك يقر إذا أمن على حاله ويبده أموال المسلمين ولا يجوز تأمين المحارب على ذلك. واختلف إذا امتنع بنفسه حتى أعطي الأمان فقيل: يتم له ذلك، وقيل: لا قاله أصبغ. (وكل واحد من اللصوص ضمان لجميع ما سلبوه من الأموال): ما ذكر هو المعروف، وقال ابن عبد الحكم، لا يضمن إلا ما أخذ خاصة نقله الباجي، وأفتى بعض المتأخرين بالأول إن كان رئيس القوم بحيث يقدر على ردهم، وبالثاني: إن لم يكن ذلك وعلى الأول فإن غرم يرجع على أصحابه كالحملاء. وأما المجتمعون على السرقة فكل واحد مخاطب بما أخذه خاصة على ظاهر كلام بعض الشيوخ. وقال ابن رشد: إذا تعاونوا فهم كالمحاربين، وقال اللخمي: إن اعترف بعض المحاربين لما في أيديهم لأهل رفقة اختصوا به وأخذ كل واحد منهم ما لم ينازع فيه فإن تنازع اثنان في شيء قسم بينهما على حكم التداعي فيه فإن فضل عنهم شيء أوقفه الإمام فإن تنازعه اثنان أحدهما من أهل الرفقة اختص به بعد حلفه، وإن ادعاه رجل من غيرهم فإنه يدفع إليه بعد الاستيناء به واليمين وضمنه إياه قاله مالك يريد بعد أن يصفه كاللقطة. واختلف هل يأخذه بحميل قاله سحنون أو بغيره قاله مالك في ذلك قولان وإن ادعاه أجنبيان حلفا وقسم بينهما فإن نكل أحدهما كان للآخر، وإن نكلا قال محمد لم يكن لهما فيه شيء. (وتقتل الجماعة بالواحد في الحرابة والغيلة وإن ولي القتل واحد منهم): قال الباجي ومحمد بن المواز عن مالك وابن القاسم وأشهب: إن ولي أحد المحاربين قتل رجل ممن قطعوا عليه، ولم يعاونوه أي أصحابه قتلوا أجمعين، ولا عفو فيهم للإمام ولا للولي. قال ابن القاسم: ولو تابوا كلهم قبل القدرة عليهم فللولي قتلهم جميعا، وقتل من شاء منهم والعفو عمن شاء. قال أشهب: لا يقتل منهم إلا من ولي القتل، أو أعان عليه أو أمسكه لمن يعلم أنه يريد قتله، ولا يقتل الآخرون ويجلد كل واحد منهم، ويسجن عامًا. (ويقتل المسلم يقتل الذمي قتل غيلة أو حرابة): يريد ما لم يتب المحارب فإن تاب كان للذمي عليه دية إذ لا يقتل مسلم بكافر

والحالة هذه، ولو جرح ذمي فأسلم قبل أن يموت فقال ابن القاسم ديته دية الحر المسلم. وقال أشهب: دية المجوسي. (ومن زني من حصر محصن رجم حتى يموت): قال ابن الحاجب: الزنى أن يطأ فرج آدمي لا ملك له فيه باتفاق متعمدًا فيتناول اللواط، واعترض بأنه غير جامع إذ لا يحتوي إلا على فعل الزاني دون الزانية ورد بأن قوله أن يطأ: مصدر لا يمكن وقوعه إلا من اثنين فذكر أحدهما يستلزم الآخر، واختير ذكر الفاعل؛ لأنه يجري مجرى العلة في الاستغناء بها عن المعمول واعترض أيضًا بأنه غير مانع بل لا يدخل تحته شيء من أفراد المحدود؛ لأن قوله آدمي حقيقة في الذكر دون الأنثى وإتيان الذكر لا يسمى زنا عرفا بل يسمي لواطًا. وأجيب بأنه إنما أراد بالآدمي الجنس الذي يشمل الذكر والأنثى وحده بعض شيوخنا فقال: الزنى الشامل للواط مغيب حشفة آدمي في فرج آخر دون شبهة حلية عمدًا فتخرج المحللة ووطء الأب أمة ابنه لا زوجته. وظاهر كلام الشيخ: ولو كانت الموطوءة ميتة أن الواطئ يحد بذلك؛ لأنه يطلق عليه أنه زني، وهو كذلك على المشهور وهو نص المدونة في كتاب الرضاع. وقيل: يؤدب، ولا يحد قاله ابن شعبان. واختلف إذا وطئ أمة من المغنم وهو من أهل الجيش والمشهور ثبوته ونفاه ابن الماجشون وعزاهما في المدونة في العتق الثاني لابن القاسم، وغيره. وقال ابن عبد البر: اختلف قول مالك وأصحابه في حده، واختلف الروايات فيه عن على بن أبي طالب رضي الله عنه، وكذلك القولان في الحرية والقول بنفي الحد عزاه ابن رشد في المقدمات لأشهب وعزاه اللخمي لابن الماجشون، وفي قذف المدونة من تزوج امرأة في عدتها أو على عمتها أو خالتها عمدًا لم يحد، وعوقب. وقال اللخمي: قال مالك في متزوج الخامسة والمبتوتة عالما بتحريم ذلك يحد، وقال في متزوج المعتدة كذلك لا يحد ولا فرق في ذلك، وقيل في المعتدة إنه يحد. وقال التونسي: إن كان التحريم من القرآن بسبب ولم يحرم عينها، وتحل يوما ما كالخامسة ففي الحد قولان. (والإحصان أن يتزوج امرأة نكاحا صحيحا ويطأها وطأ صحيحا): احترز رحمه الله تعالى بقوله: أن يتزوج امرأة من ملك اليمين وصحيحا احتراز من الفاسد واشتراطه الوطء الصحيح ليخرج به الوطء الغير المباح كوطء الحائض.

والصائمة، ويشترط البلوغ والعقل والإسلام والحرية. قال الفاكهاني رحمه الله: أنشدنا لنفسه القاضي زين الدين بن رشيق رحمه الله تعالى، ونفعنا بعلمه وعمله: شروط الإحصان ست أتت = فخذها على النص مستفهما بلوغ وعقل وحرية = ورابعها كونه مسلمًا وتزويج صحيح ووطء مباح = متى اختل شرط فلن يرجما واختلف إذا زنى الكافر هل يحد أم لا؟ والمشهور أنه لا يحد. وقال المغيرة: يحد حد البكر بكرا أو ثيبًا نقله اللخمي. قلت: وكان المغيرة رحمه الله تعالى ناقض أصله؛ لأنه يقول: إنهم مخاطبون بفروع الشريعة إذ هو القائل بأن طلاقهم لازم بناء منه على أن أنكحتهم صحيحة فكان حقه أن يجعله كالمسلم سواء كما جنح إليه ابن عبد البر، وكما يقطع في السرقة وهو قول الطحاوي وأحد قولي الشافعي. وأجابني شيخنا أبو مهدي أيده الله تعالى باحتمال موافقته على أن من شرط الإحصان الإسلام ومثله لبعض شيوخنا. (فإن لم يحصن جلد مائة جلدة وغربه الإمام إلى بلد آخر وحبس فيه عامًا): ما ذكر من الجلد متفق عليه عند أهل العلم؛ لأنه بنص القرآن، وما ذكره من التغريب قال به الجمهور وصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة: لا يغرب ورأى أنه زيادة على ما ذكر في الآية والزيادة عنده على النص نسخ والكتاب لا ينسخ بخير الآحاد. (وعلى العبد في الزنى خمسون جلدة وكذلك الأمة وإن كانا متزوجين): يريد، وإن كان بعضه حرا، وكذلك المكاتب والمدبر والمعتق إلى أجل وأم الولد. (ولا تغريب عليهما ولا على امرأة): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة، واحتج أهل المذهب على أنهما لا يغربان بقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال: " إذا زنت ولم تحصن فقال إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو

بضفير" ولم يتعرض إلى التغريب، والحديث صحيح خرج مخرج بيان الحكم. وقال الشافعي، وغيره: تنفى المرأة كالرجل، وقال به الشيخ أبو الحسن اللخمي رحمه الله إذا وجدت المرأة من يسافر معها من ذوي محارمها، أو رفقة مأمونة فيها رجال ونساء كالخروج إلى الحج فإن عدم ذلك سجنت بموضعها عامًا؛ لأنه إذا تعذر التغريب لم يسقط السجن. (ولا يحد الزاني إلا باعتراف أو حمل يظهر أو بشهادة أربعة رجال أحرار بالغين عدول يرونه كالمرود في المكحلة، ويشهدون في وقت واحد وإن لم يتم أحدهم الصفة حد الثلاثة الذين أتموها): ظاهر كلام الشيخ: وإن كان إنما أقر مرة واحدة وهو كذلك عندنا خلافًا لأبي حنيفة، فقال هو وغيره: لابد من تكرار إقراره أربع مرات زاد أبو حنيفة: في مجالس مفترقة، وما ذكر من اعتبار الحمل وهو كذلك في غير الطارئة وأما الطارئة فلا حد عليها إذا قالت: هو من زوجي طلقني أو غاب عنى. قاله اللخمي، وألغاه الشافعي وغيره فقبلوا قولها إذا قالت: إنها استكرهت، وقال به اللخمي على تفصيل سيأتي عن قرب إن شاء الله تعالى. وما ذكر من اعتبار الشهادة هو كذلك باتفاق وما عدا قوله: ويشهدون في وقت واحد فإن ابن الماجشون أجاز التفريق في الشهادة في الزنى نقله عنه أبو عمران الصنهاجي في نظائره. (ولا حد على من لم يحتلم): لا شك أنه يحد كما قال؛ لأنه غير مكلف، ولا شك أنه يؤدب كما يؤدب في المكتب، ويمكن أن يختلف في أدبه كما اختلف في الصغير إذا غصب مالا هل يؤدب أم لا؟ على قولين حكاهما ابن رشد في مقدماته وغيره لا يقال لا يلزم من عدم أدبه في غصب المال أن لا يؤدب هنا؛ لأنه ما غصبه وأتلفه يؤخذ من ماله إن كان أو مهما ظهر له إن لم يكن وذلك كان في أدبه لاسيما إن كان أتلفه في فساد، ولا كذلك هنا، لأن القائل بعدم الأدب علله بكونه غير مخاطب والله أعلم. (ويجد واطئ أمة والده): إنما كان يحد الولد لعدم الشبهة له في مال الوالد وذكر ابن خويزمنداد عن ابن

وهب وأشهب أنه لا يحد قال اللخمي: لأنه نفقته ترجع عليه عند بعض أهل العلم متى احتاج فيدرأ عنه الحد للخلاف. (ولا يحد واطئ أمة ولده وتقوم عليه، وإن لم تحمل): يريد لقوة الشبهة في مال ابنه، وكذلك الجد لا حد عليه خلافًا لأشهب، وظاهر كلام الشيخ أنها تقوم عليه، وإن لم تحمل، وهو كذلك عند أكثر أهل المذهب، وقال ابن عبد الحكم: الابن مخير في أخذها ومثله لابن الماجشون. وظاهر كلام الشيخ تحتم القيمة وإن كان معدما، وهو كذلك نص عليه في المدونة، وقيل: للابن أخذها ما لم تحمل. واختلف إذا حلل الأمة سيدها لرجل فوطئها فالمشهور أنه شبهة. وقال الأبهري: إن كان عالما حد، ولا يلحق به الولد؛ لأنه زان بوطئه من ليس بزوجه له ولا ملك يمين ولا هو جاهل بالوطء. قال ابن عبد السلام: وهو إجراء على أصل المذهب وذهب إليه جماعة خارج المذهب، وأما المستأجرة للوطء وغيره فالحد ثابت اتفاقًا. (ويؤدب الشريك في الأمة يطؤها ويضمن قيمتها إن كان لها مالك فإن لم تحمل فالشريك بالخيار بين أن يتماسك أو تقوم عليه): ما ذكر من أدب الواطئ هو كذلك إن لم يعذر بجهل قاله في قذف المدونة، وما ذكره من ضمانه القيمة هو كذلك باتفاق، واختلف متى يكون هل يوم الحمل أو يوم الوطء، أو يوم الحكم على ثلاثة أقوال وكلها لمالك وكل هذا مع اليسر. وأما إن أعسر الواطئ فإنها تباع عليه، وهي إحدى المسائل التي تباع فيها أم الولد. وثانيها: إذا وطئ العامل أمة القراض فحملت وكان معسرا. وثالثها: أمة المفلس إذا وقفت للبيع ووطئها وحملت. ورابعها: الابن يطأ أمة من تركة أبيه وعلى الأب دين يستغرق التركة، والابن عديم وهو عالم بالدين حالة الوطء. وخامسها: إذا وطئ الراهن أمته المرهونة، وحملت وكان معسرا فإنها تباع بعد الوضع وحلول الأجل. وسادسها: الأمة الجانية إذا وطئها السيد بعد علمه بالجناية وهو عديم فإنه تسلم للمجني عليه، وكل هذه النظائر ذكرها خليل رحمه الله تعالى في الرهون. وما ذكر الشيخ من أن الشريك بالخيار إذا لم تحمل هو كذلك قاله في المدونة.

وقال في كتاب محمد: يجبر على أن تقوم على شريكه كالأب، وأخذ من كتاب الشركة من المدونة، وقيل: إذا لم تحمل لم تقوم عليه، وكانت على حالها في الشركة، ويلزم نصف ما نقصها الوطء. قال ابن عبد السلام: وهو الظاهر عندي لأنه نقص يسير في الغالب المرأة تقول هذا الحمل من فلان، وذلك هو الأصل في التعدي، وهو الذي مال إليه اللخمي هنا. (وإن قالت امرأة بها حمل استكرهت لم تصدق وحدت إلا أن تعرف بينة أنها احتملت حتى غاب عليها أو جائت مستغيثة عند النازل أو جاءت تدمي): ما ذكر الشيخ هو المشهور، وقيل: يقبل قولها مطلقًا حكاه ابن الحاجب. وقال اللخمي: إن لم تكون طارئة وادعت أنه من غصب، وتقدم لها ذكر ذلك أو أتت متعلقة برجل أو كان سماع وأشتكت ولم تأت متعلقة به لم تحد إن ادعته على من يشبه، وإن ادعته على رجل صالح حدت هذا إن تقدمت الشكوى قبل ظهور الحمل، وإن لم تذكره إلا بعد ظهوره حدث إلا أن يكون معروفة بالخير وقالت: كتمت ذلك رجاء أن لا أجمل أو أن يسقط فتعذر ومثله لو لم تسم من أكرهها، وهي معروفة بالخير هذا الذي أخذ به ومثله عمر رضي الله عنه في امرأة ظهر بها حمل، وقالت: كنت نائمة فما استيقظت إلا وفد ركبني رجل فأمر أن ترفع إلى الموسم هي وأناس من قومها فسألهم عنها فأثنوا عليها خيرا فلم يحدها وكساها وأوصى بها أهلها. (والنصراني إن غصب المسلمة في الزنا قتل): واختلف بماذا يثبت ذلك عليه هل بأربعة شهداء أو بشاهدين على قولين لابن القاسم وظاهر كلام الشيخ، ولو كانت المغصوبة أمة وهو كذلك في أحد القولين قال هو رحمه الله عن ابن المواز إنه لا يقتل كما لو قتلها، وفيه اختلاف. وهذا أحب إلى لما جاء أنه لا يقتل حر بعبد. قال ابن عبد السلام: وأجيب بأن الذي جاء إنما هو في قتل القصاص، وهو خارج عما نحن فيه. قلت: فإذا عرفت هذا فاعلم أن قول الفاكهاني ظاهر كلام الشيخ يقتضي الحرة والأمة، وليس ذلك مراده لقول ابن الجلاب في الأمة عليه العقوبة الشديدة وما نقصها قصور. وظاهر كلام الشيخ لو طاوعته أنه لا يقتل، وهو كذلك قاله ابن وهب في سماع عبد الملك بزيادة يضرب ضربًا يموت منه خلافًا منه خلافًا لربيعة وكلاهما حكاه ابن رشد.

(وإن رجع المقر بالزنا أقيل وترك): ظاهره رجع إليى شبهة مثل أن يقول أصبت امرأتي حائضًا فظننته زنى أو لا، وهو قول ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم، وروي عن مالك، وقيل: لا يقبل إذا رجع لغير شبهة قاله أشهب، وعبد الملك، وروي عن مالك أيضًا وكلاهما حكاه الباجي وزعم ابن المواز أن أصحاب مالك لم يختلفوا في رجوعه للشبهة وقبله غير واحد كالباجي. قلت: وفيه نظر لقول ابن زرقون حكي الخطابي في شرح السنن عن مالك عدم قبوله، وهو غريب فظاهره ولو رجع إلى شبهة. (ويقيم الرجل على عبده وأمته حد الزنا إذا ظهر حمل أو قامت بينة غيره أربعة شهداء أو كان إقرار): ما ذكره هو مذهبنا واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: " وإذا زنت أمة أحدكم فليجلدها .. " الحديث فظاهره مخاطبة السادات ورؤية السيد لا أثر لها بالنسبة إلى إقامة الحد عليها. قال ابن عبد السلام: وهو مقتضى القواعد؛ لأنه كالقاضي، وهو لا يحكم بعلمه ولا سيما في الحدود وقيل: إنه معتبر وهو ظاهر الأحاديث. قلت: وكلاهما نقله ابن الحاجب عن مالك، وأطلق القول في ذلك وقبله الباجي وعزا اللخمي الثاني لرواية المبسوط، وقال: وقد قال عبد الملك إن رأى أمته تزني لم يجلدها إذ ليس للسلطان أن يجلدها برؤيته فإن كان حمل أو ولد فله أن يحد به. قلت: وهو ظاهر كلام الشيخ فالأقوال على هذا ثلاثة. (ولكن إن كان للأمة زوج حر أو عبد لغيره فلا يقيم الحد عليها إلا السلطان): يريد إذا كان الزوج مملوكا لغيره، وأما إن كان عبده فله إقامته عليها، وهذا التفصيل ذكره اللخمي وغيره عن مختصر ابن عبد الحكم. قال أبو إسحاق التونسي: وكذلك العبد إن كانت له زوجة حرة أو أمة لغير سيده فلا يقيم الحد عليه إلا السلطان. قلت: وهذا هو الصواب وبه أقول، ولم يحفظه ابن عبد السلام بل جعل المذهب أنه يقيمه عليه قائلاً: لا يلحق المرأة عار إذا حد زوجها، وهو بعيد؛ لأن العيان يشهد بخلافه.

(ومن عمل عمل قوم لوط بذكر بالغ أطاعه رجما أحصنا أو لم يحصنا): ظاهر كلام الشيخ ولو كان اللائطان عبدين أو كافرين، وهو كذلك، وقال أشهب: يجلد العبدان خمسين خمسين ويؤدب الكافران وضعفه ابن عبد السلام بأنه لو كان من باب الزنا لاعتبر الإحصان ولم يؤدب الكافران إلا بشرط أن يظهراه. وقال بعض شيوخنا: فيه ميل لاعتبار الإحصان، وذهب أبو حنيفة وغيره إلى أن من فعل هذا الفعل سواء كان حرًا أو عبدًا مسلمًا أو كافرًا أنه يعزر خاصة. وقال ابن عبد البر عن ابن عباس حده أن يرمى من أعلى شاهق في القرية ثم يتبع بالحجارة. وقال الباجي عن ابن حبيب: كتب أبو بكر أن يحرق بالنار ففعل وفعله ابن الزبير وهشام بن عبد الملك في زمانه والقشيري بالعراق ومن أخذ بهذا لم يخطأ وألحق ابن القصار بهذا إتيان الأجنبية في دبرها حكاه الباجي. وقيل: إنه يلحق بالزنا قاله ابن الماجشون ومثله في الموازية حكاه الشيخ أبو محمد. قلت: وهو نص كتاب القذف من المدونة قال بعض شيوخنا: وربما أجري القولان على إباحة ذلك في الزوجة لزوجها وحرمة ذلك والمساحقة لا حد فيها بل فيها الأدب ومقداره راجع إلى اجتهاد الحاكم قاله ابن القاسم. وقال أصبغ: مقداره خمسون كذلك نقله الباجي وغيره، ونقل أبو محمد عنه بزيادة ونحوها وضعفه لعدم الدليل على تعين هذا العدد. (وعلي القاذف الحر الحد ثمانون وعلى العبد أربعون في القذف وخمسون في الزنا والكافر يحد في القذف ثمانين): القذف في اللغة الرمي قال الله تعالى: (ويقذفون من كل جانب* دحورًا) [الصافات:8، 9] في الاصطلاح. قال ابن الحاجب: وهو ما يدل على الزنا واللواط والنفي عن الأب أو الجد لغير المجهول، وإنما قال لغير المجهول؛ لأن المجهولين لا تعلم صحة أنسابهم إلى آبائهم المعينين، ولذلك لا يتوارثون وسلمه ابن عبد السلام وغيره. واعترضه بعض شيوخنا بأن فيه تكرر الثاني إذ هو يسمي زنى ولذلك أدخله في حد الزنا كما تقدم وإلا خير إذ المجهول لا نسب له يعرف لا يتصور فيه قال: والقذف الأعم نسبة آدمي غيره لزنا أو قطع نسب مسلم والأخص بإيجاب الحد نسبة آدمي مكلف غيره حرًا عفيفا بالغا مسلمًا أو صغيرة تطيق الوطء لزنا أو قطع نسب مسلم فيخرج قذف الرجل نفسه، وهو من الكبائر لوجوب الحد فيه.

وما ذكر الشيخ أن مقدار حده ثمانون هو كذلك بإجماع لقوله تعالى: (والذين يرمون المحصنت ثم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنين جلدة) [النور: 4] وما ذكر في العبد هو مذهب الجمهور، وبه قال الخلفاء الأربعة. وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مع آخرين هو كالحر لعموم الآية. وما ذكر الشيخ ولو كان سكرانا، وهو كذلك في قول وظاهر كلامه، ولو كان القاذف أبا لابنه وهو كذلك قاله ابن القاسم في المدونة بعد أن ذكر أن مالكًا استثقله. وقال أصبغ: لا يحد وعلى الحد فنقل الشيخ أبو محمد عن ابن القاسم في الموازية أنه لا تقبل شهادة الولد في شيء لقوله تعالى: (فلا تقل لهما أف) [الإسراء: 23] وضعف الشيخ عز الدين الحكم له بحده؛ لأنه إنما يفسق لارتكاب كبيرة والقاضي يحكم بالمنع من المعاصي، وذكر ابن عبد السلام الخلاف في حده له بصريح القذف وتعريضه ولابن محرز مثله، ونقل أبو محمد عن ابن الماجشون أنه لا يحد في تعريضه بابنه. (ولا حد على قاذف عبد أو كافر): اختلف إذا قال لعبده وأبواه حران مسلمان لست لأبيك فالأكثر على أن السيد يضرب الحد، ونقل اللخمي عن سحنون عن أشهب أنه قال: لا حد على من قطع نسب عبد، وإن كان أبواه حرين؛ لأنه يصح أنها أتت به، وزعمت أنها ولدت فلا يكون قاذفا لواحد منهما. وفي المدونة في أوائل الرجم يحد قاذف المجنون وفي القذف منهما كل ما لا يقام الحد فيه ليس على من رمي به رجلاً حد الفرية. قال بعض شيوخنا: وكان يجري لنا مناقضة ما ذكرناه من قولها قال: ويجاب بحمل قولها في الرجم على المجنون الذي يفيق أحيانا. (ويحد قاذف الصبية بالزني إن كان مثلها يوطأ، ولا يحد قاذف الصبي): ما ذكر في الصبي هو كذلك، وما ذكره في الصبية هو المشهور، وقال ابن عبد الحكم، وابن الجهم: لا حد عليه.

قال اللخمي: والأول أحسن للحوق المعرة لها بذلك قال الفاكهاني: وذهب بعض الشيوخ وأظنه أبا محمد صالح إلى أنه لو قذف صبي بأنه فعل به لكان الحد على قاذفه للحوق المعرة كالصبية. (ولا حد على من لم يبلغ في قذف ولا وطء ومن نفى رجلاً من نسبه فعليه الحد): الإجتماع على أن من شرط الحد التكليف ولذلك حمل بعض شيوخنا قول اللخمي في النكاح الثالث إذا أشرف على البلوغ ولم يحتلم فقال مالك مرة: يحد إذا زنا على ثبوت البلوغ بالإثبات. (وفي التعريض الحد ومن قال لرجل يا لوطي حد): يريد مثل أما أنا فلست بزان أو جدي معروف وما ذكر هو قولنا، وقول جمهور العلماء وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الشافعي وأبو حنيفة: يؤدب خاصة وهذا بخلاف النكاح والصرف وبيع الطعام بالطعام فإن التعريض فيه جائز. ويؤخذ من كلام الشيخ أن التعريض في الجانب العلي كالصريح، وهو أخذ أحروي وهو كذلك وبه الفتوى والحكم قديما وحديثًا. واختلف المذهب إذا قال زنت رجلاه أو يداه وشبههما على قولين فذهب ابن القاسم في المدونة إلى ثبوته ونفاه أشهب في المثالين نقله ابن يونس عن محمد عنه. واختلف إذا قال مالك أصل وشبهه على ثلاثة أقسام: فقيل: لا يحد قاله في الموازية والعتبية، وقيل: يحد قاله أصبغ، وقيل: إن كان المقول فيه من العرب حد له وإلا فلا، وهي زاهي ابن شعبان لو قال مولي لعربي أنا خير منك حد له وقاله الزهري، وكذلك لو كانا ابني عم قاله أحدهما لصاحبه، وفي هاتين المسألتين خلاف وبهذا أقول. (ومن قذف جماعة فحد واحد يلزمه لمن قام به منهم ثم لا شيء عليه): ظاهر كلامه سواء قذف كل واحد واحدًا أو قذفهم جميعا بكلمة واحدة، وهو قول مالك في المدونة وهو أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرها اللخمي. وقيل: بتعدد الحد مطلقًا حكاه ابن شعبان، وقيل: إن اجتمعوا وقاموا به فحد واحد وإلا تعدد الحد قاله المغيرة، وابن دينار، وأما لو تكرر القذف لواحد فإنه لا يتكرر الحد على المعروف وحكى ابن الحاجب فيه خلافًا قال: ولو قذف قذفات لواحد أو جماعة فحد واحد على الأصح، وثالثها: إن كان بكلمة واحدة فتعقبوه بأن ظاهره ثبوت الأقوال الثلاثة في الواحد والجماعة، وإنما هي في الجماعة حسبما تقدم.

وذكر الشيخ أبو عمران الصنهاجي أن لهذه المسألة نظائر من ذلك من اشترى شياها مصراة فعليه صاع واحد كشاة واحدة. وقيل: عليه في كل واحدة صاع، ومن قال: أنا أنحر ولدي وله أولاد فعليه هدي واحد وقيل في كل واحد هدي ومن فرط في قضاء رمضان فلم يقضه حتى دخل عليه رمضان آخر ثان وثالث فعليه كفارة واحدة، ومن كرر الوطء في رمضان فعليه كفارة واحدة. واختلف إن وطئ ثم كفر ثم وطئ ومن كرر اليمين بالله في شيء واحد فليس عليه إلا كفارة واحدة، ومن كرر الطيب في الحج فليس عليه إلا فدية واحدة وإذا ولغ الكلب في إناء واحد ثم كلاب فسبع يجزئ عن جميعها، ومن حلف بصدقة ماله ثم حنث فليس عليه إلا ثلث ماله، وقيل: ثلث ما بقي، ولو قال لجماعة أحدكم زان فإن قام بعد بعضهم فلا يحد بلا خلاف، وإن قام عليه جميعهم فكذلك واستبعد ابن رشد في رسم العرية من سماع عيسى ومن قذف رجلاً فحد له، ثم قذفه ثانية فإنه يحد قاله في المدونة في كتاب الرجم، وفي الكافي يزجر عن ذلك ولا حد عليه. قال بعض شيوخنا: وفي اقتصاره على ما ذكره فقط دون ما في المدونة وغيرها نظر ولو ضرب بعض الحد ثم قذفه أو غيره فقال ابن القاسم: يستأنف حينئذ الحد إلا أن يبقي يسيرا فيكمل ثم يستأنف. وقال أشهب مثله إلا أن يمضي يسير فيتمادى ويجزئ لها معًا. (ومن كرر شرب الخمر أو الزنى فحد واحد في ذلك كله وكذلك من قذفه جماعة): مثل هذا إذا تكررت موجبات الوضوء فوضوء واحد يجزئ وأما لو شرب الخمر وقذف فلا يتعدد أيضًا للاتحاد على المنصوص وخرج اللخمي فيه خلافًا من الخلاف الذي تقدم في قذف الجماعة. وأما إذا زني وقذف يتعدد الحد على المشهور قال ابن حارث وذهب عبد الملك إلى الاستغناء بحد الزنى لكونه أكثر وقول الشيخ، وكذلك من قذف جماعة معترض لكونه سبق ذكره ونبه عليه الفاكهاني رحمه الله تعالى. (ومن لزمته حدود وقتل فالقتل يجزئ في هذا إلا في القذف فيحد قبل أن يقتل): إنما استثنى القذف للحوق العار، وقال في المدونة: إن شهد عليه أنه زنى وهو بكر ثم زنى بعد أن أحصن رجم، ولم يجلد، وقال اللخمي: القياس أن يجلد ثم يرجم؛ لأن الضرب غير جنس القتل.

(ومن شرب خمرا أو نبيذا مسكرا حد ثمانين سكر أو لم يسكر ولا سجن عليه):

ظاهر كلامه، وإن كان قليلاً وهو كذلك من غير تفصيل بين المسكرات عندنا وللحنفية تفصيل فيما يحرم من الأشربة ويحل يطول ذكره وظاهر كلامه إن كان بدويا وادعى جهل التحريم، وهو كذلك عند مالك، وأصحابه إلا ابن وهب فإنه قال: لا يحد ويعزر، وفعله عمر والقولان نقلهما محمد بن المواز. واختلف إذا أكل الحشيشة هل يلزم فيها الحد كالخمر أو يؤدب خاصة لأنها مفسدة وليست بمسكرة أو الفرق بين أن تخمر فالأول وإلا فالثاني؟ على ثلاثة أقوال: وكذلك الثلاثة في بطلان صلاة من صلى بها، وأما جورة الطيب فنص ابن هارون على أنها مسكرة، وأنها طاهرة واعترض بذلك قول ابن الحاجب والجمادات مما ليس من حيوان طاهرة إلا المسكر. قلت: وما ذكره لا أعرفه وكذلك أنكره شيخنا أبو محمد رحمه الله تعالى حسا ومعنى فإن العيان خلافه لأن التواتر على أنها جامدة فقط، وليست بمسكرة ولذلك يجوز أن تعمل للأدوية إن كانت منفردة بقيد اليسارة والشهادة على شرب الخمر إن كان مما يشربها لكونه كافرًا أو مسلمًا عاصيا ثم تاب عمل عليها اتفاقًا وإلا فقولان. قال ابن القصار: لا يعول عليها، وقال الباجي يعول عليها وعليه العمل عندنا بإفريقية فإنه شك شهود الرائحة فإن كان من أهل الخير ترك وإلا نكل قاله في سماع ابن القاسم في العتبية والموازية وإن شهد شاهدان بأنها رائحة خمر وآخرون بنفي ذلك فالمعروف ثبوت الحد. واختار ابن عبد السام عدمه كأحد القولين في اختلاف المقومين في المسروق. قلت: ولهاتين المسألتين نظائر من ذلك إذا شهد أن فلانا قتل فلان وشهد آخرون انه كان حينئذ في بلدنا بحيث لا يمكن قتله فقال سحنون: يقتل لأن من أثبت حكما أولى مما نفاه وهو مشهور المذهب. وقال القاضي إسماعيل: يقضي ببينة البراءة ولا يقتل وكذلك وقع الخلاف فيما إذا شهدت بينة بالعدم وأخرى بالملاء على ثلاثة أقوال ثالثها: يقضي بأعدل البينتين فإن تكافأت قضي ببينة الملاء، وكذلك إذا عدلت البينة رجلاً وجرحته أخرى فقيل بينه الجرح أولى. وقيل: يقضى بالأعدل، وكذلك إذا شهدت بينة أنه نكح في المرض المخوف، وأخرى في الصحة وذكر هذه المسألة ابن حارث، وذكر فيها ثلاثة أقوال ابن خويزمنداد وذكر فيها ثلاثة أقوال: ثالثها: يقضي بالتي هي أرجح وإليك النظر في بقية

النظائر، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يسجن، وإن كثر ذلك منه، وهو كذلك وعليه العمل. وقال ابن حبيب إن المشهور بالفسق لا بأس أن يطاف به ويشهر واستحب مالك أن يلزم السجن. (ويجرد المحدود): قال مالك: وتترك له يداه يتقي بهما ولا تشد بالحبال، وقاله على بن أبي طالب رضي الله عنه. قال الباجي عن محمد: لا يتولى ضرب الحد قوي ولا ضعيف، ولكن وسط الرجال. قال مالك: وكنت أسمع أنه يختار العدل ويضرب في الظهر والكتفين دون سائر الأعضاء، ولأبي زيد عن ابن القاسم إن ضرب على ظهره بالدرة أجزأة، وما هو بالبين. قال الشيخ أبو محمد عن ابن عبد الحكم: أحب إلى أن يكون ضرب الحدود بين يدي القاضي لئلا يتعدى فيها. (ولا تجرد المرأة إلا مما يقيها الضرب، ويجلدان قاعدين): لأنها عورة واستحسن مالك أن تجعل في قفة. (ولا تحد حامل حتى تضع ولا مريض مثقل حتى يبرأ): لأنه يخشى عليهما الموت وليؤخرهما وينظر للجلد اعتدال الهواء مطلقًا على المشهور وقيل: لا يؤخر في الحر قاله في الموازية والحق أنه خلاف في حال كما قاله بعض الشيوخ. قال اللخمي: إن كان ضعيف الجسم يخاف عليه الموت من الحد سقط وسجن وإن كان الحد قصاصًا رجع إلى الدية، وفي كونها في ماله أو على العاقلة قولان وإن كان حد قذف فمن حق المقذوف تفريق ذلك عليه، وكذلك حد الزنى والشرب. (ولا يقتل واطئ البهيمة وليعاقب): لولا قوله وليعاقب لا حتمل قوله أن يقام عليها أنه يحد حد البكر فكأنه قال: ولا يحد واطئ البهيمة وليعاقب، وما ذكر هو المشهور، وقيل: يحد قاله ابن شعبان، وقال الطرطوشي: لا يختلف قول مالك إن البهيمة لا تقتل وإن كانت مما يؤكل أكلت. (ومن سرق ربع دينار ذهبًا أو قيمته يوم السرقة ثلاثة دراهم من العروض أو وزن ثلاثة دراهم فضة إذا سرق من حرز): قال بعض شيوخنا: السرقة أخذ مكلف حرًا لا يعقل لصغره أو مالا محترما لغيره

نصابًا أخرجه من حرزه بقصد أخذه خفية لا شبهة له فيه. وما ذكر الشيخ أنه يشترط أن يكون مقدرا المسروق ربع دينار أو ثلاثة دراهم هو مذهب الجمهور، وقال الحسن وغيره: ويقطع فيما سرق مما تكون له قيمة وإن قل واحتجوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده". وتأوله الجمهور كما قاله البخاري قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أنه مما يساوي دراهم واضطرب العلماء في مقدار ما يقطع فيه على عشرة أقوال محلها المطولات. وظاهر كلام الشيخ أن التقويم لا يكون إلا بالدرهم من غير اعتبار غالب مما يباع به ذلك العرض، وهو كذلك على المشهور، وهو ظاهر المدونة ونص الموازية وقيل: يبنى على الأغلب قاله الأبهري وعبد الوهاب وتؤول على المدونة وقيل: إن التقويم لا يكون إلا بالذهب ولو كان المسروق دراهم حكاه ابن حارث عن ابن عبد الحكم وبه قال الشافعي، ونقل عبد الحق عن بعض شيوخ صقلية أن السرقة إن كانت في بلد إنما يتعامل فيه بالعروض قوم في أقرب البلدان إليه التي يتعامل فيها بالدراهم. قال ابن رشد: وهو خطأ صراح إذ قد تكون ببلد السرقة كاسدة لا قيمة لها فيه، وفي قيمة بلد الدراهم كثيرة فيؤدي إلى قطع اليد في أقل من نصاب، ويريد الشيخ أنه إذا سرق ما يقطع فيه مرة واحدة، وأما لو كان عن تكرار فلا يقطع مطلقًا. وقال سحنون: إلا في فور واحد، قال في المدونة: ولو سرق ثوبًا قيمته دون النصاب وفيه دنانير أو دراهم لا يشعر بها قطع بخلاف حجر، أو خشبة فيهما ذلك، وقيدها اللخمي بما إذا كان الثوب مما جرت العادة أنه يحمل فيه الدراهم كالصر وإلا فشبهة تدرأ الحد. ونص أصبغ على أن من سرق ليلا عصا مفضضة وفضتها ظاهرة، وقال: لم أر الفضة بالليل فإن رئي أنه لم ير ذلك لم يقطع، وأقام ابن رشد من مسألة المدونة مثل ما قال ابن كنانة فيمن حلف أن لا يأخذ من فلان درهما فأخذ منه قميصًا وفيه درهم مصرور وهو لا يعلم ثم لما علم رده إنه إن كان مما تجعل في مثله الدراهم فهو حانث، وإلا فلا. قال أشهب: لا شيء عليه، وقال ابن القاسم: إنه حانث ورد ابن عبد السلام الإقامة المذكورة بأن البابين مختلفان لما قد علمت أن الحدود تدرأ بالشبهات وإن

الحنث يقع بأدنى سبب وتردد المغربي هل هذا مما يفرق به أم لا؟ وعزا بعض شيوخنا ما وقع التفرقة به لنفسه. (ولا قطع في الخلسة ويقطع في ذلك يد الرجل والمرأة والعبد): يعني به الخطفة وألحقوا بذلك إذا رئي وهو في الحرز فهرب بما معه فإنه لا يقطع. واختلف إذا تركه وأحضر من يشهد عليه وهو قادر على منعه على ثلاثة أقوال ففي الموازية: لا يقطع وقاله مالك، وقال ابن القاسم يقطع وكلاهما نقله الشيخ أبو محمد، وقيل: الفرق بين أن يشعر برؤيتهم له فيفر فلا يقطع؛ لأنه مختلس وبين أن لا يشعر بذلك فيقطع لأنه سارق وذكره ابن شاس عن بعض المتأخرين وعزا ابن هارون الأول لمحمد فقط، ولم يعز الثالث إلا لمالك. قال بعض شيوخنا: ولا أعرفه لغيره. (ثم إن سرق قطعت رجله من خلاف ثم إن سرق فيده ثم إن سرق فرجله ثم إن سرق جلد وسجن): ما ذكر الشيخ من صفة الترتيب هو مذهبنا وذهب عطاء إلى أنه لا تقطع منه رجل، وإنما تقطع الأيدي فقط، وما ذكر من أنه إذا سرق في الخامسة أنه يجلد ويسجن هو المشهور، وقال أبو مصعب: يقتل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، ولو كانت اليد اليمني شلاء فقيل: إن الرجل اليسري تقطع. وقال أبو مصعب: تقطع الشلاء ومثله عن ابن وهب نقله ابن زرقون وعنه تقطع إذا كان ينتفع بها ذكره اللخمي عن مختصر ما ليس في المختصر والقولان الأولان في المدونة قال فيها: إن سرق ولا يمين له أو له يمين شلاء قطعت رجله اليسري. قال مالك ثم عرضتها عليه فقال: امحها، وقل تقطع يده اليسري وقوله في الرجل اليسري أحب إلى وبه أقول، وتقدم أن هذه من الممحوات الأربع وإليك النظر في بقيتها لو قطع الجلاد أو الإمام اليسرى عمدًا فله القصاص والحد باق وإن كان خطأ فإنه يجزئ خلافًا لابن الماجشون والعقل له. (ومن أقر بسرقة قطع وإن رجع أقيل وغرم السرقة إن كانت معه وإلا أتبع بها): يريد إذا كان طائعا وأما إذا كان أقر بها من غير طوع ففي ذلك خمسة أقوال ذكرها اللخمي فقيل إقراره، كالعدم قاله مالك، وقال سحنون: يعول على إقراره.

وقال أشهب: بالأول إن لم يعين، وبالثاني إن عين وعرف أنها للمسروق منه. ووقع لابن القاسم ما يقتضي أنه لا يؤخذ إلا أن يعين وينضاف إلى ذلك ما يدل على صحته كقوله اجترأت. وقال مالك في المدونة: إن عين السرقة قطع إلا أن يقول دفعها لي فلان، وإنما أقررت لما أصابني ولو أخرج دنانير لم يقطع؛ لأنها تعرف. قلت: وجرت عادة أمراء إفريقية بضربه الضرب الوجيع كالخمسمائة سوط والالف فإن اعترف ربما أمروا بقتله لكونه محاربًا لإتيانه بالسلاح وليس بحكم شرعي، وإنما الخلاف السابق في الضرب اليسير أو التهديد بالقول أو بالسجن والله أعلم. وإن رجع عن إقراره إلى شبهة سقط القطع باتفاق وفي غير شبهة روايتان وتثبت السرقة بالبينة كالإقرار بها طوعا. وفي المدونة: وينبغي للإمام إذا شهدت عنده بينة على سرقة أن يسألهم عن السرقة ما هي؟ ويكف هي ومن أين أخذها؟ وإلى أين أخرجها؟ كما يسألهم في الزني، وأراد بقوله: ينبغي على الوجوب وظاهره سواء كانوا عالمين بالأحكام الشرعية أم لا، وهو كذلك خلافا لسحنون في قوله: إنما يسأل من كان جاهلا، ومعنى كما يسأل في الزني إشارة إلى الضبط فيما ذكر فقط؛ لأن المعروف أنه لا يشترط معاينة إتيان بينة السرقة للشهادة بها، وفي نظائر أبي عمران الصناجي اشترط ذلك، ولم يحك غيره وتبعه القرافي. قال بعض شيوخنا: وهو وهم وظاهر كلامه أنهما انفراد بذلك وليس كذلك بل ذكره ابن حارث في كتابة المسمي بأصول الفتوى عن مالك ولم يحك غيره ولفظة قال المغيرة: سمعت مالكًا يجيز شهادة الأفذاذ في كل شيء من النكاح والطلاق والعتاق والقذف وشرف الخمر ما خلا الزنا والسرقة. (ومن أخذ في الحرز لم يقطع حتى يخرج السرقة من الحرز) قال ابن الحاجب: الحرز ما لا يعد الواضع فيه في العرف مضيعا للمال ثم قال رحمه الله وظهرو الدواب حرز فحمله ابن هارون على ظاهره دون تقييد. وقال ابن عبد السلام: كذا قال في المدونة: وظاهر سياق الكلام هنا أن ذلك مشروط بما إذا كان معه ربه ما لم يخرج إلى الخلسة. قال بعض شيوخنا: وفيما قاله نظر؛ لأن لفظها والدور حرز لما فيها غاب أهلها أو حضروا وكذلك ظهور الدواب وبهذا اللفظ نقلها ابن يونس ولم يقيدها.

واختلف إذا سرق القناديل من المسجد على ثلاثة أقوال: فقيل: القطع فيها ثابت قاله أصبغ وابن الماجشون، وروي عن مالك وقيل بنفي القطع قاله أشهب وقيل: إن كان عليها غلق قطع، وإلا فلا والثلاثة لابن القاسم، وفي الحصر خمسة أقوال الثلاثة المذكورة. وقال سحنون: إن ربط بعضها ببعض قطع وإلا فلا، وعن ابن القاسم إن سرقها نهارا لم يقطع، وإن سرقها ليلا قطع، وسمع عيسى بن القاسم: من سرق أبواب المسجد قطع وللشيخ أبي محمد عن الموازية قال أشهب: لا قطع في بلاط المسجد، وقال أصبغ: يقطع. (وكذلك الكفن من القبر): ظاهر كلامه: ولو كان القبر في الصحراء، وهو كذلك ومثله إذا ألقي الميت في البحر فهو كالقبر وسواء شد في خشبة أم لا؛ لأنه قبره ونص عليه ابن شاس، وما ذكر أنه يقطع سارق الكفن هو مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة وغيره إنه لا يقطع، وقال ربيعة: إنه محارب. (ومن سرق من بيت أذن له في دخوله لم يقطع): مثله الرجل يدخل إلى حانوت التاجر ليشتري منه فيسرق فإنه لا يقطع للإذن له في الدخول، اللخمي إن سرق أحد الزوجين من مال الآخر فإن كان من موضع لم يحجر عليه لم يقطع، وإن كان من موضع محجور بائن عن مسكنهما قطع، وإن كان معهما في بيت واحد فسرق من تابوت مغلق أو من بيت محجور معهما في الدار والدار غير مشتركة. فقال ابن القاسم: يقطع وفي الموازية لا يقطع وعدم القطع أحسن إن كان القصد بالغلق التحفظ من أجنبي يطرقها وإن كان ليتحفظ كل واحد منهما من الآخر قطع وإن سرق الزوج من شيء شورها به ولم يبن به قطع على القول بأنه وجب جميعه لها وعلى القول الآخر انه مترقب لا يقطع كما لو كانت أمة فأصابها وتقدم الخلاف في حصر المسجد وشبهها ولو أخرها إلى هنا لكان أولى. (ولا يقطع المختلس): قال الفاكهاني: انظر لم كرر الاختلاس، وقد تقدم وهو ساقط هنا في بعض النسخ، ولكن هو في روايتنا. (وإقرار العبد فيما يلزمه في بدنه من حد أو قطع يلزمه وما كان في رقبته فلا إقرار له): خالف أشهب رحمه الله في إقراره بالقتل فقال: لا يلزم كإقراره بالمال

والمعروف لا قطع عليه إذا سرق من مال سيده مطلقًا، وقيل: يقطع فيما حجر عليه قاله في مختصر الوقار، وبه قال أبو مصعب ويريد الشيخ بالعبد من فيه شائبة رق كالمدبر، وأم الولد، وهذا ما لم يعين السرقة فإن عينها حلف السيد على نفي دعوى المدعى. وأما المأذون وشبهه فإقراره معمول به ومن ادعى على عبد دعوى فلا يمين عليه، وكذلك السفيه على معروف المذهب وفي أحكام ابن سهل لأبي محمد الأصيلي توجه اليمين عليه بذلك متعقبنا قول الأندلسيين بسقوطها واحتج بتوجه اليمين على من أحاط بالدين بمالة وعلى ذات الزوج بدعوى أكثر من ثلثها. قلت: ورده بعض شيوخنا: بأن السفيه لا يجوز إقراره ولو لزمته اليمين فإن له يوجب نكولها غرمه لم تكن له فائدة فإن وجبت لزم إعمال إقراره وإقرار من أحاط الدين بماله لازم وكذلك الزوجة فيما ادعى عليه بأكثر من ثلثها بمعارضة إن كانت الدعوى بها وإن كانت بعطية منعت توجيهها عليه فتأمله. قلت: ولا يتخرج قول الأصيلى في العبد لأن المال للسيد. (ولا قطع في ثمر معلق ولا في الجمار في النخل، ولا في النغم الراعية حتى تسرق من مراحها وكذلك التمر من الأندر): قال الفاكهاني يريد إذا كان في الحائط قال: وأما النخلة تكون في الدار فإنه يقطع سارقها قاله ابن المواز. قلت: وظاهر كلام الشيخ ولو كان على الثمر غلق، وهو كذلك عند ابن الماجشون، وقال ابن المواز: لو دخل سارق دارًا فسرق من ثمرها المعلق في رأس النخلة فإنه يقطع قال اللخمي: فيلزم عليه إذا كان النخل أو الكروم أو غيره من الثمار عليه غلق، وعلم أنه أحيط به من السارق أو كان لا غلق عليه حارس أن يقطع. واختلف قول مالك إذا سرق من الزرع بعد حصاده وهو في موضعه لم ينقل على موضع الحرز، وفي المدونة من احتمل بعيرا من القطار في مسيرة وبان به فإنه يقطع. وقال ابن يونس: وروى ابن المواز: وإذا سيقت الإبل والدواب للرعي، وهي تسار غير مقطورة فمن سرق منها قطع ما لم تنته للرعي والمقطورة أبين وكذلك الزوامل، وكذلك إن رجعت من الراعي، وهي تسار غير مقطورة وقد خرجت من حد الرعي ولم تصل إلى مراحها فإنه يقطع سارقها. قال اللخمي: اختلف إن سرق منها، وهي سائرة إلى المرعى أو راجعة منها ومعها من يسوقها فقيل: يقطع وقيل: لا

(ولا يشفع لمن بلغ الإمام في السرقة والزنا) ظاهر كلام الشيخ، وإن كان السارق والزاني قد تابا وحسنت حالتهما، وهو كذلك وحديث ماعز مع الغامدية يدل عليه. (واختلف في ذلك في القذف): قال الشيخ أبو الحسن اللخمي رحمه الله تعالى: اختلف قول مالك في حد القذف هل هو حق الله أو للمقذوف لجعله مرة للمقذوف وأجاز عفوه وإن بلغ الإمام، ومرة جعله لله فلم يجز العفو ولو قبل الإمام إلا أن يريد سترا على نفسه ولم يختلف أن عفوه جائز إذا أراد سترا، وهذا يسحن فيمن لم يعرف بذلك، وكان ذلك منه فلتة. وقال ابن رشد في المقدمات: لا خلاف أنه حق للمقذوف وهل هو حق لله تعالى في ذلك ثلاثة أقوال: أحدهما: أن فيه حقًا لله فلا يجوز فيه العفو بلغ الإمام أم لا. وهو دليل سماع أشهب وعليه يقيمه الإمام إن بلغ إليه صاحبه أو أجنبي. والثاني: لا حق لله فيه تعالى ولصاحبه العفو مطلقًا وهو أحد قولي مالك في السرقة والرجم من المدونة. والثالث: حق لصاحبه ما لم يبلغ الإمام فإذا بلغه صار حقًا لله، ولم يجز لصاحبه العفو عنه إلا أن يريد سترا وهو أحد قولي مالك. قلت: فإذا عرفت هذا فاعلم أنه خلاف قول الشيخ؛ لأن ظاهر كلامه يقتضي أنه لا خلاف في العفو قبل بلوغ الإمام وليس كذلك، ولما ذكر ابن الحاجب أن حد القذف من حقوق الآدميين على الأصح قال: وعليهما تحليفه عليه. قال ابن عبد السلام: أما عدم توجه هذه الدعوى على أنه حق لله تعالى فصحيح، وأما توجهها على كونه حقًا للآدمي ففيه نظر إلا لو كان حقًا ماليا، وأما إذا كان حقاً بدنيا فلا يلزم، وقد قال أشهب: فيما قدمنا أن القاتل إذا ادعى على ولي القتيل أنه عفا عنه ولم تتوجه هذه الدعوى ولم يحلف لها، واعترضه بعض شيوخنا بأن في كلامه الوهم من وجهين: أحدهما: أن القاعدة لا يستشكل التخريج المطلق على أصل المذهب إلا لمخالفة المشهور وأما ما موافقته فلا هو ههنا موافق قال في كتاب الديات من المدونة ما نصه: وإن ادعى القاتل أن ولي الدم عفا عنه فله أن يستحلفه فإن نكل ردت اليمين على القاتل ابن يونس يحلف يمينا واحدة لا خمسين يمينا؛ لأن المدعي عليه إنما

كان يحلف يمينا واحدة أنه ما عفي عنه فهي اليمين المردودة. الثاني: من اطلع على كلامه هذا يعقد أن المذهب أو المعروف منه عدم توجه دعوى العفو عن الدم وهو غلط فتأمله منصفًا. (ومن سرق من الكم قطع): ظاهر كلام الشيخ وإن كان المسروق من كمه نائمًا وهو كذلك باتفاق وكذلك الجيب زعم بعض الشيوخ الاتفاق عليه ويمكن أن يتخرج قول من أنه لا يقطع من أحد نقلي ابن شعبان وغيره في المودع إذا وضع الوديعة في جيبه فضاعت أنه ضامن وقد تقدم قول الحاجب في الحرز ما لا يعد الواضع فيه في العرف مضيعا للمال ومن سرق صبيا فإنه يقطع وقيل: بعكسه قاله ابن الماجشون. وقال أشهب: بالأول إن كان لا يعقل. وبالثاني: إن كان يعقل، وقال اللخمي: أرى أن يقطع إلا أن يكون ببلد يخشي فيه على أطفالهم من السرقة. وأما من سرق ما على صبي من حلى ففي الموازية: إن كان صغيرا لا يعقل، ولا حافظ له وليس في حرز لم يقطع وإلا قطع عليه. قال الباجي: فأورد الروايتين على الإطلاق، وقال في المدونة: إن دهن رأسه ولحيته بدهن في الحرز ثم خرج فإن كان في الدهن ما يبلغ ربع دينار قطع وإلا فلا. قال بعض شيوخنا: يقوم منها ما نص عليه ابن شاس، وابن الحاجب، أو من ابتلع درة وخرج فإنه يقطع ولا أعرفها بنصها إلا للغزالي في الوجيز. (ومن سرق من الهري أو بيت المال أو المغنم فليقطع وقيل: إن سرق فوق حقه من المغنم فليقطع، وقيل: إن سرق فوق حقه من المغنم بثلاثة دراهم قطع): لا خلاف أن من سرق من الهري أنه يقطع وهو موضع يختص بالطعام. قال الفاكهاني: رويناه بتشديد الياء والقول بأنه يقطع في الغنيمة هو لابن القاسم والقول بأنه لا يقطع لابن الماجشون، وصوب لتحقق الشركة وقيل: لابن القاسم في كتاب السرقة من المدونة أليس له فيها حصة؟ قال: قال مالك، وكم تلك الحصة ففهم منه أن القطع إنما هو مع كبر الجيش وقله الغنيمة ولو انعكس الفرض لكانت كمسألة الشريكين، والقولان في العتق الثاني من المدونة لابن القاسم وغيره ولم يذكر في السرقة غير ابن القاسم. وما ذكر الشيخ أنه يقطع إذا سرق من بيت المال، وهو كذلك باتفاق وعلل ذلك في كتاب العتق من المدونة بأن من له فيها حق باق لأنه لا يورق عنه ولما ذكر ابن

باب في الأقضية والشهادات

الحاجب أن من سرق من مال شركة لم يحجب عنه فإنه لا يقطع قال بخلاف بيت المال والغنائم المحجورة فإنه كالأجنبي على المشهور. قال ابن عبد السلام: فظاهره أن الخلاف فيهما وليس كذلك إذ الاتفاق في بيت المال على القطع. قلت: والصواب أنه إنما قصد ذكر الخلاف في الثانية خاصة؛ لأن قوله ما بخلاف بيت المال أي فإنه يقطع وقوله الغنائم أي: وبالخلاف في الغنائم فهي مسألة مستقلة بذاتها والله أعلم. ولو أراد فهما عنه لقال على المشهور فيهما والله أعلم. (ويتبع السارق إذا قطع بقيمة ما فات من السرقة في ملائه ولا يتبع في عدمه): المراد بالملإ أن يكون من حين السرقة إلى حين القطع عند الأكثر وعند أشهب إلى حين القديم، وقيل: لا يغرم إذا أتلفها مطلقا لقول عبد الوهاب عن بعض شيوخنا غرمه استحسان والقياس عدمه، وقيل: عكسه نقله اللخمي عن حكاية ابن شعبان قائلا، وقاله غير واحد من أهل المذهب. قلت: وهو الصواب لأن القطع إنما هو لله بدليل أن عفوه لا يرفع عنه القطع. (ويتبع في عدمه لما لا يقطع فيه من السرقة): ما ذكر متفق عليه فيما علمت كما أنه إذا قطع وهي قائمة فربها أحق بها. باب في الأقضية والشهادات قال الأبهري: القضاء في اللغة: على وجوه: مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه، قال الله تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) [الجمعة:10] وفي الاصطلاح: قال بعض شيوخنا: صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ الحكم الشرعي، ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين فيخرج التحكيم وولاية الشرطة وأحكامها وأخواتها والإمامة، وقول بعضهم هو الفصل بين الخصمين واضح قصوره. وطلب خطة القضاء على ثلاثة أقسام: فيجب عليه إذا كان من أهل الاجتهاد والعدالة ولا يكون هناك قاض أو يكون ولكن لا تحل ولايته وتستحب في مثل إذا كان هناك عالم مجتهد خفي علمه على الناس فأراد أن يشهره بولاية القضاء ليعلم الجاهل ويفتي المسترشد ويحرم في مثل إذا كان ليس من أهل العدالة، والأصل أن ذلك مكروه إلا لعارض ولم تزل العلماء قديما وحديثا يهربون من الحصول فيه ولما طلب ابن وهب

للقضاء استخفى عند بعض الناس فأشرف عليه رجل من أصحابه فقال: يا أستاذ ما بالك لم تتقدم تحكم بين الناس بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "يا فلان بينا أنا أرجو أن أحشر في زمرة العلماء أو زمرة الأنبياء أحشر في زمرة القضاة وزمرة السلاطين لا أفعل ذلك أبدا". وبقي ابن الأغلب يطلب سحنون بن سعيد نحوا من عام وهو يمتنع منه حتى حلف له لئن لم تتقدم لأقدمن على الناس رجلا من الشيعة فتقدم لما تعين عليه على شروط شرطها عليه، ولم يتقدم عبد الله بن فروخ في القيروان إلا كرها ثم لما جلس في الجامع فرح الناس له وكبروا حتى سمع الأمير تكبيرهم من قصره فلما أتى الخصماء يدلون بالحجج جعل لا يأتي له رجلان يدليان بحجتهما إلا بكى ويقول: يا فلان ويا فلان أترضيان أن أدخل النار بسبب حكمي بينكما ناشدتكما الله إلا ما قمتما عني ويقومان عنه وبكى كثير من الناس لبكائه فقيل للأمير: إن لم يعفه يموت من البكاء فقال لهم قولوا له: أخبرني من يتولى القضاء بعدك، وأعفيك فقال: إن كان ثم أحد فما ثم إلا ابن غانم فأعفاه، وتقدم ابن غانم وكذلك عيسى بن مسكين رضي الله عنه لم يتول القضاء إلا بعد إشراف على الموت حسبما هو مذكور في محله، وبالجملة فإن المتقدمين رضي الله عنهم على قدر هروبهم منه وبعدهم على جلالة قدرهم طلب أهل زماننا القرب من بعضهم بالتصريح، وبعضهم بالإشارة وبعضهم بصحبة السلطنة أو من ينتمي إليها إلى غير ذلك فشتان ما بين الفريقين فإنا لله وإنا إليه راجعون وللقضاء شروط كمال وشروط وجوب محلها المدونة. (والبينة على المدعي واليمين على من أنكر):

هذا مخصوص عندنا بوجهين: أحدهما: التدمية فإنه لا يفتقر فيها إلى بينة عند مالك والليث وكل العلماء على خلافهم. والثاني: المغصوبة تحمل بينة وتدعي الوطء لها الصداق كاملا اتفاقا فيما قد علمت، ويكفي في البينتين شاهدان. وفي العتبية ما ظاهره أنه لابد من أربعة، قال ابن عبد السلام: وليس بصحيح وإذا ادعى المديان على رب الدين عدمه لزمته اليمن أنه ما يعلم عدمه فإن نكل حلف المدين، حكاه المتيطي رحمه الله في باب النفقات عن جماعة من الفقهاء قال: ونحوه لابن شعبان وبه كان يفتي ابن الفخار. قلت: وكان الشيخ أو اسحاق بن عبدالرفيع حكم به بتونس فترك أكثر الناس حقوقهم من أجل اليمين فحكم بعدم توجهها عموما واستمر عليه العمل إلى الآن، وبه أفتى بعض شيوخنا فيمن لا يظن به علم حال المدين لبعده عنه وعلى الأول فاختلف إذا توجهت اليمين على المطلوب فقيل: يحلف على البت، قاله أبو عمران. قيل: على العلم إذ قد يكون مالك مالا من إرث أو هبة، ولم يعلم. قال الشيخ ابن رشد: وقول أبي عمران ظاهر المجموعة وأشار اللخمي على أن من كان ظاهر الفقر بدناءة حاله وصناعته كالبقال والخياط ممن شأن أهلها العدم يقبل قوله في العدم ولا يحبس إلا أن تكون الدعوى في يسير عومل فيه في صنعته فلا يصدق حتي يثبت ذلك، وللمدعى عليه أن يسأل عن السبب قاله أشهب. واختلف إذ قال المدعي: نسيت هل يقبل قوله بغير يمين أو به؟ على قولين

لأشهب والباجي. (ولا يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة كذلك قضى حكام أهل المدينة): مراده بالظنة التهمة التي تنزل منزلة ثبوت الخلطة كالدعاوى على الصناع حسبما نص عليه يحيى بن عمر وألزمه الباجي المنتصبين للتجارة في الأسواق، وذكره ابن شاس غير معزو لإلزام الباجي. واعترضه ابن هارون وكذلك دعوى الغريب بأنه وضع وديعة عند من يكون أهلا لها في الديانة، والأمانة، والمتهم بالسرقة، وكذلك الرجل يقول عند موته إن لي عند فلان دينا هذا معنى ما أراد الشيخ بالظنة، والله أعلم. وقول المغربي: قالوا: أراد بالخلطة المعاملات وبالظنة الغصب والتعدد بعيد، وقال شيخنا أبو مهدي رحمه الله تعالى: بل هو الأقرب؛ لأنه ظاهر المدونة قال فيها: ومن ادعى قبل رجل دين أو غصبا أو استهلاكا فإن عرف بمخالطته ومعاملته أو علمت تهمته فيما ادعى قبله من التعدي والغصب ينظر فيه الإمام فإما أحلفه أو أخذ له كفيلا حتى يأتي ببينة وإن لم تعلم خلطته أو تهمته فيما ذكرنا لم يعرض له، وما ذكر الشيخ من ثبوت الخلطة هو المشهور. وقال ابن نافع: لا تشترط، حكاه ابن زرقون ولم يحفظه أكثر شيوخ المذهب كابن حارث وابن رشد قائلا: مذهب مالك وكافة أصحابه الحكم بالخلطة، وبقول ابن نافع: قال الأندلسيون: واستمر عليه العمل بإفريقية وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وغيرهما، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم "لو يعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وربما رواه سحنون باسناده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" إذا كانت بينهما خلطة. وقد تقدم أن المطلق يرد إلى المقيد قالوا: حديثنا أشهر رواية وأثبت نقلا قلنا: هذا لا يمنع من رد المطلق إلى المقيد إذا اشتركا في الصحة وإنما يمنع من ذلك الطعن في رواية أحدهما ثم يترجح ما ذكرناه من جهة المعني، وهو أن الحرج والمشقة تلحق الناس بالأيمان لاسيما أهل الديانات. واختلف إذا اقام المدعي البينة بالخلطة فردها المدعى عليه بعداوة أو جرحة هل

تتوجه اليمين بهذه الدعوى أم لا؟ فقال ابن القاسم عن مالك: إنها لا تتوجه وقيل: لابد من توجهها حكاه أبو بكر بن محمد بن اللباد ولم يسم قائله، ويقوم منه أن من شهدت عليه بينة أنه تعرض إلى الجانب العلي وجرحها أنه لا يطلق بل ينكل ثم يرسل. وبه قال الشيخ أبو اسحاق القابسي رحمه الله تعالى: كأنه لم يشهد عليه إلا أن يكون ممن يليق به ذلك، ويكون الشاهدان من أهل التبريز فأسقطهما بعداوة فهو وإن لم ينفذ الحكم عليه بشهادتهما فالأرجح ظن صدقهما وللحاكم هنا في تنكيله موضع اجتهاد، والله أعلم وهو ولي الإرشاد، ذكره عنه أبو الفضل عياض في الشفاء ولا يتخرج من رواية ابن القاسم أنه يرسل مطلقا لحرمة الجانب العلي، ولقد بعدنا عن كلام الشيخ فلنرجع إليه. (وقد قال عمر بن عبدالعزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور): معناه ما أحدثوا من الفجور مما ليس فيه نص تستنبط أحكامه مما وق النص فيه بحسب الاجتهاد وظاهر كلام الشيخ أنه لم يحفظه حديثا وذكر ابن وضاح أنه حديث، وأن ابن عاصم كان يحلف الناس بالطلاق تغليظا عليهم متأولا الحديث على ذلك قال: فذكرت ذلك لسحنون فلم يرتضه. (وإذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف فيما يدعي فيه معرفة): قال شيخنا أبو مهدي رحمه الله: قصد الشيخ بقوله فيما يدعي فيه معرفة إلى أن القاضي لا يقلب عليه يمين التهمة، وفيها يقول ابن رشد في أجوبته، واختلف في توجيه يمين التهمة وفي انقلابها، والأظهر أنها إذا توجهت أن لا ترجع إذ لا يكلف أن يحلف على ما لا يعرف، قال: والذي أره في ذلك أن تلحق يمين التهمة إذا قويت وتسقط إذا ضعفت. وقال عبد الحق في النكت المعروف عدم توجهها، ذكر ذلك في كتاب الوكالة. قلت: وقال ابن زرقون: مذهب المدونة في تضمين الصناع والسرقة أنها تتوجه، وقاله ابن زرقون: مذهب المدونة في تضمين الصناع والسرقة أنها تتوجه، وقاله غير ابن القاسم في غير المدونة، وقال أشهب: لا تتوجه وعلى الأول فالمشهور لا تنقلب وفي سماع عيسى أنها تنقلب ولابن رشد مثل ابن زرقون، وما قاله شيخنا في فهم كلام الشيخ فيه نظر؛ لأن كلامه إنما دل على أنه مطالب أن لا يحلف إلا في الأمر البين، وهل يوجه عليه القاضي ما قال في ذلك مسكوت عنه فليس في كلامه جلاء لا ينفي ولا بإثبات، والله أعلم.

واختلف المذهب هل يبدأ أو لا بيمين من توجه عليه الحلف أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل: يبدأ أولا به ثم يؤمر من حلف له بإحضار ما وجب عليه، وقيل: لا يحلف حتى يحضره، واستمر عليه العمل عندنا بتونس، وذكر القولين أبو حفص العطار فذكر الأول عن نفسه، والثاني عن عبد الواحد. وقيل: يكفي أن يشهد المطلوب أنه مليء بحقه، ويحلف الطالب ثم يرفع له ولا تقبل منه بينة بالعدم ولم يحك أكثر شيوخ المذهب غيره كابن أبي زمنين وفضل ويؤخذ ذلك من قول جنايات المدونة ومن جنى عبده جناية فقال أبيعه وأدفع الأرش من ثمنه فليس له ذلك إلا أن يضمن وهو ثقة مأمون أو يأتي بضامن ثقة فيؤخر اليوم واليومين. وزعم بعض شيوخنا أنه إنما يؤخذ منها القول الثاني الذي عليه العمل، وسمعت شيخنا أبو مهدي غير ما مرة بذكر أن القول الثاني لا يوجد لغير المتأخرين من التونسيين، وفيه نظر إذ هو في تعليقة أبي حفص العطار عن عبدالواحد، وهو غريب فاعلمه. فإن قلت في عد قول عبد الرحمن نظر لأن أبا حفص ذكر أن المسألة وقعت لعبد الواحد مع امرأة وأن اليمين توجهت عليه. قلت: لا نظر فيه؛ لأن فتواه ليست بقاصرة عليه، وإنما هي متعدية، وقد ذكروا أن العبد إذا روى حديثا يقتضى عتق نفسه فإنه لا يقدح، وقد أفتى مالك في أم ولده لما استحقت بأخذ قيمتها فقط. قال عياض: فحكم فيها بقوله وليس في كلام الشيخ ما يدل على شيء من الأقوال الثلاثة بل كلامه أعم لمن تأمله. وإذا تم نكوله بقوله: لا أحلف وشبهه ثم أراد أن يحلف فليس له ذلك. قال في كتاب الديات من المدونة فيمن قام له شاهد بحق وأبي أن يحلف ورد اليمين على المطلوب ثم بدا له أن يحلف فليس له ذلك، وأما إذا التزم المدعى عليه اليمين ثم يريد الرجوع إلى إحلاف المدعي فهل له ذلك أم لا؟ فقال أبو عمران: له ذلك وأباه الشيخ أبو القاسم بن الكاتب وإذا امتنع المدعى عليه عن إقرار وإنكار فروى أشهب أنه يحبس حتى يجيب بأحد الأمرين وصححه بعض الشيوخ بقوله: إن طال سجنه ينبغي أن يحمل عليه السوط وفي المسألة أقوال أخر لم أذكرها لطولها. (واليمين بالله الذي لا إله إلا هو): ما ذكر الشيخ هو المشهور وقيل: يزاد عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم،

رواه ابن كنانة وبه قال الشافعي كذا عزاه ابن الحاجب لرواية من ذكر وعزاه ابن رشد لقوله في المدونة لا لروايته وظاهر كلام الشيخ لو قال بالله فقط، أو قال: والذي لا إله إلا هو فإنه لا يكفي، وهو كذلك نص عليهما أشهب، وهو ظاهر المدونة. قال الشيخ: والذي يقتضيه قول مالك أنها يمين مجزئة. قال: وهو أحسن؛ لأنه لا خلاف أن من حلف بذلك فحنث أن الكفارة عليه. قلت: يرد بأن هذا الباب أخص فيطالب فيه بكمال التهويل، والله أعلم. وقاله بعض شيوخنا، ولما ذكر المازري قول أشهب قال: وحمل بعض أشياخي على مالك أنه يرى الاكتفاء بقوله والله فقط وإنما يتعلق في هذا بقوله في كتاب اللعان يقول بالله وليس مقصود مالك في اللعان بيان اللفظ المحلوف به. قال بعض شيوخنا: وإنما اختصت اليمين بهذا الاسم المعظم دون سائر أسمائه تعالى التسعة التسعين؛ لأن أسماء الله تعالى كلها صفات ما عدا هذا الاسم فإنه مخصوص به غير صفة بل هو علم، وقد قال سيبويه: الأعلام مختصرات الصفات، معناه إذا ذكر الاسم العلم فكأن صفاته مذكورة معه لاشتهاره وعدم خفائه إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في كتب العربية. (ويحلف قائما ويحلف عند منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر وفي غير المدينة يحلف في ذلك في الجامع، وحيث يعظم منه) وظاهر كلام الشيخ: أن حلفه قائما شرط، وهو ظاهر رواية ابن القاسم ورواية ابن كنانة يحلف جالسا، وظاهره أنه لا يشترط استقبال القبلة، وهو ظاهر نص المدونة. وقال مطرف وابن الماجشون: يحلف مستقبل القبلة حكاه اللخمي، وابن يونس عنهما. وظاهر كلامه أيضا أنه لا يعتبر وقت الصلاة، ولو كان المال عظيما، وهو كذلك في مشهور المذهب، وروى ابن كنانة أنه يعتبر ذلك فيه وعليه يحمل قول ابن الحاجب وقيل: بوقت الصلاة يعني به في المال العظيم هذا الذي أعرفه في المذهب. وقال الفاكهاني: التغليظ يكون بالمكان والزمان ثم قال: وأما الزمان فبعد العصر قال الأبهري: لأن من شأن أهل الدين أن يرتعدوا في الأوقات الشريفة، والمواضع المعظمة هذا هو الغالب من أهل الدين. وقال الفاكهاني: وكذلك ينبغي أن يضاف إلى ما بعد العصر زمان رمضان ليله

ونهاره لا سيما ليلة القدر منه ويوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم الجمعة فإنها أوقات مشرفة في الشرع معظمة عند الناس. قلت: وفيما ذكر نظر من وجهين: أحدهما: أن ما ذكره من التغليظ بالزمان بعد العصر لا أعرفه إلا في اللعان على خلاف فيه حسبما قدمناه. الثاني: كونه لم يذكر غيره من أن المذهب على خلافه فكلامه يوهم مطالعة أنه المذهب والله أعلم. وظاهر كلام الشيخ أيضا: إن لم يبلغ ربع دينار أنه لا يحلف في الجامع، وهو كذلك نص عليه عبد الملك قائلا: يحلف في مكانه الذي قضي عليه فيه. وقال ابن الحاجب: يحلف في مسجد من المساجد وتممه بعض الشيوخ بقوله: فإن لم يكن عندهم مسجد حلف كما قال عبد الملك ولا يكلفه الانتقال إلى الجامع، وأما المرأة فقال في المدونة: تخرج فيما له بال من الحقوق فإن كانت من لا تخرج نهارا فلتخرج ليلا وتحلف في اليسير في بيتها إن لم تكن ممن تخرج ويبعث القاضي إليها من يحلفها، ويجزئ رجل واحد. وقال عياض في بعض النسخ: لم يذكر نهارا فقيل: يحتمل أنها لا تخرج جملة وهي التي لا تنصرف ولا تخرج من نساء الملوك فيبعث إليها الإمام من يحلفها، ولا يترك خصمها لامتهانها هكذا ذكره عبد الوهاب، وهذا فيما يطالبن به ونحوه لابن كنانة في المدونة. وقد حلف سحنون أمثال هؤلاء في أقرب المساجد إليهن وأما شيوخ الأندلسيين فرأوا أنه لا بد من خروج هؤلاء فإن امتنعت حكم عليها بحكم الملك، وليس بصواب وفسر أبو محمد الذي له بال بربع دينار، وفي كتاب ابن حبيب مثله في قوله: إنهن كالرجال يحلفن في الجامع في ربع دينار فصاعدا وذهب بعض شيوخنا أنهن بخلاف الرجال، وإن الذي له بال في حقهن هو المال الكثير وأما ربع دينار ونحوه فلا يحلفن فيه في المسجد وكذلك قال محمد. قلت: وقال اللخمي في كتاب محمد: تحلف المرأة في بيتها في أقل من ربع دينار وفي دينار فأكثر في الجامع فيحمل نقل عياض على ما ذكره ونقل ابن يونس عن ابن الماجشون مثل ما تاوله أبو محمد وعزا المتيطي هذا القول في النكاح لمطرف فقط.

(ويحلف الكافر بالله حيث يعظم): يريد يقول: بالله الذي لا إله إلا هو فبالله من قوله ترجمة وإنما قلنا ذلك؛ لأنه رحمهالله تعالى اختصر المدونة على ذلك, ومثله فى كتاب محمد قال: يمين الحر والعبد واالنصرانى في الحقوق سواء وكذلك في كتاب ابن حبيب. وذهب الشيخ أبو القاسم بن شبلون، وغيره، إلا أنه لا يلزم الكافر ذلك قالوا: لأنهم لا يوحدون، ولا يكلفون ما ليس من دينهم. قال ابن محرز: وليس كذلك بل يحلفون كالمسلمين، ولا يكون ذلك منهم إيمانا، ونص عليه المتقدمون من علمائنا ويدل عليه استحلاف المجوس بالله، وهم ينفون الصالح تعالى الله عن قولهم اعتقادهم علوا كبيرا ولم يكن ذلك إيمانا. قال المتيطي: واحتج ابن الهندي لعدم الزيادة بأن إلزامه ذلك إكراه في الدين والله تعالى يقول: (لا إكراه في الدين) [البقرة: 256] وقال اللخمي: يلزم اليهودي الزيادة لأنهم يوحدون بخلاف النصراني المتيطي وفيه نظر لأن اليهود قالوا: عزير ابن الله. وحكى ابن شعبان عن رواية الواقدي: يحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى. وقال ابن المواز في مجوسية أسلم زوجها وتلاعنا فقالت: أقول والنار لا أحلف بالله فقال: لا تحلفي إلا بالله، وقال اللخمي: ينبغي أن يحلفوا بما يعظمون لما في ذلك من استخراج الحق كحلفهم في كنائسهم وبيعهم، وبيت نارهم، ولا فرق. قال ابن هارون: هو بعيد. قلت: وجه بعده أن الحلف بغير الله أشد من السير إلى ما ذكر. وقال الشيخ أبو الحسن القابسي رضي الله عنه: ولو أراد المسلم أن يحلف الكافر يوم السبت فله ذلك. وقال غيره من المتأخرين: ليس له ذلك والقولان حكاهما المازري فخصص بعضهم الخلاف اليهودي لأن النصراني لا يعظم يوما وعممه ابن عات فيهما. قال: لأن يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى كذا عزاه بعض شيوخنا والذي في الطرر عن نقل ابن فتحون إنما الخلاف في اليهودي فقط، ولولا الإطالة لذكرنا لفظه، ولما وقف بعض أصحابنا على كلامنا هذا استثبت شيخنا في نقله وأحضر له مختصر وطرر ابن عات وعرفني أنه أصلح تأليفه وعاجلني السفر إلى جزيرة جربة قاضيا فلا أدري

كيف أصلحه، ولا يحلفون في الكنيسة إلا في ربع دينار، وقال المشاور: الحكم كذلك في القليل والكثير حكاه ابن عات. (وإذا وجد الطالب بنية بعد يمين المطلوب لم يكن علم بها قضى له بها، وإن كان علم بها فلا تقبل منه، وقد قيل تقبل منه): ما ذكر أنه يعمل على البينة إذا لم يكن عالما بها هو كذلك باتفاق، وأما إذا كان عالما بها فذكر رحمه الله قولين فيها، والقول الأول هو نص المدونة، قال فيها: وإن استحلفه بعد علمه ببينة تاركًا لها وهي حاضرة أوغائبة فلا حق له إلا أن قوله تاركا لها، قال أبو إبراهيم سقط في بعض المواضع فقيل اختلاف. قلت: وعلى القول باشتراطه فهل المراد تصريحا أو إعراضه كاف وعليه الأكثر في ذلك تأويلان عليها حكاهما عياض والقول الثاني من كلام الشيخ رواه ابن نافع وبه أخذ ابن وهب، وأشهب، وهو قول الليث وغيره كالشافعي. قال ابن يونس: واستحسن بعض فقهائنا القرويين إذا كان أمد البينة يطول عند القضاة ويشتد على الخصم ذلك أن له أن يحلف رجاء أن ينكل وله القيام بها، واختار اللخمي قولا ففصل فيه لم أذكره لطوله، وكل هذا إذا وجد شاهدان. قال اللخمي: وأما لو وجد واحد، فقال ابن القاسم، وغيره: يحلف معه ويستحق، وقال ابن كنانة في الواضحة: ليس ذلك لأنه لا يسقط يمينا ولا درأ حقا بيمينه مع شاهده ولكن أتى بشاهدين. قلت: وعزا القول الثاني أبو محمد من نقل ابن حبيب لمطرف وابن الماجشون وابن عبدالحكم وأصبغ ولم يذكر غيره وكذلك أكثر شيوخ المذهب كابن يونس وهو محمول على عدم العلم حتى يثبت العلم قاله سحنون في المدونة. قال عياض: ثبت ذلك في كتاب ابن سهل لأحمد بن خالد، وابن أيمن عن ابن وضاح ولم يكن عند غيرهما، ولا في كتاب ابن عات، وهو صحيح على الأصل. قلت: وبه الفتوى عندنا واستمر عليه عمل القضاة، ولا أعرف خلافه. (ويقضي بشاهد ويمين في الأموال): ما ذكره هو مشهور المذهب وذكر يحيى بن يحيى أنه لا يحكم به وذكر أن الليث بن سعد كان يفتي به قال أبو حنيفة وغيره وأطبقوا في قولهم حتى قال محمد بن الحسن: يفسخ القضاء به؛ لأنه خلاف القرآن.

(ولا يقضي ذلك في نكاح أو طلاق أو حد): ما ذكر في مسألة النكاح هو نص المدونة في كتاب الأيمان بالطلاق. قال فيها: ومن ادعى نكاح امرأة أو أنكرته فلا يمين له عليها، وإن أقام شاهدا ولا يثبت نكاح إلا بشاهدين. وقال ابن القاسم في الموازية: إذا ادعى الرجل على امرأة نكاحا أو العكس أن اليمين ساقطة ما لم يقم بذلك شاهد فلا بد من اليمين. قال القاضي عبدالوهاب: فإن نكل جرى على اختلاف قول مالك في دعوى الطلاق مع الشاهد ونقل ابن الهندي لزوم اليمين بمجرد الدعوى لما روي أشبه شيء بالبيع النكاح. ونقل ابن الحارث عن سحنون مثله، وإن كانا طارئين فالمجموع أربعة أقوال، واختلف إذا أقامت المرأة شاهدا بالنكاح على ميت. قال ابن القاسم: تحلف وترث، وقال أشهب: لا ترث وقيل بالأول: إن لم يورث بقرابة أو ولاء، وبالثاني: إن ورث بذلك، وكذلك الثلاثة في دعوى الرجل النكاح عليها بعد موته، والثلاثة والأقوال حكاها ابن يونس في الصورتين في كتاب الشهادات وسبب الخلاف بين ابن القاسم، وأشهب في الدعوى إذا لم تكن بمال لكنها تؤول إليه ولا يقال لو صح هذا لا طرد في حال الحياة؛ لأن حال الحياة لا تترتب عليه أحكام أخرى كلحوق النسب. قال ابن عبدالسلام: وقد ورد سؤالا وجوابا وما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في الطلاق هو كذلك إلا أنه يؤمر بأن يقرأ ويحلف فإن امتنع فاختلف في المسألة على أربعة أقوال حكاها المتيطي: أحدها: لزوم الطلاق رواه ابن أبي زين، وبه قال أشهب. قلت: وهو قصور إذ هو أحد الأقوال عن مالك في المدونة في آخر كتاب الأيمان بالطلاق، ولفظها: قال مالك: فإن نكل طلقت عليه مكانه ومثله في العتق الثاني وبه قال ابن عبدالحكم. الثاني: أنه يسجن حتى يحلف أو يطلق وإليه رجع مالك. الثالث: أنه يدين وتبقى له زوجته قاله بعض أصحاب مالك. الرابع: أنه إذا مضى له أربعة أشهر من يوم إبايته عن اليمين فإنه يدخل عليه الإيلاء فإن استمر على الإبابة طلق علي بالإيلاء، وعلى القول بأنه يسجن اختلف في

قدره في ثلاثة أقوال عن مالك فقيل: سنة قال المتيطي: وعليه العمل. قال ابن عبد السلام وذكره ابن القاسم في أواخر العتق الثاني من المدونة، وأطلق ذلك في الأيمان بالطلاق. قلت: بل أطلق فيه أيضا، ولفظه وأنا أرى إن طال سجنه أن يخلي سبيله ويدين نعم هو قول له خارج المدونة كما لا شك فيه، وقيل: إن ذلك يرجع إلى اجتهاد الحاكم وقيل: يسجن أبدا وهو نص أيمانهم أيضا، وما ذكر في الحد هو كذلك باتفاق وكذلك في الأدب على المشهور. وحكى ابن رشد قولا شاذا إنه يؤدب بالشاهد واليمين. (ولا في دم عمد أو نفس إلا مع القسامة في النفس وقد قيل: يقضي بذلك في الجراح): هو قول ابن سحنون يريد كقطع اليد أو موضحة عمدا. وقوله: وقد قيل: يقضي بذلك في الجراح هو قول ابن القاسم في شهادات المدونة، وأشارالشيخ لتضعيفه بوجهين: وهما فقد تقدم القول الأول عليه، وقوله: وقد قيل كقوله في اليتيم، وقد قيل: يتيمم لكل صلاة. (ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأموال): يريد وما لا يطلع عليه إلا هن كما يقوله الآن والوكالة لطلب المال واسناد الوصية التي ليس فيها إلا المال فيجوز فيها شاهد وامرأتان قاله مالك، وابن القاسم، ومنع ذلك عبد الملك وسحنون ومنع ابن القاسم في ذلك الشاهد واليمين واحتج عليه سحنون بذلك قائلا: كل موضع لا يقبل فيه شاهد ويمين لا تقبل النساء. (ومائة امرأة كامرأتين وذلك كرجل واحد يقضي بذلك مع رجل واحد أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين):

مثل هذا في المدونة قال فيها: وإن شهدن لرجل أن فلانا أوصى له بكذا جازت شهادتهن مع يمينه وامرأتان في ذلك ومائة امرأة سواء يحلف معهن ويستحق، وقال فيها: إذا كانت بينة أحد المتداعيين رجلين أو رجلا امرأتين فيما تجوز شهادة النساءء فيه وبينة الآخر مائة رجل واستووا في العدالة فإنهم يسقطون وبقي الشيء في يد حائزه ويحلف فظاهر المدونة والرسالة أن الأمر كذلك حقيقة. وقال اللخمي في الأول: هذا مبالغة ولا تستوي امرأتان مع مائة امرأة لأنه يفيد العلم. وقال في الثانية: محمل قول ابن القاسم على الغابات ولو كثروا حتى يقع العلم يصدقهن لقضى بهن؛ لأن القضاء باثنين لغلبة الظن وتبعه المازري على هذا وقال

بعض المغاربة انظر هل يسلم هذا للخمي أم لا. قلت: وأفتى به بعض من لقيناه من القرويين غير ما مرة قال: وهو المذهب عندي ولا يفتقر إلى تزكية، ولا إلى تجريح مهما كثروا، وأول ما أفتى به بالقيروان في أمير شهد عليه أناس شتى بما يوجب عزله ولم يزكهم أحد من العدول وحكم القاضي بما أفتى له به. فعزله وأدبه. ولم يرتضه شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني رحمه الله قال: وهو عندي خلاف المذهب؛ لأنه إذا قبل القاضي شهادتهم بمجرد كثرتهم فهو يحكم بعلمه، وقد علمت أنه لا يجوز هكذا سمعت منه غير ما مرة وقد كان أخبرني شيخنا الأول بأنه ناظره فيها ومرض اعتلاله هذا بأن الذي لا يحكم القاضي فيه بعلمه إنما هو إذا لم يكن مستندا لشهادة أحد، وفي هذا قد استند حكمه لشهادة من شهد فلا ريبة فقلت ذلك لشيخنا أبي مهدي في درسه فلم يقبله قائلا: لما لم يزك من شهد فهو كالعدم. قلت: في فهم الشيخين نظر؛ لأن المسألتين المركب عليهما كلام اللخمي إنما هو إذا ثبتت عدالة من شهد ألا ترى إلى قول المدونة، واستووا في العدالة وإلى قول اللخمي لأن القضاء باثنين لغلبة الظن فهمها لم يزك من شهد ولو كثر عددهم جدا فلم يدخل في كلام اللخمي وإذا لم يدخل فلا شك أنها كالعدم ولا يختلف في ذلك والله أعلم. (وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والاستهلال وشبهه جائزة): ظاهر كلامه أن شهادتهن في الولادة مقبولة، وإن لم يحضر الجسد، وهو كذلك عند ابن القاسم خلافا لسحنون. وقال اللخمي: إن كانت المناكرة بقرب الولادة لا تجوز؛ لأنه يقدر على إظهاره وإن كان مقبورا وإن كان بعد طول لقدوم من ناكرها أو كانت الأم مقرة ثم أنكرت أن تجوز. وأما شهادتهن في الاستهلال فتجوز باتفاق. واختلف هل تجوز شهادتهن على أنه ذكر أو أنثى على ثلاثة أقوال: فأجازها ابن القاسم، لكن مع يمين القائم بشهادتهن وردها أشهب، وقال أصبغ: إن فات بالدفن والطول حتى تغير نظرت فإن كل فضل المال يرجع إلى بيت المال أو إلى العشير البعيد جازت كما قال ابن القاسم وإن كان يرجع إلى بعض الورثة دون بعض أخذت بقول

أشهب، ولو ادعى الزوج على زوجته عيب فرجها فقال ابن القاسم: لا ينظر إليها النساء وهي مصدقة وأنكره سحنون فإن كان العيب بغير الفرج مما هو عورة فقيل: تقبل فيه شهادة النساء. وقيل: يبقر الثوب حتى ينكشف موضع العيب فيطلع عليه الرجال ولا تقبل شهادتهن حينئذ وعزا اللخمي القولين لأصبغ لغيره وعزاهما المازري للموازي ولغيرها. قال بعض شيوخنا: والأول هو ظاهر الأيمان بالطلاق من المدونة ولو كان العيب بفرج الأمة فاختلف فيه البائع والمشتري فإنه تقبل فيه شهادتهن باتفاق، وإذا كان القاضي هو الباعث فاختلف هل يكتفي بامرأة واحدة؟ في ذلك قولان بناء على أنه من باب الخبرأم لا، واختار اللخمي أنه لا بد من امرأتين قائلا: لأن العدالة ضعفت وأراد الشيخ بقوله وشبهه كالرضاع وعيوب النساء. (ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين): يريد إذا كانت الخصومة في الدنيا وحطامها، وأما في الدين كما إذا شهد على أهل البدع فلا قاله سحنون، وكذلك لا تجوز شهادة المتهاجرين. وقال ابن كنانة: إن كانت المتهاجرة خفيفة وقعت على أمر خفيف جازت الشهادة. قال اللخمي: وهذا يحسن في المبرز في الصلاح، والخير قال: واختلف إذا اصطلحا بعد الخصومة فقال محمد: جائز، وقال مطرف ابن الماجشون: إن طال الأمد، وإن كان يحدثان ذلك فلا. قلت: والصواب أنه خلاف في حال واختلف في أربعة أتوا متعلقين برجل شهدوا عليه بالزنا فمنعه ابن القاسم لأنهم خصماؤهم، وفي كتاب ابن حبيب جوازها، واستحسنه اللخمي؛ لأن الأصل منازعتهم في سبب الدين والظنين. قال ابن رشد: قيل: هو المتهم في دينه، وقيل: هو المتهم في شهادته، واستمر العمل عندنا بافريقية على قبول شهادة الطلبة بعضهم على بعض. قال ابن عات: قال الشعباني: تقبل شهادة القراء في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض لأنهم يتحاسدون كالضرائر والحسود ظالم لا تقبل شهادته على من يحسده. وقال المتيطي في المبسوطة لابن وهب: لا تجوز شهادة القارئ على القارئ يعني: العلماء لأنهم أشد الناس تحاسدا، وقاله سفيان الثوري ومالك بن دينار، ويقوم من كلام الشيخ أن العدو لا يوكل على العدو وهو كذلك نص عليه أبو إسحاق بن

شعبان قائلا: لما نهي عنه من الضرر الضرار، وهو أيضا ظاهر ما في مديان المدونة قال فيها: ومن أدى عن رجل دينا بغير أمره أو دفع عنه مهر زوجته جاز ذلك إن فعله رفقا بالمطلوب، وأما إن أراد الضرر بطلبه وإعناته وأراد حبسه لعدم أو لعداوة بينه وبينه منع من ذلك كله ويقوم من كلامه أيضًا من أن القاضي لا يحكم على عدوه، وهو كذلك قاله أبو محمد في نوادره عن ابن المواز. فإن قلت: لا نسلم أن هذا يقوم من كلام الشيخ؛ لأن حكم القاضي ظاهر فإذا حكم عليه سأل غيره من أهل العلم عن حكمه بخلاف الشهادة فإنها خفية؛ لأنه يشهد عن علمه، وبهذا الذي ذكرنا استدل الماوردي في الأحكام السلطانية في أنه لا يحكم على عدوه ولا يشهد نقله ابن الحاج في نوازله عنه. قلت: ومن أحكام القاضي ما هو باطن أيضا كالتعديل والتجريح بلا فرق والله أعلم. ولهذا قال ابن الحاج: هو خلاف مذهب مالك وخلاف ما في نوازل سحنون من أقضية العتبية. (ولا يقبل إلا العدول): قال ابن الحاجب: العدالة المحافظة الدينية على اجتناب الكذب والكبائر وتوقي الصغائر وأداء الأمانة وحسن المعاملة ليس معها بدعة فإنها فسق. وما ذكر الشيخ فهو مذهبنا وقال الشافعي: الناس محمولون على العدالة حتى يثبت نقيضها وظاهر كلام الشيخ ولو كان العدل مولي عليه السوء نظره في المال لا يجرحه، وهو كذلك رواه أشهب. وقيل: لا تقبل شهادته، قال ابن المواز وأشهب وأخذ من كتاب الشهادات من المدونة. (ولا تجوز شهادة المحدود ولا شهادة عبد ولا صبي ولا كافر): ما ذكر الشيخ من أن شهادة المحدود لا تجوز هو كذلك باتفاق معناه إذا لم يتب كما يقوله الآن وما ذكر أن شهادة العبيد غير معمول بها هو كذلك باتفاق أهل المذهب وخارج المذهب قول بجوازها لغير السيد محتجا بقوله تعالى: (ممن ترضون من الشهداء) [البقرة: 282] ، وبقوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) [الطلاق:2] ، والعبد قد يكون عدلا مرضيا ورد بأن الآيتين مخصوصتان بقوله تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) [البقرة: 282] ، والعبد لا يتصرف إلا بإذن سيده. قال ابن شعبان في زاهيه: قيل: ولو عتق العبد وشهد حينئذ فإنه ينظر في حاله

بخلاف الكافر إذا شهد حين أسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجب ما قبله" وكذلك الصبي قرب احتلامه. وما ذكر أن شهادة الصبي لا تجوز هو كذلك باتفاق؛ لأنه غير مكلف، واختلف في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح للضرورة وإذا لم تجز شهادة الصبي فأحرى من لا عقل له والكافر لا تجوز شهادته باتفاق وخارج المذهب قول بجوازها في الوصية. وأما شهادة المسلم على الكافر فإنه معمول بها نص على ذلك في المدونة وأقام منها بعض من لقيناه من القرويين أن شهادة الرعية على الوالي معمول بها؛ لأن العداوة العامة لا أثر لها قال: ونص على ذلك ابن جرير رحمه الله، وأول ما سمعت هذه الإقامة من شيخنا هذا حفظه الله تعالى لما نزلت بقاضي القيروان في واليها تعرض إلى الجانب العالي أسأل الله السلامة من ذلك فشهد عليه جماعة من أهلها وزكوا وعذر بذلك فسأله عنها فأفتاه بذلك وسلم له ذلك أهل العلم ببلدنا وغيرها وترد الإقامة، وإن كنت أقول بموجبها؛ لأن العداوة التي بين المسلم والكافر إنما هي دينية، وقد علمت أنه لا أثر لها بخلاف العداوة التي بين الرعية والوالي إنما هي دنيوية والعداوة الدنيوية معتبرة والله أعلم. (وإذا تاب المحدود في الزنا قبلت شهادته إلا في الزنا): اعلم أنه إذا ثبتت التوبة لا يشترط مضي زمان بل التوبة كافية، وقيل: لابد من مضي ستة أشهر، وقيل: لابد من سنة، وما ذكر الشيخ رحمه الله من أن شهادة المحدود في الزنا وكذلك شهادة من حد في شيء لا تجوز شهادته فيه هو كذلك على المشهور، وبه قال سحنون. وقال ابن كنانة وأصبغ وروي عن مالك أنها تقبل واختاره الأبهري. قال المازري: وهو مذهب الكتاب وعزاه ابن يونس لبعض شيوخه ولم يرتضه قائلا: ليس في الكتاب دليل عليه والقياس هو قول سحنون والجماعة الفرق على مذهب ابن كنانة بين ولد الزنا ومن حد في شيء أن ولد الزنا لا يندفع عاره بالتوبة وغيره يندفع كاندفاع الكفر بالإسلام وضعف ابن يونس هذا الفرق وزعم أنها في الجميع باقية؛ لأنها إذا بقيت في ولد الزنا وليس الزنا من فعله كانت في الزاني أبقى؛ لأنه من فعله.

واختلف متى ترد شهادة القاذف فقال عبد الملك إذا عجز عن اثبات ما ادعاه وحق عليه القذف، وقال ابن القاسم وأشهب وسحنون بل حتى يحد وكلاهما حكاه ابن تونس. واختلف هل يجوز أن يولي ولد الزنا القضاء أم لا؟ على قولين لسحنون والباجي وعلى الأول فهل يمنع أن يحكم في الزنى أم لا؟ على قولين لسحنون وأصبغ. (ولا تجوز شهادة الابن للأبوين ولا هما له): ما ذكر الشيخ أن شهادة الابن للأبوين وهما له لا تجوز هو معروف المذهب وحكى بعض الشافعية عن مالك أن شهادته لأبيه مقبولة. قال المازري: وهي حكاية منكرة وربما كانت وهما، وأما شهادة الأب لابنه فلا خلاف أنها لا تقبل وليس المراد بالأبوين دنية، وإنما المراد عموما، وكذلك الأبناء وإن سفلوا. وظاهر كلام الشيخ: أن شهادة الابن لأحد أبويه لا تجوز وهو كذلك عند سحنون. وقال ابن نافع: ذلك جائز ما لم تكن تهمة كموالاة الأب للابن بالصلة وقيل: إن كان مبرزا ويكون ما شهد فيه يسيرا فإنها جائزة قاله مالك في المجموعة والموازية، وفي شهادة الأب لأحد ولديه على الآخر إذا استوت حالتهما قولان لابن محرز وسحنون. (ولا الزوج للزوجة ولا هي له): ما ذكر هو قول مالك وأبي حنيفة وقال الشافعي بل هي مقبولة، وقال ابن أبي ليلى، والنخعي: تقبل شهادة الزوج لها دون العكس. وظاهر كلام الشيخ إذا طلق الرجل زوجته طلاقا بائنا أن شهادته لها مقبولة، وهو كذلك قاله سحنون في العتبية قائلا: وإن كان له منها ولد، وقال عنه ابن عبدون: إنما تجوز إذا كان مليا ليس لولده حاجة إلى أمهم فإن كان عديما والولد في نفقة أمهم لم تجز. قلت: وينبغي أن يكون هذا مفسرا لما قبله. واختلف هل يشهد الرجل لربيه أم لا؟ على قولين لابن القاسم وسحنون. (وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه): ظاهر كلام الشيخ سواء كان مبرزا أم لا، ومثل هذا الإطلاق وقع في شهادة المدونة، ووقع في أول الشهادات منها اشتراط التبريز فقيل: اختلاف، وقيل: لا. واختلف المذهب في شهادته له في المال على سبعة أقوال، هذان القولان،

والثالث: تقبل في اليسير دون الكثير قاله ابن كنانة. والرابع: لأشهب إن كان مبرزا قبلت مطلقا وإلا قبلت في اليسير. الخامس: أنها مردودة مطلقا. والسادس: تجوز في غير الربع المتهم بجره إليه أو إلى ابنه كحبس مرجعه إلى ابنه. والسابع: تجوز إن لم تنله صلته، وكلاهما حكاه الباجي، وكل هذا الخلاف إذا لم يكن الشاهد في نفقة أخيه المشهود له أو يتكرر عليه معروفه. وأجاز ابن القاسم أن يعدل الأخ أخاه ومنعه أشهب في التعديل وصوب وكذلك الخلاف في تجريح من جرحه. قال اللخمي: ويختلف في شهادته له في جراح الخطأ لأنها مال. واختلف في شهادته له جراح العمد فالمعروف المنع؛ لأنه مما تدرك فيه الحمية والتعصب، وأجازها أشهب في العتبية والأول أحسن. قلت: ولا يقال: إن أشهب ناقض أصله في التعديل؛ لأن التعديل ادخل في النفوس فيكتسب به شرفا زمانا طويلا ودائما فالتهمة فيه أشد وألزم والله أعلم. قال ابن رشد: والمسائل التي يشترط فيها التبريز ست ما تقدم وشهادة الصديق الملاطف لصديقه وشهادة الشريك لشريكه في غير مال المفاوضة وشهادة المولى لمن أعتقه وشهادة الأجير لمن استأجره إذا لم يكن في عياله، وإذا زاد ونقص في شهادته. (ولا تجوز شهادة مجرب في كذب أو مظهر لكبيرة ولا جار إلى نفسه ولا دافع عنها):

ظاهر كلامه أن الكذبة الواحدة لا أثر لها وهو كذلك ومثله أقام غير واحد من المتأخرين من قول المدونة ومما يجرح فيها الشاهدان عليه بين أنه شارب خمر أو آكل ربا أو صاحب قيان أو كذاب في غير شيء واحد فأفتى بصيغة فعال للمبالغة ليدل على التكرار، وأشار بقوله أيضا في غير شيء إلى الكذب الجائز لا يقدح كالكذب للصلح بين المتهاجرين، واشتراط الشيخ الإظهار في الكبيرة لا مفهوم له بل إذا شهد عليه أنه فعل حراما كبيرا مستترا فإنه يقدح كما هو ظاهر المدونة كما تقدم في لفظها. ظاهر كلام الشيخ أن مظهر الصغيرة لا يقدح في شهادته وليس كذلك وقد تقدم لابن الحاجب أنه اشترط في العدالة توقي الصغائر وظاهر كلام ابن القاسم في العتبية أن من ترك الجمعة مرة واحدة إنها جرحة في شهادته وبه قال أصبغ، وقيل: إن تكرر تركه ثلاث مرات، قاله ابن الماجشون وغيره. وأما من اقتصر على الزكاة فشهادته جائزة ونقل الباجي عن أصحابنا أنها ترد وسبب الخلاف هل ينتفي عنه اسم البخل أم لا؟ وقد أكثر الشيوخ الكلام فيما يجرح به الشاهد لأنه مضطر إليه فمن شاء فلينظره في المطولات. قال الفاكهاني: وقول الشيخ ولا جار إلى نفسه فهو أن يشهد لشريكه في شيء من مال الشركة. (ولا وصي ليتيمه وتجوز شهادته عليه): مثاله من أعتق عبدا فلا تجوز شهادته لسيده أنه أدى دينه؛ لأنه يباع فيما على سيده من دين قال: وقوله: ولا وصي ليتيمه راجع في المعنى إلى قوله: ولا جار، وإنما كرره ليقول وتجوز شهادته عليه وذكر عبد الوهاب رواية أن شهادة الوصي على من يلي عليه لا تجوز لأنه يتهم في أن يريد أن يخرج عن أيديهم مالا قد تعين عليه حفظه ويسقط عن نفسه ما لزمه بقوله. (ولا يجوز تجريح النساء ولا تعديلهن): زاد في المدونة: لا للرجال ولا النساء وهو واضح لما تقدم من أن شهادتهن إنما هي جائزة في المال فإن قلت: لم لم يجز ذلك وهل هي شهادة على غير المال تؤول إلى المال؟ وقد علمت أن ابن القاسم أجاز شهادتين في ذلك.

قلت: قال بعض شيوخنا لما كان لا يقتصر تجريحهن على الشهادة التي شهدن فيها من جرحته بل يتعدى إلى غيرها أشبهت الحكم في البدن والله أعلم. (ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضي): أي هو عدل ف ينفسه رضي في أفعاله. قال الفاكهاني، ويريد الشيخ، وكونه من أهل اليقظة والتحرز نص على ذلك ابن عبد الحكم قائلا: قد يكون الرجل الخير الفاضل ضعيفا لا يؤمن علهي لغفلته، وقد يلبس عليه وتابعه على ذلك شيوخ المذهب كابن رشد والباجي ويكفي في تعديل الغير أن يقول هو عدل رضي ولا بد منها قاله ابن الجلاب كما هو ظاهر كلام الشيخ ووجهه أن الله تعالى قال: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) [الطلاق: 2] وقال عز من قائل: (ممن ترضون من الشهداء) [البقرة:282] وزاد سحنون على الوصفين جائز الشهادة. وقال بعض الأندلسيين: إن المعلوم من المذهب أنه إن اقتصر على أحد اللفظين من العدالة والرضى أجزأه، وروى ابن كنانة: يقبل إذا قال أعلمه وأعرفه عدلا رضيا جائز الشهادة ولا يقبل إذا قال لا أعلمه إلا عدلا رضيا. وقال ابن عبد الحكم وغيره: يكفي أن يقول أراه عدلا رضيا، وليس عليه أن يقول هو عدل رضي عند الله ولا يقول أرضاه لي وعلي. واعلم أنه لا يجب ذكر سبب التعديل بلا خلاف في المذهب، وذكر أرباب الأصول فيه خلافا، واختلف في سبب التجريح على أربعة أقوال: فقيل: يجب وقيل: لا وقيل: إن كان عالما بوجهه لم يجب قاله مطرف، وقيل: إن كان مبرزا لم يجب قاله أشهب. قال ابن عبدالسلام: والأقرب أنه لابد من ذكره لاختلاف العلماء في كثير من أسبابه مع غموض بعضه وقد جرح أقوال من المحدثين ونسبوهم إلى أشياء هم منها براء، واستفسر بعضهم من جرحهم ما لا يصلح أن يكون جرحة، فقال بعضهم: رأيت فلانا يبيع ولا يرجح الميزان، وقال بعضهم: رأيته يغتاب بحضرته، ولا ينكر وجرح شاهد شاهدا فقال لما سئل عن الجرحة رأيته يبول وهو قائم فقيل له: وإذا بال قائما ماذا يكون؟ قال: يتطاير عليه بوله فقيل له: هل رأيته صلى به بعد ذلك فقال لا فظهر غلطه. (ولا يقبل في ذلك ولا في التجريح واحد): إنما لا يقبل في ذلك واحد؛ لأن التعديل والتجريح أمر ظاهر لا يخفى فشهادة

واحدة في ذلك ريبة وكذلك العدم لا يثبت بالشاهد واليمين وعلته ما ذكرناه، وكذلك النكاح والطلاق والعناق والولاء والنسب والإحباس، والوصايا لغير المعينين وهلال رمضان وهلال ذي الحجة وغيرهما، والموت والقذف والإيصاء، ونقل الشهادة لا يكون إلا بشاهدين. قال الفاكهاني رحمه الله: وهذه المسألة سقطت في بعض النسخ وهي في روايتنا ثابتة، وهي على التقدير زيادتها صحيحة لا أعلم في ذلك خلافا. (وتقبل شهادة الصبيان في الجراح قبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبير): ما ذكر الشخ من أن الشهادة مقبولة فيما ذكر زعم ابن الحارث الاتفاق عليه،

وليس كذلك بل هو مشهور المذهب، وقيل: إنها باطلة كشهادتهم في المال قاله ابن عبد الحكم ومحمد بن صدقة ومطرف كذا عزاه ابن زرقون ولم يعزه ابن رشد إلا لمطرف كما أن اللخمي والمازري لم يعزواه إلا لابن عبد الحكم. وظاهر كلام الشيخ أن شهادتهم في القتل لا تجوز وهو قول أشهب، وقال مالك: إنها مقبولة وهو المشهور والقولان في المدونة. ولما ذكر الفاكهاني القولين قال بعد وظاهر الرسالة موافق لقول أشهب، وقد علمت المشهور ما هو فكأنه أشار إلى التعقب عليه لكونه كلامه إنما جاء على الشاذ، والمستقرأ من كلام الشيخ أنه لا يتعقب عليه بمثل هذا لأن طريقة أصحاب مالك طريقه مالك حسبما قدمنا ذلك عند قول الشيخ على مذهب مالك بن أنس رحمه الله وطريقته والمشهور اشتراط الحرية قال ابن زرقون وحكى القاضي عبدالوهاب في شرح الرسالة عن بعض متأخري أصحابنا أن شهادة العبيد منهم جائزة. قلت: ولم يحفظه ابن رشد بل قال: لا أعلم في ذلك خلافا ولا بد أن يكون ممن يحكم لهم بالاسلام وممن يعقل الشهادة واعتبر ابن القاسم كونهم اثنين فصاعدا، وفي كتاب ابن مزين عن ابن نافع يقسم بشهادة الصبي الواحد وألزمه ابن هارون أن يحلف مع شهادته في الجراح، وتكون فيه الدية ومنع أشهب ومالك من المدونة شهادة إناثهم. وقال ابن عبد السلام: في قول ابن الحاجب الإناث مطلقا، وفي المجموعة عن مالك تجوز شهادة غلام وجاريتين خاصة، وفي المدونة على المخزومي تجوز شهادة إناثهم. وقال ابن عبد السلام: في قول ابن الحاجب، وفي اشتراط الذكورية قولان اضطرب المذهب في ذلك، وكذلك اختلف قوله المدونة في ذلك فظاهره أن قول مالك وابن القاسم اختلف فيها وليس كذلك. ويقوم من كلام الشيخ أن شهادة النساء في الولائم، والأعراس مقبولة، وهو أحد قولي ابن الجلاب فذكر أولا عدم الجواز واعترض أصحابنا قبولهم قال: واعتبرها بشهادة الصبيان وذكرهما المازري روايتين. فإن قلت: ما ذكرته يرد بقول سحنون لما قال له ولده يلزمك في غصب بعضهم من بعض في المال هذا موضع اتباع الماضيين ولا وجه للقياس فيما هو سنة أو كالسنة وقد فرقت الأئمة بين الدماء والأموال فقبلوا في الدماء ما لم يقبلوا في الأموال.

قلت: ما ذكره سحنون من أنه سنة أو كالسنة ممنوع بخلاف كثير من أهل العلم ممن ذكرنا من أهل المذهب وبه قال القاسم وسالم بن عبد الله من أهل المدينة، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وغيرهما وبقول القاسم وسالم بن عبد الله ضعف ابن عبد السلام قول ابن الحاجب، وعلى العمل بشهادتهم إجماع أهل المدينة ثم إن كلام سحنون إنما فرق الدماء والأموال مسألتنا من الأول. (وإذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم يأخذ المبتاع أو يحلف ويبرأ): يعني إذا باع رجل سلعة لرجل فيقول البائع بعتها بدينار مثلا ويقول المشتري بل بنصف دينار فإنه يحلف البائع أولا لقد بعتها بدينار ثم يقال للمشتري: اختر إما أن تدفع ما حلف عليه، وإلا فاحلف ويتفاسخا. وظاهر كلامه ولو قبض المشتري السلعة وفاتت وإلى هذا ذهب أشهب في روايته قال: والقيمة تتنزل في الفوات منزلتها. قال ابن بشير: وبه كان يتفي من أدركناه من محققي الأشياخ يريد كالمازري، وقيل: القول قول المشتري بنفس العقد عزاه بعض الشيوخ لكتاب ابن حبيب قال ابن بشير: ولم يوجد فيه وقيل: لا يكون القول قوله إلا إذا قبض السلعة وقيل: إذا بان بها وكلاهما رواه ابن وهب، وقيل: إذا قبضها المشتري وقبض البائع الثمن فالقول قول المشتري وإلا فلا حكاه الباجي وقيل يتحالفان ما لم تفت في يد المشتري بتغير سوق فأعلى فالقول قوله، رواه ابن القاسم عن مالك في المدونة قائلا: وثبت عليه، فالحاصل ستة أقوال. وما ذكر الشيخ من أن المبدئ باليمين إنما هو البائع هو المشهور، وهو نص المدونة في كتاب الأكرية وقيل: بل يبدأ المبتاع قاله في العتبية وأخذه المازري من قول المدونة من تضمين الصناع إذا تجاهل الورثة الثمن يبدأ بوراث المبتاع أنهم لا يعلمون بما ابتاعها به أبوهم ثم ترد فإن فاتت لزمت ورثة المبتاع بقيمتها. ولم يذكر ابن عبد السلام هذا الأخذ بل سأل نفسه هل يؤخذ منها أم لا؟ فقال: لا لأن الجهل عندهم يتنزل منزلة الفوات، وسلمه خليل رحمه الله ورده بعض شيوخنا بأنه لو كان كما قال للزم عدم ردها كفواتها، وقيل: يقرع بينهما قاله اللخمي، وقيل: يخير الحاكم قاله بعض شيوخنا المازري، ويحتمل أن يريد الشيخ بقوله إذا اختلف المتبايعان اختلافهما في جنس الثمن وقطع شيخنا أبو مهدي بأن هذا مراد الشيخ لكونه لم يقيد التخالف بعد الفوات فحمله على الأول يؤدي إلى حمله على غير

المشهور وحمله على الثاني جار على المذهب، وإن وقع الفوات فإذا دار الأمر بين حمله على الأول والثاني فحمله على الثاني أولى لما ذكرت. قلت: وقطع الفاكهاني بحمل كلامه على الأول من غير احتمال عكس ما قاله شيخنا وزعم ابن الحاجب الاتفاق على التحالف في اختلافهما في الجنس كابن حارث وخرج عبد الحميد الصائغ قولا بأن يكون القول قول البائع من قول المدونة في تضمين الصناع فيمن صبغ ثوبا أسود فادعى ربه أنه إنما أمره بأحمر أن القول قول الصباغ مع اختلافهما في الجنس؛ لأن الصباغ يدعي أنه باعه نيلا ورب الثوب يدعي أنه اشترى عصفرا. وفرق المازري بأن صاحب الثوب ما دفع إليه ثوبه فكأنه ائتمنه عليه، وبأن صاحب الثوب يدعي على الصباغ تعديا يوجب عليه تعمير ذمته بقيمة الثوب. وقال ابن عبدالسلام في رد المازري: عندي نظر تركت جلب ذلك استغناء بما ذكره بعض الشيوخ يعني به: ابن زرقون عن ابن القاسم في الكراء إن القول قول الساكن إن أشبه. قلت: ظاهره أن القول المخرج قول ابن القاسم وليس كذلك بل القول المخرج هو أن القول قول البائع وقول ابن القاسم في الساكن يوجب أن القول قول المشتري فهي ثلاثة أقوال. (وإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما حلفا وقسم بينهما وإن أقاما بينتين قضى بأعدلهما فإن استويا حلفا وكان بينهما): ما ذكر أنه يقسم بينهما هو كذلك باتفاق وذلك أن كلا منهما له شبهة لحوزه فجعله بينهما عدل وما ذكر من أنه يقضي بأعدل البينتين هو المشهور وروي عن مالك أنه لا يرجح بها. وقال ابن عبد السلام: وهذه الرواية إما أن تكون مبنية على القول بنفي الترجيح في الأدلة وإما أن تكون لا ترجح بذلك ويكون الترجيح بغير ذلك، وهو الأقرب. قلت: قال بعض شيوخنا ولا أعرف هذه الرواية لنقل غيره ولم يعزه ابن رشد إلا للمخزومي وبعض أهل العلم وعزاه ابن حبيب لبعض علمائنا والمشهور لا يرجح بكثرة العدد وهو قول المدونة. وروى ابن حبيب أنه يرجح بذلك وجمع بعض الشيوخ بين المسألتين وذكر فيها ثلاثة أقوال: ثالثها: يرجح العدالة دون زيادة كثرة العدد، قال القرافي في توجيه

المشهور والمقصود من علم القضاء إنما هو قطع النزاع والعدالة أقوى من زيادة العدد؛ لأن كل واحد يمكنه زيادة العدد في الشهود ولا يمكنه ذلك في مزيد العدالة. ورده ابن عبد السلام بأن من رجح بزيادة العدد لم يقل به كيف ما اتفق وإنما اعتبر مع قيد العدالة فليس بسهل حينئذ. ووجهه المازري بأن الشارع لما قيد شهادة الزنا بأربعة والطلاق باثنين وقيد في المال بالواحد مع اليمين دل على أنه لا تأثير للعدد. واختلف قول ابن القاسم هل يترجح الشاهدان على الشهاد واليمين والشاهد والمرأتين أم لا؟ قال ابن عبدالسلام: فإن قلت: هب أن رجحان الشاهدين على الشاهد واليمين ظاهر للاختلاف في قبول الشاهد واليمين فما السبب في رجحانهما على الشاهد والمرأتين. قلت: لما نبه عليه بقوله تعالى (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) [البقرة: 282] من زيادة مزية الرجلين على الرجل والمرأتين. (وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد بزور قاله أصحاب مالك): ظاهر كلامه يقتضي أن جميع أصحاب مالك فرقوا بين أن يعترف أنه شهد يزور أم لا فإن شهد به غرم، وإن قال شبه علي فإنه لا يغرم وتبع في هذا النقل ابن المواز وليس كذلك بل قال ابن القاسم ومطرف وأصبغ في الواضحة: إنه يغرم مطلقا، وهو ظاهر كتاب السرقة من المدونة قال فيها: إن رجعا عن عتق أو طلاق أو دين أو قصاص أو حد أو غير ذلك فإنهما يضمنان، وهذا القول كذا عزاه ابن رشد وهو الصواب عندي لقول أصحابنا العمد والخطأ في أموال المسلمين سواء وكذلك قال في أحكام الشعبي من أفتى بغرم ما لا يجب فقضى به غرمه قاله أصبغ بن خليل، ولم يرتض بعض شيوخنا ما قلناه فقال: الخطأ كالعمد في الأموال باتفاق المذهب ولذلك رجع غير واحد القول الثاني فما وجه القول الأول؟ قلت: إنما وقع الاتفاق على أن الخطأ كالعمد في فعل غير المأذون له في الفعل، وأما المأذون له في الفعل فليس كذلك كالراعي بضرب الشاة ضرب مثلها فتهلك فلا يضمن والوكيل على شراء عبد يشتري أبا الموكل خطأ فإن لا ضمان عليه، والشاهد لما كان مطلوبا بالشهادة صار كالمأذون له في الفعل منضما إلى أن الأصل عدم التفريط

وعدم الضمان. وفيما قاله شيخنا نظر؛ لأن هذا الفرق لو صح لا طرد وبيان عدم اطراده ما ذكرناه عن أحكام الشعبي بأن المفتي مأذون له بل هو مأمور بذلك ولا سيما إن لم يكن في ذلك الإقليم غيره. وقد قال رحمه الله: ما تقدم من ضمانه لم يحك غير ذلك في كتاب الغصب من تأليفه، ولو رجع الشاهد بعد الحكم وقبل الاستيفاء فإن كان مالا نفذ، وإن كان دما ففيه خلاف، وإن كان قبل القضاء فلا ينفذ خلافا لأبي ثور. قال في المدونة في كتاب السرقة: لو أدب لكان لذلك أهلا، وقال سحنون: لا يؤدب كالمرتد. (ومن قال رددت إليك ما وكلتني عليه أو على بيعه أو دفعت إليك ثمنه أو وديعتك أو قراضك فالقول قوله): ما ذكر من أن الوكيل على البيع إذا قال دفعت إليك ثمنه إن القول قوله هو كذلك وكلامه رحمه الله تعالى أعم من أن تلزمه اليمين أم لا. واختلف في المسألة على أربعة أقوال حكاها ابن رشد في المقدمات في كتاب الوديعة فقيل: يحلف وهو سماع ابن القاسم في المدونة في الوكالات وقيل: إن كان بمقدار الأيام اليسيرة فالقول قول الموكل أنه ما قبض شيئا وعلى الوكيل إقامة البينة ويصدق الوكيل إن كان بعد شهر ونحوه مع يمينه وإن طال جدا لم يحلف رواه مطرف. وقيل: إن كان كيسير الأيام حلف وإن طال فلا قاله ابن عبد الحكم وابن الماجشون. وقيل: الوكيل على معين غارم مطلقا والمفوض إليه يحلف بالقرب خاصة قاله أصبغ. قلت: الذي عزا بعض شيوخنا للفظ المدونة إنه مصدق وكذلك اختصرها البراذعي والذي تلقيانه من شيوخنا بأجمعهم أنه إذا قال في الكتاب: مصدق فإنه لا يحلف بخلاف إذا قال قبل قوله فإنه لا بد من اليمين وعزا ابن يونس الأول لابن القاسم وابن الماجشونن وابن عبد الحكم وعزا القول الثاني لقول مطرف لا لروايته ولقول ابن القاسم في العتبية. ويريد الشيخ في مسألة الوديعة إذا قبضها بغير بينة ولو قبضها ببينة فلا يقبل قوله

قاله في المدونة وقيل: يقبل قوله مطلقا حكاه ابن شاس عن ابن القاسم قاله ابن عبد السلام وهو قول شاذ على نظر في صحة نسبته إلى المذهب يريد أن ابن رشد إنما خرجه من دعوى المستأجر رد ما استأجره من العروض أنه مصدق ولو قبضه ببينة رواه أصبغ وضعفه بفرق ذكره والمراد بالبينة إذا كانت مقصودة التوثق، وأما إن كانت اتفاقا فلا، قاله غير واحد كعبد الحق، واللخمي وابن يونس. وقيل: لا يشترط فيها أن تكون مقصودة التوثق حكاه ابن عات عن ابن زرب حسبما قدمناه. (ومن قال دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان على الدافع البينة وإلا ضمن): إنما قال يضمن؛ لأنه دفع إلى غير اليد التي دفعت إليه فوجب أن يضمن وهذا هو مشهور المذهب ونقل ابن رشد في المقدمات عن ابن الماجشون فيمن بعث بضاعة من رجل لرجل أنه لا يلزمه إشهاد في دفعها ويصدق، وإن أنكر القابض كانت دينا أو صلة. قال: ويتخرج من قول ابن القاسم في المدونة أن من أمر غيره أن يشتري لؤلؤا من بلد وينقد عنه فزعم أنه ابتاعه ونقد ثمنه ثم تلف حلف على ذلك ورجع عليه بالثمن لأنه أمينه ومن سماع عسى فيمن اشترى ثوبا من ثوبين على أن أحدهما قد وجب عليه بخياره فيضيع أحدهما فيدع أنه كان اختار هذا الباقي أنه مصدق والمسائل أربع دافع أمانة لأمانة، وذمة لذمة ودافع ما في أمانة لذمة، وعكسه ولولا الإطالة لذكرنا جميع ذلك فانظر المقدمات. (وكذلك على ولي الأيتام البينة أنه أنفق عليهم أو دفع إليهم): ظاهر كلامه وإن قاموا عليه بعد طول من ترشيدهم وهو ظاهر المذهب لقوله تعالى: (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) [النساء: 6] الآية، قال مالك: لئلا تضمنوا، وقال ابن الماجشون: لئلا تحلفوا كذا نقله المغربي عنه نصا، وخرجه اللخمي وتبعه خليل، وكأنه من عند نفسه من قوله السابق فيمن بعث بضاعة مع رجل أنه لا يلزمه الإشهاد في دفعها وإن أنكر القابض. وفي الموازنة: إن طال الزمان كعشرين سنة مقيمين معه لا يبطلونه فالقول قوله مع يمنه. قال ابن يونس: لأن العرف قبض أموالهم فإذا رشدوا كالبياعات بغير كتب وثيقة إذا مضى من الزمان ما يظن معه عدم تأخير قبض الثمن إليه فالقول قول المشتري وجعل القاضي أبو بكر بن زرب أن مقدار ثمانية أعوام كاف.

وقيل: إن الطول يرجع فيه إلى العرف قاله ابن رشد فالحاصل خمسة أقوال، وجعل خليل المشهور مقيد بعدم الطول وليس على عمومه. وقال بعض شيوخنا: المعروف من المذهب عدم قبوله مطلقا، وهو مذهب المدونة في وصاياها وفي تضمين الصناع نص شيخنا على ما ذكر في آخر مسألة من الوصايا من تأليفه وما نسبه للمدونة إنما هو ظاهرها وليس ذلك بنص فيها. وما ذكر الشيخ أنه لا يقبل قوله مقدار النفقة إذا لم يكونوا في حضانته هو المشهور مطلقا. وقال اللخمي: إن كانت الأم فقيرة وهي حاضنتهم وهي في عافية يصدق الوصي للقرينة. وفي ترجمة دفع الوصي النفقة إلى الحاضنة في الربع الأخر من الطرر لابن عات ما نصه قاله الأبهري: الوصي مصدق فيما دفع من النفقة؛ لأنه لو كلف البينة لشق ذلك عليه إذا كان يحتاج على أن يشهدهم على درهم ودانق وحبة وهذا من الأمر الموضوع عن الناس، ولذا قال مالك: إن اللقطة لمن جاء بعلامتها، وقوله صلى الله عليه وسلم "البينة على المدعى واليمين على من أنكر" إنما ذلك إذا ادعى شيئا في يد غيره. وقال أحمد بن ناصر: قوله مقبول فيما دفع من النفقة إذا أشبه نفقة الأيتام في حضانته كانوا أو عند حاضنتهم من غير بينة عن الحاضن لهم أو عليهم أنفسهم البينة أنه لم ينفق، وإلا فالقول قوله من غير يمين تلزمه في دعوى الأيتام وللحاضن اليمين عليه بدعواه. (وإن كانوا في حضانته صدق في النفقة فيما يشبه): يريد الشيخ بقوله صدق مع يمينه لنص مالك وابن القاسم وأشهب قال عياض: وهو مالا يختلف فيه لأن ما يشبه قد يكون وقد لا يكون واختلف إذا أراد أن يحسب أقل ما يمكن ويسقط الزائد فقال أبو عمران: لا يمين عليه، وقال عياض: تلزمه إذ قد يكون أقل منه لاحتمال استغناء اليتيم عن تلك النفقة التي لا شك فيها أياما مفترقة أو متوالية لمرض أو صلة من أحد وهو ظاهر قول مالك وابن القاسم في الموازنة من قوله: ويحلف ما لم يأت بأمر مستنكر وإذا زاد على مقدار العادة زيادة يسيرة صدق مع يمينه رواه ابن المواز، وقال ابن القاسم حكاه ابن يونس في سماع أشهب وربما قال: وله أن يشتري ما يلهو به. وفي المجموعة لابن كنانة: وينفق في عرسه بقدر حاله وحال من تزوج وقدر ماله

فإن خشى أن يتهم رفع إلى الإمام. (والصلح جائز إلا ما جر إلى حرام): قال عياض: الصلح معاوضة عن دعوى واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير جامع؛ لأنه يخرج عنه صلح الإقرار قال: وقول ابن شاس، وابن الحاجب، الصلح معاوضة كالبيع وإبراء وإسقاط تقسيم وتفسير له لا تعريف قال والصلح انتقاله عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو لخوف وقوعه وهو مندوب إليه ويعرض له الوجوب حيث تتعين مصلحته وحرمته وكراهته لاستلزامه مفسدة واجبة المدار وأرجحيته ومعنى قول الشيخ: إلا ما جر إلى حرام كالصلح على دعوى عشرة دنانير أقر بخمسة منها فقط على دراهم مؤجلة ولا خلاف في تحريم هذه الصورة؛ لأنه حرام في حق كل واحد منهما وأما ما حرم في حق أحدهما فقط كصلحه عن عشرة دنانير أنكرها بدراهم مؤجلة فالمشهور أنه يفسخ. وقال أصبغ: يمضي وأماما ظاهره الفساد وهو غير محقق ككونه في جهة معينة كدعوى كل واحد منهما على صاحبه دنانير أو دراهم فيصطلحان على تأخير كل واحد منهما صاحبه لأجل فإنه مكروه فإن وقع مضى. وقال ابن الماجشون: يفسخ ما لم يطل. (ويجوز على الإقرار والإنكار): أما الصلح على الإقرار فبالاتفاق وأما الإنكار فالمشهور كذلك وقيل: إنه لا يجوز حكاه عياض عن ابن الجهم عن بعض أصحابه وأخذه شيخنا من قول سحنون إلا طلب السلابة شيئا خفيفا لم يجز أن يعطوه قال: والتخريج أحروي؛ لأن العادة في المحارب القتال المعروض للقتل وهو أشد من عداء الخصومة المعروضة للحلف ويرد بأن القافلة قد يتحقق أنها تغلب السلابة لكثرة عدد القافلة أو لشجاعتهم فيحرم عليهم إعطاء مال وإن قل؛ لأن فيه الإعانة على المعصية؛ لأنهم إذا وجدوا من يقدر عليه أخذوه أو قتلوه فيكون عليهم بعض إثم من ذلك لأنهم إذن غير مضطرين إلى الدفع من مالهم وقد ينكره خصمه ولا تكون عنده بينة وهومضطر إلى الصلح. وأيضا فإن اللص معترف بأنه ظالم في أخذ المال والمنكر في الصلح يزعم أن ما يؤخذ منه فهو مظلوم فيه فافترقا والله أعلم. وعلى المشهور أن الصلح على الإنكار جائز قال بعض شيوخنا: إنما ذلك باعتبار عقده، وأما ما في باطن الأمر فإن كان الصدق هو المنكر فالمأخوذ منه حرام

وإلا فحلال فإن وفى بالحق برئ وإلا فهو غاضب فيما بقي والصلح مع السكوت كالإقرار قاله عياض، ولم يحك فيه خلافا. قال الفاكهاني: هو كالإقرار على المشهور ولم يحك خلافا في الإنكار كالمازري وابن القصار وغيرهما وما ذكر من الخلاف لا أعرفه لكنه جار على قواعد المذهب في السكوت هل هو كالإقرار أم لا؟ والمعروف أن الافتداء من اليمين جائز، قال في المدونة في كتاب الأيمان والنذور: من لزمته يمين فافتدى منها بمال جاز ذلك، وقال ابن هشام: إن علم المدعى عليه براءته وطلبت منه اليمين فليحلف ولا يصالح على شيء من ماله وإن صالح أثم من أربعة أوجه: الأول: أنه أذل نفسه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أذل الله من أذل نفسه". والثاني: أنه أطعمه ما لا يحل. والثالث: أنه أضاع ماله وقد نهى عليه السلام عن ذلك. والرابع: جرأه على غيره كما جرأه على نفسه. وقبله خليل ورده شيخنا أبو مهدي نقلا ومعنى. أما نقلا فلأن عثمان صالح عن يمينه، وأبا بكر وعمر حلفا فالأمران جائزان. وأما معنى فلأن ما استدل به لا ينهض؛ لأن في صلحه إحرار نفسه لأن الخصومات مرجوحة ولاسيما كثرتها ولم يضيع ماله بل ادخره عنده وكونه أطعمه مالا حراما أو جرأه على الغير ليس باختياره وإنما هو مضطر لذلك وظلم هو نفسه قال الله تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق) [الشورى: 42]. (والأمة الغارة تتزوج على أنها حرة فلسيدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له): ما ذكر الشيخ من أن للسيد أخذ الأمة فهو كذلك على المشهور. وروي عن مالك وفي الجلاب رواية أخرى يأخذ قيمتها ولا شيء له في الولد، وما ذكر من أن له أخذ قيمة الولد هو كذلك بلا خلاف. قال ابن رشد: القياس أن الولد رق لمالك أمه لإجماعهم على أن ولد الأمة من

غير سيدها ملك له، وترك هذا القياس لإجماع الصحابة على حرمته خلافا لأبي ثور وداود في قولهما: إنه رقيق. قلت: قال بعض شيوخنا: إن ثبت إجماع الصحابة رضوان الله عليهم فقول أبي ثور وداود باطل؛ لأن خلاف إجماع تقرر، وهذا الذي ذكرنا هو الذي أعرفه في المذهب. وقول الفاكهاني قيل: يدخلها الأقوال الثلاثة الآتية في الأمة المستحقة لا أعرفه وظاهر كلام الشيخ أن الولد حر ولو كان الزوج عبدا وهو كذلك في قول حكاه ابن شاس ومذهب المدونة أنه رقيق قائلا: إذ لا بد من رقه مع أحد أبويه. وقال التونسي: كان يجب حرية ولده لشرط ذلك وما الفرق بينه وبين الحر والفرق لعجزه عن غرم قيمته يبطل بالحر العديم وتوقع اليسر كتوقع العتق والفرق بأن لربه إبطاله من ذمته غير بين. قلت: واعترضه بعض شيوخنا بأن الحر العديم إنما يطلب يسره فقط وفي العبد يطلب عتقه ويسره والموقوف على أمر أقر من الموقوف على أمرين وما ذكر من أن القيمة يوم الحكم هو المشهور. وقال المغيرة: يوم الولادة وبه قال أشهب، وقيل: يوم القيامة ذكره ابن بشير تخريجا من المستحقة بملك وكذلك القول بيوم الحكم قال: والمنصوص يوم الولادة واشتد نكير شيخنا أبي مهدي عليه فقال: هذا منه رحمه الله قصور لنص المدونة في النكاح الأول أن قيمته يوم الحكم. قلت: وقول ابن الحاجب وانفرد المغيرة بيوم الولادة قصور أيضا إذ هو قول أشهب ذكره ابن رشد عنهما في أول مسألة من رسم الكراء من سماع أصبغ من كتاب النكاح. واختلف هل يقوم بماله فذكر عن مالك أنه يقوم بماله وقيل: بدونه قاله غير واحد. وأخذه المازري وعياض من قول المدونة إذا كان الأب عديما أنها تؤخذ من الولد؛ لأنه لا يستحيل أن يكون في ماله خاصة مقدار قيمة نفسه مع ماله وإلا لزم أن يكون الجزء مساويا للكل. قلت: ورده بعض شيوخنا باحتمال أن يكون طرأ له مال بعد العتق وقبل الدفع أو قوماه تقويما إجماليا على أن له مالا؛ لأن مال العبد تبع له فلا تشترط معرفته حقيقة،

ونقلت هذين الوجهين من درس شيخنا أبي مهدي رحمه الله تعالى فاعترض الوجه الثاني بأن تقويمه على طريق الإجمال دون بيان جهل ويفسخ إن وقع إذ فيه الضرر على المستحق وأجبته بأن أصول المذهب تدل على ما قال، وذلك أن العبد إذا كان بيده مال عين يصح أن يشتري بها ولولا أنه تبع لما جاز. وقد قال في كتاب الخيار في المدونة ولو تلف مال العبد في عهدة الثلاث، وقد بيع به لم يكن للمبتاع رد العبد فلم يقبله واشتهر الخلاف في مقدار صداقها هل هو صداق المثل أو المسمى أو الأكثر منها أو الأقل منهما أو ربع دينار خاصة قاله ابن أبي حازم. (ومن استحق أمة قد ولدت قيمتها وقيمة الولد يوم الحكم وقيل: يأخذها وقيمة الولد وقيل: له قيمتها فقط إلا أن يختار الثمن فيأخذ من الغاصب الذي باعها، ولو كانت بيد غاصب فعليه الحد وولده رقيق معها لربها): اعلم ان هذه المسألة إحدى المسائل التي ذكر في الرسالة أن فيها ثلاثة أقوال وثانيتها: من ترك الفاتحة من ركعة وثالثتها: هل يتيمم لكل صلاة أم لا؟ رابعها: في تغليظ الدية على الأب إذا ضرب ابنه بحديدة وخامستها: في كفن الزوجة هل هو على الزوجة أم لا؟ وسادستها: في تقديم الظهر وتأخيرها والقول الأول قاله مالك وبه أخذ المصريون من أصحابه مع مطرف قاله ابن حبيب في واضحته. والقول الثاني أيضا قاله مالك من رواية ابن القاسم في الموازية قال أشهب: وعليه جماعة الناس وهو قول علي رضي الله عنه قاله في المجموعة والقول الثالث قاله ابن دينار وابن الماجشون وابن كنانة وابن أبي حازم وعبد العزيز وغيرهم قاله اللخمي، والمازري، وبه أفتى مالك لما استحقت أم ولده إبراهيم وقال عياض: في الغصب لما استحقت أم ولده محمد ومثله لابن رشد. قال خليل: والصواب قول ابن القاسم في كتاب القسم من المدونة بعد أن ذكر القولين الأولين عن مالك ولو رضي المستحق بأخذ قيمتها وقيمة ولدها لم يكن للذي أولدها أن يأبى ذلك ويجبر حينئذ في قولي مالك جميعا على غرم قيمتها وقيمة ولدها يوم الاستحقاق. وقال المازري: أشار أشهب إلى بقاء قول مالك مع رضا المستحق بأخذ القيمة ولو لم تحمل لكان له أخذها وليس له ما نقصها بسبب الوطء قاله مالك في المدونة خلافا لسحنون في قوله له ما نقصها الوطء محتجا باستحقاق الثوب بعد لبسه وإذا رد

الأمة فإنه يرد النقص وجواب ذلك معلوم ومحله المدونة وفي المدونة: من ابتاع أمة فوطئها وهي بكر أو ثيب ثم استحقت بحرية فلا شيء عليه لوطئه لا صداق ولا ما نقصها. وقال المغيرة: لها صداق مثلها قال اللخمي وهو أبين. وعزا ابن عبد السلام القولين للمدونة اعترضه بعض شيوخنا بأن قول المغيرة ليس فيها وأقام ابن سهل من قولها أن من ورث شيئا واغتله ثم استحق بحبس أنه لا يرد شيئا وبمثل هذه الإقامة. قال ابن القاسم في العتبية: لأن المستحق منخ كان ضامنا للثمن الذي دفع عند عدم البائع. وقيل: إنه يرد الغلة؛ لأن ما اشتراه لو تلف رجع بالثمن وهو ظاهر مذهب ابن القاسم في المدونة؛ لأنه على الغلة بالضمان وبالأول جرى العمل. (ومستحق الأرض بعد أن عمرت يدفع قيمة العمارة قائمة فإن أبى دفع إليه المشتري قيمة البقعة براحا وإن أبيا كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد): ما ذكر أنه يرجع على المستحق بقيمة العمارة هو قول ابن نافع ولا يتلفت إلى ما أنفق سواء كان البناء قليلا أو كثيرا جيدا أو رديئا، وقيل: يرجع بما أنفق فيهما فيما عمل من عمل البناء فأما بنيان الأمراء فلا أدري ما هو قاله مالك. قال ابن رشد: تضعيفه أن يكون له رجوع فيما بنى من بنيان الأمراء صحيح؛ لأنه أتلف ماله فيما لا يسوغ له من السرف المنهي عنه. وفي كون المعتبر من القيمة يوم بنائه، وهو الأقرب أو يوم الحكم قولان، وما ذكر الشيخ من أنهما إذا أبيا كانا شريكين هو المشهور، وروي عن مالك إن أبى المستحق من دفع قيمة العمارة جبر الباني والغرس على دفع قيمة الأرض؛ لأنه قد فوتها به حكاه المازري قال أبو محمد صالح: ولو استحقت هذه الأرض بعد أن عمرت فإنها حبس على المساكين فإنه يأخذ قيمة بنائه وشجره مقلوعا كما يفعل بالغاصب؛ لأنه يقال له: اقلع متاعك وليس للمساكين مال يعطونه لك وتأخذ قيمته قائما، ولا يجري بينكما من التخيير ما جرى فيمن استحق أرضا بعد أن عمرت لأنا إنا أجريناه بينكما أدى ذلك إلى بيع الحبس وما ذكره قبله غير واحد كالفاكهاني. (والغاصب يؤمر بقلع بنائه وشجره وزرعه، وإن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض والشجر ملقى بعد قيمة أجر من يقلع ذلك): قد تقدم حد ابن الحاجب للغصب حيث ترجم عليه الشيخ، وما ذكر من أن

الغاصب إنما يعطي قيمته منقوضا هو كذلك باتفاق إذ لا شبهة له وعكسه المشتري وهو إذا استحق من يده ربع بعد أن بنى فيه له قيمته قائما اتفاقا؛ لأنه دخل على التأبيد بوجه جائز. واختلف في المكتري والمستعير ومن بنى في أرض زوجته فألحقهم ابن القاسم بالغصب وألحقهم ابن الماجشون ومطرف وابن حبيب بالمشتري ونص في المدونة على أن المشتري إذا أخذ بالشفعة من يده فإنه يأخذه قيمة ما بنى قائما فأخذ بعض شيوخنا بعمومه، وأفتى به، وكذلك شيخنا أبو مهدي وأكثر فتواه على حملها إذا لم يعلم المشتري بالشفيع فأما إن علم فله قيمته منقوضا. وما ذكر الشيخ من إسقاط مقدار القلع من القيمة مثله لابن المواز وابن شعبان وقيده ابن رشد بما إذا كان الغاصب ممن لا يتولى ذلك بنفسه ولا بعبده وقيل: إنه لا يحط منه أجر القلع وتؤول على المدونة وإليه ذهب ابن دحون واعتل بذلك بأن الغاصب لو هدمه لم يكن للمغصوب منه أن يأخذه بالقيمة بعد هدمه وكذلك أنكر ابن سهل كلام ابن المواز وأعتقد أن قيمة البناء مقلوعا تستلزم طرح أجرة القلع فلا ينبغي أن يسقط مرة أخرى. قال خليل: وليس بالبين فإن تقويم البناء مقلوعا أعم من كل واحد من وجهين طرح أجرة القعل وعدم طرحه والأعم لا يستلزم الأخص. قال ابن الجلاب: ومن غصب أرضا وزرعه ثم أدركها ربها في إبان الزراعة كان بالخيار بين ترك الزرع فيها وأخذ كراء مثله من غاصبها وبين قلع الزرع منها. وأما إن أدركها وقد فات وقت إبان زراعتها ففيها روايتان أحدهما كما ذكرناه آنفا والرواية الأخرى أنه ليس له قلع الزرع منها وله أجرة مثلها. قال المغربي في كتاب كراء الدور والأرضين انظر قول الشيخ في الرسالة والغاصب يؤمر بقلع بنائه وسكت عن الزرع فاختلف الشيوخ ولم يسكت هل لقلعه على القول بالقلع أو للتفصيل فيه بين قبل الإبان وبعده وهل فيه نفع لزارع أم لا؟ وهو إنما قصد الاختصار أو لأنه لم يبينه في المدونة فأعرض عنه الشيخ وهذا التأويل الأخير بعيد والأول أولى. (ولا شيء عليه فيما لا قيمة له بعد القلع والهدم): مثل هذا في المدونة قال فيها: وكل ما لا منفعة فيه للغصب بعد قلعه كالجص والنقش فلا شيء له فيه يريد وإذا أزاله فإنه يغرم قيمته. وقال غير واحد ممن لقيناهم: وهو جلي واضح، قال المغربي: وأقاموا منها أن من استحق أرضا بعد أن زرعها للغاصب ولا منفعة له في الزرع أنه لربها فلا شيء عليه. قلت ونقله الفاكهاني نصا عن ابن القاسم في المدونة بأثر ما ذكرناه وكذلك ما حفره من بئر أو مطمرة فلا شيء له في ذلك وقيدها غير واحد من الشيوخ بما إذا لم يطوها بالأجر، وأما لو طواها به لكانت كالبناء. وقال سحنون في كتاب ابنه متمما للمدونة ولرب الأرض أن يكلفه بردها. (ويرد الغاصب الغلة ولا يردها غير الغاصب والول في الحيوان وفي الأمة إذا كانت الولد من غير السيد يأخذه المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره): قد تقدم ما في غلة الغاصب من الخلاف وإنما كان غير الغاصب لا يرد الغلة؛ لأنه إنما وضع يده بوجه شبهة. (ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق وعليه الحد): قال الفاكهاني: وهذه المسألة ثابتة في روايتنا وهي ساقطة من بعض النسخ. قلت: وإنما كان ولده رقيقا؛ لأنه لا شبهة له، ولذا يحد وهذا إذا قامت البينة أو

كان إقرار بغصبها قبل الوطء وأما إن لم يكن إلا مجرد إقراره الآن بأن وطئ عالما فإنه يحد لأجل إقراره على نفسه بالزنا ويلحق به الولد لحق الله تعالى وحق الولد في ثبوت النسب، وهي إحدى المسائل التي يجتمع فيها الحد، وثبوت النسب وإليه النظر في نظائرها والقانون المذكور فيها. قال ابن رشد: ويجب على الغاصب رد المغصوب بعينه إن كان قائما وإلا فمثله إن كان مثليا وظاهره ولو كان عينا، وفي الجلاب ولو امتنع غاصب عين من ردها وأراد أن يرد مثلها فقال ابن القاسم: يجبر ربها على ذلك وقال الأبهري: لا يجبر لخبث كسب الغاصب، وقيل: وقول ابن القاسم إنما أخذه له من البيع. قلت: وقول الأبهري هو الصواب وأقام بعض شيوخنا من قول ابن القاسم: لو خلط زيتا بمثله وأراد أن يدفع مثله من غير أن ذلك له وعزاه المازري للشافعي ونقل رحمه الله عن أشهب أن لربه الأخذ منه وإن كره الغاصب ومن غصب غزلا ونسجه فإنه تلزمه القيمة. وقيل: المثل والأول لابن القاسم والثاني لغيره وهما في أول المسألة من تضمين الصناع من المدونة والمراد بالغير أشهب إذ هو معزوله في الموازنة نقله الباجي إلا أنه لما ذكر القولين وعزاهما لابن القاسم، وأشهب، أخبر أن عزوه لهما نقله من الموازية وهو قصور إذ هما في المدونة كما سبق وتقدم اختلاف المذهب إذ مر على المغصوب وقت قيمته أرفع هل يلزم ذلك أم لا؟ واحتج عبد الملك بن الماجشون بقوله بأرفع القيم بأن على الغاصب أن يرد ما غصب في كل وقت فالوقت الذي كانت فيه أرفع القيم بقدر كأنه غصبه حينئذ وقبله غير واحد كاللخمي ويرد بأن لابن القاسم أن يمنع أن الدوام كالإنشاء، وأجرى اللخمي على القول بأرفع القيم إذ غصبه طعاما في شدة ثم قدر عليه في زمان الرخاء أنه يلزمه مقدار قيمته في زمان الغلاء؛ لأنه عطل عليه أسواقه، وفي العتبية عن مالك فيمن انتهب صرة وناس ينظرون إليه فطرحها في متلفة وادعى كذا وأكذبه ربها أن القول قول الغاصب وإن لم يفتحها. وقال ابن كنانة وغيره: إن القول قول ربها إذا أشبه، ونص في المدونة والعتبية على وجوب اليمين على الغاصب إذا اختلفا في العدد. قال خليل: ولم أر في الأمهات وجوبه إذا ادعى تلفا لكن نص فيها في الشيء المستحق إذا كان مما يغاب عليه إنه يحلف إذا ادعى المشتري تلفه وكذلك في رهن ما يغاب عليه ولا يمكن أن يكون الغاصب أسوأ حالا منها.

وقد نص ابن عبد السلام على وجوب اليمين هنا في التلف. (وإصلاح السفل على صاحب السفل والخشب للسقف عليه وتعليق الغرف عليه إذا وهي السفل وهدم حتى يصلح): ما ذكر الشيخ من أن على صاحب السفل الخشب للسقف مثله في المدونة وهو سماع ابن القاسم. قال ابن رشد: ولا خلاف فيه وما ذكر من أن التعليق عليه هو أحد قولي أبي عمران وعن ابن القاسم أنه على صاحب الأعلى. وقال ابن شعبان: إلا أن يهدمه من غير حاجة فيكون على صاحب الأسفل نقله عنه ابن يونس فقال بعض شيوخنا ظاهره جواز هدمه من غير حاجة. وفي كتاب ابن سحنون عن أشهب وسحنون ليس له هدمه إلا من ضرورة وإن كانت فيه فضلة لصاحب العلو تسقط في مرحاض صاحب السفل فقيل: على السفل قاله أشهب وقيل: عليهما على عدد الجماجم قاله ابن وهب، وأصبغ، وكذلك اختلف المذهب في كنس كنيف الدار المكتراه هل هوعلى رب الدار أو على المكتري. وفي المدونة: ومن اكترى دارا أو حماما واشترط كنيس المراحيض وغسالة الحمام على المكتري جاز؛ لأنه معروف وجهه وفيه أيضا من اكترى دارا فعلى ربها مرمتها، وكنس المراحيض، فظاهر لفظها الأول أن الكنس على المكتري وظاهر لفظها الثاني أنه على المكري فحمل ابن رشد ذلك على التناقض وحمله ابن يونس وعبد الحق عن بعض القرويين على أنهما يرجعان إلى قول واحد ومعنى اللفظ الأول أراد به الحادث في المستقبل ومعنى الثان أراد به ما كان قديما. ومعنى قول الشيخ وهي ضعف وقوله وهدم قال بعض شيوخنا: قارب أن يهدم وهو الأقرب. وقال الفاكهاني: يحمل أن يكون على بابه وهو ظاهر المدونة. (ويجبر على أن يصلح أو يبيع ممن يصلح): ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وزاد فيها فإن باعه ممن يبنيه فامتنع أجبر المبتاع على أن يبنيه أو يبيع ممن يبني، وقيل: إنما يجوز البيع بشرط الإصلاح إن كان البائع لا مال له وإلا لم يجز على الإصلاح نقله ابن سحنون عن سحنون. قال ابن القصار: ويجبر مطلقا إلا أن يختار رب العلو بناءه من ماله ويمنع رب السفل من النفع به حتى يعطيه ما أنفق، نقله اللخمي عنه واختار أن يجبر رب السفل

في بنائه أو بيعه ممن يبني أو يمكن رب العلو من بنائه إن رضي على أن يشتركا فيه بقيمة كراء القاعة وقيمة كراء البناء إلا أن يعطيه بعد ذلك قيمة البناء قائما يوم يأخذه. وسمع ابن القاسم في كتاب الأقضية من له حائط وهو سترة على جاره ليس له هدمه إلا لوجه يعلم أنه لم يقصد به الضرر، واختلف إذا انهدم على أربعة أقوال: فقيل: إن سقط بسماوي أو بهدم لخوف سقوطه لم يلزمه بناؤه وإن هدمه ليجدده أو لمنفعته أجبر عل بنائه إن كان له مال وإلا فلا وإن هدمه ضرر ألزمه بناؤه إن كان له مال، وإن لم يكن له مال بيع ممن يبنيه قاله ابن القاسم. وقيل: يجبر مطلقا كالحائط بين الشريكين قاله مطرف وابن الماجشون وهو ظاهر قول سحنون، وقيل: كذلك إلا أنه إن لم يكن له مال بيع من داره ما يبني به فإن كانت بيده صدقة أو عمرى فلصاحبه بناؤه وأتبع به دينا في ذمته قاله ابن الماجشون، وقيل: لا يلزمه شيء بكل حال وهو قول أصبغ وروايته وكل هذه الأقوال ذكرها ابن رشد، ومن أراد أن ينظر حائطه من دار جاره ليس له منعه أن يدخل داره فلينظره، وكذلك لو قلعت الريح ثوب رجل فألقته في دار لم يكن لصاحب الدار منعه أن يدخل فيأخذه أو يخرجه له قاله سحنون. (ولا ضرر ولا ضرار): هذا حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال عياض: واختلف في معناه، فقيل: هما بمعنى واحد على طريق التأكيد، وقيل: بمعنيين أي لا يلزم لا ضرر من لم يقصد فاعله ولا ضرار الذي قصده وأتاه عمدا. وقال الفاكهاني: قيل: هو على التأكيد وقيل: هي ألفاظ مترادفة والذي عندي فيه أن معنى لا ضرر استبداد أحدهما بالضرر ومعنى لا ضرار اشتراكهما في الضرر لأن الضرار مصدر ضارر على وزن فاعل مثل قاتل وخاصم، وهو لا يكون إلا من اثنين فيكون المعنى على النهي على أن لا يضر أحدهما نفسه دون صاحبه أو يضر كل واحد منهما الآخر، هذا أولى من التاكيد والترادف الذي الأصل عدمه فأشار بقوله آخرا أن ذكر الخلاف أولا إنما هو اختلاف عبارة لا حقيقة والله أعلم. وذكر هذا الحديث ليبني عليه ما يقوله يليه، وقد احتج به في المدونة في النكاح حيث قال: ولا يكون الأب عاضلا لابنته البكرالبالغ في رده أول خاطب أو خاطبين

حتى يتبين ضرره فإذا تبين قال له الإمام: إما أن تزوج وإلا زوجناها عليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار". وفي القسمة أيضا في قوله: وأنا أرى أن ما لا ينقسم إلا بضرر، ولا يكون فيما يقسم منه منتفع من دار أو أرض أو حمام فإنه لا ينقسم ويباع فيقسم ثمنه لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر، ولا ضرار". (فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها أو فتح باب قبالة بابه أو حفر ما يضر بجاره في حفره وإن كان في ملكه): ما ذكر من أنه لا يفتح كوة تضر بجاره هو المشهور. وقال ابن رشد وسند قول أشهب وابن الماجشون ومحمد بن مسلمة ومحمد بن صدقة من أصحاب مالك أنه لا يمنع ويقال لجاره استر على نفسك إن شئت. قلت: وقوله إن شئت فيه تجوز بل هو الواجب ونبه عليه بعض شيوخنا وظاهر كلام الشيخ: وإن كان يشرف منها على بستان جاره أنه يمنع وهو أحد نقلي ابن الحاج في نوازله، قال: ولا خلاف أن له أن يطلع على المزارع. وظاهر كلام الشيخ أن فتح الباب الذي لم يقابل جائز وإن كانت السكة غير نافذة ولا يفتقر إلى إذن وهو كذلك عن ابن القاسم في المدونة وعند ابن وهب في العتبية إلا أنهما جعلا ما يقارب كالمقابل. وقال ابن زرب يمنع مطلقا إلا بإذن جميع أهل الزقاق وبه جرى العمل بقرطبة وعليه العمل عندنا بإفريقية أيضا. وقيل: له تحويل بابه بحيث لا يضر لقربه سد الأول، وأما فتح باب آخر فلا وهو ظاهر قول أشهب، وأما السكة النافذة، فقيل: يفتح بابا أو حانوتا قبالة باب جاره قاله ابن القاسم في المدونة في كتاب القسمة، وبه قال أشهب. وقيل: يمنع إلا أن ينكب عن ذلك قاله سحنون. وقيل: إن كانت السكة واسعة جاز وإلا فلا قاله ابن وهب والسكة الواسعة سبعة أذرع فاكثر وما ذكر الشيخ في الحفر هو قول المدونة. وقيل: إنه جائز قاله ابن كنانة، وقيل: إن استفرغ ماء بئر جاره منع وإلا فلا، وهو في سماع أشهب وابن نافع، وقيل: إن وجد بدا من احتفاره ولم يضطر إليه منع وإلا فلا قاله أشهب، وهذه الفروع الثلاثة من كلام ابن رشد.

(ويقضي بالحائط لمن إليه القمط والعقود): يريد وكذلك الطاقات إذا لم تكن نافذة وكانت من جهة أحدهما خاصة قضي بالحائظ لمن تلك الطاقات في جانبه، وروي أن حذيفة اليماني بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر في معاقد الحيطان فقضى به وفي سنده وهم قال عبد الحق: وهو متروك الحديث، والقمط هو الخشب الذي يكون بين البنيان وهل يلزم اليمين صاحب القمط أم لا؟ في هذا الأصل خلاف وتقدمت نظائرها في اللقطة فأغنى عن إعادتها. (ولا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ): هو في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى الحديث لا يمنع أحدكم فضل مائة ليسلم له الكلأ لأن الدواب إذا لم تشرب لم تأكل شيئا قال بعضهم: فهو من سد الذرائع قال ابن القاسم في حريم البئر من المدونة وذلك في الصحاري، وأما الفلاة والأرض المحروثة فللرجل منع كلائه عند مالك إن احتاج إليه وإلا فليخل بين الناس وبينه، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل يحلف على سلعته لقد أعطى فيها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف يمينا بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماء فيقول الله يوم القيامة: أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمله يداك". قال الفاكهاني: قال أهل اللغة: الكلأ: العشب، قال في الصحاح: وسواء كانت رطبة أو يابسة ورأيت لبعض الفقهاء أن الكلأ يختص بالرطب من الربيع، ولم أدر من أين يأخذه والكلأ رويناه بالقصر ولا أعلم فيه خلافا. (وأهل آبار الماشية أحق بها حتى يسقوا ثم الناس فيها سواء): واختلف هل تورث بئر الماشية أم لا؟ فالأكثر على أن ورثة من حفرها تتنزل منزلته في الانتفاع. وقال ابن الماجشون: لا حظ فيها للزوجين وفي المجموعة لا تورث ولا توهب ولا تباع وإن احتاج قال الباجي: يريد بقوله: لا تورث على ملك المالك. وقال ابن الماجشون: إن كانت لهم سنة يعني الورثة من تقديم ذي المال الكثير أو قوم على قوم أو كبير على صغير حملوا عليه وإلا اقترعوا عليه.

قال ابن رشد: وهذا عندي إذا استوى تعددهم من حافرها وأما إن كان بعضهم أقرب من بعض فهو أحق بالتبدئة قلت ماشيته أو كثرت. واعلم أن المسافرين أحق بالماء من المقيمين إن كانت حاجتهم أشد فإن استوت حاجتهم، ولم يكن في الماء فضل فإنه يبدأ بمن جهده أكثر فإن استووا فيه فأهل آبار الماشية أحق أو يستوون؟ اختلف في ذلك على قولين لابن لبابة وأشهب وللمسافرين عارية الدلو والرشا والحوض. وظاهر كلام الشيخ سواء كان المسافرون أملياء أم لا، وهو كذلك. قال ابن عبد السلام: ولعل ذلك لأن مالكها لم يتخذها للكراء، وإنما اتخذها لتحصيل المنفعة المقصودة منها لا لغير ذلك وإلا فالأصل أنه لا يخرجه ملك الإنسان عنه ولا الانتفاع به إلا بعوض. (ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره وله زرع يخاف عليه فلا يمنعه فضله واختلف هل عليه في ذلك ثمن أم لا؟): ما ذكر من أن له المنع هو المذهب واختلف هل له بيع ذلك أم لا؟ فقيل: جائز وهو المعروف، وكأنه ظاهر كلام الشيخ؛ لأن الأصل أن من له منع ملكه من التصرف فيه فله الإذن بالبيع وغيره إلا لعارض. قال ابن عبد السلام: وظاهر قول يحيى بن يحيى أنه منع منه؛ لأنه قال: أربع لا أرى أن يمنعن الماء والنار والحطب والكلأ، وأظنه اعتمد في ذلك على الحديث المروي في هذا الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المسلمون شركاء في الماء والكلأ والنار، وثمنه حرام" وهو حديث ضعيف السند. والقول بأنه يأخذ الماء بغير ثمن هو قول المدونة في حريم البئر منها، والقول بأنه بالثمن روي عن مالك حكاه ابن يونس وعن أشهب مثله إن كان مليا وإن لم يكن مليا فالأول. وكذلك اختلف المذهب إذا اضطر إلى أكل مال غيره هل عليه في ذلك ثمن عند يسره أم لا والذي به الفتوى أنه يلزمه لخلاف الماء ليسره؛ لأنه مما يبتذل بخلاف الطعام. وذكر الشيخ في إعطاء فضل الماء شرطين. الأول: أن يحرث على أصل ماء ولهذا أشار بقوله: إلا أن تنهدم بئر جاره. والثاني: أن يخاف على زرعه وبقي عليه شرط ثالث: وهو أن يشرع في

الإصلاح ولا يؤخر. (وينبغي أن يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبه في جداره ولا يقضي عليه بذلك): يعني: يندب إلى إعارةا الجدار لغرز الخشب عليه، وقوله ولا يقضي عليه تأكيد لقوله وينبغي، وهذا هو المعروف ونص المدونة في الجعل والإجارة ونقل ابن رشد وابن زرقون عن ابن كنانة أنه تجب إعارته إن لم تكن في ذلك مضرة بينة على رب الجدار وزاد أبو إبراهيم يقضي به وعلى الأول فهل يلزم بمجرد الإذن فلو بدأ لربه قبل الغرز عليه فليس له ذلك أو له ذلك. واختلف في ذلك على قولين، وأفتى ابن عات مع نقله عن الشيوخ بجواز الغرز بجدار المسجد أو الجامع لجاره كغير المسجد، وذهب مالك إلى المنع منه، والنفس إليه أميل؛ لأن محبسه لم يحبسه على شيء خاص. واختلف في التعليق على جدار المسجد كما اختلف في الغرز فإن أعاد جداره ثم أراد الرجوع بعد الغرز فليس له ذلك إذا قصد الضرر فإن احتاج لجدار لهدمه أو لينتفع به فهو أولى، وهذا القول هو سماع ابن القاسم، وأشهب. وقال في المدونة: فيمن أذن في بناء بأرضه أو غرس له أن يخرجه إذا أعطاه قيمة ما أنفق فقيل: هو اختلاف في قول قوله ابن لبابة، وابن أيمن وغيرهما، وقال سحنون: إنما الفرق بينهما لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدكم جاره .... " الحديث يريد لقول من حمله على الوجوب وبقي في المسألة أقوال لم نذكرها خشية الإطالة. (وما أفسدت الماشية من الزرع والحوائط بالليل فذلك على أرباب الماشية ولا شيء عليهم في إفساد النهار): ما ذكر من التفصيل هو قول مالك رحمه الله وحجته ما خرجه في الموطأ: أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضمانه من أهلها. قال أبو عمر بن عبد البر: هو من مراسيل الثقات وتلقاه أهل الحجاز وطائفة من أهل العراق بالقبول وقيل: بالضمان مطلقا قاله يحيى بن يحيى من أصحابنا وهو قول الليث وعطاء وعزاه الباجي لرواية ابن القاسم وكذلك لم يحكه عياض في الإكمال إلا عن سحنون فقط وخارج المذهب قول بعدمه مطلقا لأبي حنيفة واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: "فعل العجماء جبار" ويرد بأنه مخصوص بما سبق، وقيد قول مالك

بالضمان في الليل إذا كان الزرع مهملا لا حائط له. وقال ابن عبد البر: يسقط الضمان نهارا عن أرباب الماشية إذا طلعت دون راع، وأما إن كان معها راع فلم يمنعها وهو يقدر على دفعها فهو كالقائد والراكب. وقال ابن شعبان عن محمد بن حارث: هذا محمول على أن أهل الماشية لا يهملون مواشيهم بالنهار وعلى أنهم يجعلون معها حافظا، وراعيا وإن أهملوها فهم ضامنون، وهذا عكس ما قدمناه عن أبي عمر، وقيل: إذا كانت المزارع ممتدة لا يقدر أربابها على حراستها لم يكن على أهل المواشي شيء. وقال بعض الشيوخ: العكس أولى؛ لأنه إذا كان الأمر هكذا كان على أربابها أن لا يخرجوها إلا براع، وهذا كله إذا لم تكن من المواشي التي شأنها العداء على الزرع، فإن كانت كذلك وتقدم إلى أربابها ضمنوا ما أصابته ليلا كان أو نهارا كالكلب العقور حكاه الباجي في رواية عيسى عن ابن القاسم في المدونة. واختلف فيما لا يستطاع التحرز منه كالنحل والدجاج والحمام فقيل: لا يمنع من اتخاذها وإن أضرت، وعلى أهل القرية حفظ زرعهم وشجرهم، قاله أصبغ وابن القاسم، وابن كنانة. وقيل: يمنع من اتخاذها؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه قاله مطرف وابن حبيب والقولان ذكرهما الباجي ويقوم من كلام الشيخ أن الثور إذا حصل قرناه في شجرة ولم يمكن خروجهما إلا بنشر قرنيه أو بقطع أفراع الشجرة فإنه يفصل في ذلك بين الليل والنهار وسمعت في درس شيخنا أبي محمد الشبيبي رحمه الله من نقل بعض الطلبة الحفاظ قولا بمثله وطلبت عليه حثيثا فلم أجده، والذي وقفت عليه الآن لأبي عمران الصنهاجي في نظائره ارتكاب أخف الضررين بالبيع وكذلك وقفت على ما وجدت بخط ابن سهل بالبيع ونصه في ذلك ثور وقع بين غصنين أو دينار وقع في محبرة أو دجاجة لقطت فصا فيجبر صاحب القليل منهما على البيع من صاحب الكثير لرفع الضرر. وكذلك وقفت على ما وجدت بخط ابن سهل عن ابن أبي زمنين أن الغصن يقطع ويؤدي صاحب الثور قيمته، ويحمل على أن قطع الغصن هو أخف ضررا؛ لأنه الأعم الأغلب فيرجع إلى وفاق وحيث يثبت الضمان فإنه يضمن قيمته على الرجاء والخوف لو حل بيعه ونص على ذلك في المدونة في كتاب المدبر على طريق التشبيه ولم ينص عليه في غيره قاله المغربي واختلف هل يستأني بذلك لعله ينبت كما يستأنى بسن الصبي أو تعجيل القيمة في ذلك قولان.

واختلف إذا عاد الزرع بعد أخذ قيمته فهل هو حكم مضى أو ترد القيمة في ذلك قولان لمطرف وغيره. قال ابن رشد وهما مخرجان من كتاب الدية من المدونة فيمن ضرب رجلا فنزل الماء في عينه فغرم دية العين ثم برئت فقال أشهب: لا يرد الدية، وقال ابن القاسم: يرد قال في البيوع الفاسدة من المدونة وإذا كانت المواشي تعدو في زرع الناس فأرى أن تغرب وتباع في بلد لا زرع فيها إلا يحبسها أربابها عن الناس ويريد بعد البيان في البيع فإن لم يفعل فهو عيب قاله ابن يونس. قال بعض فضلاء أصحابنا، وأخذ منها نفي من يضرب الخطوط، ونفي من يأخذ الحيوان بالعين، وفي الآدمي يسجن لأنه بالنفي تقل مفسداته ولأنه يغرب من ذلك الموضع إذا اتصف بذلك. قلت: ولا يخفى ضعف ما ذكر من الأخذ والحق عندي سجن من ذكر لأن به تؤمن غائلته، وأما من يؤدي الناس بالغيبة فإن أدبه كاف في زجره قاله شيخنا أبو مهدي، وأفتى أبو عمر الأشبيلي، وأحمد بن عبدالملك بأنه يخرج من المسجد. قال ابن عبد البر في الاستذكار فقلت له: ما هذا؟ وفي ضربه بالسوط كفاية فقال: الاقتداء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى وهو قوله "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا يؤذينا بريح الثوم". (ومن وجد سلعته في التفليس فإما حاصص وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها وهو في الموت أسوة الغرماء): ما ذكر الشيخ من الفرق بين الملفلس هو مذهبنا، وقال الشافعي: وهو أحق مطلقا، وهو قول عثمان وعلي وغيرهما رضي الله عنهما، وقال أبو حنيفة: لا مقال له مطلقا، وبه قال الحسن وغيره، وإنما يكون أحق في الفلس إلا لم يرض الغرماء بتقدمته في مال المفلس، فأم إن رضوا فلا مقال له. واختلف هل لهم دفع الثمن من حيث شاءوا أم لا؟ على أربعة أقوال: فقيل: لهم ذلك قاله ابن القاسم في المدونة وقيل: يتعين كونه من مالهم وقيل: يتعين كونه من مال المفلس قاله ابن كنانة، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن حارث، وقيل: ليس لهم شيء من ذلك إلا أن يشترط زيادة على ثمنها يحطونه من دينهم على الملفس نقلها المازري عن أشهب وإذا فلس المكتري فإن أسلم المبتاع إلى الجمال ليحمله على جماله فهو أحق بالمتاع إن كان بيده، وكذلك إن مات باتفاق. قال ابن رشد: لأنه كرهن بيده وتعليله في المدونة بأنه إنما بلغ على إبله علة غير

صحيحة. وإن أسلم الجمال إليه الإبل يحمل عليها ففلس قبل حوزه متاعه ورده الإبل للجمال فالمشهور أن الجمال أولى قال: ويتخرج أنه أسوة الغرماء في الفلس والموت، ويتخرج أيضا أنه أسوة في الفلس خاصة وأخذ أحمد بن خالد من قول المدونة؛ لأنه على دوابه وصل إلى المكتري أحق وإن قبضه ربه ابن رشد وهو بعيد، قال خليل: لعل أحمد فهم قوله في المدونة كالرهن، ولأنه على دوابه وصل أنهما علتان على البدل وفهمه غيره على أنه علة واحدة والله أعلم. ونص ابن القاسم في العتبية على أن السفن كالدواب وأخذ ذلك جماعة من تعليله في المدونة المسألة السابقة. قال في التفليس من المدونة: أرباب الدور والحوانيت فيما فيها من أمتعة أسوة الغرماء في التفليس والموت. وزعم ابن رشد الاتفاق عليه وهو قصور لنقل ابن يونس والمازري وعن عبد الملك بن الماجشون أنه جعل الدور والحوانيت كالدواب، وأما أجير رعاية الإبل أو راحلتها فإنه أسوة الغرماء في الفلس والموت قاله في المدونة وقيدها عبد الجبار بن خالد بما إذا كان يردها لبيتها عند ربها، وأما إن كانت باقية في يديه فهو كالصانع نقله ابن حارث عن لقمان بن يوسف عنه. قلت: ونقلت هذه المسألة في درس شيخنا أبي مهدي فلم يرتضه، واختار إبقاء المدونة على ظاهرها من العموم والصواب تقييدها به كما قال عبدالجبار. (والضامن غارم لما ضمن): يعني إذا قال الرجل أنا ضامن لك يا فلان فإنه غارم ولا خصوصية لهذه اللفظة بل، وكذلك أنا حميل أو غريم أو كفيل أو قبيل وهو لك عندي أو علي أوإلي أو قبلي نص على جميع ذلك في المدونة قائلا: هي حمالة لازمة إن أراد المال لزمه، وإن أراد الوجه لزمه. واختلف إذا كان اللفظ مبهما، وقال أردت الوجه ففي قبوله قولان، قال ابن رشد في المقدمات: والأصح عدم قبوله لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحميل غارم" قلت: وقبله بعض شيوخنا قال المازري: اختار بعض أشياخي أنها حمالة بالوجه لكونها أقل الأمرين والأصل براءة الذمة ورد الاستدلال بالحديث بأنه إنما قصد بالحديث بيان

حكم وجوب المطالبة للكفيل بما ضمنه، ولم يقصد بيان إطلاق هذه اللفظة قال: ولأن الغرامة إنما تكون في الأموال لا في الأبدان إذ البدن لا يصح أن يغرم فكأنه قال: الزعيم غارم لما ضمن والضامن الذي تتصور فيه الغرامة إنما يكون في المال. (وحميل الوجه إن لم يأت به غرم حتى يشترط أن لا يغرم): ما ذكر الشيخ أنه إن لم يأت به غرم هو المشهور، ونقل اللخمي عن ابن عبد الحكم أنه لا يغرم، وظاهر كلامه لو أحضره عديما أنه لا يضمن وهو كذلك خلافا لابن الجهم وقول أبي بكر بن اللباد اختار اللخمي الأول إن كان معسرا وقت حلول الأجل وإما إن كان مليا، وأتى به معسرا فإنه يلزمه المال إلا أن تكون بمال حل، ولم يتحمل ليؤخره فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال، والأول منها نص المدونة ولا يعارض قولها بقولها في النذور من حلف لا يتكفل بمال فتكفل بنفس حنث لأنها كفالة بالمال؛ لأن الحنث يقع ناقل الأشياء. واختلف إذا حكم القاضي على الضامن بالغرم فأحضره قبل الغرم فمذهب المدونة، وهو المشهورأنه يغرم خلافا لسحنون وهذه طريقة اللخمي، وابن يونس وغيرهما، ونص المدونة: ولو حكم عليه بالمال بعد التلوم لزمه المال ومضى الحكم فقال بعضهم بإشهاد الحاكم، وإن لم يغرم وهو قول عبدالملك، وقال بعضهم: المراد إذا دفع بعد الحكم وكلا التأويلين حكاه عياض. قال خليل: وما ذكره خلاف الطريقة الأولى، ولو شرط رب المال على الضامن الوجه أن يحضر له الغريم ببلد سماه فأحضره ببلده تناله الأحكام فيه فنقل ابن عبد الحكم في إبرائه قولين وأجراهما المازري على الخلاف في شرط ما لا يفيد ورده ابن عبد السلام بأنه قد تكون البلد المشترط فيها فائدة لرب المال ككونها سكنى البينة التي ثبت بها الحق أو يكون الحق غير الدنانير والدراهم مما يقصد به موضع خاص. (ومن أحيل بدين فرضي فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا إلا أن يغره منه): قال ابن الحاجب: الحوالة: نقل الدين من ذمة إلى ذمة لتبرأ بها الأولى وتعقب من وجهين: أحدهما: أن النقل حقيقة في الأجسام مجاز في المعاني والدين لا ينتقل وإنما يؤخذ مثله من ذمة أخرى. الثاني: أن قوله لتبرأ بها الأولى حشو لعدم إفادته مدخلا ومخرجا، وإنما هو علة والعلة غير المعلول وكلاهما ذكره ابن رشد رحمه الله تعالى. وقال ابن عبدالسلام في قوله لتبرأ بها الأولى: هو على طريق البيان.

وقال الشيخ خليل: لعله احترز به من الحمالة فإن فيها شغل ذمة أخرى بالحق، ولا تبرأ بها الأولى وما ذكره ضعيف؛ لأن قوله نقل الدين يقتضي خروج الحمالة وحكمها الندب، وقيل: إنها مباحة. قال بعضهم: وما ذكر الشيخ أنه يرجع عليه إذا غره هو نص المدونة وعارضها غير واحد كالشيخ أبي اسحاق التونسي بقوله في المساقاة: من باع سلعة بثمن إلى أجل ممن ظن ملاءه فبان عدمه أنه لا مقال له، وفرق ابن يونس بأن الحوالة بيع دين بدين وأجيزت للرخصة وشراء الدين لا يجوز حتى يعلم ملاء الغريم من عدمه؛ لأن شراء لما في ذمته فوجود ذمته معيبة كوجود السلعة معيبة والذي باع السلعة لم يقصد شراء ما في ذمته. وفرق التونسي بأن البياعات تتكرر كثيرا لشدة الحاجة إليها فالكشف مما يشق فلو لم يجز البيع للبائع إلا بعد الكشف عن ذمة المشتري، والبحث عنها لتعذرت أكثر البياعات بخلاف الحوالة لعدم تكررها، وذكر المازري أيضا وزاد فرقا آخر، وهو أن البائع يدفع للمشتري سلعة تقارب الثمن الذي يحل في ذمته فاستغنى بذلك عن الكشف بخلاف الحوالة. قال ابن عبد السلام: وحكى غير واحد من الشيوخ الموثق بنقلهم عن مالك أنه لا يلزم المحال الكشف عن ذمة المحال عليه هل غني أو فقير بخلاف شراء الدين، وفرق بعضهم بأن الحمالة طريقتها المعروف بخلاف البيع فإن مبناه على المكايسة. قلت: ما ذكر عن الشيخ صحيح نقله اللخمي المازري وهو خلاف ما تقدم لابن يونس، قاله بعض شيوخنا، ولو شرط المحال على المحيل إن أفلس المحال عليه فإنه يرجع عليه فإن شرطه نافع قاله المغيرة، ونقله الباجي كأنه المذهب. وقال ابن رشد: هذا صحيح لا أعرف فيه خلافا. قلت: استشكله بعض شيوخنا لأنه شرط مناقض لمقتضى الحوالة وقد علمت قول ابن القاسم ذا شرط في العارية التي لا يغبب عليها الضمان إنه لا أثر له. (وإنما الحوالة على أصل دين إلا فهي حمالة): يعني: أنه يشترط أن يكون على المحال عليه دين للمحيل فمهما لم يكن فهي حمالة وسواء كانت بلفظ الحمالة أو الحوالة وهذا الذي قاله هو المشهور. وقال ابن الماجشون: إذا كان بلفظ الحوالة فلها حكم الحوالة نقلها الباجي، ويشترط أن يكون الدين المحال به حالا من غير خلاف ووقع في السلم الثاني من المدونة ما يوهم خلافه في قوله ولو استقرض الذي عليه السلم مثل طعامك من أجنبي أو سأله أن يوفيك أو أحالك به، ولم تسأل أن الأجنبي جاز ذلك قبل الأجل أو بعده فأورد

بعضهم في درس ابن عبدالسلام عليه حين إقرائها أنه خلاف المذهب في اشتراط حلول المحال به فلم يحضره، ولا غيره جواب ثم بان لبعض شيوخنا يسره بأن شرط الحلول إنما هو في الحوالة الحقيقية التي هي على أصل دين، وهذا مجاز لأنها على غير أصل دين فهي حمالة قال ويؤيده قولها في الحوالة إن أحالك مكاتبك على من لا دين له قبله لم يجز لأنها حمالة بكتابة وتجوز الحوالة ولا تجوز الحمالة بها على أصل دين. ويشترط أن يحضر المحال عليه ويقر بالدين عند ابن القاسم خلافا لابن الماجشون وللأندلسيين القولان ولابد من رضا المحيل والمحال. وصرح ابن رشد وابن الحاجب بأنهما من شروطهما، ولم يعدهما اللخمي، وابن رشد منها. قال بعض شيوخنا: وهو أحسن والأظهر أنهما جزآن لها لأنهما كلما وجدا وجدت ونصر شيخنا أبو مهدي الأول بأن حدها يدل على أنهما من الشروط إذا لم يذكر ذلك في الحد، وأما رضا المحال عليه فإنه لا يشترط ونقل ابن زرقون عن زاهي ابن شعبان اعتباره. (ولا يغرم الحميل إلا في عدم الغريم أو غيبته): ما ذكر هو القول الذي رجع إليه مالك وبه أفتى ابن القاسم وكان يقول: يتبع أيهما شاء، والقولان في المدونة، وقال ابن الحاجب: وللمضمون له مطالبة من شاء منهما وفيها لا يطالب والأصل حاضر مليء لكن إذا غاب أو فلس ورآه كالرهن. وقيل: أو كان ملطاطا، قلت: وهو معترض من وجهين: الأول: أن كلامه يقتضي أن المشهور من المذهب أن يتبع أيهما شاء وليس كذلك بل الذي أخذ به ابن القاسم هو الذي يعول إليه أهل المذهب وصرح بن ابن رشد أنها الرواية المشهورة، وقوله: وفيها لعله نسبها لها ليبين أن ما فيها هو المشهور بعيد. الثاني: أن كلامه يوهم أن المدونة إنما فيها قول مالك وليس كذاك ومعنى قوله أو كان ملطاطا أي جاحد الحق. قال بعض شيوخنا: ولا أعرف هذا القول في هذا المسألة بل في غيرها. وسلمه ابن عبدالسلام بل قال في عده خلافا نظر. وقال ابن راشد: لا ينبغي عده خلافا بل قال: وهو جار على المشهور وكذلك ذكره غيره. (ويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه ولا يحل ما كان له على غيره): قال عبد الحق عن بعض البغداديين: إنما وجب ذلك لأن الميت انقطعت ذمته،

ولأن الوارث وجب له المال، ولا إرث إلا بعد أداء الدين والفلس عيب في ذمته فلرب الدين أن يأخذ دينه؛ لم يدخل على ذمة خربت معينة. وما ذكر الشيخ هو المشهور ونحا الشيخ أبو القاسم السيوري إلى عدم حلول الدين في الموت قيل: وأحرى أن يقال ذلك في الفلس واستقراه من المدونة من قولها في القراض إذا مات العامل بقي المال في يد وارثه يعمل فيه إن كان أمينا أو أتى بأمين، وقبله غير واحد كابن عبدالسلام. ورده بعض شيوخنا بأن مال القراض ليس دينا في الذمة على العامل إجماعا وإنما هو أجبر فيه ووجه عمل وارثه فيه مذكور في القراض. وقال اللخمي: القياس إذا أتى المفلس بحميل أن يبقى عليه لأجله لأن تعجيله إنما هو خوف أن لا يكون له عند الأجل شيء ويدخل في كلام الشيخ إذا فلس المكتري لدار اكتراها سنة مثلا فإنه يحمل ما عليه وهو ظاهر المدونة، قال فيها وإذا فلس المكتري فصاحب الدابة أولى بالمبتاع من الغرماء فإنه يقتضي تعجيل حقه ولا يصح أن يبيع الغرماء منافع دابته ويبقى هو مطالبا بالكراء ومن له فيها أيضا إذا اكترى أرضا فزرعها ثم فلس أنه يحاصص الغرماء بالكراء قال المازري، وذكر لي بعض الشيوخ أن عبدالوهاب نص عليه في شرح الرسالة وكذلك ذكر لي عن المبسوط ولم أو قدر علي النقل في هذين الكتابين ولكن عندي أن المسألة كالمنصوص فيها على القولين لأنه اختلف فيمن أكرى داره خمس سنين وقبض كراءه ومر عليه حول هل يزكي الجميع أو العام الأول فقط قلت: والذي به الفتوى عندنا أنه لا يزكي وهو الجاري عمى قول ابن القاسم أن قبض الأوائل ليس قبضا للأواخر خلافا لأشهب وقاله ابن رشد في مقدمته في كتاب التفليس. (ولا تباع رقبة المأذون فيما عليه ولا يتبع به سيده): ما ذكر هو المشهور وقال سحنون: تباع رقبته نقله الفاكهاني ويعني الشيخ أنه تتبع به ذمته سواء بقي في ملك سيده أو أعتقه، قال في أول مسألة من كتاب المأذون من المدونة ومن خلا بين عبده وبين التجارة يتجر فيما شاء ولزم ذمته ما يداين به ثم قال بعد وإن أعتق يوما ما بقي الدين في ذمته وأما الذي لم يؤذن له في التجارة فلا يتبع بشيء إلا أن يعتقه يوما ما فيتبع بذلك إلا ان يفسخه عنه سيده أو السلطان لأن ذلك يعيبه ومعنى فسخ السلطان إذا كان السيد غائبا قاله المغرب في النكاح الأول. وقاله ابن عبدالسلام هناك أيضا يدفع السيد له وطالبه ذلك فإن قلت كيف يعيبه مع أنه لا يتبع به إلا إذا أعتق فهو لا يحط شيئا من ثمنه قلت لاحتمال أن يتهم عليه أنه

استأذنه في فساد هو يبخس من ثمنه ولو استهلك المأذون وديعته فإنه لا يبا فيه عند ابن القاسم وقال يحيى بن عمر هي جناية في رقبته، وعلى الأول فالمعروف من المذهب في ذمته فهما أمكن أخذها ولو قبل العتق أخذت ونقل ابن عبدالسلام عن أشهب أنها تتعلق بذمته لا تؤخذ من ماله الآن. (ويحبس المديان ليستبرأ): أعلم أن المديان إذا امتنع من أداء عليه فهو على ثلاثة أقسام: الأول: إن كان موسرا به، قال مالك يسجن ويضرب بالسوط مرة بعد مرة حتى يؤدي ما عليه أو يموت أو يتبين أن لا شيء معه وبه قضى سحنون على أحمد بن أبي الجواد ولم يزل يضربه ضربا بعد ضرب حتى مات حسبما هو مذكور في المدارك وغيرها، الثاني إذا طلب التأخير لأداء ما عليه فقال سحنون يؤخر اليوم وشبهه. وقال مالك: يختلف حال الملأ والمعدوم وقلة المال وكثرته وحيث يؤخر فلابد من حميل قاله قاله سحنون وفي المبسوط عن مالك لا يلزمه ذلك الثالث: مجهول الحال في المقدمات يحبس بقدر ما يستبرأ أمره ويختلف باختلاف الدين فيحبس في يسير الدريهمات نصف شهر، وفي كثير المال أربعة أشهر وفي الوسط شهرين قاله ابن الماجشون، قلت: وهذا الوجه هو الذي تكلم عليه الشيخ، وظاهر كلامه أنه محمول على املأ وهو المعروف إذ لو كان عنده محمول على العدم لما سجنه، ولكلف الطالب إثبات ملائه إذ ذاك يسجنه وقيل أنه محمول على العدم وقيل: إن كان عن عوض على الملأ وإن كان على غير عوض كنفقة الأبوين فعلى العدم ولو سأل الطالب أن يفتش دار المديان فقال ابن سهل: شاهدت الفتوى والحكم بطليطل أنه يفتش عليه مسكنه فما ألقى من متاع الرجل بيع عليه وأنصف الطالب منه، ولا يختلف فقهاؤنا فيه وأنكر ذلك على أكثرهم فلم يرجعوا عنه. وسألت ابن عات عند ذكره، وكذلك أنكره أيضا ابن مالك. وقال: أرأيت الذي يلقي في بيته إن كان ودائع قلت هو محمول على أنه ملك له حتى يثبت خلافه قال فيلزم إذا الاستيناء به حتى يعلم هل له طالب أم لا؟ وأعلمت ابن القطان بفعل أهل طليلطة فقال لي: ما هو ببعيد قال ابن رشد: وأراه حسنا فيمن ظاهر اللدد والمطل، وحيث يسجن الغريم فإنه لا يخرج ولو لصلاة الجمعة أو العيدين، وإن اشتد مرض أبويه أو ولده أو إخوته أو من يقرب من قرابتهوخيف موتهفإنه يخرج بكفيل بوجهه، قاله ابن عبد الحكم نقله أبو محمد ونقله ابن يونس عن ابن المواز قال المازري: وأخذ بعض أشياخي يريد به اللخمي أن الجمعة فرض كفاية ويرد لها بدلا فتسقط بالمطر على قول وأبيح التيمم إذا كثر ثمن الماء فكذلك الخوف على تلف مال الغرماء

بخروجه للجمعة. قال والأولى لا يمنع منها إن أمكن خروجه له مع عدم ضرر الغرماء. (ولا حبس على معدم): مثله قال في المدونة، قال في المقدمات: ويحلف ما له باطن ولا ظاهر فإن وجدها مالا ليؤدين إليه حقه وعن ابن سهل هذه اليمين لابن لبابة وغيره، قال ابن فتوح وزاد بعض المفتين في اليمين وليعجلن الأداء لأنه قد يؤديه بعد طول، وزاد بعضهم لئن رزقه الله مالا في سفره ليعجلن الأوبة والأداء، ونقل ابن عبدالسلام عن مالك أنه لم ير زيادة قوله وإن وجد قضاء ليقضين، قال خليل ولم أر من نقله عن مالك فإن ثبت فإنه يحمل على أنه قول شاذ ولو شهدت بينة بعدمه وأخرى بملائه ففيها اضطراب شهير في المذهب والعمل بتونس على تقديم بينة الملأ وهذا ما لم تقل بينه الملأ له مال باطن أخفاه فإن قالت ذلك قدمت اتفاقا. (وما انقسم بلا ضرر قسم من ربع وعقار): قال ابن رشد: لا خلاف أن المكيل والموزون إذا كان صبرة واحدة أنه يقسم على الاعتدال بالكيل والوزن وعلى تبيين الفضل ولو حرم فيه التفاضل ويجوز بالمكيال والصنجة المجهولين، ونقل ابن زرقون عن ابن الماجشون يقسم التمر والرطب العنب على أكثر شأنه في البلد من كيل أو وزن وقال محمد بن عبد الحكم لا بأس أن يقسم القاضي الزبيب كيلا، أو وزنا على أي ذلك شاء وقال أشهب: في المدونة يبيع الزيت بالكيل، فأما الوزن فإن عرف ما فيه من الكيل فلا بأس به، وإن اختلف فلا خير فيه فجعل الأصل الكيل قال المتيطي عن أصبغ: لا يأمر القاضي بقيم بين ورثة طلبوه منه حتى يثبت عنده ملك موروثهم ما طلبوا قسمه إلى أن هلك ولا يحكم إلا بما ثبت عنده وإن أحبوا قسم ذلك لم يعرض لهم وهو الشأن وعليه العمل، قال بعض الأندلسيين: هذا قول مالك وأصحابه قال أبو عمر في كافيه وإن قسم القاضي بينهم دون أن يثبتوا عند الملك ذكر في كتاب قسمهم أن ذلك بإقرارهم دون بينة. (وما لم ينقسم بغير ضرر فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه): ما ذكر مثله في المدونة قال فيها: إن لم ينقسم ما بينهم من ربع أو حيوان أو عرض وشركته بإرث أو غيره، فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه ثم للآبي أخذ الجميع بما يعطي فيه فأخذ غير واحد أن ليس لطالب البيع أخذه إلا بزيادة ما وقف عليه من الثمن وهو أحد القولين، وقيل لكل من الشريكين أخذه بذلك الثمن قيل: وبه

أفتى القاضي أبو الوليد وظاهر المدونة والرسالة ولو دخل أحد الشريكين على الآخر، وليس كذلك إذ لا حجة في بخس الثمن في حظه منفردا لأنه كذلك اشترى قاله عياض قال وقول شيخنا القاضي أبي الوليد لمثل قول الداودي في رباع الغلة وما لا يحتاج إلى السكني والانفراد إنه لا يجبر عليه من أباه مطلقا لأنه رباع الغلة إنما تراد للغلة وقيل ما يحط ثمن بعضها منفردا عن ثمنه في بيعه جملة بل ربما كان الراغب في شراء بعضه أكثر من الراغب في شراء جميعها بخلاف دار السكنى، قلت: ورده بعض شيوخنا بأن العيان خلافه إلا أن تكون عادتهم بالأندلس فواضح، وحيث حكمنا لمريد البيع بالتمكين منه فهل تخلي الدور والحوانيت وغيرها أم لا؟ في ذلك ثلاثة أقوال، فقيل بما ذكر، وقيل يكفي التزام الساكن أن لا يمنع من أراد التقليب من الدخول. وقيل: لا يحكم بالإخلاء في الحوانيت وشبهها ويحكم في الدور وشبهها بالإخلاء نقله ابن عبدالسلام عن بعض قضاة بلده واختلف قول مالك فيما يبطل القسم صفته المقصودة كالبيت الصغير، والحمام والماجل وللقول قسم ما ذكر ذهب إليه ابن كنانة من أصحاب مالك وحده، قاله ابن حبيب وعزاه اللخمي وعياض، لابن القاسم في أحد قوليه واختار اللخمي المنع ولو رضوا فإن الحاكم يمنعم للنهي عن إضاعة المال ولا يقسم الباب ولا المصراعان ولا الخفان ولا النعلان قاله في المدونة وعدد أشياء أخر، واختلف في الغرارتين على ثلاثة أقوال فقال ابن وهب: لا تقسم قياسا على الخروج، وعكسه لأشهب وقيل: إن لم يكن في قسمتها فساد قسمت وإلا فلا قاله في المدونة وكلها ذكرها الباجي. (وقسم القرعة لا يكون إلا في صنف واحد ولا يؤدي أحد الشركاء ثمنا وإن كان في ذلك تراجع لم يجزالقسم إلا بتراض): قال ابن حارث: اتفقوا على ان كل صنف من الثياب أو إذا احتمل القسم وحده فإنه يقسم ولا يجمع وإن لم يحتمل القسم ففي ذلك ثلاثة أقوال، قال ابن القاسم: يجمع البز والحرير والديباج والقطن والكتان صنف، والمزعفر صنف لا يجمع شيء إلى الآخر، وقال ابن عبدوس أنكر سحنون مذهب ابن القاسم وصوب قول أشهب نما جاز فيه واحد باثنين لأجللم يجمع قلت وقول ابن القاسم أطلقه في المدونة مرة وقال في موضع آخر لم يحمل كل صنف منه القسم وحمل ذلك اللخمي وغيره على الخلاف واختلف في المعتبر في الدور فقيل المعتبر تقارب المواضع ولا يعتبر تساوي نفاقها قاله أشهب، وعكسه لابن القاسم في المجموعة. وقال سحنون باشتراط التقارب وتساوي النفاق وكلها حكاها الباجي وجعل

غير واحد مذهب المدونة هو الثالث وجعل صاحب البيان أن مذهب المدونة هو الأول قال ويقوم منها قول آخر فأشار على ما تقدم عنها، واختلف في دار سكنى لميت إذا حملت القسمة على ثلاثة أقوال: فقيل: القول قول من أراد فرادها قاله ابن حبيب ونحوه في المدونة، وقيل: هي كغيرها قاله أبو عمران وغيره وقيل: إن كان للميت شرف بها فالأول وإلا فالثاني. (ووصي الوصي كالوصي): وإن بعد وعارض المغربي قول المدونة هذا بقولها في القذف إن مات المقذوف ولا وارث له فأوصى بالقيام في قذفه فلوصيه القيام به ولو كان له وارث فإن الحق له وأجاب بأن قوله لا وارث له إنما هو السؤال فلا يعول عليه هذا الذي قلناه في القذف والصواب في الفراق بينها إنما هو لما في القذف من العار فالعار الحاصل في أبي الوارث مثلا كأنه متعلق به ولما كان نظر الوصي في تزويجه البكر خارجا عن ذلك ناسب أن يقوم عليهم والله أعلم. وفي بيع الخيار من المدونة ومن تزوج امرأة وشرطت عليه إن نكح أو تسري فأمرها بيد أمها فماتت الأم، فإن أوصت بذلك إلى أحد فذلك له، فجعل لها أن توصي وهو خلاف قول رهونها إذا مات العدل، وبيده رهن فليس له أن يوصي قبل موته بوضعه في يد غيره وذلك إلى المتراهنين. قال المغربي: والفرق أن العدل إنما جعل له الحفظ لا غير ولم يجعل له النظر وفي بيع الخيار وجعل للأم النظر فأشبهت الوصي، وقال شيخنا أبو مهدي أيده الله الصواب في الفرق بأن في صلة الأم لو لم يكن الأمر كما ذكر لسقط حق الزوجة بخلاف مسألة الرهن، فإن الحكم إلى المتراهنين فلم يسقط الحق وليس لمقدم القاضي أن يوصي قال ابن عبدالسلام: هكذا قالوا والذي عندي أن أصول المذهب تقتضي تحريم خلاف فيه قلت: الأصل الذي أشار إليه والله أعلم هو اختلافهم في مقدم القاضي هل هو أولى بالإنكاح من الولي لأن القاضي أقامه مقام الأب. وقد قال في المدونة: إنه كان كالوصي في جميع أموره وهو قول ابن حارث وابن لبابة وغيرهما والولي أولى لأنه مقدم على القاضي والمقدم على المقدم مقدم، قاله ابن حبيب وموسى بن أحمد الوتر وغيرهما حسبما ذكرنا ذلك في أوائل الأنكحة قال في المدونة: ولا وصية لجد. وقال الشافعي: للجد في عدم الأب ما للأب من النظر ولما نقل ابن الحاجب أنه لا وصية للأم قال فيها: وتصح في اليسير كستين دينارا فأشار إلى أن القدس لا تصح في اليسير

كالكثير وكذلك صرح به ابن القاسم في المدونة، وقال استحسنه مالك وليس بقياس. (وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم): ظاهر كلامه يقتضي أنه مخير ولا يجبر عليه ببر أو بحر وهو كذلك رواه ابن وهب وقيده غير واحد بزمان الأمن واعلم أن عطاء ماله قراضا من معنى التجر لأنه للولد فهو شيء مأذون فيه لا يعارض بقولهم لا يودع إلا من ضرورة واختلف هل يعمل هو به قراضا أم لا؟ والقائل بمنعه هو أشهب، وفي رهون المدونة: ولا يعجبني أن يعمل به الوصي لنفسه، قال اللخمي: ولا يسلف ماله لأنه معروف إلا أن يكون كثير التجر ويسلف اليسير مما يصلح وجهه للناس ولا بأس أن يتسلف له، والمذهب على أنه لا يشتري لنفسه من مال المحجور شيئا، ولا يتخرج فيه الجوازمن قول عبدالوهاب يجوز للوكيل احتياطا لليتيم لعجزه عن الذب عن نفسه والله أعلم. فإن وقع تعقبه الحاكم فإن رآه سدادا أمضاه وإلا فلا، واختلف هل يراعي يوم الشراء قاله ابن كنانة أو يوم الحكم قالهابن الماجشون أو الأحوط على ثلاثة أقوال والثالث هو ظاهر المدونة في آخر كتاب الدور والأرضين في قوله: ولا أحب للوصي أن يشتري من مال يتيمه شيء أو يكري أرضا له من نفسه فإن نزل أعيد ما اشترى إلى السوق فإن زيد عليه بيع وإلا لزم الوصي ما اشترى قال شيخنا أبو مهدي الغبريني أيده الله تعالى. قلت: وعليه يحمل ما في الوصايا الأول من المدونة ونحوه في الإجازة في قوله: ينظر السلطان فإن كان فيه فضل كان لليتامى وإلا ترك واختلف المذهب إذا قيل الوصي الوصية ثم بدا له على ثلاثة أقوال: فقيل له ذلك مطلقا، واسشكله بعض الشيوخ لأنه غر الموصي، إلا أن يقال التزم ما لا غاية له، وقيل لا رجوع له مطلقا على ظاهر قول القاضي عبدالوهاب في معونته إذا قيل الوصي الوصية ثم أراد تركها لم يجز له ذلك إلا أن يعجز أو يظهر له عذر لأنه قربة وفعل خير ألزمه لنفسه كالصوم الحج. قال ابن شاس وهو ظاهر قول شيخنا أبي القاسم قال غيره وهو ظاهر قول التونسي عن أشهب، وقيل له ذلك في حياة الموصي وليس له ذلك بعد مماته وهو قول أشهب وظاهر قول المدونة وهذا كله ما لم يقبل بعد الموت فإن قبل فلا كلام له عند الأكثر باتفاق وقال ابن الحاجب: لا رجوع بعد الموت والقبول على الأصح، قال ابن هارون: ولا نعلم فيه خلاف، وقال ابن عبدالسلام قال بعضهم: ولا فرق بين قبوله بعد الموت أو قبله أن له الرجوع وقد أطرد تعليل أشهب بأن ما قبله في حياته لهالرجوع عنه في حياته لأنه لم يغره قلت قال بعض شيوخنا وما ذكره لا أعرفه لعير أبي إبراهيم في قوله لا فرق بين رجوعه قبل ولا بعد لأنه لم يغره.

وفرق بين قبوله بعد الموت قيل لما ثبت بالفعل بخلاف قبوله في الحياة قال أصبغ: فالرجل يوكله السلطان بالنظر لليتيم فيقبل ذلك منه فليس له أن يعتزل عن ذلك السلطانأو لم يعزل إلا أن يزيله السلطان على وجه النظر فهو في غير لحسن نظره فرأي بعض الشيوخ أنه مخالف للمدونة، وقال ابن عبدالسلام يحتمل أن يكون وفاقا لأن السلطان مستدرك لما أخل به الوصي وأهمله قبل الوصي من السلطان صار قبوله كأنه من الأب فلا رجوع له عنه قال: وهذا الكلام نبه عليه بعض الشيوخ في غير هذه المسألة وخالف فيه غير واحد لكنه مناسب هنا، قلت: المسألة التي أشار إليها هي مسألة الوتد السابقة ويقوم من قول أصبغ أن الرجل إذا التزم إمامة مسجد بتقديم القاضي فليس له أن يعزل نفسه لا أن يكون عرفا فإما بالإطلاق وإما بإرادة تبديله بغيره لكثرة مرتبة الثاني فله ذلك والعمل جرى عندنا بأن له ذلك مطلقا فصار مدخولا عليه. (ومن أوصى إلى غير مأمون فإنه يعزل): ظاهره وإن علم الموصي بعيبه وهو كذلك عند سحنون، وهو ظاهر أول قسمة المدونة وإذا أسند مسلم وصيته إلى ذمي أو مسخوط لم يجز ذلك ولا يكون وصيا وهو ظاهر ما في وصاياها أيضا، وقال المغيرة: لا يعزل ويقوم مع عدل وقال أصبغ ومصرف وابن الماجشون بالأول إلا أن يكون مثل القريب والمولى والزوجة، ومن يرى حسن النظر لقرابته أو لولايته وشبه ذلك فالثاني وقيل: إن لم يعلم الذي أوصاه بحاله فالأول وإلا فالثاني نقله ابن الحارث، وظاهر كلام الشيخ أن المأمون الوصية إليه صحيحة وإن كان أعمى واعلم أنه يشترط في الوصية خمسة شروط ذكرها ابن شاس أن يكون مسلما، مكلفا، عدلا، ذا كفاءة، وذا هداية في التصرف. وإن أوصى ذمي إلى مسلم، فقال في المدونة: إنلم تكن تركته خمرا أو خنازير ولم يخف أن يؤخذ بالجزية فلا بأس بذلك، واختلف في عكسها على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: كره مالك الوصية لليهودي والنصراني وكان قبل يجيزه وأن أرى أنه لا بأس به إن كان على وجه الصلة مثل أن يكون أبوه يهوديا أو نصرانيا أو أخوه أو إخوته فليصلهم وأراه حسنا وأما غير هؤلاء فلا، وأما وصية الذمي للذمي فلا يمنعون منها وإن كان في الوصي خمر قاله ابن الماجشون وقال أشهب: ولو أوصى ذمي إلى حربي لم يجز وإن كان مستأمنا وإن أوصى الحربي المستأمن إلى ذمي جاز وتجوز وصية الحربي للمسلم. (ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث):

الأمر كما قال لأن الكفن مقدم على الدين ونص على ذلك من رواية ابن القاسم ووجهه أن الغرماء عاملوه على ذلك ألا ترى أنه إذا فلس لا يباع لباسه المعتاد ما عدا ثوبي جمعته إذا كانت لهما قيمة لأنهما في حقه سرف، وقال ابن كنانة: لا يترك للمفلس إلا ما يستر به عورته خاصة فيجري على قوله هذا لا يلزم الغرماء في الموت إلا ستر العورة خاصة والباقي عل المسلمين من باب أخرى لخراب ذمته بالموت والله أعلم. ولم يرتض شخينا أبو مهدي رحمه الله ما ذكرنا عن التخريج لقدرة المفلس على السعاية ويريد الشيخ أن مؤنة الدفن كالكفن مقدمة وخشونة كفنه ورقته على قدر حاله. (ومن حاز دارا على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبه حاضر عالم لا يدعي شيء فلا قيام له):

ما ذكر الشيخ أن الحرز مقداره عشر سنين قال به جميع أصحاب مالك وقيل: لا حد في ذلك والمرجع إلى العرف وهو قول مالك في المدونة قال فيها: ولم يحك مالك في الحيازة عشر سنين ولا غير ذلك، وقيل: تسع سنين قاله ابن القاسم في أحد قوليه، ويريد الشيخ ما لم يحدث فيها من هي بيده بناء أو هدما فإن أحدث فيها شيء من ذلك سقط قول المدعي إذا علم بنفس الفعل واختلف المذهب، هل يلزم الحائز الكشف من أين صارت له أم لا؟ فأفتى ابن أبي زمنين بأنه لا يلزمه قائلا: لأنه يقول ملكتها بوجه لا يريد إظهاره وخالفه غيره والقولان ذكرهما عياض، واختار شخينا أبو مهدي حفظه الله الأول قاله وبه القضاء واعلم أن الخلاف السابق إنما هو الحاضر وأما الغائب فلا حيازة عليه قاله في المدونة، وأطلق الكلام في هذا ولا شك أن الغيبة على قسمين تارة تكون بعيدة فالأمر كما ذكرنا وتارة تكون قريبة كأربعة أيام ثبت عجزه وضعف عن الإتيان بذاته أو بالنيابة عنه بالتوكيل فكالأزل وعكسه حكمه حكم الحاضر، وإن أشكل أمره فهل يسقط حقه أم لا؟ في ذلك قولان لابن حبيب وابن القاسم وهذا كله في غير حق الله، وأما حق الله تعالى فلا ينتفع فيه بالحيازة وإن طالت أحدث ضررا على المسلمين في طريقهم باقطاع شيء منها. وظاهر كلام الشيخ أن الحاضر محمول على عدم العلم حتى يثبت وهو كذلك عند ابن سهل، كذا عزاه بعض من لقيناه وهو ظاهر التهذيب قال فيه كان هذا المدعي يراه يبني ويهدم ويكري فلا حجة له. وقيل إنه محمول على العلم حتى يثبت خلافه وهو قول ابن رشد رحمه الله. وقيل بالأول إن كان وارثا وبالثاني إن لم يكن، قاله في وثائق المجموعة إنما هو التشبيه على فرع آخر متفق عليه، وهو إذا ادعى الوارث الجهل بملك موروثه الشيء المتنازع فيه فإنه يقبل قوله مع يمينه قاله المغربي. انظر إذا قال علمته ولم أجد ما أقوم به ووجدته الآن هل يعذر أم لا؟ قلت واختار شخينا أبو مهدي حفظه الله أنه يقبل منه لأنه كالمعترف بأنه لا حق له مدع رفعه وقول المدونة في الذي يقول علمت العيب ونسبته مشكل قال الفاكهاني: واقتصر الشيخ على حيازة الرباع وأما الثياب فالسنة والحيوان والأمة والسنتين إلا أن يطأ فتكون أم ولد قاله أصبغ. (ولا حيازة بين الأقارب والأصهار في مثل هذه المدة): يعني وإنما المعتبر في ذلك أكثر من عشر سنين كخمسين سنة، وبه قال مطرف

في كتاب ابن حبيب قال: لا حيازة بين الورثة فيما يزرع أو يسكن إلا في مثل خمسين سنة، وقيل إن الأقرباء كغيرهم قاله أشهب وابن وهب وهو ظاهر المدونة قال فيها قلت لابن القاسم، أرأيت لو أن دارا لي ورثتها عن أبي وأقام ابن عمي بينة أنها دارجده وطلب موروثه قال هذا من وجه الحيازة التي أخبرتك، فإن قلت لأي شيء اختصرها البراذعي بلفظه سؤالا وجوابا، وقد قدمتم غير ما مرة أن لا يفعل ذلك إلا لمعنى من المعاني فما هذا المعنى. قلت استشكالا للحكم لما علم من الحنانة والشفقة التي بين الأقرباء فلا يكون حكمهم بحكم الأجانب على الظاهر ببادئ الرأي فجعل حكمهم حكم الأجانب مشكل والله أعلم. وقال بعض القرويين: إن كانت بين الأقرباء مشاحنة فهم كالأجانب يعتبر فيهم العشر سنين، وظاهر كلام الشيخ أن الولد كغيره من الأقارب وهو كذلك وروى أصبغ عن ابن القاسم ليس بين الولد وأبيه حيازة وإن طالت وما ذكر الشيخ من أن الصهر كالأقرباء وكذلك نص عليه سحنون في المدونة. (ولا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو بقبضه): يعني بالمرض المخوف عليه، وإنما كان ذلك كما قال لأنه يتهم أن يكون كاذبا، والحامل كالصحيح حتى تدخل في الشهر السادس فهي كالمريض في أحكامه حكاه المتيطي وقيل حتى تدخل في السابع قاله في الموطأ به فسر عياض المذهب في كتاب الخيار. ونقهل المازري عنابن الماجشون فقط وقيل هي كالصحيح حتى يأخذها الطلق نقله المتيطي عن الداودي وابن شهاب. قلت: قال بعض من لقيناه ممن يظن به حفظ المذهب بنقل غير ما مرة عن السيوري أن حكمها حكم الصحيح وإن أخذها المطلق لأن الأعم الأغلب عدم موتها ولم أقف عليه له بل حكى بعضهم الإجماع على أنها حينئذ كالمريض. قال المازري: فإن صح الإجماع فواضح وإلا فمقتضى النظر أنه لا يحكم لها بذلك لأنه لو كان الموت على هذا المرض غالبا للزم أن لا تلد المرأة إلا مرة واحدة، والمعلوم خلافه وخارج المذهب قول عن المسيب هي بمنزلة المريض من أول حملها وهو بعيد، وطاهر كلام الشيخ أن إقرار أحد الزوجين لصاحبه في مرضه لا يجوز وهو كذلك إن علم الميل والمحبة له دون غيره وعكسه عكسه وإن أشكل الأمر ففيه تفصيل ذكره ابن رشد في المقدمات، ولولا الإطالة لذكرناه قال في البيوع الفاسدة من المدونة

باب في الفرائض

وبيع المريض من ولده بغير محاياة جائز. قال التونسي: إن حاباه بغير البيع كبيعه منه خيار ماله فلورثته نقض ذلك ولو زاد ثمنه على قيمته وإن حاباه في ثمنه فقط ولو أتم بقية الثمن ما كان ذلك له لأن البيع وقع على التأجيل وقيل إن أتم بقية المحاباة فلا قول للورثة. (ومن أوصى يحج أنقذ عنه): ما ذكر هو المشهور وقال ابي كنانة لا ينفذ لأنه عمل بدن وقول الشيخ أوصى يقتضي أن ذلك من الثلث وهو المذهب وقال الشافعي من رأس المال. (والوصية بالصدفة أحب إلينا): إنما كانت الوصية بالصدقة أحسن لأن الميت ينتفع بها باتفاق بخلاف الحج ففيه اختلاف وما يتفق عليه أولى ويقوم من كلام الشيخ أن الوصية بالمال أفضل من أن يوقف مالا برسم أن يقرأ عليه القرأن به لأنه مختلف بين أهل العلم وأنه للميت أم لا، ومذهب مالك أنه لا ينتفع به الميت، قال عبد الحق ولذلك لا تقرأ الفاتحة في صلاة الجنائز. (وإذا مات أجير قبل أن يصل فله بحساب ما سار ويرد ما بقي وما هلك بيده فهو منه إلا أن يأخذ المال على أن ينفق على البلاغ فالضمان من الذين واجروه ويرد ما فضل إن فضل شيء): باب في الفرائض خرج أبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العلم ثلاثة وما سوى ذلك باطل آية محكمة أو سنة ماضية أو فريضة عادلة" وأراد بقوله ماضية قائمة، وكذلك رواه غيره، قال عبد الحق في إسناده عن عبد الرحمن الإفريقي قاضيها ضعفه. قلت: قال المازري: في البحاري وما هو مقارب الحديث، وقال أبو عمر بن عبدالبر ضعفه بعضهم، وأما أهل المغرب ومصر وإفريقية فيثنون عليه بالفضل والدين وروي عنه جماعة من الأئمة الثوري وغيره، وقال أبو سليمان الخاطبي رضي الله عنه: الآية المحكمة هي كتاب الله، واشترط فيه الإحكام لأن من الآي ما هو منسوخ ولا

يعمل به وإنما يعمل بناسخه. والسنة القائمة هي الثابتة بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم. وقوله أو فريضة عادلة يحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون من العدل في نفسه فتكون معدل على الانصباء والسهام المذكورة في الكتاب والسنة. والوجه الثاني: أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة. وحض صلى الله عليه وسلم على الفرائض بقوله "تعلموا الفرائض وعلموها للناس فإنها تنسي وإنها أول ما يرفع". قال الفاكهاني: وعلم الفرائض أجل العلوم خطرا وأعظمها قدرا وأعظمها أجرا وهي من العلوم القرآنية والصناعة الربانية وقد خض صلى الله عليه وسلم على ذلك ورغب فيه. (ولا يرث من الرجال إلا عشرة الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد للأب وإن علا والأخ وابن الأخ وإن بعد والعم وابن العم وإن بعد، والزوج ومولى النعمة): ما ذكر الشيخ صحيح يريد بالجد الجد للأب، وابن الأخ إذا كان شقيقا أو الأب وإن كان للأم فلا يرث شيء وصرح به الشيخ ببعد وكذلك العم وابن العم للأم لا يرث، وهذا قال الفاكهاني: ولو قال الأب وأبوه لكان أحسن ليخرج به الجد للأم، وكذلك لو قال والأخ العاصب لكان أحسن ليخرج ابن الأخ للأم وكذلك في العم، وقوله وولي النعمة إضافة مجازية لأن المنعم في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى، واعلم أن الذكور كلهم يرثون بالتعصب إلا الزوج والأخ وكلهم يرثون بالنسب إلا الزوج ومولى النعمة. (ولا يرث من النساء غير سبع البنت وابنة الابن والأم والجدة والأخت والزوجة ومولاة النعمة): واعلم ان كلهن يرثن بالفرض إلا الأخت ترث مع البنت بالتعصيب ومولاة النعمة وكلهن يرثن بالنسب إلا ابن الزوجة ومولاة النعمة. (وميراث الزوج من الزوجة إن لم تترك ولد ولا ولد ابن النصف فإن تركت ولدا أو ولد ابن منه أو من غيره فله الربع وترث هي منه الربع): لقوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) [النساء: 12] ولا خلاف أن ابن الابن وإن سفل كالابن سواء كان الابن أو ابن الابن ذكر أو أنثى، واعلم أن أصحاب النصف خمسة بنت الصلب وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت

للأب، والزوج مع عدم الولد أو ولد الولد. (وترث هي منه الربع إن لم يكن له ولد ولا ابن فإن كان له ولد أو ولد ابن منها أو من غيرها فلها الثمن):

واعلم أن أصحاب الربع اثنان: الزوج مع الولد أو ولد الولد أو الزوجة والزوجات مع عدمه، وأصحاب الثمن صنف واحد الزوجة والزوجات مع وجود الولد أو ولد الولد. (وميراث الأم من ابنها الثلث إن لم يترك ولدا أو ولد ابن أو اثنين من الإخوة ما كانوا فصاعدا): اعلم أن أصحاب الثلث اثنان: الأم والإخوة للأم فترث الأم الثلث كما قال إن لم يكن ولدا ولا ولد ابن ولا أخوان فاكثر ما كانا شقيقين أو لأب أو لأم سواء كانا ذكرين أو انثيين أو ذكر أو أنثى، وذهب ابن عباس إلى أن لها مع الأخوين الثلث ومع الثلاثة فأكثر السدس مستدلا بقوله تعالى (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) [النساء:11] وتابعه على قوله جماعة، وخلافهم في هذه المسألة يجري على الخلاف في أقل الجمع هل هو اثنان أو ثلاثة قاله ابن عبد السلام، وفيه نظر لأن عثمان يسلم له فهمه في الآية في أن الأخوين ليسا بأخوة، وإنما أشار به بالرد عليه؛ لأن الإجماع أن الاثنين كالثلاثة. ووافق ابن عباس في زوج وأم وأخ وأخت لأم أن للزوج النصف، وللأم السدس، ولكل واحد من الأخ والأخت وللأم السدس ولو كان للأم الثلث لعالت المسألة. قال بعض الناس: والإجماع على أن هذه الفريضة لا تعول قال ابن عبد السلام بعد أن ذكر ما قلناه وفي الاحتجاج عليه بهذه المسألة نظر لاحتمال أن يقول فيها ابن عباس بسقوط الأخوين للأم على أصله في العول إذا أدى الأمر إليه، قلت: وهذا كما ترى ضعيف؛ لأن ابن عباس قد نقل عنه بأن الأخوين لكل واحد منهما السدس فكيف يتوهم أنهما يسقطان، ومرض الفاكهاني قول ابن عباس بأن اتفاق الجماعة ومعظمهم غير معاذ بن جبل رضي الله عنه على أن الثلاث أخوات يحجبن الأم من الثلث إلى السدس مع أنه لا يطلق عليهم إخوة، فقيل له إذا وقفت مع ظاهر اللفظ فينبغي أن تقول بقول معاذ بن جبل رضي الله عنه. (إلا في فريضتين في زوجة وأبوين فللزوجة الربع وللأم الثلث ما بقي وما بقي للأب وفي زوج وأبوين فللزوج النصف وللأم الثلث ما بقي وما بقي للأب ولها في غير ذلك

الثلث إلا ما نقصها العول): ما ذكر هو مذهب الجمهور وخالف ابن عباس في ذلك فأعطى للأم الثلث من رأس المال، وأعطى الزوج أو الزوجة كذلك النصف أو الربع وسبب الخلاف بينهم قوله تعالى (وورثه أبواه فلأمه الثلث) [النساء: 11] فابن عباس رأى الآية منطبقة على هذين اللفظين والجمهور حملوا الآية على ما إذا كان جميع ما خلف الميت الأبوين لا غيرهما بدليل قوله تعالى (فإن كان إخوة فلأمه السدس) [النساء:11] ورأوا أن ما أخذه الزوج والزوجة كمستحق على التركة وكان التركة ما بقي بعد نصيب الزوجين قال ابن عبد السلام وهذا الأخير أشبه بمرادهم، وذهب ابن سيرين إلى قول الجمهور لأن نصيب الأم على مذهبهم ثلث ما بقي وهو السدس وذلك معهود في نصيب الأم مع ولد أو إخوة وفي زوجة وأبوين إلى قول ابن عباس لأن الواجب لها على مذهب الجمهور ثلث ما بقي وهو الربع، وذلك غير معهود في فرضها. (إلا أن يكون للميت ولد أو ولد ابن أو اثنان من الإخوة ما كانا فلها السدس حينئذ): اعلم أن أصحاب السدس سبعة: الأب والأم والجد والجدة وبنت الابن مع بنت الصلب والأخت للأب مع الأخت الشقيقة والأخ الواحد من قبل الأم. (وميراث الولد الذكر جميع المال إن كان وحده أو يأخذ ما بقي بعد سهام من معه من زوجة وأبوين أو جد أو جدة): لا خلاف أن الابن إذا انفرد أنه يأخذ المال أجمع قال ابن عبد السلام: وكنت أوقفت في كتاب ابن ثابت المؤلف في الفرائض على خلاف في الابن هل هو عاصب أم لا ولا أدري ما معنى ذلك الخلاف ولعله خلاف في التسمية. قلت: قال بعض شيوخنا: ويرد بأن معناه واضح وقد ذكرناه في كتاب الولاء من قولنا وقال اللخمي: وميراث مولى المرأة لعصبتها وعقلها على قومها إن لم يكن لها ولد فإن كانلها ولد فقال مالك: ميراثهم لولدها وجريرتهم على قومها وقال ابن بكير النظر أن ميراث لولدها منه وهو قول عمر رضي الله عنه. وقال عبد الوهاب: قيل: يحمل ولدها مع العاقلة لأن البنوة عاصبة بنفسها قال شيخنا فقول ابن بكير ظاهر في أن ولد المرأة ليس من العصبة والخلاف إذا معنوي لا لفظي فتأمله منصفا قال الفاكهاني: وإنما حاز الولد الذكر إذا انفرد المال أجمع لأربعة أوجه: الأول: الإجماع على ذلك.

الثاني: أن الله تعالى لما نص على حيازة الأخ جميع المال إذا انفرد بقوله (وهو يرثها) [النساء: 176] وهي في حال اجتماعها مع الذكر تأخذ نصف ما يأخذ فليكن للابن إذا انفرد مثلا مالها وذلك في جميع المال قياسا على حال الاجتماع. الرابع: أن الابن أقوى تعصيبا من كل العصبات بدليل أن سائرهم معه على ضربين إما أن يسقطوا جملة كالإخوة وإما أن يصبروا من أهل السهام كالأب. (وابن الابن بمنزلة الابن إذا لم يكن ابن): قال الفاكهاني: ليس هذا على عمومه وبيان أن الابن لا يسقط بحال البتة وابن الابن يسقط في ثلاث مسائل أحدها أبوان وابنتان وابن ابن وكذلك إن كان زوج إو زوجة فكان حقه أن يقول يريد غالبا كما قلناه في منهاج الفرائض في علم الفرائض. (فإن كان ابن وابنة فللذكر مثل حظ الانثيين وكذلك في كثرة البنين والبنات وقلتهم يرثون كذلك جميع المال أو ما فضل منه بعد من شركهم من أهل السهام): ما ذكر لا خلاف فيه، وقد اختلف في سبب نزول آية الوصية حسبما هو مذكور في محله. (وابن الابن كالابن في عدمه فيما يرث ويحجب): قد تقدم للشيخ ما يغني عن هذا وخالف مجاهد في الحجب يجعله الزوج ولا الزوجة مستدلا بقوله تعالى (إن كان له ولد) [النساء: 11] وهذا ليس بولد. قال الفاكهاني: واختلف هل يطلق عليه ولد حقيقة أو مجازا والذي اختاره السهيلي حقيقة. (وميراث البنت الواحدة النصف وللأنثتين فصاعدا الثلثان فإن كثرن لم يزدن على الثلثين شيئا): قد قدمنا أن أصحاب النصف خمسة إحداها: بنت الصلب وبنت الابن والأختان الشقيقتان والأختان للأب، والأصل فيما ذكر الشيخ قوله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) [النساء: 11] ، ومعنى قوله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين) [النساء: 11] أي اثنتين فأعلى ومنه قوله تعالى (فاضربوا فوق الأعناق) [الأنفال: 12]. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن للبنتين النصف قال بعض المحدثين وهي رواية ضعيفة والصحيح عنه مثل قول الجمهور ولما رواه الترمذي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبدالله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك وإن عمهما أخذ مالهما، ولا ينكحن إلا ولهم مال قال "يقضي الله في ذلك" فنزلت آية المواريث فبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال "اعط ابنتي سعد الثلثين واعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك" قال هذا حديث حسن صحيح. وقال أبو عمر بن عبدالبر قد روي من أخبار العدل فذكر هذا الحديث وابن عقيل هذا وإن كان مختلف فيه ولكن هذان الإمامان قد ذكرا ما تقدم وإنما احتجا بالحديث المذكور لأن الآية ليست بنص في الذي ذكروا. (فإن كانت ابنة وابنة فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تمام الثلثين): ما ذكره هو مذهب الجمهور وقال ابن مسعود يكون الباقي للذكر وحده ووافقه على ذلك علقمة وأبو ثور واحتج أبو ثور بقوله صلى الله عليه وسلم "ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت السهام فلأولى عصبة ذكر". (وميراث الشقيقة النصف وللاثنين فصاعدا الثلثان فإن كانوا إخوة وأخوات شقائق أو لأب فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قلوا أو كثروا): الأصل في ذلك قوله تعالى "يستفتونك" [النساء: 176] الآية. (والأخوات مع البنات كالعصبة لهن يرثن ما فضل عنهن ولا يربي لهن معهن ولا ميراث للأخوات والإخوة مع الأب ولا مع الولد الذكر أو مع ولد الولد والإخوة للأب في عدم الشقائق كالشقائق ذكورهم وإناثهم فإن كانت أخت شقيقة وأخت وأخوات لأب فالنصف للشقيقة ولمن بقي من الأخوات للأب السدس ولو كانتا شقيقتين لم يكن للأخوات للأب بشيء إلا أن يكون معهن ذكر فيأخذون ما بقي للذكر مثل حظ الانثيين): فهذا تعقب على ابن الحاجب بقوله: ولا يكون التعصب إلا في ذكر يدلي بنفسه أو بذكر وأجاب ابن عبد السلام بأنه إنما يلزم هذا إن عطف قوله أو ذكر على نفسه وهو محتمل أن يكون معطوفا على ذكر وهو الذي يكون بسبب ذكر فكأنه يقول لا يكون إلا في ذكر موصوف بكذا أو بسبب ذكر وهذا الذي يكون بسبب ذكر قد يكون في ذكر كالأخ، وقد يكون أنثى كالأخت مع البنت. قلت: قال بعض شيوخنا فيما ذكره بعد لأنه قاصد لاختصار كلام ابن شاس

وهو لا يقبل هذا الاحتمال لأن لفظه ويرث بالتعصيب كل ذكر يدلي بنفسه أو بذكر ويلزم على قوله في الاحتمال الذي ذكره أن تكون الباء في بنفسه للتعدية وفي بذكر للسببية ويلزم عليه أن تكون بنت الأخ عاصبة للبنت عملا بالسببية لقولهم حجة الأشقاء على الإخوة للأم في الحمارية بمشاركتهم إياهم في سبب إرثهم. (وميراث الأخت للأم والأخ للأم سواء السدس لكل واحد وإن كثروا فالثلث بينهم الذكر والأنثى فيه سواء): الأصل في ذلك قوله تعالى (وإن كان رجل يوث كلالة أو امرأة) [النساء: 12] وأجمعوا على أن المراد بالأخ والأخت في هذه الآية من قبل الأم خاصة وعلى أن الشركة بينهم في ذلك سواء الأنثى كالذكر لقوله شركاء. (ويحجبهم عن الميراث الولد وبنوه والأب والجد للأب والأخ يرث المال إذا انفرد إن كان شقيقا أو لأب والشقيق يحجب الأخ للأب وإن كان الأخ وأخت فأكثر شقائق أو لأب فالمال بينهم للذكر مثل حظ الانثيين): يعني: عمودي النسب سفلي وعلوي. (وإن كان مع الأخ ذو سهم بدئ بأهل السهام وكان له ما بقي وكذلك يكون ما بقي للإخوة والأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يبق شيء فلا شيء لهم): قيل: هذا لا يختص الأخ بل كان عاصب كذلك حكمه. (إلا أن يكون في أهل السهام إخوة لأم قد ورثوا الثلث وقد بقي أخ شقيق أوإخوة ذكورأو ذكور وإناث شقائق معهم فيشاركون كلهم الإخوة للأم في ثلثهم فيكون بينهم بالسواء وهي الفريضة التي تسمى المشتركة ولو كان من بقي إخوة لأب لم يشاركوا الإخوة للأم لخروجهم عن ولادة الأم وإن كان من بقي أختا أو أخوات لأبوين أو لأب أعيل لهن وإن كان من قبل الأم أخ واحد أو أخت لم تكن مشتركة وكان ما بقي للإخوة إن كانوا ذكورا وإناثا وإن كن إناث لأبوين أو لأب أعيل لهن والأخ للأب كالشقيق في عدم الشقيق إلا في المشتركة): صورتها امرأة ماتت وتركت زوجا وأما أو جدة وأخوين لأم فصاعدا وأختا شقيقة وأخا شقيقا وحده أو مع غيره يشتركون في الثلث الذكر والأنثى سواء وهذا قول مالك والشافعي وغيرهما، وقيل إن الأشقاء لا يشاركون الإخوة للأم، قاله أبو حنيفة وغيره. واختلف رأي الصحابة رضوان الله عليهم حتى إن كل من تكلم فيها اختلف

قوله بهذين القولين ومال بعض من ألف في الفرائض عن مذهب مالك إلى مذهب أبي حنيفة وهو أبو عمر بن عبد البر رضي الله عنه وتسمى هذه المسألة بالحمارية لأنها رفعت إلى عمر رضي الله عنه فأراد أن يحكم فيها بإسقاط الإخوة الأشقاء فقال واحد منهم: هب أبانا حمارا أليست أمنا واحدة، فحكم بالثلث لجميعهم بالسواء قال ابن خروف فإن كان مع ذلك جد فلا نص فيها ومذهب زيد بن ثابت رضي الله عنه أن للزوج النصف وللأم أو الجدة السدس أو للجد السدس وللإخوة الأشقاء كذلك، واختلف أصحاب مالك فيها فمنهم من قال بما تقدم عن زيد ومنهم من جعل الثلث كله للجد. وأما الفريضة المسماة بالمالكية وهي زوج وأم وجد وأخ لأب وأخ لأم قيل: للأخ السدس قاله ابن خروف وهو اختيار ابن يونس وظاهر نقل ابن شعبان في زاهيه عن ابن وهب، وذكره ابن العربي عن مالك في غاية الوصية من أحكامه، وقال بعض شيوخنا: لا أعرفه لغيره ولم يذكره في قبسه ولا عارضته، وقيل: يسقط الأخ والثلث أجمع للجد نقله الباجي عن مالك، وقال ابن خروف: سميت مالكية لأن مالكا خالف فيها زيد بن ثابت زاد غيره مع شدة اتباعه لزيد في الفرائض. قال ابن رشد: سميت بذلك لقول مالك فيها وصحة اعتبار فيها وظاهر كلامه أن مالكا لم يختلف قوله فيها وهذه المسألة منهم من فرعها على المشتركة كالحوفي وأبي النجار ومنهم من فرعها على الأكدرية كابن شاس وابن الحاجب. (وابن الأخ كالأخ في عدم الأخ كان شقيقا أو لأب ولا يرث ابن الأخ للأم، والأخ لأبوين يحجب الأخ للأب، والأخ للأب أولى من ابن أخ شقيق وابن أخ شقيق أولى من ابن أخ لأب. وابن أخ يحجب عما لأبوين وعم لأبوين يحجب عما لأب، وعم لأب يحجب ابن عم لأبوين، وابن عم لأبوين يحجب ابن لأب، وهكذا يكون الأقرب أولى ولا يرث بنو الأخوات ما كن ولا بنوا البنات الأخ ما كان ولا بنات العم ولا جد لأم ولا عم أخو أبيك لأمه): قال الفاكهاني: يريد في التعصب خاصة لأنه لا يتنزل منزلته من كل وجه لأن ابن الأخ لا يعصب أخته ولا يحجب الأم اثنان من بني الإخوة وأن الجد يحجب ابن الأخ وأنه إذا كان في التركة مكان أبيه لم تكن مشتركة وابن الأخ للأم لا يرث. (ولا يرث عبد ولا من فيه بقية رق): اختلف العلماء في الذي بعضه حر فقال مالك كما قال الشيخ: هو كالقن لا يرث ولا

يورث، وماله لمن يملك الرق منه، وبه قال أبو حنيفة والزهري، وقالت طائفة: يرث المعتق بعضه ويورث وقيل ميراثه بين من يملك بعضه وبين من كان يرثه لو كان حرا قاله عطاء وعمرو بن دينار وإياس بن معاوية وغيرهم قال بعض التابعين ميراثه كله للذي أعتق بعضه وتقدم الخلاف في المكاتب إذا مات من يرثه على أربعة أقوال. (ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم): ما ذكر هو مذهبنا وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وغيرهم وكان معاذ ومعاوية يورثان المسلم من الكافر وروي مثله عن ابن الحنفية ومحمد بن علي بن الحسن، وغيرهما وحجتنا ما في الصحيح عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا توارث بين ملتين" وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" فهذا الرد من جهة النقل، ومن جهة المعنى أن الكافر قطع بينه وبين الله تعالى، فيقطع ما بينه وبين أوليائه وهم المؤمنون قال الله سبحانه "إنما المؤمنون إخوة" [الحجرات: 10] ولا إخوة مسلم وكافر أيضا فإن الكافر أبيح دمه للمؤمنين والمال تبع للنفس فلما استبيح دمه لجميع المسملين، فكذلك ماله لبيت مالهم وليس بعضهم أولى من بعض لأنهم قدموا على من سواهم قاله السهيلي. قال ابن عبد البر: واحتج الآخرون بحديث ليس بالقوي واختلف المذهب فيمن يظهر الإسلام ثم يطلع على زندقته فقتل بها أو مات، فروي ابن القاسم: يره ورثته المسلمون، وروى ابن نافع: كالمرتد وعليه الأكثرون، وقال ابن عبدالسلام وهو الأظهر لأن المقتضى حقيقة لقتله إنما هو كفره فيدخل تحت حكم المرتد والله أعلم. (ولا ابن الأخ للأم ولا جد لأم ولا أم أبي الأم): قال الفاكهاني: حقه أن يكون مع ماتقدم وهو ساقط من بعض النسخ. (ولا ترث أم أبي الأب مع ولده أبي الميت): هو قولنا وقول أكثر العلماء وحكي عن ابن مسعود وغيره أنها ترث مع الأب السدس. (ولا يرث إخوة الأم مع الجد للأب ولا مع الولد ولد الولد ذكرا كان الولد أو أنثى ولا ميراث للإخوة مع الأب ما كانوا ولا يرث مع الجد ولا ابن الأخ مع الجد): هذا منه رحمه الله تكرار إذ سبق له ذلك ولعله إنما كرره لزيادة قوله ذكرا كان

أو أنثى والله أعلم. (ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية ولا يرث قالت الخطأ من الدية ويرث من المال): قيل الإجماع أن قاتل العمد لا يرث من مال ولا دية وإنما اختلف العلماء هل يحجب ومذهبنا أنه لا يحجب وقبله ابن عبد السلام وفي هذا الإجماع نظرا لأن ابن المسيب وسعيد بن جبير ونفرا من البصريين ذهبوا إلى أنه يرث مطلقا أعني العمد والخطأ وذهب الشافعي إلى عكسه نقل ذلك الفاكهاني رحمه الله. وأراد الشيخ بالعمد والعدوان وأما إن كان القتل عمدا غير عدوان كما إذا قتل القاضي ولده قصاصا فهذا يرث بلا خوف في المذهب وفي مذهب الشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: ما تقدم. والثاني: المنع لعموم الحديث. الثالث: إن ثبت قتله بإقراره فإنه يرث إذ لا تهمة بخلاف البينة فربما تطرق تهمته إلى القاضي فيه. قال الفاكهاني: وهل يرث المقتول من قاتله يعني إذا جرح موروثه ثم مات قبل المجروح لم أقف فيه نقل لأصحابنا وفي روضة النووي أنه يرث قلت: قد قدمناه في التكلم على منفوذ المقاتل وأن ابن يونس صوب قول المدونة أن منفوذ المقاتل لا تعمل فيه الزكاة قائلا: لأنه ميتة ألا ترى أن الإنسان لو أصيب بذلك لورث وإن لم تزهق نفسه وإن مات له ابن حينئذ لم يرث منه لأن الابن قد ورث منه. وذكر اللخمي هذا عن ابن القاسم إذا ذبح الأب قال وإن انفذت مقالته ولم يذبح ورث هو ابنه ومثله حكى التونسي عن ابن القاسم أيضا. ومن موانع الإرث اللعان والإرث ثابت بين الابن وبين أمه، والتوأمان شقيقان واستشكله بعضهم لانقطاع النسب وإذا لا جد بينهما ولا عم ولا اشتراك بينهما من جهة الأب شرعا. وأما توأما الزنا فإنهما إخوة لأم وشذ ابن نافع في قوله شقيقان حكاه ابن رشد وفي توأمي المغتصبة خلاف فقيل بالأول وبه العمل وقيل بالثاني قاله المغيرة وابن دينار وضعفه وكذلك اختلف في توأمي المسيبة والمستأمنة على قولين. (وكل من لا يرث بحال فلا يحجب وارثا): احترز بقوله بحال من الإخوة للأم فإنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس وإن لم يرثوا لوجود الجد مثلا وكذلك لو كان أبوان وإخوة وكذلك الإخوة للأب في

مسائل المعادة كأخ شقيق وأخ لأب وجد فإن الشقيق بعد على الجد الأخ للأب فيقتسمون المال ثلاث ثم يرجع الشقيق على الأخ للأب فيأخذ ما بيده فقد حجب الأخ للأب الجد من النصف إلى الثلث ولم يرث شيئا. (والمطلقة ثلاثا في المرض ترث زوجه إن مات من مرضه ذلك ولا يرثها وكذلك إن كان الطلاق واحدة وقد مات في مرضه ذلك بعد العدة): الأصل في إرث من طلقها زوجها وهو مريض قضاء عثمان في امرأة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما واختلف إذا عقد اليمين في الصحة ووقع الحنث في المرض كما إذا حلف لزوجته لا دخلت الدار فدخلت فقيل إنها ترثه قاله في الأيمان بالطلاق والتخيير والتمليك من المدونة ومثله في العتق الأول منها أيضا وهو المشهور وروي زياد بن جعفر عن مالك أنها لا ترث حكاه الباجي. قال ابن عبد السلام: وما رواه زياد هو صحيح عندي لانتفاء التهمة فيه من كل الوجوه، ألا ترى أن اليمين صدرت من الزوج في الصحة والحنث وقع منها قلت: ورده شيخنا أبو مهدي عيسى حفظه الله بأن عدم الإرث هو للظنة فلا يضر تخلفها في بعض الصور بدليل أن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه لا يتوهم متوهم عليه أنه أراد إخراج الزوجة من الميراث ومع هذا فقد حكم عثمان بإرثها اعتبار التهمة الأكثر قال أبو الحسن فعلى هذا القول لا ترثه إذا خالعها في مرضه لأنه أبين في البراءة من التهمة لأنه باختيارها وجعل ابن شاس وابن الحاجب التلاعن في المرض من ذلك وأبعده بعض شيوخنا لأنها فيه غير مختارة لخوف حدها يومئذ ولعانه إلا أن يرد باقيه خلافا أيضا نصا. واختلف إذا طلق ذمية أو أمة فأسلمت وعتقت بعد العدة وقبل موته فقيل: إنها ترثه قال ابن المواز وقيل: لا ترثه قاله ابن الماجشون. (وإن طلق الصحيح امرأته طلقة واحدة فإنهما يتوارثان ما كانت في العدة فإن انقضت فلا ميراث بينهما بعدها ومن تزو امرأة في مرضه لم ترثه ولا يرثها): يعني وتكون الطلقة غير فداء ولا خلاف أن التوارث بينهما وكذلك بقية أحكام الزوجية ثابتة بينهما من لزوم الطلاق والظهار والنفقة إلى غير ذلك وبهذا وجه ابن بشير قول ابن الماجشون فإن المطلقة طلاقا رجعيا يجوز وطؤها في العدة، ورده بعض شيوخنا بدليل أن الحائض والمعتكفة لا توطأ مع أن أحكام الزوجية ثابتة بينهما والمشهور أن المطلقة طلاقا رجعيا لا توطأ. (وترث الجدة للأم السدس وكذلك التي للأب فإن اجتمعتا فالسدس بينهما إلا أن تكون التي للأم أقرب بدرجة فتكون أولى به لأنها التي فيها النص وإن كانت التي للأب

أقربهما فالسدس بينهما نصفين ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين أم الأب وأم الأم وأمهاتهما ويذكر عن زيد بن ثابت أنه ورث ثلاث جدات واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب أم أم الأب ولم يحفظ عن الخلفاء توريث أكثر من جدتين): ما ذكر هو مذهبنا وروي عن ابن عباس أن الجدة في عدم الأم كالأم يكون لها الثلث حيث يكون للأم والأصل في ميراث الجدة هو أن الجدة للأم جاءت إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله ميراثها فقال لها مالك في كتاب الله شيء ولا علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسال الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك؟ فقال محمد بن مسملة فأنفذه لها أبو بكر ثم جاءت الأخرى إلى عمر رضي الله عنه تسأله ميراثها فقال مالك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضى به أبو بكر إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض ولكن هو ذلك السدس فإن اجتمعتما فالسدس بينكما وأيكما خلت به فهو لها، قال بعض الشيوخ وهذا الحديث وإن كان غير متصل السند إلا أنه مشهور. (وميراث الجد إذا انفرد ورث المال وله مع الولد الذكر أو مع ولد الولد الذكر فالسدس فإن شركه أحد من أهل السهام غير الإخوة والأخوات فليقض له بالسدس فإن بقي شيء من المال كان له): قال الفاكهاني: اعلم أن الجد ليس له ذكر صريح في القرآن ولم أعلم فيه حديثا في الصحيح ولا في الحسن المتواتر وإنما ورث بإجماع الصحابة عليه فمن بعدهم وقد قال الفرضيون الذين يرثون بالإجماع ثلاثة أصناف: الجد وبنو البنين والأعمام وبنوهم. (فإن كان مع أهل السهام إخوة فالجد مخير في ثلاثة أوجه يأخذ أي ذلك أفضل له إما مقاسمة الإخوة أو السدس من رأس المال أو ثلث ما بقي فأما إن لم يكن معه غير الإخوة فهو يقاسم أخا وأخوين أوعدلهما أربع أخوات فإن زادوا فله الثلث فهو يرث الثلث مع الإخوة إلا أن تكون المقاسمة أفضل له والإخوة للأب معه في عدم الشقائق كالشقائق فإن اجتمعوا عادة الشقائق بالذين للأب فمنعوه بهم كثرة الميراث ثم كانوا أحق منهم بذلك إلا أن يكون مع الجد أخت شقيقة ولها أخ لأب أو أخت لأب أو أخ وأخت للأب فتأخذ نصفها مما حصل وتسلم ما بقي إليهم ولا يربى للأخوات مع الجد إلا في الغراء وحدها وسنذكرها بعد هذا): اختلف العلماء في الجد هل يحجب الإخوة أم لا؟ فقيل لا يحجبهم قاله مالك

وهو قول عمر وعلي وعثمان رضي الله عنهم وروي عن أبي بكر وابن عباس وابن الزبير وأبي موسى أن الجد يحجب الإخوة كالأب وبه قال أبو حنيفة وغيره. وقد جمع عمر رضي الله عنه على هذه المسألة الصحابة في بيته ليتفقهوا في هذه القضية فانكسرت جائزة من البيت فتفرقوا وقيل الشعبي تسمع مسألة من الفرائض فقال هاتها إن لم يكن فيها جد قال ابن عبد السلام والنفس أركن إلى المذهب الثاني وبيان ذلك في علم الخلاف. (ويرث المولى الأعلى إذا انفرد جميع المال كان رجلا أو امرأة فإن كان معه أهل سهم كان للمولى ما بقي بعد أهل السهام ولا يرث المولى مع العصبة وهو أحق من ذوي الأرحام الذين لا سهم لهم في كتاب الله): روى أبو يعلى الموصلي ثم ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" وحكمه كعصوبة النسب إلا أن ابن الأخ يحجب الجد وابن العم أبا الجد. (ولا يرث من ذوي الأرحام إلا من له سهم في كتاب الله): ما ذكر هو مذهب الجمهور واحتج به من ذهب إلى توريثهم بقوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) [الأنفال: 75] قالوا والآية على عمومها وبقوله تعالى (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) [النساء: 7] قالوا وذوو الأرحام من الأقربين ويدرجون تحت النص وغاية ما في الباب إن قدر ذلك النصيب غير مذكور في الآية فقد ثبت استحقاقهم للنصيب وأما القدر فيستفاد من دليل آخر وأجيب عن ذلك بما هو معلوم في المطولات. (ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو جره من أعتقن إليهم بولادة أو عتق): ولو ذكر الشيخ هذه المسألة قبل الأولى لكان أنسق للترتيب وما ذكر الشيخ ذكره سحنون وأن إجماع المسلمين عليه قاله أجمع المسلمون أن النساء لا يرثن شيء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو ولد من أعتقن وإن سفل من ولد الذكر خاصة كان ذلك الولد ذكر أو أنثى. (وإذا اجتمع من له سهم معلوم في كتاب الله فكان ذلك أكثر من المال أدخل عليهم كلهم الضرر وقسمت الفريضة على مبلغ سهامهم): اعلم أن العول أول ما نزل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال للصحابة: فرض الله للزوج النصف وللأختين الثلث فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما

باب جمل من الفرائض ومن السنن الواجبة والرغائب

وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه فأشيروا علي فقال ابن عباس صلى الله عليه وسلم: عوله إلى سبعة أجزاء؟ فادفع ثلاثة منها للزوج وأربعة للأختين قال: أرأيت لو مات رجل وترك ستة دراهم ولرجل عليه ثلاثة ولآخر أربعة كيف تصنع أليس تجعل المال سبعة أجزاء فقال نعم فقال العباس هو كذلك وأجمع الصحابة عليه إلا عبد الله بن عباس وكان في ذلك الوقت صغير فلما كبر أظهر الخلاف. (ولا يعال للأخت مع الجد إلا في الغراء وحدها وهي امرأة تركت زوجها، وأمها وأختها لأبوين أو لأب وجدها فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس فلما فرغ المال أعيل للأخت بالنصف ثلاثة ثم جمع إليها سهم الجد فقسم جميع ذلك بينهما على الثلث لها والثلثين له فتبلغ سبعة وعشرين سهما): ما ذكرالشيخ من تصورهما هو كذلك ومثله عن زيد بن ثابت وعنه تصح من ستة وتسقط الأخت، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه تصح من تسعة ويأخذ كل واحد ما بيده ولا يجمع نصيب الجد مع نصيب الإخوة وعن ابن مسعود تصح من ثمانية للأم السدس سهم. وما ذكر أنها تسمى الغراء وبذلك سماها مالك فقيل: لأنها من غرة الفرس إذ لا يعرف في مذهب مسألة يفرض فيها للأخت مع الجد إلا هذه فكانت شهرتها في مسائل الجد وبيانها كغرة الفرس وقيل: من الغرور لأن الجد غر الأخت بسكوته عنها حتى فرض لها النصف ثم عاد عليها فقاسمها وتسمى هذه الأكدرية أيضا. واختلف لأي شيء سميت بذلك فقيل: لتكدر قول زيد فيما قالوا لأنه فرض للأخت مع الجدولم يكن قبل ذلك يفرض لها معه، قال الفاكهاني: هذا القول ساقط عندي فول كان المعنى على ذلك لقيل: مكدرة لأن اسم الفاعل من كدر مكر إجماعا وقيل: إن رجلا فرضيا أتى بها يقال له الأكدر وقيل من بني الأكدر فسأل عنها عبد الملك بن مروان وهو يومئذ خليفة فأخطأ فيها ثم استدرك خطأه فقال له إليك عني يا أكدري وقيل: إن عبدالملك سأله عنها فغلط فنسبها إليه. باب جمل من الفرائض ومن السنن الواجبة والرغائب سئل أبو محمد رضي الله عنه عن وضعه لهذا الباب وما قصد به مع أن فيه كثيرا من المكروه وهو مناف لشرط اختصاره فقال: لما رأيت الناس زهدوا في العلم ورغبوا عن تعليمه وقد أمرنا بنشر العلم بحسب الإمكان قصدت إلى تجديد عيون ما تقدم، إذ الواجب على كل مكلف أن يحفظ عين ما كلف به ويعمل على الجزم فيما خوطب به

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلك بأصحابه سبيلا فإذا رأى منهم مللا سلك بهم مسلكا آخر تنشيطا لهم وإذهابا للكسل قلت وها أنا أسلك مسلك الشيخ رحمه الله تعالى. (والوضوء للصلاة فريضة وهو مشتق من الوضاءة إلا المضمضة والاستنشاق

ومسح الأذنين منه فإن ذلك سنة): ظاهره سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا وهو كذلك من غير خلاف أعلمه وإن كان وقع في كلام بعضهم خلاف فيجب تأويله، وقدمنا أن حكم المضمضة والاستنشاق السنة في مشهور المذهب وقيل إن ذلك فضيلة حكاه ابن بشير في شرحه على ابن الحاجب ووقفت عليه الآن للمازري أيضا في شرحه على التلقين ومسح الأذنين حكمهما السنة وقيل فرض، وهذا الخلاف في الظاهر وأما في الباطن فهو سنة اتفاقا، واختلف في الظاهر والباطن، وفي كلام الشيخ مسامحة لأنه لم يف بذكر السنن لأنه ترك غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء إلى غير ذلك. (والسواك مستحب مرغب فيه): ما ذكره هو المعروف واختار بعض شيوخنا أنه سنة لمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك وأمره به وقال أحمد بن حنبل وغيره: هو واجب وقال الفخر في المعالم: أجمعوا على أنه مندوب إليه، واعترضه ابن هارون بقول أحمد وغيره وأراد بالغير إسحاق بن راهويه، وداود الطائي إلا أن اسحاق أبطل صلاته بتركه عمدا، وداود مطلقا على ظاهر ما نقل عنه، ويكون بغير الإصبع إلا أن لا يجد شيء بستاك به. وظاهر كلام الشيخ فيما سبق به أنه جائز أو هو أرجح من غيره حيث قال: وإن استاك بإصبعه فحسن. (والمسح على الخفين رخصة وتخفيف): ما نقله عليه الأكثر وقيل: سنة وقيل: فرض ولهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن الطلاع قائلا: إن نفس المسح فرض والانتقال إلى المسح رخصة ويرد عليه أن كلامه يقتضي أنه رابع وليس كذلك بل من عبر بالفريضة والخلاف في حكمه ابتداء هل هو رخصة أو سنة على أنه رخصة قد يقال إن الأولى ترك ذلك وعلى أنه سنة يكون راجح الفعل وعلى كل منهما ينوي الفريضة قولا واحدا والله أعلم. (والغسل من الجنابة ودم الحيض والنفاس فريضة): يدخل في الجنابة مغيب الحشفة، وقد قدمنا أنه اختلف في دم الاستحاضة إذا انقطع على ثلاثة أقوال: السقوط والاستحباب وكلاهما في المدونة والوجوب نقل مالك حكاها ابن الحاجب قال ابن بشير فيها قولان.

(وغسل الجمعة سنة): ما ذكر هو المشهور وقيل: إنه مستحب وقيل: إنه واجب أخذا من قول المدونة وغسل الجمعة واجب واعترض بأنه في المدونة لفظ أثر وأوجب اللخمي الغسل على أصحاب الروائح الكريهة لئلا يؤذوا غيرهم والمشهور أنه يشترط اتصال الرواح ووقع لابن وهب ما يقتضي أنه لا يشترط. (وغسل اليدين مستحب): ما ذكر هو قول الأكثر وقيل إنه سنة واختار اللخمي فيه كما سبق ويتخرج الوجوب فيه من باب أخرى من غسل الجمعة. (والغسل على من أسلم فريضة لأنه جنب): ظاهر كلام الشيخ يقتضي إذا لم تسبق منه جنابة أنه لا يجب عليه الغسل وهو كذلك على المشهور وقيل إن الغسل عبادة فيغتسل وإن لم تسبق منه جنابة، وقال القاضي إسماعيل يستحبله وإن كان جنبا لقوله صلى الله عليه وسلم "الإسلام يجب ما قبله" وألزمه اللخمي الوضوء ونقل عنه المازري أنه قال لا يلزمه الوضوء لأن الله تعالى أمر كل قائم إلى الصلاة بالوضوء فقال (يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة) [المائدة: 6] وهذا إنما يتمشى على أن وضوء التجديد فرض أما أنه فضيلة فلا. (وغسل الميت سنة والصلوات الخمس فريضة): ما ذكره هو أحد القولين في غسل الميت وقيل: أنه فرض قال عبد الوهاب وابن محرز وابن عبد البر وزعم ابن بزيزة أن المشهور هو الأول. (وتكبيرة الإحرام فريضة وباقي التكبير سنة): قد تقدم أن المازري قال في شرحه على الجوزقي كان عبد الحميد الصائغ يحكي في تكبيرة الإحرام سنة، وحكى ابن رشد قولا إن جميع التكبير سنة واحدة وعندي كلام الشيخ يحتملها هنا وينبني على هذا الخلاف إذا ترك المصلي أكثر من تكبيرة هل يسحد أم لا؟ والخلاف في ذلك شهير. (والدخول في الصلاة بنية الفرض فريضة): لا خلاف أن الصلاة تفتقر إلى نية لأنها عبادة محضة ويشترط اقترانها بتكبيرة الإحرام وقيل: يجوز تقديمها بالزمن اليسير قاله ابن رشد رحمه الله واختلف هل يلزمه أن ينوي الخروج من الصلاة أم لا؟ والأكثر على أنه لا يضر، واختلف إذا دخل بنية الظهر وخرج بنية العصر مثلا على قولين والأكثر على أنه لا يجزئه.

(ورفع اليدين سنة): ما ذكر هو أحد الأقوال الثلاثة وقيل فضيلة وهو المشهور وقيل لا يرجع حكاه ابن شعبان عن مالك من رواية ابن القاسم ويكون الرفع مقارنا لتكبيرة الإحرام على طريق الأولى وإن تقدم أو تأخر فلا جناح والمشهور أنه مختص بتكبيرة الإحرام وفيها أقوال متعددة وانظرها فيما تقدم. (والقراءة بأم القرآن في الصلاة فريضة وما زاد عليها سنة واجبة والقيام والركوع والسجود فريضة): جميع ما ذكر هو قول الأكثر وروى الواقدي عن مالك: أن من لم يقرأ في جميع صلاته أنه لا شيء عليه، قال الباجي وهو شذوذ. وروى علي بن زياد عن مالك: أحب إلى أن يعيد وحكم السورة السنية على المنصوص وفيها قول بالفضيلة أخذه اللخمي من قول مالك وأشهب لا يسحد من تركها سهوا، ورده ابن بشير باحتمال قصر السجود على ما ورد ولم يرد فيها. وأجابه ابن هارون بأن أصل مذهب مالك أن السجود لا يقصر على ماورد قال: ولم نعلم فيه خلافا ولو لزم ذلك للزم ترك السجود في جل مسائل السهو وقيل إنها فرض وأخذها اللخمي أيضا من قول عيسى بن دينار: من تركها عمدا بطلت صلاته ورده المازري باحتمال أن يكون البطلان لترك السنة عمدا، قال شيخنا حفظه الله وظاهر كلام الشيخ أن مطلق الزيادة على أم القرآن سنة لا إن جميع السورة سنة، وهو كذلك وهذا بالنسبة إلى الفرض وأما قراءتها في النفل فقال ابن رشد مستحبة لسماع ابن القاسم لا سجود لتركها في الوتر. (والجلسة الأولى سنة والثانية فريضة): أراد بقوله والثانية فريضة مقدار ما يقول فيه السلام عليكم فإنه فرض لا خلاف في ذلك وما زاد على ذلك فهو سنة كما قال الشيخ وقيل: إن كلا الجلستين أعني الوسطى والأخيرة فرض، قال ابن زرقون: وهو ظاهر نقل أبي عمران وأبي عمر بن عبد البر عن أبي مصعب وقيل إن الأخير منها فرض رواه أبو مصعب. (والسلام فريضة): ما ذكره هو المعروف وحكى الباجي عن ابن القاسم من أحدث في آخر صلاته أجزأته صلاته، واعترضه ابن هارون نقلا ومعنى. أما نقلا فلأن المنقول عن ابن القاسم إنما هو في جماعة صلوا خلف إمام فأحدث إمامهم فلسلموا هم لأنفسهم فسأل عن ذلك فقال تجزئهم صلاتهم أي تجزئ

صلاة المأمومين فقط. وأما معنى فلأن الأمة على قولين: منهم من يرى لفظ السلام بعينه وهو مالك، ومنه من لا يراه لكن يشترط أن ينوي بكل مناف الخروج من الصلاة وأما ما حكاه الباجي من إطلاقه فهو خلاف ما عليه الأمة. وقبله ابن عبد السلام على أن الأخير لا يسلم من اعتراض حسبما قدمناه. (والتيامن به قليلا سنة): يعني سنة ضعيفة وظاهر كلام غير واحد أن ذلك فضيلة. (وترك الكلام في الصلاة فريضة والتشهدان سنة): يعني فرض مع الذكر ساقط مع النسيان وجعله ابن الحاجب من الشرط لا من الفرائض. (والقنوت في الصبح حسن وليس بسنة): اعلم أن قوله ليس بسنة تأكيد لأن قوله حسن يدل على ذلك، وما ذكره أنه حسن بمعنى الفضيلة هو المشهور وقيل إنه سنة قاله علي بن زياد وابن سحنون وهو ظاهر قول السليمانية يسجد لسهوه وهو قول المدونة قال فيها عن ابن مسعود: القنوت في الفجر سنة ماضية والأصل الحقيقة وإتيان سحنون به دون أن يأتي بخلافه يدل على ارتضائه ذلك وقال يحيى بن يحيى: لا يقنت وإنما قال ذلك لقول مالك في الموطأ: كان ابن عمر لا يقنت وعلى الأول فلا سجود كالفضائل فإن سجد بطلت حكاه ابن رشد عن أشهب وقال الطليطلي وإذا قلنا بالسنة فنص علي بن زياد على أنه إن لم يسجد بطلت وهو قائل بذلك في كل سنة. وقال بعض المتأخرين: من أراد أن يخرج من الخلاف فليسجد بعد السلام وبه قال وأفتى بعض من لقيناه من القرويين ونص ابن الحجب على أنه لا بأس برفع يديه في دعاء القنوت وظاهر المدونة خلافه، قال فيها: ولا يرفع يديه إلا من الاستفتاح شيئا خفيفا والمشهور أنه لا تكبير له. وروي أن مالكا كبر حين قنت. (واستقبال القبلة فريضة): يريد مع القدرة ويريد أن ذلك مخصوص بغير النوافل في السفر الطويل للراكب وجعل ابن الحاجب استقبال القبلة من الشروط لا من الفرائض، فإن صلى لغير القبلة ناسيا أو جاهلا فقيل: بعيد أبدا وقيل: في الوقت وإن كان باجتهاد فالمشهور يعيد في الوقت، وقال ابن سحنون: يعيد أبدا وقال ابن مسلمة: إن استدير يعيد أبدا وكل هذا في قبلة الاجتهاد وأما قبلة عيان فيعيد أبدا بالإطلاق اتفاقا فيما قد علمت.

(وصلاة الجمعة والسعي إليها فريضة): المنصوص والمعروف أن الجمعة فرض ع ين وخرج اللخمي أنها فرض كفاية، وروى ابن وهب أنها سنة فحملها بعضهم على ظاهره ولم يرتضه ابن عبدالسلام، وإنما كان السعي فرضا لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. (والوتر سنة واجبة): يعني مؤكدة وهذا هو المنصوص وخرج اللخمي وابن زرقون أنه واجب من قول سحنون يجرح تاركه وأصبغ يؤدب واعتذر بعض شيوخ المازري على الأول بأن تركه علامة استخفافه بأمور الدين، واعتذر المازري عن الثاني بأن تأديبه واستخفافه بالسنة، كقول ابن خويز منداد ترك السنة فسق وإن تمادى عليه أهل بلد حوربوا، وقال ابن عبد السلام تخرجي اللخمي عندي قوي حسن من قول أصبغ ضعيف من قول سحنون وقال ابن عبد البر: ضارع مالك وجوب من قوله تقطع صلاة الصبح. (وكذلك صالة العيدين والخسوف والاستسقاء): أما ما ذكر من أن صلاة العيدين سنة هو المعروف قال ابن بشير: لا يبعد كونها فرض كفاية لأنها إظهار لأبهة الإسلامة ونقل ابن حارث عن ابن حبيب أنها واجبة على كل من عقل الصلاة من النساء، والعبيد والمسافر إلا أنهم خطبة عليهم. وناقض بعض شيوخنا قول ابن حارث هذا بقوله في أول الباب: اتفقوا على أنها لا تجب على النساء ولا على أهل القرى البعيدة عن الحواضر، ولما ذكر ابن عبد السلام القول بالسنة قال: وذهب بعض الأندلسيين إلى أن ذلك فرض كفاية وأراد به ابن زرقون على بعد في ذلك حسبما قدمناه، وأما ما ذكر من أن حكم صلاة الخسوف السن هو كذلك باتفاق بالنسبة إلى الخسوف وأما خسوف القمر فقيل كذلك، قاله ابن الجلاب واللخمي وقيل ذلك فضيلة. وروي عن مالك وبه قال أشهب: ومثله في التلقين، وأما ما ذكر من أن صلاة الاستسقاء سنة فهو كذلك من حيث الجملة قال اللخمي: ويستحب أن يقيمها المخصبون للمجدبين ولسعة الخصب مباح. (وصلاة الخسوف واجبة أمر الله سبحانه بها وهو فعل يستدركون به فضل الجماعة): يريد أنها سنة مؤكدة وصرح بأن حكمها السنة ابن يونس في أول كتاب الصلاة ونقل عن ابن المواز لما تكلم على صلاة الخسوف أنها رخصة وتوسعة. (والغسل لدخول مكة مستحب والجمع ليلة المطر تخفيف وقد فعله الخلفاء الراشدون والجمع بعرفة ومزدلفة سنة واجبة):

ظاهر كلامه أن الجمع رخصة وصرح به قبل حيث قال: وأرخص في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر وهو خلاف رواية ابن عبد الحكم الجمع ليلة المطر سنة وخلاف قول ابن قسيط: الجمع ليلة المطر سنة ماضية والأصل الحقيقة وإتيان سحنون به يدل على ارتضائه ووقع لابن القاسم الجمع غير مشروع، وأن من جمع أعاد العشاء أبدا حكاه الباجي وإليه نحا القرافي في استشكاله الجمع بأن رعاية الأوقات واجبة وفائدة الجمع تحصيل فضيلة الجماعة وهي مندوب إليها فكيف يترك الواجب لأجل تحصيل المندوب، قلت ورد بأن الجمع إما سنة كما قدمنا واستشكال السنة لا يجز وإما رخصة وقد علمت أن الرخصة ارتكاب المحظور لأجل اقيام المانع. وللقراني جواب عن ذلك لم أذكره لطوله وضعفه وتولى خليل بيان ضعفه وهل هذه الرخصة على القول بها راجحة أو مرجوحة في ذلك قولان للخمي وابن رشد، وظاهر كلام الشيخ الأول لقوله وقد فعله الخلفاء والله أعلم. والصواب أنها مرجوحة إذ ليست بمتفق عليها ألا ترى ما تقدم عن ابن القاسم وقد جرت العادة في أفراد من المساجد بعدم الجمع فيها كجامع الزيتونة عندنا بتونس. (وجمع المسافر في جد السير رخصة): ظاهر كلامه أن جد السير شرط وهو كذلك، وقال أصبغ: لا يشترط وقيل: يشترط في حق الرجال دون النساء قاله بعض شيوخ المذهب، وظاهر كلامه أنه لا يشترط فوات أمر وهو كذلك عند ابن حبيب وفي التهذيب اشتراطه ونصه ولا يجمع المسافر إلا أن يجد السير به ويخاف فوات أمر. وقال أشهب: يشترط فوات أمر مهم فهو أخص من قول التهذيب فهو قول ثالث والرابع لابن الماجشون الفرق بين الرجال والنساء، وظاهر كلام الشيخ أن الجمع جائز دون كراهة وهو كذلك. وروي عن مالك أنه مكروه مطلقا. وروي عنه الكراهة للرجال فقط، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها عياض في الإكمال ونقل عبدالحق جوازه في البر دون البحر. (وجمع المريض جاف أن يغلب على عقله تخفيف): المشهور أن الجمع الإغماء مطلوب ومنعه ابن نافع وعلى الأول فهل تقدم الثانية إلى الأولى أو يصلي كل صلاة لوقتها في ذلك خلاف قال الفاكهاني: لم فرق بين جمع المسافر وجمع المريض فعبر عن الأول بالرخصة وعن الثاني بالتخفيف مع أن معنى الرخصة التخفيف قلت: تفنن في العبارة والله أعلم.

(وكذلك جمعه لعلة فيكون ذلك أرفق به): ما ذكره هو المشهور ومنع ابن نافع هو كالأول نقله ابن رشد والخلاف في كيفية الجمع لما سبق، وقال ابن بشير المريض يجمع مطلقا اتفاق وهو قصور لنقل ابن نافع وحفظ ابن الحاجب الخلاف في الثانية دون الأولى فقال: والمريض إذا خشى الإغماء جمع وإن لم يخش فقولان ذكرهما ابن عبد السلام قال بعض شيوخنا ومذان طريقان لا أعرفهما لغيرهما. (والفطر في السفر رخصة والإقصار فيه واجب): لا خلاف أن الفطر في سفر القصر جائز واختل فهل هو أفضل من الصوم أو العكس وهو المشهور أوهما على حد السواء في ذلك ثلاثة أقوال حكاها غير واحد، قال ابن حبيب: الصوم أفضل إلا في الجهاد للتقوي على العدو وجعله كالتفسير للمدونة، وظاهر كلام ابن يونس أنه خلاف. وقول الشيخ الإقصار فيه واجب ظاهره أنه فرض وهو ظاهر قوله قبل حيث قال: فعليه أن يقصر الصلاة وهو أحد الأقوال الأربعة. وقيل: سنة وهو المشهور. وقيل: فضيلة. وقيل: مباح وقول الفاكهاني يحتمل ما ذكرناه ويحتمل أن يريد وجوب السنن المؤكدة وهو أولى لأنه المشهور بعيد لما قلناه من قوله فعليه أن يقصر الصلاة فهو كالنص في الوجوب، فيحمل قوله هذا عليه دفعا للخلاف وتقدم فرقا بين الفطر والقصر أفضلهما أن القصر تبرأ منه الذمة في الحال ولا كذلك الفطر فإن الذمة مشغولة بالقضاء. (وركعتا الفجر من الرغائب وقيل من السنن): أراد بالرغيبة الفضيلة والقول بالفضيلة هو نقل الأكثر ولاقول بالسنة هو قول أشهب، قال الفاكهاني: وفائدة الخلاف تفاوت الثواب فإن ثواب السنة أكثر من ثواب الرغيبة والنافلة، كما أن ثواب الواجب أكثر من ثواب السنن هذا في الفعل وأما في الترك عمدا فإن قلنا إنها سنة جرى فيها الخلاف في تارك السنن عمدا هل يأثم أم لا؟ قلت يحتمل أن يراعي قائله الخلاف فلا يأثم والله أعلم. (وصلاة الضحى نافلة): ما ذكر مثله في التلقين وظاهر كلام ابن عبد البر أنه فضيلة لقوله ورد في صلاة الضحى والوصية آثار كثيرة. (وكذلك قيام رمضان نافلة وفيه فضل كبير ومن أقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه):

لما خاف أن يتوهم أن حكمه النافلة أردفه بقوله: وفيه فضل كبير وما بعده ليبين أن حكمه الفضيلة التي هي أقوى من النافلة وهذا قول ابن حبيب خلافا لابن عبد البر في قوله: إن قيامه سنة. (والقيام من الليل في رمضان أو غيره من النوافل المرغب فيها): قيام الليل من شعائر الأنبياء والصالحين وشيم المخلصين ومذهبنا أن أفضل الليل الثلث الأخر لحديث النزول ومذهب الشافعي الوسط أفضل لحديث داود عليه السلام كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه. (والصلاة على موتى المسلمين فريضة يحملها من قام بها وكذلك مواراتهم بالدفن وغسلهم سنة واجبة): ما ذكر الشيخ من أن الصلاة على ميت المسلم فرض كفاية هو قول ابن عبد الحكم وأشهب وسحنون والقاضي عبد الوهاب وهو ظاهر نقل ابن الجلاب عن مالك في قوله قال مالك: صلاة الجنازة واجبة وقيل: إنها سنة قاله أصبغ، وقال ابن زرقون في تلقين الشارقي هي مستحبة ورواه ابن عيشون وأخذ ابن القاسم أنها غير واجبة من قول مالك تجوز صلاة الجنازة بتيمم الفريضة ومن تشبيه فعلها بعد صلاة العصر بسجود التلاوة، قال ولم أجد لمالك فيها نصا وأجيب بالنسبة إلى التخريج لكونها فرض كفاية وبقصوره بقوله لم أجد فيها نصا. ونقل ابن الجلاب عن مالك وجوبها، وأورد الشيخ شهاب الدين القرافي على القول الأول سؤالا وهو إذا تعذر الوجوب على جملة الطوائف في فرض الكفاية فكيف يسقط عمن لم يفعل غيره مع أن الفعل البدني كصلاة الجنائز والجهاد مثلا لا يجزئ فيه أحد عن أحد فكيف يسوي الشرع بين من يفعل ومن لم يفعل، وأجاب بأن الفاعل يساوي غير الفاعل في سقوط التكليف لا في الثواب وعدمه وما ذكر من أن المواراة فرض كفاية لا أعلم فيه خلافا وما ذكر من أن غسلهم سنة واجبة أراد أنها سنة مؤكدة قاله غيره وزعم ابن بزيزة أنه المشهور وقيل إنه فرض قاله عبد الوهاب وغيره والعجب من الشيخ في تكرره لغسل الميت مع أنه سبق له في هذا الباب. (وكذلك طلب العلم فريضة عامة يحملها من قام بها إلا ما يلزم الرجل في خاصة نفسه): ظاهر كلام الشيخ أنه لا يجب عليه تعليم العلم الزائد على فرض العين وإن كان فيه القابلية وهو خلاف قول سحنون بوجوبه عليه والنفس أميل إليه وجعله شيخنا أبو مهدي المذهب قال: لا أعلم خلافه ولأنه ممن تلبس فصار من الجاهلين له بطلب العلم

أن القابلية فيه لا تعلم إلا بعد التلبس. (وفريضة الجهاد دعامة يحملها من قام بها إلا أن يغشى العدو محلة قوم فيجب فرضا عليهم قتالهم إذا كانوا مثلي عددهم): يعني أن الجهاد فرض كفاية وهو كذلك بإجماع نص عليه ابن القصار وانتقد ابن عبدالسلام قول ابن الحاجب بذلك قال ابن المسيب وابن شبرمة وغيرهما أنه فرض عين وحكي عن سحنون أنه سنة ليس بفرض، وقال طاوس: السعي على الأخوات أفضل من غير أن هذه الأقوال لا يبعد تأويلها وردها إلى ما نص عليه الجمهور وقال وحق ابن الحاجب أن يقول: الجهاد واجب على الكفاية على الجمهور وانظر ما تقدم لخليل في هذا. (والرباط في ثغور المسلمين وحياطتها واجبة يحمله من قام به): قال ابن سحنون وغيره: قال مالك: ليس من سكن بأهله بالاسكندرية وطرابلس ونحوها بمرابطين إنما المرابط من خرج من منزله مرابطا فرابط في نحر العدو وحيث الخوف، قال الباجي: وعندي أن من اختار استيطان ثغر الرباط فقط ولولا ذلك لأمكنه المقام بغيره له حكم الرباط، وروى ابن وهب: الرباط أحب إلي من الغزو على غير وجهه وهو الصواب وأحب إلي من الرباط. (وصوم شهر رمضان فريضة): اختلف العلماء في إطلاق رمضان على الشهر على ثلاثة أقوال ثالثها: إن كان هنالك فرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة وإلا كره والقول بالكراهة قاله أصحاب مالك. (والاعتكاف نافلة والتنفل بالصوم مرغب فيه): اختلف في حكم الاعتكاف على أربعة أقوال: فقيل: نافلة كما قال الشيخ ونحوه قال القاضي عبد الوهاب: هو قربة وقال ابن العربي في العارضة: هو سنة ولا يقال فيها مباح وقول أصحابنا في كتبهم: جائز جهل، قلت ليس بجهل إنما قصدهم بذلك نفي ما يتوهم من كراهته. وقال ابن عبد البر في الكافي: هو في رمضان سنة وفي غيره جائز، وقال ابن عبدوس وروى ابن نافع: ما رأيت صحابيا اعتكف وقد اعتكف صلى الله عليه وسلم حتى قبض وهم أشد اتباعا فلم أزل أفكر حتى أجد في نفسي أنه لشدته نهاره وليله سواء كالوصال المنهي عنه مع وصاله صلى الله عليه وسلم فأخذ منه ابن ابن رشد كراهة لتلك. (وكذلك صوم يوم عاشوراء ورجب وشعبان وصوم يوم عرفة ويوم التروية وصوم

يوم عرفة لغير الحج أفضل منه للحاج): قال ابن رشد: أفضل الصوم بعد رمضان صوم يوم عاشوراء وقد كان فرض قبل رمضان قال الفاكهاني رحمه الله: وفيه نظر لأن عاشوراء تكفر السنة قبلها فقط، ويوم عرفة تكفر السنة التي قبلها والتي بعدها كما جاء في الصحيح والتكفير منوط بالأفضلية فمن ادعى غير هذا فعليه الدليل. (وزكاة العين والحرث والماشية فريضة وزكاة الفطر سنة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم): أراد الشيخ بقوله: فرضها: قدرها فلا تناقض في كلامه وقول ابن عبدالبر قول الشيخ أبي محمد سنة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم تمريض للسنة ضعيف لما قد قدمناه، وما ذكر من أن حكمها السنة عزاه ابن عبد البر لبعض أصحاب مالك وعزاه ابن رشد لبعض أصحابنا وذكره بعضهم عن مالك، وقال الباجي واللخمي: إنها واجبة، وأخذ ذلك من قول المجموعة إنها داخلة في قوله تعالى (وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة) [البقرة: 43] وغيرها وجعله ابن الحاجب المشهور. (وحج البيت فريضة والعمرة سنة واجبة والتلبية سنة واجبة والنية بالحج فريضة والطواف للإفاضة فريضة والسعي بين الصفا والمروة فريضة وكذلك الطواف المتصل به واجب وطواف الإفاضة آكد منه والطواف للوداع سنة والمبيت بمنى ليلة يوم عرفة سنة والجمع بعرفة واجب والوقوف بعرفة فريضة ومبيت المزدلفة سنة واجبة ووقوف المشعر الحرام مأمور به): لا خلاف أن الحج فرض واشتهر الخلاف هل ذلك واجب على الفور أو على التراخي؟ ويجب على الأعمى إذا وجد قائدا واختلف في السائل إذا كانت العادة أنه يعطى فقيل: يجب عليه وقيل لا واختلف إذا كان يؤدي غفرا بحيث لا يجحف به هل يجب عليه أم لا؟ (ورمى الجمار سنة واجبة وكذلك الحلاق وتقبيل الركن سنة والغسل للإحرام سنة والركوع عند الإحرام سنة وغسل عرفة سنة): ما ذكر هو المشهور وقال ابن الماجشون بوجوب جمرة العقبة قاله غير واحد. (والغسل لدخول مكة مستحب): قال الفاكهاني: انظر لم جعل الغسل لدخول مكة منحطا عن رتبة السنن حيث عبر بالاستحباب قلت: يحتمل أنه أراد به ليس بتأكيد السنن كغيره. (والصلاة في الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة):

واختلف في حكم صلاة الجماعة على أربعة أقوال: فقيل: سنة قاله الأكثر وقيل: فرض كفاية نقله الأكثر ابن محرز وغيره عن بعض أصحابنا وقيل مندوب إليها مؤكدة الفضل قاله عبد الوهاب في تلقينه ومثله قول ابن العربي في عارضته ويحث عليها وقال ابن رشد: مستحبة للرجل في خاصته فرض في الجماعة سنة في كل مسجد واختلف هل تتفاضل بالكثرة أم لا؟ والمشهور أنها لا تتفاضل خلافا لابن حبيب، وحمل بعض الشيوخ المذهب على قول ابن حبيب وجعل معنى المشهور أن الجماعة سواء بالنسبة إلى عدم الإعادة في جماعة نقله ان عبد السلام ولا أعرفه لغيره، وأقل الجمع اثنان باتفاق. (والصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه السلام فذا أفضل من الصلاة في سائر المساجد واختلف في مقدار التضعيف بذلك بين مسجد الحرام ومسجد الرسول عليه السلام ولم يختلف أن صلاة في مسجد الرسول أفضل من ألف صلاة فيما سواه وسوى المسجد الحرام بدون الألف وهذا كله في الفرائض وأما النوافل ففي البيوت أفضل): واختلف في مقدار التضعيف وقد تقدم في باب الأيمان والنذور أن المشهور من المذهب أن المدينة أفضل من مكة وقيل مكة أفضل من المدينة حكاه عياض عن ابن حبيب وابن وهب واختاره بابن عبد السلام ووقف الباجي. (والتنفل بالركوع لأهل مكة أحب إلينا من الطواف والطواف للغرباء أحب إلينا من الركوع لقلة وجود ذلك لهم): قال الفاكهاني: تعليله بقلة وجود ذلك للغرباء فيه نظر لأن التنفل بالصلاة أفضل من التنفل بالطواف ولذلك كانت الصلاة لأهل مكة أفضل من الطواف وإذا كان ذلك فينبغي أن لا يفرق بين الغرباء وأهل مكة إذ المحافظة على الأفضل أولى من المحافظة على المفضول لاسيما على القول بمساواة النافلة للفريضة في الفضل. (ومن الفرائض غض البصر عن المحارم وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج ولا في النظر إلى المتجالة ولا في النظر إلى الشابة لعذر من شهادة عليها): الأصل في غض البصر قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) [النور: 30] قال ابن عطية: الأظهر في من أن تكون للتبعيض بخلاف الفروج إذ حفظها عام ويؤيد هذا التأويل ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك وليست الثانية لك" وقال ابن جرير عن عبدالله:

سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال: "اصرف بصرك" قال ويصح أن تكون من لبيان الجنس ولابتداء الغاية والبصر هو الباب الكبير إلى القلب وأعم طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثرة السقوط من جهته فوجب التحذير منه. قال الفاكهاني: وأحسن الشيخ رحمه الله في قوله بغير تعمد لأن النظرة تعمدا حرام وإن كانت الأول وأما المتجالة فيجوز النظر إليها لقوله تعالى (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) [النور: 60] الآية. (وقد أرخص من ذلك للخاطب): سمع ابن القاسم لمن يريد تزويج امرأة نظره إليها بإذنها قال ابن رشد: يريد إلى وجهها قال المارزي: ويديها وكره مالك أن يتغفلها وأجازه ابن وهب واختار ابن الفطان كون النظر إليها مندوبا إليه لحديث الأمر به، وما إلى جواز النظر إلى جميع الجسد سوى السوأتين وزيد نقل جواز النظر إليها عن داود قال، وروى قاسم بن أصبغ عن الخشني عن أبي عمرو عن سفيان بن عيينة عن عمر بن دينار عن محمد بن دينار عن محمد بن علي بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب إلى علي رضي الله عنه بنته أم كلثوم فذكر له صغرها فقيل له: إن ردك فعاود فعاوده فقال له علي رضي الله عنه: أبعث بها إليك فإن رضيتها فهي امرأتك فأرسل بها إليه فكشف عن ساقيها فقالت له فقالت له: لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك ويزيد فيها أهل الأخبار أنه بعث إليه بثوب وقال لها: قولي له هذا الذي قلت لك عليه، فقال لها عمر قولي له رضيت به فلما أدبرت كشف عن ساقيها فقالت له ما سبق، ذكره فلما رجعت إلى أبيها قالت له: بعثتني إلى شيخ سوء فعل كذا فقال لها: هو زوجك يا بنية وما ذكر عن أهل الأخبار ذكره ابن عباس وابن عبد البر بأتم من هذا فانظره. ابن العربي في الأحكام في قوله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق) [الحجرات: 6] الآية. من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا لأن الخبر أمانة والفسق قرينة تبطلها فأما في الإنشاء عن نفسه فلا يبطل إجماعا وأما على غيره فإن الشافعي قال: لا يكون وليا في النكاح وقال أبو حنيفة ومالك: يكون وليا ثم قال: ولا خلاف أنه يكون رسولا عن غيره في قوله يبلغه أو شيء يوصله أوإذن يعلمه إذا لم يكن عن حق المرسل والمبلغ فإن تعلق به حق لغيرهما لم يقبل قوله وهذا جائز للضرورة الداعية إليه ولو لم يتصرف بين الخلق في هذا المعنى إلا العدول ما تحصل منها شيء لعدمهم في ذلك.

(ومن الفرائض صون اللسان عن الكذب والزور والفحشاء والغيبة والنميمة والباطل كله). قال التادلي رحمه الله: الكذب على خمسة أقسام: واجب: لإنقاذ مال مسلم أو نفسه. ومحرم: وهو الكذب لغير منفعة شرعية. ومندوب: وهو الكذب للكفار بأن المسلمين أخذوا في أهبة الحرب إذا قصد بذلك إرهابهم. مكروه: وهو الكذب لزوجته ليطيبها لنفسه. قلت: وقال ابن رشد: جوزت السنة الكذب فيه وفي الحراب لتحذير الكفار قوله: إنه مكروه قال: ومباح وهو الكذب للإصلاح بين الناس، وأراد الشيخ بقوله والزور قول الزور، قال الفاكهاني: والزور والكذب كأنهما مترادفان، قلت: ليس كذلك لأن الزور أخص والغيبة أن يقول الإنسان في غيره في مغيبة ما يكرهه ولو كان ما لا يكرهه فليست بغيبة كما إذا قال رجل فلان سار ولرجل من أعراب إفريقية فليس ذلك بغيبة عندهم لأنهم يقدحون بذلك لأنه لا يتعاطى ذلك إلا من هو شجاع عندهم، وسمعت عبر واحد من شيوخ القرويين وغيرهم يفتي أن الغيبة في الفاسق لا تجوز وما جاء في حديث "لا غيبة في فاسق" لم يصح سلمنا صحته فبعضهم حمله على من يتمدح لذلك، وبعضهم يقول ليس فيها جلاء للجواز إذ يتحمل أن يكون معناه لا غيبة جائزة في فاسق وإلى الآخر مال صاحب الذخيرة في قواعده وعزاه الجماعة من الفضلاء. وأما النميمة فهي نقل الكلام الفاسد بين الناس وينشأ عن ذلك مفاسد بحسب القول والقائل والمقول به وفيه. (قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ليقل خيرا أو ليصمت"، وقال "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ذكر هذين الحديثين دليلا لما سبق وقد بعث بعض الأمراء إلى زياد بن عبد الرحمن الملقب بشطور يسأله عن كفتي ميزان الأعمال يوم القيامة قال: ممن من فضة أو من ذهب؟ فكتب إليه: حدثنا أنس بن مالك وذكر سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال" من حسن

إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وسترد أيها الأمير يوم القيامة فتعلم هل هما من ذهب أو فضة، وذكر ذلك عياض في مداركه، واعلم أن هذين الحديثين عظيمان من وقف معهما وحافظ عليهما سلم. فالأول: يقول الإنسان إذا وفقه الله أنه لا يتكلم إلا بالقرآن أو بعلم غالبا، وقيل: إن أبا بكر الصديق صلى رضي الله عنه كان يجعل في فيه حصاة يتذكر بها ما يقول أو نحو ذلك. ويقول: العبادة عشرة أجزاء تسعة في السكوت وواحدة في طلب المعيشة، وكان الشيخ أبو علي البخاري رضي الله عنه يقول: إنما جعل لك لسان واحد وأذنان ليكون ما تسمع أكثر مما تقول ويقال لو كان الكلام من فضة لكان السكوت من ذهب. وأما الثاني: فيحمل الإنسان إذا وفقه الله على أن يجتنب صحبة من لا خلاق له ويرغب في صحبة من هو خير منه فيتعلم من علمه وعمله وورعه ولا يتعاطى فعلا لا يليق به حتى إذا تلبس بمباح ينقل نفسه إلى المندوب والذي يثاب عليه نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا وأن يملكنا نفوسنا وأن يذكرنا عيوبنا بمنه وكرمه. (وحرم الله سبحانه دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم إلا بحقها ولا يحل دم مسلم إلا أن يكفر بعد إيمانه أو يزني بعد إحصانه أو يقتل نفسا بغيرنفس أو فساد في الأرض أو يمرق من الدين ولتكف يدك عما لا يحللك من مال أو جسد أو دم ولا تسع بقدميك فيما لا يحل لك ولا تباشر بفرجك أو بشيء من جسدك ما لا يحل لك قال الله سبحانه (والذين هل لفروجهم حافظون) إلى قوله (فأولئك هم العادون) [المؤمنون: 5 - 7]: قال عبد الوهاب: أراد بقوله أو يمرق من الدين الخوارج الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية) ومنهم المبتدعة من القدرية والإباضية الذين قال فيهم مالك بالاستتابة فإن تابوا وإلا قوتلوا. (وحرم الله سبحانه الفواحش ما ظهر منها وما بطن): أراد بذلك قوله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها) [الأعراف: 33] والفاحشة: قيل كل مستقبح من قول أو فعل ما ظهر للأعين وما بطن أي ستر. (وأن يقرب النساء في دم حيضهن أو دم نفاسهن وحرم من النساء ما تقدم ذكرنا إياه):

لا خلاف أنه لا يجوز له وطؤها في الفرج كما أنه لا خلاف أنه يجوز له التمتع بما فوق الإزار واختلف فيما تحته من غير الفرج على قولين المشهور أنه لا يجوز. (وأمر بأكل الطيب وهو الحلال فلا يحل لك أن تأكل إلا طيبا ولا تلبس إلا طيبا ولا تركب إلا طيبا ولا تسكن إلا طيبا وتستعمل سائرما تنتفع به طيبا ومن وراء ذلك مشتبهات من تركها سلم ومن أخذها كان كالواقع حول الحمى يوشك أن يقع فيه). ما ذكر الشيخ من أن الطيب هو الحلال صرح بذلك سحنون بن سعيد، قال أبو عبدالله بن عبدوس: واعلم أن عماد الدين وقومه وهو طيب المطعم فمن طاب كسبه زكا عمله ومن لم ينصح في طيب مكسبه خيف عليه ولا تقبل صلاته وصيامه وحجه وجهاده وجميع عمله لأن الله تعالى يقول "إنما يتقبل الله من المتقين) [المائدة: 27] وقد أخذ سحنون بن سعيد عن عبدالرحمن بن القاسم عن عبدالله بن عبدالعزيز الزاهد يرفع الحديث إلى عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم "من المؤمن" قال "الذي إذا أصبح سأل من أين قرصاه" قلت: يا رسول الله من المؤمن قال "الذي إذا أمسى سأل من أين قرصاه" قلت يا رسول الله لو علم الناس ذلك لتكلفوه قال "قد علموا ولكنهم قد غشموا المعيشة غشمها". قال الشيخ أبو محمد: تعسفوا تعسفا ونظر عمر إلى المصلين فقال: لا يغرني كثيرة رفع أحدكم رأسه وخفضه، الدين الورع في دين الله، والكف عن محارم الله والعمل لحلاله وحرامه، قال بعض الشيوخ: وأصول الحلال صيد البحر وصيد البر وتجارة بصدق وصناعة بنصح ومغنم قسم بعد وميراث عن قريب وماء من غدير ونبات من أرض غير متملكة وهدية من صالح وسؤال عن حاجة والمتشابه: هو ما اختلف فيه بالحلية والتحريم وقيل ما توقف فيه العلماء كخنزير الماء قال بعضهم: يجب على المكلف طلب الحلال المتفق عليه عند أهل العلم فإن لم يجد فالمتفق عليه في المذهب فإن لم يجد فليجتهد في معرفة أصول ما يشتريه فإن تعذر فشراء الخبز أولى من شراء الدقيق وشراء الدقيق أولى من شراء القمح والمجلوب عن قرب أولى من شرائه عن بعد وفي وجوب السؤال عن أصل محله قولان. قال الفاكهاني: لا ينبغي اليوم أن يسأل عن أصل شيء فإن الأصول فيه فسدت واستحكم فسادها بل يأخذ الشيء على ظاهر الشرع أولى له من أن يسأل عن شيء فيتعين له تحريمه ثم هو الأرفق بالناس لا قول من قال الحلال ما علم أصله، والذي

عندي في هذا الزمان أن من أخذ قدر الضرورة لنفسه وعياله من غير سرف ولا زيادة على ما يحتاج إليه ما لم يأكل حراما ولا شبهة، وقد قال قاسم بن محمد: لو كانت الدنيا حراما لما كان بد من العيش ألا ترى أنه لا يحل أكل الميتة ومال الغي للمضطر على تفصيل تقدم فما ظنك بما ظاهره الإباحة هذا لا يكاد يختلف فيه اليوم والله أعلم. (وحرم الله سبحانه أكل المال بالباطل): دليل ذلك قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) [البقرة: 188] قال النبي صلى الله عليه وسلم "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به" أو كما قال عليه السلام قال: "ما يريد من الفواكه والثمار ولبن الغنم يحلبها" فقال ابن الفرس لا خلاف في أكل المحتاج من هذه الأشياء وإن لم يأذن ربها، واختلف في غير المحتاج على أربعة أقوال: فقيل: يجوز له ذلك، وقيل: بعكسه، وقيل: يجوز للصديق الملاطف دون غيره، وقيل: يجوز في اللبن دون الفواكه والثمار. (ومن الباطل الغصب والتعدي والخيانة والربا والسحت والقمار والغرو والغش والخديعة والخلابة): الغصب: هو ملك الرقبة وأما التسلط على المنفعة هو التعدي. والخيانة: أخذ ما أؤتمن. والربا: قيل المراد به ما كانت الجاهلية عليه من فسخ الدين في الدين يقول المطلوب أجرني وأزيدك فقال سواء علينا إن زدنا في أول البيع أو عند محل الأجل فكذبهم الله تعالى قاله مجاهد وغيره فالألف واللام على هذا القول في قوله تعالى (وحرم الربوا) [البقرة: 275] بالتعريف العهد. وقيل المراد به ما حرم التفاضل فيه لأن الربا في اللسان الزيادة فالألف واللام على هذا لتعريف الجنس، وقيل مراده كل بيع محرم بالإطلاق وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وعائشة رضي الله عنهما. والسحت: هو الرشوة وقيل هو القمار على الحمام والقمار معلوم عند العامة فضلا عن غيرهم. والغش: كخلط دنئ بجيد قاله الفاكهاني. والخلابة: بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام الخديعة وفي الصحيح أن رجلا كان يخدع في البيوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا بعت فقل لا خلابة" أي لا خديعة أي

لا يحل لك خديعتي ولا تلزمني خديعتك هكذا فسر فيكون الشيخ ذكر الخديعة من باب ما اختلف لفظه واتفق معناه. (وحرم الله سبحانه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وما ذبح لغير الله وما أعان على موته ترد من جبل أو وقذة بعصا أو غيرها والمنخنقة بحبل أو غيرها إلا يضطر إلى ذلك كالميتة وذلك إذا صارت بذلك إلى حال لا حياة بعده فلا زكاة فيها): قال الله تعالى (حرمت عليكم الميتة): [المائدة: 3] الآية قال الفاكهاني: قد تقدم الكلام على هذا في موضعه بما يغني عن الإعادة وما أحسن قول من قال ومن شأن الناس معادات المعاودات قلت، وظاهر كلام الشيخ سواء أنقذت مقاتلها أم لا فمهما آيس من حياتها فلا تؤكل وهو كذلك على خلاف. (ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها طرحها): اعلم أن قول الشيخ لا بأس نفي لما يتهم وإلا فالواجب أكله منها إجماعا، وما ذكر أنه يشبع هو قول سحنون وأكثر أهل المذهب وبه الفتوى، وقال ابن حبيب وابن الماجشون وأبوه وحكى ابن المنذر وعبد الوهاب عن مالك: لا يؤكل منها إلا ما يسد به رمقه خاصة، وهذا القول هكذا عزاه عياض في إكماله وهو الذي تركن إليه النفوس ومثل هذا الاختلاف اختلاف سحنون وابن حبيب فيمن اضطر لعطش في رمضان فأزاله هل يجوز له أكل بقية يومه أم لا؟ ويقرب منه اختلافهم فيمن يباح له أخذ الزكاة فقيل يجوز إعطاؤه ما يغنيه نصابا فأكثر قاله مالك وقيل: يمنع أن يعطي النصاب قاله عبد الملك والقولان حكاهما ابن الجلاب، واختلف هل يأكل من ميتة الآدمي أو لا يأكل لحمته على قولين. (ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ): ظاهر كلام الشيخ أن الذبغ يقيد بالانتفاع بالجلد في المائعات وغيرها وهو كذلك عند سحنون وغيره وقيل إن طهارته مقيدة باليابسات والماء وحده من المائعات لأن الماء يدفع عن نفسه وهذا القول هو المشهور، وظاهره أنه لا ينتفع به قبل الدبغ وهو كذلك وحكى بن رشد عن ابن وهب وظاهر سماع ابن القاسم أنه ينتفع به زعم ابن حارث الاتفاق على الأول، وما ذكر أنه لا يصلي عليه هو المشهور وكذلك في البيع وقيل يجوز البيع إذا دبغ وقيل يجوزه مطلقا وقول الشيخ وأحب إلينا أن يغسل هو خلا ابن حبيب بوجوب غسله. وظاهر قوله ولا ينتفع بريشها: التحريم وتقدم أن في القرن والظلف والسن ثلاثة

أقوال ثالثها: الفرق بين طرفها وأصلها وكذلك في العظم الثلاثة حكاها غير واحد، وحكى الباجي فيه الفرق بين أن يصلق أم لا كأحد الأربعة في أنياب الفيل، وحمل بعض من لقيناه من القرويين قول الشيخ وكره الانتفاع بأنياب الفيل على ظاهره فجعله خامسا والأقرب رده إلى التحريم لعدم وجودها لغيره، قال الفاكهاني: هذا الذي ذكر الشيخ قد تقدم في الضحايا بعينه واستوعب الكلام عليه هناك ... من بعض النسخ لكنه ثابت في روايتنا. (وكل شيء من الخنزير حرام): قال عبد الوهاب: يريد مما يؤكل قلت وقد تقدم الكلام على شعر الخنزير هل نجس أو طاهر وهو المشهور وكذلك القولان في شعر الكلب. (وحرم الله سبحانه شرب الخمر قليلها وكثيرها وشراب العرب يومئذ فضيخ التمر، وبين الرسول عليه السلام أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام): قال الله تعالى (إنما الخمر والميسر) [المائدة: 90] الآية وخرج مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مسر خمر وكل خمر حرام ومن شرب خمرا في الدنيا ومات هو يومئذ لم يتب لم يشربها في الآخرة" وفي حديث أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني أنهاكم عن كل مسكر" وخرج البزار وغيره عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب. وروى مرفوعا من حديث جماعة من الصحابة وكلهم ما بين ضعيف ومجهول، وقول الشيخ: وشراب العرب يومئذ فضيخ التمر قال الجوهري: والفضيخ شراب يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار. (فكل ما خامر العقل فأسكره من كل شراب فهو خمر): قال عبد الوهاب: أما إن أراد أنه من باب التحريم والحكم كالخمر فذلك صحيح لاجتماعهما في العلة وأما إن أراد أنه يسمى خمرا في اللغة حتى إذا ثبت ذلك صح دخوله تحت قوله تعالى "إنما الخمر والميسر" [المائدة: 90] الآية وتحت سائر الظواهر الواردة بتحريم الخمر فهذا مبني على صحة القياس في اللغة قد سلك هذه الطريقة أبو بكر بن الجهم ورواه ابن وهب وهي مسألة من أصول الفقه وفيها خلاف.

(وقال الرسول عليه السلام: أن الذي حرم شربها حرم بيعها): هو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود حرمت عليها الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها" وكذلك لعن صلى الله عليه وسلم الخمرة عشرة: عاصرها، ومن اعتصرت له، وبائعها، ومن ابتاعها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وشاهدها، وآكل ثمنها. (ونهى عن الخليطين من الأشربة وذلك أن يخلطا عند الانتباذ وعند الشرب): يريد بالخليطين البسر والرطب والتمر والزبيب. (ونهى عن الانتباذ في الدباء المزفت): الدباء معلومة وهي القرعة المزفت قلال أو ظروف تزفت أو تقير ولا خصوصية ما ذكر الشيخ -رحمه الله- من أن النهي عن الانتباذ فيما ذكر في الحديث الصحيح أن نهي عن التقير أيضا وهو قعر النخلة التي تنقر منه الآنية كذلك نهي عن المحنتم قال ابن حبيب: وهو ما كان من الجرار الكبار أخضر وأبيض مطليا بالزجاج الإمام المازري في المعلم في كتاب الإيما، روى ابن حبيب أنه أرخص في المحنتم، وروى القاضي أبو محمد المنع وأما النقير فروى عن مالك الكراهة والرخصة فيه وأما الدباء والمزفت فكره مالك نبيذهما قال ابن حبيب والتخليل أحب إلي. (ونهى عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل لحوم الحمر الأهلية ودخل مدخلها لحوم الخيل والبغال لقول الله تبارك تعالى: (لتركبوها وزينة) [النحل: 8]). اختلف في أكل كل ما يفترس على ثلاثة أقوال: فقيل: أكله حرام وقيل مكروه وقيل: ما يعدو حرام كالأسد والنمر وما لا يعدو فمكروه كالضبع والهر وكذلك اختلف في الحمر الأهلية والبغال بالتحريم والكراهة في الخيل ثلاثة أقوال: هذان القولان والثالث الإباحة هذا الذي نقله أهل المذهب، وحكى النووي عن مالك في الحمر الأهلية الإباحة كالخيل ولا أعرفه لغيره وعلل من ذهب إلى التحريم بأمره صلى الله عليه وسلم بإراقتها وأجاب من أباح أكلها خارج المذهب عن ذلك خوف الفناء عليها مع الحاجة إليها فإذا كثرت كزماننا جاز أكلها وفعله صلى الله عليه وسلم أدبا لأنها طبخت قبل القسمة أو لأنها كانت جلالة. (ولا زكة في شيء منها إلا في الحمر الوحشية): قال الفاكهاني: يريد زكاة لحمه وإلا ففي الكتاب تزكية السباع لأخذ

جلودها وتقدم ما ذكره الباجي من أن الزكاة توجب طهارة ما زكي مطلقا سواء قلنا يؤكل أو لا يؤكل. (ولا بأس بأكل سباع الطير وكل ذي مخلب منها): ما ذكر هو المشهور روي عن مالك: لا يؤكل كل ذي مخلب من الطير والمشهور لا كراهة في الخطاف وقيل مكروه وقال ابن بشير: هل هذا لأنه لا كبير لحم فيها فدخلت في باب تعذيب الحيوان لا لفائدة قال ابن عبدالسلام وفيه نظر. (ومن الفرائض بر الوالدين وإن كانا فاسقين وإن كانا مشركين فليقل لهما قولا لينا): اعلم أن بر الأب والأم متساو وتؤول أنه اختيار مالك ومذهبه وروي عن الليث بن سعد خلافه وذكر المحاسبي أن على تفضيل الأم على الأب في البر إجماع العلماء قال عبد الوهاب: والأبوان الكافران كالمسلمين إلا أن برهما ينقطع بالموت. قال بعض الشيوخ: والفاسق من الأبوين يزاد في الدعاء على الآخر وقيل لشهاب بن خراش ما جعلت لأبيك من دعائك؟ قال: الثلثين ولأمي الثلث فقيل له: أليس يقال للأم ثلثا البر فقال: بلى ولكن أبي شرطي لأبي هريرة. واختلف في بر الجد فقال أبو بكر الطرطوشي: لم أجد نص العلماء في الأجداد والذي عندي أنهم لا يبلغون مبلغ الآباء واستدل بسلب الأبوة عنهم في الحقيقة بقوله تعالى (أحدهما أو كلاهما) [الإسراء: 23] ولو كان حكم الأجداد لقاله بلفظه الجمع وبقوله "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك فأدناك" وفي حديث آخر "أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك ثم أدناك فأدناك" قال: وفصل صلى الله عليه وسلم ورتب الإخوة بعد الآباء واحتج بقوله تعالى (كما ربياني صغيرا) [الإسراء: 24] والتربية لا تكون إلا للوالدين. قال عياض في الإكمال: والذي عندي خلاف ما ذهب إليه كله والمعروف من قول مالك ومن وافقه من أهل العلم من أصحابه لزوم بر الأجداد وتقديمهم وقربهم من الآباء، وقد روي عن مالك أنه لا يقتص من الجد لابن ابنه إلا أن يفعل به ما لا شك في قصده قتله كالأب سواء، وكذلك قالوا في الجهاد بغير إذنه لا يجوز كالآباء وكذلك اختلف في تغليظ الدية عليه في عمد قتله وفي قطعه في السرقة من مال حفيده، وأما الحديث الي احتج به من قوله أمك وأباك وأخاك ومولاك فهو حجة عليه لأنه لما لم يذكر الأجداد وقد ذكر الموالي دل على أنهم داخلون في عموم الآباء قلت: وقد ذكرنا بعض هذا الاحتجاج في أواخر الجهاد وابن عبد السلام حسن قول الطرطوشي قال:

وإن احتجاج عياض إنما يتم على من يدعي أن الجد لاحظ له من البر وهذا لم يذهب إليه أحد وسمعت شيخنا أبا مهدي أيده الله يذكر أهل قرطبة اختلفوا هل يجوز أن توكل الأم ولدها على والده أو يمنع وأنه حكم بجوازه. (ولا يطعهما في معصية كما قال الله سبحانه): قال ابن القاسم: إذا طلب الأعمى من ولده أن يذهب به إلى الكنيسة فليطعهما ويحميهما ويعطيهما ما ينفقان في أعيادهما ولكن لا يتولى ذلك بنفسه ولا يعطيهما ما ينفقان في الكنيسة وقال أشهب: لا يفعل ذلك كله. (وعلى المؤمن أن يستغفر لأبويه المؤمنين وعليه موالاة المؤمنين والنصيحة لهم): إنما كان عليه أن يستغفر لهما لقوله تعالى (وقل رب ارحمهما) [الإسراء: 24] الآية وفي الحديث إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث فذكر الولد الصالح يدعو له. وقد أجمع العلماء على أن الميت ينتفع بالدعاء له، وبالصدقة عليه، واختلف في قراءة القرآن على أربعة أقوال للعلماء يفصل في الثالث بين أن يكون عند القبر فينتفع بها الميت وإلا فلا، قال الفاكهاني: وذهب بعض الشافعية وأظنه أبا المعالي إلى أن القارئ إذا نوى أول قراءته أن يكون ثواب ما يقرأه لفلان الميت كان ذلك له وإلا فلا إذ ليس له أن ينقل ما ثبت ثوابه لغيره، قوله وعليه موالاة المؤمنين والنصيحة لهم، قيل هذا لقوله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة" الحديث. وروي عن جابر أنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم وقال صلى الله عليه وسلم "لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله أخوان" وقال التادلي: اختلف إذا كان هناك من يشارك في النصيحة هل تجب عليك النصيحة أم لا سواء طلب منك أم لا كمن رأيته يفسد في صلاته؟ فقال الغزالي: يجب عليك النصح وقال ابن العريب، لا يجب قلت: الذي أقول به ما قاله الغزالي ويكون ذلك برفق لأنه أقرب للقبول. ولا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه كذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الحديث يدل على أن المطلوب للعالم أن يود أن يكون كل الناس علماء مثله

وكذلك الصالح والغني، قال النواوي قال الشيخ أبو محمد بن الصلاح: هذا الحديث قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك إذ معناه: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه والقيام بذلك يحصل بأن يجب حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم وإنما يعسر على القلب الدغل عافانا الله وإخواننا من ذلك أجمعين. (وعليه أن يصل رحمه): يريد بنفسه وماله إلا أن يعرض له ما هو أوكد كتعليمه العلم في بلد نائية يعسر عليه الزيارة لهم والدليل على ما ذكر الشيخ قوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) [الأنفال: 75] الأية وفي الحديث "صلة الرحم، تزيد في العمر" ويحتمل هذا بالنسبة إلى الملائكة وفي الحديث "الرحم معلقة بالعرش تقول يا رب صل من وصلني، واقطع من قطعني". (ومن حق المؤمن على المؤمن أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض ويشمته إذا عطس ويشهد جنازته إذا مات ويحفظه إذا غاب في السر والعلانية): لا شك أن هذا من حقه كما قال ويتكلم الشيخ بعد على حكم الإسلام ابتداء وانتهاء. (ولا يهجر أخاه فوق ثلاث ليال والسلام يخرجه من الهجران ولا ينبغي له أن يترك كلامه بعد السلام): والأصل في ذلك ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" وروى مالك عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسولا الله صلى الله عليه وسلم قال "تفتح أبوا الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا" قال بعض من لقيناه من القرويين قول الشيخ والسلام يخرج من الهجران إذا نوى به ذلك وإلا فلا ويذكر أن أبا عمران نص عليه.

(والهجران الجائز هجران ذي البدعة أو متجاهر بالكبائر): قال الفاكهاني: يريد بالبدعة المحرمة كأهل الأهواء والخوارج: وفي البدعة المكروهة عندي نظر هل يحل هجران مرتكبها أم لا؟ (ومن مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك): قيل هذه الألفاظ الثلاث تفسير لقوله (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) [الأعراف: 177] ، واختلف العلماء هل ينفع تحليل من الظلامات والتباعات أم لا؟ على ثلاثة أقوال فقال ابن المسيب بعدم التحليل مطلقا وقال غيره بعكسه وفرق مالك بين الظلامات فلا تحل بخلاف الديون ونحوها، قال ابن العربي: إذا مات الذي له التباعات انتقلت إلى ورثته وإذا رد الغاصب ما كان عليه للورثة برئ من التباعات بإجماع وبقي عليه حق المطل. واختلف إذا لم يعط الغاصب للورثة شيئا ثم اجتمعوا في الآخرة لمن يكون ما عليه هل للورثة أو للميت؟ على قولين قلت: وأفتى شيخنا أبو محمد عبدالله الشيبيي- رحمه الله- بأن ذلك للورثة وعلل بما سبق من أنه لو دفعه إليهم تبرأ ذمته إجماعا وذلك حق للورثة وشق ذلك على العامة بالقيروان لكثرة المطالب التي يؤدونها على الزرع لغلبة الأعراب عليه فجعل الفلاحون يأتون أفواجا ويقولون يا سيدنا بلغنا كذا فيقول نعم فيها خلاف وهذا الذي ظهر لي من الترجيح فرأيت بعضهم يبكي واشتد بكاؤه فجعل الشيخ يقول لهم على طريق المؤانسة على الظالم ما تعبتم بسببه وما غير به قلوبكم إلى غير ذلك. (وجماع آداب الخير وأزمته تتفرع عن أربعة أحاديث قول النبي علي السلام "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" وقوله عليه السلام "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وقوله للذي اختصر له في الوصية "لا تغضب" وقوله "المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحبه لنفسه"): أما الحديث الأول فخرجه مسلم، وأما الحديث الثاني فخرجه الترمذي من كتاب الزهد في حديث الزهري من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي وهو غريب من هذا الوجه والمشهور عن مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو أحد الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإسلام وحديث "إنما الأعمال بالنيات والحلال بين والحرام بين، ومن وراء ذلك أمور متشابهات وازهد

في الدنيا يحبك الله" وقد نظمها أبو الحسن ظاهر بن فورك رحمه الله تعالى فقال: عمدة الشرع عندنا كلمات: أربع من كلام خيرالبرية اتق الشبهات وازهد ودع ما: ليس يعنيك واعملن بنية وأما الحديث الثالث فخرجه البخاري ولم يخرجه مسلم أخرجه البخاري في كتاب الأدب عن يحيى بن يوسف عن أبي بكر بن عياش عن أبي حفص عن أبي صالح عبد الله بن ذكوان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما الحديث الرابع فخرجه مسلم ولفظه " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو لجاره ما يحب لنفسه" هكذا في مسلم على الشك وهكذا هو في مسند عبدالله بن حميد على الشك وهو في البخاري من غير شك، قال العلماء: معناه لا يؤمن الإيمان التام والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث "حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه". (ولا يحل لك أن تتعمد سماع الباطل كله): الباطل ضد الحق قولا كان أو فعلا ومفهوم الشيخ أن سماعه من غير تعمد جائز وهو كذلك كالنظرة الأولى قال الفاكهاني: وقد روي عن ابن عمر فيما أظن أنه لما سمع صفارة الراعي سد أذنيه وكان معه إنسان فيقول له تسمع حتى بعد عن الصوت فظاهر هذا عدم التحريم إذ لو كان حراما لأمر من معه أن يفعل كفعله من سد أذنيه. (وإلا أن تتلذذ بسماع كلام امرأة لا تحل لك): قال ابن شعبان: وكذلك لا يحل لك سماع صوت الأمرد من الصبيان إذا كان فيه لين يخشى منه اللذة وقبله التادلي وأردفه بقول الغزالي ولا يصلي وراءه الأشفاع لأنه يتلذذ بصوته قال الفاكهاني: وانظر قول الشيخ ولا تتلذذ ولم يقل ولا أن تسمع لأن كلام المتجالة وما في معناها جائز. (ولا سماع شيء من الملاهي والغناء): قال الفاكهاني: لم أعلم في كتاب الله آية صريحة ولا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس بها للاأدلة قاطعة واستدل ابن رشد بقوله تعالى (وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه) [القصص: 55] وأي دليل في ذلك على تحريم الملاهي والغناء وللمفسرين في ذلك أربعة أقوال: الأول: أنها ما زالت في قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم فيعرضون عنهم.

الثاني: قوم من اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته أعرضوا عنه وذكروا الحق. الثالث: أنهم المسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه. الرابع: أنهم من أناس من أهل الكتاب لم يكونوا من اليهود ولا النصارى وكانوا على دين الله كانوا ينتظرون بعث محمد صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا به بمكة قصدوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا فكان الكفار من قريش يقولون لهم أف لكم من قوم اتبعتم غلاما كرهه قومه وهم أعلم منكم به، قاله ابن العربي في أحكامه فليت شعري كيف يقوم الدليل من هذه الآية على تحريم الملاهي والغناء. استدل أيضا بقوله تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال) [يونس: 32] وهذا كما تقدم أعني لا صراحة فيه ولا تحريم شيء بعينه حتى يكون نصا في عين المسألة المطلوبة، واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم "وكل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا ثلاثة، ملاعبة الرجل زوجته، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه" قال الغزالي: قلنا قوله صلى الله عليه وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة وقد سلم ذلك على أن الملاهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة وليس بحرام بل يلحق بالمحظور غير المحظور كقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بأحد ثلاثة" فإنه يلحق به رابع وخامس وكذلك ملاعبة زوجته فلا فائدة فيها إلا التلذذ وفي هذا دليل على أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور وأنواع الملهيات مما يلهو به الرجل لا يحرم شيء منها، وإن جاز وصفه بأنه باطل، وبالجملة فإن لأصحابنا ظواهر يستدلون لها على التحريم كما لغيرنا ظواهر يستدلون بها على الإباحة. قال الشيخ أبو القاسم القشيري رضي الله عنه مستدلا على إباحة السماع قال الله تعالى (فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) [الزمر: 17، 18] قال: ويقتضي قوله عز وجل التعميم والاستغراق والدليل علىه أنه مدحهم بسماع الأحسن وقال تعالى (فهم في روضة يخبرون) [الروم: 15] وقال في التفسير أنه السماع قال: وأعلم أن سماع الأشعار بالأصوات الطيبة والنغم المستلذة إذا لم يقصد المستمع محظور أو لم يشتل على مذموم في الشرع ولم ينجرر في زمام هواه ولم ينخرط في سلك لهوه فمباح في الجملة، ولا خلاف أن الأشعار أنشدت بين يدي

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه سمعها ولم ينكر عليهم في إنشادها فإذا جاز سماعها بغير الألحان الطيبة فلا يتغير الحكم بأن يسمع بالألحان الطيبة هذا ظاهر من الأمر، وثم ما يوجب للمستمع من توفر الرغبة على الطاعة فيذكر ما أعد الله لعباده من الدرجات، ويحمله على التحرز من الزلات ويؤدي في الحال إلى صفاء الواردات مستحب في الدين وممتاز في الشرع. ثم قال بعد كلام: وقد سمع السلف والأكابر الأبيات والألحان وممن قال بإباحاته من السلف: مالك بن أنس وأهل الحجاز كلهم يبيحون الغناء وأما الحداء فأجمعوا على إجازته وقد وردت الأخبار واستفاضت الآثار في ذلك وذكر في ذلك أوارقا لا نطول بذكرها إذا كان موضعها معروفا، وأما الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله فأفتى بذلك في البحر الزخار وأورد كل ما استدل به من قال بتحريم السماع، وأجاب بأجوبة لا يشك سامعها في أنها أجوبة صحيحة لا تكاد تنقض فعليك بالأحياء إن أردت الوقوف عليها فإن هذا الكتاب ليس موضعا لذلك والذي في ذلك أني لا اعتقد تحريمه، ولا إباحته على الإطلاق بل على التفصيل بحسب الأشخاص والأحوال ووجود الشروط وعدمها على ما هو مذكور في كتاب علماء الصوفية وأرباب القلوب أعاد الله علينا من بركاتهم ولا أحرمنا الإيمان بكراماتهم حتى يجتمع علينا مصيبتان: عدم الوصول إلى مرتبتهم وعدم الإيمان بأحوالهم قلت وبهذا التفصيل أقول ومن رأي حالهم اتصف بطريقتهم وحقر نفسه معهم. وممن كان يبيحه ويرغب الناس في الاجتماع إليه ويحضره من العلماء القرويين المتأخرين الشيخ الصالح العالم الورع أبو عمران موسى بن عيسى المناري كان يقع بين يديه في زاويته المعروفة بالقيروان وهو في خلوته وأجمع أهل عصره على علمه ودينه وشرع في تأليفه على التهذيب وصل فيه إلى صلاة السفر وتكلم فيه بكلام مشبع يعلم فيه فقه فلما نظر في كتاب الغزالي المسمى بالإحياء تفرغ للعبادة ليلا ونهار أيعمر ميعاده بقراءة الرقائق ويعظ الناس وكان لا يحضر ميعاده أهل الدنيا لما يسمعون منه، وكان ممن يعمله لنفسه شيخ الفقراء والصلاح عندنا بالقيروان في عصره الشيخ الصالح الورع الزاهد أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الحريري نفعنا الله به لقد مررت بزاويته، وسمعته نشد فوقفت في الزقاق أسمع وهبت أن أدق الباب لأنه كان مغلقا وليس على الشيخ دلالة وكان ذلك في جوف الليل ليلة سفره إلى المشرق فأصابني حال عظيم وكاد عقلي أن يزهق، ووددت أني أحضر في حلقته تلك الساعة، وأخرج عن ملك الدنيا بأسرها لو ملكتها.

وبالجملة فإن القرويين من الطلبة والمرابطين يتسامحون في حضوره بأنفسهم ويرغبون العامة في ذلك، وأما المتصدرون بالخطط منهم فهم لا يفعلون ذلك متبعين في ذلك أشياخ التونسيين المنكرين ذلك أتم إنكار مصرحين بتحريم من يفعل ذلك. (ولا قراءة القرآن باللحون كترجيع الغناء وليجل كتاب الله العزيز أن يتلى إلا بسكينة ووقار وما يوقن أن الله يرضى به ويقرب منه مع إحضار الفهم لذلك): اللحون والألحان جميع لحن بإسكان الحاء قال ابن رشد: فالواجب أن ينزه القرآن عن ذلك، ولا يقرأ إلا على الوجه الذي يخشع به القلب ويزيد في الإيمان وينبغي تفهمه ما عند الله لقوله تعالى (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) [الأنفال: 2] الآية وقوله تعالى (أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها) [محمد: 24] وقوله (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) [المائدة: 38] الآية. والألحان تكره في الشعر فكيف بالقرآن؟ فمن قصد إلى سماع القرآن بالصوت الحسن فهو حسن، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري ذكرنا رنبا لحسن صوته بالقرآن وتجويده لقراءته، وقد اختلف في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" اختلافا كثيرا وأحسن ما قيل في ذلك أن يكون المعنى فيه: ليس منا من لم يتلذذ بسماع القرآن لرقة قبل وشوقه إلى ما عند ربه كما يتلذذ أهل الغواني بسماع غوانيهم. (ومن الفرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من بسطت يده في الأرض وعلى كل من تصل يده إلى ذلك فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فبقلبه): المعروف هنا ما أمر الله سبحانه به والمنكر ما نهى عنه والأصل في ذلك ما قاله أبو موسى واستحسنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم"، وروى جرير بن عبدالله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من قوم يعلم فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله فلا يغيرونه إلا عمهم الله بعقابه" ويشترط في ثلاثة شروط الأول: أن يكون المتولي عالما بما يأمر به، وبما ينهى

عنه. الثاني: أن يأمر أن يؤدي إنكاره إلى أكبر من مثل أن ينهى عن شرب الخمر فيؤول نهيه عنه إلى قتل النفس ونحوها الثالث: أن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعروف مؤثر فيه ونافع وفقد أحد الشرطين يمنع الجواز وفقد الثالث يسقط الوجوب فقط ويبقى الجواز والندب. قال التادلي: واختلف في شرطين وهما العدالة وإذن الإمام والمشهور عدم اشتراطهما واختلف إذا رأى بهيمة تفسد شيئا على أقوال ثالثها: يجب علي منعها إن لم تكن فيه مشقة قلت: لا أعرف هذا النقل لغيره وسألت عنه شيخنا أبا مهدي أيده لاله فأنكره قائلا: مقتضى المذهب الوجوب باتفاق نعم يختلف في عزمه إن تركها حتى أفسدت جريا على الخلاف في الترك هل هو كالفعل أم لا؟ وقد علمت النظائر المذكور في ذلك ويشترط في المنكر ظهوره في الوجود من غيرتجسس، ولا يسرق سماعا ولا يستنشق رائحة يتوصل بذلك إلى المنكر ولا يبحث عما أخفى في يده أو ثوبه أو دكانه أو داره فإن السعي في ذلك حرام لقوله تعالى (ولا تجسسوا) [الحجرات: 12]. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أحس من رجل بالخنا فتسور عليه فرآه على منكر فصاح عليه فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن عصيت الله في واحدة فقد عصيته أنت في ثلاثة فقال: وما هن قال: تجسست وقد قال ولا تجسسوا فقد نهى عنه، وأتيت البيوت من ظهورها وقد أمر تعالى إتيانها من أبوابها، ودخلت غير بيتك من غير استئذان وتسليم وقد أمر الله تعالى بذلك فقال عمر: صدقت فاستغفر لنا فقال: غفر الله لنا ولك يا أمير المؤمنين. (وفرض على كل مؤمن أن يريد بكل قول وعمل من البر وجه الله الكريم ومن أريد بذلك غيرالله لم يقبل عمله): الدليل على ذلك قوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) [البينة: 5] الآية، وقوله تعالى (ألا لله الدين الخالص) [الزمر: 3] وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" قال الغزالي: الإخلاص عند علمائنا إخلاصان إخلاص العمل، وإخلاص طلب الأجر فأما إرادة إخلاص العمل فهو التقرب إلى الله تعالى وتعظيم أمره وإجابة دعوته

وأما إخلاص طلب الأجر فهو إرادة نفع الآخرة يعمل الخير، قلت: وكلام المؤلف كالنص بأن الرياء لو طرأ في أثناء العمل يفسده، وهو كذلك وبه أفتى غير واحد ممن أدركناهم رضي الله عنهم وأرضاهم. (والرياء هو الشرك الأصغر): هو أن يريد بعمله غير الله أو يشرك فيه غيره. (والتوبة فريضة من كل ذنب من غير إصرار والإصرار المقام على الذنب واعتقاد العود إليه): يريد الكبائر وأما الصغائر فلا تفتقر إلى توبة منها إذا اجتنبت الكبائر وظاهره سواء كان الذنب معلوما أو مجهولا وهو كذلك قال الشيخ أبو علي ناصر الدين: تجب التوبة من المعلوم تفصيلا ومن المجهول إجمالا وتقدم في العقيدة فروع متعدة في أحكام التوبة هل هي مقطوع بها أم لا؟ إلى غير ذلك. (ومن التوبة رد المظالم واجتناب المحارم والنية أن لا يعود وليستغفر الله ربه): قال التادلي: ولابد من رد المظالم إلى المظلوم أو إلى ورثته ولو أتى على جميع ماله فإن لم يكن له ورثة تصدق به عليه وقال بعضهم: يترك لنفسه ما يترك للمفلس قلت: وهو ضعيف لأن المفلس أخذ مال الغرماء عن طيب أنفسهم فهم عاملوه على إبقاء شيء بيده بخلاف من أخذ له مال كرها فيناسبه أخذ جميع ما بيده. (ويرجو رحمته ويخاف عذابه ويتذكر نعمته لديه ويشكر فضله عليه بالأعمال بفرائضه وترك ما يكره فعله ويتقرب إليه بما تيسر له من نوافل الخير): يعني أن جامع بين الرجاء والخوف ويغلب الرجاء عند الموت ليلقى الله على حسن الظن به وفي الحديث "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا. (وكل ما ضيع من فرائضه فيلفعله الآن): قال الفاكهاني: لأن الفرض المطلوب لا يسقط بالنسيان فإذا ضيع فرضه قضى، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة أو نام عنها فليقضها إذا ذكرها" ولا خلاف في ذلك قلت: أما ما ترك في العمد فالخلاف فيه بالنص والتخريج كما قدمنا في محله قال عياض: سعت بعض شيوخنا يحكي أنه بلغه عن مالك قولة شاذة بسقوط القضاء ولا يصح عنه ولا عن غيره من الأئمة سوى داود بن عبد الرحمن الشافعي

وإنكار عياض لا ينفيه لأن من حفظ مقدم على من لم يحفظ لقلة الناقلين ولإطلاع بعضهم على من لم يطلع عليه الآخر قال سند يتخرج على قول ابن حبيب بتكفيره لأنه مرتد تاب. (وليرغب إلى الله في تقبله ويتوب إليه من تضييعه وليلجأ إلى الله فيما عسر عليه من قياد نفسه ومحاولة أمره موقنا أنه المالك لصلاح شأنه وتوفيقه وتسديده لا يفارق ذلك على ما فيه من حسن أو قبيح ولا ييأس من رحمة الله): قال عبدالوهاب: لأن الله هو المسهل والميسر وبيده التوفيق والتسهيل وقد قال تعالى (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده) [فاطر:2] ، وقال تعالى (وما توفيقي إلا بالله) [هود: 88] وقال تعالى (رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري) [طه: 25، 26] ، وقال تعالى: (ولا تيئسوا من روح الله) [يوسف: 87] الآية، وقال تعالى (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) [النور:40]. قال التادلي: وأشار الشيخ بقوله وليلجأ إلى الله فيما عسر عليه إلى آخره جهاد نفسه وهو أعظم من جهاد العدو ولأنه فرض عين ولكونه دائما وكونه متصلا بالنفس وكونه لا يحصل إلا باسعتمال النفس في جميع الطاعات وكفها عن المحرمات بخلاف جهاد العدو في الجميع. (والفكرة في أمر الله مفتاح العبادة): فاستعن بذكر الموت والفكرة فيما بعده وفي نعمة ربك عليك وإمهاله لك وأخذه لغيرك بذنبه وفي سالف ذنبك وعاقبة أمرك ومبادرة ماعسى أن يكون قد اقترب من أجلك أشار الشيخ بقوله في أمر الله لقوله صلى الله عليه وسلم "تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق لأنكم لا تقدرون قدره) وهو معنى قوله تعالى (ويتفكرون في خلق السموات والأرض) [آل عمران: 191]. ولقد أحسن من قال من العلماء: المتفكر في ذات الله كالناظر في عين الشمس لأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقال الحسن بن أبي الحسن "الفكرة مرآة المؤمن ينظر فيها إلى حسناته وسيئاته" وقال بن عباس وأبو الدرداء "فكرة ساعة خير من عبادة سنة" وما هو إلا أن تحل أطناب خيمتك فتجعلها في الآخرة، وأخذ أبو سليمان الداراني قدحا من الماء ليتوضأ لصلاة الليل وعنده ضيف فرآه لما أدخل اصبعه في أذن القدح

باب في الفطرة وختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

أقام كذلك مفكرا حتى طلع الفجر فقال له ما هذا يا أبا سليمان؟ فقال له: إني لما طرحت اصبعي في أذن القدح تفكرت قول الله تعالى (إذا الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسبحون، في الحميم ثم في النار يسجرون) [غافر: 71، 72] فتفكرت في حالي وأنا الملقى أن طرح الغل في عنقي يوم القيامة فما زال في ذلك حتى أصبح. قال ابن عطية: وهذه نهاية الخوف وخير الأمور أوسطها وليس علماء الأئمة الذين هم الحجة على هذا المنهاج وقراءة علم كتاب الله عز وجل ومعاني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن تفهم وجاء نفعه أفضل من هذا لكنه يحسن أن لا تخلو البلاد من مثل هذا، وحدثني أبي رحمه الله عن بعض علماء المشرق قال: كنت بائنا في المسجد الأقدم بمصر فصليت العتمة فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء مسجي بكسائه حتى أصبح وصلينا نحن تلك الليلة وسهرنا فلما أقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل وصلى مع الناس فاستعظمت جرأته في الصلاة بغير وضوء فلما فرغت الصلاة خرج فاتبعته لأعظه فما دنوت منه سمعته ينشد: مسجن الذهن غائب حاضر: منتبه القلب صامت ذاكر منقبض في الغيوب منبسط: كذلك من كان عارفا شاكر يبيت في ليله أخا فكرة: فهو مدى الدهر قائم ساهر قال: فعلمت أنه ممن يعبد الله بالفكرة فانصرفت عنه. (فاستعن بذكر الموت والفكرة إلى آخره): قيل: لأن ذكر الموت ما بعده مبغض في الحياة مزهد في الدنيا وإذا حصل الزهد حصل الخير كله أو جله فإن حب الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم "رأس كل خطيئة ومن طال أمله ساء عمله ونسي أجله" ولا معين على الزهد مثل قصر الأمل. وفي الحديث "إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك ومن غناك لفقرك ومن شبابك لهرمك" الحديث. باب في الفطرة وختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك (هنا أفرد الختان بالذكر دلالة على تأكده فإنه أكد خصال الفطرة وإلا فهو منها. ومن الفطرة خمس قص الشارب وهو الإطار وهو طرف الشعر المستدير على الشفه

لا إخفاؤه والله أعلم وقص الشارب ونتف الجناحين وحلق العانة): الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الآباط" واختلفت الروايات في هذا الحديث فجاء: الفطرة خمس كما تقدم، وجاء خمس من الفطرة فعلى الأول يكون على الحصر بخلاف الثاني لوجود من التبعيضية فيها وعليها جاء كلام الشيخ في قوله: ومن الفطرة خمس. قال عياض: ومعناه أن هذه الخصال من سنن الأنبياء عليهم السلام وقيل معناه من الإسلام خمس فإن الفطرة الإسلام قال غير واحد ولم ير مالك باستئصال شعر الشارب وأمر بأدب فاعله لأنه حلقه مثله وهو فعل النصارى وإنما يأخذ منه مقدار ما يبدو من طرف الشارب يبدأ إن قص له غيره بيمين القاص وبيمينه إن قص لنفسه وللقص فوائد: تحسين البشرة وإذهاب الشين وتمكينه من الاستمتاع بالقبلة وعدم إيذائه زوجته بذلك، وقص الأظفار لا حد في البداءة يه ولذلك أنكر المازري فيه على الغزالي قوله يبدأ بسبابته اليمنى لأنها هي المسبحة ثم ما يليها لأنها من ناحية اليمنى وهي في الشرع أفضل ثم يبتدئ باليسرى ومن خنصرها على صفة دائرة فإذا أتمها ختم بإبهام اليمنى الذي تركه أولا قائلا: لأنه سر الهندسة والدوائر. وكذلك يقص أظفاره في أي زمان أحب وما يعتقده العوام من التحرج يوم الأربعاء فلا يعول عليه، قال التادلي: ويكره قصها بالأسنان وهو مما يورث الفقر وكذلك طرح القمل وترك العنكبوت في البيت واستخدام الأجرار قال ابن العربي في سراجه: إنما شرع في شعر الجناحين النتف لأنه أشد ذهابا لإنبات الشعر وأما الحلق فيقويه وإنما لم يشرع في العانة للمشقة اللاحقة في ذلك قال الباجي: ولا تحلق المرأة عانتها لأنه يضر بالزوج لاسترخاء المحل بذلك اتفاقا من الأطباء. (ولا بأس بحلاق غيرها من شعرالجسد): ظاهر كلامه جواز حلق شعر اليدين ولا أعرف في ذلك نصا في المذهب وعن غير واحد كالفاكهاني الخلاف فيه للعلماء وإنما قال من شعر الجسد احتراز من شعر اللحية والرأس لأن حلقهما بدعة. (والختان في الرجال سنة والخفاض للنساء مكرمة وأمر النبي أن تعفى اللحية وتوفر ولا تقص):

ما ذكر من أن الختان سنة ويريد بتأكيد مثله لابن يونس وروى ابن حبيب هو من الفطرة لا تجوز إمامة تاركه اختيار ولا شهادته قال الباجي: لأنها تبطل بترك المروءة ولو أسلم وقد قدمنا الخلاف فيما إذا أسلم شيخ كبير يخاف على نفسه إن هو اختتن هل يتركه أم لا؟ على قولين لابن عبد الحكم وسحنون وذكرنا أن قوله والخفاض للنساء مكرمة هو خلاف رواية الباجي وغيره والخفاض كالختان. (قال مالك ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا إلى آخره): يريد أن ذلك خير من غيره وكذلك يستحب الأخذ من عرضها قال عياض: واختلف السلف هل لذلك حد أم لا؟ فالمعروف أنه لا حد له إلا أنه لا يتركها نحو الشهر، ومنهم من قال في حدها بما زاد على القبضة فيزال ومنهم من كره الأخذ منها جملة إلا في الحج والعمرة، قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى أن يحلق ما تحت اللحية إلى الغلصمة وقيل أنه من فعل المجوس وأنا أكره حلق الرقبة إلا لمن أراد أن يحتجم وأكره تحديد اللحية والشارب بالموس من جهاتها تحسينا وتزينا وإنما ذلك من زي النساء. (ويكره صباغ الشعر بالسواد من غير تحريم ولا بأس بالحناء والكتم): قال الفاكهاني: أما السواد ففي المذهب قولان بالكراهة والجواز ووجه الكراهة قوله صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود" خرجه النسائي وأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقيد سواد من غيره وفي غيره قولان بالندب والإباحة، قلت: وكلام الشيخ يحتملهما والأقرب له الإباحة والحناء ممدود قاله عياض والكتم بفتح الكاف والتاء نبت بخلط بالوسمة فيختصب به قاله الجوهري. (ونهى الرسول عليه السلام الذكور عن لباس الحرير وتختم الذهب عن التختم بالحديد): لا خلاف في المذهب أن لبسه حرام على الذكور وجائز للنساء في حال الحياة وفي المذهب قولان متقابلان بالجواز مطلقا ذكرهما المازري وأما التكفين فيه فقد قدمنا أن في المذهب ثلاث أقوال ثالثها: يجوز للنساء وأجاز ابن حبيب للرجل أن يلبس الحرير لحكة وأجازه ابن الماجشون في الجهاد ورواه عن مالك والمشهور المنع. واختلف هل يجوز افتراشه والاتكاء عليه أم لا؟ فقيل إنه جائز قاله ابن الماجشون قال أبو محمد وهو خلاف قول مالك، وطاهر المذهب أنه لا يجوز لزوج

المرأة الجلوس عليه تبعا لها قال ابن العربي: ذلك جائز قال بعض شيوخنا ولا أعرفه لغيره والتختم بالذهب جائز للنساء ممنوع للرجال واختلف فيمن صلى به فقيل يعيد في الوقت وقيل لا وكذلك القولان فيمن صلى بخاتم فيه تماثيل نقله ابن هارون ولا أعرفهما إلا في خاتم الذهب واختلف المذهب إذا صلى بثوب حرير على ثلاثة أقوال حكاها ابن الحاجب قال: ولو صلى بالحرير مختارا عصى وثالثها: تصح إن كان ساترا غيره، ولا توجد الأقوال هكذا لغيره، وما ذكر الشيخ من النهي عن تختم الحديد قال المغربي: هو خلاف ظاهر المدونة لقولها في باب الاحداد لا تلبس حليا ولا قرطا ولا خاتم حديد فمفهوم كلامه أنه لغير الحاد من النساء جائز وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم "التمس ولو خاتما من حديد". (ولا بأس بالفضة في الحلية الخاتم والسيف والمصحف): ظاهر كلام الشيخ أن تحلية ما ذكر بالذهب منهي عنه وهو كذلك بالنسبة إلى الخاتم باتفاق وإلى السيف في قول وقيل إنه جائز وأما بالنسبة إلى المصحف فقيل مكروه رواه ابن عبد الحكم وقاله به وقيل أنه جائز ورواه ابن المواز وهو في الموطأ والقولان حكاهما ابن رشد. (ولا يجعل ذلك في لجام ولا سرج ولا سكين ولا في غير ذلك ويتختم النساء بالذهب ونهي عن التختم بالحديد): اختلف المذهب هل يجوز تحلية باقي آلة الحرب على ثلاثة أقوال: فقيل: جائز وقيل: لا يجوز وهو ظاهر كلام الشيخ، وقيل: يجوز فيما يطاعن به ويضارب لا فيما يتقي به ويتحزم، واختلف هل يجوز للمرأة أن تعمل فبقايا من فضة أم لا؟ فقال أبو بكر بن عبدالرحمن: لا يجوز ولم يرتضه أبو حفص العطار واختار الجواز ذكر ذلك في تعليقه في كتاب الصرف، قال شيخنا أبو مهدي: وتصوره المسألة في قبقاب لا مفهوم له وكذلك يختلف في قبقاب الذهب لأن مستند من أجاز كون قبقابها من حليها كخلهالها قلت: ولذلك أطلقت فرض المسألة في قولي في الزكاة من هذا التعليق والقبقاب للمرأة فيه قولان حكاهما أبو حفص العطار وما عدا ما ذكر فإنه محرم باتفاق. (والاختيار مما روي في التختم التختم في اليسار لأن تناول الشيء باليمين فهو يأخذه بيمنيه ويجعله في يساره): ما ذكر الشيخ هو مذهب جمهور العلماء لأنه يتناوله بيمينه ويجعله في شماله، قال

ابن رشد: من السلف من يختار التختم في اليمين وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والوجه في ذلك أنه من اللباس والزينة فيؤثر به اليمنى على اليسرى كما تؤثر الرجل اليمنى على اليسرى بما جاء به من السنة في الانتعال بأن ينتعل اليمنى أولا ويخلع اليسرى قبلها لتكون اليمنى أكثر استعمالا للباس منها وقد يكون فيه اسم الله تعالى فلا يحتاج إذا تختم في يمينه أن يخلعه عند الاستنجاء لأن ذلك يستحب فيمن تختم في شماله. (واختلف في لباس الخز فأجيز وكره وكذلك العلم في الثوب من الحرير وإلا الخط الرقيق): لا خصوصية لقول الشيخ الخز بل الخلاف فيه وفي غيره ويتحصل في ذلك أربعة أقوال: فقيل إن ذلك مكروه وقيل إنه جائز وكلاهما ذكره الشيخ وقيل يمنع لباس الخز وغيره وظاهر قائله التحريم وقيل يجوز الخز ولا يجوز غيره اتباعا للعمل، قال ابن رشد وهو أضعف الأقوال إذ لا فرق في القياس بين الخز وغيره من المحررات التي قيامها حرير ولحمتها قطن أو كتان لأن الذي من أجله استجاز لبس الخز من السلف وذلك أنه ليس بمحرم محض في موجود المحررات وشبهها فلذلك استجازوا لباسها لا من أجل أنه خز إذ لم يأت أثر بالترخيص لهم في ثياب الخز فيختلف في قياس غيره عليه قال: والقول بالكراهة هو أولى الأقوال بالصواب لأن ما اختلف العلماء فيه لتكافؤ تحريمه وتحليله فهو من الشبهات التي قام فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه فعلى هذا القول يأتي ما يحكى عن مطرف أنه رأى على مالك ساج أبريسم كساه إياه هارون الرشيد إذ لم يكن يلبس ما يعتقد أنه يأثم بلبسه. واعلم أن الخز ما سداه حرير ولحمته وبر الإبل قاله ابن رشد، وأما العلم فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقيل إنه جائز وإن عظم قاله ابن جبير وقيل إنه يجوز قدر الإصبع فقط رواه أبو مصعب وقيل إنه منهي عنه إذا كان قدر الإصبع رواه ابن القاسم ومراده به الكراهة والتحريم فيما زاد. (ولا يلبس النساء من الرقيق ما يصفهن إذا خرجن): قال عبدالوهاب هذا لقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) [النور: 31] وإذا لبسن ما لا يستر أبدانهن فقد أبدينها ولقوله تعالى (غير متبرجات بزينة) [النور: 60] وهذا في التبرج فوجب منعه وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ورب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة ورب كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن

الجنة ولا يجدن ريحها". (ولا يجر الرجل إزاره بطرا ولا ثوبه من الخيلاء وليكن إلى الكعبين فهو أنظف لثوبه وأتقى لربه). هذا لما في البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" وفي مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بينما رجل يتبختر في برديه وأعجبته نفسه فخسف الله به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" وفي النسائي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيها بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك ففي النار لا ينظر الله عز وجل إلى من يجر ثوبه بطرا". وقول الشيخ فهو أنظف لثوبه وأتقى لربه معلوم بالمشاهدة وذلك حد ما قيل في قوله تعالى (وثيابك فطهر) [المدثر: 4] أي فقصر. (وينهى عن اشتمال الصماء وهي على غير ثوب يرفع ذلك من جهة واحدة ويسدل الأخرى وذلك إذا لم يكن تحت اشتمالك ثوب واختلف فيه على ثوب): ما ذكره الشيخ من الاختلاف إذا كان الاشتمال على ثوب هو لمالك قال ابن رشد: فوجه المنع من ذلك اتباع ظاهر الحديث فحمله على عمومه ولئلا يكون ذريعة للجاهل الذي لا يعلم العلة في ذلك فيفعله ولا إزار عليه إذا رأى العالم يفعله وعليه إزار. (ويؤمر بستر العورة وإزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه والفخذ عورة وليس كالعورة نفسها): قد قدمنا أن ستر العورة عن أعين الناس لا خلاف في وجوبه وفي الخلوة قولان المشهور أنه مستحب وقيل إنه واجب حكاه ابن رشد وعلى الأول فقيل إنه واجب في الصلاة شرط وقيل ليس بشرط وقيل سنة وأن في عورة الرجل ستة أقوال: فقيل سوأتاه خاصة قاله أصبغ وقيل سوأتاه وفخذاه قاله ابن الجلاب وقيل من السرة حتى الركبة وقيل السوأتان مثقلة وإلى ستره وركبته مخففة قاله الباجي وظاهره خروج السرة والركبة وقيل الفخذ عورة وليس كالعورة نفسها كما قال الشيخ على أنه يمكن أن يرجع إلى ما

قال ابن الحلاب: وقول الشيخ وإزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه يريد في حق الرجال وأما النساء فقد جاء في الترمذي أنهن يرخين ذراعا لا يزدن على ذلك شيء قال حديث حسن صحيح لو ذكر الشيخ قوله هذا عقب المسألة السابقة لكان أنسب. (ولا يدخل الرجل الحمام إلا بمئزر): قال في المدونة: في كتاب الدور والأرضين لا بأس بكراء الحمام قال المغربي: فيؤخذ منه جواز دخول الحمام وهو على ثلاثة أوجه الأول: دخوله مع زوجته أو جاريته أو وحده فيباح الثاني: دخوله مع قوم لا يستترون فممنوع، الثالث: مع قوم مستورين فمكروه إذ لا يأمن أن ينكشف بعضهم فيقع بصره على ما لا يحل وقيل في هذا الوجه هو جائز فعلى القول بالجواز يصح بعشرة شروط ذكرها ابن شاس. قلت: قال رحمه الله تعالى قال القاضي أبو بكر: فإن استتر الداخلون فيصح دخوله بعشرة شروط: الأول: أن لا يدخلن إلا بنية التداوي أو بنية الطهر، الثاني: أن يقصد أوقات الخلوة أو قلة الناس، الثالث: أن يستر عورته بإزار صفيق، الرابع: أن يطرح بصره إلى الأرض أو يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور، الخامس: أن يغير ما يرى من منكر برفق بقول استر سترك الله، السادس: أن لا يدلكه أحد ولا يمكن من عورته من سرته إلى ركبته إلا امرأته أو جاريته. وقد اختلف في الفخذين هل هما عورة أم لا؟ السابع: أن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو عادة، الثامن: أن يصب من الماء قدر الحاجة، التاسع: إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم في كرائه، العاشر: أن يتذكر به عذاب جهنم فإن لم يمكنه ذلك فليدخل وليجتهد في غض البصر، وإن غض وقت الصلاة فيه استتر وصلى على موضع متطهر. (ولا تدخله المرأة إلا من علة): قال عبد الوهاب: دخول النساء في هذا الوقت يمنعن منه إلا لعلة أو حاجة إلى لغسل من حيض أو نفاس أو شدة برد لأن جميع بدنها عورة لا يجوز لها أن تظهره لرجل ولا لامرأة. وقيل إنما منع ذلك لما لم تكن لهن حمامات دون التحريم منفردة فأما اليوم مع انفرادهم لا يمنعن ثم إذا دخلن فليسترن جميع الجسد، قال ابن رشد: حدهن في الدخول الكراهة دون التحريم قال: ولا يلزمها من الستر مع النساء إلا ما يلزم الرجل ستره ورأى أن النساء مع النساء كالرجال مع الرجال واشتهر ذلك بما أجمع عليه العلماء من أن النساء يغسلن النساء كما يغسل الرجال الرجال قال: وما ذكره عبد الوهاب من أن الحمام محرم عليهن لا أعلمه نصا على النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد ذكر عنه عليه السلام في كتاب الجامع من المعونة: الحمام بيت لا ستر فيه لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدخله إلا بمئزر ولا امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدخله إلا من علة فإن صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فمعناه على ما جرى عليه عادتهن من دخولهن أياه غير مستترات قال: وأما ما قاله من أن بدن المرأة عورة لا يحل أن يراه رجل ولا امرأة فليس بصحيح إنما هي عور على الرجل فقط، وذكر في الرد عليه ما تقدم من الإجماع وغيره. وسلك أبو بكر طريق عبد الوهاب فقال: لا سبيل إلى دخولهن لأن جميع المرأة عورة للرجال والنساء ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم "وأفضل صلاة المرأة في بيتها لما فيه من الستر" ولم يؤذن لها في الحج أن تكشف إلا وجهها ويديها فتدخله مع زوجها إذا احتاجت إليه. قلت: ولا شك أن دخوله اليوم حرام عندنا للنساء لأنهن لا يستترن وكذلك الرجال في الأعم الأغلب إلا المشهور في الدين والفضل وأما غيره فوجود المئزر إنما هو كالعدم قال بعض شيوخنا وذكر شيخنا ابن عبدالسلام في درسه أن من له النظر الشرعي كان أمر الحمامين باتخاذ أزرا للنساء كما هو اليوم، للرجال فصار النساء يتضاربن بالأزر على وجه اللعب فصارت المصلحة زيادة في المفسدة. وفي أحكام السوق ليحيى بن عمر كتب بعض قضاة عبدالله بن طالب: أن أهل المرسى قد شكوا من حمام عندهم للمنكر الذي فيه فكتب إليه أن يحضر المتقبل للحمام فأمر أن لا يدخلنه إلا بمئزر فإن تعدى النهي فأغلق الحمام وصير المتقبل للسجن قيل ليحيى أيعجبك قال نعم وما ذهب إليه يجري على الأدب بالمال وقد ذكرنا أن ابن سهل حكى في ذلك أربعة أقوال فانظرها فيما سبق عند قول الشيخ ومن مثل بعبده مثلة بينة. (ولا يتلاصق رجلان ولا امرأتان في لحاف واحد): يعني سواء كانا قريبين أو أجنبيين وكذلك يفرق بين الصبيان في المضاجع عند بلوغ سنهم سبع سنين عند ابن القاسم وعشرا عند ابن وهب والأصل فيما ذكر الشيخ ما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي سعيد الخدري أنه قال "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد" وظاهر الحديث جواز اضطجاع الرجلين

أو المرأتين في الكساء الواحد إذا تعاكساه بحيث يكون وسط الكساء حائلا بينهما وبه أفتى بعض من لقيناه من القرويين رحمه الله تعالى، وغفر لنا وله. (ولا تخرج امرأة إلا مستترة فيما لابد لها منه من شهود موت أبويها أو قرابتها أو ذي نحو ذلك مما يباح لها ولا تحضر من ذلك ما فيه نوح نائحة أو لهو من مزمار أو عود وشبهة من الملاهي الملهية إلا الدف في النكاح): ما ذكر الشيخ هو المشهور وذكر ابن حبيب خروجهن في جنازة قريب قال وينبغي للإمام أن يمنعهن من الخروج وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطرد امرأة وقال للنساء في جنازة "أتحملنه" قلن لا فقال "أفتدخلنه في قبره" قلن لا فقال "افتحثين عليه التراب" قلن لا قال "فارجعن مأزورات غير مأجورات" وكان مسروق يحثو في وجهوههن التراب ويطردهن فإن رجعن وإلا رجع وكان يفعل الحسن كذلك ويقول لا ندع حقا لباطل. وقال النخعي: كانوا إذا خرجوا بالجنازة أغلقوا الأبواب على النساء وقال ابن عمر: ليس للنساء في الجنازة نصيب وحيث تخرج فإنها لا تخرج إلا بشروط خمسة الأول: أن يكون خروجها طرفي النهار وما لم تضطر الى الخروج في غيرهما اضطرارا فادحا. الثاني: أن تلبس أدنى ثيابها، الثالث: أن تمشي في حافتي الطريق دون وسطه حتى تبعد عن الرجال، الرابع: أن لا يكون عليها ريح طيبة، الخامس: أن لا يظهر عليها ما يحرم على الرجال النظر إليه غير الوجه والكفين ما لم يكن النظر إلى وجهها يؤدي إلى الفتنة فيجب عليها ستره. (وقد اختلف في الكبر): قال ابن رشد: اتفق أهل العلم على إجازة الدف وهو الغربال في العرس وفي الكبر والمزهر ثلاثة أقوال: الجواز قاله ابن حبيب والمنع قاله أصبغ في سماعه وهو الآتي عمى ما في سماع سحنون ابن القاسم أن بيع الكبر فسخ بيعه وأدب فاعله والمزهر أحرى بذلك، وجواز الكبر دون المزهر وهو قول ابن القاسم هنا في سماع عيسى من كتاب الوصايا وعليه سماع عيسى القطع بقيمته في الكبر الصحيح ولابن كنانة في المدونة إجازة البوق في العرس فقيل معناه في البوقات والمزامر التي لا تلهي كل اللهو. واختلف فيما أجيز من ذلك فالمشهور ما يستوي فعله وتركه في نفي الحرج في الفعل ونفى الثواب في الترك وقيل من الجائز الذي تركه خير من فعله لما في تركه من الثواب لأن فعله حرج وعقاب وهو قول مالك في المدونة أنه كره الدفوف والمعازف وغيرهما. قلت: وما نسبه للمدونة صحيح هو نص في الجعل والإجازة منها، قال

الفاكهاني: ولا أدري ما المراد بالكبر والذي يغلب على ظني أنه الطبل والله أعلم. فأما المزهر فهو المغشي من الجهتين قلت: الكبر في عرفنا هو الذي يقال له الشقف وهو في الحقيقة الطبل فهو كمال قال الشيخ. (ولا يخلو رجل بامرأة ليست منه بمحرم ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليه أو نحو ذلك وإذا خطبه وأما المتجالة فله أن يرى وجهها على كل حال): لا خلاف أنه لا يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية من حيث الجملة ولذلك اختصر البرادعي من مسألة صبيان الأعراب تصيبهم السنة سؤالا وجوابا لما فيه من الخلوة بالأجنبية لكثرة ملازمته لكونه مربيها فغالب الأمر أنه لا بد أن يخلو بها وفي إجارة المدونة أكره للعازب مؤاجرة غير ذي محرم منه حرة كانت أو أمة وللخمي فيها تفصيل: إن كان عازبا لم يجز وإن كان مأمونا وكان له أهل وهو مأمون جاز وإلا لم يجز وإن كانت متجالة لا إرب فيها للرجال جاز، وكذلك الشابة مع الشيخ. وقال شيخنا أبو مهدي أيده الله تعالى لا نص في خلوة الرجل مع خادم زوجه والظاهر أنه بحسب الأشخاص فإذا وثق بنفسه جاز ولا ينتقض بالحرة لأن النفس مجبولة على الميل إليها وإن كانت كبيرة وتقدم الخلاف في النكاح في عبد المرأة الوغد هل ينظر إلى شعرها أم لا؟ على قولين والمشهور لابن عبد الحكم قائلا: ولا يخلو معها في بيت، وكذلك تقدم عن قرب هل يستغفل الخاطب من يخطبها أم لا؟ على قولين بالكراهة والجواز لمالك وابن وهب. (وينهي النساء عن وصل الشعر وعن الوشم): إنما خص الشيخ النساء بالذكر لأنهن يرغبن في ذلك أكثر من الرجال وإلا فالحكم سواء وظاهر كلام الفاكهاني أنه لم يقف على نص في الرجال لقوله الظاهر أن النساء والرجال في النهي سواء ونص البلنسي على أنه لا يجوز للرجال أن يفروا رءوسهم، وقبله الادلي ولم يذكر غيره وذكر المغربي في كتاب الطهارة الضفر في حق الرجال مباح ولم يحك غيره والأصل فيما ذكر الشيخ قوله صلى الله عليه وسلم "لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة". قال عبدالوهاب: ومعنى ذلك أن فيه ضربا من الغرور وتغيير الخلق وذلك غيرجائز، وقا غيره من المتأخرين من أصحابنا: أن الوشم في جميع الجسد مكروه، قال الفاكهاني: فإن أراد به كراهة التحريم فهو المنطبق على معنى الحديث إذ من فعل

المكروه كراهة التنزيه لا يستحق اللعنة بإجماع وإن أراد الكراهة على بابها أشكل كلامه لما قدمناه، وقال ابن رشد: لا يجوز للمرأة أن توصل شعرها ولا توشم وجهها ولا يديها ولا تحدد أسنانها، قلت: وأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعرفليس منهيا عنه لأنه ليس بوصل ولا مقصود للوصل إنما المراد به التجمل التحسن. قال عياض: في الإكمال. قال المغربي: وأما ثقب الأذن للأخراص فقد نص بعض الشيوخ على جوازه ومنعه الغزالي وانظر هل يقوم الأول من قول المدونة ولا تلبس الحاد حليا ولا قرطا ولا خاتما أم لا؟ قال ابن رشد: ويجوز لها أن تخصب يديها ورجليها بالحناء واختلف في تطريف اصابع يديها بالحناء فأجيز ومنع. (ومن لبس خفا أو نعلا بدأ بيمينه وإذا نزع بدأ بشماله): قال الشيخ محي الدين النواوي في شرح مسلم في قول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله هذه قاعدة مستمرة في الشرع وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الخف والسراويل ودخول المسجد والسواك وغسل أعضاء الوضوء، وتقبيل الحجر الأسود وغير ذلك مما يستجب التيامن فيه فأما ما كان مثل دخول الخلاء والخروج من المسجد والاستجمار والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه وذلك لكرامة اليمنى وشرفها. (ولا بأس بالانتعال قائما): قال عبد الوهاب: ذلك كالانتعال جالسا لا فرق وقد روي من حديث إبراهيم بن طاهر عن ابن الزبير عن جابر ابن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتعل الرجل قائما ويشبه ذلك في مثل النعل العربي لقلة تمكنه من لبسها مع القيام فإن تمكن فلا بأس، قال الفاكهاني: وروي عن علي رضي الله عنه، ولم أره أنا بل سمعته من غير رواية أنه نهى عن التعمم قاعدا وعن التسرول قائما والله أعلم بصحة ذلك. (ويكره المشي في نعل واحدة): لأن الشيطان يمشي في نعل واحدة كما جاء في الحديث قال عبد الوهاب وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ولينعلهما جميعا أو ليضعهما جميعا لأن ذلك ضرب من الهمزة والخروج عن

باب في الطعام والشراب

العادة" ولهذا قلنا نحن أن من أتلف إحدى نعلين أو خفين أو ما لا يستغني أحدهما عن الآخر أنه كالتالف للجميع، وكذلك إذا وجد بأحدهما عيبا. وقد اختلف المذهب فيمن انقطع أقفال نعليه وهو يمشي هل يقف حتى يصلح الاخرى أم لا؟ فأجاز ذلك ابن القاسم ومنعه أصبغ والظاهر، قول ابن القاسم لأن الوقف ليس بمشي ولا يجوز على قوليهما جميعا أن يمشي في نعل واحدة وهو يصلح الأخرى، قلت ولا بأس بالمشي في النعل الواحدة للمقطوع الرجل الأخرى قاله كبار الشيوخ وهو واضح لعذره ولا يختلف فيه. (وتكره التماثيل في الأسرة والقباب والجدران وفي الخاتم وليس الرقم في الثوب من ذلك غيره أحسن): ما ذكر الشيخ نحوه قول صلاة المدونة تكره التماثيل التي في الأسرة والقباب والمنابر وليس كالثياب والبسط التي تمتهن، واعلم أن التماثيل المصورة على صورة الإنسان أو صفة شيء من الحيوان مما له ظل قائم على صفة ما يحيا يوم القيامة يحرم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أصحاب هذه الصورة يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم". الثاني: مباح عند الأكثر مطلقا وهو كل تمثال لم يكن على صورة حيوان كصورة النخل والسفن والفواكه وما أشبه ذلك، وكره مجاهد تصوير الشجرة المثمرة قال عياض: ولم يقله غيره. والثالث: مختلف فيه وذلك كالرسوم في الحيطان والرقم في الستور التي تنتشر والحصر التي تفرش والوسائد التي يرتفق بها ويتكأ عليها، وقد اختلف أهل العلم في ذلك على أربعة أقوال: التحريم مطلقا والإباحة مطلقا والإباحة فيما عدا المرسوم منها في الحيطان والجدران. والرابع: إباحة ما عدا المرسوم منها في الستور التي تعلق ولا تمتهن بالبسط لها والجلوس عليها. والرابع: إباحة ما عدا المرسوم منها في الستور التي تعلق ولا تمتهن بالبسط لها والجلوس عليها. باب في الطعام والشراب (وإذا أكلت أو شربت فواجب عليك أن تقول باسم الله وتتناول بيمينك فإذا فرغت فلتقل الحمد لله):

يريد: إذا أردت الأكل والشرب كقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) [النحل: 98] عند الأكثر وكقوله صلى الله عليه وسلم "من أتى الجمعة فليغتسل" والأصل فيما ذكر الشيخ ما خرجه مسلم في صحيحه عن عمر بن أبي سلمة قال كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي: "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك". وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وإذا أكل أحدكم طعاما فليقل باسم الله في أوله والحمد لله في آخره" قال هذا الحديث حسن صحيح، وفي مسلم عن أبي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله" وفي أيضا عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها". قال الفاكهاني: وقول الشيخ فواجب عليك أن تقول باسم الله أي وجوب السنن التي لا إثم على من تركها قال ابن الحاجب، ويستحب للمرء أن يسمي الله عن طعامه وشرابه، قلت: وأراد بقوله يستحب السنة لأنها عبارة العراقيين الذين يطلقون على السنة الاستحباب كما تقدم له في غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء. قال الفاكهاني: قال بعض من شرح الرسالة: وليس له أن يقول الرحمن الرحيم فإن فعل فلا شيء عليه، قلت: واختار شيخنا أبو مهدي رحمه الله تعالى راجحية الرحمن الرحيم ويكفي باسم الله فقط وبه أقول. (وحسن أن تلعق يدك قبل مسحها): خرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أكل أحدكم طعاما فليعلق أصابعه فإنه لا يدري في أيتهم البركة". (ومن آداب الاكل أن تجعل بطنك ثلثا للطعام وثلثا للماء وثلثا للنفس): هذا لما في الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من البطن حسب ابن

آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولا محالة فثلثا لطعامه، وثلثا لشرابه وثلثا لنفسه"، وقال حديث حسن صحيح، وقال إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه: صحبت أكثر رجال الله في جبل لبنان فكانوا يوصوني إذا رجعت إلى أبناء الدنيا فعظهم بأربع قل لهم: من يكثر الأكل لا يجد لذة العبادة ومن ينام كثيرا لم ير في عمره بركة ومن طلب رضى الناس فلا ينظر رضى الرب، ومن يكثر الكلام بالفضول والغيبة فلا يخرج من الدنيا على دين الإسلام. قال سهل رحمه الله: الخير كله في هذه الخصال الأربعة وبهذا صارة الأبدال أبدالا أخماص البطون والصمت والاعتزال عن الخلق وسهو الليل، قال بعض العراقيين: الجوع رأس مالنا ذكره الغزالي في منهاج العابدين ولا شك أن الشبع من الجوع فقط وقد سأل سحنون وابن سعيد كل شيء يعمل على الشبع إلا ابن آدم فإذا شبع رقد. (وإذا أكلت مع غيرك أكلت مما يليك ولا تأخذ لقمة حتى تفرغ الأخرى): قال ابن رشد: هذا إذا كان الطعام صنفا واحدا كالثريد واللحم وشبهه وأما إذا كان أصنافا مختلفة كأنواع الفاكهة في طبق مما يختلف أغراض الآكلين فلا بأس للرجل أن يتناول ما بين يدي غيره، وذلك منصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل الرجل مع أهله وبنيه له أن يتناول مما بين أيديهم إذ لا يلزمه أن يتأدب معهم ويلزمهم أن يتأدبوا معه في الأكل فإن لم يفعلوا أمرهم بذلك كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة، ومن أدب الأكل إذا أكل الرجل مع القوم أن يصغراللقمة ويترسل في الأكل وإن خالف ذلك عادته فيه. (ولا تتنفس في الإناء عند شربك ولتبن القدح عن فيك ثم تعاوده إن شئت): هذا لما في النسائي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا شرب أحدكم فليتنفس ثلاث مرات فإنه أهنا وأهدى" وفي مسلم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النفخ في الشراب فقال له رجل: يا رسول الله لا أروى من نفس واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فبن القدح وتنفس". (ولا تعب الماء عبا ولتمصه مصا وتلوك طعامك وتنعمه مضغا قبل بلعه): هو بفتح العين لأمره صلى الله عليه وسلم بالمص وقول الشيخ وتلوك طعامك معلوم وجهة العادة لكونه أنفع في الأدب.

(وتنظف فاك بعد طعامك): لأن الفم محل الأذى فكان المطلوب تنظيفه على حسب الإمكان. (وإن غسلت يدك من الغمر واللبن فحسن): الغمر بفتح الغين ريح اللحم والسمن قاله الجوهري ولم يحك الفاكهاني غيره وهو خلاف قول عياض الغمر بفتح الغين المعجمة وفتح الميم هو الودك وزاد غيره وبسكونها الماء الكثير وأما بضم الغين وسكون الميم فهو الرجل الجاهل وبكسر الغين هو الحقد وظاهر كلام الشيخ أن الغسل مطلوب سواء أراد الصلاة أم لا، وهو كذلك صرح بذلك غير واحد كالمغربي وابن عبدالسلام ولذلك نسب ابن الحاجب هذه المسألة المدونة فقال: وفيها أحب إلى أن يتمضمض من اللبن ويغسل الغمر إذا أراد الصلاة فإن مفهومها أنه إذا لم يرد الصلاة أنه لا يغسل وليس كذلك، نعم يتأكد الغسل إذا أراد الصلاة. وتردد المتأخرون من التونسييين هل قول المدونة: ويغسل الغمر معطوف على قوله يتمضمض فيكون الاستحباب على حد السواء أو هو مستأنف فيكون الأمر فيه أكد من الذي قبله، والأصل فيما ذكر الشيخ ما خرجه أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم قال: "من بات وفي يده غمر لمن يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه". (وتخلل ما تعلق بأسنانك من الطعام): لأن ذلك من معنى التنظيف. (ونهى الرسول عليه السلام عن الأكل والشرب بالشمال): هذا ما تقدم أن الشيطان يأكل بشماله. (وتناول إذا شربت من علي يمينك): الأصل في هذا ما روى مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فأعطاه الأعرابي وقال "الأيمن فالأيمن" وفي حديث آخر عن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام "أتأذن لي يا غلام" فقال لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصبي منك أحدا فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أعطاه في يده. قال الفاكهاني: هذه قاعدة الشرع أن القرب منه لا يؤثر به ولم أر ما خرج عن

هذه القاعدة إلا مسألة واحدة وهي إذن عائشة رضي الله عنها لعمر رضي الله عنه في دفنه عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانت أعدته لنفسها فانظر لماذا خرجت عن القاعدة وما تأولت عائشة عن ذلك. (ونهى عن النفخ في الطعام والشراب والكتاب): هذا لما تقدم فابن القدح عن فيك قال الفاكهاني: وأما الطعام فهو بذلك أولى والله أعلم لأن الماء يدفع عن نفسه بخلاف الطعام ولأن فيه الاستقذار وكراهة الغير كما في الماء وفي البزار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الطعام والشراب وأما الكتاب فإجلاله له خيفة أن يخرج ريق فيحماء والله أعلم. (وعن الشراب في آنية الذهب والفضة): أي ونهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة وهو كذلك في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" قال الفاكهاني رويناه يجرجر بالكسر ونار بالضم ومعنى يجرجر بصوت فنار فاعليجرجر فاعرف هذا فإنالبحث يقع فيه كثيرا، واعلم أن أهل المذهب ألحقوا سائر الاستعمالات بالأكل والشرب في التحريم وذهب بعض الظاهرية إلى قصور المنع على الشرب خاصة فإن قلت: قد قدمتم غير ما مرة أن ابن الحاجب إذا قال باتفاق ويكون الاتفاق خارج المذهب بخلاف الإجماع وهو قد قال في هذا المحل من الذهب والفضة حرام استعمالها على الأصح على الرجل والمرأة اتفاقا، فيقتضي كلامه إن ثم من يقول بجواز الاستعمال فهل ثم من قال به؟ قلت: نعم قال عياض: في الإكمال ذهب بعض السلف إلى جواز الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة واستعمالها والظن به لم تبلغه السنة، واختلف في الاقتناء فقال ابن الجلاب وهو مذهب الأكثر، كذلك خلافا للباجي وألحق الأبهري بالأواني ما يصنع من الياقوت واللؤلؤ والمرجان، وقال القاضي أبو الوليد بعدم الإلحاق. واختلف في المغشي من ذهب وأصله من غيره أو العكس على قولين واختار ابن عبدالسلام الجواز في الأول دون الثاني وكذلك اختلف في المضيب وذي الحلقة على ثلاثة أقوال ثالثها يكره. (ولا بأس بالشراب قائما): الأصل في ذلك ما رواه ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما، وروى

جابر بن مطعم: قال رأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يشرب قائما قال الفاكهاني: وفي الصحيح خلاف هذا ورى مسلم عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما قال قتادة: فالأكل أخبث وأخبث وفيه أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يشرب أحدكم قائما فمن نسي فليستقئ" قال عبد الحق في إسناده عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف قال الشافعي: وإنما كره الشرب قائما لداء يأخذ في البطن قال بعض متأخري أصحابنا: ولم ير مالك به بأسا إذ لم يصح عنده النهي فبوب في موطئه باب شرب الرجل قائما وأدخل في باب عن عمر أنهم كانوا يشربون قياما. (ولا ينبغي لمن أكره الكراث أو الثوم والبصل نيئا أن يدخل المسجد): قال عياض: نيئا ممدود مهموز والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن أكل ثوما أو بصلا نيئا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" وأتى أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال "قربوها" إلى بعض أصحابه فلما رآه كره أكلها قال "كل فإني أناجي من لا تناجي" وألحق بذلك آكل الفجل يتجشأ به أو غير ذلك مما يستقبح ريحه، ويتأذى به. وكذلك ذكر أبو عبد الله بن المرابط في شرحه أن حكم من به داء البخر في فيه أو جرح له رائحة حكمه حكم البصل والثوم ومن هذا المعنى خروج الريح في المسجد ونص عليه بعض الشيوخ وبه أفتى بعض من لقيناه من القرويين قائلا: خلافا للبخاري رحمه الله وأما من يغتاب الناس في المسجد فالأدب فيه كاف وبه أفتى شيخنا أبو مهدي رحمه الله وتقدم ما نقله ابن عبد البر في الاستذكار عن أحمد بن عبد الملك الإشبيلي أنه يخرج من المسجد عملا بهذا الحديث وإنما ذكر المسجد لأنه مظنة الاجتماع وإلا فمجامع الصلاة في غير المسجد كمصلى العيدين والجنائز ونحوهما كالمسجد. قال عياض: ذكر بعض فقهائنا أن الحكم كذلك في مجالس العلم والولائم وحلق الذكر وظاهر كلام الشيخ أن الحكم عاما في سائر المساجد وهو كذلك عند جمهور العلماء وذهب بعضهم إلى أن هذا خاص بمسجد المدينة لأجل ملائكة الوحي وتأذيهم بذلك ويحتج بقوله صلى الله عليه وسلم "فلا يقرب" وحجة الجماعة قوله صلى الله عليه وسلم "فلا يقرب

المساجد" ذكر الروايتين مسلم. وظاهر كلامه أن دخوله مكروه لا محرم لقوله: ولا ينبغي وهو كذلك في سماع ابن القاسم قال: يكره ريح الثوم قيل: البصل والكراث مثله قال ما سمعت فيه شيء وما أحب أن يؤذي الناس، وسمع عيسى إن آذى فمثله قال ابن رشد: عليه يجب حمل قول مالك لوجود علة النهي وقوله لا أحب أن يؤذي الناي تجوز لأن ترك إذايتهم واجب لا مستحب. (ويكره أن يأكل مكئا): هذا لما في البخاري عن أبي حذيفة قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده: "أما أنا فلا آكل متكئا" قال عبد الوهاب: والمنع في ذلك للعجب والخيلاء ولأنه من فعل الأعاجم والجبابرة وقال الباجي: قال مالك: ومن السنة الآكل جالسا على الأرض على هيئة يطمئن عليها ولا يأكل مضطجعا على بطنه ولا متكئا على ظهره لما فيه من البعد عن التواضع والتشبه بالأعاجم ووقت الأكل وقت تواضع وشكر الله تعالى على نعمه. قال عياض: والاتكاء هو التمكن من الأرض والتقعد في الجلوس كالتربع من تمكن الجلسات التي يعتمد فيها ما تحته فإن الجالس على هذه الهيئة يستدعي الأكل ويستكثر منه والنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان جلوسه جلوس المستوفز وقال "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد" وليس معنى الحديث في الاتكاء الميل على الشق عند المحققين واعترضه الفاكهاني بل الذي يتحقق أنه الميل على لاشق لأنه يسبق إلى الذهن من لفظ الاتكاء وأنه غير الجلوس، وكذلك قال الداودي في الحديث الصحيح وكان متكئا فجلس فيلزم على ما قال عياض: أن يكون معنى الكلام كان جالسا فجلس وهذا محال وبالله تعالى التوفيق. (ويكره الأكل من رأس الثريد): هذا لما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها" بيان هذا أن تخصيص الشيخ الكراهة بهذا الثريد لا مفهوم له. (ونهى عن القران في التمر وقيل إن ذلك مع الأصحاب الشركاء فيه ولا بأس بذلك

مع أهلك أو مع قوم تكون أنت أطعمتهم): ذكر مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرن الرجل بين التمرتين حتى يستأذن أصحابه يقال قرن يقرن بالكسر والضم، ووجه عبد الوهاب القول الثاني أن الشركة تستدعي النساوي فإذا أراد أحد الشركاء القران فينبغي أن يعلم صاحبه ليساويه إن أراد لا يستبد دونه بالزيادة، واعترضه الفاكهاني بأن قوله فينبغي ظاهر في عدم الوجوب وظاهر الحديث الوجوب لقوله ابن عمر نهى. (ولا بأس في التمر وشبهه أن تجول يدك في الإناء لتأكل ما تريد منه): هذا واضح جلي ولا أعلم فيه خلافا. (وليس غسل اليد قبل الطعام من السنة إلا أن يكون بها أذى): ما ذكر الشيخ أنه إذا كانت يده طاهرة ليس من السنة غسلها هو قول ابن القاسم في العتيبة قائلا: لأنه من زي الأعاجم، قال المغربي وقال ابن وهب: يغسلها وكان نحا إلى قول ابن حبيب أن يد الجنب محمولة على النجاسة قلت: ما ذكر عن ابن وهب لا أعرفه وقوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن لا ينجس" يرد ما ذكر والاستثناء من قول الشيخ إلا أن يكون بها أذى الأقرب فيه أنه متصل والمعنى أن الأمر بالغسل جاء بالسنة والمراد به الوجوب لأن حكمه السنة والله أعلم. وظاهر كلام الشيخ أن إذا كان بها أذى أنه يغسل ولو كان الطعام باردا جامدا وهو كذلك قاله أبو عمران الجورائي كيلا يتهاون بالطعام وإليه كان يذهب بعض من لقيناه من القرويين مصرحا بوجوب الغسل وقال أبو محمد صالح رحمه الله تعالى: له أن يأكل من غير غسل وهو بعيد. (وليغسل يده وفاه بعد الطعام من الغمر وليمضمض فاه من اللبن): ما ذكر قد تقدم له مثله فلا معنى لاعادته. (ويكره غسل اليد بالطعام أو بشيء من القطاني وكذلك بالنخالة وقد اختلف في ذلك): قال الفاكهاني رحمه الله: القول بالجواز في الطعام نقله ابن يونس عن مالك وعلل ذلك بأن الصحابة كانوا يتمندلون بأقدامهم وكانوا يأكلون الطعام الدسم. مثله نقل ابن شاس عن ابن وهب في المختصر قال: سمعت مالكا يقول في الجلبان والقول وما أشبهه من الطعام لا بأس أن يتوضأ منه ويتدلك به في الحمام، وسئل

مالك عن الدقيق يغسل به اليدين، قال غيره أعجب إلي ولو فعله لم ار به بأسا قد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمندل ببطن رجله، قلت القول بالكراهة هو مقتضى الروايات قال ابن رشد: الغسل بالعسل واللبن والنخالة وامتشاط المرأة بالنضوخ يعمل من التمر والزبيب الروايات كراهته لحرمته وسمع أشهب: لا يعجبني غسل الرأس باليض وغسل اليدين بالأرز وهو أخف كالأشنان ابن رشد الأرز بكسر الراء إن لم يكن طعاما فلا وجه لكراهتهم الغسل به وإن كان طعاما فمكروه وروايته بتحريك الراء خطأ ولا وجه لتخفيف الغسل به لأنه من رفيع الطعام ومرض بعض شيوخنا قوله هذا بأنه يلزم في الغسل وهو حمل سماع عيسى بن القاسم لا تعجبني الكراهة وإذا ثبت في الطعام القول بالجواز فالنخالة أولى من أن يختلف فيها كمال قال الشيخ. قال الفاكهاني: ورأيت لبعض شراح الرسالة أن قول الشيخ وقد اختلف في ذلك أي في النخالة وهو غلط ظاهر أعني تخصيصه الخلاف بالنخالة بل الخلاف في كل ما تقدم وقد قال مالك في الجلبان وما أشبهه: لا بأس أن يتوضأ منه ويتدلك به في الحمام فهذا نص في الإباحة والجواز وأما الكراهة فقد نقلها الشيخ أبو محمد وغيره، قلت: واختار بعض من لقيناه من القرويين زمان الرخاء والشدة فالكراهة في زمان الرخاء لعدم استقصاء الطعام منها، والجواز في زمان الغلاء لاستقصائه منها وكأنه أراد به أن يجمع بين القولين وليس ببعيد والاحتياط أولى. (ولتجب إذا دعيت إلى وليمة العرس إن لم يكن هناك لهو مشهور ولا منكر بين وأنت في الأكل بالخيار وقد أرخص مالك في التخلف لكثرة زحام الناس فيها): اختلف هل الوليمة مستحبة أم لا؟ فقل: إنها مستحبة وجعله غير واحد المذهب كابن رشد والمازري، وقال ابن سهل الصواب: القضاء بها على الزوج لقوله صلى الله عليه وسلم "أولم ولو بشاة" مع العمل به عند الخاصة والعامة. واختلف في وقتها فقيل: قبل البناء رواه ابن المواز فلما ذكر عياض الرواية التي في المدونة قال: والرواية الأخرى جوازها بعد البناء وحكى ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند البناء واستحبها بعض شيوخنا قبل البناء قلت: قال بعض شيوخنا وأشار بقوله الرواية الأخرى إلى ما ذكره الباجي من رواية أشهب لا بأس أن يولم بعد البناء قال ونظرت العتبية فلم أجدها فيها. وظاهر كلام الشيخ أن الإجابة واجبة وهو كذلك قاله مالك وقيل إنها لا تجب

باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله سبحانه والقول في السفر

نقله الباجي عن رواية ابن حبيب ليس ذلك فرضا ولا حتما وأحب أن يأتيه فجعلها ندبا وحكاه ابن الحاجب عن ابن القصار عن المذهب، وقال اللخمي: إن كان المدعو قريبا أو جارا أو صديقا أو من يحدث بتأخيره عداوة وتقاطعا وجبت إجابته وإن كان المدعو غير ذلك فإن لم يأت من الناس ما تقوم شهرة النكاح به ندبت وإلا أبيحت. فإن قلت: والقول بأن الإباحة واجبة مع أن الدعوة مندوبة متنافيان قلت: ليس في ذلك تناف بل هو أصل المذهب ألا ترى أن الابتداء بالسلام سنه ورده فرض فإن قلت والقول بأنها مندوبة مشكل أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم "ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" قلت: أجيب عن ذلك بوجهين أحدهما أن يقصد بعدم إجابته الترفع عنها والرغبة عن السنة، وهذا تأويل عبدالوهاب الثاني لبعض البغداديين من أصحابنا بأنه لا يمنع أن يطلق على من أخل بالمندوب تسمية عاص لأن المعصية مخالفة الأمر المأمور به والمندوب مأمور به، واعترضه الفاكهاني بوجهين. أحدهما: أنه خلاف عرف حملة الشريعة وغير مصطلحهم واستعمالهم، الثاني: أن المندوب قد اختلف فيه أهل الأصول هل هو مأمور به أم لا؟ قال الباجي: لا نص لأصحابنا في وجوب أكل المجيب وفي المذهب ما يقتضي القولين روى محم: عليه أن يجيب وأن لم يأكل أو كان صائما وقال أصبغ: ليس ذلك بالوكيد وهو خفيف فحمل قول مالك على أن الأكل ليس بواجب وقول أصبغ على وجوبه قلت: واعترضه بعض شيوخنا بأن رواية محمد يجب وإن لم يأكل نص فقهي في عدم وجوب الأكل وعليه حملة اللخمي فكيف يقول: لا نص قلت: ويعترض عليه أيضا بقول الشيخ أبي محمد وأنت في الأكل بالخيار. باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله سبحانه والقول في السفر (ورد السلام واجب والابتداء به سنة مرغب فيها): أشار الشيخ بقوله مرغب فيها إلى أن حكمه السنة بتأكيد والله أعلم قيل: وإنما بدأ الشيخ بالرد وكان العكس أولى تقديما للفرض على السنن فابتدأ بالأهم وهو صواب وفي المذهب قول أن الابتداء بالسلام فرض كفاية والمشهور السنة، وتردد التادلي هل الرد أفضل لأنه مقصود وفرض الابتداء وسيلة وسنة أو الابتداء أفضل لكونه فعل سنة وتسبب في فريضة قال والأظهر الأول قال رحمه الله: ولا يسلم على الشابة

والآكل وقاضي الحاجة المؤذن الملبي وأهل البدع والكافر وأهل المعاصي قلت وما ذكره من عدم السلام على الآكل لا أعرفه في المذهب، وكذلك أنكره شيخنا أبو مهدي لما سألته عنه هل يعرفه أم لا؟ (والسلام أن يقول الرجل السلام عليكم ويقول الراد وعليكم السلام، أو يقول سلام عليكم كما قيل له): قال التادلي: يريد كأن المسلم عليه واحدا أو أكثر إنما يسلم بلفظ الجمع لأن الواحد مع الحفظة كالجمع مع الآدميين قال ابن رشد: والاختيار أن يقول المبتدئ السلام عليكم ويقول الراد: وعليكم السلام ويجوز الابتداء بلفظ الرد والرد بلفظ الابتداء وقال الفاكهاني، وظاهر قوله كما هو ظاهر كلام الشيخ أبي محمد أنه لا بد من الألف واللام في السلام وهو خلاف قول ابن شاس فصيغة الابتداء سلام عليكم، وصيغة الرد وعليكم السلام فأتى بصيغة الابتداء بالتنكير كما رأيت ولم أره في شيء من الأحاديث إلا معرفا كما قالاه. قلت: وظاهر كلامهم أن المتبدئ والراد لو قالا السلام فقط فإنه لا يجزئ كالصلاة وشاهدت فتوى بعض من لقيناه من القرويين غير ما مرة أنه يجزئ مستدلا بقول النحويين بجواز حذف الخبر إذا فهم والصواب هو الأول لأن هذه عبادة فتتبع كالصلاة ولا أعلم أحدا قال إذا قال في الصلاة السلام فقط أنه يجزئ إلا ما رأيت من الخلاف في كتاب مجهول شرح فيه الرسالة قال أبو عمر: إذا كان المسلم بعيد من المسلم علمه فإنه يجوز أن يشير إليه بيده أو برأسه ليعلم أنه سلم عليه. قلت: وهو صحيح ولا أعلم فيه خلافا فأول ما سمعت من شخينا أبي محمد عبد الله الشبيبي رحمه الله مفتيا به وكان يعرف من يسأل عن ذلك أنه لا بد من النطق باللسان وأما الإشارة وحدها فغير كافية. (وأكثر ما ينتهي السلام إلى البركة أن تقول في ردك وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته): لأنه الذي عليه العمل من السلف والخلف قال عبدالوهاب: وقد روي حديثا أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فزاد ومغف رته ولكن العمل من السلف على خلافه، قال ابن رشد وقوله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) [النساء: 86] دليل على جواز الزيادة إذا انتهى المبتدئ بالسلام في سلامه إليها. (ولا تقل في ردك سلام الله عليك):

قال الفاكهاني: هذا لما يقال إنها تحية أهل القبور والله أعلم. (وإذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم وكذلك إن رد واحد منهم): ما ذكر هو المذهب خلافا لأبي يوسف في قوله: لابد من رد جميعهم وأجيب بما في أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم "يجزئ عن الجماعة" إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس إذا رد أحدهم إلا أن في إسناده كلاما للعلماء، وظاهر كلام الشيخ إن رد واحد من غير الجماعة المسلم عليهم لم يسقط فرض الرد عنهم وهو كذلك. (وليسلم الراكب على الماشي والماشي على الجالس): يريد والصغير على الكبير والعبد على الحر والمرأة المتجالة على الرجل واللاحق على الملحوق والداخل على المدخول عليه والأصل في ذلك ما في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس الصغير على الكبير والمار على الجالس والقليل على الكثير" وفي طريق آخر يسلم الراكب على الماشي. قال الإمام أبو عبد الله المازري: وإنما شرع سلام الراكب على الماشي لفضل الراكب عليه من باب الدنيا فعدل الشرع أن يجعل للماشي فضيلة أن يبتدئ واحتياطا على الراكب من الكبر والزهو إذا حاز الفضيلتين وإلى هذا المعنى أشار بعض أصحابنا إذا تلاقى رجلان كلاهما مار في الطريق بدأ الأدنى منهما على الأفضل إجلال وتعظيما للأكبر لأن فضيلة الدين مرغبة في الشرع، وأما بداءة المار على القاعد فلم أر في تعليله نصا ويحمتل أن يجري في تعليله على هذا الأسلوب فيقال: إن القاعد قد يتوقع شرا من الوارد عليه أو يوجس في نفسه خيفة فإذا ابتدأ بالسلام أن إليه أو لأن التصرف والتردد في الحاجة الدنيوية وامتهان النفس فيها مما ينقص مرتبة المتصادقين والآخذين بالعزلة تورعا فصار القاعدين مزية من باب الدين فلهذا أمر ببداءتهم ولأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم والتشوف إليهم فتسقط البداءة عنه وأمر بها المار لعدم المشقة عليه. وأما بداءة القليل للجماعة فيحتمل أيضا أن تكون الفضيلة للجماعة ولهذا قال الشارع: عليكم بالسواد الأعظم، ويد الله مع الجماعة فأمر ببداءتهم لفضلهم أو لأن الجماعة إذا بدءوا الواحد خيف عليه الكبر والزهو فاحتيط له بأن يبدأ وقد يحتمل غير ذلك لكن الذي ذكرناه هو الذي يليق بما قلناه عنهم من التعليل ولا تحسن معارصة هذه التعاليل بآحاد مسائل شذت عنها لأن التعليل الكلي لوضع الشرع لا يشترط أن لا يشذ عنه بعض الجزئيات.

(والمصافحة حسنة): ما ذكر الشيخ هو المشهور عن مالك وكرهه في رواية أشهب، والمصافحة وضع أحد المتلاقين كفه على باطن الآخر إلى الفراغ من السلام والكلام، قال التادلي: وفي تشديد كل واحد منها على الآخر كونه يشعر بالمبالغة في المودة قولان ولا يقبل كل واحد منهما بعد الفراغ يد نفسه ولا يصافح الرجل امرأة وإن كانت متجالة ولا مبتدعا ولا كافر والأصل في المصالحة ما رواه الترمذي عن أنس قال: قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقي أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال "لا" قال أفيلزمه ويقبله؟ قال "لا" قال: فيأخذه ويصافحه قال: "نعم" قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وروى الترمذي أيضا عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يفترقا" قال ابن رشد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصافحوا يذهب عنكم الغل وتهادوا تحابوا وتذهب عنكم الشحناء" قلت: ظاهر الحديث السابق إن مطلق انحناء الرأس منهي عنه وأفتى بعض من لقيناه من القرويين غير ما مرة بجوازه إذا كان إنحناء لا يصدق عليه الركوع شرعا زعاما أن عز الدين بن عبد السلام قال ذلك، وأما السجود وما أشبهه فلا يجوز وشاهدت بعض الطلبة الجهال، وكان مؤدبا جاء إلى شيخنا أبي مهدي حفظه الله تعالى في مدرسة عنق الجمل بتونس وتلقاه لما قام من مجلسه وسجد بين رجليه وجاء ليشتكي له بإنسان فصاح عليه وانتهره وهرب منه وظهر على وجهه الغضب لكونه خالف السنة وحلف له بالله ما يسمع في ذلك الموضع كلمة واحدة. (وكره مالك المعانقة وأجازها ابن عيينة) إتيان الشيخ رحمه الله بقول ابن عيينة في هذه المسألة دون غيرها كان فيه الإشارة إلى قوته عند كإتيان سحنون بقول الغير في المدونة والله أعلم قال التادلي: المعانقة جعل الرجل عنقه على عنق الآخر وفيها أقوال ثالثها: يجوز إذا كان عن طول غيبة وإلا كرهت وظاهره أن الخلاف مذهبي وذكر غير واحد أن ابن عيينة دخل على مالك فصافحه وقال: يا أبا محمد لولا أنها بدعة لعانقتك فقال سليمان بن عيينة: عانق من هو خير منك ومني يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك جعفر قال نعم قال ذلك حديث صحيح خاص يا أبا محمد ليس بعام.

قال سفيان ما يعم جعفرا يعمنا إذا كنا صالحين وما يخصه يخصنا أفتأذن لي أن أحدث في مجلسك قال نعم يا أبا محمد قال حدثني عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عبدالله بن عباس قال لما قدم جعفر من أرض الحبشة اعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بين عينيه وقال "جعفر أشبه الناس بي خلقا وخلقا" فأعجب ما رأيت بأرض الحبشة الحديث، وروى مالك أن ذلك لجعفر خصوصا إذ لم يصحبها العمل من الصحابة بعد النبي صلى الله علي وسلم لأنها مما تنفر عنها النفوس في كل وقت إذ لا تكون في الغالب إلا لوداع لطول اشتياق لغيبة الأهل وما أشبه ذلك، قلت: قال بعض أصحابنا: تأمل ما الذي أفاده حديثه لمالك مع أن مالكا عالم بهذا الحديث يدل عليه كلام مالك والشأن في مثل هذا أن لا يحدث إلا بما لم يعلمه. (وكره مالك تقبيل اليد وأنكر ما روي فيه): قال التادلي: يريد وكذلك سائر الأعضاء لما يلحق المقبل من الكبر قال ابن بطال إنما كره تقبيل يد الظلمة الجبابرة وأما يد الأب والرجل الصالح ومن ترجى بكرته فجائز وظاهر المذهب خلافه، قال ابن رشد: سئل مالك عن الرجل يقدم من السفر فيتناول غلامه أو مولاه يده فيقبلها قال ترك ذلك أحب إلي وهو كما قال وينبغي لسيده أو مولاه أن ينهاه عن ذلك لأنه بإسلامه أخوه في الله إلا أن يكون كافرا فلا ينهاه لما جاء أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه مختبرين له تسع آيات بينات فلما أخبرهم قبلوا يديه ورجليه في حديث طويل. (ولا تبتدأ اليهود والنصارى بالسلام): الأصل في ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يبتدأ اليهود ولا النصارى بالسلام إذا لقيتم أحدا منهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" قال عبد الوهاب لأن السلام تحية وإكرام والكافر ليس أهلا لها وقد قال تعالى (تحية من عند الله مباركة طيبة) [النور: 61] وقد أجاز بعض أهل العلم ابتداء أهل الذمة بالسلا وهو خلاف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. (فمن سلم على ذمي فلا يستقيله): قال عبد الوهاب إنه لا فائدة في استقالته لأن لا يخرج بذلك عن أن يكون قد بدأه بالتحية والاستقالة إنما تكون في أمر يمكن استدراكه فيعود المقول كأنه لم يفعل. (وإن سلم عليه اليهودي أو النصراني فليقل عليك ومن قال عليك السلام بكسر

السين وهي الحجارة فقد قيل ذلك). هذا لما روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم سامس عليكم فقولوا عليك" وفي مسلم أيضا عن عائشة رضي الله عنها أن رهطا من اليهود استأذنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم فقالت عائشة رضي الله عنها بل عليكم السام واللعنة والغضب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله" قالت أو لم تسمع ما قالوا قال "قد قلت وعليكم" وفي رواية قد قلت عليكم. (والاستئذان واجب فلا تدخل بيتا فيه أحد حتى تستأذن ثلاثا فإن أذن لك وإلا رجعت) الأصل في ذلك قوله تعالى: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) إلى قوله (حتى يؤذن لكم) [النور: 28] وقوله (فليستئذنوا كما استئذن الذين من قبلهم) [النور: 59] وما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف فقال أنشدكم بالله هل سمع منكم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لكم وإلا رجعتم قال أبي وما ذاك؟ قال: استأذنت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثلاث مرات فلم يأذن لي فرجعت ثم جئت اليوم فأخبرته أني جئت أمس فاستأذنته ثلاثا ثم انصرفت فقال قد سمعناك ونحن على شغل فلو استأذنت جعل يؤذن لك فقلت استأذنت كما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لأوجعن بطنك وظهرك إن لم تأتني بمن يشهد معك على هذا" قال أبي فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا ساقم يا أبا سعيد، فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا. قال بن رشد: واختلف هل يبدا بالسلام أو بالاستئذان والصواب أن يقدم الاستئذان فإن أذن له في الدخول سلم على من في البيت ودخل، قال غير واحد: واختلف في الزيادة على ثلاثة إذا ظن أنه لم يسمع أو يشك في ذلك على قولين قال ابن الفرس ولا تقل في الجواب أنا لما في مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه قال جئت النبي صلى الله عليه وسلم فدعوته فقال "من هذا" فقلت أنا فخرج وهو يقول "أنا، أنا" وفي

رواية أخرى أنه كره ذلك. قال بعض الصوفية إياكم وثلاثة ألفاظ فإن بها هلك من هلك: أنا، ولي، وعندي فهلك فرعون بقوله (أنا ربكم الأعلى) [النازعات: 24] ، وقوله (أليس لي ملك مصر) [الزخرف: 51] ، وهلك قارون بقول (إنما أوتيته على علم عندي) [القصص: 78] ، وقبله التادلي ورد شيخنا أبو مهدي أيده الله ما ذكره من الاستدلال بالآية الأولى بأن فرعون النعي عليه بزيادة قوله ربكم الأعلى لا لقوله أنا فقط، واعلم أن تنقير الباب ثلاث أو التنحنح يقوم مقام الاستئذان كانت الأبواب مفتوحة أو مغلوقة. قال التادلي: واختلف فيمن أرسل إليه هو يدخل بغير إذن أو يفرق بين أن يأتي عن بعد فيستأذن وإلا فلا على ثلاثة أقوال، قلت: والأقرب أنه خلاف في حال واختلف فيمن اطلع على رجل بغير إذنه ففقأ عينه فقيل عليه الدية ولا قصاص وقيل بل يجب علي القصاص قاله مالك، وقال ابن عبد الحكم: لا قصاص ولا دية وهو ظاهر ما في مسلم عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: "ومن اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه". (ويرغب في عيادة المرضى): هذا لما في مسلم عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن المسلم إذا دعا أخاه لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" وفي آخر قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خرقة الجنة قال "جنانها". (ولا يتناجى اثنان دون واحد وكذلك جماعة إذ أبقوا واحد منهم وقد قيل لا ينبغي ذلك إلا بإذنه وذكر الهجرة قد تقدم في باب قبل هذا): علل بخوف الغدر وقيل جبرا لقلبه لإهماله، قال ابن رشد: فإن عللنا بالأول كان التناجي حراما وإن عللنا بالثاني كان التناجي مكروها وفي المدونة نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال إنها خب قال عياض: رطانة بفتح الراء وكسرها وفتح الطاء المهملة وهو كلام بلسانهم وخب بكسر الخاء المعجمة وتشديد الباء أي خديعة ومكر قال ابن يونس إنما ذلك في المساجد وقيل إنه يصير إلى معنى ما كره أن يتناجى اثنان دون واحد.

(قال معاذ بن جبل ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قال عمرو أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه): الأصل في ذلك قوله تعالى (فاذكروني أذكركم) [البقرة: 152] وقوله (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) [ال عمران: 191] إلى غير ذلك. وقد قال الأستاذ أبو علي الدقاق: الذكر منشور الولاية فيمن وفق إلى الذكر فقد أعطى المنشور ومن سلب الذكر فقد عزل قال عبد الوهاب: لأن الإنسان إذا أكثر من الذكر جدد خشوعا في قلبه وبعدت الغفلة عن قلبه فكان إلى التقوى أقرب وعن المعاصي أبعد وما قاله عمر إنما أراد به الذكر بالقلب وهو إحضار الإنسان قلبه الخوف والخشوع وتصوره لاطلاع ربه عليه في سره وعلانيته وعلمه بجيمع أعماله وتصرفاته وأنه لا تخفى عليه خافية ولا يستر عنه مستور فلذلك قال: الذكر بالقلب أفضل من الذكر باللسان. وقال الفاكهاني: الذي يظهر لي أن الوقت عند الحدود أن ذكر واجبا ذكر الله فاجتنبه ومعنى ذكر الله أن ذكر ثوابه وعقابه والله أعلم بما أراد قال ويؤيد ما قلناه قول الحسن: أفضل ذكر الله عند ما حرم الله ونقل عن البوني أنه قال في ذلك يريد أداء الفرائض فهذا قريب مما قلناه وهو قريب في المعنى قلت: وقول الفاكهاني إليه كان يذهب بعض من لقيناه من القرويين قال أبو القاسم القشيري: ومن خصائص الذكر أنه غير موقت بل ما من وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر الله إما فرضا وإما نفلا فالصلاة وإن كانت أشرف العبادات فقد لا تجوز في بعض الأوقات. والذكر بالقلب مستديم في جميع الحالات قال الله تعالى (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) [آل عمران: 191] وفي الخبر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول "أعطيت أمتك ما لم أعط أمة من الأمم قال: وما ذلك يا جبريل قال: قوله تعالى (فاذكروني اذكركم) [البقرة: 152] ولم يقل هذا لأحد غير أمتك". (ومن دعائه صلى الله عليه وسلم كلما أصبح وأمسى "اللهم بك نصبح وبك نمسي وبك تحيا وبك نموت ويقول في الصباح وإليك النشور وفي المساء وإليك المصير وروي مع ذلك: اللهم اجعلني من أعظم عبادك حظا ونصيبا في كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو ذنب تغفره أو شدة ترفعها أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها برحمتك إنك على كل شيء قدير): قال الفاكهاني: بك أي بقدرتك فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وإليك النشور يوم القيامة فكان قيام الإنسان من نومه كقيامه إلى حشره وإليه مصير

كل شيء أي مرجعه والحظ والنصيب مترادفان، ومعنى تقسمه تهيئه وتيسره وتحضره وإلا فكل شيء مقسوم في الأزل لا يزيد ولا ينقص والهداية الرشاد إلى الخير. وفي الحديث "أن النور إذا دخل القلب انفتح وانشرح" قيل يا رسول الله هل لذلك النور من علامة قال: التجافي عن دار الغرور والإبانة إلى دار الخلود" أو كما قال صلى الله عليه وسلم قال ابن الفرس: واختلف في حكم الدعاء فقيل: واجب وقيل مندوب إليه على الخلاف في الأمر هل يحمل على الوجوب أو على الندب وعلى الوجوب فيخرج منه بالمرة الواحدة، واختلف هل الدعاء أفضل أم السكوت والرضى لجريان حكم الله تعالى بما اختار له في الأزل. (ومن دعائه صلى الله عليه وسلم عند النوم أنه كان يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن واليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول "اللهم بأسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك رهبة منك ورغبة إليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك أستغفرك وأتوب إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت رب قني عذابك يوم تبعث عبادك"): خرجه مسلم عن البراء بن عازب وفي آخر "فاجعله آخر كلامك فإن مت في ليلت مت على الفطرة" قال الفاكهاني: قول الشيخ ورسولك الذي أرسلت كأنه وهب لأن الذي في مسلم ونبيك الذي أرسلت وإنما كان نبيك دون رسولك لأن الرسول قد يكون من الملائكة بخلاف النبي وفي هذا الحديث ثلاث سنن مستحبة: هيئة النوم على الشق الأيمن لأنه أسرع إلى انتباه وذكر الله تعالى ولكن خاتمة عمله الوضوء عند النوم ولم يذكره الشيخ وهو مسلم إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوء الصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وفائدة الوضوء مخافة أن يموت في ليلته ويكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلاعب الشيطان به. (ومما روي في الدعاء عند الخروج من المنزل: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي): هذا حديث خرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وهو في مسلم عن

أبي هريرة عن الطيالسي عن أبي هريرة عن أبي مسلمة رضي الله عنها في سنن أبي داود عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا خرج الرجل من بيته قال باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قيل حينئذ هديت وكفيت ووقيت". (وروى في دبر كل صلاة أن يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويكبر الله ثلاثا وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير): هذا الحديث متفق عليه خرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه وظاهر المذهب أن هذا الذكر مخصوص بأن يكون عقب الصلاة الفرض وأما النوافل فلا قال ابن بطال له أن يجمع هذه الكلمات فيقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله وسمى هذه الكلمات المعقبات لكونها عقب الصلاة والفواصل لوقوع الفضل بها بين الفرائض والنوافل وتقدم الخلاف في الأجر المرتب عليه هل هو لجميع الناس سواء أو الفقراء منهم أكثر ثوابا من الأغنياء. (وعند الخلاء يقول: الحمد لله الذي رزقني لذته وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوته): الخلاء ممدود والذي في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" بضم الخاء والباء وهو جمع خبيث وخبيثة استعاذ صلى الله عليه وسلم من ذكران الشيطان وإناثهم. (وتتعوذ من كل شيء تخافه وعندما تحل بموضع أو تجلس بمكان أو تنام فيه أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق): هذا حديث خرجه أهل الصحيح قال الفاكهاني: أخذ بعض العلماء من هذا أن القرآن غير مخلوق ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق واختلف في معنى التامات فقيل هي التي لا تنقص فيها ولا عيب قال عياض: وقيل: هي النافعة الباقية الشافية، وقيل: الفاضلة وقيل المراد به القرآن.

(ومن التعويذ أن تقول أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ أو برأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمن ويقال في ذلك أيضا ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم): المراد بالوجه الذات والبر هو الحسن المطيع وضده الفاجر وقول الشيخ وذرأ أو برأ قيل هما بمعنى واحد وقيل بمعنيين والفرق بينهما أن الذرء يكون طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل بخلاف الخلق ولا شك أن برأ مرادف لخلق ومعنى قوله وما يعرج فيها يعني باطنها لأن غلظها مسيرة خمسمائية عام فيعرض من سطحها لقلة الذي يلي الأرض إلى منتهى ما يلي السماء الثانية. (ويستحب لمن دخل منزله أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله): قال القاضي أبو بكر بن العربي: الذكر مشروع للعبد في كل حال على الندب ومن جملة الأوقات التي يستحب فيها ذكر الله إذا دخل أحدنا منزله أو مسجده أن يقول كما قال الله تعالى (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) [الكهف: 39] ، وروي من قال أربعا أمن أربع من قال هذا أمن من هذا، ومن قال حسبنا الله ونعم الوكيل أمن من كيد الناس له، قال الله تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) [آل عمران: 173] ومن قال وأفوض أمري إلى الله أمن من المكر قال الله تعالى مخبرا عن العبد الصالح (فوقاه الله سيئات ما مكروا) [غافر: 45] ، ومن قال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أمن من الغم وقد قال قوم: ما من أحد يقول ما شاء الله فأصابه شيء إلا رضي به. (ويكره العمل في المساجد من خياطة ونحوها ولا يغسل يديه فيه ولا يأكل إلا مثل الشيء الخفيف كالسويق ونحوه): ينبغي أن تنزه المساجد عن البيع والشراء واستخف في البيان قضاء الدين وكنت ألحق فيه ما لم يطل وإنشاد الضالة وعمل الصناعات والسؤال قال ابن أبي زيد في النوادر: من سأل فلا يعطي وأمر بحرمانهم وردهم خائبين، قال التادلي: وكان الشيخ

أبو عبدالله محمد بن عمران أن يغلظ عليهم في النهي وربما أمر بإخراجهم مسحوبين، وكان بعض الشيوخ بالعكس منه فيرفق بهم ويسأل عن أحوالهم ويتصدق عليهم، فالأول تصرف بالشرع، والثاني بعين الحقيقة ومن رفع الصوت بغير ذكر الله ومن الحديث في الأمور الدنيوية ومن القصص قال مالك: والقصص بدعة ومن قراءة القرآن في المصحف قال ابن أبي زيد في مختصره لم يكن من الأمر القدم وأول من أحدثها الحجاج ومن غرس الشجر فإن وقع قطع فإن لم يقع قال ابن سهل هي حلال للغني والفقير كالفيء، قال الباجي واختلف أصحابنا في الوضوء فإن أجازه ابن القاسم في صحته في رواية موسى بن معاوية وكرهه سحنون لما في ذلك من مج الريق في المسجد قال الباجي: ورحاب المسجد كالمسجد في التنزيه. (ولا يقص فيه شاربه ولا يقلم أظفاره وإن أخذه في ثوبه): وكذلك لا يقتل فيه قملة ولا برغوثة وصرح ابن الحاجب بأن قتلها في المسجد مكروه وقال عبدالسلام: وما قاله في البرغوث ظاهر لأنه ليس له نفس سائلة وأما القملة فالمشهور أنها لها نفسا سائلة فينبغي أن يكون قتلها في المسجد أشد من البرغوث والله أعلم. (وأرخص في مبيت الغرباء في مساجد البادية): قال ابن رشد: وإذا بات في المسجد فخاف أن يخرج لقضاء الحاجة في اللصوص فإن يتخذ آنية لقضاء حاجته فإن لم يجدها بال فيه قال ابن العربي وكذلك الغري لا يجد أن يدخل دابته فإنه يدخلها في المسجد إذا خاف عليه اللصوص. (ولا ينبغي أن يقرأ في الحمام إلا الآيات اليسيرة ولا يكثر): قال عبد الوهاب: لأن الحمام من البيوت المكروهة إلا للضرورة وقد قيل إنه من بيوت الشياطين والقراءة قربة وفعل خير ومن أفضل الطاعات فيجب أن تكون في أشرف المواضع وقد روي أثر فيه النهي عن القراءة في الحمام. (ويقرأ الراكب والمضطجع والماشي من قرية إلى قرية ويكره ذلك للماشي إلى السوق وقد قيل إن ذلك للمتعلم واسع): قال عبد الوهاب: والفرق بين قراءة الماشي إلى السوق والماشي من قرية إلى قرية أن الماشي إلى السوق في قراءته ضرب من الإهانة للقرآن في قراءته في الطرقات وذلك خلاف ما أمرنا به من تعظيمه بخلاف الماشي من قرية إلى قرية لأن القراءة تعينه على طريقه ويحتاج إلى التبرك بها في مشيه والتخوف بها ولأن ذلك يعد شغلا وسرورا فلا ينسب قارئه إلى الابتذال له قال الفاكهاني: وقد رأيت لبعض شارحي الرسالة التفريق

بين أسواق الحاضرة وأسواق البادية فجوزه في الثاني قال التادلي، وقول الشيخ وقد قيل: راجع للماشي إلى السوق وقد قيل راجع إلى القرية وقد قيل: إن ذلك إلى الثلاثة للحمام وما بعده، والخلاف متعدد في الكل قلت وأشار الشيخ بقوله وقد قيل إلى تضعيف هذا القول ولتقدمنا الأول عليه كما سبق في قوله وقد قيل يتيمم لكلا صلاة. (ومن قرأ القرآن في سبع فذلك حسن والتفهم مع قلة القراءة أفضل وروي أن النبي عليه السلام لم يقرأه في أقل من ثلاث): أكثر العلماء رضي الله عنهم على أن الإقلال من القراءة مع الفهم أفضل من سرد حروفه نقل صاحب القوت أن بعضهم كان يختم ختمة في الأسبوع وختمة في الشهر وختمة في العام وختمة في عمره ونقل المازري عن القابسي أبي الحسن أنه ختم القرآن ليلة فكان يستغفر الله من ذلك وكان الشيخ أبو عبدالله بن ناصر المعروف بابن العتبي من أصحاب ابن سحنون ورده بالقيروان ثلاث ختم كل ليلة فرأى نفسه أنه مقصر فصار إلى المنستير يتعبد ينزل على رأسه قنديل من السماء يزهر ليس له معاليق فإذا فرغ من ورده ارتفع ذلك القنديل بقدرة من يقول للشيء كن فيكون كان قوته ربع خبزة ثمن جميع الخبزة ربع درهم. وعلم أن الطريقين إنما هو في تعيين الأفضل ما هو وأفتى بعض من لقيناه من القرويين غير ما مرة بأن من يقرأ القرآن بلا فهم فلا ثواب له البتة زاعما أن ابن عبد البر نص على ذلك وقال هو كمثل الحمار يحمل أسفارا وكنت لا أرتضي منه هذه الفتوى ومجمل ما ذكر عن ابن عبد البر إن صح إنما هو إشارة إلى المبالغة فمتى فهم القرآن أحسن وقد كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مترسلة ولو شاء أحد أن يعد الحروف لعدها وقال تعالى (ورتل القرءان ترتيلا) [المزمل: 4]. (ويستحب للمسافر أن يقول عند ركوبه باسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال ويقول الراكب إذا استوى على الدابة سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون): هذا الحديث خرجه أهل الصحيح وجاء بعضه مختلفا ومعنى الصاحب في السفر

والخليفة في الأهل أنه لا يخلو مكان عن قدرته تعالى فصحبة المسافر أن يسلمه ويرزقه ويعينه ويوفقه ويخلفه في أهله بأن يرزقهم ويطعمهم ويحفظهم فلا حكم لأحد في السماء ولا في الأرض غيره جل وعز قال تعالى (وهو معكم أين ما كنتم) [الحديد: 4] قال الباجي. (وتكره التجارة إلى أرض العدو وبلد السودان): قال عبد الوهاب: إنما قال ذلك لأن فيه تغرير الإنسان بنفسه وماله وإذلالا للدين واعتزازا للمشركين لأنه يحصل في بلاد المشركين بحيث تجري عليه أحكامهم ويرى الكفر بالله جهارا ولا يمكنه دفعه ولا يأمن على نفسه الفتنة والإكراه على ترك الدين أو غررهم به وإنزالهم إياه على حكمهم وكل ذلك مما قد منعت الشريعة مع القدرة على تركه فله في بلاد المسلمين مندوحة عن التعرض لهذه الأمور، وقد قال تعالى (ومن يهاجر في سبيل الله) [النساء: 100] الآية. قال الفاكهاني: ولا خلاف وأعلمه أن ذلك مما يسقط شهادة العدل ولفسقه إذا سافر إلى بلاد العدو اختيارا فينبغي أن يحمل ما قال الشيخ على التحريم إذ لا تسقط شهادة من فعل مكروها مرة أو مرتين، قلت: وقول المدونة في أول مسألة من كتاب التجارة إلى أرض الحرب وشدد مالك الكراهة في التجارة إلى أرض الحرب لجري أحكام المشركين عليه ظاهر في التحريم للتعليل ووقع في المدونة ما يوهم خلاف ذلك، وتأول على غلبة الريح أو دخوله لفك أسير أو مصلحة بين المسلمين والكفار وجرى لي وأنا قاض بجربة برسم فيه شهادة قاضي قوصرة بذكر حق شهود من علمه فطلب مني أن أوقع على خطه فلم أمكن صاحبه من ذلك لأنهم قادرون على التحيل في الخروج منها، وربما يخرج بعض من فيها ويعدلها فهم كفار يحكم عليهم. (وقال عليه السلام السفر قطعة من العذاب): قال الفاكهاني: هذا أمر مشاهد لغالب الحال لما فيه من قطع الراحة وإجهاد النفس وتشقية الخاطر ونظر من يشتهي نظره ومخالطته رغما فهو عذاب حسا ومعنى هذا غالبه وما نذر لا حكم له، والحديث يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قصى أحدكم من سفر نهمته فليعجل إلى أهله رواه مالك عن أنس عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال التادلي: قال عمر لولا أني خشيت أن أزيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت العذاب قطعة من السفر، قلت: وهذا منه مبالغة. (ولا ينبغي أن تسافر المرأة مع غير ذي محرم منها سفر يوم وليلة فأكثر إلا في حج

باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم وذكر الكلاب والرفق بالمملوك

الفريضة خاصة في قول مالك في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها ذو محرم فذلك لها): قال الفاكهاني: هذا متفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم"، وروى أيضا فوق ثلاثة، وروي لا تسافر المرأة يومين، وروي مسيرة يوم وليلة وحمل هذا الخلاف على حسب السائلين اختلاف المواطن وإن ذلك معلق بأقل ما يقع عليه اسم السفر قلت: وقول الشيخ في قول مالك يقوم منه كما تقدم في قوله وليس عليه تخليلها في الوضوء في قول مالك، وكأنه مال إلى قول طاوس والنخعي والشعبي والحسن البصري وأبي حنيفة وغيرهم إنها لا تحج إلا مع زوج أو ذي محرم، وظاهر كلام الشيخ أن سفرها في البحر كالبر وهو كذلك ووقع لمالك إذا لم تجد سبيلا إلا في البحر فلا يلزمها جملة من غير تفصيل. باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم وذكر الكلاب والرفق بالمملوك الأصل في جواز الاسترقاء قوله تعالى (وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) [الإسراء: 82] وقول تعالى (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) [الأنعام: 92] وقوله صلى الله عليه وسلم في أم جعفر بن أبي طالب "استرقوا لها فإنه لو سبق القدر شيء لسبقه العين" قال التلمساني: إنما أمر بالاسترقاء في هذا الحديث وشبهه ولم يأمر بالوضوء لأن الاغتسال إنما يؤمر به إذا كان العائن معروفا والأصل في التعوذ قوله تعالى (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) [النحل: 98] ، وقوله (وإن أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) [آل عمران: 136] إلى غير ذلك من الآي. والأصل في التعالج من المرض وشرب الدواء والفصد والكي قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) [النساء: 29] وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء" وأنه عليه الصلاة والسلام أمر بالكي والحجامة، واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجرته وهو أبو طيبة وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه، وكره بعض أهل العلم التداوي بذلك ورأوا أن تركه والاتكال على الله عز وجل أفضل منه واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب وهم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون

وعلى ربهم يتوكلون" ودليل الحجامة ما تقدم قال التادلي: وقول الشيخ الحجامة حسنة يريد في كل أيام السنة، خلافا لبعض ضعفة العقول في تركه يوم السبت والأربعاء، قال ابن رشد: ويصححه إيمان مالك بالقدر كان لا يكره الحجامة ولا شيء من الاشياء يوم السبت والاربعاء بل يتعمد ذلك فيهما. (والكحل للتداوي للرجال جائز وهو من زينة النساء): ظاهر كلام الشيخ أن الرجل لا يكتحل من غير ضرورة وهو كذلك على أحد القولين وروي عن مالك جوازه قال التادلي: واختلف في صفة الاكتحال فقيل اثنان لليمنى وواحد لليسرى وقيل: ثلاث في كل عين. (ولا يتعالج بالخمر ولا بالنجاسة ولا بما فيه ميتة ولا بشيء مما حرم الله ولا بأس بالاكتواء): أما التعالج بالخمر وسائر النجاسات في باطن الجسم فالاتفاق على تحريمه وأما ظاهر الجسد ففيه قولان وأفتى غير واحد من شيوخنا بحرمته ومن هذا المعنى غسل العثرة بالبول. (ولا بأس بالرقي بكتاب الله وبالكلام الطيب): قال في البيان: كره مالك الرقي بالحديد والملح وعقد الخيوط لأن الشفاء لا يكون إلا بكتاب الله وأسمائه وما يعرف من الذكر. (ولا بأس بالمعاذة تعلق وفيها القرآن): ظاهر كلام الشيخ أنه جائز للصحيح والمريض وهو كذلك بالنسبة إلى المريض باتفاق وإلى الصحيح باختلاف على قولين والذي أفتى به بعض من لقيناه من القرويين غير ما مرة أن ذلك جائز ولقائل أن يقول: سياق كلام الشيخ إنما يدل على جوازه في المريض، وما ذكرناه هو الذي أعرفه في المذهب وقال التادلي: في المسألة أقوال ثالثها يجوز للمريض دون الصحيح والحيوان ورابعها للآدمي دون الحيوان. (وإذا وقع الوباء بأرض قوم فلا يقدم عليه ومن كان بها فلا يخرج فرار منه): يحتمل قول الشيخ الكراهة والتحريم وفي ذلك قولان في المذهب. (وقال عليه السلام في الشؤم إن كان ففي المسكن والمرأة والفرس): قال بعض أهل العلم: الشؤم في الدور ما يصيب ساكنها من المصائب وكذلك

المرأة والفرس قوله صلى الله عليه وسلم "لا عدوى لا طيرة معارض له" ومنهم من ضعف حديث الشؤم بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت على أبي هريرة رضي الله عنه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم قط، وإنما كان أهل الجاهلية يقولونه ثم قرأت (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) [الحديد: 22] ، ومنهم من صحح الحديث، وتأوله على أن الشؤم في الدار معناه سوء الجار، وفي المرأة اختلافها وفي الفرس كذلك. (وكان عليه السلام يكره سيء الأسماء ويعجبه الفأل الحسن): ولا يفعل ما يفعله بعض الجهلة من استخراجهم الفأل في المصحف وهو نوع من الاستقسام بالأزلام لأنه قد يخرج له مالا يريد فيؤدي ذلك إلى التشاؤم بالقرآن. (والغسل للعين أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب على المعين): قال المازري: هل يقضي على العائن بغسل هذه المواضع أم لا؟ فإن شهدت بينة بأنه عائن سجن في داره ويأكل من ماله إن كان له مال، وإن لم يكن له مال فمن بيت المال فإن خرج بعد ذلك وأصاب أحدا بعينه ضمن ذلك، وكذلك صاحب الكلب العقور والجمل الصائل والحائط المائل فهؤلاء يضمنون بعد التقدم إليهم وداخلة إزاره ما يلي فخذه الأيمن من الإزار قاله ابن حبيب وقيل داخلة إزاره أن يستنجي بعد إزالة النجاسة وقيل ما يلي البدن من الثوب حكاه ابن يونس عن مالك فإن لم يكن له إزار فإنه يغسل فرجه وما يلي بدنه من ذلك، والصفة التي ذكر أبو محمد هي التي قال ابن شهاب. (ولا ينظر في النجوم إلا ما يستدل به على القبلة وأجزاء الليل ويترك ما سوى ذلك): قال ابن رشد: وأما النظر في أمرها فيما يتوصل به إلى معرفة نقصان الشهر من كماله فذلك مكروه لأنه لا يجوز لأحد أن يعمل في صومه وفطره على ذلك، وقال مصرف وابن عبد الله بن الشخير أنه يعمل به من يعرفه في خاصة نفسه، وقاله الشافعي في أحد قوليه وأما من نظر فيها وقال لا يقدم المسافر ولا تمطر السماء وما أشبه ذلك من المغيبات قيل إن ذلك كفر يوجب القتل دون استتابة وقيل يستتاب فإن تاب وإلا

باب في الرؤية والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيره والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

قتل، وروي ذلك عن أشهب وقيل يزجر عن ذلك، ويؤدب عليه وهو قول مالك في العتبية وليس قول الرجل الشمس أو القمر ينكسف غدا أو نقصان في الشهر، وتمامه من عمل النجوم وليس بكفر لأنه يعرف بالحساب لكنه يكره الاشتغال به لأنه مما لا يعني وفي الإخبار به قبل أن يكون ضرر في الدين على من سمعه من الجهال فيظن ذلك من علم الغيب فيزجر قائله ويؤدب عليه، وكره المازري النظر في الاصطرلابات والصحيفة لأن العمل بها لا يمكن إلا بعد التعمق في علم النجوم. (ولا يتخذ كلب في الدور في الحضر ولا في دور البادية إلا لزرع أو ماشية يصحبها في الصحراء ثم يروح معها أو لصيد يصطاده لعيشه لا للهو): يريد إلا أن يصطر فيتخذه حتى يزول المانع ويذكر أن أبا محمد بن أبي زيد وقع له حائط من داره وكان يخاف على نفسه من الشيعة فاتخذ كلبا لذلك، قال الفاكهاني: وانظر على قول من أجاز الصيد للهو من غير كراهة هل يجوز له اتخاذ الكلب لذلك وهو الذي يظهر والله أعلم لكن لم أره منقولا واختلف الشافعية هل يجوز اتخاذ الكلب لحراسة الدواب والحوائط الكبار للضرورة في ذلك أم لا؟ على قولين. (ولا بأس بخصاء الغنم لما فيه من صلاح لحومها ونهي عن خصاء الخيل): الخصاء ممدود والفرق بين خصاء الغنم والخيل أن الغنم تراد للأكل فليس في خصائها ما يمنع ذلك بما فيه إصلاح له ومعونة عليه وليس كذلك الخيل لأنها إنما تراد للركوب والجهاد عليه وذلك ينقص قوتها ويضعفها ويقل نسلها وأما الفرس يكلب فيجوز أن يخصى قاله بعض الشيوخ وقبله الفاكهاني وأما الآدمي فلا خلاف في منع خصائه. (ويكره الوسم في الوجه ولا بأس به في غير ذلك): قال الفاكهاني: رويناه بالشين المعجمة ليس إلا. قال الله تعالى (لا يكلف الله نفسها إلى وسعها) [البقرة: 268]، وقال (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) [البقرة: 286]، وقال صلى الله عليه وسلم "وأوصيكم بالضعيفين المرأة والمملوك". باب في الرؤية والتثاؤب والعطاس واللعب بالنرد وغيره والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك قال أبو إسحاق الاسفرائيني الرؤيا هي عبارة عن أمثلة يدركه الرائي بجزء لم يصبه آفات النوم وتلك الأمثلة تدل على معان وقيل هي رؤية القلب.

(قال الرسول عليه السلام الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة ومن رأى منكم ما يكره في منامه فإذا استيقط فليتفل عن يساره ثلاثا وليقل: اللهم إني أعوذ بك من شر ما رأيت في منامي أن يضرني في ديني ودنياي): اختلفت الروايات في هذا الحديث فروي سنة وأربعون جزءا من النبوة وروي خمسة وأربعون جزءا، وروي من سبعين وانظر المازري في كيفية الجمع بين ذلكز (ومن تثاءب فليضع يده على فيه): يقال: تثاءب بالمد مخفف وكذلك وقع في بعض نسخ مسلم وفي أكثرها تثاوب بالواو قال العلماء: وإنما أمر بكظم التثاؤب ورده ووضع اليد على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله في فيه وضحكه منه. (ومن عطس فليقل: الحمد لله وعلى من سمعه يحمد الله أن يقول له يرحمك الله ويرد العاطس يغفر الله لنا ولكم أو يقول يهديكم الله ويصلح بالكم): قال ابن الفرس: ويزيد رب العالمين عند ابن مسعود وعلى كل حال عند ابن عمرو حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه عند غيرهما ويقال ذلك جهرا، واختلف في هذا القول فقيل: سنة وقيل مستحب وأما التشميت قال في البيان قيل فرض عين وقيل فرض كفاية وقيل ندب وإرشاد والأول أشهر. قلت: وظاهر كلام الشيخ أن رد السامع فرض لقوله وعلى من سمعه يحمد الله أن يقول: يرحمك الله، ولو تكرر العطاس سقط تشميته ودليله ما في مسلم عن سلمة بن الأكوع أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عطس رجل عند فقال "يرحمك الله" ثم عطس أخرى، فقال رسور الله صلى الله عليه وسلم "الرجل مزكوم" وفي الترمذي في الثالثة أنه مزكوم. (ولا يجوز اللعب بالنرد ولا بالشطرنج ولا بأس أن يسلم على من يلعب بها ويكره الجلوس إلى من يلعب بها والنظر إليهم): واللعب بذلك جرحة وإن لم يدمن وقيل بشرط الإدمان ولا حد في الإدمان ويرجع فيه إلى العرف وقيل من لعب به أكثر من مرة واحدة في السنة، ويريد بقوله لا بأس أن يسلم على من يلعب بها إذا كان بعد انصرافهم وفراغتهم من اللعب فإما في حالة اللعب فلا يجوز لأنهم متلبسون بالمعصية ألا ترى إلى قوله ولا يجوز اللعب بالنرد، وفي العتبية سئل مالك أيسلم على اللاعب بالشطرنج فقال نعم أو ليسوا

مسلمين، وتأوله ابن رشد على ما ذكرناه من أن معنى ذلك إذا انصرفوا من لعبهم وكان بعض من لقيناه من القرويين يحمل ما في العتبية على ظاهره ولا يفتى به وما ذكر من كراهة الجلوس محمول على التحريم. (ولا بأس بالسبق بالخيل وبالإبل وبالسهام بالرمي وإن أخرجا شيئا جعلا بينهما محللا يأخذ ذلك المحلل إن سبق هو وإن سبق غيره لم يكن عليه شيء هذا قول ابن المسيب وقال مالك: إنما يجوز ويخرج الرجل سبقا فإن سبق غيره أخذه وإن سبق هو كان للذي يليه من المتسابقين وإن لم يكن غير جاعل السبق وآخر فسبق جاعل السبق أكله من حضر ذلك): شروط المسابقة أن يجهل كل واحد منهما فرس صاحبه وأن يكونا بالغين ومعرفة انتهاء الغاية وأن يخرج أحدهما مثل ما يخرجه الآخر، وقيل يجوز التفاضل وهو المشهور وإن يقصد بذلك القوة على الجهاد. (وجاء فيما ظهر من الحيات بالمدينة أن تؤذن ثلاثا وإن فعل ذلك في غيرها فهو حسن ولا تؤذن في الصحراء ويقتل ما ظهر منها): قال ابن شاس: واختلف في الاستئذان المشروع فقيل: ثلاثة في خرجة واحدة وقيل مرة في كل خرجة وقيل: ثلاثة أيام وإن ظهرت اليوم الواحد مرارا. قال الفاكهاني: قيل وقول الشيخ ثلاث مرات يحتمل ثلاث ليال وفي الحديث ثلاث أيام رفع للاحتمال، وصفة الاستئذان أن يقول أنشدتكن بالعهد الذي أخذ عليكن سليمان ابن داود عليهما السلام أن لا تؤذونا أو تظهروا علينا وهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره عياض في إكماله من رواية ابن حبيب. (ويكره قتل القمل والبراغيث بالنار): دليل ذلك ما جاء في الحديث "لا يعذب بالنار إلا رب النار" قال التادلي: وهذا ما لم يضطر فيجوز قتلها بالنار لأن في قتلها بغير النار حرجا ومشقة ويجوز نشرها للشمس. (ولا بأس إن شاء الله يقتل النمل إذا آذت ولم يقد على تركها ولو لم تقتل كان أحب إلينا إن كان يقدر على تركها): مفهوم كلام الشيخ إنها إذا لم تؤذ فإنها لا تقتل كقول الخطابي لا تقتل النملة الحمراء الطويلة القوائم لأنه لا تحصل منها إذاية وما ذكر الشيخ هو معنى قول مالك وكان الشيخ لم يقف عليه لمالك من عنده لقوله إن شاء الله. (ويقتل الوزغ):

هذا لما في مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الوزغ وسماه "الفويسقة" وفيه أيضا "من قتل وزغة في أول ضربة كتب له مائة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك"، قال ابن رشد وكذلك يقتل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله من العقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور. (ويكره قتل الضفادع): الأصل في ذلك ما في النسائي أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله قال عبد الوهاب كان الأصل منع إتلاف الحيوان إلا لمنفعة ورفع ضرر ولا ضرر في الضفدع. (وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي أو فاجر شقي أنتم بنو آدم من تراب): لأن المفاخرة بالأنساب تؤدي إلى إيقاع العداوة والبغض وذلك ممنوع لأنه مؤد إلى الهجر والفساد ولأن الله تعالى قال (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات: 13] فأخبر تعالى أن الفضل عند بالتقوى دون النسب وعبية العين المهملة وكسرها ومعناه الكبر والتجبر. (وقال عمر تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم قال مالك أن يرفع في النسبة فيما قبل الإسلام من الآباء): قال التادلي: يريد وجوبا لأن صلة الرحم واجبة فوسيلته كذلك. (والرؤيا الصالحة جزء من سنة وأربعين جزءًا من النبوة ومن رأى في منامه ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا وليتعوذ من شر ما رأى): قال الفاكهاني: قد تقدم مستوعبا وما أدري لم أعاده الشيخ رحمه الله تعالى، ونفع به. (ولا ينبغي أن يفسر الرؤيا من لا علم له بها ولا يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه): قال التادلي: يريد إلا إذا كان عالما بأصول التفسير وهي الكتاب والسنة وكلام العرب وأشعارها وأمثالها وكان له فضل وصلاح فراسة ولا يعبرها بالنظر في كتاب

العبارات ويفتي بذلك على جهة التقليد لذلك فإن ذلك لا يجوز لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان قال الفاكهاني: ولا ينبغي على التحريم لأنه يكون كاذبا أو مخمنا قال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) [الإسراء: 36]. (ولا بأس بإنشاد الشعر وما خف من الشعر أحسن ولا ينبغي أن يكثر منه ومن الشغل به): إنشاد ما خف من الشعر جائز بلا خلاف وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر في المسجد وغيره، وقال عليه السلام "إن من الشعر لحكمة" وقال عليه الصلاة والسلام "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد". ألا كل شيء ما خلا الله باطل" وقال لحسان " أنشد ومعك روح القدس" قال عبد الوهاب: والإكثار منه مكروه لأنه يشغل عن الحلال والحرام، قال الطرطوشي: ولأن أطيبه أكذبه قال ابن الفرس وقد منع قوم قليله وكثيره. (وأولى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله علم دينه وشرائعه مما أمر به ونهى عنه ودعا إليه وحض عليه في كتابه وعلى لسان نبيه والفقه في ذلك والفهم فيه والتهمم برعايته والعمل به والعلم أفضل الأعمال وأقرب العلماء إلى الله وأولادهم به أكثرهم له خشية وفيما عند رغبة والعلم دليل على الخيرات وقائد إليها): قال الفاكهاني: هذا قد تقدم في أول الكتاب فراجعه هناك فلا معنى للإعادة. (واللجأ إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه السلام واتباع سبل المؤمنين وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة في المفرع إلى ذلك العصمة وفي اتباع سبيل السلف الصالح النجاة وهم القدوة في تأويل ما تأولوه واستخراج ما استنبطوه وإذا اختلفوا في الفروع والحوادث يخرج عن جماعتهم والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله): اللجأ بفتح اللام والجيم والملتجأ بمعنى واحد وهو في اللغة بمعنى الاستناد على الشيء والاعتماد عليه، وكتاب لله المراد به القرآن لأنه غلب إطلاقه على ذلك وإلا فكتب الله المنزلة تزيد على المائة، والمفزع هو الملجأ يعني فزعت إلى كذا لجأت إليه والعصمة الحفظ وخص الفروع بالذكر في قوله وإذا اختلفوا في الفروع والأحاديث

لأنهم متفقون على أصول التوحيد وسائر الاعتقادات المتعلقة بذلك مما يجب لله تعالى وما يجوز في حقه وما يستحيل عليه فكلام الشيخ كالنص في أن خرق الإجماع لا يجوز وهو كذلك قال تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى) [النساء: 115] الآية ويقوم من كلام الشيخ جواز إمامة المخالف في الفروع الطنية وهو كذلك بإجماع عند المارزي باختلاف عند اللخمي. (قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد قد أتينا على ما شرطنا أن نأتي به في كتابنا هذا مما ينتفع به إن شاء الله من رغب في تعليمه ذلك من الصغار ومن احتاج إليه من الكبار وفيه ما يؤدي الجاهل إلى علم ما يعتقده من دينه ويعمل به من فرائضه ويفهم كثيرا من أصول الفقه وفنونه ومن السنن والرغائب والآداب وأنا أسأل الله أن ينفعنا وإياك بما علمنا ويعيننا وإياك على القيام بحقه فيما كلفنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على نبيه وآله وسلم تسليما): يقول مؤلف هذا المختصر وهو أبو القاسم بن عيسى بن ناجي التونسي القروي: أطلب ممن وقف على مختصري هذا لو رأى فيه خرقا أن يتجاوز عن خشونة الكلام فإنه لا معصوم إلا من عصمه الله تعالى وأطلب منه أن يدعو لي بالمغفرة والرحمة ولوالدي وللمسلمين أجمعين. (يقول مصححه الراجي عفو به الكريم ابن الشيخ حسن الفيومي إبراهيم): نحمدك اللهم أن أرشدت من اخترت لتبليغ دينك القويم. ودللت الهداة إلى سبل الخيرات فسلكوا أنهج طريق إلى رضا ربهم البر الرحيم، ونصلي ونسلم على الرسول المرسل رحمة للعالمين، سيدنا محمد القائل "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" وآله الهادين، وصحابته أجمعين. وبعد: فقد قيض الله جلت قدرته لنشر شرعه بين طلابه، حتى لا يتمكن حاجب فضل من ستره عن أصحابه، أناسا نظر لهم بعين عنايته، وأيدهم بوفور فضله ومنته، فاستخرجوا دفين فنون الفضائل، من تربة الإهمال بعد أن كاد يقضي عليها طول عهد مؤلفيها الأماثل، من ذلك أن انتدب سلطان العلماء العاملين، وسيد الجهابذة المحققين، صاحب السيف والقلم، وينبوع الحكمة والحكم، فرع الشجرة المباركة النبوية، ومفخر السلالة الطاهرة العلوية، من دان لمكانته القاصي والداني، واعترف الزمان بأن ليس يدانيه ثاني، جلالة مولانا عبد الحفيظ سلطان المغرب الأقصى السابق ابن السلطان مولاي الحسن ابن السلطان

مولاي محمد رفع الله قدره وأدام فخره بأن عنى حفظه الله بنشر لواء العلم النافع بين طلابه ففتح لهم بذلك ما استغلق عليهم من أبوابه، فتقدم بأمره السامي لجناب الحاج محمد بن العباس بن شقرون خديم المقام العالي بالله الآن بثغر طنجة ووكيل دولة المغرب الأقصى سابقا بمصر بطبع شرحي الرسالة ورسالة ابن أبي زيد القيرواني الأول لهما: شرح العلامة زروق الفاسي والثاني: شرح العلامة ابن ناجي فأناط حفظه الله ورعاه بهذا التوكيل نجله الشاب النجيب، والفاضل الأديب الحاج عبد السلام ابن شقرون فقام بهذه الخدمة الجليلة، وباشر بنفسه أمر ذلك إحرازا لتلك الفضيلة فتم ولله الحمد طبعهما على وفق المرام، وكان بذلك قرة عين أهل العلم الأعلام، وذلك بالمطبعة الجمالية ذات الأدوات البهية، الكائنة بمصر المحمية. أوائل شهر شوال المعظم لسنة 1332 هجرية وعلى صاحبها أفضل الصلاة وأتم التحية والحمد لله أولا وآخرًا.

§1/1