شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك

بدر الدين ابن مالك

[خطبة الكتاب]

بسم الله الرحمن الرحيم [خطبة الكتاب] [2] // قال الشيخ الإمام العالم العامل الفاضل الكامل المتقن المحقق مجمع الفضائل فريد دهره ولسان عصره بدر الدين أبو عبد الله محمد بن الإمام حجة العرب محمد بن مالك الطائي الجياني تغمده الله برحمته: أما بعد حمد الله سبحانه بما له من المحامد على ما أسبغ من نعمه البوادي والعوائد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، المرسل رحمة للعالمين وقدوة للعارفين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، وعلى سائر عباد الله الصالحين. فإني ذاكر في هذا الكتاب أرجوزة والدي رحمه الله في علم النحو، المسماة بالخلاصة. ومرصعها بشرح يحل منها المشكل، ويفتح من أبوابها كل مقفل. جانيت فيها الإيجاز المخل، والإطناب الممل، حرصًا على التقريب لفهم مقاصدها، والحصول على جملة فوائدها. راجيًا من الله تعالى حسن التأييد والتوفيق والتسديد، بمنه وعونه.

وهذه أول الأرجوزة: 1 - قال محمد هو ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك 2 - مصليًا على الرسول المصطفي ... وآله المستكملين الشرفا 3 - وأستعين الله في ألفيه ... مقاصد النحو بها محويه النحو في اللغة: هو القصد. وفي اصطلاحنا: عبارة عن العلم بأحكام مستنبطة من استقراء كلام العرب، [3] أعني أحكام الكلم في ذواتها، أو فيما يعرض لها بالتركيب لتأدية أصل // المعاني من الكيفية والتقديم والتأخير، ليحترز بذلك عن الخطأ في فهم معاني كلامهم، وفي الحذو عليه. 4 - تقرب الأقصى بلفظٍ موجز ... وتبسط البذل بوعدٍ منجز يقول: إن هذه الألفية؛ مع أنها حاوية للقصد الأعظم من علم النحو لما فيها من المزية على نظائرها؛ أنها تقرب إلى الإفهام المعاني البعيدة، بسبب وجازة اللفظ وإصابة المعنى وتنقيح العبارة وتبسط الذل أي: توسع العطاء بما تمنحه من الفوائد لقرائها واعدة بحصول مأربهم، وناجزة بوفائها. 5 - وتقتضي رضًا بغير سخط ... فائقةً ألفية ابن معط 6 - وهو بسبقٍ حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا 7 - والله يقضي بهباتٍ وافره ... لي وله في درجات الآخرة

الكلام وما يتألف منه

الكلام وما يتألف منه 8 - كلامنا لفظ مفيد كاستقم ... واسم وفعل ثم حرف الكلم 9 - واحده كلمة والقول عم ... وكلمة بها كلام قد يؤم وهذا ما أراده بقوله: ........ مفيد كاستقم ... ......................... كأنه قال: الكلام لفظ مفيد فائدة تامة، يصح الاكتفاء بها كالفائدة في (استقم) فاكتفى عن تتميم الحد بالتمثيل. ولابد للكلام من طرفين: مسند، ومسند إليه، ولا يكونان إلا اسمين نحو: زيد قائم، أو اسمًا وفعلا نحو: قام زيد، ومنه (استقم) فإنه مركب من فعل أمر، وفاعل: هو ضمير المخاطب، تقديره: استقم أنت. وقوله: .................... ... واسم وفعل ثم حرف الكلم واحده كلمة .............. ... ........................

يعني: أن الكلم اسم جنس، واحده كلمة، كلبنة ولبن، ونبقة ونبق. وهي على ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف؛ لأن الكلمة إما أن يصح أن تكون ركنًا للإسناد، أو لا، الثاني الحرف، والأول: إما أن يصح أن يسند إليه، أو لا، الثاني الفعل، والأول الاسم. وقد ظهر من هذا انحصار الكلمة في ثلاثة أقسام. والمراد بالكلمة: لفظ بالقوة، أو لفظ بالفعل، مستقل، دال بجملته على معنى مفرد بالوضع. (فاللفظ) مخرج للخط والعقد والإشارة والنصب (وبالقوة) مدخل للضمير [4] في نحو: افعل، وتفعل، و (لفظ بالفعل) مدخل لنحو زيد // في قام زيد، و (مستقل) مخرج للأبعاض الدالة على معنى كألف المفاعلة، وحروف المضارعة، و (دال) معمم لما دلالته ثابتة، كرجل، ولما دلالته زائلة، كأحد جزأي امرئ القيس، لأنه كلمة، ولذلك أعرب بإعرابيين: كل على حدة، و (بجملته) مخرج للمركب، كغلام زيد، فإنه دال بجزءيه على جزءي معناه، و (بالوضع) مخرج للمهمل، ولما دلالته عقلية، كدلالة اللفظ على حال اللافظ به. وبين الكلام، والكلم عموم من وجه، وخصوص من وجه. فالكلام أعم من قبل أنه يتناول المركب من كلمتين فصاعدًا، وأخص من قبل: أنه لا يتناول غير المفيد. والكلم أعم من قبل: أنه يتناول المفيد، وغير المفيد، وأخص من قبل أنه لا يتناول المركب من كلمتين؛ لأن أقل الجمع ثلاثة. وقوله: ............. والقول عم ... .......................... يعني: أن القول يطلق على الكلم والكلمة والكلام، فهو أعم.

وقوله: ..................... ... وكلمة بها كلام قد يؤم يعني أنه قد يقصد بالكلمة ما يقصد بالكلام: من اللفظ الدال على معنى يحسن السكوت عليه، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أصدق كلمةٍ قالها شاعر كلمة لبيدٍ، وهي قوله: [من الطويل] 1 - ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل) وكقولهم: (كلمة الشهادة) يريدون بها: (لا إله إلا الله محمد رسول الله). وهو من باب تسمية الشيء باسم بعضه، كتسميتهم ربيئة القوم عينا، والبيت من الشعر قافية. وقد يسمون القصيدة قافية، لاشتمالها عليها، قال الشاعر: [من الوافر] 2 - وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني أراد قصيدة. 10 - بالجر والتنوين والندا وأل ... ومسندٍ للاسم تمييز حصل قد عرفت أن الكلمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف، فلابد من معرفة ما يميز بعضها عن بعض، وإلا فلا فائدة في التقسيم. ولما أخذ في بيان ذلك ذكر للاسم علامات تخصه، ويمتاز بها عن قسيميه. وتلك العلامات هي: الجر والتنوين والنداء والألف واللام والإسناد إليه.

أما الجر؛ فمختص بالأسماء، لأن كل مجرور مخبر عنه في المعنى، ولا يخبر إلا عن الاسم، فلا يجر إلا الاسم، كزيد وعمرو، في قولك: مررت بزيد، ونظرت إلى عمرو. وأما التنوين؛ فهو نون ساكنة زائدة، تلحق آخر الاسم لفظًا، وتسقط خطا. وهو على أنواع: تنوين الأمكنية: كزيد وعمرو. وتنوين التنكير: كسيبويه وسيبويهٍ آخر. وتنوين المقابلة: كمسلماتٍ. وتنوين التعويض: كحينئذٍ. [5] وتنوين الترنم: وهو المبدل من حرف الإطلاق نحو قول الشاعر: // [من الرجز] 3 - يا صاح ما هاج العيون الذرفن [وقوله: من الرجز] 4 - من طلل كالأتحمي أنهجن

وتنوين الغالي، وهو اللاحق للروي المقيد، كقول الشاعر: [من الرجز] 5 - وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... مشتبه الأعلام لماع الخفقن على ما حكاه الأخفش. وهذه الأنواع كلها؛ إلا تنوين الترنم والغالي؛ مختصة بالأسماء؛ لأنها لمعان لا تليق بغيرها؛ لأن الأمكنية، والتنكير، والمقابلة للجمع المذكر السالم، وقبول الإضافة، والتعويض عنها مما استأثر به الاسم على غيره. وأما النداء، كقولك: يا زيد، ويا رجل؛ فمختص بالاسم أيضًا؛ لأن المنادى مفعول به، والمفعول به لا يكون إلا اسمًا؛ لأنه مخبر عنه في المعنى. وأما الألف واللام، وهي المعبر عنها بأل فهي من خواص الأسماء أيضًا؛ لأنها موضوعة للتعريف، ورفع الإبهام، وإنما يقبل ذلك الاسم، كقولك في رجل: الرجل، وفي غلام: الغلام. وأما الإسناد إليه فهو أن ينسب إلى اللفظ باعتبار معناه ما تتم به الفائدة، كقولك: زيد قائم، وعمرو منطلق، وهو من خواص الأسماء، فإن الموضوع بالنسبة إليه باعتبار مسماه هو الاسم، لا غير. وقد عبر عن هذه العلامات البيت المذكور، وتقديره: حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف؛ بالجر والتنوين والنداء وأل ومسند أي: والإسناد إليه، فأقام اسم المفعول مقام المصدر، واللام مقام إلى، وحذف صلته اعتمادًا على التنوين، وإسناد المعنى إليه.

ولما فرغ من ذكر علامات الأسماء أخذ في ذكر علامات الأفعال، فقال: 11 - بتا فعلت وأتت ويا افعلي ... ونون أقبلن فعل ينجلي أي يعرف الفعل، وينجلي أمره بالصلاحية لدخول تاء ضمير المخاطب عليه، كقولك في فعل: فعلت، وفي ليس: لست ذاهبًا، وفي: تبارك تباركت يا رحمن. أو بتاء التأنيث الساكنة، كقولك في أقبل: أقبلت، وفي أتى: أتت، أو ياء المخاطبة، كقولك في افعل: افعلي، أو نون التأكيد، كقولك في أقبل: أقبلن. فمتى حسن في الكلمة شيء من هذه العلامات المذكورة علم أنها فعل، ومتى لم يحسن في الكلمة شيء من العلامات المذكورة للأسماء والأفعال علم أنها حرف، ما لم يدل على نفي الحرفية دليل، فتكون أسماء، نحو قط، فإنه لا يحسن فيه شيء من هذه العلامات المذكورة، ومع ذلك فهو اسم، لامتناع أن يكون فعلا أو حرفًا، لاستعماله مسندًا إليه في المعنى، فإنك إذا قلت: ما فعلته قط، فهو في قوة قولك: ما فعلته في الزمان الماضي، وغير الاسم لا يسند إليه، لا لفظًا ولا معنًى. [6] وقد عرف الحرف بقوله //: 12 - سواهما الحرف كهل وفي ولم ... فعل مضارع يلي لم كيشم 13 - وماضي الأفعال بالتا مز وسم ... بالنون فعل الأمر إن أمر فهم يعني أن هل وفي ولم حروف لامتناع كونها أسماءً أو أفعالا، لعدم صلاحيتها لعلاماتها، وعدم ما يمنع الحرفية. وقوله: .................. فعل مضارع يلي لم كيشم مع البيت الذي يليه بيان على أن الفعل على ثلاثة أقسام: مضارع وماضٍ وأمر. فعلامة المضارع: أن يحسن فيه لم، كقولك في يشم: لم يشم، وفي يخرج، وينطلق: لم يخرج، ولم ينطلق، وهو يصلح للحال والاستقبال، تقول: يفعل الآن، وهو يفعل، ويفعل غدًا. ويسمى مضارعًا لمشابهته الاسم في احتمال الإبهام والتخصيص، وقبول لام الابتداء، والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته.

وعلامة الماضي أن يحسن فيه تاء التأنيث الساكنة، نحو: نعمت، وبئست، وهو موضوع للماضي من الأزمنة. وعلامة فعل الأمر أن تدل الكلمة على الأمر، ويحسن فيه نون التأكيد، نحو: قم، فإنه يدل على الأمر كما ترى، ويحسن فيه نون التأكيد، نحو: قومن. 14 - والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه هو اسم نحو صه وحيهل إذا دلت الكلمة على معنى فعل الأمر، ولم تصلح لنون التأكيد فهي اسم فعل، نحو: (صه) بمعنى اسكت، و (حيهل) بمعنى أقبل أو أسرع أو عجل. فهذان اسمان؛ لأنهما يدلان على الأمر، ولا يدخلهما نون التأكيد، لا تقول: صهن، ولا حيهلن، وكذا إذا رادفت الكلمة الفعل الماضي، ولم تصلح لتاء التأنيث الساكنة، كهيهات بمعنى بعد، أو رادفت الكلمة الفعل المضارع، ولم تصلح لـ (لم)، كأوه بمعنى: أتوجع، وكأف بمعنى: أتضجر، فهي اسم. والحاصل أن الكلمة متى رادفت الفعل، ولم تصلح لعلاماته فهي اسم، لانتفاء الفعلية، لانتفاء لازمها، وهو القبول لعلامات الفعل، وانتفاء الحرفية، لكون ما يرادف الفعل قد وقع أحد ركني الإسناد فوجب أن يكون اسمًا، وإن لم يحسن فيه العلامات المذكورة للأسماء، لأن الاسم أصل، فالإلحاق به عند التردد أولى.

المعرب والمبني

المعرب والمبني 15 - والاسم منه معرب ومبني ... لشبهٍ من الحروف مدني تقدير الكلام: أن الاسم منه معرب ومنه مبني، أي أن الاسم منحصر في قسمين: أحدهما المعرب، وهو: ما سلم من شبه الحرف، ويسمى متمكنًا. [7] والثاني المبني، وهو ما أشبه الحرف // شبهًا تاما، وهو المراد بقوله: ..................... ... لشبهٍ من الحروف مدني أي يبني الاسم لشبه بالحرف، مقرب منه. ثم بين جهات الشبه، فقال: 16 - كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا ... والمعنوي في متى وفي هنا 17 - وكنيابةٍ عن الفعل بلا ... تأثرٍ وكافتقار أصلا يبني الاسم لشبهه بالحرف في الوضع، أو في المعنى، أو في الاستعمال، أو في الافتقار. أما بناؤه لشبهه بالحرف في الوضع، فإذا كان الاسم على حرف واحد، أو حرفين، فإن الأصل في الأسماء أن تكون على ثلاثة أحرف، فصاعدًا، والأصل في الحروف أن تكون على حرف واحد (كباء الجر، أو لامه) أو حرفين كـ (من، وعن). فإذا وضع الاسم على حرف واحد، أو حرفين بني حملا على الحرف، فالتاء في قوله: (جئتنا) اسم، لأنه مسند إليه، وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع على حرف واحد، و (نا) أيضًا من (جئتنا) اسم، لأنه يصح أن يسند إليه، كقولك: (جئتنا) ويدخله حرف الجر، نحو: مررت بنا، وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع على حرفين.

فإن قلت: يد، ودم على حرفين، ونراه معربًا. قلت لأنه موضوع في الأصل على ثلاثة أحرف، والأصل فيهما يدي، ودمي، بدليل قولهم؛ الأيدي، والدماء، واليديان، والدميان، فما لم يكن موضوعًا في الأصل على حرفين لم يكن قريب الشبه من الحرف، فلم يعتبر. وأما بناء الاسم لشبهه بالحرف في المعنى، فإذا تضمن الاسم معنى من معاني الحروف تضمنًا لازمًا للفظ أو المحل، غير معارض بما يقتضي الإعراب، يبني كـ (متى وهنا) وكالمنادى المفرد المعرفة، نحو: يا زيد. أما (متى وهنا) فهما اسمان لدخول حرف الجر عليهما، نحو: إلى متى تقيم؟ ومن هنا تسير، وهما مبنيان لشبههما بالحرف في المعنى، للزوم (متى) تضمن معنى همزة الاستفهام ولزوم (هنا) تضمن معنى الإشارة، فإنه معنى من معاني الحروف، وإن لم يوضع له لفظ يدل عليه، ولكنه كالخطاب والتنبيه، فمن حق اللفظ المتضمن معنى الإشارة أن يبني، كما يبني سائر ما تضمن معنى الحرف، فلما لازمت (متى وهنا) تضمن معنى الحرف بلا معارض تعين بناؤهما. وأما المنادى المفرد المعرفة نحو: (يا زيد)، فهو مبني للزوم محله تضمن معنى الخطاب، فإن كل منادى مخاطب غير مظهر معه حرف الخطاب، فلما لازم محله تضمن معنى الحرف؛ بلا معارض؛ بني ولو لم يكن تضمن الاسم لمعنى الحرف لازمًا للفظ، أو المحل، الذي وقع فيه لم يؤثر، كما في نحو: سرت يومًا وفرسخًا، فإن يومًا وفرسخًا مما يستعمل ظرفًا تارةً، وغير ظرف أخرى، ولو عارض شبه الحرف ما يقتضي الإعراب [8] // استصحب، لأنه الأصل في الاسم، وذلك نحو (أي) في الاستفهام نحو: أيهم رأيت؟ وفي الشرط، نحو: أيهم تضرب أضرب، فإنها بالنظر إلى تضمنها معنى الحرف تستحق البناء، لكن عارض لزوم الإضافة إلى الاسم المفرد، التي هي من خواص الأسماء، فأعربت. وأما بناء الاسم لشبهه بالحرف في الاستعمال، فإذا لازم طريقة هي للحرف، كأسماء الأفعال، والأسماء الموصولة. أما أسماء الأفعال نحو: (صه، ومه، ودراك، وهيهات) فإنها مبنية لشبهها بالحرف في الاستعمال.

وهذا، لأن أسماء الأفعال ملازمة للإسناد إلى الفاعل فهي أبدًا عاملة، ولا يعمل فيها شيء فأشبهت في استعمالها الحروف العاملة كـ (إن وأخواتها) فبنيت لذلك. وأما الأسماء الموصولة، نحو (الذي والتي) مما يفتقر إلى الوصل بجملة خبرية، مشتملة على ضمير عائد فإن حقها البناء، لأنها تلازم الجمل، فهي كالحروف في الاستعمال، فإن الحروف بأسرها لا تستعمل إلا مع الجمل: إما ظاهرة، أو مقدرة، ولو عارض شبه الحرف في الاستعمال ما يقتضي الإعراب عمل به، ولذلك أعرب (اللذان واللتان) وإن أشبها الحرف في الاستعمال، لأنه قد عارض ذلك ما فيهما من التثنية التي هي من خواص الأسماء. 18 - ومعرب الأسماء قد سلما ... من شبه الحرف كأرض وسما المعرب من الأسماء ما سلم من شبه الحرف على الوجه المذكور. فمثل للمعرب من الأسماء بمثال من الصحيح، وهو (أرض)، وبمثال من المعتل وهو (سما) على وزن هدى، لغة في الاسم، تنبيهًا على أن المعرب على ضربين: أحدهما يظهر إعرابه، والآخر يقدر فيه. 19 - وفعل أمرٍ ومضي بنيا ... وأعربوا مضارعًا إن عريا 20 - من نون توكيدٍ مباشرٍ ومن ... نون إناثٍ كير عن من فتن الأصل في الأفعال البناء، لاستغنائها عن الإعراب باختلاف صيغها، لاختلاف المعاني التي تعتور عليها، فجاء مثال الماضي والأمر على وفق الأصل فبني الماضي على الفتح، نحو: قام، وقعد، وبني الأمر على السكون، نحو: قم، واقعد. وأما المضارع فأعرب حملا على الاسم، لشبهه به في الإبهام والتخصيص، ودخول لام الابتداء، والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته. لكن إعرابه مشروط بألا يتصل به نون توكيد ولا نون إناث، فإن اتصل به نون التوكيد بني على الفتح، نحو: لا تفعلن، لأنه تركب مع النون تركيب خمسة عشر، فبني

بناءه، ولهذا لو حال بين الفعل، والنون ألف الاثنين، أو واو الجمع، أو ياء المخاطبة، نحو: هل تضربان وهل تضربن وهل تضربن، لم يحكم عليه بالبناء، لتعذر الحكم عليه [9] // بالتركيب إذ لم يركبوا ثلاثة أشياء، فيجعلوها شيئًا واحدًا. والأصل في نحو: هل تضربان، هل تضربانن، فاستثقلت النونات، فحذفت نون الرفع تخفيفًا، وبقي الفعل مقدر الإعراب. وإلى هذا أشار بقوله: من نون توكيدٍ مباشرٍ ...... ... .................... وإذا اتصل بالمضارع نون الإناث بني على السكون، لأنه اتصل به ما لا يتصل هو، ولا نظيره بالأسماء، فضعف شبهه بالاسم، فرجع إلى أصله من البناء، وحمل على نظيره من الماضي المسند إلى النون فبني على السكون، فقالوا: هن يقمن، ويرعن، ونحو ذلك، فأسكنوا ما قبل النون في المضارع، كما قالوا: قمن، ورعن، بإسكان ما قبلها في الماضي. 21 - وكل حرف مستحق للبنا ... والأصل في المبني أن يسكنا 22 - ومنه ذو فتح وذو كسرٍ وضم ... كأين أمس حيث والساكن كم الحروف كلها مبنية، لاحظ لها في الإعراب، لأنها لا تتصرف، ولا يعتور عليها من المعاني ما يحتاج إلى الإعراب لبيانها، فبنيت لذلك. وقد ظهر من قوله: والاسم منه معرب ومبني ... ................... إلى هنا؛ أن الكلمات منحصرة في قسمين: معرب ومبني: وأن المعرب هو الاسم المتمكن، والفعل المضارع غير المتصل بنون التوكيد، أو بنون الإناث. وأن المبني منها هو الاسم المشبه بالحرف، والفعل الماضي، وفعل الأمر، والمضارع المتصل بنون التوكيد، أو نون الإناث، وكل الحروف. فإن قلت: من الكلمات ما هو محكي، كقولك: من زيد؟ لمن قال: مررت بزيد، ومنها ما هو متبع، كقراءة بعضهم (الحمد لله رب العالمين) [الفاتحة /2]، وذلك ينافي الانحصار في القسمين.

قلت: لا ينافيه؛ لأن المحكي، والمتبع داخلان في قسم المعرب، بمعنى القابل للإعراب، والأصل في البناء أن يكون على السكون؛ لأنه أخف من الحركة، فاعتباره أقرب، فإن منع من البناء على السكون مانع ألجئ إلى البناء على الحركة، وهي: فتح، أو كسر، أو ضم. فالبناء على السكون يكون في الاسم، نحو: من، وكم، وفي الفعل، نحو: قم، واقعد، وفي الحرف، نحو: هل، وبل. والبناء على الفتح يكون في الاسم، نحو: أين، وكيف، وفي الفعل، نحو: قام، وقعد، وفي الحرف، نحو: إن، وليت. والبناء على الكسر يكون في الاسم، نحو: أمسن، وهؤلاء، وفي الحرف، نحو: جير، بمعنى نعم، وفي نحو باء الجر، ولامه، ولا كسر في الفعل. والبناء على الضم يكون في الاسم، نحو: حيث، وقبل، وبعد، وفي الحرف، نحو: منذ على لغة من جر بها، ولا ضم في الفعل. 23 - والرفع والنصب اجعلن إعرابا ... لاسم وفعل نحو لن أهابا [10] // 24 - والاسم قد خصص بالجر كما ... قد خصص الفعل بأن ينجزما الإعراب أثر ظاهر، أو مقدر يجلبه العامل في آخر المعرب. والمراد بالعامل، ما كان معه جهة، مقتضية لذلك الأثر، نحو: جاءني، ورأيت، من قولك: جاءني زيدً، ورأيت زيدًا، أو دعا الواضع إلى ذلك، كالحروف الجارة، فإن الواضع لما رآها ملازمة للأسماء، وغير منزلة منها منزلة الجزء، ورأي أن كل ما لازم شيئًا، ولم ينزل منزلة الجزء أثر فيه غالبًا استحسن أن يجعلها مؤثرة في الأسماء، وعاملة فيها عملا، ليس للفعل، وهو الجر، كالباء من قولك: مررت بزيدٍ، وسنوضح هذا في موضع آخر إن شاء الله تعالى. وأنواع الإعراب أربعة: رفع، ونصب، وجر، وجزم. فالرفع والنصب يشترك فيهما الاسم والفعل، والجر يختص بالأسماء، والجزم يختص بالأفعال. وأنواع الإعراب في الاسم ثلاثة: رفع، ونصب، وجر، لا رابع لها؛ لأن المعاني التي جيء بها في الاسم لبيانها بالإعراب ثلاثة أجناس: معنى هو عمدة في الكلام، لا

يستغنى عنه، كالفاعلية، وله الرفع، ومعنى هو فضلة، يتم الكلام بدونه، كالمفعولية، وله النصب، ومعنى هو بين العمدة والفضلة، وهو المضاف إليه، نحو: غلام زيد، وله الجر. وأما الفعل المضارع فمحمول في الإعراب على الاسم، فكان له ثلاثة أنواع من الإعراب، كما للاسم، فأعرب بالرفع والنصب إذا لم يمنع منهما مانع، ولم يعرب بالجر، لأنه لا يكون إلا للإضافة، والأفعال لا تقبلها، لأن الإضافة إخبار في المعنى، والفعل لا يصح أن يخبر عنه أصلا، فلما لم يعرب بالجر عوض عنه بالجزم. فالرفع بضمة نحو: زيد يقوم، والنصب بفتحة نحو: لن أهاب زيدًا، والجر بكسرة نحو: مررت بزيدٍ، والجزم بسكون نحو: لم يقم زيد. وقد يكون الإعراب يغير ما ذكر؛ على طريق النيابة؛ كما قال: 25 - فارفع بضم وانصبن فتحًا وجر ... كسرًا كذكر الله عبده يسر 26 - واجزم بتسكينٍ وغير ما ذكر ... ينوب نحو جا أخو بني نمر مثل للرفع، والنصب، والجر بقوله: ........................ ... ............... كذكر الله عبده يسر ومثل لما يعرب بغير ما ذكر على طريق النيابة بقوله: ......................... ... ................ أخو بني نمر (فأخو) مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة، و (بني) مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة. ثم أخذ في بيان مواضع النيابة، فقال: 27 - وارفع بواو وانصبن بالألف ... واجرر بياء ما من الأسما أصف 28 - من ذاك ذو إن صحبة أبانا ... والفم حيث الميم منه بانا [11] // 29 - أب أخ حم كذاك وهن ... والنقص في هذا الأخير أحسن 30 - وفي أب وتالييه يندر ... وقصرها من نقصهن أشهر 31 - وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا ... لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا في الأسماء المتمكنة ستة أسماء يكون رفعها بالواو، ونصبها بالألف، وجرها بالياء، بشرط الإضافة إلى غير ياء المتكلم.

وهي (ذو) بمعنى صاحب، و (الفم) بغير الميم، والأب، والأخ، والحم، والهن، فإن قلت لم اعتبر كون (ذو) بمعنى صاحب؛ و (الفم) بغير الميم، قلت: احترازًا من (ذو) بمعنى الذي، فإن الأعراف فيه البناء كقوله: [من الطويل] 6 - فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا وإعلامًا بأن الفم ما دامت ميمه باقية يعرب بالحركات، وأنه لا يعرب بالحروف، إلا إذا زالت ميمه، نحو: هذا فوك، ورأيت فاك، ونظرت إلى فيك. فإن قلت: لم كان شرطًا في إعراب هذه الأسماء بالحروف إضافتها إلى غير ياء المتكلم؟ قلت: لأن ما كان منها غير مضاف فهو معرب بالحركات، نحو: أب، وأخ، وحم، وما كان منها مضافًا إلى ياء المتكلم قدر إعرابه كغيره، مما يضاف إلى الياء، نحو: هذا أبي، ورأيت أبي، ومررت بأبي، وما كان منها مضافًا إلى غير ياء المتكلم أعرب بالواو رفعًا، وبالألف نصبًا، وبالياء جرا، كما في قوله: ......................... ... .............. جا أخو أبيك ذا اعتلا والسبب في أن جرت هذه الأسماء هذا المجرى، هو أن أواخرها حال الإضافة معتلة، فأعربوها بحركات مقدرة، وأتبعوا تلك الحركات حركة ما قبل الآخر، فأدى ذلك إلى كونه واوًا في الرفع، وألفًا في النصب، وياءً في الجر. بيان ذلك: أن (ذو): أصله ذوى، بدليل قولهم في التثنية: ذويان، فحذفت الياء، وبقيت الواو حرف الإعراب، ثم ألزم الإضافة إلى اسم الجنس، والإتباع، تقول في الرفع: هاذ ذو مال، أصله ذو مال، بواو مضمومة للرفع، وذال مضمومة للإتباع، ثم استثقلت الضمة على الواو المضموم ما قبلها فكسنت، كما في نحو: يغزو، فصار ذو مال،

وتقول في النصب: رأيت ذا مال، أصله ذو مال بواو مفتوحة للنصب، وذال مفتوحة للإتباع، فتحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت الواو ألفا، فصار ذا مال، وتقول في الجر: مررت بذي مال، أصله بذو مال، بواو مكسورة للجر، وذال مكسورة للإتباع، ثم استثقلت الكسرة على الواو المكسور ما قبلها، كما تستثقل على الياء المكسور ما قبلها، كما تستثقل على الياء المكسور ما قبلها، فحذفت، وقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فصار: بذي مال. وأما (فم) فأصله فوه، بدليل قولهم في الجمع أفواه، وفي التصغير فويه، فحذفت منه الهاء، ثم إذا لم يضف يعوض عن واوه ميم؛ لأنها من مخرجها، وأقوى منها [12] على الحركة، فيقال: // هذا فم، ورأيت فمًا، ونظرت إلى فم، وإذا أضيف جاز فيه التعويض وتركه، وهو الأكثر، وإذا لم يعوض يلزم الإتباع، فيقال: هذا فوك، ورأيت فاك، ونظرت إلى فيك، والأصل: فوك، وفوك، وفوك، ففعل به ما فعل بـ (ذو). وأما (أب، وأخ، وحم) فأصلها أبو، وأخو، وحمو، لقولهم في التثنية: أبوان، وأخوان، وحموان، ولكنهم حذفوا في الإفراد، والإضافة إلى ياء المتكلم أواخرها، وردوا المحذوف في الإضافة إلى غير ياء المتكلم، كما ردوه في التثنية، وأتبعوا حركة العين بحركة اللام، فصارت بواو في الرفع، وألف في النصب، وياء في الجر على ما تقدم. ونظير هذه الأسماء في الإتباع فيها لحركة الإعراب امرؤ، وابنم، تقول: هذا امرؤ، وابنم، ورأيت امرأ وابنمًا، ومررت بامرئٍ وابنم. وأما (هن) وهو الكناية عن اسم الجنس، فأصله هنو، بدليل قولهم في هنة: هنية، وهنوات. وله استعمالان: أحدهما: أنه يجري مجرى أب، وأخ، كقولهم: هذا هنوك، ورأيت هناك، ومررت بهنيك. والاستعمال الآخر، وهو الأفصح والأشهر أن يكون مستلزم النقص جاريًا مجرى يد ودم في الإضافة، وغيرها، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا). وإلى هذا أشار بقوله: ....................... ... والنقص في هذا الأخير أحسن

وقوله: وفي أبٍ وتالييه يندر ... .......................... يعني: أنه قد ندر في بعض اللغات التزام نقص أب، وأخ، وحم، كقولك: جاءني أبك، وأخك، وحمك. قال الشاعر: [من الرجز] 7 - بأبه اقتدى عدي في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم وقوله: ......................... ... وقصرها من نقصهن أشهر يعني: أن في أب، وأخ، وحم لغة ثالثة أشهر من لغة النقص، وهي القصر، نحو: جاءني الأبا، والأخا، والحما. قال الشاعر: [من الرجز] 8 - إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها وفي المثل: (مكره أخاك لا بطل).

32 - بالألف ارفع المثنى وكلا ... إذا بمضمر مصطفًا وصلا 33 - كلتا كذاك اثنان واثنتان ... كابنين وابنتين يجريجيان 34 - وتخلف اليا في جميعها الألف ... جرا ونصبًا بعد فتحٍ قد ألف المثنى: هو الاسم الدال على اثنين بزيادة في آخره، صالحا للتجريد، وعطف مثله عليه، نحو: زيدان وعمران، فإنه يصح فيهما التجريد والعطف، نحو: زيد وزيد، وعمرو وعمرو. فإن دل الاسم على التثنية، بغير الزيادة، نحو: شفع وزكا، فهو اسم للتثنية، [13] وكذا إذا كان // بالزيادة، ولم يصلح للتجريد والعطف، نحو: اثنان، فإنه لا يصح مكانه اثن واثن. وإذ قد عرفت هذا فنقول: إعراب المثنى يكون بزيادة ألف في الرفع، وياء مفتوح ما قبلها في الجر والنصب، يليهما نون مكسورة، تسقط للإضافة. وحمل على المثنى من أسماء التثنية كلمات منها: (كلا وكلتا) بشرط إضافتهما إلى مضمر، كما ينبئ عنه قوله: ..................... وكلا ... إذا بمضمر مضافًا وصلا كلتا كذاك ............ ... ......................... أي كلتا مثل كلا: في أنها لا تعرب بالحروف إلا إذا وصلت مضافة بمضمر، تقول: جاءني كلاهما وكلتاهما، ورأيت كليهما وكلتيهما، ومررت بكليهما وكلتيهما: بالألف رفعًا، وبالياء نصبًا وجرًا، لإضافتهما إلى المضمر. فلو أضيفا إلى الظاهر لم تقلب ألفهما ياء. وكانا اسمين مقصورين، يقدر فيهما الإعراب، نحو: جاءني كلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين. ومنها: (اثنان واثنتان) مطلقًا، أي: سواء كانا مجردين أو مضافين، وهذا ما أراد بقوله: ....................... اثنان واثنتان ... كابنين وابنتين يجريان يعني: أن هذين الاسمين ليسا في إلحاقهما بالمثنى مثل: (كلا وكلتا) في اشتراط الإضافة إلى المضمر، بل هما كالمثنى من غير فرق. فإن قيل: لم كان إعراب المثنى بالألف في الرفع، وبياء مفتوح ما قبلها في النصب والجر؟ ولم وليهما نون مكسورة؟ ولم حذفت للإضافة؟

قلت: أما إعراب المثنى بالحروف؛ فلأن التثنية لما كانت كثيرة الدوران في الكلام ناسب أن تستتبع أمرين: خفة العلامة الدالة عليها، وترك الإخلال بظهور الإعراب، احترازًا عن تكثير اللبس، فجعلت علامة التثنية ألفًا، لأنها أخف الزوائد، ومدلول بها على التثنية مع الفعل: اسمًا في نحو: أفعلا، وحرفًا في نحو: فعلا أخواك، وجعل الإعراب بالانقلاب؛ لأن التثنية مطلوب فيها ظهور الإعراب. والألف لا يمكن عليها ظهور الحركة، فلجئ إلى الإعراب بقرار الألف على صورتها في حالة الرفع. فإذا دخل عليها عامل الجر قلبوا الألف ياء لمكان المناسبة، وأبقوا الفتحة قبلها، إشعارًا بكونها ألفًا في الأصل، وحملوا النصب على الجر، لأن قلب الألف في النصب إلى غير الياء غير مناسب، فلم يبق إلا حمل النصب على الرفع أو الجر، فكان حمله على الجر أولى؛ لأنه مثله في الورود فضلة في الكلام. تقول في الرفع: جاءني الزيدان، فالألف علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر، لدلالتها على التثنية، وعلامة الرفع أيضًا من حيث هي على صورتها في أول الوضع. وتقول في الجر: مررت بالزيدين، فالياء علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر لمعنى التثنية، وعلامة الجر أيضًا من حيث هي منقلبة عن ألف. وتقول في النصب: رأيت الزيدين، والقول فيه كالقول في الجر. وأما النون فإنما لحقت المثنى عوضًا عما فاته من الإعراب بالحركات، ومن دخول [14] التنوين // عليه، وكسرت على الأصل في التقاء الساكنين. وأما حذف النون في الإضافة، دون غيرها، فللتنبيه على التعويض، فحذفت في الإضافة نظرًا إلى التعويض بها عن التنوين، ولم تحذف مع الألف واللام، وإن كان التنوين يحذف معهما نظرًا إلى التعويض بها عن الحركة أيضًا. فإن قيل: لم كان لـ (كلا وكلتا) حالان في الإعراب: الإجراء مجرى المثنى، والإعراب بالحركات المقدرة؟ ولم خص إجراؤها مجرى المثنى بحال الإضافة إلى المضمر؟ قلت: (كلا وكلتا) اسمان ملازمان للإضافة، ولفظهما مفرد، ومعناهما مثنى ولذلك أجيز في ضميريهما اعتبار المعنى فيثنى، واعتبار اللفظ فيفرد.

وقد اجتمع الاعتباران في قوله: [من البسيط] 9 - كلاهما حين جد الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي إلا إن اعتبار اللفظ أكثر، وبه جاء التنزيل، قال الله عز وجل: (كلتا الجنتين آتت أكلها) [الكهف /33]. ولم يقل: آتتا. فلما كان لـ (كلا وكلتا) حظ من الإفراد، وحظ من التثنية أجريا في إعرابهما مجرى المفرد تارة، ومجرى المثنى أخرى، وخص إجراؤهما مجرى المثنى بحال الإضافة إلى المضمر، لأن الإعراب بالحروف فرع عن الإعراب بالحركات، والإضافة إلى المضمر فرع عن الإضافة إلى الظاهر؛ لأن الظاهر أصل المضمر، فجعل الفرع مع الفرع، والأصل مع الأصل تحصيلا لكمال المناسبة. 35 - وارفع بواو وبيا اجرر وانصب ... سالم جمع عامرٍ ومذنب 36 - وشبه ذين وبه عشرونا ... وبابه الحق والأهلونا 37 - أولو وعالمون عليونا ... وأرضون شذ والسنونا 38 - وبابه ومثل حينٍ قد يرد ... ذا الباب وهو عند قومٍ يطرد القول في هذه الأبيات يستدعي تقديم مقدمة، وهي أن الاسم الدال على أكثر من اثنين على ثلاثة أضرب: جمع، واسم جمع، واسم جنس. وذلك، لأن الدال على أكثر من اثنين بشهادة التأمل: إما أن يكون موضوعًا للآحاد المجتمعة، دالا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف، وإما أن يكون موضوعًا لمجموع

الآحاد، دالاً عليها دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماة، وإما أن يكون موضوعًا للحقيقة، ملغى فيه اعتبار الفردية والجمعية، إلا أن الواحد ينتفي بنفيه. فالموضوع للآحاد المجتمعة هو الجمع، سواء كان له واحد من لفظه مستعمل، كرجال، وأسود، أو لم يكن كأبابيل، والموضوع لمجموع الآحاد، هو اسم الجمع سواء كان [15] له واحد // من لفظه كركب وصحب، أو لم يكن كقوم ورهط. والموضوع للحقيقة بالمعنى المذكور، هو اسم الجنس، وهو غالب فيما يفرق بينه وبين واحده بالتاء، كثمرة وثمر، وعكسه: جبأة وكمأة. ومما يعرف به الجمع كونه على وزن لم تبن عليه الآحاد، كأبابيل، وغلبة التأنيث عليه، ولذلك حكم على نحو: تخم أنه جمع تخمة، مع أن نظيره رطبة، ورطب محكوم عليه أنه اسم جنس، لأن تخمًا غلب عليه التأنيث، يقال: هذه تخم، ولا يقال: هذا تخم. فعلم أنه في معنى جماعة، وليس مسلوكًا به سبيل رطب ونحوه. ومما يعرف به اسم الجمع كونه على وزن الآحاد، وليس له واحد من لفظه، كقوم، ورهط، وكونه مساويًا للواحد في تذكيره، والنسبة إليه. ولذلك حكم على نحو غزي: أنه اسمٍ لجمع غازٍ، وإن كان نحو: كليب، جمع لكلب، لأن غزيا ذكر، وكليبا مؤنث. وحكم أيضًا على نحو ركاب أنه اسم لجمع ركوب، لأنهم نسبوا إليه، فقالوا: زيت ركابي، والجموع لا ينسب إليها إلا إذا غلبت، كأنصاري. وإذ قد عرفت هذا، فنقول: الجمع ينقسم إلى جمع تصحيح، وهو ما سلم فيه لفظ الواحد، وإلى جميع تكسير، وهو ما تغير فيه لفظ الواحد تحقيقًا أو تقديرًا. ثم جمع التصحيح، ويسمى السالم ينقسم إلى مذكر ومؤنث. فالمؤنث: هو ما زيد في آخره ألف وتاء، كمسلمات. وأما جمع المذكر السالم فيلحق آخره واو مضموم ما قبلها رفعًا، وياء مكسور ما قبلها جرا ونصبًا، يليهما نون مفتوحة نحو: جاء المسلمون، ومررت بالمسلمين، ورأيت المسلمين.

والسبب في أن إعراب هذا الجمع بهذا الإعراب هو أنه كالمثنى في كثرة دوره في الكلام، فأجرى مجرى المثنى في خفة العلامة، وترك الإخلال بظهور الإعراب، فجعلت علامة الجمع المذكر السالم في الرفع واوًا، لأنها من أمهات الزوائد، ومدلول بها على الجمعية، مع الفعل: اسمًا في نحو قولهم: فعلوا، وحرفًا في نحو: أكلوني البراغيث، وضموا ما قبل الواو إتباعًا، وجعلوا الإعراب فيه بالانقلاب، لامتناع ظهور الحركات على الواو، المضموم ما قبلها فلجئ إلى الإعراب بقرار الواو في الرفع على صورتها في أول الوضع، فإذا دخل عامل الجر قلبوا الواو ياء، لمكان المناسبة، وكسروا ما قبل الياء، كما ضموا ما قبل الواو لئلا يلتبس الجمع بالمثنى في بعض الصور في حالة الإضافة، وحملوا النصب على الجر، كما في التثنية، ولأنك لو قلبت الواو ألفًا في النصب لأفضى ذلك إلى الالتباس بالمثنى المرفوع، ولحقت النون عوضًا عن الحركة والتنوين، ولذلك تحذف للإضافة، وفتحوها تخفيفًا. ولما أخذ في بيان ما يعرب بالواو رفعًا، وبالياء جرًا، ونصبًا قال: وارفع بواو وبيا اجرر وانصب ... سالم جمع عامرٍ ومذنب فأضاف الجمع إلى مثال ما يطرد فيه. [16] // وذلك أن جمع المذكر السالم مطرد في كل اسم خالٍ من تاء التأنيث، لمذكر عاقل علمًا، كعامر وسعيد، أو صفة تقبل تاء التأنيث باطراد، إن قصد معناه، أو في معنى ما يقبلها، كضارب ومذنب، والأحسن والأفضل، فيقال: عامرون وسعيدون، وضاربون ومذنبون، والأحسنون والأفضلون، وكذلك ما أشبهها. قوله: ................. وبه عشرونا ... وبابه .................... (الخ). معناه: أنه قد ألحق بجمع المذكر السالم المطرد أسماء جموع، وجموع تكسير وجموع تصحيح لم تستوف الشروط. فمن أسماء الجموع عشرون وبابه، وهو ثلاثون إلى تسعين. ومنه (عليون) مما ليس له واحد من لفظه، و (كعالمين) مما واحده أعم في الدلالة منه.

ومن جموع التكسير (أرضون، وستون) وبابه، وهو كل ثلاثي في الأصل قد حذفت لامه، وعوض عنها هاء التأنيث، كأرة وأرين، وظبةً وظبين، وقلة وقلين. فهذه كلها جموع تكسير، لتغير لفظ الواحد فيها، ولكنها أجريت مجرى جمع الصحيح في الإعراب، تعويضًا عن المحذوف. ومن جموع التصحيح، التي لم تستوف الشروط (أهلون) مما سلم فيه بناء واحده، فإنه جمع أهل، وهو لا علم، ولا صفة، فتصحيحه شاذ، كما شذ تصحيح الوابل في قول الهذلي: [من البسيط] 10 - تلاعب الريح بالعصرين قسلطه ... والوابلون وتهتان التجاويد فإنه لما لا يعقل، فحقه ألا يصح، ولكنه ورد فوجب قبوله، وكما شذ تصحيح مرقة في قول بعضهم: (أطعمنا مرقة من مرقين) أي: أمراقًا من لحوم شتى. وكثر هذا الاستعمال في باب (سنين) وهو كل مؤنث بالتاء، محذوف اللام، غير ثابت التكسير، فيجيء بسلامة ما أوله مكسور، كأرة وأرين، ومائة ومئين، وبتغير ما أوله مفتوح، كسنة وسنين، وبوجهين ما أوله مضموم، كقلة، وقلين. ومثل هذا الاستعمال فيما ثبت تكسيره كظبة وظبين، وفيما يحذف منه غير اللام كلذة ولدين، ورقة ورقين. قوله: ............ ومثل حين قد يرد ... ذا الباب .................. يعني: باب (سنين) قد يستعمل مثل (حين)، فيجعل إعرابه بالحركات على النون منونة، ولا تسقطها الإضافة نحو: هذه سنين، ورأيت سنينًا، ومررت بسنينٍ،

قال الشاعر: [من الطويل] 11 - دعاني من نجدٍ فإن سنينه ... لعبن بنا شيبًا وشيبننا مردا وفي الحديث على بعض الروايات: (اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف). قوله: ......................... ... ............ وهو عند قومٍ يطرد يعني: أن إجراء (سنين) وبابه مجرى (حين) مطرد عند قوم من النحويين، منهم الفراء، وقد استعمله غيرهم على وجه الشذوذ، كما في الحديث المذكور. 39 - ونون مجموعٍ وما به التحق ... فافتح وقل من بكسره نطق [17] // 40 - ونون ما ثني والملحق به ... بعكس ذاك استعملوه فانتبه قد تقدم الكلام على نوني التثنية، والجمع على حدة، ولم يبق فيه إلا ما نبه عليه من أن نون الجمع حقها الفتح، وقد تكسر، وأن نون التثنية حقها الكسر، وقد تفتح. فأما كسر نون الجمع فإنه يجيء للضرورة، كقول جرير: [من الوافر] 12 - عرين من عرينة ليس منا ... برئت إلى عرينة من عرين عرفنا جعفرًا وبني أبيه ... وأنكرنا زعانف آخرين

وكقول الآخر: [من الوافر] 13 - أكل الدهر حل وارتحال ... أما يبقي على ولا يقيني وماذا يبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزت حد الأربعين وأما فتح نون التثنية فلغة قوم من العرب، حكي ذلك الفراء، وأنشد: [من الطويل] 14 - على أحوذيين استقلت عشية ... فما هي إلا لمحة وتغيب بفتح نون التثنية.

41 - وما بتا وألفٍ قد جمعا ... يكسر في الجر وفي النصب معا 42 - كذا أولات والذي اسمًا قد جعل ... كأذرعاتٍ فيه ذا أيضًا قبل الذي يجمع بالألف، والتاء هو جمع المؤنث السالم، وله إعرابٍ على حدة، وذلك لأن رفعه بالضمة، ونصبه وجره بالكسرة، نحو: هؤلاء مسلمات، ورأيت مسلماتٍ، ومررت بمسلماتٍ، أجروه في النصب مجراه في الجر، كما فعلوا ذلك في جمع المذكر السالم، وحمل على جمع المؤنث السالم في إعرابه أولات، وما سمي به كعرفاتٍ، وأذرعاتٍ. فأما (أولات) فهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو بمعنى ذوات، ولكنهم أجروه مجرى الجمع، هؤلاء أولات فضل، ورأيت أولات فضل، ومررت بأولات فضل. وأما ما سمي به فالأكثر فيه إجراؤه مجرى الجمع، نحو: هذه أذرعات، ورأيت أذرعاتٍ، ومررت بأذرعاتٍ. ومنهم من يجعله كأرطاة: غير منصرف علمًا، فيقول: هذه أذرعات، ورأيت أذرعات، ومررت بأذرعات. فإذا وقف عليه قلبت التاء هاء. ومنهم من يحذف التنوين، ويعربه بالضمة في الرفع، وبالكسرة في الجر والنصب. 43 - وجر بالفتحة ما لا ينصرف ... ما لم يضف أو يك بعد أل ردف [18] // الاسم المعرب على ضربين: منصرف، وغير منصرف. فالمنصرف ما لم يشابه الفعل كزيد وعمرو. وغير المنصرف ما يشابه الفعل كأحمد ومروان. فالمنصرف ينون ويجر بالكسرة في كل حال، نحو: هذا زيد، ورأيت زيدًا، ومررت بزيدٍ. وغير المنصرف لا ينون، ويجر بالفتحة، ما لم يضف، أو يدخله الألف واللام، نحو: هذا أحمد، ورأيت أحمد، ومررت بأحمد. وذلك أن الاسم إذا شابه الفعل ثقل، فلم يدخله التنوين، لأنه علامة الأخف عليهم، والأمكن عندهم.

ومنع الجر بالكسرة تبعًا لمنع التنوين، لتآخيهما في اختصاصهما بالأسماء، وتعاقبهما على معنى واحد في باب راقود خلا، وراقود خلٍ، فلما لم يجروه بالكسرة، عوضوه عنها بالفتحة، فإذا أضيف ما لا ينصرف، أو دخله الألف واللام فأمن فيه التنوين جر بالكسرة، نحو: مررت بأحمدكم، وبالحمراء. 44 - واجعل لنحو يفعلان النونا ... رفعًا وتدعين وتسألونا 45 - وحذفها للجزم والنصب سمه ... كلم تكوني لترومي مظلمه المراد بنحو يفعلان، وتدعين، وتسألون: كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين، أو واو الجمع، أو ياء المخاطبة، فإن المضارع إذا اتصل به أحد هذه الثلاثة كانت علامة رفعه نونًا مكسورة بعد الألف، مفتوحة بعد الواو والياء، وعلامة جزمه ونصبه حذف تلك النون، تقول في الرفع: يفعلان، ويفعلون، وتفعلين، فإذا دخل الجازم قلت: لم يفعلا، ولم يفعلوا، ولم تفعلي، بحذف النون للجزم، كما ثبت للرفع. والنصب كالجزم، نحو: لن يفعلا، ولن يفعلوا، ولن تفعلي، حملوا النصب على الجزم هنا، كما حملوا النصب على الجر في التثنية، والجمع، لأن الجزم في الفعل نظير الجر في الاسم. قوله: ....................... ... كلم تكوني لترومي مظلمه مثال لحذف نون الرفع في الجزم والنصب: (فتكوني) مجزوم بلم، وكان أصله ترومي، وأصله ترومين، فلما دخل الناصب حذفت النون، كما حذفت في الجزم. 46 - وسم معتلا من الأسماء ما ... كالمصطفي والمرتقي مكارما 47 - فالأول الإعراب فيه قدرا ... جميعه وهو الذي قد نصرا 48 - والثاني منقوص ونصبه ظهر ... ورفعه ينوى كذا أيضًا يجر اعلم أن الاسم المعرب على ضربين: صحيح، ومعتل. والمعتل على ضربين: مقصور، ومنقوص. فالمقصور: هو الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة، نحو: الفتى، والعصا، [19] // والمصطفي، وقيدت الألف بكونها لازمة احترازًا من نحو الزيدان في الرفع، ومن نحو: أخاك، وإياك في النصب.

والمنقوص: هو الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة تلي كسرة، كالقاضي، والداعي، والمرتقي. واحترزت باللزوم من نحو: الزيدين، وأخيك، وبقولي: (تلي كسرة) مما آخره ياء ساكن ما قبلها، نحو: نحي، وظبي، فإنه معدود من باب الصحيح. وقد ظهر من هذا: أن الاسم المعرب ينقسم إلى صحيح، ومقصور، ومنقوص، ولكل منها حكم. فالصحيح: يظهر فيه الإعراب كله، ولا يقدر فيه شيء منه، أي من الإعراب. والمقصور: يقدر فيه الإعراب كله، لتعذر الحركة على الألف، تقول: جاءني الفتى، ورأيت الفتى، ومررت بالفتى، فالفتى أولا مرفوع بضمة مقدرة على الألف، وثانيًا منصوب بفتحة مقدرة على الألف، وثالثًا مجرور بكسرة مقدرة على الألف. والمنقوص: يقدر فيه الرفع والجر لثقل الضمة، والكسرة على الياء المكسور ما قبلها، ويظهر فيه النصب بالفتحة لخفتها، تقول: جاءني القاضي، ورأيت القاضي، ومررت بالقاضي، فالقاضي أولا مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء، وثانيًا منصوب، وعلامة نصبه فتحة الياء، وثالثًا مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء. وعلى هذا يجري جميع المقصور والمنقوص في الكلام. 49 - وأي فعل آخر منه ألف ... أو واو أو ياء فمعتلا عرف 50 - فالألف أنو فيه غير الجزم ... وأبد نصب ما كيدعو يرمى 51 - والرفع فيهما انو واحذف جازما ... ثلاثهن تقض حكمًا لازما الفعل المضارع كالاسم في كونه ينقسم إلى صحيح ومعتل، وهو ما آخره ألف كيخشى، أو ياء كيرمي، أو واو كيدعو. فأما الصحيح فيظهر فيه الإعراب. وأما المعتل: فإن كان بالألف لم يظهر فيه الرفع، والنصب، لتعذر الحركة على الألف، ويظهر فيه الجزم بحذف الألف، تقول في الرفع: هو يخشى، فعلامة الرفع فيه ضمة مقدرة على الألف، وفي النصب: لن يخشى، فعلامة النصب فيه فتحة مقدرة على الألف، وفي الجزم: لم يخش، فعلامة الجزم حذف الألف، أقاموا حذف الألف مقام السكون في الجزم، كما أقاموا ثبوتها ساكنة مقام الحركة.

وإن كان معتلا بالياء أو الواو لم يظهر فيه الرفع الثقل الضمة على الياء المكسور ما قبلها، وعلى الواو المضموم ما قبلها، ويظهر النصب بالفتحة لخفتها، والجزم بالحذف، كما فيما آخره ألف، تقول: هو يرمي، ويدعو، فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الياء، [20] وعلى الواو، ولن يرمي ولن // يدعو، فعلامة النصب فتحة الياء، وفتحة الواو، ولم يرم، ولم يدع، فعلامة الجزم حذف الياء، وحذف الواو. والحاصل: إن الفعل المعتل يقدر رفعه، ويظهر جزمه بالحذف. وأما النصب فيقدر في الألف، ويظهر في الياء والواو، والله أعلم.

النكرة والمعرفة

النكرة والمعرفة 52 - نكرة قابل أل مؤثرا ... أو واقع موقع ما قد ذكرا 53 - وغيره معرفة كهم وذي ... وهند وابني والغلام والذي الاسم على ضربين: معرفة ونكرة، وهي الأصل، لاندراج كل معرفة تحت كل نكرة من غير عكس. والمعرفة منحصرة؛ بالاستقراء؛ في سبعة أقسام: ستة نبه عليها، وهي: المضمر، نحو: هم وأنت، والعلم، نحو: زيد وهند، واسم الإشارة، نحو: ذا وذي، والموصول، نحو: الذي والتي، والمعرف بالألف واللام، نحو: الغلام والفرس، والمعرف بالإضافة، نحو: ابني وغلام زيدٍ. وواحد أهمله المصنف، وهو المعرف بالنداء، نحو: يا رجل. فهذه السبعة هي المعارف، وما عداها من الأسماء فنكرة. وقد ضبط النكرة بقوله: نكرة قابل أل مؤثرا ... ....................... يعني: أن النكرة ما تقبل التعريف بالألف واللام، أو تكون بمعنى ما يقبله، فالأول: كرجل وفرس، فإنه يدخل عليهما الألف واللام للتعريف، نحو: الرجل والفرس، والثاني (ذو) بمعنى صاحب، فإنه نكرة، وإن لم يقبل التعريف بالألف واللام، فهو في معنى ما يقبله، وهو صاحب. واحترز بقوله: (مؤثرا) من العلم الداخل عليه الألف واللام للمح الصفة، كقولهم في حارث وعباس: الحارث والعباس.

ولما فرغ من الكلام على المعرفة إجمالا، أخذ في الكلام عليها تفصيلا، فقال: 54 - فما لذي غيبةٍ أو حضور ... كأنت وهو سم بالضمير المضمر: ما دل على نفس المتكلم أو المخاطب أو الغائب، كأنا وأنت وهو. وقد أدرج قسمي المتكلم، والمخاطب تحت ذي الحضور، لأن المتكلم حاضر للمخاطب، والمخاطب حاضر للمتكلم، لكن فيه إبهام إدخال اسم الإشارة في المضمر، لأن الحاضر ثلاثة: متكلم، ومخاطب، ولا متكلم، ولا مخاطب، وهو المشار إليه. على أن هذا الإبهام يرفعه إفراد اسم الإشارة بالذكر. 55 - وذو اتصال منه ما لا يبتدا ... ولا يلي إلا اختيارًا أبدا [21] // المضمر أولا: ينقسم إلى بارز ومستتر، وهو ما لا صورة له في اللفظ، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. والبارز ينقسم إلى متصل، ومنفصل: فالمنفصل: هو ما يصح وقوعه في أول الكلام. والمتصل: ما لا يصح أن يقع في أول الكلام، كتاء قمت، وكاف أكرمك، ولا يقع بعد إلا اختيارًا، فإنك لا تقول: ما قام إلات، وما رأيت إلاه، وإنما تقول: ما قام إلا أنت، وما رأيت إلا إياه. ولا يقع الضمير المتصل بعد إلا، إلا في الضرورة، كقوله: [من البسيط] 15 - وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلاك ديار ولما ذكر ضابط الضمير المتصل مثله بقوله: 56 - كالياء والكاف من ابني أكرمك ... والياء والها من سليه ما ملك اعلم أن الضمير المتصل على ثلاثة أقسام: مختص بمحل الرفع، ومشترك بين النصب والجر، وواقع في الإعراب كله.

وقد يفهم هذا من قوله: 57 - وكل مضمرٍ له البنا يجب ... ولفظ ما جر كلفظ ما نصب 58 - للرفع والنصب وجرنا صلح ... كاعرف بنا فإننا نلنا المنح 59 - وألف والواو والنون لما ... غاب وغيره كقاما واعلما المضمرات كلها مبنية لشبهها بالحروف في المعنى، لأن كل مضمر متضمن معنى التكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، وهو من معاني الحروف، مدلول عليه بالياء، ونا، والكاف، والهاء: حروفا في نحو: إياي، وإيانا، وإياك، وإياه. وقيل: بنيت المضمرات استغناء عن إعرابها باختلاف صيغها، لاختلاف المعاني. ولعل هذا هو المعتبر عند الشيخ في بناء المضمرات، ولذلك عقبه بتقسيمها بحسب الإعراب كأنه قصد بذلك إظهار علة البناء، فقال: ...................... ... ولفظ ما جر كلفظ ما نصب أي الصالح للجر من الضمائر المتصلة هو الصالح للنصب، لا غير. والمتصل الصالح للنصب ضربان: صالح للرفع، وغير صالح له، فالصالح منه للرفع هو (نا) وحدها، ولذلك أفردها: بهذا الحكم، فقال: للرفع والنصب وجرنا صلح ... كاعرف بنا فإننا نلنا المنح فموضع (نا) جر بعد الباء، ونصب بعد إن، ورفع بعد الفعل. ولما بين أن الواقع من الضمائر المتصلة في الإعراب كله هو (نا) علم أن ما عداها من المتصل المنصوب لا يتعدى النصب إلا إلى الجر، وذلك ياء المتكلم، وكاف الخطاب، وهاء الغائب. ويعرف هذا من التمثيل في قوله قبل: ........ من ابني أكرمك ... ............ سليه ما ملك [22] فأوقع الياء في موضع // الجر بالإضافة، فعلم أنها صالحة للنصب، نحو: أكرمني زيد، وأوقع الكاف والهاء في موضع النصب بالمفعول. فعلم أنهما صالحان للجر، نحو: رغبت فيك، وعنه.

ويختلف حال الكاف بحسب أحوال المخاطب، فتكون مفتوحة للمخاطب، ومكسورة للمخاطبة، وموصولة بميم، وألف للمخاطبين، والمخاطبتين، وبميم ساكنة، أو مضمومة للمخاطبين، وبنون مشددة للمخاطبات، نحو: أكرمك، وأكرمك، وأكرمكما، وأكرمكم، وأكرمكن. والهاء كذلك، فتضم للغائب، وتفتح للغائبة، وتوصل في التثنية والجمع بما توصل به الكاف، نحو: أكرمه، وأكرمها، وأكرمهما، وأكرمهم، وأكرمهن. وما عدا ما ذكرنا من الضمائر المتصلة مختص بالرفع، وهي (تاء الضمير، وألفه، وواوه، وياء المخاطبة، ونون الإناث). (فالتاء) تضم للمتكلم، وتفتح للمخاطب، وتكسر للمخاطبة، وتوصل في التثنية والجمع بما توصل به الهاء، نحو: فعلتُ، وفعلتَ، وفعلتِ، وفعلتما، وفعلتم، وفعلتن، والألف للاثنين، والواو لجماعة الذكور العقلاء، وياء المخاطبة كالفاعل من قوله: ................... ... ........... سليه ما ملك ونون الإناث كقولك: الهندات يقمن، ويشترك الألف، والواو، والنون في المجيء للمخاطب تارة، والغائب أخرى، ولذلك أشار بقوله: ............. لما ... غاب وغيره كقاما واعلما تقول: افعلا، وافعلوا، وافعلن، فالألف ضمير للمخاطبين، والواو ضمير المخاطبين، والنون ضمير المخاطبات. وتقول: فعلا، وفعلوا، وفعلن. فالألف هنا ضمير الغائبين، والواو ضمير الغائبين، والنون ضمير الغائبات. 60 - ومن ضمير الرفع ما يستتر ... كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر لما فرغ من الكلام على الضمير المتصل أخذ في الكلام على الضمير المستتر، فقال: ومن ضمير الرفع ما يستتر ... .................... فعلم أن المستتر لا يكون ضمير جر، ولا ضمير نصب، لأن العمدة لما لم يستغن عنها في المعنى صح أن تقدر مع العامل في قوة المنطوق بها، ولا كذلك الفضلة.

والحاصل أن ضمير الرفع يستتر استغناء عن لفظه بظهور معناه، وذلك على ضربين: واجب الاستتار، وجائزه. فالواجب الاستتار: في خمسة أشياء: فعل أمر الواحد، كافعل، والمضارع، ذو الهمزة، كأوافق، والنون كنغتبط، وتاء المخاطب، كتشكر، واسم الفعل لغير الماضي، كأوه، ونزال يا زيد، ونزال يا زيدان. والجائز الاستتار: هو المرفوع بفعل الغائب، والغائبة، وبالصفات المحضة، نحو: زيد قام، وهند تقوم، وعبد الله منطلق. ففي قام ضمير زيد، وفي تقوم ضمير هند، وفي منطلق ضمير عبد الله، وهي مستترة جوازًا، بمعنى أنه يجوز أن يخلفها الظاهر، نحو: قام زيد، وتقوم هند، والضمير [23] المنفصل في نحو زيد إنما قام هو، وزيد هند ضاربها هو، والله أعلم //. 61 // -وذو ارتفاعٍ وانفصالٍ أنا هو ... وأنت والفروع لا تشتبه 62 - وذو انتصابٍ في انفصالٍ جعلا ... إياي والتفريع ليس مشكلا الضمير المنفصل ضربان: أحدهما مختص بالرفع، وهو (أنا) للمتكلم، و (نحن) له: مشاركًا، أو تعظيمًا، (وأنتَ، وأنتِ، وأنتما، وأنتم، وأنتن) للمخاطب، بحسب أحواله، و (هو، وهي، وهما، وهم، وهن) للغائب، بحسب أحواله. وقد أشار إلى أمثلة فروع الإفراد، والتذكير بقوله: ................. ... .......... والفروع لا تشتبه والثاني: مختص بالنصب، وهو (إيا) مردفًا بما يدل على المعنى، نحو: (إياي) للمتكلم، و (إياك) للمخاطب، و (إياه) للغائب، وفروع الإفراد والتذكير ظاهرة، نحو: (إيانا، وإياك، وإياكما، وإياكم، وإياكن، وإياه، وإياها، وإياهما، وإياهم، وإياهن). 63 - وفي اختيارٍ لا يجيء المنفصل ... إذا تأتي أن يجيء المتصل الأصل أن الضمير المنفصل لا يستعمل في موضع يمكن فيه المتصل، لأن الغرض من وضع الضمير التوصل إلى الاختصار، ووضع المنفصل موضع المتصل يأبى ذلك.

فحق الضمير المنفصل ألا يكون إلا حيث يتعذر الاتصال، كما إذا تقدم على العامل، نحو (إياك نعبد) [الفاتحة /5] أو كان محصورًا، نحو: إنما قام أنا، فإنك لو قلت: إنما قمت انقلب الحصر من جانب الفاعل، وصار في جانب الفعل، أما إذا أمكن الاتصال فإنه يجب رعايته فيما ليس خبرًا لكان أو إحدى أخواتها، إن ولى العامل، نحو: أكرمنا وأكرمتنا، أو فضله منه ضمير رفع متصل نحو: أكرمتك، فإنه لا سبيل فيه إلى الانفصال إلا في ضرورة الشعر، كقوله: [في البسيط] 16 - وما أصاحب من قومٍ فأذكرهم ... إلا يزيدهم حبا إلى هم وقال الآخر: [من البسيط] 17 - بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير وما سوى ما ذكر، مما يمكن فيه الاتصال يجوز فيه الوجهان. وقد نبه على هذا بقوله: 64 - وصل أو افصل هاء سلنيه وما ... أشبهه في كنته الخلف انتمى 65 - كذاك خلتنيه واتصالا ... أختار غيري اختار الانفصالا المبيح لجواز اتصال الضمير، وانفصاله هو كونه: إما ثاني ضميرين، أولهما أخص، وغير مرفوع، وإما كونه خبرًا لكان أو إحدى أخواتها.

[24] أما الأول فكالهاء من (سلنيه)، و (منعكها) في قوله: // [من الوافر] 18 - فلا تطمع أبيت اللعن فيها ... ومنعكها بشيءٍ يستطاع فإن الهاء منهما ثاني ضميرين، أولهما أخص، لما علمت: أن المتكلم أخص من المخاطب، والمخاطب أخص من الغائب، وغير مرفوع أيضًا؛ لأنه في المثال الأول منصوب، وفي الثاني مجرور، فيجوز في الهاء المذكورة الوجهان، نحو: سلنيه، وسليني إياه، ومنعكها، ومنعك إياها، إلا أن الاتصال مع الفعل أحسن وأكثر، كما في قوله تعالى: (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) [هود /28]. والانفصال جائز في السعة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله ملككم إياهم، ولو شاء لملكهم إياكم). ولو كان أول الضميرين غير أخص وجب في الثاني الانفصال، كما في (لملكهم إياكم). وسيأتي ذكره. ولو كان أول الضميرين مرفوعًا وجب الاتصال، نحو: أكرمتك، وأعطيتك، وأما الثاني فكالهاء من قولك: أما الصديق فكنته، فإنه يجوز فيه الاتصال لشبهه بالمفعول، والانفصال؛ أيضًا؛ لأن منصوب كان خبر في الأصل، والخبر لا حظ له في الاتصال. واختار أكثرهم الانفصال. والصحيح اختيار الاتصال، لكثرته في النظم، والنثر الفصيح، كقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر رضي الله عنه: في ابن صياد: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله). وحكي سيبويه عمن يوثق به: (عليه رجلا ليسني).

وأنشد لأبي الأسود: [من الطويل] 19 - فإلا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها وأما الانفصال فجاء في الشعر، كقوله: [من الطويل] 20 - لئن كان إياه لقد حال بعدنا ... عن العهد والإنسان قد يتغير ولم يجيء في النثر إلا في الاستثناء، نحو: أتوني ليس إياك، ولا يكون إياك، فإن الاتصال فيه من الضرورة، كقوله: [من الرجز] 21 - عددت قومي كعديد الطيس ... إذ ذهب القوم الكرام ليسي وأما نحو: (خلتنيه) فمن باب سلنيه، ولكنه أفرده بالذكر، لينبه على ما فيه من

الخلاف، ويذكر رأيه فيه، فقال: كذاك خلتنيه ...... ... ................ فعلم أنه يجوز في الهاء منه الاتصال والانفصال. ثم ذكر أنه يختار الاتصال، وأن منهم من يختار الانفصال، نظرًا إلى أنه خبر في الأصل، وليس بمرضي، لأن الاتصال قد جاء في الكتاب العزيز في قوله سبحانه وتعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم) [الأنفال: 43]. والانفصال لا يكاد يعثر عليه إلا في الشعر، كقوله: [من البسيط] 22 - أخي حسبتك إياه وقد ملئت ... أرجاء صدرك بالأضغان والإحن 66 - وقدم الأخص في اتصال ... وقدمن ما شئت في انفصال [25] // 67 - وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا ... وقد يبيح الغيب فيه وصلا مقصوده من البيت الأول بيان أن المراد بما أشبهه من قوله: وصل أو افصل هاء سلنيه وما ... أشبهه .............. هو كل ثاني ضميرين: الأول منهما أخص، فإنه أوجب تقديم الأخص، مع الاتصال، وخير بين تقديم الأخص، وتقديم غيره، مع الانفصال. فعلم ضرورة أنه متى تقدم غير الأخص وجب الانفصال، لأنه مع الاتصال يجب تقديم الأخص. وعلم أيضًا أن الأخص متى تقدم جاز في الثاني الاتصال، لأنه قد وجد شرط صحته، وجاز أيضًا الانفصال، لأنه قد خير في حال الانفصال بين تقديم الأخص، وغيره. ثم إذا كان المقدم من الضميرين غير الأخص فإما أن يكون مخالفًا في الرتبة، أو مساويًا فيها، فإن كان مخالفًا في الرتبة لم يجز اتصال ما بعده بحال، وذلك نحو: الدرهم أعطيته إياك، وأعجبني إعطاؤك إياي. وإن كان مساويًا في الرتبة: فإن كان لمتكلم أو مخاطب لم يكن بد من الانفصال، كقولك: ظننتني إياي، وعلمتك إياك، وإن كان لغائب، فإن اتحد لفظ الضميرين فهو كما إذا كان لمخاطب، تقول: زيد ظننته إياه، ولا يمكن فيه الاتصال.

وإن اختلف لفظهما فالوجه الانفصال، وقد يجيء فيه الاتصال كقول مغلس بن لقيط: [من الطويل] 23 - وقد جعلت نفسي تطيب بضغمةٍ ... لضغمهما ها يقرع العظم نابها وقول الآخر: [من الطويل] 24 - لوجهك في الإحسان بسط وبهجةً ... أنا لهماه قفو أكرم والد وحكي الكسائي: (هم أحسن الناس وجوهًا وأنضرهموها). وقوله: ................ ... وقد يبيح الغيب فيه وصلا بلفظ التنكير، على معنى نوع من الوصل، تعريض بأنه لا يستباح الاتصال مع الاتحاد في الغيبة مطلقًا، بل بقيد، وهو الاختلاف في اللفظ. 68 - وقبل يا النفس مع الفعل التزم ... نون وقايةٍ وليسي قد نظم 69 - وليتني فشا وليتي ندرا ... ومع لعل اعكس وكن مخيرا 70 - في الباقيات واضطرارًا خففا ... مني وعني بعض من قد سلفا 71 - وفي لدني لدني قل وفي ... قدني وقطني الحذف أيضًا قد ياء المتكلم من الضمائر التي تتصل بالأسماء، وغيرها، وقد ألزمت كسر ما قبلها إتباعًا، ما لم يكن ألفًا، أو ياء متحركًا ما قبلها، نحو: فتاي مسلمي. [26] فإذا نصبها الفعل وجب أن يلحق // ما قبلها نون تقي الفعل كسرة الإتباع، لأنها شبيهة بالجر، لكثرة وقوعها في الأسماء، فلم تلحق بالفعل إلا معها نون الوقاية، أي

الياء، بخلاف الكسرة التي قبل ياء المخاطبة، نحو: تفعلين، فإنها لا تشبه الجر، لأن ياء المخاطبة مختصة بالفعل، فصانوا الأفعال عن الكسرة لياء المتكلم بإلحاق نون الوقاية، كقولك: أكرمني، ويكرمني، وأكرمني. ولا تتصل الياء بالفعل بدون النون إلا فيما ندر من نحو: [من الرجز] 25 - إذ ذهب القوم الكرام ليسي والوجه: ليسني، أو ليس إياي. أما إذا نصب الياء الحرف، أعني أن أو إحدى أخواتها ففيه تفصيل، فإن الناصب إن كان (ليت) وجب إلحاق النون، نحو: (يا ليتني كنت معهم) [النساء /73] ولم تترك إلا فيما ندر من نحو قوله: [من الوافر] 26 - كمنية جابرٍ إذ قال ليتي ... أصادفه وأفقد بعض مالي وإن كان (لعل) فالوجه تجردها من النون، نحو قوله تعالى: (لعلي أطلع إلى إله موسي) [القصص /38]، وقوله تعالى: (لعلي أبلغ الأسباب) [غافر /36]. ولا تلحقها النون إلا في الضرورة، كقوله: [من الطويل] 27 - فقلت أعيراني القدوم لعلني ... أخط بها قبرًا لأبيض ماجد وإن كان الناصب للياء (إن أو أن أو كأن أو لكن) جاز الوجهان على السواء.

وإلى هذا أشار بقوله: ..................... ... وكن مخيرا .............. في الباقيات ............ ... ..................... تقول: إني، وإنني، وكأنني، ولكني، ولكنني: بإثبات النون، وحذفها، لأن هذه الحروف قريبة الشبه من الفعل، فحسن فيها أن تصان عما صين عنه الفعل تارة إلحاقًا لها به، وألا تصان عنه أخرى، فرقًا بينهما، وبينه. واستأثرت (ليت) بلزومها في الغالب إلحاق النون، قبل ياء المتكلم تنبيهًا على مزيتها على أخواتها في الشبه بالفعل، إذ كانت تغير معنى الابتداء، ولا يتعلق ما بعدها بما قبلها. وخصت (لعل) بغلبة التجريد، لأنها أبعد من أخواتها عن الفعل لشبهها بحروف الجر في تعليق ما بعدها بما قبلها، كما في قولك: تب لعلك تفلح. وإذا كانت الياء مجرورة لم تلحق قبلها النون، إلا أن يكون الجار من، أو عن، أو لدن، أو قد بمعنى حسب، أو قط أختها. فأما (من، وعن) فلابد معهما من النون، نحو: مني وعني، إلا فيما ندر من إنشاد بعض النحويين: [من المديد] 28 - أيها السائل عنهم وعني ... لست من قيسٍ ولا قيس مني وأما (لدن) فالأكثر فيها إلحاق النون، وقد لا تلحق، كقراءة نافع (من لدني عذرًا) [الكهف /76]. وكذا قرأ أبو بكر، إلا أنه أشم ضمة الدال. وأما (قد، وقط) فبالعكس من (لدن)، لأن قدي، وقطي في كلامهم أكثر من قدني، وقطني.

ومن شواهدهما قول الشاعر: [من الطويل] 29 - إذا قال قدني قال بالله خلفةً ... لتغني عني ذا إنائك أجمعا [27] // وقال الآخر: [من الرجز] 30 - قدني من نصر الخبيبين قدي ... ليس الإمام بالشحيح الملحد

فجمع بين اللغتين. وفي الحديث: (قطِ قطِ بعزتك وكرمك). يروى بسكون الطاء، وكسرها، مع ياء ودونها، ويروى: قطني قطني وقطٍ قطٍ. قال الشاعر: [من الرجز] 31 - امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلا رويدًا قد ملأت بطني

العلم

العلم 72 - اسم يعين المسمى مطلقا ... علمه كجعفرٍ وخرنقا 73 - وقرنٍ وعدنٍ ولاحق ... وشذقمٍ وهيلةٍ وواشق العلم عند النحويين على ضربين: علم شخصي، وعلم جنسي. فالعلم الشخصي: هو الدال على معين مطلقا، أي: بلا قيد، بل بمجرد وضع اللفظ له على وجه منع الشركة فيه. (فالدال على معين) جنس للمعارف و (مطلقًا) خاصة للعلم، يميزه عن سائر المعارف، فإن كل معرفة ما خلا العلم دلالته على التعيين بقرينة خارجة عن دلالة لفظه. وتلك القرينة إما لفظية، كالألف واللام والصلة، وإما معنوية، كالحضور والغيبة. وقولي (على وجه منع الشركة فيه) مخرج لاسم الجنس، الذي مسماه واحد بالشخص، كالشمس، فإنه يدل على معين بوضع اللفظ له، وليس بعلم، لأن وضع اللفظ له ليس على وجه منع الشركة. وأما العلم الجنسي فهو كل اسم جنس، جرى مجرى العلم الشخصي في الاستعمال، كأسامة، وذؤالة، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. ثم العلم الشخصي مسماه أولو العلم من المذكرين، كجعفر، ومن المؤنثات، كخرنق. وما يحتاج إلى تعيينه، مما يتخذ ويؤلف، يعني: الذي يحتاج إلى تعيين هو الذي يتخذ، ويؤلف غالبًا، وقد نبه على ذلك بالأمثلة المذكورة.

فأعلام أولي العلم: أسماء الملائكة، والجن، والإنس، كجعفر في الرجال، وخرنق في النساء، ومنها أسماء الله تعالى، وأعلام ما يتخذ ويؤلف، كأسماء القبائل، والأمكنة، والخيل، والإبل، والغنم، والكلاب، وما أشبه ذلك، نحو: قرن: لقبيلة، وعدن: لبلد، ولاحق: لفرس، وشذقم: لجمل، وهيلة: لشاة، وواشق: لكلب، وقالوا: (باءت عرار بكحل): يعنون بقرتين. 74 - واسمًا أتى وكنيةً ولقبا ... وأخرن ذا إن سواه صحبا 75 - وإن يكونا مفردين فأضف ... حتمًا وإلا أتبع الذي ردف [28] // العلم: إن كان مضافًا، مصدرًا بأب، أو بأم سمي كنية كأبي بكر، وأم كلثوم. وإن لم يكن كذلك: فإن أشعر برفعة المسمى، كزين العابدين أو ضعته سمي لقبًا، كبطة، وقفة، وأنف الناقة. وإن لم يكن كذلك سمي الاسم الخاص، كزيد، وعمرو، ونحو ذلك. وإذا اجتمع اللقب مع غيره أخر اللقب، فإن كانا مفردين أضيف الاسم إلى اللقب، نحو: هذا زيد بطة، وسعيد كرز: على تأويل الاسم الأول بالمسمى، والثاني بالاسم، كأنك قلت: هذا صاحب هذا الاسم. ولم يجوز البصريون في الجمع بين الاسم واللقب إذا كانا مفردين إلا الإضافة، وأجاز الكوفيون فيه الإتباعٍ والقطع بالرفع والنصب: فالإتباع نحو: هذا سعيد كرز، ورأيت سعيدًا كرزًا، ومررت بسعيدٍ كرزٍ، بجعل الثاني بيانًا للأول، أو مبدلا منه.

والقطع، نحو: مررت بسعيد كرزًا، تنصبه بإضمار فعل، ولك أن ترفعه فتقول: مررت بسعيد كرزً، على معنى: هو كرز. وما قاله الكوفيون في ذلك لا يأباه القياس. وأما إذا لم يكن الاسم واللقب مفردين فلابد من الإتباع سواء كانا مركبين نحو: هذا عبد الله أنف الناقة، أو أحدهما مركبًا نحو: هذا زيد عائذ الكلب، وهذا عبد الله بطة. 76 - ومنه منقول كفضلٍ وأسد ... وذو ارتجالٍ كسعاد وأدد العلم: ينقسم إلى منقول، ومرتجل: لأنه إن سبق له استعمال لغلبة العلمية فهو منقول، وإلا فهو مرتجل نحو: سعاد: اسم امرأة، وأدد: اسم رجل. والمنقول: إما من مصدر كفضل وسعد، أو صفة كحارث وغالب ومسعود، أو اسم عين كثور وأسد، أو من فعل ماض نحو: شمر: اسم فرس، وبذر: اسم ماء، أو فعل مضارع نحو: يزيد ويشكر، أو جملة نحو: تأبط شرا، وبرق نحره، ويزيد في قوله: [من الرجز] 32 - نبئت أخوالي بني يزيد ... ظلمًا علينا لهم فديد 77 - وجملة وما بمزجٍ ركبا ... ذا إن بغير ويه تم أعربا 78 - وشاع في الأعلام ذو الإضافة ... كبعد شمسٍ وأبي قحافه العلم بالنسبة إلى لفظه ينقسم إلى مفرد، ومركب، والمركب ينقسم إلى جملة، ومركب تركيب مزج، ومضاف. ولما أخذ في بيان هذا قال: وجملة ..................... ... .....................

أي: ومن العلم جملة، والمراد بها: ما كان في الأصل مبتدأ وخبرًا، أو فعلا وفاعلا، كبرق نحره، ولا تكون إلا محكية. والمركب تركيب المزجي هو: كل اسمين جعلا اسمًا واحدًا، ونزل ثانيهما منزلة [29] تاء التأنيث، فيبني // الأول على الفتح: ما لم يكن آخره ياء، فيبني على السكون، وذلك نحو: بعلبك، وحضر موت، ومعد يكرب، وأما الثاني فيعرب، ما لم يكن اسم صوت كويه في سيبويه، وعمرويه فيبني، لأن الأصوات لاحظ لها في الإعراب. وأما المضاف، فنحو: عبد شمس، وامرئ القيس، وهو أكثر أقسام المركب فإن منه الكنى، كأبي قحافة، وأبي سعيد، ولا يخفى ما هي عليه من الكثرة والانتشار. 79 - ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظًا وهو عم 80 - من ذاك أم عريطٍ للعقرب ... وهكذا ثعالة للثعلب 81 - ومثله برة للمبره ... كذا فجار علم للفجرة الأجناس التي لا تؤلف، كالسباع، والوحوش، وأحناش الأرض لا يحتاج فيها إلى وضع الأعلام، لأشخاصها، فعوضت عن ذلك بوضع العلم فيها للجنس، مشارًا به إليه إشارة المعرف بالألف واللام ولذلك يصلح للشمول، كنحو: أسامة أجرأ من الضبع وللواحد المعهود، كنحو: هذا أسامة مقبلا، وقد يوضع هذا العلم لجنس ما يؤلف كقولهم: هيان بن بيان: للمجهول، وأبو الدغفاء: للأحمق، وأبو المضاء: للفرس. ومسميات أعلام الأجناس أعيان، ومعان. فالأعيان كشبوة: للعقرب، وثعالة: للثعلب، ومنه أبو الحارث وأسامة: للأسد، وأبو جعده وذؤالة: للذئب، وابن دأية: للغراب، وبنت طبق: لضرب من الحيات. وأما المعاني: فكبرة: للمبرة، وفجار: للفجرة، جعلوه علمًا على المعنى مؤنثًا، ليكمل شبهه بنزال، فيستحق البناء. ومن ذلك: حماد: للمحمدة، ويسار: للميسرة، وقالوا للخسران: خياب بن هياب، وللباطل: وادي تخيب، ومنه الأعداد المطلقة، نحو: ستة ضعف ثلاثة، وأربعة نصف ثمانية. هذه الأسماء كلها أسماء أجناس، وسميت أعلامًا، لجريانها مجرى العلم الشخصي في الاستعمال، وذلك لأنها لا تقبل الألف واللام، وإذا وصفت بالنكرة بعدها انتصبت على الحال، ويمنع منها الصرف ما فيه تاء التأنيث، أو الألف والنون المزيدتان، فلما شاركت العلم الشخصي في الحكم ألحقت به.

اسم الإشارة

اسم الإشارة 82 - بذا لمفردٍ مذكرٍ أشر ... بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر [30] // 83 - تان للمثنى المرتفع ... وفي سواه ذين تين اذكر تطع 84 - وبأولى أشر لجمع مطلقا ... والمد أولى ولدى البعد انطقا 85 - بالكاف حرفًا دون لامٍ أدمعه ... واللام إن قدمت ها ممتنعه اسم الإشارة: ما دل على حاضر، أو منزل منزلة الحاضر، وليس متكلمًا، ولا مخاطبًا. ويختلف حاله، بحسب القرب والبعد والإفراد، والتذكير، وفروعهما. فله في القرب (ذا) للواحد، و (ذي، وذه، وتي، وتا، وته) للواحدة، و (ذان، وتان) رفعًا، و (ذين، وتين) جرا ونصبًا، للاثنين وللاثنتين، و (أولاء) للجمع مطلقًا، أي: سواء كان مذكرًا أو مؤنثًا. وأكثر ما يستعمل في من يعقل. وقد يجيء لغيره، كقوله: [من الكامل] 33 - ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام

وفي (أولاء) لغتان: المد والقصر، فالمد لأهل الحجاز، وبه نزل القرآن العظيم. والقصر لبني تميم. وإذا أشير إلى البعيد لحق اسم الإشارة كاف الخطاب: حرفا يدل على حال المخاطب غالبًا، نحو: ذاك، وذاكِ، وذاكما، وذاكم، وذاكن. وقولي: (غالبًا) احترازًا من نحو قوله تعالى: (ذلك خير لكم وأطهر) [المجادلة /12]. إنما حكم على هذه الكاف بأنها حرف، لأنها لو كانت اسمًا لكان اسم الإشارة مضافًا، واللازم منتف؛ لأن اسم الإشارة لا يقبل الإضافة، لأنه لا يقبل التنكير. وتزاد قبل الكاف لام في الإفراد غالبًا، وفي الجمع قليلا، ولا تزاد في التثنية، فيقال: ذاك، وذلك، وتيك، وتلك، وذانك، وذينك، وتانك، وتينك، وأولئك، وأولاك، وأولالك. هذه الأمثلة كلها للجنس البعيد. وزعم الأكثرون أن المقرون بالكاف، دون اللام للمتوسط، وأن المقرون بالكاف، مع اللام للبعيد، وهو تحكم، لا دليل عليه. ويكفي في رده أن الفراء حكي أن إخلاء ذلك، وتلك من اللام لغة تميم. فعلم أن الحجازيين إذا لم يريدوا القرب، لا يقولون إلا ذلك وتلك، وأن ليس لاسم الإشارة عندهم إلا مرتبتان: قرب وبعد، وأمر غيرهم مشكوك فيه، فيلحق بما علم. وتلحق هاء التنبيه المجرد كثيرًا، نحو: هذا وهذه وهذان وهاتان وهؤلاء، والمقرون بالكاف دون اللام قليلا، كقول طرفة: [من الطويل] 34 - رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطراف الممدد

ولا يجوز هذا لك، ولذلك قال: .......................... واللام إن قدمت هاهنا ممتنعه 86 - وبهنا أو ههنا أشر إلى ... داني المكان وبه الكاف صلا [31] // 87 - في البعد أو بثم فه أو هنا ... أو هنالك انطقن أو هنا يشار إلى المكان القريب بـ (هنا) وقد تلحقه هاء التنبيه، فيقال: (هاهنا)، فإن كان المكان بعيدًا جيء بالكاف مع اللام، ودونها نحو: هناك وهنالك. ويشار إلى المكان البعيد أيضًا بـ (ثم، وهنا) بفتح الهاء وكسرها. قال ذو الرمة: [من البسيط] 35 - هنا وهنا ومن هنا لهن بها ... ذات الشمائل والأيمان هينوم وقد يراد بـ (هنا) الزمان، كقول الآخر: [من الكامل] 36 - حنت نوار ولات هنا حنت ... وبدا الذي كانت نوار أجنت

الموصول

الموصول 88 - موصول الأسماء الذي الأثنى التي ... واليا إذا ما ثنيا لا تثبت 89 - بل ما تليه أوله العلامة ... والنون إن تشدد فلا ملامه 90 - والنون من ذين وتين شددا ... أيضًا وتعويض بذاك قصدا 91 - جمع الذي الألي الذين مطلقا ... وبعضهم بالواو رفعًا نطقا 92 - باللات واللاء التي قد جمعا ... واللاء كالذين نزرًا وقعا الموصول على ضربين: اسمي، وحرفي. فالموصول الاسمي: ما افتقر إلى الوصل بجملة معهودة، مشتملة على ضمير، لائق بالمعنى. والموصول الحرفي: هو كل حرف أول هو مع صلته بمصدر، نحو: (أن) في قولك: أريد أن تفعل. و (ما) في نحو قوله تعالى: (ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) [التوبة /118]. و (كي) نحو: جئتك لكي تحسن إلي، و (لو) في مثل قوله تعالى: (يود أحدهم لو يعمر ألف سنةٍ) [البقرة /96]. المعنى؛ والله أعلم؛ يود أحدهم العمير. نص على ذلك أبو علي الفارسي.

ومنه قول قتيلة: [من الكامل] 37 - ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق تقديره: ما كان ضرك منك عليه. وأما الأسماء الموصولة فمنها: (الذي) للواحد، و (التي) للواحدة، و (اللذان واللتان) رفعا، و (اللذين واللتين) جرا ونصبًا: للاثنين والاثنتين. وكان القياس فيها: اللذيان واللتيان، كالشجيان والعميان، إلا أن (الذي والتي) لما كانا مبنيين لم يكن لبنائهما حظ في التحريك، فلم يفتح قبل علامة التثنية، بل بقيت [32] ساكنة، فالتقى ساكنان، // فحذف الأول منهما، ولهذا شدد بعضهم النون، تعويضًا عن الحذف المذكور نحو: اللذان واللتان، ومنهم من شدد النون من (ذان وتان)، فيقول: (ذان، وتان) بجعل ذلك تعويضًا عن ألف ذا، وتا. ومنها (الذين) لجمع من يعقل، و (الألى) بمعناه، نحو: جاء الألى فعلوا، كما تقول: جاء الذين فعلوا، وهو اسم جمع، لأنه لا واحد له من لفظه، والذين كذلك، لأنه مخصوص بمن يعقل، و (الذي) عام له ولغيره. فلو كان (الذين) جمعًا له لساواه في العموم، لأن دلالة الجمع كدلالة التكرار بالعطف. (فالألي والذين) من أسماء الجموع، وإطلاق الجمع عليهما اصطلاح لغوي، لا حرج على النحوي في استعماله. قوله: .................... الذين مطلقا ... .............................

يعني أنه يكون بالياء والنون في الرفع والنصب والجر، لأنه مبني. يدل على أن هذا المراد بالإطلاق. قوله: ............................ ... وبعضهم بالواو رفعًا نطقا فنبه على أن من العرب من يجري (الذين) مجرى الجمع المذكر السالم، فيجعله بواو في الرفع، وبياء في الجر والنصب. فعلم أن ذلك الإطلاق هو عدم ذلك التقييد. والذين يجرون (الذين) مجرى جمع المذكر السالم هم هذيل، وقال بعضهم: هم بنو عقيل، وأنشدوا على ذلك قول الراجز: [من الرجز] 38 - نحن اللذون صبحوا الصباحا ... يوم النخيل غارةً ملحاحا ومن الأسماء الموصولة (اللاتي، واللائي) لجمع المؤنث السالم: عاقلا كان، أو غيره، وبحذف يائهما، فيقال: (اللات، واللاء) نحو: (واللاء يئسن من المحيض) [الطلاق /40]. وقد يجيء (اللاء) بمعنى (الذين) كقوله: [من الوافر] 39 - فما آباؤنا بأمن منه ... علينا اللاء قد مهدوا الحجورا

كما قد يجيء (الأولى) بمعنى (اللاء) كقول الآخر: [من الطويل] 40 - فأما الأولى يسكن غور تهامةٍ ... فكل فتاةٍ تترك الحجل أقصما وقال الآخر، وقد جمع بين اللغتين: [من الطويل] 41 - فتلك خطوب قد تملت شبابنا ... قديمًا فتبلينا المنون وما نبلي وتبلي الألى يستلئمون على الألى ... تراهن يوم الروع كالحدا القبل ومنها أسماء أخر، مذكورة في قوله: 93 - ومن وما وأل تساوي ما ذكر ... وهكذا ذو عند طيئ شهر 94 - وكالتي أيضًا لديهم ذات ... وموضع اللاتي أتى ذوات [33] // 95 - ومثل ماذا بعد ما استفهام ... أو من إذا لم تلغ في الكلام من الموصولات أسماء تستعمل بمعنى (الذي، والتي) وتثنيتهما، وجمعهما، واللفظ واحد. وتلك (من، وما، والألف واللام، وذو، وذا، وأي). فأما (من) فهي لمن يعقل: تحقيقًا أو تشبيهًا كقوله: [من الطويل] 42 - أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلي إلى من قد هويت أطير أو تغليبًا، كقوله تعالى: (ولله يسجد من في السموات والأرض) [الرعد /15].

ومنه قوله تعالى: (والله خلق كل دابةٍ من ماءٍ فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربعٍ) [النور /45]. غلب على كل دابة حكم من يعقل، فعاد عليه ضمير من يفعل، وفصل تفصيله. وتكون (من) بمعنى الذي وفروعه، ويجوز في ضميرها اعتبار المعنى، واعتبار اللفظ، وهو أكثر، كقوله تعالى: (ومنهم من يؤمن به) [يونس /40]. وقوله تعالى: (ومن يقنت منكن لله ورسوله) [الأحزاب /31]. واعتبار المعنى عربي جيد، كقولهم: (من كانت أمك) وقول الشاعر: [من الطويل] 43 - تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان وقال عز وجل: (ومنهم من يستمعون إليك) [يونس /42]. وأما (ما) فتجري مجرى (من) في جميع ما ذكر، إلا أنها لا تكون لمن يعقل، وإنما تكون لما لا يعقل، نحو قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) [الصافات /96]، ولصفات من يعقل، نحو قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) [النساء /3]، وللمبهم أمره، كقولك لمن أراك شبحًا، لا تدري أبشر هو أم مدر: رأيت ما رأيت؟. ولا تطلق (ما) على من يعقل، إلا مع غيره، نحو قوله عز وجل: (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض) [النحل /49]. وأما الألف واللام فتكون اسمًا موصولا بمعنى (الذي) وفروعه، ويلزم في ضميرها اعتبار المعنى نحو: جاء الضارب والضاربة، والضاربان والضاربتان، والضاربون

والضاربات، كأنك قلت: الذي ضرب والتي ضربت، واللذان ضربا واللتان ضربتا، والذين ضربوا واللاتي ضربن. ويدلك على أن الألف واللام في نحو: الضارب اسم موصول أمور: الأول: استحسان خلو الصفة معهما عن الموصوف، إذا قلت: جاء الكريم المحسن، فلولا أن الألف واللام هنا اسم موصول، قد اعتمدت الصفة عليه، كما تعتمد على الموصوف لقبح خلوها عن الموصوف، مع الألف واللام، كما يقبح بدونها. الثاني: عود الضمير عليها، نحو: أفلح المتتقي ربه، فإنه لا يعود الضمير إلا على الاسم. الثالث: إعمال اسم الفاعل معها بمعنى المضي، كقولك: جاء الضارب أبوه زيدًا أمس، فلولا أن الألف واللام بمعنى الذي، واسم الفاعل معها قد سد مسد الفعل لكان منع إعمال اسم الفاعل بمعنى المضي معها أحق منه بدونها. [34] وأما (ذو) فتكون موصولة في لغة طيئ خاصة، والأعرف // فيها عندهم بناؤها، واستعمالها في الإفراد والتذكير، وفورعهما بلفظ واحد. ويظهر المعنى بالعائد، نحو: رأيت ذو قام أبوه، وذو قام أبوها، وذو قام أبوهما، وذو قام أبوهم، وذو قام أبوهن. قال الشاعر: [من المنسرح] 44 - ذاك خليلي وذو يواصلني ... يرمي ورائي بامسهم وامسلمه أي: والذي يواصلني.

وقال الآخر: [من الوافر] 45 - فإن الماء ماء أبي وجدي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت أراد: التي حفرت، والتي طويت. وقد تعرب كما أنشد أبو الفتح: [من الطويل] 46 - فإما كرام موسرون لقيتهم ... فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا والرواية المشهورة: ............................... ... فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا على البناء. وقد ذكر أبو الحسن في كتابه المقرب أن في (ذو) الموصولة لغتين: إحداهما: إجراؤها مجرى (من). والأخرى: إجراؤها مجرى (الذي). في اختلاف اللفظ، لا اختلاف حاله: في الإفراد، والتذكير، وفروعهما، وقد تلحقها تاء التأنيث، وتبنى على الضم. حكي الفراء: (بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله به). والمعنى: بالفضل الذي فضلكم الله به، والكرامة التي أكرمكم الله بها. وربما جمع ذات بالألف والتاء؛ مع بقاء البناء؛ كقول الراجز: [من الرجز] 47 - جمعتها من أينقٍ سوابق ... ذوات ينهضن بغير سائق

وأما (ذا) فتكون موصولة بمنزلة (ما) في الدلالة على معنى (الذي) وفروعه، إذا وقعت بعد (ما) الاستفهامية، أو (من) أختها، ما لم يكن مشارًا بها، أو ملغاة. فمتى لم يتقدم على (ذا) (ما)، ولا (مَنْ) الاستفهاميتان لم يجز في (ذا) عند البصريين أن تكون موصولة. وأجازه الكوفيون، وانشدوا قول ابن مفرغ: [من الطويل] 48 - عَدَسْ ما لِعَبَّاد عليك إمَارةٌ .... أَمِنْتِ وهذا تَحملينَ طَليقُ زاعمين أن المراد، والذي تحملين طليق، وهو محتمل. والأظهر: أن (هذا) اسم إشارة، و (تحملين) حال، والتقدير: وهذا محمولًا طليق. أما إذا وقعت (ذا) بعد (ما) أو (مَنْ) الاستفهاميتين، فقد تكون مشارًا بها كما في نحو: ماذا الواقف، ومَنْ ذا الذاهب، وأمر هذا ظاهر، ولذلك لم يحرَز عنها. وقد لا تكون (ذا) مشارًا بها كما في نحو: ماذا صنعت؟ ومن ذا رأيت؟ فيحتمل فيها حينئذ أن تكون موصولة، مخبرًا بها عن اسم الاستفهام، وأن تكون ملغاة؛ دخولها في الكلام كخروجها. ويظهر أثر الاحتمالين في البدل من الاستفهام، وفي الجواب. هذا إن فرغ (ما) بعد (ذا) من ضمير الاستفهام، أو ملابسه، كما إذا قلت: [35] ماذا صنعت؟ أخيرًا، أم شرٍّا؟ // وأخيرٌ، أم شرٌّ؟ بنصب البدل ورفعه، فالنصب على جعل (ما) مفعول صنعت، و (ذا) لغو، والرفع على جعل (ما) مبتدًا،

مخبرًا عنه بـ (ذا) موصولة، على حد قول الشاعر: [من الطويل] 49 - ألا تَسْألاَنِ المرءَ ماذا يُحاوِلُ .... أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضلالٌ وباطِلُ. والجواب كالبدل: في أن حاله مبنية على الحكم في (ذا) فإن حق الجواب أن يكون مطابقًا للسؤال، فلذلك يجيء فعليٍّا تارة، وابتدائيًا أخرى: فيجيء فعليًا إذا حملت (ذا) على كونها لغوًا، لأن الاستفهام؛ حينئذ؛ يكون بجملة فعلية، ويجيء ابتدائيًا، إذا حملت (ذا) على كونها موصولة، لأن الاستفهام؛ حينئذ؛ يكون بجملة اسمية. وعلى ذلك قراءة أبي عمرو قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة/ 219] برفع العفو؛ على معنى: الذي ينفقون العفو، ونصبه؛ على معنى: أنفقوا العفو. وأما (أي) فسيأتي ذكرها، إن شاء الله تعالى. 96 - وكلها يلزمُ بعدهُ صلة .... على ضمير لائق مشتمله 97 - وجملةٌ أو شبهُها الذي وُصل .... به كمن عندي الذي ابنُه كُفل 98 - وصِفة صريحةٌ صلةُ أل .... وكونُها بمعرَب الأفعال قل لما فرع من تعداد الأسماء الموصولة، وشرح معانيها أخذ في بيان ما يلزمها من الاستعمال، فذكر هذه الأبيات. وحاصلها: أن كل موصول يلزمه أن يعرف بصلة، مشتملة على ضمير عائد إلى الموصول، مطابق له في الإفراد، والتذكير، وفروعهما.

ومن شروط الصلة: أن تكون معهودة، نحو: جاء الذي عرفته، أو منزلة منزلة المعهود، نحو قوله: عز وجل: {فعشيهم من اليم ما غشيهم} [طه/ 78]. وإلا لم تصلح للتعريف. ثم الموصول: إن كان غير الألف واللام فصلته جملة خبرية، مؤلفة من مبتدأ، وخبر، نحو: جاء الذي زيد أبوه، أو من فعل وفاعل، نحو: جاء الذي كرم أخوه. ولا يجوز أن تكون الصلة جملة طلبية، لأن الطلب غير محصل، فلا يكون معهودًا، ولا يصلح للتعريف، ويقوم مقام الجملة الموصول بها شبهها من ظرف، أو جار ومجرور، متعلق باستقرار محذوف، نحو: رأيت الذي عندك، والذي لزيد، تقديره: الذي استقر عندك، والذي حصل لزيد. وقد مثل للموصول بالجملة، وشبهها. ........................... .... بمن عندي الذي ابنُه كُفِل فـ (من) موصول بظرف، شبيه بالجملة، و (الذي) موصول بجملة هي: مبتدأ وخبر. وإن كان الموصول الألف واللام فصلته صفة صريحة، أي خالصة الوصفية، كضارب، وحسن، وظريف، بخلاف التي غلبت عليها الاسمية، كأبطح، وأجرع، وصاحب، وراكب، فإنها لا تصلح لأن يوصل بها. [36] وقد توصل (الألف واللام) بفعل مضارع // شبهوه بالصفة، لأنه مثلها في المعنى، قال الشاعر: [من البسيط] 50 - ما أنت بالحكم الترضي حكومته .... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

وقال الآخر: [من الطويل] 51 - يقول الخنا وأبغض العجم ناطقًا .... إلى ربنا صوت الحمار اليُجدعُ 99 - أي كما وأعربت ما لم تُضف .... وصدر وصلها ضميرٌ انحذف 100 - وبعضهم أعرب مطلقًا وفي .... ذا الحذف أيا غيرُ أي يقتفي 101 - إن يُستطل وصلٌ وإن لم يُستطل .... فالحذف نزر وأبوا أن يختزل 102 - إن صلح الباقي لوصل مكمل .... والحذفُ عندهم كثيرٌ مُنجلي 103 - في عائد متصل إن انتصب .... بفعلٍ أو وصف كمن نرجو يهب من الأسماء الموصولة (أي) وهي (كما) في الدلالة على معنى (الذي) و (التي) وتثنيتهما، وجمعهما، نحو: امرر بأي فعل، وأي فعلت، وأي فعلا، وأي فعلوا، واي فعلن. وقد تلحقها تاء التأنيث، نحو: امرر بأية فعلت. وأعربت دون أخواتها، لأن شبهها بالحروف في الافتقار إلى جملة، معارض بلزومها الإضافة في المعنى، فبقيت على مقتضى الأصل في الأسماء. وقد تبنى، وذلك إذا صرح بما تضاف إليه، وكان العائد مبتدأ محذوفًا، كقوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا} [مريم/ 69]. تقديره: أيهم هو أشد.

ومثل ذلك قول الشاعر: [من المتقارب] 52 - إذا ما لقيت بني مالك .... فسلم على أيهم أفضل وأما إذا لم يكن العائد مبتدأ محذوفًا، فلا بد من إعراب، أي سواء كان العائد مبتدأ مذكورًا، نحو: أمرر بأيهم هو أفضل، أو غيره، نحو: أُمرر بأيهم قام أبوه، وكذا إذا لم يصرح بما تضاف إليه (أي) فلا بد من إعرابهان سواء كان العائد مبتدأ محذوفًا، نحو: امرر بأي أفضل، أو لم يكن، نحو: امرر بأي هو أفضل، وأي قام أبوه. ومن العرب من يعرف (أيا) مطلقًا، وعليه قراءة بعضهم: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد} بالنصب. قوله: .................... وفي .... ذا الحذف أيا غير أي يقتفي يعني: أن غير (أي) من الموصولات يتبع (أيا) في جواز حذف العائد عليها، وهو مبتدأ، لكنه لا يحسن، ولا يكثر إلا إذا طالت الصلة كقول بعضهم: (ما أنا بالذي قائلٍ لك شيئًا). أرادك ما أنا بالذي هو قائل لك شيئًا، ومنه قوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} [الزخرف/ 84]. [37] المعنى؛ والله أعلم؛ وهو الذي هو في السماء إله // وهو في الأرض إله.

أما إذا لم تطل الصلة فالحذف ضعيف قليل، كقوله: [من البسيط] 53 - ومن يعن بالحمد لا ينطق بما سفه .... ولا يحد عن سبيل الحلم والكرم أراد: لا ينطق بما هو سفهٌ. ومنه قراءة بعضهم: {تمامًا على الذي أحسن} [الأنعام/ 154] بالرفع. قوله: .................... .... ......... وأبوا أن يُختزل إن صلُح الباقي لوصل مُكمل .... ................... يعني: أن العائد إذا كان مبتدأ لا يجوز اقتطاعه من الصلة، وحذفه إلا أن يكون الخبر مفردًا، كما مر. فلو كان ظرفًا، أو جملة لم يجز حذف العائد، لأنه؛ حينئذ؛ لو حذف لم يبق على إرادته دليل، لأن الظرف والجملة من شأن كل واحد منهما أن يستقل بالوصل. فتقول جاء الذي هو في الدار، ورأيت الذي هو يقول ويفعل، ولا يجوز في مثله حذف العائد وقوله: ........................ ..... والحذف عندهم كثيرٌ مُنجلي في عائد متصل ............. .... ......................... إلى آخر البيت، بيان إلى أنه يحسن حذف العائد إذا كان ضميرًا متصلًا منصوبًا بفعل أو وصف، كقوله: .......................... .... ........... من نرجو يهب. تقديره: من نرجوه الهبة يهب.

ونحو قوله تعالى: {مما عملت أيدينا أنعامًا} [يس/ 71] وقوله تعالى: {ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم} [فصلت/31]. وأمثال ذلك؛ مما حذف منه العائد منصوبًا بفعل؛ كثير، وأما ما حذف منه العائد منصوبًا بالوصف فقليل. وشاهده قول الشاعر: [من م. البسيط] 54 - في المعقب البغي أهل البغي ما .... ينهى امرأ حازمًا أن يسأما تقديره: في الذي أعقبه البغي ظلم أهل البغي ما ينهى الحازم أن يسأم من سلوك الحق، وطريق السداد. ولو كان العائد المنصوب بالفعل ضميرًا منفصلًا، كما في نحو: جاء الذي أكرمت لم يجز حذفه، لئلا تفوت فائدة الانفصال من الدلالة على الاختصاص والاهتمام. 104 - كذاك حذفُ ما بوصفٍ خُفضا .... كأنت قاض بعد أمر من قضى 105 - كذا الذي جُر بما الموصول جر .... كمُر بالذي مررت فهو بر يعني: أنه يجوز حذف العائد، مجرورًا بإضافة الوصف إليه، كما جاز حذفه منصوبًا لأنه مثله في المعنى، قال الله تعالى: {فاقض ما أنت قاض} [طه/ 72]. تقديره: فاقض ما أنت قاضيه، وقال الشاعر: [من الطويل] 55 - ويصغر في عيني تلادي إذا انثت .... يميني بإدراك الذي كنت طالبا

ويجوز أيضًا حذف العائد المجرور بحرف جر به الموصول، لفظًا ومعنى، ومتعلقًا كقولك: مر بالذي مررت، تقديره: مر بالذي مررت به، فحذف العائد لوضوح الدلالة [38] // عليه. ومثله قوله تعالى: (ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون) [المؤمنون /33] أي: منه. ولو كان العائد مجرورًا بحرف غير ما جر به الموصول، لفظًا ولا متعلقًا، كما في نحو: جاء الذي مررت به، لم يجز الحذف خوف اللبس. ولو كان مجرورًا بحرف جر بالموصول لفظًا لا معنى ولا متعلقًا كما في نحو: زهدت في الذي رغبت فيه، لم يجز أن يحذف العائد، إلا فيما ندر من قوله: [من الطويل] 56 - وإن لساني شهدة يشتفى بها ... وهو على من صبه الله علقم أراد: من صبه عليه.

المعرف بأداة التعريف

المعرف بأداة التعريف 106 - أل حرف تعريفٍ أو اللام فقط ... فنمط عرفت قل فيه النمط مذهب سيبويه: أن اللام وحدها هي المعرفة، لكنها وضعت ساكنة، مبالغة في الخفة: إذ كانت أكثر الأدوات دروًا في الكلام، فإذا ابتدئ بها لحقتها ألف الوصل مفتوحة، ليمكن النطق بها. ومذهب الخليل رحمه الله أن الألف أصل، وعوملت معامله ألف الوصل، لكثرة الاستعمال، وليس ذلك بأبعد من قولهم: خذ، وكل، ومر، ووي لامه. قال الشيخ: ومذهب الخليل أقرب لسلامته من دعوى الزيادة في الحرف، ومن التعرض لالتباس الاستفهام بالخبر، أو بقاء همزة الوصل في غير الابتداء: مسهلة، أو مبدلة، ومن مخالفة المعهود في نقل الحركة إلى ما بعد همزة الوصل من الاستغناء عنها، فإن المشهور من قراءة ورش أن يبدأ بالهمزة في نحو: الآخرة، والأولى، ولسلامته أيضًا من أن يرتكب حينئذ في همزة الوصل في السعة ما لا يجوز مثله إلا في الضرورة. وهو القطع في قولهم: يا الله، وها الله لأفعلن.

وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن التعريف بالأداة على ضربين: عهدي، وجنسي، فإن عهد مصحوبها بتقديم ذكر أو علم، كما في قوله تعالى: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا * فعصى فرعون الرسول) [المزمل / 15 - 16]، ونحو: (اليوم أكملت لكم دينكم) [المائدة /30] فهي عهدية، وإلا فجنسية. والجنسية إن خلفها كل، بدون تجوز، كنحو: (إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين) [العصر / 2 - 3] فهي لشمول الأفراد. وإن خلفها كل بتجوز، نحو: أنت الرجل علمًا وأدبًا، فهي لشمول خصائص الجنس مبالغة، وإن لم يخلفها كل، نحو قوله تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي) [الأنبياء: 30]. فهي لبيان الحقيقة. 107 - وقد تزاد لازمًا كاللات ... والآن والذين ثم اللاتي [139] // 108 - ولاضطرارٍ كبنات الأوبر ... كذا وطبت النفس يا قيس السري 109 - وبعض الأعلام عليه دخلا ... للمح ما قد كان عنه نقلا 110 - كالفضل والحارث والنعمان ... فذكر ذا وحذفه سيان تزاد أداة التعريف، مع بعض الأسماء. كما يزاد غيرها من الحروف، فتصحب معرفًا بغيرها، وباقيًا على تنكيره. وزيادتها في الكلام على ضربين: لازمة، وعارضة. فاللازمة في نحو: (اللات): اسم صنم، فإنه لم يعهد بغير الألف واللام، ونحو: (الآن) فإنه بني لتضمنه معنى أداة التعريف، والألف واللام فيه زائدة، غير مفارقة ونحو: (الذين، واللات) فإنهما معرفان بالصلة، والأداة فيهما زائدة لازمة. ومن ذلك: اليسع، والسموءل، ونحوهما مما قارنت الأداة فيه التسمية. وأما العارضة فمجوزة للضرورة، أو للمح الوصف بمصحوبها.

فالأول كقول الشاعر: [من الكامل] 57 - ولقد جنيتك أكمؤًا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر أراد: بنات أوبر، وهي ضرب من الكمأة ردئ الطعم. ومثله قول الآخر: [من الطويل] 58 - أما ودماءٍ مائراتٍ تخالها ... على قنة العزى وبالنسر عندما أراد: نسرًا؛ لأنه يعني ذلك الصنم. ومن ذلك قول الآخر: [من الطويل] 59 - رأيتك لما أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

أراد: طبت نفسًا، لأنه تمييز، ولكنه زاد فيه الألف واللام لإقامة الوزن. ونحو زيادة الألف واللام في هذا البيت زيادتها في قراءة بعضهم: (ليخرجن الأعز منها الأدل) [المنافقون /8]. لأن الحال كالتمييز في وجوب التنكير، والشاذ قد يلحق بالمجوز للضرورة. والثاني: كحارث، وعباس، وحسن، مما سموا به مجردًا، ثم أدخلوا عليه الألف واللام للمح الوصف به، فقالوا: الحارث، والعباس، والحسن، شبهوه بنحو الضارب، والكاتب، والألف واللام فيه مزيدتان، لأنهما لم يحدثا تعريفًا. وأكثر هذا الاستعمال في المنقول من صفة كما مر، وقد يكون في المنقول من مصدر، أو اسم عين، لأن المصادر، وأسماء الأعيان قد تجري مجرى الصفات في الوصف بها على التأويل. فالمنقول من مصدر، كالفضل، والنصر، والمنقول من اسم عين، كالنعمان، وهو في الأصل من أسماء الدم، ثم سمي به، والله أعلم. 111 - وقد يصير علما بالغلبة ... مضاف أو مصحوب أل كالعقبة [40] // 112 - وحذف أل ذي إن تناد أو تضف ... أوجب وفي غيرهما قد تنحذف يعني: إن من المعرف بالإضافة، أو بالأداة ما ألحق بالأعلام، لأنه قد غلب على بعض ما له معناه، واشتهر به اشتهارًا تامًا، بحيث لا يفهم منه سوى ذلك البعض إلا بقرينة، فألحق بالأعلام، لأنه كالموضوع لتعيين المسمى في اختصاصه به. فالمضاف، كابن عمر وابن دالان: لعبد الله وجابر، دون من عداهما من إخوتهما. وذو الأداة، كالنجم: للثريا، والصعق: لخويلد بن نفيل، ومنه: العقبة، والبيت، والمدينة، وما فيه الإضافة من ذي الغلبة لا تفارقه بحال. وما فيه الألف واللام منه حقه ألا تفارقه أيضًا؛ لأن الغلبة قد حصلت للاسم معهما، فذهابهما مظنة فوات الغلبة، فلذلك لزمت، فلم تحذف غالبًا إلا في النداء، نحو: يا صعق، ونحو قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث: (إلا طارقًا يطرق بخيرٍ منك يا رحمن).

وإذا عرض الاشتراك في ذي الغلبة جاز تخصيصه بالإضافة، كقولهم: أعشى تغلب، ونابغة ذبيان، وكقول الشاعر: [من الوافر] 60 - ألا أبلغ بني خلفٍ رسولا ... أحقًا أن أخطلكم هجاني وقولي: (غالبًا) احترازًا مما نبه عليه بقوله: ..................... ... ............ وفي غيرهما قد تنحذف من نحو قولهم: (هذا يوم اثنين مباركًا فيه) حكاه سيبويه. ونحو: هذا عيوق طالعًا، حكاه ابن الأعرابي، وزعم أن ذلك جائز في سائر النجوم، وقال الشاعر: [من الطويل] 61 - إذا دبران منك يومًا لقيته ... أؤمل أن ألقاك غدوًا بأسعد

الابتداء

الابتداء 113 - مبتدأ زيد وعاذر خبر ... إن قلت زيد عاذر من اعتذر 114 - وأول مبتدأ والثاني ... فاعل اغنى في أسارٍ ذان 115 - وقس وكاستفهامٍ النفي وقد ... يجوز نحو فائز أولو الرشد 116 - والثان مبتدأ وذا الوصف خبر ... إن في سوى الإفراد طبقًا استقر المبتدأ: هو الاسم المجرد عن العوامل اللفظية، غير المزيدة، مخبرًا عنه، أو وصفًا رافعًا لمكتفىً به. والابتداء: هو كون الاسم كذلك. فقولي: (الاسم) جنس للمبتدأ، يعم الصريح منه، نحو: زيد قائم، والمؤول. نحو: (وأن تصوموا خير لكم) [البقرة: 184] و (المجرد عن العوامل اللفظية) مخرج [41] للاسم في // بابي كان، وإن، وللمفعول الأول في باب ظن، و (غير المزيدة) مدخل لنحو: (بحسبك زيد) (وما من إله إلا الله) [المائدة / 73] مما جاء مبتدأ مجرورًا بحرف جر زائد، وقولي (مخبرًا عنه، أو وصفًا) مخرج لأسماء الأفعال نحو: تزال، ودراك، و (رافعًا لمكتفى به) مخرج لنحو قائم من قولك: أقائم أبوه زيد؟ فإن مرفوعه ليس مكتفًى به معه. وقد وضح من هذا أن المبتدأ إما ذو خبر، كزيد: من قولك: زيد عاذر، وإما وصف مسند إلى الفاعل، أو نائبه، كسار، ومكرم: من قولك: أسار هذان؟ وما مكرم العمران، فهذا الضرب قد استغنى بمرفوعه عن الخبر، لشدة شبهه بالفعل، ولذلك

لا يحسن استعماله، ولا يطرد في الكلام حتى يعتمد على ما يقربه من الفعل، وهو الاستفهام، أو النفي، كما في قوله: [من البسيط] 62 - أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنًا ... إن يظعنوا فعجيبً عيش من قطنا وقال الآخر: [من الطويل] 63 - خليلي ما وافٍ بعهدي أنتما ... إذا لم تكونا لي على من أقاطع أما إذا لم يعتمد على الاستفهام، أو النفي كان الابتداء به قبيحًا، وهو جائز على قبحه. ومن الشواهد عليه قول الشاعر: [من الطويل] 64 - خبيرً بنو لهبٍ فلا تك ملغيًا ... مقالة لهبي إذا الطير مرت فهذا مثل قوله: ....................... ... ............ فائز أولو الرشد

فإن قلت: فلم لم يجعل الوصف في مثل هذا المثال خبرًا مقدمًا، وما بعده مبتدأ؟ قلت: لعدم المطابقة؛ فإن الوصف في هذا لو كان خبرًا مقدمًا لتحمل ضمير ما بعده، وطابقه في التثنية، والجمع، فلما لم يطابقه علم أنه لم يتحمل ضميره، بل أسند إليه إسناد الفعل إلى الفاعل، ألا ترى إلى قوله: والثان مبتدأ وذا الوصف خبر ... إن في سوى الإفراد طبقًا استقر يعني أن الوصف إذا كان لما بعده من مثنى، أو مجموع، وطابقه، كما في نحو: أقائمان الزيدان؟ وأقائمون الزيدون؟ كان خبرًا مقدمًا، وما بعده مبتدأ له، لأن المطابقة في الوصف تشعر بتحمل الضمير، وتحمله الضمير يمنع كونه مبتدأ. فيفهم من هذا أن الوصف متى كان لمثنى، أو مجموع، ولم يطابقه وجب كونه مبتدأ، لأنه قد علم أنه لم يتحمل الضمير، ومتى كان لمفرد، كما في قوله تعالى: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) [مريم / 46]، جاز أن يكون مبتدأ، وما بعده فاعل، وجاز أن يكون خبرًا مقدمًا، متحملا للضمير. 117 - ورفعوا مبتدأ بالابتدا ... كذاك رفع خبرٍ بالمبتدأ المبتدأ والخبر مرفوعان. [42] ولا خلاف عند البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأما // الخبر: فالصحيح أنه مرفوع بالمبتدأ. قال سيبويه: (فأما الذي يبني عليه شيء هو هو فإن المبني عليه يرتفع به، كما ارتفع هو بالابتداء، وذلك كقولك: عبد الله منطلق). وقيل: رافع الجزأين هو الابتداء، لأنه اقضتاهما، فعمل فيهما، وهو ضعيف، لأن أقوى العوامل، وهو الفعل لا يعمل رفعين بدون إتباع، فما ليس أقوى أولى ألا يعمل ذلك. وعند المبرد: أن الابتداء رافع للمبتدأ، وهما رافعان للخبر، وهو قول بما لا نظير له.

وذهب الكوفيون: إلى أن المبتدأ والخبر مترافعان. ويبطله أن الخبر يرفع الفاعل، كما في نحو: زيد قائم أبوه، فلا يصلح لرفع المبتدأ، لأن أقوى العوامل، وهو الفعل لا يعمل رفعين بدون إتباع، فما ليس أقوى لا ينبغي له ذلك. 118 - والخبر الجزء المتم الفائده ... كالله بر والأيادي شاهده 119 - ومفردًا يأتي جمله ... حاويةً معنى الذي سيقت له 120 - وإن تكن إياه معنى اكتفى ... بها كنطقى الله حسبي وكفى خبر المبتدأ: ما به تحصل الفائدة مع المبتدأ (كبر، وشاهدة) من قولك: الله بر، والأيادي شاهدة. والأصل في الخبر أن يكون اسمًا مفردًا، وقد يكون جملة بشرط أن تكون مرتبطة بالمبتدأ، وإلا لم تحصل الفائدة بالإخبار بها عنه، ولو قلت: زيد قام عمرو لم يكن كلامًا. والارتباط بأحد أمرين: الأول: أن تكون الجملة مشتملة على معنى المبتدأ، إما لأن يكون فيها ضميره، مذكورًا، نحو: زيد قام أبوه، أو مقدرًا، نحو: البر الكر بستين، تقديره: البر الكر منه بستين درهمًا، ومثله: السمن منوان بدرهم. وإما لأن فيها مشارًا به إليه ظاهرًا هو المبتدأ كما في قوله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير) [الأعراف /26]، أو متضمنًا للمبدأ، كما في قوله تعالى: (والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين) [الأعراف: 170]. ومنه قولهم: زيد نعم الرجل. وإما لأن فيها المبتدأ معادًا، نحو قوله تعالى: (الحاقة * ما الحاقة) [الحاقة / 1 - 2] و (القارعة * ما القارعة) [القارعة / 1 - 2]. والثاني أن تكون الجملة نفس المبتدأ في المعنى، كقولك: نطقي الله حسبي وكفي، فنطقي: مبتدأ، واله: مبتدأ ثان، وحسبي: خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول،

والرابط لها به هو كون مفهومهما هو المراد بالمبتدأ، ومن ذلك قوله تعالى: (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام) [يونس / 10] وقوله: (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا) [الأنبياء /97] وقوله: (قل هو الله أحد) [الإخلاص /1] [43] على أظهر الوجهين، والله أعلم. // 121 - والمفرد الجامد فارغ وإن ... يشتق فهو ذو ضميرٍ مستكن 122 - وأبرزنه مطلقًا حيث تلا ... ما ليس معناه له محصلا الخبر المفرد: لا يخلو إما أن يكون جامدًا، أو مستقًا، فإن كان جامدًا لم يتحمل ضمير المبتدأ، خلافًا للكوفيين، لأن الجامد لا يصلح لتحمل الضمير إلا على تأويله بالمشتق، كقولك: زيد أسد، والجارية قمر، على تأويل، هو شجاع، وهي منيرة، والجامد إذا كان خبرًا لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه يكفي في صحة الإخبار به كونه صادقًا على ما صدق عليه المبتدأ، وذلك كقولك: زيد أخوك، وهذا عبد الله، وما أشبه ذلك. وإن كان مشتقا: فإن لم يرفع ظاهرًا رفع ضمير المبتدأ، لأن المشتق بمنزلة الفعل في المعنى، فلابد له من فاعل: إما ظاهر، كما في نحو: زيد ضارب غلامه، وإما مضمر، كما في نحو: زيد منطلق، تقديره: زيد منطلق هو، وهذا الضمير يجب استتاره، إلا إذا جرى الخبر على غير من هو له، فيرفع ضميره فإنه حينئذ يجب عند البصريين بروزه مطلقًا، أي سواء خيف اللبس مع الاستتار، أو أمن، تقول: زيد عمرو ضاربه هو، فزيد مبتدأ، وعمرو مبتدأ ثان، وضاربه خبر عمرو، والهاء له، وهو فاعل عائد على زيد، ووجب إبرازه، لئلا يتوهم أن عمرًا هو فاعل الضرب، وتقول: هند زيد ضاربته هي، تبرز الفاعل، لأن الخبر جرى على غير من هو له، وإن كان اللبس مع الاستتار مأمونًا، إجراء لهذا النوع من الخبر على نسق واحد. وعند الكوفيين أن إبراز الضمير إنما يجب عند خوف اللبس. ومما يدل على صحة قولهم قول الشاعر: [من البسيط] 65 - قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت ... بصدق ذلك عدنان وقحطان

إذ لم يقل: بانوها هم، وقال: 123 - وأخبروا بظرفٍ أو بحرف جر ... ناوين معنى كائنٍ أو استقر 124 - ولا يكون اسم زمانٍ خبرا ... عن جثةٍ وإن يفد فأخبرا مما يخبر به عن المبتدأ: الجار والمجرور، نحو: الحمد لله، والظرف، وهو كل اسم زمان أو مكان متضمن معنى في نحو: السفر غدًا، وزيد أمامك. والمصحح للإخبار بهذين تضمنهما معنى صادقًا على المبتدأ، ولك أن تقدره بمفرده، نحو: كائن، أو مستقر، ولك أن تقدره بجملة، نحو: كان أو استقر، كما في الصلة، ويترجح الأول بأمرين: [44] الأول: وقوع الظرف، والجار // والمجرور خبرًا في موضع لا يصلح للجملة، كقولهم: أما في الدار فزيد، تقديره: مستقر في الدار فزيد، ولا يجوز أن يكون تقديره: أما استقر في الدار فزيد، لأن (أما) لا تفصل عن (الفاء) إلا باسم مفرد، نحو: أما زيد فقائم، أو بجملة شرط، دون جوابه، نحو قوله تعالى: (فأما إن كان من القربين * فروح وريحان وجنة نعيمٍ) [الواقعة / 88 - 89]. الثاني: وقوع الظرف، والجار والمجرور خبرًا في موضع لا يصلح للفعل، كقوله تعالى: (إذا لهم مكر في آياتنا) [يونس / 21] تقديره: إذا حاصل لهم مكر، ولا يجوز أن يكون تقديره: إذا حصل لهم مكر، لأن إذا الفجائية لا تليها الأفعال. واعلم أن اسم المكان يجوز أن يخبر به عن اسم المعنى، واسم العين، وأما اسم الزمان فإنما يخبر به في الغالب عن اسم المعنى، نحو: القتال غدًا، أو يوم الجمعة، وقد يخبر به عن اسم العين، إذا كان مثل اسم المعنى في وقوعه وقتًا دون وقت، نحو: الرطب في تموز، والورد في أيار، أو دل دليل على تقدير حذف مضاف، كقول الشاعر: [من الرجز] 66 - أكل عامٍ نعم تحوونه ... يلقحه قومً وتنتجونه

تقديره: أكل عام إحراز نعم، أو نهب نعم؟ ونحوه: الليلة الهلال، لأن معناه: الليلة حدوث الهلال، أو رؤية الهلال، أو كان المبتدأ عامًا، واسم الزمان خاصًا، كقولك: نحن في شهر كذا، وما عدا ذلك فلا يصح فيه الإخبار عن اسم العين باسم الزمان، لأنه لا يفيد، والله أعلم. 125 - ولا يجوز الابتدا بالنكره ... ما لم تفد كعند زيدٍ نمره 126 - وهل فتى فيكم فما خل لنا ... ورجل من الكرام عندنا 127 - ورغبة في الخير خير وعمل ... بر يزين وليقس ما لم يقل الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة، لأن الغالب في النكرة ألا يفيد الإخبار عنها. والأصل في الخبر أن يكون نكرة، لأنه محصل للفائدة، وقيد التعريف فيه الأصل عدمه. وقد يعرفان، نحو: الله ربنا وربكم، وقد ينكران بشرط حصول الفائدة، وذلك في الغالب: بأن يكون المبتدأ نكرة محصنة، والخبر ظرفًا، أو جارًا ومجرورًا مقدمًا، نحو: عند زيد نمرة، وفي الدار رجل، أو يعتمد على استفهام نحو: هل فتى فيكم؟ أو نفي، نحو: ما أحد أفضل منك، ومثله: ما خل لنا، أو يختص فيقرب من المعرفة: إما بوصف، نحو: (ولعبد مؤمن خير من مشركٍ) [البقرة 221]. ومثله: (رجل من الكرام عندنا) وإما بعمل نحو: (أمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة). ومثله: رغبة في الخير [45] خير، وإما بإضافة، نحو: (خمس صلواتٍ كتبهن // الله على العباد). ومثله: (عمل بر يزين). وقد يبتدأ بالنكرة في غير ما ذكرنا لأن الإخبار عنها مفيد وذلك نحو قول الشاعر:

[من المتقارب] 67 - فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر وقول الآخر: [من الطويل] 68 - سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا ... محياك أحفى ضوؤه كل شارق وقول ابن عباس - رضي الله عنه -: (تمرة خير من جرادة)، وقولهم: (شر أهر ذا نابٍ) (وشيء جاء بك). والله أعلم بالصواب. 128 - والأصل في الأخبار أن تؤخرا ... وجوزوا التقديم إذ لا ضررا 129 - فامنعه حين يستوي الجزآن ... غرفًا ونكرًا عادمي بيان 130 - كذا إذا ما الفعل كان الخبرا ... أو قصد استعماله منحصرا 131 - أو كان مسند الذي لام ابتدا ... أو لازم الصدر كمن لي منجدا الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر؛ لأنه وصف في المعنى للمبتدأ، فحقه أن يتأخر عنه وضعًا، كما هو متأخر عنه طبعًا، وقد يعدل عن الأصل. فيقدم الخبر، كقولهم: (تميمي أنا) و (مشنوء من يشنؤك).

وقد يمنع من تقديمه أسباب، كما قد يمنع من تأخيره أسباب. أما أسباب منع التقديم فمنها: أن يكون المبتدأ والخبر معرفتين أو نكرتين، وليس معهما قرينة تبين المخبر عنه من المخبر به، كقولك: زيد صديقك، وأفضل منك أفضل مني. فلو قلت: صديقك زيد، وأفضل مني أفضل منك كان المقدم هو المبتدأ، بخلاف نحو: أبو يوسف أبو حنيفة، فإنك لو قلت فيه: أبو حنيفة أبو يوسف كان أبو حنيفة خبرًا مقدمًا، لأنه قد علم أن المراد تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة، وأن المعنى: أبو يوسف مثل أبي حنيفة، قال الشاعر: [من الطويل] 69 - بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد المعنى: بنو أبنائنا مثل بنينا، فقدم الخبر، وحذف المضاف. ومنها أن يكون الخبر فعلا، بشرط كون المبتدأ مفردًا، والفعل مسندًا إلى ضميره نحو: زيد قام، وهند خرجت، فهذا النوع لا يجوز فيه تقديم الخبر، لعدم القرينة الدالة على إرادته، فإنك لو قلت قام زيد، وخرجت هند كان من باب الفعل والفاعل، لأن اعتباره أقرب. [46] ولو كان المبتدأ // مثنى أو مجموعًا، كما في نحو: أخواك قاما، وإخوتك قاموا، جاز تأخيره، نحو: قاما أخواك، وقاموا إخوتك، لأن إسناد الفعل إلى ألف الضمير، أو واوه أمارة على الإخبار بالجملة عن الاسم بعدها. وكذا لو كان المبتدأ مفردًا، والفعل مسندًا إلى غير ضميره، نحو: زيد قام أبوه فإنه يجوز تأخيره، نحو: قام أبوه زيد. ومنها قصد بيان انحصار الخبر، أعني انحصار جملة ما للمبتدأ من الأخبار التي يصح فيها النزاع فيما ذكر، كما إذا لت: إنما زيد شاعر، في الرد على من يعتقد أنه كاتب وشاعر، أو كاتب لا شاعر، وقد يستفاد الحصر بإنما، كما قد ذكرنا، وقد يستفاد بـ (إلا) بعد النفي، نحو: ما زيد إلا شاعر، فالخبر المحصور بإنما يجب تأخيره لأن تقديمه يوهم

انحصار المبتدأ، كما إذا قلت: إنما شاعر زيد في الرد على من قال: أما شاعر فزيد، وعمرو، أو فعمرو، لا زيد، وأما الخبر المحصور بإلا بعد النفي فتقديمه مع إلا لا يضر بمعنى الكلام، ومع ذلك ألزموه التأخير حملا على الحصر بإنما إلا فيما ندر من نحو قوله: [من الطويل] 70 - فيا رب هل إلا بك النصر يرتجي ... عليهم وهل إلا عليك المعول ومنها أن يكون الخبر مسندًا إلى مبتدأ مقرون بلام الابتداء، نحو: لزيد قائم، أو واجب التقديم، نحو ما تضمن استفهامًا، كقوله: (من لي منجدًا): (من) المبتدأ، و (لي) الخبر، و (منجدًا): حال من الضمير الذي في الخبر. ولا يجوز في نحو ذلك التقديم لا تقول: قائم لزيد، ولا لي منجدًا من، لأن لام الابتداء، والاستفهام لهما صدر الكلام. وأما أسباب منع تأخير الخبر، فكما يأتي في قوله: 132 - ونحو عندي درهم ولي وطر ... ملتزم فيه تقدم الخبر 133 - كذا إذا عاد عليه مضمر ... مما به عنه مبينًا يخبر 134 - كذا إذا يستوجب التصديرا ... كأين من علمته نصيرا 135 - وخبر المحصور قدم أبدا ... كما لنا إلا إتباع أحمدا يعني أنه يلزم تقديم الخبر لأسباب: منها: أن يكون الخبر ظرفًا، أو حرف جر، والمبتدأ نكرة محضة، نحو: عندي درهم، ولي وطر، التزموا تقديم الخبر في نحو هذا، رفعًا لإيهام كونه نعتًا في مقام الاحتمال، وذلك أنك لو قلت: درهم عندي، احتمل أن يكون عندي خبرًا للمبتدأ، وأن يكون نعتًا له، لأنه نكرة محضة، وحاجة النكرة إلى التخصيص ليفيد الإخبار [47] // عنها فائدة يعتد بمثلها آكد من حاجتها إلى الخبر، ولهذا لو كان الخبر ظرفًا، أو حرف جر، والمبتدأ معرفة، أو نكرة مختصة، كما في نحو: زيد عندك، ورجل تميمي في الدار جاز فيه التقديم والتأخير.

ومنها: أن يكون مع المبتدأ ضمير عائد على ما اتصل بالخبر، كقولهم: (على التمرة مثلها زبدًا)، وكقول الشاعر: [من الطويل] 71 - أهابك إجلالا وما بك قدرة ... علي ولكن ملء عين حبيبها (ملء عين) خبر مقدم، و (حبيبها) مبتدأ مؤخر، لأنه معرفة، وما قبله نكرة، وتأخير المبتدأ فيه واجب؛ لأنه لو قدم لعاد الضمير معه إلى متأخر في اللفظ والرتبة. ومنها: أن يكون الخبر واجب التصدير لتضمنه معنى الاستفهام، كقوله: .................. ... أين من علمته نصيرا (أين) ظرف مكان، وهو خبر مقدم و (من) اسم موصول في موضع رفع بالابتداء، وما بعده صلته، وخبره واجب التقديم لتضمنه معنى الاستفهام، ومثل ذلك قولك: كيف زيد؟ ومتى اللقاء؟. ومنها: أن يكون المبتدأ محصورًا، كقولك: إنما قائم زيد، وما قائم إلا زيد، ومثله نحو: ................. ... وما لنا إلا إتباع أحمدا صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم في هذه المسألة ما يغني عن الإطالة. 136 - وحذف ما يعلم جائز كما ... تقول زيد بعد من عندكما 137 - وفي جواب كيف زيد قل دنف ... فزيد استغني عنه إذ عرف يجوز حذف كل من المبتدأ والخبر إذا علم ودل عليه دليل، كما إذا قلت زيد: في جواب من عندك؟ ودنف: في جواب كيف عمرو؟ فزيد مبتدأ محذوف الخبر، ودنف خبر محذوف المبتدأ، والتقدير: زيد عندي، وعمرو دنف، ولكن جاز فيهما الحذف لظهور المراد.

ومن ذلك حذف الخبر، نحو: خرجت فإذا السبع، وزيد قائم، وعمرو، وقول الشاعر: [من المنسرح] 72 - نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرأي مختلف التقدير: خرجت فإذا السبع حاضر، وزيد قائم، وعمرو كذلك، ونحن بما عندنا رضوان، وأنت بما عندك راض. ومن ذلك حذف المبتدأ في قوله تعالى: (من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها) [فصلت /46]. أي: فعمله لنفسه، وإساءته عليها، وقول الشاعر: [من الطويل] 73 - أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه نجوم سماءٍ كلما انقض كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه أراد: هم نجوم سماء. [48] ومن ذلك حذف ما يحتمل كونه مبتدأ وخبرًا، كقوله تعالى: (طاعة // معروفة) [النور / 53]، فإن سياق الكلام قبله يصح كونه خبرًا لمبتدأ محذوف، أي: طاعتكم طاعة معروفة، لأنها بالقول. دون الفعل، وكونه مبتدأ خبره محذوف، أي: طاعة معروفة مقبولة هي أمثل بكم من هذا القسم الكاذب.

ومن ذلك حذف المبتدأ، والخبر معًا في قوله تعالى: (واللائي لم يحضن) تتمته (فعدتهن ثلاثة أشهر) [الطلاق / 4]. وجميع ما ذكر من الحذف سبيله في الكلام الجواز. وقد يحذف المبتدأ وجوبًا إذا كان خبره: إما نعتًا مقطوعًا نحو: الحمد لله الحميد، واللهم صل على محمد الرؤوف الرحيم. وإما مصدرًا بدلا من اللفظ بالفعل في الأصل، كقولهم: سمع وطاعة، أي أمري سمع وطاعة. قال سيبويه: (وسمعت ممن يوثق بعربيته، يقال له: كيف أصبحت؟ فقال: حمد الله، وثناءً عليه) أي حالي حمد الله، وأنشد: [من الطويل] 74 - فقالت حنان ما أتى بك ها هنا ... أذو نسبٍ أم أنت بالحي عارف وإما صريحًا في القسم، كقولهم: (في ذمتي لأفعلن كذا) أي: في ذمتي يمين. وقال: [من الطويل] 75 - تساور سوارًا إلى المجد والعلا ... وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا ولا يحذف المبتدأ وجوبًا في سوى ذلك إلا في باب نعم، إذا قيل: إن المخصوص خبر، فإن المبتدأ لا يجوز ذكره.

وأما الخبر فيحذف أيضًا وجوبًا لكن بشرط العلم به، وسد غيره مسده، وذلك فيما نبه عليه بقوله: 138 - وبعد لولا غالبًا حذف الخبر ... حتم وفي نص يمينٍ ذا استقر 139 - وبعد واوٍ عينت مفهوم مع ... كمثل كل صانعٍ وما صنع 140 - وقبل حالٍ لا يكون خبرا ... عن الذي خبره قد أضمرا 141 - كضربي العبد مسيئًا وأتم ... تبييني الحق منوطًا بالحكم وحاصله: أن ما يجب حذفه من الأخبار أربعة: الأول: خبر المبتدأ بعد لولا الامتناعية، بشرط تعليق امتناع الجواب على نفس المبتدأ، وهو الغالب، كقولك، لولا زيد لزرتك، تقديره، لأجل ضرورة تصحيح الكلام: لولا زيد مانع لزرتك، ثم التزم فيه حذف الخبر للعلم به، وسد جواب لولا مسده. وقد يعلق امتناع الجواب على نسبة الخبر إلى المبتدأ، فإن لم يدل على ذلك دليل وجب ذكره كقول الزبير - رضي الله عنه -: [من الطويل] 76 - ولولا بنوها حولها لخبطتها ... كخبطة عصفورٍ ولم أتلعثم [49] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لولا قومك حديثو عهدٍ بالإسلام لهدمت الكعبة فجعلت // لها بابين). وإن دل على ذلك دليل جاز ترك الخبر، وذكره، كقول أبي العلاء المعري: [من الطويل] 77 - يذيب الرعب منه كل عضبٍ ... فلولا الغمد يمسكه لسالا

ولو قيل في الكلام: لولا الغمد لسال لصح، ولكنه آثر ذكر الخبر، رفعًا لإيهام تعليق الامتناع على نفس الغمد بطريق المجاز. الثاني: خبر المبتدأ الصريح في القسم، نحو: لعمرك لأفعلن، أي لعمرك قسمي، إلا أن هذا الخبر لا يتكلم به، لأنه معلوم، وجواب القسم ساد مسده. ومثله: أيمن الله ليقومن، ولو كان المبتدأ مرادًا به القسم، وليس من الصريح فيه جاز حذف الخبر، وإثباته، نحو: عهد الله لأفعلن، فهذا على الحذف، وإن شئت قلت على عهد الله: بإثبات الخبر. الثالث: خبر المبتدأ المعطوف عليه بواو المصاحبة، وهي الناصبة على المعنية نحو: كل رجل وضيعته، وكل صانع وما صنع، فالخبر في نحو هذا مضمر بعد المعطوف تقديره: مقرونان، إلا أنه لا يذكر للعلم به، وسد العطف مسده، ولو لم تكن الواو للمصاحبة، كما في نحو: زيد وعمرو مجتمعان، لم يجب الحذف، قال الشاعر: [من الطويل] 78 - تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى ... وكل امرئٍ والموت يلتقيان الرابع: خبر المبتدأ إذا كان مصدرًا عاملا في مفسر صاحب حال، واقع بعده، نحو: ضربي العبد مسيئًا، أو أفعل تفضيل مضافًا إلى المصدر المذكور، نحو: أتم ... .. الحق منوطًا بالحكم (فمسيئًا) حال من الضمير في (كان) المغير بمفعول المصدر، المقدر مع الفعل المضاف إلى الخبر، وكذلك منوطًا، والتقدير: ضربي العبد إذا كان مسيئًا، وأتم تبييني الحق إذا كان منوطًا بالحكم. وقد التزم في هذا النحو حذف الخبر للعلم به، وسد الحال مسده. وقد أشار إلى هذه المسألة بقوله: وقبل حالٍ لا يكون خبرا ... عن الذي خبره قد أضمرا أي: ويجب حذف الخبر مقدرًا قبل حال، لا يصح جعلها خبرًا للمبتدأ، كما في المثالين المذكورين، وفيه إشارة إلى الحال، متى صح جعلها خبرًا للمبتدأ لم يجز أن تسد الحال

مسد خبره، بل تكون هي الخبر، وإن حذف معها فعلى وجه الجواز. حكي الأخفش: زيد قائمًا، وخرجت فإذا زيد جالسًا. وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (ونحن عصبةً) [يوسف / 8، 14] أي: ونحن نرى عصبةً، أو نكون عصبةً. وإنما يصح أن تسد الحال مسد الخبر، إذا باينت المبتدأ، كما في نحو: ضربي زيدًا قائمًا، وأكثر شربي السويق ملتوتًا، وأخطب ما يكون الأمير قائمًا. فإن قلت: الحكم على هذا المنصوب بأنه حال مبني على أن كان المقدرة تامة فلم لم نجعلها ناقصة، وهذا المنصوب خبرًا؟ قلت: لوجهين: أحدهما: التزام تنكيره، فإنهم لا يقولون ضربي زيدًا القائم، ولا أكثر شربي السويق الملتوت. [50] فلما // التزم تنكيره علم أنه حال، لا خبر. والثاني: وقوع الجملة الاسمية مقرونة بالواو موقعه كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد). وقد منع الفراء وقوع هذه الحال فعلا مضارعًا، وأجازه سيبويه، وأنشد لرؤبه: [من الرجز] 79 - ورأي عيني الفتى أباكا ... يعطي الجزيل فعليك ذاكا 142 - وأخبروا باثنين أو بأكثرا ... عن واحدٍ هم سراة شعرا قد يتعدد الخبر، فيكون المبتدأ الواحد له خبران فصاعدًا، وذلك في الكلام على ثلاثة أقسام: قسم يجب فيه العطف، وقسم يجب فيه ترك العطف، وقسم يجوز فيه الأمران: فالأول: ما تعدد لتعدد ما هو له: إما حقيقة، نحو: بنوك، كاتب، وصانع، وفقيه،

قال الشاعر: [من المتقارب] 80 - يداك يد خيرها يرتجى ... وأخرى لأعدائها غائظه وإما حكمًا، كقوله تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) [الحديد / 20]. والثاني: ما تعدد في اللفظ دون المعنى، وضابطه ألا يصدق الإخبار ببعضه عن المبتدأ، كقولك: الرمان حلو حامض، بمعنى: مز، وزيد: أعسر يسر، بمعنى: أضبط. وقد أجاز فيه أبو علي الفارسي العطف، وجعل منه قول نمر بن تولب: [من المتقارب] 81 - لقيم بن لقمان من أخته ... فكان ابن أختٍ له وابنما وهو سهو. والثالث: ما تعدد لفظًا ومعنى، دون تعدد ما هو له. فهذا يجوز فيه الوجهان، نحو: هم سراة شعراء، وإن شئت قلت: هم سراة وشعراء، قال الله عز وجل: (وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد) [البروج / 14 - 16]. وقال حميد بن ثور الهلالي: [من الطويل] 82 - ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع

وقال الآخر: [من المتقارب] 83 - فكان ابن أختٍ له وابنما ونحو قوله تعالى: (صم وبكم في الظلمات) [الأنعام /39].

كان وأخواتها

كان وأخواتها 143 - ترفع كان المبتدأ اسمًا والخبر ... تنصبه ككان سيدًا عمر دخول كان على المبتدأ والخبر على خلاف القياس، لأنها أفعال، وحق الأفعال كلها أن تنسب معانيها إلى المفردات، لا إلى الجمل، فإن ذلك للحروف، نحو: (هل) و (ليت) و (ما) في قولك: هل جاء زيد؟ وليته عندنا، وما أحد أفضل منك، ولكنهم توسعوا في الكلام فأجروا بعض الأفعال مجرى الحروف، فنسبوا معانيها إلى الجمل، وذلك كان وأخواتها، فإنهم أدخلوها على المبتدأ والخبر، على نسبة معانيها إلى مضمونها، ثم [51] رفعوا بها // المبتدأ تشبيهًا بالفاعل، ونصبوا الخبر تبشبيهًا بالمفعول، سواء تقدم أو تأخر، نحو: كان زيد قائمًا، وكان سيدًا عمر. ويسمى المرفوع في هذا الباب اسمًا، والمنصوب خبرًا. 144 - ككان ظل بات أضحى أصبحا ... أمسى وصار ليس زال برحا 145 - فتئ وانفك وهذي الأربعة ... لشبه نفي أو لنفي متبعه 146 - ومثل كان دام مسبوقًا بما ... كأعط ما دمت مصيبًا درهما معنى (كان): وجد، و (ظل): أقام نهارًا، و (بات): أقام ليلا، و (أضحى وأصبح وأمسى): دخل في الضحى والصباح والمساء، و (صار): تجدد، ومعنى (ليس):

نفي الحال، فإن نفت غيره فبقرينة، كقول الشاعر: [من الطويل] 84 - وما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدهر ما دام يذب ومعنى (زال): انفصل، وكذا (برح وفتئ وانفك)، ومعنى (دام): بقي، فأجروا هذه الأفعال بالمعاني المذكورة مجرى الحروف، فأدخلت على الجمل الابتدائية، على تعلق معانيها بها، فعملت فيها العمل المذكور. وهي في ذلك على ثلاثة أقسام: قسم يعمل بلا شرط وهو: كان وليس وما بينهما. وقسم يعمل بشرط تقدم نفي أو شبهه وهو: (زال وبرح وفتئ وانفك). مثال النفي: ما زال زيد عالما، ولن يبرح عمرو كريمًا، وقول الشاعر: [من الطويل] 85 - ألا يا اسلمي يا دار مي على البلي ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر وقول الآخر: [من الخفيف] 86 - ليس ينفك ذا غنى واعتزازٍ ... كل ذي عفةٍ مقل قنوع

وقد يغني معنى النفي عن لفظه، كقوله تعالى: (تالله تفتأ تذكر يوسف) [يوسف / 85]. قال الشاعر: [من م. الكامل] 87 - تنفك تسمع ما حييت ... بهالكٍ حتى تكونه فالمرء قد يرجوا النجا ... ة مؤملا والموت دونه وأما شبه النفي فهو النهي كقوله: [من الخفيف] 88 - صاح شمر ولا تزل ذاكر المو ... ت فنسيانه ضلال مبين ومتى خلت هذه الأفعال الأربعة عن نفي أو نهي ظاهر أو مقدر لا تعمل العمل المذكور. وقسم يعمل بشرط تقدم (ما) المصدرية النائبة عن الظرف، نحو: كأعط ما دمت مصيبا درهما المعنى: أعط درهمًا مدة دوامك مصيبه. فالمصحح لرفع دام الاسم، ونصبها الخبر كونها صلة لـ (ما) المذكورة. [52] فلو لم تكن صلة لها لم يصح ذلك العمل فيها وكذا لو لم تكن // (ما) نائبة عن الظرف فلا يقال: عرفت بما دام زيد صديقك. والمرجع في ذلك كله إلى متابعة الاستعمال. 147 - وغير ماضٍ مثله قد عملا ... إن كان غير الماض منه استعملا ما تصرف من هذه الأفعال، وغيرها فللمضارع منه والأمر ما للماضي من العمل، تقول: يكون زيد فاضلا، ولا يزال عمرو كريمًا، فترفع بالمضارع الاسم، وتنصب الخبر، كما تفعل بالماضي، وكذلك الأمر نحو: كن عالمًا أو متعلمًا: كن: فعل أمر يرفع

الاسم وينصب الخبر، واسمها ضمير المخاطب، وعالمًا هو الخبر، قال الله تعالى: (قل كونوا حجارة أو حديدًا) [الإسراء /50]. ويجري المصدر واسم الفاعل في ذلك مجرى الفعل، تقول: أعجبني كون زيدٍ صديقك، وهو كائن أخاك. وقال الشاعر: [من الطويل] 89 - ببدلٍ وحلمٍ ساد في قومه الفتى ... وكونك إياه عليك يسير وقال الآخر: [من الطويل] 90 - وما كل من يبدي البشاشة كائنًا ... أخاك إذا لم تلفه لك منجدا وقول الآخر: [من الطويل] 91 - قضى الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبك حتى يغمض العين مغمض 148 - وفي جميعها توسط الخبر ... أجز وكل سبقه دام حظر 149 - كذاك سبق خبرٍ ما النافيه ... فجئ بها متلوةً لا تاليه 150 - ومنع سبق خبر ليس اصطفي ... وذو تمام مع برفعٍ يكتفي الأصل تأخير الخبر في هذا الباب، كما في باب المبتدأ والخبر، وقد لا يتأخر، فيتوسط بين الفعل والاسم تارة، ويتقدم على الفعل تارة كالمفعول.

أما التوسط فجائز مع جميع أفعال هذا الباب، كقوله تعالى: (وكان حقًا علينا نصر المؤمنين) [الروم / 47]. وقال الشاعر: [من الطويل] 92 - سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم ... فليس سواءً عالمً وجهول وكقول الآخر: [من البسيط] 93 - لا طيب للعيش ما دامت منغصةً ... لذاته بادكار الموت والهرم وأما التقديم فجائز إلا مع (دام)، كما قال: ... .. وكل سبقه دام حظر أي منع. ومع المقرون بـ (ما) النافية، ومع (ليس) على ما اختاره المصنف، تقول: عالمًا كان زيد، وفاضلا لم يزل عمرو. ولا يجوز نحو ذلك في (دام) لأنها لا تعمل إلا مع (ما) المصدرية، و (ما) هذه ملتزمة صدر الكلام، وألا يفصل بينها، وبين صلتها بشيء، فلا يجوز معها تقديم الخبر على (دام) وحدها، ولا عليها مع (ما). [53] // ومثل (دام) في ذلك كل فعل قارنه حرف مصدري، نحو: أريد أن تكون فاضلا، وكذلك المقرون بـ (ما) النافية، نحو: ما زال زيد صديقك، وما برح عمرو أخاك، فالخبر في نحو هذا لا يجوز تقديمه على (ما)، لأن لها صدر الكلام، ويجوز توسطه بين (ما) والفعل، نحو: ما قائمًا كان زيد، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فوالله ما الفقر أخشى عليكم).

وأما ليس: فمذهب سيبويه وأبي علي وبان برهان جواز تقديم خبرها عليها، بدليل جواز تقديم معمول خبرها عليها في نحو قوله تعالى: (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم) [هود /8]. ولتفسيره عاملا فيما اشتغلت عنه بملابس ضميره، كقولهم: (أزيدًا لست مثله). حكاه سيبويه. وذهب الكوفيون والمبرد وابن السراج إلى منع ذلك، قاسوها على عسى ونعم وبئس وفعل التعجب. قال السيرافي: (بين ليس وفعل التعجب ونعم وبئس فرق، لأن ليس تدخل على الأسماء كلها: مظهرها ومضمرها، ومعرفتها ونكرتها، ويتقدم خبرها على اسمها. ونعم وبئس لا يتصل بهما ضمير المتكلم، ولا العلم، وفعل التعجب يلزم طريقة واحدة، ولا يكون فاعله إلا ضميرًا، فكانت ليس أقوى منها). قلت: وبين (ليس وعسى) فرق، لأن عسى متضمنة معنى ما له صدر الكلام، وهو معنى الترجي، في نحو: (لعل وليس) بخلاف ذلك، لأنها دالة على النفي وليس هو في لزوم صدر الكلام كالترجي، لأن النفي، وإن لزم صدر الكلام فيما لم يلزمه فيما عداها. فلا يلزم من امتناع التقديم على هذه الأفعال امتناع تقديم خبر ليس عليها. واعلم أن من الخبر ما يجب تقديمه في هذا الباب، كما يجب في باب المبتدأ، والخبر، وذلك نحو: كم كان مالك؟ وأين كان زيد؟ وآتيك ما دام في الدار صاحبها، قال الله تعالى: (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا) [الأعراف /82]. ومنه ما يجب تأخيره، نحو: كان الفتى مولاك، وما زال غلام هند حبيبها، وما كان زيد إلا في الدار. وقوله: ........................ ... وذو تمامٍ ما برفعٍ يكتفي إشارة إلى أن من هذه الأفعال ما يجوز أن يجري على القياس، فيسند إلى الفاعل، ويكتفي به، وتسمى حينئذ تامة بمعنى: أنها لا تحتاج إلى الخبر، وذلك نحو قوله تعالى: (وإن كان ذو عسرةٍ فنظرة إلى ميسرة) [البقرة /280]، وقوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) [الروم /17]، وقوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) [هود / 107 - 108].

وقول الشاعر: [من الطويل] 94 - وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد وجميع أفعال هذا الباب تصلح للتمام، إلا فتئ، وليس، وزال، وقد نبه على ذلك في قوله: 151 - وما سواه ناقص والنقص في ... فتئ ليس زال دائمًا قفي [54] // يعني: أن ما ليس تامًا من الأفعال المذكورة يسمى ناقصًا، بمعنى أنه لا يتم بالمرفوع. ومذهب سيبويه، وأكثر البصريين: أنها إنما سميت ناقصة، لأنها سلبت الدلالة على الحدث، وتجردت للدلالة على الزمان. وهو باطل؛ لأن هذه الأفعال مستوية في الدلالة على الزمان، وبينها فرق في المعنى، فلابد فيها من معنى زائد على الزمان، لأن الافتراق لا يكون بما به الاتفاق، وذلك المعنى هو الحدث، لأنه لا مدلول للفعل غير الزمان إلا الحدث. والذي ينبغي أن يحمل عليه قول من قال: إن (كان) الناقصة مسلوبة الدلالة على الحدث، إنها مسلوبة أن تستعمل دالة على الحدث دلالة الأفعال التامة بنسبة معناها على مفرد، ولكن دلالة الحروف عليه، فسمي ذلك سلبًا لدلالته على الحدث بنفسه. 152 - ولا يلي العامل معمول الخبر ... إلا إذا ظرفًا أتى أو حرف جر 153 - ومضمر الشان اسمًا انو إن وقع ... موهم ما استبان أنه امتنع لا يجوز البصريون إيلاء (كان) أو إحدى أخواتها معمول الخبر إلا إذا كان ظرفًا، أو حرف جر، نحو: كان يوم الجمعة زيد صائمًا، وأصبح فيك أخوك راغبًا. ولا يجوز عندهم في نحو: كانت الحمى تأخذ زيدًا، ونحو: كان زيد آكلا طعامك أن يقال: كانت زيدًا الحمى تأخذ، ولا كان طعامك زيدً آكلا، ولا كان طعامك آكلا زيد.

وأجاز ذلك الكوفيون تمسكًا بنحو قول الشاعر: [من الطويل] 95 - قنافذ هداجون حول بيوتهم ... بما كان إياهم عطية عودا وقول الآخر: [من البسط] 96 - فأصبحوا والنوى عالي معرسهم ... وليس كل النوى تلقي المساكين ومحمله عند البصريين على إسناد الفعل إلى ضمير الشأن، والجملة بعده خبر، كما إذا وقع المبتدأ، والخبر بعده مرفوعين، كقول الشاعر: [من الطويل] 97 - إذا مت كان الناس صنفان شامت ... وآخر مثنٍ بالذي كنت أصنع 154 - وقد تزاد كان في حشوٍ كما ... كان أصح علم من تقدما قد تأتي كان بلفظ الماضي زائدة، لا عمل لها، ولا دلالة لها على أكثر من الزمان. [55] وتتعين // للزيادة إذا وقعت في حشو الكلام، كوقوعها بين (ما) وفعل التعجب، نحو: ما كان أحسن زيدًا، وما كان أصح علم من تقدم. وبين المسند والمسند إليه، كقوله: أو نبي كان موسى.

وبين الجار والمجرور، كقول الشاعر: [من الوافر] 98 - سراة بني أبي بكرٍ تسامي ... على كان المسومة العراب وندر زيادتها بلفظ المضارع، كقول أم عقيل: [من الرجز] 99 - أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهب شمال بليل ولم يرد غيرها من أخواتها إلا (أصبح، وأمسي) فيما شذ، من نحو قولهم، (ما أصبح أبردها! وما أمسى أدفأها!). 155 - ويحذفونها ويبقون الخبر ... وبعد إن ولو كثيرًا ذا اشتهر 156 - وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب ... كمثل أما أنت برًا فاقترب 157 - ومن مضارعٍ لكان منجزم ... تحذف نون وهو حذف ما التزم كثير ما تحذف بعد (إن ولو) الشرطيتين، نحو: سر مسرعًا إن راكبًا أو ماشيًا، أي: إن كنت راكبًا أو كنت ماشيًا، وأعط ولو زيدًا أو عمرًا، أي: ولو كان المعطى زيدًا أو عمرًا، أي: ولو كان المعطى زيدًا أو عمرًا بررت.

قال الشاعر: [من الكامل] 100 - حدبت علي بطون ضنة كلها ... إن ظالمًا فيهم وإن مظلوما وقال الآخر: [من البسيط] 101 - لا يأمن الدهر ذو بغيٍ ولو ملكًا ... جنوده ضاق عنها السهل والجبل وأما قولهم: (الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرا فشر، والمرء مقتول بما قتل به إن سيفًا فسيف، وإن خنجرًا) ففيه أربعة أوجه: نصب الأول ورفع الثاني، وعكسه، ونصبهما، ورفعهما. فنصب الأول على معنى: إن كان عمله خيرًا، وإن كان ما قتل به سيفًا. ورفعه على معنى: إن كان في عمله خير، وإن كان معه سيف. ونصب الثاني على معنى: فيجزى خيرًا، أو فكان جزاؤه خيرًا، أو كان ما يقتل به سيفًا. ورفعه على معنى: فجزاؤه خير، وما يقتل به سيفً. وقد تحذف كان بعد غير (إن ولو). فمن ذلك حذفها بعد (لدن). كقول الراجز: أنشده سيبويه: [من الرجز] من لد شولا فإلى إتلائها أي: من لدن كانت شولا.

ومنه حذفها بعد (أن) الناصبة للفعل بتعويض (ما) عن الفعل، وإثبات [56] الاسم، والخبر، كقوله: // ......................... ... ......... أما أنت برا فاقترب تقديره: لأن كنت برًا فاقترب، فـ (أن) مصدرية و (ما) عوض عن (كان)، و (أنت) اسمها، و (بر) خبرها. ومنه قول الشاعر: [من البسيط] 103 - أبا خراشة أما أنت ذا نفرٍ ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع ومتى دخل على المضارع (من) كان الجازم اسكن النون، ووجب حذف الواو قبله، لأجل التقاء الساكنين، فيقال: لم يكن زيد قائمًا. وقد تخفف لكثرة الاستعمال، فتحذف نونها تشبيهًا بحرف اللين. هذا إن لم يلها ساكن، نحو: لم يك زيد قائمًا. فإن وليها ساكن، كما في نحو قوله: (لم يكن ابنك قائمًا) امتنع الحذف، إلا عند يونس. ويشهد له قول الشاعر: [من الطويل] 104 - فإن لم تك المرآة أبدت وسامةً ... فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم

فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس

فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس 158 - إعمال ليس أعملت ما دون إن ... مع بقا النفي وترتيبٍ زكن 159 - وسبق حرف جر أو طرفٍ كما ... بي أنت معنيا أجاز العلما ألحق أهل الحجاز (ما) النافية بـ (ليس) في العمل، إذا كانت مثلها في المعنى، فرفعوا بها الاسم، ونصبوا الخبر، نحو: (ما هذا بشرًا) [يوسف /31]، (وما هن أمهاتهم) [المجادلة /2]. وأهملها التميميون لعدم اختصاصها بالأسماء، وهو القياس. ومن أعملها فشرط عملها عنده: فقد (إن) الزائدة، وبقاء النفي، وتأخير الخبر، وهو المشار إليه بقوله: .................... ... .............. وترتيب زكن أي: علم. فلو وجدت (إن) كما في قول الشاعر: [من البسيط] 105 - بني غدانة ما إن أنتم ذهب ... ولا صريف ولكن أنتم الخزف

بطل العمل لضعف شبه (ما) حينئذ بـ (ليس) إذ قد وليها ما لا يلي (ليس). ولو انتقض النفي بـ (إلا) نحو: (وما محمد إلا رسول) [آل عمران / 144] بطل أيضًا عملها، لبطلان معناها، وندر أيضًا قول مغلس: [من الوافر] 106 - وما حق الذي يعثو نهارًا ... ويسرق ليله إلا نكالا وقول الآخر: [من الطويل] 107 - وما الدهر إلا منجنونًا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلا معذبا وكذلك لو تقدم الخبر، لأن (ما) عامل ضعيف، لا قوة لها على شيء من التصرف، فلذلك لم تعمل حال تقدم خبرها على الاسم فيما ندر من قول الفرزدق: [من البسيط] 108 - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر ولا يجوز تقديم معمول خبر (ما) على اسمها إلا إذا كان ظرفًا، أو حرف جر. تقول: ما زيد آكلا طعامك، ولو قدمت الطعام على زيد لم يجز، إلا أن ترفع الخبر نحو: ما [57] طعامك // زيد آكل.

قال الشاعر: [من الطويل] 109 - وقالوا تعرفها المنازل من منى ... وما كل من وافى منًى أنا عارف وتقول: ما عندك زيد مقيمًا؟ وما بي أنت معنيًا، بتقديم معمول خبر (ما) على اسمها، أجازوا ذلك في الظرف، والجار والمجرور، لأنه يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما. 160 - ورفع معطوفٍ بلكن أو ببل ... من بعد منصوبٍ بما ألزم حيث حل لا يجوز نصب المعطوف بـ (لكن) ولا بـ (بل) على خبر (ما) لأن المعطوف بهما موجب، و (ما) لا تنصب الخبر إلا منفيًا. فإذا عطف بهما على خبر (ما) وجب رفع المعطوف لكونه خبر مبتدأ محذوف، تقول: ما زيدً قائمًا، بل قاعد، وما عمرو شجاعًا، لكن كريم. المعنى: بل هو قاعد، ولكن هو كريم. 161 - وبعد ما وليس جر البا الخبر ... وبعد لا ونفي كان قد يجر كثيرًا ما تزاد (باء) الجر في الخبر بعد (ما وليس) توكيدًا للنفي، نحو: (وما ربك بغافلٍ) [الأنعام /132]، و (أليس الله بكافٍ عبده) [الزمر /36]. وقد تزاد في الخبر بعد (لا) كقول سواد بن قارب: [من الطويل] 110 - فكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعةٍ ... بمغنٍ فتيلا عن سواد بن قارب

ومثله: (لا خير بخير بعده النار) إذا قدر معناه: لا خير خيرًا، بعده النار. ويجوز أن يكون المعنى: لا خير في خير بعده النار. وبعد نفي (كان) كقوله: [من الطويل] 111 - وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل وفي مواضع أخر، كقوله تعالى: (أو لم يروا أن الله الذي لق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادرٍ) [الأحقاف /23]، وكقول الشاعر: [من الطويل] 112 - دعاني أخي والخيل بيني وبينه ... فلما دعاني لم يجدني بقعدد وقول الآخر: [من الطويل] 113 - يقول إذا اقلولي عليها وأقردت ... ألا هل أخو عيشٍ لذيذٍ بدائم

وقول امرئ القيس: [من الطويل] 114 - فإن تنأ عنها حقبةً لا تلافها ... فإنك مما أحدثت بالمجرب 162 - في النكرات أعملت كليس لا ... وقد تلي لات وإن ذا العملا 163 - وما للات في سوى حينٍ عمل ... وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل [85] // يجوز في (لا) النافية أن تعمل عمل (ليس) إن كان الاسم نكرة، نحو: لا رجل أفضل منك. قال الشاعر: [من الطويل] 115 - تعز فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وزر مما قضى الله واقيا وقال الآخر: [من م. الكامل] 116 - من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيسٍ لا براح

أراد: لا براح لي، فترك تكرير (لا) ورفع الاسم بعدها دليل على إلحاقها بـ (ليس). وقد تزاد التاء مع (لا) لتأنيث اللفظ، والمبالغة في معناه، فتعمل العمل المذكور في أسماء الأحيان، لا غير، نحو: (حين وساعة وأوان). والأعرف حينئذ حذف الاسم، كقوله تعالى: (ولات حين مناص) [ص/ 3] المعنى: ليس هذا الحين حين مناص، أي: فرار. وأما الساعة والأوان، قال الشاعر: [من الكامل] 117 - ندم البغاة ولات ساعة مندمٍ ... والبغي مرتع مبتغيه وخيم وقال الآخر: [من الخفيف] 118 - طلبوا صلحنا ولات أوانٍ ... فأجبنا أن ليس حين بقاء أراد: ولات أوان صلح، فقطع (أوان) عن الإضافة في اللفظ، فبناها، وآثر بناءها على الكسر، تشبيهًا بـ (نزال)، ونونها للضرورة.

وقد يحذفون خبر (لات) ويبقون اسمها كقراءة بعضهم: (ولات حين مناص) [ص /3]. ولم يثبتوا بعدها الاسم والخبر جميعًا. وقد ندر إجراء (إن) النافية مجرى (ليس) في قراءة سعيد بن جبير: (إن الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم) [الأعراف / 194]. وكقول الشاعر: [من المنسرح] 119 - إن هو مستوليًا على أحدٍ ... إلا على أضعف المجانين

أفعال المقاربة

أفعال المقاربة 164 - ككان كاد وعسى لكن ندر ... غير مضارعٍ لهذين خبر 165 - وكونه بدون أن بعد عسى ... نزر وكاد الأمر فيه عكسا 166 - وكعسى حرى ولكن جعلا ... خبرها حتمًا بأن متصلا 167 - وألزموا اخلولق أن مثل حرى ... وبعد أوشك انتفا أن نزرا [59] // 168 - ومثل كاد في الأصح كربا ... وترك أن مع ذي الشروع وجبا 169 - كأنشأ السائق يحدو وطفق ... كذا جعلت وأخذت وعلق أفعال المقاربة على ثلاثة أضرب: لأن منها ما يدل على رجاء الفعل، وهو (عسى وحرى واخلولق). ومنها ما يدل على مقاربته في الإمكان، وهو (كاد وكرب وأوشك). ومنها ما يدل على الشروع فيه، وهو (أنشأ وطفق وجعل وأخذ وعلق). وكل هذه الأفعال مستوية في اللحاق بـ (كان) في رفع الاسم، ونصب الخبر، لأنها مثل (كان) في الدخول على مبتدأ، وخبر في الأصل، لكن التزم في هذا الباب كون الخبر فعلا مضارعًا إلا فيما ندر، مما جاء مفردًا، كقول الراجز: [من الرجز] 120 - أكترث في العذل ملحًا دائما ... لا تكثرن إني عسيت صائما

وقول الآخر: [من الطويل] 121 - فأبت إلى فهمٍ وما كدت أيبًا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر أو جملة اسمية كقوله: [من الوافر] 122 - وقد جعلت قلوص بني زيادٍ ... من الأكوار مرتعها قريب أو فعلا ماضيًا، كقول ابن عباس - رضي الله عنه -: (فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا). فهذا ونحوه نادر. والمطرد كون الخبر فعلا مضارعًا مقرونًا بـ (أن) المصدرية، أو مجردًا منها. فيقرن بـ (أن) بعد أفعال الرجاء، نحو: (عسى الله أن يتوب عليهم) [التوبة /102]، وحرى زيد أن يقوم، واخلولقت السماء أن تمطر. وربما تجرد منها بعد (عسى)، كقول الشاعر: [من الوافر] 123 - عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب

فإن قلت: كيف جاز اقتران الخبر هاهنا بـ (أن) المصدرية مع أنه يلزم منه الإخبار عن اسم العين المصدر؟. قلت: يجوز مثل ذلك على المبالغة، أو حذف المضاف، كأنه قيل: عسى أمر زيدٍ أن يقوم. والأولى: جعل (أن) بصلتها مفعولا به على إسقاط الجار، والفعل قبلها تام. قال سيبويه: (تقول: عسيت أن تفعل كذا، فأن هاهنا بمنزلتها في [قولك]: قاربت أن تفعل، [أي قاربت ذاك،] وبمنزلة: دنوت أن تفعل. واخلولقت السماء أن تمطر. [أي لأن تمطر، و (عسيت) بمنزلة (اخلولقت السماء)]. فهذا نص منه على أن (أن) تفعل بعد عسى ليس خبرًا. والحق أن أفعال المقاربة ملحقة بـ (كان) إذا لم يقترن الفعل بعدها بـ (أن) أما إذا اقترن بها فلا. وأما أفعال المقاربة في الإمكان فيجوز في الفعل الذي بعدها اقترانه بـ (أن)، وتجرده منها، إلا أن الأعرف تجرده بعد (كاد وكرب) نحو: (كادوا يكونون عليه لبدًا). [60] [الجن /19] // وقال الشاعر: [من الخفيف] 124 - كرب القلب من جواه يذوب ... حين قال الوشاة هند غضوب وقد يقترن بـ (أن) بعدها، كقول عمر - رضي الله عنه -: (ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب). ومثله قول الشاعر: [من الطويل] 125 - أبيتم قبول السلم منا فكدتم ... لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السل

وقول الآخر في كرب: [من الطويل] 126 - سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما ... وقد كربت أعناقها أن تقطعا ومثله: [من الرجز] 127 - قد برت أو كربت أن تبورا ... لما رأيت بيهسا مثبورا ولم يذكر سيبويه في كرب إلا تجريد خبرها من (أن) فلذلك قال الشيخ: ومثل كاد في الأصح كربا ... .. وأما أوشك فالأمر فيها على العكس من (كاد)، قال الشاعر: [من الطويل] 128 - ولو سئل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا وقد يقال: أوشك زيد يفعل. والوجه: أوشك زيد أن يفعل. وأما أفعال الشروع فلا يقترن الخبر بعدها بـ (أن) لأنها للإنشاء، فخبرها حال، فلا يجوز أن تصحبه (أن)، لأنها لا تدخل على المضارع إلا مستقبلا، تقول: أنشأ السائق يحدو، وطفق زيد يعدو، وجعلت أفعل، وأخذت أكتب، وعلقت أنشئ؛ بتجريد الخبر من (أن) لا غير. 170 - واستعملوا مضارعًا لأوشكا ... وكاد لا غير وزادوا موشكا جميع أفعال المقاربة لا تتصرف، ولا يستعمل منها غير مثال الماضي إلا (كاد وأوشك).

أما كاد فجاؤوا لها بمضارع لا غير، نحو: (يكاد زيتها يضيء) [النور /35]. وأما أوشك فجاؤوا لها بمضارع، نحو قول الشاعر: [من المنسرح] 129 - يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها وهو فيها أعرف من مثال الماضي. وربما جاؤوا لها باسم فاعل، كقول الشاعر: [من المتقارب] 130 - فموشكة أرضنا أن تعود ... خلاف الأنيس وحوشًا يبابا 171 - بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد ... غنى بأن يفعل عن ثانٍ فقد 172 - وجردن عسى أو ارفع مضمرا ... بها إذا اسم قبلها قد ذكرا يجوز إسناد (عسى، واخلولق، وأوشك) إلى (أن يفعل)، فيستغنى به عن [61] الخبر، تقول: عسى أن // تقوم، وأوشك أن تذهب، كأنك قلت: دنا قيامك، وقرب ذهابك. قال الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم) [البقرة /216]. وإذا بنيت هذه الأفعال الثلاثة على اسم قبلها جاز إسنادها إلى ضميره، وجعل (أن يفعل) بعدها خبرًا، وجاز إسنادها إلى (أن يفعل) مكتفى به.

ويظهر أثر ذلك في التأنيث، والتثنية، والجمع، تقول: هند عست أن تقوم، والزيدان عسيا أن يقوما، والزيدون عسوا أن يقوموا، وأوشكوا أن يفعلوا. فهذا على الإسناد إلى ضمير المبتدأ. وتقول: هند عسى أن تقوم، والزيدان عسى أن يفعلا، والزيدون أوشك أن يفعلوا. فهذا على الإسناد إلى (أن) بصلتها وهكذا إذا كان بعد (أن يفعل) اسم ظاهر، فإنه يجوز كونه اسم (عسى) على التقديم والتأخير، وكونه فاعل الفعل بعد (أن). تقول على الأول: عسى أن يقوما أخواك، واخلولق أن يذهبوا قومك، وعلى الثاني: عسى أن يقوم أخواك، واخلولق أن يذهب قومك، تفرغ الفعل بعد (أن) من الضمير، لأنك أسندته إلى الظاهر. 173 - والفتح والكسر أجز في السين ... نحو عسيت وانتقا الفتح زكن إذا اتصل بـ (عسى) تاء الضمير، أو نوناه، نحو: عسيت أن تفعل، وعسينا أن نفعل، والهندات عسين أن يقمن جاز في السين الكسر إتباعًا للياء، وبه قرأ نافع قوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم) [محمد /22]. والفتح هو الأصل، وعليه أكثر القراء. ولذلك قال: ... وانتقا الفتح زكن أي: واختيار الفتح قد علم.

إن وأخواتها

إن وأخواتها 174 - لإن أن ليت لكن لعل ... كأن عكس ما لكان من عمل 175 - كإن زيدًا عالم بأني ... كفء ولكن ابنه ذو ضفن 176 - وراع ذا الترتيب إلا في الذي ... كليت فيها أو هنا غير البذي من الحروف ما استحق أن يجري في العمل مجرى (كان) وهي: إن وأن وليت ولكن ولعل وكأن. فإن: لتوكيد الحكم، ونفي الشك فيه، أو الإنكار له، وأن مثلها، إلا في كونها، وما بعدها في تأويل المصدر. و (ليت) للتمني، وهو: طلب ما لا طمع في وقوعه، كقولك: ليت زيدًا حي، وليت الشباب يعود. و (لكن) للاستدراك، وهو تعقيب الكلام برفع ما يتوهم عدم ثبوته أو نفيه، كقولك: ما زيد شجاعًا ولكنه كريم، فإنك لما نفيت الشجاعة عنه أوهم ذلك نفي الكرم، لأنهما كالمتضايفين، فلما أردت رفع هذا الإيهام؛ عقبت الكلام بـ (لكن) مع [62] // مصحوبها و (لعل) للترجي والطمع، وقد ترد إشفاقًا، كقوله تعالى: (فعلك باخع نفسك على آثارهم) [الكهف /6]. و (كأن) للتشبيه، وعند النحويين أن قولك كأن زيدًا أسد، أصله: إن زيدًا كالأسد، ثم قدمت الكاف ففتحت الهمزة من (أن) فصارا حرفًا واحدًا يفيد التشبيه، والتوكيد.

وهذه الحروف شبيهة بـ (كان) لما فيها من سكون الحشو، وفتح الآخر، ولزوم المبتدأ والخبر، فعملت عكس عمل (كان) ليكون المعمولان معها كمفعول وقدم، وفاعل أخر، فتبين فرعيتها، فلذلك نصبت الاسم، ورفعت الخبر، نحو: إن زيدًا علام بأني كفء، ولكن ابنه ذو ضغن، أي: حقد، ونحو: ليت عبد الله مقيم، ولعل أخاك راحل، وكأن أباك أسد. ولا يجوز في هذا الباب تقديم الخبر، إلا إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، نحو: إن عندك زيد، وإن في الدار عمرًا، وقال الله تعالى: (إن في ذلك لعبرةً) [آل عمران /13] و (إن لدينا أنكالا) [المزمل /12]. ومثل لصورتي تقديم الخبر في هذا الباب بقوله: ... ليت فيها أو هنا غير البذي أي: الوقح. 177 - وهمز إن افتح لسد مصدر ... مسدها وفي سوى ذاك اكسر (إن) المكسورة هي الأصل، فإذا عرض لها أن تكون هي، ومعمولها في معنى تأويل المصدر، بحيث يصح تقديره مكانهما فتحت همزتها للفرق، نحو: بلغني أن زيدًا فاضل، تقديره: بلغني الفضل. وكل موضع هو للمصدر فإن فيه مفتوحة، وكل موضع هو للجملة فإن فيه مكسورة. ومن المواضع ما يصح فيه الاعتباران، فيجوز فيه الفتح، والكسر على معنيين، كما سنقف عليه، إن شاء الله تعالى. وقد نبه على مواضع الكسر بقوله: 178 - فاكسر في الابتدا وفي بدء صله ... وحيث إن ليمين مكمله 179 - أو حكيت بالقول أو حلت محل ... حال كزرته وإني ذو أمل 180 - وكسروا من بعد فعل علقا ... باللام كاعلم إنه لذو تقى المواضع التي يجب فيها كسر (إن) ستة:

الأول: أن يبتدأ بها الكلام مستقلا، نحو قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) [الكوثر /1] ونحو: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [يونس /62]، أو مبنيا على ما قبله، نحو: زيد إنه منطلق. قال الشاعر: [من البسيط] 131 - منا الأناة وبعض القوم يحسبنا ... إنا بطاء وفي إبطائنا سرع الثاني: أن تكون أول صلة، كقولك: جاء الذي إنه شجاع، ونحو قوله تعالى: (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة) [القصص /76]. [63] واحترز بكونها أول الصلة من نحو: جاء الذي // عندك أنه فاضل، ومن نحو قولهم: لا أفعله ما أن في السماء نجمًا لأن تقديره ما ثبت أن في السماء نجمًا. الثالث: أن يتلقى بها القسم، نحو قوله تعالى: (حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ) [الدخان 1 - 2 - 3]. الرابع: أن يحكى بها القول المجرد من معنى الظن، نحو قوله تعالى: (قال إني عبد الله) [مريم /30]. وقوله: أو حكيت بالقول ... . ... . معناه: حكيت ومعها القول، لأن الجملة إذا حكي بها القول فقد حكيت هي بنفسها مع مصاحبة القول. واحترزت (بالمجرد من معنى الظن) من نحو: أتقول أنك فاضل. الخامس: أن تحل محل الحال، نحو: زرت زيدًا، وإني ذو أمل، كأنك قلت: زرته آملا، ومثله قوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون) [الأنفال /5].

فكسر (إن) في هذه المواضع كلها واجب، لأنها مواضع الجمل، ولا يصح فيها وقوع المصدر. السادس: أن تقع بعد فعل معلق باللام، نحو: علمت إنه لذو تقى. فلولا اللام لكانت (إن) مفتوحة، لتكون هي، وما عملت فيه مصدرًا منصوبًا بعلمت. فلما دخلت اللام وهي معلقة للفعل عن العمل بقي ما بعد الفعل معها منقطعًا في اللفظ عما قبله فأعطى حكم ابتداء الكلام، فوجب كسر (إن) كما في قوله تعالى: (والله يعلم إنك لرسوله) [المنافقون /1]. ومثله بيت الكتاب: [من الطويل] 132 - ألم تر إني وابن أسود ليلةً ... لنسري إلى نارين يعلو سناهما 181 - بعد إذا فجاءةٍ أو قسم ... لا لام بعده بوجهين نمي 182 - مع تلو فا الجزا وذا يطرد ... في نحو خير القول إني أحمد يجوز فتح (إن) وكسرها في مواضع: منها: أن تقع بعد (إذا) الفجائية، نحو: خرجت فإذا أن زيدًا واقف: والكسر هو الأصل، لأن إذا الفجائية مختصة بالجمل الابتدائية، (فإن) بعدها واقعة في موقع الجملة، فحقها الكسر. ومنهم من يفتحها بجعلها وما بعدها مبتدأ محذوف الخبر. قال الشاعر: [من الطويل] 133 - وكنت أرى زيدًا كما قيل سيدًا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم

يروى: (إذا إنه): على معنى: فإذا هو عبد القفا، و (إذا أنه)، على معنى: فإذا العبودية موجودة. ومنها: أن تقع بعد قسم، وليس مع أحد معموليها اللام، كقولك: حلفت إنك ذاهب؛ بالكسر؛ على جعلها جوابًا للقسم، وبالفتح على جعلها مفعولا بإسقاط الخافض، والكسر هو الوجه، ولا يجيز البصريون غيره. وأما الفتح فذكر ابن كيسان أن الكوفيين يجيزونه بعد القسم على جعله مفعولا [64] بإسقاط الجار، وأنشدوا: // [من الرجز] 134 - لتقعدن مقعد القصى ... مني ذي القاذورة المقلي أو تحلفي بربك العلي ... أني أبو ذيالك الصبي بكسر (إن) على الجواب، وبفتحها على معنى: أو تحلفي على أني أبو الصبي. ولو كان مع أحد معمولي (إن) بعد القسم اللام، كما في نحو: (حلفت بالله إنك لذاهب) وجب الكسر باتفاق، لأنها مع اللام يجب أن تكون جوابًا، ولا يجوز أن تكون مفعولا، لأن (أن) المفتوحة لا تجامعها اللام إلا مزيدة على ندور. ومنها: أن تقع بعد فاء الجزاء، نحو: من يأتني فإني أكرمه، بالكسر على أنها في موضع الجملة، وبالفتح: على أنها في تأويل مصدر مرفوع، لأنه مبتدأ محذوف الخبر، أو حبر محذوف المبتدأ، والكسر هو الأصل؛ لأن الفتح محوج إلى تقدير محذوف، لأن الجزاء لا يكون إلا جملة، والتقدير على خلاف الأصل. ومما جاء بالكسر قوله تعالى: (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) [البقرة / 215]. ومما جاء بالفتح قوله تعالى: (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم) [التوبة /63]. ومما جاء بالوجهين قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) [الأنعام /54].

فالكسر على معنى: فهو غفور رحيم، والفتح على معنى، فمغفرة الله ورحمته حاصلة لذلك التائب المصلح. ومنها: أن تقع خبرًا عن قول، وخبرها قول، وفاعل القولين واحد، كقولهم: أول قولي أني أحمد الله؛ بالفتح؛ على معنى: أول قولي: حمد الله، وإني أحمد الله؛ بالكسر، على الإخبار بالجملة، لقصد الحكاية، كأنك قلت: أول قولي هذا اللفظ. وقيل الكسر على أن الجملة حكاية القول، والخبر محذوف، تقديره: أول قولي: هذا اللفظ ثابت، وليس بمرضٍ، لاستلزامه ما لا سبيل إلى جوازه، وهو: إما الإخبار بما لا فائدة فيه، وإما كون أول صلة دخوله في الكلام كخروجه، لأن الذي هو أول قولي: إني أحمد الله حقيقة هو الهمزة من إني، فإن لم يكن أول صلة لزم الإخبار عن الهمزة من أني بأنها ثابتة، ولا فائدة فيه، وإن كان صلة لزم زيادة الاسم، وكلا الأمرين غير جائز. وتكسر (إن) بعد (حتى) الابتدائية، نحو: مرض فلان حتى إنه لا يرجى برؤه، أو بعد (ما) الاستفتاحية، نحو: أما إنك ذاهب، فإن كانت (حتى) عاطفة أو جارة تعين بعدها الفتح، نحو: عرفت أمورك حتى أنك فاضل، وكذلك إن كانت (إما) بمعنى: حقًا، تقول: أما إنك ذاهب، كما تقول: حقًا إنك ذاهب، على معنى في حق ذهابك. قال الشاعر: [من الوافر] 135 - أحقًا أن جيرتنا استقلوا ... فنيتنا ونيتهم فريق تقديره: أفي حق ذلك؟ وجوز فيه الشيخ أن يكون (حقًا) مصدرًا، بدلا من اللفظ بالفعل. [65] // وتفتح أن بعد (لا جرم) نحو قوله سبحانه وتعالى: (لا جرم أن الله يعلم ما يسرون) [النحل / 23]. وقد تكسر. قال الفراء: (لا جرم) كلمة كثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة حقًا، وبذلك فسرها المفسرون، وأصلها من جرمت، أي: كسبت.

وتقول العرب: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت، فنزلها بمنزلة اليمين. قلت: فهذا وجه من كسر (إن) بعدها، قال: لا جرم إنك ذاهب، وما عدا المواضع المذكورة فإن فيه الفتح، لا غير، نحو قوله عز وجل: (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعةً) [فصلت /39]. (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب) [العنكبوت /51]. (قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن) [الجن /1]. (ولا تخافون أنكم أشركتم بالله) [الأنعام /81]. (علم أنكم كنتم تختانون أنفسكم) [البقرة /187]. (ذلك بأن الله هو الحق) [الحج /62]. (وإنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) [الذاريات /23]. ومن أبيات الكتاب: كتاب سيبويه: [من الوافر] 136 - تظل الشمس كاسفةً عليه ... كآبة أنها فقدت عقيلا 183 - وبعد ذات الكسر تصحب الخبر ... لام ابتداء نحو إني لوزر 184 - ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ... ولا من الأفعال ما كرضيا 185 - وقد يليها مع قد كإن ذا ... لقد سما على العدا مستحوذا 186 - وتصحب الواسط معمول الخبر ... والفصل واسمًا حل قبله الخبر إذا أريد المبالغة في التأكيد جيء مع (إن) المكسورة بلام الابتداء، وفرقوا بينهما كراهية الجمع بين أداتين بمعنى واحد، فأدخلوا اللام على الخبر، أو ما في محله. أما الخبر فتدخل عليه اللام، بشرط ألا يتقدم معموله، ولا يكون منفيًا، ولا ماضيًا متصرفًا، خاليًا من (قد) نحو: إن زيدًا لرضي، بل يكون مفردًا، نحو قوله تعالى: (وإن ربك لذو مغفرةٍ) [الرعد /6]. ومثله: (إني لوزر). أي: ملجأ، أو ظرفًا، أو شبهه، نحو قوله تعالى: (وإنك لعلى خلقٍ عظيمٍ) [القلم /4]، أو جملة اسمية كقول الشاعر: [من البسيط] 137 - إن الكريم لمن ترجوه ذو جدةٍ ... ولو تعذر إيسار وتنويل

أو فعلا مضارعًا، نحو قوله تعالى: (وإن ربك ليحكم بينهم) [النحل /124]. ونحو: إن زيدًا لسوف يفعل. أو ماضيًا غير متصرف، نحو: إن زيدًا لعسى أن يفعل، أو مقرونًا بـ (قد) نحو: إن زيدًا لقد سما. وقد ندر دخولها على الخبر المنفي في قوله: [من الوافر] 138 - وأعلم أن تسليمًا وتركًا ... للا متشابهان ولا سواء وقد تدخل اللام على ما في محل الخبر من معمول الخبر، متوسطًا بينه وبين الاسم، نحو: إن زيدًا لطعامك آكل، وإن عبد الله لفيك راغب. [66] أو فصل، نحو: (إن هذا لهو القصص // الحق) [آل عمران /62]. أو اسم لـ (إن) متأخر عن الخبر، وذلك إذا كان ظرفًا. أو جارًا ومجرورًا، نحو: إن عندك لزيدًا، أو إن في الدار لعمرًا، قال الله تعالى: (إن في ذلك لعبرةً) [النازعات /29]. ولا تدخل هذه اللام على غير ما ذكر، غير مبتدأ أو خبر مقدم، إلا مزيدة في أشياء ألحقت بالنوادر، كقول الشاعر: [من الطويل] 139 - فإنك من حاربته لمحارب ... شقي ومن سالمته لسعيد وكما سمعه الفراء من قول أبي الجراح: إني لبحمد الله لصالح، وكما سمعه الكسائي من قول بعضهم: إن كل ثوبٍ له ثمنه، وكقراءة بعضهم قوله تعالى: (إلا أنهم ليأكلون الطعام) [الفرقان /20]. وكقول الشاعر: [من الطويل] 140 - يلومونني في حب ليلى عواذلي ... ولكنني من حبها لعميد

وكقول الآخر: [من الطويل] 141 - وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ... لكالهائم المقصى بكل مراد وكقول الراجز: [من الرجز] 142 - أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبه وأحسن ما زيدت فيه قوله: [من الكامل] 143 - إن الخلافة بعدهم لدميمة ... وخلائف ظرف لمما أحقر 187 - ووصل ما بذي الحروف مبطل ... إعمالها وقد يبقى العمل تدخل (ما) الزائدة على (إن) وأخواتها، فتكفها عن العمل، إلا (ليت) ففيها وجهان، تقول: إنما زيد قائم، وكأنما خالد أسد، ولكنما عمرو جبان، ولعلما أخوك ظافر. ولا سبيل إلى الإعمال، لأن (ما) قد أزالت اختصاص هذه الأحرف بالأسماء، فوجب إهمالها.

وتقول: ليتما أباك حاضر، وإن شئت قلت: ليتما أبوك حاضر؟ لأن (ما) لم تزل اختصاص (ليت) بالأسماء، فلك أن تعملها نظرًا إلى بقاء الاختصاص، ولك أن تهملها نظرًا إلى الكف، كما قال الشاعر: [من البسيط] 144 - قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد يروى بنصب الحمام، ورفعه. وذكر ابن برهان: أن الأخفش روى: إنما زيدًا قائم، وعزا مثل ذلك إلى الكسائي، وهو غريب. وفي قوله: ........................... ... ............ وقد يبقى العمل بدون تقييد تنبيه على مجيء مثله. 188 - وجائز رفعك معطوفًا على ... منصوب إن بعد أن تستكملا [67] // 189 - وألحقت بإن لكن وأن ... من دون ليت ولعل وكأن حق المعطوف على اسم (إن) النصب، نحو: إن زيدًا، وعمرًا في الدار، وإن زيدًا في الدار، وعمرًا، قال الشاعر: [من الرجز] 145 - إن الربيع الجود والخريفا ... يدا أبي العباس والصيوفا وقد يرفع بالعطف على محل اسم (إن) من الابتداء، وذلك إذا جاء بعد اسمها وخبرها، نحو: إن زيدًا في الدار، وعمرو، تقديره: وعمرو كذلك.

قال الشاعر: (من الكامل) 146 - إن النبوة والخلافة فيهم ... والمكرمات وسادة أطهار وقال الآخر: [من الطويل] 147 - فمن يك لم ينجب أبوه وأمه ... فإن لنا الأم النجيبة والأب فالرفع في أمثال هذا على أن المعطوف جملة ابتدائية محذوفة الخبر عطفت على محل ما قبلها من الابتداء. ويجوز كونه مفردًا معطوفًا على الضمير في الخبر. ولا يجوز أن يكون معطوفًا على محل (إن) مع اسمها من الرفع بالابتداء، لأنه يلزم منه تعدد العامل في الخبر، إذ الرفع للخبر في هذا الباب هو الناسخ للابتداء، وفي باب المبتدأ هو المبتدأ، فلو جئ بخبر واحد لاسم (إن) ومبتدأ معطوف عليه لكان عامله متعددًا، وإنه ممتنع، ولهذا لا يجوز رفع المعطوف قبل الخبر، لا تقول: إن زيدًا وعمرو قائمان، وقد أجازه الكسائي: بناء على أن الرفع للخبر في هذا الباب هو رافعه في باب المبتدأ، ووافقه الفراء فيما خفي فيه إعراب المعطوف عليه، نحو: إن هذا وزيد ضاربان تمسكًا بالسماع. وما أوهم ذلك فهو إما شاذ، لا عبرة فيه، وإما محمول على التقديم والتأخير، فالأول: كقولهم: إنك وزيد ذاهبان. قال سيبويه: (واعلم أن ناسًا من العرب يغلطون، فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبوان، وإنك وزيد ذاهبان). ونظيره قول الشاعر: [من الطويل] 148 - بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقٍ شيئًا إذا كان جائيا

والثاني: كقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [المائدة /69]. فرفع (الصابئون) على التقديم والتأخير، لإفادة أنه يتاب عليهم إن آمنوا وأصلحوا، مع أنهم أشد غيًا لخروجهم عن الأديان، فما الظن بغيرهم؟ ومثله قول الشاعر: [من الوافر] 149 - وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق فقدم فيه (أنتم) على خبر (أن) تنبيهًا على أن المخاطبين أوغل في البغي من قومه. [68] ولك ألا تحمل // هذا النحو على التقديم والتأخير، بل على أن ما بعد المعطوف خبر له، دال على خبر المعطوف عليه. ويدلك على صحته قول الشاعر: [من الطويل] 150 - خليلي هل طب فإني وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى دنفان وتساوي (إن) في جواز رفع المعطوف على اسمها بعد الخبر: لفظًا، أو تقديرًا (أن، ولكن) لأنهما لا يغيران معنى الابتداء، فيصح العطف بعدهما، كما صح بعد (إن). قال الله تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله) [التوبة /3]. كأنه قيل: ورسوله برئ أيضًا.

ولا يجوز مثل ذلك بعد (ليت، ولعل، وكأن) لأن معنى الابتداء غير باق معها، فالعطف عليه بعدها لا يصح. 190 - وخففت إن فقل العمل ... وتلزم اللام إذا ما تهمل 191 - وربما استغني عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدا 192 - والفعل إن لم يك ناسخًا فلا ... تلغيه غالبًا بإن ذي موصلا تخفف (إن) فيجوز فيها حينئذ الإعمال والإهمال، وهو القياس، لأنها إذا خففت يزول اختصاصها بالأسماء، وقد تعمل استصحابًا لحكم الأصل فيها. قال سيبويه: وحدثنا من يوثق به أنه سمع من يقول: إن عمرًا لمنطلق، وعليه قراءة نافع، وابن كثير، وأبي بكر شعبة (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم) [هود /111]. والإهمال هو الأكثر نحو: (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) [يس /32]، (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) [الزخرف /35]، (إن كل نفسٍ لما عليها حافظ) [الطارق /4]. ثم إذا أهملت لزمت لام الابتداء بعد ما اتصل بها، فرقًا بينها وبين (إن) النافية، كما في الأمثلة المذكورة. وقد يستغنى عنها بقرينة رافعة لاحتمال النفي، كقولهم: أما إن غفر الله لك، وكقول الشاعر: [من الطويل] 151 - أنا ابن أباة الضيم من آل مالكٍ ... وإن مالك كانت كرام المعادن

وإذا خففت (إن)، فوليها الفعل فالغالب كونه ماضيًا، ناسخًا للابتداء، نحو قوله تعالى: (وإن كانت لكبيرة) [البقرة /143]، (قال تالله إن كدت لتردين) [الصافات /56]، (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) [الأعراف /102]. وأما نحو: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك) [القلم /51]، وقول الشاعر: [من الكامل] 152 - شلت يمينك إن قتلت لمسلمًا ... حلت عليك عقوبة المتعمد مما ولي (إن) المخففة فيه مضارع ناسخ للابتداء وماض غير ناسخ فقليل، وأقل [69] منه قولهم؛ فيما حكاه الكوفيون: (إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه). // 193 - وإن تخفف أن فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد أن 194 - وإن يكن فعلا ولم يكن دعا ... ولم يكن تصريفه ممتنعا 195 - فالأحسن الفصل بقد أو نفيٍ أو ... تنفيسٍ أو لو وقليل ذكر لو 196 - وخففت كأن أيضًا فنوي ... منصوبها وثابتًا أيضًا روي يجوز أن تخفف (أن) المفتوحة فلا تلغى، ولا يظهر اسمها إلا للضرورة، كقول

الشاعر: [من المتقارب] 153 - لقد علم الضيف والمرملون ... إذا اغبر أفق وهبت شمالا بأنك ربيع وغيث مريع ... وأنك هناك تكون التمالا ولا يجئ خبرها إلا جملة؛ إما اسمية، كقول الشاعر: [من البسيط] 154 - في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل وكقوله تعالى: (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وألا إله إلا هو) [هود /14]. وإما مصدرة بفعل: إما مضمن دعاء، كقراءة نافع: (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) [النور /9]، وإما غير متصرف، نحو: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) [النجم /39]، وإما متصرف مفصول من (أن) بـ (قد) نحو: علمت أن قد قام زيد، ويجوز أن يكون منه قوله تعالى: (وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا) [الصافات /104 - 105]، أو حرف نفي، نحو: (أفلا يبرون ألا يرجع إليهم قولا) [طه /89]، (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه) [القيامة /3]، أو حرف تنفيس

نحو: (علم أن سيكون منكم مرضى) [المزمل /20] أو (لو) كقوله تعالى: (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) [سبأ /14]، وقوله تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا) [الجن /16]. وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين (أن) الخفيفة، وبين الفعل بـ (لو) وإلى ذلك أشار بقوله: وقليل ذكر لو وربما جاء الفعل المنصرف غير مفصول كقول الشاعر: [من الخفيف] 155 - علموا أن يؤملون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل وقول الآخر: أنشده الفراء: [من م. الكامل] 156 - إني زعيم يا نويـ ... قة إن أمنت من الرزاح ونجوت من عرض المنو ... ن من الغدو إلى الرواح أن تهبطين بلاد قو ... مٍ يرتعون من الطلاح وأما (كأن) فيجوز تخفيفها، وهي محمولة على (أن) المفتوحة في ترك إلغائها، [70] إلا أنه لا يلزم // حذف اسمها، ولا كون الخبر جملة؛ فقد يثبت اسمها، وقد يحذف، وعلى كلا التقديرين فيجئ خبرها مفردًا، أو جملة.

فمن مجيئه مفردًا قول الراجز: [من الرجز] 157 - كأن وريديه رشاء خلب وقول الشاعر: [من الطويل] 158 - ويومًا توافينا بوجهٍ مقسمٍ ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم فمن رواه برفع ظبية على معنى: كأنها ظبية. ويروى: كأن ظبية؛ بالنصب؛ على أنها اسم كأن، والخبر محذوف، تقديره: كأن مكانها ظبية، ويروى كأن ظبيةٍ؛ بالجر؛ على زيادة (أن). ومن مجيئه جملة قول الشاعر: [من الهزج] 159 - ووجهٍ مشرق اللون ... كأن ثدياه حقان تقديره: كأنه، أي: كأن الأمر ثدياه حقان.

لا: التي لنفي الجنس

لا: التي لنفي الجنس 197 - عمل إن اجعل للا في نكره ... مفردةً جاءتك أو مكرره 198 - فانصب بها مضافًا أو مضارعة ... وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه 199 - وركب المفرد فاتحًا كلا ... حول ولا قوةً والثاني اجعلا 200 - مرفوعًا أو منصوبًا أو مركبا ... وإن رفعت أولا لا تنصبا الأصل في (لا) النافية ألا تعمل، لأنها غير مختصة بالأسماء، وقد أخرجوها عن هذا الأصل، فأعلموها في النكرات عمل (ليس) تارة، وعمل (إن) أخرى، فإذا لم يقصد بالنكرة بعدها استغراق الجنس صح فيها أن تحمل على (ليس) في العمل، لأنها مثلها في المعنى. وإذا قصد بالنكرة بعدها الاستغراق صح فيها أن تحمل على (إن) في العمل، لأنها لتوكيد النفي، و (إن) لتوكيد الإيجاب، فهي ضدها، والشيء قد يحمل على ضده، كما يحمل على نظيره، لأن الوهم ينزل الضدين منزلة النظيرين، ولذلك نجد الضد أقرب حضورًا في البال مع الضد. وقد تقدم الكلام على إعمال (لا) عمل (ليس). وأما إعمالها عمل (إن) فمشروط: بأن تكون نافية للجنس، واسمها نكرة، متصلة، سواء كانت موحدة، نحو: لا غلام رجلٍ جالس، أو مكررة، نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله. فلو كانت منفصلة وجب الإلغاء، كقوله تعالى: (لا فيها غول) [الصافات /47].

وقد يجوز إلغاؤها الاتصال، وذلك إذا كررت: شبهوها إذ ذاك بحالها مع المعرفة، نحو: (لا حول ولا قوة إلا بالله). [71] ثم اسم (لا) لا يخلو: إما أن يكون مضافًا، أو شبيهًا // بالمضاف، أو مفردًا، وهو ما عداهما: فإن كان مضافًا نصب، نحو: لا صاحب بر ممقوت، وكذلك إن كان شبيهًا بالمضاف، وهو: كل ما كان ما بعده شيء هو من تمام معناه، نحو: لا قبيحًا فعله محبوب، ولا خيرًا من زيدٍ فيها، ولا ثلاثةً وثلاثين لك. وأما المفرد فيبني لتركيبه مع (لا) تركيب خمسة عشر لتضمنه معنى من الجنسية، بدليل ظهورها في قول الشاعر: [من الطويل] 160 - فقام يذود الناس عنها بسيفه ... وقال ألا لا من سبيل إلى هند فيلزم الفتح؛ بلا تنوين إن لم يكن مثنى، أو جمع تصحيح، وذلك نحو: لا بخيل محمود، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن كان مثنى، أو مجموعًا جمع تصحيح للمذكر لزم الياء والنون، نحو: لا غلامين قائمان، ولا كاتبين في الدار، قال الشاعر: [من الطويل] 161 - تعز فلا إلفين بالعيش متعا ... ولكن لوراد المنون تتابع وقال الآخر: [من الخفيف] 162 - يحشر الناس لا بنين ولا آ ... باء إلا وقد عنتهم شؤون

وإن كان جمع تصحيح لمؤنث جاز فيه الكسر بلا تنوين، والمختار فتحه، وقد أنشدوا قول الشاعر: [من البسط] 163 - لا سابغات ولا جأواء باسلةً ... تقي المنون لدى استيفاء آجال بالوجهين. والذي يدللك على أن اسم (لا) المفرد مبني أنه لو كان معربًا لما ترك تنوينه، ولكان أحق بالتنوين من الشبيه بالمضاف، ولما كان للفتح في نحو: (لا سابغات) وجه. قوله: ... .. والثاني اجعلا مرفوعًا أو منصوبًا أو مركبا ... (البيت). بيان لأنه يجوز إذا عطفت النكرة المفردة على اسم لا، وكررت (لا) خمسة أوجه، لأن العطف يصح معه إلغاء (لا) كما تقدم وإعمالها أيضًا فإن أعملت الأولى فتحت الاسم بعدها، وجاز لك في الثاني ثلاثة أوجه: الأول: الفتح على إعمال (لا) الثانية، مثاله: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والثاني: النصب على جعلها زائدة، مؤكدة، وعطف الاسم بعدها على محل الاسم قبلها، مثاله: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قال الشاعر: [من السريع] 164 - لا نسب اليوم ولا خلةً ... اتسع الخرق على الراقع

والثالث: الرفع على أحد الوجهين: إجراء (لا) مجرى (ليس) وإلغاؤها، أو زيادتها وعطف الاسم بعدها على محل (لا) الأولى، مع اسمها، فإن موضعها رفع بالابتداء، مثاله: لا حول ولا قوةً إلا بالله، قال الشاعر: [من الكامل] 165 - وإذا تكون كريهةً أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب [72] // هذا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب وإن ألغيت الأولى رفعت الاسم بعدها، وجاز لك في الثاني وجهان: أحدهما: الفتح على إعمال (لا) الثانية مثاله: لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الشاعر: [من الوافر] 166 - فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبدًا مقيم

والثاني الرفع: على إلغاء (لا) أو زيادتها، وعطف الاسم بعدها على ما قبلها مثاله: لا حول، ولا قوة إلا بالله، وكقوله تعالى: (لا بيع فيه ولا خلة) [البقرة /254]. ولا يجوز نصب الثاني، ورفع الأول، لأن (لا) الثانية: إن أعملها وجب في الاسم بعدها البناء على الفتح، لأنه مفرد، وإن لم تعملها وجب فيه الرفع، لعدم نصب المعطوف عليه: لفظًا أو محلا. وإلى امتناع النصب في نحو هذا أشار بقوله: ... وإن رفعت أولا لا تنصبا 201 - ومفردًا نعتًا لمبني يلي ... فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل 202 - وغير ما يلي وغير المفرد ... لا تبين وانصبه أو الرفع اقصد 203 - والعطف إن لم تتكرر لا احكما ... له بما للنعت ذي الفصل انتمى إذا وصف اسم (لا) المبني معها بصفة مفردة متصلة جاز فيه ثلاثة أوجه: البناء على الفتح، نحو: لا رجل ظريف فيها، والنصب، نحو: لا رجل ظريفًا فيها، والرفع نحو: لا رجل ظريف فيها. فالبناء على أنه ركب الموصوف مع الصفة تركيب خمسة عشر، ثم دخلت (لا) عليها، والنصب على إتباع الصفة لمحل اسم (لا) والرفع على إتباعها لمحل (لا) مع اسمها، وقد نبه على هذه الوجوه بقوله: ومفردًا نعتًا لمبني يلي ... .. (البيت). ومعناه: فافتح نعتًا مفردًا، يلي الاسم المبني، وإن شئت فانصبه، أو ارفعه تعدل، أي: إن فعلت لم تجر، ولم تخرج به عن الصواب. وإن فصل النعت عن اسم (لا) تعذر بناؤه على الفتح، لزوال التركيب بالفصل، وجاز فيه النصب، نحو: لا رجل فيها ظريفًا، والرفع أيضًا نحو: لا رجل فيها ظريف، وكذلك إن كان النعت غير مفرد، تقول: لا رجل قبيحًا فعله عندك، ولا رجل قبيح فعله عندك.

ولا يجوز لا رجل قبيح فعله عندك، وقوله: والعطف إن لم تتكرر لا احكما ... (البيت). معناه: أنه إذا عطف على اسم (لا) بدون تكرارها امتنع إلغاء (لا) وجاز في المعطوف الرفع بالعطف على موضع (لا) مع اسمها، نحو: لا رجل وامرأة في الدار، والنصب بالعطف على موضع اسم (لا) نحو: لا رجل وامرأة في الدار، قال الشاعر: [من الطويل] 167 - فلا أب وابنا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا [73] // ولا يجوز بناء المعطوف على الفتح، لأجل فصل العاطف، كما لم يجز بناء الصفة في نحو: لا رجل فيها ظريفًا. وقد حكي الأخفش: لا رجل وامرأة فيها، بالبناء على الفتح، وهو شاذ، مخرج على أنه ركب المعطوف، مع (لا) فبني، ثم حذفت، وأبقي حكمها. 204 - وأعط لا مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام تدخل همزة الاستفهام على (لا) النافية للجنس، فيبقي ما كان لها من العمل، وجواز الإلغاء، إذا كررت، والإتباع لاسمها على محله من النصب، أو على محل (لا) معه من الابتداء. وأكثر ما يجيء ذلك إذا قصد بالاستفهام التوبيخ أو الإنكار كقول حسان - رضي الله عنه -: [من البسيط] 168 - ألا طعان ألا فرسان عاديةً ... إلا تجشؤكم حول التنانير

ومثله قول الآخر: [من البسيط] 169 - ألا ارعواء لمن ولت شبيبته ... وآذنت بمشيبٍ بعده هرم وقد يجيء ذلك، والمراد مجرد الاستفهام عن النفي كقول الشاعر: [من البسيط] 170 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد ... إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي وقد يراد بالاستفهام مع (لا) التمني، فيبقي لـ (لا) بعده ما لها من العمل، دون جواز الإلغاء، والإتباع لاسمها على محله من الابتداء، كقول الشاعر: [من الطويل] 171 - ألا عمر ولي مستطاع رجوعه ... فيراب ما أثأت يد الغفلات وقد تكون (إلا) للعرض، فلا يليها إلا فعل: إما ظاهر، كقوله تعالى: (ألا تقاتلون قومًا نكثوا أيمانهم) [التوبة /13]. (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) [النور /22].

وإما مقدر كقول الشاعر: [من الوافر] 172 - ألا رجلا جزاه الله خيرًا ... يدل على محصلةٍ تبيت تقديره عند سيبويه ألا ترونني رجلا. 205 - وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر ... إذا المراد مع سقوطه ظهر يجب ذكر خبر (لا) إذا لم يعلم، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا أحد أغير من الله). وكقول حاتم: [من الطويل] 173 - ورد جازرهم حرفًا مصرمةً ... ولا كريم من الولدان مصبوح وإن علم التزم حذفه بنو تميم والطائيون. وأجاز حذفه وإثباته الحجازيون. ومما جاء فيه محذوفًا قوله تعالى: (قالوا لا ضير) [الشعراء /50]، (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) [سبأ /51]. وندر حذف الاسم، وإثبات الخبر في قولهم: لا عليك، التقدير: لا جناح عليك، ولا بأس عليك.

ظن وأخواتها

[74] // ظن وأخواتها 206 - انصب بفعل القلب جزءي ابتدا ... أعني رأى خال علمت وجدا 207 - ظن حسبت وزعمت مع عد ... حجا درى وجعل اللذ كاعتقد 208 - وهب تعلم والتي كصيرا ... أيضًا بها انصب مبتدًأ وخبرا من الأفعال أفعال واقعة معانيها على مضمون الجمل؟ فتدخل على المبتدأ، والخبر، بعد أخذها الفاعل، فتنصبهما مفعولين. وهي ثلاثة أنواع: الأول: ما يفيد الخبر يقينًا. الثاني: ما يفيد فيه رجحان الوقوع. الثالث: ما يفيد فيه تحويل صاحبه إليه. فمن النوع الأول: (رأى) بمعنى أبصر، أو أصاب الرؤية، كقول الشاعر: أنشده أبو زيد: [من الوافر] 174 - رأيت الله أكبر كل شيءٍ ... محاولة وأكثرهم جنودا ومنه: (علم) لغير عرفان، أو كلمة، وهي: انشقاق الشفة العليا، كقولك: علمت زيدًا أخاك. ومنه (وجد) لا بمعنى أصاب، أو استغنى، أو حقد، أو حزن، كقوله تعالى: (تحدوه عند الله هو خيرًا) [المزمل / 20].

ومنه (درى) في نحو قوله: [من الطويل] 175 - دريت الوفي العهد يا عرو فاغتبط ... فإن اعتباطًا بالوفاء حميد وأكثر ما يستعمل (درى) معدى إلى مفعول واحد بالباء، فإذا دخلت عليه الهمزة للنقل، تعدى إلى مفعول واحد بنفسه، وإلى آخر بالباء، كقوله تعالى: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به) [يونس / 16]. ومنه (تعلم) بمعنى: اعلم، ولا يتصرف، قال الشاعر: [من الطويل] 176 - تعلم شفاء النفس قهر عدوها ... فبالغ بلطفٍ في التحيل والمكر ومنه (ألفى) في نحو قول الشاعر: [من البسيط] 177 - قد جربوه فألفوه المغيث إذا ... ما الروع عم فلا يلوي على أحد ومن النوع الثاني (خال)، لا بمعنى تكبر، أو ظلع، كقولك، خلت زيدًا صديقك. ومنه (ظن) لا بمعنى اتهم، نحو: ظننت عمرًا أباك.

ومنه (حسب) لا بمعنى صار أحسب، أي: ذا شقرةٍ، أو حمرةٍ، وبياضٍ، كالبرص، قال الشاعر: [من الطويل] 178 - وكنا حسبنا كل بيضاء شحمةً ... عشيةً لاقينا جذام وحميرا ومنه (زعم) لا بمعنى كفل، أو سمن، أو هزل، قال الشاعر: [من الطويل] 179 - فإن تزعميني كنت أجهل فيكم ... فإني شريت الحلم بعدك بالجهل [75] // ومنه (عد) لا بمعنى حسب، كقول الشاعر: [من الخفيف] 180 - لا أعد الإقتار عدمًا ولكن ... فقد من قد فقدته الإعدام وقول الآخر: [من الطويل] 181 - فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنما المولى شريكك في العدم ومنه (حجا) لا بمعنى غلب في المحاجاة، أو قصد، أو رد، أو أقام، أو بخل، أنشد الأزهري: [من البسيط] 182 - قد كنت أحجو أبا عمروٍ أخا ثقة ... حتى ألمت بنا يومًا ملمات

ومنه (جعل) في مثل قوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا) [الزخرف /19]. ومنه (هب) في نحو قول الشاعر: [من المتقارب] 183 - فقلت أجرني أبا خالدٍ ... وإلا فهبني امرا هالكا ولا يتصرف؛ فلا يجيء منه ماض ولا مضارع. وقد تستعمل (رأي) لرجحان الوقوع، كقوله تعالى: (إنهم يرونه بعيدًا * ونراه قريبًا) [المعارج /6 - 7]. كما ترد (خال، وظن، وحسب) لليقين، نحو قول الشاعر: [من الطويل] 184 - دعاني الغواني عمهن وخلتني ... لي اسم فلا أدعى به وهو أول وقوله تعالى: (فظنوا أنهم مواقعوها) [الكهف /53]. وقول الشاعر: [من الطويل] 185 - حسبت التقى والجود خير تجارةٍ ... رباحًا إذا ما المرء أصبح ثاقلا وتسمى هذه الأفعال المذكورة، وما كان في معناها قلبية، بمعنى أن معانيها قائمة بالقلب، وليس كل فعل قلبي يعمل العمل المذكور.

فلأجل ذلك قال: انصب بفعل القلب جزءي ابتدا ... أعني رأى خال علمت وجدا وساق الكلام إلى آخره، ليدلك على أن من أفعال القلوب، ما لا ينصب المبتدأ والخبر، لأنه أخص في الاستعمال بالوقوع على المفرد، وذاك نحو: (عرف، وتبين، وتحقق) ومن النوع الثالث: (صير) كقولك: صيرت زيدًا صديقك. ومنه (أصار، وجعل) لا بمعنى: اعتقد، أو أوجب، أو أوجد، أو ألقى، أو أنشأ، قال الله تعالى: (فجعلناه هباءً منثورًا) [الفرقان /23]. ومنه (وهب) في قولهم: وهبني الله فداك. ومنه (رد) في نحو قوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا) [البقرة /109]. ومنه (ترك) كقول الشاعر: [من الطويل] 186 - وربيته حتى إذا ما تركته ... أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه ومنه (تخذ، واتخذ) كقوله تعالى: (لتخذت عليه أجرًا) [الكهف /77] وقال الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) [النساء /125]. وقد أشار إلى هذه الأفعال، وإلى عملها بقوله: [76] ............. والتي كصيرا ... أيضًا بها انصب // مبتدًأ وخبرا 209 - وخص بالتعليق والإلغاء ما ... من قبل هب والأمر هب قد ألزما 210 - كذا تعلم ولغير الماض من ... سواهما اجعل كل ما له زكن تختص الأفعال القلبية سوى ما لم يتصرف منها، وهو: (هب وتعلم) بالإلغاء والتعليق.

أما الإلغاء: فهو ترك إعمال الفعل، لضعفه بالتأخر عن المفعولين، أو التوسط بينهما، والرجوع إلى الابتداء، كقولك: (زيد عالم ظننت، وزيد ظننت عالم). وأما التعليق: فهو ترك إعمال الفعل لفظًا لا معنى، لفصل ما له صدر الكلام بينه وبين معموله، كقولك: علمت لزيد ذاهب. فهذه اللام لما كان لها صدر الكلام علقت (علم) عن العمل، أي: رفعته عن الاتصال بما بعدها، والعمل في لفظه؛ لأن ما له صدر الكلام لا يصح أن يعمل ما قبله فيما بعده. قوله: ......... ولغير الماض من ... سواهما اجعل كل ما له زكن معناه: أن للمضارع من أفعال هذا الباب، والأمر سوى (هب، وتعلم) ما قد علم للماضي: من نصب مفعولين، هما في الأصل مبتدأ وخبر، كقولك: أنت تعلم زيدًا مقيمًا، ويا هذا اعلم عبد الله ذاهبًا. ومن جواز الإلغاء والتعليق فيما كان قلبيا، كقولك: زيد عالم أظن، ويا هذا أظن ما زيد عالم، والمصدر، واسم الفاعل، واسم المفعول يجري هذا المجرى أيضًا، تقول في الإعمال: أعجبني ظنك زيدًا عالمًا، وأنا ظان زيدًا مقيمًا، ومررت برجلٍ مظنونٍ أبوه ذاهبًا، (فأبوه) مفعول أول مرفوع لقيامه مقام الفاعل، و (ذاهبًا) مفعول ثان، وتقول في الإلغاء: زيد عالم أنا ظان؛ وتقول في التعليق: أعجبني ظنك ما زيد قائم، ومررت برجل ظان أزيد قائم أم عمرو؟ وجميع الأفعال المتصرفة يجري المضارع منها والأمر والمصدر واسما الفاعل والمفعول مجرى الماضي في جميع الأحكام. 211 - وجوز الإلغاء لا في الابتدا ... وانو ضمير الشان أو لام ابتدا 212 - في موهمٍ إلغاء ما تقدما ... والتزم التعليق قبل نفي ما 213 - وإن ولا لام ابتداء أو قسم ... كذا والاستفهام ذا له انحتم قد تقدم أن الإلغاء والتعليق حكمان مختصان بالأفعال القلبية. والمراد هنا: بيان أن الإلغاء حكم جائز: بشرط تأخر الفعل عن المفعولين، أو توسطه بينهما، وأن التعليق حكم لازم: بشرط الفصل بـ (ما) النافية، أو (إن) أو (لا) [77] أختيها، أو بلام الابتداء، أو القسم، أو بالاستفهام // فقال: وجوز الإلغاء لا في الابتدا ... ......................

فعلم أن الفعل القلبي إذا تأخر عن المفعولين جاز فيه الإلغاء والإعمال، تقول: زيد عالم ظننت، وإن شئت قلت: زيدًا عالمًا ظننت، إلا أن الإلغاء أحسن وأكثر، ومن شواهده قول الشاعر: [من الخفيف] 187 - آتٍ الموت تعلمون فلا ير ... هبكم من لظى الحروب اضطرام ومثله: [من الطويل] 188 - هما سيدانا يزعمان وإنما ... يسوداننا إن يسرت غنماهما وعلم أيضًا أنه إذا توسط بين المفعولين جاز فيه الإلغاء والإعمال، وهما على السواء، إلا أن يؤكد الفعل بمصدر أو ضميره، فيكون إلغاؤه قبيحًا، تقول: زيد ظننت عالم وإن شئت: زيدًا ظننت عالمًا، وكلاهما حسن، ولو قلت: زيدًا ظننت عالمًا منطلقًا، أو زيدًا ظننته منطلقًا، أي: ظننت الظن قبح فيه الإلغاء. ومن شواهد إلغاء المتوسط قول الشاعر: [من البسيط] 189 - أبالأراجيز يا ابن اللؤم توعدني ... وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور ومثله: [من الكامل] 190 - إن المحب علمت مصطبر ... ولديه ذنب الحب مغتفر

ومن شواهد إعمال المتوسط قول الآخر: [من الوافر] 191 - شجاك أظن ربع الظاعنينا ... ولم تعبأ بعذل العاذلينا يروى برفع (ربع) ونصبه، فمن رفع جعله فاعل (شجاك) و (أظن) لغو، ومن نصب جعله مفعولا أول لـ (أظن)، و (شجاك) مفعول ثان مقدم. وإذا تقدم الفعل لم يجز إلغاؤه، وموهم ذلك محمول: إما على جعل المفعول الأول ضمير الشأن محذوفًا، والجملة المذكورة مفعول ثان، كقول الشاعر: [من البسيط] 192 - أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل تقديره: وما إخاله، أي: وما إخال الأمر، والشأن لدينا منك تنويل، وإما على تعليق الفعل بلام الابتداء مقدرة، كما يعلق بها مظهرة، كقول الآخر: [من البسيط] 193 - كذاك أدبت حتى صار من خلقي ... أني رأيت ملاك الشيمة الأدب المراد: أني رأيت لملاك الشيمة الأدب، فحذف اللام، وأبقى التعليق. ولما انتهى كلامه في أمر الإلغاء قال: .................... ... والتزم التعليق قبل نفي ما وإن ولا ................. ... .................. إلى آخره. فعلم أنه يجب تعليق الفعل القلبي إذا فصل عما بعده بأحد الأشياء المذكورة، فيبقي لما بعد المعلق حكم ابتداء الكلام، فيقع فيه المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، فمن

[78] المعلقات (ما) النافية، لأن لها صدر // الكلام، فيمتنع ما قبلها أن يعمل فيما بعدها، وذلك كقوله تعالى: (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) [الأنبياء / 65]. ومنها (إن) و (لا) النافيتان، إذا كان الفعل قبلهما متضمنًا معنى القسم، لأن لهما إذ ذاك صدر الكلام، وذلك كقوله تعالى: (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) [الإسراء / 52]. ومن أمثلة كتاب الأصول: أحسب لا يقوم زيد. ومنها لام الابتداء والقسم، كقوله تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) [البقرة /102]. وكقول الشاعر: [من الكامل] 194 - ولقد علمت لتأتين منيتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها ومنها حرف الاستفهام، كقولك: علمت أزيد قائم، أم عمرو؟، وعلمت هل خرج زيد؟. وتضمن معنى الاستفهام يقوم في التعليق مقام حروفه، قال الله تعالى: (لنعلم أي الحزبين أحصى) [الكهف /12]. وقد ألحق بأفعال القلوب في التعليق غيرها، نحو: (نظر وأبصر وتفكر وسأل واستنبأ) كما في قوله تعالى: (فلينظر أيها أزكى طعامًا) [الكهف / 19]، (فانظري ماذا تأمرين) [النمل /33]، (فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون) [القلم / 5 - 6]

(أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنةٍ) [الأعراف /184]، (يسألون أيان يوم الدين) [الذاريات /12]، (ويستنبئونك أحق هو) [يونس /53]. ومنه ما حكاه سيبويه من قولهم: (أما ترى أي برق هاهنا) وقول الشاعر: [من الطويل] 195 - ومن أنتم إنا نسينا من انتم ... وريحكم من أي ريح الأعاصر علق فيه (نسي) لأنه ضد (علم). 214 - لعلم عرفانٍ وظن تهمه ... تعدية لواحدٍ ملتزمه الإشارة في هذا البيت إلى ما قدمت ذكره من أن أفعال هذا الباب إنما تعمل العمل المذكور إذا أفادت تيقن الخبر، أو رجحان وقوعه، أو تحويل صاحبه إليه، وإن كلا منها قد يجيء لغير ذلك فيعمل عمل ما في معناه. فمن ذاك (علم) فإنها تكون لإدراك مضمون الجملة، فتنصب مفعولين، وتكون لإدراك المفرد، وهو العرفان، فتنصب مفعولا واحدًا، كما تنصبه (عرف) قال الله تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا) [النحل /78]. وقال تعالى: (لا تعلمهم نحن نعلمهم) [التوبة /101]. وقد تكون أيضًا بمعنى انشقت الشفة العليا، فلا يتعدى إلى مفعول به، يقال: علم الرجل علمةً، فهو أعلم، أي: مشقوق الشفة العليا. ومن ذلك (ظن) فإنها تكون لرجحان وقوع الخبر، فتنصب مفعولين، وتكون بمعنى اتهم، فتتعدى إلى مفعول واحد، تقول: ظننت زيدًا على المال، أي: اتهمته، واسم المفعول منه مظنون وظنين، قال الله تعالى: (وما هو على الغيب بظنين) [التكوير /24] أي: بمتهم. وقد تقدم التنبيه على استعمال بقية أفعال هذا الباب في غير ما يتعدى به إلى [79] مفعولين، فلا حاجة إلى الإطالة بذكره. //

215 - ولرأي الرؤيا انم ما لعلما ... طالب مفعولين من قبل انتمى (الرؤيا) مصدر رأى النائم، بمعنى حلم؛ خاصة، فلذلك أضاف لفظ الفعل إليها، ليعرفك أن (رأي النائم) قد حمل في العمل على (علم) المتعدية إلى مفعولين، إذ كان مثلها في كونه إدراكًا بالحس الباطن، فأجرى مجراه، قال الشاعر: [من الوافر] 196 - أبو حنش يؤرقنا وطلق ... وعمار وآونة أثالا أراهم رفقتي حتى إذا ما ... تجافي الليل وانخزل انخزالا إذا أنا كالذي يجري لوردٍ ... إلى ألٍ فلم يدرك بلالا فنصب بـ (أرى) الهاء مفعولا أولا، و (رفقتي) مفعولا ثانيًا على ما ذكرت لك. ولا يجوز أن تكون (رفقتي) حالا، لأنها معرفة، وشرط الحال أن تكون نكرة. 216 - ولا تجز هنا بلا دليل ... سقوط مفعولين أو مفعول يجوز في هذا الباب حذف المفعولين، والاقتصار على أحدهما. أما حذف المفعولين فجائز إذا دل عليهما دليل، كقوله تعالى: (أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون) [الأنعام /22]. تقديره: الذين كنتم تزعمونهم شركاء، أو كان الكلام بدونهما مفيدًا، كما إذا قيد الفعل بالظرف، نحو: ظننت يوم الجمعة، أو أريد به العموم، كقوله تعالى: (وإن هم إلا يظنون) [البقرة /78]، أو دل على تجدده قرينة، كقول العرب: (من يسمع يخل). ولو قيل: ظننت مقتصرًا عليه، ولا قرينة تدل على الحذف، أو العموم، أو قصد التجدد لم يجز، لعدم الفائدة. وأما الاقتصار على أحد المفعولين فجائز، إذا دل على الحذف دليل. وأكثر النحويين على منعه قالوا: لأن المفعول في هذا الباب مطلوب من جهتين: من جهة العامل فيه، ومن جهة كونه أحد جزءي الجملة، فلما تكرر طلبه امتنع حذفه.

وما قالوه منتقض بخبر (كان) فإنه مطلوب من جهتين، ولا خلاف في جواز حذفه إذا دل عليه دليل، والسماع بخلافه، قال الله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم) [آل عمران /180]. تقديره: ولا يحسبن الذين يبخلون بما يبخلون به هو خيرًا لهم، فحذف المفعول الأول للدلالة عليه، ولو لم يدل على المحذوف دليل لم يجز حذفه بالاتفاق، لعدم الفائدة حينئذ. 217 - وكتظن اجعل تقول إن ولي ... مستفهمًا به ولم ينفصل 218 - بغير ظرفٍ أو كظرفٍ أو عمل ... وإن ببعض ذي فصلت يحتمل [80] // 219 - وأجري القول كظن مطلقا ... عند سليم نحو قل ذا مشفقا والقول وفروعه مما يتعدى إلى مفعول واحد، ويكن إما جملة، وإما مفردًا، مؤديًا معناها. فإن كان مفردًا نصب، نحو (قلت شعرًا، وخطبةً، وحديثًا) وإن كان جملة حكيت، نحو: قلت: زيد قائم، ولم يعمل فيها القول، كما يعمل الظن، لأن الظن يقتضي الجملة من جهة معناها، فجزآهما معه كالمفعولين من باب (أعطيت)، فصح أن ينصبهما الظن؛ نصبت (أعطيت) مفعوليه. وأما القول فيقتضي الجملة من جهة لفظها، فلم يصح أن ينصب جزءيها مفعولين، لأنه لم يقتضها من جهة معناها، فلم يشبه باب (أعطيت)، ولا أن ينصبهما مفعولا واحدًا لأن الجمل لا إعراب لها، فلم يبق إلا الحكاية. وقوم من العرب، وهم سليم، يجرون القول (مجرى الظن) مطلقًا، فيقولون: قلت زيدًا منطلقًا، ونحوه (قل ذا مشفقا) قال الراجز: [من الرجز] 197 - قالت وكنت رجلا فطينا ... هذا لعمر الله إسرائينا

وأما غير سليم: فأكثرهم يجيز إجراء القول مجرى الظن إذا وجب تضمنه معناه، وذلك إذا كان القول بلفظ مضارع للمخاطب، حاضرًا، تاليًا لاستفهام متصل، نحو: أتقول زيدًا ذاهبًا؟ وأين تقول عمرًا جالسًا؟ قال الراجز: [من الرجز] 198 - متى تقول القلص الرواسما ... يحملن أم قاسمٍ وقاسما فإن فصل بين الفعل والاستفهام ظرف، أو جار ومجرور، أو أحد المفعولين لم يضر، تقول: أيوم الجمعة تقول زيدًا منطلقًا؟ وأفي الدار تقول عبد الله قاعدًا؟ وأزيدًا تقول ذاهبًا؟ ومن ذلك قول ابن أبي ربيعة: [من الوافر] 199 - أجهالا تقول بني لؤي ... لعمر أبيك أم متجاهلينا فإن فصل غير ذلك وجبت الحكاية، نحو: أنت تقول زيد قائم، لأن الفعل حينئذ لا يجب تضمنه معنى الظن، لأنه ليس مستفهمًا عنه، بل عن فاعله، وذلك لا ينافي إرادة الحقيقة منه.

أعلم وأرى

أعلم وأرى 220 - إلى ثلاثةٍ رأي وعلما ... عدوا إذا صارا أرى وأعلما 221 - وما لمفعولي علمت مطلقا ... للثان والثالث أيضًا حققا كثيرًا ما يلحق بناء الفعل الثلاثي همزة النقل، فيتعدى بها إلى مفعول كان فاعلا [81] قبل //، فيصير بها متعديا إن كان لازمًا، كقولك في (جلس زيد): أجلست زيدًا. ويزداد مفعولا إن كان متعديًا كقولك في (لبس زيد جبةً): ألبست زيدًا جبةً، ومن ذلك قولهم في (رأى) المتعدية إلى مفعولين، وفي (علم) أختها: رأى الله زيدًا عمرًا فاضلا. وأعلم الله بشرًا أخاك كريمًا، فعدوا الفعل؛ بسبب الهمزة؛ إلى ثلاثة مفاعيل: الأول هو الذي كان فاعلا قبل، والثاني، والثالث هما اللذان كانا مبتدأ وخبرًا في الأصل، ولهما ما لمفعولي (علم) من جواز كون ثانيهما مفردًا، وجملةً، وظرفًا. ومن امتناع حذفهما، أو حذف أحدهما إلا بقرينة، كما إذا دل على الحذف دليل أو قيد الفعل بالظرف، أو نحوه، أو قصد به التجدد، وإلى هذا كله الإشارة بالإطلاق في قوله: وما لمفعولي علمت مطلقا ... .................... (البيت). 222 - وإن تعديا لواحدٍ بلا ... همزٍ فلاثنين به توصلا 223 - والثان منهما كثان اثني كسا ... فهو به في كل حكمٍ ذو ائتسا

تكون (علم) بمعنى عرف و (رأى) بمعنى (أبصر) فيتعدى كل منهما إلى مفعول واحد، ثم تدخل عليهما همزة النقل، فيتعديان بها إلى مفعولين، الثاني منهما كثاني المفعولين من نحو: (كسوت زيدًا جبةً) في أنه غير الأول في المعنى، وأنه يجوز الاقتصار عليه، وعلى الأول، تقول: (أعلمت أخاك الخبر)، و (أريت عبد الله الهلال): فالخبر غير الأخ، والهلال غير عبد الله، كما أن الجبة غير زيد، ولك أن تقتصر على المفعول الثاني نحو: أعلمت الخبر، وأريت الهلال، ولك أن تقتصر على المفعول الأول، نحو: أعلمت أخاك، وأريت عبد الله، كما يجوز مثل ذلك في كسوت، ونحوه. 224 - وكأرى السابق نبا أخبرا ... حدث أنبأ كذاك خبرا الأصل في (نبأ، وأنبأ، وأخبر، وخبر، وحدث) تعديتها إلى مفعول واحد بأنفسها، وإلى آخر بحرف جر، نحو: أنبأت زيدًا بكذا، وأخبرته بالأمر، وقد يتعدى إلى اثنين بإسقاط الجار، كقوله تعالى: (قالت من أنبأك هذا) [التحريم /3] وقد يتضمن معنى (أرى) المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل، فتعمل عمله، نحو: نبأ الله زيدًا عمرًا فاضلا، وخبرت زيدًا أخاك كريمًا، وحدثت عبد الله بكرًا جالسًا. ولم يثبت ذلك سيبويه إلا لـ (نبأ). ومن تعديته إلى ثلاثة مفاعيل قول النابغة الذبياني: [من الكامل] 200 - نبئت زرعة والسفاهة كاسمها ... يهدي إلى غرائب الأشعار فـ (التاء) مفعول أول قائم مقام الفاعل، و (زرعة) مفعول ثان، و (السفاهة [82] كاسمها) اعتراض // و (يهدي) مفعول ثالث، وجاز كونه جملة، لأنه خبر مبتدأ في الأصل، وألحق أبو علي بـ (نبأ) (أنبأ). وألحق بهما السيرافي (خبر، وأخبر، وحدث). ومن شواهد ذلك قول الشاعر: أنشده ابن خروف [من المتقارب] 201 - وأنبئت قيسًا ولم أبله ... كما زعموا خير أهل اليمن

وقول الآخر: [من الطويل] 202 - وخبرت سوداء الغميم مريضةً ... فأقبلت من أهلي بمصر أعودها وقول الآخر: [من البسيط] 203 - وما عليك إذا أخبرتني دنفًا ... وغاب بعلك يومًا أن تعوديني وقول الآخر، هو الحارث بن حلزة اليشكري: [من الخفيف] 204 - أو منعتم ما تسألون فمن حد ... ثتموه له علينا العلاء

الفاعل

الفاعل 225 - الفاعل الذي كمرفوعي أتى ... زيد منيرًا وجهه نعم الفتى اعلم أن الأفعال كلها ما خلا النواقص على ضربين: أحدهما: أن يأتي على طريقة: فعل يفعل نحو: ضرب يضرب، ودحرج يدحرج. والأخر: أن يأتي على طريقة: فعل يفعل نحو: ضرب يضرب، ودحرج يدحرج. وكلا الضربين يجب إسناده إلى اسم مرفوع متأخر، لكن الأول يسند إلى الفاعل، والثاني يسند على المفعول به، أو ما يقوم مقامه. ويجري مجرى الأفعال في الإسناد إلى اسم مرفوع متأخر الصفات نحو: ضارب، وحسن، ومكرم، والمصادر، المقصود بها قصد أفعالها: من إفادة معنى التجدد، نحو: أعجبني ضربك زيدًا، ودق الثوب القصار، إلا أن إسناد الصفات واجب، وإسناد المصادر جائز، وكلا النوعين: منه ما يجري مجرى فعل الفاعل، ومنه ما يجري مجرى فعل المفعول. وإذ قد عرفت هذا، فنقول: الفاعل: هو الاسم المسند إليه فعل مقدم على طريقة فعل أو يفعل، أو اسم يشبهه. (فالاسم) يشمل الصريح، نحو: قام زيد، والمؤول، نحو: بلغني أنك ذاهب، و (المسند إليه فعل) مخرج لما لم يسند إليه، كالمفعول، والمسند إليه غير الفعل، وشبهه، كقولك: خز ثوبك، وذهب مالك، وقولي: (مقدم) مخرج لما تأخر الفعل عنه، كزيد، من قولك: زيد قام، فإنه مبتدأ، والفاعل ضمير مستكن في الفعل، وقولي: (على طريقة فعل، أو يفعل) مخرج لما أسند إليه فعل المفعول، نحو: ضرب زيد، ويكرم عمرو، وقولي:

[83] (أو اسم يشبهه) مدخل لنحو: زيد من // قولك: مررت برجل ضاربه زيد، فإنه فاعل، لأنه اسم أسند إليه اسم مقدم يشبهه فعلا على طريقة يفعل، لأن (ضاربًا) في معنى يضرب، ومخرج لنحو: عمرو من قولك: مررت برجل مضروب عنده عمرو؛ لأن المسند إليه لا يشبه فعلا على طريقة يفعل، إنما يشبه فعلا على طريقة يفعل، ألا ترى أن قولك: مضروب عنده عمرو، بمنزلة قولك: يضرب عنده عمرو. وقد أشار بقوله: الفاعل الذي كمرفوعي أتى ... ..................... (البيت). إلى القيود المذكورة، كأنه قال: الفاعل ما كان كزيد من قولك: أتى زيد، في كونه اسمًا، أسند إليه فعل مقدم على طريقة فعل، أو كان كـ (وجهه) من قولك: منيرًا وجهه، من كونه اسمًا أسند إليه اسم مقدم يشبه فعلا، على طريقة يفعل. ويشمل ذلك فاعل المصدر نحو: أعجبني دق الثوب القصار، فإنه مثل فاعل الوصف: في كونه اسمًا، أسند إليه اسم مقدم، يشبه فعلا، على طريقة فعل، لأن المعنى: أعجبني أن دق الثوب القصار. 226 - وبعد فعلٍ فاعل فإن ظهر ... فهو وإلا فضمير استتر الفاعل كالجزء من الفعل، لأن الفعل يفتقر إليه معنى واستعمالا، فلم يجز تقديم الفاعل عليه، كما لم يجز تقديم عجز الكلمة على صدرها، فإن وقع الاسم قبل الفعل فهو مبتدأ، معرض لتسلط نواسخ الابتداء عليه، وفاعل الفعل ضمير بعده، مطابق للاسم السابق، فإن كان لمثنى، أو مجموع برز، نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا، والهندات قمن، وإن كان لمفرد استتر، مذكرًا كان، أو مؤنثًا، نحو: زيد قام، وهند خرجت، التقدير: زيد قام هو، وهند خرجت هي: وقوله: ............ فإن ظهر ... فهو وإلا فضميرًا استتر يعني: فإن ظهر بعد الفعل ما هو مسند إليه في المعنى فهو الفاعل، سواء كان اسمًا ظاهرًا، نحو: قام زيد، أو ضميرًا بارزًا، نحو: الزيدان قاما، وإن لم يظهر كما في نحو: زيد قام وجب كونه ضميرًا مستترًا في الفعل، لأن الفعل لا يخلو عن الفاعل، ولا يتأخر عنه. 227 - وجرد الفعل إذا ما أسندا ... لاثنين أو جمعٍ كفاز الشهدا 228 - وقد يقال سعدا وسعدوا ... والفعل للظاهر بعد مسند

اللغة المشهورة أن ألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون الإناث أسماء مضمرة، ومن العرب من يجعلها حروفًا دالة على مجرد التثنية والجمع. فعلى اللغة الأولى: إذا أسند الفعل إلى الفاعل الظاهر، وهو مثنى، أو مجموع جرد من الألف، والواو، والنون، كقولك: سعد أخواك، وفاز الشهداء، وقام الهندات؛ [84] لأنها أسماء، فلا يلحق شيء منها الفعل إلا مسندًا إليه، ومع إسناد // الفعل إلى الظاهر لا يصح ذلك، لأن الفعل لا يسند مرتين. وعلى اللغة الثانية: إذا أسند الفعل إلى الظاهر لحقته الألف في التثنية، والواو في جمع المذكر، والنون في جمع المؤنث، نحو: سعدا أخواك، وسعدوا أخوتك، وقمن الهندات، لأنها حروف فلحقت الأفعال، مع ذكر الفاعل علامة على التثنية، والجمع، كما تلحق التاء علامة على التأنيث. ومما جاء على هذه اللغة قولهم: (أكلوني البراغيث) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (يتعاقبون فيكم ملائكةً بالليل وملائكةً بالنهار). وقول الشاعر: [من الطويل] 205 - تولى قتال المارقين بنفسه ... وقد أسلماه مبعد وحميم وقول الآخر: [من الطويل] 206 - رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر ومن النحويين من يحمل ما ورد من ذلك على أنه خبر مقدم، ومبتدأ مؤخر. ومنهم من يحمله على إبدال الظاهر من المضمر.

وكلا المحملين غير ممتنع فيما سمع من غير أصحاب اللغة المذكورة. ولا يجوز حمل جميع ما جاء من ذلك على الإبدال، أو التقديم، والتأخير، لأن أئمة اللغة اتفقوا على أن قومًا من العرب يجعلون الألف، والواو، والنون علامات للتثنية، والجمع، كأنهم بنوا ذلك على أن من العرب من يلتزم من تأخير الاسم الظاهر الألف في فعل الاثنين، والواو في فعل جمع المذكر، والنون في فعل جمع المؤنث، فوجب أن تكون عند هؤلاء حروفًا، وقد لزمت للدلالة على التثنية، والجمع، كما قد تلزم التاء للدلالة على التأنيث، لأنها لو كانت اسمًا للزم: إما وجوب الإبدال، أو التقديم والتأخير، وإما إسناد الفعل مرتين، وكل ذلك باطل، لا يقول به أحد. 229 - ويرفع الفاعل فعل أضمرا ... كمثل زيد في جواب من قرا يضمر فعل الفاعل المذكور: جوازًا أو وجوبًا، فيضمر جوازًا إذا استلزمه فعل قبله، أو أجيب به نفي أو استفهام، ظاهر أو مقدر، فما استلزمه فعل قبله قول الراجز: [من الرجز] 207 - أسقى الإله عدوات الوادي ... وجوفه كل ملث غادي كل أجش حالك السواد فرفع (كل أجش) بـ (سقى) مضمرًا، لاستلزام (أسقى) إياه. ومن المجاب به نفي، كقولك: بلى زيد، لمن قال: به استفهام مقدر قولك: يكتب لي القرآن زيد: ترفع زيدًا بفعل [85] مضمر، لأن قولك، يكتب لي القرآن مما يحرك السامع للاستفهام // عن كاتبه، فنزلت ذلك منزلة الواقع، وجئت بزيد، مرتفعًا بفعل مضمر، جوابًا لذلك الاستفهام، والتقدير: يكتبه لي زيد. ومثله قراءة ابن عامر وشعبة (يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال) [النور /36 - 37]. والمعنى: يسبحه رجال.

وقول الشاعر: [من الطويل] 208 - ليبك يزيد ضارع لخصومةٍ ... ومختبط مما تطيح الطوائح كأنه لما قال: ليبك يزيد، قيل له: من يبكيه، فقال: ضارع، على معنى: يبكيه ضارع. ويضمر فعل الفاعل وجوبًا إذا فسر بما بعد الفاعل: من فعل مسند إلى ضميره، أو ملابسه، نحو قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك) [التوبة /6] وهلا زيد قام أبوه: التقدير: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك، وهلا لابس زيد قام أبوه، إلا أنه لا يتكلم به، لأن الفعل الظاهر كالبدل من اللفظ بالفعل المضمر، فلم يجمع بينهما. 230 - وتاء تأنيثٍ تلي الماضي إذا ... كان لأنثي كأبت هند الأذى إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث لحقته تاء ساكنة، تدل على تأنيث فاعله، وكان حقها ألا تلحقه، لأن معناها في الفاعل، إلا أن الفاعل لما كان كجزء من الفعل جاز أن يدل على معنى فيه ما اتصل بالفعل، كما جاز أن يتصل بالفاعل علامة رفع الفعل في يفعلان، ويفعلون، وتفعلين. وإلحاق هذه التاء على ضربين: واجب، وجائز، وقد نبه على ذلك بقوله: 231 - وإنما تلزم فعل مضمر ... متصل أو مفهمٍ ذات حر 232 - وقد يبيح الفصل ترك التاء في ... نحو أتى القاضي بنت الواقف 233 - والحذف مع فصلٍ بإلا فضلا ... كما زكا إلا قتاة ابن العلا

المؤنث ينقسم إلى قسمين: حقيقي التأنيث، وهو ما كان من الحيوان بإزائه ذكر كامرأة، ونعجة، وأتان، وإلى مجازي التأنيث، وهو ما سوى الحقيقي، كدار، ونار، وشمس، فإذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث لزمته التاء، إذا كان المسند إليه: إما ضميرًا، متصلا حقيقي التأنيث كهند قامت، أو مجازيه كالشمس طلعت، وإما ظاهرًا: حقيقي التأنيث، غير مفصول، ولا مقصود به الجنس، نحو: قامت هند. وإن كان المسند إليه ظاهرًا، مجازي التأنيث، نحو: طلعت الشمس، أو مفصولا عن الفعل، نحو: أتت اليوم هند، أو مقصودًا به الجنس، نحو: نعمت المرأة حفصة، وبئست المرأة عمرة جاز حذف التاء، وثبوتها، ويختار الثبوت، إن كان مجازي التأنيث، غير [86] مفصول، أو كان حقيقي التأنيث، مفصولا بغير // (إلا) نحو: أتت القاضي فلانة، وقد يقال: أتى القاضي فلانة، قال الشاعر: [من البسيط] 209 - إن امرأ غرة منكن واحدة ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور ويختار الحذف إن كان الفصل بـ (إلا) أو قصد الجنس، لأن في الفصل بـ (إلا) يكون الفعل مسندًا في المعنى إلى مذكر، فحمل على المعنى غالبًا، تقول: (ما زكا إلا فتاة ابن العلا) فتذكر الفعل، لأن المعنى: ما زكا شيء، أو أحد إلا فتاة ابن العلا، وقد يقال: ما زكت إلا فتاة ابن العلا، نظرًا إلى ظاهر اللفظ، كما قال الشاعر: [من الطويل] 210 - وما بقيت إلا الضلوع الجراشع وإذا قلت: نعم المرأة، أو بئس المرأة فلانة، فالمسند إليه مقصود به الجنس على سبيل المبالغة في المدح والذم، فأعطى فعله حكم المسند إلى أسماء الأجناس، المقصود بها الشمول، وتساوي التاء في اللزوم، وعدمه تاء مضارع الغائبة، ونون التأنيث الحرفية.

234 - والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ... ضمير ذي المجاز في شعرٍ وقع 235 - والتاء مع جمعٍ سوى السالم من ... مذكرٍ كالتاء مع إحدى اللبن 236 - والحذف في نعم الفتاة استحسنوا ... لأن قصد الجنس فيه بين حذف التاء من الماضي المسند إلى الظاهر الحقيقي التأنيث، غير المفصول لغة. حكي سيبويه أن بعض العرب يقول: (قال فلانة) فيحذف التاء، مع كون الفاعل ظاهرًا، متصلا، حقيقي التأنيث. وقد يستباح حذفها من الفعل المسند إلى ضمير مجازي التأنيث لضرورة الشعر، كقول الشاعر: [من المتقارب] 211 - فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها وقوله: والتاء مع جمعٍ سوى السالم ... (البيت). تنبيه على أن حكم الفعل المسند إلى جمع غير المذكر السالم حكم المسند إلى الواحد المجازي التأنيث تقول: قامت الرجال، وقام الرجال، فالتأنيث على تأويلهم بالجماعة، والتذكير على تأويلهم بالجمع. وتقول: قامت الهندات وقام الهندات، بثبوت التاء، وحذفها؛ لأن تأنيث الجموع مجازي، يجوز إخلاء فعله من العلامة، ولا يجوز اعتبار التأنيث في نحو: مسلمين، لأن سلامة نظمه تدل على التذكير، وأما (البنون) فيجري مجرى جمع التكسير، لتغير نظم واحده، تقول: قام البنون، وقامت البنون، كما تقول جاء الرجال، وجاءت الرجال، وقوله: والحذف في نعم الفتاة استحسنوا ... (البيت). قد تقدم الكلام عليه.

237 - والأصل في الفاعل أن يتصلا ... والأصل في المفعول أن ينفصلا [87] // 238 - وقد يجاء بخلاف الأصل ... وقد يجيء المفعول قبل الفعل قد تقدم أن الفاعل كالجزء من الفعل، فلذلك كان حقه أن يتصل بالفعل، وحق المفعول الانفصال عنه: نحو: ضرب زيدً عمرًا، وكثيرًا ما يتوسع في الكلام بتقدم المفعول على الفاعل، وقد يتقدم على الفعل نفسه. فالأول، نحو: ضرب زيدًا عمرو. والثاني: نحو: زيدًا ضرب عمرو، ومثله قوله تعالى: (فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) [الأعرف /30]. وتقديم المفعول على الفاعل على ثلاثة أقسام: جائز، وواجب، وممتنع. وقد نبه على الوجوب، والامتناع بقوله: 239 - وأخر المفعول إن لبس حذر ... أو أضمر الفاعل غير منحصر 240 - وما بإلا أو بإنما انحصر ... أخره وقد يسبق إن قصد ظهر 241 - وشاع نحو خاف ربه عمر ... وشذ نحو زان توره الشجر إذا خيف التباس الفاعل بالمفعول لعدم ظهور الإعراب، وعدم القرينة وجب تقديم الفاعل، نحو: أكرم موسى عيسي، وزارت سعدي سلمى، فلو وجدت قرينة تبين بها الفاعل من المفعول جاز تقديم المفعول، نحو: ضربت سعدي موسى، وأضنت سلمى الحمى. وإذا أضمر الفاعل، ولم يقصد حصره وجب تقديمه، وتأخير المفعول، نحو: أكرمتك، وأهنت زيدًا، فلو قصد حصره وجب تأخيره، نحو: ما ضرب زيدًا إلا أنت، وكل ما قصد حصره استحق التأخير: فاعلا كان، أو مفعولا، سواء كان الحصر بـ (إنما) أو بـ (إلا) نحو: إنما ضرب زيد عمرًا، وما ضرب زيد إلا عمرًا. هذا على قصد الحصر في المفعول. فلو قصد الحصر في الفاعل لقيل: إنما ضرب عمرًا زيد، وما ضرب عمرًا إلا زيد. وأجاز الكسائي تقديم المحصور بـ (إلا) لأن المعنى مفهوم معها، سواء قدم المحصور، أو أخر، بخلاف المحصور بـ (إنما) فإنه لا يعلم حصره إلا بالتأخير.

ووافق ابن الأنباري الكسائي في تقديم المحصور إذا لم يكن فاعلا، وأنشد لمجنون بني عامر: [من الطويل] 212 - تزودت من ليلى بتكليم ساعةٍ ... فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها وإلى نحو ذا الإشارة بقوله: ... وقد يسبق إن قصد ظهر قوله: وشاع نحو خاف ربه عمر ... . يعني أنه قد كثر تقديم المفعول الملتبس بضمير الفاعل عليه، ولم يبال بعود الضمير على متأخر في الذكر، لأنه متقدم في النية. [88] فلو كان الفاعل ملتبسًا بضمير المفعول وجب // عند أكثر النحويين تأخيره عن المفعول، نحو: (زان الشجر نوره)، وقوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه) [البقرة / 124]، لأنه لو تأخر المفعول عاد الضمير على متأخر لفظًا، ورتبة. ومنهم من أجازه، لأن استلزام الفعل للمفعول يقوم مقام تقديمه، فتقول: (زان نوره الشجر). والحق أن ذلك جائز في الضرورة لا غير، كقول الشاعر: [من البسيط] 213 - جزى بنوه أبا الغيلان عن كبرٍ ... وحسن فعلٍ كما يجزى سنمار

وقول حسان - رضي الله عنه - في مطعم بن عدى: [من الطويل] 214 - ولو أن مجدًا أخلد الدهر واحدًا ... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما ومثله قول الآخر: [من الطويل] 215 - كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤددٍ ... وزقي نداه ذا الندى في ذرى المجد

النائب عن الفاعل

النائب عن الفاعل 242 - ينوب مفعول به عن فاعل ... فيما له كنيل خير نائل كثيرًا ما يحذف الفاعل، لكونه: معلومًا أو مجهولا أو عظيمًا أو حقيرًا أو غير ذلك: فينوب عنه فيما له من الرفع، واللزوم، ووجوب التأخير عن رافعه المفعول به، مسندًا إليه، إما فعل، مبني على هيئة تنبئ إسناده إلى المفعول، ويسمى فعل ما لم يسم فاعله، وإما اسم في معنى ذلك الفعل. فالأول: كقولك في نال زيد خير نائل: نيل خير نائل. والثاني: كقولك في زيد ضارب أبوه غلامه: زيد مضروب غلامه. وقد بين كيفية بناء الفعل لما لم يسم فاعله بقوله: 243 - فأول الفعل اضممن والمتصل ... بالآخر اكسر في مضي كوصل 244 - واجعله من مضارع منفتحا ... كينتحي المقول فيه ينتحي 245 - والثاني التالي تا المطاوعة ... كالأول اجعله بلا منازعه 246 - وثالث الذي بهمز الوصل ... كالأول اجعلنه كاستحلى 247 - واكسر أو اشمم فا ثلاثي أعل ... عينا وضم جا كبوع فاحتمل 248 - وإن بشكلٍ خيف لبس يجتنب ... وما لباع قد يرى لنحو حب [89] // 249 - وما لفا باع لما العين تلي ... في اختار وانقاد وشبهٍ ينجلي وحاصله: أن بناء الفعل لما لم يسم فاعله: إن كان ماضيًا: بضم أوله، وبكسر ما قبل آخره، كقولك في وصل، ودحرج، وصل، ودحرج.

وإن كان مضارعًا: يضم أوله، ويفتح ما قبل آخره، كقولك في يضربن وينتحي: يضرب، وينتحي. فإن كان أول الفعل الماضي تاء مزيدة تبع ثانية أوله في الضم، كقولك في تعلم وتغافل، وتدحرج، تعلم العلم، وتغوفل عن الأمر، وتدحرج في الدار؛ لأنه لو بقي ثانية على فتحه لالتبس بالمضارع المبني للفاعل. وإن كان أول الماضي همزة الوصل تبع ثالثه أوله في الضم، كقولك في انطلق، واقتسم، واستحلى: انطلق به، واقتسم المال، واستحلي الشراب، لأنك لو أبقيت ثالثه على فتحه لالتبس بالأمر في بعض الأحوال. وإن كان الماضي ثلاثيًا معتل العين، فبني لما لم يسم فاعله استثقل فيه مجيء الكسرة بعد الضمة، ووجب تخفيفه بإلقاء حركة الفاء، ونقل حركة العين إليها، كقولك في (باع، وقال): بيع، وقيل، وكان الأصل: بيع، وقول، فاستثقلت كسرة على حرف علة بعد ضمة، فألقيت الضمة، ونقلت الكسرة إلى مكانها، فسلمت الياء من نحو (بيع) لسكونها بعد حركة تجانسها، وانقلبت الواو ياء من نحو (قيل) لسكونها بعد كسرة، فصار اللفظ بما أصله الواو كاللفظ بما أصله الياء. وبعض العرب ينقل ويشير إلى الضم، مع التلفظ بالكسر، ولا يغير الياء، ويسمي ذلك إشمامًا، وقد قرأ به نافع، وابن عامر، والكسائي في نحو: (قيل)، و (غيض) [هود /44]، و (سيق) [الزمر /71، 73]. ومن العرب من يخفف هذا النوع بحذف حركة عينه. فإن كانت واوا سلمت، كقول الراجز: [من الرجز] 216 - حوكت على نولين إذ تحاك ... تختبط الشوك ولا تشاك

وإن كانت ياء قلبت واوًا لسكونها وانضم ما قبلها كقول الآخر: [من الرجز] 217 - ليت وهل ينفع شيئًا ليت ... ليت شبابًا بوع فاشتريت وقد يعرض بالكسر أو بالضم التباس فعل المفعول بفعل الفاعل، فيجب حينئذ الإشمام، أو إخلاص الضمة في نحو: خفت، مقصودًا به خشيت، والإشمام، أو إخلاص الكسر في نحو: طلت، مقصود به غلبت في المطاولة. ويجوز في فاء الثلاثي المضاعف، مبنيا لما لم يسم فاعله من الضم والإشمام والكسر ما جاز في فاء الثلاثي المعتل العين، نحو: حب الشيء وحب، ومن (أَشم) (أُشِمَّ). وقد قرأ بعضهم قوله تعالى: (هذه بضاعتنا ردت إلينا) [يوسف /65]. وإن كان الماضي المعتل العين على (افتعل) كاختار، وعلى (افتعل) كاختار، وعلى (انفعل) كانقاد فعل بثالثه في بنائه لما لم يسم فاعله ما فعل بأول نحو: باع، وقال، ولفظ بهمزة الوصل [90] على حسب اللفظ // بما قبل حرف العلة، كقولك، اختير، وانقيد، واختور، وأنقود، وبالإشمام أيضًا. وإلى هذه الإشارة بقوله: وما لفا باع لما العين تلي ... ............... (البيت). تقديره: والذي لفا باع في البناء للمفول من الأحوال الثلاث ثابت للذي تليه العين في نحو: اختار، وانقاد، وهو الثالث. 250 - وقابل من ظرف أو من مصدر ... أو حرف جر بنيابةٍ حري 251 - ولا ينوب بعض هذي إن وجد ... في اللفظ مفعول به وقد يرد إذا خلا فعل ما لم يسم فاعله من مفعول به ناب عن الفاعل ظرف، متصرف، أو مصدر كذلك، أو جار ومجرور، بشرط حصول الفائدة، بتخصيص النائب عن الفاعل، أو تقييد الفعل بغيره.

فالأول: نحو: صيم يوم السبت، وجلس أمام المسجد، وغضب غضب شديد، ورضي عن المسيء. والثاني: نحو: سير بزيد يومان، وذهب بامرأة فرسخان، وما لا يتصرف من الظروف، مثل: (إذا، وعند) لا يقبل النيابة عن الفاعل، وكذلك ما لا يتصرف من المصادر، نحو: (معاذ الله)، و (حنانيك)، لأن في نيابة الظروف، والمصادر عن الفاعل تجوزًا بإسناد الفعل إليها، فما كان منها متصرفًا قبل إسناد الفعل إليه حقيقة، فيقبل إسناده إليه مجازًا، وما كان منها غير متصرف لم يقبل الإسناد إليه حقيقة، فلا يقبله على جهة المجاز. قوله: ولا ينوب بعض هذي ............... ... .................... (البيت). مذهب سيبويه: أنه لا يجوز نيابة غير المفعول به مع وجوده، وأجازه الأخفش والكوفيون، محتجين بقراءة أبي جعفر قوله تعالى: (ليجزى قومًا بما كانوا يكسبون) [الجاثية /14] بإسناد (ليجزى) إلى الجار والمجرور، ونصب (قومًا) وهو مفعول به، وبنحو قول الراجز: [من الرجز] 218 - لم يعن بالعلياء إلا سيدا ... ولا شفى ذا الغي إلا ذو الهدى وقول الآخر: [من الرجز] 219 - وإنما يرضي المنيب ربه ... ما دام معنيًا بذكر قلبه

252 - وباتفاقٍ قد ينوب الثان من ... باب كسا فيما التباسه أمن 253 - في باب ظن وأرى المنع اشتهر ... ولا أرى منعًا إذا القصد ظهر إذا بني الفعل لما لم يسم فاعله من متعد إلى مفعولين: فإن كان الثاني غير الأول فالأول نيابة المفعول الأول، لكونه فاعلا في المعنى، نحو: كسى زيد ثوبًا، ويجوز نيابة المفعول الثاني إن أمن التباسه بالمفعول الأول، نحو: ألبس عمرًا جبة. [91] // فلو خيف الالتباس، كما في: (أعطى زيدً بشرًا) وجب نيابة الأول، وإن كان الثاني من المفعولين هو الأول في المعنى. فأكثر النحويين لا يجيز نيابة الثاني عن الفاعل، بل يوجب نيابة الأول، نحو: ظن زيد قائمًا، لأن المفعول الثاني من ذا الباب خبر، والخبر لا يخبر عنه. وأجاز بعضهم نيابته عن الفاعل، إن أمن اللبس، قياسًا على ثاني مفعولي باب أعطى، وإليه ذهب الشيخ رحمه الله. وإذا بني فعل ما لم يسم فاعله من متعد إلى ثلاثة مفاعيل ناب الأول منها عن الفاعل، نحو: أرى زيدً أخاك مقيمًا، ولم يجز نيابة الثالث باتفاق، وفي نيابة الثاني الخلاف الذي في نيابة الثاني في باب (ظن). 254 - وما سوى النائب مما علقا ... بالرافع النصب له محققًا كما لا يكون الفعل إلا فاعل واحد، كذلك لا ينوب عن الفاعل إلا شيء واحد، وما سواه مما يتعلق بالرافع فمنصوب لفظًا، إن لم يكن جارًا ومجرورًا، وإن يكنه فمنصوب محلا.

اشتغال العامل عن المعمول

اشتغال العامل عن المعمول 255 - إن مضمر اسم سابقٍ فعلا شغل ... عنه بنصب لفظه أو المحل 256 - فالسابق انصبه بفعلٍ اضمرا ... حتمًا موافقٍ لما قد أظهرا إذا تقدم اسم على فعل صالح لأن ينصبه لفظًا أو محلا. وشغل الفعل عن عمله فيه بعمله في ضميره صح في ذلك الاسم أن ينصب بفعل لا يظهر، موافق للظاهر، أي: مماثل له، أو مقارب. فالأول، نحو: أزيدًا ضربته؟ والثاني، نحو: أزيدًا مررت به؟ التقدير: أضربت زيدًا ضربته؟ وأجاوزت زيدًا مررت به؟ ولكن لا يجوز إظهار هذا المقدر، لأن الفعل الظاهر كالبدل من اللفظ به، ولا يجمع بين البدل، والمبدل منه. ثم الاسم الواقع بعده فعل ناصب لضميره على خمسة أقسام: لازم النصب، ولازم الرفع بالابتداء، وراجح النصب على الرفع، ومستوٍ فيه الأمران، وراجح الرفع على النصب. أما القسم الأول فنبه عليه بقوله: 257 - والنصب حتم إن تلا السابق ما ... يختص بالفعل كإن وحيثما مثاله: إن زيدًا رأيته فاضربه، وحيثما عمرًا لقيته فأهنه، وهلا زيدًا كلمته.

فهذا ونحوه مما ولي أداة شرط، أو تحضيض، أو غير ذلك مما يختص بالفعل لا يجوز رفعه بالابتداء، لئلا يخرج ما وضع على الاختصاص بالفعل عن اختصاصه به، ولكن [92] قد يرفع بفعل مضمر، مطاوع للظاهر، كقول الشاعر: // [من الكامل] 220 - لا تجزعي إن منفسً أهلكته ... فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي التقدير: لا تجزعي إن هلك منفس أهلكته، ويروى (لا تجزعي إن منفسًا) بالنصب على ما قد عرفت. وأما القسم الثاني فنبه عليه بقوله: 258 - وإن تلا السابق ما بالابتدا ... يختص فالرفع التزمه أبدا 259 - كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ... ما قبل معمولا لما بعد وجد وحاصله: أنه يمنع من نصب الاسم المشغول عنه الفعل بضميره شيئان: أحدهما: أن يتقدم على الاسم ما هو مختص بالابتداء (كإذا) الفجائية، نحو قولك: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، لأن (إذا) الفجائية لم تولها العرب إلا مبتدأ، نحو قوله تعالى: (فإذا هي بيضاء) [الشعراء /33]، أو خبر مبتدأ، نحو: (إذا لهم مكر في آياتنا) [يونس /21]. فلا يجوز نصب ما بعدها بفعل مضمر؛ لأن ذلك يخرجها عما ألزمتها العرب من الاختصاص بالابتداء. وقد غفل عن هذا كثير من النحويين فأجازوا (خرجت فإذا زيدًا يضربه عمرو) ولا سبيل إلى جوازه.

المانع الثاني: أن يكون بين الاسم والفعل ما له صدر الكلام، كالاستفهام، و (ما) النافية، ولام الابتداء، وأدوات الشرط، كقولك: زيد هل رأيته؟ وعمرو متى لقيته؟ وخالد ما صحبته؟ وبشر لأحبه، وعبد الله إن أكرمته أكرمك. فالرفع بالابتداء في هذا، ونحوه واجب؛ لأن ما له صدر الكلام لا يعمل ما بعده فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر عاملا، لأن المفسر - في هذا الباب - بدل من اللفظ بالمفسر، ولأجل ذلك لو كان الفعل الناصب لضمير الاسم السابق صفة له، كما في قوله تعالى: (وكل شيءٍ فعلوه في الزبر) [القمر /52]، امتنع أن يفسر عاملا فيه، لأن الصفة لا تعمل في الموصوف، وما لا يعمل لا يفسر عاملا. وأما القسم الثالث فنبه عليه بقوله: 260 - واختير نصب قبل فعلٍ ذي طلب ... وبعدما إيلاءه الفعل غلب 261 - وبعد عاطفٍ بلا فصلٍ على ... معمول فعلٍ مستقر أولا يعني: أنه يترجح النصب على الرفع بأسباب: منها: أن يكون الفعل المشغول بضمير الاسم السابق فعل أمر، أو نهي، أو دعاء، كقولك: زيدًا اضربه وخالدًا لا تشتمه، واللهم عبدك ارحمه. ومنها: أن يتقدم على الاسم ما الغالب أن يليه فعل، كالاستفهام، والنفي بـ (ما) و (لا) و (إن) و (حيث) المجردة من (ما) نحو: أزيدًا ضربته؟ وما عبد الله أهنته، وحيث زيدًا تلقاه فأكرمه. [93] // فالنصب في هذا راجح على الرفع، إلا في الاستفهام بـ (هل) نحو: هل زيدًا رأيته؟ فإنه يتعين فيه النصب. ومنها: أن يلي الاسم السابق عاطفًا قبله معمول فعل، نحو: قام زيد، وعمرًا كلمته، ولقيت بشرًا، وخالدًا أبصرته. وإنما يرجح النصب هنا لأن المتكلم به عاطف جملة فعلية على جملة فعلية. والرافع عاطف جملة اسمية على جملة فعلية، وتشاكل المعطوف، والمعطوف عليه أحسن من تخالفهما. وقوله: وبعد عاطفٍ بلا فصلٍ ... .................... احترز به من نحو: قام زيد، وأما عمرو فأكرمته، فإن الرفع فيه أجود، لأن الكلام بعد (إما) مستأنف مقطوع عما قبله.

وأما القسم الرابع فنبه على بقوله: 262 - وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا ... به عن اسمٍ فاعطفن مخيرا إذا كانت الجملة ابتدائية، وخبرها فعل ومعموله سميت ذات وجهين؛ لأنها من قبل تصديرها بالمبتدأ اسمية، ومن قبل كونها مختومة بفعل، ومعمولة فعلية، فإذا وقع الاسم السابق فعلا ناصبًا لضميره، بعد عاطف على جملة، وجهين استوى فيه النصب، والرفع، لأن في كل منهما مشاكلة. فإذا قلت: زيد قام، وعمرو كلمته بالرفع يكون عاطفًا مبتدأ، وخبرًا على مبتدأ. وخبر. وإذا قلت: زيد قام، وعمرًا كلمته؛ بالنصب؛ يكون في اللفظ كمن عطف جملة فعلية على جملة فعلية، فلما كانت المشاكلة حاصلة بالرفع، والنصب لم يكن أحدهما أرجح من الآخر. وأما القسم الخامس فنبه عليه بقوله: 263 - والرفع في غير الذي مر رجح ... فما أبيح افعل ودع ما لم يبح يعني: إذا خلا الاسم السابق من الموجب لنصبه، ومن المانع منه، ومن المرجح له، ومن المستوي رجح الرفع بالابتداء كقولك: زيد لقيته، وعبد الله أكرمته، فإنه ليس معه موجب النصب، كما مع: (إن زيدً رأيته فاضربه)، وليس معه موجب الرفع، كما مع خرجت فإذا زيدً يضربه عمرو، وليس معه مرجح النصب، كما مع: (أزيدًا لقيته)؟ وليس معه المسوي بين النصب والرفع كما مع (زيد قام)، و (عمرًا كلمته)، فالرفع فيه هو الوجه، والنصب عربي جيد. ومنهم من منعه، وأنشد [ابن] الشجري على جوازه: [من الرمل] 221 - فارسا ما غادروه ملحمًا ... غير زميلٍ ولا نكسٍ وكل

ومثله قراءة بعضهم قوله تعالى: (جنات عدنٍ يدخلونها) [النحل /31] بالنصب. 264 - وفصل مشغولٍ بحرف جر ... أو بإضافةٍ كوصلٍ يجري [94] // يعني: أن حكم المشغول عنه الفعل بمضير جر، أو بمضاف إليه حكم المشغول عنه الفعل بضمير نصب، فمثل: إن زيدًا رأيته في وجوب النصب إن زيدًا مررت به، أو رأيت أخاه، فتنصب المشغول عنه في هذا الباب بفعل مضمر، مقارب للظاهر، تقديره: جاوزت زيدًا، مررت به، ولابست زيدًا رأيت أخاه، كما تنصب المشغول عنه في نحو: إن زيدًا رأيته بمثل الظاهر، ومثل: أزيدًا لقيته؟ في ترجيح نصبه على الرفع أزيدًا مررت به؟ أو عرفت أباه، ومثل: زيد قام، وعمرو كلمته - في استواء الأمرين - زيد قام، وعمرو مررت به، أو كلمت غلامه، ومثل: زيدًا ضربته في جواز نصبه مرجوحًا زيدًا مررت به، أو ضربت غلامه. 265 - وسو في ذا الباب وصفًا ذا عمل ... بالفعل إن لم يك مانع حصل يصح أن تفسر الصفة عاملا في الاسم السابق، كما يفسره الفعل، وذلك بشرط أن تكون الصفة صالحة لعمل الفعل المذكور، وألا يكون قبلها ما يمنع من التفسير، كقولك: أزيدًا أنت ضاربه؟ وأعمرًا أنت مكرم أخاه؟ فلو كانت الصفة اسم فاعل بمعنى المعنى نحو: أزيدًا أنت ضاربه أمس، لم يصلح لعمل الفعل، فلم يجز أن يفسر عاملا في الاسم السابق، لأن شرط المفسر في هذا الباب صلاحيته للعمل في الاسم السابق، بحيث لو خلا عن الشاغل لعمل في السابق، وكذلك لو كانت الصفة صلة للألف واللام، نحو: أزيدًا أنت الضاربه؟ لم يجز أن يفسر عاملا في الاسم السابق، لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول، وما لا يعمل لا يفسر عاملا. 266 - وعلقة حاصلة بتابع ... كعلقةٍ بنفس الاسم الواقع يعني: أن الملابسة بالشاغل الواقع أجنبيا، متبوعًا بسببي كالملابسة بالشاغل. الواقع سببيا. والحاصل: أنه إذا كان شاغل الفعل أجنبيًا، وله تابع سببي، فالحكم معه كالحكم مع الشاغل السببي، فلزيد مثلا في نحو: أزيدًا ضربت رجلا يحبه؟ أو ضربت عمرًا أخاه؟ ما له في نحو: أزيدًا ضربت محبه؟ أو ضربت أخاه؟

تعدي الفعل ولزومه

تعدي الفعل ولزومه 267 - علامة الفعل المعدى أن تصل ... ها غير مصدر به نحو عمل 268 - فانصب به مفعوله إن لم ينب ... عن فاعلٍ نحو تدبرت الكتب [95] // الفعل ينقسم إلى: متعد ولازم. فالمتعدي: ما جاز أن يتصل به (هاء) ضمير لغير مصدر، نحو: شمل، وعمل. واللازم: ما ليس كذلك، نحو: شرف، وظرف. تقول زيد شمله البر، والخير عمله زيد. ولا يجوز أن يتصل مثل هذه الهاء بنحو: شرف، وظرف، إنما يتصل به الهاء للمصدر، كقولك: شرفه زيد، وظرفه عمرو، تريد: شرف الشرف زيد، وظرف الظرف عمرو. فهذا فرق ما بين المتعدي واللازم. والمتعدي: إن كان مبنيا للفاعل نصب المفعول به، وإلا رفعه. وعلامة المفعول به أن يصدق عليه اسم مفعول تام من لفظ ما عمل فيه، كقولك: ركب زيد الفرس، فالفرس مركوب، وتدبر زيد الكتاب، فالكتاب متدبر. وقولي: (تام) احترازًا مما يصدق عليه اسم مفعول مفتقر إلى حرف جر، نحو: سرت يوم الجمعة، فيوم الجمعة مسير فيه، وضربت زيدًا تأديبًا، فالتأديب مضروب له.

269 - ولازم غير المعدي وحتم ... لزوم أفعال السجايا كنهم 270 - كذا افعلل والمضاهي اقعنسسا ... وما اقتضى نظاقةً أو دنسا 271 - أو عرضًا أو طاوع المعدى ... لواحدٍ كمده فامتدا جميع الأفعال منحصره في قسمي المتعدي، واللازم فما سوى المتعدي ما لا يصح اتصال هاء ضمير غير المصدر به، فهو لازم، نحو: قام، وقعد، ومشى، وانطلق. ثم من اللازم ما يستدل على لزومه بمعناه، ومنه ما يستدل على لزومه بوزنه. فمن القسم الأول: أن يكون الفعل سجية، وهو ما دل على معنى قائم بالفاعل لازم له، كشجع، وجبن، وحسن، وقبح، وطال، وقصر، وقوي، ونهم، إذا كثر أكله، وكأفعال النظافة، والدنس، نحو: نظف، ووضؤ، وطهر، ونجس، ورجس، وقذر. ومنه أيضًا أن يكون الفعل عرضًا، وهو ما ليس حركة جسم من معنى قائم بالفاعل، غير ثابت فيه، كمرض، وكسل، ونشط، وحزن، وفرح، ونهم: إذا شبع. ومنه أيضًا أن يكون الفعل مطاوعًا لمتعد إلى مفعول واحد، كضاعفت الحساب، فتضاعف، ودحرجت الشيء فتدحرج، ونعمته فتنعم، وشققته فانشق، ومددته فامتد، وثلمته فانثلم، وثرمته فانثرم. واحترز بمطاوع المتعدي إلى واحد عن مطاوع المتعدي إلى اثنين، فإنه متعد إلى واحد، نحو: كسوت زيدًا ثوبًا، فاكتسى ثوبًا. والمراد بالفعل المطاوع الدال على قبول المفعول لأثر الفاعل فيه. ومن القسم الثاني: أن يكون الفعل على وزن (افعلل) كاقشعر، وابذعر، أي: تفرق، أو على وزن (افعنلل) كاحر نجم، واثعنجر، وكذا ما لحق (بافعلل، وافعنلل) كاكوهد الفرخ: إذا ارتعد، واحرنبي الديك: إذا انتفش، واقعنسس الجمل، [96] // إذا امتنع أن يقاد. فهذان الوزنان، وما ألحق بهما من الأدلة على عدم التعدي، من غير حاجة على الكشف عن بيان معانيه.

272 - وعد لازمًا بحرف جر ... وإن حذف فالنصب للمنجر 273 - نقلا وفي أن وأن يطرد ... مع أمن لبس كعجبت أن يدوا إذا كان الفعل لازمًا، وأريد تعديته إلى مفعول عدي بحرف الجر، نحو: عجبت من ذهابك، وفرحت بقدومك. وكذا يفعل بالفعل المتعدي إلى مفعول واحد أو أكثر، إذا أريد تعديته إلى ما يقصر عنه، نحو: ضربت زيدًا بسوط، وأعطيته درهمًا من أجلك. وقد يحذف حرف الجر، وينصب مجروره توسعًا في الفعل، وإجراء له مجرى المتعدي. وهذا الحذف نوعان: مقصور على السماع، ومطرد في القياس. والمقصور على السماع منه وارد في السعة، ومنه مخصوص بالضرورة. فالأول: نحو: شكرت له وشكرته، ونصحت له ونصحته، وذهبت إلى الشام وذهبت الشام. وقد يفعل نحو هذا بالمتعدي إلى واحد، فيصير متعديًا إلى اثنين، كقولهم: في كلت لزيدٍ طعامه، ووزنت له ماله، تقديره: كلت زيدًا طعامه، ووزنته ماله. والثاني: كقول الشاعر: [من الكامل] 222 - لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب أراد: كما عسل في الطريق، ولكنه لما لم يستقم الوزن بحرف الجر حذف، ونصب ما بعده بالفعل. ومثله قول الآخر: [من البسيط] 223 - آليت حب العراق الدهر أطعمه ... والحب يأكله في القرية السوس أراد: آليت على حب العراق.

ومثله: [من الطويل] 224 - تحن فتبدي ما بها من صبابةٍ ... وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني أي: لقضى علي. وقد يحذف حرف الجر، ويبقي عمله، كقول الشاعر: [من الطويل] 225 - إذا قيل أي الناس شر قبيلةٍ ... أشارت كليبٍ بالأكف الأصابع أراد: أشارت إلى كليب. وأما الحذف المطرد ففي التعدية إلى (أنَّ، وأنْ) بشرط أمن اللبس، نحو: عجبت أنك ذاهب، وعجبت أن يدوا، أي: أن يغرموا الدية، وتقول: رغبت في أن تفعل، ولا يجوز رغبت أن تفعل، لئلا يوهم أن المراد: رغبت عن أن تفعل. وإلى النوعين المذكورين من الحذف أشار بقوله: نقلا وفي أن وأن يطرد ... مع أمن لبس ................. أي: وحذف حرف الجر، ونصب المنجر ينقل عن العرب نقلا، ولا يقدم على [97] مثله حينئذ بالقياس // إلا في التعدية إلى (أنّ، وأنْ) فإنَّ الحذف هناك بالشروط المذكورة مطرد، يقاس عليه. وفي محلهما بعد الحذف قولان: فمذهب الخليل والكسائي أنه الجر، ومذهب سيبويه والفراء أنه النصب.

ويؤيد مذهب الخليل ما أنشده الأخفش: [من الطويل] 226 - وما زرت ليلى أن تكون حبيبةً ... إلى ولا دين بها للطالبه يجر المعطوف، وهو (دين) على (أن تكون) فعلم أنه في محل الجر. 274 - والأصل سبق فاعلٍ معنى كمن ... من ألبسن من زاركم نسج اليمن 275 - ويلزم الأصل لموجبٍ عرا ... وترك ذاك الأصل حتمًا قد يرى الفعل المتعدي إلى غير مبتدأ وخبر، متعد إلى واحد، ومتعد إلى اثنين؟ الثاني منهما غير الأول، نحو: أعطيت، وكسوت. وهذا الباب يجوز فيه ذكر المفعولين، نحو قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) [الكوثر /1]، وحذفهما معًا نحو قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى) [الليل /5]، والاقتصار على أحدهما نحو قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) [الضحى /5]. والأصل تقديم ما هو من المفعولين فاعل في المعنى، كزيد من قولك: ألبست زيدًا جبةً، فإنه اللابس، وكمن في قوله: ............................ ... ...... ألبسن من زاركم نسج اليمن واستعمال هذا الأصل في الكلام على ثلاثة أضرب: جائز، وواجب، وممتنع. فيجوز في نحو: أعطيت درهمًا زيدًا، وألبست نسج اليمن من زارنا. ويجب لأسباب منها: خوف التباس المفعول الأول بالثاني، نحو: أعطيت زيدًا عمرًا، وكون الثاني إما محصورًا، نحو: ما أعطيت زيدًا إلا درهمًا، وإما ظاهرًا، والأول ضمير، نحو: أعطيتك درهمًا، وإلى نحو هذه المسألة أشار بقوله: ويلزم الأصل لموجبٍ عرا ... .................. أي: وجد، يقال: عرا به أمر: إذا نزل به.

ويمتنع استعمال الأصل لأسباب منها: أن يكون المفعول الأول محصورًا فهو: ما أعطيت الدرهم إلا زيدًا. أو ظاهرًا والثاني ضمير، نحو: الدرهم أعطيته زيدًا. أو ملتبسًا بضمير الثاني، نحو: أسكنت الدار بانيها، ولو كان الثاني ملتبسًا بضمير الأول، كما في (أعطيت زيدًا ما له) جاز تقديمه، وتأخيره على ما قد عرفت في باب الفاعل. وإلى نحو هذه الأمثلة أشار بقوله: ....................... ... وترك ذاك الأصل حتمًا قد يرى 276 - وحذف فضلةٍ أجز إن لم يضر ... كحذف ما سيق جوابًا أو حصر المفعول من غير باب (ظن) فضلة، فحذفه جائز إن لم يعرض مانع، كما إذا كان جوابًا كقولك: ضربت زيدًا، لمن قال: من ضربت؟ أو كان محصورًا نحو: ما ضربت إلا زيدًا فلو حذف في الأول لم يحصل جواب، ولو حذف في الثاني لزم نفس الضرب مطلقًا [98] // والمراد نفيه مقيدًا، فلم يكن من ذكر المفعول بد. 277 - ويحذف الناصبها إن علما ... وقد يكون حذفه ملتزما يجوز حذف الفعل الناصب للفضلة إذا دل عليه دليل. وهذا الحذف على ضربين: جائز، وواجب. فيجوز الحذف: إذا دل على الفعل قرينة حالية، كقولك لمن سدد سهمًا: القرطاس، بإضمار تصيب، ولمن يتأهب للحج: مكة والله، بإضمار: تريد، أو مقالية، كقولك: زيدًا لمن قال من ضربت؟ وكقولك: بلى شر الناس، لمن قال: ما ضربت أحدًا. ويجب حذف الفعل إذا فسره ما بعد المنصوب، نحو: أزيدًا رأيته؟ أو كان إنشاء نداء، نحو: يا زيد، أو تحذيرًا بـ (إيا) مطلقًا، أو بغيرها في تكرار، أو عطف، كقولك لمن تحذره: إياك الأسد، وإياك والأسد، وإياك إياك، والأسد الأسد، وماز رأسك والسيف، ورأسك والحائط. أو إغراء واردًا في تكرار أو عطف، كقولك لمن تغريه بأخذ السلاح: السلاح السلاح، والسيف، والرمح.

ولا يجب الحذف فيما عدا ذلك إلا فما كان واردًا مثلا، أو كالمثل في كثرة الاستعمال، كقولهم: (كليهما وتمرًا) و (أمرا ونفسه) و (الكلاب على البقر) و (أحشفًا وسوء كيلة) و (من أنت وزيدًا) و (إن تأتني فأهل الليل وأهل النهار) و (مرحبًا وأهلا وسهلا) بإضمار: أعطني، ودع، وأرسل، وأتبيع، وتذكر، وتجد، وأصبت، وأتيت، ووطئت.

التنازع في العمل

التنازع في العمل 278 - إن عاملان اقتضيا في اسمٍ عمل ... قبل فللواحد منهما العمل 279 - والثاني أولى عند أهل البصره ... واختار عكسًا غيرهم ذا أسره إنما قال عاملان، ولم يقل فعلان: ليشمل تنازع الفعلين، نحو قوله تعالى: (آتوني أفرغ عليه قطرًا) [الكهف /96]، أو تنازع الاسم والفعل نحو قوله تعالى: (هاؤم أقرؤوا كتابيه) [الحاقة /19]، وتنازع الاسمين، كقول الشاعر: [من الطويل] 227 - عهدت مغيثًا مغنيًا من أجرته ... فلم أتخذ إلا فناءك موئلا وقال: (اقتضيا) ليخرج العاملان، المؤكد أحدهما بالآخر، كقول الشاعر: [من الطويل] 228 - فأين إلى أين النجاء ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس (فأتاك أتاك) عاملان في اللفظ، والثاني منهما لا اقتضاء له إلا التوكيد، ولو [99] اقتضى // عملا لقيل: أتوك أتاك، أو أتاك أتوك.

وقال: (قبل) تنبيهًا على أن التنازع لا ياتي بين عاملين متأخرين نحو: زيد قام وقعد، لأن كلا منهما مشغول بمثل ما شغل به الآخر من ضمير الاسم السابق، فلا تنازع بينهما، بخلاف المتقديمن نحو: قام وقعد زيد، فإن كلا منهما متوجه في المعنى إلى زيد، وصالح للعمل في لفظه، فيعمل أحدهما فيه، والآخر في ضميره. وإلى هذا أشار بقوله: ............................. ... ........... فللواحد منهما العمل والتنازع إما في الفاعلية، أو في المفعولية، أو فيهما على وجهين. أمثلة ذلك على إعمال الثاني: قاما وقعد أخواك، ورأيت وأكرمت أبويك، وضرباني وضربت الزيدين، وضربت وضربني الزيدون: تضمر في الأول الفاعل، وتحذف منه المفعول، لأنه فضلة، فلا يصح إضماره قبل الذكر. وأمثلته على إعمال الأول: قام وقعد أخواك، ورأيت وأكرمتهما أبويك، وضربني وضربتهما الزيدان، وضربت وضربوني الزيدين: تضمر في الثاني ضمير الفاعل وضمير المفعول. والمختار عند البصرين إعمال الثاني، وعند الكوفيين إعمال الأول. 280 - وأعمل المهمل في ضمير ما ... تنازعاه والتزم ما التزما 281 - كيحسنان ويسيء ابناكا ... وقد بغى واعتديا عبداكا 282 - ولا تجئ مع أولٍ قد أهملا ... بمضمرٍ لغير رفعٍ أوهلا المهملٍ: هو الذي لم يسلط على الاسم الظاهر، وهو يطلبه في المعنى، فيعمل في ضميره، مطابقًا له في الإفراد، والتذكير، وفروعهما. وإلى ذلك أشار بقوله: ........................ ... ............ والتزم ما التزما ثم المهمل لا يخلو إما أن يكون الفعل الأول أو الثاني، فإن كان الأول، فإما أن يقتضي الرفع أو النصب، فإن اقتضى الرفع أضمر فيه قبل الذكر إضمارًا على شريطة التفسير، نحو: (يحسنان ويسيء ابناكا) وإن اقتضى النصب امتنع أن يضمر فيه، لأن المنصوب فضلة، يجوز الاستغناء عنها، فلا حاجة إلى إضمارها قبل الذكر، ووجب الحذف إلا في باب (ظن)، وفي باب (كان) وفيما أوقع حذفه في لبس، على ما سيأتي بيانه.

تقول: ضربت وضربني زيد، ومررت وأكرمني عمرو. ولا يجوز: ضربته وضربني زيد، ولا مررت به فأكرمني عمرو. وقول الشاعر: [من الطويل] 229 - إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب ... جهارًا فكن في الغيب أحفظ للود ضرورة نادرة لا يعتد بمثلها. وأما المرفوع فعمدة، لا يجوز الاستغناء عنها، فأضمرت قبل الذكر، لما أريد إعمال أقرب الفعلين إلى المتنازع فيه، وكان إضمارًا على شريطة التفسير [100] // فيه، فجاز للحاجة إليه جوازه في نحو (ربه رجلا) و (نعم رجلا زيد). ومنع الكوفيون الإضمار قبل الذكر في هذا الباب، فلم يجيزوا نحو: يحسنان ويسيء ابناك، وضرباني وضربت الزيدين، بل هم في مثل ذلك على مذهبين. فذهب الكسائي: أنه يعمل الأول، فيقول: يحسن ويسيئان ابناك، وضربني وضربتهما الزيدان، أو بحذف فاعله للدلالة عليه، فيقول: يحسن ويسيء ابناك، وضربني وضربت الزيدين. ومذهب الفراء: إعمال الأول، أو إعمال الثاني، وتأخير ضمير الأول، إن كان رافعًا، نحو: يحسن ويسيء ابناك هما، وضربني وضربت الزيدين هما، أو إعمال المتنازعين جميعًا في الاسم الظاهر، إن كانا رافعين فيجوز: يحسن ويسيء ابناك، ولا يجوز: ضربني وضربت الزيدين. وما منعه الكوفيون من الإضمار في هذا الباب قبل الذكر ثابت عن العرب، فلا يلتفت إلى منعهم. حكي سيبويه: ضربوني وضربت قومك، وأنشد: [من الطويل] 230 - وكمتا مدماةً كأن متونها ... جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

وقال بعض الطائيين: [من الطويل] 231 - جفوني ولم أجف الأخلاء إنني ... لغير جميل من خليلي مهمل وقال الآخر: [من البسيط] 232 - هوينني وهويت الغانيات إلى ... أن شبت فانصرفت عنهن آمالي وإن كان المهمل هو الثاني من المتنازعين، فإما أن يقتضي الرفع أو النصب، فإن اقتضى الرفع وجب فيه الإضمار، وجاز استعماله باتفاق، لأنه إضمار متأخر، رتبته التقديم، فليس إضمارًا قبل الذكر، وذلك نحو: (بغى واعتديا عبداكا)، و (ضربت وأكرماني الزيدين). وإن اقتضى النصب أضمر فيه غالبًا، نحو: ضربني وضربتهم قومك، ونحوه قول الشاعر: [من الطويل] 233 - إذا هي لم تستك بعود أراكةٍ ... تنخل فاستاكت به عود إسحل لما أعمل (تنخل) في العود، أعمل (استاكت) في ضميره، فقال: (استاكت به). وقد يحذف من الثاني ضمير المفعول، لأنه فضلة، فيقال: ضربني وضربت قومك، وأكرمني وأكرمت الزيدان.

283 - بل حذفه الزم إن يكن غير خبر ... أخرنه إن يكن هو الخبر 284 - وأظهر إن يكن ضمير خبرا ... لغير ما يطابق المفسرا 285 - نحو أظن ويظناني أخا ... زيدًا وعمرًا أخوين في الرخا إذا أهمل الأول من المتنازعين، ومطلوبه غير رفع لم يجأ معه بضمير المتنازع فيه، [101] بل // لابد من حذفه إن استغني عنه، كما في نحو: ضربت وضربني زيد، وإن لم يستغن عنه بأن كان أحد المفعولين في باب (ظن) فإن لم يمنع من إضماره مانع جيء به مؤخرًا، ليؤمن حذف ما لا يجوز حذفه، وتقديم ضمير منصوب على مفسر، لا تقدم له بوجه. مثاله: مفعولا أولا: ظننت منطلقة، وظننتني منطلقًا هند إياها، فإياها مفعول أول لـ (ظننت)، ولا يجوز تقديمه عند الجميع، ولا حذفه عند البصريين، أما عند الكوفيين فيجوز حذفه، لأنه مدلول عليه بفاعل الفعل الثاني. ومثاله مفعولا ثانيًا: ظننتني وظننت زيدًا عالمًا إياه، فإياه مفعول ثان لـ (ظننتني)، وهو كالمفعول الأول في امتناع تقديمه وحذفه. وقد يتوهم من قول الشيخ رحمه الله: بل حذفه الزم إن يكن غير خبر ... وأخرنه إن يكن هو الخبر إن ضمير المتنازع فيه، إذا كان مفعولا في باب (ظن) يجب حذفه إن كان المفعول الأول، وتأخيره إن كان المفعول الثاني، وليس الأمر كذلك، بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف ولزوم التأخير، ولو قال بدله: واحذفه إن لم يك مفعولً حسب ... وإن يكن ذاك فأخره تصب لخلص من ذلك التوهم. وإن منع من إضمار المفعول في باب (ظن) مانع تعين الإظهار، وذلك إذا كان خبرًا عما يخالف المفسر، بإفراد، أو تذكير، أو بغيرهما، كقولك على إعمال الثاني: ظناني عالمًا، وظننت الزيدين عالمين، فإن الزيدين، وعالمين مفعولا (ظننت) و (عالمًا) ثاني مفعولي (ظناني) وجيء به مظهرًا؛ لأنه لو أضمر، فإما أن يجعل مطابقًا للمفسر، وهو ثاني مفعولي (ظننت) وإما أن يجعل مطابقًا لما أخبر به عنه، وهو الياء من (ظناني). وكلاهما عند البصريين غير جائز.

أما الأول: فلأن فيه إخبارًا بمثنى عن مفرد. وأما الثاني: فلأن فيه إعادة ضمير مفرد على مثنى. وأجاز فيه الكوفيون الإضمار، مراعى به جانب المخبر عنه، فيقولون: ظناني وظننت الزيدين عالمين إياه، وأجازوا أيضًا ظناني فظننت الزيدين عالمين، بالحذف. وتقول على إعمال الأول: ظننت وظننتني منطلقًا هندًا منطلقة، (فهندًا منطلقة) مفعولا ظننت، و (منطلقًا) ثاني مفعولي (ظننتني) وجيء به مظهرًا، لأنه لو أضمر، فإما أن يذكر، فيخالف مفسره، وإما أن يؤنث، فيخالف المخبر به عنه، وكل ذلك ممتنع عند البصريين. ومثل هذا المثال قوله: ...... أظن ويظناني أخا ... زيدًا وعمرًا أخوين في الرخا فاعرفه.

المفعول المطلق

المفعول المطلق 286 - المصدر اسم ما سوى الزمان من ... مدلولي الفعل كأمنٍ من أمن [102] // 287 - بمثله أو فعلٍ أو وصفٍ نصب ... وكونه أصلا لهذين انتخب المفعولات خمسة أضرب: مفعول به، وقد تقدم ذكره، ومفعول مطلق، ومفعول له، ومفعول فيه، ومفعول معه. وهذا أول الكلام على هذه الأربعة. فالمفعول المطلق: ما ليس خبرًا من مصدر، مفيد توكيد عامله، أو بيان نوعه، أو عدده. (فما ليس خبرًا) مخرج لنحو المصدر المبين للنوع في قولك: ضربك ضرب أليم و (من مصدر) مخرج لنحو الحال المؤكدة من قوله تعالى: (ولي مدبرًا) [القصص /31] و (مفيد توكيد عامله أو بيان نوعه أو عدده) مخرج لنحو المصدر المؤكد في قولك: أمرك سير سير شديد، وللمسوق مع عامله لغير المعاني الثلاثة، نحو: عرفت قيامك، ومدخل لأنواع المفعول المطلق، ما كان منها منصوبًا، لأنه فضلة، نحو: ضربت ضربًا، أو ضربًا شديدًا، أو ضربتين، أو مرفوعًا، لأنه نائب عن الفاعل، نحو: غضب غضب شديد. والمراد بالمصدر اسم المعنى المنسوب إلى الفاعل، أو النائب عنه، كالأمن، والضرب، والنخوة، فإنها أسماء المعاني، المنسوبة، في قولك: أمن زيد، وضرب عمرو، ونخيت علينا. وهذا المعنى هو المقصود بقوله: ........ ما سوى الزمان من ... مدلولي الفعل ...............

فإن الفعل وضع للدلالة على الحدث والزمان فقط، فما سوى الزمان المعبر عنه بالحدث هو اسم المعنى، المنسوب إلى الفاعل، أو النائب عنه فاسمه هو المصدر. قوله: بمثاله أو فعلٍ أو وصفٍ نصب ... ................. بيان لأن المصدر ينتصب مفعولا مطلقًا، إذا عمل فيه مصدر مثله، نحو: سيرك السير الحثيث متعب. أو فعل من لفظه، نحو: قمت قيامًا وقعدت قعودًا، أو صفة كذلك، نحو: زيد قائم قيامًا، أو قاعد قعودًا. فإن قلت: لم سمي هذا النوع مفعولا مطلقًا؟ قلت: لأن حمل المفعول عليه لا يحوج إلى صلة، لأنه مفعول الفاعل حقيقة، بخلاف سائر المفعولات، فإنها ليست بمفعول الفاعل، وتسمية كل منها مفعولا إنما هو باعتبار إلصاق الفعل به، أو وقوعه فيه، أو لأجله، أو معه، فلذلك احتاجت في حمل المفعول عليها إلى التقييد بحرف الجر، ولما خصت هذه بالتقييد خص ذلك بالإطلاق قوله: ............................ ... وكونه أصلا لهذين انتخب بيان لأن المصدر أصل للفعل، وللوصف في الاشتقاق. وذهب الكوفيون، إلى أن الفعل أصل للمصدر، وهو باطل، لأن الفرع لابد فيه من معنى الأصل، وزيادة، ولا شك أن الفعل يدل على المصدر، والزمان، ففيه معنى المصدر وزيادة، فهو فرع والمصدر أصل، لأنه دال على بعض ما يدل عليه الفعل، وبنفس ما يثبت فيه فرعية الفعل يثبت فرعية الصفات: من أسماء الفاعلين، وأسماء المفعولين، وغيرهما، فإن (ضاربًا) مثلا يتضمن المصدر، وزيادة الدلالة على ذات الفاعل للضرب، [103] و (مضروبًا) يتضمن // المصدر، وزيادة الدلالة على ذات الموقع به الضرب، فهما مشتقان من الضرب، وكذا سائر الصفات. 288 - توكيدًا أو نوعًا يبين أو عدد ... كسرت سيرتين سير ذي رشد الحامل على ذكر المفعول المطلق، مع عامله: إما إفادة التوكيد، نحو: قمت قيامًا وإما بيان النوع، نحو: (سرت سير ذي رشد) وقعدت قعودًا طويلا، وإما بيان العدد نحو: سرت سيرةً وسيرتين، وضربت ضربةً وضربتين وضربات.

لا يخرج المفعول المطلق عن أن يكون لشيء من هذه المعاني الثلاثة. 289 - وقد ينوب عنه ما عليه دل ... كجد كل الجد وافرح الجذل يقام مقام المفعول المطلق ما دل على معناه: من صفته، أو ضميره، أو مشار به إليه، أو مرادف له، أو ملاقٍ له في الاشتقاق، أو دال على نوع منه، أو عدد، أو كل، أو بعض، أو آلة. فالأول نحو: سرت أحسن السير، وضربته ضرب الأمير اللص، وأدبته أي تأديب، واشتمل الصماء. التقدير: سرت سيرًا أحسن السير، وضربته ضربًا مثل ضرب الأمير اللص، وأدبته تأديبًا أي تأديب، واشتمل الشملة الصماء. والثاني نحو: عبد الله أظنه جالسًا، أي: أظن ظني، ومنه قوله تعالى: (لا أعذبه أحدًا من العالمين) [المائدة /115]. والثالث نحو: ضربته ذلك الضرب. والرابع نحو: (افرح الجذل) ومنه قول الراجز: [من الرجز] 234 - يعجبه السخون والبرود ... والتمر حبا ما له مزيد والخامس، كقوله تعالى: (والله أنبتكم من الأرض نباتًا) [نوح /17]. وقوله تعالى: (وتبتل إليه تبتيلا) [المزمل /8]. والسادس نحو: قعد القرفصاء، ورجع القهقري. والسابع نحو: ضربته عشر ضربات. والثامن نحو: (جد كل الجد). وضربته كل الضرب. والتاسع نحو: ضربته بعض الضرب. والعاشر نحو: ضربته سوطًا، أصله ضربته ضربًا بسوط، ثم توسع في الكلام، فحذف المصدر، وأقيمت الآلة مقامه، وأعطيت ما له من إعراب وإفراد أو تثنية أو جمع، تقول: ضربته سوطين، وأسواطًا، والأصل ضربتين بسوط، وضربات بسوط. وعلى هذا يجري جميع ما أقيم مقام المصدر، وانتصب انتصابه.

290 - وما لتوكيد فوحد أبدا ... وثن واجمع غيره وأفردا ما جيء به من المصادر لمجرد التوكيد فهو بمنزلة تكرير الفعل، والفعل لا يثنى، [104] ولا يجمع // فكذلك ما هو بمنزلته. وأما ما جيء به لبيان النوع، والعدد فصالح للإفراد والتثنية والجمع، بحسب ما يراد من البيان. 291 - وحذف عامل المؤكد امتنع ... وفي سواه لدليلٍ متسع يجوز حذف عامل المصدر إذا دل عليه دليل، كما يجوز حذف عامل المفعول به، وغيره. ولا فرق في ذلك بين أن يكون المصدر مؤكدًا، أو مبينًا. والذي ذكره الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب، وفي غيره، أن المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله. قال في شرح الكافية: لأن المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله، وتقرير معناه وحذفه مناف لذلك، فلم يجز، فإن أراد أن المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله وتقرير معناه دائمًا، فلا شك أن حذفه منافٍ لذلك القصد، ولكنه ممنوع، ولا دليل عليه. وإن أراد أن المصدر المؤكد قد يقصد به التقوية والتقرير، وقد يقصد به مجرد التقرير فمسلم. ولكن لا نسلم أن الحذف مناف لذلك القصد، لأنه إذا جاز أن يقرر معنى العامل المذكور بتوكيده بالمصدر فلأن يجوز أن يقرر معنى العامل المحذوف لدلالة قرينة عليه أحق وأولى. ولو لم يكن معنا ما يدفع هذا القياس لكان في دفعه بالسماع كفاية. فإنهم يحذفون عامل المؤكد حذفًا جائزًا، إذا كان خبرًا عن اسم عين في غير تكرير، ولا حصر، نحو: أنت سيرًا وميرًا، وحذفًا واجبًا في مواضع يأتي ذكرها نحو: سقيًا، ورعيًا، وحمدًا، وشكرًا لا كفرًا. فمنع مثل هذا إما لسهو عن وروده، وإما للبناء على أن المسوغ لحذف العامل منه نية التخصيص، وهو دعوى على خلاف الأصل. ولا يقتضيها فحوى الكلام. ولم يخالف أحد في جواز حذف عامل المصدر المبين للنوع أو العدد، فلذلك قال: ........................... ... وفي سواه لدليلٍ متسع

ومن أمثلته قولك: لمن قال: ما ضربت زيدًا: بلى، ضربتين، ولمن قال: ما تجد في الأمر؟ بلى؛ جدًا كثيرًا، ولمن قال: أي سير سرت؟ سيرًا سريعًا، ولمن تأهب للحج: حجًا مبرورًا، ولمن قدم من سفر: قدومًا مباركًا. ثم إن حذف عامل المصدر على ضربين: جائز، وواجب. فالجائز: كما في الأمثلة المذكورة. والواجب: إذا كان المصدر بدلا من اللفظ بالفعل، كما قال: 292 - والحذف حتم مع آتٍ بدلا ... من فعله كندلا اللذ كاندلا 293 - وما لتفصيل كإما منا ... عامله يحذف حيث عنا [105] // 294 كذا مكرر وذو حصرٍ ورد ... نائب فعلٍ لاسم عينٍ استند المصدر الآتي بدلا من اللفظ بفعله نوعان: الأول: ما له فعل، فيجوز وقوعه موقع المصدر، ولا يجوز أن يجمع بينهما. وهذا النوع على ضربين: طلب، وخبر. أما الطلب فما يرد دعاء، أو أمرًا، أو نهيًا، أو استفهامًا لقصد التوبيخ. أما الدعاء، فكقولهم: سقيًا، ورعيًا، وجدعًا، وبعدًا. وأما الأمر، والنهي، فكقولهم: قيامًا لا قعودًا، أي قم لا تقعد، ومنه قوله تعالى: (فضرب الرقاب) [محمد /4]. أي: فاضربوا الرقاب. ومنه قول الشاعر: [من الطويل] 235 - يمرون بالدهنا خفافًا عيابهم ... ويخرجن من دارين بجر الحقائب على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب

وإليه أشار بقوله: ........................ ... .......... فندلا اللذ كاندلا يقال: ندل الشيء: إذا اختطفه. وأما الاستفهام لقصد التوبيخ، فكقولك للمتواني: أتوانيًا وقد جد قرناؤك ومثله قول الشاعر: [من الوافر] 236 - أعبدًا حل في شعبي غريبًا ... ألؤمًا لا أبا لك واغترابا أي: أتلؤم وتغترب؟ وأما الخبر: فما دل على عامله قرينةً، وكثر استعماله، أو جاء مفصلا لعاقبة ما تقدمه، أو نائبًا عن خبر اسم عين بتكرير، أو حصر، أو مؤكد جملة، أو مسوقًا للتشبيه، بعد جملة مشتملة عليه. أما ما كثر استعماله، فكقولهم عند تذكر نعمة: اللهم حمدًا وشكرًا، لا كفرًا، وعند تذكر شدة: صبرًا لا جزعًا، وعند ظهور ما يعجب منه: عجبًا، وعند خطابٍ مرضي عنه: افعل ذلك وكرامةً ومسرةً، وعند خطاب مغضوب عليه: لا أفعل ذلك ولا كيدًا ولا هما، ولأفعلن ذلك ورغمًا وهوانًا. وأما المفصل لعاقبة ما تقدمه، فكقوله تعالى: (فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداءً) [محمد /4] أي: فإما تمنون وإما تفدون. وأما النائب عن خبر اسم عين بتكرير، أو حصر، فكقولهم: أنت سيرًا سيرًا، وإنما أنت سيرًا. فلو لم يكن مكررًا ولا محصورًا كان حذف الفعل جائزًا لا واجبًا. وأما المؤكد جملة فعلى قسمين: كما قال:

295 - ومنه ما يدعونه مؤكدا ... لنفسه أو غيره فالمبتدأ 296 - نحو له على ألف عرفا ... والثان كابني أنت حقا صرفا المؤكد نفسه: هو الآتي بعد جملة، هي نص في معناه نحو: (له على ألف عرفًا) أي: اعترافًا، ويسمى مؤكدًا نفسه، لأنه بمنزلة إعادة ما قبله، فكأن الذي قبله نفسه. والمؤكد غيره: وهو الآتي بعد جملة صائرة به نصا، نحو: (أنت ابني حقا) [106] ويسمى مؤكد غيره؛ لأنه يجعل ما قبله نصا // بعد أن كان محتملا، فهو مؤثر، والمؤكد به متأثر، والمؤثر والمتأثر غيران. وأما المسوق للتشبيه بعد جملة مشتملة عليه، فكما أشار إليه بقوله: 297 - كذاك ذو التشبيه بعد جمله ... كلي بكًا بكاء ذات عضله تقول: مررت برجل، فإذا له صوت صوت حمارٍ، تنصب (صوت حمارٍ) بفعل مضمر لا يجوز إظهاره، تقديره: يصوت صوت حمارٍ. ولا يجوز أن تنصبه بـ (صوت) المبتدأ؛ لأنه غير مقصود به الحدوث، ومن شرط إعمال المصدر أن يكون مقصودًا به قصد فعله: من إفادة معنى الحدوث والتجدد. ومثل ذلك: له صراخً صراخ الثكلى، و (له بكاء بكاء ذات عضلة). النوع الثاني من المصدر الآتي بدلا من اللفظ بفعله: ما لا فعل له أصلا، كـ (بله) إذا استعمل مضافًا، نحو: [من الكامل] 237 - بله الأكف .....................

فإنه حينئذ منصوب نصب (فضرب الرقاب) [محمد /4] والعامل فيه فعل من معناه، وهو (اترك) لأن بله الشيء بمعنى: ترك الشيء، فنصب بفعل من معناه، لما لم يكن له فعل من لفظه، على حد النصب في نحو: قعدت جلوسًا، وشنأته بغضًا، وأحببته مقةً. ويجوز أن ينصب ما بعد (بله) فيكون اسم فعل بمعنى: اترك. ومثل (بله) المضاف: ويحه وويسه، وويبه، وهو قليل، فلذلك لم يتعرض في هذا المختصر لذكره.

المفعول له

المفعول له 298 - ينصب مفعولا له المصدر إن ... أبان تعليلا كجد شكرًا ودن 299 - وهو بما يعمل فيه متحد ... وقتًا وفاعلا وإن شرط فقد 300 - فاجرره بالحرف وليس يمتنع ... مع الشروط كلزهد ذا قنع ينصب المفعول له، وهو المصدر المذكور علة لحدث شاركه في الزمان والفاعل نحو: جئت رغبةً فيك، (فرغبةً) مفعول له، لأنه مصدر معلل به المجيء، وزمانهما وفاعلهما واحد. ومثله: (جد شكرًا) و (دن شكرًا). وما ذكر علة، ولم يستوف الشروط فلابد من جره بلام التعليل، أو ما يقوم مقامها، وذلك ما كان غير مصدر، نحو: جئت للعشب وللماء، أو مصدرًا مخالفًا للمعلل في الزمان، نحو: تأهبت أمس للسفر اليوم، أو في الفاعل، نحو: جئت لأمرك إياي، وأحسنت إليك لإحسانك إلي. والذي يقوم مقام اللام هو (من، وفي)، كقوله تعال: (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم) [الحج /22]، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: (دخلت امرأة النار في هرةٍ ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت). [107] // ولا يمتنع أن يجر بالحرف المستوفي لشروط النصب، بل هو في جواز ذلك على ثلاث مراتب: راجح النصب، وراجح الجر، ومستوٍ فيه الأمران. وقد أشار إليها بقوله:

301 - وقل أن يصحبها المجرد ... والعكس في مصحوب أل وأنشدوا 302 - لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زمر الأعداء المفعول له: إما مجرد من الألف واللام والإضافة، وإما معرف بالألف واللام، وإما مضاف. فبين أن المجرد الأكثر فيه النصب، نحو: ضربته تأديبًا، ويجوز أن يجر، فيقال: ضربته لتأديب، وبين أيضًا أن المعرف بالألف واللام الأكثر فيه الجر، نحو: جئتك للطمع في برك، وقد ينصب، فيقال: جئتك الطمع في برك، وذكر شاهده، وسكت عن المضاف، فلم يعزه إلى راجح النصب، ولا إلى راجح الجر، فعلم أنه يستوي فيه الأمران، نحو: فعلته مخافة الشر، ولمخافة الشر.

المفعول فيه ويسمى (ظرفا)

المفعول فيه ويسمى (ظرفاً) 303 - الظرف وقت أو مكان ضمنا ... في باطراد كهنا امكث أزمنا 304 - فانصبه بالواقع فيه مظهرا ... كان وإلا فانوه مقدرًا الظرف: هو كل اسم زمان أو مكان مضمن معنى (في) لكونه مذكورًا لواقع فيه من فعل، أو شبهه، كقولك: (امكث هنا أزمنا) فـ (هنا وأزمنا) ظرفان، لأن (هنا) اسم مكان، و (أزمنا) اسم زمان، وهما مضمنان معنى (في) لأنهما مذكوران لواقع فيهما، وهو المكث. وقوله: (باطراد) احتزر به من نحو: البيت والدار في قولهم: دخلت البيت، وسكنت الدار، مما انتصب بالواقع فيه، وهو اسم مكان مختص، فإنه ينتصب نصب المفعول به على سعة في الكلام، لا نصب الظرف، لأن الظرف غير المشتق من اسم الحدث يتعدى إليه كل فعل، والبيت والدار لا يتعدى إليهما كل فعل، فلا يقال: نمت البيت، ولا قرأت الدار، كما يقال: نمت أمامك، وقرأت عند زيدٍ. فعلم أن النصب في دخلت البيت، وسكنت الدار على التوسع، وإجراء الفعل اللازم مجرى المتعدي. وإذا كان ذلك كذلك فلا حاجة إلى الاحتراز عنه بقيد (الاطراد) لأنه يخرج بقولنا (متضمن معنى في) لأن المنصوب على سعة الكلام منصوب بوقوع الفعل عليه، لا بوقوعه فيه، فليس متضمنًا معنى (في) فيحتاج إلى إخراجه من حد الظرف بقيد الاطراد.

قوله: فانصبه بالواقع فيه مظهرا ... ............................. [108] (البيت). معناه: أن الذي يستحقه // الظرف من الإعراب هو النصب، وأن الناصب له هو الواقع فيه من فعل، أو شبهه. إما ظاهرًا نحو: جلست أمام زيد، وصمت يوم الجمعة، وزيد جالس أمامك، وصائم يوم الجمعة. وإما مضمر جوازًا، كقولك لمن قال: كم سرت؟ فرسخين، ولمن قال: ما غبت عن زيد؟ بلى: يومين. ووجوبًا: فيما وقع خبرًا أو صفة أو حالا أو صلة، نحو: زيد عندك، ومررت بطائر فوق غصن، ورأيت الهلال بين السحاب، وعرفت الذي معك. وفي غير ذلك أيضًا، كقولهم: حينئذٍ، والآن، أي: كان ذلك حينئذ، واسمع الآن به. 305 - وكل وقتٍ قابل ذاك وما ... يقبله المكان إلا مبهما 306 - نحو الجهات والمقادير وما ... صيغ من الفعل كمرمى من رمى 307 - وشرط كون ذا مقيسًا أن يقع ... ظرفًا لما في أصله معه اجتمع أسماء الزمان كلها صالحة للظرفية، لا فرق في ذلك بين المبهم منها نحو: (حين، ومدة) وبين المختص نحو: (يوم الخميس، وساعة كذا) تقول: انتظرته حينًا من الدهر، وغبت عنه مدة، ولقيته يوم الخميس، وأتيته ساعة الجمعة. وأما أسماء المكان فالصالح منها الظرفية نوعان: الأول: اسم المكان المبهم، وهو ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسماه، كأسماء الجهات، نحو: (أمام، ووراء، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت) وشبهها في الشياع، (كجانب، وناحية، ومكان) وكأسماء المقادير، نحو: (ميل، وفرسخ، وبريد). والثاني: ما اشتق من اسم الحدث الذي اشتق منه العامل كـ (مذهب، ومرمى) من قولك: ذهبت مذهب زيدٍ، ورميت مرمى عمروٍ. فلو كان مشتقًا من غير ما اشتق منه العامل كما في نحو: ذهبت في مرمى عمروٍ. ورميت في مذهب زيدٍ، لم يجز في القياس أن يجعل ظرفًا، وإن استعمل شيء منه ظرفًا عد

شاذا كقولهم: هو مني مقعد القابلة، وعمرو مزجر الكلب، وعبد الله مناط الثريا. فلو أعمل في المقعد قعد، وفي المزجر زجر، وفي المناط ناط لم يكن في ذلك شذود، ولا مخالفة للقياس. وأما غير المشتق من اسم الحدث من أسماء المكان المختصة. نحو: (الدار، والمسجد، والطريق، والوادي، والجبل) فلا يصلح للظرفية أصلا. فإن قلت: لم استأثرت أسماء الزمان بصلاحية المبهم منها، والمختص للظرفية عن أسماء المكان؟ قلت: لأن أصل العوامل الفعل، ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان، لأنه يدل على الزمان بصيغته، وبالالتزام، ويدل على المكان بالالتزام فقط. [109] فلما كانت دلالة الفعل على الزمان قوية تعدى إلى المبهم من // أسمائه، والمختص، ولما كانت دلالة الفعل على المكان ضعيفة لم يتعد إلى كل أسمائه، بل تعدى إلى المبهم منها، لأن في الفعل دلالة عليه بالجملة، وإلى المختص الذي اشتق من اسم ما اشتق منه العامل لقوة الدلالة عليه حينئذ. 308 - وما يرى ظرفًا وغير ظرف ... فذاك ذو تصرفٍ في العرف 309 - وغير ذي التصرف الذي لزم ... ظرفية أو شبهها من الكلم الظرف على ضربين: متصرف وغير متصرف. فالمتصرف: ما يفارق الظرفية ويستعمل مخبرًا عنه، ومضافًا إليه، ومفعولا به، ونحو ذلك، كقولك: اليوم مبارك، وسرت نصف يومٍ، وذكرت يوم جئتني. وغير المتصرف: ما لازم الظرفية، أو شبهها. فمنه ما لا ينفك عن الظرفية أصلا، كقط، وعوض، ومنه ما لا يخرج عن الظرفية إلا بدخول حرف الجر عليه، نحو: (قبل وبعد ولدن وعند) حال دخول (من) عليهن، فيحكم عليه بأنه غير منصرف، لأنه لم يخرج عن الظرفية إلا إلى حال شبيهة بها، لأن الجار والمجرور والظرف سيان في التعليق بالاستقرار، والوقوع خبرًا وحالا ونعتًا وصلةً.

ثم الظرف المتصرف منه متصرف، نحو: (يوم، وشهر، وحول) ومنه غير متصرف، نحو: (غدوة، وبكرة) مقصودًا بهما تعريف الجنس أو العهد. والظرف غير المتصرف أيضًا منه منصرف، نحو: (ضحى، وبكرة، وسحر، وليل، ونهار، وعشاء، وعتمة، ومساء) غير مقصود بها التعريف. ومنه غير متصرف، نحو (سحر) المعرفة 310 - وقد ينوب عن مكانٍ مصدر ... وذاك في ظرف الزمان يكثر ينوب المصدر عن الظرف من الزمان والمكان، بأن يكون الظرف مضافًا إلى المصدر، فيحدف المضاف، ويقوم المضاف إليه مقامه. وأكثر ما يفعل ذلك بظرف الزمان، بشرط إفهام تعيين وقت، أو مقدار نحو: كان ذلك خفوق النجم وصلاة العصر. وانتظرته نحر جزورين، وسير عليه ترويحتين. وقد يعامل هذه المعاملة ظرف المكان. كقولهم: جلست قرب زيد، ورأيته وسط القوم، أي: مكان قرب زيد، ومكان وسط القوم. يقال وسط المكان والجماعة وسطًا: إذا سار في وسطهم. وقد يجعل المصدر ظرفًا. دون تقدير مضاف، كقولهم زيد هيئتك، والجارية جلوتها، أي: زيد في هيئتك، والجارية في جلوتها. ومنه: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) في رواية النصب - تقديره: ذكاة الجنين في ذكاة أمه. وهو الموافق لرواية الرفع المشهورة. [110] وقد يقام اسم عين مضاف إليه مصدر مضاف إليه // الزمان مقامه، كقولهم: (لا أفعل ذلك معزى القزر) و (لا أكلم زيدًا القارظين) و (لا آتيك هبيرة بن سعد) التقدير: لا أفعل ذلك مدة فرقة معزى الفزر، ولا أكلم زيدًا مدة غيبة القارظين ولا آتيك مدة غيبة هبيرة بن سعد.

المفعول معه

المفعول معه 311 - ينصب تالي الواو مفعولا معه ... في نحو سيري والطريق مسرعه 312 - بما من الفعل وشبهه سبق ... ذا النصب لا بالواو في القول الأحق ينصب المفعول معه، وهو الاسم المذكور. بعد واو بمعنى (مع) أي: دالة على المصاحبة، بلا تشريك في الحكم. فاحترز بقولي: (المذكور بعد واو) من نحو: خرجت مع زيد، وبقولي: (بمعنى مع) مما بعد واو غيرها، كواو العطف وواو الحال. فواو العطف، كما في نحو: اشترك زيد وعمرو، وكل رجلٍ وضيغته، فالواو في هذين المثالين وإن دلت على المصاحبة فهي واو العطف، لأنها شركت بين زيد وعمرو في الفاعلية، وبين (كل رجل وضيعته) في التجرد للإسناد، فما بعدها ليس مفعولا معه. وأما واو الحال فكما في نحو: جاء زيد والشمس طالعة، وسرت والنيل في زيادةٍ، فما بعد هذه الواو ليس مفعولا معه، لأنها واو الحال، وهي في الأصل الواو التي يعطف بها جملة على جملة لجهة جامعة بينهما، لا الواو التي بمعنى (مع). وقد شمل هذا التعريف لما كان من المفعول معه، غير مشارك لما قبله في حكمه، نحو: (سيري والطريق مسرعة) ولما كان منه مشاركًا لما قبله في حكمه، ولكنه أعرض عن الدلالة على المشاركة، وقصد إلى مجرد الدلالة على المصاحبة، نحو: جئت وزيدًا. ثم ناصب المفعول معه ما تقدم عليه: من فعل ظاهر أو مقدر، أو من اسم يشبه الفعل.

مثال الفعل الظاهر: استوى الماء، والخشبة، وجاء البرد والطيالسة. ومثال الفعل المقدر: كيف أنت وقصعةً من ثريد؟ تقديره: كيف تكون وقصعةً؟ ومثال الاسم المشبه للفعل. حسبك وزيدًا درهم، أي: كافيك وزيدًا درهم، ومثاله قول الشاعر: [من الطويل] 238 - فقدني وإياهم فإن ألق بعضهم ... يكونوا كتعجيل السنام المسرهد وقول الآخر أنشده أبو علي: [من البسيط] 239 - لا تحبسنك أثوابي أبو علي: [من البسيط] فجعل (سربالا) مفعولا معه، وعامله (مطويا). وأجاز أن يكون عامله (هذا). ولا خلاف في امتناع تقديم المفعول معه على عامله، ولذلك قيد (بالسبق) في قوله: [111] بما من الفعل وشبهه // سبق ... ................... أما تقديم المفعول معه على مصحوبه فالجمهور على منعه، وأجازه أبو الفتح في الخصائص، واستدل بقول الشاعر: [من الطويل] 240 - جمعت وفحشًا غيبةً ونميمةً ... ثلاث خصالٍ لست عنها بمرعوي وبقول الآخر: [من البسيط] 241 - أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوءة اللقبا

على رواية من نصب السوءة واللقب، أراد: ولا ألقبه اللقب والسوءة، أي: مع السوءة، لأن من اللقب ما يكون بغير سوءة، كتلقيب الصديق - رضي الله عنه - عتيقًا لعتاقة وجهه. فلهذا قال الشاعر: ولا ألقبه اللقب مع السوءة، أي: إن لقبته لقبته بغير سوءة. قال الشيخ رحمه الله: ولا حجة لابن جني في البيتين، لإمكان جعل الواو فيهما عاطفة قدمت هي ومعطوفها، وذلك في البيت الأول ظاهر. وأما في الثاني فعلى أن يكون أصله: ولا ألقبه اللقب وأسوؤه السوءة، ثم حذف ناصب السوءة، كما حذف ناصب العيون من قوله: [من الوافر] 242 - وزججن الجواجب والعيونا ثم قدم العاطف، ومعمول الفعل المحذوف. وقوله: .......................... ... ........... لا بالواو في القول الأحق رد لما ذهب إليه عبد القاهر رحمه الله في جمله من أن الناصب للمفعول معه هو الواو. واحتجوا عليه بانفصال الضمير بعدها، نحو: جلست وإياك. فلو كانت عاملة لوجب اتصال الضمير بها، فقيل: جلست وك، كما يتصل بغيرها من الحروف العاملة، نحو: إنك، ولك، فلما لم يقع الضمير بعد الواو إلا منفصلا علم أنها غير عاملة، وأن النصب بعدها بما قبلها من الفعل أو شبهه، كما تقدم، والله أعلم بالصواب. 313 - وبعد ما استفهامٍ أو كيف نصب ... بفعل كون مضمرٍ بعض العرب من كلامهم: (كيف أنت وقصعةً من ثريد؟ وما أنت وزيد؟) برفع ما بعد الواو، على أنها عاطفة على ما قبلها.

وبعضهم ينصب فيقول: (كيف أنت وقصعةً من ثريد؟ وما أنت وزيدًا؟) فيجعل الواو بمعنى (مع) وما قبلها مرفوع بفعل مضمر، هو الناصب لما بعدها تقديره: كيف تكون وقصعة، أو ما تكون أو ما تلابس وزيدًا؟ فلما حذف الفعل انفصل الضمير المستكن فيه، فقيل: كيف أنت وقصعة؟ وما أنت وزيدًا؟ ومثله قول الشاعر: [من المتقارب] 243 - فما أنت والسير في متلفٍ ... يبرح بالذكر الضابط ونظير إضمار ناصب المفعول معه بعد (كيف وما) إضماره بعد (أزمان) في قول الشاعر: (من الكامل) 244 - أزمان قومي والجماعة كالذي ... لزم الرحالة أن تميل مميلا [112] // فنصب (الجماعة) مفعولا معه بـ (كان) مضمرة، التقدير: أزمان كان قومي والجماعة، كذا قدره سيبويه. 314 - والعطف إن يمكن بلا ضعفٍ أحق ... والنصب مختار لدى ضعف النسق 315 - والنصب إن لم يجز العطف يجب ... أو اعتقد إضمار عامل تصب الاسم الواقع بعد واو مسبوقة بفعل أو شبهه ضربان: ضرب يصح كونه مفعولا معه، وضرب لا يصح فيه ذلك.

أما الضرب الأول: فما صح كونه فضلةً، وكون الواو معه للمصاحبة. وهو على ثلاثة أقسام: قسم يختار عطفه على نصبه مفعولا معه. وقسم يختار نصبه مفعولا معه على عطفه. وقسم يجب نصبه مفعولا معه. أما ما يختار عطفه، فما أمكن فيه العطف بلا ضعف، لا من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى، كقولك: كنت أنا وزيد كالأخوين، فالوجه رفع (زيد) بالعطف على الضمير المتصل، لأن العطف ممكن وخالٍ عن الضعف من جهة اللفظ، للفصل بين الصمير المتصل، وبين المعطوف بالتوكيد، ومن جهة المعنى أيضًا لأنه ليس في الجمع بين زيد والضمير في الإخبار عنهما بالجار والمجرور تكلف. ويجوز نصبه نحو: كنت أنا وزيدًا كالأخوين، على الإعراض عن التشريك في الحكم، والقصد إلى مجرد المصاحبة. وأما ما يختار نصبه مفعولا معه فما كان في عطفه على ما قبله ضعف: إما من جهة اللفظ، نحو: ذهبت وزيدًا، فرفع (زيد) بالعطف على فاعل (ذهبت) ضعيف، لأن العطف على ضمير الرفع المتصل لا يحسن ولا يقوى إلا من الفصل، ولا فصل هنا، فالوجه النصب، لأن فيه سلامة من ارتكاب وجه ضعيف عنه مندوحة، وإما من جهة المعنى كقولهم: (لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها) فإن العطف فيه ممكن على تقدير: لو تركت الناقة ترأم فصيلها، وتركت فصيلها لرضاعها لرضعها، وهذا تكلف وتكثير عبارة فهو ضعيف. والوجه النصب: على معنى: لو تركت الناقة مع فصيلها. ومن ذلك قول الشاعر: [من الطويل] 245 - إذا أعجبتك الدهر حال من أمرئٍ ... فدعه وواكل أمره واللياليا فنصب (الليالي) باعتبار المعية راجح على نصبها باعتبار العطف، لأنه محوج إلى تكلف. وأما ما يجب نصبه مفعولا معه فما لا يمكن عطفه على ما قبله من جهة اللفظ، أو من جهة المعنى. فالأول كقولهم: (ما لك وزيدًا) بنصب (زيد) على المفعول معه بما في (لك) من معنى الاستقرار، ولا يجوز جره بالعطف على الكاف، لأنه لا يعطف على الضمير [113] المجرور // بدون إعادة الجار، لما سينبه عليه في موضعه، إن شاء الله تعالى.

ومثل (ما لك وزيدًا؟) (ما شأنك وعمرًا؟) بنصب (عمرو) على المفعول معه، لما في المضاف من معنى الفعل. ولا يجوز جره بالعطف على الكاف كما مر، ولكن قد يجوز رفعه على المجاز، وحذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، على معنى: ما شأنك وشأن زيد. والثاني: كقولهم: (سرت والنيل) و (جلست والحائط) مما لا يصح مشاركة ما بعد الواو منه لما قبلها في حكمه. وأما الضرب الثاني: وهو ما لا يصح كونه مفعولا معه مما بعد الواو المذكورة فعلى قسمين: قسم يشارك ما قبله في حكمه، فيعطف عليه، ولا يجوز نصبه باعتبار المعية: إما لأنه لا يصح كونه فضلة، كما في نحو: اشترك زيد وعمرو، وإما لأنه لا مصاحبة، كما في نحو: جاء زيد وعمرو بعده. وقسم لا يشارك ما قبله في حكمه، ولا الواو معه للمصاحبة: إما لأنها مفقودة. وإما لأن الإعلام بها غير مفيد، فينصب بفعل مضمر، يدل عليه سياق الكلام. مثال الأول قول الشاعر: [من الرجز] 246 - علفتها تبنا وماءً باردًا ... حتى شتت همالةً عيناها فـ (ماءً) منصوب بفعل مضمر، يدل عليه سياق الكلام، تقديره: وسقيتها ماءً باردًا. ولا يجوز نصبه بالعطف، لعدم المشاركة ولا باعتبار المعية لعدم المصاحبة. ومثال الثاني قول الآخر: [من الطويل] 247 - إذا ما الغانيات برزن يومًا ... وزججن الحواجب والعيونا فـ (العيون) نصب بفعل مضمر تقديره: وزين العيون، ولا يجوز نصبه بالعطف لعدم المشاركة، ولا باعتبار المعية لعدم الفائدة في الإعلام بمصاحبة العيون للحواجب.

الاستثناء

الاستثناء 316 - ما استثنت إلا مع تمامٍ ينتصب ... وبعد نفيٍ أو كنفيٍ انتخب 317 - إتباع ما اتصل وانصب ما انقطع ... وعن تميمٍ فيه إبدال وقع 318 - وغير نصبٍ سابقٍ في النفي قد ... يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد الاستثناء نوعان: متصل، ومنقطع. فالاستثناء المتصل؛ إخراج مذكور بـ (إلا) أو ما في معناها من حكم شامل له، ملفوظ به، أو مقدر. (فالإخراج) جنس يشمل نوعي الاستثناء، ويخرج الوصف بـ (إلا) كقوله عز وجل: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) [الأنبياء /22]. [114] وقلت (إخراج // مذكور): ولم أقل إخراج اسم: لأعم استثناء المفرد، نحو: قام القوم إلا زيدًا، واستثناء الجملة، لتأولها بالمشتق، نحو: ما مررت بأحدٍ إلا زيد خير منه. وقلت بـ (إلا، أو ما في معناها): ليخرج التخصيص بالوصف، ونحوه، ويدخل الاستثناء بـ (غير، وسوى، وحاشا، وخلا، وغدا، وليس، ولا يكون). وقلت (من حكم شامل له): ليخرج الاستثناء المنقطع. وقلت (ملفوظ به أو مقدر): ليتناول الحد الاستثناء التام، والمفرغ. فالاستثناء التام: هو أن يكون المخرج منه مذكورًا نحو: قام القوم إلا زيدًا، وما رأيت أحدًا إلا عمرًا. والاستثناء المفرغ: هو أن يكون المخرج منه مقدرًا في قوة المنطوق به، نحو: ما قام إلا زيد، التقدير: ما قام أحد إلا زيد.

وأما الاستثناء المنقطع: فهو الإخراج بـ (إلا، أو غير، أو بيد) لما دخل في حكم دلالة المفهوم. (فالإخراج) جنس، وقولي بـ (إلا، أو غير، أو بيد): مدخل لنحو: ما فيها إنسان إلا وتدًا، وما عندي أحد غير فرس، ولنحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد) ومخرج للاستدراك بـ (لكن) نحو قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله) [الأحزاب /40]. فإن إخراج لما دخل في حكم دلالة المفهوم، ولا يسمى في اصطلاح النحويين استثناء، بل يختص باسم الاستدراك. وقولي (لما دخل): تعميم لاستثناء المفرد، والجملة، كما سيأتي إن شاء الله وقولي (في حكم دلالة المفهوم) مخرج لاستثناء المتصل، فإن إخراج لما دخل في حكم دلالة المنطوق. والاستثناء المنقطع أكثر ما يأتي مستثناه مفردًا، وقد يأتي جملة. فمن أمثلة المستثنى المنقطع الآتي مفردًا قوله عز وجل: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) [النساء /22]، فـ (ما قد سلف) مستثنى منقطع، مخرج مما أفهمه (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) من المؤاخذة على نكاح ما نكح الآباء، كأنه قيل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، فالناكح ما نكح أبوه مؤاخذ بفعله، إلا ما قد سلف. ومنها قوله تعالى: (ما لهم به من علم إلا إتباع الظن) [النساء /157] (فإتباع الظن) مستثنى منقطع، مخرج مما أفهمه (ما لهم به من علم) من نفي الأعم من العلم والظن، فإن الظن يستحضر بذكر العالم، لكثرة قيامه مقامه، وكأنه قيل: ما يأخذون بشيء إلا إتباع الظن. ومنها قوله تعالى: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) [هود /43]. على إرادة لا من يعصم من أمر الله إلا من رحمة الله، وهو أظهر الوجوه. (فمن رحم) مستثنى منقطع، مخرج مما أفهمه (لا عاصم) من نفي المعصوم، كأنه قيل: لا عاصم اليوم من أمر الله لأحد، إلا من رحم الله، أو لا معصوم عاصم من أمر الله إلا من رحم الله.

ومنها قوله تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من [115] الغاوين) [الحجر /42] فإن العباد الذين أضافهم الله سبحانه // وتعالى إليه هم المخلصون، الذين لا سلطان للشيطان عليهم. فمن اتبعك غير محرج منهم، فليس بمستثنى متصل، وإنما هو مستثنى منقطع، مخرج لما أفهمه الكلام. والمعنى والله أعلم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، ولا على غيرهم، إلا من اتبعك من الغاوين. ومنها قوله تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) [الدخان /56] (فالموتة الأولى) مستثنى منقطع، مخرج مما أفهمه (لا يذوقون فيها الموت) من نفي تصوره للمبالغة في نفي وقوعه، كأنه قيل: لا يذوقون فيها الموت، ولا يخطر لهم ببال إلا الموتة الأولى. ومنها قولهم: (له على ألف إلا ألفين) و (إن لفلان مالا إلا أنه شقي) و (ما زاد إلا ما نقص) و (ما نفع إلا ما ضر) و (ما في الأرض أخبث منه إلا إياه) و (جاء الصالحون إلا الطالحين). فالاستثناء في هذه الأمثلة كلها على نحو ما تقدم. فالأول: على معنى: له على ألف لا غير، إلا ألفين. والثاني: على معنى: عدم فلان البؤس إلا أنه شقي. والثالث: على معنى: ما عرض له عارض إلا النقص. والرابع: على معنى: ما أفاد شيئًا إلا الضر. والخامس: على معنى: ما يليق خبثه بأحدٍ إلا إياه. والسادس: على معنى: جاء الصالحون وغيرهم، إلا الطالحين. كأن السامع توهم مجيء غير الصالحين، ولم يعبأ بهم المتكلم، فأتى بالاستثناء، رفعًا لذلك التوهم. ومن أمثلة المستثنى المنقطع الآتي جملة قولهم: لأفعلن كذا، وكذا إلا حل ذلك أن أفعل كذا وكذا. قال السيرافي: (إلا) بمعنى (لكن)، لأن ما بعدها مخالف لما قبلها، وذلك أن قوله: والله لأفعلن كذا، وكذا عقد يمين عقده على نفسه، وحله إبطاله ونقضه، كأنه قال:

على فعل كذا معقودًا، لكن إبطال هذا العقد فعل كذا. قال الشيخ رحمه الله: وتقدير الإخراج في هذا أن يجعل قوله: (لأفعلن كذا) بمنزلة لا أرى لهذا العقد مبطلا إلا فعل كذا. وجعل ابن خروف من هذا القبيل قوله تعالى: (لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر) [الغاشية / 22 - 24]. على أن تكون (من) مبتدأ و (يعذبه) الخبر، ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الجزاء. وجعل الفراء من هذا قراءة من قرأ (فشربوا منه إلا قليل منهم) [البقرة/ 249]. على تقدير: إلا قليل منهم لم يشرب. ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن كثير وأبي عمرو: (إلا امرأتك إنه يصيبها ما أصابهم) [هود /81]. وبهذا التوجيه يكون الاستثناء في النصب والرفع من نحو قوله تعالى: (فأسر بأهلك) [هود /81] وهو أولى من أن يستنثى المنصوب من (أهلك) والمرفوع من (أحد). وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن الاسم المستثنى بـ (إلا) في غير تفريغ يصح نصبه على الاستثناء، سواء كان متصلا أو منقطعا. وإلى هذا أشار بقوله: ما استثنت إلا مع تمام ينتصب ... ........................ والناصب لهذا المستثنى هو (إلا) لا ما قبلها بتعديتها، ولا به مستقلا، ولا [116] بأستثنى مضمرًا // خلافًا لزاعمي ذلك.

ويدل على أن الناصب هو (إلا) أنها حرف مختص بالأسماء، غير منزل منزلة الجزء، وما كان كذلك فهو عامل، فيجب في (إلا) أن تكون عاملة، ما لم تتوسط بين عامل مفرغٍ ومعمول، فتلغى وجوبًا، إن كان التفريغ محققًا، نحو: ما قام إلا زيد، وجوازًا إن كان مقدرًا، نحو: ما قام أحد إلا زيد، فإنه في تقدير: ما قام إلا زيد، لأن (أحد) مبدل منه، والمبدل منه في حكم المطروح. فإن قيل: لا نسلم أن (إلا) مختصة بالأسماء لأن دخولها على الفعل ثابت كقولهم: (نشدتك الله إلا فعلت) و (ما تأتيني إلا قلت خيرًا) و (ما تكلم زيد إلا ضحك). سلمنا أنها مختصة، لكن ما ذكرتموه معارض: بأن (إلا) لو كانت عاملة لا تصل بها الضمير، ولعملت الجر قياسًا على نظائرها. فالجواب: أن (إلا) إنما تدخل على الفعل إذا كان في تأويل الاسم، فمعنى (نشدتك الله إلا فعلت): ما أسألك إلا فعلك، ومعنى (ما تأتيني إلا قلت خيرًا)، و (ما تكلم زيد إلا ضحك): ما تأتيني إلا قائلا خيرًا، وما تكلم زيد إلا ضاحكًا، ودخول (إلا) على الفعل المؤول بالاسم لا يقدح في اختصاصها بالأسماء كما لم يقدح في اختصاص الإضافة بالأسماء الإضافة إلى الأفعال، لتأولها بالمصدر في نحو يوم قام زيد. قوله: ولو كانت (إلا) عاملة لا تصل بها الضمير، ولعملت الجر. قلنا: القياس في كل عامل إذا دخل على الضمير أن يتصل به، ولكن منع من اتصال الضمير بـ (إلا) أن الانفصال متلزم في التفريغ المحقق والمقدر فالتزم مع عدم التفريغ، ليجري الباب على سنن واحد. وأما قولكم: لو كانت (إلا) عاملة لعملت الجر فممنوع؛ لأن عمل الجر إنما هو للحروف التي تضيف معاني الأفعال إلى الأسماء، وتنسبها إليها، و (إلا) ليست كذلك فإنها لا تنسب إلى الاسم الذي بعدها شيئًا، بل تخرجه عن النسبة فقط، فلما خالفت الحروف الجارة لم تعمل عملها، وعملت النصب. وذهب السيرافي إلى أن الناصب هو ما قبل (إلا) من فعل أو غيره بتعدية (إلا). ويبطل هذا المذهب صحة تكرير الاستثناء، نحو: قبضت عشرة إلا أربعة إلا اثنين، إذ لا فعل في المثال المذكور إلا قبضت، فإذا جعل متعديًا بـ (إلا) لزم تعديته إلى الأربعة بمعنى الحط، وإلى الاثنين بمعنى الجبر، وذلك حكم بما لا نظير له، أعني: استعمال فعل واحد، معدى بحرف واحد لمعنيين متضادين.

وذهب ابن خروف إلى أن الناصب ما قبل (إلا) على سبيل الاستقلال، ويبطله أنه حكم بما لا نظير له، فإن المنصوب على الاستثناء بعد (إلا) لا مقتضى له غيرها، لأنها لو حذفت لم يكن لذكره معنى، فلو لم تكن عاملة فيه، ولا موصلة عمل ما قبلها إليه مع اقتضائها إياه لزم عدم النظر، فوجب اجتنابه. [117] وذهب الزجاج إلى أن الناصب // (أستثني) مضمرًا. وهو مردود بمخالفة النظائر، إذ لا يجمع بين فعل وحرف يدل على معناه، لا بإظهار ولا بإضمار، ولو جاز ذلك لنصب ما ولي (ليت، وكأن) بأتمنى وأشبه. وفي الإجماع على امتناع ذلك دلالة على فساد إضمار (أستثني) وإذ بطلت هذه المذاهب تعين القول بأن الناصب للمستثنى هو (إلا) لا غير. واعلم أن المنصوب بـ (إلا) على أربعة أضرب. فمنه ما يتعين نصبه، ومنه ما يختار نصبه، ويجوز إتباعه للمستثنى منه، ومنه ما يختار نصبه متصلا، ويجوز رفعه على التفريغ، ومنه ما يختار إتباعه، ويجوز نصبه على الاستثناء. فإن كان الاستثناء متصلا، وتأخر المستثنى عن المستثنى منه، وتقدم على (إلا) نفي: لفظًا، أو معنى، أو ما يشبه النفي، وهو النهي والاستفهام للإنكار اختير الإتباع. مثال تقدم النفي لفظًا: ما قام أحد إلا زيد، وما مررت بأحدٍ إلا زيدٍ، ومثال تقدم النفي معنى كقول الشاعر: [من البسيط] 248 - وبالصريمة منهم منزل خلق ... عافٍ تغير إلا النؤي والوتد وقول الآخر: [من الخفيف] 249 - لدم ضائعً تغيب عنه ... أقربوه إلا الصبا والدبور

فإن (تغير) بمعنى: لم يبق على حاله، و (تغيب) بمعنى: لم يحضر. ومثال تقدم شبه النفي قولك: لا يقم أحد إلا عمرو، وهل أتى الفتيان إلا عامر؟ ونحوه قوله تعال: (ومن يغفر الذنوب إلا الله) [آل عمران /135]، (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) [الحجر /56]، المعنى: ما يغفر الذنوب إلا الله، وما يقنط من رحمة ربه إلا الضالون. فالمختار فيما بعد (إلا) من هذه الأمثلة، ونحوها إتباعه لما قبلها لوجود الشروط المذكورة، ونصبه على الاستثناء عربي جيد. والدليل على ذلك قراءة ابن عامر قوله تعالى: (ما فعلوه إلا قليلا منهم) [النساء /66]، وإن سيبويه روى عن يونس وعسيى جميعًا أن بعض العرب الموثوق بعربيتهم يقول: (ما مررت بأحدٍ إلا زيدًا، وما أتاني أحد إلا زيدًا). والإتباع في هذا النوع على الإبدال عند البصريين وعلى العطف عند الكوفيين. قال أبو العباس ثعلب: كيف تكون بدلا، وهو موجب، ومتبوعه منفي؟ وأجاب السيرافي: بأن قال: هو بدل منه في عمل العامل فيه، وتخالفهما بالنفي، والإيجاب لا يمنع البدلية، لأن مذهب البدل فيه: أن يجعل الأول كأنه لم يذكر، والثاني في موضعه، وقد يتخالف الموصوف والصفة نفيًا وإثباتًا نحو: مررت برجل لا كريم ولا لبيب. وإن كان الاستثناء منقطعًا وجب نصب ما بعد (إلا) عند جميع العرب، إلا بني تميم فإنهم قد يتبعون في غير الإيجاب المنقطع، المؤخر في المستثنى منه، بشرط صحة [118] الاستغناء عنه // بالمستثنى، فيقولون: ما فيها إنسان إلا وتد، ويقرؤون قوله تعالى: (ما لهم به من علمٍ إلا إتباع الظن) [النساء /157] لأنه يصح الاستغناء بالمستثنى عن المستثنى منه، كأن يقال: ما فيها إلا وتد، وما لهم إلا إتباع الظن، ومن ذلك:

[من الرجز] 250 - وبلدةٍ ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس وقول الآخر: [من الطويل] 251 - عشية لا تغني الرماح مكانها ... ولا النبل إلا المشرفي المصمم وقول الفرزدق: [من الطويل] 252 - وبنيت كريمٍ قد نكحنا ولم يكن ... لنا خاطب إلا السنان وعامله فلو لم يصح الاستغناء بالمستثنى عن المستثنى منه، كما في قوله تعالى: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) [هود /43] على ما تقدم تعين نصبه عند الجميع.

وإن كان الاستثناء متصلا بعد نفي، أو شبهه، والمستثنى متقدم على المستثنى منه، كما في نحو: ما جاء إلا زيدا أحد، وكقول الشاعر: [من الطويل] 253 - وما لي إلا آل أحمد شيعة ... وما لي إلا مذهب الحق مذهب امتنع جعل المستثنى بدلا، لأن التابع لا يتقدم على المتبوع، وكان الوجه فيه نصبه على الاستثناء، وقد يرفع على تفريغ العامل له، ثم الإبدال منه. قال سيبويه: (حدثني يونس أن قومًا يوثق بعربيتهم يقولون: ما لي إلا أبوك ناصر فيجعلون ناصرًا بدلا، ونظيره قولك: ما مررت بمثلك أحد)، ومثل ما حكي يونس قول حسان - رضي الله عنه -: [من الطويل] 254 - لأنهم يرجون منه شفاعةً ... إذا لم يكن إلا النبيون شافع وإن كان الاستثناء متصلا بعد إيجاب تعين نصب المستثنى، سواء تأخر عن المستثنى منه، أو تقدم عليه، وذلك نحو: قام القوم إلا زيدًا، وقام إلا زيدًا القوم. وقد وضح من التفصيل أن المستثنى بـ (إلا) في غير تفريغ على أربعة أضرب، كما ذكرنا، وقد بينها في الأبيات المذكورة، وبين ما يختار نصبه على إتباعه، بقوله: ....... وانصب ما انقطع ... وعن تميمٍ فيه إبدال وقع وبين ما يختار نصبه على رفعه للتفريغ بقوله: وغير نصبٍ سابقٍ في النقي قد ... يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد وبين ما يختار إتباعه على نصبه بقوله: .......................... ... وبعد نفيٍ أو كنفيٍ انتخب إتباع ما اتصل ................ ... .........................

مع ما يدل عليه قوله: وغير نصبٍ سابقٍ في النفي ... قد يأتي ................ من اشتراط تقدم المستثنى منه على المستثنى، وبقي ما سوى ما ذكر على ما يقتضيه ظاهر قوله: ما استثنت إلا مع تمامٍ ينتصب ... .................... من تعين النصب. [119] ولما فرغ من بيان حكم الاستثناء // التام أخذ في بيان حكم الاستثناء المفرغ فقال: 319 - وإن يفرغ سابق إلا لما ... بعد يكن كما لو إلا عدما يعني: وإن يفرغ العامل السابق على (إلا) من ذكر المستثنى منه للعمل فيها بعدها بطل عملها فيه، وأعرب بما يقتضيه ذلك العامل. والأمر كما قال: فإنه يجوز في الاستثناء بـ (إلا) بعد النفي، أو شبهه أن يحذف المستثنى منه، ويقام المستثنى مقامه، فيعرب بما كان يعرب به، دون (إلا) لأنه قد صار خلفًا عن المستثنى منه، فأعطي إعرابه. تقول: ما جاء إلا زيد، وما رأيت إلا زيدًا، وما مررت إلا بزيدٍ، فترفع (زيدًا) بعد (إلا) في الفاعلية، وتنصبه بالمفعولية، وتجره بتعدية مررت إليه بالباء، كما لو تكن (إلا) موجودة. 320 - وألغ إلا ذات توكيدٍ كلا ... تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا تكرر (إلا) بعد المستثنى بها لتوكيد ولغير توكيد. أما تكريرها للتوكيد فمع البدل والمعطوف بالواو. مثالها مع البدل: ما مررت إلا بأخيك إلا زيد، تريد: ما مررت إلا بأخيك زيد. ونحوه: (لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا). ومثالها مع المعطوف بالواو: ما قام إلا زيد وإلا عمرو، ونحوه قول الشاعر: [من الطويل] 255 - هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها

وقد جمع المثالين قول الآخر: [من الرجز] 256 - ما لك من شيخك إلا عمله ... إلا رسيمه ولا رمله فـ (إلا) المكررة في هذه الأمثلة زائدة مؤكدة للتي قبلها، لأن دخولها في الكلام كخروجها، فلا تعمل فيما تدخل عليه شيئًا، بل يبقي على ما كان عليه قبل دخولها: من تبعية في الإعراب لما قبله. وأما تكرير (إلا) لغير توكيد فإذا قصد بها استثناء بعد استثناء، وذلك على ضربين: أحدهما: أن يكون فيه المستثنى بالمكررة مباينًا لما قبله. والآخر: أن يكون فيه المستثنى بها بعضًا لما قبله. أما الضرب الأول فهو المراد بقوله: 321 - وإن تكرر لا لتوكيدٍ فمع ... تفريغٍ التأثير بالعامل دع 322 - في واحدٍ مما بإلا استثنى ... وليس عن نصب سواه مغني 323 - ودون تفريغٍ مع التقدم ... نصب الجميع احكم به والتزم [120] // 324 - وانصب لتأخيرٍ وجئ بواحد ... منها كما لو كان دون زائد 325 - كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي ... وحكمها في القصد حكم الأول يعني: إذا كررت (إلا) لغير توكيد، والمستثنى بها مباين للمستثنى الأول، فإما أن يكون ما قبلها من العوامل مفرغًا، وإما أن يكون مشغولا. فإن كان مفرغًا شغلٍ بأحد المستثنيين، أو المستثنيات، ونصب ما سواه، نحو: ما قام إلا زيد إلا عمرًا، إلا بكرًا، والأقرب إلى المفرغ أولى بعمله مما سواه. وإن كان العامل مشغولا بالمستثنى منه، فللمستثنيين، أو المستثنيات النصب إن تأخر المستثنى منه، نحو: ما قام إلا زيدًا، إلا عمرًا، إلا بكرًا القوم، وإن لم يتأخر فلأحد المستثنيين، أو المستثنيات من الاتباع؟ والنصب ما له لو لم يستثن غيره وما سواه النصب، كقولك: ما جاء أحد إلا زيد إلا عمرًا، إلا بكرًا.

ومثله قوله: لم يفوا إلا امرؤ إلا عليا ... ........................ وما بعد الأول من هذه المستثنيات مساو له في الدخول، إن كان الاستثناء من غير موجب، وفي الخروج إن كان الاستثناء من موجب. وإلى هذا أشار بقوله: ......................... ... وحكمها في القصد حكم الأول فإن قلت: إذا كانت هذه المستثنيات حكمها واحد، فلم لم يعطف بعضها على بعض؟ قلت: لأنه أريد بالمستثنى الثاني إخراجه من جملة ما بقي بعد المستثنى الأول، وبالمستثنى الثالث إخراجه من جملة ما بقي بعد المستثنى الثاني، وليس المراد إخراجها دفعة واحدة، وإلا وجب العطف. وأما الضرب الثاني فلم يتعرض لذكره؛ لأن حكمه في الإعراب حكم الذي قبله. وأنا أذكره لأبين معناه، فأقول: إذا كررت (إلا) مستثنى بها بعض لما قبلها فالمراد إخراج كل مستثنى من متلوه، ولك في معرفة المتحصل بعد ما يخرج بالاستثناء طريقان: أحدهما: أن تجعل كل وتر كالأول، والثالث حطا من المستثنى منه، وكل شفعٍ كالثاني، والرابع جبرًا له، ثم لم يحصل فهو الباقي. مثاله: له علي عشرة إلا ستة، إلا أربعة، إلا اثنين، إلا واحدًا. فالباقي بعد الاستثناء بالعمل المذكور سبعة، لأنا أخرجنا من العشرة ستة، لأنها أول المستثنيات، وأدخلنا أربعة، لأنها ثانية المستثنيات، فصار الباقي ثماينة، ثم أخرجنا اثنين، لأنها ثالثة المستثنيات، فصار الباقي ستة، ثم أدخلنا واحدًا، لأنه رابع المستثنيات، فصار الباقي سبعة. الطريق الثاني: أن تحط الآخر مما يليه، ثم باقيه مما يليه، وكذا إلى الأول، فما يحصل فهو الباقي. ولتعتبر ذلك في المثال المذكور، فتحط واحدًا من اثنين يبقي واحد، تحطه من أربعة، يبقي ثلاثة، تحطها من ستة يبقي ثلاثة، تحطها من عشرة، يبقي سبعة، وهو [121] الجواب. //

326 - واستثن مجرورًا بغيرٍ معربا ... بما لمستثنىً بإلا نسبا استعمل بمعنى (إلا) كلمات، فاستثنى بها، كما يستثنى بـ (إلا) وهي (غير، وسوى، وسواء، وليس، ولا يكون، وحاشا، وخلا، وعدا). فأما (غير) فاسم ملازم للإضافة. والأصل فيها: أن تكون صفة دالة على مخالفة صاحبها لحقيقة ما أضيفت إليه، وتتضمن معنى (إلا). وعلامة ذلك صلاحية إلا مكانها. فيجر المستثنى بها، وتعرب هي بما يستحقه المستثنى بـ (إلا): من نصب لازم، أو نصب مرجح عليه الإتباع، أو نصب مرجح على الإتباع، أو تأثر بعامل مفرغ تقول: (جاءني القوم غير زيدٍ) بنصب لازم، و (ما جاءني أحد غير زيدٍ) بنصب مرجح عليه الإتباع و (ما لزيدٍ علم غير ظن)، وبنصب مرجح على الإتباع، و (ما جاءني غير زيدٍ) بإيجاب التأثر بالعامل المفرغ، فتفعل بـ (غير) ما كنت تفعل بالواقع بعد (إلا) وليس بينهما من الفرق، إلا أن نصب ما بعد (إلا) في غير الإتباع، والتفريغ نصب بـ (إلا) على الاستثناء، ونصب (غير) هناك بالعامل الذي قبلها على أنها حال، تؤدي معنى الاستثناء. 327 - ولسوي سوي سواءٍ اجعلا ... على الأصح ما لغيرٍ جعلا (سوي، وسواء) لغتان في (سوى) وهي مثل (غير) معنى واستعمالا فيستثنى بها متصل، نحو: قاموا سوى زيدٍ، ومنقطع، كقول الشاعر: [من البسيط] 257 - لم ألف في الدار ذا نطق سوي طلل ... قد كاد يعفو وما بالعهد من قدم ويوصف بها كقول الآخر: [من الوافر] 258 - أصابهم بلاء كان فيهم ... سوى ما قد أصاب بني النضير وتقبل أثر العوامل المفرغة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسهم).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أنتم في سواكم من الأمم، إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض). وكقول بعضهم حكاه الفراء (أتاني سواك)، وقول الشاعر: [من الهزج] 259 - ولم يبق سوى العدوان ... دناهم كما دانوا وقول الآخر: [من الكامل] 260 - وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري وقول الآخر: [من الخفيف] 261 - ذكرك الله عند ذكر سواه ... صارف عن فؤادك الغفلات [122] // وجعل سيبويه (سوي) ظرفًا، غير متصرف، فقال في باب: ما يحتمل تصرفه للشعر، وجعلوا ما لا يجري في الكلام إلا ظرفًا بمنزلة غيره من الأسماء، وذلك قول المرار العجلي: [من الطويل] 262 - ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا منا ولا من سوائنا

فهذا نص منه على أن (سوي) ظرف، ولا تفارقها الظرفية إلا في الضرورة. ولا شك أن (سوي) تستعمل ظرفًا على المجاز، فيقال: رأيت الذي سواك، كما يقال: رأيت الذي مكانك. ولكن هذا الاستعمال لا يلزمها، بل تفارقه، وتستعمل استعمال (غير)، كما أنبأت عنه الشواهد المذكورة. فليس الأمر في (سوى) كما قال سيبويه. 328 - واستثن ناصبًا بليس وخلا ... وبعدا وبيكون بعد لا 329 - واجرر بسابقي يكون إن ترد ... وبعد ما انصب وانجرار قد يرد 330 - وحيث جرا فهما حرفان ... كما هما إن نصبا فعلان 331 - وكخلا حاشا ولا تصحب ما ... وقيل حاش وحشى فاحفظهما من أدوات الاستثناء (ليس، ولا يكون) وهما الرافعان الاسم، الناصبان الخبر، فلهذا يجب نصب ما استثني بهما لأنه الخبر. وأما اسمهما فالتزم إضماره؛ لأنه لو ظهر لفصلهما عن المستثنى، وجهل قصد الاستثناء، تقول، قاموا ليس زيدًا، وكما في الحديث (يطبع المؤمن على كل خلقٍ، ليس الخيانة والكذب) والمعنى: إلا الخيانة والكذب، والتقدير: ليس بعض خلقه الخيانة والكذب، ثم أضمر بعض، لدلالة كل عليه، كما في قوله تعالى: (فإن كن نساءً) [النساء /11] بعد قوله (يوصيكم الله في أولادكم) [النساء /11] والتزم حذفه للدلالة على الاستثناء. وتقول: قاموا لا يكون زيدًا، وهو مثل: قاموا ليس زيدًا، في أن معناه إلا زيدًا، وتقديره: قاموا لا يكون بعضهم زيدًا. ومن أدوات الاستثناء (خلا، وعدا، وحاشا). فأما (خلا وعدا) فينصب ما بعدهما، ويجر، تقول: قام القوم خلا زيدًا، وعدا عمرًا بالنصب، وإن شئت جررت، فقلت: قام القوم خلا زيدٍ، وعدا عمروٍ، فالجر على أنهما حرفان مختصان بالأسماء، وغير منزلين منها منزلة الجزء، فعملا فيها الجر، وحسن فيهما ذلك، وإن لم يعديا ما قبلهما إلى ما بعدهما لقصد الدلالة به على الحرفية.

وأما النصب فعلى أنهما فعلان ماضيان، غير متصرفين لوقوعهما موقع الحرف، والمستثنى بعدهما مفعول به، وضمير ما سواه من المستثنى منه هو الفاعل. [123] // فإذا قلت، قاموا خلا زيدًا، فالتقدير: قاموا جاوز غير زيد منهم زيدًا، وكذا إذا قلت: قاموا عدا عمرًا. وتدخل (ما) على (عدا، وخلا) نحو: قاموا ما عدا زيدًا، وما خلا عمرًا، فيجب نصب ما بعدهما، بناء على أن (ما) مصدرية فيجب فيما بعدها أن يكون فعلا ناصبًا للمستثنى، لأن ما المصدرية لا يليها حرف جر، وإنما توصل بجملة فعلية، وقد توصل بجملة اسمية. فإن قلت: إذا كانت (ما) مصدرية فهي، وما عملت فيه في تأويل المصدر، فما موضعه من الإعراب؟ قلت: نصب: إما على الحال، على معنى قاموا مجاوزًا غير زيد منهم زيدًا، وإما على الظرفية على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، على معنى: قاموا مدة مجاوزتهم زيدًا. وروى الجرمي عن بعض العرب جر ما استثني بـ (ما عدا وما خلا)، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ..................... ... ............ وانحرار قد يرد والوجه فيه: أن يجعل (ما) زائدة، و (عدا، وخلا) حرفي جر. وفيه شذوذ، لأن (ما) إذا زيدت مع حرف جر لا تتقدم عليه، بل تتأخر عنه، نحو قوله تعالى: (فبما رحمةٍ من الله) [آل عمران /159] و (عما قليل) [المؤمنون /40]. وأما (حاشا) فمثل (خلا) إلا في دخول (ما) عليها، فيستثنى بها مجرور، نحو قاموا حاشا زيدٍ، ومنصوب، نحو: قاموا حاشا زيدًا. فالجر على أنها حرف، والنصب على أنها فعل غير متصرف، والمستثنى مفعوله، وضمير ما سواه الفاعل، كما في النصب بعد (خلا). ولا فرق بينهما إلا أن (خلا) تدخل عليها (ما) و (حاشا) لا تدخل عليها (ما). فلا يقال: قاموا ما حاشا زيدًا، إلا ما ندر، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أسامة أحب الناس إلى ما حاشا فاطمة).

ويقال: في حاشا: (حاش) كثيرًا، و (حشى) قليلا. والتزم سيبويه حرفية (حاشا) وفعلية (عدا)، ولم يتابع عليه لأنه قد ثبت بالنقل الصحيح النصب بعد (حاشا) والجر بعد (عدا) فوجب أن يكونا بمنزلة (خلا). حكي أبو عمرو الشيباني: اللهم اغفر لي، ولمن يسمع حاشا الشيطان وأبا الأصبغ. وقال المرزوقي في قول الشاعر: [من الكامل] 263 - حاشا أبي ثوبان إن أبا ... ثوبان ليس ببكمة فدم رواه الضبي: (حاشا أبا ثوبان) بالنصب. وأنشدوا في حرفية (عدا) والجر بها: [من الوافر] 264 - تركنا في الحضيض بنات عوجٍ ... عواكف قد خضعن إلى النسور أبحنا حبهم قتلا وأسرًا ... عدا الشمطاء والطفل الصغير

الحال

الحال 332 - الحال وصف فضلةً منتصب ... مفهم في حال كفردًا أذهب [124] // 333 - وكونه منتقلا مشتقًا ... يغلب لكن ليس مستحقًا الحال: هو الوصف، المذكور فضلة لبيان هيئة ما هو له. (فالوصف) جنس، يشمل الحال المشتقة، نحو: جاء زيد راكبًا، والحال المؤولة بالمشتق، كقوله تعالى: (فانفروا ثباتٍ) [النساء /71]، ومخرج نحو: (القهقري) من قولك: رجعت القهقري، و (المذكور فضلة) يخرج الخبر من نحو: زيد قائم، وعمرو قاعد، و (لبيان هيئة ما هو له) يخرج التمييز من نحو: (لله دره فارسًا) والنعت من نحو: مررت برجلٍ راكبٍ، فإن التمييز في ذلك، والنعت في ذا ليس واحد منهما مذكورا لقصد بيان الهيئة، بل التمييز مذكور لبيان جنس المتعجب منه، والنعت مذكور لتخصيص الفاعل، ووقع بيان الهيئة بهما ضمنًا. وقوله: الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حال ... . أي: في حال كذا فيه، مع إدخال حكم في الحد بقوله: (منتصب) إنه حد غير مانع، لأنه يشمل النعت، ألا ترى أن قولك: مررت برجلٍ راكبٍ في معنى: مررت برجل في حال ركوبه، كما أن قولك جاء زيد ضاحكًا، في معنى: جاء زيد في حال ضحكه.

فلأجل ذلك عدلت عن هذه العبارة إلى قولي: (المذكور فضلةً لبيان هيئة ما هو له). وحق الحال النصب، لأنها فضلة، والنصب إعراب الفضلات. والغالب في الحال أن تكون منتقلة مشتقة، أي: وصفًا غير ثابت، مأخوذًا من فعل مستعمل. وقد تكون وصفًا ثابتًا، وقد تكون جامدة، فتكون وصفًا ثابتًا إذا كانت مؤكدة، نحو قوله تعالى: (هو الحق مصدقًا) [فاطر /31]، وزيدًا أبوك عطوفًا، أو كان عاملها دالا على تجدد صاحبها، كقولهم: (خلق الله الزرافة: يديها أطول من رجليها) ومنه قوله تعالى: (وخلق الإنسان ضعيفًا) [النساء /28] وقوله تعالى: (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا) [الأنعام /114] وقوله تعالى: (ويوم أبعث حيًا) [مريم /33]. وإذا لم يكن كذلك فلابد من كونها منتقلة، لا تقول: جاء زيد طويلا، ولا جاء زيدً أبيض، ولا ما أشبه ذلك، لأنه بعيد عن الإفادة. وتكون الحال جامدة إذا كانت في تأويل المشتق، كقوله تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين) [النساء /88]، وقوله تعالى: (فتم ميقات ربه أربعين ليلةً) [الأعراف /142]، وقوله تعالى: (هذه ناقة الله لكم آية) [الأعراف /73]، وقولهم: (هذا خاتمك حديدًا) و (هذه جبتك خزا). والأكثر في كلامهم أن تكون الحال مشتقة، لأنه لابد أن تدل على حدث وصاحبه، وإلا لم تفد بيان هيئة ما هي له. والأكثر فيما يدل على حدث، وصاحبه أن يكون مشتقًا، نحو: ضارب، وعالم، وكريم. وقد يكون جامدًا في تأويل المشتق، كقولهم: (مررت بقاع عرفج) أي: خشن، وبناقة علاة، أي: قوية.

وكقول الشاعر: [من الوافر] 265 - فلولا الله والمهر المفدى ... لرحت وأنت غربال الإهاب [125] // أي: ممزق الجلد. فلما كان مجيء الوصف مشتقًا أكثر من مجيئه جامدًا كان مجيء الحال مشتقة أكثر من مجيئها جامدة. وقد كثر جمودها في مواضع، فنبه عيها بقوله: 334 - وتكثر الجمود في سعرٍ وفي ... مبدي تأولٍ بلا تكلف 335 - كبعه مدا بكذا يدًا بيد ... وكر زيد أسدًا أي كأسد أكثر ما يكون الجامد حالا إذا كان مؤولا بالمشتق، تأويلا غير متكلف. كما إذا كان موصوفًا، كقوله تعالى: (فتمثل لها بشرًا سويًا) [مريم /17]، أو كان دالا إما على سعر نحو: بعت الشاء شاةً بدرهمٍ، وبعت البر قفيزًا بدرهم، وإما على مفاعلة، نحو: كلمته فاه إلى في، وبايعته يدًا بيد، كأنك قلت: كلمته مشافهًا، وبايعته مناجزًا، وإما على تشبيه، نحو: كر زيد أسدًا، أي كر مثل أسد. ومنه قولهم: (وقع المصطرعان عدلي عير). وقول الشاعر: [من الطويل] 266 - أفي السلم أعيارًا جفاءً وغلظةً ... وفي الحرب أمثال النساء العوارك

وقول الآخر: [من الكامل] 267 - مشق الهواجر لحمهن مع السرى ... حتى ذهبن كلاكلا وصدورا وإما على غير ذلك، كما إذا دل على ترتيب، نحو: ادخلوا رجلا رجلا، وتعلمت الحساب بابًا بابًا، أو على أصالة الشيء كقوله تعالى: (قال أأسجد لمن خلقت طينًا) [الإسراء /61]، ونحوه: هذا خاتمك حديدًا، أو على فرعيته، نحو: هذا حديدك خاتمًا، أو على نوعه نحو: هذا مالك ذهبًا، أو على كون واقع فيه تفضيل، نحو: (هذا بسرًا أطيب منه رطبًا). 336 - والحال إن عرف لفظًا فاعتقد ... تنكيره معنًى كوحدك اجتهد لما كان الغرض من الحال إنما هو بيان هيئة الفاعل والمفعول، أو الخبر، كما في نحو: جاء زيد راكبًا، وضربت اللص مكتوفًا، و (هو الحق مصدقًا) [فاطر /31]. وكان ذلك البيان حاصلا بالنكرة التزموا تنكير الحال احترازًا عن العبث والزيادة لا لغرض وأيضًا فإن الحال ملازم للفضلية، فاستثقل واستحق التخفيف بلزوم التنكير، فإن غيره من الفضلات إلا التمييز يفارق الفضلية، ويقوم مقام الفاعل، كقولك في ضربت زيدًا: ضرب زيد، وفي اعتكفت يوم الجمعة: اعتكف يوم الجمعة، وفي سرت سيرًا طويلا: سير سير طويل، وفي قمت إجلالا لك: قيم لإجلالك: فلصلاحية ما سوى الحال، والتمييز من الفضلات لصيرورته عمدة جاز تعريفه بخلاف الحال والتمييز. وقد يجيء الحال معرفًا بالألف واللام، أو بالإضافة فيحكم بشذوذه، وتأويله [126] بنكرة. فمن المعرف بالألف واللام قولهم: (ادخلوا // الأول فالأول) أي: مرتبين، و (جاؤوا الجماء الغفير) أي: جميعًا، و: [من الوافر] 267 م أرسلها العراك ... . ...

أي: معتركة. وقرأ بعضهم قوله تعالى: (لنخرجن الأعز منها الأذل) [المنافقون /8]. ومن المعرف بالإضافة قولهم: (جلس زيد وحده) أي: منفردًا، ومثله: (رجع عوده على بدئه)، و (فعل ذلك جهده وطاقته) و (جاؤوا جميعًا، وتفرقوا متبددين تبددًا، لا بقاء معه. ومن هذا القبيل قول أهل الحجاز: جاؤوا ثلاثتهم، والنساء ثلاثهن إلى عشرتهم، وعشرهن: النصب عند الحجازيين على تقدير: جميعًا، ورفعه التميميون توكيدًا على تقدير: جميعهم وجميعهن. 337 - ومصدر منكر حالا يقع ... بكثرةٍ كبغتةً زيد طلع الحال وصاحبها خبر، ومخبر عنه في المعنى، فحق الحال أن تدل على ما يدل عليه نفس صاحبها، كالخبر بالنسبة إلى المبتدأ. ومقتضى هذا ألا يكون المصدر حالا، لئلا يلزم الإخبار بمعنى عن عين، فإن ورد شيء من ذلك حفظ، ولم يقس عليه، إلا فيما أذكره لك. فمن ورود المصدر حالا قولهم: (طلع زيد علينا بغتةً و (قتلته صبرًا) و (لقيته فجاءةً) و (كلمته شفاهًا) و (أثبته ركضًا ومشيًا). وذهب الأخفش والمبرد إلى أن المصادر الواقعة موقع الأحوال مفعولات مطلقة، العامل في كل منها فعل محذوف، هو الحال. وليس بمرضي لأنه لا يجوز الحذف إلا لدليل. ولا يخلو إما أن يكون لفظ المصدر

المنصوب، أو عامله، فإن كان لفظ المصدر فينبغي أن يجوز ذلك في كل مصدر له فعل، ولا يقتصر على السماع، ولا يمكن أن يكون عامل المصدر؛ لأن القتل لا يشعر بالصبر، ولا اللقاء بالفجاءة، ولا الإتيان بالركض. وقد أطرد ورود المصدر حالا في أشياء: منها قولهم: (أنت الرجل علمًا وأدبًا ونبلا) أي: الكامل في حال علم وأدب ونبل. ومنها قولهم: (زيد زهير شعرًا، وحاتم جودًا، والأحنف حلمًا) أي: مثل زهير في حال شعر، ومثل حاتم في حال جود، ومثل الأحنف في حال حلم. ومنها قولهم: (أما علمًا فعالم) والأصل في هذا: أن رجلا وصف عنده رجل بعلم وغيره، فقال للواصف: (أما علمًا فعالم) يريد: مهما يذكر إنسان في حال علم فالذي ذكرت عالم، كأنه منكر ما وصفه به من غير العلم، فصاحب الحال على هذا التقدير المرفوع بفعل الشرط المحذوف، وهو ناصب الحال. ويجوز أن يكون ناصبه ما بعد الفاء، والحال على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يكن من شيء، فالمذكور عالم في حال علم. وبنو تميم يلتزمون رفع المصدر بعد (أما) إذا كان معرفة، ويجيزون رفعه، ونصبه إذا كان نكرة. والحجازيون: نصب المعرف ورفعه، ويلتزمون نصب المنكر. [127] وسيبويه: // يجعل المنصوب المعرف مفعولا له. والأخفش: يجعل المنصوب مصدرًا، مؤكدًا في التعريف والتنكير، ويجعل العامل فيه ما بعد الفاء. والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور عالم علمًا. ولم يطرد مجيء المصدر حالا في غير ما ذكر. ورواه المبرد مطردًا فيما هو نوع من العامل، نحو: أتيته سرعةً، وقوله: ومصدر منكر حالا يقع ... بكثرةٍ ....................... فيه تنبيه على وقوع المصدر المعرفة حالا بقلة، كقولهم: (أرسلها العراك). وهو على التأويل بمعتركة، كما تقدم. 338 - ولم ينكر غالبًا ذو الحال إن ... لم يتأخر أو يخصص أو يبن 339 - من بعد نفيٍ أو مضاهيه كلا ... يبغ امرؤ على امرئٍ مستسهلا قد تقدم أن الحال وصاحبها خبر، ومخبر عنه في المعنى، فأصل صاحبها أن يكون معرفة، كما أن أصل المبتدأ أن يكون معرفة.

وكما جاز أن يبتدأ بالنكرة بشرط وضوح المعنى، وأمن اللبس كذلك يكون صاحب الحال نكرة بشرط وضوح المعنى، وأمن اللبس. ولا يكون ذلك غالبًا إلا بمسوغ. فمن المسوغات: تقدم الحال عليه، كقولك: هذا قائمًا رجل، ونحوه ما أنشده سيبويه: [من الطويل] 268 - وفي الجسم مني بينا لو علمته ... شحوب وإن تستشهدي العين تشهد ومنها أن يتخصص: إما بوصف، كقوله تعالى: (فيها يفرق كل أمرٍ حكيمٍ * أمرًا من عندنا) [الدخان /4 - 5]. وكقول الشاعر: [من البسيط] 269 - نجيت يا رب نوحًا واستجبت له ... في فلكٍ ماخرٍ في اليم مشحونا وإما بإضافة كقوله تعالى: (وقدر فيها أقواتها في أربعة أيامٍ سواء للسائلين) [فصلت /11]. ومنها أن يتقدم قبل صاحب الحال نفي أو نهي أو استفهام، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ........................ ... .................. أو يبن أي يظهر. من بعد نفي .................. ... ................ أو كنفي.

فمثال تقدم النفي قولك: ما أتاني أحد إلا راكبًا، ونحوه قوله تعالى: (وما أهلكنا من قريةٍ إلا ولها كتاب معلوم) [الحجر /4]. ومثال تقدم النهي قولك: (لا يبغ امرؤ على امرئٍ مستسهلا) ونحوه قول الطرماح: [من الكامل] 270 - لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفًا لحمام مثال تقدم الاستفهام قولك: أجاءك رجل راكبًا؟. قال الشاعر: [من البسيط] 271 - يا صاح هل حم عيش باقيًا فترى ... لنفسك العذر في إبعادها الأملا وقوله: ولم ينكر غالبًا ذو الحال ......... ... .................... احترز بـ (غالبًا) من مجيء صاحب الحال نكرة، بدون شيء من المسوغات المذكورة، كقولهم: (مررت بماءٍ قعدة رجل) و (عليه مائة بيضًا). [128] حكي ذلك // سيبويه وأجاز: فيها رجل قائمًا، وجاء في الحديث: (فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا، وصلى وراءه رجال قيامًا).

340 - وسبق حالٍ ما بحرفٍ جر قد ... أبوا ولا أمنعه فقد ورد الأصل تأخير الحال عن صاحبها، ويجوز تقديمها عليه، نحو: جاء مسرعًا زيد، كما يجوز تقدم الخبر على المبتدأ. وقد يعرض ما يوجب هذا التقديم، أو يمنع منه. فيوجب تقديم الحال على صاحبها أسباب: منها: كون صاحبها مقرونًا بـ (إلا)، أو ما في معناها، نحو: ما قام مسرعًا إلا زيد، وإنما قام مسرعًا زيد. ومنها: إضافة صاحبها إلى ضمير ما لابس الحال، نحو: جاء زائرًا هندًا أخوها وانطلق منقادًا لعمرو صاحبه. ويمنع من تقديم الحال على صاحبها أسباب: منها: اقتران الحال بـ (إلا) لفظًا، أو معنى نحو: ما قام زيدً إلا مسرعًا، وإنما قام زيد مسرعًا. ومنها أن يكون صاحبها مجرورًا بالإضافة، نحو: عرفت قيام زيدٍ مسرعًا، وهذا شارب السويق ملتوتًا. لا يجوز في نحو هذا تقديم الحال على صاحبها، واقعة بعد المضاف، لئلا يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه، ولا قبله، لأن نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول، فكما لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على الموصول، كذلك لا يتقسم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف. ومنها: أن يكون صاحب الحال مجرورًا بحرف جر: نحو: مررت بهندٍ جالسة. قال أكثر النحويين: لا يجوز مررت جالسةً بهندٍ. وغلى ذلك الإشارة بقوله: وسبق حالٍ ما بحرفٍ جر قد ... أبوا ................ وعللوا منع ذلك: بأن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إليه بتلك الواسطة، لكن منع من ذلك أن الفعل لا يتعدى بحرف واحد إلى شيئين، فجعلوا عوضًا من الاشتراك في الواسطة التزام التأخير. ومنهم من علله بالحمل على حال المجرور بالإضافة. ومنهم من علله بالحمل على حال عمل فيه حرف جر، متضمن استقرارًا، نحو: زيد في الدار متكئًا.

وخالفهم الشيخ رحمه الله في هذه المسألة، وأجاز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف، كما هو مذهب أبي علي، وابن كيسان، حكاه عنهما ابن برهان. والحجة في ذلك قول الشاعر: [من الطويل] 272 - فإن تك أدواد أصبن ونسوة ... فلن يذهبوا فرغًا بقتل حبال أراد: فلن يذهبوا بدم حبال فرغًا. و (حبال) اسم رجل. ومثل ذلك قول الشاعر: [من الطويل] 273 - لئن كان برد الماء هيمان صاديًا ... إلى حبيبًا إنها لحبيب [129] أراد: لئن كان برد الماء حبيبًا إلى هيمان صاديًا. وقول الآخر: // [من الطويل] 274 - تسليت طرًا عنكم بعد بينكم ... بذكراكم حتى كأنكم عندي وقول الآخر: [من الخفيف] 275 - غافلا تعرض المنية للمر ... ء فيدعى ولات حين إباء وقول الآخر: [من الكامل] 276 - مشغوفة بك قد شغفت وإنما ... حم الفراق فما إليك سبيل

341 - ولا تجز حالا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله 342 - أو كان جزء ما له أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تحيفا العامل في الحال هو العامل في صاحبها حقيقة، كما في نحو: جاء زيدٌ راكبًا، أو حكمًا، كما في نحو: هذا زيد قائمًا، فإن (قائمًا) حال من (زيد) والعامل فيها ما في هذا من معنى أشير، وليس بعامل في زيد حقيقة، بل حكمًا. ألا ترى أن قولك: هذا زيد قائمًا: في معنى قولك: أشير إليه في حال قيامه، ولا يجوز أن يكون العامل في الحال غير العامل في صاحبها حقيقة، أو حكمًا ألبتة. وإذا عرفت هذا ظهر لك أنه لا يجوز أن يكون الحال من المضاف إليه، إلا إذا كان المضاف إليه عاملا في الحال، أو جزء ما أضيف إليه، أو مثل جزئه، فإن لم يكن شيئًا من ذلك امتنع مجيء الحال من المضاف إليه، لا تقول: جاء غلام هندٍ جالسةً، لأن الحال لابد لها من عامل فيها، وليس في الكلام إلا الفعل، والمضاف، ولا يصح في واحد منهما أن يكون عاملا في الحال. أما المضاف، فلأنه لو كان عاملا فيها للزم كون المعنى: جاء غلام استقر، وحصل لهندٍ جالسة، وليس بمراد قطعًا. وأما الفعل فلأنه لو كان عاملا فيها للزم كون العامل في الحال غير العامل في صاحبها حقيقة، وحكمًا، وإنه محال. فلو صح كون المضاف عاملا في الحال: بأن كان فيه معنى الفعل، كما في نحو: (عرفت قيام زيدٍ مسرعًا) جازت المسألة، إذ لا محذور، قال الله تعالى: (إلى الله مرجعكم جميعًا) [المائدة /48]، وقال الشاعر: [من الطويل] 277 - تقول ابنتي إن انطلاقك واحدًا ... إلى الروع يومًا تاركي لا أبا ليا وكذلك لو كان المضاف جزء ما أضيف إليه، كقوله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا) [الحجر /47]، أو مثل جزئه في صحة الاستغناء عنه بالمضاف إليه، كقوله تعالى: (ملة إبراهيم حنيفًا) [النحل /123].

وإنما جاز مجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف إليه جزأه، أو كجزئه لأنه إذا كان كذلك يصح في العامل في المضاف أن يعمل في الحال، لأنه عامل في صاحبها [130] // حكمًا بدليل صحة الاستغناء به عن المضاف، ألا ترى أنه لو قيل في الكلام: ونزعنا ما فيهم من غل إخوانًا، واتبعوا إبراهيم حنيفًا لكان سائغًا حسنًا، بخلاف الذي يضاف إليه ما ليس جزءًا، ولا كجزء مما ليس بمعنى الفعل، فإنه لا سبيل إلى جعله صاحب حال بلا خلاف. 343 - والحال إن ينصب بفعل صرفا ... أو صفةٍ أشبهت المصرفا 344 - فجائز تقديمه كمسرعا ... ذا راحل ومخلصًا زيد دعا 345 - وعامل ضمن معنى الفعل لا ... حروفه مؤخرًا لن يعملا 346 - كتلك ليت وكأن وندر ... نحو سعيد مستقرًا في هجر 347 - ونحو زيد مفردًا أنفع من ... عمرو معانًا مستجاز لن يهن يجوز تقدم الحال على عاملها إذا كان فعلا متصرفًا، كقوله: (مخلصًا زيد دعا) ومثله قولهم: (شتى تؤوب الحلبة). وإذا كان صفة تشبه الفعل المتصرف بتضمن معناه، وحروفه، وقبول علامات الفرعية مطلقًا فهو في قوة الفعل، ويستوي في ذلك اسم الفاعل، كقوله: (مسرعًا ذا راحل) واسم المفعول، والصفة المشبهة باسم الفاعل، كقول الشاعر: [من الطويل] 278 - لهنك سمح ذا يسار ومعدمًا ... كما قد ألفت الحلم مرضىً ومغضبا فلو قيل في الكلام: إنك ذا يسارٍ، ومعدمًا سمح لجاز، لأن (سمحًا) عامل قوي بالنسبة إلى أفعل التفضيل، لتضمنه حروف الفعل ومعناه، مع قبوله لعلامة التأنيث والتثنية والجمع، وأفعل التفصيل متضمن حروف الفعل ومعناه، ولا يقبل علامات

الفرعية مطلقًا، فضعف، وانحط درجة عن اسم الفاعل، والصفة المشبهة به، فجعل موافقًا للجوامد غالبًا، كما سيأتي ذكره. وقوله: فجائز تقديمه ................. ... ....................... يعني: إن لم يمنع مانع، ولكنه طوى ذكره اعتمادًا على قرينة ما تقدم من نظائره. فمن موانع التقدم على العامل المتصرف كونه نعتًا، نحو: مررت برجلٍ ذاهبةً فرسه، مكسورًا سرجها، أو مصدرًا مقدرًا بالحرف المصدري نحو: سرني ذهابك غازيًا، أو فعلا مقرونًا بلام الابتداء، نحو: لأعظنك ناصحًا، أو القسم، نحو: لأقومن طائعًا، أو صلة للألف واللام، أو صلة حرف مصدري، نحو: أنت المصلي فذا، ولك أن تنتفل قاعدًا. ومن موانع تقديم الحال على عاملها كونه فعلا غير متصرف، أو جامدًا، مضمنًا معنى الفعل، دون حروفه، أو صفة تشبه الفعل غير المتصرف، وهي أفعل التفضيل. [131] أما // الفعل غير المتصرف فنحو: ما أحسن زيدًا ضاحكًا، وأما الجامد المضمن معنى الفعل، دون فكاسم الإشارة، وحرف التمني، أو التشبيه، وكالظرف، أو حرف الجر، المضمن استقرارًا، نحو: تلك هند منطلقة، وليته مقيمًا عندنا، وكأنك طالعًا البدر، وزيد عندك قاعدًا، وخالد في الدار جالسًا. فـ (منطلقة) حال من (هند) والعامل فيها ما في (تلك) من معنى: أشير، و (مقيمًا) حال من (الهاء) والعامل فيها ما في (ليت) من معنى: (أتمنى)، و (طالعًا) حال من (الكاف) والعامل فيها ما في (كأن) من معنى: أشبه، و (قاعدًا) حال من الضمير في الظرف، والعامل فيها ما في الظرف من معنى الاستقرار، و (جالسًا) حال من الضمير في الجار، والعامل فيها ما فيه من معنى الفعل وهكذا جميع ما تضمن معنى الفعل دون حروفه، (كأما) وحرف التنبيه، والترجي، والاستفهام المقصود به التعظيم، نحو: [من م. الكامل] 279 - يا جارتا ما أنت جاره

فإنه لا يجوز تقديم الحال على شيء منها. وأجاز الأخفش إذا كان العامل في الحال ظرفًا، أو حرف جر، مسبوقًا باسم ما الحال له توسط الحال: صريحة كانت، نحو: (سعيد مستقرًا في هجر) أو بلفظ الظرف، أو حرف الجر، كقولك: زيد من الناس في جماعةٍ، تريد زيد في جماعة من الناس، ولا شك أن مثل هذا قد وجد في كلامهم، ولكن لا ينبغي أن يقاس عليه، لأن الظروف المضمنة استقرارًا بمنزلة الحروف في عدم التصرف، فكما لا يجوز تقديم الحال على العامل الحرفي، كذا لا يجوز تقديمها على العامل الظرفي، وما جاء منه مسموعًا يحفظ، ولا يقاس عليه. ومن شواهده قول الشاعر: [من الكامل] 279 م رهط ابن كوز محقبي أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار وقول الآخر: [من الطويل] 280 - بنا عاد عوف وهو بادئ ذلةٍ ... لديكم فلم يعدم ولاءً ولا نصرا وقول الآخر: [من الطويل] 281 - ونحن منعنا البحر أن تشربوا به ... وقد كان منكم ماؤه بمكان فأما قراءة من قر (والسموات مطوياتٍ بيمينه) [الزمر /67] فلا حجة فيه لإمكان جعل (السموات) عطفًا على الضمير في (قبضته) و (مطويات) منصوب بها، و (بيمينه) متعلق بمطويات.

وأما أفعل التفضيل فإنه، وإن انحط درجة عن اسم الفاعل، والصفة المشبهة به فله مزية على العامل الجامد، لأن فيه ما في الجامد من معنى الفعل، ويفوقه بتضمن حروف الفعل، ووزنه، فجعل موافقًا للعامل الجامد، في امتناع تقديم الحال عليه، إذا لم يتوسط بين حالين، نحو: (هو أكفؤهم ناصرًا). وجعل موافقًا لاسم الفاعل في جواز [132] التقديم عليه إذا توسط حالين // نحو: (زيد مفردًا أنفع من عمروٍ معانًا) ومثله: (هذا بسرًا أطيب منه رطبًا). وليس هذا على إضمار إذا كان فيما يستقبل، أو إذا كان فيما مضى، كما ذهب إليه السيرافي، ومن وافقه، لأنه خلاف قول سيبويه، وفيه تكلف إضمار ستة أشياء من غير حاجة، ولأن أفعل هنا كأفعل في قوله تعالى: ((هم للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان) [آل عمران /167] في أن القصد بهما تفضيل شيء على نفسه باعتبار متعلقين، فكما اتحد هنا المتعلق به كذا يتحد فيما ذكرنا، وبعد تسليم الإضمار بلزوم إعمال أفعل في إذا، أو إذ فيكون ما وقع فيه شبيهًا بما فر منه. والحذاق من النحويين يخالفون السيرافي فيما ذهب إليه. قال أبو علي في التذكرة: (مررت برجل خير ما يكون خيرٍ منك خير ما تكون) العامل (في خير ما يكون) (خير منك) لا (مررت) بدلالة: (زيد خير ما يكون خير منك خير ما تكون). وصحح أبو الفتح قول أبي علي في ذلك. وقال ابن كيسان: تقول: زيدً قائمًا أحسن منه قاعدًا، والمراد بزيد حسنه في قيامه على حسنه في قعوده، فلما وقع التفضيل في شيء على شيء وضع كل واحد منهما في الموضع الذي يدل فيه على الزيادة، ولم يجمع بينهما. ومثل هذا أن تقول: حمل نخلتنا بسرًا أطيب منه رطبًا. 348 - والحال قد يجيء ذا تعدد ... لمفردٍ فاعلم وغير مفرد الحال شببهة بالخبر والنعت، فيجوز أن تتعدد وصاحبها مفرد، وأن تتعدد وصاحبها متعدد.

فالأول: نحو: جاء زيدٌ راكبًا ضاحكًا. ومنع ابن عصفور جواز تعدد الحال في هذا النحو قياسًا على الظرف، وليس بشيء. والثاني: نحو: جاء زيد وعمرو مسرعين، ولقيته مصعدًا منحدرًا، قال الله تعالى: (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) [إبراهيم /33] وقال الشاعر: [من الوافر] 282 - متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف إليتيك وتستطارا وقال الآخر: [من الوافر] 283 - عهدت سعاد ذات هوى معنى ... فزدت وزاد سلوانًا هواها (ذات هوى) حال من (سعاد) و (معنى) حال من الفاعل. 349 - وعامل الحال بها قد أكدا ... في نحو لا تعث في الأرض مفسدا 350 - وإن تؤكد جملةً فمضمر ... عاملها ولفظها يؤخر الحال نوعان: مؤكدة، وغير مؤكدة، والمؤكدة على ضربين: أحدهما ما يؤكد عامله، والثاني ما يؤكد مضمون جملة. [133] أما ما يؤكد عامله فالغالب فيه أن يكون وصفًا موافقًا للعامل // معنى لا لفظًا نحو قوله تعالى: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) [البقرة /60] وقوله تعالى: (ولى مدبرًا ولم يعقب) [النمل /10] وقوله تعالى: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا) [يونس /99].

وقال لبيد: [من الكامل] 284 - وتضيء في وجه الظلام منيرةً ... كجمانة البحري سل نظامها وقال الآخر: [من الوافر] 285 - سلامك ربنا في كل فجر ... بريئًا ما تغنثك الذموم (بريئًا) حال مؤكدة لـ (سلامك) ومعناه: البراءة مما لا يليق بجلاله. وقد يكون المؤكد عامله موافقًا له معنى ولفظًا، كقوله تعالى: (وأرسلناك للناس رسولا) [النساء /79]. وقوله تعالى: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) [النحل /12]. ومنه قول امرأة من العرب: [من الرجز] 286 - قم قائمًا قم قائما ... صادقت عبدًا نائما وعشراء رائما

وقول الآخر: [من البسط] 287 - أصخ مصيخًا لمن أبدى نصيحته ... والزم توقي خلط الجد باللعب وأما الحال المؤكدة مضمون جملة فما كان وصفًا ثابتًا مذكورًا بعد جملة جامدة الجزءين، معرفتيهما لتوكيد بيان يتعين نحو: هو زيدٌ معلومًا، قال الشاعر: [من البسيط] 288 - أنا ابن دارة معروفًا بها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار أو فخر نحو: أنا فلان بطلا شجاعًا. أو تعظيم نحو: هو فلان جليلا مهيبًا. أو تحقير نحو: هو فلان مأخوذًا مقهورًا. أو تصاغر نحو: أنا عبدك فقيرًا إليك. أو وعيد نحو: أنا فلان متمكنًا منك. أو معنى غير ذلك كما في نحو: هو الحق بينا، وزيد أبوك عطوفًا. والعامل في هذه الحال من هذا النوع مضمر بعد الخبر، تقديره: أحقه، أو أعرفه، إن كان المبتدأ غير (أنا) وإن كان (أنا) فالتقدير: أحق، أو أعرف، أو اعرفني. وقال الزجاج: العامل هو الخبر، لتأوله بمسمى. وقال ابن خروف: العامل هو المبتدأ لتضمنه معنى تنبه. وكلا القولين ضعيف، لاستلزام الأول المجاز، والثاني جواز تقديم الحال على الخبر، وأنه ممتنع. فالعامل إذا مضمر، كما ذكرنا، وهو لازم الإضمار، لتنزيل الجملة المذكورة منزلة البدل من اللفظ به، كما التزم إضمار عامل الحال في غير ذلك على ما سيأتيك إن شاء الله تعالى.

351 - وموضع الحال تجيء جمله ... كجاء زيد وهو ناوٍ رحله 352 - وذات بدءٍ بمضارع ثبت ... حوت ضميرًا ومن الواو وخلت [134] // 353 - وذات واو بعدها أنو مبتدا ... له المضارع اجعلن مسندا 354 - وجملة الحال سوى ما قدما ... بواو أو بمضمرٍ أو بهما تقع الجملة الخبرية حالا، لتضمنها معنى الوصف، كما تقع نعتًا، وخبرًا. ولابد في الجملة الحالية من ضمير يربطها بصاحبها، أو واو تقوم مقام الضمير، وقد يجمع فيها بين الأمرين، كما في (جاءزيد، وهو ناوٍ رحلة). وقد يغني تقدير الضمير عن ذكره، كقولهم: (مررت بالبر قفيز بدرهم)، والجملة الحالية: إما فعلية أو اسمية، وكلتاهما إما مثبتة أو منفية، فإن كانت فعلية فصدرها إما مضارع أو ماض. فإن كانت مصدرة بفعل مضارع مثبت، خال من (قد) لزم الضمير وترك الواو، تقول: جاء زيد يضحك، وقدم عمرو تقاد الجنائب بين يديه، ولا يجوز: جاء زيد ويضحك، ولا قدم عمرو وتقاد الجنائب بين يديه. وإن ورد ما يشبهه حمل على أن الفعل خبر مبتدأ محذوف، والواو داخلة على جملة اسمية. فمن ذلك قول بعضهم: (قمت وأصك عينه) حكاه الأصمعي، تقديره: قمت وأنا أصك عينه، ومنه قول الشاعر: [من الكامل] 289 - علقتها عرضًا وأقتل قومها ... زعمًا لعمر أبيك ليس بمزعم وقول الآخر: [من المتقارب] 290 - فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنهم مالكا

وإن كان المضارع مقرونًا بـ (قد) لزمته الواو، كما في قوله تعالى: (وقد تعلمون أني رسول الله إليكم) [الصف /5]. وإن كانت الجملة الحالية غير مصدرة بمضارع مثبت، فالغالب جواز مجيئها بالضمير، أو بالواو، أو بهما جميعًا. فغن كانت مصدرة بمضارع منفي فالنافي إما (لا) أو (لم) فإن كان (لا) فالأكثر مجيئها بالضمير، وترك الواو، كما في قوله تعالى: (وما لنا لا نؤمن بالله) [المائدة /84] وقوله تعالى: (ما لي لا أري الهدهد) [النمل /20] وفي قول الشاعر: [من الطويل] 291 - ولو أن قومًا لارتفاع قبيلةٍ ... دخلوا السماء دخلتها لا أحجب وقد يجيء بالواو، والضمير، كقول الشاعر: [من الوافر] 292 - أماتوا من دمي وتوعدوني ... وكنت ولا ينهنهني الوعيد وقول الآخر: [من الرمل] 293 - أكسبته الورق البيض أبًا ... ولقد كان ولا يدعى لأب وإن كان النافي (لم) كثر إفراد الضمير، والاستغناء عنه بالواو، والجمع بينهما. [135] فالأول // كقوله تعالى: (فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء) [آل عمران /174]. وقول زهير: [من الطويل] 294 - كأن فتاة العهن في كل منزلٍ ... نزلن به حب الفنا لم يحطم

والثاني كقوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) [النور /6]. وقول عنترة: [من الكامل] 295 - ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن ... للحرب دائرةً على ابني ضمضم والثالث كقوله تعالى: (أو قال أوحي إلى ولم يوح إليه شيء) [الأنعام /93]. وكقول الشاعر: [من الكامل] 296 - سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد وإن كانت مصدرة بفعل ماض، فإن كان بعد (إلا) أو قبل (أو) لزم الضمير وترك الواو، كقوله تعالى: (ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) [يس /30]. وكقول الشاعر: [من البسيط] 297 - كن للخليل نصيرًا جار أو عدلا ... ولا تشح عليه جاد أو بخلا وإن لم يكن بعد (إلا) ولا قبل (أو) فالأكثر اقترانه في الإثبات (بالواو وقد) مع الضمير، ودونه. فالأول نحو قوله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقً منهم يسمعون كلام الله) [البقرة /75] والثاني كقولك: جاء زيد، وقد طلعت الشمس، ويقل تجريده من الواو، وقد، كما في نحو قوله تعالى: (أو جاؤوكم حصرت صدورهم) [النساء /90]، (وجاؤوا أباهم عشاءً يبكون) [يوسف /16]. قالوا: وأقل منه تجريده من (قد) وحدها، كقوله تعالى: (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا) [آل عمران /168]. وأقل من تجريده من (قد) تجريده من الواو

وحدها كقول الشاعر: [من الطويل] 298 - وقفت بربع الدار قد غير البلى ... معارفها والساريات الهواطل وإن كانت الجملة اسمية فإن لم تكن مؤكدة فالأكثر مجيئها بالواو مع الضمير ودونه. فالأول كقوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون) [البقرة /22]، وقوله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) [البقرة /243]. والثاني كقوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون) [الأنفال /5]. وقد يستغنى بالضمير عن الواو، كقوله تعالى: (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) [البقرة /36]، وقول الشنفرى الأزدي: [من الطويل] 299 - وتشرب أسآر القطا الكدر بعدما ... سرت قربًا أحناؤها تتصلصل وقول الآخر: [من الرمل] 300 - ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هداب الأزر وأنشد أبو علي في الإغفال: [من الطويل] 301 - ولولا جنان الليل ما آب عامر ... إلى جعفرٍ سرباله لم يمزق

[136] // وإن كانت الجملة الاسمية مؤكدة لزم الضمير، وترك الواو، نحو: هو الحق لا شبهة فيه، وكقوله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) [البقرة /2]. 355 - والحال قد يحذف ما فيها عمل ... وبعض ما يحذف ذكره حظل يحذف عامل الحال جوازًا ووجوبًا، وإليه الإشارة بقوله: ............................. ... وبعض ما يحذف ذكره حظل أي: منع. فيحذف عامل الحال جوازًا لحضور معناه، أو تقدم ذكره. فحضور معناه نحو قولك للراحل: راشدًا مهديا، وللقادم من الحج: مبرورًا، مأجورًا، بإضمار (تذهب، ورجعت). وتقدم ذكره نحو قولك راكبًا: لمن قال كيف جئت؟ وبلى مسرعًا: لمن قال: لم تنطلق، قال الله تعالى: (بلى قادرين) [القيامة /4] أي: نجمعها قادرين. ويحذف عامل الحال وجوبًا إذا جرت مثلا كقولهم: (حظيين بناتٍ صلفين كناتٍ) بإضمار: عرفتهم، أو بين بها ازدياد ثمن شيئًا فشيئًا، أو غير ذلك، كقوله: بعته بدرهم فصاعدًا، أي: فذهب الثمن صاعدًا، وتصدق بدينار فسافلا، أي: فانحط المتصدق به سافلا، أو وقعت بدلا من اللفظ بالفعل في توبيخ وغيره. فالتوبيخ نحو: أقائمًا وقعد قعد الناس؟ وأقاعدًا وقد سار الركب؟ ومنه قولك لمن لا يثبت على حال: أتميميًا مرةً، وقيسيا أخرى؟ بإضمار أتتحول. وقولك لمن يلهو دون أقرانه: ألاهيًا وقد جد قرناؤك؟ بإضمار أتثبت. وغير التوبيخ كقولك: هنيئًا مريئًا. قال سيبويه: (وإنما نصبته، لأنه ذكر (لك) خير أصابه إنسان، فقلت: هينئًا مريئًا، كأنك قلت: ثبت [ذلك] له هنيئًا مريئًا، أو هنأه ذلك هنيئًا). وقد يحذف وجوبًا في غير ما ذكرناه، كالمؤكدة مضمون جملة، والسادة مسد الخبر، نحو: ضربي زيدًا قائمًا.

التمييز

التمييز 356 - اسم بمعنى من مبين نكره ... ينصب تمييزًا بما قد فسره 357 - كشبرٍ أرضًا وقفيزٍ برا ... ومنوين عسلا وتمرا من الفضلات ما يسمى مميزًا وتمييزًا، ومفسرًا وتفسيرًا. وهو: كل اسم نكرة مضمن معنى (من) لبيان ما قبله من إبهام في اسم مجمل الحقيقة، أو إجمال في نسبة العامل إلى فاعله، أو مفعوله. (فالاسم) جنس، وقولي: (نكرة): مخرج للمشبه بالمفعول به، نحو: الحسن الوجه، و (مضمن معنى من) مخرج للحال، و (لبيان ما قبله) مخرج لاسم لا للتبرئة، ولنحو (ذنبًا) من قوله: [من البسيط] 302 - أستغفر الله ذنبًا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل [137] // ومعرف أن من شرط التمييز تقدم عامله عليه، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى. وقول: (من إبهام في اسم مجمل الحقيقة، أو من إجمال في نسبة العامل إلى فاعله، أو مفعوله) بيان لأن التمييز على نوعين:

أحدهما: ما يبين إبهام ما قبله: من اسم مجمل الحقيقة، وهو ما دل على مقدار، أو شبهه. فالدال على مقدار: ما دل على مساحة نحو: ما له شبر أرضًا، وما في السماء قدر راحةٍ سحابًا، أو وزن، نحو: له منوان عسلا، ورطل سمنًا، أو كيل، نحو: له قفيزان برا، ومكوكان دقيقًا، أو عدد، نحو: (أحد عشر كوكبًا) [يوسف /4]، و (أربعين ليلةً) [الأعراف /142]. وأما الدال على شبه المقدار فنحو قوله تعالى: (مثقال ذرةٍ خيرًا) [الزلزلة /7] وذنوب ماءً وحب برا وراقود خلا وخاتم حديدًا وباب ساجًا ولنا أمثال إبلا، وغيرها شاءً. والنوع الثاني: ما يبين إجمالا في نسبة العامل إلى فاعله، أو مفعوله، نحو: طاب زيد نفسًا، وقوله تعالى: (وفجرنا الأرض عيونًا) [القمر /12]، فإن نسبة (طاب) إلى (زيد) مجملة، تحتمل وجوهًا، و (نفسًا) مبين لإجمالها، ونسبة (فجرنا) إلى الأرض مجملة أيضًا و (عيونًا) مبين لذلك الإجمال. ومثل ذلك: تصبب زيد عرقًا، وتفقأ الكبش شحما، وقوله تعالى: (واشتعل الرأس شيبًا) [مريم /4] و (هم أحسن أثاثًا) [مريم /74] و (سرعان ذا إهالةً). ومثله أيضًا ويحه رجلا، وحسبك به فارسًا، ولله دره إنسانًا، لأنه في معنى ذي النسبة المجملة، فكأنه قيل: ضعف رجلا، وكفاك فارسًا، وعظم إنسانًا. واعلم أن تمييز المفرد إن بين العدد فهو واجب الجر بالإضافة، أو واجب النصب على التمييز، كما سنذكره في بابه. وإن بين غير العدد فحقه النصب، ويجوز جره بإضافة المميز إليه، إلا أن يكون مضافًا إلى غيره، مما لا يصح حذفه، فيقال: ما له شبر أرضٍ، وله منوا سمنٍ، وقفيزا بر، وذنوب ماءٍ، وراقود خل، وخاتم حديدٍ. ويقال في نحو: هو أحسن الناس رجلا، هو أحسن رجل، لأن حذف المضاف إليه غير ممتنع. فلو كان المميز مضافًا إلى ما لا يصح حذفه تعين نصب المميز، وذلك نحو: ما فيها قدر راحةٍ سحابًا، وله جمام المكوك دقيقًا، وكقوله تعالى: (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا) [آل عمران /91]. وقد نبه على هذا بقوله:

358 - وبعد ذي ونحوها اجرره إذا ... أضفتها كمد حنطةٍ إذا 359 - والنصب بعد ما أضيف وجبا ... إن كان مثل ملء الأرض ذهبا الإشارة بـ (ذي) إلى ما دل مساحة، أو كيل، أو وزن، فيفهم من ذلك أن التمييز بعد العدد، لا يجيء بالوجهين. وقوله: والنصب بعد ما أضيف وجبا ... ........................... (البيت). مبين أن جواز الجر مشروط بخلو المميز عن الإضافة، إذا كان ما لا يصح فيه [138] حذف المضاف إليه // نحو: (ملء الأرض ذهبًا) [آل عمران /91] فإنه لو قيل مكانه: ملء ذهب لم يستقم، كما ذكرنا. 360 - والفاعل المعنى انصبن بأفعلا ... مفضلا كأنت أعلى منزلا من التمييز المبين للإجمال في النسة، الواقع بعد أفعل التفضيل، وهو نوعان: سببي، وما أفعل التفضيل بعضه. فالسببي: هو المعبر عنه بالفاعل على المعنى، لأنه يصلح للفاعلية عند جعل (أفعل، فعلا)، كقولك في: أنت أعلى منزلا، علا منزلك. وهذا النوع يجب نصبه، نحو: أكثر مالا، و (خير مقامًا وأحسن نديا) [مريم /73]، وأما ما أفعل التفضيل بعضه فيجب جره بالإضافة، إلا أن يكون أفعل مضافًا إلى غيره، تقول: زيد أكرم رجل، وأفضل عالمٍ بالجر. فلو أضفت (أفعل) إلى غير المميز قلت: زيد أكرم الناس رجلا، وأفضلهم عالمًا، بالنصب، لا غير. 361 - وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... ميز كأكرم بأبي بكرٍ أبا يجوز في كل فعل تعجب أن يقع بعده التمييز، لبيان إجمال نسبته إلى الفاعل، أو إلى المفعول. فالأول نحو: أحسن بزيدٍ رجلا، وأكرم بأبي بكر أبًا. والثاني نحو: ما أحسنه رجلا، وما أكرمه أبًا، ومنه: لله دره فارسًا، وحسبك به كافلا. 362 - واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كطب نفسًا تفد يجوز في كل ما ينصب على التمييز أن يجر بـ (من) ظاهرة، إلا تمييز العدد، والفاعل في المعنى.

أما تمييز العدد، نحو: أحد عشر رجلا، فلا يجوز الجر بـ (من) في شيء منه. وأما الفاعل في المعنى، نحو: طاب زيد نفسًا، وهو حسن وجهًا، فلا يجوز أيضًا جره بـ (من) إلا في تعجب، أو شبهه، كقولهم: (لله دره من فارسٍ). وكقول الشاعر: [من الوافر] 303 - تخيره فلم يعدل سواه ... فنعم المرء من رجل تهام وما عدا ذينك من المميزات فجائز دخول (من) عليه، كقولك: ما في السماء قدر راحةٍ من سحابٍ، وله منوان من سمنٍ، وقفيزان من بر، وراقودً من خل، وملء الإناء من عسل، وخاتم من حديدٍ، وأمثالها من إبل. 363 - وعامل التمييز قدم مطلقا ... والفعل ذو التصريف نزرًا سبقا مذهب سيبويه رحمه الله امتناع تقديم التمييز على عامله مطلقًا، ولا خلاف في امتناع تقديمه على العامل، إذا لم يكن فعلا متصرفًا. أما إذا كان فعلا متصرفًا، نحو: (طاب زيدٌ نفسًا) فذهب الكسائي والمازني [139] والمبرد جواز تقديم التمييز عليه قياسًا على غيره من // الفضلات المنصوبة بفعل متصرف. ولم يجز ذلك سيبويه، لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف كونه فاعلا في الأصل، وقد حول الإسناد عنه إلى غيره لقصد المبالغة، فلا يغير عما يستحقه من وجوب التأخير لما فيه من الإخلال بالأصل، وحجتهم: أنه فعل متصرف. والقول ما قاله سيبويه، لأن الفاعل لا يتقدم على عامله. فإن قلت: فما تقول في التقديم في نحو قول ربيعة بن مقروم: [من الطويل] 304 - وواردةٍ كأنها عصب القطا ... تثير عجاجًا بالسنابك أصهبا رددت بمثل السيد نهدٍ مقلصٍ ... كميشٍ إذا عطفاه ماءً تحلبا

وقول الآخر: [من الطويل] 305 - ولست إذا ذرعًا أضيق بضارعٍ ... ولا يائسٍ عند التعسر من يسر وقول الآخر: [من الطويل] 306 - أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفسًا بالفراق تطيب قلت: هو مستباح للضرورة، كما استبيح لها تقديم التمييز على العامل، غير المتصرف، فيما ندر من قول الراجز: [من الراجز] 307 - ونارنا لم ير نارًا مثلها ... قد علمت ذاك معد كلها

حروف الجر

حروف الجر 364 - هاك حروف الجر وهي من إلى ... حتى خلا حاشا عدا في عن على 365 - مذ منذ رب اللام كي واو وتا ... والكاف والبا ولعل ومتى هذه الحروف كلها مستوية في الاختصاص بالأسماء، والدخول عليها لمعان في غيرها، فاستحقت أن تعمل، لأن كل ما لازم شيئًا، وهو خارج عن حقيقته أثر فيه غالبًا. ولم تعمل الرفع لاستئثار العمدة به، ولا النصب لإبهام إهمال الحرف، فتعين الجر. ولكل من هذه الحروف سوى ما ذكر في الاستثناء تفصيل يأتي ذكره، إلا (كي، ولعل، ومتى). وقل من يذكرهن مع حروف الجر، لغرابة الجر بهن. فأما (كي) فتكون حرف جر في موضعين: أحدهما: قولهم في الاستفهام عن علة الشيء: (كيمه) بمعنى: لمه؟ فـ (كي) هنا حرف جر، دخل على (ما) فحذفت ألفها، وزيدت هاء السكت وقفًا، كما يفعل مع سائر حروف الجر، الداخلة على (ما) الاستفهامية. والثاني: قولهم (جئت كي تفعل) بمعنى: لأن تفعل، فـ (أن) المضمرة والفعل بعدها في موضع جر بـ (كي) كما يكون ذلك إذا قلت: لتفعل.

[140] ويدلك على إضمار (أن) بعد // (كي) ظهورها في الضرورة، كقوله: [من الطويل] 308 - فقالت أكل الناس أصبحت مانحًا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا وندر دخول (كي) على (ما) المصدرية في قول الآخر: [من الطويل] 309 - إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يراد الفتى كيما يضر وينفع أي: ليضر من يستحق الضر، وينفع من يستحق النفع. وأما (لعل) فتكون حرف جر في لغة بني عقيل، روى ذلك عنهم أبو زيد. وحكي الجر بها أيضًا الفراء وغيره. وروي في لامها الأخيرة الفتح والكسر. وأنشد باللغتين قول الشاعر: [من الوافر] 310 - لعل الله فضلكم علينا ... بشيءٍ أن أمكم شريم

وأما (متى) فتكون حرف جر بمعنى (من) في لغة هذيل، ومنه قول الشاعر: [من الطويل] 311 - شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضرٍ لهن نئيج ومن كلامهم: (أخرجها متى كمه) أي: من كمه. 366 - بالظاهر اخصص منذ مذ وحتى ... والكاف والواو ورب والتا من حروف الجر: ما يجر الأسماء الظاهرة والمضمرة كـ (من، وإلى، وعن، وعلى، وفي، والباء). ومنها: ما يجر الأسماء الظاهرة فقط، وهي المذكورة في هذا البيت، فأما نحو: [من الرجز] 312 - وأم أوعالٍ كها أو أقربا وقولهم: (ربه رجلا مررت به) فقليل، لا عبرة فيه، وسننبه عليه إن شاء الله تعالى.

367 - وأخصص بمذ ومنذ وقتًا وبرب ... منكرًا والتاء لله ورب 368 - وما رووا من نحو ربه فتى ... نزر كذا كها ونحوه أتى مذ، ومنذ، مختصان بأسماء الزمان. فإن كان ماضيًا فهما لابتداء الغاية، نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة، وإن كان حاضرًا فهما للظرفية، نحو: ما رأيته مذ يومنا. وأما (رب) فحرف تقليل، ويستعمل في التكثير تهكمًا، قال الشاعر: [من الخفيف] 313 - رب رفدٍ هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشرٍ أقيال وتختص بالنكرات، نحو: (رب رجل لقيته). وقد تدخل في السعة على مضمر، كما تدخل الكاف في الضرورة عليه، كقول العجاج: [من الرجز] 314 - خلى الذنابات شمالا كثبا ... وأم أوعالٍ كها أو أقربا [141] وقول الآخر يصف حمار وحش، وأتنًا: // [من الرجز] 315 - فلا ترى بعلا ولا حائلا ... كه ولا كهن إلا حاظلا إلا أن الضمير بعد (رب) يلزم الإفراد، والتذكير، والتفسير بتمييز بعده، نحو: ربه رجلا عرفته، وربه امرأة لقيتها، وربه رجلين رأيتهما، وأنشد أحمد بن يحيي:

[من البسيط] 316 - واهٍ رأبت وشيكًا صدع أعظمه ... وربه عطبًا أنقذت من عطبه وتجري (رب) مع إفادتها التقليل مجرى اللام المقوية للتعدية في دخولها على المفعول به، وتختص بوجوب تصديرها، ونعت مجرورها، ومعنى معداها، وهو ما بعد النعت من فعل مفرغ ظاهر، أو مقدر. مثل الظاهر: رب رجلٍ كريمٍ عرفت، ومثال المقدر: رب رجلٍ لقيته، أي: عرفت، وكذا قولك: رب رجلٍ رأيت، ورب رجلٍ كريمٍ رأيته. وأما (التاء) فللقسم في مقام التعجب، ولا يظهر معداها، ولا يجر بها إلا اسم الله، إلا ما حكاه الأخفش من قول بعضهم: (ترب الكعبة). (والواو) كـ (التاء) في لزوم إضمار معداها. 369 - بعض وبين وابتدئ في الأمكنه ... بمن وقد تأتي لبدء الأزمنه 370 - وزيد في نفيٍ وشبهه فجر ... نكرةً كما لباغٍ من مفر تجيء (من) للتبعيض، نحو قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله) [البقرة /8]. ولبيان الجنس، نحو قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) [الحج /30] ولابتداء الغاية في المكان، نحو قوله تعالى: (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) [الإسراء /1]، وقد تجيء لابتداء الغاية في الزمان، نحو قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يومٍ) [التوبة /108]، وقول الشاعر يصف سيوفًا: [من الطويل] 317 - تخيرن من أزمان يوم حليمةٍ ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب

ومذهب البصريين: أن (من) حقيقة في ابتداء الغاية في المكان، وإن استعملت في ابتداء الغاية في الزمان فمجاز. ولذلك تسمعهم يقولون في مثل قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى ن أول يومٍ) [التوبة /108] تقديره: من تأسيس أول يوم. وتجيء (من) للتعليل، نحو قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) [المائدة /32]، وقول الشاعر: [من البسيط] 318 - يغضي حياءً ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم وتجيء زائدة جارة لنكرة، بعد نفي نحو: (ما لباغٍ من مفر) وقوله تعالى: (وما من إله إلا الله) [آل عمران /62]. أو نهي، أو استفهام نحو قوله تعالى: (هل من خالقٍ غير الله) [فاطر /3]. ويروى عن الأخفش جواز زيادتها في الإيجاب، وأنشد الشيخ مستشهدًا له قول الشاعر: [من الطويل] 319 - وكنت أرى كالموت من بين ساعةٍ ... فكيف ببينٍ كان موعده الحشر [142] // وقول الآخر: [من الطويل] 320 - يظل به الحرباء يمثل قائمًا ... ويكثر فيه من حنين الأباعر ولا حجة فيهما، لإمكان كون (من) في البيت الأول لابتداء الغاية، والكاف قبلها اسم. والمعنى: وكنت أرى من بين ساعةٍ حالا مثل الموت، على حد قولهم: رأيت منك أسدًا.

وفي البيت الثاني لبيان الجنس، وهي متعلقة بالاستقرار في موضع نصب على الحال من فاعل (يكثر) وهو ضمير ما دل عليه العطف على: (يظل به الحرباء يمثل قائمًا) كأنه قيل: ويكفيه شيء آخر من حنين الأباعر. 371 - للانتها حتى ولام وإلى ... ومن وباء يفهمان بدلا 372 - واللام للملك وشبهه وفي ... تعديةٍ أيضًا وتعليل قفي 373 - وزيد والظرفية استبن ببا ... وفي وقد يبينان السببا 374 - بالبا استعن وعد عوض ألصق ... ومثل مع ومن وعن بها انطق دلالة (حتى، وإلى) على انتهاء الغاية كثيرة، بخلاف اللام، إلا أن (إلى) أمكن في ذلك من (حتى). تقول: سرت إلى نصف الليل، وسار زيد إلى الصباح. ولا يجر بـ (حتى)، إلا آخر، أو متصل بآخر، كقوله تعالى: (سلام هي حتى مطلع الفجر) [القدر /5]. وأما (اللام) فمثال مجيئها للانتهاء قوله تعالى: (سقناه لبلدٍ ميت) [الأعراف /57]، وقوله تعالى: (يجري لأجلٍ مسمى) [فاطر /13]. وقوله: ........................ ... ومن وباء يفهمان بدلا مثال دلالة (من) على البدل قوله تعالى: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكةً) [الزخرف /60]. وقول الراجز: [من الرجز] 321 - جارية لم تأكل المرققا ... ولم تذق من البقول الفستقا أي: بدل البقول. ومثال دلالة الباء على البدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يسرني بها حمر النعم). وقول الشاعر: [من البسيط] 322 - فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانًا وركبانا

قوله: واللام للملك ................... ... ................. إلى: وزيد ......................... ... ..................... بيان لما عدا الانتهاء من معاني اللام. فتكون للملك، نحو: المال لزيدٍ، ولشبه الملك نحو: الباب للدار، والسرج للفرس، وللتعدية، نحو قوله تعالى: (فهب لي من لدنك وليا) [مريم /5] وقلت له: افعل، وللتعليل، نحو: جئت لإكرامك. [143] ومنه قول الشاعر //: [من الطويل] 323 - وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر وتزاد مقوية لعامل ضعيف: بالتأخير، أو بكونه فرعًا على غيره. فالأول: نحو قوله تعالى: (إن كنتم للرؤيا تعبرون) [يوسف /43]، وقوله تعالى: (هدى ورحمةً للذين هم لربهم يرهبون) [الأعراف /154]. والثاني: نحو قوله تعالى: (مصدقًا لما معهم) [البقرة /91] وقوله تعالى: (فعال لما يريد) [البروج /16]. وقوله: ......... والظرفية استن ببا ... .......................... إلى آخره: بيان لمعاني (الباء) و (في). أما (الباء) فتكون للظرفية، نحو قوله تعالى: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل) [الصافات /137 - 138]. وللسببية، نحو قوله تعالى: (فبظلمٍ من الذين هادوا حرمنا عليهم طيباتٍ أحلت لهم) [النساء /160].

وللاستعانة نحو: كتبت بالقلم وذبحت بالسكين، وللتعدية، نحو قوله تعالى: (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) [البقرة /20]، وللإلصاق، نحو: مررت بزيد، وللمصاحبة، نحو: بعتك الدار بأثاثها، ومنه قول تعالى: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) [البقرة /30]. وبمعنى (من) التي للتبعيض، كقول الشاعر: [من الكامل] 324 - فلثمت فاها آخذًا بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج ذكر ذلك أبو علي الفارسي في التذكرة. وحكي مثل ذلك عن الأصمعي في قول الشاعر: [من الطويل] 325 - شربن بماء البحر ثم ترفعت ... ..................... وبمعنى (عن) نحو قوله تعالى: (ويوم تشقق السماء بالغمام) [الفرقان /25] وقوله تعالى: (سأل سائل بعذابٍ واقع) [المعارج /1]. وأما (في) فتكون للظرفية الحقيقية، نحو: المال في الكيس، والمجازية، نحو: نظرت في العلم، وللسببية كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن امرأة دخلت النار في هرةٍ). 375 - على للاستعلا ومعنى في وعن ... بعن تجاوزًا عني من قد فطن 376 - وقد تجي موضع بعدٍ وعلى ... كما على موضع عن قد جعلا (على) للاستعلاء حسا، نحو: ركبت على الفرس، أو معنى نحو: تكبر عليه.

وقد تكون بمعنى (في) الظرفية، نحو قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان) [البقرة /102] وقوله تعالى: (ودخل المدينة على حين غفلةٍ من أهلها) [القصص /15]. وبمعنى (عن) كقول الشاعر: [من الوافر] 326 - إذا رضيت علي بنو قشيرٍ ... لعمر الله أعجبني رضاها وأما (عن) فللتجاوز، نحو: أعرض عنه، وأخذ عنه، وقد تكون بمعنى (بعد) نحو قوله تعالى: (لتركبن طبقًا عن طبقٍ) [الانشقاق /19]. وقولي الأعشى: [من البسيط] 327 - لئن منيت بنا عن غبً معركةٍ ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل [144] وبمعنى (على) كقول الشاعر: // [من البسيط] 328 - لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني

377 - شبه بكافٍ وبها التعليل قد ... يعني وزائدًا لتوكيد ورد 378 - واستعمل اسمًا وكذا عن وعلى ... من أجل ذا عليهما من دخلا كون (الكاف) الجارة حرف تشبيه هو المشهور، وكونها للتعليل كثير، ومنه قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) [البقرة /189]. وحكي سيبويه: (كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه) والتقدير: لأنه لا يعلم فتجاوز الله عنه. وتزاد الكاف، كقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) [الشورة /11]. وقول رؤبة: [من الرجز] 329 - لواحق الأقراب فيها كالمقق أي: فيها مقق، وهو الطول. وتخرج عن الحرفية إلى الاسمية، فتكون فاعلة، كقوله: [من البسيط] 330 - أتنتهون ولن ينهي ذوي شططٍ ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل ومبتدأ، كقول الشاعر: [من الخفيف] 331 - أبدًا كالفراء فوق ذارها ... حين يطوي المسامع الصرار

ومجرورة بحرف، كقول الآخر: [من الرجز] 332 - بيض ثلاث كنعاجٍ جم ... يضحكن عن كالبرد المنهم وقول الآخر: [من الطويل] 333 - بكا للقوة الشغواء جلت فلم أكن ... لأولع إلا بالكمي المقنع وكذلك (عن، وعلى) يخرجان عن الحرفية إلى الاسمية، فيجران بـ (من) لا غير، قال الشاعر: [من البسيط] 334 - فقلت للركب لما أن علا بهم ... من عن يمين الحبيا نظرة قبل ألمحة من سنا برقٍ رأى بصري ... أم وجه عالية اختالت بها الكلل وقول الآخر: [من الطويل] 335 - غدت من عليه بعدما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض ببيداء مجهل

379 - ومذ ومنذ اسمان حيث رفعا ... أو أوليا الفعل كجئت مذ دعا 380 - وإن يجرا في مضي فكمن ... هما وفي الحضور معنى في استبن (مذ ومنذ) يرفع اسم الزمان بعدهما ويجر. فإذا رفع فهما اسمان مبتدآن، بمعنى أول المدة إن كان الزمان ماضيًا، نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة، وبمعنى جميع المدة إن كان الزمان حاضرًا، نحو: ما رأيته مذ شهرنا. [145] وإذا جر الزمان بعدهما فهما حرفا جر، بمعنى (من) من الماضي، // وبمعنى (في) مع الحاضر كما تقدم. وتليهما الأفعال، فيحكم بظرفيتهما، وإضافتهما إلى الجمل. قال سيبويه في باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء: (ومما يضاف إلى الفعل قولك: ما رأيته مذ كان عندي: ومنذ جاءني) فصرح بإضافة (مذ) إلى (كان) و (منذ) إلى (جاء) ومثله قول الفرزدق: [من الكامل] 336 - ما زال مذ عقدت يداه إزاره ... فسما فأدرك خمسة الأشبار يدني كتائب من كتائب تلتقي ... في ظل مترك العجاج مثار وقد يضافان إلى جملة اسمية كقول الآخر: [من الطويل] 337 - وما زلت محمولا علي ضغنية ... ومضطلع الأضغان مذ أنا يافع

والحاصل: أن (مذ، ومنذ) لا يخرجان عن أن يكونا حرفي جر بمعنى: (من أو في) أو اسمين بمعنى أول المدة، أو جميعها، مرفوعين بالابتداء، أو منصوبين على الظرفية. 381 - وبعد من وعن وباءٍ زيد ما ... فلم يعق عن عملٍ قد علما 382 - وزيد بعد رب والكاف فكف ... وقد تليهما وجر لم يكف تدخل (ما) الزائدة على (من، وعن، والباء) فلا تكفهن عن العمل. مثال ذلك قوله تعالى: (مما خطيئاتهم أغرقوا) [نوح /22] وقوله تعالى: (عما قليل ليصبحن نادمين) [المؤمنون /40] وقوله تعالى: (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم) [آل عمران /159]. وتدخل أيضًا على (رب، والكاف) فتكفهما عن العمل غالبًا، فيدخلان حينئذ على الجمل، قال الله تعالى: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) [الحجر /2]. وقال الشاعر: [من الخفيف] 338 - ربما الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بينهن المهار ونحوه في الكاف قول الآخر: [من الطويل] 339 - أخ ماجد لم يخزني يوم مشهدٍ ... كما سيف عمروٍ لم تخنه مضاربه وقد تدخل (ما) على (رب والكاف) فلا تكفهما، قال الشاعر: [من السريع]

340 - ماوي يا ربتما غارةٍ ... شعواء كاللذعة بالميسم وقال الآخر: [من الطويل] 341 - وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مجروم عليه وجارم 383 - وحذفت رب فجرت بعد بل ... والفا وبعد الواو شاع ذا العمل [146] // 384 - وقد يجر بسوى رب لدى ... حذفٍ وبعضه يرى مطردا يجوز حذف (رب) وإبقاء عملها، وذلك بعد (بل، والفاء) قليل، وبعد (الواو) كثير، ودونهن نادر. فمن حذفها بعد (بل) قول رؤبة: [من الرجز] 342 - بل بلدٍ ملء الفجاج قتمه ... لا يشتري كتانه وجهرمه ومن حذفها بعد الفاء قول الآخر: [من الطويل] 343 - فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعٍ ... فألهيتها عن ذي تمائم مغيل

ومن حذفها بعد (الواو) قوله: [من الطويل] 344 - وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي وأما حذفها دون (بل، والفاء، والواو) فكما ندر من قول الآخر: [من الخفيف] 345 - رسم دارٍ وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من جلله وقد يعامل غير (رب) معاملتها فيحذف، ويبقي جره، وذلك على ضربين: مقصور على السماع، ومطرد في القياس. فمن الأول: حذف (على) في قول رؤبة، وقد قيل له: (كيف أصجت)؟ (خيرٍ، والحمد لله). وحذف (إلى) فيما أنشده الجوهري: [من الكامل] 346 - وكريمةٍ من آل قيس ألفته ... حتى تبذخ فارتقى الأعلام

ومن الثاني: حذف (من) بعد (كم) الاستفهامية، مجرورة بحرف، نحو: بكم درهمٍ اشتريت ثوبك؟ بجر (درهم) بـ (من) مضمرة. هذا مذهب سيبويه والخليل. وذهب الزجاج إلى أن الجر بالإضافة، وهو ضعيف، لأن (كم) الاستفهامية بمنزلة عدد، ينصب مميزه، وذلك لا يجر مميزه بالإضافة، فكذا ما هو بمنزلته. ومنه أيضًا حذف حرف الجر لتقدم ذكره في نحو قولهم: (في الدار زيد، والحجرة عمرو) تقديره: في الدار زيد، وفي الحجرة عمرو؛ لئلا يلزم العطف على عاملين. وحكي سيبويه: (مررت برجل صالحٍ إلا صالحًا، فطالح، وإلا صالحًا، فطالحًا). وقدره: إن لا يكن صالحًا فهو طالحً، وإن لا يكن صالحًا يكن طالحًا. وحكي يونس: (إلا صالح فطالح) على تقدير: إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالحٍ. وأجاز: أمرر بأيهم هو أفضل: إن زيدٍ، وإن عمروٍ. وجعل سيبويه إضمار هذه الباء بعد (إن) أسهل من إضمار (رب) بعد الواو. فعلم من ذلك أن إضماره غير قبيح.

الإضافة

الإضافة 385 - نونًا تلي الإعراب أو تنوينا ... مما تضيف احذف كطور سينا [147] // 386 - والثاني اجرر وانو من أو في ... لم يصلح إلا ذاك واللام خذا 387 - لما سوى ذينك واخصص أولا ... أو أعطه التعريف بالذي تلا إذا أريد إضافة اسم إلى اسم آخر حذف ما في المضاف من تنوين ظاهر، كقولك في ثوب: هذا ثوب زيدٍ، أو مقدر، كقولك في دراهم: هذه دراهمك، أو نون تلي علامة الإعراب، كقولك في ثوبين وبنين: أعطيت ثوبيك بنيك. ويجر المضاف إليه بالمضاف، لتضمنه معنى (من) التي لبيان الجنس، أو (اللام) التي للملك، أو الاختصاص بطريق الحقيقة أو المجاز. فإن كان المضاف بعض ما أضيف إليه، وصالحًا لحمله عليه، كما في خاتم فضة، وثوب خز، وباب ساجٍ، وخمسة دراهم. فالإضافة بمعنى (من) وإن لم يكن كذلك، كما في غلام زيدٍ، ولجام الفرس، وبعض القوم، ورأس الشاة، ويوم الخميس، ومكر الليل، فالإضافة بمعنى (اللام). ومن العلماء من ذهب إلى أن الإضافة كما تكون بمعنى (من) و (اللام) تكون بمعنى (في) ممثلا بقوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) [البقرة /226] وقوله تعالى: (فصيام ثلاثة أيامٍ) [البقرة /196] وقوله تعالى: (يا صاحبي السجن) [يوسف /39، 40] وقوله تعالى: (بل مكر الليل والنهار) [سبأ /33].

ونحو قول حسان - رضي الله عنه -: [من الطويل] 347 - تسائل عن قرمٍ هجان سميدع ... لدى البأس مغوار الصباح جسور واختار الشيخ رحمه الله هذا المذهب، فلذلك قال: والثاني اجرر وانو من أو في إذا ... لم يصلح إلا ذاك واللام خذا لما سوى ذينك ................. ... ....................... يعني: أن الإضافة على ثلاثة أنواع: والضابط فيها: أن الإضافة إن تعين تقديرها بـ (من) لكون المضاف إليه اسمًا للجنس، الذي منه المضاف فهي بمعنى (من) أو تقديرها بـ (في) لكون المضاف إليه ظرفًا وقع فيه المضاف فهي بمعنى (في). وإن لم يتعين تقديرها بأحدهما فهي بمعنى (اللام). والذي عليه سيبويه وأكثر المحققين: أن الإضافة لا تعدو أن تكون بمعنى (اللام) أو بمعنى (من) وموهم الإضافة بمعنى (في) محمول على أنها فيه بمعنى (اللام) على المجاز. ويدل على ذلك أمور: أحدها: أن دعوى كون الإضافة بمعنى (في) يستلزم دعوى كثرة الاشتراك في معناها، وهو على خلاف الأصل، فيجب اجتنابها. الثاني: أن كل ما ادعي فيه أن إضافته بمعنى (في) حقيقة يصح فيه أن يكون بمعنى اللام مجازًا، فيجب حمله عليه لوجهين: أحدهما: أن المصير إلى المجاز خير من المصير إلى الاشتراك. والثاني: أن الإضافة لمجاز الملك، والاختصاص ثابتة بالاتفاق، كما في قوله: [من الطويل] 348 - إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرةٍ ... سهيل أذاعت غزلها في القرائب

[148] // وقول الآخر: [من الطويل] 349 - إذا قال قدني قال بالله حلفةً ... لتغني عني ذا إنائك أجمعا والإضافة بمعنى (في) مختلف فيها، والحمل على المتفق عليه أولى من الحمل على المختلف فيه. الثالث: أن الإضافة في نحو: (بل مكر الليل) [سبأ /33] إما بمعنى اللام، على جعل الظرف مفعولا به، على سعة الكلام، وإما بمعنى (في) على بقاء الظرفية، لكن الاتفاق على جواز جعل الظرف مفعولا به على السعة، كما في: صيد عليه يومان، وولد له ستون عامًا، والاختلاف في جواز جعل الإضافة بمعنى (في) يرجح الحمل على الأول، دون الثاني. واعلم أن الإضافة على ضربين: لفظية، ومعنوية. فإن كان المضاف وصفًا يعمل فيما أضيف إليه عمل الفعل، كما في: حسن الوجه، وضارب زيد، فإضافته لفظية. وإن كان غير ذلك فإضافته معنوية، تورثه تخصيصًا إن كان المضاف إليه نكرة، كغلام رجل، وتعريفًا إن كان المضاف إليه معرفة، كغلام زيد، ما لم يكن المضاف ملازمًا للإبهام (كغير ومثل) إذا لم يرد بهما كمال المغايرة والمماثلة. وأما المضاف إضافة لفظية فلا يتخصص بالإضافة ولا يتعرف، بل هو معها على إبهامه قبل، لأن المقصود بها: إما مجرد تخفيف اللفظ، بحذف التنوين أو نون التثنية، أو الجمع على حدها، كما في: هو حسن وجه، وهما حسنا وجه، وهم ضاربوا زيد، وإما ذهاب قبح في الرفع، والنصب على وجه التحقيق، كما في الحسن الوجه، أو التشبيه، كما في الضارب الرجل. وستسمع في الكلام على إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل ما يوضح لك هذا. وقد نبه على أن من الإضافة ما يفيد التخصيص، أو التعريف بقوله: .............. واخصص أولا ... أو أعطه التعريف بالذي تلا بتنكير المفعول على معنى: واخصص نوعًا من المضاف، أو أعطه التعريف بحسب ما للمضاف إليه من التنكير أو التعريف، لا كل مضاف. ثم بين ما لا يتخصص، ولا يتعرف بالإضافة، ليبقي ما عداه على حكم الإطلاق الأول، وبين اسم كل من النوعين، فقال:

388 - وإن يشابه المضاف يفعل ... وصفًا فعن تنكيره لا يعزل 389 - كرب راجينا عظيم الأمل ... مروع القلب قليل الحيل 390 - وذي الإضافة اسمها لفظيه ... وتلك محضة ومعنويه الوصف الذي يشابه الفعل المضارع في العمل هو ما أريد به الحال، أو الاستقبال: من اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو صفة مشبهة باسم الفاعل، كالذي [149] اشتملت عليه أمثلة البيت // الثاني، والذي يدل على أن إضافة هذا الوصف في تقدير الانفصال، وأنها لا تفيد فائدة الإضافة المعنوية جواز دخول (رب) عليه كـ (رب راجينا) ومثله قول الشاعر: [من البسيط] 350 - يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدةً منكم وحرمانا ونعت النكرة به، كقوله تعالى: (هديًا بالغ الكعبة) [المائدة /95] ونصبه على الحال، كقوله تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير * ثاني عطفه) [الحج 8 - 9]. وإنما سميت هذه الإضافة لفظية، لأن فادئتها ليست عائدة إلا إلى اللفظ؛ إما إلى تخفيفه، وإما إلى تحسينه. وإنما سميت الإضافة المخصصة محضة، لأنها خالصة من شائبة الانفصال، ومعنوية، لأن فائدتها عائدة إلى المعنى، لأنها تنقل المضاف من الإبهام إلى التخصيص، أو التعريف، كما عرفت. 391 - ووصل بذا المضاف مغتفر ... إن وصلت بالثان كالجعد الشعر 392 - أو بالذي له أضيف الثاني ... كزيد الضارب رأس الجاني 393 - وكونها في الوصف كافٍ إن وقع ... مثنى أو جمعًا سبيله اتبع يختص المضاف إضافة لفظية بجواز الألف واللام عليه، بشرط كونه: إما مضافًا إلى ما فيه الألف واللام، أو إلى مضاف إلى ما فيه الألف واللام: (كالجعد الشعر) و (الضارب رأس الجاني)، وإما مثنى أو مجموعًا على حدة، كقولك: الضاربا زيدٍ،

والمكرمو عمرو. وإلى ذا الإشارة بقوله: وكونها في الوصف كافٍ إن وقع ... مثنى أو جمعًا سبيله اتبع أي: وكون (أل) في الوصف المذكور كاف في اغتفاره وقوع الوصف مثنى أو جمعًا، اتبع سبيل المثنى، في سلامة لفظ واحده، والإعراب بالحرف، فـ (كونها) مبتدأ، و (إن وقع) مبتدأ ثان، و (كاف) خبره، والجملة خبر الأول. ولو كان الوصف المعرف بالألف واللام غير مثنى ولا مجموع على حده لم يضف إلى ظاهر، عار من الألف واللام إلا عند الفراء، ولا إلى ضمير إلا عند الرماني، والمبرد في أحد قوليه. ولا خلاف في صحة اتصال الضمير بالصفة. لكن سيبويه يحكم على موضعه بما يستحقه الظاهر الواقع موقعه. والأخفش يحكم عليه بالنصب: دخلت الألف واللام على الصفة أو لم تدخل، فضاربك، والضاربك عنده سيان في استحقاق النصب، وهما عند الرماني سيان في استحقاق الجر، والأول عند سيبويه مضاف ومضاف إليه، والثاني ناصب ومنصوب. [150] // 394 - وربما أكسب ثانٍ أولا ... تأنيثًا إن كان لحذفٍ موهلا الإشارة بهذا البيت إلى أنه إذا كان المضاف صالحًا للحذف، والاستغناء عنه بالمضاف إليه جاز أن يعطي المضاف ما للمضاف إليه من تأنيث أو تذكير. فمن الأول قول الشاعر: [من الطويل] 351 - مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرياح النواسم فأنث فعل (المر) وهو مذكر لتأنيث الرياح، وجاز ذلك لأن الإسناد إلى الرياح مغنٍ عن ذكر (المر). ومثله قول الآخر: [من الكامل] 352 - أتي الفواحش عندهم معروفة ... ولديهم ترك الجميل جمال

ولو قيل في (قام غلام هندٍ): قامت غلام هند، لم يجز لأن الغلام غير صالح للحذف والاستغناء بما بعده عنه. ومن الثاني قول الآخر: [من الخفيف] 353 - رؤية الفكر ما يؤول له الأمـ ... ـر معينً على اجتناب التواني إذا لم يقل معينة. ويمكن أن يكون مثله قوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) [الأعراف /56]. 395 - ولا يضاف اسم لما به اتحد ... معنى وأول موهمًا إذا ورد لا يضاف الشيء إلى نفسه، لأن المضاف إما مخصص أو معرف بالمضاف إليه، والشيء لا يتخصص ولا يتعرف بنفسه، فلا يضاف مرادف إلى مرادفه، ولا موصوف إلى صفته، ولا صفة إلى موصوفها، وما أوهم شيئًا من ذلك أول. فموهم الإضافة إلى المرادف يؤول بإضافة المسمى إلى الاسم، فإذا قلت: جاء سعيد كرز، فكأنك قلت: جاء مسمى هذا اللقب، وكذا نحو: يوم الخميس، وذات اليمين. وموهم إضافة الموصوف إلى الصفة يؤول بحذف المضاف إليه، وإقامة صفته مقامه، فإذا قلت: حبة الحمقاء، وصلاة الأولى، ومسجد الجامع، فكأنك قلت: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد اليوم، أو المكان الجامع. وموهم إضافة الصفة إلى الموصوف يؤول بإضافة الشيء إلى جنسه بعد حذف الموصوف، وإقامة الصفة مقامه، فإذا قلت: سحق عمامة، وجرد قطيفة، فكأنك قلت: شيء سحق من عمامة، وشيء جرد من قطيفة. 396 - وبعض الأسماء يضاف أبدا ... وبعض ذا قد يأت لفظًا مفردا من الأسماء ما لازم الإضافة، وهو نوعان: أحدهما: ما لازم الإضافة لفظًا ومعنى [151] نحو: قصارى // الشيء وحماداه، أي: غايته، ونحو: (لدى، وعند، وسوى). والآخر: ما لازم الإضافة معنى، وقد يفارقها لفظًا، وإليه الإشارة بقوله: ........................ ... وبعض ذا قد يأت لفظًا مفردا

أي: وبعض ما لازم الإضافة قد يفرد عنها في اللفظ، فتثبت له من جهة المعنى، فحسب، كما في (كل، وبعض، وأي) من قوله تعالى: (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم) [هود /111]، وقوله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعضٍ) [البقرة /253]، وقوله تعالى: (أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى) [الإسراء /110]. ثم الأسماء الملازمة للإضافة ثلاثة أنواع: أحدها: ما لازم الإضافة إلى المضمر. والثاني: ما يضاف إلى الظاهر والمضمر. والثالث: ما لازم الإضافة إلى الجمل. أما النوع الأول فكما نبه عليه في قوله: 397 - وبعض ما يضاف حتمًا امتنع ... إيلاؤه اسمًا ظاهرًا حيث وقع 398 - كوحد لبي ودوالي سعدي ... وشذ إيلاء يدي للبي أي مما لازم الإضافة إلى المضمر: (وحدك، ولبيك) بمعنى: إقامة على إجابتك بعد إقامة، و (دواليك) بمعنى: إدالة لك بعد إدالة، و (سعديك) بمعنى: إسعادًا لك بعد إسعادٍ، و (حنانيك) بمعنى: تحننا عليك بعد تحنن، وهذاذيك، بمعنى: إسراعًا إليك بعد إسراع. ولا يضاف شيء من هذه الأسماء إلى ظاهر إلا فيما ندر من قول الشاعر: [من المتقارب] 354 - دعوت لما نابني مسورًا ... فلبي فلبي يدي مسور أنشده سيبويه، لأن يونس ذهب إلى أن (لبيك، وأخواته) أسماء مفردة، وأنه في الأصل لبى على وزن فعلى، فقلبت ألفه ياء لإضافته إلى المضمر، تشبيهًا لها بألف (إلى، وعلى، ولدى). فاستدل سيبويه بهذا البيت على أن (لبيك) مثنى اللفظ، وليس مفردًا لبقاء يائه مضافًا إلى الظاهر، في قوله: (فلبى فلبي يدي مسور)

وأما النوع الثاني: فنحو: (قصارى، وحمادى، وعند، ولدى). وأما النوع الثالث فكالذي في قوله: 399 - وألزموا إضافةً إلى الجمل ... حيث وإذ وإن ينون يحتمل 400 - إفراد إذ وما كإذ معنىً كإذ ... أضف جوازًا نحو حين جا نبذ ألزمت الإضافة إلى الجمل على تأولها بالمصادر أسماء منها: (حيث) وتضاف إلى جملة اسمية، نحو: جلست حيث زيد جالس، أو فعلية، نحو: جلست حيث جلست. وشذ إضافتها إلى المفرد في نحو قول الراجز: [من الرجز] 355 - أما ترى حيث سهيل طالعًا ... نجمًا مضيئًا كالشهاب لامعا [152] // قول الآخر: [من الطويل] 356 - ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم ... ببيض المواضي حيث لي العمائم ومنها (إذ) وتضاف إلى جملة اسمية، نحو: كان ذلك إذ زيدً أميرً، أو فعلية، نحو: كان ذلك إذا قام زيد، ولا تفارقها الإضافة معنىً ولا لفظًا أيضًا إلا إذا عوض عن المضاف إليه بالتنوين، كما في نحو قوله تعالى: (يومئذٍ تحدث أخبارها) [الزلزلة /4]. ومنها (إذ) وسيأتي ذكرها، ولا تضاف إلا إلى جملة فعلية، نحو: آتيك إذا طلعت الشمس، أي: وقت طلوع الشمس. فإن قلت: ما الدليل على أن الجملة بعد (إذا) في موضع ما قدرت؟

قلت: الدليل على ذلك أن الجملة مخصصة لمعنى، (إذا) من غير شبهة، والجملة المخصصة بشهادة التأمل، إما صفة وإما صلة، وإما في تأويل المضاف إليه، وهذه الجملة لا يجوز أن تكون صفة ولا صلة، لعدم الرابط لها بالمخصص، فتعين الثالث. وقد أجازوا في غير (إذ، وإذا) من أسماء الزمان غير المحدودة أن تحمل عليها في الإضافة إلى الجمل، وذلك نحو: (حين، ووقت، ويوم، وساعة). فما كان من هذه، ونحوها ماضيًا، أو منزلا منزلة الماضي، فيجوز أن يحمل على (إذ) في الإضافة إلى جملة اسمية أو فعلية. مثال الماضي، قولك: حين جاء الأمير نبذ، ومثله قول الشاعر: [من الطويل] 357 - ندمت على ما فتني يوم بنتم ... فيا حسرتا ألا يرين عويلي ومثال المنزل منزلة الماضي قوله تعالى: (يوم هم بارزون) [غافر /16] وما كان منها مستقبلا فيجوز أن يحمل على (إذا) في الإضافة إلى جملة فعلية مستقبلة المعنى لا غير. ولو كان اسم الزمان محدودًا (كشهر، ونهار) لم يجر هذا المجرى. وقد أومأ إلى هذا التفصيل بقوله: ....... وما كإذ معنًى كإذ ... أضف جوازًا ....................... أي: وما كان مثل (إذ) في المعنى، والإبهام فأضفه جوازًا إلى مثل ما تضاف إليه (إذ) من جملة اسمية أو فعلية. ويفهم منه: أن ما كان مثل (إذا) في الاستقبال والإبهام يجرى مجراها في الإضافة إلى جملة فعلية مستقبلة المعنى. وإن ما كان من أسماء الزمان محدودًا غير مبهم لا يجوز أن يجري ذلك المجرى لعدم شبهه بما هو الأصل في الإضافة إلى الجمل، وهو (إذ، وإذا). 401 - وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا ... واختر بنا متلو فعلٍ بنيا 402 - وقبل فعلٍ معربٍ أو مبتدأ ... أعرب ومن بنى فلن يفندا 403 - وألزموا إذا إضافةً إلى ... جمل الأفعال كهن إذا اعتلى [153] // الأسماء التي تضاف إلى الجمل: منها ما يضاف إليها لزومًا، ومنها ما يضاف إليها جوازًا.

فما يضاف إلى الجملة لزومًا، وهو (حيث، وإذ، وإذا) فواجب بناؤه لشبهه بالحرف في لزوم الافتقار إلى جملة. وما يضاف إلى الجملة جوازًا كـ (حين، ووقت، ويوم) فالقياس بقاء إعرابه، لأن عروض شبه الحرف لا أثر له في الغالب. والمسموع فيما وليه فعل ماض وجهان: بناؤه مفردًا على الفتح، ومثنى على الألف، وبقاء الإعراب، والبناء أكثر، ويروى قوله: [من الطويل] 358 - على حين عاتبت المشيب على الصبا ... وقلت ألما أصح والشيب وازع بالوجهين. وأما ما وليه فعل مضارع، أو جملة اسمية فعلى ما يقتضيه القياس من لزوم الإعراب. وأجاز فيه الكوفيون البناء، وحملوا عليه قراءة نافع قوله تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) [المائدة /119] بالفتح توفيقًا بينها وبين قراءة الرفع، ومال إلى تجويز مذهبهم أبو علي الفارسي، وتبعه شيخنا. فلذلك قال: بعدما أشار إلى ما عليه البصريون: من وجوب الإعراب بقوله: وقبل فعل معربٍ أو مبتدا ... أعرب ... . ثم قال: ومن بنى فلن يفندا أي: لن يغلط. فعرض باختيار مذهب الكوفيين.

ولما فرغ من حديث البناء للإضافة إلى الجمل تمم الكلام على ما لازم الإضافة إلى الجمل الفعلية، فقال: وألزموا إذا إضافةً إلى ... جمل الأفعال ... فعرف أنها تلازم الإضافة إلى الجمل الفعلية، دون الاسمية. واعلم أن (إذا) اسم زمان مستقبل، مضمن معنى الشرط غالبًا، ولا تفارقه الظرفية، ولا يضاف عند سيبويه إلا إلى جملة فعلية، وقد يليها الاسم مرتفعًا بفعل مضمر، على شريطة التفسير، كقوله تعالى: (إذا السماء انشقت) [الانشقاق /1]. وأجاز الأخفش في نحو هذا أن يرتفع بالابتداء، وفي امتناع مجيء الاسم بعدها مخبرًا عنه بمفرد ما يرد ما أجازه الأخفش. فإن قلت: ما تقول في قول الشاعر: [من الطويل] 359 - إذا باهلي تحته حنظليةً ... له ولد منها فذاك المذرع قلت: هو نادر، وحمله على إضمار فعل، تقديره: إذا كان باهلي تحته حنظلية خبر من جعله نقضًا. 404 - لمفهم اثنين معرفٍ بلا ... تفرقٍ أضيف كلتا وكلا مما لازم الإضافة لفظا، ومعنى (كلا، وكلتا) ولا يضافان إلا إلى معرف مثنى لفظًا ومعنى كما في قولك: جاءني كلا الرجلين، وكلتا المرأتين، أو معنى دون لفظ، كما في قولك: كلانا فعلنا كذا، وفي قول الشاعر: [من الرمل] 360 - إن للخير وللشر مدًى ... وكلا ذلك وجه وقبل

ولا يجوز إضافة (كلا وكلتا) إلى مفهم اثنين بتفريق وعطف، فلا يقال: رأيت [154] كلا زيدٍ // وعمرو، وقوله: [من البسيط] 361 - كلا أخي وخليلي واجدي عضدًا ... في النائبات وإلمام الملمات من نوادر الضرورات. 405 - ولا تضف لمفردٍ معرف ... أيا وإن كررتها فأضف 406 - أو تنو الاجزا واخصص بالمعرفة ... موصولةً أيا وبالعكس الصفه 407 - وإن تكن شرطًا أو استفهاما ... فمطلقًا كمل بها الكلاما مما لازم الإضافة معنى، وقد لا يخلو عنها لفظًا (أي). وهي اسم عام لجميع الأوصاف من نحو: ضارب، وعالم، وناطق، وطويل، ولا تضاف إلا إلى اسم ما هي له. ولا يخلو، إما أن يراد بها تعميم أوصاف بعض الأجناس، أو تعميم أوصاف بعض ما هو متشخص بأحد طرق التعريف، فإن كان المراد بها تعميم أوصاف بعض الأجناس أضيفت إلى منكر، وطابقته في المعنى، وكانت معه بمنزلة (كل) لصحة دلالة المنكر على العموم، ولذلك جاز فيه أن يكون مفردًا أو مثنى أو مجموعًا، بحسب ما يراد من العموم، فيقال: أي رجل جاءك؟ وأي رجلين جاءك؟ وأي رجالي جاؤوك؟ على معنى: أي واحدٍ من الرجال؟ وأي اثنين من الرجال؟ وأي جماعةٍ منهم. وإن كان المراد بـ (أي) تعيم أوصاف بعض ما هو مشخص بأحد طرق التعريف أضيفت إلى معرف، وامتنع أن تطابقه في المعنى، وكانت معه بمنزلة بعض لعدم صحة دلالة المعرف على العموم. ولذلك وجب كونه إما مثنى أو مجموعًا نحو: أي الرجلين قام؟ وأي الرجال جاء، وإما مكررًا مع (أي) ولا ياتي إلا في الشعر كقوله: [من الطويل] 362 - ألا تسألون الناس أيي وأيكم ... غداة التقينا كان خيرًا وأكرما ولا يجوز أن تضاف (أي) إلى معرف مفرد إلا بتأويل، وذلك لما بين عموم (أي) وخصوص المعرف من التضاد، فلم يمكن أن تضاف إليه على وجه التمييز به، فلا

يقال: أي زيد ضربت؟ إلا على حذف مضاف، تقديره: أي أجزاء زيدٍ ضربت؟ أو أعضائه ضربت. ولذلك يقال في الجواب: يده، أو رأسه، دون (زيدًا) الطويل أو القصير. و (أي) في إضافتها إلى المعرفة أو النكرة، لزومًا أو جوازًا بحسب معانيها. فإذا كانت موصولة لزم أن تضاف إلى معرفة، نحو: امرر بأي القوم هو أفضل، وإذا كانت صفة، نعتًا لنكرة، أو حالا لمعرفة لزم أن تضاف إلى نكرة، نحو: مررت برجل أي رجلٍ، وجاء زيد أي فارسٍ. وإذا كانت شرطية أو استفهامية جاز أن تضاف إلى المعرفة والنكرة، نحو: أي [155] رجل جاء؟ // وأيهم تضرب أضرب. 408 - وألزموا إضافة لدن فجر ... ونصب غدوةٍ بها عنهم ندر 409 - ومع مع فيها قليل ونقل ... فتح وكسر لسكونٍ يتصل (لدن) اسم لأول الغاية: زمانًا أو مكانًا، ولا يستعمل إلا ظرفًا أو مجرورًا بـ (من) وهو الغالب فيه، ويلزم الإضافة إلى ما يفسره، سوى (غدوة) فله معها حالان؟ الإضافة: نحو: لقيته لدن غدوة. والإفراد، ونصب (غدوة) على التمييز، نحو: لدن غدوة. وهو مبني للزوم الظرفية، عدم تصرفه تصرف غيره من الظروف، بوقوعه: خبرًا وحالا ونعتًا وصلة، وأعربه قيس، وبلغتهم قرأ أبو بكر عن عاصم قوله تعالى: (لينذر بأسًا شديدًا من لدنه) [الكهف /2]. وأما (مع) فاسم لموضع الاجتماع، ملازم للظرفية والإضافة، وقد تفرد مردودة اللام، بمعنى جميع، كقول الشاعر: [من الطويل] 363 - حننت إلى ريا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وشعباكما معا وقد تجر بـ (من) نحو ما حكاه سيبويه من قولهم: (ذهبت من معه).

وقد تبنى على السكون. قال سيبويه، وقال الشاعر: [من الوافر] 364 - فريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما فجعلها كـ (هل) حين اضطر. وزعم بعض النحويين أنها حرف، إذ سكنت عينها، وليس بصحيح. 410 - واضمم بناءً غيرًا أن عدمت ما ... له أضيف ناويا ما عدما 411 - قبل كغير بعد حسب أول ... ودون والجهات أيضًا وعل 412 - وأعربوا نصبًا إذا ما نكرا ... قبلا وما من بعده قد ذكرا من الأسماء ما يقطع عن الإضافة لفظًا، وينوي معنى، فيبني على الضم، وذلك (غير، وقبل، وبعد) تقول: عندي رجل، لا غير، و (لله الأمر من قبل ومن بعد) [الروم /4]، فتبنيها على الضم، لما قطعتها عن الإضافة، ونويت معنى المضاف إليه، دون لفظه. ولو صرحت بما تضاف إليه أعربت، وكذا لو نويت لفظ المضاف إليه، كقول الشاعر: [من الطويل] 365 - ومن قبل نادى كل مولى قرابةٍ ... فما عطفت مولى عليه العواطف هكذا رواه الثقات بالخفض، كأنه قال: ومن قبل ذلك. وقد لا ينوى بـ (قبل، وبعد) الإضافة، فيعربان منكرين، وعليه قراءة بعضهم [156] قوله تعالى: (لله الأمر من قبل ومن بعد) [الروم /4].

وقول // الشاعر: [من الوافر] 366 - فساغ إلى الشراب وكنت قبلا ... أكاد أغص بالماء الحميم وقول الآخر: [من الطويل] 367 - ونحن قتلنا الأسد أسد خفيةٍ ... فما شربوا بعدًا على لذةٍ خمرا ومثل (قبل، وبعد) في جميع ما ذكر (حسب، وأول، ودون) وأسماء الجهات نحو: (يمين، وشمال، ووراء، وأمام، وتحت، وفوق، وعل). فما كان من هذه الأسماء، ونحوها مصرحًا بإضافته، أو منويا معه لفظ المضاف إليه، أو غير منوي الإضافة فهو معرب. وما كان منها مقطوعًا عن الإضافة لفظًا، والمضاف إليه منوي معنى فهو مبني على الضم. حكي أبو علي: (ابدأ بذا من أول) بالضم على البناء، وبالفتح على الإعراب، ومنع الصرف للوصفية الأصلية، ووزن الفعل، وبالخفض على نية ثبوت المضاف إليه. والسبب في أن بنية هذه الأسماء إذا نوي معنى ما يضاف إليه دون لفظه، وأعربت فيما سوى ذلك هو أن لها شبهًا بالحرف لتوغلها في الإبهام، فإذا انضم إلى ذلك تضمن معنى الإضافة، ومخالفة النظائر بتعريفها بمعنى ما هي مقطوعة عنه، فيكمل بذلك شبه الحرف، فاستحقت البناء، وبنيت على الضم، لأنه أقوى الأحوال تنبيهًا على عروض سبب البناء.

وإذا لم ينو بالأسماء المذكورة الإضافة، أو صرح بما تضاف إليه، أو نوي معها لفظه، حتى صار كالمنطوق به لم يكمل فيها شبه الحرف، فبقيت على مقتضى الأصل في الأسماء، فأعربت، إذ الأصل في الأسماء الإعراب. 413 - وما يلي المضاف يأتي خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا 414 - وربما جروا الذي أبقوا كما ... قد كان قبل حذف ما تقدما 415 - لكن بشرط أن يكون ما حذف ... مماثلا لما عليه قد عطف كثيرًا ما يحذف المضاف لدلالة قرينه عليه، ويقام المضاف إليه مقامه في الإعراب؛ كقوله تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل) [البقرة /93] أي: حب العجل، وقوله تعالى: (وجاء ربك) [الفجر /22]، أي: أمر ربك. وقد يضاف إلى مضاف فيحذف الأول والثاني، ويقام الثالث مقام الأول في الإعراب، كقوله تعالى: (فقبضت قبضةً من أثر الرسول) [طه /96] أي: من أثر حافر فرس الرسول، وقوله تعالى: (تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) [الأحزاب /19] أي: كدور عين الذي يغشى عليه من الموت، وكقول كلحبة اليربوعي: [من الطويل] 368 - فأدرك إرقال العرادة ظلعها ... وقد جعلتني من جزيمة إصبعا [157] // أراد: قدر مسافة إصبع. وقد يحذف المضاف، ويبقى المضاف إليه مجرورًا، بشرط أن يكون المحذوف معطوفًا على مثله لفظًا ومعنى، كقول الشاعر: [من المتقارب] 369 - أكل امرئٍ تحسبين امرأ ... ونارٍ توقد بالليل نارا

ونحوه قراءة ابن جماز قوله تعالى: (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) [الانفال /67] فحذف المضاف لدلالة ما قبله عليه، وأبقى المضاف إليه مجرورًا، كأن المضاف منطوق به. 416 - ويحذف الثاني فيبقي الأول ... كحاله إذا به يتصل 417 - بشرط عطفٍ وإضافةٍ إلى ... مثل الذي له أضفت الأولا قد يحذف المضاف إليه مقدرًا وجوده، فيترك المضاف على ما كان عليه قبل الحذف، وأكثر ما يكون ذلك مع عطف مضاف إلى مثل المحذوف، كقول بعضهم: (قطع الله يد ورجل من قالها) وكقول الشاعر: [من م. الكامل] 370 - إلا علالة أو بدا ... هة سابحٍ نهد الجزاره وقد يفعل مثل هذا دون عطف، كما تقدم من قول الشاعر: [من الطويل] 371 - ومن قبل نادى كل مولى قرابةً ... .. وكما حكاه الكسائي، من قول بعضهم: (أفوق تنام، أم أسفل)؟ بالنصب على تقدير: أفوق هذا تنام، أم أسفل منه؟ وقراءة بعض القراء قوله تعالى: (فلا خوف عليهم) [البقرة /38] أي: فلا خوف شيء عليهم.

418 - فصل مضافٍ شبه فعل ما نصب ... مفعولا أو ظرفًا أجز ولم يعب 419 - فصل يمينٍ واضطرارا وجدا ... بأجنبي أو بنعتٍ أو ندا مذهب كثير من النحويين أنه لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بشيء إلا في الشعر. وذهب شيخنا إلى أنه يجوز في السعة الفصل بينهما في ثلاث صور: الأول: فصل المصدر المضاف إلى الفاعل بما تعلق بالمصدر من مفعول به، أو ظرف، كقراءة ابن عامر قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) [الأنعام /137]. وحسن مثل هذا الفصل، لأن مفعول المصدر غير أجنبي منه، فالفصل به كلا فصل، ولأن الفاعل كالجزء من عامله، فلا يضر فصله، لأن رتبته منبهة عليه. ومثل قراءة ابن عامر ما أنشده الأزهري من قول أبي جندل الطهوي في صفة جراد: [من الرجز] 372 - يفركن حب السنبل الكنافج ... بالقاع فرك القطن المحالج [158] // وما أنشده أبو عبيدة: [من الرجز] 373 - وحلق الماذي والقوانس ... فداسهم دوس الحصاد الدائس وقول الطرماح: [من الطويل] 374 - يطفن بحوزي المراتع لم ترع ... بواديه من قرع القسي الكنائن

وقول الآخر: [من الطويل] 375 - عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة ... فسقناهم سوق البغاث الأجادل ومن يلغ أعقاب الأمور فإنه ... جدير بهلكٍ آجلٍ أو معاجل وقول الأحوص: [من الوافر] 376 - لئن كان النكاح أحل شيء ... فإن نكاحها مطرٍ حرام وهذا ليس بضرورة، إذ يمكنه أن يقول: فإن نكاحها مطر. ومثله إنشاد الأخفش: [من م. الكامل] 377 - فزججتها بمزجةٍ ... زج القلوص أبي مزاده الصورة الثانية: فصل اسم الفاعل المضاف إلى مفعوله الأول بمفعوله الثاني، كقول الشاعر: [من الكامل] 378 - ما زال يوقن من يؤمك بالغنى ... وسواك مانع فضله المحتاج ويدل على أن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة قراءة بعضهم قوله تعالى:

(فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) [إبراهيم /47]. الصورة الثالثة: فصل المضاف عما أضيف إليه بالقسم، نحو ما حكاه الكسائي من قولهم: (هذا غلام والله زيدٍ). وما حكاه أبو عبيدة من قولهم: (إن الشاة لتجتر، فتسمع صوت والله ربها). وإلى جواز الفصل في الصورتين الأوليين الإشارة بقوله: فصل مضافٍ شبه فعل ما نصب ... مفعولا أو ظرفًا أجز ... .. أي: أجز فصل مضاف شبه فعل عما أضيف إليه بما نصبه المضاف من مفعول به أو ظرف. فدخل تحت (مضاف شبه فعل) المصدر المضاف إلى الفاعل، واسم الفاعل المضاف إلى المفعول. وإلى جواز الفصل في الصورة الثالثة الإشارة بقوله: ... .. ولم يعب فصل يمينٍ ... . والفصل في هذا الباب بغير ما ذكر مخصوص بالضرورة، وقد نبه على ذلك بقوله: واضطرارًا وجدا ... بأجنبي أو بنعتٍ أو ندا مثال الفصل بالأجنبي من المضاف قول الشاعر: [من الوافر] 379 - كما خط الكتاب بكف يومًا ... يهودي يقارب أو يزيل

وقول الآخر: [من الطويل] 380 - هما أخوا في الحرب من لا أخا له ... إذا خاف يومًا نبوةً فدعاهما [159] // وقول الآخر: [من البسيط] 381 - تسقي امتياحًا ندى المسواك ريقتها ... كما تضمن ماء المزنة الرصف أراد: تسقي امتياحًا ندى ريقتها المسواك. وقول الآخر: [من المنسرح] 382 - أنجب أيام والداه به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا أراد: أنجب والداه به أيام إذ ولداه. ومثال الفصل بالنعت قول معاوية: [من الطويل] 383 - نجوت وقد سل المرادي سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

أراد: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح، فوصف المضاف قبل ذكر المضاف إليه. ومثال الفصل بالنداء قول الراجز: [من الرجز] 384 - كأن برذون أبا عصام ... زيدٍ حمار دق باللجام أراد: كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار.

المضاف إلى ياء المتكلم

المضاف إلى ياء المتكلم 420 - آخر ما أضيف لليا اكسر إذا ... لم يك معتلا كرامٍ وقذى 421 - أو يك كابنين وزيدين فذي ... جميعها اليا بعد فتحها احتذي 422 - وتدغم اليا فيه والواو وإن ... ما قبل واوٍ ضم فاكسره يهن 423 - وألفًا سلم وفي المقصور عن ... هذيل انقلابها ياءً حسن يجب كسر آخر المضاف إلى ياء المتكلم، إلا أن يكون مقصورًا أو منقوصًا، أو مثنى أو مجموعًا على حده، فيقال في نحو: غلام وصاحب: غلامي وصاحبي، وفي نحو: ظبي وصنو وصبي وعدو: ظبيي وصنوي وضببي وعدوي، فيكسر ما قبل الياء إتباعًا، فيتعذر حينئذٍ ظهور الإعراب، ويجب الالتجاء إلى التقدير، كما في المقصور والمحكي، والمتبع في قراءة من قرأ قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين) [الفاتحة /1]، (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) [البقرة /34]. وذهب الجرجاني وابن الخشاب إلى أن المضاف إلى ياء المتكلم مبني، وهو ضعيف لانتفاء السبب المقتضي للبناء. لا يقال: سبب بنائه إضافته إلى غير ممكن، لأنه مردود ببقاء إعراب المضاف إلى الكاف والهاء، وإعراب المثنى المضاف إلى الياء. وأما المقصور والمنقوص والمثنى والمجموع على حده، فإذا أضيف شيء منها إلى ياء المتكلم وجب فتح الياء، وأن يدغم فيها ما وليته إلا الألف فإنها لا تدغم، ولا يدغم فيها،

[160] والياء تدغم، ولا يغير ما قبلها // من كسرة أو فتحة. فيقال في نحو: قاضٍ ومسلمين ومسلمين: هذا قاضي رأيت مسلمي ومسلمي، والواو تبدل ياء ليصح الإدغام، وتقلب الضمة قبلها كسرة، ليخف المقال، فيقال في هؤلاء مسلمون وبنون: هؤلاء مسلمي وبني. والأصل: مسلموي، وبنوي، فأدغمت الواوان في الياءين بعد الإبدال، وجعلت مكان الضمة قبلها كسرة. وأما الألف فتبقى ساكنة، والياء بعدها مفتوحة، ولا فرق بين الألف المقصورة وغيرها في لغة غير هذيل، فيقال في نحو، عصا ومسلمان: عصاي ومسلماي. وبنو هذيل يقلبون الألف المقصورة ياء، دون ألف التثنية، فيقولون في نحو: فتى وعصا وحبلى: فتي وعصي وحبلي. قال شاعرهم: [من الكامل] 385 - سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنبٍ مصرع ويجوز في ياء المتكلم مضافة إلى غير الأربعة المستثنيات وجهان: الفتح والإسكان والفتح هو الأصل، والإسكان تخفيف.

إعمال المصدر

إعمال المصدر 424 - بفعله المصدر ألحق في العمل ... مضافًا أو مجردًا أو مع أل 425 - إن كان فعل مع أن أو ما يحل ... محله ولا سم مصدر عمل اعلم أن اسم المعنى الصادر عن الفاعل، كالضرب، أو القائم بذاته كالعلم ينقسم إلى مصدر واسم مصدر. فإن كان أوله ميم مزيدة لغير مفاعلة كالمضرب، والمحمدة، أو كان لغير ثلاثي بوزن الثلاثي، كالوضوء والغسل فهو اسم المصدر، وإلا فهو المصدر. وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن المصدر يصح فيه أن يعمل عمل فعله فيرفع الفاعل وينصب المفعول، بشرط أن يقصد به قصد فعله من: الحدوث والنسبة إلى مخبر عنه. وعلامة ذلك: صحة تقديره بالفعل مع الحرف المصدري، فيقدر بـ (أن) والفعل إن كان ماضيًا أو مستقبلا، وبـ (ما) والفعل إن كان حالا، لأن فعل الحال لا يدخل عليه (أن). ولو لم يصح تقدير المصدر بالفعل مع الحرف المصدري لم يسغ عمله، ومن ثم كان نحو قولهم: (مررت بزيدٍ، فإذا له صوتً صوت حمار). النصب فيه بإضمار فعل، لا بصوت المذكور، لأنه لا يصح تقدير: أن يصوت مكانه. فلو قلت: (مررت فإذا له أن يصوت) لم يحسن؛ لأن (أن يصوت) فيه معنى التجدد والحدوث، وأنت لا تريد أنه جدد الصوت في حال المرور، وإنما تريد: أنك مررت فوجدت الصوت بتلك الصفة.

وإذا كان في المصدر شرط العمل فأكثر ما يعمل مضافًا، كقولك: أعجبني ضرب [161] زيدٍ عمرًا، أو منونًا، كقوله تعالى: (أو إطعام // في يومٍ ذي مسغبةٍ * يتيمًا) [البلد /14 - 15]، ومثله قول الشاعر: [من الوافر] 386 - بضربٍ بالسيوف رؤوس قومٍ ... أزلنا هامهن عن المقيل وإعمال المصدر مضافًا أكثر، ومنونًا أقيس. وقد يعمل مع الألف واللام، كقول الشاعر: [من المتقارب] 387 - ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخي الأجل وقول الآخر: [من الطويل] 388 - لقد علمت أولى المغيرة أنني ... كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا أراد: عن أن أضرب مسمعا، يعني: رجلا.

وقد عد من هذا قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) [النساء /148]. وقد أشار إلى الأوجه الثلاثة في إعمال المصدر على الترتيب بقوله: ... مضافًا أو مجردًا أو مع أل أي: مجردًا عن الإضافة والألف واللام، وهو المنون. وقوله: ... .ولا سم مصدر عمل بتنكير (عمل) لقصد التقليل، إشارة إلى أن اسم المصدر قد يعطي حكم المصدر، فيعمل عمل فعله، كقول الشاعر: [من الوافر] 389 - أكفرًا بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك المائة الرتاعا ومنه قول عائشة رضي الله عنها: (من قبلة الرجل امرأته الوضوء)، وليس ذلك بمطرد في اسم المصدر، ولا فاش فيه. 426 - وبعد جره الذي أضيف له ... كمل بنصبٍ أو برفعٍ عمله وقد تقدم أن المصدر يعمل مضافًا وغير مضاف. فإذا كان مضافا: جاز أن يضاف إلى الفاعل، فيجزه، ثم ينصب المفعول، نحو: بلغني تطليق زيدٍ امرأته، وأن يضاف إلى المفعول فيجره، ثم يرفع الفاعل نحو: بلغني تطليق هندٍ زيد ونحوه قول الشاعر: [من البسيط]

390 - تنفي يداها الحصى في كل هاجرةٍ ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف وزعم بعضهم أنه مختص بالضرورة، وليس كذلك، بدليل قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) [آل عمران/97] وإنما هو قليل. ولا تكثر إضافة المصدر إلى المفعول إلا إذا حذف الفاعل، كما في قوله تعالى: (بسؤال نعجتك) [ص /24]. 427 - وجر ما يتبع ما جر ومن ... راعى في الاتباع المحل فحسن المضاف إليه المصدر: إن كان فاعلا فهو مجرور اللفظ مرفوع المحل، وإن كان مفعولا فهو مجرور اللفظ منصوب المحل إن كان مقدرًا بـ (أن) وفعل الفاعل، أو مرفوع المحل، إن كان مقدرًا بـ (أن) وفعل ما لم يسم فاعله. [162] فإذا أتبعت المضاف إليه المصدر فلك في التابع // الجر حملا على اللفظ، والرفع أو النصب حملا على المحل، تقول: عجبت من ضرب زيدٍ الظريف، بالجر، وإن شئت قلت: الظريف. كما قال الشاعر: [من الكامل] 391 - حتى تهجر في الرواح وهاجها ... طلب المعقب حقه المظلوم فرفع (المظلوم) على الإتباع لمحل (المعقب).

وقال الآخر: [من البسيط] 392 - السالك الثغرة اليقظان سالكها ... مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل (الفضل) اللابسة ثوب الخلوة، وهو نعت لـ (الهلوك) على الموضع، لأنها فاعل (المشى). وتقول: عجبت من أكل الخبز واللحم واللحم. فالجر على اللفظ، والنصب على محل المفعول، كما قال الشاعر: [من الرجز] 393 - قد كنت داينت بها حسانا ... مخافة الإفلاس والليانا ولو قلت: عجبت من أكل الخبز واللحم، جاز على معنى: من أن أكل الخبز واللحم. واعلم أن المصدر قد يعمل عمل الفعل، وإن لم يكن في تقدير الفعل، مع الحرف المصدرى، وذلك إذا كان بدلا من اللفظ بالفعل، كقول القائل: [من الطويل] 394 - يمرون بالدهنا خفافًا عيابهم ... ويخرجن من دارين بجر الحقائب على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب فجعل (ندلا) بدلا من (اندل) فلذلك يقال: إنه متحمل ضمير الفاعل، وناصب للمفعول به، وإن لم يكن مقدرًا بـ (أن) والفعل؛ لأنه لما صار بدلا من اللفظ بالفعل قام مقامه، وعمل عمله.

إعمال اسم الفاعل

إعمال اسم الفاعل 428 - كفعله اسم فاعلٍ في العمل ... إن كان عن مضيه بمعزل 429 - وولي استفهامًا أو حرف ندا ... أو نفيًا أو جا صفةً أو مسندا المراد باسم الفاعل: ما دل على حدث، وفاعله جاريًا مجرى الفعل في إفادة الحدوث، والصلاحية للاستعمال بمعنى الماضي والحال والاستقبال. فخرج بقولي: (وفاعله) اسم المفعول، (وجاريًا مجرى الفعل في إفادة الحدوث) أفعل التفضيل، كأفضل من زيد، والصفة المشبهة باسم الفاعل، كحسن، وظريف، فإنهما لا يفيدان الحدوث، ومن ثم لم يكونا لغير الحال، على ما ستقف عليه في موضعه. ولا يجيء اسم الفاعل إلا جاريًا على مضارعه: في حركاته وسكناته، وكضارب، ومكرمٍ، ومستخرج، ويعمل عمل فعله: مجردًا، ومع الألف واللام. [163] // فإذا كان مجردًا عمل بمعنى الحال، والاستقبال، لشبهه حينئذ بالفعل الذي بمعناه: لفظًا ومعنىً، ولا يعمل بمعنى المضي، لأنه لم يشبه لفظه الفعل الذي بمعناه. والغالب: أن اسم الفاعل المجرد من الألف واللام لا يعمل حتى يعتمد على استفهام، نحو: أضارب أخوك زيدًا؟ أو نفي، نحو: ما مكرم أبوك عمرًا. أو يجيء صفة: سواء كان نعتًا لنكرة، نحو: مررت برجل راكبٍ فرسًا، أو حالا لمعرفة، نحو: جاء زيد طالبًا أدبًا، أو يجيء مسندًا، نحو: زيد ضارب أبوه رجلا. ويدخل في المسند خبر المبتدأ، وخبر (كان) و (إن) والمفعول الثاني في باب (ظن).

وقوله: ........ أو حرف ندا ... ................. مثاله: يا طالعًا جبلا. والمسوغٍ لإعمال (طالعًا) هنا هو اعتماده على موصوف محذوف، تقديره: يا رجلا طالعًا جبلا، وليس المسوغ الاعتماد على حرف النداء، لأنه ليس كالاستفهام، والنفي في التقريب من الفعل، لأن النداء من خواص الأسماء. 430 - وقد يكون نعت محذوفٍ عرف ... فيستحق العمل الذي وصف يعني: أن اسم الفاعل قد يعمل عمل فعله، لاعتماده على موصوف مقدر، كما يعمل لاعتماده على موصوف مظهر، قال الله تعالى: (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه) [فاطر /28]. فعمل (مختلف) لاعتماده على موصوف محذوف تقديره: ومن الناس والدواب والأنعام صنف مختلف ألوانه، ومثله قول الأعشى: [من الطويل] 395 - كناطحٍ صحرةً يومًا ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل وقول عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل] 396 - وكم ماليءٍ عنينه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى ومنه: يا طالعًا جبلا، ويا حسنًا وجهه، كما ذكرنا. 431 - وإن يكن صلة أل ففي المضي ... وغيره إعماله قد ارتضي لما فرغ من ذكر إعمال اسم الفاعل مجردًا شرع في ذكر إعماله مع الألف واللام، فبين أنه إذا كان صلة الألف واللام قبل العمل بمعنى الماضي والحال والاستقبال باتفاق،

تقول: هذا الضارب أبوه زيدًا أمس، فتعمل (ضاربًا) وهو بمعنى المضي، لأنه لما كان صلة للموصول، وأغنى بمرفوعه عن الجملة الفعلية أشبه الفعل: معنى واستعمالا، فأعطى حكمه في العمل، كما أعطى حكمه في صحة عطف الفعل عليه، كما في قوله تعالى: (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا) [الحديد /18]. وقوله تعالى: (فالمغيرات صبحًا * فأثرن به نقعًا) [العاديات /3 - 4]. [164] // واعلم أن إعمال اسم الفاعل مع الألف واللام ماضيًا كان أو حاضرٍا أو مستقبلا، جائز مرضي عند جميع النحويين. 432 - فعال أو مفعال أو فعول ... في كثرةٍ عن فاعلٍ بديل 433 - فيستحق ما له من عمل ... وفي فعيل قل ذا وفعل كثيرًا ما يبنى اسم الفاعل لقصد المبالغة، والتكثير على (فعال) كعلام، أو (فعول) كغفور، أو (مفعال) كمنحار، فيستحق ما لاسم الفاعل من العمل، لأنه نائب عنه، ويفيد ما يفيده مكررًا. حكي سيبويه: (أما العسل فأنا شراب) و (إنه لمنحار بوائكها)، وأنشد: [من الطويل] 397 - أخا الحرب لباسًا إليها جلالها ... وليس بولاج الخوالف أعقلا

وقال الراعي: [من الطويل] 398 - عشية سعدى لو تراءت لعابد ... بدومة تجر عنده وحجيج قلا دينه واهتاج للشوق إنها ... على الشوق إخوان العزاء هيوج فنصب (إخوان العزاء) بـ (هيوج) لأن اسم الفاعل وما في معناه يعمل مؤخرًا كما يعمل مقدمًا. وقوله: ....................... ... وفي فعيلٍ قل ذا وفعل يعني: أنه قد ينبي اسم الفاعل لقصد المبالغة على (فعيل، أو فعل) فيعمل كما يعمل (فعال) وذلك قليل، ومنه قول بعضهم: (إن الله سميع دعاء من دعاه). وقول الشاعر: [من الطويل] 399 - فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالا والأخرى منهما تشبه البدرا وأنشد سيبويه على إعمال (فعل): [من الكامل] 400 - حذر أمورًا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار

ومثله قول زيد الخير: [من الوافر] 401 - أتاني أنهم مزقون عرضي ... جحاش الكرملين لها فديد فأعمل (مزقًا) وهو (فعل) عدل به للمبالغة عن (مازق). 434 - وما سوى المفرد مثله جعل ... في الحكم والشروط حيثما عمل ما سوى المفرد، وهو المثنى، والمجموع يحكم لهما في الإعمال بما يحكم للمفرد، ويشترط لهما ما اشترط ثم. ومن إعمال الجمع قول طرفة: [من الرمل] 402 - ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر فأعمل (غفر) وهو جمع (غفور). [165] وقول الآخر: // [من الرجز] 403 - أوالفًا مكة من ورق الحمي

وقول الآخر: [من الكامل] 404 - ممن حملن به وهن عواقد ... حبك النطاق فشب غير مهبل ولو صغر اسم الفاعل أو نعت، بطل عمله، إلا عند الكسائي، فإنه أجاز إعمال المصغر، وإعمال المنعوت. وحكي عن بعض العرب: (أظنني مرتحلا، وسويرًا فرسخًا). وأجاز: (أنا زيدًا ضارب أي ضارب). ومما يحتج به الكسائي في إعمال الموصوف قول الشاعر: [من الطويل] 405 - إذا فاقد خطباء فرخين رجعت ... ذكرت سليمى في الخليط المزايل 435 - وانصب بذي الإعمال تلوًا واخفض .... وهو لنصب ما سواه مقتضي إذا كان اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، واعتمد على ما ذكر جاز أن ينصب المفعول الذي يليه، وأن يجره بالإضافة تخفيفًا، فإن اقتضى مفعولا آخر تعين نصبه كقولك: أنت كاسي خالدٍ ثوبًا، ومعلم العلاء زيدًا رشيدًا الآن أو غدًا. وقد يفهم من قوله: وانصب بذي الإعمال ................ ... ........................ أن ما لا يعمل إذا اتصل بالمفعول لا يجوز نصبه، فيتعين جره بالإضافة.

هذا بالنسبة إلى المفعول الأول، وأما غيره فلابد من نصبه، تقول: هذا معطي زيدٍ أمس درهمًا، وهذا ظان زيدٍ أمس منطلقًا، فتنصب (درهمًا ومنطلقًا) بإضمار فعل، لأنك لا تقدر على الإضافة. وأجاز السيرافي نصبه باسم الفاعل الماضي، لأنه اكتسب بالإضافة إلى الأول شبهًا بمصحوب الألف واللام، وبالمنون. وعندي: أن المصحح لنصب اسم الفاعل بمعنى المضي لغير المفعول الأول هو اقتضاء اسم الفاعل إياه، فلابد من عمله فيه قياسًا على غيره من المقتضيات، ولا يجوز أن يعمل فيه الجر، لأن الإضافة إلى الأول تمنع الإضافة إلى الثاني، فوجب نصبه لمكان الضرورة. 436 - واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... كمبتغي جاهٍ ومالا من نهض إذا اتبع المجرور بإضافة اسم الفاعل إليه فالوجه جر التابع على اللفظ، نحو: هذا ضارب زيد وعمرو، ويجوز فيه النصب. فإن كان اسم الفاعل صالحًا للعمل كان نصب التابع على وجهين: على محل المضاف إليه، أو على إضمار فعل، وذلك نحو: (مبتغي جاهٍ ومالا من نهض) فتنصب (مالا) بالعطف على محل (جاه)، أو بإضمار (يبتغي)، ومثل هذا المثال قول الشاعر: [من البسيط] 406 - هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق [166] // وإن كان اسم الفاعل غير صالح للعمل كان نصب التابع على إضمار الفعل، لا غير، وذلك نحو قوله تعالى: (فالق الإصباح وجاعل الليل سكنًا والشمس والقمر حسبانًا) [الأنعام /97] التقدير: جعل الشمس والقمر حسبانًا. هذا إذا لم يرد بـ (جاعل) الليل حكاية الحال. 437 - وكل ما قرر لاسم فاعل ... يعطى اسم مفعولٍ بلا تفاضل

438 - فهو كفعلٍ صيغ للمفعول في ... معناه كالمعطى كفافًا يكتفي قد تقرر لاسم الفاعل أنه يجوز أن يعمل عمل فعله إذا كان معه الألف واللام مطلقًا، وإذا كان مجردًا منهما بشرط أن يكون للحال أو الاستقبال، وهو معتمد على استفهام، أو نفي، أو ذي خبر، أو ذي نعت، أو حال. وكذلك اسم المفعول يجوز أن يعمل عمل فعله بالشروط المذكورة، فيرفع المفعول لقيامه مقام الفاعل، تقول: (زيد مضروب أبوه) فترفع (الأب) باسم المفعول، كما ترفعه بالفعل، إذا قلت: (زيد ضرب أبوه). والمراد باسم المفعول: ما دل على حدث، وواقع عليه. وبناؤه من الثلاثي على وزن (مفعول) ومن غيره بزيادة ميم في أوله، وصوغه على مثال المضارع، الذي لم يسم فاعله، نحو: مكرم، ومستخرج. وإذا كان اسم المفعول من متعد إلى اثنين أو ثلاثة رفع واحدًا منها، ونصب ما سواه، نحو: هذا مطعى أبوه درهمًا، ونحوه: (المعطي كفافًا يكتفي). (فالألف واللام) مبتدأ، و (يكتفي) خبره، واسم المفعول صلة الألف واللام، والمفعول الأول ضمير عائد على الموصول، واستتر لقيامه مقام الفاعل، و (كفافًا) مفعول ثان، وتقول: هذا معلم أخوه بشرًا فاضلا، تقيم (الأخ) مقام الفاعل وتنصب الآخرين. 439 - وقد يضاف ذا إلى اسمٍ مرتفع ... معنىً كمحمود المقاصد الورع يصح في اسم المفعول أن يضاف إلى مرفوعه معنى، إذا أزيلت النسبة إليه، تقول: زيد مضروب عبده، ترفع (العبد) لإسناد (مضروب) إليه، وتقول: زيد مضروف العبد: بالإضافة، فتجر، لأنك أسندت اسم المفعول إلى ضمير زيد، فبقي (العبد) فضلة. فإن شئت نصبته على التشبيه بالمفعول به فقلت: زيد مضروب العبد، وإن شئت خفضت اللفظ، فقلت: (مضروب العبد). ومثله: (محمود المقاصد الورع) أي: الورع محمود المقاصد.

أبنية المصادر

أبنية المصادر 440 - فعل قياس مصدر المعدى ... من ذي ثلاثةٍ كرد ردا [167] // أبنية مصادر الفعل الثلاثي كثيرة، وإنما ذكر منها في هذا المختصر الأهم. فمنها (فعل) وهو مقيس في مصدر الفعل الثلاثي المتعدي، نحو: رد الشيء ردًا، وأكل اللحم أكلا، وقتل قتلا، ولثمه لثمًا، وفهمه فهمًا. ومنها (فعل) وهو المشار إليه بقوله: 441 - وفعل اللازم بابه فعل ... كفرحٍ وكجوىً وكشلل يعني: أنه أطرد (فعل) في مصدر (فعل) اللازم، نحو: فرح فرحًا، وجوي جوًى، وشلت يده تشل شللا. ومنها (فعول) وهو المذكور في قوله: 442 - وفعل اللازم مثل قعدا ... له فعلو باطرادٍ كغدا 443 - ما لم يكن مستوجبًا فعالا ... أو فعلانًا فادر أو فعالا يعني: أنه يطرد (فعول) في (فعل) اللازم ما لم يكن لإباء، أو تقلب، أو داء، أو صوت، أو سير، وهو المستوجب لأحد الأوزان المذكورة، وذلك نحو: قعد قعودًا، وبكر بكورًا، وغدا غدوًا. 444 - فأول لذي امتناع كأبي ... والثاني للذي اقتضى تقلبا 445 - للدا فعال أو لصوتٍ وشمل ... سيرًا وصوتًا الفعيل كصهل

المراد بالأول (فعال) وهو لما دل على امتناع، أو إباء، نحو: أبي إباءً وشرد شرادًا ونفر نفارًا. والمراد بالثاني (فعلان) وهو للتنقل والتقلب كالجولان والطوفان والغليان والنزوان. وأما (فعال) فهو للداء، نحو: سعل سعالا، وزكم زكامًا، ومشى بطنه مشاءً، وللأصوات أيضًا نحو: نعب الغراب نعابًا، ونعق الراعي نعاقًا، وأزت القدر أزازًا، وبغم الظبي بغامًا، وضبح الثعلب ضباحًا. وأما (فعيل) فهو للسير، نحو: زمل زميلا، ورحل رحيلا، وللأصوات أيضًا. وكثيرًا ما يوافق (فعالا) كنعيب، ونعيق، وأزيز، وقد ينفرد عنه، نحو: صهل الفرس صهيلا، وصخد الصرد صخيدًا، إذا صاح، كما انفرد (فعال) في نحو: بغام، وضباح. 446 - فعولة فعالة لفعلا ... كسهل الأمر وزيد جزلا (فعولة) و (فعالة) مطردان في مصدر (فعل) نحو: سهل سهولة، وصعب صعوبة، وعذب عذوبة، وملح ملوحة، وصبح صباحة، وفصح فصاحة، وصرخ صراخة. 447 - وما أتى مخالفًا لما مضى ... فبابه النقل كسخطٍ ورضا [168] // الأبنية المذكورة: إما من الكثرة بحيث يقاس عليه، وإما دون ذلك. وما جاء من أبنية المصادر مخالفًا لها فنظائره قليلة، تحفظ لتعلم، نحو: ذهب ذهابصا، ووقدت النار وقودًا، وشكر شكرانًا، وسخط سخطًا، ورضي رضًا، وعظم عظمة، وكبر كبرًا، ولم يخرج عن ذلك إلا (فعالة) فإنها قد كثرت في الحرف، نحو: تجر تجارة، ونجر نجارة، وخاط خياطة، ومنه: ولي عليهم ولاية، وسفر بيتهم سفارةً: إذا أصلح. 448 - وغير ذي ثلاثةٍ مقيس ... مصدره كقدس التقديس 449 - وزمه تزكيةً وأجملا ... إجمال من تجملا تجملا 450 - واستعذ استعاذة ثم أقم ... إقامةً وغالبًا ذا التا لزم 451 - وما يلي الآخر مد وافتحا ... مع كسر تلو الثان مما افتتحا 452 - بهمز وصلٍ كاصطفى وضم ما ... يربع في أمثال قد تلملما لما فرغ من ذكر أبنية مصادر الفعل الثلاثي شرع في ذكر أبنية مصادر ما زاد على الثلاثة، فقال:

وغير ذي ثلاثةٍ مقيس ... ....................... أي: كل فعل زاد على ثلاثة أحرف فله مصدر مقيس، لا يتوقف في استعماله على السماع. فإن كان الفعل على (فعل) فمصدره من الصحيح اللام على (تفعيل)، نحو: قدس تقديسًا، وعلم تعليمًا، ومن المعتل اللام على (تفعلة) نحو: زكى تزكيةً، وغطى تغطيةً. وقد يجيء (فعل) على (فعال) نحو: كذب كذابًا. وإن كان على (أفعل) فمصدره من الصحيح العين على (إفعال) نحو: أجمل إجمالا وأكرم إكرامًا وأعطى إعطاءً، ومن المعتل العين على (إفعال) أيضًا، إلا أنه يجب فيه نقل حركة العين إلى الفاء فتبقى ساكنة، والألف بعدها ساكنة، فتحذف الألف لالتقاء الساكنين، ويعوض عنها بتاء التأنيث نحو: أقام إقامة وأعان إعانة وأبان إبانة، وقد تحذف الألف، ولا يعوض عنها بتاء التأنيث، كقوله تعالى: (وإقام الصلاة) [الأنبياء /73] ومنه قول بعضهم: (أجاب إجابًا) بمعنى: إجابة، ومنه ما حكاه الأخفش من قول بعضهم: (أراه إراء). وإن كان على (تفعل) فمصدره على (تفعل) نحو: تجمل تجملا، وتعلم تعلمًا، وتفهم تفهمًا. وإن كان (تفعل) معتل اللام أبدلت الضمة التي قبل آخره كسرة، نحو: توقى توقيًا، وتجلى تجليًا. وإن كان الفعل مزيدًا أوله همزة وصل فبناء مصدره يكون بكسر ثالثة وزيادة ألف قبل آخره، نحو: اقتدر اقتدارًا، واصطفى اصطفاء، وانفرج انفراجًا، واحمر احمرارًا، واستخرج استخراجًا، واحرنجم احرنجامًا. [169] فإن كان (استفعل) من // المعتل العين نقلت حركة عينه إلى فائه، ثم حذفت ألفه، وعوض عنها بتاء التأنيث، نحو: استعاذ استعاذةً، واستقام استقامةً. وإن كان الفعل على (تفعلل) فمصدره على (تفعلل) وإلى هذا أشار بقوله: ..................... وضم ما ... يربع في أمثال قد تلملما يعني: أنك إذا أردت بناء المصدر في نحو (تلملم) فضم ما يربع من حروفه، أي: يقع رابعًا، وذلك نحو قولك: في (تلملم) (تلملمًا) وفي (تدحرج) (تدحرجًا).

453 - فعلال أو فعللة لفعلا ... واجعل مقيسًا ثانيًا لا أولا إذا كان الفعل على (فعلل) أو الملحق به فمصدره المقيس على نحو: (فعللة) كدحرج دحرجةً، وبهرج بهرجةً، وبيطر بيطرةً، وحوقلٍ حوقلةً. وقد يجيء على (فعلال) نحو: سرهف سرهافًا، وزلزل زلزالا، ودحرج دحراجًا، وهو عند بعضهم مقيس مطلقًا. 454 - لفاعل الفعال والمفاعله ... وغير ما مسر السماع عادله إذا كان الفعل على (فاعل) فله مصدران: (فعال ومفاعلة) نحو: قاتل قتالا ومقاتلةً، وخاصم خصامًا ومخاصمةً. وتنفرد (مفاعلة) غالبًا بما فاؤه ياء، نحو: ياسره مياسرةً، ويامنه ميامنةً. وقولي: (غالبًا) احترازًا من نحو: ياومه مياومةً ويوامًا، حكاه ابن سيده. وقوله: .......................... ... وغير ما مر السماع عادله أي: كان له عديلا في أنه لا يقدم عليه إلا بثبت. فالإشارة بذلك إلى ما شذ من مصدر (فعل) من المعتل اللام على (تفعيل) كقول الراجز: [من الرجز] 407 - وهي تنزي دلوها تنزيًا ... كما تنزي شهلة صبيا ومن مجيء (تفعل) على (تفعال) نحو: تجمل تجمالا، وتملق تملاقًا. ومن مجيء (تفاعل) على (فعيل) كقولهم: وترامى القوم رميًا؛ أي: ترامٍ. ومن مجيء (فوعل) على (فيعال) نحو: حوقل حيقالا، قال الراجز: [من الرجز] 408 - يا قوم قد حوقلت أو دنوت ... وبعد حيقال الرجال الموت ومن مجيء (افعلل) على (فعليلة) نحو: اقشعر قشعريرة، واطمأن طمأنينةً.

455 - وفعلة لمرةٍ كجلسه ... وفعلة لهيئةٍ كجلسه يدل على المرة من مصدر الفعل الثلاثي ببنائه على (فعلة) نحو: جلس جلسة، وقام قومة، ولبس لبسة. فإن كان بناء المصدر على (فعلة) كرحم رحمة، ونعم نعمة، فيدل على المرة [170] منه بالوصف. ويدل أيضًا على الهيئة (بفعلة) كالجلسة والنعمة والقتلة. // 456 - في غير ذي الثلاث بالتا المره ... وشذ فيه هيئة كالخمره يعني: أنه يدل على المرة في مصدر غير الثلاثي بزيادة التاء على بنائه، نحو: اغترف اغترافة، وانطلق انطلاقة، واستخرج استخراجه. وقوله: وشذ فيه هيئة كالخمره أشار به إلى نحو قولهم: (وهو حسن العمة والقمصة) و (هي حسنة الخمرة، والنقبة). يريدون: الهيئة من (تقمص، وتعمم، واختمرت، وانتقبت).

أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة لها

أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة لها المراد بالصفة: ما دل على حدث وصاحبه، فإن كان له فعل، ولم يكن اسم فاعل ولا أفعل تفضيل، ولا اسم مفعول فهو الصفة المشبهة باسم الفاعل. 457 - كفاعلٍ صغ اسم فاعلٍ إذا ... من ذي ثلاثةٍ يكون كغذا يقول: بناء اسم الفاعل من الفعل الثلاثي على وزن (فاعل). فيشمل ذلك ما كان على وزن (فعل، أو فعل، أو فعل) وليس نسبته إليها على السواء، بل هو في (فعل) متعديًا كان أو لازمًا، وفي (فعل) المتعدي مقيس، وفي (فعل، وفعل) اللازم مسموع، وذلك نحو: ضرب فهو ضارب، وذهب فهو ذاهب، وغذا فهو غاذٍ، وشرب فهو شارب، وركب فهو راكب. فهذا وأمثاله مقيس. وأما المسموع فنحو: أمن فهو آمن، وسلم فهو سالم، وعقرت المرأة فهي عاقر، وحمض اللبن فهو حامض. ويفهم هذا التفصيل من قوله بعد: 458 - وهو قليل في فعلت وفعل ... غير معدى بل قياسه فعل 459 - وأفعل فعلان نحو أشر ... ونحو صديان ونحو الأجهر يعني: أن فاعلا قليل في اسم الفاعل من فعلٍ على (فعل) أو (فعل) غير متعد، وهو اللازم، كما قد ذكرنا، وقوله: ... .. بل قياسه فعل وأفعل فعلان ... ..

يعني به، أن قياس فعل اللازم أن يجيء اسم فاعله على مثال: (فعل أو أفعل، أو فعلان). فـ (فعل) للأعراض، كفرح، وأشر، وبطر، وغرث، و (أفعل) للألوان والعيوب والخلق، كاخضر، وأسود، وأكدر، وأحول، وأعور، وأجهر، وهو الذي لا يبصر في الشمس. و (فعلان) للامتلاء وحرارة البطن، نحو: شبعان، وريان، وعطشان، وصديان. 460 - وفعل أولى وفعيل بفعل ... كالضخم والجميل والفعل جمل [171] // يقول: الذي كثر في اسم الفاعل من (فعل) حتى كاد يطرد: ان يجيء على (فعل، أو فعيل) نحو: ضخم فهو ضخم، وشهم فهو شهم، وصعب فهو صعب، وسهل فهو سهل، وجمل فهو جميل، وظرف فهو ظريف، وشرف فهو شريف. 461 - وأفعل فيه قليل وفعل ... وبسوى الفاعل قد يغني فعل يعني: أنه قد يخالف باسم الفاعل من فعل الاستعمال الغالب، فيأتي على (أفعل) نحو حرش فهو أحرش، وخطب فهو أخطب، إذا كان أحمر يميل إلى الكدرة، وعلى (فعل) نحو: بطل فهو بطل. وقد يأتي على غير ذلك، نحو: جبن فهو جبان، وفرت الماء فهو فرات، وجنب فهو جنب، وعفر فهو عفر، أي: شجاع ماكر، وفره فهو فاره. قوله: ... وبسوى الفاعل قد يغني فعل يعني: أنه قد يستغنى في بناء اسم الفاعل من (فعل) بمجيئه على غير فاعل، وذلك نحو: طاب يطيب فهو طيب، وشاخ يشيخ فهو شيخ، وشاب يشيب فهو أشيب، وعف يعف فهو عفيف، ولم يأتوا فيها بفاعل. 462 - وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذي الثلاث كالمواصل 463 - مع كسر متلو الأخير مطلقا ... وضم ميمٍ زائدٍ قد سبقا بين بهذين البيتين كيفية بناء اسم الفاعل من كل فعل زائد على ثلاثة أحرف، وأنه يكون بمجيء المثال على زنة مضارعه، مع جعل ميم مضمومة مكان حرف المضارعة، وكسر ما قبل الآخر مطلقًا، أي: سواء كان في المضارع مكسورًا نحو: أكرم يكرم فهو مكرم،

وواصل يواصل فهو مواصل، وانتظر ينتظر فهو منتظر، أو مفتوحًا، وذلك فيما فيه تاء المطاوعة، نحو: تعلم يتعلم فهو متعلم، وتدحرج يتدحرج فهو متدحرج. وقوله: وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذي الثلاث ... .. تقديره: واسم الفاعل مما زاد على ثلاثة أحرف هو ذو زنة المضارع، فقدم الخبر، وحذف معه المضاف، اعتمادًا على ظهور المراد. 464 - وإن فتحت منه ما كان انكسر ... صار اسم مفعولٍ كمثل المنتظر يعني: أن بناء اسم المفعول من كل فعل زائد على ثلاثة أحرف هو كبناء اسم الفاعل منه، إلا في كسر ما قبل الآخر، فإن اسم المفعول منه يكون ما قبل آخره مفتوحًا، وذلك نحو: مكرم، ومواصل، ومنتظر. 465 - وفي اسم مفعول الثلاثي أطرد ... زنة مفعولٍ كآتٍ من قصد [172] // كل فعل ثلاثي: فإنه يطرد في اسم المفعول منه مجيئه على وزن (مفعول) وذلك نحو: قصده فهو مقصود، ووجده فهو موجود، وصحبه فهو مصحوب، وكتبه فهو مكتوب. 466 - وناب نقلا عنه ذو فعيل ... نحو فتاةٍ أو فتى كحيل يقول: ناب عن بناء وزن (مفعول) في الدلالة على اسم المفعول من الفعل الثلاثي ذو (فعيل) أي: صاحب هذا الوزن، وذلك نحو: كحل عينه فهو كحيل، وقتله فهو قتيل، وطرحه فهو طريح، وجرحه فهو جريح، وذبحه فهو ذبيح، بمعنى مكحول، ومقتول، ومطروح، ومجروح، ومذبوح. وهو كثير في كلام العرب، وعلى كثرته لم يقس عليه بإجماع. وقد أشار إلى ذلك بقوله: وناب نقلا ... .. ... أي: فما نقل لا فيما قيس. ونبه بقوله: ... نحو فتاةٍ أو فتى كحيل على أن باب (فعيل) بمعنى مفعول أن المؤنث منه يساوي المذكر في عدم لحاق تاء التأنيث به.

الصفة المشبهة باسم الفاعل

الصفة المشبهة باسم الفاعل 467 - صفة استحسن جر فاعل ... معني بها المشبهة اسم الفاعل 468 - وصوغها من لازمٍ لحاضر ... كطاهر القلب جميل الظاهر الصفة: ما دل على حدث وصاحبه، والمشبهة باسم الفاعل: منها ما صيغ لغير تفضيل من فعلا لازم، لقصد نسبة الحدث إلى الموصوف به، دون إفادة معنى الحدوث. فلذلك لا تكون للماضي المنقطع، ولا للمستقبل الذي لم يقع، وإنما تكون للحال الدائم، وهو الأصل في باب الوصف. وأما اسم الفاعل واسم المفعول فإنهما كالفعل في إفادة معنى الحدوث والصلاحية لاستعمالهما بمعنى الماضي، والحال، والاستقبال. وإلى كون الصفة المشبهة لا تكون لغير الحال الإشارة بقوله: وصوغها من لازمٍ لحاضر ... .. أي: للدلالة على معنى الزمن الحاضر. ولو قصد بالصفة المشبهة معنى الحدوث حولت إلى بناء اسم الفاعل، واستعملت استعماله، كقولك: زيد فارح أمس وجازع غدًا، قال الشاعر: [من الطويل] 409 - وما أنا من رزءٍ وإن جل جازع ... ولا بسرورٍ بعد موتك فارح

وأكثر ما تكون الصفة المشبهة غير جارية على لفظ المضارع، نحو: جميل، وضخم، وحسن، وملآن، وأحمر، وقد تكون جارية عليه، كطاهر، وضامر، ومعتدل، ومستقيم. وتمثيله: (بطاهر القلب جميل الظاهر) منبه على مجيئها بالوجهين. [173] ومما تختص به الصفة المشبهة عن اسم // الفاعل استحسان جرها الفاعل بالإضافة، نحو: (طاهر القلب جميل الظاهر) تقديره: طاهر قلبه جميل ظاهره. فإن ذلك لا يسوغ في اسم الفاعل إلا إن أمن اللبس، فقد يجوز على ضعف وقلة في الكلام نحو: زيد كاتب الأب، يريد: كاتب أبوه. وهذه الخاصة لا تصلح لتعريف الصفة المشبهة، وتمييزها عما عداها، لأن العلم باستحسان الإضافة إلى الفاعل موقوف على العلم بكون الصفة مشبهة فهو متأخر عنه. وأنت تعلم أن العلم بالمعرف يجب تقدمه على العلم بالمعرف. فلذلك لم أعول في تعريفها على استحسان إضافتها إلى الفاعل. 469 - وعلم اسم فاعل المعدى ... لها على الحد الذي قد حدا لما بين ما المراد بالصفة المشبهة باسم الفاعل أخذ في بيان أحكامها في العمل، فقال: وعمل اسم فاعل المعدى ... لها ... أي: بأنها تعمل عمل اسم الفاعل المتعدي، فتنصب فاعلها في المعنى على التشبيه بالمفعول به، كقولك: زيد الحسن وجهه، كما ينصب اسم الفاعل مفعوله، في نحو: زيد باسط وجهه. وقوله: ... على الحد الذي قد حدا أي: إن العمل هنا مشروط بالشرط المذكور في إعمال اسم الفاعل. 470 - وسبق ما تعمل فيه مجتنب ... وكونه ذا سببية وجب اسم الفاعل: لقوة شبهه بالفعل يعمل في متأخر ومتقدم، وفي سببي وأجنبي، والصفة المشبهة فرع على اسم الفاعل في العمل، فقصرت عنه، فلم تعمل في متقدم، ولا غير سببي. والمراد بالسببي: المتلبس بضمير صاحب الصفة لفظًا، نحو: زيد حسن وجهه، أو معنى، نحو: حسن الوجه. هذا: بالنسبة إلى عملها فيما هو فاعل في المعنى.

وأما غيره كالجار والمجرور، فإن الصفة تعمل فيه: متقدمًا عنها ومتأخرًا، وسببيًا وغير سببي. تقول: زيد بك فرح، كما تقول: فرح بك، وجذلان في دار عمرو، كما تقول: في داره. 471 - فارفع بها وانصب وجر مع أل ... ودون أل مصحوب أل وما اتصل 472 - بها مضافًا أو مجردًا ولا ... تجرر بها مع أل سمًا من أل خلا 473 - ومن إضافةٍ لتاليها وما ... لم يخل فهو بالجواز وسما يعني: أنه يجوز في الصفة المشبهة أن تعمل في السببي الرفع والنصب والجر. فالرفع على الفاعلية، والنصب على التشبيه بالمفعول به في المعرفة، وعلى [174] التمييز في النكرة، والجر على // الإضافة، وذلك مع كون الصفة مصاحبة للألف واللام، أو مجردة منها، وكون السببي: إما معرفًا بالألف واللام، نحو: الحسن الوجه، وهو المراد بقوله: (مصحوب أل) وإما مضافًا، أو مجردًا من الألف واللام والإضافة، وهو المراد بقوله: (وما اتصل بها مضافًا أو مجردًا) أي: وما اتصل بالصفة، ولم ينفصل عنها بالألف واللام. فأما المضاف فعلى أربعة أضرب: مضاف إلى المعرف بالألف واللام، نحو: الحسن وجه الأب. ومضاف إلى ضمير الموصوف، نحو الحسن وجهه. ومضاف إلى المضاف إلى ضميره، نحو: الحسن وجه أبيه. ومضاف إلى المجرد من الألف واللام والإضافة، نحو: الحسن وجه أبٍ، وأما المجرد فنحو: الحسن وجهًا. فهذه ستة وثلاثون وجهًا في إعمال الصفة المشبهة، لأن عملها ثلاثة أنواع: رفع ونصب وجر. وكل منها على تقديرين: أحدهما: كون الصفة مصاحبة للألف واللام، والآخر: كونها مجردة منها. فهذه ستة أوجه، وكل منها على ستة تقادير، وهي: كون السببي إما معرفًا بالألف واللام، وإما مضافًا إلى المعرف بهما، أو إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، أو إلى المجرد من الألف واللام والإضافة، وإما مجردًا.

والمرتفع من ضرب ستة في ستة، ستة وثلاثون كلها جائزة الاستعمال، إلا أربعة أوجه، وهي المرادة بقوله: ولا ... تجرر بها مع أل سمًا من أل خلا ومن إضافةٍ لتاليها ... .. ... .. أي: لتالي (أل). نفهم من هذه العبارة: أن الصفة المصاحبة للألف واللام لا يجوز إضافتها إلى السببي الخالي من التعريف بالألف واللام، ومن الإضافة إلى المعرف بهما، وذلك هو المضاف إلى ضمير الموصوف، والمضاف إلى المضاف إلى ضميره، والمجرد والمضاف إلى المجرد. فلا يجوز: الحسن وجهه، ولا الحسن وجهه أبيه، ولا الحسن وجه، ولا الحسن وجه أب، لأن الإضافة فيها لم تفد تخصيصًا، كما في نحو: غلام زيد، ولا تخفيفًا، كما في نحو: حسن الوجه، ولا تخلصًا من قبح حذف الرابط، أو التجوز في العمل، كما في نحو: الحسن الوجه. وما عدا هذه الأوجه الأربعة ينقسم إلى: قبيح، وضعيف، وحسن. فأما القسم القبيح: فهو رفع الصفة مجردة كانت، أو مع الألف واللام المجرد منهما، ومن الضمير، والمضاف إلى المجرد، وذلك أربعة أوجه، وهي: حسن وجه، وحسن وجه أبٍ، والحسن وجه، والحسن وجه أبٍ، وعلى قبحها فهي جائزة في الاستعمال، لقيام السببية في المعنى مقام وجودها في اللفظ، لأنك إذا قلت: مررت بزيد الحسن وجه، لا يخفى أن المراد: الحسن وجه له. والدليل على الجواز قول الرجز: [من الرجز] 410 - ببهمةٍ منيت شهمٍ قلب ... منجذٍ لا ذي كهامٍ ينبو فهذا نظير: حسن وجهٍ. والمجوز لهذه الصورة مجوز لنظائرها، إذ لا فرق. [175] وأما القسم الضعيف // فهو نصب الصفة المجردة من الألف واللام المعرف بالألف واللام، والمضاف إلى المعرف بهما، أو إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، وجرها المضاف إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره.

وذلك ستة أوجه، وهي: حسن الوجه، ونحوه قول النابغة: [من الوافر] 411 - ونأخذ بعده بذناب عيشٍ ... أجب الظهر ليس له سنام ويروى: (أجب الظهر) برفع (الظهر) وجره. وحسن وجه الأب، وحسن وجهه، ونحوه قول الراجز: [من الرجز] 412 - أنعتها إني من نعاتها ... كوم الذرى وادقةً سراتها وحسن وجه أبيه، وحسن وجهه، وحسن وجه أبيه. وعند سيبويه أن الجر في هذا النحو من الضرورات. وأنشد للشماخ: [من الطويل] 413 - أمن دمنتين عرج الركب فيهما ... بحقل الرخامي قد عفا طللاهما أقامت على ربعيهما جارتا صفا ... كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما (فجونتا مصطلاهما) نظير: (حسن وجهه).

وأجازه الكوفيون في السعة، وهو الصحيح، لوروده في الحديث، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم زرع: (صفر وشاحها) وفي حديث الدجال: (أعور عينه اليمنى). وفي وصف النبي - صلى الله عليه وسلم -: (شئن أصابعه). ومع جوازه فهو ضعيف، لأنه يشبه إضافة الشيء إلى نفسه. وأما القسم الحسن: فهو رفع الصفة المجردة المعرف بالألف واللام، والمضاف إلى المعرف بهما، أو إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، ونصبها المجرد من الألف واللام والإضافة، والمضاف إلى المجرد منها، وجرها المعرف بالألف واللام والمضاف إلى المعرف بهما والمجرد من الألف واللام والإضافة، والمضاف إلى المجرد منهما، ورفع الصفة مع الألف واللام المعرف بهما، والمضاف إلى المعرف بهما، أو إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، ونصبها المعرف بالألف واللام، والمضاف إلى المعرف بهما، أو إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، والمجرد من الألف واللام والإضافة، والمضاف إلى المجرد منهما، وجرها المعرف بالألف واللام، والمضاف إلى المعرف بهما. فهذه اثنان وعشرون وجهًا، وهي: حسن الوجه، كقوله: (أجب الظهر). وحسن وجه الأب. وحسن وجهه. وحسن وجه أبيه. وحسن وجهًا، ومثله قول الشاعر: [من البسيط] 414 - هيفاء مقبلةً عجزاء مدبرةً ... محطوطة جدلت شنباء أنيابا

[176] وحسن وجه أبٍ. وحسن الوجه. وحسن وجه الأب. وحسن وجهٍ، ومثله // إنشاد سيبويه لعمرو بن شأس: [من الطويل] 415 - ألكني إلى قومي السلام رسالةً ... بآية ما كانوا ضعافًا ولا عزلا ولا سيئي زي إذا ما تلبسوا ... إلى حاجةٍ يومًا مخيسةً بزلا وحسن وجه أبٍ. والحسن الوجه. والحسن وجه الأب، ومثله إنشاد سيبويه: [من الكامل] 416 - لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر النازلون بكل معتركٍ ... والطيبون معاقد الأزر والحسن وجهه. والحسن وجه أبيه. والحسن الوجه، ومثله قول الشاعر: [من الوافر] 417 - فما قومي بثعلبة بن سعدٍ ... ولا بفزارة الشعر الرقابا

والحسن وجه الأب، وعليه قوله: [من الطويل] 418 - لقد علم الأيقاظ أخفية الكرى ... تزججها من حالكٍ واكتحالها والحسن وجهه. والحسن وجه أبيه. والحسن وجهًا، كقول رؤبة: [من الرجز] 419 - فذاك وخم لا يبالي السبا ... الحزن بابًا والعقور كلبا والحسن وجه أبٍ. والحسن الوجه. والحسن وجه الأب. فهذا هو جميع ما يمنع ويقبح ويضعف، ويحسن في إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل، فاعرفه.

التعجب

التعجب التعجب: هو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية فيه. ويدل عليه بصيغ مختلفة نحو قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله) [البقرة /28] وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة: (سبحان الله إن المؤمن لا ينجس) وقولهم: (لله أنت) وقول الشاعر: [من الرجز] 420 - واها لليلى ثم واهًا واها ... هي المنى لو أننا نلناها وقول الآخر: [من م. الكامل] 421 - بانت لتحزننا عفاره ... يا جارتا ما أنت جاره وقول الآخر: أنشده أبو علي: [من الكامل] 422 - يا هيء مالي من يعمر يفنه ... مر الزمان عليه والتقليب

والمبوب له في كتب العربية صيغتان: (ما أفعله! وأفعل به) لاطرادهما في كل معنى يصح التعجب منه. ولما أراد أن يذكر مجيء التعجب على هاتين الصيغتين قال: 474 - بأفعل انطق بعد ما تعجبا ... أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا [177] // أي: انطق في حال تعجبك بالفعل المتعجب منه على وزن (أفعل) بعد (ما) نحو: ما أحسن زيدًا، أو جيء به على وزن: (أفعل) قبل مجرور بـ (با) نحو: أحسن بزيدٍ. فأما نحو: (ما أحسن زيدًا!) فـ (ما) فيه عند سيبويه نكرة غير موصوفة، في موضع رفع بالابتداء، وساغ الابتداء بالنكرة، لأنها في تقدير التخصيص. والمعنى: شيء عيظم أحسن زيدًا، أي: جعله حسنًا، فهو كقولهم: شيء جاء بك، وشر أهر ذا نابٍ، و (أحسن) فعل ماض، لا يتصرف مسندًا إلى ضمير (ما) والدليل على فعليته لزومه متصلا بياء المتكلم نون الوقاية، نحو: ما أعرفني بكذا!، وما أرغبني في عفو الله! ولا يكون كذلك إلا الفعل. وعند بعض الكوفيين أن (أفعل) في التعجب اسم لمجيئه مصغرًا نحو قوله: [من البسيط] 423 - ياما أميلح غزلانًا شدن لنا ... من هؤليائكن الضال والسمر وإنما التصغير للأسماء.

ولا حجة فيما أوردوه لشذوذه ولا مكان أن يكون التصغير دخله لشبهه (بأفعل) التفضيل لفظًا ومعنىً، والشيء قد يخرج عن بابه لمجرد الشبه بغيره. وذهب الأخفش إلى أن (ما) في نحو: (ما أحسن زيدًا) موصولة، وهي مبتدأ، و (أحسن) صلتها، والخبر محذوف وجوبًا، تقديره: الذي أحسن زيدًا شيء عظيم. والذي ذهب إليه سيبويه أولى، لأن (ما) لو كانت موصولة لما كان حذف الخبر واجبًا، لأنه لا يجب حذف الخبر إلا إذا علم، وسد غيره مسده، وها هنا لم يسد مسد الخبر وأما (أفعِل) في نحو (أحسن بزيد) ففعل: لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، وهو مسند إلى المجرور بعده، و (الباء) زائدة مثلها في نحو: {كفى بالله شهيدا} [الرعد/ 43] وهو في قوة قولك: حسن زيد، بمعنى: ما أحسنه، ولا خلاف في فعليته، ويدل عليه مرادفته لما ثبتت فعليته، مع كونه على زنة تختص الأفعال، والاستدلال بتوكيده بالنون في قوله: [من الطويل] 424 - ومستبدل من بعد غضبى صريمة ... فأمر به بطول فقر وأحريا ليس عندي بمرضي، لأنه في غاية الندور. فلو ذهب ذاهب إلى اسميته لأمكنه أن يدعي أن التوكيد فيه مثله في قول الآخر، أنشده أبو الفتح في الخصائص: [من الرجز] 425 - أريت إن جاءت به أملودا ... مرجلا ويلبس البرودا أقائلن أحضروا الشهودا

475 - وتلو أفعل انصبنه كما ... أوفى خليلينا وأصدق بهما تقول: (ما أوفى خليلينا) كما تقول: ما أحسن زيدًا، فتنصب ما بعد (أفعل) [178] بالمفعولية، وهو // في الحقيقة فاعل الفعل المتعجب منه، ولكن دخلت عليه همزة النقل، فصار الفاعل مفعولا، بعد إسناد الفعل إلى غيره، وتقول: (أصدق بهما!)، كما تقول: أحسن بزيدٍ! وقد اشتمل هذا البيت على بيان احتياج (أفعل) إلى المفعول، وعلى تمثيل صيغتي التعجب. 476 - وحذف ما منه تعجبت استبح ... إن كان عند الحذف معناه يضح المراد بالمتعجب منه المفعول فيما أفعله! والمجرور في (أفعل به) وفيه تجوز، لأن المتعجب منه هو فعله، لا نفسه، إلا أنه حذف منه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه للدلالة عليه. واعلم أنه لا يجوز حذف المتعجب منه لغير دليل، أما في نحو: (ما أفعله!) فلعرائه إذا ذاك عن الفائدة، لو قلت: ما أحسن، وما أجمل! لم يكن كلامًا، لأن معناه أن شيئًا صير الحسن واقعًا على مجهول، وهذا ما لا ينكر وجوده، ولا يفيد التحدث به. وأما نحو (أفعل به) فلا يحذف منه المتعجب منه، لأنه الفاعل، وإن دل على المتعجب منه دليل، وكان المعنى واضحًا عند الحذف جاز. تقول: لله در زيدٍ ما أعف وأمجد! كما قال علي - رضي الله عنه -: [من الطويل] 426 - جزى الله عني والجزاء بفضله ... ربيعة خيرًا ما أعف وأكرما وتقول: أحسن بزيدٍ وأجمل، كما قال الله تعالى: (أسمع بهم وأبصر) [مريم /38]. وأكثر ما يستباح الحذف في نحو: أفعل به! إذا كان معطوفًا على آخر، مذكور معه الفاعل، كما في الآية الكريمة.

وقد يحذف بدون ذلك قال الشاعر: [من الطويل] 427 - فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدًا وإن يستغن يومًا فأجدر أي: فأجدر بكونه حميدًا. فإن قلت: كيف جاز حذف المتعجب منه مع (أفعل) وهو (فاعل)؟ قلت: لأنه أشبه الفضلة، لاستعماله مجرورًا بالباء، فجاز فيه ما يجوز فيها. 477 - وفي كلا الفعلين قدمًا لزما ... منع تصرفٍ بحكمٍ حتما كل واحد من فعلي التعجب ممنوع من التصرف، والبناء على غير الصيغة التي جعل عليها، مسلوك به سبيل واحدة، لتضمنه معنى هو بالحروف أليق، وليكون مجيئه على طريقة واحدة أدل على ما يراد به. 478 - وصغهما من ذي ثلاث صرفا ... قابل فضلٍ تم غير ذي انتفا 479 - وغير ذي وصفٍ يضاهي أشهلا ... وغير سالكٍ سبيل فعلا الغرض من هذين البيتين معرفة الأفعال التي يجوز في القياس أن يبني منها فعلا [179] // التعجب، أعني مثالي: ما أفعله! وأفعل به. وهي كل فعل ثلاثي متصرف قابل للتفاوت غير ناقص، ككان وأخواتها، ولا ملازم للنفي، ولا اسم فاعله على أفعل، ولا مبني للمفعول. فلا يبنيان مما زاد على ثلاثة أحرف، لأن بناءهما منه يفوت الدلالة على المعنى المتعجب منه، أما فيما أصوله أربعة، نحو: دحرج وسرهف، فلأنه يؤدي إلى حذف بعض الأصول، ولا خفاء في إخلاله بالدلالة، وأما في غيره، فلأنه يؤدي إلى حذف الزيادة الدالة على معنى مقصود، ألا ترى أنك لو بنيت من نحو: ضارب وانضرج واستخرج (أفعل) فقلت: ما أضربه وأضرجه وأخرجه لفاتت الدلالة على معنى المشاركة والمطاوعة والطلب. وأجاز سيبويه بناء فعل التعجب من (أفعل) كقولهم: (ما أعطاه للدراهم!) و (ما أولاه للمعروف!) لا من غيره مما زاد على الثلاثة.

ولا يبنيان من فعل غير متصرف، نحو: (نعم وبئس) ولا من فعل لا يقبل التفاوت، نحو: مات زيد، وفني الشيء لأنه لا مزية فيه لبعض فاعليه على بعض، ولا من فعل ملازم للنفي، نحو: ما عاج زيد بهذا الدواء، أي: ما انتفع به، فإن العرب لم تستعمله إلا في النفي، فلا يبني منه فعل التعجب، لأن ذلك يؤدي إلى مخالفة الاستعمال، والخروج به عن النفي إلى الإيجاب، ولا يبنيان من فعل اسم فاعله على (أفعل) نحو: شهل فهو أشهل، وخضر الزرع فهو أخضر، وعور فهو أعور، وعرج فهو أعرج، لأن (أفعل) هو لاسم فاعل ما كان لونًا أو خلقة، وأكثر ألوان الأفعال، والخلق إنما تجيء على (أفعل) بزيادة مثل اللام، نحو: احمر، وابيض، واسود، واعور، وأحول، فلم يبن فعل التعجب في الغالب من كان منها ثلاثيا إجراء للأقل مجرى الأكثر. ولا يبنيان من فعل مبني للمفعول، نحو: ضرب، وحمد، لئلا يلتبس التعجب منه بالتعجب من فعل الفاعل. وعلى هذا لو كان الالتباس مأمونًا مثل أن يكون الغالب ملازمًا للبناء للمفعول، نحو: وقص الرجل، وسقط في يده، لكان بناء فعل التعجب منه خليقًا بالجواز. 480 - وأشدد أو أشد أو شبههما ... يخلف ما بعض الشروط عدما 481 - ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد أفعل جره بالبا يجب تقول: إذا أردت التعجب من فعل فقد بعض الشروط المصححة للتعجب من لفظه فجيء بـ (أشد أو اشدد) أو ما جرى مجراهما، وأوله مصدر الفعل الذي تريد التعجب منه، منصوبًا بعد (أفعل)، ومجرورًا بالباء بعد (أفعل). وهذا العمل يصح في كل فعل لم يستوف الشروط إلا ما عدم التصرف (كنعم [180] وبئس) لأنه لا مصدر صريحًا ولا مؤولا. فأما المنفي والمبني // للمفعول، فلا يصح ذلك فيه إلا بإيلاء (أشد) أو ما جرى مجراه المصدر المؤول. تقول في التعجب من نحو: (استخرج) ما أشد استخراجه! وأشدد باستخراجه! ومن نحو: مات زيد: ما أفجع موته! وأقبح بموته! ومن نحو: ما قام زيد، وما عاج بالدواء: ما أقرب ألا يقوم زيد! وأقرب بألا يقوم! وما أقرب ألا يعج بالدواء! وأقرب بألا يعج به!

فتأتي بالمصدر المؤول لتتمكن من أن تستعمل معه النفي، وأن تعمل فيه الفعل الذي تتعجب به. وتقول في التعجب من خضر وعور: ما أشد خضرته! وأشدد بخضرته! وما أقبح عوره! وأقبح بعوره! ومن نحو: ضرب زيدً؟ ما أشد ما ضرب! وأشدد بما ضرب! فتولي (أشد وأشدد) المصدر المؤول، ليبقي لفظ الفعل المبني للمفعول، ولو أمن اللبس جاز إيلاؤه المصدر الصريح، نحو: ما أسرع نفاس هند! وأسرع بنفاسها! 482 - وبالنذور احكم لغير ما ذكر ... ولا تقس على الذي منه أثر الإشارة بهذا البيت: إلى أنه قد يبني فعل التعجب مما لم يستوف الشروط على وجه الشذوذ والندور، فيحفظ ما سمع من ذلك، ولا يقاس عليه. فمن ذلك قولهم: ما أخصره! من (اختصر)، فاختصر فعل خماسي مبني للمفعول، ففيه مانعان: أحدهما أنه مبني للمفعول، وثانيهما أنه زائد على ثلاثة أحرف. ومنه قولهم: (ما أهوجه!) و (ما أحمقه!) و (ما أرعنه!) وهي من فعل فهو أفعل، كأنهم حملوها على (ما أجهله). ومنه قولهم: (ما أعساه!) و (أعس به!) فهو من (عسى) الذي للمقاربة وهو غير متصرف. ومما هو شاذ أيضًا بناؤهم التعجب من وصف لا فعل له، كقولهم: (ما أذرعها!) أي: ما أخف يدها في الغزل، يقال امرأة ذراع، أي: خفيفة اليد في الغزل، ولم يسمع له فعل. ومثله قولهم: (أقمن بكذا!) أي: أحقق به، اشتقوه من قولهم: هو قمن بكذا، أي: حقيق به، ولا فعل له. 483 - وفعل هذا الباب لن يقدما ... معموله ووصله به الزما 484 - وفصله بظرفٍ أو بحرف جر ... مستعمل والخلف في ذاك استقر لا خلاف في امتناع تقديم معمول فعل التعجب عليه، ولا في امتناع الفصل بينه وبين المتعجب منه بغير الظرف، والجار والمجرور، كالحال والمنادى. وأما الفصل بالظرف، والجار والمجرور ففيه خلاف مشهور، والصحيح الجواز، وليس لسيبويه فيه نص. قال الأستاذ أبو علي الشلوبين: حكي الصيمري: أن مذهب سيبويه منع الفصل [181] بالظرف بين فعل // التعجب ومعموله. والصواب: أن ذلك جائز، وهو المشهور والمتصور.

وقال أبو سعيد السيرافي: قول سيبويه: (ولا تزيل شيئًا عن موضعه) إنما أراد أنك تقدم (ما) وتوليها الفعل، ويكون الاسم المتعجب منه بعد الفعل، ولم يتعرض للفصل بين الفعل والتعجب منه، وكثير من أصحابنا يجيز ذلك، منهم الجرمي، وكثير منهم يأباه منهم الأخفش والمبرد، وهذا نصه: والذي يدل على الجواز استعمال العرب له نظمًا ونثرًا، أما نظمًا، فكقول الشاعر: [من الطويل] 428 - وقال نبي المسلمين تقدموا ... وأحبب إلينا أن يكون المقدما وقول الآخر: [من الطويل] 429 - أقيم بدار الحزم ما دام حزمها ... وأحر إذا حالت بأن أتحولا وقال الآخر: [من الطويل] 430 - خليلي ما أحرى بذي اللب أن يرى ... صبورًا ولكن لا سبيل إلى الصبر وأما النثر فكقول عمرو بن معد يكرب: (ما أحسن في الهيجاء لقاءها! وأكثر في اللزبات عطاءها! وأثبت في المكرمات بقاءها!). وقول الآخر: (ما أحسن بالرجل أن يحسن). ومما يجوز في فعل التعجب الفصل بينه وبين (ما) بـ (كان) الزائدة كقول الشاعر يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم -: [من الكامل] 431 - ما كان أسعد من أجابك آخذًا ... بهداك مجتنبًا هوًى وعنادا

نعم وبئس وما جرى مجراهما

نعم وبئس وما جرى مجراهما 485 - فعلان غير متصرفين ... نعم وبئس رافعان اسمين 486 - مقارني أل أو مضافين لما ... قارنها كنعم عقبى الكرما 487 - ويرفعان مضمرًا يفسره ... مميز كنعم قومًا معشره (نعم وبئس) فعلان ماضيا اللفظ لا يتصرفان، والمقصود بهما إنشاء المدح والذم. والدليل على فعليتهما جواز دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما عند جميع العرب، واتصال ضمير الرفع البارز بهما في لغة قوم. حكي الكسائي عنهم: الزيدان نعما رجلين، والزيدون نعموا رجالا. وذهب الفراء وأكثر الكوفيين إلى أنهما اسمان، واحتجوا بدخول حرف الجر عليهما، كقول بعضهم وقد بشر ببنت: (والله ما هي بنعم الولد: نصرها بكاء، وبرها سرقة). وقول الآخر: (نعم السير على بئس العير). [182] وقول // الراجز: [من الرجز] 432 - صبحك الله بخيرٍ باكر ... بنعم طيرٍ وشباب فاخر

ولا حجة فيما أوردوه، لجواز أن يكون دخول حرف الجر في (بنعم الولد) و (على بئس العير) كدخوله على (نام) في قول القائل: [من الرجز] 433 - عمرك ما ليلي بنام صاحبه ... ولا مخالط الليان جانبه تقديره: ما ليلي بليلٍ نام صاحبه، ثم حذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه، فجرى عليها حكمه. وهكذا ما نحن بصدده، كان أصله: ما هي بولدٍ نعم الولد، ونعم السير على عيرٍ بئس العير، ثم حذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه، فدخل عليها حرف الجر. وأما قوله: (بنعم طيرٍ) فهو على الحكاية، ونقل الكلمة عن الفعلية إلى جعلها اسمًا للفظ، كما في نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وأنهاكم عن قيل وقال) والمعنى: صبحك الله بكلمة نعم منسوبة إلى الطائر الميمون. وفي (نعم وبئس) أربع لغات: نعم وبئس، وهو الأصل، ونعم وبئس، ونعم وبئس، ونعم وبئس: بالإتباع. وهذه اللغات الأربع جائزة في كل ما عينه حرف حلق، وهو ثلاثي مفتوح الأول، مكسور الثاني، نحوك شهد وفخذ. وقوله: ............... ... .......... رافعان اسمين إلى آخر الأبيات الثلاثة مبين أنه أن (نعم وبئس) يقتضيان فاعلا معرفًا بالألف واللام الجنسية، أو مضافًا إلى المعرف بها، أو مضمرًا مفسرًا بنكرة بعده منصوبة على التمييز. فالأول: كقوله تعالى: (نعم المولى ونعم النصير) [الحج /78].

والثاني نحو: ............ ... .......... نعم عقبى الكرما ونظيره قوله تعالى: (ولنعم دار المتقين) [النحل /30]. والمضاف إلى المضاف إلى المعرف بالألف واللام بمنزلة المضاف إلى المعرف بها، وذلك نحو: نعم غلام صاحب القوم. قال الشاعر: [من الطويل] 434 - فنعم ابن أخت القوم غير مكذبٍ ... زهير حسام مفرد من حمائل والثالث كقولك: نعم قومًا معشر زيدٍ، ومثله قول الشاعر: [من البسيط] 435 - لنعم موئلا المولى إذا حذرت ... بأساء ذي البغي واستيلاء ذي الإحن التقدير: لنعم الموئل موئلا المولى، فأضمر الفاعل، وفسر بالتمييز بعده، ونحوه قوله تعالى: (بئس للظالمين بدلا) [الكهف /50]. وقد يستغنى عن التمييز للعلم بجنس الضمير، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت) أي: فبالسنة أخذ، ونعمت السنة. والغالب في (نعم وبئس) ألا يخرج فاعلهما عن أحد الأقسام المذكورة، وإنما قلت الغالب، لأن الأخفش حكي أن ناسًا من العرب يرفعون بـ (نعم وبئس) النكرة المفردة، نحو: نعم خليل زيدٌ، والمضافة أيضًا نحو: نعم جليس قومٍ عمرو. [183] وربما قيل: نعم زيد، وفي الحديث // الشريف: (نعم عبد الله خالد بن الوليد) وقد مر حكاية: نعما رجلين، ونعموا رجالا، إلا أن هذا ومثله قليل نادر، بالإضافة إلى ما تقدم ذكره. 488 - وجمع تمييزٍ وفاعلٍ ظهر ... فيه خلاف عنهم قد اشتهر منع سيبويه الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز، فلا يجوز: نعم الرجل رجلا زيد، لأن الإبهام قد ارتفاع بظهور الفاعل، فلا حاجة إلى التمييز.

وقد أجازه المبرد تمسكًا بمثل قول الشاعر: [من البسيط] 436 - والتغلبيون بئس الفحل فحلهم ... فحلا وأمهم زلاء منطيق وما ذهب إليه المبرد هو الأصح؛ فإن التمييز كما يجيء لرفع الإبهام، كذلك قد يجيء للتوكيد، قال الله تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا) [التوبة /36]، ومثله قول الشاعر: [من الكامل] 437 - ولقد علمت بأن دين محمدٍ ... من خير أديان البرية دينا 489 - وما مميز وقيل فاعل ... في نحو نعم ما يقول الفاضل يعني: أنه قد قيل في (ما) من نحو: نعم ما صنعت، وقوله تعالى: (بئس ما اشتروا به أنفسهم) [البقرة /90]، يجوز أن تكون نكرة موصوفة في موضع نصب على التمييز، وهي مفسرة لفاعل الفعل قبلها، وأن تكون موصولة في موضع رفع بالفاعلية، وإن لم تكن اسمًا معرفًا بالألف واللام، على حد قوله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم عبد الله خالد بن الوليد) وكذلك قيل في (ما) المفردة، كقوله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) [البقرة /271]. فعند أكثر النحويين: أن (ما) في موضع نصب على التمييز للفاعل المستكن، وهي نكرة غير موصوفة، مثلها في نحو: ما أحسن زيدًا!، وقولهم: إني مما أن أفعل كذا. وذهب ابن خروف إلى أنها فاعل، وهي اسم تام معرفة، وزعم أنه مذهب سيبويه، قال: وتكون (ما) تامة معرفة بغير صلة، نحو: دققته دقًا نعمًا، قال سيبويه: أي: نعم الدق، و (نعما هي) أي: نعم الشيء إبداؤها، فحذف المضاف، وهو (الإبداء) وأقيم ضمير الصدقات مقامه.

وعندي: أن هذا القول من سيبويه لا يدل ما ذهب إليه ابن خروف لجواز أن يكون سيبويه قصد بيان تأويل الكلام، ولم يرد تفسير معنى (ما) ولا بيان أن موضعها رفع. 490 - ويذكر المخصوص بعد مبتدأ ... أو خبر اسم ليس يبدو أبدا [184] // لما كان (نعم وبئس) للمدح العام، والذم العام، الشائعين في كل خصلة محمودة أو مذمومة، المستبعد تحققها، وهو: أن يشيع كون المحمود محمودًا في خصال الحمد، وكون المذموم مذمومًا في خلافها سلكوا بهما في الأمر العام طريقي الإجمال والتفصيل لقصد مزيد التقرير، فجاؤوا بعد الفاعل بما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم، فقالوا: نعم الرجل زيد، ونعم رجلا عمرو. ألا ترى أنك إذا قلت: نعم الرجل، معرفًا للفاعل بالألف واللام الجنسية، أو قلت: نعم رجلا، فأضمرته مفسرًا بمميز عام له كيف يتوجه المدح إلى المخصوص به أولا على سبيل الإجمال لكونه فردًا من الجنس، ثم إذا عقبته بذكر المخصوص كيف يتوجه إليه ثانيًا على سبيل التفصيل، فيحصل من تقوي الحكم، ومزيد التقرير ما يزيل ذلك الاستبعاد. وقد جوز النحويون في المخصوص بالمدح أو الذم أن يكون مبتدأ، خبره الجملة قبله، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف، واجب الحذف، تقديره: نعم الرجل هو زيد، كأن سامعًا سمع (نعم الرجل) فسأل عن المخصوص بالمدح، من هو؟ فقيل له: هو زيدً. 491 - وإن يقدم مشعر به كفى ... كالعلم نعم المقتنى والمقتفى قد يتقدم على (نعم) ما يدل على المخصوص بالمدح، فيغني ذلك عن ذكره، كقولك: العلم نعم المقتنى والمقتفى، أي: المتبع، ونحوه قوله تعالى حكاية عن أيوب عليه السلام: (إنا وجدناه صابرًا نعم العبد) [ص /44]. وقول الشاعر: [من م. الكامل] 438 - إني اعتمدتك يا يزيـ ... د فنعم معتمد الوسائل 492 - واجعل كبئس ساء واجعل فعلا ... من ذي ثلاثةٍ كنعم مسجلا

استعملوا (ساء) في الذم استعمال (بئس) في عدم التصرف، والاقتصار على كون الفاعل معرفًا بالألف واللام، أو مضافًا إلى المعرف بهما، أو مضمرًا مفسرًا بتمييز بعده، والمجيء بعد الفاعل بالمخصوص بالذم، فيقال: ساء الرجل زيد وساء غلام الرجل عمرو، وساء غلامًا عبد هندٍ، كما قال الله تعالى: 0 بئس الشراب وساءت مرتفقًا) [الكهف /29] وقال الله تعالى: (ساء ما يحكمون) [الأنعام /136]. فهذا على حد قوله تعالى: (بئس ما شروا به أنفسهم) [البقرة /102]. قوله: ....... واجعل فعلا ... من ذي ثلاثةٍ كنعم مسجلا أي: بلا قيد، يقال: أسجلت الشيء، إذا أمكنت من الانتفاع به مطلقًا. والمراد بهذه العبارة التنبيه على أن العرب تبني من كل فعل ثلاثي فعلا على (فعل) لقصد المدح أو الذم، وتجريه في الاستعمال، وعدم التصرف مجرى (نعم) كقولك: [185] // علم الرجل زيد، وقضو صاحب القوم عمرو، ورمو غلامًا بكر، وقال الله تعالى: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) [الكهف /5]. المعنى والله أعلم: بئس كلمة تخرج من أفواههم قولهم اتخذ الله ولدًا. 493 - ومثل نعم حبذا الفاعل ذا ... وإن ترد ذما فقل لا حبذا يقال في المدح: حبذا زيد، كما يقال: نعم الرجل زيد، فإذا أريد الذم قيل (لا حبذا). قال الشاعر: [من الطويل] 439 - ألا حبذا أهل الملا غير أنه ... إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا وقوله: ................. الفاعل ذا ... ............. تعريض بالرد على جماعة من النحويين، فإنهم يرون أن (حب) في هذا الباب غير مستقلة بالإسناد، بل هي مركبة مع (ذا) مجعولة معها شيئًا واحدًا. ثم من هؤلاء من يجعل المخصوص بعدها خبرًا، على أن (حبذا) مبتدأ، ومنهم من يجعله فاعلا، على أنها فعل. وكلا القولين تكلف، وإخراج اللفظ عن أصله بلا دليل.

قال ابن خروف، بعد أن مثل بـ (حبذا زيد): (حب) فعل، و (ذا) فاعل و (زيد) مبتدأ، وخبره (حبذا) وقال: هذا قول سيبويه، وأخطأ عليه من زعم غير ذلك. 494 - وأول ذا المخصوص أيا كان لا ... تعدل بذا فهو يضاهي المثلا يقول: أتبع (ذا) المخصوص بالمدح أو الذم مذكرًا كان أو مؤنثًا، مفردًا أو مثنى أو مجموعًا، ولا تعدل عن لفظ (ذا) لأن باب (حبذا) جار مجرى المثل، والأمثال لا تغير، فتقول: حبذا زيد، وحبذا هند، وحبذا الزيدان، وحبذا الزيدون، وحبذا الهندات. ولو طابقت بين الفاعل والمخصوص بالمدح قلت: حب ذي هند، وحب أولاء الزيدون، كما تقول: نعم المرأة هند، ونعم الرجال الزيدون، إلا أنه لما جرى مجرى المثل لم يغير، كما قالوا: (الصيف ضيعت اللبن). وقال ابن كيسان: (ذا) من قولهم: (حبذا) إشارة إلى مفرد مضاف إلى المخصوص، حذف وأقيم هو مقامه، فتقدير: حبذا هند: حبذا حسنها. وقد يحذف المخصوص في هذا الباب للعلم به، كما في باب (نعم) قال الشاعر: [من الطويل] 440 - ألا حبذا لولا الحياء وربما ... منحت الهوى ما ليس بالمتقارب وقد يذكر قبله أو بعده تمييز، نحو: حبذا رجلا زيد، وحبذا هندًا امرأة. 495 - وما سوى ذا ارفع بحب أو فجر ... بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر يعني: أنه قد يجيء فاعل (حب) المراد بها المدح غير (ذا)، وذلك على ضربين: [186] أحدهما: // مرفوع، كقولك: حب زيدٌ رجلا. والآخر: مجرور بالباء الزائدة، نحو: حب زيد رجلا.

وأكثر ما تجيء (حب) مع غير (ذا) مضمومة الحاء بالنقل من حركة عينها، كقول الشاعر: [من الطويل] 441 - فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل وقد لا تضم حاؤها، كقول بعض الأنصار - رضي الله عنه -: [من الرجز] 442 - باسم الإله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا فحبذا ربا وحب دينا أي: حب عبادته دينا، وذكر ضمير العبادة لتأولها بالدين والتعظيم.

أفعل التفضيل

أفعل التفضيل 496 - صغ من مصوغٍ منه للتعجب ... أفعل للتفضيل واب اللذ أبي يبني الوصف على (أفعل) للدلالة على التفضيل، وذلك مقيس في كل ما يبنى منه فعل التعجب، تقول: هو أفضل من زيدٍ، وأعلم منه، وأحسن، كما تقول: ما أفضل زيدًا! وما أعلمه وما أحسنه!. وقوله: .......................... ... ....... واب اللذ أبي يعني: أن ما لا يجوز أن يبني منه فعل التعجب لا يجوز أن يبني منه (أفعل) التفضيل. فلا يبني من وصف لا فعل له كـ (غير وسوى) ولا من فعل زائد على ثلاثة أحرف، نحو: استخرج، ولا معبر عن اسم فاعله بـ (أفعل) كعور، ولا مبني للمفعول، كضرب، ولا غير متصرف كـ (عسى ونعم وبئس) ولا غير متفاوت المعنى، كمات، وفني. فإن سمع بناؤه من شيء من ذلك عد شاذا، وحفظ، ولم يقس عليه، كما في التعجب. تقول: هو أقمن بكذا، أي: أحق به، وإن لم يكن له فعل، كما قلت: أقمن به، وقالوا: (هو ألص من شظاظٍ) فبنوه من لص، ولا فعل له. وتقول من اختصر الشيء: هو أخصر من كذا، كما يقال: ما أخصره! وقالوا: هو أعطاهم للدراهم! وأولاهم للمعروف! وأكرم لي من زيد! أي: أشد إكرامًا، وهذا

المكان أقفر من غيره! وفي المثل: (أفلس من ابن المذلق)، وفي الحديث الشريف: (فهو لما سواها أضيع). وهذا النوع عند سيبويه مقيس، لأنه من (أفعل) وهو عنده كالثلاثي في جواز بناء فعل التعجب منه، وأفعل التفضيل. وتقول: هو أهوج منه!، وأنوك منه؟، وإن كان اسم فاعله على (أفعل) كما يقال: ما أهوجه، وما أنوكه! وفي المثل: (هو أحمق من هبنقة)! (وأسود من حلك الغراب). وأما قولهم: (أزهى من ديك) و (أشغل من ذات النحيين)، و (أعني بحاجتك) فلا تعد شاذة، وإن كانت من فعل ما لم يسم فاعله، لأنه لا لبس فيها، إذ لم يستعمل لها فعل فاعل. [187] // 497 - وما به إلى تعجبٍ وصل ... لمانعٍ به إلى التفضيل صل يعني: أن ما لا يجوز التعجب من لفظه لمانع فيه يتوصل إلى الدلالة على التفضيل فيه بمثل ما يتوصل إلى التعجب منه؟ فيبنى (أفعل) التفضيل من (أشد) أو ما جرى مجراه، ويميز بمصدر ما فيه المانع، وذلك نحو قولك: هو أكثر استخراجًا، وأقبح عورًا، وأفجع قوتًا. 498 - وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرًا أو لفظًا بمن إن جردا

أفعل التفضيل في الكلام على ثلاثة أضرب: مضاف، ومعرف بالألف واللام، ومجرد من الإضافة والألف واللام. فإن كان مجردًا لزم اتصاله بـ (من) التي لابتداء الغاية، جارة للمفضل عليه، كقولك: زيد أكرم من عمروٍ، وأحسن من بكرٍ. وقد يستغنى بتقدير (من) عن ذكرها لدليل، ويكثر ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرًا، كقوله تعالى: (والآخرة خير وأبقى) [الأعلى /17] ويقل ذلك إذا كان صفة أو حالا، كقول الراجز: [من الرجز] 443 - تروحي أجدر أن تقيلي ... غدًا بجنبي باردٍ ظليل أي: تروحي، وائتي مكانًا أجدر أن تقيلي فيه من غيره. وإن كان (أفعل) التفضيل مضافًا، نحو: زيد أفضل القوم، أو معرفًا بالألف واللام، نحو: زيد الأفضل، لم يجز اتصاله بـ (من) فأما قوله: [من السريع] 444 - ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن (من) فيه ليست لابتداء الغاية بل لبيان الجنس، كما هي في نحو: أنت منهم الفارس والشجاع، أي من بينهم. الثاني: أنها متعلقة بمحذوف، دل عليه المذكور. الثالث: أن الألف واللام زائدتان. فلم يمنعا من وجود (من) كما لم يمنعا من الإضافة في قول الشاعر: [من الكامل]

445 - تولي الضجيع إذا تنبه موهنًا ... كالأقحوان من الرشاش المستقي قال أبو علي: أراد من رشاش المستقي. 499 - وإن لمنكور يضف أو جردا ... ألزم تذكيرًا وأن يوحدا 500 - وتلو أل طبق وما لمعرفه ... أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه 501 - هذا إذا نويت معنى من وإن ... لم تنو فهو طبق ما به قرن إذا كان أفعل التفضيل مجردًا لزمه التذكير والإفراد بكل حال، كقولك: هو [188] أفضل، // وهي أفضل، وهما أفضل، وهم أفضل، وهن أفضل، وإذا كان معرفًا بالألف واللام لزمه مطابقة ما هو له في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، وهو المراد بقوله: وتلو (أل) طبق. تقول: هو الأفضل، وهي الفضلى، وهما الأفضلان، وهم الأفضلون، هن الفضليات، أو الفضل. وإذا كان مضافًا. فإن أضيف إلى نكرة لزمه التذكير والإفراد، كالمجرد، تقول: هو أفضل رجل، وهي أفضل امرأةٍ، وهما أفضل رجلين، وهم أفضل رجالٍ، وهن أفضل نساءٍ. وإن أضيف إلى معرفة: جاز أن يوافق المجرد في لزوم الإفراد، والتذكير، فيقال: هي افضل النساء، وهما أفضل القوم، وجاز أن يوافق المعرف بالألف واللام في لزوم المطابقة لما هو له، فيقال: هي فضلى النساء، وهما أفضلا القوم، وقد اجتمع الوجهان في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون). وإلى جواز موافقة المضاف المجرد، والمعرف بالألف واللام الإشارة بقوله: ......... وما لمعرفه ... أضيف ذو وجهين ............... وقوله: هذا إذا نويت معنى من .............. ... .......................

يعني: أن جواز الأمرين في المضاف مشروط بكون الإضافة فيه بمعنى (من) وذلك إذا كان (أفعل) مقصودًا به التفضيل، وأما إذا لم يقصد به التفضيل فلابد فيه من المطابقة لما هو له، كقولهم: (الناقص والأشج أعدلا بني مروان) أي: عادلاهم. وكثيرًا ما يستعمل (أفعل) غير مقصود به تفضيل، وهو عند المبرد مقيس، ومنه قوله تعالى: (ربكم أعلم بما في نفوسكم) [الإسراء /25] وقوله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) [الروم /27] أي ربكم عالم بما في نفوسكم، وهو هين عليه. وقول الشاعر: [من الكامل] 446 - إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول أراد: عزيزة طويلة. 502 - وإن تكن بتلو من مستفهما ... فلهما كن أبدًا مقدما 503 - كمثل ممن أنت خير ولدى ... إخبارٍ التقديم نزرًا وردا لأفعل التفضيل مع (من) شبه بالمضاف والمضاف إليه، فحقه ألا يتقدم عليه إلا لموجب، وذلك إذا كان المجرور بـ (من) اسم استفهام، فإنه لابد إذا ذاك من تقديمهما على (أفعل) التفضيل ضرورة أن الاستفهام له صدر الكلام، تقول: (ممن أنت خير) ومن كم دراهمك أكثر؟ ومن أيهم أنت أفضل؟. وإذا كان المجرور بـ (من) غير الاستفهام لم يتقدم على (أفعل) التفضيل إلا [189] قليلا، كقول الشاعر: // [من الطويل]

447 - فقالت لنا أهلا وسهلا وزودت ... جنى النحل أو ما زودت منه أطيب وقول الآخر: [من الطويل] 448 - ولا عيب فيها غير أن سريعها ... قطوف وألا شيء منه أكسل ولشبه (أفعل) التفضيل مع (من) بالمضاف والمضاف إليه لم يفصل منه بأجنبي، تقول: زيد أحسن وجهًا من عمروٍ، وأنت أحظى عندي من ذاك. وقد اجتمع فصلان في قول الراجز: [من الرجز] 449 - لأكلة من إقطٍ وسمن ... ألين مسا في حشايا البطن من يثربياتٍ قذاذٍ خشن 504 - ورفعه الظاهر نزر ومتى ... عاقب فعلا فكثيرًا ثبتا 505 - كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق (أفعل) التفضيل من قبل أنه في حال تجرده لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، ضعيف الشبه باسم الفاعل، وبالصفة المشبهة به، فلم يرفع الظاهر عند أكثر العرب إلا إذا ولى نفيًا أو استفهامًا، وكان مرفوعه أجنبيًا، مفضلا على نفسه باعتبارين، نحو قولهم: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة). وقول الشاعر: [من الطويل] 450 - مررت على وادي السباع ولا أرى ... كوادي السباع حين يظلم واديا أقل به ركب أتوه تئيةً ... وأخوف إلا ما وقى الله ساريا تقديره: لا أرى واديًا أقل به ركب أتوه تئيةً منه كوادي السباع، ولكن حذف لتقدم ما دل على المفضول. يقال: تأييت بالمكان، أي: تلبثت به. وتقول: ما أحد أحسن به الجميل من زيدٍ، أصله: ما أحد أحسن به الجميل من الجميل بزيد، إلا أنه أضيف الجميل إلى زيد، لملابسته له في المعنى، فصار في التقدير: من جميل زيد، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. ونظير ذلك قوله: كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق يعني: أبا بكر - رضي الله عنه -. فهذه الصور ونحوها يرفع (أفعل) التفضيل فيها الظاهر باطراد، ويمكن أن يعلل ذلك بأمرين: أحدهما: ما أشار إليه بقوله: .................... ومتى ... عاقب فعلا فكثيرًا ثبتا يعني أنه متى حسن أن يقع موقع (أفعل) التفضيل فعل بمعناه صح رفعه الظاهر [190]، كما صح إعمال اسم الفاعل بمعنى المضي في صلة // الألف واللام، فقالوا: (ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيدٍ). لأنه في معنى: ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيدٍ. فإن قلت: فكان ينبغي أن يقضي جواز مثل هذا بجواز رفع (أفعل) التفضيل السببي المضاف إلى ضمير الموصوف، نحو: ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه، وفي الإثبات، نحو: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيدٍ، لأنه يصح في ذلك كله وقوع الفعل موقع (أفعل) التفضيل.

قلت: المعتبر في اطراد (أفعل) التفضيل الظاهر جواز أن يقع موقعه الفعل الذي يبنى منه، مفيدًا فائدته، وما أوردته ليس كذلك. ألا ترى أنك لو قلت: ما رأيت رجلا يحسن أبوه كحسنه، فأتيت موضعٍ أحسن بمضارع حسن فائت الدلالة على التفضيل، أو قلت: ما رأيت رجلا يحسنه أبوه، فأتيت موضع أحسن بمضارع حسنه، إذا فاقه في الحسن كنت قد جئت بغير الفعل، الذي يبنى منه أحسن، وكانت الدلالة على الغريزة المستفادة من (أفعل) التفضيل. ولو رمت أن توقع الفعل موقع (أحسن) على غير هذين الوجهين لم تستطع، وكذا القول في نحو: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيدٍ، فإنك لو جعلت فيه يحسن مكان أحسن، فقلت: رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيدٍ، أو يحسن في عينه الكحل كحلا في عين زيد فأتت الدلالة على التفضيل في الأول، وعلى الغريزة في الثاني. الأمر الثاني: أن (أفعل) التفضيل متى ورد على الوجه المذكور وجب رفعه الظاهر، لئلا يلزم الفصل بينه وبين (من) بأجنبي فإن ما هو له في المعنى لو لم يجعل فاعلا لوجب كونه مبتدأ، ولتعذر الفصل به. فإن قلت: وأي حاجة إلى ذلك؟ ولم لم يجعل مبتدأ مؤخرًا عن (من)؟ فيقال: ما رأيت رجلا أحسن في عينيه منه في عين زيدٍ الكحل، أو مقدمًا على أحسن، فيقال: ما رأيت رجلا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيدٍ. قلت: لم يؤخر تجنبًا عن قبح اجتماع تقديم الضمير على مفسره، وإعمال الخبر في ضميرين لمسمى واحد وليس هو من أفعال القلوب، ولم يقدم كراهية أن يقدموا لغير ضرورة ما ليس بأهم، فإن الامتناع من رفع (أفعل) التفضيل للظاهر ليس لعلة موجبة إنما هو لأمر استحساني، فيجوز التخلف عن مقتضاه، إذا زاحمه ما رعايته أولى، وهو تقديم ما هو أهم، وإيراده في الذكر أتم، وذلك صفة ما يستلزم صدق الكلام تخصيصه. ألا ترى أنك لو قلت: ما رأيت رجلا كان صدق الكلام موقوفًا على تخصيص رجل بأمر يمكن أنه لم يحصل لمن رأيته من الرجال، لأنه ما من راءٍ إلا وقد رأى رجلا ما. فلما كان موقوف الصدق على المخصص، وهو الوصف كان تقديمه مطلوبًا [191] فوق كل // مطلوب، فقدم، واغتفر ما ترتب على التقديم: من الخروج عن الأصل.

فإن قلت، فلم لم يجز على مقتضى ما ذكرتم أن يرفع (أفعل) التفضيل الظاهر في الإثبات، فيقال: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيدٍ. قلت: لأن مطلوبية المخصص في الإثبات دون مطلوبيته في النفي، لأنه في الإثبات يزيد في الفائدة، وفي النفي يصون الكلام عن كونه كذبًا، فلما كان ذلك كذلك كان لهم عن تقديم الصفة، ورفعها الظاهر مندوحة، بتقديم ما هي له في المعنى، وجعله مبتدأ، فيقال: رأيت رجلا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيدٍ. ولكون المانع من رفع أفعل التفضيل الظاهر ليس أمرًا موجبًا أطرد عند بعض العرب إجراؤه مجرى اسم الفاعل، فيقولون: مررت برجل أحسن منه أبوه، حكي ذلك سيبويه. وإلى هذه المسألة الإشارة بقوله: ورفعه الظاهر نزر .................. ... ................. أي: رفعه الظاهر غير مقيد بصلاحيته لمعاقبة الفعل قليل في كلام العرب.

النعت

النعت 506 - يتبع في الإعراب الأسماء الأول ... نعت وتوكيد وعطف وبدل 507 - فالنعت تابع متم ما سبق ... بوسمه أو وسم ما به اعتلق التابع: هو المشارك ما قبله في إعرابه الحاصل والمجدد. فقولي: (المشارك ما قبله في إعرابه): يشمل التابع وغيره. وقولي: (الحاصل والمتجدد): يخرج خبر المبتدأ والحال من المنصوب. والتوابع خمسة أنواع: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل. فأما النعت: فهو التابع الموضح متبوعه والمخصص له، بكونه دالا على معنى في المتبوع، نحو: مررت برجل كريمٍ، أو في متعلق به، نحو: مررت برجلٍ كريمٍ أبوه. (فالتابع) جنس يعم الأنواع الخمسة، والموضح والمخصص مخرج لعطف النسق والبدل، وقولي: بدلالته على معنى في المتبوع، أو في متعلق به مخرج للتوكيد، وعطف البيان. وهذا مراده بقوله: .............. متم ما سبق ... بوسمه أو وسم ما به اعتلق أي: مكمل متبوعه ورافع عنه الشركة، واحتمالها ببيان صفة من الصفات، التي له، أو لمتعلق به. ولذلك: لا يكون إلا مشتقًا، أو مؤولا بمشتق، لأن الجوامد لا دلالة لها بوضعها على معان، منسوبة إلى غيرها، وكثيرًا ما يكون الاسم غنيًا عن الإيضاح، والتخصيص، فينعت لقصد المدح، نحو: (الحمد لله رب العالمين) [الفاتحة /1] أو الذم، نحو:

(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أو الترحم نحو: (مررت بأخيك المسكين) أو التوكيد، كقولك: (أمس الدابر لا يعود) ومنه قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور نفخةً واحدةً) [192] [الحاقة /13] //. 508 - وليعط في التعريف والتنكير ما ... لما تلا كامرر بقومٍ كرما النعت لابد أن يتبع المنعوت في إعرابه وتعريفه وتنكيره، سواء كان جاريًا على من هو له، أو على ما هو لشيء من سببه. فلا تنعت النكرة بمعرفة، لئلا يلزم مخالفة الغرض المقصود بالنسبة، وهو المنعوت، فإن النعت إنما يجيء لتكميل المنعوت، فمتى كان معرفة عين مسمى المنعوت، وزال ما قصد فيه من الإبهام والشيوع. فلا تنعت النكرة إلا بنكرة مثلها، كقولك: امرر بقومٍ كرماء. ولا تنعت المعرفة بنكرة، صونًا لها من توهم طرآن التنكير عليها، وإنما تنعت بالمعرفة، كقولك: امرر بالقوم الكرماء. اللهم إلا إذا كان التعريف بلام الجنس فإنه لقرب مسافته من التنكير يجوز نعتها حينئذ بالنكرة الخصوصة. ولذلك تسمع النحويين يقولون في قوله: [من الكامل] 451 - ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فأعف ثم أقول ما يعنيني أن (يسبني) صفة لا حال، لأن المعنى: ولقد أمر على لئيم من اللئام. ومثله قوله تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) [يس /37] وقولهم: ما ينبغي للرجل مثلك، أو خير منك أن يفعل كذا. 509 - وهو لدى التوحيد والتذكير أو ... سواهما كالفعل فأقف ما قفوا يجرى النعت في مطابقة المنعوت وعدمها؛ مجرى الفعل الواقع موقعه؛ فإن كان جاريًا على ما هو له رفع ضمير المنعوت وطابقه في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، تقول: مررت برجلين حسنين، وامرأةٍ حسنةٍ، كما تقول: برجلين حسنا، وامرأةٍ حسنت.

وإن كان جاريًا على ما هو لشيء من سببه؛ فإن لم يرفع السببي فهو كالجاري على ما هو له في مطابقته المنعوت، لأنه مثله في رفعه ضمير المنعوت، وذلك قولك: مررت بامرأة حسنة الوجه، وبرجالٍ حسان الوجوه. وإن رفع السببي كان بحسبه في التذكير والتأنيث، كما في الفعل، فيقال: مررت برجال حسنةٍ وجوههم، وبامرأةٍ حسنٍ وجهها، كما يقال: حسنت وجوههم، وحسن وجههًا، وجاز فيه رافعًا لجميع الإفراد والتكسير، فيقال: مررت برجل كريمٍ آباؤه، وكرامٍ آباؤه، وجاز فيه أيضًا أن يجمع جمع المذكر السالم، والمطابقة في التثنية، والجمع على لغة (أكلوني البراغيث) فيقال: مررت برجل حسنين غلمانه، وكريمين أبواه. 510 - وانعت بمشتق كصعب وذرب ... وشبهه كذا وذي والمنتسب [193] // المشتق: ما أخذ من لفظ المصدر للدلالة على معنى منسوب إليه. فلو قال: (وانعت بوصفٍ مثل صعب وذرب) كان أمثل؛ لأن من المشتق أسماء الزمان والمكان والآلة، ولا ينعت بشيء منها، إنما ينعت بما كان صفة، وهو ما دل على حدث وصاحبه، كصعبٍ وذرب وضارب ومضروب، وأفضل منك، أو اسمًا مضمنًا معنى الصفة، إما وصفًا كاسم الإشارة، وذي بمعنى صاحب، أو بمعنى الذي، وكأسماء النسب، وإما استعمالا، كقولهم: مررت بقاع عرفج كله، أي: خشن. 511 - ونعتوا بجملةٍ منكرا ... فأعطيت ما أعطيته خبرا 512 - وامنع هنا إيقاع ذات الطلب ... وإن أتت فالقول أضمر تصب تقع الجملة موقع المفرد نعتًا، كما تقع موقعه خبرًا، إلا أنه لتأولها بالمفرد النكرة لا يكون المنعوت بها إلا نكرة، أو ما في معناها، كالذي في قوله: [من الكامل] 452 - ولقد أمر على اللئيم يسبني ... ....................... على ما تقدم ذكره. ولابد في الجملة المنعوت بها من ضمير يربطها بالمنعوت، ليحصل بها تخصيصه كقولك: مررت برجلٍ أبوه كريم، وعرفت امرأةً يبهر حسنها. وقد يحذف الضمير للعلم به، كقوله: [من الوافر] 453 - فما أدري أغيرهم ثناءً ... وطول العهد أم مال أصابوا

وإلى هذا الإشارة بقوله: .................... ... فأعطيت ما أعطيته خبرا ولما أوهم هذا الإطلاق جواز النصت بالجملة الطلبية، إذ كان يجوز الإخبار بها رفع ذلك الإيهام بقوله: وامنع هنا إيقاع ذات الطلب ... .......................... فعلم أنه لا ينعت بالجملة إلا إذا كانت خبرية، لأن معناها محصل، فيمكن أن تخصص المنعوت، ويحصل بها فائدة بخلاف الجملة الطلبية، فإنها لا تدل على معنى محصل، فلا يمكن أن تخصص المنعوت ولا يحصل بها فائدة، فلا يصح النعت بها. وما أوهم ذلك أول، كقول الراجز يصف قومًا سقوا ضيفهم لبنًا، مخلوطًا بالماء: [من الرجز] 454 - ما زلت أسعى نحوهم وأختبط ... حتى إذا كاد الظلام يختلط جاؤوا بمذقٍ هل رأيت الذئب قط أي: مقول فيه عند رؤيته هذا القول، لإيراده في خيال الرائي لون الذئب بورقته لكونه سمارًا. 513 - ونعتوا بمصدرٍ كثيرا ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا ينعت بالمصدر كثيرًا على تأويله بالمشتق، كقولهم: رجل عدل ورضًا، ويلتزمون [194] فيه // الإفراد والتذكير فيقولون: امرأة رضًا، ورجلان رضًا، ورجال رضًا، كأنهم قصدوا بذلك التنبيه على أن أصله: رجل ذو رضًا، وامرأة ذات رضًا، ورجلان ذوا رضًا، ورجال ذوو رضًا، فلما حذفوا المضاف تركوا المضاف إليه على ما كان عليه.

514 - ونعت غير واحدٍ إذا اختلف ... فعاطفًا فرقه لا إذا ائتلف يجوز نعت غير الواحد بمتفق المعنى ومختلفه. فإذا نعت بمتفق المعنى استغنى عن تفريق النعت بالتثنية والجمع، فيقال: رأيت رجلين حسنين، ومررت برجالٍ كرماء. وإذا نعت بمختلف المعنى وجب تفريق النعت، وعطف بعض على بعض، فيقال: رأيت رجلين: عالمًا وجاهلا، ومررت برجال: شاعر وفقيهٍ وكاتبٍ. 515 - ونعت معمولي وحيدي معنًى ... وعملٍ أتبع بغير استثنا إذا نعت معمولا عاملين بما لهما في المعنى، فلا يخلو العاملان من أن يتحدا في المعنى والعمل، أو يختلفا فيهما، أو في أحدهما. فإن اتحدا فيهما كان النعت تابعًا للمنعوت في الرفع والنصب والجر. وهذا مراده من قوله .......................... ... ................. بغير استثنا فيقال: انطلق زيد وذهب عمرو الكريمان، وحدثت بكرًا وكلمت بشرًا الشريفين، وقعدت إلى زيدٍ وجلست إلى عمروٍ الكريمين. وإن اختلف العاملان وجب في النعت القطع، فيرفع على إضمار مبتدأ، وينصب على إضمار فعل، فيقال: جاء زيد وذهب عمرو الكريمان، على تقدير: هما الكريمان، وإن شئت قلت: الكريمين على تقدير، أعني: الكريمين، وكذا القول في نحو انطلق بكر وكلمت بشرًا الشريفان والشريفين، وكذا تقول نحو: مررت بزيدٍ وجاوزت عمرًا العالمان والعالمين، بإضمار مبتدأ، أو فعل ناصب، لأن الإتباع في كل هذا متعذر. إذ العمل الواحد. لا يمكن نسبته إلى عاملين، من شأن كل منهما أن يستقل بالعمل. 516 - وإن نعوت كثرت وقد تلت ... مفتقرًا لذكرهن اتبعت 517 - واقطع أو اتبع إن يكن معينا ... بدونها أو بعضها اقطع معلنا 518 - وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا ... مبتدأ أو ناصبًا لن يظهرا قد يكون للاسم نعتان فصاعدًا، بعطف وغير عطف. فالأول: كقوله تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى) [195] [الأعلى /1 - 4]. والثاني: // كقوله تعالى: (ولا تطع كل حلافٍ مهين * هماز مشاءٍ بنميمٍ * مناعٍ للخير معتدٍ أثيمٍ * عتل بعد ذلك زنيم) [القلم /10 - 13].

ثم إن المنعوت إن لم يعين المسمى إلا بجميع النعوت وجب فيها الإتباع. وإن كان متعينًا بدونها جاز فيها الإتباع والقطع، وإن كان متعينًا ببعض النعوت جاز القطع فيما عداه. وإلى هذا الإشارة بقوله: .................... ... .............. أو بعضها اقطع معلنا أي: وإن يكن معينًا ببعضها اقطع ما سواه، تقول: مررت بزيدٍ الكريم العاقل اللبيب، بالإتباع، وإن شئت قطعت، وذلك على وجهين: أحدهما: أن ترفع على إضمار مبتدأ تقديره: هو الكريم العاقل اللبيب. والثاني: أن تنصب على إضمار فعل لا يجوز إظهاره تقديره: أخص الكريم العاقل اللبيب. ولك أن تتبع بعضًا وتقطع بعضًا، ولك في القطع أن ترفع بعضًا وتنصب بعضًا، فتقول: مررت برجل كريمٍ عاقلٍ لبيبًا. ولا يجوز في هذا قطع الجميع، لأن النكرة لا تستغني عن التخصيص، فلابد من إتباع بعض النعوت، ثم بعد ذلك يجوز القطع، كما قال الشاعر: [من المتقارب] 455 - ويأوي إلى نسوةٍ عطل ... وشعثًا مراضيع مثل السعالي 519 - وما من المنعوت والنعت عقل ... يجوز حذفه وفي النعت يقل يعني أنه إذا علم النعت أو المنعوت جاز حذفه، فيكثر حذف المنعوت للعلم به، إذا كان النعت صالحًا لمباشرة العامل، كقوله تعالى: (وعندهم قاصرات الطرف أتراب) [ص /52]. فإن لم يصلح لمباشرة العامل امتنع الحذف غالبًا، إلا في الضرورة، كقوله: [من الرجز]

456 - ما لك عندي غير سهمٍ وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر يرمي بكفي كان من أرمى البشر وقول الآخر: [من الوافر] 457 - كأنك من جمال بني أقيشٍ ... يقعقع بين رجليه بشن وقولي (غالبًا): تنبيه على نحو قوله تعالى: (ولقد جاءك من نبا المرسلين) [الأنعام /34] وهو مطرد في النفي، كقولهم: (ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا). وقد يحذف النعت للدلالة عليه بقرينة حالية أو مقالية. فالأول: كقوله تعالى: (تدمر كل شيءٍ بأمر بها) [الأحقاف /25] وقول الشاعر وهو العباس بن مرداس: [من المتقارب] 458 - وقد كنت في الحرب ذا تدرا ... فلم أعط شيئًا ولم أمنع والثاني: كقوله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم [196] على القاعدين درجة // وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا * درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً) [النساء /95 - 96]. التقدير: فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من أولي الضرر درجةً، وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من غير أولى الضرر درجاتٍ.

التوكيد

التوكيد 520 - بالنفس أو بالعين الاسم أكدا ... مع ضميرٍ طابق المؤكدا 521 - واجمعهما بأفعلٍ إن تبعا ... ما ليس واحدًا تكن متبعا اعلم أن التوكيد نوعان: لفظي ومعنوي. فأما اللفظي فسيأتي ذكره. وأما المعنوي فهو: التابع الرافع احتمال تقدير إضافة إلى المتبوع، أو إرادة الخصوص بما ظاهره العموم. ويجيء في الغرض الأول بلفظ (النفس والعين) مضافين إلى ضمير المؤكد، مطابقًا له في الإفراد والتذكير وفروعهما، تقول: جاء زيد نفسه، فترفع بذكر (النفس) احتمال كون الجائي رسول زيد أو خبره أو نحو ذلك، ويصير به الكلام نصا على ما هو الظاهر منه، وكذا إذا قلت: لقيت زيدًا عينه. ولفظ توكيد (النفس والعين) في توكيد المؤنث كلفظهما في توكيد المذكر، كقولك: جاءت هند نفسها، وكلمتها عينها. أما في توكيد الجمع فيجمعان على (أفعل) كقولك: جاء الزيدون أنفسهم، وكلمت الهندات أعينهن، وكذا في توكيد المثنى على المختار، كقولك: جاء الزيدان أنفسهما، ولقيتهما أعينهما، ويجوز فيهما أيضًا الإفراد والتثنية، وكذا كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه يختار فيه لفظ الجمع على لفظ الإفراد، ولفظ الإفراد على لفظ التثنية. فألول: كقوله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) [التحريم /4].

والثاني: كقول الشاعر: [من الطويل] 459 - حمامة بطن الواديين ترنمي ... سقاك من الغر الغوادي مطيرها والثالث: كقول الآخر: [من الرجز] 460 - ومهمهين قذفين مرتين ... ظهراهما مثل ظهور الترسين قطعته بالسمت لا بالسمتين ويجيء التوكيد المعنوي في الغرض الثاني بلفظ (كل وكلا وكلتا وجميع وعامة) [197] على ما يعرب عنه قوله: // 522 - وكلا اذكر في الشمول وكلا ... كلتا جميعًا بالضمير موصلا 523 - واستعملوا أيضًا ككل فاعله ... من عم في التوكيد مثل النافله يعني أن الذي يذكر في التوكيد المقصود به التنصيص على الشمول، ورفع احتمال أن يراد باللفظ العام الخصوص هو الألفاظ المذكورة، مضافة إلى ضمير المؤكد، مطابقًا له. فأما (كل) فيؤكد بها غير المثنى مما له أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه، نحو قولك: جاء الجيش كله، والقبيلة كلها، والقوم كلهم، والنساء كلهن، فترفع بذكر المؤكد احتمال كون الجائي بعض المذكورين. وأما (كلا وكلتا) فيؤكد بهما المثنى، نحو قولك: جاء الزيدان كلاهما، والهندان كلتاهما.

وأما (جميع وعامة) فإنهما بمنزلة (كل) معنًى واستعمالا، تقول: جاء الجيش جميعه أو عامته، والقبيلة جميعها أو عامتها، والقوم جميعهم أو عامتهم، والنساء جميعهن أو عامتهن. وأغفل أكثر النحويين التنبيه على التوكيد بهذين الاسمين ونبه عليهما سيبويه. وأنشد الشيخ شاهدًا على التوكيد بـ (جميع) قول امرأة من العرب ترقص ابنها: [من الرجز] 461 - فداك حي خولان ... جميعهم وهمدان وكل آل قحطان ... والأكرمون عدنان وقوله: ...................... ... .............. مثل النافله بعد التنبيه على أن (عامة) من ألفاظ التوكيد بقوله: واستعملوا أيضًا ككل فاعله ... من عم في التوكيد مثل النافله يعني به: أن عد (عامة) من ألفاظ التوكيد مثل النافلة، أي: الزائد على ما ذكره النحويون في هذا الباب، فإن أكثرهم أغفله، وليس هو في حقيقة الأمر نافلة على ما ذكروه، لأن من أجلهم سيبويه؛ رحمه الله تعالى؛ ولم يغفله. 524 - وبعد كل أكدوا بأجمعا ... جمعاء أجمعين ثم جمعا 525 - ودون كل قد يجيء أجمع ... جمعاء أجمعون ثم جمع يجوز أن يتبع (كله) بأجمع و (كلها) بجمعاء و (كلهم) بأجمعين و (كلهن) بجمع، لزيادة التوكيد، وتقريره، تقول: جاء الجيش كله أجمع، والقبيلة كلها جمعاء، والزيدون كلهم أجمعون، والهندات كلهن جمع، قال الله تعالى: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون) [الحجر /30]. وقد يغني (أجمع وجمعاء وأجمعون وجمع) عن (كله وكلها وكلهم وكلهن) وهو قليل.

وقد يتبع (أجمع) وأخواته بـ (أكتع وكتعاء وأكتعين وكتع) وقد يتبع (أكتع) وأخواته بـ (أبصع وبصعاء وأبصعين وبصع) فيقال: جاء الجيش كله أجمع أكتع أبصع، [198] والقبيلة كلها جمعاء كتعاء بصعاء، والقوم كلهم // أجمعون أكتعون أبصعون، والهندات كلهن جمع كتع بصع. وزاد الكوفيون بعد (أبصع) وأخواته أبتع وبتعاء وأبتعين وبتع. ولا يجوز أن يتعدى هذا الترتيب. وقد شذ قول بعضهم: (أجمع أبصع) وأشذ منه قول آخر: (جمع بتع). وربما أكدوا بأكتع وأكتعين، غير مسبوقين بـ (أجمع، وأجمعين) ومنه قول الراجز: [من الرجز] 462 - يا ليتني كنت صبيًا مرضعا ... تحملني الذلفاء حولا أكتعا إذا بكيت قبلتني أربعا ... إذا ظللت الدهر أبكي أجمعا وفي هذا الرجز إفراد (أكتع) عن (أجمع) وتوكيد النكرة المحدودة، والتوكيد بـ (أجمع) غير مسبوق بـ (كل) والفصل بين المؤكد والمؤكد، ومثله في التنزيل: (ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن) [الأحزاب /51]. 526 - وإن يفد توكيد منكورٍ قبل ... وعن نحاة البصرة المنع شمل مذهب الكوفيين أنه يجوز توكيد النكرة المحدودة، مثل: يوم وليلة وشهر وحول، مما يدل على مدة معلومة المقدار. ولا يجيزون توكيد النكرة غير المحدودة، كحين ووقت وزمان، مما يصلح للقليل والكثير، لأنه لا فائدة في توكيدها. ومنه البصريون توكيد النكرة، سواء كانت محدودة، أو غير محدودة، وهذا معنى قوله: ........................ ... وعن نحاة البصرة المنع شمل أي: عم، لما يفيد توكيده من النكرات، ولما لا يفيد. وقول الكوفييون أولى بالصواب، لصحة السماع بذلك، ولأن في توكيد النكرة المحدودة فائدة كالتي في توكيد المعرفة، فإن من قال: صمت شهرًا، قد يريد جميع الشهر، وقد يريد أكثره، ففي قوله احتمال. فإذا قال: صمت شهرًا كله، ارتفع الاحتمال، وصار كلامه نصًا على مقصوده.

فلو لم يسمع من العرب لكان جديرًا بأن يجوز قياسًا، فكيف به واستعماله ثابت، كقوله: [من الرجز] 463 - تحملني الذلفاء حولا أكتعا وقول الآخر: [من الرجز] 464 - إنا إذا خطافنا تقعقعا ... قد صرت البكرة يومًا أجمعا وقول الآخر: [من البسيط] 465 - لكنه شاقه أن قيل ذا رجب ... يا ليت عدة حول كله رجب 527 - واغن بكلتا في مثنى وكلا ... عن وزن فعلاء ووزن أفعلا لا يؤكد المثنى فيما سمع من العرب إلا بالنفس، أو بالعين، أو بكلا في التذكير، أو بكلتا في التأنيث. وأجاز الكوفيون في القياس أن يؤكد المثنى في التذكير باجمعين، وفي [199] التأنيث // بجمعاوين، مع اعترافهم بكونه لم ينقل عن العرب. وأشار ابن خروف إلى أن ذلك لا مانع منه. وعندي أن ثم ما يمنع منه، وهو أن من شروط استعمال المثنى جواز تجريده من علامة التثنية، وعطف مثله عليه. وعلى هذا لا ينبغي أن يجوز: جاء زيد وعمرو أجمعان، لأنه لا يصح أن تقول: جاء أجمع وأجمع، لأن المؤكد بأجمع كالمؤكد بكل في كونه لابد أن يكون ذا أجزاء، يصح وقوع بعضها موقعه، فلو قلت: جاء الجيشان أجمعان لم يأبه القياس. 528 - وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل 529 - عنيت ذا الرفع وأكدوا بما ... سواهما والقيد لن يلتزما

إذا أكد ضمير الرفع المتصل بالنفس أو بالعين فلابد من توكيده قبل بضمير منفصل، كقولك: قوموا أنتم أنفسكم، فلو قلت: قوموا أنفسكم لم يجز. وإذا أكد بغير النفس والعين من ألفاظ التوكيد المعنوي لم يلزم توكيده بالضمير المنفصل، تقول: قوموا كلكم، ولو قلت: قوموا أنتم كلكم لكان جيدًا حسنًا. وأما ضمير غير الرفع فلا فرق بين توكيده بالنفس أو بالعين، وبين توكيده بغيرهما في عدم وجوب الفصل بالضمير المنفصل، تقول: رأيتك نفسك، ومررت بك عينك، كما تقول: رأيتهم كلهم، ومررت بهم كلهم، وإن شئت قلت: رأيتك إياك نفسك، ومررت بك أنت عينك، فتؤكد بالمعنوي، بعد التوكيد باللفظي. 530 - وما من التوكيد لفظي يجي ... مكررًا كقولك ادرجي ادرجي لما انتهي كلامه في التوكيد المعنوي أخذ في الكلام على التوكيد اللفظي فقال: وما من التوكيد لفظًا يجي ... مكررًا ..................... يعني: أن التوكيد اللفظي هو تكرار معنى المؤكد بإعادة لفظه، أو تقويته بمرادفه، لفصل التقرير، خوفًا من النسيان، أو عدم الإصغاء، أو الاعتناء، وأكثر ما يجيء مؤكدًا لجملة، وقد يؤكد المفرد. فالأول كقوله: ........................... ... .................. ادرجي ادرجي ومثله قول الشاعر: [من الهزج] 466 - أيا من لست أقلاه ... ولا في البعد أنساه لك الله على ذاك ... لك الله لك الله وكثيرًا ما تقترن الجملة المؤكدة بعاطف، كقوله تعالى: (وما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين) [الانفطار /17 - 18] وقوله تعالى: (أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى) [القيامة /23 - 24]. [200] والثاني: ما // يؤكد به اسم أو فعل أو حرف. أما الاسم: فكقولك: جاء زيد زيد، وقوله تعالى: (كلا إذا دكت الأرض دكًا دكا) [الفجر /21]. ومنه قولك: (أنت بالخير حقيق قمن).

وأما الفعل: فأكثر ما يجيء مؤكدًا فعلا مع فاعله: ظاهرًا كان، نحو: قام زيد قام زيد، أو مضمرًا، نحو: قام أخواك قاما، ونحو: قم قم إلى زيدٍ. وقد يجيء مؤكد الفعل خاليًا عن الفاعل، وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر: [من الطويل] 467 - فأين إلى أين النجاء ببلغتي ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس وأما الحرف: فسيأتي الكلام على توكيده. 531 - ولا تعد لفظ ضميرٍ متصل ... إلا مع اللفظ الذي به وصل لا يجوز أن يؤكد الضمير المتصل بإعادته مجردًا، لأن ذلك يخرجه عن حيز الاتصال إلى الانفصال، بل معمودًا بمثل ما اتصل به كقولك: عجبت منك منك، ومررت بك بك. 532 - كذا الحروف غير ما تحصلا ... به جواب كنعم وكبلى حروف الجواب: (نعم وبلى وأجل وجير وإي ولا) لصحة الاستغناء بها عن ذكر المجاب به هي كالمستقل بالدلالة على معناه، فيجوز أن تؤكد بإعادة اللفظ من غير اتصاله بشيء آخر، كقولك لمن قال: أتفعل كذا؟ نعم نعم، أو لا لا، والأولى توكيده بذكر مرادفه، كقولك: بدل نعم نعم أجل نعم، أو أجل جير، كما قال الشاعر: [من الطويل] 468 - وقلن على الفردوس أول مشربٍ ... أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره وأما الحرف غير الجوابي فلكونه كالجزء من مصحوبه لا يجوز في الغالب أن يؤكد إلا ومع المؤكد مثل الذي مع المؤكد أو مرادفه، كقولك: إن زيدًا إن زيدًا فاضل، وفي الدار في الدار زيد. فإن شئت قلت: إن زيدًا إنه فاضل، وفي الدار فيها زيد، فتعمل الحرف المؤكد بضمير ما اتصل بالمؤكد لأنه بمعناه، قال الله تعالى: (ففي رحمة الله هم فيها خالدون) [آل عمران /107].

وقد يفرد الحرف غير الجوابي في التوكيد، ويسهل ذلك كونه على أكثر من حرف واحد، نحو (كأن) في قول الراجز: [من الرجز] 469 - حتى تراها وكأن وكأن ... أعناقها مشددات بقرن وإذا كان على حرف واحد كانت إعادته مفردًا في غاية من الشذوذ والقلة، كقول [201] الشاعر: // [من الوافر] 470 - فلا والله لا يلفى لما بي ... ولا للما بهم أبدًا دواء فلو كان المؤكد مغايرًا في اللفظ للمؤكد كان الشذوذ أقل، كقول الشاعر: [من الطويل] 471 - فأصبحن لا يسألنه عن بما به ... أصعد في علو الهوى أم تصوبا فأكد عن بـ (الباء) لأنها هنا بمعناها، كما هي في نحو قوله تعالى: (ويوم تشقق السماء بالغمام) [الفرقان /25] وقول الشاعر: [من الطويل]

472 - فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ... فليس له من ودهن نصيب 533 - ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضميرٍ اتصل يؤكد بضمير الرفع المنفصل الضمير المستتر، كقوله تعالى: (اسكن أنت وزوجك الجنة) [البقرة /35]، والضمير المتصل: مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا، نحو: فعلت أنت، ورأيتني أنا، ومررت به هو.

العطف

العطف 534 - العطف إما ذو بيانٍ أو نسق ... والغرض الآن بيان ما سبق 535 - فذو البيان تابع شبه الصفه ... حقيقة القصد به منكشفه العطف كما ذكر على ضربين: عطف بيان، وعطف نسق. فأما عطف البيان: فهو التابع الموضح، والمخصص متبوعه، غير مقصود بالنسبة ولا مشتقا، ولا مؤولا بمشتق، كقوله: [من الرجز] 473 - أقسم بالله أو حفصٍ عمر ... ما مسها من نقبٍ ولا دبر فخرج بقولي: (الموضح والمخصص) التوكيد، وعطف النسق، وبقولي: (غير مقصود بالنسبة) البدل، لأنه في نية تكرار العامل، كما سيأتي ذكره، وبقولي: (ولا مشتقا، ولا مؤولا بمشتق): النعت. والحاصل: أن المقصود من عطف البيان هو المقصود من النعت، إلا أن الفرق بينهما أن النعت لابد أن يكون مشتقا، أو مؤولا به، وعطف البيان لا يكون إلا جامدًا.

وإلى هذا أشار بقوله: فذو البيان تابع شبه الصفه ... حقيقة القصد به منكشفه يعني: أن عطف البيان كالصفة في كونه كاشفًا حقيقة المقصود به، وهو مسمى المتبوع. 536 - فأولينه من وفاق الأول ... ما من وفاق الأول النعت ولي [202] // 537 - فقد يكونان منكرين ... كما يكونان معرفين عطف البيان: لكون المقصود به من تكميل المعطوف عليه قصد النعت يستتبع لزوم موافقته المتبوع في التعريف والتنكير والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، كما يستتبعه النعت. ومنع بعض النحويين كون عطف البيان نكرة تابعًا لنكرة، وأجازه أكثرهم، ولأجل ما فيه من الخلاف نص عليه بقوله: فقد يكونان منكرين ... .......................... وليس قول من منع ذلك بشيء، لأن النكرة تقبل التخصيص بالجامد، كما تقبل المعرفة التوضيح به، كقولك: لبست ثوبًا جبةً. ونظيره من كتاب الله تعالى: (يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ) [النور /35] وقوله تعالى: (ويسقى من ماءٍ صديدٍ) [إبراهيم /16]. وأجاز أبو علي في التذكرة في (طعام) من قوله تعالى: (أو كفارة طعام مساكين) [المائدة /95] العطف والإبدال. ومن شرط عطف البيان مغايرته المعطوف عليه في اللفظ، لكيما يحصل بانضمامه مع الأول زيادة وضوح، وعلى هذا قول الراجز: [من الرجز] 474 - إني وأسطار سطرن سطرا ... لقائل يا نصر نصر نصرا

من التوكيد اللفظي أتبع أولا على اللفظ، وثانيًا على الموضع. ويجوز أن يكون (نصرًا) المنصوب مصدرًا بمعنى الدعاء، كسقيًا ورعيًا. وأكثر النحويين يجعل التابع في هذا البيت عطف بيان، وليس بصحيح. وزعم الجرجاني والزمخشري، أن لابد من زيادة وضوحه على وضح متبوعه، وهو خلاف القياس، ومذهب سيبويه. أما مخالفته القياس فلأن عطف البيان في الجامد بمنزلة النعت في المشتق، ولا يلزم زيادة تخصيص النعت باتفاق، فلا يلزم زيادة تخصيص عطف البيان. وأما مخالفته لمذهب سيبويه، فلأنه جعل ذا الجمة، من قولهم: (يا هذا ذا الجمة) عطف بيان، مع أن (هذا) أخص من المضاف إلى ذي الألف واللام. 538 - وصالحًا لبدليةٍ يرى ... في غير نحو يا غلام يعمرا 539 - ونحو بشرٍ تابع البكري ... وليس أن يبدل بالمرضي ما يحكم عليه بأنه عطف بيان باعتبار كونه موضحًا، أو مخصصًا لمتبوعه يجوز الحكم عليه بأنه بدل، باعتبار كونه مقصودًا بالنسبة على نية تكرار العامل، لإفادة معنى تقرير الكلام وتوكيده، ولا يمنع الحكم على عطف البيان بالبداية إلا في موضعين: الأول: أن يكون التابع مفردًا معرفة معربًا، والمتبوع منادى، كقولك: يا أخانا زيدًا، فإن (زيدًا) يجب أن يكون عطف بيان، ولا يجوز أن يكون بدلا، لأنه لو كان بدلا [203] لكان في نية // تكرار حرف النداء معه، ولكان يلزم بناؤه على الضم، كما يلزم في كل منادى مفرد معرفة. ومثل: (يا أخانا زيدًا) تمثيله: بـ (يا غلام يعمرا) وقول الشاعر: [من الطويل] 475 - أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ... أعيذكما بالله أن تحدثا حربا

الثاني: أن يكون المعطوف خاليًا من لام التعريف، والمعطوف عليه معرفًا بها، مضاف إليه صفة مقرونة بها، كقول الشاعر: [من الوافر] 476 - أنا ابن التارك البكري بشرٍ ... عليه الطير ترقبه وقوعا فـ (بشر) عطف بيان على (البكري) ولا يجوز أن يكون بدلا، لأن البدل في نية تكرار العامل، و (التارك) لا يصح أن يضاف إليه، لما علمت أن الصفة المحلاة بالألف واللام لا تضاف إلا إلى المعرف بهما. وقوله: ...................... ... وليس أن يبدل بالمرضي تعريض لمذهب الفراء في هذه المسألة، وقد تقدم في الصفة المشبهة باسم الفاعل.

عطف النسق

عطف النسق 540 - تال بحرفٍ متبعٍ عطف النسق ... كاخصص بود وثناءٍ من صدق التابع: إما كامل الاتصال بمتبوعه، فينزل منه منزلة جزئه فلا يحتاج إلى رابط، وهو التوكيد، وعطف البيان، والصفة، وإما كامل الانقطاع عنه، فينزل منه منزلة ما لا علاقة له مع ما قبله، فلا يحتاج أيضًا إلى رابط، وهو البدل، لأنه في نية الإضراب عن الأول، واستئناف الحكم للثاني، وإما متوسط بين كمال الاتصال، وكمال الانقطاع، فيحتاج إلى الرابط، وهو المعطوف عطف النسق. ويعرف بأنه: التاج المتوسط بينه، وبين متبوعه أحد الحروف التسعة، الآتي ذكرها. والتالي في قوله: تالٍ بحرفٍ متبعٍ .................. ... ................... بمعنى التابع وهو جنس للتوابع، فلما قيده بالحرف المتبع أخرج غير المحدود منه. 541 - فالعطف مطلقًا بواوٍ ثم فا ... حتى أم أو كفيك صدق ووفا 542 - وأتبعت لفظًا فحسب بل ولا ... لكن كلم يبد امرؤ لكن طلا حروف العطف على ضربين: أحدهما: ما يعطف مطلقًا، أي يشرك في الإعراب والمعنى، وهو (الواو، وثم والفاء، وحتى، وأم، وأو). وأكثر المصنفين لا يعدون (أو) فيما يشرك في الإعراب والمعنى، لأن المعطوف بها يدخله الشك، أو التخيير بعد ما مضى أول الكلام على اليقين والقطع.

[204] وإنما عدها الشيخ في هذا القسم، لأن ذكرها يشعر السامع بمشاركة ما // قبلها لما بعدها فيما سيقت لأجله، وإن كان مساق ما قبلها صورة على غير مساق ما بعدها. الضرب الثاني: ما يعطف لفظًا فحسب، أي يشرك في الإعراب وحده، وهو: (بل، ولا، ولكن). وعد الكوفيون من هذا الضرب (ليس) محتجين بنحو قول الشاعر: [من الرجز] 477 - أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب ولا حجة فيه لجواز أن يجعل (الغالب) اسم (ليس) وخبرها ضميرًا متصلا عائدًا على (الأشرم) ثم حذف لاتصاله، كما يحذف في نحو: (زيد ضربه عمرو) إذا قلت: زيد ضرب عمرو، وكما حذف في قول الشاعر: [من الطويل] 478 - فأطعمنا من لحمها وسنامها ... شواءً وخير الخير ما كان عاجله التقدير: ما كانه عاجله، على معنى: عاجل الخير خيره. 543 - فاعطف بواو لاحقًا أو سابقا ... في الحكم أو مصاحبًا موافقا 544 - واخصص بها عطف الذي لا يغني ... متبوعه كاصطف هذا وابني لما فرغ من عدد حروف العطف أخذ في بيان معانيها، وكيفية استعمالها، فقال: فاعطف بواوٍ لاحقًا أو سابقا ... في الحكم أو مصاحبًا موافقا فبين أن (الواو) لمطلق الجمع: فيصح أن يعطف بها لاحق أي: متأخر عن المتبوع في حصول المشاركة فيه له، كقولك: جاء زيد وعمرو بعده. وأن يعطف بها سابق، أي متقدم على المتبوع في حصول المشاركة فيه له كقولك: جاء زيد وعمرو قبله، وأن يعطف بها مصاحب، أي: موافق للمتبوع في زمان حصول ما فيه الاشتراك كقولك: جاء زيد وعمرو معه. وإلى هذا الذي ذكرته الإشارة بقوله: ..................... أو سابقا ... في الحكم ................. فرفع توهم أن يراد بـ (لاحق وسابق ومصاحب) اللحاق والسبق والمصاحبة في الوجود لا في النسبة إلى ما فيه المشاركة.

ويحكى عن بعض الكوفيين: أن الواو للترتيب، فلا يجوز أن يعطف بها سابق. ويدل على عدم صحة هذا القول الاستعمال، كقوله تعالى: (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب) [النساء /163]. وقوله تعالى فيما يحكيه عن منكري البعث: (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين) [المؤمنون /37] وقوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوحٍ وأصحاب الرس وثمود * وعاد وفرعون وإخوان لوطٍ) [ق /12 - 13]، وكقول الشاعر: [من الكامل] 479 - أغلي السباء بكل أدكن عاتقٍ ... أو جونةٍ قدحت وفض ختامها [205] وقول الآخر //: [من الكامل] 480 - حتى إذا رجب تولى وانقضى ... وجماديان وجاء شهر مقبل وقول الآخر: [من الطويل] 481 - فقلت له لما تمطى بجوزه ... وأردف أعجازًا وناء بكلكل وتختص (الواو) بعطف ما لا يستغنى عنه في الكلام بمتبوعه، كفاعل ما يقتضي الاشتراك في الفاعلية لفظًا، وفيها وفي المفعولية معنى، كقولك: تضارب زيد وعمرو، واختصم خالد وبكر، ومنه قوله: (اصطف هذا وابني). ولو قلت: اصطف هذا فابني، أو ثم ابني، لم يجز لأن (الفاء) و (ثم) للترتيب وهو ينافي الاشتراك في الفاعلية والمفعولية معًا، إذا تأملت. 545 - والفاء للترتيب باتصال ... وثم للترتيب بانفصال

546 - واخصص بفاءٍ عطف ما ليس صله ... على الذي استقر (؟؟) الصله الفاء للترتيب، وهو على ضربين: ترتيب في المعنى، وترتيب في الذكر. والمراد بالترتيب في المعنى: أن يكون المعطوف بها لاحقًا، متصلا، بلا مهلة، كقوله تعالى: (خلقك فسواك) [الانفطار /7]. والأكثر كون المعطوف بها متسببًا عما قبله، كقولك: أملته فمال، وأقمته فقام، وعطفته فانعطف. وأما الترتيب في الذكر فنوعان: أحدهما: عطف مفصل على مجمل، هو هو في المعنى، كقولك: توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه، ومنه قوله تعالى: (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين) [هود /45]. الثاني: عطف لمجرد المشاركة في الحكم بحيث يحسن بالواو، كقول امرئ القيس: [من الطويل] 482 - قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل وتختص الفاء بعطف ما لا يصلح كونه صلة على ما هو صلة، كقولك: الذي يطير فيغضب زيد الذباب، فلو جعلت موضع الفاء واوًا، أو غيرها فقلت: الذي يطير، ويغضب زيد أو ثم يغضب زيد الذباب لم تجز المسألة، لأن يغضب زيد جملة لا عائد فيها على (الذي) فلا يصح أن تعطف على الصلة، لأن شرط ما عطف على الصلة أن يصلح وقوعه صلة. فإن كان العطف بالفاء لم يشترط ذلك، لأنها تجعل ما بعدها، مع ما قبلها في حكم جملة واحدة لإشعارها بالسببية، فكأنك قلت: الذي أن يطير يغضب زيد الذباب. وأما (ثم) فللترتيب في المعنى بانفصال، أي: يكون المعطوف بها لاحقًا للمعطوف عليه في حكمه، متراخيًا عنه بالزمان، كقوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) [طه /121 - 122].

[206] وقد تأتي للترتيب في الذكر، كقوله تعالى: (ثم آتينا موسى الكتاب // تمامًا على الذي أحسن) [الأنعام /154]. وقد تقع موقع الفاء كقول الشاعر: [من المتقارب] 483 - كهز الرديني تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب وقد يعطف بالفاء متراخٍ، كقوله تعالى: (والذي أخرج المرعى * فجعله غثاءً أحوى) [الأعلى /4 - 5]. إما لتقدير متصل قبله، وإما لحمل الفاء على (ثم) لاشتراكهما في الترتيب. 547 - بعضًا بحتي اعطف على كل ولا ... يكون إلا غاية الذي تلا مما يعطف مشتركًا في الإعراب، والمعنى (حتى) إلا أن المعطوف بها لا يكون إلا بعضًا، وغاية للمعطوف عليه: إما في نقص وإما في زيادة، نحو: غلبك الناس حتى النساء، وأحصيت الأشياء حتى مثاقيل الذر. ومن كلامهم: (استنت الفصال حتى القرعى) و (مات الناس حتى الأنبياء أو الملوك). وقد لا يكون المعطوف بها بعض ما قبلها إلا بتأويل، كقول الشاعر: [من الكامل] 484 - ألقى الصيحفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها

فعطف (النعل) وليست بعضًا لما قبلها، لأنه في تأويل: ألقى ما يثقله حتى نعله. ولا تقتضي الترتيب بل مطلق الجمع كالواو ويشهد لذلك قوله في الحديث الشريف: (كل شيء بقضاءٍ وقدر حتى العجز والكيس) وليس في القضاء ترتيب، وإنما الترتيب في ظهور المقتضيات. 548 - وأم بها اعطف إثر همز التسويه ... أو همزةٍ عن لفظ أي مغنيه 549 - وربما حذفت الهمزة إن ... كان خفا المعنى بحذفها أمن 550 - وبانقطاع وبمعنى بل وفت ... إن تك مما قيدت به خلت (أم) في العطف على ضربين: متصلة ومنقطعة. فالمتصلة: هي التي ما قبلها، وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر، لأنهما مفردان تحقيقًا أو تقديرًا، ونسبة الحكم عند المتكلم إليهما معًا، أو إلى أحدهما من غير تعيين، وتسمى عادلة، أي: معادلة للهمزة في الاستفهام بها. وشرط استعمالها كذلك: أن يقرن ما يعطف بها عليه: إما بهمزة التسوية، وهي التي مع جملة يصح تقدير المصدر في موضعها. وأكثر ما تكون فعليه، كقوله تعالى: (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) [يس /10]. المعنى: سواء عليهم الإنذار، وعدمه، ومثله قول الشاعر: [من الخفيف] 486 - ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم جفاني بظهر غيبٍ لئيم [207] // التقدير: ما أبالي بنبيب تيس، ولا بجفاء لئيم. وقد تكون اسمية كقول الشاعر: [من الطويل] 487 - ولست أبالي بعد فقدي مالكًا ... أموتي ناج أم هو الآن واقع

المراد: ما أبالي بعد فقد مالك بنأي موتي، ولا بوقوعه. وإما بهمزة يقصد بها، وبـ (أم) ما يقصد بـ (أي) المطلوب بها تعيين أحد الشيئين بحكم معلوم الثبوت. وتقع (أم) بعد هذه الهمزة بين مفردين، نحو: أزيد في الدار أم عمرو؟ وأقائم زيد أم قاعد؟ وإن شئت قلت: أزيد قائم أم قاعد؟ كما قال الله تعالى: (وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون) [الأنبياء /109] وبين جملتين في معنى المفردين، وقد تكونان فعليتين أو ابتدائيتين، أو إحداهما فعلية والأخرى ابتدائية. فالأول: كقول الشاعر: [من البسيط] 488 - فقمت للطيف مرتاعًا فأرقني ... فقلت أهي سرت أم عادني حلم التقدير: فقلت: أهي سارية، أم عائد حلمها، أي: أي هذين هي؟. والثاني كقول الآخر: [من الطويل] 489 - لعمرك ما أدري ولو كنت داريا ... شعيث بن سهمٍ أم شعيث بن منقر التقدير: ما أدري: أشعيث بن سهمٍ، أم شعيث بن منقر. والمعنى: ما أدري: أي النسبين هو الصحيح. و (ابن سهم وابن منقر) خبران لا صفتان. وحذف التنوين من (شعيث) حذفه من (عمرو) في قول الآخر: [من الكامل] 490 - عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف

والثالث: كقوله تعالى: (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) [الواقعة /59] كأنه قيل: أينا خلقه؟. وقد تقع (أم) المتصلة بين مفرد وجملة، كقوله تعالى: (قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدًا) [الجن /25]. وقوله: وربما حذفت الهمزة ................ ... .................. (البيت). إشارة إلى نحو ما مر من قول الشاعر: [من الطويل] 491 - شعيث بن سهمٍ أم شعيث بن منقر ومثله قول الآخر: [من الطويل] 492 - فلا تعجلي يا مي أن تتبيني ... بنصحٍ أتى الواشون أم بحبول وقول الآخر: [من الطويل] 493 - لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... بسبعٍ رمين الجمر أم بثمان وقراءة ابن محيض قوله تعالى: (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) [يس /10].

وأما (أم) المنقطعة: فهي الواقعة بين جملتين، ليستا في تقدير المفردين، بل كل منهما مستقل بفائدته، وذلك إذا لم تكن بعد همزة التسوية، أو همزة تحسن في موضعها (أي)، وهذا معنى قوله: إن تك مما قيدت به خلت ... ................... ولا تخلو (أم) المنقطعة عن معنى الإضراب، وكثيرًا ما تقتضي معه الاستفهام، كما في قوله تعالى: (أم اتخذ مما يخلق بناتٍ) [الزخرف /16]. وتقع بعد الخبر، [208] والاستفهام بالهمزة // وغيرها. فمن وقوعها بعد الخبر قوله تعالى: (لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه) [يونس /37 - 38] المعنى: بل يقولون: افتراه، وقول بعض العرب: (إنها لإبل أم شاء): جرى أول كلامه على اليقين، فلما تبين له الخطأ أضرب عنه، معقبًا له بالشك. ومن وقوعها بعد الاستفهام قوله تعالى: (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها) [الأعراف /195]. وتقول: هل زيد قائم أم عمرو؟ فهذا على الانقطاع، وإضمار الخبر لعمرو، لأن (هل) لا يستفهم بها إلا عن الجملة، فلا يصح في (أم) بعدها أن تكون متصلة. وقد تتجرد المنقطعة بعد الخبر عن الاستفهام، كما في قول الشاعر: [من الطويل] 494 - وليت سليمي في المنام ضجيعتي ... هنالك أم في جنةٍ أم جهنم وهو المصحح لوقوع (هل) بعدها في نحو قوله تعالى: (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) [الرعد /16]. 551 - خير أبح قسم بأو وأبهم ... واشك وإضراب بها أيضًا نمي 552 - وربما عاقبت الواو إذا ... لم يلف ذو النطق للبسٍ منفذا (أو) يعطف بها في الطلب والخبر. فإذا عطف بها في الطلب كانت: إما للتخيير، نحو: خذ هذا، أو ذاك، وإما للإباحة، نحو: جالس الحسن، أو ابن سيرين.

والفرق بينهما: أن التخيير بنا في الجمع، والإباحة لا تأباه. وإذا عطف بها في الخبر فهي إما: للتقسيم كقولك: الكلمة (اسم أو فعل أو حرف)، وإما للإبهام على السامع، كقوله تعالى: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلالٍ مبين) [سبأ /24]. وإما لشك المتكلم في ذي النسبة، كقولك: قام زيدً أو عمرو، وإما للإضراب في رأي الكوفيين وأبي علي وابن برهان. قال ابن برهان في شرح اللمع: (قال أبو علي: (أو) حرف يستعمل على ضربين: أحدهما: أن يكون لأحد الشيئين أو الأشياء، والآخر: أن يكون للإضراب) وقال ابن برهان: وأما الضرب الثاني فنحو: أنا أخرج ثم تقول: أو أقيم، أضربت عن الخروج وأثبت الإقامة، كأنك قلت: لا، بل أقيم. وأنشد الشيخ على مجيئها للإضراب قول جرير يخاطب هشام بن عبد الملك: [من البسيط] 495 - ماذا ترى في عيالٍ قد برمت بهم ... لم أحص عدتهم إلا بعداد كانوا ثمانين أو زادوا ثمانيةً ... لولا رجاؤك قد قتلت أولادي وحكي الفراء: اذهب إلى زيدٍ، أو دع ذلك، فلا تبرح اليوم. قوله: وربما عاقبت الواو ................. ... ....................... [209] أشار به إلى نحو قول الشاعر //: [من البسيط] 496 - جاء الخلافة أو كانت له قدرًا ... كما أتى ربه موسى على قدر أوقع (أو) مكان (الواو) لما أمن اللبس، ورأى أن السامع لا يجد عن حملها على غير معنى الواو مخرجًا.

ومثل ذلك قول الآخر: [من الكامل] 497 - قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ... ما بين ملجم مهره أو سافع وقول امرئ القيس: [من الطويل] 498 - فظل طهاة اللحم من بين منضجٍ ... صفيف شواءٍ أو قديرٍ معجل 553 - ومثل أو في القصد إما الثانيه ... في نحو إما ذي وإما النائيه مذهب أكثر النحويين أن (إما) المسبوقة بمثلها عاطفة، ومذهب ابن كيسان، وأبي علي أن العطف إنما هو بالواو التي قبلها، وهي جائية لمعنى من المعاني المستفادة من (أو) وهو اختيار الشيخ، ولذلك لم يعدها في أول الباب مع العواطف، والذي يمنع من كونها عاطفة أمران: أحدهما: تقدمها على المعطوف عليه. والثاني: وقوعها بعد الواو، والعاطف لا يتقدم المعطوف عليه، ولا يدخل على عاطف غيره. وأصل (إما) (إن) فضمت إليها (ما). وقد يستغنى عن (ما) في الشعر، قال الشاعر: [من الوافر] 499 - وقد كذبتك نفسك فاكذبنها ... فإن جزعًا وإن إجمال صبر وغالب الاستعمال أن تكون مكررة لتشعر من أول وهلة بقصد التخيير أو الإباحة أو التقسيم أو الإبهام أو الشك، وألا تخلو الثانية عن الواو.

وقد يستغنى عن الثانية بـ (إلا) كقول الشاعر: [من الوافر] 500 - فإما أن تكون أخي بصدقٍ ... فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني ... عدوا أتقيك وتتقيني وقد يستغنى عنها، وعن الواو بـ (أو) كقولك: قام إما زيد أو عمرو، وقد يستغنى عن الأولى كقول الشاعر: [من الطويل] 501 - تهاض بدارٍ قد تقادم عهدها ... وإما بأمواتٍ ألم خيالها وقول النمر بن تولب العكلي: [من المتقارب] 502 - سقته الرواعد من صيفٍ ... وإن من خريفٍ فلن يعدما قال سيبويه: (أراد: إما من صيف، وإما من خريف).

وقد تخلو الثانية عن الواو، كقول الشاعر: [من البسيط] 503 - يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنةٍ أيما إلى نار أراد: إما إلى جنة، وإما إلى نار، ففتح الهمزة، وهي لغة بني تميم، وأبدل من الميم [210] الأولى ياء، // ثم حذف الواو. 554 - وأول لكن نفيًا أو نهيًا ولا ... نداءً أو أمرًا أو إثباتًا تلا من حروف العطف (لكن) و (لا). فأما (لكن) فيعطف بها مثبت، بعد نفي، كقولك: ما قام زيد لكن عمرو، أو بعد نهي كقولك: لا تضرب زيدًا لكن عمرًا. وتدخل الواو على (لكن) كقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) [الأحزاب /40] فتعرى عن العطف، لامتناع دخول العاطف على العاطف. ويجب تقدير ما بعد (لكن) جملة معطوفة بـ (الواو) على ما قبلها، لأن كونه مفردًا يستلزم مخالفة المعطوف للمعطوف عليه في الحكم، وذلك ممتنع في عطف المفرد على المفرد بالواو، بخلاف عطف جملة على جملة، كقولك: قام زيد ولم يقم عمرو، وأكرمت خالدًا، وأهنت بشرًا. وزعم ابن خروف: أن المعطوف بـ (لكن) لم يستعمل إلا مع الواو. وذكر بعضهم أن يونس لا يرى (لكن) عاطفة، ولعل ذلك لعدم ورودها بين مفردين، خالية عن الواو. ولم يمثل سيبويه العطف بها إلا بعد الواو، فقال: ما مررت بصالح، ولكن طالح، ويسمى المعطوف بها وبـ (بل) بدلا.

وأما (لا) فيعطف بها منفي بعد إثبات، لقصر الحكم على ما قبلها: إما قصر إفراد، كما إذا اعتقد إنسان أن زيدًا كاتب وشاعر، وهو مخطئ في اعتقاد كونه شاعرًا، وأردت أن ترده إلى الصواب، فقلت: زيد كاتب لا شاعر، وإما قصر قلب، لاعتقاد المخاطب إلى غيره، كما إذا اعتقد إنسان أن زيدًا جاهل، وأخطأ في اعتقاده، وأردت أن ترده إلى الصواب، فقلت: زيد عالم لا جاهل. ويعطف بـ (لا) بعد الخبر كما مثلنا، وبعد الأمر، نحو: اضرب زيدًا لا عمرًا، وبعد النداء، نحو: يا ابن أخي لا ابن عمي. ومنع أبو القاسم الزجاجي في كتاب معاني الحروف: أن يعطف بـ (لا) بعد الفعل الماضي، وليس منع ذلك صحيحًا لقول العرب: (جدك لا كدك) قيل في تفسيره: نفعك جدك لا كدك. ومثله في العطف على معمول فعل ماض قول امرئ القيس: [من الطويل] 504 - كأن دثارًا حلقت بلبونه ... عقاب تنوفى لا عقاب القواعل 555 - وبل كلكن لا بعد مصحوبيها ... كلم أكن في مربعٍ بل تيها 556 - وانقل بها للثان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي من حروف العطف (بل)، ومعناها الإضراب، وحالها فيه مختلف، فإن كان [211] المعطوف بها // جملة فهي للتنبيه على انتهاء غرض واستئناف غيره، كما تقول: زيد شاعر بل هو فقيه. وإن كان مفردًا، فلا يخلو إما أن يكون بعد نفي أو نهي أو بعد غيرهما، فإن كانت بعد نفي أو نهي فهي لتقرير حكم ما قبلها، وجعل ضده لما بعدها. وإلى هذا أشار بقوله: وبل كلكن بعد مصحوبيها ... ..................

تقول: ما قام زيد بل عمرو، فتقرر نفي القيام عن زيدٍ وتثبته لعمروٍ. ومثل ذلك تمثيله بـ (لم أكن في مربعٍ بل تيها). المربع: منزل الربيع، والتيهاء: الأرض التي لا يهتدى بها. وتقول: لا تضرب خالدًا بل بشرًا، فتقرر نهي المخاطب عن ضرب خالدٍ، وتأمره بضرب بشرٍ. ووافق المبرد في هذا الحكم، وأجاز كون (بل) ناقلة حكم النفي والنهي إلى ما بعدها. واستعمال العرب على خلاف ما أجازه، قال الشاعر: [من البسيط] 505 - لو اعتصمت بنا لم تعتصم بعدى ... بل أولياء كفاةٍ غير أوكال وقال الآخر: [من البسط] 506 - وما انتميت إلى خورٍ ولا كشفٍ ... ولا لئام غداة الروع أوزاع بل ضاربين حبيك البيض إن لحقوا ... شم العرانين عند الموت لذاع وإن كان المعطوف بـ (بل) بعد غير النفي والنهي فهي لإزالة الحكم عما قبلها، حتى كأنه مسكوت عنه، وجعله لما بعدها، كقولك: جاء زيدً بل عمرو، وخذ هذا بل ذاك.

557 - وإن على ضمير رفعٍ متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل 558 - أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد الضمير: ينقسم إلى بارز ومستتر، والبارز ينقسم إلى منفصل ومتصل. أما الضمير المنفصل فكالظاهر في جواز عطفه والعطف عليه، من غير ما شرط، تقول: زيد وأنت متفقان، وأنا وعمرو مقيمان، ولا تصحب إلا خالدًا وإياي، وإنما رأيت إياك وبشرًا. وأما المتصل، فإما مرفوع أو منصوب أو مجرور. فإن كان مرفوعًا فهو والمستتر سواء، في أنه لا يحسن العطف عليهما إلا مع الفصل، والغالب كونه بضمير منفصل، مؤكد للمعطوف عليه، كقوله تعالى: (ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم) [الأنعام /91]. وقد يفصل بمفعول أو غيره، كقوله تعالى: (يدخلونها ومن صلح من آبائهم) [الرعد /23] وربما اكتفي بفصل (لا) بين العاطف والمعطوف عليه، كقوله تعالى: (ما أشركنا ولا آباؤنا) [الأنعام /148]. وأجاز صاحب الكشاف في قوله تعالى: (أئنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون) [الواقعة /47 - 48] أن يكون (آباؤنا) معطوفًا على الضمير في (لمبعوثون) للفصل [212] بالهمزة. وقد يعطف على الضمير المتصل المرفوع، بلا فصل، كقول جرير: // [من الكامل] 507 - ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ... ما لم يكن وأب له لينالا وقول عمر بن أبي ربيعة: [من الخفيف] 508 - قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الفلا تعسفن رملا

وليس بمقصور على الشعر. حكي سيبويه: مررت برجل سواء والعدم، بعطف (العدم) على الضمير في (سواء) ومع ذلك فهو قليل في الكلام، ضعيف في القياس، لما فيه من إيهام عطف الاسم على الفعل. وإن كان الضمير المتصل منصوبًا حسن العطف عليه، وإن لم يفصل، لأنه لا يستتر ولا ينزل من الفعل منزلة الجزء، كما في ضمير الرفع. وإن كان مجرورًا فلا يجوز العطف عليه عند الأكثرين، إلا بإعادة الجار، كقوله تعالى: (قل الله ينجيكم منها ومن كل كربٍ) [الأنعام /64]، وقوله تعالى: (وعليها وعلى الفلك تحملون) [المؤمنون /23] وقوله تعالى: (فقال لها وللأرض ائتيا) [فصلت /11]. وذهب يونس والفراء إلى جواز العطف على الضمير المجرور، بدون إعادة الجار، وهو اختيار الشيخ، وقد نبه عليه بقوله: 559 - وعود خافضٍ لدى عطفٍ على ... ضمير خفضٍ لازمًا قد جعلا 560 - وليس عندي لازمًا إذ قد أتى ... في النظم والنثر الصحيح مثبتا فجعل الدليل على عدم لزوم إعادة الخافض، مع المعطوف على الضمير المجرور وروده في السماع نظمًا ونثرًا، كقراءة حمزة: (واتقوا الله الذي تساؤلون به والأرحام) [النساء /1] بخفض (الأرحام) وهي قراءة ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والنخعي وغيرهم. ومثل هذه القراءة قول بعضهم: (ما فيها غيره وفرسه) بجر (فرسه) حكاه قطرب.

ومثله إنشاد سيبويه: [من البسيط] 509 - فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب وإنشاد الفراء: [من الطويل] 510 - نعلق في مثل السواري سيوفنا ... وما بينها والكعب غوط نفانف وقول الآخر: [من الطويل] 511 - إذا أوقدوا نارًا لحرب عدوهم ... فقد خاب من يصلى بها وسعيرها وقول الآخر: [من الطويل] 512 - بنا أبدًا لا غيرنا يدرك المنى ... وتكشف غماء الخطوب الفوادح ومما يجب أن يحمل على ذلك قوله تعالى: (وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام) [البقرة /217] لأن جر (المسجد) بالعطف على (سبيل الله) ممتنع [213] مثله باتفاق، لاستلزامه الفصل بين // المصدر ومعموله بالأجنبي، فلم يبق سوى جره بالعطف على الضمير المجرور بالباء، ولا يبعد أن يقال في هذه المسألة: إن العطف على الضمير المجرور، بدون إعادة الجار غير جائز في القياس، وما ورد منه في السماع محمول على شذوذ إضمار الجار، كما أضمر في مواضع أخر، نحو: (ما كل بيضاء شحمة، ولا سوداء تمرة)، وكقولهم: (امرر ببني فلان إلا صالح فطالح) وقولهم: (بكم

درهمٍ اشتريت ثوبك) على ما يراه سيبويه رحمه الله من أن الجر فيه بعد (كم) بإضمار (من) لا بالإضافة. والدليل على أن العطف المذكور لا يجوز في القياس من وجهين. أحدهما: أن الضمير المجرور شبيه بالتنوين لمعاقبته له، وكونه على حرف واحد، فلا يجوز العطف عليه، كما لم يجز العطف على التنوين. الثاني: أن الضمير المتصل متصل كاسمه، والجار والمجرور كشيء واحد، فإذا اجتمع على الضمير الاتصالان أشبه العطف عليه العطف على بعض الكلمة، فلم يجز، ووجب إما تكرير الجار، وإما النصب بإضمار فعل. فإن قيل: لو كان الشبه بالتنوين، أو ببعض الكلمة مانعًا من العطف على الضمير المجرور لمنع من توكيده، ومن الإبدال منه، واللازم منتف بالإجماع. قلنا: لا نسلم صدق الملازمة. والفرق بين التوكيد والعطف أن التوكيد مقصود به بيان متبوعه، فينزل منه منزلة الجزء، وذلك يقتضي أمرين: الأول: أن شبه الضمير المجرور بالتنوين حال توكيده أقل من شبهه به حال العطف عليه، لطلبه حال التوكيد ما لا يطلبه التنوين، وهو التكميل بما بعده، فلا يلزم أن يؤثر شبه التنوين في التوكيد ما أثره في العطف لاحتمال ترتيب الحكم على أقوى الشيئين. الثاني: أن شبه الضمير المجرور ببعض الكلمة، وإن منع من العطف لا يمنع من التوكيد، لأن بعض الكلمة لا يمتنع عليه تكميله ببقية أجزائه، فكذا لا يمتنع على ما أشبه بعض الكلمة تكميله بما بعده وأما البدل فالفرق بينه وبين العطف أن البدل في نية تكرار العامل، فإتباعه الضمير المجرور في الحقيقة إتباع له وللجار جميعًا، لأن البدل في قوة المصرح معه بالعامل، وليس كذلك المعطوف، فجاز أن تقول: مررت به المسكين جواز قولك: مررت به وبزيد. 561 - والفاء قد تحذف مع ما عطفت ... والواو إذ لا لبس وهي انفردت 562 - بعطف عاملٍ مزالٍ قد بقي ... معموله دفعًا لوهمٍ اتقي قد تحذف (الفاء) مع المعطوف بها إذا أبقى أمن اللبس، وكذلك (الواو) فمن حذف الفاء مع المعطوف قوله تعالى: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم [214] عند بارئكم فتاب // عليكم) [البقرة /154] التقدير: فامتثلتم، فتاب عليكم،

وقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدة من أيامٍ أخر) [البقرة /184] معناه: فأفطر فعليه عدة من أيام أخر. ومن حذف الواو مع المعطوف قوله تعالى: (لا نفرق بين أحدٍ من رسله) [البقرة /285]، أي: بين أحد وأحد من رسله، وقوله تعالى: (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) [النحل /81] المعنى: تقيكم الحر والبرد، ومثله قول النابغة الذبياني: [من الطويل] 513 - فما كان بين الخير لو جاء سالمًا ... أو حجرٍ إلا ليالٍ قلائل أي: فما كان بين الخير وبيني، وقول امرئ القيس: [من الطويل] 514 - كأن الحصى من خلفها وأمامها ... إذا نجلته رجلها حذف أعسرا أراد: إذا نجلته رجلها ويدها. قوله: .................. ... .......... وهي انفردت بعطف عاملٍ مزالٍ قد بقي ... معموله ................... إشارة إلى نحو قوله تعالى: (والذين تبوؤوا الدار والإيمان) [الحشر /9] فإن (الإيمان) منصوب بفعل محذوف معطوف على (تبوؤوا) وتقديره، والله أعلم: تبوؤوا الدار وألفوا الإيمان.

وقد اندفع بهذا التقدير من الإضمار توهم أن يكون الإيمان مفعولا معه. فإن قلت: ولم دفع هذا التوهم؟ قلت: لأنه لا فائدة في تقييد الذين يحبون من هاجر إليهم بمصاحبه الإيمان، بخلاف تقييدهم بألف الإيمان. ومثل الآية الكريمة في الاستشهاد قول الشاعر: [من الطويل] 515 - تراه كأن الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه ثاب له وفر تقديره: يجدع أنفه ويفقأ عينيه. وكذا قول الآخر: [من الوافر] 516 - إذا ما الغانيات برزن يومًا ... وزججن الحواجب والعيونا أراد: زججن الحواجب وكحلن العيون. ومما ينبغي أن يعد من هذا القبيل قوله تعالى: (اسكن أنت وزوجك الجنة) [البقرة /35] لأن فعل أمر المخاطب لا يعمل في الظاهر، فهو على معنى: اسكن أنت، ولتسكن زوجك الجنة. 563 - وحذف متبوع بدا هنا استبح ... وعطفك الفعل على الفعل يصح 564 - واعطف على اسمٍ شبه فعل فعلا ... وعكسًا استعمل تجده سهلا يعني: أنه يستباح حذف المتبوع في باب العطف، لأن التابع مع العاطف يدل عليه. مثال ذلك قولهم: (وبك وأهلا [و] سهلا) لمن قال: مرحبًا وأهلا، فحذف (مرحبًا) وعطف عليه أهلا وسهلا. ومنه قوله تعالى: (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به) [آل عمران /91] المعنى، والله أعلم: لو ملكه، ولو افتدى به، وقوله تعالى: (ولتصنع على عيني) [طه /39] أي: لترحم ولتصنع.

وقال صاحب الكشاف في قوله تعالى: (أفلم تكن آياتي تتلى عليكم) [215] [الجاثية /31] المعنى: ألم // يأتكم رسلي، فلم تكن آياتي تتلى عليكم. قوله: ................... ... وعطفك الفعل على الفعل يصح تنبيه على أن الأفعال كالأسماء في جواز التشريك بينهما في الأحكام بحروف العطف إلا أن ذلك مشروط بالاتفاق في الزمان، فلا يعطف ماض على مستقبل، ولا مستقبل على ماض، فإن اختلفا في اللفظ دون الزمان جاز، كقوله تعالى: (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرًا من ذلك جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورًا) [الفرقان /10]. وقوله تعالى: (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار) [هود /98]. وقوله: واعطف على اسمٍ شبه فعل فعلا ... ................ مثاله قوله تعالى: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافاتٍ ويقبضن) [الملك /19] وقوله تعالى: (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا) [الحديد /18] وقوله تعالى: (فالمغيرات صبحًا * فأثرن به نقعًا) [العاديات /3 - 4]. وقوله: ............................ ... وعكسًا استعمل تجده سهلا يعني أن الاسم المشبه للفعل يعطف على الفعل لتقارب المعنى، كقوله تعالى: (يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي) [الأنعام /95] وقول الراجز: [من الرجز] 517 - يا رب بيضاء من العواهج ... أم صبي قد حبا أو دارج

وقول الآخر: [من الرجز] 518 - بات يعشيها بغضبٍ باتر ... يقصد في أسوقها وجائر فـ (دارج) عطف على (حبا)، و (جائر) عطف على (يقصد) لأنهما بمعنى: درج، ويجور.

البدل

البدل اعلم أن الغرض من الإبدال أن يذكر الاسم مقصودًا بالنسبة، كالفاعلية والمفعولية والإضافة، بعد التوطئة لذكره بالتصريح بتلك النسبة إلى ما قبله، لإفادة توكيد الحكم وتقريره، لأن الإبدال في قوة إعادة الجملة، ولذلك تسمع النحويين يقولون: البدل في حكم تكرار العامل. ولما أخذ الشيخ في تعريف البدل قال: 565 - التابع المقصود بالحكم بلا ... واسطةٍ هو المسمى بدلا فصدر التعريف بجنس البدل، وهو (التابع) ثم تممه بخاصة البدل، وهو: (المقصود بالحكم بلا واسطة). فأخرج بـ (المقصود بالحكم) النعت والتوكيد وعطف البيان، لأنهن مكملات للمقصود بالحكم، و (بلا واسطة) المعطوف بـ (بل، ولكن) فإنهما مقصودان بالحكم، لكن بواسطة. ثم أخذ بيان أقسام البدل، فقال: [216] 566 - مطابقًا أو بعضًا أو ما يشتمل ... عليه يلفى أو كمعطوف ببل // 567 - وذا للإضراب اعز إن قصدًا صحب ... ودون قصدٍ غلط به سلب فبين أن البدل يجيء على أربعة أضرب: الأول: بدل كل من كل، وهو المطابق للمبدل منه، المساوي له في المعنى، كقولك: مررت بأخيك زيدٍ، ومثله قوله تعالى: (إلى صراط العزيز الحميد * الله) [إبراهيم /1 - 2].

والثاني: بدل بعض من كل، كقولك: أكلت الرغيف نصفه، ومثله قوله تعالى: (ثم عموا وصموا كثير منهم) [المائدة /71]. والثالث: بدل الاشتمال: وهو ما يدل على معنى في متبوعه، أو يستلزم معنى في متبوعه. فالدال على معنى في المتبوع، كقولك: أعجبني زيد حسنه، وكقول الراجز: [من الرجز] 519 - وذكرت تقتد برد مائها ... وعتك البول على أنسائها والدال على ما يستلزم معنى في المتبوع كقولك: أعجبني زيد ثوبه، وكقوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) [البقرة /217] لأن القتال في الشهر الحرام يستلزم معنى فيه، وهو ترك تعظيمه، وكقوله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا) [مريم /16] فإن وقت الانتباذ، وما عقبه يستلزم معنى في مريم (عليها السلام) وهو كونها على غاية من التقى والبر والعفاف، فلذلك صح في (إذ) أن تكون بدل اشتمال من (مريم). ولابد في بدل الاشتمال من رعاية أمرين: أحدهما: إمكان فهم معناه مع الحذف، كما في قولك: أعجبني زيد علمه وأدبه، فإن ذكر زيدٍ يشتمل على علمه وأدبه اشتمالا يفهم معناه في الحذف، ومن ثم امتنع، نحو: عقلت زيدًا بعيره، لأن ذكر زيد لا يشتمل على البعير، ولا يشعر به. والأمر الآخر: حسن الكلام على تقدير حذفه، ومن ثم امتنع نحو: أسرجت زيدًا فرسه، لأنه وإن فهم معناه في الحذف لا يحسن استعمال مثله، وإن جاء شيء منه حمل على الإضراب أو الغلط. والغالب في بدل البعض والاشتمال مصاحبة ضمير عائد على المبدل منه، وقد يخلوان عنه، كقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) [آل عمران /97] على أظهر الاحتمالين.

والاحتمال الثاني: أن يكون الحج مصدرًا مضافًا إلى المفعول، و (من) فاعل المصدر، على معنى: ولله على الناس أن يحج البيت المستطيع، وقوله تعالى: (قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود) [البروج /4 - 5] وقول الشاعر: [من الكامل] 520 - هل تدنينك من أجارع واسطٍ ... أوبات يعملة اليدين حضار من خالدٍ أهل السماحة والندى ... ملك العراق إلى رمال وبار فـ (من خالد) بدل من (أجارع واسط) لاشتمالها عليه، وهو خالٍ عن ضمير المبدل منه. الرابع: (البدل المباين للمبدل منه، بحيث لا يشعر به ذكر المبدل منه بوجه. وهو نوعان: [217] الأول: // بدل الإضراب وهو: ما يذكر متبوعه بقصد، ويسمى بدل البداء، مثاله قولك: أكلت تمرًا زبيبًا. أخبرت أولا بأكل التمر، ثم أضربت عنه، وجعلته في حكم المتروك ذكره، وأبدلت منه الزبيب، على حد العطف بـ (بل) إذا قلت: أكلت تمرًا بل زبيبًا، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الرجل ليصلي الصلاة وما كتب له نصفها ثلثها ربعها ....... إلى عشرها). وإلى هذا الإشارة بقوله: وذا للاضراب أعز إن قصدًا صحب ... ................. والثاني: بدل الغلط والنسيان، وهو: ما لا يريد المتكلم ذكر متبوعه، بل يجري لسانه عليه من غير ما قصد، كقولك: لقيت رجلا حمارًا، أردت أن تقول: لقيت حمارًا، فغلطت أو نسيت، فقلت: رجلا، ثم تذكرت فأبدلت منه الحمار. ويصان عن هذا النوع الفصيح من الكلام. وإليه الإشارة بقوله: ................. ... ودون قصدٍ غلط به سلب أي: ببدل الغلط يستفاد سلب الحكم عن الأول، وإثباته للثاني.

568 - كزره خالدًا وقبله اليدا ... واعرفه حقه وخذ نبلا مدى اشتمل هذا البيت على أمثلة أنواع البدل: (فزره خالدًا) بدل كل، و (قبله اليدا) بدل بعض، و (اعرفه حقه) بدل اشتمال، و (خذ نبلا مدى) يصلح أن يجعل بدل إضراب وبدل غلط على المأخذين المذكورين. 569 - ومن ضمير الحاضر الظاهر لا ... تبدله إلا ما إحاطةً جلا 570 - أو اقتضى بعضًا أو اشتمالا ... كأنك ابتهاجك استمالا تبدل المعرفة من النكرة، نحو قوله تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم * صراط الله) [الشورى /52 - 53]. والنكرة من النكرة نحو قوله تعالى: (إن للمتقين مفازًا * حدائق وأعنابًا) [النبأ /31 - 32]. والنكرة من المعرفة نحو قوله تعالى: (لنسفعًا بالناصية * ناصيةٍ كاذبةٍ) [العلق /15 - 16]. والمعرفة من المعرفة نحو قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم) [الفاتحة /6 - 7]. ويبدل المضمر من المظهر نحو: رأيت زيدًا إياه. ويبدل المظهر من المضمر؛ لكن في ذلك تفصيل؛ لأن الضمير إما للمتكلم، أو المخاطب، أو الغائب. أما ضمير الغائب فيبدل منه كما يبدل من الظاهر، تقول: ضربته زيدًا، ومررت به عمرو، وقال الشاعر: [من الطويل] 521 - على حالةٍ لو أن في القوم حاتمًا ... على جوده لضن بالماء حاتم بجر (حاتم) على البدل من الهاء في (جوده).

[218] وقد قيل في قوله تعالى: (وأسروا النجوى الذين // ظلموا) [الأنبياء /3] وجوه: منها: أن يكون (الذين ظلموا) بدلا من الواو في (أسروا). وأما الضمير المتكلم والمخاطب قد يبدل منه بدل كل إلا إذا أفاد البدل فائدة التوكيد من الإحاطة والشمول، كقولهم: جئتم كبيركم وصغيركم، وكقول عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب: [من الطويل] 522 - فما برحت أقدامنا في مقامنا ... ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا ويصح إبداله بدل بعض واشتمال. أما بدل البعض فكقولك: إني باطني وجل، قال الشاعر: [من الرجز] 523 - أوعدني بالسجن والأداهم ... رجلي فرجلي شثنة المناسم وفي التنزيل العزيز: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) [الأحزاب /21]. وأما بدل الاشتمال فكقول الشاعر: [من الوافر] 524 - ذريني إن أمرك لن يطاعا ... وما ألفيتني حلمي مضاعا فـ (حلمي) بدل من (ياء) (ألفيتني) وكقول الآخر: [من الطويل]

525 - بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فـ (مجدنا) بدل من فاعل (بغلنا). وأجاز الأخفش الإبدال من ضمير الحاضر مطلقًا، واحتج له بقول الشاعر: [من الطويل] 526 - وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى ... بمستلئم مثل الفنيق المرحل يريد: بمستلئم: متدرعًا، ولا يعني إلا نفسه. والأوجه عد هذا البيت من النوع المسمى في علم البيان بالتجريد، على معنى: تعدوني إلى صارخ الوغى ومعي من نفسي مستلئم، فجرد من نفسه مستلئمًا، وجعله مصاحبًا له. ومثله قوله تعالى: (لهم فيها دار الخلد) [فصلت /28] فكأنه جرد من الدار دارًا. وقرأ علي كرم الله وجهه وابن عباس رضي الله عنهما: (فهب لي من لدنك وليا * يرثني وارث من آل يعقوب) [مريم /4 - 5] قال أبو الفتح؛ يريد: (فهب لي من لدنك وليا يرثني منه أو به وارث من آل يعقوب، وهو الوارث نفسه، فكأنه جرد منه وارثًا). وأنشد الأخطل: [من الطويل] 527 - بأشعث لا يفى ولا هو يقمل ... بنزوة لص بعد ما مر مصعب

مصعب نفسه هو الأشعث، فكأنه استخلص منه (أشعث) ومثله بيت الأعشى: [من الخفيف] 528 - لات هنا ذكرى جبيرة أو من ... جاء منها بطائف الأهوال وهي نفسها طائف الأهوال. 571 - وبدل المضمن الهمز يلي ... همزًا كمن ذا أسعيد أم علي [219] // يعني أن المبدل من اسم الاستفهام لابد من اقترانه بالهمزة، كقولك: من ذا أسعيد أم علي؟ وكم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ وكيف أصبحت أفرحًا أم ترحًا؟ ومتى سفرك أغدًا أم بعد غد؟. 572 - ويبدل الفعل من الفعل كمن ... يصل إلينا يستعن بنا يعن يبدل الفعل من الفعل فيشتركان في الإعراب كقوله: .............. من ... يصل إلينا يستعن بنا يعن فالجزم في (يستعن) من (يصل). فإن قلت: من أي أنواع البدل يعد هذا المثال؟. قلت من بدل الاشتمال، لأن الاستعانة تستلزم معنى في الوصول، وهو مجيئه. ومن ذلك قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك يلق أثامًا * يضاعف له العذاب يوم القيامة) [الفرقان /68 - 69]، فـ (يضاعف) بدل من (يلق) ولذلك جزم. وقول الراجز: [من الرجز] 529 - إن علي الله أن تبايعا ... تؤخذ كرهًا أو تجيء طائعا فأبدل (تؤخذ) من (تبايع) ولذلك اشتركا في النصب. وكثيرًا ما تبدل الجملة من الجملة إذا كانت الثانية أوفى بتأدية المعنى المقصود من

الأولى، كما قال الشاعر: [من الطويل] 530 - أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما فأبدل (لا تقيمن) من (ارحل) لأنه أوفى منه بتأدية معنى الكراهة لإقامته الدلالة عليه بالمطابقة، ودلالة (ارحل) عليه بالالتزام. ومن أمثلة ذلك في التنزيل العزيز في قوله تعالى:} بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون {(المؤمنون/82)، وقوله تعالى:} أمدكم بما تعلمون* أمدكم بأنعامٍ وبنين* وجناتٍ وعيونٍ {[الشعراء/132 - 134]، وقوله تعالى:} قال يا قوم اتبعوا المرسلين* اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون {[يس/20 - 21]

النداء

النداء 573 - وللمنادى الناء أو كالناء يا ... وأي وآ كذا أيا ثم هيا 574 - والهمز للداني ووا لمن ندب ... أو يا وغير وا لدى اللبس اجتنب للمنادى من الحروف في غير الندبة إن كان بعيدا أو نحوه كالنائم والساهي (يا وأي وأيا وهيا). وزاد الكوفيون (آ) و (آي). وإن قريبا فله الهمزة، نحو: أزيد أقبل، وله في الندبة وهي نداء المتفجع عليه أو المتوجع منه (وا) نحو: (وازيداه واظهراه) وتعاقبهما (يا) إن أمن اللبس ودلت القرينة على إرادة الندبة وعلى هذا أشار بقوله: [220]-------------------- ... ---- وغير وا لدى اللبس //اجتنب وذهب المبرد إلى أن (أيا وهيا) للبعيد، و (أي والهمزة) للقريب، و (يا) لهما. وذهب ابن برهان إلى أن (أيا وهيا) للبعيد، والهمزة للقريب، و (أي) للمتوسط، و (يا) للجميع. وأجمعوا على جواز نداب القريب بما للبعيد توكيدا، وعلى منع العكس. 575 - وغير مندوب ومضمر وما ... جا مستغاثا قد يعرى فاعلما 576 - وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذله يجوز حذف حرف النداء اكتفاء بتضمن المنادى معنى الخطاب إن لم يكن مندوبا أو مضمرا أو مستغاثا أو اسم الجنس أو اسم إشارة، لأن الندبة تقتضي الإطالة ومد الصوت، فحذف حرف النداء فيها غير مناسب، وهكذا الاستغاثة فإن الباعث عليها هو

شدة الحاجة إلى الغوث والنصرة فتقتضي مد الصوت ورفعه، حرصا على الإبلاغ، وحرف النداء معين على ذلك، وأما المضمر فلا يحذف منه حرف النداء، لأنه لو حذف فاتت الدلالة على النداء، لأن الدال عليه هو حرف النداء وتضمن المنادى معنى الخطاب، فلو حذف الحرف من المنادى المضمر بقى الخطاب، وهو فيه غير صالح للدلالة على إرادة النداء، لأن دلالته على الخطاب وضعية لا تفارقه بحال. وأما اسم الجنس أو اسم الإشارة فلا يحذف منهما حرف النداء إلا فيما ندر من نحو قولهم: (أصبح ليل)، و (أطرق كرا)، و (افتد مخنوق)، وقوله في الحديث الشريف: (ثوبي [يا] حجر)، وقوله - سبحانه وتعالى -:} ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم {[البقرة/ 85].

وذلك لأن حرف النداء في اسم الجنس كالعوض من أداة التعريف، فحقه ألا يحذف كما لم تحذف الأداة واسم الإشارة في معنى اسم الجنس، فجرى مجراه. وعند الكوفيين أن حذف حرف النداء من اسم الجنس والمشار إليه، قياس مطرد. والبصريون يقصرونه على السماع وقول الشيخ: -------------- ... ---- ومن يمنعه فانصر عاذله يوهم اختيار مذهب الكوفيين. هذا إن لم يحمل المنع على عدم قبول ما جاء من ذلك. 577 - وابن المعرف المنادى المفردا ... على الذي في رفعه قد عهدا 578 وانو انضمام ما بنوا قبل الندا ... وليجر مجرى ذي بناءٍ جددا 579 - والمفرد المنكور والمضافا ... ... وشبهه انصب عادما خلافا كل منادى فحقه النصب لأنه مفعول بفعل مضمر تقديره: أدعوا أو أنادي، إلا [221] أنه //لا يجوز إظهاره لكون حرف النداء كالعوض منه. ولا يفارق المنادى النصب إلا إذا كان مفردا معرفة، فإنه إذ ذاك يبنى على ما كان يرفع به قبل النداء، كقولك: يا زيد ويا زيدان ويا زيدون. والوجه في بنائه شبهه بالضمير من نحو: يا أنت في التعريف والإفراد، وتضمن معنى الخطاب، وكان بناؤه على صورة الرفع إيثارا له بأقوى الأحوال إذ كان معربا في الأصل. وأما ما ليس معرفة ولا مفردا وهو النكرة التي لم يقصد بها معين كقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي، وقول الشاعر: [من الطويل] 531 - أيا راكبا غما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا

والمضاف نحو: يا غلام زيد، والشبيه بالمضاف نحو: يا حسنا وجهه، ويا طالعا جبلا، ويا ثلاثةً وثلاثين، فلاحظ له في البناء لقصوره عن المفرد والمعرفة بالشبه في الضمير المذكور. وقد فهم من هذا أن مما يستحق البناء المركب من نحو: معدي كرب، لأنه ليس مضافا او شبيها بالمضاف. فإن كان مبنيا كـ (سيبويه) كان في محل النصب وقدر بناؤه علي الضم كما يقدر الرفع إذا كان بناؤه يشبه الإعراب من جهة وروده في الاستعمال على قياس مطرد، وكذا كل اسم مبني قبل النداء. ويظهر أثر هذا التقدير في التباع فإنه يجوز فيه النصب إتباعا للمحل نحو: يا سيبويه الظريف، والرفع إتباعا للبناء المقدر نحو: يا سيبويه الظريف. وإلى هذا أشار بقوله: ---------------- ... وليجر مجرى ذي بناءٍ جددا يعني في الحكم له بنصب المحل وبناء آخره على الضم. 580 - ونحو زيد ضم وافتحن من ... نحو أزيد بن سعيد لا تهن 581 - والضم إن لم يل الابن علما ... أو يل الابن علم قد حتما يجوز في المنادى العلم الموصوف بابن متصل مضاف إلى علم؛ الضم على الأصل والفتح على الإتباع والتخفيف فيما كثر دوره في الاستعمال، كقولك: يا زيد بن سعيد، ويجوز: يا زيد بن سعيد، وهو عند المبرد أولى من الفتح، فإنه أنشد عليه قول الراجز: [من الرجز] 532 - يا حكم بن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود ثم قال: ولو قال (يا حكم بن المنذر) كان أجود

ولو كان الابن مفصولا عن موصوفه كما في نحو: يا زيد الظريف ابن عمرو فليس في الموصوف إلا الضم، لأن مثل ذلك لم يقصر في الكلام، فلم يستثقل مجيئه على الأصل، وهكذا إذا كان الموصوف بابن غير علم نحو: يا غلام بن زيد، أو لم يكن المضاف [222] إليه علم نحو: يا زيد بن أخينا. 582 - واضمم أو انصب ما اضطرارا نونا ... مما له استحقاق ضم بيننا قد تقدم أن المنادى المفرد المعرفة يستحق البناء على الضم، وبين هنا أن ما حقه الضم إذا اضطر الشاعر إلى تنوينه جاز له فيه وجهان: أحدهما: الضم تشبيها بمرفوع إلى تنوينه وهو مستحق لمنع الصرف. الثاني: النصب تشبيها بالمضاف لطوله بالتنوين وبقاء الضم في العلم أولى من النصب، والنصب في غير العلم أولى من الضم، لأن سبب البناء في العلم أقوى منه في اسم الجنس الدال على معين. ومن شواهد الضم إنشاد سيبويه: [من الوافر] 533 - سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام وقول كثير: [من البسيط] 534 - ليت التحية كانت لي فأشكرها ... مكان يا جمل حييت يا رجل الرواية المشهورة: (يا جمل) بالضم.

ومن شواهد النصب قول الشاعر: [من الوافر] 535 - أعبدا حل في شعبي غريبا ... ألوما لا أبا لك واغترابا 583 - وباضطرار خص جمع يا وال ... إلا مع الله ومحكي يا الجمل يقول: الجمع بين حرف النداء والألف واللام، مخصوص بالضرورة إلا في موضعين: أحدهما: الاسم الأعظم (الله) فإنه يجمع فيه بين الألف واللام وحرف النداء على الوجهين: على قطع الهمزة نحو: يا ألله، وعلى وصلها نحو: يا الله. والثاني: المنادى إذا كان جملة محكية نحو: يا المنطلق زيد، في رجل مسمي بالجملة. وأما غير ذلك فلا يجمع فيه بين حرف النداء والألف واللام إلا في ضرورة الشعر كقول: [من الرجز] فيا الغلامان اللذان فرا ... إياكما أن تكسبانا شرا وإنما لم يجز مثل هذا في السعة كراهية الجمع بين أداتي تعريف على شيء واحد، واغتفر الجمع بينهما في (يا الله) إذا كانت الألف واللام فيه لازمة معوضا بها عن همزة الإله، فلا يقاس عليه سواه. وقد أجاز البغداديون: (يا الرجل) في السعة، قالوا: لأنا لم نر موضعا يدخله التنوين ولا تدخله الألف واللام. 584 - والأكثر اللهم بالتعويض ... وشذ يا اللهم في قريض [223] //لما بين أنه يجمع بين الأداتين في الاسم الأعظم نبه على أن له في النداء استعمالا آخر هو الأكثر، وهو تعويض ميم مشددة مفتوحة في الآخر عن حرف النداء كقولك: اللهم ارحمنا. ولكون الميم عوضا عن حرف النداء لم يجمع بينهما إلا في الضرورة كقول الراجز: [من الرجز] إني إذا حدث ألما ... أقول يا اللهم يا اللهما

ولو كان أصل (اللهم) يا الله أمنا، كما يراه الكوفيون للزم باطراد جواز أمرين: أحدهما: يا الله أمنا ارحمنا، بلا عطف قياسا على اللهم ارحمنا. والثاني: اللهم وارحمنا، بالعطف قياسا على يا اللهم أمنا وارحمنا. واللازم منتف إجماعا.

فصل 585 - تابع ذي الضم المضاف دون أل ... ألزمه نصبا كأزيد ذا الحيل 586 - وما سواه ارفع أو انصب واجعلا ... كمستقل نسقا وبدلا 587 - وإن يكن مصحوب أل ما نسقا ... ففيه وجهان ورفع ينتقى كل منادى مضموم فحق تابعه النصب مفردا كان أو غيره، لأن متبوعه مبني اللفظ منصوب المحل، وما كان كذلك فإنما حق تابعه ان يجري على محله فقط، ولكن خولف ذلك في باب النداء فجاء بعض توابعه بوجهين: فما نصب منه فعلى الأصل، وما رفع فلشبه متبوعة بالمرفوع في اطراد الهيئة. ولا يرفع إلا وهو مفرد أو مضاف يشبه المفرد لكون إضافته غير محضة نحو: يا زيد الحسن الوجه. ولأصالة نصب التابع في هذا الباب فضل على الرفع بأن اشترك معه في التابع المفرد والشبيه به، وخص بالتابع المضاف إضافة محضة، وإلى هذا الاختصاص أشار بقوله: تابع ذي الضم المضاف دون أل ... ألزمه نصبا -------------- ففهم أن المضاف المصاحب لـ (أل) وهو ذو الإضافة اللفظية كالمفرد، ثم نص على حكمها فقال: وما سواه ارفع أو انصب واجعلا ... كمستقل نسقا وبدلا ففهم أن النعت والتوكيد وعطف البيان إذا كان شيء منها مفردا أو شبيها به جاز فيه النصب حملا على الموضع، والرفع حملا على اللفظ، فيقال: يا زيد الحسن والكريم الأب (بالنصب) ويا زيد الحسن والكريم الأب (بالرفع) وهكذا التوكيد وعطف البيان نحو: يا تميم أجمعين وأجمعون، ويا غلام بشرا وبشرٌ.

وأما البدل والمنسوق الخالي من الألف واللام فحكمهما في الإتباع فحكمهما في [224] الاستقلال، ولا فرق في ذلك بين الواقع بعد مضموم والواقع بعد //منصوب، فما كان منهم مفردا ضم كما يضم لو وقع بعد حرف النداء، لأن البدل في قوة تكرار العامل؛ والعاطف كالنائب عن العامل، وما كان منهما مضافا فينصب كما ينصب لو وقع بعد حرف النداء. فإن قرن المعطوف بالألف واللام امتنع تقدير حرف النداء قبله فأشبه النعت، وجاز فيه الرفع والنصب نحو قوله تعالى:} يا جبال أوبي معه والطير {[سبأ/10] بالنصب والرفع. واختلف في المختار منهما، فقال الخليل وسيبويه والمازني: هو الرفع، وإليه أشار بقوله: ------------- ... ------------ ورفع ينتقى وقال أبو عمرو وعيسي بن عمر ويونس والجرمي: هو النصب. وقال المبرد: إن كانت الألف واللام للتعرف كما هي في (الطير) فالمختار النصب، لأن المعلاف بالألف واللام يشبه المضاف، وإن كانت غير معرفة كما هي في} اليسع {[الأنعام/86] فالمختار الرفع، لأن الألف واللام إذا لم تعرف لم يشبه ما هي فيه المضاف. 588 - وأيها مصحوب أل بعد صفة ... يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة 589 - وأيها ذا أيها الذي ورد ... ... ووصف أي بسوى هذا يرد إذا قلت يا أيها الرجل فـ (أي) و (الرجل) كاسم واحد، و (أي) منادي، و (الرجل) تابع مخصص له ملازم، لأن (أيا) مبهم لا يستعمل بدون المخصص، وكان قبل النداء يتخصص بالإضافة، فعوض عنها في النداء بالتخصيص بالتابع، إن كان مشتقا

فهو نعت نحو: يا أيها الفاضل، وإن كان جامدا فهو عطف بيان نحو: أيها الغلام، ولزمته (هاء) التنبيه تعويضا عما فاته من الإضافة، وإن أريد به مؤنث أنت بالتاء نحو قوله تعالى:} يا أيتها النفس {[الفجر/27]. ولا توصف (أي) في النداء إلا بما فيه الألف واللام نحو: يا أيها الرجل، أو بالموصول ومنه قوله تعالي:} يا أيها الذي نزل عليه الذكر} [الحجر/6]، وباسم الإشارة نحو: يا أيهذا أقبل، قال الشاعر: [من الطويل] 538 - ألا أيها ذا الباخع الوجد نفسه ... لشيء نحته عن يديه المقادر ولا توصف (أي) بغير ذلك. وإليه الإشارة بقوله: ------------- ... ووصف أي بسوى هذا يرد ومتي كانت صفة (أي) معربة لم تكن إلا مرفوعة لأنها هي لمنادى في الحقيقة، وإنما جيء معها بـ (أي) توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام. وأجاز المازني والزجاج نصب صفة (أي) قياسا على صفة غيره من المناديات المضمومة، ويجوز أن توصف صفة (أي) إلا أنها لا تكون إلا مرفوعة، مفردة كانت أو مضافة، كقول الراجز: [من الرجز] يا أيها الجاهل ذو التنزي ... لا توعدني حيةً بالنكز وذو إشارة كأي في الصفة ... إن كان تركها يفيت المعرفة بين بهذا ان اسم الإشارة إذا جعل سببا إلى نداء ما فيه الألف واللام فعل به كما فعل بـ (أي)، فتقول: يا هذا الرجل، بالرفع، لا غير إذا أردت ما أردت بقولك: يا أيها الرجل، فإذا قدرت الوقف على هذا ولم تجعله وصلة إلى نداء ذي الألف واللام، بل

مستغنيا بإفراده عنه، جاز نصب صفته ورفعها، وهذا ما أراد بقوله: ------------ ... إن كان تركها يفيت المعرفة ففهم أن صفة هذا متى لم يكن تركها يفيت المعرفة المراد به لم يجب رفعها، بل يجوز فيه الوجهان 591 - في نحو سعد سعد الأوس ينتصب ... ثان وضم وافتح أولا تصب إذا كرر اسم مضاف في النداء نحو: يا سعد سعد الأوس، وكقول الشاعر: [من الرجز] 540 - يا زيد زيد اليعملات الدبل ... تطاول الليل عليك فانزل تعين نصب الثاني وجاز في الأول وجهان: الضم والفتح. فإن ضم، فلأنه منادى مفرد معرفة، ونصب الثاني حينئذ لأنه منادى مضاف، أو توكيد أو عطف بيان أو بدل أو منصوب بإضمار (أعني). وإن فتح الأول، فهو على مذهب سيبويه: منادى مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني مقحم بين المضاف والمضاف إليه. ومذهب المبرد: أن الأول منادى مضاف غلى محذوف دل عليه الآخر، والثاني مضاف إلى الآخر. ومن النحويين من جعل الاسمين عند فتح الأول مركبين تركيب خمسة عشر.

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم 592 - واجعل منادى صح إن يضف ليا ... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا كثيرا ما يضاف المنادى إلى ياء المتكلم، وكثرة ذلك تستتبع فيه التخفيف، فاستعمل على الأصل، وهو إثبات الياء وفتحها، ومخففا على أربعة أوجه، وأكثرها استعمالا حذف الياء وإبقاء الكسرة تدل عليها نحو: يا عبد، ثم ثبوتها ساكنة، نحو: يا عبدي، ثم قلب الياء ألفا بعد قلب الكسرة قبلها فتحة نحو: يا عبدا، ثم حذف الألف وإبقاء الفتحة دليلا عليها نحو: يا عبد، وذكروا وجها من التخفيف خامسا وهو الاكتفاء من الإضافة بنيتها، وجعل الاسم مضموما كالمنادى المفرد، ومن قراءة بعضهم بقوله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي} [يوسف/33] وحكي يونس عن بعض العرب: (يا أم لا تفعلي) 593 - وفتح أو كسر وحذف اليا استمر ... في يا ابن أم يا ابن عم لا مفر [226] إذا نودي المضاف إلى المضاف إلى ياء المتكلم لم تحذف الياء كما تحذف إذا نودي المضاف إليها إلا في يا ابن أم، ويا ابن عم، وذلك قولك: يا ابن أخي، ويا ابن خالي، وكان الأصل في (ابن الأم، وابن العم) أن يقال فيهما يا ابن أمي، ويا ابن عمي، إلا أنهما كثر استعمالهما في النداء، فخصا بالتخفيف بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها في قول من قال: يا ابن أم وابن عم، وبإبدال الياء ألفا ثم حذفها وإبقاء الفتحة دليلا عليها في قول من قال: يا ابن أم وابن عم، ولا يكادون يثبتون الياء ولا الألف إلا في

الضرورة كقول الشاعر: [من الخفيف] 541 - يا ابن أمي ويا شقيق نفسي ... انت خليتني لدهر شديد وقوله الآخر: [من الرجز] 542 - يا ابنة عما لا تلومي واهجعي ... ولا يخرق اللوم حجاب مسمعي 594 - وفي النداء أبت أمت عرض ... واكسر أو افتح ومن اليا التا عوض (التاء) في {يا أبت} [يوسف/4] تاء التأنيث معوض بها عن ياء المتكلم، ولذلك يبدلها في الوقف هاء ابن كثير وابن عامر. وأما الباقون: فيقفون بالتاء رعاية للرسم، ولكونها عوضا عن ياء المتكلم لم يجمع بينهما. فأما قولها: [من السريع] 543 - يا أمتا أبصرني راكب ... يسير في مسحنفر لاحب فقمت أحثي الترب في وجهه ... عمدا وأحمي حوزة الغائب فالألف فيه الألف التي تلحق المستغاث والمندوب، أو بدل من ياء المتكلم، وهون أمر الجمع بينها وبين التاء ذهاب صورة المعوض عنه. وفي (تاء) (يا أبت) لغتان:

إحدهما: تحريكها بالكسرة لأنها كانت مستحقة قبل ياء الإضافة، فلما عوض عنها بالتاء، ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا جعلت الكسرة عليها دليلا، لتكون كالمعوض عنه في مجامعة الكسرة بالجملة. واللغة الثانية: تحريك التاء بالفتحة، وهو أقيس؛ لأنها الحركة التي للمعوض عنه، غلا أن الكسرة أكثر. وقالوا في الأم: (يا أمت) كما قالوا في الأب: (يا أبت) ولا تعوض التاء من ياء المتكلم إلا مع الأب والأم في النداء خاصة، ولهذا قال: وفي النداء أبت أمت -------- ------ .... ----------------------

أسماء لازمت النداء

أسماء لازمت النداء 595 - وفل بعض ما يخص بالندا ... لؤمان نومان كذا واطردا 596 - في سب الأنثى وزن يا خباث ... والأمر هكذا من الثلاثي [227] 597 - وشاع في سب الذكور فعل ... ولا تقص وجر في الشعر فل خص بالنداء أسماء لا تستعمل في غيره إلا في ضرورة الشعر، فمن ذلك قولهم للرجل (يا فل) بمعنى يا فلان، ويقال للمرأة: (يا فلة) كما يقال: يا فلانة، وليس هو ترخيم (فلان)، ولو كان ترخيما لم تلحقه التاء، ولم تحذف منه الألف، لأنه لا يحذف في الترخيم مع الآخر ما قبله إذا كان حرف مد زائد، إلا إذا كان المرخم خماسيا فصاعدا، و (فلان) على أربعة أحرف فلو رخم قيل فيه: (يا فلا) بإثبات الألف. ومن ذلك قولهم: (يا لؤمان) و (يا ملأمان) و (يا ملأم) بمعنى عظيم اللؤم. وقولهم: (يا نومان) للكثير النوم، ومثله (يا مكرمان) للعظيم الكرم. ولا يقاس على هذه الصفات بالإجماع. وأما ما عدل به إلى (فعال) في سب المؤنث، نحو: (يا خباث، ويا لكاع، ويا فساق) فهو مقيس عند سيبويه في كل وصف من فعل ثلاثي، ولا يستعمل إلا مبينا على الكسر، تشبيها له بـ (نزال).

قوله: -------------- ... والأمر هكذا من الثلاثي يعني به أن بناء (فعال) للأمر من كل فعلا ثلاثي مقيس عند سيبويه، نحو: نزال، وتراك. وقوله: ------------ ... ---- وجر في الشعر فل إعلام بخروج (فل) عن اختصاصه بالنداء في الضرورة، وذلك قول الراجز: [من الرجز] 544 - تدافع الشيب ولم تقتل ... في لجة أمسك فلانا عن فل ونحوه عن الخروج عن الاختصاص بالنداء قول الآخر: [من الوافر] 545 - أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع

الاستغاثة

الاستغاثة 598 - إذا استغيث اسم منادى خفضا ... باللام مفتوحا كيا للمرتضى 599 - وافتح مع المعطوف إن كررت يا ... وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا إذا نودي منادى ليخلص من شدة أو يعين على مشقة، فنداؤه استغاثة، وهو مستغاث. وكثيرا ما تدخل على المنادى الذي بهذه الصفة لام الجر المقوية للتعدية، لتنص على الاستغاثة، فتفتح مع المشتقات، مالم يكن معطوفا فرقا بين المستغاث والمستغاث من أجله، ولا يجوز استعماله مع اللام إلا معربا، لأن تركيبه مع اللام أعطاه شبها بالمضاف وذلك قولك: يا لزيد. [228] فإن عطفت المستغاث، فلا يخلو إما أن تكرر حرف النداء، أولا: فإن كررته فلابد من فتح اللام، كقول الشاعر: [من الخفيف] 546 - يا لقمي ويا لأمثال قومي ... لأناس عتوهم في ازدياد وإن لم تكرر كسرة اللام، لذهاب اللبس حينئذ، قال الشاعر: [من البسيط] 547 - يبكيك ناءٍ بعيد الدار مغترب ... يا للكهول وللشبان للعجب

وهكذا تكسر مع المستغاث منى أجله، ما لم يكن مضمرا، قال الشاعر: [من الوافر] 548 - تكنفني الوشاة فأزعجوني ... فيا للناس للواشي المطاع ففتح اللام مع (الناس) لأنه مستغاث وكسرها مع (الواشي) لأنه مستغاث من أجله. وإلى كسر اللام مع المستغاث من أجله، ومع المعطوف غير المكرر معه ياء أشار بقوله: ------------------- ... وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا أي: جئ بكسر اللام فيما ليس مستغاثا ولا معطوفا مكررا معه (يا) وهو المعطوف بدون (يا) والمستغاث من أجله. وقد تلي (يا) لام مكسورة، فيستدل بكسرها على أن المستغاث محذوف، وأن مصحوبها مستغاث من أجله، كقول العرب: يا للعجب، ويا للماء، على معنى: يا للناس للعجب، ويا للرجال للماء، ثم حذف المنادى، كما حذف في قول الآخر: [من البسيط] 549 - يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار 600 - ولام من استغيث عاقبت ألف ... ومثله اسم ذو تعجب ألف تعاقب لام الاستغاثة ألف تلي آخره، إذا وجدت عدمت اللام، وإذا وجدت اللام عدمت.

مثال الأول قول الشاعر: [من الخفيف] 550 - يا يزيدا لآمل نيل عز ... وغنى بعد فاقة وهوان ومثال الثاني كثير، وفيما تقدم منه كفاية. وقد يخلو المستغاث من اللام والألف كقول القائل: (من الوافر) 551 - ألا يا قوم للعجب العجيب ... وللغفلات تعرض للأريب وينادي المتعجب منه فيعامل معاملة المستغاث من غير فرق. فمن ذلك قول بعضهم: يا للعجب ويا للماء، بفتح اللام على معنى، يا عجب احضر فهذا أوانك.

الندبة

الندبة 601 - ما للمنادى اجعل لمندوب وما ... نكر لم يندب ولا ما أبهما المندوب: هو المذكور توجعا منه، نحوك: وا رأساه، أو تفجعا عليه لفقده بموت أو غيبة، نحو: وا زيداه. [229] // والقصد من الندبة الإعلام بعظمة المصاب. فلذلك لا يندب إلا العلم نحوه، كالمضاف إضافة توضح المندوب، كما يوضح الاسم العلم. ولا يندب إلا الاسم النكرة، ولا اسم الإشارة، ولا الموصول المبهم، ولا اسم الجنس المفرد؛ لأنها غير دالة على المندوب دلالة تبين بها عذر النادب. ويجوز أن يندب الموصول إذا اشتهرت صلته شهرة ترفع عنه الإبهام، كقولهم: (وامن حفر بئر زمزماه). وإلى هذه المسألة وأمثالها أشار بقوله: 602 - ويندب المندوب بالذي اشتهر ... كبئر زمزم يلي وامن حفر واعلم أن المندوب له استعمالان: احدهما: أن يجري مجرى غيره من الأسماء المناداة في بنائه على الضم، عن كان مفردا، ونصبه عن كان مضافا، وفى جواز تنوينه للضرورة على الوجهين المذكورين، فمن

ذلك قول الراجز: [من الرجز] 552 - وافقعسا وأين منى فقعس ... أإبلي يأخذها كروس والاستعمال الثاني: أن يلحق آخر ما تم به ألف. وقد نبه على ذلك بقوله: 603 - ومنتهى المندوب صلة بالألف ... متلوها إن كان مثلها حذف 604 - كذاك تنوين الذي به كمل ... من صلة أو غيرها نلت الأمل تقول في زيد: وازيداه، وفي عبد الملك: واعبد الملكا، وفي حفر بئر زمزم: وامن حفر بئر زمزما، فتجيء بألف الندبة في الأخر، لأنه الذي انتهى به الاسم، قال الشاعر: [من البسيط] 553 - حملت أمرا عظيما فاصطبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا ويحذف لألف الندبة ما قبلها من ألف أو تنوين في صلة أو غيرها، كقولك في (موسى) واموساه، وفي قولك أبى بكر: واأبا بكراه، وفي من نصر محمدا: وامن نصر محمداه. وأجاز يونس: وصل ألف الندبة بآخر الصفة، نحو: وازيد الظريفاه، ويشهد له قول بعض العرب: (واجمجمتي الشاميتيناه). ولما ذكر لحاق ألف الندبة ذكر حال ما قبل الألف، فقال: 605 - والشكل حتما أوله مجانسا ... إن يكن الفتح بوهم لابسا الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا. فإذا لحقت المنادى ألف الندبة، وكان ما قبلها غير مفتوح وجب فتحه، إلا أن يوقع ذلك في اللبس، فيجب إبدال ألف الندبة من جنس حركة ما قبلها. مثال ما يفتح قبل الألف قولك في (رقاش): وارقشاه، وفي عبد الملك: واعبد الملكاه، وفي من اسمه (قام الرجل): وأقام الرجلاه: برد الحركة قبل الألف في ذلك [230] // كله فتحة لتسلم الألف ما لم يوقع في لبس.

ومثال ما تبدل فيه ألف الندبة من جنس حركة ما قبلها قولك في ندبة (فتى) مضاف إلى كاف المخاطبة: وافتاكيه، وفي ندبة (فتى) مضاف إلى هاء الغائب، وافتاهوه تبدل الألف بعد الكسرة ياء وبعد الضمة واوا، لأنك لو سلمتها وقبلت الكسرة، والضمة فتحة لأوهم الإضافة إلى كاف المخاطب وهاء الغائبة، ولم يعرف المراد. 606 - وواقفا زد هاء سكت إن ترد ... وإن تشأ فالمد والها لا تزد علامة الندبة لا تلزم المندوب إلا المندوب إلا إذا خيف اللبس، كما إذا كان الحرف المستعمل معه (يا) ولم يقم على المراد قرينة، وما أمن فيه اللبس جاز أن تلحقه العلامة وألا تلحق. فما كان من المندوب بلا علامة، ولا يجوز أن تلحقه الهاء بحال، وما كان منه بالعلامة نحو: وازيدا جاز أن تلحقه في الوقف هاء السكت، توصلا إلى زيادة المد، نحو: وازيداه، وجاز ألا تلحقه، كما ينبئ عنه قوله: ............................. وإن تشأ فالمد والهاء لا تزد أي: وإن تشأ ألا تزيد في الوقف الهاء فالمد كاف. ولا تثبت هذه الهاء في الوصل إلا للضرورة، كما في قول الشاعر: [من الهزج] 554 - ألا يا عمرو عمراه ... وعمرو بن الزبيراه 607 - وقائل واعبديا واعبدا ... من في الندا اليا ذا سكون أبدى إذا ندب المضاف إلى ياء المتكلم على لغة من أثبتها مفتوحة زيدت الألف، ولم يحتج إلى عمل ثان، لأن الياء مهيئ' لمباشرة الألف، وإذا ندب على لغة من حذف الياء، مكتفيا بالكسرة جعل بدل الكسرة فتحة وزيدت الألف. وإذا ندب على لغة من يثبت الياء ساكنة، وهو المشار إليه في البيت جاز حذف الياء لالتقاء الساكنين وإبقاؤها مفتوحة، فيقال على الأول: واعبداه، وعلى الثاني: واعبديا. وأما المندوب المضاف إلى المضاف إلى ياء المتكلم، نحو، واانقطاع ظهرياه، فلا تحذف منه الياء، لأن المضاف إليها غير منادى.

الترخيم

الترخيم 608 - ترخيما احذف آخر المنادى ... كيا سعا فيمن دعا سعادا الترخيم في اللغة: ترقيق الصوت وتليينه، يقال: صوت رخيم، أي: رقيق. وعند النحويين: هو حلف بعض الكلمة على وجه مخصوص. وهو على ثلاثة أنواع: أحدهما: حذف آخر الاسم في النداء، وهو المذكور هنا. والثاني: حذف الآخر في غير النداء لغير موجب، ويختص بضرورة الشعر، وسينبه عليه. والثالث: ترخيم التصغير، ولما أخذ في بيان أحكام الترخيم في النداء قال: ترخيما احذف آخر المنادى ................................ فعلم أنه يجوز ترخيم المنادى بحذف آخره في سعة الكلام، لأنه لم يقيده بالضرورة ونصبه (ترخيما) يجوز أن يكون مفعولا له أو مصدرا في موضع الحال أو ظرفا على حذف المضاف. ولما بين أن ترخيم المنادى بحذف آخره مثله، فقال: ..................... كيا سعا فيمن دعا سعادا وفي الكلام حذف مضاف تقديره: في قول من دعا سعادا، ونحوه قولك في حارث يا حار، قال الشاعر: [من البسيط]

555 - يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك وليس كل منادى يقبل الترخيم. فلما أخذ في بيان ما لا يجوز ترخيمه ومالا يجوز ترخيمه قال: 609 - وجوزنه مطلقا في كل ما ... أنث بالها والذي قد رخما 610 - بحذفها وفره بعد واحظلا ... ترخيم ما بعد هذه الها قد خلا 611 - إلا الرباعي فما فوق العلم ... دون إضافة وإسناد متم لا يجوز ترخيم المنادى إلا إذا كان مفردا معرفة وهو مؤنث بالها، أو علم. أما المؤنث بالهاء فيجوز ترخيمه مطلقا أي: سواء كان علما أو غير علم، وسواء كان على أربعة أحرف فصاعدا، أو أقل، قال الراجز: [من الرجز] 556 - جاري لا تستنكري عذيري ... سيري وإشفاقي على بعيري أراد: يا جارية، وقالوا: (يا شا ادجني) أي: يا شاة أقيمي، وقوله: ................................... والذي قد رخما بحذفها وفره بعد .................................... أي لا تنقص منه بعد حذف الهاء شيئا، وإنما ذكره ليعلم أن قوله بعد: ومع الآخر احلف الذي تلا .......................... مقصور الحكم على العلم الخالي من هاء التأنيث وأن نحو: (عقنباة) لو رخمته لم تحذف منه مع الهاء لأن هاء التأنيث في حكم الانفصال فلا يستتبع حذفها حذف ما

قبلها، وغير الهاء ليس كذلك، تقول في مروان: يا مرو، وفي زيدون: يا زيد، وفي عرفات: يا عرف. فتتبع الآخر ما قبله في الحذف. [232] وأما العلم فلا يرخم إلا إذا كان// مفردا زائدا على ثلاثة أحرف، وهو قوله: ..................... واحظلا ................. أي: أمنع. .................... ترخيم ما من هذه الها قد خلا إلا الرباعي فا فوق العلم ... دون إضافة وإسناد متم فعلم أن غير المؤنث بالهاء لا يرخم وهو ثلاثي كعمر، ولا اسم الجنس كعالم، ولا مضاف ولا شبيه به ومنه المركب من جملة ك (تأبط شرا). وإنما يرخم منه العلم المفرد الزائد على الثلاثة، ومنه المركب تركيب المزج ك (معدي كرب وسيبويه) إلا أن هذا النوع إنما يرخم بحذف عجزه. 612 - ومع الآخر احذف الذي تلا ... إن زيد لينا ساكنا مكملا 613 - أربعة فصاعدا والخلف في ... واو وياء بهما فتح قفي إذا كان قبل آخر المنادى الجائز الترخيم حرف لين ساكن زائد مسبوق بأكثر من حرفين حذف في الترخيم هو والآخر بإجماع إن كان حرف مد، كقولك في عمران: يا عمر، وفي مسكين: يا مسك، وفي منصور: يا منص، وبخلاف إن لم يكن كذلك، نحو: غرنيق، وفرعون. فمذهب الفراء والجرمي أنهما في الترخيم بمنزلة مسكين ومنصور، وغيرهما من النحويين لا يرى ذلك، بل يقول: يا غرني، ويا فرعو. وإلى هذا أشار بقوله: ............... والخلف في ... واو وياء بهما فتح قفي أي: وقعا بعد فتحة وتبعاها. ولا يخرج عن هذا الضابط إلا ما آخره هاء التأنيث، وقد سبق التنبيه عليه، ونقول في مختار: يا مختا، ولا تحذف الألف، لأنها بدل من عين الكلمة، فليست زائدة، وتقول في نحو هبيخ وقنور: يا هبي ويا قنو، فتحذف الآخر، وتبقي ما قبله، وإن كان حرف لين زائد، إلا أنه غير ساكن، وتقول في عماد ومجيد وثمود، يا عما ويا مجي ويا ثمو، فلا تحذف ما قبل الآخر، لأنه ليس قبله إلا حرفان.

وعند الفراء: أن الرباعي كالزائد عليه، فتقول: يا عم ويا مج ويا ثم، وأجاز أيضا إبقاء الألف والياء ولم يجز إبقاء الواو لأنه يستلزم عدم النظير لأنه ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة، وليس شرطا عند الفراء في حذف ما قبل الآخر كونه حرف لين، بل مجرد كونه ساكنا فنقول في قمطر: يا قم، قال: لأنه إذا قيل: يا قمط بسكون الطاء لزم عدم النظير، إذا ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره حرف صحصح ساكن. ومما انفرد به الفراء: جواز ترخيم الثلاثي المحرك الوسط، نحو حكم، فإنه إذا قيل في ترخيمه: يا حك لم يلزم منه عدم النظير، إذ في الأسماء المتمكنة ما هو على حرفين ثانيهما متحرك كغد ويد. فلو كان الثلاثي ساكن الوسط لم يجز ترخيمه بإجماع، لأنه موقع في عدم [233] النظير.// 614 - والعجز احذف من مركب وقل ... ترخيم جملة وذا عمرو نقل إذا رخم المركب من نحو: (معدي كرب وسيبويه) حذف عجزه لأنه منه بمنزلة هاء التأنيث من نحو: طلحة، إلا أنه خالف هاء التأنيث في أنه قد يحلف معه ما قبله كقولك في اثنا عشر: يا اثن. قال سيبويه: وأما اثنا عشر فإذا رخمته حذفت [عشر مع] الألف، لأن عشر بمنزلة نون مسلمين] والألف بمنزلة الواو]. وأكثر النحويين: لا يجيز ترخيم المركب من جملة، وهو جائز، لأن سيبويه قال في بعض أبواب النسب: تقول في النسب إلى تأبط شرا: تأبطي: لأن من العرب من يقول: يا تأبط. ومنع من ترخيمه في باب الترخيم، فعلم أن جوازه على لغة قليلة. قوله: ............................................. وذا عمرو نقل هو اسم سيبويه.

615 - وإن نويت بعد حذف ما حذف ... فالباقي استعمل بما فيه ألف 616 - واجعله إن لم تنو محذوفا كما ... لو كان بالآخر وضعا تمما 617 - فقل على الأول في ثمود يا ... ثمو ويا ثمي على الثاني بيا 618 - والتزم الأول في كمسلمة ... وجوز الوجهين في كمسلمة للعرب في ترخيم المنادى مذهبان: أحدهما: وهو الأكثر أن ينوي ثبوت المحذوف، فلا يغير ما بقي عن شيء مما كان عليه قبل الحذف. والثاني: ألا ينوى المحذوف، فيصبر ما بقي كأنه اسم تام موضوع على تلك الصيغة، ويعطى من البناء على الضم وغيره ما يستحقه لو لم يحذف منه شيء. فيقال على المذهب الأول في نحو: حارث وجعفر وقمطر: يا حار ويا جعف ويا قمط، وعلى الثاني: يا حار ويا جعف ويا قمط. وتقول على الأول في ثمود: يا ثمو فلا تغير ما بقي عن حاله، وعلى الثاني: يا ثمي، لأنك لما لم تنو المحذوف جعلت ما بقي في حكم اسم تام قد تطرقت فيه الواو بعد ضمة، فوجب قلب الضمة كسرة والواو ياء، كما في نحو: أدل وأجر، وهكذا تقول في نحو: صميان وعلاوة على الأول: يا صمي ويا على. وعلى الثاني: يا صما ويا علاو، لأنه لما تحركت الياء من (صمي) وانفتح ما قبلها ولم يكن بعدها ما يمنع من الإعلال قلبت ألفا على حد رمى وسعى، ولما تطرفت الواو من (علاو) وقبلها ألف مزيدة وجب قلب الواو همزة على حد كساء وغطاء. ومن الأسماء ما لا يرخم إلا على نية المحذوف. فمن ذلك ما فيه هاء التأنيث للفرق نحو: مسلمة تقول في ترخيمه: يا مسلم، ولا يجوز أن يرخم على المذهب الثاني، لأنك لو [234] قلت فيه: يا مسلم// لالتبس المؤنث بالمذكر، فلو لم تكن الهاء للفرق كما في مسلمة اسم رجل جاز ترخيمه على المذهبين، وتقول في طيلسان: على لغة من كسر اللام يا طيلس بنية المحذوف، ولا يجوز يا طيلس، لأنه ليس في الكلام فيعل صحيح العين، إلا ما ندر من (صيقل) اسم امرأة، ومن قوله تعالى: {بعذاب بئيس} [الأعراف/165]

في قراءة بعضهم، وتقول في حبليات: ولا يجوز يا حبلى: بإبدال الياء ألفا، لأن فعلى لا تكون ألفه إلا للتأنيث، ولا تكون ألف التأنيث مبدلة. وعلى هذا فقس جميع ما يجئ في هذا الباب. 619 - ولاضطرار رخموا دون نداء ... ما للنداء يصلح نحو أحمدا قد يضطر الشاعر فيرخم ما ليس منادى، لكن بشرط كونه صالحا لان ينادى. فمن ذلك قول امرئ القيس: [من الطويل] 557 - لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... طريف بن مال ليلة الجوع والخصر أراد: ابن مالك، فحذف الكاف وترك ما بقي كأنه اسم برأسه. وهذا الوجه مجمع على جوازه للضرورة. وأجاز سيبويه الترخيم لها على نية المحذوف، وأنشد: [من الوافر] 558 - ألا أضحت حبالكم رماما ... وأضحت منك شاسعة أماما ومنع ذلك المبرد، وروى عجز هذا البيت: ............................ وما عهدي بعهدك يا أماما فكلتا الروايتين لا تقدح إحداهما في صحة الأخرى، وأنشد سيبويه أيضا: [من البسيط] 559 - إن ابن حارث إن أشتق لرؤيته ... أو أمتدحه فإن الناس قد علموا

أراد ابن حارثه. ولا يرخم للضرورة المعرف بالألف واللام لعدم صلاحيته للنداء، ومن ها هنا خطئ من جعل من ترخيم الضرورة قول الراجز: [من الرجز] 560 القاطنات البيت غير الريم ... قواطنا مكة من ورق الحمي ذكر ذلك أبو الفتح في المحتسب.

الاختصاص

الاختصاص 620 - ألاختصاص كنداء دون يا ... كأيها الفتى بإثر ارجونيا 621 - وقد يرى ذا دون أي تلو أل ... كمثل نحن العرب أسخى من بذل كثيرا ما يتوسع في الكلام فيخرج على خلاف مقتضى الظاهر كاستعمال الطلب موضح الخبر نحو: أحسن بزيد، والخبر موضع الطلب، نحو قوله تعالى: [235] {والوالدات يرضعن} [البقرة/233] وقوله//تعالى: {والمطلقات يتربصن} [البقرة/238]، ومن ذلك الاختصاص، لأنه خبر يستعمل بلفظ النداء، كقولهم: (اللهم اغفر لنا أيتها العصابة) و (نحن نفعل كذا أيها القوم) و (أنا أفعل كذا أيها الرجل)، يراد بهذا النوع من الكلام الاختصاص على معنى: اللهم اغفر لنا متخصصين من بين العصائب، ونحن نفعل كذا مخصوصين من بين الأقوام، وأنا أفعل كذا مخصوصا من بين الرجال. فهو في الحقيقة منصوب ب (أخص) لازم الإضمار غير مقيد بمحل الأعراب.

ويقع المختص بلفظ (أيها وأيتها) ومعرفا بالألف واللام نحو: (نحن العرب أقرى الناس للضيف)، ومضافا إلى المعرف بهما نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث). لفظه كلفظ المنادى، ومع ذلك فهو مخالفه مع ثلاثة أوجه: فإنه لا يجوز أن يستعمل حرف النداء، ويجيء معرفا بالألف واللام، ولا يبتدأ به في الكلام. وربما فهم ذلك من قولة: .............................. كأيها الفتى بإثر ارجونيا وقل ما يكون المختص غلا متكلما مفردا أو مشاركا. وقد جاء مخاطبا في قولهم: (بك الله نرجو الفضل).

التحذير والإغراء

التحذير والإغراء 622 - إياك والشر ونحوه نصب ... محذر بما استتاره وجب 623 - ودون عطف ذا لإيا انسب وما ... سواه ستر فعله لن يلزما 624 - إلا مع العطف أو التكرار ... كالضيغم الضيغم يا ذا الساري التحذير: تنبيه المخاطب على مكروه يجب الاحتراز منه. فإن كان بلفظ (إياك) أو نحوه، ك (إياك وإياكما وإياكم وإياكن) فهو مفعول بفعل، لا يجوز إظهاره، لأنه قد كثر التحذير بهذا اللفظ، فجعلوه بدلا من اللفظ بالفعل، والتزموا معه إضمار العامل، سواء كان معطوفا عليه نحو: إياك والشر، أو مكررا نحو: [من الطويل] 561 - فإياك إياك المراء ................................. أو مفردا نحو: إياك الأسد، تقديره: أحذرك الأسد. ونبه على وجوب إضمار ناصب (إياك) في الإفراد بقوله:

ودون عطف ذا لإيا انسب .................................. وإن كان التحذير بغير (إياك) ونحوه كان المحذر منصوبا بفعل جائز الإظهار والإضمار، إلا مع العطف أو التكرار، تقول: نفسك الشر، أي: جنب نفسك الشر، وغن شئت أظهرت الفعل، وتقول: نفسك والأسد، أي: ق نفسك، واحذر الأسد، ومثله (ماز رأسك والسيف) أراد: يا مازن ق راسك واحذر السيف. ولا يجوز إظهار العامل لكون العطف كالبدل من اللفظ به، وتقول: (رأسك [236] راسك) فتنصبه// باللازم إضماره، لأن التكرار بمنزلة العطف، وكثيرا ما يستغنى عن ذكر المحذر، ويذكر المحذر منه منصوبا بفعل جائز الإظهار والإضمار: في الإفراد نحو: الأسد، ولازم الإضمار في العطف والتكرار نحو: الأسد الأسد، وقوله تعالى: (ناقة الله وسقياها ([الشمس/13]. 625 - وشذ إياي وإياه أشذ ... وعن سبيل القصد من قاس انتبذ شذ التحذير ب (إياي) في قوله: (إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب) أي: نحني عن حذف الأرنب، ونحوا أنفسكم عن حذف الأرنب، فاكتفى أولا بذكر المحذر، وثانيا يذكر المحذر منه. وإنما كان هذا المثال شاذا لأن مورد الاستعمال أن يكون التحذير للمخاطب، فمجيئه للمتكلم خارج عن ذلك فهو شاذ. وأشذ منه قول بعضهم: (إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب) لأنه جاء فيه التحذير للغائب، وأضيفت فيه (إيا) إلى الظاهر. 626 - وكمحذر بلا إبا اجعلا ... مغرى به كل ما قد فصلا

الإغراء: أمر المخاطب بلزوم أمر يحمد به كقول الشاعر: [من الطويل] 562 - أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح أي: الزم أخاك. والإغراء كالتحذير تنصبه باللازم إضماره في العطف والتكرار وبالجائز إظهاره في الإفراد، وهذا معنى قوله: وكمحذر بلا إيا ........................................... يعني: أن (إيا) لا يجوز معها الإظهار، فالمغرى به إنما هو كالمحذر بلفظ غير (إيا)، ومما يدخل تحت قوله: .................................. في كل ما قد فصلا وإن لم يكن هو قد تعرض لذكره أن المكرر قد يرفع في التحذير والإغراء. قال الفراء في قوله تعالى:} ناقة الله وسقياها {[الشمس/13] نصب الناقة على التحذير، وكل تحذير فهو نصب، ولو رفع على إضمار هذه ناقة الله لجاز، فإن العرب قد ترفه ما فيه معنى التحذير، وأنشد: [من التخفيف] 563 - إن قوما منهم عمير وأشبا ... هـ عمير ومنهم السفاح لجديرون باللقاء إذا قا ... ل أخو السلاح السلاح فرفع، وفيه معنى الأمر بأخذ السلاح.

أسماء الأفعال والأصوات

أسماء الأفعال والأصوات 627 - ما ناب عن فعل كشتان وصه ... هو اسم فعل وكذا أوه ومه أسماء الأفعال: ألفاظ نابت عن الأفعال معنى واستعمالا، كشتان بمعنى: افترق، وصه، بمعنى: اسكت، واوه، بمعنى: أتوجع، ومه بمعنى: اكفف. [237] واستعمالها كاستعمال الأفعال، من كونها عاملة، غير//معمولة، بخلاف المصادر الآتية بدلا من اللفظ بالفعل، فإنها وإن كانت كالأفعال في المعنى، فليست مثلها في الاستعمال، لتأثرها بالعوامل. 628 - وما بمعنى افعل كآمين كثر ... وغيره كوي وهيهات نزر أكثر ما تجئ أسماء الأفعال بمعنى الأمر ك (آمين) بمعنى: استجب، و (تيد) بمعنى: أمهل، و (هيت وهيا) بمعنى: أسرع، و (ويها) بمعنى: أغر، و (إيه) بمعنى: امض في حديثك، و (حيهل) بمعنى: ائت أو أقبل أو عجل. واطرد صوغه من كل فعل ثلاثي، ك (نزال) بمعنى: انزل، و (دراك) بمعنى أدرك، و (تراك) بمعنى: اترك، و (حذار) بمعنى: احذر. وشذ صوغه من الرباعى ك (قرقار) بمعنى: قرقر، وقاس عليه الأخفش. ومجيء أسماء الأفعال بمعنى الماضي والحال قليل نزر. فما جاء بمعنى الماضي: (هيهات) بمعنى: بعد، و (وشكان وسرعان) بمعنى: سرع، و (بطآن) بمعنى: بطؤ.

ومما جاء بمعنى الحال (أف) بمعنى أتضجر، و (أوه) بمعنى: أتوجع، و (وي)، و (وا)، و (واها) بمعنى: أعجب. 629 - والفعل من أسمائه عليكا ... وهكذا دونك مع إليكا 630 - كذا رويد بله ناصبين ... ويعملان الخفض مصدرين من جملة أسماء الأفعال: ما كان في أصله ظرفا أو حرف جر، ثم خرج عن ذلك، وصار بمنزلة: صه ونزال في الدلالة على معنى الفعل وتحمل ضمير الفاعل، فمن ذلك: (عليك) بمعنى: الزم، و (دونك وعندك ولديك) بمعنى: خذ، و (إليك) بمعنى: تنح، (ومكانك) بمعنى: أثبت، و (وراءك) بمعنى: تأخر، و (أمامك) بمعنى: تقدم، ولا يستعمل هذا النوع في الغالب إلا جارا لضمير المخاطب. وشذ (علي) بمعنى: أولني، و (إلي) بمعنى: أتنحى، و (عليه) بمعنى: ليلزم، وحكى الأخفش: (علي عبد الله زيدا) وهو غريب. وأما (رويدا) فمرخم تصغير إرواد، مصدر: أروده، أي: أمهله. ويستعمل في الخبر والأمر. أما في الخبر كقولك: ساروا رويدا، تنصبه على الحال، على معنى: ساروا مرودين، أو على النعت للمصدر: إما ظاهرا أو مقدرا. وأما في الأمر كقولك: رويدا زيدا، أي أمهل زيدا، وله استعمالان: هو في أحدهما اسم فعل، وفي الآخر مصدر بدل من اللفظ بالفعل، لأنه تارة يكون مبنيا على الفتح، وإذا وليه المفعول كان منصوبا نحو: رويدا زيدا. فها هنا هو اسم فعل، لأنه لو كان مصدرا لكان معربا، ولو كان معربا لكان منونا، وتارة يكون منصوبا منونا أو مضافا إلى المفعول نحو: رويد زويد. فها هنا هو مصدر، [238] لأنه لو كان اسم فعل لما كان// إلا مبنيا. وأما (بله) فهي بمعنى: دع. ولها أيضا استعمالان: مضافة وغير مضافة، فإذا قلت: بله زيد: كانت مصدرا بدلا من اللفظ بالفعل، وإذا قلت: بله زيدا: كانت اسم فعل كما قلنا: في (رويد). 631 - وما لما تنوب عنه من عمل ... لها وأخر ما لذي فيه العمل يعني أن أسماء الأفعال تعمل عمل الأفعال التي نابت عنها، فترفع الفاعل ظاهرا نحو: شتان زيد وعمرو، ومضمرا كما في (نزال).

وينصب منها ما هو في معنى المتعدي نحو: دراك زيدا، ويتعدى إليه بحرف من حروف الجر ما هو في معنى ما يتعدى بذلك الحرف. ومن ثم عدى (حيهل) بنفسه لما ناب عن ائت في العمل نحو: (حيهل الثريد)، وبالباء لما ناب عن عجل في نحو: (إذا ذكر الصالحون فحيهل بعمر)، وب (على) لما ناب عن (أقبل) في نحو: حيهل على كذا. قوله: .......................... وأخر ما لذي فيه العمل يعني: أنه يجب تأخير اسم الفعل، ولا يستوي بينه وبين الفعل في جواز التقديم والتأخير، فتقول: دراك زيدا؛ كما تقول: أدرك زيدا، وتقول: زيدا أدرك، ولا تقول: زيدا دراك. هذا مذهب جميع النحويين إلا الكسائي فإنه أجاز فيه ما يجوز في الفعل من التقديم والتأخير. 632 - واحكم بتنكير الذي ينون ... منها وتعريف سواه بين لما كانت هذه الكلمات أسماء مضمنة معاني الأفعال، كانت كباقي الأسماء لا تخرج عن كونها معرفة أو نكرة، فما تجرد من التنوين معرفة، وما تنون نكرة. ومنها ما لازم التعريف ك (نزال وبله وآمين) ومنها ما لازم التنكير ك (واها وويها) ومنها ما استعمل بالوجهين ك (صه وصه ومه ومه وأف وأف) 633 - وما به خوطب ما لا يعقل ... من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل 634 - كذا الذي أجدى حكاية كقب ... والزم بنا النوعين فهو قد وجب أسماء الأصوات: ألفاظ أشبهت أسماء الأفعال في الاكتفاء بها دالة على خطاب ما لا يعقل، أو على حكاية بعض الأصوات. فالأول: إما لزجر، ك (هلا: للخيل) و (عدس: للبغل) و (هيد وهيد وهاد وعاه وهاب: للإبل) و (هج وعاج وحل وحاب وجاه: للبعير) و (أس وهس وهج وقاع: للغنم) و (وهج وهجا: للكلب) و (سع وجح: للضأن) و (وح: للبقر) و (عز وعيز: للعنز) و (حر: للحمار) و (جاه: للسبع). وإما لدعاء ك (أو: للفرس)

[239] و (دوه: للربع) و (عوه: للحجش) و (بس // للغنم) و (جوت وجئ: للإبل الموردة) و (تأ وتؤ: للتيس المنزى) و (نخ: للبعير المناخ) و (هدع: لصغار الإبل المسكنة) و (سأ وتشؤ: للحمار المورد) و (دج: للدجاج) و (قوس: للكلب). والثاني: ك (غاق: للغراب) و (ماء: للظبية) و (شيب: لشرب الإبل) و (عيط: للمتلاعبين) و (طيخ: للضاحك) و (وطاق: للضرب) و (طق: لوقع الحجارة) و (قب: لوقع السيف) و (خازباز: للذباب) و (خاق باق: للنكاح) و (قاش ماش: للقماش، كأنه سمي باسم صوته) وهذه الكلمات أمثالها أسماء؛ لامتناع كونها حروفا من قبل الاكتفاء بها وامتناع كونها أفعالا من قبل أنها لا تدل على الحدث والزمان. وحكم جميعها البناء، وكذا أسماء الأفعال، وقد تقدمت العلة في ذلك. وما يقع منها موقع المتمكن يجوز فيه الإعراب والبناء، قال الشاعر: [من الطويل] 564 - دعاهن ردفي فارعوين لصوته ... كما رعت بالجوت الظماء الصواديا يروى بكسر الجوت وفتحها.

نونا التوكيد

نونا التوكيد 635 - للفعل توكيد بنونين هما ... كنوني اذهبن واقصدنهما 636 - يؤكدان افعل ويفعل آتيا ... ذا طلب أو شرطا إما تاليا 637 - أو مثبتا في قسم مستقبلا ... وقل بعد ما ولم وبعد لا 638 - وغير إما من طوالب الجزا ... وآخر المؤكد افتح كابرزا لتوكيد الفعل نونان: ثقيلة وخفيفة، ونظرهما ب (اذهبن واقصدنهما) ومثل ذلك في التنزيل قوله تعالى:} ليسجنن وليكونا من الصاغرين {[يوسف/32]. ويؤكد بهما من الأفعال فعل الأمر نحو: اضربن، والمضارع المستقبل وهو قوله: ............... ويفعل آتيا ...................... لكن بشرط كونه في الغالب طلبا، أو شرطا ل (إن) مقرونة ب (ما) أو جواب قسم مثبتا. أما فعل الطلب فتوكيده جائز، وذلك أن يكون أمرا نحو: ليقومن زيد، أو نهيا نحو قوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا} [إبراهيم/42] أو تخصيصا كقول الشاعر: [من البسيط] 565 - هلا تمنن بوعد غير مخلفة ... كما عهدتك في أيام ذي سلم

أو متمنيا، كقول الآخر: [من الطويل] 566 - فليتك يوم الملتقى تريني .... لكي تعلمني أني امرؤ بك هائم [240] أو استفهاما، كقول الآخر//: [من المتقارب] 567 - وهل يمنعني ارتيادي البلا .... د من حذر الموت أن يأتين وقول الآخر: [من الكامل] 568 - أفبعد كندة تمدحن قبيلا وقول الآخر: [من الطويل] 569 - فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث .... مساعينا حتى ترى كيف نفعلا وأنا الشرط بـ (إما) فتوكيده بالنون جائز أيضا؛ قال الله تعالى: {فإما تثقفنهم في الحرب} [الأنفال/ 57] وقوله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة} [الأنفال/ 58]. وقد تخلو من التوكيد بهما كما في قول الشاعر: [من المتقارب] 570 - فإما تريني ولي لمة .... فإن الحوادث أودى بها

وقال الآخر: [من البسيط] 571 - يا صاح إما تجدني غير ذي جدة .... فما التخلي عن الخلان من شيمي وأما جواب القسم: فإذا كان مضارعا مثبتا مستقبلا وجب توكيده باللام والنون معا، إن كان غير مقرون بحرف تنفيس، ولا مقدم المعمول نحو: والله لأفعلن، وإلا فباللام، لا غير، كما في قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى/ 5] وقوله تعالى: {ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون} [آل عمران/ 158]. ولو كان الجواب مضارعا منفيا لم يؤكد، ولو كان بمعنى الحال أكد باللام دون النون لأنها مختصة بالمستقبل، وذلك نحو: والله ليفعل زيد الآن، ولا يجوز ليفعلن. ومنع البصريون هذا الاستعمال استغناء عنه بالجملة الاسمية المصدرة بالمؤكد كقولك: والله إن زيدا ليفعل الآن، وأجازه الكوفيون ويشهد لهم قراءة ابن كثير قوله تعالى: {لأقسم بيوم القيامة} [القيامة/ 1]. وقول الشاعر، أنشده الفراء: [من الطويل] 572 - لئن يك قد ضاقت عليكم بيوتكم .... ليعلم ربي أن بيتي واسع وأما المضارع من غير ما ذكر قلا يؤكد بالنون إلا إذا كان بعد (ما) الزائدة، دون (إن) أو منفيا بـ (لم) أو (لا)، أو كان شرطا لغير (إما)، أو جزاء فإنه حينئذ يقل توكيده بها بالإضافة إلى توكيده فيما سبق. أما توكيده بعد (ما) الزائدة فله شيوع في الكلام لم يتقدمها (رب)، فمن ذلك قولهم: (بعين ما أرينك) و (بجهد ما تبلغن) وقولهم في المثل: [من الطويل]

573 - ومن عضة ما ينبتن شكرها وقول الشاعر: [من الطويل] 574 - قليلا به ما يحمدنك وارث .... إذا نال مما كنت تجمع مغنما وإنما كان لهذا التوكيد شيوع من قبل أن (ما) لما لازمت هذه المواضع أشبهت [241] عندهم لام// القسم، فعاملوا الفعل بعدها معاملته بعد اللام. فإن تقدمت على (ما) (رب) لم يؤكد الفعل بعدها إلا فيما ندر من نحو قول الشاعر: [من المديد] 575 - ربما أوفيت في علم .... ترفعن ثوبي شمالات وقولهم: (ربما يقولن ذلك) حكاه سيبويه رحمه الله لأن (ربما) تصير الفعل بعدها ماضي المعنى.

وأما توكيده بعد (لم) فنادر أيضا لأنه مثل الواقع بعد (ربما) في مضي معناه، قال الراجز: [من الرجز] 576 - يحسبه الجاهل ما لم يعلما .... شيخا على كرسيه معمما وأما توكيده بعد (لا) النافية فقليل، ومن حقه أن يكون أكثر من توكيده بعد (لم) لشبهه إذ ذاك بالنهي، قال الشاعر: [من الطويل] 577 - فلا الجارة الدنيا لها تحلينها .... ولا الضيف منها إن أناخ محول ومنه قوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال/ 25]. ومنهم من زعم أن هذا نهي على إضمار القول، وليس بشيء، فإنه قد أكد الفعل بعد (لا) النافية في الانفصال كما في البيت المذكور فتوكيده بها مع الاتصال أقرب لأنه أشبه بالنهي. وأما توكيده إذا كان شرطا لغير (إما) أو جزاء فقليل، أنشد سيبويه: [من الكامل] 578 - من يثقفن منهم فليس بآيب .... أبدا وقتل بني قتيبة شافي

وأنشد أيضا قول الكميت في توكيد الجزاء: [من الطويل] 579 - فمهما تشأ منه فزار تغطكم .... ومهما تشأ منه فزارة تمنعا أراد: (تمنعن) مؤكدا بالنون الخفيفة ثم أبدلها ألفا للوقف. وجاء توكيد المضارع في غير ما ذكر على غاية من الندور، ولذلك لم يتعرض لذكره في هذا المختصر، قال الشاعر: [من الخفيف] 580 - ليت شعري وأشعرن إذا ما .... قربوها منشورة ودعيت ألي الفوز أم علي إذا حو .... سبت إني على الحساب مقيت وأندر من ذلك توكيد اسم الفاعل لشبهه بالمضارع، أنشد أبو الفتح قول رؤبة: [من الرجز] 581 - أريت إن جاءت به أملودا .... مرجلا ويلبس البرودا أقائلن أحضروا الشهودا ولما فرغ من ذكر ما يدخله نون التوكيد على اختلاف أحواله أخذ في بيان ما ينشأ عن دخولها من التغيير، فقال: ................ .... وآخر المؤكد افتح كبارزا فعلم أن حق المؤكد بها أن يفتح، لأنهم جعلوا الفعل معها بمنزلة (خمسة عشر) [242] في التركيب، فبنوه معها على الفتح صحيحا كان// كـ (ابرزن واضربن ولا تحسبن) أو معتلا كـ (اخشين وارمين واغزون).

وقد يمنع من فتح ما قبل النون مانع، فيصار إلى غيره، وقد نبه على ذلك بقوله: 639 - واشكله قبل مضمر لين بما .... جانس من تحرك قد علما 640 - والمضمر احذفنه إلا الألف .... وإن يكن في آخر الفعل ألف 641 - فاجعله منه رافعا غير اليا .... والواو ياء كاسعين سعيا 642 - واحذفه من رافع هاتين وفي .... واو ويا شكل مجانس قفي 643 - نحو اخشين يا هند بالكسر ويا .... قوم اخشون واضمم وقس مسويا المراد بالمضمر اللين: ألف الاثنين وواو الجماعة ويا المخاطبة. واعلم أن الفعل متى أسند إلى أحد هذه الضمائر: وجب تحريك آخره بمجانس الضمير فيفتح قبل الألف يضم قبل الواو ويكسر قبل الياء. وإن كان آخره معتلا: فإن أسند إلى الواو أو الياء حذف الآخر وليت الواو ضمة والياء كسرة ما لم يكن الآخر ألفا فيليان فتحة وذلك نحو: هم يغزون ويرمون ويسعون، وأنت تغزين وترمين وتسعين. وإن أسند إلى الألف فلا حذف، بل يفتح آخره فقط إن كان واوا أو ياءً، نحو: يغزوان ويرميان ويسعيان، ويرد إلى ما انقلب عنه، ويفتح إن كان ألفا، نحو: غزوا ورميا ويسعيان ويرميان ويرضيان. وإلى هذا الإشارة بقوله: .................... .... وإن يكن في آخر الفعل ألف فاجعله منه رافعا غير اليا .... والواو ياءً كاسعين سعيا أي: فاجعل الآخر من الفعل ياء، إن كان رافعا غير واو الضمير ويائه، وهو الرافع الألف ونحوه مما عرض له عود الألف إلى ما انقلبت عنه، كالرافع نون الإناث نحو: تسعين، والمجرد من الضمير البارز حال توكيده بالنون نحو: اسعين. وإنما أوجب جعل الألف ياء، لأن كلامه في الفعل المؤكد بالنون وهو المضارع والأمر، ولا تكون الألف فيهما إلا منقلبة عن ياء غير مبدلة كـ (يسعى)، أو مبدلة من واو، كـ (يرضى)، لأنه من الرضوان. وبسط القول في ذلك موضعه في باب التصريف. واعلم أن الفعل المسند إلى أحد الضمائر المذكورة، أعني: الألف والواو والياء، متى أكد بالنون التقى فيه ساكنان: أولهما الضمير وثانيهما النون الخفيفة أو المدغم من النون الثقيلة.

فإن كان المسند إليه الألف لم يضر التقاؤهما لخفة الألف وشبهها قبل النون بالفتحة، وسواء في ذلك ما آخره صحيح نحو: هل تضربان؟ أو معتل نحو: هل تغزوان، [243] // وترميان وتسعيان. والأمر كالمضارع نحو: اضربان واغزوان وارميان واسعيان. وإن كان المسند إليه الواو أو الياء لم يكن القرار على التقاء الساكنين، بل يجب المصير إلى الحذف، أو التحريك. فإن كان آخر الفعل حرفا صحيحا أو واوا، أو ياء حذف الضمير، وأقرت الحركة التي كانت قبله مكانه لتدل عليه وذلك نحو: يا زيدون هل تضربن وتغزن وترمن؟ ويا هند هل تضربن وتغزن وترمين؟. وإلى هذا أشار بقوله: والمضمر احذفنه إلا الألف .... .................... أي: احذف لنون التوكيد واو الضمير وياءه. ففهم أنهما يحذفان لنون التوكيد مع الفعل الصحيح والمعتل، لكن بشرط ألا يكون حرف العلة ألفا، بدليل نصه على حكمه. وإن كان آخر المسند إلى الواو والياء ألفا حذفت كما سبق، ثم حرك لأجل النون الياء بالكسرة، والواو بالضمة نحو: اخشيين يا هند، واخشون يا قوم. وإلى هذا أشار بقوله: واحذفه من رافع هاتين ...... .... ..................... (البيت). 644 - ولم تقع خفيفة بعد الألف .... لكن شديدة وكسرها ألف مذهب سيبويه رحمه الله: أن افعل المسند إلى الألف لا يجوز توكيده بالنون الخفيفة، لأن لا سبيل عنده إلى تحريكها ولا إلى الجمع بينها وبين الألف قبلها؛ لأنه لا يجتمع ساكنان في غير الوقف إلا والأول حرف لين والثاني مدغم. وذهب يونس إلى جواز توكيد الفعل المسند إلى الألف بالنون الخفيفة مكسورة. قال الشيخ رحمه الله: ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن ذكوان قوله تالى: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} [يونس/ 89].

يعني: بناء على كون (الواو) للعطف و (لا) للنهي، ويجوز أن تكون (الواو) للحال، و (لا) للنفي، والنون علامة الرفع. وقوله: ...................... .... ................ وكسرها ألف يعني: أن النون الشديدة إذا وقعت بعد الألف كسرت، وإن كانت في غير ذلك مفتوحة، فعلوا ذلك مع الألف فرارا من اجتماع الأمثال. 645 - وألفا زد قبلها مؤكدا .... فعلا إلى نون الإناث أسندا تزاد قبل نون التوكيد ألف، إذا أكدت فعلا مسندا إلى نون الإناث للفصل بين الأمثال. وذلك نحو: اضربنان وارمينان واخشينان واغرينان. وقد فهم من قوه: ولم تقع خفيفة بعد الألف .... ................... أن سيبويه لا يجيز الحاق الخفيفة في الفعل المسند إلى نون الإناث لأنه يلزم قبلها الألف. ومذهب يونس والكوفيين: جواز ذلك لكن بشرط كسرها في الوصل نحو: اضربنان زيدا. 646 - واحذف خفيفة لساكن ردف .... وبعد غير فتحة إذا تقف [244] // 647 - واردد إذا حذفتها في الوقف ما .... من أجلها في الوصل كان عدما 648 - وأبدلنها بعد فتح ألفا .... وقفا كما تقول في قفن قفا تحذف نون التوكيد الخفيفة، وهي مرادة لأمرين: أحدهما: أن يلحقها ساكن، كقول الشاعر: [من الخفيف] 582 - لا تهين الفقير علك أن تر .... كع يوما والدهر قد رفعه

لأنها لما لم تصلح للحركة عوملت معاملة حرف اللين، فحذفت لالتقاء الساكنين على حد قولك: يرمي الرجل، ويغزو الغلام. الثاني: أن يوقف عليها تالية ضمة أو كسرة فإنها إذا ذاك تحذف، ويرد ما كان حذف لأجل لحاقها، كقولك: في نحو اخرجن يا هؤلاء، واخرجن يا هذه: اخرجوا، واخرجي. أما إذا وقف عليها تالية فتحة فإنها تبدل ألفا كما في التنوين، وذلك في نحو قوله تعالى: {لنسفعن بالناصية} [العلق/ 15] {لنسفعا}. قال النابغة الجعدي: [من الطويل] 583 - فمن يك لم يثأر بأعراض قومه .... فإني ورب الراقصات لأثارا وقد تحذف هذه النون لغير ما ذكر في الضرورة كقول الشاعر: [من المنسرح] 584 - اضرب عنك الهموم طارقها .... ضربك بالسيف قونس الفرس

ما لا ينصرف

ما لا ينصرف الاسم بالنسبة إلى شبهه بالحرف وعرائه عن شبهه به ينقسم إلى معرب ومبني. والمعرب منه بالنسبة إلى شبهه الفعل وعرائه عن شبهه به ينقسم إلى منصرف وغير منصرف. فما كان من الأسماء المعربة غير شيبه بالفعل فهو المنصرف، ويسمى الامكن، وعلامته: أنه يجر بالكسرة مطلقا، ويدخله التنوين، للدلالة على خفته، وزيادة تمكنه. وما كان منها شبيها بالفعل فهو غير المنصرف، وعلامته أنه يجر بالفتحة، إلا في حالتي الإضافة ودخول الألف واللام، وأنه لا يدخله التنوين في غير روي، إلا للمقابلة كما في (أدرعات)، أو للتعويض كما في (جوار). ولما أراد أن يعرف ما ينصرف من الأسماء عرف صفته المختصة به، وهي الصرف فقال: 649 - الصرف تنوين اتى مبينا .... معنى به يكون الاسم أمكنا أي: الصرف تنوين يبين كون الاسم المعرب خاليا من شبه الفعل، فيستحق بذلك أن يعبر عنه بالأمكن، أي الزائد في التمكين. وعلامة هذا التنوين أن يلحق الاسم المعرب لغير مقابلة ولا تعويض. والاسم الداخل عليه هذا التنوين هو المنصرف.

[245] واشتقاقه من الصريف، // يقال: صرف البعير بنابه، وصريفه بغنة كالتنوين، والعرب تقول، صرفت الاسم: إذا نونته، وقيل هو مأخوذ من الانصراف في جهات الحركات، ولذلك قال سيبويه: أجريته في معنى صرفته. وقد فهم من بيان ما ينصرف من الأسماء بيان ما لا ينصرف، لأنه قد علم أن الاسم المعرب ينقسم إلى منصرف وغير منصرف، فإذا قيل: الاسم المنصرف ما يدخله التنوين الدال على الأمكنية، علم أن ما لا ينصرف هو الاسم المعرب، الذي لا يدخله ذلك التنوين. وفي هذا التعريف مسامحة: فإن من جملة ما لا يدخله التنوين، الدال على الأمكنية باب (مسلمات) قبل التسمية به، وليس من الممكن أن يقال: إنه غير منصرف، لما ستعرفه بعد. واعلم أن المعتبر من شبه الفعل في منه الصرف هو كونه الاسم فيه إما فرعيتان مختلفتان مرجع إحداهما إلى اللفظ، ومرجع الاخرى إلى المعنى، وإما فرعية تقوم مقام الفرعيتين، وذلك لأن في الفعل فرعية على الاسم في اللفظ، وهي اشتقاقه من المصدر، وفرعية في المعنى، وهي احتياجه إلى الفاعل ونسبته إليه، والفاعل لا يكون إلا اسما فالاسم من هذا الوجه أصل للفعل لاحتياجه إليه، فالفعل إذا من هذا الوجه فرع عليه، فلا يكمل شبه الاسم بالفعل بحيث يحمل عليه في الحكم، إلا إذا كانت فيه الفرعية، كما في الفعل. ومن ثم صرف من الأسماء ما جاء على الأصل كالمفرد الجامد النكرة، كرجل وفرس، لأنه خفف فاحتمل زيادة التنوين وألحق به ما فرعية اللفظ والمعنى فيه من جهة واحدة كـ (دريهم) وما تعددت فرعيته من جهة اللفظ كـ (أجيمال) أو من جهة المعنى، كـ (حائض وطامث) لأنه لم يصر بتلك الفرعية كامل الشبه بالفعل. ولم يصرف نحو: (أحمد) لأن فيه فرعيتين مختلفتين مرجع إحداهما اللفظ، وهي وزن الفعل، ومرجع الأخر المعنى وهي التعريف، فلما كمل شبهه بالفعل ثقل فيه ما يثقل في الفعل، فلم يدخله التنوين، وكان في موضع الجر مفتوحا. جميع ما لا ينصرف اثنا عشر نوعا: خمسة لا تنصرف مع أنها نكرة، وهي: ما فيه ألف التأنيث كـ (حلبى وصحراء) وما فيه الوصفية، مع وزن (فعلان) غير صالح للهاء، كـ (سكران) أو مع وزن (أفعل) غير صالح للهاء أيضا، كـ (أحمر) أو مع العدل كـ (ثلاث) وما وازن (مفاعل أو مفاعيل) بلفظ لم يغير كـ (دراهم ودنانير).

وسبعة لا تنصرف في المعرفة وهي: ما فيه العلمية مع التركيب كـ (بعلبك) أو زيادة الألف والنون كـ (مروان) أو التأنيث كـ (طلحة وزينب) أو العجمة كـ (إبراهيم) أو وزن الفعل كـ (يزيد ويشكر) أو زيادة ألف الإلحاق كـ (أرطى) علما أو العدل كـ (عمر). [246] ولما أخذ في بيان هذه الموانع بشروطها قال//: 650 - فألف التأنيث مطلقا منع .... صرف الذي حواه كيفما وقع ألف التأنيث مطلقا أي: سواء كانت مقصورة، أو ممدودة تمنع صرف ما هي فيه، كيفما وقع، من كونه نكرة أو معرفة، وكونه مفردا أو جمعا، اسما أو صفة كـ (ذكرى وحجلى وسكرى ومرضى ورضوى)، وكـ (صحراء وأشياء وحمراء وأصدقاء وزكرياء). فهذا، ونحوه لا ينصرف البتة، لأن فيه ألف التأنيث. وإنما كانت وحدها سببا مانعا من الصرف، لأنها زيادة لازمة لبناء ما هي فيه، ولم تلحقه إلا باعتبار تأنيث معناه: تحقيقا أو تقديرا. ففي المؤنث بها فرعية في اللفظ، وهي لزوم الزيادة، حتى كأنها من أصول الاسم، فإنه لا يصح انفكاكها عنه، وفرعية في المعنى، وهي دلالته على التأنيث، ولا شبهة أنه فرع على التذكير، لاندراج كل مؤنث تحت مذكر من غير عكس. فلما اجتمع في المؤنث بالألف الفرعيتان أشبه الفعل فمنع من الصرف. فإن قلت: لم انصرف نحو قائمة وقاعدة، وهلا كانت الهاء فيه بمنزلة الألف؟ قلت: لأنها زيادة عارضة، وهي في تقدير الانفصال، إلا في مواضع قليلة نحو: (شقاوة وعرقوة) فلم يكن لها من اللزوم ما كان للألف فلم يعتد بها. 651 - وزائدا في وصف سلم .... من أن يرى بتاء تأنيث ختم أي: ويمنع صرف الاسم أيضا الألف والنون المزيدتان في مثال (فعلان) والمؤنث منه على وزن (فعلى) نحو: سكرى وعطشى وغضبى. وإنما كان كذلك فيه مانعا لتحقق الفرعيتين به، أعني: فرعية المعنى وفرعية اللفظ. أما فرعية المعنى فلأن فيه الوصفية، وهي فرع على الجمود، لأن الصفة تحتاج إلى موصوف ينسب معناها إليه، والجامد لا يحتاج إلى ذلك.

وأما فرعية اللفظ، فلأن فيه الزيادتين المضارعتين لألفي التأنيث، من نحو: (حمراء) في أنهما في بناء يخص المذكر، كما أن ألفي (حمراء) في بناء يخص المؤنث، وأنهما لا تلحقهما التاء، فلا يقال: (سكرانة) كما لا يقال: (حمراءة) مع أن الأول من كل الزيادتين ألف، والثاني حرف يعبر به عن المتكلم في (أفعل وتفعل) ويبدل أحدهما من صاحبه، نحو: (صنعاني وبهرائي) في النسبة إلى صنعاء وبهراء. فلما اجتمع في (فعلان) المذكور الفرعيتان امتنع من الصرف. فإن قلت: لم لم تكن الوصفية في (فعلان) وحدها مانعة من الصرف، فإن في الصفة فرعية في المعنى كما ذكرتم وفرعية في اللفظ، وهي الاشتقاق في المصدر؟ [247] قلت: لأنا رأيناهم صرفوا نحو (عالم وشريف) مع تحقق الوصفية// فيه، وما ذاك إلا لضعف فرعية اللفظ في الصفة، لأنها كالمصدر في البقاء على الاسمية والتنكير، ولم يخرجها الاشتقاق إلى أكثر من نسبة معنى الحدث فيها إلى الموصوف، والمصدر بالجملة صالح لذلك، كما (رجل عدل) و (درهم ضرب الأمير) فلم يكن اشتقاقها من المصدر مبعدا لها عن معناه، فكان كالمفقود، فلم يؤثر. فإن قلت: فقد رأينا بعض ما هو صفة على (فعلان) مصروفا كـ (ندمان وسيفان وإليان) فم لم تجروه مجرى سكران؟ قلت: لأن فرعية اللفظ فيها أيضا ضعيفة، من قبل أن الزيادة فيه لا تخص المذكر وتلحقه التاء في المؤنث، نحو: ندمانة وسيفانة وإليانة، فأشبهت الزيادة فيه بعض الحروف الأصول في لزومها في حالتي التذكير والتأنيث، وقبول علامته، فلم يعتد بها. ويشهد لذلك أن قوما من العرب وهم بنو أسد يصرفون كل صفة على (فعلان) لأنهم يؤنثونه بالتاء، ويستغنون فيه (فعلانة) عن (فعلى) فيقولون: سكرانة وغضبانة وعطشانة، فلم تكن الزيادة عندهم في (فعلان) شبيهة بألفي حمراء، فلم تمنع من الصرف. واعلم أن ما كان صفة على (فعلان) فلا خلاف في منع صرفه إن كان له مؤنث على (فعلى) ولا في صرفه، إن كان له مؤنث على (فعلانة).

وأما ما لا مؤنث له أصلا كـ (لحيان) فبين النحويين فيه خلاف: فمن ذاهب إلى أنه مصروف، لانتفاء (فعلى) فلم يكمل فيه شبه الزيادة بألفي التأنيث، إ لم يصدق عليه أن بناء مذكره على غير بناء مؤنثه. ومن ذاهب إلى أنه ممنوع من الصرف، لانتفاء (فعلانة) وهو المختار، لأنه وإن لم يكن له (فعلى) وجودا فله (فعلى) تقديرا، لانا لو فرضنا له مؤنثا لكان (فعلى) أولى به من (فعلانة) لأنه الأكثر، والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع صرف نحو: (أكمر وآدر) مع أنه لا مؤنث له. وحكي أن من العرب من يصرف (لحيان) حملوه على (ندمان وسيفان) على أنه لو كان له مؤنث لكان بالتاء. 652 - ووصف أصلي ووزن أفعلا .... ممنوع تأنيث بتا كأشهلا 653 - وألغين عارض الوصفية .... كأربع وعارض الاسمية 654 - فالأدهم القيد لكونه وضع .... في الأصل وصفا انصرافه منع 655 - وأجدل وأخيل وأفعى .... مصروفة وقد ينلن المنعا مما يمنع من الصرف أن تكون الكلمة وصفا أصليا على وزن (أفعل) بشرط ألا تلحقه تاء التأنيث نحو: (أشهل وأحمر وأفضل من زيد). [248] فهذا ونحوه لا ينصرف لأنه كما ترى صفة// على وزن (أفعل) والمؤنث منه على (فعلاء) أو (فعلى) نحو: (شهلاء وحمراء والفضلى) وليست الوصفية فيه عارضة عروضها في نحو: مررت برجل أرنب، بمعنى: ذليل، وإنما لم ينصرف ما كان وصفا أصليا، على وزن (أفعل) لأن فيه فرعية المعنى بكونه صفة، وفرعية اللفظ بكونه على وزن الفعل به أولى من قبل أن (أفعل) أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم، وما زيادته لمعنى أصل لما زيادته لغير معنى. وإنما اشترط ألا تلحقه تاء التأنيث لأن ما تلحقه من الصفات كـ (أرمل) وهو الفقير، و (أباتر) وهو: القاطع رحمه، و (أدابر) وهو: الذي لا يقبل نصحا، في قولهم:

امرأة أرملة وأباترة وأدابرة ضعيف بفظ الفعل المضارع، لأن تاء التأنيث لا تلحقه، بخلاف ما لا مؤنث له كـ (آدر وأكمر) وما مؤنثه على غير بناء مذكره كـ (أشهل) ومن ذلك: (أحمر وأصفر) فإنه لا ينصرف لأنه صفة لا تلحقه التاء، وهو على وزن الفعل كـ (أبيطر). وأما (أربع) من قولهم: (مررت بنسوة أربع) فهو أحق بالصرف من (أرمل) لأن فيه مع قبول تاء التأنيث كونه عارض الوصفية، ولعدم الاعتداد بالعارض لم يؤثر عروض الاسمية فيما أصله الوصفية كقولهم: (أدهم) للقيد، فإنهم لم يصرفوه، وإن كان قد خرج إلى الاسمية نظرا إلى كونه صفة في الأصل. وأما قولهم (أجدل): للصقر، و (أخيل): لطائر ذي خيلان، و (أفعى): ضرب من الحيات، فأكثر العرب يصرفونه لأنه مجرد عن الوصفية في أصل الوضع. ومنهم من لم يصفه، لأنه لاحظ فيه معنى الوصفية، وهي في (أفعى) أبعد منه في أجدل وأخيل، لأنهما مأخوذان من الجد وهو الشدة، ومن المخيول وهو الكثير الخيلان. وأما (أفعى) فلا مادة له في الاشتقاق، ولكن ذكره يقارن تصور إيذائها، فأشبهت المشتق، وجرت مجراه على هذه اللغة. ومما استعمل فيه (أجدل وأخيل) غير مصروفين قول الشاعر: [من الطويل] 585 - كأن العقيليين يوم لقيتهم .... فراخ القطا لاقين أجدل يازيا وقول الآخر: [من الطويل] 586 - ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي .... فما طائري يوما عليك بأخيلا وكما شذ الاعتداد بعروض الوصفية في (أجدل وأختل وأفعى) كذلك شذ الاعتداد بعروض الاسمية في (أبطح) فصرفه بعض العرب، واللغة المشهورة منعه من الصرف.

656 - ومنع عدل مع وصف معتبر .... في لفظ مثنى ثلاث وأخر 657 - ووزن مثنى وثلاث كهما .... من واحد لأربع فليعلما [249] // مما يمنع من الصرف اجتماع العدل والوصف، وذلك في موضعين: أحدهما: المعدول في العدد. والثاني: (أخر) المقابل لآخرين. فالمعدول في العدد سماعا موازن (فعال) من واحد واثنين وثلاثة وأربعة وعشرة، وموازن (مفعل) منها ومن خمسة نحو: أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع وخماس ومخمس وعشار ومعشر. وأقل هذه الأمثلة استعمالا الثلاثة الأواخر، ولذلك لم ينبه عليها، إنما نبه على ما قبلها بقوله: ووزن مثنى وثلاث وكهما .... من واحد لأربع ............ أي: إلى أربع. فعلم أن الألفاظ الأربعة يبنى منها للعدل مثال (فعال ومفعل). وأجاز الكوفيون والزجاج: قاسيا على ما سمع: (خماس ومخمس وسداس ومسدس وسباع ومسبع وثمان وتساع ومتسع). ولم يرد ما سمع من ذلك إلا نكرة، ولم يقع إلا خبرا، كقوله (صلى الله عليه وسلم): (صلاة الليل مثنى مثنى)، أو حالا كقوله تعالى:} فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء/ 3]، أو نعتا كقوله تعالى: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} [فاطر/ 1] ومثل ذلك عند سيبويه قول الشاعر: [من الطويل] 587 - ولكنما أهلي بواد أنسه .... ذئاب تبغى الناس مثنى وموحد ولك أن تحمله على معنى بعضها مثنى وبعضها موحد. والمانع من صرف الأعداد المذكورة الوصفية والعدل عن واحد واحد، واثنين اثنين وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، وخمسة خمسة، وعشرة عشرة، بدليل أنها تغير فائدة التكرار.

والمراد بالعدل: تغيير اللفظ بدون تغيير المعنى ولذلك صرف نحو: (ضروب، وشراب ومنحار) لأنها وإن كانت صفات محولة من فاعل فهي غير معدولة، لأنها انتقلت بالتحويل إلى معنى المبالغة والتكثير. فإن قلت/ فهلا منع صرف (فعيل) بمعنى (مفعول) نحو: جريح وذبيح قلت: لأنه قبل النقل من (مفعول) كان يقبل معناه الشدة والضعف، وبعد النقل إلى (فعيل) لم يصلح إلا حيث يكون معنى الحدث فيه أشد، ألا ترى من أصيب في أنملته بمدية يسمى (مجروحا) ولا يسمى (جريحا)، فلما كان النقل مخرجا له عما كان يصلح له قبل لم يكن عدلا، لأنه يتغير اللفظ بتغيير المعنى، فلم يستحق المنع من الصرف. على أنا نمنع أن (فعيلا) بمعنى (مفعول) مأخوذ من فظ المفعول على وجه العدول، بل مما أخذ المفعول منه. وذهب الزجاج إلى أن المانع من الصرف في (أحاد وأخواته) العدل في اللفظ والمعنى. أما في اللفظ: فظاهر. وأما في المعنى: فلكونها تغيرت عن مفهومها في الأصل إلى إفادة معنى التضعيف. وهذا فاسد من وجهين. أحدهما: أن (أحاد) مثلا لو كان المانع من صرفه عدله عن لفظ واحد، ومن [250] معناه إلى معنى التضعيف للزم أحد الامرين، وهو إما منع صرف كل اسم// مغير عن أصله لتجدد معنى فيه، كأبنية المبالغة وأسماء الجموع، وإما ترجيح أحد المتساويين على الآخر، واللازم منتف باتفاق. والثاني: أن كل ممنوع من الصرف فلا بد أن يكون فيه فرعية في اللفظ، وفرعية في المعنى، ومن شرطها أن تكون من غير جهة فرعية اللفظ، ليكمل بذلك الشبه بالفعل، ولا يتأتى ذلك في (أحاد) إلا أن تكون فرعيته في اللفظ بعدله عن واحد المتضمن معنى التكرار، وفي المعنى بلزومه الوصفية، وكذا القول في أخواته فاعرفه. وأما (أخر) المعدول فهو المقابل لـ (آخرين) وهو جمع (أخرى) أنثى آخر، لا جمع (أخرى) بمعنى آخرة، كالتي في قوله تعالى: {وقالت أولاهم لأخراهم} [الأعراف/ 39] فإن هذه تجمع على أخر: مصروفا، لأنه غير معدول. ذكر ذلك الفراء.

والفرق بين (أخرى وأخرى): أن التي هي أنثى (آخر) لا تدل على انتهاء، كما لا يدل عليه مذكرها، فذلك يعطف عليها مثلها من صنف واحد، كقولك: عندي رجل وآخر وأخر، وعندي امرأة وأخرى وأخرى، وليس كذلك بمعنى آخرة، بل تدل على الانتهاء، كما يدل عليه مذكرها، ولذلك لا يعطف عليها مثلها من صنف واحد. وإذا عرفت هذا فتقول: المانع من صرف (أخر) المقابل لآخرين الوصفية والعدل. أما الوصفية فظاهرة، وأما العدل فلأنه غير عما كان يستحقه من استعماله بلفظ ما للواحد المذكر بدون تغيير معناه. وذلك أن (آخر) من باب (أفعل) التفضيل، فحقه أن لا يثنى ولا يجمع، ولا يؤنث إلا مع الألف واللام، أو الإضافة، فعدل في تجرده منها، واستعماله لغير الواحد المذكر عن لفظ آخر إلى لفظ التثنية والجمع والتأنيث، بحسب ما يراد به من المعنى فقيل: عندي رجلان آخران ورجال آخرون، وامرأة أخرى، ونساء أخر. فكل هذه الأمثلة صفة معدولة عن (آخر) إلا أنه لم يظهر أثر الوصفية والعدل إلا في (أخر) لأنه معرب بالحركات بخلاف آخران وآخرون، وليس فيه ما يمنع من الصرف غيرهما، بخلاف (أخرى). فلذلك خص بنسبة اجتماع الوصفية والعدل إليه، إحالة منع الصرف عليه. وقد ظهر مما ذكرنا أن المانع من صرف (أخر) كونه صفة معدولة عن (آخر) مرادا به جمع المؤنث، ولو سمي به بقي على منعه من الصرف للعملية والعدل عن مثال إلى مثال. 658 - وكن لجمع مشبه متفاعلا .... أو المفاعيل بمنع كافلا 659 - وذا اعتلال منه كالجواري .... رفعا وجرا أجره ساري 660 - ولسراويل بهذا الجمع .... شبه اقتضى عموم المنع [251] // 661 - وإن به سمي أو بما لحق .... به فالانصراف منعه يحق مما يمنع من الصرف الجمع المشبه (مفاعل أو مفاعيل) في كون أوله حرفا مفتوحا، وثالثه ألفا غير عوض، يليها كسر غير عارض ملفوظ به، أو مقدر على أول حرفين بعدها كـ (مساجد ودراهم وكواعب ومدارى ودواب) أصلهما: مداري ودوايب، أو ثلاثة أوسطها ساكن غير منوي به، وبما بعده الانفصال كـ (مصابيح ودنانير) فإن الجمع متى كان بهذه الصفة كان فيه فرعية في اللفظ، بخروجه عن صيغ الآحاد العربية، وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية، فاستحق المنع من الصرف.

وإنما قلت: إن هذا الجمع خارج عن صيغ الآحاد العربية لأنك لا تجد مفردا ثالثه ألف بعدها حرفان أو ثلاثة إلا وأوله مضموم كعذافر، أو الألف عوض عن إحدى ياءي النسب كـ (يمان وشام)، أو ما يلي الألف ساكن كـ (عبال) جمع عبالة، يقال: (ألقى عليه عبالته) أي ثقله، أو مفتوح كـ (براكاء)، أو مضموم كـ (تدارك)، أو عارض الكسر لأجل اعتلال الآخر كـ (توان وتدان)، أو ثاني الثلاثة محرك كطواعية وكراهية. ومن ثم صرف نحو: ملائكة وصياقلة، أو هو والثالث عارضان للنسب، منوي بهما الانفصال. وضابطه أن لا يسبقا الألف في الوجود سواء كانا مسبوقين بها كرياحي وظفاري، أو غير منفكين عنها كحواري وهو الناصر، وحوالي وهو المحتال، بخلاف نحو: قماري وبخاتي، فإنه بمنزلة مصابيح. وقد ظهر من هذا أن رنة: (مفاعل ومفاعيل) ليست إلا لجمع أو منقول من جمع. فلذلك اعتبرت فرعيتهما على زنة الآحاد، وأثرت في منع الصرف. ولاختصاص الزنتين بالجمع لم يشبهوا شيئا مما جاء عليهما بالآحاد، ولم يكسروه وإن كانوا كسروا غيره من أبنية الجموع كأقوال وأقاويل وأكلب وأصل وآصال. فإن قلت: قد ذكرت أن المعتبر في الزنة المانعة كون الألف غير عوض، فلم امتنع من الصرف ثمان، كما في قول الشاعر: [من الكامل] 588 - يحدو ثماني مولعا بلقاحها .... حتى هممن بزيغة الإرتاج قلت: لأنه سبه بـ (دراهم) لكونه جمعا في المعنى، وليس هو على النسب حقيقة، فكأن الألف فيه غير عوض، على أنه نادر، والمعروف فيه الصرف نحو: رأيت ثمانيا، على حد: يمانيا.

فإن قلت: إن كان المانع من صرف مثال (مفاعل ومفاعيل) عدم النظير في الآحاد، فلم صرفوا من الجموع ما جاء على (أفعل وأفعال وأفعلة)، كـ (أفلس وأفراس وأسلحة). قلت: لأن لها نظائر في الآحاد، أي أمثلة، توازنها في الهيئة وعدة الحروف: فـ (أفعل) نظيره في فتح أوله، وضم ثالثه (تفعيل) نحو: تنضب وتنقل، و (مفعل) نحو: [252] مكرم ومهلك، و (أفعال) نظيره في فتح// أوله، زيادة ألف رابعة صلصال وخزعال، و (أفعلة) نظيره في فتح أوله وكسر ثالثه، وزيادة هاء التأنيث في آخره (تفعلة) نحو: تذكرة وتبصرة، و (مفعلة) نحو محمدة ومعذرة. فلما كان لهذه الأمثلة نظائر في الآحاد بالمعنى المذكور فارقت باب (مفاعل ومفاعيل) فلم يلزمها حكمها فصرفت وكسرت، نحو: أكلب وأكاليب، وإنعام وأناعيم، وآنية وأوان. وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن موازن (مفاعل) من المعتل الآخر على ضربين. أحدهما: تبدل فيه الكسرة فتحة وما بعدها ألفا، ويجري مجرى الصحيح فلا ينون بحال، وذلك نحو: مدارى وعذارى وصحارى. والآخر: تقر فيه الكسرة، ويلزم آخره لفظ الياء، فإن خلا من الألف واللام والإضافة جرى في الرفع والجر مجرى (سار) في التنوين وحذف الياء، نحو: هؤلاء جوار، ومررت بجوار، وفي النصب مجرى (دراهم) في فتح آخره من غير تنوين نحو: رأيت جواري. وسبب ذلك: أن في آخر نحو: (جوار) مزيد ثقل، لكونه ياء في آخر اسم لا ينصرف، فإذا أعل في الرفع والجر بتقدير إعرابه استثقالا للذمة والفتحة النائبة عن الكسرة على الياء المكسور ما قبلها، وخلا ما هي فيه من الألف واللام والإضافة تطرق إليه التغيير، وأمكن في التخفيف بالحذف مع التعويض، فخفف بحذف الياء، وعوض عنها بالتنوين، لئلا يكون في اللفظ إخلال بصيغة الجمع، ولم يخفف في النصب لعدم تطرق التغيير، ولا مع الألف واللام والإضافة، لعدم التمكن من التعويض. وذهب الأخفش: إلى أن الياء لما حذفن تخفيفا بقي الاسم في اللفظ كـ (جناح) وزالت صيغة منتهى الجموع فدخله تنوين الصرف.

ويرد عليه: أن المحذوف في قوة الموجود، وإلا كان آخر ما بقي حرف إعراب، واللازم كما لا يخفى منتصفٍ. وذهب الزجاج: إلى أن التنوين عوض من ذهاب الحركة على الياء، وأن الياء محذوفة لالتقاء الساكنين، وهو ضعيف، لأنه لو صح التعويض عن حركة الياء لكان التعويض عن حركة الألف، في نحو: (عيسى وموسى) أولى، لأنها لا تظهر فيه بحال، واللازم منتف، فالملزوم كذلك. وذهب المبرد: إلى أن فيما لا ينصرف تنوينا مقدرا بدليل الرجوع إليه في الشعر، فحكموا له في (جوار) ونحوه بحكم الموجود، وحذفوا الياء لأجله في الرفع والجر، لتوهم التقاء الساكنين، ثم عوضوا عما حذف بالتنوين الظاهر، وهو بعيد، لأن الحذف لملاقاة ساكن متوهم الوجود مما لم يوجد له نظير، ولا يحسن ارتكاب مثله قوله: ولسراويل بهذا الجمع ... ............................ (البيت). يعني أن (سراويل) اسم مفرد أعجمي جاء على مثال (مفاعيل) فشبهوه به، [253] ومنعوه من الصرف وجها واحدا، خلافا لمن زعم أن فيه وجهين: // الصرف ومنعه. وإلى التنبيه على هذا الخلاف أشار بقوله: 0000000000000000000000 - شبه اقتضى عموم المنع أي عموم منع الصرف في جميع الاستعمال، خلافا لمن زعم غير ذلك. ومن النحويين من زعم أن (سراويل) جمع (سروالة) سمي به المفرد، وأنشد:

[من المتقارب] 589 - عليه من اللؤم سروالة ... فليس يرق لمستعطف وقيل: هو مصنوع على العرب لا حجة فيه. قوله: وإن به سمي ....... ... ........... (البيت). يعني أن ما سمي به من مثال (مفاعل أو مفاعيل) فحقه منع الصرف، سواء كان منقولا عن جمع محقق كـ (مساجد): اسم رجل، أو مقدر كـ (شراحيل). والعلة في منع صرفه، ما فيه من الصيغة، مع أصالة الجمعية، أو قيام العملية مقامها. فلو طرأ تنكيره انصرف على مقتضى التعليل الثاني، دون الأول. 662 - والعلم امنع صرفه مركبا ... تركيب مزج نحو معدي كربا لما فرغ من ذكر ما لا ينصرف في النكرة أخذ في بيان ذكر ما لا ينصرف في المعرفة. فمن ذلك: العلم المركب تركيب المزج، نحو: (بعلبك وحضرموت ومعدي كرب) فإنه لا ينصرف: لاجتماع فرعية المعنى بالعلمية، وفرعية اللفظ بالتركيب. والمراد بتركيب المزج: أن يجعل الاسمان اسما واحدا، لا بإضافة ولا بإسناد، بل بتنزيل عجزه من الصدر منزلة تاء التأنيث. ولذلك التزم فيه فتح آخر الصدر، إلا إذا كان معتلا، فإنه يسكن، نحو: معدي كرب، لأن ثقل التركيب أشد من ثقل التأنيث، فناسب أن يخص بمزيد التخفيف، فسكنوا ما كان منع معتلا، وإن كان نظيره من المؤنث يفتح نحو: رامية وغازية. وقد يضاف صدر المركب إلى عجزه، فيعربان: يعرب صدره بما يقضيه العامل، ويعرب عجزه بالجر للإضافة.

فإن كان فيه مع العلمية سبب من أسباب منع الصرف كالعجمة في هرمز من: (رام هرمز) امتنع من الصرف، وإلا كان مصروفا كقولك: هذه حضرموت، ورأيت حضرموت، ومررت بحضرموت، وهذا معدي كرب، ورأيت معدي كرب، ومررت بمعدي كرب. ومن العرب من يقول: هذا معدي كرب، يمنعه من الصرف لأنه عنده مؤنث. 663 - كذاك حاوي زائدي فعلانا كغطفان وكأصبهانا كل علم في آخره ألف ونون مزيدتان، على أي وزن كان، فإنه لا ينصرف للتعريف والزيادتين المضارعتين لألف التأنيث، وذلك نحو: مروان وعثمان وغطفان، [254] وأصبهان. // 664 - كذا مؤنث بهاء مطلقا ... وشرط منع العار كونه ارتقى 665 - فوق الثلاث أو كجور أو سقر ... أو زيد اسم امرأة لا اسم ذكر 666 - وجهان في العادم تذكيرا سبق ... وعجمة كهند والمنع أحق مما يمنع من الصرف: اجتماع العلمية والتأنيث بالتاء لفظا أو تقديرا. أما لفظا فنحو، طلحة وحمزة، وإنما لم يصرفوه، لوجود العلمية في معناه، ولزوم علامة التأنيث في لفظه، فإن العلم المؤنث لا تفارقه العلامة، فالتاء فيه بمنزلة الألف في نحو: (حبلى وصحراء) فأثرت في منع الصرف، بخلاف التاء في الصفة. وأما تقديرا: ففي المؤنث المسمى في الحال كـ (سعاد وزينب) أو في الأصل كـ (عناق): اسم رجل، أقاموا في ذلك كله تقدير العلامة مقام ظهورها. ثم العلم المؤنث المعين على ضربين: أحدهما: يتحتم فيه منع الصرف وهو ما كان زائدا على ثلاثة أحرف كـ (سعاد) نزل الحرف الرابع منه منزلة هاء التأنيث، أو ثلاثيا متحرك الوسط كـ (سفر) لأنه أقيم فيه حركة الوسط مقام الحرف الرابع، أو ثلاثيا ساكن الوسط وهو أعجمي كـ (ماه وجور) في اسمي بلدتين، أو مذكر الأصل كـ (زيد): اسم امرأة، لأنه حصل له بنقله من التذكير إلى التأنيث ثقل، عادل خفة اللفظ. وعند عيسى بن عمر والجرامي والمبرد: أن المذكر الأصل ذو وجهين. الضرب الثاني: يجوز فيه الصرف وتركه، وهو الثلاثي المسكن الوسط، غير أعجمي ولا مذكر الأصل كـ (هند ودعد).

فمن صرفه نظر إلى خفة اللفظ، وأنها قد قاومت أحد السببين، ومن لم يصرفه وهو المختار نظر إلى وجود السببين بالجملة، وهما: العلمية والتأنيث. وحكى السيرافي عن الزجاج وجوب صرفه. 667 - والعجمي الوضع والتعريف مع ... زيد على الثلاث صرفه امتنع مما لا ينصرف: ما فيه فرعية المعنى بالعلمية وفرعية اللفظ بكونه من الأوضاع العجمية، لكن بشرطين: أحدهما: أن يكون عجمي العلمية، نحو (إبراهيم وإسماعيل) فلو كان عربي العلمية كـ (لجام): اسم رجل، انصرف لأنه قد تصرف فيه بنقله عما وضعته العجم له، فألحق بالأمثلة العربية. الثاني: أن يكون زائدًا على ثلاثة أحرف، فلو كان ثلاثيًا ضعف فيه فرعية اللفظ بمجيئه على أصل ما تبنى عليه الآحاد العربية، وصرف نحو: (نوح ولوط) ولا فرق في ذلك بين الساكن الوسط والمتحرك. ومنهم من زعم أن الثلاثي الساكن الوسط ذو وجهين، والمتحرك الوسط متحتم [255] المنع، وهو رأي لا معول عليه، لأن استعمال العرب بخلافه، ولأن // العجمة أضعف من التأنيث لأنها متوهمة، والتأنيث ملفوظ به غالبًا، فلا يلزمها حكمه. 668 - كذاك ذو وزن يخص الفعلا ... أو غالب كأحمد ويعلى مما يمنع الصرف: اجتماع العلمية ووزن الفعل الخاص به أو الغالب فيه، بشرط كونه لازمًا، غير مغير إلى مثال، هو للاسم، وذلك نحو: (أحمد ويعلى ويزيد ويشكر). والمراد بالوزن الخاص بالفعل ما لا يوجد دون نذور في غير فعل أو علم أو أعجمي. فالنادر نحو: (دئل) لدويبة، و (ينجلب) لخرزة، و (تبشر) لطائر، والعلم نحو: (خضم): لرجل، و (شمر): لفرس، والأعجمي نحو: (بقم) و (إستبرق) فلا يمنع وجدان هذه الأمثلة اختصاص أوزانها بالفعل، لأن النادر والأعجمي لا حكم لهما، ولأن العلم منقول من فعل، فالاختصاص فيه باق.

والمراد بالوزن الغالب ما كان الفعل به أولى، إما لكثرته فيه كـ (إثمد) و (إصبع) و (أبلم) فإن أوزانها تقل في الاسم، وتكثر في الأمر من الثلاثي، وإما لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل، ولا تدل على معنى في الاسم كـ (أفكل) و (أكلب) فإن نظائرهما تكثر في الأسماء والأفعال، لكن الهمزة في (أفعل وأفعل) تدل على معنى في الفعل، ولا تدل على معنى في الاسم، وما هي فيه دالة على معنى أصل لما لم تدل فيه على معنى. واشترط في وزن الفعل كونه لازمًا، لأن نحو (امرؤ) لو سمي به انصرف، لأن عينه تتبع حركة لامه، فهو وإن لم يخرج بذلك عن وزن الفعل مخالف له في الاستعمال، إذ الفعل لا إتباع فيه، فلم يعتبر في امرؤ الموازنة، ولم يجز فيه إلا الصرف. واشترط أيضًا كون الوزن غير مغير إلى مثال هو للاسم، لأن نحو: (رد وقيلأ) لو سمي بهما انصرفا لأنهما وإن كان أصلهما: ردد وقول، قد خرجا بالإعلال والإدغام إلى مشابهة برد وعلم، فلم يعتبر فيهما الوزن الأصلي والتغيير العارض عند سيبويه كاللازم. فلو سميت بـ (ضرب) مخفف ضرب، أو بـ (يعقر) مضموم الياء إتباعًا انصرف عنده، ولم ينصرف عند المبرد، لأن التغيير العارض عنده بمنزلة المفقود. ولو سميت رجلا بـ (ألبب) لم تصرفه، لأنه لم يخرج بالفك إلى وزن ليس للفعل. وحكى أبو عثمان عن أبي الحسن صرفه، لأنه باين الفعل بالفك. ومتى سميت بفعل أوله همزة وصل قطعتها في التسمية، بخلاف ما إذا سميت باسم أوله همزة وصل، نحو: (اغتراب واقتراب واعتلاء) فإنك تبقي وصلها بعد التسمية، لأن المنقول من فعل قد بعد عن أصله، فيلحق بنظائره من الأسماء، ويحكم فيه بقطع الهمزة، كما هو القياس في الأسماء والمنقول من اسم لم يبعد عن أصله فلم يستحق [256] الخروج عما حوله، ولا يعتبر مع العلمية وزن الفعل حتى يكون خاصا به // أو غالبًا فيه كما سبق.

ولذلك لو سميت بـ (ضارب) أمرًا من ضارب يضارب صرفته لأنه على وزن الاسم به أولى، لأنه فيه أكثر، وكذا لو سميت بنحو: ضرب ودحرج، صرفته. وكان عيسى ابن عمر لا يصرف المنقول من فعل تمسكًا بنحو قول الشاعر: [من الوافر] 590 - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني ولا حجة فيه لأنه محمول على إرادة: أنا ابن رجل جلا الأمور، وجربها. فـ (جلا) جملة من فعل وفاعل فهو محكي لا ممنوع من الصرف. والذي يدل على صحة ذلك إجماع العربعلى صرف (كعسب) اسم رجل مع أنه منقول من (كعسب) إذا أسرع، والله أعلم. 669 - وما يصير علمًا من ذي ألف ... زيدت لإلحاق فليس ينصرف ألف الإلحاق على ضربين: مقصورة كـ (علقي)، أو ممدودة كـ (علباء). فما فيه ألف الإلحاق الممدودة لا يمنع من الصرف، سواء كان علمًا لمذكر، أو غير علم، وما فيه ألف الإلحاق المقصورة، إذا سمي به امتنع من الصرف للعلمية، وشبه ألفه بألف التأنيث في الزيادة، والموافقة لمثال ما هي فيه، فإن (علقى) على وزن (سكرى) و (عزهى) على وزن (ذكرى)، وشبه الشيء بالشيء كثيرًا ما يلحقه به كـ (حاميم) اسم رجل فإنه عند سيبويه ممنوع من الصرف لشبهه بـ (هابيل) في الوزن والامتناع من الألف واللام، وكـ (حمدون) فيما يراه أبو علي من أنه لا ينصرف للتعريف والعجمة، يعني شبه العجمة لمجيئه بالزيادة التي لا تكون للآحاد العربية، فلما أشبه الأعجمي عومل معاملته.

670 - والعلم امنع صرفه إن عدلا ... كفعل التوكيد أو كثعلا 671 - والعدل والتعريف مانعا سحر ... إذا به التعيين قصدًا يعتبر يمنع من الصرف اجتماع التعريف والعدل في ثلاثة أشياء: أحدها: علم المذكر المعدول عن وزن (فاعل) إلى (فعل). الثاني: (جمع) المؤكد لجمع المؤنث وتوابعه. الثالث: (سحر) المراد به معين، و (أمس) في لغة بني تميم. أما علم المذكر فنحو: (عمر وزفر وزحل) فهذا لا ينصرف لما فيه من العلمية والعدل عن: عامر وزافر وزاحل، ولولا ما فيه من العدل لكان مصروفًا كـ (أدد). وطريق العلم بعدل نحو: (عمر) سماعه غير مصروف خاليًا من سائر الموانع، فيحكم عليه بالعدل، لئلا يلزم ترتيب الحكم على غير سبب. وأما (جمع) فكقولك: مررت بالهندات كلهن جمع، فلا ينصرف للتعريف، والعدل. أما التعريف: فلأنه مضاف في المعنى إلى ضمير المؤكد، وقد استغني بنية الإضافة [257] عن ظهورها، وصار (جمع) كالعلم في // كونه معرفة بغير قرينة لفظية، وأثر تعريفه في منع الصرف، كما تؤثر العلمية. وأما العدل: فلأنه مغير عن صيغته الأصلية، وهي (جمعاوات) لأن (جمعاء) مؤنث أجمع، فكما جمع المذكر بالواو والنون، كذلك كان حق مؤنثه أن يجمع بالألف والتاء فلما جاؤوا به على (فعل) علم أنه معدول عما هو القياس فيه، وهو (جمعاوات). وقيل: هو معدول عن (جمع) على وزن (فعل) وقيل هو معدول عن (جماعي). والصحيح ما قدمنا ذكره، لأنه (فعلاء) لا يجمع على (فعل) إلا إذا كان مؤنثًا لـ (أفعل) صفة كحمراء وصفراء، ولا على (فعالى) إلا إذا كان اسمًا محضًا، لا مذكر له كـ (صحراء وجمعاء) ليس كذلك. ومثل (جمع) في منع الصرف للتعريف والعدل ما يتبعه من (كتع وبصع وبتع) وأما (سحر) فإذا أريد به سحر يوم بعينه عرف بالإضافة والألف واللام، كقولك: طاب سحر الليلة، وقمت عند السحر، ولا يعرى وهو معرفة عن أحدهما، إلا إذا كان ظرفًا، فيجوز حينئذ تجريده ممنوع الصرف، كقولك خرجت يوم الجمعة سحر، وكان الأصل فيه أن يذكر معرفًا بالألف واللام، وقصد به التعريف، فمنع من الصرف.

وزعم صدر الأفاضل: أن (سحر) المذكور مبني على الفتح لتضمنه معنى حرف التعريف. وهو باطل لوجوه: أحدهما: أنه لو كان مبنيا لكان غير الفتح به أولى، لأنه في موضع نصب، فيجب اجتناب الفتح فيه، لئلا يوهم الإعراب، كما اجتنب في (قبل وبعد) والمنادي المفرد المعرفة. الثاني: أن (سحر) لو كان مبنيا لكان جائز الإعراب جواز إعراب (حين) في قوله: [من الطويل] 591 - على حين عاتبت المشيب على الصبا ... وقلت ألما أصح والشيب وازع لتساويهما في ضعف السبب المقتضي للبناء لكونه عارضًا. الثالث: أن دعوى منع الصرف أسهل من دعوى البناء، لأنه أبعد عن الأصل، ودعوى الأسهل أرجح من دعوى غير الأسهل. وإذا ثبت أن (سحر) غير مبني ثبت أنه غير متضمن معنى حرف التعريف، وإنما هو معدول عما فيه حرف التعريف ممنوع بذلك من الصرف. والفرق بين التضمين والعدل: أن التضمين استعمال الكلمة في معناها الأصلي مزيدًا عليه معنى آخر، والعدل: تغيير صيغة اللفظ مع بقاء معناه. فـ (سحر) المذكور عندنا مغير عن لفظ (السحر) من غير تغيير لمعناه. وعند صدر الأفاضل وارد على صيغته الأصلية ومعناها مزيدًا عليه تضمن معنى حرف التعريف، وهو باطل بما قدمنا ذكره.

ولو نكر (سحر) انصرف كقوله تعالى: {نجيناهم بسحر. نعمة من عندنا} [القمر/ 34 - 35] وأما (أمس) فإذا أريد به اليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه، [258] فبنو تميم يعربونه ويمنعونه من الصرف للتعريف والعدل عما في الألف // واللام، وذلك في حال الرفع خاصة، فيقولون: ذهب أمس بما فيه. وفي النصب والجر ويبنونه على الكسر. وبعضهم يعربه مطلقا، ويمنعه من الصرف، وعلى ذلك قول الراجز: [من الرجز] 592 - لقد رأيت عجبا مذ أمسا ... عجائزًا مثل السعالي خمسا وغير بني تميم يبنونه على الكسر في الإعراب كله، لأنه عندهم متضمن معنى الألف واللام. ولا خلاف في إعرابه إذا أضيف أو اقترن بحرف التعريف أو نكر أو صغر أو كسر. وكل معدول سمي به فعدله باق إلا (سحر وأمس) عند بني تميم فإن عدلهما يزول بالتسمية، وليس في اللفظ تغيير يشعر بالنقل عن معدول، فينصرفان بخلاف غيرهما من المعدولات، فإن في لفظه ما يشعر بعد التسمية به أنه منقول من معدول، فيمنع من الصرف للتعريف والعدل. ولا فرق في ذلك عند سيبويه بين العدد وغيره. وذهب الأخفش وأبو علي وابن برهان إلى صرف العدد المعدول إذا سمي به. 672 - وابن على الكسر فعال علما ... مؤنثا وهو نظير جشما 673 - عند تميم واصرفن ما نكرا ... من كل ما التعريف فيه أثرا ما كان على (فعال) علمًا مؤنثًا، فللعرب فيه مذهبان: فأهل الحجاز يبنونه على الكسر لشبهه بـ (نزال) في التعريف والتأنيث والعدل والزنة. وبنو تميم يعربون منه ما ليس آخره راء كـ (حذام وقطام ورقاش) ولا يصرفونه للعدل والتعريف، فيقولون: هذه حذام ورأيت حذام ومررت بحذام. وإلى هذا أشار بقوله: ............ ... ...... وهو نظير جشما عند تميم ...... ... ...............

وأما ما آخره راء نحو (ظفار ووبار وسفار: اسم ماء، وحضار: اسم كوكب)، فيوافق فيه التميميون أهل الحجاز غالبًا، فيقولون: هذه ظفار ورأيت ظفار ومررت بظفار. وقد يجريه بعضهم مجرى (حذام) كما في قوله: [من م. البسيط] 593 - ألم تروا إرما وعادًا ... أودى بها الليل والنهار ومر دهر على وبار ... فهلكت جهرة وبار وقوله: ........ واصرفن ما نكرا ... من كل ما التعريف فيه أثرا يعني: أن كل ما منع صرفه موقوفًا على التعريف، إذا نكر انصرف لذهاب جزء السبب، وذلك فيما المانع من صرفه التعريف مع التأنيث بالهاء لفظًا أو تقديرًا، أو مع العجمة أو العدل في (فعل)، أو وزن الفعل في غير باب (أحمر)، أو مع التركيب، أو زيادة الألف والنون أو ألف الإلحاق، تقول: (رب طلحة وسعاد وإبراهيم وعمر ويزيد [259] وعمران وأرطى لقيتهم) فتصرف لذهاب // الموجب لمنع الصرف. وما سوى ما ذكر مما لا ينصرف وهو معرفة، نحو ما فيه العلمية مع وزن الفعل في باب أحمر، أو مع صيغة منتهى الجموع، أو مع العدل في (أخر) وأسماء العدد، فإنه إذا نكر بقى على منع الصرف، لأنه كان قبل التعريف ممنوعًا من الصرف، فإذا طرأ عليه التنكير أشبه الحال التي كان عليها قبل التعريف. فلو سميت رجلا بـ (أحمر) لم تصرفه للعملية ووزن الفعل، فلو نكرته لم تصرفه أيضًا لأصالة الوصفية، ووزن الفعل، وكذا لو سميت بـ (أفضل منك) فلو سميت فـ (أفضل) بغير (من) ثم نكرته صرفته، لأنه لا يشبه الحال التي كان عليها، إذا كان صفة. وذهب الأخفش في حواشيه على الكتاب إلى صرف نحو (أحمر) بعد التنكير. ورجع عنه في كتابه الأوسط.

وذهب أيضا إلى صرف نحو (شراحيل) بعد التنكير، واحتج عليه بمنع صرف نحو (سراويل) مع أنه مفرد نكرة. 674 - وما يكون منه منقوصًا ففي ... إعرابه نهج جوار يقتفي المنقوص: مما نظيره من الصحيح غير مصروف إن لم يكن علمًا فلا خلاف أنه يجري مجرى (قاض) في الرفع والجر، ومجرى (دراهم) في النصب، تقول: هذا أعيم ومررت بأعيم ورأيت أعيمي، كما تقول: هؤلاء جوار ومررت بجوار ورأيت جواري، وإن كان علمًا فهو كذلك، تقول في (قاض) اسم امرأة: هذه قاض ومررت بقاض ورأيت قاض. وذهب يونس وعيسى بن عمر الكسائي إلى أن نحو: (قاض) اسم امرأة، يجري مجرى الصحيح في ترك تنوينه وجره بفتحة ظاهرة، فيقولون: هذه قاضي ورأيت قاضي ومررت بقاضي. واحتجوا بنحو قول الشاعر: [من الرجز] 594 - قد عجبت مني ومن يعيليا ... لما رأتني خلقا مقلوليا وهو عند الخليل وسيبويه محمول على الضرورة. 675 - ولا اضطرار أو تناسب صرف ... ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف صرف الاسم المستحق لمنع الصرف جائز في الضرورة بلا خلاف. ومنع صرف المستحق للصرف مختلف في جوازه في الضرورة. فأجاز ذلك الكوفيون والأخفش وأبو علي، ومنعه غيرهم. والحاكم في ذلك استعمال العرب. قال الكميت: [من الوافر] 595 - يرى الراؤون بالشفرات منها ... وقود أبي حباحب والظبينا

وقال الأخطل: [من الكامل] 596 - طلب الأزراق بالكتابئب إذ هوت ... بشبيب غائلة النفوس غدور [260] // وقال ذو الإصبع: [من الهزج] 597 - وممن ولدوا عامـ ... ر ذو الطول وذو العرض وقال الآخر: [من المتقارب] 598 - فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع وقال الآخر: [من الطويل] 599 - وقائلة ما بال دوسر بعدنا ... صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند

وأنشد ثعلب: [من الوافر] 600 - أؤمل أن أعيش وأن يومي ... بأول أو بأهون أو جبار أو التالي دبار فإن أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شيار ويجوز أن يصرف ما لا يستحق الصرف للتناسب، كقراءة نافع والكسائي قوله تعالى: {سلاسلا} [الإنسان/4] و {قواريرا} [الإنسان/15] وكقراءة الأعمش قوله تعالى: {ولا يغوثا ويعوقا} [نوح/33] فصرفهما ليناسبا قوله تعالى: {ودا وسواعا ونسرا}.

إعراب الفعل

إعراب الفعل 676 - إرفع مضارعًا إذا يجرد ... من ناصب وجازك كتسعد قد تقدم في باب الإعراب أن المعرب من الأفعال هو المضارع الذي لم يباشره نون التوكيد ولا نون الإناث. فأغنى ذلك عن تقييد الفعل المعرب هنا بخلوه عن سبب البناء، فلذلك أطلق العبارة وقال: إرفع مضارعًا إذا يجرد ... من ناصب وجازم كتسعد يعني أنه يجب رفع المضارع المعرب، إذا لم يدخل عليه ناصب ولا جازم، كقولك: (أنت تسعد). والرافع له إذ ذاك إما وقوعه مع الاسم، وهو قول البصريين، وإما تجريده من الناصب والجازم وهو قول الكوفيين، وهو الصحيح، لأن قول البصريين: رافع المضارع وقوعه موقع الاسم، لا يخلو إما أن يريدوا به أن رافع المضارع وقوعه موقعًا هو للاسم بالأصالة، سواء جاز وقوع الاسم فيه، كما في نحو: يقوم زيد، أو منع منه الاستعمال، كما في نحو: جعل زيد يفعل. وإما أن يريدوا به أن رافع المضارع وقوعه موقعًا هو للاسم مطلقًا. فإن أرادوا الأول فهو باطل برفع المضارع بعد (لولا) وحروف التحضيض، لأنه موقع ليس للاسم بالأصالة. وإن أرادوا الثاني فهو باطل أيضًا لعدم رفع المضارع بعد (إن) الشرطية، لأنه موضع صالح للاسم بالجملة، كما في نحو قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك} [261] // [التوبة/6]. فلو كان الرافع للمضارع وقوعه موقع الاسم مطلقًا لما كان بعد (إن) الشرطية إلا مرفوعًا، واللازم منتف، فالملزوم كذلك.

فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بأن ما قاله الكوفيون باطل لأن التجريد من الناصب والجازم أمر عدمي، والرفع أمر وجودي، فكيف يصح أن يكون الأمر العدمي علة لأمر وجودي؟ فجوابه: لا نسلم أن التجريد من الناصب والجازم عدمي لأنه عبارة عن استعمال المضارع على أول أحواله، مخلصًا عن لفظ يقتضي تغييره، واستعمال الشيء والمجيء به على صفة ما ليس بعدمي. 677 - وبلن أنصبه وكي كذا بأن ... لا بعد علم والتي من بعد ظن 678 - فانصب بها والرفع صحح واعتقد ... تخفيفها من أن فهو مطرد 679 - وبعضهم أهمل أن حملا على ... ما أختها حيث استحقت عملا 680 - ونصبوا بإذن المستقبلا ... إن صدرت والفعل بعد موصلا 681 - أو قبله اليمين وانصب وارفعا ... إذا إذن من بعد عطف وقعا الأدوات التي تنصب المضارع هي: (لن وكي وأن وإذن). فأما (لن) فحرف نفي مختص بالمضارع ويخلصه للاستقبال وينصبه، كما تنصب (لا) الاسم، وذلك كقولك: لن يقوم زيد ولن يذهب عمرو، ونحو ذلك. وأما (كي) فتكون اسمًا مخففًا من (كيف) فتدخل على الاسم، والفعل الماضي والمضارع المرفوع، كقول الشاعر: [من البسيط] 601 - كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت ... قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم وتكون حرفًا، فتدخل على (ما) الاستفهامية أو المصدرية، أو على فعل مضارع منصوب. فإذا دخلت على (ما) فهي حرف جر، لمساواتها معها للام التعليل معنى واستعمالا، وذلك قولهم في السؤال عن العلة (كيمه) كما يقولون: (لمه)، وكقول الشاعر: [من الطويل] 602 - إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يراد الفتى كيما يضر وينفع

فجعل (ما) مصدرية، وأدخل عليها (كي) كما تدخل عليها اللام، والمعنى: إنما يراد الفتى للضر والنفع. وإذا دخلت على الفعل المضارع فلا يكون ذلك إلا على معنى التعليل كقولك: جئت كي تحسن إلى، فالوجه أن تكون مصدرية ناصبة للمضارع، ولام الجر قبلها مقدرة، وذلك لكثرة وقوع اللام قبلها كقوله تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} [الحديد/23] وحرف الجر لا يدخل على مثله، ولا يباشره إلى في ضرورة قليلة، وإنما يدخل على اسم: [262] إما صريح أو // مؤول به. فلولا أن (كي) هنا مع الفعل بمنزلة المصدر ما جاز أن تدخل عليها اللام. ويجوز في (كي) مع الفعل إذا كانت مجردة عن اللام أن تكون الجارة، والفعل بعدها منصوب بـ (أن) مضمرة، كما ينتصب بعد اللام، بدليل ظهور (أن) بعد (كي) في الضرورة كقول الشاعر: [من الطويل] 603 - فقالت أكل الناس أصبحت مانحًا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا وأما (أن) فتكون زائدة ومفسرة ومصدرية. فالزائدة، هي التالية لـ (لما) التوقيتية، كما هي في قوله تعالى: {فلما أن جاء البشر} [يوسف/96]. والمفسرة: هي الداخلة على جملة مبينة حكاية ما قبلها من دال على معنى القول بغير حروفه. كالتي في قوله تعالى: {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك} [المؤمنون/27] وفي قوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} [ص/6] أي: انطلقت ألسنتهم بهذا القول. والمصدرية: هي التي مع الفعل في تأويل مصدر. وتنقسم إلى مخففة من (أن) وناصبة للمضارع. فإن كان العامل فيها من أفعال العلم وجب أن تكون المخففة، وتعين في المضارع بعدها الرفع، إلا أن يكون العلم في معنى غيره، ولذلك أجاز سيبويه: ما علمت إلا أن تقوم (بالنصب) قال: لأنه كلام خرج مخرج الإشارة، فجرى مجرى قولك: أشير عليك أن تفعل. وإن كان العامل في (أن) من غير أفعال العلم والظن وجب أن تكون غير المخففة، وتعين في المضارع بعدها النصب، كقولك: أريد أن تقوم.

وإن كان العامل فيها من أفعال الظن جاز فيه الأمران، وصح في المضارع بعدها النصب والرفع، إلا أن النصب هو الأكثر، ولذلك اتفق عليه في قوله تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا} [العنكبوت/2] واختلف في قوله تعالى: {وحسبوا ألا تكون فتنة} [المائدة/71] فقرأ برفع (تكون) أبو عمرو وحمزة والكسائي، وقرأ الباقون بنصبه. ومن العرب من يجيز إهمال غير المخففة، حملا على (ما) المصدرية، فيرفع المضارع بعدها، كقول الشاعر: [من البسيط] 604 - أن تقرآن على أسماء ويحكما ... مني السلام وألا تشعرا أحدا فـ (أن) الأولى والثانية مصدريتان غير مخففتين وقد أعملت إحداهما وأهملت الأخرى. ومن إهمالها قراءة بعضهم قوله تعالى: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة/233] وقول الشاعر: [من الطويل] 605 - إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي في الممات عروقها ولا تدفنني في افلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت ألا أذوقها وأما (إذن) فحرف جواب يختص بجملة واقعة جوابًا لشرط مقدر.

[263] وقد يكون مذكورًا، كقول الشاعر: // [من الطويل] 606 - لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ... وأمكنني منها إذن لا أقيلها وينصب بها المضارع بشرط كونه مستقبلا، وكون (إذن) مصدرة، والفعل متصل بها أو منفصل بقسم، كقولك لمن قال: أزورك غدًا: إذن أكرمك، وإذن والله أكرمك. فلو كان المضارع بمعنى الحال وجب رفعه، لأن الحال لا يكون إلا مرفوعًا، وذلك قولك لمن قال أنا أحبك: إذن أصدقك، وكذا لو كانت (إذن) غير مصدرة، فتوسطت بين ذي خبر وخبره، أو بين ذي جواب وجوابه، لأنها هناك تشبه الظن المتوسط بين المفعولين فوجب إلغاؤها فيه، كما جاز إلغاء الظن في مثله. وأما قول الراجز: [من الرجز] 607 - لا تتركني فيهم شطيرا ... إني إذن أهلك أو أطيرا فشاذ لا يقاس عليه. ولو توسطت (إذن بين عاطف ومعطوف جاز إلغاؤها وإعمالها، وإلغاؤها أجود وبه قرأ القراء السبعة في قوله تعالى: {وإذن لا يلبثون خلفك إلا قليلا} [الإسراء/76]. وفي بعض الشواذ: (إذن لا يلبثوا) بالنصب على الإعمال.

ولو كان الفعل منفصلا من (إذن) بغير قسم، كقولك: إذن أنا أكرمك، وجب إلغاؤها، لأن غير القسم جزء من الجملة، فلا تقوى (إذن) معه على العمل فيما بعده، بخلاف القسم، فإنه زائد مؤكد، فلم يمنع الفصل به من النصب هنا، كما لم يمنع من الجر، في قولهم: (إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها) حكاه أبو عبيدة، وفي قولهم: (هذا غلام والله زيد) و (اشتريته بوالله ألف درهم) حكاه ابن كيسان عن الكسائي. وحكى سيبويه عن بعض العرب: إلغاء (إذن) مع استيفاء شروط العمل، وهو القياس، لأنها غير مختصة. وإنما أعملها الأكثرون حملا على (ظن) لأنها مثلها في جواز تقدمها على الجملة وتأخرها عنها وتوسطها بين جزأيها، كما حملت (ما) على (ليس) لأنها مثلها في نفي الحال. 682 وبين لا ولام جر التزم ... إظهار أن ناصبة وإن عدم 683 - لا فأن اعمل مظهرًا أو مضمرا ... وبعد نفي كان حتما أضمرا أولى نواصب الأفعال بالعمل (أن) لاختصاصها بالفعل، وشبهها في اللفظ، والمعنى بما يعمل النصب في الأسماء، وهو (أن) المصدرية. فلذلك جاز في (أن) دون أخواتها أن تعمل في الفعل مظهرة ومضمرة، فتعمل مضمرة باطراد بعد ستة أحرف: (لام الجر)، و (أو) بمعنى إلى، أو (إلا وحتى) بمعنى إلى، أو كي، وفاء الجواب، وواو المصاحبة، والعاطف على اسم لا يشبه الفعل. ولا تعمل مضمرة فيما سوى ذلك إلا وجه الشذوذ، وسيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى. [264] // أما لام الجر: (فلأن) مع الفعل بعدها ثلاثة أحوال: وجوب الإظهار، ووجوب الإضمار، وجواز الأمرين. فيجب الإظهار مع الفعل، المقرون بـ (لا) كقوله تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب} [المجادلة/29]. ويجب الإضمار مع الفعل إذا كانت اللام قبله زائدة، لتوكيد نفي (كان) كقوله تعالى: {وما كان الله ليظلمهم} [العنكبوت/40] وتسمى لام الجحود. ويجوز الإضمار والإظهار مع الفعل الواقع بخلاف ذلك سواء كانت اللام للتعليل، كقولك: جئتك لتحسن، وما فعلت ذلك لتغضب، وتسمى لام (كي) أو

للعاقبة كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} [القصص/48]. أو زائدة كقوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم} [النساء/26]. فالفعل في هذه الموضع منصوب ب (أن) مضمرة ولو أظهرتها في أمثال ذلك لحسن. وأما (أو) فقد أشار إلى إضمار (أن) بعدها بقوله: 684 - كذاك بعد أو إذا يصلح في ... موضعها حتى أو الا أن خفي يعني: أنه كما أضمرت (أن) الناصبة حتما، بعد لام الجر المؤكدة لنفي (كان) كذلك تضمر حتما، وتخفى بعد (أو) إذا صلح في مكانها (حتى أو إلا). يريد (حتى) التي بمعنى (إلى) لا التي بمعنى (كي). والحاصل أنه ينصب المضارع ب (أن) لازمة الإضمار، بعد (أو) بمعنى (إلى) أو (إلا). فإن كان ما قبلها مما ينقضي شيئا فشيئا فهي بمعنى (إلى) وإلا فهي بمعنى (إلا). مثال الأول قولك: لأنتظرنه أو يجيء، تقديره: لأنتظرنه إلى أن يجيء. ونحوه قول الشاعر: [من الطويل]. 608 - لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلا لصابر ومثال الثاني قولك: لأقتلن الكافر أو ليسلم، تقديره لأقتلن الكافر إلا أن يسلم. ونحوه قول الشاعر: [من الوافر] 609 - وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما وقول الآخر: [من الكامل] 610 - لأجدلنك أو تملك فتيتي ... بيدي صغار طارفا وتليدا

فإن قلت: (أو) المذكورة حرف عطف واقع بعد فعل، فكيف نصب الفعل بعدها بإضمار (أن) مع كون (أن) والفعل في تأويل الاسم، فكيف صح عطف الاسم على الفعل؟. قلت: صح ذلك على تأويل الفعل قبل (أو) بمصدر معمول لكونه مقدر. فإذا قلت: لأنتظرنه أو يجيء، أو لأقتلن الكافر أو يسلم، فهو محمول على تقدير: ليكون انتظار مني أو مجيء منه، وليكون قتل مني للكافر أو إسلام منه، وكذا جميع ما جاء من هذا القبيل. فإن قلت: فلم نصبوا الفعل بعد (أو) حتى احتاجوا إلى هذا التأويل؟ [265] قلت: ليفرقوا بين (أو) التي // تقتضي مساواة ما قبلها لما بعدها في الشك فيه، وبين (أو) التي تقتضي مخالفة ما قبلها لما بعدها في ذلك، فإنهم كثيرًا ما يعطفون الفعل المضارع على مثله بـ (أو) في مقام الشك في الفعلين تارة، وفي مقام الشك في الثاني منهما أخرى فقط. فإذا أرادوا بيان الأول رفعوا ما بعد (أو) فقالوا: أفعل كذا أو أترك، ليؤذن الرفع بأن ما قبل (أو) مثل ما بعدها في الشك. وإذا أرادوا بيان المعنى الثاني نصبوا ما بعد (أو) فقالوا: لأنتظرنه أو يجيء ولأقتلن الكافر أو يسلم، ليؤذن النصب بأن ما قبل (أو) ليس مثل ما بعدها في الشك، لكونه محقق الوقوع أو راجحه، فلما احتيج إلى النصب ليعلم هذا المعنى احتيج له إلى عامل، ولم يجز أن تكون (أو) لعدم اختصاصها، فتعين أن تكون (أن) مضمرة، واحتيج لتصحيح الإضمار إلى التأويل المذكور. وأما (حتى) فقد أشار إلى نصب الفعل بعدها بإضمار (أن) بقوله: 685 - وبعد حتى هكذا إضمار أن .... حتم كجد حتى تسر ذا حزن 686 - وتلو حتى حالا أو مؤولا .... به أرفعن وانصب المستقبلا (حتى) حرف غاية، وتأتي في الكلام على ثلاثة أضرب: عاطفة وابتدائية وجارة. فالعاطفة: تعطف بعضًا على كله، كقولك: أكلت السمكة حتى رأسها. والابتدائية: تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها، وقد تكون اسمية كقول

الشاعر: [من الطويل] 611 - فما زالت القتلى تمج دماءها .... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل وقد تكون فعلية كقولهم: شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه. والجارة: تدخل الاسم على معنى (إلى) والفعل أيضًا على معنى (إلى)، وقد تدخله على معنى (كي)، ويجب حينئذ أن تضمر (أن) لتكون مع الفعل في تأويل مصدر مجرور بـ (حتى) ولا يجوز أن تظهر. فإذا دخلت (حتى) على الفعل المضارع فهي إما جارة وإما ابتدائية، فإن كان الفعل مستقبلًا أو في حكم المستقبل بـ (أن) المضمرة، وذلك نحو قولك: لأسيرن حتى تغرب الشمس، ولأتوبن حتى يغفر لي، والمعنى: لأسيرن إلى أن تغرب الشمس، ولأتوبن كي يغفر لي. وإن كان الفعل بعد (حتى) حالًا أو في تقدير الحال فهي حرف ابتداء، والفعل بعدها لازم الرفع، لخلوه عن ناصب أو جازم. فالحال المحقق: كقولك سرت البارحة حتى أدخلها الآن، ومرض فلان حتى لا يرجونه. وسألت عنه حتى لا أحتاج إلى سؤال. [266] والحال المقدر: أن يكون الفعل قد // وقع، فيقدر المخبر به اتصافه بالدخول فيه، فيرفع، لأنه حال بالنسبة إلى تلك الحال، وقد يقدر اتصافه بالعزم عليه، فينصب لأنه مستقبل بالنسبة إلى تلك الحال، ومنه قوله تعالى: {وزلزلوا حتى يقول الرسول}. [البقرة/214]، قرأ نافع بالرفع والباقون بالنصب.

وأما (فاء الجواب وواو المصاحبة) فقد أشار إلى نصب الفعل بعدهما بإضمار (أن) بقوله: 687 - وبعد فا جواب نفي أوطلب .... محضين أن وسترها حتم نصب 688 - والواو كالفا إن تفد مفهوم مع .... كلا تكن جلدًا وتظهر الجزع (أن) مبتدأ، و (نصب) خبره، و (سترها حتم) حال من فاعل (نصب) و (بعد) حال من مفعوله المحذوف، التقدير: أن تنصب الفعل مضمرة إضمارًا لازمًا، وذلك إذا كان الفعل بعد الفاء المجاب بها نفسي أو طلب، وهو أمر أو نهي أو دعاء أو استفهام أو عرض أو تحضيض أو تمن. فالنفي نحو: ما تأتينا فتحدثنا، ونحوه قوله تعالى: {لا يقضى عليهم فيموتوا} [فاطر/36]. والأمر نحو: زرني فأزورك، وكقوله الراجز: [من الرجز] 612 - يا ناق سيري عنقًا فسيحًا .... إلى سليمان فنستريحا والنهي نحو قوله تعالى: {ولا تطغوا فيه فيحل} [طه/81]. والدعاء كقول الشاعر: [من الرمل] 613 - ربي وفقني فلا أعدل عن .... سنن الساعين في خير سنن والاستفهام كقول الآخر: [من البسيط] 614 - هل تعرفون لباناتي فأرجو أن .... تقضى فيرتد بعض الروح في الجسد

والعرض نحو: ألا تنزل عندنا فتصيب خيرًا بقول الشاعر: [من البسيط] 615 - يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما .... قد حدثوك فما راء كمن سمعا والتحضيض نحو قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق} [المنافقون/10]. والتمني نحو قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا} [النساء/73]، كقول الشاعر: [من البسيط] 616 - يا ليت أم خليد واعدت فوفت .... ودام لي ولها عمر فنصطحبا ولا ينصب الفعل بعد الفاء مسبوقة بغير نفي أو طلب إلا لضرورة، كقول الشعر: [من الوافر] 617 - سأترك منزلي لبني تميم .... وألحق بالحجاز فأستريحا أو لتقدم ترج أو شرط أو جزائه، وسنقف على التنبيه عليه. ولا يجوز النصب بعد شيء من ذلك إلا بثلاثة شروط: الأول: أن يكون النفي خالصًا من معنى الإثبات. الثاني: ألا يكون الطلب اسم فعل ولا بلفظ الخبر، كما قد أشار إليهما بقوله: .......................... .... محضين .................. [267] ولذلك// وجب رفع ما بعد الفاء في نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، وما قام فيأكل إلا طعامه، وقول الشاعر: [من الطويل] 618 - وما قام منا قائم في ندينا .... فينطق إلا بالتي هي أعرف

وفي نحو: (صه) فاسكت، وحسبك الحديث فينام الناس. وأجاز الكسائي نصب ما بعد الفاء في هذين، لأنه في معنى: اسكت فاسكت، واكتف بالحديث فينام الناس. الشرط الثالث: أن يقصد بالفاء الجزاء والسببية، ولا يكون الفعل بعدها مبنيًّا على مبتدأ محذوف. فلو قصد بالفاء مجرد العطف أو بالفعل بعدها بناؤه على محذوف وجب الرفع، فقيل: ما تأتينا فتحدثنا، على معنى: ما تأتينا فما تحدثنا، أو ما تأتينا فأنت تحدثنا، قال الله تعالى: {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات/36] أي: فهم يعتذرون. أما إذا قصد بالفاء معنى السببية، ولا ينوى مبتدأ، فليس في الفعل بعدها إلا النصب وحده: ما تأتينا فتحدثنا بمعنى: ما تأتينا محدثًا، أو ما تأتينا فكيف تحدثنا، فلما أرادوا بيان هذا المعنى نصبوا بـ (أن) مضمرة، على أنها والفعل في تأويل مصدر معطوف على مصدر متأول من الفعل المتقدم، معمولًا لكون محذوف تقديره في نحو: ما تأتينا فتحدثنا، ما يكون منك إتيان فحديث مني، وفي نحو: زرني فأزورك، أي: لتكن زيارة منك فزيارة مني، وكذا ما أشبهه. وجميع المواضع التي ينتصب فيها المضارع بإضمار (أن) بعد الفاء ينتصب فيها كذلك بعد (الواو) إذا قصد بها المصاحبة، وذلك في قوله تعالى: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} [آل عمران/142] وقول الشاعر: [من الوافر] 619 - فقلت ادعي وأدعو إن أندى .... لصوت أن ينادي داعيان

وقوله الآخر: [من الكامل] 620 - لا تنه عن خلق وتأتي مثله .... عار عليك إذا فعلت عظيم وقوله الآخر: [من الوافر] 621 - ألم أك جاركم ويكون بيني .... وبينكم المودة والإخاء وقوله تعالى: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} [الأنعام/27] في قراءة حمزة وابن عامر وحفص. وقرأ الباقون: (ونكون) بالرفع على معنى: (ونحن نكون). قال ابن السراج: الواو تنصب ما بعدها في غير الموجب من حيث انتصب ما بعد الفاء.

وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الاشتراك بين الفعل والفعل، وأردت عطف الفعل على مصدر الفعل الذي قبلها، كما كان في الفاء، وأضمرت (أن)، وتكون الواو [268] في هذا بمعنى (مع) // فقط. ولا بد مع هذا الذي ذكره من رعاية ألا يكون الفعل بعد الواو مبنيًّا على مبتدأ محذوف، لأنه متى كان كذلك وجب رفعه. ومن ثم جاز فيما بعد الواو في نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن ثلاثة أوجه: الجزم: على التشريك بين الفعلين في النهي. والنصب: على النهي عن الجمع. والرفع: على ذلك المعنى، ولكن على تقدير: لا تأكل السمك وأنت تشرب اللبن. وأما العاطف على اسم لا يشبه الفعل، فقد أشار إلى نصب المضارع بعده بـ (أن) جائزة الإضمار، بعدما اعترض بذكر ما يجزم من الجواب عند حذف الفاء، وذكر النصب بعد الفاء في جواب الترجي في قوله: 689 - وبعد غير النفي جزما اعتمد .... إن تسقط الفا والجزاء قد قصد 690 - وشرط جزم بعد نهي أن تضع .... إن قبل لا دون تخالف يقع 691 - والأمر إن كان بغير أفعل فلا .... تنصب جوابه وجزمه اقبلا 692 - والفعل بعد الفاء في الرجا نصب .... كنصب ما إلى التمني ينتسب 693 - وإن على اسم خالص فعل عطف .... تنصبه أن ثابتا أو منحذف يجب في جواب غير النفي إذا خلا من الفاء، وقصد الجزاء أن يجزم، لأنه جواب شرط مضمر، دل عليه الطلب لقربه من الطلب، وشبهه به في احتمال الوقوع وعدمه، فصلح أن يدل على الشرط، ويجزم بعده الجواب، بخلاف النفي، فإنه يقتضي تحقق عدم الوقوع، كما يقتضي الإيجاب تحقق وجوده، فكما لا يجزم الجواب بعد الموجب، كذلك لا يجزم بعد النفي، وإنما يجزم بعد الأمر، ونحوه من الطلب، كقولك: زرني أزرك، تقديره: زرني فإن تزرني أزرك. وقيل: لا حاجة إلى هذا التقدير، بل الجواب مجزوم بالطلب، لتضمنه معنى حرف الشرط، وهو مشكل، لأن معنى الشرط لا بد له من فعل شرط، ولا يجوز أن

يكون هو الطلب بنفسه، ولا مضمنًا له، مع معنى حرف الشرط لما في ذلك من التعسف، ولما فيه من زيادة مخالفة الأصل، ولا مقدرًا بعده لقبح إظهاره بدون حرف الشرط بخلاف إظهاره معه. ولا يجوز أن يجعل للنهي جواب مجزوم، إلا إذا كان الشرط المقدر موافقًا للمطلوب فيصح أن يدل عليه. وعلامة ذلك أن يصح المعنى بتقدير دخول (أن) على (لا) نحو: لا تدن من الأسد تسلم، فللنهي هنا جواب مجزوم، لأن المعنى يصح بقولك: إن لا تدن من الأسد [269] تسلم، بخلاف قولك: لا تدن من الأسد يأكلك، فإن الجزم فيه// ممتنع لعدم صحة المعنى بقولك: إن لا تدن من الأسد يأكلك. وأجاز الكسائي: جزم جواب النهي مطلقًا، وما يحتج له به من نحو قول الصحابي: (يا رسول الله لا تشرف يصبك سهم) ومن رواية من روى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذنا بريح الثوم) فهو مخرج على الإبدال من فعل النهي لا على الجواب. ويساوي فعل الأمر في صحة جزم الجواب بعده بدون الفاء ما دل على معناه من اسم فعل أو غيره، وإن لم يساوه في صحة النصب مع الفاء، فيقال: نزال أنزل معك، وحسبك ينم الناس، وإن لم يجز: نزال فانزل، وحسبك فينام الناس إلا عند الكسائي. والحق الفراء الرجاء بالتمني، فجعل له جوابًا منصوبًا. ويجب قبوله لثبوته سماعًا، كقراءة حفص عن عاصم قوله تعالى: {لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى} [غافر/36 - 37]، وكقول الراجز:

[من الرجز] 622 - عل صروف الدهر أو دولاتها .... يدلننا اللمة من لماتها فتستريح النفس من زفراتها وينصب المضارع الواقع بعد عاطف، على اسم غير شبيه بالفعل، كالواو في قول الشاعر: [من الوافر] 623 - للبس عباءة وتقر عيني .... أحب إلي من لبس الشفوف أراد: للبس عباءة وأن تقر عيني، فحذف (أن) وأبقى عملها، ولو استقام له الوزن، فأثبتها لكان أقيس. وكالفاء وثم واو في قول الشاعر: [من البسيط] 624 - لولا توقع معتر فأرضيه .... ما كنت أوثر إترابًا على ترب

وقول الآخر: [من البسيط] 625 - إني وقتلي سليكًا ثم أعقله .... كالثور يضرب لما عافت البقر وفي قوله تعالى: {أو يرسل رسولًا} [الشورى/51] في قراءة السبعة، إلا نافعًا، بنصب (يرسل) عطفًا على (وحيا) والأصل: أن يرسل. ولو كان المعطوف عليه وصفًا شبيهًا بالفعل لم يجز نصب الفعل المعطوف على ذلك الوصف، كما قد نبه عليه بقوله: وإن على اسم خالص ..... .... .......................... أي: غير مقصود به معنى الفعل. واحترز بذلك من نحو: (الطائر فيغضب زيد الذباب)، فإن (يغضب) معطوف على اسم الفاعل، ولا يمكن أن ينصب، لأن اسم الفاعل مؤول بالفعل، لأن التقدير: الذي يطير، فيغضب زيد الذباب. وقد يقع المضارع موقع المصدر في غير المواضع المذكورة، فيقدر بـ (أن) وقياسه مع ذلك أن يرفع، كقولهم: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) تقديره: أن تسمع بالمعيدي.

[270] وكقول الشاعر من الطويل: // [من الطويل] 626 - وما راعني إلا يسير بشرطة .... وعهدي به قينًا يفش بكير أراد: إلا أن يسير. وقد ينصب بـ (أن) المضمرة، وهو قليل ضعيف. وقد أشار إلى مجيئه بقوله: 694 - وشذ حذف أن ونصب في سوى .... ما مر فاقبل منه ما عدل روى ومما روي من ذلك قول بعض العرب: (خذ اللص قبل يأخذك) وقول الشاعر: [من الطويل] 627 - فلم أر مثلها خباسة واحد .... ونهنهت نفسي بعدما كدت أفعله قال سيبويه: أراد: بعد ما كدت أن أفعله.

عوامل الجزم

عوامل الجزم 695 - بلا ولام طالبًا ضع جزما .... في الفعل هكذا بلم ولما 696 - واجزم بأن ومن وما ومهما .... أي متى أيان أيان إذما 697 - وحيثما أنى وحرف إذما .... كإن وباقي الأدوات أسما الأدوات التي يجزم بها المضارع هي: (اللام ولا) الطلبيتان، و (لم ولما) أختها، و (إن) الشرطية وما في معناها. أما (لام الأمر) فهي اللام المسكورة الداخلة على المضارع في مقام الأمر والدعاء نحو قوله تعالى: {لينفق ذو سعة} [الطلاق/7] وقوله تعالى: {ليقض علينا ربك} [الزخرف/77] ويختار تسكينها بعد الواو والفاء، ولذلك أجمع القراء عليه فيما سوى قوله تعالى: {وليوفوا نذورهم وليطوفوا} [الحج/29] وقوله تعالى: {وليتمتعوا} [العنكبوت/66] ونحوه قوله تعالى: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي} [البقرة/186] وقوله تعالى: {فليتقوا الله وليقولوا قولًا سديدًا} [النساء/9] وقد تسكن بعد (ثم) كقراءة أبي عمرو وغيره قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} [الحج/29]

ودخول هذه اللام على مضارع الغائب والمتكلم والمخاطب المبني للمفعول كثير، كقوله تعالى: {ولنحمل خطاياكم} [العنكبوت/11] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قوموا فلأصل لكم)، وقولك: لتعن بحاجتي ولتزه علينا. ودخولها على مضارع المخاطب المبني للفاعل قليل، استغنوا عن ذلك بصيغة (أفعل). ومن دخولها عليه قوله - عليه السلام -: (لتأخذوا مصافكم) وقراءة أبي وأنس قوله تعالى: {فبذلك فلتفرحوا} [يونس/58]. ويجوز في الشعر أن تحذف ويبقى جزمها، كقول الشاعر: [من الوافر] 628 - محمد تفد نفسك كل نفس .... إذا ما خفت من شيء تبالا وكقول الآخر: [من الطويل] 629 - فلا تستطل مني بقائي ومدتي .... ولكن يكن للخير منك نصيب [271] // التقدير: لتفد نفسك، وليكن للخير منك نصيب. فأما نحو قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} [إبراهيم/31] فالجزم فيه بجواب الأمر، لا باللام المقدرة. والمعنى: قل لعبادي أقيموا الصلاة يقيموا. فإن قيل: حمله على ذلك يستلزم ألا يتخلف أحد من المقول لهم عن الطاعة، والواقع بخلاف ذلك.

فجوابه من وجهين: أحدهما: لا نسلم أن الحمل على ذلك يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول عن الطاعة، لأن الفعل مسند إليهم على سبيل الإجمال، لا إلى كل واحد منهم، فيجوز أن يكون التقدير: قل لعبادي أقيموا الصلاة يقمها أكثرهم، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فاتصل الضمير تقديرًا موافقًا لغرض الشارع، وهو انقياد الجمهور. الثاني: سلمنا أن الحمل على ذلك يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول لهم عن الطاعة، لكن لا نسلم أن الواقع بخلاف ذلك، لجواز ألا يكون المراد بالعباد المقول لهم كل من أظهر الإيمان، ودخل في زمرة أهله، بل خلص المؤمنون ونجباؤهم، وأولئك لا يتخلف أحد منهم عن الطاعة أصلًا. وأما (لا) الطلبية فهي الداخلة على المضارع في مقام النهي أو الدعاء، نحو {لا تحزن} [التوبة/20] و {لا تؤاخذنا} [البقرة/286]. وتصحب فعل المخاطب والغائب كثيرًا، وقد تصحب فعل المتكلم، كقول الشاعر: [من الطويل] 630 - إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد .... لها أبدًا ما دام فيها الجراضم وكقول الآخر: [من البسط] 631 - لا أعرفن ربربًا حورًا مدامعها .... مردفات على أعقاب أكوار وأما (لم) و (لما) أختها فينفيان المضارع، ويقلبان معناه إلى المضي. ولا بد في منفي (لما) أن يكون متصلًا بالحال.

وقد يحذف ويوقف على (لما) كقولهم: (كلا، ولما) أي: ولما يكن ذاك. وقد احترزت بقولي: (ولما أختها) أي: أخت (لم) من (لما) الحينية نحو قوله تعالى: {ولما جاء أمرنا نجينا هودًا} [هود/58] ومن (لما) بمعنى (إلا) نحو: عزمت عليك لما فعلت، أي إلا فعلت، والمعنى: ما أسألك إلا فعلك، فإن التي تدخل على المضارع، وتجزمه هي (لما) النافية لا غير. وإنما عملت هي وأخواتها الجزم، لأنها اختصت بالمضارع ودخلت عليه لمعان لا تكون للأسماء، فناسب أن تعمل فيه العمل الخاص بالفعل، وهو الجزم. وأما (إن) الشرطية: فهي التي تقتضي في الاستقبال تعليق جملة على جملة، تسمى الأولى منهما شرطًا والثانية جزاء. ومن حقهما أن يكونا فعليتين، ويجب ذلك في الشرط. فإن كانا مضارعين جزمتهما، لأنها اقتضتهما، فعملت فيهما، وذلك نحو: إن يقم زيد يقم عمرو. ويساوي (إن) في ذلك الأدوات التي في معناها، وهي (من) و (ما) و (مهما) و (أي) و (متى) و (أيان) و (أين) و (إذما) و (حيثما) و (أنى) كقوله [272] تعالى: {من يعمل سوءًا//يجز به} [النساء/123] وكقوله تعالى: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} [البقرة/197] وكقوله تعالى: {مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} [الأعراف/132] وكقوله تعالى: {أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى} [الإسراء/110]. وكقول الشاعر: [من الطويل] 632 - ولست بحلال التلاع مخافة .... ولكن متى يسترفد القوم أرفد وكقوله الآخر: [من البسيط] 633 - أيان نؤمنك تأمن غيرنا وإذا .... لم تدرك الأمن منا لم تزل حذرا

وكقول الآخر: [من الرمل] 634 - صعدة نابتة في حائر .... أينما الريح تميلها تمل وكقول الآخر: [من الطويل] 635 - وإنك إذ ما تأت ما أنت آمر .... به تلف من إياه تأمر آتيا وكقول الآخر: [من الخفيف] 636 - حيثما تستقم يقدر لك اللـ .... ـه نجاحًا في غابر الأزمان وكقوله الآخر: [من الطويل] 637 - خليلي أني تأتياني تأتيا .... أخا غير ما يرضيكما لا يحاول وعند النحويين أن (إذ) في (إذما) مسلوب الدلالة على معناه الأصلي، مستعمل مع (ما) المزيدة حرفًا بمعنى (إن) الشرطية. وما سوى (إذما) من الأدوات المذكورة، فأسماء متضمنة معنى (إن) معمولة لفعل الشرط أو الابتداء، لا غير. فما كان منها اسم زمان أو مكان كـ (متى وأين) ونحو ذلك فهو أبدًا في موضع منصوب بفعل الشرط على الظرفية.

وما كان منها أسماء غير ذلك كـ (من وما ومهما) فهو في موضع بالابتداء، إن كان فعل الشرط مشغولًا عنه بالعمل في ضميره كما في نحو، من يكرمني أكرمه، وما تأمر به أفعله، وإلا فهو في موضع منصوب بفعل الشرط لفظًا، كما في نحو: من تضرب أضرب، ومهما تصنع أصنع مثله، أو محلًا كما في نحو: بمن تمرر أمرر. ولما فرغ من ذكر الجوازم أخذ في الكلام على أحكام الشرط والجزاء، فقال: 698 - فعلين يقتضين شرط قدما .... يتلو الجزاء وجوابًا وسما 699 - وماضيين أو مضارعين .... تلفيهما أو متخالفين 700 - وبعد ماض رفعك الجزاء حسن .... ورفعه بعد مضارع وهن [273] // 701 - وأقرن بها حتما جوابًا لو جعل .... شرطًا لإن أو غيرها لم ينجعل 702 - وتخلف الفاء إذا المفاجأة .... كإن تجد إذا لنا مكافأه كل من أدوات الشرط المذكورة يقتضي جملتين: تسمى الأولى منهما شرطًا، والثانية جزاء وجوابًا أيضًا. وحق الجملتين أن تكونا فعليتين، ويجب ذلك في الشرط دون الجزاء، فقد يكون جملة فعلية تارة، واسمية تارة، كما ستقف عليه. وإذا كان الشرط والجزاء فعليتين، جاز أن يكون فعلاهما مضارعين، وهو الأصل وأن يكونا ماضيين لفظًا، وأن يكون الشرط ماضيًا، والجواب مضارعًا، وأن يكون الشرط مضارعًا، والجواب ماضيًا. فالأول نحو قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} [البقرة/284] والثاني نحو قوله: {وإن عدتم عدنا} [الإسراء/8] والثالث نحو قوله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها} [هود/15] والرابع نحو قول الشاعر: [من الخفيف] 638 - من يكدني بسيئ كنت منه .... كالشجا بين حلقه والوريد

وقول الآخر: [من البسيط] 639 - إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلو .... ملأتم أنفس الأعداء إرهابًا وأكثر النحويين يخصون هذا النوع بالضرورة. وليس بصحيح: بدليل ما رواه البخاري من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له) ومن قول عائشة (رضي الله عنها): (إن أبا بكر أسيف متى يقم مقامك رق). وما كان ماضيًا من شرط أو جواب فهو مجزوم تقديرًا. وأما المضارع فإن كان شرطًا وجب جزمه لفظًا، وكذا إن كان جوابًا والشرط مضارع. وإن كان الجواب مضارعًا والشرط ماض، فالجزم مختار والرفع كثير حسن، كقول زهير: [من البسيط] 640 - وإن أتاه خليل يوم مسألة .... يقول لا غائب مالي ولا حرم ورفعه عند سيبويه على تقدير تقديمه، وكون الجواب محذوفًا. وعند أبي العباس على تقدير الفاء. وقد يجيء الجواب مرفوعًا والشرط مضارع، وإليه الإشارة بقوله: ................. .... ورفعه بعد مضارع وهن

وذلك نحو قول الشاعر: [من الرجز] 641 - يا أقرع بن حابس يا أقرع .... إنك إن يصرع أخوك تصرع وقول الآخر: [من الطويل] 642 - فقلت تحمل فوق طوقك إنها .... مطبعة من يأتها لا يضيرها [274] // وقراءة طلحة بن سليمان قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت} [النساء/78]. واعلم أن الجواب متى صح يجعل شرطًا وذلك إذا كان ماضيًا متصرفًا مجردًا عن قد وغيرها، أو مضارعًا مجردًا أو منفيًّا بـ (لا أو لم) فالأكثر خلوه من الفاء، ويجوز اقترانه بها. فإن كان مضارعًا رفع، وذلك كقوله تعالى: {إن كان قميصه قد من قبل فصدقت} [يوسف/26] وقوله تعالى: {ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار} [النمل/90] وقوله تعالى: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسًا ولا رهقًا} [الجن/13]. ومتى لم يصلح أن يكون الجواب شرطًا، وذلك إذا كان جملة اسمية أو فعلية طلبية أو فعلًا غير متصرف، أو مقرونًا بالسين أو سوف أو قد، أو منفيًّا بـ (ما)، أو (لن) أو

(إن) فإنه يجب اقترانه بالفاء، نحو قوله تعالى: {إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم} [الحج/5] وقوله تعالى: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} [آل عمران/31] وقوله تعالى: {إن ترن أنا أقل منك مالًا وولدًا * فعسى ربي أن يؤتيني خيرًا من جنتك} [الكهف/39 - 40] وقوله تعالى: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} [يوسف/77] وقوله تعالى: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} [الطلاق/6]، وقوله تعالى: {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم} [المائدة/54]. فالفاء في هذه الأجوبة ونحوها مما لا يصلح أن يجعل شرطًا واجبة الذكر، ولا يجوز تركها إلا في ضرورة أو ندور. فحذفها في الضرورة، كقول الشاعر: [من البسيط] 643 - من يفعل الحسنات الله يشكرها .... والشر بالشر عند الله مثلان وكقول الآخر: [من الطويل] 644 - ومن لم يزل ينقاد للغي والهوى .... سيلفى على طول السلامة نادما وحذفها في الندور، كما أخرجه البخاري، من قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب: (فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها). وتقوم مقام الفاء في الجملة الاسمية (إذا) المفاجأة، كما في قوله: (كإن تجد إذا لنا مكافأة).

ومثله قوله تعالى: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} [الروم/ 36]. وهذا لأن (إذا) المفاجأة لا يبتدأ بها، ولا تقع إلا بعد ما هو معقب بما بعدها، فأشبهت الفاء، فجاز أن تقوم مقامها. 703 - والفعل من بعد الجزا إن يقترن .... بألفا أو الواو بتثليث قمن 704 - وجزم أو نصب لفعل إثر فا .... أو واوٍ ان بالجملتين اكتنفا إذا جاء بعد جواب الشرط المجزوم مضارع مقرون بـ (الفاء أو الواو) جاز جزمه عطفًا على الجواب، ورفعه على الاستئناف، وبصبه على إضمار (أن). [275] وقال سيبويه: فإذا انقضى الكلام // ثم جئت بـ (ثم) فإن شئت جزمت، وإن شئت رفعت، وكذا (الفاء والواو) إلا أنه قد يجوز النصب بالفاء والواو. وبلغنا أن بعضهم قرأ قوله تعالى: {يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} [البقرة/ 284] وذكر غير سيبويه أنها قراءة ابن عباس، وقرأ بالرفع عاصم وابن عامر، والجزم باقي السبعة. وروي بالأوجه الثلاثة (نأخذ) من قول الشاعر: [من الوافر] 645 - فإن يهلك أبو قابوس يهلك .... ربيع الناس والبلد الحرام ونأخذ بعده بذناب عيش .... أجب الظهر ليس له سنام وجاز النصب بعد (الفاء والواو) إثر الجزاء، لأن مضمونه غير محقق الوقوع، قأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام. وإذا وقع مضارع بعد (الفاء والواو) بين شرط وجزاء جاز جزمه بالعطف على فعل الشرط، ونصبه بإضمار (أن). قال سيبويه: وسألت الخليل عن قوله: (إن تأتني فتحدثني أحدثك، وإن تأتني وتحدثني أحدثك) فقال: هذا يجوز، والجزم الوجه.

ومن شواهد النصب قول الشاعر: [من الطويل] 646 - ومن يقترب منا ويخضع نؤوه .... ولا يخش ظلمًا ما أقام ولا هضما 705 - والشرط يُغني عن جوابٍ قد عُلم .... والعكس قد يأتي إن المعنى فُهم إذا تقدم على الشرط ما هو الجواب في المعنى أغنى ذلك عن ذكره، كما في نحو: أفع كذا إن فعلت. وإذا لم يتقدم على الشرط ما هو الجواب في المعنى فلا بد من ذكره، إلا إذا دل عليه دليل، فإنه حينئذ يسوع حذفه، كما في قوله تعالى: {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية} [الأنعام/ 35] تتمته: فافعل، وفي قوله تعالى: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا} [فاطر/ 8] تتمته: ذهبت نفسك عليهم حسرة. فحذفت لدلالة: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} [فاطر/ 8]، أو تتمته: كمن هداه الله تعالى، منبهًا عليه بقوله تعالى: {فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} [فاطر/ 8]. وإذا دل على فعل الشرط دليل فحذفه بدون (إن) قليل، وحذفه معها كثير، فمن حذفه بدون (إن) قول الشاعر: [من الوافر] 647 - فطلقها فلست لها بكفء .... وإلا يعلُ مفرقك الحسام أراد: وإلا تطلقها يعل مفرقك الحسام. ومثله قول الآخر: [من الطويل] 648 - متى تؤخذوا قسرًا بظنة عامرٍ .... ولا ينج إلا في الصفاد يزيد

[276] // أراد: متى تُثقفوا تؤخذوا. ومن حذف الشرط مع (إن) قوله تعالى: {فلم تقتلوهم} [الأنفال/ 17] تقديره: إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم أنتم {ولكن الله قتلهم} [الأنفال/ 17] وقوله تعالى: {فالله هو الولي} [الشورى/ 9] تقديره: إن أرادوا وليًا بحق فالله هو الولي بالحق، لا ولي سواه. وقوله تعالى: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} [العنكبوت/ 56]. أصله: فإن لم يتأت أن تخلصوا العبادة لي في أرض، فإياي في غيرها فاعبدون. وقد يحذف الشرط والجزاء، ويكتفى بـ (إن) كقول الشاعر: [من الرجز] 649 - قالت بناتُ العم يا سلمى وإن .... كان فقيرًا مُعلمًا قالت وإن أي قالت: وإن كان فقيرًا معدمًا رضيته. 706 - واحذف لدى اجتماع شرط وقسم .... جواب ما أخرت فهو ملتزم 707 - وإن تواليا وقبل ذو خبر .... فالشرط رجح مطلقًا بلا حذر 708 - ورُبما رجح بعد قسم .... شرط بلا ذي خبر مقدم القسم مثل الشرط في احتياجه إلى جواب، الا أن جواب القسم مؤكد بـ (إن) أو اللام أو منفي، وجواب الشرط مقرون بالفاء أو مجزوم. فإذا اجتمع الشرط والقسم اكتفي بجواب أحدهما عن جواب الآخر، فإن لم يتقدم الشرط والقسم ما يحتاج إلى خبر اكتفي بجواب السابق منهما عن جواب صاحبه، فيقال في تقدم الشرط: إن تقم والله أقم، وإن تقم والله فلن أقوم، وفي تقدم القسم: والله إن تقم لأقومن، ووالله إن تقم ما أقوم. وإن تقدم على الشرط والقسم ما يحتاج إلى خبر، رجح اعتبار الشرط على اعتبار القسم: تأخر أو تقدم، فيقال: زيد والله إن تقم يُكرمك، بالجزم لا غير. وربما رجح اعتبار الشرط على القسم السابق، وإن لم يتقدم عليه مخبر عنه، كقول

الشاعر: [من البسيط] 650 - لئن مُنيت بنا عن غب معركة .... لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل وقول الآخر: [من الطويل] 651 - لئن كان ما حدثته اليوم صادقًا .... أصم في نهار القيظ للشمس باديا وأركب حمارًا بين سرجٍ وفروةٍ .... وأعر من الخاتام صُغرى شماليا

فصل لو

فصل لو 709 - لو حرف شرط في مضي ويقل .... إيلاؤها مستقبلا لكن قبل [277] // 710 - وهي في الاختصاص بالفعل كإن .... لكن لو أن بها قد تقترن 711 - وإن مضارع تلاها صرفا .... إلى المضي نحو لو يفي كفى (لو) في الكلام على ضربين: مصدرية وشرطية. فالمصدرية: هي التي تصلح في موضعها (أن) وأكثر ما تقع بعد (ود) أو ما في معناها، كقوله تعالى: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} [البقرة/ 96] وقد تقدم ذكرها. وأما الشرطية: فهي للتعليق في الماضي، كما أن (إن) للتعليق في المستقبل، ومن ضرورة كون (لو) للتعليق في الماضي أن يكون شرطها منتفي الوقوع، لأنه لو كان ثابتًا لكان الجواب كذلك، ولم يكن تعليق في البين، بل إيجاب لإيجاب، لكن (لو) للتعليق لا للإيجاب، فلا بد من كون شرطها منتفيًا. وأما جوابها: فإن كان مساويًا للشرط في العموم، كما في قولك: لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودًا، فلا بد من انتفائه أيضًا، وإن كان أعم من الشرط، كما في قولك: لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودًا. فلا بد من انتفاء القدر المساوي منه للشرط. ولذلك تسمع النحويين يقولون: (لو) حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره، أي: تدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط، ولا يريدون أنها تدل على امتناع الجواب مطلقًا، لتخلفه في نحو: (لو ترك العبد سؤال ربه لأعطاه)، وإنما يريدون أنها تدل على انتفاء المساوي من جوابها للشرط.

والأولى أن يقال: (لو) حرف شرط يقتضي نفي ما يلزم من ثبوته ثبوت غيره، فينبه على أنها تقتضي لزوم شيء لشيء، وكون الملزوم منتفيًا، ولا يتعرض لنفي اللازم مطلقًا ولا لثبوته لأنه غير لازم من معناها. وذهب بعض النحويين: إلى أن (لو) كما تكون للشرط في الماضي، كذا تكون للشرط في المستقبل، وإليه الإشارة بقوله: ................ ويقل .... إيلاؤها مستقبلا لكن قبل أي: ويقل إيلاء (لو) فعلا مستقبلًا. المعنى: وما كان من حقها أن يليها ذلك، لكن ورد به السماع فوجب قبوله. وعندي أن (لو) لا تكون لغير الشرط في الماضي. وما تمسكوا به من نحو قوله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا خافوا عليهم) [النساء /9]. وقول الشاعر: [من الطويل] 652 - ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني جندل وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح لا حجة فيه، لصحة حمله على المضي. و (لو) مثل (إن) في أن شرطها لا يكون إلا فعلا. وقد شذ عند سيبويه كونه مبتدأ مؤلفًا من (أن) وصلتها، نحو: لو أنك جئتني [278] لأكرمتك، وشبه // شذوذ ذلك بانتصاب (غدوة) بعد (لدن) فجعل (أن) بعد (لو) في موضع رفع بالابتداء، وإن كانت لا تدخل على مبتدأ غيرها، كما أن (غدوة) بعد (لدن) تنصب، وإن كان غيرها بعدها يجب جره.

ومنهم من حلم (أن) بعد (لو) على فاعل لـ (ثبت) مضمرًا، كما أضمر بعد (ما) المصدرية في قولهم: (لا أفعل ذلك ما أن في السماء نجمًا). وهو أقرب في القياس مما ذهب إليه سيبويه. فإن قلت: فما تصنع بقول الشاعر: [من الرمل] 653 - لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري قلت: خرجه أبو علي أن تقديره: لو شرق بغير الماء حلقي هو شرق، فقوله: (هو شرق) جملة اسمية مفسرة للفعل المضمر. وأسهل من هذا التخريج عندي أن يحمل البيت على إضمار (كان) الشأنية، وتجعل الجملة المذكورة بعد (لو) خبرًا لها، كما فعل مثل ذلك في قول الشاعر: [من الطويل] 654 - ونبئت ليلى أرسلت بشفاعةٍ ... إلي فهلا نفس ليلى شفيعها وزعم الزمخشري أن خبر (إن) بعد (لو) لا يكون إلا فعلا. وهو باطل، بنحو قوله تعالى: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) [لقمان /27].

وبنحو قول الشاعر: [من الطويل] 655 - ولو أن ما أبقيت مني معلق ... بعود ثمامٍ ما تأود عودها وقول الآخر: [من الطويل] 656 - لو أن حيا فائت الموت فاته ... أخو الحرب فوق القارح العدوان ولكون (لو) للتعليق في الماضي غلب دخولها على الفعل الماضي وهو مبني. فلذلك إذا دخلت على المضارع لم تعمل فيه شيئًا، ووجب أن يكون دخولها مصروفًا إلى المضي كما في قوله تعالى: (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) [الحجرات /8] قول الشاعر: [من الكامل] 657 - لو يسمعون كما سمعت حديثها ... خروا لعزة ركعًا وسجودا ولا يكون جواب (لو) إلا فعلا ماضيًا أو مضارعًا مجزومًا بـ (لم) وقلما يخلو من (اللام) إن كان مثبتًا، نحو قوله تعالى: (ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) [الأنفال /23]. ومن خلوه منها قوله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا خافوا عليهم) [النساء /9]، وإن كان منفيا بـ (لم) امتنعت اللام، وإن كان منفيا بـ (ما) جاز لحاقها، والخلو منها، إلا أن الخلو منها أجود، وبذلك نزل القرآن العظيم، فقال تعالى: (ولو شاء ربك ما فعلوه) [الأنعام /112].

وقد يستغنى عن جواب (لو) لقرينة، كما يستغنى عن جواب (إن) فمن ذلك قوله تعالى: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى [279] بل لله // الأمر جميعًا) [الرعد /31] وقوله تعالى: (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به) [آل عمران /91]. وندر حذف شرط (لو) وجوابها، كما في قول الشاعر: [من الخفيف] 658 - إن يكن طبك الدلال فلو ... في سالف الدهر والسنين الخوالي قال أبو الحسن الأخفش: أراد فلو كان في سالف الدهر لكان كذا وكذا.

أما ولولا ولوما

أما ولولا ولوما 712 - أما كمهما يك من شيءٍ وفا ... لتلو تلوها وجوبًا ألفا 713 - وحذف ذي الفاقل في نثرٍ إذا ... لم يك قول معها قد نبذا (أما) حرف تفصيل مؤول بمهما يكن من شيء، لأنه قائم مقام حرف شرط وفعل شرط. ولابد بعده من ذكر جملة هي جواب له، ولابد فيها من ذكر الفاء، إلا في ضرورة كقول الشاعر: [من الطويل] 659 - فأما القتال لا قتال لديكم ... ولكن سيرًا في عراض المواكب أو في ندور نحو ما خرج البخاري من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أما بعد: ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله).

أو فيما حذف منه القول، وأقيم حكايته مقامه، كقوله تعالى: (وأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم) [آل عمران /106] أي: فيقال لهم: أكفرتم؟. وما سوى ذلك: فذكر الفاء بعد (أما) فيه لازم، نحو: أما زيد فقائم. والأصل أن يقال: أما فزيد قائم، فتجعل الفاء في صدر الجواب، كما مع غير (أما) من أدوات الشرط، ولكن خولف هذا الأصل مع (أما) فرارًا من قبحه، لكونه في صورة معطوف بلا معطوف عليه، ففصلوا بين (أما) والفاء بجزء من الجواب. وإلى ذلك الإشارة بقوله: .............. وفا ... لتلو تلوها .................. فإن كان الجواب شرطيٌا فصل بجملة الشرط، كقوله تعالى: (فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم) [الواقعة /88 - 89] التقدير مهما يكن من شيء فإن كان المتوفي من المقربين، فجزاؤه روح وريحان وجنة نعيم. ثم قدم الشرط على الفاء، فالتقى فاءان. فحذفت الثانية منهما حملا على أكثر الحذفين نظائر. وإن كان جواب (أما) غير شرطي، ففصل بمبتدأ نحو: أما زيد فقائم، أو خبر نحو: أما قائم فزيد، أو معمول فعل أو شبهه، أو معمول مفسر به نحو: أما زيد فاضرب، وأما زيد فأنا ضارب، وأما عمرًا فأعرض عنه. ولا يفصل بين (أما) والفاء بفعل، لأن (أما) قائمة مقام حرف شرط وفعل [280] شرط، فلو وليها فعل؛ لتوهم أنه // فعل الشرط، ولم يعلم بقيامها مقامه. وإذا وليها اسم بعده الفاء كان في ذلك تنبيه على ما قصد من كون ما وليها مع ما بعده جوابًا. 714 - لولا ولوما يلزمان الابتدا ... إذا امتناعًا بوجود عقدا 715 - وبهما التحضيض مز وهلا ... ألا ألا وأولينها الفعلا 716 - وقد يليها اسم بفعل مضمر ... علق أو بظاهرٍ مؤخر لـ (لولا ولوما) استعمالان: أحدهما يدلان فيه على امتناع شيء لثبوت غيره وهذا أراد بقوله: ................... ... إذا امتناعًا بوجودٍ عقدا أي: إذا عقدا، وربطا امتناع شيء بوجود غيره ولازمًا بينهما. وتقتضيان حينئذ مبتدأ ملتزمًا حذف خبره وجوبًا في الغالب، وجوابًا مصدرًا بفعل ماض أو مضارع مجزوم بـ (لم).

فإن كان الماضي مثبتًا قرن باللام غالبًا، وإن كان منفيًا تجرد منها غالبًا. وإذا دل على الجواب دليل جاز حذفه كقوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم) [النور /10]. والاستعمال الآخر: يدلان فيه على التحضيض، ويختصان بالأفعال، كقوله تعالى: (لولا أنزل علينا الملائكة) [الفرقان /22] وكقوله تعالى: (لوما تأتينا بالملائكة) [الحجر /7]. ويشاركهما في التحضيض والاختصاص بالأفعال: (هلا وألا وألا). وقد يلي حرف التحضيض اسم عامل فيه فعل مؤخر نحو: هلا زيدًا ضربت، أو مضمرًا كقول الشاعر: [من الكامل] 660 - الآن بعد لجاجتي تلحونني ... هلا التقدم والقلوب صحاح أي: هلا كان التقدم باللحى إذ القلوب صحاح، وكقول الآخر: [من الطويل] 661 - أتيت بعبد الله في القد موثقًا ... فهلا سعيدًا ذا لخيانة والغدر أي: فهلا أسرت سعيدًا. وكقول الآخر: [من الطويل] 662 - تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطري لولا الكمي المقنعا

أي: لولا تعدون عقر الكمي أو قتله. فحذف مع الفعل المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. وقد يقع بعد حرف التحضيض مبتدأ وخبر، فيقدر المضمر كان الشأنية كقول الشاعر: [من الطويل] 663 - ونبئت ليلى أرسلت بشفاعةٍ ... إلي فهلا نفس ليلى شفيعها أي: فهلا كان الأمر والشأن نفس ليلى شفيعها

الإخبار بالذي والألف واللام

[281] // الإخبار بالذي والألف واللام 717 - ما قيل أخبر عنه بالذي خبر ... عن الذي مبتدأ قبل استقر 718 - وما سواهما فوسطه صله ... عائدها خلف معطى التكملة 719 - نحو الذي ضربته زيد فذا ... ضربت زيدًا كان فادر المأخذا 720 - وباللذين والذين والتي ... أخبر مراعيًا وفاق المثبت المخبر عنه في هذا الباب هو المجعول في آخر الجملة خبرًا عن الموصول مبتدأ. فالباء في قولهم: (الإخبار بالذي) باء السببية، لا باء التعدية، لدخولها على المخبر عنه حقيقة. فإذا قلت: أخبر عن زيد، من قولك: زيد منطلق، فالمعنى: أخبر عن مسمى زيدٍ بواسطة التعبير عنه، بعد إضماره بـ (الذي) موصولا بالجملة، وجعل لفظ (زيد) خبرًا. ولذلك يقال في الجواب: الذي هو منطلق زيد. وكثيرًا ما يصار إلى هذا الإخبار لقصد الاختصاص، أو تقوي الحكم، أو تشويق السامع، أو إجابة الممتحن. فإذا أردت أن تخبر عن اسم في الجملة أخرته إلى العجز، وإن كان ضميرًا متصلا فصلته وصيرت ما عداه صلة للذي أو شبهه، واضعًا مكان المؤخر ضميرًا مطابقًا عائدًا على الموصول يخلف المؤخر فيما كان له من الإعراب. فإن كان مفعولا له أو ظرفًا متصرفًا، قرن الضمير بـ (اللام) أو (في)، تقول في الإخبار عن (زيد): من نحو ضربت زيدًا: الذي ضربته زيد، وعن التاء: الذي ضرب زيدًا أنا، فتأتي بالموصول مبتدأ، وتؤخر ما تريد الإخبار عنه، وتجعله خبرًا عن الموصول،

وتجعل ما بينهما صلة، فيها ضمير مطابق للموصول، موضوع في مكان الاسم المؤخر المعبر عنه في النظم بـ (معطي التكملة) أي: الذي كان به تكميل الكلام، قبل تركيب الإخبار. وتقول في الإخبار عن (رغبة) من نحو: جئت رغبةً فيك: الذي جئت له رغبةً فيك، وعن يوم الجمعة من نحو: صمت يوم الجمعة: الذي صمت فيه يوم الجمعة، فتفعل فيهما كما فعلت فيما قبل، ثم تقرن ضمير ما كان مفعولا له بـ (اللام)، وضمير ما كان ظرفًا بـ (في) لأن الضمائر ترد معها الأشياء إلى أصولها؛ إذ لم تقو قوة الأسماء الظاهرة، ولم تتضمن ما تضمنته. وإذا كان المخبر عنه في هذا الباب مثنى، أو مجموعًا على حدة، أو مؤنثًا جيء بالموصول على وفقه لوجوب مطابقة المبتدأ خبره. تقول في الإخبر عن الزيدين من نحو: بلغ الزيدان العمرين رسالة. اللذان بلغا [282] العمرين رسالة الزيدان، وعن العمرين // الذين بلغهم الزيدان رسالةً العمرون. وعن (الرسالة): التي بلغها الزيدان العمرين رسالةً. وإذا عرفت هذا فاعلم أن ليس كل اسم يجوز أن يخبر عنه، بل لا يصح الإخبار عن اسم في الكلام إلا بسبعة شروط، وقد نبه على أربعة منها بقوله: 721 - قبول تأخيرٍ وتعريفٍ لما ... أخبر عنه ها هنا قد حتما 722 - كذا الغنى عنه باجنبي أو ... بمضمرٍ شرط فراع ما رعوا الشرط الأول: جواز التأخير، فلا يخبر عن اسم يلزم صدر الكلام، كضمير الشأن واسم الاستفهام لامتناع تأخر ما التزمت العرب تقديمه، ووجوب تأخير الخبر في هذا الباب. الثاني: جواز تعريفه، فلا يخبر عن الحال والتمييز لأنهما ملازمان التنكير فلا يصح جعل المضمر مكانهما لأنه ملازم للتعريف. الثالث: جواز الاستغناء عنه بأجنبي، فلا يخبر عن ضمير عائد إلى اسم في الجملة كالهاء من نحو: زيد ضربته، ومن نحو: زيد ضرب غلامه، لأنه لو أخبر عنها لخلفها مثلها في العود إلى ما كانت تعود إليه فليلزم إما إبقاء الموصول بلا عائد، وإما عود ضمير واحد إلى شيئين، وكلاهما محال. ولو كان الضمير عائدًا إلى اسم من جملة أخرى جاز الإخبار عنه كقولك في الإخبار عن الهاء من (لقيته) في نحو: جاء زيد ولقيته: الذي لقيته هو.

الرابع: جواز الاستغناء عنه بمضمر، فلا يخبر عن موصوف دون صفته، ولا عن مصدر عامل دون معموله، ولا عن مضاف دون مضاف إليه، فلا يخبر عن عمرو وحده من نحو: سر أبا زيدٍ قرب من عمرو الكريم، بل مع صفته نحو: الذي سر أبا زيد قرب منه عمرو الكريم، ولا عن القرب وحده بل مع معموله نحو: الذي سر أبا زيد قرب عن عمرو الكريم، ولا عن الأب وحده بل مع المضاف إليه نحو: الذي سره قرب من عمرو الكريم أبو زيد. الخامس: جواز استعماله مرفوعًا، فلا يخبر عما لازم الظرفية كـ (عند ولدى وذات مرة). السادس: جواز وروده مثبتًا، فلا يخبر عن نحو: (أحد، وديار، وعريب) لئلا يخرج عما ألزمه من الاستعمال في النفي. السابع: أن يكون بعض ما يوصف به جملة خبرية، أو جملتين في حكم واحدة، فلا يخبر عن اسم في جملة طلبية ولا في إحدى جملتين مستقلتين ليس في الأخرى منهما ضمير ذلك الاسم، ولا بين الجملتين عطف بالفاء، وإنما يخبر عنه إذا كان بخلاف ذلك. فيخبر عن الاسم إذا كان من جملة واحدة خبرية كما مر، أو من إحدى جملتين غير مستقلتين كالشرط والجزاء نحو: إن قام زيد قام عمرو. [283] وتقول في الإخبار عن زيد: الذي // إن قام قام عمرو وزيد، وعن عمرو: الذي إن قام زيد قام عمرو. ويخبر عن الاسم أيضًا، إذا كان من إحدى جملتين مستقلتين، إذا كان في الأخرى منهما ضمير الاسم، أو كان بينهما عطف بالفاء. فالأول: كالمتنازع فيه، من نحو: ضربني، وضربت زيدًا، ونحو: أكرمني، وأكرمته عمرو. تقول في الإخبار عن زيدٍ: الذي ضربني وضربته زيد، وعن عمرو: الذي أكرمني وأكرمته عمرو. الثاني كأحد المرفوعين من نحو: يطير الذباب فيغضب زيد، تقول في الإخبار عن الذباب: الذي يطير، فيغضب زيدًا الذباب، وعن زيد: الذي يطير الذباب فيغضب زيد. ويكتفي بضمير واحد في الجملتين الموصول بهما، لأن ما في الفاء من معنى السببية نزلهما منزلة الشرط والجزاء، فجاز ذلك جواز قولك: الذي إن يطر يغضب زيد الذباب. ولو كان العطف بالواو امتنع الإخبار، إلا أن ذكر الضمير لا يجوز: الذي يطير ويغضب زيد الذباب، لأن الواو للتشريك، وليس فيها معنى السببية كالفاء، فلا يعطف

على الصلة ما لا يصلح أن يكون صلة، فلا يعطف على الصلة جملة خالية من ضمير الموصول، بل جملة مشتملة عليه نحو: الذي يطير ويغضب منه زيد الذباب. 723 - وأخبروا هنا بأل عن بعض ما ... يكون فيه الفعل قد تقدما 724 - إن صح صوغ صلةٍ منه لأل ... كصوغ واقٍ من وقى الله البطل 725 - وإن يكن ما رفعت صلة أل ... ضمير غيرها أبين وانفصل إذا أريد الإخبار عن اسم، وكان من جملة اسمية تعين الإخبار عنه بالذي أو أحد فروعه. فإن كان من جملة فعلية جاز الإخبار عنه بذلك، وبالألف واللام أيضًا. هذا إن صح أن يبني من الفعل صفة توصل بها الألف واللام، وذلك إذا كان الفعل متصرفًا مثبتًا فلا يخبر بالألف واللام من معمول نحو: (نعم وبئس وما زال وما انفك) بل عن معمول نحو: (وقى) من قولك: وقى الله البطل، تقول في الإخبار عن الفاعل: الواقي البطل الله، وعن المفعول: الواقيه الله البطل، ولك أن تحذف الهاء، ولا فرق في الإخبار بين الذي والألف واللام إلا في وجوب رد الفعل مع الألف واللام إلى لفظ اسم الفاعل أو المفعول لامتناع وصلها بغير الصفة، إلا فيما لا اعتداد به. ثم صلة الألف واللام، إن رفعت ظاهرًا فهي معه بمنزلة الفعل، وإن رفعت مضمرًا فإن كان للألف واللام وجب استتاره، وإن كان لغير الألف واللام وجب بروزه لما [284] عرفت أن الصفة // متى جرت على غير ما هي له امتنع أن ترفع ضميرًا مستترًا بخلاف الفعل. تقول في الإخبار عن التاء من نحو: بلغت من الزيدين إلى العمرين رسالة: المبلغ من الزيدين إلى العمرين رسالة أنا، وعن الزيدين: المبلغ أنا منهما إلى العمرين رسالةً الزيدان، وعن العمرين: المبلغ أنا من الزيدين إليهم رسالة العمرون، وعن الرسالة: المبلغها أنا من الزيدين إلى العمرين رسالة. فتأتي بضمير الرفع في المثال الأول مستترًا، لأنه ضمير الألف واللام، فلم يبرز لأن رافعه جار على ما هو له، وفي الأمثلة الأخر بارزًا، لأنه ضمير غير الألف واللام، فوجب بروزه، لأن رافعه جار على غير ما هو له، لأنه جار على الألف واللام، وهو في المعنى للمخبر عنه، ولا فرق في ذلك بين ضمير الحاضر، وضمير الغائب. تقول في الإخبار بالألف واللام عن الضمير في ضرب جاريته من قولنا: زيد ضرب جاريته: الضارب جاريته هو، وعن الجارية: زيد الضاربها هو جاريته.

العدد

العدد 726 - ثلاثةً بالتاء قل للعشره ... في عد ما آحاده مذكره 727 - في الضد جرد والمميز اجرر ... جمعًا بلفظ قلةٍ في الأكثر يستعمل العدد من ثلاثة إلى عشرة بالتاء إن كان واحد المعدود مذكرًا، وبتركها إن كان مؤنثًا نحو: عندي ثلاثة من العبيد وثلاث من الإماء. وكان حق هذه الأعداد أن تستعمل بالتاء مطلقًا، لأن مسماها جموع، والجموع غالب عليها التأنيث، ولكن أرادوا التفريق بين المذكر والمؤنث، فجاؤوا بعدد المذكر لكونه أصلا بالتاء على القياس، وبعدد المؤنث بغير التاء للتفريق. ثم المميز لهذا العدد: إن كان اسم جنس كالغنم، أو اسم جمع كقوم جر بـ (من) نحو: ثلاث من الغنم، وقد يضاف إليه العدد، نحو: ثلاث ذودٍ و (تسعة رهطٍ) [النمل /48]، وإن كان غير ذلك أضيف العدد إليه مجموعًا، ما لم يكن مائة. فإن أهمل جمع المميز على مثال قلة جيء به جمع كثرة نحو: ثلاثة دراهم، وخسم جوارٍ. وإن لم يهمل جيء به في الغالب جمع قلة نحو: ثلاثة أجبلٍ وخمس آكمٍ. وقد يجاء به جمع كثرة كقوله تعالى: (والطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ) [البقرة /228] مع مجيء الأقراء.

وإن كان المميز مائة أفردت في الأعراف تخفيفًا لثقلها بالتأنيث والاحتياج إلى مميز بعدها فيقال: ثلاث مائة وقد يقال: ثلاث مئات وثلاث مئين قال الشاعر: [من الطويل] 664 - ثلاث مئين للملوك وفي بها ... ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم [285] // وقد ينصب مميز هذا العدد نحو قول بعضهم: خمسة أثوباا، ولا يشركه في جر المميز الواحد والاثنان استغناء بإفراد المميز وتثنيته، إلا في الضرورة، كقول الشاعر: [من الرجز] 665 - كأن خصييه من التدلدل ... ظرف عجوزٍ فيه ثنتا حنظل وإذا قد عرفت أن مميز العدد المذكور على ضربين: مجرور بـ (من) ومضاف إليه، فاعلم أن المميز المضاف إليه، إما أن يكون اسمًا أو صفة. فإن كان اسمًا: فاعتبار التذكير فيه والتأنيث في الغالب بلفظه لا بمعناه، ما لم يتصل بالكلام ما يقوي المعنى، فيقال: ثلاثة أشخصٍ. وثلاث أعين، والمراد بالأول نسوة وبالثاني رجال اعتبارًا للفظ.

ولو اتصل بالكلام ما يقوي المعنى جاز اعتبار اللفظ واعتبار المعنى، ومنه قول الشاعر: [من الطويل] 666 - فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوصٍ كاعبان ومعصر وقول الآخر: [من الطويل] 667 - وإن كلابًا هذه عشر أبطنٍ ... وأنت بريء من قبائلها العشر وقد يغلب المعنى وإن لم يكن في الكلام ما يقويه، كقولهم: ثلاثة أنفس، والنفس مؤنثة، ولكن كثر استعمالها مرادًا بها إنسان، فجعل عددها بالتاء، قال الشاعر: [من الوافر] 668 - ثلاثة أنفسٍ وثلاث ذودٍ ... لقد جار الزمان على عيالي

وحكى يونس: أن رؤبة قال: ثلاث أنفس، فأسقط التاء مراعاة للفظ. وإن كان المميز صفة فاعتبار التذكير فيه والتأنيث بلفظ موصوفها المنوي، لا بلفظها، فيقال: ثلاثة ربعات، إذا قصد رجال، وثلاثة دواب، إذا قصد ذكور، لأن الدابة صفة في الأصل، فالاعتبار بموصوفها، ومن ذلك قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) [الأنعام /165] المعنى: فله عشر حسنات أمثالها. وأما المميز المجرور بـ (من) فاعتبار التذكير فيه والتأنيث باللفظ، ما لم يفصل بينه وبين العدد صفة دالة على المعنى. تقول: عندي ثلاث من الغنم بحذف التاء، لأن الغنم مؤنث، وتقول: عندي ثلاث من البقر، وثلاثة من البقر بالوجهين، لأن في البقر لغتين: التذكير والتأنيث. فلو فصل المميز بصفة دالة على المعنى وجب اعتباره، نحو: عندي ثلاثة ذكور من البط. ولا أثر للوصف المتأخر، نحو: ثلاث من البط ذكور. 728 - ومائةً والألف للفرد أضف ... ومائة بالجمع نزرًا قد ردف تضاف المائة والألف إلى المعدود بهما: مفردًا نحو مائة دينار وألف درهم، وقد [286] تضاف // المائة إلى جمع، كقراءة حمزة والكسائي قوله تعالى: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين) [الكهف /25]. وإليه الإشارة بقوله: .......................... ... ومائة بالجمع نززًا قد ردف وقد شذ تمييز المائة بمفرد منصوب في قول الربيع بن ضبع الفزاري: [من الوافر] 669 - إذا عاش الفتى مائتين عامًا ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء فلا يقاس عليه.

729 - وأحد اذكر وصلنه بعشر ... مركبًا قاصد معدودٍ ذكر 730 - وقل لدى التأنيث إحدى عشره ... والشين فيها عن تميمٍ كسره 731 - ومع غير أحدٍ وإحدى ... ما معهما فعلت فافعل قصدا 732 - ولثلاثةٍ وتسعةٍ وما ... بينهما إن ركبا ما قدما 733 - وأول عشرة اثنتي وعشرا ... إثني إذا أنثى تشا أو ذكرا حاصل هذه الأبيات بيان أن العشرة تركب مع ما دونها، فيقال في التذكير: أحد عشر واثنا عشر وثلاثة عشر، إلى تسعة عشر، وفي التأنيث: إحدى عشرة واثنتا عشرة وثلاث عشرة، إلى تسع عشرة، بإسكان الشين، على لغة أهل الحجاز، وكسرها على لغة بني تميم. فيجري أول الجزءين على ما كان له قبل التركيب من المجيء في التذكير بثلاثة وما فوقها مؤنثة، وبما دونها مذكرًا، وفي التأنيث بثلاث وما فوقها مذكرة، وبما دونها مؤنثًا، ويجري الثاني من الجزءين على العكس مما كان له قبل التركيب، فأسقطوا تاءه قي التذكير، وأثبتوها في التأنيث. وإنما لم يقولوا في التذكير ثلاثة عشرة، كراهية الجمع بين علامتين بلفظ واحد فيما هما كشيء واحد، ولا في التأنيث ثلاث عشر، كراهة إخلاء المؤنث من علامة، لا محذور في لحاقها. 734 - واليا لغير الرفع وارفع بالألف ... والفتح في جزءي سواهما ألف كل عدد مركب فجزآه مبنيان على الفتح، إلا اثنا واثنتا. أما بناء الصدر منهما، فلتنزله منزلة صدر الاسم، وأما بناء العجز فلتضمنه معنى الحرف لأن الأصل في نحو: خمسة عشر: خمسة وعشر، كما تقول: خمسة وعشرون فلما تركبا ذهبت الواو ن اللفظ، وتضمن معناها ثاني الجزءين. فبني على الفتح. [287] وإنما لم يبن المركب على السكون، لأن له أصلا في // التمكن، ولا على حركة غير الفتح، لكونه مستطالا بالتركيب، فأوثر بأخف الحركات. وأما اثنا واثنتا فيستصحب إعرابهما في التركيب، فيكونان بألف في الرفع نحو: جاءني اثنا عشر رجلا، واثنتا عشرة امرأة، وبياء في النصب والجر نحو: رأيت اثني عشر رجلا، ومررت باثنتي عشرة امرأةً.

وإنما أعرب اثنا واثنتا من بين صدور المركبات، لوقوع العجز منها موقع النون، فكما كان الإعراب مع النون ثابتًا ثبتت مع الواقع موقعها. فإن قلت: كيف صح وقوع العجز من هذا موقع النون، فأعرب صدره، وما صح وقوع العجز من نحو خمسة عشر موقع التنوين من خمسة فأعرب صدره. قلت: صح ذلك في اثنا عشر، لأن ثبوت عشر بعد الألف منه متأخر عن ثبوت النون في اثنان، لما علمت أن التركيب متأخر عن الإفراد، والمتأخر لا يمتنع أن يقال وقع موقع المتقدم. ولم يصح ذلك في نحو: خمسة عشر، لأن ثبوت عشر بعد التاء منه ليس متأخرًا عن ثبوت التنوين في خمسة، بل متقدمًا عليه، لأن تركيب المزج من الأوضاع المتقدمة على الإعراب المقارن للتنوين، والمتقدم لا يمكن أن يقال وقع موقع المتأخر. 735 - وميز العشرين للتسعينا ... بواحدٍ كأربعين حينا 736 - وميزوا مركبًا بمثل ما ... ميز عشرون فسوينهما 737 - وإن أضيف عدد مركب ... يبق البنا وعجز قد يعرب من أسماء العدد (العشرون) وأخواتها إلى (التسعين)، وتستعمل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث، ويذكر معها النيف متقدمًا، كقولك في التذكير: ثلاثة وعشرون، وفي التأنيث خمس وأربعون. وتميز هي والأعداد المركبة بمفرد منصوب، نحو قوله تعالى: (أحد عشر كوكبًا) [يوسف /4] وقوله تعالى: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً) [الأعراف /142]. وقد تميز بجمع صادق على الواحد منها، فيقال: عندي عشرون دراهم، على معنى عشرون شيئًا كل واحد منها دراهم. ومنه قوله تعالى: (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطًا أممًا) [الأعراف /160] المعنى والله أعلم: وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة، كل فرقة منهم أسباط. وقد يضاف العدد إلى مستحق المعدود، فيستغني عن التمييز، نحو: هذه عشر وزيدٍ، يفعل ذلك بجميع الأعداد المركبة، إلا اثني عشر، فيقال: أحد عشرك، وثلاثة عشرك ولا يقال اثنا عشرك، لأن (عشر) من اثني عشر بمنزلة نون اثنين، فلا تجامع الإضافة ولا يقال اثناك؛ لشلا يلتبس بإضافة اثنين بلا تركيب.

وإذا أضيف العدد المركب استصحب البناء في صدره، وفي عجزه أيضًا، إلا على لغة. [288] قال سيبويه: (ومن العرب // من يقول: خمسة عشرك، وهي لغة رديئة). وعند الكوفيين أن العدد المركب إذا أضيف أعرب صدره بما تقتضيه العوامل وجر عجزه بالإضافة، نحو: هذه خمسة عشرك، وخذ خمسة عشرك، وأعط من خمسة عشرك. وحكي الفراء عن أبي فقعس الأسدي وأبي الهيثم العقيلي: ما فعلت خمسة عشرك. والبصريون لا يرون ذلك، بل يستصحب عندهم البناء في الإضافة. كما يستصحب مع الألف واللام، بإجماع. 738 - وصغ من اثنين فما فوق إلى ... عشرةٍ كفاعلٍ من فعلا 739 - واختمه في التأنيث بالتا ومتى ... ذكرت فاذكر فاعلا بغير تا 740 - وإن ترد بعض الذي منه بني ... تضف إليه مثل بعضٍ بين 741 - وإن ترد جعل الأقل مثل ما ... فوق فحكم جاعلٍ له احكما يصاغ من اثنين فما فوقه إلى عشرة موازن (فاعل) مجردًا عن التاء في التذكير ومتصلا بها في التأنيث، لأن مدلوله مفرد، فلم يسلك به سبيل ما اشتق منه، بل سبيل الصفات المفردة، من نحو: ضارب وضاربة. ويستعمل على ضربين: مفرد وغير مفرد. فالمفرد نحو: ثانٍ وثانية، إلى عاشر وعاشرة. وغير المفرد: إما أن يستعمل مع ما اشتق منه، كثان مع اثنين، وإما أن يستعمل مع ما يليه ما اشتق منه كثالث مع اثنين. فالمستعمل مع ما اشتق منه يجب إضافته، فيقال في التذكير. ثاني اثنين، وفي التأنيث: ثانية اثنين، إلى عاشر عشرة، وعاشرة عشر، والمراد: أحد اثنين. وإحدى اثنتين، وأحد عشرة وإحدى عشر. والمستعمل مع ما يليه ما اشتق منه: يجوز أن يضاف، وأن ينون، وينصب ما يليه فيقال: هذا رابع ثلاثةٍ ورابع ثلاثة، وهذه رابعة ثلاث ورابعة ثلاثا، لأن المراد: هذا جاعل

ثلاثة أربعة فعومل معاملة ما هو بمعناه، ولأنه اسم فاعل حقيقة فإنه يقال: ثلثت الرجلين: إذا انضممت إليهما، فصرتم ثلاثة، وكذلك ربعت الثّلاثة، إلى عشرت التسعة. فـ (فاعل) هذا مساو لـ (جاعل) في المعنى، والتفريع على فعل، فجرى مجراه في العمل، بخلاف (فاعل) المراد به واحد مما أضيف إليه فإنه ليس في معنى ما يعمل، ولا مفرعا على فعل، فالتزمت إضافته، كما التزمت إضافة ما اشتق منه. وقد نبه على استعمال فاعل المشتق من اسم العدد بالمعنيين المذكورين، فأشار إلى الاستعمال الأول بقوله: وإن ترد بعض الذي منه بني .... تضيف إليه مثل بعض بين [289] أي: وإن ترد بالمصوغ من اثنين فما فوق واحدا من الذي اشتق منه فأضف إليه مثله في اللفظ، وهو ما اشتق منه. وأشار إلى الاستعمال الثاني بقوله: وإن ترد جعل الأقل مثل ما .... فوق فحكم جاعل له احكما معناه: وإن ترد بالمصوغ من اثنين فما فوق أنه جعل ما هو أقل عددا مما اشتق منه مساويا له، فاحكم لذلك المصوغ بحكم (جاعل) من معناه، وجواز أن يليه مفعوله منصوبا به تارة ومجرورا به أخرى. ويفهم من ذلك: أن الذي يكون مفعولا للمصوغ للمعنى المذكور هو اسم ما يليه المشتق منه، لأنه هو الذي يصح أن يساويه بزيادة واحد. 742 - وإن أردت مثل ثاني اثنين .... مركبا فجئ بتركيبين 743 - أو فاعلا بحالتيه أضف .... إلى مركب بما تنوي يفي 744 - وشاع الاستغنا بحادي عشرا .... ونحوه وقبل عشرين اذكرا 745 - وبابه الفاعل من لفظ العدد .... بحالتيه قبل واو يعتمد صدر العدد المركب مثل غيره من العدد المفرد في جواز صوغ (فاعل) منه، ولكن لا من كل وجه، فإنه لا يبنى من صدر المركب (فاعل) للدلالة على جعل ما يليه مما اشتق الفاعل منه مساويا له، وإنما يبنى (فاعل) من صدر المركب، للدلالة على واحد من العدد الذي اشتق من صدره، لا غير. وفي استعماله ثلاثة أوجه:

أحدها: وهو الأصل أن يجاء بتركيبين: صدر أولهما (فاعل) في التذكير و (فاعلة) في التأنيث، وصدر ثانيهما الاسم المشتق منه، وعجز المركبين (عشر) في التذكير و (عشرة) في التأنيث، فيقال في التذكير: ثاني عشر اثني عشر، وثالث عشر ثلاثة عشر، وفي التأنيث: ثانية عشرة اثنتي عشرة، وثالثة عشرة ثلاث عشرة، إلى تاسع عشر تسعة عشر، وتاسعة عشرة تسع عشرة: بأربع كلمات مبنية للتركيب: أولاهن مع الثانية، وثالثتهن مع الرابعة، وأول المركبين إلى الثاني إضافة (فاعل) إلى ما اشتق منه. الاستعمال الثاني: أن يقتصر على صدر المركب الأول، فيعرب لعدم التركيب ويضاف إلى المركب الثاني، باقيا بناؤه، فيقال: ثاني اثني عشر، وثالث ثلاثة عشر، وثانية اثنتي عشرة، وثالثة ثلاث عشرة. الاستعمال الثالث: أن يقتصر على المركب الأول باقيا بناء صدره، وبعض العرب يعربه. حكي ذلك ابن السكيت وابن كيسان رحمهما الله. ولما أراد الشيخ بينان هذا الاستعمال الثالث قال: وشاع الاستغنا بحادي عشرا .... ونحوه ............... فمثل بـ (حادي عشر) لم يمثل بثاني عشر، ليتضمن التمثيل فائدة التنبيه [290] // على ما التزموه، حين صاغوا أحدا وإحدى على (فاعل وفاعلة) من القلب، وجعل الفاء بعد اللام، فقالوا: حادي عشر وحادية عشرة، والأصل واحد وواحدة. ولا يستعمل حاد وحادية إلا مع عشرة أو مع عشرين، وأخواته، فيقال: حاد وعشرون، وحادية وعشرون، إلى حاد وتسعين، وحادية وتسعين، كما يقال: ثان وعشرون وثالث وعشرون، ورابعة وثلاثون، ونحو ذلك. وقد تضمن التنبيه على هذا كله قوله: ................. .... ...... وقبل عشرين اذكرا وبابه الفاعل من لفظ العدد .... بحالتيه قبل واو يعتمد وحالتاه: كونه على (فاعل) في التذكير، وعلى (فاعلة) في التأنيث.

كم وكأين وكذا

كم وكأين وكذا 746 - ميز في الاستفهام كم بمثل ما .... ميزت عشرين ككم شخصا سما 747 - وأجز أن تجره من مضمرا .... إن وليت كم حرف جر مظهرا 748 - واستعملنها مخبرا كعشره .... أو مائة ككم رجال أو مره (كم) اسم لجواز كونها مبتدأ ومفعولا، ومجرورة بالإضافة إليها، أو بدخول حرف الجر عليها. وهي اسم لعدد مبهم المقدار والجنس، ولا بد لها من مميز مذكور، وقد يحذف للعلم به، كما في قولك: كم صمت وكم سيرت وكم لقيت؟ التقدير: كم يوما صمت، وكم فرسخا سرت، وكم رجلا لقيت. وتنقسم (كم) إلى استفهامية وخبرية، مقصود بها الكناية عن التكثير، ولكليهما صدر الكلام. أما (كم) الاستفهامية: فإن لم يدخل عليها حرف جر، فمميزها مفرد منصوب، حملا على مميز العدد المركب وما جرى مجراه، إذ كانت فرعا على (كم) الخبرية، كما أن العدد المركب فرع على المفرد. وعلى هذا نبه بقوله: ميز في الاستفهام كم بمثل ما .... ميزت عشرين ......... فإن عشرين وأخواته جار مجرى العدد المركب في إفراد مميزه ونصبه، لكونه في المعنى مثله، فإن عشرين في معنى عشرة وعشرة، وإن ثلاثين في معنى ثلاث عشرات. وإن دخل على (كم) الاستفهامية حرف جر جاز في مميزها النصب والجر. فيقال: بكم درهما اشتريت ثوبك؟ وبكم درهم اشتريت؟

فالنصب: لأن (كم) استفهامية، وهي محمولة على العدد المركب في نصب التمييز. والجر: بـ (من) مضمرة، لا بإضافة (كم) إليه، خلافا لبعضهم. والدليل على ذلك من وجهين: أحدهما: أن (كم) الاستفهامية، لا تصلح أن تعمل الجر، لأنها قائمة مقام عدد مركب، والعدد المركب لا يعمل الجر، فكذا ما قام مقامه. [291] الثاني: أن الجر بعد (كم) الاستفهامية لو كان بالإضافة لم يشترط دخول حرف الجر على (كم). فاشترط ذلك دليل على أن الجر بـ (من) مضمرة، لكون حرف الجر الداخل على (كم) عوضا عن اللفظ بها. وأما (كم) الخبرية فمميزها مجرور مجموع تارة، ومفرد أخرى، لأنها بمنزلة عدد مفرد يضاف إلى مميزه، وهو على ضربين: أحدهما: يضاف إلى جمع. والآخر: يضاف إلى مفرد. فاستعملت بالوجهين: إجراء لها مجرى الضربين، فيقال: كم رجال صحبت، كما يقال: عشرة رجال صحبت، وكم امرأة رأيت، كما يقال: مائة امرأة رأيت. وقد تجري بنو تميم (كم) الخبرية مجرى (كم) الاستفهامية، فينصبون مميزها، وإن كان جمعا، ومنه قول الشاعر: [من الكامل] 670 - كم عمة لك يا جرير وخالة .... فدعاء قد حلبت علي عشاري ويروى بالجر على اللغة المشهورة، وبالرفع على حذف المميز، ورفع عمة بالابتداء، وجعل (كم) نصبا على المصدرية.

فصل ويفصل في السعة بين (كم) الاستفهامية، ومميزها بالظرف وشبهه نحو: كم عندك غلاما؟ وكم لك جارية؟ ولا يجوز مثل ذلك في العدد المركب، وما جرى مجراه، إلا في الضرورة، كقول الشاعر: [من المتقارب] 671 - يذكرنيك حنين العجول .... ونوح الحمامة تدعو هديلا على أنني بعد ما قد مضى .... ثلاثون للهجر حولا كميلا ولا يفصل بين (كم) الخبرية ومميزها، إلا في الضرورة، فيجوز لأجلها الفصل بينهما بالظرف وشبهه، وبالجملة. فإذا فصل بالظرف وشبهه اختير نصب المميز، وجاز أيضا جره. فمن نصبه قول الشاعر: [من المتقارب] 672 - تؤم سنانا وكم دونه .... من الأرض محدودبا غارها

ومن جره قول الآخر: [من الكامل] 673 - كم في بني سعد بن بكر سيد .... ضخم الدسيعة ماجد نفاع وقول لآخر: [من الرمل] 674 - كم بجود مقرف نال العلا .... وكريم بخله قد وضعه وإذا فصل بالجملة وجب نصب المميز، كما في قول الشاعر: [من البسيط] 675 - كم نالني منهم فضلا على عدم .... إذ لا أكاد من الإقتار أجتمل [292] // 749 - ككم كأين وكذا وينتصب .... تمييز ذين أو به صل من تصب (كأين وكذا) مثل (كم) الخبرية في الدلالة على تكثير العدد، وفي الافتقار إلى مميز، لكن مميز (كم) مجرور كما سبق، ومميز (كأين) منصوب، نحو: كأين رجلا رأيت. وكذا مميز (كذا) نحو: رأيت كذا رجلا. وأكثر ما يقع مميز (كأين) مجرورا بـ (بمن) كقوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون} [آل عمران/ 146] وكقوله تعالى: و {وكأين من آية في السموات والأرض} [يوسف/ 105]. و (كأين) مثل (كم) في لزوما صدر الكلام، بخلاف (كذا) فلذلك يقال: رأيت كذا وكذا رجلا، وعندي كذا وكذا درهما، ولا يجوز مثل ذلك في (كأين).

الحكاية

الحكاية 750 - إحك بأي ما لمنكور سئل .... عنه بها في الوقف أو حين تصل 751 - ووقفا احك ما لمنكور بمن .... والنون حرك مطلقا وأشبعن 752 - وقل منان ومنين بعد لي .... إلفان بابنين وسكن تعدل 753 - وقل لمن قال أتت بنت منه .... والنون قبل تا المثنى مسكنه 754 - والفتح نزر وصل التا والألف .... بمن بإثر ذا بنسوة كلف 755 - وقل منون ومنين مسكنا .... إن قيل جا قوم لقوم فطنا 756 - وإن تصل فلفظ من لا يختلف .... ونادر منون في نظم عرف 757 - والعلم احكينه من بعد من .... إن عريت من عاطف بها اقترن إن سئل بـ (أي) عن مذكور منكر حكي فيها وصلا ووقفا ما للمسئول عنه من إعراب، وتذكير وتأنيث، وإفراد وتثنية وجمع تصحيح، موجود فيه، أو صالح لوصفه، كقولك لمن قال: رأيت رجلا وامرأة، وغلامين وجاريتين، وبنين وبنات، أيا وأية، وأيين وأيتين، وأين وأيات. وإن سئل عنه بـ (من) حكي في لفظها في الموقف خاصة ما له من الحركات بإشباع، وما له من تذكير وتأنيث، وإفراد وتثنية وجمع، فتقول لمن قال: جاءني رجل (منو) ولمن قال رأيت رجلا (منا) ولمن قال مررت برجل (مني).

[293] وتقول لمن قال لقيني رجلان: (منان) ولمن قال رأيت رجلين: (منين) بالألف في حكاية المثنى المرفوع، وبالياء في حكاية المثنى المنصوب. ولما أراد بيان هذه المسألة، ولم يستقم له في الوزن أن يمثل، بـ (منان ومنين) مسكني النون مثل بهما محركي النون للضرورة، ثم نبه على ما يلزم في الاستعمال من إسكان النون بقوله: وقل منان ومنين بعد لي .... إلفان بابنين وسكن تعدل وتقول لمن قال رأيت امرأة: (منه) أو (منت) بفتح ما قبل التاء في أحد الوجهين، ثم قلبها هاء، وببقاء ما قبل التاء ساكنا في الوجه الآخر وسلامتها. وتقول لمن قال رأيت امرأتين: (منتين أو منتين) بإسكان النون أو فتحها، كما في الإفراد، والإسكان أجود وأكثر. وقد نبه على ذلك بقوله: ........... .... والنون قبل تا المثنى مسكنه والفتح نزر ........ .... ..................... وتقول لمن قال رأيت نسوة: (منات) ولمن قال جاء رجال: (منون) ولمن قال مررت برجال: (منين). فإن وصلت قلت: من يا فتى في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، ولذلك قال: وإن تصل فلفظ من لا يختلف .... ............ فأما قول الشاعر: [من الوافر] 676 - أتوا ناري فقلت منون أنتم .... فقالوا الجن قلت عموا ظلاما

ففيه على ندوره شذوذ من وجهين: أحدهما: أنه حكي مقدرا، غير مذكور. والثاني: أنه أثبت العلامة في الوصل، وحقها ألا تثبت إلا في الوقف. وإذا سئل بـ (من) عن علم مذكور، فجيء به بعد (من) غير مقرونة بعاطف فأهل الحجاز يحكون فيه إعراب الأول، رفعا لتوهم أن المسئول عنه غير المذكور، فيحركونه بالضم إن كان الأول مرفوعا، وبالفتح إن كان منصوبا، وبالكسر إن كان مجرورا، فيقولون لمن قال جاء زيد: من زيد. ولمن قال رأيت زيدا: من زيدا. ولمن قال مررت بزيد: من زيد. وأما غير الحجازيين فلا يحكون، بل يجيئون بالعلم المسئول عنه بعد (من) مرفوعا، لأنه مبتدأ، خبره (من) أو خبر مبتدؤه (من). فلو اقترنت (من) بعاطف، كما في قولك لمن قال: مررت بزيد: ومن زيد؟ تعين الرفع عند جميع العرب. ولا يحكى غير العلم. وأجاز يونس حكاية كل معرفة، فيقول لمن قال رأيت غلام زيد: من غلام زيد؟ ولمن قال: مررت بغلام زيد: من غلام زيد؟ قال شيخنا رحمه الله: ولا أعلم له موافقا. وفي حكاية العلم: معطوفا أو معطوفا عليه غير علم خلاف. فمنهم من منع ذلك، ومنهم من أجازه، فتقول لمن قال رأيت سعيدا وابنه: من سعيدا وابنه؟ ولمن قال رأيت غلام زيد وعمرا: من غلام زيد وعمرا؟ وإذا وصف العلم بابن حكي بصفته، كقولك لمن قال: مررت بزيد بن عمرو: من زيد بن عمرو؟ فإن وصف بغير ذلك لم يجز أن يحكى بصفته، بل إن حكي حكي بدونها. وربما [294] // حكي المضمر بـ (من) كما يحكى المنكر، فيقال (منين): لمن قال مررت بهم. و (منون) لمن قال: ذهبوا. ومن العرب من يحكي الاسم النكرة مجردة من (أي) ومنه قول بعضهم: ليس بقرشيا، رادا على من قال: إن في الدار قرشيا، أو نحو ذلك. ومثله قول من قال: (دعنا من تمرتان). فأما قول الشاعر: [من الكامل] 677 فأجبت قائل كيف أنت بصالح .... حتى مللت وملني عوادي

فليس من هذا القبيل، لأنه من حكاية الجمل، لا من حكاية المفرد، لأنه جواب للاستفهام، وجواب الاستفهام لا يكون إلا جملة. فـ (صالح) على هذا: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: فأجبت قائل: كيف أنت، بأنا صالح، ثم حذف المبتدأ وبقي خبره، على ما يستحقه من الرفع. ولا يجوز أن يقال: بـ (صالحا) كما لا يجوز أن يقال: (زيدا) لمن قال من في الدار؟ وإنما يقال زيد، بالرفع، لأنه مبتدأ محذوف الخبر. ويروى فأجبت قائل: كيف أنت؟ بصالح؛ بالجر؛ على قصد حكاية الاسم المفرد. كأنه قال: فأجبت قائل: كيف أنت؟ بهذه اللفظة.

التأنيث

التأنيث 758 - علامة التأنيث تاء أو ألف .... وفي أسام قدروا التا كالكتف 759 - ويعرف التقدير بالضمير .... ونحوه كالرد في التصغير 760 - ولا تلي فارقة فعولا .... أصلا ولا المفعال والمفعيلا 761 - كذاك مفعل وما تليه .... تا الفرق من ذي فشذوذ فيه 762 - ومن فعيل كقتيل إن تبع .... موصوفه غالبا التا تمتنع كل اسم فلا يخلو أن يكون موضوعا على التذكير أو التأنيث، والتذكير هو الأصل، فلذلك استغنى عن علامة، بخلاف التأنيث، فإنه فره فافتقر إلى علامة، وهي: تاء، أو ألف مقصورة أو ممدودة، والتاء أكثر استعمالا من الألف، فلذلك قد يستغنى بتقديرها في بعض الأسماء عن الإظهار، كما في نحو: يد وعين وكتف. ويستدل على تأنيث ما لا علاقة فيه بتأنيث الضمير العائد عليه، نحو: الكتف نهشتها، وبما أشبه ذلك، كالإشارة إليه بـ (ذي) وما في معناها، نحو: هذه كتف، وكتأنيث نعته وخبره، نحو: الكتف المشوية لذيذة، ويد زيد مبسوطة، وكتجريد عدده من التاء، نحو: [295] ثلاث أيد، وكرد التاء إليه في التصغير// كيدية. واعلم أن الأصل في الغرض من زيادة هذه التاء في الأسماء هو تمييز المؤنث من المذكر، وأكثر ما يكون ذلك في الصفات، نحو: مسلم ومسلمة، وظريف وظريفة. وهو في الأسماء قليل نحو: رجل ورجلة، وامرئ وامرأة، وغلام وغلامة، وإنسان وإنسانة.

وتكثر زيادة التاء، لتمييز الواحد من الجنس في المخلوقات، نحو: ثمر وثمرة، ونخل ونخلة، وشجر وشجرة. وقد تزاد لتمييز الجنس من الواحد، نحو: جبأة وجبء، وكمأة وكمء، ولتمييز الواحد من الجنس في المصنوعات، نحو: جر وجرة، ولبن ولبنة، وقلنس وقلنسوة، وسفين وسفينة، وللتعويض عن ياء النسب، نحو: أشعثي وأشاعثة، وأزرقي وأزارقة، ومهلبي ومهالبة، وللدلالة علي التعريب، نحو: كيلجة وكيالجة، وموزج وموازجة، وللمبالغة نحو: علامة ونسابة وراوية، ولتأكيد التأنيث، كنعجة، وللتعويض كزنادقة، وجحاجحة وعدة وزنة، والأصل زناديق وجحاجح ووعد ووزن. وقد تكون التاء لازمة فيما يشرك فيه المذكر والمؤنث كربعة، وفيما يختص بالمذكر أيضا كبهمة للشجاع. وقد لا تلحق التاء صفة المؤنث استغناء عنها، أو اتساعا. أما ما يستغني عن التاء فما كان من الصفات مختصا بالمؤنث، ولم يقصد به قصد فعله: من إفادة الحدوث، نحو: حائض وطامث، بمعنى ذات أهلية للحيض والطمث، دون تعرض لوجود الفعل. فلو قصد أنه تجدد لها الحيض أو الطمث في أحد الأزمنة؛ لحقت التاء. فقيل: حائضة وطامثة. وأما ما اتسع فيه فلم تلحقه التاء لتمييز مؤنثه من المذكر فيما كان من الصفات المشار إليها بقوله: ولا تلي فارقة فعولا .... .............. (الأبيات الثلاثة). وحاصلها: أن ما كان من الصفات على (فعول) بمعنى (فاعل) كصبور وشكور، أو على (مفعال) كمهذار، أو على (مفعيل) كمعطير، أو (مفعل) كمغشم، أو (فعيل) بمعنى (مفعول) غير مجرد عن الوصيفة كجريح وقتيل، فلا تلحقه التاء للفرق

بين التأنيث والتذكير إلا فيما شذ من نحو: عدو وعدوة، وميقان وميقانة، ومسكين ومسكينة. ومن العرب من يقول: امرأة مسكين على القياس، حكاه سيبويه. وتلحقه التاء للمبالغة، ولذلك تدخل على المذكر والمؤنث نحو: رجل ملولة وفروقة، وامرأة ملولة وفروقة، وقالوا: (رجل مقدامة) للبطل، ومغرابة للذي يغرب بماشيته عن الناس في المرعى. وإن كان (فعول) بمعنى (مفعول) فقد تلحقه التاء للتأنيث، ولذلك احترز منه بقوله: ولا تلي فارقة فعولا .... أصلا .............. أي: بمعنى (فاعل) لأنه أكثر من (فعول) بمعنى (مفعول)، فهو أصل له، وذلك نحو قولهم: ركوبة بمعنى مركوبة ورغوثة بمعنى مرغوثة، أي: مرضوعة. وإن كان (فعيل) بمعنى (مفعول) مجردا عن الوصفية يجري مجرى الأسماء في كونه غير جار على موصوف لحقته التاء: نحو: ذبيحة ونطيحة، وأكيلة السبع [296] ولا// تلحقه التاء إذا كان باقيا على الوصفية. ويفهم هذا كله من قوله: كذاك مفعل وما تليه .... .............. ومن قوله: ومن فعيل كقتيل ...... .... ............... (البيت). المراد بما تليه (فعيل) الذي كقتيل. وقد يشبه (فعيل) بمعنى (فاعل) بـ (فعيل) بمعنى (مفعول) كعظم رميم وامرأة قريب. وقد يشبه (فعيل) بمعنى (مفعول) بـ (فعيل) بمعنى (فاعل) كخصلة ذميمة، وفعلة حميدة. 763 - وألف التأنيث ذات قصر .... وذات مد نحو أنثى الغر 764 - والاشتهار في مباني الأولى .... يبديه وزن أربى والطولى 675 - ومرطى ووزن فعلى جمعا .... أو مصدرا أو صفة كشبعى

766 - وكحبارى سمهى سبطرى .... ذكرى وحثيثى مع الكفرى 767 - كذاك خليطى مع الشقارى .... واعز لغير هذه استندارا ألف التأنيث على ضربين: مقصورة وممدودة: فالمقصورة: نحو: حبلى وسكرى. والممدودة: نحو: غراء وحمراء. ولا يخلو الآخر من كل مقصور أو ممدود، أن يكون ألفا أصلية أو زائدة للتأنيث أو للإلحاق أو للتكثير. فإن لم يسبقها أكثر من أصلين فهي أصلية، كعصا، ورحى، وكساء، وبناء، وإن سبقها أكثر من أصلين فهي زائدة للتأنيث، إن منعت الاسم من الصرف، وإلا فهي زائدة للإلحاق، كعلقي: لنبت، وحبركى: للذي طال ظهره وقصرت رجلاه، وعلباء وقوباء، او للتكثير، كقبعثرى. ولألفي التأنيث أوزان يعرفان بها. فللمقصورة أوزان مشهورة، وأخر مستندرة. فمن أوزانها المشهورة: (فعلى) نحو: أربى للداهية، وأدمى وشعبى موضعان. و (فعلى) اسما كبهمى، أو صفة كحبلى والطولى، أو مصدرا كرجعى. و (فعلى) اسما: كبردى، أو مصدرا كمرطى، أو صفة محيدى. و (فعلى) جمعا كصرعى، أو مصدرا كدعوى، أو صفة كسكرى وشبعى، فإن كان (فعلى) اسما كأرطى وعلقى ففي ألفه وجهان.

ومنها (فعالى) كحبارى، وسمانى، و (فعلى) كسهمى وهو الباطل، و (فعلى) كسبطرى ودفقى لضربين من المشي، و (فعلى) مصدرا كذكرى، أو جمعا كظربى وحجلى، و (فعيلى) كحثيثى وخصيصى، و (فعلى) ككفرى: لوعاء الطلع، وحذرى وبذرى: من الحذر والتبذير، و (فعيلى) كخليطى للاختلاط، وقبيطى: للناطف، و (فعالى) كشقارى لنبت. ومنها ما لم ينبه عليه نحو: (فعنلى) مقرنبى، و (فوعلى) كخوزلى، و (فعلوى) كهرنوى: لنبت، و) فيعولى) مفيضوضى، و (فعلايا) كبرحايا، و (أفعلاوى) كأربعاوى: لضرب من مشي الأرنب، و (فعلوتى) كرهبوتى، و (فعللولى) كحندقوقى و (فعيلى) كهبيخى، و (يفعلى) كيهيرى، و (مفعلى) كمكورى: للعظيم الأرنبة، و (فعللى) كشفصلى، و (فعليا) كمرحيا، و (فعللايا) كبردرايا، و (فوعالى) كحولايا.

768 - لمدها فعلاء أفعلاء .... مثلث العين وفعللاء 769 - ثم فعالا فعللا فاعولا .... وفاعلاء فعليا مفعولا 770 - ومطلق العين فعالا وكذا .... مطلق فاء فعلاء أخذا لألف التأنيث الممدودة أوزان كثيرة: فمنها ما نبه عليه في هذه الأبيات، ومنها ما لم ينبه عليه. أما الأول. فوزن (فعلاء) اسما كصحراء، ومصدرا كرغباء. وجمعا في المعنى كطرفاء، وصفة (لأفعل) كحمراء، ولغيره كديمة هطلاء. ووزن (أفعلاء وأفعلاء وأفعلاء) كقولهم لليوم الرابع من أيام الأسبوع: أربعاء، وأربعاء، وأربعاء، وأربعاء أيضا جمع ربيع، وهو النهر الصغير، والأربعاء هو: عمود الخيمة. ووزن (فعللاء) كعقرباء: لمكان. و (فعالاء) كقصاصاء: للقصاص. و (فعللاء) كقرفصاء. ووزن (فاعولاء) كعاشوراء. ووزن (فاعلاء) كقاصعاء. ووزن (فعلياء) ككبرياء. ووزن (مفعولاء) كمشيوخاء. ووزن (فعالاء) كبراساء، يقال: ما أدري من أي البراساء هو؟ وأي البرنساء هو، أي: أي الناس هو؟ ووزن (فعيلاء) نحو: قريثاء وكريساء: نوعان من البسر. ووزن (فعولاء) كدبوقاء.

ووزن (فعلاء) كجنفاء: اسم مكان. ووزن (فعلاء) كسيراء. ووزن (فعلاء) كخيلاء. وأما الثاني فنحو: (فيعلاء) كديكساء: للقطيع من الغنم، (وتفعلاء) كتركضاء: لضرب من المشي، و (فعيلياء) كمزيقياء: اسم ملك باليمن، و (فعللاء) كسلحفاء، و (فعلياء) كزكرياء، و (فعيلاء) كخصيصاء)، و (فعاللاء) كجخادباء: لجرادة كبيرة خضراء.

المقصور والممدود

المقصور والممدود 771 - إذا اسم استوجب من قبل الطرف .... فتحا وكان ذا نظير كالأسف 772 - فلنظيره المعل الآخر .... ثبوت قصر بقياس ظاهر 773 - كفعل وفعل في جمع ما .... كفعلة وفعلة نحو الدمى 774 - وما استحق قبل آخر ألف .... فالمد في نظيره حتما عرف 775 - كمصدر الفعل الذي قد بدئا .... بهمز وصل كارعوى وكارتأى [298] // المقصور: هو الاسم المتمكن الذي حرف إعرابه ألف لازمة، نحو: الفتى والعصا والرحى، بخلاف نحو: إذا، ورأيت أخا زيد، مما ليس متمكنا، أو ألفه غير لازمة. والممدود: هو الاسم المتمكن، الذي آخره همزة بعد ألف زائدة، نحو: كساء ورداء وحمراء. بخلاف نحو: آء وشاء، مما ألفه بدل من أصل، لأنه لا يسمى ممدودا. والقصر في الأسماء على ضربين: قياسي وسماعي، وكذلك المد. فالقصر القياسي: في كل معتل، له نظير من الصحيح، مطرد فتح ما قبل آخره كمرى: جمع مرية، ومدى: جمع مدية، فإن نظيرهما من الصحيح قربة وقرب، وقربة وقرب، وكذا اسم المفعول مما زاد على ثلاثة أحرف، نحو: معطى ومقتنى، فإن نظيرهما من الصحيح مكرم ومحترم، وكذا مصدر فعل اللازم كعمي عمى، وجوي جوى، فإن نظيرهما من الصحيح: دنف دنفا، وأسف أسفا.

وأما المد القياسي: ففي كل معتل له نظير من الصحيح، مطرد زيادة ألف قبل آخره، كمصدر ما أوله همزة وصل، كارعوى ارعواء، وارتأى ارتئاء، واستقصى استقصاء، فإن نظائرها من الصحيح: انطلق انطلاقا، واقتدر اقتدارا، واستخرج استخراجا، وكذا مصدر (أفعل) نحو: أعطى إعطاء، فإن نظيره من الصحيح: أكرم إكراما، وكذا مصدر (فعل) دالا على صوت أو مرض، كالرغاء، والثغاء، والمشاء، فإن نظائرها من الصحيح: البغام والصراخ، والدوار. 776 - والعادم النظير ذا قصر وذا .... مد بنقل كالحجا وكالحذا 777 - وقصر ذي المد اضطرارا مجمع .... عليه والعكس بخلف يقع ما ليس له نظير اطرد فتح ما قبل آخره فقصره سماعي، وما ليس له نظير اطرد زيادة ألف قبل آخره فمده سماعي أيضا. فمن المقصور سماعا، الفتى: واحد الفتيان، والسنا: الضوء، والثرى: التراب، والحجا: العقل. ومن الممدود سماعا: الفتاء: حداثة السن، والسناء: الشرف، والثراء: كثرة المال، والحذاء: النعل. ولا خلاف في جواز قصر الممدود للضرورة، وإنما الخلاف في جواز مد المقصور فمنعه البصريون، وأجازه الكوفيون، محتجين بنحو قول الشاعر: [من الرجز] 678 - يا لك من تمر ومن شيشاء .... ينشب في المسعل واللهاء فمد للهاء اضطرارا، وهو واجب القصر، لأنه نظير: حصى وقطا.

[299] // كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا 778 - آخر مقصور تثني اجعله يا .... إن كان عن ثلاثة مرتقيا 779 - كذا الذي اليا أصله نحو الفتى .... والجامد الذي أميل كمتى 780 - في غير ذا تقلب واو الألف .... وأولها ما كان قبل قد ألف الاسم المتمكن: ينقسم إلى صحيح ومنقوص ومقصور وممدود. فإذا ثني الصحيح أو المنقوص لحقته العلامة من غير تغيير، كقولك في نحو غلام وجارية وقاض: غلامان وجاريتان وقاضيان. وإذا ثني المقصور وجب تغيير ألفه، فتقلب ياء إن كانت رابعة فصاعدا، أو كانت ثالثة، بدلا من الياء، أو جهل أصلها، وأميلت. فالرابعة: كقولك في نحو معطى ومغزى: معطيان ومغزيان، فتقلب الألف ياء، لكونها رابعة، وإن كانت واوا في الأصل، لأنهما من عطا يعطو وغزا يغزو؟ والثالثة المبدلة عن ياء: كقولك في نحو فتى ورحى: فتيان، ورحيان. والثالثة المجهولة الأصل التي أميلت ك (متى) فلو سمي به ثم ثني لقيل فيه (فتيان). وتقلب في التثنية ألف المقصور واوا، فيما لم تقلب فيه ياء، وذلك إذا كانت ألفه ثلاثة، بدلا من الواو، كقولك في قفا وعصا: قفوان وعصوان، أو مجهولة الأصل، ولم تمل ك (إلى) فلو سميت به ثم ثنيت، لقلت فيه: إلوان، وقوله: ............. .... وأولها ما كان قبل قد ألف يعني: من العلامة المذكورة في باب الإعراب للتثنية، وهي ألف ونون مكسورة في الرفع، وياء مفتوح ما قبلها، ونون مكسورة في الجر والنصب.

781 - وما كصحراء بواو ثنيا .... ونحو علياء كساء وحيا 782 - بواو او همز وغير ما ذكر .... صحح وما شذ على نقل قصر الممدود على أربعة أضرب: لأن همزته إما زائدة أو أصلية، والزائدة: إما للتأنيث، نحو: حمراء وصحراء، وإما للإلحاق، كعلباء وقوباء، والأصلية: إما بدل، نحو: كساء، ورداء، وحياء، وإما غير بدل، نحو: قراء ووضاء. فإذا ثني الممدود قلبت همزته واوا، إن كانت للتأنيث، نحو: حمراوان وصحراوان. فإن كانت للإلحاق، أو بدلا من أصل جاز القلب والإبقاء، والقلب في ذي الإلحاق أجود، والآخر بالعكس: فعلباوان وقوباوان، أجود من علباءان وقوباءان، ونحو: كساءان وحياءان، أجود من كساوان وحياوان. [300] وإن كانت همزة// الممدود أصلا غير بدل وجب فيها الإبقاء، نحو: قراءان ووضاءان، هذا هو المعروف في كلامهم. وربما قيل: قراروان وحمراءان وحمرايان. وربما حذفت هي والألف قبلها مما جاوز الخمسة، كقول بعضهم: قاصعان، والقياس: قاصعاوان. وربما حذفت ألف المقصور خامسة فصاعدا، ومن نحو قول بعضهم في: خوزلي، والقياس: خوزليان. وإلى هذا ونحوه أشار بقوله: ......... .... .... وما شذ على نقل قصر 783 - واحذف من المقصور في جمع .... حد المثنى ما به تكملا 784 - والفتح أبق مشعرا بما حذف .... وإن جمعته بتاء وألف 785 - فالألف اقلب فلبها في التثنيه .... وتاء ذى التا ألزمن تنحية الجمع الذي على حد المثنى هو جمع المذكر السالم. فإذا جمع الاسم هذا الجمع: فإن كان صحيحا أو ممدودا، فحكمه في لحاق علامة الجمع في لحاق علامة التثنية.

وإن كان منقوصًا حذفت آخره، وقلبت الكسرة التي قبله ضمة في الرفع، نحو: جاء القاضون، أصله: القاضيون، فاستثقلت الضمة على الياء المكسورة ما قبلها، فحذفت فالتقى ساكنان، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين وأبدلت الكسرة التي قبلها في الرفع ضمة، لتسلم الواو، فصار القاضون. وإن كان مقصورًا حذفت آخره، ووليت علامة الجمع الفتحة التي كانت قبل الآخر، لتدل على المحذوف، فيقال: جاء المصطفون ورأيت المصطفين، والأصل المصطفاون والمصطفاين، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، ووليت الواو والياء الفتحة، التي كانت قبل الألف، ولم يبدلوا الفتحة في نحو هذا بمجانس العلامة، كما فعلوا في المنقوص لخفة الفتحة. وعن الكوفيين: أن ما ألفه زائدة فحكمه حكم المنقوص، وأجازوا في جمع موسى: موسون وموسون، بناء على جواز كونه مفعلًا من: أوسيت رأسه: أي حلقته: وكونه فعلى من: ماس رأسه موسى إذا حلقه. وإذا جمع الاسم بالألف والتاء فحكمه في لحاق علامة الجمع به حكم ما لحقه علامة التثنية، إلا أن ما فيه هاء التأنيث تحذف منه عند تصحيح ما هي فيه، كقولك في نحو: مسلمة ومؤمنة: مسلمات ومؤمنات. فإن كان قبل تاء التأنيث همزة بعد ألف زائدة، جاز فيها القلب والإبقاء، إن كانت بدلًا من أصل، ووجب فيها التصحيح إن كانت أصلًا غير بدل، فتقول في نحو: نباءة: نباءات ونباوات، وفي نحو: وضاءة: وضاءات، بالتصحيح لا غير. وإن كانت قبل التاء ألف قلبت في الجمع بالألف // والتاء واوًا، إن كانت ثالثة، بدلًا منها، نحو: قطاة وقطوات، وياء إن كانت ثالثة بدلًا منها نحو: فتاة وفتيات، أو رابعة مطلقًا، نحو: معطاة ومعطيات. والسالم العين الثلاثي اسمًا أنل .... إتباع عين فاءه بما شكل إن ساكن العين مؤنثا بدا .... مختتما بالتاء أو مجردا وسكن التالي غير الفتح أو .... خففه بالفتح فكلا قد رووا ومنعوا اتباع نحو ذروه .... وزبية وشد كسر جروه ونادر أو ذو اضطرار غير ما .... قدمته أو لأناس انتمي إذا جمع بالألف والتاء الثلاثي الساكن العين: مؤنثًا بالهاء، أو مجردًا منها، فإن كان

أوله مفتوحًا وجب فتح عينه بشرط كونه اسمًا صحيح العين نحو: تمرة وتمرات، ودعد ودعدات. فلو كان صفة، أو معتل العين، ولو بالإدغام وجب بقاء السكون، نحو: صعبة وصعبات، وجوزة وجوزات، وبيضة وبيضات، وكرة وكرات. وإن كان أوله مكسورًا، أو مضمومًا جاز في عينه الإتباع لحركة الفاء والسكون والفتح، بشرط كونه اسمًا صحيح العين، وليست لامه واوًا بعد كسرة، ولا ياء بعد ضمة، وذلك نحو: سدرة وسدرات وسدرات وسدرات، وهند وهندات وهندات، وغرفة وغرفات وغرفات وغرفات، وجمل وجملات وجملات وجملات. فلو كان صفة تعين الإسكان، نحو: نضوة ونضوات، وكذا لو كان معتل العين، نحو: بيعة وبيعات، وعدة وعدات، وسومة وسومات، وعدة وعدات. ولو كانت لامه واوًا بعد كسرة كذروة، أو ياء بعد ضمة كزبية امتنع في الجمع الإتباع، وجاز الإسكان والفتح، نحو: ذروات، وذروات، وزبيات، وزبيات. وما جاء من هذا الباب على غير ما ذكر فنادرًا وضرورة، أو لغة قوم من العرب. فمن النادر قولهم: عبرة وعبرات، بالفتح، لأنه مثل: بيعة وبيعات، فحقه الإسكان لا غير، ومنه قول بعضهم: جروة وجروات، بالإتباع، لأنه نظير ذروة، فحقه الإسكان أو الفتح، ومنه قول بعضهم: كهلة وكهلات، بالفتح، لأنه نظير صعبة وصعبات، فحقه الإسكان، ليس إلا. ومن الضرورة قول الراجز: [من الرجز] عل صروف الدهر أو دولاتها .... يدللننا اللمة من لماتها // -فتستريح النفس من زفراتها والقياس من (زفراتها) إلا أنه سكن لإقامة الوزن. ومما جاء على لغة قوم من العرب فتح هذيل العين المعتلة من نحو: بيضة وجوزة، فيقولون: بيضات وجوزات، قال شاعرهم: [من الطويل] أخو بيضات رائح متأوب .... رفيق بمسح المنكبين سبوح

جمع التكسير

جمع التكسير أفعلة أفعل ثم فعله .... ثمت أفعال جموع قلة وبعض ذي بكثرة وضعا يفي .... كأرجل والعكس جاء كالصفي جمع التكسير على ضربيت: جمع قلة وجمع كثرة. فجمع القلة: مدلوله بطريق الحقيقة الثلاثة فما فوقها إلى العشرة. وجمع الكثرة: مدلوله بطريق الحقيقة ما فوق العشرة إلى غير نهاية. ويستعمل كل منهما في موضع الآخر مجازًا. وأمثلة جمع القلة أربعة: (أفعلة وأفعل وفعلة وأفعال) كأسلحة وأفلس وفتية وأفراس. وما سوى هذه الأربعة من أبنية التكسير فهو جمع كثرة، وقد يستغنى ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة، وبعض أبنية الكثرة عن بعض أبنية القلة. فالأول: كرجل وأرجل، وعنق وأعناق، وقتب وأقتاب، وفؤاد وأفئدة. والثاني: كصفاة وصفي، ورجل ورجال، وقلب وقلوب، وصرد وصردان. لفعل اسمًا صح عينًا أفعل .... وللرباعي اسمًا أيضًا يجعل إن كان كالعناق والذراع في .... مد وتأنيث وعد الأحرف (أفعل) لاسم على (فعل) صحيح العين، نحو: كلب وأكلب، وكعب، وأكعب، وظبي وأظب، ودلو وأدل. وقالوا: عبد وأعبد، وإن كان صفة لغلبة الاسمية، وشذ نحو: عين وأعين، وثوب وأثوب.

و (أفعل) أيضًا لاسم مؤنث رباعي بمدة قبل آخره، كعناق وأعنق، وذراع وأذرع، وعقاب وأعقب، ويمين وأيمن. وشذ من المذكر نحو: شهاب وأشهب، وغراب وأغرب. وغير ما أفعل فيه مطرد .... من الثلاثي اسمًا بأفعال ترد وغالبًا أغناهم فعلان .... في فعل كقولهم صردان // - (أفعال): لكل اسم ثلاثي، ليس على (فعل) مما هو صحيح العين، ولا على (فعل) وذلك نحو: ثوب وأثواب، وسيف وأسياف، وجمل وأجمال، ونمر وأنمار، وعضد وأعضاد، وحمل وأحمال، وعنب وأعناب، وإبل وآبال، وقفل وأقفال، وطنب وأطناب. فأما (فعل) مما هو صحيح العين فجمعه على (أفعال) شاذ نحو: فرخ وأفراخ، وزند وأزناد. وأما (فعل) فجاء بعضه على (أفعال) كرطب وأرطاب، والغالب مجيئه على (فعلان) نحو: صرد وصردان، ونغر ونغران. في اسم مذكر رباعي بمد .... ثالث أفعلة عنهم اطرد والزمة في فعال أو فعال .... مصاحبي تضعيف أو إعلال (أفعلة) لاسم مذكر رباعي بمدة قبل آخره، نحو قذال وأقذلة، وطعام وأطعمة، وحمار وأحمرة، وغراب وأغربة، ورغيف وأرغفة، وعمود وأعمدة. والتزم (أفعلة) في (فعال) و (فعال) من المضاعف أو المعتل، فلم يجمع على غيره، فالمضاعف نحو: بتات وأبتة، وزمام وأزمة، وإمام وأئمة. والمعتل نحو: قباء وأقبية، وقناء وأقنية، وإناء وآنية.

فعل لنحو أحمر وحمرا .... وفعلة جمعًا بنقل يدرى من أمثلة جمع الكثرة: (فعل) وهو مطرد في كل وصف على (أفعل) مقابل (فعلاء) أو على (فعلاء) مقابل (أفعل) تحقيقًا، نحو: أحمر وحمر وحمراء وحمر، أوتقديرًا، كأكمر وكمر، وآلي وألي، وعفلاء وعفل، وعجزاء وعجز. ومن أمثلة القلة: (فعلة) ولم يطرد في شيء من الأبنية، وإنما هو محفوظ في نحو: ولد وولدة، وفتى وفتية، وشيخ وشيخة، وثور وثيرة، وغلام وغلمة، وشجاع وشجعة، وغزال وغزلة، وصبي وصبية، وخصي وخصية، وثني وثنية، والثني: هو الثاني في السيادة. وفعل لاسم رباعي بمد .... قد زيد لام اعلالًا فقد ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف .... وفعل جمعًا لفعلة عرف ونحو كبرى ولفعلة فعل .... وقد يجيء جمعه على فعل من أمثلة جمع الكثرة (فعل) وهو مطرد في كل اسم رباعي بمدة قبل آخره، بشرط كونه صحيح اللام، وغير مضاعف أيضًا، إن كانت المدة ألفًا، ولا فرق في ذلك بين المذكر والمؤنث، وذلك نحو: قذال وقذل، وأتان وأتن، وحمار وحمر، وذراع وذرع، وقراد وقرد، // وكراع وكرع، وقضيب وقضب، وعمود وعمد، وقلوص وقلص. وأما المضاعف: فإن كانت مدته ألفًا فجمعه على (فعل) نادر، نحو: عنان وعنن، وحجاج وحجج، وإن كانت مدته غير ألف فـ (فعل) فيه مطرد، نحو: سرير وسرر، وذلول وذلل. واطرد (فعل) أيضًا في (فعول) بمعنى فاعل، نحو: صبور وصبر، وفتول وفتل، وغفور وغفر.

وما جاء على (فعل) من غير ما ذكر فمحفوظ، نحو: نمر ونمر، وخشن وخشن، ونذير ونذر، وصحيفة وصحف. ومن أمثلة جمع الكثرة (فعل) وهو لاسم على (فعلة) و (للفعلى) أنثى الأفعل. فالأول نحو: قربة وقرب، وغرفة وغرف. والثاني: كالكبرى والكبر، والصغرى والصغر. وشذ نحو: بهمة وبهم، ورؤيا ورؤى، ونوبة ونوب، وقرية وقرى، ولحية ولحى، وحلية وحلى. وإلى ذلك الإشارة بقوله: ...................... .... وقد يجيء جمعه على فعل وشذ أيضًا نحو: تخمة وتخم، بخلاف نحو: رطبة ورطب، مما لم يلزم التأنيث. ومن أمثلة جمع الكثرة (فعل) وهو لاسم على (فعلة) نحو: كسرة وكسر، وحجة وحجج، ومرية ومرى. ويحفظ (فعل) في سوى ما ذكر نحو: حاجة وحوج، وذكرى وذكر، وقصعة وقصع، وذربة وذرب، وهدمة وهدم، والهدم: الثوب الخلق. في نحو رام ذو اطراد فعله .... وشاع نحو كامل وكمله من أمثلة جمع الكثرة (فعلة): وهو مطرد في كل وصف على (فاعل) معتل اللام لمذكر عاقل، كرام ورماة، وقاض وقضاة. ومنها (فعلة): وهو مطرد في كل وصف على (فاعل) صحيح اللام لمذكر عاقل نحو: كامل وكملة، وسافر وسفرة، وبار وبررة، وساحر وسحرة. وقد استغنى عن القيود المذكورة بالتمثيل بـ (رام) و (كامل). فعلى لوصف كقتيل وزمن .... وهالك وميت به قمن من أمثلة جمع الكثرة (فعلى) وهو لوصف على (فعيل) بمعنى (مفعول) دال على هلك أوتوجع، كقتيل وقتلى، وجريح وجرحى، وأسير وأسرى، ويحمل عليه ما أشبهه في المعنى، من (فعيل) بمعنى (فاعل) كمريض ومرضى، ومن (فعل) كزمن، وزمني، و (فاعل) نحو: هالك وهلكى، و (فعيل) كميت وموتى، و (أفعل وفعلان) نحو: أحمق وحمقى، وسكران وسكرى.

805 - لفعل اسمًا صح لامًا فعله .... والوضع في فعل وفعل قلله من أمثلة جمع الكثرة (فعلة): وهو لفعل: اسمًا صحيح اللام نحو: قرط وقرطة، ودرج ودرجة، وكوز وكوزة، ودب ودببة. ويحفظ في كل اسم على (فعل أو فعل). فالأول نحو: قرد // وقردة. والثاني نحو: غرد وغردة. كما يحفظ في غير ذلك، كقولهم لضد الأنثى: ذكر وذكرة، وقولهم: هادر وهدرة. وفعل لفاعل وفاعله .... وصفين نحو عاذل وعاذله ومثله الفعال فيما ذكرا .... وذان في المعل لاما ندرا من أمثلة جمع الكثرة (فعل): وهو مقيس في وصف صحيح اللام على (فاعل) أو (فاعلة) نحو: ضارب وضرب وضاربة وضرب، وصائم وصوم وصائمة وصوم. ومنها (فعال): وهو مقيس في وصف صحيح اللام على (فاعل) نحو: صائم وصوام، وقائم وقوام. وندر في (فاعلة) كقول الشاعر: [من البسيط] أبصارهن إلى الشبان مائلة .... وقد أراهن عني غير صداد يعني جمع صادة. وندر أيضًا (فعل وفعال) في المعتل اللام من (فاعل أو فاعلة) نحو: غاز وغزى، وعاف وعفى، وقالوا: غزاء في جمع غاز، وسراء في جمع سار. وندر أيضًا نحو: خريدة وخرد، ونفساء ونفس، ورجل أعزل ورجال عزل. فعل وفعلة فعال لهما .... وقل فيما عينه اليا منهما وفعل أيضًا له فعال .... ما لم يكن في لامه اعتلال

810 - أو يك مضعفا ومثل فعل .... ذو التا وفعل مع فعل فاقبل وفي فعيل وصف فاعل ورد .... كذاك في أنثاه أيضًا اطرد وشاع في وصف على فعلانًا .... أو انثييه أو على فعلانا ومثله فعلانة والزمة في .... نحو طويل وطويلة تفي من أمثلة جمع الكثرة (فعال): وهو مطرد في كل (فعل وفعلة) اسمين كانا أو وصفين، نحو: كعب وكعاب، وثوب وثياب، وصعب وصعاب، وقصعة وقصاع، وخدلة وخدال. وقل فيما عينه ياء نحو: ضيف وضياف، وكذا فيما فاؤه ياء، نحو: يعر ويعار. و (فعال) أيضًا مطرد في (فعل وفعلة) ما لم تعتل لامهما، أو يضاعفا، وذلك نحو جبل وجبال، وجمل وجمال، ورقبة ورقاب، وثمرة وثمار. وفي (فعل وفعل) نحو: ذئب وذئاب، وقدح وقداح، ودهن // ودهان، ورمح ورماح. وفي (فعيل) بمعنى (فاعل) وفي مؤنثه كظراف، وكرام، في جمع: ظريف وظريفة، وكريم وكريمة. وكثر (فعال) في (فعلان) وصفًا، وفي أنثييه وهما (فعلى وفعلانة) وفي (فعلان) وصفًا، وفي أنثاه، وذلك نحو: غضاب، وندام، وخماص، في جمع: غضبان وغضبى، وندمان وندمانة، وخمصان وخمصانة. ولم يجاور (فعال) إلى غيره فيما عينه واو ولامه صحيحة من (فعيل وفعيلة) وصفين، نحو: طوال في جمع طويل وطويلة. ويحفظ في نحو: قائم، وراع، وآم، وقائمة، وراعية، وأعجف، وجواد، وخير، وقلوص، وبطحاء. وبفعول فعل نحو كبد .... يخص غالبًا كذاك يطرد في فعل اسمًا مطلق الفا وفعل .... له وللفعال فعلان حصل

وشاع في حوت وقاع مع ما .... ضاهاهما وقل في غيرهما من أمثلة جمع الكثرة (فعول): وهو مطرد في كل اسم ثلاثي على (فعل) نحو: كبد وكبود، ونمر ونمور، ووعل ووعول، ولا يكادون يتجاوزون في الكثرة جمع (فعل) على (فعول) إلى جمعه على (فعال). فإن جاء منه شيء عد نادرًا. واطرد (فعول) أيضًا في اسم على (فعل أو فعل أو فعل) نحو: كعب وكعوب، وقلس وقلوس، وحمل وحمول، وضرس وضروس، وجند وجنود، وبرد وبرود. فإن كان (فعل) مضاعفًا، أو معتل العين أو اللام لم يجمع على (فعول) إلا ما ندر من نحو: خص وخصوص، ونؤي ونئي ونئي. ويحفظ (فعول) في (فعل)، ولذلك قال: ............... وفعل .... له ..................... يعني له (فعول) ولم يقيده باطراد، فعلم أنه محفوظ فيه، وذلك نحو: أسد، وأسود، وشجن، وشجون، وندب وندوب، وذكر وذكور، وساق وسؤوق، ويحفظ أيضًا في نحو: شاهد، وصال، وباك، فيقال: شهود، وصلي، وبكي. ومن أبنية جمع الكثرة (فعلان): وهو مطرد في كل اسم على (فعال) كغلام وغلمان، وغراب وغربان، أو على (فعل) كما تقدم التنبيه عليه قبل ذلك، وذلك نحو: صرد وصردان، ونغر ونغران، وجرذ وجرذان. ويطرد (فعلان) أيضًا في جمع ما عينه واومن (فعل أو فعل) نحو: عود وعيدان، وكوز وكيزان، ونون ونينان، وتاج وتيجان، وخال وخيلان، وقاع وقيعان. وقل (فعلان) في غير ما ذكر، فقالوا: خرب وخربان، وأخ وإخوان، وغزال وغزلان، وصنو وصنوان، وصوار وصيران، وظليم وظلمان، وخروف وخرفان، وحائط وحيطان، وقنو وقنوان. فهذه وأمثالها مما يحفظ، ولا يقاس عليه. //

وفعلًا اسمًا وفعيلًا وفعل .... غير معل العين فعلان شمل من أبنية جمع الكثرة (فعلان): وهو مقيس في كل اسم على (فعل أو فعيل أو فعل) صحيح العين، نحو ظهر وظهران، وبطن وبطنان، وخشن وخشنان، وقضيب وقضبان، وكثيب وكثبان، ورغيف ورغفان، وذكر وذكران، وجذع وجذعان، وجمل وجملان. وقل في (فاعل) كراكب وركبان، وفي (أفعل) كأسود وسودان، وأعمى وعميان، وفي (فعال) كزقاق وزقان. وحكى سيبويه عن بعضهم: حوار وحوران، وأكثرهم يقولون: حوار وحيران وقال قوم: حوار بالكسر ولا يتجاوزون في بناء الكثرة (فعلانًا). ولكريم وبخيل فعلا .... كذا لما ضاهاهما قد جعلا وناب عنه أفعلاء في المعل .... لامًا ومضعف وغير ذاك قل من أبنية جمع الكثرة (فعلاء): وهو مقيس في (فعيل) صفة لمذكر عاقل، بمعنى (فاعل) غير مضاعف، ولا معتل اللام، نحو: ظريف وظرفاء، وكريم وكرماء. وكثر فيما دل على مدح، كعاقل وعقلاء، وصالح وصلحاء، وشاعر وشعراء، وإلى ذا الإشارة بقوله: ......................... .... لما ضاهاهما ............. 0 يعني: أن نحو عاقل وصالح وشاعر، مشابه لنحو: بخيل، وكريم في الدلالة على معنى هو كالغريزة، فهو كالنائب عن (فعيل) فلهذا جرى مجراه. ويحفظ (فعلاء) في نحو: جبان وجبناء، وخليفة وخلفاء، وسمح وسمحاء، وودود وودداء، ورسول ورسلاء. ومن أبنية جمع الكثرة (أفعلاء): وينوب عن (فعلاء) في المضاعف والمعتل نحو: شديد وأشداء، وولي وأولياء، وغني وأغنياء. ونبه بقوله: ......................... .... .............. وغير ذاك قل

على نحو: نصيب وأنصباء، وصديق وأصدقاء، وهين وأهوناء؟ وما أشبه ذلك. فواعل لفوعل وفاعل .... وفاعلاء مع نحو كاهل وحائض وصاهل وفاعلة .... وشذ في الفارس مع ما ماثله من أبنية جمع الكثرة (فواعل): وهو لاسم على (فوعل) نحو: جوهر وجواهر، وكوثر وكواثر، أو على (فاعل) نحو: طابع وطوابع، وقالب وقوالب، أو على (فاعلاء) نحو: قاصعاء وقواصع، وراهطاء ورواهط، أو على (فاعل) نحو: كاهل وكواهل، وجائز وجوائز، و (فواعل) أيضًا لوصف على (فاعل) إن كان لمؤنث عاقل نحو: حائض وحوائض، وطامث وطوامث، // أو لمذكر مما لا يعقل نحو: صاهل وصواهل، وناعق ونواعق. فإن كان الوصف على (فاعل) لمذكر عاقل لم يجمع على (فواعل) إلا ما شذ من نحو قولهم: فارس وفوارس، وسابق وسوابق، وناكس ونواكس، وداجن ودواجن. و (فواعل) أيضًا لـ (فاعلة) مطلقًا نحو صاحبة وصواحب، وفاطمة وفواطم، وناصية ونواص. ولم يجيء (فواعل) لغير ما ذكر، إلا فيما شذ نحو: حاجة وحوائج، ودخان ودواخن. وبفعائل اجمعن فعاله .... وشبهه ذا تاء أو مزاله من أبنية جمع الكثرة (فعائل): وهو لكل رباعي بمدة قبل آخره، مؤنثًا بالتاء نحو: سحابة وسحائب، ورسالة ورسائل، وكناسة وكنائس، وصحيفة وصحائف، وحلوبة وحلائب. أو مجردًا منها نحو: شمال وشمائل، وعقاب وعقائب، وعجوز وعجائز. وهو من (فعيل) عزيز، ولا يكاد يعثر عليه.

وبالفعالي والفعالى جمعا .... صحراء والعذراء والقيس اتبعا من أبنية الكثرة: (فعال وفعالى) فـ (فعال) مختص بنحو: موماة وموام، وسعلاة وسعال. وربما كان لاسم على (فعلية) أو (فعلوة) نحو: هبرية وهبار، وعرقوة وعراق، وربما حذف أول زائديه، من نحو: حبنطى وحباط، وقلنسوة وقلاس. فلو حذف ثاني الزائدين جاء على مثال (فعالل) نحو: حبانط، وقلانس. ويشترك (فعال وفعالى) فما كان على فعلاء اسمًا: كصحراء وصحار وصحارى، أو صفة: كعذراء وعذار وعذارى. وكذلك يشترك (فعال وفعالى) فيما آخره ألف مقصورة للتأنيث، أو للإلحاق نحو: حبلى وحبال وحبالى، وذفرى وذفار وذفارى. واجعل فعالي لغير ذي نسب .... جدد كالكرسي تتبع العرب من أبنية جمع الكثرة (فعالي): وهو لكل ثلاثي آخره ياء مشدودة، غير متجددة للنسب نحو: كرسي وكراسي، وبردي وبرادي، ولا يقال بصري وبصاري. فعلى هذا (أناسي) ليس جمعًا لإنسي، وإنما هو جمع إنسان، وأصله (أناسين) فأبدلت النون ياء، كما قالوا: ظربان وظرابي. ومن العرب من يقول أناسين، وظرابين، على الأصل. ولو كان (أناسي) جمع إنسي لقيل في نحو: جني، وتركي: جناني، وتراكي. وهذا لا يقوله أحد. وبفعائل وشبهه انطقا .... في جمع ما فوق الثلاثة ارتقى // -من غير ما مضى ومن خماسي .... جرد الآخر أنف بالقياس

والرابع الشبيه بالمزيد قد .... يحذف دون ما به تم العدد وزائد العادي الرباعي احذفه ما .... لم يك لينا إثره اللذ ختما من أمثلة جمع الكثرة (فعالل) وشبهه: وهو كل جمع ثالثه ألف بعدها حرفان، فـ (فعالل) يجمع عليه كل رباعي مجرد، كجعفر وجعافر، وزبرج وزبارج، وبرثن وبراثن. وأما شبه (فعالل) فيجمع عليه كل رباعي بزيادة الإلحاق كجوهر وجواهر، وصيرف وصيارف، وعلقى وعلاق، أو لغير الإلحاق، إن لم يكن ما هي فيه من باب الكبرى والصغرى، ولا من باب أحمر وحمراء، وسكرى، ولا من باب ساحر، ورام، وصائم، مما تقدم التنبيه على مثال جمعه، ولم يذكر أنه جمع على شبه (فعالل) وذلك نحو: مسجد ومساجد، وإصبع وأصابع، وسلم وسلالم. وأما الخماسي: فإن كان مجردًا جمع في القياس على (فعالل) بحذف آخره، نحو: سفرجل وسفارج، ويجوز حذف رابعه إن كان مما يزاد، كنون (خدرنق) أو من مخرج ما يزاد، كدال (فرزدق) فلك أن تقول: خدارق، وفرازق، والأجود خدارن، وفرازد. وإن كان الخماسي مزيدًا فيه حرف حذف، ما لم يكن حرف مد قبل الآخر، وذلك نحو: سبطرى وسباطر، وفدوكس وفداكس، ومدحرج ودحارج. وما قبل آخره حرف مد يجمع على (فعاليل) نحو: قرطاس وقراطيس، وقنديل وقناديل، وعصفور وعصافير. وإلى ذا الإشارة بقوله: ................. ما .... لم يك لينا إثره اللذ ختما والسين والتا من كمستدع أزل .... إذ ببنا الجمع بقاهما مخل والميم أولى من سواه بالبقا .... والهمز واليا مثله إن سبقا والياء لا الواو احذف إن جمعت ما ... كحيزبون فهو حكم حتما وخيروا في زائدي سرندي .... وكل ما ضاهاه كالعلندى

نهاية ما يرتقي إليه بناء الجمع أن يكون على مثال (فعالل أو فعاليل). فإذا كان في الاسم من الزوائد ما يخل بقاؤه بأحد المثالين حذف، فإن تأتي بحذف بعض، وإبقاء بعض أبقى ما له مزية، فإن ثبت التكافؤ فالحاذف مخير: فعلى هذا تقول في جمع (مستدع): مداع، فتحذف السين والتاء، وتبقي الميم، لأنها مصدرة ومتجددة، للدلالة على معنى. وتقول// في ألندد ويلندد: ألاد ويلاد، فتحذف النون، وتبقي الهمزة من ألندد والياء من يلندد لتصدرهما ولأنهما في موضع يقعان فيه دالين على معنى. بخلاف النون، فإنها في موضع لا تدل على معنى أصلًا. وإلى هذه المسألة الإشارة بقوله: ........................ .... والهمز واليا مثله إن سبقا وتقول في (استخراج): تخاريج، فتؤثر التاء بالبقاء على السين، لأن بقاءها لا يخرج إلى عدم النظير، لأن تخاريج كتماثيل بخلاف السين، فإن بقاءها مع حذف التاء يخرج إلى عدم النظير، لأن (سفاعيل) ليس في كلام العرب. وتقول في (حيزبون) حزابين، فحذفت الياء، وأبقيت الواو، فقلبت ياء، لسكونها، وانكسار ما قبلها، وأوثرت الواو بالبقاء؛ لأنها لو حذفت لم يغن حذفها عن حذف الياء لأن بقاء الياء مفوت لصيغة منتهى الجموع. وتقول في نحو (نيدلان) وهو الكابوس: ندالين بحذف الياء، وقلب الألف على ما تقدم. وتقول في نحو (حطائط) حطئط، فتحذف الألف وتبقي الهمزة، لأن لها مزية على الألف بالتحريك. وتقول في (مرمريس) مراريس: بحذف الميم وإبقاء الراء، لأن بقاءها لا يوهم الأصلية بخلاف الميم، لأنه لو قيل في جمعه: مراييس لظن أنه (فعاليل) لا (فعافيل). ولو لم يكن لأحد الزائدين مزية فالحاذف مخير، فتقول في نحو (حبنطى) حبانط بحذف الألف، وحباط بحذف النون. وتقول في (كوالل) كوائل بحذف اللام وإبقاء الواو،

ولك أن تقول (كالل) بحذف الواو، لأنهما زائدتان زيدتا معًا للإلحاق، وكل منهما متحرك، وليس في تخصيصه بالحذف ضرر. وهكذا (علندي) ونحوه، تقول فيه: علاند، وإن شئت: علاد. ولو كان أحد الزائدين مماثلًا للأصل، والآخر بخلاف ذلك أوثر مماثل الأصل بالبقاء كقولك في (عفنجج) عفاجج دون عفانج. ولو كان غير مماثل الأصل ميمًا مصدرة أوثر عند سيبويه بالبقاء، فتقول في (مقعنسس) مقاعس. وخالف المبرد: فحذف الميم وأبقى السين لأنها بإزاء أصل، فقال: قعاسس.

التصغير

التصغير فعيلًا اجعل الثلاثي إذا .... صغرته نحو قذي في قذى فعيعل مع فعيعيل لما .... فاق كجعل درهم دريهما وما به لمنتهى الجمع وصل .... به إلى أمثلة التصغير صل وجائز تعويض يا قبل الطرف .... إن كان بعض الاسم فيهما انحذف // -وحائد عن القياس كل ما .... خالف في البابين حكمًا رسما كل اسم متمكن قصد تصغيره، فلا بد من ضم أوله وفتح ثانيه وزيادة ياء ساكنة بعده، فإن كان ثلاثيًّا لم يغير بأكثر من ذلك. وإن كان رباعيًّا فصاعدًا كسر ما بعد الياء، فيجيء مثال التصغير على فعيل كقولك في فلس: فليس، وفي قذى: قذي، وعلى فعيعل كقولك في جعفر: جعيفر، وفي درهم: دريهم، وعلى فعيعيل كقولك في عصفور: عصيفير. ويتوصل في التصغير إلى فعيعل وفعيعيل بما يتوصل به في التكسير إلى فعالل وفعاليل فيقال في تصغير نحو: سفرجل ومستدع وألندد واستخراج وحيزبون: سفيرح ومديع وأليد وتخيريج وحزيبين، فتحذف في التصغير نفس ما حذفت في الجمع. وتقول في حبنطى: حبيط، وإن شئت: حبينط. ويجوز أن يعوض مما حذف في التصغير أو التكسير بياء قبل الآخر، فيقال في سفرجل: سفيريج وسفاريج، وفي حبنطى: حبينيط وحبانيط.

وقد يجيء التصغير والتكسير على غير بناء واحده فيحفظ ولا يقاس عليه، وإلى ذلك الإشارة بقوله: وحائد عن القياس كل ما .... خالف في البابين حكمًا رسمًا فمما خولف به القياس في التصغير قولهم في المغرب: مغيربان، وفي العشاء: عشيان، وفي عشية: عشيشية، وفي إنسان: أنيسيان، وفي بنون: أبينون، وفي ليلة: لييلية، وفي رجل: رويجل، وفي صبية: أصبية، وفي غلمة: أغيلمة. ومما خولف به القياس في التكسير، فجاء على غير لفظ واحده قولهم: رهط وأراهط، وباطل وأباطيل، وكراع وأكارع، وحديث وأحاديث، وعروض وأعاريض، وقطيع وأقاطيع، ومكان وأمكن، فهذا وأمثاله لا يقاس عليه. لتلو يا التصغير من قبل علم .... تأنيث أو مدته الفتح انحتم كذاك ما مدة أفعال سبق .... أو مد سكران وما به التحق إن كان ما بعد ياء التصغير حرف إعراب جرى بمقتضى العوامل، وإن لم يكن حرف إعراب وجب كسره إن لم تله تاء التأنيث أو ألفه المقصورة أو الممدودة أو ألف (أفعال) جمعًا. وعلى هذا نبه بقوله: ................... سبق .... ........................... أو ألف (فعلان) الذي مؤنثه (فعلى). فإن وليه شيء من ذلك وجب فتحه، فيقال في نحو: تمرة وحبلى وحمراء وأجمال وسكران: تميرة وحبيلى وحميراء وأجيمال وسكيران، وتقول في نحو سرحان: سريحين، كقولهم في الجمع: سراحين، ولم يقولوا: سكيرين لأنهم لم يقولوا في الجمع: سكارين. // وألف التأنيث حيث مدا .... وتاؤه منفصلين عدا كذا المزيد آخرًا للنسب .... وعجز المضاف والمركب وهكذا زيادتا فعلانا .... من بعد أربع كزعفرانا وقدر انفصال ما دل على .... تثنية أو جمع تصحيح جلا

لا يعتد في التصغير بألف التأنيث الممدودة، فلا يضر بقاؤها مفصولة عن ياء التصغير بأصلين، كقولك في جخدباء، جخيدباء، لأنها بمنزلة كلمة منفصلة. ومثل ألف التأنيث الممدودة في ذلك تاء التأنيث وزيادة النسب وعجز المركب، والألف والنون المزيدتان بعد أربعة فصاعدًا، وعلامة التثنية وعلامة جمع التصحيح، فيقال في نحو حنظلة وعبقري وبعلبك وزعفران ومسلمين ومسلمات: حنيظلة وعبيقري وبعيلبك وزعيفران ومسيلمين ومسيلمات. وألف التأنيث ذو القصر متى .... زاد على أربعة لن يثبتا وعند تصغير حبارى خير .... بين الحبيى فادر والحبير ألف التأنيث المقصورة أبعد عن تقدير الانفصال من الممدودة، لعدم إمكان استقلال النطق بها، فلذلك تحذف في التصغير ألف التأنيث المقصورة، خامسة فصاعدًا، فإن بقاءها يخرج البناء عن مثال (فعيعل وفعيعيل) وذلك قولك في نحو: قرقرى ولغيزى: قريقر ولغيغيز. فإن كانت خامسة، وقبلها مدة زائدة جاز حذف المدة وإبقاء ألف التأنيث، وجاز عكسه، كقولهم في حبارى: حبيري وحبير. وأردد لأصل ثانيًا لينا قلب .... فقيمة صير قويمة تصب وشذ في عيد عييد وحتم .... للجمع من ذا ما لتصغير علم والألف الثاني المزيد يجعل .... واوًا كذا من الأصل فيه يجهل يرد إلى أصله في التصغير ما كان ثانيًا من حرف لين مبدل من غير همزة تلي همزة كآدم، فيقال في قيمة وديمة: قويمة ودويمة، لأنهما من القوام والدوام، ويقال في نحو: موقن وموسر: مييقن ومييسر، لأنهما من اليقين واليسر. وقالوا في عيد: عييد، وكان // القياس: عويد لأنه من عاد يعود، ولكن قالوا: عييد، فلم يردوه إلى الأصل حملًا على قولهم في الجمع: أعياد. وما ثانيه ألف: فإن كانت بدل غير همزة ردت إليه كقولك في نحو: باب: بويب، وفي ناب: نييب.

وإن كانت زائدة أو بدل همزة قلبت واوًا، كقولك في ضارب: ضويرب، وآدم: أويدم، وكذا إن كانت الألف مجهولة الأصل، نحو: صاب وصويب، وعاج وعويج، والتكسير جار فيما ذكرنا مجرى التصغير، وذلك قولك: باب وأبواب، وناب وأنياب، وضاربة وضوارب، وآدم وأوادم. وكمل المنقوص في التصغير ما .... لم يحو غير التاء ثالثًا كما يصغر ما حذف منه أصل: إن كان متحركًا ثنائيًّا مجردًا أو مؤنثًا بالتاء، برد المحذوف، فيقال في نحو: دم ويد: دمي ويدية، وفي شفة وسنة وعدة: شفيهة وسنية ووعيدة، وفي عضة: عضية وعضيهة. ولو كان المنقوص على ثلاثة أحرف بغير تاء التأنيث صغر على لفظه، تقول: هذا شاك السلاح، فإذا صغرته قلت: هذا شويك، ولا ترد المحذوف، لأن مثال: فعيل ممكن بدونه، فلم يحتج إلى الرد بخلاف ما هو على حرفين. فلو سميت بـ (ماء) ثم صغرته، قلت: موي، بتكميل مثال فعيل. وإلى هذا الإشارة بقوله: ...................... .... .................... كما ومن بترخيم يصغر اكتفى .... بالأصل كالعطيف يعني المعطفا من التصغير نوع يسمى تصغير الترخيم: وهو تصغير الاسم بتجريده من الزوائد، فإن كانت أصوله ثلاثة رد إلى (فعيل) وإن كانت أصوله أربعة رد إلى (فعيعل). وإن كانت الأصول ثلاثة، والمسمى مؤنث لحقت التاء، فيقال في المعطف: عطيف، وفي أسود وحامد ومحمود: سويد وحميد، ويقال في قرطاس وعصفور: قريطس وعصيفر، ويقال في سوداء وحبلى: سويدة وحبيلة، ويقال في إبراهيم وإسماعيل: برية وسميع، نص على ذلك سيبويه رحمه الله. واختم بتا التأنيث ما صغرت من .... مؤنث عار ثلاثي كسن ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس .... كشجر وبقر وخمس وشذ ترك دون لبس وندر .... لحاق تا فيما ثلاثيًّا كثر

إذا كان الاسم المؤنث العاري من علامة التأنيث ثلاثيًّا في الحال كدار وسن، أو في // الأصل كيد صغر بلحاق التاء فقيل: دويرة وسنينة ويدية. ولا يستغنى عن هذه التاء في غير شذوذ إلا عند خوف اللبس. فمما شذ قولهم: ذود وذويد، وحرب وحريب، وقوس وقويس، وعرب وعريب، ودرع ودريع، ونعل ونعيل. ومما ترك تأنيثه خوف اللبس قولك: شجر وشجير، وبقر وبقير. فهذا وأمثاله لا تلحقه التاء في التصغير لئلا يلبس بغيره، فإنك لو قلت: شجيرة وبقيرة وخميسة لظن أنها تصغير شجرة وبقرة وخمسة، المعدود به مذكر. وكما شذ عدم التاء في تصغير الثلاثي من نحو: درع، وحرب، كذلك شذ لحاق التاء في بعض ما زاد على الثلاثة، وذلك قولهم: وراء ووريئة، وأمام وأميمة، وقدام وقديديمة. وإلى ذلك أشار بقوله: ................... ونذر .... لحاق تا فيما ثلاثيًّا كثر أي: فاقه في الكثرة. وصغروا شذوذًا الذي التي .... وذا مع الفروع منها تا وتي التصغير: من جملة التصاريف في الاسم، فلا يدخل على غير المتمكن منها، إلا (ذا والذي) وفروعهما، فإنها لما شابهت الأسماء المتمكنة بكونها: توصف ويوصف بها استبيح تصغيرها لكن على وجه خولف به تصغير المتمكن، وترك أولها على ما كان عليه قبل التصغير، وعوض من ضمه ألف فريدة في الآخر، ووافقت المتمكن في زيادة ياء ساكنة، فقيل في (الذي والتي): اللذيا واللتيا، وفي (ذا وتا) ذيّا وتيّا، والأصل: ذييا، وتييا بثلاث ياءات: الأولى عين الكلمة، والثالثة لامها، والوسطى ياء التصغير. فاستثقل ثلاث ياءات فقصد التخفيف: بحذف واحدة، فلم تحذف ياء التصغير لدلاتها على معنى، ولا الثالثة لحاجة الألف إلى فتح ما قبلها، فتعين حذف الأولى. ويقال في (ذاك) ذياك، وفي (ذلك): ذيالك، قال الراجز: [من الرجز] أو تحلفي بربك العلي .... إني أبو ذيالك الصبي ويقال في تصغير (الذين) اللذيون، وفي (اللائين): اللويئون، وفي الجر والنصب: اللذيين، واللويين. وتقول في تصغير (اللائي واللاتي): اللويا واللويتا واللتيات. فاللويتا تصغير اللاتي على لفظه، واللتيات رد اللاتي إلى واحده، ثم تصغيره، وجمعه.

النسب

النسب 855 - ياء كيا الكرسي زادوا للنسب .... وكل ما تليه كسره وجب 856 - ومثله مما حواه احذف وتا .... تأنيث أو مدته لا تثبتا [315] // 857 - وإن تكن تربع ذا ثان سكن .... فقلبها واوا وحذفها حسن 858 - لشبها الملحق والأصلي ما .... لها وللأصلي قلب يعتمى 859 - والألف الجائز أربعا أزل .... كذاك يا المنقوص خامسا عزل 860 - والحذف في اليا رابعا أحق من .... قلب وحتم قلب ثالث يعن 861 - وأول ذا القلب انفتاحا وفعل .... وفعل عينهما افتح وفعل 862 - وقيل في المرمي مرموي .... واختير في استعمالهم مرمي إذا قصد إضافة الرجل إلى أب أو قبيلة أو بلد أو نحو ذلك جعل حرف إعرابه ياء مشددة مكسورا ما قبلها، وذلك هو النسب. فيقال في أحمد: أحمدي، فإن كان آخر الاسم ياء كياء النسب في التشديد، والمجيء بعد ثلاثة أحرف فصاعدا حذفت وجعلت ياء النسب موضعها، فيقال في النسب إلى الشافعي: شافعي، وفي النسب إلى مرمى: مرمي وقد يقال: مرموي، تفرقة بين الأصل والزائد، وسيأتي ذكره. وتحذف في النسب أيضا ما في الاسم من تاء التأنيث، كقولك في مكة: مكي.

وإذا نسب إلى المقصور: فإن كانت ألفه زائدة للتأنيث وجب حذفها إن كانت خامسة فصاعدا، كحبارى وحباري، أو رابعة متحركا ثاني ما هي فيه، كجمزى وجمزي. وإن كانت رابعة ساكنا ثاني ما هي في جاز فيه الحذف وقلبها واوا مباشرة للام أو مفصولة بألف، كقولك في النسب إلى حبلى: جبلي وحبلوي وحبلاوي، والأول هو المختار. وإن كانت الألف المقصورة زائدة للإلحاق فهي كألف التأنيث في وجوب الحذف إن كانت خامسة كحبركي، وفي جواز الحذف والقلب إلى الواو بغير فصل بالألف إن كانت رابعة فيقال في النسب إلى علقى: علقي وعلقوي، إلا أن الثاني أجود، بخلاف مثله في ألف التأنيث. وإن كانت الألف المقصورة بدلا من أصل: فإن كانت ثالثة قلبت واوا كفتى وفتوي، وعصا وعصوي، وإن كانت رابعة قلبت واوا أيضا وربما حدفت فيقال في ملهى، ملهوي وقد يقال: ملهي. وإن كانت خامسة فصاعدا وجب الحذف كمصطفى ومصطفي. وإذا نسب إلى المنقوص قلبت ياؤه واوا وفتح ما قبلها إن كانت ثالثة نحو: شج وشجوي، وإن كانت رابعة حذفت كقاض وقاضي، وقد تقلب واوا ويفتح ما قبلها فيقال [316] قاضوي: قال الشاعر:// [من الطويل] 683 - وكيف لنا بالشرب إن لم يكن لنا .... دراهم عند الحانوي ولا نقد وإن كان خامسة فصاعدا وجب الحذف كمعتد ومعتدي، ومستعل ومستعلي. وفهم هذا كله من النظم المذكور ظاهر. وإذا نسب إلى ما قبل آخره مكسور: فإن كانت الكسرة مسبوقة بحرف وجب في النسب التخفيف بجعل الكثرة فتحة فيقال في نمر ودئل وإبل: نمري ودئلي وإبلي. وإن كانت الكسرة مسبوقة بأكثر من حرف جاز وجهان: فيقال في تغلب: تغلبي وتغلبي.

قوله: وقيل في المرمي ......... .... ..................... (البيت). قياس النسب إلى مرمي ونحوه مما آخره ياء مدغمة في مثلها مسبوقة بأكثر من حرفين أن تحذف الياءان وتلحق ياء النسب مكانهما، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الياءان زائدتين أو إحداهما أصلا. ومن العرب من يحذف اليائين إذا كانتا زائدتين، فيقول في النسب إلى كرسي: كرسي كما يفعل غيره. وإذا كانت إحداهما أصلا قلبها واوا، وحذف الزائدة، فيقول في النسب إلى مرمي: مرموي، كما يقول في قاض: قاضوي. وهذه لغة قليلة. والمختار خلافها، ولذلك أطلق الكلام أولا حيث يقول: ومثله مما حواه احذف وتا .... تأنيث ................... (البيت). ثم أعقبه بهذا البيت تنبيها على اللغة المذكورة. 863 - ونحو حي فتح ثانيه يجب .... واردده واوا إن يكن عنه قلب إذا نسب إلى ما آخره ياء مشددة؛ فإما أن تكون مسبوقة بحرف أو بحرفين أو بثلاثة، فصاعدا. فإن كانت مسبوقة بحرف لم يحذف من الاسم في النسب شيء، ولكن يفتح ثانيه، ويعامل معاملة المقصور الثلاثي. وإن كان ثانيه واوا في الأصل رد إلى أصله، وذلك قولك في النسب إلى حي: حيوي، وإلى طي: طووي، لأنه من طويت. وإن كانت الياء المشددة مسبوقة بحرفين حذف في النسب أولى الياءين، وقلبت الثانية واوا وفتح ما قبلها، وإن كان مكسورا، فيقال في قصي وعلي: قصوي وعلوي، وقد يقال: قصي. وإن كانت الياء المشددة مسبوقة بأكثر من حرفين وجب حذف اليائين مطلقا، إلا على لغة، كما سبق. 864 - وعلم التثنية احذف للنسب .... ومثل ذا في جمع تصحيح وجب 865 - وثالث من نحو طيب حذف .... وشذ طائي مقولا بالألف

يحذف من المنسوب ما فيه علامة تثنية أو جمع تصحيح، فيقال فيمن اسمه زيدان معربا بالحروف: زيدي. ومن أجراه مجرى حمدان، قال: زيداني. وعلامة جمع التصحيح كعلامة التثنية، فيقال في عرفات ونصيبين: عرفى [317] ونصيبي، ومن قال: هذه نصيبين؛ فجعل النون // حرف الإعراب قال في النسب: نصيبيني بغير حذف. وإذا وقع قبل الحرف المكسور من أجل ياء النسب ياء مكسورة، مدغم فيها مثلها حذفت المكسورة، كقولك في طيب: طيبي. وقياس النسب على طيئ أن يقال: طيئي، ولكن تركوا فيه القياس فقالوا: طائي، بإبدال الياء ألفا. فإن كانت الياء المدغم فيها مفتوحة فلم تحذف، فيقال في النسب إلى هبيخ: هبيخي، وكذا لو كانت المكسورة مفصولة نحو: مهييم، تصغير مهيام، فالنسب إليه مهييمي، لأن التخفيف بفصل المد بمنزلة التخفيف بالفتح. 866 - وفعلي في فعيلة التزم .... وفعلي في فعيلة حتم 867 - وألحقوا معل لام عريا .... من المثالين بما التا أوليا 868 - وتمموا ما كان كالطويله .... وهكذا ما كان كالجليله يقال في النسب إلى (فعيلة) فعلي يفتح عينه وحذف يائه، إن لم يكن معتل العين ولا مضاعفا وذلك نحو قولهم في حنيفة: حنفي. وشذ نحو قولهم في السليقة: سليقي، وفي عميرة كلب: عميري. وأما نحو طويلة وجليلة؛ مما هو معتل العين، أو مضاعف فلا تحذف ياؤه في النسب، بل يجيئ على فعيلي نحو: طويلي وجليلي، لأنهم استثقلوا فك التضعيف، وتصحيح الواو متحركة مفتوحا ما قبلها. ويقال في (فعيلة) فعلي بحذف الياء إن لم يكن مضاعفا، وذلك نحو قولهم في جهينة: جهني. وشذ نحو قولهم في ردينة: رديني، وأما نحو قليلة، مما هو مضاعف، فإنما ينسب إليه على لفظه، فيقال: قليلي، كما يقال: جليلي. و (فعولة) في هذا الباب ملحقة بفعيلة، كقولهم في شنوءة: شئني. قوله: وألحقوا معل لام عريا .......................

(البيت). معناه: أن ما كان على (فعيل أو فعيل) بغير تاء، فإما أن يكون صحيح اللام أو معتلها؛ فإن كان صحيح اللام فالمطرد في النسب إليه ألا يحذف منه شيء، وذلك نحو قولهم في عقيل وعقيل: عقيلي وعقيلي. وشذ نحو قولهم في تثقيف: ثقفي، وفي هذيل: هذلي. وإن كان معتل اللام فهو كالمؤنث في وجوب حذف يائه، وفتح ما قبلها إن كان مكسورا، فيقال في عدي وقضي: عدوي وقصوي، كما يقال في أمية: أموي. 869 - وهمز ذي مد ينال في النسب .... ما كان في تثنية له التسب حكم همزة الممدود في النسب حكمها ف التثنية، فإن كانت زائدة للتأنيث قلبت واوا كقولك في صحراء: صحراوي، وإن كانت زائدة للإلحاق، أو بدلا من أصل جاز فيها [318] // أن تسلم، وأن تقلب واوا، فيقال في نحو علباء: علبائي وعلباوي، وفي نحو كساء: كسائي وكساوي، وإن كانت أصلا غير بدل وجب أن تسلم، فيقال في نحو قراء: قرائي بالتصحيح، لا غير. 870 - وانسب لصدر جملة وصدر ما .... ركب مزجا ولثان تمما 871 - إضافة مبدوءة بابن أو اب .... أو ما له التعريف بالثاني وجب 872 - فيما سوى هذا انسبن للأول .... ما لم يخف لبس كعبد الأشهل الاسم المركب: إما جملة في الأصل، كتأبط شرا، وإما مركب تركيب مزج كبعلبك، وإما مضاف كامرئ القيس. فإذا نسب إلى ما هو جملة في الأصل حذف عجزه، فيقال في برق نحره: برقي، وفي تأبط شرا: تأبطي. وإذا نسب إلى مركب تركيب مزج حذف عجزه أيضا فيقال في بعلبك، بعلي، وفي معدي كرب: معدي ومعدوي. وقد يبنى من جزءي المركب اسم على (فعلل) وينسب إليه كقولهم في حضرموت: حضرمي، وفي قولهم في عبد شمس: عبشمي، وفي تيم اللات: تيملي. وإذا نسب إلى مضاف: فإن كان صدره معرفا بعجزه أو كان كنية حذف صدره، ونسب إلى عجزه، كقولك في غلام زيد وابن الزبير وأبي بكر: زيدي وزبيري وبكري. وإن كان المضاف غير معرف بالعجز ولا كان كنية حذف عجزه، ونسب إلى صدره، كقولك في امرئ القيس: امرئي ومرئي. فإن خيف لبس من حذف العجز نسب إليه وحذف الصدر، كقولهم في عبد الأشهل وعبد مناف: أشهلي ومنافي.

873 - واجبر برد اللام ما منه حذف .... جوازا إن لم يك رده ألف 874 - في جمعي التصحيح أو في التثنيه .... وحق مجبور بهذي توفيه 875 - وبأخ أختا وبابن بنتا .... ألحق ويونس أبي حذف التا 576 - وضاعف الثاني من ثنائي .... ثانيه ذو ليس كلا ولائي 877 - وإن يكن كشية ما الفا عدم .... فجبره وفتح عينه التزم إذا كان المنسوب إليه محذوف اللام، وكان مستحقا لرد المحذوف في التنثية، كأخ وأب، أو في الجمع بالألف والتاء، كأخت وعضة؛ وجب رد المحذوف، كقولك: أخوي [319] وأبوي // وعضوي. فإن لم يجبر المحذوف اللام في تنثية، ولا جمع بالألف والتاء جاز في النسب إليه رد المحذوف وتركه، فيقال في عد ويد وابن: عدي وعدوي، ويدي ويدوي، وابني ابنوي. وإن كان المحذوف اللام معتل العين وجب جبره في النسب كما يجب جبر أب ونحوه، فيقال في شاه: شاهي، ويقال في النسب إلى أخت وبنت: أخوي وبنوي، كما ينسب إلي مذكرهما. هذا مذهب سيبويه والخليل. وأما يونس فيقول: أختي وبنتي. وتقول في (كلتا) على مذهب سيبويه: كلوي، وعلى مذهب يونس: كلتي، وكلتوي. وإذا نسب إلى ثنائي لا ثالث له: فغن كان الثاني حرفا صحيحا جاز فيه التضعيف وعدمه، فيقال في كم: كمي وكمي، وإن كان حرفا معتلا وجب تضعيفه، فيقال في لو: لوي، أصله: لووي. وإن كان الحرف المعتل ألفا ضوعفت، وأبدلت الثانية همزة، كقولك في (لا) اسم رجل: لائي، ويجوز قلب الهمزة واوا، فيقال: لاوي. وإذا نسب إلى المحذوف الفاء، فإن كان صحيح اللام لم يرد المحذوف، فيقال في عدة وصفة، عدي وصفي، وإن كان معتل اللام وجب الرد. ومذهب سيبويه: ألا يرد عين المحذوف إلى السكون، إن كان أصلها السكون، بل تفتح، وتعامل معاملة المقصور.

ومذهب الأخفش: أن يرد عين المحذوف إلى سكونها، إن كانت ساكنة، فيقال في (شية) على مذهب سيبويه: وشوي، وعلى مذهب الأخف وشي. 878 - والواحد اذكر ناسبا للجمع .... إن لم يشابه واحدا بالوضع 879 - ومع فاعل وفعال فعل .... في نسب أغنى عن اليا فقبل 880 - وغير ما أسلفته مقررا .... على الذي ينقل منه اقتصرا إذا نسب إلى جمع باق على جمعيته جيء بواحده، ونسب إليه، كقولك في النسب إلى الفرائض: فرضي، وإلى الحمس: أحمسي. وإن زال الجمع عن جمعيته بنقله إلى العلمية نسب إليه على لفظه، كأنماري، وكذا إن كان باقيا على جمعيته، وجوى مجرى العلم كأنصاري، وإلى أغمار وأنصار، ونحوهما الإشارة بقوله: ................ .... إن لم يشابه واحدا بالوضع وكذا إن كان جمعا أهمل واحده كـ (عباديد) فالنسب إليه: عباديدي. ويستغنى غالبا في النسب عن يائه ببناء الاسم على (فاعل) بمعنى صاحب كذا نحو: تامر ولابن وكاس: بمعنى صاحب تمر ولبن وكسوة. وببنائه على (فعال) في الحرق نحو: بقال وحداد وبزاز. [320] وقد يبنى (فعال) بمعنى صاحب كذا، كقول امرئ القيس:// [من الطويل] 684 - وليس بذي رمح فيطعنني به .... وليس بذي سيف وليس بنبال أي: وليس بذي نبل. وعلى هذا حمل المحققون قوله تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت/ 46] أي: ليس بذي ظلم. وقد يستغني عن ياء النسب بـ (فعل) بمعنى صاحب كذا، كقولهم رجل طعم ولبس وعمل: بمعنى: ذي طعام وذي لباس وذي عمل.

أنشد سيبويه: [من الرجز] 685 - لست بليلي ولكني نهر .... لا أدلج الليل ولكن أبتكر أراد: ولكني نهاري، أي: عامل بالنهار. وقالوا لبياع العطر وبياع البتوت، وهي الأكسية: عطار وعطري، وبتات وبتي. وما جاء من المسنوب مخالفا لما يقتضيه القياس فهو من شواذ النسب التي تحفظ ولا يقاس عليها وبعضه أشذ من بعض. فمن ذلك قولهم في النسب إلى البصرة: بصري، وإلى الدهر: دهري، وإلى مرو: مروزي، وإلى الري: رازي، وإلى جلولاء وحروراء: جلولي وحروري، وإلى صنعاء وبهراء: صنعاني وبهراني، وإلى البحرين: بحراني، وإلى أمية: أموي، وإلى البادية: بدوي، وإلى إبل الطلح: إبل طلاحية. ومنه قولهم: رقباني وجماني ولحياني: لعظيم الرقبة والجمة واللحية.

الوقف

الوقف 881 - تنوينا اثر فتح اجعل ألفا .... وقفا وتلو غير فتح احذفا 882 - واحذف لوقف في سوى اضطرار .... صلى غير الفتح في الإضمار 883 - وأشبهت إذن منونا نصب .... فألفا في الوقف نونها قلب وحذف يا المنقوص ذي التنوين ما .... لم ينصب اولى من ثبوت فاعلما 885 - وغير ذي التنوين بالعكس وفي .... نحو مر لزوم رد اليا اقتفي في الموقف على الاسم المنون ثلاث لغات: أعلاها وأكثرها ما نبه عليه وهو: أن يوقف على المنصوب والمفتوح بإبدال التنوين ألفا، وعلى غيرهما بالسكون وحذف التنوين بلا بدل. والمراد بالمنصوب: ما فتحته فتحة إعراب نحو: رأيت زيدا. والمراد بالمفتوح: ما فتحته لغير الإعراب نحو: إيها، وويها. وشبهوا (إذن) بمنون، فأبدلوا نونه في الوقف ألفا. واللغة الثانية: لغة ربعية؛ وهي أن يوقف على المنون كله بالحذف والإسكان نحو: هذا زيد، ومررت بزيد، ورأيت زيد. ومن شواهد هذه اللغة قول الشاعر: [321] // [من الطويل] 686 - ألا حبذا غنم وحسن حديثها .... لقد تركت قلبي بها هائما دنف

واللغة الثالثة لغة الأزد: وهي أن يوقف على المنون بإبدال التنوين من جنس حركة ما قبله نحو: هذا زيدو، ومررت بزيدي، ورأيت زيدا. وإذا وقف على هاء الضمير، فإن كانت مضمومة نحو: رأيته، أو مكسورة نحو: مررت به حذفت صلتها ووقف على الهاء ساكنة إلا في الضرورة. وإن كانت مفتوحة نحو: هند رأيتها وقف على الألف، ولم تحذف وإذا وقف على المنقوص المنون: فإن كان منصوبا أبدل من تنوينه ألف نحو: رأيت قاضيا، وإن لم يكن منصوبا فالمختار الوقف عليه بالحذف، إلا أن يكون محذوف العين أو الفاء، فيقال: هذا قاض، ومررت بقاض، ويجوز الوقف عليه برد الياء كقراءة ابن كثير قوله تعالى: {ولكل قوم هادي} [الرعد/ 7] وقوله تعالى: {وما لهم من دونه من والي} [الرعد/ 11] وقوله تعالى: {وما عند الله باقي} [النحل/ 96]. فإن كان المنقوص محذوف العين كـ (مر) اسم فاعل من (أرأى) أو محذوف الفاء كـ (يف) علما لم يوقف عليه إلا بالرد. وعلى هذا نبه بقوله: ........................ وفي .... نحو مر لزوم رد اليا اقتفي وإذا وقف على المنقوص غير المنون: فإن كان منصوبا ثبتت ياؤه ساكنة نحو: رأيت القاضي، وإن كان مرفوعا أو مجرورا جاز فيه إثبات الياء وحذفها، والإثبات أجود نحو: هذا القاضي، ومررت بالقاضي. وقد يقال: هذا القاضي، ومررت بالقاض. 886 - وغير ها التأنيث من محرك .... سكنه أو قف رائم التحرك. 887 - أو أشمم الضمة أو قف مضعفا .... ما ليس همزا أو عليلا إن قفا 888 - محركا أو حركات انقلا .... لساكن تحريكه لن يحظلا 889 - ونقل فتح من سوى المهموز لا .... يراه بصري وكوف نقلا 890 - والنقل إن يعدم نظير ممتنع .... وذا في المهموز ليس يمتنع في الوقف على المتحرك خمسة أوجه: الإسكان والروم والإشمام والتضعيف والنقل. فإن كان المتحرك هاء التأنيث لم يوقف عليه إلا بالإسكان. وإن كان غير هاء التأنيث جاز أن يوقف عليه بالإسكان وهو الأصل، وجاز أن يوقف عليه بالروم وهو عبارة عن إخفاء الصوت بالحركة، ويجوز في الحركات الثلاث خلافا للفراء في امتناعه من الفتحة، وجاز أن يوقف عليه بالإشمام إن كانت حركته ضمة. [322] والمراد بالإشمام: الإشارة// بالشفتين إلى الحركة حال سكون الحرف.

وجاز أن يوقف عليه بالتضعيف، بشرط ألا يكون همزة ولا حرف علة وأن يكون قبله متحرك نحو: جعفر ودرهم وضارب. وجاز أن يوقف عليه بنقل الحركة إلى ما قبله إن كان ساكنا قابلا للحركة وكان الآخر همزة، أو كانت الحركة ضمة غير مسبوقة بكسرة، أو كسرة غير مسبوقة بضمة، وذلك قولك في نحو: الردء والبطء: هذا الردء ورأيت الردأ ومررت بالرديء، وهذا البطؤ ورأيت البطأ ومررت بالبطيء، وفي نحو: عمرو، وعلم، وبرد: هذا عمرو ومررت بعمرو وهذا برد، ومررت بعلم، ولا يجوز النقل إلى ساكن لا يقبل الحركة كالألف والياء المكسور ما قبلها والواو المضموم ما قبلها نحو: زمان وقضيب وخروف. ولا يجوز نقل الفتحة من غير الهمزة عند البصريين. وحكي عن الكوفيين إجازة ذلك نحو: رأيت البرد، ولا يجوز أن ينقل من غير الهمزة ضمة مسبوقة بكسرة ولا كسرة مسبوقة بضمة، فلا يقال: هذا علم ولا مررت ببرد، لعدم فعل وفعل في الكلام. وإلى هذا الإشارة بقوله: والنقل إن يعدم نظير ممتنع .... وذاك في المهموز ليس يمتنع واعلم أن في النطق بالهمزة الساكنة عسرا، ولذلك أجمعت العرب على التخفيف في نحو: آمنت، أو من إيمانا. وإذا سكن ما قبل الهمزة الساكنة كان النطق بها أصعب، فمن أجل ذلك اغتفر في الوقف على ما آخره همزة بعد ساكن ما لا يجوز في غير الهمز من نقل الفتحة نحو: جنيت الكمء ورأيت الخبء، ومن نقل الضمة إلى ساكن بعد كسرة نحو: هذا الردؤ، ومن نقل الكسرة إلى ساكن بعد ضمة نحو: مررت بالبطئ. وبعض بني تميم يفرون من هذا النقل إلى الإتباع، فيقولون: هذا الردء، ومن البطؤ. وبعضهم ينقل ويبدل الهمزة بمجانس الحركة، فيقولون: هذا الردو ومن البطي. وبعضهم يتبع ويبدل الهمزة بمجانس الحركة فيقول: هذا الردي ومن البطو. 891 - في الوقف تا تأنيث الاسم ها جعل .... إن لم يكن بساكن صح وصل 892 - وقل ذا في جمع تصحيح وما .... ضاهي وغير ذين بالعكس انتمى تاء تأنيث الاسم مخرج للتاء التي تلحق الفعل نحو: ثامت، إن لم يكن بساكن صح وصل مخرج لتاء نحو: بنت، وأخت، ومدخل لنحو: ثمرة ومسلمة وفتاة وموماة، مما قبل تائه متحرك أو ألف، فهذا النوع تقلب تاؤه هاء في الوقف.

وقد يفعل ذلك بتاء تصحيح المؤنث وما أشبهها كقول بعضهم: (دفن البناه من المكرماه) يريد: دفن البنات من المكرمات. [323] // ومثل هذه التاء تاء (هيهات وأولات) فإنه يوقف عليهما بالتاء كثيرا، وبالهاء أيضا. وقد نبه على أن منهم من يقف على التاء من نحو: مسلمة بالإسكان من غير قلب بقوله: ............... .... ...... وغير دين بالعكس انتمى أي: وغير جمع التصحيح والذي ضاهاه يوقف عليه في الأكثر بقلب تائه هاء، وقد يوقف عليه بالتاء من غير قلب، كما وقف نافع وابن عامر وحمزة في نحو قوله تعالى: {شجرت الزقوم} [الدخان/ 43] وقوله تعالى: {وامرأة نوح} [التحريم/ 10]. 893 - وقف بها السكت على الفعل المعل .... بحذف آخر كأعط من سأل 894 - وليس حتما في سوى ما كع أو .... كيع مجزوما فراع ما رعوا 895 - وما في الاستفهام إن جرت حذف .... ألفها وأولها الها إن تقف 896 - وليس حتما في سوى ما انخفضا .... باسم كقولك اقتضاء م اقتضى 897 - ووصل ذي الها أجز بكل ما .... حرك تحريك بناء لزما 898 - ووصلها بغير تحريك بنا .... أديم شذ في المدام استحسنا 899 - وربما أعطي لفظ الوصل ما .... للوقف نثرا وفشا منتظما من خواص الوقف زيادة هاء السكت، وأكثر ما تزاد بعد الفعل المحذوف الآخر جزما: كلم يعطه ولم يرمه، أو وقفا: كأعطيه وارمه، وبعد (ما) الاستفهامية المجرورة كقولك في: علام فعلات: علامه، وفي مجيء م جئت: مجيء مه، وفي اقتضاء م اقتضى زيد: اقتضاء مه. وتجب هذه الهاء في الوقف على الفعل، الذي بقي على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد كقولك في: ق زيدا ولا تق عمرا، قه ولا تقه، وفي الوقف على (ما) الاستفاهمية المجرورة بالإضافة، كما في اقتضاء م اقتضى زيدن فإن كانت (ما) مجرورة

بحرف جاز أن يوقف عليها بالهاء ودونها، والوقف بالهاء أجود، وتلحق هذه الهاء جوازا في الوقف على كل محرك حركة بناء، لا تشبه إعرابا، فلا تلحق ما حركته إعرابية، ولا ما كانت حركته عارضة، كاسم ولا، والمنادى المضموم، والعدد المركب. ولا تلحق الفعل الماضي، وإن كانت حركته لازمة لشبهه بالمضارع، وأما قول الراجز: [من الرجز]. 687 - يارب يوم لي لا أظلله .... أرمض من تحت وأضحى من عله فشاذ. وعلى مثله نبه بقوله: ووصلها بغير تحريم بنا .... أديم شذ .............. [324] ثم نبه على جوازها في الوقف// على المبني بتاء لازما، لا يشبه العارض بقوله: ..................... .... ....... في المدام استحسنا وقد يعطى في النثر الوصل حكم الوقف كقوله تعالى: {لم يتسنه وانظر إلى حمارك} [البقرة/ 259] وقوله تعالى: {فبهداهم اقتده} [الأنعام/ 90] {قل لا أسألكم عليه} [الشورى/ 23] في قراءة غير حمزة والكسائي. وكثر مثل ذلك في النظم، ومنه قول الراجز: [من الرجز] 688 - لقد خشيت أن أرى جدبا .... مثل الحريق وافق القصبا فأعطى الباء في الوصل بحرف الإطلاق منا لتضعيف ما كان يعطيها في الوقف عليها.

الإمالة

الإمالة 900 - الألف المبدل من يا في طرف .... أما كذا الواقع منه اليا خلف 901 - دون مزيد أو شذوذ ولما .... تليه ها التأنيث ما الها عدما الإمالة: هي أن تنحو بالألف نحو الياء وبالفتحة نحو الكسرة. ولهذا أسباب: منها: أن تكون الألف بدلا من ياء أو صائرة إلى الياء دون شذوذ ولا زيادة مع تطرفها لفظا أو تقديرا. فالتي هي بدل من ياء، كألف (الهدى وهدى وفتاة ونواة). والصائر إلى الياء، كألف (المغزى وحبلى). واحترز بعدم الشذوذ من مصير الألف إلى الياء في الإضافة إلى ياء المتكلم نحو: (قفي وهوي). واحترز بنفي الزيادة من نحو قولهم في التصغير: (قفي) وفي التكسير: (قفي وهوي). واحترز بالتطرف من الكائنة عينا، فإن فيها تفصيلا بينه بقوله: 902 - وهكذا بدل عين الفعل إن .... يؤل إلى فلت كماضي خف ودن من أسباب الإمالة أن تكون الألف بدلا من عين فعل تكسر فاؤه حين يسند إلى تاء الضمير بائيا كان كبان أو واويا كخاف، فإنك تقول فيهما: بنت وخفت، فيصيران في اللفظ على وزن (فلت) والأصل (فعلت) فحذفت العين، وحركت الفاء بحركتها. فهذا ونحوه تجوز إمالته، بخلاف نحو: (حال يحول، وتاب يتوب) مما تضم فاؤه حين يسند إلى تاء الضمير، فيصير في اللفظ على وزن (قلت) نحو: حلت، وتبت.

903 - كذاك تالي الياء والفصل اغتفر .... بحرف أو مع ها كجيبها أدر 904 - كذاك ما يليه كسرا أو يلي .... تالي كسر أو سكون قد ولي 905 - كسرا وفصل الها كلا فصل يعد .... فدرهماك من يمله لم يصد [325] // من أسباب الإمالة: وقوع الألف قبل الياء كـ (بايع) أو بعدها متصلة كـ (بيان)، أو منفصلة بحرف كـ (يسار) و (ضربت يداه) أو بحرفين: أحدهما هاء كـ (بيتها) و (أدر جيبها). فلو لم يكن أحدهما هاء امتنعت الإمالة، لبعد الياء. وإنما اغتفروا البعد مع الهاء، لخفائها. ومن أسباب الإمالة: تقدم الألف على كسرة تليها نحو: (عالم) أو تأخرها عنها بحرف نحو: (كتاب وعماد) أو بحرفين: أولهما ساكن كـ (شملال) أو كلاهما متحرك واحدهما هاء نحو: (يريد أن يضربها) و (هذه درهماك). وقد يمنع الإمالة لوجود الكسرة أو الياء حرف الاستعلاء. وقد بين الأمر في ذلك بقوله: 906 - وحرف الاستعلا يكف مظهرا .... من كسر او يا وكذا تكف را 907 - إن كان ما يكف بعد متصل .... أو بعد حرف أو بحرفين فصل 908 - كذا إذا قدم ما لم ينكسر .... أو يسكن اثر الكسر كالمطواع مو 909 - وكف مستعمل ورا ينكف .... بكسر را كغارما لا أجفو 910 - ولا تمل لسبب لم يتصل .... والكف قد يوجبه ما ينفصل إذا كان سبب الإمالة كسرة ظاهرة أو ياء موجودة، وكان بعد الألف حرف من حروف الاستعلاء وهي: الخاء، والصاد، والطاء، والظاء، والغين، والقاف؛ وكان حرف الاستعلاء متصلا كـ (ساخط، وخاطب، وحاظل، وناقف) أو مفصولا بحرف كـ (نافخ، وفارط، وناعق، وبالغ) أو حرفين: كـ (مناشيط، ومواثيق) منع حرف الاستعلاء الإمالة وغلب سببها، وكذا الراء المضمومة أو المفتوحة نحو: (هذا عذار) و (هذان عذاران) فلا تجوز الإمالة في نحو هذا، كما لا تجوز في نحو: (ساخط، وخاطب) بخلاف ما لو كان الراء مكسورة، على ما سيأتيك بيانه.

ومثل الراء غير المكسورة في كف سبب الإمالة حرف الاستعلاء المتقدم على الألف ما لم يكن مكسورا أو ساكنا أو بعد راء مكسورة وذلك نحو: (صالح، وطالب، وظالم، وغالب، وصحائف، وقبائل، وصمادح، وضبارم). بخلاف نحو: (طلاب، وغلاب) مما حرف الاستعلاء منه مكسور، وبخلاف نحو: (إصلاح، ومطواع) مما حرف الاستعلاء منه ساكن إثر كسرة، فإن أكثر أهل الإمالة يعامله معاملة ما حرف الاستعلاء منه مكسور فيميله. ومنهم من لا يميله، كما لو كان المستعلى متحركا بغير الكسر، وبخلاف نحو: {أبصارهم} [البقرة/ 7] و {دار القرار} [غافر/ 39] مما بعد الألف منه راء مكسورة [326] فإنه يمال، // ولا أثر لحرف الاستعلاء فيه. وقد نبه على هذا، وعلى أنه لا أثر في كف الإمالة للراء المكسورة ولا للراء غير المكسورة مع الراء المكسورة بقوله: وكف مستعل ورا ينكف .... بكسر را كغارما لا أجفو فعلم أنه يمال نحو: غارم و {دار القرار} [غافر/ 39] لأجل كسرة الراء. وإذا كان هذا النحو يمال لأجل كسرة الراء مع وجود المقتضى لترك الإمالة، فبالحرى أن يمال نحو: {حمارك} [البقرة/ 259] مما لا مقتضى فيه لتركها. ومن هنا يعلم ما تقدم قبل؛ من أن شرط كون الراء لسبب الإمالة أن تكون مضمومة أو مفتوحة كما تقدم ذكره. وإذا انفصل سبب الإمالة فلا أثر له بخلاف سبب المنع منها فإنه قد يؤثر منفصلا فيقال: (أتى أحمد) بالإمالة، و (أتي قاسم) بترك الإمالة. وإلى هذا أشار بقوله: ولا تمل لسبب لم يتصل .... ................. (البيت). 911 - وقد أمالوا لتناسب بلا .... داع سواه كعمادا وتلا 912 - ولا تمل ما لم ينل تمكنا .... دون سماع غير ها وغير نا 913 - والفتح قبل كسر راء في طرف .... أمل كللأيسر مل تكف الكلف

914 - كذا الذي تليه ها التأنيث في ... وقف إذا ما كان غير ألف قد تمال الألف طلبا للتناسب، كإمالة ثاني الألفين في نحو: (مغزانا، ورأيت عمادا) وكإمالة الألفين في قوله تعالى: {والضحى* والليل إذا سجى} [الضحى/1 - 2] ليشاكل التلفظ بهما ما بعدهما. ثم إن الإمالة لم تطرد فيما لم يتمكن إلا في ألفي (نا، وها) نحو: (مر بنا، ونظر إلينا، ومر بها ونظر إليها، ويريد أن يضربها). وقد جروا على القياس فر ترك إمالة (إلا، وإما، وإلى، وعلى، ولدى). ومما أميل على غير القياس (إلى، ومتى، وبلى، ولا) في قولهم: (إما لا). ومما أميل على غير القياس (را) وما أشبهها من فواتح السور، وكذلك (الحجاج علما والباب، والمال، والناس). فهذا ونحوه مسموع فيه الإمالة، ولا يقاس عليه. قوله: والفتح قبل كسر راء في طرف .................................... (البيت). بيان لأنه من الإمالة المطردة إمالة كل فتحة وليها راء مكسورة نحو قوله تعالى: {ترمي بشرر كالقصر} [المرسلات/ 32] وقوله تعالى: {غير أولي الضرر} [النساء/ 95]. ومن الإمالة المطردة أيضا كل فتحة وليها تاء منقلبة للوقف هاء، إلا أن إمالة هذه مخصوصة بالوقف، وإمالة التي تليها راء مكسورة جائزة في الوصل والوقف. وقد نبه على الفرق بين المسألتين بقوله: كذا الذي تليه ها التأنيث في ... وقف ....................... فخص الإمالة قبل علامة التأنيث بالوقف. فعلم أنها لا تجوز في الوصل، وأن إمالة الفتحة قبل الراء المكسورة تجوز في [327] الوصل والوقف لأنه مطلق غير// مقيد بحال.

التصريف

التصريف 915 - حرف وشبهه من الصرف بري ... وما سواهما بتصريف حري تصريف الكلمة: هو تغيير بنيتها بحسب ما يعرض لها من المعنى، كتغيير المفرد إلى التثنية والجمع، وتغير المصدر إلى بناء اسم الفعل واسم الفاعل والمفعول. ولهذا التغيير أحكام: كالصحة والإعلال، ومعرفة تلك الأحكام وما يتعلق بها يسمى علم التصريف. فالتصريف إذن: هو العلم بأحكام بنية الكلمة مما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك. ومتعلقه من الكلم: الأسماء التي لا تشبه الحروف والأفعال، لأنهما اللذان يعرض فيهما التغيير المستتبع لتلك الأحكام. وأما الحروف، وشبهها فلا تعلق لعلم التصريف بها لعدم قبولها لذلك التغيير. 916 - وليس أدنى من ثلاثي يرى ... قابل تصريف سوى ما غيرا يعني: أن ما كان على حرف واحد أو حرفين فلا يقبل التصريف إلا أن يكون مغيرا بالحذف. فيفهم من هذا: أن أقل ما تبنى عليه الأسماء المتمكنة والأفعال في أصل الوضع ثلاثة أحرف لأنه أعدل الأبنية، لا خفيف خفيف، ولا ثقيل ثقيل، ولانقسامه على المراتب الثلاثة: المبتدأ والمنتهى والوسط بالسوية، ولصلاحيته لتكثير الصور المحتاج إليها في باب التنويع. وقد يعرض لبعضها النقص، فيبقى على حرفين كـ (يد ودم) في الأسماء، و (قل، وبع) في الأفعال، أو على حرف واحد، نحو: (م الله لأفعلن)، و (ق زيدا) ولا يخرجها ذلك عن قبول التصريف.

917 - ومنتهى اسم خمس أن تجردا ... وإن يزد فيه فما سبعا عدا الاسم ينقسم إلى: مجرد من الزوائد، وإلى مزيد فيه، وهو ما بعض حروفه ساقط في أصل الوضع تحقيقا أو تقديرا، كما ستعرفه. والاسم المجرد: إما ثلاثي وإما رباعي وإما خماسي، فالتجاوز عن الثلاثة إلى ما فوق لكونه أصلح منها لتكثير الصور في باب التأليف. والاقتصار على الخمسة لتكون على قدر احتمال نقصانها وزيادتها. وأما الاسم المزيد فيه: فقد يبلغ بالزيادة سبعة أحرف، إن لم يكن خماسي الأصول وذلك نحو: احميرار واشهيباب واحرنجام. [328] ولم يزد في الخماسي إلا حرف مد قبل الآخر كعندليب وعضرفوط // ودلعماظ، أو بعده مجردا أو بهاء السكت كقبعثري وقبعثراة. ولا يتجاوز الاسم سبعة أحرف إلا بهاء التأنيث أو نحوها. 918 - وغير آخر الثلاثي افتح وضم ... واكسر وزد وتسكين ثانيه تعم لا عبرة بالآخر في وزن الكلمة لأنه حرف الإعراب، وإنما العبرة بما سواه، فلذلك قال لما أراد ذكر أبنية الثلاثي المجرد: وغير آخر الثلاثي افتح وضم ... واكسر ............ أي: تأتي بفتح الأول والثاني وضمهما وكسرهما كيفما اتفق. فشمل ذلك تسعة أمثلة: مفتوح الأول ومفتوح الثاني أو مكسوره أو مضمومه نحو: فرس، وكبد، وعضد، ومضموم الأول مفتوح الثاني أو مكسوره أو مضمومه نحو: صرد، ودئل، وعنق، ومكسور الأول مفتوح الثاني أو مكسوره أو مضمومه نحو: عنب، وإبل، وفعل. ثم قال: .............. ... ............. وزد تسكين ثانيه تعم أي: وزد على تلك الأبنية التسعة ما سكن ثانيه وأوله مفتوح أو مكسور أو مضموم نحو: كعب وعلم وقفل، تعم القسمة الممكنة في بناء الثلاثي وهي اثنا عشر بناء:

واحد منها مهمل وهو (فعل) لأن الكسرة ثقيلة والضمة أثقل منها، فكرهوا الانتقال من مستثقل إلى أثقل منه. وواحد شاذ نادر وهو (فعل) كقولهم: (دئل) لدويبة، و (وعل) لغة في الوعل و (رئم) للسته، ونبه على هذا، فقال: 919 - وفعل أهمل والعكس يقل .... لقصدهم تخصيص فعل بفعل يقول: إنما قل (فعل) في الأسماء، مع أنه أخف من (فعل) لأنهم قصدوا به الدلالة على فعل ما لم يسم فاعله، ثم نبهوا على أن رفضه في الأسماء ليس لمانع فيه باستعمال ما شذ. 920 - وافتح وضم واكسر الثاني من ... فعل ثلاثي وزد نحو ضمن الفعل على ضربين: فعل مبني للفاعل، وفعل مبني للمفعول، وكلاهما ينقسم إلى مجرد ومزيد فيه، والمجرد: إما ثلاثي، وإما رباعي. فللثلاثي المبني للفاعل ثلاثة أمثلة: (فعل) بفتح الأول والثاني ك (ضرب). و (فعل) بفتح الأول وكسر الثاني، ك (شرب). و (فعل) بفتح الأول وضم الثاني، ك (ظرف). وللمبني للمفعول بناء واحد وهو (فعل) بضم الأول وكسر لثاني ك (ضمن، وحمد). ولما أخذ في ذكر أبنية فعل الفاعل من الثلاثي المجرد تعرض لحركة عينه ولم يتعرض لحركة فائه، ففهم أنها غير مختلفة وأنها فتحة، لأن الفتح أخف من الضم والكسر، فاعتباره أقرب. 921 - ومنتهاه أربع إن جردا ... وإن يزد فيه فما ستا عدا [329] // التصريف في الفعل أكثر منه في الاسم، فلذلك لم يحتمل من عدة الحروف ما احتمله الاسم، فلم يجاوز المجرد منه أربعة أحرف، ولا المزيد فيه ستة. فأما الرباعي المجرد فله ثلاثة أبنية: واحد لماضي المبني للفاعل نحو: دحرج، وواحد للماضي المبني للمفعول نحو: دحرج، وواحد للأمر نحو: دحرج. وأما المزيد فيه: فالثلاثي الأصول منه يبلغ بالزياة:

أربعة: ك (أكرم، وضارب، وجهور، وسلقاه: إذا ألقاه على قفاه). وخمسة: ك (انطلق، واقتدر، وتعلم، وتغافل، وتسلقى: مطاوع سلقى). وستة: ك (استخرج، واقعنسس، واحمار). وهكذا الرباعي الأصول يبلغ بالزيادة: خمسة نحو: تدحرج. وستة نحو: احرنجم واقشعر. وسيأتيك طريق العلم بالزيادة. 922 - لاسم مجرد رباع فعلل ... وفعلل وفعلل وفعلل 923 - ومع فعل فعلل وإن علا ... فمع فعلل حوى فعلللا 924 - كذا فعلل وفعلل وما ... غاير للزيد أو النقص انتمى أبنية الاسم المجرد الرباعي ستة: (فعلل) بفتح الأول والثالث: ك (جعفر). و (فعلل) بكسر الأول والثالث: ك (زبرج) وهو الحساب الرقيق، ومن أسماء الذهب أيضا. و (فعلل) بكسر الأول وفتح الثالث: ك (درهم). و (فعلل) بضم الأول والثالث: ك (دملج). و (فعل) بكسر الأول وفتح الثاني: ك (فطحل) قيل: هو اسم لزمن خروج نوح - عليه السلام - من السفينة. و (فعلل) بضم الأول وفتح الثالث: ك (طحلب) ولم يذكره سيبويه، ولكن حكاه الأخفش والكوفيون، فوجب قبوله. ولعل سيبويه إنما أهمله، لأنه عنده مخفف من (فعلل) مفرع عليه، لأن كل ما نقل فيه (فعلل) فعل فيه (فعلل) ك (طحلب وطحلب، وجرشع وجرشع، وجخدب وجخدب)، وقالوا: للمخلب: برثن، ولشجر في البادية عرفط، ولكساء مخطط برجد، ولم يسمع في أمثالها (فعلل). فإن قلت: هب أن كل ما جاء فيه (فعلل) جاء فيه (فعلل) من غير عكس، فلم يلزم من هذا أن يكون مفرعا؟ وهل لا يكون وقوعه بطريق الاتفاق، و (فعلل) أصل

برأسه؟ فإنهم قد ألحقوا به فقالوا: عاطت الناقة عوططا: إذا اشتهت الفحل، وما لي منه عندد، أي: بد، فجاؤوا به مفكوكا غير مدغم، وليس هو من الأمثلة التي استثنى فيها فك المثلين لغير الإلحاق، فوجب أن يكون للإلحاق، وإنما يلحق بالأصل. فالجواب: لا نسلم أن فك الإدغام للإلحاق بنحو: (جخدب) وإنما هو (فعلل) من الأبنية المختصة بالأسماء، فقياس الفك كما في نحو: (جدد، وظلل، وحلل). [330] وإن سلمنا أنه للإلحاق فلا نسلم أنه لا يلحق إلا بالأصول، فإنه // قد ألحق بالمزيد فيه، فقالوا: (اقعنعسس) فألحقوه ب (احرنجم) فكما ألحق بالمفرع بالزيادة، فكذا قد يلحق بالمفرع بالتخفيف. قوله: ............ وإن علا ... فمع فعلل حوى فعلللا معناه: فإن جاوز الاسم المجرد أربعة أحرف فبلغ الخمسة فله أربعة أبنية: (فعلل) بفتح الأول والثاني والرابع ك (سفرجل). و (فعلل) بفتح الأول والثالث وكسر الرابع ك (جحمرش) وهي الأفعى العظيمة. و (فعلل) بضم الأول وفتح الثاني وكسر الرابع ك (خبعثن) للأسد. و (فعلل) بكسر الأول وفتح الثالث ك (قرطعب) وهو الشيء الحقير. قوله: ........... وما ... غاير للزيد أو النقص انتمى معناه: أن ما جاء من الأسماء المتمكنة على غير الأمثلة المذكورة فهو منسوب إلى زيادة فيه، أو النقص منه. هذا هو الغالب، أعني: أن ما خرج عن تلك الأمثلة فهو إما مزيد فيه ك (ظريف، ومنطلق، ومستخرج، ومدحرج، ومحرنجم) وإما منقوص منه، وهو ضربان: ضرب نقص منه مكمل أقل الأصول نحو: (يد، ودم). وضرب نقص منه زائد كقولهم للمكان ذي الجنادل: (جندل) وأصله (جنادل) كأنه سمي بالجمع، وقولهم للضخم (غليظ) وأصله (غلائظ) لأنه لم يأت على هذا الوزن شيء إلا وقد سمع بالألف.

وقد يكون الخارج عن تلك الأوزان شاذا كقولهم في (الخرفع) وهو القطن الفاسد: (خرفع) حكاه ابن جني، وقولهم في الزئبر: (زئبر) أو أعجميا ك (سرخس، وبلخش). 925 - والحرف إن يلزم فأصل والذي ... لا يلزم الزائد مثل تا احتذي الأصل فيما يفرق بين الزائد والأصلي: أن الأصلي يلزم في تصاريف الكلمة، ولا يحذف في شيء منها، وأن الزائد يحذف في بعض التصاريف كألف (ضارب) وميم (مكرم) وتاء (احتذي). وقد يحكم على الحرف بالزيادة وإن لم يسقط كنون (قرنفل) لأن الدليل دل على طريانه على ما ثبت في أصل الوضع، كما ستقف عليه. وإنما قدم ذكر الفرق بين الأصلي والزائد هنا، ليتوصل بذلك إلى طريق العلم بوزن الكلمة المحتاج إليه في هذا الفن، فلذلك لما ذكره قال: 926 - بضمن فعل قابل الأصول في .... وزن وزائد بلفظه اكتفي 927 - وضاعف اللام إذا أصل بقي ... كراء جعفر وقاف فستق 928 - وإن يك الزائد ضعف أصل ... فاجعل له في الوزن ما للأصل يعني: أنك إذا أردت أن تزن كلمة، فقابل أصولها بكلمة (فعل) ولذلك يسمى [331] أول// الأصول فاء وثانيها عينا وثالثها لاما ورابعها وخامسها لامات؛ لمقابلتها في الوزن بهذه الأحرف، كقولك في وزن (فرس، وجعفر، وسفرجل): (فعل، وفعلل، وفعلل). وإن كان في الكلمة زائد: فإن كان من حروف (سألتمونيها) جيء في الميزان بمثله لفظا ومحللا، كقولك في وزن (ضارب، وصيرف، وجوهر): (فاعل، وفيعل، وفوعل). وإلى هذا الإشارة بقوله: .................. ... ......... وزائد بلفظه اكتفي وقد يعرض للزائد في الموزون تغيير، فيسلم في الميزان كقولك في وزن (اصطبر): (افتعل).

وإن كان الزائد مكررا قوبل في الميزان بما يقابل به الأصل، كقولك في وزن (اغدودن): (افعوعل). والمعتبر في الشكل ما استحق قبل التغيير، فلذلك يقال في وزن (رد، ومرد): (فعل، ومفعل) لأن أصلهما: (ردد، ومردد). 929 - واحكم بتأصيل حروف سمسم ... ونحوه والخلف في كلملم متى تكرر مع أكثر من أصلين حرف حكم بزيادته غن كان مثل اللام ك (جلباب) أو مثل العين وليس فصولا بأصل ك (عقنقل)، أو مثل العين واللام ك (صمحمح) وهو الشديد، أو مثل الفاء والعين ك (مرمريس) وهو الداهية، ووزنه (فعفعيل) لأنه مأخوذ من (المراسة) وهي القوة، وهو وزن نادر. ولو كان المكرر مثل الفاء وحدها ك (قرقف، وسندس) أو مثل العين مفصولا بأصل ك (حدرد) وهو القصير، وحكم بالأصالة، لأن الاشتياق لم يدل في شيء من ذلك على الزيادة، كذا لو تكرر مثل الفاء والعين بدون أصل ثالث ك (سمسم وزلزال) فإنه يحكم فيهما بأصالة المكررين، لأن أصالة أحدهما واجبة تكميلا لأقل الأصول، وليس أصالة أحدهما بأولى من أصالة الآخر، فحكم أصالتهما معا، إلا أن يدل الاشتياق على الزيادة ك (لملم) أمر من (لملم) فإنه مأخوذ من (لملمت) وأصله (لممت) بزيادة مثل العين، ثم أبدل من ثاني الأمثال مثل الفاء كراهية تواليها، فصار (لملم) وهذا أولى من جعله ثنائيا مكررا، موافقا في المعنى للثلاثي المضاعف، كما يقول البصريون في أمثاله: ك (قصقت، وكفكفت، وكبكبت). 930 - فألف أكثر من أصلين ... صاحب زائد بغير مين إذا صحبت الألف أكثر من أصلين حكم بزيادتها، لأن أكثر ما صحبت الألف فيه أكثر من أصلين معلوم زيادتها فيه بالاشتياق، وما سواه محمول عليه، وذلك نحو: (ضارب، وعماد، وغضبى، وسلامى). [332] فإن صحبت أصلين فقط فهي بدل من أصل إلا في حرف أو شبهه. // 931 - واليا كذا والواو إن لم يقعا ... كما هما في يؤيؤ ووعوعا

الياء والواو كالألف في أن كلا منهما إذا صحب أكثر من أصلين حكم بزيادته إلا في الثنائي المكرر نحو: (يؤيؤ) لطائر ذي مخلب، و (وعوعة) مصدر (وعوع) إذا صوت. فهذا النوع يحكم بأصالة حروفه كلها، كما حكم بأصالة حروف (سمسم) فزيدت الياء بين الفاء والعين ك (صيرف) وبين العين واللام ك (قضيب) وبعد اللام ك (حذرية) ومصدرة على ثلاثة أصول ك (يعمل) له فإن تصدرت على أربعة أصول فهي أصل، إلا في المصارع ك (يدحرج) وذلك نحو: (يستعور) وهو شجر يستاك به، ووزنه (فعللول) ك (عضرفوط) لأن الاشتياق لم يدل في مثله على زيادة الياء، والواو كالياء، إلا أ، ها لا تزاد أولا، بل غير أول ك (جوهر، وعجوز، وعرقوة). وزعم بعضهم أن واو (ورنتل) وهو الشر، زائدة على وجه الندور، لأن الواو لا تكون أصلا في بنات الأربعة، والصحيح أنها أصل زائدة مثلها في نحو: (فحجل) بمعنى (أفحج) فإن لزيادة اللام آخرا نظار بخلاف زيادة الواو أولا. 932 - وهكذا همز وميم سبقا ... ثلاثة تأصيلها تحققا متى تصدرت الهمزة أو الميم على ثلاثة أصول فهي زائدة بدليل الاشتقاق في أكثر الصور وذلك نحو: (أحمد، وأفكل، ومكرم) إلا أن يدل الاشتقاق على عدم الزيادة، نحو: (مرعز) فإن ميمه أصل، كقولهم: (ثوب ممرعز) دون (مرعز) فلما لزمت الميم في الاشتقاق حكم بأصالتها. وإن تصدرت الهمزة أو الميم على أربعة أصول فهي أصل، لأنه لا يدل دليل على زيادتها هناك وذلك نحو: (اصطبل ومرزجوش) ووزنهما (فعللل وفعللول). وفي قوله: .................. ... ......... تأصيلها تحققا

تنبيه على أن همزة نحو: (أولق) وهو الجنون في لغة من قال: (ألق فهو مألوق) أصل، لأنه لم يتحقق أصالة الثلاثة التي بعدها، بل المتحقق حينئذ زيادة الواو، بخلاف من قال: (ولق ولقا، فهو مولوق). وعلى أن ميم (مهدد) أصل، لأن أحد المثلين زائد، ولولا ذلك لقيل: (مهد) بالنقل والإدغام ك (مقر، ومكر). 933 - كذاك همز آخر بعد ألف .... أكثر من حرفين لفظها ردف أي: كما اطرد زيادة الهمزة مصدرة على ثلاثة أصول اطرد زيادتها متطرفة، بعد ألف قبلها أكثر من أصلين نحو: (حمراء، وعلباء، وقرفصاء). فلو كان قبل الألف أصلان نحو: (سماء، وبناء) فالهمزة بعدها أصل، أو بدل [333] منه.// 934 - والنون في الآخر كالهمزة وفي .... نحو غضنفر أصالة كفي النون كالهمزة في اطراد زيادتها متطرفة بعد ألف قبلها أكثر من أصلين نحو: (نسمان، وأفعوان، وزعفران) لا ك (أمان، وهوان). وزيدت أيضا ساكنة بين حرفين قبلها وحرفين بعدها نحو: (غضنفر) وهو الأسد، والدليل عليه وقوعها موقع ما يعلم زيادته، كياء (سميذع) وواو (فدوكس) ومعاقبتها حرف اللين غالبا، كقولهم للغيظ الكفين (شرنبث، وشرابث) وللضخم (جرنفش، وجرافش) ولضرب من النبت: (عرنقصان، وعريقصان). واطرد زيادتها أيضا للتثنية والجمع على حدها نحو: مسلمين، ومسلمين، وللمضارعة نحو: (تفعل) ولمطاوعة (فعل، أو فعلل) نحو: طرحت الشيء فانطرح، وحرجمت الإبل فاحرنجمت. 935 - والتاء في التأنيث والمضارعه .... ونحو الاستفعال والمطاوعه تعلم زيادة التاء بكونها للتأنيث ك (مسلمة) أو للمضارعة ك (تفعل) أو للمطاوعة (فعل، أو فعلل) ك (تعلم، وتدحرج)، أو مع السين في الاستفعال وفروعه، ك (استخرج استخراجا فهو مستخرج). ولم تطرد زيادة السين في غير الاستفعال. وتعلم زيادة التاء أيضا بكونها في نحو: (تفعيل، وتفاعل، وافتعال) وما اشتق منها، كتعليم، وتسنيم، وتدارك تداركا فهو متدارك، واقتدر اقتدارا فهو مقتدر.

936 - والهاء وقفا كلمه ولم تره .... واللام في الإشارة المشتهره لم تطرد زيادة الهاء إلا في الوقف على (ما) الاستفهامية مجرورة، وعلى الفعل، المحذوف اللام للجزم أو الوقف، وعلى كل مبني على حركة إلا ما قطع عن الإضافة، واسم لا تبرئة، والمنادى المضموم، والفعل الماضي. ويجب في الوقف على (ما) مجرورة باسم نحو: مجيء مه، وفي (لم) نحو: لم يقه، ولم يره، وقه، وره، مما لم يبق منه إلا عينه أو فاؤه. وأما اللام فلم تطرد زيادتها إلا في نحو: (ذلك، وتلك، وأولالك، وهنالك). 937 - وامنع زيادة بلا قيد ثبت .... إن لم تبين حجة كحظلت متى وقع شيء من هذه الحروف العشرة؛ أعني: (الألف، والياء، والواو، والهمزة، والنون، والميم، والتاء، والسين، والهاء، واللام) خاليا عما قيدت به زيادته فهو أصل، إلا أن تقوم على الزيادة حجة بينة. كسقوط همزة (شمال، واحبنطأ) في قولهم: (شملت الريح شمولا): إذا هبت شمالا، و (حبط بطنه حبطا): إذا انتفخ وعظم. [334] وكسقوط ميم (دلامص) في قولهم: (دلصت// الدرع فهي دلاص، ودلامص) أي: براقة. ونحو: (ابنم) بمعنى (ابن). وكسقوط نون (حنظل، وسنبل، ورعشن) في قولهم: (حظلت الإبل) إذا آذاها أكل الحنظل، و (أسبل الزرع) بمعنى (سنبل)، و (ارتعش فهو مرتعش ورعشن). وكسقوط تاء (ملكوت) في الملك، وسين (قدموس) في القوم، وهاء (أمهات وهبلع) في الأمومة، والبلع، ولام (فحجل، وهدمل) في (الفج، والهدم) وكلزوم عدم النظير بتقدير الأصالة، فنونا (نرجس، وكنهبل) وتاء (تنضب) زوائد، لأن تقدير أصالتها يوجب أن يكون في الرباعي المجرد ما هو مفتوح الأول مكسور الثالث أو مضمومه، وفي الخماسي المجرد ما هو مفتوح الأول والثاني مضموم الرابع. وكل ذلك مرفوض في كلام العرب.

فصل في زيادة همزة الوصل

فصل في زيادة همزة الوصل 948 - للوصل همز سابق لا يثبت .... إلا إذا ابتدي به كاستثبتوا لأصالة الفعل في التصريف استأثر بأمور: منها: بناء أوائل بعض أمثلة على السكون، فإذا اتفق الابتداء به في الكلام صدر بهمزة الوصل محركة لتعذر الابتداء بالساكن وذلك نحو: (استثبتوا): أمر للجماعة بالاستثبات، وهو تحقيق الشيء، فإن أوله ساكن كما ترى، فإن وصلته بكلام قبله لم تغيره، وإن ابتدأت به زدت همزة الوصل، فقلت: (استثبتوا) بهمزة مكسورة. 939 - وهو لفعل ماض احتوى على .... أكثر من أربعة نحو انجلى 940 - والأمر والمصدر منه وكذا .... أمر الثلاثي كاخش وامض وانفذا تعرف همزة الوصل من همزة القطع بكونها أو فعل ماض زائد على أربعة أحرف، أو مصدره، أو الأمر منه، ك (انجلى انجلاء، وانجل، واستخرج استخراجا، واستخرج) وبكونها أو الأمر من فعل ثلاثي. ولا تثبت إلا فيما سكن ثاني المضارع منه ك (اضرب، واشكر، واعلم) بخلاف نحو: (هب، وبع، ورد). 941 - وفي اسم است ابن ابنم سمع .... واثنين وامرئ وتأنيث تبع 942 - وايمن همز أل كذا ويبدل .... مدا في الاستفهام أو يسهل

بني أوائل بعض الكلمات على السكون تشبيها له بالفعل في الإعلال، فاحتاج [335] في الابتداء// به إلى همزة الوصل، وذلك محفوظ في عشرة أسماء وهي: (اسم، واست، وابن، وابنة، وابنم، واثنان، واثنتان، وامرؤ، وامرأة، وايمن) في القسم. وعند الكوفيين أن همزة (ايمن) همزة قطع، وهو جمع يمين. وما ذهبوا إليه يشكل بحذف همزته في الوصل، وبتصرفهم فيه بالحذف، وغيره على اثنتي عشرة لغة وهي: (أيمن، وأيمن، وأيمن، وأيم، وأيم، وأم، ومن بضم الميم، وفتحها، وكسرها، ثابت النون ومحذوفها). ومثل هذا التصريف لا يعرف في شيء من الجموع. وأما الحروف فلم يرد في شيء منها همزة الوصل، إلا لام التعريف، فإنها بنيت على السكون، لأنها أدور الحروف في الكلام. فإذا ابتدئ فلا بد من الهمزة، وجعلوها معها مفتوحة كهمزة (ايمن) في الأعرف إيثارا للخفة، وما عداهما فهمزة الوصل فيه مضمومة إن ضم ثالثه ضمة أصلية، نحو: (استخرج، واخرج)، وإلا فمكسورة نحو: (اضرب، واذهب، وامشوا) ما لم يعرض إبدال ضم ثالثه كسرة نحو: (اغزى) فيجوز فيه كسر الهمزة وضمها، والضم هو المختار، لأن الأصل (اغزوى). ولما كانت الهمزة مع لام التعريف مفتوحة لم تحذف بعد همزة الاستفهام، لئلا يلتبس بالخبر، بل الوجه أن تبدل ألفا نحو: {آلذكرين} [الأنعام/ 143] وقد تسهل، كقول الشاعر: [من الطويل] 689 - الحق إن دار الرباب تباعدت .... أو انبت حبل أن قلبك طائر

الإبدال 943 - أحرف الابدال هدأت موطيا .... فأبدل الهمزة من واو ويا 944 - آخرا اثر ألف زيد وفي .... فاعل ما أعل عينا ذا اقتفي الحروف التي تبدل من غيرها إبدالا شائعا تسعة، مجموعة في قوله: (هدأت موطيا) (هدأت) بمعنى: سكت، و (موطيا) اسم فاعل من (أوطأت الرحل): إذا جعلته وطيئا، إلا أنه خفف الهمزة بإبدالها ياء، لانفتاحها وانكسار ما قبلها. وما عدا هذه الحروف التسعة فإبداله إما شاذ، كقولهم في (أصيلان): (أصيلال)، وفي (اضطجع): (اطجع) وفي (الرفل): وهو الفرس الذيال: (رفن)، وفي (أمغرت الشاة): إذا خرج لبنها كالمغرة: (أنغرت). وإما مطرد في لغته قليلة، لا تمس الحاجة إلى استعمالها، كقول بعضهم في نحو: (سطر؛ صطر) وكإبدال آخرين في الوقف الجيم من الياء المشددة أو المخففة، كقول

الشاعر: [من الرجز] 690 - خالي عويف وأبو علج .... المطعمان اللحم بالعشج وكقوله أيضا: [من الرجز] 691 - يا رب إن كنت قبلت حجج .... فلا يزال شاحج يأتيك بج [336] // أقمر نهات ينزي وفرتج فكذلك لم يذكر في هذا المختصر. قوله: ..................... .... فأبدل الهمزة من واو ويا آخرا اثر ألف زيد ....... .... ...................... يعني: أن الهمزة تبدل من كل واو أو ياء تطرفت بعد ألف زائدة نحو: (دعاء، وسماء، وبناء، وظباء). الأصل: دعاو، وسماو، وبناي، وظباي فتحركت الواو والياء بعد فتحة مفصولة بحاجز غير حصين، وهو الألف الزائدة، وانضم إلى ذلك أنهما في فطنة التغيير، وهو الطرف، فقلبا ألفا، كما إذا تحركا، وانفتح ما يليانه، نحو: (دعا، ورمى) فالتقى ساكنان لا يمكن النطق بهما، فقبلت ثانيهما همزة، لأنها من مخرج الألف، فظهرت الحركة التي كانت لها.

ولو كانت الألف غير زائدة فلا إبدال، لئلا يتوالى إعلالان، وذلك نحو: (آية، وراية) وكذا لو لم تتطرف الواو ولا الياء ك (تعاون وتباين). والإبدال المذكور مستحق مع هاء التأنيث المعارضة، كما بدونها نحو: (بناء، وبناءة). فإن بنيت الكلمة على التأنيث لم يكن لما قبلها حكم الطرف وذلك نحو: (إداوة وهداية). وقالوا: (اسق رقاش فإنها سقاية) لأنه لما كان مثلا، والأمثال لا تغير أشبه ما بني على هاء التأنيث، فلم يبدل. قوله: ................ وفي .... فاعل ما أعل عينا ذا اقتفي (ذا) إشارة إلى إبدال الواو والياء همزة، و (اقتفي) بمعنى: اتبع. والمراد: أنه تبدل الهمزة قياسا متبعا من كل واو أو ياء وقعت عين اسم فاعل أعلت في فعله نحو: (قائل وبائع) أصلهما: (قاول وبايع) ولكنهم أعلوه حملا على الفعل، فكما قالوا في (قال وباع) فقبلوا العين ألفا، كذلك قبلوا عين اسم الفاعل ألفا، ثم قلبوا الألف همزة، على حد القلب في نحو: (كساء ورداء). ولو لم تعتل العين في الفعل صحت في اسم الفاعل نحو: (عين فهو عاين، وعور فهو عاور) 945 - والمد زيد ثالثا في الواحد .... همزا يرى في مثل كالقلائد يبدل همزة ما ولى ألف الجمع، الذي على مثال (مفاعل) إن كان مدة مزيدة في الواحد نحو: (قلادة وقلائد، وصحيفة وصحائف، وعجوز وعجائز). فلو كان غير مدة أو مدة غير مزيدة لم يبدل نحو: (قسورة وقساور، ومفازة ومفاوز، ومعيشة ومعايش، ومثوبة ومثاوب) إلا فيما سمع فلا يقاس عليه نحو: (مصيبة ومصائب، ومنارة ومنائر). 946 - كذاك ثاني لينين اكتنفا .... مد مفاعل كجمع نيفا يبدل همزة أيضا ما بعد ألف جمع الرباعي، من ثاني لينين، اكتنفاهما، كما لو سميت بـ (نيف) ثم كسرته، فإنك تقول: (نيائف) ونحوه: (أول وأوائل، وعيل وعيائل، [337] وسيد وسيائد) تبدل// ما بعد ألف الجمع في كل هذا همزة استثقالا لتوالي ثلاث لنات متصلة بالطرف.

فلو انفصلت منه بمدة امتنع الإبدال، سواء كانت ظاهرة (كطواويس) أو مقدرة كقول الراجز: [من الرجز] 692 - حنا عظامي وأراه ثاغري .... وكحل العينين بالعواور أراد: (العواوير) لأنه جمع (عوار) وهو: الرمد. وقد يفهم هذا التفصيل من قوله: ............... اكتفا .... مد مفاعل .................... فإن المكتنف في نحو: (طواويس) هو مد (مفاعيل) فلا يكون له حكم مد (مفاعل) من إبدال ما يليه. 947 - وافتح ورد الهمز يا فيما أعل .... لاما وفي المثل هراوة جعل 948 - واوا وهمزا أول الواوين رد .... في بدء غير شبه ووفي الأشد حروف العلة: الألف والواو والياء والهمزة، فإذا اعتل لام ما استحق أن يبدل منه ما بعد ألف الجمع، همزة، لكونه: إما مدة مزيدة في الواحد، وإما ثاني ليني رباعي، اكتنفا ألف الجمع فإنه يخفف بإبدال كسرة الهمزة فتحة، ثم إبدالها ياء، إن لم تكن اللام واوا، سلمت في الواحد، وإن كانت هاء أبدلت الهمزة واوا. مثال النوع الأول قولهم: (قضية، وقضايا)، أصله: (قضائي) بإبدال مدة الواحد همزة، فاستثقل كون بناء منتهى الجموع فيما آخره حرفا علة أولهما مكسور، فوجب تخفيفه بإبدال الكسرة فتحة، كما جاز به فيما قبل آخره صحيح، فلما فتحت الهمزة تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فانقلبت ألفا، فصار (قضاءا؛ كمدارى؟) فاستثقل اجتماع شبه ثلاث ألفات فأبدلت الهمزة ياء فصار (قضايا). وقولهم: (خطيئة، وخطايا) أصله: (خطائئ): بهمزتين في الطرف، فوجب إبدال الثانية ياء، ثم إبدالها ألفا، فصار (خطاءا) فوجب إبدال الهمزة ياء.

وقولهم: (هراوة، وهراوى) أصله: (هرائو) فخففت فصارت (هراءا ثم هراوى) بإبدال الهمزة واوا ليشاكل الجمع واحده في ظهور الواو رابعة بعد ألف. ومثال النوع الثاني: (زاوية، وزوايا) أصله: (زوائي) بإبدال الواو همزة لكونها ثاني لينين اكتنفا ألف شبه (مفاعل) فاستثقل كسر ما قبل آخره فخفف إلى (زواءا) ثم إلى (زوايا) على حد تخفيف نحو (قضايا). وندر إجراء المعتل مجرى الصحيح في قول الشاعر: [من الطويل] 693 - فما برحت أقدامنا في مقامنا .... ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا قوله: ... وهمزا أول الواوين رد .... في بدء غير شبه ووفي الأشد يعني: ورد أول الواوين المصدرتين همزة، لما لم تكن الثانية بدلا من ألف (فاعل) (كووفي). وأتم من هذه العبارة أن يقال: يجب إبدال أول الواوين المصدرتين همزة، إذا [338] كانت الثانية إما غير مدة ك (واصلة// وأواصل) أصله (وواصل) بواوين الأولى فاء الكلمة، والثانية بدل من ألف (واصلة) فاستثقل اجتماعهما فخففت بالإبدال. وإما مدة غير مزيدة ولا مبدلة ك (الأولى) أصله: (الوولى) لأنه مؤنث الأول هو (أفعل) جار مجرى أفضل منك، ولذاك صحبته (من) في نحو: أول من أمس، وجمع مؤنثه على (أول) ك (كبرى، وكبر) فـ (أولى) (فعلى) مما فاؤه وعينه من بنات الواو، ولكنه استثقل لزوم واوين في أوله، فأبدلت أولاهما همزة. فإن كانت الثانية مدة مزيدة أو مبدلة، لم يجب الإبدال. مثال الأول (ووفي، ووري). ومثال الثاني (الوولى) مخفف (الوءلى) أنثى (الأوءل) (أفعل) تفضيل من (وأل) إذا لجأ. 949 - ومدا ابدل ثاني الهمزين من .... كلمة ان يسكن كآثر واتمن 950 - إن يفتح اثر ضم او فتح قلب .... واوا وياء إثر كسر ينقلب 951 - ذو الكسر مطلقا كذا وما يضم .... واوا أصر ما لم يكن لفظا أتم 952 - فذاك ياء مطلقا جا وأؤم .... ونحوه وجهين في ثانية أم

في النطق بالهمزة عسر، لأنها حرف مهتوت، فالناطق بها كالساعل، فإذا اجتمعت مع أخرى في كلمة كان النطق بهما أعسر، فيجب إذ ذاك التخفيف، في غير ندور، إلا إذا كانتا في موضع العين المضاعف نحو: (سأآل، ورأآس). ثم إن التخفيف يختلف بحسب حال الهمزتين من كون ثانيتهما ساكنة بعد متحركة، أو متحركة بعد ساكنة، أو هما متحركتان. أما الأول: فيجب فيه إبدال الثانية مدة تجانس حركة أولاهما ك (آثرت أوثر إيثارا)، أصله: (أأثرت أؤثر إئثارا). فلما اجتمع في كلمة همزتان ثانيتهما ساكنة وجب تخفيفها بإبدالها مدة من جنس حركة ما قبلها لأن بها حصل الثقل، فخصت بالتخفيف، وكذا كل ما سكن منه ثاني الهمزتين، إلا ما ندر من قراءة بعضهم قوله تعالى: {إئلافهم رحلة الشتاء والصيف} [قريش/ 2]. فأما نحو: أأثمن زيد؛ فلا يجب فيه الإبدال، لأن الأولى للاستفهام، والثانية فاء الفعل، فليستا من كلمة واحدة. وأما الثاني: فيجيء فيما الهمزتان منه موضع العين المضاعف، أو في موضع لامي الاسم، فما همزتاه في موضع العين المضاعف نحو: (سأآل) لا إبدال فيه البتة. ولذلك لم يتعرض لذكره. وما همزتاه في موضع لامي الاسم يجب فيه إبدال الثانية ياء، كما يشهد له قوله: فذاك ياء مطلقا جا ........ .... .......................... تقول في مثال (قمطر) من (قرأ، قرأي) والأصل: (قرأأ) فالتقى في الطرف همزتان فوجب إبدال الثانية ياء. [339] وإن كانت الأول ساكنة يمكن إدماغها بحيث// تصير مع التي بعدها كالشيء الواحد لأن الظرف محل التغيير، فلم يغتفر فيه ذلك، كما اغتفر ذلك في نحو: (سأآل).

وتقول في مثال (سفرجل) من (قرأ)؛ (قرأيا) بإبدال الثانية ياء، وتصحيح الأولى والثالثة. وأما الثالث: فعلى نوعين لأنه لا تخلو الهمزتان فيه من كونهما مصدرتين أو مؤخرتين. فالنوع الأول: تبدل فيه الثانية واوًا تارة وياءً أخرى. أما ما تبدل فيه واوًا فهو: إذا كانت مفتوحة بعد مفتوحة، أو مضمومة، أو مضمومة بعد مفتوحة، أو مكسورة، أو مضمومة. فالأول نحو: (أوادم) أصله: (أآدم) بهمزتين؛ الأولى: همزة (أفاعل) والثانية: فاء الكلمة، لأنه جمع (أأدم) وهو (أفعل) من الأدمة. والثاني نحو: (أويدم) تصغير (آدم) أصله (أؤيدم) ثم دير ثاني همزتيه بحركة ما قبلها، فقلبت واوًا، كما ترى. والثالث نحو: (أوب) جمع (أب) وهو المرعى، أصله: (أأبب) فنقلت حركة عينه إلى فائه توصلا إلى الإدغام فصار (أأب) ثم دير ثاني الهمزتين بحركتها فصار (أوب). ومن ذلك (أوم) مضارع (أم)، إلا أن هذا النوع من الفعل يخففه بعض العرب فيقول: (أوم) لشبه أول همزتيه بهمزة الاستفهام لمعاقبتها النون والتاء والياء. وقد أشار إلى هذا بقوله: .......................... .... وأؤم ونحوه وجهين في ثانيه أم والمراد بـ (نحوه): ما أول همزتيه المتحركتين للمضارع. فدخل فيه (أئن) فإنه مثل (أؤم) في جواز الإبدال والتحقيق. والرابع والخامس نحو: (إوم، وأوم) وهما مثالا: (إصبع، وأبلم) من (أم). وأما ما تبدل فيه ياء فهو إذا كانت مفتوحة بعد مكسورة، أو مكسورة بعد مفتوحة، أو مكسورة، أو مضمومة. فالأول نحو: (أئم) مثل (إصبع) من (أم). والثاني نحو: (أين) أصله (أإن) بهمزتين الأولى همزة المتكلم، والثانية فاء الكلمة، لأنه مضارع (أن) ولكنه استثقل فيه توالي الهمزتين فخفف بإبدار الثانية من جنس حركتها، وقد يقال: (أإن) لشبه الأولى بالمنفصلة كما ذكرناه.

ولم يعامل هذه المعاملة من غير الفعل، إلا {أيمة} [القصص/ 5] فإنه جاء بالإبدال والتصحيح، وعليه قراءة ابن عامر والكوفيين. والثالث نحو: (إيئم) مثال (إصبع) من (أم). والرابع: (أين) أصله: (أإين) مضارع (أننته) أي: جعلته يئن، فدخله النقل والإدغام، ثم خفف بإبدال ثاني همزتيه من جنس حركتهما فصار (أين). وأما النوع الثاني: فتبدل فيه الهمزة الثانية ياء، سواء كان ما قبلها ساكنًا أو متحركًا، ولذلك قال: ................... .... ..... ما لم يكن لفظًا أتم فذاك ياء مطلقًا ....... .... ....................... يعني: أن ثاني الهمزتين إذا كان متطرفًا فأوجب غبداله ياء، سواء كان أول الهمزتين ساكنًا أو مفتوحًا أو مكسورًا أو مضمومًا، ولا يجوز إبداله واوًا، لأن الواو لا تقع متطرفة فيما زاد على ثلاثة أحرف، وإنما تبدل ياء، ثم ما قبلها إن كان مفتوحًا قلبت ألفًا، وإن كان مضمومًا كسر، فتقول في مثال (جعفر وزبرج وبرثن) من (قرأ): (القرأأ والقرئئ والقروؤ). [340] // ونحو ذلك قولهم: (رزيئة ورزايا) الأصل: (رزائي) فأبدلت ثاني همزتيه ياء، ثم عومل معاملة (قضايا) فصار (رزايا). ومثله (خطيئة وخطايا). والتصحيح في هذا النحو نادر، كقول بعضهم: (اللهم اغفر لي خطائي). والله أعلم. 953 - وياء اقلب ألفًا كسرًا تلا .... أو ياء تصغير بواوٍ ذا افعلا 954 - في آخر أو قبل تاء التأنيث أو .... زيادتي فعلان ذا أيضًا رأوا يجب قلب الألف ياء في موضعين: أحدهما: أن يعرض كسر ما قبلها للجمعية، كقولك في جمع (مصباح): (مصابيح) أبدلت الألف ياء، لأنه لما كسر ما قبلها للجمعية لم يمكن بقاؤها، لتعذر النطق بالألف بعد غير الفتحة، فردت إلى مجانس حركة ما قبلها، فصارت ياء كما ترى. الثاني: أني قع قبلها ياء التصغير، كقولك في (غزال): (غزيل): بإبدال الألف ياء وإدغام ياء التصغير فيهان لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، فلم يمكن النطق بالألف بعدها فردت إلى الياء، كما ردت إليها بعد الكسرة.

وقوله: ................... .... .......... بواوٍ ذا أفعلا في آخر .............. .... ...................... يفهم منه أنه يُفعل بالواو الواقعة آخر ما فعل بالألف من إبدالا ياء لكسر ما قبلها، أو لمجيئها بعد ياء التصغير. فالأول نحو: (رضي وقوي): أصلهما: (رضو وقوو) لأنهما من الرضوان والقوة، ولكنه لما كسر ما قبل الواو وكانت بطرفها معرضة لسكون الوقف عوملت بما تقتضيه السكون من وجوب إبدالها ياء توصلا إلى الخفة، وتناسب اللفظ. ومن ثم لم تتأثر الواو بالكسرة وهي غير متطرفة (كعوض، وعوج) إلا إذا كان مع الكسرة ما يعضدها كـ (حوض وحياض، وسوط وسياط). والثاني: كقولك في تصغير (جرو): (جُري) أصله (جريو) فاجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، وفقد المانع من الإعلال، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء فصار (جُري). وليس هذا النوع بمقصود له من قوله: ................... .... .......... بواوٍ ذا أفعلا في آخرٍ .............. .... ...................... إنما مقصوده التنبيهعلى النوع الأول، لأن قلب الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون لا يختص بالواو المتطرفة، ولا بما سبقها ياء التصغير، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: .......... أو قبل تاء التأنيث .... أو زيادتي فعلان ......... مثاله: (شجية) أصله (شجوة) لأنه من الشجو، ففعل بالواو قبل تا التأنيث ما فعل بها متطرفة، لأن تاء التأنيث في حكم الانفصال، وكذا الألف والنون في نحو (فعلان) لها حكم الانفصال أيضًا. ولذلك تقول في مثال (ضربان) من (غزو غزيان). وقوله: .............. .... ......... ذا أيضًا رأوا [341] تتمة قوله: // 955 - في مصدر المُعتل عينًا والفعل .... منه صحيح غالبًا نحو الحول

وذلك نحو: (صام صيامًا، وانقاد انقيادًا) والأصل: (صوام، وانقواد) ولكنه لما اعتلت الواو في الفعل استثقل بقاؤها في المصدر بعد الكسرة وقبل حرف يشبه الياء، فاعتلت حملًا للمصدر على فعله بقلبها ياء، ليصير العمل في اللفظ من وجه واحد، إلا فيما شذ من قولهم: (نار نوارًا) بمعنى: (نفر). فلو صحت الواو في الفعل لما يؤثر كونها بين الكسرة والألف نحو: (لاود لوادا، وجاور جوارًا). وكذا لو لم تكن قبل الألف، لأن العمل حينئذ مع التصحيح يكون أقل، وذلك نحو: (حال حولًا، وعاد المريض عودًا). 956 - وجمعُ ذي عين أعل أو سكن .... فاحكم بذا الإعلال فيه حيث عن نقول: أينما عرض كون الواو مكسورًا ما قبلها، وهي عين جمع، اعتلت في واحده أو سكنت فيه وجب قلبها ياء. وليس ذلك على إطلاقه، بل وجوب القلب فيه مشروط بوقوع الألف بعد الواو وذلك نحو: (ديار، وثياب) أصلهما (دوار، وثواب) ولكن قلبت الواو في الجمع ياءً لانكسار ما قبلها ومجيء الألف بعدها مع كونها في الواحد: إما معتلة: كـ (دار) أو شبيهة بالمعتل في كونها حرف لين ساكنًا ميتًا كـ (ثوب). وهذا الشرط المذكور في وجوب القلب يدل عليه مساق قوله: 957 - وصححوا فعلة وفي فعل ... . وجهان والإعلال أولى كالحيل لأنه تضمن بيان ما لا يعل، وما يجوز فيه الوجهان من كل واو مكسور ما قبلها وهي عين الجمع اعتلت في واحدة، أو سكنت. ففهم أنه يجب الإعلال فيما سكت عن ذكره، وهو (فعال). فأما (فعلة) فألزموا عينة التصحيح نحو: (عود وعودة، وكوز وكوزة) لأنه لما عدمت الألف قل عمل اللسان فخف النطق بالواو بعد الكسرة فصحت ولم يجز اعتلالها إلا فيما شذ من قول بعضهم: (ثيرة) لأنه انضم إلى عدم الألف تحصين الواو، ببعدها عن الطرف بسبب تاء التأنيث.

وأما (فعل) فجاء فيه التصحيح كـ (حاجة وحوج) نظرًا إلى عدم الألف، والإعلال أيضًا كـ (قامة وقيم، وحيلة وحيل، وديمة وديم) نظرًا إلى أنها بقربها من الطرف قد ضعفت وثقل فيها التصحيح فأعلت غالبًا. 958 - والوا لاما بعد فتح يا انقلب ... . كالمعطيان يرضيان ووجب 959 - إبدال واوٍ بد ضم من ألف ... . ويا كموقنٍ بذا لها اعترف [342] // تبدل الواو ياءً إن تطرفت رابعة فصاعدًا وانفتح ما قبلها، لأن ما هي فيه إذ ذاك لا يعدم نظيرًا يستحق الإعلال، فيحمل هو عليه، وذلك نحو: (أعطيت) أصله: (اعطوت) لأنه من (عطا يعطو) بمعنى: أخذ، فلما دخلت عليه همزة النقل صارت الواو رابعة، فقلبت ياءً حملًا للماضي على مضارعه، كما حمل اسم المفعول من نحو: (مُعطيان) على اسم الفاعل، وكذلك (يرضيان) أصله (يرضوان) لأنه من الرضوان، ولكن قلبت واوه بعد الفتحة ياءً حملًا لبناء المفعول على بناء الفاعل. وقوله: ... . ووجب إبدالُ واوٍ بعد ضم من ألف ... . ... مثاله: (بويع وضورب). وقوله: ويا كموقنٍ بذا لها اعترف يعني: أنه يجب إبدال الياء واوًا إن كانت ساكنة مفردة بعد ضمة وذلك نحو: (موقن وموسر) أصلهما: (ميقن وميسر) لأنهما من أيقن وأيسر، ولو تحركت الياء قويت على الضمة ولم تعل غالبًا نحو: (هيام). وقولي: (غالبًا) احترازًا مما يأتي ذكره. وكذلك لو تحصنت الياء بالتضعيف كـ (حيض). 960 - ويكسر المضموم في جمع كما ... . يقال هيمٌ عند جمع أهيما إذا اقتضى القياس في جمع وقوع الياء الساكنة المفردة بعد ضمة لم تخفف بإبدال الياء واوًان بل بتحويل الضمة قبلها كسرة، لأن الجمع أثقل من الواحد، فكان أحق بمزيد التخفيف فعدل عن إبدال عينه حرفًا ثقيلًا وهو الواو إلى إبدال الضمة كسرة وذلك نحو: (هيماء وهيم، وبيضاء وبيض) لأنهما نظير: (حمراء وحُمر). 961 - وواوًا اثر الضم رد اليا متى ... . ألفي لام فعل أو من قبل تا

962 - كتاء بان من رمى كمقدره .... كذا إذا كسبعان صيره تبدل الياء المتحركة بعد الضمة واوًا، إن كانت لام فعل كـ (نهو الرجل) أصله (نهي الرجل) لقولهم في المصدر منه (نهية). ونحو (قضو الرجل) بمعنى: ما أقضاه! أو كانت لام اسم مبني على التأنيث بالتاء كـ (مرموة) مثال (مقدرة) من (رمى). فلو كانت التاء عارضة أبدلت الضمة كسرة وسلمت الياء، كما يجب ذلك مع التجريد وذلك نحو: (توانى توانيًا) أصله: (توانيا) لأنه نظير (تدارك) ولكن خفف بإبدال ضمته كسرة لأنه ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة لازمة. وإذا لحقته التاء للدلالة على المرة قلت: (توانية) لأنها عارضة فلا اعتداد بها. قوله: ...................... .... كذا إذا كسبُعان صيره أي: كذلك يجب إبدال الياء بعد الضمة واوًا فيما صيره الباني له على مثال [343] (سبعان) وهو اسم مكان وذلك نحو: (رموان) أصله (رميان) لأنه من // (رميت)، ولكن قلبت الياء واوًا وسلمت الضمة قبلها لأن الألف والنون لا يكونان أضعف حالًا من التاء اللازمة في التحصين من التطرف. 963 - وإن تكن عينًا لفُعلى وصفا .... فذاك بالوجهين عنهم يُلفى يعني: إذا كانت الياء المضموم ما قبلها عينًا لـ (فُعلى) وصفًا جاز تبديل الضمة كسرة وتصحيح الياء وإبقاء الضمة وإبدال الياء واوًا، كقولهم في أنثى (الأكيس، والأضيق): (الكيسى والضيقى، والكوسى والضوقى) ترديدًا بين حمله على مذكره تارة، وبين رعاية الزنة أخرى. وقوله: .......... وصفًا .... ..................... احترازًا من نحو: (طوبى) بمعنى (الطيبة).

فصل 964 - من لام فعلى اسما أتى الواو بدل .... ياء كتقوى غالبا جا ذا البدل تبدل غالبًا الواو من الياء الكائنة لامًا لـ (فعلى) اسمًا فرقًا بينه وبين الصفة وذلك نحو: (تقوى) أصله (تقيا) لأنه من تقيت، ولكنهم قلبوا الياء واوًا ليفرقوا بينه وبين (صديا، وخزيا) من الصفات. وخصوا الاسم بالإعلال لأنه أخف من الصفة، فكان أحمل للثقل. ومثل (تقوى): (الشروى) بمعنى: المثل و (الفتوى، والبقوى، والثنوى) بمعنى: (الفتيا، والبقيا، والثنيا). وقوله: ................ .... ..... غالبًا ......... احترازًا من نحو قولهم للرائحة: (ريا)، ولولد البقرة الوحشية: (طغيا) ولمكان بعينه: (سعيا). 965 - بالعكس جاء لام فعلى وصفا .... وكون قصوى نادرًا لا يخفى يقول: إذا كانت الواو لامًا لـ (فعلى) وصفًا أبدلت ياء نحو: (الدنيا والعليا). وشذ قول أهل الحجاز: (القصوى). فإن كانت (فعلى) اسمًا سلمت الواو (كحزوى).

فصل 966 - إن يسكن السابق من واو ويا .... واتصلا ومن عروض عريا 967 - فياء الواو اقلبن مُدغما .... وشذ معطى غير ما قد رسما إذا التقى في كلمة واو وياء، وسكن سابقهما سكونًا أصيلًا، توصل إلى تخفيفه بإبدال الواو ياء، وإدغاما لياء في الياء وذلك نحو: (سيد، ومرمي) أصلهما: (سيود، ورموي) لأنهما (فيعل) من (ساد يسود) و (مفعول) من (رميت). [344] ولو عرض التقاء الياء والواو في كلمتين لم يؤثر نحو: // (يعطي، وأعد) كما لا يؤثر عروض السكون في نحو: (قوي، وروية) مخففي (قوي، ورؤية). فإن كان التقاؤهما في كلمة واحدة والسكون غير عارض وجب الإبدال إلا في مصغر ما يكسر على مثال (مفاعل) فيجوز فيه الوجهان نحو: (جدول) إذا صغرته فإنه يجوز فيه (جديل) على القياس، و (جديول) حملًا على (جداول) وتقول في (أسود) صفة (أسيد) لا غير، لأنه لا يجمع على (أساود). قوله: .................. .... وشذ معطى غير ما قد رسما الشاذ من هذا النوع على ثلاثة أضرب: أحدها: ما شذ فيه الإبدال لأنه لم يستوف شروطه، كقراءة من قرأ قوله تعالى: {إن كنتم للريا تعبرون} [يوسف/ 43]. الثاني: ما شذ فيه التصحيح، كقولهم للسنور: (ضيون) و (عوى الكلب عوية) و (يوم أيوم). والثالث: ما شذ فيه إبدال الياء واوًا، وإدغام الواو في الواو نحو: (عوى الكلب عوة، ونهو عن المنكر).

968 - من ياء أو واو بتحريك أصل .... ألفا ابدل بعد فتح متصل 969 - إن حرك التالي وإن سكن كف .... إعلال غير اللام وهي لا يكف 970 - إعلالها بساكن غير ألف .... أو ياء التشديد فيها قد ألف الإشارة بهذه الأبيات إلى أنه يجب إبدال الألف من كل ياء أو واو محركة بحركة أصلية إن وليت فتحة ولم يسكن بعدها غير ألف، ولا ياء مشددة بعد اللام وذلك نحو: (باع وقال ورمى ودعا) أصلها: (بيع وقول ورمي ودعو) لأنها من (البيع والقول والرمي والدعوة). فلو كانت الحركة عارضة لم تبدل ما هي عليه نحو: (جيل، وتوم) مخففي: (جيال، وتوءم). ولو سكن ما بعد الياء أو الواو وجب تصحيحها إن لم تكن لامًا نحو: (بيان وطويل وخورنق). فإن كانت لامًا أعلت ما لم يكن الساكن بعدها ألفًا أو ياء مشددة كـ (رميا، وفتيان، وعلوي، ومقتوي) وهو الخادم، وذلك نحو: (يخشون، ويمحون) أصلهما: (يخشيون، ويمحوون) فقلبت الواو والياء ألفًا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، فالتقى ساكنان، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. ولو بنيت مثل (ملكوت) من (رمى) لقلت فيه: (رموت) على هذا القياس. 971 - وصح عين فعل وفعلا .... ذا أفعل كأغيد وأحولا التزم التصحيح في عين (فعل) مما اسم فاعله على (أفعل) نحو: (هيف فهو أهيف) و (حول فهو أحول) مع أن سبب الإبدال فيه موجود، لأن (فعل) من هذا [345] النحو يختص بالألوان والخلق، // فهو موافق في المعنى لـ (أفعل) نحو: (أحول، واعور، واصيد البعير، واعين) فحمل عليه في التصحيح، وحمل المصدر على فعله، فقيل: (هيف هيفا، وحول حولا، وعور عورًا، وعين عينًا). 972 - وإن يبن تفاعل من افتعل .... والعين واو سلمت ولم تعل حق (افتعل) المعتل العين أن تبدل عينه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وعدم المانع من الإبدال وذلك نحو: (اعتاد، وارتاب). فإن أبان معنى (تفاعل) وهو الاشتراك في الفاعلية والمفعولية حمل عليه في التصحيح إن كان من ذوات الواو نحو: (اجتوروا، واشتوروا).

فإن كان من ذوات الياء وجب إعلاله نحو: (ابتاعوا، واستافوا) إذا تضاربوا بالسيوف، لأن الياء اشبه بالألف من الواو، فكانت احق بالإعلال منها. 973 - وإن لحرفين ذا الاعلال استحق .... صحح أول وعكس قد يحق يعني: إذا اجتمع في كلمة حرفًا علة، وكل منهما متحرك مفتوح ما قبله، فلا بد من إعلال أحدهما وتصحيح الآخر، لئلا يتوالى إعلالان، والأحق بالإعلال منهما هو الثاني وذلك نحو: (الحيان والهوى، والحوى مصدر حوي إذا اسود)، الأصل فيها (حيي) لقولهم في التثنية: (حييان) و (هوي) لقولهم: (هويت من المكان) و (حوو) لأنه من (الحوة) لقولهم: (حواء) في أنثى الأحوى، فوجب فيها سبب إعلال العين واللام، ولم يمكن العمل بمقتضاه فيهما جميعًان فعمل به في اللام وحدها إذ كانت طرفًا، والطرف محل التغيير فهو أحق به، وتحصنت العين بكونها حشوًا فسلمت. وكذا يفعل بكل ما جاء من هذا الباب، إلا ما شذ من نحو: (غاية) أصلها: (غيية) فأعلت منها العين وصحت اللام لأنها هنا تحصنت بهاء التأنيث، والعين قد سبقت بمقتضى الإعلال. ومثل (غاية) في ذلك (طاية) وهو السطح والدكان أيضًان و (ثاية) وهي حجارة صغار يضعها الراعي عند متاعه فيثوي عندها. 974 - وعين ما آخره قد زيد ما .... يخص الاسم واجب أن يسلما يمتنع من قلب الواو والياء ألفًا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما كونهما عينا فيما آخره زيادة تخص الأسماء، لأنه بتلك الزيادة يبعد شبهه بما هو الأصل في الإعلالن وهو الفعل، فيصحح لذلك نحو: (جولان، وهيمان، وصورى، وحيدى). ولا يجيء منه معلا إلا ما شذ من نحو: (ماهان، وداران). وأما نحو: (حوكة، وخوتة) فتصحيحه شاذ شذوذ (روح، وغيب، وعفوة) لأن تاء التأنيث مختصة بالأسماء. 975 - وقبل يا اقلب ميما النون إذا .... كان مسكنًا كمن بت انبذا

[346] // في النطق بالنون الساكنة قبل الباء عسر لاختلاف مخرجهما، مع منافرة لين النون وغنتها، لشدة الباءن فإذا وقعت النون ساكنة قبل الباء قلبت ميمًا، لأنها من مخرج الياء، وكالنون في الغنة، والمنفصلة في ذلك كالمتصلة، وقد جمع مثاليهما في قوله: ............. .... ....... من بت انبذا أي: من قطعك فألقه عن بالك واطرحه، والألف في (انبذا) بدل من نون التوكيد الخفيفة.

فصل 976 - لساكن صح انقل التحريك من .... ذي لين آت عين فعل كأبن 977 - ما لم يكن فعل تعب ولا .... كابيض أو أهوى بلام عُللا إذا كان عين الفعل واوًا أو ياءً، وكان ما قبلهما ساكنًا صحيحًا استثقلت الحركة على العين ووجب نقلها إلى الساكن قبلها كقولك: (يبين، ويقول) أصلهما: (يبيين، ويقول) فنقلت منهما حركة العين إلى الفاء، فصارا: (يبين، ويقول). ثم إن خالفت العين الحركة المنقولة أبدلت من مجانسها نحو: (أبان، وأعان) أصلهما: (أبين، وأعون) فدخلهما النقل والقلب، فصارا: (أبان، وأعان). ولو كان الساكن قبل العين معتلا، فلا نقل نحو: (بايع، وعوق، وبين). وكذا لو كان صحيحًا، والفعل فعل تعجب أو من المضاعف أو المعتل اللام، فالتعجب نحو: (ما أبين الشيء وأقومه، وأبين به وأقوم!). حملوه في التصحيح على نظيره من الأسماء في الوزن، والدلالة على المزية، وهو (أفعل التفضيل). وأما المضاعف فنحو: (ابيض، واسود) ولم يعلوا هذا النحو، لئلا يلتبس بـ (فاعل). وأما المعتل اللام فنحو: (أهوى) ولا يدخله النقل لئلا يتوالى إعلالان. 978 - ومثل فعل في ذا الاعلال اسم .... ضاهي مضارعًا وفيه وسم يشارك الفعل في وجوب الإعلال بالنقل المذكور كل اسم أشبه المضارع في زيادته لا وزنه، أو في وزنه لا زيادته. فالأول: كـ (تبيع) وهو مثال: (تحلئ) من البيع. والثاني: كـ (مقام) فإنه أشبهه في الزيادة والوزن. فإن كان في الأصل فعلًا أعل نحو: (يزيد) وإلا وجب تصحيحهن ليمتاز عن الفعل، كـ (ابيض، واسود).

979 - ومفعل صحح كالمفعال .... وألف الإفعال واستفعال [347] // 980 - أزل لذا الإعلال والتا الزم عوض .... وحذفها بالنقل ربما عرض (المفعال) كـ (مسواك، ومخياط) لا حظ له في الإعلال المذكور، لمخالفته الفعل في الوزن والزيادة. وأما (مفعل) كـ (مخيط) فكان حقه أن يعل، لأنه على وزن (تعلم) وزيادته خاصة بالأسماء، ولكنه حمل على (مفعال) لشبهه به لفظًا ومعنى في التصحيح. قوله: ........................... .... وألف الإفعال واستفعال أزل لذا الإعلال والتا الزم عوض .... .................. يعني: إذا كان المستحق لنقل المذكور مصدرًا على وزن (إفعال، واستفعال) حمل على فعله، فنقلت حركة عينه إلى فائه وردت إلى مجانستها فالتقى ألفان، فحذفت الثانية لالتقاء الساكنين، ثم عوض عنها تاء التأنيث وذلك نحو: (إقامة واستقامة) أصلهما: (إقوام واستقوام). ثم فعل بهما ما فعل بما ذكر. قوله: ......................... .... وحذفها بالنقل ربما عرض يعني: أنه ربما حذفت التاء المعوض بها كقول بعضهمك (أراه إراءن وأجابه إجابًا) حكاه الأخفش. ويكثر ذلك مع الإضافة كقوله تعالى: {وإقام الصلاة} [الأنبياء/ 73]. فهذا على حد قول الشاعر: [من البسيط] 694 - وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا

981 - وما لإفعال من النقل ومن .... حذف فمفعول به أيضًا قمن 982 - نحو مبيع ومصون وندر .... تصحيح ذي الواو وفي ذي اليا اشتهر إذا بني مثال (مفعول) من فعل ثلاثي معتل العين، نقلت حركتها وحذفت المدة التي بعدهان كما يفعل بـ (إفعال، واستفعال)، فيقال: (مبيع، ومصون) أصلهما: (مبيوعن ومصوون) فدخلهما الإعلال المذكور فصارا: (مبيعًا، ومصونًا) كما ترى. وكان حق (مبيع) أن يقال فيه (مبوع)، إلا أنهم كرهوا انقلاب يائه واوًا، فأبدلوا الضمة قبلها كسرة، فسلمت من الإبدال، وبعض العرب يصحح (مفعولًا) من ذوات الواو، فيقولون: (ثوب مصوونن وفرس مقوود) وهو قليل. وأما (مفعول) من ذوات الياء: فبنو تميم يصححونه فيقولون: (مبيوع، ومخيوط) قال الشاعر: [من الكامل] 695 - وكأنها تفاحة مطيوبة .... ..................... وقال الآخر: [من البسيط] 696 - حتى تذكر بيضات وهيجه .... يوم رذاذ عليه الدجن مغيوم وقال الآخر: [من الكامل] 697 - قد كان قومك يحسبونك سيدًا .... وأخال أنك سيد معيون [348] // 983 - وصحح المفعول من نحو عدا .... وأعلل إن لم تتحر الأجودا

لا يختلف الحال في بناء وزن (مفعول) مما لامه ياء فإنه يسلك به قياس مثله في الإبدال والإدغام وتحويل الضمة كسرة، وذاك قولك: (مرمي، ومحمي). أما بناؤه مما لامه واو فيجوز فيه الإعلال نظرًا إلى تطرف الواو بعد أكثر من حرفين، والتصحيح أيضًا نظرًا إلى تحصن الطرف بالإدغام وذلك نحو: (معدى، ومعدو) فن قال معدى أعل حملًا على فعل المفعول، ومن قال معدو صحح حملًا على فعل الفاعل. والتصحيح هو المختار، إلا فيما كان الفعل منه على (فعل) كـ (رضي) فإنه بالعكس، لأن الفعل إذ ذاك في بنائه للفاعل أو للمفعول قد أبدلت الواو فيه ياء، وحمل اسم المفعول على فعله في الإعلال أولى من التصحيح، قال الله تعالى: {ارجعي إلى ربك راضية مرضية} [الفجر/ 28]. وقال بعضهم: | (مرضوة) وهو قليل. 984 - كذاك ذا وجهين جا الفعول من .... ذي الواو لام جمعٍ أو فردٍ يعن إذا كان (فعول) مما لامه واو جمعًا؛ فأكثر ما يجيء معتلا وذلك نحو: (عصا وعصي، وقفا وقفي، ودلو ودلي). وقد يصحح نحو: (أبٍ وأبو، ونحوٍ ونحو، ونجو ونجو) والنجو: السحاب الذي هراق ماؤه، وإن كان فعول المذكور مفردًا فأكثر ما يجيء مصححًا نحو: (علا علوا، ونما نموا). وقد يعل نحو: (عتا الشيخ عتيًا) أي: بكر، و (قسا قسيًا) أي: قسوة. 985 - وشاع نحو نيم في نوم .... ونحو نيام شذوذه نمي يجوز في (فعل) ما عينه واو التصحيح على الأصل كـ (نائم ونوم، وصائم وصوم) والإعلال أيضًا هربًا من الأمثال كـ (نيم، وصيم). فإن جاء بالألف كـ (فعال) وجب تصحيحه لأن الألف باعدت العين من الطرف. وقد شذ الإعلال في قول الشاعر: [من الطويل] 698 - ألا طرقتنا مية بنة منذرٍ .... فما أرق النيام إلا كلامها وإليه الإشارة بقوله: ............... .... ونحو نيامٍ شذوذه نمي. أي: روي.

فصل 986 - ذو اللين فتا في افتعال أبدلا .... وشذ في ذي الهمز نحو ايتكلا إذا كان فاء الافتعال وفروعه واوًا أو ياءً، وجب إبدالها تاء لعسر النطق بحرف [349] اللين // الساكن مع التاء لما بينهما من مقاربة المخرج ومنافاة الوصف وذلك نحو: (اتصل فهو متصل، واتسر فهو متسر). هذا هو الغالب في كلام العرب. وقوم من الحجاز يتركون هذا الإبدال ويقولون: (ايتصل، فهو موتصل، وايتسر فهو موتسر). وما أصله الهمز من هذا القبيل فقياسه أن لا تبدل تاء وذلك نحو: (ايتكل ايتيكالا) الأصل: (ائتكل ائتكالا) لأنه افتعل من الأكل، ففاء الكلمة همزة، ولكنها خففت بإبدالها حرف لين لاجتماعها مع الهمزة التي قبلها. ولا يجوز إبدال ذلك اللين تاء إلا ما شذ من قول بعضهم: (اتزر) أي لبس الإزار. وإلى هذا الإشارة بقوله: .................. .... ........ نحو ايتكلا ولا يريد أن يقال في (افتعل) من الأكل: (اتكل). 987 - طا تا افتعال رد إثر مطبق .... في ادان وازدد وادكر دالا بقي يجب إبدال تاء الافتعال وفروعه طاء بعد أحد حروف الإطباقن وهي الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، وذلك نحو: (اصطبر، واضطرم، واطعنوا، واظلموا)، الأصل: (اصتبر، واضترم، واطتعنوا، واظتلموا) لأنها (افتعل) من (صبر، وضرم، وطعن، وظلم) ولكن استثقل اجتماع التاء مع الحرف المطبق لما بينهما من مقاربة المخرج ومباينة الوصف، إذ التاء من حروف الهمس، والمطبق من حروف الاستعلاء، فأبدل من التاء حرف استعلاء من مخرجها، وهو الطاء. وتبدل أيضًا تاء الافتعال، وفروعه دالا بعد الدال أو الزاي أو الذال، كما إذا بنيت مثل (افتعل) من (دان، وزاد، وذكر) فإنك تقول فيه: (ادان، وازداد، وادكر)، الأصل: (ادتان، وازتاد، واذتكر) فاستثقل مجيء التاء بعد هذه الأحرف فأبدلت دالًا، ثم أدغمت فيها الذال في نحو: (ادكر) وقد تبدل ذالا بعد الذال وتدغم فيها كقول بعضهم: (اذكر).

فصل 988 - فا أمرٍ أو مضارعٍ من كوعد .... إحذف وفي كعدة ذاك اطرد إذًا كان الفعل على فعل مما فاؤه واو كـ (وعد، ووصل) فإنه يلزم كسر العين في المضارع تحقيقًا، كـ (يعد) أو تقديرًا كـ (يهب). ويجب حذف الواو استثقالًا لوقوعها ساكنة بين ياء مفتوحة وكسرة لازمة، وحمل على زي الياء إخوانه من (أعد، ونقد، وتعد)، والأمر أيضًا لموافقته المضارع في لفظه، نحو: (عد)، والمصدر على (فعلة) كـ (عدة، وزنة) أصلهما: (وعد، ووزن) على مثال (فعل) ثم حمل المصدر على الفعل فحذفت فاؤه وعوض عنها تاء التأنيث، فصار (عدة، وزنة). ولو كان (فعلة) غير مصدر كان حذف الواو شاذًا كقولهم للفضة (رقة) [350] // وللأرض الموحشة (حشة) وللترب (لذة). وتقول في مثل (يقطين) من وعد (يوعيد) لأن التصحيح أولى بالأسماء من الإعلال. 989 - وحذف همز أفعل استمر في .... مضارع وبنيتي متصف حق (أفعل) أن يجيء مضارعه (يأفعل) بزيادة حرف المضارعة على أحرف الماضي، كما يجيء غيره من الأمثلة نحو: (ضارب يضارب، وتعلم يتعلم) إلا أنه لما كان من حروف المضارعة همزة المتكلم حذفت همزة (أفعل) معها لئلا يجتمع همزتان في كلمة واحدة، وحمل على ذي الهمزة إخواته واسم الفاعل واسم المفعول، وإلى ذا الإشارة بقوله: ................... .... ............ وبنيتي متصف وذلك نحو: (أكرم، ونكرم، ويكرم، وتكرم، ومكرم، ومكرم).

ولا يجوز استعمال الأصل إلا في ضرورة قليلة كما قال الشاعر: [من الرجز] 699 - فإنه أهل لأن يؤكرما 990 - ظلت وظلت في ظلت استعملا .... وقرن في اقررن وقرن نقلا كل فعل مضاعف على (فعل) فإنه يستعمل في إسناده إلى تاء الضمير ونونه على ثلاثة أوجه: تامًا كـ (ظللت). ومحذوف اللام مع نقل حركة العين إلى الفاء كـ (ظلت). ودون نقلها كـ (ظلت). وقوله: ...................... .... وقرن في اقررن ......... يعني: أنه استعمل التخفيف في (اقررن) فقيل: (قرن). والضابط في هذا النحو: أن المضارع على (يفعل) إذا كان مضارعًا سكن الآخر لاتصاله بنون الإناث، فجاز تخفيفه بحذف عينه بعد نقل حركتها إلى الفاء، وكذلك الأمر منه. تقول في (يقررن) يقرن، وفي (اقررن): قرن. قوله: ............................ .... ............ وقرن نُقلا إشارة إلى قراءة نافع وعاصم قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب/ 33] أصله: (اقررن) من قولهم: (قر في المكان يقر) بمعنى يقر، حكاه ابن القطاع. ثم خفف بالحذف، بعد نقل الحركة، وهو نادر، لأن هذا التخفيف إنما هو للمكسور العين.

الإدغام

الإدغام 991 - أول مثلين محركين في .... كلمة ادعم لا كمثل صفف 992 - وذلل وكلل ولبب .... ولا كجسس ولا كاخصص أبي 993 - ولا كهيلل وشذ في ألل .... ونحوه فك بنقل فقبل يدغم أول المثين إذا تحركا في كلمة واحدة، ولم يصدر أو لم يكن ما هما فيه اسمًا [351] على (فعل، // أو فعل، أو فعل، أو فعل) ولم يتصل أول المثلين بمدغم ولم يعرض تحرك ثانيهما، ولم يكن ما هما فيه ملحقًا بغيره وذلك نحو: (رد، وضن، ولب) أصلها: (ردد، وضنن، ولبب). فلو كان المثلان مصدرين كـ (ددن، وتتنزل) فلا إدغام لتعذر الابتداء بالساكن، وكذلك إن كان الاسم على (فعل) كـ (صفف، ودرر) أو (فعل) كـ (ذلل، وجدد) أو (فعل) كـ (كلل، ولمم) أو (فعل) كـ (طلل، ولبب) فإنه يتعذر فيه الإدغام لخفة (فعل) واختصاص غيره بالأسماء. وكذلك إذا اتصل أول المثلين بمدغم، كـ (جسس) جمع جاس، أو تحرك ثانيهما بحركة عارضة، كقولك: (اخصص أبي) بنقل حركة الهمزة إلى الصاد، أو كان ما هما فيه ملحقًا بغيره، سواء كان أحد المثلين هو الملحق أو غيره. فالأول نحو: (مردد، ومهدد). والثاني كـ (هيلل) إذا أكثر من قول: لا إله إلا الله. فهذا وأمثاله لا سبيل إلى إدغامه، لأدائه إلى ذهاب مثل الملحق به.

قوله: ........... وشذ في ألل .... ...................... يعني: وشذ الفلك وترك الإدغام في أشياء تحفظ ولا يقاس عليها نحو: (ألل السقاء): إذا تغيرت رائحته، و (دبب الإنسان) إذا نبت في وجنتيه الشعر، و (صكك الفرس) إذا اصطك عرقوباه، و (ضبب البلد) إذا كثر ضبابه، و (لحمت عينه) إذا التصقت بالرمص. 994 - وحيي افكك وادغم دون حذر .... كذاك نحو تتجلى واستتر لما ذكر الضابط في إدغام المثلين المتحركين من كلمة واحدة شرع الآن في ذكر ما يجوز فيه الإدغام والفك من ذلك ليعلم ما يجب فيه الإدغام منه. فما يجوز فيه الوجهان: ما المثلان منه ياءانن لازما التحريك نحو: (حي، وعي) فمن أدغم قال: (حي، وعي) نظرًا إلى أنهما مثلان متحركان في كلمة حركة لازمة بخلاف لن يحيي فإن حركة ثاني المثلين منه عارضة بصدد أن تزول بزوال الناصب، ومن فك نظر إلى أن اجتماع المثلين في باب (حي) كالعارض، لكونه مختصًا بالماضي دون المضارع، والأمر بخلاف نظيره من الصحيح نحو: (رد، وعد). ولا يعتد بالعارض غالبًا. ومما يجوز فيه أيضًا الوجهان كل ما فيه تاءان مثل تاءي (تتحلى) فقياسه الفك لتصدر المثلين. ومنهم من يدغم، فيسكن أوله، ويدخل عليه همزة الوصل، فيقول: (اتجلى) وأما نحو: (استتر) فقياسه الفك أيضًا، لبناء ما قبل المثلين على السكون، ويجوز فيه الإدغام بعد نقل حركة أول المثلين إلى الساكن نحو: (ستر يستر سترًا). 995 - وما بتاءين ابتدي قد يقتصر .... فيه على تا كتبين العبر يعني: أنه قد يقال في نحو: (تتعلم): (تعلم) وفي (تتنزل): (تنزل) وفي [352] (تتبين): (تبين) هربًا إما من توالي // مثلينن وإما من إدغام، يحوج إلى زيادة ألف الوصل، وهذا التخفيف يكثر في التاء جدًا. وقد جاء شيء منه في النون كقراءة بعضهم: {ونزل الملائكة} [الفرقان/ 25] بالنصب على تقدير: وننزل الملائكة. ومنه على الأظهر قوله تعالى: {وكذلك نجي المؤمنين} [الأنبياء/ 88] في قراءة ابن عامر وعاصم، أصله: (ننجي) ولذلك سكن آخره.

996 - وفك حيث مدغم فيه سكن .... لكونه بمضمر الرفع اقترن 997 - نحو حللت ما حللته وفي .... جزم وشبه الجزم تخيير قفى إذا سكن آخر الفعل المدغم فيه لاتصاله بضمير الرفع وجب الفك نحو: (حللت، وحللنا، والهندات حللن). وقوله: .............. وفي .... جزم وشبه الجزم تخيير قفي يعني: أنه يجوز في نحو: (يحل) إذا دخل عليه جازم الفك نحو: (لم يحلل) والإدغام، نحو: (لم يُحل). والفك لغة أهل الحجاز، وبها جاء التنزيل نحو قوله تعالى: {من يرتدد منكم عن دينه} [البقرة/ 217]، وقوله تعالى: {ومن يحلل عليه غضبي} [طه/ 81]، وقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} [المدثر/ 6]، وقوله تعالى: {واغضض من صوتك} [لقمان/ 19]. والإدغام لغة بني تميم وعليها قوله تعالى: {ومن يشاق الله} في سورة [الحشر/ 4] وقوله تعالى: {ومن يرتد منكم عن دينه} في سورة المائدة [54] على قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، والكوفيين. والمراد بشبه الجزم سكون الأمر نحو: (احلل) وإن شئت قلت: (حل) لأن حكم الأمر أبدًا حكم المضارع المجزوم. 998 - وفك افعل في التعجب التزم .... والتزم الإدغام أيضًا في هلم لما فرغ من الكلام على المجزوم والأمر شرع في بيان حكم (أفعل) التعجب، وأنه مفكوك أبدًان بخلاف غيره من أمثلة الأمر وذلك نحو: (أحبب إلى زيد بعمر، وأشدد ببياض وجه زيد). وكما التزم في هذا النوع الفك كذلك التزم في (هلم) الإدغام، فلم يقل فيه (هلمم). هذا آخر ما تضمنته هذه الأرجوزة من علم أحكام النحو.

ولذلك لما انتهى إليه لم يعقبه بأكثر من قوله: 999 - وما بجمعه عُنيت قد كمل .... نظمًا على جُل المهمات اشتمل [253] 1000 - أحصى من الكافية الخلاصة .... كما اقتضى غنى بلا خصاصه 1001 - فاحمد الله مصليًا على .... محمد خير نبي أرسلا 1002 - وآله الغُر الكرام البرره .... وصحبه المنتخبين الخيره فاعلم بأنه قد انتهى غرضه من هذا النظم، وأنه قد اشتمل على أعظم المهمات من علم العربية. ثم ختم الكلام بحمد الله تعالى، وبالصلاة على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين صلاة دائمة إلى يوم الدين. آمين، والحمد لله رب العالمين.

§1/1