شرح ألفية ابن مالك للعثيمين

ابن عثيمين

شرح ألفية ابن مالك [1]

شرح ألفية ابن مالك [1] علم النحو من العلوم الضرورية للمحافظة على اللغة العربية، ومن أحسن المنظومات المؤلفة فيه ألفية ابن مالك رحمه الله، فإنها جمعت مقاصد النحو وبينت مسائله، فمن تعلمها وأتقنها بلغ الغاية في هذا العلم.

مقدمة في فوائد علم النحو ونشأته

مقدمة في فوائد علم النحو ونشأته قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك مصلياً على النبي المصطفى وآله المستكملين الشرفا وأستعين الله في ألفيه مقاصد النحو بها محويه تقرب الأقصى بلفظ موجز وتبسط البذل بوعد منجز وتقتضي رضا بغير سخط فائقة ألفية ابن معط وهو بسبق حائز تفضيلا مستوجب ثنائي الجميلا والله يقضي بهبات وافره لي وله في درجات الآخره

أهمية علم النحو

أهمية علم النحو بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. نبدأ هذه الجلسات في النحو بألفية ابن مالك، وهي وإن كانت منتهى الطلب في النحو، لكن نظراً إلى أنكم والحمد لله قد أخذتم من النحو شيئاً كثيراً جعلناها هي المبتدأ. والحقيقة أن علم النحو مهم جداً لما فيه من الفوائد الكثيرة. فمن فوائده تقويم اللسان وتقويم البنان، أي: تقويم اللسان عند النطق، وتقويم البنان عند الكتابة. والنطق وإن كان الناس يتخاطبون فيما بينهم باللغة العامية فيعذرون؛ لأنك لو أردت أن تخاطب العامي باللغة العربية الفصحى لقال: هذا رجل أعجمي! لأنه لا يفهم اللغة العربية الفصحى إلا من ندر، لكن الكتابة التي يكون بالنحو تقويمها هي المهمة بالنسبة لطلبة العلم؛ لأن بعض الطلبة يكتب ما يكتب من الجواب على الأسئلة أو البحوث فتجد عنده من اللحن ما تكاد تقول: إنه في أول الدراسة، مع أنه قد يأخذ الشهادة العالية بعد شهر أو شهرين، وهذه محنة لما نعيشها اليوم. وبعض الطلبة إذا تكلم في الحديث أو تكلم في الفقه أو في التفسير وجدت كلامه جيداً، لكن عندما يكتب تجد عنده أخطاء، ربما يقول: باضت الدجاجةَ البيضةُ، فيجعل الدجاجة بيضة للبيضة، وتجد أشياء غريبة. لهذا أرى أنه يتعين على الطلبة الآن أن يتعلموا النحو وأن يمرنوا ألسنتهم وأقلامهم عليه حتى لا تسوء سمعتهم بين الناس. ومن فوائد علم النحو: أنه يعين على فهم الكتاب والسنة؛ لأنه يعرف به الفاعل من المفعول به، ويعين على فهم المعنى، فكم من آية اختلف المعنى بإعرابها، فمثلاً قال تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] أو (وأرجلِكم) فيختلف المعنى باختلاف الإعراب. {اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1] أو (والأرحامِ) فيختلف المعنى، فأنت إذا فهمت النحو أعانك على فهم المعنى، حتى تُنَزِّل الآيات والأحاديث على المراد بها. ومن فوائد علم النحو: إحياء اللغة العربية الفصحى، ولاشك أن إحياء اللغة العربية الفصحى وانتشارها بين الناس يؤدي إلى أن يسهل فهم الكتاب والسنة على كثير من الناس. وبهذا نعلم أن من قام بنشر اللغة غير العربية بين العامة فقد جنى على نفسه وعلى لغته وعلى من علمه تلك اللغة، نسمع أن من سفهائنا من يعلم صبيانه بدلاً من أن يقول: إذا دخلت على بيت أو على جماعة فقل: السلام عليكم، وإذا أردت أن تنصرف فقل: السلام عليكم؛ يقول: إذا دخلت فقل: باي باي! أو إذا انصرفت فقل: باي باي! سبحان الله! عندك لغة عربية ودعاء بالسلام فتجعل هذا الشيء بدلاً منه؟! فلهذا أقول: إن تعلم اللغة العربية يؤدي إلى سهولة التخاطب بها، والتخاطب بها يعين الإنسان على معرفة الكتاب والسنة.

نشأة علم النحو

نشأة علم النحو وعلم النحو إنما احتاج الناس إليه حين بدأ اللسان يختلف، ويقال: إن أول من ابتكره أبو الأسود الدؤلي في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك حينما دخل على ابنته وهي مضطجعة على فراشها تنظر إلى السماء وإلى المصابيح في الدجى، فقالت: يا أبت، ما أحسنُ السماء؟ فأجابها: نجومها. لأن قولها: ما أحسنُ السماء، يعني: أي شيء أحسن في السماء؟ فقال: نجومها، وهي لا تريد هذا، إنما تريد أن تتعجب من حسن السماء، فقالت: لست أريد هذا، إنما أريد أن أتعجب من حسنها. قال: يا بنية! افتحي فاك فقولي: ما أحسنَ السماءَ! لأنها إذا قالت: ما أحسنَ السماء! صارت الجملة جملة تعجب، وهذا هو المراد. فذهب أبو الأسود الدؤلي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبره الخبر، وكأنه يقول: أدرك الناس لا يفسد لسانهم، فوضع له شيئاً من القواعد وقال له: انح هذا المنحى، فسمي علم النحو. وعلم النحو وعلم الصرف صنوان يكمل أحدهما الآخر، لكن الناس إلى علم النحو أحوج منهم إلى علم الصرف؛ لأن علم النحو هو الذي تتغير به الكلمات كثيراً، وعلم الصرف تبقى الكلمة على ما هي عليه في اللغة لا تتغير سواء كانت فاعلاً أو مفعولاً أو مجروراً، لكن علم النحو هو الذي يكثر فيه التغيير، ولهذا كانت حاجة الناس إليه أعظم من حاجتهم إلى علم الصرف.

مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة والأرجح منهما

مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة والأرجح منهما وقد كان هذا العلم علماً مستقلاً، وكما نعلم أن الشيء أول ما يخرج يكون ضعيفاً، ثم انتشر بين العلماء وصار له أئمة ومشايخ وأتباع، وصار فيه مناظرات ومجادلات كثيرة، وانقسم العلماء فيه إلى قسمين: علماء الكوفة وزعيمهم الكسائي، وعلماء البصرة وزعيمهم سيبويه، ولكل منهم نظرات في علم النحو، وغالب ما يذهب إليه البصريون التقعيد والحفاظ على القواعد، وأما الكوفيون فهم يتساهلون في هذا الباب، وأنا إلى رأيهم أميل مني إلى رأي البصريين. فأقول: القاعدة عندي: إذا اختلف الكوفيون والبصريون في مسألة فاتبع الأسهل فإنه أسهل، أي: ليس فيه تعقيد؛ لأن هذا ليس أمراً شرعياً يثبت بالأدلة الشرعية حتى ننظر ونتعب، فمادام هذا جائزاً عند جماعة من العلماء فلنتبعه، وتتبع الرخص في هذا الباب جائز ولا حرج فيه؛ لأن تتبع الرخص في هذا الباب أسهل، وسيمر بنا إن شاء الله تعالى مسائل كثيرة نجد أن البصريين فيها متشددون وأن الكوفيين متساهلون. وإذا رأيتم أن نقرأ المقدمة -لأن فيها فائدة- فهو حسن.

التعريف بابن مالك وألفيته

التعريف بابن مالك وألفيته

الحياة العلمية في عصر ابن مالك

الحياة العلمية في عصر ابن مالك [بسم الله الرحمن الرحيم. إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد. مقدمة: الحالة العلمية في عصر ابن مالك. يمتاز عصر ابن مالك بكثرة ما ألف فيه من كتب في مختلف العلوم والفنون، ويرجع ذلك إلى ما كان يغدقه الملوك على العلماء من المال، وإلى ما كان للعلماء من المنزلة الرفيعة والتوقير لدى السلاطين والحكام، وإلى ما كان من رغبة بعض هؤلاء الملوك في إنشاء الخزانات الخاصة وحمل العلماء على تأليف الكتب برسمها. هذا إلى كثرة إنشاء المدارس وإقبال الطلاب عليها، هذه الحالة التي جعلت العلماء ينكبون على التأليف والتدوين حتى كان ما ألفوه أعظم ثروة علمية للغة والدين والآداب. ولعل كثرة إنشاء المدارس وإقبال الطلاب عليها وتخصيص المدرسين لها؛ لعل ذلك كان سبباً في أن يصبح التعليم صناعة خاصة تحمل العلماء على التفكير في تسهيل العلم على طلابه، وتيسير السبيل عليهم للإحاطة بشوارده، ولعله كان سبباً في أَنْ أكثرَ العلماءُ من نظم العلوم المختلفة، بل من نظم المنظومات المختلفة في العلم الواحد، فإنه من الثابت أن النظم أسرع في الحفظ وأبقى في الذهن من النثر. وإذا علمت أن ابن مالك أندلسي المولد والنشأة، وأن أهل الأندلس إذ ذاك أشد أهل الأرض حباً للعلم وتفانياً في تحصيله وتوقيراً لأهله، وأن ابن مالك ميال بطبعه إلى النظم فلم يكن يعاني في قوله مشقة، ولا يصادفه في إنشائه عنت؛ إذا عرفت ذلك أمكنك أن تدرك السر فيما وصل إليه ابن مالك من العلم والفضل].

ترجمة ابن مالك ناظم الألفية

ترجمة ابن مالك ناظم الألفية [هو الإمام أبو عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك الطائي نسباً الجياني منشأً الدمشقي إقامة ووفاة الشافعي النحوي. ولد رحمه الله سنة (600هـ) بجيان إحدى مدن الأندلس، ثم رحل إلى دمشق واستزاد فيها من العلم، وأقام بها مدة يصنف ويشتغل بالتعليم حتى أدركته منيته لاثنتي عشرة خلت من شعبان سنة (672هـ.

مشايخ ابن مالك

مشايخ ابن مالك [مشايخه: ابتدأ ابن مالك حياته بالأندلس، فأخذ عن شيوخه ما أخذ، وكانت دمشق مركزاً علمياً يحج وتضرب إليه آباط الإبل]. قوله: (يحج) يعني: يقصد، فالحج هنا يراد به المعنى اللغوي. [فسمت بـ ابن مالك همته إلى ورود منابعها الصافية، فرحل إليها وأخذ عن أئمتها، وكان من مشايخه فيها وفي الأندلس مكرم وأبو صادق الحسن بن صباح، وأبو الحسن السخاوي. وممن أخذ عنهم العربية بجيان: أبو المظفر ثابت بن محمد بن يوسف بن خياط الكلاعي من أهل لبلبة، وقرأ كتاب سيبويه على أبي عبد الله بن مالك المرشاني. ومن مشايخه أيضاً: ابن يعيش شارح المفصل، وتلميذه ابن عمران، وتلميذه ابن عمرون، ويقال إنه جلس عند أبي علي الشلوبين بضعة عشر يوماً، ونقل التبريزي في أواخر شرح الحاجبية أنه جلس في حلقة ابن الحاجب واستفاد منه، وأخذ القراءة عن أبي العداس أحمد بن نوار وأتقنها حتى صار إماماً فيها، وصنف فيها قصيدة دالية مرموزة في قدر الشاطبية.

تلاميذ ابن مالك

تلاميذ ابن مالك [تلاميذه: وتخرج به جماعة منهم الإمام النووي، وروى عنه ولده بدر الدين محمد وشمس الدين بن جعوان، وشمس الدين بن أبي الفتاح، وابن العطار، وزين الدين أبو بكر المزي، والشيخ أبو الحسين اليويني شيخ المؤرخ الذهبي، وأبو عبد الله الصيرفي، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وشهاب الدين بن غانم وناصر الدين بن شافع، وخلق سواهم. وروى عنه الألفية شهاب الدين محمود، ورواها الصفدي خليل عن شهاب الدين محمود قراءة، ورواها إجازة عن ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر، وعن شهاب الدين بن غانم بالإجازة عنهما عنه].

أخلاق ابن مالك

أخلاق ابن مالك [أخلاقه: كان على جانب عظيم من الدين والعبادة وكثرة النوافل وحسن السمت، وكمال العقل والعفة. ومن مظاهر إخلاصه لله في عمله ما قيل من أنه كان يخرج على باب مدرسته ويقول: هل من راغب في علم الحديث أو التفسير أو كذا أو كذا، قد أخلصتها من ذمتي، فإذ لم يجد قال: خرجت من آفة الكتمان. وكان سليم الخلال رزيناً حيياً وقوراً، جم التواضع على كثرة علمه، شغوفاً بالإفادة شديد الحرص على العلم والتعليم. كان إماماً فذاً في علوم العربية، فقد صرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وأربى على المتقدمين، وكان إليه المنتهى في اللغة، وكان في النحو والتصريف البحر الزاخر والطود الشامخ حتى كانت شهرته على الخصوص بهما، وجل تأليفه فيهما. ومن رسوخ قدمه في النحو أنه كان يقول عن ابن الحاجب وهو أحد أئمة العربية: إنه أخذ نحوه عن صاحب المفصل وصاحب المفصل نحوي صغير. وإذا علمت أنه يقول هذا في حق الزمخشري وهو إمام عصره في اللغة والنحو والبيان والتفسير والحديث، وكانت تشد إليه الرحال في كل فن منها؛ إذا علمت هذا علمت مقدار علم ابن مالك وفضله. وكان في الحديث واسع الاطلاع، وكان أكثر ما يستشهد بالقرآن، فإذ لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث، وإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى أشعار العرب، وقد اعترف له فضلاء زمانه بالتقدم والفضل، فكان إماماً في العادلية، وكان إذا صلى فيها يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيماً له].

مؤلفات ابن مالك

مؤلفات ابن مالك [مؤلفاته: ألف ابن مالك كتباً كثيرة: منها: ألفية ابن مالك، وسماها الخلاصة، وإنما اشتهرت بالألفية لأنها ألف بيت، جمع فيها مقاصد العربية من نحو وصرف. ثانياً: تسهيل الفوائد وتمهيد المقاصد. وهو مختصر كتاب له اسمه: كتاب الفوائد في النحو. ثالثاً: لامية الأفعال، أو كتاب المفتاح في أبنية الأفعال، ويقال لها لامية ابن مالك. رابعاً: الكافية الشافية، وهي أرجوزة في النحو في ألفين وسبعمائة وسبعة وخمسين بيتاً، ومنها لخص ألفيته هذه. خامساً: عدة الحافظ وعمدة اللافظ في النحو. سادساً: سبك المنظوم وفك المختوم في النحو. سابعاً: إيجاز التعريف في علم التصريف. ثامناً: شواهد التوضيح وتصحيح مشكلات الجامع الصحيح. تاسعاً: كتاب العروض. عاشراً: تحفة المودود في المقصور والممدود. وهي قصيدة همزية جمع فيها الألفاظ التي آخرها ألف تشتبه أن تكون مقصورة أو ممدوة. الحادي عشر: الألفاظ المختلفة، مجموع مترادفات. الثاني عشر: الاعتضاد في الفرق بين الصاد والضاد، قصيدة مشروحة. الثالث عشر: الإعلام بمثلث الكلام. أرجوزة في نحو ثلاثة آلاف بيت، ذكر فيها الألفاظ التي لكل منها ثلاثة معان باختلاف حركاتها، ورتب تلك الألفاظ على الأبجدية، فهي كالمعجم للمثلثات].

الكلام على الألفية

الكلام على الألفية [الألفية: تقدم ابن مالك في عمل ألفية نحوية ابن معط، ثم جاء ابن مالك فنظم ألفيته هذه، وفيها يقول: فائقة ألفية ابن معط. وتمتاز ألفية ابن مالك عن ألفية ابن معط بأنها من بحر واحد هو كامل الرجز، وتلك من السريع والرجز، وأنها أكثر أحكاماً منها. وللجلال السيوطي ألفية زاد فيها على هذه كثيراً، وقال في أولها: فائقة ألفية ابن مالك]. لكن السيوطي رحمه الله يقول: فائقة ألفية ابن مالك لكونها واضحة المسالك وليست أوضح من ألفية ابن مالك، فهي لا تكاد يفهم منها شيء. وللأجهوري المالكي ألفية زاد فيها على السيوطي وقال: فائقة ألفية السيوطي. والذي نستطيع أن نقوله: إن ألفية ابن مالك هي التي كتب لها البقاء وعم الانتفاع بها، فهي مراد لكل مريد للعربية، وهي التي تناولها كثير من العلماء بالشرح والتبسيط والتوضيح.

شراح الألفية

شراح الألفية [شراح الألفية: حازت ألفية ابن مالك عناية الكثيرين من أئمة النحو، فتناولوها بالشرح والتفسير، ومن شراحها المؤلف وابنه بدر الدين محمد وبرهان الدين إبراهيم الأبناسي الهاشمي، وبهاء الدين بن عقيل، والشيخ عبد الله الأودكاوي وبدر الدين الحسن المصري المعروف بـ ابن أم قاسم، ونور الدين أبو الحسن الأشمورني، والمختار بن بونه، وزين الدين عبد الرحمن المعروف بـ العيني، وأبو زيد عبد الرحمن المكودي، وأبو محمد القاسم الرعيني الأندلسي، وشمس الدين أبو عبد الله الهواري الأندلسي وغيرهم]. وأكثر شروحها ذيوعاً وانتشاراً شرح ابن عقيل وشرح الأشموني. أما أوضح المسالك فليس بشرح؛ لأنه لا يذكر الأبيات ويشرحها. قرأنا المقدمة، وكان مما مر علينا أن من تلاميذ ابن مالك النووي رحمه الله، وقد ذكر بعض العلماء أن قول ابن مالك في باب المبتدأ والخبر: (ورجل من الكرام عندنا) يقصد به النووي، وذكر النووي رحمه الله في باب صفة الصلاة عند الكلام على حكم الكلام في الصلاة؛ ذكر ابن مالك ووصفه بأنه: (شيخنا الذي انتهت إليه في عصرنا الإمامة في اللغة العربية) فأثنى عليه كثيراً، وهذه شهادة من النووي رحمه الله لـ ابن مالك.

تعريف علم النحو وحكم تعلمه

تعريف علم النحو وحكم تعلمه يقول: (قال محمد هو ابن مالك إلى آخره). أولاً: لابد أن نعرف علم النحو، وهو: علم يعرف به أحوال أواخر الكلم من حيث الإعراب والبناء. وحكم تعلمه: أنه فرض كفاية. وهو مهم ولاسيما في عصرنا هذا، حيث إن الكثير من الطلبة لا يفهمون عن الإعراب شيئاً. وعلم النحو سهل صعب، فهو في ابتدائه صعب، لكن الإنسان إذا فهم قواعده صار سهلاً ويسيراً عليه، ولهذا يقال: إن النحو سهل لكن بابه حديد، إذا دخلت من هذا الباب فلن يبقى أمامك شيء يشق عليك، لكن ادخل الباب ولا تيأس فهو سهل. ثم إنه مما يسهل النحو أن الإنسان يجد التمارين فيه في كل ما ينطق به، فكل كلمة أو جملة تقولها أو تسمعها أو تقرؤها فهي تمرين على النحو، فهو لا يحتاج إلى تكلف أمثلة وصعوبة، ولهذا لا يكون صعباً على من أراده بجد.

شرح مقدمة الألفية

شرح مقدمة الألفية

من هو ابن مالك

من هو ابن مالك [قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك] (قال محمد) القول لابد له من قائل ومقول، فالقائل هنا صرح به المؤلف: (قال محمد)، والمقول هو الألفية كلها، ولهذا نقول في الإعراب: قال: فعل ماض. ومحمد: فاعل، وجملة (أحمد ربي إلى آخر الكتاب وهو قوله: وآله الغرام الكرام البرره وصحبه المنتخبين الخيره). كل هذه جملة واحدة تعتبر مقول القول في محل نصب. وقوله: (هو ابن مالك) الجملة تفسير أو في محل نصب على الحال، أي: مبيناً أنه ابن مالك، ومالك هو اسم جده، لكنه اشتهر به، واسم أبيه عبد الله، ويجوز للإنسان أن ينتسب إلى من اشتهر به مع العلم بأبيه الأدنى، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة ثقيف (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) لأن عبد المطلب أشهر من ابنه عبد الله، فهنا ابن مالك اشتهر بهذا الاسم محمد بن مالك وإلا فهو محمد بن عبد الله.

معنى الحمدلة

معنى الحمدلة قوله: (أحمد ربي الله خير مالك): أحمد: فعل مضارع يدل على التجدد؛ لأن الحمد فعل يحدثه الإنسان بلسانه. والحمد: هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم. فقولنا: (وصف المحمود بالكمال) خرج به الذم الذي هو مقابل المدح. وقولنا: (مع المحبة والتعظيم) خرج به المدح؛ لأن المدح قد يقترن به حب التعظيم وقد لا يقترن به، فمن مدح ملكاً من الملوك لينال منه جائزة فإن هذا لا يكون حمداً إلا إذا كان في قلب المادح حب وتعظيم لهذا الملك، أما إذا كان يحب أن يقضم الملك بنواجذه لكن اضطر إلى مدحه ليأخذ من جائزته فهذا لا يسمى حمداً، وإنما يسمى مدحاً. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد -الذي هو اسم على مسمى (بدائع)، فهو يبحث في ما يعن له في خاطره من غير ترتيب، لكنه يبحث أحياناً بحوثاً لا تكاد تجدها في غيره- بحث عن الفرق بين الحمد والمدح بحثاً عظيماً، وقال: كان شيخنا إذا تكلم في هذا الباب أتى بالعجب العجاب. وشيخه هو ابن تيمية، ولكنه كما قيل: تألق البرق نجدياً فقلت له إليك عني فإني عنك مشغول أي أنه رحمه الله مشغول عن مباحث النحو وما يتعلق به بأمور أهم؛ بمجادلة الفلاسفة والمتكلمين والمنطقيين وغيرهم. وقد جرى بينه وبين أبي حيان الإمام المشهور في النحو في مصر مناظرة في مسائل نحوية، وكان أبو حيان يعظمه ويجله وقال فيه قصيدة عصماء منها: قام ابن تيمية في نصر شرعتنا مقام سيد تيم إذ عصت مضر وسيد تيم هو أبو بكر رضي الله عنه، وعصيان مضر كان في الردة. ولما قدم شيخ الإسلام إلى مصر وجرت بينه وبين أبي حيان مناظرة في النحو، واحتج أبو حيان على شيخ الإسلام بما في كتاب سيبويه، وقال: إن ما ذكرته مخالف لما في الكتاب. فقال: أي كتاب؟ قال: كتاب سيبويه. قال: وهل سيبويه نبي النحو حتى يجب علينا اتباعه، لقد غلط سيبويه في كتابه في أكثر من ثمانين موضعاً لا تعرفها لا أنت ولا سيبويه! فحمي الرجل وغضب وهجاه بقصيدة؛ لأنه تكلم عليه هذا الكلام. فالمهم على كل حال أن الحمد هو: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم. (أحمد ربي الله): لم يقل أحمد الله ربي، بل بدأ بالربوبية؛ لأن المقام مقام استعانة، والربوبية تتعلق بالاستعانة أكثر من الألوهية، فالألوهية للعبادة، والاستعانة بالربوبية أكثر، ولهذا قال: (أحمد ربي). وقوله: (الله) هذا عطف بيان يبين من ربه، وهو الله. والرب في الأصل: المتصرف في الشيء، ولهذا يقال لمالك الدابة: رب الدابة، ولمالك الدار: رب الدار. لكن الرب الذي هو الله عز وجل نقول في تفسيره: هو الخالق المالك المدبر، والملك المطلق لا يكون إلا لله، والخلق المطلق لا يكون إلا لله، والتدبير المطلق لا يكون إلا لله، فما أضيف إلى المخلوق من خلق فليس خلقاً حقيقة وإنما هو تغيير، ففي الحديث: (يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم) وهم لم يخلقوا شيئاً، وإنما حولوا الشيء إلى شيء آخر، وأما الإيجاد فلا يكون إلا لله. كذلك الملك الحقيقي لله، والملك المضاف للمخلوق ليس ملكاً مطلقاً، بل هو ملك قاصر في شموله، وقاصر في تصريفه. قاصر في شموله؛ لأن المالك من الخلق لا يملك إلا ما تحت يده، وما عند غيره فليس له، وكذلك قاصر في تصريفه، إذ إن المالك لا يملك التصرف على ما يريد في كل شيء، بل على حسب ما شرعه الله عز وجل. والله هو المألوه، أي: المعبود حباً وتعظيماً. وقوله: (خير مالك) هذه من متعلقات الربوبية، يعني أنه سبحانه وتعالى خير من ملك، حتى فيما يصيب العبد من المصائب والنكبات فهي خير، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن)!

شرح الصلاة على النبي وآله

شرح الصلاة على النبي وآله قوله: (مصلياً على النبي المصطفى): مصلياً: حال من فاعل (أَحمدُ)، يعني: أحمد الله حال كوني مصلياً على النبي، أي سائلاً الله عز وجل أن يصلي عليه. وصلاة الله على نبيه هي: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. وليست الصلاة من الله هي الرحمة كما زعمه بعض العلماء، بل الصلاة أخص من الرحمة، والدليل على التباين بينهما قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:157]، والأصل في العطف المغايرة. ولو كانت الصلاة هي الرحمة لجاز أن نصلي على كل واحد كما جاز أن نترحم على كل واحد، ومعروف أن الصلاة على غير الأنبياء لا تجوز إلا تبعاً أو لسبب. فالصلاة تبعاً كما في قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. والصلاة لسبب كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103]، وأما أن تتخذ شعاراً لشخص معين سوى الأنبياء فإن ذلك لا يجوز. وقوله: (على النبي): النبي: قيل إنه من النبيء بالهمز، لكنه سهل، وجعلت الهمزة ياء وأدغمت في الياء الأولى، وإنه مأخوذ من النبأ وهو الخبر؛ لأن النبي منبَّأ منبِّئ فهو منبأ من قبل الله، ومنبئ للخلق عن الله. وقيل: إن النبي ليس فيه تسهيل، وإنه مأخوذ من النبوة وهي الارتفاع، وذلك لارتفاع رتبة النبي. والصحيح أنه مأخوذ من هذا ومن هذا، فهو لفظ مشترك بين المعنيين، والوصفان صالحان للنبي، فهو عليه الصلاة والسلام منبئ ومنبأ وعالي الرتبة. وقوله: (المصطفى): يعني المختار، أي المختار من الأنبياء؛ لأن الأنبياء مختارون من المؤمنين، والأنبياء أنفسهم منهم من اختاره الله مثل أولي العزم الخمسة: محمد صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم، وموسى، ونوح، وعيسى، وهم مذكورون في كتاب الله في موضعين: في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب:7]، وفي قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] فهو صلى الله عليه وسلم من المصطفين. والمصطفى تصريفها في الأصل: أن الطاء أصلها تاء (المصتفى)، لكن القاعدة في اللغة العربية أنه إذا اجتمعت التاء والصاد قلبت التاء طاء، وهو مأخوذ من الصفوة. قوله: (وآله المستكملين الشُرفا): ويجوز: (الشَرفا). فإن قلنا (الشُرفا) صارت صفة لآل، وإن قلنا (الشَرفا) صارت مفعولاً به للمستكملين، أي: الذين استكملوا الشرف. (وآله) هنا أتباعه على دينه؛ لأن الآل على القول الراجح إن قرنت بالأتباع فالمراد بها المؤمنون من قرابته، وإن أفردت فالمراد بها أتباعه على دينه. ففي قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، المراد أتباعه على دينه. وفي قول القائل: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، المراد المؤمنون من قرابته، هذا هو الصحيح، ولا يتم المعنى إلا بذلك، وأما من حمل الآل على الأتباع مطلقاً أو على المؤمنين من أقاربه مطلقاً ففي قوله نظر. وقوله: (المستكملين الشرفا) يعني الذين أكملوا الشرف في أخلاقهم وفي عباداتهم وفي معاملاتهم، فإن الشرف والسيادة يكون لأتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كانوا من قرابته نالوا شرفين: شرف الإيمان وشرف النسب والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح استعانة المؤلف بالله تعالى

شرح استعانة المؤلف بالله تعالى ثم قال: (وأستعين الله في ألفيه) هنا أظهر في موضع الإضمار ولم يقل: وأستعينه في ألفية؛ لأن باب الدعاء ينبغي فيه البسط. ثم إنه لما طال الفصل بين قوله: (أحمد ربي) و (أستعين الله) حسن أن يظهر في موضع الإضمار. وثم شيء ثالث، وهو أنه لما قال: (مصلياً على النبي) لو قال: (وأستعينه) لتوهم الواهم أنه يستعين بالنبي صلى الله عليه وسلم. فلهذه الأسباب الثلاثة أظهر رحمه الله وقال: (أستعين الله)، ولم يقل: أستعينه. ومعنى أستعين: أطلب العون، كقول القائل: أستغفر الله، أي أطلب المغفرة. وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله من بدء العمل بهذه الألفية مع استعانة الله مطابق تمام المطابقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) فالمؤلف بهمته العليا نظم الألفية فحرص على ما ينفعه، ولكنه لم يقتصر على ذلك بل قال: (وأستعين الله في ألفيه)، ومن استعان بالله متلجئاً إليه صادقاً في قصده فإن الله تعالى يعينه، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمر بمعونة من استعانك وأنت مخلوق، فإعانته من استعان به من باب أولى، ولكن اصدق الله أنك تستعينه حقيقة، فإن أكثرنا -نسأل الله أن يعاملنا بعفوه- يعتمد على ما أعطاه الله من القوة وينسى الله، وربما يتكلم بكلام يدل على إعجابه بنفسه والعياذ بالله، فيقول: فعلت وفعلت وفعلت إلى آخره، لكن المؤمن حقاً هو الذي يحرص على ما ينفعه ويقوم بما يستطيع، لكن مع الاستعانة بالله عز وجل. وقوله: (وأستعين الله في ألفية) أي: في نظمها، وهي نسبة إلى الألف، وهذه المنظومة لا تزيد على ألف بيت إلا ببيتين فقط، والكسر عند العرب مغتفر، على أنك إذا تأملت وجدت أنها لم تزد في الحقيقة؛ لأنه استشهد في ضمنها ببيت لغيره فيسقط، وتكون ألفاً وواحداً. والبيت الأول وهو افتتاح الألفية: (قال محمد هو ابن مالك) فلم يكن من مقول القول، فيصدق عليها أنها ألف بيت لا تزيد ولا تنقص. والخطب في هذا سهل، أعني أنا لو فرضنا أنها ألف وخمسة أو ألف وعشرة فإن الكسر عند العرب إما أن يجبر وإما أن يلغى.

ثناء ابن مالك رحمه الله على ألفيته

ثناء ابن مالك رحمه الله على ألفيته

الصفات التي جمعتها الألفية

الصفات التي جمعتها الألفية قوله: (مقاصد النحو بها محويه): المقاصد: جمع مقصود، يعني أن المقصود من النحو قد حوته هذه الألفية. ومعنى محوية: مجموعة. ثم بين أن هذه الألفية مع شمولها وجمعها لمقاصد النحو سهلة فقال: [تقرب الأقصى بلفظ موجز وتبسط البذل بوعد منجز] (الأقصى) يحتاج إلى مسافة طويلة، لكنها تقربه بلفظ قصير؛ لأن الموجز القصير، فهي تجمع لك شتات النحو البعيدة بلفظ قصير. وقوله: (وتبسط البذل): يعني تبذل بذلاً موسعاً؛ لأن البسط بمعنى التوسيع، قال الله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد:26] أي يضيق، فهي تبسط البذل، أي: توسع العطاء. قوله: (بوعد منجز): يعني تعد بالعطاء ثم تنجزه بدون تأخير. فجمعت بين أربع صفات: الأولى: تقريب الأقصى، أي البعيد. والثانية: أن لفظها موجز ليس بكثير يمل منه الإنسان، فليس مما يقرأ ويقرأ ولا يحصل منه إلا فائدة قليلة. الثالثة: أنها تبسط البذل، يعني: توسعه، والبذل هو العطاء، فهي توسع العطاء. والرابعة: أنها تنجز ما وعدت. ولا يخفى ما في هذا البيت من الاستعارة، حيث صور هذه الألفية بحي ذي إدراك وعطاء وبسط ووعد، وإلا فالألفية كلمات منظومة، لكن هذا يسميه علماء البلاغة استعارة، وهو كأن تستعير صفة الحي ذي الشعور والإرادة إلى جماد لا شعور له ولا إرادة. قال ابن مالك رحمه الله تعالى: (وتقتضي رضا بغير سخط): أي: تستلزم رضاً بغير سخط، والمراد أنها تقتضي من القارئ رضاً بما يجد فيها من العلم. وقوله: (بغير سخط) هذا من باب بيان أن هذا الرضا كامل لا يدخله سخط؛ لأن الرضا قد يطلق وإن كان فيه شيء من السخط، فإذا قال: (بغير سخط) تبين أنه رضا تام ليس فيه سخط.

تفضيل ابن مالك ألفيته على ألفية ابن معط وثناؤه عليه

تفضيل ابن مالك ألفيته على ألفية ابن معط وثناؤه عليه قوله: (فائقة ألفية ابن معط): أي: فائقة ألفية ابن معط في أنها أكثر جمعاً للمسائل، وفي أنها على بحر واحد بخلاف ألفية ابن معط، وأيضاً هي أجمع منها وأسلس في اللفظ وأشد اتفاقاً، حيث إنها على بحر واحد بخلاف ألفية ابن معط؛ ولكن ابن مالك رحمه الله لما عنده من العدل بيَّن ما لـ ابن معط من الفضل، فقال: (وهو بسبق حائز تفضيلا). قوله: (وهو) أي ابن معط. (بسبق): الباء للسببية، أي: بسبب سبقه لنظم ألفية في النحو، وليس المراد بسبب سبقه بالزمن؛ لأن السابق بالزمن قد يكون له فضل وقد لا يكون. (حائز تفضيلا): أي مدرك للتفضيل بسبب سبقه لنظم ألفية في النحو، ووجه ذلك أنه لما سبق إلى هذا فتح الباب للناس ليسيروا على منواله، فكان له فضل القدوة والأسوة. (مستوجب ثنائي الجميلا): أي مستحق للثناء الجميل. وقوله: (ثنائي الجميلا) هل الجميل صفة كاشفة أو هي صفة مقيدة؟ ينبني الجواب على الخلاف بين العلماء: هل الثناء لا يكون إلا في الخير؟ فإن كان الثناء لا يكون إلا في الخير كان قوله (الجميلا) صفة كاشفة، وإن كان الثناء يكون في الخير والشر فإنها صفة مقيدة، والصحيح أنه يكون في هذا وفي هذا، كما في الجنازة التي مرت فأثنوا عليها شراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجبت)، فالثناء يكون بالخير ويكون بالشر حسب ما يضاف إليه، وبناء على هذا يكون قوله (الجميلا) صفة مقيدة. على أنه يمكن أن نقول: حتى وإن كان الثناء لا يكون إلا في الخير فإن الجميل صفة مقيدة؛ لأن مطلق الثناء في الخير قد يكون جميلاً وقد يكون دون ذلك. إذاً: مستوجب الثناء أنه سبق إلى نظم الألفية وفتح الباب للناس، ومن دل على خير فهو كفاعله، وفي الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).

دعاء ابن مالك لنفسه ولابن معط

دعاء ابن مالك لنفسه ولابن معط ثم قال المؤلف رحمه الله: [والله يقضي بهبات وافره لي وله في درجات الآخره] (يقضي): أي يحكم؛ لأن القضاء يكون بمعنى الحكم، والجملة هنا خبرية لفظاً إنشائية معنى؛ لأن المراد بها الدعاء، يعني: أسأل الله أن يقضي بهبات وافرة. والهبات: جمع هبة وهي العطية والمنحة. والوافرة: الكثيرة. وقوله: (بهبات وافرة) قد يقول قائل: لماذا وصف الهبات وهي جمع بوافرة وهي مفرد؟ والجواب عن ذلك أن نقول: إنه إذا كان الجمع لما لا يعقل فإنه يجوز أن يوصف بالمفرد، وهذا في جمع الكثرة كثير، ولكنه في جمع القلة قليل، و (هبات) من جمع القلة؛ لأن الجمع السالم من مذكر أو مؤنث يعتبر من جمع القلة، وجمع القلة له أوزان معينة وجمع الكثرة له أوزان معينة. جمع القلة أوزانه أربعة، قال ابن مالك فيها: أفعلة أفعل ثم فعله ثم أفعال جموع قله إذاً: جموع القلة هي: الجموع السالمة مثل المسلمون والمسلمات، والثاني: جموع التكسير الدالة على القلة. قوله: (لي وله في درجات الآخره): بدأ بنفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك) والبداءة بالنفس هي الأولى في الدعاء. وقوله: (في درجات الآخرة) يعني يوم القيامة، وهو بالنسبة لـ ابن معط حيث إنه قد مات لا تمكن الهبات إلا في الآخرة، لكن بالنسبة لـ ابن مالك وهو موجود يمكن أن تكون هبات في الدنيا وهبات في الآخرة، لكنه رحمه الله اختار أن تكون الهبات في الآخرة؛ لأنها هي الباقية. أورد بعض الناس على هذا البيت لـ ابن مالك إيرادين: الإيراد الأول: أنه وصف الهبات وهي جمع بوافرة، والأفصح فيها المطابقة، أي أن يقال: بهبات وافرات. الثاني: قوله: (لي وله). قالوا: خص نفسه وابن معط بالدعاء، فلم يدع لجميع المسلمين. والجواب عن الأول: أنه وصفها بما يوصف به جمع الكثرة جبراً لنقصها. والجواب عن الثاني: أنه لا مانع من أن يدعو الإنسان لنفسه ولغيره ممن يرى تخصيصه، أو يدعو بالعموم. نعم. لو قال: (لي وله ولا تقض بالهبات لغيرنا) لكان هذا خطأ، أما تخصيص الإنسان نفسه بالدعاء أو من شاء من الناس فإنه لا يلام عليه ولا يذم، ولكن المحشين دائماً ينقشون، فقالوا: لو قال: والله يقضي بالرضا والرحمه لي وله ولجميع الأمه لكان أحسن! على كل حال: الأصل أن ابن مالك لا اعتراض عليه في هذا، فلا نرى أنه معترض عليه، وتخصيص الإنسان نفسه أو غيره بالدعاء لا بأس به، وقد جاءت السنة بالتخصيص للنفس كثيراً وبتخصيص الغير كثيراً أيضاً، مثل: (اللهم اغفر لـ أبي سلمة وارفع درجته في المهديين)، وفي الجلوس بين السجدتين: (رب اغفر لي وارحمني)، ولا حرج في هذا.

شرح ألفية ابن مالك [2]

شرح ألفية ابن مالك [2] الكلام عند النحويين هو ما ركب من كلمتين فأكثر حقيقة أو حكماً، وهم يقسمون الكلام إلى اسم وفعل وحرف، فلا يخرج لفظ عربي عن هذه الثلاثة، وكل قسم منها له علامات يعرف بها.

الكلام وما يتألف منه

الكلام وما يتألف منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كلامنا لفظ مفيد كاستقم واسم وفعل ثم حرف الكلم واحده كلمة والقول عم وكلمة بها كلام قد يؤم]

تعريف الكلام عند النحاة

تعريف الكلام عند النحاة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الكلام وما يتألف منه] هذه ترجمة، وأصلها: هذا باب الكلام وما يتألف منه، ففيها محذوفان: المحذوف الأول: المبتدأ، والثاني: الخبر الذي هو المضاف، حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار: الكلام وما يتألف منه. أي: ما يجتمع منه الكلام. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كلامنا لفظ مفيد كاستقم] قوله: (كلامنا): ابن مالك رحمه الله من أئمة النحو، فإذا قال: (كلامنا) وأضاف الكلام إلى نفسه ومن كان على شاكلته صار المراد: (كلامنا نحن النحويين) احترازاً من الكلام في اللغة؛ لأن الكلام في اللغة أعم مما قاله رحمه الله. الكلام في اللغة يطلق على ما تكلم به الإنسان من مفيد وغير مفيد؛ أما عند النحويين فهو كما سيأتي: لفظ مفيد. لفظ: وهو ما ينطق به اللسان. فخرج بهذا القيد الكتابة والإشارة والعلامات التي تفيد، والعقد بالأصابع، فإنها تفيد ما يفيده الكلام وليست كلاماً، وكذلك النصب. الإشارة مثل أن أشير لشخص أن يذهب. والكتابة معروفة، فالكتابة تفيد ما يفيده الكلام لكنها ليست لفظاً. والعقد: في حديث صفة الصلاة أنه عقد في التشهد ثلاثاً وخمسين، يعني أن العرب تعقد بأصابعها عقوداً تدل على عدد معين. وهذا أيضاً مفيد لاشك ويقوم مقام الكلام؛ لكنه ليس لفظاً فلا يكون كلاماً عند النحويين. والنصب: العلامات، مثل علامات الطريق، بأن توضع علامات في الطريق من أحجار أو أخشاب منصوبة أو غيرها بدون أن يكتب عليها شيء، وكأنها تقول لك: الطريق من هنا، فهي قائمة مقام النطق لكنها ليست لفظاً فلا تكون كلاماً. إذاً خرج بكلمة (لفظ) أربعة أشياء.

اشتراط الفائدة في تعريف الكلام

اشتراط الفائدة في تعريف الكلام وقوله: (مفيد) ما معنى الفائدة؟ يقولون: هي أن يفيد الكلام فائدة يحسن السكوت عليها من قبل المتكلم ومن قبل المخاطب، بمعنى أن المخاطب لا يترقب شيئاً سوى ذلك. فإذا قلت: أذن المؤذن، تمت الجملة، فلا تترقب شيئاً آخر. إذاً هو لفظ مفيد. وإذا قلت: (إن أذن المؤذن) فهنا لا يحسن أن تسكت، لأن المخاطب يترقب شيئاً يستفيد به، لأنك علقته بهذا الشرط، وسيكون في ذهنه كل الاحتمالات: إن أذن المؤذن قامت القيامة، إن أذن المؤذن خرج من المسجد، إن أذن المؤذن صار كذا وكذا. إذاً: هل أفدته بهذا؟ والكلام هنا لما زاد نقص، فقد كان قولنا: (أذن المؤذن) تامّاً، فلما زدنا (إن) نقص، ويلغز بها فيقال: ما شيء إذا زدته نقص؟ نقول: هو الكلام المفيد إذا دخلت عليه أداة الشرط جعلته ناقصاً غير مفيد. وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (كلامنا لفظ مفيد) لم يذكر أن تكون الفائدة جديدة أو غير جديدة، بل أطلق. فإذا كان مفيداً فسواء كانت الفائدة جديدة أو معلومة من قبل فإنه يكون كلاماً عند النحويين، فإذا قلت: السماء فوقنا، فهذا كلام؛ لأنه أفاد. ويرى بعض النحويين أنه إذا لم يأت بفائدة جديدة فإنه ليس بكلام، ولكن الصحيح بلا شك أنه كلام، صحيح أن المخاطب لم يحصل الفائدة المطلوبة؛ لكنه كلام لو خاطبت به من لا يعلم لاستفاد فائدة جديدة. وقوله: (كاستقم) الكاف هنا للتمثيل، يعني: مثاله استقم. استقم: هذا لفظ مفيد؛ لكن كيف أفاد وهو كلمة واحدة؟ نقول: هو كلمة واحدة لكن في ضمنها كلمة أخرى؛ لأن قولك (استقم) أي أنت، ففيها ضمير مستتر وجوباً فهو في حكم الظاهر، وعليه فلا يحتاج أن يكون الكلام مركباً من كلمتين فأكثر تركيباً محسوساً، بل إذا ركب ولو تركيباً تقديرياً فإنه يعتبر كلاماً. إذاً يشترط في الكلام أن يكون لفظاً، وخرج به أربعة أشياء: الإشارة، والكتابة، والعلامات، والعقد. مفيداً: خرج به ما لا يفيد فإنه لا يسمى كلاماً. والمراد بالفائدة ما يحسن السكوت عليها، سواء كانت متجددة أو غير متجددة، فإذا قلت: ربنا الله فهو كلام؛ لأنه مفيد. نبينا محمد، كلام لأنه مفيد. النار حارة؛ كلام لأنه مفيد وإن كانت الفائدة معلومة. الماء جوهر سيال، كلام لأنه مفيد. وإذا قلت: (إن قام محمد؟) فليس بكلام؛ لأن المخاطب يترقب إذا قام محمد ماذا يكون؟

تعريف الكلم

تعريف الكلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واسم وفعل ثم حرف الكلم] الكلم سيأتي أن واحده كلمة، فالكلم جمع كلمة، والمراد به أن كلام الناس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف. فبدأ بالاسم لأنه أشرف الأقسام الثلاثة، ثم ثنى بالفعل وعطفه بالواو دون ثم، إما لضيق النظم وضرورة الشعر، وإما لأن الاسم والفعل ليس بينهما كما بين الاسم والفعل وبين الحرف. وأخر الحرف لقصوره؛ ولأنه لا يمكن أن يكون له معنى في نفسه، فمثلاً (من) حرف جر، لو تأتي بها وحدها ما استفدت منها شيئاً أبداً، لأنه لا يعرف معنى الحرف إلا بغيره. أما الفعل فيعرف معناه بنفسه وإن كان ليس كلاماً، فلو قلت: قام، استفدت معنى القيام. والاسم كذلك، فإذا قلت: (البيت) فله معنى معروف، لكن (من) وجميع الحروف لا يعرف معناها بنفسها، ولذا فالحرف متأخر رتبة. إذا قال قائل: ما هو الدليل على أن الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام؟ قلنا: التتبع والاستقراء، وذلك أن العلماء الذين اعتنوا باللغة العربية تتبعوا كلام العرب ووجدوه لا يخرج عن هذه الثلاثة: الاسم والفعل والحرف. فإن قال قائل: ما تقولون في أسماء الأفعال، مثل: مه وصه وما أشبهه؛ هل تجعلونها قسماً رابعاً أو تجعلونها من الأقسام الثلاثة؟ نقول: هي من الأقسام الثلاثة، ولهذا نقول: اسم فعل، مثل (صه) بمعنى اسكت، كما تقول (محمد) تسمي به شخصاً، فأنا سميت اسكت بكلمة (صه)، ولهذا نقول: (اسم فعل) يعني اسماً دالاً على فعل كما يدل العلم على الشخص. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واسم وفعل ثم حرف الكلم واحده كلمة]. يعني أن واحد الكلم الذي ينقسم إلى ثلاثة أقسام كلمة، وعلى هذا فهو اسم جنس جمعي أو اسم جمع. واسم الجنس الجمعي هو الذي يفرق بينه وبين مفرده بالتاء، مثل شجرة وشجر، وبالياء مثل رومي وروم وإنس وإنسي.

تعريف القول

تعريف القول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والقول عم] كلمة (عم) تحتمل أن تكون فعلاً ماضياً، يعني أن القول عم الكلام والكلمة. وتحتمل أن تكون اسم تفضيل، أي أن القول أعم من الكلمة وأعم من الكلم. وتحتمل أن تكون اسم فاعل حذفت منه الألف تخفيفاً، والتقدير: والقول عام. ولكن أحسن التقديرات أن نجعلها فعلاً ماضياً؛ لأنا إذا جعلناها فعلاً ماضياً لم نحتج إلى شيء، أما إذا قلنا إنها اسم تفضيل فمعناه أنه حذف منها شيء، وهو الهمزة، وإن جعلناها اسم فاعل فقد حذف منها شيء وهو الألف، وإذا جعلناها فعلاً ماضياً لم يحذف منها شيء وحصل المقصود بذلك. إذاً القول يعم الكلام والكلمة، فالكلام وهو اللفظ المفيد يسمى قولاً، والكلمة تسمى قولاً. إذا قلنا: قام محمد. نسميه كلاماً ونسميه قولاً، ولا نسميه كلمة. وإذا قلنا: محمد. نسميه كلمة ونسميه قولاً، ولا نسميه كلاماً.

تعريف الكلمة

تعريف الكلمة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكلمة بها كلام قد يؤم] يؤم: بمعنى يقصد، يعني قد يراد بالكلمة الكلام. والمعنى أن الكلمة التي هي قول مفرد قد يراد بها الكلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا هو المراد بها في القرآن والسنة، يعني: كلما وجدت (كلمة) في القرآن أو في السنة فالمراد بها الكلام، وليس المراد بها القول المفرد. ومن ذلك قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:99 - 100] الكلمة هنا يعني بها: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ). وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل) إذاً قول ابن مالك: (قد يؤم) نقول: إن (قد) هنا للتحقيق وليست للتقليل، ويجوز أن نجعلها للتقليل باعتبار اصطلاح النحويين؛ لأن النحويين لا يريدون بالكلمة الكلام، إنما يريدون بالكلمة القول المفرد، فيجعلون مثل (قام محمد) كلمتين. فعلى هذا نقول: إن (قد) في كلام ابن مالك إما للتحقيق وإما للتقليل، لكن للتحقيق باعتبار اللغة العربية، فإن اللغة العربية تعني بالكلمة الكلام، حتى لو كانت خطبة مؤلفة من ثلاث صفحات فهي في اللغة العربية كلمة. أو للتقليل بناء على اصطلاح النحويين؛ لأن الكلام في اصطلاح النحويين لابد أن يتركب من كلمتين فأكثر.

علامات الاسم

علامات الاسم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بالجر والتنوين والندا وأل ومسند للاسم تمييز حصل] يعني: حصل للاسم تمييز بهذه الأشياء الخمسة، يعني حصل له شيء يميزه عن الفعل والحرف، وهو واحد من هذه الخمسة: الجر والتنوين والنداء وأل والإسناد. ومعنى كلام المؤلف أن كل كلمة مجرورة فهي اسم، وليس المعنى أن كل كلمة تجرها فهي اسم؛ لأنك لو قلت: كل كلمة تجرها فهي اسم لجاء شخص وقال: أنا أجر (ضرب) وأقول: ضربي. لكن المعنى: كل كلمة مجرورة فهي اسم، فهي علامة تبين المعلوم، كما لو قلت: العرب علامتهم لبس العمامة، يعني معناه أنهم يتميزون عن غيرهم بذلك، فكلما وجدنا شخصاً ذا عمامة فهو عربي، وكذلك كلما وجدنا كلمة مجرورة فهي اسم. وقول المؤلف: (بالجر) يشمل الجر بالحرف، والجر بالإضافة، والجر بالتبعية، وقد اجتمعت في البسملة: (بسم الله الرحمن الرحيم) فكلمة اسم مجرورة بالحرف (الباء)، ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة، ولفظ الرحمن مجرور بالتبعية. إذاً: الجر من علامات الاسم، فكل كلمة مجرورة فهي اسم، سواء جرت بالحرف، أو بالإضافة، أو بالتبعية. قوله: (والتنوين): المعنى: كل كلمة منونة فهي اسم، فكلما وجدت كلمة منونة فاحكم بأنها اسم. والتنوين: نون ساكنة تلحق أواخر الكلم لفظاً لا خطاً، فمثلاً: زيدٌ فيها نون ساكنة، لكنها غير مكتوبة. وقال معلمونا ونحن في أول الطلب: التنوين ضمتان أو فتحتان أو كسرتان، وهذا التعريف صحيح وواضح. لكن عند التعمق نقول: إن الضمتين والفتحتين والكسرتين علامة على التنوين وليست هي التنوين. إذاً: كل كلمة فيها تنوين فهي اسم، واستثنى بعضهم تنوين الترنم والتنوين الغالي، ولكن لا حاجة إلى التطويل، نقول: المراد التنوين الذي يكون به الصرف، فهذا هو الذي يكون علامة الاسم. قوله: (والندا): والنداء أيضاً من علامات الاسم، فكل كلمة مناداة فهي اسم. ويمكن أن نقول: إن النداء علامة سواء كانت في التركيب أو في التقدير. إذاً: كل كلمة يصح أن تناديها فهي اسم، وكل كلمة مصدرة بيا النداء فهي اسم، مثل: يا رجل! كذلك لو قلت: يا ضرب، تكون (ضرب) اسماً؛ لأننا ناديناها، وهذا يعني أن عندنا رجلاً اسمه ضرب. وهناك اسم (يزيد) وأصله فعل مضارع، و (شمر) وأصله فعل ماض. إذاً: كل كلمة صح أن تنادى فهي اسم، وكل كلمة صدرت بالنداء فهي اسم. قوله: (وأل): أل أيضاً من علامات الأسماء، فكل كلمة فيها أل فهي اسم، مثل: المساجد، البيوت، الإبل، الجبال، الشمس، القمر. وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الموصول أن من الأسماء الموصولة أل، وأنها ربما تكون صلتها فعلاً كقول الشاعر: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل فلفظ (الترضى) فيه أل، وهي اسم موصول؛ فالمراد إذاً في قول المؤلف: (وأل) ما سوى أل الموصولية؛ لأن أل الموصولية قد توصل بالفعل. قوله: (ومسند) أي وإسناد، فهي مصدر ميمي وليست اسم مفعول. قال ابن هشام رحمه الله: وهذه العلامة -أعني الإسناد- أحسن العلامات؛ لأن من الأسماء ما لا يقبل إلا هذه العلامة. فكل ما يقبل العلامات الأربع السابقة يقبل هذه العلامة، وليس كل ما يقبل هذه العلامة يقبل العلامات السابقة، فهي إذاً أعم وأشمل، فكل كلمة يصح أن تسند إليها شيئاً اسم. لو قال لك قائل: قمت، فالتاء اسم؛ لكنها لا تقبل العلامات السابقة، فهي لا تجر ولا تنون ولا تنادى ولا تحلى بأل. إذاً ما الذي دلنا على أنها اسم؟ إسناد القيام إليها، فالإسناد إذاً هو أنفع العلامات وأحسنها، لدخوله على جميع الأسماء. والخلاصة أن للأسماء خمس علامات كما ذكرها ابن مالك: الجر، والتنوين، والنداء، وأل، والإسناد، وأشملها وأعمها الإسناد. ورد في القرآن: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس:26]، فدخلت يا النداء على (ليت) وليست باسم، لكنهم يقولون إن (يا) هنا ليست للنداء، ولكنها للتنبيه، وعلى القول بأنها للنداء يكون المنادى محذوفاً والتقدير: يا رب ليت قومي يعلمون. الكاف في قول القائل مثلاً: إنك قائم، اسم؛ لأنه أسند إليه الخبر، والله أعلم. قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا} [الإنسان:4]، عرفنا أن أغلالاً اسم بالتنوين، أي فالأصل أنها قابلة للتنوين لكن هنا مانع، مع أن هناك قراءة: (سلاسلاً وأغلالاً). وإذا قلت: يا محمد؛ فالذي دل على اسميته النداء، لأنه ليس فيه أل، ولا تنوين ولا جر، ولا إسناد، وليس فيه إلا النداء.

علامات الفعل

علامات الفعل ثم انتقل المؤلف رحمه الله تعالى إلى بيان علامات الفعل فقال: [بتا فعلت وأتت ويا افعلي ونون أقبلن فعل ينجلي] ذكر أربع علامات: قوله: (بتا فعلت) أي يتبين الفعل بتا فعلت، يعني أن كل كلمة اتصلت بها تاء الفاعل فهي فعل، طيب. ومنها تا فعلتما، وتافعلتِ. إذاً تاء الفاعل من علامات الفعل. قوله: (وأتت) تاء أتت تاء تأنيث، إذاً فتاء التأنيث من علامات الفعل، فكل كلمة اتصلت بها تاء التأنيث فهي فعل، وليست اسماً ولا حرفاً. قوله: (ويا افعلي) هذه ياء المخاطبة، يقول: افعلي، يخاطب امرأة يأمرها أن تفعل، ومن ذلك قوله تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا} [مريم:26] إذاً: ياء المخاطبة من علامات الفعل. قوله: (ونون أقبلن) وهي نون التوكيد، فكل كلمة تقبل نون التوكيد فهي فعل. والمؤلف رحمه الله خلط هنا علامات الأفعال ولم يفصل؛ لكنه سيفصل! فتبين أن علامات الأفعال التي ذكرها ابن مالك أربع: تاء الفاعل، وعبر عنها بقوله: (بتا فعلت)، وتاء التأنيث الساكنة، وعبر عنها بقوله: (وأتت)، وياء المخاطبة، وعبر عنها بقوله: (ويا افعلي)، ونون التوكيد، وعبر عنها بقوله: (ونون أقبلن).

علامات الحرف

علامات الحرف ثم قال رحمه الله: [سواهما الحرف كهل وفي ولم] قوله: (سواهما): الضمير يعود على الاسم والفعل. والحرف: هو الذي لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، فإذا سئلنا: ما علامات الحرف؟ نقول: علامته أن لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، ولهذا قال الحريري في ملحة الإعراب: والحرف ما ليست له علامه فقس على قولي تكن علامه أي أن الحرف ليست له علامة، فهو لا يقبل علامات الفعل ولا علامات الاسم. فإذا قلت: قد قامت الصلاة، فـ (قد) حرف و (قام) فعل؛ لأنه قابل لتاء التأنيث الساكنة، و (الصلاة) اسم لأن فيها أل التعريفية.

تفصيل علامات الأفعال

تفصيل علامات الأفعال

علامة الفعل المضارع

علامة الفعل المضارع ثم قال رحمه الله: [فعل مضارع يلي لم كيشم]. هنا شرع المؤلف في بيان العلامات الخاصة لكل نوع من أنواع الأفعال، وأنواع الأفعال الثلاثة: مضارع وماض وأمر. وعلامة الفعل المضارع الخاصة به (لم)، فكل كلمة تقبل لم فهي فعل مضارع. قوله: (فعل مضارع يلي لم كيشم). في إعراب هذا الشطر إشكال؛ لأنه قال: (فعل) فبدأ بالنكرة، والمعروف أن البداءة بالنكرة لا تصلح؛ لأن المبتدأ لابد أن يكون معرفة لأنه محكوم عليه، والنكرة لا يحكم عليها. و A أن هذه نكرة وصفت، وإذا وصفت النكرة تخصصت. وهنا نسأل: لماذا سمي المضارع مضارعاً؟ قالوا: إن المضارعة هي المشابهة، والفعل المضارع يشبه اسم الفاعل في حركاته، فمثلاً: (قائم) يشبه في حركاته (يقوم)، كذلك (يستغفر) يشبه (مستغفر)، فقالوا: إنه يشبه الاسم فلهذا سموه مضارعاً. وقوله: (يلي لم كيشم) من الشم، وهو الحاسة المعروفة في الأنف، فإذا قلت: فلان يشم الريحان كانت (يشم) فعلاً مضارعاً. يقوم: فعل مضارع لأنه يجوز أن تدخل عليه (لم) تقول: لم يقم. يضرب: فعل مضارع، تقول: لم يضرب. يفعل: فعل مضارع، تقول: لم يفعل، قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة:24].

علامة الفعل الماضي

علامة الفعل الماضي ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وماضي الأفعال بالتا مز] بالتا: جار ومجرور. مز: فعل أمر، يعني: ميِّز ماضي الأفعال بالتاء، وعلى هذا المعنى نقول: إن (ماضي) مفعول مقدم لكلمة (مز)، يعني: ميز ماضي الأفعال بالتاء. والذي مر علينا تاءان: تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة، فأي التاءين يراد؟ A كلتاهما، فتاء الفاعل لا تدخل إلا على الماضي، وتاء التأنيث الساكنة لا تدخل إلا على الماضي، وعلى هذا فنقول: أل في قول ابن مالك (بالتا) للعهد الذكري، أي أنها تشير إلى تاء سبق ذكرها في قوله: (بتا فعلت وأتت) فالفعل الماضي يتميز عن المضارع والأمر بقبول التاء.

علامة فعل الأمر

علامة فعل الأمر ثم قال رحمه الله: [وسم بالنون فعل الأمر إن أمر فهم] (سم بالنون) يعني: اجعل النون سمة فعل الأمر، والسمة هي العلامة، لكن قيد فقال: (إن أمر فهم). إذاً: فعل الأمر يتميز عن صاحبيه بقبول النون مع إفهام الأمر، وأل في قوله: (بالنون) للعهد الذكري، والنون السابقة هي (نون أقبلن) أي نون التوكيد. يعني: فعلامة فعل الأمر قبول نون التوكيد لكن بشرط أن يفهم منه الأمر. وإنما قال المؤلف: (إن أمر فهم) ليخرج بذلك المضارع؛ لأن المضارع يقبل نون التوكيد لكن لا يفهم منه الأمر. ويكون القيد الأول (سم بالنون) يخرج الفعل الماضي؛ لأن الفعل الماضي لا يقبل نون التوكيد، و (إن أمر فهم) يخرج المضارع؛ لأن المضارع لا يفهم منه الأمر. وبهذا تميزت الأفعال بعضها من بعض، حيث يتميز الفعل الماضي عن صاحبيه بقبول تاء الفاعل وتاء التأنيث، ويتميز المضارع عن صاحبيه بقبول لم، ويتميز فعل الأمر عن صاحبيه بقبول نون التوكيد مع دلالته على الأمر. ونون التوكيد تدخل على المضارع، ومن ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8]. فإذا قال قائل: أليس الفعل المضارع تدخل فيه النون مع الدلالة على الأمر فيما إذا اقترنت به لام الأمر، مثل أن تقول: لتفهمَنَّ أيها الطالب؟ ف A بلى، لكن فهم الأمر ليس من الفعل بل هو من اللام، ومراد ابن مالك بقوله: (إن أمر فهم) أي إن فهم الأمر من نفس الكلمة لا من أمر خارج، والمضارع إذا فهم منه الأمر في قول القائل: لتفهمن، فإنما كانت الدلالة هنا باللام، لا من حيث صيغة الفعل.

الفرق بين فعل الأمر واسم الفعل

الفرق بين فعل الأمر واسم الفعل ثم قال: [والأمر إن لم يك للنون محل فيه هو اسم نحو صه وحيهل] أشار المؤلف بهذا البيت إلى أنه إذا كانت الكلمة تدل على معنى الفعل ولكن لا تقبل علامته فإننا نسميها اسم فعل، مثل: صه بمعنى اسكت، وأص بمعنى أسكت، ومه بمعنى كف، وحيهل بمعنى أقبل، و (حيَّ)، في قول المؤذن: حي على الصلاة اسم فعل أمر؛ لأنها بمعنى أقبل. وهذا البيت ذكر فيه ابن مالك حكم ما دل على الأمر ولم يقبل علامته، فهو اسم فعل أمر، فهل نقول: وما دل على المضارع ولم يقبل علامته فهو اسم فعل مضارع، وما دل على الماضي ولم يقبل علامته فهو اسم فعل ماض؟ و A نعم. هو كذلك. إذاً: هنا قاعدة: وهي أن ما دل على معنى الفعل ولم يقبل علامته فهو اسم لذلك الفعل. فقوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون:36]، هذا اسم فعل ماض؛ لأنها بمعنى بَعُدَ. وكذلك: شتان ما بينهما، بمعنى بَعُد أيضاً فهذا اسم فعل ماض. {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:23] اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر. بحث في كلمة صه ومه: يقول النحويون: إن أردت أن تسكته عن كل كلام فقل: صهٍ! حتى يسكت عن كل شيء، وإن أردت أن تسكته عن كلام معين فقل: صهِ بدون تنوين، وذلك لأنها إذا نونت صارت نكرة، وإذا لم تنون فهي معرفة فإذا سمعت شخصاً يتحدث بكلام ليس بجيد قلت: صهِ! بدون تنوين، أي: اسكت عن هذا الكلام المعين. فإذا سمعت شخصاً يتحدث عند قوم نيام قلت له: صهٍ! يعني: اسكت عن كل كلام لئلا توقظ النيام. خلاصة البحث الذي سبق: أن للفعل علامات وأن للحرف علامات، كما أن للاسم علامات، وأن علامات الأفعال تتنوع بحسب تنوع الأفعال. فعلامة الفعل الماضي الخاصة به التاء، أعني تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة. وعلامة المضارع دخول لم. وعلامة الأمر قبول نون التوكيد مع دلالته على الأمر.

علامات أخرى للأفعال وقاعدة أسماء الأفعال

علامات أخرى للأفعال وقاعدة أسماء الأفعال هل هناك علامات أخرى للأفعال؟ A نعم، لها علامات، لكن ابن مالك رحمه الله ذكر أنموذجاً من هذه العلامات يعرف بها الفعل، وإلا فهناك علامات أخرى. مثلاً: (قد) من علامات الأفعال، لكنها تدخل على الماضي وعلى المضارع، ولا تدخل على الأمر. السين وسوف من علامات الأفعال، ولكنها تختص بالمضارع. فهذه علامات لها، لكن لا حرج على المؤلف إذا اقتصر على شيء منها. لكن يبقى النظر في البيت الأخير: (والأمر إن لم يك للنون محل فيه هو اسم نحو صه وحيهل) فلو أنه رحمه الله ذكر القاعدة العامة لكان أحسن، بحيث يقول: ما دل على الفعل ولم يقبل علامته فهو اسم لذلك الفعل، وهذا يشبه ما سبق من بعض المحشين حيث قال في قول ابن مالك: والله يقضي بهبات وافره لي وله في درجات الآخره أنه لو قال: والله يقضي بالرضا والرحمه لي وله ولجميع الأمه لكان أعم، مع أن ابن مالك رحمه الله لا يعترض عليه ذلك كما سبق أن بينا.

تقسيم الحروف إلى خاص وعام

تقسيم الحروف إلى خاص وعام وقول المؤلف: (كهل وفي لم) مثل بثلاثة حروف منها خاص ومنها عام. هل: حرف عام يدخل على الأسماء وعلى الأفعال، وفي: حرف خاص يدخل على الأسماء فقط؛ لأنه من حروف الجر. ولم: حرف خاص بالدخول على الفعل المضارع. فالمؤلف رحمه الله نوع الأمثلة ليشير إلى أن الحرف يكون مختصاً ويكون مشتركاً، والغالب أن الحروف المشتركة لا تعمل، وأن الحروف الخاصة تعمل فيما تختص به، فما يختص بالاسم يعمل في الاسم، وما يختص بالفعل يعمل في الفعل، وأما الحروف العامة المشتركة فلا تعمل، ولهذا تجدون الحرف (هل) لا يعمل. تقول: هل تعلمُ أن فلاناً قد بدأ بدراسة ألفية ابن مالك؟ فـ (هل) ما أثرت في الفعل شيئاً. في: خاصة بالاسم فتعمل فيه الجر. ولم خاصة بالفعل فتجزمه. لا النافية مشتركة، تقول: لا رجل في البيت ولا امرأة، وتقول: لا يفعل فلان كذا وكذا، ولذلك لا تعمل. وأما لا الناهية فهي خاصة بالفعل المضارع، ولهذا تعمل فيه الجزم. وهذه القاعدة أن الخاص يعمل والمشترك لا يعمل هي أغلبية، وليست مطردة، فقد يوجد أشياء خاصة ولا تعمل وأشياء عامة وتعمل.

شرح ألفية ابن مالك [3]

شرح ألفية ابن مالك [3] الأسماء منها ما هو معرب ومنها ما هو مبني، وسبب البناء في الأسماء المبنية هو الشبه القريب بينها وبين الحروف، والأفعال لا يعرب منها إلا المضارع، إذا لم تباشره نون التوكيد ولا نون النسوة.

المعرب والمبني من الأسماء

المعرب والمبني من الأسماء

تعريف المعرب والمبني

تعريف المعرب والمبني قال المؤلف رحمه الله: [المعرب والمبني] هذا عنوان لهذا الباب، وبدأ بالمعرب لشرفه، ثم أتى بالمبني لأن مرتبته دون المعرب، ولأن المبني أقل من المعرب والمعرب أكثر. وقد بين المؤلف رحمه الله في هذا الباب ما هو المعرب والمبني من الأسماء والأفعال والحروف. أما الأسماء فقسمها إلى قسمين، قال: [والاسم منه معرب ومبني]. منه معرب: مبتدأ وخبر، المبتدأ: معرب، والخبر: منه. (ومبني): الواو حرف عطف. مبني: مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنه مبني؛ لأنك لو قلت: منه معرب ومبني جمعت بين الضدين، ولكن الواقع أن منه معرباً ومنه مبنياً. ونظير هذا التعبير قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:105] فلا يصح أن تقول: سعيد معطوفة على شقي، بل تقول: سعيد: مبتدأ خبره محذوف، أي: ومنهم سعيد. ما هو المعرب؟ المعرب: ما يتغير آخره بحسب العوامل، مثل زيد، تقول: قام زيد، ضربت زيداً، مررت بزيد، فتجد أن آخره تغير بحسب العوامل. وسمي معرباً؛ لأنه يفصح عن المعنى، وذلك أنه إذا تغيرت الحركات فهم المعنى. والمبني: هو ما لزم حالاً واحدة. وإن شئت فقل: ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل، يعني: قد يتغير لكن لا لاختلاف العوامل، فمثل (حيث) يقال فيها: حيثُ وحيثَ وحيثِ وحوث، لكن هذا الاختلاف ليس من أجل اختلاف العامل، بل هو اختلاف لغة. فالمبني إذاً تعريفه: ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل، بل هو باق على ما هو عليه، لكن ما سبب البناء؟ أنا أقول ولست بنحوي: سبب البناء وروده عن العرب، أي أن العرب جعلوا هذه الكلمة مبنية لم يغيروها باختلاف العوامل، والكلمة الأخرى معربة يغيرونها باختلاف العوامل. فالحاكم في الألفاظ إعراباً وبناء هو ما سمع عن العرب، لكن مع ذلك التمس أهل الفن -أعني النحويين- عللاً للبناء، واختلفوا في هذه العلل، وأكثرهم على ما قال ابن مالك: [لشبه من الحروف مدني] أي سبب بناء الأسماء قربها من الحروف في الشبه، والحروف مبنية، فما قاربها شبهاً من الأسماء أعطي حكمها، هكذا ذهب المؤلف رحمه الله وأكثر النحويين. أما أنا ولست بنحوي فأقول: منه مبني لسماع ذلك عن العرب، وانتهى. والشبه أنواع، يقول: (لشبه من الحروف مدني) أي: مقرب، أما الشبه البعيد فلا عبرة به، لكن الشبه المقرب يجعل الكلمة مبنية.

معنى الشبه الوضعي في بناء الضمائر

معنى الشبه الوضعي في بناء الضمائر قال رحمه الله: [كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا]. الشبه الوضعي يعني أنه وضع على حرف أو حرفين، فهذا شبه وضعي؛ لأن أصل الحروف إما حرف وإما حرفان، وقد تكون ثلاثة، وقد تكون أربعة مثل كلا وهلا، لكن الأكثر الغالب أن الحروف مركبة من حرفين، فما شابهها من الأسماء كان مبنياً للشبه الوضعي؛ وقوله: (الوضعي) مأخوذ من الوضع. وقوله: (في اسمي جئتنا) اسما جئتنا هما التاء فاعل، ونا مفعول به، فالتاء على حرف، ونا على حرفين. نأخذ من هذا المثال أن جميع الضمائر التي في محل الرفع والتي في محل النصب والتي في محل الجر مبنية، وهذه قاعدة. وأخذنا أن الضمائر المرفوعة مبنية من التاء؛ لأن التاء فاعل، وأخذنا أن الضمائر المنصوبة والمجرورة مبينة من (نا)؛ لأن (نا) تصلح للنصب وللجر. فإذاً: كل الضمائر مبنية: ضمائر الرفع، وضمائر النصب، وضمائر الجر؛ المتصلة والمنفصلة، وإن كان المؤلف رحمه الله لم يذكر المنفصلة لكن ذكرها أهل العلم بالنحو. فكلما وجدت ضميراً فهو مبني؛ لكن سبب بناء الأسماء هو الشبه الوضعي، وأيضاً ما سيذكره.

معنى الشبه المعنوي في بناء متى والإشارة

معنى الشبه المعنوي في بناء متى والإشارة قوله: [والمعنوي في متى وفي هنا] أي: شبه المعنى في (متى) وفي (هنا) فمتى تشبه الحرف في المعنى لا في الوضع؛ لأن متى حروفها ثلاثة؛ لكنها تشبه الحرف في المعنى، إذ إن (متى) تصلح أن تكون شرطاً، وتصلح أن تكون استفهاماً، والشرط قد وضع له حرف دال عليه، والاستفهام قد وضع له حرف دال عليه، فإذا جعلناها شرطية فهي تشبه في المعنى إن الشرطية، وإذا جعلناها استفهامية فهي تشبه في المعنى همزة الاستفهام. وإن شئت فقل: تشبه (هل)، وهي إلى (هل) أقرب من الهمزة؛ لأن (هل) موضوعة على حرفين، ومتى على ثلاثة أحرف، فهي إلى هل أقرب منها إلى الهمزة؛ لكنهم جعلوها مشبهة للهمزة في المعنى؛ لأن الأصل في أدوات الاستفهام هي الهمزة. قوله: (وفي هنا): (هنا) إشارة إلى المكان، ولا يوجد حرف يشبه اسم الإشارة في المعنى، لكن على فرض أن العرب وضعوا حرفاً للإشارة نقول: اسم الإشارة مشبه لهذا الحرف الذي يفرض أن العرب وضعته. وهذه العلل عليلة، يعني: عندما لم تجدوا ما قلتم فرضتم على العرب أن يضعوا حرفاً للإشارة لكنهم ما وضعوا، فمعناه أن العرب آثمون لأنهم تركوا الواجب، أو غافلون لأنهم لم يجدوا حرفاً. وقد قال بعض النحويين: إن العرب وضعوا أل التي للعهد الذكري حرفاً للإشارة بمنزلة اسم الإشارة، قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل:15 - 16] كأنه قال: فعصى فرعون هذا الرسول المذكور. فأل التي للعهد الذكري تشير إلى المذكور، وهي حرف. ولكني لو أحلف أن العرب ما طرأ ببالهم هذا ما حنثت، أعني قولهم: إن العرب فكروا فما وجدوا حرفاً يوضع للإشارة إلا أل التي للعهد الذكري. ونحن نقول: إن المرجع في البناء والإعراب السماع ونستريح، فنقول: ما سمع عن العرب مبنياً فهو مبني، وما سمع معرباً فهو معرب.

معنى النيابة عن الفعل بلا تؤثر في بناء أسماء الأفعال

معنى النيابة عن الفعل بلا تؤثر في بناء أسماء الأفعال قوله: [وكنيابة عن الفعل بلا تأثر] الثالث: الشبه النيابي، ويعني: أن يشبه الحرف في النيابة، وذلك في العمل بلا تأثر بالعوامل؛ لأن الحرف يعمل ولا يتأثر، فهو يعمل ولا يعمل فيه، ففي -مثلاً- تعمل الجر؛ ولكن لا يعمل فيها، فلو قلت مثلاً: جلست في المسجد، تقول: جلست: فعل وفاعل وفي: حرف جر، والمسجد: مجرور بفي، ففي عملت ولم يعمل فيها. فما شابه الحرف من هذه الناحية -أي: صار يعمل ولا يعمل فيه- فهو مبني، فجميع أسماء الأفعال مبنية. وهنا Q أيها أسهل: أن نقول للناس أسماء الأفعال مبنية، أم أن نقول: ما شابه الحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه فهو مبني. أم نقول كما قال ابن مالك: إن ما ناب عن الفعل بلا تأثر فهو مبني؟ فيحصل عندنا ثلاث جمل: الأولى: جميع أسماء الأفعال مبنية. الثانية: ما شابه الحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه مبني. الثالثة: ما ناب عن الفعل بلا تأثر بالعوامل فهو مبني. وأسهلها هي الأولى، إذاً نقول: جميع أسماء الأفعال مبنية. قوله: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر) يعني: أن يعمل ولا يعمل فيه، وخرج بذلك المصدر النائب عن فعله، فإنه ينوب عن الفعل ولكن بتأثر، مثل أن تقول: ضرباً زيداً، بمعنى: اضرب زيداً، فكلمة (ضرباً) هنا غير مبنية مع أنها تنوب عن الفعل؛ لكنها تتأثر بالعوامل، فلذلك لم تكن مبنية. وأمثلة ذلك أن تقول: يعجبني ضَرْبُ زيد عمراً، وتقول: أنكرت ضَرْبَ زيد عمراً، وتقول: عجبت من ضَرْبِ زيد عمراً، فتجد كلمة (ضَرْب) تتأثر بالعوامل، إذاً فلا تدخل بل تخرج بقول ابن مالك رحمه الله: (عن الفعل بلا تأثر).

معنى الشبه الافتقاري في بناء الموصولات

معنى الشبه الافتقاري في بناء الموصولات الشبه الرابع: الافتقار. قال ابن مالك: [وكافتقار أصلا] يعني أن يشبه الاسم الحرف في الافتقار الأصلي، ويشير بذلك إلى الأسماء الموصولة. ولو قال ابن مالك أو غيره من العلماء: والأسماء الموصولة لكان أوضح من أن يقولوا: وما شابه الحرف في افتقار أصلي؛ لأن الأسماء الموصولة كلها مبنية. وقوله: (أصلا) احترز به عما إذا كان الافتقار عارضاً؛ فإنه لا يوجب البناء. مثال العارض: افتقار الصفة للصفة، تقول: مررت برجل يشكو ألماً في رجله، تريد أن تبين حال الرجل فلابد أن تقول: يشكو ألماً في رجله، لكن هذا الافتقار عارض، ولو أردت ألا تبين وقلت: مررت برجل، لاستقام الكلام. كذلك أيضاً لابد أن يكون الافتقار إلى جملة أو شبهها، فإن كان الافتقار إلى مفرد لم تكن الكلمة مبنية، مثل كلمة (سبحان)، فهي مفتقرة إلى الإضافة؛ لأنها دائماً تأتي مضافة لا مفردة، ومع ذلك هي معربة؛ لأن افتقارها إلى غير جملة لا إلى جملة.

تعديد الأسماء المبنية

تعديد الأسماء المبنية والحاصل أن الأسماء المبنية ستة: أولاً: الضمائر، وهي مأخوذة من قول المؤلف: (في اسمي جئتنا). ثانياً: أسماء الشرط، وهي مأخوذة من قوله: (متى). ثالثاً: أسماء الاستفهام، وهي مأخوذة من قوله: (متى). رابعاً: أسماء الإشارة، وهي مأخوذة من قوله: (هنا). خامساً: أسماء الأفعال، وهي مأخوذة من قوله: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر). سادساً: الأسماء الموصولة، وهي مأخوذة من قوله: (وكافتقار أصلا). وخلاصة الدرس: أن الأسماء تنقسم إلى قسمين معربة ومبنية، والأصل الإعراب لا البناء. والدليل على أن الأصل الإعراب أنه لا يحتاج إلى شرط، والمبني يحتاج إلى شرط. فالمعرب ما يتغير آخره باختلاف العوامل، والمبني ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل. المبني من الأسماء ستة أبواب ذكرها ابن مالك: الضمائر، أسماء الشرط، أسماء الاستفهام، أسماء الإشارة، أسماء الأفعال، الأسماء الموصولة. وعلة البناء فيها مشابهة الحرف، ومشابهة الحرف أنواع: الشبه الوضعي، الشبه المعنوي، الشبه الافتقاري، الشبه النيابي.

المعرب من الأسماء

المعرب من الأسماء ثم قال ابن مالك رحمه الله: [ومعرب الأسماء ما قد سلما من شبه الحرف كأرض وسما] قال المؤلف أولاً: (المعرب والمبني) وقدم المعرب لأنه الأصل، وشرع في البناء؛ لأنه أقل من المعرب في الشرح وفي الوجود، فإذا كان أقل يكون حصره أسهل. ويجوز أن نقول: (معرب) خبر مقدم. و (ما) في قوله (ما قد سلما) مبتدأ مؤخر. ويجوز أن نقول: معرب: مبتدأ. وما قد سلم: خبره؛ لأنه ينظر هل يريد أن يخبر عن المعرب ما هو؟ أو أن يخبر عما سلم من مشابهة الحرف هل هو معرب أو لا؟ إن كان الثاني فـ (معرب) خبر، وإن كان الأول فـ (معرب) مبتدأ، والمعنى لا يختلف. قوله: (ما قد سلما) بالألف، والألف هنا ليست للتثنية بل هي للإطلاق، أي: إطلاق شطر البيت. قوله: (من شبه الحرف كأرض وسُما) هذا مقابل قوله: (ومبني لشبه من الحروف مدني). فإن قال قائل: لماذا قال: (معرب الأسماء ما قد سلما) وهو مفهوم من قوله: (ومبني لشبه من الحروف)؟ والجواب عن هذا من وجهين: الوجه الأول: أن كوننا نعرف أن معرب الأسماء ما قد سلم من شبه الحرف من الجملة السابقة إنما نعرفه عن طريق المفهوم، وهنا عرفناه عن طريق المنطوق، والدلالة بالمنطوق أقوى من الدلالة بالمفهوم. الوجه الثاني: أنه إنما ذكر المعرب هنا للتوطئة والتمهيد لبيان أن المعرب ينقسم إلى صحيح ومعتل، ويظهر ذلك بالمثال: (كأرض وسما). إذاً: يرى ابن مالك رحمه الله أن المعرب من الأسماء ما لم يشابه الحروف، ونحن نقول: المعرب من الأسماء ما يتغير آخره باختلاف العوامل، وهذا أوضح، فكل كلمة يختلف آخرها باختلاف العوامل فهي معربة. وقوله: (كأرض وسما) أول ما تقرأ تظن أن الصواب: وسَما؛ لأن السماء تقابل دائماً بالأرض، وليس كذلك؛ لأن (أرض) آخرها حرف صحيح وهو الضاد، و (سُما) آخرها ألف وهو من حروف العلة، فكأن المؤلف بتغيير المثال يشير إلى أن الاسم المعرب منه صحيح ومنه معتل. فالصحيح مثل: أرض، والمعتل مثل: سُما. وسُما لغة في اسم، فتقول: اسم ولد فلان محمد، وتقول سما ولد فلان محمد. إذاً: فـ (سما) بمعنى اسم، وهي لغة فيه. ومن أمثلة الصحيح غير أرض: زيد، عمرو، مسجد، بكر، خالد، وغيرها. ومن أمثلة المعتل غير سما: هدى، رضا، فتى، وغيرها. وسيأتي إن شاء الله أن المعتل يكون معتلاً بالواو، ومعتلاً بالألف، ومعتلاً بالياء، بكلام أوضح من هذا.

المعرب والمبني من الأفعال

المعرب والمبني من الأفعال

بناء الفعل الماضي وفعل الأمر

بناء الفعل الماضي وفعل الأمر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفعل أمر ومضي بنيا وأعربوا مضارعاً إن عريا من نون توكيد مباشر ومن نون إناث كيرعن من فتن] ثم قال: [وفعل أمر ومضي بنيا] أي: أن فعل الأمر مبني، والماضي مبني، والألف في قوله: (بنيا) للتثنية؛ لأنها تعود على اثنين. ففعل الأمر مبني، وقيل: معرب، والصحيح أنه مبني، ويبنى على ما يجزم به مضارعه، فإن كان مضارعه يجزم بالسكون فهو مبني على السكون، وإن كان مضارعه يبنى على حذف حرف العلة أو حذف النون، فهو كذلك مبني على حذف حرف العلة أو حذف النون. ولهذا يقولون: إذا أردت أن تصوغ فعل الأمر فأت بفعل مضارع مجزوم ثم انزع منه حرف المضارعة والحرف الجازم. فمثلاً: إذا أردت أن تأتي بأمر من نام، تقول: لم ينم، ثم احذف لم والياء تصبح: نم. وإذا أردت أن تأتي بأمر من خاف، تقول: لم يخف، ثم احذف الياء ولم تصبح: خف بفتح الخاء. والعلة أن الأمر يبنى على ما يجزم به المضارع. وإذا أردت الأمر من عمل فأت بمضارع مجزوم، لم يعمل، ثم تحذف حرف المضارعة ولم، يصبح: عمل، فجئنا بزيادة وهي الهمزة ضرورة؛ لأنك إذا قلت: لم يعمل، وجدت العين في (يعمل) ساكنة، والحرف الساكن لا يمكن أن تبتدئ النطق به إلا بهمزة وصل، فتقول: اعمل. ومثله الأمر من ضرب، وهو: اضرب، نطبق نفس القاعدة، فنقول: لم يضرب، ثم نحذف لم والياء، فيقابلنا حرف ساكن هو الضاد، فنأتي بهمزة وصل حتى نتوصل إلى النطق به فنقول: اضرب! لم يدع، احذف لم وحرف المضارعة، ثم تقول: ادعُ، فزدنا الهمزة لضرورة النطق. والأمر من (وقى) نقول: لم يق. ثم نحذف لم والياء، فيصبح: قِ. والأمر من قاء. نقول: لم يقئ، فنطبق القاعدة فنحذف لم والياء، فيصير: قئ. والأمر من وعى هو: عِ. نقول: لم يع حذفنا الياء ولم فصارت عِ. والأمر من وفى: فِ.

إعراب الفعل المضارع

إعراب الفعل المضارع ثم قال رحمه الله: [وأعربوا مضارعاً إن عريا من نون توكيد مباشر ومن نون إناث ليرعن من فتن] أعربوا: الواو هنا ضمير تعود على العرب أو تعود على النحويين، إن كانت خبراً فإنها تعود على العرب، وإن كانت حكماً فإنها تعود على النحويين. إن كان المعنى: وحكموا بإعراب المضارع، فالضمير يعود على النحويين. وإن كان المعنى: تكلموا بالمضارع معرباً، فعلى العرب. والعرب هم الأصل، وهم الذين أعربوا المضارع لكن بشرط: (إن عري إلى آخره). وهنا نسأل: هل كلام المؤلف يفيد أن الأصل في المضارع الإعراب أو أن الأصل فيه البناء؟ يقولون: كل ما احتاج إلى قيد فالأصل العدم، إذاً: الأصل في المضارع الإعراب؛ لأن الشرط هنا عدمي لا وجودي. نقول الآن: المضارع يعرب بشرط أن لا تتصل به نون التوكيد ولا نون الإناث. فإذا وجدنا مضارعاً لم تتصل به نون التوكيد ولا نون الإناث فإنه يعرب، يعني يتغير آخره باختلاف العوامل الداخلة عليه. مثاله: يقوم. تقول: يقوم الرجل، لم يقم الرجل. قوله: [نون توكيد مباشر] كلمة (مباشر) بالنسبة لعبارتنا التي قلنا: إذا اتصل به نون التوكيد لا نحتاج إليها كما سيتبين من الشرح. فقال: (من توكيد مباشر). احترازاً من نون التوكيد غير المباشر، فإذا لم يعر عن توكيد مباشر فإنه يكون مبنياً، بمعنى أنه إذا اتصلت به نون التوكيد فإنه يكون مبنياً. مثال ذلك أن تقول: يقوم زيد، فهو معرب؛ لأنه لم تتصل به نون توكيد ولا نون إناث. ثم تقول: ليقومَنَّ زيد. فاتصل به نون توكيد مباشر، وإذا كان الفعل المضارع مسنداً لمفرد وفيه نون توكيد فهو مباشر على كل حال. قلنا: يقوم زيد، مرفوع، وهنا قلنا: ليقومَنَّ زيد، فليس مرفوعاً ولا منصوباً، لكنه مبني على الفتحة، أي أنه إذا اتصل به نون التوكيد صار مبنياً على الفتحة. قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32]. والنون في قوله: (ليسجننَّ) يسمونها الثقيلة (وليكوناً) يسمونها الخفيفة، سميت الأولى ثقيلة لأنها مشددة، كل حرف مشدد فهو ثقيل، وسميت الثانية خفيفة لأنها ساكنة غير مشددة. إذاً: إذا اتصلت نون التوكيد بالفعل المضارع صار مبنياً على الفتح. وتقول: إلا تفعلن يا زيد. بفتح اللام مع أنه دخل عليه إن الشرطية؛ وذلك لأنه مبني لا يتغير بالعوامل. وتقول: يعجبني أن تفعلن كذا -إذا صح التعبير- لأنه مبني على الفتح، وتقول: لن تفعلن كذا. فتبنيه على الفتح. الخلاصة: يعرب المضارع إلا في حالين: الحال الأولى: إذا اتصلت به نون التوكيد المباشرة، وكلمة (المباشرة) لا يضر حذفها؛ لأنه إذا قلنا اتصلت به يكفي لكن هذه زيادة إيضاح. الحال الثانية: إذا اتصلت به نون الإناث، والمراد نون المؤنث، ولم يقل (نون النسوة) لأن من المؤنث ما هو نسوة كبنات آدم ومنه ما ليس بنسوة كالغنم. مثاله: (كيرعن من فتن) أي: النسوة يرعن من فتن بهن، يعني يروعن من فتن بهن؛ لأنه يخاف منهن ماذا يفعلن به؟ يأخذن قلبه حتى يمشي وراءهن، وهذا هو الواقع نسأل الله العافية، أعني أن من فتن بالنساء أخذ قلبه وصار يمشي كالبهيمة، ولهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام من فتنة النساء فقال: (واتقوا النساء) وأخبر أن عامة فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. وابن مالك يقول: (يرعن من فتن) تحذيراً من الافتتان بهن. والمؤلف لم يمثل لنون التوكيد إنما مثل لنون الإناث قال: (يرعن من فتن). وأصل يرعن يروع بالواو، لكن لما بني الفعل على السكون لاتصاله بنون النسوة التقى ساكنان الواو والعين، وإذا التقى ساكنان وكان الأول حرف لين وجب حذفه، وإلى هذه القاعدة يشير ابن مالك في الكافية بقوله: إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق وحروف اللين ثلاثة: الواو، والألف، والياء. والأعراب: يرعن: (يرع) فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث في محل رفع. والنون في يرعن ضمير متصل فاعل مبني على الفتح في محل رفع. (من): مفعول به مبني على السكون في محل نصب. فتن: فعل ماض. والجملة صلة الموصول. نحن قلنا في نون التوكيد: لابد أن يكون مباشر احترازاً مما إذا لم يكن مباشراً. ومتى لا يكون مباشراً؟ إذا أسند الفعل إلى واو الجماعة، أو ألف الاثنين، أو ياء المخاطبة، ففي هذه الحال يعرب ولا يبنى. قال الله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8]، وقال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} [الأعراف:6]. فالفعل (نسألن) مبني، و (تُسألُن) معرب؟ لأن (نسألن) النون فيه مباشرة، و (تسألن) النون غير مباشرة، لأن أصل تسألن (تسألوننٌ) فعندنا ثلاث نونات. يقول النحويون في تعليلهم الذي قد يكون عليلاً: لا تجتمع ثلاثة حروف من نوع واحد، (تسألوننَّ) فيجب أن نحذف أحدها لتوالي الأمثال، فنحذف النون الأولى لتوالي الأمثال. والأمثال هي أن النون مثل النون، فعندنا الآن ثلاثة أمثال، النون الأولى والنون المشددة عن ثنتين فتحذف النون الأولى وهي ملاصقة للفعل لأن أصله: (تسألون)، فهي ألصق بالفعل، وتبقى نون التوكيد لأنها جاءت لمعنى مقصود وهو التوكيد، فهي أحق بالبقاء، أما نون الرفع فإنها تحذف كثيراً، كما إذا دخل ناصب على الفعل وإذا دخل جازم. جاءت نون التوكيد مشددة، والحرف المشدد أوله ساكن، فجاءت مع الواو الساكنة، فحصل خصومة ثانية بين الواو والنون. قالت الواو للنون: أنت طارئة فانقلعي أو على الأقل ينقلع الحرف الأول منك، ودعيني أبقى في مكاني ويكون فعلي (تُسْأَلوْنَ) إذا حذفت النون الساكنة الأولى من النون المشددة، فتبقى نون مفتوحة مخففة، فتقول نون التوكيد لواو الجمع: إذا حذفت أول جزء مني وهو نصفي الساكن فات المقصود من التوكيد وصار الفعل غير مؤكد ولذا لابد أن أبقى. وقالت: ثم إني أحتج عليك بقول ابن مالك: إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق وأنت لين فاذهبي، فتذهب الواو، ويكون الفعل (تُسألُنَّ). نحن جعلناها كأنها قصة لأجل أن نقربها لأفهامكم. نقول: أصل (تسألُنَّ) (تُسألونَنَّ) فحذفت النون الأولى لتوالي الأمثال وحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وصارت الجملة تسألن. والإعراب: (تسألن) فعل مضارع مرفوع بتقدير النون المحذوفة لتوالي الأمثال. والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين نائب فاعل. وقوله: فلنسألن: نسأل فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: نحن، والنون للتوكيد. إذا قلت: لا تكسلن عن طلب العلم. لا: ناهية جازمة. تكسلن: تكسل: فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم بلا الناهية، والنون للتوكيد. فانظر الآن كيف لم يتغير الفعل لا حين كان مرفوعاً ولا حين كان مجزوماً، لأنه مبني على الفتح والمبني لا يتغير باختلاف العوامل.

بناء الحروف

بناء الحروف قال مبيناً هل الأصل في البناء الحركة أو السكون. [وكل حرف مستحق للبنا والأصل في المبني أن يسكنا] الأصل في المبني أن يسكن؛ لأنه لا حاجة إلى أن يحركه، حيث إنه لا يختلف باختلاف العوامل، فحينئذ يكون الأصل فيه السكون. قال رحمه الله: [ومنه ذو فتح وذو كسر وضم كأين أمس حيث والساكن كم] (ومنه) أي: من المبني (ذو فتح وذو كسر وضم) يعني: وذو ضم. إذاً: منه مفتوح ومكسور ومضموم. أين: مثال لذي الفتح. أمس: مثال لذي الكسر. حيث: مثال لذي الضم. والساكن كم: أخر الساكن لكنه لما أخره وهو الأصل أعطاه ميزة فقال: (والساكن كم)، ولم يقل: وكم، وهذه منقبة للساكن حيث ركب له جملة تامة. إذاً: المبني يبنى على السكون وهو الأصل، ويبنى على الفتح، ويبنى على الكسر، ويبنى على الضم. وهذا البناء المختلف ليس سببه اختلاف العوامل؛ لأن المبني لا يتغير أبداً، تقول مثلاً: أكرم مَنْ يكرمك، ومررت بمَنْ يكرمك، ويسرني مَنْ يكرمك، فلفظة (مَنْ) لم تتغير مع أن العوامل اختلفت، فهي في قوله: يسرني من يكرمك. فاعل، أكرم من يكرمك. مفعول به، مررت بمن يكرمك. في محل جر. الحاصل: أن الاسم ينقسم إلى قسمين: معرب ومبني. والفعل ينقسم إلى قسمين: معرب ومبني، والمعرب منه هو الفعل المضارع فقط، بشرط ألا يتصل به نون توكيد، ولا نون نسوة. والحرف كله مبني، والسبب في ذلك أن العوامل لا تتسلط عليه، فلم يحتج إلى الإعراب، لو قلت مثلاً: مررت بزيدٍ فالفعل لم يتسلط على الباء، وإنما تسلط على المجرور.

شرح ألفية ابن مالك [4]

شرح ألفية ابن مالك [4] ألقاب الإعراب أربعة وهي رفع ونصب وجر وجزم، وعلاماتها الأصلية أربع: الضمة والفتحة والكسرة والسكون على الترتيب، وتشترك الأسماء والأفعال في الأولين ويختص الاسم بالثالث والفعل بالرابع، وما سوى الأصلية ينوب منابها، ومما يعرب بالنيابة الأسماء الستة، وهي أبو أخو حمو فو ذو هن.

ألقاب الإعراب

ألقاب الإعراب

اشتراك الاسم والفعل في الرفع والنصب

اشتراك الاسم والفعل في الرفع والنصب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل نحو لن أهابا والاسم قد خصص بالجر كما قد خصص الفعل بأن ينجزما فارفع بضم وانصبن فتحاً وجر كسراً كذكر الله عبده يسر واجزم بتسكين وغير ما ذكر ينوب نحو جا أخو بني نمر] قول المؤلف رحمه الله: (والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل نحو لن أهابا) الإعراب: الرفع: مفعول به أول مقدم للفعل (اجعلن) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. والواو عاطفة. النصب: معطوف على الرفع، والمعطوف على المنصوب منصوب. اجعلن: اجعل فعل أمر مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد. والنون حرف توكيد لا محل له من الإعراب. إعراباً: مفعول به ثان للفعل (اجعلن) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. لاسم: جار ومجرور. وفعل: الواو عاطفة. وفعل معطوف على ما قبله مجرور مثله. نحو: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك نحو لن أهابا: لن: حرف نفي ونصب واستقبال. أهابا: فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا. وجملة (لن أهابا) في محل جر مضاف إليه. يقول ابن مالك رحمه الله: (والرفع والنصب اجعلن إعرابا لاسم وفعل) سبق لنا أن الاسم منه معرب ومبني وكذلك الفعل. فالمعرب ما تغير آخره باختلاف العوامل، والمبني: ما ليس كذلك. إذاً: المعرب له علامات: منها الرفع، والنصب. فيقول هنا: اجعلن الرفع والنصب إعراباً للاسم والفعل. فالاسم: يكون مرفوعاً، والفعل يكون مرفوعاً، والاسم يكون منصوباً، والفعل يكون منصوباً. إذاً يشترك الاسم والفعل في الرفع والنصب. مثال الرفع: يقوم زيد، فالفعل مرفوع والاسم مرفوع. ومثال النصب: لن أهين الطالب. أهين: فعل منصوب. والطالب: اسم منصوب. وقد مثل المؤلف للفعل فقال: (نحو لن أهابا) فلن هذي تنصب. وأهاب: فعل مضارع منصوب بلن. ويمكن أن نجعل هذا المثال مثالاً للاسم والفعل؛ نقول: مثل أن يقول: لن أهابا عدواً. فأهاب: هنا منصوبة بلن. وعدواً: منصوبة بالفعل.

تخصيص الاسم بالجر والفعل بالجزم

تخصيص الاسم بالجر والفعل بالجزم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والاسم قد خصص بالجر كما قد خصص الفعل بأن ينجزما) هذه العلامة الخاصة، فالجر يختص بالاسم، أي: فلا يكون الفعل مجروراً أبداً. كما قد خصص الفعل بأن ينجزم، فلا يكون الاسم مجزوماً أبداً. إذاً: الإعراب أنواعه أربعة: رفع، ونصب، وخفض، وجزم. والمؤلف يعبر بالجر وهو تعبير البصريين. وفي الآجرومية عبر بالخفض، وهو تعبير الكوفيين. فإذا وجدت كتاباً في النحو يعبر بالخفض عن الجر فاعلم أنه كوفي، وإذا رأيت كتاباً يعبر بالجر عن الخفض فهو بصري. فأنواع الإعراب: رفع ونصب وجر وجزم، تشترك الأسماء والأفعال في نوعين وهما الرفع والنصب. يعني: أن الاسم يكون مرفوعاً والفعل يكون مرفوعاً، والاسم يكون منصوباً والفعل يكون منصوباً. ويختص الاسم بالجر، والفعل بالجزم، يعني: أن الفعل لا يكون مجروراً والاسم لا يكون مجزوماً، وقد مر علينا في أول الألفية أن من علامات الاسم الجر، يعني أنه خاص به، فلا يصلح أن أقول: يضربِ زيد لأن الفعل لا ينجر. ولا يصح أن أقول: جاء زيدْ وعمرْو فأجزمه؛ لأن الجزم خاص بالأفعال. ولا يكون الجزم في الفعل الماضي لأنه مبني، ونحن نتكلم عن الإعراب، فالجزم لا يكون إلا في الفعل المضارع، لأنه هو الذي يعرب. فقول المؤلف: (قد خصص الفعل بأن ينحزما) لا يريد به العموم؛ لأن الفعل الماضي لا يدخله الجزم وفعل الأمر لا يدخله الجزم، على قول البصريين، وهو الصحيح، وإنما يدخل الجزم الفعل المضارع. وإذا كانت أنواع الإعراب أربعة، فما علامات هذه الأنواع؟ أعني: ما علامات كون الاسم مرفوعاً، أو كون الفعل مرفوعاً، أو كونهما منصوبين، أو كون الاسم مجروراً، أو كون الفعل مجزوماً؟

العلامات الأصلية للإعراب

العلامات الأصلية للإعراب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فارفع بضم وانصبن فتحاً وجر كسراً كذكر الله عبده يسر واجزم بتسكين وغير ما ذكر ينوب نحو جا أخو بني نمر] ارفع: فعل أمر، والأمر هنا للوجوب، فيجب أن ترفع بالضم، كأن تقول: قام زيدٌ، ولا يجوز أن تقول: قام زيدِ، ولا أن تقول: قام زيداً. (وانصبن فتحاً): يعني: وانصبن بفتح. انصبن: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. فتحاً: منصوب بنزع الخافض، والتقدير: وانصبن بفتح. (وجر كسراً) نقول في: (وجر كسراً) كما قلنا في (انصبن فتحاً) أي أن كسراً منصوب بنزع الخافض، أي: جر بكسر. فتبين أن علامة الرفع ضم. والنصب فتح. والجر كسر. ثم ضرب مثلاً فقال: (كذكر الله عبدَهُ يسر) أو (كذكر الله عبدُهُ يسر) هنا يصح الوجهان لكن إذا قلنا: كذكر الله عبدَهُ يسر؛ صار المعنى: أن الله إذا ذكر عبده فإن ذلك يسر العبد. وإذا قلنا: ذكر الله عبدُهُ يسر، صار المعنى: أن العبد إذا ذكر الله سر بذلك، وأيهما أحسن؟ A الأول، وهو أن يذكرك الله؛ قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]. وإعرابها: الكاف حرف جر. وذكر الله عبده يسر: اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. فإذا قال قائل: كيف يكون هذا؟ قلنا: يكون على تقدير أن الجملة بمعنى (هذا اللفظ)، يعني: كأنه قال: (كهذا اللفظ)، فهي قائمة مقام قول القائل: هذا اللفظ. وإن شئت فقل: الكاف: حرف جر، والمجرور محذوف والتقدير: (كقولك: ذكر الله عبده يسر)، ثم تعرب الجملة: ذكر: مبتدأ. وهو مضاف إلى لفظ الجلالة، من إضافة المصدر إلى فاعله. عبد: مفعول ذكر، والتقدير: أن يذكر اللهُ عبدَه يسر. وجملة يسر: في محل رفع خبر المبتدأ (ذكر). هذا المثال فيه رفع في الاسم (ذكر) والفعل (يسر)، وفيه جر (لفظ الجلالة) ونصب (عبده)، وليس فيه الجزم؛ لكنه قال: (واجزم بتسكين)، يعني: إذا جزم الفعل يجزم بالسكون، تقول: لم يقم زيد. قال في الطرفين: فارفع بضم، واجزم بتسكين فالطرفان جاء فيهما بحرف الجر، والوسط نزع منه حرف الجر، فقال: انصبن فتحاً وجر كسراً، فكأنه يقول: إن الباطن الذي في الوسط كالظاهر الذي في الجوانب. يعني: أن قوله: (انصبن فتحاً وجر كسراً) منصوبان بنزع الخافض، كما قلنا: فارفع بضم، واجزم بتسكين، لكن لا أدري هل قصد هذا أو أن النظم ألجأه إلى ما صار إليه. ثم قال: (وغير ما ذكر ينوب) الذي ذكر هو الضم، والفتح، والكسر، والسكون، فقوله: (وغير ما ذكر ينوب) يريد به أن غير الأربع العلامات هذه ينوب عنها. فإذا جاء اسم مرفوع لكن ليس فيه ضمة، نقول: الموجود نائب عن الضمة. أو جاء اسم منصوب لكن ليس فيه فتحة، نقول: الموجود نائب عن الفتحة. أو جاء اسم مجرور لكن ليس فيه كسرة، فالموجود نائب عن الكسرة. أو جاء فعل مجزوم لكن ليس فيه سكون يكون الحذف نائباً عن السكون. إذاً: صارت العلامات الأربع -وهي الضمة والفتحة والكسرة والسكون- لها نواب إذا غابت، وقد مثل المؤلف لما ينوب بقوله: (نحو: جا أخو بني نمر). جاء: فعل ماض. أخو: فاعل والفاعل مرفوع بالضمة؛ لكن ليس عندنا هنا ضمة، فالذي عندنا (أخو)، وهو مرفوع بالواو، فالواو نائبة عن الضمة. بني: (أخو) مضاف و (بني): مضاف إليه، والمضاف إليه يكون مجروراً بالكسرة، لكن هنا ليس عندنا كسرة، وإنما عندنا ياء، إذاً الياء نائبة عن الكسرة. وبني مضاف، ونمر: مضاف إليه. متى تأتي الواو نيابة عن الضمة، ومتى تأتي الياء نيابة عن الكسرة؟ هذه لها محلات سيذكرها المؤلف بالتفصيل. تنوب الواو عن الضمة في موضوعين: في الأسماء الخمسة أو الستة، وفي جمع المذكر السالم، ويأتي إن شاء الله.

إعراب الأسماء الخمسة

إعراب الأسماء الخمسة

شروط إعراب ذو وفو بالحروف

شروط إعراب ذو وفو بالحروف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وارفع بواو وانصبن بالألف واجرر بياء ما من الأسما أصف من ذاك ذو إن صحبة أبانا والفم حيث الميم منه بانا أب أخ حم كذاك وهن والنقص في هذا الأخير أحسن وفي أب وتالييه يندر وقصرها من نقصهن أشهر وشرط الإعراب أن يضفن لا لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا] هذه القطعة في إعراب الأسماء الستة، وهي أول باب خرج عن الأصل. قوله: (وارفع بواو وانصبن بالألف واجرر بياء) هذه ثلاثة أفعال كلها تطلب (ما)، في قوله: (ما من الأسما أصف). وما: اسم موصول بمعنى الذي وهي: مفعول للأخير من هذه الأفعال الثلاثة، لأنه تنازع فيها ثلاثة عوامل، والذي يعمل هو الأخير، كما قال ابن مالك: (والثاني أولى عند أهل البصرة)، فيكون قوله: (ما من الأسما أصف) مفعولاً لاجرر، والفعلان السابقان يقدر لهما المفعول تقديراً؛ لأنه محذوف. والمعنى: يقول المؤلف: ما أصفه من الأسماء ارفعه بالواو، وانصبه بالألف، واجرره بالياء. وقوله: (ما من الأسما أصف) ما: هذه اسم موصول كما قلت، وتحتاج إلى صلة، والصلة جملة (أصف). فأصف: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنا، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. ومن الأسماء: متعلق بأصف. ومعنى (أصف) أذكر. إذاً: هذه علامات مخالفة لما سبق؛ لأنه فيما سبق يقول: (فارفع بضم) وهنا يقول: (ارفع بواو). وقال: (انصبن فتحاً) وهنا يقول: (وانصبن بالألف). وقال: (جر كسراً) وهنا يقول: (اجرر بياء). وذلك أنه قد قال: (وغير ما ذكر ينوب) يعني: إذا وجدت مرفوعاً بغير الضمة فهو نائب عن الضمة، إذا وجدت منصوباً بغير الفتحة فهو نائب عن الفتحة، إذا رأيت مجروراً بغير الكسرة فهو نائب عن الكسرة. وقوله: (من ذاك ذو إن صحبة أبانا). من ذاك: المشار إليه ما يصفه من الأسماء، فالإشارة هنا تعود إلى (ما). ذو: بمعنى صاحب، ولهذا قال: (إن صحبة أبانا)، يعني: إن أظهر صحبة، فهو من الأسماء الخمسة. لو قال قائل: لماذا احترز بهذا القيد: (إن صحبة أبانا)؟ فجوابه أن نقول: إن (ذو) تأتي لغير معنى صاحب، فتأتي اسماً موصولاً في لغة طيئ، كما قال الشاعر الطائي: فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت يعني: بئري التي حفرت، وليس معناه: صاحب حفرت. قوله: (والفم حيث الميم منه بانا): الفم معروف، لكن اشترط (حيث الميم منه بانا) أي: انفصل، يعني: يشترط في الفم ألا يقترن بالميم، وإذا لم يقترن بالميم صار النطق به (فو) في حال الرفع. فحذفنا الميم وبقي الفاء فأضفنا إليه الواو علامة الرفع. والمعنى كأنه يقول: من ذاك ذو، ومن ذاك فو. وقد يقال: كيف قال (من ذاك) ومن للتبعيض؟ نقول: لأنه لم يذكر إلا اسمين فقط، وهما: ذو، وفو، فلهذا أتى بمن التي للتبعيض. وأفاد المؤلف رحمه الله بقوله: (حيث الميم منه بانا)، أن الميم قد تبقى، فتقول: فمك، وهي لغة؛ فمثلاً قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـ سعد بن أبي وقاص: (حتى ما تجعله في في امرأتك) لو قال أحد من الناس: حتى ما تجعله في فم امرأتك، لصح ذلك. وبناء عليه فإذا كنا نخاطب عامة، فإنا نقول: حتى ما تجعله في فم امرأتك، وهذا من رواية الحديث بالمعنى من أجل البيان، ولا حرج فيه.

إعراب أبو وأخو وحمو وهن بالحروف

إعراب أبو وأخو وحمو وهن بالحروف قال: (أب أخ حم كذاك). أي: كالمذكور وهو: ذو بمعنى صاحب والفم إذا انفصلت منه الميم. كذاك يعني: أنها ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء. وهن: أيضاً من الأسماء الستة؛ لأن ابن مالك ذكر ستة أسماء، لكنه فصلها عن أب وأخ وحم لما سيتبين. حم: يقولون إنه كناية عما يستقبح ذكره، فهو كناية مثلاً عن: الفرج، عن الغائط، عن البول، عن العيب. وفي كلام علي رضي الله عنه حين بلغه عن ابن عباس ما بلغه قال: ما أسقط ابن أم الفضل على الهنات! يعني: على العيب، وذلك أن الشيعة الذين سموا في الأخير رافضة جاءوا علي بن أبي طالب وقالوا له: أنت الله! يقصدون إضلال هذه الأمة لتقع في الشرك. فأمر رضي الله عنه بالأخاديد فخدت، ثم أمر بها فملئت حطباً، ثم أمر بإيقادها فأوقدت، ثم أمر بإلقائهم في هذه النار، وذلك لعظم بدعتهم والعياذ بالله؛ لأنها ضد ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام تماماً، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه، فقال: لو كنت علياً لقتلتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، ولما أحرقتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يعذب بالنار إلا الله)، فبلغ ذلك علياً فقال: ما أسقط ابن أم الفضل على الهنات! والعيب لا شك أنه يستقبح ذكره.

لغة النقص في الأسماء الستة

لغة النقص في الأسماء الستة قوله: (والنقص في هذا الأخير أحسن) الأخير هو (هن)، ومعنى النقص أن تعربه بحركات ظاهرة على آخره، فتقول: هذا هنك، واجتنب هنك، وتفكر في هنك، فتعربه بالحركات الظاهرة. وإذا كان هذا هو الأحسن فالأحسن أن نخرجه من الأسماء الستة، وتكون الأسماء خمسة كما هو معروف عند ابن آجروم وغيره. قوله: (وفي أب وتالييه يندر) الضمير في (يندر) يعود على النقص، وتاليا أب هما: أخ وحم. يعني أن النقص يندر فيها، أي يقل. والنقص هو أن تعرب بحركات ظاهرة على آخرها، فترفع بالضمة وتنصب بالفتحة وتجر بالكسرة، وعلى ذلك قال الشاعر: بأبه اقتدى عدي في الكرم ومن يشابه أبه فما ظلم ولم يقل: بأبيه اقتدى، ولم يقل: ومن يشابه أباه. وتقول: هذا أخ زيد، ورأيت أخ زيد، ومررت بأخ زيد، والظاهر أن لغتنا العامية على هذه اللغة!

لغة القصر في الأسماء الستة

لغة القصر في الأسماء الستة سقوله: (وقصرها) أي: قصر أب وتالييه (من نقصهن أشهر) أي: أشهر من نقصهن. عرفنا أن (أب وأخ وحم) يجوز فيها ثلاث لغات: الإتمام والنقص والقصر. الإتمام: هو أن ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء. والنقص: أن ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتجر بالكسرة. والقصر: أن تكون بالألف دائماً، فتعرب بحركات مقدرة على الألف. وعلى لغة القصر تقول: هذا أبا زيد، ورأيت أبا زيد، ومررت بأبا زيد، وعلى هذا جاء قول الشاعر: إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها. الشاهد في قوله: و (أبا أباها)، ولو أعربها بالحروف لقال: وأبا أبيها. وعلى لغة الإتمام نقول: هذا أبو زيد، وأكرمت أبا زيد، وعجبت من أبي زيد، فرفعناها بالواو، ونصبناها بالألف، وجررناها بالياء. والقصر لغة فصيحة. وعلى النقص: هذا أب زيد، وأكرمت أبَ زيد، وعجبت من أبِ زيد. والذي يناسب الطلبة المبتدئين القصر؛ حتى لا يغلطوا.

أمثلة للإعراب في الأسماء الستة

أمثلة للإعراب في الأسماء الستة جاء أبو زيد. جاء: فعل ماض. أبو: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الستة على رأي ابن مالك، وإن كان الأشهر خلاف ذلك. وأبو مضاف. زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره. أكرمت أبا زيد: أكرمت: فعل وفاعل. أبا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الستة، وأبا مضاف. زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسره ظاهرة في آخره. عجبت من أبي زيد: عجبت: فعل وفاعل. من: حرف جر. أبي: اسم مجرور بمن، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الستة. وأبي مضاف. زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. إعرابها على القصر، تقول: جاء أبا زيد. جاء: فعل ماض مبني على الفتح. أبا: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وأبا مضاف. وزيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره. أكرمت أبا زيد. أكرمت: فعل وفاعل. أبا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وأبا مضاف. زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة ظاهرة على آخره. لكن لو قال قائل، لماذا أعربتها بفتحة مقدرة، ولم تقل: علامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؟ أقول: لأني عرفت من المتكلم أنه يستعملها مقصورة، وحينئذ لا بد من قرينة، مثل أن يقول المتكلم: أكرمت أبا زيد وعجبت من أبا زيد، فأما إذا لم توجد قرينة، فإنا نعربها على الأصل، وهو أن يكون منصوباً بالألف نيابة عن الفتحة. مررت بأبا زيد. مررت: فعل وفاعل. بأبا: الباء حرف جر، وأبا اسم مجرور بالباء وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وأبا مضاف. زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره. وإعرابها على النقص: جاء أب زيد. جاء: فعل ماض. أب: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره، وأب مضاف. زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره. أكرمت أب زيد. أكرمت: فعل وفاعل. أب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، وأب مضاف. زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. عجبت من أب زيد. عجبت: فعل وفاعل. من: حرف جر. أب: اسم مجرور بمن، وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره، وأب مضاف. زيد: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. فإذا قال قائل: إذا أردتُ أن أنشئ كلاماً فأي اللغات الثلاث أسلك؟ نقول: على الفصحى، وهي أن تعربها تامة، مرفوعة بالواو، ومنصوبة بالألف، ومجرورة بالياء؛ لأننا الآن ليس لنا خيار، فيحسن بنا أن نمشي على الأفصح من كلام العرب، والأفصح من كلام العرب ما نطق به القرآن، قال الله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ} [يوسف:81]، ولم يقل: إلى أباكم، ولا إلى أبِكم، وقال تعالى: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف:8]، ولم يقل: إن أبنا، وقال تعالى: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23] ولم يقل: أبانا، ولم يقل: أبنا. إذاً: فنحن الآن إذا أردنا أن نتكلم أو أردنا أن نؤلف كتاباً، فإننا نمشي على اللغة الفصحى، لكن إذا ضاقت بنا وأخطأنا اللغة الفصحى وأتينا بالمرفوع بالألف، نقول: هذه لغة. إذاً: فائدة معرفة اللغات هذه أولاً: أننا إذا جاءنا من كلام العرب نظماً أو نثراً على خلاف الفصحى نعرف أنها لغة، وأنها ليست خطأ مطبعياً، ولا خطأ في النقد. ثانياً: أنه إذا ضاقت بنا الحيل نجد مخرجاً، الآن كثير من المؤذنين يقول: أشهد أن محمداً رسولَ الله، لو أننا مشينا على اللغة الفصحى في هذه الجملة لقلنا إن أذانه لا يصح؛ لأن الخبر لم يأت بعد، فالجملة لم تتم، فقوله: (أشهد أن محمداً رسولَ الله) يقال له: تشهد أنه ماذا؟ فيقول مثلاً: أشهد أن محمداً رسولَ الله نبيٌّ صادق، أو أشهد أن محمداً رسولَ الله عبدُ الله ورسولهُ. فنقول اعتذاراً لهذا الرجل: إن هناك لغة -بل إن هناك لغية- تجيز نصب الجزءين في إن، يعني: تجعل إن تنصب الجزءين: اسمها وخبرها، وهذا المؤذن على هذه اللغية. وقول بعض المؤذنين: الله واكبر، بالواو، لو أخذنا باللغة الفصحى لقلنا: هذا لا يستقيم؛ لأنك ما أتممت الجملة عندما أتيت بواو عطف! لكن هناك لغة وهي فصحى أيضاً لكنها قليلة تجيز إبدال الهمزة واواً إذا ضم ما قبلها. إعراب قول الشاعر: بأبه اقتدى عدي في الكرم ومن يشابه أبه فما ظلم بأبه: الباء حرف جر. أب: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهذا هو الشاهد للغة النقص. والهاء ضمير مبني على الكسر في محل جر بالإضافة. اقتدى: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. عدي: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. في الكرم: في حرف جر، والكرم اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. ومن: الواو عاطفة. من: اسم شرط جازم، يجزم فعلين. يشابه: فعل الشرط مجزوم بمَنْ، وعلامة جزمه السكون. أبه: أب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه. فما: الفاء واقعة في جواب الشرط. وما نافية. ظلم: فعل ماض مبني على الفتح. والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والجملة في محل جزم جواب الشرط.

شروط إعراب الأسماء الستة بالحروف

شروط إعراب الأسماء الستة بالحروف قال المؤلف: [وشرط ذا الإعراب إن يضفن لا لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا] ذا: اسم إشارة يعود إلى الإعراب المذكور، وهو الرفع بالواو والنصب بالألف والجر بالياء؛ أي: شرطه أن يضفن لا للياء. فإن لم يضفن أعربن بالحركات الظاهرة، قال الله تعالى: {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} [يوسف:78]، أباً: نصبها بالفتحة. وتقول: هذا أب كريم، فترفعه بالضمة، وتقول: مررت بأب رحيم، فتجره بالكسرة. إذاً: إذا لم يضفن وجب إعرابهن بالحركات الظاهرة. وإذا أضفن للياء فيعربن أيضاً بحركات، لكنها حركات مقدرة على ما قبل الياء، فتقول: هذا أبي، ورأيت أبي، ومررت بأبي. هذا أبي: هذا: اسم إشارة مبتدأ. أبي: خبر المبتدأ، مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. وتقول: أكرمت أبي، أبي: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. وتقول: نظرت إلى أبي، أبي: اسم مجرور بإلى، وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. فإذا قال القائل: الباء من أبي مكسورة، قلنا: هذا الكسر ليس للإعراب، ولكنه لمناسبة الياء. بقي من الشروط: أن تكون مفردة، فإن كانت مثناة أعربت إعراب المثنى، وإن كانت جمعاً أعربت إعراب الجمع، أي بحركات ظاهرة، قال الله تعالى: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} [الرعد:23]، وقال: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا} [الزخرف:22]، وقال: {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ} [الشعراء:76] فأعربها بالحركات الظاهرة. وإن ثنيت تعرب إعراب المثنى، بالألف رفعاً، وبالياء جراً ونصباً. ويشترط أيضاً أن تكون مكبرة: فإن كانت مصغرة أعربت بالحركات الظاهرة، تقول: هذا أُبَيُّك، ورأيت أُبَيَّكَ، ومررت بأُبَيِّكَ، وتقول: هذا أُخَيُّك، ورأيت أُخَيَّك، ومررت بأُخَيِّكَ. فتحصل أن الشروط أربعة، أخذنا الشرط الثالث والشرط الرابع من كون المؤلف لم يذكرها إلا بصيغة الإفراد وبصيغة التكبير. واشترط أيضاً أن تكون (فو) خالية من الميم، وأن تكون (ذو) بمعنى صاحب، وبهذا تمت الشروط لإعراب الأسماء الستة بالواو رفعاً وبالألف نصباً وبالياء جراً، وأخذت من كلام المؤلف إما عن طريق التمثيل وإما عن طريق التصريح. وقول ابن مالك: (وشرط ذا الإعراب) يعني به الإعراب بالحروف على لغة الإتمام. قال: (كجا أخو أبيك ذا اعتلا). إعرابها: جاء: فعل ماض مبني على الفتح. أخو: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة. لأنه من الأسماء الخمسة، و (أخو) مضاف و (أبي) مضاف إليه. ذا: حال منصوب وعلامته نصبه الألف نيابة عن الفتحة وهو مضاف و (اعتلا) مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على الهمزة المحذوفة، لأن أصله (اعتلاء). وصاحب الحال في (ذا) هو (أخو) أو (أبيك) فالمعنى صالح للوجهين، فإذا كان الأب ذا اعتلاء فذريته مثله، وإذا كان الأخ فالأب من باب أولى، فهي صالحة للوجهين. والاعتلاء من العلو، فقوله: (ذا اعتلا) يعني: ذا علو، تقول: اعتلى الرجل يعتلي، أي: علا. وفي هذا البيت ذكر شرط الإعراب بالحروف ومثل بقوله: (جا أخو أبيك ذا اعتلا)، وهذا المثال متضمن للأسماء الستة مرفوعة ومجرورة ومنصوبة.

شرح ألفية ابن مالك [5]

شرح ألفية ابن مالك [5] مما تنوب فيه الحروف عن الحركات في الإعراب المثنى، فيرفع بالألف نيابة عن الضمة، وينصب ويجر بالياء نيابة عن الفتحة في النصب وعن الكسرة في الجر، ويلحق بالمثنى في هذا الإعراب أربع كلمات هي: كلا وكلتا إذا أضيفا للضمير واثنان واثنتان. ومما تنوب فيه الحروف عن الحركات أيضاً جمع المذكر السالم، فيرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، ولا يجمع هذا الجمع إلا اللفظ الذي تتحقق فيه الشروط المقتضية لذلك، وقد أشار إليها ابن مالك بلفظي (عامر ومذنب) وبينها العلماء أحسن بيان.

باب التثنية

باب التثنية

إعراب المثنى

إعراب المثنى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بالألف ارفع المثنى وكلا إذا بمضمر مضافاً وصلا كلتا كذاك اثنان واثنتان كابنين والبنتين يجريان وتخلف اليا في جميعها الألف جراً ونصباً بعد فتح ألف] قوله: (بالألف ارفع المثنى) هذا الحكم، وهو أن يرفع المثنى بالألف، فما هو المثنى؟ يقولون في تعريفه: كل لفظ دل على اثنين بزيادة أغنت عن متعاطفين متفقين لفظاً ومعنى. قوله: (كل لفظ دل على اثنين) خرج به ما دل على واحد، وما دل على جماعة، فليس بمثنى. وقوله: (بزيادة) خرج به ما دل على اثنين بغير زيادة مثل: زوج، فإنه يدل على اثنين، ولكنه بغير زيادة. وقوله: (أغنت عن متعاطفين متفقين لفظاً)، أي: متعاطفين متفقين لا مختلفين، فخرج بذلك ما إذا أغنت عن متعاطفين مختلفين لفظاً، مثل: العمرين، فإنهما غير متفقين لفظاً، لأنهما يطلقان على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما غير متفقين لفظاً. وقوله: (معنى) احترازاً مما إذا قلت: أكرمت الواقفين، تريد بأحدهما الواقف قائماً، وتريد بالثاني: الذي وقف بيته، فهذان متفقان لفظاً مختلفان معنى، فيكون ملحقاً بالمثنى، وليس مثنى. ومثال المثنى: جاء المحمدان، فأغنت كلمة (المحمدان) عن محمد ومحمد. يقول المؤلف: (بالألف ارفع المثنى). فيرفع المثنى بالألف، وأما الجر والنصب فسيأتي ذكرهما في قوله رحمه الله تعالى: (وتخلف اليا في جميعها الألف جراً ونصباً بعد فتح قد ألف) إذاً: ينصب المثنى ويجر بالياء، ولهذا قال: (تخلف الياء في جميعها الألف)، فالياء: فاعل تخلف، والألف: مفعول به، يعني: أن الياء تكون بدلاً عن الألف جراً ونصباً، أي: في حال الجر وفي حال النصب، ومن هنا عرفنا حكم المثنى، وأنه يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء. فتقول: قام الرجلان، ورأيت الرجلين، ومررت بالرجلين. وقوله: (بعد فتح قد ألف) يعني: قد أُلف لغة عند العرب، فلا يكسرون ما قبل الياء في المثنى بل يفتحونه، فتقول: مررت بالرجلين، وأكرمت الرجلين.

الملحق بالمثنى

الملحق بالمثنى ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى ما يلحق بالمثنى فقال: (وكلا إذا بمضمر مضافاً وصلا) التقدير: وارفع (كلا) بالألف إذا وصل بمضمر حال كونه مضافاً إليه، وقوله: (وصلا) الألف فيه للإطلاق وليست للتثنية، والضمير في قوله: وصل، يعود على كلا، يعني: أن كلا تعرب إعراب المثنى بشرط أن تضاف إلى الضمير، تقول مثلاً: جاءني كلاهما، ورأيت كليهما، ومررت بكليهما. فإن أضيفت إلى غير المضمر لم تلحق بالمثنى وأعربت بحركات مقدرة على الألف، فتقول: جاء كلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين، قال الله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً} [الكهف:33] فهنا: ((كِلْتَا)) لا نقول إنها مرفوعة بالألف، وإنما نقول: مرفوعة بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وقوله: (كلتا كذاك): المشار إليه: (كلا) يعني أن (كلتا) كـ (كلا) ترفع بالألف إذا أضيفت إلى ضمير. وقوله: (اثنان واثنتان كابنين وابنتين يجريان): اثنان واثنتان أيضاً من الملحق بالمثنى، فترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، قال الله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل:51] وتقول: رأيت اثنين من الناس، وتقول: أقبل اثنان من الرجال، وتقول: مررت باثنين من الرجال. واثنتان كذلك، لكن الفرق بين اثنين واثنتين أن الأول للمذكر والثاني للمؤنث. وقوله: (كابنين وابنتين يجريان): يعني أن (ابنين وابنتين) تعربان إعراب المثنى، فترفعان بالألف وتنصبان وتجران بالياء، سواء أضيفتا أو لم تضفا، فتقول: هذان ابنا زيد، وتقول: ابنان من زيد، ولا يشترط أن تكون مضافة. إذاً ذكر المؤلف رحمه الله أن المثنى يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء، وأنه يلحق به أربع كلمات: كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان. وذلك أن (كلا وكلتا) ليس لهما مفرد لفظهما، ونحن قلنا: إن المثنى ما دل على اثنين بزيادة أغنت عن متعاطفين متفقين لفظاً ومعنى، وكلا ليس له مفرد، وكذلك كلتا. واثنان أيضاً ليس له مفرد من لفظه، وإن كان له مفرد من معناه وهو (واحد) من اثنين، و (واحدة) من اثنتين، فالذي ذكر المؤلف رحمه الله مما يلحق بالمثنى أربع: كلا وكلتا إذا أضيفتا إلى الضمير، واثنان واثنتان مطلقاً. أما قوله: (كابنين وابنتين يجريان) فليس (ابنان وابنتان) ملحقين بالمثنى، بل هما مثنى حقيقة؛ لكنه رحمه الله يقيس الملحق بالمثنى على المثنى حقيقة.

خلاصة الكلام في رفع المثنى وما يلحق به

خلاصة الكلام في رفع المثنى وما يلحق به يقول رحمه الله تعالى: [بالألف ارفع المثنى وكلا إذا بمضمر مضافاً وصلا] بالألف: جار ومجرور متعلق بارفع، أي: ارفع بالألف المثنى: مفعول ارفع. وكلا: معطوف على المثنى. يعني: وارفع كلا أيضاً بالألف، ولكن اشترط في كلا أن تكون مضافة للضمير. قال: (إذا بمضمر مضافاً وصلا): مضافاً: حال من نائب الفاعل في وصلا، يعني: إذا وصل مضافاً بمضمر فإنه يكون ملحقاً بالمثنى، فإن أضيف لغير مضمر فإنه لا يلحق بالمثنى، كقوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف:33] ومثل: كلا الرجلين قائم، فهنا (كلا) ليس ملحقاً بالمثنى لأنه أضيف إلى اسم ظاهر، و (كلتا) أيضاً غير ملحق بالمثنى؛ لأنه أضيف إلى اسم ظاهر. إذا قائل قائل: لماذا قلنا: إن (كلا وكلتا) ملحقان بالمثنى؟ نقول: لأنه لا ينطبق عليهما حد المثنى، لأن المثنى ما دل على اثنين أو اثنتين بزيادة أغنت عن متعاطفين متفقين لفظاً ومعنى، و (كلا) ليست دالة على اثنين باعتبار أنك لو فصلت بعضها عن بعض تكون دالة على المفرد، أي أنها وضعت هكذا، فليس لها مفرد من لفظها، وبهذا نعرف أن كل شيء ليس له مفرد من لفظه فإنه لا يكون مثنى بالمعنى الذي ذكرناه. كلتا كذاك: أي مثل كلا، يكون ملحقاً بالمثنى إذا أضيف إلى الضمير، قال الله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:23]. ثم قال: (اثنان واثنتان كابنين ابنتين يجريان): اثنان: مبتدأ. واثنتان: معطوف عليه. كابنين: جار ومجرور، وهو خبر المبتدأ. يجريان: حال، ويجوز أن نجعل (يجريان) هي الخبر و (كابنين وابنتين) متعلق بيجريان. المعنى: أن اثنين واثنتين يلحقان بالمثنى ويعربان إعراب ابنين وابنتين، فتقول مثلاً: عندي رجلان اثنان، وتقول: عندي امرأتان اثنتان، فترفعهما بالألف. وتقول: رأيت رجلين اثنين، ورأيت امرأتين اثنتين. وتقول: مررت برجلين اثنين، ومررت بامرأتين اثنتين. وتلحق بالمثنى لأنه ليس لها مفرد من لفظها، يعني: لا يقال: اثن واثن، ولا: اثنة واثنة، بل وضعت هكذا.

نصب المثنى وما يلحق به وجرهما

نصب المثنى وما يلحق به وجرهما وقوله رحمه الله: [وتخلف اليا في جميعها الألف جراً ونصباً بعد فتح قد ألف] في جميعها: أي: المثنى والملحق بالمثنى. وقد تقدم شرح ذلك. فصار المثنى يعرب كالتالي: إذا كان مرفوعاً فبالألف نيابة عن الضمة، وإذا كان منصوباً فبالياء نيابة عن الفتحة، وإذا كان مجروراً فبالياء نيابة عن الكسرة. فإذا قال قائل: كيف عرفنا هذا؟ فنقول: من تتبع كلام العرب، وعلماء اللغة تعبوا تعباً عظيماً في طلب اللغة، حتى كان الواحد منهم يسافر إلى البادية في شعاف الجبال وفي مهافت الرمال يبحث عن أعرابي يسأله عن مسألة نحوية، وهذا من لطف الله؛ لأن هذا يحفظ اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث. فهذان بابان من الأبواب التي تنوب فيها الحروف عن الحركات.

إعراب جمع المذكر السالم

إعراب جمع المذكر السالم

تعريف جمع العلم جمعا مذكرا سالما

تعريف جمع العلم جمعاً مذكراً سالماً الباب الثالث: قال الناظم رحمه الله تعالى: [وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب وشبه ذين] هذا باب جمع المذكر السالم، يقول المؤلف: ارفع بواو نيابة عن الضمة، وبيا اجرر وانصب؛ نيابة عن الكسرة في الجر، وعن الفتحة في النصب. قوله: (سالم جمع عامر ومذنب) يريد بذلك الجمع السالم مفرده؛ لأن الجموع تنقسم إلى قسمين: جموع لا يسلم مفردها من التغيير عند الجمع، فهذه خارجة بقوله: (سالم جمع). وجموع لا يتغير مفردها، فهذه داخلة في قوله: (سالم جمع). ولنضرب لذلك أمثلة: رجل: جمعه (رجال) فليس جمع مذكر سالماً؛ لأن المفرد تغير عند الجمع. مسلم: جمعه (مسلمون) فسلم مفرده عند الجمع، فهو جمع مذكر سالم. وقوله: (سالم جمع عامر ومذنب): كلمة (عامر) علم، وكلمة (مذنب) صفة. فأفادنا المؤلف رحمه الله بذلك أن جمع المذكر السالم يكون جمعاً للأعلام ويكون جمعاً للأوصاف، وهو كذلك، ولا يخرج عن هذين الأمرين، فغير العلم لا يجمع جمع مذكر سالماً، بل يكون ملحقاً به، فأرضون -مثلاً- ملحقة بجمع المذكر السالم وليست جمعاً مذكراً سالماً؛ لأنها ليست علماً. ولكن ننظر أيضاً: كلمة (عامر) فنجد أنها علم لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث ومن التركيب. والمراد بالعاقل هنا ما من شأنه أن يعقل، فلو فرض أن عندنا عشرة مجانين، كل واحد اسمه عامر، فإنهم يجمعون جمع مذكر سالم؛ لأن المراد بالعاقل هنا ما من شأنه أن يعقل. لو سمينا حصاناً باسم علم، وسمينا أيضاً بهذا العلم خيولاً أخرى، فلا نجمعها جمعاً مذكراً سالماً؛ لأنها ليست لعاقل، لأنه لا بد أن يكون لمذكر وأن يكون لعاقل. وهناك شروط أيضاً: أن يكون سالماً من التاء، فإن كان متصلاً به التاء فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً، مثل: (حمزة)؛ لأن فيه التاء، وإذا كان فيه التاء فإنه يجمع إما جمع مؤنث سالماً أو يؤتى بكلمة (ذوو) مضافة إلى المفرد. وقوله: (ومذنب): هو وصف لمذكر، عاقل. وما أذكى المؤلف رحمه الله حين أتى بكلمة (مذنب) لأن الذنب لا يكون إلا من العقلاء، فالبهائم لا توصف بأنها مذنبة، فكأنه رحمه الله أشار إلى أنه لا بد أن يكون الوصف وصفاً لمذكر عاقل، وذلك بقوله: (مذنب)، لأن غير العاقل لا يوصف بالذنب أبداً، فهذا من ذكائه رحمه الله.

محترزات تعريف الجمع المذكر السالم

محترزات تعريف الجمع المذكر السالم وقول المؤلف رحمه الله تعالى: [وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب] هذا مستثنى مما يرفع بالضمة وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة، وهو باب جمع المذكر السالم. فقولنا: جمع المذكر؛ احترازاً من جمع المؤنث. وقولنا: السالم؛ أي: الذي سلم فيه بناء المفرد فلم يتغير، وخرج به الجمع الذي يتغير به المفرد، فهذا لا يرفع بالواو ولا ينصب بالياء ولا يجر بالياء، مثال ذلك: الأعراب، الرجال، الأقوام، هذه لا ترفع بالواو ولا تنصب وتجر بالياء، لأنها ليست جمع مذكر سالماً، والمؤلف يقول: (سالم جمع عامر ومذنب). وكلمة (عامر) يشير بها إلى العلم، و (مذنب) يشير بها إلى الصفة، لأن مذنباً وصف، وعامراً علم، أي: اسم رجل، ولا يريد المؤلف بكلمة (عامر) اسم الفاعل الذي عمر البيت مثلاً، إنما يريد أنها علم لرجل، مثل: عقبة بن عامر، أبوه اسمه عامر، وليس معناه أن أباه عَمَر بيوتاً، فأشار بهذين المثالين إلى العلم وإلى الصفة. فنستفيد إذاً أن جمع المذكر السالم لا يكون إلا علماً أو صفة، فإن كان غير علم ولا صفة فإنه يكون ملحقاً بجمع المذكر السالم في إعطائه حكمه إعراباً، وإن لم يكن منه حقيقة. وجمع المذكر السالم هو الذي سلم فيه بناء مفرده، مثل (رجال) جمع مذكر، ولكن ليس بسالم، لأن رجالاً جمع رجل، فانظر كيف تغير رجل، كان (رَجُل) مفتوح الراء مضموم الجيم، فلما جُمع صار مكسور الراء مفتوح الجيم، وزيد فيه ألف: (رِجَال). أما جمع المذكر السالم فلا يتغير المفرد فيه، فمثلاً (عامر) تقول فيه: عامرون، و (مذنب) جمعه: مذنبون، فالآن لم يتغير المفرد إطلاقاً، غاية ما فيه أنه لحقته العلامة وهي الواو والنون فقط. ولهذا نقول: سنة جمعها سنون، وليس جمع مذكر سالماً؛ لأنه تغير المفرد، لكنها ملحقة بجمع المذكر السالم. أرض نقول في جمعها: أرضون، ولا تكون جمعاً مذكراً سالماً، لأن المفرد تغير، إذاً هي ملحقة بجمع المذكر السالم، أي: تعرب إعرابه وإن لم تكن منه. نرجع مرة ثانية إلى بحثنا في (عامر ومذنب) وجدنا أن عامراً علم ومذنباً صفة، إذاً لا يمكن أن يكون جمع المذكر السالم إلا علماً أو صفة. عامر: علم لمذكر وليس علماً لأنثى، وهو عاقل، وليس كلاحق اسم فرس، وما أشبه ذلك. وهو خال من التاء، فما قيل: عامرة. وخال من التركيب. والتركيب إما تركيب مزجي أو تركيب إضافي أو تركيب إسنادي، المهم أنه خال من التركيب. فهو علم لمذكر عاقل خال من التاء ومن التركيب، فالشروط خمسة. فإن لم يكن علماً، كثوب مثلاً، فلا يمكن أن يكون جمع مذكر سالماً، لأنه ليس علماً، لكن لو سميت ابني (ثوب)، لجمع جمع مذكر سالماً؛ لأنه علم لمذكر، أما ثوب بمعنى ما يلبس فهذا لا يجمع جمع مذكر سالماً. وقولنا: (علماً لمذكر)، فإن كان علماً لأنثى، فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً، مثل: سعاد، لا نقول في جمعها: سعادون، لأنها علم على أنثى. وقولنا: (عاقل) إذا كان علماً لمذكر غير عاقل، مثل: لاحق اسم فرس، وواشق اسم جمل، فإنه لا يجمع جمع مذكراً سالماً؛ لأنه علم لغير العاقل. وقولنا: (خال من التاء): خرج به مثل (طلحة) فهو علم لمذكر عاقل، لكن فيه تاء التأنيث، فلا نقول في الجمع: طلحون؛ ولكن الصحيح في هذا أنه يجمع جمعاً مذكراً سالماً؛ لأن التاء فيه بنية الانفصال، فهي زائدة، وعلى هذا لو كان عندنا ثلاثة رجال اسم كل واحد طلحة، نقول: جاء طلحون، ولا بأس بذلك، لأن التاء في نية الانفصال لكونها زائدة. قتادة: لا تجمع جمعاً مذكراً سالماً على حسب الشروط التي ذكرنا، لكن على الراجح أنها تجمع، فنقول: قتادون، إذا كان عندنا ثلاثة رجال يسمون بهذا الاسم. وقولنا: (خال من التركيب) خرج به ما كان مركباً تركيباً مزجياً، والتركيب المزجي: ضم كلمتين بعضهما إلى بعض لا على سبيل الإضافة، مثل: بعلبك، لو سميت ولدك: بعلبك، وكان زميلك سمى ولده بعلبك، وزميلك الثاني سمى ولده بعلبك، وجاء البعالبك، فلا تقول: جاء بعلبكون! لأنه مركب تركيباً مزجياً، لكن تأتي بـ (ذوو) بمعنى: أصحاب، فتقول: جاء ذوو بعلبك، أي: أصحاب هذا الاسم، والمسألة سهلة، بدل ما تقول: جاء بعلبكون، تقول: جاء ذوو بعلبك. ولكن ذهب بعض علماء النحو إلى جواز جمع المركب تركيباً مزجياً جمعاً مذكراً سالماً، وعلى هذا فتقول للثلاثة: جاء بعلبكون، وهذا بناء على القاعدة السائرة السائدة الشامخة: أنه إذا اختلف النحويون في مسألة على قولين أخذنا بالأسهل، فنقول على القول الراجح: جاء بعلبكون، ولا مانع. بقينا بالتركيب الإضافي، كيف نجمعه؟ إذا سميت ابني عبد الله، والثاني سمى ابنه عبد الله، والثالث سمى ابنه عبد الله، فجاء العبادلة الثلاثة، ماذا نقول؟ إن قلت: عبد اللهون، وقعت في مشكلة، حيث جمعت المضاف إليه، وهو سبحانه وتعالى واحد، فهذا مانع شرعي. وإن قلت: عبدو الله بالواو على أنهم جمع، فكأنك أضفت جميع هؤلاء إلى واحد، فلا يعلم المخاطب أنهم جماعة، قد يظن أنه لفظ مجموع على صيغة الجمع وهو لواحد! ولكن الصحيح أنه يصح، وأنه يجمع الجزء الأول منه ويضاف إلى الجزء الثاني، فتقول: جاء عبدو ربهم، أو عبدو الله، كما تقول: عبدا الله، في المثنى ومنه قول الملغز في التثنية: لقد طاف عبدا الله بالبيتَ سبعة وحج من الناسُ الكرام الأفاضل وهذا بيت غريب حيث رفع (الناس) بعد حرف الجر (من) ونصب (البيت) بعد حرف الجر الباء، لكن أصل البيت: لقد طاف عبد الله بي البيتَ سبعة وحج منى الناسُ الكرام الأفاضل فالبيت مفعول طاف، والباء جارة لضمير متصل بها محذوف، أي: بي أنا، و (من الناس) أصلها (حج منى الناس) فالناس فاعل حج والمفعول (منى) تدغم ألفها عند النطق لسكونها والتقائها بساكن صحيح بعدها. والحاصل: إنه يجوز أن يجمع صدر المركب تركيباً إضافياً ويضاف إلى عجزه. التركيب الثالث: التركيب الإسنادي، وهو تركيب جملة، وهو المشكل، فإن جمعه صعب، هناك رجل يسمى شاب قرناها، مثلما تسمي خالداً وعمراً، فإذا سميت ولدي شاب قرناها، وسميت أنت ولدك شاب قرناها، وسمى الثالث ولده شاب قرناها، وحضر الثلاثة، فلا بد أن نأتي بذوو، فنقول: جاء ذوو شاب قرناها، أي: أصحاب هذا الاسم، لأنك لا تستطيع أن تجمع جملة فعلية. وكذلك قد يكون التركيب الإسنادي جملة اسمية، مثل: الشنفرى، الشن: مبتدأ، وفرى: الجملة خبر، فإذا سميت ولدي بالشنفرى، وسميت ولدك كذلك والثالث سمى ولده بذلك، فلا يمكن أن نجمع إلا إذا وصلنا بكلمة: ذوو، فنقول: ذوو الشنفري. فتبين بهذا أن القول الراجح أن المركب تركيباً مزجياً أو إضافياً يمكن أن يجمع جمع مذكر سالماً، وأما المركب تركيباً إسنادياً فلا. تم الكلام على جمع المذكر السالم إذا كان جمع علم، وبقي الكلام في الصفة.

شروط جمع الصفة جمعا مذكرا سالما

شروط جمع الصفة جمعاً مذكراً سالماً قوله: [وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب] تقدم الكلام على عامر، وأنه إذا تأملته وجدت أنه علم لمذكر عاقل خال من التاء ومن التركيب. وقد تكلمنا على هذا، منطوقاً ومفهوماً. أما قوله: (مذنب) فهو اسم فاعل من أذنب، وهو وصف وليس اسماً، فلا يوجد من يسمي ابنه مذنباً، وإنما هو وصف، يعني: فاعلاً للذنب. هذا الوصف إذا تأملناه وجدنا أنه وصف لمذكر عاقل، لأن الذي يوصف بالذنوب هم العقلاء، أما المجانين فليس لهم ذنوب. وأيضاً (مذنب) خال من تاء التأنيث، أما التركيب فغير وارد، لأنه لا تركيب في الصفات، لكن يقولون هنا: ليس من باب أفعل فعلاء، ولا فَعْلان فَعلى، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، وأنا أرى أن نحذف هذا، وأن نقول: وصف لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث، فقط. وأما قولهم: وليس من باب أفعل فعلاء، ولا من باب فعلان فعلى، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، فكل هذا موضع خلاف، ونحن ابتدائيون، لا حاجة لنا في أن ندخل أنفسنا في غمار خلاف مرجوح. مثال ذلك: (مذنب) تقول فيه: مذنبون، قائم: قائمون، راكع: راكعون، ساجد: ساجدون وهلم جرا. أما (حامل) فإذا كان يَقصد به امرأة حاملاً، فهذا لا يجمع جمع مذكر سالماً، لأنه ليس وصفاً لمذكر، وإذا قصد رجلاً حاملاً فهذا يجمع. ولهذا لو قال لك قائل: هل تجمع (حاملاً) جمع مذكر سالماً؟ ف A بالتفصيل: إن أردت به المرأة الحامل فلا لأنه وصف لمؤنث، وإن أردت اسم الفاعل ممن يحمل العفش مثلاً فهو وصف لمذكر فيجوز أن يجمع جمع مذكر سالماً. قولنا: (خال من التاء)، فإن كان مقروناً بالتاء لم يجمع جمع مذكر سالماً ولو كان وصفاً لمذكر عاقل، مثل: علاَّمة، لو جاءك ثلاثة علماء كل واحد يستحق أن يقال له علامة، فلا تقول: جاءني علامون. ولكن هذا فيه خلاف أيضاً، يقول بعض النحويين: إذا علمنا المراد فهو جائز، حتى وإن كان مقروناً بالتاء. وكذلك نابغة، فلا تقل: نابغون؛ لأنه مختوم بالتاء. ولكن نقول: إن اشتراط ألا يكون مختوماً بالتاء ليس عليه دليل، لا من القرآن ولا من السنة ولا من الإجماع. فإذا لم يكن كذلك فإنه لا يعتبر، فالصحيح أنه يجوز. المهم أن نفهم المعنى. والذين قالوا: لا يجوز، قالوا: إنك إذا قلت علامون في جمع علاَّمة، فإنك لم تفصح بالتاء التي فيها زيادة المبالغة، لأن علاَّمة أشد مبالغة من علام. قالوا: فإذا قلت علاَّمون، ظن السامع أنه جمع علاَّم، وهو أقل رتبة من علامة. وتبين مما سبق أنه إذا لم يكن الاسم علماً ولا وصفاً، فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً ولو كان لعاقل، كرجل فإنك لا تجمعه على (رجلون). وإنسان، لا يجمع على (إنسانون) لأنه ليس علماً ولا وصفاً. وبشر: لا يجمع على (بشرون). فإن سميت ابنك رجلاً، وزميلك سمى ابنه رجلاً، والزميل الثاني سماه رجلاً، فجاء هؤلاء الأبناء، فإنك تقول: جاءني رجلون؛ لأن رجلاً هنا صار علماً. وإذا سميت ابنك بَشَراً، وزميلك كذلك والزميل الثاني كذلك، فتقول: بَشَرون؛ لأنه صار علماً، أما إذا كان اسم جنس فإنك لا تجمعه جمع مذكر سالماً. قوله: (وشبه ذين) يعني ما شابههما في كونه علماً أو صفة على الشروط التي ذكرنا.

شرح ألفية ابن مالك [6]

شرح ألفية ابن مالك [6] جمع المذكر السالم يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، ويلحق به في هذا الإعراب ألفاظ لا تتحقق فيها شروط جمع المذكر السالم، وقد عدها علماء النحو ووضعوا القواعد التي تضبط ذلك، وفرقوا بين نون المثنى ونون الجمع في الحركات.

الملحقات بالجمع المذكر السالم

الملحقات بالجمع المذكر السالم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبه عشرونا وبابه ألحق والأهلونا أولو وعالمون عليونا وأرضون شذ والسنونا وبابه ومثل حين قد يرد ذا الباب وهو عند قوم يطرد ونون مجموع وما به التحق فافتح وقل من بكسره نطق ونون ما ثني والملحق به بعكس ذاك استعملوه فانتبه] وقوله: (وبه عشرونا وبابه ألحق): يعني: وألحق بهذا الجمع -وهو جمع المذكر السالم- عشرون وبابه. وبابه هو ثلاثون وأربعون وخمسون وستون وسبعون وثمانون وتسعون، فهذا ملحق بجمع المذكر السالم؛ لأنه ليس علماً ولا صفة، فإذا قلت: جاءني عشرون رجلاً، فالإعراب: جاء: فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول به. وعشرون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. وهو ملحق من عدة وجوه: أولاً: أنه ليس علماً ولا صفة. والثاني: أنه لا يدل على مفرده فمثلاً: عشرون، لا تدل على (عشر)؛ لأنك لو قلت: عشر مفرد عشرين، فإن الجمع يكون ثلاثين، لأنك إذا جمعت عشراً فأقل الجمع ثلاثة، فيكون عندك عشر وعشر وعشر، وليس الأمر في عشرين كذلك. ثم إنه مع كونه غير جمع العشر يختلف عن العشر، لأن العشر مفتوح العين، والعشرون مكسور العين. إذاً: فهو ملحق بجمع المذكر السالم، وإن شئت فقل: لأنه ليس علماً ولا صفة، واكتف بهذا. قوله: (والأهلون): الأهلون ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح:11]. وقال عز وجل: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} [الفتح:12]. فالأولى: (شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) بالواو لأنها فاعل، والثانية: (إلى أهليهم) بالياء لأنها مجرورة بإلى. وأهلون ملحق بجمع المذكر السالم، لأنه اختل فيه من الشروط أنه ليس علماً ولا صفة. قوله: (أولو): أولو أيضاً ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى} [النور:22]. فقال: ((وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا)) بالواو لأنها فاعل، ((أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي)) بالياء لأنها مفعول به. وأولو ملازمة للإضافة، ولهذا لا تأتي معها النون، تقول: جاء أولو الفضل، ورأيت أولي الفضل، ومررت بأولي الفضل. وأولو معناها: أصحاب. ألحقت بجمع المذكر السالم ولم تكن منه لأنها ليس لها واحد من لفظها، فهي ليست جمعاً لفظاً وإن كان معناها الجمع، ولا يصح أن أقول: ولأنها ليست علماً ولا وصفاً؛ لأنها وصف، أي أنها بمعنى: أصحاب. قوله: (وعالَمون عليون): عالَمون: أيضاً ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]. فالعالمَ جمعها عالَمون، ونقول: هذا ملحق بجمع المذكر السالم في إعرابه، لأنه ليس علماً ولا صفة، ولا دالاً على المفرد، لأن عالَم وعالَمون معناهما واحد، فكل منهما يدل على الجمع، لذلك صارت عالَمون ملحقاً بجمع المذكر السالم. وعليون: اسم لأعلى الجنة، وهو ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين:18 - 19] فرفعها بالواو وجرها بالياء. والذي اختل فيها من شروط جمع المذكر السالم أنها ليست علماً لعاقل، لأنها علم لمكان في الجنة. قوله: (وأَرَضُون شذ): أرضون جمع أرض، والأرضون ملحق بجمع المذكر السالم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من سبع أَرَضِين) أرضين بالياء، لأنها مجرورة. والذي اختل فيها من شروط جمع المذكر السالم أنها ليست بعلم ولا صفة ولا لمذكر، واختلفت حركاتها أيضاً مع المفرد، فالمفرد أَرْض بسكون الراء والجمع أَرَضون بفتحها، فإذاً هي ملحقة بجمع المذكر السالم من عدة أوجه، ولهذا قال: (شذ)، أي: لبعده عن القياس، فهو شاذ. قوله: (والسنونا وبابه): يعني: وكذلك ألحق بجمع المذكر السالم السنون، وهو جمع سنة، يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، قال الله تعالى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف:42] فلما كان ملحقاً بجمع المذكر السالم جر بالياء. والذي اختل فيه من شروطه أنه ليس بعلم ولا صفة، وليس لعاقل ولا وافق المفرد في الحركات، ولا هو لمذكر، فلهذا صار شاذاً، ولهذا قال: (وأرضون شذ والسنونا) أي: شذ. وبابه: باب السنين عند النحويين: كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر، أي لم يجمع جمع تكسير. ومثلوا لذلك بمائة، قالوا: جمعها مئين في النصب والجر، ومئون في الرفع، كما أنها تجمع أيضاً على مئات جمع مؤنث سالماً؛ لكن إذا جمعت جمع مذكر سالماً ألحقت به إلحاقاً ولم تكن منه. والذي فات من الشروط: أنها ليست علماً ولا صفة، وقد تكون للمذكر وقد تكون للمؤنث، فليست خاصة بالمذكر، تقول: مائة رجل، ومائة امرأة. وهذه الأشياء التي ذكرها المؤلف رحمه الله جاءت بها اللغة العربية، فعاملتها معاملة جمع المذكر السالم. قال: (ومثل حين قد يرد ذا الباب): المراد به باب السنين، أي أنه قد يرد في اللغة العربية مثل كلمة (حين) في الحكم، فيعرب بالحركات على آخره، ويلزم الياء، قال الله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص:88] فتعرب سنين مثل حين، فتقول: مكثت في هذا البلد سنيناً، كما تقول: مكثت فيه حيناً. ولو أردت أن تلحقه بجمع المذكر السالم لقلت: مكثت في هذا البلد سنين. ويختلف الإعراب، فإذا قلت: مكثت في هذا البلد سنيناً، فإن (سنيناً) ظرف زمان منصوب على الظرفية بفتحة ظاهرة، ولو قلت: (سنين) لقلت: ظرف منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. ومن ذلك قول الشاعر: دعاني من نجد فإن سنينه لعبن بنا شيباً وشيبننا مرداً لو أتى به على أنه ملحق بجمع المذكر السالم لقال: فإن سنيه. وليعلم أن بعض الطلبة يقرأ: سنيّه، وهذا لحن قبيح، بل يقال: فإن سنينه. فالحاصل أن (سنين) وبابها إما أن تعرب كحين بحركات ظاهرة على النون، أو تعرب إعراب جمع المذكر السالم بالياء جراً ونصباً وبالواو رفعاً. إذا قلت: أتى على هذا البيت سنينٌ عديدة. فاستعملته استعمال حين، فأقول: أتى: فعل ماض. وسنين: فاعل مرفوع بضمة ظاهرة على آخره. وإذا أردت أن أستعملها استعمال الملحق بجمع المذكر السالم، أقول: أتى على هذا البيت سنون، فأرفعها بالواو، كما أقول: أتى علي مسلمون، فيرفع بالواو نيابة عن الضمة، والنون مفتوحة. قوله: [ومثل حين قد يرد ذا الباب وهو عند قوم يطرد] يعني: هذا الباب يطرد أن يكون كحين عند قوم، فلا يلحقونه بجمع المذكر السالم مطلقاً، ويرون أن إلحاقه بجمع المذكر السالم غير صحيح. ولكن هذا خطأ، والصواب أنه ملحق بجمع المذكر السالم على الأفصح، قال الله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَة سِنِينَ} [الكهف:25] ولم يقل: سنينٍ، فالأفصح: أن يكون ملحقاً بجمع المذكر السالم. أما قوله تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] فعالمون هنا جمع مذكر سالم وهي غير التي في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2].

الاحتجاج بالقرآن والسنة في النحو

الاحتجاج بالقرآن والسنة في النحو وأنا عندي قاعدة أسأل الله ألا يؤاخذني بها: أنه إذا اختلف النحاة على قولين أخذنا بالأسهل، وليس هذا من باب تتبع الرخص. والقرآن حجة بلا شك، أما السنة ففيها خلاف بين العلماء؛ لأن السنة يرويها الرواة بعد تغير اللسان، وأكثر المحدثين على جواز الرواية بالمعنى، لكن الذي عليه ابن هشام وجماعة من العلماء ومنهم ابن مالك: أن الأصل أنها على اللغة العربية، والأصل أنها من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن مع ذلك أحياناً يشذذونها، مثل: (يتعاقبون فيكم ملائكة) قالوا: إن هذا جاء على لغة: أكلوه البراغيث، وقالوا: إن هذه لغة شاذة، حتى أن بعض العلماء زعم أن منها قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة:71] قال: إن (كثير) فاعل. ولكنه ليس بصحيح، و (كثير) هذه بدل من الواو. أما القراءة المخالفة للقاعدة فلا أظن أحداً ينكر القراءة، وهي ثابتة، لكن هم يقولون شاذة عن القواعد فقط، فالقاعدة العامة في اللغة تأتي القراءة أحياناً مخالفة لها، لكن مع ذلك نقول: الشاذ أنت، القرآن ليس فيه شيء شاذ.

أمثلة على إعراب جمع المذكر السالم

أمثلة على إعراب جمع المذكر السالم سبق لنا أن جمع المذكر السالم وما ألحق به يرفعان بالواو، وينصبان ويجران بالياء، وأن كل ما اختلت فيه الشروط فهو ملحق، بألا يكون علماً، أو كان علماً لغير عاقل، أو علماً لمؤنث، أو علماً مختوماً بالتاء، أو علماً مركباً، وما أشبه ذلك. المهم ما اختل فيه شرط من الشروط وعومل معاملة جمع المذكر السالم فإنه يقال فيه: ملحق بجمع المذكر السالم. ونحن الآن نأخذ أمثلة على ذلك: إذا قلنا: قام المسلمين. فالعبارة خطأ، والصواب: قام المسلمون، لأن جمع المذكر السالم يرفع بالواو. وإعرابها: قام: فعل ماض مبني على الفتح. المسلمون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم. وقال بعض النحويين: إن الحركات مقدرة على الحروف، فالضمة مقدرة على الواو، والفتحة مقدرة على الياء، والكسرة مقدرة على الياء لكن كلام ابن مالك يدل على أن الواو هي علامة الرفع، قال: (وارفع بواو وبيا اجرر وانصب إلخ). مثال آخر: إذا قيل: أتى المسلمين أمر الله، فهذه العبارة خطأ، والصحيح: أتى المسلمون أمر الله. وإعرابها: أتى: فعل ماض مبني على الفتح. المسلمون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. أمر: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، وأمر مضاف. الله: لفظ الجلالة مضاف إليه. ويحتمل أن المعنى: أتاهم أمر الله، ويحتمل أنهم أتوا أمر الله.

ضبط حركة النون في المثنى والجمع المذكر السالم

ضبط حركة النون في المثنى والجمع المذكر السالم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونون مجموع وما به التحق فافتح وقل من بكسره نطق ونون ما ثني والملحق به بعكس ذاك استعملوه فانتبه] قوله: (ونون مجموع) أي: سواء كان مرفوعاً أم مجروراً أم منصوباً، فنونه مفتوحة، تقول: المسلمونَ والمسلمين. قوله: (وقل من بكسره نطق): يعني: قل من نطق بكسر النون من العرب، فقال: المسلمينِ. قوله: (ونون ما ثني والملحق به بعكس ذاك استعملوه). يعني أنهم كسروه فقالوا: الزيدانِ والعمرانِ والزيدينِ والعمرينِ. وقلَّ من نطق بفتحه وقال: الزيدانَ والعمرينَ.

أمثلة للإعراب

أمثلة للإعراب مثال أول: خلق الله الأرضين: خلق: فعل ماض مبني على الفتح. الله: لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. ونقول: لفظ الجلالة أو الاسم الكريم تأدباً؛ لأنك إذا قلت: الله، فقد تريد به المسمى ولا تريد هذا اللفظ، فإذا قلت: الاسم الكريم أو لفظ الجلالة كان أحسن. الأرضين: مفعول به منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. مثال ثان: أصاب الناس سنون: أصاب: فعل ماض مبني على الفتح. الناس: مفعول به مقدم على فاعله بفتحة ظاهرة على آخره. سنون: فاعل مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن التنوين. وهذا على إعرابها إعراب الجمع المذكر السالم. ومثال ما تأتي مثل حين بالنون: مرت علي سنينٌ كثيرة، فهنا أجريناها مجرى حين. وإعراب (سنين): فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره. ولو أعربناها إعراب جمع المذكر السالم لقلنا: سنونَ طويلة. وقال الله تعالى: {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [طه:40]. لبثت: فعل وفاعل. سنين: ظرف منصوب بالياء نيابة عن الفتحة. والنون عوض عن التنوين. وقول ابن مالك: (ومثل حين قد يرد ذا الباب وهو عند قوم يطرد): الفرق بين العبارتين: أن قوله: (قد يرد)، يعني: سماعاً، ونحن لا نستعمله كحين، (وهو عند قوم يطرد) فيستعملونه هم بأنفسهم استعمال حين. فعلى القول الأول: (قد يرد ذا الباب) لا يجوز لي أنا الآن أن أكتب رسالة وأقول: مكثت سنيناً، لأن هذا مبني على السماع. وعلى الرأي الثاني: (وهو عند قوم يطرد) يجوز أن أقول: مكثت سنيناً. والمشهور عند النحويين أنه مقصور على السماع؛ لأن الأفصح أنه يعرب إعراب جمع المذكر السالم. مثال آخر: اشتريت عشرون نعجة: الصواب أن يقول: اشتريت عشرين نعجة. اشتريت: فعل وفاعل. عشرين: مفعول به منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. نعجة: تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة. وهكذا كلما جاءنا شيء مبين لنوع العدد سميناه تمييزاً، مثل عشرين نعجة، عشرين بعيراً، عشرين درهماً، المهم أن ما بيَّن المبهم من العدد يسمى عندهم تمييزاً. مثال آخر: قدم إلى البلاد شاب قرناها: قدم: فعل ماض. إلى البلاد: جار ومجرور. شاب قرناها: جملة لكن بمعنى المفرد، ولهذا نقول في إعرابها: شاب قرناها: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. الفرق بين نون المثنى والجمع هو: أن نون جمع المذكر السالم مفتوحة، ونون المثنى مكسورة، فتقول: جاء الرجلان، وأكرمت الرجلين، ومررت بالرجلين، وتقول: جاء المسلمون، وأكرمت المسلمون، ومررت بالمسلمين. هذه هي اللغة الفصحى، وهناك لغة ضعيفة تفتح نون المثنى وتكسر نون جمع المذكر السالم، لكنها ضعيفة لا معول عليها ولا يقبل من أي إنسان أن يتكلم الآن بهذه اللغة، لأن لغتنا الآن ليست لغة عربية حتى نقول: هذه لهجاتنا، بل هي لغة مركبة من عربية وعجمية، فيجب أن نرجع إلى اللغة الفصحى في خطاباتنا.

شرح ألفية ابن مالك [7]

شرح ألفية ابن مالك [7] جمع المؤنث السالم والاسم الذي لا ينصرف هما مما تكون فيه النيابة في الإعراب، لكنها نيابة حركة عن حركة؛ فتنوب الكسرة عن الفتحة في جمع المؤنث، والعكس في الاسم الذي لا ينصرف، لكن بشرط ألا يضاف ولا يحلى بأل. ومما تدخله النيابة أيضاً الأفعال الخمسة، فإنها ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها.

إعراب جمع المؤنث السالم

إعراب جمع المؤنث السالم

نيابة الكسرة عن الفتحة في جمع المؤنث السالم

نيابة الكسرة عن الفتحة في جمع المؤنث السالم قال المؤلف رحمه الله: [وما بتا وألف قد جمعا يكسر في الجر وفي النصب معا] ما: مبتدأ. وبتا وألف: متعلق بـ (جمعا)، وجملة (يكسر) خبر المبتدأ. يعني: الذي يجمع بالتاء والألف يكسر في الجر وفي النصب معا. وهنا يقول: (يكسر في الجر وفي النصب) وسكت عن الرفع، فيبقى على الأصل، وهو الرفع بالضمة، وينصب ويجر بالكسرة نيابة في حال النصب عن الفتحة، أما في حال الجر فعلى الأصل، ولكن ما الذي هذا حكمه؟ يقول: (وما بتا وألف وقد جمعا)، أي: ما كان مجموعاً بزيادة الألف والتاء، يعني: جيء بالألف والتاء ليكون جمعاً، وهو جمع المؤنث السالم. فهذا الجمع يكسر في الجر على الأصل، ويكسر في حال النصب بالنيابة، ويرفع بالضمة على الأصل. وهنا يعبر عن جمع المؤنث بأنه ما جمع بألف وتاء مزيدتين على مفرده، سواء كان لعاقل أم لغير عاقل، علماً أم صفة، لمذكر أم مؤنث، فكل ما جمع بالألف والتاء الزائدتين على مفرده نعتبره جمعاً مؤنثاً سالماً فنرفعه بالضمة وننصبه بالكسرة ونجره بالكسرة. مثال ذلك أن تقول: مسلمة، الجمع: مسلمات، زيدت ألف وتاء فصار جمعاً، ولا تقل: التاء كانت موجودة في مسلمة؛ لأن التاء في مسلمة ليست تاءً حقيقة ولكنها هاء، والدليل على ذلك أن كتابة التاء في مسلمة غير كتابة التاء في مسلمات. وتقول في جمع عائشة علماً: عائشات، فيكون جمع مؤنث سالماً. وأما (أبيات) جمع (بيت) فليس منه؛ لأن التاء أصلية في بيت؛ فالزيادة في أبيات على المفرد حرف واحد وهو الألف، ونحن نقول: لا بد أن يكون بألف وتاء زائدتين على المفرد. غازٍ: جمعه غزاة، فيه ألف وفيه تاء، لكن الألف في غزاة أصلية، والتاء زائدة لكنها ليست تاء الجمع، والدليل أنها تأتي مربوطة، (غزاة)، وتاء الجمع تأتي مفتوحة غير مربوطة. إذاً: إذا وجدنا جمعاً التاء فيه أصلية فلا ينصب بالكسرة، مثل: أبيات. وإذا وجدنا جمعاً الألف فيه أصلية والتاء زائدة، فلا ينصب بالكسرة؛ لأن الألف أصلية. وإذا وجدنا جمعاً فيه الألف زائدة والتاء زائدة ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة. أموات: التاء أصلية، فلا ينصب بالكسرة. أسماء -علماً- جمعها: أسماوات، وهو جمع مؤنث سالم لأن فيه الألف والتاء زائدة، وأسماء وزنها: فعلاء، ولهذا لا تنصرف، بخلاف أسماء التي هي جمع اسم، فإنها تنصرف: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم:23] لأن الهمزة فيها ليست ألف التأنيث، وأما اسم المرأة (أسماء) فإنه لا ينصرف؛ لأن فيه ألف التأنيث الممدودة. هند: جمعها هندات، فينصب بالكسرة؛ لأن فيه الألف والتاء زائدتان. فالحاصل: أن هذا الباب سهل جداً، وهو أن كل ما يكون مجموعاً بألف وتاء زائدتين على المفرد فإن حكمه: أن يرفع بالضمة، ويجر بالكسرة، وينصب بالكسرة.

أمثلة توضيحية

أمثلة توضيحية إذا قلنا: بوابة، فجمعها: بوابات، تنصب بكسرة. درجة: درجات. سهم جمعه: أسهم، لكن لو فرض أنه جمع على أسهمات لكان له هذا الحكم. أسماء يقال فيه: أسماءات أو أسماوات، وسيأتينا إن شاء الله تعالى في ألف التأنيث الممدودة أنه يجوز فيها قلب الهمزة واواً ويجوز إبقاؤها على أصلها. وغزاة جمع تكسير، لأن غزاة وزنها فُعلة، فالألف هي لام الكلمة. ولها أمثلة كثيرة: غزاة، هداة، دعاة فهذه كلها ليست جمع مؤنث سالماً، لأن الألف فيها أصلية. ولو قيل لك: زن غزاة؟ ف A أنها من غزا يغزو. فوزنها: فُعَلَة، وأصلها غُزَوَة، لكن تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فوجب قلبه ألفاً، فصار: غزاة. وجمع شجرة: شجرات حذفت التاء ولم يقل: شجرتات لأنها في الأصل زائدة، وهي في نية الانفصال. إعراب: كلفت دعاة يدعون إلى الله. كلف: فعل ماض مبني على السكون. التاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. دعاة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. يدعون: فعل مضارع إلى الله: جار ومجرور. في الحديث: (واجعلنا هداة مهتدين) ولم يقل: هداةٍ؛ لأن الألف أصلية. وقال تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة:10]. الإعراب: إن: أداة شرط. علم: فعل ماضي. والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. هن: ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول لعلم. مؤمنات: مفعول به ثان لعلم منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم.

إعراب ما لا ينصرف

إعراب ما لا ينصرف

نيابة الفتحة عن الكسرة في الممنوع من الصرف

نيابة الفتحة عن الكسرة في الممنوع من الصرف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وجر بالفتحة ما لا ينصرف ما لم يضف أو يك بعد أل ردف] جُرَّ: يحتمل أن تكون فعلاً ماضياً مبنياً للمجهول، ويكون الذي جره هم العرب، يعني أن العرب جروا ما لا ينصرف. ويحتمل أن يكون (جُرَّ) فعل أمر، بمعنى: اجرر. فعلى تقدير أنه فعل أمر يكون قوله: (ما) مفعول جُرّ، وعلى القول بأنه: مبني لما لم يسم فاعله تكون (ما) نائب فاعل. وقول المؤلف: (جر بالفتحة ما لا ينصرف) هذا مما ناب فيه حركة عن حركة، أي: نابت فيه الفتحة عن الكسرة في حال الجر. وهو في حال الرفع يرفع بالضمة على الأصل، وفي حال النصب ينصب بالفتحة على الأصل. إذاً: هو يشبه جمع المؤنث السالم، حيث تنوب فيه حركة عن حركة، وأنها في وجه واحد من وجوه الإعراب؛ لكن جمع المؤنث السالم تنوب فيه الكسرة عن الفتحة، وهذا تنوب فيه الفتحة عن الكسرة.

موانع الصرف

موانع الصرف وقوله: (ما لا ينصرف): يقول العلماء في تعريف الذي لا ينصرف: هو ما كان فيه علتان من علل تسع، أو علة واحدة تقوم مقام علتين. ومعنى الصرف: التنوين، كما قال ابن مالك في الألفية: الصرف تنوين أتى مبيناً معنى به يكون الاسم أمكنا وهذه العلل يجمعها قول الشاعر: اجمع وزن عادلاً أنث بمعرفة ركب وزد عجمة فالوصف قد كملا قوله: (اجمع): يشير بهذه الكلمة إلى ما يسمى بصيغة منتهى الجموع، وهو كل ما كان على وزن مفاعل أو مفاعيل، مثل: مساجد، مصابيح، فمساجد على وزن: مفاعل، ومصابيح على وزن: مفاعيل. ولا يلزم أن يكون بهذه الحروف، (بالميم والفاء والألف مثلاً)، بل إذا جاء على حروف أخرى فله نفس الحكم فمثلاً فعائل كصحائف مثل: مفاعل. عندكم تقولون في الكلام السيئ: هذا خرابيط، على وزن مفاعيل وإن لم يكن بلفظه، والمهم أن يكون على هذا الميزان: مفاعل ومفاعيل؛ فكل جمع جاء على هذا الوزن فإنه ممنوع من الصرف، تقول: مررت بمساجدَ كثيرة، وقلنا: بمساجدَ ولم نقل: بمساجدٍ؛ لأنه ممنوع من الصرف. ولا نحتاج إلى علة أخرى مع هذه العلة وهي صيغة منتهى الجموع، فمتى وجدنا اسماً على مفاعل أو مفاعيل منعناه من الصرف، سواء كان علماً أم صفة أم اسماً جامداً أم غير ذلك، لأن هذه العلة تقوم مقام علتين، ونحن قلنا: إن الاسم الذي لا ينصرف هو الذي اجتمع فيه علتان من علل تسع أو علة واحدة تقوم مقام علتين. قوله: (وزن): يشير إلى وزن الفعل، يعني: أن تكون الكلمة على وزن فعل من الأفعال. مثاله: أحمد، اسم على وزن: أفعل. وأفعل وزن الفعل المضارع، بل إن أحمد نفسها تصلح أن تكون فعلاً، كما لو قلت: إني أحمد الله، فما كان على وزن الفعل لا ينصرف. إذاً: وزن الفعل يكون علماً مثل: أحمد، ويكون وصفاً مثل: أحمر، فأحمر لا ينصرف، والمانع له الوصفية ووزن الفعل. إذاً: ما كان على وزن الفعل فإنه ممنوع من الصرف. ولكن يشترط في الذي يمنع من الصرف إذا كان على وزن الفعل أن يكون علماً أو صفة، فالعلم مثل: أحمد، والصفة مثل: أحمر، أسود، أخضر، فإن كان اسماً جامداً فإنه لا يمنع من الصرف ولو كان على وزن الفعل، لأننا نشترط أن يكون علماً أو صفة. قوله: (عادلاً) إشارة إلى العدل، وهي أن تكون الكلمة معدولة عن كلمة أخرى، وهي ألفاظ قليلة، مثل: عُمَر، معدول عن عامر، زُحَل معدول عن زاحل، فكل اسم حول من مشتق إلى مشتق آخر أو من علم إلى علم آخر فإنه ممنوع من الصرف. وهنا نسأل: هل يشترط انضمام شيء إلى العدل أو لا؟ نقول: نعم، وهو العلمية أو الوصفية. والوصفية مثلوا لها بقولهم: مثنى وثلاث ورباع، قالوا: إنه معدول عن اثنين اثنين في مثنى، وعن ثلاثة ثلاثة في ثُلاث، وعن أربعة أربعة في رُباع. قوله: (أنث): إشارة إلى التأنيث، والتأنيث خمسة أنواع: مؤنث بالتاء لفظاً لا معنى. ومؤنث بالتاء لفظاً ومعنى. ومؤنث معنى لا لفظاً. ومؤنث بألف التأنيث الممدودة. ومؤنث بألف التأنيث المقصورة. فهذه خمسة أنواع كلها داخلة في قوله: (أنث). أما الثلاثة الأولى التي هي التأنيث المعنوي، واللفظي، واللفظي المعنوي، فلا يكون أحدها مانعاً من الصرف إلا إذا كان علماً، فإن كان غير علم فإنه يصرف، سواء كان وصفاً أو اسماً جامداً. ومثال اللفظي: قتادة، حمزة، طلحة، معاوية، خليفة فهذه مؤنثة تأنيثاً لفظياً، لأنها لمذكر، ولفظها مؤنث، فهي ممنوعة من الصرف. واللفظي المعنوي مثل: فاطمة، عائشة، خديجة، منيرة، لؤلؤة، ماجدة وهلم جرا. هذا مؤنث تأنيثاً لفظياً ومعنوياً، ويشترط في هذا المؤنث أن يكون علماً، أما إذا كان جامداً فإنه مصروف، مثل: شجرة، وطلحة اسم للشجرة، تقول: هذه طلحةٌ كبيرة، وجلست تحت طلحةٍ كبيرة، وكذلك: نخلة. ومتى يكون (نخلة) غير مصروف؟ A إذا كان علماً، كما لو سميت بنتك نخلة. وتقول: مررت بامرأةٍ مسلمةٍ، فلفظ امرأة مصروف لأنه اسم جامد وليس علماً، فهو مثل شجرة. والمؤنث بألف التأنيث الممدودة ما كان آخره همزة، مثل: حمراء، صفراء، سوداء والأمثلة كثيرة. والمؤنث بألف التأنيث المقصورة ما كان آخره ألف، مثل: العزى، سلمى، سلوى، ليلى والأمثلة كثيرة. فألف التأنيث سواء كانت مقصورة أم ممدودة في علم أو وصف أو اسم جامد، فهي تمنع الاسم من الصرف، وهي من العلل التي تقوم واحدة منها مقام علتين، فهي مثل صيغة منتهى الجموع. فهاتان علتان تكفي فيهما العلة الواحدة: صيغة منتهى الجموع، وألف التأنيث الممدودة أو المقصورة، وهي ثلاث بالبسط. قوله: (بمعرفة): هذه ليست علة مستقلة، وهي العلمية. قوله: (ركب): يعني التركيب المزجي، وعندهم أن التراكيب أنواع: إضافي، مزجي، وإسنادي. والمراد هنا التركيب المزجي، وهو: ضم كلمة إلى أخرى لا على سبيل الإضافة ولا على سبيل الإسناد، ويسمى تركيباً مزجياً لأنه مزج وخلط حتى تصير الكلمتان كلمة واحدة، مثل: بعلبك، حضرموت، معدي كرب، فهذه أسماء ممنوعة من الصرف، للعلمية والتركيب المزجي، ويشترط فيها أن يكون الاسم علماً، فالوصفية لا تأتي هنا، والجامد لا يأتي، بل لا بد أن يكون علماً. ومر علينا ما يشترط أن يكون علماً. وهو: إذاً: التأنيث اللفظي والتأنيث المعنوي بغير الألف، والتركيب، هذه ثلاث علل لا بد أن تكون علماً، وثلاث علل فيها علة واحدة تقوم مقام علتين، وثلاث علل لا بد أن تكون علماً أو وصفاً، وبهذا تتم العلل التسع. قوله: (وزد): الزيادة، هي زيادة الألف والنون، فكل علم فيه زيادة ألف ونون، أو وصف فيه زيادة ألف ونون، فهو ممنوع من الصرف. فالعلم مثل: سلمان، سليمان، {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل:30] ما قال: من سليمانٍ. والوصف مثل: سكران، عطشان، غضبان، ريان والأمثلة كثيرة. قوله: (عجمة): لا بد فيها من علتين: العلمية والعجمة، والعجمة أن يكون الاسم أعجمياً غير عربي، وأسماء الملائكة كلها أعجمية إلا ما استثني، وأسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا ما استثني، وسيبين إن شاء الله. إسرائيل: ممنوع من الصرف، للعلمية والعجمة. إبراهيم: ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. إسماعيل: ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. إسحاق: ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. يعقوب: ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. فإن كان وصفاً فإنه غير ممنوع من الصرف ولو كان أعجمياً، ومن ذلك قولهم: قالون، أي: جيد في الرومية، لكنه ينصرف لأنه ليس بعلم.

شرط جر ما لا ينصرف بالفتحة

شرط جر ما لا ينصرف بالفتحة يقول ابن مالك: (ما لم يضف أو يك بعد أل ردف): أي: فإن أضيف فإنه يصرف، لكنه لا ينون من أجل الإضافة، فتقول: مررت بأفضل القوم، فتجر (أفضل) بالكسرة لأنه مضاف. وقوله: (أو يك بعد أل ردف) يعني: تقترن به أل، فتقول: مررت بالأفضلِ، فتجره بالكسرة لأنه حلي بأل. فالحاصل أن الاسم الذي لا ينصرف يخرج عن القاعدة في الإعراب في وجه واحد وهو الجر، حيث يجر بالفتحة، وذلك بشرط ألا يضاف ولا يحلى بأل، فإن أضيف أو حلي بأل صار مصروفاً. قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك:5]. قوله: (بمصابيح) مجرور بالفتحة لأن الصيغة من منتهى الجموع. وقال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [النساء:163]. جر إبراهيم بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف بسبب العلمية والعجمة، ولولا ذلك لقيل إلى إبراهيمٍ. وإذا قلنا: وعن طلحةَ بن عبيد الله فإنا نفتح طلحة لأنه ممنوع من الصرف، للعلمية والتأنيث اللفظي. وإذا قلنا: مررت بطلحةٍ كبيرة، فإنا نجر طلحة بالكسرة مع أنها مؤنثة؛ لكن المؤنث بالتاء لابد أن يكون علماً أو صفة، وهنا طلحة اسم شجرة، فليس علماً ولا صفة فلا يمنع من الصرف. علي بن أبي طالب رضي الله عنه جاءته امرأة مطلقة، تقول: إنها انتهت عدتها بشهر واحد، فأحال القضية إلى شريح، فقال شريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها تشهد بأنها جاءها الحيض ثلاث مرات فقد خرجت من العدة، فقال له علي: قالون! وقالون معناها في اللغة الرومية: جيد. فهذا اللفظ ليس بعلم، فلا يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأن العجمة لا تمنع من الصرف إلا إذا انضمت إليها العلمية، أما لو كانت صفة فإنها لا تمنع من الصرف. إذا قلت: مررت برجل أفضل من فلان، جررت أفضل بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل. فإذا قلت: مررت بالرجل الأفضل من فلان، جررت الأفضل بالكسرة؛ لأنه محلى بأل. وكذلك إذا قلت: مررت بأفضلكم، أو بأفضل الناس، فإنك تجر أفضل بالكسرة، لأنه أضيف. ولذا قال ابن مالك: (ما لم يضف أو يك بعد أل ردف) وفي اللغة العربية إذا أضفت الاسم الذي لا ينصرف انصرف، وإذا حليته بأل انصرف، وعلل فلاسفة النحويين لذلك فقالوا: لأنك إذا أضفته أو حليته بأل ابتعد عن مشابهة الفعل؛ لأن أل لا تدخل إلا على الأسماء، والإضافة من خصائص الأسماء، فلهذا انصرف. أما إذا جرد من أل والإضافة فإنه بعيد من الاسم شبيه بالفعل، ولهذا يسمونه متمكناً غير أمكن، يقولون: الأسماء بالنسبة للاسمية ثلاثة أقسام: متمكن أمكن، ومتمكن غير أمكن، وغير متمكن، تقسيم عجيب! وكل قوم لهم فلاسفة. الذي ليس بمتمكن هو المبني، والمتمكن غير أمكن هو الذي لا ينصرف، والمتمكن أمكن هو الذي ينصرف، فإذا أضيف أو دخلت عليه أل يكون متمكناً أمكن؛ لأنه اتصل به ما هو من خصائص الأسماء.

حكم التمثيل في النحو وفي المسرحيات

حكم التمثيل في النحو وفي المسرحيات فائدة: التمثيل في دروس النحور وغيرها ليس من الكذب، والفرائض كلها أمثلة، فإذا قلنا: مات ميت عن فلان أو عن كذا وكذا، فنحن ليس عندنا ميت، ولا نقول إن هذا كذب، فالتمثيل ليس فيه كذب، لأنه حكاية عن شيء وقع، ولهذا قال بعض الناس: إن التمثيل في المسرحيات جائز إذا لم ينسب إلى شخص معين، قالوا: لأن التمثيل تقدير، فكما تضرب مثلاً باللسان اضرب مثلاً بالأفعال، لكن إن نسبت إلى شخص معين أنه قال كذا صار التمثيل كذباً، أما مجرد أن تحكي قصة تخيلتها وضربتها مثلاً فليس هذا بكذب. وقد يقال: فيه إضاعة بعض الوقت؛ لكن إضاعة الوقت أو عدم إضاعة الوقت هذا شيء آخر، قد لا يكون فيه إضاعة وقت، بل قد يكون فيه حفظ وقت، أرأيت لو كانت الاجتماع طويلاً وجئنا بتمثيلية في أثنائه، فعالجت المشكلة الاجتماعية وفي نفس الوقت صار هذا حفظاً للوقت، وهذه التمثيلية نبهتهم وأيقظتهم، لكن لو بقوا على ما هم عليه من الجد لوجدت كل واحد قد وضع ذقنه على صدره، وصدره على بطنه، وهكذا. يبقى عندنا الهيئة: بعض الممثلين يأتي بهيئة عجيبة يريد أن يُضحك بها الناس، تجد لهم قرناً طويلاً أو ثياباً شكلها غريب، وما أشبه ذلك، حتى إن الإنسان ربما يقول: هذه صورة تشبه الكاريكاتير! وكلامي على التمثيل الذي بين الشباب، أما التلفزيون وما فيه من التمثيليات والأغاني فهذا لا شك في تحريمه، فكله دمار، وهذا ليس عندنا فيه إشكال، ولذلك يقولون لي: إن في التلفزيون - نسأل الله العافية وأن يهديهم- يمثلون بالسرقات، وبتسلق البيوت، وبالمخدرات، ويمثلون أيضاً بعداد الكهرباء أنه يغازل ربة البيت وما أشبه ذلك، فهذه هدم، يعني: الذي لا يعرف الجريمة يجعلونه يعرفها، لكن نسأل الله أن يهديهم.

إعراب الأفعال الخمسة

إعراب الأفعال الخمسة

رفع الأفعال الخمسة بالنون ونصبها وجزمها بحذف النون

رفع الأفعال الخمسة بالنون ونصبها وجزمها بحذف النون قال المؤلف: [واجعل لنحو يفعلان النونا رفعاً وتدعين وتسألونا وحذفها للجزم والنصب سمه كلم تكوني لترومي مظلمه] الفعل المضارع معرب؛ يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجزم بالسكون، لكن الأفعال الخمسة تخالف: فترفع بثبوت النون، ولهذا قال: (واجعل لنحو يفعلان النونا رفعاً) أي: اجعل النون في حال الرفع، تقول: الرجال يقومون، وأنتم تفهمون، وتقول: الرجلان يقومان وأنتما تفهمان، وتخاطب المرأة فتقول: أنت تفعلين. هذه خمسة أفعال تسمى الأفعال الخمسة، وقد نقول: الأمثلة الخمسة، والمعنى واحد. تقول: الرجلان يقومان، يقومان: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، لأنه من الأفعال الخمسة، والألف فاعل. وتقول: الرجال يقومون، يقومون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعل؛ لأنه من الأفعال الخمسة. وتقول للمرأة: أنت تقومين، تقومين: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والياء فاعل. بقي النصب والجزم، قال المؤلف: [وحذفها بالجزم والنصب سمه]. سمة: يعني: علامة، فإذا نصبت أحد الأفعال الخمسة فاحذف النون، وإذا جزمت فاحذف النون، قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة:24] الأول مجزومه، والثاني منصوبه. قال الناظم رحمه الله تعالى: [كلم تكوني لترومي مظلمه]. لم تكوني أصله: تكونين، حذفت النون من أجل الجزم بلم. وقوله: (لترومي) منصوبة بلام الجحود والجحود هو: النفي، فـ (ترومي): منصوب باللام وعلامة نصبه حذف النون، والياء فاعل. ومظلمة: مفعول به. الأفعال الخمسة يجوز أن تقول هي: يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين، ويجوز أن تقول: كل مضارع اتصل به ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة.

حذف نون الأفعال الخمسة في غير النصب والجزم

حذف نون الأفعال الخمسة في غير النصب والجزم وظاهر كلام المؤلف: أن النون لا تحذف إلا في حال الجزم أو النصب؛ ولكن ليس هذا مراده، فالمراد: أنها إذا نصبت وجب حذف النون، وإذا جزمت وجب حذف النون، وقد تحذف النون لغير ذلك، تخفيفاً كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا). والأصل: (لا تدخلون)؛ لأن (لا) نافية. وكذلك تحذف مع نون الوقاية جوازاً، فتقول مثلاً: أتكرموني، والأصل أتكرمونني، لكن تحذف النون مع نون الوقاية للتخفيف، وكراهة توالي نونين زائدتين. وتحذف النون وجوباً مع نون التوكيد، مثل: (لتقومُنَّ) وأصلها (لقوموننَّ) فتحذف مع نون التوكيد وجوباً لتوالي الأمثال. إذاً تحذف وجوباً إذا دخل عليها ناصب أو جازم ومع نون التوكيد، وقد تحذف تخفيفاً في حال الرفع.

أمثلة على إعراب الفعل المضارع

أمثلة على إعراب الفعل المضارع إذا قلت: (لا تكونون من السفهاء) فالعبارة خطأ. وصوابها: لا تكونوا من السفهاء بحذف النون؛ للجزم بلا الناهية. وإذا قلت تخاطب جماعة: لم يخلقكم الله لتكونون كالبهائم، فالعبارة غير صحيحة. والصواب: لتكونوا بحذف النون، لأن الفعل منصوب. وإذا قلت تخاطب امرأة: لا تتبرجي تبرج الجاهلية، فالعبارة صحيحة. وقوله: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:4 - 5] الفعل مرفوع بثبوت النون. وقوله تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ} [مريم:26] (قولي) لماذا حذفت النون منها؟ و A هذا ليس من الأفعال الخمسة، الأفعال الخمسة هي أفعال مضارعة، وهذا فعل أمر. وقال الله تعالى: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:135]. الإعراب: سوف: حرف دال على التسويف. تعلمون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل. (الرجلان يقومان): الرجلان: مبتدأ مرفوع بالألف نيابة عن الفتحة لأنه مثنى. يقومان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والألف ضمير متصل في محل رفع فاعل. وجملة (يقومان) في محل رفع خبر المبتدأ. إذا قلت: مررت بامرأة تبكي. فالفعل (تبكي) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، لأن الياء من أصل الكلمة وليست ياء المخاطبة حتى نقول إنه من الأفعال الخمسة التي حذفت نونها. فإذا قلت لامرأة: أنت تبكين. فهذا فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة. أنتما تقومان: أنتما: ضمير مخاطب مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. وتفصيل إعرابه أن الضمير هو (أن) فقط، والتاء: حرف خطاب، والميم والألف علامة التثنية، فيكون أن: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، هكذا يقول النحويون: والتاء حرف خطاب، والميم والألف علامة التثنية. تقومان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون عوضاً عن الضمة، وألف الاثنين ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية (تقومان) في محل رفع خبر المبتدأ. إعراب: (ولا تؤمنوا حتى تحابوا). لا: نافية لا محل لها من الإعراب. تؤمنوا: فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة للتخفيف. واو الجماعة: ضمير متصل في محل رفع فاعل. حتى: حرف نصب. تحابوا: فعل مضارع منصوب بحذف النون. والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل. إعراب: لم تقوموا: لم: أداة جزم. تقوموا: فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو واو الجماعة فاعل. (لتبلون) أصلها (لتبلووننَّ) فحذفت نون الرفع لتوالي الأمثال وجوباً.

شرح ألفية ابن مالك [8]

شرح ألفية ابن مالك [8] المعتل من الأسماء مقصور أو منقوص، فالمقصور تقدر عليه جميع الحركات، والمنقوص تظهر عليه الفتحة وتقدر الضمة والكسرة، والمعتل من الأفعال إما أن يكون في آخره ألف أو ياء أو واوا، وقد بين ابن مالك إعرابها وأوضحه الشراح.

إعراب المنقوص والمقصور

إعراب المنقوص والمقصور قال المؤلف رحمه الله: [وسم معتلاً من الأسماء ما كالمصطفى والمرتقي مكارما] سم: فعل أمر. معتلاً: مفعول ثان مقدم. ما: مفعول أول مؤخر. يعني: سم ما كالمصطفى والمرتقي مكارم معتلاً، وعلى هذا فيكون المفعول الثاني لسم مقدماً على المفعول الأول. والمعتل ما آخره ألف -ولا حاجة إلى أن نقول: مفتوح ما قبلها؛ لأن كل ألف مفتوح ما قبلها- أو ياء مكسور ما قبلها، أو واو مضموم ما قبلها، لا بد أن نقول: ياء مكسور ما قبلها أو واو مضموم ما قبلها. فالمعتل إذاً ما آخره ألف أو واو أو ياء، ولا بد أن تكون الألف أو الواو أو الياء لازمة لا تتغير. فقولنا: أن يكون آخره ألف لازمة خرج به المثنى؛ لأن ألفه غير لازمة، فإنها إنما تكون لازمة في الرفع، وفي النصب والجر لا تكون لازمة. وقولنا في الياء: ياء لازمة مكسور ما قبلها، خرج بذلك ياء المثنى وياء جمع المذكر السالم في حالتي النصب والجر فلا يسمى ذلك معتلاً؛ لأن الياء غير لازمة، وكذلك الياء في الأسماء الخمسة في حالة الجر غير لازمة. وقولنا: مكسور ما قبلها، احترازاً من الياء التي لا يكسر ما قبلها، مثل: (ظبي) آخره ياء لكنها غير مكسور ما قبلها فلا يكون معتلاً، ولهذا تظهر عليه الحركات فتقول: هذا ظبيٌ، ورأيت ظبياً، ومررت بظبيِ. وخرج بقولنا: واو لازمة الواو في الأسماء الخمسة في حالة الرفع، وفي جمع المذكر السالم في حالة الرفع؛ لأن الواو غير لازمة. وخرج بقولنا: مضموم ما قبلها: ما لو كان ما قبلها ساكناً مثل: دلو، فهذه غير معتلة وإن كان آخرها واواً؛ لأنه لم يضم ما قبلها. يقول المؤلف رحمه الله: سم هذا النوع من الأسماء معتلاً، ثم مثَّل بقوله: (كالمصطفى) هذا المعتل بالألف، (والمرتقي) هذا المعتل بالياء. وذكر المؤلف هذا تمهيداً لما يأتي بعد في قوله: [فالأول الإعراب فيه قدرا جميعه وهو الذي قد قصرا] الأول هو المعتل بالألف (المصطفى) يقدر فيه الإعراب جميعه، [وهو الذي قد قصرا] يعني: يسمى المقصور. الأول وهو المعتل بالألف يسمى المقصور وتقدر فيه جميع الحركات، ولا تظهر فيه أي حركة، فتقول: جاء موسى، ورأيت موسى، ومررت بموسى. الإعراب: نقول في المثال الأول: موسى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. قال المؤلف: [والثاني منقوص ونصبه ظهر ورفعه ينوى كذا أيضاً يجر] الثاني هو المنقوص (المرتقي) يعني: المعتل بالياء يسمى منقوصاً. (ونصبه ظهر) يعني: تظهر عليه علامة النصب وهي الفتحة. (ورفعه ينوي كذا أيضاً يجر) يعني: تقدر عليه الضمة، وتقدر عليه الكسرة. وكذلك المعتل بالواو تظهر عليه الفتحة وتقدر عليه الضمة والكسرة. مثال المعتل بالياء: جاء القاضي. جاء: فعل ماض. القاضي: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل. ولا نقول: التعذر، لأنه يمكن أن تقول: جاء القاضيُ، لكن هذا ثقيل على اللسان. مررت بالقاضي. مررت: فعل وفاعل. والباء: حرف جر. والقاضي: اسم مجرور بالباء وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، ولا نقول: التعذر؛ لأنه يمكن أن تقول: مررت بالقاضيِ لكن هذا ثقيل، ولهذا قال العلماء: منع من ظهورها الثقل. ومثال المعتل بالواو: سمندو، أظن أنه اسم شجر يمثل به النحويون، فسمندو هذا آخره واو مضموم ما قبلها، تظهر عليه الفتحة، ولكن لا تظهر عليه الكسرة ولا الضمة، فيعرب في حال الجر بالكسرة المقدرة على آخره منع ظهورها الثقل، وفي حال الرفع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل. انتهى الكلام على المعتل من الأسماء. مثال: قرأت في المنتقى. قرأ: فعل ماض، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. في: حرف جر. المنتقى: اسم مجرور بالكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر. مثال آخر: رأيت المهتدي مستقيماً. رأيت: رأى: فعل ماض، والتاء ضمير متصل في محل رفع فاعل. المهتدي: مفعول به أول منصوب بالفتحة الظاهرة. مستقيماً: مفعول به ثان منصوب بالفتحة الظاهرة.

إعراب الأفعال المعتلة الآخر

إعراب الأفعال المعتلة الآخر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأي فعل آخر منه ألف أو واو او ياء فمعتلاً عُرِفْ فالألف انو فيه غير الجزم وأبد نصب ما كيدعو يرمي والرفع فيهما انو واحذف جازما ثلاثهن تقض حكما لازماً] لما انتهى المؤلف رحمه الله من ذكر الأسماء المعتلة أواخرها شرع في ذكر الأفعال المعتلة أواخرها، والفعل يعتل بالألف مثل (يسعى) وبالواو مثل (يغزو) وبالياء مثل (يرمي)، ولهذا قال: قوله: [وأي فعل آخر منه ألف أو واو او ياء فمعتلاً عُرِف] أي: مبتدأ، وجملة (عُرِفَ) خبره، والمعنى: أي فعل آخره ألف أو واو أو ياء فإنه يسمى معتلاً. إذاً: الأفعال يقال فيها معتلة، والأسماء يقال فيها: مقصور ومنقوص. فالفعل إذا كان آخره حرف علة فقد مر علينا في الصرف أنه يسمى ناقصاً، وإذا كان حرف العلة وسطه سمي أجوف. قوله: (فالألف انو فيه غير الجزم): أي: الفعل إذا كان آخره ألفاً (فانو فيه) أي: قدر فيه (غير الجزم) وهو الرفع والنصب، مثاله: (الرجل يسعى)، يسعى: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. (الرجل يخشى)، يخشى: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. قوله: (وأبد نصب ما كيدعو يرمي) الذي كيدعو هو المعتل بالواو، والذي مثل (يرمي) هو المعتل بالياء. وفي هذا التمثيل إشكالان: الإشكال الأول أن الكاف دخلت على الفعل، وقد علمنا فيما سبق أن حروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء! و A أن المقصود به اللفظ، والمعنى: كهذا اللفظ، فنقول: الكاف حرف جر، و (يدعو) اسم مجرور بالكاف بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. الإشكال الثاني: قوله: (يرمي) لا يصلح أن نجعلها بدلاً من (يدعو) لاختلاف اللفظ والمعنى؟ والجواب: أن حرف العطف محذوف مقدر، وسبب حذفه دلالة السياق عليه. وقوله: (أبد نصب ما كيدعو يرمي) الكاف هنا للتشبيه، المعنى: أظهر نصب كل ما يشبه هذا الفعل مما هو معتل بالواو مثل: يدعو تقول: يعجبني أن يدعوَ المنيب ربه، يعجبني أن يغزوَ الإنسان عدوه الكافر، إن الكافر إذا مات على كفره لن يرجوَ عفو الله. كذلك يظهر نصب الفعل المعتل بالياء، مثل: يُعجبنيَ أن يرميَ الرجل، يعجبني أن يقضيَ بالحق، يعجبني أن يحميَ الإنسان نفسه من الدنس. ثم قال رحمه الله تعالى: [والرفع فيهما انوِ] أي: يقدر الرفع فيهما، وهما الفعل المعتل بالواو مثل (يدعو) والفعل المعتل بالياء مثل (يرمي). بقي الجزم؛ قال رحمه الله: [واحذف جازماً ثلاثهن] أي: احذف الألف والواو والياء، [تقض حكماً لازماً] أي: تأت به. والخلاصة أن الفعل المعتل بالألف يقدر عليه الفتح والضم. والمعتل بالواو أو الياء تقدر عليه الضمة، وتظهر الفتحة. فإذا قال القائل لماذا تظهر الفتحة على الياء والواو ولا تظهر على الألف؟ نقول: لأن الألف صامتة لا تلين ولا تقرأ، ولهذا قلنا: المانع من الظهور تعذر، والياء لينة، وكذلك الواو لينة ليست ثقيلة ولا غليظة، ولهذا تحتمل الفتحة لخفتها، ولا تحتمل الضمة لثقلها، فاجتمع أمران: الأمر الأول: أن الياء سهلة وكذلك الواو، بخلاف الألف. والثاني أنها تظهر عليها الفتحة لخفتها، ولأن حرف العلة فيه لين، ولهذا يمكن أن تظهر عليه الضمة لكن بثقل، فيمكن أن تقول: (فلان يدعوُ ربه) (فلان يمشيُ على الأرض)، لكن هذا فيه ثقل في النطق. أما في الجزم فيقول: (احذف جازماً ثلاثهن) يعني احذف الألف والواو والياء إذا جزمت، تقول مثلاً: الرجل يسعى لنيل العلم، وتقول: الجاهل لم يسع لنيل العلم، فتحذف ألف (يسعى) بسبب الجزم. مثال آخر: تقول: فلان لم يأت، وأصلها (يأتي) بالياء؛ لكن حذفت الياء للجازم. وتقول: المستكبرُ لم يدع ربه، حذفت الواو للجازم. وقال الله تعالى: ((ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ)) حذفت الواو لدخول الجازم عليها، والله أعلم. وفعل الأمر كالمضارع إلا أن الأمر يكون مبنياً لا معرباً، والماضي يكون أيضاً مبنياً لا معرباً، وكلامنا هنا على الفعل المعرب.

خلاصة الإعراب والبناء

خلاصة الإعراب والبناء واعلم أن باب المعرب والمبني، ينبني عليه النحو كله، وهذا الباب هو النحو الحقيقي، لأنك تعرف به علامات الإعراب. وعلامة الرفع الأصلية هي الضمة وينوب عنها الواو، والألف، والنون. ينوب عنها الواو في موضعين هما: جمع المذكر السالم، والأسماء الستة، وهي: (أب - أخ - حمو - ذو - هن - فو). وجمع المذكر السالم هو ما جمع بواو ونون أو ياء ونون زيادة على مفرده، مثل: مسلم مسلمون. وعلامة النصب الفتحة: كل منصوب ينصب بالفتحة، وينوب عنها الألف والياء وحذف النون والكسرة. فالألف تنوب عنها في باب واحد وهو الأسماء الستة. والياء تنوب عنها الياء في بابين هما: جمع المذكر السالم والمثنى. والكسرة تنوب عنها في باب واحد، وهو جمع المؤنث السالم. وحذف النون ينوب عنها في الأفعال التي ترفع بثبوت النون. وعلامة الجر الأصلية هي الكسرة، وينوب عنها الفتحة والياء. فالياء ينوب عن الكسرة في الأسماء الستة والمثنى وجمع المذكر السالم. والفتحة تنوب عن الكسرة في الاسم الذي لا ينصرف. وعلامة الجزم الأصلية هي السكون. وينوب عن السكون حذف حرف العلة في الفعل المعتل، وحذف النون في الأفعال الخمسة. ثم الحركات تظهر على كل اسم صحيح، وتقدر على كل اسم معتل، فالمعتل بالألف تقدر عليه جميع الحركات وهو المقصور، والمعتل بالياء تقدر عليه جميع الحركات إلا الفتحة، والمعتل بالواو كالمعتل بالياء تقدر عليه الحركات كلها إلا الفتحة.

شرح ألفية ابن مالك [9]

شرح ألفية ابن مالك [9] الاسم ينقسم إلى نكرة ومعرفة، فللنكرة علامات تعرف بها وأحكام تختص بها، وما سوى النكرة فهو معرفة، والمعارف أقسام، وبعضها أعرف من بعض، وقد ذكر ابن مالك ذلك كله في الألفية، ثم بدأ بذكر المعارف نوعاً نوعاً، فبدأ بذكر الضمائر وأقسامها.

النكرة والمعرفة

النكرة والمعرفة

تعريف النكرة

تعريف النكرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب النكرة والمعرفة نكرة قابل أل مؤثرا أو واقع موقع ما قد ذكرا وغيره معرفة كهم وذي وهند وابني والغلام والذي فما لذي غيبة أو حضور كأنت وهو سم بالضمير] قول المؤلف رحمه الله تعالى: (النكرة والمعرفة). النكرة والمعرفة اسمان متضادان، فالمنكر ضد المعروف، قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} [هود:70] أي استنكرهم واستغربهم ولم يعرفهم. والمعرفة: هي ما كان معروفاً. والنكرة من باب المطلق، والمعرفة فيها ما يدل على التخصيص، وفيها ما يدل على العموم، لكنها ليست من باب المطلق. والفرق بين المطلق والعام: أن المطلق شامل لجميع أفراده على سبيل البدل، والعام شامل لجميع أفراده على وجه العموم لا على وجه البدل. فإذا قلت: (أكرم رجلاً) فهو شامل لكل رجل على سبيل البدل، فلا يمكنك أن تكرم رجلين؛ لأن المطلق يشمل جميع أفراده على سبيل البدل، أي: واحد بدل واحد. وأما العام فيشمل جميع أفراده على سبيل العموم، فإذا قلت: (لا تكرم كسولاً) وامتنعت عن إكرام كسول واحد، وأكرمت آخر فلست بممتثل؛ لأن (كسولاً) هنا للعموم. وإذا قلت: (أكرم جاداً) أي: مجتهداً فأكرمت اثنين لم تكن ممتثلاً؛ لأن المطلق يتناول جميع أفراده على سبيل البدل، فالنكرة من هذا القبيل. فيقال: النكرة اسم شائع في جميع أفراده على سبيل البدل. والمعرفة اسم يعين مسماه لكن إما بقيد وإما بغير قيد كما سيأتي إن شاء الله! إذاً: النكرة كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون الآخر، مثل: رجل شمس، قمر، لكن خصها بالشمس المعينة عدم وجود غيرها، وكذلك القمر، وإلا فهي في الأصل نكرة. ومن أمثلة النكرة: نجم، مطر، بيت، شخص، إنسان؛ فكل هذه نكرات، لأن كلاً منها اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر، وكونه يختص بشيء معين نظراً لعدم وجود غيره لا يخرجه عن كونه نكرة.

علامات النكرة

علامات النكرة أما علامات النكرة ففسرها المؤلف بقوله: [نكرة قابل أل مؤثرا أو واقع موقع ما قد ذكرا] هذا التعريف تعريف بالعلامة، فهو تعريف بالرسم، والتعريف بالرسم ليس تعريفاً تاماً بل هو تعريف رسمي لا ذاتي وتعريف النكرة الذاتي قد سبق، وهو: أنها كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر، وتعريفها الرسمي هو التعريف بالعلامة كما ذكره المؤلف رحمه الله قال: (نكرة قابل أل مؤثرا) يعني: النكرة كل اسم يقبل أل مؤثرة التعريف، مثل (رجل) فهو اسم عام تدخل عليه أل فيقال: (الرجل) فأثرت فيه، لأن الرجل مفهومه غير مفهوم رجل، مفهوم (الرجل) أنه رجل معين. (رسول) نكرة، (الرسول) معرفة، قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل:16]، فانظر الفرق بين الرسول الأول الذي نكر (رسولاً)، والثاني الذي عرف (الرسول). وقوله (قابل أل) خرج به ما لا يقبل أل، فإنه لا يكون نكرة، مثاله الضمائر، مثل: أنا، هو، والكاف من (أكرمك). وقوله: (مؤثراً) خرج به ما يقبل أل لكن لا تؤثر فيه التعريف، مثل (عباس) فهو يقبل أل تقول: (العباس) لكن أل لا تؤثر فيه؛ لأن عباساً معرفة سواء أدخلت عليه أل أو لم تدخلها عليه، فهي لا تؤثر شيئاً. إذاً: عباس علماً وليس نكرة. فإذا قال قائل: كيف لا يكون نكرة وهو يقبل أل، فتقول: عبد الله بن عباس وعبد الله بن العباس العباس بن عبد المطلب، عباس بن عبد المطلب؟ نقول: نعم هو يقبل أل لكن لا تؤثر فيه التعريف لأنه علم، فهو معرفه سواء دخلت عليه أل أو لم تدخل. فإن قلت: عباس وصفاً لا علماً، فهو نكرة، ولهذا تصف به النكرة فتقول: (رجل عباس)، وإذا دخلت عليه أل أثرت فيه التعريف. إذاً: فلو سألك سائل فقال: هل عباس نكرة أو غير نكرة؟ ف A فيه تفصيل: إن أردت به علماً فليس بنكرة، وإن أردت به وصفاً فهو نكرة، وهكذا ما شابهه في ذلك مثل الضحاك وضحاك. إذاً: كل اسم يقبل أل وتؤثر فيه التعريف فهو نكرة، فإن لم يقبل أل فليس بنكرة. وإن قبل أل لكن لم تؤثر فيه التعريف لكونه معرفة من قبل دخولها فليس بنكرة. ويرد على هذا كلمة (ذو) بمعنى (صاحب) فهي نكرة ولا تقبل أل، تقول: جاءني رجُل ذو مال. فـ (ذو) صفة لرجل ورجل نكرة، والنكرة لا توصف إلا بنكرة مع أن (ذو) لا تقبل أل؟ ويمكن أن نجيب عن هذا فنقول: إن حجة النحويين نافقا يربوع، إذا حجرته من بابه خرج من جهة أخرى؛ قالوا: إن (ذو) واقعة موقع ما يقبل أل، ولهذا قال ابن مالك رحمه الله كغيره من العلماء: [أو واقع موقع ما قد ذكرا]. إذاً: تخلصوا من الإيراد بأن (ذو) بمعنى صاحب، فقولك: جاءني رجل ذو مال، أي صاحب مال، وصاحب تقبل أل وتؤثر فيها التعريف فتقول: هذا رجل صاحب فلان، وتقول: هذا الرجل الصاحب. فلما كانت (ذو) واقعة موقع ما يقبل أل المؤثرة فيه التعريف صار لها حكمها، فصارت نكرة. الخلاصة: النكرة لها تعريفان: تعريف ذاتي، وتعريف رسمي. التعريف الذاتي للنكرة: كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون الآخر. والرسمي: هو التعريف بالعلامة، فالنكرة كل اسم يقبل أل مؤثرة فيه التعريف.

أنواع المعارف

أنواع المعارف أما المعرفة فقال: [وغيره معرفه كهم وذي وهند وابني والغلام والذي] قوله: (غيره) يشمل ما لا يقبل أل وما يقبل أل من غير أن تؤثر فيه التعريف لكونه معرفة من قبل. ثم ذكرها أقسامها فقال: (كهُم وذي وهند وابني والغلام والذي). وذكرها المؤلف رحمه الله غير مرتبة لأن المقصود معرفة أنواع المعارف. قوله: (كهم) إشارة إلى الضمير، فالضمائر كلها معرفة: ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، وضمير الغائب، وضمير الرفع، وضمير النصب، وضمير الجر. قوله: (وذي) أي اسم الإشارة، فجميع أسماء الإشارة معرفه (ذا ـ وذي ـ وذان ـ وتان ـ وأولاء وغيرها). قوله: (وهند) أي: العلم، سواء كان لمذكر أو لمؤنث فإنه من أقسام المعرفة. وهنا اختار المؤلف (هند) ولم يختر اسماً مذكراً من أجل الوزن، فلو قال مثلاً: وزيد أو عمرو لكان يحتاج إلى تنوين فيزيد النظم. قوله: (وابني) أي: المضاف إلى معرفة، فهو معرفة لكن رتبته بحسب ما يضاف إليه، إلا المضاف إلى الضمير فإنه في مرتبة العلم، وسيأتي الترتيب بعد ذلك. قوله: (والغلام) أي: المحلى بأل. قوله: (والذي) الاسم الموصول. فالجميع ستة أنواع: الضمائر، أسماء الإشارة، العلم، المضاف إلى معرفة، المحلى بأل، الاسم الموصول بجميع أنواعه، المفرد والمثنى والجمع: المفرد مثل: (الذي والتي)، والمثنى مثل: (اللذان واللتان)، والجمع: (الذين واللائي).

ترتيب أنواع المعرفة

ترتيب أنواع المعرفة هذه المعارف ذكرها المؤلف مجملة غير مرتبة؛ لكن عند التفصيل ذكرها مرتبه فبدأ بالضمائر، ثم بالعَلم، ثم بالإشارة، ثم بالموصول، ثم المعرف بأل، ولم يذكر المضاف إلى معرفة؛ لأنه ليس له رتبة معينة، إذ إنه بحسب المضاف إليه، إلا أن يضاف لضمير فكالعلم. وأعرفها الضمائر فهي أعرف المعارف، وذلك لأنها أشد المعارف تخصيصاً، والمعارف كلها مبناها على التعيين والتخصيص؛ لأن النكرة كما قلنا مطلق، لكن ما كان أخص فهو أعرف. وأخص المعارف الضمائر بلا شك، فإذا قلت: (قلتُ) لا تحتمل غير نفسي أنا، وإذا قلت: (قلتَ) لا تحتمل إلا المخاطب، فلهذا كان الضمير أعرف المعارف، لكن (زيد) عَلم يصلح لزيد الذي أمامي وزيد الذي خلفي، لكن الياء في أكرمني لا تحتمل إلا المتكلم، ضربتُ: التاء لا تحتمل إلا المتكلم، فأعرف المعارف الضمير. ثانياً: العَلم؛ لأنه يعين مسماه من غير قرينه بخلاف الإشارة والموصول، فكان أشدها تخصيصاً بعد الضمير، إلا أنهم استثنوا الأسماء الخاصة بالله فإنها أعرف من الضمائر، لأنها لا تصح إلا لله عز وجل وحده، مثل لفظ الجلالة (الله). لكن (قمت) تصلح التاء ضميراً لي أنا محمد، وتصلح لرجل آخر يقول عن نفسه إنه قام؛ لكن (الله) ليس فيه اشتراك، أما الضمائر ففيها اشتراك، وإن كانت تعين مرجعها. ثالثاً: اسم الإشارة؛ لأنه يعين مسماه لكن بقرينة، أقول: هذا فلان، للحاضر. فاسم الإشارة يعين مسماه بقرينة الحضور، فلهذا كان أقل مرتبة من العلم. رابعاً: الاسم الموصول، وهو بعد اسم الإشارة، لأنه يعين مسماه بواسطة الصلة، وقد يكون للحاضر وقد يكون للغائب، أما اسم الإشارة فالأصل فيه أنه للحاضر فلهذا كان أعرف من الاسم الموصول. تقول مثلاً: أكرم الذي يكرمني، (الذي) هذه معرفه، وصارت معرفة بواسطة الصلة، فهو معين لمسماه بواسطة وهي الصلة (الرابط). خامساً: المعرف بأل، ومرتبته دون ما سبق؛ لأن ما دل تعريفه عليه لم يكن أصلاً في مدلوله، بخلاف الاسم الموصول فإنه لا يمكن أن يصح بدون صلته، والمحلى بأل يصح بدون أل، فلهذا كان أقل رتبة من الاسم الموصول. سادساً: المضاف إلى معرفة، وهو بمنزلة ما أضيف إليه، إلا المضاف إلى الضمير فقالوا إنه كالعَلم فإذا قلت: (هذا كتابي) كان الكتاب معرفة؛ لأنه مضاف إلى ضمير، وكل ما أضيف إلى المعرفة فهو معرفة. مثال: (هذا قلم هذا). قلم: معرفة، لأنه أضيف إلى اسم الإشارة. هذا غلام الذي في السوق. غلام: معرفة، لأنه أضيف إلى اسم موصول. لكن إذا قلت: (هذا غلام) فغلام نكرة. (هذا كتاب الطالب). كتاب: معرفة؛ لأنه أضيف إلى محلى بأل.

الكلام على الضمائر

الكلام على الضمائر

تعريف الضمير

تعريف الضمير ثم شرع المؤلف رحمه الله ببيان تعريف كل من هذه الأقسام الستة، فقال في تعريف الضمير: [فما لذي غيبة او حضور كأنت وهو سم بالضمير] أي: ما دل على غيبة أو حضور كدلالة (أنت وهو) سمي بالضمير. لو قال: (فما لذي غيبه او حضور) ولم يقيده بالمثال لكان التعريف غير مانع، لأنه لو قال: (ما دل على غيبة أو حضور) وأطلق لكانت كلمة (غائب) ضميراً، وكذلك كلمة (حاضر). فقوله: (كأنت وهو) ليست مجرد مثال، بل هي مثال مقيد للتعريف، يعني: (ما دل على غيبة أو حضور كدلالة أنت وهو، وليس كل لفظ دل على حضور فهو ضمير، ولو كان كل لفظ دل على حضور فهو ضمير لكانت كلمة (حاضر) ضميراً وكلمة (غائب) ضميراً. فالضمير (أنت) للمخاطب، والضمير (هو) للغائب. وقوله: (حضور) يشمل المتكلم والمخاطب. ومثل بأنت ولم يمثل بأنا الدال على المتكلم، لأنه أولى من المخاطب. وهذا التعريف تعريف ذاتي، حده وبعضهم بتعريف آخر فقال: ما كُنِيَ به عن الظاهر اختصاراً. قالوا: فإذا قلت: (أنا قائم) فأنا كناية عن محمد بن صالح بن عثيمين فجملة (أنا قائم) تغني عن قولي: محمد بن صالح بن عثيمين قائم، فكنيَ به عن الظاهر اختصاراً. وإذا كنت أخاطب مثلاً: عبد الله بن عمر وهو أمامي، فإذا قلت (أنت فاهم) كنيت بأنت عن الظاهر وهو عبد الله بن عمر اختصاراً. ومع كونه يدل على الظاهر اختصاراً فهو أدل على المقصود من الاسم الظاهر، فلو قلت للذي أمامي: عبد الله بن عمر قائم، لكان يحتمل أن يكون حاضراً وأن يكون غائباً، لكن قولي: أنت قائم، لا يحتمل أن يكون غائباً. فصار لدينا تعريفان للضمير: الأول ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله بأنه ما دل على الغيبة أو الحضور كدلالة أنت وهو. والثاني: ما كنيَ به عن الظاهر اختصاراً. وهذا وإن كان أقصر من تعريف المؤلف لكنه ليس فيه تبيين واضح، وقد لزم منه الدور، لأن (ما كنيَ به عن الظاهر) هو الضمير، فيكون قد عرف الضمير بالضمير، وهو نوع من الدور. على كل حال ابن آجروم رحمه الله ما عرف لا بهذا ولا بهذا، وإنما سرد الضمائر فقال: الضمائر هي كذا وكذا وكذا. فعددها بأعيانها دون حدودها. قوله: (كأنت وهو سم بالضمير). سم: فعل أمر. والضمير مأخوذ من الإضمار. ويعجبني أنني كنت ذات مرة في المعهد العلمي مدرساً، وكنا نختبر الطلبة قبل أن يدخلوا في المعهد في القواعد وبعض المسائل من الفقه والتوحيد، فاختبرت طالباً فقلت له: (زيد قام) أين فاعل قام؟ ففكر قليلاً ثم قال: فاعل قام خفي. فأتى بالمعنى لأن (خفي) بمعنى مستتر. وكان الطالب ذكياً فعرفت أنه جاء بها من عنده؛ لكنه أصاب في المعنى، فأعطيته درجة كاملة. قوله: (ما لذي غيبة): ما: اسم موصول بمعنى الذي، مبتدأ. لذي غيبة: شبه جملة صلة الموصول. وسم: الجملة في محل رفع خبر (ما). والمعنى: الذي لغيبة أو حضور سمه بالضمير. بالضمير: الباء هنا لا نقول إنها زائدة بل نقول إنها أصلية؛ لأن (سمى) يتعدى بنفسه كقوله تعالى {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} [آل عمران:36]، ولم يقل: سميتها بمريم، ويصح أن تتعدى بالباء فتقول سميت ابني بعبد الله.

الضمائر المتصلة

الضمائر المتصلة ثم بين المؤلف أن الضمير ينقسم إلى أقسام من عدة أوجه: أولاً: من حيث الاتصال والانفصال، فينقسم الضمير إلى قسمين: متصل ومنفصل. فالمتصل ما لا ينطق به منفصلاً مثل التاء من (ضربته) فلا يمكن أن تنطق بالتاء وحدها فتقول: تُ، ولا الكاف من (أكرمك). فكل ما لا ينطق به منفرداً من الضمائر فهو ضمير متصل، وما صح أن ينطق به منفرداً فهو منفصل هذا هو الضابط. وقد ضبطه المؤلف بما يقرب من هذا المعنى فقال: [وذو اتصال منه ما لا يبتدا]. هذا هو معنى قولنا: ما لا يصح أن ينطق به منفرداً فهو متصل. ذو: مبتدأ. اتصال: مضاف إليه. منه: جار ومجرور. ما: اسم موصول خبر المبتدأ، يعني أن الضمير المتصل هو الذي لا يصح الابتداء به، وسيمثل لذلك أيضاً. قال: [ولا يلي إلا اختياراً أبداً]. يعني: ولا يأتي بعد (إلا) في حال الاختبار. والمراد بحال الاختيار: الكلام المنثور، وعكسه الاضطرار وهو الشعر، فإن المتصل قد يلي إلا في حال الضرورة الشعرية. إذا عرفنا ضابط المتصل بأنه ما لا يبتدأ به ولا يلي إلا في الاختيار، عرفنا أن المنفصل هو ما يصح الابتداء به، وما يلي إلا في الاختيار، لأن الأشياء تتبين بضدها. قال: [كالياء والكاف من ابني أكرمك والياء والها من سليه ما ملك] الياء من ابني: ضمير متصل؛ لأنه لا يصلح الابتداء به، ولا يلي إلا في الاختيار. والياء التي في ابني هي ياء المتكلم، إذاً: ياء المتكلم حيثما جاءت -منصوبة أو مجرورة- فإنها من الضمائر المتصلة. والكاف من أكرمك: هي كاف المخاطب، وهي في هذا المثال منصوبة. فكاف المخاطب حيثما جاءت فهي من الضمائر المتصلة، سواء جاءت منصوبة كما في المثال الذي ذكره المؤلف، أو جاءت مجرورة كما في قولك: مر بك غلامك، فإن الكاف هنا في محل جر، الأول بالحرف والثاني بالإضافة. والكاف هنا لا فرق بين أن تكون للواحد كأكرمك، أو للاثنين كأكرمكما، أو لجماعة الذكور كأكرمكم، أو لجماعة الإناث كأكرمكن، فالكاف حيثما جاءت فهي ضمير متصل، والضمير فيها هو الكاف فقط، وما بعدها فهو علامة تثنية أو جمع ذكور أو جمع إناث. قوله: (والياء والها) يعني: وكالياء والهاء (من سليه ما ملك). الياء والهاء هنا ضميران لكن الياء في سليه غير الياء في ابني، فهي ابني ضمير متكلم، وفي سلي ضمير مخاطبة، فالياء الذي هو ضمير مخاطبة من الضمائر المتصلة، وهو في محل رفع، لأن ياء المخاطبة لا يمكن أن تأتي إلا مرفوعة. والهاء في سليه في محل نصب مفعول به. فاستفدنا أن ضمير المخاطبة يكون متصلاً، وأن هاء الغائب يكون متصلاً. و (ما) في قوله (ما ملك) هي المفعول الثاني. مثل المؤلف الآن بأربعة أمثلة: الأول: ياء المتكلم، والثاني: كاف المخاطب، والثالث: هاء الغائب، والرابع: ياء المخاطبة. ياء المتكلم تكون منصوبة وتكون مجرورة، مثالها مجرورة: ابني، ومثالها منصوبة: أكرمني. كاف المخاطب تكون منصوبة مثل: أكرمك، وتكون مجرورة مثل: مر بك، وكتابك، الأولى مجرورة بالحرف، والثانية مجرورة بالإضافة، وتكون للمفرد كأكرمكَ، وللمفردة كأكرمكِ، وللمثنى كأكرمكما، ولجماعة الذكور كأكرمكم، ولجماعة الإناث كأكرمكن. الهاء تكون منصوبة وتكون مجرورة، مثالها منصوبة: سليه، ومثالها مجرورة: مر به، أو كتابه، وتكون للمفرد المذكر: مر به، وتكون للمفردة المؤنثة: مر بها، وتكون للمثنى مثل: مر بهما، ولجماعة الذكور: مر بهم، ولجماعة الإناث: مر بهن. ياء المخاطبة لا تكون إلا مرفوعة: تقولين، أكرميه، سليه. وقول المؤلف: (ولا يلي إلا اختياراً) أفادنا أنه قد يلي (إلا) في حالة الضرورة، مثل قول الشاعر: أعوذ برب العرش من فئة بغت علي فما لي عوض إلاه ناصر هنا الهاء ضمير متصل، جاءت بعد إلا للضرورة. والضرورة الموجودة عن العرب يسلم بها، لأننا لا نستطيع أن نخضع العرب لقواعد النحو، لكن لو أردنا أن ننشئ شعراً من عندنا، فهل لنا أن نسلك هذا المسلك؟ A نعم، لنا أن نسلك؛ لأنه ليس أهل الجاهلية أولى منا، وإن كانوا هم أعرب منا، وهم أهل العروبة، لكن نقول: الذي أجازه لهم لعله يسمح لنا، ولكن لو جاءنا رجل بنظم كله ضرورة فلا نأخذ به.

اتحاد ضمائر الجر والنصب المتصلة

اتحاد ضمائر الجر والنصب المتصلة قال المؤلف رحمه الله: [وكل مضمر له البناء يجب]. هذا الشطر أتى به المؤلف توطئة لما بعده، لأن حكمه معروف من الباب الذي سبق، في قوله: [والاسم منه معرب ومبني لشبه من الحروف مدني] على كل حال الضمائر كلها مبنية، وهذه تريح طالب العلم الضعيف في النحو؛ لأنه ينسق الضمير ويجعل بنيته واحدة سواء كان مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً. ثم منها ما يبنى على الضم، مثل نحن، ومنها ما يبنى على السكون مثل أنا، ومنها ما يبنى على الفتح مثل قمتَ، ومنها ما يبنى على الكسر مثل قمتِ للمرأة. قال رحمه الله: [ولفظ ما جر كلفظ ما نصب]. معناه أن الضمير إذا كان يصلح للجر وللنصب، فإن اللفظ فيه واحد. ياء المتكلم تصلح للنصب وللجر فتقول: أكرمني وتقول: مر بي. وفي الهاء تقول: أكرمه، مبنية على الضم، وتقول: مر به، مبنية على الكسرة، إذاً خرمت القاعدة، لوجود الكسرة قبلها. فالقاعدة يستثنى منها مالم يوجد ما يوجب المخالفة، فإن وجد ما يوجب المخالفة فإنه يتبع. ثم قال رحمه الله: [للرفع والنصب وجر نا صلح كاعرف بنا فإننا نلنا المنح] نا: ضمير متصل، يصلح للرفع والنصب والجر بلفظ واحد لا يتغير. كاعرف بنا: هذا الجر. فإننا: النصب. نلنا: الرفع. وتقول: قلنا: هذا ضمير مرفوع، وتقول: أكرمَنا، ضمير منصوب، وتقول: مر بنا، ضمير مجرور. إذاً (نا) ضمير متصل صالح للرفع والنصب والجر.

مجيء الألف والواو والنون للغائب وغيره

مجيء الألف والواو والنون للغائب وغيره قال رحمه الله: [وألف والواو والنون لما غاب وغيره كقاما واعلما] الألف من ضمائر الرفع المتصلة. يقول: إن الألف والواو والنون تصلح للغائب وغيره. فالألف ضمير يكون للرفع خاصة، لكنها تكون للغائب وللمخاطب، فتقول: قاما، وتقول: قوما؛ الأول للغائب، والثاني للمخاطب، والمخاطب حاضر، فتكون للغائب والحاضر، ومن جهة الإعراب تكون للرفع فقط. والواو من جهة الإعراب للرفع فقط، وتكون للغائب والمخاطب، قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة:238]، فهي للمخاطبين. وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ} [الصافات:35]، وهذه للغائب. والنون تكون للرفع فقط، وللنسوة، تقول: النساء يقمن، وتكون للمخاطب وللغائب، فتقول في الغائب: النساء يقمن، وتخاطب النساء فتقول: قمن. فالألف والواو والنون بالنسبة للإعراب لا تكون إلا على وجه واحد وهو الرفع، وبالنسبة للحضور والغيبة تكون للحاضر والغائب. ثم مثل المؤلف فقال: (كقاما واعلما). والخلاصة في الياء أنها تكون للمخاطبة مرفوعة: تقومين، وتكون للمتكلم منصوبة ومجرورة ولا تكون مرفوعة، وأيضاً الياء في أكرمني غير الياء في تقومين، لأن الياء في تقومين مرفوعة وفي أكرمني منصوبة.

الضمائر التي تستتر وجوبا

الضمائر التي تستتر وجوباً قال المؤلف رحمه الله: [ومن ضمير الرفع ما يستتر كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر قوله: (ومن ضمير الرفع ما يستتر): من: للتبعيض، والجار والمجرور خبر مقدم. وما: مبتدأ مؤخر. والاستتار الاختفاء. وقوله: (ومن ضمير الرفع إلى آخره)، يدل على أن المراد بكلام المؤلف ما يستتر وجوباً؛ لأن من المستتر ما يستتر تارة وجوباً وتارة جوازاً، مثاله: افعل: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. وهنا إشكال في قوله: (كافعل)، كيف دخلت الكاف وهي من حروف الجر على الفعل، ونحن نقول: كل كلمة دخل عليها حرف الجر فهي اسم؛ لأن المراد بها لفظها، كأنه قال: كهذا اللفظ، أو أن الكاف داخلة على مقدر تقديره: كقولك افعل. أوافق: فعل مضارع مجزوم على أنه جواب فعل الأمر، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنا. وهذا هو الصحيح. وقيل: أوافق: مجزوم لأنه جواب لشرط مقدر تقديره: إن تفعل أوافق، ولكن الصحيح أنه لا داعي لهذا التقدير، لأن التقدير يطيل الكلام. نغتبط: هذا جواب آخر للأمر، وهو فعل مضارع مجزوم، وفاعله مستتر وجوباً تقديره نحن. إذ تَشْكُر أو تُشْكَر: يجوز الوجهان، والمراد به المخاطب، فهو فعل مضارع مرفوع بضمة ظاهرة، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. فإن قيل: لماذا كرر الضمير الذي تقديره أنت في قوله: (افعل) وفي قوله: (تشكر)؟ قلنا: كرره ليشمل ما كان فعل أمر وما كان فعلاً مضارعاً، مع أن (تشكر) أحياناً يكون ضميره مستتراً جوازاً، كما إذا كان يتحدث عن امرأة، فيقول: المرأة تشكر الله، فهنا نقول: تشكر فيه ضمير مستتر جوازاً تقديره هي. ما هو الضابط للمستتر وجوباً والمستتر جوازاً؟ هناك ضابط يسير: وهو أن ما كان تقديره أنا أو نحن أو أنت، فهو مستتر وجوباً، وما كان تقديره هو أو هي فهو مستتر جوازاً. إلا أن الأخير يستثنى منه بعض الضمائر التي تقدر بهو أو هي ويكون مستتراً وجوباً، كأفعال التفضيل مثل: ما أحسن زيداً! يقولون: إن تقدير الجملة: شيء عظيم أحسن زيداً، فأحسن فيه ضمير مستتر يعود على (ما) والتقدير: (هو) لكنه مستتر وجوباً، قالوا: لأن مثل هذا التركيب يجري مجرى المثل، والأمثال في لغة العرب تبقى على ما هي عليه ولا تتغير، حتى إنك تقول لرجل فوت الفرصة ثم أراد استدراكها: الصيف ضيعتِ اللبن! إذا ً نقول: ما كان تقديره أنا أو نحن أو أنت، فهو مستتر وجوباً، وما كان تقديره هو أو هي فهو مستتر جوازاً. أما على رأي آخرين من العلماء فيقولون: ما صح أن يحل محله الظاهر فهو مستتر جوازاً، وما لا فمستتر وجوباً. فمثلاً: فاعل (اسكن) لا يحل محله الظاهر، فلا تقول: اسكن زيد. على أن زيداً فاعل. فإن قال قائل: فقول الله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:35] قلنا: أنت هنا ليست هي الفاعل، بل هي ضمير فصل، والفاعل مستتر وجوباً في اسكن.

ضمائر الرفع المنفصلة

ضمائر الرفع المنفصلة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذو ارتفاع وانفصال أنا هو وأنت والفروع لا تشتبه] يجوز أن نقول: ذو: خبر مقدم، و (أنا هو وأنت) مبتدأ مؤخر، ويجوز العكس. ذكر المؤلف رحمه الله في هذا البيت ضمير الرفع المنفصل، فقال: (وذو ارتفاع وانفصال أنا)، للمتكلم، (هو) للغائب (أنت) للمخاطب، وهي ضمائر منفصلة بارزة. (والفروع لا تشتبه) يعني: أنها واضحة: ففرع أنا: نحن. وأنت فروعها أربعة: أنتِ أنتما أنتم أنتن. وهو فروعها أربعة أيضاً: هي هما هم هن. فتكون ضمائر الرفع المنفصلة اثني عشر ضميراً، أنا ونحن، وأنت وأنتِ وأنتما وأنتم وأنتن، وهو وهي وهما وهن وهم. وهذه الضمائر التي للرفع تستعار أحياناً للجر، فتدخل عليها الكاف وتكون في محل جر، فتقول: أنا كأنت. أنت: في محل جر، لكن على سبيل الاستعارة لا على سبيل الأصالة. وكذلك ربما تستعار ضمائر الرفع المنفصلة للنصب، فتقول: ضربت زيداً وهي، بدلاً من وإياها. لكن استعارتها للجر كثيرة واستعارتها للنصب قليلة، والأصل فيها أنها ضمائر للرفع.

ضمائر النصب المنفصلة

ضمائر النصب المنفصلة [وذو انتصاب في انفصال جعلا إياي والتفريع ليس مشكلا] ذو: مبتدأ. وهنا يتعين أن تكون مبتدأ، ولا يصح أن تكون خبراً مقدماً؛ لأن الخبر هنا جملة، وهي قوله: (جعلا إياي)، وقوله: جعلا بالألف، وهي للإطلاق. وإياي: قصد لفظه نائب فاعل. لكن كيف نقول: إياي نائب فاعل وهي ضمير نصب؟ نقول: المراد بذلك لفظها، أي: جعل هذا اللفظ. وهنا يرد Q لماذا قال في هذه الضمائر: (وذو انتصاب في انفصال)، وقال قبله: (وذو ارتفاع وانفصال)، مع أنه لو قال هنا: وذو انتصاب وانفصال، لاستقام البيت؟ لم يتبين لي سبب إلا اختلاف التعبير فقط، وقد يقال: إن هناك فرقاً، وهو أن الضمير في إياي وما تفرع منه هو كلمة (إيا) فقط، وأما ضمائر الرفع فالكلمة كلها ضمير. لكن في النفس من هذا شيء، لأن ضمائر الرفع المنفصلة يقولون فيها: إن الضمير هو (أن) فقط، والتاء حرف خطاب، أما هو وهي فكلها ضمير، فالظاهر لي والله أعلم أن هذا لمجرد تغيير العبارة. إذاً: ضمائر النصب المنفصلة إياي وفروعها. يقول: (والتفريع ليس مشكلا) إياي يتفرع منها: إيانا، إياكَ، إياكِ، إياكما، إياكم، إياكن، إياه، إياها، إياهما، إياهم، إياهن، فالجميع اثنا عشر ضميراً. قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، وقال تعالى: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:56]، وقال تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24].

شرح ألفية ابن مالك [10]

شرح ألفية ابن مالك [10] إذا أمكن الإتيان بالضمير المتصل لم يجز الإتيان بالمنفصل إلا في ضرورة الشعر، وقد يجوز الإتيان بالمنفصل مع إمكان المتصل في باب (سأل)، والخلاف قائم في كان وأخواتها وخال وأخواتها، وإذا اجتمعت الضمائر فلها أحكام من حيث الوصل والفصل، وكذلك إذا اتصلت ياء المتكلم بالحرف أو الفعل فهل تجب نون الوقاية.

تابع الكلام على الضمائر

تابع الكلام على الضمائر

امتناع مجيء الضمير المنفصل إذا أمكن الإتيان بالمتصل

امتناع مجيء الضمير المنفصل إذا أمكن الإتيان بالمتصل انتقل المؤلف إلى حكم التبادل بين الضمائر المتصلة والضمائر المنفصلة، وهل يحل أحدها محل الآخر أو لا في قوله: [وفي اختيار لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل] في اختيار: جار ومجرور متعلق بقوله: يجيء، يعني: ولا يجيء الضمير المنفصل في الاختيار إذا أمكن أن يجيء المتصل. فقوله في (اختيار): ضده الاضطرار، والاضطرار هو ضرورة الشعر، وعلى هذا يكون معنى قوله: (وفي اختيار) أي في حال النثر لا يجيء المنفصل إذا أمكن أن يجيء المتصل: أولاً: لأن المتصل أخصر. وثانياً: لأنه أبين في المعنى، فإذا قلت: ضربتك، فهو أبين من قولك: ضربت إياك؛ لأنه أخص، والأخص أدل على المقصود من الأعم. فلا يجوز أن أقول: أكرمت إياك؛ لأنه يمكن أن نأتي بالمتصل، وإذا أمكن أن نأتي بالمتصل وجب. وفهم من كلامه أنه إذا لم يمكن أن نأتي بالمتصل أتينا بالمنفصل، وهذا يرجع إلى قواعد النحو. فمثلاً: في الابتداء لا يمكن أن نأتي بالمتصل؛ لأن الضمير المتصل لا يأتي إلا بعد عامل. ومثاله قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5]. ومن قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة! فإذا قال القائل: يمكن أن نأتي بالمتصل فنقول: أعنيك، ويستقيم الكلام! نقول: هذا صحيح، لكن إذا أتينا بالمتصل على هذه الصيغة فاتنا المقصود بالتقديم وهو الحصر. ولو قلت: نبعدك يا ربنا، استقام الكلام، لكن يفوت ما أراده المتكلم وهو الحصر. إذاً: ليس معنى الضرورة أنه لا يمكن النطق إلا كذلك، وإنما هي التي إذا ارتكبناها فات مقصود المتكلم، وليست كضرورة أكل الميتة. فنقدم مقصود المتكلم ونرتكب الانفصال محل الاتصال، ومن ذلك قوله تعالى: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} [الممتحنة:1]، إياكم: ضمير منفصل، ولو كان في غير القرآن لقلنا: يخرجونكم والرسول، واستقام الكلام، لكن قال: (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من أجل تقديم الرسول؛ لأن إخراج الرسول أعظم منكراً من إخراجهم، فبدأ بالأعظم نكارة. لو قال القائل: لماذا لا يقال: يخرجون الرسول وكم؟ قلنا: الضمير المتصل لا بد أن يتصل بعامله، وهنا واو عطف، والعطف يقتضي انفصال المعطوف عن المعطوف عليه، ولا يمكن أن يلي الضمير المتصل حرفاً من حروف العطف؛ لأن حرف العطف يقتضي الفصل. خلاصة البيت: متى أمكن أن يؤتى بضمير المتصل فإنه لا يجوز أن يؤتى بالضمير المنفصل.

حالات جواز مجيء الضمير المنفصل مع إمكان مجيء المتصل

حالات جواز مجيء الضمير المنفصل مع إمكان مجيء المتصل ثم استثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل، فقال: [وصل أو افصل هاء سلنيه وما أشبهه في كنته الخلف انتمى كذلك خلتنيه واتصالا أختار غيري اختار الانفصالا] (أو) في قوله: (صل أو افصل) للتخيير، يعني: يجوز الوصل والفصل في الهاء من سلنيه، وما أشبه الهاء في سلنيه. ولنعد إلى (سلنيه) حتى نعرف ما أشبهها: سلني بمعنى: اسألني عطاءً، وليس المعنى سلني عن خبر، بل السؤال هنا من سؤال العطية، وفعلها الماضي سأل، فإذا قلت: سألنيه، يجوز في الهاء الوصل والفصل؛ لأنه قال: (صل أو افصل هاء سلنيه وما أشبهه)، فتقول: سلنيه، وتقول: سلني إياه، ويجوز أن أقول: سألنيه، ويجوز أن أقول: سألني إياه. والذي يشبه سلنيه: كل فعل ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر. تقول: الثوب كسانيه، الثوب كساني إياه؛ لأن (كسا) من باب سأل، تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر. وتقول: الدرهم أعطانيه، الدرهم أعطاني إياه. والوصل أفضل، وأخذنا هذا من وجهين: الوجه الأول لفظي: وهو أن المؤلف قدم (صل) على (افصل) والتقديم يشعر بأنه أولى. والثاني معنوي: وهو أن الأصل هو الاتصال. وقوله: (في كنته الخلف انتمى كذاك خلتنيه). انتمى: أي انتسب للنحويين. والخلف: هو الخلاف. في كنته: يعني في كان وأخواتها. كذاك خلتنيه: أي خال وأخواتها. فكان ترفع الاسم وتنصب الخبر، واسم كان الضمير (التاء) مبنياً على الضم في محل رفع، والهاء في محل نصب خبر. الخلف: مبتدأ. انتمى: الجملة خبر الخلف. يقول: (كذاك خلتنيه): كذاك: الجار والمجرور خبر مقدم. وخلتنيه: مبتدأ مؤخر، وهي جملة مكونة من فعل وفاعل ومفعوليه؛ لكن المراد اللفظ ولهذا قال المعربون للألفية: إن مقول القول في قول ابن مالك (قال محمد هو ابن مالك) كل الألفية كما تقدم. واتصالا: مفعول به مقدم لـ (أختار). ورجح الاتصال لأنه الأصل ولأنه أخصر، فاختياره وجيه، لكنه قال: (غيري اختار الانفصالا). وغيره هم كل الناس، لكن هذا عموم يقصد به الخصوص، قالوا: إنه يريد سيبويه، ويجوز أن يراد بالعام فرد من أفراده، وفي القرآن: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران:173]، والمقصود بالناس أبو سفيان بن حرب فعلى رأي ابن مالك تقول: المجتهد كنته. وعلى رأي سيبويه تقول: المجتهد كنت إياه. وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام لما استأذنه عمر في قتل ابن صياد قال: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله)، وابن مالك تابع لهذا الحديث.

حكم تقديم الأخص من الضمائر على غيره

حكم تقديم الأخص من الضمائر على غيره يقول رحمه الله: [وقدم الأخص في اتصال وقدمن ما شئت في انفصال] عرفنا الضمير المتصل والضمير المنفصل، فإذا اجتمع ضميران فأيهما يقدم؟ يقول المؤلف: في حال الاتصال قدم الأخص، وفي حال الانفصال قدم ما شئت. وحينئذ نحتاج إلى معرفة الأخص من غير الأخص: فأخص الضمائر ضمير المتكلم، لأنه لا يحتمل غيره، ومن بعده ضمير المخاطب؛ لأن المخاطب قد يكون واحداً وقد يكون متعدداً فهو أوسع من ضمير المتكلم، ثم ضمير الغائب. فإذا اجتمعت ضمائر من جنس واحد -في رتبة واحدة- فإنه سيأتينا كلام المؤلف عليها، لكن إذا كانت مختلفة الرتب فإنه يجب أن نقدم الأخص في الاتصال. مثال ذلك: إذا قلت: الدرهم أعطيتنيه ففيها ضميران كلاهما مفعول وهما الياء والهاء، فلا يجوز أن تقول: أعطيتهوي لأن ياء المتكلم أخص من ضمير الغائب. فيجب أن تقدم الأخص في الاتصال ووجه الوجوب أن قولك: أعطيتهوي كلام ثقيل، وأعطيتنيه كلام خفيف، وكلما كان الكلام أخف على اللسان فهو أولى. وكذلك: أعطيتكه؛ فالكاف ضمير المخاطب وهو أخص من الهاء التي هي ضمير الغائب، فيجب أن تقول: أعطيتكه، ولا يجوز أن تقول: أعطيتهوك؛ لأنك لو قلت: أعطيتهوك، لقدمت غير الأخص على الأخص في حال الاتصال. أما في حال الانفصال فيقول: (وقدمن ما شئت في انفصال): أي: إذا كان الضمير منفصلاً فقدم الأخص أو غير الأخص، فأعطيتنيه إذا فصلت الضمير الأخص، وقلت: (أعطيته إياي) جاز، لأن الأخص كان ضميراً منفصلاً فيخف على اللسان، ولا شك أن قولك: أعطيته إياي خفيفة على اللسان.

وجوب الفصل عند اتحاد الرتبة

وجوب الفصل عند اتحاد الرتبة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا وقد يبيح الغيب فيه وصلا] يعني إذا كان الضميران في رتبة واحدة فإنه يجب الفصل لئلا يجتمع ضميران متصلان في كلمة واحدة، مثال ذلك: إذا قال العبد لسيده: ملكتني إياي، كلاهما ضمير المتكلم فيجب أن يفصل ويقول: ملكتني إياي، فلو قال: ملكتنيي، قلنا: هذا ممنوع، حتى لا يجتمع ضميران متصلان مع اتحاد الرتبة. وكذلك أيضاً لو كانا لمخاطب، مثل أن يقول السيد لعبده: ملكتك إياك، أي ملكتك نفسك، فهنا لا يجوز أن يقول: ملكتكك؛ لأنه ثقيل. وكذلك في الغائب، مثل: أعطيته إياه، ولا يجوز أن نقول: أعطيتهوه إلا على قوله: (وقد يبيح الغيب فيه وصلا) يعني قد يجتمع ضميران للغائب في رتبة واحدة ويكونان متصلين. وخلاصة كلام المؤلف أنه إذا اجتمع ضميران متصلان في رتبتين مختلفتين فيجب تقديم الأخص، وإن كانا منفصلين جاز تأخير الأخص، وإذا كانا في رتبة واحدة وجب الفصل، ولم يجز الاتصال، إلا إذا كانا للغائب فقد يبيح الغيب فيه وصلا، فيقول أعطيته إياه وأعطيتهوه.

الكلام على نون الوقاية مع ياء المتكلم

الكلام على نون الوقاية مع ياء المتكلم

وجوب نون الوقاية في الأفعال إذا اتصل بها ياء المتكلم

وجوب نون الوقاية في الأفعال إذا اتصل بها ياء المتكلم ثم قال المؤلف: [وقبل يا النفس مع الفعل التزم نون وقاية وليسي قد نظم]. انتقل المؤلف رحمه الله إلى حكم اتصال الضمير بالفعل فقال: (وقبل يا النفس مع الفعل التزم نون وقاية) أي: التزم من قِبَلِ أهل اللغة العربية أنه إذا جاء ضمير المتكلم -وهو الياء- متصلاً بالفعل، فإنه يجب أن تقترن به نون الوقاية، مثال ذلك: أكرمني، ولا يجوز أن تقول: أكرمي. وقول المؤلف: (مع الفعل) يشمل الماضي كما مثلنا، والمضارع كما لو قلت: فلان يكرمني، والأمر كما لو قلت: أكرمني، فيتعين الإتيان بنون الوقاية. وسميت نون الوقاية لأنها تقي الفعل الكسر، لأن ياء المتكلم يكون ما قبلها مكسوراً، والفعل لا يكسر، فيؤتى بنون الوقاية ليكون الكسر في النون فتقول: أكرمني، لأنك لو نطقت الفعل بدون نون لكانت العبارة: أكرمي، يكرمي، أكرمي، وهذا لا يصح في الأفعال.

جواز مجيء (ليسي) في الشعر

جواز مجيء (ليسي) في الشعر قال: [وليسي قد نظم]. يعني أن (ليس) فعل من الأفعال، لكنها من الأفعال الجامدة، والجامدة عندهم هي التي لا تتصرف، مأخوذة من الجمود وهو الركود وعدم الانسياب، والمائع هو الذي ينساب ولا يركد. فـ (ليس) فعل جامد لا يتصرف، فليس لها فعل مضارع ولا فعل أمر، ولكنها من الأفعال، فإذا اتصل بها ياء المتكلم، فهل يجب أن تقترن بها نون الوقاية؟ نقول: كلام المؤلف يدل على وجوب ذلك، لكنها قد جاءت في النظم غير مقرونة بنون الوقاية، ولهذا قال: (وليسي قد نظم)، يعني: جاء في الشعر (ليسي) بدون النون، وهو قول الشاعر: عددت قومي كعديد الطيس إذ ذهب القوم الكرام ليسي ولم يقل: ليسني أو ليس إياي، بل قال: ليسي، فأتى بالضمير المتصل بدون نون الوقاية، لكن هذا لضرورة الشعر، والشعر يجوز فيه ما لا يجوز في النثر، لأنه يجبر الشاعر على أن يرتكب ما لا يجوز من أجل الوزن، وأنشدتكم سابقاً قول صاحب الملحة: وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف فالشعر صلف يجبر صاحبه على أن يرتكب ما لا يجوز في النثر.

حكم نون الوقاية مع الحروف

حكم نون الوقاية مع الحروف قال المؤلف رحمه الله: [وليتني فشا وليتي ندرا]. انتقل المؤلف إلى نون الوقاية في الحروف، أي: هل تقترن نون الوقاية في الحروف إذا اتصلت بياء المتكلم؟ A من الحروف ما يقترن بنون الوقاية ومنها ما لا يقترن، فمثل: إلى، تقول: إلي، ولا تقول: إليني، على؛ تقول: عليَّ، ولا تقول: عليني. وبعض الحروف تدخلها نون الوقاية، ولهذا قال المؤلف: (وليتني فشا)، فـ (ليت) هنا حرف دخلت عليها نون الوقاية بكثرة، قال الله تعالى في القرآن: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء:73]. وقوله: (وليتي ندرا) يعني أنه يندر حذف نون الوقاية من ليت، ومعنى يندر: يَقِلّ، فتقول: ليتي قائم، بدل: ليتني قائم، وهل يُغلَّط من جاء بذلك وقال: ليتي قائم؟ الجواب: لا يغلط، لكن يقال: الأكثر ليتني وهو الأفصح أيضاً. قال: (ومع لعل اعكس)، يعني ونون الوقاية مع لعل على العكس من ليت، فيكون الفاشي فيها حذف النون، والقليل إثبات النون. قال الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100]، وقال عن فرعون: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر:36 - 37]، ولم يقل: لعلني، ومع ذلك لو قال قائل: لعلني قائم أو لعلني فاهم لم ينكر عليه، لأنه جائز لغة لكنه قليل. (وكن مخيراً في الباقيات): كن مخيراً بين النون وعدمها في الباقيات من إن وأخواتها؛ فيجوز فيها على السواء إثبات النون وحذفها، فتقول: إني وإنني، قال الله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} [طه:14]، فأثبت النون. وقال عن نوح إنه قال لقومه: {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [هود:25]، وكذلك تقول: لكنني ولكني على السواء، وليس من ذلك قوله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف:38] لأن أصلها: لكن أنا هو الله ربي، ولهذا كتبت بالألف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واضطراراً خففا مني وعني بعض من قد سلفا] اضطراراً: مفعول لأجله. مني وعني: مفعول خفف باعتبار اللفظ، وإلا فالأصل أن العامل لا يتسلط على الحرف. والمعنى: خفف هذا اللفظ (مني وعني) بعض من قد مضى من العرب في حال الضرورة وهي الشعر، لأنه يضطر الإنسان إلى شيء لا يريده، ومن ذلك قول الشاعر: أيها السائل عنهم وعني لست من قيس ولا قيس مني لو قال: أيها السائل عنهم وعنيَّ، لست من قيس ولا قيس منيَّ، لاختل البيت. قال رحمه الله تعالى: [وفي لدنيََ لدني قلَّ] لدنيِّ أصله لدي، ويقال فيه: لدن، قال الله تعالى: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل:6]، فإذا اتصلت بها ياء المتكلم يقال: لدنيِّ بإثبات نون الوقاية ويقال: لدُنيِ، لكن هذا قليل، إلا أنه وارد عن العرب. قال: [وفي قدني وقطني الحذف أيضاً قد يفي]. قدني: أي حسبي. وقطني: أي حسبي. الحذف أيضاً قد يفي: أي قد يكون جائزاً.

شرح ألفية ابن مالك [11]

شرح ألفية ابن مالك [11] من أنواع المعارف العلم، وهو في الرتبة بعد الضمير، وينقسم إلى علم مرتجل وعلم منقول، وإلى مركب وغير مركب، والمركب أقسام، وكذلك منه علم شخصي وعلم جنسي.

العلم

العلم

تعريف العلم

تعريف العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [العلم]. العلم في المرتبة الثانية بعد الضمائر، إلا علماً على مسمى واحد، وهو الله عز وجل، فهذا أعرف المعارف بالاتفاق، فإذا قلت: الله ربي، الله ربنا، لا يمكن أن يتخيل الإنسان سوى الله عز وجل، فلهذا قالوا: إن العلم الذي هو اسم الله عز وجل هو أعرف المعارف؛ لكن علم غيره يأتي في المرتبة الثانية، ولهذا أتى به المؤلف رحمه الله بعد ذكر الضمير، فما هو العلم؟ الأصل في العلم: الشيء الظاهر البين كالجبال، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} [الشورى:32]، أي كالجبال، ولكنه هنا غير المعنى الذي جاءت به اللغة العربية، إلا أنه يوافقه في أصل الاشتقاق والمعنى، فقال المؤلف: [اسم يعين المسمى مطلقا علمه]. يعني علم الاسم، فاسم: مبتدأ. يعين المسمى: صفته. علمه: خبر المبتدأ. فعلم الأسماء هو الاسم الذي يعين مسماه تعييناً مطلقاً، ومعنى قوله: (مطلقاً) أي بدون حاجة إلى واسطة. فخرج بذلك ما يعين مسماه بواسطة كاسم الإشارة مثلاً، فإنه يعين مسماه بواسطة الإشارة؛ لأن الأصل إذا قلت: هذا محمد، الأصل أني أشير إليه، ولهذا قيل: اسم إشارة. وخرج به الاسم الموصول؛ لأنه يعين مسماه بالصلة، لو قلت: (جاء الذي) لم يتعين المسمى، فإذا قلت مثلاً: جاء الذي قام، تعين بصلته. وخرج المضاف إلى المعرفة، فإنه يعين مدلوله بواسطة الإضافة. وخرج الضمير لأنه يعين مسماه بواسطة الغيبة أو الحضور. المهم أن الذي يعين مسماه مطلقاً هو العلم. قال: [كجعفر وخرنقا وقرن وعدن ولاحق وشذقم وهيلة وواشق]. أكثر المؤلف رحمه الله من الأمثلة، ولو أتى بمثال أو مثالين لكفى. قوله: (لجعفر): اسم رجل. قوله: (وخرنقا): اسم امرأة، لكنه غير مألوف عندنا ولا معروف، فإني ما سمعت بامرأة تسمى خرنقا. قوله: (وقرن): اسم قبيلة ينتسب إليها أويس القرني الذي أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام. (وعدن): اسم بلد معروف. (ولاحق): اسم فرس، كالعضباء والقصواء لناقتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (وشذقم): اسم جمل. (وهيلة): اسم شاة. (وواشق): اسم كلب. هذه كلها أمثلة مثل بها المؤلف لأشياء مألوفة، إما من بني آدم أو من الحيوانات، ولكن مع ذلك ربما توضع أعلام لأشياء غير مألوفة كما سيأتي في آخر الباب إن شاء الله تعالى.

أنواع العلم

أنواع العلم ثم قال: [واسماً أتى وكنيةً ولقبا]. اسماً: حال مقدمة، يعني: وأتى العلم اسماً. وكنية: معطوفة على (اسماً) يعني: وأتى كنية. ولقباً: معطوفة على (اسماً) أي: وأتى لقباً. فبين المؤلف في هذا الشطر من هذه الأرجوزة أن العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: - اسم. - وكنية. - ولقب. فالاسم: ما جعل علامة على المسمى بدون إشعار بمدح أو ذم، مثل: زيد، بكر، خالد، وغالب الأعلام أسماء. واللقب: ما جعل علماً مشعراً بمدح أو ذم، مثل: قفة، اسم رجل، فإنه اسم مشعر بذم. ويظهر لي أن القفة إناء توضع فيه الحاجات. زين العابدين: لقب لأنه أشعر بمدح، فما وضع علماً مشعراً بمدح أو ذم فهو لقب. الثالث كنية: وهي ما صدر بأب أو أم. وبعضهم قال: أو عم أو خال، مثل: أبي بكر، أبي هريرة، أم الفضل، لزوجة العباس بن عبد المطلب. وقد تكون الكنية كنيةً لقباً، إذا كني الشخص بما يدل على المدح، مثل: أبو الجود، فهو كنية باعتبار أنه صدر بأب، ولقب باعتبار أنه يشعر بمدح. ومن ذلك أبو لهب فهذا لا شك أنه يشعر بذم فيكون كنية من وجه، ولقباً من وجه آخر. وهل يمكن أن يجتمع الاسم واللقب؟ A لا، لأنه إذا اشعر بمدح أو ذم انتقل من الاسمية إلى اللقب.

الترتيب بين الاسم والكنية واللقب

الترتيب بين الاسم والكنية واللقب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأخرن ذا إن سواه صحبا]. أخرن ذا: المشار إليه أقرب مذكور وهو اللقب، يعني: إذا اجتمعت هذه الثلاثة يجب تأخير اللقب عن أخويه الاسم والكنية فتقول مثلاً: جاء محمد زين العابدين، ولا تقول: جاء زين العابدين محمد على كلام المؤلف لأنه قال: (وأخرن ذا) وهذا فعل أمر، والأمر هنا للوجوب وليس أمر استحباب، ولكنهم استثنوا من ذلك ما إذا كان الإنسان مشهوراً بلقبه، فإنه يجوز تقديم اللقب مثل: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ} [النساء:171]، فهنا قدم اللقب لأنه كان مشهوراً به. وإنما يجب تأخير اللقب عن الاسم؛ لأن اللقب بمنزلة الصفة، والصفة لا تكون إلا بعد معرفة الموصوف، وحينئذٍ يلزم تقديم الاسم لنأتي باللقب ليكون كالوصف له، ولهذا إذا كان المسمى مشهوراً باللقب يجوز تقديمه، ومن ذلك الإمام أحمد والإمام الشافعي وما أشبه ذلك، فإنا نقول: قال الإمام أحمد ولا نقول: قال أحمد الإمام، فالأول هو المألوف لأنه اشتهر بهذا اللقب فقدم؛ ولكن لو قال قائل: أفلا يمكن أن نجعل الإمام صفة؟ قلنا: بلى، لكن الإمام إذا أطلق عند أصحابه فالمراد به إمام المذهب، ولهذا في كتب الشافعية إذا قال: قال الإمام فهو الشافعي، وفي كتب الحنابلة أحمد، وفي كتب الأحناف أبو حنيفة، وفي كتب المالكية مالك. وظاهر قول المؤلف: (أخرن ذا إن سواه صحبا)، أنه يجب الترتيب بين الكنية واللقب، فتؤخر اللقب، فلا يجوز على كلام المؤلف: قال الصديق أبو بكر، بل يجب أن نقول: قال أبو بكر الصديق، ولكن في هذا نظر، والصحيح أنه لا ترتيب بين الكنية واللقب، لأن الكنية تشبه عطف البيان، فهي قريبة من معنى الصفة، فيجوز أن يتقدم اللقب ويجوز أن يتأخر، فقول المؤلف: (إن سواه صحبا) ليس على الإطلاق هكذا قال الشراح. فعلى ترتيب المؤلف نبدأ بالاسم ثم الكنية ثم اللقب فنقول: قال عبد الله أبو بكر الصديق؛ لكن الواقع أن أبا بكر رضي الله عنه قد اشتهر بـ الصديق، فبناءً على الاستثناء الذي ذكرنا يجوز أن نقول: قال الصديق أبو بكر عبد الله أو عبد الله أبو بكر؛ لأنه مشتهر به. ونقول: قال عمر بن الخطاب الفاروق، وإذا اشتهر به قلنا: قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا هو الذي عليه العمل.

حالات الاتباع والإضافة عند اجتماع الاسم واللقب

حالات الاتباع والإضافة عند اجتماع الاسم واللقب قال المؤلف: [وإن يكونا مفردين فأضف حتماً وإلا أتبع الذي ردف] إن يكونا: أي: الاسم واللقب، (مفردين) والمفرد هنا ما ليس بمضاف ولا شبيهاً به، وليس المراد بالمفرد ما يقابل المثنى والجمع، لأن المثنى والجمع لا يكونان علمين، وإذا قدر أنه جعل علماً صار ملحقاً بالجمع وصار له حكم المفرد من حيث المعنى وحكم الجمع من حيث الإعراب. يقول: (وإن يكونا مفردين فأضف حتماً وإلا أتبع الذي ردف) إن يكونا مفردين، مثل: محمد الفاتح، محمد اسم، والفاتح لقب، يقول المؤلف: إنه تجب الإضافة فتقول جاء محمد الفاتح؛ ولكن هذا أيضاً فيه نظر، والصحيح أنه تجوز الإضافة ويجوز القطع ويكون الثاني وصفاً لا سيما إذا قدمنا الاسم على اللقب؛ لأنه يشبه الصفة والموصوف، فيجوز: محمدُ الفاتحِ بالإضافة، ويجوز: محمدٌ الفاتحُ بالتنوين. أما جاء محمدٌ الفاتحُ فلا إشكال فيها من حيث المعنى، وإنما الإشكال إذا قلنا جاء محمدُ الفاتحِ، إذ كيف صح أن يضاف الشيء إلى نفسه؟ يقول: هذا على تأويل، فيؤول الاسم الأول بمسمى والثاني بالاسم، ويكون التقدير على هذا: جاء مسمى هذا الاسم. فالحاصل أن معنى قول المؤلف رحمه الله: (وإن يكونا مفردين فأضف) أي: إذا كان الاسم واللقب مفردين، وإنما حملنا ذلك على الاسم واللقب لأن الكنية لا بد أن تكون مضافة، ولا يمكن أن تأتي مفردة، إذ إن الكنية ما صدر بأب وأم وابن وعم وخال وما أشبه ذلك. وليس المراد بالمفرد هنا المفرد في باب الإعراب؛ لأن المفرد في باب الإعراب ما ليس مثنى ولا مجموعاً ولا ملحقاً بهما، والمفرد هنا ما ليس بمركب، فإذا كانا مفردين قال: (فأضف حتماً) يعني: وجب أن يضاف الأول إلى الثاني. مثاله: جاء علي قفة، فقفة: لقب، وعلي: اسم، وعلي مفرد، وقفة مفرد، فيجب على كلام المؤلف أن أقول: جاء عليُّ قفةَ، فأضيف الأول إلى الثاني، ولكن الصحيح خلاف ذلك، وأن الإضافة هنا جائزة، وليست بواجبة، بل سيأتينا إن شاء الله في باب الإضافة أنه لا يضاف اسم لما به اتحد معنى. قال ابن مالك: ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهماً إذا ورد فهنا لا نوجب أن يضاف الأول إلى الثاني، بل أعلى ما نقول: إنه يجوز إضافة الأول إلى الثاني؛ وذلك لأن الإضافة تقتضي شيئين: أحدهما المضاف، والثاني المضاف إليه، والأصل فيهما التغاير، فلا يضاف الشيء إلى نفسه. فإذا أضفنا وقلنا: (جاء عليُّ قفةَ) فإنه يؤول، فيقال: جاء ملقب هذا الاسم أو مسمى هذا اللقب، وذلك حتى يستقيم المعنى. قال: (وإلا أتبع الذي ردف) يعني: وإلا يكونا مفردين، فيشمل ما إذا كانا مركبين، أو كان الأول مركباً والثاني مفرداً، أو كان الأول مفرداً والثاني مركباً. وقوله: (أتبع) فعل أمر يقتضي الإلزام. وأيضاً قوله: (أتبع) لم يذكر فيه نوع التابع، ولكنه يعرب على أنه عطف بيان لما قبله، أو بدل منه. وقوله: (الذي ردف) هو الثاني، يعني: أتبع الثاني الأول. والصور الثلاث داخلة تحت قوله: (وإلا) لكن ينبغي أن تكون الصورة التي فيها إفراد الأول وتركيب الثاني كالصورة التي يكون فيها الاثنان مفردين في الحكم؛ وذلك لأنهما إذا كانا مركبين تعذر إضافة الأول إلى الثاني، وإذا كان الأول مركباً والثاني مفرداً تعذر إضافة الأول إلى الثاني، وإذا كان الأول مفرداً والثاني مركباً لم يتعذر إضافة الأول إلى الثاني، كما لا تتعذر إضافة الأول إلى الثاني فيما إذا كانا مفردين. وعلى هذا فالقياس أنه إذا كان الأول مفرداً والثاني مركباً جاز الوجهان: الإضافة والإتباع، فإذا قلت: (جاء علي زين العابدين)، ففي هذا المثال جاء الأول مفرداً والثاني مركباً فيجوز على القياس أن تقول: (جاء عليُّ زينِ العابدين)، ويكون التقدير: جاء مسمى هذا اللقب؛ وذلك لأن إضافة الأول إذا كان مفرداً إلى الثاني جائزة ليس فيها محذور. ولو قلت: (جاء عبد الله زين العابدين) لتعين الإتباع؛ لأن كلاً منهما مركب. ولو قلت: (جاء عبد الله قفة) لتعين الإتباع أيضاً؛ لأن الأول تتعذر إضافته إلى الثاني، فصارت الصور أربعاً: أن يكونا مفردين. وأن يكون الأول مفرداً والثاني مركباً. وأن يكونا مركبين. وأن يكون الأول مركباً والثاني مفرداً.

العلم المنقول والعلم المرتجل

العلم المنقول والعلم المرتجل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومنه منقول كفضل وأسد وذو ارتجال كسعاد وأدد] الإعراب: منه: خبر مقدم. منقول: مبتدأ مؤخر. وذو ارتجال: الواو حرف عطف، ذو: مبتدأ خبره محذوف؛ لأن هذا قسيم الأول، فإذا كان قسيماً له فإنه لا يصلح عطفه عليه؛ لأنه لو صح عطفه عليه لكان قريناً له، وله مثال في القرآن وهو قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:105] فلا يجوز أن تجعل (سعيد) معطوفة على شقي؛ لأن الشقي يقابل السعيد، بل نقول: سعيد مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنهم سعيد، والمعنى هنا: ومنه ذو ارتجال. والعطف هنا عطف جملة على جملة. أفادنا المؤلف هنا أن العلم ينقسم إلى قسمين: قسم منقول، وقسم مرتجل. فالمنقول معناه أنه منقول من شيء سابق كفضل، فأصله مصدر فَضَل يَفْضُل فَضْلاً، وأسد منقول من اسم جنس الحيوان المفترس المعروف، ويسمى به البشر، فيقال: أسد بن موسى. ومن المنقول ما نقل عن اسم المفعول، مثل منصور ومسعود، وما نقل عن اسم الفاعل، مثل صالح وحامد، وما نقل عن اسم المبالغة، مثل حماد عباس. والمرتجل: ما لم يسم به شيء قبله كسعاد اسم امرأة، وأدد اسم رجل. أما نحو (عبد الله) فهو اسم مركب؛ لأنا نقول: (عبد) منقول من اسم جنس، و (الله) من علم سابق، لكن هذا لا يصح؛ لأن الاسم للجميع، فيكون هذا من باب المرتجل.

العلم المركب من جملة والمركب المزجي

العلم المركب من جملة والمركب المزجي قال المؤلف: [وجملة وما بمزج ركبا ذا إن بغير ويه تم أعربا]. (وجملة) الواو حرف عطف، جملة: مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنه جملة. (وما بمزج ركبا) يعني: والذي ركب بمزج، أي بخلط، حيث تخلط الكلمتان حتى تكونا كلمة واحدة. و (ما) هنا اسم موصول مبتدأ خبره محذوف. (ذا) الإشارة تعود إلى أقرب مذكور وهو المركب تركيباً مزجياً، ومحلها من الإعراب مبتدأ. وإن: شرطية، وفعل الشرط (تم). وبغير ويه: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بتم. أُعربا: فعل ماض مبني للمجهول، وهو جواب الشرط والتقدير: هذا إن تم بغير ويه أعرب، أي: وإن ختم بويه بني، كما هو المفهوم؛ لأن المفهوم يثبت له نقيض حكم المنطوق، فإذا كان المنطوق أنه إذا ختم بغير ويه يعرب فإن المفهوم أنه إذا ختم بويه يبنى. قوله: (وجملة) يعني: من الأعلام ما يكون جملة، وهل الذي يكون جملة يعتبر منقولاً؟ نقول: نعم، هو منقول من جملة، والجملة قد تكون جملة فعلية، وقد تكون جملة اسمية، فمن الفعلية قولهم: شاب قرناها، أي: قرنا البقرة أو الشاة، وهو علم على رجل. ومنه أيضاً تأبط شراً، فنقول: قام تأبط شراً، وضربت تأبط شراً، ومررت بتأبط شراً. قيل: ومنه شمَّر اسم قبيلة، وأصل (شمر) فعل ماض، وخالف بعضهم: فقال: شمر ليس من باب الجملة؛ لأنه لم يذكر فيها المسند إليه وهو الفاعل، فلا يكون مركباً، وإنما المركب ما وجد فيه المسند والمسند إليه. والمركب من جملة اسمية مثل: الشنفري، يقال أصله: الشن فرى. وكذلك لو سميت شخصاً فقلت: الثغر باسم، تقول: جاء الثغر باسم، ضربت الثغر باسم، مررت بالثغر باسم. والمركب من جملة يبقى محكياً بالجملة، أي: تبقى الجملة على ما هي عليه، ويقدر الإعراب على آخرها، فإذا قلت: جاء شاب قرناها، فإعرابه: جاء: فعل ماض. شاب قرناها: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية؛ لأننا نحكي الجملة كما هي. ضربت الثغر باسم: ضربت: فعل وفاعل. الثغر باسم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. مررت بتأبط شراً: مررت: فعل وفاعل. والباء: حرف جر. تأبط شراً: اسم مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. قوله: (وما بمزج ركبا)، يعني: وما ركب تركيباً مزجياً مثل قولهم: بعلبك اسم مكان، وحضرموت اسم مكان أيضاً، ومعد يكرب اسم رجل. فهذا المركب تركيباً مزجياً يعرب بالحركات على آخره، لكنه يعرب إعراب ما لا ينصرف، فتقول مثلاً: سكنت بعلبكَ، وهذه بعلبكُ، ومررت ببعلبكَ. هذه بعلبك: هذه: مبتدأ. بعلبك: خبر المبتدأ مرفوع بضمة ظاهرة في آخره. وسكنت بعلبك؛ بعلبك: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. ومررت ببعلبك؛ بعلبك: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف التركيب المزجي. إذاً: المركب تركيباً مزجياً يعرب إعراب الاسم الذي لا ينصرف، فيعرب بحركات على آخره، إلا أنه يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة. قوله: (ذا) أي المركب تركيباً مزجياً إن تم بغير ويه أعرب كما سبق، فإن تم بويه فإن المشهور عندهم أن يكون مبنياً على الكسر؛ لأن أصل (ويه) اسم فعل، وأسماء الأفعال كلها مبنية، مثال ذلك: سيبويه، فهو اسم مركب تركيباً مزجياً، فتقول: هذا سيبويهِ، وأكرمت سيبويهِ، ومررت بسيبويهِ، بالبناء على الكسر. ومن ذلك خالويه، اسم رجل مركب من (خال) ومن (ويه)، ومنه: نفطويه مركب من (نفط) و (ويه)، وهو من علماء النحو، ويقال: إن رجلاً قرأ علم النحو وعجز عنه، فدعا عليه قال: لا بارك الله في النحو ولا أهله إذ كان منسوباً إلى نفطويه أحرقه الله بنصف اسمه وجعل الباقي صراخاً عليه نصف اسمه (نفط)، والباقي (ويه).

خلاصة في بعض أقسام العلم

خلاصة في بعض أقسام العلم والحاصل أن التقسيمات التي ذكرها المؤلف هي أنه أولاً قسم العلم إلى منقول ومرتجل. والمنقول يكون من مصدر، واسم جنس، واسم مفعول، واسم فاعل، وصيغة مبالغة، ومنه المنقول من الفعل مثل: شمر، ويزيد. والقسم الثاني: المرتجل الذي لم يسم به قبل العلم، مثل سعاد وأدد، والظاهر أن زينب ومريم من ذلك. ثم قسمه تقسيماً آخر إلى جملة وإلى مركب، وإن شئت فقل: إلى مركب تركيب جملة، ومركب تركيباً مزجياً، والمركب من جملة يكون من جملة اسمية ويكون من جملة فعلية، وكيفية إعرابه أن تبقي الجملة على ما هي عليه محكية وتقدر علامات الإعراب عليها تقديراً، وتقول: المانع من ظهورها الحكاية. أما التركيب المزجي فذكر أنه ينقسم إلى قسمين: الأول ما ختم بويه، والثاني: ما لم يختم بها، فما ختم بويه فهو مبني على الكسر في جميع الحالات، وما لم يختم بها فهو معرب إلا أنه يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف، والله أعلم. والفائدة من التقسيم بالنسبة للمنقول والمرتجل، أن تعرف أنه منقول ومرتجل، وأيضاً بالنسبة للمنقول: إذا نقل من اسم الفاعل فقد يكون فيه فائدة بالنسبة لأسماء الله وأسماء الرسول، وهو أنه دال على المعنى الذي اشتق منه.

العلم المركب تركيبا إضافيا

العلم المركب تركيباً إضافياً قال المؤلف رحمه الله: [وشاع في الأعلام ذو الإضافة كعبد شمس وأبي قحافة] شاع: بمعنى كثر. الأعلام: جمع علم. ذو الإضافة: أي صاحب الإضافة، وهو المركب الإضافي (كـ عبد شمس وأبي قحافة). وهذا الذي قاله المؤلف رحمه الله واضح لكل أحد، ولا يحتاج إلى بيان، فعبد الله وعبد الرحمن وعبد شمس وأبو قحافة وما أشبه ذلك كثير؛ لكن هل مراد المؤلف أن يخبرنا بأن هذا موجود في الأعلام؟ A لا؛ بل مراده أن يبين أن العلم ذا الإضافة يكون إعرابه على الجزء الأول بحسب العوامل، وإعرابه على الجزء الثاني في أن يجر بالإضافة إن كان معرباً، ويبنى على الكسر إن كان مبنياً، هذا هو مراد المؤلف رحمه الله. وقوله: (كـ عبد شمس) هو عبد شمس بن عبد مناف؛ لأن له أربعة أولاد: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس، لكن بنو هاشم وبنو المطلب متناصرون فيما بينهم، ولهذا انضم بنو المطلب إلى بني هاشم حين حاصرت قريش بني هاشم في الشعب بسبب دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك يقول أبو طالب في لاميته المشهورة التي قال عنها ابن كثير رحمه الله إنها أبلغ من المعلقات السبع التي علقها العرب في الكعبة؛ قال فيها: جزى الله عنا عبد شمس ونوفلاً عقوبة شر عاجلاً غير آجل لأنهم بنو عمهم ومع ذلك صاروا مع قريش عليهم، وبنو المطلب وقفوا مع بني هاشم، لكن السؤال الآن: هل يجوز أن ننسب إلى عبد شمس من كان من ذريته بهذا التركيب فنقول: فلان من بني عبد شمس أو لا يجوز؟ الجواب: يجوز؛ لأن هذا من باب الخبر وليس من باب الإنشاء، وفرق بين الخبر والإنشاء، لكن لو كان عبد شمس عندنا لقلنا: غيَّر الاسم، أما وقد مات فلا يمكن التغيير، ويجوز النسب إليه، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرتجز يوم حنين ويقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)، فينتسب إلى جده مع أنه يقال عنه: عبد المطلب. وأبو قحافة: هو والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وهنا قال: (كـ عبد شمس وأبي قحافة)؛ لأن الأول الجزء الثاني منه معرب منصرف، والجزء الثاني في الثاني معرب غير منصرف.

العلم الجنسي والعلم الشخصي

العلم الجنسي والعلم الشخصي

معنى علم الجنس والفرق بينه وبين العلم الشخصي

معنى علم الجنس والفرق بينه وبين العلم الشخصي قوله: [ووضعوا لبعض الأجناس علم كعلم الأشخاص لفظاً وهو عم] الضمير في قوله: (وضعوا) يعود على العرب؛ لأنهم هم أهل الكلام وأهل الصياغة، وليس عائداً على النحاة؛ لأن النحاة غالبهم مولدون لا يملكون أن يضعوا شيئاً في اللغة العربية، أي: وَضَع العربُ لبعض الأجناس علماً. وهناك أجناس وأنواع وأشخاص؛ فالعلم الذي تكلمنا عليه أولاً هو العلم الشخصي، والذي يتكلم عليه المؤلف الآن هو العلم الجنسي، ومثال الجنس والنوع والشخص: أن الحَبَّ جنس، والبر نوع، فإذا كان عندي إناء فيه بر أقول: هذا البر شخص معين بذاته. يقول: (ووضعوا لبعض الأجناس علم) أصلها: (علماً)، لكن حذفت الألف إما على لغة ربيعة الذين يقفون على المنصوب بدون ألف، وإما لضرورة الشعر. قوله: (كعلم الأشخاص لفظاً وهو عم) أي كعلم الأشخاص في اللفظ، يعني: أنه في الأحكام اللفظية يعطى حكم العلم الشخصي، لكن في المعنى يعم. ومعنى الأحكام اللفظية: أن كل ما يؤثر فيه العلم الشخصي يؤثر فيه العلم الجنسي. فمن ذلك أن من موانع الصرف: العلمية والتأنيث اللفظي، فإذا جاءنا علم جنس فيه تاء التأنيث فإننا نمنعه من الصرف؛ لأن حكمه اللفظي كعلم الشخص. وكذلك يصح مجيء الحال من علم الجنس كما يصح من علم الشخص. كذلك يجوز الابتداء به كما يجوز الابتداء بعلم الشخص. المهم أن جميع الأحكام اللفظية التي تثبت لعلم الشخص تثبت لعلم الجنس، لكنه في المعنى ليس كعلم الشخص؛ لأن علم الشخص يعين شخصاً بعينه، أما علم الجنس فهو نكرة؛ ولذلك قال: (وهو عم). وأصلها: أعم، لكن حذفت الألف للتخفيف كخير وشر، أصلها أخير وأشر، فعم هنا اسم تفضيل حذفت منها الهمزة فصارت عم، ويجوز أن تكون (عم) هنا فعلاً ماضياً، أي: وهو عم الأفراد، بخلاف العلم الشخصي. إذاً العلم الشخصي له حكمان: لفظي ومعنوي. اللفظي: ما أشرنا إليه أولاً من الأحكام المتعلقة باللفظ كعدم الانصراف، وجواز الابتداء به، ومجيء الحال منه، وما أشبه ذلك. المعنوي: أنه يدل على شيء معين. والعلم الجنسي له حكمان: حكم لفظي كحكم علم الشخص تماماً. وحكم معنوي: فهو من حيث المعنى كالنكرة؛ لأنه يعم جميع الأفراد، ولا يختص بفرد واحد.

العلم الجنسي في المحسوسات

العلم الجنسي في المحسوسات قوله: (من ذاك) أي من علم الشخص (أم عريط للعقرب). العقرب معروف، وكلمة (عقرب) اسم جنس، لكن (أم عريط) هذه علم جنس، فإذا قلت: لدغتني عقرب، فهذا اسم جنس. وإذا سألك سائل وجدك تتلوى: ما الذي أصابك؟ فقلت: لدغتني أم عريط، فهذا علم جنس. فإن قيل: أم عريط أي العقارب؟ قلنا: هذا علم للجنس عموماً، يعني: كأننا تخيلنا أن الجنس شخص قائم وضعنا له علماً هو أم عريط؛ لكن النكرة أو اسم الجنس عقرب، فلا نتخيل أن هناك مجموعة أو أن الجنس كله سميناه بهذا الاسم، بل عقرب معناه واحد من العقارب، هذا هو الفرق بين علم الجنس وبين اسم الجنس. قال: (وهكذا ثعالة للثعلب). الثعلب حيوان معروف بالمكر والخداع والروغان، إذا لحقته يتركك حتى تكون أشد ما تكون في الجري فإذا أدركته انحرف بسرعة، وإذا هو وراءك بمسافة بعيدة يروغ، فيسمى جنساً ثعالة، وكأن هذا الجنس شيء متشخص وضعنا له علماً هو ثعالة.

العلم الجنسي في المعقولات

العلم الجنسي في المعقولات قال المؤلف: [ومثله برة للمبره كذا فجار علم للفجره]. علم الجنس السابق للمحسوس كالحيوان مثلاً، وهذا الأخير الذي ذكر (ومثله برة) علم جنس للمعقول أي: للمعاني، فالمبرة مصدر ميمي، وهي كلمة مطلقة نكرة، لكن وضعوا لهذا المعنى علماً سموه برة، تقول مثلاً: شملتني برة زيد واسعة، وقلنا: (برة زيد واسعة)؛ لأن برة علم على هذا الجنس من المعنى، ولهذا جاء منها الحال، أو هذه برة رجل واسعة. فالمهم أن علم الجنس يكون للمحسوسات ذات الأجسام ويكون أيضاً للمعقولات ذات المعاني. وكذلك أيضاً (فجار) علم للفجرة، التي هي الفجور، كأن المعنى شيء قائم وضعنا له اسم (فجار) علماً عليه بدلاً من الفجرة. وهذا النوع أعني علم الجنس في المعاني أغمض منه في ذوات الأجسام؛ لأن ذوات الأجسام واضحة بينة، لكن لا يكاد الإنسان يفرق بين الفجرة وفجار من حيث المعنى، إلا أن علماء النحو يستدلون لذلك؛ بأن فجار تجري عليها أحكام العلم اللفظية، ولو كانت غير علم لم تجر عليها الأحكام اللفظية للعلم، فهذا هو الذي جعلهم يجعلون مثل هذه الكلمات علماً لجنس المعنى. على كل حال أهم ما عندنا هو: معرفة ما هو العلم؟ وما إعرابه؟ وما أنواعه؟ وهل يكون في المألوفات أو في المألوفات وغيرها؟ وكذلك أيضاً معرفة العلم الجنسي الحسي، والعلم الجنسي المعنوي، من أجل أن نعطي هذا العلم أحكام العلم الشخصي في اللفظ، والله أعلم.

شرح ألفية ابن مالك [12]

شرح ألفية ابن مالك [12] من المعارف أسماء الإشارة، وهي مبنية غير معربة، وتختلف دلالتها تذكيراً وتأنيثاً وإفراداً وتثنيةً وجمعاً، وقرباً وبعداً، ويشار إلى المكان بهنا ونحوها.

اسم الإشارة

اسم الإشارة

ما تدل عليه أسماء الإشارة من تذكير وإفراد ونحوهما

ما تدل عليه أسماء الإشارة من تذكير وإفراد ونحوهما قال المؤلف رحمه الله تعالى: [اسم الإشارة بذا المفرد مذكر أشر بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر وذان تان للمثنى المرتفع وفي سواه ذين تين اذكر تطع وبأولى أشر لجمع مطلقاً والمد أولى ولدى البعد انطقا بالكاف حرفاً دون لام أو معه واللام إن قدمت ها ممتنعة وبهنا أو هاهنا أشر إلى داني المكان وبه الكاف صلا في البعد أو بثم فه أو هنا أو بهنالك انطقن أو هنا] اسم الإشارة هو أحد أنواع المعارف؛ لأن المعارف خمس: الضمير والعلم والإشارة واسم الموصول والمحلى بأل، والسادس هو ما أضيف إلى واحد من هذه الأنواع الخمسة. واسم الإشارة يكون في المرتبة الثالثة في التعريف؛ لأن أعرف المعارف هو الضمير بعد اسم الله ويليه العلم، ويليه اسم الإشارة. اسم الإشارة: هو ما دل على مشار إليه، والمشار إليه: هو المعين عن طريق الإشارة، فالعلم يعين المسمى عن طريق التسمية، وهذا عن طريق الإشارة، أقول لك: هذه النجفة مثلاً، فعينتها بالإشارة، فصارت النجفة التي فوق رأسي معرفة؛ لأنني عينتها بالإشارة. ثم إن اسم الإشارة يختلف باختلاف المشار إليه، فقد يكون المشار إليه مفرداً مؤنثاً أو مذكراً، وقد يكون مثنى مؤنثاً أو مذكراً، وقد يكون جمعاً مؤنثاً أو مذكراً، فالأقسام ستة، وكل هذه الأقسام بينها المؤلف رحمه الله فقال: (بذا لمفرد مذكر أشر). بذا: متعلق بأشر، يعني: أشر بذا، أي: باللفظ (ذا) لمفرد مذكر، فيقال: هذا رجل، هذا قلم، هذا مسجد، هذا علم، هذا خير، وكل مفرد مذكر سواء من الأعيان والأوصاف، جماداً أو حيواناً أو غير ذلك فإنه يشار إليه بذا. وتأتي هاء التنبيه مع ذا فيقال: هذا. لكن ما هو اسم الإشارة إذا قلنا: هذا خير؟ A هو (ذا) فقط. قال: (بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر) لا أدري لماذا كثروا اسم الإشارة للأنثى؛ لكن اسم الإشارة للمؤنث أربع كلمات: بذي؛ تقول: هذي هند. وذه؛ تقول: هذه هند، هذه عائشة، وذه يقال فيها: ذه وذهِ وذهي، فتكون ساكنة، ومكسورة، وبإشباع. وتي: اسم إشارة للمؤنث أيضاً، تقول: تلك المرأة ذات دين، فتشير إليها بتي. أو تقول: تي امرأة دينة. تا -بالألف بدلاً عن الياء- تقول: تا هند، يعني: هذه هند. (على الأنثى اقتصر) يعني: ولا تشر لمذكر بهذه الألفاظ الأربعة. أما المثنى المذكر والمؤنث فقال: (وذان تان للمثنى المرتفع) ذان للمذكر، وتان للمؤنث. المثنى المذكر يشار إليه في حال الرفع بذان. (وفي سواه ذين) أي: في سوى المرتفع، وهو المنصوب والمجرور، يقال فيه: ذين وتين. مثاله: تقول: هذانِ رجلان. وتقول: إن هذينِ الرجلين. وتقول: مررت بهذين الرجلين. لكن مع ذلك لا تقل: مرفوعة ومنصوبة ومجرورة، قل: مبنية في محل رفع، مبينة في محل نصب، مبنية في محل جر، قالوا: وهي تبنى على الألف في حال الرفع، وتبنى على الياء في حال النصب والجر، فتقول في إعراب هذان قائمان. الهاء: للتنبيه. وذان: مبتدأ مبني على الألف في محل رفع، والنون تشبه النون الواقعة عوضاً عن التنوين في الاسم المفرد. ولا تقل هنا: إنها عوض عن التنوين في الاسم المفرد؛ لأن الاسم المفرد من اسم إشارة لا ينون. وتقول في ذين: اسم إشارة مبني على الياء في محل نصب إن كان منصوباً، أو في محل جر إن كان مجروراً. أما الأنثى فيقول: تان، تقول: هاتان امرأتان، وتقول: إن هاتين المرأتين، وتقول: مررت بهاتين المرأتين، مبنية على الياء في محل جر. قال: (وبأولى أشر لجمع مطلقاً). أولى أشر بها للجمع مطلقاً، ومعنى الإطلاق هنا أنها تشمل المذكر والمؤنث. قال: (والمد أولى) أي المد أولى من القصر، وأفادنا أن (أولى) فيها لغتان: أولاءِ وأولى. وأن (أولاءِ) أولى من (أولى)، فتقول مثلاً: هؤلاء قومٌ صالحون، وتقول: هؤلاءِ قومٌ مسلمون. والمقصورة مبنية على السكون، والممدودة مبنية على الكسر، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:32] ولم تأت في القرآن إلا ممدودة؛ لأن القرآن أتى باللغة الفصحى. وبهذا نعرف أن أسماء الإشارة تكون للمفرد المذكر، وللمفرد المؤنث، وللمثنى المذكر، وللمثنى المؤنث، وللجمع، وأن الجمع ليس له إلا لفظة واحدة، وفيها لغتان: القصر والمد، والمد أولى.

مراتب البعد في أسماء الإشارة

مراتب البعد في أسماء الإشارة قال: (ولدى البعد انطقا بالكاف). يعني: عند بُعد المشار إليه، سواء كان بُعْدُه حسياً أو معنوياً فإنه يؤتى بالكاف، فتقول: ذلك الكتاب، ذلك الرجل. وقوله: (حرفاً) يبين أن الكاف هنا ليست ضميراً، ولكنها حرف، فإذا قلت: ذاك الرجل بعيد، تقول: ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع، والكاف حرف خطاب لا محل له من الإعراب، ولا تقل: ذا: مضاف والكاف مضاف إليه. قوله: (دون لام) يعني: يؤتى بالكاف بدون لام، (أو معه) أي: مع اللام. فتقول: ذاك رجل، بدون لام. وتقول: ذلك رجل، باللام. يقول: (واللام إن قدمت ها ممتنعة) تمتنع اللام إذا قدمت ها التي تفيد التنبيه. والهاء تأتي قبل اسم الإشارة، فإذا قدمت ها امتنعت اللام، فلا تقل: هاذلك الرجل قائم، بل تقول: ذلك الرجل قائم، أو تقول: هذاك الرجل قائم. فالصور الثلاث: صورتان جائزتان، وصورة ممتنعة: هاذاك الرجل قائم، جائزة. ذلك الرجل، جائزة. هاذلك الرجل، لا تجوز؛ لأنك إذا أتيت باللام مع ها التنبيه فقد يلتبس علينا أن يكون ما بعد اللام خبراً. قال بعض العلماء: المشار إليه إما أن يكون قريباً أو متوسطاً أو بعيداً: فإن كان قريباً لم تأت باللام ولا الكاف، فتقول: هذا رجل أو ذا رجل. وإن كان بعيداً أتيت باللام والكاف، تقول: ذلك رجل. وإن كان متوسطاً أتيت بالكاف فقط، فتقول: ذاك رجل. ولكن ظاهر كلام ابن مالك رحمه الله: أن البعد مرتبة واحدة فقط، وأنه يؤتى فيه بالكاف وحدها، أو بالكاف واللام ما لم تسبق ها، فإن سبقت ها فإنه لا يجوز أن يؤتى باللام.

الكلام على كاف الخطاب اللاحقة لاسم الإشارة

الكلام على كاف الخطاب اللاحقة لاسم الإشارة بقي علينا أن نتكلم على الكاف، فهي للخطاب، ولكن هل يراعى فيها المخاطب أو تكون على صورة واحدة؟ فيها ثلاث لغات: اللغة الأولى وهي الأفصح والأكثر؛ أن يراعى فيها المخاطب، فإذا كنت تخاطب رجلاً فقل: ذلكَ، وإن كنت تخاطب أنثى فقل: ذلكِ، وإن كنت تخاطب مثنى فقل: ذلكما، وإن كنت تخاطب جماعة ذكور فقل: ذلكم، وإن كنت تخاطب جماعة نساء فقل: ذلكن. وهذا هو الذي جاء في القرآن، قال الله تبارك وتعالى في خطاب المفرد المذكر -وهو كثير في القرآن-: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء:39] يخاطب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وفي قصة امرأة إبراهيم: {قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات:30]. وفي قصة مريم: {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم:21]. وفي المثنى: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف:37]. وفي جمع المذكر: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ} [يونس:32]. وفي جمع المؤنث: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف:32]. اللغة الثانية: أن تكون مفردة مفتوحة في خطاب المذكر، سواء كان واحداً أو اثنين أو جماعة، فتقول: ذلك الرجل، تخاطب واحداً، وتقول: ذلك الرجل، تخاطب جماعة، وتقول: ذلك الرجل، تخاطب اثنين. وفي المؤنث بالكسر دائماً، سواء كانت المخاطبة واحدة أو اثنتين أو أكثر. واللغة الثالثة: أنها بالإفراد والفتح دائماً.

أسماء الإشارة للمكان

أسماء الإشارة للمكان قال: [وبهنا أو ههنا أشر إلى داني المكان وبه الكاف صلا في البعد أو بثم فه أو هَنَّا أو بهنالك انطقن أو هنا]. يعني: أن هنا أو هاهنا يشار بها إلى المكان القريب، فتقول: اجلس هنا، أو: اجلس هاهنا لمكان قريب، فللمكان القريب إشارتان: إحداهما: هنا، والثانية: هاهنا. والبعيد؛ قال: (وبه الكاف صلا في البعد) إذا كان بعيداً وصل به الكاف، فتقول: اجلس هناك، يعني: بعيداً، اجلس هاهناك؛ يعني: بعيداً. ثم إن البعد قد يكون بعداً حسياً، وقد يكون بعداً معنوياً حسب السياق، قال الله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:11] هذا للبعيد؛ ولهذا قال: وبه الكاف صلا في البعد. (أو بثم فه) فه يعني: انطق بثم للبعيد، ويقال: (اجلس ثم)، أي: في مكان بعيد، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان:20] ومن الخطأ الشائع بين الناس أن يضموا الثاء من ثم، فيقولون: (ومن ثمُ حصل كذا وكذا)، وهذا خطأ واضح، لأنها تصبح حرف عطف، وظرف المكان أن يقال: ثم. (أو بثم فه) فه فعل أمر، مضارعه: يفوه، ماضيه: فاه، أي: تكلم. (أو هنّا) يعني: أو قل في مكان يشار للبعيد: هنّا. والفرق بين هنا وهنّا أن هنّا أكثر حروفاً من هنا، فإنها تزيد حرفاً واحداً وهو التضعيف في النون. قال العلماء: وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وهذا في الغالب، ومن غير الغالب: شجرة وشجر، فالأكثر مبنى: (شجرة)، والأكثر معنى: (شجر). قال: (أو بهنالك انطقن أو هِنا) هنالك: بدل (هنا)، وهذه فيها اللام والكاف. (أو هِنا) بكسر الهاء، فصارت (هنا) فيها لغتان: الفتح والكسر، وكلاهما للإشارة إلى المكان البعيد. ومما سبق يتضح أن اسم الإشارة مبني، وسبق ذكره في كلام ابن مالك. فقال: (والمعنوي في متى وفي هنا)، فهنا اسم إشارة. ويبنى على الحركة المسموعة عند العرب، وإن كان آخره ياءً أو ألف فعلى السكون، فإذا قلت: هاذي هند، فهذي مبني على السكون، وإذا قلت: هذه هند، فعلى الكسر. وإذا قلت: ذان قائمان، فعلى الألف. وإذا قلت: مررت بذين، فعلى الياء. وهؤلاء: مبني على الكسر. وهنا: مبني على السكون. ثم: مبني على الفتح. إذاً: اسم الإشارة مبني على ما سمع عن العرب، وذلك لأن المبني لا يتغير باختلاف العوامل، وإنما يتغير باختلاف اللغات. إذاً: (ذان وتان) مبنيان على الألف، والنون حرف جيء به لتزيين اللفظ، ولا يقال: إنه عوض عن التنوين في الاسم المفرد؛ لأن هذا الاسم غير معرب.

شرح ألفية ابن مالك [13]

شرح ألفية ابن مالك [13] الأسماء الموصولة من المعارف، وتنقسم إلى موصولات خاصة وموصولات عامة، وفيها لغات مختلفة، ولبعضها أحوال مختلفة قد تشتبه على الطالب إذا لم يهتم بها ويعمل ذهنه في تفهمها.

الاسم الموصول

الاسم الموصول

الموصولات الحرفية

الموصولات الحرفية قال المؤلف رحمه الله: [الموصول]. الموصول: اسم مفعول، وسمي موصولاً؛ لأنه لا يتم معناه إلا بصلته، فهو أصلاً مبتور يحتاج إلى صلة. والموصول من المعارف كما سبق، ومرتبته في المعارف: الرابعة. قال: (موصول الاسماء الذي الأنثى التي). (موصول) يجوز في إعرابها أن تكون مبتدأً، و (الذي) خبر المبتدأ، وذلك حينما نريد أن نخبر عن موصول الأسماء ما هو، ويجوز أن تكون خبراً مقدماً، والمبتدأ (الذي) وما عطف عليه، وهذا إذا أردنا أن نبين أن الذي وما عطف عليه موصول الأسماء، وكلا الوجهين جائز. وقال المؤلف: (موصول الاسماء) احترازاً من موصول الحروف، ومن موصول الأفعال، لكن موصول الأفعال لا وجود له، وإنما يوجد موصول الحروف. وموصول الحروف كل حرف مصدري، أي: يسبك وما بعده بمصدر، وهي: (أنّ وأنْ، ولو، وكي، وما المصدرية) فهذه الخمسة موصولات حرفية؛ لأنها تسبك وما بعدها بالمصدر، وهذا الفعل الذي يحول إلى مصدر هو صلتها، فإذا قلت: ثبت عندي أنّ فلاناً قدم من السفر، فأن هنا موصول، حرفي لأنه يحول إلى مصدر، فتقول: ثبت عندي قدوم فلان. يعجبني أن تقوم: (أن) موصول حرفي؛ لأنه يسبك وما بعده بالمصدر، فتقول: يعجبني قيامك. و (لو) {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] أي: ودوا إدهانك، فتكون (لو) هنا موصولاً حرفياً. و (كي) جئت كي أتعلم، أي: جئت للتعلم، فتكون موصولاً حرفياً. و (ما) المصدرية تقول: يعجبني ما تفعل، إذا جعلتها مصدرية، ويجوز أن تجعلها موصولة، لكن إذا جعلتها مصدرية فهو جائز، ويكون التقدير: يعجبني فعلك.

الموصولات الخاصة

الموصولات الخاصة

اسم الموصول للمفرد

اسم الموصول للمفرد قوله: (موصول الاسماء الذي الأنثى التي). الذي: للمفرد المذكر، وقوله: (الأنثى التي): هذه معطوفة على الذي، لكن ابن مالك رحمه الله يكثر إسقاط حرف العطف من أجل ضرورة الشعر والاختصار، وإلا فإن التقدير: الذي والأنثى التي، يعني: وموصول الأنثى التي. فإذا قال قائل: أنت قلت: إن الذي موصول للمذكر، فبماذا عرفت ذلك؟ قلنا: عرفت ذلك بقول ابن مالك: الأنثى التي، فعلم منه أن الذي السابق للمذكر.

حذف الياء من الموصول المفرد إذا ثني

حذف الياء من الموصول المفرد إذا ثني قوله: (والياء إذا ما ثنيا لا تثبت). أي: الياء التي بعد الذال في (الذي) والتي بعد التاء في (التي) لا تثبت إذا ثنيا. الياء: مبتدأ، ولا تثبت: والجملة خبر المبتدأ. إذا ما ثنيا: شرط، و (ما) في قوله: (إذا ما ثنيا) زائدة، قال الراجز: يا طالباً خذ فائدة ما بعد إذا زائدة فكلما جاءت (ما) بعد (إذا) فهي زائدة، قال تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى:37] أي: وإذا غضبوا هم يغفرون. قوله: (لا تثبت)، يعني: احذفها. فمثلاً: إذا أردت أن تثني (الذي) فلا تقل: اللذيان، بل احذف الياء وقل: اللذان. وإذا أردت أن تثني (التي) فلا تقل: اللتيان، بل احذف الياء وقل: اللتان. فالمراد بالياء: الياء التي بعد الذال والياء التي بعد التاء، فإذا ثنيت فاحذف الياء؛ لأن علامة التثنية ساكنة، والياء ساكنة، والقاعدة في الساكنين ما أشار إليه ابن مالك في الكافية حيث قال: إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق (وإن يكن) أي: السابق، (ليناً) يعني: من حروف اللين، وهي: الواو والألف والياء، (فحذفه استحق) يعني: فقد استحق الحذف. تقول: أخبرني الذي أثق به، وتقول: قرأت على الذي أثق به، وأكرمت الذي أثق به، فالياء لم تتغير، لا في الرفع ولا في الجر ولا في النصب؛ لأنها مبنية على السكون، وكذلك يقال في (التي).

تثنية الاسم الموصول

تثنية الاسم الموصول وعند التثنية يقول: (بل ما تليه أوله العلامة) يقول: الذي تليه (الياء) وهو الذال في الذي، والتاء في التي، أوله العلامة، يعني: اجعل علامة المثنى بعده مباشرة. قوله: (والنون إن تشدد فلا ملامة). يعني: في حال التثنية إذا شددت النون فلا ملامة عليك، وذلك لأن تشديد النون لغة عربية، والذي ينطق باللغة العربية لا يلام. فتقول مثلاً: أكرمت اللذينّ أكرماني، وتقول: جاء اللذانّ أكرمهما، فتشدد النون في حال الرفع، وفي حال النصب، وفي حال الجر. وذكر المؤلف من أسماء الموصول: ما للمفرد المذكر، وما للمفرد المؤنث، وما للمثنى المذكر، وما للمثنى المؤنث. فللمفرد المذكر (الذي) دائماً، في حال الرفع والنصب والجر. والمفردة المؤنثة (التي) دائماً، في الرفع والنصب والجر، فهما مبنيان على السكون. والمثنى المذكر (اللذان) في حال الرفع، و (اللذين) فيما سواه. قال الله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء:16]، وقال تعالى: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا} [فصلت:29] الأولى: مرفوعة، والثانية: منصوبة. والمثنى المؤنث: (اللتان) رفعاً، و (اللتين) نصباً وجراً. فإذا كان اسم الموصول مثنى يبنى على الألف في حالة الرفع، وعلى الياء في حالتي النصب والجر، كما يبنى اسم الإشارة، وتكون النون زائدة لتحسين اللفظ.

تشديد النون في المثنى الموصول

تشديد النون في المثنى الموصول قال المؤلف: [والنون من ذين وتين شددا أيضاً وتعويض بذاك قصدا]. ولكن لماذا لا نجعل المثنى من ذين وتين واللذين واللتين معرباً مع أن الإعراب ينطبق عليها تماماً، فهي تتغير باختلاف العوامل؟ وأيضاً التثنية تبعد مشابهتها للحرف الذي هو من أسباب البناء. والقول بإعرابها قد قيل، وليس ببعيد لأن المعرب هو الذي يتغير آخره لاختلاف العوامل، وهذا يتغير آخره باختلاف العوامل تماماً، تقول: جاء الزيدان، ورأيت الزيدين. وعلى هذا يكون إعرابهما على القاعدة المعروفة للمثنى، لكن هنا لا تقول: النون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، لأنه لا يوجد تنوين في الاسم المفرد، بل نعربها زائدة لتحسين اللفظ. قوله: (وتعويض بذاك قصدا) المشار إليه التشديد، كأن قائلاً قال: لماذا تشدد النون في ذين وتين واللذان واللتان؟ فقال: تشدد لأن المقصود بذلك التعويض عما حذف من الذي والتي وهذا وهذي. (الذي) حذفت منها الياء، و (التي) حذفت منها الياء، و (هذا) إذا قلنا: هذان حذفنا الألف التي قبل ألف التثنية، وكذلك حذفنا الألف التي قبل ياء التثنية. فيقول: إنه قصد بهذا التنوين التعويض، ولكن هذا التعليل عليل في الواقع لأمرين: أولاً: لأنه لو كان المقصود التعويض لكان التشديد واجباً؛ لأنه إذا وجد السبب وجب وجود المسبب. فلو قلنا: إن هذا تعويض عن الياء المحذوفة أو الألف المحذوفة في ذان لكان التشديد واجباً، ومع ذلك فليس بواجب. ثانياً: نقول: إن التعليل الصحيح أن العرب نطقوا بهذا وبهذا، أما كون الياء لأجل التعويض فهذا منتقض فلا معول عليه.

اسم الموصول للجمع المذكر

اسم الموصول للجمع المذكر ثم شرع المؤلف يبين اسم الموصول لجماعة الذكور، واسم الموصول لجماعة الإناث. فقال: (جمع الذي الألى الذين مطلقاً). (الألى) لنا أن نعربها على أنها مبتدأ وخبرها (جمع). ولنا أن نعرب (جمع) على أنها مبتدأ وخبره: (الألى). وأما قوله: (الذين) فهو معطوف على (الألى)، لكن بحذف حرف العطف، والأصل: جمع الذي الألى والذين. فيستفاد من ذلك أن اسم الموصول لجماعة الذكور له صيغتان: الصيغة الأولى: الألى، والثانية: الذين. أما الألى فهي مبنية على السكون؛ لأن آخرها ألف. وأما الذين فهي مبنية على الفتح؛ لأن آخرها مفتوح. وهي ملازمة للياء في كل حال. تقول: جاء الذين، ورأيت الذين، ومررت بالذين، وجاء الألى، ومررت بالألى، وأكرمت الألى. تقول مثلاً: أكرمت الطلبة الألى اجتهدوا، الألى هنا بمعنى: الذين. وتقول: أكرمت الطلبة الذين اجتهدوا، وهما على حد سواء. قال الشاعر: فتلك خطوب قد تبلت شبابنا قديماً فتبلينا الخطوب وما نبلي (الخطوب) نوائب الدهر. (قد تبلت شبابنا) يعني: أفنته. (فتبلينا الخطوب وما نبلي) يعني: تبلينا ولا نبليها. إلى أن قال: وتبلي الألى يستلئمون على الألى تراهن يوم الروع كالحدأ القبل (تبلي الألى) أي: تفنيهم، و (يستلئمون): يلبسون لأمة الحرب، يعني: الشجعان. (على الألى تراهن) يعني: على الخيل. (يوم الروع) أي الخوف، (كالحدأ): الحدأ جمع حدأة، وهو طائر معروف مغرم بأكل اللحم. (القبل) يعني التي مالت سواد أعينهن، فإذا مالت سواد الأعين من الحدأ إلى اللحم في الأرض انقضت بسرعة. فهو يقول: إن الخطوب تبلي هؤلاء الشجعان الذين يلبسون لأمات الحرب، ويركبون هذه الخيل السريعة التي تراها يوم الروع مثل الحدأة التي أصغت بنظرها إلى اللحم فانقضت عليه بسرعة. الشاهد قوله: (تبلي الألى يستلئمون) أي: تبلي الذين يستلئمون. (على الألى تراهن) أي: على اللاتي تراهن (يوم الروع كالحدأ القبل). فصار اسم الموصول في جمع المذكر له صيغتان: قال: [جمع الذي الألى الذين مطلقا وبعضهم بالواو رفعاً نطقا] يعني: بعض العرب نطق الذين بالواو في حال الرفع، فتقول: قدم الذون جاءوا من السفر، وأكرمت الذين جاءوا من السفر، ومررت بالذين جاءوا من السفر. وعلى هذه اللغة تكون معربة، لأنه يتغير آخرها باختلاف العوامل. فصارت (الذين) فيها لغتان عن العرب: لغة (الذين) مطلقاً كما قال: (الذين مطلقاً)، ولغة أخرى: أنها تكون في حال الرفع بالواو، ومنه قول الشاعر: نحن الذون صبحوا الصباحا يوم النخيل غارة ملحاحا ولو كان على اللغة الأخرى لقال: نحن الذين، كما قال الصحابة رضي الله عنهم: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً

اسم الموصول للجمع المؤنث

اسم الموصول للجمع المؤنث ثم قال: (باللات واللاء التي قد جمعا). جمع المؤنث في الاسم الموصول له صيغتان: اللاتي واللاء. فتقول: جاء النساء اللاتي قمن، ورأيت النساء اللائي قمن، قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء:15] وقال تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4]. قال: (واللاء كالذين نزراً وقعا). (نزراً) يعني: قليلاً، و (الذين) صيغة لجماعة الذكور. فيقول: إن اللاء قد تحل محل الذين، أي: تأتي لجماعة الذكور، وبناءً على ذلك يكون جماعة الذكور لهم ثلاث صيغ: الألى والذين واللاء، لكن هذا الأخير قليل، ومنه قول الشاعر: فما آباؤنا بأمن منه علينا اللاء قد مهدوا الحجورا الشاهد قوله: (اللاء قد مهدوا)، أي: الذين قد مهدوا الحجور. فاسم الموصول الموضوع للمفرد المذكر (الذي) مبني على السكون، ومثله (التي) للمؤنث. والموضوع للمثنى المذكر (اللذان) في حال الرفع، و (اللذين) في حال النصب والجر. والموضوع للمثنى المؤنث (اللتان) في حال الرفع، و (اللتين) في حال النصب والجر، وتكون معربة على الراجح. وجماعة الإناث (اللات واللاء) وهما مبنيان على الكسر. وجماعة الذكور (الذين) مطلقاً، وفي لغة ترفع بالواو، يعني يقال: (الذون). وإعراب (الذين) مبنية على الفتح، وعلى اللغة الأخرى (الذون) مرفوع وعلامة رفعه الواو، فهو اسم معرب، والذي جعله معرباً تغيره باختلاف العوامل. مما يذكر هنا أن (اللات واللاء) يجوز فيهما الإشباع، بأن تمد الهمزة اللائي، أو تمد التاء: اللاتي، وهذا تغير صفة للأداة، وليس تغيراً جوهرياً. إما أن تمد الهمزة حتى يتولد منها ياء، أو تمد التاء حتى يتولد منها ياء، وحينئذ تكون أربع صيغ. يقول المؤلف: (واللاء كالذين نزراً وقعا) يعني: قليلاً. وقول المؤلف: (وقعا) بالألف، والألف هنا ليس للتثنية، لكنه لإطلاق الروي. وقوله: (واللاء كالذين نزراً وقعا) له تفسير آخر، وهو أن اللاء تأتي بالياء والنون، كما أتت الذين. فتستعمل للمذكر لكن بالياء والنون على صيغتها الأصلية، فيقال: اللائين، كما يقال: الذين. فيكون في قول ابن مالك رحمه الله هذا وجهان: الوجه الأول: أن اللاء بصيغتها هذه تحل محل الذين. والوجه الثاني: أن اللاء تستعمل بمعنى الذين لكن تغير وتجعل بالياء والنون. وعلى هذا قول الشاعر: وأنا من اللائين إن قدروا عفوا أو أتربوا جادوا وإن تربوا عفّوا فاللائين بمعنى الذين. (إن قدروا عفوا) يعني: عفوا عمن ظلمهم بعد القدرة، وهذا هو العفو الذي يحمد. (أتربوا) يعني: اغتنوا حتى كانت أموالهم كالتراب من كثرتها. (جادوا) يعني: تكرموا على الناس بالجود. (وإن تربوا) يعني: افتقروا. عفوا: فلا يسألون الناس شيئاً، وهذا فخر عظيم، وهذه ثلاث خصال كلها كريمة.

الموصولات العامة

الموصولات العامة

الكلام على من وما الموصولتين

الكلام على من وما الموصولتين ثم قال: [ومن وما وأل تساوي ما ذكر وهكذا ذو عند طيئ شهر] ما سبق من الموصول يسمى الموصول الخاص؛ لأنه خصص لكل شيء صيغة: المفرد المذكر، المفردة المؤنثة، المثنى المذكر، المثنى المؤنث، جماعة الذكور، جماعة الإناث. وهناك موصولات عامة تصلح لكل نوع من هذه الأنواع، وهي التي ذكرها في قوله: (ومن وما وأل تساوي ما ذكر) إلخ. تساوي ما ذكر، أي: من الصيغ السابقة، وهي الذي والتي، واللذان واللتان، والذين واللاء، فتأتي للمفرد المذكر، وللمفردة المؤنثة، وللمثنى المذكر، وللمثنى المؤنث، ولجماعة الذكور، ولجماعة الإناث. فإن قال قائل: ما الذي يعلمنا أنها للمفرد المذكر دون المفردة المؤنثة ولفظها واحد؟ قلنا: الصلة هي التي تعين ذلك. فإذا قلت: يعجبني من قام، فهي للمفرد المذكر. وإذا قلت: تعجبني من قامت، فهي للمفردة المؤنثة. وإذا قلت: يعجبني من قاما، فهي للمثنى المذكر. وإذا قلت: تعجبني من قامتا، فهي للمثنى المؤنث. وإذا قلت: يعجبني من قاموا، فهي لجماعة الذكور. وإذا قلت: تعجبني من قمن، فهي لجماعة الإناث. إذاً (من) صورتها وصيغتها واحدة مهما كان المراد بها، والذي يعين المراد بها هو الصلة. وقوله: (وما) نقول فيها مثل ما قلنا في (مَنْ): تصلح للمفرد المذكر، والمفرد المؤنث، والمثنى المذكر، والمثنى المؤنث، وجماعة الذكور، وجماعة الإناث، والذين يعين واحداً منها هو الصلة. فإذا قيل: هل تأتي (مَنْ) في محل (ما) و (ما) في محل (مَنْ) أو لكل واحدة منهما محل لا تأتيه الأخرى؟ ف A أن الأصل لكل واحدة منهما محل لا تأتي فيه الأخرى، لكن قد يخرج عن هذا الأصل لسبب، فالأصل في (من) أن تكون للعاقل. هكذا عبر أكثر النحويين، ولكن ابن هشام قال: ينبغي أن نقول: إنها للعالم؛ لأنها تأتي ويراد بها الرب عز وجل، والرب لا يقال عنه: عاقل، كما في قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] أي: الله. فلا تقول: مَنْ للعاقل في هذا المحل؛ لأن الله عز وجل لا يوصف بالعقل، فلهذا اختار ابن هشام رحمه الله أن يعبر بالعالم بدلاً عن العاقل، والله يوصف بالعلم. على كل حال هي لا تكون إلا للعالم الذي يعلم ويتصرف باختياره، هذا الأصل. و (ما) الأصل أن تكون لغير العالم على تعبير ابن هشام، أو لغير العاقل على تعبير أكثر النحويين، فتكون في الجمادات، وفي المعاني، لأن المعاني أوصاف، لكن قد تأتي (من) محل (ما)، كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور:45] فمن هنا لغير العالم؛ لأن بني آدم لا يمشون على بطونهم، إنما يمشون على أرجلهم. فجاءت (من) هنا في محل (ما)، لكن لماذا جاءت؟ يقول بعضهم: إنها جاءت من أجل المشاكلة، وتغليباً للعالم على غيره، {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور:45] وفي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [آل عمران:109]، وفي آية أخرى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الرعد:15] فجاءت (من) وجاءت (ما) وكلها في السموات والأرض، لكن انظر: ((يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ)) [الرعد:15] جاءت من، وفي آية أخرى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [النحل:49]. إذاً: فهمنا من هذا أن كل واحدة منهما تأتي في مكان الأخرى، لماذا؟ قالوا: للتغليب، أي تغليب العالم على غيره، وتغليب الأكثر على غيره، فإذا عبر بـ (ما) وأريد بها الجميع فهو تغليب لغير العالم على العالم لأنه أكثر، هذا فيما نرى والعلم عند الله، وقد يكون هناك مخلوقات أخرى ذات علم أكثر من هذا. وإذا عبر بمَنْ للعموم فهو من باب تغليب العالم على غيره لشرفه. {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:3] فنحن ننكح العالمات، وما طاب وصف فنقول: جاءت (ما) في محل (من)؛ لأن المرأة إنما تنكح لأوصافها، والأوصاف معان غير عاقلة، فالإنسان لا ينكح المرأة لذات المرأة فقط، إنما تنكح المرأة لأربع. إذاً جاءت (ما) في محل (من) من أجل هذه النكتة البلاغية، وهي أن المرأة إنما تنكح لأوصافها لا لأنها بشر مخلوق من لحم وعظم وعصب وما أشبه ذلك.

الكلام على أل الموصولة

الكلام على أل الموصولة أل: هل (أل) تأتي اسماً موصولاً؟ يقولون: نعم، كل (أل) في اسم الفاعل واسم المفعول اسم موصول. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] هذه في اسم المفعول، {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] في اسم الفاعل. أما إذا أتت في جامد فليست موصولة، فإذا قلت: قام الرجل، فأل هذه غير الموصولة. أكرمت الطالب، فهذه موصولة لأنها دخلت على اسم الفاعل. ونصرت المظلوم موصولة، لأنها جاءت في اسم المفعول. لكن إذا جعلنا أل اسماً موصولاً كيف نعربها وهي على صيغة الحرف؟ قالوا: إنه ينقل إعرابها إلى صلتها لتعذر ظهور الإعراب عليها؛ لأنها بصورة الحرف، فإذا قلت: نصرت المظلوم، أي: الذي ظلم، فإنك تقول: أل مفعول به لنصرت، ونقل إعرابها إلى ما بعدها لتعذر ظهوره عليها. هذا مذهب البصريين، ومذهب البصريين دائماً يكون أقرب للقواعد، لكنه فيه صعوبة وتعقيد. ولا تقول: المظلوم مفعول به منصوب على المفعولية. لكن المذهب السهل الطيب اللين أن تقول: نصرت: فعل وفاعل. المظلوم: مفعول به منصوب. وهذا الرأي هو الصواب: أن أل هذه وإن دلت على اسم موصول فإنها لا يكون عليها إعراب، ولا يمكن أن يظهر عليها الإعراب، فالإعراب ننقله رأساً إلى نفس اسم الفاعل أو اسم المفعول.

أنواع الاسم الموصول وألفاظه

أنواع الاسم الموصول وألفاظه والاسم الموصول ستة أنواع: المفرد المذكر، والمفرد المؤنث، والمثنى المذكر، والمثنى المؤنث، وجمع المذكر وجمع المؤنث، وله ست كلمات: فللمفرد المذكر الذي ومثاله من القرآن: قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة:245]. وللمفردة المؤنثة التي ومثاله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [النحل:92]. وللمثنى المذكر اللذان، ومثاله: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء:16]. وللمثنى المؤنث اللتان، مثل: رأيت اللتين اجتهدتا. ولجماعة الذكور الذين، مثل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [فصلت:30]. ولجماعة الإناث اللاتي مثل: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء:15] القسم الثاني من أقسام الموصول: العام: من وما وأل. والغالب في مَنْ أن تستعمل للعاقل، وقال ابن هشام: للعالم. ومن الغالب في القرآن {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} [النور:45]. ومن غير الغالب: ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ)) [النور:45]. والغالب في (ما) أنها لغير العاقل، أو لغير العالم. مثل: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ} [النحل:96]. (أل تساوي ما ذكر) يعني: أل تأتي للمفرد المذكر، للمفردة المؤنثة، للمثنى المذكر، للمثنى المؤنث، لجماعة الذكور، لجماعة الإناث. تقول: يعجبني الفاهم زيد، هذه للمفرد المذكر. تعجبني العابدة هند، للمفرد المؤنث. يعجبني القائمان: مثنى مذكر. يعجبني القائمتان، مثنى مؤنث. يعجبني القائمون، جماعة ذكور. يعجبني القائمات، جماعة إناث.

الكلام على ذو الطائية

الكلام على ذو الطائية قال المؤلف: (وهكذا ذو عند طيئ شهر). طيئ: قوم من العرب، ويسكنون في الغالب عند جبال طيئ في حائل وما حولها، يجعلون (ذو) بمعنى الذي، وبمعنى الذين، فتكون عامة، وهذه لغة عند بعضهم. وعند آخرين: يجعلون ذات للمفردة المؤنثة، وذوات: لجماعة النساء، فكان في (ذو) لغتان عند طيئ: اللغة الأولى: ذو تساوي من، أو ما، أو أل، يعني أنها عامة. واللغة الثانية: يجعلون ذو عامة إلا في المفردة المؤنثة فيجعلون لها (ذات)، وجماعة الإناث يجعلون لهن (ذوات). وما سواهم من العرب لا يستعملون هذه الكلمات الثلاث استعمال الموصول. مثاله: قول الشاعر منهم: فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت يريد أن يدافع عن مائه الذي يسقي منه إبله، يقول: إن الماء ماء أبي وجدي، ورثته كابراً عن كابر. وبئري: يعني وإن البئر بئري. ذو حفرت وذو طويت: يعني التي حفرت، والتي طويت. إذاً: ذو بمعنى التي، وتقول في جماعة الذكور: جاءني ذو قاموا، يعني: الذين قاموا، وفي جماعة الإناث: جاءني ذو قمن. وفي المثنى: جاءني ذو قاما، وجاءني ذو قامتا. وفي المؤنثة: جاءتني ذو قامت، أي: التي قامت. وعلى كل اللغات فهي مبنية لا معربة، فذو بلفظ الواو في حال الرفع والنصب والجر، فتقول: أعجبني ذو أكرمني، وأكرمت ذو أكرمني، ومررت بذو أكرمني، بخلاف (ذو) التي بمعنى صاحب فإنها ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء كما سبق، أما هذه فهي مبنية على سكون الواو دائماً. ذات: مبنية على الضم في حال الرفع والنصب والجر. فتقول: يعجبني ذاتُ قامت، وأكرمت ذاتُ اجتهدت، ومررت بذاتُ اجتهدت. وذوات أيضاً مبنية على الضم. إذاً الخلاف بين طيئ في المفردة المؤنثة والجمع المؤنث فقط، ولذا قال: وكالتي أيضاً لديهم ذات وموضع اللاتي أتى ذوات سوف نعرب المشكل في أبيات الألفية، يقول: وكالتي أيضاً: أيضاً مصدر آض يئيض إذا رجع، وهي منصوبة دائماً على المصدرية وعاملها محذوف، فأنت مثلاً إذا قلت: عندي لك عشرة ريالات وأيضاً خمسة ريالات، يعني: ورجوعاً إلى إقراري: عندي لك خمسة ريالات، ولهذا تأتي أيضاً لبناء ما بعدها على ما قبلها، فهي بمعنى الرجوع، منصوبة على أنها مصدر لفعل محذوف دائماً تقديره: آض. ومنه أحد ألفاظ الحديث في كسوف الشمس: (فانصرف وقد آضت الشمس) يعني: رجعت إلى حالها قبل الكسوف. قوله: (وموضع اللاتي أتى ذوات): موضع: منصوبة على أنها ظرف عامله أتى، يعني: وأتى موضع اللات ذوات. وذوات: فاعل أتى، يعني: أتى ذوات موضع اللات، واللات معروف أنها لجماعة الإناث.

الكلام على ذا الموصولة

الكلام على ذا الموصولة ثم قال: [ومثل ماذا بعد ما استفهام أو من إذا لم تلغ في الكلام] هذا الرابع من صيغ الموصول العام. ومثل ماذا: مثل خبر مقدم، وذا مبتدأ مؤخر، والتقدير: وذا مثل ما، يعني أنها موصولة عامة، لكن متى؟ قال: (بعد ما استفهام)، أي: بعد ما الاستفهامية، فإذا أتت ذا بعد ما الاستفهامية فهي اسم موصول. (أو من): يعني: أو أتت بعد مَنْ الاستفهامية أيضاً. (إذا لم تلغ في الكلام) الضمير يعود على ذا، يعني: إذا لم تلغ ذا في الكلام، ومعنى إلغائها: أن تجعل كلمة واحدة مع ما أو مع من. يعني: أن من الأسماء الموصولة العامة كلمة (ذا) بشرط أن تقع بعد (ما) الاستفهامية أو (من) الاستفهامية، هذا شرط. الشرط الثاني: ألا تلغى في الكلام، ومعنى إلغائها: أن تجعل مع ما أو من كلمة واحدة. ويتعين الإلغاء إذا أتى بعدهما اسم موصول، مثل: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ)) [البقرة:255] فهنا نجعل (من ذا) كلمة واحدة، لأنك لو جعلتها بمعنى الذي وقلت: من الذي الذي يشفع، لكان الكلام ركيكاً. وإن وقعت بعد (ما) النافية فلا تكون اسماً موصولاً، وإذا ألغيت فإنها لا تكون موصولاً؛ لأنها سوف تكون تابعة لما أو من، وتجعل الكلمتان كلمة واحدة استفهامية، فتقول في: من ذا الذي: (منذا) كله اسم استفهام. وبعضهم يقول: من اسم استفهام، وذا: ملغاة لا محل لها من الإعراب، وهذا ظاهر كلام ابن مالك حيث قال: (إذا لم تلغ في الكلام).

متى تكون ذا موصولة ومتى تكون ملغاة

متى تكون ذا موصولة ومتى تكون ملغاة والذي يدلنا على أن (ذا) ملغاة أو أنها اسم موصول هو الجواب. فهذه آية من القرآن فيها قراءتان: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفوُ) (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفوَ) فعلى أي القراءتين كانت ملغاة، وعلى أي القراءتين كانت موصولة؟ و A على قراءة النصب تكون ملغاة، لأن اسم الاستفهام مفعول مقدم لينفقون، سواء كانت (ماذا) كلمة واحدة، أو (ما) اسم استفهام و (ذا) ملغاة زائدة، وهذا كما لو قلت: من رأيت؟ فمَنْ مفعول مقدم لرأيت. ويكون الجواب: العفوَ، يعني: قل أنفقوا العفوَ. وإذا قرأت: (العفوُ) بالرفع صار تقدير الكلام: ما الذي ينفقونه؟ فصارت (ما) مبتدأ، والذي اسم موصول خبره، وجملة (ينفقون) صلة الموصول، والعفو: خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الذين ينفقون العفو، أو هو العفو. ولزيادة التوضيح أقول: ذا التي تأتي بعد من أو ما الاستفهاميتين تكون اسماً موصولاً ويجوز إلغائها. ومعنى إلغائها أن يكون وجودها كالعدم، فإما أن تجعل مع (ما) كلمة واحدة، وإما أن يقال: هي زائدة ولا محل لها من الإعراب. فإذا جعلناها اسماً موصولاً صارت (ما) الاستفهامية مبتدأ، و (ذا) اسم موصول خبر، فإذا قلت: ماذا فعلت؟ وجعلتها اسماً موصولاً؛ يكون تقدير الجملة: ما الذي فعلت؟ وتعرب ما مبتدأ، والذي خبر، وفعلت صلة الموصول، والعائد محذوف والتقدير: ما الذي فعلته. إذا قلت: ماذا فعلتَ؟ وكان التقدير: ما فعلت؟ فإن ذا ملغاة ومعنى ملغاة: زائدة مركبة مع (ما) أو (من)، فنعرب (ماذا) اسم استفهام مفعول مقدم، أو نقول: (ما) اسم استفهام مفعول مقدم و (ذا) زائدة، وفعلت: فعل وفاعل والمفعول هو (ما) المقدمة. فإن أجاب المسئول فقال: خيراً، حمل (ذا) على أنها ملغاة لأن الفعل تسلط عليها والتقدير على جوابه: فعلت خيراً. وإذا قال: خيرٌ، عرفنا أنه حمل (ذا) على أنها اسم موصول، وأن التقدير: ما الذي فعلت، فنعرب (ما) مبتدأ و (ذا) خبره، وفعلت: صلة الموصول، ويكون تقدير الكلام في جوابه: هو خير، أو: الذي فعلته خير. فصارت (ما) و (من) إذا جاء بعدها (ذا) يجوز فيها وجهان: الوجه الأول: أن تلغى (ذا) في الكلام وتعتبر زائدة أو مركبة مع (ما) أو (من). والوجه الثاني: أن تكون اسماً موصولاً. يتعين الإلغاء إذا أتى بعدها اسم موصول مثل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة:245] لئلا يجتمع موصولان في كلام واحد. وقول بعضهم: إنه جائز، ونعرب الذي بدلاً من (ذا) غير صحيح؛ لأن البدل معناه أننا حملنا الكلام على أمر زائد وهو خلاف الأصل. لكن أحياناً تأتي (ذا) اسم إشارة، وهي بعد ما أو من، مثل أن يأتي رجل يقرع الباب فتقول: (من ذا)، فذا اسم إشارة، ولم يذكرها ابن مالك؛ لأنها معلومة ولا توجد صلة ولا خبر، فإذا قلت (من ذا) فـ من: اسم استفهام مبتدأ أو خبر مقدم، وذا اسم إشارة خبر أو مبتدأ مؤخر. ومما سبق يكون التقسيم: أولاً: تأتي (ذا) على أنها اسم إشارة مثل: من ذا؟ أي: من هذا؟ ثانياً: تأتي اسماً موصولاً، ويجوز إلغاؤها في مثل: من ذا قام، أو ماذا فعلت. ثالثاً: تأتي ملغاة -ولابد- إذا وقع بعدها اسم موصول، وتكون إما زائدة، وإما مركبة مع (ما) أو (من).

شرح ألفية ابن مالك [14]

شرح ألفية ابن مالك [14] الاسم الموصول لابد له من صلة يتم بها معناه، وهذه الصلة لا تكون اسماً مفرداً، بل جملة أو شبه جملة، ويلزم أن تشتمل على ضمير يعود إلى الموصول، وقد يحذف هذا العائد في بعض المواضع.

صلة الموصول وشروطها

صلة الموصول وشروطها

وجوب صلة للموصول

وجوب صلة للموصول ثم قال: (وكلها يلزم بعده صلة) تقدم أن أسماء الموصول عشرة: ستة خاصة، وأربعة عامة، والعامة ثلاثة منها عند العرب كلهم، وواحد عند طيئ، وهذه الموصولات هي: الذي، والتي، واللذان، واللتان، والذين، واللاتي، ومن، وما، وأل، وذو، يقول المؤلف: هذه كلها يلزم بعدها صلة. فأفاد المؤلف رحمه الله أنه لابد لكل موصول من صلة؛ فلو قلت: (جاء الذي) فلا يمكن أن يتم معناه إلا بصلته, ولهذا قال: (يلزم). وقوله: (يلزم بعده صلة) سواء كان ذلك لفظاً أو تقديراً؛ لأنه قد تحذف الصلة وتكون مقدرة كقول الشاعر: نحن الألى فاجمع جموعك ثم وجهم إلينا قال النحويون: التقدير: الألى عرفوا بالشجاعة. ويصلح التقدير بقولنا: نحن الذين لا نخاف الموت فاجمع جموعك ثم وجهم إلينا. على كل حال يلزم وجود الصلة: إما لفظاً وإما تقديراً، لكن حذف الصلة قليل جداً، ولا يجوز أن تحذف إلا بقرينة تدل على أنها محذوفة.

وجوب تأخر الصلة عن الموصول

وجوب تأخر الصلة عن الموصول وقول المؤلف: (يلزم بعده) أفادنا أنه يشترط في الصلة أن تكون بعد الموصول، فلا تصح قط قبله، فلو قلت: جاء قام الذي، وأنت تريد أن تجعل (قام) صلة مقدمة للموصول، فهذا لا يصح.

وجوب اشتمال الصلة على ضمير مناسب للموصول

وجوب اشتمال الصلة على ضمير مناسب للموصول قال: (على ضمير لائق مشتملة) أي: لا بد للصلة من ضمير، ولابد أن يكون هذا الضمير لائقاً: أي على حسب الموصول، يعني مذكراً إن كان الموصول مذكراً، مفرداً إن كان الموصول مفرداً، فالذي يكون ضميره مفرداً مذكراً، والتي مفرداً مؤنثاً، واللذان مثنى مذكراً، واللتان مثنى مؤنثاً، والذين جماعة ذكور، واللاتي جماعة إناث. فتقول: جاء الذي قام، وجاءت التي قامت، وجاء اللذان قاما، وجاءت اللتان قامتا، وجاء الذين قاموا، وجاءت اللاتي قمن. لو قلت: جاءني اللذان قاموا، فهذا خطأ؛ لأن الضمير هنا لم يناسب وليس بلائق. لو قلت: جاءني اللذان قام، فهو خطأ. ولو قلت: جاءني الذي قام أبوه، فهذا صحيح؛ لأن الهاء ضمير يعود على الذي. ولو قلت: جاءني الذي قام أبٌ، فليس بصحيح؛ لأن الصلة خلت عن الضمير؛ فلا بد من ضمير يرجع إلى الموصول، ولابد أن يكون هذا الضمير لائقا بالموصول. أما أسماء الموصول العامة مثل: ما، ومن، فما الذي يكون لائقاً بها من الضمائر؟ نقول: إن راعيت المعنى فأت بالضمير موافقاً للمعنى، وإن راعيت اللفظ فأت بالضمير مفرداً مذكراً. وقد يتعين الضمير بحسب السياق؛ لو قلت: جاءني من أرضع، يصح هذا إذا اعتبرنا اللفظ، ويصح جاءني من أرضعت إذا اعتبرنا المعنى. وإذا قلت: جاءني من قام؛ وهما اثنان، فيصح باعتبار اللفظ، وإذا أردت اعتبار المعنى تقول: جاءني من قاما. فإذا قال قائل: هل يجوز أن يعتبر اللفظ مع خفاء المعنى؟ A لا يجوز إلا إذا قصد العموم، ولهذا إذا كنت تريد أن تبين المعنى فلا بد أن تأتي بضمير مطابق. فلو قلت: أكرمت من أرضع ولده، نقول: هنا لا يناسب إلا أن تقول: أرضعت؛ حتى تبين المعنى. فالحاصل أن: الضمير لابد أن يكون لائقا، وهو في الأسماء الموصولة الخاصة يجب أن يكون مطابقاً للفظ، واللفظ يدلنا على المعنى. أما في الأسماء الموصولة العامة الأربعة فيجوز فيها اعتبار اللفظ واعتبار المعنى. وقول المؤلف: (مشتملة) يشمل ما إذا كان الضمير هو معمول فعل الصلة كجاء الذي أكرمته، أو له صلة بمعمول الصلة، مثل: جاء الذي أكرمت أباه، هنا (أكرم) الذي هو الصلة لم يسلط على ضمير الموصول؛ لكن سلط على ملابسه وهو المضاف إليه. يعني: قد يكون الضمير معمولاً لصلة الموصول مباشرة مثل: جاء الذي أكرمته، الهاء معمول لأكرم الذي هو الصلة مباشرة، وقد يكون متصلاً بملابسه مثل: جاء الذي أكرمت أباه، فهنا الضمير لم يتصل بالصلة مباشرة لكن اتصل بمفعول الصلة. ويشترط في هذه الصلة أن تكون مشتملة على ضمير مطابق للموصول؛ إن كان الموصول خاصاً، والموصولات الخاصة ستة: فالمفرد المذكر لابد أن يكون عائده ضميراً مفرداً مذكراً والمثال: جاء الذي أكرمته. وإذا كان مفرداً مؤنثاً فالعائد مفرد مؤنث مثاله: جاءت التي أكرمتها. وإذا كان مثنى مذكراً فعائده كذلك مثل: جاء اللذان أكرمتهما. وإذا كان جماعة إناث: جاءت اللاتي قمن. وإذا كان جماعة ذكور فمثاله في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30]. وإذا كان الموصول من الموصولات العامة وهي أربعة: (ما، ومن، وأل، وذا بعد ما أو من الاستفهامية) هذه باتفاق العرب. والخامس: ذو، عند طيئ جاز في عائده أمران: أحدهما: مراعاة المعنى. والثاني: مراعاة اللفظ. فإذا راعينا اللفظ كان العائد مفرداً مذكراً، وإذا راعينا المعنى كان بحسب المراد؛ فإذا قلت: جاءت من أكرمتها، فقد راعيت المعنى، وإذا قلت: جاء من أكرمته، وأنت تريد جماعة فقد راعيت اللفظ. وإذا قلت: جاء من أكرمته راكباً، فهذه مراعاة للفظ والمعنى؛ لأنه مفرد.

صلة الموصول يجب أن تكون جملة أو شبه جملة

صلة الموصول يجب أن تكون جملة أو شبه جملة إذاً: يشترط في جملة الصلة شروط: الشرط الأول: أن تكون بعد الموصول. الثاني: أن تكون مشتملة على ضمير مطابق. والثالث: أن تكون جملة، أو شبه جملة؛ ولهذا قال: [وجملة أو شبهها الذي وصل به]. جملة: خبر مقدم. أو شبهها: معطوف عليه. الذي: مبتدأ مؤخر. وصل به: صلة الموصول. ومعنى البيت: والذي وصل به جملة، أو شبه جملة، يعني: أن صلة الموصول تكون جملة، وتكون شبه جملة. فالجملة: إما أن تكون جملة فعلية، وإما أن تكون جملة اسمية. وشبه الجملة: إما ظرف، أو جار ومجرور. ولا يمكن أن تكون اسماً مفرداً؛ فلا يجوز أن تقول: جاء الذي أبوه، لأنها لم تتم. وضرب المؤلف مثالين فقال: [كمن عندي الذي ابنه كفل]. (من) بمعنى الذي، و (عندي) ظرف، وهو صلة الموصول، فهو شبه جملة. (الذي ابنه كفل) الذي: اسم موصول. وابن: مبتدأ. وجملة (كفل) خبره، والجملة صلة الموصول. وفي المثالين مع ما سبقهما لف ونشر غير مرتب؛ لأنه في الأول قال: (جملة أو شبهها)، فبدأ بالجملة، وفي التمثيل بدأ بشبه الجملة، وهذا لف ونشر غير مرتب، والبلاغيون يقولون: لف ونشر مشوش، ولكننا نبعد التشويش، نقول: لف ونشر غير مرتب. تأمل قوله: (من عندي) وقد تقرر في القواعد أن كل ظرف أو جار ومجرور لا بد له من متعلق؛ ولهذا سميناه شبه جملة، والمتعلق في شبه الجملة فعل محذوف ولابد، فمثلاً: من عندي، التقدير: من استقر عندي. تقول: جاء الذي عندي، يقدر المحذوف: جاء الذي استقر عندي. وإن شئت أن تبين المتعلق الخاص فتقول: جاء الذي سكن عندي؛ لأن الاستقرار معنى واسع والسكنى معنى خاص، فلك أن تقدر المعنى الخاص، ولك أن تقدر المعنى العام. وعلى كل حال فالمحذوف في شبه الجملة إذا وقعت صلة الموصول هو فعل ولابد. فإذا قال قائل: أليس ابن مالك يقول: [وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى كائن أو استقر] وكائن ليست فعلاً، قلنا: هناك فرق بين هذا وهذا؛ لأن الأصل أن يكون الخبر غير جملة؛ ولهذا قال: (ناوين معنى كائن) فقدم الاسم. وصلة الموصول الأصل فيها أن تكون جملة ولا يوصل الموصول بمفرد؛ ولهذا فلو قال إنسان: جاء الذي عندي، فإذا قدرت: جاء الذي مستقر عندي؛ قلنا: لا يجوز، بل لا بد أن تقدر: جاء الذي استقر عندي، لتتم الجملة؛ لأنك لو قلت: جاء الذي مستقر عندي لزم أن تقدر مبتدأً يكون مستقراً خبره، فيكون عندنا محذوفان، وإذا قدرنا (استقر) فالمحذوف واحد؛ وكلما قل الحذف فهو أولى. الخلاصة: صلة الموصول يجب أن تكون جملة، أو شبه جملة. وشبه الجملة يجب أن يقدر لها فعل تتعلق به، فقوله: (من عندي) أصلها: الذي استقر عندي، وإذا قلت: جاء الذي في البيت، نقول: (في البيت) جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، والتقدير: جاء الذي سكن في البيت، أو استقر في البيت، أو ما أشبه ذلك. والجملة التي ذكرها المؤلف (الذي ابنه كفل) اسمية؛ لأن الجملة الاسمية هي التي تبتدأ باسم، والجملة الفعلية هي التي تبتدأ بفعل، والجملة هنا "ابنه كفل" ابن: اسم. إذاً: المؤلف مثل لشبه الجملة بالظرف، ومثل للجملة بالجملة الاسمية، ومثال الجملة الفعلية قول الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} [الزمر:33] جاء فعل ماض، فهذه جملة فعلية.

جملة الصلة خبرية لا إنشائية

جملة الصلة خبرية لا إنشائية والجملة في كلام المؤلف جملة خبرية وليست طلبية، فهل تمثيله يدل على أنه يشترط في جملة صلة الموصول أن لا تكون جملة طلبية بناء على أن التمثيل يحدد الشروط، لأن الكتاب مختصر تؤخذ شروطه من الأمثلة؟ A نعم، هذا هو المشهور عند النحويين، فلا يصح أن تقول: جاءني الذي اضربه، فإن وقع مثل هذا في كلام العرب -والعرب يحكمون علينا ولا نحكم عليهم- فإنه يقدر لهذه الجملة الطلبية جملة خبرية، فنقدر (جاء الذي اضربه) بقولنا: جاء الذي يقال في حقه اضربه، وجملة (يقال) خبرية. ولا يصح أن أقول: جاء الذي هل قام؛ لأن الجملة إنشائية استفهامية ويشترط أن تكون جملة الصلة خبرية. فإذا جاء في كلام العرب مثل هذا التعبير (جاء الذي هل قام؟) فلا نقول إنه لحن أو خطأ في اللغة، إنما نقول: لابد أن نقدر شيئاً يصح به الكلام، فنقول: جاء الذي يقال في حقه هل قام؟ ولهذا قالوا في رجل استضافه قوم، وتركوه في النهار كله فما أعطوه شيئاً، ولما كان في الليل جاءوا بلبن أكثره ماء، ما جاءوا به في النهار لئلا يراه، فقال: حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط (المذق) المخلوط، بمذق: نكرة تحتاج إلى صفة، والصفة هي: (هل رأيت الذئب قط)، جملة استفهامية لا تصلح أن تكون صفة، قالوا: التقدير: جاءوا بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط. فصور أن لون هذا اللبن أشهب رمادي، والشاعر اختار الذئب لأنه سبع يأتي في الليل، فكأنه قال: هذا اللبن لونه لون الذئب، وزمن حضوره زمن حضور الذئب. على كل حال هذا جئنا به ليعلم أنه إذا جاء في كلام العرب ما يخالف قواعد النحويين، فإن قواعد النحويين لا تحكم على كلام العرب، بل يجب أن نقدر ما يصح به الكلام على القواعد. ولقائل أن يقول: ما دمنا أسسنا أننا لا نحكم على العرب فلماذا لا نقول: إنه إذا فهم المعنى فلا حرج أن تكون الجملة خبرية أو إنشائية؟ ولهذا لو قال قائل: جاء الذي ما أظرفه! فإننا نقدر فنقول: جاء الذي يقال فيه: ما أظرفه. وإذا قلت: حضر الطلبة الذين ما أفهمهم للنحو! نقول: هذا -إن شاء الله- تعبير صحيح لفظاً ومعنى، لكن على القواعد نقدر: الذين يقال فيهم: ما أفهمهم!

حكم الفصل بين الموصول وصلته

حكم الفصل بين الموصول وصلته قول المؤلف: (يلزم بعده صلة) وأتى بالصلة بعد الموصول يؤخذ منه أنه لابد ألا يفصل بين الصلة والموصول بأجنبي؛ لأنها صلته لا تتم إلا به، فلو قلت مثلاً: جاء الذي زيد قائم في البيت، تريد أن تقول: (في البيت) صلة للذي، لا يصح، فلا يجوز أن يفصل بين الصلة والموصول بأجنبي بينهما. أما إذا كان غير أجنبي فلا بأس، مثاله: جاء الذي زيداً أكرم، تريد: جاء الذي أكرم زيداً؛ لأن زيداً مفعول للفعل الذي وقع صلة، فليس أجنبياً من الصلة. إذاً: يشترط في الصلة ألا يفصل بينها وبين الموصول بأجنبي. فأما قول الشاعر يخاطب الذئب: تعش فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان فالشاهد في (مثل من يا ذئب يصطحبان) فهنا فصله بالمنادى الأجنبي، وهذا خلاف الأصل.

صلة أل الموصولة

صلة أل الموصولة يقول المؤلف: [وصفة صريحة صلة أل]. (صفة) خبر مقدم، وصلة أل: مبتدأ مؤخر؛ وإنما اخترنا أن تكون صلة أل هي المبتدأ؛ لأنها معرفة وصفة نكرة، والأصل أن المعرفة هي المبتدأ؛ لأنه محكوم عليه فلابد أن يكون معلوماً، فإذا جاءت كلمتان كل واحدة تصح أن تكون مبتدأ فاجعل المبتدأ هو المعرفة لأنه محكوم عليه. والصفة الصريحة هي التي لا يشوبها تأويل، وهي ثلاثة أشياء: (اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة). وخرج بقولنا (صريحة) الصفة التي ليست بصريحة، مثل أن تكون مصدراً، كأن يقال: فلان الرضا، فلان العدل. هنا الرضا والعدل ليسا صفة صريحة، وعلى هذا فلا تكون (أل) موصولة؛ لأن (أل) الموصولة لا بد أن تكون صلتها صفة صريحة. كذلك الأسد قد يوصف به، ولكنه ليس بالصفة الصريحة، فـ (أل) الداخلة عليه ولو في مقام الوصف لا تكون موصولة؛ لأن (أل) الموصولة لا تكون صلتها إلا صفة صريحة. وأقرب من هذا أن نقول: (أل) التي تدخل على اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، موصولة، و (أل) التي تدخل على غير ذلك ليست موصولة. وقوله: (وكونها بمعرب الأفعال قل). يعني: كون (أل) توصل بمعرب الأفعال قليل، ومعرب الأفعال هو المضارع؛ لأن الماضي والأمر كلاهما مبني. وأفادنا المؤلف رحمه الله بأن (أل) قد توصل بالفعل المضارع لكنه قليل عند العرب، وإذا كان قليلاً عند العرب فينبغي أن يكون عندنا أقل. وأنشدوا على ذلك قول الشاعر: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل فمقتضى القاعدة في (أل) الشمسية والقمرية أن نقول: ما أنت بالحكم التُّرضى؛ لأن أل المقترنة بالتاء شمسية. كما تقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وفي القرآن {التَّائِبُونَ} [التوبة:112]. لكن هنا لا نجعلها شمسية، بل نجعلها قمرية؛ لأن (أل) الموصولة في منزلة المنفصل فيقال في النطق في البيت: ما أنت بالحكم الترضى، بسكون اللام. وكذلك قد توصل (أل) بالظرف، لكنه أيضاً قليل، وعليه قول الشاعر: من لا يزال صابراً على المعه فهو حَرٍ بعيشة ذات سعه (على المعه) يعنى: على الذي معه، أي: أن الإنسان الذي يصبر على ما معه من النفقة والعيش؛ فهو حرٍ بعيشة ذات سعة؛ لأن الله تعالى قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7] والقناعة كنز لا يفنى. إذاً توصل (أل) قياساً باسم فاعل مثل: الضارب، واسم مفعول مثل: المضروب، والصفة المشبهة مثل: البطل، وتوصل قليلاً بالفعل المضارع، وكذلك توصل قليلاً بالظرف.

أي الموصولة وشروط إعرابها

أي الموصولة وشروط إعرابها قال المؤلف: [أي كما وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف] (أيٌّ كما) يريد ابن مالك (ما) التي سبقت في قوله: (وما وأل تساوي ما ذكر). أي: أن أياً تستعمل اسماً موصولاً عاماً مثل (ما) الموصولة. ونحن نعلم أن أياً لها استعمالات: فهي تأتي استفهامية، وتأتي شرطية. ومثال الاستفهامية أن تقول: أي الرجلين قام؟ والشرطية كقوله تعالى: {أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110]. وجمهور النحويين على أنها تأتي موصولة، وعليه ابن مالك في قوله: (أي كما). وقال بعض علماء النحو: إن أياً لا تأتي موصولة، إنما تأتي شرطية أو استفهامية، ولكن إذا وجد ما ظاهره أنها موصولة؛ فإنه عندهم يؤول حتى تكون للاستفهام. قال: (وأعربت ما لم تضف). لما ذكر حكمها من حيث إنها تأتي موصولة، ذكر حكمها من حيث الإعراب، يعني: إذا جاءت موصولة فهل تكون مبنية كما هو شأن الموصولات أو تكون معربة؟ ذكر المؤلف أنها تكون معربة إلا بشرطين، وكونها تعرب إلا بشرطين يدل على أن الأكثر فيها الإعراب؛ لأن البناء وارد على الإعراب. قال: (وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف). يعني: إذا لم تكن مضافة، وصدر صلتها محذوف فحينئذ تبنى. إذاً تبنى بشرطين: الأول: أن تكون مضافة. والثاني: أن يكون صدر صلتها ضميراً، وإذا كان صدر صلتها ضميراً صارت الصلة اسمية. وقوله: (وصدر وصلها) الواو نعربها على أنها واو الحال، يعني: ما لم تضف والحال أن صدر وصلها ضمير انحذف. وأفادنا قول المؤلف رحمه الله: (ما لم تضف) أنها قد تأتي غير مضافة، وأفادنا قوله: (وصدر وصلها ضمير) أنها تأتي ويكون صدر وصلها غير ضمير، وذلك إذا كانت صلتها جملة فعلية. وأفادنا قوله: (ضمير انحذف) أنه إذا كان موجوداً فإنها تعرب، لأنها لا تبنى إلا بالشرطين: أن تضاف، وأن يكون صدر وصلها ضميراً محذوفاً. فإذا قلت: يعجبني أيٌّ هو قائم، فهي في هذا المثال معربة؛ لأنه فات الشرطان؛ فهي ليست مضافة، وصدر وصلها ضمير موجود. ويعجبني أيهم هو قائم، أي: معربة؛ لأن صدر الصلة لم يحذف. يعجبني أيٌّ قائم معربة؛ لأنها لم تضف. ويعجبني أيهم قائم، مبنية؛ لأنها مضافة وصدر وصلها ضمير محذوف. ويعجبني أيهم قام، هذه معربة؛ لأنها وإن كانت مضافة، لكن ليس صدر صلتها ضميراً محذوفاً. ويعجبني أي هو قائم، معربة؛ لأنها ليست مضافة، وصدر وصلها ليس ضميراً محذوفاً، ففات الشرطان. ويعجبني أيهم هو قائم، معربة أيضاً. ويعجبني أيٌّ قائم، معربة؛ لأنها لم تضف. ويعجبني أيهم قائم، مبنية؛ لأنها مضافة وصدر الصلة محذوفة والتقدير يعجبني أيهم هو قائم. وإذا قلت: أكرم أياً هو قائم، معربة، ولذلك صارت منصوبة. ومررت بأيٍ هو قائم، معربة. ومررت بأيُّهم قائمٌ فهنا أي مضافة وصدر الصلة ضمير محذوف فتكون مبنية على الضم. وقال تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم:69]. فأي مضافة و (أشد) خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: أيهم هو أشد، فتكون مبنية؛ ولهذا هي مضمومة مع أن الفعل واقع عليها، ولو كانت معربة لقيل: ثم لننزعن من كل شيعة أيَّهم أشد على الرحمن عتياً. قال: (وبعضهم أعرب مطلقا). إذاً: فيها خلاف حتى في البناء لو تم الشرطان، يعني: لو كانت مضافة وصدر وصلها ضميراً محذوفاً فبعضهم أعربها مطلقا. لكن كلمة (بعضهم) راجعة إلى أهل اللغة، فهم الذين ينطقون، أما النحويون فإنهم يوجهون فقط.

حذف صدر صلة الموصول غير أي

حذف صدر صلة الموصول غير أي ثم قال: [وبعضهم أعرب مطلقا وفي ذا الحذف أيا غير أي يقتفي أن يستطل وصل وإن لم يستطل فالحذف نزر وأبوا أن يختزل] أفادنا المؤلف رحمه الله أنه لا يحذف العائد المرفوع إلا إذا كان صدر الصلة، لقوله: (وصدر وصلها ضمير انحذف) إما إذا كان فاعلاً فلا يمكن أن يحذف، وكذلك نائب الفاعل واسم كان، فلا يحذف إلا إذا كان صدر صلة، ولا يكون صدر صلة إلا وهو ضمير. لكن هل يحذف صدر الصلة المرفوع في غير أي؟ يقول: يحذف لكن بشرط أن يستطيل الوصل، يعني: إن كانت الصلة طويلة، أما إذا كانت غير طويلة؛ فإن الحذف قليل. فإذا قلنا: جاء الذي قائم، فالذي اسم موصول، (قائم) خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: جاء الذي هو قائم، فالصلة ليست طويلة، إنما هي كلمة واحدة، إذاً: فلا تحذف (هو) لأن الصلة غير طويلة، فيجب أن تقول: جاء الذي هو قائم. وإذا قلنا: جاء الذي راكب بعيراً جاز؛ لأن الصلة طويلة، و (بعيراً) تكون مفعولاً به، ويجوز أن تقول: جاء الذي هو راكب بعيراً. والضابط: إذا كان كلمة لها متعلق فهي طويلة، مثل: جاء الذي هو جالس عندك فهذا طويل يجوز أن تقول: جاء الذي جالس عندك، فتحذف الضمير؛ لأن الصلة طويلة. قال الله تعالى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام:154] وفي قراءة: (تماماً على الذي أحسنُ)، فهذه من القليل، والتقدير: تماماً على الذي هو أحسن، حذفت هو لكن على وجه القلة مع أنه قليل، لكن القراءة المشهورة: (تماماً على الذي أحسنَ). الآن عرفنا الحكم، و Q هل يحذف صدر الصلة إذا كان الموصول أيّاً؟ A إن طالت الصلة فنعم، وإن لم تطل الصلة فالحذف قليل. نرجع إلى كلام ابن مالك رحمه الله: قال: (وفي ذا الحذف أياً غير أي يقتفي). ذا: اسم إشارة، والمشار إليه حذف صدر الصلة وهو الضمير. أياً: مفعول مقدم ليقتفي. غير أي: (غير) مبتدأ، وجملة يقتفي خبرها. وتقدير هذا الشطر: وغير أي يقتفي أياً في هذا الحذف. ثم قال: (إن يستطل وصل) يعني: إن كان الوصل طويلاً. (وإن لم يستطل فالحذف نزر)، أي: قليل. معناه: أنه إذا طالت الصلة فالحذف كثير. فمثلاً: إذا قلنا: جاء الذي هو راكب سيارته. الصلة طويلة، فيجوز الحذف، فتقول: جاء الذي راكب سيارته. وإذا قلنا: جاء الذي هو ذكي. فالصلة قصيرة فيجوز حذف (هو) فتقول: جاء الذي ذكي؛ لكنه قليل.

حذف العائد

حذف العائد

حذف العائد المرفوع

حذف العائد المرفوع هل يحذف صدر الصلة إذا كان الموصول غير أي؟ A إن طالت الصلة جاز الحذف، وإن لم تطل فالحذف قليل، والضابط في طول الصلة وقصرها أن ما زاد على ركني الجملة الموجودين تكون به الصلة طويلة. قال ابن مالك: [إن يستطل وصل وإن لم يستطل فالحذف نزر]. و Q عرفنا الآن أن صدر الصلة يحذف بشروطه التي ذكر المؤلف، فهل يحذف غيره، أعني: هل يحذف الفاعل أو نائب الفاعل أو اسم كان؟ والجواب: لا يجوز؛ ولهذا إنما يجوز الحذف في المرفوع إذا كان صدر صلة.

متى لا يجوز حذف صدر الصلة

متى لا يجوز حذف صدر الصلة ثم قال المؤلف: (وأبوا أن يختزل). (أبوا) الضمير يعود على العرب، ويجوز أن يكون يعود على النحاة؛ لأنه ممكن أن يقول النحويون: هذا ممنوع؛ لأنه لم يسمع، وهذا هو الأقرب؛ لأن العرب لا يقال عنهم: يأبون أو يوافقون، إنما يتكلمون فقط. (أبوا أن يختزل) أي: (أن يحذف إن صلح الباقي لوصل مكمل). ووجه ذلك: أنه إذا صلح الباقي لوصل مكمل لم يكن هناك دليل على المحذوف، مثاله: جاء الذي هو في البيت، فصدر الصلة (هو) موجود، فلو حذفت وقلت: جاء الذي في البيت، لم يصح؛ لأن (في البيت) تصلح أن تكون صلة، فإذا كان الباقي بعد الحذف يصلح أن يكون صلة فإنه لا يجوز حذف صدر الصلة. فإن قال قائل: أي فرق بين أن تقول: جاء الذي هو في البيت، أو: جاء الذي في البيت؟ قلنا: الفرق بينهما التخصيص. فقولنا: جاء الذي هو في البيت يعني لا غيره، وجاء الذي في البيت، قد يكون معه غيره وفي المثال الأول الصلة جملة اسمية وفي الثاني شبه جملة. فإذا قال قائل: جاء الذي هو في البيت، وأراد أن يحذف (هو)، قلنا: لا يصح؛ لأن الباقي لا يصلح للصلة على الوجه الذي نريده مع بقاء صدر الصلة، فهو لا يدل على ما تدل عليه الصلة إذا كان صدرها موجوداً. وخلاصة الكلام: أنه يجوز حذف العائد المرفوع بشرط أن يكون صدر الصلة، وأن تكون الصلة طويلة إلا في (أي)، فإنه يجوز حذف صدر صلتها وإن لم تكن الصلة طويلة، وهو في (أي) كثير، وفي غيرها قليل. أما الفاعل ونائب الفاعل واسم كان؛ فإنها لا تحذف فلا يحذف إلا العائد المرفوع الواقع صدر الصلة.

حذف العائد المنصوب

حذف العائد المنصوب [والحذف عندهم كثير منجلي في عائد متصل إن انتصب بفعل أو وصف كمن نرجو يهب] (والحذف عندهم) أي: عند العرب. (كثير منجل) أي: واضح. في عائد متصل منصوب بفعل أو وصف. فإذا كان العائد منصوباً بفعل أو وصف وكان متصلاً فإنه يجوز حذفه. مثاله: (كمن نرجو يهب)، (من) هنا ليست شرطية، بل هي اسم موصول بمعنى الذي، أي: كالذي نرجوه يهب لنا. و (يهب) مرفوعة في الأصل لكن سكنت للروي؛ لأنه آخر البيت. و (من نرجو يهب) أصلها من نرجوه يهب، أي: يهب لنا، الضمير في (نرجوه) متصل منصوب والناصب له فعل. فانطبقت عليه الشروط. ولو قلت: الذي إياه نرجو يهب. لا يجوز؛ لأن الضمير منفصل. فإذا قال المتكلم: أنا أريد ضميراً متصلاً، قلنا: إذا أردت الضمير المتصل فاتت الفائدة في الضمير المنفصل؛ لأن قولك: كالذي إياه نرجو، ليس كقولك: كالذي نرجوه. فالجملة الأولى تفيد التخصيص والحصر، أما الثانية لا تفيد التخصيص والحصر. ولهذا نقول: كالذي إياه نرجو، لا يجوز أن تحذف العائد فيها؛ لأنك لو حذفت العائد فيها اختل المقصود بالكلام وهو الحصر. وإذا قلت: الذي لا نرجو إلا إياه يهب، فحذفت وقلت: الذي لا نرجو إلا يهب، لا يجوز. فصار حذف العائد المنصوب يشترط فيه شرطان: الشرط الأول: أنه متصل. والشرط الثاني: أنه منصوب بفعل أو وصف. فإذا قلت: جاء الذي إنه قائم، وحذفت العائد وقلت: جاء الذي إنّ قائم، فالعائد منصوب ومتصل، لكنه منصوب بغير الفعل ولا الوصف، فلا يجوز حذفه. وقد أتى المؤلف للفعل بمثال: كمن نرجو يهب، ومثال الوصف: جاء الذي راجوه يهب، بمعنى: نرجوه، فهنا يصح أن يحذف لأنه منصوب بوصف. فإذا نصب بوصف أو فعل فإنه يجوز حذفه، أما إذا نصب بغيره فلا يجوز. وإذا قلت: الذي أنا معطيكه درهم، وحذفت الهاء، وقلت: الذي أنا معطيك درهم، يجوز؛ لأنه منصوب بوصف، وهو معط. وخلاصة ما سبق: أنه يجوز حذف العائد المنصوب بشرط أن يكون متصلاً، وأن يكون ناصبه فعلاً أو وصفاً. والمؤلف يقول: إنه كثير، ولكنه ليس بأكثر، فالأكثر وجوده، لكن حذفه كثير.

حذف العائد المجرور بالوصف

حذف العائد المجرور بالوصف ثم قال: [كذاك حذف ما بوصف خفضا كأنت قاضٍ بعد أمر من قضى] الآن انتقل إلى حذف العائد المجرور، والمجرور قد يجر بوصف، وقد يجر بحرف، ولكل منهما شروط. فيقول: (كذاك حذف ما بوصف خفضا) يعني: أن العائد المجرور يحذف، لكن أحياناً يجر بوصف، وأحياناً يجر بحرف وخرج ابن مالك عن قاعدة البصريين في هذا البيت لكونه أطلق على (الجر) الخفض. فإذا جر بوصف؛ فإنه يجوز حذفه، مثاله: قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72] وهو المراد بقول المؤلف: (كأنت قاض بعد أمر من قضى) فهو يشير إلى الآية، والأمر من قضى اقض. (ما أنت قاض) (ما) اسم موصول، و (قاض) وصف، وأصل الكلام: اقض ما أنت قاضيه، فحذف الضمير المجرور؛ لأنه مجرور بوصف. ولو قلت: أكرم الذي غلامه في البيت، وأردت أن تحذف الهاء من (غلامه)، وتقول: أكرم الذي غلام في البيت، لا يجوز الحذف؛ لأنه جر بالإضافة إلى غلام، وهو ليس وصفاً؛ فالعائد المجرور يحذف، لكن بشرطين: الشرط الأول: أن يكون مجروراً بوصف. والشرط الثاني: أن يكون مجروراً بوصف مستقبل. وأخذنا هذين الشرطين من قوله: كأنت قاض بعد أمر من قضى. ولو قال: جاء الذي مضروبه في البيت، وأراد أن يحذف الهاء فقال: جاء الذي مضروب في البيت، لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يكون الوصف اسم فاعل، وأيضاً بمعنى الحال أو الاستقبال، فعلى هذا إذا قلت: جاء الذي مضروب في البيت، فإنه لا يستقيم. قد يقول قائل: جاء الذي هو مضروب في البيت، نقول: يختلف المعنى اختلافاً كبيراً، إذا قلت: جاء الذي هو مضروب في البيت، صار الجائي هو الذي ضُرب في البيت. وإذا قلت: جاء الذي مضروبه في البيت، كان الذي في البيت ليس الجائي ولكنه من ضربه الجائي، فيكون الجائي هو الضارب. فما جر بالإضافة: إن جر باسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال جاز حذفه، ومثاله: قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72]. وإن جر بحرف أو باسم جامد أو جر بوصف غير اسم الفاعل فإنه لا يجوز. لكن ما جر بالحرف يقول المؤلف فيه: [كذا الذي جر بما الموصول جر كمر بالذي مررت فهو بر] (كذا الذي جر): كذا يعني الضمير الذي جر (بما الموصول جر)، أي: بحرف جر الموصول. وعلى هذا فنعرب (الموصول) على أنه مفعول جر مقدماً، وتقدير البيت: كذا الذي جُرّ بحرف جَرّ الموصول، بحيث يكون الموصول مجروراً بالباء، والعائد مجروراً بالباء، فإن اختلف الجار فلا حذف. فيحذف العائد المجرور بالحرف بشرط أن يجر بالحرف الذي جر الموصول، يؤخذ الشرط من قول المؤلف: (بما الموصول جر). ثم مثل قال: (كمر بالذي مررت فهو بر) (فهو بر) تكميل للبيت. (مر بالذي مررت) أصلها مر بالذي مررت به، فحذف الضمير المجرور بالباء، وحذف حرف الجر؛ لأنه لا يمكن أن يبقى حرف الجر بدون مجرور. قال الله تبارك وتعالى: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون:33] وأصله: مما تشربون منه، لكن حذف العائد وهو الضمير المجرور بمن، وحذف حرف الجر لأنه لا يمكن أن يبقى وحده، وصارت الآية: ((مِمَّا تَشْرَبُونَ)). فإن اختلف حرف الجر فإنه لا يحذف المجرور، فإذا قلت: رغبت فيما رغبت عنه، أي: رغبت أنا فيما رغبت عنه أنت، فلا يمكن أن نحذف الهاء في قوله: عنه؛ لاختلاف الحرف، فيتعين أن يوجد الحرف والعائد، ولا يجوز الحذف. ويشترط أيضاً أن يكون العامل الذي تعلق به حرف الجر مطابقاً للعامل الذي جر الموصول لفظاً ومعنى. مثال ذلك أن تقول: مررت بالذي مررت به، فهنا العاملان متفقان، كلاهما مر، والحرفان متفقان، وكلاهما باء، والمعنى واحد. فإن اختلف الحرف امتنع الحذف، مثاله: رغبت فيما رغبت عنه، وإن اختلف اللفظ في العاملين امتنع الحذف، فلو قلت: وقفت على ما قمت عليه، أي: وقفت أنا على ما قمت عليه أنت، أي: وقف، امتنع الحذف؛ لاختلاف العاملين لفظاً مع اتحاد معناهما. ولو قلت: وقفت على من وقفت عليه، تريد بالأول القيام، وتريد بالثاني الوقف الذي هو التحبيس والتسخير، فلا يجوز الحذف؛ لاختلاف العاملين معنى. فصار الشرط في العائد المجرور بالحرف اتفاق الحرفين، واتفاق العاملين لفظاً ومعنى، والمثال في كتاب الله عز وجل: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون:33].

الخلاصة في حذف العائد

الخلاصة في حذف العائد فصار العائد: إما مرفوعاً وإما منصوباً، وإما مجروراً. والمرفوع: إما ضمير (هو) صدر الصلة، فيجوز حذفه، وسبق التفصيل فيه، هل هو كثير أو قليل. وإما غير ضمير الصدر فإنه لا يجوز حذفه، مثل: مررت باللذين قاما، لا يصح أن أقول: باللذين قام، أو: مررت بالذين قاموا، فلا يصح أن أقول: بالذين قام. لأن الضمير المرفوع ليس صدر صلة. والمنصوب: إما أن ينصب بفعل أو بوصف، وحذفه جائز بشرط أن يكون متصلاً. المجرور: إما أن يكون مجروراً بالإضافة، وإما أن يكون مجروراً بالحرف. والمجرور بالإضافة يشترط أن يكون مجروراً باسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال. والمجرور بالحرف يشترط فيه اتفاق العاملين لفظاً ومعنى، واتفاق الحرفين لفظاً ومعنى. وبهذا ينتهي الكلام على حكم الضمير الذي هو العائد.

شرح ألفية ابن مالك [15]

شرح ألفية ابن مالك [15] من المعارف المعرف بأل، وقد اختلف النحاة هل التعريف حاصل بأل كلها أم باللام وحدها. وقد تلزم أل في بعض الكلمات، وقد تأتي في الشعر للضرورة، وقد تدخل في بعض الأعلام للمح الأصل، وبعض الأسماء تدخل عليها أل فتكون علماً بالغلبة.

المعرف بأداة التعريف

المعرف بأداة التعريف قال: [المعرف بأداة التعريف]. ولم يقل: المعرف بأل؛ لأن من العرب من يعرف بأم، وهي لغة حميرية، إذ يجعلون بدل أل أم، فيقول: انظر إلى امقمر، أي: انظر إلى القمر. المعرف بأداة التعريف هو الخامس من أنواع المعرفة؛ لأن أنواع المعرفة: الضمير، العلم، الإشارة، الموصول، المعرف بأل، والمضاف إلى واحد مما ذكر هو السادس. لكن المضاف إلى واحد مما ذكر يكون معرفة بغيره، وأما هذه الخمسة الأنواع فهي معرفة بذاتها. قال المؤلف رحمه الله: [أل حرف تعريف أو اللام فقط فنمط عرفت قل فيه النمط] (أل حرف تعريف أو اللام فقط) أو هنا تنويع الخلاف، يعني: أن النحويين اختلفوا: هل المعرِّف هي أل، أو اللام فقط؟ فمنهم من قال: إنها أل. ومنهم من قال: إنها اللام فقط. أما من قال: إنها أل، فقالوا: إن الإنسان ينطق بأل: القمر، الليل، الشمس، النهار وما أشبه ذلك. والذين قالوا: إنها اللام فقط، قالوا: إن الهمزة هنا لم يؤت بها على أنها من أصل الأداة، لكن أتي بها لإمكان النطق بأل؛ لأن أل إذا كانت ساكنة فلا يمكن أن ينطق بها إلا بواسطة همزة الوصل. وعلى هذا فإذا قلت: جئت من المسجد، هل نقول: إن الهمزة حذفت لالتقاء الساكنين، أو نقول: إن أصل الهمزة غير موجودة؛ لأنا لا نأتي بها إلا للضرورة، وهنا لا ضرورة. وفي الكتابة: إذا أردت أن أكتب: من المسجد، إن جعلنا الهمزة من الأداة نأتي بها. وإذا قلنا: الهمزة ليست من الأداة، وإنها تسقط إذا لم نحتج إليها، فلا نكتبها. والخلاف في هذا ليس له كبير فائدة، والمتبع الآن هو أن نأتي بالهمزة ونكتبها رسماً، وإن لم تكن محتاجاً إليها. قال: (فنمط عرفت قل فيه النمط) معنى (عرفت) أردت تعريفه. وقوله: (نمط عرفت) قد يشكل، لماذا لم ينصبه مع أن (عرف) لم تنصب مفعولها؟ نقول: لأن (عرف) ليست منصبة على (نمط)، وإنما المعنى: فنمط أردت تعريفه، فيكون المراد بالتعريف هنا الإرادة، ومفعولها محذوف والتقدير: أردت تعريفه، ولهذا جاءت (نمط) مرفوعة. والنمط نوع من البسط، وجمعه أنماط، كسبب وأسباب، يعني: فإذا أردت أن تعرف (نمط) فقل: النمط، وإذا أردت أن تعرف (بعيد) فقل: البعيد. ولهذا تجد الفرق بين قولك لابنك: أعطني نمطاً، أو أعطني النمط، إذا قلت: أعطني نمطاً، أعطاك أي نمط، وإذا قلت: النمط، أعطاك النمط المعروف. وإذا قلت: أعطني سجادة أريد أن أصلي، وفي البيت عدة سجادات، سيعطيك أي سجادة، وإذا قلت: أعطني السجادة، أتى إليك بالسجادة التي كنت تعتاد أن تصلي عليها. فأل تعرف وتعين المراد.

زيادة حرف التعريف

زيادة حرف التعريف

زيادة أل في بعض الكلمات وجوبا

زيادة أل في بعض الكلمات وجوباً ثم قال: [وقد تزاد لازماً كاللاتي والآن والذين ثم اللات ولاضطرار كبنات الأوبر كذا وطبت النفس يا قيس السري] قد تزاد أل ولا يحصل بها التعريف، بل التعريف بغيرها، لكن لا بد من الإتيان بها. (كاللاتي) هو اسم موصول، جمع التي، فلا بد من أن تأتي بأل فيها، مع أنها معرفة بدونها، لأنها اسم موصول. (والآن) الآن هو للزمن الحاضر، وغداً للمستقبل، وأمس للماضي، فتقاسمت الزمان. (والذين) اسم موصول. (ثم اللات) اللات هذه غير اللات الأولى، إنما هذه اسم لصنم تعبده قريش. والمؤلف رحمه الله قال: (ثم اللات)، لتأخر رتبته؛ لأنه صنم ليس من حقه أن يساوي غيره، ولا أن يكون قبل غيره، فأتى بثم الدالة على التراخي. فاللام في هذه الأمثلة لا يمكن أن تسقط إطلاقاً؛ لأنها من بنية الكلمة، فلا يمكن أن تقول في (اللاتي) التي هي اسم موصول لجماعة الإناث: جاء لاتي. ولا يمكن أن تقول: حضر زيد أن بمعنى: الآن. وكذلك لا يمكن أن تقول: جاء لذين قاموا، لأن أل هنا من بنية الكلمة، فزيادتها لازمة.

زيادة أل في ضرورة الشعر

زيادة أل في ضرورة الشعر ثم قال: (ولاضطرار) أي: تزاد لاضطرار، والاضطرار هو اضطرار الشعر؛ لأن النظم يضطر الناظم إلى أن يخرج عن القواعد، والحريري في الملحة يقول: وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف الشاهد من هذا قوله: (الشعر الصلف) وهو الذي يرغمك على أن تزيد كلمة، أو تحذف كلمة، أو تغير صيغة وما أشبه ذلك. (كبنات الأوبر) بنات الأوبر أصلها بنات أوبر، وهي اسم لنوع من الكمأة. والكمأة هي التي يسميها العامة عندنا الفقع، وسميت فقعاً لأنها تفقع الأرض، وهي نبات معروف يخرج في أيام الأمطار الكثيرة، وهو ثلاثة أقسام: أردؤها بنات أوبر. ولهذا يقول الشاعر: ولقد جنيتك أكمؤاً وعساقلاً ولقد نهيتك عن بنات الأوبر لأن بنات الأوبر طعمها رديء، وترابها كثير، وهي أيضاً صغيرة، فهي لا تجمع لأنها تتعب الإنسان، وفائدتها قليلة. فالشاهد قوله: (بنات الأوبر) حيث زيدت أل لزوماً لضرورة الشعر، وهي بدون ضرورة: بنات أوبر. ولو أراد إنسان الآن أن يزيدها لقلنا: لا؛ لأنك لست بعربي، وهي ليست لغة حتى نقول: لك أن تختار ما شئت من لغات العرب، إنما هي للضرورة، والضرورة تتقدر بقدرها. قوله: (كذا وطبت النفس يا قيس السري) يشير إلى بيت يقول فيه الشاعر: رأيتك لما أن عرفت وجوهنا صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو (النفس) هنا تمييز محول عن الفاعل، وأصله: وطابت نفسك، والتمييز عند جمهور النحويين لا بد أن يكون نكرة، ولا يجوز أن يكون معرفة. فإذا أورد عليهم هذا البيت قالوا: هذه ضرورة، فأل زائدة؛ لأنها دخلت على كلمة يجب أن تكون نكرة. والغرض من هذا البيت الذم. لكن هل يقال: إن هؤلاء يطلبون العتب منه كأنهم يقولون: ما الذي فعلنا حتى تصد عنا، وأنه رجل إذا صد عن أحد فله قيمته. الذي يظهر -والله أعلم- أن ابن مالك فهم هذا؛ ولهذا قال: يا قيس السري، والسري: الشريف كما قال ابن مالك في باب المبتدأ: (كهم سراة شعراء) أي: شرفاء. إذاً علامة كونها زائدة اضطراراً نقول: إذا دخلت على ما يجب أن يكون خالياً منها في الشعر فهي زائدة للضرورة. فيشترط في التمييز أن يكون نكرة، فإن جيء به معرفة؛ قلنا: هذا خطأ إذا كان اختياراً. إما إذا كان للضرورة؛ فالضرورة تبيح المحظور.

زيادة أل للمح الأصل

زيادة أل للمح الأصل تقدم أن (أل) تزاد أحياناً زيادة لازمة مثل: اللات، والذين، واللاتي وما أشبهها. وقد تزاد للاضطرار مثل: بنات الأوبر، وطبت النفس يا قيس، وهذا في ضرورة الشعر. الموضع الثالث: تزاد للمح الأصل، ولهذا قال: [وبعض الأعلام عليه دخلا للمح ما قد كان عنه نقلا] قوله: (بعض الأعلام) يدل على أنه ليس كل الأعلام بل بعضها. (عليه دخلا) أي: الألف واللام إذا جعلنا الألف في قوله: دخلا للتثنية؛ فإن جعلنا الألف لإطلاق الروي؛ فإن المراد (دخل) أي: أداة التعريف. والمعنى: بعض الأعلام تدخل عليه أل ونقول: إنها زائدة؛ لأنها دخلت على علم ولم تفد تعريفاً، فوجودها وعدمها سواء. قال: (للمح ما قد كان عنه نقلا) يعني: أنهم يدخلونها لأجل أن يلمح السامع ما نقل عنه هذا العلم، مثاله: (الفضل) لو حذفت (أل) وقيل: (فضل) لصح الكلام، ولم نحتج إلى أل؛ لأنه علم، فحصلت معرفته بالعلمية؛ فتكون أل زائدة. لكن زادوها لأجل لمح الأصل الذي هو المصدر؛ لأن (فضل) مصدر فَضَل يَفضُل فضلاً؛ فإذا سمع السامع الفضل ذهب ذهنه إلى المصدر الذي هو المعنى الذي يرغب فيه فيكون تفاؤلاً بأن هذا الرجل المسمى بالفضل يكون ذا فضل وشرف. و (الحارث)، هذه أل زائدة؛ ووجه زيادتها أنه لا يحتاج إليها في تعريف مدخولها؛ لأن مدخولها علم. فأدخلت للمح الأصل؛ فالحارث اسم فاعل من الحرث، فكأن الذي وضع هذا الاسم له أراد التفاؤل بأن هذا المسمى يكبر ويكون حارثاً عاملاً كما جاء في الحديث (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها: حارث وهمام). و (النعمان) من أسماء الدم، والدم أحمر فيسمي الإنسان ولده النعمان تفاؤلاً بأن يظهر أحمر، والغالب أن الحمرة تدل على الصحة والنشاط. ولهذا يقال للإنسان إذا رئي وجهه أصفر: لا بأس عليك، هل أنت مريض؟ لكن الأحمر يضرب به المثل في القوة والنشاط. [كالفضل والحارث والنعمان فذكر ذا وحذفه سيان] (ذكر ذا وحذفه سيان) أي من حيث التعريف، أما من حيث المعنى فيختلف؛ لأن الذي يضع أل للمح الأصل ليس كالذي لا يضعه.

أل الداخلة على العلم بالغلبة

أل الداخلة على العلم بالغلبة قال المؤلف: [وقد يصير علماً بالغلبة مضاف أو مصحوب أل كالعقبة) أي: قد يكون المحلى بأل علماً بالغلبة، وكذا المضاف، وقد يقول قائل: إن الأولى أن يذكر في باب العلم، لكن كأنه استطرد لما ذكر أل التي تدخل على الأعلام للمح الأصل فذكر شيئاً يستعمل أيضاً وهو المضاف، فقد يكون المضاف علماً بالغلبة بمعنى: أنه لا يعرف إلا لهذا الرجل مع أنه صالح له ولغيره، مثال ذلك: ابن عمر؛ إذا قيل: وعن ابن عمر رضي الله عنه صار علماً بالغلبة لا بالتسمية على عبد الله بن عمر. وابن عباس على عبد الله. فالغالب أنه إذا قيل ابن عباس فهو عبد الله، وإذا قيل ابن الزبير فهو عبد الله وهلم جرا. فمعنى الكلام أنه قد تصير الكلمة علماً لا بوضع الأصل إنما بالغلبة. وقوله: (أو مصحوب أل كالعقبة) العقبة اسم لكل عقبة في جبل تحتاج إلى صعود، لكنها صارت علماً بالغلبة على عقبة منى؛ ولهذا إذا قيل: جمرة العقبة؛ ذهب ولهك إلى أنها عقبة منى. فكلمة العقبة الآن اسم لعقبة معينة لا بالتسمية ولكن بالغلبة؛ لأن العقبة تصلح لها ولغيرها. والمدينة علم على مدينة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالغلبة، وإلا فهو صالح لكل مدينة كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القصص:20]، فليست هي مدينة الرسول، لكن صارت المدينة علماً على المدينة النبوية بالغلبة، فكلما ذكرت في الكتب الإسلامية المدينة انصرف الذهن إلى المدينة النبوية. وبهذه المناسبة ينبغي أن نصفها بالمدينة النبوية دون المدينة المنورة؛ لأن المنورة لا نعلم لها أصلاً، لكن المدينة النبوية بالنسبة للنبي واضح. قد يقول قائل: إن المدينة المنورة لها أصل، وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فاستنار منها كل شيء، فلما مات أظلم منها كل شيء)، فقد يقول: لها أصل، لكنها مع ذلك لم يسمها الصحابة المنورة، والعلماء السابقون يسمونها المدينة النبوية، أو يقولون: المدينة ويسكتون. وكذلك مكة المكرمة أيضاً ما علمنا في السابق أنها توصف بهذا الوصف. والكتاب عند النحويين كتاب سيبويه مع أن الكتاب صالح لكل كتاب. وممكن أن نقول: حتى قوله تعالى: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الدخان:1 - 2] أن الكتاب المبين يعني: القرآن، وهو علم بالغلبة.

حذف أل الداخلة على العلم بالغلبة

حذف أل الداخلة على العلم بالغلبة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحذف أل ذى إن تناد أو تضف أوجب وفي غيرهما قد تنحذف] قوله: (حذف أل ذي) المشار إليه أقرب ما ذكر من أقسام أل. و (حذف): مفعول به مقدم للفعل أوجب. (أل): مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة منع من ظهورها سكون الحرف الأصلية. (ذي): اسم إشارة مبني على السكون في محل جر صفة من أل. (إن) حرف شرط جازم. (تناد): فعل مضارع مجزوم بإن لأنه فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت. (أوجب): فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب، وجواب شرط (إن) محذوف دل عليه أوجب. ومعنى البيت: وحكم الألف واللام التي للغلبة أنها لا تحذف إلا في النداء أو الإضافة، نحو: يا صعق للصعق، وهذه مدينة الرسول. وقد تحذف في غيرهما شذوذاً، وسمع من كلامهم: هذا عيوق طالعاً، والأصل: العيوق، وهو اسم نجم. وبهذا انتهى الكلام على المفردات، ومن الابتداء فما بعد نبتدئ بالمركبات. والفائدة من معرفة المفردات: معرفة ما يعرب وما يبنى وما يتعلق بذلك، لا معرفة أن هذا مرفوع أو منصوب.

معاني أل

معاني أل انتهى المحلى بأل، لكن المؤلف رحمه الله لم يبين لنا أل المعرفة من حيث المعنى، وهو مهم، فنقول: إن أل جنسية وعهدية. والجنسية: إما أن تكون لبيان حقيقة الجنس، أو لبيان استغراق الجنس. والعهدية إما ذكرية أو ذهنية أو حضورية. فالأقسام خمسة: اثنان للجنسية، وثلاثة للعهدية. أولاً: التي للجنس: هي التي يقصد بها بيان حقيقة الجنس، مثل: الرجل خير من المرأة، يعني: جنس الرجال خير من النساء، وكذلك (الرجال قوامون) يعني: جنس الرجال قوامون على النساء. ومثل أن تقول: الإنسان مكون من لحم وعظم ودم وعصب وما أشبه ذلك، يعني: حقيقة الإنسان. وقد تكون لاستغراق الجنس، وعلامتها أن يحل محلها كل، مثل قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2]، أي: إن كل إنسان. ومثل قوله تعالى: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28]، أي: خلق كل إنسان. والتي للعهد الذهني: وهو ما كان معهوداً بين الناس بأذهانهم، مثل: (قال النبي صلى الله عليه وسلم) فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتقول: قضى القاضي بكذا وكذا، فالقاضي معلوم، لأن أل للعهد الذهني. وتكون للعهد الذكري وهي: التي تعود إلى شيء سابق، مثل قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل:15 - 16]. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5 - 6]، فأل في العسر الثاني للعهد الذكري؛ ولهذا كان العسر الثاني هو العسر الأول، وصار المذكور في الآية عسراً واحداً ويسرين. الثالث العهد الحضوري: ويكون ذلك في كل محلى بأل يأتي بعد اسم الإشارة، مثاله: ذاك الرجل، ذلك الكتاب؛ وإنما قلنا: إنه عهد حضوري لأن الإشارة تكون إلى شيء حاضر. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، اليوم يعني: هذا اليوم الحاضر، وتقول: قدم فلان اليوم، أي: اليوم الحاضر. وابن مالك رحمه الله لم يتكلم على هذه المعاني، ولكن غيره تكلم عليها، وفيها فائدة، فالتي لبيان الحقيقة لا تقتضي الشمول، فإذا قلنا: الرجل خير من المرأة، لا يستلزم أن كل واحد من الرجال خير من المرأة، والرجال قوامون، لا يقتضي أن كل واحد من الرجال قوام على كل امرأة من النساء. أما التي للاستغراق فهي تفيد أن هذا الحكم ثابت لجميع أفراد مدخول أل، فقوله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37]، أي: خلق كل إنسان.

شرح ألفية ابن مالك [16]

شرح ألفية ابن مالك [16] الكلام العربي يتركب من جمل مفيدة، والجملة إما إسمية وإما فعلية، والاسمية لابد فيها من ركنين أساسيين هما المبتدأ والخبر، وقد عقد لهما ابن مالك باباً بين فيه أحكامهما، فبدأ بذكر ما يرفعان به ومتى يغني الفاعل عن الخبر.

المبتدأ والخبر

المبتدأ والخبر قال ابن مالك رحمه الله في الألفية: [الابتداء. متبدأ زيد وعادر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر]. بدأ المؤلف في الكلام على تركيب الجملة، ومن هذا الباب تبدأ التراكيب، وفائدة النحو لأن ما سبق كله فهو كالمفردات من الآن فصاعداً في التراكيب. قال المؤلف: [الابتداء]. ولم يقل: المبتدأ والخبر، كما قاله غيره اختصاراً؛ ولأن الابتداء يستلزم المبتدأ، والمبتدأ يستلزم الخبر فاستغنى بذكر الابتداء عن ذكر المبتدأ والخبر للتلازم. ومع ذلك فهو لم يعرف المبتدأ، وصاحب الآجرومية عرف المبتدأ، فصارت الآجرومية في هذا أوسع من الألفية. يقول صاحب الآجرومية: المبتدأ هو الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية. فأخرج بقوله: (العاري عن العوامل اللفظية) الفاعل، ونائب الفاعل، واسم كان، وخبر إن؛ لأن العوامل في هذه المرفوعات لفظية. لكن عامل المبتدأ معنوي، وهو الابتداء؛ ولهذا قال ابن مالك في الكافية: (المبتدأ مرفوع معنى ذو خبر أو وصف استغنى بمرفوع ظهر) إذاً العامل في المبتدأ معنوي؛ لأنه لم يسبقه فعل حتى يكون عاملاً فيه، لكن للابتداء به صار مرفوعاً. قال: [مبتدأ زيد وعاذر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر] فزيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. وعاذر: خبر مبتدأ مرفوع بالمبتدأ وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. ومن: اسم موصول مفعول به. واعتذر: جملة صلة الموصول. فكأن المؤلف رحمه الله استغنى بذكر المثال عن التعريف. وهنا بحث فقهي: هل يحمد زيد، حيث عذر من اعتذر؟ A فيه تفصيل: إن كان الذي اعتذر إليه قدم عذراً صحيحاً فكونه يعذره محمود، وإن قدم عذراً غير صحيح فهو غير محمود. والخلاصة: المبتدأ: كل اسم مرفوع عار عن العوامل اللفظية؛ إذاً فهو مرفوع بأمر معنوي وهو الابتداء.

استغناء الوصف بالفاعل عن الخبر

استغناء الوصف بالفاعل عن الخبر قال ابن مالك رحمه الله في الألفية: [الابتداء. متبدأ زيد وعادر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر]. بدأ المؤلف في الكلام على تركيب الجملة، ومن هذا الباب تبدأ التراكيب، وفائدة النحو لأن ما سبق كله فهو كالمفردات من الآن فصاعداً في التراكيب. قال المؤلف: [الابتداء]. ولم يقل: المبتدأ والخبر، كما قاله غيره اختصاراً؛ ولأن الابتداء يستلزم المبتدأ، والمبتدأ يستلزم الخبر فاستغنى بذكر الابتداء عن ذكر المبتدأ والخبر للتلازم. ومع ذلك فهو لم يعرف المبتدأ، وصاحب الآجرومية عرف المبتدأ، فصارت الآجرومية في هذا أوسع من الألفية. يقول صاحب الآجرومية: المبتدأ هو الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية. فأخرج بقوله: (العاري عن العوامل اللفظية) الفاعل، ونائب الفاعل، واسم كان، وخبر إن؛ لأن العوامل في هذه المرفوعات لفظية. لكن عامل المبتدأ معنوي، وهو الابتداء؛ ولهذا قال ابن مالك في الكافية: (المبتدأ مرفوع معنى ذو خبر أو وصف استغنى بمرفوع ظهر) إذاً العامل في المبتدأ معنوي؛ لأنه لم يسبقه فعل حتى يكون عاملاً فيه، لكن للابتداء به صار مرفوعاً. قال: [مبتدأ زيد وعاذر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر] فزيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. وعاذر: خبر مبتدأ مرفوع بالمبتدأ وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. ومن: اسم موصول مفعول به. واعتذر: جملة صلة الموصول. فكأن المؤلف رحمه الله استغنى بذكر المثال عن التعريف. وهنا بحث فقهي: هل يحمد زيد، حيث عذر من اعتذر؟ A فيه تفصيل: إن كان الذي اعتذر إليه قدم عذراً صحيحاً فكونه يعذره محمود، وإن قدم عذراً غير صحيح فهو غير محمود. والخلاصة: المبتدأ: كل اسم مرفوع عار عن العوامل اللفظية؛ إذاً فهو مرفوع بأمر معنوي وهو الابتداء.

الاستغناء بالفاعل عن الخبر إذا اعتمد المبتدأ على الاستفهام

الاستغناء بالفاعل عن الخبر إذا اعتمد المبتدأ على الاستفهام ثم قال: [وأول المبتدأ والثاني فاعل اغنى في أسار ذان] هذا معنى قوله في الكافية: (أو وصف استغنى بمرفوع ظهر). قوله: (والثاني فاعل أغنى) أي: أغنى عن الخبر. (في أسار ذان) أي في قولك: أسار ذان؟ (أسار): الهمزة في (أسار) للاستفهام. و (سار) مبتدأ وهو اسم فاعل. (ذان): لا نقول: خبر المبتدأ، بل نقول: فاعل سار مبني على الألف في محل رفع؛ لأنه اسم إشارة مثنى، والفاعل سد مسد الخبر. أو إن شئت فقل: الفاعل أغنى عن الخبر، ومثله: أقائم الرجلان: (قائم): اسم فاعل، و (الرجلان): فاعل فهي تساوي: أسار ذان. وكذلك: أمضروب الرجلان، فمن المعلوم أن مضروب اسم مفعول يعمل عمل الفعل، مثل اسم الفاعل، وعلى هذا فيكون مثله، ومن ثم قلنا: إن الكافية في هذا المكان أحسن من الخلاصة لأنه قال: أو وصف استغنى بمرفوع ظهر. وكلمة (وصف) تشمل: اسم الفاعل، واسم المفعول إذا استغنى بمرفوعه. فإذا قلت: أمضروب الرجلان، فالهمزة للاستفهام، و (مضروب) مبتدأ، والرجلان نائب فاعل أغنى عن الخبر. والخلاصة أن المبتدأ له خبر، وقد يكون المبتدأ وصفاً فيستغنى بمرفوعه عن الخبر.

الاستغناء بالفاعل عن الخبر إذا اعتمد المبتدأ على النفي

الاستغناء بالفاعل عن الخبر إذا اعتمد المبتدأ على النفي يقول: [وقس وكاستفهام النفي وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد] كلمة (وقس) ربما نقول: إنه أراد أن نقيس على هذا المثال ما يوازيه، فنقول: أسار ذان، أداع ذان، أقائم الرجلان. ويحتمل أن نقول: يريد أن نقيس على اسم الفاعل اسم المفعول فيشمل: أمضروب الرجلان، والثاني أولى؛ لأنه يشمل الأول. قوله: (وقس) يعني: قس على هذا الوصف ما أشبهه. (وكاستفهام النفي) يعني: إذا اعتمد الوصف على نفي استغنى بمرفوعه عن الخبر كما لو اعتمد على استفهام. فلو جعلت بدل الهمزة (ما) فقلت: ما سار ذان، صح، ونقول: ما نافية. وسار: مبتدأ. وذان: فاعل أغنى عن الخبر. ولو قلت: غير سار ذان، صح؛ لأن (غير) تأتي للنفي. ولو قلت: ليس سار ذان، صح؛ لأن ليس نفي، و (سار) اسم ليس، و (ذان) فاعل أغنى عن الخبر. فصار النفي: إما بما، أو بغير، أو بليس. ومعنى قوله: (وكاستفهام النفي) يعني: أن النفي يقوم مقام الاستفهام، وبناء عليه يصح حذف الهمزة، ونأتي بدلها بما يدل على النفي.

الاستغناء بالفاعل عن الخبر من غير اعتماد على نفي ولا غيره

الاستغناء بالفاعل عن الخبر من غير اعتماد على نفي ولا غيره قال: (وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد) المقصود أن الوصف هنا وهو (فائز) لم يعتمد على استفهام ولا نفي، ومع ذلك نقول في إعرابه: (فائز) مبتدأ، و (أولو) فاعل أغنى عن الخبر. مع أنه لم يعتمد على استفهام ولا نفي، وهذا قد يجوز، و (قد) تفيد التقليل كما يقولون: قد يجود البخيل، وقد يكون الجبان شجاعاً. ولهذا شاهد من كلام العرب، وهو قول الشاعر: خبير بنو لهب فلا تك ملغياً مقالة لهبي إذا الطير من مرت وبنو لهب مشهورون بالتطير، والشاهد: قوله: خبير بنو لهب، فـ (خبير) مبتدأ، و (بنو) فاعل سد مسد الخبر مع أن (خبير) لم يعتمد على استفهام ولا نفي. إذاً يجوز في اللسان العربي أن يستغنى بمرفوع الخبر وإن لم يعتمد على نفي أو استفهام. وكلام ابن مالك يدل على أن الأصل أنه لا يستغنى بمرفوع مبتدأ عن الخبر إلا إذا اعتمد على استفهام أو نفي، لكن قد يجوز على وجه قليل. وهذا القول وسط بين قول الكوفيين السمحين الذين يقولون: يجوز أن يستغنى بمرفوع المبتدأ عن الخبر وإن لم يعتمد مطلقاً. وبين المتشددين من البصريين الذين يقولون: لا يجوز أبداً. وقالوا في قوله: (خبير بنو لهب): (خبير): خبر مقدم. فقيل لهم: (خبير) مفرد و (بنو لهب) جمع، فكيف يخبر بالمفرد عن الجمع؟ قالوا: إن (فعيل) قد يخبر به عن الجمع، ومنه قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4]، ولم يقل: ظهيرون. لكن الصواب ما ذهب إليه الكوفيون بناء على القاعدة العريضة عندنا: أنه إذا اختلف النحاة على قولين أخذنا بالأسهل، ولا إثم علينا، فمن يسر يسر الله عليه. والخلاصة: أن كل مبتدأ لا بد له من خبر، وقد يستغنى بمرفوع المبتدأ عن الخبر إذا كان وصفاً معتمداً على استفهام أو نفي. وقد يجوز أن يستغني المبتدأ بمرفوعه وإن لم يتقدم استفهام ولا نفي.

حكم تطابق الوصف مع فاعله المغني عن الخبر

حكم تطابق الوصف مع فاعله المغني عن الخبر ثم قال المؤلف: [والثان مبتدا وذا الوصف خبر إن في سوى الإفراد طبقا استقر] الوصف: إما أن يكون مفرداً، وما بعده مفرد، أو مثنى وما بعده مثنى، أو جمعاً وما بعده جمع. فقولنا: أقائم زيد، الوصف مفرد وما بعده مفرد. وقولنا: أقائمان الزيدان، الوصف مثنى وما بعده مثنى. وأقائمون الزيدون، الوصف جمع وما بعده جمع. فإذا كان الوصف جمعاً وما بعده جمع، أو الوصف مثنى وما بعده مثنى؛ تعين أن يكون الوصف خبراً مقدماً. وإذا كان الوصف مفرداً وما بعده مفرد؛ جاز الوجهان: أن يكون الوصف خبراً مقدماً وما بعده مبتدأ مؤخراً، أو يكون الوصف مبتدأً وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر. مثل: أقائم زيد، لك أن تقول: الهمزة للاستفهام، و (قائم) خبر مقدم، و (زيد) مبتدأ مؤخر، والأصل: أزيد قائم. ولك أن تقول: الهمزة للاستفهام، و (قائم) مبتدأ، و (زيد) فاعل أغنى عن الخبر. وإذا قلت: أقائمان الرجلان؛ فقل: الهمزة للاستفهام، و (قائمان) خبر مقدم، و (الرجلان) مبتدأ مؤخر. وكذلك إذا كان الوصف جمعاً وما بعده جمع مثل: أقائمون المسلمون، تقول: الهمزة للاستفهام، و (قائمون) خبر مقدم، و (المسلمون) مبتدأ مؤخر، والأصل إذا رددته للترتيب أن تقول: ألمسلمون قائمون. وإذا كان الوصف مفرداً، وما بعده مثنى تعين أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر، مثاله: أقائم الرجلان، (قائم) مبتدأ، و (الرجلان) فاعل أغنى عن الخبر. ولكن لا نقول: قائم: خبر مقدم؛ لأنك لو قلت ذلك لأخبرت بمفرد عن مثنى، والإخبار بالمفرد عن المثنى لا يجوز. وكذلك إذا كان الوصف مفرداً وما بعده جمع؛ فإنه يتعين أن يكون الوصف مبتدأً، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر، مثاله: أقائم الرجال. فنقول: (قائم) مبتدأ، و (الرجال) فاعل أغنى عن الخبر، ولا يجوز أن تقول: (قائم) خبر مقدم، و (الرجال) مبتدأ مؤخر؛ لأنك لو قلت ذلك لأخبرت بالمفرد عن الجمع، وهذا لا يجوز في اللغة العربية. وإذا كان الوصف مما يستوي فيه المفرد والجمع جاز الوجهان، مثاله: أجُنُب الرجلان، يجوز أن تجعل (جنب) خبراً مقدماً، و (الرجلان) مبتدأ مؤخراً، أو تقول: (جنب) مبتدأ، و (الرجلان) فاعل أغنى عن الخبر. وكذلك قولنا: أجنب الرجال، يجوز الوجهان: أن تجعل (جنب) مبتدأً، و (الرجال) فاعلاً أغنى عن الخبر، أو (جنب) خبراً مقدماً، و (الرجال) مبتدأً مؤخراً، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]، فأخبر بجنب وهي مفرد عن الجماعة؛ لأن (جنب) مما يستوي فيه المفرد وغيره. يقول: (والثان مبتدا وذا الوصف خبر) يعني: وهذا الوصف، فذا: اسم إشارة، والوصف: نعت أو بدل أو عطف بيان، و (خبر) خبر ذا، يعني: يكون الثاني مبتدأ، ويكون هذا الوصف خبراً. قال: (إن في سوى الإفراد طبقاً استقر) الذي سوى الإفراد هو التثنية والجمع، يعني: إن استقر مطابقاً في سوى الإفراد، فإن الثاني يكون مبتدأ، ويكون الوصف خبراً، إلا على لغة أكلوني البراغيث. أما على لغة أكلوني البراغيث فيجوز إذا تطابق في غير الإفراد أن تجعل الوصف مبتدأ، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر. أما على لغة سائر العرب فيقولون هنا: يجب أن يكون الوصف خبراً مقدماً كما قال: (والثان مبتدا وذا الوصف خبر). فإذا قيل: أقائمون الرجال؟ فيجعل الرجال فاعل على لغة أكلوني البراغيث، وأما بقية العرب فيقولون: قائمون: خبر مقدم، والرجال: مبتدأ مؤخر، والفرق أن علامة التثنية والجمع تلحق العامل على لغة أكلوني البراغيث، ولا تلحقه على اللغة الكثيرة المشهورة عند العرب. ويقولون: قاموا الرجال، كما تلحق تاء التأنيث بالفعل إذا كان الفاعل مؤنثاً، تلحق واو الجماعة إذا كان جماعة. ويقولون: ضربن النساء، فضربن: فعل ماض، والنون علامة للنسوة فقط، والنساء: فاعل. وقاموا الرجال، (قاموا) فعل، والواو علامة الجمع فقط، والرجال: فاعل، مثلما تقول: ضربت هند، وتقول: ضربن النساء، فالتاء للتأنيث، والنون أيضاً للتأنيث، لكنها علامة الجمع والتاء علامة الإفراد، هذا مأخذ لغة البراغيث.

الرافع للمبتدأ والخبر

الرافع للمبتدأ والخبر ثم قال المؤلف رحمه الله: [ورفعوا مبتدأ بالابتدا كذاك رفع خبر بالمبتدا] بين المؤلف في هذا البيت بأي شيء رفع المبتدأ؛ لأننا لا نجد عاملاً لفظياً تقدمه فعمل فيه، أو عاملاً لفظياً تأخر عنه فعمل فيه، فإذا قلنا: قام زيد، نعرف أن زيداً مرفوع بقام، لكن (زيد قائم) بأي شيء ارتفع زيد؟ قال: إنه مرفوع بالابتداء، يعني: لكوننا ابتدأنا به استحق أن يكون مرفوعاً، فالعامل فيه إذاً معنوي وليس لفظياً. (كذاك رفع خبر بالمبتدأ) فالخبر مرفوع بعامل لفظي وهو المبتدأ. إذاً عامل المبتدأ معنوي وعامل الخبر لفظي؛ ولهذا تقول في قولك: زيد قائم: زيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة على آخره. وقائم: خبر المبتدأ مرفوع بالمبتدأ، وعلامة رفعه ضم آخره. وقيل: كلاهما مرفوع بالابتداء. وقيل: كل واحد منهما رفع الآخر، وفي هذا يقول: ابن مالك في الكافية: وقال أهل الكوفة الجزءان قد ترافعا وذا ضعيف المستند قال أهل الكوفة: الجزءان ترافعا، أي: كل واحد رفع الآخر، وذا ضعيف المستند. والخلاف في الواقع لا فائدة منه، المهم أن نعرف أن المبتدأ مرفوع، وأن الخبر مرفوع، فالعربي حين قال: زيد قائم، لم يكن يخطر بذهنه أن زيداً ارتفع لأنه ابتدئ به. ولكن يفعله العلماء لتمرين العقول.

تعريف الخبر

تعريف الخبر ثم قال المؤلف: [والخبر الجزء المتم الفائدة كالله برو الأيادي شاهدة] الخبر هو: الجزء المتم الفائدة، فمتى تمت الفائدة بكلمة من الجملة فهذا الذي تمت به الفائدة هو الخبر. وهذا التعريف غير مانع؛ لأنه يدخل فيه غير المعرف، فإنك إذا قلت: قام زيد، فزيد متم للفائدة، ومع ذلك ليس بخبر بالاتفاق. وإذا قلت: إن قام زيد قام عمرو، فـ (إن قام عمرو) تتم به الفائدة، ومع ذلك ليس خبراً، فالتعريف غير مانع؛ لأنه يدخل فيه غير المعرف، فيكون التعريف هنا قاصراً. لكن ربما يعتذر عن ابن مالك رحمه الله بأنه أتى بمثال، وقيد به هذا الإطلاق فيكون قوله: (كالله بر) من تمام التعريف، فكأنه قال: المتم الفائدة كإتمام بر في قولك: الله بر، وشاهدة في قولك: الأيادي شاهدة ويكون هذا التمثيل من التعريف، وبهذا يزول الإشكال الذي أوردناه. وقوله: (كالله بر)، البر: كثير الخيرات، كما قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:28]. وقوله: (الأيادي شاهدة)، الأيادي جمع أيد وهي النعمة، فجمع يد أيد، وجمع أيد أياد، إذاً هي جمع الجمع، أي: فالنعم شاهدة بأن الله بر. وهذا المثال من أحسن الأمثلة، فإنك لا تستطيع أن تحصي نعمة الله عليك، ومثل ابن هشام قال: كالله ربنا ومحمد نبينا، وهي إجابة سؤالين من أسئلة القبر، من ربك؟ ربي الله، من نبيك؟ محمد. إذاً يحتاج أن نقول في التعريف: الخبر الجزء الذي تتم به الفائدة مع المبتدأ، وإذا قلت: تتم به الفائدة مع المبتدأ زال الإشكال نهائياً.

أنواع الخبر

أنواع الخبر ثم قال: [ومفرداً يأتي ويأتي جملة حاوية معنى الذي سيقت له وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى كائناً أو استقر] يأتي الخبر على ثلاثة أوجه: مفرد. وجملة. وشبه جملة. وهو ما أشار إليه بقوله: (وأخبروا بظرف أو بحرف جر) وقد قدمت البيت الثاني؛ ليجتمع أنواع الخبر في مكان واحد. وشبه الجملة، هو الظرف والجار والمجرور. والمفرد هنا في باب الخبر ما ليس جملة ولا شبه جملة. وفي باب الإعراب: ما ليس جمعاً ولا مثنى ولا ملحقاً بهما. فإذا قلنا هنا: الرجل قائم، فالخبر مفرد. وكذلك: الرجل فاهم، ومثله: الرجل غير فاهم. وإذا قلنا: الرجل علمه قليل، فالخبر جملة. وكذلك: الرجل قام أبوه، الخبر جملة. وإذا قلنا: الرجل في البيت، فالخبر شبه جملة. ومثله: كذلك الرجل أمامك، الخبر شبه جملة.

شرح ألفية ابن مالك [17]

شرح ألفية ابن مالك [17] الخبر قد يكون مفرداً وقد يكون جملة وقد يكون شبه جملة، وإذا كان الخبر جملة فلابد أن يكون فيها رابط يربطها بالمبتدأ، وكذا المفرد المشتق، وقد بين العلماء الأحوال المختلفة لذلك.

روابط جملة الخبر بالمبتدأ

روابط جملة الخبر بالمبتدأ يقول ابن مالك: (حاوية معنى الذي سيقت له). يعني: لابد أن تكون الجملة الواقعة خبراً حاوية معنى المبتدأ، ومعنى (حاوية معناه): أن نعلم أن لها اتصالاً به؛ ولذلك لابد من وجود رابط بين هذه الجملة والمبتدأ. فلو قلت: الرجل قام زيد، لا يصح أن تكون خبراً؛ لأنه ليس هناك رابط. وإذا قلت: الرجل قام أبوه، صح لوجود الرابط وهو الضمير، إذاً لابد من رابط يربط الجملة بالمبتدأ حتى نعرف أن هذه الجملة حاوية له، وأنها وصف له؛ لأن الخبر كما نعلم وصف للمبتدأ، فإذا لم تكن مشتملة على شيء يربطها به؛ فإنها لا تكون وصفاً له. وفي قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]. (لباس) مبتدأ و (التقوى) مضاف إليه، و (ذا) مبتدأ ثان و (خير) خبر المبتدأ الثاني، والرابط اسم الإشارة (ذا)؛ لأن قوله: ((ذَلِكَ)) أي: لباس التقوى. وقوله تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1 - 2]. (الحاقة) مبتدأ وخبره جملة: (ما الحاقة)، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه؛ لأن إعادة المبتدأ بلفظه أقوى ربطاً من إعادة المبتدأ بضمير. فالحاقة الثانية هي الحاقة الأولى. وقوله تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 2]، (القارعة) مبتدأ، وجملة ((مَا الْقَارِعَةُ)) خبره، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه. فإذا قيل: كيف كانت إعادة المبتدأ بلفظه ربطاً؟ قلنا: لأن ارتباط الجملة بإعادة لفظ المبتدأ بالمبتدأ أقوى من ارتباطها بإعادة الضمير؛ لأن الضمير يدل على المرجع وليس هو المرجع. وإذا قلنا: طالب العلم نعم الرجل، فالجملة الثانية: نعم الرجل لها ارتباط بالمبتدأ لأن هذا اللفظ عام يدخل فيه بالأولوية المبتدأ، الذي هو طالب العلم. والربط هو: أنه لا يشك أي مخاطب أن المراد بقولك: نعم الرجل، هو طالب العلم. فإن قال قائل: أفلا يمكن أن ندعي أن الربط هنا إعادة المبتدأ بلفظه؟ ف A لا؛ لأن الرجل غير طالب، لكنه إعادة المبتدأ بمعناه لعموم الأفراد في قولك نعم الرجل. فصارت الروابط الآن أربعة: الضمير، والإشارة، وإعادة المبتدأ بلفظه، وبالعموم. قال رحمه الله تعالى: [ومفرداً يأتي ويأتي جملة حاوية معنى الذي سيقت له وإن تكن إياه معنى اكتفى بها كنطقي الله حسبي وكفى والمفرد الجامد فارغ وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن وأبرزنه مطلقاً حيث تلا ما ليس معناه له محصلاً وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى كائن أو استقر ولا يكون اسم زمان خبراً عن جثة وإن يفد فأخبرا]. قوله: (وإن تكن إياه معنى اكتفى بها كنطقي الله حسبي وكفى). قوله: (وإن تكن): الضمير يعود على الجملة التي أخبر بها عن المبتدأ. إياه: أي المبتدأ. معنى: أي في المعنى. اكتفى بها: أي بدون رابط. ومعنى ذلك: أنه إذا كانت الجملة هي معنى المبتدأ؛ فإنه يكتفى بها عن الرابط، مثاله: كنطقي الله حسبي. فنطق: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، و (نطق) مضاف، و (الياء) مضاف إليه مبني على السكون في محل جر. الله: مبتدأ ثان مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعة ضمة ظاهرة في آخره. حسبي: خبر المبتدأ الثاني مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، و (حسب) مضاف والياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. فلا حاجة للرابط هنا؛ لأن هذه الجملة هي معنى المبتدأ. فإذا قيل: هل هناك ضابط يقربها؟ قلنا: الضابط لذلك هو: أن تحل محل اسم الإشارة، فإذا حلت محل اسم الإشارة صارت هي معنى المبتدأ، فمثلاً: نطقي الله حسبي، لو حذفنا (الله حسبي) تكون: نطقي هذا، يعني: هذا القول. على أن من المعربين من قال: إن الإخبار هنا ليس من باب الإخبار بالجملة بل هو من باب الإخبار بالمفرد؛ لأن هذه الجملة أريد لفظها، وهذا القول أسهل. وبناء على هذا القول نقول في قوله: نطقي الله حسبي، (نطق) مبتدأ، و (الله حسبي) كلها: خبر المبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. وهذا هو الحقيقة والواقع؛ لأن قولك: نطقي الله حسبي، يعني: أن (نطق) مبتدأ، و (الله حسبي) الخبر، فهي جملة واحدة في الحقيقة، ونظير ذلك ما سبق لنا عند أول الألفية وهو: (قال محمد ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك). وقلنا: إن قوله: (أحمد ربي إلى آخر حرف في الألفية) في محل نصب مقول القول. وفي الحديث الصحيح: (خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله)، فخير: مبتدأ وهو مضاف إلى ما الموصولة، يعني: خير الذي قلت، ولا إله إلا الله، هي الخبر، وإعرابها بالتفصيل: (لا) نافية للجنس، و (إله) اسمها، وخبرها محذوف، والاسم الكريم بدل منه. أو نقول: لا إله إلا الله خبر (خير) مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. والأول هو رأي ابن مالك وأكثر النحويين. أما قوله: (وكفى) فليس له دخل في الجملة، ويعني: هو كاف، {مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].

حكم ربط الخبر المفرد بالمبتدأ

حكم ربط الخبر المفرد بالمبتدأ قال المؤلف: (والمفرد الجامد فارغ) الجامد هو ما ليس بمشتق؛ لأنه قال: (وإن يشتق) والمعنى: إذا كان الخبر مفرداً جامداً فهو فارغ من الضمير بدليل قوله: وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن. وقد أورد بعض الناس إشكالاً على كلام ابن مالك في قوله: (فارغ) أنه ليس فيه بيان. فنقول: فيه بيان؛ لأنه لما جاء بقسيمه (وإن يشتق فهو ذو ضمير) عرفنا أن المراد أنه فارغ من الضمير. قوله: (وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن) وهذا الضمير لابد أن يكون مستكناً، أي: مستتراً وجوباً. ومثال ذلك: زيد رجل، فرجل ليس فيه ضمير؛ لأنه غير مشتق. وزيد أخوك، كذلك جامد وليس فيه ضمير. ومثله: زيد أسد، وقولنا: زيد مفتاح كل خير، هذا مشتق من الفتح لكن لا يتحمل الضمير؛ والمقصود بالمشتق هو اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، وليس معنى المشتق ما اشتق من مصدر، وذلك لأن المفتاح لا يتحمل ضميراً. فإذا كان الخبر مشتقاً فلابد أن يتحمل الضمير، ويكون الضمير مستتراً وجوباً. وإذا كان الخبر غير مشتق؛ فإنه فارغ لا يتحمل الضمير. وقال بعضهم: إنه يتحمل الضمير مطلقاً، وإن قولك: زيد أخوك، أي: زيد منسوب إليك، فيؤلون الأخوة إلى مشتق. وزيد أسد، يقولون: التقدير: زيد شجاع، والشجاع مشتق من الشجاعة، لكن الذي ذكره المؤلف أقرب إلى الصواب؛ لأن ذاك فيه شيء من التكلف. وإذا قيل: فلان قرطاس، فقرطاس جامد، لكن على رأي من يرى أن المؤول يمكن أن يكون بمعنى المشتق، والقرطاس هو الريشة التي في الجدار. يقول المؤلف: (وأبرزنه مطلقاً) أي: أبرزن الضمير المستتر. مطلقاً، والإطلاق، يقول العلماء: يفهم معناه من قيد سابق أو قيد لاحق، فإذا قلت: أكرم زيداً إن اجتهد، وعمراً مطلقاً؛ يعني: إن اجتهد أو لم يجتهد. وإذا قلت: أكرم عمراً مطلقاً، وأكرم زيداً إن اجتهد، فمطلقاً يعني: اجتهد أو لا، لكن الإطلاق فهمناه في المثال الثاني من قيد لاحق. وفي المثال الأول من قيد سابق. هنا يقول: [وأبرزنه مطلقاً حيث تلا ما ليس معناه له محصلاً] فالواقع أنه ليس هناك قيد سابق ولا لاحق، لكن المراد هنا بالإطلاق: أبرزنه على كل حال، سواء اتضح المعنى أو لم يتضح. (حيث تلا) الضمير يعود على المشتق. ومعنى (تلا) أي: تبع. (ما ليس معناه) أي: معنى الخبر، (له) أي للمبتدأ (محصلاً). وقوله: (ما) تعود على المبتدأ؛ ولهذا يمكن ألا نعربها موصولاً، بل نعربها على أنها نكرة موصوفة. فيكون معنى البيت: أبرز الضمير المستتر في الخبر مطلقاً حيث تلا الخبر مبتدأ ليس معنى الخبر للمبتدأ محصلاً. وهذا البيت فيه تشتيت للضمائر؛ ولهذا يعتبر بعيداً عن البلاغة. يعني: أن الوصف إذا تلا المبتدأ وهو لا يعود معناه عليه؛ فإنه يجب أن يبرز الضمير. مثاله: زيد عمرو ضاربه، فضاربه خبر عن عمرو، إذا اقتصرنا على هذا، فليس فيه إشكال فقد تمت الجملة، فالمتصف بالضرب هو عمرو؛ لكن إذا أردت أن تخبر أن الضارب زيد، فقلت: زيد عمرو ضاربه، إذا قلت: الضارب هو زيد، فيجب أن تقول: ضاربه هو؛ لأن الوصف الآن تلا ما ليس معناه له، فلما تلا ما ليس معناه له، وجب أن يبرز الضمير. فالقاعدة: أنه إذا كان الوصف خبراً لما لا يعود معناه إليه وجب إبراز الضمير مطلقاً. وفي قولنا: زيد هند ضاربها يجب إبراز الضمير إذا كنت أريد أن زيداً هو الضارب. وابن مالك يقول: مطلقاً، ونحن الآن نقرر ما قال ابن مالك. وذهب بعض النحويين إلى أنه لا يجب إبرازه إلا إذا خيف اللبس، بحيث لا ندري من الضارب، أو إذا كان يوهم خلاف المقصود، وعلى هذا فإذا قلت: زيد عمرو ضاربها، فلا يجب إبراز الضمير؛ لأن الضارب معلوم وهو زيد، فاللبس هنا مأمون. وهذا هو القول الراجح؛ بناء على القاعدة النحوية القوية وهي: أنه متى دار الأمر بين التسهيل والتعسير فعليك بالتيسير. ولو قلت: زيد هند ضاربته؛ فلا يحتاج إلى أن أقول: هي؛ لأن الخبر وقع وصفاً لمن هو له، فضاربته خبر هند، فلا يحتاج إلى إبراز الضمير حتى على رأي ابن مالك.

الإخبار بشبه الجملة

الإخبار بشبه الجملة قال المؤلف: [وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى كائناً أو استقر] كأن أحداً قال لـ ابن مالك: أنت قسمت الخبر إلى مفرد وجملة فقط، فماذا تقول: فيما إذا قال القائل: محمد في البيت، محمد عندك؟ وهذا شيء مشتهر في اللغة العربية، فالعرب يخبرون بالظرف ويخبرون بحرف جر. واستغنى بقوله: بحرف جر عن قول: جار ومجرور، وإلا فالحرف وحده ليس بشيء، لكن بحرف جر مع مجروره. فقال: (ناوين معنى كائن) وهذا مفرد، أو (استقر) وهذا جملة، فكأنه يقول: حتى الظرف والجار والمجرور لا يخرجان عن كونهما مفرداً أو جملة، إن قدرنا معنى كائن فالخبر مفرد، وإن قدرنا (استقر)، فالخبر جملة؛ ولهذا نقول: محمد في البيت، (في البيت) جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره (كائن) خبر المبتدأ، أو نقول: (في البيت) جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره (استقر)، فالخبر في الأول مفرد وفي الثاني جملة. والأولى أن نقدر (كائن)؛ لأن الأصل في الخبر أن يكون مفرداً؛ ولأنا لو قدرنا الخبر جملة لكان مركباً، والأصل عدم التركيب، ويحتاج أن تقول: الجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، والرابط الضمير المستتر وما أشبه ذلك، فإذا قدرته مفرداً لم تحتج إلى هذا؛ ولهذا: قدم (كائن) على (استقر). وقال بعض العلماء: إن الجار والمجرور والظرف نفسه هو الخبر، فيقولون: زيد في البيت، (في البيت) جار ومجرور خبر المبتدأ، ولا حاجة إلى التقدير. وعلى هذا يكون الخبر ثلاثة أقسام: مفرد وجملة وشبه جملة، وهذا القول هو الراجح بناء على القاعدة الراجحة الصحيحة الواضحة: وهو أن الأصل التسهيل وعدم التقدير، فنقول: الجار والمجرور هو الخبر، وكذلك الظرف هو الخبر.

حكم الإخبار بالزمن عن الذات

حكم الإخبار بالزمن عن الذات يقول المؤلف: [ولا يكون اسم زمان خبراً عن جثة وإن يفد فأخبرا] فلا يكون اسم زمان خبراً عن جثة، يعني: عن شخص، وأما المكان فيكون خبراً عن الجثة، وعن الفعل وعن كل شيء، مثال ذلك: زيد عندك، فالظرف هنا ظرف مكان، وكذلك: العلم عنده، والمبتدأ العلم معنى. إذاً ظرف المكان يقع خبراً عن الجثة وعن المعنى، ولا إشكال فيه. وظرف الزمان يقع خبراً عن المعنى، ولا يقع خبراً عن الجثة، فتقول: القتال اليوم، الحج اليوم، وما أشبه ذلك. أما إذا قلت: الرجل اليوم، فلا يصح، إذ لا يمكن أن يكون اسم الزمان خبراً عن جثة. وعبر ابن هشام عن كلمة جثة بذات، فقال: ولا يخبر بالزمان عن الذات، وقوله: ألطف من كلام ابن مالك؛ لأن جثة يتصور القارئ أو السامع أن شاة ميتة حوله. والمقصود أنه لفظ ليس بذاك اللفظ الذي ترتاح له النفس. فإن وقع ظرف زمان خبراً عن ذات؛ فإنه يكون مؤولاً. وابن مالك يقول: (وإن يفد فأخبرا) أي: ولو كان الخبر ظرف زمان عن جثة أو عن ذات. أما ابن هشام فيرى أنه لا يجوز أن يخبر بالزمان عن الذات، وأنه إذا وقع وجب التأويل، مثاله قوله: الهلال ليلة الإثنين، فالهلال جثة، وليلة زمان، لكن هذه الكلمة شائعة عند العرب، يقولون: الليلة الهلال، أو الهلال ليلة أمس، أو الهلال ليلة الإثنين وما أشبه ذلك، فـ ابن مالك يقول: لا بأس أن تخبر بالزمان عن الجثة بدون تأويل؛ لأن المقصود فهم المعنى، وإذا أفاد السياق فلا حاجة إلى تقدير، وهذا مذهب سهل. أما ابن هشام رحمه الله فيقول: لا يمكن أن يخبر بالزمان عن الجثة، فإن وقع شيء من ذلك في كلام العرب فإنه مؤول، فيؤول بـ: الليلة طلوع الهلال. وعلى كل حال فهم متفقون على أنه متى أفاد سواء بتأويل أو بغير تأويل فإنه يقع خبراً عن الذات. وخلاصة البيت أن اسم المكان يقع خبراً عن الذات والمعنى، وأخذنا ذلك من قوله فيما سبق: (وأخبروا بظرف او بحرف جر) ثم استثنى أنه لا يكون اسم الزمان خبراً عن جثة فيكون الإخبار بظرف المكان عن الجثة وعن المعنى داخلاً في قوله: (وأخبروا بظرف). ولا يخبر بظرف الزمان عن الجثة -أي عن الذات- أما عن المعنى فيخبر، وإن أفاد يجوز الإخبار به عن الذات على رأي ابن مالك رحمه الله. وما ذهب إليه ابن مالك أولى؛ لأن المقصود من الكلام الفائدة.

شرح ألفية ابن مالك [18]

شرح ألفية ابن مالك [18] الأصل في الترتيب بين المتبدأ والخبر أن يتقدم المبتدأ ويتأخر الخبر، والأصل في المبتدأ أن يكون معرفة؛ لأنه محكوم عليه، لكن قد يرد ما يخالف الأصل لأسباب ذكرها النحاة.

مسوغات الابتداء بالنكرة

مسوغات الابتداء بالنكرة ثم قال: [ولا يجوز الابتدا بالنكره]. من أحكام المبتدأ أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة؛ لأن المبتدأ محكوم عليه، ولا بد أن يكون المحكوم عليه معروفاً، والنكرة غير معروفة، فكيف يحكم على غير معروف، فلا تقل: رجل في البيت، ورجل قائم. قال: [ما لم تفد كعند زيد نمره] يعني: ما لم تفد النكرة، فإن أفادت بعموم أو خصوص أو غير ذلك فإنه يجوز، مثاله: عند زيد نمره: عند زيد: ظرف خبر مقدم. نمرة: مبتدأ مؤخر. والنمرة نوع من اللباس، وهي نكرة ومع ذلك جاز الابتداء بها. فنأخذ من هذا المثال قاعدة وهي: أنه يجوز الابتداء بالنكرة إذا وقعت متأخرة، مثل: عند زيد نمرة، وفي البيت رجل. قال: [وهل فتىً فيكم]. المبتدأ: فتىً، وهو في موضعه مقدم، والخبر (فيكم) وهو في موضعه مؤخر، فجاز الابتداء به وهو نكرة لأنه سبق بأداة استفهام. إذاً نأخذ قاعدة وهي: أنه إذا سبق النكرة أداة استفهام جاز الابتداء بها؛ لأن الاستفهام أدخل على النكرة العموم، والعموم معنىً زائد على الذات. فقوله: (فتىً) يدل على الفتوة، والاستفهام (هل فتىً؟) عموم، لأنه يسأله: أي فتى؛ هل فتى فيكم؟ والعموم معنىً زائدٌ على الذات، يعني على المعنى المفهوم من كلمة (فتىً) فجاز الابتداء؛ لأنه أفاد معنىً وهو العموم. قال: [فما خل لنا]. خل: نكرة، وابن مالك ضرب هذا المثال على لغة بني تميم؛ لأنه لو أراد لغة الحجازيين لصارت (خل) اسماً لما الحجازية التي تعمل عمل ليس، فلو أراد المؤلف أن يعمل (ما) هنا لم تكن من هذا الباب، بل تكون من باب النواسخ، لكنه أراد بهذا المثال لغة بني تميم. يقول الشاعر: ومهفهف الأعطاف قلت له انكسر فأجاب ما قتل المحب حرام فرفع (قتل) فدل على أن (ما) مهملة وهذه لغة بني تميم. وابن مالك الآن في قوله: (ما خل لنا) تميمي. و (الخل) المحب، والخلة أعلى أنواع المحبة، وقد شرحها الشاعر بأكمل شرح فقال يخاطب معشوقته: قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلا فمسلك الروح يعني: مجاري الدم التي تصل إلى أعماق القلب؛ ولهذا ذكر ابن القيم في كتاب روضة المحبين الذي شكك بعض الناس بنسبته لـ ابن القيم: أن المحبة عشرة أنواع أعلاها الخلة. ولهذا لم تثبت فيما نعلم إلا للخليلين محمد وإبراهيم، بخلاف المحبة، فهي ثابتة للمؤمنين، للمقسطين، للمتقين وغير ذلك. وبهذا فالذين يعظمون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيقولون: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله، نقول لهم: ويلكم! قد انتقصتم مرتبة الرسول عليه الصلاة والسلام، فمحمد خليل الله كما أن إبراهيم خليل الله؛ ولهذا لم يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم أحداً خليلاً له، واتخذ حبيباً له عائشة رضي الله عنها، ويحب أباها ويحب أسامة وغيرهم، لكن لم يتخذ خليلاً بل جعل ربه سبحانه وتعالى خليلاً، قال: (لو كنت متخذاًَ من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا). وقول ابن مالك: (فما خل لنا) هل أراد معناها وأنه جعل أعلى المحبة لله، ويكون المعنى: فما خل لنا سوى ربنا، أم أنه مثال ضرب فقط؟ A الأول؛ لأن بإمكانه أن يبدل الكلمة بكلمة أخرى لا يختل بها الوزن، فلو قال: (فما حب لنا)، لاستقام الوزن. لكن يبدو -والله أعلم- أنه أراد أن يقول: لا خل لنا إلا ربنا، أي فما خل لنا من الناس. الشاهد: أن (خل) نكرة وابتدئ بها؛ لأنها سبقت بحرف نفي، وعلى هذا فنقول: إذا سبقت النكرة بحرف نفي جاز الابتداء بها؛ لأن النكرة في سياق النفي من صيغ العموم، فالعموم معنىً زائد على الذات. قوله: [ورجل من الكرام عندنا]. (رجل) نكرة لكنها وصفت بقوله: (من الكرام)، قوله: (عندنا) هي الخبر، فلما وصفت تخصصت، فاستفدنا معنىً زائداً على مجرد الذات. فلما قلنا: (رجل من الكرام) خرج به الرجل الذي من اللئام، أو الرجل الذي ليس بلئيم وكريم. ويقال: إن ابن مالك أنشد هذا البيت وكان عنده النووي رحمه الله، فقال: ورجل من الكرام عندنا يعني: به النووي. وسواء صح هذا أم لم يصح فالمهم أن هذا المثال وقعت فيه النكرة مبتدأً؛ لأنها وصفت فتخصصت بالوصف فاستفدنا معنى ً زائداً على مجرد الذات. قال: [رغبة في الخير خير]. رغبة: مبتدأ، وخبره: خير، فلو قلت: رغبة خير لم يصح الكلام؛ لأننا لا ندري أي رغبة يريد، فإذا قال: (رغبة في الخير) خصصها، بأنها رغبة معينة. مثال آخر: ضارب رجلاً قائم، فهذا يصح؛ لأن النكرة عملت فإذا عملت فقد خصصها عملها فيجوز أن يبتدأ بها. قال: [وعمل بر يزيد]. (عمل): مبتدأ، وجملة (يزين) خبر المبتدأ، (وعمل) هنا نكرة وإن كان مضافاً؛ لأن المضاف إلى النكرة لا يتعرف، لكنها خصت بأنه ليس كل عمل هو المراد، بل المراد عمل البر، وبهذا أفادت. فإن قال قائل: أليست الإضافة فيها عمل المضاف في المضاف إليه؟ فالجواب: بلى. فيقول: فهل يقتضي من كلام ابن مالك أن يكون المثال مكرراً مع ما قبله؛ لأن الذي قبله (رغبة في الخير)، هذا عمل، (عمل بر يزين)، هذا عمل أيضاً. فيقال: أولاً: أن العلماء مختلفون في المضاف إليه، هل الذي عمل فيه المضاف أو الذي عمل فيه الحرف المقدر بالإضافة؛ لأن الإضافة تكون على تقدير (في) وعلى تقدير (من) فإن أضيف الشيء إلى نوع فالتقدير (من)، وإن أضيف إلى ظرفٍ فالتقدير (في)، وما عدا ذلك فالتقدير لام. فإذا قلت: خاتم فضة، فالتقدير (من) لأنها نوع. وفي قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ:33] التقدير (في)؛ لأنه أضيف إلى زمن، وما عدى ذلك فاللام. فمن العلماء من يقول: إن العامل في المضاف إليه هو الحرف المقدر. وإذا قلنا بالقول الآخر: إن العامل في المضاف إليه هو المضاف؛ فإن عمل المضاف ليس كعمل المقطوع عن الإضافة في قوله: (ورغبة في الخير)؛ لأن (رغبة) عملت في قوله: (في الخير) عمل العامل الناصب. قال: (وليقس ما لم يقل) وليقس، اللام هنا للأمر، فكأنه قال: وقس ما لم أقل على ما قلت. والعلة الجامعة التي يمكن أن نلحق بها الفرع بالأصل الإفادة؛ لأنه قال: (ما لم تفد)، فإذا كان أعطانا علة وهي الفائدة، نقول: كل ما حصلت به الفائدة فإنه يصح أن يقع مبتدأ، وفي هذا إثبات القياس في علم النحو وهو دليل من الأدلة النحوية. وقوله: (ما لم يقل) أي: ما لم أقله من المسوغات، مثل: سلام على المرسلين، فسلام: مبتدأ، وعلى المرسلين: خبره، مع أن سلام نكرة، لكنه مفيد؛ لكون كلمة (سلام) أفادت الدعاء. والمسوغات أوصلها بعضهم إلى ثلاثين مسوغاً، لكن كلها تدخل تحت قوله: (ما لم تفد). وابن هشام قال: إن عم أو خص، فجعل مناط الحكم العموم والخصوص، لكن كلام ابن هشام لا يخرج عن كلام ابن مالك؛ لأنه لا تمكن الفائدة إلا بالعموم أو الخصوص.

متى يجوز أن يقدم الخبر

متى يجوز أن يقدم الخبر ثم قال: [والأصل في الأخبار أن تؤخرا وجوزوا التقديم إذ لا ضرر] هذا البيت يقول فيه ابن مالك: الأصل في الأخبار التأخير؛ لأن المبتدأ محكوم عليه، والمحكوم عليه لابد أن يتقدم على الحكم ليكون محلاً له. فأنت إذا قلت: زيد قائم، فقد حكمت على زيد بالقيام، فلا بد أن يتقدم المبتدأ الذي هو محكوم عليه على الخبر الذي هو المحكوم به، ليكون محلاً له، وإلا فكيف تحكم على شيء لم يوجد. فإذا كان الأصل في الأخبار أن تؤخر؛ فالأصل في المبتدأ أن يقدم. فالأصل أن تقول: (زيد قائم). قال: (وجوزوا التقديم إذ لا ضررا) أي: جوز النحاة والعرب تقديم الخبر بشرط أن لا يكون هناك ضرر. وقوله: (ألا يكون هناك ضرر) قد يوحي بأن الفاعل في جوزوا يعود على النحاة؛ لأن المراد بالضرر مخالفة القواعد أو اللبس، فإذا قلنا مخالفة القواعد فالمجوز هم النحويون، وإذا قلنا اللبس فالمجوز النحويون وأهل اللغة. والمهم أنه يجوز تقديم الخبر إذا لم يتضمن ضرراً من مخالفة للقواعد أو إيقاع في لبس وإشكال. هذا البيت ركب عليه الخباز ما يتعلق بخبزه، فقال: والأصل في الأخباز أن تخمرا وجوزا الفطير إذ لا ضرر وركب عليه الطالب أيضاً حين تخلف أستاذه عن الحضور فقال: والأصل في التدريس أن يؤبد اوجوزوا قطعاً إذا شغل بدا

حالات امتناع تقديم الخبر

حالات امتناع تقديم الخبر قال: [فامنعه حين يستوي الجزءان عرفاً ونكراً عادمي بيان]. فقوله: (فامنعه) يعود الضمير على التقديم، أي: فامنع تقديم الخبر. وقوله: (حين يستوي الجزءان) أي: إذا استوى الجزءان؛ والمراد بالجزءين: المبتدأ والخبر. (عرفاً ونكراً) يعني: إذا كانا معرفتين أو نكرتين ولم نعلم أيهما المبتدأ من قرينة حال، أو نحو ذلك، فهنا يمتنع تقديم الخبر ويتعين تقديم المبتدأ؛ لأجل أن نحكم بأن الثاني حكم على الأول بمقتضى الترتيب. مثال استوائهما عرفاً: إذا قلت: (زيد أخوك) كلاهما معرفة، وهنا تخبر بأن زيداً هو أخوك. فإذا قلت: أخوك زيد، التبس المعنى، فلا يجوز أن تقدم الخبر هنا؛ لأنك إذا قدمته التبس هل أنت تريد أن تخبر عن زيد بأنه أخوك، أو عن أخيك بأنه زيد، وبينهما فرق، فإذا قلت: (أخوك زيد) فالمعنى أنه لا يوجد أخ لك إلا زيد. وإذا قلت: زيد أخوك فيحتمل أن يكون هناك أخ ثان وثالث ورابع، فيلتبس المعنى، فحينئذٍ لابد أن يبقى كل جزء في محله. أما إذا قلت: ابن القيم ابن تيمية، فهذا تركيب صحيح، ولو قلت: ابن تيمية ابن القيم يصلح أيضاً؛ لأننا نعلم أن ابن تيمية خبر مقدم وابن القيم مبتدأ مؤخر؛ لأننا نعرف أن المراد تشبيه ابن القيم بـ ابن تيمية. ومثل ذلك قول النحويون: أبو يوسف أبو حنيفة. فالخلاصة: أنه إذا استوى المبتدأ والخبر في المعرفة وجب أن يبقى الخبر في مكانه، ولا يجوز تقديمه إلا إذا كان هناك دليل يبين الخبر. مثال الاستواء في النكرة قولهم: أفضل من عمرو أفضل من بكر، فإذا كنت تريد أن تقول: كل من كان أفضل من عمر فهو أفضل من بكر، فالترتيب: أفضل من عمرو أفضل من بكر، فلو قدمت لالتبس المعنى وكان كل من كان أفضل من بكر فهو أفضل من عمرو، وحينئذ يلتبس فنقول: إذاً يجب أن يبقى كل واحد في مكانه. ثم قال: (كذا إذا ما الفعل كان الخبر). يعني: كذا يمتنع تقديم الخبر إذا كان فعلاً، مثل: زيد قام، فلا يجوز أن أقدم (قام) على أن زيداً مبتدأ مؤخر. أما لو قدمتها على أن زيداً فاعل فهذا لا بأس به، ولكنه ليس من هذا الباب. فإذا قال قائل: ما الفرق بين أن أقدم (قام) على أنها خبر المبتدأ، وبين أن أقدم (قام) على أنها فعل وفاعلها زيد؟ نقول: إذا قدمت (قام) على أنها خبر مقدم، فإنها تتحمل ضميراً، لأن (زيد) مبتدأ مؤخر و (قام) فعل ماض وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، والجملة خبر مبتدأ، فيكون إسناد القيام إلى زيد قد وقع مرتين: أسندنا القيام إليه باعتباره خبراً، وأسندنا القيام إليه باعتباره فاعلاً، وفرق بين أن نسند القيام إليه مرتين أو مرة واحدة. ومن هنا نعرف أن قول ابن مالك رحمه الله: (كذا إذا ما الفعل كان الخبرا) فيه تسامح ويعترض عليه؛ لأن الفعل لا يكون خبراً وإنما يكون الخبر الجملة الفعلية. فإذا قلت: الرجلان قاما، فـ (الرجلان) مبتدأ و (قاما) فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ. فهل يجوز في هذه الحال أن أقدم قام؟ A نعم، يجوز أن أقدم قام؛ لأنه لا يلتبس هنا المبتدأ بالفاعل، فتكون (قاما) فعل وفاعل، و (الرجلان) مبتدأ مؤخر. أما على لغة أكلوني البراغيث فإنه لا يجوز التقديم؛ لأنهم يعربون (الرجلان) فاعلاً، وحينئذٍ يكون كقولنا: قام زيد فلا يجوز التقديم، لكن المعروف أن المشهور من لغة العرب الأول. يقول المؤلف: [أو قصد استعماله منحصرا]. أي: إذا قصد الحصر فإنه يجب الترتيب، مثاله: إنما زيد قائم، (زيد) مبتدأ و (قائم) خبر، فزيد حصر في القيام، كأني قلت: (ما زيد إلا قائم). ولكن ما الفرق بين (إنما زيد قائم) وبين (إنما قائم زيد)؟ والفرق إذا قلت: (إنما زيد قائم) فهذا يقتضي انحصار زيد في حال القيام ولا يمنع مشاركة غيره معه، يعني: وعمرو وخالد وبكر إلى آخره، فلا يمنع قيام غيره، لكن يمنع أن يكون هو قاعداً. وإذا قلت: (إنما قائم زيد) أو (إنما القائم زيد) معناه: لا قائم غيره. فأنت إذا قلت: إنما زيد قائم، تريد أن تحصر زيد في القيام فبدأت بالمبتدأ وأخرت الخبر، فلو أردت أن تقدم الخبر في هذه الحال قلنا: لا يجوز؛ لأنك إذا قدمت الخبر اختلف المعنى. قال: [أو كان مسنداً لذي لام ابتداء]. أي: أو كان الخبر مسنداً لمبتدأ فيه لام الابتداء؛ فإنه لا يجوز أن يقدم الخبر. مثاله: لزيد قائم، اللام هذه لام الابتداء، فلا يجوز أن أقول: قائم لزيد؛ لأن هذا تناقض، فلام الابتداء يجب أن تكون في صدر الجملة. (أو لازم الصدر كمن لي منجدا). وكذلك إذا كان الخبر مسنداً لمبتدأ له الصدارة؛ فإنه لا يجوز تقديمه. مثاله: (من لي منجدا)، فمَنْ: مبتدأ، ولي: خبره، ومنجداً: حال. والمعنى: إذا كان المبتدأ له الصدارة فإنه لا يجوز أن يتقدم خبره عليه. فالضمير في قوله: (كان مسنداً) يعود على الخبر. وهناك كلمات يجب أن يكون لها الصدارة في الكلام، مثل: الاستفهام أو اسم الشرط أو كم الخبرية أو ما التعجبية. فإذا كان المبتدأ له الصدارة؛ فإنه لا يجوز تقديم الخبر عليه مثل: من لي؟ فلا يجوز أن أقول: لي من. ومثال أوضح: من زيد؟ لا يجوز أن أقول: زيد من؛ لأن المبتدأ له الصدارة، وإذا كان له الصدارة، فإنه لا يمكن أن يتقدم الخبر فيكون في محله؛ لأنه يفوت المحل الأصلي وهو الصدارة. وتنحصر مواضع امتناع تقديم الخبر في خمسة مواضع: الأول: إذا استوى المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير. الثاني: إذا كان الخبر جملة فعلية. الثالث: إذا كان محصوراً فيه. الرابع: إذا كان مسنداً لمبتدأ فيه لام الابتداء. الخامس: إذا كان مسنداً لما له الصدارة. والفرق بين ما فيه لام الابتداء وما له الصدارة في الرابع والخامس أن ما له الصدارة استحقها بنفسه وبدون واسطة، أما ما فيه لام الابتداء فاستحق الصدارة لدخول لام الابتداء عليه.

حالات وجوب تقديم الخبر

حالات وجوب تقديم الخبر ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى ما يجب فيه تقديم الخبر بعد أن ذكر ما يمتنع فيه تقديم الخبر؛ فقال: [ونحو عندي درهم ولي وطر ملتزم فيه تقدم الخبر] هذا بيت كامل خلاصته: أنه متى كان المبتدأ نكرة لا مسوغ له إلا التأخير، فيمتنع تقديمه؛ لأن أصل النكرة لا يجوز الابتداء بها، فإذا كان لا يجوز الابتداء بها إلا لتأخيرها ثم قدمناها ارتكبنا الممنوع. فإن كان نكرة له مسوغ سوى التأخير جاز تقديمه. مثل: رجل من الكرام عندنا؛ فالمبتدأ نكرة وهو مقدم الآن، والمسوغ لتقديمه أنه وصف. لكن: عندي درهم؛ درهم: نكرة ليس له مسوغ إلا التأخير؛ فلذلك امتنع تقديمه. والأمثلة التي ذكرها المؤلف فيما سبق كقوله: عند زيد نمرة، فنمرة نكرة سوغ الابتداء بها التأخير، إذاً يمتنع أن تقدم، فلا يصح أن أقول: نمرة عند زيد. وإذا قلنا: عندي درهم صحيح، يجوز تقديمه؛ لأنه وصف، فتقول: درهم صحيح عندي. فالقاعدة الأولى في وجوب تقديم الخبر أن يكون المبتدأ نكرة لا مسوغ له إلا التأخير. وقوله: (ولي وطر). (وطر) نكرة، وهو مبتدأ، ولا مسوغ له إلا التأخير. فالمثالان سواء، إلا أن الأول خبره ظرف، والثاني خبره جار ومجرور. قال ابن مالك: [كذا إذا عاد عليه مضمر مما به عنه مبيناً يخبر] أي: كذا إذا عاد على الخبر ضمير، (مما) أي: من مبتدأ (به) أي بالخبر (عنه) أي عن المبتدأ، (مبيناً يخبر). والمعنى: إذا كان في المبتدأ ضمير يعود على الخبر فإنه لا يجوز تقدمه، وذكر بعضهم بيتاً أحسن من هذا فقال: كذا إذا عاد عليه مضمر من مبتدا وما له التصدر فجمع البيتين في بيت واحد مع الوضوح، فقوله: (كذا إذا عاد عليه) أي: على الخبر، (مضمر من مبتدأ) أي: ضمير من المبتدأ، (وما له التصدر) أي: ما له الصدارة فإنه يمتنع تأخيره. وخلاصة البيت: إذا كان في المبتدأ ضمير يعود على الخبر فإنه يتعين تقديم الخبر. المثال: في الدار صاحبها، فالمبتدأ (صاحب)، والضمير (ها) يعود على الدار، و (في الدار) هو الخبر المتعين تقديمه؛ لأنك لو قلت: صاحبها في الدار؛ لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة وهذا لا يجوز، إذ لابد للضمير من مرجع سابق. قال ابن مالك: [كذا إذا يستوجب التصديرا كأين من علمته نصيرا] قوله: (كذا إذا يستوجب التصديرا) يعني: يجب تقديم الخبر إذا يستوجب التصديرا. (إذا) هنا بمعنى (حين) وليست شرطية، والمعنى: حين يكون الخبر مما له صدر الكلام كالاستفهام، مثل: أين زيدٌ؟ فهنا يجب أن نقدم (أين) التي هي الخبر، ولا يجوز أن نقول: زيد أين؟ وإن كان بعض العلماء يستعمل التأخير في مثل هذا، كما في محلى ابن حزم، وكذلك في مؤلفات ابن القيم رحمه الله يقول: ثم كان ماذا؟ يريد: ثم ماذا كان، وهذا حسب القواعد العربية لا يصح؛ لأنه إذا كان الخبر له الصدارة وجب أن يتقدم. فقولنا: أين زيد؟ الخبر هو (أين)، وله الصدارة؛ لأنه اسم استفهام، فلا يجوز: زيد أين؟ ومن ذلك مثال المؤلف: (أين من علمته نصيراً). فـ (أين) خبر مقدم، و (مَنْ) مبتدأ مؤخر، و (علمته) فعل وفاعل ومفعول أول، و (نصيراً) مفعول ثان، ومعنى المثال: أين الذي ينصرك. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وخبر المحصور قدم أبدا كما لنا إلا اتباع أحمدا] يعني: يجب التقديم إذا حصر الخبر في المبتدأ، مثاله: ما لنا إلا اتباع أحمدا، يعني: محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فما: نافية. ولنا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. وإلا: أداة حصر. واتباع: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه ضم آخره. واتباع: مضاف. وأحمد: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، وعلتا المنع: العلمية ووزن الفعل. فهنا يجب أن يؤخر المبتدأ؛ لأنه محصور فيه. والقاعدة: أن المحصور فيه يتأخر، وسواء كان الحصر بإلا أو بغيرها من طرق الحصر، حتى لو قلت: إنما لنا اتباع أحمد وجب تأخير المبتدأ وتقديم الخبر. انتهى المؤلف رحمه الله من الترتيب بين المبتدأ والخبر، ولنستعيد ما سبق، فالأصل في الخبر التأخير، وقد يجوز تقديم الخبر على المبتدأ، وقد يمتنع تقديم الخبر، وقد يمتنع تقديم المبتدأ وكلها مذكورة في كلام المؤلف رحمه الله تعالى.

شرح ألفية ابن مالك [19]

شرح ألفية ابن مالك [19] الأصل ذكر المبتدأ والخبر، وقد يحذف أحدهما إذا دل عليه دليل، وقد يحذفان معاً إذا دل عليهما دليل، وقد يجب حذف الخبر في بعض التراكيب.

حذف المبتدأ والخبر

حذف المبتدأ والخبر بقي بحث جديد، وهو حذف المبتدأ والخبر، أي: هل يجوز أن نحذف المبتدأ وأن نحذف الخبر؟ وهل يجوز أن نحذفهما جميعاً؟ بين المؤلف رحمه الله فقال: [وحذف ما يعلم جائز كما تقول زيد بعد من عندكما وفي جواب كيف زيد قل دنف فزيد استغني عنه إذ عرف] هذا البيت في باب المبتدأ والخبر، وهذا الحكم ليس خاصاً بالمبتدأ والخبر، بل حذف كل ما يعلم من المبتدأ، أو الخبر، أو الحال، أو المفعول به جائز إذا كان معلوماً. ولهذا يعتبر هذا البيت قاعدة، وبه نعرف أن مبنى الكلام على العلم والفائدة. فقد سبق لنا أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة ما لم تفد، كعند زيد نمرة، وسبق لنا أنه إذا اشتبه المبتدأ بالخبر فإنه لا يجوز تقديم الخبر. إذاً فمبنى الكلام كله على الفائدة والعلم، فإذا كان من المعلوم ما يحذف جاز حذفه. ثم ضرب المؤلف أمثلة فقال: (كما تقول زيدٌ بعد من عندكما). سأل سائل فقال: من عندكما؟ يخاطب اثنين، فقالا: زيد، فالذي حذف هو الخبر، والتقدير: زيد عندنا. (وفي جواب كيف زيد قل دنف). سأل سائل فقال: كيف زيد؟ فقلت: دنف، أي: مريض. فدنف: خبر لمبتدأ محذوف، فالمحذوف المبتدأ، والتقدير: زيد دنف، أو هو دنف. وهل يحذف المبتدأ والخبر؟ A نعم، إذا علم المبتدأ والخبر حذفا، فلو قال لك قائل: أزيد قائم؟ فقلت: نعم. فالذي حذف المبتدأ والخبر؛ لأن (نعم) حرف جواب وليست جملة، يعني: نعم زيد قائم، فحذف الجزءان. وأما ما مثل به بعضهم وهو قوله تبارك وتعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4]، لحذف المبتدأ والخبر؛ فإن تمثيله ليس بصحيح، حيث قال: إن التقدير: واللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر، وذلك لوجهين: الأول: نحن لا نسلم أن المحذوف جملة، إذ من الممكن أن نقدر: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) كذلك، و (كذلك) ليست جملة إنما هو مفرد، وكلما قل التقدير كان أولى، فلم يحذف فيها المبتدأ والخبر جميعاً. الثاني: سلمنا جدلاً أن المحذوف هو المبتدأ والخبر؛ لكن هذا المبتدأ والخبر هو في الحقيقة خبر؛ لأن المبتدأ والخبر هنا نائب عن خبر فقط؛ لأن (اللائي لم يحضن) مبتدأ، (عدتهن) مبتدأ ثان، و (ثلاثة أشهر) خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني والخبر في محل رفع خبر المبتدأ الأول. فالمحذوف حقيقة هو الخبر، فالتمثيل بالآية لا يصح للوجهين اللذين ذكرتهما. فالمثال الصحيح هو أن يقال: أزيد قائم؟ فيقال: نعم أي: زيد قائم. إذاً ابن مالك رحمه الله أعطانا قاعدة ومثل بمثالين فقط، مثل بحذف الخبر، ومثل بحذف المبتدأ، ولم يمثل بحذفهما، فهل يقال: إن ابن مالك قصر في ذلك؟ فالجواب: لا؛ لأن المثال إنما يراد به بيان القاعدة، والقاعدة سبقت وهي حذف ما يعلم جائز، فهذا يشمل ما يعلم من مبتدأ أو خبر أو مبتدأ وخبر.

حالات حذف الخبر وجوبا

حالات حذف الخبر وجوباً قال: (وبعد لولا غالباً حذف الخبر حتم). لما تكلم المؤلف عن جواز حذف المبتدأ والخبر ذكر المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، كالاستثناء مما سبق، فكأنه قال: إلا في هذه المواضع فيجب الحذف. فبعد (لولا) يجب حذف الخبر، كقولك: لولا زيدٌ لغرقت؛ فعندنا مبتدأ ولم نجد له خبراً؛ لأن (لغرقت) جواب لولا، فالخبر محذوفٌ وجوباً، التقدير: لولا زيد موجود، أو لولا زيد حاضر. وقول ابن مالك رحمه الله: (غالباً) يعني: في أكثر الأحوال، ومفهومه أن من غير الغالب ألا يحذف الخبر بعد لولا، فيكون إبقاؤه قليلاً. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها: (لولا قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم) فقوم: مبتدأ، وحديثو عهد: خبر المبتدأ، ولهدمت الكعبة: جواب لولا، فهنا ذكر الخبر بعد لولا. ومن ذلك أيضاً قول الشاعر: فلولا الغمد يمسكه لسالا فقوله الغمد: مبتدأ. ويمسكه: خبر. ولسال: جواب لولا. فأنت ترى الآن أن الخبر وجد بعد (لولا) في كلام أفصح العرب وهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي كلام العرب العرباء، فما الجواب عن هذا؟ الجواب عن هذا حسب كلام ابن مالك سهل؛ فهذا من القليل الذي لا يحذف فيه خبر المبتدأ مع لولا، وإذا سلكنا هذا المسلك صار الأمر سهلاً، فكلما جاءك الخبر مع وجود لولا فقل: هذا من القليل. لكن بعض النحويين يقول: إن الخبر بعد لولا: إما أن يكون كوناً عاماً، وإما أن يكون شيئاً خاصاً لا دليل عليه، وإما أن يكون شيئاً خاصاً عليه دليل. فإن كان كوناً عاماً وجب الحذف، وإن كان شيئاً خاصاً وجب الذكر إذا لم يكن له دليل، وإذا كان شيئاً خاصاً لكن في الكلام ما يدل عليه فحذفه جائز، ووجوبه قليل. وهذا جيد؛ لأنه إذا كان الخبر شيئاً خاصاً ولكنه لا يعلم فلابد من ذكره. ففي الحديث: (لولا قومك حديثو عهد بكفر) لو حذفنا (حديثو عهد بكفر) لا يمكن أن نقدر: لولا قومك موجودون، يعني: لا يمكن أن نقدره كوناً عاماً؛ لأنه ليس المانع وجود قومها، إنما المانع هو كونهم حديثي عهد، فمجرد وجودهم لا يمنع هذا الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام، لذلك كان لابد من ذكره. وإذا كان خاصاً لكن يدل عليه الدليل، مثل: لولا زيدٌ لهلكت من الجوع، هنا لا يمكن أن تقدر كوناً عاماً، فلا نقول: لولا زيدٌ موجود لهلكت من الجوع؛ لأن وجود زيد ليس سبباً لكونك تسلم من الموت بالجوع، لكن المعنى: لولا زيدٌ أطعمني لهلكت من الجوع. فكلمة (أطعمني) خاص لكن دل عليه دليل: لهلكت من الجوع. إذاً في هذه الحال يجوز أن يذكر الخبر ويجوز أن يحذف، فيجوز أن تقول: لولا زيدٌ أطعمني لهلكت من الجوع، ويجوز أن تقول: لولا زيدٌ لهلكت من الجوع. ومن ذلك قول الشاعر: لولا الغمد يمسكه لسالا. لو قال: لولا الغمد لسال، لجاز؛ لأن المعنى مفهوم، فإنه إذا كان في الغمد سيمسكه الغمد ولا يمكن أن يسيل، فصار ذكر (يمسكه) وحذفها على حد سواء؛ لأنها معلومة من السياق. فالأول يحتج به الطالب المبتدئ، إذا قال: كيف تقول في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لولا قومك حديثو عهد بالكفر)؟ يقول: وبعد لولا غالباً ليس دائماً، وهذا من القليل ويكفيه على رأي ابن مالك. وإذا كان طالب علم فسيجيبه، ويقول: الكون هنا ليس كوناً عاماً، بل هو شيء خاص لابد من ذكره؛ يعني يجوز مثلاً أن يكون المعنى: لولا قومك منعوا لبنيت الكعبة، لولا قومك حاضرون لبنيت الكعبة، إذاً لابد أن يقول: لولا قومك حديثو عهد، حتى تزول هذه الاحتمالات. وإن قيل: ما تقول في قول الشاعر: فلولا الغمد يمسكه لسالا؟ أقول: هذا لا شك أنه خاص؛ لأنه ليس المانع وجود الغمد، إنما المانع كون الغمد يمسكه. إذاً نقول: كان مقتضى القاعدة أن يجب حذفه لكونه بعد (لولا)، لكن لابد من ذكره؛ لأنه خاص إلا أن وجوب الذكر عارضه العلم به من حيث السياق؛ لأن قوله: (لسال)، يدل على أن المعنى: لولا الغمد يمسكه. فلذلك نقول: (لولا الغمد يمسكه) يجوز حذفه ويجوز ذكره. وأما (لولا قومك حديثو عهد) فيجب ذكره. وأما في قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ} [الحج:40] فلا يجوز ذكره؛ لأن المقصود مجرد وجود الدفع، أي: ولولا دفع الله الناس موجود لهدمت صوامع. وفي قوله تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ:31]، أي: لولا أنتم صددتمونا، هذا شيء خاص لكن بدليل قوله تعالى: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} [سبأ:32]، فصار هذا معلوماً من السياق. ومما حذف فيه الخبر قوله تعالى: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} [القصص:82] والتقدير: لولا منة الله موجودة لخسف بنا. فخلاصة القول الآن: إن ابن مالك في هذا الكتاب سلك مسلكاً يكون به مخرجاً للمبتدئ إذا أورد عليه ذكر الخبر بعد لولا؛ يقول: حذفه غالب وهذا من غير الغالب. وأما التفصيل الذي قيل فهو تفصيل حسن من حيث المعنى، وهو أن يقال: الخبر بعد (لولا) ثلاثة أقسام: كون عام، وشيء خاص لا دليل عليه، وشيء خاص عليه دليل، فالأول: يجب فيه الحذف، والثاني: يجب فيه الذكر، والثالث: يجوز فيه الوجهان. قال المؤلف: [وفي نص يمين ذا استقر] في نص: خبر مقدم أو متعلق بالخبر. ذا استقر: وذا: مبتدأ، وجملة (استقر) خبره. يعني: واستقر الحذف الواجب في نص يمين. فإذا كان المبتدأ نص يمين في القسم فإنه يحذف الخبر وجوباً، مثاله: لعمر الله لأفعلن، فهنا (عمر) مبتدأ، وهو نص في اليمين فيحذف الخبر وجوباً. ولا يجوز أن تقول: لعمر الله قسمي، بل يجب عليك حذف الخبر، لأن هذا هو المعروف من لغة العرب، والقواعد النحوية بنيت على كلام العرب، وليس كلام العرب مبنياً على القواعد، ولهذا فكلام العرب يحكم على قواعد النحويين لا والعكس. وفي قوله: (وفي نص يمين) مفهومه أنه إذا كان دالاً على اليمين ولكن ليس نصاً فيه فإنه يجوز الحذف وعدمه, مثل أن تقول: (عهد الله لأفعلن)، فهنا (عهد) يحتمل أن تكون يميناً، ويحتمل أن تكون ميثاقاً، فهي ليست نصاً في اليمين؛ ولهذا يجوز أن تقول: (عهد الله علي، أو تقول: علي عهد الله لأفعلن) ولا يجب حذف الخبر هنا؛ لأن المبتدأ ليس نصاً في اليمين. وخلاصة القول: أنه يجب حذف الخبر إذا كان المبتدأ نصاً في اليمين، والمثال: لعمر الله لأفعلن، والعمر هنا بمعنى الحياة. فإن لم يكن نصاً في اليمين لكنه دال على اليمين جاز الذكر والحذف ومثاله: (عهد الله لأفعلن) فيجوز أن تذكر الخبر وتقول: (علي عهد الله لأفعلن، أو عهد الله علي لأفعلن) لأن المبتدأ هنا ليس نصاً في اليمين. فإن قال قائل: لعمري لا أفعلن، فهو يحلف بحياته والأصل ألا يحلف، لكن الحلف هنا ليس بصيغة القسم، والممنوع أن يكون بصيغة القسم، مثل أن يقول: (وعمري لأفعلن)، فهذا لا يجوز، لكن لو قال: لعمري؛ يجوز وقد جاءت في السنة، وأيضاً جاءت عن الصحابة، وهي بمعنى القسم؛ لأنه حتى التحريم المجرد يكون حكمه حكم القسم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبعد واو عينت مفهوم مع كمثل كل صانع وما صنع] قوله: (وبعد واو عينت مفهوم مع) هذا الموضع الثالث مما يجب فيه حذف الخبر، فيجب حذف الخبر بعد واو المعية التي لا يصح أن تكون عاطفة، مثل: (كل صانع وما صنع) فالخبر محذوف والتقدير: كل صانع وما صنع مقترنان. و (كل) مبتدأ، و (صانع) مضاف إليه، و (الواو) للمعية. و (ما صنع) يحتمل أن تكون (ما) موصولة، أي: والذي صنعه، ويحتمل أن تكون مصدرية أي: وصنعته، وهذا أقرب، فنقول: كل صانع وصنعته مقترنان. وكذلك: كل طالب وكتابه، وكل إنسان وثوبه. فإذا كانت الواو بمعنى: (مع) وهي نص في المعية، فإن الخبر يكون محذوفاً وجوباً. ولو قال قائل: إن الواو هنا بمعنى: (مع) فتكون ظرفاً ويكون الظرف هو الخبر؛ والتقدير: كل صانع كائن مع صنعته، وكل إنسان كائن مع ثوبه، وكل إنسان كائن مع كتابه، وما أشبه ذلك، نقول: لو قيل بهذا لكان له وجه؛ لأنه إذا تعينت أن تكون الواو بمعنى: (مع) فإن (مع) ظرف يصح أن يكون خبراً. وقوله: (عينت مفهوم مع) يفهم منه أنه لو كانت الواو صالحة لأن تكون عاطفة، ولم تكن متعينة للمعية؛ فإنه لا يجب حذف الخبر، مثل أن تقول: (زيد وعمرو مصطحبان). وحينئذ نقول: إن كان الخبر معلوماً جاز حذفه وذكره، وإن كان الخبر خاصاً لا يعلم مما تفيده الواو وجب ذكره. زيد وعمرو: الواو هذه عاطفة، ويجوز أن تكون للمعية لكنها لا تتعين، فإذا قلت: زيد وعمرو، فالواو تفيد اقترانهما في المجيء، فتقول: مقترنان، ويجوز أن تحذف الخبر. أما لو كنت تريد أن تقول: زيد وعمرو مقتتلان، فهنا لا يجوز الحذف، لأنك إذا قلت: زيد وعمرو، وأنت تريد مقتتلان، لا يفهم هذا؛ بخلاف زيد وعمرو مقترنان؛ لأن الواو تقتضي الاشتراك والاقتران. فصارت المسألة على ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن تكون الواو بمعنى (مع)، ولا تحتمل العطف، فهنا يكون الخبر محذوفاً وجوباً، استغناءً عنه بواو المعية. والقسمان الثاني والثالث: أن يكون العطف بواو لا تتعين للمعية، فهنا نقول: إن دل دليل على الخبر المحذوف جاز ذكره وحذفه، وإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره. قال: [وقبل حال لا يكون خبرا عن الذي خبره قد أضمرا كضربي العبد مسيئاً وأثم تبييني الحق منوطاً بالحكم] إذا أتى المبتدأ وبعده حال لا تصح أن تكون خبراً فإنه يجب تقدير الخبر، ويكون في هذه الحال محذوفاً مثاله: ضربي العبد مسيئاً: (ضرب): مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهو مضاف والياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر. والضرب هنا مضاف إلى الفاعل. و (العبد): مفعول به. (مسيئاً): حال من العبد، يعني: ضربه حال إساءته. ولا يصح أن يكون (مسيئاً) خبراً لضرب؛ لأن الضرب لا يوصف بالإساءة، إنما ا

تعدد الأخبار

تعدد الأخبار ثم قال: [وأخبروا باثنين أو بأكثر عن واحد كهم سراة شعرا] (أخبروا) الضمير يعود على العرب. (كهم سراة شعرا) (هم) مبتدأ، (سراة) خبر، (شعرا) خبر ثان، والسراة هم الشرفاء. يعني: أن العرب أخبروا بخبرين فأكثر عن مبتدأ واحد. وجواز تعدد الخبر هو القياس، كما يجوز تعدد الصفة، فيقال: أتاني زيد العالم الغني الكريم، والخبر وصف للمبتدأ في الواقع، فإذا جاز تعدد الصفة جاز تعدد الخبر. ولكن: هل يجوز الفصل بين الخبرين بواو العطف، فأقول: هم سراة وشعراء؟ و A نعم يجوز كما يجوز فصل الصفتين بالعطف {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى} [الأعلى:1 - 4]، فكما يجوز تعدد الصفات في العطف يجوز تعدد الخبر في العطف. ولكن يجب أن نعلم أن المسألة هنا على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: منع العطف. والوجه الثاني: وجوب العطف. والوجه الثالث: جواز العطف. فإذا كان الخبران بمعنى خبر واحد فإنه لا يجوز العطف؛ لأنك إذا عطفت جعلت كل خبر مستقلاً عن الخبر الآخر مع أن اجتماعهما عبارة عن صفة واحدة، مثاله: (برتقالي حلو حامض)؛ فيه خبران هما: حلو حامض، فهنا لا يجوز أن أقول: حلو وحامض؛ لأني لو قلت ذلك لفسد المعنى؛ وهو أن طعمه مركب من حلو وحامض. فإذا قلت: برتقالي حلو وحامض، معناه: أن عندي نوعين من البرتقال: نوعاً حلواً، وآخر حامضاً. أما إذا كان كل واحد من الخبرين لشخص آخر؛ فإنه يجب العطف، مثاله: بنوك شاعر ومهندس ونحوي وفقيه، فالأبناء أربعة: الأول: شاعر، والثاني: مهندس، والثالث: نحوي، والرابع: فقيه. فلو تركنا العطف لصارت هذه الأخبار لكل واحد منهم، فكل واحد شاعر ومهندس ونحوي وفقيه؛ لكن الأمر ليس كذلك كما بينا. إذاً لابد أن نأتي بالعطف؛ لأن العطف يقتضي المغايرة فإذا حذف صار متحداً. والخلاصة أن تعدد الخبر جائز، لكن هل يجوز فصل هذا المتعدد بالعطف؟ نقول: هذا على ثلاثة أقسام: قسم لا يجوز، وقسم يجب، وقسم يجوز: إن شئت فاعطف، وإن شئت فلا تعطف، ففي قولنا: ابني شاعر كاتب فقيه سلفي، يجوز أن أعطف بالواو، ويجوز أن أبقي كل خبر منفرد، فأقول: (شاعر) خبر المبتدأ (كاتب) خبر ثان، (نحوي) خبر ثالث، (فقيه سلفي) خبر رابع وخامس. وفي قول الله تعالى: {وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد} [البروج:14 - 15]، لا يجوز أن نجعل الودود صفة للغفور؛ لأنها لا تعود على الغفور، إنما تعود على الموصوف الذي هو الله عز وجل، أي: على الضمير. وتفصيل الأقسام كما يلي: القسم الأول: يجب حذف حرف العطف، وهو ما إذا كان الخبران بمعنى خبر واحد كقول القائل: برتقالي حلو حامض. القسم الثاني: هو وجوب ذكر حرف العطف، وهو إذا كان كل خبر مختصاً بشخص معين كقولك: ابناي فقيه ومحدث. القسم الثالث: جواز ذكر حرف العطف وحذفه، وهو إذا كان المبتدأ واحداً، ووصف بأوصاف متعددة كقول القائل مثلاً: (ابني فقيه ومحدث وشاعر).

شرح ألفية ابن مالك [20]

شرح ألفية ابن مالك [20] هناك عوامل تدخل على المبتدأ والخبر فتنسخهما أو أحدهما، ومن ذلك كان وأخواتها، فإنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، لكن بعضها يشترط فيه تقدم نفي أو شبهه وبعضها لا يشترط فيه ذلك، كما أن بعضها تتصرف وبعضها لا تتصرف.

كان وأخواتها

كان وأخواتها

عمل كان

عمل كان قال ابن مالك رحمه الله: (كان وأخواتها). تكلمنا عن المبتدأ وذكرنا أن باب الابتداء هو أول الأبواب التي يبحث فيها عن الجمل، وكل ما سبقه يبحث فيه عن المفردات. إذاً أول بحث في الجمل هو: باب الابتداء، والمبتدأ والخبر مرفوعان، ويدخل عليهما ثلاثة أصناف من العوامل: فمن هذه العوامل ما يغير الخبر دون المبتدأ، ومنها ما يغير المبتدأ دون الخبر، ومنها ما يغيرهما جميعاً. ويسمى هذا التغيير نسخاً، وهو معنى مطابق؛ لأن النسخ رفع الشيء، فمثلاً: كان وأخواتها إذا دخلت على المبتدأ والخبر نسخت الخبر من الرفع إلى النصب، فبدلاً من أن تقول: زيد قائم، تقول: كان زيد قائماً. وإن وأخواتها بالعكس، تنسخ لفظ المبتدأ دون الخبر، فإذا قلت: (زيد قائم)، ثم أدخلت إن على هذه الجملة قلت: (إن زيداً قائم) فتجد زيداً تغير من الرفع إلى النصب. وظن وأخواتها تنسخ الجزءين، فإذا قلت: زيد قائم، ثم قلت: ظننت زيداً قائماً وجدت أنها نسخت الجزءين وأن الجزءين أصبحا منصوبين بعد أن كانا مرفوعين. وبدأ المؤلف بكان وأخواتها، لأنها لا تنسخ إلا أحد الجزءين، وقدمها على إن وأخواتها؛ لأن إن وأخواتها حروف وكان وأخواتها أفعال، والأفعال أولى بالتقديم من الحروف؛ لأنها تدل على معنى في ذاتها، بينما الحروف تدل على معنىً في غيرها. وأيضاً كان وأخواتها، لا يتغير الجزء الأول من المبتدأ والخبر بخلاف إن وأخواتها، ومعلوم أن الذي يبقي على الجزء الأول المجاور له أولى بالتقديم من الذي يبقي على الجزء الثاني دون الجزء الأول. وأخر ظن وأخواتها؛ لأنها تغير الجزءين جميعاً. أما عمل كان وأخواتها فهو رفع المبتدأ ونصب الخبر، والمراد (بالأخوات) هنا النظائر التي تشبهها في العمل. قال: [ترفع كان المبتدأ اسماً والخبر تنصبه ككان سيداً عمر] ترفع كان المبتدأ مثاله: {كان الله غفورًا رحيمًا} [النساء:96]. وإن شئت مثلت بمثال المؤلف وإن كان فيه تقديم وتأخير فتقول: كان عمر سيداً، فعمر هنا مرفوع بكان، ولو قال قائل: لماذا لا نجعله مرفوعاً بالابتداء؟ قلنا: لا يمكن أن نقول ذلك، لأنه الآن ليس مبتدأً، فلا يصح أن نقول: إنه مرفوع بالابتداء وقبله عامل. لكن قولنا: عمر سيد، هذا ليس قبله عامل؛ فلهذا نقول: عمر مرفوع بالابتداء، وسيد: مرفوع بالخبر. وعلى هذا فيكون المبتدأ مرفوعاً بكان؛ فعمر في (كان عمر سيداً) اسم كان مرفوع بها، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. وقوله: (والخبر تنصبه) يعني أن كان تنصب الخبر، وكونها تنصب الخبر واضح، لأن الخبر كان مرفوعاً فغيرته إلى النصب، ويسمى خبراً لها، فتقول: كان عمر سيداً، (سيداً) خبر كان منصوب بها وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. واعلم أن (كان) الداخلة على المبتدأ والخبر في باب أسماء الله وصفاته لا تدل على الزمان، وإنما فيها تأكيد اتصاف الله بهذا الوصف، فقوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا} [النساء:96]، كان: فعل ماض لكن لا تدل على زمن مضى؛ لأنك لو قلت: إنها تدل على زمن مضى لكانت المغفرة والرحمة الآن غير موجودة، ولكنها تدل على أن هذا الشيء كائن لا محالة، فيكون فيها توكيد اتصاف الله سبحانه وتعالى بخبرها. لكن لو قلت: كان زيد قائماً؛ فلا نقول: إن كان مسلوبة الزمان لأن من الممكن أنه كان قائماً وهو الآن قاعد. وقوله: (كان سيداً عمر) يحتاج المؤلف إلى تقديم الخبر من أجل روي البيت، والترتيب الأصلي أن يقال: كان عمر سيداً، و (عمر) هنا ابن الخطاب رضي الله عنه، و (سيداً) من السادات وليس هو السيد المطلق؛ لأن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وسيد هذه الأمة بعده أبو بكر رضي الله عنه، وسيد الأمة بعد أبي بكر عمر، وسيدها بعد عمر عثمان، وسيدها بعد عثمان علي بن أبي طالب، وسيدها بعد علي الحسن بن علي بن أبي طالب؛ لأنه رضي الله عنه أحق بالخلافة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين). الشاهد أن عمر سيد من السادات ونعم السيد عمر رضي الله عنه فإن الله تعالى فتح على يديه فتوحات كثيرةً عظيمة، وانتشر في عهده العدل، وصلحت الأمة حتى كان عهده مضرب المثل في العدل والاطمئنان والحزم وعدم الغفلة، فلذلك استحق أن يكون سيداً رضي الله عنه. أفادنا المؤلف رحمه الله أن عمل كان هو رفع المبتدأ اسماً لها ونصب الخبر خبراً لها، وأفادنا أن الضمة التي كانت على المبتدأ بعد دخول كان ليست من أجل الابتداء ولكن من أجل دخول كان. قال: (ككان ظل) هذا تركيب عجيب غريب؛ قد يقول القائل: قد ذكر أن حروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء، وهنا دخلت الكاف على (كان) وهي فعل، فكيف المخرج؟ نقول: لأنه أريد لفظها، ومتى أريد اللفظ جاز دخول حرف الجر سواء كان المدخول عليه فعلاً، أو جملة فعلية، أو جملة اسمية. وأما (ظل) فهي مبتدأ. (وككان) خبر مقدم، وظل وما عطف عليه مبتدأ مؤخر. وظل هنا بالظاء أخت الطاء وتسمى الظاء المشالة؛ لأنها شيلت بالألف، وظل بمعنى صار. وهناك ضل بالضاد من الضلال وليست من هذا الباب، فإذا قلت: ضل الرجل تائهاً، فالرجل: فاعل، وتائهاً: حال، ولا نقول: إنه من باب أخوات كان، ولا تدل على ما تدل عليه ظل؛ لأن ظل تدل على الصيرورة وعلى نوع من الاستمرار، ومثالها قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل:58]، أي: صار واستمر إلى حين ما مسوداً. و (بات) من البيتوتة؛ وهي النوم في الليل، هذا هو الأصل، وتطلق على مجرد البيتوتة فتقول: بات الرجل نائماً، وتقول: بات الرجل ساهراً، وكلاهما صحيح، وبات ترفع الاسم وتنصب الخبر. و (أضحى) من الضحى: وهو ارتفاع النهار، فإذا قلت: أضحى الرجل صائماً؛ فالمعنى صار صائماً، لكنك خصصته في زمن معين وهو الضحى. و (أمسى) مثلها أيضاً، فتقول: أمسى الرجل جائعاً، يعني: صار في المساء جائعاً. و (صار) من الصيرورة لا من الصير؛ لأن صار تأتي من الصير، وتأتي من الصيرورة يعني: الانقلاب من حال إلى حال، والمراد هنا الصيرورة، فتقول: صار الخزف إبريقاً، وصار الصديق عدواً، وصار العدو صديقاً، وصار الراكب راجلاً، وصار الراجل راكباً، وهلم جرا. وأما من الصير الذي بمعنى الضم فليست من هذا الباب، ومن ذلك قوله تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:260]، أي: ضمهن إليك. و (ليس) فعل يدل على النفي، وقد قال بعض النحويين: إنها ليست فعلاً بل هي حرف؛ لأنها تشبه الحرف في عدم التصرف؛ فتكون حرفاً. لكن الصواب أنها فعل ولا شك، والدليل قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [النساء:18]، فدخلت عليها تاء التأنيث، وهذا يدل على أنها فعل ماضٍ. (وزال) التي مضارعها يزال -لا التي مضارعها يزول، ولا التي مضارعها يزيل- تعمل عمل كان، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118]، فيزالون: فعل ماض ناقص ترفع الاسم وتنصب الخبر، واسمها هنا ضمير مبني على السكون في محل رفع، و (مختلفين) خبرها. أما زال التي مضارعها (يزول) فإنها لا تعمل عمل كان بل هي تامة، تقول: زالت الشمس، والمضارع: تزول الشمس. كذلك زال التي مضارعها (يزيل) فإنها ليست من أخوات كان، وهي بمعنى تميز، تقول: زال مالك عن ماله، يعني: ميزه. و (برح) أصل برح مأخوذة من البراح وهو السعة، لكنها تفيد الاستمرار إذا كانت من أخوات كان. و (فتئ) بمعنى عمل هذا الشيء وما أشبه ذلك، لكنها تكون للاستمرار. (انفك) يعني: تخلص من الشيء، لكنها إذا كانت من أخوات كان لا تكون بهذا المعنى كما سيأتي أيضاً؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: [وهذي الأربعة لشبه نفي أو لنفي متبعه] فقوله: (هذي) اسم الإشارة يعود إلى أقرب مذكور، وهي: زال، وبرح، وفتئ، وأنفك. فهذه الأربعة لا تكون من أخوات كان إلا إذا اقترنت بنفي، أو شبه نفي، وهو النهي، ولا فرق بين أن يكون النفي بما أو لا أو غير أو ما أشبه ذلك. فالمهم أن تكون مقترنة بما يفيد النفي أو شبهه. قال الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118]، فهنا سبقت بحرف النفي لا. كذلك أيضاً قال تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} [يوسف:85]، فالنفي هنا محذوف، وأصلها تالله لا تفتأ تذكر يوسف؛ يعني لا تزال تذكر يوسف حتى تكون حرضاً. لكن النفي يحذف من (تفتأ) إذا سبقها قسم، وكانت فعلاً مضارعاً، وأداة النفي لا، فإذا تمت الثلاثة فإنه يحذف النفي. وبعضهم نظم هذا فقال: ويحذف ناف مع شروط ثلاثة إذا كان لا قبل المضارع في القسم وهذه الشروط متحققة في الآية: فحرف النفي لا، وقبلها قسم، والفعل مضارع. وبرح: قال الله في قصة موسى والخضر: {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60]، أي: لا أبرح سائراً، فالخبر محذوف. والرابع انفك، تقول: ما انفك البرد شديداً يعني: لم يزل البرد شديداً. قال المؤلف: (وهذي الأربعة لشبه نفي أو نفي متبعة) والسبب في تقديم المؤلف شبه النفي على النفي مع أن الأصل أن المشبه به أقوى من المشبه؛ قيل: لضرورة النظم وهذا هو الظاهر. وبعض المحشين يقول: قدم شبه النفي جبراً لنقصه؛ يعني أن شبه النفي أنقص من النفي فقدمه جبراً لنقصه. لكن النظم ربما يقول قائل: يمكن أن ينجبر البيت بغير هذا، فيقول مثلاً: وهذه الأربعة لنفي أو لشبه نفي متبعة. ويقال لهذه الأفعال الأربعة: أفعال الاستمرار؛ لأنها تدل عليه. ثم قال: [ومثل كان دام مسبوقاً بما كأعط ما دمت مصيباً درهماً] دام مثل كان، وهو

(شرح ألفية ابن مالك [21]) للشيخ: (محمد بن صالح العثيمين) (عدد القراء 218) عناصر الموضوع 1 توسط خبر كان وأخواتها

شرح ألفية ابن مالك [22]

شرح ألفية ابن مالك [22] ما ولا ولات حروف نفي كليس، وقد جعل لها بعض العرب عمل ليس في رفع المبتدأ ونصب الخبر، ولكنها تعمل هذا العمل بشروط.

فصل: في ما ولات وإن المشبهات بليس

فصل: في ما ولات وإن المشبهات بليس

شروط إعمال ما عمل ليس

شروط إعمال ما عمل ليس قال: [إعمال ليس أعملت ما دون إن مع بقا النفي وترتيب زكن] إعمال: مصدر مبين للنوع، وعامله (أعملت) وهو مضاف إلى (ليس). أعملت: فعل ماض مبني للمجهول. ما: نائب فاعل لأعمل. وتقدير الكلام: أعملت ما إعمال ليس، والذي عمل هذا الإعمال هم العرب. وابن مالك رحمه الله لم يصغ هذا الفعل صيغة المجمع عليه، فقال: (أعملت) يعني: أعملها ناس، فالذي أعملها الحجازيون دون التميميين، فالتميميون أهملوها؛ لأن الأصل عندهم أن الحروف لا تعمل إلا الحرف المختص؛ ولهذا فإن (هل) حرف استفهام لا يعمل؛ لأنها مشتركة بين الأسماء والأفعال. لكن (إلى) و (من) و (على) و (لم) و (إن الشرطية) تعمل؛ لأن (لم وإن) مختصة بالأفعال، و (إلى وعلى) مختصة بالأسماء، وهذه القاعدة أغلبية وليست مطردة في كل حال. فإذاً: الذين أعملوا (ما) إعمال (ليس) هم الحجازيون، وبلغتهم جاء القرآن، قال الله تبارك وتعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31]. وبنو تميم قبل توحيد القرآن على حرف واحد يقرءون: (ما هذا بشرٌ) أما بعد توحيده فيجب أن يقرأ بما وحده عليه الصحابة. وهنا بيت أديب يقول فيه: ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب فأجاب: ما قتل المحب حرام فهذا الحبيب ينتمي إلى قبيلة تميم؛ لأنه قال: ما قتل المحب حرامُ، ولو كان حجازياً لقال: ما قتل المحب حراماً. لكن يشترط لإعمال (ما) عمل ليس أن تكون غير مقترنة بإن؛ ولهذا قال ابن مالك: (دون إن). فإن اقترنت بإن لم تعمل، والمراد بإن هنا إن الزائدة، ومن ذلك قول الشاعر: بني غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ وَلا صَرِيفٌ ولكِنْ أَنْتُمُ الخَزَفُ الخزف من الطين، والذهب معروف، والصريف الفضة، فيقول: أنتم ما لكم أصل، إذ معدنكم رديء لأنه من الخزف، ولا يريد أن يبين للناس أن أصل بني آدم من طين. وهنا لم تعمل ما؛ لأنها اقترنت بإن الزائدة. ولو قلت: ما زيد قائماً، صح. وإن قلت: ما إن زيد قائماً، فهذا خطأ؛ لأنها اقترنت بها إن الزائدة، وإذا اقترنت بها إن الزائدة بطل عملها. الشرط الثاني: قوله: (مع بقا النفي وترتيب زكن). (مع) ظرف مكان منصوب على الظرفية، وربما قيل فيه: معْ، لكنه قليل، كما قال ابن مالك: ومعَ معْ فيها قليل ونُقل فتح وكسر لسكون يتصل لكن هنا لا يجوز (معْ)؛ لأنه ينكسر البيت، فيقال: معَ بقا النفي، و (بقا) أصلها: بقاء، بالهمزة ولكن حذفت الهمزة لاستقامة ميزان النظم. وقوله: (وترتيب) يعني: ومع ترتيب زكن. هذان شرطان: الشرط الأول: أن يبقى النفي، فإن انتقض النفي فإنها لا تعمل، مثاله: ما زيد إلا قائم، فلا يجوز أن تقول: ما زيد إلا قائماً؛ لأن النفي انتقض. وقيل: تعمل وإن انتقض النفي. فتقول: ما زيد إلا قائماً، لكن هذا القول ضعيف؛ لأن القرآن يدل على أنه إذا انتقض نفيها بطل عملها، قال الله تعالى: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [المؤمنون:24] فرفع (بشر) لأنه انتقض النفي بإلا، وعلى هذا نعرب الآية فنقول: (ما) نافية ملغاة، و (هذا) مبتدأ، و (إلا) أداة حصر، و (بشر) خبر المبتدأ. وإذا قلت: ما ما زيد قائم، أو ما ما زيد قائماً، فلا بد من التفصيل: إذا كانت ما الأولى نافية والثانية نافية، فهنا يتعين الرفع؛ لأن النفي انتقض؛ لأن نفي النفي إثبات، فقولنا: ما ما زيد قائم، يعني: ليس الأمر انتفاء قيام زيد. وإن جعلنا (ما) الثانية توكيداً للأولى غير مستقلة عملت؛ لأن النفي باق بل أكد، كما لو قلت: ما زيد قائماً ما زيد قائماً، هنا كررها في الجملة كلها، فإذا كررت ما وحدها فهو توكيد. ولكن هل إذا عبرت ابتداء فقلت: ما ما زيد قائماً، هل هذا صحيح؟ نقول: لا. هذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد، وإذا كان الأصل في الكلام التأسيس صار النفي هنا منفياً فينتقض، لكن لو فرض أنه وجد في لغة العرب: (ما ما زيد قائماً) هكذا بالنصب، فنقول: أراد المتكلم أن ما الثانية توكيد. الشرط الثالث قوله: (وترتيب زكن). أي: وترتيب بين الاسم والخبر، يعني: ألا يتقدم خبرها على اسمها، بل ولا عليها أيضاً، لا بد أن يقع الاسم ثم الخبر، فلو قلت: ما قائماً زيد، فالحكم خطأ، يجب أن أقول: ما قائم زيد. وإذا قلت: ما عندك زيد، فهذا صحيح، لكن (ما) هنا ملغاة؛ لأن ابن مالك يقول: لا بد من الترتيب، فإذا قلت: ما عندك زيد، فقد قدمت الخبر فتقول: (زيد) مبتدأ مؤخر، ولا تقل: (زيد) اسم ما؛ لأن الترتيب اختلف.

حكم تقدم معمول خبر ما الحجازية

حكم تقدم معمول خبر ما الحجازية ثم قال: [وسبق حرف جر أو ظرف كما بي أنت معنياً أجاز العلما]. (سبق) مفعول مقدم، وعامله قوله: (أجاز). و (العلما) فاعل، والتقدير: وأجاز العلماء سبق حرف جر أو ظرف. ثم مثل المؤلف بمثال يحدد مراده، فقال: (كما بي أنت معنياً)، فالذي تقدم الآن هو معمول الخبر؛ لأن (ما) نافية، و (بي) جار ومجرور متعلق بمعنياً، والترتيب الأصلي لهذه الجملة: ما أنت معنياً بي، فقدم معمول الخبر على الاسم. وابن مالك يقول: (أجاز العلما) وظاهر كلامه أن هذا إجماع، وليس كذلك، بل فيه خلاف. مثال الظرف: ما عندك زيد مقيماً، فعند ظرف متعلق بـ (مقيماً). فيجوز أن يتقدم معمول الخبر على الاسم، ولا يجوز أن يتقدم الخبر على الاسم، وهذا عجيب، إذ كيف يجوز أن يتقدم فرعه وهو لا يجوز، هذا خلاف الأصل. والواقع أنه إذا جاز تقدم الفرع جاز تقدم الأصل، لكن يقولون: إنه يغتفر في الظروف والمجرورات ما لا يغتفر في غيرها، وهذا منتقض أيضاً في قولنا: ما عندك زيد، حيث قالوا: لا يصح أن يكون (عند) في محل نصب. وعلم من قوله: (وسبق حرف جر أو ظرف) أنه لو سبق معمول الخبر، وليس بظرف ولا جار ومجرور فإنه لا يصلح، فلو قلت: ما طعامَك زيد آكلاً، فإنه لا يجوز، إلا إذا أهملتها فقلت: ما طعامَك زيد آكل. وقول ابن مالك: (أجاز العلما)، ظاهره الإجماع. ولكن المسألة فيها خلاف أيضاً، فمن العلماء من قال: يجوز أن تقول: ما طعامَك زيد آكلاً، واستدل بالقياس، فقال: إنه إذا جاز تقديم المعمول جاز تقديم العامل، وأنتم أيها النحويون استدللتم على جواز تقديم خبر (ليس) عليها بتقدم معمول الخبر عليها. فنقول هنا أيضاً: تقديم معمول الخبر يؤذن بجواز تقديم الخبر؛ لأنه معموله وفرعه؛ ولهذا كان الصحيح الجواز، وأنه لا فرق بين أن تقول: ما بي أنت معنياً، وأن تقول: ما طعامك زيد آكلاً، فكلاهما جائز. بقي أن يقال: هل يجوز أن يتقدم الخبر على ما، فأقول: قائماً ما زيد؟ ف A لا، لأنه قد سبق أن ما النافية في كان وأخواتها لا يجوز تقدم الخبر عليها، هذا مع أن الفعل العامل أقوى من الحرف العامل، فكيف إذا كان العامل حرفاً؟! وبهذا يتبين أن المسألة لها صور: طعامَك ما زيد آكلاً، وما طعامَك زيد آكلاً، على قولين، وكلام ابن مالك يدل على المنع. وما زيد آكلاً طعامَك، صحيح قولاً واحداً. وما زيد طعامَك آكلاً، يجوز؛ لأنه لم يتقدم على الاسم، إنما تقدم على الخبر، أي: صار متوسطاً بين الاسم والخبر. وما آكلاً طعامك زيد، لا يصح. إذاً: قوله: (وترتيب زكن) معناه أنه لا يجوز أن تقول: ما طعامك آكلاً زيد، ولا ما آكلاً طعامك زيد؛ لأنه لا بد من الترتيب بين الاسم والخبر، وفيه الخلاف، وإذا كان فيه خلاف فالصحيح التسهيل: (ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً). ويرد هنا سؤال وهو: لماذا قال المؤلف: (إعمال ليس أعملت ما)، ولم يقل: إعمال كان، مع أن كان هي الأصل؟ والجواب أن نقول: إن هذه الحروف أشبهت ليس في النفي بخلاف كان؛ لأن كان للإثبات، فلهذا قال: المشبهات بليس، إشارة إلى أن هذه الحروف ألحقت بليس لمشاركتها إياها في النفي.

رفع المعطوف بلكن أو ببل على خبر ما المنصوب

رفع المعطوف بلكن أو ببل على خبر ما المنصوب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ورفع معطوف بلكن أو ببل من بعد منصوب بما الزم حيث حل] (رفع) مفعول مقدم والعامل فيه (الزم)، و (رفع) مضاف و (معطوف) مضاف إليه. (بلكن أو ببل) متعلقان بالمعطوف. (من بعد منصوب) جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمعطوف. (بما) جار ومجرور متعلق بمنصوب. (الزم) فعل أمر، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. (حيث) ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب. (حل) فعل ماضٍ، وفاعله مستتر، وحيث مضاف والجملة مضاف إليه. ومعنى البيت: الزم رفع معطوف بلكن أو ببل إذا جاءت بعد منصوب بما، مثاله: ما زيدٌ قائماً بل قاعدٌ، ولا يصلح أن تقول (بل قاعداً)؛ لأن النفي انتقض، فإنك إذا قلت: (ما زيدٌ قائماً) فقد نفيت قيامه، فإذا قلت: (بل قاعد) أثبت قعوده، فانتقض النفي فوجب الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: بل هو قائم. وكذلك: ما زيدٌ قائماً لكن قاعد، ولا يجوز أن تقول: لكن قاعداً؛ لما ذكرنا. ونعرب (لكن قاعد) فنقول: (قاعد) خبر المبتدأ المحذوف والتقدير: لكن هو قاعد. فإن عطفت بغير لكن أو ببل، فإنه يبقى منصوباً، فتقول: ما زيدٌ قائماً ولا قاعداً؛ لأن النفي باق. ومثله: ما زيدٌ أكلاً ولا شارباً. وجميع حروف العطف كالواو فإذا عطفت بالواو أو غيرها من الحروف ماعدا (بل ولكن)، فإن المعطوف يكون منصوباً. وأما بلكن أو ببل فإن المعطوف يكون مرفوعاً على أنه خبر مبتدأ محذوف.

جر خبر ما وليس ولا وكان المنفية بالباء الزائدة

جر خبر ما وليس ولا وكان المنفية بالباء الزائدة يقول: [وبعد ما وليس جر البا الخبر وبعد لا ونفي كان قد يجر] هذه مسألة ثانية تتعلق بالعطف يقول: (بعد ما وليس جر البا الخبر). بعد: ظرف، وهو مضاف إلى (ما). وليس: معطوف على (ما)، يعني: بعد ما وبعد ليس، والظرف متعلق بجر. (جر: فعل ماض. البا: فاعل حذفت منه الهمزة تخفيفاً، أو من أجل مراعاة الوزن. الخبر: مفعول به لجر. و (بعد لا) يعني: لا النافية، و (نفي كان) يعني: كان المنفية (قد يجر) أي: قد يجر الخبر بالباء. ومعنى البيت: أنه ورد جر الباء للخبر إذا كان خبراً لما أو خبراً لليس، وكذلك إذا كان خبراً للا، أو خبراً لكان المنفية فهذه أربع مواضع تدخل فيها الباء على الخبر وتجره لكن لفظاً لا محلاً. تقول: ما زيدٌ بقائم، فتجر الخبر بالباء، ولا ينصب الخبر لفظاً فلا تقول: بقائماً، لأن العامل -وهو الباء- عامل ظاهر، فيجب أن يعمل في مجروره ظاهراً، بخلاف الخبر فليس عامله ظاهراً، ولهذا نقول: إنه معرب بحسب هذا العامل الذي دخل عليه ظاهراً. إذاً: ما زيدٌ بقائم: (ما) نافية تعمل عمل ليس. و (زيد) اسمها. و (الباء) حرف جر زائد. و (قائم) خبر (ما) منصوب بها، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. وفي قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر:37]: الهمزة للاستفهام التقريري. و (ليس) فعل ماضٍ ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، والاسم الكريم اسم ليس. و (الباء) حرف جر زائد. و (عزيز) خبر ليس منصوب بها، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. إذاً: تدخل الباء الزائدة على خبر (ما)، وعلى خبر (ليس) وتجره لفظاً؛ لكن إعرابه محلاً يكون خبراً لليس، أو خبراً لما. وقوله: (وبعد لا ونفي كان قد يجر) أي: كذلك قد يجر بعد (لا)، وبعد (نفي كان). فلا النافية أيضاً يجر خبرها بالباء الزائدة فتقول: لا أحد بمغن عن الإنسان شيئاً سوى الله. وقول المؤلف: هنا (بعد لا ونفي كان) الظاهر أن مراده (لا) النافية للجنس، وكذلك (لا) التي من أخوات ما الحجازية؛ لأنه أطلق (وبعد لا ونفي كان قد يجر). ومنه قول الشاعر: فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة بمغن فتيلا عن سواد بن قارب الشاهد قوله: لا ذو شفاعة بمغن فتيلا. أما بعد نفي كان، فيقول الشاعر: وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل فالباء هنا حرف جر زائد دخلت على خبر كان المنفية؛ (لم أكن بأعجلهم). والفرق بين (لا) النافية للجنس، و (لا) النافية يظهر بالتمثيل؛ فإذا قلنا: لا رجلٌ قائماً، لنا أن نقول: بل رجلان؛ فهذه لا نافية للوحدة أو للاثنين فهي مقيدة. أما إذا قلنا: لا رجل قائم؛ فيعني أنه لا يوجد أحد من جنس الرجال.

شروط إعمال لا ولات عمل ليس

شروط إعمال لا ولات عمل ليس قال المؤلف: [في النكرات أعملت كليس لا وقد تلي لات وإن ذا العملا] (في النكرات) جار ومجرور متعلق بأعملت. (أعملت): فعل ماضي مبني للمجهول. (كليس): الكاف حرف جر، لكنها اسم في الواقع بمعنى (مثل)، والكاف يجوز أن نستعملها اسماً كما قال ابن مالك: [شبه بكاف وبها التعليل قد يعني وزائدا لتوكيد ورد واستعمل اسماً] يعني: يكون اسماً مثل: (مثل). وعلى كل حال يكون التقدير هنا: أعملت لا مثل ليس. (لا) نائب فاعل، يعني: أن (لا) أعملت في النكرات كإعمال ليس، وإذا كانت (الكاف) بمعنى (مثل) صارت مفعولاً مطلقاً، أي: في محل نصب. وقد: للتقليل؛ لأنها دخلت على الفعل المضارع. (وتلي) فعل مضارع. (لات) فاعل. (وإن) معطوف على (لات). (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب. (العملا) بدل من (ذا) أي: هذا العمل. في هذا البيت ذكر المؤلف رحمه الله ثلاث أدوات، وهي: لا، ولات، وإن. لكن لا بد فيها من شروط: اشترط في عمل (لا) أن تكون في النكرات، يعني: فلا تعمل في المعارف، ومنه قول الشاعر: تعز فلا شيء على الأرض باقيا ولا وزر مما قضى الله واقيا الشاهد قوله: (فلا شيء على الأرض باقياً) فـ (شيء) نكرة، و (باقياً) نكرة، و (وزر) نكرة أيضاً، وكذلك (واقياً)، فهذا البيت جمع شاهدين: ففي الشطر الأول شاهد، وفي الشطر الثاني شاهد. وقوله: (في النكرات) يفهم منه أنها لا تعمل في غير النكرات، بل تهمل، فلو قلت: لا زيدٌ قائماً، لا يصح؛ لأنها لا تعمل إلا في النكرات. ومثله: لا الرجال قائمين، لا تصح. ولكن أورد على هذا الشرط قول الشاعر: وحلت سواد القلب لا أنا باغيا سواها ولا عن حبها متراخيا وجه الاعتراض: أنها عملت في معرفه؛ لأن (أنا) ضمير. أجابوا: بأن هذا شاذ. وأجاب آخرون: بأن هذا قليل. وعلى هذا فيكون إعمالها في النكرات أكثر من أعمالها في المعارف، ولكنها تعمل في المعارف على وجه قليل، ومنه أيضاً قول الشاعر: إذا الجود لم يرزق خلاصاً من الأذى فلا الحمد مكسوباً ولا المال باقيا والمعنى: أن الإنسان الجواد إذا لم يكن جوده خالصاً من أن يؤذي الشخص من جاد عليه، فإنه لا الحمد مكسوباً ولا المال باقياً؛ لأن ماله أنفذه، ولا يحمد؛ فيكون خسراناً حساً ومعنى. والشاهد: قوله: (فلا الحمد مكسوباً، ولا المال باقياً) حيث عملت لا في (الحمد، والمال) وهما معرفتان، لكنه قليل. قوله: (وقد تلي لات وإن ذا العملا). يعني: قد تأخذ (لات) و (إن) عمل ليس. فهاتان أداتان، و (لات) هي في الحقيقة (لا)؛ لكن زيد عليها تاء التأنيث. ولكن قد يقول قائل: تاء التأنيث تكون ساكنة فلماذا كانت هنا متحركة؟ نقول: لأنها اتصلت بحرف، وإذا اتصلت بحرف تكون مفتوحة، كما يقال: ثُمَّتَ في تأنيث (ثم). وعلة أخرى: أن ما قبلها ألف ساكنة؛ فلزم أن تحرك بالفتح. وعليه تقول في (لات): (لا) نافية، و (التاء) للتأنيث. و (إن) كذلك أيضاً تعمل عمل ليس، فترفع الاسم وتنصب الخبر، ومن ذلك قول الشاعر: إن المرء ميتاً بانقضاء حياته ولكن بأن يُبغى عليه فيخذلا (المرء) اسمها و (ميتاً) خبرها. يقول: المرء لا يموت بانقضاء حياته، فالحياة ستنقضي إن عاجلاً أو آجلاً، ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا، فهذا هو الموت حقيقة؛ أن يبغي عليك باغٍ، ويخذلك قريب، والشاهد قوله: (إن المرء ميتا) أي: ما المرء ميتا بانقضاء حياته. لكن هل هنالك فرق بين ميَّتٍ وميْتُ؟ قالوا: إن ميتَّاً من ينتظر الموت ولم يمت بعد، وميْتاً من مات، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. واستدلوا للثاني بقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122]، وبقوله تعالى: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:11]. وهذا في الغالب، أعني أن الميت بالتشديد لمن ينتظر الموت، والميْت بالسكون لمن وقع به الموت. وإعراب الشاهد في البيت كما يلي: (إن) نافية تعمل عمل ليس ترفع الاسم وتنصب الخبر. (المرء) اسمها مرفوع بها وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. (ميتاً) خبرها منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. قال: [وما للات في سوى حين عمل وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل] هذا الشرط يختص بلات، وهو أنها لا تعمل إلا في حين. وهل المراد بالحين الوقت أو لفظ (حين)؟ قيل: المراد لفظ (حين). وقيل: المراد الوقت، يعني ما دل على الحين، وهذا أصح. وإعراب هذا الشطر كما يلي: (ما) نافية. و (للات) جار ومجرور خبر مقدم. (في سوى) جار مجرور متعلق بعمل، و (سوى) مضاف، و (حين) مضاف إليه. و (عمل) مبتدأ مؤخر مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع منها مراعاة حرف الروي، وأصلها (عملٌ). ولكن قد يقول قائل: بل علامة رفعة ضمة ظاهرة في آخره، لكنه سكن من أجل الوقف، كما تقول: قام زيدْ. والأول أظهر؛ لأن (عمل) لو حركت ووصلت بما بعدها فقلت: وما للات في سوى حين عملٌ وحذف ذي الرفع فشا والعكس قلْ لا يستقيم؛ إذاً: فسكونها هذا ليس من أجل الوقف ولكن من أجل مراعاة الروي، فتكون مرفوعة بضمة مقدرة على آخرها منع من ظهورها مراعاة الروي. وقال: (وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل). حذف مبتدأ، وهو مضاف إلى (ذي)، وذي مضافة إلى (الرفع). (فشا) فعل ماض، وفاعله مستتر جوازاً تقديره (هو)، والجملة خبر (حذف). والمعنى: كثر حذف ذي الرفع، و (العكس) وهو حذف ذي النصب (قل). إذاً: لات تتميز بأنها لا تعمل إلا في حين، ولا بد من حذف أحد معموليتها: إما الاسم وهو الأكثر، وإما الخبر وهو الأقل. مثال ذلك قوله تبارك تعالى: {فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص:3]. (لا) نافية ترفع الاسم وتنصب الخبر، و (التاء) تاء التأنيث، واسمها محذوف، ولا نقول: مستتر؛ لأن (لا) حرف، والحرف لا يتحمل الضمير، والضمير اسم وهو أقوى من الحرف. والتقدير: ولات الحين حين مناص؛ يعني: ليس ذلك الوقت حين مفر. وقد قلنا: إن المراد بالحين الوقت وهو الأصح، واستشهد لذالك بقول الشاعر: ندم البغاة ولات ساعة مندم والبغي مرتع مبتغيه وخيم البغاة: جمع باغ. ولات ساعة مندم: أي ليست الساعة ساعة مندم. فنلاحظ الآن أن (لات) عملت في لفظ غير لفظ حين، لكنه يدل على الحين والوقت، فعليه يكون المراد بقوله: (في سوى حين عمل) الوقت. وقوله: (والبغي مرتع مبتغيه وخيم)، هذا الشطر يكتب بماء الذهب، ومعناه: أن مرتع طالب البغي وخيم؛ لأن المصارع تأتي دائماً على البغاة، فما أقرب مصرع الباغي! وقول المؤلف: (العكس قل) العكس هو حذف الخبر وبقاء الاسم. فلو قال الشاعر: ندم البغاة ولات ساعة مندم لقلنا: (الساعة) الاسم والخبر محذوف

شرح ألفية ابن مالك [23]

شرح ألفية ابن مالك [23] كاد وأخواتها أفعال تعمل عمل كان وأخواتها، فترفع الاسم وتنصب الخبر، وهي تختلف من حيث اقتران خبرها بـ (أن)، وتختلف في المعنى الذي تدل عليه كل أداة منها، وتختلف من حيث التصرف.

أفعال المقاربة

أفعال المقاربة قال المؤلف رحمه الله: [أفعال المقاربة]. أفعال: جمع فعل، والمقاربة: ضد المباعدة، وهذا باب جمعت فيه الأفعال الدالة على المقاربة، وهذا في الغالب؛ لأن أفعال هذا الباب بعضها للمقاربة، وبعضها للرجاء، والبعض للشروع كما يتبين -إن شاء الله- من الشرح. وتعمل أفعال المقاربة عمل كان، أي: ترفع الاسم وتنصب الخبر. وكان على ابن مالك رحمه الله أن يبدأ بأفعال المقاربة قبل (ما وأخواتها)؛ لأن أفعال المقاربة إلى كان وأخواتها أقرب شبهاً من (ما وأخواتها)؛ إذ إن ما وأخواتها حروف، وهذه أفعال. فإن قال قائل: لعل ابن مالك أخرها عن (ما وأخواتها) لأن لها شروطاً ولا تعمل إلا في مواضع معينه. قلنا: وأيضاً (ما وأخواتها) لها شروط؛ فلهذا كان الذي يبدو أنه لو كانت أفعال المقاربة بعد (كان وأخواتها) لكان أنسب.

الغالب في خبر كاد وعسى أن يكون مضارعا

الغالب في خبر كاد وعسى أن يكون مضارعاً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ككان كاد عسى لكن ندر غير مضارع لهذين خبر] (ككان) جار ومجرور خبر مقدم. (كاد) مبتدأ مؤخر. لكن كيف أعربنا (كاد) مبتدأ مؤخراً، وأعربنا (كان) مجروراً؟ A لأن المراد لفظهما، وإذا كان المراد اللفظ ربما تكون الجملة كلها مجرورة. إذاً: متى قصد اللفظ فإنه لا يهم أن يكون فعلاً، أو حرفاً، أو اسماً، أو جملة اسمية، أو جملة فعلية. وقوله: (عسى) معطوف على (كاد)؛ فهي في محل رفع. (لكن) حرف استدراك، وهي للعطف، بخلاف (لكنَّ) فإنها عاملة. (ندر) أي: قَلَّ. (غير) فاعل ندر، وهو مضاف إلى (مضارع). (لهذين) جار مجرور متعلق بغير. (خبر) فاعل ندر، يعني: قل أن يكون خبر غير مضارع لهذين الفعلين، وهما (كاد -وعسى). يعني نقول: كاد زيدٌ قام، عسى زيدٌ قام، فهذا نادر، لأن الخبر إنما يكون فعلاً مضارعاً. وكاد زيدٌ قام، وكاد زيد قم؛ هذا من النادر إن صح هذا التركيب. قوله: (لكن ندر) استدراك هنا؛ لأنه قال: (ككان كاد) وظاهر هذا التشبيه أنهما يشبهان (كان) من جميع الوجوه؛ ولذلك استدرك. فإن (كان) لا يتقيد خبرها بشيء؛ بل يكون اسماً، وظرفاً، وجار ومجروراً، ويكون فعلاً مضارعاً، ويكون فعلاً ماضياً. أما هاتان الأداتان، فيقول: (ندر غير مضارع لهذين خبر). مثال (كاد) قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]، فالخبر (يفعلون)، وهو فعل مضارع. ومثال (عسى) قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:216] فالخبر (تكرهوا)، وهو فعل مضارع. لكن لو قلت: كاد زيدٌ قائماً، فهذا يكون من النادر لكنه ورد عن العرب. عسى زيدٌ قائماً، كذلك نادر، لكنه ورد عن العرب. لما ذكر أن (كاد وعسى) اشتركا في أن خبرهما يكون فعلاً مضارعاً، وأنه يندر ألا يكون فعلاً مضارعاً، ذكر اختلافهما من حيث اقتران (أن) بالخبر وعدمها، فقال: [وكونه بدون أن بعد عسى نزر وكاد الأمر فيه عكسا] (كون) مبتدأ -وخبره (نزر) - وهو مصدر (كان)، فيعمل عملها، واسم المصدر هو الضمير (الهاء) في قوله: (وكونه) فهو مصدر مضاف إلى اسمه. و (بدون) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر (كون)، و (بدون) مضاف، و (أن) مضاف إليه، وصحت الإضافة إليه مع أنه حرف؛ لأنه المقصود بذلك اللفظ. (بعد) ظرف متعلق بمحذوف، والتقدير: كونه بدون أن بعد عسى واقعاً، ويكون المحذوف حالاً، و (بعد) مضاف، و (عسى) مضاف إليه، وصحت الإضافة إليه وهو فعل لأن المقصود لفظه. و (نزر) خبر كونه. (وكاد) مبتدأ. (الأمر) مبتدأ ثان. (عكسا) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والرابط: الضمير (فيه). والمعنى: كاد عكس الأمر فيه؛ فالأكثر في خبره تجرده من (أن). وخلاصة الأمر: أن (كاد وعسى) خالفتا (كان) في أن خبرهما يكون فعلاً مضارعاً، ويندر ما سواه، واتفقتا في أن الخبر يكون مضارعاً، واختلفتا في أن الأكثر في (عسى) اقتران الخبر بأن، وفي (كاد) العكس. وفي القرآن: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]، {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40] فنجد أن الخبر مجرد من (أن). وفي قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:216]، نجد أن الخبر مقترن بأن، والقرآن أبلغ الكلام. وظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أنه يجوز أن يقترن الخبر بأن مع كاد، ويجوز حذف أن مع عسى، ومثاله قول الشاعر: عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب فالخبر (يكون)، والأفصح الكثير: أن يكون. وفي كاد: كادت النفس أن تفيض عليه. فهنا اقترن الخبر بأن، والأكثر أن يقال: كادت النفس تفيض عليه. ونرجع إلى الإعراب: ففي قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]: (كاد) فعل ماضٍ ناسخ يعمل عمل كان، وواو الجماعة اسمه ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع. (يفعلون) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل، والجملة من الفعل والفاعل خبر كاد. وقوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} [البقرة:216]: (عسى) فعل ماضٍ ناسخ يعمل عمل كان، فيرفع الاسم وينصب الخبر، واسمها ضمير الشأن مستتر، والتقدير: عسى الشأن كراهتكم شيئاً. (أن) حرف مصدري. (تكرهوا) فعل مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل. (شيئاً) مفعول به لتكرهوا، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر عسى، والتقدير: عسى الشأن كراهتكم شيئاً وهو خيرٌ لكم. والفرق بين (كاد) و (عسى) في المعنى أن (كاد) للمقاربة، وأما (عسى) فهي للترجي. فإذا قلت: كاد الطالب يفهمُ، فالمعنى أنه قارب. وإن كان في الطلبة من هو أبعد فهماً من هذا الطالب فأقول: عسى الطالب أن يفهم. وبين العبارتين فرق اشتهر عند بعض النحويين وهو: أن إثبات (كاد) نفي وأن نفيها إثبات، فإذا قلت: كاد زيدٌ يفعلُ؛ فتدل الجملة على أنه لم يفعل. وأن الله تعالى قال: (لم يكد يراها)؛ وهو قد رآها، وفي قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]، فيكون نفيها إثباتاً. ولكن الصحيح أنها كغيرها من الأفعال، فإثباتها إثبات، ونفيها نفي، ولا يمكن أن يكون نفيها إثباتاً إلا بقرينه، والقرائن لها أحوال، وهذا الذي رجحه ابن هشام رحمه الله في المغني، فمثلاً إذا قلت: كاد الطالب يفهم فكاد تدل على أنه قارب الفهم. إذاً: إثباتها إثبات. وقوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]، قالوا: إنهم ذبحوها، والله يقول: (ما كادوا يفعلون)، وهم قد فعلوا، نقول: لا يفهم أنهم فعلوا من قوله تعالى: (وما كادوا يفعلون)، إنما فهمناه من قوله: (فذبحوها)، وقوله تعالى: (وما كادوا يفعلون) على ما هو عليه يعني: ما قرب أن يفعلوا لكن بعد الأخذ والرد فعلوا. إذاً: فقوله: (وما كادوا يفعلون) تشنيع عليهم، يعني: أنهم فعلوا بعد أن كادوا لم يفعلوا. وأما قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40]، فعلى زعمهم أنه رآها، ولكن الآية لا تدل على هذا فالبحر لجي عميق، ويغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فهو ظلمات بعضها فوق بعض، فلا يقارب أن يرى يده. إذاً: فنفيها نفي، وهذا هو الواقع، لكن لما كان الإنسان إذا قال (ما كاد يفعل) ظن أن (كاد) مسلطة على الفعل، والفعل لم يحصل، يعني: ظن هذا القائل بأن نفيها إثباتها وإثباتها نفي، حين ظن أن كلمة (كاد) مسلطة على الفعل، فقال: إن الفعل لم يقع، فنقول: إن كان ليست مسلطة على الفعل، بل أصل (كاد) بمعنى قرب، وليست بمعنى فعل، وإذا كانت بمعنى قرب فقولي: كاد يفعل، مثبت، أي: قرب أن يفعل، وإذا قلت: لم يكد يفعل، فمعناه: أنه لم يقرب من الفعل. ومثلها: علمته ثم علمته ثم علمته ولم يكد يفهم، أي: ما فهم، لم يقرب من الفهم. والراجح عندي كلام ابن هشام، وأنها كغيرها من الأفعال، نفيها نفي وإثباتها إثبات، إلا إذا دلت القرينة، والقرائن لها أحوال. (وعسى) للترجي، تقول: عسى محمد أن يفهم، وقد تأتي لغير الترجي، ومن ذلك إذا جاءت في كلام الله كقوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء:98 - 99]، فالله تعالى لا يترجى، لأن كل شيء بأمره؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عسى من الله واجبة)، أي: أنها للتحقيق، لكن ما الحكمة أنها جاءت بصيغة الترجي؟ لئلا يهلك الإنسان الأمل، فكأن المعنى: لو تاب الإنسان أو كان معذوراً عسى الله أن يعفو عنه، فلئلا يهلكك الأمل فتعتمد على إنجاز الله سبحانه وتعالى لك ما وعدك به. فصارت (عسى) للترجي إلا إذا جاءت في كلام الله فإنها تكون للتحقيق، لقول ابن عباس رضي الله عنهما وهو من أئمة اللغة بلا شك: (عسى من الله واجبة).

وجوب اقتران خبر حرى واخلولق بأن

وجوب اقتران خبر حرى واخلولق بأن [وكعسى حرى ولكن جعلا خبرها حتماً بأن متصلا وألزموا اخلولق أن مثل حرى وبعد أوشك انتفا أنْ نزرا] قوله: (وكعسى حرى)، أي: في المعنى، و (عسى) سبق أنها من أفعال الرجاء، وعلى هذا فتكون (حرى) من أفعال الرجاء، فتقول: حرى زيدٌ أن يقوم، أي: عسى زيدٌ أن يقوم. ولكن هناك فرق بينهما ذكره بقوله: (ولكن جعلا خبرها حتماً بأن متصلا). قوله: (وكعسى حرى) الواو: حرف عطف، كعسى: جار ومجرور خبر مقدم. حرى: مبتدأ مؤخر، وهو فعل لكن يراد به لفظه. ولكن: الواو: حرف عطف، لكن: حرف استدراك، وهي هنا ليست عاطفة، فإن العطف بالواو، ولكنها مفيدة للاستدراك، فإن لم يكن معها حرف عطف صارت للاستدراك والعطف، كما لو قلت: ما زيدٌ قائماً لكن قاعداً، فتكون لكن: هنا حرف عطف جملة على جملة، أما إذا جاءت الواو معها فهي حرف استدراك فقط. جعلا: فعل ماض، والألف للإطلاق، وهو مبني لما لم يسم فاعله. خبرها: نائب الفاعل، وهو مضاف إلى (ها). حتماً: مفعول مطلق، أي: جعل جعلاً حتماً، أي: لازماً. بأن: جار ومجرور متعلق بمتصلاً. ومتصلاً: مفعول ثان لجعل، ومفعولها الأول هو نائب الفاعل (خبرها)؛ لأن نائب الفاعل يقوم مقام المفعول الأول. يقول المؤلف: إن حرى كعسى في الدلالة على الرجاء، لكن تخالفها في أنه يجب أن تتصل (أنْ) بخبر حرى، وفي (عسى) الأكثر أن يتصل، لكنه ليس بواجب. إذاً: الفرق بينهما: أن (عسى) يكثر اقتران خبرها بأن، وأما (حرى) فيجب اقتران خبرها بأن. يقول: (وألزموا اخلولق أنْ مثل حرى) الظاهر أن المراد بذلك العرب، أي: ألزموا حسب لغتهم اخلولق (أنْ) مثل حرى. قوله: (ألزموا): فعل وفاعل، ألزم: فعل ماض، والواو: ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل. اخلولق: مفعول أول لألزموا، وهو مراد لفظه، أي: ألزموا هذه الكلمة. أنْ: مفعول ثان لألزموا، وهو أيضاً مراد لفظه. مثل حرى: إما أن تكون مفعولاً مطلقاً أي: إلزاماً مثل حرى، أو تكون حالاً، أي: حال كونها مثل حرى، ومثل: مضاف و (حرى) مضاف إليه بإرادة اللفظ. (وبعد أوشك انتفا أن نزرا): انتفاء: مبتدأ، وهو مضاف إلى أن. وبعد: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة الظاهرة، وهو مضاف إلى أوشك، ومتعلق بقوله: (نزر) أي: قل، وتقدير البيت: وانتفاء أنْ قل بعد أوشك. يقول رحمه الله: إن العرب ألزموا اخلولق (أنْ) كما ألزموا حرى، أي: أنه يجب في خبر اخلولق أن يقترن بأن، فتقول: اخلولقت السماء أن تمطر، ولا يصح أن تقول: اخلولقت السماء تمطر. والإعراب: اخلولق: فعل ماض، والتاء للتأنيث، واخلولق: يرفع الاسم وينصب الخبر. والسماء: اسمها مرفوع بها وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. أن: حرف مصدر ينصب الفعل المضارع. تمطر: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وهو خبر اخلولق، أي: اخلولقت السماء إمطارها؛ لأن (أن) تقدر وما بعدها بمصدر. إذاً: تشترك اخلولق وحرى في لزوم (أنْ) في خبرهما، وفي معناهما، لأنهما بمعنى الرجاء، فهي مثلها في المعنى وفي العمل.

اقتران خبر أوشك بأن

اقتران خبر أوشك بأن قوله: (وبعد أوشك انتفا أن نزرا): أي: أن خلو خبر (أوشك) من (أنْ) قليل، فتقول مثلاً: توشك السماء أن تمطر، هذا هو الكثير، وتقول: أوشكت السماء تمطر، ولكنه قليل، وعليه قول الشاعر: يوشك من فر من منيته في بعض غراته يوافقها ولم يقل: أن يوافقها. لكن الشاعر الآخر يقول: ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا فهنا اقتران خبرها بأن، وهو الغالب.

تجرد خبر كرب من أن

تجرد خبر كرب من أن قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومثل كاد في الأصح كربا وترك أن مع ذي الشروع وجبا كأنشأ السائق يحدو وطفق كذا جعلت وأخذت وعلق (ومثل كاد) مثل: مبتدأ، وهو مضاف إلى (كاد) باعتبار اللفظ. في الأصح: جار ومجرور. (كربا) خبر المبتدأ (مثل)، ويجوز أن تقول: كربا: مبتدأ، ومثل: خبر: فإن كنت تريد أن تخبر أن (كرب) مثل (كاد) فتكون (كرب) هي المبتدأ و (مثل) خبراً. وإن كنت تريد أن تخبر عن مماثل (كاد) فإن (مثل) تكون مبتدأ و (كرب) خبراً، لكن المتبادر أنك تريد أن تخبر أن (كرب) مثل (كاد)، وعلى هذا تكون (كرب) مبتدأ مؤخراً و (مثل) خبراً مقدماً. (في الأصح) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، أي: حال كونه في الأصح من أقوال النحويين. (وترك أن): ترك: مبتدأ، وهو مضاف إلى أن. مع: ظرف مكان، وهو مضاف إلى ذي، و (ذي) مضاف إلى الشروع. وجبا: فعل ماض، والجملة خبر المبتدأ، والظرف (مع ذي الشروع) متعلق بقوله: (وجب) أي: ووجب ترك أن مع ذي الشروع، أي: مع أفعال الشروع، وسيذكرها المؤلف هنا. يقول المؤلف: مثل كاد في الأصح كرب، وكرب الأكثر فيها حذف أن من خبرها، ومنه قول الشاعر: كرب القلب من جواه يذوب حين قال الوشاة هند غضوب فقوله: (مثل كاد في الأصح كربا) أي: أنها تكون خالية من أن، تقول: كربت السماء تصفى، بمعنى: قاربت؛ لأن (كاد وأوشك وكرب) التي فيها الكاف كلها تكون للمقاربة.

امتناع اقتران خبر ما دل على الشروع بأن

امتناع اقتران خبر ما دل على الشروع بأن قوله: (وترك أن مع ذي الشروع وجبا): أي: يجب ترك (أن) مع ذي الشروع، وهذا عكس الذي يجب أن يقترن خبره بأن مثل: حرى واخلولق، فصارت هذه الأدوات بالنسبة لاقتران خبرها بأن تنقسم إلى أربعة أقسام: ما يمتنع اقترانه، وما يجب اقترانه، وما يكثر اقترانه، وما يكثر خلوه من أن، هذا ما تفيده كلمات ابن مالك رحمه الله. يقول: [كأنشأ السائق يحدو وطفق كذا جعلت وأخذت وعلق] لما أشار إلى ذات الشروع بدأ يبينها فقال: (كأنشأ السائق يحدو) أي: ذلك مثل قولك: أنشأ السائق، إذاً: كأنشأ السائق يحدو: الكاف: حرف جر، وأنشأ السائق يحدو: مجرور بالكاف؛ لأنه كأنه قال: كهذا المثال. إذاً: أفعال الشروع هي: (أنشأ)، و (طفق) مثل: طفق يفعل كذا، أي: شرع. و (جعل)، تقول: جعل يخطب، جعل يقول، جعل يتوضأ، جعل يأكل، جعل يشرب، وما أشبه ذلك. و (أخذ) تقول: أخذت أتكلم، أو أخذ يتكلم، أو ما أشبه ذلك. و (علق) أيضاً من أفعال الشروع، وبعض العلماء أنكرها، لكنها واردة عند العرب، تقول: علق يفعل، بمعنى: أنشأ يفعل. ومن ذلك أيضاً: (شرع)، تقول: شرع يفعل كذا. إذاً: كل ما دل على الشروع، أو قصد به الشروع فهو من أفعال الشروع، ونقول: كلما وجدنا كلمة تدل على الشروع فهي تعمل هذا العمل، إلا أن يمنع من التركيب ما تقتضيه اللغة، فإذا كان التركيب لا يصح لغة فإننا لا نقبل، وإلا فكل لفظ يدل على الشروع فإنه داخل في ذلك. إذاً: لو أن قائلاً قال: أنشأ السائق أن يحدو، فإن هذا خطأ؛ لأنه يقول: (ترك أنْ مع ذي الشروع وجبا).

تصرف كاد وأخواتها

تصرف كاد وأخواتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [واستعملوا مضارعاً لأوشكا وكاد لا غير وزادوا موشكا] بدأ المؤلف رحمه الله في بيان هذه الأفعال هل هي متصرفة أو لابد أن تكون بلفظ الماضي؟ بين ذلك فقال: (واستعملوا مضارعاً لأوشكا) الفاعل في قوله: (استعملوا) هو العرب، وهو فعل وفاعل. مضارعاً: مفعول به لاستعملوا. لأوشكا: جار ومجرور متعلق باستعملوا، أي: استعملوا لأوشك فعلاً مضارعاً. (وكاد): الواو: حرف عطف. وكاد: معطوفة على أوشك، إذاً لهذين الفعلين فقط (لكاد وأوشك). (لا غير): لا: حرف عطف. وغير: معطوفة على (أوشك)، وعليه فيكون المعنى: لا لغيرهما، أي: لغير أوشك وكاد. فنفهم إذاً أن (أوشك وكاد) يستعمل منهما المضارع، مثال ذلك في (كاد) قوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة:20]، والماضي: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71]. ومثال الماضي من أوشك: ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا الشاهد: (لأوشكوا) فهو فعل ماض. ومثال المضارع: يوشك من فر من منيته في بعض غراته يوافقها على أنه يحتمل أن مراد ابن مالك: لا غير للمضارع، فلا يستعمل الأمر، مثل أن تقول: أوشِكْ أن تفعل كذا وكذا، فلا يصح هذا؛ لأنه لم يأت ذلك في اللغة العربية. قوله: (وزادوا موشكاً) (زادوا) أي: العرب، و (موشك) اسم فاعل من أوشك، إذاً (أوشك) يستعمل منها الماضي والمضارع واسم الفاعل، ومن ذلك قول الشاعر: فموشكة أرضنا أن تعود خلاف الأنيس وحوشاً يبابا أي: خالية ما فيها أحد. أما (كاد) فظاهر كلام ابن مالك هنا أنه لا يستعمل منها اسم فاعل؛ لأنه قال: (زادوا موشكاً)، لكنه صرح في أصل الألفية -وهي الكافية- أنه يستعمل اسم الفاعل من أوشك ومن كاد، وعلى هذا فيقال: اسم الفاعل من كاد: كائد، تقول: كاد يكيد فهو كائد، كباع يبيع فهو بائع.

استعمال بعض أخوات كاد تامة

استعمال بعض أخوات كاد تامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد غنى بأن يفعل عن ثان فقد وجردن عسى أو ارفع مضمراً بها إذا اسم قبلها قد ذكرا والفتح والكسر أجز في السين من نحو عسيت وانتقا الفتح زكن] سبق الكلام على تقسيم أفعال المقاربة من حيث المعنى، ومن حيث اقترانها بأن، ومن حيث تصرفها، وهنا ذكر تقسيماً آخر فقال: (بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد). بعد: ظرف مكان متعلق بـ (يرد)، وهو مضاف إلى (عسى). اخلولق: معطوفة على (عسى) بإسقاط حرف العطف للضرورة. أوشك: كذلك معطوفة على عسى بإسقاط حرف العطف للضرورة. قد يرد: قد: هنا داخلة على فعل مضارع فتفيد التقليل، والفعل بعدها مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها مراعاة الروي، وإلا فالأصل أنها: قد يردُ. غنى: فاعل (يرد). بأن يفعل: الباء: حرف جر، وأن يفعل: مجرورة بالباء؛ لأنه مراد لفظها، فهي مجرورة بالكسرة المقدرة على آخرها منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية. عن ثان: جار ومجرور متعلق بـ (غنى)، أي: استغناء عن ثان فقد، والثاني هو الخبر، أي: استغنى بـ (أن يفعل) عن الخبر ويكون في محل رفع فاعل. أفاد المؤلف أن هذه الأفعال تنقسم من حيث التمام والنقص إلى قسمين: قسم لا يستعمل إلا ناقصاً، وقسم يستعمل تاماً: فالذي يستعمل تاماً ثلاث أدوات: عسى، واخلولق، وأوشك، فعسى واخلولق من حيث المعنى متفقة تفيد الرجاء، وأوشك للمقاربة. قوله: (قد يرد غنى بأن للفعل)، أي: قد تستغني هذه الأفعال الثلاثة بـ (أن يفعل) عن الخبر، وعلى هذا تكون تامة، وقيل: إنها لا تكون تامة، وتكون أن وما بعدها سدت مسد الاسم والخبر، كما يكون ذلك في التعليق في أفعال القلوب كما سيأتي إن شاء الله. والخلاف قريب من اللفظي في الواقع، إلا في بعض الأحوال فإنه يتبين الخلاف كما سيذكره في البيت الذي يأتي، مثال ذلك: تقول: عسى أن يقوم زيد، فهنا نقول: عسى: فعل ماض، وهو من أفعال الرجاء. أن يقوم: أن: حرف مصدر ينصب الفعل المضارع، يقوم: فعل مضارع منصوب بأن. زيد: فاعل أن يقوم، وأن وما دخلت عليه في محل رفع فاعل عسى، هذا إذا قلنا: إنها تامة. ويرى بعض العلماء أنها ناقصة، وأن (أن يقوم) سد مسد الاسم والخبر، والخلاف لفظي إلا في بعض الأحيان، فمثلاً إذا قلت: عسى أن يقوم زيد، فهنا لا يظهر أثر للخلاف؛ لأن التركيب سيكون هكذا: عسى أن يقوم زيد. لكن لو قلت: عسى أن يقوم الزيدان، فإذا قلنا: إنها تامة وأنْ وما دخلت عليه في محل رفع فاعل فالتركيب هكذا: عسى أن يقوم الزيدان. وإذا قلنا: إنها ناقصة، فهنا يمكن أن نجعل الفعل خبراً مقدماً، والزيدان مبتدأ مؤخراً ونقول: في التركيب: عسى أن يقوما الزيدان، فتكون (الزيدان) اسمها مؤخراً، و (أن يقوما) خبرها. ولكن هل هذا وارد عن العرب؟ هو على لغة أكلوني البراغيث وارد لا شك، يقولون: عسى أن يقوما الزيدان، وعسى أن يقوموا الزيدون، لكن على اللغة الفصحى لا ندري هل هذا التركيب وارد أو لا؟ لكن لو ورد فإنه يخرج على هذه اللغة، أي: على أن ما بعد الفعل اسم مؤخر، والفعل والفاعل في محل نصب خبر مقدم. مثال آخر: عسى أن تقوم هند، نقول: عسى: فعل ماض. أن: حرف مصدري. تقوم: فعل مضارع منصوب بأن. هند: فاعل تقوم، وأن وما دخلت عليه في محل رفع فاعل، هذا إن قلنا بأنها تامة. وإن قلنا بأنها ناقصة نقول: أن وما دخلت عليه سدت مسد الاسم والخبر.

حكم عسى إذا تقدمها الاسم

حكم عسى إذا تقدمها الاسم قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجردن عسى أو ارفع مضمرا بها إذا اسم قبلها قد ذكرا] جردن: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، وهل نقول: في محل جزم أو نقول: مبني على الفتح فقط؟ المشهور عند البصريين أنه مبني على الفتح فقط، ولا نقول: في محل جزم، وأما من قال: إن فعل الأمر مجزوم بلام الأمر المحذوفة والتقدير: لتجرد، فهذا يكون مبنياً على الفتح في محل جزم، لكن الصحيح والمشهور أنه مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. عسى: مفعول جرد باعتبار اللفظ. (أو ارفع مضمراً)، أو: للتخيير، ارفع: فعل أمر، مضمراً: مفعول به. بها: جار ومجرور متعلق بارفع. (إذا اسم قبلها قد ذكرا): إذا: شرطية، واسم قيل: نائب فاعل لقوله: (ذكر)، وقيل: نائب فاعل لفعل محذوف يفسره (ذُكر)، وقيل: مبتدأ. فالأقوال إذاً: ثلاثة، والأسهل أن نقول: مبتدأ؛ لأنه إذا قلنا مبتدأ لم يحصل تقديم ولا تأخير ولا تقدير، وإذا قلنا: إنه نائب فاعل لفعل محذوف كان هناك تقدير، وإذا قلنا: نائب فاعل لـ (يذكر) ولكنه مقدم كان هناك تقديم وتأخير. يقول المؤلف رحمه الله: إذا سبق عسى اسم فلك في استعمالها وجهان: الوجه الأول: أن ترفع بها ضميراً. الوجه الثاني: أن تجردها من الضمير. مثال ذلك: زيد عسى أن يقوم. فزيد: مبتدأ. وعسى: فعل ماض وفاعلها مستتر جوازاً تقديره هو. أو إن شئت فقل: أن: مصدر، يقوم: الفعل المضارع منصوب بالمصدر، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل؛ لأنه يقول: إما أن تجردها من الضمير فتكون أن وما بعدها فاعلاً، وإما أن ترفع بها ضميراً فتكون أن وما دخلت عليه خبراً. ويظهر ذلك أيضاً في المثال إذا كان الفاعل غير مفرد مذكر، مثاله: هند عسى أن تقوم. فعلى إضمار الفاعل نقول: هند عست أن تقوم؛ لأن الفعل إذا كان فيه ضمير عائد إلى المؤنث وجب التقدير، فنقول: هند عست أن تقوم. وعلى عدم إضمار الفاعل نقول: هند عسى أن تقوم، ونجعل (أن تقوم) هي الفاعل، وتكون تامة، أو على القول الثاني تكون أن وما دخلت عليه سدت مسد الاسم والخبر. مثال آخر: الرجلان عسى أن يقوما؛ نقول على تقدير المضمر: عسيا أن يقوما، وعلى عدم الإضمار: عسى أن يقوما. والرجال عسى أن يقوموا؛ على إثبات المضمر نقول: عسوا أن يقوموا، وعلى حذفه: عسى أن يقوموا، ولهذا قال: (وجردن عسى أو ارفع مضمرا بها إذا اسم قبلها قد ذكرا)

جواز الفتح والكسر في سين (عسيت)

جواز الفتح والكسر في سين (عسيت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [والفتح والكسر أجز في السين من نحو عسيت وانتقا الفتح زكن]. الفتح: مفعول مقدم لأجز. والكسر: معطوف عليه. أجز: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. في السين: جار ومجرور متعلق بأجز. من نحو عسيت، أي: من (عسى) إذا أسندت إلى ضمير التاء؛ ونحو مضاف، وعسيت: مضاف إليه باعتبار اللفظ. وانتقا: مبتدأ مرفوع بضمة على الهمزة المحذوفة لضرورة النظم، وهو مضاف إلى الفتح. زكن: فعل ونائب فاعل، وهو خبر المبتدأ الذي هو (انتقا). وخلاصة البيت: أنه يجوز في عسى إذا أضيفت إلى ضمير رفع متحرك كسر السين وفتح السين، والفتح أرجح، قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22]، وتقول: عسَيت أن أقوم، ويجوز: عسِيت أن أقوم. ففي السين من (عسى) إذا أضيفت إلى تاء الفاعل وجهان: الكسر والفتح، والفتح أولى؛ لأنه قال: (وانتقا الفتح زكن).

شرح ألفية ابن مالك [24]

شرح ألفية ابن مالك [24] إن وأخواتها حروف ناسخة تنصب المبتدأ وترفع الخبر، فهي تعمل عكس عمل كان وأخواتها، ويجب الترتيب بين اسمها وخبرها، ولا يجوز تقدم الخبر إلا الظرف والجار والمجرور، وهمزة إن تفتح في مواضع وتكسر في مواضع.

إن وأخواتها

إن وأخواتها

عمل إن وأخواتها

عمل إن وأخواتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [إن وأخواتها: لإنَّ أنَّ ليتَ لكنَّ لعلّ كأن عكس ما لكان من عمل كإن زيداً عالمٌ بأني كفء ولكن ابنه ذو ضغن وراع ذا الترتيب إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي]. نواسخ المبتدأ والخبر تنقسم من حيث العمل إلى ثلاثة أقسام: ما ينسخ المبتدأ والخبر جميعاً، وما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. وهذا من حيث العمل، لا من حيث الأداة هل هي فعل أو اسم أو حرف. فكان وأخواتها سبق أنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر. وليس ارتفاع المبتدأ بقاءه على ما كان عليه، بل هو رفع مجدد بكان. وإن وأخواتها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والرفع الذي في الخبر ليس هو الرفع الأول الذي كان قبل دخول إن، بل هو رفع مجدد، فإن بعض الناس قد يقول في إعراب (كان زيد قائماً): زيد: مرفوع بالابتداء، فنقول: لا، زيد مرفوع بكان، فالرفع الذي حصل له رفع مجدد. وكذلك (إن زيداً قائمٌ) قد يقول بعض الناس: قائم: مرفوع على أنه خبر المبتدأ، فنقول: لا، بل هو مرفوع على أنه خبر إن، فـ (إن) أحدثت له رفعاً مجدداً؛ ولهذا قال المصنف في كان وأخواتها: (ترفع كان المبتدأ اسماً والخبر تنصبه). قوله: (إن وأخواتها)، أي: أخواتها اللاتي يعملن عملها، وهي ستة حروف ذكرها في قوله: (لإن أن ليت لكن لعل كأن عكس ما لكان من عمل). قوله: لإنّ: جار ومجرور، فحرف الجر هنا قد دخل على إن، ودخول حرف الجر على كلمة يدل على أنها اسم، مع أن (إنَّ) حرف، فكيف ذلك؟ نقول: لأن المقصود بها اللفظ، فكأن المؤلف قال: لهذا اللفظ. أنّ: معطوفة على إنَّ لكن بإسقاط حرف العطف للضرورة. ليت: كذلك معطوفة على إنَّ بإسقاط حرف العطف للضرورة. لكن: كذلك معطوفة على إنَّ بإسقاط حرف العطف للضرورة. لعل: مثلها. كأن: مثلها. عكس: مبتدأ، وخبره الجار والمجرور المتقدم. عكس ما لكان من عمل: أي عكس الذي لكان من العمل. لكان: اللام حرف جر، وكان اسم مجرور باللام وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية؛ لأن المقصود هو اللفظ.

إن وأخواتها تعمل عكس عمل كان وأخواتها

إن وأخواتها تعمل عكس عمل كان وأخواتها قوله: (عكس ما لكان من عمل)، فإذا كانت كان ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، فـ (إن وأخواتها) تنصب المبتدأ وترفع الخبر. والحمد لله الذي يسر لنا علماء تتبعوا اللغة العربية واستقرءوها واستخرجوا هذه الحروف التي تعمل هذا العمل، فحفظوا للعربية كيانها وإلا لضاعت اللغة العربية، ولو لم تؤلف هذه الكتب فمن يدري أن (إنَّ) تنصب وترفع؟! لكن العلماء جزاهم الله خيراً تتبعوا حتى حصروا هذه الأشياء. مثاله: قال: (كإن زيداً عالمٌ بأني كفؤ). كإن: الكاف حرف جر، وإن زيداً عالمٌ بأني كفء: اسم مجرور؛ لأن المقصود: كهذه الجملة، وهو مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. وإذا أردنا أن نعرب هذا المثال على قطع صلته بالكاف قلنا: إن حرف توكيد ونصب ورفع ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وقد قلنا: ورفع؛ لأنه إما أن تقول: حرف توكيد ونصب (ورفع)، وإما أن تقول: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وهذا أحسن. زيداً: اسمها منصوب بها وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. عالم: خبرها مرفوع بها وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. بأني: الباء حرف جر، وأن: ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، والياء اسمها مبني على السكون في محل نصب. كفء: خبر أن مرفوع بها وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره، والجار والمجرور متعلق بعالم. إذاً: زيد عالم بأنه كفء، لكن المشكل ابنه، يقول: (ولكن ابنه ذو ضغن) أي: ذو حقد عليه، فالأب عالم وحاكم بأنه كفء، ولكن ابنه ذو ضغن، كأن رجلاً خطب من شخص ابنته، فأجاب الأب، فأجاب الأب؛ لأنه يعلم أن الخاطب كفء، ولكن الابن في قلبه حقد فأراد أن يفسد الموضوع، وأفسد على الأب رأيه ففسدت المسألة. يقول ابن مالك: (كإن زيداً عالم بأني كفء ولكن ابنه ذو ضغن) لكنَّ: إحدى أخوات إن، ونقول في إعرابها: لكنَّ: للاستدراك؛ لأنها استدراك على ما سبق، وهي تنصب المبتدأ وترفع الخبر. وابنه: اسمها منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وابن: مضاف، والهاء: مضاف إليه مبني على الضم في محل جر. ذو: خبر لكن مرفوع بها وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، وذو: مضاف، وضغن: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وبهذا نكون قد عرفنا الحكم والمثال، فالحكم: أن (إنَّ) وأخواتها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والمثال الأول: إن زيداً عالم بأني كفء، والمثال الثاني: ولكن ابنه ذو ضغن.

حكم الترتيب بين اسم إن وخبرها

حكم الترتيب بين اسم إن وخبرها انتقل المؤلف إلى الترتيب بين اسم إن وخبرها، وقد عرفنا أنه لا يجب الترتيب بين اسم كان وخبرها، قال الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:96]، وقال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]، لكن إنَّ وأخواتها يجب أن يتقدم الاسم ويتأخر الخبر، ولهذا قال: [وراع ذا الترتيب إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي] راع: فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وهو مبني على حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، والأصل (راعي). ذا الترتيب: ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب، والترتيب: بدل من ذا. قوله: (إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي). ذكر مثالين: الأول: ليت فيها غير البذي، فقدم الخبر على الاسم؛ لأن الخبر جار ومجرور. والثاني: ليت هنا غير البذي، فقدم الخبر على الاسم؛ لأنه ظرف. إذاً: يجب في إن وأخواتها أن يتقدم الاسم على الخبر؛ إلا إذا كان الخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراًَ فإنه يجوز أن يتقدم. فإن قال قائل: ما الفرق بين كان وإن؟ قلنا: لأن كان فعل، فهي أقوى في العمل من إن وأخواتها، وعمل الأفعال أقوى من عمل الحروف بلا شك، ولهذا إذا أُبعد اسم (إنَّ) عنها بطل عملها، فوجب أن يليها من أجل أن تقوى على العمل، بخلاف كان وأخواتها فإنها أفعال، والأفعال هي الأصل في الأعمال؛ فلهذا قويت على أن تعمل في اسمها ولو كان مؤخراً عنها. لكن الظرف والجار والمجرور أمره سهل وهو مرن، فاجعله في الأول أو في الآخر، كل ذلك جائز، فإذا كان الخبر ظرفاً أو جار ومجروراً فإنه يجوز أن يتقدم ولا يجب، فلك أن تقول: إن زيداً عندك، ولك أن تقول: إن عندك زيداً، وفي قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} [آل عمران:13] قدم الخبر لأنه جار ومجرور، وقوله: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا} [المزمل:12] قدم الخبر لأنه ظرف. إذاً: يجب الترتيب بين اسم إن وخبرها؛ لقول ابن مالك: وراع ذا الترتيب، إلا إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً فإنه يجوز تقديمه. وهل يجوز أن يتقدم الخبر على الأداة؟ لا يجوز، ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، فلا يجوز: فيها إن زيداً، ولا: هنا إن زيداً؛ وذلك لأن العمل في الحروف ضعيف، فهي لا تقوى على أن تعمل فيما تقدمها. يقول الشاعر: كأني من أخبار إنَّ ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما وهذا قد يكون متشائماً وقد يكون متواضعاً، حسب القرائن؛ لأنه ربما يكون في مجلس من المجالس فيقال له: تقدم يا فلان في صدر المجلس، فيقول: لا أتقدم: كأني من أخبار إنَّ ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما فهذا يكون متواضعاً، وقد يكون متشائماً، وهذا هو الظاهر، لكن الظاهر تغيره بحسب القرائن، لكن هل هذا البيت على إطلاقه في قوله: (ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما)؟ نقول: يستثنى الظرف والجار والمجرور. والمؤلف رحمه الله أتى بالمثال مستغنياً به عن الحكم، وهذا يعد من الاختصار، وهو من قدرة الرجل، فيأتي بالمثال ليؤخذ منه الحكم، لكن أكمل منه أن يؤتى بالحكم ثم يعقب بالمثال.

حكم تقديم خبر إن على اسمها في نحو إن في الدار صاحبها

حكم تقديم خبر إن على اسمها في نحو إن في الدار صاحبها ويجب تقديم خبر إنَّ على اسمها في نحو: إن في الدار صاحبها، وذلك لأن الضمير في (صاحبها) يعود على الدار، فلو قدم فقيل: إن صاحبها في الدار، لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا لا يجوز. وبيان ذلك: أن خبر إنَّ يتأخر عن اسمها، فهو متأخر رتبة، وهو متأخر أيضاً لفظاً؛ لأننا قدمنا (في الدار) فإذا قلنا: إن صاحبها في الدار، صار الخبر الذي هو (في الدار) متأخراً لفظاً ورتبة، فيكون الضمير عائداً على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا لا يجوز. وكذلك لا يجوز أن يعود الضمير على متأخر لفظاً لا رتبة. أما قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} [البقرة:124]، فالضمير عائد على متقدم لفظاً لا رتبة، فيجوز عود الضمير على متقدم لفظاً لا رتبة. وعليه فالقاعدة هي: أنه لا يجوز أن يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، إلا أنهم استثنوا بعض المسائل، مثل: ربه رجلاً وما أشبه ذلك.

فتح همزة إن وكسرها

فتح همزة إن وكسرها

مواضع فتح همزة إن

مواضع فتح همزة إن قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهمز إنَّ افتح لسد مصدر مسدها وفي سوى ذاك اكسر فاكسر في الابتدا وفي بدء صله وحيث إن ليمين مكمله أو حكيت بالقول أو حلت محل حال كزرته وإني ذو أمل وكسروا من بعد فعل علقا باللام كاعلم إنه لذو تقى] قوله: (وهمز إن افتح) همز: مفعول مقدم لـ (افتح). وقوله: (لسد مصدر): جار ومجرور متعلق بـ (افتح)، واللام للتعليل فهي بمعنى إذا. وقوله: (مسدها) مسد مصدر ميمي لـ (سد) المصدر الأول؛ ولهذا كان منصوباً. قوله: (وفي سوى ذاك اكسر)، (في سوى): متعلقة بـ (اكسر) وهي مضافة إلى (ذاك). يقول رحمه الله: افتح همز إنَّ إذا سد مسدها المصدر، أي: إذا حل محلها المصدر، وفيما عدا ذلك اكسرها. فإذا قال قائل: ما هو ضابط فتح همزة إنَّ؟ ف A أن يحل محلها المصدر، أو أن يسد مسدها المصدر. مثاله: يعجبني أنك فاهم، إذا حولنا (أنك فاهم) إلى مصدر قلنا: يعجبني فهمك. كذلك: علمت أنك فاهم، إذا حولناها إلى مصدر قلنا: علمت فهمك، فالمثال الأول وقعت فاعلاً، والمثال الثاني وقعت مفعولاً به. كذلك: علمت بأنك فاهم، إذا حولناها إلى مصدر قلنا: علمت بفهمك. فصار هذا الضابط مطرداً، أي: كلما حل محلها المصدر، سواء كان فاعلاً أو مفعولاً به أو مجروراً فإنها تكون مفتوحة، والذي في القرآن كله ينطبق على هذا، وكذلك في كلام العرب.

مواضع كسر همزة إن

مواضع كسر همزة إن قوله: (وفي سوى ذاك اكسر)، ذاك: المشار إليه هو قوله: (لسد مصدر مسدها). قوله: (فاكسر في الابتداء) هذا تفصيل بعد تعميم، أي: إذا وقعت في ابتداء الكلام -أي في صدر جملتها- فاكسرها، فتقول مثلاً: إني قائم، ولا يجوز أن تقول: أني قائم. فإن قال قائل: ما تقولون في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60] فهنا جملة (أنهم) لا صلة لها بما قبلها، فلماذا فتحت مع أنها في ابتداء جملتها؟ ف A أن هذه على تقدير اللام، أي: لأنهم إلى ربهم راجعون؛ ولهذا نقول: إن هذه الجملة تعليلية، أي: سبب وجود وجل قلوبهم هو أنهم يؤمنون بأنهم راجعون إلى الله، ولا يدرون ماذا يلقون الله به؛ فلذلك تجدهم يعملون الأعمال الصالحة وقلوبهم خائفة، أي: خائفة من أن يرد عليهم عملهم. إذاًَ: كلما وقعت إن في ابتداء الجملة فإنها تكسر، تقول: إن زيداً قائم، ولا يصح أن تقول: أن زيداً قائم؛ لأنها وقعت في الابتداء، هذا هو الموضع الأول. الموضع الثاني: قال: (وفي بدء صلة). أي: إذا وقعت (إن) في بدء الجملة التي تقع صلة للموصول فإنها تكسر، ووجه ذلك أنها واقعة في الحقيقة في ابتداء الجملة؛ لأن الجملة بعد الموصول تابعة له مستقلة. فهي تابعة بمعنى أنها هي التي تصله وتبين معناه، لكنها مستقلة؛ فلهذا تكسر، تقول: يعجبني الذي إنه فاهم، وقال الله تبارك وتعالى: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} [القصص:76]، ما: بمعنى الذي، أي: آتيناه الذي إن مفاتحه لتنوء بالعصبة. الموضع الثالث: قال: (وحيث إن ليمين مكملة). أي: إذا وقعت (إنَّ) جواباً لقسم؛ لأن الذي يكمل اليمين هو الجواب، فإذا وقعت إن جواباً للقسم وجب كسرها، قال الله تبارك وتعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} [التوبة:56] لكن هذه فيها اللام. وتقول: والله إن زيداً قائم، ولو قلت: والله أن زيداً قائم، لما صح كلامك. وتقول: حلفت بالله إن زيداً قائم، فكسرت لأنها جواب القسم، أي: المقسم عليه. الموضع الرابع: قال: (أو حكيت بالقول). أي: إذا كانت (إن) مقولاً للقول فإنها تكسر، مثل قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:30]. وتقول: قال فلان إن فلاناً فيه نوم، الشاهد: إن فلاناً فيه نوم؛ لأنها مقول القول. إذاً كلما وقعت (إنَّ) مقولاً للقول فإنها تكسر، فلا يصح أن يقال: قال فلانٌ أن فلاناً قائم، بلا يقال: قال فلان إن فلاناً قائم؛ لأنها مقول القول. الموضع الخامس: قال: (أو حلت محل حال). أي: إذا حلت (إنَّ) هي وجملتها محل حال فإنه يجب كسرها؛ لأن حقيقة الأمر حينئذ أنها وقعت في الابتداء. قال: (كزرته وإني ذو أمل)، زرته: فعل وفاعل، (وإني ذو أمل) حال من التاء في (زرته)، والجملة الواقعة حالاً هي جملة مبتدأة في الواقع كأنها مستقلة؛ ولهذا وجب فيها كسر إنَّ. إذاً: تكسر همزة إنَّ في خمسة مواضع: الأول: الابتداء. الثاني: بدء الصلة. الثالث: إذا كانت جواباً للقسم. الرابع: إذا حكيت بالقول. الخامس: إذا حلت محل حال. هذه مواضع خمسة تكسر فيها همزة إن، ولو قلت: الضابط في كسرها ألا يحل محلها المصدر؛ لأنه قال: (تفتح إذا حل محلها المصدر) لكان صحيحاً؛ لكن هذه المواضع عبارة عن تبيين لمجمل. وقد تكسر في غير هذه المواضع أيضاً، ما دام الضابط عندنا أنها إذا لم يحل محلها المصدر فهي مكسورة، فقد يوجد غير هذه المواضع في اللغة العربية، فالخمسة هذه من باب تفصيل المجمل.

كسر همزة إن إذا جاءت بعد فعل معلق باللام

كسر همزة إن إذا جاءت بعد فعل معلق باللام قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكسروا من بعد فعل علقا باللام كاعلم إنه لذو تقى] قوله: (وكسروا) أي: العرب؛ لأن العرب هم الذين ينطقون ويحكمون على النطق بأنه مفتوح أو مكسور أو مضموم. قوله: (من بعد فعل علقا باللام)، مع أن الفعل إذا وقعت (إنَّ) مفعولاً له يجب فيها أن تفتح همزتها، فإذا علق الفعل باللام وجب كسر الهمزة؛ لأنه متى وجدت اللام في خبرها أو اسمها وجب كسرها بكل حال. مثاله: (اعلم إنه لذو تقى)، ولولا وجود اللام في قوله: (لذو) لوجب أن يقال: اعلم أنه ذو تقى، قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]، لكن لما علق الفعل باللام كسرت الهمزة، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1]. والحاصل: أنه إذا وقعت إنَّ مفعولاً للفعل، ولكن علق عمل الفعل باللام وجب أن تكسر همزتها، ولولا اللام لوجب الفتح، فإن هذه اللام تمنع الفتح، كـ (اعلم إنه لذو تقى). ويمكن أن نجعل هذا موضعاً سادساً؛ وهو: أن تأتي بعد فعل معلق باللام، فيجب فيها الكسر. فإذا قال قائل: ما وجه وجوب الكسر مع أن الفعل مسلط عليها؟ قلنا: وجه وجوب الكسر أن اللام لا يتأتى معها فتح الهمزة، وإذا حولناها إلى مصدر فإننا نفقد التوكيد الذي دلت عليه اللام، فلهذا كسروها.

إعراب أبيات مواضع كسر همزة إن

إعراب أبيات مواضع كسر همزة إن قوله: (فاكسر في الابتداء وفي بدء صله)، في الابتداء: جار ومجرور متعلق باكسر. وفي بدء صلة: معطوفة بإعادة حرف الجر، وإن شئت فقل: بإعادة العامل، أي: واكسر في بدء صلة. وحيث: الواو حرف عطف، وحيث: ظرف مكان معطوف على قوله: في الابتداء، أي: واكسر حيث وهو مضاف إلى (إن) مراداً بها اللفظ. ليمين مكملة: ليمين: متعلقة بمكملة، ومكملة: يجوز أن تكون منصوبة على أنها حال من إنَّ، ولا يصح أن تكون مجرورة، وقد ذكرت في الأول أن حيث مضافة إلى (إنَّ) باعتبار اللفظ، وهذا أحد القولين في النحو: أنه يجوز أن تضاف (حيث) إلى المفرد، ولكن المشهور أن (حيث) لا تضاف إلا إلى الجمل، وبناء على هذا المشهور نقول: إن: مبتدأ، ومكملة: خبره، ولكن غالب عبارات الفقهاء رحمهم الله إضافة حيث إلى ما بعدها، خلاف المشهور في اللغة العربية، وقد جاء ذلك في اللغة العربية، كما قال الشاعر: ألم تر حيث سهيلٍ طالعا نجماً يضيء كالشهاب لامعا فأضاف (حيث) إلى (سهيل)، فلذلك نقول: إن المشهور في إعراب الشطر الثاني: أن (حيث) معطوفة على قوله: في الابتداء، وأن (إنّ) مبتدأ، و (مكملة) خبر المبتدأ، و (ليمين) متعلقة بمكملة. قوله: (أو حكيت بالقول): حكي: فعل ماض مبني للمجهول، وبالقول: متعلق به. (أو حلت محل حال): هذه معطوفة على قوله: حكيت، أو على قوله: إن ليمين مكملة. والظاهر أنها معطوفة على قوله: إن ليمين مكملة، والمعنى: وحيث حكيت بالقول، أو حيث حلت محل حال. ومحل: يحتمل أن تكون ظرف مكان، أي: في محل، ويحتمل أن تكون مصدراً ميمياً، أي: حلت حلول حال، والمعنى لا يختلف على كلا التقديرين. وقوله: (كزرته وإني ذو أمل) الكاف حرف جر، و (زرته وإني ذو أمل): مجرور بالكاف، والتقدير: كهذا المثال، ولهذا دخلت الكاف على الجملة. قوله: (وكسروا من بعد فعل علق باللام). من بعد فعل: متعلق بكسروا، وكسروا: فعل وفاعل. وعلق: الجملة صفة لفعل؛ لأنه نكرة، والقاعدة عند المعربين: أن الجمل الواقعة بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال. باللام: متعلق بعلق. قوله: (كاعلم إنه لذو تقى) الكاف: حرف جر. واعلم إنه لذو تقى: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. وأما قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران:39]، ففيها قراءتان: (إن الله) (وأن الله)، فأما على قراءة الفتح فهي على تقدير الباء، أي: نادته بأن الله، وأما على كسرها فعلى الأصل أنها مقول للقول.

شرح ألفية ابن مالك [25]

شرح ألفية ابن مالك [25] (إن) هي أم الباب في الحروف الناصبة للمبتدأ الرافعة للخبر، وقد تفتح همزتها وقد تكسر، وقد بين العلماء مواضع وجوب فتحها ووجوب كسرها وجواز ذلك.

مواضع جواز فتح همزة إن وكسرها

مواضع جواز فتح همزة إن وكسرها قال المصنف رحمه الله تعالى: [بعد إذا فجاءة أو قسم لا لام بعده بوجهين نمي مع تلو فا الجزا وذا يطرد في نحو خير القول إني أحمد] هذا قسم ثالث: وهو أنه يجوز في همزة إن الفتح والكسر، بمعنى: أنك إذا كسرت لا تغلط، وإذا فتحت لا تغلط، وقد ذكر المصنف في هذين البيتين مواضع جواز الفتح والكسر: الأول: إذا وقعت بعد إذا الفجائية فإنه يجوز فيها الكسر ويجوز فيها الفتح، وإذا الفجائية: هي الدالة على مفاجأة ما بعدها لما قبلها، أي: أن ما بعدها أتى مفاجأة، كقولك: (حضرت فإذا الأسد) أي: ففاجأني الأسد، فإذا جاءت إن بعد إذا الفجائية جاز فيها وجهان: الكسر على أنها جملة استئنافية، بمعنى: أنها جملة مستقلة لا علاقة لها بما سبق، والفتح على أنها جملة مصدرية تؤكد ما بعدها بمصدر. مثاله: قول الشاعر: وكنت أُرى زيداً كما قيل سيداً إذا أنه عبد القفا واللهازم أو: وكنت أَرى زيداً، يجوز فيها الوجهان. ومعنى البيت: كنت أرى زيداً سيداً كما قيل فيه -وعلى ضم همزة أُرى أي: أظنه- ولكن خاب ظني فيه إذا أنه عبد القفا واللهازم، أي: فاجأني الأمر فوجدت أن الرجل عبد القفا واللهازم. فهنا همزة (أنه) يجوز فيها وجهان: الفتح على أنها مؤولة بمصدر والخبر محذوف، أي: إذا عبوديته حاصلة؛ مثلاً. ويجوز الكسر على أنها جملة استئنافية، وحينئذ لا حاجة إلى التقدير؛ لأن الجملة الاستئنافية لا تؤول فيها (إن) بمصدر، فلا تحتاج إلى مبتدأ ولا إلى خبر، والجملة (إنه عبد القفا واللهازم) تامة، لا تحتاج إلى تقدير شيء محذوف. إذاً: نقول: إذا وقعت (إن) بعد إذا الفجائية فلك في همزتها وجهان: الأول: الفتح على أنها تسد مسد المصدر، ويجب في هذه الحال أن يقدر الخبر محذوفاً. والثاني: الكسر على أنها جملة مستأنفة، وحينئذ لا حاجة إلى تقدير خبر؛ لأن الجملة تامة. الثاني: قال: (أو قسم لا لام بعده). إذا وقعت في قسم ليس بعده لام فإنه يجوز فيها الوجهان، لكن هذا إذا ذكر فعل القسم، مثل: حلفت بالله إنك فاهم، فيجوز أن نقول: حلفت بالله أنك فاهم، وحلفت بالله إنك فاهم، فعلى الكسر تكون جملة استئنافية، وعلى الفتح تكون مؤولة بمصدر والخبر لابد أن يكون محذوفاً. أو نقول: لا حاجة للخبر؛ لأننا نقدرها مجرورة بحرف الجر المحذوف؛ لأن حرف الجر يطرد حذفه مع أنْ وأنَّ، قال الشاعر: أو تحلفي بربك العلي أني أبو ذيالك الصبي فيجوز في (أن) الفتح ويجوز الكسر. فعلى الكسر نقول: إن الجملة مستأنفة، أي: تحلفي، إني أبو ذيالك الصبي. وعلى الفتح نقول: الجملة في موضع الاسم المفرد الذي حذف منه حرف الجر، والتقدير: أو تحلفي بربك العلي بأني أبو ذيالك الصبي؛ لأن حذف حرف الجر مع أنَّ وأنْ يطرد، كما ذكر ابن مالك في الألفية. إذاً: يجوز في (إن) إذا وقعت جواباً لقسم ذكر فيه الفعل وجهان: الوجه الأول: فتح الهمزة. والثاني: كسرها. فعلى الكسر تكون الجملة استئنافية، وعلى الفتح تكون الجملة في محل نصب بنزع الخافض، ويقدر الخافض مناسباً للمقام. فإن وجدت اللام في هذه الجملة تعين الكسر، مثل قوله تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} [التوبة:56]، فهنا يتعين الكسر لوجود اللام، وإذا وجدت اللام صار الفعل معلقاً بها، وقد سبق أن العرب يكسرون من بعد الفعل المعلق باللام. الموضع الثالث: قال: (مع تلو فا الجزا) أي: إذا وقعت أن بعد الفاء الرابطة للجواب فإنه يجوز فيها الوجهان: الكسر والفتح، فعلى الكسر تكون جملة استئنافية، وعلى الفتح تكون جملة مؤولة بمصدر ويكون الخبر محذوفاً، مثل قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ} [الأنعام:54]، فهنا (أن) وقعت في جواب الشرط المقرون بالفاء، فيجوز في همزتها الفتح والكسر: (فأنه) و (فإنه). ونأتي بمثال من عندنا لنتمكن من التصرف فيه: إذا زارني زيدٌ فإنه صادق في المودة. يجوز: فأنه صادق، ويجوز: فإنه صادق، فعلى الفتح نقول: الفاء رابطة للجواب، وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر أي: فصدقه، والخبر على هذا محذوف والتقدير: فصدقه ثابت. أما إذا جعلناها مكسورة فنقول: الفاء رابطة للجواب، وإن: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، والهاء اسمها، وصادق خبرها، ولا نحتاج إلى تقدير. الموضع الرابع: قال: (وذا يطرد في نحو خير القول إني أحمد). ذا: المشار إليه جواز الفتح والكسر. والمعنى: أنه يجوز الوجهان أيضاً في نحو هذه الجملة: (خير القول إني أحمد)، فيجوز في همزة إن الفتح على أنها في تأويل مصدر، والخبر محذوف، أي: خير القول حمد الله. والكسر على أنها جملة استئنافية، أي: خير القول أن أقول: إني أحمد الله، فوجه الكسر أن جملة: إني أحمد الله، وقعت خبراً للمبتدأ، ولم تحتج إلى رابط؛ لأنها في معنى المبتدأ، وقد قال ابن مالك فيما سبق: وإن تكن إياه معنى اكتفى بها كنطقي الله حسبي وكفى والقاعدة في هذا: إذا وقعت إن خبراً عن قول، وخبرها قول، وفاعل القولين واحد؛ جاز الوجهان. والكسر أشد توكيداً في كون الإنسان يحمد الله. قوله: (بعد إذا فجاءة أو قسم). بعد: ظرف متعلق بقوله: نمي، وبعد مضاف وإذا: مضاف إليه، وإذا مضاف وفجاءة: مضاف إليه. أو قسم: معطوف على إذا، والمعنى: أو بعد قسم. لا لام بعده: لا: نافية للجنس، ولام: اسمها، وبعده: الظرف متعلق بمحذوف خبر لا النافية للجنس، والجملة في موضع صفة لقسم. بوجهين: جار ومجرور متعلق بنمي. نمي: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، وهذا أحسن من قولنا: للمجهول؛ لأنه قد يكون معلوماً، ولكن أخفاه المتكلم، ولهذا فعبارة الآجرومية جيدة، حيث قال: باب ما لم يسم فاعله. ونمي بمعنى: ذكر، أي: بعد إذا فجاءة أو قسم لا لام بعده ذكر بوجهين، أي: وجهين في همزة إن: الفتح والكسر. قوله: (مع تلو فا الجزاء): مع: ظرف، والظاهر أنها ساكنة من أجل استقامة البيت، أما إذا لم يكن هناك ضرورة فالفتح أكثر؛ لقول ابن مالك في الألفية: ومَعَ معْ فيها قليل وهذا الظرف متعلق بمحذوف، والتقدير: وذلك مع تلو فاء الجزاء، أي: يجوز الوجهان مع إن التي تتلو فاء الجزاء. وقوله: (وذا يطرد)، ذا: مبتدأ، وهو اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع. يطرد: فعل مضارع، والجملة خبر ذا. وقوله: (في نحو خير القول)، في نحو: متعلق بـ (يطرد)، وهو مضاف و (خير القول إني أحمد)، الجملة كلها مضاف إليه، والتقدير: في نحو هذا المثال.

أحوال همزة إن إذا كانت جوابا للقسم

أحوال همزة إن إذا كانت جواباً للقسم إذا ذكر الفعل ولم يقترن باللام جاز الوجهان: الكسر والفتح، تقول: حلفت إن زيداً قائم، وحلفت أن زيداً قائم، ويكون للفتح وجه؛ لأنه ذكر المتعلق، ويكون الموجب لفتح الهمزة محذوف وهو: على، حلفت على أن زيداً قائم. وإن اقترنت باللام وجب الكسر، فصار يجب الكسر بالقسم في موضعين: الأول: إذا لم يذكر فعل القسم، سواء ذكرت اللام أو لم تذكر. مثاله: والله إن زيداً قائم. الثاني: إذا ذكر فعل القسم وعلق باللام. مثاله: حلفت إن زيداً لقائم.

دخول لام الابتداء على خبر إن المكسورة

دخول لام الابتداء على خبر إن المكسورة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبعد ذات الكسر تصحب الخبر لام ابتداء نحو إني لوزر ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ولا من الأفعال ما كرضيا وقد يليها مع قد كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا] قوله: (بعد ذات الكسر) بعد: ظرف متعلق بتصحب. والخبر في قوله: (تصحب الخبر): مفعول تصحب. لام ابتداء: فاعل تصحب، وتقدير الكلام: وتصحب الخبر لام ابتداء بعد ذات الكسر. وذات الكسر في هذه الحروف الستة هي (إن)، فظاهر كلام المؤلف أن الخمسة الأحرف الباقية لا تصحب خبرها لام الابتداء، وهي: أن، وليت، وكأن، ولكن، ولعل، فلا تصحب لام الابتداء إلا خبر إن المكسورة نحو: إني لوزر، أي: إني لقوي، فإن هنا مكسورة، والياء اسمها، ووزر خبرها، واللام للابتداء. فإذا قال القائل: لماذا نسميها لام ابتداء وهي متطرفة في الخبر؟ قلنا: لأن الأصل أن تقع في المبتدأ، أي: في أول الجملة، ولكنها تأخرت لوجود إن، وذلك أن (إنَّ) للتوكيد واللام للتوكيد، قالوا: فلا ينبغي أن يجمع بين مؤكدين في أول الكلام، ولهذا يسمونها: اللام المزحلقة؛ لأنها زحلقت من أول الكلام إلى آخره، فلا يجوز أن تقول: لإني ذو وزر، ولا يجوز أن تقول: إن لزيداً قائمٌ، ويجوز أن تقول: إن زيداً لقائم، فمواضع اللام إذاً ثلاثة: قبل إن، وبعدها وقبل الاسم، وبعد الاسم وقبل الخبر، والموضع الجائز هو الثالث، ولهذا قال: تصحب الخبر لام ابتداء نحو: إني لوزر. إذاً: لا تصحب لام الابتداء إلا خبر إنَّ المكسورة، فلا يجوز أن تقول: ليت زيداً لقائم، ولا: لعل زيداً لقائم، ولا: ما قام زيدٌ لكن عمراً لقائم، ولا كأن زيداً لأسد؛ لأن المؤلف خص الجواز بذات الكسر.

متى يمتنع دخول لام الابتداء على خبر إن

متى يمتنع دخول لام الابتداء على خبر إن ثم قال: [ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ولا من الأفعال ما كرضيا] ذي: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. ما: فاعل مؤخر، وهو اسم موصول. قد نفي: الجملة صلة الموصول. ومعنى ذلك: أن لام الابتداء التي تقع في خبر إن لا يليها ما نفي؛ لأن اللام للتوكيد، والنفي بخلاف ذلك، فلا يمكن أن يجمع بين الشيء ونقيضه أو ضده، فلا يصلح أن تقول: إن زيداً لما قام؛ لأنك حينئذٍ جمعت بين الإثبات والنفي، فلا يصح. وقال بعض النحويين: إنه يصح، ويكون هذا توكيداً للنفي لا توكيداً للإثبات. وقال بعضهم: إن الممنوع حرف النفي لا الاسم الدال على النفي، فيجوز: إن زيداً لغير فاهم، ولا يجوز: إن زيداً لما فهم؛ لأن (ما) مع اللام ظاهرة المنافاة، بخلاف (غير) وشبهها. لكن المشهور ما مشى عليه ابن مالك رحمه الله: أن كل ما دل على النفي فإنه لا يمكن أن يجتمع مع لام التوكيد. قوله: (ولا من الأفعال ما كرضيا)، أي: ولا يليها من الأفعال الذي مثل رضي. وقوله: (ما كرضي) يجوز أن نجعل الكاف هنا اسماً، ونقول: ما مثل رضي، وتكون في محل رفع والمبتدأ محذوف، والجملة صلة الموصول، أي: ما هو مثل رضي، ويجوز أن نجعلها حرف جر، ويكون المراد بقوله: (رضي) اللفظ، فتكون داخلة على الفعل باعتبار لفظه، ويكون الجار والمجرور خبراً لمبتدأ محذوف، أي: ما هو كرضي. وإذا نظرنا إلى (رضي) نجد أنه فعل، وأنه ماض، وأنه متصرف، وعليه نأخذ من هذا قاعدة: أن اللام لا تدخل على خبر إن إذا كان فعلاً ماضياً متصرفاً. فخرج بقولنا: (إذا كان فعلاً)، ما إذا كان اسماً وقد سبق. وخرج بقولنا: (ماضياً) ما إذا كان فعلاً مضارعاً، مثل: إن زيداً ليقوم، فهذا جائز. وخرج بقولنا: (متصرفاً) ما إذا كان غير متصرف، مثل: إن زيداً لعسى أن يفهم؛ لأن (عسى) هذه جامدة، فيجوز أن تقترن بها اللام. ثم قال: [وقد يليها مع قد كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا] قوله: (وقد يليها مع قد)، قد: للتقليل، والقاعدة: أن قد إذا دخلت على الماضي فهي للتحقيق، وإذا دخلت على المضارع فهي للتقليل، وقد يراد بها التحقيق، مثل قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:64]، ومثل قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} [الأحزاب:18]. ومعنى ذلك: أنه قد يلي هذه اللام الفعل الماضي المتصرف مع قد، وعلى هذا ففي قوله: (يليها) ضمير مستتر يعود على قوله: (ما كرضي). قوله: (كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا). كإن ذا: الكاف حرف جر. و (إن ذا لقد سما على العدا مستحوذا): مجرور بالكاف باعتبار اللفظ. أما إعراب هذا المثال فنقول: إن: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. وذا: اسمها مبني على السكون في محل نصب؛ لأنه اسم إشارة. لقد: اللام للتوكيد، وقد: للتحقيق. سما: فعل ماض، وهو فعل ماض متصرف، لكن جاز دخول اللام عليه لأنه فصل بينه وبينها بقد، وفاعل سما مستتر جوازاً تقديره هو. على العدا: جار ومجرور متعلق بسما. مستحوذاً: حال من فاعل سما، والاستحواذ بمعنى السيطرة. والحاصل: أن ابن مالك رحمه الله يقول: إنه يمتنع دخول لام التوكيد على خبر إن إذا كان منفياً، هذا الأول. والثاني: إذا كان فعلاً ماضياً متصرفاً لم يقترن بقد؛ لأنه قال: إنه قد يليها مع قد.

دخول اللام على غير خبر إن المكسورة

دخول اللام على غير خبر إن المكسورة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وتصحب الواسط معمول الخبر والفصل واسماً حل قبله الخبر] قوله: (تصحب) الفاعل يعود على اللام. الواسط: مفعول به. معمول الخبر: صفة للواسط. والفصل: معطوف على الواسط. واسماً: كذلك معطوف عليه. حل: فعل ماض. قبله: قبل: ظرف متعلق بـ (حل)، وهو مضاف والهاء ضمير في محل جر مضاف إليه. الخبر: فاعل. ذكر المؤلف رحمه الله أن اللام بالإضافة إلى صحبتها للخبر تصحب ثلاثة أشياء: الأول: معمول الخبر إذا كان متوسطاً بين الاسم والخبر، مثل: إن زيداً لطعامك آكلٌ. إن زيداً: إن واسمها. لطعامك: اللام للتوكيد، وطعام: مفعول مقدم لآكل الذي هو الخبر، وهو مضاف إلى الكاف. آكل: خبر إن مرفوع بها، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. هذا هو الواسط معمول الخبر. الثاني: وتصحب الفصل، ويريد بالفصل ما يعرف بضمير الفصل عند البصريين، أو بالعماد عند الكوفيين. وضمير الفصل اختلف النحويون: هل هو اسم أو حرف أو كلمة زائدة؟ والصحيح أنه حرف جاء على صورة الضمير، وليس باسم. واختلفوا أيضاً: هل له محل من الإعراب أم لا؟ والصحيح أنه لا محل له من الإعراب، كما في قوله تعالى: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء:40]، فلو كان له محل من الإعراب لقال: (هم الغالبون) فدل هذا على أن الواو اسم (كان)، و (الغالبين) خبرها. ولضمير الفصل ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: التوكيد؛ لأنه يؤكد الجملة، فإذا قلت مثلاً: زيدٌ هو الفاضل، فهو أوكد من قولك: زيدٌ فاضل. الفائدة الثانية: الحصر؛ بأن يكون هذا الحكم خاصاً بالمحكوم عليه، فأنت إذا قلت: زيد هو الفاضل، أي: لا غيره. الفائدة الثالثة: التمييز بين الصفة والخبر، وهذا هو سبب تسميته فصلاً؛ لأنه يفصل بين الخبر والصفة، ويظهر هذا في المثال، فإذا قلت: زيد الفاضل، فإن الفاضل هنا يحتمل أن تكون صفة، وننتظر الخبر، فيلزم أن تقول: زيدٌ الفاضل موجود، فإذا قلت: زيد هو الفاضل، تعين أن يكون الفاضل خبراً. فإذا وجد ضمير الفصل بين اسم إنَّ وخبرها فإن اللام تدخل عليه، تقول: إن زيداً لهو الفاضل، قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران:62]، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل:16] والأمثلة في ذلك كثيرة. الثالث: قال: (واسماً حل قبله الخبر)، أي: وتصحب هذه اللام الاسم إذا حل قبله الخبر، ومن لازم حلول الخبر قبله أن يكون متأخراً، فكأنه قال: والاسم إذا تأخر عن الخبر فإن اللام تقترن به، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} [آل عمران:13] {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} [الزمر:21]، والأمثلة على هذا كثيرة. إذاً: لام التوكيد تصحب أموراً أربعة: الخبر، ومعموله المتوسط، وضمير الفصل، والاسم المتأخر، لكن لا تصحب الخبر إلا بشروط: الأول: أن يكون مثبتاً؛ لقوله: (ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا). الثاني: ألا يكون فعلاً ماضياً متصرفاً، غير مقترن بقد، لقوله: (ولا من الأفعال ما كرضيا وقد يليها مع قد).

دخول ما الكافة على إن وأخواتها

دخول ما الكافة على إن وأخواتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ووصل ما بذي الحروف مبطل إعمالها وقد يبقى العمل وجائز رفعك معطوفاً على منصوب إن بعد أن تستكملا وألحقت بإن لكن وأن من دون ليت ولعل وكأن] لما بين المؤلف رحمه الله ما يتعلق بإن وأخواتها من العمل وهو نصب المبتدأ ورفع الخبر، ذكر أن هناك موانع تمنع من عمل إن وأخواتها، فقال: (ووصل ما بذي الحروف مبطل إعمالها وقد يبقى العمل). قوله: (وصل) مبتدأ، وهو مضاف إلى (ما). بذي الحروف: متعلق بوصل. مبطل: خبر وصل. إعمالها: يجوز فيه وجهان: النصب على تقدير أن (مبطل) منون، والجر على تقدير أنها مضافة. غير منونة، فتقول على الوجه الأول: مبطلٌ إعمالهَا، وعلى الوجه الثاني: مبطلُ إعمالهِا، ولكن الوجه الأول أولى، أي: أن تكون منصوبة ليكون اسم الفاعل بمنزلة الفعل، وكأنه قال: وصل ما بذي الحروف يبطل إعمالها. قوله: (وقد يبقى العمل) قد: للتقليل. يبقى: فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله. العمل: نائب فاعل. يقول رحمه الله: إن وصل (ما) -وهي حرف- بهذه الحروف يبطل عملها. وقد قلت: (وهي حرف) احترازاً من (ما) الموصولة، فإن (ما) الموصولة لا تبطل عملها؛ لأن (ما) الموصولة تكون هي الاسم، مثل قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} [الأنعام:134]، فما هنا لم تبطل عمل إن؛ لأنها اسم موصول بمعنى الذي، أي: إن الذي توعدونه لآت. مثال ذلك: تقول: إن زيداً قائم، فهي الآن عاملة، فإذا أدخلت عليها (ما) قلت: إنما زيدٌ قائم، فيجب أن تهملها، وأن يكون (زيد) بعد النصب مرفوعاً، وهنا هل يختلف المعنى فيما إذا اتصلت (ما) التي أبطلت العمل، كما اختلف الإعراب؟ A نعم يختلف، فإذا قلت: إن زيداً قائم، لا يمنع أن يكون غيره قائماً أيضاً، لكن إذا قلت: إنما زيدٌ قائم، فقد حصرت زيداً في القيام فلم يقم غيره؛ لإن (إنما) أداة حصر، لكن هذا لا يتعين إلا إذا قلت: إنما زيدٌ القائم، فهنا يتعين انحصار القيام بزيد. وتقول: علمت أن زيداً قائمٌ، فإذا قلت: علمت أنما زيدٌ قائم، أبطلت عملها. وتقول: كأن زيداً فاهمٌ، فإذا قلت: كأنما زيدٌ فاهم، أبطلت عملها. وتقول: ليت الطالبَ حريص، فإذا قلت: ليتما الطالبُ حريصٌ أبطلت عملها. وتسمى (ما) كافة؛ لأنها كفت هذه الحروف عن العمل. والعلة في ذلك: أنه لا يمكن أن تسلط إن وأخواتها على ما بعد (ما) إذا اتصلت بها، ولهذا تسمى (ما) كافة. قوله: (وقد يبقى العمل). قد: للتقليل، أي: قد تدخل (ما) على هذه الحروف ويبقى عملها، لكنه قليل كما أشار إليه ابن مالك رحمه الله، وظاهر كلامه أنه قليل في جميع هذه الأدوات؛ لأنه قال: (بذي الحروف)، ثم قال: (وقد يبقى العمل)، فيكون بقاء العمل بعد دخول (ما) على هذه الحروف قليلاً في كل هذه الأدوات، لكن النحويين يقولون: إنه لم يسمع إلا في (ليت). أي: لم يسمع أن العمل يبقى مع (ما) إلا في ليت لا في غيرها، وعلى هذا فيكون التقليل في كلام ابن مالك باعتبار الأدوات لا باعتبار العمل، وأنت إذا نسبت (ليت) إلى هذه الأدوات صارت قليلة؛ لأنها واحد من ستة، فيكون التقليل في قوله: (قد يبقى العمل) باعتبار أعيان هذه الأدوات لا باعتبار العمل ووروده، وقد قلنا ذلك من أجل أن يوافق كلام غيره من النحويين رحمهم الله. مثال ذلك في ليت: إذا أعملناها قلنا: ليتما زيداً قائمٌ، وإذا أهملناها قلنا: ليتما زيد قائم، فيجوز الوجهان، وقد روي بالوجهين قول الشاعر: قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد (فقد) بمعنى: فقط. فقد روي: قالت ألا ليتما هذا الحمامَ لنا، وروي: قالت ألا ليتما هذا الحمامُ لنا، فأعملت (ليتما) على الرواية الأولى، وأهملت على الرواية الثانية. والقائلة هي زرقاء اليمامة، يقولون: إنها امرأة كانت ذات بصر قوي جداً، فقد كانت ترى مسافة ثلاثة أيام على الراحلة، وذات يوم مر بها فريق من الحمام، فأدركت عدده، وقالت: إن عدده ست وستون حمامة، ومعلوم أن عدد ست وستين حمامة سوف يمضي الحمام بعيداً قبل تمام هذا العدد، ومع ذلك أدركته. قالوا: إن هذا الحمام ورد على ماء فيه شباك، فصيد بهذا الماء، وحسب فوجدوه كما قالت، وفي هذا يقول الشاعر: واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمد قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد فحسبوه فألفوه كما ذكرت تسعاً وتسعين لم تنقص ولم تزد وفي ذلك تقول زرقاء اليمامة: ليت الحمام ليه إلى حمامتيه ونصفه قديه تم الحمام ميه قولها: (قديه) أي: فقط، (تم الحمام ميه) أي: إذا أضيف إلى حمامتها، وهو ست وستون، ونصفه ثلاث وثلاثون، فإذا أضفنا ثلاثاً وثلاثين إلى ست وستين يصير المجموع تسعاً وتسعين، مع حمامتها يكون مائة، فالله أعلم. الشاهد من هذا: أن ليت إذا اتصلت بها ما الكافة فإنه يجوز فيها الإعمال والإهمال.

شرح ألفية ابن مالك [26]

شرح ألفية ابن مالك [26] إن وأخواتها حروف تنصب المبتدأ وترفع الخبر، فإذا عطف عليها فللمعطوف أحكام، وقد تخفف بعض هذه الحروف فتختلف فيها بعض الأحكام.

حكم العطف على إن وأخواتها

حكم العطف على إن وأخواتها

جواز رفع المعطوف على إن واسمها وخبرها

جواز رفع المعطوف على إن واسمها وخبرها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجائز رفعك معطوفاً على منصوب إن بعد أن تستكملا] قوله: [وجائز رفعك]. جائز: خبر مقدم. رفعك: مبتدأ مؤخر. هذا الإعراب هو الصحيح؛ لأنه يشترط في استغناء اسم الفاعل بمرفوعه أن يعتمد على استفهام أو نفي، لكن يجوز على ضعف أن يكون (جائز) مبتدأ و (رفع) خبراً؛ لقول ابن مالك في الألفية: (وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد) قوله: (معطوفاً): مفعول به، والعامل هو المصدر في قوله (رفعك). على منصوب إن: متعلق بـ (معطوفاً). بعد أن تستكملا: متعلق بـ (رفع) أي: يجوز رفع المعطوف على منصوب (إن) إذا استكملت الاسم والخبر. يقول رحمه الله: (وجائز رفعك) أي: جائز لغة إذا عطفت على إنَّ واسمها وخبرها أن ترفع المعطوف. وقوله: (جائز رفعك) يدل على أن الأصل فيه المنع، وكلمة (جائز) لا تعني أنه الأولى، بل الأولى هو النصب. مثال ذلك: إن زيداً قائمٌ وعمرو، يجوز في (عمرو) وجهان: الوجه الأول: النصب (وعمراً)، والوجه الثاني: الرفع (وعمرو)، فعلى النصب يكون معطوفاً على اسم إنَّ، والمعطوف على المنصوب منصوب، ولا إشكال في ذلك. وعلى الرفع قيل: إنه معطوف على إنَّ واسمها؛ لأن محلهما المبتدأ. وقيل: إنه معطوف على محل اسم إنَّ؛ لأن محله في الأصل الرفع؛ لأن أصله مبتدأ. وقيل: إنه مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: وعمرو قائم، فيكون العطف هنا عطف جملة على جملة. وقوله: (بعد أن تستكملا) يفهم منه أنك إذا عطفت على منصوب إنَّ قبل الاستكمال فإن الرفع لا يجوز، مثاله: إن زيداً وعمراً في المسجد، فلا يجوز أن تقول: إن زيداً وعمرو في المسجد؛ لأنها لم تستكمل معموليها، فيجب أن تقول: (وعمراً) معطوف على اسم إنَّ وهو زيد، والمعطوف على المنصوب منصوب. وتقول: إن زيداً وعمراً قائمان، ولا تقل: إن زيداً وعمرو قائمان؛ وذلك لأنها لم تستكمل معموليها. فأفادنا المؤلف رحمه الله في هذا البيت أن من خصائص (إنِّ): أنه يجوز إذا عطفت على اسمها بعد استكمال معموليها أن تجعل المعطوف مرفوعاً أو منصوباً.

حكم المعطوف على أخوات إن

حكم المعطوف على أخوات إن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وألحقت بإنَّ لكنّ وأنّ من دون ليتَ ولعلّ وكأنّ] قوله: (وألحقت) ألحق: فعل ماضٍ منبي لما لم يسم فاعله، والذي ألحق (لكنَّ وأنّ) هم العرب، فإن العرب هم الذين يعتمد عليهم. بإن: جار ومجرور متعلق بألحقت. لكنَّ: نائب فاعل، وهو حرف، ولكنه صار نائباً للفاعل لأن المقصود لفظه. وأنّ: معطوفة على (لكنَّ). (من دون ليت ولعل وكأن) أي: سوى (ليت ولعل وكأن)، فقوله (من دوه) بمعنى الاستثناء، فليت ولعل وكأن لا تلحق بإن في جواز الرفع، بل يجب النصب. مثال (أن): علمت أن زيداً قائمٌ وعمراً، ولك أن تقول: علمت أن زيداً قائمٌ وعمرٌو برفع (عمرو). مثال (لكن): لكن عمراً قائم وبكراً، ولك أن تقول: لكن عمراً قائمٌ وبكرٌ برفع (بكر). إذاً: يجوز في المعطوف على اسم إنّ وأنّ ولكنَّ وخبرها الوجهان: الرفع والنصب، فصارت هذه الأدوات الست تنقسم إلى قسمين في جواز رفع المعطوف على اسمها بعد استكمال الخبر: ثلاث منها يجوز فيها الرفع والنصب، وهي: إنَّ وأنَّ ولكنَّ. وثلاث منها لا يجوز، وهي: ليت ولعل وكأنَّ. ووجه عدم جواز رفع المعطوف على اسم هذه الثلاث وخبرها: أنه يختلف المعنى اختلافاً عظيماً، فمثلاً: ليت زيداً قائمٌ وعمرٌو، فعندما رفعنا (عمرو) جعلناه مبتدأ، وحينئذ لم يبق فيه معنى التمني، أي: تمني أنه قائم؛ لأنك إذا جعلته مبتدأ قطعته عما سبق، فلا يدخله التمني. كذلك نقول في لعل: لعل زيداً قائمٌ وعمرٌو، بالرفع: إنه لا يصح؛ لأنك لو فعلت هكذا لم يتبين لنا أنه داخل في الرجاء الذي تعلق بزيد. وكذلك: كأن زيداً أسدٌ وعمرٌو، لا يستقيم؛ لأننا لا ندري هل المراد: كأن زيداً أسد وعمرو قطٌّ، أم وعمرو أسد. إذاً: يجب أن نقول: ليت زيداً قائمٌ وعمراً، وكأن زيداً أسدٌ وعمراً، ولعل زيداً ناجح وعمراً، بنصب (عمرو) لا برفعها. أما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [المائدة:69]، فقالوا: إنه يتعين أن يكون الخبر محذوفاً بعد قوله: ((وَالصَّابِئُونَ))، والتقدير: والصابئون كذلك، أو والصابئون من آمن منهم بالله واليوم الآخر، ويكون (كذلك) مقدراً بعد قوله: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى)). ويمكن أن يحمل على ظاهره ونقول: إن الرفع هنا بناء على العطف على محل إنَّ واسمها، وجملة ((مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) -وهي جملة شرطية- خبر إنَّ. قال محمد محيي الدين عبد الحميد في تعلقيه على شرح ابن عقيل: (وقد ورد في القرآن الكريم آيتان ظاهرهما كظاهر هذين البيتين: الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} [المائدة:69]، والثانية: قراءة بعضهم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} [الأحزاب:56] برفع (ملائكته). وقد اختلف النجاة في تخريج ذلك: فذهب الكسائي إلى أن الاسم المرفوع معطوف على اسم إنَّ باعتباره مبتدأً قبل دخول إنَّ. وذهب الجمهور من البصريين إلى أن هذا الاسم المرفوع مبتدأ خبره محذوف، أو خبره المذكور فيما بعد، وخبر إنَّ هو المحذوف، وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على جملة إنَّ واسمها وخبرها. وذهب المحقق الرضي إلى أن جملة المبتدأ والخبر حينئذ لا محل لها معترضة بين اسم إنَّ وخبرها، وهو حسن؛ لما يلزم على جعلها معطوفة على جملة إنَّ واسمها وخبرها من تقديم المعطوف على بعض المعطوف عليه؛ لأن خبر إنَّ متأخر في اللفظ أو في التقدير على جملة المبتدأ والخبر، وخبر إنَّ جزء من الجملة المعطوف عليها. وكل هذا للدلالة على القواعد، نحن نقول: (الصابئون) معطوفة على محل اسم إنَّ، أو على محل إنَّ واسمها؛ لأن أصلهما الرفع، أما أن نقول: (وَالصَّابِئُونَ) خبرها: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)، وخبر (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) محذوف، فهذا يعني أننا حذفنا شيئاً قبل أن نعرف تقديره، وإذا جلعنا (من آمن بالله واليوم الآخر) خبراً لقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) وخبر (وَالصَّابِئُونَ) محذوف، فإن الكلام يكون ركيكاً؛ لأن تقدير الكلام سيكون حينئذ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) من آمن بالله واليوم الآخر)، وهذا كلام ركيك ينزه عنه القرآن، لكن إذا قلنا: (وَالصَّابِئُونَ) معطوفة على محل اسم إنَّ، زال الإشكال، وهذا ما فعله الكسائي إمام أهل الكوفة. وقد قلنا: إن طريقنا فيما يختلف فيه النحويون أن نتبع الأسهل.

إعمال إن المخففة وإهمالها

إعمال إن المخففة وإهمالها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وخففت إنّ فقل العملُ وتلزم اللام إذا ما تهمل وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمدا] قوله: (وخففت): خفف: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفعل مبني لما لم يسم فاعله. إنَّ: نائب فاعل باعتبار لفظها. فقل العمل: الفاء عاطفة وهي مفرعة على ما سبق، أو سببية. العمل: (أل) للعهد الذهني، أي: فقل عملها، فأل هنا نائبة مناب الضمير، والعمل: فاعل. وتلزم اللام: اللام هنا يحتمل أن تكون (أل) التي للجنس، ويحتمل أن تكون للعهد، فإن قلنا: إنها للعهد، فاللام هنا لام الابتداء التي تدخل على خبر إنَّ، وإن قلنا: إنها للجنس، فاللام هنا لام جديدة استجلبت للفرق بين إنْ النافية وإنْ المخففة، وعلى كل حال فاللام فاعل. إذا: شرطية. ما: زائدة. تهمل: فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر يعود على إن. وقد قلنا: إن (ما) زائدة؛ لأنها وقعت بعد إذا، وقد قيل: يا طالباً خذ فائدة بعد إذا ما زائدة يقول رحمه الله: (وخففت إن) الذي خففها هم العرب لا النحويون؛ لأن النحويين لا يمكن أن يتصرفوا في اللغة العربية، بل يحللون اللغة العربية ولكن لا يتصرفون فيها، فالمخفف هم العرب. (فقل العمل) أي: قل عملها، أي: وكثر إهمالها، فإذا قلَّ العمل كثر الإهمال، فنستفيد من ذلك: أنه إذا خففت (إنَّ) جاز فيها وجهان: الإعمال وهو الأقل، والإهمال وهو الأكثر. فإن أعملت فالأمر ظاهر، تقول: إنْ زيداً قائمٌ، كقولك: إنَّ زيداً قائمٌ، وفي الإهمال تقول: إنْ زيدٌ قائمٌ. يقول المؤلف: (وتلزم اللام إذا ما تهمل) فيجب أن تقول: إنْ زيدٌ لقائم، أما إذا أعملت فلا تلزم؛ وذلك لأن لزوم اللام من أجل الفرق بينها وبين (إنْ) النافية، فإذا أعملت زال اللبس. فإذا قلت مثلاً: إن زيدٌ قائمٌ، لم يدر هل المقصود إثبات قيامه أو نفيه، لكن إذا قلت: إن زيداً قائمٌ، أُثبِتَ القيام وزال الإشكال. ففي المثال الأول يجب أن تأتي باللام فتقول: إن زيد لقائمٌ، لأجل أن تفرق بين (إنْ) النافية و (إنْ) المخففة، ووجه ذلك: أن النافية لا تأتي معها اللام؛ لأن اللام للتوكيد، و (إنْ) النافية للنفي، فلا يمكن أن تأتي اللام المؤكدة مع النفي. إذاً: أفادنا المؤلف رحمه الله أن (إنَّ) إذا خففت جاز إعمالها وإهمالها؛ لأنه قال: (فقلَّ العمل)، وأفادنا في الشطر الثاني: أنها إذا أهملت وجب اقتران خبرها باللام، وتسمى: اللام الفارقة؛ لأنها تفرق بين (إنْ) النافية و (إنْ) المخففة. ثم هل اللام الفارقة هي لام الابتداء أم لام فارقة جديدة؟ خلاف لا يهمنا؛ لأن هذا الخلاف ليس تحته شيء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمداً] قوله: (ربما) يحتمل أن تكون للتكثير، ويحتمل أن تكون للتقليل. استغني عنها: أي: عن اللام، واستغني: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله. عنها: جار ومجرور في محل نائب الفاعل. إن بدا: إن: شرطية، وبدا: فعل الشرط بمعنى: ظهر. ما: فاعل بدا. ناطق: مبتدأ. أراده: الجملة خبر المبتدأ. معتمداً: حال من فاعل أراده، وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول. والمعنى: ربما استغني عن اللام فلم تأت مع الإهمال إذا اتضح المعنى؛ لكن بأي شيء يتضح المعنى؟ يتضح المعنى بالقرينة، مثال ذلك قول الشاعر: ونحن أباة الضيم من آل مالك وإنْ مالك كانت كرام المعادن (أباة) جمع أبيّ، وهو الممتنع، يعني: أنا من الممتنعين الذين لا يرضون بالضيم. الشاهد: قوله: (وإنْ مالك كانت كرام المعادن)، (إنْ) هذه مخففة من الثقيلة، وهي مهملة، وليس في خبرها اللام، فكيف لم يأت في خبرها اللام مع أنها مهملة؟ نقول: لأن المعنى واضح، ولو جعلنا (إنْ) بمعنى (ما) النافية، لكان هناك تناقض بين أول الكلام وآخره، ففي البداية يفتخر بأنه من آل مالك، ثم يقول: وما مالك كانت كرام المعادن! فلا يمكن هذا؛ إذ كيف يفتخر بأنه من آل مالك ثم يقدح في مالك، ويقول: إنها ليست كريمة المعادن؟! إذاً: يتعين أنَّ (إنْ) هنا مخففة من الثقيلة. ولو قال قائل: إنْ موسى فاهم، فنقول: هذا لا يجوز، حتى ولو أعملت؛ لأن الفتحة لا تظهر على موسى، فيكون قول ابن مالك: (إذا ما تهمل) مقيداً بما إذا كانت تظهر علامة الإعراب على الاسم، أما إذا كانت لا تظهر فإنه لا يتبين، حتى ولو أعملت لا يتبين، فلابد حينئذٍ من اللام. وكذلك أيضاً إذا كان اسمها مثنى ولزمنا فيه لغة من يلزمه الألف مطلقاً، فهذا لا بد من اللام لعدم الاتضاح. وكذلك إذا كان الاسم مبنياً فلا بد من اللام. والحقيقة أن هذه الصور وإن كان الذي يبدو للإنسان أن ابن مالك لم يذكرها لكنه ذكرها بقوله: [وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمدا]. ومعلوم أن ما لا تظهر عليه الحركات لا يدرى ما أراده الناطق، وكذلك إذا كان مبنياً، وكذلك إذا كان إعرابه لا يختلف فيه المرفوع والمنصوب، فلابد أن يقترن الخبر باللام حتى يتضح المعنى، إلا إذا وجدت قرينة كافية. والخلاصة: أن العرب يخففون إنَّ التي للتوكيد، وحينئذٍ يجوز إعمالها وإهمالها، والأكثر الإهمال، وإذا أهملت فيجب اقتران خبرها باللام ما لم يظهر المعنى، فإن ظهر المعنى بقرينة حالية أو لفظية جاز حذف اللام، والقرينة الحالية المعنوية كقول القائل: نحن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن والقرينة اللفظية يمكن أن نمثل لها بقولنا: إنْ موسى قائم وعمراً، فهذه قرينة لفظية، وكذلك قول الشاعر: إنِ الحق لا يخفى على ذي بصيرة. فـ (إنْ) هنا مخففة ولابد؛ لأنه لا يصح أن نقول: ما الحق لا يخفى على ذي بصيرة؛ لأن (لا) نافية و (ما) نافية، ولا يجتمع نافيان على حكم واحد للتضاد، ولهذا يعتبر العلماء هذه قرينة لفظية، بخلاف ما إذا قلت: إنِ الحق؛ لأن (إنْ) المخففة من الثقيلة للإثبات، والمعنى: إنَّ الحق لا يخفى على ذي بصيرة.

دخول إن المخففة على الفعل

دخول إن المخففة على الفعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [والفعل إن لم يك ناسخاً فلا تلفيه غالباً بإن ذي موصلا] من المعلوم أن إنّ وأخواتها ست أدوات، منها المشدد ومنها المخفف، فالمشدد: إنَّ، وأنَّ، ولعلَّ، ولكنَّ، وكأنَّ، والمخفف ليتَ فقط. وقد تكلمنا فيما سبق على حكم (إنَّ) إذا خففت إلى (إنْ)، والآن سيتكلم المؤلف على باقي الحروف التي تخفف. قوله: (والفعل إن لم يك ناسخاً فلا). الفعل: مبتدأ وخبره جملة الشرط: (إن لم يك ناسخاً فلا تلفيه غالباً بإن ذي موصلاً). إن: شرطية. لم: حرف جزم. يك: فعل مضارع مجزوم بلم؛ لأنها المباشرة، والجلمة في محل جزم فعل الشرط. ناسخاً: خبر يكن. فلا تلفيه غالباً: أي: لا تجده غالباً، ومعلوم أن (لا): نافية. تلفيه: تلفي: فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره أنت، والهاء مفعول أول. غالباً: منصوب بنزع الخافض، أي: في الغالب. بإن ذي: المشار إليه هي (إنْ) المخففة، والباء: حرف جر، وإن مجرور بالباء باعتبار اللفظ. وذي: صفة لإن، والجار والمجرور متعلق بموصلاً. موصلاً: مفعول ثان لـ (تلفي)، أي: فلا تلفيه موصلاً في الغالب. معلوم أنّ َ (إنْ) المخففة إذا كانت داخلة على جملة اسمية فقد سبق الكلام أنها تعمل وتهمل، والإهمال أكثر، وأنه إذا أهملت ولم يتضح المعنى وجب اقتران خبرها باللام، والجملة الفعلية هل تتصل بإنْ المخففة؟ فصل المؤلف رحمه الله تعالى، والحاصل: أن (إنْ) لا يليها الفعل إلا إذا كان ناسخاً، مثل: كاد، وكان، ووجد، وما أشبهها، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ} [الإسراء:76]، الفعل الناسخ (كاد). وقال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164]. و (كان) فعل ناسخ. وقال تعالى: {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف:102]، (وجد) فعل ناسخ. وغير الناسخ لا يلي (إنْ) في الغالب، وقد يليها في غير الغالب، ومنه قول الشاعر: شلت يمينك إنْ قتلت لمسلماً حلت عليك عقوبة المتعمد والمعنى: شلت يمينك إنك قتلت مسلماً، وهذا قليل، والأكثر ألا يليها إلا فعل ناسخ. ويخفف دخولها على الفعل غير الناسخ -كما في هذا البيت- وجود اللام: (إن قتلت لمسلماً)؛ لأنه لو قال: إن قتلت مسلماً؛ لأوهم أن تكون (إنْ) نافية أو شرطية، لكن إذا قال: إن قتلت لمسلماً، فيتعين أن تكون (إنْ) هنا مخففة من الثقيلة. ونقول في إعرابها: إنْ: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، والتقدير: إنْه. قتلت: فعل وفاعل، والجملة خبر (إنْ). لمسلماً: اللام فارقة، مسلماً: مفعول لقتلت. ومثاله أيضاً: إنْ يزينك لنفسك، وإنْ يشينك لهيه، فإنْ هنا مخففة، والدليل دخول اللام، والفعل هنا غير ناسخ.

الكلام على أن المخففة من الثقيلة

الكلام على أن المخففة من الثقيلة

حذف اسم أن المخففة

حذف اسم أن المخففة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن تخفف أنّ فاسمها استكنّ والخبرَ اجعل جملة من بعد أنْ] هذا هو الحرف الثاني مما يخفف من هذه الحروف الستة. قوله: (إن تخفف) إنْ: شرطية، تخفف: فعل الشرط، وهو مبني لما لم يسم فاعله. أنّ: نائب فاعل، وهو حرف لكن المقصود اللفظ. فاسمها: الفاء رابطة للجواب، واسم: مبتدأ، وهو مضاف إلى الهاء. استكن: بمعنى: اختفى، وهو فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو، والجملة الفعلية خبر المبتدأ، والجملة من اسمها وخبرها في محل جزم جواب الشرط. قوله: (والخبر اجعل جملة من بعد أن): الخبر: مفعول أول مقدم لـ (اجعل)، وفاعل (اجعل) مستتر وجوباً تقديره أنت. جملة: مفعول ثان، أي: اجعل الخبر جملة من بعد أن. ومعنى البيت: أن (أنّ) تخفف، والمخفف لها هم العرب، وفي حال التخفيف يقول: (اسمها استكن)، وهذه عبارة فيها تساهل؛ لأن ظاهرها أن الاسم مستتر في أنَّ، وهذا غلط؛ لأن (أنَّ) حرف لا تتحمل الضمير، هذا من وجه، ومن وجه آخر: أن اسم (أنَّ) منصوب ولا يوجد ضمير مستتر وهو منصوب في الدنيا كلها، إنما الذي يستتر هو الضمير المرفوع، وذلك لقوة اتصاله، فصار في كلامه رحمه الله نظر من وجهين: الوجه الأول: أنه لا استتار في الحرف. والثاني: لا استتار لضمير منصوب، إنما الاستتار للضمير المرفوع، أما المنصوب فيحذف. وحينئذ نقول: مراد ابن مالك رحمه الله بقوله: (استكن) أي: حذف، وجعله مستكناً لأنه محذوف لم يظهر فكأنه مستتر، وإلا فإننا نعلم -والعلم عند الله- أن ابن مالك لا يخفى عليه أن الحروف ليست محلاً لاستتار الضمائر فيها، ونعلم أيضاً أنه يعلم أن الذي يستتر إنما هو ضمير الرفع. إذاً: ما الذي أوجب لـ ابن مالك أن يعبر بكلمة (استكن) مع هذا الاحتمال؟ نقول: ضرورة الشعر، والحريري رحمه الله وصف الشعر بأنه صلف فقال: وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف وهذا صحيح، حتى إن بعض العلماء يقول: يجوز في ضرورة الشعر أن يرفع المنصوب وينصب المرفوع، وكذلك ينصب المجرور ويرفع. قوله: (والخبر اجعل جملة) لما بين أن اسم (أنّ) إن خففت يحذف، فماذا يكون حكم خبرها؟ قال: والخبر يكون جملة، فلا يكون مفرداً أبداً، لكن قد يكون خبرها مفرداً إذا لم يحذف اسمها، ومنه قول الشاعر: لقد علم الضيف والمرملون إذا اغبر أفق وهبت شمالا بأَنْك ربيع وغيث مريع وأنْك هناك تكون الثمالا ففي هذين البيتين خفف (أنّ) وجاء بها مرتين مع اسمها، وخبرها في المرة الأولى مفرد، وهو قوله: (ربيع)، وخبرها في المرة الثانية جملة، وهو قوله: (تكون الثمالا). إذاً: تخفف أنّ، والمخفف لها هم العرب، وإذا خففت وجب حذف اسمها، ولا يذكر إلا نادراً، ويجب أن يكون خبرها جملة، ولا يكون مفرداً إلا قليلاً، ولاسيما إذا ذكر الاسم؛ لأنه إذا ذكر الاسم صارت تشبه المشددة في أنه يكون لها خبر مفرد.

الفصل بين أن المخففة وخبرها

الفصل بين أن المخففة وخبرها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن يكن فعلاً ولم يكن دعا ولم يكن تصريفه ممتنعا فالأحسن الفصل بقد أو نفيٍ او تنفيسٍ او لو وقيل ذكر لو] قوله: (وإن يكن فعلاً ولم يكن دعا): (وإن يكن) أي: الخبر. (فعلاً) خبر يكن التي استتر اسمها. (ولم يكن دعا) أي: لم يكن الفعل دعاء، ولم: حرف جازم. ويكن: فعل مضارع مجزوم بلم، واسمها مستتر جوازاً تقديره هو. دعا: خبر يكن، وأصلها مهموز (دعاء)، لكن حذفت الهمزة من أجل الروي. قوله: (ولم يكن تصريفه ممتنعاً:) يكن: فعل مضارع مجزوم بلم. تصريفه: اسم يكن. ممتنعاً: خبرها. ومعنى البيت: (إن يكن الخبر فعلاً) وفي هذه العبارة تجوز؛ لأن الفعل لا يكون خبراً، وإنما يكون الخبر جملة فعلية، ففي كلامه رحمه الله تجوز وتسامح، ويدل لذلك أنه قال قبل هذا البيت (والخبر اجعل جملة)، ومعلوم أن الفعل نفسه ليس بجملة، ففي العبارة تجوز وتسامح. وقوله: (إن يكن فعلاً ولم يكن دعا) خرج به ما إذا كان فعلاً ولكنه دعاء. وقوله: (ولم يكن تصريفه ممتنعا) يريد بذلك أنه لم يكن جامداً. فعندنا ثلاث محترزات: أن يكون فعلاً. وأن يكون خبراً لا دعاءً. وأن يكون متصرفاً لا جامداً. فإذا كان كذلك قال: فالأحسن الفصل بقد إلخ. فعلم من كلام المؤلف أنه إذا كان خبر (أنْ) فعلاً دعائياً فإنه لا يجب الفصل بما سيذكره، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [النور:9] على قراءة (أنْ غضِبَ الله عليها) فهنا (غضِب) جملة دعائية، ولهذا لم يفصل بينها وبين (أنْ) بواحد من الفواصل التالية. وقوله: (ولم يكن تصريفه ممتنعا) احترازاً مما إذا كان جامداً لا يمكن أن يتصرف، فإنه في هذه الحال لا يجب الفصل بواحد من الفواصل، ومثال ذلك قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]، {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف:185] فهنا (ليس) و (عسى) فعلان جامدان، ولهذا لم يفصل بين (أنْ) وبين هذا الفعل بواحد من الفواصل التالية. وقوله: (فالأحسن الفصل) الفاء: هذه واقعة في جواب الشرط المصدر بإن (وإن يكن فعلاً فالأحسن) والأحسن: مبتدأ، والفصل: خبر المبتدأ. ويجوز العكس، أي: يجوز أن يكون (الفصل) مبتدأ مؤخراً، َ و (الأحسن) خبراً مقدماً، ولكن الأحسن أن نجعل (الأحسن) مبتدأ و (الفصل) خبر المبتدأ؛ لئلا نفصل بين المتعلِّق والمتعلَّق بفاصل أجنبي. بقد: جار ومجرور متعلق بالفصل. أو نفي: معطوف عليه. أو تنفيس: كذلك. أو لو: كذلك. (وقليل ذكر لو) قليل: خبر مقدم. ذكر: مبتدأ مؤخر، أي: ذكر (لو) قليل عند العلماء، أي: أنه قل من ذكرها من النحويين، فقوله: (وقليل ذكر لو) أي: أن أكثر النحويين لم يذكروا الفصل بـ (لو)، مع أنه ثابت في القرآن، كقوله تعالى: ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ)) [الجن:16]. وقوله: (فالأحسن الفصل)، علم من تعبيره بالأحسن أن هذا ليس بواجب، وقيل: بل يجب الفصل، وهذا قول ابن هشام رحمه الله، لأنه لم يرد إلا مفصولاً، وإذا لم يرد إلا مفصولاً كان مقتضاه أن اللغة العربية توجب الفصل، وما شذ فهو نادر. أمثلة: قوله: (بقد) مثل أن تقول: علمت أنْ قد قام زيد، لو قلت: علمت أنْ قام زيد، فهو عند ابن مالك جائز لكنه خلاف الأحسن. (أو نفي)، مثل قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة:71] فهنا فصل بلا النافية. الثالث: قال: (أو تنفيس) يريد بالتنفيس شيئين: السين وسوف، فمثال السين: قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل:20]. ومثال (سوف) قول الشاعر: واعلم فعلم المرء ينفعه أنْ سوف يأتي كل ما قدرا الشاهد فيه قوله: أنْ سوف يأتي. (أو لو) أي: أو تفصل بلو، كقوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن:16] فأن هنا مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة (لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) خبرها. إذاً: أفادنا المؤلف رحمه الله أنّ (أنْ) تأتي مخففة، وإذا أتت على هذا الوجه وجب أن يكون اسمها محذوفاً، ويسمى ضمير الشأن، ويكون خبرها جملة. ثم إن كان جملة اسمية أو فعلية دعائية أو فعلية جامدة لم يجب الفصل، بل ولا يستحسن الفصل بين أنْ وخبرها بشيء من الفواصل. وإن كان جملة فعلية فعلها متصرف وليست دعائية، فإن الأحسن على رأي ابن مالك أن يفصل بواحد من أمور أربعة: قد، أو النفي، أو التنفيس، أو لو، ويجوز على كلام ابن مالك ألا يفصل، لكنه خلاف الأحسن. فإذا قيل: علمت أن يأتي زيد من السفر، فإن هذا خلاف الأحسن، والأحسن أن يقال: علمت أن سيأتي، أو: أن سوف يأتي. ولو قيل: علمت أنْ سافر زيد، فهو صحيح لكنه خلاف الأحسن، والأحسن أن نقول: علمت أن قد سافر وددت أن لو سافر زيد وهكذا.

الكلام على كأن المخففة

الكلام على كأن المخففة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وخففت كأنّ أيضاً فنوي منصوبها وثابتاً أيضاً روي] قوله: (خففت): فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والتاء للتأنيث. كأن: نائب الفاعل. أيضاً: مصدر عامله محذوف، تقديره: آض، أي: رجع، فيكون (أيضاً) بمعنى (رجوعاً)، ومعنى الكلام إذا جاءت أيضاً فيه: أي: رجوعاً إلى ما سبق، والمعنى هنا: (وخففت كأن أيضاً)، أي: كما خففت إنّ وخففت أنّ. فروي: الفاء حرف عطف، وروي: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله. منصوبها: منصوب: نائب الفاعل، وهو مضاف إلى الهاء. وثابتاً: الواو حرف عطف، وثابتاً: حال مقدمة من نائب الفاعل في روي. أيضاً: نقول في إعرابها كما قلنا في أختها السابقة. وروي: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر تقديره هو. ومعنى البيت: أن (كأنّ) خففت، وإذا جاءت مخففة فإن اسمها يكون محذوفاً وهو ضمير الشأن، وخبرها يكون جملة. ولم يذكر المؤلف رحمه الله لخبرها شيئاً من الشروط، وكأنه يأتي جملة بدون شرط ولا قيد، قال الله تبارك وتعالى: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس:24]. (كأنْ): حرف تشبيه مخففة من الثقيلة تنصب المبتدأ وترفع الخبر، واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة: (لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ) خبرها. وقوله: (وثابتاً أيضاً روي) معناه: أنه قد روي عن العرب بقاء اسمها وعدم حذفه، ومنه قول الشاعر: وصدر مشرق اللون كأن ثدييه حقان الشاهد قوله: (كأنْ ثدييه)، فإن (ثدييه) هنا منصوبة. وروي: (كأنْ ثدياه)، وعلى هذه الرواية: تكون (كأنْ) مهملة، إلا على لغة من يلزم المثنى الألف مطلقاً، فيكون فيه احتمال، لكن اللغة المشهورة عند العرب أن المثنى ينصب بالياء.

تخفيف لكن

تخفيف لكن إذا خففت (لكنّ) فإنها تكون مجرد حرف عطف، وتكون مهملة، مثل: ما قام زيد لكن عمرو؛ فلكن: حرف عطف.

شرح ألفية ابن مالك [27]

شرح ألفية ابن مالك [27] لا النافية للجنس تعمل عمل إن، فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، ولكن لعملها شروط ذكرها النحويون، وكذلك تكثر أحكامها إذا تكررت، أو نعت اسمها، أو عطف عليه، أو دخل عليها حرف استفهام.

لا التي لنفي الجنس

لا التي لنفي الجنس قال المصنف رحمه الله تعالى: [لا التي لنفي الجنس: عمل إنَّ اجعل للا في نكره مفردة جاءتك أو مكرره فانصب بها مضافاً أو مضارعه وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه] هذا من حسن ترتيب المؤلف رحمه الله؛ لأنه لما ذكر الأفعال الناسخة وهي كان وأخواتها؛ ذكر بعدها الحروف الناسخة التي تعمل عمل كان وأخواتها، وهي: ما وإن ولا ولات المشبهات بليس. ولما ذكر الحروف الناسخة التي تعمل على نصب الاسم ورفع الخبر؛ ذكر بعدها الحروف التي تعمل هذا العمل، وإن كانت تختلف عنها بعض الشيء. يقول رحمه الله: (لا التي لنفي الجنس)، أي: لنفي جنس مدخولها، وتكون في ذلك نصاً في العموم؛ لأنك إذا قلت: لا رجلَ في البيت، فالمعنى: لا يوجد هذا الجنس في البيت، لا واحد ولا اثنان ولا أكثر، فتنفي الجنس، ولهذا قالوا: إنها نص في العموم، بخلاف ما إذا قلت: لا رجلٌ في البيت، فإنه ليس نصاً في العموم، إذ يحتمل أن المعنى: لا رجلٌ واحد في البيت، أما إذا قلت: لا رجلَ في البيت، فلا يمكن أن تقول: بل رجلان، أما إذا قلت: لا رجلٌ في البيت، فيصح أن تقول: بل رجلان. فـ (لا) إذاً لنفي الجنس، أي: لنفي جنس مدخولها الشامل للواحد والمتعدد. أما عملها فقال: (عمل إنّ اجعل للا في نكرة). عمل: مفعول مقدم لاجعل، وهو مضاف إلى إنّ باعتبار لفظها. للا: جار ومجرور متعلق باجعل. في نكرة: جار ومجرور أيضاً متعلق باجعل، والتقدير: اجعل عمل إنَّ للا في النكرة. والمعنى: أن لا النافية للجنس تعمل عمل إنَّّ في النكرات خاصة، ولا تعمل في المعارف، ولهذا قالوا: إن قول القائل: لا إله إلا الله، لا يمكن أن نجعل لفظ الجلالة خبر (لا)؛ لأن (لا) لا تعمل إلا في النكرات، لكن نجعله بدلاً من خبر (لا) المحذوف، والتقدير: لا إله حق إلا الله. قوله: (مفردة جاءتك أو مكررة). مفردة: حال من فاعل جاءتك المستتر. أو مكرره: معطوف على مفردة. والمعنى: سواء جاءتك (لا) مفردة -والمراد بالإفراد هنا ما لم تكرر- أو جاءتك مكررة، ونفهم أن المراد بالمفردة ما لم يتكرر من قوله: أو مكررة؛ لأن هذه قسيم لها، فأفادنا رحمه الله بأن (لا) تعمل في النكرات، وأنها تعمل مفردة وتعمل مكررة، وسيأتي إن شاء الله حكم عملها إذا كانت مكررة.

عمل (لا) التي لنفي الجنس

عمل (لا) التي لنفي الجنس قال: (فانصب بها مضافاً أو مضارعه وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه) قوله: (انصب) فعل أمر، والفاء في قوله: (فانصب) للتفريق، أي: فبعد أن عرفت أنها تعمل عمل (إنَّ) فانصب بها. مضافاً: مفعول انصب. أو مضارعه: مضارع: معطوف على (مضافاً)، وهو مضاف والهاء مضاف إليه. وبعد ذاك: بعد: ظرف مضاف إلى ذا، والكاف حرف خطاب. الخبر: مفعول (اذكر) مقدم، والظرف في قوله بعد ذاك متعلق باذكر. رافعه: حال، أي: حال كونها رافعة له، وليست الهاء ضميراً، بل هي تاء التأنيث، وتقدير الكلام: واذكر الخبر بعد الاسم حال كون (لا) رافعة له. والمراد بقوله: (أو مضارعه) أي: مشابه المضاف، ومشابه المضاف ما تعلق به شيء من تمام معناه، بمعنى: أن ما بعده يكون متعلقاً به من حيث المعنى، كما يتعلق المضاف إليه بالمضاف، ولهذا سمي: مشابهاً للمضاف. مثال المضاف: لا غلامَ رجلِ قائمٌ. ومثال المشبه بالمضاف: لا قبيحاً فعلهُ محمود، فـ (قبيحاً) غير مضاف، لكنه تعلق به شيء من تمام معناه وهو (فعل)؛ لأن (فعل) فاعل قبيح، ومحمود: خبر لا. وقد يكون المتعلق منصوباً، كقولك: لا راكباً سيارةً موجود، وقولهم: لا طالعاً جبلاً حاضر، فالمتعلق هنا منصوب. وقد يكون مجروراً، مثل: لا مطالعاً للكتابِ حاضر، فإن (للكتاب) جار ومجرور متعلق بـ (مطالعاً). إذاً: معنى قوله: (أو مضارعه) أي: مشابهه، ونعرف المشابه بأنه ما تعلق به شيء من تمام معناه، فيكون له به تعلق: إما بالرفع، وإما بالنصب، وإما بالجر. قال ابن عقيل: [أي: مشابهاً للمضاف، والمراد به: كل اسم له تعلق بما بعده إما بعمل وإما بعطف]. فقوله: (وإما بالعطف)، مثل أن تسمي رجلاً: ثلاثة وعشرين، فتقول: قام ثلاثة وعشرون، ورأيت ثلاثة وعشرين، ومررت بثلاثة وعشرين، فإذا أدخلت (لا) قلت: لا ثلاثةً وعشرين حاضر، فتعطف عشرين على ثلاثة؛ لأنه لا يتم معناها إلا بالعطف، ولو قلت: لا ثلاثة، لما عرف أنه اسم، فإذا قلت: لا ثلاثةً وعشرين، عرف أنه اسم، إذاً لا بد من ذكر العشرين. وقوله: (وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه) يدل على أنه لا بد من الترتيب بين اسم (لا) وخبرها، فيذكر الخبر بعد الاسم، ولا يذكر الخبر قبل الاسم، فلا يصح أن تقول: لا في البيت رجل، بل لا بد من الترتيب. وقوله: (رافعه) يدل على أن (لا) النافية للجنس تعمل في المبتدأ والخبر كما تعمل إن وأخواتها، وأن رفع اسمها ليس رفعاً مبنياً على الأصل، بل هو رفع جديد، حدث بدخول لا. والخلاصة: أن (لا) النافية للجنس تعمل عمل إنَّ، ثم إن كان اسمها مضافاً أو مشابهاً للمضاف وجب نصبه، وإذا وجب نصبه صار منوناً، نحو: لا قبيحاً فعله محمود، لا راكباً سيارةً موجود، لا مطالعاً في الكتاب حاضر.

حكم المعطوف على اسم لا إذا تكررت

حكم المعطوف على اسم لا إذا تكررت قال المصنف رحمه الله تعالى: [وركب المفرد فاتحاً كلا حول ولا قوة والثانِ اجعلا مرفوعاً أو منصوباً أو مركباً وإن رفعت أولاً لا تنصبا] قوله: (وركب المفرد فاتحاً) المراد بالمفرد هنا ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، وبهذا نعرف أن للنحويين اصطلاحاً في كل باب بحسبه، فالمفرد في باب الإعراب: ما ليس مثنى ولا جمعاً، والمفرد في باب المبتدأ والخبر ما ليس جملة ولا شبه جملة، والمفرد هنا: ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف. يقول: (ركب المفرد فاتحاً) ركب: فعل أمر. المفرد: مفعول لركب. فاتحاً: حال من فاعل ركب، أي حال كونك فاتحاً. (كلا حول ولا قوة) أي: كهذا المثال، ولهذا نعرب هذه الجملة فنقول: الكاف: حرف جر. لا حول ولا قوة: اسم مجرور بالكاف، لأن المقصود: كهذا المثال، فالمقصود لفظها. قوله: (ركب المفرد فاتحاً) أي: ركبه مع لا كما تركب (عشر) مع العدد قبلها، فتقول: ثلاثة عشر، وتقول: لا رجل، فالكلمتان مركب بعضهما ببعض كما ركب العدد العشري مع العدد الفردي، وكيف تعرب؟ نقول: لا رجل في البيت. لا: نافية للجنس. رجل: اسمها مبني على الفتح في محل نصب، ولا يجوز أن نقول: لا رجلاً في البيت؛ لأنه يجب أن يبنى على الفتح، ولذلك يقول: (ركب المفرد فاتحاً كلا حول ولا قوة)، والخبر: إلا بالله، ولنقتصر على المثال الأول: (لا حول إلا بالله)، فنقول: لا: نافية للجنس. حول: اسمها مبني على الفتح في محل نصب بها. إلا: أداة حصر. بالله: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا. وهل يبنى خبرها كاسمها؟ لا، بل خبرها معرب غير مبني، ولهذا تقول: لا رجل قائمٌ، ولا تقل: لا رجل قائمُ، بل تنونه لأنه معرب. قوله: (والثاني اجعلا). الثاني: مفعول مقدم لـ (اجعلا)، والألف في قوله: (اجعلا)، يجوز أن تكون للإطلاق ويجوز أن تكون بدلاً عن نون التوكيد. فإن كانت للإطلاق فلا إشكال، ولكنها في الواقع بدل عن نون التوكيد، والدليل لذلك: أن الفعل معها مبني على الفتح، فإن (اجعل) فعل أمر مبني على الفتح، فيتعين أن تكون الألف هنا عوضاً عن نون التوكيد الخفيفة؛ لأن نون التوكيد الخفيفة يجوز أن نبدلها بألف، كقوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15]. وقوله: (مرفوعاً أو منصوباً أو مركباً): مرفوعاً: مفعول ثان لاجعل، والتقدير: اجعل الثاني مرفوعاً أو منصوباً أو مركباً. أفاد المؤلف رحمه الله أنك إذا قلت: لا حولَ ولا قوة؛ فإنك تبني الأول على الفتح مركباً مع لا. وأن الثاني يجوز لك فيه ثلاثة أوجه: أن تجعله مرفوعاً، أو منصوباً، أو مركباً؛ فتقول في الرفع: لا حولَ ولا قوةٌ، وفي النصب: لا حولَ ولا قوةً، وفي التركيب: لا حولَ ولا قوةَ. إذاً: نقول في إعراب الأول (لا حول): حول: اسم لا مبني على الفتح، وسبب بنائه التركيب مع لا. والثاني: (ولا قوة) يجوز في (قوة) ثلاثة أوجه: الرفع، والنصب، والتركيب. ووجه الرفع: أنه معطوف على محل لا واسمها؛ أو على محل اسمها، لأن اسمها في الأصل كان مبتدأ. ووجه النصب: أنه معطوف على محل اسم (لا) لفظاً؛ لأننا قلنا في (لا حول): حول: اسمها مبني على الفتح في محل نصب، فإذا نصبت (ولا قوةً) صارت معطوفة على محل اسم (لا) لفظاً. ووجه التركيب: أنه يكون مستقلاً، أي يركب مع (لا) الثانية، وصار العطف هنا ليس عطف مفرد على مفرد، ولكنه عطف جملة على جملة، أي: أننا عطفنا (ولا قوة) كلها على جملة (لا حول)، فنقول في الإعراب: الواو: حرف عطف. لا: نافية للجنس. قوة: اسمها مبني على الفتح في محل نصب، والعطف هنا عطف جملة على جملة. إذاً: إذا بنينا الأول على الفتح جاز في الثاني ثلاثة أوجه. وإذا رفعنا الأول فلا ننصب الثاني؛ لعدم وجود السبب، فإذا قلنا: (لا حولٌ) فإن سبب الرفع إلغاء عمل (لا) فنقول: لا: نافية لا تعمل. وحولٌ: مبتدأ. فيمتنع نصب الثاني، ويبقى الرفع والبناء على الفتح؛ فنقول: لا حولٌ ولا قوةٌ إلا بالله، فتكون (لا) ملغاة في الأولى وفي الثانية. ونقول: لا حولٌ ولا قوةَ، فتكون (لا) ملغاة في الأولى وعاملة في الثانية. ولا تقل: لا حولٌ ولا قوةً؛ لأن أصل جواز النصب -فيما إذا بني الأول على الفتح- العطف على المحل لفظاً، وهنا وقع اسم (لا) مرفوعاً، فلا يمكن أن تعطف عليه منصوباً. فخلاصة الكلام: يجوز لك في الأول وجهان: الإعمال والإهمال. ففي حال الإعمال يكون مبيناً على الفتح، وفي حال الإهمال يكون مرفوعاً. وإذا أعملت الأول جاز لك في الثاني ثلاثة أوجه: الرفع، والنصب، والتركيب. وإذا أهملت الأول فيجوز في الذي بعده وجهان فقط: الرفع والبناء، ولا يجوز النصب لعدم وجود مقتضيه. وقوله: (وركب المفرد فاتحاً) المراد بالمفرد هنا ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، فيشمل المثنى، ويشمل جمع المذكر والمؤنث السالمين، وإذا كان كذلك فيكون في قول ابن مالك: (فاتحاً) قصور؛ إذ إن المركب ينصب بالفتحة، وينصب بالياء، وينصب بالكسرة، وكلامه لا يشمل كل هذا، ولهذا عبر بعضهم بقوله: إنه يبنى على ما ينصب به، وقال بعضهم: لو أن ابن مالك قال: [وركب المفرد كالنصب كلا حول ولا قوة] لكان أشمل، تقول: لا رجل في البيت، ولا رجلين في البيت، ولا مسلمين في البيت، فهنا لم يبن على الفتح، بل بني على ما ينصب به وهو الياء. كذلك نقول: لا مسلماتٍ في البيت، فبنيناه على الكسرة، لكن نقول في جمع المؤنث السالم خاصة: يجوز أن تبنيه على الفتح أيضاً فتقول: لا مسلماتَ في البيت.

نعت اسم لا النافية للجنس

نعت اسم لا النافية للجنس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومفرداً نعتاً لمبني يلي فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل] قوله: (مفرداً): مفعول مقدم لقوله فافتح. نعتاً: صفة لمفرد. لمبني: جار ومجرور متعلق بيلي. فافتح: الفاء زائدة لتحسين اللفظ، وأصل الكلام: (ومفرداً نعتاً لمبني يلي افتح). افتح: فعل أمر، ومعناه: ابنه على الفتح، وقد سبق أن الأولى أن يقال: (يبنى على ما ينصب به). أو انصبن: أو: للتخيير، انصبن: معطوف على افتح. أو ارفع: أو: أيضاً للتخيير، ارفع: معطوف على افتح. تعدل: فعل مضارع مجزوم على أنه جواب لفعل الأمر وهو قوله: (افتح) وما عطف عليه. وقد اختلف المعربون في مثل هذا التركيب: هل يكون هذا مجزوماً على أنه جواب الأمر، أو مجزوماً على أنه جواب لشرط محذوف والتقدير: إن تفعل تعدل؟ ولدينا قاعدة مهمة وهي: أنه إذا دار الكلام بين الحذف وعدمه فالأصل عدم الحذف، إذاً نقول: الأولى أن نقول: إنها جواب للأمر في قوله: (افتح) وما عطف عليه. ومعنى البيت: إذا ولي المبني نعت مفرد جاز لك فيه ثلاثة أوجه: الفتح والنصب والرفع. مثاله: لا رجل ظريف في البيت. رجل: مبني. وظريف: نعت مفرد وقد ولي المنعوت ولم يفصل بينهما بفاصل، إذاً: انطبق على كلام المؤلف: النعت مفرد، والمنعوت مبني، ولا فاصل بين النعت والمنعوت، وحينئذ يجوز لك في النعت ثلاثة أوجه: فتقول: لا رجلَ ظريفَ في البيت، ولا رجلَ ظريفاً في البيت، ولا رجلَ ظريفٌ في البيت. أما الفتح: لا رجلَ ظريفَ في البيت، فوجهه: أنه مركب مع اسم لا كما ركب اسمها معها. وأما وجه النصب: لا رجلَ ظريفاً: فلأنه تابع لمحل اسم لا، لأننا نقول في إعراب (لا رجلَ): رجل مبني على الفتح في محل نصب، فهو نعت تبع اسم (لا) في محله. وأما الرفع: لا رجلَ ظريفٌ؛ فهو نعت روعي به محل (لا) واسمها؛ لأن محلهما الرفع. ونحن عندما نتكلم عن هذه الأوجه في هذه المسألة وفيما قبلها نتبع النحويين في ذلك، والشواهد على هذه التفصيلات قليلة في اللغة العربية، لكن يقولون: إذا تعذر النقل جاز القياس، وجاز الاجتهاد، وإلا لو تدبرت كلام العرب لوجدت الشواهد على هذا قليلة جداً، لكنهم يقيسون على قواعد أصلوها. والخلاصة: إذا نعت اسم (لا) جاز في النعت ثلاثة أوجه بشرط أن يكون المنعوت مبنياً، والنعت مفرداً، وألا يفصل بينه وبين المنعوت بفاصل، وإذا اختل شرط من هذه الشروط فيقول ابن مالك: [وغير ما يلي وغير المفرد لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد] غير: مفعول مقدم لـ (تبن) في قوله: (لا تبن)، وهو مضاف إلى (ما) الموصولة. يلي: فعل مضارع وهو صلة الموصول، والفاعل ضمير مستتر، والعائد محذوف والتقدير ما يليه. وغير المفرد، غير: معطوف على (غير) الأولى، وهو مضاف إلى المفرد. لا: ناهية. تبن: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. وانصبه: الواو حرف عطف، انصب: فعل أمر، والهاء: ضمير مفعول به، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. أو الرفع اقصد: أو: للتنويع، الرفع: مفعول مقدم لقوله (اقصد). اقصد: فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسر من أجل الروي. قوله: (غير ما يلي) أي: إذا فصل بين النعت والمنعوت بفاصل فإنه يمتنع البناء، ويبقى النصب والرفع، ولماذا يمتنع البناء؟ لأن البناء من أجل التركيب مع (لا) واسمها، وإذا فصل بينهما الفاصل تعذر التركيب، مثل أن تقول: لا رجلَ في البيت ظريف، فظريف هنا نعت لرجل، وهو مفرد، والمنعوت مبني، فهذان شرطان، ولم يبق إلا شرط واحد وهو: عدم الفصل بينهما، وهذا الشرط مفقود؛ فيمتنع البناء لأنه وجد الفصل، فماذا يجوز في النعت؟ يقول: (لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد) أي: أنه يجوز النصب والرفع، فأقول: لا رجلَ في البيت ظريفٌ، ولا رجلَ في البيت ظريفاً. كذلك لا رجلَ حامل كتاب حاضر، يجوز في (حامل) الرفع والنصب، ولا يجوز البناء؛ لأنه ليس بمفرد، إذ هو مضاف، ولهذا قال: (وغير المفرد لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد). مثال آخر: لا رجلَ طالع جبلاً حاضر، يجوز في (طالع) الرفع والنصب. أما: لا رجلَ طالعَ جبلٍ حاضرٌ، فليس فيه إلا وجه واحد وهو النصب؛ لأنه مضاف فهو منصوب، لكن لو قلت: لا رجلَ طالعَ جبلاً حاضر، فهذا لا يصح، أما: لا رجلَ طالعَ جبلٍ، فهذا صحيح؛ لأنه منصوب وليس مبنياً؛ لأنه لا يمكن أن يبنى وهو مضاف، فهذا داخل تحت قوله: (وغير المفردلا تبن). إذاً: لا رجل طالعَ جبلٍ حاضرٌ، العبارة صحيحة. و: لا رجلَ طالعاً جبلاً حاضرٌ، صحيحة. و: لا رجلَ طالعَ جبلاً حاضرٌ، غير صحيحة؛ لأن النعت هنا لا يبنى؛ لأنه غير مفرد.

العطف على اسم لا إذا لم تتكرر

العطف على اسم لا إذا لم تتكرر قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعطف إن لم تتكرر لا احكما له بما للنعت ذي الفصل انتمى] قوله: (العطف): مبتدأ. احكم: الجملة من الفعل والفاعل خبر العطف، أي: والعطف احكم له. وجملة (إن لم تتكرر) جملة اعتراضية. له: الجار والمجرور متعلق بقوله: (احكما)، والألف في قوله: (احكما) يجوز أن تكون للإطلاق، ويجوز أن تكون للتوكيد، وأصلها (احكمن) كما قال ابن مالك: (وأبدلنها بعد فتح ألفا وقفاً كما تقول في قفن قفا) أي: نون التوكيد الخفيفة. وقوله: (بما للنعت) ما: اسم موصول. للنعت: جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، ويجوز أن تكون (للنعت) متعلقة بـ (انتمى)، أي: بما انتمى للنعت ذي الفصل، وهو أولى من أن نقول: إنه متعلق بمحذوف؛ لأنه إذا دار الأمر بين الحذف وعدمه فالأخذ بعدمه أولى. يقول ابن مالك رحمه الله: إذا عطفت على (لا) واسمها فإما أن تتكرر لا وإما ألا تتكرر، فإن تكررت (لا) فقد سبق الحكم في قوله: (لا حول ولا قوة إلا بالله) وسبق أنها إذا تكررت جاز في الأول وجهان وفي الثاني ثلاثة أوجه، فيجوز في الأول: الرفع والبناء، ويجوز في الثاني: الرفع والنصب والبناء، إلا إذا رفع الأول فلا تنصب الثاني، وهذا قد سبق الكلام عليه. لكن إذا حصل العطف ولم تتكرر (لا) مثل أن تقول: لا كريم وجبان في البيت، فيقول المؤلف: احكم له بما للنعت ذي الفصل. والنعت المفصول يجوز فيه الرفع والنصب؛ لقوله: [وغير ما يلي وغير المفرد لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد] فعلى هذا تقول: لا كريمَ وجباناً، ولا تقل: لا كريم وجبانَ، بالفتح، والعلة واضحة؛ لأنه إذا جاء واو العطف امتنع التركيب لوجود الفاصل بحرف العطف، والعطف يقتضي المغايرة، فلم يبق عندنا إلا النصب والرفع، فتقول: لا كريمَ وجباناً في البيت، أو: لا كريمَ وجبانٌ في البيت. أما على النصب فهو معطوف على محل اسم (لا)، وأما على الرفع فهو معطوف على محل (لا) واسمها؛ لأن محلهما الرفع على الابتداء. والخلاصة أن نقول: إذا عطف على اسم (لا) فلذلك حالان: الحال الأولى: مع تكرار (لا)، والحال الثانية: مع عدم التكرار. فأما مع التكرار فقد سبق بيان الأوجه فيه، وأما مع عدم التكرار فيمتنع منه شيء واحد وهو البناء فقط، ويجوز النصب والرفع، لكن اسم (لا) مبني على الفتح؛ لأن الكلام الآن على المعطوف، وأما اسم (لا) فهو مفرد، والمفرد معروف أنه يبنى على الفتح تركيباً مع (لا)، ولا تهمل (لا) في هذه الحال، لأنها إنما تهمل مع التكرار، وحينئذ نقول: لا كريم وجباناً في البيت، أو: لا كريمَ وجبانٌ في البيت. أما: لا كريماً وجباناً في البيت، فهو خطأ، وكذلك: لا كريمٌ وجبانٌ في البيت؛ خطأ.

حكم لا النافية للجنس مع همزة الاستفهام

حكم لا النافية للجنس مع همزة الاستفهام قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأعط (لا) مع همزة استفهام ما تستحق دون الاستفهام] أعط: فعل أمر. لا: مفعول أول؛ لأن (أعطى) من أخوات كسا. مع: ظرف مكان لكنه بني على السكون، وهذا قليل، كما قال ابن مالك: (ومَعَ مَعْ فيها قليل). وقوله: (مع همزة استفهام) أي: مع الهمزة التي للاستفهام. (ما تستحق دون الاستفهام) ما: مفعول ثان لأعط، وهي اسم موصول مبني على السكون في محل نصب. تستحق: صلة الموصول. دون: ظرف، وهو مضاف، والاستفهام: مضاف إليه. يقول رحمه الله: إذا دخلت همزة الاستفهام على (لا) النافية للجنس فإن عملها باق لا يبطل، فإذا قلت: لا رجلَ في البيت، وأدخلت الهمزة عليها فقلت: ألا رجلَ في البيت؟ فأنت الآن تستفهم وتسأل المخاطب كأنك تقول له: أتقول: لا رجلَ في البيت؟ فالاستفهام هنا عائد إلى النفي، أي: هل تنفي أن يكون في البيت رجل؟ أما إذا كان الاستفهام للتمني فظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يبنى الاسم معها. وقال بعض النحويين: إذا كان الاستفهام للتمني فإنها لا تكون كالمجردة من الاستفهام، وضربوا لذلك مثلاً بقول القائل: ألا ماءً بارداً، فهنا لا يريد الاستفهام عن النفي، ولكنه يريد التمني، فكأنه يقول: أتمنى ماءً بارداً، فيجعلون (ألا) هنا مركبة من الهمزة و (لا)، ويجعلونها نائبة مناب الفعل، وماءً: مفعول به.

حكم حذف خبر (لا) النافية للجنس

حكم حذف خبر (لا) النافية للجنس قال المصنف رحمه الله تعالى: [وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر إذا المراد مع سقوطه ظهر] شاع: فعل ماض. في ذا الباب: جار ومجرور متعلق بشاع. إسقاط: فاعل. الخبر: مضاف إليه. إذا: شرطية. المراد: في إعرابه ثلاثة أقوال: القول الأول: إنه فاعل مقدم، وفعله: (ظهر). القول الثاني: إنه مبتدأ وخبره: (ظهر). القول الثالث: إنه فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده وهو (ظهر). والقول الأخير قول البصريين، والأول قول الكوفيين، وهو -حسب القاعدة- الراجح. فعلى القول بأن (المراد) مبتدأ يكون فيه دليل على جواز إضافة (إذا) إلى الجمل الاسمية. وعلى القول بأن (المراد) فاعل للفعل المذكور بعده يكون فيه دليل على جواز تقدم الفاعل، وهذا هو الذي نختار، وهو الأيسر، وله أمثلة في القرآن، كقوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} [الانشقاق:1]، كيف تعرب (السماء) على رأي البصريين: فاعل لفعل محذوف، والتقدير: إذا انشقت السماء، وعلى أحد قولي الكوفيين: السماء: مبتدأ، وانشق: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل مستتر، وجملة (انشقت) خبر المبتدأ، وعلى الوجه الثاني لهم يقولون: السماء: فاعل مقدم، وانشق: فعل ماض، والتاء للتأنيث. وجواب الشرط في قوله: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:1 - 4]، أي: فالأمر عظيم. ولو قيل بأن الأصح من هذه الأقوال أن ما يلي (إذا) هو المبتدأ وما بعده خبر للمبتدأ لكان أوجه؛ لأن هذا يستلزم أن تكون الجملة مؤكدة؛ إذ إن المبتدأ صار في جملة الخبر فاعلاً، فكأنه أسند الفعل إلى فاعله مرتين فيكون هذا أبلغ. قوله: (وشاع) أي: كثر وانتشر (في ذا الباب) يعني: باب (لا) النافية للجنس (إسقاط الخبر) هذا فاعل شاع، أي: أنه كثر إسقاط الخبر في باب (لا) النافية للجنس؛ لكن بشرط: (إذا المراد مع سقوطه ظهر) يعني: إذا ظهر المراد مع سقوطه. مثال ذلك أن يقال: هل في البيت من رجل؟ فتقول: لا رجل. أي: في البيت. وكما يقول من يعود المريض: لا بأس، أي: لا بأس عليه. وكما يقول المفتي لمن سأله: لا حرج، أي: عليك، كقول النبي عليه الصلاة والسلام وقد سئل في التقديم والتأخير في مناسك الحج يوم العيد فقال: (لا حرج)، أي: لا حرج عليك. وعلم من قوله: (إذا المراد مع سقوطه ظهر): أنه إذا لم يظهر المعنى فإنه لا يجوز الحذف، كأن تقول: لا رجل، وتسكت، فإنه لا يعلم هل المقصود: لا رجل موجود، أو لا رجل في البيت، أو لا رجل مريض، أو لا رجل صحيح، فإذا كنا لا نعلم ما هو المحذوف امتنع الحذف. وهذه المسألة مأخوذة من قاعدة سبقت لنا في باب المبتدأ والخبر في قول ابن مالك: (وحذف ما يعلم جائز). فتلك قاعدة عامة في كل شيء: كل ما يعلم فحذفه جائز، وكل ما لا يعلم فحذفه ممتنع؛ لأن المراد بالكلام بيان المعنى، فإذا لم يعلم فإنه يمتنع الحذف. وبهذا انتهى الكلام على لا النافية للجنس.

الفرق بين لا النافية للجنس ولا النافية للوحدة

الفرق بين لا النافية للجنس ولا النافية للوحدة هناك فرق بين (لا) النافية للجنس و (لا) النافية للوحدة في العمل وفي المعنى: أما في العمل: فإن (لا) النافية للوحدة تعمل عمل ليس. وأما في المعنى فإن (لا) النافية للجنس تنفي الجنس أصلاً، وليست تنفي واحداً من الجنس، وأما (لا) الأخرى فإنها تنفي واحداً من الجنس، ولهذا تقول: لا رجلٌ في البيت بل رجلان، ويستقيم الكلام، وتقول: لا رجلَ في البيت ولا امرأة، فهذه نافية للجنس.

شرح ألفية ابن مالك [28]

شرح ألفية ابن مالك [28] من نواسخ المبتدأ والخبر (ظن وأخواتها) وهي تنصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان لها، وهي تعمل متصرفة إلا (هب وتعلم)، كما أنه قد يرد على أفعال هذا الباب الإلغاء عن العمل لفظاً ومحلاً، وقد يرد عليها التعليق لفظاً، وللتعليق والإلغاء مواضع لا تجوز فيها ومواضع قد تجب فيها.

ظن وأخواتها

ظن وأخواتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ظن وأخواتها: انصب بفعل القلب جزءي ابتدا أعني رأى خال علمت وجدا ظن حسبت وزعمت مع عد حجا درى وجعل اللّذ كاعتقد وهب تعلّم والتي كصيرا أيضاً بها انصب مبتداً وخبرا] فرغ المؤلف رحمه الله في ألفيته من ذكر النواسخ المتقابلة، وهي: كان وأخواتها، وإن وأخواتها، فإن كان وأخواتها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، وإن وأخواتها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، فالنسخ فيهما متضاد، ثم أتى بالقسم الثالث من النواسخ، وهو الذي ينسخ المبتدأ والخبر فينصبهما، وليس عندنا قسم رابع يرفع المبتدأ والخبر؛ لأنه إذا بقي المبتدأ والخبر على الرفع لم يكن هناك ناسخ. قال المؤلف: (ظن وأخواتها)، أخواتها يعني: مشاركاتها في العمل، كما قيل: كان وأخواتها وإن وأخواتها. قال رحمه الله: (انصب بفعل القلب جزئي ابتداء أعني رأى خال علمت وجدا) انصب: فعل أمر، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. جزءي: مفعول انصب. بفعل القلب: متعلق بانصب. أعني: أي: أقصد وأريد. رأى خال علمت وجدا ظن حسبت: كل هذه معطوفات بإسقاط حرف العطف. قوله: (انصب بفعل القلب): أفعال القلوب كثيرة منها: المحبة، والكراهة، والبغض، والعداوة، والخوف، والرجاء، وغير ذلك، وليس مراده بفعل القلب هنا جميع أفعال القلوب؛ لأنه قال: (أعني رأى)، وهذا هو فائدة قوله: (أعني رأى) أي: أنه ليس كل فعل قلبي ينصب المبتدأ والخبر؛ بل هي أفعال خاصة. وقوله: (جزءي ابتدا) فيه تجوز؛ لأن الابتداء أمر معنوي، والمبتدأ والخبر أمر لفظي، والمراد بقوله: (جزءي ابتداء) أي: جزءي جملة ذات ابتداء، وهي: المبتدأ والخبر. قوله: (أعني رأى) أي: من أفعال القلوب التي سأذكرها: رأى، ومثاله قول الشاعر: رأيت الله أكبر كل شيء محاولةً وأكثرهم جنودا ومنه قوله تعالى: {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:7]، (نراه) أي: نعلمه قريباً، والمقصود يوم القيامة. وتطلق (رأى) على معنى آخر غير فعل القلب وهو الرؤية بالبصر، فتنصب مفعولاً واحداً، تقول: رأيت زيداً، أي: بعيني، وتطلق: رأيت زيداً بمعنى: ضربته على رئته، والمقصود من (رأى) هنا القلبية. قوله: (خال) هو أيضاً من أفعال القلوب، تقول: خلتُ الطالبَ فاهماً، وهي بمعنى: ظن، ومضارع خال يخال، كخاف يخاف. (علمت) أيضاً تنصب مفعولين، وهي بمعنى: اعتقدت، فهو علم يقين، وليس علم عرفان، كما سيأتي بأن علم العرفان إنما ينصب مفعولاً واحداً. مثال ذلك: علمت زيداً كريماً، أي: اعتقدته وعلمته علماً يقينياً أنه كريم. (وجد) أيضاً تنصب مفعولين، كقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:22]، ويحتمل أن تكون في الآية ليست من الوجدان القلبي، بل من: وجد الشيء يجده. وأوضح منه قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص:44]، أي: إنا علمناه صابراً {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30]. (ظن) أيضاً من أفعال القلوب، كقولك: ظننت زيداً قائماً، وقد يطلق الظن على الرجحان وهو الأكثر، وقد يطلق على اليقين كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:46]. وتطلق بمعنى التهمة كقولك: ظننت زيداً، أي: اتهمته، ومنه قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:24] أي: بمتهم. (حسبت): أيضاً من أفعال القلوب، وهي للرجحان غالباً، وتطلق بمعنى العلم، كقول الشاعر: حسبت التقى والجود خير تجارة. أي: علمتها خير تجارة. (زعمت) زعم بمعنى: اعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه، وهي من أفعال القلوب الدالة على الظن، ومنه قول الشاعر: زعمتني شيخاً ولست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيبا (معَ عدْ) أي: معَ عدَّ، لكنه خففها لأجل وزن البيت، تقول: عددت محمداً رفيقاً، أي: اعتقدت في قلبي أنه رفيق، ومنه قول الشاعر: فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ولكنما المولى شريكك في العدم أي: لا تحسب المولى -وهو الصديق والناصر- من يشاركك إذا كنت غنياً فقط، فإن هذا ليس بمولى؛ لأنه إنما ينفع نفسه. قال: (حجا) بمعنى: علم، كقول الشاعر: قد كنت أحجو أبا عمرو أخاً ثقةً حتى ألمت بنا يوماً ملمات أي: فإذا هو ليس بأخي ثقة، فهو في وقت الرخاء أخو ثقة، لكن لما ألمت به الملمات لم يكن أخا ثقة. (درى): أيضاً تنصب مفعولين، وهي من أفعال القلوب، تقول: دريت زيداً عالماً، أي: علمته عالماً، ومنه قول الشاعر: دريتَ الوفيَّ العهدَ يا عرو فاغتبط فإن اغتباطاً بالوفاء حميد وقوله: (وجعل اللذ كاعتقد)، اللذ: لغة في (الذي)، ولكنها تحذف الياء في بعض اللغات. وقوله: (اللذ كاعتقد) احترازاً من (جعل) التي بمعنى (صير)، والتي بمعنى (خلق)، فالتي بمعنى (صير) ليست من أفعال القلوب، ولكنها من أفعال التصيير، والتي بمعنى (خلق) لا تنصب إلا مفعولاً واحداً، مثالها قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1]، أي: خلقها وأوجدها، ومثال (جعل) التصييرية: قولك: جعلت القطن فراشاً، أي: صيرته، وجعلت العهن غزلاً، أي: صيرته، وما أشبه ذلك. المهم أن قوله: (جعل اللذ كاعتقد) فيه احتراز من (جعل) التصييرية، و (جعل) التي بمعنى خلق وأوجد. ومثال (جعل) التي كاعتقد: قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف:19]، فجعل هنا لا تصلح بمعنى الخلق، ولا تصلح بمعنى التصيير، وإنما هي بمعنى الاعتقاد، أي: اعتقدوا الملائكة إناثاً. (وهبْ)، أي: التي بمعنى: قدَّرْ، أي: قدر في قلبك كذا وكذا، وأما (هب) التي هي فعل أمر من (وهبَ يهبُ)، فتقول: هبْ زيداً ثوباً، فهذه من باب (كسا)، لكن إذا قلت: هبني صديقاً، فهذه هي المرادة من كلام المؤلف، وهي بمعنى: قدرني في قلبك صديقاً لك، ومنه قول الشاعر: فقلت أجرني أبا مالك وإلا فهبني امرأً هالكا وتأتي كثيراً في كلام العلماء موصولة بأن، مثل: هب أن الأمر كذا وكذا، فقيل: إن هذا من لحن العلماء، وممن ذهب إليه الحريري فقد قال: وهذا لحن، فإذا قلت: هبْ أن هذا كائن، فقل: هبْ هذا كائناً. ولكن أُورد على هذا القول ما يذكر عن عمر رضي الله عنه في قصة الحمارية أنهم قالوا له: هب أن أبانا كان حماراً، ولم يقولوا: هب أبانا حماراً. وعلى كل حال فقد شائع في كلام الفقهاء رحمهم الله أن تقترن بأن فيقال: هب أن الأمر كذا، لكن لو أردنا أن نأتي بالأفصح لقلنا: هب الأمر كذا، فنكون سلكنا الأصلح واختصرنا الكلام بحذف أَنْ. (تعلَّم) ليس المراد بذلك طلب العلم، بل المراد: اعلم، تقول: تعلَّم الله قادراً، أي: اعلم أن الله قادر، ومنه قول الشاعر: تعلَّم شفاء النفس قهر عدوها فبالغ بلطف في التحيل والمكر فمعنى قوله: (تعلّم شفاء النفس قهر عدوها): اعلم بأن شفاء النفس قهر عدوها. إذاً: الأدوات التي مر ذكرها هي: رأى، خال، علم، وجد، ظن، حسب، زعم، عدَّ، حجا، درى، جعل، هبْ، تعلّم. فهذه ثلاث عشرة كلمة كلها من أفعال القلوب، لكن بالنسبة لمعانيها فمنها ما يفيد العلم، ومنها ما يفيد الظن، والذي يفيد الظن قد يفيد العلم أيضاً، والذي يفيد العلم قد يفيد الظن أيضاً، لكن يكون أرجح في الظن، أو أرجح في العلم، فتكون الأقسام أربعة: ما يفيد العلم يقيناً. وما يفيد الظن. وما يفيد الظن في الأصل، وقد يفيد العلم في الفرع. والعكس. قال رحمه الله: (والتي كصيرا أيضاً بها انصب مبتداً وخبرا) التي: مبتدأ. كصيرا: جار ومجرور، لكن (صيرا) فعل قصد لفظه، فلهذا دخلت عليه الكاف، أي: والتي كهذا الفعل، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول. أيضاً: مصدر حذف منه العامل وجوباً، وهو من (آض) إذا رجع. بها: جار ومجرور متعلق بـ (انصب). انصب: فعل أمر، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. مبتداً: مفعول به. وخبراً: معطوف عليه، والجملة خبر التي. يقول المؤلف رحمه الله: والأفعال التي بمعنى (صيَّر) انصب بها مبتدأً وخبراً، فتنصب مفعولين عمدتين أصلهما المبتدأ والخبر. مثال ذلك: صيرت الحديد باباً، أي: حولته وجعلته. وتقول: اتخذت فلاناً صديقاً، أي: صيرت. وتقول أيضاً: رددت البياض سواداً، أي: صيرت. ومنه قول الشاعر: فرد شعورهن السود بيضاً ورد وجوههن البيض سودا الشاهد: قوله: (فرد شعورهن السود بيضاً) أي: صيرها بيضاً، (ورد وجوههن البيض سوداً) أي صيرها سوداً. ومنه قوله تعالى: ((واتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا))، فهذه الأفعال قد نصبت مبتدأً وخبراً. إذاً: كل فعل بمعنى (صير) دخل على مبتدأ وخبر فإنه ينصبه كظن وأخواتها، بل هو من أخوات ظن.

التعليق والإلغاء في عمل ظن

التعليق والإلغاء في عمل ظن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وخص بالتعليق والإلغاء ما من قبل هب والأمر هب قد ألزما كذا تعلّم ولغير الماضِ من سواهما اجعل كل ما له زكن] قوله: (وخص): يجوز أن يكون فعل أمر، ويجوز أن يكون فعلاً ماضياً مبنياً لما لم يسم فاعله؛ لأن (خص) صالحة للصيغتين، كما تقول: (رد)، فهي صالحة لفعل الأمر، وصالحة للماضي الذي لم يسم فاعله. وإذا جعلنا (خص) فعل أمر، فالفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، أما إذا جعلنا (خص) فعلاً ماضياً مبنياً لما لم يسم فاعله فنائب الفاعل قوله: (ما من قبل هب)، وعلى التقدير الأول تكون (ما) مفعولاً به. وقوله: (خص بالتعليق والإلغاء): الفرق بين التعليق والإلغاء: أن التعليق هو إبطال العمل لفظاً لا محلاً. وأما الإلغاء فهو أن يلغى العمل بهذه الأدوات لفظاً ومحلاً. ولهذا إذا جاء التعليق تقول: والجملة من كذا وكذا في محل نصب سدت مسد مفعولي ظن، فعلقت الأداة عن عملها باللفظ، لكنها عملت محلاً. أما الإلغاء فتلغيها بالكلية. فإذا قلت: ظننت أن النجمَ طالعٌ، فهذا تعليق. وإذا قلت: ظننت النجمُ طالعٌ، فهذا إلغاء. قوله: (ما من قبل هب): الذي قبل (هب) هو: رأى، خال، علم، وجد، ظن، حسب، زعم، عدَّ، حجا، درى، جعل، فهذه إحدى عشرة أداة يجوز فيها التعليق والإلغاء، وأما الذي بعد (هبْ) فلا يجوز فيه تعليق ولا إلغاء. إذاً: جميع أفعال التصيير لا يدخلها الإلغاء ولا التعليق؛ لأنها داخلة في مفهوم قوله: (ما من قبل هب).

تصريف ظن وأخواتها

تصريف ظن وأخواتها ثم ذكر المؤلف خصائص أخرى فقال: (والأمر هبْ قد ألزما كذا تعلم). هبْ: من أفعال القلوب لكنها ملازمة للأمر، أي: لا ترد إلا بصيغة الأمر، فلا ترد بصيغة المضارع ولا بصيغة الماضي، بل هي دائماً بصيغة الأمر. وقوله: (والأمرَ) مفعول مقدم لـ (ألزم). هبْ: مبتدأ. قد: حرف تحقيق. ألزم: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والجملة خبر (هب)، ونائب الفاعل هو في محل المفعول الأول، وتقدير الكلام على ترتيبه الطبيعي: وهبْ قد ألُزم الأمر، أي: أن (هب) لازم للأمر، فلا يأتي مضارعاً، ولا يأتي ماضياً، ولا يأتي اسم فاعل، ولا اسم مفعول، ولا غيرها من المشتقات. قوله: (كذا تعلَّم) أي: قد أُلزم الأمر، فلا يأتي مضارعاً، ولا يأتي ماضياً، ولا اسم فاعل، ولا اسم مفعول، ولا مصدراً. فصار عندنا أداتان لازمتان للأمر هما: هبْ، وتعلَّم. ثم قال: (ولغير الماضِ من سواهما اجعل كل ما له زكن) أي: لغير الماضي من سوى هبْ وتعلّم. وقوله: (ولغير الماضي) متعلق بـ (اجعل). كل: مفعول أول لـ (اجعل) و (اجعل) التي معنا من أفعال التصيير، يعني: صير ما سواهما لغير الماضي. وقوله: (لغير الماضي) السابق: مفعول ثان. ما: موصولة. له: جار ومجرور. زكن: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، وله: متعلق به، والجملة صلة الموصول، وزكن بمعنى: علم. وقد أفادنا المؤلف رحمه الله بهذا أن جميع أفعال القلوب وأفعال التصيير كلها تتصرف إلى المضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول وغير ذلك، إلا صيغتان، وهما: هبْ وتعلَّم، فتقول في ظن: ظننت، وأظنُّ، وظُن، وأنا ظان، وزيد مظنون، وهكذا جميع الأفعال القلبية والتصييرية تتصرف إلا هبْ وتعلَّم، وما تصرف إليه فله حكم الماضي.

متى يجوز الإلغاء لعمل ظن وأخواتها

متى يجوز الإلغاء لعمل ظن وأخواتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجوز الإلغاء لا في الابتدا وانوِ ضمير الشأن أو لام ابتدا في موهمِ إلغاء ما تقدما والتزم التعليق قبل نفي ما] لما ذكر رحمه الله الأدوات التي يجوز فيها الإلغاء والتعليق، بين حكم الإلغاء وحكم التعليق، وما موضع الإلغاء وما موضع التعليق. قوله: وجوز: فعل أمر. الإلغاء: مفعول به. لا: نافية. في الابتداء: جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: لا تجوزه في الابتداء، ويجوز أن يكون متعلقاً بيجوز. يقول رحمه الله: إنه يجوز الإلغاء، وهو إبطال العمل لفظاً ومحلاً، لكن استثنى رحمه الله الابتداء فقال: (لا في الابتداء) أي: فلا تجوز الإلغاء، فإذا قال قائل: وهل هناك شيء غير الابتداء؟ قلنا: نعم، الأداة إما أن تكون في أول الجملة، أو في وسطها، أو في آخرها، فإذا وقعت الأداة في الابتداء فلا تجوز الإلغاء، مثل أن تقول: ظننت زيدٌ قائمٌ، فهذا ممنوع؛ لأن الأداة وقعت في الابتداء. وإن وقعت في الوسط جاز الوجهان: الإلغاء والإعمال، فتقول: زيداً ظننتُ قائماً، وتقول: زيدٌ ظننت قائمٌ. وإن وقعت الأداة في الأخير فكذلك يجوز الإلغاء، فتقول: زيدٌ قائمٌ ظننت، فصارت الأحوال ثلاثة: الحالة الأولى: أن تتقدم الأداة فيمتنع الإلغاء. الحالة الثانية: أن تتوسط الأداة فيجوز الوجهان على السواء. الحالة الثالثة: أن تتأخر الأداة فيجوز الوجهان والإلغاء أرجح؛ لضعفها بالتأخر. وقال الكوفيون: يجوز الإلغاء وإن كانت الأداة سابقة، فإذا قلت: ظننت زيدٌ قائمٌ، فهو جائز عند الكوفيين، ولا مانع منه عندهم، وقد ورد هذا في كلام العرب، وما كان أسهل فهو أرجح. وعلى هذا: فإذا قرأ أحد منكم الآن علي كتاباً وقال: وإن ظنّ المطرَ غزيراً فليحمد الله، فقال: وإن ظنّ المطرُ غزيرٌ فليحمد الله، فنقول: إذاً أنت كوفي، أما البصري فلا يجوز هذا، بل يقول: إذا كانت الأداة هي الأولى فلا يجوز الإلغاء. وأما ما ورد من كلام العرب ما يدل على الإلغاء مع تقدم الأداة فقد قال البصريون: إنه يؤول، ولا بأس بالتحريف في هذا الموضع، من أجل أن نصحح القاعدة. يقول ابن مالك: (وانو ضمير الشأن أو لام ابتدا في موهم إلغاء ما تقدما) (انو) بمعنى: قدر، والمعنى: إذا وجد من كلام العرب ما يقتضي إلغاءها مع التقدم فانو ضمير الشأن. مثاله قول الشاعر: كذاك أدبت حتى صار من خلقي أني وجدت ملاك الشيمة الأدبُ والأصل أن تقول: أني وجدت ملاكَ الشيمة الأدبا، لكنه عربي يقول: أني وجدتُ ملاكُ الشيمةِ الأدبُ، قالوا: إذاً لا نستطيع أن نقول للعربي: أخطأت؛ لأن العرب في النحو في منزلة الدليل في الأحكام الشرعية، فإذا جاء كلام العرب مخالفاً لعقولنا وما أصلناه وجب أن نحرف ونؤول، فنقول: نقدر أحد أمرين: إما ضمير الشأن، وإما لام الابتداء. فإذا قدرنا ضمير الشأن فإن الفعل عامل، فنقول: وجدت: فعل وفاعل، ومفعوله الأول ضمير الشأن محذوف، والتقدير: وجدته، أي: الحال والشأن. ملاك: مبتدأ. الأدب: خبر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثان. وإذا نوينا لام الابتداء صارت الأداة عاملة في المحل دون اللفظ، فنقول: أني وجدت لملاكُ الشيمة الأدبُ: وجدت: فعل وفاعل تنصب مفعولين. لملاك: اللام لام ابتداء. وملاك: مبتدأ. الأدب: خبر، واللام علقت عمل وجد، والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي وجد. لكن أصحابنا ذوي اليسر والسهولة -وهم الكوفيون- قالوا: لا بأس أن تلغى ولو تقدمت، فيجوز أن تقول: ظننت زيدٌ قائمٌ، وظننت: فعل وفاعل، والمقصود من ذلك: نسبة الظن إلى مدلول الخبر فقط، ولا حاجة أن نسلطه على الجملة، وأنا أقول: ظننت: فعل وفاعل، وزيد: مبتدأ، وقائم: خبر المبتدأ، ولا حاجة لإضمار لام الابتداء ولا لإضمار ضمير الشأن. وهذا أسهل وأيسر وليس ببعيد، كما لو سألك سائل فقال: أظننت زيداً قائماً؟ فقلت: ظننت، والمقصود: نسبة الظن إلى مدلول الخبر فقط. وقولهم هو الراجح عندنا، والقاعدة عندنا: أن كل قول أسهل فهو أرجح، أما عن كونه هو الصواب أو غير الصواب فهذا أمر آخر، لكن هو أرجح؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير ولا إلى أي عمل.

مواضع التعليق في عمل ظن وأخواتها

مواضع التعليق في عمل ظن وأخواتها قال رحمه الله تعالى: [والتزم التعليق قبل نفي ما وإن ولا لام ابتداء أو قسم كذا والاستفهام ذا له الختم] قوله: (والتزم التعليق) ذكرنا أن التعليق هو إبطال العمل لفظاً لا محلاً، وقوله: (التزم): فعل أمر، وفي الإلغاء قال: (جوز الإلغاء) وهذا هو الفرق الثاني بين التعليق والإلغاء. فبينهما فرق في حد ذاتهما، وبينهما فرق في عملهما، فالتعليق واجب، والإلغاء جائز. قوله: (التزم): فعل أمر. التعليق: مفعول به. قبل نفي: ظرف ومضاف إليه، وهو متعلق بالتزم، ونفي: مضاف، وما: مضاف إليه مبني على السكون في محل جر. وإن: الواو حرف عطف، إن: معطوفة على ما، أي: وقبل نفي إن. و (لا): معطوفة على ما، أي: وقبل نفي لا، فعلى هذا تكون (إن) معطوفة على (ما)، و (لا) معطوفة على (ما). لام ابتداء، لامُ: مبتدأ، وابتداء: مضاف إليه. أو قسم: معطوفة على (ابتداء)، أي: أو لام القسم. أي: إن لام الابتداء ولام القسم يجب فيهما التعليق. (الاستفهام): مبتدأ أول. ذا: مبتدأ ثان. له: جار ومجرور متعلق بانحتم. انحتم: جملة هي خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ والخبر خبر المبتدأ الأول. يقول المؤلف: التزم التعليق -وهو إبطال العمل لفظاً لا محلاً- قبل هذه الأمور وهي: نفي ما، ونفي إن، ونفي لا، ولام الابتداء، ولام القسم، والاستفهام. فالتعليق لازم في ستة مواضع: الموضع الأول: قبل نفي ما: أي: إذا اتصلت ما النافية بجزءي المبتدأ والخبر وجب التعليق، مثاله قوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ} [الأنبياء:65]). علمت: علم: فعل ماض تنصب مفعولين، المفعول الأول هو المبتدأ، والمفعول الثاني هو الخبر، والتاء فاعل. ما: نافية. هؤلاء: اسم (ما) لأنها حجازية. ينطقون: الجملة خبر (ما). ومعلوم أن جملة (ما هؤلاء ينطقون) جملة خبرية، لكن العامل تسلط عليها محلاً لا لفظاً، فنقول: جملة (ما هؤلاء ينطقون) في محل نصب سدت مسد مفعولي علم. مثال آخر: ظننت ما زيد قائم، أي: ظننت انتفاء قيام زيد. ظننت: فعل وفاعل. ما: نافية. زيد: مبتدأ. قائم: خبره. والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي ظن. الموضع الثاني: قبل نفي إن: كقوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:52] أي: تظنون ما لبثتم إلا قليلاً، ومعلوم أن (تظنون) متصرف من (ظن)، فهو ينصب مفعولين، ولكن هذا الفعل معلَّق لدخول (إنْ) على جزءي الجملة الخبرية. الموضع الثالث: قبل نفي لا: تقول: علمت لا زيدٌ قائمٌ ولا عمروٌ، أو: لا زيدٌ قائمٌ ولا قاعدٌ. علمت: فعل وفاعل. لا: نافية. زيد: مبتدأ. قائم: خبر المبتدأ. ولا عمروٌ: الواو حرف عطف، ولا: نافية. وعمروٌ: مبتدأ، والخبر محذوف، والتقدير ولا عمرٌو قائم، وإن شئت فقل: إنه معطوف على (لا زيدٌ). والجملة في محل نصب سد مسد مفعولى علم. الموضع الرابع: لام الابتداء: أي: إذا اقترنت الجملة الخبرية الواقعة في سياق هذه الأفعال بلام الابتداء، فإن لام الابتداء توجب تعليق الفعل، تقول: علمت لزيدٌ منطلقٌ، ولا يصح أن تقول: علمت لزيداً منطلقاً. علمت: فعل وفاعل. لزيد: اللام لام الابتداء، وزيدٌ: مبتدأ. منطلقٌ: خبره، والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي علم. الموضع الخامس: لام القسم: كقول الشاعر: ولقد علمت لتأتين منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها الشاهد: قوله: (لتأتين)، ولهذا لا يمكن أن نقول: إن جملة (تأتين) في محل نصب، أي: على أنها مفعول وأن الفعل سلط عليها، بل نقول: الجملة من الفعل والفاعل سدت مسد مفعولي ظن؛ لأنك لو قلت: إن الجملة في محل نصب احتجت إلى المفعول الثاني، ولكنه لا نحتاج إليه؛ لأن العمل الآن علق. الموضع السادس: الاستفهام: أيضاً إذا وقعت الجملة التي بعد هذه الأفعال استفهاماً فإنها تعلق، تقول: علمت أين زيد. علمت: فعل وفاعل. أين: اسم استفهام، وهي خبر مقدم. زيد: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي علم. وكذلك لو قلت: علمت أزيدٌ عندك أم عمروٌ، فنقول: الهمزة: للاستفهام. زيد: مبتدأ. عندك: الظرف خبر. أم: حرف عطف. عمروٌ: معطوف على زيد، والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي علم. ومعنى الجملة: علمت أي الرجلين عندك.

شرح ألفية ابن مالك [29]

شرح ألفية ابن مالك [29] قد يأتي العِلْمُ بمعنى المعرفةِ والظنُّ بمعنى التهمةِ فحينئذ يتعديان إلى مفعول واحد، وأما (رأى) الحلمية فإنها تنصب مفعولين، وإذا دخلت الهمزة على (رأى وعلم) عدتهما إلى ثلاثة مفاعيل، ويشبههما في ذلك بعض الأفعال.

الكلام على (علم) بمعنى (عرف) و (ظن) بمعنى (اتهم) و (رأى) بمعنى (حلم)

الكلام على (علم) بمعنى (عرف) و (ظن) بمعنى (اتهم) و (رأى) بمعنى (حلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [لعلم عرفان وظن تهمه تعدية لواحد لمتزمه ولرأى الرؤيا انم ما لعلما طالب مفعولين من قبل انتمى] قوله: (تعدية): مبتدأ، وهو نكرة، وسَوغَ الابتداء به وهو نكرة تأخيره. وقوله: (لعلم عرفان): هذا هو الخبر مقدماً. وقوله: (لواحد ملتزمه): أي: أنه يلتزم أن يتعدى لواحد لا لاثنين، بخلاف العلم الذي بمعنى الظن كما سبق. يقول رحمه الله: (لعلم عرفان) أي: العلم الذي بمعنى المعرفة ينصب مفعولاً واحداً، مثال ذلك: تقول: علمت زيداً، بمعنى: عرفت، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:78] أي: لا تعرفون شيئاً، ولهذا لم تنصب إلا مفعولاً واحداً. وبكلام ابن مالك رحمه الله عرفنا أن العلم يأتي بمعنى المعرفة، وهو كذلك، لكن المعرفة تختص بالمحسوسات، وتكون بعد جهل، وتصلح للظن واليقين، ولهذا قال العلماء في العقيدة: لا يجوز أن يوصف الله بأنه عارف، ويجوز أن يوصف بأنه عالم؛ وذلك للفروق الثلاثة التي ذكرناها. فإن قال قائل: كيف تقول: إنه لا يجوز أن يوصف الله بأنه عارف مع أنه جاء في الحديث الصحيح: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)؟ ف A أن المعرفة هنا بمعنى العناية، أي: يعتني بك؛ وذلك لأنها لو كانت المعرفة هنا بمعنى العلم لكان الله يعلمه، سواء تعرف إليه أم لم يتعرف. وكذلك (ظن تهمه) أي: الظن الذي بمعنى التهمة، تقول: ظننت زيداً، أي: اتهمت، ومنه قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:24] أي: بمتهم. وبهذا نعرف أن (علم) تأتي بمعنى (عرف) فلا تنصب إلا مفعولاً واحداً، وأن (ظن) تأتي بمعنى (اتهم) فلا تنصب إلا مفعولاً واحداً. قال: (ولرأى الرؤيا انم ما لعلما طالب مفعولين من قبل انتمى) قوله: (لرأى الرؤيا) متعلق بقوله: (انم) أي: انصب. وقوله: (طالبَ مفعولين) حال من علم. قوله: (من قبلُ انتمى) أي: انتسب من قبل؛ لأنه ذكر علم العرفان، فاحتاج أن يقيد ما هنا بقوله: (من قبل) أي: (علم) الذي بمعنى الظن أو بمعنى اليقين، فهذه تنصب مفعولين، وكذلك (رأى) التي من الرؤيا في المنام تنصب مفعولين، قال الله تعالى في سورة يوسف: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف:4]. وقال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} [يوسف:43]، وتقول: رأيت في المنام رجلاً يأكل تمراً، هذه أيضاً حلمية. قوله: (طالب مفعولين من قبل انتمى) أي: أنها تنصب مفعولين أحدهما المبتدأ والخبر؛ لأنه أحالنا على المفعولين اللذين تنصبهما علم اليقينية والظنية.

حذف مفعولي ظن وأخواتها أو أحدهما

حذف مفعولي ظن وأخواتها أو أحدهما قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا تجز هنا بلا دليل سقوط مفعولين أو مفعول] قوله: (لا تجز هنا) أي: في باب ظن وأخواتها. لا: ناهية، ولهذا جزم الفعل بعدها. تجز: فعل مضارع مجزوم بالسكون، وأصله (تجيز) لكن حذفت الياء لالتقاء الساكنين، والقاعدة فيما إذا التقى ساكنان ما أشار إليه في الكافية حيث قال: إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق فهنا، الزاي ساكنة للجزم والياء ساكنة فاحذف الياء؛ لأنها حرف لين. سقوط: مفعول به لتجز. وهو مضاف. مفعولين: مضاف إليه. أو مفعول: معطوف. يقول رحمه الله: لا تجز حذف المفعول الواحد أو المفعولين في باب ظن وأخواتها إلا بدليل، وهذا الحكم في الحقيقة فرد من أفراد القاعدة العامة وهي: (وحذف ما يعلم جائز). فإذا دل الدليل على الحذف جاز، كما إذا قال لك قائل: من ظننته قائماً؟ فقلت: ظننت زيداً، فحذفت المفعول الثاني (قائماً) فهو جائز. وكذلك إذا قال لك: ماذا تظن زيداً؟ فقلت: أظن قائماً، أي: أظن زيداً قائماً. وكذلك لو قال لك قائل: ماذا تعلم عن زيد أقائماً هو أم قاعداً؟ فتقول: أظن قائماً. فهنا حذف مفعول واحد. ومثال حذف المفعولين: لو قال: أتظن زيداً قائماً؟ فتقول: أظن، أي: أظن زيداً قائماً. والخلاصة: أنه يجوز حذف أحد المفعولين وحذف كلا المفعولين، كل ذلك بعد وجود الدليل، فإن لم يوجد دليل فإنه لا يجوز الحذف؛ لأنه إذا حذف بدون دليل حصل في الكلام التباس، ولم يفد الفائدة المطلوبة.

استعمال القول بمعنى الظن

استعمال القول بمعنى الظن قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكتظن اجعل تقول إن ولي مستفهماً به ولم ينفصل بغير ظرف او كظرف او عمل وإن ببعض ذي فصلت يحتمل وأُجري القول كظن مطلقا عند سليم نحو قل ذا مشفقا] يقول رحمه الله: (وكتظن اجعل تقول) أصل هذه المادة (تقول): أنها لا تنصب، وإنما يأتي مقولها جملة، ولهذا تكسر همزة (إنَّ) بعدها، كما قال تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:30] وتقول: قلت: زيدٌ قائم، ولا تقل: قلت: زيداً قائماً، فما دام المراد بها القول فإنها لا تنصب المفعولين، بل تنصب الجملة على أنها مقول القول، لكن قد تأتي بمعنى الظن، فإذا جاءت بمعنى الظن عملت عمل ظن، كما قال المؤلف: (وكتظن اجعل تقول). قوله: (كتظن): مفعول ثان مقدم لـ (اجعل). اجعل: فعل أمر ينصب مفعولين. تقول: المفعول الأول، والتقدير: اجعل تقول كتظن. (إن ولي مستفهماً به) إن: شرطية. ولي: فعل الشرط، وجواب الشرط قيل: إنه لا حاجة للجواب في مثل هذا الترتيب، وقيل: إن الجواب محذوف دل عليه ما قبله، أي: إن ولي مستفهماً به فاجعله كتقول. قوله: (ولم ينفصل بغير ظرف او كظرف او عمل): أي: لم ينفصل عما بعده بغير ظرف أو كظرف، فإن انفصل بظرف أو ما يشبه الظرف -وهو الجار والمجرور- فإن ذلك لا يؤثر؛ لأنهم يتوسعون في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسعون في غيرهما. (أو عمل) أي: عمل للمفعول الثاني فإنه لا يضر. قوله: (وإن ببعض ذي فصلت يحتمل) أي: فيبقى على عمله. وقوله: (إن ببعض ذي فصلت) الجملة هذه شرطية، وفعل الشرط (فصلت)، وجواب الشرط: (يحتمل). إذاً: قد تستعمل (تقول) كـ (تظن) ولكن بشروط: أولاً: أن يكون الفعل مضارعاً (تقول). ثانياً: أن يكون مضارعاً للمخاطب. ثالثاً: أن يقع بعد استفهام، فإن لم يقع بعد استفهام فإنه لا يعمل عمل (تظن). رابعاً: أن يكون متصلاً، أي: أن يكون المفعول متصلاً بـ (تقول)، فإن كان منفصلاً نظرنا: فإن كان بعمل أو ظرف أو جار ومجرور لم يبطل العمل، وإن كان بغيرها فإنه يبطل العمل. مثال ذلك: أتقول زيداً منطلقاً؟ بمعنى: أتظن زيداً منطلقاً؟ ولو أردت القول لكان صواب العبارة: أتقول زيدٌ منطلقٌ، لكنك تريد أن تسأله: هل يظن هذا أو لا؟ أمثلة للتوضيح: لو قيل: أتقول طعامَك زيداً آكلاً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأن الفصل بين (تقول) ومفعوليها كان بمعمول للمفعول الثاني، والمؤلف يقول: (أو عمل) فإنه يحتمل ولا يبطل العمل، وعلى هذا فتقول: أتقول طعامَك زيداً آكلاً؟ أي: أتظن زيداً آكلاً طعامك؟ فالعبارة هنا سليمة؛ لأننا فصلنا بالعمل، والعمل ليس أجنبياً من العامل، فلهذا ساغ الفصل به. ولو قلت: أتقول في المسجد زيداً نائماً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأن الفاصل جار ومجرور. ولو قلت: أتقول عندك عمراً جالساً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأن الفاصل ظرف. ولو قلت: أتقول قدم زيدٌ عمراً قائماً؟ فلا يصح؛ لأن الفاصل أجنبي وليس بظرف ولا جار ومجرور. قوله: (إن ولي مستفهماً به ولم ينفصل)، نحن قلنا: من الشروط ألا ينفصل عن العامل، وكذلك الفصل بين الاستفهام والفعل: فلو قلت: أطعامَك تقول زيداً آكلاً، فالعبارة صحيحة؛ لأنه فصل بالمعمول. ولو قلت: أعندك تقول زيداً جالساً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأنه فصل بظرف. ولو قلت: أفي البيت تقول زيداً جالساً؟ فالعبارة صحيحة؛ لأنه فصل بجار ومجرور. قال رحمه الله: (أجري القول كظن مطلقاً عند سليم نحو قل ذا مشفقا) قوله: (أجري القول كظن مطلقاً) أي: بدون شرط، فلا يشترط أن يتقدمه استفهام، ولا أن يكون بلفظ المضارع للمخاطب، بل بأي لفظ كان، فتقول: قلت زيداً منطلقاً، أي: ظننت، وتقول: قل ذا مشفقاً، أي: ظن ذا مشفقاً، وهذا في لغة سُليم. فهل نقول هنا: إننا نختار الأيسر الذي هو لغة سليم كما لو اختلف النحويون في مسألة فالقاعدة عندنا في باب النحو: أن نختار الأسهل، فهل هذه مثلها؟ نقول: ليست مثلها؛ لأن هذه لغة ولغة، فلغة سليم مستقلة ولغة البقية مستقلة، فلا يجوز أن نختار هذا على هذا، إلا إذا أردنا أن نختار لغة سليم فهذا لا بأس به، لكن من حيث النظر سنختار لغة الأكثر ونقول: إن القول لا يجرى كظن إلا بالشروط التي ذكرها المؤلف.

الكلام على أعلم وأرى

الكلام على أعلم وأرى

تعدية (علم ورأى) بالهمزة إلى ثلاثة مفاعيل

تعدية (علم ورأى) بالهمزة إلى ثلاثة مفاعيل قال المصنف رحمه الله تعالى: [أعلم وأرى: إلى ثلاثة رأى وعلما عدوا إذا صارا أرى وأعلما وما لمفعولي علمت مطلقا للثان والثالث أيضاً حققا وإن تعديا لواحد بلا همز فلاثنين به توصلا والثان منهما كثاني اثني كسا فهو به في كل حكم ذو ائتسا وكأرى السابق نبا أخبرا حدث أنبأ كذاك خبرا] قوله: (أعلم وأرى)، هذا عنوان باب، وهو في الحقيقة كالفصل لما سبق؛ لأنه متعلق به تعلقاً مباشراً، و (أعلم) أصلها: عَلِم، دخلت عليها همزة التعدية فصارت (أعلم)، تقول: علم زيدٌ عمراً قائماً، أي: علم زيد أن عمراً قائم، فإذا أدخلت عليها الهمزة قلت: أعلمَ الرجلُ زيداً عمراً قائماً، فـ (زيد) كان في الأول مرفوعاً، وصار الآن منصوباً لدخول همزة التعدية، ولهذا قال: (إلى ثلاثة رأى وعلما عدوا إذا صارا أرى وأعلما) قوله: (إلى ثلاثة): جار ومجرور متعلق بـ (عدوا). رأى: مفعول (عدوا)، فإذا قال قائل: كيف تكون مفعولاً وهي فعل؟ قلنا المقصود اللفظ. وعلما: الواو حرف عطف، علما: معطوف على ما قبله. (إذا صارا) أي: رأى وعلم (أرى وأعلما)، فإذا صارا أرى وأعلما تعديا إلى ثلاثة. وقوله: (عدوا) يحتمل أن يكون المراد النحويين، ويحتمل أن يكون المراد العرب، والأولى هنا العرب؛ لأن الحديث عن لسانهم. مثاله: علم زيدٌ عمراً قائماً، نقول في الإعراب: علم: فعل ماض. زيدٌ: فاعل. عمراً: مفعول أول. قائماً: مفعول ثان. وإذا قلنا: أعلمت زيداً عمراً قائماً، تعدت إلى ثلاثة مفاعيل، فصار الفاعل أولاً مفعولاً من أجل التعدية. وأرى كذلك، تقول: رأى زيدٌ عمراً قائماً، أي: علمه، وليس المقصود أبصره بعينه، كقوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:6 - 7]. فإذا أردت أن أعديه إلى ثلاثة أقول: أريت زيداً عمراً قائماً، أي: أعلمته، فنجد الآن أنها تعدت إلى ثلاثة مفاعيل.

ما ثبت لمفعولي (علم) يثبت للثاني والثالث من مفاعيل أعلم وأرى

ما ثبت لمفعولي (علم) يثبت للثاني والثالث من مفاعيل أعلم وأرى وحكم هذه المفاعيل الثلاثة بينه رحمه الله بقوله: (وما لمفعولي علمت مطلقا للثان والثالث أيضاً حققا) ما: مبتدأ لأنها اسم موصول، والتقدير والذي لمفعولي علمت مطلقاً. وجملة (حققا) خبر لاسم الموصول (ما)، أي: أن ما ثبت لمفعولي (علم) في جميع الأحوال يثبت للمفعول الثاني والثالث لـ (أرى وأعلم). وقد سبق أن لها أحكاماً منها: الإلغاء والتعليق، فيثبت هنا للثاني والثالث كما ثبت لمفعولي (علم). أما الأول فلا يثبت له أحكام مفعولي ظن وأخواتها، وذلك لأن الأول ليس عمدة بخلاف الثاني والثالث فإن أصلهما المبتدأ والخبر.

ما يتعدى لواحد من الأفعال يتعدى لاثنين بالهمزة ويثبت لثانيهما ما يثبت للثاني من مفعولي كسا

ما يتعدى لواحد من الأفعال يتعدى لاثنين بالهمزة ويثبت لثانيهما ما يثبت للثاني من مفعولي كسا قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن تعديا لواحد بلا همز فلاثنين به توصلا) قوله: (إن تعديا) الضمير يعود على (علم ورأى). (لواحد بلا همز) وذلك كعلم التي بمعنى (عرف)، تقول: علمت زيداً أي: عرفته، فهنا تعدى لواحد، فإذا تعديا لواحد فدخلت عليهما الهمزة تعديا لاثنين؛ لأن هذه الهمزة تسمى همزة التعدية، حيث إنها تعدي الفعل إلى ما لم يتعد إليه من قبل. تقول: رأى زيدٌ عمراً، هذه الرؤية بصرية، وهي تنصب مفعولاً واحداً، فإذا قلت: أريت زيداً عمراً، أي: جعلته ينظر إليه، نصبت مفعولين؛ لأنها كانت قبل الهمزة تنصب مفعولاً واحداً، فعندما دخلت عليها الهمزة نصبت مفعولين. يقول رحمه الله: (والثان منهما كثاني اثني كسا فهو به كل حكم ذو ائتسا). قوله: (والثان منهما) أي: الثاني من المفعولين فيما إذا تعديا إليه بالهمز، (كثاني اثني كسا)، وثاني اثني (كسا) ليس عمدة ويجوز حذفه بكسرة، ولهذا قال: (فهو به في كل حكم ذو ائتسا). والفعل (كسا) ينصب مفعولين، لكن ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ولهذا لا يصح أن يخبر بالثاني عن الأول، مثاله: كسوت زيداً جبةً، فهنا نصبت مفعولين، لكن هذين المفعولين ليسا بعمدة، ولهذا لو حذفت الثاني فقلت: كسوت زيداً، لصح، ولو حذفت الأول فقلت: كسوت جبة، لصح الكلام، ولو حذفتهما جميعاً فقلت: اليوم كسوت، لصح أيضاً؛ لأنهما ليسا بعمدة. وعلامة ما يكونان عمدة: أن يصح الخبر بالثاني عن الأول، ومن المعلوم أنه لا يصح أن تخبر عن زيد بالجبة، فلا تقل: زيد جبة. قوله: (فهو به في كل حكم ذو ائتسا) هذا الشطر تكميل لمضمون الشطر الأول؛ إذ إن الأول يغني عنه، فلو قال: والثاني منهما كثاني اثني كسا، لكان العموم يقتضي أن يكون مساوياً له في كل حكم، لكنه أكد ذلك في قوله: (فهو به في كل حكم ذو ائتسا).

الأفعال التي تعمل عمل (أرى)

الأفعال التي تعمل عمل (أرى) قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وكأرى السابق نبا أخبرا حدث أنبأ كذاك خبرا) ذكر المؤلف خمسة أفعال كأرى، وهي: نبّأ، أخبر، حدث، أنبأ، خبَّر. وقوله: (كأرى السابق) أي: الذي يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، فتقول: أخبرت زيداً عمراً قائماً، فهنا نصبت ثلاثة: الأول فضلة، والثاني والثالث عمدة. وتقول: حدثت زيداً عمراً قادماً، الأول فضلة والثاني والثالث عمدة. وتقول: أنبأت زيداً عمراً مجتهداً، خبرت زيداً عمراً فاهماً، ونبأ مثل أنبأ، فهذه الأفعال الخمسة تنصب ثلاثة مفاعيل: الأول منها فضلة والثاني والثالث عمدة. ولو قلت: أخبرت زيداً، دون أن تريد أنك أخبرته بشيء، فلا تنصب ثلاثة مفاعيل، وكذلك: رأيت زيداً، لا تنصب ثلاثة مفاعيل، فهي كما سبق في رأى. يقول في الشرح: وهذه الخمسة لا تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل مصرحاً بها وإلا وهي مبنية للمفعول، كقوله: نبئت زرعة والسفاهة كاسمها يهدي إلي غرائب الأشعار نكمل الإعراب: قوله: (وإن تعديا لواحد): هذه جملة شرطية. تعديا: فعل الشرط، وجواب الشرط: (فلاثنين به توصلا)، والجواب كلمة (توصل)؛ لأن قوله: (لاثنين) متعلق بتوصل. قوله: (بلا همز) بلا جارٌ ومجرور، ومعلوم أن الباء حرف جر، و (لا) حرف، وحرف الجر لا يدخل إلا على اسم، فقال بعضهم: إن (لا) هنا بمعنى (غير)، أي: بغير همز، ونقلت حركة إعرابها لما بعدها لتعذر ظهور الحركة عليها، وعليه فنقول: الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى (غير) مجرور بالباء، ونقلت حركة إعرابه إلى ما بعده لتعذر ظهور الحركة عليه. وقوله: (والثان منهما كثاني اثني كسا): الثاني: مبتدأ، والخبر: كثاني. اثني كسا: اثني: مضاف، وكسا: مضاف إليه. وقوله: (فهو به في كل حكم ذو ائتسا) نقول: الجملة خبرية، فالضمير (هو) مبتدأ، (ذو ائتسا) خبر المبتدأ. قوله: (وكأرى السابق نبا أخبرا). كأرى: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. السابق: صفة له. نبا: مبتدأ، وأعربناه بأنه مبتدأ مع أنه فعل لأن المقصود لفظه. أخبرا: معطوف على (نبأ) بحذف حرف العطف من أجل النظم. حدث أنبأ: مثلها معطوفة لكن بحذف حرف العطف لأجل النظم. كذاك: خبر مقدم. خبرا: مبتدأ مؤخر، والمقصود لفظه.

شرح ألفية ابن مالك [30]

شرح ألفية ابن مالك [30] لكل فعل فاعل، والفاعل عند النحاة من قام بالفعل أو اتصف به؛ وله عندهم أحكام من حيث توحيد الفعل معه أو تثنيته أو جمعه، ومن حيث تذكير الفعل معه أو تأنيثه، ومن حيث تقديمه على الفاعل أو العكس.

الفاعل

الفاعل

تعريف الفاعل

تعريف الفاعل الفاعل في اللغة العربية: كل من وقع منه الفعل فهو فاعل، حتى إذا قلت: زيدٌ قائم، فزيد في اللغة العربية فاعل؛ لأنه وقع منه الفعل، لكن الفاعل في الاصطلاح يقول: [الفاعل الذي كمرفوعي أتى زيد منيراً وجهه نعم الفتى] أي أن الفاعل هو مرفوع وصف أو فعل قائم به أو واقع منه. فإذا قيل: مات الرجل، فهذا فعل قائم به؛ لأنه ليس واقعاً منه، وإذا قيل: أكل الرجل، فهو واقع منه. والوصف مثل أن تقول: أقائم زيد؟ فزيد فاعل، والفعل مثل أن تقول: قام زيدٌ، فزيد فاعل. ولكن ابن مالك رحمه الله يقول: (زيدٌ منيراً وجهه)، (وجهه) هنا فاعل (منير)، فالعامل هنا وصف، و (نعم الفتى) العامل فعل، لكنه رحمه الله عبر بـ (منيراً وجهه) ليبين أنه لا فرق بين الفعل واسم الفاعل، و (نعم الفتى) ليبين أنه لا فرق بين الجامد والمتصرف؛ لأن (نعم) فعل جامد. قوله: (الفاعل الذي كمرفوعي أتى): الفاعل: مبتدأ. الذي: خبر. كمرفوعي أتى: شبه جملة، صلة موصول متعلق بمحذوف تقديره: الذي كائن وقوله: (كمرفوعي أتى زيدٌ منيراً وجهه نعم الفتى) كله مجرور بإضافة (مرفوعي) إليه؛ لأن المراد به المثال، فهو بمنزلة المفرد.

تأخر الفاعل عن الفعل

تأخر الفاعل عن الفعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبعد فعل فاعل فإن ظهر فهو وإلا فضمير استتر] قوله: (وبعد فعل فاعل) بعد: خبر مقدم. فاعل: مبتدأ مؤخر. (فإن ظهر فهو) أي: فهو الفاعل، وقد تبين، (وإلا) أي: وإلا يظهر (فضمير استتر)، أي: فهو ضمير مستتر. إذاً: كل فعل لابد له من فاعل، لكن لا يكون فاعلاً اصطلاحاً إلا إذا وقع بعد الفعل، فتقول: أقام زيدٌ، فزيد فاعل، أما: أزيد قائم، فليس زيد فاعلاً بل هو مبتدأ، وفي (قائم) ضمير مستتر يعود على زيد. قوله: (وبعد فعل فاعل)، ويستفاد من هذه الجملة أيضاً أن الفاعل لا يتقدم على الفعل، فلا تقل: الزيدان قام، على أن (الزيدان) فاعل، و (قام) فعل مؤخر؛ لأنه لا يمكن أن يتقدم الفاعل، وتقول في: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} [الانشقاق:1]: السماء: فاعل لفعل محذوف، ولا تجعلها فاعلاً لانشقت؛ لأن الفاعل لابد أن يكون بعد الفعل. وقال الكوفيون: يجوز أن يتقدم الفاعل على الفعل، فتقول في: (زيدٌ قام): قام: فعل ماض لا محل له من الإعراب، وفاعله زيد المتقدم. وهذا لا شك أسهل، وما ذهب إليه البصريون أقرب إلى القواعد. لكن لو قال قائل: من حيث الترتيب أيهما أقدم الفعل أو الفاعل؟ نقول: الفاعل؛ لأن الفعل وصف يقوم به، أو فعل يفعله، فهو متقدم لكن لا عبرة بذلك. قوله: (فإن ظهر فهو) إن ظهر: جملة شرطية. فهو: الفاء رابطة للجواب، و (هو) مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير فهو الفاعل. (وإلا) أي: وإلا يظهر (فضمير استتر)، أي: فالفاعل ضمير استتر أي: اختفى. مثال ذلك: الرجل قام، فهنا لا نجد أمامنا فاعلاً ظاهراً، فنقول: قام: فعل ماض، والفاعل مستتر جوازاً تقديره هو. وقد تبين لي من قول المؤلف: (كمرفوعي أتى زيد منيراً وجهه نعم الفتى) أنه يشير إلى ما كان مرفوعاً بفعل وما كان مرفوعاً باسم، فهما كمرفوعي: أتى زيد منيراً وجهه، ونعم الفتى، هذا تكميل لما رفع بالفعل، أي: لما كان عامله فعلاً، إلا أنه يفرق بين قوله: (نعم الفتى) وبين قوله: (أتى زيدٌ)؛ بأن (نعم الفتى) فعلها جامد، و (أتى زيد) فعلها متصرف. والمهم أن الفاعل هو الذي يقع بعد الفعل أو ما كان بمعناه مرفوعاً به. وهل يمكن أن يكون الفاعل قبل الفعل؟ A على كلام المؤلف لا يمكن؛ لأنه قال: (وبعد فعل فاعل)، وقيل: يجوز أن يتقدم الفاعل على الفعل، ويظهر أثر ذلك في المثال، فإذا قلنا بعدم الجواز قلنا: الرجلان قاما، وإذا قلنا: بالجواز قلنا: الرجلان قام، بدون ألف؛ لأنه على الأول يكون الرجلان: مبتدأ، وقاما: فعلاً وفاعلاً، والجملة خبر المبتدأ، وعلى الثاني يكون الرجلان فاعلاً مقدماً، وقام فعلاً مؤخراً. وقد ذكرنا قاعدة سبقت نعتبرها أصولية عظيمة في باب النحو، ألا وهي: إذا اختلف النحويون في شيء أخذنا بالأسهل. وقوله: (وإلا فضمير استتر) أي: وإلا يظهر فهو ضمير استتر وجوباً أو جوازاً، فإن كان تقديره: (أنا أو نحن أو أنت) فهو مستتر وجوباً، وإن كان تقديره: (هو أو هي) فهو مستتر جوازاً. وقيل: إنه مستتر وجوباً مطلقاً؛ لأنك إذا قلت: قام هو، وأظهرت الضمير لم يكن هذا الضمير فاعلاً بل توكيد، لكن المشهور ما ذكرناه أنه ينقسم إلى مستتر وجوباً ومستتر جوازاً.

تجريد الفعل من علامة التثنية والجمع إذا كان الفاعل مثنى أو مجموعا

تجريد الفعل من علامة التثنية والجمع إذا كان الفاعل مثنى أو مجموعاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجرد الفعل إذا ما أسندا لاثنين أو جمع كفاز الشهدا وقد يقال سعدا وسعدوا والفعل للظاهر بعد مسند] قوله: (جرد): فعل أمر. إذا ما أسند: ما هذه زائدة؛ لأنها أتت بعد إذا، وقد قيل: يا طالباً خذ فائدة ما بعد إذا زائدة وزيادة (ما) أحد المحامل العشرة التي تأتي إليها (ما)، وقد جمعت في هذا البيت. محاملها عشر إذا رمت عدها فحافظ على بيت سليم من الشعر استفهم شرط الوصل فاعجب لنكرها بكف ونفي زيد تعظيم مصدر فهذه عشرة محامل ذكرت في البيت ومنها: الزيادة، ومن ضوابط الزيادة: أن تأتي (ما) بعد (إذا). فقوله: (إذا ما أسند) أي: إذا أسند. (لاثنين) كقام الرجلان. (أو جمع كفاز الشهداء) هذه هي اللغة المشهورة التي جاءت في القرآن: أن الفعل إذا أسند إلى اثنين أو جمع وجب تجريده من الضمير، أما إذا أسند إلى الواحد فلا يحتاج إلى ضمير، فتقول: قام الرجل. إذاً: هذا هو المشهور من لغة العرب وبه نزل القرآن الكريم، فإن قال قائل: كيف تجيبون عن قول الله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة:71]؟ قلنا: لا نسلم أن قوله: (كثير) فاعل، بل هو بدل بعض من كل؛ لأن قوله: (ثم عموا وصموا) هذا للعموم، و (كثير منهم) أخرج البعض، فهو في الحقيقة بدل من الواو، ونحمله على ذلك وجوباً؛ لأن القرآن إنما نزل باللغة الفصحى، واللغة الفصحى لا يصح أن يتحمل الفعل فيها ضمير اثنين أو ضمير جمع. قال المؤلف: (وقد يقال سعدا وسعدوا والفعل للظاهر بعد مسند قوله: (قد يقال) القائل هم العرب؛ لأنهم يحكمون ولا يحكم عليهم، أي: قد يقول بعض العرب: سعدا الرجلان، وسعدوا القوم. (والفعل للظاهر بعد مسند) أي: بعد هذا يأتي مسنداً إلى الفاعل، فيقال: سعدا الرجلان، سعدوا المسلمون، والفصحى: سعد الرجلان، سعد المسلمون. وقد أفادنا المؤلف رحمه الله بقوله: (وقد يقال): أنها لغة ضعيفة؛ لأن (قد) تفيد التقليل، وتسمى هذه اللغة: لغة (أكلوني البراغيث)، وهذا رجل تعب من البراغيث حيث جعلت تصعد على جسمه وتقرصه وتؤذيه فجعل يقول: أكلوني البراغيث، فهي لغة، وهذه اللغة تجعل الواو علامة جمع فقط ليس لها محل إعراب، فتقول عليها: أكلوني: فعل ماض، والواو علامة الجمع، والنون للوقاية، والياء مفعول به. البراغيث: فاعل مرفوع بضمة ظاهرة على آخره. واللغة الفصحى في التركيب أن تقول: أكلني البراغيث، وأكلك البراغيث، ولا تأتي بعلامة الجمع. ولو أنني صححت ورقة إجابة طالب كتب: قالوا المسلمون كذا وكذا، وقالوا الكفار كذا وكذا، فهل أعتبر هذا خطأً أم صواباً؟ أعتبره خطأ، ولو احتج فقال: هذه لغة بعض العرب وأنا من هؤلاء البعض؟ أقول له: أنت من هؤلاء البعض فأنت معذور باجتهادك، لكني أنا من البعض الآخر فلابد أن أصحح على ما أعتقد، ولو أننا تتبعنا الرخص لكان كلما غلط واحد قال: هذه لغة، ولارتبك الناس، ففي (الله أكبر)، يقال: (الله وكبر) وفي (آمين) هذا لغة، فلا نقبل من كل واحد الآن أن يقول: إنه على اللغة الفلانية؛ لأنه هو مضيع للغة الآن، حتى اللغة الفلانية ما هو عليها، وإذا ضيعها نرجع إلى الأصل الأم لغة العرب الفصحى التي نزل بها القرآن.

حالات حذف الفعل

حالات حذف الفعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويرفع الفاعل فعل أضمرا كمثل زيد في جواب من قرا] قوله: (ويرفع الفاعل فعل)، الفاعل: مفعول به مقدم، وفعل: فاعل مؤخر. أضمر: الجملة صفة لفعل؛ لأن الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال. (كمثل زيد في جواب من قرأ)، إذا سألك سائل فقال: من قرأ؟ فقلت: زيد، فزيد فاعل لفعل محذوف والتقدير: قرأ زيد. ولو قال قائل: أنا أريد أن يكون التقدير: زيد قرأ، فأجعل زيداً مبتدأ لا فاعلاً، قلنا: هذا ممكن لكن لا يستقيم؛ لأن الأصل أن الجواب مطابق للسؤال، فهو يسأل: من قرأ؟ فنقول: قرأ زيد. فإذا سألك سائل: من قرأ اليوم؟ فتقول: زيد أي: قرأ زيد. يقول بعض المحشين: (لو قال ابن مالك: (ويرفع الفاعل فعل حذفا كمثل زيد في جواب من وفى) لكان أحسن؛ لأن الفعل لا يضمر، والتي تضمر هي الضمائر، ففي الفعل يقال: منصوب بفعل محذوف، ولا يقال: منصوب بفعل مضمر. ولكن نقول: ما دام الأمر معلوماً عند النحويين، وابن مالك لا يخفى عليه هذا، وجب أن يحمل على ما هو معروف، والإنسان بشر أحياناً تغيب عنه الكلمة المناسبة، فيبدلها بكلمة غير مناسبة، وهذا شيء مشاهد.

تأنيث الفعل

تأنيث الفعل

موضع تاء التأنيث من الفعل الماضي والفعل المضارع

موضع تاء التأنيث من الفعل الماضي والفعل المضارع قال المصنف رحمه الله تعالى: [وتاء تأنيث تلي الماضي إذا كان لأنثى كأبت هند الأذى] قوله: (تاء تأنيث) تاء: مبتدأ. تلي: الجملة خبر، والفاعل مستتر تقديره هي. الماضي: مفعول (تلي). (إذا كان الفعل لأنثى كأبت) وإذا كان الفعل مضارعاً فتاء التأنيث لا تليه وإنما تسبقه، تقول: تضرب هند القوم، وتكرم هند القوم. أما الماضي فالتاء تليه، تقول: قامت هند. قوله: (إذا كان لأنثى) إذا: شرط ولكنه غير جازم. كأبت هند الأذى: المثال كله مجرور بالكاف، أي: كهذا المثال. انتقل المؤلف رحمه الله إلى مسألة: هل يؤنث العامل -أعني: عامل الفاعل- أو لا؟ إن كان الفاعل مذكراً فإن الفعل لا يؤنث، وإن كان مؤنثاً فإن الفعل يؤنث، كقول المؤلف: أبت هند الأذى. فإذا كان لمذكر وجب خلوه من تاء التأنيث، وإذا كان لمؤنث وجب أن تكون فيه تاء التأنيث، وسيأتي التفصيل. قوله: (كأبت هند الأذى)، (هند) هل تصرف أو لا؟ يجوز الوجهان: يجوز أن تصرف؛ لأنها ثلاثي ساكن الوسط، ويجوز ألا تصرف، وابن مالك يقول: وجهان في العادم تذكيراً سبق وعجمة كهند والمنع أحق إذاً: هند يجوز فيها وجهان: الصرف وعدمه، والمنع من الصرف أحق.

متى يجب تأنيث الفعل

متى يجب تأنيث الفعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنما تلزم فعل مضمر متصل أو مفهم ذات حر] قوله: (تلزم): الفاعل ضمير مستتر يعود على تاء التأنيث. فعل: مفعول به. متصل: صفة لمضمر. أو مفهم: أي: أو فعل مفهم (ذات حر)، الحر: هو الفرج، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (يستحلون الحر والحرير) أي: الفرج. أفادنا المؤلف رحمه الله أن تاء التأنيث التي تلي الماضي تجب في حالين: الحالة الأولى: إذا كان الفاعل ضميراً متصلاً. الحالة الثانية: إذا كان الفاعل ذات حر، أي: مؤنثاً حقيقياً له فرج، ويشمل بني آدم وغير بني آدم. مثال ذلك: تقول: قامت هند، فهنا يجب التأنيث؛ لأن هنداً من ذوات الفروج. مثال آخر: قامت البعير، لا يجب؛ لأن البعير اسم جنس، فلهذا قالوا: يجوز فيها: قام، وقامت. أما إذا قلت: البعير قامت، فيجب تأنيث الفعل؛ لأن الفاعل ضمير متصل، ومعلوم أن المستتر متصل وزيادة.

تأنيث الفعل إذا فصل بينه وبين فاعله المؤنث

تأنيث الفعل إذا فصل بينه وبين فاعله المؤنث قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد يبيح الفصل ترك التاء في نحو أتى القاضي بنتُ الواقف] (قد): للتقليل، و (يبيح) بمعنى: يجيز. يعني: أن الفصل بين الفعل والفاعل قد يجيز ترك التاء، مثال ذلك: أتت بنتُ الواقفِ القاضي، في هذا المثال يجب تأنيث الفعل؛ لأن الفاعل مؤنث حقيقي متصل، فإذا فصل قلت: أتى القاضي بنت الواقف. يقول ابن مالك رحمه الله: (وقد يبيح الفصل ترك التاء) والأفضل ألا تحذف، مثال الفصل: أتى القاضي بنتُ الواقف، فالقاضي فصل بين الفعل والفاعل، فيجوز أن تقول: أتت القاضيَ بنتُ الواقف، وهو الأرجح، ويجوز أن تقول: أتى القاضيَ بنتُ الواقف. مثال آخر: ضربت هند غلامها، هنا يتعين وجه التأنيث؛ لأن الفاعل مؤنث حقيقي متصل، فإذا فصلت وقلت: ضربت غلامها هند، فلا يجب التأنيث، ويجوز أن تقول: ضربَ غلامها هند، وهو مرجوح، أو: ضربت غلامها هند، وهو الأرجح؛ وقد قلنا: إنه الأرجح كما يفيده كلام ابن مالك رحمه الله بقوله: (وقد يبيح الفصل). ومثله: خرجت من البيت هند، لك أن تقول: خرج من البيت هند. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والحذف مع فصل بإلا فضلا كما زكا إلا فتاة ابن العلا] لما ذكر رحمه الله أنه إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي بفاصل جاز ترك التأنيث ولكن التأنيث أفضل، استثنى حالة واحدة وهي: ما إذا كان الفصل بإلا، فالأفضل ترك التأنيث. مثاله: ما زكا إلا فتاة ابن العلا، (فتاة) مؤنث حقيقي وهو فاعل، والفعل (زكا)، وقد فصل بينهما بإلا، فلو مشينا على البيت الأول لقلنا: التأنيث أولى من التذكير، لأنه يقول: (قد يبيح الفصل)، وهذا فصل، لكنه استثنى، فقال: إذا كان الفصل بإلا فالحذف أولى، ولهذا قال: (والحذف مع فصل بإلا فضلا)، وظاهر كلامه رحمه الله: أنه يجوز أن يؤنث فتقول: ما زكت إلا فتاة ابن العلا. مثال آخر: ما قام إلا هند، أولى من: ما قامت إلا هند، فالأول أصح وأفصح. وذهب ابن هشام رحمه الله إلى وجوب التذكير إذا كان الفصل بإلا، فتقول: ما قام إلا هند، ولا يجوز: ما قامت إلا هند؛ لأن الكلام على تقدير: ما قام أحد إلا هند، وإذا كان الكلام على هذا التقدير فالواجب التذكير. فإذا جاءنا طالب علم وقال: ما قامت إلا هند، فقلنا: هذا خطأ، فقال: أنا على مذهب ابن مالك، وهذا جائز لا بأس به، فلا نستطيع أن نغلطه ما دام هذا رأي ابن مالك، وهو من أئمة النحو المشهورين. قوله: (وقد يبيح الفصل ترك التاء): قد: للتقليل؛ لأنها دخلت على فعل مضارع، ويقولون: إن (قد) إذا دخلت على ماض فهي للتحقيق، وإذا دخلت على مضارع فهي للتقليل، وهذا في الأغلب، وإلا فقد تدخل على المضارع وهي للتحقيق، مثل قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب:18]. الفصل: فاعل يبيح. ترك التاء: مفعوله. (في نحو أتى القاضي) نحو: مضاف، و (أتى القاضي بنت الواقف): مضاف إليه، وهو على تقدير: نحو هذا المثال، فالجملة كلها في موضع جر. وأما إعرابها تفصيلاً: فنقول: أتى: فعل ماض. القاضي: مفعول مقدم. بنت: فاعل مؤخر، وهي مضاف إلى الواقف. وقوله: (والحذف مع فصل بإلا فضلا): الحذف: مبتدأ. مع: ظرف مكان. فصل: مضاف إليه. بإلا: جار ومجرور متعلق بفصل. فضلا: الجملة خبر المبتدأ. قوله: (كما زكا إلا فتاة ابن العلا). الكاف: حرف جر. ما زكا إلخ: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية، وإنما دخلت الكاف على الجملة لأنها بمعنى المفرد؛ إذ إن التقدير: كهذا المثال. أما إعرابها تفصيلاً فنقول: ما: نافية. زكا: فعل ماض. إلا: أداة حصر. فتاة: فاعل زكا، وهو مضاف. وابن: مضاف إليه، وهو مضاف. العلا: مضاف إليه.

حذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل

حذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل قال المصنف رحمه الله تعالى: [والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ضمير ذي المجاز في شعر وقع] قوله: [والحذف قد يأتي بلا فصل]، قد: هذه للتقليل، والحقيقة أنه ليس قليلاً بل هو نادر، أي: أقل من القليل، فإذا ورد في كلام العرب: قال هند، فلابد أن نؤول (هند) بشخص، فكأنك قلت: قال شخص. وحكى سيبويه: قال فلانة، وفلانة مؤنث حقيقي، ومع ذلك ذكر الفعل، لكن هذا نادر وقليل جداً، ولولا أنه ورد عن العرب لقلنا: إنه غلط وخطأ. لكن الغريب أنك إذا قارنت قوله: (والحذف قد يأتي بلا فصل)، وقوله: (وقد يبيح الفصل ترك التاء) لوجدت فرقاً عظيماً؛ لأن الأخير من أندر النادر. قوله: (ومع ضمير ذي المجاز في شعر وقع): أي: والحذف مع ضمير المؤنث المجازي قد يقع في الشعر، مع أن ضمير المؤنث يجب فيه التأنيث ولو كان مجازياً، لكن وقع في الشعر حذف التاء، ومنه قول الشاعر: فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها والأصل: (أبقلت إبقالها)، لكن حذفت مع ضمير المجاز من أجل ضرورة الشعر، والشعر كما وصفه الحريري في الملحة: بأنه صلف يأخذ بالإنسان على ما يريد لا على ما يريد الإنسان، قال في الملحة: وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصف الشاعر ما لا ينصرف

تأنيث الفعل إذا أسند إلى جمع

تأنيث الفعل إذا أسند إلى جمع قال المصنف رحمه الله تعالى: [والتاء مع جمع سوى السالم من مذكر كالتاء مع إحدى اللبن] قوله: (التاء): مبتدأ. مع جمع: حال منها. سوى السالم: صفة لجمع. كالتاء: خبر المبتدأ. مع إحدى اللبن: أي: مع واحدة اللبن وهي: لبنة. يقول رحمه الله: إن التاء مع الجموع في غير المذكر السالم كالتاء مع مجازي التأنيث، والتاء مع مجازي التأنيث جائزة وليست واجبة، تقول: طلعت الشمس، وتقول: طلع الشمس، وتقول: حمُِلَت اللبنة، وحُمِلَ اللبنة؛ وتقول: كُتبت الجملة، ويجوز: كتب الجملة. والجموع تنقسم إلى: جمع تكسير للمذكر، وجمع تكسير للمؤنث، وجمع سالم للمذكر، وجمع سالم للمؤنث، واسم جمع. فهذه خمسة أقسام: قسم منها يجب فيه التذكير، والباقي يجوز فيه التذكير والتأنيث، والذي يجب فيه التذكير هو جمع المذكر السالم، وهو الذي سلم فيه بناء المفرد، أي: أنه يجمع ولا يتغير المفرد، مثل: المسلمون، هذا جمع مذكر سالم، تقول: جاء المسلمون، ولا تقل: جاءت المسلمون؛ لأنه جمع مذكر سالم. وتقول: قدم بنو فلان، وقدمت بنو فلان؛ لأن (بنون) جمع تكسير، إذاً لا يدخل في كلام ابن مالك. ثم إن في القرآن الكريم: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:90]، فأنث الفعل (آمنت) مع الفصل أيضاً: (آمنت به). إذاً: بنون يجوز أن يذكر ويجوز أن يؤنث؛ لأن ابن مالك رحمه الله لم يستثن إلا جمع المذكر السالم، فهو الذي تمتنع فيه التاء والباقي يجوز فيه الوجهان. وتقول: قال الرجال، وقالت الرجال؛ لأنه مكسر، قال الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ} [الحجرات:14]. وتقول: قالت الهنود، وقال الهنود؛ لأنه جمع تكسير لمؤنث. وتقول: قامت المسلمات، وقام المسلمات، على رأي ابن مالك لأنه جمع مؤنث سالم. والصحيح أن الجمع السالم حكمه حكم مفرده، فإن جاز في مفرده التذكير والتأنيث جاز في جمعه، وإن وجب التأنيث في المفرد وجب في الجمع، وإن وجب التذكير في المفرد وجب في الجمع. وعلى هذا فجمع المؤنث السالم يجب فيه التأنيث، فتقول: قامت المسلمات، ولا يجوز أن تقول: قام المسلمات، وهذا القول هو الراجح، وهو الذي اختاره ابن هشام رحمه الله؛ على أن تأنيث الجمع مبني على تأنيث المفرد، فما وجب تأنيثه مفرداً وجب تأنيثه جمعاً، وما وجب تذكيره مفرداً وجب تذكيره جمعاً، هذا مقتضى القياس، حتى ابن مالك رحمه الله لما ذكر أن جمع المذكر السالم يجب فيه التذكير نقول له: إذاً وجمع المؤنث السالم يجب فيه التأنيث إذا كان مؤنثه حقيقياً. وذهب بعض العلماء إلى أن كل جمع يجوز فيه التذكير والتأنيث، حتى السالم من هذا وهذا، ومنه قول الزمخشري: لا تبال بجمعهم كل جمع مؤنث أي: وإذا كان الجمع مؤنثاً فلن يحدث أي شيء؛ لأن المرأة ليست أهلاً للقتال، والشاهد قوله: كل جمع مؤنث، ووجه هذا القول: أنك إذا قلت مثلاً: قالت المسلمون، فإنك تؤول (المسلمون) بالجماعة، أي: قالت جماعة المسلمين. ومنه ما جاء في بعض النسخ في العقيدة الواسطية قال شيخ الإسلام: (فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون)، فإن (المرسلون) جمع مذكر سالم، ومع ذلك وقعت بالتأنيث، لكن من المعلوم أن كلام ابن تيمية رحمه الله لا يحتج به في اللغة العربية؛ لأنه جاء بعد تغير اللغة بأزمنة متطاولة، لكننا نذكره استئناساً فقط لا احتجاجاً. وعلى كل حال: يجب أن نعلم الآن أن جميع الجموع يجوز في فعلها التذكير والتأنيث إلا واحداً -على رأي ابن مالك - وهو جمع المذكر السالم فإنه يتعين فيه التذكير، والصحيح أنه يستثنى شيء آخر وهو جمع المؤنث السالم فإنه يجب فيه التأنيث، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

حكم حذف التاء في (نعم الفتاة)

حكم حذف التاء في (نعم الفتاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [والحذف في نعم الفتاة استحسنوا لأن قصد الجنس فيه بين] قوله: (والحذف في نعم الفتاة استحسنوا): الحذف: مفعول مقدم لقوله: (استحسنوا). في: حرف جر. نعم الفتاة: اسم مجرور بفي وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالحكاية. استحسنوا: فعل وفاعل. ثم علل ذلك فقال: (لأن قصد الجنس فيه بين) هذا التعليل جيد. وقوله: (نعم الفتاة) الفاعل هنا مؤنث حقيقي، ومقتضى القاعدة السابقة وجوب التأنيث؛ لأنه مؤنث حقيقي متصل بفعله بدون فاصل، فكان من مقتضى ذلك أن يقال: نعمت الفتاة هند، لكنهم استحسنوا أن تقول: نعم الفتاة. وكلام ابن مالك رحمه الله يوهم أن قولك: نعم الفتاة، أحسن من قولك: نعمت الفتاة، لأن قوله: (استحسنوا) معناه: جعلوه حسناً؛ لكن يجاب عنه: بأنهم جعلوه حسناً لا أحسن، ويكون معنى قوله: (حسناً) أنه سائغ، والأحسن أن يقال: نعمت الفتاة هند. وعلى هذا ألحقوه بالمستثنيات السابقة؛ أي أنه يستثنى من المؤنث الحقيقي ما قصد به الجنس، وذلك في نحو: نعم الفتاة؛ لأنك ستقول مثلاً: نعم الفتاة هند، هذا الأصل، فهند هي المرادة بالعين، والفتاة مرادة بالجنس؛ ولهذا قال ابن مالك: (لأن قصد الجنس فيه بين).

الترتيب بين الفعل والفاعل والمفعول

الترتيب بين الفعل والفاعل والمفعول

الأصل اتصال الفاعل بالفعل وانفصال المفعول

الأصل اتصال الفاعل بالفعل وانفصال المفعول قال المصنف رحمه الله تعالى: [والأصل في الفاعل أن يتصلا والأصل في المفعول أن ينفصلا وقد يجاء بخلاف الأصل وقد يجي المفعول قبل الفعل] قوله: (والأصل في الفاعل أن يتصلا): أي: بعامله، ويكون بعده أيضاً، فالفعل هو المقدم، ثم يليه الفاعل، فتقول: ركب الرجلُ السيارة، هذا هو الأصل. ووجه ذلك: أن الفاعل هو الذي قام بالفعل فكان حقاً بالولاء من المفعول به الذي وقع عليه الفعل. قوله: (والأصل في المفعول أن ينفصلا): أي: ينفصل عن العامل؛ لأنه يحال بين الفعل والمفعول بالفاعل، مثاله: ركبَ الرجلُ السيارة، اشترى الرجلُ البيتَ، فهمَ الطالبُ الدرسَ، وذلك للعلة التي ذكرناها. قوله: (وقد يجاء بخلاف الأصل): أي: فيؤخر الفاعل ويقدم المفعول، فإذا قلت: ركب الرجلُ السيارةَ، فهذا هو الأصل، وإذا قلت: ركبَ السيارةَ الرجلُ، فهذا خلاف الأصل، وهو جائز وكثير في اللغة العربية، ولهذا قال: (وقد يجاء بخلاف الأصل) و (قد) هنا للتحقيق وليست للتقليل؛ لأن ذلك كثير. قوله: (وقد يجي المفعول قبل الفعل): فتقول مثلاً: السيارةَ ركبَ الرجلُ، فهنا قدم المفعول، فإن قال قائل: وهل يقدم الفاعل؟ نقول: سبق في كلام المؤلف في قوله: (وبعد فعل فاعل)، وأن الفاعل لا بد أن يتأخر عن الفعل، ولا يمكن أن يتقدم، وذكرنا في ذلك خلاف الكوفيين. وإذا قلنا: البيتَ اشترى زيد، فهنا قدمنا المفعول على الفعل، وهو معنى قوله: (قد يجي المفعول قبل الفعل).

متى يجب تأخير المفعول وتقديم الفاعل

متى يجب تأخير المفعول وتقديم الفاعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأخر المفعول إن لبس حذر أو أضمر الفاعل غير منحصر] قوله: (أخر المفعول)، أي: عن الفعل والفاعل، (إن لبس) أي: اشتباه، (حذر) أي: خيف. فإذا خيف الاشتباه فإنه يجب الترتيب. والاشتباه يكون فيما إذا كان الفاعل والمفعول به مبنيين؛ لأن المبني لا يتغير، أو كانا معربين إعراباً مقدراً، فإذا قلت: ضرب موسى عيسى، فهنا الفاعل موسى، فلو أردت أن تقول: ضرب عيسى موسى، قلنا: لا يجوز؛ لأنه يلتبس: الفاعل بالمفعول. أما إذا لم يكن هناك التباس مثل أن تقول: أكل الكمثرى موسى، فإنه يجوز، لعدم الالتباس؛ لأن الكمثرى لا يمكن أن تأكل موسى، وإنما الذي يأكلها هو موسى، فإذا أمن اللبس فلا بأس، أما إذا خيف اللبس فإنه لا يجوز. فإن قال قائل: لماذا لا يجوز؟ فنقول: لأن المقصود بالألفاظ المعاني، فإذا كانت الألفاظ تخل بإدراك المعنى وجب أن ترتب على وجه لا التباس فيه، وهذا ظاهر. مثال آخر: إذا قلت: أكرم هذا ذاك، وهما حاضران، فإنه يجب الترتيب، ونعرب (هذا) على أنه فاعل، و (ذاك) على أنه مفعول. وإذا قلت: تزوج هذا هذه، فإنه يجوز تقديم المفعول؛ لأنك إذا قلت: تزوج هذه هذا؛ علم أن (هذه) مفعول مقدم؛ لأنها لو كانت هي الفاعل لوجب تأنيث الفعل، فتقول: تزوجت هذه هذا. والخلاصة: أنه إذا خيف اللبس وجب الرجوع إلى الأصل، فإن لم يخف اللبس جاز التقديم والتأخير. ولو قال قائل: أنا أريد أن أقدم المفعول به على الفعل، فأقول: عيسى ضرب موسى، فنقول: لا يجوز؛ لأنه يحتمل أن عيسى مبتدأ وليس مفعولاً به. فإن قلت: عيسى ضربه موسى صح، والمفعول به هنا ليس (عيسى) بل المفعول به هو الضمير في (ضرب)، وهذا من باب الاشتغال، وفي باب الاشتغال في مثل هذا الترتيب الأولى أن نعرب الأول مبتدأ؛ لأنه لا داعي إلى نصبه على أنه مفعول. إذاً: يجب أن نؤخر المفعول في حالين: الأولى: إذا خيف اللبس. الثانية: قال: (أو أضمر الفاعل غير منحصر). أي: إذا كان الفعل ضميراً غير محصور فإنه يجب أن يؤخر المفعول، مثل أن تقول: أكرمت زيداً، التاء: فاعل، وزيداً: مفعول به، فهنا لا يجوز أن تقول: أكرم زيداً تُ مثلاً؛ لكن إذا كان محصوراً مثل أن تقول: ما أكرم زيداً إلا أنا، فإنه لا بأس به؛ ولهذا قال: (أو أضمر الفاعل) أي: كان ضميراً (غير منحصر)، فعلم من قوله: (غير منحصر) أنه إذا كان ضميراً منحصراً فلا بأس أن يقدم المفعول ويتأخر الفاعل.

وجوب تأخير الفاعل أو المفعول إذا انحصر بإلا أو بإنما

وجوب تأخير الفاعل أو المفعول إذا انحصر بإلا أو بإنما قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما بإلا أو بإنما انحصر أخر وقد يسبق إن قصد ظهر] قوله: (وما بإلا أو بإنما انحصر أخر) أي: سواء كان فاعلاً أو مفعولاً به، فما انحصر بإلا وجب تأخيره، وما انحصر بإنما وجب تأخيره. مثال الأول: ما ضرب زيدٌ إلا عمراً، فيجب أن يؤخر؛ لأنه محصور بإلا. ومثال الثاني: إنما ضرب زيدٌ عمراً، وهو بمعنى: ما ضرب زيدٌ إلا عمراً، فيجب أن نؤخر المحصور فيه سواء كان الفاعل أو المفعول، والأمثلة السابقة لتأخير المفعول. ومثال تأخير الفاعل: إنما أكل الكمثرى زيدٌ، فيجب أن نؤخر (زيدٌ)، فالمحصور فيه يجب أن يتأخر، ولهذا قال: (وما بإلا أو بإنما انحصر أخر)، وهذا أيضاً من المواضع التي يجب فيها تأخير الفاعل أو المفعول. والذي بعد إلا دائماً هو المحصور فيه، والذي بعد إنما هو المحصور. فإذا قلت: إنما ضرب زيدٌ عمراً، فزيد محصور بإنما، والمحصور فيه عمرو؛ لأنك تقول: ما ضرب زيدٌ إلا عمراً. لو كان بالعكس: إنما ضرب زيداً عمرو، فنؤخر (عمرو) مع أنه هو الفاعل؛ لأنه محصور فيه. والفرق بين قولك: إنما ضرب عمراً زيدٌ، وإنما ضرب زيد عمراً: أن المحصور فيه في المثال الأول هو زيد، أي: ما ضرب عمراً إلا زيد، وإذا عكست فقلت: إنما ضرب زيدٌ عمراً فمعناها: أن زيداً لم يضرب إلا عمراً. والخلاصة: أن الذي يبين لك المعنى: أن (إنما) يليها المحصور و (إلا) يليها المحصور فيه، فإذا كان هناك حصر فإنه يجب تأخير المحصور فيه؛ ولهذا قال: (وما بإلا أو بإنما انحصر أخر)، هذا ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله في التسوية بين الحصر بإنما والحصر وبإلا. وقال بعض أهل العلم: إن ما حصر بإلا يجوز تقديمه؛ لأن ما يلي إلا هو المحصور فيه، سواء تقدم أو تأخر، فيجوز أن تقول: ما ضرب إلا زيداً عمرو، فهنا قدمنا المحصور فيه، وهو جائز. إذاً: القاعدة: إذا كان هناك حصر فلابد من محصور ومحصور فيه، فما يلي (إنما) فهو المحصور، وما يلي (إلا) هو المحصور فيه، فإذا قلت: إنما ضرب زيدٌ عمراً، فالمحصور فيه عمرو، والمحصور (زيد)، أي: أن زيداً ما ضرب إلا عمراً، والمحصور فيه يجب أن يكون هو الأخير؛ لقوله: (وما بإلا أو بإنما انحصر أخر)، ولا يجوز أن يقدم، هذا ما ذهب إليه ابن مالك، وأنه لا فرق بين إلا وإنما؛ لأن الالتباس حاصل. لكن ذهب غيره إلى أنه إذا كان الحصر بإلا جاز تقديمه؛ لأن ما يلي إلا فهو المحصور فيه على كل حال، وعلى هذا يجوز: ما ضرب إلا عمراً زيدٌ، بخلاف إنما؛ لأنه يقع الاشتباه على كل حال. وهذا القول أصح من قول ابن مالك رحمه الله، وهو أنه يجوز التقديم -سواء كان فاعلاً أو مفعولاً- إذا كان الحصر بإلا؛ لزوال اللبس. قوله: (وقد يسبق إن قصد ظهر)، أي: إذا علمنا المحصور فيه فإنه يجوز سبقه، وهذا إنما يتحقق فيما إذا كان الحصر بإلا، أما إذا كان بإنما فإنه صعب، ومع ذلك يمكن، فإذا قلت: إنما ضرب عمراً زيدٌ، وأردت أن تقول: إن عمراً محصور فيه، فيقال: لا يمكن أن يكون الوالي لإنما محصوراً فيه، وعلى هذا فقوله: (وقد يسبق) خاص بإلا.

تقديم المفعول على الفاعل إذا كان فيه ضمير يعود على الفاعل

تقديم المفعول على الفاعل إذا كان فيه ضمير يعود على الفاعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وشاع نحو خاف ربَه عمر وشذ نحو زان نورُه الشجر] قوله: (شاع) أي: كثر، (نحو خاف ربَّه عمر) في هذه الجملة تقديم المفعول به حاملاً لضمير الفاعل المؤخر: رب: مفعول خاف، وهو مضاف إلى الهاء، والهاء تعود إلى عمر، وعمر: فاعل مؤخر. فهذا شائع كثير، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة:124] إبراهيم: مفعول مقدم، ورب: فاعل مؤخر. فهذا شائع وكثير في اللغة العربية، وليس فيه محذور؛ لأن الضمير هنا عاد على متأخر، لكنه متأخر لفظاً متقدم رتبة. قوله: (وشذ نحو زان نوره الشجر)، الشذوذ: الخروج عن القاعدة، (نحو زان نوره الشجر)، وقد شذ؛ لأنه عاد الضمير فيه على متأخر لفظاً ورتبة. (زان نوره)، زان: فعل ماض. نوره: فاعل، وهو مضاف إلى الضمير. الشجر: مفعول به، والضمير في (نوره) يعود على الشجر، والشجر متأخر لفظاً ورتبة، أما لفظاً فظاهر، وأما رتبة فلأنه مفعول به، والمفعول به رتبته التأخير عن الفاعل. وإذا أردنا تحويل هذا المثال إلى مثال شائع فنقول: زان الشجرَ نورُه، أي: أن النور -وهو الزهر- زين الشجر وجعله حسناً جميلاً. وخلاصة هذا البحث: أنه يجوز تقديم المفعول به المتحمل لضمير الفاعل؛ لأن الضمير هنا يعود على متأخر لفظاً لا رتبة، ولا يجوز تقديم الفاعل المتحمل لضمير المفعول؛ لأنه يلزم منه عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا شاذ خارج عن القاعدة.

شرح ألفية ابن مالك [31]

شرح ألفية ابن مالك [31] إذا غيرت صيغة الفعل المبني للفاعل إلى صيغة ما لم يسم فاعله حذف الفاعل وقام مقامه المفعول به، فيأخذ ما له من أحكام، ويشترط في تغيير صيغة الفعل الالتزام بضوابط محددة، وقد يقوم غير المفعول مقام الفاعل كالظرف، لكن بشروط محددة.

النائب عن الفاعل

النائب عن الفاعل

قيام نائب الفاعل مقام الفاعل في الأحكام

قيام نائب الفاعل مقام الفاعل في الأحكام قال المصنف رحمه الله تعالى: [النائب عن الفاعل: ينوب مفعول به عن فاعل فيما له كنيل خير نائل] يقول ابن مالك: (النائب عن الفاعل)، وهذا ترتيب حسن، حيث ذكر الفاعل أولاً ثم ذكر النائب عنه. والنائب عن الفاعل هو المفعول به إذا حذف الفاعل، لكن يلزم على ذلك تغيير صيغة الفعل؛ لأن الفاعل أصل والنائب فرع، فلا بد أن يبنى للنائب بيت آخر غير بيت الفاعل، وذلك بتغيير صيغة الفعل. ثم إن حذف الفاعل يكون لأغراض كثيرة لا يذكرها النحويون؛ لأن هذا ليس من شأنهم، وإنما يذكرها أهل البلاغة. ومن تلك الأغراض التي يذكرونها: العلم به، أي: لأنه معروف، مثل قوله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28] فإنه معلوم أن الخالق هو الله تعالى. ومنها: الجهل به والستر عليه، تقول: سُرِقَ المتاع، فقد يكون أخفى السارق إما للجهل به وإما للستر عليه. فالمهم أن هناك أسباباً توجب أن يحذف الفاعل ويقوم المفعول به مقامه، فإذا حذف الفاعل وأقيم المفعول به مقامه فهل يعطى حكم الفاعل لأنه نائبه أم تحدث له أحكام جديدة؟ يقول ابن مالك: (ينوب مفعول به عن فاعل فيما له كنيل خير نائل) ينوب: فعل مضارع مرفوع. مفعول: فاعل. عن فاعل: جار ومجرور متعلق بينوب. فيما له: فيما: جار ومجرور متعلق بينوب أيضاً، وما: هنا اسم موصول للعموم، وله: جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: ثبت، أي: فيما ثبت له، والجملة صلة الموصول. كنيل خير نائل: الكاف حرف جر، ونيل خير نائل: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية، وإنما دخلت الكاف هنا على الجملة لأن المراد بها المفرد، إذ إن المراد بقوله: (كنيل خير نائل) أي: كهذا المثال. قوله: (ينوب مفعول به عن فاعل فيما له) أي: في كل ما ثبت له: من الرفع، فإنه يرفع الفاعل ويرفع النائب عن الفاعل. ومن وجوب ذكره وعدم جواز حذفه؛ لأنه نائبه. ومن وجوب تأخره عن العامل. ووجوب تأنيث الفعل معه إذا كان مؤنثاً حقيقياً أو ضميراً متصلاً لمؤنث. المهم أن جميع الأحكام السابقة في الفاعل تنقل إلى نائب الفاعل، لكن لابد من تغيير الفعل كما سيذكر المؤلف رحمه الله. قوله: (نيل خير نائل) أصلها: نال الرجل خير نائل، لكن حذف الفاعل، فلما حذف الفاعل أقيم المفعول به مقامه، فصار: نيلَ خيرُ نائل، وإعرابها تفصيلاً: نيل: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله. وقولنا: (مبني لما لم يسم فاعله) أحسن من قولنا: مبني للمجهول؛ لأنها أعم؛ إذ إن حذف الفاعل قد يكون للجهل به، وقد يكون للستر عليه، أو غير ذلك. خير: نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره، وخير: مضاف، ونائل: مضاف إليه.

تغيير صورة الفعل عند إسناده للمفعول

تغيير صورة الفعل عند إسناده للمفعول قال المصنف رحمه الله تعالى: [فأول الفعل اضممن والمتصل بالآخر اكسر في مضي كوصل واجعله من مضارع منفتحاً كينتحي المقول فيه ينتحى] بين المؤلف هنا تغيير صيغة الفعل الذي بني لما لم يسم فاعله. قوله: (أول): مفعول مقدم، وهو مضاف إلى (الفعل). اضمم: فعل أمر، والنون الساكنة للتوكيد، ولهذا بني فعل الأمر معها على الفتح، لكن نون التوكيد هنا نون خفيفة، وهناك نون ثقيلة مشددة، وقد اجتمع النونان في قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32]. إذاً: اضمم: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والنون حرف توكيد، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. والمتصل بالآخر اكسر: الواو حرف عطف، وهو من باب عطف الجملة على الجملة، والمتصل: مفعول مقدم لاكسر مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره مراعاة الروي، وهو آخر الشطر. بالآخر: جار ومجرور متعلق بالمتصل. اكسر: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. (في مضي كوصل)، في مضي: جار ومجرور متعلق باكسر. كوصل: الكاف حرف جر، ووصل: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. يقول ابن مالك: (أول الفعل اضممن)، أي: سواء كان ماضياً أو مضارعاً. فإذا كان الفعل ماضياً أو مضارعاً فلابد من ضم أوله عند بنائه لما لم يسم فاعله، تقول: يُفهَمُ الدرسُ، أُكرِم زيدٌ، يُكرم زيدٌ. إذاً: أول الفعل مضموم على كل حال، سواء كان ماضياً أم مضارعاً، وآخر الفعل في المضارع معرب، وفي الماضي مبني على ما هو عليه لا يختلف. وما قبل الآخر يختلف: ففي الماضي يكسر وفي المضارع يفتح؛ ولهذا قال: (والمتصل بالآخر اكسر في مضي كوصل) ففي (وُصِل) المتصل بالآخر الصاد، فبدلاً من أن يقال: وَصَل، يقال: وُصِل فيضم أوله ويكسر ما قبل آخره، هذا في الفعل الماضي. وفي المضارع قال: (واجعله من مضارع منفتحاً) الضمير يعود على ما قبل الآخر. (من مضارع) أي: من فعل مضارع. (منفتحاً) مفعول ثان لاجعل، والمفعول الأول الهاء في (اجعله). الإعراب: اجعل: فعل أمر بمعنى صيَّر، فهي تنصب مفعولين، وفاعلها مستتر وجوباً تقديره أنت. والهاء ضمير مبني على الضم في محل نصب مفعولها الأول. من مضارع: جار ومجرور متعلق باجعل. منفتحاً: هو المفعول الثاني. (كينتحي المقول فيه ينتحى)، يَنْتَحِي: فعل مضارع أوله مفتوح وما قبل آخره مكسور، وحينما بناه لما لم يسم فاعله قال: (يُنتحَى)، فضم الأول وفتح ما قبل الآخر. إذاً: القاعدة في المضارع إذا بني لما لم يسم فاعله: أن يضم أوله ويفتح ما قبل آخره، وفي الماضي: أن يضم أوله ويسكر ما قبل آخره. قوله: (كينتحي المقول فيه ينتحى): الكاف: حرف جر. وينتحي: اسم مجرور؛ لأنه مؤول بقوله كهذا المثال، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. المقول: صفة لينتحي، وصفة المجرور مجرورة. فيه: جار ومجرور متعلق بالمقول؛ لأنه اسم مفعول يعمل عمل الفعل. ويُنتحَى: مقول القول مرفوع لأنه نائب فاعل.

صياغة الفعل لما لم يسم فاعله إذا بدئ بتاء المطاوعة

صياغة الفعل لما لم يسم فاعله إذا بدئ بتاء المطاوعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [والثاني التالي تا المطاوعه كالأول اجعله بلا منازعه] قوله: (الثاني): منصوب على الاشتغال، وذلك لأن (اجعل) اشتغل بضميره المباشر عن نصبه، ومعلوم أن الاشتغال أن يتقدم معمول ويشتغل عامله بضميره عنه، ولهذا سمي اشتغالاً، ولو كانت الهاء غير موجودة لقلنا: إن (الثاني) مفعول لاجعل، لكنه الآن مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده. ويجوز أن تقول: إنه غير منصوب، لكن الراجح النصب، ويرجح النصب أمران: الأمر الأول: أن الفعل طلبي والطلب يترجح به النصب، والأمر الثاني: أنه معطوف على جمل فعلية، فيترجح النصب، ولكن يجوز الرفع كما ذكرنا. التالي: صفة للثاني منصوب أيضاً. تا: مفعول للتالي؛ لأن التالي اسم فاعل، وتا مضاف، والمطاوعة: مضاف إليه مجرور بالإضافة. كالأول: جار ومجرور متعلق باجعل. اجعله: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت، والهاء: مفعول أول لاجعل، والمفعول الثاني قوله: (كالأول). بلا منازعة: الباء حرف جر، لا: اسم مجرور بالباء، ولكن ينقل إعرابه للاسم الذي بعده لأن (لا) صورتها صورة الحرف، فلا تؤثر فيها العوامل، ولو أن أحداً من الناس قال: إننا سنجعل (لا) اسماً ويكون مضافاً إلى (منازعة) لأن (لا) هنا بمعنى غير، أي: بغير منازعة، فإن قوله ليس بعيداً؛ لكن المشهور الأول. يقول المؤلف رحمه الله: (والثاني التالي تا المطاوعة كالأول اجعله)، والأول مضموم. وتاء المطاوعة: هي التي تكون في فعل مطاوع لما سبق، أي: متأثر منه، تقول: عَلَّمته فتعلم، التاء في (تعلم) للمطاوعة، وتقول أيضاً: نحيته فانتحى، فالحرف الثاني الذي يلي تاء المطاوعة اجعله كالأول، أي: اجعله مضموماً. فمثلاً: إذا أردنا أن نبني الفعل (تعلَّم) نقول: تُعُلِّم، فالذي بعد التاء صار مضموماً. كذلك نقول في (تَكَبر عن الحق) تُكُبِّر عن الحق.

صياغة الفعل لما لم يسم فاعله إذا بدئ بهمزة وصل

صياغة الفعل لما لم يسم فاعله إذا بدئ بهمزة وصل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وثالث الذي بهمز الوصل كالأول اجعلنه كاستُحلي] قوله: (ثالث): مفعول لفعل محذوف، وهو من باب الاشتغال، وثالث: مضاف، والذي: مضاف إليه. وبهمز: جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، وهمز: مضاف، والوصل: مضاف إليه. كالأول: جار ومجرور متعلق بمحذوف المفعول الثاني لاجعل. اجعلنه: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والنون: حرف توكيد، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول أول لاجعل. كاستحلي: جار ومجرور. يقول رحمه الله: كل ما ابتدي بهمزة الوصل فثالثه كالأول، أي: أنه مضموم، مثل: (اسْتُحْلِي) فهذا مبدوء بهمزة وصل، وثالثه تاء، ولهذا ضم. ومثله: استُغفِر، انتُقِم، اطُّرِد، وعلى هذا فقس كل مبدوء بهمزة وصل فإنه يضم ثالثه فيجعل كالأول. فنقول في اسْتَحلى: استُحْلي، وفي انتحى: انتُحي، وفي اصطفى: اصطُفي، وفي ارتقى: ارتُقي وعلى هذا فقس.

كيفية صياغة الفعل الأجوف الثلاثي لما لم يسم فاعله

كيفية صياغة الفعل الأجوف الثلاثي لما لم يسم فاعله قال المصنف رحمه الله تعالى: [واكسر أو اشمم فا ثلاثي أعل عيناً وضم جا كبوع فاحتمل] ما زلنا مع المؤلف رحمه الله في كيفية صياغة الفعل إذا بني لما لم يسم فاعله، وقد سبق الكلام على جمل من ذلك، وهنا قال: (واكسر أو اشمم فا ثلاثي أعل عيناً وضم جا). فهذه ثلاثة أوجه إذا كان الفعل ثلاثياً معل العين، ومعنى (معل العين) أن عينه حرف علة، والعين هي الثانية من تركيب الفعل؛ لأن الصرفيين اصطلحوا على أن يجعلوا (فَعَلَ) هي الميزان، فالفاء هي الفاء، والعين هي العين، واللام هي اللام. يقول رحمه الله: إذا كان الفعل ثلاثياً وعينه حرف علة ففيه ثلاثة أوجه: الوجه الأول: الكسرة. والوجه الثاني: الإشمام. والوجه الثالث: الضم. أي: الأول: كسر خالص، والثاني: ضم خالص، والثالث: إشمام أي: بين الضم الخالص والكسر الخالص، لكنه أشار رحمه الله بقوله: (فاحتمل) إلى أن الثالث ضعيف، لكنه احتمل لوروده في اللغة العربية. قوله: (اكسر): فعل أمر. أو اشمم: أو: للتخير، واشمم: فعل أمر. فا: مفعول تنازع فيه اكسر واشمم، وإذا حدث تنازع فإن النحويين اختلفوا: هل يعمل فيه العامل الثاني لمباشرته أو الأول لسبقه؟ على قولين: قال ابن مالك: والثاني أولى عند أهل البصره واختار عكساً غيرهم ذا أسره وفا: مضاف، وثلاثي: مضاف إليه. أُعل: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر. عيناً: مفعول ثان لأُعل، وأصلها أعللت عينه. وضم: مبتدأ، جا: الجملة خبره. وكبوع: جار ومجرور. فاحتمل: معطوفة على (ضم جا)، واحتمل بمعنى: أنه أجيز. مثاله: قال، فـ (قال) فعل ثلاثي معل العين بالواو؛ لأن (قال) أصلها: قَوَل، بدليل المضارع: يقول، إذا أردنا أن نبنيه لما لم يسم فاعله قلنا حسب القاعدة السابقة: قُوِلَ؛ لأن الماضي يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، لكن هذا مستثقل؛ لأن ظهور الحركات على الواو ثقيل، فماذا نصنع؟ ننقل حركة الواو التي هي الكسرة إلى ما قبلها، فنقول: قِوْلَ، وهذا أيضاً مستثقل؛ أن تقع الواو بعد الكسرة، إذاً: حول الواو إلى ياء وقل: قيل. ولا أظن بدوياً من العرب تحت شجرة يعرف هذا التصريف، ولو قلت له: حل لي هذه الكلمة على هذا التصريف، لقال: اذهب أنا لا أعرف إلا (قيل) بدل (قال)، لكن النحويين يريدون أن ينزلوا الألفاظ على القواعد المعروفة تمريناً للطالب، وإلا فمن المعلوم أنه لا يمكن لأحد أن يقول: قُوِلَ، ولا أن يقول: قِوْلَ، بل يقول: قيل، وبكل سهولة، فهذا الوجه الأول، كسرنا أوله كسراً خالصاً. الوجه الثاني: الإشمام. والإشمام: أن تأتي بحركة بين الكسرة والضمة، فتنطق القاف من (قيل) لا مضمومة ولا مكسورة، بل بحركة بينهما، والنطق بالإشمام أمر فيه صعوبة، وقد كان شيخنا عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله يدرسنا في هذا الباب ولم نعرف كلنا لا نحن ولا هو؛ لأنه صعب جداً، لكن لعل العرب الذين ألفوا هذه اللهجة تسهل عليهم، ونحن هنا في المملكة في بعض الجهات يتكلمون بلهجة لا نستطيع أن نتكلم بها، وهي عندهم سهلة، وهذا شيء معروف. الوجه الثالث: الضم الخالص، فنقول في (قيل): قُوْل، في (بيع): بُوْع. مع أن (البيع) يائي: فلماذا كانت واواً؟ لأنها وقعت بعد ضم لا بد منه؛ إذ إن هذا الضم هو الذي يفرق بين البناء للفاعل والبناء لما لم يسم فاعله، فالضمة لا بد منها، ولا يناسبها إلا الواو، ولهذا نقول: بوع، ولا نقول: بُيع. ففي (بوع) إذاً ثلاث لغات: الكسر الخالص، قيل: والإشمام، والضم الخالص: بوع. وقوله: (وضم جا) أي: جاء من عند العرب، ومنه قول الشاعر: ليت وهل ينفع شيئاً ليتُ ليت شباباً بوع فاشتريتُ يعني: أن (ليت) لا تنفع، وهذا كقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ولا تقل: لو؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان). وهذا الشاعر جاهلي يعرف أن التمني لا يفيد، وفي المثل العامي عندنا: التمني رأس مال المفاليس، أي: أن المفلس الذي ليس عنده شيء رأس ماله التمني. المهم أن الشاعر قال: (بوع فاشتريت)، واللغة المشهورة: بيع فاشتريت، فكون الشاعر عدل من (بيع) إلى (بوع)، مع أن وزن البيت لا يختلف، يدل على أن هذه لغة، ولهذا قال: (ضم جا كبوع)، لكن هذه اللغة ضعيفة باعتبار اللغة الكثيرة الفصحى. والخلاصة: أنه يجوز في الفعل الثلاثي المعل العين ثلاثة أوجه: الأول: الكسر الخالص، وهو الأكثر. والثاني: الإشمام. والثالث: الضم الخالص، وهو قليل.

بناء الثلاثي المعل العين إذا خيف اللبس

بناء الثلاثي المعل العين إذا خيف اللبس [وإن بشكل خيف لبس يجتنب وما لباع قد يرى لنحو حب] يعني: إذا جازت الأوجه الثلاثة، وخيف اللبس بالشكل فإنه يجتنب الوجه الذي يكون فيه اللبس. قوله: (إن بشكل خيف لبس) إن: شرطية، وفعل الشرط قوله: خيف. بشكل: جار ومجرور متعلق بخيف. لبس: نائب فاعل. يجتنب: جواب الشرط، أي: يجتنب الشكل فلا ينطق به. وكلمة: (خيف) تصلح أن تكون مثالاً، فإذا أسندتها إلى التاء، تقول: خِفْتَ، وإذا أردت أن أوجه الخطاب إليك وأقول: أنت الذي يخافك الناس، وأسندها إلى نائب الفاعل أقول: خِفْت، فهنا التبس الفاعل ونائب الفاعل. وللتوضيح أكثر نقول: كلمة (خاف) فعل ثلاثي معتل العين، إذا بنينا لما لم يسم فاعله ففيه ثلاثة أوجه: إذا أسندته إلى الفاعل فإنك تقول للرجل: خِفْتَ من الناس، أي: أنك جبان تخاف. وإذا أردنا أن نبنيه لما لم يسم فاعله ونسنده إلى التاء نقول على وجه الكسر: خِفْتَ، أي: أن الناس يخافونك، فلو قلت: يا فلان! خِفْتَ، فإنه يلتبس الفاعل بنائب الفاعل، ولذلك يقول: (إن بشكل خيف لبس يجتنب) أي: يجتنب هذا الوجه. وعلى هذا فالفرق بين كون الخوف واقعاً منه أو واقعاً عليه: أنك إذا قلت: خُفت، فالخوف واقع منه، أي: أن الناس يخافونه، وإذا قلت: خِفت، فالخوف واقع عليه، أي: أنه هو يخاف الناس. مثال آخر: (سام يسوم) إذا بنيناه للفاعل فنقول: سُمتُ، وإذا بنيناه للمفعول فنقول: سُمتُ، وعليه فإذا إذا قلنا: يجوز الضم والكسر والإشمام، صار يجوز أن نقول: سُمت للفاعل والمفعول، وحينها سوف يشتبه الفاعل بالمفعول، فيتعين إذاً الكسر أو الإشمام إذا أسندناه إلى نائب الفاعل، فنقول: سِمتُ. والخلاصة: أنه إذا كان الفعل ثلاثياً معل العين جاز في أوله ثلاثة أوجه: الضم والكسر والإشمام، إلا إذا خيف التباس الفاعل بنائب الفاعل إذا كسر فإنه يمتنع الكسر، وإذا خيف التباس الفاعل بنائب الفاعل إذا ضم فإنه يمتنع الضم. مثال ما عينه ياء: باع، إذا بنيناه للفاعل قلنا: بِعتَ، وإذا بنيناه للمفعول قلنا: بُعتَ؛ لأنك لو كسرت لالتبس الفاعل بنائب الفاعل؛ لأن التاء في (بِعتَ) بالكسر فاعل، وفي (بُعتَ) بالضم نائب فاعل، ومثال الأول كأن تقول: هل بِعتَ بضاعتك؟ ومثال الثاني كأن تقول لعبد مكاتب: هل بُعتَ؟ أي: هل باعك سيدك؟

بناء الثلاثي المضعف العين إذا خيف اللبس

بناء الثلاثي المضعف العين إذا خيف اللبس قوله: (وما لباع قد يرى لنحو حب): أي: أن الذي ثبت لباع من جواز الضم والكسر والإشمام (قد يرى لنحو حب) من كل فعل ثلاثي مشدد، كحَبَّ وشَدّ وشَذَّ، وما أشبهها. فيجوز فيها ما ذكره المؤلف: الكسر والضم والإشمام، فتقول إذا أردت أن تخبر أن زيداً محبوب: حِبّ زيدٌ، أي: صار محبوباً، وتقول: حُبَّ زيدٌ، وتشم، يقول: (ما لباع قد يرى لنحو حَب)، وإلا فالأصل أن يقال فيها: حُبَّ زيدٌ، شُدَّ الحبل، شُذَّ عن الجادة، لكن قد تعامل معاملة الفعل الثلاثي المعل عينه، وهو في لغة العرب، لكن اللغة الفصحى والأصل أن يقال: حُبَّ. فإن قال قائل: (حُبّ) قد تشتبه بالمصدر، كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] أي: لمحبة الخير، قلنا: المعنى يعينه السياق. وقوله: (وما لباع قد يرى لنحو حب): ما: اسم موصول بمعنى الذي، والواو: للاستئناف. لباع: جار ومجرور باعتبار اللفظ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو صلة الموصول في قوله: (ما). قد: حرف تقليل؛ لأن ذلك هو الأصل فيما إذا دخلت (قد) على الفعل المضارع. يرى: فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر يعود على ما. لنحو: جار ومجرور متعلق بيرى، ونحو مضاف، وحب مضاف إليه، والجملة من (قد يرى) خبر (ما) الموصولة.

صياغة الفعل لما لم يسم فاعله من (افتعل) و (انفعل)

صياغة الفعل لما لم يسم فاعله من (افتعل) و (انفعل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما لفا باع لما العين تلي في اختار وانقاد وشبه ينجلي] قوله: (وما لفا باع). ما: مبتدأ. لفا: جار ومجرور، وفا: مضاف، وباع: مضاف إليه باعتبار اللفظ. لما: اللام حرف جر، وما: اسم موصول. العين: مبتدأ. تلي: فعل مضارع خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر صلة الموصول، أعني: (ما) الثانية، أما الأولى: فالجار والمجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول. وخبر المبتدأ الأول (ما) هو قوله: (لما العين تلي)، أي: الجار والمجرور، فالجار والمجرور هنا متعلق بمحذوف خبر (ما). في اختار: في حرف جر، واختار: اسم مجرور باعتبار اللفظ، وهي متعلقة بتلي. وانقاد: معطوف عليها. وشبه: معطوف عليها أيضاً. ينجلي: فعل مضارع، والجملة وصف لشبه. يقول رحمه الله: ما ثبت لفا باع من الأوجه الثلاثة يثبت للذي تليه العين في (اختار) و (انقاد)، والذي تليه العين هو الذي قبل العين. فمثلاً: (اختار) على وزن: افتعل، فالذي تليه العين هو التاء، إذاً ففي التاء ثلاثة أوجه: الكسر الخالص: اختير المتاع، والإشمام، والضم الخالص: اختور، لكن هذا قليل. ولذلك الآن نحن عندما نتكلم في (اختار) نقول: اختير المتاع، اختير المكان، اختير الزمان، اختير الكتاب، اختير الرجل، ويجوز: اختور، لكن في ظني لو تكلمت عند العامة وقلت: اختور، سيقولون: هذه غير عربية؛ لأنها قليلة. وكذلك (انقاد) مثلها، تقول: انقاد الجمل لقائده، إذا حولناه إلى فعل مبني لما لم يسم فاعله نقول: انقيد للقائد، بالكسر، أو بالإشمام بين الضم والكسر، أو بالضم الخالص، انقود للقائد.

ما ينوب عن الفاعل غير المفعول

ما ينوب عن الفاعل غير المفعول

نيابة الظرف والمصدر والجار والمجرور عن الفاعل

نيابة الظرف والمصدر والجار والمجرور عن الفاعل انتهى المؤلف رحمه الله من صيغة الفعل المبني لما لم يسم فاعله، ثم انتقل رحمه الله إلى: هل ينوب غير المفعول به عن الفاعل؟ لأن الكلام في نيابة المفعول به عن الفاعل، كما قال في أول الباب: (ينوب مفعول به عن فاعل)، فهل ينوب غير المفعول به عن الفاعل؟ يقول رحمه الله: [وقابل من ظرف او من مصدر أو حرف جر بنيابة حري] قوله: (قابل) مبتدأ، وسوغ الابتداء به الوصف: قابل من كذا. من ظرف: جار ومجرور. أو من مصدر: أو: حرف عطف، من مصدر: معطوف على (ظرف) بإعادة العامل. أو حرف جر: معطوف على ظرف. بنيابة: بنيابة جار ومجرور متعلق بحري. حري: خبر المبتدأ، الذي هو: قابل. أي: أن القابل من الظرف أو المصدر أو حرف الجر حري بالنيابة عن الفاعل، كما ناب المفعول به عن الفاعل. بين المؤلف رحمه الله في هذا البيت أنه قد ينوب عن الفاعل ثلاثة أشياء: الأول: الظرف. والثاني: المصدر. والثالث: الجار والمجرور. لكنه اشترط أن تكون قابلة للنيابة عن الفاعل. والقابل للنيابة عن الفاعل هو الذي لم يلزم صيغة واحدة، فإن لزم صيغة واحدة فإنه لا يمكن أن يكون نائباً عن الفاعل؛ لأنه لو ناب عن الفاعل لتحول من اللزوم إلى الجواز، فلا بد أن يكون قابلاً للنيابة، وأن يكون مخصَّصاً بشيء من المخصصات، كما يقول في الشرح. أولاً: الظرف: هناك بعض الظروف لا يمكن أن تكون نائباً عن الفاعل؛ لأنها لا تتحول عن الظرفية، وإذا لم تتحول عن الظرفية فلا يصح أن تكون نائباً عن الفاعل، ولنضرب أمثلة للذي يتحول عن الظرفية: كلمة (يوم) تتحول عن الظرفية، والدليل: أنها وردت اسماً لـ (إن) مثل قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]. وجاءت مفعولاً به كقوله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:37]. وجاءت مجرورة كقوله تعالى: {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:5]. إذاً: يصح أن ينوب عن الفاعل، فيقال مثلاً: صيمَ يومٌ. لفظ: (مكان)، أيضاً يصح أن ينوب عن الفاعل؛ لأنه يتصرف فيستعمل ظرفاً وغير ظرف، فتقول: نزل الرجل مكان زيدٍ، هذه ظرف، وتقول: سافرت إلى مكانٍ بعيد، كما قال تعالى: {يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت:44]، فتحول الآن عن الظرف إلى الجار والمجرور، فيصح أن يقال: اشتُريَ مكانٌ بعيد، وسُكِنَ مكانٌ بعيد، ويكون (مكان) نائباً عن الفاعل. ثانياً: المصدر، إن كان يتحول عن المصدرية جاز أن ينوب، وإن كان لا يتحول لم يجز أن ينوب، فكلمة: (سبحان)، يقولون إنها ملازمة للنصب على المصدرية أو على المفعولية المطلقة، فلا يمكن أن تنوب عن الفاعل؛ لأنها لا تتحول عن حال واحدة، فلو قلت مثلاً: سُبِّحَ سبحانُ الله، لكان هذا غير جائز، لأن (سبحان) لا تتحول عن المصدر أو عن المفعولية المطلقة. ومن أمثلة المصادر التي يصح أن تكون نائباً للفاعل: المصدر (شُرْب) تقول: شُرِبَ شُربٌ كثير، فهذا المصدر يجوز أن يكون نائباً للفاعل؛ لأن (شُرب) تتحول عن المصدرية إلى أن تكون فاعلاً أو مفعولاً به أو مجروراً أو مبتدأ، لكن (سبحان) لا يمكن أن تتغير عما كانت عليه. ثالثاً: حرف الجر، من حروف الجر ما لا يتحول عن حاله، مثل: حروف القسم، فالمجرور بحروف القسم لا يمكن أن يقع نائب فاعل؛ لأنه مختص بالقسم، فلا يمكن أن يقع نائب فاعل، فلو قلت: حُلِفَ والله، لكان هذا غير سائغ؛ لأنه لا يتحول عن القسم، لكن لو قلت: مُرَّ بزيد، فإنه يجوز أن ينوب عن الفاعل؛ لأنه يتحول عن هذه الصيغة، حتى إنهم يقولون: لو حذف حرف الجر لنصب، على حد قول الشاعر: تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم عليّ إذاً حرام

متى وجد المفعول لم ينب عن الفاعل غيره

متى وجد المفعول لم ينب عن الفاعل غيره قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا ينوب بعض هذي إن وجد في اللفظ مفعول به وقد يرد] أي: إذا وجد في اللفظ مفعول به فإنه لا يجوز أن ينوب شيء من هذه الثلاثة عن الفاعل، مثل: ضُرِبَ زيدٌ أمامَ الأمير يومَ السبت ضرباً شديداً، فعندنا الآن ثلاثة أمور: أمام: ظرف مكان، ويوم السبت: ظرف زمان، وضرباً: مصدر، فلا يجوز أن تنيب واحداً من هذه الثلاثة؛ لوجود المفعول به وهو زيد، لأن الضرب واقع على زيد. فإذا وجد مفعول به في اللفظ فإنه لا يجوز العدول عنه، لكنه قال: (وقد يرد). وقد هذه للتقليل؛ لأنها دخلت على الفعل المضارع، و (قد) إذا دخلت على فعل مضارع كانت للتقليل، أو على فعل ماض كانت للتحقيق، إلا أنها قد ترد للتحقيق مع الفعل المضارع، كقول الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب:18]. وقوله: (قد يرد) أي: عن العرب، ومعلوم أن العرب يحكمون على النحاة وليس النحاة هم الذين يحكمون على العرب، ومثاله قول الشاعر: لم يُعن بالعلياء إلا سيداً ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى الشاهد قوله: لم يعن بالعلياء إلا سيداً، فإن (سيداً) مفعول به: و (بالعلياء): جار ومجرور، ومع ذلك نصب سيداً الذي هو المفعول به، فيكون (بالعلياء) نائب الفاعل مع أنه جار ومجرور. لكن هذا نادر؛ لأنه متى أمكن أن يسلط الفعل على المفعول به فإنه لا يعدل عنه. قوله: (لا ينوب): فعل مضارع منفي بلا. وبعض: فاعل، وبعض: مضاف، وهذي: مضاف إليه. إن وجد: جملة شرطية أداة الشرط فيها (إن)، وفعل الشرط (وجد)، فأين جواب الشرط؟ قيل: إن جواب الشرط لا يحتاج إليه في مثل هذا التركيب، وقيل: إنه محذوف دل عليه ما قبله، وعلى هذا فالتقدير: إن وجد فلا ينوب، لكن القول الأول أحسن، وهو الذي اختاره ابن القيم رحمه الله: أنه في مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب؛ وذلك لأن النفس لا تتشوف إلى الجواب، وإذا كانت لا تتشوف إليه فلا حاجة إلى أن نقدره، ثم إنك إن قدرته مع وجود ما يدل عليه جمعت بين الدال والمدلول، وإن قدرته مع حذفه فات مقصود الذي ركب الكلام على هذا الوجه. وقوله: (مفعول به): نائب فاعل وجد. وقد يرد: جملة فعلية مؤكدة بقد، ويرد: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو.

نيابة المفعول الثاني من باب كسا عن الفاعل

نيابة المفعول الثاني من باب كسا عن الفاعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وباتفاق قد ينوب الثان من باب كسا فيما التباسه أمن] قوله: (وباتفاق قد ينوب الثان من باب كسا) ظاهره أن النحويين متفقون على جواز نيابة الثاني من باب كسا إذا أمن اللبس، فإن لم يؤمن اللبس فإنه لا يجوز. مثال ذلك: كُسي زيدٌ جبة، المفعول الثاني: جبة، والذي دلنا أنه المفعول الثاني: أن المفعول الأول هو لابس الجبة، فهو الفاعل في المعنى، فيقدم، فيكون زيد نائب الفاعل، وجبة: المفعول الثاني. ولك أن تقول: كُسي زيداً جبةٌ وهذا باتفاق، كما قال ابن مالك رحمه الله. وقوله: (فيما التباسه أمن): يدل على أنه إن وجد التباس فإنه لا يجوز، فإذا قلت: مُلِّكَ زيدٌ عمراً، فهنا لا يجوز أن تقول: مُلِّكَ زيداً عمرو؛ لأنه يلتبس المعنى، ففي العبارة الأولى: مُلِّك زيدٌ عمراً، الرقيق هو عمرو، فإذا قلت: مُلِّكَ زيداً عمرو، أوهم أن الرقيق هو زيد، فلذلك يمتنع هنا أن ينوب المفعول الثاني عن الفاعل لأنه يلتبس. قوله: (باتفاق) متعلق بينوب بـ (ينوب). قد ينوب: فعل مضارع مؤكد بقد، والظاهر أنها للتقليل. الثان: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف، وإن شئت فقل: على الياء المحذوفة لإقامة الوزن. من باب كسا: هذه متعلقة بمحذوف حال من (الثاني)، أي: الثاني حال كونه من باب كسا، وباب: مضاف، وكسا: مضاف إليه باعتبار اللفظ. فيما: جار ومجرور متعلق بينوب، و (ما) اسم موصول مبني على السكون في محل جر. التباسه: التباس مبتدأ، وأُمِن خبره، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

حكم إقامة غير المفعول الأول مقام الفاعل

حكم إقامة غير المفعول الأول مقام الفاعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [في باب ظن وأرى المنع اشتهر ولا أرى منعاً إذا القصد ظهر] قوله: (في باب ظن) أي: في باب ظن الذي ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، بخلاف كسا التي تنصب مفعولين فليس أصلهما المبتدأ والخبر. وقوله: (وأرى) ليست هنا فعلاً مضارعاً، بل هي فعل ماض، والمراد بها: أرى التي تنصب ثلاثة مفاعيل، نحو: أريت زيداً عمراً قائماً، هذا مراد ابن مالك. قوله: (ولا أرى منعاً إذا القصد ظهر)، نسب إلى نفسه أنه إذا كان القصد ظاهراً فلا مانع من أن ينوب الثاني عن الفاعل مع نصب الأول. وبالنسبة لـ (أرى) ليس الذي ينوب الثاني عن الأول، بل الثالث عن الثاني، لأن الثاني والثالث هما اللذان أصلهما المبتدأ والخبر. تقول: أُعلِمَ زيدٌ عمراً قائماً، فنائب الفاعل هو (زيد)، والنحويون منعوا من أن يكون نائب الفاعل هو الثاني أو الثالث، وابن مالك يقول: لا أرى منعاً إذا القصد ظهر، مثل أن يقال: أُعلِمَ زيداً فرسُك مسرجاً، فهنا أقيم الثاني، وتقول: أُعلِمَ زيداً فرسَك مسرجٌ، وهنا أقيم الثالث، لكن الظاهر أن الصواب مع الذين منعوه؛ لأنه يتغير المعنى، وقول المؤلف: (إذا القصد ظهر)، قد يكون تصويره صعباً. يقول ابن عقيل رحمه الله: [يعني أنه إذا كان الفعل متعدياً إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل كظن وأخواتها، أو كان متعدياً إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها، فالأشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الأول ويمتنع إقامة الثاني في باب ظن، والثاني والثالث في باب أَعلم، فتقول: ظُن زيدٌ قائماً، ولا يجوز: ظُن زيداً قائمٌ، وتقول: أُعلمَ زيدٌ فرسَك مسرجاً، ولا يجوز إقامة الثاني، فلا تقول: أُعلمَ زيداً فرسُك مسرجاً، ولا إقامة الثالث فتقول: أُعلمَ زيداً فرسَك مسرجٌ. ونقل ابن أبي الربيع الاتفاق على منع إقامة الثاني، ونقل الاتفاق أيضاً ابن المصنف. وذهب قوم منهم المصنف إلى أنه لا يتعين إقامة الأول لا في باب ظن ولا باب أعلم، لكن اشترطوا ألا يحصل لبس، فتقول: ظُن زيداً قائمٌ، وأُعلمَ زيداً فرسُك مسرجاً. وأما إقامة الثالث من باب أعلم فنقل ابن أبي الربيع وابن المصنف الاتفاق على منعه، وليس كما زعما، فقد نقل غيرهما الخلاف في ذلك، فتقول: أُعلمَ زيداً فرسَك مسرجٌ. فلو حصل لبس تعين إقامة الأول في باب ظن وأعلم، فلا تقول: ظُنّ زيداً عمرو، على أن (عمرو) هو المفعول الأول، ولا أُعلمَ زيداً خالدٌ منطلقاً]. وذلك أنك إذا قلت: ظُنَّ زيداً عمرو، كان عمرو هو الذي ظُنَّ أنه زيد، وأنت تريد أن زيداً هو الذي ظُنَّ أنه عمرو، فنقول: إذا كنت تريد هذا فقل: ظُن زيدٌ عمراً، ولا يجوز أن تقول: ظُن زيداً عمرو. أما ظُن زيدٌ منطلقاً، فيجوز أن تقول: ظُن زيداً منطلقٌ، هذا على كلام ابن مالك رحمه الله، لكن كلام الجمهور أَسَدٌّ؛ لأنك إذا قلت: ظُن عمراً منطلقٌ، يكون الكلام ركيك جداً؛ لأنك لو حولته فقلت: ظُن منطلقٌ عمراً، سيكون الكلام ركيكاً، فالظاهر أن ما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح، أنه لا يجوز في باب ظن وأرى أن يتحول العمل إلى الثاني في باب ظن، أو الثالث والثاني في باب أرى، بل يتعين أن يكون الأول هو نائب الفاعل، بخلاف كسا وأعطى، فالأمر فيه سعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما سوى النائب مما علقا بالرافع النصب له محققا] ما: مبتدأ، وقوله: (النصب): مبتدأ ثان، وله: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. والمعنى: ما سوى النائب عن الفاعل مما تعلق بالفعل فإنه منصوب على كل حال، فتقول: ظُن زيدٌ منطلقاً، وأُرِيَ زيدٌ عمراً قائماً.

شرح ألفية ابن مالك [32]

شرح ألفية ابن مالك [32] الأصل أن يتسلط العامل على معموله، لكن قد يتقدم المعمول فيشتغل العامل عنه بضمير أو ما تعلق به هذا الضمير، وهنا يكون للاسم المعمول المتقدم أحوال من حيث نصبه أو رفعه؛ فقد يجوزان على السواء وقد يترجح أحدهما أو يجب.

اشتغال العامل عن المعمول

اشتغال العامل عن المعمول قال المصنف رحمه الله تعالى: [اشتغال العامل عن المعمول: إن مضمر اسم سابق فعلاً شغل عنه بنصب لفظه أو المحل فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتماً موافق لما قد أظهرا] قوله: (اشتغال العامل عن المعمول). العامل يشمل الفعل واسم الفاعل وكل ما يعمل. ومعنى اشتغال العامل عن المعمول: أن يكون العامل مشتغلاً بمعمول آخر يعود على ما سبق، وذلك أن الفعل لا يمكن أن يتسلط على شيئين، فلا يوجد فاعلان في فعل واحد، ولا مفعولان في فعل واحد إذا كانا بمعنى واحد. فمثلاً: زيد ضربته، لا يمكن أن يكون (ضرب) عاملاً في (زيد) وفي الضمير، لكن يمكن أن ينصب مفعولين كل واحد منهما غير الآخر كما مر معنا في باب ظن وأخواتها. واشتغال العامل عن المعمول يكون إما بضميره، وإما بشيء مضاف إلى ضميره، فإذا قلت: زيد ضربته، فهنا اشتغل بضميره، وإذا قلت: زيداً ضربتُ غلامَه، فهذا مشتغل بمضاف إلى ضميره، وكلام ابن مالك يشمل هذا وهذا. ولذلك يقول: (إن مضمر اسم سابق فعلاً شغل عنه بنصب لفظه أو المحل) إن: شرطية. مضمر: على رأي الكوفيين فاعل مقدم على فعله، أو مبتدأ وما بعده خبره، وأما على رأي البصريين فيقولون: مضمر: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، وقد عرفنا الأقوال الثلاثة في مثل هذا التركيب، وأن من العلماء من قال: إنه لا بد أن نقدر فعلاً، ومنهم من قال: إن أدوات الشرط تدخل على الأسماء، ومنهم من قال: إنه يجوز تقديم الفاعل. (فعلاً شغل): فعلاً: مفعول لشغل. وشغل: مفسر للفعل المحذوف، والتقدير: إن شغل مضمر اسم سابق فعلاً عنه بنصب لفظه أو المحل. (عنه) أي: عن هذا السابق، يعني شغله عنه بنصب لفظه أو المحل، أي: سواء كان ذلك شاغلاً عن نصب اللفظ أو المحل: ونصب اللفظ واضح، مثل: ضربت زيداً، تقول: زيداً ضربته، فلا يمكن أن يكون (زيداً) مفعول به والهاء مفعول به؛ بل الفعل انشغل. (أو المحل) مثل أن يكون هذا المشتغل عنه يبنى ولا ينصب، فيكون الاشتغال عن نصب محله. كذلك اسم الإشارة مبني. كأن تقول: هذا ضربته، فهنا اشتغل الضمير عن نصب المحل، ولهذا نقول: ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب. قال رحمه الله: (فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتماً موافقٍ لما قد أظهر) فالسابق انصبه: السابق مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده، ولا نقول إنه مفعول بما بعده، لأن ما بعده مشغول عنه بضميره. انصبه: انصب: فعل أمر، والهاء مفعول به. بفعل: جار ومجرور متعلق بانصب. أُضمر: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والجملة صفة لفعل. حتماً: متعلق بأضمرا، أي: إضماراً حتماً، أي: واجباً، فهو مصدر في موضع الحال، أي: محتوماً. موافق: صفة لفعل. لما قد أظهرا: أي: للفعل الظاهر، ففي قولك: زيداً ضربته، نقول: زيداً: مفعول لفعل محذوف تقديره (ضربت). ولا يصح أن تقول: مفعول لفعل محذوف تقديره: (أهنت)؛ لأنه لابد أن يكون موافقاً لما قد أظهر، فإذا كان الفعل الموجود (ضرب) فلابد أن يكون الفعل المقدر مثله (ضرب). ومثله: طعامك أكلته، طعامك: مفعول به لفعل محذوف والتقدير: أكلت طعامك، ولا يصح أن تقول في التقدير: أتلفت طعامك؛ لأنه لا بد أن يكون الفعل المضمر موافقاً لما قد أظهر. وقوله: (أضمرا) من باب التجوز، والصواب أن يقال: حذف، ولو قال: فالسابق انصبه بفعل حذفا حتماً موافق لما قد عرفا لاستقام الكلام.

المواضع التي يجب فيها نصب الاسم المشتغل عنه

المواضع التي يجب فيها نصب الاسم المشتغل عنه قال المصنف رحمه الله تعالى: [والنصب حتم إن تلا السابق ما يختص بالفعل كإن وحيثما] إذا قلنا: (زيد أكرمته)، نجد أن الفعل انشغل عن نصب (زيد) الذي سبقه بضمير، ولولا هذا الضمير لوجب أن نقول: زيداً أكرمته، على أنه مفعول به مقدم، لكن لما اشتغل الفعل تغير الحكم، فهل الأولى أن نرفع (زيد) أو أن ننصبه؟ نقول: في ذلك تفصيل ذكره المؤلف رحمه الله، وهو من الأحكام التي تشابه ما في الفقه من جريان الأحكام الخمسة: فتارة يترجح الرفع، وتارة يترجح النصب، وتارة يجب الرفع، وتارة يجب النصب، وتارة يجوز الوجهان على السواء. لكن في قول: زيد ضربته، الراجح هو الرفع؛ لأنه لا موجب لترجيح النصب، فيكون الإعراب: زيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. ضربته: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، ولذلك قال: (فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتماً موافق لما قد أظهرا) قوله: (انصبه) أي: جوازاً، ثم بين حكم هذا النصب فقال: (والنصب حتم إن تلا السابق ما يختص بالفعل كإن وحيثما) النصب: مبتدأ، وحتم: خبره. وإن تلا: جملة شرطية، فعل الشرط (تلا)، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله على رأي الجمهور، والصواب أن هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب؛ لأنه مفهوم من السياق. تلا السابق: تلا: فعل ماض، والسابق: فاعل. ما يختص: ما: اسم موصول مفعول به. يختص: الجملة صلة الموصول. بالفعل: جار ومجرور متعلق بيختص. كإن وحيثما: الكاف حرف جر, وإن اسم مجرور، وحيثما معطوف عليه. والمعنى: أنه يتعين النصب إذا تلا السابق -وهو الاسم المتقدم على الفعل- ما يختص بالفعل كإن وحيثما؛ لأن أدوات الشرط تختص بالفعل، لكنه مثل بـ (إن) لأنها حرف، وبـ (حيثما) لأنها اسم. مثاله: إذا قلت: إنْ زيداً لقيته فأكرمه، فهنا يتعين النصب؛ لأن زيداً تلا ما يختص بالفعل وهي (إن) الشرطية، ولو قلت: إنْ زيدٌ لقيته فأكرمه، لقلنا: هذا غلط لا يصح؛ لأنه إذا تلا أداة تختص بالفعل لزم أن نقدر ذلك الفعل ويكون الاسم الموجود مفعولاً به. ومثله: حيثما زيداً لقيته فأكرمه، ولا يصح: حيثما زيدٌ لقيته فأكرمه؛ لأن (حيثما) أداة شرط تختص بالأفعال. إذاً: يتعين النصب إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد أداة تختص بالأفعال.

المواضع التي يجب فيها رفع الاسم المشتغل عنه

المواضع التي يجب فيها رفع الاسم المشتغل عنه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن تلا السابق ما بالابتدا يختص فالرفع التزمه أبدا] (وإن تلا): إن: شرطية. تلا: فعل ماض. السابق: فاعل. ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بالابتداء: جار ومجرور متعلق بيختص. يختص: فعل مضارع وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو، والجملة صلة الموصول أعني (ما). فالرفع: الرفع: مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، ووجب ربطه بالفاء لأن الجملة طلبية، وجواب الشرط إذا كان طلبياً تعين اقترانه بالفاء. التزم: فعل أمر، والهاء: مفعول به. أبداً: ظرف زمان للمستقبل. والمعنى: إذا تلا السابق -وهو الاسم المشتغل عنه- ما يختص بالابتداء وجب الرفع، ولذلك قال (فالرفع التزمه) أي أنه واجب، وعلى هذا إذا تلا السابق ما يختص بالفعل وجب النصب، وإن تلاه ما يختص بالاسم وجب الرفع؛ لأن التقدير حسب ما يقتضيه ذلك العامل. مثاله: إذا وقع الاسم بعد إذا الفجائية، فإن إذا الفجائية لا يليها إلا اسم، تقول: خرجتُ فإذا زيدٌ يضربه عمرو، أي: ففاجأني ضربُ عمروٍ زيداً، ولا يجوز أن تقول: فإذا زيداً يضربه عمرو؛ لأن (إذا) الفجائية تختص بالاسم. ونقول في إعراب (زيد): مبتدأ، والجملة (يضربه) خبر المبتدأ. إذاً: هذان متقابلان، إذا ولي الاسم المشتغل عنه ما يختص بالفعل وجب النصب، كأدوات الشرط، وإن وليه ما يختص بالاسم وجب الرفع كإذا الفجائية. فإذا قلت: خرجت فإذا زيدٌ يضربه عمرو، فزيد مضروب، والعامل فيه (يضرب)، ولهذا تسلط على ضميره، وهنا لا يمكن أن يتسلط (يضرب) على (زيد)؛ لأن زيداً ولي ما يختص بالاسم، فوجب أن تكون الجملة جملة اسمية لا فعلية، ولو حذفنا (إذا) وقلنا: زيد يضربه عمرو، جاز أن ننصب فنقول: زيداً يضربه عمرو، وإن كان مرجوحاً، لكن إذا جاءت (إذا) تعين الرفع؛ لأن إذا الفجائية لا تدخل إلا على الجمل الاسمية، فيتعين الرفع. قال: [كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد ما قبل معمولاً لما بعد وجد] هذا البيت فيه شيء من الركاكة. قوله: (كذا إذا الفعل)، أي: كذا يجب الرفع إذا الفعل تلا الذي لم يرد ما قبله معمولاً لما بعده. يعني: أن الفعل إذا تلا أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها وجب الرفع. أي: إذا كان الفعل الذي اشتغل بضمير السابق أتى بعد أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فإنه يتعين الرفع؛ لأن ما بعدها لا يمكن أن يتسلط على ما قبلها. ومن ذلك: أدوات الاستفهام، فإن أدوات الاستفهام لا يعمل ما بعدها فيما قبلها؛ لأن أداة الاستفهام لها صدر الكلام، فلو عمل ما بعدها فيما قبلها لم يكن لها الصدارة؛ لأنه سبقها معمول ما بعدها، فمثلاً: نقول: زيدٌ هل يكرمه أخوه؟ فزيد الآن وقعت قبل أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وهي (هل) الاستفهامية، فلو قلت: زيداً هل يكرمه أخوه؟ فإن هذا لا يجوز؛ لأن ما بعد (هل) لا يعمل فيما قبلها، إذاً لا يمكن أن يتسلط الفعل الذي بعدها على الاسم الذي قبلها.

المواضع التي يترجح فيها نصب الاسم المشتغل عنه

المواضع التي يترجح فيها نصب الاسم المشتغل عنه قال المصنف رحمه الله تعالى: [واختير نصب قبل فعل ذي طلب وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب وبعد عاطف بلا فصل على معمول فعل مستقر أولا] سبق أن المشتغل عنه تجري فيه الأحكام الخمسة بالنسبة للرفع والنصب: الأول: ما يجب فيه الرفع. الثاني: ما يجب فيه النصب. الثالث: ما يترجح فيه الرفع. الرابع: ما يترجح فيه النصب. الخامس: ما يستوي فيه الأمران الرفع والنصب. وسبق وجوب النصب ووجوب الرفع، وهنا ذكر المؤلف رحمه الله ترجيح النصب على الرفع. قوله: (واختير نصب قبل فعل ذي طلب). اختير: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والذي اختار ذلك هم العرب؛ لأن الذي يصوغ الكلام على الوجه العربي هم العرب، إذاً: فالعرب إذا جاء المشغول عنه قبل فعل ذي طلب قالوه بوجهين: بالرفع وبالنصب، ولكنهم يرجحون النصب. مثاله: زيداً اضربه، ضيفَكَ أَكْرمه، ويجوز أن يقال: ضيفُك أكرمه، وزيدٌ اضربه. وقوله: (ذي طلب) يشمل ما وقع بلفظ الأمر وما وقع بلفظ النهي. ومثال النهي: النمامَ لا تطعه، بالنصب، ويجوز: النمامُ لا تطعه، بالرفع، لكن المرجح هو النصب. قوله: (اختير): فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله. نصب: نائب فاعل. قبل: ظرف متعلق باختير، وهو مضاف إلى (فعل). ذي طلب: ذي: صفة لـ (فعل) مجرورة بالياء؛ لأنها من الأسماء الخمسة، وذي: مضاف، وطلب: مضاف إليه. قوله: (وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب): وبعد: ظرف متعلق باختير، أي: واختير نصب بعد ما إيلاؤه الفعل غلب، أي: بعد الذي غلب إيلاؤه الفعل. ما: اسم موصول، وهو في محل جر لأنه مضاف إليه. إيلاء: مبتدأ، وهو مضاف للضمير. الفعل: مفعول به مقدم منصوب، والذي نصبه (إيلاء)؛ لأن التقدير: وبعد ما غلب إيلاؤه الفعل، فالفعل على هذا يكون منصوباً بإيلاء. غلب: فعل ماض وفاعله ضمير مستتر يعود على إيلاء. قوله: (وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب): هذا هو الموضع الثاني، وهو: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد أداة أو عامل يغلب أن يليه فعل فإنه يختار النصب، ومثلوا لذلك بهمزة الاستفهام، تقول: أزيداً لقيته؟ ويجوز: أزيدٌ لقيته؟ لكن المرجح هو النصب، ووجه الترجيح: أن هذه الأداة لا يليها إلا فعل، فصار تقدير الفعل بعدها ليتسلط على المشغول عنه أولى من كونه مرفوعاً بالابتداء. إذاً: الموضع الثاني مما يترجح فيه النصب: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد أداة يغلب أن يليها فعل، مثل همزة الاستفهام. الموضع الثالث: قال: [وبعد عاطف بلا فصل على معمول فعل مستقر أولا] أي: وإذا وقع الاسم المشغول عنه بعد عاطف على مفعولِ فعلٍ مستقر أولاً، فإنه يترجح النصب. قوله: (وبعد): الواو: حرف عطف، بعد: ظرف منصوب على الظرفية بالفتحة الظاهرة، وهو مضاف إلى: عاطف. بلا فصل: جار ومجرور، لكن نعرب (بلا فصل) بالتفصيل فنقول: الباء: حرف جر. لا: حرف لا يمكن أن يقع عليه الإعراب فنقل إعرابه إلى ما بعده، ولهذا لا نقول: إن (لا) مضافة إلى فصل، بل نقول: إن العمل تعداها إلى ما بعدها؛ لأنها حرف لا يتسلط عليه العامل. وقال بعض المعربين: إن (لا) هنا بمعنى (غير)، وعلى هذا فتكون الباء حرف جر، و (لا) اسم مجرور اعتباراً بمعناها، مبنية على السكون في محل جر، وتكون مضافة إلى (فصل)، وهذا يرد كثيراً في كلام القدامى. وقوله: (على معمول فعل)، على: حرف جر. معمول: اسم مجرور بعلى، وهو متعلق بعاطف، ومعمول: مضاف وفعل: مضاف إليه. مستقر: صفة لفعل. أولاً: ظرف مكان، ويجوز أن يكون ظرف زمان. والمعنى: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد حرف عطفٍ على معمول فعل سابق فإنه يترجح النصب. مثال ذلك: ضربتُ زيداً وعمراً أكرمته، ويجوز: وعمرو أكرمته، ولكن الراجح: وعمراً أكرمته؛ لأنك إذا نصبته فقد جعلت الجملة فعلية، وهي أنسب للجملة التي سبقتها؛ لأن الجملة التي سبقتها فعلية، ولهذا نقول: إنك إذا قلت: جاء زيدٌ وعمرو أكرمته، فهذا جائز، لكن الأولى وعمراً أكرمته؛ لأن عطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية أولى من عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية؛ للتناسب. وقوله: (بلا فصل) احترازاً مما لو فصل، مثل أن تقول: قدم زيدٌ وأما عمرو فحبسه العدو، فهنا نقول: (عمرو) لا تكون معطوفة على ما سبق؛ لوجود الفصل بـ (بأما)، فلا تصح الجملة معطوفة على ما سبق لوجود الفصل، وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (بلا فصل).

جواز الرفع والنصب في الاسم المشتغل عنه

جواز الرفع والنصب في الاسم المشتغل عنه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن تلا المعطوف فعلاً مخبرا به عن اسم فاعطفن مخيرا] قوله: (وإن تلا المعطوف) يريد به الاسم المشغول عنه (فعلاً مخبراً به عن اسم) أي: جملة فعلية مخبراً بها عن اسم (فاعطفن مخيراً) أي: بين الرفع والنصب. الإعراب: إن: شرطية. تلا: فعل ماض، وهو في محل جزم فعل الشرط. المعطوف: فاعل. فعلاً: مفعول لتلا. مخبراً: صفة له. به: جار ومجرور متعلق بمخبراً. عن اسم: جار ومجرور متعلق بها أيضاً. فاعطفن: الفاء حرف رابط لجواب الشرط، اعطفن: فعل أمر مؤكد بنون التوكيد، وعلى هذا فهو مبني على الفتح، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. مخيراً: حال من الضمير المستتر في (اعطفن)، يعني: حال كونك مخيراً بين الرفع والنصب. ومعنى البيت: أن الاسم المشغول عنه إذا تلا فعلاً مخبراً به عن اسم فأنت بالخيار بين الرفع والنصب. وقول المؤلف رحمه الله: (فعلاً مخبراً) فيه تسامح؛ لأن المخبر به هي الجملة وليس الفعل، ولهذا لو قلت: زيدٌ يقوم، ما تقول: يقوم: خبر زيد، بل تعرب الجملة مستقلة ثم تقول: والجملة في محل رفع خبر زيد؛ لكن قد يعتذر للمؤلف بأنه عبر عن الجملة بالفعل الواقع خبراً إشارة إلى وجهة النصب، لكن هذا العذر قد ينفع وقد لا ينفع. مثال ذلك: تقول: زيدٌ أكرمته وعمرو أهنته، أو زيدٌ أكرمته وعمراً أهنته، فهنا يجوز في (عمرو) الوجهان: الرفع والنصب، ولا يترجح أحدهما على الآخر، لقوله: (اعطفن مخيراً)؛ وذلك لأن الجملة الأولى تضمنت جملتين: جملة ابتدائية وهي الجملة الكبرى، وجملة فعلية وهي الجملة الصغرى الواقعة خبراً، فإن راعيت صدر الجملة ترجح الرفع؛ لأنها جملة مبتدأة بالابتداء، وإن راعيت عجز الجملة ترجح النصب؛ لأن عجز الجملة جملة فعلية. فإن قلت: زيدٌ أبوه قائم وعمرو أكرمته، الرفع في (عمرو) أرجح؛ لأن الجملة في صدرها وعجزها جملة اسمية، فليس هناك فعل يرجح النصب، ولهذا قال المؤلف: (فعلاً مخبراً به عن اسم فاعطفن مخيراً).

ترجيح الرفع على النصب في الاسم المشتغل عنه

ترجيح الرفع على النصب في الاسم المشتغل عنه قال المصنف رحمه الله تعالى: [والرفع في غير الذي مر رجح فما أبيح افعل ودع ما لم يبح] قوله: (والرفع في غير الذي مر رجح) يفهم منه أن الموجبات للرفع والنصب والمرجحات للنصب معددوة، ولهذا جعل الأصل هو الرفع فقال: (والرفع في غير الذي مر رجح). وعليه فنقول: يجب النصب في كذا، والرفع في كذا، ويترجح النصب في كذا، ويجوز الأمران في كذا، وما عدا ذلك فالرفع أرجح، وذلك لسببين: السبب الأول: أنه الأصل، والسبب الثاني: أن العامل مشغول. ثم قال: (فما أبيح افعل ودع ما لم يبح) لو قال قائل: ما الفائدة من هذا الشطر؟ نقول: هذا ليس مجرد تكميل، لكن كأنه يقول ما جاز فافعله ولا تبالِ بمن اعترض عليك، وما لم يبح فدعه ولا تبالِ بمن ناقضك وقال: كيف يمتنع كذا ويجوز كذا؟ فكأنه يقول: الزم هذه القواعد ولا يهمنك أحد، وهذا أولى من أن يقال: إن هذا الشطر تكملة لما سبق وإنه لا فائدة منه، وإنه تحصيل حاصل، فليس هو تحصيل حاصل، بل هذا هو السبب.

حكم فصل الفعل المشغول عن الشاغل بحرف جر أو بإضافة

حكم فصل الفعل المشغول عن الشاغل بحرف جر أو بإضافة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفصل مشغول بحرف جر أو بإضافة كوصل يجري] قوله: (فصل): مبتدأ، وهو مضاف إلى (مشغول). بحرف جر: متعلق بمشغول. أو بإضافة: معطوف على حرف جر، أي: أو مشغول بإضافة. كوصل: جار ومجرور. يجري: فعل مضارع، والجملة خبر قوله: (فصل). والمعنى: أن المشغول -الذي هو الفعل- إذا فصل عن الشاغل بحرف جر فهو كما لو اتصل به، فإذا قلت: زيد اضربه، فالراجح هو النصب؛ لأنه فعل طلب، وكذلك: زيد امررْ به، يترجح أيضاً النصب؛ لأن الفصل هنا بحرف الجر كالوصل، وعلى هذا فنقول: زيداً امرر به، أرجح من: زيدٌ امرر به. كذلك أيضاً: زيداً مررت به، يجوز الوجهان والرفع أرجح؛ لأنه ليس هناك سبب يقتضي خلاف ذلك، كما قال: والرفع في غير الذي مر رجح). كذلك أيضاً: إذا فصل المشغول عن الشاغل بمضاف فهو كما لو اتصل به، فتقول: زيداً اركب سيارته، فالراجح النصب؛ لأن المشغول فعل طلب، فقولك: زيداً ارْكبْ سيارته، أرجح من قولك: زيدٌ اركبْ سيارته. ولو قلت: زيد أكرمت غلامه، فالراجح الرفع. إذاً: استفدنا من هذا أن الشاغل لا فرق بين أن يكون متصلاً بالمشغول أو مفصولاً بحرف جر أو إضافة.

الوصف العامل عمل الفعل كالفعل في باب الاشتغال

الوصف العامل عمل الفعل كالفعل في باب الاشتغال قال المصنف رحمه الله تعالى: [وسوِّ في ذا الباب وصفاً ذا عمل بالفعل إن لم يك مانع حصل] سوِّ: فعل أمر. في ذا الباب: أي في هذا الباب وهو متعلق بـ (سوِّ). وصفاً: مفعول سوِّ. ذا عمل: صفة لوصف. بالفعل: متعلق بسوِّ. (إن لم يك مانع حصل) إن: شرطية، لم: جازمة، يك: فعل مضارع مجزوم بلم؛ لأنها المباشرة. مانع: اسم (يكن)، ويجوز أن يكون فاعلاً، فعلى الأول تكون جملة (حصل) خبر يكن، وعلى الثاني تكون صفة لـ (مانع). ومعنى البيت: أن الوصف الذي يعمل عمل الفعل كالفعل تماماً، والمراد بالوصف: اسم الفاعل واسم المفعول. إلا إذا كان هناك مانع يمنع من عمله فإنه لا يلحق بالفعل. فمثلاً: اسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا كان للحال أو الاستقبال، وإن كان للماضي فإنه لا يعمل عمل الفعل، فإذا قلت: زيدٌ أنا ضاربُه أمس، فهنا لا يعمل، فيتعين الرفع في (زيد)؛ وذلك لأن الوصف لا يتسلط لو باشره فكيف إذا لم يباشره؟! ولو قلت: زيد أنا ضاربه غداً، جاز الوجهان: الرفع والنصب، ولو قلت: زيد أنا الضاربه، فإنه لا يصلح أن ننصبه؛ لأنه وجد فيه (أل) و (أل) تمنع من عمل ما بعدها فيما قبلها. والحاصل: أن ما يعمل عمل الفعل يجري مجرى الفعل، ما لم يوجد مانع.

ما يتعلق بالتابع كالذي يتعلق بنفس الاسم في باب الاشتغال

ما يتعلق بالتابع كالذي يتعلق بنفس الاسم في باب الاشتغال قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعلقة حاصلة بتابع كعلقة بنفس الاسم الواقع] (علقة) بمعنى: علاقة، وهي مبتدأ سوغ الابتداء بها وهي نكرة الوصف، حيث قال: (حاصلة). بتابع: جار ومجرور متعلق بحاصلة. كعلقة: الجار والمجرور خبر (علقة) الأولى. بنفس الاسم الواقع: متعلقة بـ (علقة) الثانية. والمعنى: أن ما يتعلق بالتابع كالذي يتعلق بنفس الاسم، فتقول مثلاً: زيد مررت برجل يحبه. فعندنا الآن علاقة حاصلة بالتابع؛ لأن ضمير (زيد) السابق متصل بالفعل الذي هو (يحب)، والفعل الذي هو (يحب) صفة لرجل. وهذا البيت يشبه ما سبقه: أن فصل المشغول بحرف جر أو إضافة كالوصل، وهذا ليس مفصولاً بحرف جر ولا بإضافة، ولكنه مشغول بوصف ما تسلط عليه الفعل. مثال آخر: زيداً أكْرِمْ رجلاً يحبه، بالنصب؛ لأن المشغول كان فعل طلب، وإذا كان المشغول فعل طلب فالراجح النصب. قوله: (بنفس الاسم الواقع). الاسم الواقع هو المشغول عنه، والمشغول هو الفعل الذي شغله ضمير الاسم المشغول عنه. والخلاصة: أنه إذا وجد ضمير المشغول عنه في وصف هو الشاغل، فهو كما لو كان متصلاً بالفعل مباشرة، هذا هو المعنى، والمثال يوضح ذلك. قال في الشرح: [إذا عمل الفعل في أجنبي وأتبع بما اشتمل على ضمير الاسم السابق من صفة، نحو: زيداً ضربت رجلاً يحبه، أو عطف بيان نحو: زيداً ضربت عمراً أباه، أو معطوف بالواو خاصة نحو: زيداً ضربت عمراً وأخاه؛ حصلت الملابسة بذلك كما تحصل بنفس السببي، فينزل: ضربتُ رجلاً يحبه، منزلة: زيداً ضربتُ غلامه، وكذلك الباقي، وحاصله: أن الأجنبي إذا أتبع بما فيه ضمير الاسم السابق جرى مجرى السببي]. السببي هو الذي يتعلق بالإضافة أو بحرف الجر، وهو الذي أشار إليه في قوله: (وفصل مشغول بحرف جر أو بإضافة). فإذا قلت: زيداً أكرمت غلامه، فأنت إنما أكرمت الغلام، لكن ارتباط الغلام بزيد صار سببية، مثل: زيد قائم أبوه، فالقيام من الأب مع أنه صفة لزيد، فالسببي هو الذي يكون له صلة بما يتحدث عنه، سواء كان مشغولاً أو مبتدأً.

شرح ألفية ابن مالك [33]

شرح ألفية ابن مالك [33] تنقسم الأفعال من حيث العمل في المفعول به إلى متعدية ولازمة، ولكن من المعدى واللازم علامات يعرف بها وصيغ يأتي منها، وإذا نصب المعدى مفعولين أحدهما فاعل في المعنى فالأصل تعديمه، وقد يجب ذلك، وقد يحذف ناصبه.

تعدي الفعل ولزومه

تعدي الفعل ولزومه

علامة الفعل المتعدي

علامة الفعل المتعدي قال المصنف رحمه الله تعالى: [تعدي الفعل ولزومه. علامة الفعل المعدى أن تصل ها غير مصدر به نحو عمل] الفعل ينقسم إلى قسمين: الأول: متعد، وهو الذي ينصب المفعول به، وعلامته أنه يصح تحويله إلى اسم المفعول. الثاني: لازم: وهو ما لا ينصب المفعول به، وعلامته: أنه لا يصح أن يصاغ منه اسم المفعول. ولهذا حصر المؤلف الترجمة في هذين فقال: تعدي الفعل ولزومه، ثم ذكر العلامة فقال: (علامة الفعل المعدى أن تصل ها غير مصدر به نحو عمل) هذه علامة الفعل المتعدي، بالإضافة إلى العلامة التي ذكرت وهي: أن يصح منه صيغة اسم المفعول. قوله: (علامة) مبتدأ وهو مضاف إلى الفعل. المعدى: صفة للفعل. أن تصل: أن: مصدرية، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ وهو قوله: (علامة)، فيكون تقدير الكلام: علامة الفعل المعدى وصلك به. ها غير: هاء: مفعول (تصل) منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية، و (ها) مضاف و (غير) مضاف إليه، و (غير) مضاف و (مصدر): مضاف إليه. (به): جار ومجرور متعلق بتصل. نحو عمل: نحو: خبر مبتدأ محذوف والتقدير: ذلك نحو عمل. يقول المؤلف رحمه الله: علامة الفعل المعدى أن يتصل به ضمير المفعول به، فمثلاً: (جاء) فعل لازم ومتعدي، فإذا قلت: جاء زيد بمعنى قدم، فهو لازم، وإذا قرأت قول الله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء:90]، فهو متعد، وكذلك قوله تعالى: {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء:206]. مثال آخر للمتعدي: (سمع)؛ لأنه يصح أن تصل به هاء الضمير فتقول: سمعه. وقوله: (ها غير مصدر) يخرج هاء المصدر، فإنها تتصل بالفعل ولو لازماً، مثل: القيام قمته، القعود قعدته، الكلام تكلمته وهلم جرا. فالهاء الداخلة على المصدر لا تدل على أن الفعل متعد، وذلك لأن الفعل اللازم يصاغ منه المصدر كما يصاغ من الفعل المتعدي. العلامة الثانية: أنه يصح منه صياغة اسم المفعول بدون حاجة إلى حرف جر، مثل: قتل، اسم المفعول منه: مقتول؛ فهو متعد؛ لأنه يصح منه صوغ اسم المفعول بدون حاجة إلى حرف جر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فانصب به مفعوله إن لم ينب عن فاعل نحو تدبرت الكتب] قوله: (فانصب به) أي بالفعل المتعدي. (مفعوله)، ومفعول هنا مفرد مضاف فيعم المفعول الواحد والمفعولين والثلاثة. وقوله: (إن لم ينب عن فاعل) أي: إن لم ينب المفعول عن فاعل، فإن ناب عنه فإنه يعطى حكم الفاعل فيكون مرفوعاً. (نحو: تدبرت الكتب)، (تدبر) فعل متعد، و (الكتب) مفعول به. أفادنا المؤلف رحمه الله في هذين البيتين تعريف المعدى وحكمه، فالمتعدي: هو ما صح أن تصل به (هاء) غير المصدر، وحكمه: أنه ينصب به مفعوله، إلا أن ينوب المفعول عن الفاعل فإنه يكون مرفوعاً، كما سبق في النائب عن الفاعل. قوله: (فانصب): الفاء: للتفريع. انصب: فعل أمر. به: جار ومجرور متعلق بانصب. مفعول: مفعول (انصب). إن لم ينب: إن شرطية، لم: حرف نفي وجزم وقلب، ينب: فعل مضارع مجزوم بلم، والجملة في محل جزم فعل الشرط. عن فاعل: جار ومجرور متعلق بـ (ينب). نحو: خبر مبتدأ محذوف والتقدير: ذلك نحو تدبرت الكتب، و (نحو) مضاف و (تدبرت الكتب): مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. وجواب الشرط محذوف، وقيل: لا يحتاج إلى جواب لا مقدر ولا مذكور، أما الذين قالوا إنه محذوف فقالوا: التقدير: إن لم ينب عن فاعل فانصب به. وقوله: (فانصب به مفعوله إن لم ينب) لا يدل على أنه لابد من وجود المفعول، لكن إذا وجد المفعول وجب نصبه بالفعل المتعدي، وإلا فقد يحذف المفعول كقوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6]، فالمفعول محذوف تقديره: فآواك، {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:7] أي: هداك، {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى:8] أي: أغناك. لكن المعنى: أنه ينصب المفعول سواء كان مذكوراً أو محذوفاً. قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6] يمكن أن نقول: فآواك وآوى بك، فبدل أن كنت فقيراً تحتاج إلى من تأوي إليه أصبحت أنت مأوى، وهذا صحيح، فمعنى الآية: آواك وآوى بك. وقد قال أبو طالب في لاميته المشهورة: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل الشاهد: ثمال اليتامى عصمة للأرامل، أي: أنه يتولى الأيتام ويواسيهم، ويجبر كسرهم. إذاً: آوى أي: آواك وآوى بك، وهدى أي: هداك وهدى بك. وأغنى أي: أغناك وأغنى بك. ولهذا امتن النبي صلى الله عليه وسلم على الأنصار بهذا فقال: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي، ومتفرقين فجمعكم الله بي) قالوا: الله ورسوله أمن، ولكنه صلى الله عليه وسلم اعترف لهم بالفضل وقال: (لو شئتم لقلتم: كنت طريداً فآويناك) الحديث. فعلى كل حال: إن الله تعالى آوى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وآوى به، وهداه وهدى به، وأغناه وأغنى به.

فائدة معرفة الفعل المتعدي واللازم

فائدة معرفة الفعل المتعدي واللازم إذا قال قائل: ما هي فائدة معرفتنا للمتعدي واللازم؟ قلنا: من أجل أننا إذا فقدنا المفعول به عرفنا أنه محذوف، هذا من حيث العموم. ومن حيث الخصوص فيما يتعلق بأسماء الله: إذا كان الاسم متعدياً لم يتم الإيمان به إلا بأمور ثلاثة: الاسم، والصفة، والأثر الذي هو الحكم، وإذا كان لازماً اكتفي بالإيمان بالاسم والإيمان بالصفة. فمثلاً: الحي، لازم؛ لأنه من حيي، فهو لازم، فيتم الإيمان به إذا آمنا بالاسم والصفة التي دل عليها. والسميع متعد، فلا بد أن نؤمن بالاسم والصفة التي دل عليها الاسم، والثالث: الأثر أنه يسمع، فهو سميع بسمع يسمع به.

الفعل اللازم وضوابطه

الفعل اللازم وضوابطه

لزوم أفعال السجايا

لزوم أفعال السجايا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولازم غير المعدى وحتم لزوم أفعال السجايا كنهم] لازم: خبر مقدم. غير: مبتدأ مؤخر، أي: وغير المعدى لازم، هذا إعراب. وهناك إعراب آخر أن يقال: لازم: مبتدأ. غير: خبر المبتدأ. فإن كنت تريد أن تخبر عن حكم المعدى صارت كلمة (لازم) خبراً مقدماً، وإن كنت تريد أن تعرف اللازم، فتكون (غير المعدى) هي الخبر. ويرد على هذا التقدير: أن (لازم) نكرة، والابتداء بالنكرة ممنوع، لكن يجاب عنه: بأن المقام مقام تفصيل وتقسيم، فيجوز أن يبتدأ بالنكرة، على حد قول الشاعر: فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر وقوله: (وحتم) الواو: حرف عطف، والفعل مبني لما لم يسم فاعله. لزوم: نائب فاعل، وهو مضاف إلى (أفعال)، وأفعال مضاف إلى (السجايا). كنهم: جار ومجرور. يقول رحمه الله: إن اللازم من الأفعال هو غير المعدى، فلا ينصب المفعول به. هذا هو اللازم: ما لا ينصب المفعول به. ثم ذكر رحمه الله ضوابط فقال: (وحتم لزوم أفعال السجايا). السجايا: جمع سجية وهي الطبيعة، أي: الأفعال الدالة على الطبيعة والانفعال وما أشبه ذلك، فهذه يلزم فيها أن تكون لازمة؛ لأن طبيعة الإنسان أو طبيعة المضاف إليه الفعل لازمة، فينبغي أن يكون الفعل أيضاً لازماً، مثل: نَهِم، والنهم هو: الذي لا يشبع، أي: شديد الحرص على الطعام، يأكل بأصابعه الخمس ولا يشبع، ويتابع بسرعة، وإذا مدت الأيدي إلى الطعام كان أعجل القوم. فالنهم: صفة طبيعية في الإنسان، فمن الناس من هو نهم، ومن الناس من هو غير نهم. إذاً: جميع أفعال الطبائع تعتبر لازمة كنهِم. وإذا قلت: فلان شَرُف طبعاً، أي: شريف الطبع، فـ (شرف) لازم؛ لأنك جعلت الشرف له طبيعة، ومثله: كرم، بخل، ظرف وغير ذلك.

لزوم ما كان على وزن افعلل وافعنلل وما اقتضى نظافة أو دنسا

لزوم ما كان على وزن افعلل وافعنلل وما اقتضى نظافة أو دنساً قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذا افعلل والمضاهي اقعنسا وما اقتضى نظافة أو دنسا] قوله: (كذا): جار ومجرور خبر مقدم. افعلل: مبتدأ مؤخر. والمضاهي: معطوفة عليه، وفيه ضمير مستتر فاعل. اقعنسسا: مفعول (المضاهي). وما اقتضى: معطوفة على (افعلل)، وما: اسم موصول مبني السكون في محل رفع، واقتضى: صلة الموصول، والفاعل مستتر. نظافة: مفعول به. أو دنساً: معطوف عليه. قوله: (كذا افعلل) أي: كل فعل على وزن افعلل فهو لازم، ولا يمكن أن يتعدى للمفعول به، مثاله: اقشعرَّ، اطمأنَّ، اَكفهرَّ، ونحو ذلك. قوله: (والمضاهي اقعنسسا) أي: المشابه له في الوزن، وهو كل ما كان على وزن (افعنلل) نحو: احر نجم. تقول: اقعنسس البعير، إذا امتنع من الانقياد، فهي تشبه من بعض الوجوه: تقاعس عن الشيء، أي: لم يمض فيه. فكل ما كان على وزن (افعنلل) فهو لازم. قال: (وما اقتضى نظافة أو دنساً). هذا باب واسع، فكل كل ما اقتضى نظافة أو دنساً فهو لازم. تقول: نظف الثوب، وطهر المكان، فنظف وطهر فعلان لازمان؛ لأنهما يقتضيان نظافة. وتقول: اتسخ الثوب، فاتسخ فعل لازم لأنه يقتضي دنسا.

كل فعل دل على عرض أو طاوع المتعدي لواحد فهو فعل لازم

كل فعل دل على عرض أو طاوع المتعدي لواحد فهو فعل لازم قال المصنف رحمه الله تعالى: [أو عرضاً أو طاوع المعدى لواحد كمده فامتدى] قوله: (أو عرضاً) أو: حرف عطف، عرضاً: معطوف على نظافة، أي: أو اقتضى عرضاً. أو: حرف عطف. طاوع: فعل ماض، وهو معطوف على جملة الصلة في قوله: (وما اقتضى نظافة)، أي: وما اقتضى نظافة أو ما طاوع المعدى لواحد. المعدى: مفعول به. لواحد: متعلق بالمعدى. كمده فامتد! الكاف: حرف جر، ومده فامتد: اسم مجرور بالكاف؛ لأنه على تقدير: كهذا المثال، فمنع من ظهور الحركة الحكاية. يقول: كذلك أيضاً كل ما اقتضى عرضاً، والعرض معناه: الصفة التي تعرض وتزول، مثل: غضب، حزن، مرض، فرح، رضي، جاع، ضحك، حزن ونحو ذلك، فكل ما كان يعرض ويزول فإنه يكون لازماً. قوله: (أو طاوع المعدى لواحد) هذا أيضاً من الضوابط: أن يطاوع المعدى لواحد، ومعنى طاوعه: صار المعدى مؤثراً فيه، أي: ما حصل نتيجة تأثير هذا المطاوع، مثل: مده فامتد، شده فاشتد، ضربه فانضرب، حده فاتحد، فما كان مطاوعاً للمتعدي فهو فعل لازم. وإذا طاوع فعلاً يتعدى لاثنين فما الحكم؟ يتعدى لواحد، إذاً: إن طاوع ما يتعدى لواحد فهو لازم، وإن طاوع ما يتعدى لاثنين نصب مفعولاً واحداً، مثاله: علَّمت الطالبَ النحوَ فتعلَّمه. فصار الفعل المطاوع لما يتعدى لواحد لازماً، والمطاوع لما يتعدى لاثنين متعدياً لواحد.

تعدي الفعل اللازم بحرف الجر

تعدي الفعل اللازم بحرف الجر قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعد لازماً بحرف جر وإن حذف فالنصب للمنجر نقلاً وفي أنَّ وأنْ يطرد مع أمن لبس كعجبت أن يدوا] قوله: (وعد لازماً بحرف جر) أي: أن الفعل اللازم لا ينصب المفعول بنفسه، لكن يعدى بحرف جر مناسب، فإذا وجدنا فعلاً لازماً جاز أن نعديه بحرف الجر، فمثلاً: فرح زيد، (فرح) فعل لازم، إذا أردت أن تعديه تقول: فرح زيد بالنجاح، فعديته بحرف جر، وهذا كثير. قوله: (فإن حذف فالنصب للمنجر نقلاً) إلخ، أي: إذا حذف حرف الجر من الفعل اللازم فإن المجرور ينصب، لكن هل هو قياسي، بمعنى أنه يجوز لكل واحد أن يحذف حرف الجر مما تعلق بفعل لازم؟ يقول المؤلف (نقلاً) أي: أنه سمع من كلام العرب، ونقل من كلامهم أنهم يحذفون حرف الجر من متعلق الفعل اللازم وينصبونه، ومنه قول الشاعر: تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذاً حرام فقال: تمرون الديار، والأصل: تمرون بالديار، لكنه حذف حرف الجر ونصبه. ونقول في إعرابه: تمرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل. الديار: منصوب بنزع الخافض، ولا نقول: إن الديار مفعول به؛ لأن هذا الفعل لازم لا ينصب المفعول به، فيكون الديار هنا منصوبة بنزع الخافض، والأصل: تمرون بالديار، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. ولا يصح أن يقال: مررت زيداً، بدل: مررت بزيد، قياساً على ما ورد عن العرب حين قالوا: تمرون الديار؛ وذلك لأن الشعر يحفظ ولا يقاس عليه، فإن قيل: لكن لغتنا العرفية تأبى إلا أن تقيس فيقولون: مررت زيداً، مررت البيت، وما أشبه ذلك. فنقول اللغة العرفية لا تحكم على اللغة العربية. قوله: (وعد): الواو: حرف عطف وعد: فعل أمر، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. لازماً: مفعول عد. بحرف: جار ومجرور متعلق بعد، وهو مضاف إلى (جر). وإن حذف: الواو: حرف عطف، إن: شرطية، حذف: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، وهو فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه تقدير هو. فالنصب: الفاء: رابطة للجواب، والنصب: مبتدأ. للمنجر: الجار والمجرور خبر المبتدأ، والجملة الخبرية في محل جزم جواب الشرط. وقوله: (نقلاً) حال، وصاحب الحال هو الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور، أي: فالنصب كائن للمنجر نقلاً. (وفي أنَّ وأنْ يطرد) في: حرف جر. أنَّ: مجرور بفي باعتبار اللفظ. وأنْ: معطوفة عليها، والجار والمجرور متعلق بـ (يطرد). (مع أمن لبس) مع: ظرف مكان، وهو هنا مبني على السكون من أجل الروي، وهو مضاف إلى (أمن)، و (أمن) مضاف إلى (لبس). كعجبت أن يدوا: الكاف: حرف جر، وعجبت أن يدوا: كلها مجرورة بالكاف وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الآخر منع من ظهورها الحكاية. يقول المؤلف رحمه الله: (وفي أن وأن يطرد) أي: أن حذف حرف الجر في أنَّ وأنْ يطرد، ومعنى قوله: (يطرد): أنه سمع نقلاً وجاز استعمالاً. (مع أمن لبس) أي: أنه يشترط لجواز حذف حرف الجر مع أنّ وأنْ: ألا يكون هناك لبس، فإن كان هناك لبس امتنع حذف حرف الجر لئلا يقع المخاطب في لبس. مثاله: عجبت أن يدوا، يدوا بمعنى: يعطوا الدية، وأصلها: عجبت من أن يدوا؛ وإعرابها: عجبت: فعل وفاعل. أن: حرف مصدري ينصب الفعل المضارع. يدوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل، وأنْْ وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، والخافض هنا محذوف اطراداً. وقول ابن مالك (مع أمن لبس) هذا قيد، فإن خيف اللبس فإنه لا يجوز حذف حرف الجر، مثل: رغبت أن أجلس إلى زيد، فكلمة (رغبت) تحتمل: رغبت عن الجلوس إليه، أو رغبت في الجلوس إليه، فأنت إذا خاطبت أحداً وقلت: رغبت أن أجلس إلى زيد، فإنه لا يدري هل أنت ترغب في الجلوس إليه، أو ترغب عن الجلوس إليه. فإذا قلت: رغبت أن أجلس إلى زيد لأنه يلهيني، فهنا يجوز حذف حرف الجر؛ لأنه زال اللبس بهذا التعليل. فالحاصل: أن الفعل اللازم يتعدى إلى المفعول به بحرف الجر، فإن حذف حرف الجر وجب نصب المجرور ويقال: إنه منصوب بنزع الخافض. وحذف حرف الجر ونصب المجرور في أنّ وأنْ مطرد، وفيما سوى ذلك ليس بمطرد، بل مقصور على السماع.

الترتيب بين المفعولين

الترتيب بين المفعولين قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعد لازماً بحرف جر وإن حذف فالنصب للمنجر نقلاً وفي أنَّ وأنْ يطرد مع أمن لبس كعجبت أن يدوا] قوله: (وعد لازماً بحرف جر) أي: أن الفعل اللازم لا ينصب المفعول بنفسه، لكن يعدى بحرف جر مناسب، فإذا وجدنا فعلاً لازماً جاز أن نعديه بحرف الجر، فمثلاً: فرح زيد، (فرح) فعل لازم، إذا أردت أن تعديه تقول: فرح زيد بالنجاح، فعديته بحرف جر، وهذا كثير. قوله: (فإن حذف فالنصب للمنجر نقلاً) إلخ، أي: إذا حذف حرف الجر من الفعل اللازم فإن المجرور ينصب، لكن هل هو قياسي، بمعنى أنه يجوز لكل واحد أن يحذف حرف الجر مما تعلق بفعل لازم؟ يقول المؤلف (نقلاً) أي: أنه سمع من كلام العرب، ونقل من كلامهم أنهم يحذفون حرف الجر من متعلق الفعل اللازم وينصبونه، ومنه قول الشاعر: تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذاً حرام فقال: تمرون الديار، والأصل: تمرون بالديار، لكنه حذف حرف الجر ونصبه. ونقول في إعرابه: تمرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل. الديار: منصوب بنزع الخافض، ولا نقول: إن الديار مفعول به؛ لأن هذا الفعل لازم لا ينصب المفعول به، فيكون الديار هنا منصوبة بنزع الخافض، والأصل: تمرون بالديار، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. ولا يصح أن يقال: مررت زيداً، بدل: مررت بزيد، قياساً على ما ورد عن العرب حين قالوا: تمرون الديار؛ وذلك لأن الشعر يحفظ ولا يقاس عليه، فإن قيل: لكن لغتنا العرفية تأبى إلا أن تقيس فيقولون: مررت زيداً، مررت البيت، وما أشبه ذلك. فنقول اللغة العرفية لا تحكم على اللغة العربية. قوله: (وعد): الواو: حرف عطف وعد: فعل أمر، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. لازماً: مفعول عد. بحرف: جار ومجرور متعلق بعد، وهو مضاف إلى (جر). وإن حذف: الواو: حرف عطف، إن: شرطية، حذف: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، وهو فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه تقدير هو. فالنصب: الفاء: رابطة للجواب، والنصب: مبتدأ. للمنجر: الجار والمجرور خبر المبتدأ، والجملة الخبرية في محل جزم جواب الشرط. وقوله: (نقلاً) حال، وصاحب الحال هو الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور، أي: فالنصب كائن للمنجر نقلاً. (وفي أنَّ وأنْ يطرد) في: حرف جر. أنَّ: مجرور بفي باعتبار اللفظ. وأنْ: معطوفة عليها، والجار والمجرور متعلق بـ (يطرد). (مع أمن لبس) مع: ظرف مكان، وهو هنا مبني على السكون من أجل الروي، وهو مضاف إلى (أمن)، و (أمن) مضاف إلى (لبس). كعجبت أن يدوا: الكاف: حرف جر، وعجبت أن يدوا: كلها مجرورة بالكاف وعلامة جرها الكسرة المقدرة على الآخر منع من ظهورها الحكاية. يقول المؤلف رحمه الله: (وفي أن وأن يطرد) أي: أن حذف حرف الجر في أنَّ وأنْ يطرد، ومعنى قوله: (يطرد): أنه سمع نقلاً وجاز استعمالاً. (مع أمن لبس) أي: أنه يشترط لجواز حذف حرف الجر مع أنّ وأنْ: ألا يكون هناك لبس، فإن كان هناك لبس امتنع حذف حرف الجر لئلا يقع المخاطب في لبس. مثاله: عجبت أن يدوا، يدوا بمعنى: يعطوا الدية، وأصلها: عجبت من أن يدوا؛ وإعرابها: عجبت: فعل وفاعل. أن: حرف مصدري ينصب الفعل المضارع. يدوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل، وأنْْ وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، والخافض هنا محذوف اطراداً. وقول ابن مالك (مع أمن لبس) هذا قيد، فإن خيف اللبس فإنه لا يجوز حذف حرف الجر، مثل: رغبت أن أجلس إلى زيد، فكلمة (رغبت) تحتمل: رغبت عن الجلوس إليه، أو رغبت في الجلوس إليه، فأنت إذا خاطبت أحداً وقلت: رغبت أن أجلس إلى زيد، فإنه لا يدري هل أنت ترغب في الجلوس إليه، أو ترغب عن الجلوس إليه. فإذا قلت: رغبت أن أجلس إلى زيد لأنه يلهيني، فهنا يجوز حذف حرف الجر؛ لأنه زال اللبس بهذا التعليل. فالحاصل: أن الفعل اللازم يتعدى إلى المفعول به بحرف الجر، فإن حذف حرف الجر وجب نصب المجرور ويقال: إنه منصوب بنزع الخافض. وحذف حرف الجر ونصب المجرور في أنّ وأنْ مطرد، وفيما سوى ذلك ليس بمطرد، بل مقصور على السماع.

تقديم الفاعل في المعنى على غيره

تقديم الفاعل في المعنى على غيره قال المصنف رحمه الله تعالى: [والأصل سبق فاعل معنى كمن من ألبسن من زاركم نسج اليمن] قوله: (الأصل): مبتدأ. سبق: خبر المبتدأ، وهو مضاف إلى كلمة (فاعل). معنى: يحتمل أن تكون حالاً أو صفة لفاعل، ويحتمل أن تكون منصوبة بنزع الخافض، أي: فاعل في المعنى. كمن جار ومجرور. من ألبس: متعلق بالمحذوف الذي هو متعلِّق (كمن). وقوله: ألبِسنَ أو ألبسُن: فالميم في قوله: (من زاركم) تدل على أنه خطاب جماعة، فإن كانوا جماعة وجب أن يقال: ألبسُن، وإن كان خطاب واحد ولكن الميم للتعظيم فنقول: ألبسَن، وذلك لأن (ألبسَن) فعل أمر مؤكد بنون التوكيد الخفيفة، وإذا كان الفعل لواحد واتصلت به نون التوكيد وجب بناؤه على الفتح، وإذا كان للجماعة فإنه لا يبنى على الفتح؛ لأن الفعل لا يباشر نون التوكيد، وهذا هو الراجح لوجود الميم. (من ألبسن من زاركم نسج اليمن). من: حرف جر، وألبسن إلى آخر البيت: مجرور بمن؛ لأن المقصود المثال، فكأنه قال: من هذا المثال، أما تفصيلها فسيتبين. إذا اجتمع مفعولان لعامل فأيهما نقدم؟ يقول: الأصل أن نقدم الفاعل في المعنى؛ لأن الأصل أن الفاعل مقدم على المفعول به -وسيذكر الخروج عن الأصل- مثال ذلك: (ألبسُن) وهو فعل أمر من ألبس يلبس، أي: من الرباعي، فهو ينصب مفعولين، فهنا عندنا لابس، وملبوس، وملبس، الملبس هو الفاعل حقيقة، واللابس الذي كسي هو فاعل معنى، ونسج اليمن مفعول به. فنقول الآن: ألبسُن من زاركم نسج اليمن. اللابس (من)، و (نسج اليمن) ملبوس، فالفاعل معنى هو (من)، والمفعول به معنى هو (نسج اليمن)، وأما الملبِّس فلا دخل له في الموضوع؛ لأنه هو فاعل الفعل. مثال آخر: أطعمن من زاركم ثريداً، هذا هو الأصل، ويجوز: أطعمن ثريداً من زاركم، ولا حرج في هذا؛ لأن المعنى مفهوم. مثال آخر: أعط زيداً عمراً، لا ندري من المعطَى، إذاً لا بد أن نقول: إن الأصل أن زيداً هو الآخذ، وعمراً هو المأخوذ. وإذا قلت: أعط زيداً غلامه عمراً، نقول: زيد هو الفاعل. ولو قلت: أعط عمراً غلامه زيداً، فلا يلتبس؛ لأنه واضح أن الآخذ هو السيد وليس هو الغلام.

حكم تأخير الفاعل في المعنى

حكم تأخير الفاعل في المعنى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويلزم الأصل لموجب عرى وترك ذاك الأصل حتماً قد يرى] قوله: (ويلزم): الواو: حرف عطف. يلزم: فعل مضارع. الأصل: فاعل. لموجب: جار ومجرور متعلق بيلزم. عرى: فعل ماض، والجملة في محل جر صفة؛ لأن الجمل بعد النكرات صفات. (وترك ذاك) ترك: مبتدأ، وهو مضاف، وذا: مضاف إليه، والكاف: حرف خطاب. الأصل: نعت لذا. حتماً: حال من نائب الفاعل في قوله: (يرى). قد: للتحقيق، يرى: فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر تقديره هو. يقول رحمه الله: (ويلزم الأصل) وهو تقديم الفاعل معنى (لموجب عرى) أي: وجد، فإذا وجد موجب للزوم الأصل وجب الالتزام بالأصل، والموجب هو اللبس، فإذا حصل لبس في تقديم ما ليس فاعلاً في المعنى فإنه يجب البقاء على الأصل. ومثاله: وهبت زيداً عمراً، فالرقيق هو عمرو فهو الموهوب، فلو قلت: وهبت عمراً زيداً، على أن الرقيق عمرو لكان هذا خطأ؛ لأنه يلتبس المعنى. قوله: (وترك ذاك الأصل حتماً قد يرى)، أي: قد يرى ترك ذاك الأصل حتماً، مثل: ألبست الثوب صاحبه، فهذا التركيب على خلاف الأصل؛ لأن اللابس هو (صاحب) وليس (الثوب)، ولكن يلزم مخالفة الأصل؛ لأنك لو قدمت وقلت: ألبست صاحبه الثوب؛ لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا لا يجوز. إذاً: مخالفة الأصل لسبب جائز، بل قد تكون واجبة، وفي تقرير النحويين رحمهم الله هذا واعتنائهم بعدم اللبس دليل على أن المهم هو فهم الخطاب.

جواز حذف الفضلة إن لم يضر

جواز حذف الفضلة إن لم يضر قال المصنف رحمه الله تعالى: [وحذف فضلة أجز إن لم يضر كحذف ما سيق جواباً أو حصر] الفضلة: ما يمكن الاستغناء عنه، أي: ما ليس من ركني الجملة، فليس فاعلاً ولا خبراً وما أشبه ذلك، يقول المؤلف: يجوز أن تحذفه اختصاراً أو اقتصاراً. والفرق بين الاقتصار والاختصار: أن الاقتصار هو ألا يكون في الجملة لا حقيقة ولا حكماً، وألا يوجد موجب حذفه، وأما الاختصار فهو الذي لا بد من وجوده في الجملة، لكن حذف للعلم به، فالذي يحذف اختصاراً هو الذي يعلم حذفه والأصل بقاؤه، والاقتصار هو الذي لا يهتم به. فحذف الفضلة جائز سواء كان اختصاراً أو اقتصاراً، مثاله: قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل:5]، (أعطى) لها مفعولان، وكلاهما محذوف، و (اتقى): لها مفعول حذف أيضاً، وتقدير المفعولين الأولين: فأما من أعطى المال مستحقه، وتقدير الثاني: واتقى الله {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:7]. يقول المؤلف: (فحذف فضلة أجز إن لم يضر كحذف ما سيق جواباً أو حصر). قوله: حذف: مفعول مقدم لقوله: (أجز)، وهو مضاف إلى (فضلة). أجز: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. إن: شرطية. لم يضر: الجملة في محل جزم فعل الشرط، ولا نقول: إن (يضر) مجزومة على أنها فعل الشرط؛ لوجود أداة الجزم المباشرة وهي (لم). ويضر: مضارع ضار يضير، وهو بمعنى: ضر. كحذف: متعلق بـ (يضر)، فهو مثال للضار وليس لما لا ضير فيه، وحذف: مضاف، و (ما) مضاف إليه. سيق: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر، والجملة صلة الموصول ما. جواباً: حال من نائب الفاعل في سيق. أو حصر: أو: حرف عطف، حصر: معطوف على (سيق). فمعنى البيت: أنه يجوز أن تحذف ما كان فضلة -وهو ما يستغنى عنه في الجملة- إلا في هذين الحالين: إذا سيق جواباً، وإذا كان محصوراً. فما سيق جواباً لا يجوز حذفه؛ لأنك لو حذفته لم يستفد السائل شيئاً، مثل أن يقال: من أكرمت؟ فتقول: أكرمت، والأصل: أكرمت زيداً، فهنا لا يجوز أن نحذف (زيداً)؛ لعدم الفائدة، والسائل يريد أن تفيده. وإذا سألك: من صاحبك؟ فقلت: صاحبي، وسكت، فلن يستفيد شيئاً، مع أنك لو قلت: صاحبي زيد، فإن (زيد) هنا ليس فضلة؛ لأن الجملة لا تستغني عنه؛ إذ إنه خبر أو مبتدأ. قوله: (أو حصر) أيضاً إذا حصر فلا يجوز حذفه، مثاله أن تقول: ما ضربت إلا زيداً، فهنا لا يجوز أن تقول: ما ضربت إلا، ولا يجوز أيضاً أن تقول: ما ضربت؛ لأنك لو قلت: ما ضربت، نفيت الضرب عن كل واحد مع أنك قد ضربت زيداً، ولو قلت: ما ضربت إلا، حذفت المستثنى مع الضرورة إلى ذكره. وذكره للحصر على سبيل التمثيل، فكل ما لا يمكن الاستغناء عنه فإنه لا يجوز أن يحذف، وتقييد المؤلف رحمه الله لذلك بعدم الضرر جار على سبيل التوضيح، وإلا فإن قوله: (وحذف فضلة) يغني عن هذا القيد؛ لأن ما لا يستغنى عنه لا يسمى فضلة.

جواز حذف ناصب الفضلة إذا دل عليه دليل

جواز حذف ناصب الفضلة إذا دل عليه دليل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويحذف الناصبها إن علما وقد يكون حذفه ملتزما] قوله: (يحذف): فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله. الناصب: نائب فاعل، والهاء مفعول به للناصب، ولا يصح أن نقول: إنه مضاف إليه؛ لأن الناصب هنا محلى بأل، والمحلى بأل لا يضاف إلا بشروط، ولا تنطبق الشروط على هذا التركيب. إذاً: ها: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. إن علم: جملة شرطية، وهي قيد في قوله: (ويحذف الناصبها). وقد: الواو حرف عطف، قد: للتقليل؛ لأن الأصل في (قد) إذا دخلت على المضارع أن تكون للتقليل، بخلاف الداخلة على الماضي فهي للتحقيق. يقول ابن مالك رحمه الله: إن ناصب الفضلة قد يحذف، وهو كثير، فلو قال لك قائل: من أكرمت؟ فقلت: زيداً، فهنا حذفت (أكرم) الذي نصب زيداً. (وقد يكون حذفه) ملتزماً أي: حذف ناصب الفضلة قد يكون ملتزماً لا بد منه، وذلك في التحذير، مثل قولهم: إياك والأسد! فالفعل هنا لا بد من حذفه. كذلك أيضاً في باب الاشتغال إذا قلت: زيداً أكرمته، فهنا يجب حذف ناصب الفضلة الذي هو (زيد)، وإنما وجب حذفه لأن الفعل الموجود نائب عنه ولا يجمع بين الأصل ونائبه، ولهذا من الخطأ أن بعض المعربين يقول في: زيداً أكرمته: والتقدير أكرمت زيداً أكرمته، وهذا ليس بصحيح، إذ إنك إذا قلت: أكرمت زيداً أكرمته، فقد جمعت بين العوض والمعوض، ولكن يقال: التقدير: أكرمت زيداً؛ ليصح التعبير.

شرح ألفية ابن مالك [34]

شرح ألفية ابن مالك [34] قد يتسلط عامل واحد على معمولين أو ثلاثة، وهذا كثير في اللغة، كما في باب ظن وأخواتها، لكن تسلط عاملين على معمول واحد هو الغريب، ويسمى بالتنازع، وقد اختلف البصريون والكوفيون فيما يعمل وما يهمل من العاملين.

التنازع في العمل

التنازع في العمل قال المصنف رحمه الله تعالى: [التنازع في العمل. إن عاملان اقتضيا في اسم عمل قبل فللواحد منهما العمل والثان أولى عند أهل البصره واختار عكساً غيرهم ذا أسره] ورود عامل على معمولين ليس بغريب، وقد مر في باب ظن وأخواتها -مثلاً- عامل واحد وارد على معمولين، مثل: ظننت الرجل قائماً، فتجد أن ظن هنا وردت على معمولين: الرجل، وقائماً، كذلك باب كسا وأعطى تقول: أعطيت المجتهد جائزة، فأعطى واردة على معمولين: المجتهد وجائزة. وقد يتعدى عامل واحد إلى ثلاثة معمولات، لكن هل يرد عاملان على معمول واحد؟ هذا ما نحن فيه في هذا الباب: أنه يتوارد معمولان على معمول واحد. ويسمى هذا: باب التنازع في العمل، فكأن هذين العاملين تنازعا العمل فكل واحد يقول: العمل لي، فما الحكم؟ قبل أن نبدأ بالحكم نأتي بالمثال، تقول: أكرمت ووعظت زيداً، (زيداً) هنا مفعول لأكرم ولوعظ، فكل من العاملين يطلب زيداً فمن نرضي منهما؟ هل نقول: إنه مفعول لأكرم أو مفعول لوعظ؟ قال المؤلف رحمه الله: إن عاملان اقتضيا في اسم عمل قبل فللواحد منهما العمل قوله: (عاملان): إعرابها عند الكوفيين مبتدأ خبره (اقتضيا)؛ لأن الكوفيين يجوزون أن يلي أداة الشرط اسم. والبصريون يقولون: لا يمكن أن يلي أداة الشرط اسم، فيقولون: عاملان: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن اقتضى عاملان في اسم عمل. وقوله (في اسم): متعلق باقتضى. عمل: مفعول اقتضى، ولكنه لم تظهر عليه الفتحة، نقول: هذا له وجهان: الوجه الأول: أن يكون المؤلف رحمه الله مشى على لغة ربيعة؛ لأن ربيعة يقفون على المنصوب بالسكون فيقولون: أكرمت زيد، ولا يقولون: أكرمت زيداً، بخلاف بقية العرب. الوجه الثاني: المؤلف لم يقف عليه بالألف من أجل الروي؛ لأن الشعر ضرورة تصد الإنسان عما يريد. قبل: صفة لعاملان، أي: أنهما سبقا عليه. (فللواحد منهما العمل) أي: وليس للاثنين؛ لأنه لا يمكن أن يرد عاملان على معمول واحد، فالعمل لواحد فقط. وظاهر كلام النحويين عدم ذلك لو كان العاملان مترادفين، مثل أن تقول: قام ووقف زيد، فلا يمكن أن تقول: زيد فاعل لقام ووقف؛ لأنهما عاملان لا يمكن أن يكون لهما معمول واحد، بل لا بد أن تجعل العمل لواحد منهما. فما الذي يكون له العمل السابق أو اللاحق؟ كل منهما له مزية، فالسابق له فضل التقدم، واللاحق له فضل التوالي مع المعمول، ومن ثم اختلف النحويون في ذلك، فقال المؤلف: (والثانِ أولى عند أهل البصره واختار عكساً غيرهم ذا أسره) الأسرة: الجماعة أو القوة. إذاً: اختلف النحويون في هذه المسألة: فمنهم من قال: العمل للأول، ومنهم قال: العمل للثاني. فالذين قالوا: العمل للأول هم الكوفيون؛ لتقدمه، والذين قالوا: العمل للثاني هم البصريون؛ لقربه من المعمول. قوله: (والثان أولى عند أهل البصرة): الثان: مبتدأ. والثان هنا أصله بالياء، ولهذا نقول: إنه مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف. وأولى: خبره. عند أهل البصرة: عند: متعلق بأولى، وهو ظرف مضاف إلى (أهل)، وأهل: مضاف، والبصرة: مضاف إليه. واختار: الواو: حرف عطف، اختار: فعل ماض. عكساً: مفعول به. غيرهم: غير: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والضمير في محل جر مضاف إليه. ذا أسرة: حال من غيرهم، أي: حال كونهم. مثال ذلك: قام وقعد زيد، فالبصريون يقولون: قام: فعل ماض، وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو يعود على زيد. قعد: فعل ماض. وزيد: فاعل. والكوفيون يقولون: قام: فعل ماض، وقعد: فعل ماض أيضاً، وفي قعد ضمير مستتر يعود على (زيد). وزيد: فاعل قام؛ لأنه الأول، لأننا إذا قلنا: إن (زيد) فاعل (قعد) فرتبته التقديم على الضمير المستتر في قعد، فيكون الضمير هنا عائداً على متأخر لفظاً متقدم رتبة. فالبصريون يقولون: في (قام) ضمير عائد على زيد، وزيد متأخر لفظاً ورتبة، فمن هذه الناحية يكون الكوفيون أقرب إلى القواعد من البصريين؛ لأن الضمير عندهم عاد على متأخر لفظاً متقدم رتبة، وهذا شائع كثيراً في اللغة العربية، وهؤلاء عاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا قليل في اللغة العربية، لكنه يأتي أحياناً أن يكون الضمير عائداً على متأخر لفظاً ورتبة، وقد قال فيه ابن مالك رحمه الله: (وشذ نحو زان نوره الشجر).

إعمال المهمل من العاملين في ضمير ما تنازعاه

إعمال المهمل من العاملين في ضمير ما تنازعاه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأعمل المهمل في ضمير ما تنازعاه والتزم ما التزما كيحسنان ويسيء ابناكا وقد بغى واعتديا عبداكا] قوله: (أعمل) الخطاب لقارئ هذه الألفية، وهو فعل أمر، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. المهمل: مفعول أعمل. في ضمير: جار ومجرور متعلق بأعمل، وهو مضاف إلى (ما) الذي هو اسم موصول، أي: أعمل المهمل في ضمير الذي. تنازعاه: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة صلة الموصول (ما). قوله: (والتزم ما التزما) أي: التزم ما التزم من مطابقة الضمير للظاهر في الإفراد والتذكير وغير ذلك. ومعنى البيت: أننا نعمل المهمل في ضمير ما تنازعاه، ثم ضرب مثالاً فقال: (كيحسنان ويسيء ابناكا وقد بغى واعتديا عبداكا) أتى بمثال ينطبق على رأي الكوفيين ورأي البصريين، فقوله: (يحسنان ويسيء ابناكا) على رأي البصريين؛ لأنهم يعملون الثاني، ولذلك وجد الضمير في الأول، إذاً نقول: يحسنان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والألف فاعل. ويسيء: الواو: حرف عطف، يسيء: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة. ابناكا: فاعل يسيء، وهو مضاف والكاف مضاف إليه، والألف للإطلاق. وقوله: (وقد بغى واعتديا عبداكا)، على رأي الكوفيين: بغى: فعل ماض مبني على فتح مقدرة على آخره، واعتديا: فعل ماض وفاعل. عبداكا: فاعل (بغى) مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، وهو مضاف إلى الكاف، والألف للإطلاق. وخلاصة الكلام: أولاً: أنه لا غرابة أن يتعدى فعل واحد إلى أكثر من معمول. ثانياً: إذا تعدد العامل والمعمول واحد فهذا يسمى التنازع؛ لأن كل واحد من العاملين ينازع الآخر في هذا المعمول، فما الذي يعمل؟ في هذا خلاف بين العلماء: فالكوفيون قالوا: يعمل الأول لسبقه، والبصريون قالوا: يعمل الثاني لقربه. فإذا كان الضمير ضمير رفع فإنه يضمر في المهمل منهما، فإن أهملت الأول على رأي البصريين فأعمله في الضمير، وإن أهملت الثاني فكذلك أعمله في الضمير، والمثال الذي ذكره ابن مالك واضح.

حذف الضمير غير المرفوع من العامل الأول المهمل إذا أعمل الثاني

حذف الضمير غير المرفوع من العامل الأول المهمل إذا أعمل الثاني قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا تجئ مع أول قد أهملا بمضمر لغير رفع أوهلا بل حذفه الزم إن يكن غير خبر وأخرنه إن يكن هو الخبر] أي: إذا كان الضمير ليس فاعلاً ولا نائب فاعل فلا تأت به مع الأول إذا أهملته، بل احذفه، إلا أن يكون خبراً، مثال ذلك: أكرمت وضربت زيداً. العامل (ضربت)، والأول مهمل، فلا يجوز أن تقول: أكرمته وضربت زيداً؛ لأن هذا الضمير ليس أصله المبتدأ والخبر، بل هو ضمير مفعول به فضلة في الكلام، فيجب أن يحذف إذا أعملنا الثاني. وإن أعملت الأول وقلت: أكرمت وضربت زيداً، وأنت تريد إعمال الأول، فهنا تأتي بالضمير المفعول به، فتقول: أكرمت وضربته زيداً. مثال آخر: علمت به ومررت بزيد، هذا لا يصح؛ لأنه لا يجوز أن تأتي مع الأول بالضمير إذا أعملت الثاني. أما لو قلت: علمت ومررت به بزيد فهذا يجوز؛ لأنك إذا أعملت الأول فأضمر في الثاني. وخلاصة القول: أنه إذا كان الضمير عمدة -وهو الفاعل ونائب الفاعل- فإنه يجب الإتيان به، سواء أعملت الأول أو أعملت الثاني. ومثاله قول ابن مالك: (كيحسنان ويسيء ابناكا وقد بغى واعتديا عبداكا) وإن كان الضمير فضلة فإن أعملت الثاني فلا تأت به في الأول، وإن أعملت الأول فأت به في الثاني، ولهذا قال: (ولا تجئ مع أول قد أهملا بمضمر) أي: بضمير (لغير رفع أوهلا) إعراب البيت: لا: ناهية. تجئ: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. معْ أول: معْ: ظرف، وهو مضاف، أول: مضاف إليه. أهمل: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر تقديره هو. بمضمر: جار ومجرور متعلق بتجئ. لغير رفع: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمضمر، وغير: مضاف، ورفع: مضاف إليه. ويجوز أن يكون (لغير رفع) متعلق بأوهل، وتكون جملة (أوهل) صفة لمضمر، والمعنى: لمضمر أوهل لغير رفع. قال: (بل حذفه الزم إن يكن غير خبر)، أي: الزم حذف الضمير غير المرفوع، إذا أعملت الثاني، ولا يصح أن نأتي به؛ لأنه فضلة. (وأخرنه إن يكن هو الخبر)، أي: أخر المفعول الذي يطلبه الفعل الأول إذا أعملت الثاني. مثاله: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه، ظن تحتاج إلى مفعولين، وكلاهما عمدة؛ لأن أصل المفعولين في ظن وأخواتها مبتدأ وخبر، والمبتدأ والخبر عمدة، فلا بد من الإتيان بهما جميعاً؛ لأنك لو أعطيت الفعل الثاني المفعولين وتركت الأول فقد حذفت مفعولين هما عمدة، وهذا لا يجوز، وإن أضمرت فلا يجوز أيضاً؛ لأن الضمير لا يمكن أن يأتي في الأول إذا أعمل الثاني، إذاً لم يبق علينا إلا أن نؤخره ولا نجعله ضميراً متصلاً. المثال يقول: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه، والظاهر أن العرب من أولها إلى آخرها لم تنطق بمثل هذا الكلام، لكن النحويين رحمهم الله يفرضون مسائل فرضية كما يفرض الفقهاء أيضاً مسائل فرضية. (ظننت زيداً عالماً) فعل استوفى مفعولين، بقي معنا (ظنني) فهي تطلب مفعولين أيضاً؛ لأن (ظن) لا بد لها من مفعولين هما المبتدأ والخبر، فالمفعول الأول: الياء في (ظنني)، والمفعول الثاني (إياه). و (إياه) لا بد أن يأتي بعد، ولهذا قال: (وأخرنه إن يكن هو الخبر)، والياء في (ظنني) هو المبتدأ، و (إياه) هو الخبر، فتقول: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه. الإعراب: ظن: فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول أول. وظننت: الواو: حرف عطف، ظننت: فعل وفاعل، زيداً مفعول أول، عالماً: مفعول ثان لظن الثانية لأننا أعملناها. إياه: مفعول ثان لظن الأولى، فيؤتى بالضمير. وقوله: (ظنني إياه) أي: ظنني ذلك العالم، فيكون معنى الجملة: أنني ظننت زيداً عالماً وظنني زيد عالماً، فإياه أي: ذلك العالم، ولم يتقدم مرجع للضمير، لكن أخذ من المعنى. ولو قيل: ظنني وظننت زيداً عالماً، بدون: (إياه)، فالمعنى: ظنني عالماً وظننته عالماً، وكذلك: ظنني وظنت زيداً قائماً، أي: ظنني قائماً، وأنا ظننت أنه قائم، هذا هو المتبادر. لكن نقول: لا بد أن يأتي المبتدأ والخبر؛ لأنهما عمدة. قالوا: ولو قلت: ظنني وظننت زيداً عالماً عالماً، لكان الكلام ركيكاً من جهة. ومن جهة أخرى: يظن أن عالماً الثانية توكيد لفظي للأولى، لكن إذا قلت: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه، زال الإشكال، لكن يبقى: كيف ظنني إياه؟ المتبادر من الضمير ظنني إياه أي: ظنني نفسه. وهنا تأتي مسألة السفسطة، وهي أن كل واحد من المسفسطين يقول: أنا أنت وأنت أنا، وقد ذكرنا لكم قصتهم، وأنهم إذا أرادوا النوم ربط كل واحد منهم حبلاً برجله يخالف حبل رجل صاحبه لكيلا يغلط إذا أصبح. وخلاصة القول: إذا أعملنا الثاني فإننا لا نضمر في الأول إلا الضمير الذي هو الفاعل أو نائب الفاعل، أو ضميراً يكون عمدة، ونأتي بالخبر بعد الجملة الثانية وبعد استيفائها مفعوليها، فنقول: ظنني وظننت زيداً عالماً إياه، ولا يصح أن نقول: ظنني إياه وظننت زيداً عالماً، ولهذا قال المؤلف: (بل حذفه الزم إن يكن غير خبر وأخرنه إن يكن هو الخبر) ولو قلت: ضربته وأكرمت زيداً. فإنه لا يصح؛ لأن الضمير هنا فضلة فيجب حذفه، فأقول: ضربت وأكرمت زيداً. أما: ضربت وأكرمته زيداً، فإنه صحيح لأنه إذا أعملنا الأول أجزنا أن نعمل الثاني في الضمير. قال رحمه الله: [وأظهر ان يكن ضمير خبر الغير ما يطابق المفسرا] هذا البيت والذي بعده قرأناه على شيخنا عبد الرحمن بن السعدي عدة مرات وعجزنا عن فهمه وتركيبه، وتمثلنا بقول الشاعر: إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع وكفى بنا أن نعرف معنى البيتين الأوليين، وأما ما ذكره هنا يقول: وأظهر ان يكن ضمير خبرا لغير ما يطابق المفسرا نحو أظن ويظناني أخا زيداً وعمراً أخوين في الرخا فنقول: الحمد لله على رخائه ونعمته أننا لم نكلف بمعرفة هذين البيتين.

شرح ألفية ابن مالك [35]

شرح ألفية ابن مالك [35] المصدر هو ما يأتي ثالثاً في تصريف الفعل، ويأتي كثيراً مفعولاً مطلقاً، وللمفعول المطلق أحكام متعددة من حيث المعاني التي يأتي لها، وما ينوب عنه، ومتى يحذف وغير ذلك. ومن المفاعيل المفعول لأجله، وهو المصدر المنصوب المبين لعلة الفعل، ويشترط أن يتحد مع فعله في الوقت والفاعل، وله أحكام متعددة ذكرها النحاة.

المفعول المطلق

المفعول المطلق قال المصنف رحمه الله تعالى: [المفعول المطلق. المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن] المفاعيل إما مقيدة وإما مطلقة، فالمقيدة تكون مقيدة بالباء، وباللام وبـ (في) وبالواو، والمفاعيل خمسة مجموعة في هذا البيت: ضربت ضرباً أبا عمرو غداة أتى وجئت والنيل خوفاً من عقابك لي هنا يقول المؤلف: المفعول المطلق، أي: الذي لم يقيد، فما قيل: به، أو فيه، أو له. والعنوان أعم من الأبيات من وجه وأخص من وجه؛ لأنه تكلم عن المصدر، فعندنا مصدر مفعول مطلق. والمصدر أعم من المفعول المطلق من وجه، والمفعول المطلق أعم من المصدر من وجه آخر: فإذا قلت: وقوفك طويل، (وقوف) هذه مصدر، لكنها ليست مفعولاً مطلقاً، وكذلك: يعجبني قيامك، (قيام) مصدر، ولكنها فاعل. أما: فرحت كل الفرح، فـ (كل) مفعول مطلق وليست بمصدر. إذاً: المفعول المطلق والمصدر بينهما عموم وخصوص: فالمصدر أعم من وجه، والمفعول المطلق أعم من وجه. والمفعول المطلق لا يكون إلا منصوباً، ولكن قد يكون مصدراً، وقد يكون نائباً لهذا المصدر، والمصدر قد يكون منصوباً، وقد يكون غير منصوب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن] فإذا قلت: يجلس، فهذه لها مدلولان: فقد دلت على الحدث الذي هو الجلوس، وعلى زمن المستقبل، وعلى هذا فقس. وقوله: (اسم ما سوى الزمان) ما سوى الزمان هو الحدث. مثاله: (كأمن من أمن)، أمْن: هو المصدر، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} [الأنعام:82] فـ (الأمن) مصدر: أَمِن، لكنه هنا مرفوع؛ لأنا مبتدأ مؤخر. والحاصل: أن المصدر هو الحدث الذي دل عليه الفعل، فهو اسم لأحد مدلولي الفعل وهو الحدث، هذا تفسير ابن مالك. وبتفسير أوضح نقول: المصدر -كما قال صاحب الآجرومية- هو الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل، تقول: قام يقوم قياماً، جلس يجلس جلوساً، صعد يصعد صعوداً، ونحو ذلك.

العامل في المصدر

العامل في المصدر قال المصنف رحمه الله تعالى: [بمثله أو فعل او وصف نصب وكونه أصلاً لهذين انتخب] أي: ينصب المصدر بمثله، أي: أنه قد يكون الناصب له مصدراً مثله، وينصب بالفعل، وينصب بالوصف. إذاً: ناصب المصدر ثلاثة: إما مصدر مثله، وإما فعل، وإما وصف، فإذا قلت: عجبت من ضربك العبد ضرباً شديداً، فالناصب له مصدر مثله وهو (ضرب) و (ضرباً) منصوب على المصدرية. (أو فعل) مثل: ضربت ضرباً، أضرب ضرباً، اضرِبْ ضرباً، فالعامل هنا هو الفعل. (أو وصف) مثل: أنا الضارب المجرم ضرباً أليماً، المصدر (ضرباً)، وناصبه (الضارب) وهو وصف، ومثله: هذا هو العبد المضروب ضرباً شديداً، فالمصدر (ضرباً) منصوب بالوصف، وهو اسم المفعول (المضروب).

المصدر أصل للفعل والوصف

المصدر أصل للفعل والوصف قوله: (وكونه أصلاً لهذين انتخب): كونه: مبتدأ، وهو من متصرفات كان، فيعمل عمل كان، واسمه الهاء في قوله: (كونه). أصلاً: خبر (كون) باعتبارها من النواصب. انتخب: جملة خبر المبتدأ وهو (كون). يقول: إن الذي اختير أن المصدر أصل لهذين، أي: الفعل والوصف، فأصلهما المصدر؛ لأنك تقول: ضَربَ مشتق من الضرب، إذاً (الضرب) سابق على ضَربَ، فيكون أصلاً له، والضارب مشتق من الضرب. إذاً: فأصل الأفعال المصادر، وأصل الأسماء والأوصاف المصادر، وهذا الذي يذكر المؤلف أنه انتخب هو الصحيح. وقال بعضهم: إن الفعل هو الأصل، وأن الصواب أن الضرب مشتق من ضَربَ، وهكذا ولكن يقول المؤلف: إن الأفعال مبنية على المصادر، وكذلك الأوصاف مبنية على المصادر؛ لأنك تقول: ضَربَ من الضرب، وأَكلَ من الأكل، وشَرِبَ من الشرب، وقائم من القيام، وليس من قام، وتقول مثلاً: الآكل من الأكل، والشارب من الشرب، والمصلي من الصلاة وهكذا.

أنواع المفعول المطلق

أنواع المفعول المطلق قال المصنف رحمه الله تعالى: [توكيداً او نوعاً يبين أو عدد كسرت سيرتين سير ذي رشد] قوله: (توكيداً): مفعول مقدم لقوله: (يبين)، يعني: يوضح. أو نوعاً: معطوف على (توكيداً). أو عدد: أو: حرف عطف، عدد: معطوف على توكيداً، أي: أو يبين عدداً. وهنا قال المؤلف: عدد، والمعروف أنه إذا وقف على المنصوب يوقف عليه بالألف، فإما أن نقول: إنه سكن لأجل الروي، وإما أن نقول: إنه على لغة ربيعة الذين يقفون على المنصوب بالسكون. إذاً: القاعدة العامة من هذا الشطر: أن المصدر يأتي لأغراض منها: التوكيد، ومنها: بيان النوع، ومنها: بيان العدد، وقد ضرب لذلك المؤلف فقال: (كسرت سيرتين) فهنا المصدر مبين للعدد، (سير ذي رشد) مبين للنوع؛ لأنه بين لنا أن سيره سير ذي رشد، ومعناه: حسن التصرف. وتقول أيضاً: واجهته مواجهة المقصر، (مواجهة) مصدر مبين للنوع. وثب وثوب الأسد، هذا أيضاً مبين للنوع. والتوكيد مثل قولك: ضربت ضرباً، ومثل قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]. وفائدة المبين للعدد أنه يبين العدد، والمبين للنوع فائدته وأنه يبين نوع المصدر، لكن ما فائدة المؤكد؟ إذا قلت: كلمته تكليماً، فما الفائدة من كلمة (تكليماً)؟ يقولون: فائدته: انتفاء احتمال المجاز، فقولك كلمته تكليماً، مثل ما لو قلت: كلمته أنا، أي: لا ريب. إذاً: نستطيع من هذا أن نقول: من يقول: إن الله كلم موسى تكليماً، أي: جرحه بمخالب الحكمة، فكلامه ساقط؛ لأنه أكد الكلام بقوله: (تكليماً)، وهذا لا يكون إلا في الكلام المسموع حقيقة.

ما ينوب عن المصدر

ما ينوب عن المصدر قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد ينوب عنه ما عليه دل كجد كل الجد وافرح الجذل] قوله: (وقد ينوب عنه) أي: عن المصدر، وكلمة (قد) للتحقيق. إذاً: قد ينوب عن المصدر ما دل عليه، مثل: جد كل الجد، أي: اجتهد كلّ الاجتهاد، كل: مفعول مطلق، والجد هو المصدر، لكن (كل) دلت عليه، فعلى هذا إذا أردنا أن نعرب نقول: جد: فعل أمر، وفاعله مستتر فيه وجوباً تقديره أنت. كل: مفعول مطلق -ولا نقول: مصدر؛ لأن المصدر هو الجد- فكل مفعول مطلق منصوب على المفعولية المطلقة، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وكل مضاف والجد مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره. قال الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ} [الحاقة:44]، (بعض) هنا يصلح أن تكون مفعولاً مطلقاً وأن تكون مفعولاً به؛ لأن الفعل واقع عليها، فإذا قلت: أكرمه بعض الإكرام، فإنها مفعول مطلق؛ لأنها أضيفت إلى المصدر. وكذلك: تجلده أشد الجلد، أيضاً مفعول مطلق. إذاً: كل ما كان منصوباً مضافاً إلى مصدر الفعل فهو مفعول مطلق. قال: (وافرح الجذل) افرح: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. الجذل: مصدر، لكنه ليس من لفظ الفعل، بل هو من معناه؛ لأن الجذل هو الفرح، ولو قال: افرح الفرح، لصار مصدراً، لكنه قال: افرح الجذل، فالجذل إذاً مصدر من معنى الفعل وليس من لفظه، فنعربها بأنها: مفعول مطلق، ولا نقول إنها مصدر. ومثله أيضاً: قم وقوفاً، قم: فعل أمر، وقوفاً: مفعول مطلق، ولا نقول: مصدر؛ لأن (وقوفاً) ليست مصدراً لقم من لفظه، لكن هذا مصدر له من معناه. ومثله: اجلس قعوداً، تقول: اجلس: فعل أمر، قعوداً: مفعول مطلق منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره. إذاً: القاعدة: أن ما أضيف إلى المصدر فهو نائب عنه، ويسمى مفعولاً مطلقاً، وما جاء بمعنى الفعل لا بلفظه فهو نائب عن المصدر، ويعرب بأنه مفعول مطلق.

إفراد المصدر وتثنيته وجمعه

إفراد المصدر وتثنيته وجمعه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما لتوكيد فوحد أبدا وثن واجمع غيره وأفردا] قوله: (وما لتوكيد) أي: المصدر الذي يراد به توكيد عامله يكون مفرداً، لا مثنى ولا جمعاً، مثل قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] (تكليماً) هذه يقصد بها التوكيد. فالذي يراد للتوكيد لا يجوز أن تثنيه ولا يجوز أن تجمعه؛ لأنك لو ثنيته أو جمعته فمعناه: أنك أردت أن تدل به على معنى آخر غير التوكيد، وهو العدد، إذا قلت: حضرت حضوراً، فالمقصود بالمصدر هنا التوكيد، فلا يمكن أن تثنيه ولا تجمعه؛ لأنك إن ثنيته أو جمعته صار دالاً على غير التوكيد، بل على العدد، ولهذا قال: (وثن واجمع غيره وأفردا) أي: غير الذي للتوكيد يجوز تثنيته وجمعه وإفراده، والذي لغير التوكيد هو المبين للعدد والنوع. وكلام المؤلف يشمل أن ما أريد به العدد وما أريد به النوع فإنه يجوز أن يثنى ويجمع ويفرد، فتقول فيما يراد به النوع: سرت سيري زيد السريع والبطيء، وتقول مثلاً: نظرت إليه نظرتي غضب وسرور، فهذا مثنى وهو مبين للنوع، فواحدة من النظرات غضب، والأخرى سرور، وكذلك: سرت سيري زيد البطيء والسريع، واحد نوعه بطيء، والآخر نوعه السرعة. وكذلك أيضاً ما قصد به العدد، مثل: ضربته ضربة، أي: واحدة، وضربتين، وثلاث ضربات، ومائة ضربة. قوله: (وما لتوكيد فوحد أبداً): ما: مفعول مقدم لوحد، والفاء: هنا إما أن تكون عاطفة أو مزينة؛ لأنها أحياناً تدخل على الكلمة لتزيين اللفظ مثل قول: (فقط). أبداً: يعني في جميع الأحوال. (وثن واجمع غيره وأفردا) أي: غير ما للتوكيد وهو ما كان لبيان النوع وبيان العدد فإنه يجوز تثنيته وجمعه وإفراده.

حذف عامل المصدر

حذف عامل المصدر قال المصنف رحمه الله تعالى: [المفعول المطلق. المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن] المفاعيل إما مقيدة وإما مطلقة، فالمقيدة تكون مقيدة بالباء، وباللام وبـ (في) وبالواو، والمفاعيل خمسة مجموعة في هذا البيت: ضربت ضرباً أبا عمرو غداة أتى وجئت والنيل خوفاً من عقابك لي هنا يقول المؤلف: المفعول المطلق، أي: الذي لم يقيد، فما قيل: به، أو فيه، أو له. والعنوان أعم من الأبيات من وجه وأخص من وجه؛ لأنه تكلم عن المصدر، فعندنا مصدر مفعول مطلق. والمصدر أعم من المفعول المطلق من وجه، والمفعول المطلق أعم من المصدر من وجه آخر: فإذا قلت: وقوفك طويل، (وقوف) هذه مصدر، لكنها ليست مفعولاً مطلقاً، وكذلك: يعجبني قيامك، (قيام) مصدر، ولكنها فاعل. أما: فرحت كل الفرح، فـ (كل) مفعول مطلق وليست بمصدر. إذاً: المفعول المطلق والمصدر بينهما عموم وخصوص: فالمصدر أعم من وجه، والمفعول المطلق أعم من وجه. والمفعول المطلق لا يكون إلا منصوباً، ولكن قد يكون مصدراً، وقد يكون نائباً لهذا المصدر، والمصدر قد يكون منصوباً، وقد يكون غير منصوب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن] فإذا قلت: يجلس، فهذه لها مدلولان: فقد دلت على الحدث الذي هو الجلوس، وعلى زمن المستقبل، وعلى هذا فقس. وقوله: (اسم ما سوى الزمان) ما سوى الزمان هو الحدث. مثاله: (كأمن من أمن)، أمْن: هو المصدر، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} [الأنعام:82] فـ (الأمن) مصدر: أَمِن، لكنه هنا مرفوع؛ لأنا مبتدأ مؤخر. والحاصل: أن المصدر هو الحدث الذي دل عليه الفعل، فهو اسم لأحد مدلولي الفعل وهو الحدث، هذا تفسير ابن مالك. وبتفسير أوضح نقول: المصدر -كما قال صاحب الآجرومية- هو الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل، تقول: قام يقوم قياماً، جلس يجلس جلوساً، صعد يصعد صعوداً، ونحو ذلك.

حكم حذف عامل المصدر المؤكد

حكم حذف عامل المصدر المؤكد قال المصنف رحمه الله تعالى: [وحذف عامل المؤكد امتنع وفي سواه لدليل متسع] قوله: (حذف): مبتدأ، وخبره: (امتنع). في سواه: جار ومجرور خبر مقدم. متسع: مبتدأ مؤخر. يقول المؤلف: إن المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله؛ لأننا نسميه مصدراً مؤكداً، فكيف يوجد المؤكِّد ولا يوجد المؤكَّد؛ لأنه لا تأكيد إلا بوجود مؤكَّد ومؤكِّد، فالذي قصد فيه التأكيد لا يمكن يحذف عامله؛ لأن المقصود بالتأكيد تقوية العامل، فإذا كان العامل غير موجود فأين التوكيد؟ تقول: ضربت زيداً ضرباً، فلو قلت مثلاً: زيداً ضرباً، لا يجوز؛ لأنه ما دمت تريد أن تؤكد العامل فإنه لا بد أن يوجد العامل حتى يحصل التوكيد، وإلا لحصلت المنافاة؛ إذ إن المحذوف لا وجود له حتى يقال: إنه مؤكَّد. إذاً: القاعدة: أن المصدر الذي يراد به التأكيد لا يجوز حذف عامله. قوله: (وفي سواه). وهو المبين للنوع والعدد، فالمبين للنوع كما لو سألك سائل: كيف سرت؟ فتقول: سيراً بطيئاً، فإنه يجوز؛ لأن المقصود أن تبين النوع، فسواء ذكرت العامل أو حذفته؛ لأن حذفه هنا لدليل دل عليه، وهو قولنا: كيف سرت؟ ومثله: أيضاً: كيف كان سيرك؟ تقول: سير ذي رشد، أو سير إنسان أحمد، أي: سرت سير ذي رشد. كذلك المبين للعدد، مثل: كم ضربت غلاماً؟ تقول: ضربتين، فهنا حذفنا العامل، وأصله: ضربته ضربتين، فهنا يجوز أن تحذف العامل، ولا حاجة لذكره؛ لأنه ليس المقصود من المصدر التوكيد بل بيان العدد. فإذا كان المقصود بيان النوع أو بيان العدد فإنه يجوز أن يحذف العامل، ولكن لدليل، ولهذا قيده المؤلف فقال: (وفي سواه لدليل متسع)، أما إذا لم يدل عليه دليل فإنه لا يجوز أن يحذف. إذاً: القاعدة في الشطر الأخير: يجوز حذف عامل المصدر الذي يراد به بيان النوع أو العدد لدليل. ثم إن المؤلف بعد هذا البيت الذي فيه الاتساع والسهولة ذكر ستة أبيات كلها فيها وجوب حذف العامل.

حذف عامل المصدر إذا كان نائبا عن فعل الأمر

حذف عامل المصدر إذا كان نائباً عن فعل الأمر قال المصنف رحمه الله تعالى: [والحذف حتم مع آت بدلا من فعله كندلاً اللذ كاندلا] قوله: (الحذف): مبتدأ. حتم: خبر المبتدأ، أي: واجب ولازم. (مع آت بدلاً من فعله) أي: مع مصدر آت بدلاً من فعله. بدلاً: حال من الضمير المستتر في (آت). وقوله: (من فعله) أي: من عامله، ومعناه: إذا جعل المصدر نائباً عن الفعل فإنه يحذف الفعل؛ لأنه لا يجتمع النائب والمنوب عنه، والتصرف لا يكون إلا لواحد إما الوكيل أو الموكل، أما أن تجمع الوكيل والموكل فلا يمكن، فإذا ناب المصدر عن فعله فإنه يحذف وجوباً، ولكن لا ينوب المصدر عن فعله دائماً؛ بل في المثال المقيد: (كندلاً اللذ كاندلا). وقوله: (كندلاً) الكاف: حرف جر، وندلاً: اسم مجرور بالكاف، وهو الآن منصوب، نقول: الآن لم يسلط الحرف على (ندلاً)، وإنما يجوز في إعرابه وجهان، الوجه الأول: أن تكون الكاف داخلة على مجرور مقدر، والتقدير: كقولك (ندلاً). والثاني: أن تكون داخلة على الجملة، فهو يشير إلى بيت معروف، وهو قول الشاعر: يمرون بالدهنا خفافاً عيابهم ويرجعن من دارين بجر الحقائب على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلاً زريق المال ندل الثعالب هذا شاعر يهجو لصوصاً يسرقون من الأحساء من دارين، فيمرون بالدهناء، والدهناء موضع معروف. فيمرون خفافاً عيابهم ليس فيها شيء من المتاع، فإذا وصلوا إلى دارين وسرقوا من متاعها (يرجعن بجر الحقائب) أي: مملوءة، (على حين ألهى الناس جل أمورهم) فيأتون على حين غفلة من الناس. (فندلاً زريق المال) الندل معناه: خطف الشيء بسرعة، يقول: ينادي صاحبه: اخطف خطفاً سريعاً، وكن خفيف اليد سريع الروغان كالثعلب. فالمهم: أن قوله: (ندلاً) مصدر ناب عن الفعل، ولهذا يقول ابن مالك رحمه الله: (كندلاً اللذ كاندلا) اللذ: لغة في (الذي) أي: كندلاً الذي كاندلا، وكلمة (اندل): فعل أمر، أي: اخطف بسرعة، فإذا جاءت (ندلاً) بمعنى (اندل) وجب حذف عاملها؛ لأنها نابت مناب الفعل الذي هو فعل الأمر. وعليه نقول في إعراب (فندلاً زريق المال ندل الثعالب): ندلاً: مصدر نائب مناب فعل الأمر منصوب بفعله المحذوف، والتقدير: اندل ندلاً. زريق: منادى حذفت منه ياء النداء، والأصل: يا زريق، وزريق اسم رجل. المال: مفعول (ندلاً) لأن (ندلاً) نابت مناب (اندل). وندل: مصدر مبين للنوع. إذاً: لو قال قائل: أنا أريد أن أقول: فاندل ندلاً زريق المال ندل الثعالب، نقول: لا يجوز. ولو قلت: ضرباً المهمل، وأنا أريد أن آمر بأن تضربه، فلا يجوز أن أقول: اضرب ضرباً المهمل؛ لأن المصدر نائب عن فعل الأمر، ولا يجتمع النائب والمنوب عنه، أما إذا لم يكن فعل أمر مثل: ضربت ضرباً المهمل، فيجوز ذكر الفعل. فالقاعدة إذاً: يجب حذف عامل المصدر إذا ناب عن فعل الأمر، فيشترط أن يكون فعل أمر، وقد أخذنا هذا من التمثيل بقوله: (كندلاً اللذ كاندلا)، فهذا أحد المواضع التي يجب فيها حذف عامل المصدر.

وجوب حذف عامل المصدر إذا جاء المصدر مفصلا

وجوب حذف عامل المصدر إذا جاء المصدر مفصلاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما لتفصيل كإما منا عامله يحذف حيث عنا] قوله: (وما لتفصيل) ما: مبتدأ، أي: والذي، والمراد به المصدر الذي جاء مفصلاً. وقوله: (عامله يحذف) عامل: مبتدأ ثان، ويحذف: خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر المبتدأ الأول. فعندنا الآن مبتدآن. وقوله: (حيث عنا) أي: حيث عرض، تقول: عنَّ لي كذا، أي: عرض لي. معنى البيت: إذا جاء المصدر مفصلاً فإنه يجب حذف عامله. وقد جمع المؤلف رحمه الله بين الحكم والمثال، فالمثال قوله: (كإما منا)، يشير إلى قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4]، التفصيل: ((فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) أي: إما تمنون مناً، وإما تفدون فداء. وتقول مثلاً: إذا لقيت زيداً فإما ضرباً أو إكراماً، أي: إما أضربه ضرباً أو أكرمه إكراماً، فإن كان قد أهمل وفرط في الواجب فجزاؤه الضرب، وإن كان قد قام بالواجب فجزاؤه الإكرام. وتقول مثلاً: سأغوص في البحر فإما غنماً وإما إفلاساً. فيجب حذف عامله؛ لأنه للتفصيل. إذاً: كلما وجد تفصيل في مصدر فإنه يجب حذف عامله.

وجوب حذف عامل المصدر إذا تكرر المصدر أو حصر وجاء نائبا عن فعل مستند إلى اسم عين

وجوب حذف عامل المصدر إذا تكرر المصدر أو حصر وجاء نائباً عن فعل مستند إلى اسم عين قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذا مكرر وذو حصر ورد نائب فعل لاسم عين استند] قوله: (كذا مكرر) أي: كذا مصدر مكرر (وذو حصر ورد نائب فعل لاسم عين استند). إذاً: عندنا أمور: الأول: (كذا مكرر). الثاني: (وذو حصر ورد) أي: وردا جميعاً، وهنا كان على المؤلف أن يقول: وردا، لكن منعه من ذلك الروي، (ورد نائب فعل) أي: قام مقام هذا الفعل (لاسم عين استند) أي: استند هذا الفعل لاسم عين، أي: لشخص، وضد العين هو المعنى، أي: أنه إذا تقدم اسم معنى وجاء بعده مصدر نائب عن فعل مكرر أو محصور فإنه يجب حذف عامله. مثاله: زيد سيراً سيراً. فزيد: اسم عين، وسيراً سيراً مصدر مكرر عامله خبر لزيد، أي: استند إلى اسم عين، وأصله: زيد يسير سيراً، فلما كرر المصدر فإنه لو جمعنا بين المكرر وعامله صار في الكلام ثقل، فلهذا وجب حذف العامل، فنقول: زيد سيراً سيراً. ومثله: زيد سيراً سيراً سيراً. ومثله قولك لإنسان عنده كثرة في الكلام: أنت هذراً هذراً هذراً، أي: تتكلم كلاماً كثيراً. فعلى كل حال: إذا جاء مصدر مكرر نائب عن فعل مخبر به عن اسم عين، فإنه يتعين حذف العامل. وقوله: (اسم عين) لو أنه استند إلى اسم معنى، كما لو قلت: شأنك ضرباً ضرباً، أي: شأنك تضرب ضرباً ضرباً، فهنا يجوز أن تذكر الفعل؛ لأنه ليس خبراً عن اسم عين؛ إذ إن الشأن معنى من المعاني أو حال من الأحوال، فلا يجب حذفه. الأمر الثاني قال: (وذو حصر) من المعلوم أن الحصر يكون بطرق، أشهرها وأكثرها: النفي والإثبات، و (إنما)، وكذلك إذا تقدم ما حقه التأخير فهو دال على الحصر، ومنها: إذا اقترن بضمير فصل فهو دال على الحصر. تقول مثلاً: ما زيد إلا سيراً، والتقدير: إلا يسير سيراً. ما زيد إلا انطلاقاً، أي: إلا ينطلق انطلاقاً، فهنا الحصر بالنفي والإثبات. وتقول في (إنما): إنما زيد مشياً، أي: يمشي مشياً، فهنا حصر بـ (إنما). إذاً: هذا البيت معناه: أنه إذا جاء المصدر نائباً عن فعل مخبر به عن اسم عين وهو مكرر أو محصور فيه، فإنه يتعين حذف عامله.

وجوب حذف عامل المصدر المؤكد لنفسه والمؤكد لغيره

وجوب حذف عامل المصدر المؤكد لنفسه والمؤكد لغيره قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنه ما يدعونه مؤكدا لنفسه أو غيره فالمبتدا نحو له علي ألف عرفا والثان كابني أنت حقاً صرفا] قوله: (ومنه) أي: من المصادر التي يجب حذف عاملها (ما يدعونه مؤكداً لنفسه أو) مؤكداً (لغيره)، وهو ما وقع بعد جملة يؤكدها. فإن كانت الجملة لا تحتمل سواه سمي مؤكداً لنفسه، وإن كانت الجملة تحتمله وغيره سمي مؤكداً لغيره، وهذا معنى قوله: (ما يدعونه مؤكداً لنفسه أو غيره). فالمؤكد هو الذي يأتي بعد جملة هي بمعناه، ثم إن كانت لا تحتمل غيره سمي مؤكداً لنفسه؛ لأنه مؤكد للجملة قبله، وهي نفس المصدر، وإن كانت تحتمله وغيره صار مؤكداً لغيره، ومعنى أنه مؤكد لغيره: أنه مانع غيره أن تكون الجملة بمعناه. وقد ضرب المؤلف لكل واحد مثالاً فقال: (نحو له علي ألف عرفاً) فقوله: (عرفاً) اسم مصدر بمعنى: اعترافاً، أي: له علي ألف اعترافاً. وهذا اعتراف صريح واضح، وعليه نقول: (عرفاً) مصدر مؤكد لنفسه؛ لأنه مؤكد لجملة بمعناه لا تحتمل غيره، والفعل محذوف، والتقدير: أعترف بذلك اعترافاً، وقد حذفنا الفعل لأن الجملة بمعناه، فالفعل هو: (أعترف)، والجملة: (له علي ألف). ولهذا نقول: لقد حذف العامل الذي هو ناصب المصدر لأن الجملة بمعناه تماماً، فلا حاجة إلى ذكره. إعراب المثال: له: جار ومجرور خبر مقدم. علي: جار ومجرور في موضع نصب على الحال من (ألف)، و (ألف) نكرة، ولو تأخرت (علي) عن (ألف) لصارت نعتاً لها: له ألف علي، لكن إذا تقدم النعت على النكرة جعل حالاً. ألف: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة. عرفاً: مفعول مطلق منصوب على المفعولية المطلقة، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مؤكَّد للجملة السابقة، وعامله محذوف وجوباً. قوله: (والثان كابني أنت حقاً صرفاً) هذا مثال للمؤكد لغيره. قوله: (ابني أنت) يمكن أن يكون ابنه حقيقة ويمكن أن يكون ابنه غير حقيقة، أي: أنت بمنزلة ابني، فقال له: ابني، من باب الاحترام والتكريم، فلما قال: (حقاً) أكد أنه ابنه حقيقة، لكن هل الجملة التي قبله بمعناه؟ ليست بمعناه؛ لأنها تحتمل أنه ابنه حقاً، أو ابنه مجازاً؛ ولهذا يسمون هذا المصدر: مؤكداً لغيره، وتقدير الكلام: أحق ذلك حقاً، وحقاً: مصدر عامله محذوف وجوباً تقديره: أحق، أي: أثبت ذلك إثباتاً. وإعراب المثال: ابني: خبر مقدم. أنت: مبتدأ مؤخر، ولو كان الكلام لإنسان يسأل: هل أنا ابنك؟ فقال: ابني أنت، لقلنا: ابني: مبتدأ، وأنت: خبر، ونحن الآن لا نريد تعيين من هو ولده؛ بل نريد أن نخبر عن هذا الرجل المخاطب أنه ابنه حقاً، فعلى هذا يكون (ابني): خبراً مقدماً، و (أنت) مبتدأ مؤخراً. وفي إعراب: (أنت) رأيان: الأول: أن: مبتدأ مؤخر، والتاء حرف خطاب، والثاني: إعرابها كلها مبتدأ. حقاً: مصدر عامله محذوف وجوباً، منصوب على المصدرية وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. صرفاً: هذا تأكيد آخر، والصرف: الذي لا يختلط بشيء، فمعناه: أنك ابني حقاً خالصاً.

وجوب حذف عامل المصدر إذا قصد به التشبيه بعد جملة

وجوب حذف عامل المصدر إذا قصد به التشبيه بعد جملة قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذاك ذو التشبيه بعد جمله كلي بكاً بكاء ذات عضله] قوله: (ذو) بمعنى صاحب، وهو مبتدأ خبره قوله: (كذاك). (كذاك ذو التشبيه) أي: كذلك المصدر الدال على التشبيه بعد جملة، مثاله: (لي بكاً) الجملة الآن تامة، وهذا البكاء ليس بكاء صغير ولا كبير، بل: بكاء ذات عضلة، إذاً: بكاء: مصدر، والتقدير: أبكي بكاء ذات عضلة، وما معنى عضلة؟ قيل: إن العضلة الداهية، وقيل: العضلة منعها من الزواج، فالتي منعت من الزواج تبكي على فراق محبوب، والتي أصيبت بداهية تبكي على حصول مكروه، وهذا أعظم. إذاً: نقول: بكاء: مصدر يراد به التشبيه، وعامله محذوف وجوباً، والتقدير: أبكي بكاء مثل بكاء ذات عضلة. وكلمة (بكاء) هل هي مقصورة أو ممدودة؟ يقولون: البكاء بدون صوت يقال له: بكا، فهو مقصور، ومع الصوت يقال: بكاء، بالمد، قال الشاعر: بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل ففي الأول قال: وحق لها بكاها؛ لأن بكاء العين بدون صوت، وفي الثاني قال: وما يغني البكاء ولا العويل، وهو البكاء بالصوت؛ لأنه قال: ولا العويل. فيكون ابن مالك رحمه الله أراد بقوله: (لي بكاً) بكاء العين، ولكن قوله: (بكاء ذات عضلة) المراد البكاء المصحوب بالصوت. إذاً: القاعدة: يجب حذف عامل المصدر إذا أريد به التشبيه بعد جملة مشتملة على فاعل المصدر في المعنى.

المفعول له

المفعول له قال المؤلف رحمه الله تعالى: [المفعول له ينصب مفعولاً له المصدر إن أبان تعليلاً كجد شكراً ودن وهو بما يعمل فيه متحد وقتا وفاعلا وإن شَرْط فُقِد فاجرره بالحرف وليس يمتنع مع الشروط كلزهد ذا قنع وقل أن يصحبها المجرد والعكس في مصحوب أل وأنشدوا لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زمر الأعداء] ذكرنا أن المفاعيل خمسة: مفعول مطلق، وبه، وله، وفيه، ومعه. ومُثلت بهذا البيت: ضربتُ ضرباً أبا عمروٍ غداة أتى وسرت والنيل خوفاً من عقابك لي والمفعول له هو أحد المفاعيل الخمسة، ويقال: المفعول له، ويقال: المفعول لأجله، ويقال: المفعول من أجله، يعني: أن عبارات النحويين اختلفت فيه. فقائل يقول: مفعول له. وبعضهم يقول: مفعول من أجله. وبعضهم يقول: مفعول لأجله، والمعنى واحد. والمفعول من أجله هو المصدر المنصوب المبين لعلة الفعل. مثاله: قمتُ إجلالاً لك. (إجلالاً) مصدر فعله أَجَلَّ يُجِلُّ إجلالاً. وهذا المصدر يبين علة الفعل، فالسبب في فعل القيام هو الإجلال لك. وعلة الفعل هي سبب الفعل، فمثلاً قوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف:56]. خوفاً: مصدر مبين لعلة الفعل، أي: ادعوه للخوف والطمع. فمقام الخوف: أن تتعوذوا بالله مما تخافون، ومقام الطمع أن تسألوا الله تعالى ما تطمعون به. وشروط المفعول لأجله: الشرط الأول: أن يكون مصدراً: فغير المصدر لا يمكن أن يكون مفعولاً لأجله أو مفعولاً له. الشرط الثاني: إن أبان تعليلاً، وخرج به ما لا يبين العلة؛ فإنه لا يسمى مفعولاً له وإن كان مصدراً. كذلك أيضاً: (وهو بما يعمل فيه متحد) هذا شرط ثالث ورابع، فالذي يعمل فيه هو الفعل. فيشترط أن يتحدا وقتاً وفاعلاً، يعني: يشترط أن يكون هذا المصدر متحداً مع الفعل في الوقت والفاعل، بمعنى: أن يقع الفعل والمصدر في وقت واحد، ويكون الفاعل من الفعل هو الذي تلبس بهذا المصدر. مثاله المنطبق عليه الشروط: جُد شكراً. جد: فعل أمر من الجود، يعني: صر جواداً، أي: كريماً. شكراً: هذا مصدر، فعله: شكر يشكر شكراً، وهذا المصدر مبين لعلة الفعل. أي: جُد حال كونه بك شكراً، إذاً: هو مبيِّن لعلة الفعل، والفاعل الذي جاد شكراً واحد، والوقت واحد. أي أن الشكر مقارن للجود، وفاعل الشكر هو فاعل الجود. ومعنى (جُد شكراً) جد لأجل الشكر، أي: لأجل أن تشكر الله عز وجل، وليس لأجل أن تُشكر؛ لأنه لو كان المعنى جُد لتشكر، لما صح، إذ إن الشاكر غير الجائد فيكون الفاعل مختلفاً. ونحن لولا أن ابن مالك قال: (وقتاً وفاعلاً) كنا سنقول: يجوز أن يكون المعنى جُد لتُشكر، لكن ابن مالك نفسه يقول: (وهو بما يعمل فيه متحد وقتاً وفاعلاً). قوله: (ودن) هي من دان يدين، أو من الدين، يعني جُد وأعط الدين، فالجود مثلاً بالهبة والدين بالقرض، أي: دن بقرض، يعني: أعط الناس ديناً، فكأن ابن مالك أمرنا بالإحسان إما على سبيل الهبة والتبرع، وإما على سبيل القرض، لكن الاحتمال الأول أظهر، أعني أن (دن) من الدِّين وليست من الدَّين، يعني: جُد شكراً ودن شكراً، فكأنه أمرك أن تدين بطاعة الله سبحانه وتعالى شكراً له، وتجود بمالك أيضاً شكراً لله على ما أعطاك، وهذا المعنى أحسن. وقوله: ينصب: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. مفعولاً: حالاً من المصدر الذي هو نائب فاعل، أي: ينصب المصدر حال كونه مفعولاً له. ومثال ما اختل فيه شرط: أن تقول: أقومُ الآن إجلالاً لك غداً، فاختلف الوقت. وكذلك إذا قلت: أُكرِمكَ شكراً لي. أكرمك: الفاعل أنا. شكراً لي: الشاكر هو المُكرَم، فاختلف الفاعل فلا يجوز. وهذا الشرط الأخير: (وهو بما يعمل فيه متحد وقتاً وفاعلاً) فيه خلاف بين النحويين، فـ سيبويه وكثير من النحويين إن لم يكن أكثرهم يقول: ليس بشرط. وسيبويه هو إمام مدرسة البصرة. ولو اختاره من دون سيبويه لقلنا إن الصواب معه؛ لأنه أسهل، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الروم:24]، يعني: لتخافوا وتطمعوا، فنقول: هو مفعول لأجله، وفاعل (يري) هو الله، والخائف والطامع هو المخلوق، فاختلف الفاعل. إذاً: نصب المصدر هنا مفعولاً له مع أن الفاعل مختلف. وهذا واضح ليس فيه أدنى تكلف، لكن يقولون: إن حجة النحوي كنافقاء اليربوع؛ إن حجرته من الباب خرج من النافذة، فالذي يقول لا بد من اتفاق الفاعل يقول في الآية: (خوفاً وطمعاً): إن خوفاً بمعنى: إخافة، وطمعاً بمعنى: إطماع، أي: يريكم ليخيفكم ويطمعكم، وحينئذ يتفق الفاعل. أو يقول: خوفاً وطمعاً مصدر في موضع الحال من الكاف في قوله: (ليريكم)، أي: يريكم حال كونكم خائفين وطامعين، وحينئذ يبقى الشرط قائماً. ولكننا نقول: هاتوا دليلاً على اشتراط هذا؟ ولا يوجد دليل على الاشتراط، لو كان هناك دليل على الاشتراط لقلنا: نعم، يمكن تخريج الآية على ما ذكرتم، لكن ما دام لا يوجد دليل وعندنا شاهد ظاهره عدم اشتراطه فإن الأولى عدم الاشتراط، وهذا إن شاء الله هو الصحيح. إنما الشرط الأساسي هو: أن يكون مصدراً مبيناً لعلة الفعل، ولهذا قلنا: مفعول له، واللام للتعليل، أو مفعول من أجله، أو مفعول لأجله. إعراب: (وهو بما يعمل فيه متحد وقتاً وفاعلاً): وهو: مبتدأ، ومتحد: خبر المبتدأ، يعني: وهو متحدٌ بما يعمل فيه. وقتاً: ظرف، يعني في الوقت. وفاعلاً: منصوب بالخافض، يعني: وفي الفاعل. وقوله: (وإن شرط فقد). إن: شرطية. شرط: فيه ثلاثة إعرابات: الأول: فاعل لفعل محذوف. الثاني: فاعل مقدم للفعل المذكور. الثالث: مبتدأ خبره الفعل المذكور. فالبصريون يقولون: شرطٌ: فاعل لفعل محذوف. والكوفيون يقولون: فاعل مقدم للفعل الموجود، والتقدير: وإن فُقِد شرط. وآخرون من النحويين يقولون: شرط: مبتدأ، وفُقد: خبر المبتدأ. قوله: (فاجرره بالحرف)، وفي نسخة: فاجرره باللام، والمقصود بالحرف حرف التعليل، والدليل على أن المؤلف يريد حرف التعليل قوله: (إن أبان تعليلاً) واللام ومن وفي، تأتي للتعليل، وكذلك (على) تأتي للتعليل. المهم كل ما ذكر بأنه من حروف التعليل إذا فُقد شرط فإن المصدر يُجر به، فإذا قلت مثلاً: أكرمتك شكراً لي: فقد فقد شرطاً على رأي المؤلف وهو اتحاد الفاعل، فعلى هذا أجره باللام فأقول: أكرمتك للشكر لي. قوله: (وليس يمتنع مع الشروط). أي: لا يمتنع أن تجره بالحرف ولو تمت الشروط، فبهذا عرفنا أن المفعول من أجله لا يتعين نصبه؛ لأنه يجوز أن يجر باللام، مثاله: (كلزهد ذا قنع) أصل التركيب: هذا قنع زهداً، ولذلك نعربه فنقول: ذا: مبتدأ. قنع: فعل ماض، والجملة خبر المبتدأ. زهداً: مفعولٌ من أجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، لكن يجوز أن ندخل عليه اللام ونقول: لزهد ذا قنع. فالشروط تامة في قوله: (هذا قنع زهداً) فالزاهد هو القانع، ووقت الزهد وقت القنوع، ومع ذلك يجوز أن تجره فتقول: قنع هذا للزهد. فالمؤلف إذاً يبين لنا أنه إذا اختل الشرط وجب جره بالحرف، وإذا تمت الشروط جاز جره بالحرف وجاز نصبه، وأيهما أكثر النصب أو الجر؟ قال: (وقَل أن يصحبها المجرد والعكس في مصحوب أل) وفي النسخة الثانية: وقل أن يصحبه المجرد، وعليها يتضح المعنى، لأن الضمير يعود على الحرف، أي: أن المجرد من أل قل أن يصحب الحرف، فتقول: قنع هذا زهداً، وقل أن يقال: قنع هذا لزهد. قوله: (والعكس في مصحوب أل). أي: يكثر اقتران الحرف مع أل، مثل: قنع هذا للزهد، ويجوز: قنع هذا الزهدَ، لكنه قليل. والحاصل أنه إذا لم تتم الشروط فلابد من أن يجر بالحرف، سواء كان المصدر مجرداً من أل أم غير مجرد، وإذا تمت الشروط جاز فيه وجهان وهما: النصب، والجر بحرف التعليل، لكن أيهما أكثر؟ النصب أكثر إن كان المصدر مجرداً من أل: (قنع هذا زهداً)، والجر أكثر إن كان المصدر مقترناً بأل، ويقل النصب حينئذ، ومن هذا القليل ما ذكره ابن مالك بقوله: (وأنشدوا لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زمر الأعداء وكان الأصل أن يقول: لا أقعد من الجبن، فيجره بالحرف، ولكن يصح: لا أقعد الجبنَ عن الهيجاء ولو توالت زمر الأعداء وهذا البيت لا يعتبر من الألفية كما ذكرنا في المقدمة.

شرح ألفية ابن مالك [36]

شرح ألفية ابن مالك [36] من المفاعيل المفعول فيه، وهو الظرف، وهو إما ظرف مكان أو ظرف زمان، ومنه لازم ومنه متصرف، وقد ينوب عنه المصدر. ومن المفاعيل المفعول معه، وهو المنصوب بعد واو تفيد معنى المصاحبة، ويكون منصوباً بالفعل وشبهه، وقد يجب النصب على المعية، وقد يجوز العطف، وقد يترجح أحدهما.

المفعول فيه

المفعول فيه

تعريف المفعول فيه

تعريف المفعول فيه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [المفعول فيه وهو المسمى ظرفاً الظرف وقت أو مكان ضمنا في باطراد كهنا امكث أزمنا فانصبه بالواقع فيه مظهرا كان وإلا فانوه مقدرا وكل وقت قابل ذاك وما يقبله المكان إلا مبهما نحو الجهات والمقادير وما صيغ من الفعل كمرمى من رمى وشرط كون ذا مقيساً أن يقع ظرفا لما في أصله معه اجتمع]. والمفاعيل خمسة كما ذكرنا من منظومة الشبراوي، وأنشدنا منها بيتين، هما: منه المفاعيل خمس مطلق وبه له وفيه معه وهو للمثَلِ ضربت ضرباً أبا عمروٍ غداة أتى وسرت والنيل خوفاً من عقابك لي وهذا باب المفعول فيه، قال: (وهو المسمى ظرفاً) أي: يسميه النحويون ظرفاً، والظرف: هو ما كان وعاءً للشيء، وكل إنسان فهو في ظرف زمان ومكان، أما الزمان فظاهر، وأما المكان فأنت في البيت أو في المسجد أو في السوق، أو في غيره. يقول المؤلف: (الظرف وقت أو مكان). وقت: هذا ظرف الزمان. أو مكان: هذا ظرف المكان، فإذا قلت: جلستُ ساعة عندكَ، فظرف الزمان هو (ساعة) وظرف المكان (عندك). والألف في (ضمنا) للإطلاق؛ لأنه قال: (وقت أو مكان)، لو قال: وقت ومكان، لكانت الألف للتثنية، لكن عندما قال (أو) فمعناه: أنهما لا يجتمعان. ومعنى (ضّمِّن في): دل على معنى (في). وقوله: (باطراد) فيه احتراز مما تضمنها بقرينة في مكان دون مكان، فإن بعض الكلمات قد تتضمنها في مكان دون مكان، مثل: سكنتُ الدارَ، فالدار تضمنت هنا معنى (في)، أي: سكنتُ في الدار، لكن ليس ذلك باطراد؛ لأنك تقول: بنيتُ الدار، فلم تتضمن معنى (في). إذاً: الدار لا نعربها ظرفاً؛ لأنها لا تتضمن معنى (في) باطراد، والذي ينصب مفعولاً فيه هو الذي يتضمن معنى (في) باطراد، أي: في جميع الأمكنة. ثم ضرب المؤلف مثلاً للنوعين فقال: (كهنا امكث أزمنا) هنا: ظرف. وأزمناً: ظرف. وكلمة (هنا) ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب. ولم نقل "منصوب" لأنه اسم إشارة، واسم الإشارة مبني كما سبق. وقوله: (أزمناً) جمع زمان، وهو ظرف زمان منصوب على الظرفية، وعلامة نصبة فتحة ظاهرة في آخره. والمؤلف رحمه الله أتى بمثال واحد يشتمل على شاهدين: شاهد على ظرف المكان وشاهد على ظرف الزمان. تقول مثلاً: سرتُ يوماً ميلاً. فيوماً: ظرف زمان. وميلاً: ظرف مكان. قوله: (فانصبه بالواقع فيه) انصبه: الضمير يعود على الظرف. والواقع فيه هو الفعل أو ما جرى مجراه، فتقول: مكثتُ عندك ساعة. الواقع في الظرف هو المكث. وتقول: أنا ماكثٌ عندك ساعة، (ماكث) ليست فعلاً لكنها جارية مجرى الفعل. فقوله: (بالواقع فيه) أي: في الذي وقع فيه سواء كان فعلاً أو كان قائماً مقام الفعل، وهو اسم الفاعل واسم المفعول.

الناصب للظرف

الناصب للظرف قال المؤلف: (فانصبه بالواقع فيه مظهراً كان وإلا فانوه مقدرا) (مظهراً كان) يعني: إن كان ظاهراً فذاك، وإلا فينوى مقدراً، مثال المظهر كما مثل المؤلف: (هنا امكث) العامل الواقع فيه (امكث) وهو ظاهر بين. وإذا سئلت: كم مكثت في هذا المكان؟ فتقول: ساعة! أي: مكثت ساعة، فهنا الواقع فيه غير مظهر؛ ولهذا قال: (فانوه مقدراً).

ما يكون ظرفا من الأمكنة والأزمنة

ما يكون ظرفاً من الأمكنة والأزمنة قال رحمه الله تعالى: (وكل وقت قابل ذاك وما يقبله المكان إلا مبهما) المراد بالوقت هنا: الزمان، فكل زمان قابل أن يكون مفعولاً فيه، والزمان مثل: ساعة، دقيقة، ثانية، يوماً، أسبوعاً، شهراً، سنة، حيناً، عصراً، وما أشبه ذلك. القاعدة: الزمان كله قابل أن يكون مفعولاً فيه؛ لأنه ما من شيء إلا وهو في زمان، تقول: انتظرني ثانية، وإعرابها: ثانية: ظرف زمان منصوب على الظرفية. واعلم أن الساعة في اللغة العربية غيرها في العُرف، عندنا الساعة في العرف جزء من أربعة وعشرين جزءاً من اليوم والليلة؛ لكنها في اللغة العربية تطلق على الزمن قل أو كثر. قوله: (وما يقبله المكان إلا مبهما). أي أن المكان المُعيَّن مثل: حُجرة وغرفة بيت وما أشبهها لا يكون مفعولاً فيه، بخلاف ما إذا كان المكان مبهماً. والمبهم غير المحدود، وهو الذي ليس له شيء يحده، قال: (نحو الجهات) أي: الجهات الست: يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت. فهذه الجهات كلها ظروف مكان. تقول: جلست أمامك، جلست خلفك، جلست يمينك، جلست شمالك أو يسارك. صعدت فوق السطح، نمتُ تحت الشجرة. إذاً: الجهات الست كلها ظروف مكان. قال: (والمقادير)، والمقادير هي مقادير المسافة، مثل: الميل والفرسخ والبريد. وفي الوقت الحاضر مثل الكيلو. تقول مثلاً: سرت ميلين، إعرابها: سرتُ: فعل وفاعل. ميلين: ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة. وتقول: سرتُ فرسخاً: سرت: تقدم إعرابها. فرسخاً: ظرف منصوب على الظرفية وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. قال: (وما صيغ من الفعل) يعني: ظرف المكان يكون مصوغاً من الفعل. قال: (كمرمىً من رمى). هذه يسمونها ظرف مكان، وتأتي ظرف زمان، تقول: رميت مرمى زيدٍ، مثل: جلست مكان زيد. تقول: رميتُ: فعل وفاعل. ومرمى: ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر. والظرف المبهم هو الذي لا يدل على شيء محدد معين، بخلاف المحدد معين مثل البيت والمسجد وما أشبه ذلك، فالمكان المحدد لا ينصب على الظرفية، ولهذا لا تقول: جلستُ المسجدَ، أما: دخلتُ المسجد فهو جائز في اللغة العربية؛ لكن اختلف فيه النحويون: فبعضهم يقول: هو منصوب على الظرفية توسعاً. وبعضهم يقول: منصوب بنزع الخافض، والتقدير: دخلتُ في المسجد. وبعضهم يقول: منصوب على التشبيه بالمفعول به، مثل قولهم في (خلق الله السماواتِ): إن السماوات منصوب على التشبيه بالمفعول به.

المقيس من ظروف المكان

المقيس من ظروف المكان قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وشرط كون ذا مقيساً أن يقع ظرفاً لما في أصله معه اجتمع) شرط: مبتدأ. وهو مضاف، وكون: مضاف إليه. وكون مضاف، وذا: مضاف إليه، والإشارة في قوله: ذا تعود إلى (ما صيغ من الفعل)؛ لأن الإشارة تعود إلى أقرب مذكور. ومقيساً: خبر كون منصوب، واسمه (ذا) المضاف إليه؛ لأن (كون) له اسم وخبر كما يقول ابن مالك: (وغير ماض مثله قد عملا إن كان غير الماضي منه استعملا) وقوله: (أن يقع). أن: حرف مصدري. يقع: فعل مضارع منصوب بأن، وهو مؤول بمصدر والتقدير: وقوعه، وهو خبر (شرط) يعني: شرط كون ما صيغ من الفعل مقيساً أن يقع ظرفاً لما في أصله معه اجتمع، أي: لما اجتمع معه في الأصل، وذلك مثل: مرمى إذا صار منصوباً لرمى، كقولك: رميت مرمى زيد، لكن إذا قلت: جلستُ منه مرمى البندق، فليس مقيساً؛ لأنه لم يجتمع معه بأصله، إذ إن الفعل: جلس، والظرف: مرمى. والمقيس معناه: أنه يمكنك أن تنطق بمثله. وغير المقيس معناه: لا يمكنك أن تأتي بمثله، وإنما يقتصر فيه على ما جاء عن العرب فقط. والحاصل: أن شرط كون ما صيغ من الفعل ظرفاً أن يكون مطابقاً لعامله في مادته. والخلاصة: أن ظرف المكان ينحصر في الجهات والمقادير وما صيغ من الفعل العامل فيه موافقاً له في المادة.

الظرف المتصرف وغير المتصرف

الظرف المتصرف وغير المتصرف ثم انتقل المؤلف إلى أمر آخر، وهو أن بعض الظروف يكون متصرفاً وبعضها يكون غير متصرف، فما هو الضابط؟ قال: (وما يرى ظرفاً وغير ظرف فذاك ذو تصرف في العرف وغير ذي التصرف الذي لزم ظرفية أو شبهها من الكلم) أفادنا المؤلف رحمه الله في هذه الأبيات: أن الظرف ينقسم إلى قسمين: متصرف وغير متصرف، فما هو المتصرف؟ قال: (وما يرى ظرفاً وغير ظرف فذاك ذو تصرف في العرف). إذا كانت الكلمة تارة تأتي ظرفاً وتارة تأتي غير ظرف فإن هذا يسمى ظرفاً متصرفاً، مثل كلمة (يوم)، قال تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:41]. فهي في الآية ظرف؛ لأنها منصوبة على تقدير (في)، أي: في يوم يقوم الحساب. وقال الله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]، وقال تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} [النبأ:17]؟ فيوم في الآيتين ليست ظرفاً. كذلك كلمة (مكان) تقول: جلستُ مكانك، فهي ظرف، لأنها على تقدير (في)، أي: جلست في مكانك. وتقول مثلاً: إن هذا المكان مريحٌ. فليست بظرف. إذاً: ينقسم الظرف إلى قسمين سواء كان مكانياً أو زمانياً: متصرف وغير متصرف، فما كان يأتي لغير الظرفية فهو متصرف. قال المؤلف رحمه الله: (وغير ذي التصرف الذي لزم) غير: مبتدأ. والذي: خبره. يعني: غير الظرف المتصرف هو الظرف اللازم، وهو الذي لا يأتي إلا ظرفاً أو مختصاً بحال معينة كالجر. فمثلاً كلمة (عند) ظرف لازم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف:206]، وقال تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:14]. فهذا ظرف غير متصرف، لأنه لا يأتي إلا منصوباً على الظرفية أو مجروراً بمن، مثل {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61]، وهو معنى قول المؤلف: (أو شبهها) يعني: لزم الظرفية، أو لزم شبه الظرفية وهو الجر بحرف من حروف الجر. وكلمة (فوق) ظرف لازم؛ لكنه قد يخرج عن الظرفية كما جاء في الحديث: (وفوقُه عرش الرحمن)، الفوق في الحديث بضم القاف، وليس ظرفاً؛ فكأنه يقول: هذا الفوق هو عرش الرحمن. تحت: ظرف غير متصرف؛ لأنها لا تستعمل إلا منصوبة على الظرفية أو مجرورة بمن: {تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:100] هذه منصوبة على الظرفية، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [آل عمران:15]، هذه مجرورة بمن. ومن اللحن قول بعض الناس: نظرتُ إلى تحت قدمهِ. فهذا ليس بصحيح، لأن (تحت) لا تجر بإلى في اللغة العربية. نعم لو قال: نظرت إلى مكانٍ تحت قدمه، لصح. والخلاصة من هذا البحث أن الظروف تنقسم إلى قسمين: متصرفة وغير متصرفة. فما كان ملازماً للظرفية أو شبهها فهو غير متصرف، وما كان يكون ظرفاً ومبتدأ ومفعولاً به وفاعلاً ومجروراً بأي حرف فهذا متصرف.

نيابة المصدر عن الظرف

نيابة المصدر عن الظرف قال: (وقد ينوب عن مكان مصدر وذاك في ظرف الزمان يكثر) يعني: أن المصادر قد تنوب عن ظرف المكان، مثل: جلست قرب زيد، نقول: أصل (قرب) مصدر قرب يقرب قرباً، لكنها نابت مناب الظرف، فكأنك قلت: جلست مكاناً قرب مكانه، فعندما حذفت الظرف وأتيت بالمصدر صار المصدر نائباً منابه. وقوله: (وذاك في ظرف الزمان يكثر). أي: كون المصدر ينوب عن الظرف يكثر في ظرف الزمان، تقول: آتيك طلوع الشمس. طلوع: مصدر طلع تطلع طلوعاً، لكنها نائبة مناب ظرف الزمان، فكأنك قلت: آتيك وقت طلوع الشمس. القاعدة من هذا البيت: ينوب المصدر مناب الظرف زمانياً كان أو مكانياً، لكنه بالنسبة لظرف الزمان أكثر منه بالنسبة لظرف المكان. وقول المؤلف: (قد ينوب) ظاهره التقليل مع كونه قياسياً، وظاهر كلام الشارح أنه سماعي فلا يمكن أن تقيسه، بل لا بد أن يكون قد ورد عن العرب؛ ولكن الظاهر أن ما هو ظاهر المتن أولى: وهو أنه قد ينوب لكنه قليل سماعاً وقياساً، فلا مانع من أن تأتي بمصدر نائب مناب الظرف وإن لم يُسمع في اللغة العربية، ما دام المعنى واضحاً.

المفعول معه

المفعول معه

تعريف المفعول معه

تعريف المفعول معه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [المفعول معه ينصب تالي الواو مفعولاً معه في نحو سيري والطريق مسرعة بما من الفعل وشبهه سبق ذا النصب لا بالواو في القول الأحق وبعد ما استفهام او كيف نصب بفعل كون مضمر بعض العرب والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى ضعف النسق والنصب إن لم يجز العطف يجب أو اعتقد إضمار عامل تصب]. المفعول معه: كلمة (معه) تفيد المصاحبة، فمعنى المفعول معه: المفعول من أجل المصاحبة، والمفعول معه هو اسم منصوب يأتي بعد واو المعية المسبوقة بفعل أو ما في معناه. مثلاً: سار محمدٌ والطريق، معنى (والطريق) مع الطريق، ولا يجوز أن تكون الواو هنا عاطفة؛ لأن الطريق لا تسير. ومثال آخر: استوى الماءُ والخشبة، أي: مع الخشبة، إذ لا يمكن أن يكون المعنى: استوى الماء واستوت الخشبة. فاتضح أن المفعول معه يأتي بعد واو هي نص في المعية مسبوقة بفعل أو معناه ولا يمكن أن تكون عاطفة، ولهذا قال المؤلف مبيناً حده بحكم: (ينصب تالي الواو مفعولاً معه) ينصب: فعل مضارع مبني للمجهول. تالي: نائب فاعل، وهو مضاف، والواو مضاف إليه. مفعولاً: حال من تالي، يعني: حال كونه مفعولاً منه. في نحو: أي: في شبه. سيري والطريق: الخطاب لامرأة، وهو فعل أمر. والواو واو المعية، ولا يمكن أن تكون عاطفة. تقول: مشيتُ وزيداً. فمشيت: فعل وفاعل. والواو للمعية. وزيداً: مفعول معه منصوب على المعية، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. ويجوز أن نقول: مشيتُ وزيدٌ؛ لكنه ضعيف؛ لأن ابن مالك يقول: وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما وبلا فصل يرد في النظم فاشياً وضعفه اعتقد الأمثلة كثيرة، وضابط المفعول معه: أن تكون الواو بمعنى مع.

العامل في المفعول معه

العامل في المفعول معه قال المؤلف: (بما من الفعل وشبهه سبق ذا النصب لا بالواو في القول الأحق) بما من الفعل: الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والمبتدأ الذي هذا خبره هو قوله: (ذا النصب). (ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. النصب: صفة. وتقدير البيت: هذا النصب بما سبق من الفعل وشبهه. وقوله: ما في (بما): اسم موصول وصلتها قوله: (سبق). ومن الفعل: جار ومجرور متعلق بسبق. ففيه تقديم وتأخير كثير: أولاً: تقديم الخبر. ثانياً: تقديم متعلق الصلة (من الفعل وشبهه) لأنه متعلق بـ (سبق). إذاً التقدير: هذا النصب بما سبق من الفعل وشبهه. وكأن سائلاً سأل ابن مالك: نحن نصبنا الاسم بعد واو المعية، فما الذي نصبه؟ فقال: الذي نصبه ما سبق من الفعل وشبهه. مثال النصب بما سبق من الفعل: سرت والطريق ومثال النصب بما سبق من شبه الفعل: أنا سائرٌ والطريق. هذا شبه فعل؛ لأنه اسم فاعل. أنا مُسيَّرٌ والطريقَ. شبه فعل؛ لأنه اسم مفعول. يعجبني سيري والطريقَ. هذا مصدر وهو شبه الفعل أيضاً. إذاً: الناصب للاسم الواقع بعد واو المعية هو ما سبقها من الفعل وشبهه. وفهم من قول المؤلف: (بما سبق) أن العامل لا بد أن يسبق واو المعية، فلو قلت: والطريقَ سرتُ، لم يصح. لا بد أن يتقدم الفعل، فلا يجوز: والطريق سار محمد. ويجوز: سار والطريق محمدٌ؛ لأن الفعل سبق. وقول المؤلف: (لا بالواو) يعني: الاسم الواقع بعد الواو المنصوب ليس منصوباً بالواو. قوله: (في القول الأحق) أفادنا المؤلف أن المسألة فيها قولان للنحويين: بعضهم يقول: سرتُ والطريقَ. سرت: فعل وفاعل. والواو: واو المعية. الطريق: مفعول معه منصوب بالواو، والمؤلف يقول: منصوب بالفعل. لكن قال: (في القول الأحق) يعني الأثبت والأقوى، والسبب أن الواو هنا مختصة بهذا الاسم وكل شيء مختص وليس كالجزء من الكلمة فإنه لا يعمل. والحقيقة أن هذا التعليل لو عكس لكان أولى؛ لأن كل حرف مختص وليس كالجزء من الكلمة فهو عامل، وهذا معروف وله قاعدة منفردة، لكن هم يقولون إنها قاعدة أغلبية. فمثلاً: (في) تعمل لأنها مختصة بالاسم وليست كالجزء منه. (هل) لا تعمل لأنها غير مختصة، بل تدخل على الاسم فيقال: (هل محمد في البيت)، وعلى الفعل: (هل قام محمد). السين: (سيقول السفهاء) مختصة بالفعل ولكنها لا تعمل؛ لأنها كالجزء منه. هكذا يعلل النحويون، وأنا رأيي في كون الأداة تعمل أو لا تعمل أنه راجع إلى لغة العرب، وهم الحكم في هذا الأمر. وهنا في ناصب المفعول معه نقول: في ذلك رأيان لأهل العلم: منهم من يقول: منصوب بالواو. ومنهم من يقول: منصوب بما سبقه من الفعل وشبهه. وقد قلت لكم سابقاً إننا نختار في النحو ما هو أصلح، وعلى هذا فمن أعرب وقال: إن الناصب ما سبق من الفعل وشبهه، قلنا له: هذا صحيح، ومن قال إنه الواو قلنا: إنه صحيح، ولسنا في ذلك نعطل نصاً ولا ننسخه!

العامل في المفعول معه بعد ما وكيف الاستفهاميتين

العامل في المفعول معه بعد ما وكيف الاستفهاميتين قال المؤلف: [وبعد ما استفهام او كيف نصب بفعل كون مضمر بعض العرب] كأنه قيل للمؤلف: أنت تقول إنه لابد أن يتقدم الفعل أو شبهه وأنه هو الناصب، ووجدنا أن العرب يقولون: كيف أنت وقصعة من ثريد؟ ويقولون: ما أنت وزيداً؟ فما هو الجواب؟ و A أن النصب بفعل كون مضمر. يعني أننا نقدر فعل كون وهو (كان أو تكون) أو ما أشبه ذلك، فالتقدير: كيف تكون أنت وقصعةً من ثريد؟ ما تكون أنت وزيداً؟ وبعضهم يقول: نقدر (تصنع) أي: ما تصنع أنت وزيداً؟ فبعد: ظرف منصوب على الظرفية، والعامل فيه (نصب)، ما استفهام: ما: مضاف، واستفهام: مضاف إليه. وإنما قال: (بعد ما استفهام) للتخصيص؛ لأن (ما) تكون استفهامية، وتكون شرطية، وتكون نكرة موصوفة، وتكون غير ذلك، فلها عشر معان نظمها بعضهم فقال: محامل ما عشر إذا رمت عدها فحافظ على بيت سليم من الشعر ستفهم شرط الوصل فاعجب لنكرها بكف ونفي زيد تعظيم مصدر هذه معاني ما، ولهذا احتاج أنه يقول: (بعد ما استفهام). ولم يقل: (كيف استفهام) لأنها لا ترد إلا استفهامية. قوله: (بفعل كون مضمر) أي: محذوف. (بعض العرب) فاعل نصب، يعني: أن بعض العرب نصب المفعول معه بعد الواو التي لم تسبق بفعل أو شبهه، ولكنه بعد ما أو كيف، ويقدر لذلك فعل مناسب، والمؤلف يقول: إنه يقدر فعل مشتق من الكون، وهو: "يكون أو تكون أو كن"، ولكن الأصح كما قاله أهل الحواشي: أن نقدر الفعل المناسب، على أنه يمكن أن نجعل "كون" في كلام المؤلف ليست هي التي اشتق منها كان، وأن المراد بالكون الحدث، يعني: بفعل حدث ويقدر بما يناسب المقام. القواعد المستفادة من هذه الأبيات: القاعدة الأولى: أن المفعول معه اسم منصوب تال لواو بمعنى مع مسبوقة بفعل أو شبهه. القاعدة الثانية: هل الناصب لهذا الاسم الواو أو ما سبقها من فعل أو شبهه؟ في ذلك قولان للعلماء، والذي يرجحه ابن مالك أنه منصوب بالفعل السابق أو شبهه. القاعدة الثالثة: يجوز أن ينصب بعد واو المعية إذا سبقت بما الاستفهامية أو كيف كما ورد ذلك عن بعض العرب، وعلى هذا فيجب أن نقدر فعلاً مناسباً للمقام.

تقديم العطف على المعية والعكس

تقديم العطف على المعية والعكس قال المؤلف رحمه الله: [والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى ضعف النسق] ونحن عندنا شيئان أحدهما أرجح من الآخر، وهما: هل الأولى في الواو إذا جاءت بين شيئين أن نجعلها للمعية فينصب ما بعدها، أو الأولى أن نجعلها عاطفة فيكون ما بعدها تابعاً لما قبلها؟ يقول المؤلف: إن العطف إذا لم يكن فيه ضعف أحق من أن تكون الواو للمعية. مثال ذلك: قام زيدٌ وعمروٌ، هنا الواو حالت بين زيد وعمرو، فهل تجعلها عاطفة أو تقول: قام زيدٌ وعمراً، وتجعل الواو للمعية؟ الأولى العطف؛ لأنه الأصل، فما دام غير ضعيف فهو الأولى فنقول: قام زيدٌ وعمروٌ، ولنا أن نقول: قام زيدٌ وعمراً، ونقول: قام: فعل ماض. زيدٌ: فاعل. والواو للمعية. وعمراً: منصوب على المعية. ولو قال قائل: قام زيداً وعمروٌ. لم يصح؛ لأن الفاعل لابد أن يكون مرفوعاً، فنقول: قام زيدٌ، أما عمرو فيجوز فيه وجهان، لكن العطف أولى. المسألة الثانية: ترجيح النصب: قال المؤلف: (والنصب مختار لدى ضعف النسق). يعني: إذا ضعف العطف رجحنا النصب، مثال ذلك: إذا عطفت على ضمير متصل فإن الأولى النصب تقول: جئت وزيداً. جئت: فعل وفاعل. الواو للمعية. زيداً: منصوب على المعية. ويجوز: جئت وزيدٌ؛ لكنه ضعيف، بل إن بعض العلماء من النحويين منع هذا، ومنهم ابن مالك بقوله: (وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما) وكذلك أيضاً إذا قلت: مررت بك وزيداً، ويجوز: مررت بك وزيدٍ. والنصب أفصح؛ لأن العطف على المتصل ضعيف أو ممنوع عند بعض العلماء. فإذا قلت: جئت أنا وزيد، جئت أنا وزيداً، فالأولى العطف؛ لأن العطف هنا يمكن بلا رابط. نأخذ من هذا أنه إذا جاءت الواو بين شيئين فالعطف أولى من المعية إذا لم يكن ضعيفاً، وإذا جاء بين شيئين وكان العطف ضعيفاً فالنصب على المعية أولى. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والنصب إن لم يجز العطف يجب) هذه قاعدة معناها أنه إذا كان العطف لا يجوز فإنه يجب النصب على المعية، أو على إضمار فعل، ولهذا قال: (أو اعتقد إضمار عامل تصب). المهم: إذا لم يجز العطف يجب النصب إما على المعية أو على إضمار الفعل. مثال الأول: استوى الماء والخشبةَ، ولا يجوز: والخشبةُ؛ لأنه يختلف المعنى، فإذا عطفت فالمعنى: استوى الماء واستوت الخشبةُ، وهذا ليس له معنى، لكن إذا نصبت فالمعنى: استوى الماء مع الخشبة، أي: صار بحذائها، فهنا نقول: الواو هنا للمعية ويجب النصب على المعية. وتقول: استوى الغني والفقيرُ فترفع الفقير على العطف. قوله: (أو اعتقد إضمار عامل تصب). قال الشاعر: علفتها تبناً وماء بارداً. تبناً: مفعول ثان لعلفتها، والمفعول الأول الضمير، والواو حرف عطف. ماء: مفعول به لفعل محذوف تقديره: وسقيتها ماء بارداً، وهذا الفعل المحذوف معطوف على جملة (علفتها) ولو قلنا: الواو حرف عطف وماء معطوفة على تبناً لم يصح لأن الماء لا يعلف. فإذا قلت: أطعمته خبزاً وحليباً. جاز ذلك على العطف دون إضمار فعل، لقول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة:249]. وإذا قلت: سقيته حليباً وخبزاً، فالتركيب سليم، لكن عند الإعراب نقول: سقيته: فعل وفاعل ومفعول أول. حليباً: مفعول ثان. وخبزاً: الواو حرف عطف، خبزاً: مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: وأطعمته خبزاً. فالحاصل أن المفعول معه تجري فيه الأحكام الخمسة: ترجح النصب، وضعفه، وترجح العطف، وضعفه، وتعين النصب، والله أعلم.

شرح ألفية ابن مالك [37]

شرح ألفية ابن مالك [37] الاستثناء يرد كثيراً في كلام العرب، وله أدوات كثيرة منها ما هو اسم ومنها ما هو فعل ومنها ماهو حرف، وأشهرها (إلا)، وللمستثنى بعد إلا أحكام إعرابية تختلف باختلاف الجملة الاستثنائية، وكذا تختلف بحسب تكررها ونحو ذلك. وغير إلا من الأدوات يجر ما بعدها إن كانت اسماً، وينصب إن كانت فعلاً في الغالب.

الاستثناء

الاستثناء

تعريف الاستثناء

تعريف الاستثناء الاستثناء مأخوذ من الثني وهو العطف، لأن فيه رجوعاً إلى كلام سابق، فكأنك انعطفت إلى الكلام السابق. وهو في الاصطلاح: إخراج ما لولاه لدخل في الكلام بـ (إلا) أو إحدى أخواتها. مثال ذلك: حفظ الطلبة الدرسَ، فهذا يفيد أن كل الطلبة حفظوا الدرس، فتقول: إلا زيداً، وزيد من الطلبة فأخرجت زيداً من الحكم السابق بـ (إلا). وقوله: (أو إحدى أخواتها) أي: مثل "سوى وغير وحاشا". النحويون لا يعتنون بمعنى الاستثناء وشروط الاستثناء وما إلى ذلك، وإنما يعتني به البلاغيون أو الأصوليون، فالنحويون يقولون: ما علينا إلا إصلاح اللسان، فالنحوي يخبرك بالذي ينصب والذي لا ينصب بعد إلا. والمؤلف رحمه الله بيَّن ذلك بياناً كافياً في كلمات قيل إنها معقدة، والظاهر من الشرح أنها لم تكن معقدة.

وجوب نصب المستثنى في الجملة التامة الموجبة

وجوب نصب المستثنى في الجملة التامة الموجبة يقول المؤلف: (ما استثنت الا مع تمام ينتصب): ما: اسم موصول بمعنى الذي. واستثنت: بمعنى أخرجت بالاستثناء. وإلا: فاعل استثنت، وجعلت همزتها همزة وصل من أجل الحفاظ على وزن البيت. مع تمام: حال من (إلا). وقوله ينتصب: الجملة خبر (ما) في قوله: (ما استثنت). ومعناه: أن الذي تستثنيه إلا مع التمام ينتصب. ومعنى التمام وجود ركني الجملة قبل إلا، وهما الفعل والفاعل، أو الفعل ونائب الفاعل، أو المبتدأ والخبر، يعني: إذا جاءت إلا بعد جملة تامة فما بعدها يكون منصوباً. وبقي عليه قيد واحد لم يذكره لكنه يفهم مما يأتي بعد، وهو الإيجاب، فما استثنت إلا مع تمام وإيجاب فإنه يجب نصبه. ومعنى الإيجاب: ألا يكون مسبوقاً بنفي أو شبهه، مثاله: قام القوم إلا زيداً. قام: فعل ماض. القوم: فاعل. وبهذا تمت الجملة، وهي موجبة، أي مثبتة غير منفية، فيجب نصب ما بعد إلا. لو قلت: قام القوم إلا زيدٌ. لقلنا: لا يجوز. قال تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة:249] (فشربوا منه) جملة تامة موجبة جاء المستثنى بعدها منصوباً (إلا قليلاً). إذاً: يشترط لنصب المستثنى بعد إلا شرطان: 1 - تمام الجملة. 2 - وكون الكلام موجباً. أمثلة: جاء الرجال إلا عمراً، قرأت الكتاب إلا ورقةً، أضيئت اللمبات إلا واحدة، الناس هالكون إلا المؤمنين، جاء القوم إلا سيارةً. ما دام الكلام تاماً ولم يسبق بنفي أو شبهه فما بعد إلا منصوبة.

الاستثناء في الكلام التام المنفي

الاستثناء في الكلام التام المنفي يقول المؤلف: (ما استثنت الا مع تمام ينتصب): ما: اسم موصول بمعنى الذي. واستثنت: بمعنى أخرجت بالاستثناء. وإلا: فاعل استثنت، وجعلت همزتها همزة وصل من أجل الحفاظ على وزن البيت. مع تمام: حال من (إلا). وقوله ينتصب: الجملة خبر (ما) في قوله: (ما استثنت). ومعناه: أن الذي تستثنيه إلا مع التمام ينتصب. ومعنى التمام وجود ركني الجملة قبل إلا، وهما الفعل والفاعل، أو الفعل ونائب الفاعل، أو المبتدأ والخبر، يعني: إذا جاءت إلا بعد جملة تامة فما بعدها يكون منصوباً. وبقي عليه قيد واحد لم يذكره لكنه يفهم مما يأتي بعد، وهو الإيجاب، فما استثنت إلا مع تمام وإيجاب فإنه يجب نصبه. ومعنى الإيجاب: ألا يكون مسبوقاً بنفي أو شبهه، مثاله: قام القوم إلا زيداً. قام: فعل ماض. القوم: فاعل. وبهذا تمت الجملة، وهي موجبة، أي مثبتة غير منفية، فيجب نصب ما بعد إلا. لو قلت: قام القوم إلا زيدٌ. لقلنا: لا يجوز. قال تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة:249] (فشربوا منه) جملة تامة موجبة جاء المستثنى بعدها منصوباً (إلا قليلاً). إذاً: يشترط لنصب المستثنى بعد إلا شرطان: 1 - تمام الجملة. 2 - وكون الكلام موجباً. أمثلة: جاء الرجال إلا عمراً، قرأت الكتاب إلا ورقةً، أضيئت اللمبات إلا واحدة، الناس هالكون إلا المؤمنين، جاء القوم إلا سيارةً. ما دام الكلام تاماً ولم يسبق بنفي أو شبهه فما بعد إلا منصوبة.

ترجيح الإتباع على النصب في الجملة التامة المنفية

ترجيح الإتباع على النصب في الجملة التامة المنفية قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وبعد نفي او كنفي انتخب، إتباع ما اتصل وانصب ما انقطع) النفي إما بما أو بلا، والذي كالنفي هو النهي والاستفهام، وانتخب بمعنى اختير. والذي اختير هو إتباع ما اتصل، أي: أن يكون تابعاً لما قبل إلا في الإعراب، فإن كان الذي قبل إلا مرفوعاً فهو مرفوع، وإن كان منصوباً فهو منصوب، وإن كان مجروراً فهو مجرور. قوله: (إتباع ما اتصل وانصب ما انقطع) ما هو المنقطع والمتصل في الاستثناء؟ يقولون: إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه فهو متصل، وإذا كان من غير جنسه فهو منقطع. فهمنا من كلام المؤلف أنه إذا كان الكلام تاماً مسبوقاً بنفي أو شبهه فلا يخلو إما أن يكون المستثنى متصلاً أو منقطعاً؛ فإن كان متصلاً فالمختار إتباعه بما سبق إلا، وإن كان منقطعاً وجب نصبه، ولهذا قال: (وانصب ما انقطع) وانصب: فعل أمر، والأمر للوجوب. فإذا قلت: ما قام القوم إلا زيد. فهو تام منفي، فالمختار الإتباع وهو رفع المستثنى (زيد) تبعاً للمستثنى منه (القوم)، لأن الاستثناء متصل، ويجوز النصب على الاستثناء لكنه مرجوح. ما: نافية. قام: فعل ماض. أحد: فاعل. إلا: أداة استثناء. زيدٌ: بدل من أحد. ما قرأت في كتاب إلا شرح ابن عقيل: ما: نافية. قرأت: فعل وفاعل. في: حرف جر. كتاب: اسم مجرور. إلا: أداة استثناء. شرحِ ابن عقيل: شرحِ: بدل من كتاب مجرور، وعلامة جرة الكسرة الظاهرة في آخره، وهو مضاف وابن مضاف إليه، وابن مضاف وعقيل مضاف إليه. وإذا قلت: ما قرأت كتاباً إلا شرحَ ابن عقيل. فاللفظ لا يختلف؛ لكن هل تقول إن (شرحَ) منصوب على الاستثناء أو منصوب على البدلية؟ كلاهما جائزان، لكن الراجح البدلية، لأن الاستثناء متصل والجملة تامة منفية.

وجوب نصب المستثنى في الاستثناء المنقطع عند غير تميم

وجوب نصب المستثنى في الاستثناء المنقطع عند غير تميم والحاصل أنه إذا كان الكلام تاماً موجباً وجب نصب المستثنى على كل حال. وإن كان الكلام تاماً منفياً ففيه تفصيل: فإن كان الاستثناء متصلاً جاز النصب على الاستثناء، وجاز الإتباع وهو المختار. وإن كان الاستثناء منقطعاً وجب النصب، ومن أمثلة هذا القسم الأخير: ما قام القوم إلا حماراً. فيجب النصب لأن (إلا) بمعنى (لكن) فالمعنى: ما قام القوم لكنَّ حماراً قام، فيقولون: الاستثناء المنقطع تكون فيه (إلا) بمعنى لكن، ولكن تنصب المبتدأ اسماً لها. قال المؤلف: (وعن تميم فيه إبدال وقع) أي: التميميون يقولون: يجوز أن تجعل المنقطع منصوباً على الاستثناء وأن تجعله تابعاً على البدلية، يعني: لا يفرقون بين المتصل والمنقطع إلا في الترجيح، فهم يرجحون الإبدال في المتصل ويرجحون النصب في المنقطع، فالفرق بينهم وبين الحجازيين أن الحجازيين يوجبون النصب في المنقطع وهؤلاء يرجحونه. والدليل على أنهم يرجحونه أنه قال: (وعن تميم فيه إبدال) أي: وإلا فالراجح عندهم النصب على الاستثناء.

ترجيح نصب المستثنى إذا تقدم في الجملة التامة المنفية

ترجيح نصب المستثنى إذا تقدم في الجملة التامة المنفية قوله: (وغير نصب سابق في النفي قد يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد) غير: مبتدأ، وجملة "قد يأتي" خبره. وقوله: (وغير نصب سابق في النفي قد يأتي) غير نصب السابق هو الإتباع. والنفي قد تقدم، يقول المؤلف: وغير نصب سابق في حال النفي قد يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد، يعني: دون الإتباع. وقوله: (غير نصب سابق في النفي) متعلقة بـ (يأتي) والمعنى: قد يأتي في النفي غير نصب السابق. مثاله: ما قام الناس إلا زيداً. فالمستثنى هنا متأخر، وإذا تأخر المستثنى في الاستثناء التام المنفي فالمختار الإتباع مثلما قال: (وبعد نفي أو كنفي انتخب إتباع ما اتصل)، أما إذا سبق المستثنى في التام المنفي فإنه يجوز الإتباع ويجوز النصب وهو معنى قوله: (وغير نصب سابق في النفي قد يأتي) وغير النصب هو الإتباع، ولكن النصب أرجح، ولذا قال: (ولكن نصبه اختر إن ورد). فكأن المؤلف يقول: بعد نفي أو كنفي انتخب إتباع ما اتصل ما لم يسبق المستثنى المستثنى منه. مثاله: ما قام إلا زيداً الناسُ، فهنا "زيد" سابق، فغير نصبه قد يأتي وهو الإتباع، لكن نصبه أولى كما في المثال. والإتباع أن تقول: ما قام إلا زيدٌ الناس. وإعرابه: ما: نافية. قام: فعل ماض. إلا: أداة حصر. زيدٌ: فاعل. الناس: بدل، لكن بعضهم يقول: بدل مقلوب، وأصله: ما قام الناس إلا زيدٌ، وبعضهم يقول: بدل كل من بعض، وأن بدل الكل من البعض وارد في اللغة العربية، ومنه قول الشاعر: رحم الله أعظماً دفنوها بسجستان طلحة الطلحات فطلحة الطلحات بدل من (أعظماً) والأعظم إنما هي جزء منه، لكنه بدل كل من بعض.

الاستثناء المفرغ

الاستثناء المفرغ الحال الثالثة من أحوال المستثنى: أن تكون الجملة قبله مفرغة له غير كاملة، قال المؤلف: [وإن يفرغ سابق إلا لما بعد يكن كما لو الا عُدما] ويجوز: (عَدِما) وهما نسختان. يفرغ: مجزومة بإن على أنها فعل الشرط. سابق: فاعل يفرغ. إلا: مفعول به لسابق. يكن: جواب الشرط: والمعنى: إن يفرغ العامل السابق لـ (إلا) لما بعد إلا يكن هذا العامل المفرغ كما لو عدمت إلا؛ فإن فرغ للرفع صار ما بعد إلا مرفوعاً، وإن فرغ للنصب صار ما بعد إلا منصوباً، وإن فرغ للجر صار ما بعد إلا مجروراً. وأمثلة ذلك: (ما قام إلا زيدٌ): ما: نافية. قام: فعل ماض. و (إلا) يسمونها هنا: أداة حصر، أو أداة استثناء ملغاة، وهذا أقيس. وزيد: فاعل (قام) وكأن (إلا) ليست موجودة كأنك قلت: قام زيد. (ما أكرمت إلا المجتهد). أين مفعول (أكرمت)؟ A المجتهد؛ لأني فرغت (أكرمت) من المفعول وسلطت على الذي بعد إلا، فكان ما بعد إلا هو مفعوله. (ما مررت إلا بزيد): (مررت) معروف أنها تتعدى بالباء، وقد فرغناها فلم نأت بالمعمول وجعلناه بعد إلا، فصار معمول مررت بعد قوله: إلا؛ لأن (إلا) لما فرغنا ما قبلها لما بعدها صارت كالمعدومة فيعمل ما قبلها فيما بعدها. فهذه هي الحال الثالثة للاستثناء، وهي أن يكون ما قبلها ناقصاً، بمعنى: أنه يتطلب المعمول، فيكون ما بعد إلا معمولاً له؛ إن طلبه على أنه فاعل فهو فاعل، أو على أنه مفعول به فهو مفعول به، أو على أنه مجرور فهو مجرور. وإذا قلت: (ما كان زيدٌ إلا قائماً)، فهذا مفرغ؛ لأن كان تطلب اسماً وخبراً ففرغناها من الخبر فكان ما بعد إلا هو خبرها. وتقول: (ما ظننت زيداً إلا فاهماً) فهذا مفرغ للمفعول الثاني، فيكون المفعول الثاني ما بعد إلا.

تكرر إلا في الاستثناء

تكرر إلا في الاستثناء قال رحمه الله تعالى: [وألغ إلا ذات توكيد كلا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا] (ألغ إلا) يعني: أبطل عملها، (ذات توكيد) يعني: حال كونها صاحبة توكيد، ولا تكون مؤكدة إلا وقد سبقتها إلا؛ لأن التوكيد لابد له من مؤكَّد سابق، فمعنى ذلك أن إلا إذا تكررت وكانت الثانية توكيداً للأولى فإن الثانية تعتبر لاغية ليس لها عمل. مثاله: (لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا)، العلا هو الفتى، والعلا بمعنى الشرف والرفعة، وهو صفة بالمصدر مثلما تقول: زيد عدل فتصفه بالمصدر. وهذا المثال هل هو من المفرغ، أم من التام الموجب، أم من التام المسبوق بنفي أو شبهه؟ A هو من التام المسبوق بنفي أو شبهه، وعلى هذا يكون (الفتى) في محل جر بدلاً من الضمير في قوله: (بهم) ويجوز أن يكون محل النصب، لكنه مرجوح؛ لأنه يقول: (وبعد نفي او كنفي انتخب إتباع ما اتصل) إذاً: لا: ناهية. تمرر: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. بهم: جار ومجرور متعلق بـ (تمرر). إلا: أداة استثناء. الفتى: بدل من الهاء، وبدل المجرور مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. إلا العلا، إلا: حرف استثناء ملغى، أي ليس له معنى. العلا: عطف بيان أو بدل من الفتى؛ لأن العلا هو الفتى. وكما تلغى في البدل وعطف البيان تلغى في العطف، كما تقول: (لا تكرم إلا زيداً وإلا عمراً). فإلا زيداً: مفعول به، والواو: حرف عطف. إلا: ملغاة. وعمراً: معطوف على (زيداً) منصوب مثله. والحاصل أنه إذا كررت إلا بقصد التوكيد فإنها تكون ملغاة، سواء كانت في عطف بيان أو بدل أو كانت في عطف نسق أو ما أشبه ذلك. فقوله: (لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا)، مثال لعطف البيان أو البدل. ومثال عطف النسق: (لا تمرر بأحد إلا زيد وإلا عمرو) فإلا الثانية هنا ملغاة ليس لها قيمة ولا يضر حذفها، وهي مثل الزائدة. فقولنا: (لا تكرم أحداً إلا زيداً وإلا عمراً)، لو حذفنا إلا لصح الكلام فنقول: لا تكرم إلا زيداً وعمراً.

تكرار إلا لغير التوكيد في الاستثناء المفرغ

تكرار إلا لغير التوكيد في الاستثناء المفرغ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن تكرر لا لتوكيد فمع تفريغ التأثير بالعامل دع في واحد مما بإلا استثني وليس عن نصب سواه مغني] أي: إذا تكررت (إلا) فإما أن تكون لتوكيد أو لغير توكيد، فإذا كانت لتوكيد فلا حكم لها ولا عمل، وهي ملغاة. وإذا كانت لغير توكيد فلا تخلو من حالين: الحال الأولى: أن يكون ما قبلها مفرغاً لم يستوف معموله. والحال الثانية: أن يكون غير مفرغ. فيستفاد من قول المؤلف: (فمع تفريغ) حكم القسم الأول. قال: (فمع تفريغ التأثير بالعامل دع في واحد مما بإلا استثني). التأثير: مفعول دع مقدم، يعني: فدع التأثير بالعامل المفرغ في واحد مما بإلا استثني، فيكون الذي يتأثر بالعامل السابق لـ (إلا) واحداً من المستثنيات، والباقي ينصبن. مثاله: (لم يقم إلا زيدٌ إلا عمراً إلا بكراً)، أولاً الكلام مفرغ؛ لأن (يقم) ما استوفت الفاعل، وقد كررت (إلا) ثلاث مرات، وليست الثانية منها توكيداً للأولى، وكذلك الثالثة، بل كل واحدة مستقلة، فهي: إذاً غير ملغاة. ولا يجوز: (لم يقم إلا زيدٌ إلا عمرو إلا بكرٌ). ولا يجوز: (لم يقم إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً)؛ لأن العامل المفرغ يطلب ما بعد (إلا) على أنه فاعل، والفاعل مرفوع. ويجوز أن تقول: (لم يقم إلا زيداً إلا بكرٌ إلا عمراً)؛ لأنه وإن نصب الأول لكن الذي بعد الثاني مرفوع، وهو يقول: (في واحد مما بإلا) ولم يقل: (بالأول). وكذلك يجوز: (لم يقم إلا زيداً إلا عمراً إلا بكرٌ). وإذا قلت: (ما رأيت إلا زيداً إلا عمرا ًإلا بكراً) فهو صحيح؛ لأن (رأيت) تطلب ما بعد إلا على أنه مفعول به، والمفعول به منصوب، لكن الإعراب يختلف؛ فتقول: ما: نافية. رأيت: فعل وفاعل. إلا: أداة حصر. زيداً: مفعول رأيت. إلا عمراً، إلا: أداة استثناء. عمراً: منصوب على الاستثناء. إلا بكراً، إلا: أداة استثناء، وبكراً: منصوب على الاستثناء. وفي قولنا: (لم يقم إلا زيدٌ إلا عمراً إلا بكراً) وجب نصب عمرو وبكر؛ لأن الكلام الذي قبلها قد صار تاماً موجباً في الواقع، فقولك: لم يقم إلا زيدٌ، هو بمنزلة قام زيد؛ لأن النفي نقض بإلا، ولهذا يقول: (ليس عن نصب سواه مغني) فيجب نصب ما بعده على الاستثناء. ولو قلت: (لم يقم إلا زيدٌ إلا عمروٌ) لم يجز لأنه يجب النصب في أحدهما على الاستثناء.

تكرار إلا لغير التوكيد في الاستثناء غير المفرغ

تكرار إلا لغير التوكيد في الاستثناء غير المفرغ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ودون تفريغ مع التقدم نصب الجميع احكم به والتزم وانصب لتأخير وجئ بواحد منها كما لو كان دون زائد كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي وحكمها في القصد حكم الأول يعني: إذا لم يفرغ العامل لما بعد إلا فلا يخلو: إما أن تتقدم المستثنيات على المستثنى أو تتأخر؛ فإن تقدمت المستثنيات وجب النصب في الجميع؛ فتقول مثلاً: (ما قام إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً القوم). فقوله: إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً، مستثنى من القوم؛ لكن تقدمت المستثنيات على المستثنى منه فوجب نصب الجميع، وهذا مأخوذ من البيت الأول. قوله: (نصب الجميع احكم به) هذا من باب الاشتغال فكلمة (نصب) مفعول به لفعل محذوف دل عليه ما بعده؛ لأن (احكم) اشتغل بالضمير (به)، يعني: الزم نصب الجميع واحكم به. والتزم: أي هذا الحكم في كل ما يأتيك من كلام العرب. أما إذا تأخرت المستثنيات عن المستثنى منه، فالحكم فيها ما ذكره بقوله: (وانصب لتأخير وجئ بواحد منها كما لو كان دون زائد) أي: إذا تأخرت المستثنيات عن المستثنى منه وليس في الكلام تفريغ فانصب المستثنيات إلا واحداً منها، فاحكم فيه كما لو لم تزد المستثنيات على واحد، وقد علمنا فيما سبق أنه إذا كان الكلام تاماً منفياً جاز في المستثنى وجهان، وهما: الإتباع، والنصب على الاستثناء، والأحسن الإتباع، إلا فيما إذا كان المستثنى منقطعاً فإنه يجب النصب، ويجوز فيه الإتباع عند بني تميم كما قال: (وعن تميم فيه إبدال وقع). إذاً: ما الفرق بين ما إذا تقدمت المستثنيات وما إذا تأخرت؟ و A الفرق بينهما أنه إذا تقدمت وجب النصب للجميع في كل حال، وإذا تأخرت ينصب الجميع إلا واحداً فإنه يعامل كما لو لم يكن معه غيره. ومثال التأخر: (ما قام القوم إلا زيدٌ إلا عمراً إلا خالداً). ويجوز: (ما قام القوم إلا زيداً إلا عمراً إلا خالداً)، وهو أحسن لأنه إبدال. وإذا قلت: (ما قام القوم إلا حمارٌ إلا بكراً إلا خالداً) فهو خطأ على لغة الحجازيين، لأن الاستثناء منقطع فيجب النصب عندهم، ويجوز عند بعض بني تميم، مع أن الأرجح عند بني تميم النصب، وعلى هذا فنقول: (ما قام القوم إلا حماراً إلا بكراً إلا خالداً) قال المؤلف في مثاله: (كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي). وكان عليه أن يقول: إلا علياً، لكن منعه الوزن الشعري، وذلك لأنه لا يعامل كما لو لم يكن معه غيره إلا واحد فقط، وهو الآن قال: إلا امرؤ، فلو قال: (كلم يفوا إلا امرأً إلا عليٌ) بنصب (امرؤ) لصح الكلام دون تكسير في البيت الشعري، فلما لم ينصبه فهمنا أن الأولى أن يكون الأول هو الذي يعامل معاملة المنفرد فيعرب على التبعية. فيجوز أن أقول: (ما قام القوم إلا زيداً إلا بكرٌ إلا خالداً)، لكن الأولى أن أقول: (ما قام القوم إلا بكرٌ إلا زيداً إلا عمراً). هذه المستثنيات إذا تكررت اختلفت في الإعراب؛ لكن هل تختلف في المعنى؟ قال المؤلف: (وحكمها في القصد حكم الأول). يعني: أن الاستثناء منسحب على الجميع في المعنى، وإن كنت في الإعراب تجعل واحداً منها مخالفاً لها؛ فأنت إذا قلت: (ما قام القوم إلا زيد إلا بكراً إلا عمراً)، فالمعنى أن هؤلاء الثلاثة كلهم قاموا. فهذا معنى قوله: (وحكمها في القصد حكم الأول).

خلاصة الكلام على الاستثناء بإلا إذا تكررت

خلاصة الكلام على الاستثناء بإلا إذا تكررت وخلاصة هذه الأبيات: أولاً: إذا تكررت إلا للتوكيد فالثانية ملغاة ليس لها حكم إطلاقاً. ثانياً: إذا تكررت لغير التوكيد وهو مفرغ فإنه يجب تسليط العامل على واحد من المستثنيات ونصب ما عداه. ثالثاً: إذا تكررت لغير توكيد ودون تفريغ فإما أن تتقدم المستثنيات أو تتأخر: فإن تقدمت المستثنيات وجب نصبها جميعاً، ولهذا قال المؤلف: (ودون تفريغ مع التقدم نصب الجميع احكم به والتزم). والحال الثانية في هذا القسم: أن تتأخر المستثنيات، فالواجب أن يعطى واحد منها كما لو كان وحده، والباقي يجب نصبه. واختلاف المستثنيات في الإعراب لا يجعلها تختلف في المعنى، ولهذا قال: (وحكمها في القصد حكم الأول) وقد ذكر الفقهاء والنحويون في هذا المكان مسائل لا ندري هل من المصلحة أن نبينها أو لا، وهي: أنه إذا تكررت المستثنيات وكان يمكن استثناء بعضها من بعض، فبعضهم يقول: إنها كلها مستثناة من الأول، وبعضهم يقول: إن كل واحد مستثنى مما قبله، والفقهاء مختلفون في الأحكام بناء على ذلك. فإذا قال مثلاً: عندي له عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحداً، لزمه سبعة عند الحنابلة، لأنهم يستثنون كل واحد مما قبله، فتبدأ من الأخير، فيستثنى واحد من اثنين يبقى واحد، يستثنى الواحد من ثلاثة يبقى اثنان، إذا استُثني اثنان من خمسة يبقى ثلاثة، يستثنى ثلاثة من عشرة يبقى سبعة، فيلزمه في هذا سبعة. وإذا قال: عندي له عشرة إلا خمسة إلا اثنين، نأخذ على القول الأول إنهن كلهن مستثنيات من الأول فنقول: المستثنى خمسة واثنين ومجموعهما سبعة يبقى ثلاثة. وعلى القول الثاني نقول: اثنان من خمسة يبقى ثلاثة، ثلاثة من عشرة يبقى سبعة. وافرض أن المسألة ملايين مثلاً، فالفرق بين ثلاثة ملايين وسبعة ملايين كبير جداً. ولهذا فالحقيقة أن الراجح أن كل واحد مستثنى من الذي قبله إذا أمكن، أما مثل: قام القوم إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً، فهذا لا يمكن فيه أن يستثنى كل واحد مما قبله. وقول ابن مالك: (وحكمها في القصد حكم أول) عام يقتضي أنها كلها مستثنيات من الأول ولو كان يمكن استثناء بعضها من بعض. وهذه الأمثلة موجودة في كلام الفقهاء في باب الإقرار، وربما يذكرونه في الطلاق؛ لكنه في باب الطلاق محصور لا يتعدى أكثر من ثلاثة.

الاستثناء بغير إلا

الاستثناء بغير إلا

حكم المستثنى بغير

حكم المستثنى بغير قال المؤلف: [واستثن مجروراً بغير معرباً بما لمستثنى بإلا نسبا] معناه: أن (غير) من أدوات الاستثناء، وهي تجر ما بعدها بالإضافة. وقوله: (معرباً) حال من (غير)، وإنما صح مجيء الحال منها لأن المقصود لفظها فهي معرفة بهذا المعنى، وإلا فالأصل الحال لا تأتي من النكرة إلا بعد أن تخصص. يعني: لفظ (غير) يستثنى المجرور به حال كون هذا الغير معرباً بما لمستثنى بإلا نسبا. وقوله: (بما لمستثنى) هذا متعلق بقوله: (معرباً). وقوله: (لمستثنى بإلا) متعلق بقوله: (نسبا)، والألف في (نسبا) للإطلاق، أي: معرباً بما نسب للمستثنى بإلا. إذاً: الاستثناء بغير له حكمان: الأول: حكم هذا المستثنى، والثاني: حكم غير. أما حكم المستثنى بها فهو الجر دائماً، تقول: (قام القوم غيرَ زيدٍ) وتقول: (ما قام القوم غيرُ زيدٍ) وتقول: (ما قام غيرُ زيدٍ)، فزيد في كل هذه الحالات مجرور بالإضافة، وهو المستثنى. أما حكم (غير) فهو حكم المستثنى بإلا تماماً، ولهذا قال: (معرباً بما لمستثنى بإلا نسبا) فإذا كان الكلام تاماً موجباً فالواجب نصب غير، تقول: (قام القوم غيرَ زيدٍ)، (قدم القوم غيرَ الأميرِ). وإذا كان تاماً منفياً أو فيه شبه نفي فإنه يترجح الإبدال، ويجوز النصب إذا كان الاستثناء متصلاً، تقول: (ما قام القوم غيرُ زيدٍ)، ويجوز: (ما قام القوم غيرَ زيدٍ). وإذا كان الاستثناء منقطعاً وجب النصب عند الحجازيين وجاز فيه البدل عند بني تميم، فتقول: (ما قام القوم غيرَ حمار) بل هو واجب عند الحجازيين، وإذا قلت: (ما قام القومُ غيرُ حمارٍ)، فهذا عند الحجازيين لحن لا يجوز، وعند التميميين جائز. وإذا قلت: (ما قام غيرُ زيدٍ) يجب الرفع؛ لأنه مفرغ. ما: نافية. قام: فعل ماض. غيرُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضم آخره، وغيرُ مضاف، وزيد مضاف إليه. وإذا قلت: (ما أكرمت غيرَ طالبِ العلم) وجب النصب. وإذا قلت: (ما مررت بغيرِ زيدٍ) يجب الجر، كما لو قلت: (ما مررت إلا بزيدٍ).

حكم المستثنى بسوى

حكم المستثنى بسوى ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولسِوى سُوى سواء اجعلا على الأصح ما لغير جعلا] اجعلا: بالألف للإطلاق، ويجوز أن تكون منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، لأن نون التوكيد الخفيفة يجوز قلبها ألفاً (وقفاً كما تقول في قفن قفا) كما قال ابن مالك. فهنا يجوز أن نجعل (اجعلا) فعل أمر مؤكداً بالنون المنقلبة ألفاً، ويجوز أن نجعله فعل أمر والألف للإطلاق؛ لكن الأولى أن نجعله فعل أمر مؤكداً، لأننا إذا جعلنا الألف للإطلاق، لزم من هذا أمران: تغيير الفعل، وزيادة ألف، وإذا جعلناها نيابة عن نون التوكيد صار الفعل مبنياً على الفتح لأنه متصل بنون التوكيد، وصارت الألف أصلية منقلبة عن نون التوكيد. وقوله: (ولسوى سوى سواء) هي كلمة واحدة في الواقع لكن لها ثلاث صور: سِوى، سُوى، سواء، بالمد. (اجعلا على الأصح ما لغير جعلا)، يعني: اجعل لها ما جعلت لغير، وتقدم أن ما بعد (غير) يجر بالإضافة دائماً، وأما هي فتعرب كإعراب المستثنى بإلا. إذاً: أضف (سوى) بصورها الثلاث في الحكم إلى غير، ويكون المستثنى بسوى دائماً مجروراً، أما هي فعلى حسب المستثنى بإلا، مثل غير تماماً. فتقول مثلاً: قام القوم سواء زيد، أي: غير زيد، وتقول: قام القوم سِوى زيد، وقام القوم سُوى زيد، وإعراب "سِوى وسُوى وسواء" واحد. تقول: قام القوم سواءَ زيدٍ. وتقول: ما قام القوم سواءَ زيدٍ، لكنه مرجوح، وتقول: ما قام القوم سواءُ زيدٍ، وهو الراجح. وإذا قلت: ما قام القوم سواءُ حمارٍ. فهذا ممنوع عند الحجازيين، وجائز عند بني تميم. وتقول: (ما قام سواءُ زيدٍ) بالرفع وجوباً. وتقول: (ما رأيت سواءَ زيدٍ) بالنصب وجوباً. وتقول: (ما مررت بسواءِ زيد) بالجر وجوباً. وأنا اخترت التمثيل بسواء لأنها تظهر عليها الحركات، وإلا فسِوى وسُوى معناهما مع سواء واحد. وقول المؤلف: (على الأصح) يشير إلى أن هناك خلافاً مرجوحاً وهو خلاف سيبويه، الذي جعل (سِوى وسُوى وسواء) دائمة النصب على الظرفية، وما ورد على خلاف ذلك فمؤول. ولا ريب أن هذا القول لا حظ له من النظر، وأن قول ابن مالك أصح، إذ إنه ورد في اللغة العربية على أنها حسب العوامل، فتكون منصوبة إذا تم الكلام وكان موجباً، وتكون مبدلة أو منصوبة إذا تم وكان منفياً أو شبهه، فكل من يقول إنها إذا وردت غير منصوبة تحتاج إلى تأويل، فقوله خلاف الظاهر، والصواب مع ابن مالك. وتوسط قوم فقالوا: إن الأكثر أن تكون منصوبة على الظرفية، وأنها تستعمل أحياناً للاستثناء فتكون كغير، لكن رأي ابن مالك أن حكمها حكم غير، و (غير) حكمها حكم المستثنى بإلا على حسب التفصيل السابق. وليس من الاستثناء مثل قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [المنافقون:6] لكن إذا جاءت (سواء) بمعنى إلا، فهي التي تعامل كغير، أما إذا جاءت مبتدأ أو ما أشبه ذلك فحكمها معروف.

حكم المستثنى بليس وخلا وعدا ولا يكون

حكم المستثنى بليس وخلا وعدا ولا يكون قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واستثن ناصباً بليس وخلا وبعدا وبيكون بعد لا] واستثن ناصباً: أي: واستثن حال كونك ناصباً للمستثنى. إذاً: فالمستثنى بما يأتي يكون دائماً منصوباً، كما أن المستثنى بغير وسوى يأتي دائماً مجروراً. ومفعول (ناصباً) محذوف تقديره: المستثنى، أما فاعل (ناصباً) فهو مستتر تقديره: أنت. واستثن ناصباً المستثنى بـ (ليس) و (خلا) وبـ (عدا) وبـ (يكون) بعد لا، فهي أربعة. إذاً (ليس) تكون من أدوات الاستثناء، تقول: قام القوم ليس زيداً. قام: فعل ماض. القوم: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. ليس: أداة استثناء واسمها محذوف، أو إن شئت فقل: اسمها مستتر، فإن جعلناها حرفاً فاسمها محذوف، وإن جعلناها فعلاً فاسمها مستتر تقديره (هو) يعود على البعض المستثنى من القوم، يعني: ليس بعض المستثنى زيداً، أي: ليس القائم زيداً. زيداً: خبر ليس منصوب بالفتحة الظاهرة. كذلك أيضاً (خلا) نقول: قام القوم خلا زيداً. خلا: فعل ماض، وفاعله مستتر وجوباً تقديره هو، فهم يقولون: إن الضمير يستتر وجوباً في هذه الأدوات. زيداً: مفعول به منصوب. إذاً: هل نصب المستثنى بخلا على الاستثناء أم أن معناه معنى الاستثناء؟ A إذا أعربناه هذا الإعراب فمعناه معنى الاستثناء، أما لو أعربنا زيداً في قولك (خلا زيداً) مستثنى منصوب فمعناه أنه نصب على الاستثناء. قال: و (بعدا)، تقول: قام القوم عدا زيداً. فهي مثل خلا. قال: (وبيكون بعد لا) يكون: فعل مضارع ولكن بشرط مجيئه بعد (لا). ومعلوم أن (كان) ترفع الاسم وتنصب الخبر {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:96] وهنا (يكون) هي أداة الاستثناء، أي الفعل المضارع، وذلك بعد (لا) وليس بعد (ما) أو بعد (لم) من أدوات النفي. فـ ابن مالك رحمه الله اشترط شرطين: 1 - أن تكون بلفظ المضارع، كما يؤخذ من قوله: (وبيكون). 2 - وأن تقع بعد أداة النفي (لا) خاصة. مثاله: قام القوم لا يكون زيداً، فنقول: قام القوم: فعل وفاعل. لا: نافية. يكون: فعل مضارع، واسمها مستتر وجوباً تقديره هو. زيداً: خبرها منصوب بها. فالاستثناء هنا معنوي. ولو قلت: قام القوم لم يكن زيداً. فليس من هذا الباب لأنه بعد (لم). ولا يجوز: قام القوم لا يكون القائم زيداً، لأن اسمها يجب أن يستتر. وبهذا عرفنا أن الاستثناء يكون بالحروف وبالأسماء وبالأفعال، فالاستثناء بالحروف يكون بحرف واحد وهو (إلا). والأسماء اثنان: (غير وسُوى)، أما (سِوى وسواء) فهي لغات في (سُوى). وأما الأفعال فأربعة (ليس، خلا، عدا، لا يكون).

حكم المستثنى بخلا وعدا إذا سبقتها (ما)

حكم المستثنى بخلا وعدا إذا سبقتها (ما) قال المؤلف: [واجرر بسابقي يكون إن ترد وبعد ما انصب وانجرار قد يرد] يقول: (واجرر بسابقي يكون إن ترد)، وسابقاها هما (خلا وعدا). ويفهم من قوله: (إن ترد) أن الأفضل النصب، لكن إن شئت فاجرر. قال: (وبعد ما انصب) (ما) تكون قبل (خلا) وقبل (عدا)، والمعنى: إن وقع (خلا وعدا) بعد (ما) فانصب المستثنى. قال: (وانجرار قد يرد) يعني قد يرد الجر في هذه الحالة، ولكن الأصل النصب، والجر مسموح. قال: (واجرر بسابقي يكون) مثال ذلك: (قام القوم خلا زيد) الإعراب: قام: فعل ماض. القوم: فاعل. خلا: حرف جر. زيد: اسم مجرور بخلا. (قام القوم عدا زيد): قام القوم: فعل وفاعل. عدا: حرف جر. زيد: اسم مجرور بعدا وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره. وعلى هذا فـ (خلا وعدا) يصح أن يكونا فعلين، وأن يكونا حرفين؛ فإن نصبت ما بعدهما فهما فعلان، وإن جررته فهما حرفان، ولهذا قال: [وحيث جرا فهما حرفان كما إنهما إن نصبا فعلان] إذاً: (خلا وعدا)، إن نصب ما بعدهما فهما فعلان، وإن جر فهما حرفان. أما إن وقعت قبلهما (ما) فهما فعلان ويجب نصب ما بعدهما، نقول: (قام القوم ما خلا زيداً، وما عدا بكراً) ولا يجوز أن تقول: (قام القوم ما خلا زيدٍ) ولا (ما عدا بكرٍ) بل يتعين النصب، ولهذا قال: (وبعدما انصب) كما تقدم؛ ولكن قد يرد انجرار، فقد تقول: ما خلا زيدٍ، وما عدا بكرٍ، ولكنه قليل، وبعض العلماء يقولون: لا يجوز، وما ورد فإنه شاذ، وهذا أقرب، والله أعلم.

حكم المستثنى بحاشا

حكم المستثنى بحاشا قال المؤلف: [وكخلا حاشا ولا تصحب ما وقيل حاش وحشا فاحفظهما] إذاً: تكون الأفعال خمسة: (ليس، لا يكون، خلا، عدا، حاشا)، وكخلا حاشا لكنها تخالفها في قوله: (ولا تصحب ما) وعلى هذا فليس لها حال يتعين فيها النصب، بل يجوز فيها النصب والجر، ولا نقول: إلا أن تسبق بنفي، لأنها لا تصحبها ما. نقول: قام القوم حاشا زيداً، قام القوم حاشا زيدٍ، والمعنى: أستثني زيداً. قال: (وقيل حاش وحشا فاحفظهما). والفرق أن (حاش) آخرها الشين، وهو حرف صحيح، أما (حاشا) فآخرها ألف مقصورة. وقيل أيضاً: (حشا) والفرق أن (حاشا) فيها ألفان و (حشا) فيها ألف واحد. قال ابن مالك رحمه الله: (فاحفظهما) يريد أن يبين لك أن استعمالهما قليل، والذي يستعمل قليلاً ينسى، أو أنه يريد أن يرد به على من قال: إنه لا يصح أن يقال: (حاشا وحشا) فقال: احفظهما فإني مؤكد أنهما أتيا في اللغة العربية. وحاش وحشا هما نفس حاشا؛ لكن اختلفت صورة، مثلما قلنا في (سِوى وسُوى وسواء). وقوله تعالى: (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف:31] هذه ليست من هذا النوع، بل هذه بمعنى: تنزيهاً لله، فهي اسم مصدر.

شرح ألفية ابن مالك [38]

شرح ألفية ابن مالك [38] الحال من الفضلات المبينة لهيئة صاحبها، ولا يكون الحال إلا نكرة، وصاحب الحال لا يكون إلا معرفة، والأصل ألا تتقدم الحال على صاحبها ولا على عاملها، وقد يخالف ذلك في كلام العرب.

الحال

الحال

تعريف الحال

تعريف الحال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الحال. الحال وصف فضلة منتصب مفهم في حال كفرداً أذهب وكونه منتقلاً مشتقاً يغلب لكن ليس مستحقا ويكثر الجمود في سعر وفي مبدي تأول بلا تكلف كبعه مدا بكذا يداً بيد وكر زيدٌ أسداً أي كأسد] الحال في اللغة: هي الهيئة التي عليها الشيء، وهي مذكر لفظاً مؤنث معنى، فتقول مثلاً: الحال الأولى، وتقول: هذا له حالان، وهذا على حالين، ولا تقول: الحالة الأولى أو هذا له حالتان، أو هذا على حالتين. أما تعريف الحال في الاصطلاح فقال المؤلف: (الحال وصف) والوصف بمعنى الهيئة، فهو وصف وليس بجامد، (فضلة) وليس عمدة. فخرج بقولنا (وصف) ما ليس بوصف، كما لو قلت: (زيد أخوك)، فأخوك ليس وصفاً. وخرج بقولنا (فضلة) ما كان عمدة، كما في قولك: (كان زيد قائماً)، فإن (قائماً) وصف لزيد لكنه عمدة فهو خبر المبتدأ. وخرج بقولنا: (منتصب)، ما ليس بمنتصب، مثل: (جاء زيد الفاضل)، فإن الفاضل في الحقيقة صفة لكنه مرفوع، والصفة فضلة أيضاً إذ إن النعت ليس عمدة في الجملة، ومع ذلك هو مرفوع فلا يكون حالاً. قوله: (مفهم في حال كفرداً) معناه أنه يفهم منه هذا التقدير: (وهو في حال)، احترازاً من التمييز، لأن التمييز قد يكون فضله منتصباً لكن ليس مفهماً في حال، مثل قولهم: (لله دره فارساً)، فإن فارساً هذه ليست حالاً، بل هي تمييز، مع أنها فضلة منتصبة لكنها ليست مفهمة (في حال)، إذ إنك تتعجب من فروسيته ولست تريد أن تقيده أنه في حال فروسيته. ومثال الحال أن تقول: (نزل المطر قوياً)، أي: في حال كونه قوياً وهكذا تقدر (في حال) مع الجملة. (أتى زيد والشمس طالعة)، أي في حال طلوع الشمس، وعلى هذا فقس. قوله: (كفرداً أذهب) فرداً: وصف فضلة منتصب مفهم في حال، لأنك تقول: أذهب في حال انفرادي، هذه هي الحال.

انتقال الحال واشتقاقه

انتقال الحال واشتقاقه يقول المؤلف رحمه الله: (وكونه منتقلاً مشتقا يغلب)، هذه المسألة تعني: هل يشترط في الحال أن يكون منتقلاً؟ ومعنى (منتقلاً) أنه لا يوصف بها صاحبها دائماً. وهل يشترط أن يكون الحال منتقلاً، يعني أن الإنسان الذي هو صاحب الحال يكون أحياناً على هذا الوصف وأحياناً يكون على غيره أو ليس ذلك بشرط؟ يقول بعض النحويين إنه شرط، ولا بد أن تكون الحال متنقلة، مثاله: جاء زيد راكباً، هذه حال منتقلة يعني: يمكن أن يأتي ماشياً. والمؤلف يقول: كون الحال منتقلة هو الغالب فمثلاً: خلق الله زيداً طويلاً، حال غير متنقلة ولكنه جائز، لأن المؤلف يقول (يغلب) وليس بلازم. ومثّل النحويون: (خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها)، (خلق الله اليربوع رجليه أطول من يديه) فالحال هنا لازمة. ومعنى المشتق أنه اسم فاعل أو اسم مفعول، أي: مشتق من المصدر، مثل: راكب، مركوب، فاهم، مفهوم، وما أشبه ذلك؛ هذا هو الأكثر، وهو أن يكون مشتقاً، (لكن ليس مستحقاً)، يعني ليس واجباً، وهذا الذي ذكره ابن مالك صحيح، لأنه لا يحتاج إلى تأويل وإلى تكلف. فإذاً نقول: القاعدة من هذا البيت: الغالب في الحال أن يكون منتقلاً لا لازماً، مشتقاً لا جامداً. قوله: (ويكثر الجمود في سعر) عكس الحكم السابق في قوله (يغلب)، يعني كأنه قال: يغلب إلا في السعر فالأكثر الجمود، وكذلك (في مبدي تأول)، أي: مظهر تأويل، وهذا في كلام يسهل تأويله، ولهذا قال: (بلا تكلف). والحاصل أن الجمود يكثر في موضعين: أحدهما: السعر. والثاني: الجامد الذي في معنى المشتق. مثاله: (فبعه مداً بكذا). بع: فعل أمر، والهاء: ضمير مبني على الضم في محل نصب مفعول به. مداً: حال من الهاء في قوله (بعه)، وكلمة (مد) غير مشتقة. إذاً هي اسم جامد لكنه لسعر، إذ إن المعنى: بعه مسعراً المد بكذا. وإذا قلت: بعه رطلاً بكذا، فهو مثله؛ لكن هذا للوزن وذاك للحجم، ومثله أيضاً بعه طناً، بعه ذراعاً، بعه باعاً، وما أشبه ذلك، كلها جامدة لكنها مؤولة بالمشتق لأنها سعر. قوله: (بعه مداً بكذا يداً بيد)، ومثله: بع الذهب بالفضة يداً بيد، كلمة (يداً بيد) حال رغم أن كلمة (يد) جامدة لكنها مؤولة من المشتق، إذ إن معنى (يداً بيد) مقابضة. إذاً نقول: هذه ليست سعراً لكنها فيها تأويل قريب. قوله: (وكر زيد أسداً) كر بمعنى رجع أو انطلق عليهم. وأسداً: حال من زيد، والأسد اسم نوع من السباع، فهو جامد، لكنه مؤول بمشتق ولهذا قال المؤلف: (أي كأسد) والكاف للتشبيه، أي مشابهاً الأسد، والمعنى: كر زيد مشابهاً الأسد، ولهذا أتى المؤلف بكاف التشبيه لأن التشبيه اشتقت منه (مشابهاً) فصار مشتقاً. خلاصة القاعدة: الغالب في الحال أن يكون منتقلاً لا لازماً، مشتقاً لا جامداً. القاعدة الثانية: يكثر الجمود في موضعين: فيما دل على سعر، وفيما كان بمعنى المشتق، فالأول كقولك: بعه مداً بكذا والثاني كقولك: يداً بيد وكر زيد أسداً، أي كأسد. لو قلت: أتاني بالقلب حجراً، أي: مشابهاً للحجر.

الحال المعرفة تؤول بنكرة

الحال المعرفة تؤول بنكرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والحال إن عرف لفظاً فاعتقد تنكيره معنى كـ (وحدك اجتهد)] قوله: (الحال إن عرف لفظاً) كأن المؤلف يقول: الحال لا يكون إلا نكرة، تقول: جاء زيد راكباً، نزل المطر كثيراً، اشتريت الثوب مرقعاً، لكن أحياناً تأتي الحال معرفة فماذا نصنع؟ يقول المؤلف: (والحال إن عرف لفظاً فاعتقد تنكيره معنىً) أي: أوّله على نكرة كوحدك اجتهد. اجتهد: فعل أمر. والفاعل: ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت. وحد: حال من فاعل اجتهد، ووحد: مضاف، والكاف مضاف إليه وهو معرفة، والمضاف إلى المعرفة معرفة، فكيف قلنا في مثل هذا إن حاله مع أنه يشترط في الحال أن تكون نكرة؟ و A أن تأول بمعنى (منفرداً) أي: اجتهد منفرداً، فإذا أولت بمعنى (منفرداً) صارت نكرة. إذاً القاعدة: أن الحال لا تكون إلا نكرة فإن ورد ما هو معرفة أُوِّل بنكرة. مثال النكرة: جاء زيد راكباً، دخلت المسجد طاهراً، قال النبي عليه الصلاة والسلام (أدخلتهما طاهرتين). ومثال ما هو معرفة: اجتهد وحدك، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (وحده) بمعنى: منفرداً بالألوهية. ويقولون: ادخلوا الأول فالأول، (الأول) حال ولكنها معرفة، أي: مرتبين. ومرتبين أحسن من تأويله بأنه (واحداً واحداً) لأنه ليس مشتقاً.

الحالات التي يكون فيها صاحب الحال نكرة

الحالات التي يكون فيها صاحب الحال نكرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومصدر منكر حالاً يقع بكثرة كبغتة زيد طلع ولم ينكر غالباً ذو الحال إن لم يتأخر أو يخصص أو يبن من بعد نفي أو مضاهيه كلا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا وسبق حال ما بحرف جر قد أبوا ولا أمنعه فقد ورد] سبق أن الحال وصف، والوصف ما دل على حدث وفاعله، مثل قائم ومضروب، يعني اسم الفاعل واسم المفعول، وتقدم أنه قد يخرج عن كونه وصفاً إلى أن يكون جامداً لكنه مؤول بالوصف. ثم ذكر المؤلف أيضاً أنه يستثنى من ذلك المصدر، فالمصدر ليس وصفاً ولا مشتقاً، بل المصدر مشتق منه، فالفعل (ضَرَب) من مشتق من الضرب، وأكل من الأكل، ونام من النوم. فالمصدر مشتق منه وليس مشتقاً، فلا يصح أن يجيء حالاً، لأن القاعدة أن الحال لا بد أن يكون وصفاً؛ لكن المؤلف يقول: (ومصدر منكر حالاً يقع). مصدر: مبتدأ، وصح أن يكون مبتدأً وهو نكرة -ولا يصح الابتداء بالنكرة- لأنه موصوف وصفه (منكر). حالاً: حال. يقع: الجملة خبر (مصدر). والمعنى أن المصدر المنكر يقع حالاً بكثرة، مثاله: (بغتة زيد طلع)، أصل هذا التركيب: زيد طلع بغتة، لكن قدم الحال من أجل الروي فقال: بغتة زيد طلع، وإعرابها: بغتة: حال من فاعل طلع، لا من زيد. زيد: مبتدأ. طلع: فعل ماض والفاعل ضمير مستتر، والجملة من الفعل والفاعل المستتر خبر المبتدأ. قاعدة هذا البيت: يقع المصدر المنكر حالاً كثيراً مثاله: طلع زيد بغتة {لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [الأعراف:187] أي: لا تأتيكم إلا مفاجأة. هذا ما ذهب إليه المؤلف، أعني: أن بغتة حال، وقيل: إن بغتة ليس بحال وإنما هو مصدر، والحال هو الفعل الذي هذا مصدره، ويكون المعنى: زيد طلع يبغت بغتة، ويصير الحال جملة (يبغت)، ولم يعربوا (بغتة) حالاً لأنها مصدر، وهؤلاء هم المتعصبون المتشددون. ثم على القول بأن المصدر نفسه هو الحال هل ينقاس أم يقتصر فيه على السماع؟ قال بعضهم: يقتصر فيه على السماع، وحكي إجماع النحويين عليه، ولكنه غير صحيح. وقال بعضهم: بل ينقاس ولا يقتصر فيه على السماع، وهذا القول هو الراجح عندنا، وذلك لأن المصدر يقع خبراً كثيراً، تقول: زيد عدل، وعمرو رضا، وخالد ثبت، وما أشبه ذلك، فإذا كان المصدر يكون خبراً ويكون صفة فلماذا لا يكون حالاً؟ فالصحيح أنه يأتي حالاً قياساً. فعندنا الآن ثلاثة آراء: الرأي الأول: لا يكون المصدر حالاً أبداً، وما أتى من كلام العرب يوهم ذلك فيجب أن يؤول، وذلك بأن يجعل المصدر مصدراً، والفعل الذي انتصب به هذا المصدر هو الحال. والقول الثاني: يصح أن يكون المصدر حالاً ولكنه مقصور على السماع ولا يقاس عليه. والقول الثالث: يصح أن يكون المصدر حالاً وهو مقيس لكنه قليل، وابن مالك كما سيأتي في النعت إن شاء الله يقول: ونعتوا بمصدر كثيرا فالتزموا الإفراد والتذكيرا

تنكير صاحب الحال

تنكير صاحب الحال قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولم ينكر غالباً ذو الحال إن لم يتأخر أو يخصص أو يبن من بعد نفي أو مضاهيه]. ذو: بمعنى صاحب، والنكرة ضد المعرفة، أي: يشترط في صاحب الحال يكون معرفة كما يؤخذ من قوله: (ولم ينكر غالباً ذو الحال)، وهذا في الغالب، فلو قلت: جاء رجل راكباً، فهذا من غير الغالب. والغالب في مثل هذا المثال أن تقول: جاء رجل راكب، فتجعله صفة لرجل، فالوصف بعد النكرة صفة يتبعها في الإعراب، ولا يكون حالاً منها، وقد روي أن الرسول عليه الصلاة والسلام: (صلى وراءه قوم قياماً) ما قال: قوم قيامٌ، ولكن هذا المثال وإن مثل به الشارح لا يصلح؛ لأن (قوم) وصفت بقوله: (وراءه) فصح مجيء الحال منها، لكن لو قلت: جاء قومٌ قياماً، فهذا هو المثال الصحيح. إذاً: القاعدة في هذا البيت: الغالب أن يكون صاحب الحال معرفة، ولا يكون نكرة إلا في هذه المسائل: أولاً: إن لم يتأخر، فإذا تأخر جاز فيه النكرة، تقول: جاء راكباً رجلٌ، ولهذا قالوا: إن الجمل قبل النكرات أحوال وبعدها نعوت. ومنه: جاء ماشياً ولد، جاءت راكبةً امرأةٌ، أسرع قاصداً جواد، وعلى هذا فقس. ثانياً: (أو يخصص): فإذا خصص صاحب الحال وهو نكرة جاز مجيء الحال منه، تقول: جاءني رجل ثقيل راكباً. والتخصيص سواء كان بالصفة كما مر، أو بالإضافة، مثل: اشتريت كتابَ طالبٍ ثالثاً. ثالثاً: (أو يبن من بعد نفي أو مضاهيه). يبن: يتبين ويظهر، (من بعد نفيٍ): تقول: ما في الدار رجلٌ جالساً. ما: نافية. في الدار: جار ومجرور في محل خبر مقدم. رجل: مبتدأ مؤخر. جالساً: حال من رجل، ورجل نكرة؛ لكن سوغ مجيء الحال منها أنها بعد نفي. ومثاله أيضاً: ما أتاني رجل راكضاً، راكضاً: حال من رجل، ورجل نكرة. وقول المؤلف: (أو مضاهيه)، الذي يضاهيه في النفي النهي، والاستفهام الإنكاري، فالنهي مثل له المؤلف بقوله: (لا يبغ امرؤٌ على امرئ مستهلاً). امرؤٌ: فاعل. على امرئ: جار ومجرور متعلق بالفعل (يبغي) في محل نصب مفعول به. مستسهلاً: حال من فاعل يبغي (امرؤ) الأولى، وصح مجيء الحال منه وهو نكرة؛ لأنه في سياق النهي. ومثاله في سياق الاستفهام الإنكاري: هل من أحدٍ في البيت قائماً؟ قائماً: حال من أحد، وجاءت منه حال مع أنه نكرة؛ لأنه في سياق الاستفهام الإنكاري. حاصل هذه القاعدة: لا يكون صاحب الحال إلا معرفة إلا في ثلاثة مواضع، وهي: إذا كان متأخراً. إذا وقع بعد نفي أو شبهه. إذا خصص بإضافة أو وصف.

حكم تقدم الحال على صاحبه المجرور بالحرف

حكم تقدم الحال على صاحبه المجرور بالحرف ثم قال المؤلف: (وسبق حال ما بحرف جر قد أبوا). الإعراب: سبق: مفعول مقدم لأبوا. وسبق مضاف وحال مضاف إليه. ما: اسم موصول مبتدأ. بحرف: جار ومجرور متعلق بجر. جر: فعل ماض وهو صلة الموصول. قد أبوا: الجملة خبر ما، وتقدير البيت بالترتيب: والذي جر بحرفٍ قد أبوا أن يسبق الحال. والمعنى: لا يمكن أن تسبق الحال صاحبها المجرور بحرف جر، وتقدم أن صاحب الحال قد يتأخر عنها في قوله: (إن لم يتأخر أو يخصص)، أي أنه يجوز أن يتأخر صاحب الحال عنه في بعض الحالات. أما إذا كان صاحب الحال مجروراً بحرف الجر فإنه عند النحويين لا يتقدم، لكن ابن مالك خالفهم، قال: (ولا أمنعه فقد ورد) أي: عن العرب. فالحاصل: أن الحال يجوز تقدمها على صاحبها إذا كان فاعلاً مثل: جاءني راكباً زيدٌ، ويجوز تقدمها على صاحبها إذا كان مفعولاً به مثل: ضربت قائماً زيداً، ولا يجوز أن تتقدم على صاحبها إذا كان مجروراً بحرف جر عند النحويين، وعند ابن مالك يجوز، فالنحويون يقولون: لأن حرف الجر لا يعمل ما بعده فيما قبله، وابن مالك يقول: قد ورد ذلك عن العرب فيجوز. مثاله: مر نائماً بي زيد. فهذا المثال عند ابن مالك يجوز، وعند النحويين لا يجوز، وحجة ابن مالك أنه قد ورد عن العرب كما في قول الشاعر: لئن كان برد الماء هيمان صادياً إليَّ حبيباً إنها لحبيبُ حبيباً: خبر كان منصوب؛ لأن كان فعل ماض، وبردُ: اسمها، وبرد مضاف والماء مضاف إليه. هيمان: هذه حال. صادياً: حال ثانية. إليّ: هذه الياء هي صاحبة الحال. والهيمان معناه: شديد العطش، كما قال تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:55]. وقوله: (إنها) أي: محبوبته. (لحبيب)، ومعلوم عند كل أحد أن برد الماء للهيمان الصادي حبيب. فهذا شاهد على أنه ورد في لسان العرب جواز مجيء الحال من صاحبها المجرور متقدمة عليه، وكلام العرب هو الدليل في باب النحو، ولا نقول في النحو: ائت بدليل من الكتاب والسنة، لكن نقول: ائت بدليل من كلام العرب، وإذا كان من القرآن فهو أفصح كلام العرب، بل أفصح كلام في الوجود، وكذلك إذا كان من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

حكم مجيء الحال من المضاف إليه

حكم مجيء الحال من المضاف إليه قال المؤلف رحمه الله: [ولا تجز حالاً من المضاف له إلا إذا اقتضى المضاف عمله] قوله: (لا تجز) نهي، فلا نقول النهي يقتضي التحريم، بل نقول: الأصل المنع. (ولا تجز حالاً من المضاف له): إذا قلت: كتاب زيد، فالمضاف إليه هو الثاني، أي: (كتاب) مضاف، و (زيد) مضاف إليه، إذاً: المضاف له هو الاسم الثاني من المتضايفين. يقول: إنه لا يجوز وقوع الحال من المضاف إليه؛ لأن الأصل وقوعها من المضاف إذ إنه المتحدث به، فتقول مثلاً: جاء عبد الله راكباً. فـ (راكباً) حال من عبد، ولا تقول: حال من الله، حتى لو فرض أنه تجوز الصفة لله مثل: جاء عبد الله سميعاً، فالله سميع والعبد أيضاً سميع: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:2]. إذاً نقول: سميعاً: حال من عبد. فإذا جاءنا حال بعد المضاف والمضاف إليه، فهي لا تخلو إما أن تصلح لهما أو لأحدهما، فإن صلحت لأحدهما دون الثاني فهي له، وإن صلحت لهما جميعاً فهي للأول. فتقول مثلاً: جاء غلام هندٍ راكباً. فيتعين أن الحال من الأول؛ لأن (راكباً) مذكر، و (هند) مؤنث. وتقول: ضرب غلام هندٍ راكبةً بعيرها. بعير: مفعول ضرب، وراكبة: حال من هند، لأنها مؤنثة. يقول المؤلف: (إلا إذا اقتضى المضاف عمله)، أي: لا يجوز أن تأتي الحال من المضاف إليه إلا إذا اقتضى المضاف -وهو الجزء الأول- عمله، أي: عمل الحال. ومعنى (اقتضى عمله) أي: صح أن يكون عاملاً في الحال، بأن يكون وصفاً مشتقاً، مثل اسم الفاعل، تقول: هذا ضارب زيدٍ راكباً، فيجوز أن تكون (راكباً) حالاً لزيد، لأن المضاف وهو ضارب يصح أن يكون عاملاً، وما صح أن يكون عاملاً صح أن يكون عاملاً فيما يليه، فهو عامل فيما يليه الجر، وفي الحال النصب. ومنه: هذا آكل الطعام نيئاً، وهذا آكل اللحم مشوياً. هذه الحال الأولى. الحال الثانية: (أو كان جزء ما له أضيفا)، يعني أن يكون بعضاً مما أضيف إليه، مثاله: قطعت يد السارق جانياً، فالسارق مضاف إليه، لكن صح مجيء الحال منه لأن اليد بعض منه. الحال الثالثة: (أو مثل جزئه فلا تحيفا). أي: مثل جزء المضاف إليه وليس هو جزءاً منه، فإذا كان مثل جزئه في تعلقه به بحيث لو حذف استغني عنه جاز إتيان الحال منه، أي من المضاف إليه، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل:123]، حنيفاً: حال من إبراهيم (المضاف إليه)؛ لأن ملة ليست جزءاً من إبراهيم، لكنها شبه جزئه؛ لأنك لو حذفت (ملة) وقلت: أن اتبع إبراهيم، لجاز ذلك واستقام المعنى، قال الله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران:68] وما قال: اتبعوا ملته. خلاصة البيتين: القاعدة الأولى: يمتنع أن تأتي الحال من المضاف إليه إلا في ثلاث حالات، هي: الأولى: أن يكون المضاف صالحاً للعمل في الحال. الثانية: أن يكون المضاف بعضاً من المضاف إليه. الثالثة: أن يكون المضاف شبه بعضه؛ وذلك بأن يستغنى عن ذكره إذا حذف ويتم الكلام بدونه. بل ذهب سيبويه رحمه الله إلى أنه يجوز مجيء الحال من المضاف إليه مطلقاً متى صح الكلام، وهذا القول هو الراجح بناء على القاعدة المعروفة عندنا، وهي أننا نأخذ بالأسهل في باب النحو؛ لأنه لا دليل على النهي إذا جاءت الحال من المضاف إليه في هذه الأحوال الثلاثة، فما الذي يمنعها في غيرها؟

تقديم الحال على عاملها

تقديم الحال على عاملها

حكم تقدم الحال على عاملها إذا كان فعلا متصرفا أو شبهه

حكم تقدم الحال على عاملها إذا كان فعلاً متصرفاً أو شبهه قال رحمه الله تعالى: [والحال إن ينصب بفعل صرفا أو صفة أشبهت المصرفا فجائز تقديمه كمسرعاً ذا راحل ومخلصاً زيدٌ دعا وعامل ضمن معنى الفعل لا حروفه مؤخراً لن يعملا كتلك ليت وكأن وندر نحو سعيد مستقراً في هجر] انتقل المؤلف رحمه الله إلى بحث جديد، وهو: هل يجوز تقديم الحال على عاملها أو لا يجوز؟ مثلاً: جاء الرجل راكباً، الترتيب هنا طبيعي، فـ (جاء) فعل وهو العامل، ثم (الرجل) هو الفاعل، ثم (راكباً) وهو الحال، فهل يجوز أن أقول: (راكباً جاء الراجلُ) أو لا يجوز؟ يقول المؤلف: (والحال إن ينصب بفعل صرفا أو صفة أشبهت المصرفا فجائز تقديمه). الحال: مبتدأ، وخبره قوله: (فجائز تقديمه). جائز: خبر المبتدأ. تقديمه: تقديمُ: فاعل جائز، والهاء مضاف إليه، ويجوز أن نجعل (جائز) خبراً مقدماً، و (تقديمه) مبتدأ مؤخراً، والجملة: خبر المبتدأ الأول. إذاً: يجوز أن تتقدم الحال بشرط أن يكون الناصب لها فعلاً متصرفاً، أو صفة تشبه الفعل المتصرف، مثاله: مسرعاً ذا راحلٌ، أصلها: هذا راحلٌ مسرعاً. ذا: مبتدأ. راحلٌ: خبر المبتدأ. ومسرعاً: حال من فاعل (راحل). وراحل صفة، لأنها اسم فاعل، فيجوز أن أقول: مسرعاً هذا راحل. مثال آخر: راكباً زيدٌ آتٍ. فجاز تقدم الحال؛ لأن عاملها صفة متصرفة. القاعدة: يجوز تقديم الحال على عامله إن كان فعلاً متصرفاً، أو صفة تشبهه. وما هي الصفة التي تشبه الفعل؟ نقول: هي كل وصف تضمن معنى الفعل وحروفه، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة. أما اسم التفضيل فهو إن كان وصفاً لكنه لا يتصرف؛ لأنه ملازم للإفراد، تقول: زيد أفضل من عمرو، الرجال أفضل من النساء، ولا تقول: أفضلون، ولا يجوز أن تتقدم الحال إذا كان عاملها اسم تفضيل. وقيل: بل يجوز، وهو الراجح، وعلى هذا فيجوز أن تتقدم الحال على عاملها مطلقاً، سواء كان فعلاً متصرفاً، أو صفة متصرفة، أو فعلاً غير متصرف، أو صفة غير متصرفة؛ لأنه لا يوجد دليل على المنع مثلما قال بعض المحشين. صحيح أنه قد يكون قليلاً في كلام العرب، لكن فرق بين قولنا: إنه قليل، وبين قولنا: إنه ممنوع. مثال آخر: ومخلصاً زيد دعا. الترتيب الطبيعي: زيدٌ دعا مخلصاً. وإعرابها: مخلصاً: حال من فاعل (دعا). زيدٌ: مبتدأ. دعا: فعل ماض، وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ زيد. وإذا جاز تقديم الحال على العامل، فهل يجوز أن تفصل الحال بين عاملها وصاحبها، أي أن تقدم على صاحبها دون عاملها؟ و A نعم؛ لأنه إذا جاز أن تتقدم على العامل فمن باب أولى أن تتقدم على صاحبها، فعليه يجوز: هذا مسرعاً راحل، زيدٌ مخلصاً دعا؛ والمؤلف إنما بحث في تقديم الحال على عاملها لأنها إذا تقدمت عليه قد يضعف عمله، أما إذا جاءت بعد العامل فلا إشكال في أن العامل يتسلط عليها.

حكم تقدم الحال على عاملها المتضمن معنى الفعل دون حروفه

حكم تقدم الحال على عاملها المتضمن معنى الفعل دون حروفه قال المؤلف: (وعامل ضمن معنى الفعل لا حروفه مؤخراً لن يعملا) ذكر المؤلف أنه يجوز تقديم الحال على عامله، في واحد من أمرين: أن يكون العامل فعلاً متصرفاً، أو صفة تشبهه، وهي ما اشتمل على حروفه ومعناه، فإذا وجد أداة تتضمن معنى الفعل دون حروفه، فإنه لا يجوز تقديم الحال عليها، ولهذا قال: (وعاملٌ ضمن معنى الفعل لا حروفه مؤخراً لن يعملا) عاملٌ: مبتدأ. ضمن معنى الفعل: الجملة صفة لعامل. مؤخراً: حال مقدم من فاعل (يعمل). وجملة (لن يعمل)، في محل رفع خبر عامل. ومعنى البيت: أن العامل إذا ضمن معنى الفعل دون حروفه فإنه لن يعمل متأخراً. إذاً القاعدة: لا يجوز تقديم الحال إذا كان عاملها متضمناً لمعنى الفعل دون حروفه، مثل (ليت) فهي تتضمن معنى (أتمنى) دون حروفه، ولهذا لا يجوز أن تقول: راكباً ليت زيداً حاضرٌ. ولا يجوز أن أقول: وافداً كأن زيداً أسد. وذلك لأن (كأن) تتضمن معنى الفعل (يشبه) دون حروفه. قوله: (وندر نحو سعيد مستقراً في هجر) ندر: بمعنى: قل. سعيد: مبتدأ. مستقراً: حال. وفي هجر: جار ومجرور خبر المبتدأ، لأن (في هجر) وإن كان متعلقاً بمحذوف تقديره: كائن، لكن العامل في الحال لم يبرز، فكأنه ضمن معنى الفعل دون حروفه، فيقول ابن مالك رحمه الله: إن هذا جاز تقديمه لكنه نادر. وقال بعض النحويين: بل هذا ليس بنادر، وإنه يجوز، ولا حرج على الإنسان أن يقول: زيد مستقراً في هجر، زيد مجتهداً في بيته، وما أشبه ذلك.

حكم تقديم الحال على عاملها إذا كان اسم تفضيل بين حالين باعتبارين

حكم تقديم الحال على عاملها إذا كان اسم تفضيل بين حالين باعتبارين قال المؤلف رحمه الله: [ونحو زيد مفرداً أنفع من عمرو معاناً مستجازٌ لن يهن] ابن مالك رحمه الله يأتي بالمثال أحياناً لتستنبط منه القاعدة. قوله: (مفرداً) حال العامل فيها كلمة (أنفع)، إذاً: هي حال مقدمة على العامل، والعامل اسم تفضيل فهو ليس فعلاً متصرفاً ولا صفة أشبهت الفعل المتصرف، وتقدم أن ابن مالك يقول: والحال إن ينصب بفعل صرفا أو صفةٍ أشبهت المصرفا فجائز تقديمه فاشترط لجواز تقديمه على عامله أن يكون العامل فعلاً متصرفاً أو صفة تشبهه، إذاً: فهذا البيت مستثنى منه. أما قوله: (أنفع من عمرو معاناً)، فليس فيها شاهد؛ لأن (معاناً) عاملها (أنفع)، وهي متأخرة عليه. فالشاهد قوله: (مفرداً أنفع من عمرو)، وهذا المثال إذا تأملناه وجدنا أن فيه مفضلاً ومفضلاً عليه باعتبار حالين، فالمفضل هو زيد، والمفضل عليه هو عمرو، فزيد في حال إفراده، أفضل من عمرو في حال كونه معاناً، هذا هو المعنى. فإذا وجدنا اسم تفضيل فيه مفضل ومفضل عليه باعتبار حالين جاز أن تتقدم الحال من الأول على اسم التفضيل، وسواءٌ كانت المفاضلة بين شخصين، أو بين شخص واحدٍ في حالين، فإذا قلت: زيدٌ محدِّثاً أجود منه فقيهاً، جاز ذلك. قوله: (مستجازٌ): أي: قد أجازه العلماء. و (لن يهن) يعني: ليس فيه ضعف، بل هو كلام فصيح وصحيح. وقال بعض النحويين: هذا ممنوع وليس مستجازاً، وإن مفرداً في (زيد مفرداً) خبر لكان المحذوفة، وتقدير الكلام عند هذا القائل: زيد إذا كان مفرداً أنفع من عمرو إذا كان معاناً. وهذا القول: ليس له حظ من النظر لكثرة التقديرات فيه، فقد حذف منه ستة أشياء على هذا الرأي وهي: إذا وكان واسمها، ومثلها من الشطر الثاني (عمرو إذا كان معاناً)، وعلى قول ابن مالك لا نحتاج إلى تقدير. وغاية ما فيه أنا استبحنا تقديم الحال على عاملها وهو ليس فعلاً متصرفاً ولا شبيهاً به. القاعدة: يجوز أن تتقدم الحال على عاملها إذا كان اسم تفضيل بين مفضل ومفضل عليه باعتبار حالين، يعني: أن هذه الحال مفضلة على هذه الحال بقطع النظر عن الشخص، وقد يكون الشخص واحداً، وقد يكونان اثنين.

شرح ألفية ابن مالك [39]

شرح ألفية ابن مالك [39] قد تتعدد الحال وصاحبها واحد، وقد يكون العكس، وقد تكون الحال مؤكدة لعاملها، وقد تكون جملة فعلية أو اسمية، وحينئذ فلابد من مراعاة بعض الشروط.

تعدد الحال

تعدد الحال قال المؤلف رحمه الله: [والحال قد يجيء ذا تعدد لمفرد فاعلم وغير مفرد]. قوله: (الحال قد يجيء ذا تعدد) يعني: قد يأتي متعدداً، لمفرد ولغير مفرد، ولهذا قال: (لمفرد فاعلم). وقوله: (فاعلم) يعني: لا تستنكر أن يكون صاحب الحال واحداً وأحواله متعددة. أما لغير مفرد، فليس فيه استنكار، ولهذا لم يقل: (فاعلم). ومعنى ذلك: أن الحال قد تجيء متعددة، وقد تكون لمفرد، وقد تكون لجماعة، وقد تأتي واحدة لجماعة، فالأقسام ثلاثة. قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم:33]. هنا الحال واحدة، وصاحبها متعدد، وهو الشمس والقمر. وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} [النحل:12]. الحال واحدة وهي لجماعة: الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم. فبدلاً من أن يقول: سخر لكم الليل مسخراً، والنهار مسخراً، والشمس مسخرة، والقمر مسخراً، والنجوم مسخرة؛ قال: مسخرات. ومثال التعدد للمفرد: جاء الرجل راكباً غانماً، فالرجل واحد، والحال متعددة (راكباً غانماً). قوله: (وغير مفرد) يعني: قد تكون الحال متعددة لجماعة، كل واحد من الجماعة له حال مثل أن تقول: ضرب الرجل قائماً بعيره باركةً، فالحال متعددة وهي: قائماً، وباركاً، وصاحب الحال متعدد أيضاً وهو: الرجل والبعير. إذا تعددت الحال وتعدد صاحبها ولم يوجد دليل على أن الأولى للأول والثانية للثاني أو العكس مثل: ضرب زيداً عمراً جالساً قائماً، فإن جمهور النحويين يقولون: إن الحال الأولى للثاني، والحال الثانية للأول، ويعللون ذلك بأنه ينبغي أن تكون الحال الأولى للثاني حتى تكون مباشرة له، ونجعل الثانية للأول. وبعض النحويين يقول بالعكس، وذلك مثلما أننا في البلاغة نجعل المسألة من باب اللف والنشر المرتب، فنجعل الأول للأول والثاني للثاني. لكن النحويين يقولون: إنك إذا جعلت الأول للأول والثاني للثاني فقد فصلت بين الحال وصاحبها في الموضعين، وإذا جعلت الأول للثاني، والثاني للأول فصلت بين الحال وصاحبها في موضع واحد، ولا ريب أن الفصل بين الحال وصاحبها في موضع واحد أهون من الفصل بين الحالين وصاحبيهما.

الحال الماضية والحاضرة والمقدرة

الحال الماضية والحاضرة والمقدرة الحال باعتبار تعلقها بصاحبها ثلاثة أقسام: تارة تكون مصاحبة، وتارة تكون سابقة، وتارة تكون مستقبلة. فالسابقة يسمونها ماضية، مثل: جاء زيد أمس راكباً. والمصاحبة يسمونها حاضرة، مثل: جاء زيد راكباً، والأصل أن تكون الحال مقارنة لصاحبها، أي يكون متلبساً بها. والحال المستقبلة يسمونها مقدرة، أي: لم تقع بعد، لكنها ستقع.

الحال المؤكدة لعاملها

الحال المؤكدة لعاملها قال المؤلف رحمه الله: [وعامل الحال بها قد أكدا في نحو لا تعث في الأرض مفسداً]. يعني الحال قد تكون مؤكدة لعاملها، وهذا التأكيد قد يكون مطابقاً للعامل لفظاً ومعنى، وقد يكون مطابقاً للعامل معنى لا لفظاً. مثال الحال التي تكون بمعنى عاملها دون لفظه: (لا تعث في الأرض مفسداً)، وكأنه يشير إلى قوله تعالى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة:60]. العثو معناه: الفساد، فإذاً (مفسدين) مؤكدة لقوله: ((وَلا تَعْثَوْا))، وكأنه قال: لا تفسدوا، وهذا تأكيد، لكنه بالمعنى دون اللفظ. وقد تكون مؤكدة لعاملها لفظاً ومعنى، مثل قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء:79]، فإن (رسولاً) حال من الكاف في قوله: أرسلناك، ومعلوم أن (أرسلنا) من الرسالة، (ورسولاً) من الرسالة. والحال المؤكدة لا تزيد معنى في الجملة، أما غيرها مثل: ضربت الرجلَ قائماً، فتفيد معنى غير الضرب وهو القيام. والفائدة من التوكيد التقوية، فإنك تجد الفرق بين قولك: جاء محمد نفسه، وبين قولك: جاء محمد. وقوله: ((لا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) كأن النهي عن العثو وقع مرتين. والحاصل من البيت: الأصل في الحال أن تكون مؤسسة، بمعنى أنها تفيد معنى جديداً، وقد تجيء مؤكدة لعاملها، إما لفظاً ومعنى، وإما معنى فقط، مثال تأكيد اللفظ والمعنى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء:79]. ومثال تأكيد المعنى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة:60].

حذف عامل الحال المؤكدة لجملة

حذف عامل الحال المؤكدة لجملة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن تؤكد جملة فمضمر عاملها ولفظها يؤخر] أي: إن أكدت جملة فإن عاملها يجب أن يكون محذوفاً؛ وإنما كان كذلك لأننا لو أتينا بالعامل مع أنها مؤكدة للجملة لزم أن نأتي بمؤكد ومؤكد بتأكيد واحد، المؤكَّد الأول عاملها، والمؤكَّد الثاني الجملة، والمؤكِّد واحد وهي الحال، تقول مثلاً: هذا أخوك عطوفاً، فكلمة (عطوفاً) مؤكدة لمضمون قولك: هذا أخوك. وإن شئت فقل: هذه أمك رحيمة، فكلمة (رحيمة) مؤكدة لجملة: هذه أمك؛ لأن الأم عادتها الرحمة. أو قل: هذا عدوك حاقداً. فعلى هذا إذا أكدت الحال جملة وجب أن يكون عاملها محذوفاً؛ لئلا يكون مؤكد واحد لمؤكَّدين، ثم نقدر العامل: أحقه عطوفاً، يعني: أثبته، لأنك إذا قلت: هذا أخوك، فهذا إثبات أنه أخ، فيكون (عطوفاً) حالاً من المفعول في الفعل المقدر، والتقدير: أحقه عطوفاً. وإنما تحاشى النحويون أن يجعلوا الجملة نفسها هي العامل؛ لأنه سبق لنا أن عامل الحال هو الفعل، أو الوصف، أما الجملة فلا تصلح أن تكون عاملاً، فلهذا قالوا: يجب أن يكون عامل الحال محذوفاً وجوباً. إذاً: هذا البيت معناه: أن الحال قد تجيء مؤكدة لجملة سابقة، أي: أنها بمعناها، فحينئذ يجب أن يكون عاملها محذوفاً، ومثاله: هذا أخوك عطوفاً، هذا أبوك رحيماً، هذه أمك حانية، وما أشبه ذلك. والله أعلم.

أحكام الحال إذا جاء جملة

أحكام الحال إذا جاء جملة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن تؤكد جملة فمضمر عاملها ولفظها يؤخر] أي: إن أكدت جملة فإن عاملها يجب أن يكون محذوفاً؛ وإنما كان كذلك لأننا لو أتينا بالعامل مع أنها مؤكدة للجملة لزم أن نأتي بمؤكد ومؤكد بتأكيد واحد، المؤكَّد الأول عاملها، والمؤكَّد الثاني الجملة، والمؤكِّد واحد وهي الحال، تقول مثلاً: هذا أخوك عطوفاً، فكلمة (عطوفاً) مؤكدة لمضمون قولك: هذا أخوك. وإن شئت فقل: هذه أمك رحيمة، فكلمة (رحيمة) مؤكدة لجملة: هذه أمك؛ لأن الأم عادتها الرحمة. أو قل: هذا عدوك حاقداً. فعلى هذا إذا أكدت الحال جملة وجب أن يكون عاملها محذوفاً؛ لئلا يكون مؤكد واحد لمؤكَّدين، ثم نقدر العامل: أحقه عطوفاً، يعني: أثبته، لأنك إذا قلت: هذا أخوك، فهذا إثبات أنه أخ، فيكون (عطوفاً) حالاً من المفعول في الفعل المقدر، والتقدير: أحقه عطوفاً. وإنما تحاشى النحويون أن يجعلوا الجملة نفسها هي العامل؛ لأنه سبق لنا أن عامل الحال هو الفعل، أو الوصف، أما الجملة فلا تصلح أن تكون عاملاً، فلهذا قالوا: يجب أن يكون عامل الحال محذوفاً وجوباً. إذاً: هذا البيت معناه: أن الحال قد تجيء مؤكدة لجملة سابقة، أي: أنها بمعناها، فحينئذ يجب أن يكون عاملها محذوفاً، ومثاله: هذا أخوك عطوفاً، هذا أبوك رحيماً، هذه أمك حانية، وما أشبه ذلك. والله أعلم.

الحال قد يكون جملة اسمية أو جملة فعلية

الحال قد يكون جملة اسمية أو جملة فعلية قال المؤلف رحمه الله: [وموضع الحال تجيء جمله كجاء زيد وهو ناوٍ رحله] نحن قلنا: إننا نحب أن نعرب الأبيات؛ لأنه يعين على فهم المعنى: موضعَ الحال: ظرف مكان متعلق بتجيء، وهو منصوب على الظرفية لأنه مكان مضمن معنى (في). وموضع مضاف، والحال مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. تجيء: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره. جملة: فاعل مرفوع بالضمة إلا أنه سُكن لأجل الروي. كجاء زيد وهو ناو رحلة: كجاء زيد: الكاف كاف التشبيه، وهي حرف جر. جاء: فعل ماض، ونحن قلنا إن حروف الجر من علامة الاسم، فكيف دخلت الكاف على الفعل الماضي؟ و A أنها داخلة على مجرور محذوف تقديره: كقولك جاء زيدٌ وفي وجه آخر أيضاً: أن الكاف حرف جر، وجاء زيدٌ وهو ناوٍ رحلة: كل الجملة مجرورة بالكاف؛ لأن هذه الجملة كلها بمعنى: كهذا المثال. إذاً: جاء: فعل ماض. زيد: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. الواو: واو الحال. هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. ناوٍ: خبر مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة، وأصله: ناوي. رحلة: مفعول به لاسم الفاعل الذي هو (ناو) والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على زيد. وجملة (وهو ناو رحلة) في محل نصب على الحال. يذكر المؤلف رحمه الله أنه قد تجيء الحال جملة. وقد سبق أن الحال مفرد، فإنه قال: (الحال وصف) والوصف يكون مفرداً، مثل: جاء الرجل راكباً، ولكن قد تكون الحال جملة اسمية أو فعلية. فيقول المؤلف: (وموضع الحال تجيء جملة) أي: تجيء الجملة في موضع الحال، وإذا جاءت في موضع الحال فإن محلها حينئذٍ هو النصب. مثالها: (جاء زيدٌ وهو ناوٍ رحلة)، لو أنك غيرت هذه الجملة إلى اسم وقلت: جاء زيدٌ ناوياً رحلةً، لصح ذلك، إذاً: جملة (وهو ناو رحلة) في محل نصب على الحال. مثال آخر: جاء الرجل وهو مسرعٌ، يعني: والحال أنه مسرع. أقبل الرجل والشمس طالعة: أقبل الرجل: فعل وفاعل. والشمس: الواو للحال، والشمس مبتدأ. طالعة: خبر المبتدأ. والمعنى: أقبل الرجلُ والحال أن الشمس طالعة. وقال تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] المعنى: لا تباشروهن والحال أنكم عاكفون في المساجد. وأمثلة هذا كثيرة؛ لكن المؤلف يقول: [وذات بدء بمضارع ثبت حوت ضميراً ومن الواو خلت]. نحن قلنا قبل قليل إن الجملة التي تقع حالاً تكون اسمية، ومثالها: جاء زيدٌ وهو ناوٍ رحلة. وتكون فعلية، والفعلية يكون فعلها ماضياً أو مضارعاً أو فعل أمر، والأمر لا يتأتى إلا على تقدير كما سيأتي.

ما يشترط في جملة الحال إذا كان فعلها مضارعا مثبتا

ما يشترط في جملة الحال إذا كان فعلها مضارعاً مثبتاً والمهم أنه إذا جاءت الجملة الفعلية حالاً وفعلها مضارع فإما أن يكون مثبتاً وإما أن يكون منفياً؛ فإن كان مثبتاً فقال المؤلف: (وذات بدءٍ بمضارع ثبت) بمعنى: مثبت. (حوت ضميراً ومن الواو خلت) أي: حوت ضميراً يعود على صاحب الحال، يعني أنه يجب أن تشتمل على ضمير يعود على صاحب الحال، ولا تقترن بالواو, ولهذا قال: (ومن الواو خلت). إعراب البيت: وذات: مبتدأ مرفوع وهو مضاف. بدءٍ: مضاف إليه مجرور. بمضارع: جار ومجرور. ثبت: فعل ماض. والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، أي: المضارع، وجملة (ثبت) في محل جر صفة لمضارع. حوت: فعل ماض. والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هي يعود على (ذات بدء). ضميراً: مفعول به منصوب. وجملة (حوت ضميراً) هي خبر المبتدأ (ذات). ومن الواو خلت: الواو حرف عطف. من الواو: جار ومجرور متعلق بقوله (خلت). خلت: فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين. ومعنى البيت: إذا كانت الجملة الحالية فعلاً مضارعاً مثبتاً فإنه يجب فيها أمران: الأول: أن تشتمل على ضمير يعود على صاحب الحال. والثاني: أن لا تقترن بها الواو. مثال ذلك: جاء الرجلُ يجر ثوبه. جاء الرجل: فعل وفاعل. يجر: فعل مضارع مثبت، والفاعل ضمير مستتر. ثوبه: مفعول به، والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. وجملة (يجر ثوبه) في محل نصب على الحال. فجملة الحال مثبتة، وفيها ضمير يعود على صاحب الحال، والضمير هو الهاء من (ثوبه) وصاحب الحال هو (الرجل). إذا قلنا: جاء الرجل يجر زيد ثوبه، فإذا كان الضمير في (ثوبه) يعود على الرجل ففيها ضمير يعود على صاحب الحال فتصح. أما إذا قلنا: جاء الرجل يجر زيدٌ ثوبه، أي: ثوب نفسه فإن هذه الجملة لا تصلح أن تكون حالاً، وذلك لأنه ليس فيها ضميرٌ يعود على صاحب الحال، وصارت كل جملة منفصلة عن الأخرى.

ما يشترط في جملة الحال إذا كان فعلها مضارعا مثبتا مقترنا بالواو

ما يشترط في جملة الحال إذا كان فعلها مضارعاً مثبتاً مقترناً بالواو ثم قال المؤلف: [وذات واو بعدها انو مبتدا له المضارع اجعلن مسندا] ذات: مبتدأ وهو مضاف. واو: مضاف إليه مجرور بالكسرة. بعدها: بعد: ظرف مكان، وهو مضاف. وها: ضمير مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. انو: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وهو الياء. والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت. مبتدا: مفعول به منصوب. وجملة (انو مبتدا) في محل رفع خبر المبتدأ (ذات). له: جار ومجرور. المضارع: مفعول به مقدم للفعل (اجعلن) وهو المفعول الأول. اجعلن: اجعل: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والنون حرف توكيد والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت. مسنداً: مفعول به ثان للفعل (اجعلن). تقدم أنه إذا أتت الحال فعلاً مضارعاً مثبتاً فإن الواجب أمران: أن تحتوي على الضمير، وأن تخلو من الواو؛ لكن أحياناً تأتي الجملة الحالية فعلاً مضارعاً وفيها الواو؛ فماذا نصنع؟ يقول المؤلف: (وذات واو)، يعني: إذا جاءت الجملة الحالية فعلاً مضارعاً مقترنة بالواو فإنه يمكن التخلص من هذا الإشكال فيقول: (بعدها انو مبتدأ) أي: اجعل ما بعد الواو مبتدأ، لتكون الجملية اسمية لا فعلية؛ مثال ذلك أن تقول: أقبل المجرمُ وأصك وجهه، أو: أقبل المجرم ويغطي وجهه. فجملة (يغطي) فعل مضارع مثبت ومع ذلك جاءت الواو، فنقدر مبتدأ لتكون الجملة اسمية، فالتقدير: أقبل المجرم وهو يغطي وجهه، وحينئذ تكون الجملة اسمية، والجملة الاسمية الحالية لا بأس أن تبتدأ بالواو. وقوله: (لها المضارع اجعلن مسندا). يعني: اجعل هذا المضارع مسنداً للمبتدأ الذي تقدره، ومعنى (مسنداً) خبراً له؛ لأن الخبر مسند إلى المبتدأ، فإنك إذا قلت: الرجل قائم، فقد أسندت القيام إلى الرجل، فيكون هذا الفعل المضارع المثبت مسنداً إلى الضمير المبتدأ الذي نويته. خلاصة الأبيات الثلاثة: القاعدة الأولى من البيت الأول: أن الحال تجيء جملة إما اسمية وإما فعلية. القاعدة من البيت الثاني: إذا كانت الحال جملة فعلية فعلها مضارع مثبت وجب فيها أمران: اشتمالها على الضمير، وخلوها من الواو. القاعدة الثالثة من البيت الثالث: إذا أتت الجملة الحالية فعلاً مضارعاً مثبتاً مقروناً بالواو وجب أن نقدر مبتدأً تكون هذه الجملة خبراً له؛ لئلا تنخرم القاعدة الثانية. إذا قلت مثلاً: دخلت على زيدٍ يصلي، فمحل يصلي من الإعراب هو النصب على الحال. لكن إذا كانت الجملة هكذا: دخلت على زيدٍ ويصلي، وجب أن نقدر مبتدأً، فنقول: التقدير: وهو يصلي، لأجل أن لا تكون الجملة فعلية فعلها مضارع وتقترن بالواو. والله أعلم.

حكم جملة الحال إذا كانت بغير المضارع المثبت

حكم جملة الحال إذا كانت بغير المضارع المثبت يقول المؤلف رحمه الله: [وجملة الحال سوى ما قدما بواو أو بمضمر أو بهما] (جملة الحال): يعني الحال الذي يقع جملة (سوى ما قدما)، والذي قُدم هو المضارع المثبت. فيدخل فيما ذكره هنا الماضي، والمضارع المنفي، والجملة الاسمية، ويدخل في ذلك فعل الأمر لكن الحال مقدر له. يقول عن هذه الجملة (سوى ما قدما): (بواو وبمضمر أو بهما) يعني تكون بالواو وتكون بالضمير وحده، وتكون بالواو والضمير. فالمعنى: إذا وقع الحال جملة غير المضارع المثبت جاز أن تقترن بالواو دون الضمير، وبالضمير دون الواو، وبالضمير والواو جميعاً. والجملة غير المضارع المثبت هي: أولاً: المضارع المنفي. ثانياً: الماضي. ثالثاً: الجملة الاسمية. رابعاً: الجملة الطلبية، لكن الطلبية يقدر لها، ولا يصح أن يتم بها الكلام. الأمثلة: مثال المضارع المنفي: أقبل الرجل لا يلوي على أحد. ويجوز: ولا يلوي على أحد. ومثال الماضي: أقبل الرجلُ قد ضحك أبوه. ويجوز: أقبل الرجل وقد ضحك أبوه. ومثال الاسمية: زارني والشمس طالعة. فهذه مقرونة بالواو. ومثال اقترانها بالضمير: جاء الرجل هو صاحبي. أما اقترانها بهما فأن تقول: جاء الرجل وهو صاحبي. وإذا قلت: جاء زيد وعمرو قائم، فهذه مقرونة بالواو دون الضمير. ومثال المضارع المنفي: جاء زيد لم يضحك. فهذه مقترنة بالضمير. وإذا قلت: جاء زيد ولم يضحك. فهذه مقترنة بالواو والضمير. وجملة الأمر نقدر فيها، فتقول: أقبل الرجل اضربه، أي: مقولاً فيه اضربه. وجملة الحال لابد فيها من شيء يربطها، فلو قلت: جاء زيد عمرو قائم، لم يصلح. وكذلك: جاء زيد الشمس طالعة. إعراب البيت: وجملة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. والحال: مضاف إليه مجرور. سوى: أداة استثناء منصوبة بفتحه مقدرة منع من ظهورها التعذر، وهي مضاف. ما: اسم موصول بمعنى الذي مبني في محل جر مضاف إليه. قدما: فعل ماض مبني للمفعول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو. والجملة من الفعل ونائب الفاعل صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. بواو: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ (وجملة الحال). او بمضمر: معطوف على قوله (بواو). أو بهما: معطوف أيضاً. إذا وقعت الحال غير مضارع مثبت جاز اقترانها بالواو وحدها أو بالضمير وحده أو بهما جميعاً. قال المؤلف: [والحال قد يحذف ما فيها عمل وبعض ما يحذف ذكره حظل] الحال: مبتدأ مرفوع. قد: قد إذا دخلت على الماضي فللتحقيق، أو على المضارع فللتقليل، وقد تكون للتحقيق. وهي حرف لا محل له من الإعراب. يحذف: فعل مضارع مبني للمفعول مرفوع. ما: اسم موصول مبني في محل رفع نائب فاعل. فيها: جار ومجرور متعلق بقوله (عمل) الآتي. عمل: فعل ماض مبني على الفتح سكن لأجل الروي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (ما). وجملة (عمل) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وبعض: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وهو مضاف. ما: اسم موصول بمعنى الذي، في محل جر مضاف إليه.

شرح ألفية ابن مالك [40]

شرح ألفية ابن مالك [40] التمييز من الأسماء المنصوبة، وهو يبين المبهم من الذوات، وقد يكون محولاً عن فاعل أو غيره، والأصل في التمييز أن يكون منصوباً؛ لكنه قد يجر في بعض الحالات، وقد تدخل عليه (من)، ويأتي بعد أفعل التفضيل وصيغ التعجب. وحروف الجر مما يختص بالأسماء ويعمل فيها الجر، وهي حروف عديدة ومعانيها مختلفة، ومنها ما يختص بالظاهر ومنها ما لا يختص بظاهر ولا مضمر.

التمييز

التمييز

تعريف التمييز

تعريف التمييز قال المؤلف رحمه الله: [التمييز اسم بمعنى من مبين نكره ينصب تمييزاً بما قد فسره كشبر ارضاً وقفيز براً ومنوين عسلاً وتمرا وبعد ذي وشبهها اجرره إذا أضفتها كمد حنطة غذا والنصب بعدما أضيف وجبا إن كان مثل ملء الأرض ذهباً والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلاً كأنت أعلى منزلا وبعد كل ما اقتضى تعجبا ميز كأكرم بأبي بكر أبا واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد والفاعل المعنى كطب نفسا تفد وعامل التمييز قد مطلقا والفعل ذو التصريف نزراً سبقا] التمييز معناه الفصل بين شيئين، يقال: ميز هذا عن هذا، أي: فصل بعضهما من بعض، ويطلق أيضاً على التبيين، يقال ميز، أي بين ووضح. أما تعريفه عند النحويين فهو أولاً: اسم. فلا يقع فعلاً ولا يقع جملة، وقد تقدم أن الحال تأتي جملة. ثانياً: بمعنى من، يعني متضمناً لمعنى (من)، وسبق أن الحال متضمنة لمعنى (في) وأيضاً التمييز مبين للذات أو للنسبة، والحال مبينة للهيئة، تقول: جاء الرجل راكباً. فراكباً بينت هيئة الرجل كيف جاء، أما هذا فهو مبين للنسبة أو مبين للذات. وقولك: عندي عشرون رجلاً، هذا مبين للذات؛ لأن (عشرون) عدد مبهم، و (رجلاً) بين هذا المبهم وهذا هو تمييز الذات. وتمييز النسبة هو المحول عن الفاعل أو المفعول ونحوه، مثل: تصبب زيد عرقاً، (عرقاً) هذه تمييز مبين للنسبة، أي: نسبة التصبب إلى العرق، وأصل (تصبب زيدٌ عرقاً): تصبب عرقُ زيدٍ. وكذلك: فجرنا الأرض عيوناً، (عيوناً) هذه تمييز، وأصله: فجرنا عيون الأرض. فالأول محول عن فاعل، والثاني عن مفعول. قوله: (بمعنى من) صفة لاسم. (مبين) صفة ثانية. (نكرة) صفة ثالثة. (ينصب) الجملة خبر (اسم). (تمييزاً): حال، أي: ينصب حال كونه تمييزاً. (بما قد فسره)، أي أن عامله نفس المفسَّر الذي فسره هذا التمييز، فمثل: عندي عشرون رجلاً، الناصب للرجل هو (عشرون). عندي صاع براً، الذي نصب (براً) هو صاع. عندي كيلو أرضاً. الذي نصب (أرضاً) هو كيلو. ولهذا قال: (ينصب تمييزاً بما قد فسره)، ثم ضرب له أمثلة فقال: (كشبرٍ ارضاً)، يعني تقول: لي شبرٌ أرضاً. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض) فأتى بـ (من)، ولو حذف (من) لكانت تمييزاً، أي من اقتطع شبراً أرضاً. عندي شبرٌ أرضاً: عندي: ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم. شبرٌ: مبتدأ مؤخر. أرضاً: تمييز لشبر منصوب به وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. وهذا في المسافة. قوله: (وقفيزٍ براً) القفيز ستة عشر صاعاً. اشتريت قفيزاً براً: اشتريت: فعل وفاعل. قفيزاً: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. براً: تمييز لقفيز منصوب به وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. قوله: (ومنوين عسلاً)، يعني: وكمنوين عسلاً وتمراً، أي: منوين من العسل والتمر. المن مقدار بالوزن، والقفيز بالكيل، والشبر بالمساحة. عسلاً: تمييز بمنوين. وتمراً معطوف عليه. مثاله: اشتريت منَّاً تمراً: اشتريت: فعل وفاعل. ومنَّاً: مفعول به منصوب. تمراً: تمييز بمنٍّ منصوب به وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره.

جر التمييز عند الإضافة

جر التمييز عند الإضافة قال: (وبعد ذي وشبهها اجرره إذا أضفتها كمد حنطة غذا) (بعد ذي) يعني: والتمييز الواقع بعد هذه، أي: آخر مثال، (وشبهها) كالمثالين قبله (اجرره) إذا أضفتها إليه، ثم مثل بقوله: (مد حنطة). ومثال ذلك أن تقول أيضاً: اشتريت منَّ تمرٍ، اشتريت قفيز برٍ، ملكت شبرَ أرضٍ، فصار الآن ما وقع بعد مساحة أو كيل أو وزن لنا في إعرابه وجهان: الوجه الأول: أن ننون المساحة أو المكيال أو المثقال، وإذا نوناها نصبنا ما بعدها على التمييز. الوجه الثاني: أن نضيفها، فإذا أضفناه جررناه بالإضافة، فمثلاً تقول: اشتريت شبرَ أرضٍ، ويجوز: شبراً أرضاً. طحنت قفيز برٍ، ويجوز: قفيزاً براً. اشتريت منَّ عسلٍ، ويجوز: مناً عسلاً. قوله: (والنصب بعدما أضيف وجبا) يتعين نصب التمييز إذا أضيف المميز لتعذر الإضافة حينئذ. تقول: اشتريت مثقال درهمٍ عسلاً، ولا يجوز أن أقول: اشتريت مثقال درهمٍ عسلٍ! ومثاله أيضاً من القرآن: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} [آل عمران:91]. ملء: مقدار بالكيل، وعلى هذا نقول: ملءُ الأرض ذهباً، يتعين فيها النصب لتعذر الإضافة.

نصب الفاعل في المعنى تمييزا بعد أفعل التفضيل

نصب الفاعل في المعنى تمييزاً بعد أفعل التفضيل قوله: (والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلاً كأنت أعلى منزلا) الفاعل المعنى: مفعول لانصبن مقدم. يعني: الفاعل في المعنى. انصبن: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. وقوله: (انصبن بأفعلا مفضلاً) يعني: قاصداً التفضيل؛ إما تفضيل زيد على زيد، أو تفضيل حاله على حاله وما أشبه ذلك. والمعنى أنه إذا وقع التمييز بعد اسم التفضيل وهو فاعل في المعنى فانصبن. فقوله: (أنت أعلى منزلا) أصله: أنت علا منزلك، فتجد أن (أعلى) يقوم مقامه (علا)، و (منزلاً) يقوم مقامه الفاعل، فمنزل إذاً فاعل في المعنى. أما نحو: زيد أفضل رجل، فلا نقول إن (رجل) هذا ينصب على التمييز؛ لأنه ليس فاعلاً في المعنى. والحاصل أن كل اسم يقع بعد أفعل التفضيل فإن كان فاعلاً في المعنى نصب تمييزاً، وإلا وجب جره بالإضافة. تقول مثلاً: أنا أكثر منك مالاً، أي: كثر مالي على مالك. وأعز نفراً: عز نفري على نفرك. إذا قلت: فلان أكرم رجل، فليس رجل فاعلاً في المعنى، لأنه لا يصلح أن نقول: فلان كرُم رجل، إذاً يجب جره بالإضافة فتقول: أكرمُ رجلٍ. وتقول: المؤذنون أطول الناس أعناقاً، أعناقاً: تمييز؛ لأن أصله: طالت أعناقهم، فإذاً هو فاعل في المعنى. تقول مثلاً: فلان أسلمُ قلباً، قلباً: تمييز، والمعنى: سلم قلبه، وتقول: قلب فلانٌ أسلم قلبٍ، ولا يصلح أن نقول: قلب فلانٌ أسلمُ قلباً؛ لأن القلب هو القلب، إذاً: فيجب جره بالإضافة. والحاصل من هذا البيت أنه إذا وقع بعد اسم التفضيل اسم محول عن الفاعل في المعنى وجب نصبه على التمييز، وإن لم يكن فاعلاً في المعنى وجب جره بالإضافة، والله أعلم.

التمييز بعد صيغ التعجب

التمييز بعد صيغ التعجب قوله: (وبعد كل ما اقتضى تعجباً ميز). أي: أنه يأتي التمييز بعد كل عامل اقتضى التعجب. والتعجب له صيغتان اصطلاحيتان، وله صيغ متعددة من حيث المعنى، أي أن التعجب يراد به التعجب اللفظي الذي يقع بصيغته المعينة، ويراد به التعجب المعنوي الذي دل عليه السياق. فالصيغتان الاصطلاحيتان للتعجب هما: ما أفعله، وأفعل به. تقول: ما أحسن السماء، يقولون: إن ابنة أبي الأسود الدؤلي قالت ذات ليلة: يا أبت! ما أحسنُ السماءِ، قال: يا بنية! نجومها. والجواب صحيح؛ لأنها الآن تستفهم عن أحسن شيء في السماء؟ فقال: نجومها. فقالت: يا أبت! لست أريد هذا، أريد أن السماء حسنة وجميلة، فقال لها: يا بنية! ألا فتحت فاكِ وقلت: ما أحسنَ السماءَ! فهذه صيغة من الصيغ، ومثالها قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:175]. تقول مثلاً: ما أحسن زيداً أدباً! أدباً: تمييز؛ لأنها أتت بعد التعجب، وكذلك أيضاً تقول: ما أجمله وجهاً، نقول أيضاً: وجهاً: تمييز لأنها أتت بعدما اقتضى التعجب. وتقول مثلاً: أكرِم بزيدٍ ضيافة، ضيافة: تمييز؛ لأنها أتت بعد فعل التعجب. ومن مثال المؤلف: (أكرِم بأبي بكر أباً)، يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وإعرابها: أكرم: فعل تعجب مبني على السكون وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. بأبي بكر: جار ومجرور متعلق بأكرم. وأباً: تمييز منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. كذلك تقول: ما أحسن زيداً أدباً: ما: تعجبية مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ. وأحسن: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله مستتر وجوباً تقديره هو. زيداً: مفعول به منصوب، وعامله أحسن. أدباً: تمييز منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. فهذا الذي يأتي بعد التعجب بصيغتين اصطلاحيتين. كذلك الذي يأتي بعد التعجب بدون الصيغ المعروفة كقولهم: لله درُّه فارساً؛ لله: جار ومجرور خبر مقدم. دره: در: مبتدأ مؤخر وهو مضاف إلى الهاء. وفارساً: تمييز منصوب. وليس بلازم أن يأتي تمييز كلما جاء للتعجب، لكن ما أتى بعد التعجب منصوباً فهو تمييز. وصيغة (أفعل به) فيها ما ذكرنا من الإعراب، وفيها رأي آخر يقول: (أفعل) وإن كان بصيغة الأمر لكن معناه الخبر، وعلى هذا يكون (به) هو الفاعل، ويقولون: إن الباء زائدة كزيادتها في قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء:79]، ويقولون: إن الجملة هنا ليست إنشائية ولكنها خبرية: وإن (أكرم به)، معناها: ما أكرمه!

حكم جر التمييز بـ (من)

حكم جر التمييز بـ (من) والخلاصة أن القاعدة: أنه كلما جاء الاسم منصوباً بعد ما يقتضي التعجب فإنه يكون تمييزاً. قال المؤلف: (واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد). اجرر: فعل أمر. بمن: جار ومجرور متعلق به. إن شئت: إن: شرطية، وشئت: فعل الشرط، والتاء فاعله. غير: مفعول اجرر. ذي: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء. العدد: مضاف إليه مجرور. وجواب الشرط فيه رأيان: رأي أنه محذوف دل عليه ما قبله والتقدير: واجرر بمن إن شئت فاجرره. والرأي الثاني: أنه لا يحتاج في مثل هذا التركيب إلى جواب، والرأي الأخير أصح، لأنه أوضح في المعنى وأسلم في التقدير. وقوله: (غير ذي العدد) أي: غير تمييز ذي العدد، أي التمييز الذي ليس تمييز عدد يجوز جره بمن، وتمييز العدد لا يجر بمن. ومعنى البيت: واجرر غير الفاعل في المعنى من التمييز إن شئت، لا إن كان تمييز عدد. والتمييز الفاعل في المعنى هو ما تقدم في قوله: (والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلاً) فالفاعل المعنى لا يجر بمن، فلا تقول: أنا أكثر منك من مالٍ، بل تقول: أنا أكثر منك مالاً، وتقول: أنا أقوى منك جسداً، ولا تقول: أنا أقوى منك من جسد. وبقية التمييزات يجوز جرها بمن. إذاً: القاعدة: كل تمييز فإنه يجوز جره بمن إلا اثنين، وهما: تمييز العدد، والفاعل المعنى. ومثل المؤلف للتمييز الفاعل في المعنى بقوله: (طب نفساً)، فطب: فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت. ونفساً: تمييز محول عن الفاعل، وأصله: طابت نفسك، ولا يجوز أن تقول: طب من نفس! وقوله: (تُفد)، أي: تعط الفائدة. أمثلة: اشتريت شبراً أرضاً. ويجوز: شبراً من أرض، ويجوز وجه ثالث: شبر أرض، كما سبق في قوله: (وبعد ذي وشبهها اجرره إذا إلخ). وتقول: لله درُّه فارساً. ويجوز: لله درُّه من فارس! وتقول: عندي عشرون كتاباً. ولا يجوز: عندي عشرون من كتابٍ! لكن يجوز أن تقول: عندي عشرون من الكتب، وحينئذ لا يكون تمييزاً؛ لأن تمييز العدد يكون مفرداً. وتقول مثلاً: أكل الرجل منوين تمراً. ويجوز: منوي تمرٍ، بالإضافة؛ لأن ذلك ليس بعدد.

تقديم عامل التمييز

تقديم عامل التمييز ثم قال المؤلف: (وعامل التمييز قدم مطلقاً). عامل: مفعول مقدم. وقدِّم: هو العامل فيه. وعامل مضاف، والتمييز: مضاف إليه. مطلقاً: صفة لمحذوف والتقدير: تقديماً مطلقاً. يقولون: (مطلقاً) بمعنى أنه في كل الأحوال، وإن الإطلاق يعود إلى شيء سابق أو إلى شيء لاحق، بمعنى أنه يعود إلى قيد سابق أو لاحق، فما هو القيد اللاحق؟ قال: (والفعل ذو التصريف نزراً سُبقا) الفعل: مبتدأ. ذو: صفة مرفوعة، وهي مضاف، والتصريف: مضاف إليه. نزراً: ظرف منصوب، ونزراً أي: قليلاً. سبقا: فعل ماض، والألف للإطلاق، والجملة في محل رفع خبر. يقول المؤلف رحمه الله: إنه لا يجوز أن يتقدم التمييز على عامله، فالواجب أن يتقدم العامل عليه، فلا يجوز أن تقول: عندي رجلاً عشرونَ، أو: عندي أرضاً شبرٌ. ويجوز أن يتقدم التمييز على عامله إذا كان العامل فعلاً متصرفاً، وذلك قليل، ولهذا قال: (نزراً سُبقا) مثاله: إذا قلت: أكرم بأبي بكر أباً، يصلح أن تقول: أباً أكرم بأبي بكر! وقال بعض النحويين: إنه ممتنع وإن ما ورد من ذلك في اللغة العربية يحفظ ولا يقاس عليه.

حروف الجر

حروف الجر

تعداد حروف الجر وذكر ما يختص به كل حرف

تعداد حروف الجر وذكر ما يختص به كل حرف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حروف الجر]. قوله: (حروف الجر). من باب إضافة الشيء إلى نوعه؛ لأنها حروف تجر، كما أن هناك حروفاً ترفع وحروفاً تنصب وحروفاً تجزم. فمثلاً: إن وأخواتها حروف ترفع الخبر وتنصب المبتدأ. وحروف الجر جميعها تشترك في العمل، بمعنى: أنها كلها تجر، وليس فيها حرف لا يجر، لكنها تختلف في مدخولها وفي معناها، كما سيتبين إن شاء الله. قال المؤلف رحمه الله: [هاك حروف الجر وهي من إلى حتى خلا حاشا عدا في عن على]. قال المؤلف: (هاك حروف الجر)، هاك: اسم فعل بمعنى: خذ، وهل اسم الفعل هو (ها) والكاف حرف خطاب أو هو الجميع؟ فيه خلاف. حروف الجر: حروف: مفعول به بهاك؛ لأن هاك اسم فعل يعمل عمل الفعل. هاك حروف الجر، يعني: خذ الحروف التي تجر. واستفدنا من قوله: (حروف) أنها ليست أسماء ولا أفعالاً، لكن بعضها قد يكون أسماء وقد يكون أفعالاً، وفي هذه الحال يخرج عن حروف الجر، فإن (على) تستعمل اسماً والكاف تستعمل اسماً، ومذ ومنذ يستعملان اسمين، وخلا وحاشا وعدا تستعمل أفعالاً، فهي في خروجها إلى ذلك لا تعتبر من حروف الجر. وقوله: (وهي من إلى): أي: من وإلى، لكنه أسقط حرف العطف لضرورة الوزن واختصاراً. قوله: (حتى): أي: وحتى، وخلا، وحاشا وعدا وفي وعن وعلى، فذكر في بيت واحد تسعة حروف. وفي هذا البيت هبة وحكم وأدوات، وهذا يدلك على أن هذه الألفية جامعة، وهي من أجمع كتب النحو. يقول: [مذ منذ ورُبّ اللام كي واو وتا والكاف والبا ولعل ومتى]. وبهذا تكون عشرين حرفا. وقد ذكرنا أنها كلها تجر، وأنها تختلف في المعنى، وتختلف في الاختصاص، أي ما يختص به واحد دون الآخر. وقد بدأ المؤلف رحمه الله بذكر ما يختص به كل حرف، فقال: [بالظاهر اخصص منذ مذ وحتى والكاف والواو ورب والتا] بالظاهر: جار ومجرور متعلق باخصص. اخصص: فعل أمر؛ يقال: اخصص بفك الإدغام، ويقال: خُصَّ بالإدغام. قال: (بالظاهر اخصص منذ، مذ، وحتى، والكاف، والواو، ورُبَّ، والتاء) فهذه سبع أدوات من العشرين تختص بالظاهر، أي فلا تجر الضمائر، وإنما تجر الأسماء الظاهرة فقط. فمثلاً تقول: حضرت مذ يومين، ولا يجوز أن تقول: حضرت مذهما، وتقول: منذ يومين، ولا تقول: منذهما. وتقول: سأنتظر حتى مجيء زيد، وقال الله تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5]. ولا يجوز: سرت حتاك! لكن يجوز: سرت إليك؛ لأن (إلى) غير مختصة بالظاهر، مع أن (حتى وإلى) كليهما للغاية. أيضاً: الكاف مختصة بالظاهر، تقول مثلاً: فلان كالأسد. ويجوز أن يقول: فلان كزيد، وهو يخاطب زيداً، ولا يجوز أن يضع بدل زيد المخاطب ضمير الخطاب فيقول: فلان كك! لأن الكاف لا تدخل إلا على الاسم الظاهر، وسيأتي في كلام المؤلف أنها قد تدخل على الاسم المضمر لكن نادراً، مثل: كها! كذلك الواو مختصة بالظاهر، وهي كما علمنا فيما سبق من حروف القسم، تقول: واللهِ، وربِّ العالمين، وخالقِ الأرض والسماء وما أشبه ذلك، ولا تقول: وك يا ربِ! فلا يجوز دخولها على الضمير حتى ضمير الغيبة، فلو قلت مثلاً: وهو! تحلف وتريد بالضمير الله لم يجز. لكن الباء تجوز: وبه أحلف. كذلك أيضاً: رُبَّ، لا تدخل إلا على الاسم الظاهر، وأضيق من هذا أيضاً أنها لا تدخل إلا على النكرة، تقول مثلاً: رُبَّ رجل لقيته، لكن لا يمكن أن تقول: رُبَّ الرجل لقيته، ولا تقول: رُبَّ زيدٍ لقيته، تريد زيداً معيناً، أما: رُبَّ زيدٍ لقيته، تريد: رُبَّ مسمى بهذا الاسم، فهذا جائز؛ لأنه ليس علماً. ويجوز بقلة: ربه رجل قائم، كما قال: [وما رووا من نحو ربه فتى نزر] كما سيأتي. قوله: (والتا) التاء أيضاً مما يختص بالظاهر، وهي من حروف القسم. فعندنا الآن من حروف القسم اثنان هما: الواو والتاء؛ لكن التاء كما لا تجر إلا المقسم به، لا تكون إلا متصلة بالله أو برب، كما قال المؤلف: (والتاء لله ورَبْ)، إذا قلت: تالرحمن، فلا يجوز، ولا: تالعزيز، ولا: تالسلام. إذاً التاء خصصت بعدة تخصيصات: الاسم الظاهر، القسم، الله ورب، تقول: تالله لأفعلن، وتقول: ترب الكعبة لأفعلن كذا. ولو قلت مثلاً: ربي الله، ته أحلف، مثل: به أحلف، فلا يجوز. قوله: [واخصص بمذ ومنذ وقتاً]: أي: مذ ومنذ إذا كانا حرفي جر فاخصص بهما الوقت، تقول مثلاً: ما رأيته مذ يومين، ما رأيته منذ يومين، واليوم وقت. ولا تقول: ما سرت مذ المسجد ولا منذ المسجد، لأن المسجد مكان وليس وقتاً. وتصلح (منذ ومذ) للمعرفة والنكرة، فتقول: ما رأيته منذ اليوم، وما رأيته منذ يومين، وما رأيته منذ سنة، وما رأيته منذ شهر، وما رأيته منذ أسبوع. قوله: [وبرب منكراً]. يعني: واخصص برب منكراً، فهي لا تدخل على المعارف، فلا تقول: رب الرجل لقيته، ولا رب زيد لقيته؛ إلا على تقدير: رب مسمى بهذا الاسم، كما تقدم، أما زيد الذي هو زيد بن فلان فلا. قال المؤلف: [وما رووا من نحو ربه فتى نزر كذا كها ونحوه أتى] الذين رووا هم النحاة، والعرب مروي عنهم. نزر: خبر ما؛ لأن (ما) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع متبدأ. و (رووا) صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: وما رووه، أي: من نحو ربه فتى نزر قليل. والذي خرج عن القاعدة في هذا المثال أن (رُبَّ) دخلت على الضمير، وهي لا تدخل إلا على ظاهر. وأيضاً: الضمير معرفة وهي مختصة بالنكرة، أي أنها خالفت القياس من وجهين. قوله: (كذا كها) أي أن (كها) أيضاً نزر قليل في كلام العرب. كها: الكاف حرف جر، وها: ضمير مبني على السكون في محل جر، فهنا دخلت الكاف على ضمير، وقد سبق أن الكاف لا تدخل إلا على الاسم الظاهر؛ ولكنه كما قال ابن مالك: نزر. قوله: (ونحوه) أي: مثله، أي: نحو كها، وذلك مثل: (كهو) يعني: ضمير الغائب، وأما ضمير المخاطب (كك) فلا أظنه يروى، ولهذا قال: (ونحوه) أي من ضمائر الغيب كهن. الآن نذكر القواعد: أولاً: حروف الجر هي الأدوات التي تعمل الجر، وهي عشرون أداة، تشترك جميعاً في عمل الجر، وتختلف في الاختصاص والمعاني. البيتان الأولان عدد فيهما هذه الأدوات. البيت الثالث: القاعدة فيه: يختص بالأسماء الظاهرة هذه الأدوات، وهي: مذ ومنذ وحتى والكاف والواو ورب والتاء. وهي سبع. والبيت الرابع القاعدة فيه: تختص مذ ومنذ بالوقت، فلا تجر إلا ما دل على زمن، وتختص رب بالنكرات فلا تجر الضمائر ولا المعارف، وتختص التاء باسمين فقط وهما: الله ورَبّ. البيت الخامس: ما روي عن العرب من دخول رُبَّ على الضمير والكاف على الضمير فهو نزر قليل وخارج عن القياس. والله أعلم.

معاني (من) من حروف الجر

معاني (من) من حروف الجر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بعض وبين وابتدئ في الأمكنة بمن وقد تأتي لبدء الأزمنة وزيد في نفي وشبهه فجر نكرة كما لباغ من مفر] بدأ المؤلف بذكر معاني حروف الجر، واختصاص كل واحد بمعنى، فقال: (بعض وبين وابتدئ) فهذه ثلاثة معان: بعض: التبعيض. بيِّن: التبيين. ابتدئ: الابتداء. (في الأمكنة بمن) من: حرف جر. فقوله: (بعِّض) معناه أنها تأتي للتبعيض، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا} [البقرة:165] أي: بعض الناس. قوله: (بيِّن) معناه أنها تأتي للبيان، مثل أن تقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة:6] فإن قوله: ((مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)) لبيان الجنس؛ أي: لتمييز هؤلاء من هؤلاء، وليست للتبعيض؛ لأن كل أهل الكتاب كفار بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، أما قبل ذلك، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر. أما قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:2] فهي للتبعيض. وكذلك قوله: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:105] للتبعيض، يعني: فبعضهم شقي، وبعضهم سعيد. والغالب أن (مِنْ) البيانية تأتي بياناً لاسم موصول، أو لأداة شرط، أو استفهام، أي: تأتي بعد الأسماء المبهمة، فكلما دخلت (من) على أسماء مبهمة فهي للتبيين، سواء كان هذا الإبهام في الشرط أو في الاستفهام أو في الموصول. قوله: (وابتدئ في الأمكنة): يعني: وتأتي (من) أيضاً للابتداء في الأماكن، كقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:1]، والمسجد الحرام مكان. وتقول: هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، أي أن ابتداء هجرته كان من مكة. وتقول: سرت من البيت إلى المسجد، ورجعت من المسجد إلى البيت. قوله: (وقد تأتي لبدء الأزمنة) يعني: قد تأتي أيضاً للابتداء في الزمان، وقوله: (قد) هذه للتقليل، إذاً: فالأكثر في (من) إذا كانت للابتداء أن تكون في الأمكنة. ومثال مجيء (من) للابتداء في الزمان: جلست عندك من يوم الأحد إلى يوم الأربعاء. فالقاعدة التي في البيت الأول: أن (مِنْ) تأتي لثلاث معان: للتبعيض والتبيين والابتداء، والابتداء في الأمكنة أكثر منها للابتداء في الأزمنة. إعراب البيت: بعض: فعل أمر. وبيَّن: الواو حرف عطف، وبيَّن فعل أمر أيضاً. وابتدئ: فعل أمر، والأصل في الأمر الوجوب. في الأمكنة: جار ومجرور متعلق بابتدئ. بمن: جار ومجرور متنازع فيه بين الأفعال الثلاثة: (بعض وبين وابتدئ)، فهو متعلق بابتدئ عند أهل البصرة، لأنه أقرب، واختار عكساً غيرهم ذا أسرة. وما لم يعمل في المتنازع فيه عمل في مضمر مقدر، كما قال ابن مالك: وأعمل المهمل في ضمير ما تنازعاه والتزم ما التزما ولا تجي مع أول قد أهملا بمضمر لغير رفع أوهلا وعلى هذا نقول: المعمل هو الأخير في هذا البيت، وهو قوله (ابتدئ)؛ لأننا لو أعملنا الأول لوجب أن نضمر في الثاني والثالث، وهنا لم نضمر فيكون الإعمال للأخير. ثم قال: (وزيد في نفي وشبهه). وهذا هو المعنى الرابع لـ (مِنْ) وهو أن تكون زائدة، وهي تزيد في اللفظ، وتزيد أيضاً في المعنى؛ لأنها تعطيه قوة. ولعل هذا التعبير غريب؛ لأن المعروف أننا نقول: زائدة لفظاً لا زائدة معنى، وقصدهم (لا زائدة معنى)، أي: ليست خالية من المعنى؛ لكن الذي قالوا: إنها زائدة لفظاً زائدة معنى فقصدهم أنها تزيد المعنى قوة. يقول: (وزيد في نفي وشبهه)، النفي واضح، ويكون بما، ولا، وليس وما أشبهها. وشبه النفي هو النهي والاستفهام الذي بمعنى النفي. وأنا عندي شك في كلام ابن مالك من جهة اللفظ: (زِيد) لأنه قال عنها: (وقد تأتي) بالتأنيث؛ فكيف يجعلها مؤنثة، ثم يقول: (زيد) فيجعلها مذكرة؟ نقول: إذا اعتبرنا اللفظ فهي مذكرة، وإذا اعتبرنا أنها أداة جر فهي مؤنثة. وعليه فقوله: (وقد تأتي) أي هذه الأداة، وهي باعتبار اللفظ مذكرة، يعني: زيد حرف مِنْ، والمعنى: أتى زائداً في نفي وشبهه. قوله: (فجر نكرة)، جر: فعل ماض فاعله مستتر، ونكرة: مفعول جر. مثاله: (كما لباغٍ من مفر) من زائدة؛ لأن الكلام يستقيم لو قلت: ما لباغٍ مفر، بحذف مِنْ. والإعراب: ما: نافية. لباغٍ: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. من: زائدة. مفر: مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. و (ما) هنا ملغاة لا تعمل عمل ليس؛ لتقدم الخبر، كما قال ابن مالك: إعمال ليس أعملت ما دون إن مع بقا النفي وترتيب زكن إذاً: هذه ملغاة؛ وذلك لأن خبرها متقدم، ومن شرطها أن يتقدم الاسم. فالقاعدة من البيت: أن (من) تزاد بشرطين: أولاً: أن يتقدمها نفي أو شبهه. والثاني: أن يكون مدخولها نكرة. ومثالها: ما لباغ من مفر. نأخذ أمثلة أيضاً: قال الله تعالى: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} [المائدة:19]، (من) هنا زائدة لسبقها بما ودخولها على نكرة (بشير). وعلى هذا فنقول: جاء: فعل ماض ونا: مفعول به مبني على السكون في محل نصب. من: حرف جر صلة، ولا نقول (زائد) لئلا يظن أحد أن في القرآن لغواً. بشير: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. ومثال الاستفهام: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم:98]، وتكررت (من) هنا مرتين، لكن الزائدة هي الثانية، لأن الثانية داخلة على نكرة، والأولى على معرفة. هل: حرف للاستفهام. تحس: فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره أنت. منهم: جار ومجرور. من: زائدة. أحد: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. ومثال النهي: لا تضرب من أحد من الطلبة. الشاهد في قوله: (من أحد)، من: حرف جر زائد، وأحد: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. أما قوله تعالى: {ِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [إبراهيم:10] فهي تبعيضية. وحملها بعض النحويين على قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، فجعل (من) زائدة، وقال: يجوز دخولها زائدة على معرفة، واستدل بالآية. ونحن نقول: لا نوافقك على هذا الشيء؛ لأنك إذا تأملت: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، وجدت الخطاب موجهاً إلى هذه الأمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الصف:10 - 12]. إذاً: فهي للعموم، وكل ذنوبنا مغفورة بهذا الوعد من الله سبحانه وتعالى، وإذا تأملت: {مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف:31] وجدتها إما من كلام الجن: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:31]، ولم يجزموا بغفران الذنوب جميعاً؛ لأنهم إنما يرجون ذلك رجاء. ووجدت أيضاً أن ((يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)) جاءت في كلام نوح، في قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح:4]، وهذا إما أن يقال: إن هذه الأمة فضلت على قوم نوح بمغفرة جميع ذنوبها، أو يقال: إن نوحاً عليه الصلاة والسلام قال لقومه هذا لأجل أن يرجيهم. المهم أنه لا يمكن أن نحمل هذه على هذه مع اختلاف المعنى، فالصحيح إذاً كما قال ابن مالك إن (من) تزاد بشرطين كما تقدم.

مجيء (حتى واللام وإلى) للانتهاء

مجيء (حتى واللام وإلى) للانتهاء قال المؤلف: [للانتها حتى ولام وإلى]. معناه: أن (حتى واللام وإلى) تأتي للانتهاء. مثال (حتى) قوله تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5]. ومنه أيضاً: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} [البقرة:187]. البصريون يقولون: حتى: حرف جر والفعل منصوب بأن مضمرة بعد حتى، وعلى هذا فيكون المعنى: وكلوا واشربوا حتى تبيُّن، فيؤول بمصدر. أما الكوفيون فيرون أن (حتى) نفسها تنصب الفعل، وهي على كل حال للانتهاء. كذلك اللام تكون للانتهاء، مثل أن تقول: سرت من عنيزة لمكة، بمعنى: إلى مكة، ومثل قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد:2]، أي: إلى أجل، كما في آية أخرى. فاللام تأتي للغاية. و (إلى) كذلك، وهي الأصل، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:1]. والغاية غير داخلة إلا بقرينة، فلو قلت مثلاً: سرت إلى مجرى السيل، فالمعنى أنك لم تدخل فيه. وقال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] ولا يدخل الليل في الصيام، فابتداء الغاية ليس بداخل. وإذا قلنا مثلاً: لك هذه الأرض إلى الجبل، فالجبل لا يدخل. أما إذا وجدت قرينة فإنه يدخل، ومنه قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، فإن المرفق داخلة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: (ومن وباء يفهمان بدلاً): يعني: يأتيان للبدلية، أي: بمعنى بدل. إذا: (من) تأتي للتبعيض وللبيان وللابتداء وتأتي زائدة، وتأتي بمعنى بدل، قال الله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف:60] أي: بدلكم. وقال: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [التوبة:38]، أي بدل الآخرة، وليس المعنى أن الدنيا من الآخرة. وتقول: اقتنعت بالدرهم من الدينار، أي: بدل الدينار. والباء أيضاً تأتي بدلية بمعنى بدل، مثل قولك: ما أحب أن لي بها حمر النعم. أي: ما أحب أن لي بدلها حمر النعم. ومثلها قول كعب بن مالك: ما أحب أن لي بها بدراً، يعني: بدلاً عنها بدراً. ومنه قول الشاعر: لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب ليسوا من الشر في شيء وإن هانا يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحساناً فهو يقول: قومي وإن كانوا ذوي حسب وشرف لا يحبون الشر ولو كان هيناً، وإذا ظلمهم أحد يجازون الظلم بالمغفرة، وإذا أساء إليهم يجازون الإساءة بالإحسان، أي أنهم جبناء لا ينصرونه، ولهذا قال: فليت لي بهمُ قوماً إذا ركبوا شنوا الإغارة فرساناً وركبانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا طيب، الشاهد قوله: (فليت لي بهم قوماً) أي: بدلهم. إذاً: الباء تأتي بمعنى: بدل، وكذلك (من) تأتي بمعنى: بدل.

شرح ألفية ابن مالك [41]

شرح ألفية ابن مالك [41] تأتي حروف الجر لمعان كثيرة، فمن هذه المعاني الاستعلاء والتبعيض والظرفية والسببية والمجاوزة والإلصاق وغيرها، وقد بين العلماء تفاصيل ذلك. وقد تدخل (ما) على بعض حروف الجر فلا تكفها عن العمل، وقد تكفها أحياناً.

تابع معاني حروف الجر

تابع معاني حروف الجر

معاني اللام غير الانتهاء

معاني اللام غير الانتهاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [واللام للملك وشبهه وفي تعدية أيضاً وتعليل قفي وزيد والظرفية استبن ببا وفي وقد يبينان السببا] قوله: (واللام للملك وشبهه) أي: أن اللام تفيد التمليك وشبه التمليك، فالتمليك أن يكون مدخولها مالكاً لما سبق، أو إن شئت فقل: أن تقع بين شيئين الثاني منهما مالك للأول. مثاله: الكتاب للطالب، أي: ملك للطالب، فالثاني مالك للأول، أي: أن مدخولها مالك لما قبله، وقد يتأخر عنه مثل: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ} [آل عمران:189]، فهنا تأخر الأول عنها وعن الثاني؛ لكن الحكم لا يتغير، فاللام هنا للملك. قوله: (وشبهه) وهو ما يسمى بالاختصاص، وهو: أن يكون مدخولها مختصاً بالأول لا مالكاً، مثاله: العلف للدابة، أو الزمام للجمل، فليس هو ملكه، لكنه اختصاص، وقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60] اللام هنا للملك. قال: (وفي تعدية أيضاً) يعني: أن اللام تأتي للتعدية. ومعنى التعدية: أن تدخل على مفعول عامله ضعيف ليتعدى إلى المفعول، مثل اسم الفاعل إذا تأخر فضعف عمله، تقول مثلاً: أنا ضاربٌ لزيد، أصلها: أنا ضاربٌ زيداً، وكذلك: أنا لزيد ضارب، فاللام هنا لا تصلح للملك ولا لشبه الملك، لكنها للتعدية. قال: (وتعليل قفي) أي: وتأتي اللام للتعليل كثيراً: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وكأني بكم تقولون: إن (يعبدون) فعل وليست اسماً، لكنني أقول: إنه فعل مؤول بمصدر، والتقدير: إلا لعبادتي، فاللام للتعليل. وكذلك أيضاً قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29]، أي: لأجلكم. وتقول: (جئت لأقرأ) أي لأجل القراءة. وكذلك كل أفعال الله تعالى التي تتعدى باللام هي للتعليل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:1]، فاللام للتعليل. قال المؤلف: [وزيد والظرفية استبن ببا وفي وقد يبينان السببا] (وزيد): أي: أن اللام تأتي زائدة، أي أنها تأتي لا لمعنى كقوله تعالى: {إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف:43]. وهذا المثال فيه نظر، ووجه النظر: أن اللام في قوله: (للرؤيا تعبرون) يظهر أنها للتعدية؛ لأنها دخلت على المفعول لضعف العامل بتأخره. ومثلوا في الزائدة بما يقال كثيراً: لا أبا لك، ومنه: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم قالوا: إن اللام هنا زائدة، والدليل على زيادتها: أن (أبا) أعربت بالألف، ومن شرط إعرابها بالألف أن تضاف، ولو قلنا: إن اللام غير زائدة لكان يقول: لا أباً لك، أو: لا أب لك، بدون ألف، فلما أعربت بالألف دل هذا على أن اللام زائدة، وأصلها: لا أباك، وهذا أحد الوجوه في قوله: لا أبا لك. وفي وجه آخر: أنها على لغة من يلزم الأسماء الخمسة الألف مطلقاً، وعلى هذا فلا يكون فيها شاهد.

مجيء الباء وفي للظرفية والسببية

مجيء الباء وفي للظرفية والسببية قوله: (والظرفية استبن ببا وفي). الظرفية: مفعول مقدم لقوله: (واستبن) يعني: استظهر، أي: أنه تأتي الباء وفي للظرفية، أما الباء فمثالها قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} [الصافات:137] يعني: وفي الليل، وهي كثيرة في الكلام العربي، تقول مثلاً: سكنت بعنيزة سكنت ببريدة سكنت بالبدائع سكنت بمكة سكنت بالرياض وهكذا. أما (في) فمثالها: دخلت في المسجد، سكنت في البلد الفلاني، وهي في القرآن أيضاً كثيرة: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} [الذاريات:20 - 22]، {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار:13]، {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهاهمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران:107]، وهكذا تكون للظرفية كثيرة جداً. قوله: (قد يبينان السببا) يعني: أن الباء وفي قد تأتيان للسببية بأن يدخلا على السبب.

مجيء الباء للاستعانة والإلصاق

مجيء الباء للاستعانة والإلصاق قال المؤلف: [بالبا استعن وعد عوض ألصق ومثل مع ومن وعن بها انطق] أي: أن الباء تأتي للاستعانة. والاستعانة طلب العون، فمعنى الاستعانة: أن الباء تدخل على ما تطلب الإعانة منه مثل: أستعين بالله. فالباء للاستعانة، أي: أنه سبحانه وتعالى يطلب العون منه. قوله: (وعدِّ) يعني: أنه يعدى بها الفعل اللازم، مثال ذلك قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17]، أصل (ذهب) فعل لازم، يقال: ذهب الرجل، فإذا أردنا أن تتعدى إلى مفعول فإما أن ندخل عليها الهمزة أو نأتي بالباء، ولذا قال تعالى: {ذََهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17]، ويصح في غير القرآن أن يقال: أذهب الله نورهم. قوله: (عوض) معناها: أن الباء تأتي للتعويض؛ بأن يكون مدخولها عوضاً عن غيره، وهذا كثير جداً، فالباء التي تدخل في البيع والشراء تكون للتعويض، تقول: اشتريت كتاباً بدرهم، الباء للتعويض، وهل مدخولها هو العوض، أو ما سبقها هو العوض؟ الحقيقة أن كل واحد منهما عوض عن الثاني، لكنها دائماً تدخل على الثمن، ولهذا قال الفقهاء: يتميز الثمن عن المثمن بالباء، فما دخلت عليه الباء فهو الثمن، فإذا قلت: بعت الثوب بدرهم، فالثمن هو الدرهم. وإذا قلت: بعت الدرهم بثوب. فالثمن الثوب. وقول المؤلف: (ألصق). الإلصاق هو مباشرة الشيء بشيء، وقد يراد بالإلصاق مجاورة الشيء للشيء. مثال الإلصاق المباشر: مسحت رأسي بيدي، أمسكت ثوبي بيدي، امسحوا برءوسكم. ومثال غير المباشر: مررت بزيد. وقد زعم بعض النحويين أن جميع معانيها تعود إلى الإلصاق، ولكن لو سلكنا هذا المسلك لوجدنا أنها لا تكون للإلصاق في بعض المواضع إلا بتكلف شديد، ولا حاجة إلى هذا التكلف، فالأولى أن نقول كما قال ابن مالك: إن الإلصاق من بعض معانيها.

مجيء الباء بمعنى مع ومن وعن

مجيء الباء بمعنى مع ومن وعن قوله: (ومثل مع ومن وعن بها انطق). يعني: أن الباء تأتي بمعنى: مع، وتأتي بمعنى: من، وتأتي بمعنى: عن. تأتي بمعنى (مع) كما لو قلت: بعتك الفرس بلجامه، أي: مع لجامه. وتقول: بعتك السيارة بمفاتيحها. أي: مع المفاتيح. وتأتي أيضاً بمعنى (من)، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:6]، أي: يشرب منها؛ لأن العين يشرب منها لا بها، وقد سبق لنا أن الصحيح في هذه الآية أن الباء للسببية لا بمعنى (من)، وأن (يشرب) مضمنة معنى (يروى). وذكرنا: أن الأصح أن يضمن الفعل لا أن يجعل الحرف بمعنى حرف آخر، وأن تضمين الفعل يستلزم معنى أصل الفعل وزيادة، فقولك: (يشرب بها عباد الله) قلنا: إن (يشرب) مضمن معنى: (يروى)، فتضمن الشرب والري. كذلك تأتي الباء بمعنى (عن)، كما لو قلت مثلاً: سألتك بعلمك، أي: عن علمك. وتقول: رضيت بالله رباً، أي: رضيت عن الله رباً. وقال تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج:1]، أي: عن عذاب. وقال بعض أهل العلم: إن الباء هنا على بابه، وإن المعنى: سأل سائل وأجيب بعذاب واقع للكافرين، وإن السؤال هنا ضمن معنى الجواب، فيكون هذا أبلغ؛ لأنه لو قرأنا: (سأل سائل عن عذاب واقع {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:2 - 3] فأين الجواب؟ والواقع أن الآيات تجيب عن هذا السؤال، ولهذا قال بعض العلماء: إن الباء هنا على أصلها، وإن السؤال هنا ضمن معنى الجواب، كأنه قال: سأل سائل فأجيب بعذاب واقع للكافرين إلى آخره. وبهذا تبين أن للباء تسع معان: الظرفية، والسببية، والاستعانة، والتعدية، والتعويض، والإلصاق، ومثل مع، ومن، وعن. ويذكر بعضهم من معانيها المصاحبة، وهي لا تخرج عن الإلصاق، ولكنها إما أن تكون حسياً أو معنوياً. وقوله: (سبحانك اللهم وبحمدك) الباء هنا للإلصاق، وقيل: إن الباء للاستعانة، أي: سبحتك بحمدك، فعلى المعنى الأول تكون جملة جامعة بين التنزيه والثناء، أي: تسبيح ثم حمد. وعلى قول الذي يقولون: إن الباء للاستعانة، تكون الجملة مشتملة على التسبيح لكنه بمعونتك التي تحمد عليها، وعلى هذا فكونها للمصاحبة أولى، لكن بعضهم لم يعدها، قال: لأن المصاحبة داخلة في الإلصاق. إعراب: ذهب الله بنورهم: ذهب: فعل ماض مبني على الفتحة. لفظ الجلالة فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. بنورهم: جار ومجرور ومضاف إليه.

مجيء على للاستعلاء ومعنى في وعن

مجيء على للاستعلاء ومعنى في وعن قال المؤلف: [على للاستعلاء ومعنى في وعن بعن تجاوزاً عنى من قد فطن] على: مبتدأ. لأن المقصود ولفظها، بخلاف ما إذا قلت: الماء على السطح، فلا تقول: على: مبتدأ. للاستعلاء: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. وبعضهم يقول: إن الجار والمجرور نفسه هو الخبر. قوله: (على للاستعلاء) الاستعلاء هو: علو شيء على شيء، ولهذا كانت حروف (على) نفسها هي حروف العلو، ففيها العين واللام والألف. مثال ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فعلى هنا للعلو. وتقول مثلاً: الماء على السطح، وتقول: السماء على الأرض. والعلو لا تلزم منه المباشرة، بل قد تكون معه مباشرة، وقد لا تكون معه مباشرة. ثم العلو قد يكون حسياً، وقد يكون معنوياً، تقول مثلاً: من على هؤلاء الجماعة؟ يعني: من هو الوالي عليهم، فهذا العلو معنوي. وتقول: ركبت على البهيمة أو على السيارة، وهذا علو حسي. قال: (ومعنى في وعن) قوله: (ومعنى) معطوفة على قوله: (للاستعلاء) يعني: و (على) تأتي لمعنى (في)، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [القصص:15]، أي: في حين غفلة من أهلها. قوله: (وعن) يعني: أن (على) تأتي لمعنى (عن)، ومنه قول الشاعر: إذا رضيت علي بنو قشير المعنى: إذا رضيت عني بنو قشير.

معاني عن

معاني عن ثم قال: (بعن تجاوزاً عنى من قد فطن). إعراب الشطر: بعن: جار ومجرور متعلق بعنى. تجاوزاً: مفعول مقدم بعنى. عنى: فعل ماض. من: اسم موصول فاعل. قد فطن: جملة فعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، وترتيب البيت: عنى من قد فطن تجاوزاً بعن ومعنى (عنى) قصد وأراد، يعني: أن (عن) من معانيها المجاوزة، والمجاوزة معناها: مرور شيء بشيء وانفصاله عنه، مثاله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ} [الكهف:82]، ويقولون: رميت السهم عن القوس، يعني: مجاوزاً القوس. قال المؤلف: [وقد تجي موضع بعد وعلى كما على موضع عن قد جعلا] قوله: (قد تجي موضع بعد) يعني: قد تأتي (عن) بمعنى (بعد)، فتكون للترتيب، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق:19]، أي: طبقاً بعد طبق. ويمكن أن نقول: إن هذا المعنى يرجع إلى المجاوزة؛ لأن معناه: تنتقلون من حال إلى حال، وتجاوزون الحال الأولى إلى الحال الثانية، ولهذا فالأصل في (عن) أن تأتي للمجاوزة؛ لكن في بعض الأحيان تكون واضحة، وفي بعض الأحيان تحتاج إلى تأمل. قوله: (وعلى) يعني: تأتي عن بمعنى (على)، ومثلوا له بقول الشاعر: لاه ابن عمك ما أفضلت في حسب عني أي: ما أفضلت عليَّ. أفضل: فعل ماض، والتاء ضمير مخاطب فاعل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وقد تجي موضع بعد وعلى كما على موضع عن قد جعلا) يعني: كما أن (على) تأتي بمعنى (عن)، فإذا قال قائل: أليس هذا تكراراً؛ لأنه قد تقدم قوله: (على للاستعلاء ومعنى في وعن)؟ و A هو في الحقيقة من حيث المعنى تكرار، لكنه تكرار لفائدة، وفائدته: أن هذين الحرفين وهما (عن وعلى) يتناوبان المعنى، فكأن ابن مالك في الشطر الأخير يقول: إن هذا من باب تناوب الحروف.

معاني الكاف

معاني الكاف ثم قال المؤلف: [شبه بكاف وبها التعليل قد يعنى وزائداً لتوكيد ود] شبه بكاف: يعني: ائت بها للتشبيه، وعلى هذا فيكون المعنى أن الكاف للتشبيه، مثاله: زيد كالبدر في الجمال وكالبحر في العلم. وأمثلتها كثيرة في القرآن وفي غير القرآن: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور:40] {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة:19] {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة:17]. قوله: (وبها التعليل قد يعنى). بها: جار ومجرور متعلق بيعنى. التعليل: مبتدأ، وجملة (قد يعنى) خبره، ومعنى يعنى: يقصد، أي: وقد يقصد بها التعليل، و (قد) هنا تفيد التقليل، وهو كذلك بالنسبة للتشبيه، أعني أن معنى التعليل في الكاف قليل بالنسبة لمعنى التشبيه، مثاله قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة:198]، ليس المراد تشبيه الذكر بالهداية، بل المراد تعليل الأمر بالذكر بالهداية، أي: اذكروه لهدايته إياكم. ومنه على القول الصحيح: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، يعني: أنت صاحب الكرم أولاً وآخراً، ومن أجل أنك صليت على هذا فصل على هذا، وبهذا المعنى يزول الإشكال الذي أورده كثير من أهل العلم على هذا الحديث، وقال: المعروف أن المشبه به أقوى من المشبه، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم، فكيف يشبه الأفضل بالمفضول؟ ولكن إذا قلنا: إن الكاف هنا للتعليل، وإن ذكرها من باب التوسل بنعم الله السابقة على نعمه اللاحقة، فإنه يزول الإشكال نهائياً. قوله: (وزائداً لتوكيد ورد) يعني: وورد زائداً للتوكيد. ولما كان يخشى أن يقال: إن الزائد لا فائدة له، قال: (لتوكيد). فإذا قيل: لماذا لم يقلها فيما سبق؛ لأنه قال: فيما سبق: وزيد؟ قلنا: لأنه يشير إلى آية من القرآن اشتهرت بين الناس، وهي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فلهذا نص على أنه للتوكيد؛ لأن الآية تدل على امتناع مشابهة المخلوقين للخالق. فمن أجل هذا اختلفت أقوال الناس فيها كيف يخرجونها: فقال بعضهم: بأن الكاف زائدة، وهذا الذي مشى عليه ابن مالك، وهو مشهور، وعلى هذا فيكون تقدير الكلام: ليس مثله شيئاً، يعني: ليس شيء يماثل الله، وهذا معنى واضح وبسيط، وتكون الكاف للتوكيد فكأن المثل نفي مرتين؛ لأن الكاف للتشبيه ومثل للتمثيل، أو كأنه نفي المماثل والمشابه معاً. وهناك فرق بين التشبيه والتمثيل: فالتمثيل: المطابقة من كل وجه. والتشبيه: المقاربة، يعني: المماثلة بأكثر الصفات، ولهذا يقال: فلان شبيه بفلان، أي: مقارب له في أكثر الصفات، لكن: فلان مثل فلان، أي: مطابق له. هذا وجه. الوجه الثاني: إن الزائد كلمة (مثل) يعني: ليس كهو شيء، وهذا كما قلت لكم قبل قليل عند قوله: {بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ} [البقرة:137]، خلاف الأولى؛ لأن زيادة الحروف أهون من زيادة الأسماء. والقول الثالث: أن مثل بمعنى صفة، أي: ليس كصفته شيء من الصفات. والقول الرابع: أن مثل بمعنى ذات، أي: ليس كذاته شيء. وهذان القولان الأخيران إنما لجأ إليهما القائل فراراً من إثبات الزيادة، وإلا فهما بعيدان من ظاهر اللفظ، لكن قال: بدل ما أقول: الكاف زائدة ومثل زائدة أقول: ليس كذاته شيء، أو ليس كصفته شيء. ولكننا نقول: ما دامت اللغة العربية فيها مثل هذا الأسلوب وتزاد فيها الكاف تأكيداً، فلا مانع، والله تعالى نزَّل القرآن بلسان عربي مبين، والعرب إذا قالوا: ليس كمثل فلان، فمعناه: أنه لا يمكن أن يكون أحد يماثله أو يقاربه، وأنشدوا على ذلك: "ليس كمثل الفتى زهير". والخلاصة: أن الكاف تأتي زائدة لكن للتوكيد، وأن ابن مالك رحمه الله إنما قال (لتوكيد) في هذه المسألة ولم يقلها فيما سبق؛ لأنها اشتهر فيها هذا المثال الذي يتعلق بصفات الله تبارك وتعالى.

ما يستعمل اسما من حروف الجر

ما يستعمل اسماً من حروف الجر قال المؤلف: [واستعمل اسماً وكذا عن وعلى من أجل ذا عليهما من دخلا] أي: تستعمل الكاف اسماً بمعنى مثل: ومن أمثلة ذلك: ما رأيت كاليوم قط، أي: ما رأيت مثل اليوم قط. وهل هذا قياس أو سماع؟ الظاهر أنه قياس، وأن كل شيء تدخل عليه الكاف يصلح أن تكون في معنى (مثل) ما لم يوجد مانع، حتى قولنا: زيد كالبحر، يصلح أن نقول: الكاف اسم بمعنى مثل، وحينئذ تكون مبنية على الفتح في محل رفع أو نصب أو جر حسب الحال. فزيد كالبحر، نقول: زيد: مبتدأ، وكالبحر: الكاف اسم بمعنى مثل، وهي مضافة إلى البحر، والبحر مضاف إليه. وظاهر كلام ابن مالك في قوله: (واستعمل اسماً) أن ذلك سماعي، يعني: استعمل عند العرب ولكن لا تستعمله أنت، فيقتضي أن يكون ذلك سماعياً، وأما أنت فلا تستعمله. قوله: (وكذا عن وعلى) يعني: واستعمل كذلك (عن) اسماً، وكذلك (على) استعمل اسماً. يقول المؤلف: (من أجل ذا عليهما مِنْ دخلا) يعني: من أجل استعمال عن وعلى اسمين صح أن يدخل عليهما (مِنْ). وإعراب البيت: استعمل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر يعود على الكاف. اسماً: حال من نائب الفاعل. وكذا عن: مبتدأ وخبر. وعلى: معطوف على ما قبله. من أجل ذا: متعلق بقوله (دخلا). عليهما: متعلق بقوله (دخلا) أيضاً، يعني: من أجل كونهما اسمين صح دخول (مِنْ) عليهما. وهنا الشارح خالف، فإن الشارح يقول: لا يستعملان اسماً إلا إذا دخل عليهما (مِنْ)، وليس كذلك، فإن ظاهر كلام ابن مالك هو الحق، وهو أنهما يستعملان اسمين مطلقاً، وأن الدليل على أنهما يستعملان اسمين دخول مِنْ. والمعنى: أنَّ (عن) يجوز أن تكون اسماً، تقول مثلاً: مررت مِنْ عن يمينه، و (مِنْ) مِنْ حروف الجر وهي لا تدخل إلا على اسم. فتكون (عن) هنا بمعنى (جانب)، أي: مررت من جانب يمينه، وكذا: مررت من عن شماله، أي: من جانب شماله. والإعراب: مررت: فعل وفاعل. من: حرف جر. عن: اسم مبني على السكون في محل جر. وعن مضاف، ويمين مضاف إليه، والهاء مضاف إليه أيضاً. وكذلك (على) تقول: مررت إليه من على السطح، فيكون معناها: فوق، وإعرابها أن تقول: من: حرف جر. على: اسم مبني على السكون في محل جر بمن، وعلى مضاف، والسطح مضاف إليه مجرور وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. وتأتي (على) فعلاً، لكن الرسم يختلف، أما اللفظ فهو واحد، تقول: علا الماء على العتبة. علا: فعل ماض. الماء: فاعل. على العتبة: جار ومجرور. فصارت (على) تأتي اسماً وفعلاً وحرفاً، و (عن) تأتي حرفاً وتأتي اسماً، و (من) تأتي حرفاً وتأتي فعل أمر من: مان يمين، بمعنى: كذب يكذب. وهذا وأمثاله كثير مما يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، من أنه لا مجاز في اللغة العربية، وأن الكلمات ليس لها معنى ذاتي، وأن الذي يحدد معنى الكلمة هو سياق الكلام. وإذا تدبرت كلامه وجدته حقيقة، وأهم شيء عندي باعتبار كلامه هو أن نوصد الباب أمام أهل التحريف في الأمور العلمية وفي الأمور العملية؛ أفلا ترون إلى أولئك الذين يستغيثون بالرسول عليه الصلاة والسلام ويقولون: هو أكرم الناس جاهاً، فهؤلاء حرفوا في أمور عملية، وهناك أيضاً مسائل عملية في باب المعاملات وغيرها حرف بعض العلماء فيها النصوص ارتكاباً للمجاز، فنحن إذا قلنا: المجاز في اللغة العربية معدوم والكلمات يعينها سياقها وأحوال من تكلم بها، سلمنا من التحريف.

معاني مذ ومنذ

معاني مذ ومنذ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومذ ومنذ اسمان حيث رفعا أو أوليا الفعل كجئت مذ دعا] (مذ ومنذ) تقدم أنهما من حروف الجر، لكنهما يستعملان اسمين أيضاً، ففي بعض السياق يكونان اسمين، وفي بعض السياق يكونان حرفين، ومتى يكونان اسمين؟ قال: (حيث رفعا أو أوليا الفعل): (حيث رفعا): يعني: حيث كان الذي بعدهما مرفوعاً، مثل: جئت مذ يومان، أو منذ يومان. (أو أوليا الفعل) أي: جيء بهما بعد الفعل، (كجئت مذ دعا). إعراب: مذ يومان: مذ: مبتدأ مبني على السكون في محل رفع. يومان: خبر المبتدأ مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين. ونقول في: منذ: إنه مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. يومان: خبر المبتدأ. قوله: (أو أوليا الفعل) أي: كذلك إذا جاء بعدهما الفعل، يعني: إذا جعل الفعل والياً لهما. جئت مذ دعا: جئت: فعل وفاعل. مذ: ظرف مبني على السكون في محل نصب. ودعا فعل ماض مبني على السكون، وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو. إذاً: مذ ومنذ يقعان حرفي جر إذا وليهما اسم مجرور، ويقعان اسمين إذا وليهما اسم مرفوع أو وليهما فعل، فالأول مثل قولك: جئت مذ يومان، وقولك: جئت مذ دعا. فإذا قلت: جئت مذ يومين، فهما حرفا جر. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن يجرا في مضي فكمن هما وفي الحضور معنى في استبن] لما تكلم رحمه الله عن عملهما وأنهما يأتيان اسمين، تكلم عن معناهما في حالة الجر، فقال: (وإن يجرا في مضي فكمن هما) أي: فهما بمعنى (مِنْ)، فإذا قلت: جئت مذ يومين، فالمعنى: من يومين. قوله: (وفي الحضور معنى في) أي: إذا جرا في الحضور فهما بمعنى (في)، فإذا قلت: جئتك منذ الآن، فالمعنى: في هذا الوقت. والحاصل: منذ ومذ إذا كانا حرفي جر، فإن جرا في ماض فهما بمعنى (من)، وإن جرا في حاضر فهما بمعنى (في). وهل يجران في المستقبل؟ A لا يجران في المستقبل، ولذلك لم يتكلم عليه ابن مالك، فلا يمكن أن تقول: لا آتيك منذ يومين؛ لأنهما إما في الحاضر وإما في الماضي. والله أعلم.

زيادة (ما) بعد بعض حروف الجر

زيادة (ما) بعد بعض حروف الجر قال المؤلف: [واستعمل اسماً وكذا عن وعلى من أجل ذا عليهما من دخلا] أي: تستعمل الكاف اسماً بمعنى مثل: ومن أمثلة ذلك: ما رأيت كاليوم قط، أي: ما رأيت مثل اليوم قط. وهل هذا قياس أو سماع؟ الظاهر أنه قياس، وأن كل شيء تدخل عليه الكاف يصلح أن تكون في معنى (مثل) ما لم يوجد مانع، حتى قولنا: زيد كالبحر، يصلح أن نقول: الكاف اسم بمعنى مثل، وحينئذ تكون مبنية على الفتح في محل رفع أو نصب أو جر حسب الحال. فزيد كالبحر، نقول: زيد: مبتدأ، وكالبحر: الكاف اسم بمعنى مثل، وهي مضافة إلى البحر، والبحر مضاف إليه. وظاهر كلام ابن مالك في قوله: (واستعمل اسماً) أن ذلك سماعي، يعني: استعمل عند العرب ولكن لا تستعمله أنت، فيقتضي أن يكون ذلك سماعياً، وأما أنت فلا تستعمله. قوله: (وكذا عن وعلى) يعني: واستعمل كذلك (عن) اسماً، وكذلك (على) استعمل اسماً. يقول المؤلف: (من أجل ذا عليهما مِنْ دخلا). يعني: من أجل استعمال عن وعلى اسمين صح أن يدخل عليهما (مِنْ). وإعراب البيت: استعمل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر يعود على الكاف. اسماً: حال من نائب الفاعل. وكذا عن: مبتدأ وخبر. وعلى: معطوف على ما قبله. من أجل ذا: متعلق بقوله (دخلا). عليهما: متعلق بقوله (دخلا) أيضاً، يعني: من أجل كونهما اسمين صح دخول (مِنْ) عليهما. وهنا الشارح خالف، فإن الشارح يقول: لا يستعملان اسماً إلا إذا دخل عليهما (مِنْ)، وليس كذلك، فإن ظاهر كلام ابن مالك هو الحق، وهو أنهما يستعملان اسمين مطلقاً، وأن الدليل على أنهما يستعملان اسمين دخول مِنْ. والمعنى: أنَّ (عن) يجوز أن تكون اسماً، تقول مثلاً: مررت مِنْ عن يمينه، و (مِنْ) مِنْ حروف الجر وهي لا تدخل إلا على اسم. فتكون (عن) هنا بمعنى (جانب)، أي: مررت من جانب يمينه، وكذا: مررت من عن شماله، أي: من جانب شماله. والإعراب: مررت: فعل وفاعل. من: حرف جر. عن: اسم مبني على السكون في محل جر. وعن مضاف، ويمين مضاف إليه، والهاء مضاف إليه أيضاً. وكذلك (على) تقول: مررت إليه من على السطح، فيكون معناها: فوق، وإعرابها أن تقول: من: حرف جر. على: اسم مبني على السكون في محل جر بمن، وعلى مضاف، والسطح مضاف إليه مجرور وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. وتأتي (على) فعلاً، لكن الرسم يختلف، أما اللفظ فهو واحد، تقول: علا الماء على العتبة. علا: فعل ماض. الماء: فاعل. على العتبة: جار ومجرور. فصارت (على) تأتي اسماً وفعلاً وحرفاً، و (عن) تأتي حرفاً وتأتي اسماً، و (من) تأتي حرفاً وتأتي فعل أمر من: مان يمين، بمعنى: كذب يكذب. وهذا وأمثاله كثير مما يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، من أنه لا مجاز في اللغة العربية، وأن الكلمات ليس لها معنى ذاتي، وأن الذي يحدد معنى الكلمة هو سياق الكلام. وإذا تدبرت كلامه وجدته حقيقة، وأهم شيء عندي باعتبار كلامه هو أن نوصد الباب أمام أهل التحريف في الأمور العلمية وفي الأمور العملية؛ أفلا ترون إلى أولئك الذين يستغيثون بالرسول عليه الصلاة والسلام ويقولون: هو أكرم الناس جاهاً، فهؤلاء حرفوا في أمور عملية، وهناك أيضاً مسائل عملية في باب المعاملات وغيرها حرف بعض العلماء فيها النصوص ارتكاباً للمجاز، فنحن إذا قلنا: المجاز في اللغة العربية معدوم والكلمات يعينها سياقها وأحوال من تكلم بها، سلمنا من التحريف.

زيادة (ما) بعد الباء ومن وعن

زيادة (ما) بعد الباء ومن وعن قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبعد من وعن وباء زيد ما فلم يعق عن عمل قد علما] وبعد من: (بعد) هذه ظرف منصوب على الظرفية وعامله قوله: (زيد). و (بعد) مضاف، و (من) مضاف إليه باعتبار لفظها. وعن: معطوفة على من. وباء: معطوفة على من أيضاً. زيد: فعل ماض مبني للمفعول. ما: نائب فاعل مبني على السكون في محل رفع. فلم يعق: أي: هذه الزيادة، أي: أو دخول ما، والمعنى: أنها تزاد (ما) بعد من وعن والباء، ولا تبطل العمل، بل يبقى العمل على ما هو عليه، مثال (من) قول الله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح:25]، من: حرف جر، وما: زائدة. خطيئاتهم: خطيئات: اسم مجرور بمن وعلامة جره كسر ظاهر في آخره. وكذلك تزاد (ما) بعدها (عن) ويبقى عملها، قال الله تعالى: {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون:40]. (عما قليل): عن: حرف جر، وما: زائدة، وقليل: اسم مجرور بعن وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره، فهنا لم يتغير العمل (خطيئاتهم) معرفة، و (قليل) نكرة، إذاً: لا فرق بين أن يكون المجرور معرفة أو نكرة، فالعمل باق. كذلك الباء تزاد بعدها (ما) ويبقى عملها، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159] الباء حرف جر، وما: زائدة، ورحمة: اسم مجرور بالباء وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. فتبين أن (ما) تزاد بعد عن ومن والباء فلا يبطل العمل بهذه الزيادة.

زيادة (ما) بعد الكاف ورب

زيادة (ما) بعد الكاف ورُبَّ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وزيد بعد رب والكاف فكف وقد يليهما وجر لم يكف] قوله: (زيد) الضمير يعود على (ما) أي: زيد (ما) بعد رُبَّ والكاف فكفهما عن العمل، (وقد يليهما وجر لم يكف). والمعنى: أن (ما) تزاد بعد (رُبَّ) فتكفها عن العمل، وإذا كفتها عن العمل سلبت اختصاصها بالاسم، فتدخل على الفعل، قال الله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2]. ومثالها إذا داخلت على الاسم أن تقول: رُبما رجلٌ لقيته، بينما لو حذفت (ما) لقلت: رُبَّ رجلٍ لقيته، لكن لما جاءت (ما) بطل عملها، فوجب أن يقال: ربما رجلٌ لقيته، وإعرابها: رُبَّ: حرف جر ملغى. وما: زائدة. ورجل: مبتدأ. ولقيته: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر. قوله: (والكاف): أي: ما الزائدة تلي الكاف وتكفها عن العمل، ودخولها على (ما) كثير في كلام العامة، يقولون: فلان كما البحر، لكن في اللغة العربية إنما تدخل عليها فتكفها عن العمل، ويكون ما بعدها مبتدأ، ويحتاج إلى خبر، تقول مثلاً: كما الناس مؤمن وكافر، فالكاف: هنا حرف جر ملغى، وما: زائدة تكف الكاف عن العمل، والناس: مبتدأ، ومؤمن: خبر المبتدأ، وكافر: معطوف على مؤمن. قوله: (وقد يليهما) يعني: أن رُبَّ والكاف قد تليهما (ما) الزائدة (وجر لم يكف) أي: مع بقاء عملهما، فتقول مثلاً: زيد كما البحرِ، أي: كالبحر. فالكاف: حرف جر، وما: زائدة، والبحر: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. وكذلك أيضاً: رُبَّ، تقول: ربما رجلٍ لقيته، بجر (رجل). فالحاصل أن (ما) تزاد بعد خمسة من حروف الجر، ثلاثة منها لا تبطل عملها وهي: من وعن والباء، واثنان الأصل أن تبطل عملهما وقد لا تبطله، وهما الكاف ورُبَّ. إذا قال لنا قائل: هل نحن بالخيار في هذه الأمور؟ نقول: أما ما ورد عن العرب فبالإعمال أو الإهمال، فليس لنا فيه خيار؛ لأنه سمع هكذا، وأما ما ننشئه نحن من الكلام فلنا فيه الخيار، وعلى هذا فالواحد منكم إذا قرأ في كتاب، وقال: ربما رجلٌ لقيته، وآخر قال: ربما رجلٍ لقيته، فكلاهما صحيح.

الحروف التي تعمل مذكورة ومحذوفة

الحروف التي تعمل مذكورة ومحذوفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحذفت رُبَّ فجرت بعد بل والفا وبعد الواو شاع ذا العمل] قوله: (وحذفت رُبَّ)، أي: حذفت من الكلام، فتجر وهي محذوفة لكن بعد ثلاثة حروف: بل والفاء والواو، لكنها بعد الواو أكثر، ولهذا قال: (وبعد الواو شاع ذا العمل) بمعنى: كثر. مثالها بعد بل أن تقول: ما رأيت رجلاً فاسقاً بل رجلٍ صالحٍ لقيته، أي: بل رُبَّ رجلٍ صالحٍ لقيته. ومثالها بعد الفاء قول الشاعر: فمثلكِ حبلى قد طرقت ومرضعٍ فألهيتها عن ذي تمائم محول الشاهد قوله: (فمِثلك)، أي: فرب مِثلك حبلى، بجر (مثل)، فهنا عملت رُبَّ وهي محذوفة. ومثالها بعد الواو قول الشاعر: وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي أي: ورُبَّ ليلٍ كموج البحر وتقدم أن (رُبَّ) تدخل عليها (ما) فتكف عملها، وربما لا تكف، وذكر هنا أنها تعمل مذكورة وتعمل محذوفة بعد ثلاثة حروف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد يجر بسوى رب لدى حذف وبعضه يرى مطردا] المعنى: قد يُجَرُّ الاسم بحرف محذوف سوى رُبَّ؛ وقد سبق لنا في تعدي الفعل ولزومه قوله: وعدِّ لازماً بحرف جر وإن حذف فالنصب للمنجر نقلاً وفي أن وأن يطرد مع أمن لبس كعجبت أن يدوا المهم أن الأصل إذا حذف حرف الجر أن ينصب المجرور، وقد يحذف ويبقى الجر، وذلك في (رُبَّ) بعد الفاء والواو وبل كما تقدم، وقد يجر بسوى (رُبَّ) مع الحذف، لكنه قليل، فإن قوله: (قد يجر) للتقليل، يعني أنه أحياناً يجر، والأصل عند حذف حرف الجر أنه ينصب. مثاله يقال: أن رؤبة بن العجاج قيل له: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ والحمد لله. أي: أصبحت بخيرٍ والحمد لله، فجر الاسم بالباء المحذوفة. وليس لنا نحن أن نفعل ذلك؛ لأنه قليل في اللغة العربية، والقليل يقتصر به على السماع. قال: (وبعضه يرى مطرداً) أي: بعض هذا الذي يحذف فيه الحرف ويبقى عمل الجر مطرد، أي قياسي، ومثل ذلك: تمييز كم الخبرية، يقولون إنه مجرور بحرف جر محذوف هو (من)، مثل أن أقول: كم درهمٍ أفنيته في الكرم! أي: دراهم كثيرة أفنيتها في الكرم! ويسميها بعضهم تكثيرية، وتمييزها مجرور بمن محذوفة، والدليل على أنه مجرور بمن المحذوفة أن (مِنْ) تدخل كثيراً على مجرورها: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأعراف:4]، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البقرة:249]، وأمثال ذلك، قالوا: فهذا دليل على أن ما بعدها مجرور بمن المحذوفة، وهو مطرد. وقال بعض النحويين: إن المجرور بعدها مجرور بالإضافة، كم: مضاف، والذي بعدها مضاف إليه مجرور بالإضافة، وحينئذ لا يكون فيه شاهد لما قاله ابن مالك، لكن ابن مالك رحمه الله يرى رأي سيبويه في هذه المسألة وأن تمييز (كم الخبرية) مجرور بمن محذوفة. وقال: إن الدليل على ذلك أنها تأتي مذكورة في مواضع كثيرة.

شرح ألفية ابن مالك [42]

شرح ألفية ابن مالك [42] الإضافة نسبة شيء إلى شيء، والأسماء العربية قد يضاف بعضها إلى بعض، فإن استفاد المضاف بالإضافة تخصيصاً أو تعريفاً فهي إضافة معنوية وإلا فهي لفظية، وتمتنع إضافة الشيء إلى نفسه إلا بتأويل.

الإضافة

الإضافة

تعريف الإضافة وحكمها الإعرابي

تعريف الإضافة وحكمها الإعرابي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الإضافة نوناً تلي الإعراب أو تنوينا مما تضيف احذف كطور سينا] الإضافة: نسبة شيء إلى شيء، مثل: كتابُ محمدٍ، مسجدُ الجامعِ، كتابُ النحو، ألفية ابن مالك. ولها حكمان: حكم يتعلق بالمعنى، وحكم يتعلق بالإعراب. فمن حيث الإعراب: فإن الجزء الأول: يعرب على حسب العوامل، فإن اقتضى العامل أن يكون مرفوعاً فهو مرفوع، وإن اقتضى أن يكون منصوباً فهو منصوب، وإن اقتضى أن يكون مجروراً فهو مجرور. وأما الجزء الثاني (المضاف إليه) فإنه يكون مجروراً حسب الحال، فهو إما جملة في محل جر، وإما مبني في محل جر، وإما معرب مجرور، لكن حكمه الجر على كل حال. فتقول مثلاً: هذا كتابُ محمدٍ، قرأت كتابَ محمدٍ، نظرت في كتابِ محمدٍ. فالجزء الأول (المضاف) اختلف إعرابه لاختلاف العوامل، والجزء الثاني (المضاف إليه) مجرور في كل الحالات. حكم آخر في الإعراب: الجزء الأول يحذف منه النون أو التنوين لأجل الإضافة، أما الثاني فلا يتغير من حيث التنوين والنون، تقول: قرأت كتاب محمدٍ. قرأت كتاب الرجلين، ولهذا قال المؤلف: (نوناً تلي الإعراب أو تنوينا مما تضيف احذف كطور سينا) قوله: نوناً: مفعول به مقدم للفعل احذف، يعني احذف النون. تلي الإعراب: وهي نون المثنى وما ألحق به، ونون جمع المذكر السالم وما ألحق به. أو تنويناً: معطوف على (نوناً) يعني: أو تنويناً أيضاً احذفه، والتنوين يكون في الاسم المفرد، وفي جمع التكسير، وفي جمع المؤنث السالم. ثم مثل لذلك: (كطور سينا) وطور سيناء جبل بالشام معروف كما قال المحشِّي، والشام في الزمن الأول تشمل فلسطين. (طور) أصله: طورٌ بالتنوين، فلمَّا أضفناه حذف منه التنوين. مثال آخر: تقول: اشتريتُ كتاباً، بتنوين (كتاباً) فإذا أضفت وقلت: اشتريت كتابَ محمدٍ، حذفت التنوين ولا يصلح أن تقول: اشتريت كتاباً محمدٍ! ولهذا قال الشاعر: كأني تنوين وأنت إضافة فأين تراني لا تحل مكاني فلا يمكن أن يجتمع تنوين وإضافة. ومثال النون أن تقول: أكرمت مسلمين من أهل مكة. بإثبات النون في (مسلمين). وعندما تضيف تقول: أكرمت مسلمي أهل مكة، بحذف النون للإضافة. فهذان حكمان في الإعراب.

معاني الإضافة

معاني الإضافة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والثاني اجرره بمن أو في إذا لم يصلح إلا ذاك واللام خذا لما سوى ذينك واخصص أولا أو أعطه التعريف بالذي تلا] الثاني: مفعول مقدم باجرره. وانو: فعل أمر. من: مفعول به لانو مبني على السكون في محل نصب. أو في: معطوفة على قوله (من). إذا لم يصلح إلا ذاك، يعني: إذا لم يصلح في الإضافة إلا تقدير من أو في فانو أحدهما. واللام خذا: اللام مفعول مقدم لخذا. وخذا: فعل أمر لكنه مؤكد بنون التوكيد المقلوبة ألفاً، وأصله: خذن. والمعنى: أن الثاني من المتضايفين حكمه الجر دائماً، كما تقدم، ومثلنا بقولنا: هذا كتابُ محمدٍ. واشتريت كتاب محمدٍ. ونظرت في كتاب محمدٍ. وذكرنا أننا ننوي بالإضافة من أو في، فإن لم تصلح من أو في نوينا اللام، فصارت الإضافة تقدر بمن وبفي وباللام. فتقدر الإضافة بمن في الأعداد والمساحة والأجناس، مثال الأعداد: عندي عشرةُ دراهمَ، أي: عشرة من دراهم، وتقول: عندي ثلاثمائة رجل، أي: ثلاث من مائة من رجل. ومثال: المساحة: عندي شبر أرضٍ. أي: شبر من أرض. ومثال: الأجناس: عندي خاتمُ فضةٍ، فالثاني جنس للأول، فالتقدير: خاتم من فضة. ولا تصلح اللام: خاتم لفضة، ولا تصلح في: خاتم في فضة. وتقدر (في) إذا كان الثاني ظرفاً للأول، مثل قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ} [سبأ:33] أي: مكرٌ في الليل. وتقول أيضاً: نوم الليلِ أصح من نوم النهارِ. أي: نوم في الليل أصح من نوم في النهار. والتي تكون على تقدير (في) يمكن أن تصلح على تقدير (من) لكن ليس ذلك دائماً، فمثلاً: يصلح: نومٌ من الليل أصح من نوم من النهار. وإنما كان نوم الليل يصلح فيه تقدير (من) لأنه جنس، مثل خاتم الحديد، فيصلح أن أقول في نوم الليل: إني أردت أن يكون الليل ظرفاً للنوم، ويصلح أن أقول: إني أردت أن يكون الليل جنساً للنوم، فلهذا يصلح أن تقدر (من) أو (في). وإذا لم يصلح تقدير (من) ولا (في) وهو الأكثر فتقدر اللام، ولهذا قال: (واللام خذا لما سوى ذينك). لأنه لما حصر الأمر في (من وفي) قال: (واللام خذا لما سوى ذينك)، فعلى هذا يكون تقدير اللام في الإضافة أكثر، وهو كذلك، فمثلاً: كتابُ زيدٍ، أي: لزيد. باب الدار، أي للدار، وهكذا. إذاً: الإضافة تكون على تقدير (من) وعلى تقدير (في) وعلى تقدير اللام، والأكثر تقدير اللام، ثم (من) ثم (في). قوله: (سوى ذينك): سوى: مضاف، وذينك: اسم إشارة مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه مثنى. أو نقول: سوى: مضاف، وذينك: مضاف إليه مبني على الياء في محل جر.

الإضافة اللفظية والإضافة المعنوية

الإضافة اللفظية والإضافة المعنوية

الإضافة المعنوية

الإضافة المعنوية قوله: (واخصص أولا أو أعطه التعريف بالذي تلا) هذا من حيث الحكم المعنوي، أي أن الإضافة تفيد التعريف أو التخصيص. قوله: (واخصص أولاً) الأول هو المضاف، (أو أعطه التعريف بالذي تلاه)، أي: يكون معرفة. إذاً: المضاف يكتسب من المضاف إليه إما التخصيص أو التعريف، فإذا كان المضاف إليه نكرة فإنه يكتسب التخصيص، وإذا كان معرفة فإنه يكتسب التعريف. والمعارف تقدم لنا أنها خمسة، وما أضيف إلى معرفة صار معرفة، وما أضيف إلى نكرة فهو نكرة، لكن النكرة تخصص في الإضافة. تقول: اشتريت ثوباً. فلفظ (ثوباً) نكرة، فلا ندري هل هو ثوب رجل، أم ثوب امرأة، أم ثوب صبي؟ فإذا قلت: اشتريت ثوب رجلٍ، استفاد التخصيص من الإضافة، وهو أنه ثوب رجل، لا ثوب أنثى ولا ثوب صغير. فإذا قلت: اشتريت ثوب زيدٍ، صار الأول معرفة، لأنه أضيف إلى معرفة. والحاصل: أن المضاف يكتسب من المضاف إليه إما التخصيص إن كان المضاف إليه نكرة، وإما التعريف إن كان المضاف إليه معرفة، ولهذا قال: (واخصص أولاً) وهو المضاف، (أو أعطه التعريف بالذي تلا) يعني: أو اجعله معرفة بسبب الذي تلاه، وهو المضاف إليه، والله أعلم.

الإضافة اللفظية

الإضافة اللفظية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن يشابه المضاف يفعل وصفاً فعن تنكيره لا يعزل كرب راجينا عظيم الأمل مروع القلب قليل الحيل] المضاف هو الجزء الأول في باب الإضافة، فإذا كان يشابه الفعل المضارع في العمل -وإن لم يشابهه في الوزن- فإنه لا يستفيد التعريف إذا أضيف لمعرفة، وذلك في اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، ولهذا قال المؤلف: (وصفاً فعن تنكيره لا يعزل). ومعناه أنه لا يتعرف بالإضافة ولا يتخصص بها بخلاف الأول الذي ما شابه الفعل المضارع فإنه يتعرف أو يتخصص. وإذا كان عن تنكيره لا يعزل؛ فإنه يصح أن يكون حالاً ويصح أن يكون وصفاً لنكرة، مثاله: قال الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95]. هدياً: نكرة، وبالغ الكعبة: صفة لهدياً؛ وبالغ: مضاف، والكعبة: مضاف إليه. والكعبة كلنا يعرف أنها معرفة، وكان مقتضى القاعدة السابقة أن المضاف إلى معرفة يكون معرفة، ولو كان قوله: (بالغ الكعبة) معرفة لما صح أن يكون صفة لهدياً؛ لأن النكرة لا توصف بمعرفة. فأنت ترى أن (بالغ) اسم فاعل، لأنه على وزن فاعل، وقد أضيف اسم الفاعل إلى الكعبة، وهي معرفة لكنه لم يتعرف. قوله: (فعن تنكيره لا يُعزلُ) هذا جواب الشرط في قوله: (وإن يشابه)، فالفاء هنا رابطة للجواب، وعن: حرف جر. وتنكيره: اسم مجرور بعن، وهو مضاف إلى الهاء، وهو متعلق بقوله: (لا يعزل)، يعني: فليبق على ما هو عليه نكرة وإن أضيف إلى معرفة. مثاله: (كرُب راجينا عظيم الأمل): أتى المؤلف رحمه الله برُب لأن (رُبَّ) لا تدخل إلا على نكرة. راجي: اسم فاعل مضاف إلى معرفة وهي الضمير، وكان مقتضى القاعدة أن تكون (راجي) معرفة؛ لأنها أضيفت إلى معرفة؛ لكنها الآن نكرة، والدليل على أنها نكرة أنها دخلت عليها رُبَّ. إذاً: (راجينا) ليست معرفة ولو أضيفت إلى معرفة، لأنها اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، وكل اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال فإنه لا يتعرف بالإضافة. قوله: (عظيم الأمل) عظيم: صفة مشبهة، وهي صفة لراجينا ومضافة إلى الأمل، والأمل معرفة، وعظيم نكرة، والدليل على أنها نكرة أنها صفة لنكرة، وصفة النكرة نكرة. قوله: (مُرَوَّع القلبِ)، مُرَوَّع اسم مفعول على وزن: مُفَعَّل، ومُرَوَّع: مضاف. والقلب مضاف إليه. والقلب معرفة، ومُرَوَّع نكرة مع أنها مضافة إلى معرفة؛ لأنها اسم مفعول مشابهة للفعل المضارع. والدليل على أنها نكرة أنها صفة لنكرة وهي (راجينا)، وصفة النكرة نكرة. وقوله: (قليل الحيلِ) هذه صفة مشبهة، يعني حيله قليلة، والحيل هي: أن يتحيل الإنسان حتى يخرج من المأزق بذكائه. وقيل: إنها التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، والحيلة نوع من المكر، فإن خالفت الشرع فهي مذمومة. والمخالف للشرع يكون على نوعين: إما تحيل لإسقاط واجب، أو لفعل محرم. فرجل باع شيئاً بمائة إلى أجل واشتراه بثمانين نقداً، فهذا تحيل على محرم فلا يجوز. ورجل آخر أكل بصلاً لئلا يصلي مع الجماعة، فهذا تحيل لإسقاط واجب. ورجل اشترى شقصاً مشتركاً من آخر ثم وقفه خوفاً من الشفعة، فهذا تحيل على إسقاط واجب من حق الغير فهو محرم. أما إذا كانت الحيلة مما يتوصل به الإنسان إلى أمر مقصود شرعاً أو أمر مباح فإن هذا لا بأس به، ومنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيباً) فهذه حيلة لكنها حيلة مباحة لا توقع الإنسان في محظور. فقوله: (قليل الحيل) يعني: ليس هذا الراجي لنا صاحب حيل ومكر بحيث يتوصل إلى ما يؤمله ويرجوه بالحيلة والمكر، بل هو مروع القلب يخاف ولا يمكن أن يتحيل أبداً، وهذا محمود. وهو عظيم الأمل لما يعلم من أننا أهلٌ للرجاء. أي: رُبَّ راجينا عظيم الأمل، مروع القلب يخاف أن نعثر منه على ما يخدش كرامته، قليل الحيل لا يتحيل علينا بشيء يتوصل به إلى غرضه الذي يريد، بل هو إنسان صريح، فهذا الرجل لا شك أن صفاته جيدة وطيبة. قال المؤلف: [وذي الإضافة اسمها لفظيه وتلك محضة ومعنويه] ذي: اسم إشارة، أي: هذه الإضافة، وهو يشير إلى الاسم المضاف الذي يشابه (يفعل)، وذلك فيما إذا كان المضاف اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة؛ فهذه الإضافة تسمى لفظية؛ فهي لم تفد معنى لأنها ما تعرفت بالإضافة ولا تخصصت بها. فإذا قال قائل: بل تخصصت لأن قوله: (بالغ الكعبة) أخرج ما سواها مما يبلغ غيرها؟ قلنا: هذا التخصيص من أجل العمل، كما لو قلت: أكرمتُ زيداً؛ فإن الإكرام هنا تخصص بزيد بواسطة أنه عمل فيه، ولذلك لو قلت: هدياً بالغاً الكعبةَ، أو قلت: هدياً بالغ الكعبةِ. فذلك من حيث المعنى سواء، والتخصيص هنا بالعمل وليس بواسطة الإضافة. أنا مكرمُ الطالب المجتهد، هذه الإضافة لفظية؛ لأن (مكرم) اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، وأما لو قلت: أنا مكرم الطالب المجتهد أمس، فهذه معنوية؛ لكن: أنا مكرم الطالبِ المجتهدِ غداً، أو: أنا مكرمُ الطالب الذي يحفظ ألفية ابن مالك عن ظهر قلب؛ لفظية؛ لأنها ما أفادت تخصيصاً ولا تعريفاً، بل (مكرم) هنا نكرة مع أنه مضاف إلى معرفة. والتخصيص بالمجتهد ليس بواسطة الإضافة، بدليل أنك لو قلت: أنا مكرمٌ الطالبَ المجتهدَ، لتخصص مع أنه لا إضافة فيه. إذاً: فالإضافة في الحقيقة (أنا مكرم الطالب المجتهد) ما استفدنا منها إلا فائدة لفظية فقط وهي التخفيف، أي: فبدلاً من أننا ننون ونقول: مكرمٌ الطالب، نختصر ونقول: مكرم الطالبِ المجتهد. قوله: (وتلك محضة ومعنوية): تلك: المشار إليه الإضافة التي ليس المضاف فيها يشابه (يفعل)، يقول: تلك الإضافة التي سبقت في الأبيات الثلاثة الأولى محضة ومعنوية. محضة: يعني خالصة، ومعنوية: أي تفيد التعريف أو التخصيص.

وصل أل بالمضاف في الإضافة اللفظية

وصل أل بالمضاف في الإضافة اللفظية قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ووصل أل بذا المضاف مغتفر إن وصلت بالثان كالجعد الشعر أو بالذي له أضيف الثاني كزيد الضارب رأس الجاني] سبق لنا أن (أل) لا تجامع الإضافة، إذ لا يمكن أن تقول: الكتابُ الرجلِ، بمعنى: كتاب الرجل، كما أن التنوين أيضاً لا يجامع الإضافة. لكن في الإضافة اللفظية -وهذا من الفوارق بينها وبين الإضافة المعنوية- يجوز فيها أن توصل (أل) بالمضاف بشرط أن توصل بالمضاف إليه، ولهذا قال: (إن وصلت بالثان كالجعدِ الشعر، أو بالذي له أضيف الثاني كزيدٌ الضاربِ رأس الجاني). تقول: جاءني الرجل الجعد الشعر: الجعد: صفة للرجل. والجعد: مضاف، والشعر: مضاف إليه. فهنا أضفنا ما فيه أل (الجعد) إلى ما فيه أل (الشعر). ويجوز: الحسنُ الوجهِ؛ لأنها صفة مشبهة. ولو قلت: الجعدُ شعرٍ، فلا يجوز؛ لأن المؤلف يقول: (إن وُصلت بالثاني) ففهم منه أنها إذا لم توصل بالثاني لا يجوز وصلها بالأول. ولو قلت: جعدُ الشعر، فإنه يجوز؛ لأن الأول ليس فيه (أل) أصلاً، والمضاف إذا لم يكن فيه أل يجوز أن يضاف إلى ما فيه أل وإلى ما ليس فيه أل. فعندنا ثلاث صور: أن تكون أل في المضاف والمضاف إليه، وهذا جائز في الإضافة اللفظية. أن تكون أل في المضاف دون المضاف إليه، وهذا ليس بجائز لا في اللفظية ولا في المعنوية. أن تكون أل في المضاف إليه دون المضاف، وهذه جائزة في الإضافة المعنوية والإضافة اللفظية. فصورتان منها تتفق فيهما الإضافة اللفظية والمعنوية. وقوله: (أو بالذي له أضيف الثاني). يعني إذا اتصلت أل بالمضاف إليه الثاني جاز اتصالها بالمضاف الأول، أي: تكون موجودة في الأول، مفقودة في الثاني، موجودة في الثالث، وهذا في الإضافة اللفظية. ومثال ذلك: الضاربُ رأسِ الجاني. أل في الأول (الضارب) والثالث (الجاني) دون الثاني (رأس). ووجه الجواز: أنه لما كان الثالث مقروناً بأل وقد أضيف إليه الثاني صار الثاني كأنه مقرونٌ بأل. فالخلاصة: أن أل إذا كانت في الأول والأخير فهو جائز، ومثله: الضارب رأس عبد الجاني. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكونها في الوصف كافٍ إن وقع مثنىً او جمعاً سبيله اتبع] قوله: كونها: الضمير يعود على أل. قوله: في الوصف: الوصف هو الأول. يعني: (كونها في الوصف) الذي هو اسم الفاعل أو اسم المفعول أو الصفة المشبهة، وهو الأول (كاف)؛ لكن بشرط: (إن وقع مثنىً او جمعاً سبيله اتبع) والجمع الذي اتبع سبيل المثنى هو جمع المذكر السالم. وقد تقدم قبل قليل أنه لا يجوز أن تتصل (أل) بالأول دون الثاني، فيستثنى من ذلك إذا كان الأول مثنىً أو جمع مذكر سالماً فيجوز أن تكون فيه أل دون الثاني. فيجوز أن تقول مثلاً: يعجبني الآكلو طعامهم، لأن المضاف وهو الأول جمع مذكر سالم. وتقول: يعجبني الفاهمو درسهم. وتقول في المثنى: يعجبني التاركا سوءٍ. خلاصة الكلام: إذا وُصلت أل في المضاف دون المضاف إليه فهو ممنوع إلا إذا كان المضاف جمع مذكر سالماً أو مثنى في الإضافة اللفظية. قوله: (كزيد) بالرفع على الحكاية، وكأنه يقول: كهذا المثال، فيقال: الكاف حرف جر. وزيدٌ الضارب رأس الجاني: مجرور بالكاف. أو يقال كما قال بعضهم: كقولك زيد إلخ.

اكتساب المضاف للتذكير أو التأنيث من المضاف إليه

اكتساب المضاف للتذكير أو التأنيث من المضاف إليه قال المؤلف: [وربما أكسب ثانٍ أولاً تأنيثاً ان كان لحذف موهلا] الثاني هو المضاف إليه. والأول المضاف. فربما أكسب الثاني الأول تأنيثاً. وعلم من قوله: (أكسب تأنيثاً) أن الأول مذكر والثاني مؤنث. قوله: (إن كان لحذفٍ موهلا) إن كان الضمير في (كان) يعود على الأول فالمعنى: إذا كان أهلاً للحذف. والمعنى: أن المضاف إذا كان مذكراً والمضاف إليه مؤنثاً فربما يكسبه المضاف إليه تأنيثاً، فيعطى حكم المؤنث ولو كان مذكراً، ولكن بشرط أن يصح حذفه والاستغناء بالثاني عنه، مثاله: قُطعت بعض أصابعه. هنا كلمة (بعض) مذكر، وأصابع (مؤنث)، والفعل هنا مؤنث (قُطِعَتْ)، ولو راعينا المضاف لوجب أن نقول في الفعل: (قُطِع)، لكنه هنا أكسبه المضاف إليه التأنيث، لأنه لو حذف (بعض) وقيل: قُطعت أصابعه، لاستقام الكلام؛ لكن مع ذلك لا يستقيم تمام الاستقامة؛ لوجود فرق بين البعض والكل، فإنك لو قلت: قطعت أصابعه لم تكن في مدلولها مثل قولك: قطعت بعض أصابعه، لكن المراد أن المعنى يصح ولو في الجملة ولا تشترط المطابقة، فإنه لا يمكن أن يتطابق شيء مع الحذف وغير الحذف. وقوله: (ربما أكسب) يبدو منه أنه مقصور على السماع، وأن ما ورد في اللغة من هذا الباب اتُبع، وما لم ترد به اللغة فالأصل أن يبقى على ما كان عليه. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [قد يكتسب المضاف المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث، بشرط أن يكون المضاف صالحاً للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه ويفهم منه ذلك المعنى؛ نحو: قُطعت بعض أصابعه، فصح تأنيث (بعض) لإضافته إلى (أصابع) وهو مؤنث، لصحة الاستغناء بأصابع عنه فتقول: قطعت أصابعه، ومنه قوله: مشينا كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم فأنث المر لإضافته إلى الرياح، وجاز لصحة الاستغناء عن المر بالرياح. وربما كان المضاف مؤنثاً فاكتسب التذكير من المذكر المضاف إليه بالشرط الذي تقدم، كقوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]، فرحمة: مؤنث، واكتسبت التذكير بإضافتها إلى الله تعالى. فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث، فلا تقول: خرَجَت غلام هندٍ، إذ لا يقال: خرجت هندٌ، ويفهم منه خروجه] اهـ. يظهر من كلامه أنه يمكن أن نحمل كلام المؤلف: (إن كان لحذف موهلاً) على أن يكون الأول جزءاً من الثاني أو مثل جزئه، كما في المثال: قطعت بعض أصابعه، فإن البعض جزء من الأصابع كلها. على كل حال: أظن أن هذا موقوف على السماع، وأنه إذا كان الأول جزءاً من الثاني اكتسب التأنيث، وإذا كان منفصلاً عنه وعيناً مستقلة بنفسها فإنه لا يكتسب منه التأنيث مثل: قُتلت غلام هند وما أشبه ذلك. قوله: ((رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ))، يقولون: إن الرحمة هنا اكتسبت التذكير من المضاف إليه، فَذُكِّر الخبر عنها، ولـ ابن القيم رحمه الله في هذه الآية كلام طويل جداً في بدائع الفوائد.

حكم إضافة الشيء لما يتحد معه في المعنى

حكم إضافة الشيء لما يتحد معه في المعنى ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهماًً إذا ورد] من المعلوم أن المضاف غير المضاف إليه، فتقول: غلام زيد، وفرس محمد، وكتاب الطالب، وتقول: صاحب البيت، صاحب الدكان، فالمضاف غير المضاف إليه، يقول المؤلف: (ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى). يعني: لما هو في معناه، فلا تقول مثلاً: هذا كتابُ كتابٍ، وهذا مسجدُ مسجدٍ، وهذا غلامُ غلامٍ، وتريد أن الثاني هو الأول، لكن قد ورد في اللغة العربية ما يدل على إضافة الشيء إلى نفسه، يقول المؤلف: (وأول موهماً إذا ورد) يعني: اصرفه عن ظاهره إذا ورد. من ذلك قولهم: مسجد الجامع، معلوم أن المسجد هو الجامع، فتؤول فتجعل مسجد الجامع بمعنى أنه مسمى هذا الاسم، فمسجد بمعنى المسمى والجامع بمعنى الاسم. ويقولون: سعيد كرز. سعيد: مضاف وكرز مضاف إليه، مع أن كرزاً هو سعيد، فكيف أضيف اسم لما به اتحد، يقول: إننا نؤوله، ونقول المعنى: مسمى هذا الاسم. وقد يؤول بغير مسمى هذا الاسم، كما لو قلت: كتبت سعيد كرز، أي كتبت اسم هذا المسمى. والخلاصة: أن المضاف والمضاف إليه شيئان متباينان، كل واحد منهما غير الآخر، فلا يضاف شيء إلى نفسه. وذهب الكوفيون: إلى أنه يجوز أن يضاف الاسم لما اتحد به معنى بشرط اختلاف اللفظ، كسعيد كرز، وبر قمح، ولا يحتاج إلى تأويل؛ يقولون: يكفي الاختلاف في اللفظ؛ لأن كل لفظ يدل على معنى لا يدل عليه اللفظ الثاني، فحصلت المغايرة ولو من بعض الوجوه، ولكن لا شك أنه من الناحية البلاغية غير مستساغ. ويقال: إن بعض الناس في هذه البلاد السعودية يضيفون اسم محمد إلى الاسم الأصلي، مثل: محمد فؤاد عبد الباقي، محمد رشيد رضا، محمد عبده وما أشبه ذلك، وأصله: رشيد وعبده وفؤاد، فهنا أضيف هذا الاسم لما به اتحد معنى لكنهما لم يتحدا لفظاً.

ملازمة بعض الأسماء للإضافة

ملازمة بعض الأسماء للإضافة ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهماًً إذا ورد] من المعلوم أن المضاف غير المضاف إليه، فتقول: غلام زيد، وفرس محمد، وكتاب الطالب، وتقول: صاحب البيت، صاحب الدكان، فالمضاف غير المضاف إليه، يقول المؤلف: (ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى). يعني: لما هو في معناه، فلا تقول مثلاً: هذا كتابُ كتابٍ، وهذا مسجدُ مسجدٍ، وهذا غلامُ غلامٍ، وتريد أن الثاني هو الأول، لكن قد ورد في اللغة العربية ما يدل على إضافة الشيء إلى نفسه، يقول المؤلف: (وأول موهماً إذا ورد) يعني: اصرفه عن ظاهره إذا ورد. من ذلك قولهم: مسجد الجامع، معلوم أن المسجد هو الجامع، فتؤول فتجعل مسجد الجامع بمعنى أنه مسمى هذا الاسم، فمسجد بمعنى المسمى والجامع بمعنى الاسم. ويقولون: سعيد كرز. سعيد: مضاف وكرز مضاف إليه، مع أن كرزاً هو سعيد، فكيف أضيف اسم لما به اتحد، يقول: إننا نؤوله، ونقول المعنى: مسمى هذا الاسم. وقد يؤول بغير مسمى هذا الاسم، كما لو قلت: كتبت سعيد كرز، أي كتبت اسم هذا المسمى. والخلاصة: أن المضاف والمضاف إليه شيئان متباينان، كل واحد منهما غير الآخر، فلا يضاف شيء إلى نفسه. وذهب الكوفيون: إلى أنه يجوز أن يضاف الاسم لما اتحد به معنى بشرط اختلاف اللفظ، كسعيد كرز، وبر قمح، ولا يحتاج إلى تأويل؛ يقولون: يكفي الاختلاف في اللفظ؛ لأن كل لفظ يدل على معنى لا يدل عليه اللفظ الثاني، فحصلت المغايرة ولو من بعض الوجوه، ولكن لا شك أنه من الناحية البلاغية غير مستساغ. ويقال: إن بعض الناس في هذه البلاد السعودية يضيفون اسم محمد إلى الاسم الأصلي، مثل: محمد فؤاد عبد الباقي، محمد رشيد رضا، محمد عبده وما أشبه ذلك، وأصله: رشيد وعبده وفؤاد، فهنا أضيف هذا الاسم لما به اتحد معنى لكنهما لم يتحدا لفظاً.

مجيء بعض ما يلازم الإضافة مفردا لفظا مضافا معنى

مجيء بعض ما يلازم الإضافة مفرداً لفظاً مضافاً معنى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبعض الأسماء يضاف أبداً وبعض ذا قد يأتي لفظاً مفرداً] يعني: بعض الأسماء ملازم للإضافة لفظاً ومعنى، وبعضها قد يلازم الإضافة معنى لا لفظاً؛ ولهذا قال: (وبعض ذا) أي: بعض ما يلازم الإضافة (قد يأت لفظاً مفرداً). بعض الأسماء: مبتدأ، يضاف: خبره. وبعض ذا قد يأت: بعض: مبتدأ، وقد يأت: خبره. وقوله: لفظاً: منصوب بنزع الخفض. ومفرداً: حال. يعني: قد يأتي مفرداً في اللفظ وإن كان مضافاً في المعنى، هذا معنى البيت. وهذا لم يذكر المؤلف له أمثلة؛ لأنه سيأتي عند ذكر إذا وإذ وحيث وما أشبه ذلك، كما قال فيما بعد: (وألزموا إضافة إلى الجمل حيث وإذ وإن ينون يحتمل إفراد إذ) فنؤجل الكلام فيها حتى تأتي إن شاء الله. المهم أننا نستفيد من هذا البيت قاعدة: أن بعض الأسماء يكون ملازماً للإضافة لفظاً ومعنى، وبعض الأسماء التي يجب إضافتها قد تأتي مفردة في اللفظ وهي في المعنى مضافة، وسيأتي إن شاء الله بيانه.

ما يلازم الإضافة إلى غير الاسم الظاهر

ما يلازم الإضافة إلى غير الاسم الظاهر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبعض ما يضاف حتماً امتنع إيلاؤه اسماً ظاهراً حيث وقع كوحد لبي ودوالي سعدي وشذ إيلاء يدي للبي] (حتماً) بمعنى لازماً، يعني: بعض الذي تجب إضافته يمتنع إيلاؤه اسماً ظاهراً، فهذا البيت تتمة للبيت الأول، يعني: أن من الأسماء الملازمة للإضافة ما لا يضاف إلى اسم ظاهر. وبعض: مبتدأ. حتماً: متعلقة بيضاف. امتنع: خبر المبتدأ. إيلاؤه: فاعل امتنع. واسماً: مفعول لإيلاء؛ لأنه مصدر يعمل عمل فعله. حيث وقع: متعلق بإيلاؤه أو متعلق بامتنع. يعني: يجوز أن يمتنع أن يليه اسم ظاهر وهو ملازم للإضافة. القاعدة من هذا البيت: أن بعض الأسماء التي تتعين فيها الإضافة لا يضاف إلى اسم ظاهر، مثاله: (كوحد لبي ودوالي سعدي) هذه أربع كلمات: (وحْد) لا تأتي إلا مضافة، تقول مثلاً: خرجت وحدي، ورأيتك وحدك. ولا يمكن أن تقول: خرجت وحداً، يعني: فريداً، ولا رأيتك وحداً، أي فريداً، بل لابد أن تضاف، ولكن لا تضاف إلى اسم ظاهر، فلا يمكن أن تقول: رأيت زيداً وحد غلامه. وإذا قلت: رأيت الرجل وحده، فوحده حال كما سبق لنا في باب الحال، والحال لا تقع معرفة، لكنها هنا مؤولة بمنفرداً. كذلك (لبي) ملازمة للإضافة إلى الضمير، فلا تأتي مفردة ولا تأتي مضافة إلى اسم ظاهر، فلا تقول: لبي زيد، ولا لبي ربي، بل لابد أن تضيفها إلى ضمير مخاطب، لا ضمير غيبة ولا ضمير متكلم، فلا يمكن تقول: لبيي يعني: كأنك أجبت نفسك، ولا: لبيه، تخبر أنك تلبي إنساناً غائباً، بل تقول: لبيك. والعوام يستعملون (لبيه) بمعنى (لبيك) فيبدلون الكاف هاء. وأيضاً: (دوالي) تقول: (دواليك) مأخوذة من التدالي، يعني: أنه يدول بعضها على بعض، مثل قوله تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]. وبعض الناس يقولون: معناها: إدالة بعد إدالة، وليس كذلك؛ لأن الإدالة الغلبة، ولا معنى لها في سياق (دواليك) إنما معناها التدالي والتعاقب، فيوجد فرق بينها وبين الغلبة. وأيضاً: (سعدي) من سعديك، ومعناه: إسعاداً بعد إسعاد، والإسعاد إما من إعطاء السعادة، وإما من المواساة ودفع الأحزان والتسلية. وهي على كل حال لا تذكر إلا مع لبيك، فهي تابعة لها دائماً، تقول: لبيك وسعديك، كما كان ابن عمر رضي الله عنه يقول هذا في تلبيته: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل. فلبيك بمعنى: أجبتك، وسعديك بمعنى: طلبت منك المعونة بعد المعونة. هذه أربع كلمات ملازمة للإضافة إلى اسم مضمر مخاطب ولا يجوز أن تضاف إلى اسم ظاهر؛ فلهذا قال: (وشذ إيلاء يدي للبي)، يعني: أنه ورد في كلام العرب: فلبى فلبي يدي مسور وما قال: فلبيك، فـ ابن مالك يشير إلى هذا البيت ويقول: إنه شاذ، ووجه الشذوذ أنه أضيف إلى اسم ظاهر، كما شذ كذلك إضافته إلى ضمير الغيبة، كقول الشاعر: لقلت لبيه لمن يدعوني والحاصل: أن هذه أربع كلمات أفادنا المؤلف أننا لو أتينا بها غير مضافة لم يصح، ولو أتينا بها مضافة إلى اسم ظاهر لم يصح، ولو أتينا بها مضافة إلى ضمير غير مخاطب لم يصح، إذاً: فاستعمالها ضيق. نرجع الآن إلى معانيها: وحد: أي منفرداً. لبي: أي إجابة بعد إجابة، من قولهم: ألب بالمكان. وقولهم: دوالي: أي تداولاً بعد تداول. سعدي: إسعاداً بعد إسعاد. ثم هي معربة على أنها مفعول مطلق أو مصدر لفعل محذوف من لفظها، ثم إنها معربة على أنها ملحقة بالمثنى؛ لأن صورتها صورة التثنية ولكن المراد منها الكثرة. فتكلمنا الآن عن حكمها من حيث الإضافة، وعن معناها، وعن إعرابها.

شرح ألفية ابن مالك [43]

شرح ألفية ابن مالك [43] من الأسماء ما يلازم الإضافة ولا ينفك عنها، فمن ذلك حيث وإذ وكلا وكلتا وقبل وبعد وحسب وغيرها، ولهذه الأسماء أحكام يفصلها العلماء.

أحكام الأسماء التي تلازم الإضافة

أحكام الأسماء التي تلازم الإضافة

ما تضاف إليه حيث وإذ

ما تضاف إليه حيث وإذ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وألزموا إضافة إلى الجمل حيث وإذ وإن ينون يحتمل إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ أضف جوازاً نحو حين جا نبذ] تقدم قوله: (وبعض الأسماء يضاف أبداً). ومنها (حيث) فإنها تلزم الإضافة دائماً، حيث ألزموها إضافة إلى الجمل، وقوله: (إلى الجمل) يشمل الجمل الاسمية والجمل الفعلية. في الجمل الفعلية تقول: جلست حيث جلس زيدٌ، وتقول: جلست حيث يجلس زيد. وفي الجمل الاسمية تقول: جلست حيث زيد جالس. إذاً: هي تضاف إلى الجمل الاسمية والفعلية سواء كانت الجملة الفعلية ماضية أو مضارعة. وإعراب (حيث) ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب، وقد تكون مبنية على الضم في محل جر بمن، كما في قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:149]، {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222]. وفيها خمس لغات: حيثُ وحيثَ وحيثِ، بتثليث الثاء، ويقال: حوثُ، بقلب الياء واواً، ويقال: حاثُ، ولعل هذه لغة بدوية. وهي ملازمة للإضافة إلى الجمل، ولا تضاف إلى المفرد إلا سماعاً، ومنه قول الشاعر: أما ترى حيث سهيلٍ طالعاً نجماً يضيء كالشهاب لامعاً بجر (سهيل)، وروي برفعه. ويجوز: نجمٌ، بدل (نجماً) على أنه هو نجمٌ. اليوم الكتاب يكتبون: حيث أن فلاناً فعل كذا، أو: حيث إن فلاناً، فنقول: يجوز الوجهان، لكن ليس على أنها مضافة إلى مفرد، بل هي مضافة إلى جملة بالوجهين. تقول: جلست حيث إن زيداً جالسٌ، وجلست حيث أن زيداً جالسٌ، وهي على الوجهين مضافة إلى جملة، لكن على وجه الكسر تكون مضافة إلى جملة مؤكدة بإنّ، وعلى رواية الفتح تكون (أن زيداً جالس) مؤولة بمصدر، أي: حيث جلوس زيد كائن، فتكون مؤولة بمصدر هو المبتدأ وخبره محذوف. لكن الأكمل والأحسن أن تقول: حيث إن زيداً جالس. والحاصل: أن (حيث) من الأسماء الملازمة للإضافة، وتضاف إلى الجمل الاسمية أو الفعلية، وقد تضاف إلى المفرد سماعاً. وكذلك: (إذ) وهي ظرف زمان، وقيل: تقع مفعولاً به ومفعولاً مطلقاً، ولكن المعروف أنها ظرف زمان، لكن المعربون الذين يعربون القرآن يعربونها على أنها مفعول مطلق مثل: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا} [الأعراف:86]، فيقولون في ((إِذْ كُنتُمْ)): مفعول لـ (اذكروا). ويقولون في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} [البقرة:30]، إن المعنى: اذكر إذ قال، على أنه مفعول به. إذاً: هي ملازمة للإضافة وهي ظرف، وقد تأتي للتعليل كما في قوله تعالى: {وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39]، وإذا كانت تعليلاً فقد قيل إنها حرف يراد به التعليل وليست اسماً. وتأتي (إذ) للماضي؛ لأن إذ وإذا وإذاً تقاسمن الزمان، واحدة قالت: لي المستقبل، وواحدة قالت: لي الحاضر، وواحدة قالت: لي الماضي. فالتي قالت: لي الزمان المستقبل قالت: لازم أمد نفسي من أجل أن أصل إليه وهي: إذا. والتي قالت: لي الماضي قالت: أنا الآن منقطعة عن وقتي فأنا أقرفص، وهي: إذ. والتي للحاضر قالت: أنا الآن أترنم في مكاني، وهي: إذاً. لكن مع ذلك قد تأتي (إذ) للمستقبل، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر:70 - 71]، وذلك إنما يكون يوم القيامة في المستقبل؛ ولهذا قال: (فسوف) وسوف تجعل المضارع مستقبلاً. ولكن بعض النحويين قالوا: هذا لا يصح، وإن (إذ) على بابها، ولكن نزل المستقبل منزلة الماضي لتحقق وقوعه، كما في قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ َ} [النحل:1]، مع أنه ما أتى، ولذا قال: ((فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ َ))، ولكن لتحقق وقوعه قال: (أتى). إذاً: إذ معناها الماضي، وقد تأتي للمستقبل على قول بعض النحويين، وعلى قول آخرين: هي دائماً للماضي، ولكن ننزل المستقبل منزلة الماضي لتحققه، وقد تأتي للتعليل. قوله: (وإن ينون يحتمل إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ). إن ينون: يعني: (إذ) إذا جاءت منونة احتمل أن تفرد عن الإضافة، ويكون التنوين عوضاً عن الجملة، وهذا كثير في القرآن وفي غير القرآن، قال الله تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة:84]، يعني: وأنتم حينئذ بلغت الروح الحلقوم تنظرون. وكذلك تأتي في يومئذ: ((يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ)) يعني: يومئذ تقوم الساعة، إن كان قبلها: تقوم الساعة. المهم أنه إذا نونت احتمل إفراد إذ، أي: قطعها عن الإضافة. إعراب يومئذٍ: يوم: ظرف منصوب على الظرفية، ويوم: مضاف، وإذ: مضاف إليه مبني على السكون وجاءت الكسرة لالتقاء الساكنين. ثم قال: (وما كإذ معنى كإذ أضف جوازاً نحو حين جا نبذ) قوله: (وما كإذ معنى) ما: اسم موصول، والكاف هنا يجوز أن تكون اسماً بمعنى مثل، يعني: والذي هو مثل إذ في المعنى، أي: في كونه دالاً على زمان مبهم غير مقيد؛ لأن ما يدل على الزمان منه ما هو مقيد كيوم وشهر وأسبوع، ومنه ما هو مطلق مثل: حين ووقت وزمن ودهر وما أشبه ذلك. فخرج بقولنا (مبهم) ما كان مقيداً كاليوم والشهر، فإنك تقول: جئتك شهر ربيع الأول، ولا تضفه إلى الجمل، لكن ما كان كإذ في دلالته على الزمان المبهم فإنه كإذ إلا أنه يخالفه بقوله: (أضف جوازاً) أي: إذ تضاف وجوباً، أما هذا فيضاف جوازاً. إذاً: فيكون كإذ في أنه مبني؛ لأن إذ مبنية، وكذلك في الإضافة إلى الجمل، لكنه لا يضاف وجوباً كما تضاف إذ. (نحو: حين جا نبذ) يعني: من يوم جاء طرد. إعراب (حين جاء نبذ): حين: ظرف زمان مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية. جاء: فعل ماض، والفاعل مستتر جوزاً تقديره هو، وحين: مضاف إلى الجملة (جاء). نبذ: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو. و (حين) ظرف وتحتاج إلى متعلق، ومتعلقها هو (نبذ)، والتقدير: نبذ حين جاء. ولو قلت: نبذ حيناً، ولم تضفه، فذلك يجوز؛ لأن إضافته جائزة وليست بواجبة؛ ولهذا قال: (أضف جوزاً نحو حين جا نبذ).

حكم إعراب ما يجري مجرى إذ من الظروف عند الإضافة

حكم إعراب ما يجري مجرى إذ من الظروف عند الإضافة أما بالنسبة للبناء والإعراب، فإنه قال: [وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا واختر بنا متلو فعل بنيا وقبل فعل معرب أو مبتدا أعرب ومن بنى فلن يفندا] قوله: (أو اعرب) بفتح الواو لأنه سهل همزة (أعرب) فنقلت حركتها إلى الواو قبلها. في الحديث: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه)، الكاف حرف جر، والجر يقتضي أن يكون آخر الاسم مكسوراً، والحديث: (كيومَ ولدته أمه) بفتح (يومَ)، وذلك لأنه مضاف إلى مبني فصار الأرجح فيه البناء، فنقول: الكاف: حرف جر. يوم: ظرف مبني على الفتح في محل جر بالكاف. ولدته: فعل وفاعل مستتر ومفعول، ويوم: مضاف، وولدته: مضاف إليه. ويجوز: (رجع من ذنوبه كيومِ ولدته أمه)؛ لكنه مرجوح؛ ولهذا قال: (واختر بنا متلو فعل بنيا) ولو قلت: هذا يومَ ينجح الطلبة، ببناء (يوم) على الفتح فإنه يجوز، كما يجوز رفعه لأنه مضاف إلى معرب وهو الفعل المضارع، ولذا قال المؤلف: (وقبل فعل معرب أو مبتدا أعرب ومن بنى فلن يفندا). لكن البناء مرجوح لقوله: (ومن بنى فلن يفندا) أي: والأصل الإعراب. تقول: هذا يومٌ الدعاء فيه مستجاب، على الوجه الراجح، وهو هنا غير مضاف، ويجوز ذلك كما تقدم في قوله: (أضف جوازاً). ويجوز أن نقول: هذا يومُ الدعاء فيه مستجاب. ويجوز أيضاً: هذا يومٌ يُجاب فيه الدعاء. ويجوز: هذا يومُ يُجاب الدعاء. خلاصة الأبيات الثلاثة: (إذ) مبنية دائماً ملازمة للإضافة لفظاً أو معنى، وإذا حذفنا الإضافة منه لفظاً وجب التنوين. والذي كإذ في المعنى يخالفها في أنه يضاف إلى الجمل جوازاً لا وجوباً. ويجوز فيه الإعراب والبناء، لكن إن أضيف إلى مبني ترجح البناء، وإن أضيف إلى معرب ترجح الإعراب.

ما تضاف إليه إذا

ما تضاف إليه إذا قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وألزموا إذا إضافة إلى جمل الافعال كهن إذا اعتلى] وألزموا: أي النحويون وليس العرب، ولو كان المقصود العرب لقال: والتزموا. (وألزموا إذا إضافة إلى جمل الأفعال) يعني: أن النحويين قالوا: يجب أن تضاف (إذا) إلى الجمل الفعلية. وقوله: (إلى جمل الأفعال) يشمل الماضي والمضارع، ويخرج به الجملة الاسمية، فلا تضاف (إذا) إلى الجملة الاسمية، تقول: إذا جاء رمضان فاجتهد في الأعمال. وتقول مثلاً: إذا يقوم زيد يقوم عمروٌ، أو إذا يزورك زيد أزورك. ولا تضاف إلى الجملة الاسمية -وهي المبدوءة بالاسم- سواء كان خبرها مفرداً أو جملة فعلية، فلا تقول مثلاً: أجيئك إذا زيد قائم، ولا: أجيئك إذا زيد قام. وهذا عند البصريين. ثم مثل المؤلف فقال: (كهن إذا اعتلى) أي: صر هيناً متواضعاً إذا ارتفع صاحبك وتعاظم، وهذا مثال لكنه في الحقيقة حكمة، فإذا رأيت صاحبك متشدداً فكن أنت مخففاً، والشاهد قوله: (إذا اعتلى)، فإن (إذا) مضافة إلى (اعتلى) وجملة (اعتلى) فعل ماض. وقول البصريين: لا تضاف إلى الجملة الاسمية يرد عليه ما جاء في القرآن من أمثلة كثيرة تنقض ذلك، كقوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} [الانشقاق:1]، {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} [الانفطار:1 - 2] {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:3] وهكذا. وقال البصريون: هذه الآيات وأمثالها مخرجة على أن فيها حذفاً، وأصل الكلام: إذا انفطرت السماء، إذا انتثرت الكواكب، إذا كورت الشمس. ولكن يقال لهم: أين الدليل على هذا؟ ولذلك فالصحيح رأي الكوفيين، وهو أنه يجوز أن تضاف (إذا) إلى الجملة الاسمية. وهناك وجه آخر في قوله: {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ} يمكن أن يجيب به غير البصريين؛ بحيث يجعلون هذه الجملة فعلية قُدِّم الفاعل فيها على الفعل؛ فإن هناك رأياً يقول: إنه يجوز تقديم الفاعل على الفعل، فتقول: الزيدان قاما، والأصل: قام الزيدان. ففي الآية إذاً ثلاثة تخريجات: الأول: على مذهب البصريين: أن السماء فاعل لفعل محذوف مقدر، تقديره: إذا انفطرت السماء. الثاني: أن السماء فاعل مقدم للفعل الموجود. الوجه الثالث: أن السماء مبتدأ وجملة الفعل بعده خبر، وهذا هو الصحيح؛ لأننا إذا جعلنا (السماء) مبتدأ وجملة (انفطرت) خبراً، فكأننا أعدنا السماء مرتين، مرة بالاسم الظاهر ومرة بالضمير، فيكون هذا أقوى. إذاً: يجوز أن تضاف (إذا) إلى الجمل الاسمية، ولا فرق بين أن يكون خبر الجملة الاسمية فعلاً أو اسماً، والله أعلم.

ما تضاف إليه كلا وكلتا

ما تضاف إليه كلا وكلتا قال المؤلف رحمه الله: [لمفهم اثنين معرف بلا تفرق أضيف كلتا وكلا] قوله: (لمفهم): جار ومجرور متعلق بأضيف. وقوله: (أضيف كلتا وكلا) أضيف: فعل ماض مبني للمجهول. وكلتا: نائب الفاعل. وكلا: معطوف عليه. أي: أضيف هاتان الكلمتان لما يدل على الاثنين بلا تفرق، وهذا شرط، وشرط آخر: أن يكون معرفة. فكلا وكلتا من الأسماء الملازمة للإضافة، ولا تضاف إلا لما يدل على اثنين، وهو معرفة، بلا تفرق؛ قال الله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف:33]، وتقول: جاء الرجلان كلاهما، وجاءت المرأتان كلتاهما. ففي الآية الكريمة: ((كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ)) أضيف (كلتا) إلى الجنتين، وهو لفظ معرف بأل، ويفهم اثنين وهما الجنتان، وذلك بلا تفرق. إذاً: لو قلت: كلا رجلين قاما فلا يجوز؛ لأن (رجلين) نكرة وليس معرفة. ولو قلت: كلا زيد وعمرو قاما. فلا يجوز لأنه مفرق. ولو قلت: كلا زيدٍ جميل. فلا يجوز؛ لأنه غير مفهم لاثنين. فلابد أن يفهم اثنين وأن يكون معرفة، وبلا تفرق. القاعدة من هذا البيت: مما تجب إضافته كلا وكلتا، ولا يضافان إلا لمثنىً معرف غير مفرق. ويضافان للظاهر وللضمير، فمثاله للظاهر قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف:33]. وللضمير: جاء الرجلان كلاهما. واعلم أن خبر (كلا وكلتا) يجوز فيه التثنية ويجوز فيه الإفراد، قال الشاعر: كلاهما حين جد الجري بينهما قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي (كلاهما حين جد الجري بينهما قد أقلعا) هنا الخبر مثنى. فتجوز التثنية مراعاة للمعنى، ويجوز الإفراد مراعاة للفظ.

حكم إضافة أي

حكم إضافة أيّ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تضف لمفرد معرف أياً وإن كررتها فأضف أو تنوي الاجزا واخصصن بالمعرفة موصولة أياً وبالعكس الصفة وإن تكن شرطاً أو استفهاما فمطلقاً كمل بها الكلاما] هذه أيٌّ، وما أدراك ما أيٌّ؟ يقول المؤلف: (ولا تُضف لمفرد معرف أياً): (أيٌ): معروف أنها تضاف، وقد لا تضاف. قال الله تعالى: {أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110]، هذه غير مضافة. وتقول: أي رجل لقيته فأكرمه. هذه مضافة. لكن إلى أي شيء تضاف إذا أضيفت؟ يقول: (لا تضف لمفرد معرف أياً) أي: لا تضاف (أيّ) لمفرد معرف، وعلم من قوله: (لمفرد) أنها تضاف للجمع المعرف وتضاف للتثنية المعرفة، فتقول: أي الرجلين قاما، وتقول: أي الرجال قاموا. ويجوز: أي رجل قام، لأنه مفرد لكن غير معرف. ولا يجوز: أي زيد قام؛ لأنه مفرد معرف، إلا في أحوال ثلاثة كما قال: (وإن كررتها فأضف، أو تنوي الاجزا). ومثال التكرار قوله: فلا تسألون الناس أيي وأيكم غداة التقينا كان خيراً وأكرما الشاهد: (أيي وأيكم) هنا أي مضافة لمفرد معرف، لكنها كررت. ومثله: أي زيد وأي عمرو خيرٌ، وإن كان هذا التركيب فيه ما فيه، لكن يصح: أي زيد وأي عمرو خيرٌ، أيي وأيكم خير؛ ولكن قد يقول قائل: (أيي) مضاف لمفرد معرف، لكن (أيكم) مجموع، فالمثال الذي يتطابق: أي زيد وأي عمرو خيرٌ، حيث أضيفت إلى مفرد معرف في موضعين! قال: (أو تنوي الأجزاء) يعني: تنوي بأي التي أضفتها إلى مفرد معرف أجزاء هذا المفرد المعرف، فتقول: أي الثوب أحسن؟ فهنا أردت الأجزاء، أيُّ: أيُّ جزء في الثوب أحسن؟ وتقول مثلاً: أي البدن أحسن؟ فهنا نوينا الأجزاء. وتقول: أي السماء أجمل؟ فنقول: نجومها مثلاً، فيجوز؛ لأنك نويت الأجزاء. قوله: (واخصصن بالمعرفة موصولة أياً). (أيٌّ) تأتي موصولة كما تقدم لنا في باب الموصول في قول ابن مالك: (أيٌّ كما)، قال الله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف:12]. فهنا يقول: إن الموصولة مخصوصة بالمعرفة، أي: لا تضاف إلا إلى معرفة؛ وذلك لأنها لم ترد في اللغة العربية إلا مضافة إلى معرفة، فلا يمكن أن نضيفها إلى نكرة، فلا تقول: يعجبني أي رجل أَقْوَم، بل تقول: يعجبني أيهم أقوم، أي: الذي هو أقوم، كما مر في باب الاسم الموصول. قوله: (وبالعكس الصفة) (أيٌّ) تأتي صفة، وإذا أتت صفة فإنها لا تضاف إلى معرفة، تقول: جاء زيد أيَّ بطل، وهي هنا حال، والحال وصف في المعنى، وتقول: مررت برجل أي رجل، فأيّ صفة لرجل، فأضيفت هنا إلى نكرة. إذاً: أيٌّ إذا كانت موصولة اختصت بالمعارف، وإذا كانت صفة اختصت بالنكرات، سواء كانت حالاً أو نعتاً. قوله: [وإن تكن شرطاً أو استفهاماً فمطلقاً كمل بها الكلام]. يعني: إذا كانت شرطية أو استفهامية فأضفها إلى المعرفة والنكرة والمفرد والجماعة، وإن شئت فلا تضفها. وقوله: (مطلقا) يعني: بغير قيد. وأتى بقوله: (كمل بها الكلاما) لأن الكلام متشتت في (أيّ) يحتاج إلى وعي. فالذي فهمنا من كلام المؤلف أن أياً تأتي لأربع معانٍ: موصولة، وصفة، وشرطية، واستفهامية. وأن الموصولة في الإضافة مختصة بالمعارف، والصفة مختصة بالنكرات. والشرطية والاستفهامية مطلقة، تكون للنكرات وللمعارف: فتقول مثلاً: أي السبيلين تسلك أسلك، أي سبيل تسلك أسلك، في المثال الأول أضيفت لمعرفة وفي الثاني لنكرة. وتقول: أياً تسلك أسلك، هذه غير مضافة أصلاً. وتقول: أي رجل عندك؟ هذه استفهامية أضيفت لنكرة. وتقول: أي الرجلين عندك؟ هذه أيضاً استفهامية أضيفت إلى معرفة. وتقول: أيٌ عندك من القوم؟ هذه لم تضف. فالحاصل أن أيّاً إذا كانت شرطاً أو استفهاماً أضيفت إلى النكرات والمعارف والمفرد والمثنى والجمع، وتقطع عن الإضافة. وإذا كانت موصولة اختصت بالإضافة إلى المعارف، وإذا كانت صفة اختصت بالإضافة إلى النكرات. والآن كملنا بها الكلام، والله أعلم. إعراب: (وعلمناه من لدنا علماً). علمناه: علم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. نا: ضمير متصل في محل رفع فاعل. والهاء: ضمير متصل في محصل نصب مفعول به أول لِعَلَّم. من: حرف جر. لدنا: لدن: اسم مبني على السكون في محل جر بمن، وهو مضاف، ونا: ضمير في محل جر مضاف إليه. علماً: مفعول به ثان لعلَّم.

حكم إضافة مع

حكم إضافة مع قال المؤلف رحمه الله: [ومَعَ مَعْ فيها قليل ونقل فتح وكسر لسكون يتصل] مَع: ظرف وهي تقتضي المصاحبة في الزمان أو في المكان، ويقال فيها: مَعْ بالسكون، وهو قليل؛ ولهذا قال: (مَعْ فيها قليل) وهذا على تقدير أن (مَعَ) معطوفة على لدن. (مَعْ فيها قليل) مَعْ: مبتدأ، والجملة استئنافية، وليست الجملة خبراً لـ (مَعَ)؛ لأن مَعَ معطوفة على لدن، ولا تحتاج إلى خبر. والمعنى: أن مَعَ يقال فيها مَعْ لكنه قليل، تقول: الرجل معْ صاحبه، والكثير: معَ صاحبه، وهي ظرف منصوب على الظرفية فحركتها حركة إعراب، وهي مضافة لما بعدها، وأما على لغة معْ فهي لا زالت على الظرفية، لكنها مبنية على السكون في محل نصب. قال: (ونقل فتح وكسر) أي: نقل عن العرب فيها فتح وكسر (لسكون يتصل) يعني: إذا اتصل بها ساكن ففيها عن العرب وجهان: الفتح على الأصل، كما قال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الإسراء:39]، فهي مفتوحة هنا على اللغتين جميعاً، أعني باللغتين: معَ ومعْ. أما على لغة فتحها فالأمر واضح، لأنها باقية على الأصل، وأما على لغة بنائها على السكون فإنها حركت بالفتح لالتقاء الساكنين. أما الكسر فيجوز أن تقول: جئت معِ الرجلِ، بكسر العين، وهذا لا يتأتى إلا على لغة السكون؛ لأنه على لغة إعرابها بالفتح لا حاجة إلى الكسر، إذ إنه لم يلتق ساكنان حتى نحتاج إلى الكسر، لكن على لغة السكون نقول: كسرت لالتقاء الساكنين. الخلاصة الآن: (مع) ملازمة للإضافة، وفيها لغتان: إحداهما: الإعراب، وتكون معربة منصوبة بالفتح. والثانية: البناء، وتكون مبنية على السكون. وعلى هذه اللغة إذا اتصل بها ساكن جاز في عينها أن تفتح وأن تكسر، فتقول: جئت معَ الرجل، وجئت معِ الرجلِ. والله أعلم.

أحكام غير وقبل ونحوها في الإضافة والإعراب

أحكام غير وقبل ونحوها في الإضافة والإعراب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واضمم بناءً غيراً ان عدمت ما له أضيف ناوياً ما عُدما]. قوله: (واضمم بناء) يعني: واضمم ضمَّ بناءٍ، فبناءً هنا مفعول مطلق؛ لأنها على تقدير إضافة المصدر: اضمم ضمَّ بناءٍ؛ لأن الضم قد يكون ضم إعراب وقد يكون ضم بناء، فإذا قلت: جاء الرجلُ، فالضم هنا ضم إعراب، وإذا قلت: اجلس حيثُ جلس زيد، فإن الضم هنا ضم بناء. وكلمة (غير) تبنى على الضم، لكن متى؟ قال: (إن عدمت ما له أضيف ناوياً ما عدما). يعني: إن حذفت المضاف إليه ونويت معناه فإنك تبنيها على الضم، فتقول مثلاً: أخذت منك درهمين لا غيرُ، فلا هنا نافية للجنس، وغيرُ: اسمها مبني على الضم في محل نصب، وبنيناها لأننا حذفنا المضاف إليه ونوينا معناه، وأصل الكلام: أخذت منك درهمين لا غيرهما أخذت، ولو جئنا بالمضاف إليه لكانت منصوبة بالفتحة. وفهمنا من قول المؤلف: (إن عدمت ما له أضيف ناوياً ما عدما). أن المضاف إليه لا يخلو من إحدى أربع حالات: إما أن يذكر المضاف إليه، وإما أن يحذف وينوى معناه، وإما أن يحذف وينوى لفظه، وإما أن يحذف ولا ينوى لفظه ولا معناه. فإذا حذفته ونويت معناه فإن (غير) يبنى على الضم، وأما العلة في البناء على الضم فقد تقدم لنا أن الصحيح أن العلة في المبنيات هو السماع، لكن النحويين يأبون إلا أن يعللوا، فيقولون: إن العلة أنه لما حذف المضاف إليه ونوي معناه أشبه الحرف في الافتقار، فهو هنا مفتقر إلى المضاف إليه.

حكم قبل وبعد وحسب وأول في الإضافة

حكم قبل وبعد وحسب وأول في الإضافة قال المؤلف: [قبل كغير بعد حسب أول ودون والجهات أيضاً وعلُ وأعربوا نصباً إذا ما نكرا قبلاً وما من بعده قد ذكرا] قوله: (كغيرُ) بالضم على الحكاية، ويجوز: (قبلُ كغيرٍ) على اللفظ. ومعنى ذلك: أن كلمة (قبل) إذا حذف المضاف إليه ونوي معناه تبنى على الضم؛ قال الله تعالى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4]، فمن: حرف جر، وقبل: اسم مبني على الضم في محل جر؛ وإنما بنيناه على الضم لأننا حذفنا المضاف إليه ونوينا معناه. وإذا أردنا أن نقدر المضاف إليه فهو: لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلِ غلبهم ومن بعد غلبهم، لأن أول الآية: {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:3 - 4] أي: من قبلِ غلبهم ومن بعدِ غلبهم، لكن حذف المضاف إليه ونوي معناه، بنيا على الضم. فكلمة غير وكلمة قبل وما ذكر بعدها في البيت السابق لها أربع حالات، هذه واحدة منها. والحالة الثانية: أن يحذف المضاف إليه وينوي لفظه، فإنها تعرب بدون تنوين، فتقول مثلاً: جئتك من قبلِ، يعني: من قبل الموعد مثلاً. الحالة الثالثة: أن يذكر اللفظ، فتعرب أيضاً بدون تنوين، فتقول: جئتكَ من قبلِ الموعد، وأعربنا بدون تنوين لأنه مضاف، والمضاف لا ينون كما قيل: كأني تنوين وأنت إضافة فأين تراني لا تحل مكاني الحال الرابعة: أن يحذف المضاف إليه ولا ينوى لفظه ولا معناه، فحينئذٍ تعرب منونة، كما قال الشاعر: فساغ لي الشراب وكنت قبلاً أكاد أغص بالماء الزلال فقبلاً: خبر كان منصوب، وأتى منوناً لأنه لم ينو الإضافة لا لفظاً ولا معنى فكان منصوباً. تبين بهذا أن (قبل وغير) لهما أربع حالات: الحالة الأولى: أن يوجد المضاف إليه فيعربان بدون تنوين. الحال الثانية: أن يحذف وينوى لفظه، فيعربان بدون تنوين أيضاً. الحالة الثالثة: أن يحذف المضاف إليه وينوى معناه، وفي هذه الحالة يبنيان على الضم. الحال الرابعة: أن يحذف المضاف ولا ينوى لفظه ولا معناه، فيعربان منونين. وقبلُ وبعدُ كغير، وقوله: (حسبُ) يعني: حسبُ كغير، فتقول مثلاً: عندي لك درهم فحسب، فتبنى على الضم، و (الفاء) يقولون: إنها هنا زائدة لتزيين اللفظ. وتقول: مررت برجل حسبك من رجل، فهي هنا معربه، لأنه ذكر المضاف إليه. وتقول: مررت بزيد حسبك من رجل، فهي هنا معربة لوجود المضاف إليه. لكن الفرق بين قولك: مررت برجل حسبك من رجل؛ أن حسبك صفة. وفي: مررت بزيد حسبك من رجل، حال؛ لأن (حسب) لا تتعرف بالإضافة، فإن وقعت بعد نكرة فهي صفة، وإن وقعت بعد معرفة فهي حال. مثالها بعد النكرة: مررت برجل حسبك من رجل. ومثالها بعد المعرفة: مررت بزيد حسبك من رجل. قال: (أول) أول تطلق بمعنى: الأول في الزمن، وتطلق بمعنى: الأول في السبق ليس في الزمن. فمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح: (وأنا أول المسلمين)، معناه: أسبقهم رتبة وفضلاً، يعني: أنا أول من يستسلم رتبة وتنفيذاً لأمر الله، وليس زمناً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام هو خاتم الرسل. و (أول) حكمها حكم قبل وبعد، لها أربع حالات: إما أن يحذف المضاف إليه وينوى لفظه، أو يحذف وينوى معناه، أو يذكر، أو لا يذكر ولا ينوى لا لفظه ولا معناه، يعني: لا يذكر لفظاً ولا تقديراً. فإن حذف المضاف إليه ونوي معناه فهي مبنية على الضم، وإن لم ينو معناه ولا لفظه فهي معربة. تقول: دخلوا أولاً فأولاً. فهنا لا نوي معنى المضاف إليه، ولا نوي لفظه؛ ولهذا أعربت بالفتح، وموقعها من الإعراب حال. وإذا قلت: ادخلوا الأول فالأول، تكون حالاً، وتكون معربة ولا يمكن أن تضاف؛ لأن فيها أل، فهي مجردة من الإضافة.

حكم دون والجهات الست في الإضافة

حكم دون والجهات الست في الإضافة قوله: (ودون) تقول مثلاً: عندي لك دراهم دون العشرة، فتعرب هنا؛ لأنها مضافة والمضاف إليه مذكور. وتقول مثلاً: بعت هذا الشيء بدون، أي: بدون زيادة، فلابد عند الحذف من العلم بالمحذوف؛ لأنه قد تقدم أن القاعدة: أنه لا يحذف إلا الشيء الذي يعلم، كما في قوله: (وحذف ما يعلم جائز). فلا يمكنني أن أحذف المضاف إليه ولم يوجد ما يدل عليه، لكن إذا وجد ما يدل عليه، وحذف ونوي لفظه فهي معربة بدون تنوين، وإن نوي معناه فهي مبنية على الضم، وإن حذف بغير تقدير لا لفظاً ولا تقديراً، فإنها تكون معربة. قوله: (والجهات أيضاً) أي: الجهات الست: فوق وتحت، وأمام وخلف، ويمين وشمال. هذه الجهات حكمها حكم قبل وبعد، إن حذف المضاف إليه ونوي معناه فهي مبنية على الضم، تقول: أتيت إليه من فوقُ، فهنا حذف المضاف إليه ونوي معناه. وقال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:50]، ((مِنْ فَوْقِهِمْ))، لم يبن على الضم؛ لأن المضاف إليه مذكور. وقوله تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [الأعراف:43]، فتحت معربة؛ لأن المضاف إليه مذكور. وتقول: جرى الماء من تحتُ، فتحت هنا مبنية؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه. وتقول مثلاً: أتيتك من اليمين، فاليمين معربة؛ لأن الإضافة هنا لا يمكن أن تقدر؛ لوجود (أل). لكن إذا قلت: أتيته من يمينُ، فهذه مبنية على الضم في محل جر؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه. و (شمال) نفس الشيء، تقول: أتيت إلى زيدٍ من شمالِ بيته، فشمال معربة؛ لأنه ذكر المضاف إليه. وتقول: أتيته من شمالُ، مبنية على الضم؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه. وتقول: أتيته من شمالِ بدون تنوين، على أنك حذفت المضاف إليه، ونويته لفظاً، فلا تكون (شمال) مجرورة بالتنوين. وتقول مثلاً: أتيت إليه من شمالٍ، فهنا حذف المضاف إليه لفظاً ومعنى. والمعروف عند العرب أن هذه الجهات بالنسبة للإنسان. أما الشمال والجنوب بالنسبة للأفق فهو واحد، فالشمال ما كان عن يمين مستقبل الشمس عند غروبها، والجنوب ما كان عن يمين مستقبل الشمس عند طلوعها، والشرق والغرب معروف. وقوله: (وعلُ) معنى علُ: فوق، كقول امرئ القيس: مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من علِ فـ (علِ) معربة؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوي لفظه. وقال بعضهم: يجوز أن يكون حذف المضاف ولم ينو لفظه ولا معناه لكنه لم ينون من أجل الروي. وهو محتمل.

حذف المضاف وقيام المضاف إليه مقامه

حذف المضاف وقيام المضاف إليه مقامه

حكم حذف المضاف

حكم حذف المضاف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما يلي المضاف يأتي خلفا عنه في الاعراب إذا ما حذفا] هو المضاف إليه. فالمعنى: أن المضاف إليه يأتي خلفاً عن المضاف في الإعراب إذا ما حذف. وقوله: (إذا ما حذف) ما زائدة، يعني: إذا حذف. ومعنى البيت: أنه ربما يحذف المضاف ويقوم المضاف إليه مقامه. ومثل في الشرح بقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، فقال: إن الأصل: وجاء أمر ربك والملك صفاً صفاً، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وهذا لا شك أنه خطأ، فإن هذا مذهب أهل التحريف الذين يحرفون الكلم عن مواضعه في أسماء الله وصفاته، فما الذي أدراهم أن المعنى: وجاء أمر ربك؟ وليس عندهم دليل؛ ولهذا المحرفون لآيات الصفات يقولون على الله بلا علم من وجهين: الوجه الأول: أنهم قالوا: ما أراد الله كذا. والوجه الثاني: أنهم قالوا: أراد كذا. فهم قالوا: ما أراد الله أنه يجيء هو بنفسه؛ لأن المجيء عندهم مستحيل وأراد وجاء أمر ربك، فهنا قالوا على الله بلا علم، فنفوا ما قال الله، وأثبتوا ما لم يقله الله، نسأل الله السلامة. والواجب علينا في آيات الصفات إجراؤها على ظاهرها، ولكن بشرط أن يكون هذا الظاهر لائقاً بالله عز وجل، لا يقتضي تمثيلاً ولا تشبيهاً ولا تكييفاً؛ لأن الله يتحدث عن نفسه، وهو أعلم بنفسه، ولا يمكن أن يتحدث عن نفسه بصفة وهو يريد خلافها؛ لأن هذا خلاف البيان، والله تعالى يقول في القرآن: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران:138]. بل نقول: هذه تعمية وتضليل أن يخاطب الإنسان بشيء والمراد غيره، وهذا لازم لهؤلاء المحرفة، وعليه فنقول: إن الواجب فيما أخبر الله به عن نفسه من الأسماء والصفات إجراؤها على ظاهرها وحقيقتها، ولكن يجب علينا أن نخرج من أذهاننا مسألة التشبيه، أو التمثيل، أو التكييف؛ لأن الله أعظم من أن يمثل؛ ولأنه قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. وهو أعظم من أن يكيف؛ لأنه إذا كُيف فمعناه إحاطة الذهن به، والله يقول: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110]. إذاً: لا يصح التمثيل بالآية على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. بل نقول: جاء ربك على ظاهرها، فهو بنفسه سبحانه وتعالى جاء، والله تعالى أعلم كيف يجيء، ونقول فيها كما قال مالك بن أنس رحمه الله: المجيء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ونقول كما قال بعضهم: إذا قال لك الجهمي: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فكيف ينزل، فقل: إن الله أخبرنا أنه ينزل ولم يخبرنا كيف ينزل. كذلك المجيء، نقول: أخبرنا أن الله يجيء ولم يخبرنا كيف يجيء، فعلينا أن نؤمن ونسلم. ولو قال لنا قائل: فوضوا الأمر، وقولوا: الله أعلم بما أراد. فنقول: لا يجوز أن نفوض؛ لأن التفويض معناه أن يبقى القرآن في كل ما يتعلق بالله لا يفهم ولا يعقل، فيكون هذا القرآن الكريم في أعظم ما جاء من أجله غير مفهوم ولا معلوم، وهذا شيء مستحيل على حكمة الله عز وجل. ويقول الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29]، ولم يقل: إلا آيات الصفات. وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:82]، ولم يقل: إلا آيات الصفات، ولم يستثن شيئاً، وما يتدبر فلابد أن يوصل إلى معناه، وهذا هو الذي مشى عليه السلف. ومن قال: إن مذهب السلف هو التفويض فقد كذب عليهم. والعجيب أني قرأت في كتاب أحكام القرآن للقرطبي المفسر المشهور كلاماً استغربته منه، حيث يقول بهذا القول، وأننا لا نقول في آيات الصفات شيئاً. وقد قال شيخ الإسلام في كتاب العقل والنقل: إنه من شر أقوال أهل البدع والإلحاد، وقد تسلط به أهل التحريف، وقالوا: نحن أعلم بالقرآن منكم. بل قال: تسلط به أهل الفلسفة والتكييف، وقالوا: نحن أعلم بالقرآن منكم؛ لأننا نقول: معنى القرآن كذا، وأنتم تقولون: لا نعرف معناه. وهذه حقيقة ما قاله الشيخ رحمه الله في كتابه العقل والنقل الذي قال عنه ابن القيم: وله كتاب العقل والنقل الذي ما في الوجود له نظير ثان. وهو كلام معقول؛ لأنه لا شك أن العالم هو الذي يقول: أنا أعرف معنى الآيات، والجاهل هو الذي يقول: لا أعرف، وهذا لا يمكن أن يكون من السلف، فالسلف أعلم الناس بمعاني القرآن كله، ما يتعلق بالصفات وغيره، حتى قال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية، وأسأله عن معناها؛ ولهذا كان مجاهد رحمه الله أعلم التابعين بالتفسير. وأنا لا أعتقد أن قلوب الذين يحرفون مطمئنة، وأن فيها السكينة أبداً؛ لأننا نقول له: ما الذي أدراك أن الله أراد هذا دون هذا؟! ولا يمكن أن يطمئن الإنسان على هذا المعنى وهو يعلم أنه سيقف بين يدي الله ويقول الله له: هل تشهد أني أردت بكلامي هذا؟ فمن يستطيع أن يؤدي هذه الشهادة؟ لكن السالم الذي يمكن أن يجيب بالصواب هو الذي يقول: نعم، أردت يا رب بكلامك هذا المعنى الذي سار عليه السلف؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب، {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]. ومن أمثلة التحريف ما ذكر في قول الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:3]، وقوله في الآية الأخرى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2]. فاحتج الجهمية بالآية الأولى على أن القرآن مخلوق؛ لأن الله قال: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1]، وقال: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام:96]. لكن جاءت الآية الأخرى تكذبه، وبالجمع بينهما يصبح معنى ((جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)) أي: صيرناه بلغة العرب، أي: تكلمنا به بلغة العرب. إذاً: تبين الآن أن الإنسان الذي يمر القرآن على ظاهره اللائق بالله عز وجل في آيات الصفات أنه آخذ به وقلبه مطمئن، وعليه السكينة. بخلاف من حرف أو توقف، وقال: لا أقول شيئاً، إنما أمرها بدون أن أعتقد لها معنى. وهذا خطأ، فلو جاءك كتاب من صديق لك، فهل تستفيد منه وأنت لا تدري ما معناه؟! ف A لا تستفيد منه شيئاً أبداً، فكيف بالقرآن -ولله المثل الأعلى- وهو بين واضح. وقد يقال: أيهما أسوأ التحريف أم التفويض؟ فالجواب: كلاهما له سوء من وجه، فالتحريف خير من التفويض من حيث إنه جعل للقرآن معنى، سواء صار فيه الحق أو الباطل، لكنه أشد من حيث الجرأة على الله عز وجل وأنه أراد بهذا اللفظ هذا المعنى. والتفويض أشد من جهة أنه جعل القرآن لا معنى له، فهو بمنزلة الحروف الهجائية، وهذا سفه أن ينزل القرآن لأمة تربى على التوحيد وعلى ما يجب الله ثم تكون دلالته على هذه المعاني مفقودة، فهذا أشد من هذه الناحية، ومن جهة أن الإنسان لم يجرؤ على أن يقول على الله ما لا يعلم يكون أهون. فكل منهما له سوء، وكلاهما ضلال. فإن قيل: ما الحد الفاصل بين السلف والخلف؟ نقول: أولاً: اعلم أن السلف قد يراد به المذهب، وهذا يشمل من أخذ بهذا المذهب إلى يوم القيامة، وليس له حد زمني، فكل من قال بما دل عليه الكتاب والسنة فهو من السلف، وعلى هذا فلا حد له. وأما الحد الزمني: فإن المراد بالسلف هم القرون الثلاثة المفضلة، الصحابة والتابعون وتابعوهم، فهؤلاء هم السلف، ومن بعدهم فهم خلف. ويمكن أن يمثل لقاعدة: إذا حذف المضاف فإنه يقوم المضاف إليه مقامه، بقوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة:93]، فالذين عبدوا العجل أشرب ذلك في قلوبهم، أي: جعلت القلوب مثل الأسفنجة التي تشرب هذا الماء. قالوا: المراد بذلك حب عبادة العجل، فيكون المحذوف شيئين؛ أما على تقدير حب العجل فالمحذوف شيء واحد. ولكن حقيقة الأمر أن المحذوف شيئان؛ لأن الذي أشرب في قلوبهم حب عبادة العجل. وعلى كل حال سواء كان المقدر واحداً أو اثنين أو أكثر حسب ما يقتضيه المقام؛ فإنه يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه معرباً فإعرابه: إن كان مرفوعاً فهو مرفوع، أو منصوباً فهو منصوب، أو مجروراً فهو مجرور، لكن المجرور لا يظهر فيه الأثر، لأن المضاف إليه يكون مجروراً.

حذف المضاف مع بقاء المضاف إليه مجرورا

حذف المضاف مع بقاء المضاف إليه مجروراً قال: [وربما جروا الذي أبقوا كما قد كان قبل حذف ما تقدما] فالضمير في (جروا) يعود على العرب. أفادنا المؤلف رحمه الله أنه يجوز أن يبقى المضاف إليه مجروراً، لكن بشرط أن يكون معطوفاً على مثل الذي جر الأول، مثال ذلك قول الشاعر: أكل امرئ تحسبين امرأً ونار توقد بالليل ناراً (كل) مفعول أول لتحسبين. و (امرأً) مفعولها الثاني، و (نارٍ) معطوفة على (امرأً)، يعني: وتحسبين كل نارٍ، فهنا ما حذف مماثل لما عليه قد عطف، فالمحذوف كل، وهي مماثلة لكل التي عطفت عليها؛ فلذلك جاز أن يبقى المضاف إليه مجروراً، كما لو لم يكن المضاف محذوفاً. والقاعدة من البيتين: أنه يحذف المضاف فيقوم المضاف إليه مقامه، وقد يبقى المضاف إليه مجروراً، بشرط أن يكون المحذوف مماثلاً للمعطوف عليه.

حذف المضاف إليه مع بقاء المضاف غير منون

حذف المضاف إليه مع بقاء المضاف غير منون قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحذف الثاني فيبقى الأول كحاله إذا به يتصل] فالثاني هو المضاف إليه، وقوله: (إذا به يتصل) قد سبق معنا أن (إذا) تضاف إلى الأفعال، وهنا أضيفت إلى الجار والمجرور، فنقول: الجار والمجرور متعلق بيتصل، وعلى هذا فهي في الحقيقة مضافة إلى الفعل، فيبقى الأول كأن لم يحذف. ومعنى: (يبقى كأن لم يحذف) يعني: أنه يعرب بلا تمييز، وإذا كان اسماً لا ينصرف فإنه يصرف؛ لأنه يكون كحاله إذا به يتصل، لكن بشرط أن يوجد في المعطوف مثل المحذوف من الأول، مثاله تقول: قطع الله يد ورجل من قطع الطريق. فهنا مضافان: يد ورجل. أما (رجل) وهي الثانية فمضافة حقيقة إلى (من). وأما (يد) فليست مضافة لفظاً، لكنها مضافة تقديراً، والتقدير: قطع الله يد من قطع الطريق، ورجل من قطع الطريق. والنحويون في هذه المسألة اختلفوا على ثلاثة أقول: القول الأول: ما مشى عليه المؤلف أن الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، والأصل: قطع الله يد من قطعها ورجل من قطعها. القول الثاني: أن الحذف من الثاني، والذي بعده تبع الأول، فأقحم الثاني بين المضاف والمضاف إليه، والأصل: قطع الله يد من قطعها ورجل، يعني: ورجل من قطعها. وهذا قول ضعيف بلا شك؛ لأن الأصل أن يكون المضاف موالياً للمضاف إليه، ثم هذا الإقحام إقحام بالواو فيقتضي أنه لم يقحم وأنه مستقل معطوف. القول الثالث: أن الاسمين مضافان إلى المضاف إليه الأخير، فتقول: يد مضاف، ورجل: مضاف، ومن قطعها: مضاف إليه. وعلى القاعدة يكون الراجح هو القول الأخير، فتقول: (قطع) فعل ماضٍ، و (الله) فاعل، و (يد) مفعول به، و (الواو) حرف عطف، و (رجل) معطوف على يد، وهما مضافان إلى الاسم الموصول (من).

المضاف إلى ياء المتكلم

المضاف إلى ياء المتكلم البحث هنا في أمرين: الأمر الأول: في هذه الياء. والأمر الثاني: في المضاف إلى الياء. مثال ذلك: جاء غلامي، فالمضاف كسرناه، والياء سكناها. ويجوز الفتح، فتقول: جاء غلاميَ. ويجوز حذف الياء كما في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} [طه:125]، فالياء في (رب) حذفت. ويجوز إبدالها ألفاً، فتقول: جاء غلاما، يعني: غلامي. ويجوز حذف الألف فيبقى ما قبلها مفتوحاً، فتقول: جاء غلامَ. فصار في الياء خمسة أوجه. والسبب في ذلك أن العرب تكثر من الإضافة إلى ياء المتكلم، فصاروا ينطقون بها على وجوه شتى، كالأشياء التي تكثر عندهم؛ تجد لها عدة أسماء كالأسد، والسنور، والقط، والبسَ هو بفتح الباء، قال في القاموس: والعامة تكسر الباء. أما بالنسبة للمضاف إلى الياء، فيقول المؤلف: [آخر ما أضيف لليا اكسر إذا لم يك معتلاً كرامٍ وقذى أو يك كابنين وزيدين فذي جميعها اليا بعد فتحها احتذى] لآخر: مفعول به مقدم لقوله: اكسر، يعني: اكسر آخر ما أضيف للياء. والمراد بالياء هنا ياء المتكلم، بدليل قوله في العنوان: المضاف إلى ياء المتكلم. قوله: (إذا لم يك معتلاً)، (أو يك كابنين وزيدين) أي: يكسر آخر ما يضاف إلى الياء إلا في ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون معتلاً، كرامٍ وقذى، فرامٍ معتل بالياء، وقذى معتل بالألف، فهذه لا تكسر. أما ما كان بالياء فإن آخره يكون مسكناً، تقول: جاء قاضيْ، وهذا راميْ، فهو مسكن ليس مكسوراً؛ لأن الياء لا تظهر عليه الكسرة، لكنها لما كانت ياء وياء المتكلم، فأدغمت الياء في الياء، فقيل: راميَّ وهاديَّ، وما أشبه ذلك. و (قذى) لما كان آخره ألف، فإنها تبقى الألف فلا تقلب ياء، وتثبت الياء، فتقول: هذه عصاي، قال الله تعالى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} [طه:18]، ولا يمكن أن يكسر آخره، ولا داعي للقلب؛ إذ إن الياء يصح أن تقع بعد الألف، على أنه في لغة بعض العرب تقلب ياءً، كقول الشاعر: سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع وهذه لغة هذيل كما سيأتي في كلام المؤلف. قوله: (أو يك كابنين وزيدين) ابنين: يعرب إعراب المثنى، وزيدين: جمع مذكر سالم، ففي هذه الحال لا يكسر ما قبل الياء، إنما يسكن، تقول: بعت غلامَيّ، ومررت بغلامَيّ، فما قبل الياء ساكن، لكن في حال الرفع مثل: جاء غلاماي تبقى الألف، وإن كان معتلاً بالألف. يقول: (وزيدين)، زيدين جمع مذكر سالم، وإذا كان جمع مذكر سالم فإنه لا يكسر ما قبل الياء، إنما يسكن، فتقول مثلاً: مررت بزيدي، فتسكن الياء وتدغم في ياء المتكلم. إذاً: ما قبل الياء فإنه يجب كسره إلا في ثلاثة مواضع: إذا كان معتلاً أو مثنى أو جمع مذكر سالم. قوله: (جميعها اليا بعد فتحها احتذي) المسائل الثلاث هذه تبقى الياء فيها مفتوحة، تقول: هذا هاديَّ، ولهذا قال: (جميعها الياء بعد فتحها) أي بعد الألف أو الياء. قوله: (تدغم اليا فيه والواو). أما الياء فواضحة؛ لأنه اجتمع حرفان من جنس واحد وأحدهما ساكن فيدغمان. والواو كذلك تدغم في الياء، فإن كان ما قبلها مضموماً كسر ليناسب الياء، فمثلاً: مسلمِيّ أصلها مسلمُوي، فأدغمت الواو في الياء وكسرت الميم. وقول الشاعر: سبقوا هويّ، أصلها: هواي، لكن لغة هذيل قلب الألف المقصورة ياء ثم أدغمت في ياء المتكلم فأصبحت: هويَّ.

شرح ألفية ابن مالك [44]

شرح ألفية ابن مالك [44] يعمل المصدر عمل فعله، فإن كان فعله لازماً فهو لازم، وإن كان فعله متعدياً فهو متعد.

إعمال المصدر

إعمال المصدر

متى يعمل المصدر عمل فعله

متى يعمل المصدر عمل فعله هذا الفصل لإعمال المصدر، والمصدر تقدم لنا أنه اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل، مثل أمنٍ من أمن، ومثل ضربٍ من ضرب، وأكلٍ من أكل، وشربٍ من شرب إلى آخره. والمصدر يعمل عمل فعله لكن بشروط؛ ولهذا قال: [بفعله المصدر ألحق في العمل]. (المصدر) مفعول مقدم لقوله: (ألحق). و (بفعله) جار ومجرور متعلق بألحق. يعني: ألحق المصدر بفعله في العمل، فإن كان الفعل لازماً صار المصدر لازماً، وإن كان متعدياً لواحد صار متعدياً لواحد، وإن كان متعدياً لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر صار متعدياً لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر، أو كان متعدياً لاثنين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً فالمصدر كذلك. فالمهم أن يكون حسب فعله، فتقول: يعجبني ضربك زيداً، فهنا متعدٍ لواحد هو (زيداً) والكاف هذه محل فاعل؛ لأنك أنت ضارب وزيداً مضروب فهو مفعول به. قال الله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا} [البلد:14 - 15]، فقوله: (يتيما) مفعول به للمصدر (إطعام). المتعدي لاثنين ليس أصلهما المبتدأ والخبر مثاله: يعجبني كسوتك زيداً قميصاً. نصب المصدر مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر وهما زيداً وقميصاً، فتقول: (كسوة) مضاف و (الكاف) مضاف إليه وهو هنا مضاف إلى فاعله، وزيداً مفعول أول، وقميصاً مفعول ثاني. ومثال المتعدي لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر، تقول: عجبت من ظنك عيسى نائماً. تقول: (ظن) مضاف، و (الكاف) مضاف إليه من باب إضافة المصدر إلى فاعله، (عيسى) مفعول أول منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، و (نائماً) مفعول ثان منصوب بالفتحة الظاهرة. ولو كان الفعل ينصب ثلاثة مفاعيل فإن المصدر ينصب ثلاثة مفاعيل، مثاله: عجبت من إعلامك زيداً عمراً قائماً، ومعنى المثال: أنك معلم زيد أن عمراً قائم؛ فأنا عجبت من ذلك. نقول: (إعلام) مضاف، و (الكاف) مضاف إليه، وهو من باب إضافة المصدر إلى فاعله، و (زيداً) مفعول أول، و (عمراً) مفعول ثان، و (قائماً) مفعول ثالث.

أحوال عمل المصدر

أحوال عمل المصدر قال: [بفعله المصدر ألحق في العمل مضافاً ومجرداً أو مع أل] هذه ثلاث حالات للمصدر: يعمل مضافاً، ويعمل مجرداً من الإضافة ويمكن أن نقول: ومن (أل) أيضاً، وكلها يعمل فيها عمل فعله. مثاله مضافاً: قول تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [البقرة:251] فـ (دفع) مضاف والاسم الكريم مضاف إليه، والناس: مفعول لدفع. ومثاله مجرداً قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا} [البلد:14 - 15]، فهنا (إطعام) مجرد عمل عمل فعله، لكن إذا كان غير مضاف ولا محلى بـ (أل) يجب تنوينه. مثاله مع أل قولنا: عجبت من الضرب عمراً، أو عجبت من الأكل طعاماً أي: من أكلك الطعام أو من ضربك عمراً. ومثاله أيضاً قول الشاعر: فإنك والتأبين عروة بعدما دعاك وأيدينا إليه شوارع فالشاهد: (والتأبين عروة) حيث نصب عروة بالتأبين وهو مصدر محلى بأل. وكذلك قول الشاعر: لقد علمت أولى المغيرة أنني كررت لم أنكل عن الضرب مسمعا والشاهد: (عن الضرب مسمعاً) حيث نصب مسمعاً بالضرب. وهذا على كل حال قليل. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إن كان فعل مع أن أو ما يحل محله ولا اسم مصدر عمل] مثال ذلك: عجبت من ضربك زيداً، فأجعل محله فعلاً مصدراً بأن، فأقول: عجبت من أن تضرب زيداً، أو (ما) المصدرية؛ عجبت مما تضرب زيداً، أي: من ضربك. وقوله: (أو ما يحل محله) احتراز مما إذا لم يحل محله (أن) و (ما)، كما في قولك: ضربي شديد، فهنا لا يحل محله أن والفعل؛ لأنك لا تستطيع أن تقول: أن أضرب شديداً. وإذا قلت: مثلاً: حمل البعير ثقيل، لا يعمل؛ لأنه ليس على تقدير أن ولا ما. وقولك: عجبت من ضربك العبد مكتوفاً، الذي يحل محله: أن تضربه. قال: (ولاسم مصدر عمل). جار ومجرور خبر مقدم، و (عمل) مبتدأ مؤخر. والمعنى: أن اسم المصدر يعمل كما يعمل المصدر، لكن الفرق بينهما أن اسم المصدر ما كان فيه معنى الفعل دون حروفه، والمصدر ما كان فيه حروف الفعل. فالكلام اسم مصدر؛ لأن المصدر تكليم. والسلام اسم مصدر؛ لأن المصدر تسليم. وأخرجته خروجاً، فخروجاً اسم مصدر؛ لأن المصدر إخراج. وفي قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح:17]، (نباتاً) اسم مصدر. وتقول: عجبت من كلامك زيداً، فهذا اسم مصدر، عمل عمل الفعل. فـ (عجبت) فعل وفاعل. و (من): حرف جر، (كلامك) كلام: اسم مجرور بمن، وهو مضاف، والكاف ضمير مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. و (زيداً) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

جواز مراعاة اللفظ أو المحل فيما أضيف إليه المصدر

جواز مراعاة اللفظ أو المحل فيما أضيف إليه المصدر ثم قال: [وبعد جره الذي أضيف له كمل بنصب أو برفع عمله] قول المؤلف: (بعد جره الذي أضيف له) أي: بعد جر المصدر الذي أضيف له، فهنا (جره) مصدر مضاف إلى الفاعل، وقوله: (الذي أضيف له) مفعول به في محل نصب. يعني: إذا أضفت المصدر إلى اسم فإنه يكون في محل جر. يقول: (كمل بنصب أو برفع عمله) أي: كمل بنصب إن أضيف إلى الفاعل، أو برفع إن أضيف إلى المفعول. فأفادنا المؤلف رحمه الله من هذا البيت قاعدة وهي: أن المصدر يضاف إلى فاعله فينصب مفعولاً، ويضاف إلى مفعوله فيرفع فاعله، فإذا كان الفعل ينصب مفعولين؛ فإن مصدره ينصب المفعولين، مثل أن تقول: عجبت من ظنك زيداً قائماً، فظنك يضاف إلى الفاعل، و (زيداً) مفعول أول، و (قائماً) مفعول ثاني. وعجبت من إعلامك زيداً عمراً واقفاً، نصب المصدر ثلاثة مفاعيل. ومثال إضافته إلى المفعول ويأتي بعده الفاعل قول الشاعر: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقاد الصياريف (الهاجرة) هي شدة حر الشمس، فهو يصف ناقته بأنها قوية تمشي، إذا ضربت الحصاة فإنها تنفيها. (نفي الدراهيم تنقاد الصياريف) الدراهيم جمع درهم، وتنقاد بمعنى: نقد، والصياريف يعني: الصيارفة، فالصيارفة عندما يعدون الدراهم يعدونها بسرعة فائقة. وقوله: (نفي الدراهيم)، نفي مصدر مضاف إلى مفعوله، (تنقاد) فاعل نفي، و (تنقاد) مضاف و (الصياريف) مضاف إليه. إذاً: نقول: إن المصدر يضاف إلى فاعله فينصب مفعوله أو مفاعيله، ويضاف إلى مفعوله فيرفع فاعله. يقول: [وجر ما يتبع ما جر ومن راعى في الاتباع المحل فحسن] إذا جر فإن الذي يتبع المجرور يجوز فيه وجهان: أحدها: مراعاة اللفظ، وإذا راعينا اللفظ صار التابع مجروراً. والثاني: مراعاة المحل، وحينئذ يكون مرفوعاً أو منصوباً. تقول: عجبت من ضرب زيدٍ الطويل عمراً. فهنا أضيف المصدر إلى الفاعل، والفاعل محله في الأصل الرفع، لكنه مجرور لفظاً بالإضافة، فيجوز أن تقول: من ضرب زيد الطويلِ عمراً، ويجوز: من ضرب زيد الطويلُ عمراً. والأحسن مراعاة اللفظ إلا إذا حصل لبس، فلو قلت: عجبت من ضرب زيدٍ القويَّ عمراً، بالجر احتمل أن تكون (القوي) صفة للضرب، وأن تكون صفة للضارب فحينئذ تترجح مراعاة المحل، فنقول: عجبت من ضرب زيدٍ القويُّ عمراً. إذاً: الأصل مراعاة اللفظ، لكن إذا كان هناك لبس فالأفضل مراعاة المحل؛ ولهذا قال: (من راعى في الاتباع المحل فحسن) فجعله حسناً، ثم هو قد يكون أحسن وقد يتعين أحياناً أن نراعي المحل إذا خيف اللبس.

شرح ألفية ابن مالك [45]

شرح ألفية ابن مالك [45] الصفة المشبهة تعمل عمل اسم الفاعل بشروط، فهي فرع عنه في العمل، والصفة المشبهة قد تكون مقترنة بأل وقد تكون مجردة منها، وكذلك ما تعمل فيه.

تابع صياغة اسم الفاعل

تابع صياغة اسم الفاعل

صياغة اسم الفاعل من فعل

صياغة اسم الفاعل من فَعُل ولهذا قال المؤلف: [وفعل أولى وفعيل بفعُل كالضخم والجميل والفعل جَمُل]. قال تعالى: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} [طه:96]، اسم الفاعل من بصر: بصير. قال المؤلف: [وأفعل فيه قليل وفعل وبسوى الفاعل قد يغنى فعل]. فقوله: (وأفعل فيه قليل): أي: في الثلاثي المضموم العين ترد أفعل لكنها قليلة. وقوله: (فَعَل) مثل: بَطُل فهو بَطَل. وقوله: (وبسوى الفاعل قد يغنى فعل). القياس أن اسم الفاعل من فَعَلَ على وزن فاعل، لكن أحياناً لا يكون على وزن فاعل وهذا قليل. وبهذا علمت أن اسم الفاعل من الثلاثي لا يكون مطرداً على وزن فاعل وعليه يكون هذا ضابطاً أغلبياً.

صياغة اسم الفاعل من غير الثلاثي

صياغة اسم الفاعل من غير الثلاثي ثم قال: [وزنة المضارع اسم فاعل من غير ذى الثلاث كالمواصل]. زنة اسم الفاعل من غير الثلاثي، وهو الرباعي، والخماسي، والسداسي؛ يكون على وزن المضارع تماماً، مثال ذلك من الرباعي: أكرمَ اسم الفاعل: مكرِم؛ لأن المضارع يكرم. ودحرج اسم فاعله: مدحرج؛ لأن مضارعه يدحرجُ. وإذا قلت: اصطفى، فمصطفى اسم فاعل، لأن المضارع يصطفي. واجتبى اسم الفاعل منه مجتب؛ لأن المضارع يجتبي. قال المؤلف: [مع كسر متلو الأخير مطلقاً وضم ميم زائد قد سبقا] إذا قلنا: يستغفر، فاسم الفاعل مستغفر. وقوله: (مع كسر متلو الأخير مطلقاً). الذي يتلوه الأخير هو ما قبل الأخير، فيكون مكسوراً. وقوله: (وضم ميم زائد قد سبقا). يعني: سبق الحروف، فالميم في أوله. إذاً: زد ميماً مضمومة واكسر ما قبل الآخر، واستمر على هذه القاعدة: واصل مُواصل، طارد مُطارد، داهن مُداهن، وعلى هذا فقس. فصار وزنه وزن المضارع إلا أنه يكون بدل حرف المضارعة ميماً مضمومة، ويكسر ما قبل الآخر على كل حال.

صياغة اسم المفعول

صياغة اسم المفعول قال: [وإن فتحت منه ما كان انكسر صار اسم مفعول كمثل المنتظر]. إذا أردت أن تصيغ اسم المفعول من الزائد على الثلاثة فافتح ما قبل الآخر، وهو ما كان مكسوراً في اسم الفاعل، مثاله: منتظِر منتظَر، مكرِم مكرَم، مستخرِج مستخرَخ. قال: [وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد زنة مفعول كآت من قصد] اسم المفعول الثلاثي مطرد على زنة مفعول، تقول: ضُرِبَ فهو مضروب، وأُكل فهو مأكول، خرجَ مخروج، تقول: هذا الباب مخروج منه. دخل مدخول، تقول: البيت مدخول. وقوله: (كآت من قصد). (آتٍ): يعني: كاسم المفعول الآتي من قصدَ، وهو مقصود.

نيابة فعيل عن مفعول في الدلالة على معناه

نيابة فعيل عن مفعول في الدلالة على معناه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وناب نقلا عنه ذو فعيل نحو فتاة أو فتى كحيل] (ناب عنه): أي: عن اسم المفعول في الثلاثي. قوله: (نحو فتاة أو فتى كحيلِ) وهذا كثير في اللغة العربية، فكحيل بمعنى: مكحول، وقتيل بمعنى: مقتول، وذبيح بمعنى: مذبوح، وليد بمعنى: مولود.

الصفة المشبهة باسم الفاعل

الصفة المشبهة باسم الفاعل

تعريف الصفة المشبهة باسم الفاعل

تعريف الصفة المشبهة باسم الفاعل من المعلوم أن اسم الفاعل يدل على الحدث وفاعله، لكن الصفة المشبهة تدل على الثبوت والاستمرار، فهي لا يقصد بها الحدث، ولهذا قيل: مشبهة باسم الفاعل، يعني: وليست منه، وأوزانها في الغالب تخالف أوزان اسم الفاعل، ومن مفارقتها لاسم الفاعل: أنه يحسن جر الفاعل بها، أي: أنه يحسن أن تكون مضافة إلى الفاعل بخلاف اسم الفاعل، فإن اسم الفاعل الأصل فيه العمل وهو: إما الرفع، أو النصب. قال: [صفة استحسن جر فاعل معنى بها المشبهة اسم الفاعل] هذا تعريف لحكمها وعملها، أما تعريفها حقيقة: أنها كل صفة تدل على الثبوت والاستمرار فيمن اتصف بها. وقوله: (استحسن جر فاعل معنى بها). إنما قال: (فاعل معنى)؛ لأن بعض الجر لا يكون فاعلاً، ويكون مضافاً إليه، لكنه في الحقيقة فاعل، تقول: هذا رجل حسنُ الوجه، حسن: مضاف، و (الوجه): مضاف إليه، لكن في المعنى: حسن وجهه، ولهذا قال: معنى بها. (صفة): مبتدأ، والمشبهة: خبر. (اسم الفاعل): مفعول للمشبهة. والمعنى هذه هي الصفة المشبهة لاسم الفاعل، والتي يحصل بها جر الفاعل بالمعنى.

مم تصاغ الصفة المشبهة

مم تصاغ الصفة المشبهة قال المؤلف رحمه الله: [وصوغها من لازم لحاضر كطاهر القلب جميل الظاهر] (صوغ): مبتدأ، و (من لازم): خبره، يعني: لا تصاغ إلا من الفعل اللازم الذي لا يتعدى، وقد سبق لنا أن الأفعال منها لازم، ومنها متعدٍ، وأن علامة الفعل المعدى أن تصل ها غير مصدر به نحو عمل، أي: على نكرة. وهي تصاغ من الفعل اللازم للحاضر، دون الماضي والمستقبل، مثالها: (طاهر القلب) ليست اسم فاعل، لكنها صفة مشبهة؛ لأن المقصود بها الثبوت والاستمرار، وليس المقصود: أننا غسلنا قلبه حتى طهر. إنما المقصود أن قلبه نقي من الحقد والحسد والغل، وجسمه سليم من العيوب، ولهذا قال: (جميل الظاهر)، فيكون حسناً في ظاهره وباطنه. (القلب) فاعل في المعنى، إذ إن المعنى: طهُر قلبه، وجميل الظاهر معناه: جَمُل ظاهره. وقال: [وعمل اسم فاعل المعدى لها على الحد الذي قد حدا] هذه من الغرائب أنها تصاغ من اللازم، ثم تعمل عمل اسم فاعل معدى، يعني: أنها قد تنصب، لكنها لا تنصب على المفعولية لكونها من اللازم، وإنما تنصب على التشبيه بالمفعول به. (على الحد الذي قد حدا). أي: نقيس على الثلاثي. قال ابن عقيل: [قد سبق أن المراد بالصفة ما دل على معنى وذات، وهذا يشمل: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأفعل التفضيل، والصفة المشبهة. وذكر المصنف أن علامة الصفة المشبهة استحسان جر فاعلها بها نحو: حسن الوجه ومنطلق اللسان، وطاهر القلب مرفوع بطاهر وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات، فلا تقول: زيد ضارب الأب عمراً، تريد: ضارب أبوه عمرا، ولا زيد قائم الأب غداً؛ تريد: زيد قائم أبوه غداً، وقد تقدم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه فتقول: زيد مضروب الأب، وهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة]. فاسم الفاعل لا يمكن أن يجر فاعله، فلا تقول: زيد ضارب أبيه عمراً، وإذا أردت أن أخبر عن زيد بأن أباه ضرب عمراً، أقول: زيد ضاربٌ أبوه عمراً. وتقدم لنا أن اسم المفعول قد يضاف إلى فاعله، كمحمود المقاصد الورع، وقلنا فيما سبق: إن هذا مستثنى من قوله: [وكل ما قرر لاسم فاعل يعطى اسم مفعول بلا تفاعل] قال ابن مالك رحمه الله تعالى: [وصوغها من لازم لحاضر كطاهر القلب جميل الظاهر] قال ابن عقيل رحمه الله: [يعني: أن الصفة المشبهة لا تصاغ من فعل متعد فلا تقول: زيد قاتل الأب بكرا، تريد: قاتل أبوه بكراً، بل لا تصاغ إلا من فعل لازم نحو: طاهر القلب وجميل الظاهر]. اسم الفاعل يصاغ من المتعدي كثيراً، تقول: أنا آكل الطعامَ، أنا لابس الثوب، أنا داخل المسجد. أما الصفة المشبهة فلا تصاغ أبداً من المتعدي، فلا يصح أن تقول: فلان لابس الثوبِ، لأنك لو قلت: لابس الثوبِ صارت مضافةً إلى إلى المفعول. قال ابن عقيل: [ولا تكون إلا للحال وهو المراد بقوله: (لحاضر) فلا تقول: زيد حسن الوجه غدا أو أمس]. ونبه بقوله: (كطاهر القلب جميل الظاهر). على أن الصفة المشبهة إذا كانت من فعل ثلاثي تكون على نوعين: أحدهما: ما وازن المضارع نحو: طاهر القلب، وهذا قليل فيها. والثاني: ما لم يوازنه وهو الكثير، نحو: جميل الظاهر، وحسن الوجه، وكريم الأب، وإن كانت من غير ثلاثي وجب موازنتها المضارع نحو: منطلق اللسان].

عمل الصفة المشبهة

عمل الصفة المشبهة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعمل اسم فاعل المعدى لها على الحد الذي قد حدا] قال ابن عقيل: [أي: يثبت لهذه الصفة عمل اسم الفاعل المتعدي، وهو الرفع والنصب، نحو: زيد حسن الوجه، ففي (حسن) ضمير مرفوع هو الفاعل، والوجه منصوب على التشبيه بالمفعول به، لأن حسناً شبيه بضارب فعمل عمله. وأشار بقوله: (على الحد الذي قد حدا). إلى أن الصفة المشبهة تعمل على الحد الذي سبق في اسم الفاعل، وهو أنه لا بد من اعتمادها، كما أنه لا بد من اعتماده]. قال ابن مالك: [وسبق ما تعمل فيه مجتنب وكونه ذا سببية وجب] معنى مجتنب: لا يجوز، فلا تقول: جاء الوجه الحسن، حتى لو كان الوجه منصوباً وذلك لضعفها، بخلاف اسم الفاعل فإنه يجوز تقديم مفعوله، فتقول: أنا زيداً ضارب غداً. وقوله: (وكونه ذا سببية وجب). أي: يجب أن يكون معمولها ضمير يعود عليها، نحو: زيد حسن وجهه، ولا تعمل في أجنبي، فلا تقول: زيد حسن عمراً. ثم قال: [فارفع بها وأنصب وجر مع أل ودون أل مصحوب أل وما اتصل] يعني: أنه إذا كان معمولها مصحوباً بأل جاز فيه ثلاثة أوجه، سواء كانت هي مسبوقة بأل أم غير مسبوقة. فمصحوب أل هنا تنازع فيه العوامل الثلاثة: ارفع، وانصب، وجر. أما قوله: (مع أل ودون أل) فهذا يعود إلى الصفة نفسها، مثال ذلك: تقول في الرفع: الحسنُ الوجه. وتقول في النصب: جاء الحسن الوجهَ. وتقول في الجر: جاء الحسن الوجهِ. والصفة المشبهة في كل ذلك مصحوبة بأل. وقوله: (ودون أل)، مثاله: جاء حسن الوجهُ، جاء حسن الوجهَ، جاء حسن الوجهِ، ولهذا قال: مصحوب أل، وما اتصل بها مضافاً أو مجرداً)، يعني: وكذلك أيضاً: ارفع بها، وانصب، وجر ما اتصل بها مضافاً، أو مجرداً، أي: مضافاً إلى مصحوب أل، أو مجرداً من الإضافة. قال ابن مالك: [بها مضافاً او مجرداً ولا تجرر بها مع أل سما من أل خلا ومن إضافة لتاليها وما لم يخل فهو بالجواز وسما]. قوله: (ولا تجرر بها مع أل سماً) معناه: إذا وجدت مقرونة بأل، فلا تجرر بها اسماً خلا من أل. وهذا مبني على ما سبق في الإضافة أن المقرون بأل لا يضاف إلى خال منها، إلا إذا أضيف هذا الخالي منها إلى مقرون بها هو. ولهذا قال: [ومن إضافة لتاليها وما لم يخل فهو بالجواز وسما] وقوله: (ما لم يخل)، أي: وجدت فيه أل، فهو بالجواز وسما. والخلاصة: أنه يجوز في معمولها الرفع على الفاعلية، والنصب على التشبيه بالمفعول به إن كان محلى بأل، وعلى التمييز أو التشبيه بالمفعول به إن كان مجرداً من أل. أما الجر: فيجوز إن كانت الصفة محلاة بأل، والمعمول محلى بأل، أو مضافاً إلى محلى بأل. أما إذا كان مجرداً من أل ولم يضف إلى ما فيه أل فإن الجر يكون جائزاً تقول مثلاً: هذا حسنٌ وجه؛ لأنه إذا جردت من أل جاز في معمولها كل الأوجه الثلاثة بدون تفصيل مثل: هذا حسن الوجهِ، هذا حسن الوجهَ. أما إذا قرنتها بأل فيمتنع الجر إلا إذا كانت أل موجودة في المعمول، أو كان المعمول مضافاً لما فيه أل. قال ابن عقيل: [لما كانت الصفة المشبهة فرعا في العمل عن اسم الفاعل قصرت عنه، فلم يجز تقديم معمولها عليها كما جاز في اسم الفاعل، فلا تقول: زيد الوجه حسن، كما تقول: زيد عمراً ضارب، ولم تعمل إلا في سببي نحو: زيد حسن وجهه، ولا تعمل في أجنبي فلا تقول: زيد حسن عمراً، واسم الفاعل يعمل في السببى والأجنبي نحو: زيد ضارب غلامه، وضارب عمراً]. قال ابن مالك: [فارفع بها وأنصب وجر مع أل ودون أل مصحوب أل وما اتصل بها مضافا أو مجرداً ولا تجرر بها مع أل سما من أل خلا ومن إضافة لتاليها وما لم يخل فهو بالجواز وسماً] قال ابن عقيل: [الصفة المشبهة إما أن تكون بالألف واللام نحو: الحسن، أو مجردة عنهما نحو: حسن، وعلى كل من التقديرين لا يخلو المعمول من أحوال ستة: الأول: أن يكون المعمول بأل نحو: الحسن الوجه، وحسن الوجه. الثاني: أن يكون مضافا لما فيه أل نحو: الحسن وجه الأب، وحسن وجه الأب. الثالث: أن يكون مضافا إلى ضمير الموصوف نحو: مررت بالرجل الحسن وجهه، وبرجل حسن وجهه. الرابع: أن يكون مضافا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو: مررت بالرجل الحسن وجه غلامه، وبرجل حسن وجه غلامه. الخامس: أن يكون مجرداً من أل دون الإضافة نحو: الحسن وجه أب، وحسن وجه أب. السادس: أن يكون المعمول مجردا من أل والإضافة نحو: الحسن وجهاً، وحسن وجهاً. فهذه اثنتا عشرة مسألة والمعمول في كل واحدة من هذه المسائل المذكورة: إما أن يرفع، أو ينصب، أو يجر فيتحصل حينئذ ست وثلاثون صورة. وإلى هذا أشار بقوله: (فارفع بها) أي بالصفة المشبهة، (وانصب وجر مع أل) أي: إذا كانت الصفة بأل نحو: الحسن، (ودون أل) أي: إذا كانت الصفة بغير أل نحو: حسن، (مصحوب أل) أي: المعمول المصاحب لأل نحو: الوجه، و (ما اتصل بها مضافا أو مجرداً) أي: والمعمول المتصل بها -أي: بالصفة- إذا كان المعمول مضافاً، أو مجرداً من الألف واللام والإضافة. ويدخل تحت قوله: (مضافاً) المعمول المضاف إلى ما فيه أل، نحو: وجه الأب، والمضاف إلى ضمير الموصوف نحو: وجهه، والمضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف نحو: وجه غلامه، والمضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة نحو: وجه أب. وأشار بقوله: (ولا تجرر بها مع أل إلى آخره) إلى أن هذه المسائل ليست كلها على الجواز، بل يمتنع منها إذا كانت الصفة بأل أربع مسائل: الأولى: جر المعمول المضاف إلى ضمير الموصوف نحو: الحسن وجهه. الثانية: جر المعمول المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف نحو: الحسن وجه غلامه. الثالثة: جر المعمول المضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة نحو: الحسن وجه أب. الرابعة: جر المعمول المجرد من أل والإضافة نحو: الحسن وجه. فمعنى كلامه: (ولا تجرر بها) أي: بالصفة المشبهة إذا كانت الصفة مع أل اسما خلا من أل أو خلا من الإضافة لما فيه أل، وذلك كالمسائل الأربع. وما لم يخل من ذلك يجوز جره كما يجوز رفعه ونصبه، كالحسن الوجه، والحسن وجه الأب، وكما يجوز جر المعمول ونصبه ورفعه إذا كانت الصفة بغير أل على كل حال]. والحقيقة أن كلامه رحمه الله في الصفة المشبهة كلام طويل أشبه بتمرين الطالب؛ لأن مثل هذه المسائل تجيء في كلام العرب، يعني: كأنهم يريدون بذلك تمرين الجهلة. والغالب أنه إذا جاءت الصفة المشبهة أن معمولها يكون مضافاً إلى ضمير الموصوف بها، فتقول: الحسن الوجه. أو إلى محلى بأل مثل: الطاهر القلب. ثم إن الغالب أيضاً أنه إذا كان محلى بأل؛ أي: المعمول، فإنه يكون مجررواً، وإذا كان مضافاً إلى الضمير، فإنه يكون مرفوعاً، تقول: الطاهرِ قلبهُ، والطاهر القلبِ، ولا تقول: الطاهر القلبُ، وإن كان جائزاً لكنه غالباً لا يكون.

شرح ألفية ابن مالك [46]

شرح ألفية ابن مالك [46] للتعجب صيغتان اصطلاحيتان عند النحاة هما: ما أفعله، أفعل به، وتجريان عندهم مجرى المثل، فلا يجوز تغييرهما ولا التصرف في فعليهما، ويشترط فيما تصاغان منه شروط إذا انخرم أحدها أتينا بفعل مساعد.

التعجب

التعجب

صيغتا التعجب

صيغتا التعجب قال ابن مالك رحمه الله تعالى: [بأفعل انطق بعد ما تعجبا أو جئ بأفعل قبل مجرور ببا] قوله: (تعجباً) يصح أن تكون مفعولاً لأجله، أي: لأجل التعجب، أو مصدراً في موضع الحال، أي: متعجباً. و (ما): يقولون: إنها نكرة تامة، ولكن عند الإعراب تقول: (ما) تعجبية، مثال هذا: ما أجود النبي صلى الله وعليه وسلم، فتقول: (ما): تعجبية اسم مبني على السكون في محل رفع. و (أجود) فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله مستتر وجوباً تقديره هو يعود على (ما) مع أن القاعدة: أن ما كان تقديره (هو) يقال: مستتر جوازاً. لكن هنا يقولون: إنه مستتر وجوباً؛ لأن هذه الصيغة جرت مجرى المثل عند العرب، فلا يغيرونه، ولا يمكن أن يقولوا: ما أجمل كذا وكذا، فينطقون به. (النبي): مفعول به منصوب بفتحة ظاهرة. ويقال: إن أبا الأسود الدؤلي سمع ابنته وهي تقول: ما أحسنُ السماءِ؟ فقال لها: نجومها؛ لأن الصيغة التي قالت استفهامية، يعني: أحسن السماء نجومها. فقالت: لست أسأل عن ذلك، ولكني أعجب من حسنها. فقال لها: هلا فتحت فاك، يعني قولي: ما أحسنَ السماءَ. وإعرابها أن تقول: (ما): تعجبية اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. (أحسن):فعل ماض، وفاعله مستتر وجوباً تقديره هو يعود على ما. (السماء): مفعول به منصوب بفتحة ظاهرة، والجملة من الفعل والفاعل خبرها. قال: (أو جئ بأفعل قبل مجرور ببا) فتقول مثلاً: أجمل بعمر، يعني: ما أجمله، فـ (أجمل) فعل أمر لفظا لكنها خبر في المعنى، ولذلك جاء الفاعل بها بارزا، فـ (أجمل) فعل تعجب مبني على السكون، و (الباء): حرف جر زائد، و (عمرو): فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وهذا الحرف زائد وجوباً، لا يمكن حذفه، فلا نقول: أجمل زيد، وقد يحذف شذوذاً في الشعر، لكنه في النثر لا يحذف. وكلا الصيغتين موجودة في القرآن قال الله تعالى: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:175] وقال تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا) [مريم:38]، يعني: ما أسمعهم وما أبصرهم يوم يأتوننا. قال المؤلف: [وتلو أفعل انصبنه كما أوفى خليلينا وأصدق بهما] و (تلو) مفعول به لفعل مقدر يفسره ما بعده وهذا من باب الاشتغال، فأصله: وانصب تلو وأفعل، فالفعل اشتغل بضميره، ولكنه يترجح النصب هنا. (كما أوفى) الكاف حرف جر (ما أوفى خليلينا) كلها اسم مجرور بالكاف وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. و (ما): تعجبية اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. (أوفى): فعل ماض مبني على الفتح المقدر على آخره منع من ظهوره التعذر، والفاعل مستتر وجوبا تقديره هو يعود على: (ما). و (خليلينا): مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى، وهو مضاف و (نا) ضمير مبني على السكون في محل جر. وقوله: (أصدق بهما) (أصدق) فعل تعجب مبني على السكون، (بهما) الباء حرف جر زائد، و (الهاء) ضمير مبني على السكون في محل جر باعتبار حرف الجر الزائد، وإلا فحقه أن يكون ضمير رفع.

حذف المتعجب منه عند وضوح المعنى

حذف المتعجب منه عند وضوح المعنى قال: [وحذف ما منه تعجبت استبح إن كان عند الحذف معناه يضح] (حذف): مفعول مقدم لاستبح، وحذف مضاف، و (ما) مضاف إليه. (منه تعجبت): منه متعلقة بتعجبت. استبح: يعني: أجز حذف ما تعجبت منه، لكن بشرط: إن كان عند الحذف معناه يتضح ويبين، قال الله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا) [مريم:38] أصله أسمع بهم وأبصر بهم. وقال تعالى: (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ) [الكهف:26]، أصله: أسمع به وأبصر به، وحذف المتعجب منه في الفعل الثاني لوضوحه، وتقول مثلاً: ما أكرم زيداً، وما أجود، أي: وما أجود زيداً، فنحذفه للعلم به. وعلم من كلامه: أنه إذا لم يتضح المعنى بحذفه، فإنه لا يجوز، كما لو قلت: ما أكرم زيداً وأبخل عمراً، فلا يجوز أن تحذف عمراً؛ لحصول التناقض؛ ما أكرم زيداً وما أبخله. إذاً: لا بد أن يقال: وما أبخل عمراً. ولو قلت: ما أكرم زيدا وما أصبره فإنه يجوز لأنه اتضح ولا يوجد تناقض.

وجوب تقدم فعلي التعجب على المتعجب منه

وجوب تقدم فعلي التعجب على المتعجب منه قال ابن مالك رحمه الله: [وفي كلا الفعلين قدما لزما منع تصرف لحكم حتما] معنى كلام المؤلف: أنه يجب أن يكون الفعلان متقدمين على المتعجب منه، فتقول مثلاً: ما أحسن زيداً، ولا يمكن أن تقول: ما زيداً أحسن. (وفي كلا الفعلين قدما) يعني: تقدما، (لزما). (منع تصرف)، يعني: أن فعلي التعجب لا يتصرفان. (لحكم حتما) يعني: أن هذا حكم محتم لا يمكن أن يتقدم المتعجب منه على الفعلين. فلو قلت: أسمع بزيد وبه أبصر لا يجوز، فلا بد أن يكون المتعجب منه متأخراً؛ لأن صيغة التعجب وردت عن العرب وكأنها أمثلة لا تتغير، فلهذا وجب الترتيب على الصيغة التي وردت.

شروط الفعل الذي يصاغ منه فعلا التعجب

شروط الفعل الذي يصاغ منه فعلا التعجب قال المصنف رحمه الله تعالى: [وصغهما من ذي ثلاث صرفا قابل فضل تم غير ذي انتفا وغير ذي وصف يضاهي أشهلا وغير سالك سبيل فعلا] الضمير في (صغهما) يعود على صيغتي فعل التعجب، (من ذي ثلاث) أي: من الثلاثي، فلا يصاغ من الرباعي، ولا من الخماسي، ولا من السداسي كأسمع من سمع، وأكرم من كرم. وقوله: (صرفا): لا بد أن يكون الفعل الثلاثي متصرفاً، فإن كان جامداً لا يصاغ منه فعل التعجب مثل: نِعْم، لا يمكن أن تقول: ما أنعم زيداً! بمعنى: نعم زيد. لكن لو قلت: ما أنعم زيداً، تعنى: ما أعلى منزلته من نعمَ ينعُم، لا من نِعمَ صح. وبئسَ مثل نعم في ذلك. وقوله: (قابل فضل) هذا الشرط الثالث، ومعناه: لابد أن يكون من فعل يقبل معناه التفاضل، فالكرم مثلاً يقبل التفاضل؛ لأن بعض الناس كريم جداً، وبعضهم وسط، وبعضهم ليس بكريم، فهو قابل للتفاضل. وما لا يقبل التفاضل، مثل: عمى البصر. فالأعمى هو الذي لا يبصر، فلا تقول: ما أعمى زيداً! ومما لا يقبل التفاضل الموت، فلا يصح أن تقول: ما أموته. وقوله: (تم) أي: من فعل تام، مثل: قام، وقعد، وأكل، وشرب، وما أشبه ذلك، وهذا احتراز من الفعل الناقص، فلا يصاغ فعل التعجب من (كان) لكونه فعلاً ماضياً ناقصاً، فلا نقول: ما أكونه قائما! فلا بد أن يكون الفعل تاماً. وقوله: (غير ذي انتفا) معناه: أنه غير منفي، وسواء كان هذا المنفي مما يلزم النفي، أو مما لا يلزمه، فإذا كان منفيا فلا يمكن التعجب منه فإذا قلت: ما قام زيدٌ، لو قلت: ما أقومه، انقلب المعنى من نفي إلى إثبات. ولو قلت: ما عدم قيامه، ثم قلت: ما أعدم قيامه، لا يصح. قال: [وغير ذي وصف يضاهي أشهلا وغير سالك سبيل فعلا] يعني: وصغهما من فعل لا يصاغ منه الوصف على أفعل، مثل: شهل يشهل فهو أشهل، فلا تقول: ما أشهله، وحمر يحمر فهو أحمر، فلا تقول: ما أحمره؛ لأن الوصف وزنه على أفعل. وهذا الشرط فيه اختلاف، فإن بعض النحويين يقول: ليس بشرط، والناس يفهمون الفرق بين غلام أسود شديد السواد وغيره، فما دام أنه قابل للتفاضل يصح أن نقول: ما أسوده. وقوله: (وغير سالك سبيل فُعلا) معناه: ألا يكون مبنياً للمجهول، مثل: ضُرب زيد، فلو أردنا أن نتعجب من هذا الضرب، وقلنا: ما أضرب زيداً، فلا يصح؛ لأن (ما أضربه) معناه أن الضرب وقع منه، وأنت تريد أن تتعجب من ضرب وقع عليه، فيختلف المعنى. ولكن هل يوصف الله تعالى بصفة التعجب؟ A نعم، وهناك قراءة سبعية تدل على ذلك في قوله تعالى: ((بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ)).

صياغة فعلي التعجب مما لم يستوف الشروط

صياغة فعلي التعجب مما لم يستوفِ الشروط قال رحمه الله تعالى: [واشدد أو أشد أو شبههما يخلف ما بعض الشروط عدما]. قوله: و (أشدد) على وزن: (أفعِل). وقوله: (أو أشد) على وزن: (أفَعل)، أفعِل أو أفعَل، مثل: أشدد وأشد وأعظم، وأكبر، وما أشبه ذلك. وقوله: (أو شبههما)، معطوف على قوله: (وأشدد). وقوله: (يخلف): جملة فعلية خبر المبتدأ. وقوله: (ما بعض الشروط عدم). (ما): اسم موصول مفعول لـ (يخلف). و (بعض): مفعول مقدم لقوله: (عدم)، أي: يخلف ما عدم بعض الشروط. وقوله: (عدما) الألف هنا لإطلاق القافية، وليست للتثنية. والقاعدة من هذا البيت يقول المؤلف: إذا لم تتوفر الشروط في كلمة مما تريد أن تتعجب منه فاجعل بدلها أشدد، أو أشد. مثلاً: إذا كان الفعل غير ثلاثي فلا يصاغ منه فعل التعجب، فتأتي بأشدد، أو أشد، فتقول: أشدد باستغفاره! أو ائت بأشد مسبوقاً بما، فتقول: ما أشد استغفاره، أو ما أكثر استغفاره! وسبق أنه لا يصاغ مما الوصف منه على أفعل مثل: أحمر، فلا يقال: ما أحمره، إنما نقول: ما أشد احمراره، أو أشدد باحمراره. وسبق أنه لا يصاغ مما لا يقبل التفاوت كالعمى مثلاً: فلا يقال: ما أعماه، ولا يقال: أعمم به. إذاً: نضيف أشد أو أشدد، فنقول: ما أشد عماه، وأشدد بعماه، وعلى هذا فقس. قال المؤلف رحمه الله: [ومصدر العادم بعد ينتصب وبعد أفعل جره بالباء يجب] مصدر العادم بعض الشروط، ينتصب بعد أشد، فتقول: ما أشد استغفاره! فتأتي بأشد وتحول الفعل إلى مصدر، وتنصبه بأفعل التفضيل، فتقول: ما أشد استغفاره! إن كنت تريد أن تتعجب من شدته. وإن كنت تريد أن تتعجب من كثرته فتقول: ما أكثر استغفاره. وقوله: (وبعد أفعِل جره بالباء يجب)، معناه: أن مصدر العادم إذا أتيت بأفعل يجب جره بالباء، فتقول: أكثر باستغفاره، أشدد بعماه، وعلى هذا فقس. أفادنا المؤلف في هذا البيت أننا إذا أتينا بالنائب الذي هو أشد أو أشدد، فإننا نحول الفعل المتعجب منه إلى مصدر منصوب بعد أشد، أو مجرور بالباء بعد أشدد بعد أفعل به. قال المؤلف رحمه الله: [وباِلندور احكُم لغيْر مَا ذُكِرْ ولا تقس على الذي منه أثر]. (النادر): معناه: القليل جداً. وقوله: (بالندور): متعلق باحكم يعني: احكم بالندور لغير ما ذكر مما خالف الشروط، فإذا وجدت شيئاً من كلام العرب مخالفاً لما قررته فقل: إنه نادر. وهذا شأن النحويين رحمهم الله إذا فصلوا القواعد، فما ورد يقولون: إنه نادر، ولو أنهم قالوا: وإنه يجوز على سبيل الندور لكان الأمر هيناً، لكن يقول: (ولا تقس على الذي منه أثر). (أثر) بمعنى: نقل، يعني: لا تقس على الذي نقل عن العرب مما خالف الشروط، وصاغوا منه التعجب. وذكر ابن عقيل أمثلة، فقال: [ولا يقاس على ما سمع منه، كقولهم: ما أخصره، من اختصر، فبنوا أفعلَ من فِعْل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبني للمفعول. وكقولهم: ما أحمقه، فبنوا أفعل من فعلٍ الوصف منه على أفعل، نحو: حمق فهو أحمَق. وقولهم: ما أعسَاه وأعسِ به، فبنوا أفعل وأفعل به من عسى، وهو فعل غير متصرف]. وعلى كل حال فالمؤلف رحمه الله تعالى يقول: هذا النادر لا يقاس عليه. وعند أهل العلم في الفقه يقولون: إن النادر لا حكم له فالعبرة بالغالب، أما الشاذ الخارج عن النظائر فلا يقاس عليه إنما يعتبر به، ولا يحتج به. وقولهم: ما أخصره كتاب، من اختصر، وبهذا يقال: هذا كتابٌ مختصر، فهذا مخالف للقاعدة، لأنه أكثر من ثلاثة، ولأنه مبني للمجهول. ومع ذلك العرب يقولون: ما أخصره.

امتناع تقديم المعمول وفصله عن فعل التعجب

امتناع تقديم المعمول وفصله عن فعل التعجب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفعل هذا الباب لن يقدما معموله ووصله به الزما وفصله بظرف أو بحرف جر مستعمل والخلف في ذاك استقر] يقول: إن هذا الباب لا يقدم معموله أبداً، فإذا قلت: ما أحسنَ السماءَ، فلا يجوز أن تقدم السماء على الفعل أحسن، فلا تقول: ما السماء أحسنَ، ولا يجوز أن تقول: السماء ما أحسن، فتقدم السماء الذي هو المفعول على (ما) والفعل، وهو داخل في قول المؤلف: (لن يقدما معموله). وقوله: (لن يقدما) الألف هنا للإطلاق، وليست للتثنية، يعني: أن معمول هذا الباب لن يقدم على فعله، سواء تقدم على الفعل دون (ما)، أو على الفعل و (ما). وكذلك الصيغة الثانية: أشدد به، تقول مثلاً: أحسن بالسماءِ، فلا يجوز أن تقول: بالسماء أحسن؛ لأن هذا الباب جرى مجرى الأمثلة، والأمثلة تبقى على ما وردت عن العرب، لا تقدم ولا تؤخر. قال: (ووصله به الزِما). (وصله): مفعول به، و (الزما): فعل أمر وهو الذي عمل في قوله: (وصله)، يعني: والزم وصله به، مثاله: ما أحسنَ السماءَ، والسماء متصلة بالفعل وجوباً، وابن مالك يقول: لن يتقدم على الفعل، ولن يفصل بينه وبينه بالفاصل، ولهذا قال: (وفصله بظرف او بحرف جر مستعمل) أي: لأن شبه الجملة يتوسع فيه. ومنهم من يقول: إنه ممنوع. مثاله: ما أحسن في الغرفة اللمبةَ! فإذا أردت ألا أتعرض للخلاف فأقول: ما أحسن اللمبة في الغرفة، والخلاف -كما قال ابن مسعود - شر. فالخروج عن الخلاف لا سيما في النحو أولى، لكن مع ذلك فقاعدتنا أن المتبع في خلاف النحويين الأسهل والأوسع، وهذا الخلاف ليس في مقتضى النصوص الشرعية، إنما هو مقتضى أمور عقلية، فما دامت المسألة ليس فيها نصوص شرعية فما هو أيسر فهو أولى. قال: (والخلف في ذاك استقر). (الخلف): مبتدأ. وجملة (استقر) هي الخبر، و (في ذاك): متعلق باستقر.

شرح ألفية ابن مالك [47]

شرح ألفية ابن مالك [47] المدح والذم من أساليب العرب الإنشائية، ولهما أفعال تدل عليهما أشهرها (نِعْم) في المدح و (بئس) في الذم، وتأتي أفعال أخرى بمعناهما مثل ساء وحبذا ولا حبذا وفَعُل من الثلاثي، وأحكام أفعال المدح والذم الإعرابية وما تعمل فيه مذكورة بالتفصيل في هذا الباب.

نعم وبئس وما جرى مجراها

نعم وبئس وما جرى مجراها هذان فعلان جامدان فـ (نعم) للمدح، و (بئس): للذم. وهما فعلا إنشاءٍ، وليسا فعلي خبر؛ لأنك تنشىء المدح فيما إذا قلت: نعم الرجل زيدٌ، والذم فيما إذا قلت: بئس الرجل زيدٌ. وقوله: (وما جرى مجراهما)، يريد به: (حبذا) في المدح، و (لا حبذا): في الذم. قال المؤلف: [فعلان غير متصرفين نعم وبئس رافعان اسمين مقارني أل أو مضافين لما قارنها كنعم عقبى الكرما] قوله: (فعلان): خبر مقدم. وقوله: (نعم، وبئس)، (نعم): مبتدأ، و (بئس): معطوف عليه. يعني: أن نعم وبئس فعلان، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، والدليل على ذلك: دخول تاء التأنيث عليهما، فتقول: نعمت المرأة هند، وبئست المرأة دعد، وتاء التأنيث من علامة الأفعال. وقيل: إنهما اسمان، واستدل القائلون بذلك بقول بعض العرب وقد بشر ببنت: ما هي بنعم الولدُ! فأدخل الباء على نعم، وحروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء. وكذلك قول بعضهم: نعم السيرُ على بئس العير، والعير هو الحمار، فأدخل (على) على بئس، وحروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء. لكن القول الأول الذي مشى عليه ابن مالك أصح، وهذان المثالان مؤولان: فمعنى الأول: ما هي بالتي يقال فيها نعم الولد. والثاني يقال فيه: على مركوب يقال فيه: بئس العير. وقول المؤلف: (غير متصرفين) معناه: لا يأتي منهما المضارع، ولا الأمر، ولا المصدر، بل هما هكذا وجدا في اللغة العربية غير متصرفين، وغير المتصرف يسمى جامداً.

أنواع فاعل نعم وبئس

أنواع فاعل نعم وبئس قال: (رافعان اسمين): رافعان: خبر ثان لقوله: نعم وبئس، يعني: هما فعلان غير متصرفين، وكذلك: رافعان اسمين. و (رافعان) عملت في (اسمين) النصب، فقوله: (اسمين): مفعول به لرافعان، وفي (رافعان) ضمير مستتر يعود على نعم وبئس، وليس الضمير هو الألف؛ لأن الألف في قوله: (رافعان) علامة إعراب، وليست ضميراً. والمعنى: أن نعم وبئس يرفعان اسمين، وليس كل واحدة ترفع اسمين، ولكن كل واحدة ترفع اسماً. يقول: (مقارني أل) يعني: أن فاعلهما لا يكون إلا اسما معرفاً بأل، مثل: (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال:40]. المولى: فاعل مقرون بأل. و (النصير) أيضاً فاعل مقرون بأل. ولو قلت: نعم مولى، ونعم نصير، لا يجوز. فلا بد أن يكون فاعلهما مقروناً بأل. وكذلك قوله تعالى: (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة:126]. (المصيرُ): فاعل، ولا بد في الفاعل أن يكون محلى بأل. قال: (أو مضافين لما قارنها). يعني: أو يكون فاعلهما مضافاً لما فيه (أل)، ومثاله قوله تعالى: (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل:30]. فدارُ ليس فيها أل لكنها مضافة لما فيه أل. إذاً فاعلهما لا بد أن يكون مقروناً بأل، أو مضافا لما فيه أل، قال الشاعر: نعمت جزاء المتقين الجنة دار الأماني والمنى والمنة فالفاعل هنا مضاف لما فيه أل. ويجوز أيضاً: أن يكون الفاعل مضافاً إلى مضاف لما فيه أل، تقول: نعم دار كريم القومِ، فـ (دار) فاعل مضاف إلى كريم، و (كريم): ليس فيه أل لكنه مضاف إلى ما فيه أل. (كنعم عقبى الكرما). فنعم في هذا المثال غير محلى بأل، لكنه مضاف إلى ما فيه (أل). واعلم أن نعم وبئس تحتاج إلى فاعل، وتحتاج إلى مخصوص بالذم أو بالمدح، ويكون مبتدأ، فمثلاً تقول في قوله تعالى: (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال:40]. (المولى): فاعل، والمخصوص بالمدح تقديره: هو، أي: الله، نعم المولى الله، ونعم النصير الله. والمخصوص في (نعم دار المتقين الجنة) هو: الجنة. فالشيء الذي وقع عليه الثناء يكون محذوفا، ويعرب على أنه مبتدأ مؤخر، وجملة (نعم وفاعلها) خبر مقدم. نقول في إعراب (نعم المولى الله) (نعم): فعل ماض، و (المولى): فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، والمخصوص محذوف تقديره الله، وهو مبتدأ وخبره الجملة التي قبله، وهي نعم المولى. وفي (بئس المصير): المخصوص محذوف وتقديره: النار. فنقول في الإعراب: (بئس): فعل ماض للذم. و (المصير): فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والمخصوص محذوف تقديره: النار، وهو مبتدأ، وخبره: جملة بئس المصير.

إضمار فاعل نعم وبئس وتفسيره بالتمييز

إضمار فاعل نعم وبئس وتفسيره بالتمييز قال ابن مالك رحمه الله: [ويرفعان مضمراً يفسرُ مميز كنعم قوماً معشره] ولما قال رحمه الله: إنهما لا يرفعان إلا محلى بأل، أو مضافاً لمحلى بأل، ذكر أيضا: أنهما يرفعان مضمراً يفسره يعني: تمييز، والمعنى: ويجوز أن يكون فاعلهما ضميراً مفسرا بتمييز، مثاله: (نعم قوماً معشره). وإعراب البيت: (يرفعان): فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل. (مضمراً) مفعول به. (يفسره) فعل مضارع، ومفعول به. (مميز) فاعل، والجملة صفة لمضمر. وقوله: (كنعم قوما معشره): (الكاف): حرف جر. (نعم قوما معشره): اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. لأن معنى قولنا: كنعم قوماً معشر، أي: كهذا المثال، فهو جملة في حكم المفرد. وقال بعض المعربين: إن الكاف داخلة على مجرور محذوف، والتقدير: كقولك: نعم قوماً معشره. وهذا وإن كان له وجه، لكنه ضعيف؛ لأنه يحتاج إلى تقدير محذوف، والأصل عدم الحذف. فقوله: (كنعم قوماً معشره): (نعم): فعل ماض، و (قوماً): تمييز منصوب، والفاعل مستتر والتقدير: كنعم القوم قوماً. (معشرُ): مبتدأ وهو المخصوص بالمدح، وهو مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه ضمة على آخره، و (معشر): مضاف و (الهاء): مضاف إليه مبني على الضم في محل جر، والجملة من (نعم قوماً): خبر مقدم. فتبين أن نعم وبئس وما جرى مجراهما يحتاجان إلى فاعل، ويحتاجان إلى المخصوص بالمدح والذم. فإن قيل: ألا نعرب (معشر) فاعلاً؟ نقول: لا يجوز ذلك؛ ولهذا يقول: يرفعان مضمراً يفسره مميز، فلو قلنا: (معشر) هي الفاعل لنعم لما رفع المضمر، بل يكون قد رفع الظاهر، ثم يفسد المعنى؛ لأنني أثني على قوم منهم معشره. ولهذا يقال: إن نعم وبئس تدلان على العموم، ثم على الخصوص، يعني: إذا قلت: نعم القوم قوماً، فهذا عموم، ثم خصصت العشيرة. ومثل: نعم الرجل زيد، فالرجل ليس بزيد، فـ (نعم الرجل) هذا شائع في جنس الرجال، ولهذا تعتبر (أل) هنا لاستغراق الجنس، ثم خص هذا الرجل بأنه زيد، فكأنه ذكر مرتين، مرة على سبيل العموم، ومرة على سبيل الخصوص، فلهذا لا بد أن نقول: إن التقدير: نعم القومُ قوما على سبيل العموم، ثم نخص ونقول: معشره.

حكم جمع التمييز والفاعل الظاهر

حكم جمع التمييز والفاعل الظاهر قال المؤلف: [وجمع تمييز وفاعل ظهر فيه خلاف عنهمُ قد اشتهر] لما ذكر رحمه الله أنهما يرفعان مضمرا يفسره تمييز، كأن سائلاً يسأل: وهل يرفعان ظاهراً مع وجود التمييز أم لا؟ يقول المؤلف: جمع التمييز والفاعل الظاهر فيه خلاف: فمنهم من يقول: إنه لا يجوز أن نجمع بين الفاعل والتمييز، لأن معنى ذلك أننا جمعنا بين المفسِر والمفسر. وقال بعضهم: إنه يجوز؛ لأنه من باب التأكيد، كأننا أثنينا عليهم مرتين، مثال ذلك: نعم القوم قوماً معشره، فهنا جمعنا بين الفاعل والتمييز. وابن مالك رحمه الله أطلق الخلاف ولم يرجح، وقد ذكرنا قاعدة: وهو أنه إذا لم يكن من اللغة دليل بين نتبع الأسهل. إذاً: فنقول: يجوز لك أن تجمع بين التمييز والفاعل، ويجوز لك ألا تجمع، فمن قال: نعم قوما معشره، هذا قلنا: صواب، ومن قال: نعم القوم قوما معشره، قلنا: هذا صواب. والقائلون بالتخيير معهم دليل وهو قول الشاعر: والتغلبيون بئس الفحل فحلهم فحلاً وأمهم زلاء منطيق (بئس) فعل ماض، و (الفحلُ): فاعل، و (فحلهمُ): مبتدأ وهو المخصوص، و (فحلاً): تمييز. أما (وأمهم زلاء منطيق)، فهي جملة مستقلة. والمانعون يقولون: إنه شاذ أو نادر.

الخلاف في (ما) الواقعة بعد نعم وبئس

الخلاف في (ما) الواقعة بعد نعم وبئس ثم قال المؤلف رحمه الله: [وما مميزٌ وقيل فاعلُ في نحو نعم ما يقول الفاضلُ] قوله: (نعم ما يقول الفاضل): (ما): لا تظهر عليها علامة الإعراب؛ لأنها مبنية، فماذا نقول: هل نجعلها اسماً موصولاً، أم نجعلها نكرة؟ فإن جعلناها موصولة فهي فاعل، أو نكرة فهي تمييز. فهل تقول: نعم القول يقول الفاضل، أم نعم قولاً يقول الفاضل؟ إذا جعلناها تمييزاً قلنا: التقدير: نعم قولاً يقول الفاضل. وإذا جعلناها فاعلاً فالتقدير: نِعمَ القولُ يقوله الفاضل. فلما كانت تحتمل أن تكون اسماً موصولاً، وهو معرفة، أو تكون نكرة موصوفة، وهو التمييز، قال ابن مالك: إن فيها خلافاً فبعضهم يقول: إنها تمييز، وبعضهم يقول: إنها فاعل. وقوله: (وما مميز وقيل فاعل)، معناه: أنه قدم أن تكون تمييزاً، أي: نعم قولاً يقول الفاضل، فعلى هذا تكون مثل قولك: نعم رجلاً زيد. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [والثالث: أن يكون مضمراً مفسراً بنكرة بعده منصوبة على التمييز نحو: نعم قوماً معشره، ففي نعم ضمير مستتر يفسره (قوماً)، و (معشره): مبتدأ، وزعم بعضهم: أن معشره مرفوع بنعم وهو الفاعل، ولا ضمير فيها. وقال بعض هؤلاء: إن قوماً حال، وبعضهم: إنه تمييز، ومثلُ (نعم قوماً معشره) قوله تعالى: (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف:50]. وقول الشاعر: لنعم موئلا المولى إذا حذرت بأساء ذي البغى واستيلاء ذي الإحن وقول الآخر: تقول عرسى وهي لي في عومره بئس امرأ وإنني بئس المره. قال ابن مالك رحمه الله: وجمع تمييز وفاعل ظهر فيه خلاف عنهم قد اشتهر اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في نعم وأخواتها. فقال قوم: لا يجوز ذلك، وهو المنقول عن سيبويه فلا تقول: نعم الرجل رجلاً زيد. وذهب قوم إلى الجواز واستدلوا بقوله: والتغلبيون بئس الفحل فحلهم فحلا وأمهم زلاء منطيق وقوله: تزود مثل زاد أبيك فينا فنعم الزاد زاد أبيك زادا وفصل بعضهم فقال: إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما نحو: نعم الرجل فارساً زيد، وإلا فلا نحو: نعم الرجل رجلاً زيد. فإن كان الفاعل مضمراً جاز الجمع بينه وبين التمييز اتفاقاً نحو: نعم رجلاً زيد. قال: وما مميز وقيل فاعل في نحو نعم ما يقول الفاضل تقع (ما) بعد نعم وبئس فتقول: نعم ما أو نعما وبئس ما، ومنه قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة:271]. وقوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ) [البقرة:90]. واختلف في (ما) هذه فقال قوم: هي نكرة منصوبة على التمييز وفاعل نعم ضمير مستتر. وقيل: هي الفاعل وهي اسم معرفة، وهذا مذهب ابن خروف ونسبه إلى سيبويه]. أ. هـ. فإعراب قوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50]. (بئس) فعل ماض و (للظالمين): جار ومجرور متعلق به، و (بدلاً): تمييز، والفاعل مستتر، والتقدير: بئس البدل للظالمين بدلاً.

أحكام المخصوص بالمدح أو الذم

أحكام المخصوص بالمدح أو الذم هذان فعلان جامدان فـ (نعم) للمدح، و (بئس): للذم. وهما فعلا إنشاءٍ، وليسا فعلي خبر؛ لأنك تنشىء المدح فيما إذا قلت: نعم الرجل زيدٌ، والذم فيما إذا قلت: بئس الرجل زيدٌ. وقوله: (وما جرى مجراهما)، يريد به: (حبذا) في المدح، و (لا حبذا): في الذم. قال المؤلف: [فعلان غير متصرفين نعم وبئس رافعان اسمين مقارني أل أو مضافين لما قارنها كنعم عقبى الكرما] قوله: (فعلان): خبر مقدم. وقوله: (نعم، وبئس)، (نعم): مبتدأ، و (بئس): معطوف عليه. يعني: أن نعم وبئس فعلان، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، والدليل على ذلك: دخول تاء التأنيث عليهما، فتقول: نعمت المرأة هند، وبئست المرأة دعد، وتاء التأنيث من علامة الأفعال. وقيل: إنهما اسمان، واستدل القائلون بذلك بقول بعض العرب وقد بشر ببنت: ما هي بنعم الولدُ! فأدخل الباء على نعم، وحروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء. وكذلك قول بعضهم: نعم السيرُ على بئس العير، والعير هو الحمار، فأدخل (على) على بئس، وحروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء. لكن القول الأول الذي مشى عليه ابن مالك أصح، وهذان المثالان مؤولان: فمعنى الأول: ما هي بالتي يقال فيها نعم الولد. والثاني يقال فيه: على مركوب يقال فيه: بئس العير. وقول المؤلف: (غير متصرفين) معناه: لا يأتي منهما المضارع، ولا الأمر، ولا المصدر، بل هما هكذا وجدا في اللغة العربية غير متصرفين، وغير المتصرف يسمى جامداً.

إعراب المخصوص بالمدح أو بالذم

إعراب المخصوص بالمدح أو بالذم قال المؤلف: [ويذكر المخصوص بعد مبتدا أو خبر اسم ليس يبدو أبداً] وصف هنا نعم وبئس فقال: أي: ويذكر المخصوص بعد الفاعل، أو بعد التمييز إذا أضمر الفاعل، فيذكر على أنه مبتدأ. فقوله: (مبتدأ): حال من نائب الفاعل، والتقدير: ويذكر المخصوص حال كونه مبتدأً. (أو خبر اسم معطوف) على مبتدأ، أي: أو يذكر المخصوص على أنه خبر اسم ليس يبدو، أي: لا يظهر هذا الاسم أبداً. إذاً: أفادنا المؤلف رحمه الله أن المخصوص يذكر بعد استيفاء نعم وبئس فاعلهما، أو التمييز إذا أضمر الفاعل. ونقول: لنا في إعرابه وجهان: إما أن يكون مبتدأً مؤخراً، والجملة قبله خبر. وإما أن يكون خبر مبتدأ محذوف وجوباً. تقول مثلاً: نعم الرجل زيد، فـ (نعمَ): فعل ماض مبني على الفتح. (الرجل): فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. (زيد) لك في إعرابه وجهان: إما أن تقول: (زيد): مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وخبره الجملة السابقة: (نعم الرجل). أو تقول: (زيد): خبر مبتدأ محذوف وجوباً تقديره هو زيد، نعم الرجل هو -أي: الذي أنا أثني عليه- زيد. إذاً: معنى البيت يشير إلى قاعدة وهي: يذكر المخصوص بعد استيفاء نعم وبئس فاعلهما، أو ما يدل عليه من التمييز، وهذا المخصوص: إما أن يكون مبتدأ وخبره الجملة قبله. وإما أن يكون خبر لمبتدأ محذوف وجوباً، ولهذا قال: (ليس يبدو أبداً).

حذف المخصوص بالمدح أو الذم إذا تقدم ما يدل عليه

حذف المخصوص بالمدح أو الذم إذا تقدم ما يدل عليه يقول المؤلف: [وإن يقدم مشعر به كفى كالعلم نعم المقتنى والمقتفى] إن يقدم مشعر بالمخصوص كفى عن ذكر المخصوص، مثاله: (كالعلم نعم المقتنى والمقتفى). وهذا مثال عظيم؛ فالعلم أفضل من المال، لو جاء عالم وتاجر، فالعالم أفضل فيما اقتنى بلا شك، وهذا أمرٌ تكفل الله به فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] ولم يقل: الذين أوتوا المال. ولهذا تجد ذكر العلماء مرفوعاً حتى بعد موتهم؛ لكن أهل الأموال يذهبون مع أموالهم، وتقسم أموالهم بين الورثة وتنتهي، فالعلم هو القنية النافعة التي يثنى عليها، و (المقتفى) يعني: المتبع. وعلى هذا فالمراد به العلم الشرعي، أما العلم الذي ليس بشرعي فهو على حسب ما يكون وسيلة له، فإن كان وسيلة إلى خير فهو خير، وإن كان وسيلة إلى شر فهو شر، وهذا المثال يوجب على طالب العلم أن يحرص على طلب العلم، لأن العلم نعم المقتنى والمقتفى. والمخصوص في هذا المثال: العلم، فـ (العلم): مبتدأ، و (نعم): فعل ماض، و (المقتنى): فاعل، والجملة من الفعل والفاعل خبر المبتدأ، و (المقتفى): معطوف على (المقتنى). فلا نقول: العلم نعم المقتنى العلم، ولهذا قال المؤلف: كفَى، أي: فلا حاجة إلى ذكره. والكاف في (كالعلم) نقول: إنها داخلة على الجملة فتبقى الجملة على ما هي عليه، وقد ذكرنا أن للمعربين فيها وجهين: أحدهما: أن (الكاف) حرف جر، و (العلم نعم المقتنى والمقتفى) اسم مجرور بالكاف لأنه مؤول بقولك: كهذا المثال. والثاني: أن الكاف حرف جر، وأن المجرور محذوف، والتقدير: كقولك العلم نعم المقتنى والمقتفى. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [ويذكر المخصوص بعد مبتدأ أو خبر اسم ليس يبدو أبداً يذكر بعد نعم وبئس وفاعلهما اسم مرفوع هو المخصوص بالمدح أو الذم، وعلامته: أن يصلح لجعله مبتدأ وجعل الفعل والفاعل خبراً عنه نحو: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، ونعم غلام القوم زيد، وبئس غلام القوم عمرو ونعم رجلاً زيد، وبئس رجلاً عمرو، وفي إعرابه وجهان مشهوران] أ. هـ.

استعمال ساء في الذم كبئس وفعل من الثلاثي كنعم

استعمال ساء في الذم كبئس وفعل من الثلاثي كنعم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واجعل كبئس ساء واجعل فعلا من ذي ثلاثة كنعم مسجلا]. قوله: (اجعل) فعل أمر وقوله: (كبئس) الكاف اسم بمعنى مثل مبني على السكون في محل نصب، يعني: واجعل مثل بئس، وبئس مجرور بالكاف؛ لأن المراد لفظه، أي: واجعل كهذا اللفظ. وقوله: (ساء) فعل، ومع ذلك نعربه على أنه مفعول به أول لاجعل، أي: اجعل ساء مثل بئس، وكيف يكون مفعولاً به وهو فعل؟ نقول: لأن المراد لفظه، يعني: اجعل هذا اللفظ ساء. ومنه قوله تعالى: {سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ} [الأعراف:177] فالقوم: فاعل ساء، والمخصوص محذوف معوض عنه بالتمييز في قوله: (مثلاً)، وأصله ساء المثل مثلاً، أو: ساء مثل القوم مثلاً. إذاً: حكم ساء كبئس إذا قصد بها إنشاء الذم، تقول: ساء الرجل زيد، كما تقول: بئس الرجل زيد. أما إذا قلت: ساءني كذا، أو فلان ضرب زيداً فساءه؛ فليس من هذا الباب، لأن الذي من هذا الباب ما قصد به إنشاء الذم، لا ما قصد به حدوث ما يسوء، فما قصد به حدوث ما يسوء ليس من هذا الباب، فهو فعل عادي. قال: (واجعل فعلا من ذي ثلاثة كنعم مسجلا): (فَعُل) بضم العين، (من ذي ثلاثة) أي: من فعل ذي ثلاثة أحرف (كنعم) في المدح، وفي العمل أيضاً. (مسجلاً) أي: مطلقاً. ففعُل الذي يراد به إنشاء المدح يجعل كنعم، نقول مثلاً: صَدُق الرجل زيد؛ مثلما نقول: نِعْمَ الرجل زيد! فنجعل الرجل فاعلاً، و (زيد) المخصوص بالمدح.

أحكام حبذا ولا حبذا في المدح والذم

أحكام حبذا ولا حبذا في المدح والذم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واجعل كبئس ساء واجعل فعلا من ذي ثلاثة كنعم مسجلا]. قوله: (اجعل) فعل أمر وقوله: (كبئس) الكاف اسم بمعنى مثل مبني على السكون في محل نصب، يعني: واجعل مثل بئس، وبئس مجرور بالكاف؛ لأن المراد لفظه، أي: واجعل كهذا اللفظ. وقوله: (ساء) فعل، ومع ذلك نعربه على أنه مفعول به أول لاجعل، أي: اجعل ساء مثل بئس، وكيف يكون مفعولاً به وهو فعل؟ نقول: لأن المراد لفظه، يعني: اجعل هذا اللفظ ساء. ومنه قوله تعالى: {سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ} [الأعراف:177] فالقوم: فاعل ساء، والمخصوص محذوف معوض عنه بالتمييز في قوله: (مثلاً)، وأصله ساء المثل مثلاً، أو: ساء مثل القوم مثلاً. إذاً: حكم ساء كبئس إذا قصد بها إنشاء الذم، تقول: ساء الرجل زيد، كما تقول: بئس الرجل زيد. أما إذا قلت: ساءني كذا، أو فلان ضرب زيداً فساءه؛ فليس من هذا الباب، لأن الذي من هذا الباب ما قصد به إنشاء الذم، لا ما قصد به حدوث ما يسوء، فما قصد به حدوث ما يسوء ليس من هذا الباب، فهو فعل عادي. قال: (واجعل فعلا من ذي ثلاثة كنعم مسجلا): (فَعُل) بضم العين، (من ذي ثلاثة) أي: من فعل ذي ثلاثة أحرف (كنعم) في المدح، وفي العمل أيضاً. (مسجلاً) أي: مطلقاً. ففعُل الذي يراد به إنشاء المدح يجعل كنعم، نقول مثلاً: صَدُق الرجل زيد؛ مثلما نقول: نِعْمَ الرجل زيد! فنجعل الرجل فاعلاً، و (زيد) المخصوص بالمدح.

استعمال حبذا في المدح ولا حبذا في الذم

استعمال حبذا في المدح ولا حبذا في الذم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومثل نعم حبذا الفاعل ذا وإن ترد ذماً فقل لا حبذا]. قوله: (ومثل نعم) خبر مقدم، ومثل: مضاف، ونعم: مضاف إليه. (حبذا): مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية فمثل نعم حبذا، أقول: حبذا زيد، وهذا لا شك أن المراد إنشاء المدح له. والإعراب ذكره المؤلف فقال: الفاعل (ذا)، فاختلف عن (نعم)، إذ إن فاعلها إما أن يكون اسماً محلى بأل، أو مضافاً لمحلى بأل، أو ضميراً. لكن هنا الفاعل (ذا) تقول: حبذا زيد، وإن شئت أتيت بتمييز أو حالٍ فتقول: حبذا زيد صديقاً، أو ما أشبه ذلك. وتقول: في إعراب حبذا: (حب): فعل ماض. (ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع فاعل. (زيد): مبتدأ مؤخر، وخبره جملة حبذا. قوله: (وإن ترد ذماً فقلت لا حبذا). والإعراب لا يختلف، لكن بدل حبذا أقول: لا حبذا. إذا أردت الذم تقول: بئس الرجل زيد وإن شئت فقل: لا نعم الرجل زيد، ولا حبذا الرجل زيد.

كلام ابن عقيل في شرح استعمال ساء وحبذا في المدح والذم

كلام ابن عقيل في شرح استعمال ساء وحبذا في المدح والذم قال ابن عقيل رحمه الله: [تستعمل ساء في الذم استعمال بئس، فلا يكون فاعلها إلا ما يكون فاعلا لبئس، وهو المحلى بالألف واللام نحو: ساء الرجل زيد، والمضاف إلى ما فيه الألف واللام نحو: ساء غلام القوم زيد، والمضمر المفسر بنكرة بعده نحو: ساء رجلاً زيد، ومنه قوله تعالى: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا} [الأعراف:177]. ويذكر بعدها المخصوص بالذم كما يذكر بعد بئس، وإعرابه كما تقدم. وأشار بقوله: (واجعل فعلا) إلى أن كل فعل ثلاثي يجوز أن يبنى منه فعل على (فَعُل) لقصد المدح أو الذم، ويعامل معاملة نعم وبئس في جميع ما تقدم لهما من الأحكام. فتقول: شرُف الرجل زيد، ولؤم الرجل بكر، وشرف غلام الرجل زيد، وشرف رجلاً زيد. ومقتضى هذا الإطلاق أنه يجوز في علم أن يقال: علُم الرجل زيد بضم عين الكلمة، وقد مثل هو وابنه به. وصرح غيره أنه لا يجوز تحويل علم وجهل وسمع إلى فَعُل بضم العين؛ لأن العرب حين استعملتها هذا الاستعمال أبقتها على كسرة عينها، ولم تحولها إلى الضم، فلا يجوز لنا تحويلها، بل نبقيها على حالها كما أبقوها، فتقول: علم الرجل زيد، وجهل الرجل عمرو، وسمع الرجل بكر]. لكن الظاهر أن كلام ابن مالك أولى وأن المسألة فيها تحويل. [ومثل نعم حبذا الفاعل ذا وإن ترد ذماً فقل لا حبذا] يقال في المدح: حبذا زيد، وفي الذم: لا حبذا زيد، كقوله: ألا حبذا أهل الملا غير أنه إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا واختلف في إعرابها: فذهب أبو علي الفارسي في البغداديات وابن برهان وابن خروف وزعم أنه مذهب سيبويه، وأن من قال عنه غيره فقد أخطأ عليه، واختاره المصنف: إلى أن (حب) فعل ماض، و (ذا) فاعله، وأما المخصوص فجوز أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره، وجوز أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو زيد، أي: الممدوح أو المذموم زيد، واختاره المصنف. وذهب المبرد في المقتضب، وابن السراج في الأصول، وابن هشام اللخمي واختاره ابن عصفور إلى أن حبذا اسم وهو مبتدأ والمخصوص خبره، أو خبر مقدم والمخصوص مبتدأ مؤخر، فركبت حب مع ذا وجعلت اسماً واحداً. وذهب قوم منهم ابن درستويه إلى أن (حبذا) فعل ماض، و (زيد) فاعله، فركبت حب مع ذا وجعلتا فعلاً، وهذا أضعف المذاهب] أ. هـ. فما ذهب إليه المؤلف هو أحسن الأقوال.

ما يلزم إذا وقع المخصوص بالمدح أو الذم بعد ذا

ما يلزم إذا وقع المخصوص بالمدح أو الذم بعد ذا قال: [وأول ذا المخصوص أياً كان لا تعدل بذا فهو يضاهي المثلا]. قوله (أول): فعل أمر. و (ذا): مفعول أول لـ (أول). والمخصوص: مفعول ثان. يعني: اجعل المخصوص يلي ذا أياً كان حتى لو كان جمعاً أو مثنى، فتبقى (ذا) على ما هي عليه، تقول: حبذا القوم، حبذا الرجلان، وحبذا الرجال، ولا تقول: حب هؤلاء، ولهذا قال: (أياً كان لا تعدل بذا). وإعراب (أياً): خبر كان مقدماً، واسم كان ضمير مستتر، يعني: أياً كان المخصوص فلا تعدل بذا. ومعنى (لا تعدل بذا) أي: لا تأت عنها بعديل لها أو بديل لها، بل تبقى على ما هي عليه. وقوله: (يضاهي المثلا)، أي: هذا التركيب يشابه المثل، وقد قيل: إن الأمثال لا تغير. فإذا قيل: من يحفظ ألفية ابن مالك فله ألف ريال، وبعد انتهاء المدة المقررة جاء شخص وقال: أنا حفظتها، فأقول له: الصيف ضيعتِ اللبن! فضيعتِ بالكسرة، ولو كان المخاطب رجلاً؛ لأن هذا مثل، والأمثال تبقى على لفظها، وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم بالعربية. قال المؤلف رحمه الله: [وما سوى ذا ارفع بحب أو فجر بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر]. قوله: (ما سوى ذا) يعني: إذا كان فاعل حب سوى ذا وأنت تريد المدح، فارفع، أو جر بالباء، يعني: إما أن ترفعه، وإما أن تجره بالباء، فتقول: حب زيد، أو حب بزيد. فقول ابن مالك: (وما سوى ذا) يعني: أنه إذا جاء فاعل لحب سوى ذا، فارفعه بحب، أو فجر بالباء. وقول المؤلف: (أو فجر) (أو) حرف عطف، ومعناه التخيير، يعني: أنك مخير بين أن ترفعه بحب أو تجره بالباء. و (الفاء) في قوله: (فجر) زائدة؛ لأن الحروف العاطفة لا تتداخل، فلا تقول: جاء زيد وثم عمرو، فحرف العطف لا يدخل على حرف العطف. ولكن يجوز أن تكون الفاء رابطة جواباً لشرط مقدم تقديره: أو إن لم ترفع فجر، وعلى هذا فتكون الفاء رابطة للجواب المحذوف شرطه. وقوله: (فجر بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر). (انضمام): مبتدأ، وهو مضاف و (الحاء) مضاف إليه. و (كثر): فعل ماض، والجملة خبر المبتدأ. و (دون ذا) متعلق بكثر. أي: وانضمام الحاء كثر دون ذا في حبذا، يعني: أنك تقول: حَبذا بالفتح، وتقول: حُب زيد أو حُب بزيد. وخلاصة الكلام: أن (حب) يؤتى بها لإنشاء المدح كما يؤتى بنعم، ولكن إن كان فاعلها (ذا) فهي بفتح الحاء، وإن كان فاعلها غير ذا فهي على الأكثر بضم الحاء. ثم نقول: إن كان فاعلها ذا؛ فإنه لا يجر بالباء، وإن كان فاعلها غير ذا جاز جره بالباء، فإذا قلنا: حب بزيد؛ فنقول: حُب: فعل ماض مبني على الفتح، وهو مبني للفاعل؛ لأن حُبّ في هذا المكان أصله حَبُبَ، لكن نقلت الضمة إلى الحاء على غير القاعدة التصريفية، فلما نقلت الضمة من الباء صارت ساكنة، وبعدها باء متحرك من جنسها فتدغم فيها، ولهذا قلنا: حُبَّ. فإذا قلت: حُبّ بزيد، (حب) فعل ماض مبني للفاعل، فهذا إناء للمدح. لكن لو أردت أن تخبر عن زيد بأنه محبوب فقلت: حُبَّ زيد، فتعرب (حب): فعلاً ماضياً مبنياً للمجهول؛ لأنك تريد أن تخبر بأنه محبوب لا أن تنشئ الثناء عليه بحب، فبينهما فرق، وهذا من دقائق اللغة لا يفهمه إلا إنسان يفهم المعاني. لكن إذا قلت: حب بزيد، فلا يجوز أن يكون نائب فاعل بكل حال، إنما المراد به إنشاء المدح؛ لأن الباء منعت أن يكون زيد نائب فاعل.

شرح ألفية ابن مالك [48]

شرح ألفية ابن مالك [48] يصاغ أفعل التفضيل مما يصاغ منه التعجب، ويمتنع فيما يمتنع فيه التعجب، ويتوصل إلى ما امتنع فيه التفضيل بما يتوصل به إلى التعجب، وأفعل التفضيل قد يكون مجرداً من أل أو محلى بها أو مضافاً إلى محلى بها، وتختلف أحكامه من حيث الإفراد والتذكير ونحوهما بحسب ذلك.

أفعل التفضيل

أفعل التفضيل

تعريف أفعل التفضيل

تعريف أفعل التفضيل يعني: أفعل الذي في الغالب للتفضيل، وهذا من باب إضافة الشيء إلى نوعه، وذلك لأن أفضل تارة تكون صفة مثل: أعرج، وأبيض، وأحمر وما أشبهها، وتارة تكون فعلاً، مثل: أقدم، وأحكم، وأكرم، وما أشبهها. وأفعل التفضيل: هو كل اسم دال على التفاضل بين شيئين، إما في محمود وإما في مذموم ولا تظن أن معنى أفعل التفضيل أبلغ الإحسان والخير، بل هي من التفضيل الذي هو الزيادة في قبح أو حسن. فإذا قلت: هذا أبيض من هذا، فهذا تفضيل في ممدوح. وإذا قلت: هذا أقبح من هذا، فهذا تفضيل في مذموم، والمؤلف لا يعني المفاضلة بالمعنى إنما بالصيغة.

ما يصاغ منه أفعل التفضيل

ما يصاغ منه أفعل التفضيل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [صغ من مصوغ منه للتعجب أفعل للتفضيل وأب اللذ أبى]. فـ (صغ) فعل أمر، والأمر للوجوب على قاعدة النحويين، وليس الوجوب الذي يأثم به الإنسان. وقوله: (من مصوغ منه للتعجب) أي: مما يصاغ منه فعل التعجب. وقوله: (أفعل) مفعول لصغ. و (للتفضيل) أي: لتفضيل شيء على شيء. وفي قول المؤلف: (من مصوغ منه للتعجب) إحالة على ما سبق في باب التعجب حيث قال: [وصغهما من ذي ثلاث صرفا قابل فضل تم غير ذي انتفا وغير ذي وصف يضاهي أشهلا وغير سالك سبيل فعلا] إذاً: فلنرجع إلى ما سبق، ونقول، القاعدة أن ما جاز أن يصاغ منه فعل التعجب جاز أن يصاغ منه اسم التفضيل، وما لا فلا؛ لأنه قال: (وأب اللذ أبي) فـ (أب) فعل أمر، يعني: امنع، وهو مبني على حذف الألف والفتحة قبلها دليل عليها، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. واللذ: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب، وهي لغة في (الذي). فلا يصاغ اسم التفضيل من الفعل الرباعي ولا من فعل (عسى) لكونه جامداً، ولا من فعل (مات) لكونه غير قابل للتفاوت. أما في قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الإسراء:72] فإن (أعمى) الأولى خبر لكان، والثانية خبر للضمير، وهما بمعنى اسم الفاعل (عم). و (أضل سبيلاً) خبر لمبتدأ محذوف، يعني وهو أضل سبيلاً. وكذلك لا أقول: شماغ غانم أحمر من شماغ عبد الرحمن؛ لأن الوصف منه على أفعل. وهذا الشرط الأخير فيه خلاف، والصحيح أنه جائز، تقول: هذا حبر أسود من هذا. وتقول: هذا البساط أحمر من هذا البساط. وتقول: هذا أصفر من هذا، فالصواب جوازه. فإذا قال قائل: إذا أجزتموه التبس التفضيل بالصفة. قلنا: لا لبس، فالذي يبين المعنى ذكر المفضل عليه. فأنا لم أقل: هذا البساط أسود فقط، أو أحمر فقط، إنما قلت: هذا البساط أحمر من هذا البساط. إذاً فـ (من) هي التي تعين أنه اسم تفضيل، والذين منعوا ليس عندهم شبهة إلا أنه يلتبس هذا بهذا، ونحن نقول: إن اللبس يزول بتقدير (من) أو وجودها. فإذا قلت: زيد أمرض من عمرو على أنه مبني من (مرض) فلا يجوز. وزيد عُني بالأمر، فـ (عني) مبني للمجهول. وإذا قلت: زيد أعنى من عمرو بالأمر، فلا يجوز؛ وكذلك إذا كنت وأنا أريده من (اعتنى)، فلا يجوز أيضاً؛ لأنه زائد على الثلاثي. إذاً اسم التفضيل يصاغ مما يصاغ منه فعل التعجب.

يصاغ أفعل التفضيل مما لم تتوفر فيه الشروط بالمجيء بأشد وشبهها

يصاغ أفعل التفضيل مما لم تتوفر فيه الشروط بالمجيء بأشد وشبهها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما به إلى تعجب وصل لمانع به إلى التفضيل صل] في البيت تقديم وتأخير كما سيظهر، فـ (ما) اسم موصول مبتدأ، و (به) جار ومجرور متعلق بوصل، فالتقدير: وما وصل به إلى تعجب. وقوله: (لمانع) متعلق بوصل. وقوله: (به إلى التفضيل صل)، (به) جار ومجرور متعلق بصل. والتقدير على هذا: صل به إلى التفضيل، وجملة (صل) في محل رفع خبر مبتدأ. وتركيب البيت: وما وصل به إلى التعجب لمانع صل به إلى التفضيل، كأنه يقول: القاعدة: أنه يتوصل إلى التفضيل فيما لا يصاغ منه بأشد وشبهها. فإذا كان لا يجوز أن تقول: هذا البساط أحمر من هذا البساط، فيجوز: هذا أشد حمرة. وبعد ما قلنا: إنه لا يجوز أن أقول: فلان أعنى بهذا الأمر من فلان؛ أقول: أشد عناية به. وكما قلنا إنه لا يجوز: فلان أموت من فلان؛ فيجوز: أشد موتاً، وهنا نفس الشيء فلا تفاوت؛ ولهذا يقول ابن مالك: (يخلف ما بعض الشروط عدما)، أي: لا كل الشروط، فأنت إذا قلت: أشد موتاً، لا يمكن أن يصح على أن المراد الموت نفسه. لكن معناه: أشد نزعاً عند نزع الروح. وإذا قلت: فلان أشد عمى من فلان. فالعمى واحد وليس فيه تفاضل. والمهم أنه إذا أردنا أن نتوصل إلى تفضيل مما لا يصاغ منه أفعل التفضيل نأتي بأشد أو شبهها.

أفعل التفضيل المجرد أو المضاف إلى نكرة يلزم الإفراد والتذكير

أفعل التفضيل المجرد أو المضاف إلى نكرة يلزم الإفراد والتذكير ثم قال: [وأفعل التفضيل صله أبداً تقديراً أو لفظاً بمن إن جردا وإن لمنكور يضف أو جردا ألزم تذكيراً وأن يوحدا] الأحسن في قوله: (بمن) من حيث الإملاء أن تكتب الباء وحدها، و (من) وحدها والسبب: أن (من) حرف مستقل، يعني: بهذا الحرف. وقوله: (أفعلَ التفضيل)، أفعل: منصوب بفعل محذوف يفسره ما بعده، وهذا من باب الاشتغال، وهذا النصب راجح. يقول المؤلف: إذا جرد اسم التفضيل من (أل) فلابد أن يتصل به (من) لفظاً أو تقديراً، فتقول: زيد أفضل من عمرو، وكذلك يلزم اسم التفضيل المجرد من (أل) الإفراد والتذكير، وكذلك المضاف إلى نكرة فتقول: زيد أفضل رجل هنا، وهند أفضل امرأة هنا، مع أن هنداً مؤنث، وأفضل مذكر، لكنه مضاف إلى نكرة. والزيدان أفضل رجلين هنا. والزيدون أفضل قوم هنا والهندان -يعني: امرأتين اثنتين- أفضل امرأتين هنا. وكذلك: الهندات أفضل نساء هنا. فالقاعدة هنا: أنه إذا جرد اسم التفضيل من (أل)، أو أضيف إلى نكرة لزم فيه أمران وهما: الإفراد والتذكير. ولذا قال ابن مالك: [وإن لمنكور يضف أو جردا ألزم تذكيرا وأن يوحدا]. قال ابن مالك: [وتلو أل طبق وما لمعرفه أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة]. يعني: أن المعرف بأل يكون طبق الموصوف، أو المخبر عنه؛ فتقول: زيد هو الأفضل، وهند هي الفضلى، والزيدان هما الأفضلان، والهندان هما الفضليان، والهندات هن الفضليات. فالمحلى بأل من اسم التفضل حكمه أن يطابق الموصوف -سواء كان خبراً أو استفهاماً- في كل حال: مذكراً كان أو مؤنثاً، مثنىً أو مفرداً أو مجموعاً. ثم قال: (وما لمعرفه أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه)، أي: ما أضيف لمعرفة فإنه ذو وجهين، بمعنى: يجوز فيه المطابقة، وعدم المطابقة، فتقول: هند فضلى النساء، وهند أفضل النساء، فالأول مطابق، والثاني غير مطابق. وكذلك تقول: الزيدان أفضل الرجال، غير مطابق. والزيدان أفضلا الرجال، مطابق. إذاً: إذا أضيف لمعرفة جاز فيه الوجهان وهما: المطابقة، وعدمها، وهو الإفراد والتذكير. فصار اسم التفضيل الآن لا يخلو من الأحوال التالية: الأول: أن يكون مجرداً من أل والإضافة، أو مضافاً إلى نكرة، فالواجب فيه الإفراد والتذكير. الثاني: أن يكون محلى بأل، فيجب فيه المطابقة. الثالث: أن يضاف لمعرفة، فيجوز فيه الوجهان. قال ابن مالك: [هذا إذا نويت معنى مِنْ وإن لم تنو فهو طبق ما به قرن]. معنى (طبق) أي: مطابق لموصوفه أو ما كان خبراً عنه، أقول مثلاً: هذا الرجل الأفضل، وهذه المرأة الفضلى. وهذان الرجلان الأفضلان، وهاتان المرأتان الفضليان. وهؤلاء الرجال الأفضلون، وهؤلاء النساء الفضليات. فما كان فيه (أل) فهو طبق بكل حال. والمضاف إلى معرفة من أسماء التفضيل يجوز فيه وجهان: أحدهما: المطابقة، الثاني: عدم المطابقة وهو الإفراد، مثال ذلك تقول: محمد رسول الله أفضل الأنبياء، فاطمة فضلى نساء العالمين نسباً. وتقول: الزيدان أفضل الرجال، أو أفضلا الرجال، وطلبة العلم أفضل طلبة في الدنيا. لكن شرط المؤلف في هذا أنه إذا نويت معنى (من)، وإن لم تنو معنى (من) فهو طبق ما به قرن. فإذا نويت معنى (من) يجوز الوجهان، وإن لم تنو معنى (من) فإنه يجب المطابقة. فأنت إذا قلت: محمد رسول الله أفضل الأنبياء، معلوم أنك نويت معنى (من) أي: أفضل من جميع الأنبياء، وطلبة العلم الشرعي من جميع الطلبة في الدنيا. فإن لم تنو معنى (من) وإنما نويت مطلق الفضل؛ فإنه يجب أن يكون مطابقاً لما اقترن به، فتقول مثلاً: فلان أعدل الناس، وما قصدك أنه أعدل من جميع الناس، لكنه قصدك أنه حاز قصب الفضل بالعدل. وتقول: زيد وعمرو أعدلا بني فلان، فهنا ليس المقصود أعدل من بني فلان، فهذا لا يصح؛ لأنهما من بني فلان، لكن قصدك أنهما عادلا بني فلان. ومنه قولهم: الأشج والناقص أعدلا بني مروان، فالأشج عمر بن عبد العزيز، والناقص يزيد بن معاوية، وسمي ناقصاً لأنه كان مقتصداً في العطايا. والناس لا يسلم منهم أحد، إن أكثر العطاء قالوا: مبذر، وإن اقتصد قالوا: ناقص. والمقصود أنهما عدلان، لا أنهما أعدل من جميع الناس، أو أعدل من كل بني مروان.

كلام ابن عقيل في شرح ما يصاغ منه أفعل التفضيل وما يشترط فيه

كلام ابن عقيل في شرح ما يصاغ منه أفعل التفضيل وما يشترط فيه

ما يصاغ منه أفعل التفضيل

ما يصاغ منه أفعل التفضيل قال ابن مالك: [صغ من مصوغ منه للتعجب أفعل للتفضيل وأب اللذ أبى]. قال ابن عقيل: [يصاغ من الأفعال التي يجوز التعجب منها للدلالة على التفضيل وصف على وزن أفعل، فتقول: زيد أفضل من عمرو، وأفهم من خالد، كما تقول: ما أفضل زيداً! وما أفهم خالداً! وما امتنع بناء فعل التعجب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه، فلا يبنى من فعل زائد على ثلاثة أحرف كدحرج، واستخرج]. إذا أراد شخص أن يذكر فضل فلان على فلان في الدحرجة، فيقول: فلان أشد دحرجة من فلان. وكذلك المثال الثاني: فلان أشد استخراجاً من فلان. قال ابن عقيل: [ولا من فعل غير متصرف كنعم وبئس!]. هذه (نعم) من التي إذا فات فيه الشرط فليس له بديل، لكن بالإمكان أن تقول: نعم أفضل القوم فلان. قال ابن عقيل: [ولا من فعل لا يقبل المفاضلة، كمات وفني، ولا من فعل ناقص ككان وأخواتها]. ولكن قد يصاغ من مات وفني إذا كان المراد سرعة الموت مثلاً، أو سرعة فنائه أو ما أشبه ذلك، فيمكن أن يقال: ما أفناه أي: ما أسرع فنائه، وما أموته أي: ما أسرع موته. وهذا قد يقال: بدون واسطة، ولكن المشهور على كلام المؤلف أنه يؤتى بالواسطة. قال ابن عقيل: [ولا من فعل منفي نحو: ما عاج بالدواء وما ضرب]. أي: فتأتي بمصدر الفعل المتعجب منه بعد أشد أو أشدد، فتقول: ما أشد عدم عيجه بالدواء، وما أشد عدم ضربه فلاناً، والظاهر أن عاج لا تأتي إلا منفية، أما ضرب فقد تأتي في سياق الإثبات. قال ابن عقيل: [ولا من فعل يأتي الوصف منه على أفعل نحو: حمر وعور، ولا من فعل مبني للمفعول، نحو: ضُرِب وجُنَّ، وشذ منه قولهم: هو أخصر من كذا، فبنوا أفعل التفضيل من اختُصر وهو زائد على ثلاثة أحرف ومبني للمفعول. وقالوا: أسود من حلك الغراب، وأبيض من اللبن؛ فبنوا أفعل التفضيل شذوذاً من فعل الوصف منه على أفعل]. ولكن الصحيح جواز بناء أفعل التفضيل من فعل الوصف منه على أفعل، وقد ورد في بعض الألفاظ (ماؤه أبيض من اللبن) يعني: حوض النبي عليه الصلاة والسلام، والمشهور (أشد بياضاً). وكذلك أيضاً يقال: هذا أسود من هذا، وهذا أعرج من هذا، أي: أشد عرجة. قال ابن مالك: [وما به إلى تعجب وصل لمانع به إلى التفضيل صل] قال ابن عقيل: [تقدم في باب التعجب أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشد ونحوها. وأشار هنا إلى أنه يتوصل إلى التفضيل من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بما يتوصل به في التعجب، فكما تقول: ما أشد استخراجه، تقول: هو أشد استخراجاً من زيد، وكما تقول: ما أشد حمرته، تقول: هو أشد حمرة من زيد]. فائدة: المصدر ينتصب في باب التعجب على أنه مفعول به، وهنا ينتصب على أنه تمييز؛ لأنه جاء بعد اسم التفضيل.

أفعل التفضيل المجرد لابد من اتصاله بمن لفظا أو تقديرا

أفعل التفضيل المجرد لابد من اتصاله بمن لفظاً أو تقديراً قال ابن مالك: [وأفعل التفضيل صله أبداً تقديراً أو لفظاً بمن إن جردا] قال ابن عقيل: (لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال: الأول: أن يكون مجرداً. الثاني: أن يكون مضافاً. الثالث: أن يكون بالألف واللام. فإن كان مجرداً فلا بد أن تتصل به (من) لفظاً أو تقديراً جارة للمفضل عليه، نحو: زيد أفضل من عمرو، ومررت برجل أفضل من عمرو. وقد تحذف (من) ومجرورها للدلالة عليهما، كقوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف:34]، أي: وأعز منك نفراً. وفهم من كلامه: أن أفعل التفضيل إذا كان بأل أو مضافاً لا تصحبه من، فلا تقول: زيد الأفضل من عمرو، ولا زيد أفضل الناس من عمرو. وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبراً كالآية الكريمة ونحوها، وهو كثير في القرآن، وقد تحذف منه وهو غير خبر، كقوله: دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا فظل فؤادي في هواك مضللا فأجمل أفعل تفضيل وهو منصوب على الحال من (التاء) في دنوت، وحذفت منه (من)، والتقدير: دنوت أجمل من البدر وقد خلناك كالبدر]. في الحاشية يقول: ربما جاء بعد أفعل التفضيل المقترن بأل أو المضاف (من)، كما في قول الأعشى: ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر وكما في قول سعد: نحن بغرس الوادي أعلم منا بركض الجياد. وقوله: (وإنما العزة للكاثر)، يعني: للغالب في كثرة الحصى، ولما كان العرب أميين لا يعرفون الحساب كانوا يعدون بالحصى ويضبطون، فيقال: أحصاه، وأصله: عده بالحصى، من: أحصيت الشيء، يعني: ضبطت عده؛ لأنهم كانوا يضبطون العدد بالحصى.

أفعل التفضيل المجرد أو المضاف لنكرة يلزم التذكير والوحدة

أفعل التفضيل المجرد أو المضاف لنكرة يلزم التذكير والوحدة قال ابن عقيل: [ويلزم أفعل التفضيل المجرد الإفراد والتذكير، وكذلك المضاف إلى نكرة، وإلى هذا أشار بقوله: وإن لمنكور يضف أو جردا ألزم تذكيراً وأن يوحدا فتقول: زيد أفضل من عمرو وأفضل رجل، وهند أفضل من عمرو وأفضل امرأة، والزيدان أفضل من عمرو وأفضل رجلين، والهندان أفضل من عمرو وأفضل امرأتين، والزيدون أفضل من عمرو وأفضل رجال، والهندات أفضل من عمرو وأفضل نساء، فيكون أفعل في هاتين الحالتين مذكراً ومفرداً، ولا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع.

أفعل التفضيل المحلى بـ (أل) يطابق ما قبله

أفعل التفضيل المحلى بـ (أل) يطابق ما قبله قال ابن مالك: [وتلو أل طبق وما لمعرفه أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه هذا إذا نويت معنى من وإن لم تنو فهو طبق ما به قرن] قال ابن عقيل: (إذا كان أفعل التفضيل بأل لزمت مطابقته لما قبله في الإفراد والتذكير وغيرهما، فتقول: زيد الأفضل، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، وهند الفضلى، والهندان الفضليان، والهندات الفضل أو الفضليات). ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله، فلا تقول: الزيدون الأفضل، ولا الزيدان الأفضل، ولا هند الأفضل، ولا الهندان الأفضل، ولا الهندات الأفضل. ولا يجوز أن تقترن به (من)، فلا تقول: زيد الأفضل من عمرو، فأما قوله: ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر فيخرج على زيادة الألف واللام، والأصل: ولست بأكثر (منهم)، أو جعل منهم متعلقاً بمحذوف مجرد عن الألف واللام، لا بما دخلت عليه الألف واللام والتقدير: ولست بالأكثر أكثر منهم. قول المؤلف: (أو يحمل على زيادة الألف واللام والأصل: ولست بأكثر منهم إلخ) هو تأويل من المؤلف لأجل سلامة القاعدة؛ لأن القاعدة: أن (من) لا تدخل على المحلى بأل. ولكن لو قيل: إنها تأتي على سبيل الندرة والقلة لكان أولى، أما أن نتكلف ونقول: (أل) زائدة، أو أن هناك اسم تفضيل مجرداً من أل؛ فلا داعي له. قال ابن عقيل: [وأشار بقوله: (وما لمعرفة أضيف إلخ) إلى أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة وقصد به التفضيل جاز فيه وجهان: أحدهما: استعماله كالمجرد فلا يطابق ما قبله، فتقول الزيدان أفضل القوم، والزيدون أفضل القوم، وهند أفضل النساء، والهندان أفضل النساء، والهندات أفضل النساء. والثاني: استعماله كالمقرون بالألف واللام؛ فتجب مطابقته لما قبله، فتقول: الزيدان أفضلا القوم، والزيدون أفضلوا القوم، وأفاضل القوم، وهند فضلى النساء، والهندان فضليا النساء، والهندات فضل النساء، أو فضليات النساء. ولا يتعين الاستعمال الأول خلافاً لـ ابن السراج. وقد ورد الاستعمالان في القرآن: فمن استعماله غير مطابق قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96]]. ولو طابق لقال: ولتجدنهم أحرصي الناس على حياة. قال ابن عقيل: [ومن استعماله مطابقاً قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعام:123]]. ولو لم يطابق لقال: أكبر مجرميها. قال ابن عقيل: [وقد اجتمع الاستعمالان في قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون). فالذين أجازوا الوجهين قالوا: الأفصح المطابقة، ولهذا عيب على صاحب الفصيح في قوله: (فاخترنا أفصحهن)، قالوا: فكان ينبغي أن يأتي بالفصحى، فيقول: فصحاهن. فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة، كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي: عادلا بني مروان. وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله: (هذا إذا نويت معنى من البيت) أي: جواز الوجهين -أعني: المطابقة وعدمها- مشروط بما إذا نوى بالإضافة معنى (من)، أي إذا نوى التفضيل، وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به. قيل: ومن استعمال صيغة أفعل لغير التفضيل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27]، وقوله: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} [الإسراء:54]، أي: وهو هين عليه، وربكم عالم بكم، وقول الشاعر. وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل أي: لم أكن بعجلهم. وقوله: إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول أي: دعائمه عزيزة طويلة. وهل ينقاس ذلك أم لا؟ قال المبرد: ينقاس، وقال غيره: لا ينقاس، وهو الصحيح، وذكر صاحب الواضح: أن النحويين لا يرون ذلك، وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27]، إنه بمعنى هين، وفي بيت الفرزدق وهو الثاني: إن المعنى عزيزة طويلة. وأن النحويين ردوا على أبي عبيدة ذلك، وقالوا: لا حجة في ذلك له). الأمثلة الذي ذكر المؤلف كقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27]، هذا الصحيح أنه على بابه، والكل عليه هين، لكنه أراد أن يخاطب هؤلاء المنكرين للبعث بأمر ظاهر عقلاً، وهو أن الإعادة أهون من الابتداء، أي: فكيف تبصرون ما هو أهون في عقولكم ومحسوسكم ثم تنكرون الأسهل مع قولكم: إن الإعادة أهون من الابتداء، مثل قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24]، ومعلوم أن هؤلاء المكذبين على ضلال وأن الرسول على هدى. كذلك {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} [الإسراء:54]، فالصحيح أنه على بابه، وأنه أعلم بنا من أنفسنا، وليس المعنى عالم بكم فقط، بل هو أعلم بكم سبحانه وتعالى. وكذلك أيضاً قول الشاعر: لم أكن بأعجلهم، يعني: ليست بأعجل القوم، وليس المعنى: ولست بعجلهم، والمعنى: لست بأول من يمد يده، لأن ذلك دليل على شرهه ونهمته، وأنه لا يتمالك نفسه حتى يقال له: تفضل. وكذلك أيضاً قوله: (إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول). أي: ليس هو أعز وأطول من كل شيء، إنما قصده أعز وأطول من البيوت الأخرى، والعزة معروفة، و (أطول) من الطول المعنوي يراد به التفضيل.

حكم تقديم من ومجرورها على أفعل التفضيل

حكم تقديم من ومجرورها على أفعل التفضيل قال ابن مالك: [وإن تكن بتلو من مستفهما فلهما كن أبدا مقدما كمثل ممن أنت خير ولدى إخبار التقديم نزرا وردا] (وإن تكن بتلو من مستفهما)، (إن) شرطية، واسم تكن ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، وخبرها قوله: (مستفهماً)، يعني: وإن تكن مستفهماً بتلو (من)، أي: بحيث يكون الذي بعد (من) اسم استفهام فإنها تقدم عليه مع مجرورها، فالذي بعد (من) يأتي في آخر الجملة، كما تقول: الرجل خير من المرأة، فـ (من المرأة) أتت بآخر الجملة؛ لأنها تأتي بعد ذكر المفضل، وتقول: الشتاء أبرد من الصيف. فإذا كان ما بعد (من) اسم استفهام فماذا نصنع؛ لأنه إن بقي في مكانه تركنا القاعدة، وهي: أن الاستفهام له الصدارة؟ يقول المؤلف: (فلهما كن أبداً مقدماً). الضمير (هما) يعود على مِنْ والاستفهام؛ وجملة (فلهما كن أبداً مقدماً) جواب الشرط وهو قوله: (إن تكن). وهذا البيت يذكر فيه المؤلف رحمه الله قاعدة وهي: إذا كان المفضل عليه اسم استفهام فإنه يجب أن يتقدم ويكون في صدر الجملة، والعلة في ذلك أن الاستفهام له الصدارة، مثاله: (ممن أنت خير؟) فهذا استفهام. والجواب مثلاً: أنا خير من فلان. فلما كان المفضل عليه اسم استفهام وجب أن يقدم على أفعل التفضل مع من، فتقول: ممن أنت خير؟ وكذلك تقول: ممن أنت أطول؟ وممن أنت أغنى؟ وممن أنت أعلم؟ وما أشبه ذلك، وسيكون جواب المسئول: من فلان مثلاً، يعني: أنا خير، أو أطول، أو أعلم، أو أغنى من فلان. قال ابن مالك: [ولدى إخبار التقديم نزراً وردا]. يعني: إن جاء في جملة خبرية فإن التقديم نزر، أي: قليل، فتقول مثلاً: عمرو من زيد خير، والمعنى: عمرو خير من زيد، لكنها جاءت مقدمة، وهذا يكون نزراً قليلاً في اللغة العربية، وهل ينقاس؟ الظاهر أنه لا ينقاس، وأنه إن وجد عن العرب فهو مقصور على السماع. وإعراب (نزراً) حال من فاعل (ورد) مؤول. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [وإن تكن بتلو من مستفهما فلهما كن أبدا مقدما كمثل ممن أنت خير ولدى إخبار التقديم نزرا ورد تقدم أن أفعل التفضيل إذا كان مجردا جيء بعده بمن جارة للمفضل عليه نحو: زيد أفضل من عمر ومن ومجرورها معه بمنزلة المضاف إليه من المضاف، فلا يجوز تقديمهما عليه كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف، إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام، أو مضافاً إلى اسم استفهام؛ فإنه يجب حينئذ تقديم من ومجرورها، نحو: ممن أنت خير؟ ومن أيهم أنت أفضل؟ ومن غلام أيهم أنت أفضل؟ وقد ورد التقديم شذوذاً في غير الاستفهام، وإليه أشار بقوله: (ولدى إخبار التقديم نزراً وردا)، ومن ذلك قوله: فقالت لنا أهلاً وسهلاً وزودت جنى النحل بل ما زودت منه أطيب والتقدير: بل ما زودت أطيب منه]. جنى النحل هو العسل. وهذا اسم طيب شيق، لكن لو أقول: إنه قيء الزنابير، يصبح غير محبوب. قال ابن عقيل: [وقول ذي الرمة يصف نسوة بالسمن والكسل: ولا عيب فيها غير أن سريعها قطوف وأن لا شيء منهن أكسل والتقدير: وأن لا شيء أكسل منهن، وقوله: إذا سايرت أسماء يوماً ظعينة فأسماء من تلك الظعينة أملح التقدير: فأسماء أملح من تلك الظعينة].

متى يرفع أفعل التفضيل اسما ظاهرا

متى يرفع أفعل التفضيل اسماً ظاهراً قال المؤلف رحمه الله: [ورفعه الظاهر نزر ومتى عاقب فعلاً فكثيراً ثبتا]. قوله: (نزر) أي: قليل، وقيل: إنه لا يجوز وإنه شاذ، وهذا مذهب ابن هشام رحمه الله في القطر، قال: إنه لا يرفع الظاهر إلا في مسألة واحدة وهي مسألة الكحل، أما ابن مالك رحمه الله فيرى أنه ممكن لكنه قليل، ولذا قال: [ورفعه الظاهر نزر ومتى عاقب فعلاً فكثيراً ثبتا]. يعني: أنه يرفع الضمير المستتر ولا يرفع الظاهر إلا قليلاً وسيأتي في الشرح. وقوله: [ومتى عاقب فعلاً فكثيراً ثبتا]. (عاقب فعلاً) أي صار بمعنى الفعل؛ بحيث يحل الفعل محله؛ لأن معنى (عاقب الشيء)، صار في مكانه، فإذا صح أن يحل محله فعل فحينئذ يجوز أن يرفع الظاهر. ومثاله: [كلن ترى في الناس من رفيق أولى به الفضل من الصديق]. (لن) حرف نفي ونصب واستقبال. ترى: فعل مضارع. في الناس: جار ومجرور. من رفيق: من: حرف جر زائد، (رفيق) مفعول لترى، يعني: لن ترى رفيقاً. وقوله: [أولى به الفضل]. أولى: صفة لرفيق. (الفضل): فاعل (أولى) مع أنه اسم تفضيل، لكن لما كان الفعل يحل محله صح أن يرفع الفاعل؛ لأن المعنى: لن ترى في الناس رفيقاً أولى به الفضل، أي: يولى به الفضل. وقوله: [من الصديق]. هذا هو المفضل عليه، وهو الصديق رضي الله عنه، فيقول: لا ترى في الناس رفيقاً أولى به الفضل من هذا الرفيق، ومثل مسألة الكحل وهي: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، فقوله: أحسن بمعنى: يحسن، أي: يحسن في عينه الكحل، فكان معاقباً بالفعل الذي هو (يحسن)، وصح أن يرفع الظاهر، والمسألة فيها خلاف: فمنهم من يقول: إنه لا يرفع الظاهر مطلقاً. ومنهم من يقول: يرفعه في هذه المسألة إذا عاقب الفعل. ومنهم من يقول: إنه يرفعه مطلقاً وهذا هو الأقرب؛ لأنه إذا كان بمعنى الفعل ويدل على الزيادة والفضل، فلا شيء يمنع من أن يكون رافعاً للظاهر. ثم هو أيضاً يرفع ضميراً مستتراً تقديره (هو)، والذي تقديره هو استتاره جائز وليس بواجب. قال ابن مالك: [ورفعه الظاهر نزر ومتى عاقب فعلاً فكثيراً ثبتا كلن ترى في الناس من رفيق أولى به الفضل من الصديق]. قال ابن عقيل: (لا يخلو أفعل التفضيل من أن يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه أو لا. فإن لم يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه لم يرفع ظاهراً، وإنما يرفع ضميراً مستتراً نحو: زيد أفضل من عمرو، ففي (أفضل) ضمير مستتر عائد على زيد، فلا تقول: مررت برجل أفضل منه أبوه، فترفع أبوه بـ (أفضل) إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه]. هذا الجائز وهو معنى قول ابن مالك: (ورفعه الظاهر نزر)، فتقول: مررت برجل أفضل منه أبوه، لا يصلح أن نجعل (أبوه) مبتدأ؛ لأن (أفضل) صفة لرجل. فإذا قلنا: برجل أفضلُ منه أبوه، صح، والتقدير: برجل أبوه أفضل منه، والسبب أن أفضل في الأول صارت صفة لرجل. وفي هذا دليل على أن هذه المسألة تستثنى من القاعدة: وهي أن كل ضمير يكون تقديره هو فهو مستتر جوازاً، إلا هذه المسألة؛ فإنه ضمير مستتر وجوباً؛ لأنه لا يحل محله فعل. قال ابن عقيل: [فإن صلح لوقوع فعل بمعناه موقعه صح أن يرفع ظاهراً قياساً مطرداً؛ وذلك في كل موضع وقع فيه أفعل بعد نفي أو شبهه]. يعني: وقع فيه أفعل التفضيل بعد نفي أو شبهه، وشبه النفي هو: النهي والاستفهام الإنكاري. قال ابن عقيل: [وكان مرفوعه أجنبياً مفضلاً على نفسه باعتبارين]. قوله: (أجنبياً) يعني: غير عائد إلى المفضل؛ لأنك إذا قلت: مررت برجل أفضل من زيد، فكلمة أفضل فيها ضمير يعود على رجل، لكن هنا لابد أن يكون المرفوع أجنبياً، فلا يعود على المفضل. وقوله: (مفضلاً) أي: ذلك الأجنبي (على نفسه باعتبارين)، فالتفضيل هنا بين ذات واحدة باعتبار حالين. قال ابن عقيل: [نحو: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، فـ (الكحل) مرفوع بـ (أحسن) لصحة وقوع فعل بمعناه موقعه، نحو: ما رأيت رجلاً يحسن في عينه الكحل كزيد]. نطبق الشروط على هذا المثال الذي ذكره الشارح رحمه الله تعالى، فتقدم نفي بـ (ما) و (أحسن) اسم تفضيل، وكان المفروض أن يتحمل ضميراً يعود على (رجلاً)؛ لكنه رفع ظاهراً أجنبياً عن المفضل عليه. وقوله: (الكحل) مفضل ومفضل عليه، فهو مفضل في عين زيد، ومفضل عليه في عين غيره. فإذاً: الكحل فضل على نفسه باعتبارين، فهو في حال كونه في عين زيد مفضل، وفي حال كونه في عين غيره مفضل عليه. وممكن أن نجعله على غير الكحل، فمثلاً: ما رأيت رجلاً أحسن على رأسه الشماغ منه على رأس زيد، وما رأيت مجلساً أحسن في جداره اللون الأزرق منه في جدار البيت، فالمهم أن هذا ليس خاصاً بالكحل، فكأن العلماء رحمهم الله مثلوا به لظهوره وسهولته. قال ابن عقيل: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة)]. الحديث لم يرد بهذا اللفظ، إنما ورد بلفظ العمل الصالح، وعلى تقدير أن هذا هو اللفظ فلنطبق فيه الشروط؛ فالنفي حاصل بـ (ما) و (أحب) صفة لأيام، وفاعلها الصوم، فهو أجنبي من المفضل. ويمكن أن يكون نائب فاعل؛ لأن الحقيقة أن الصوم مفعول وليس بفاعل، لكن مر علينا أن اسم التفضيل لا يصاغ من اسم المفعول، إلا أن يقال: هذا شاذ لكونه صيغ من فعل مبني للمجهول. قال ابن عقيل: [وقول الشاعر، أنشده سيبويه: مررت على وادي السباع ولا أرى كوادي السباع حين يظلم واديا أقل به ركب أتوه تئية وأخوف إلا ما وقى الله ساريا فـ (ركب) مرفوع بـ (أقل)، فقول المصنف: (ورفعه الظاهر نزر) إشارة إلى الحالة الأولى. وقوله: (ومتى عاقب فعلاً) إشارة إلى الحالة الثانية] ا. هـ. إذاً: قول ابن مالك: (رفعه الظاهر) يشمل الفاعل ونائب الفاعل؛ ولهذا لم يقل: (ورفعه الفاعل).

شرح ألفية ابن مالك [49]

شرح ألفية ابن مالك [49] التوابع فضلات تتبع غيرها في الإعراب، وهي النعت والتوكيد والعطف والبدل؛ فالنعت تابع متمم لمنعوته بوصفه أو وصف سببيه، ولا يكون النعت إلا بمشتق أو مؤول بالمشتق.

النعت

النعت

تعريف النعت

تعريف النعت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النعت]. النعت في اللغة: الوصف، تقول: نعتُ فلان، أي: وصفه. وأما في الاصطلاح فإنه سيذكره المؤلف رحمه الله بعد البيت الأول. والنعت والتوكيد والعطف والبدل كلها توابع لما سبقها في الإعراب، فإن كان مرفوعاً رفعت، وإن كان منصوباً نصبت، وإن كان مجروراً جرت، وإن كان مجزوماً جزمت. قال تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان:70 - 69] فـ (يضاعف) عطف بيان على (يلق) وهو مجزوم، ويخلد معطوف على يضاعف، وهو مجزوم. فإذاً: الإعراب يكون على أصلي وعلى فرعي، فالفرعي هي هذه التوابع. قال المؤلف: [يتبع في الإعراب الاسماء الأول نعت وتوكيد وعطف وبدل]. الأسماء: همزتها الثانية همزة قطع كما قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم:23]، فهي على وزن أفعال، لكن هنا جعلت همزة وصل؛ لضرورة الشعر، فتقول: (يتبع في الإعراب الاسماء الأول)، و (الاسماء) محلها النصب على أنها مفعول به مقدم. ونعت: فاعل يتبع، والتقدير: يتبعه نعت وتوكيد وعطف وبدل. فالتوابع أربعة: النعت والتوكيد والعطف والبدل، وهي مجموعة في شطر واحد من بيت في ألفية ابن مالك. قال ابن مالك: [فالنعت تابع متم ما سبق بوسمه أو وسم ما به اعتلق]. فالنعت في اللغة العربية بمعنى: الوصف. وفي الاصطلاح: (تابع) خرج به الأصلي، فإذا قلت: قام زيد، فزيد لا يمكن أن يكون نعتاً؛ لأنه ليس فرعياً، ودخل فيه جميع التوابع: النعت والتوكيد والعطف والبدل، لكن يخرج بقية التوابع بقوله: (متم ما سبق بوسمه) أي: متم ما سبقه وهو المنعوت. (بوسمه)، الوسم بمعنى: السمة، أي: العلامة، والمراد به الصفة، أي: بصفته. (أو وسم ما به اعتلق)، يعني: أو صفة ما له علاقة به بضمير أو غيره. مثال الذي بوسمه، إذا قلت: مررت برجل فاضل، مررت برجل فاضل، فكلمة (رجل) مطلق لم يوصف بأي شيء، فإذا قلت: فاضل، أتممت هذا الرجل بوصفه بالفضل. (أو وسم ما به اعتلق) مثل أن تقول: مررت برجل فاضل أبوه، فكلمة (فاضل)، تابعة لرجل، لكن الوصف الذي تتضمنه يعود على الأب لا على الرجل، فكان النعت وصفاً لما له به علاقة، وهو أبوه. والعلاقة هنا بين التابع والمتبوع هي الضمير، ولهذا لو قلت: مررت برجل فاضل زيد، لا يستقيم، فلابد أن يكون فيه ضمير يربط بين هذا وهذا. فصار النعت إما أن يكون وصفاً للمتبوع مثل: مررت برجل فاضل. أو وصفاً لما له به علاقة، كمررت برجل فاضل أبوه، فهنا (فاضل) صفة لرجل، لكنها صفة لرجل في الإعراب، فأقول مثلاً: (مررت) فعل وفاعل. و (الباء) حرف جر. و (رجل) اسم مجرور بالباء وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. و (فاضل) صفة لرجل -صفة اصطلاحاً لا صفة معنى- وصفة المجرور مجرورة وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. (أبوه) فاعل (فاضل) مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، وهذا مذهب سيبويه كما قاله ابن عقيل. أو نقول على المشهور: وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة.

حكم مطابقة المنعوت للنعت في التنكير والتعريف

حكم مطابقة المنعوت للنعت في التنكير والتعريف قال المؤلف رحمه الله: [وليعط في التعريف والتنكير ما لما تلا ك امرر بقوم كرما]. قوله: (وليعط) الواو حرف عطف، واللام لام الأمر والأمر للوجوب النحوي لا الوجوب الشرعي. ولام الأمر الأصل أن تكون مكسورة، لكن ابن مالك سكنها؛ لأنه من المعلوم أن لام الأمر إذا سبقت بالواو أو ثم أو بالفاء سكنت كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ} [الحج:15] فاللام في (ليمدد) سبقت بالفاء وفي (ليقطع) سبقت بـ (ثم) وفي قوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة:282] سكنت لسبقها بالواو. قوله: (وليعط)، يُعط: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر يعود على النعت يعني: وليعط النعت. وقوله: (في التعريف والتنكير ما لما تلا)، (ما) المفعول الثاني ليعط؛ لأن المفعول الأول هو نائب الفاعل، يعني: يعط هذين الأمرين في التعريف والتنكير للذي تلاه النعت، وعلى هذا ففاعل تلا يعود على النعت. فالقاعدة: يجب أن يكون النعت تابعاً للمنعوت في التعريف والتنكير، مثال ذلك: (امرر بقوم كرما) وحذفت الهمزة في (كرماء) لروي القافية، و (كرماء) نعت لقوم، وهي مثلها في التنكير. إذاً: تبعه في التنكير. لكن في قوله: (كامرر بقوم كرما) إشكال إذ قد عرفنا أن حروف الجر من علامات الاسم، وهنا (امرر) فعل أمر و (الكاف) دخل على الجملة المكونة من فعل الأمر والفاعل. وجواب الإشكال: أنها داخلة على جملة مقدرة بالمفرد أو بالاسم والتقدير: كهذا المثال، أو على محذوف والتقدير: كقولك امرر بقوم كرما. وإذا أردنا أن نحول هذا المثال إلى معرفة، نقول: امرر بالقوم الكرماء. ولو قلت: امرر بقوم الكرما، لا يصح؛ لأن (قوم) نكرة، و (الكرما) معرفة. وإذا قلت: امرر بالقوم كرماء، يصح على أنها حال لا على أنها نعت. إذاً: النعت يتبع المنعوت في ثلاثة أشياء: في الإعراب والتعريف والتنكير.

حكم مطابقة النعت لمنعوته في التوحيد والتذكير ونحوهما

حكم مطابقة النعت لمنعوته في التوحيد والتذكير ونحوهما قال: [وهو لدى التوحيد والتذكير أو سواهما كالفعل فاقف ما قفوا] قوله: (وهو) الضمير يعود على النعت. (لدى) بمعنى عند. (التوحيد) يعني: الإفراد. (أو سواهما)، أي: سوى التوحيد والتذكير. وما سوى التوحيد هما التثنية والجمع؛ لأنه إما مفرد كزيد، أو مثنى كالزيدين، أو جمع كالزيدين. وما سوى التذكير هو التأنيث. يعني: النعت هو في هذه الأمور كالفعل، وهي: الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، فهو في هذه الخمسة كالفعل: فإن عاد إلى ما قبله تبعه، وإن كان وصفاً في غيره تبع ذلك الموصوف. ومثال ذلك أن تقول: مررت برجل قائم. فـ (قائم) وصف يتبع المنعوت، فيكون مفرداً مذكراً؛ لأن المنعوت مفرد مذكر. وكقولنا: مررت بامرأة جالسة، فجالسة وصف لـ (امرأة) وهي مفردة مؤنثة، وجالسة كذلك. وكقولنا: مررت رجال قائمين. فرجال جمع، وقائمين وصف للرجال فيتبعهم. وكقولنا: مررت بنساء جالسات. وكذلك تقول أيضاً: مررت برجلين قائمين، ومررت بامرأتين جالستين، كما تقول: مررت برجلين قاما، وامرأتين جلستا، كالفعل تماماً. لكن إذا كان النعت وصفاً في غيره كان له حكم الفعل بالنسبة لذلك الغير، فتقول: مررت برجل قائم أبوه، ومررت برجل جالسة أمه، فـ (جالسة) نعت لرجل، والوصف يعود إلى أمه؛ لأن لها علاقة به بالضمير. وتقول: مررت بامرأة قائم أبوها، (قائم) صفة لامرأة، و (قائم) مذكر و (المرأة) مؤنث؛ لأن الوصف لأبيه وهو مذكر، فيعطى حكم الفعل، كما تقول: مررت بامرأة قام أبوها، ومررت برجل جلست أمه. ومررت برجل قائم أبواه. وأما: مررت برجل قائمان أبواه، فلا يجوز إلا على لغة أكلوني البراغيث، أما على اللغة المشهورة فنقول: مررت برجل قائم أبواه كما تقول: مررت برجل قام أبواه، ولهذا ابن مالك رحمه الله كلامه مضبوط قال: (وهو لدى التوحيد والتذكير أو سوهما كالفعل) إذاً: النعت يتبع المنعوت في واحد من أوجه الإعراب، وهي الرفع والنصب والجر، وواحد من التعريف والتنكير، وواحد من الإفراد والتثنية والجمع وواحد من التذكير والتأنيث، فيتبعه في أربعة من عشرة. إذاً: يتبع المنعوت في الإعراب، وفي التعريف والتنكير بدون استثناء. ويتبعه في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث إذا كان الوصف عائداً على المنعوت، فإن كان الوصف عائداً إلى غيره فحكمه حكم الفعل، يذكر مع المذكر، ويؤنث مع المؤنث.

كلام ابن عقيل في شرح ما يتبع النعت فيه المنعوت

كلام ابن عقيل في شرح ما يتبع النعت فيه المنعوت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التوابع: النعت: يتبع في الإعراب الأسماء الأول نعت وتوكيد وعطف وبدل]. قال ابن عقيل: التابع هو الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقاً، فيدخل في قولك: (الاسم المشارك لما قبله في إعرابه) سائر التوابع وخبر المبتدأ، نحو: زيد قائم، وحال المنصوب، نحو: ضربت زيداً مجرداً، ويخرج بقولك: (مطلقاً) الخبر وحال المنصوب، فإنهما لا يشاركان ما قبلها في إعرابه مطلقاً، بل في بعض أحواله بخلاف التابع فإنه يشارك ما قبله في سائر أحواله من الإعراب، نحو: مررت بزيد الكريم، ورأيت زيداً الكريم، وجاء زيد الكريم، والتابع على خمسة أنواع: النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل. فالتفت تابع متم ما سبق بوسمه أو وسم ما به اعتلق عرف النعت بأنه: التابع المكمل متبوعه ببيان صفة من صفاته نحو: مررت برجل كريم، أو من صفات ما تعلق به وهو سببيه نحو: مررت برجل كريم أبوه. فقوله: (التابع) يشمل التوابع كلها، وقوله: (المكمل إلى آخره) مخرج لما عدا النعت من التوابع. والنعت يكون للتخصيص نحو: مررت بزيد الخياط، وللمدح نحو: مررت بزيد الكريم، ومنه قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:1]، وللذم نحو: مررت بزيد الفاسق، ومنه قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]، وللترحم نحو: مررت بزيد المسكين، وللتأكيد نحو: أمس الدابر لا يعود، وقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة:13]]. (واحدة) توكيد لنفخة؛ لأن الواحدة مفهومة من كلمة نفخة، ولكن مع ذلك لا نعربها توكيداً، إنما تعربها على أنها نعت، فصار النعت ينقسم إلى هذه الأقسام من حيث المعنى: التخصيص، والمدح، والذم، والترحم، والتوكيد. والذي يدلنا على هذه المعاني السياق، فأحياناً تأتي كلمة واحدة تكون ذماً لشخص وتكون مدحاً لآخر، لكن السياق هو الذي يبين أن هذا النعت للمدح أو للذم وأنت إذا قلت: مررت بزيد المسكين أو أعط زيداً المسكين، لا شك أن المقصود بذلك الترحم. قوله: أمس الدابر، المضي معلوم من كلمة أمس لأنها تدل على هذا المعنى، فالدابر يكون نعتاً، لكن مؤكد لأمس. قال ابن مالك: [وليعط في التعريف والتنكير ما لما تلا كامرر بقوم كرما] قال ابن عقيل: [النعت يجب فيه أن يتبع ما قبله في إعرابه وتعريفه أو تنكيره]. لا يصلح أن يقول: (تعريفه وتنكيره) لأنه لا يمكن أن يكون معرفة نكرة، إنما المراد (في تعريفه أو تنكيره) وانظر إلى قوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم:5]. فالواو هذه للتنويع: ((ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا))؛ لأنه لا يمكن أن تكون ثيباً بكراً، لكن الصفات السابقة يمكن أن توجد في امرأة واحدة. قال ابن عقيل: [نحو: مررت بقوم كرماء، ومررت بزيد الكريم، فلا تنعت المعرفة بالنكرة، فلا تقول: مررت بزيد كريم ولا تنعت النكرة بالمعرفة فلا تقول: مررت برجل الكريم]. قوله: (مررت بزيد) هذا إذا أريد به العلمية، أي: شخص معين اسمه زيد، أما إذا أردت به مسمى زيد وأردت التنكير صح، بزيد كريم أي: بمسمى بهذا الاسم كريم، ونظير ذلك ما ذكروه في رمضان قالوا: إذا قصدت رمضان المعين فهو ممنوع من الصرف للعلمية، وإذا أردت غير معين فهو مصروف بالتنكير. ولهذا يقول الفقهاء: (لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضانٍ آخر)، فرمضانٍ آخر نكرة. أما إذا قلت: بزيد الذي هو زيد المعين، فزيد معرفة ولا يجوز نعته بالنكرة. قال ابن مالك: [وهو لدى التوحيد والتذكير أو سواهما كالفعل فاقف ما قفوا]. قال ابن عقيل: [تقدم أن النعت لابد من مطابقته للمنعوت في الإعراب والتعريف أو التنكير، وأما مطابقته للمنعوت في التوحيد وغيره وهي التثنية والجمع، والتذكير وغيره وهو التأنيث؛ فحكمه فيها حكم الفعل، فإن رفع ضميراً مستتراً طابق المنعوت مطلقاً نحو: زيد رجل حسن، والزيدان رجلان حسنان، والزيدون رجال حسنون، وهند امرأة حسنة، والهندان امرأتان حسنتان، والهندات نساء حسنات، فيطابق في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع كما يطابق الفعل لو جئت مكان النعت بفعل فقلت: رجل حَسُن، ورجلان حَسُنا، ورجال حسنوا، وامرأة حَسُنت، وامرأتان حسنتا، ونساء حَسُنَّ]. وإن رفع -أي النعت- اسماً ظاهراً كان بالنسبة إلى التذكير والتأنيث على حسب ذلك الظاهر، وأما في التثنية والجمع فيكون مفرداً، فيجري مجرى الفعل إذا رفع ظاهراً فتقول: مررت برجل حسنة أمه، كما تقول: حسنت أمه، وبامرأتين حسن أبواهما، وبرجال حسن آباؤهم، كما تقول: حسن أبواهما، وحسن أباؤهم. فالحاصل أن النعت إذا رفع ضميراً طابق المنعوت في أربعة من عشرة: واحد من ألقاب الإعراب، وهي الرفع والنصب والجر. وواحد من التعريف والتنكير. وواحد من التذكير والتأنيث. وواحد من الإفراد والتثنية والجمع وإذا رفع ظاهراً طابقه في اثنين من خمسة: واحد من ألقاب الإعراب. وواحد من التعريف والتنكير. وأما الخمسة الباقية وهي التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع فحكمه فيها حكم الفعل إذا رفع ظاهراً، فإن أسند إلى مؤنث أنث وإن كان المنعوت مذكراً، وإن أسند إلى مذكر ذكر وإن كان المنعوت مؤنثاً، وإن أسند إلى مفرد أو مثنى أو مجموع أفرد وإن كان المنعوت بخلاف ذلك]. تقول: مررت بامرأتين حسنٍ أبوهما لأن النعت السببي يجري مجرى الفعل، مادام رفع ظاهراً فيكون مفرداً مذكراً. وتقول: مررت برجال حسنٍ آباؤهم.

حكم كون النعت مشتقا

حكم كون النعت مشتقاً قال ابن مالك: [وانعت بمشتق كصعب وذرب وشبهه كذا وذى والمنتسب] قوله: (وانعت بمشتق) يعني: لا تجز النعت إلا بمشتق، والمشتق معناه: ما دل على الوصف والفاعل، مثل: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل؛ لأنه يدل على الوصف وفاعله، فمثلاً: قائم يدل على القيام وذات متصفة بالقيام، ومظروف يدل على الظرف وذات متصفة بوقوع الظرف عليها، وبطل يدل على البطولة ورجل متصف بها، وأفضل يدل على الأفضلية ورجل متصف بها. وإنما وجب النعت بالمشتق؛ لأن المشتق وصف لذات، فلابد أن يكون مشتملاً على الوصف والذات. فإذا قلت: مررت بالرجل الفاضل، فالفاضل وصف لرجل وهو ذات، فلابد أن يشتمل على وصف وذات، وهذا لا يكون إلا في المشتق. فهذا وجه كونه لابد أن يكون النعت مشتقاً. ومثل له ابن مالك بقوله: (كصعب وذرب) فأعطى الحكم والمثال، فبالحكم تتقرر القاعدة وبالمثال تتضح القاعدة، ومن حسن التعليم أن الإنسان إذا أتى بالأحكام يعقبها بالأمثلة حتى تتضح، لاسيما الأشياء التي يصعب فهمها، فإنه بضرب الأمثال تعقل المعاني، وهناك كتاب اسمه: النحو الواضح، وكتاب: البلاغة الواضحة قرأناهما في المعاهد يأتي بالأمثلة أولاً ثم يشرحها ثم يستنتج القاعدة، والأولون يأتون أولاً بالأحكام ثم بالأمثلة. وقوله: (انعت بمشتق كصعب وذرب) (صعب) مأخوذ من الصعوبة، فهي إذاً مشتقة و (ذرب) من الذرابة، فهي إذاً مشتقة. والصعوبة والذرابة تقتضي أن الإنسان يكون حازماً ولا يكون عنده لين فيضعف، ولا خمول فيكسل. وقوله: (وشبهه) يعني شبه المشتق، مثل: (كذا وذي والمنتسب)، أي: يجوز أن ينعت بما يشبه المشتق، مثل (ذا) الذي هو اسم إشارة وهي مؤولة بالمشتق، وتأويلها بالمشار إليه، تقول: أكرم الرجل هذا، فـ (هذا) صفة للرجل. فإذا قال قائل: أسماء الإشارة غير مشتقة، نقول: لكن مؤولة بالمشتق، والتقدير: أكرم الرجل المشار إليه، والمشار اسم مفعول فهو مشتق. فإذاً: يقول: (وشبهه) أي: مما يؤول بالمشتق كاسم الإشارة (ذا وذي) لكن (ذا) للمفرد المذكر، و (ذي) للمفردة المؤنثة. (والمنتسب) أي: المنسوب إلى مكان أو قبيلة أو حرفة أو ما أشبه ذلك، تقول: رأيت الرجل التميمي، فالتميمي جامد، لكن نقول: هذه نسبة؛ فيؤول التميمي بالمنسوب إلى تميم، والمنسوب إلى مكان مثل: أكرم الرجل المدني، أكرم الرجل المكي وما أشبه ذلك، فهذا منسوب إلى المكان. إذاً: ينعت بالمشتق والمؤول بالمشتق وهو اسم الإشارة والمنسوب. فإن قيل: هذا رجل حجر، فحجر جامد فلا يصح الوصف به إلا إذا كان مؤولاً. أما أن تقول: هذا رجل حجر؛ تريد الحجر الحقيقي بدون تأويل فهذا لا يصح، فيؤول هذا رجل حجر، أي: رجل قاسٍ. ويقال: هذا تلميذ زبدة، فالزبدة جامد فلا يصلح الوصف بها إلا أوَّلت، فتكون زبدة بمعنى اللين أي: ليس قوياً.

شرح ألفية ابن مالك [50]

شرح ألفية ابن مالك [50] الجمل بعد النكرات صفات، فيجوز أن يكون النعت جملة بشرط أن يكون فيها رابط يربطها بالمنعوت، وقد يتعدد المنعوت فيفرق نعته حتى لا يلتبس الأمر، وقد يتعدد النعت لمنعوت واحد فتكون النعوت تابعة لمنعوتها، ويجوز القطع في بعض الحالات.

النعت بالجملة

النعت بالجملة

الجمل تنعت النكرات

الجمل تنعت النكرات قال ابن مالك: [ونعتوا بجملة منكرا فأعطيت ما أعطيته خبرا]. الجملة تكون اسمية وفعلية، ولا ينعت بها المعرفة إذ القاعدة: إذا جاءت الجملة بعد معرفة فهي حال، لكن إذا جاءت بعد نكرة فهي صفة. فقوله: (ونعتوا بجملة منكرا) خرج به المعرف. ومثال ذلك: رأيت طالباً يقلب كتابه. فالجملة هي: يقلب كتابه، و (طالباً) نكرة، فيجوز أن ننعت النكرة بالجملة. ونقول: (رأيت) فعل وفاعل، و (طالباً) مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، و (يقلب) فعل مضارع مرفوع بضمة ظاهرة، وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو، و (كتابه) مفعول به، وهو مضاف والهاء مضاف إليه، وجملة (يقلب كتابه) في محل نصب صفة لرجل. وكذلك مررت برجل يبيع خبزاً، فرجل نكرة، و (يبيع خبزاً) جملة، فتكون صفة لرجل. فإذا قلنا: مررت بالطالب يقلب كتابه، فالجملة بعد معرفة فتكون في موضع نصب على الحال. ومثال النعت بالجملة الاسمية: مررت برجل أبوه كريم. فـ (مررت) فعل وفاعل، و (الباء) حرف جر، و (رجل) اسم مجرور بالباء، و (أبو) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة أو الستة على الخلاف، وأبو مضاف والهاء مضاف إليه، و (كريم) خبر أبوه، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر صفة لرجل. ورأيت كاتباً خطه جميل: فـ (كاتباً) مفعول رأيت، و (خط)، مبتدأ، و (خط) مضاف والهاء مضافة إليه، و (جميل) خبر خط، والجملة في محل نصب صفة لكاتب.

وجوب ربط جملة الصفة بالموصوف

وجوب ربط جملة الصفة بالموصوف يقول المؤلف: (فأعطيت ما أعطيته خبراً) يعني: إذا نعت بالجملة فإنه يثبت لها ما يثبت للجملة الخبرية، وقد سبق في باب المبتدأ ما يلزم إذا وقعت الجملة خبراً، ومن أهم ذلك أنه يجب أن تشتمل على رابط يربطها بالمبتدأ، فلو قلت: مررت برجل عمرو قائم، لا يجوز؛ لأن (عمرو قائم) جملة اسمية لكن ليس فيها رابط يربطها بالموصوف. وإذا قلت: مررت برجل ابنه كبير، فالرابط الهاء في (ابنه). ومررت برجل ما أدراك ما الرجل، فالرجل هذه تعود على الأول، مثل: الحاقة ما الحاقة. إذاً: تعطى ما تعطاه الجملة الخبرية من الأحكام، وهذه الإحالة من المؤلف إحالة على مليء، فكأنه يقول: ارجع إلى باب المبتدأ والخبر، وانظر ما هي شروط الجملة إذا وقعت خبراً فأت بها هنا، إلا ما استثنى.

لا تكون الجملة الطلبية صفة

لا تكون الجملة الطلبية صفة قال المؤلف رحمه الله: [وامنع هنا إيقاع ذات الطلب وإن أتت فالقول أضمر تصب]. و (امنع هنا) أي: في النعت، (إيقاع ذات الطلب) فلا تأتي الجملة المنعوت بها طلبية، وإنما تأتي خبرية، فلا تأتي فعل أمر، ولا تأتي مقرونة بلا الناهية، ولا تأتي مقرونة بأداة استفهام. يقول المؤلف هنا: لا يمكن أن تأتي الجملة نعتاً إذا كانت طلبية، وتأتي خبرية. وأخذنا ذلك من قوله: (وامنع هنا). مثال ذلك: زيد أكرمه، (زيد) مبتدأ، و (أكرمه) جملة خبر زيد. وزيد لا تهنه، (زيد) مبتدأ، وجملة (لا تهنه) خبر. ومررت برجل اضربه، فـ (اضربه) لا تصح أن تكون نعتاً؛ لأنها طلبية، والجملة الطلبية لا تقع نعتاً، وتقع خبراً. ومررت برجل لا تكسر خاطره، لا تصح كذلك؛ لأنها طلبية. ومررت برجل هل رأيته في السوق، لا تصح؛ لأنها طلبية. وقال الشاعر: حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط (بمذق) الباء حرف جر، و (مذق) اسم مجرور بالباء، و (هل) أداة استفهام، (رأيت) فعل وفاعل، و (الذئب) مفعول به، و (قط) ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب، وجملة (هل رأيت الذئب قط) يريد الشاعر أن تكون صفة لمذق، فكيف الجواب عن قول ابن مالك: (وامنع هنا إيقاع ذات الطلب)؟ نقول: الجواب من كلام ابن مالك قال: (وإن أتت فالقول أضمر تصب) إن أتت الجملة الطلبية صفة فأضمر القول، فتقول: جاءوا بمذق مقول فيه: هل رأيت الذئب قط؟ ويكون الوصف هنا هو المحذوف المقدر بـ (مقول)، وجملة: هل رأيت الذئب قط تكون مقول القول. وإذا قلت: مررت برجل اضربه، فالتقدير: مقول فيه اضربه. وهكذا كلما رأيت جملة طلبية واقعة نعتاً لمنكر فأضمر فيها القول. لكن يفهم من قوله رحمه الله: (إن أتت) أنك لا تأتي بها، لكن إذا سمعت من العرب العرباء فأضمر القول. فالقاعدة: أن الجملة تقع نعتاً لنكرة وتعطى حكم الجملة الواقعة خبراً إلا أنه هنا لا تأتي بجملة طلبية، وإن أتت وجب إضمار القول ليكون نعتاً وتكون الجملة الفعلية مفعولاً للقول المحذوف.

كلام ابن عقيل عن النعت بالمشتق والنعت بالجملة

كلام ابن عقيل عن النعت بالمشتق والنعت بالجملة

حكم النعت بما هو مشتق

حكم النعت بما هو مشتق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وانعت بمشتق كصعب وذرب وشبهه كذا وذي والمنتسب] قال ابن عقيل: [لا ينعت إلا بمشتق لفظاً أو تأويلاً. والمراد بالمشتق هنا: ما أخذ من المصدر للدلالة على معنى وصاحبه: كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة باسم الفاعل وأفعل التفضيل. والمؤول بالمشتق: كاسم الإشارة نحو: مررت بزيد هذا، أي: المشار إليه، وكذا ذو بمعنى صاحب، والموصولة نحو: مررت رجل ذي مال، أي: صاحب مال، وبزيد ذو قام، أي: القائم، والمنتسب نحو: مررت برجل قرشي، أي منتسب إلى قريش]. مثال اسم فاعل: مررت برجل قائم. واسم المفعول: رأيت لحماً مطبوخاً. والصفة: مررت برجل حسن الوجه. واسم التفضيل: مررت برجل أفضل من زيد. وقوله: (كذا وذي) هما للإشارة، ولكن الأول للمذكر والثاني للمؤنث، وفات علينا (ذو) بمعنى صاحب مع أنها ليست اسم فاعل، ولكنه بمعنى اسم الفاعل، فيكون (ذا) اسم إشارة، و (ذي) التي بمعنى صاحب. وقوله: (ذو قام) كما إذا قلت: مررت بالرجل الذي قام، فهي كقولك: مررت بالرجل القائم، فهو مشتق بصلته. وإذا قلت: نظرت إلى اللحم مطبوخاً، فمطبوخاً حال؛ لكونها بعد معرفة. أما إذا قلت: نظرت إلى لحم مطبوخ فجاء بعد نكرة فهو وصف لها. وقوله: مررت برجل ذي مال، تمثيل لقوله: (ذو) بمعنى صاحب، وقوله: (ذو قام) تمثيل لذي الموصولة.

النعت للنكرات بالجمل

النعت للنكرات بالجمل قال ابن مالك: [ونعتوا بجملة منكرا فأعطيت ما أعطيته خبراً] قال ابن عقيل: [تقع الجملة نعتاً كما تقع خبراً وحالاً، وهي مؤولة بالنكرة، ولذلك لا ينعت بها إلا النكرة نحو: مررت برجل قام أبوه، أو أبوه قائم، ولا تنعت بها المعرفة فلا تقول: مررت بزيد قام أبوه، أو أبوه قائم. وزعم بعضهم: أنه يجوز نعت المعرف بالألف واللام الجنسية بالجملة، وجعل منه قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس:37]، وقول الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني فنسلخ صفة لليل، و (يسبني) صفة للئيم، ولا يتعين ذلك لجواز كون نسلخ ويسبني حالين]. هذا تأويل للآية فمنهم من أول أن الليل واللئيم بمعنى النكرة، وأن التقدير هو: آية لهم ليل نسلخ منه النهار، ولقد أمر على لئيم يسبني. وحينئذ يكون هذا بمعنى النكرة؛ لأنه للجنس، والجنس عام في أفراده فهو كالنكرة المطلقة في أقوالهم، وكما علمنا مما سبق أن قوله (آية لهم الليل) ممكن أن نجعل (نسلخ) في موضع نصب على الحال، يعني: حال كوننا سالخين منه النهار، و (ولقد أمر على اللئيم يسبني) أي: حال كونه يسبني. ويقولون: إن الدليل إذا ورد عليه احتمال بطل به الاستدلال. فالخلاصة الآن: أننا فهمنا أن الجملة تكون نعتاً، لكن بشرط أن يكون المنعوت نكرة، كقولنا: مررت برجل يقرأ. أما أن تقول: مررت بالرجل يقرأ، فإنها تجعل حالاً، ولهذا يقولون: إن الجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال. قال ابن عقيل: [وأشار بقوله: (فأعطيت ما أعطيته خبراً)، إلى أنه لابد للجملة الواقعة صفة من ضمير يربطها بالموصوف، وقد يحذف للدلالة عليه كقوله: وما أدري أغيرهم تناء وطول الدهر أم مال أصابوا والتقدير: أم مال أصابوه، فحذف الهاء. وكقوله عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة:48] أي: لا تجزي فيه، فحذف فيه، وفي كيفية حذفه قولان: أحدهما: أنه حذف بجملته دفعة واحدة. والثاني: أنه حذف على التدريج، فحذف (في) أولاً فاتصل الضمير بالفعل فصار تجزيه، ثم حذف هذا الضمير المتصل فصار تجزي]. أي أن عندنا طريقين في حذفها، هل حذف الجار والمجرور رأساً -لا تجزي فيه- أو حذف الجار أولاً فاتصل الضمير بالفعل ثم حذف الضمير، والأول أسهل. لكن هؤلاء فروا من كون الحرف يحذف، وقد سبق لنا في باب الموصول أن الحروف لا تحذف مع صلتها إلا بشروط، لكن المفاعيل تحذف بكثرة، ولكن مادام الأمر ظاهراً من السياق فنقول: حذف الجار والمجرور جميعاً دفعة واحدة.

حكم النعت بالجملة الطلبية

حكم النعت بالجملة الطلبية قال المؤلف رحمه الله: [وامنع هنا إيقاع ذات الطلب وإن أتت فالقول أضمر تصب]. قال ابن عقيل: [لا تقع الجملة الطلبية صفة، فلا تقول: مررت برجل اضربه، وتقع خبراً خلافاً لـ ابن الأنباري، فتقول: زيد اضربه. ولما كان قوله: (فأعطيت ما أعطيته خبراً) يوهم أن كل جملة وقعت خبراً يجوز أن تقع صفة قال: (وامنع هنا إيقاع ذات الطلب) أي: امنع وقوع الجملة الطلبية في باب النعت، وإن كان لا يمتنع في باب الخبر، ثم قال: فإن جاء ما ظاهره أنه نعت فيه بالجملة الطلبية فيخرج على إضمار القول، ويكون المضمر صفة والجملة الطلبية معمول القول المضمر؛ وذلك كقوله: حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط فظاهر هذا أن قوله: (هل رأيت الذئب قط) صفة لمذق، وهي جملة طلبية، ولكن ليس هو على ظاهره، بل (هل رأيت الذئب قط) معمول لقول مضمر هو صفة لمذق، والتقدير: بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط. فإن قلت: هل يلزم هذا التقدير في الجملة الطلبية إذا وقعت في باب الخبر، فيكون تقدير قولك زيد اضربه: زيد مقول فيه اضربه؟ ف A أن فيه خلافاً، فمذهب ابن السراج والفارسي التزام ذلك، ومذهب الأكثرين عدم التزامه]. الصحيح أنه لا يحتاج إلى التزام.

النعت بالمصدر

النعت بالمصدر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونعتوا بمصدر كثيراً فالتزموا الإفراد والتذكيرا ونعت غير واحد إذا اختلف فعاطفاً فرقه لا إذا ائتلف ونعت معمولي وحيدي معنى وعمل أتبع بغير استثناء وإن نعوت كثرت وقد تلت مفتقراً لذكرهن تبعت واقطع أو اتبع إن يكن معينا بدونها أو بعضها اقطع معلنا وارفع أو انصب إن قطعت مضمراً مبتدأً أو ناصباً لن يظهرا وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل]. قول المؤلف رحمه الله: (ونعتوا بمصدر كثيراً)، إذاً: فالمسألة مسألة استعمال، فيعود الضمير في (نعتوا) على المستعملين وهم العرب، لا النحاة. قوله: (بمصدر كثيراً)، كثيراً: مفعول مطلق لنعتوا، يعني: نعتوا نعتاً كثيراً بالمصدر، ولهذا يمر بكم في القرآن وفي السنة وفي كلام العرب وفي كلام الناس النعت بالمصدر كثيراً؛ فتقول مثلاً: هذا رجل عدل، فكلمة (عدل) هي مصدر عدل يعدل عدلاً. كذلك تقول: هذا رجل ثقة، فـ (ثقة) مصدر وثق يثق ثقة كوعد يعد عدة، وتقول: هذا رجل رضا، ورضا مصدر رضى يرضى رضا. فإذا نعت بالمصدر يقول المؤلف (فالتزموا الإفراد والتذكير)، أي: العرب الذين نعتوا بالمصدر التزموا الإفراد ولو كان المنعوت مثنى أو جمعاً، والتزموا التذكير ولو كان المنعوت مؤنثاً، يعني أنهم أبقوا المصدر على حاله، فتقول: هذا رجل عدل، وهذه امرأة عدل، وهذان رجلان عدل، وهؤلاء رجال عدل، وهؤلاء نساء عدل، وهاتان امرأتان عدل. فالتزموا الإفراد والتذكير؛ وذلك لأن المصدر لا يجمع ولا يثنى، بل يبقى على ما هو عليه، لكن كيف يكون تأويل هذا المصدر؛ لأننا نعرف أن المصدر نعت، والنعت صفة دالة على ذات، فالعدل غير العادل، والرضا غير المرضي؟ ذكروا في تأويله ثلاثة أوجه: الأول: أن المصدر بمعنى اسم الفاعل إن كان قائماً بالمنعوت، أو بمعنى اسم المفعول إن كان واقعاً على المنعوت، فقولك: رضا بمعنى مرضي، وعدل بمعنى عادل، الأول بمعنى اسم الفاعل والثاني بمعنى اسم المفعول. يعني أن المصدر مؤول بمشتق، إما اسم الفاعل أو اسم المفعول. الثاني: أن المصدر على حاله وإنه على تقدير مضاف أي: ذو عدل، تقول: هذا رجل ذو عدل وهذان رجلان ذوا عدل، ورأيت رجلين ذوي عدل، قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]. الثالث: أن هذا النعت دال على صفة وصاحبها، فقولك: مررت برجل قائم (قائم) دال على صفة وعلى ذات وهي صاحبة الصفة، فجعلنا هذا المنعوت نفس المصدر من باب المبالغة، وكأنه هو نفس ذلك المنعوت، فقولك: هذا رجل عدل، جعلت العدل كأنه هذا الرجل. ولكن في كتب الفقه: (يثبت دخول الشهر غير رمضان بشهادة عدلين) فثني المصدر، وهذا من باب تسامح الفقهاء، والأصل أن يقال: بشهادة اثنين عدل أو ذوي عدل، مثلما قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ} [الطلاق:2]، ولم يقل سبحانه وتعالى: وأشهدوا عدلين.

أحكام النعوت إذا تعددت

أحكام النعوت إذا تعددت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونعتوا بمصدر كثيراً فالتزموا الإفراد والتذكيرا ونعت غير واحد إذا اختلف فعاطفاً فرقه لا إذا ائتلف ونعت معمولي وحيدي معنى وعمل أتبع بغير استثناء وإن نعوت كثرت وقد تلت مفتقراً لذكرهن تبعت واقطع أو اتبع إن يكن معينا بدونها أو بعضها اقطع معلنا وارفع أو انصب إن قطعت مضمراً مبتدأً أو ناصباً لن يظهرا وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل]. قول المؤلف رحمه الله: (ونعتوا بمصدر كثيراً)، إذاً: فالمسألة مسألة استعمال، فيعود الضمير في (نعتوا) على المستعملين وهم العرب، لا النحاة. قوله: (بمصدر كثيراً)، كثيراً: مفعول مطلق لنعتوا، يعني: نعتوا نعتاً كثيراً بالمصدر، ولهذا يمر بكم في القرآن وفي السنة وفي كلام العرب وفي كلام الناس النعت بالمصدر كثيراً؛ فتقول مثلاً: هذا رجل عدل، فكلمة (عدل) هي مصدر عدل يعدل عدلاً. كذلك تقول: هذا رجل ثقة، فـ (ثقة) مصدر وثق يثق ثقة كوعد يعد عدة، وتقول: هذا رجل رضا، ورضا مصدر رضى يرضى رضا. فإذا نعت بالمصدر يقول المؤلف (فالتزموا الإفراد والتذكير)، أي: العرب الذين نعتوا بالمصدر التزموا الإفراد ولو كان المنعوت مثنى أو جمعاً، والتزموا التذكير ولو كان المنعوت مؤنثاً، يعني أنهم أبقوا المصدر على حاله، فتقول: هذا رجل عدل، وهذه امرأة عدل، وهذان رجلان عدل، وهؤلاء رجال عدل، وهؤلاء نساء عدل، وهاتان امرأتان عدل. فالتزموا الإفراد والتذكير؛ وذلك لأن المصدر لا يجمع ولا يثنى، بل يبقى على ما هو عليه، لكن كيف يكون تأويل هذا المصدر؛ لأننا نعرف أن المصدر نعت، والنعت صفة دالة على ذات، فالعدل غير العادل، والرضا غير المرضي؟ ذكروا في تأويله ثلاثة أوجه: الأول: أن المصدر بمعنى اسم الفاعل إن كان قائماً بالمنعوت، أو بمعنى اسم المفعول إن كان واقعاً على المنعوت، فقولك: رضا بمعنى مرضي، وعدل بمعنى عادل، الأول بمعنى اسم الفاعل والثاني بمعنى اسم المفعول. يعني أن المصدر مؤول بمشتق، إما اسم الفاعل أو اسم المفعول. الثاني: أن المصدر على حاله وإنه على تقدير مضاف أي: ذو عدل، تقول: هذا رجل ذو عدل وهذان رجلان ذوا عدل، ورأيت رجلين ذوي عدل، قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]. الثالث: أن هذا النعت دال على صفة وصاحبها، فقولك: مررت برجل قائم (قائم) دال على صفة وعلى ذات وهي صاحبة الصفة، فجعلنا هذا المنعوت نفس المصدر من باب المبالغة، وكأنه هو نفس ذلك المنعوت، فقولك: هذا رجل عدل، جعلت العدل كأنه هذا الرجل. ولكن في كتب الفقه: (يثبت دخول الشهر غير رمضان بشهادة عدلين) فثني المصدر، وهذا من باب تسامح الفقهاء، والأصل أن يقال: بشهادة اثنين عدل أو ذوي عدل، مثلما قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ} [الطلاق:2]، ولم يقل سبحانه وتعالى: وأشهدوا عدلين.

نعت غير الواحد إذا اختلف العامل

نعت غير الواحد إذا اختلف العامل قوله: (ونعت غير واحد إذا اختلف فعاطفاً فرقه لا إذا ائتلف). يعني: عند نعت اثنين مختلفين يجب أن نفرق بين النعتين في العطف، فلا يصلح أن تقول: مررت بزيد وعمرو الكريمين البخيلين؛ لأنك تدخل في الصفة من لا يتصف بها، بل تقول: مررت بزيد وعمرو الكريم والبخيل، ويكون هذا من باب اللف والنشر المرتب. قوله: (لا إذا ائتلف) أما إذا ائتلف فإننا لا نفرقه بعطف، فإذا كانا كريمين فإننا نقول: مررت بزيد وعمرو الكريمين؛ لأنه مادام حصر الكلام ممكناً واختصاره ممكناً فهو الواجب. ويجوز لنا في النعت المختلف أن نولي كل نعت صاحبه، فنقول: مررت بزيد الكريم وعمرو البخيل، لو قلت: مررت بزيد وعمرو الكريم البخيل، لم يصلح؛ لأنه يحتمل أن الكريم البخيل وصفان لكل منهما، فإذا قلت: والبخيل، فالعطف يقتضي المغايرة ويوزع على ما سبق.

حكم نعت معمولين لعاملين مختلفين عملا أو معنى

حكم نعت معمولين لعاملين مختلفين عملاً أو معنى قوله: (ونعت معمولي وحيدي معنى وعمل أتبع بغير استثناء) أي: متحدي معنى وعمل. (أتبع بغير استثناء) يعني: لا تستثن شيئاًَ، أي: إذا كان النعت لاثنين معمولين لعاملين متفقين في العمل والمعنى، فأتبع بغير استثناء. فعندنا الآن معمولان لعاملين متحدين في المعنى والعمل، فإنه حينئذ يقول المؤلف: أتبع بغير استثناء، أي: أتبعه المعمولين بغير استثناء. والآن لابد أن نأتي بعامل وعامل آخر ثم نسلطهما على معمولين، ثم نأتي بالنعت، فمثلاً: رأيت زيداً وأكرمت عمرواً الكريمين، لا يصلح لأن العاملين وإن كان عملهما واحداً وهو النصب، لكن المعنى مختلف، فيجب أن نفرق. لكن يجوز: رأيت زيداً وأبصرت عمرواً الكريمين؛ لأن رأيت بمعنى أبصرت وعملهما واحد، والمعمولان كلاهما منصوب، فإذاً: يجوز أن نتبع بغير استثناء. فإن اختلف العاملان عملاً أو اختلفا معنى أو اختلفا لفظاً -لكن المؤلف ما ذكر إلا المعنى فقط- فإنه لا يقبل، فلا تقول: جاء زيد وأكرمت عمراً المجتهدين؛ لأن الأول مرفوع والثاني منصوب، فإن رفعت مراعاة لزيد خالفت عمراً، وإن نصبت مراعاة لعمرو خالفت زيداً، إذاً: صف كل واحد على حدته، فتقول: جاء زيد المجتهد وأكرمت عمرواً المجتهد. وكذلك إذا اختلفا في المعنى مثل أن تقول: نجح زيد وفشل عمرو المحبوبان، فلا يصلح لاختلاف المعنى، وابن مالك يقول: (وحيدي معنى وعمل). ففي مثل هذا المثال أفرق، وأجعل نعت كل واحد يليه ولا أجمعهما؛ وذلك لاختلافهما في المعنى. وإذا اختلفا في اللفظ دون المعنى كأن تقول: سار زيد ومشى عمرو الكريمين، فظاهر كلام ابن مالك أنه يجوز؛ لأن المعنى واحد والعمل واحد، فيقول: (أتبع بغير استثناء). فالحاصل أنه إذا تعدد المنعوتان وعاملهما مختلف في المعنى أو في العمل فإنه يجب التفريق، وأما إذا اتفق العاملان عملاً ومعنى فإنه يجوز الإتباع، ويجوز التفريق، وهو الأصل، فقول المؤلف هنا: (أتبع) هذا على سبيل الإباحة وليس على سبيل الوجوب واللزوم؛ لأن لي أن أتبع كل واحد نعته ولا أجمعهما.

تعدد النعوت لمنعوت واحد

تعدد النعوت لمنعوت واحد ثم قال المؤلف: (وإن نعوت كثرت وقد تلت مفتقراً لذكرهن أتبعت) إذا تكررت النعوت وكان المنعوت لا يتعين بدونها وجب الإتباع وهذا معنى قوله: (وقد تلت). قوله: (أتبعت) هذا جواب الشرط. أي أن المنعوت إذا نعت بأكثر من نعت وكان لا يتعين إلا بها كلها فإنه يجب الإتباع ولا يجوز القطع؛ تقول مثلاً: رأيت عيسى الفاضل المجتهد الكريم. فإذا كان يتعين بدونها جاز القطع، لأنه متعين بدون هذه النعوت، فنقول (الفاضل) تابع وما بعده يجوز أن يكون تابعاً ويجوز أن يكون مقطوعاً، فتقول: رأيت عيسى الفاضلَ المجتهدُ الكريمُ، هذا قطع. ونقول: جاء غانم الدءوب الكريم الشجاع، فيجوز القطع لأنه لا يوجد عندنا إلا غانم واحد. فالقاعدة: أنه إذا كان هذا المنعوت متعيناً بدون النعوت فإنه يجوز فيما عدا الأول القطع، وأما إذا كان لا يعرف إلا بها وجب الإتباع. فإذا كان عندنا رجلان كل منهما اسمه محمد وهو كريم وشجاع، فيجب الإتباع فتقول: جاء محمدٌ الكريمُ الشجاعُ المجتهدُ؛ لأنه لا يعرف بدونها، أما إذا كان يعرف بأول نعت أو بدونها فإنه يجوز القطع فيما عدا الأول. والقطع معناه ألا تجعله تابعاً له في الإعراب، بل تجعله مرفوعاً على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو منصوباً على أنه مفعول لفعل محذوف، مثاله: جاء محمدٌ الفاضلُ المجتهدَ الكريمَ: نقول: الفاضل: نعت. المجتهدَ مفعول به لمحذوف والتقدير: أعني المجتهد. أو تقول: رأيت محمداً الفاضلَ الكريمُ المجتهدُ، فتقول: الكريمُ خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. والحاصل: أن النعوت إذا كثرت والمنعوت واحد فلا يخلو من حالين: إما أن يفتقر إليها وإما ألا يفتقر، ومعنى كونه مفتقراً إليها أنه لا يتعين بدونها ولا يعرف بدونها، كما لو قلت مثلاً: جاء زيد الكريم الشجاع القرشي، وكان يوجد زيد كريم شجاع تميمي، فعندنا ثلاثة نعوت، لكنه لا يتعين إلا بالثالث؛ لأنك إذا قلت: جاء زيد الكريم الشجاع لا ندري أهو التميمي أم القرشي، وإذا قلت: القرشي، تعين، وعلى هذا فيجب الإتباع في كل هذه النعوت؛ لأنه لا يتعين بدونها، ولهذا قال: (وإن نعوت كثرت وقد تلت مفتقراً لذكرهن أتبعت).

حكم القطع والإتباع عند تعدد النعوت

حكم القطع والإتباع عند تعدد النعوت ثم قال: (واقطع أوَ اتبع) بفتح الواو؛ لأن الهمزة في قوله (أتبع) همزة قطع، و (أوْ) واوها ساكنة، فنقلت حركة همزة القطع إلى الواو الساكنة وسهلت الهمزة. إذا قال قائل: كيف تسقطون همزة القطع وهي لا تسقط؟ قلنا: من أجل ضرورة الشعر، وقد قال الحريري رحمه الله في ملحة الإعراب: وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف ويجوز للشاعر أن ينصب المرفوع لضرورة الشعر، ذكر السيوطي في ألفيته أنه أجازه بعضهم. (واقطع أو اتبع)؛ مِنْ: أَتَبَع يُتبع، والأمر منها أَتبِعْ. (واقطع أو اتبع إن يكن معيناً بدونها) فإذا كان معيناً ومعروفاً بدونها فلك القطع حتى في أول واحد منها، كما هو ظاهر كلام المؤلف. يقول: (أو بعضها اقطع معلناً) يعني: أو اقطع بعضها إن تعين بالبعض الآخر: فإذا قلنا: جاء زيد الكريم الشجاع التميمي، وهناك رجل يسمى زيد الكريم، لكنه قرشي، فإن الذي يجوز فيه القطع من هذه الصفات التميمي، والسبب أنه يتعين بدونه، أما الشجاع فلابد أن يكون تابعاً؛ لأنه لا يتعين بدونه. فتبين أنه إذا كان المنعوت لا يتعين بدون النعوت الكثيرة فإنه يجب فيها الإتباع، وإذا كان يتعين ببعضها جاز قطع ما يتعين بدونه وجاز الإتباع أيضاً؛ لأن الإتباع هو الأصل، وإذا كان يتعين بدونها كلها جاز قطعها كلها وجاز الإتباع. قوله: (وارفع أو انصب إن قطعت مضمراً مبتدأ أو ناصباً لن يظهرا). مضمراً: حال من فاعل ارفع أو انصب. وقوله: (إن قطعت) هذه جملة شرطية معترضة، يعني: وارفع أو انصب مضمراً مبتدأً أو ناصباً لن يظهرا، فقوله: (مبتدأً أو ناصباً) على التوزيع وهو ونشر مرتب، أي: ارفع مضمراً مبتدأ، انصب مضمراً ناصباً، ولا يظهر المبتدأ ولا الناصب، أي: يجب ألا يظهرا؛ لأنهما إن ظهرا صار النعت بالجملة. مثال ذلك: مررت بزيد الكريمِ الشجاعِ، وزيد يتعين باسمه، فيجوز القطع في الكريم وفي الشجاع، ويجوز القطع في واحد منهما والإتباع في الثاني، ويجوز الإتباع في الجميع، فتقول: مررت بزيدٍ الكريمِ الشجاعِ، وهو الأصل، ويجوز: مررت بزيد الكريمَ الشجاعُ، ولكن يكون بعاملين. إذاً: يجوز جرهما على الإتباع، ورفعهما على إضمار المبتدأ، ونصبهما على إضمار فعل، ورفع الأول ونصب الثاني، ونصب الأول ورفع الثاني، وجر الأول ورفع الثاني أو نصبه أو جره إذاً: (وارفع أو انصب إن قطعت) يعني: إذا صرنا إلى القطع، فكيف نعرب؟ نقول: إما أن نضمر مبتدأً أو نضمر فعلاً، أو أن نضمر فعلاً ومبتدأً، فنقول: مررت بزيدٍ الكريمُ الشجاعَ. مررت: فعل وفاعل. والباء حرف جر. وزيد: اسم مجرور بالباء. الكريمُ: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو الكريم. والجملة تكون في محل نصب على الحال. الشجاع: مفعول به لفعل محذوف تقديره: أعني الشجاع، والجملة بيانية لا محل لها من الإعراب. والحاصل: أنه إذا قطعت فلك النصب على تقدير فعل ولك الرفع على تقدير مبتدأ، وحينئذ إن كان المنعوت معرفة فالجملة بعده حال، وإن كان نكرة فالجملة الأولى بعده صفة، والجملة الثانية يجوز أن تكون صفة ويجوز أن تكون حالاً، لأن النكرة إذا خصصت جاز أن تقع منها الحال.

حذف النعت أوالمنعوت

حذف النعت أوالمنعوت قال: (وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل). هذه قاعدة معروفة تقدمت في باب المبتدأ والخبر في قوله: (وحذف ما يعلم جائز) وهي في الحقيقة ضابط من ضوابط النحو، وهنا يقول: (ما من المنعوت) يعني: والذي من المنعوت، فـ (ما): اسم موصول مبتدأ. وقوله: (عقل) أي علم، وهي صلة الموصول. وقوله: (يجوز حذفه) خبر المبتدأ. حذف المنعوت كثير في القرآن وفي غير القرآن؛ لأن المنعوت بمجرد ما تقرأ النعت تعرفه، لكن النعت إذا حذفته لم يعلم، ولهذا كان حذف النعت قليلاًَ، لأنه يراد به بيان صفة المنعوت، وإذا كان المراد به بيان الصفة فلا يحذف. مثال حذف المنعوت قوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان:71] أي عملاً صالحاً. ومثل قوله: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:11]، أي: دروعاً سابغات. ومثال ما حذف من النعت قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف:79]، قالوا: إن هذا على تقدير نعت محذوف، والتقدير: كل سفينة صالحة، وعلمنا أن هناك نعتاً محذوفاً تقديره (صالحة) أنه خرقها، والخرق إفساد، وإنما أفسدها لئلا يأخذها الملك، إذاً: فالذي يأخذه الملك كل سفينة صالحة، فعلم من السياق أن هناك حذفاً.

شرح ألفية ابن مالك [51]

شرح ألفية ابن مالك [51] التوكيد نوع من أنواع التوابع، وهو قسمان: معنوي ولفظي، فالمعنوي له ألفاظ محددة تكون توكيداً عند توفر الشروط، واللفظي يكون بإعادة اللفظ في الأصل، وقد يؤكد الضمير المتصل بضمير منفصل.

التوكيد

التوكيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التوكيد. بالنفس أو بالعين الاسم أكدا مع ضمير طابق الموكدا]. يقال: التوكيد، ويقال: التأكيد، والتوكيد أفصح؛ لأنه الذي ورد في القرآن، قال الله تعالى: {وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل:91]. ومعناه: التقوية، وهو نوعان: لفظي ومعنوي، فاللفظي تكرار اللفظ، مثل أن تقول للرجل: احرص على العلم احرص على العلم، وقد يكرر ثلاثاً كما في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم -كررها ثلاثاً- حتى قال له أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟). وأما المعنوي فذكره المؤلف في قوله: (بالنفس أو بالعين الاسم أكدا). الاسم: مبتدأ، وجملة (أكدا) خبره، و (بالنفس أو بالعين) هذا متعلق بأُكدا. والمؤلف رحمه الله معلم حتى بالتعبير، فقد قال في الترجمة: (التوكيد) وقال في البيت: (أكدا) ولم يقل: وكد، ما جاء بها بالواو مع أنه لو جاء بالواو لاستقام الوزن، لكن كأنه يقول: يجوز بالهمز ويجوز بالواو. وقوله: (بالنفس أو بالعين) يؤكد الاسم بالنفس ويؤكد بالعين، فتقول: أكرمت زيداً نفسه، فـ (نفسه) تأكيد، والفائدة من التأكيد أمران: التقوية، ونفي احتمال المجاز؛ لأنك إذا قلت: أكرمت زيداً، فيحتمل أنك أكرمت والده أو قريبه أو غلامه، أو رسوله الذي أرسله إليك، فإذا قلت: نفسه، يزول هذا الاحتمال. والعين كأن تقول: رأيت زيداً عينه، فعين هنا بمعنى (نفس) وهي توكيد، والإعراب: أكرمت: فعل وفاعل. زيداً: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. نفسه: توكيد لزيد منصوب بالفتحة الظاهرة، ونفس مضاف والهاء مضاف إليه مبني على الضم في محل جر. لكن اعلم أنه ليس الأمر كلما جاءت النفس والعين فهي للتوكيد، فقد تكون لغير التأكيد، كما لو قلت: أزهقت زيداً نفسه، فهذه تكون بدلاً أو عطف بيان؛ لأنك لم ترد أن تؤكد زيداً بالنفس، وإنما تريد أن تبين ما وقع عليه الفعل، وكذلك تقول: فقأت زيداً عينه، فتعرب عينه بدل بعض؛ لأنه معلوم أن زيداً نفسه لا يفقأ. واشترط المؤلف فقال: (مع ضمير طابق المؤكدا)، فلابد أن يكون في النفس والعين ضمير يطابق المؤكد، تقول: أكرمت زيداً نفسه، ولا يجوز: أكرمت زيداً نفسها. ويجوز: أكرمت الرجلين نفسهما؛ لأن المؤلف لم يقل لنا: إنه يجب أن يكون المؤكِّد مطابقاً للمؤكَّد، وإنما قال: (مع ضمير طابق المؤكدا). ويجوز: أكرمت الرجال نفسهم، لأن الضمير مطابق، لكن بين المؤلف في قوله: (واجمعهما بأفعل إن تبعا ما ليس واحداً تكن متبعاً) أن النفس أو العين تأتي على وزن (أفعل) إذا كان المؤكد غير المفرد، فنفس تكون (أنفس)، وعين تكون (أعين). إذاً: المؤلف بين لنا غير ما يفهم من كلامه الأول، بين لنا أنهما يجمعان مع غير المفرد، وكلامه يشمل المثنى والجمع، فتقول: جاء الرجلان أنفسهما، لكن لا يجوز: جاء الرجلان أنفسهم؛ لعدم مطابقة الضمير. ويجوز: جاء الرجال أنفسهم، وجاءت النساء أنفسهن. إذاً: فهمنا الآن أن التوكيد بالنفس وبالعين لابد أن يشتمل على ضمير يطابق المؤكد مطلقاً، أما العين والنفس فإنها في المفرد لابد أن تكون مفردة وفي الجمع لابد أن تكون مجموعة. إذا أكد المثنى بالنفس أو بالعين فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه: الأفصح الجمع، ثم الإفراد، ثم التثنية. تقول: جاء الرجلان أنفسهما، وجاء الرجلان نفسهما، وجاء الرجلان نفساهما. وإذا قال قائل: كيف يصح أن نقول: نفسهما مع أنهما اثنان ونفس واحدة؟ فنقول: لأنه مفرد مضاف، والمفرد المضاف يكون للعموم.

جمع النفس والعين عند تأكيد غير الواحد

جمع النفس والعين عند تأكيد غير الواحد قال المصنف رحمه الله تعالى: [واجمعهما بأفعل إن تبعا ما ليس واحداً تكن متبعا] وجه الجمع: هو أن المثنى يفيد التعدد فإن قلنا: إن أقل الجمع اثنان، فلا إشكال. وإن قلنا: إن أقل الجمع ثلاثة، فإنها تجمع؛ لئلا تجتمع علامتا تثنية فيما هو كالكلمة الواحدة؛ فأن الآن يقول: جاء الرجلان أنفسهما، أخف على اللسان من: جاء الرجلان نفساهما. قوله: (إن تبعا ما ليس واحداً تكن متبعاً) أي: تكن متبعاً للعرب، ويجوز: تكون متبعاً للنحويين الذين أصدروا هذه الأحكام بمقتضى اللغة العربية.

ما يؤكد به لرفع توهم عدم إرادة الشمول

ما يؤكد به لرفع توهم عدم إرادة الشمول وقال المؤلف أيضاً: [وكلاً اذكر في الشمول وكلا]. يؤكد بـ (كل) إذا أريد الشمول، ومعنى الشمول: أنه لا يؤكد إلا ما له أفراد متباينة مثل القوم، فتقول: جاء القوم كلهم. أما إذا كان لا يتجزأ فإنه لا يؤكد بكل؛ لأن احتمال المجاز فيه غير وارد. إذاً: الشمول لا يكون إلا فيما تعددت أجزاؤه أو أفراده، أما ما لا يمكن فيه التعدد فلا يؤكد بكل. فلو قلت: جاء زيد كله، لا يصح؛ لأن أجزاءه لا يمكن أن ينفرد بعضها عن بعض في المجيء، فلا يمكن أن يأتي رأسه بمفرده، ولا يده بمفردها. ولو قلت: أعتقت العبد كله. يمكن لأن له أجزاء لكنها مشاعة، فيمكن أن تعتق أجزاء وأجزاء لا تعتق. وإذا قلت: أكلت الخروف كله. يصلح لأنه يمكن تجزئته. قوله: (وكلا كلتا) يؤكد أيضاً بكلا وكلتا، لكن لا يؤكد بهما إلا المثنى، فتقول: قام الرجلان كلاهما، ورأيت المرأتين كلتيهما. إذاًَ: كلا وكلتا للشمول لكن خاصتان بالمثنى، وكل للجمع. قال: (جميعاً) أيضاً يؤكد بها، ويحتمل إن قوله: (جميعاً) يعود على كل وكلا وكلتا، يعني: كل هذه الثلاثة لابد أن توصل بالضمير. ولا شك أن جميع يؤكد بها، فتقول: جاء القوم جميعهم، لكنها إذا لم تضف صارت حالاً لا توكيداً، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158] هذه حال؛ لأنها لم توصل بالضمير. فإذا وصلت بضمير المؤكد صارت توكيداً، تقول: جاء القومُ جميعُهم، ورأيت القومَ جميعَهم، ومررت بالقومِ جميعِهم. وقوله: (بالضمير موصلاً) يعود على كل الأربع الكلمات: كل وكلا وكلتا وجميع، فإن لم يوصل بالضمير لم يقع توكيداً، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:32]، وقوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} [هود:111] وقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا} [الطارق:4]، فكل هنا ليست توكيداً؛ لأنها لم تضف إلى ضمير. إذاً لا بد أن تضاف إلى ضمير ويسبقها ما يؤكد، فتقول: إن القوم كلهم فاهمون. والجميع كذلك إذا أضيفت إلى ضمير المؤكد صارت تأكيداً وإلا فهي على حسب العوامل. وإعراب البيت كما يلي: (كلاً) مفعول مقدم لاذكر. (وكلا) معطوفة على كلاً، يعني: واذكر أيضاً كلا. و (كلتا) معطوفة على كلاً. و (جميعاً) معطوفة عليها لكن بإسقاط حرف العطف من أجل ضرورة الشعر. (بالضمير) متعلق بقوله: (اذكر)، و (موصلاً) حال مما سبقه، يعني: حال كونه موصلاً بالضمير. ويحوز أن نقول: (بالضمير) متعلق بقوله: (موصلاً)، وتقدير البيت: واذكر كُلاً وكلا وكلتا وجميعاً في الشمول موصلاً بالضمير. والقاعدة من البيت: أنه يؤكد بكل وكلا وكلتا وجميع مضافة إلى ضمير المؤكد.

عامة تستعمل في التوكيد للدلالة على الشمول ككل

عامة تستعمل في التوكيد للدلالة على الشمول ككل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واستعملوا أيضاً ككل فاعلة من عم في التوكيد مثل النافلة] قوله: (واستعملوا) أي العرب. (أيضاً) مصدر آض يئيض، بمعنى: رجع، وهي دائماً محذوفة العامل، فلا يقال: أئيض أيضاً، أي أرجع رجوعاً، وإنما استعملوه دائماً على المفعولية المطلقة أو على المصدرية وعاملها محذوف دائماً. قوله: (ككلٍ فاعلة من عم) فاعلة يعني: اسم فاعل على وزن فاعلة، من عمَّ، فعم: فعل ماضٍ -وهي غير (عمَّ) التي هي حرف جر واسم استفهام- ومضارعة: يعم، واسم الفاعل منه: عامٌّ، لكن هو يقول: فاعلة، فأدخل التاء على (عام) فتصبح: عامة. يعني: تعمل (عامة) في مكان (كل)، تقول: جاء القوم عامتهم، وهو بإزاء قولك: جاء القوم كلهم، والمعنى واحد، وكثيراً ما يستعمل شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك فيقول: عامة العلماء على هذا القول. وغيره أيضاً ممن يذكر الخلاف، يقول: عليه عامة العلماء، أي: كل العلماء، وإن كان الإنسان قد يشعر بأن يوجد خلاف قليل، لكن ليست مثل ما إذا قيل: أكثر العلماء، فهنا الخلاف واضح. والإعراب: استعملوا: فعل وفاعل. و (أيضاً): مصدر لعامل محذوف من آض يئيض. و (فاعلة): مفعول استعملوا. و (من عمَّ): متعلقة بفاعلة حال، أو صفة. و (عامة) مثل (جميع) إذا لم تتصل بالضمير تكون غير مؤكدة، كما في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (وبعثت إلى الناس عامة) فهي حال. قوله: (في التوكيد) متعلق باستعملوا، يعني: استعملوا في التوكيد أيضاً (عامة) استعمال (كلٍ)، وعلى هذا فيكون مضافاً إلى ضمير المؤكد. وقوله: (مثل النافلة)، (مثل) يحتمل أنه مفعول مطلق، أي: استعمالاً مثل النافلة، ويحتمل أن يكون حالاً أي: مشبهاً للنافلة، ومعنى النافلة: الزيادة، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79]، يعني: زائدة لك، قال الشارح: إن كثيراً من النحويين لم يذكروها، فيكون الذي ذكرها زائداً على غيره في ذكرها. وقال بعض المحشين: بل معنى قوله: (مثل النافلة) أي: مثل هذا الوزن، فهي على وزن فاعلة ولو كان المؤكد ذكراً، وهذا الذي ذكره المحشي أحسن مما ذكره الشارح، فالأحسن أن يقول: (مثل النافلة) أي: أنها تلزمها التاء وإن كان المؤكد فيها مذكراً، فتقول: جاء الرجال عامتهم، ولا تقل: عامهم. وقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79]. نافلة: حال من التهجد، والتقدير: حال كونه نافلة لك، والتهجد مذكر. ومن الأمثلة قولنا: جاء القومُ عامتُهم، ورأيتُ القومَ عامتَهم، ومررت بالقوم عامِتهم، وكونها مؤكدة للشمول واضح من معناها؛ لأن العموم معناه الشمول، وهي مأخوذة من عمَّ يعُمّ، أي: شمل يشمل فهو شامل.

ما يجاء به بعد كل لتقوية قصد الشمول

ما يجاء به بعد كل لتقوية قصد الشمول قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبعد كلٍ أكدوا بأجمعا جمعاء أجمعون ثم جمع] تقول: جاء القوم كلهم أجمع، وجاءت القبيلة كلها جمعاءُ، وجاء القوم كلهم أجمعون، وجاءت النساء كلهن جمع.

قد يجاء بأجمع للتوكيد غير مسبوقة بكل

قد يجاء بأجمع للتوكيد غير مسبوقة بكل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ودون كل قد يجيء أجمع جمعاء أجمعون ثم جمع] والحقيقة أنه غريب من ابن مالك، أن يكرر هذا التكرير، ومعناه: إنهم أكدوا بعد كلٍ ودون كل، لكن دون كلٍ قد يجيء وليس كثيراً، فتقول: جاء الرجال أجمع، وجاءت القبيلة جمعاء، وجاء القوم أجمعون، وجاءت النساء جمع، بدون كل. قال الشاعر: يا ليتني كنت صبياً مُرضَعاً تحملني الذلفاء حولاً أكتعا إذا بكيت قبلتني أربعاً إذاً ظللت الدهر أبكي أجمعا و (الذلفاء)، قيل: إنها اسم امرأة، وقيل: إن الذلفاء هي المرأة الحسناء. والشاهد في قوله: (إذاً ظللت الدهر أبكي أجمعا) حيث أكد بأجمع دون كل، ولم يقل: إذاً ظللت الدهر كله أجمع. وفي البيت أيضاً شاهد لجواز الفصل بين المؤكِد والمؤكَد، وهو قوله: الدهر أبكي، فأبكي: هذه جملة معترضة، نظيرها في القرآن قوله تعالى: {وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب:51] فكلهن ليست توكيداً للضمير الذي في (آتيتهن)، ولكنها توكيد للضمير في قوله (يرضين) ففصل بين المؤكِد والمؤكَد.

توكيد النكرة

توكيد النكرة ثم انتقل المؤلف إلى بحث آخر وهو: هل تؤكد النكرة أم لا؟ قال بعض النحويين: إنها لا تؤكد. وقال آخرون: إنها تؤكد. وتوسط المؤلف فقال: [وإن يفد توكيد منكور قبل وعن نحاة البصرة المنع شمل] القاعدة: أنه يجوز أن تُؤكد النكرة إذا كان فيها فائدة، وأما إذا لم يكن فيها فائدة فإنها لا تؤكد، ومنه قول الشاعر: يا ليت عدة حول كله رجب. فأكد حولاً بكل، فأفاد أنه يجوز أن تؤكد، ولم يقل: يا ليت عدة الحول كله رجب. ومنه البيت السابق وهو: تحملني الذلفاء حولاً أكتعا. فحولاً هذه نكرة، وأكتع مُؤكِّد له. وقوله: (وعن نحاة البصرة المنع شمل) أي: أنه لا تؤكد النكرة سواء أفادت أم لم تفد. وعلى هذا فيمنع عند البصريين أن تقول: جلست عندك شهراً كله، وما جاء به السماع فهو عندهم إما شاذ وإما نادر قليل، والشاذ لا يقاس عليه. أما على رأي ابن مالك وهو الصحيح: أنه إذا وجدت الفائدة من التوكيد فلا مانع، تقول: جلست عندك شهراً كله، أكدته لئلا يظن ظان أنني جلست عندك أكثر الشهر، فيكون في هذا فائدة، فإذا كان فيها فائدة فلا حرج.

الاستغناء في توكيد المثنى بكلا وكلتا

الاستغناء في توكيد المثنى بكلا وكلتا قال: [واغن بكلتا في مثنىً وكلا عن وزن فعلاء ووزن أفعلا] الذي يؤكد بكلا وكلتا ما دل على اثنين، وهو يشمل المثنى، والمفرد إذا عطف عليه مفرد، فتقول: جاء زيد وعمروٌ كلاهما، أكرمت زيداً وعمراً كليهما، وأكرمت الزيدين كليهما. وكلتا يؤكد بها المثنى المؤنث. ومعنى قول ابن مالك: أن كلا وكلتا يغنيان عن وزن فعلاء وهو: جمعاء، ووزن أفعل وهو: أجمع، فبدلاً من أن تقول: جاء الزيدان أجمعهما. تقول: كلاهما. وكذلك في النساء، رأيت المرأتين كلتيهما، ولا تقول: جمعاويهما مثلاً.

توكيد ضمير الرفع المتصل بالنفس أو بالعين

توكيد ضمير الرفع المتصل بالنفس أو بالعين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن توكد الضمير المتصل بالنفس والعين فبعد المنفصل عنيت ذا الرفع وأكدوا بما سواهما والقيد لن يلتزما] لما كان في قولنا: هند ذهبت نفسها، يحصل الاشتباه، فكان لابد أن نقول: هند ذهبت هي نفسها، وهند ذهبت هي عينها، ليس فيه اشتباه، فلهذا كان لابد إذا أكدت الضمير المتصل بالنفس أو بالعين أن تأتي بينه وبين المؤكد بالضمير المنفصل. فنقول مثلاً: قمت أنت نفسك. (قمت): فعل وفاعل. و (أنت): ضمير منفصل مؤكد للضمير المتصل. و (نفسك): مؤكد آخر للضمير الأول، فهنا يكون المؤكدان اثنين: ضمير أكد ضميراً، ثم جاءت النفس. فالقاعدة: إذا أكد الضمير المتصل -ومنه المستتر- بالنفس أو بالعين فإنه يجب أن تفصل بين المؤكد والمؤكد بضمير منفصل. أما إذا أكد بغير النفس والعين فإنه لا يجب فتقول: قمتما كلاكما، التأكيد بكلا، وتقول مثلاً: قمتم كلكم، ولا يجب أن تقول: قمتم أنتم كلكم، إنما هذا خاص بالنفس والعين. أيضاً هناك خصوص آخر، قال: (عنيت ذا الرفع). إذاً: إن تؤكد الضمير المتصل المرفوع بالنفس والعين. فإذا قيل: متى يجب الإتيان بالضمير المنفصل عند تأكيد الضمير المتصل؟ نقول: يجب بشرطين: أولاً: أن يكون الضمير المؤكد ضمير رفع. والثاني: أن يكون التأكيد بالنفس أو بالعين. وقول المؤلف: (فبعد المنفصل) ظاهره أنه لو فصل بغير الضمير المنفصل لم يجز، ولكن بعض النحويين يقول: يجوز أن تفصل بغير الضمير المنفصل، فتقول مثلاً: نزلتم في البيت أنفسكم، نزلتم في البيت أعينكم، لأن المهم أن يكون هناك فاصل بين الضمير المتصل وبين المؤكد وهو النفس والعين. والخلاصة: إذا أكدت الضمير المتصل بالنفس أو بالعين وهو مرفوع وجب الفصل بالضمير المنفصل، وقيل: بالضمير المنفصل أو بأي فاصل يكون. ويفهم من قول المؤلف: (عنيت ذا الرفع) أنه لو أكد الضمير المتصل المنصوب فلا يجب الفصل، فتقول: أكرمتك نفسك، مررت بك عينك. قال: (وأكدوا بما سواهما والقيد لن يلتزما) أكدوا: أي العرب؛ لأنهم هم أهل الكلام. بما سواهما: أي بما سوى النفس والعين. والقيد هو الفصل بالضمير المنفصل. لن يلتزما أي: لم يأتوا بضمير منفصل. وخلاصة البيتين تتضح بالأسئلة الآتية: أولاً: هل يجوز تأكيد الضمير بالنفس وبالعين؟ و A يجوز تأكيد الضمير بالنفس وبالعين. والثاني: هل يجوز تأكيد الضمير سواء كان منصوباً أو مرفوعاً أو مجروراً بالنفس أو بالعين؟ والجواب: نعم. والثالث: هل يجب الفصل بالضمير المنفصل إذا أكد الضمير المتصل بالنفس أو بالعين؟ والجواب: في حالة الرفع يجب الفصل، وفي حالتي النصب والجر لا يجب.

التوكيد اللفظي

التوكيد اللفظي قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن توكد الضمير المتصل بالنفس والعين فبعد المنفصل عنيت ذا الرفع وأكدوا بما سواهما والقيد لن يلتزما] لما كان في قولنا: هند ذهبت نفسها، يحصل الاشتباه، فكان لابد أن نقول: هند ذهبت هي نفسها، وهند ذهبت هي عينها، ليس فيه اشتباه، فلهذا كان لابد إذا أكدت الضمير المتصل بالنفس أو بالعين أن تأتي بينه وبين المؤكد بالضمير المنفصل. فنقول مثلاً: قمت أنت نفسك. (قمت): فعل وفاعل. و (أنت): ضمير منفصل مؤكد للضمير المتصل. و (نفسك): مؤكد آخر للضمير الأول، فهنا يكون المؤكدان اثنين: ضمير أكد ضميراً، ثم جاءت النفس. فالقاعدة: إذا أكد الضمير المتصل -ومنه المستتر- بالنفس أو بالعين فإنه يجب أن تفصل بين المؤكد والمؤكد بضمير منفصل. أما إذا أكد بغير النفس والعين فإنه لا يجب فتقول: قمتما كلاكما، التأكيد بكلا، وتقول مثلاً: قمتم كلكم، ولا يجب أن تقول: قمتم أنتم كلكم، إنما هذا خاص بالنفس والعين. أيضاً هناك خصوص آخر، قال: (عنيت ذا الرفع). إذاً: إن تؤكد الضمير المتصل المرفوع بالنفس والعين. فإذا قيل: متى يجب الإتيان بالضمير المنفصل عند تأكيد الضمير المتصل؟ نقول: يجب بشرطين: أولاً: أن يكون الضمير المؤكد ضمير رفع. والثاني: أن يكون التأكيد بالنفس أو بالعين. وقول المؤلف: (فبعد المنفصل) ظاهره أنه لو فصل بغير الضمير المنفصل لم يجز، ولكن بعض النحويين يقول: يجوز أن تفصل بغير الضمير المنفصل، فتقول مثلاً: نزلتم في البيت أنفسكم، نزلتم في البيت أعينكم، لأن المهم أن يكون هناك فاصل بين الضمير المتصل وبين المؤكد وهو النفس والعين. والخلاصة: إذا أكدت الضمير المتصل بالنفس أو بالعين وهو مرفوع وجب الفصل بالضمير المنفصل، وقيل: بالضمير المنفصل أو بأي فاصل يكون. ويفهم من قول المؤلف: (عنيت ذا الرفع) أنه لو أكد الضمير المتصل المنصوب فلا يجب الفصل، فتقول: أكرمتك نفسك، مررت بك عينك. قال: (وأكدوا بما سواهما والقيد لن يلتزما) أكدوا: أي العرب؛ لأنهم هم أهل الكلام. بما سواهما: أي بما سوى النفس والعين. والقيد هو الفصل بالضمير المنفصل. لن يلتزما أي: لم يأتوا بضمير منفصل. وخلاصة البيتين تتضح بالأسئلة الآتية: أولاً: هل يجوز تأكيد الضمير بالنفس وبالعين؟ و A يجوز تأكيد الضمير بالنفس وبالعين. والثاني: هل يجوز تأكيد الضمير سواء كان منصوباً أو مرفوعاً أو مجروراً بالنفس أو بالعين؟ والجواب: نعم. والثالث: هل يجب الفصل بالضمير المنفصل إذا أكد الضمير المتصل بالنفس أو بالعين؟ والجواب: في حالة الرفع يجب الفصل، وفي حالتي النصب والجر لا يجب.

التوكيد اللفظي بتكرار اللفظ

التوكيد اللفظي بتكرار اللفظ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما من التوكيد لفظي يجي مكرراً كقولك ادرجي ادرجي] (ما): اسم موصول مبتدأ. (من التوكيد) جار ومجرور بيان لـ (ما). (لفظي): خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو، و (يجي) الجملة خبر المبتدأ (ما)، يعني: والذي هو لفظي من التوكيد يكون مكرراً. أفهمنا المؤلف رحمه الله من هذا أن التوكيد نوعان: -مع أنه لم يذكر التقسيم في أول الكلام- وهما: توكيد معنوي، وتوكيد لفظي. فالتوكيد المعنوي: ما كان بالألفاظ السابقة وهي: النفس، والعين، وكل، وأجمع، وأجمعون، وجمع، وجمعاء، وعامة، وكلا، وكلتا. والتوكيد اللفظي: ما جاء مكرراً، إما بالكلمة أو بالجملة. فالمثال الذي ذكره ابن مالك: ادرجي ادرجي، الخطاب لأنثى، وهذا مكرر جملة فعلية. وقد تكون بالكلمة، مثل: قام قام الرجل، وستأتي في كلام المؤلف أيضاً. وقوله: (مكرراً) سواء كرر باللفظ أو كرر بالمعنى مع اختلاف يسير في اللفظ، ففي قوله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق:17]، أمهلهم توكيد لمهِّل مع أن الفعل مختلف بعض الاختلاف. وكذلك أيضاً لو قلتُ: قف قم، أخاطب جالساً فهذا توكيد لفظي؛ لأننا كررنا اللفظ بمعناه، فقم بمعنى: قف. وكذلك لو قلنا: اقعد اجلس. وإن كان هناك من يجعل الجلوس من القيام والقعود من الاستلقاء؛ لكن هذا التفريق ليس بصحيح، وقد قال النبي عليه السلام: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً). ويوجد لفظ آخر وهو: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً).

كيفية توكيد الضمير المتصل والحرف

كيفية توكيد الضمير المتصل والحرف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تعد لفظ ضمير متصل إلا مع اللفظ الذي به وصل] يعني: إذا أردت أن تؤكد ضميراً متصلاً تأكيداً لفظياً فلا تعد هذا الضمير المتصل إلا مع لفظه الموصول به. فإذا أردت أن أؤكد الكاف في أكرمتك، أقول: أكرمتك أكرمتك. ومررت بك، أريد أن أؤكد الضمير بك تأكيداً لفظياً فأقول: مررت بك بك. فإذاً يقول: ابن مالك رحمه الله: لا تؤكد الضمير المتصل إلا مع اللفظ الذي به وصل، سواء كان هذا اللفظ فعلاً أو حرفاً، فالحرف مثل: مررت بك بك، والفعل مثل: أكرمتك أكرمتك. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كذا الحروف غير ما تحصلا به جواب كنعم وبلى] قوله: (كذا الحروف)، يعني: لا تعد الحروف وحدها إلا مع ما اتصلت به، تقول مثلاً: إن زيداً قائمٌ، أريد أن أؤكد (إن) فأقول: إن زيداً إن زيداً قائمٌ. أما أن أقول: إن إن زيداً قائم، فهذا لا يصلح. وفي قولي: أتيت من عند صاحبي، أريد أن أؤكد (من) فأقول: أتيت من عند من عند صاحبي. وقوله: (غير ما تحصلا به جوابٌ) يعني: إلا أحرف الجواب فإنها يجوز أن يؤكد بها لفظاً دون ما اتصل بها، مثل: نعم، وبلى، ولا، وجيرِ، وأجل؛ فهذه كلها أحرف الجواب، فإنها تؤكد لفظاً بدون أن يؤتى بما اتصلت به. فإذا قال لك رجل: هل فهمت النحو؟ تقول: نعم، نعم. وإن كنت لم تفهم تقول: لا لا. فإن قيل: كم حد التكرار؟ نقول: لا تكرر أكثر من ثلاث مرات؛ فإنه شين عند الأدباء، وغير مسموع في اللغة العربية أيضاً. فإن قيل لك: هل فهمت ألفية ابن مالك وحفظتها عن ظهر قلب؟ فتقول: لا لا لا، لا لا لا؛ لأنه سأل عن حفظها وفهمها. أو إذا كنت حافظاً فاهماً لها تقول: نعم نعم نعم، نعم نعم نعم. و (بلى) عرفنا أنه يجاب بها النفي المصدر باستفهام كقولنا: أليس زيدٌ كريماً؟ تقول: بلى. أليس نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل؟ تقول: بلى بلى بلى.

توكيد الضمير المتصل بضمير الرفع المنفصل

توكيد الضمير المتصل بضمير الرفع المنفصل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومضمر الرفع الذي قد انفصل أكد به كل ضمير اتصل] (مضمر) مفعول به لفعل محذوف، وهذا من باب الاشتغال؛ لأن الهاء في (به) هو ضميره، فالعامل مشغول به. يعني: أن ضمير الرفع المنفصل يؤكد به كل ضمير اتصل، فنبدأ بضمير الرفع، تقول: قمت أنت، (التاء) في قمت ضمير رفع مؤكدة بـ (أنت) و (أنت) ضمير رفع منفصل. وضمير النصب مثل: رأيتك أنت. فتقول: (رأيت) فعل وفاعل، و (الكاف) مفعول به مبني على الفتح في محل نصب، و (أنت) (أن) ضمير مؤكد للكاف مبني على السكون في محل نصب، والتاء الخطاب. وضمير الجر، مثل: مررت بك أنت، (فمررت) فعل وفاعل، و (الباء) حرف جر، و (الكاف) ضمير مبني على الفتح في محل جر. و (أنت) أن: ضمير منفصل مبني على السكون في محل جر توكيد للكاف، والتاء حرف خطاب. ويجوز في ضمير النصب أن يؤكد بضمير نصب منفصل، فتقول: رأيتك إياك، وهذا هو الأصل، وإنما أكد بضمير الرفع توسعاً، وإلا فالأصل أن يؤكد الضمير المنصوب بضمير نصب. فصار الحاصل عندنا الآن في هذا البيت أنه يجوز توكيد الضمير المتصل بضمير الرفع المنفصل. وهذا التوكيد لفظي؛ لأن الضمير مرادف للضمير، ولا يضر أن يكون هذا متصلاً وهذا منفصلاً؛ لأن هذا اختلاف لفظ فقط، وأما المعنى فهو واحد.

شرح ألفية ابن مالك [52]

شرح ألفية ابن مالك [52] العطف قسمان: عطف بيان وعطف نسق، وكلاهما يتبع متبوعه في الإعراب، وعطف النسق له حروف تسمى حروف العطف، فمنها ما يعطف لفظاً ومعنى ومنها ما يعطف لفظاً فقط.

عطف البيان

عطف البيان

تعريف عطف البيان

تعريف عطف البيان قال رحمه الله تعالى: [العطفُ إما ذو بيان أو نسق والغرض الآن بيانُ ما سبق فذو البيان تابع شبه الصفه حقيقة القصد به منكشفة] قوله رحمه الله: (العطف). تقدم أن العطف معناه الثني، فثني الشيء على الشيء يسمى عطفاً، ومنه عطف طرفي الحبل بعضهما إلى بعض. أما هنا فإن العطف قد بينه المؤلف بقوله: (إما ذو بيان أو نسق). فالعطف ينقسم إلى قسمين: عطف بيان، وعطف نسق. فما كان بواسطة الحرف فهو عطف نسق، مثل جاء زيدٌ وعمرو، فقولنا: (عمرو)، هذا عطف نسق. وما كان بغير واسطة الحرف فهو عطف بيان. قال: (والغرض الآن): (الآن) تقدم أنها ظرف للإشارة إلى الزمان الحاضر، كما أن هنا ظرف للإشارة إلى المكان الحاضر، فالآن ظرف مبني على الفتح في محل نصب. وقوله: (الغرض الآن)، أي: في هذا الباب، (بيان ما سبق). الذي سبق هو عطف البيان، فقدم المؤلف الكلام على عطف البيان لأنه أقل، ولأنه أشبه بالنعت، فكان أولى أن يكون أقرب إليه، وقد فصل بينه وبين النعت بالتوكيد، وإنما فصل بينه وبين النعت بالتوكيد لأن التوكيد في الحقيقة مؤكد لذات الشيء. قال: (فذو البيان) أي: فعطف البيان، تعريفه: (تابع شبه الصفة). فقولنا: (تابع) جنس يدخل فيه جميع التوابع. وقولنا: (شبه الصفة)، خرج به النعت؛ لأن مشابه الشيء ليس هو الشيء، فهو يشبه النعت في بيان متبوعه، لكنه يخالف النعت في أنه جامد، والنعت مشتق أو مؤول به، ويظهر ذلك بالمثال: تقول: جاء أبو حفص الفاروق، فـ الفاروق: صفة لـ أبي حفص، وتقول: جاء أبو حفص عمر، فـ عمر عطف بيان وليس بصفة؛ لأن عمر علم جامد، لكن الفاروق مشتق، ولهذا قال المؤلف: (تابع شبه الصفة)، أي: وليس بصفة. وقوله: (حقيقة القصد به منكشفة) خرج بهذا بقية التوابع؛ لأن التوابع لا تنكشف بها حقيقة القصد، فكل تابع مستقل، والنعت قد تتبين به حقيقة القصد لكنه مشتق كما سبق، أما بقية التوابع فليست كذلك.

ما يتبع فيه عطف البيان متبوعه

ما يتبع فيه عطف البيان متبوعه [فأوليَنه من وفاق الأول ما من وفاق الأول النعت ولي] (أولينه) يعني: أعطه، (من وفاق الأول) الأول المتبوع. وقوله: (ما من وفاق الأول النعت ولي). يعني: ما أعطي النعت من وفاق الأول. وإعراب البيت كما يلي: (أولينه): فعل أمر والهاء مفعول أول. وقوله: (ما من وفاق)، (ما): هي المفعول الثاني. وقد سبق أن النعت يتبع المنعوت في أربعة من عشرة: في واحد من أوجه الإعراب، وفي واحد من التعريف أو التنكير، وفي واحد من الإفراد وفرعيه، وفي واحد من التذكير والتأنيث. وهذا أيضاً يتبع في أربعة من عشرة، مثلاً: إذا كان المتبوع مرفوعاً صار عطف البيان مرفوعاً، وإذا كان المتبوع منصوباً صار عطف البيان منصوباً، وإذا كان مفرداً صار عطف البيان مفرداً، وإذا كان مؤنثاً صار عطف البيان مؤنثاً، والعكس بالعكس. وفهمنا من قول المؤلف إنه يعطى أحكام النعت بالتبعية أنه يجوز أن يكون عطف البيان بين نكرتين، وإلى هذا أشار بقوله: [فقد يكونان منكرين كما يكونان معرفين] فقاس المختلف فيه على المتفق عليه. والنحويون: بصريهم وكوفيهم اتفقوا على أن عطف البيان يكون بين معرفتين؛ لأنه يفيد التخصيص، فتقول مثلاً: جاء أبو بكر عبد الله بن أبي قحافه، أبو بكر معرفة وهو المتبوع، وعبد الله معرفة وهو التابع. هل يكون بين نكرتين؟ A نعم، وهذا ما ذهب إليه ابن مالك مع أن ابن مالك يعد من البصريين لكنه بصري مجتهد يميل إلى ما يراه هو الصواب؛ ولهذا مذهب الكوفيين ومنهم ابن آجروم أنه يقع عطف البيان بين نكرتين، فوافقهم على هذا، واستشهدوا لذلك من القرآن، فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم:16] (ماء) نكرة، ونوع الماء صديد، وصديد اسم جامد، ومع ذلك صار عطف بيان. والبصريون يجيبون على الآية فيقولون: هذا بدل. وسيأتينا أن ضابط البدل: هو الذي لو حذف المبدل منه قام مقامه، فلو قال سبحانه وتعالى: ويسقى من صديد، استقام الكلام، فهو إذاً بدل وليس عطف بيان. أما هؤلاء فيقولون: نحن نقول: إنه يجوز أن يكون بدلاً، لكن يجوز أيضاً أن يكون عطف بيان. وكذلك أيضاً قوله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ} [النور:35] فزيتونة عطف بيان؛ لأن (زيتونة) ليست مشتقاً فهي عطف بيان. وأولئك يقولون: إنها بدل؛ لأنه لو قال: يوقد من زيتونة مباركة لصح. لكن نقول: هي أيضاً عطف بيان. ويقولون: إن المراد بعطف البيان أنه يبين متبوعه ويخصصه ويميزه من غيره، والنكرة لا تبين النكرة. والرد عليهم بسيط جداً، وهو: أن النكرة الموصوفة أو المبينة مخصصة، فبدلاً من أن نقول: (من ماء) ونطلق ويكون صالحاً لكل ماء، ميز هذا الماء بقوله: (صديد). وبدلاً من أن (شجرة مباركة) عامة لكل شجرة مباركة خصصها بقوله: زيتونة. فالتخصيص حتى في النكرات موجود. فإذاً: دليلهم ليس بصحيح؛ ولهذا مشى ابن مالك على هذا القول وهو أنه يجوز أن يكون عطف البيان ومتبوعه نكرتين.

متى يمتنع أن يكون عطف البيان بدلا

متى يمتنع أن يكون عطف البيان بدلاً قال ابن مالك رحمه الله تعالى: [وصالحاً لبدلية يرى في غير نحو يا غلام يعمرا] القاعدة: أن كل ما جاز أن يكون عطف بيان جاز أن يكون بدلاً، والعكس بالعكس إلا في بعض أنواع البدل كما سيأتينا، وهي: بدل الغلط، وبدل البعض، وبدل الشمول، فلا يمكن في هذه الأنواع أن تكون عطف بيان، إنما المقصود بدل الكل من الكل، فقوله: (صالحاً لبدلية) ليس على إطلاقه، إنما المراد بدلية كل من كل، فيجب أن يقيد بهذا. وإعراب (صالحاً) مفعول مقدم ليرى، يعني: أنَّ أي عطف البيان صالح لأن يكون بدل كل من كل، إلا في مسائل، قال: (في غير نحو يا غلام يعمراً). قد يظن أن الغلام مضافة إلى يعمر، وليس الأمر كذلك، فلو كان مضافاً لم يكن عندنا بدل أو عطف بيان. و (غلام): نكره مقصودة منادى مبني على الضم. و (يعمر) عطف بيان لغلام منصوب بالفتحة الظاهرة. وهنا (يعمر) لا يصلح أن نجعله بدلاً من (غلام)؛ لأن البدل هو الذي يصح أن يحل محل المبدل منه، ولا يصلح أن يحل يعمر محل غلام؛ لأنه منصوب، فلو قلت: يا يعمرَ! لا يصح ويكون لحناً، لأن حقه البناء على الضم عند النداء. فالقاعدة: أنه إذا وجد منادى مبني على الضم، وبعده مفرد معرفة معرب؛ فإنه لا يصح أن يعرب بدلاً. فإذا قلنا: يا غلام يعمرَ، قلنا: يعمر لا بد أن تكون عطف بيان، ولا يصح أن تكون بدلاً. وإذا قيل: ما وجه نصبها إذا كانت عطف بيان؟ نقول: لأنها كالصفة في الإعراب، وصفة المنادى يجوز أن تنعت على محله لا على لفظه، ومحل المنادى هو النصب، فنقول: (يعمرَ) بدل من غلام تابع لمحله. المسألة الثانية: قال: [ونحو بشر تابع البكري وليس أن يبدل بالمرضي] يشير إلى قول الشاعر: أنا ابن التارك البكري بشر عليه الطير ترقبه وقوعاً. تقدم لنا في باب الإضافة أنه لا يضاف المحلى بأل إلا إذا كان وصفاً مضافاً لما فيه أل أو مضافاً إلى مضاف إلى ما فيه أل. فالتارك: اسم فاعل محلى بأل مضاف إلى البكري وهو محلى بأل، فالإضافة صحيحة، و (بشر) علم لا يصح أن يضاف إليه ما فيه أل؛ فنعربه عطف بيان للبكري ولا يصح أن نجعله بدلاً؛ لأنه لو أزيل المتبوع وجعل التابع مكانه لم يصح. ثم أشار المؤلف إلى رد قول بعض النحويين الذين يجوزون إضافة اسم الفاعل المحلى بأل إلى العلم وإن لم يكن فيه أل. فقال: (وليس أن يبدل بالمرضي). المعنى: وليس أن يجعل بدلاً بالقول المرضي، أي: لا نقبل أن يكون بدلاً. وخلاصة القول في البيتين: أن كل عطف بيان يصح أن يكون بدلاً، إلا إذا كان هذا الذي هو عطف بيان لا يصح أن يحل محل التابع لأي سبب من الأسباب، سواء ما ذكر المؤلف وغيره.

عطف النسق

عطف النسق

تعريف عطف النسق

تعريف عطف النسق قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عطف النسق] العطف تقدم لنا أنه الثني، ومنه ثني الرداء بعضه إلى بعض. وأما النسق فإنه في اللغة: التتابع. تقول: جاءوا على نسق واحد، أي: متتابعين. وأما عطف النسق في الاصطلاح فقد قال فيه المؤلف: [تال بحرف متبع عطف النسق كاخصص بود وثناء من صدق] أي: ما تبع غيره بواسطة الحرف فهذا هو عطف النسق. ولكن المؤلف اشترط فقال: (بحرف متبع)، احترازاً من الحروف غير المتبعة؛ لأنه قد يتلو فاء السببية، وحرف الجر ولا يكون معطوفاً. وحروف الإتباع معروفة عند العلماء بالتتبع والاستقراء لكلام العرب، فوجدوا أن هذه الحروف إذا جاءت بين كلمتين جعلت الثانية تابعة للأولى، إذاً فالعطف لابد فيه من واسطة بين التابع والمتبوع، وهي حرف العطف. وإعراب ما أشكل في البيت كما يلي: (تالٍ): خبر مقدم مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، وأصله (تالي)، لكن حذفت الياء وبقي الكسر. قال: (اخصص بود)، الود معناه خالص المحبة، وليس مطلق المحبة. (وثناء)، الثناء: المدح بالصفات الحميدة، ويطلق على المدح مطلقاً حتى على غير الخصال الحميدة، وفي الحديث (اثنوا عليه شراً وأثنوا عليه خيراً)؛ لكن المراد هنا الخير. والمعنى: لا تحب إلا من صدق، ولا تثن إلا على من صدق، صدق في قوله وفعله وقصده؛ فالصدق في القصد هو الإخلاص، وفي القول هو الإخبار بما يطابق الواقع، وفي الفعل أن يكون موافقاً لما في قلبه، هذا هو الصادق في الفعل، ومنه في الشرع اتباع النبي عليه الصلاة والسلام. ويقصد ابن مالك ذلك كلَّه.

حروف العطف لفظا ومعنى

حروف العطف لفظاً ومعنى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فالعطف مطلقاً بواو ثم فا حتى أم او كفيك صدق ووفا] يقول أهل العلم: إذا رأيت كلام العلماء مطلقاً فانظر إلى الذي قبله وإلى الذي بعده؛ لأنه مطلق من قيد سابق أو لاحق، وهذا البيت مطلق من قيد لاحق؛ لأن قوله بعده: (وأتبعت لفظاً فحسب) يبين لنا ما هو معنى الإطلاق. إذاً فالعطف مطلقاً، يعني: لفظاً ومعنى، وعرفنا ذلك من قوله فيما بعد: (وأتبعت لفظاً فحسب بل ولا) فالعطف مطلقاً بواو مثل: جاء زيد وعمر، رأيت زيداً وعمراً، مررت بزيد وعمر. قوله: (بواو ثم فا) (ثم) معطوفة على الواو بإسقاط حرف العطف، أي: بواو وثم فليست ثم حرف عطف، وإنما هي مما بين أنها من حروف العطف، وكذلك الفاء، وحتى، وأم، وأو، كلها حروف عطف. لكن لأجل ضرورة الشعر قال: (حتى أم او) فنقل حركة الهمزة إلى الميم وخفف الهمزة، والأصل: حتى أم أو. ثم قال: (كفيك صدق ووفاء)، أثنى على الصادق بالوفاء، والشاهد قوله: (ووفا)، فالواو: حرف عطف. و (وفا): معطوفة على الصدق، والمعطوف على المرفوع مرفوع. كفيك صدق: الكاف حرف جر، و (فيك صدق ووفاء) كلها مجرورة بالكاف، بقصد اللفظ. وقد سبق أن ذكرنا للمعربين في ذلك رأيين: الرأي الأول: (الكاف) حرف جر، والجملة كلها مجرورة بالكاف وعلامة جرها الكسرة المقدرة على آخرها منع من ظهورها الحكاية. والرأي الآخر: أنه على تقدير محذوف، والتقدير: كقولك فيك صدق ووفا. (فيك) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. (صدق) مبتدأ مؤخر.

حروف العطف لفظا فقط

حروف العطف لفظاً فقط قال ابن مالك: [وأتبعت لفظاً فحسب بل ولا لكن كلم يبد امرؤ لكن طلا] قوله: (أتبعت لفظاً فحسب)، يعني: دون معنى، وهذا محترز قوله فيما سبق: (العطف مطلقاً). وقوله: (فحسب) مبنية على الضم، والفاء زائدة لتحسين اللفظ، وأصلها: أتبعت لفظاً حسبُ. و (بل)، و (لا)، و (لكن) حروف عطف، وهي ثلاثة، وتقدم في البيت السابق ستة، فذكر ابن مالك تسعة حروف، وزاد ابن آجروم واحداً، فأصبحت حروف العطف عنده عشرة، والذي زاده هو (إما)، وابن مالك لا يراها من حروف العطف. فإذاً: حروف العطف على رأي ابن مالك تسعة: ستة تتبع المعطوف لفظاً ومعنى، وثلاثة تتبعه لفظاً لا معنى. وقوله: (بل) فاعل أتبعت، والواو حرف عطف و (لا) معطوفة على (بل)، و (لكن) معطوفة على (بل)؛ لكن بإسقاط حرف العطف، أصلها: وأتبعت لفظاً فحسب بل ولا ولكن. فهذه تتبعه لفظاً لا معنى، تقول: نام الرجل بل الصبي، هذه أتبعت لفظاً، بمعنى: أن الذي نام هو الصبي. أو تقول: ما نام الرجل بل الصبي، فـ (ما نام الرجل) نفي، (بل الصبي): إثبات. وكذلك (لا) تقول: جاء زيد لا عمرو، أتبعت باللفظ فقط؛ لأن عمراً ما جاء. وكذلك (لكن) مثل: ما قدم زيد لكن عمرو، أتبعت لفظاً دون معنى. وقوله: (كلم يبد امرؤ لكن طلا). (لم): حرف نفي وجزم وقلب. (يبد): فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة وهو الواو، والضمة قبله دليل عليها. (امرؤ) فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. (لكن): حرف عطف. (طلا): اسم للظبي، فمعنى لكن طلا يعني: لكن بدا طلا. فعلى هذا نقول: (لكن) حرف عطف، و (طلا) معطوف على (امرؤ)، والمعطوف على المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، ويكون المعنى: أن الذي بدا هو الطلا.

ما يعطف بالواو

ما يعطف بالواو قال المؤلف رحمه الله: [فاعطف بواو سابقاً أو لاحقاً في الحكم أو مصاحباً موافقاً] الواو هي أم الباب؛ لأنه يعطف بها كل شيء. والسابق هو المتقدم، واللاحق هو المتأخر، والمصاحب الموافق هو الذي يأتي معه، تقول مثلاً: ولد محمد وابنه، فالسابق محمد، واللاحق ابنه. وتقول: مر علي رمضان وشعبان وأنا هنا. فعطفنا سابقاً على لاحق. ولو قلت: جلست في البلد الفلاني رمضان ثم شعبان، فهذا غلط؛ لأن شعبان هو السابق، ولهذا احتاجوا إلى أن يجيبوا على قول الشاعر: إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد بعد ذلك جده فهذا عكس لا يصح. لكن بعض الناس قال: إن الشاعر يريد أن يقول: أنا ما أردت أن أرتبهم في الوجود، إذ إن ترتيبهم في الوجود أن الجد هو الأول ثم الأب ثم الولد. لكن أنا أريد أن أرتبهم بما ينتفع به، فينتفع الإنسان أولاً بسيادته بنفسه، ثم بأبيه، ثم بجده. لكن يتوجه عليه التغليط. أما إذا قلت: بقيت في هذا المكان رمضان وشعبان، فلا يستطيع أحد أن يغلطك. وقوله: (أو مصاحباً موافقاً) أي: جميعاً، كأن تقول: جاء زيد وعلي معاً، أي: جميعاً. ودخل عليَّ زيد وعلي، فإن كان الباب ضيقاً لا يكون موافقاً، وإن كان الباب واسعاً فهو موافق. قال ابن مالك: [واخصص بها عطف الذي لا يغني متبوعه كاصطف هذا وابني] المعنى: اخصص بالواو عطف الذي لا يغني متبوعه، وهو: كل ما دل على الافتراق، فهذا لا يكون فيه إلا الواو فقط. فلا يصح أن تقول: تخاصم زيد ثم عمرو، ولا: تخاصم زيد فعمرو؛ فكل الحروف لا تصلح إلا الواو فتقول: تخاصم زيد وعمر. ومثال آخر قول ابن مالك: اصطف هذا وابني. ولو قلت: اصطف هذا ثم ابني، لا يصح. فكل ما دل على المشاركة فلا يكون العطف فيه إلا بالواو.

ما يعطف بالفاء وثم

ما يعطف بالفاء وثم قال المؤلف: [والفاء للترتيب باتصال وثم للترتيب بانفصال]. أفاد المؤلف رحمه الله أن معنى الفاء وثم الترتيب. فكلاهما للترتيب لكنهما تختلفان، فـ (الفاء) للترتيب باتصال، و (ثم) للترتيب بانقطاع؛ ولهذا نقول: ثم للتراخي. فإذا قلت: جاء زيد فعمر، فالمدة بينهما قليلة. وإذا قلت: جاء زيد ثم عمر، فالمدة بينهما كثيرة، لأنها للتراخي. واعلم أن (الفاء) أيضاً إذا عطفت جملة على جملة أو مشتق فإنها تدل مع ذلك على السببية، ومنه قوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص:15] أي: فقضى عليه بسبب وكزه، فإذا كان العطف عطف جملة على جملة أو مشتق فإنها تفيد مع ذلك السببية، وهي عاطفة في نفس الوقت.

ما تختص به الفاء

ما تختص به الفاء ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واخصص بفاء عطف ما ليس صله على الذي استقر أنه الصله] وهذه أيضاً من خصائص الفاء: أنه يعطف بها ما لا يصح أن يكون صلة للموصول على الذي يصح أن يكون صلة للموصول. وفهمنا أن المراد صلة الموصول لأن الصلة عند الإطلاق هي صلة الموصول. قول ابن مالك: (ما ليس صلة) أي: ما لا يصح أن يكون صلة. وقوله: (على الذي استقر أنه الصلة). أي: على شيء يصح أن يكون صلة؛ لأنها تفيد الارتباط بين الجملتين، ولما كانت تفيد الارتباط بين الجملتين أغنى العطف بها عن وجود عائد يعود على الموصول. ومعلوم أن جملة صلة الموصول تحتاج إلى رابط أو على الأصح إلى عائد يعود على الموصول، فلو قلت: جاءني الذي قام زيد، لا يصلح؛ لأنه ليس فيها عائد. لكن لو قلت: جاءني الذي قام -أي: هو- يصح. أو قلت: جاءني الذي قام أبوه، فهو صحيح لوجود العائد. ولو قلت: أكرمت اللذين ذهبا. يصح. ولو قلت: أكرمت اللذين ذهب عمرو، لا يصح. ولو قلت: أكرمت اللذين ذهبا فغضب زيد؛ يصلح مع أن غضب زيد ليس فيها ضمير يعود على الموصول، نقول: لأنها عطفت بالفاء. وقد مثل النحويون بمثال: غريب وهو قولهم: الذي يطير فيغضب زيد الذباب. والخلاصة: تختص الفاء بأنه يعطف بها ما لا يصح أن يكون صلة على ما يصح أن يكون صلة، ولو جئت بدل الفاء بالواو لما صح؛ فلو قلت: الذي يرعد وينزعج الطلبة الماطور لا يجوز إلا على تقدير حذف عائد في الجملة الثانية، والتقدير: وينزعج منه الطلبة. أما بدون تقدير عائد فهو لا يختص إلا بالفاء فقط. والفرق بين الفاء وغيرها كما قلت قبل قليل: أنها تفيد ارتباط الجملتين بعضهما لبعض، ولهذا استدللنا بأن الإخوة مع الأب والأم يحجبونها من الثلث إلى السدس مع أنهم لا يرثون؛ لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء:11] فهذه مربوطة بالتي قبلها، {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11]. إذاً: لو قلنا: بدل الفاء بالواو لا يصح، ولو جئنا بدلها بثم لم يصح، ولو جئنا بدلها بأو لم يصح.

العطف على الضمير المتصل المرفوع

العطف على الضمير المتصل المرفوع قال ابن مالك رحمه الله: [وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل] (إن) شرطيه، وفعل الشرط قوله: (عطفت)، يعني: (وإن عطفت على ضمير رفع متصل)، وجواب الشرط: (فافصل بالضمير المنفصل). وقوله: (إن على ضمير رفع) خرج به ضمير النصب وضمير الجر، فلا يثبت لهما هذا الحكم. وقوله (متصل) دخل فيه البارز والمستتر؛ لأن كليهما متصل، وخرج به الضمير المنفصل فلا يدخل في هذا الحكم. وقوله: (فافصل): فعل أمر، والأمر للوجوب. وقوله: (بالضمير المنفصل) أي الضمائر المنفصلة، ويكون الضمير المنفصل الذي يفصل به ضمير رفع، مثال ذلك أن تقول: زيدٌ قام وعمرو؛ تريد أن تعطف عمراً على الضمير المستتر في قام فيجب أن تقول: زيد قام هو وعمرو. وفي قولك: قمت وعمرو، يجب أن تقول: قمت أنا وعمرو؛ لأن التاء في (قمت) ضمير رفع متصل، فإن لم أقل: (أنا) فإنني أقول: قمت وعمراً بالنصب، لتكون واو المعية، وقد أشار إلى هذا ابن مالك في باب المفعول معه حيث قال: (والنصب مختارٌ لدى ضعف النسق). إذاً: نقول: إذا عطفت على ضمير رفع متصل فأت بالضمير المنفصل، فإن لم تأت به فاعدل عن العطف إلى النصب لتكون الواو واو المعية، ويكون ما بعدها مفعولاً معه. وقوله: (ضمير رفع متصل) فلو كان ضميراً منفصلاً؛ فإنه لا يجب الفصل بضمير منفصل، والسبب أنه لو عطفنا بالضمير المنفصل لما أتينا به ثانياً؛ إذ إن الضمير المنفصل معنا من قبل، فتقول: ما قام إلا أنا وعمرو. فـ (أنا): فاعل قام، (وعمرو): الواو حرف عطف، وعمرو معطوفة على الضمير أنا، والمعطوف على المرفوع مرفوع. وإعراب قولنا: قمت أنا وزيد: (قمت): فعل وفاعل. (أنا): توكيد للتاء في قمت مبني على السكون في محل رفع، وهذا توكيد لفظي. (وزيد): الواو حرف عطف، وزيد: معطوف. وإذا قلت: زيدٌ قام هو وعمرو، فـ (هو): توكيد أيضاً للضمير المتصل وليس هو الفاعل، ونقول: (زيدٌ): مبتدأ. و (قام): فعل ماض، وفاعله مستتر جوازاً تقديره هو. و (هو): توكيد للضمير المستتر. و (عمرو): معطوفة على الضمير المستتر في قام. وقوله: (عطفت فافصل بالضمير المنفصل) المراد بالضمير المنفصل ضمير الرفع، فـ (أل) هنا تكون للعهد، أي: بالضمير الذي هو للرفع. قال ابن مالك: [أو فاصل ما وبلا فصل يرد في النظم فاشياً وضعفه اعتقد] المعنى: أو افصل بأي فاصل حتى وإن لم يكن ضمير الرفع المنفصل، فتقول مثلاً: قمت مسرعاً وزيد، ففصلنا بفاصل أجنبي وهو الحال. وقولنا: جلست في المسجد وعمرو، مثلها؛ لأننا فصلنا بالجار والمجرور، وابن مالك يقول: فافصل بالضمير أو بأي فاصل. قوله: (وبلا فصل يرد في النظم): يعني: وقد يرد العطف على ضمير الرفع المتصل بدون فصل لا بضمير ولا بغير ضمير، لكن ذلك في النظم فاش، أي: كثير. لكن (وضعفه اعتقد) يعني: وإن كان وارداً فاعتقد أنه ضعيف العطف، والأقوى والراجح النصب على المعية، قال الشاعر: قلت إذ أقبلت وزهر تهادى كنعاج الفلا تعسفن رملا والشاهد في قوله: (إذ أقبلت وزهرٌ) فزهر معطوفة على الضمير المستتر في أقبلت وبدون فاصل، وكان الأولى للناظم أن يقول: إذ أقبلت هي. وقول الله تعالى: {قُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:35]، من هذا الباب، فإعراب (اسكن) فعل أمر وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت، و (أنت) توكيد للضمير المستتر، و (الواو): حرف عطف و (زوج) معطوفة على الضمير المستتر في (اسكن). وقوله: (وضعفه اعتقد): ضعف: مفعول به مقدم، والضمير مضاف إليه، و (اعتقد) فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت.

العطف على الضمير المخفوض

العطف على الضمير المخفوض قال المؤلف رحمه الله: [وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازماً قد جعلا وليس عندي لازماً إذ قد أتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا] (عودُ): مبتدأ خبره جملة: (قد جُعل). (ولازماً) المفعول الثاني لجُعل مقدم، ونائب الفاعل في جُعل مستتر هو المفعول الأول. والخافض يشمل ما إذا كان الخافض حرفاً وما إذا كان الخافض اسماً، فإنه يجب إعادته إذا عطف على الضمير المتصل المجرور، وفي البيتين الأولين يتكلم على العطف على ضمير رفع، فأفادنا أنه إن كان متصلاً وجب الفصل بين حرف العطف والضمير، وإن كان منفصلاً لم يجب الفصل. ثم انتقل إلى ضمير الجر ولا يكون ضمير الجر إلا متصلاً. فيقول: إذا عطفت على ضمير مجرور؛ فإنه يجب عليك أن تعيد الجار سواء كان اسماً أو كان حرفاً. ومثال ذلك أن تقول: مررت بك وبزيد، ولا يجوز أن تقول: مررتُ بك وزيدٍ. وتقول: زرت المسجد فجلست فيه وفي البيت، ولا تقول: جلست فيه والبيت. ومثال الجر بالاسم قولنا: هذا غلامك وغلام زيد، ولا نقول: هذا غُلامك وزيدٍ. يقول: (وليس عندي لازماً) هذا اختيار لـ ابن مالك، والتعليل: (إذ قد أتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا)، وما دام قد جاء في النظم والنثر الصحيح البليغ فكيف يجب؟! وقد قال الله تعالى: {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:217]، فقال: ((وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) ولم يقل: وبالمسجد الحرام. وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1]، على قراءة الجر (والأرحامِ) والتقدير: وبالأرحام. لكن المقدر ليس كالموجود، وكل عطف فهو على تقدير إعادة العامل، فإذا قلت: قام زيد وعمرو، فالتقدير: وقام عمرو. إنما الكلام على أن ابن مالك رحمه الله يقول: أنا لا أرى أنه يجب إعادة الخافض الجار؛ لأنه ورد في القرآن الكريم، وهو أصح الكلام. ولكن المشكل أن المتعصب لمذهب يحاول أن يحرف فيقول: الواو في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ} [النساء:1]. حرف قسم، فالله يقسم بالأرحام. وهذا بعيد، بل هو يخبر ويقول: اتقوا الله الذي تساءلون به وتساءلون بالأرحام. ومن أمثلة ذلك قول الشاعر: فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيامِ من عجب يعني: فما بك وبالأيام من عجب. وهذا البيت يمكن أن يؤول فيقال: الواو حرف قسم، يعني: أنه أقسم بالأيام، ولكن الأصل خلاف ذلك. وخلاصة الدرس: إذا عطفنا على ضمير رفع متصل وجب الفصل إما بضمير منفصل أو غيره؛ لقول ابن مالك: (أو فاصل ما). وإذا عطفنا على ضمير مجرور وجب إعادة الجار على المشهور من كلام النحويين ولا يجب عند ابن مالك وهو الصحيح. وإذا عطفنا على ضمير منصوب -وهذا لم يذكره المؤلف- فنقول: المسكوت عنه معفو عنه، فإذا عطفت عليه فلا تعد الناصب، ولا يجب عليك الفصل، فتقول: أكرمتك وزيداً، أو أكرمتني وصديقي، فهذا يصح، وليس لازماً أن نقول: أكرمتني وأكرمتَ صديقي، ولا: أكرمتك وأكرمت زيداً.

حذف الفاء والواو مع معطوفه إذا دل عليه دليل

حذف الفاء والواو مع معطوفه إذا دل عليه دليل قال ابن مالك: [والفاء قد تحذف مع ما عطفت والواو إذ لا لبس وهي انفردت]. يعني: تحذف الفاء مع معطوفها، ولكن بشرط أن يؤمن اللبس، فإن لم يؤمن اللبس لم يجز الحذف، وقد ذكر ابن مالك قاعدة في هذا مفيدة وهو قوله: (وحذف ما يعلم جائز) وهي قاعدة من أصول النحو. فإذا علم المعطوف فإن الفاء قد تحذف مع معطوفها، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185]، قالوا إن التقدير: فأفطر، فحذفت الفاء ومعطوفها، وهذا لا لبس فيه؛ لأنه من المعلوم أنه لا تجب العدة إلا أذا أفطر، أما إذا صام فلا عدة. كذلك أيضاً الواو قد تحذف مع معطوفها؛ لكن بشرط ألا يوجد لبسٌ، ومثاله: راكب الناقةِ طَلِيحان، والتقدير: راكب الناقة والناقة طليحان، يعني: ضعيفان. قالوا: والدليل على أنه محذوف أن (طليحان) مثنى وراكب الناقةِ مفرد، ولا يخبر بالمثنى عن المفرد، أي: فهناك شيء محذوف. وقوله: (والواو إذ لا لبس وهي انفردت) يعني: أن الواو انفردت عن بقية حروف العطف بعطف عامل مزال قد بقى معموله، فيكون العامل محذوفاً والمعمول باقياً، ومثلوا لذلك بقول الشاعر: إذا ما الغانيات برزت يوماً وزججن الحواجب والعيونا والتزجيج معناه: أنها تقص منها حتى تكون كالزج وهو طرف الرمح، ولكن العيون لا تزجج، فيكون التقدير: زججن الحواجبَ وكحلنا العيون. ومنه قول الشاعر: علفتها تبناً وماء بارداً حتى غدت همالة عيناها والتقدير: وسقيتها ماء بارداً، فحذف العامل وبقي المعمول. قالوا: ومنه قوله تعالى: ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)) [البقرة:35]. فقالوا: لأن زوج لا تصلح أن تعطف على الضمير في اسكن؛ لأن (اسكن) فعل أمر ولا يمكن أن يكون فاعله ظاهراً، فإذا لم يمكن أن يكون فاعله ظاهراً فإنه يعطف عليه ظاهر، والتقدير: اسكن أنت وليسكن زوجك الجنة. وهذا لا شك أنه تكلف. وقال بعضهم: إنه لا شاهد في قوله: (زججن الحواجب والعيون) لأن التزجيج مضمن معنى التحسين، وحينئذ لا حاجة إلى أن نقدر فعلاً. وكذلك أيضاً قال: (علفتها تبناً وماء بارداً)، يضمن معنى: أطعمتها، والماء مطعوم، قال الله تعالى: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة:249]. وقوله: (دفعاً لوهم اتقي (تعليل لتقدير المحذوف، يعني: إنما قدرنا المحذوف لدفع الوهم المستفاد من جعله معطوفاً على الموجود، فقوله: (زججن الحواجب والعيونا) إذا لم نقدر (وكحلنا العيون) توهم الواهم أن العيون تزجج وليس كذلك. وقوله: (وعلفتها تبناً وماء بارداً) إذا لم نقل: (وسقيتها)، توهم السامع أن الماء يعلف، وليس كذلك. فقول المؤلف: (دفعاً لوهم اتقي) ليس تعليلاً للحذف، وإنما هو تعليل لتقدير المحذوف.

قد يحذف المعطوف عليه إذا دل عليه دليل

قد يحذف المعطوف عليه إذا دل عليه دليل قال ابن مالك: [وحذف متبوع بدا هنا استبح وعطفك الفعل على الفعل يصح]. في باب العطف عندنا تابع ومتبوع، فالمتبوع هو المعطوف عليه، والتابع المعطوف وابن مالك يقول: المتبوع إذا كان ظاهراً فاستبح حذف المتبوع إذا كان ظاهراً بيناً. ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا} [غافر:21]، وقالوا: إن التقدير (فغفلوا ولم يسيروا في الأرض) فهنا حذف المتبوع وأبقى التابع. وقد سبق لنا أن لعلماء النحو في مثل هذا التركيب وجهين: أحدهما: ما ذكر أن الهمزة داخلة على محذوف مقدر بحسب السياق. الثاني: أن الهمزة مقدمة وأن محلها بعد العاطف، لكن قدمت لأن لها الصدارة، وأن هذه الجملة استفهامية معطوفة على ما سبق وأن أصل (أولم يسيروا): (وألم يسيروا) فلا يكون هناك شيء محذوف. وقلنا فيما سبق: إن هذا الرأي أرجح؛ لأننا نسلم به من التقدير؛ ولأنه في بعض الآيات لا تستطيع أن تقدر شيئاً، وهذا الشيء المقدر إنما يقدر مما يفهم من السياق، وإذا كان السياق سيفهمنا إياه فلا حاجه إلى تقديره. فقوله تعالى: ((أَوَ لَمْ يَسِيرُوا)) الاستفهام للتوبيخ ولا توبيخ إلا على غفلة، فتكون الغفلة مستفادة من مجرد الاستفهام وحينئذ لا نحتاج إلى تقدير، وأهم شيء عندي في هذا الموضوع هو أنه أحياناً يعييك التقدير فلا تستطيع أن تقدر الكلام، وحينئذ فنقول: الأرجح أن تكون الهمزة من بعد الواو، لكنها قدمت عليها؛ لأن همزة الاستفهام لها الصدارة. لكن المؤلف رحمه الله يرى أنها من هذا النوع، وهم مثلوا بهذه الآية. قوله: (وعطفك الفعل على الفعل يصح). (عطف) مبتدأ، و (الفعل) مفعول للمصدر، والمعنى: وإن تعطف الفعل على الفعل فهو صحيح. لكن هل العطف على الجملة، أم العطف على الفعل؟ يقال: العطف على الفعل، والدليل على ذلك أنك إذا عطفت فعلاً على فعل مجزوم جزمت، وهذا دليل على أن الفعل هو الذي يعطف، فتقول مثلاً: (إن تجتهد وتعرف الإعراب تنجح في النحو)، فقوله: (وتعرف) معطوف على (تجتهد)، والدليل على ذلك أنه مجزوم. ومنه قول الله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان:68 - 69]، فعطف (يخلد على (يضاعف).

جواز عطف الفعل على الاسم المشبه للفعل والعكس

جواز عطف الفعل على الاسم المشبه للفعل والعكس قال المؤلف رحمه الله: [واعطف على اسم شبه فعل فعلا وعكساً استعمل تجده سهلا] الاسم الذي يشبه الفعل هو اسم الفاعل، واسم المفعول وما أشبهه، يقول ابن مالك: يجوز أن تعطف على اسم يشبه الفعل فعلاً، ومثاله قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا} [الحديد:18]. وكذلك قولهم: إن الراكب واستوى على بعيره زيد، يعني: إن الذي ركب واستوى على بعيره زيد. وكذلك: إن المركوب ويؤكل البعير، والتقدير: إن الذي يركب ويؤكل البعير. وقوله: (وعكساً استعمل تجده سهلاً) فالعكس ما يشبه الفعل على الفعل ومثاله: إن الذي ركب والمستوي على بعيره زيد. ومنه قول الشاعر: فألفيته يوماً يبير عدوه ومجر عطاء يستحق المعابرا (يبير) يعني: يهلك عدوه، و (مجرٍ): وأصله ومجرياًً عطاءً، لكن حذفت الياء لضرورة الشعر، وإلا فيجب أن ينصب بالفتحة. فقوله: (ومجر) معطوفة على (يبير)، التي محلها النصب مفعولاً ثانياً لألفيته؛ لأن (ألفيت) بمعنى: وجدت، وعلى هذا فيكون مجر معطوفة على الفعل. الحاصل أن ابن مالك رحمه الله يقول: إن الأفعال يعطف بعضها على بعض، وإن الفعل يعطف على اسم مشبه للفعل، وإن الاسم المشبه للفعل يعطف على الفعل، والأسماء يعطف بعضها على بعض وهو الأصل.

شرح ألفية ابن مالك [53]

شرح ألفية ابن مالك [53] البدل هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، وهو ينقسم إلى أقسام متعددة، ويجوز إبدال الاسم الظاهر من الظاهر والفعل من الفعل، أما إبدال الظاهر من الضمير فلا يجوز إلا بشروط.

البدل

البدل

تعريف البدل

تعريف البدل قال رحمه الله تعالى: [تابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلا] (البدل) معناه: أن يوضع شيء بدل الشيء، فإذا قلت: أبدلت كذا بكذا، فالباء هنا دخلت على المأخوذ، وإذا قلت: استبدلت هذا بهذا فالباء داخلة على المتروك، ومنه قوله: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْر ٌ) [البقرة:61] فدخلت الباء على المتروك. وكثيراً ما يغلط الإنسان في التفريق بين هذا وهذا. أما البدل في اصطلاح النحويين فيقول رحمه الله: (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً) (البدل) هو التابع، ولابد في الحد أن يكون جامعاً مانعاً. فـ (التابع) جامع لكنه غير مانع؛ لأننا لو اقتصرنا عليه وقلنا: البدل هو التابع دخل فيه جميع التوابع. وقوله: (المقصود بالحكم) هذا فصل جامع لكنه غير مانع؛ لأن معناه: أن المتكلم قصد هذا البدل لكن يدخل فيه بقيه التوابع حتى مثلاً إذا قلت: قام زيدٌ الفاضلُ، فالفاضل مقصودة بالحكم لأني أريد أن أبين وصفه بالفضل. وكذلك أيضاً إذا قلت: قام زيد بل عمرو، فالمقصود بالحكم عمرو، ومع ذلك لا نقول: إن بل عمرو من باب البدل؛ ولهذا أخرجها بقوله: (بلا واسطة). يعني: أنه لا يكون بواسطة احترازاً مما عطف ببل، فإنه تابع مقصود بالحكم، لكن بواسطة وهي حرف العطف. إذاً: فالبدل: هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، فصار التابع جنساً يشمل جميع التوابع، والمقصود بالحكم فصل يدخل فيه المعطوف بـ (بل). وبلا واسطة يخرج به المعطوف بـ (بل). والحكم في الأصل المقصود به حكم المعنى. قوله: (هو المسمى بدلاً) يعني: هو مسمى عند النحويين. فالبدل عند النحويين هو: التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، مثال ذلك: (رأيت زيداً عمراً) فالمقصود (عمراً) بدون واسطة. وتقول: نفعني زيد ماله، المقصود الإخبار بأن ماله نفعه.

أنواع البدل

أنواع البدل يقول المؤلف: [مطابقاً أو بعضاً او ما يشتمل عليه يلفى أو كمعطوف ببل كزره خالداً وقبله اليدا واعرفه حقه وخذ نبلاً مدى] فقوله: (مطابقاً) مفعول ثانٍ ليلفى، و (يلفى) بمعنى: يوجد، ومنه قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25] أي: وجدا، (أو بعضاً): معطوف على (مطابقاً)، (أو ما) اسم موصول معطوف على مطابقاً. (يلفى) فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل هو المفعول الأول، و (مطابقاً) هو المفعول الثاني، يعني: أنه يلفى مطابقاً أو بعضاً أو ما يشتمل عليه. (أو كمعطوف بـ (بل)) يعني: ويلفى أحياناً كمعطوف بـ (بل) وقد سبق أن (بل) تفيد أن الحكم ثابت لما بعدها وساكتة عما قبلها، لكن مع ذلك يقول: (وذا للاضراب اعز إن قصداً صحب) (وذا) المشار إليه آخر قسم، وهو المعطوف ببل، فينقسم إلى قسمين: تارة يكون للإضراب، وتارة يكون غلطاً ونسياناً، فتبين لنا الآن أن أقسام البدل خمسة أنواع: أولاً: البدل المطابق، ويسمى بدل الكل من الكل. ثانياً: بدل بعض من كل، كيده ورجله وعينه ورأسه وما أشبه ذلك، ويمكن أن نحمل كلام المؤلف على أن يكون البدل بعضاً من المبدل منه، أو بالعكس، وهو ما يسمى ببدل الكل من البعض، لكنه خلاف ظاهر كلامه. الثالث: بدل الاشتمال: بأن يكون بين البدل والمبدل منه علاقة غير البعضية؛ كالعلم، والمال، والفهم وما أشبهها. والرابع: بدل الإضراب. والخامس: بدل الغلط. فالبدل على تقسيم ابن مالك خمسة أنواع، وعلى تقسيم ابن آجروم أربعة أنواع، والمعنى متقارب. قال ابن مالك: [وذا للاضراب اعز إن قصداً صَحبْ ودونَ قصدٍ غلط به سلب] (ذا) الأخير اعزه للإضراب بأن قصدت أن الأول مشارك للثاني في الحكم، فهذا سمه إضراباً. وبهذا عرفنا أنه يخالف المعطوف بـ (بل)؛ لأن (بل) تثبت الحكم لما بعدها وتسكت عما قبلها. وقوله: (ودون قصد)، يعني: إذا لم تقصد الأول لكن جرى على لسانك بدون قصد فسمه بدل غلط. فالخلاصة أن الأقسام خمسة: مطابقة، وبدل بعض، وبدل اشتمال، وبدل إضراب، وبدل غلط، والفرق بين بدل الإضراب، وبدل الغلط: أن بدل الإضراب قصد الأول الذي هو المبدل منه، ثم عدل إلى الثاني. وأما بدل الغلط فإنه لم يقصد الأول إطلاقاً. إذاً: في الحقيقة أن الحكم للأخير فيهما جميعاً، لكن هل قصد الأول ثم عدل أو ما قصده ولكن سبق لسانه أو غلط. والأمثلة: زره خالداً، فـ (خالداً) تكون بدلاً من الضمير، كأنه قال: زر خالداً. ولو قلت: زر زيداً عبد الله، فعبد الله بدل من زيد، وهو بدل اسم ظاهر من اسم ظاهر. وإذا قلت: اركب الجمل البعير، فهذا بدل مطابقة لأن الجمل هو البعير. قوله: (وقبله اليدا) الضمير في (قبله) يعود على الإنسان كله، فقلت: (اليدا)، واليد بعض من الإنسان، فتكون اليد هنا بدل بعض من كل، ومثله: قبله الرأس، وقبله الجبهة. وبعض النحويين أثبت بدل الكل من البعض، واستشهد له بقول الشاعر: رحم الله أعظماً دفنوها بسجستان طلحة الطلحات فقال: أعظُُماً، والعظام بعض الإنسان، ثم أبدل منها (طلحة الطلحات). وقوله: (اوعرفه حقه) نجعل الضمير اسماً فنقول: اعرف زيداً حقه، وهذا بدل اشتمال.

متى يبدل الظاهر من ضمير الحاضر

متى يبدل الظاهر من ضمير الحاضر قال ابن مالك: [ومن ضمير الحاضر الظاهر لا تبدله إلا ما إحاطة جلا أو اقتضى بعضاً أو اشتملا كأنك ابتهاجك استمالا] (الظاهر) مفعول لفعل محذوف، وتقديره: لا تبدل الظاهر من ضمير الحاضر؛ لأن قوله (لاتبدله) مشغول النصب عن الظاهر بضميره. يقول: لا تبدل الاسم الظاهر من ضمير الحاضر، وهو ضمير المتكلم وضمير المخاطب. مثال ذلك لو قلت: ضربتك زيداً، فلا تجعل زيداً بدلاً من الكاف؛ لأن الكاف ضمير مخاطب (ضمير حاضر). ومفهوم كلامه: أنه يجوز إبدال الاسم الظاهر من ضمير الغائب، وقد مثل به المؤلف فقال: (كزره خالداً)، فـ (خالداً) بدل من الضمير وهو ضمير غيبة. ويفهم منه أنه يجوز إبدال الظاهر من الظاهر وهو كذلك. ومثل له بقوله: (خذ نبلاً مدى)، فنبلاً ظاهر، ومدى ظاهر أيضاً. وعلم من كلامه أنه لا يجوز إبدال الظاهر من ضمير المتكلم؛ لأنه ضمير حاضر فلا تقول: أكرمتني محمداً، على أن محمداً بدلاً من الياء. وقد يفهم من كلامه أنه يجوز إبدال الضمير من الضمير، والصواب أن الضمير مع الضمير لا يكون بدلاً بل يكون توكيداً. واستثنى المؤلف ثلاث مسائل يجوز فيها أن يكون الظاهر بدلاً من ضمير المتكلم أو ضمير الخطاب: الأولى في قوله: (إلا مع إحاطة جلا) والمعنى إلا ما أظهر إحاطة، أي: تفصيلاً دالاً على العموم، فيكون البدل دالاً على الإحاطة والشمول من شيء يحتمل الإحاطة ويحتمل عدمها. مثال ذلك قوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة:114] فإن قوله: (لأولنا وآخرنا) بدل من (نا) في قوله: (لنا)، لكنه بدل بإعادة الجار. وتمثيل النحويين بذلك يدل على أن البدل على نية تكرار العامل حيث قال: إنه بدل بإعادة حرف الجر. وقوله: (تكون لنا) يحتمل: لنا نحن الموجودين، ويحتمل: لبعضنا، ويحتمل: لنا معشر النصارى، فلما قال: لأولنا وآخرنا دل على الإحاطة والشمول، يعني: لنا جميعاً. فإن قال قائل: هذا لا يدل على الإحاطة والشمول؛ لأنه قال: (لأولنا وآخرنا) ولم يقل: ووسطنا. نقول: الوسط يدخل في هذا؛ لأن ذكر الطرفين يتضمن الوسط؛ لأنهما محيطان به مكتنفان له، فهو دال على الإحاطة والشمول. المسألة الثانية: قال: (أو اقتضى بعضاً) يعني: صار بدل بعض من كل، تقول لعبدك: بعتك بعضك، فـ (بعض) بدل بعض من كل. والمسألة الثالثة: قوله: (أو اشتمالاً) يعني: إذا كان بدل اشتمال أيضاً جاز أن يبدل الظاهر من الضمير الحاضر، مثل: (كإنك ابتهاجك استمالا) بكسر الهمزة، ويصلح (كأنك) بفتحها: كأنك ابتهاجك استمالا. لكن بينهما فرق من جهة المعنى، إذا قلت: كأنك ابتهاجك استمالا، يعني: تتوقع أن ابتهاجه استمالا. وإذا قلت: كإنك فإنك تؤكد أن ابتهاجه استمال. ومن حيث الإعراب لا يختلف؛ لأن الكاف على كل تقدير محلها النصب، سواء جعلنا كأن للتشبيه أو الكاف حرف جر وإن للتوكيد. وقوله: (ابتهاجك) بدل من الكاف في إنك. وقوله: (استمالا) يحتمل أن المعنى: استمال الناس بمعنى أمالهم إليه وجذبهم. أو أن استمال بمعنى: مال وتنحى، يعني: صار فيه ميل، ومعناه: أن هذا الرجل بدأ بعد البهجة والسرور يحزن. وإذا قلنا: (استمالا) بمعنى أمال الناس فمعناه: أن الرجل لقوة ابتهاجه يميل الناس إليه. ومثال آخر: عرفتك حقاً، فهذا بدل اشتمال.

وجوب دخول همزة الاستفهام على البدل من اسم الاستفهام

وجوب دخول همزة الاستفهام على البدل من اسم الاستفهام قوله: (وبدل المضمن الهمز يلي همزاً كمن ذا أسعيد أم علي] المضمن الهمز: كل اسم دال على الاستفهام، فقوله: (المضمن الهمز) المراد همزة الاستفهام، والاسم المضمن الهمزة هو اسم الاستفهام الذي بدله يلي همزاً، مثل: كمن ذا أسعيد أم علي. ولو قلت: من ذا سعيد أم علي؟ لقلنا: هذا لا يصح إلا على تقدير الهمزة. ما اشتريت أكتاباً أم قميصاً. فإذاً: كل ما كان بدلاً من اسم استفهام فإنه يجب أن يلي الهمزة. وإعراب المثال كما يلي: (من) اسم استفهام مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، و (ذا) اسم إشارة مبني السكون في محل رفع خبر المبتدأ. الهمزة: حرف استفهام، (سعيد) بدل من (من)؛ لأنه يقول: وبدل المضمن الهمز، والمضمن الهمز هو اسم الاستفهام، و (أم) حرف عطف، و (علي) معطوف على سعيد.

إبدال الفعل من الفعل

إبدال الفعل من الفعل (ويبدل الفعل من الفعل كمن يصل إلينا يستعن بنا يعن) يعني: يبدل الفعل من الفعل وليس من الاسم. وقوله: (كمن يصل إلينا يستعن بنا يعن). (من): اسم شرط جازم يجزم فعلين. (يصل) فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن، (إلينا) جار ومجرور متعلق بيصل، (يستعن) بدل من (يصل)، كأنه قال: من يستعن بنا، و (يستعن) فعل مضارع مجزوم بالسكون بدلاً من يصل، (بنا): جار ومجرور متعلق بيستعن، (يعن) فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم على أنه جواب الشرط. وسبق أن مثلنا بقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الفرقان:68 - 69] يضاعف بالسكون على أنه بدل من (يلق). وإلى هنا انتهى باب البدل والتوابع أيضاً.

شرح ألفية ابن مالك [54]

شرح ألفية ابن مالك [54] النداء هو طلب الإقبال بيا أو إحدى أخواتها، والأصل في المنادى أنه منصوب؛ لكن بعض أنواعه تكون مبنية على الضم، وللنداء أحكام يذكرها العلماء تتعلق بتركيبه ونحو ذلك.

النداء

النداء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النداء]. النداء بالمد هو: طلب الإقبال بيا أو إحدى أخواتها. ثم إن النداء قد يكون حقيقة أو ضمناً، فقوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:58] ليس فيه يا أيها الناس احضروا، لكن (حي على الصلاة) هذا نداء ضمني. والنداء له أحرف معينة جمعها أهل العلم حينما تتبعوا ذلك في اللغة العربية، فله حروف كحروف التنبيه لكنها خاصة بالنداء.

أحرف النداء

أحرف النداء قال المؤلف رحمه الله: (وللمنادى الناء أو كالناء يا) الناء يعني: البعيد، وأصله النائي بالياء، لكن حذفت الياء لضرورة الوزن. (أو كالناء) يعني الذي كالنائي، أي: كالبعيد بكونه غافلاً أو ساهياً أو نائماً أو ما أشبه ذلك. فالناء وشبهه له ياء فتقول: يا فلان! للبعيد بمد الصوت. كذلك إذا كان غافلاً، مثل طالب من الطلبة يقلب الكتاب ولا ينتبه للمدرس فتقول له: يا فلان، ولو قال لك: أنا عندك قريب تقول: لكنك غافل. كذلك النائم، نقول: يا فلان قم؛ لأنه كالبعيد في كونه يحتاج إلى مد الصوت. ولهذا يقول: (يا، وأي، وآ، كذا أيا، ثم هيا). وفي (أي) لغتان ثانيهما: آي، ونضيفها إلى الحروف فتكون ستة. وقوله: (والهمز للداني ووا لما ندب) فصارت حروف النداء ثمانية: يا وأي وآي، وآ، وأيا، وهيا، وأ، ووا. وقوله: (الهمز للداني) يعني: القريب، فالهمز للقريب المنتبه. إذاً: الهمز للداني المنتبه الذي هو غير غافل وغير نائم، تقول: أزيد، ولا يحتاج لمد الصوت لكونه قريباً ومنتبهاً. واعلم أنه قد ينزل البعيد منزلة القريب، وقد ينزل القريب منزلة البعيد، فقد ينادي الإنسان قريبه وصديقه وهو بعيد بلفظ الهمز كقول الشاعر: أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرماً فأجملي. وقوله: (ووا لمن ندب) (وا) للذي ندب، وأصل الندب الدعاء؛ لكن المندوب عند النحويين هو المنادى المتفجع عليه أو المتوجع منه، فواحد يؤلمه ظهره، فيقول: واظهراه. وواحد انهدم بيته يقول: وابيتاه! وآخر ماتت ناقته يقول: واناقتاه! وهذا متفجع عليه. وإنما اختارت العرب (وا)؛ لأن دلالتها على التوجع ظاهرة جداً؛ لأنها تقال في الأشياء التي توحش أو تؤلم أو ما أشبهها. وقوله: (أو يا) يعني: ويجوز أن تستعمل يا في الندبة فتقول: يا ظهراه، وهذا كثير في اللغة العامية. وقوله: (وغير وا لدى اللبس اجتنب). فيا تستعمل في محل (وا) بشرط ألا يكون هناك لبس، فإن كان هناك لبس فإننا نرجع إلى الأصل وهو (وا). فالذي يتفجع على ناقته فيقول: واناقتاه، ولو قال: يا ناقتا، فإنه يصح. لكن لو قال: يا ناقتي لا يكون ندبة، إذاً: لا يجوز أن تجعل (يا ناقتي) ندبة لأجل اللبس. وقوله: (وغير وا) المقصود به (يا). فانقسمت حروف النداء إلى أقسام. الأول: ما كان للبعيد. والثاني: ما كان للقريب. والثالث: ما كان للندبة. فالهمزة للقريب، و (وا) للندبة، والباقي للبعيد. و (يا) أيضاً للندبة بشرط ألا يكون هناك لبس.

حكم حذف حرف النداء مع المندوب

حكم حذف حرف النداء مع المندوب يقول المؤلف: [وغير مندوب ومضمر وما جا مستغاثاً قد يعرى فاعلما] وغير مندوب ومضمر وما جا مستغاثاً قد يعرى من حرف النداء، تقول مثلاً: يا زيد، وتقول: زيد. وسواء كان قريباً أو بعيداً، فتحذف حرف النداء. وابن مالك يقول: (وغير مندوب)، فإذا قال: واظهراه، واصديقاه، واسيارتاه، وناقتاه، وما أشبه ذلك، نقول: فلا يجوز أن تحذف (وا)، لأنه مندوب. ووجه ذلك أننا لو حذفنا هذا لم نعلم أن ذلك ندبة، وهو حرف جيء به ليدل على معنى خاص في النداء فلا يجوز أن يحذف، ولو حذفناه لفات هذا الغرض. قوله: (ومضمر) يعني: المنادى المضمر لا تحذف منه ياء النداء، وظاهر كلام المؤلف أن الضمير ينادى مطلقاً. وقال بعض النحويين: إن الضمير لا ينادى مطلقاً. وقال آخرون: ينادى ضمير المخاطب دون غيره، فيقال: يا إياك قد أغثتك، يا إياك قد نفعتك. ظاهر كلام ابن مالك أنه يجوز نداء ضمير الغائب، ولكن المشهور عدم الجواز. ولو قيل: بعدم الجواز إلا فيما ورد به السماع لكان وجيهاً، فهو يحفظ ولا يقاس عليه. وقوله: (وما جا مستغاثاً) كأن تستغيث الله عز وجل فتقول: يا لله للمسلمين. فـ (يا) تدخل على المستغاث، وتكون اللام مفتوحة فيه، تقول يا لله للمسلمين. وتقول: يا لرجل المرور لقاطع الإشارة، تستغيث برجل المرور لقاطع الإشارة. وإعراب: (فاعلما). (الفاء) حرف عطف، و (اعلما) أصلها (اعلم) فعل أمر مبني على السكون وحرك بالفتح لمناسبة ألف الإطلاق. قال: [وذاك في اسم الجنس والمشار له قل ومن يمنعه فانصر عاذله] (وذاك) المشار إليه التعرية، يعني أن حذف حرف النداء في اسم الجنس وفي اسم الإشارة قليل. مثال ذلك في اسم الجنس، تقول: يا نهار ما أطولك، يا ليل ما أطولك، يا جمل ما أحرنك، وما أشبه ذلك. فاسم الجنس حذف الياء منه قليل، فتقول: ثوبي حجر، واسم الجنس ليس كالعلم الذي يوجه له الخطاب فلذلك لا تحذف منه الياء. وكذلك في اسم الإشارة تقول: يا هذا ما أغفلك، يصف فلاناً بالغفلة، وحذف الياء قليل، ومنه قول الشاعر: ذا ارعواء فليس بعد اشتعال الرأس شيباً إلى الصبا من سبيل الشاهد قوله: (ذا ارعواء) يعني يا هذا، فحذف الياء في اسم الإشارة قليل. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز أنه تحذف ياء من اسم الجنس ومن اسم الإشارة، ولكن ابن مالك يقول: (من يمنعه فانصر عاذله) أي: لائمه، أي: من يقول: إنه لا يجوز حذف ياء النداء في اسم الجنس وفي اسم الإشارة، وجاء أحد يلومه فانصر اللائم. والحقيقة أن مثل هذا الترتيب يعتبر في البلاغة تعقيداً؛ لأنك لا تكاد تفهم المعنى منه. لكن ضرورة الشعر تلجئه رحمه الله إلى أن يقول مثل هذا الكلام.

أحكام المنادى

أحكام المنادى قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النداء]. النداء بالمد هو: طلب الإقبال بيا أو إحدى أخواتها. ثم إن النداء قد يكون حقيقة أو ضمناً، فقوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:58] ليس فيه يا أيها الناس احضروا، لكن (حي على الصلاة) هذا نداء ضمني. والنداء له أحرف معينة جمعها أهل العلم حينما تتبعوا ذلك في اللغة العربية، فله حروف كحروف التنبيه لكنها خاصة بالنداء.

متى يبنى المنادى على ما يرفع به

متى يبنى المنادى على ما يرفع به قوله: [وابن المعرف المنادى المفردا على الذي في رفعه قد عهدا] بدأ المؤلف رحمه الله بأحكام المنادى الآن، والأحكام أهم من الأدوات، فبدأ المؤلف بحكم المبني فقال: (وابن المعرف المنادى المفردا) يعني: إذا ناديت اسماً معرفاً مفرداً فابنه على الذي في رفعه قد عهدا، يعني: قد علم. وليس المراد بالمفرد ما يقابل الجمع والتثنية، إنما المراد به ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، فالمفرد يبنى على ما يرفع به، ولهذا قال: (على الذي في رفعه قد عهدا) يعني على الذي قد عهد في رفعه. فما دل على واحد يبنى على الضم، وما دل على اثنين يبنى على الألف، وما دل على جمع يبنى على الواو. فالقاعدة: إذا كان المنادى معرفة مفرداً وجب بناؤه على ما يرفع به، مثل: زيد؛ إذا ناديناه نقول: يا زيد. وعلم من قول المؤلف (وابن) أنه لا ينون؛ لأن الضمة ضمة بناء لا إعراب. وتقول: يا زيد، يا بكرُ، يا عليُ، يا جعفرُ، ولرجل معين تقول: يا رجلُ. إذاً نبنيه على الضم بدون تنوين؛ لأن المبني لا ينون إلا تنوين العوض كما مر. وتنادي اثنين تقول: يا زيدان، يا بكران، يا عمران، يا خالدان. ويا رجلان، إذا قصدت رجلين معينين، ويسمى هذا النكرة المقصودة، فرجل نكرة، لكنه لما كان مقصوداً صار كالمعرفة. وتنادي جمع المذكر السالم فتقول: يا مسلمون، يا قانتون، يا صالحون، يا متعلمون، وما أشبه ذلك.

المنادى المبني يقدر بناؤه على الضم بعد النداء

المنادى المبني يقدر بناؤه على الضم بعد النداء قال المؤلف رحمه الله: [وانو انضمام ما بنوا قبل الندا وليجر مجرى ذي بناء جددا] إذا كان المنادى مبنياً على الضم من قبل أن ينادى فننوي ضمة جديدة غير الضمة الأولى. وقوله: (وانو انضمام ما بنوا قبل الندا) يعني معناه: لا تبنيه على الضم، فإذا نادينا هذا نقول: يا هذا، فلا نضمه، أو يا من يقول للشيء كن فيكون. لا نقول: يا منُ، ولا نقول: يا هذو، بل نبقيها على ما كانت عليه. ولو ناديت واحداً وسميته (حيثُ) وهي مبنية على الضم، تقول: يا حيثُ، فتقول في إعرابها: (يا) حرف نداء، و (حيث) منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة البناء. وإعراب (هذا) من (يا هذا): منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون البناء؛ لأن هذا البناء الذي حصل بالنداء بناء جديد عارض طارئ. قوله: (وليجر مجرى ذي بناء جددا) يعني هذا الذي كان مبنياً إذا ناديناه حكمنا عليه بحكمه لو كان مبنياً من أجل النداء، وهو البناء المجدد. فيتبين لنا من الكلام الأول أن هذا المبني على سكون أو ضم أو كسر ينوى ضمه، فإذا ناديت امرأة يسمونها حذامِ قلت: يا حذامِ. وحذام امرأة مشهورة بقوة البصر، يقال: إنها ترى من مسيرة ثلاثة أيام، وإنها قالت لقومها ذات يوم: يا قوم جاءكم القوم، فنظروا فإذا هو لا يوجد أحد، وكان الأعداء قد قطعوا شجراً، وجعلوا مع كل واحد منهم شجرة، فلم تفطن لهم فغاروا على الحي وقتلوها.

متى يكون المنادى منصوبا

متى يكون المنادى منصوباً قال ابن مالك: (والمفرد المنكور والمضافا وشبهه انصب عادماً خلافا) يعني: وانصب النكرة، والمراد بالمفرد هنا ما ليس مضافاً ولا شبهه، والمفرد النكرة ينصب، ولهذا قال: (انصب)، فتقول مثلاً: يا رجلاً أنقذ فلاناً، وذلك مثل قول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي؛ ما قصد رجلاً معيناً إنما قصد أي رجل من الرجال، فيكون نكرة فينصب بالفتح، فتقول: يا رجلاً افعل كذا وكذا؛ تخاطب أي رجل. وتقول أيضاً: يا طالباً كن مجداً تخاطب أي طالب، فيكون منصوباً. وتقول: يا مسلمين؛ لا تخاطب مسلمين معينين. وقوله: (والمضافا) فالمضاف أيضاً ينصب عند النداء مثل: يا عبد الله، تقول: (يا) حرف نداء، و (عبد) منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، و (عبد) مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل). ومثله أيضاً: (يا عبادي) في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53]. وتقول أيضاً: يا غلام زيد أقبل، فـ (الياء) حرف نداء و (غلام) منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، و (غلام) مضاف و (زيد) مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره. قال: (وشبهه انصب عادماً خلافاً) شبه المضاف: هو ما تعلق به شيء من تمام معناه: إما أن يكون فاعلاً، أو مفعولاً به أو مجروراً، تقول: يا كريماً أبوه أقبل، (كريماً) هنا منادى معين لكنه شبيه بالمضاف؛ لأنه تعلق به شيء من تمام معناه والمتعلق به هنا فاعل. ومثال المفعول به يا بائعاً ثوبه، هذا تعلق به شيء من تمام معناه مفعولاً به، ومثله: يا طالعاً جبلاً، فـ (طالعاً) هذه نكرة معينة مراده، لكنه تعلق به شيء من تمام معناه فصار شبيهاً بالمضاف. أما المجرور فتقول: يا لطيفاً بالعباد كن بي لطيفا، فـ (لطيفاً) هذه نكرة مقصودة موجهة إلى الله عز وجل، لكن (بالعباد) تعلق بها ليتمم معناها وهو مجرور بحرف الجر. وإذا قلت: يا قارئاً كتابه تأمله، التعلق هنا بالمفعول. ولو قلت: يا قارئ الكتاب، أصبح مضافاً وليس شبيهاً بالمضاف فلهذا يقولون: إن هذا شبيه بالمضاف. وقولك: يا كريماً أبوه، مثل قولك: يا كريم الأب، فهو شبيه بالمضاف تماماً، وعلى هذا فقس. فصار الذي ينصب ثلاثة أشياء هي النكرة غير المقصودة، والمضاف، والشبيه بالمضاف. وشيئان يبنيان على ما يرفعان به وهما: العلم، والنكرة المقصودة. قال: (وشبهه انصب عادماً خلافا) فـ (عادماً) حال من فاعل (ينصب)، و (خلافاً) مفعول لعادم، يعني كأن ابن مالك رحمه الله يقول: إن العرب أجمعوا على أن هذه الثلاثة تنصب.

حكم المنادى العلم الموصوف بابن

حكم المنادى العلم الموصوف بابن قال المؤلف رحمه الله: [ونحو زيد ضم وافتحن نحو أزيد بن سعيد لا تهن والضم إن لم يل الابن علما أو يلي الابن علم قد حتما] زيد علم، فهو معرف يستحق البناء على الضم، فتقول: يا زيدُ، لكن إذا كان بعد همزة النداء وبعده كلمة (ابن) أو (ابنة) وبعده علم يقول المؤلف: يجوز في زيد الضم والفتح. مثاله: أزيد بن سعيد، فـ (الهمزة) حرف نداء، (زيد) منادى مبني على الضم في محل نصب، ويجوز أن نقول: الهمزة حرف نداء، وزيد: منادى منصوب على النداء وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، ولهذا قال: (ضم): أي: على أنه مبني، (وافتحن) أي: على أنه منصوب. إذاً: إذا وجد علم وبعده (ابن) وبعده علم فإن العلم الأول يجوز فيه البناء على الضم والنصب. و (ابن) منصوب على كل حال، و (ابن) مضاف و (سعيد) مضاف إليه. فإن قال قائل: لِمَ لم يتكلم على حكم (ابن)؟ نقول: قد تكلم على حكمها في عموم قوله: (والمضافا) ولا خلاف في هذا فيكون منصوباً بالفتحة. لو فرضنا أن الاسم الأول ليس علماً فحكمه وجوب البناء، مثل: يا غلام ابن زيد، فغلام ليس علماً، فإذا كان الذي قبل (ابن) ليس بعلم فيبنى على الضم، وإذا كان الذي بعد (ابن) ليس بعلم فإنه كذلك يبنى على الضم. وهل يجوز أن نقول: يا زيدَ صاحبَ زيد؟ لا يجوز؛ لأنه لا يوجد (ابن) بين علمين، وإذا قلنا: يا زيدُ صاحب عمرو، فإنه يتعين في زيد البناء على الضم، ولا يجوز أن نقول: يا زيدَ صاحب عمرو؛ لأنه ليس عندنا (ابن) بين علمين. قوله: (أزيد بن سعيد) إعرابه على الضم واضح: الهمزة: حرف نداء. زيد: منادى مبني على الضم في محل نصب. ابن سعيد: صفة لزيد منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. قالوا: ويجوز أن تعربه منادى مستقلاً، لكن إذا أعربته منادى مستقلاً لم يجز في الأول إلا الرفع فتقول: أزيد يا ابن سعيد لا تهن، لكن هنا نريد أن نعربه على أنه صفة لزيد. فإذا بنينا زيداً على الفتح وقلنا: أزيدَ بن سعيد، فنقول: الهمزة: حرف نداء. زيد: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اتباعه لصفته في محل نصب. فزيد ليس منصوباً وفيه قول أنه مبني وما بعده على الفتح وتلغى كلمة ابن، لكن الإعراب الصحيح أن نقول: زيد منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اتباعه لصفته؛ أي: متبعاً لها بالفتح فقط. فصارت فتحته فتحة إتباع لا إعراب.

إذا اضطر الشاعر إلى تنوين المنادى المبني له رفعه ونصبه

إذا اضطر الشاعر إلى تنوين المنادى المبني له رفعه ونصبه قال المصنف رحمه الله تعالى: [واضمم أو انصب ما اضطراراً نونا مما له استحقاق ضم بينا] قوله: (واضمم أو انصب). (أو) هنا للتخيير، ومعنى (اضمم): أي: ابنِ على الضم، وقوله: (أو انصب) أي: أعربه بالفتح نصباً. (ما): اسم موصول مفعول اضمم أو انصب، وفيه تنازع، والمعروف أنه في مثل هذا يكون مفعولاً للثاني. اضطراراً: مفعول من أجله، عامله (نونا)، والألف فيه للإطلاق، أي: اضمم أو انصب ما نون اضطراراً، أي: للضرورة. فإذا جاء الاسم مستحقاً لبنائه على الضم، واضطر الشاعر إلى أن ينونه فإنه يجوز أن ينصبه، ويجوز أن يضمه، أي: أن تعربه على أنه مبني على الضم في محل نصب، أو تنصبه على أنه منادى منصوب، فشمل قول المؤلف: (ما اضطراراً نونا مما له استحقاق ضم) المنادى الذي يبنى على الضم لكونه علماً، فإنه يجوز فيه أن تقول في إعرابه: إنه منصوب بياء النداء مثلاً، أو مبني على الضم ونون للضرورة، مثاله قول الشاعر: سلام الله يا مطرٌ عليها وليس عليك يا مطرُ السلام الشاهد في الأول: (سلام الله يا مطرٌ)، وكان عليه أن يقول: (يا مطرُ)، لكن نونه لضرورة الشعر؛ لأنه لو لم ينونه لانكسر البيت، فنونه للضرورة. الثاني: (وليس عليك يا مطرُ)، هذا على الأصل؛ لأنه ليس فيه تنوين. وعليه فيجوز أن أقول: سلام الله يا مطراً عليها، وسلام الله يا مطرٌ عليها؛ لأن ابن مالك خيرنا: (اضمم أو انصب)، وإنما جاز النصب لأنه لما دخله التنوين صار كأنه غير مقصود، فإن النكرة المقصودة تبنى على الضم، والنكرة غير المقصودة حكمها النصب، وعلى هذا فيجوز في الإعراب كما يأتي: سلام الله: سلام: مبتدأ، وهو مضاف إلى اسم الجلالة. يا: حرف نداء. مطر: منادى مبني على الضم في محل نصب، ونون للضرورة. عليها: جار مجرور خبر سلام. ويجوز أن أقول: سلام الله يا مطراً عليها، وإعرابه: يا: حرف نداء. مطراً: منادى منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. ففي باب الضرورة إن شاء الإنسان نصب وإن شاء رفع. قوله: (مما له استحقاق ضم بينا) ذكر المؤلف سابقاً أن المنادى المفرد يبني على ما يرفع به، وهنا استثنى المثنى وجمع المذكر السالم، فما قال: على ما يرفع به؛ لأن الكلام على ما يستحق البناء على الضم، أما الجمع فهو يبقى على ما هو عليه، وكذلك المثنى. مثال آخر: قول الشاعر: ضربت صدرها إلي وقالت يا عدياً لقد وقتْك الأواقي فقال: يا عدياً لقد وقتك الأواقي، وكان عليه أن يقول لولا الضرورة: يا عديُ؛ لأنه علم. فالحاصل: أن ما يبنى على الضم يجوز أن ينون لضرورة الشعر، وإذا نون جاز أن يبقى على ضمه، وجاز أن ينصب.

متى يجمع بين حرف النداء وأل

متى يجمع بين حرف النداء وأل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وباضطرار خص جمع يا وأل إلا مع الله ومحكي الجمل] تقدم أنه يجوز حذف أداة النداء، لكن لا تجمع أداة النداء مع (أل)، فلا يقال: يا النبي, ولا يا الرجل، إلا في اسم الله تعالى، وما سمي به من الجمل، وإذا دعت الضرورة، والضرورة عند النحويين هي الشعر. قوله: (إلا مع الله) فلفظ الجلالة (الله) اختص بجواز جمع ياء مع أل، مثل: يا الله، قالوا: وهنا تكون همزتها همزة قطع، (يا ألله)، ويجوز أن تجعلها همزة وصل، لكن الأفصح أنها تقطع. قوله: (ومحكي الجمل) يعني: لو سمينا شخصاً بجملة اسمية محلاة بأل فإنه يجوز أن نناديه بـ (يا)، فهناك واحد من العرب يسمى: الشنُّ فُري، هذا هو أصله وأظنه صار يسمى: الشنفري، فإذا ناديناه نقول: يا ألشنفري، فيجب هنا القطع. مثلاً دخل علينا شخص وقال: الصباح بارد، فأخذنا عليه هذه الكلمة وبدأنا نسميه بها: جاء الصباح بارد، دخل الصباح بارد وما أشبه ذلك، فإذا أردنا أن نناديه بياء النداء فإنه يصح، لكنه يجب القطع، ففي (الله) يجوز أن تجعل الهمزة همزة وصل وهمزة قطع، لكن هذه قالوا: يجب أن تجعلها همزة قطع، وتقول: يا ألصباح بارد؛ لقبح اجتماع ياء النداء مع أل الساكنة الهمزة، فتقطع الهمزة ليزول هذا القبح.

تعويض الميم عن يا النداء في اللهم

تعويض الميم عن يا النداء في اللهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريض] قوله: (والأكثر اللهم بالتعويض) أي: تعويض الميم عن الياء، فالأكثر أن يقال: اللهم، بدلاً من: يا الله، ولهذا إذا تدبرت الأدعية الواردة في الكتاب والسنة وجدت أنها تصدرت بـ (اللهم) دون يا الله، هذا هو الأكثر: اللهم اغفر لي، بالتعويض، فعوض الميم عن الياء، وقد سبق أنها عوضت الميم على الياء وأخرت حتى يكون الابتداء باسم الله سبحانه وتعالى. قوله: (وشذ يا اللهم في قريض) القريض هو: الشعر، ومثاله قول الشاعر: إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهم فهنا أتى بالياء لكي يستقيم الوزن، فقال: يا اللهم يا اللهم، ومع ذلك جعلها ساكنة الهمزة، (يا اللهم يا اللهم)، ولم يجعلها همزة قطع. واعلم أن (اللهم) يؤتى بها للنداء والطلب كما في قولك: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني وما أشبه ذلك، ويؤتى بها للتأكيد، ليبين للمخاطب أن هذا الأمر مؤكد، ومثاله حديث أن ضمام بن ثعلبة جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام فقال: (إني سائلك ومشدد عليك في المسألة، فأذن له الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسأل، فقال: أسألك بالذي خلقك وخلق من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كافة؟ قال: اللهم نعم، ثم قال: أنشدك آلله أمرك أن نصلي خمس صلوات؟ فقال: اللهم نعم)، وذكر الصوم وذكر الصلاة فقال: (اللهم نعم)، فالغرض من (اللهم) هنا التوكيد، أي: توكيد الكلام للمخاطب. أما من أجل التقليل فهذه تجدونها كثيراً في كتب المؤلفين حين يقول أحدهم: لا يقول كذا وكذا اللهم إلا أن يكون كذا وكذا، فيأتون بها للتقليل والندور، ومثله لو سألك سائل: هل فلان يزورك؟ فتقول: لم يزرني قط، اللهم إلا إذا احتاج إلي جاء يزورني، فهذا على سبيل التقليل. إذاً: تستعمل (اللهم) على ثلاثة وجوه: في النداء، وفي التأكيد، وفي التقليل.

شرح ألفية ابن مالك [55]

شرح ألفية ابن مالك [55] التابع للمنادى قد يكون نعتاً أو توكيداً أو عطفاً أو بدلاً، وقد يمتنع بعضها في بعض أنواع النداء، ويتوصل بـ (أيها) إلى ما لا يصح نداؤه بيا، والمنادى المضاف إلى ياء المتكلم أو ما هو مضاف لها يجوز فيه أوجه عدة.

تابع المنادى

تابع المنادى

متى ينصب تابع المنادى المضموم

متى ينصب تابع المنادى المضموم قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل. تابع ذي الضم المضاف دون أل ألزمه نصباً كأزيد ذا الحيل] قوله: (تابع): مفعول له لفعل محذوف يفسره قوله: (ألزمه)، أي: ألزم تابع ذي الضم. وقوله: (المضاف) صفة لتابع. دون أل: حال من تابع، أي: ألزمه نصباً حال كونه دون أل. مثاله: (كأزيد ذا الحيل). يقول: (تابع ذي الضم) التوابع خمسة: النعت، وعطف البيان، وعطف النسق، والتوكيد، والبدل، وعند ابن آجروم أربعة؛ لأنه أدرج عطف البيان في التوكيد. إذاً: تابع ذي الضم يشمل الخمسة، لكنه يستثنى من التوابع البدل وعطف النسق، فإذا وجد تابع من التوابع فإنه يكون تابعاً للمنادى المضموم، وهو: أولاً: مضاف، وثانياً: خال من أل، يقول: (ألزمه نصباً)، حتى لو كان الذي قبله مضموماً؛ لأنه قال: (تابع ذي الضم)، والمثال يوضح المقصود، فقوله: (أزيد) الهمزة للنداء، زيد: منادى مبني على الضم في محل نصب. ذا: صفة لزيد، أي: نعت. فـ (ذا) نعت، والنعت من التوابع، وهو مضاف إلى ما بعده، وليس فيه (أل). إذاً: صار (ذا الحيل) تابعاً لذي ضم، فنقول: يا زيد ذا الحيل، بنصب (ذا). ونقول: يا ألله بديعَ السماوات والأرض، ونقول: يا عمرو غلامَ زيد.

متى يجوز الرفع والنصب في تابع المنادى المضموم

متى يجوز الرفع والنصب في تابع المنادى المضموم قوله: (وما سواه) يشمل ما ليس مضافاً، وما أضيف ولكن فيه أل. (ارفع أو انصب)، أي: يجوز لك فيه الرفع ويجوز لك فيه النصب. مثال ما ليس مضافاً: يا زيد الظريف، (الظريف) صفة لزيد، وليست مضافة فيجوز لك أن تقول: يا زيدُ الظريفَ، باعتبار المحل، و (الظريفُ) باعتبار اللفظ، ومع ذلك يقولون: إنه صفة منصوب، لكنه بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها الإتباع، أي: إتباع الثاني للأول بالبناء على الضم، وإلا فالأصل أن محله النصب، لكن أتبع الثاني للأول بالحركة فقط، ولهذا نقول: الظريفُ: صفة لزيد منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهوره حركة الإتباع، هذا إذا بنيناه على الضم وقلنا: يا زيدُ الظريفُ. أما إذا قلنا: يا زيدُ الظريفَ؛ فإنه صفة على المحل. ومثال ما أضيف وفيه أل: يا زيدُ الحسنُ الوجه، ويا زيدُ الحسنَ الوجه، فهذا مضاف لكن فيه أل، فيجوز فيه الرفع والنصب، ولهذا قال: (وما سواه انصب أو ارفع). فتبين لنا بهذا أن تابع ذي الضم له ثلاث حالات: الأولى: أن يكون مجرداً من الإضافة. والثانية: أن يكون مضافاً مجرداً من أل. والثالثة: أن يكون مضافاً مع أل. فالمضاف دون أل يجب فيه النصب، وما عداه يجوز فيه الرفع والنصب، والذي عداه اثنان: ما لم يضف، وما أضيف وفيه أل. والخلاصة: أن تابع ذي الضم إما أن يكون مضافاً أو غير مضاف، وغير المضاف سيأتينا إن شاء الله فيما بعد، فالمضاف إما أن يكون فيه أل أو ليس فيه أل، فإن كان فيه أل فإنه يجوز فيه الرفع والنصب، وإن لم يكن فيه أل فإنه يتعين فيه النصب. وبالمثال يتضح المقال: فإذا قلنا: يا زيدُ ذا الحيل، فهنا يتعين النصب، وإذا قلنا: يا زيدُ الحسنُ الوجه، فهنا يجوز الرفع والنصب، وإذا قلنا: يا زيدُ الظريف، فيجوز الرفع والنصب.

عطف النسق والبدل إذا أتبع للمنادى المضموم يجعل كالمستقل

عطف النسق والبدل إذا أتبع للمنادى المضموم يجعل كالمستقل قال رحمه الله: (واجعلا كمستقل نسقاً وبدلاً). أخرج الآن من التوابع عطف النسق والبدل، وبقي عندنا النعت، والتوكيد، وعطف البيان، فهذه هي التي يجوز فيها الأوجه التي ذكرناها. أما عطف النسق -وهو ما عطف بواحد من حروف العطف- فإن التابع يكون كالمستقل، ليس له دخل بالذي قبله، وكذلك إذا كان بدلاً فإنه يكون كالمستقل. تقول: يا زيدُ وعمروُ: (يا): حرف نداء. (زيد): منادى، والواو حرف عطف. (عمرو): معطوف على زيد مبني على الضم في محل نصب؛ لأنك لو ناديت عمراً مستقلاً بنيته على الضم. ومثله: يا زيد وعبد الله، فيجب نصب (عبد الله)؛ لأنه لو كان منادى مستقلاً لوجب نصبه. مثال آخر: يا زيد وطالعاً جبلاً، يتعين النصب، وكذلك: يا ربُّ ولطيفاً بالعباد، يتعين النصب. إذاً: إذا كان التابع بواسطة حرف العطف فإنه يجعل كالمستقل، فإن كان معرفة أو نكرة مقصودة بني على الضم، وإن كان مضافاً أو شبيهاً بالمضاف تعين نصبه، فتقول: يا زيدُ ورجلُ، يا زيدُ وعمروُ، يا زيدُ وغلامَ عمرو، يا زيدُ وطالعاً جبلاً. وكذلك إذا كان التابع للمنادى المضموم بدلاً فإنه يجعل كأنه منادى مستقل، فإن كان علماً، أو نكرة مقصودة بني على الضم، وإن كان مضافاً أو شبيهاً به فهو منصوب. أما إذا كان التابع صفة أو توكيداً أو عطف بيان، فله ثلاث حالات: إما أن يكون التابع مضافاً محلىً بأل، أو مضافاً غير محلىً بأل، أو غير مضاف، فإن كان غير مضاف، أو كان مضافاً محلى بأل جاز فيه الوجهان: الرفع والنصب، وإن كان مضافاً غير محلى بأل تعين فيه النصب.

جواز الرفع والنصب في الاسم المصحوب بأل إذا عطف على المنادى

جواز الرفع والنصب في الاسم المصحوب بأل إذا عطف على المنادى قال المؤلف رحمه الله: [وإن يكن مصحوب أل ما نسقا ففيه وجهان ورفع ينتقى] معناه: إذا عطفت على المنادى المبني على الضم اسماً مصحوباً بأل ففيه وجهان، ولكن الرفع أفضل، ولهذا قال: (ورفع ينتقى) أي: يختار، ومنه قوله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ:10]، فـ (الطيرَ) فيها قراءتان: بالرفع وبالنصب. وتقول: يا زيدُ والغلامُ، ويا زيدُ والغلامَ، أما وجه النصب فعطفاً على المحل؛ لأن محل (زيد) النصب، وأما ضمه فللإتباع، قال بعضهم: وما حرك بالإتباع فليس له محل؛ لأنه تابع لما قبله. فيقال: الواو: حرف عطف. والغلام: معطوف على زيد منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها الإتباع. إذاً: إذا كان المعطوف على المنادى المضموم محلىً بأل ففيه وجهان، ولكن المؤلف يقول: (ورفع ينتقى) والقراءة المشهورة بالنصب: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ:10]، لكن النحويين كما قال بعضهم: النحوي كالثعلب تدخل يدك عليه من بابه فيخرج من نافقاء، فقالوا: الطير: على قراءة النصب ليست معطوفة على جبال، بل مفعول لفعل محذوف، أي: وسخرنا له الطيرَ، وهذا في الحقيقة تكلف، والصواب: أنه يجوز الوجهان على السواء؛ لأنه ما دام القرآن ورد بهما جميعاً فالقرآن أفصح الكلام.

التوصل بأيها إلى نداء ما فيه أل

التوصل بأيها إلى نداء ما فيه أل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأيها مصحوب أل بعد صفه يلزم بالرفع لدى ذي المعرفه] قوله: (مصحوب) فيها وجهان: النصب والرفع، فعلى الرفع، نقول: أيها: مبتدأ كلها؛ لأن المراد لفظه. مصحوب: مبتدأ ثان، و (يلزم) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، فالخبر هنا جملة، ومعلوم أنه إذا كان خبر المبتدأ جملة فلا بد لها من رابط يربطها بالمبتدأ، والرابط هنا محذوف، تقديره: يلزمها. فمعنى البيت إذاً: أن مصحوب أل يلزم (أيها) حال كونه صفة مرفوعاً بعدها، فالمؤلف أفادنا ثلاث فوائد: أولاً: أن الذي يلي (أيها) لا بد أن يكون مصحوباً بأل. وثانياً: لا بد أن يقع بعدها، لقوله: (بعد). ثالثاً: أن محله من الإعراب صفة لأي؛ لقوله: (صفة). إذاً: (أي) يؤتى بها صلة لنداء ما فيه أل، والذي يأتي بعدها وفيه أل حكمه أنه صفة لها، لقوله: (مصحوب أل بعد صفة يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة)، وقد سبق لنا أنه لا يجوز أن ينادى ما فيه أل -وهي مباشرة له- إلا في موضعين؛ مع الله، ومحكي الجمل، فلا يجوز أن تقول: يا الإنسان، إذاً فماذا تصنع إن كنت تريد أن تنادي الإنسان؟ تقول: يا أيها الإنسان، فتأتي بأي، ويكون مصحوب أل بعدها صفة لها، وهذا كثير في القرآن كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال:64]، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة:41]، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ} [الانفطار:6]، وما أشبهها. الوجه الثاني في إعراب (مصحوب) هو النصب. والمعنى: أن (أيها) يلزم مصحوب أل، بخلاف التقدير الأول: فإن اللازم هو المصحوب، وعلى هذا التقدير الثاني فإن (مصحوبَ أل) يلزم (أيها)، والمعنى لا يتغير؛ لأنه إذا لزم مصحوب أل (أيها) لزم أن تكون (أيها) أيضاً لازمة له، ففي الحقيقة لا يختلف المعنى وإنما يختلف الإعراب. وخلاصة القول: أنه لما تقرر أن (ياء) النداء لا تباشر ما فيه أل إلا في موضعين -كما سبق- فإنه يجب أن يؤتى بأي صلة لها، فكأن المنادى حقيقة ما بعد أي، ولهذا نقول: إن (أي) هنا صلة، ونقول في إعراب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} مثلاً: يا: حرف نداء. أي: منادى مبني على الضم في محل نصب، والهاء: للتنبيه. النبي: صفة لأي مبني على الضم في محل نصب، وهنا نقول: مبني على الضم في محل نصب لأنه هو المنادى حقيقة، وإنما أتينا بأي من أجل كراهة أن تلي (يا) النداء ما فيه أل. وقول المؤلف: (يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة) إشارة إلى أن هناك قوماً يقولون: لا يلزم فيه الرفع، وإنه يجوز فيه الوجهان، وهو كذلك، فإن بعض النحويين يقول: إنه يجوز فيه النصب، فيجوز أن تقول: يا أيها الرجلَ إتباعاً لمحل أي؛ لأن محلها النصب، ولكن مهما كان فإن الرفع هنا بالاتفاق أولى، وهو الذي نطق به القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال:64]، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة:41]، وما أشبه ذلك. وعلة البناء في المنادى بعد أيها: أنه منادى مقصود، مثل: يا رجلُ. مسألة: إذا كان المنادى مثنى أو مجموعاً فلا تثنى (أيها) ولا تجمع، فلا يقال: يا أيهما الرجلان، ولا يقال: يا أيهم الرجال، بل يقال: يا أيها الرجلان، ويا أيها الرجال، لكن هل تؤنث؟ نقول: نعم، قال الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر:27]. إذاً: فأي تؤنث مع المؤنث، ولكنها لا تثنى ولا تجمع، وهذا لم يذكره ابن مالك لكنه معروف. فالخلاصة: أي صلة يتوصل بها إلى ما يمتنع فيه مباشرة (يا) النداء ما هو مصحوب أل، وأي لازمة للإفراد، أما في التأنيث والتذكير فإنها تذكر مع المذكر وتؤنث مع المؤنث، تقول: يا أيتها المرأتان، ويا أيتها النساء.

نداء اسم الإشارة والاسم الموصول بأيها

نداء اسم الإشارة والاسم الموصول بأيها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأي هذا أيها الذي ورد ووصف أي بسوى هذا يرد] ذكرنا سابقاً أن مصحوب أل هو الذي يأتي بعد أي، فهل يأتي غير مصحوب أل؟ ننظر: العلم لا يمكن أن يأتي بعد أي، فلا يصح أن تقول: يا أيها زيدٌ، والاسم الموصول ذكره المؤلف، وكذلك اسم الإشارة ذكره المؤلف، والمضاف لا يمكن أن يأتي بعد أي، فلا يصح: يا أيها غلامَ زيد. إذاً: يأتي (أيها) مع المحلى بأل كما يفيده البيت الأول، ويأتي كذلك مع اسم الإشارة، تقول: (أيها ذا)، والصواب: أن تكتب هكذا: أيها ذا، أما في النسخة التي عندي فإنها مكتوبة هكذا (أي هذا) وعلى هذا تكون (أي) اسم استفهام، تقول: أي هذا فعلت؟ والصواب: (أيها) وحدها، و (ذا) اسم الإشارة. قوله: (وأيها ذا أيها الذي ورد) أي: ورد أن (أيها) يليها اسم إشارة، تقول: أيها ذا، ويليها أيضاً الاسم الموصول، أيها الذي. وكلمة (أيها الذي) تفيد أنه إنما يرد اسم الموصول المحلى بأل، وأما اسم الموصول مثل (مَنْ) فلم يرد، تقول: يا أيها الذي قام، ولا يصح: يا أيها من قام. إذاً: الذي يلي (أي) الاسم المحلى بأل، واسم الإشارة، والاسم الموصول المحلى بأل. قوله: (ووصف أي بسوى هذا يرد). (بسوى هذا) أي: هذا المذكور، وهو ثلاثة أمور: المحلى بأل، واسم الإشارة، والموصول المحلى بأل، وما سوى هذا فيقول المؤلف: (وصف أي بسوى هذا يرد) أي: يرفض فلا يقبل. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وذو إشارة كأي في الصفه إن كان تركها يفيت المعرفة] قوله: (ذو إشارة) أي: اسم الإشارة. (كأي في الصفة)، أي: لا يوصف بها إلا الاسم الموصول أو المحلى بأل، فإذا أردت أن تصف اسم الإشارة بالمنادى تصفه بما فيه أل، أو باسم الموصول المحلى بأل، ولهذا قال: (وذو إشارة)، أي: اسم الإشارة (كأي في الصفة) أي: مثل (أيها)، فتقول مثلاً: يا هذا الذي فعل كذا، وتقول: يا هذا الرجلُ، ولكن لا تقول: يا هذا زيدُ، أو: يا هذا من عمل كذا وكذا. وظاهر كلام المؤلف أنه يجوز أن يوصف باسم الإشارة؛ لأنه قال: (كأيٍّ في الصفة)، وأي توصف باسم الإشارة، فهل يقال مثلاً: يا هذا ذا؟ نقول: نحن نستغني بـ (يا هذا)، فما دام عندنا اسم إشارة فليس هناك داع لاسم إشارة آخر، لكن في (أي) إذا أردنا ننادي اسم الإشارة لا بد أن نأتي باسم الإشارة، أما هنا إذا نادينا اسم الإشارة فلا حاجة أن نأتي باسم الإشارة مرة ثانية. فقول المؤلف: (كأي في الصفة) أي: في المسألتين الأخيرتين، وهما: المحلى بأل، واسم الموصول المحلى بأل.

الإتيان باسم الإشارة بدلا عن (أي)

الإتيان باسم الإشارة بدلاً عن (أي) قال رحمه الله: (إن كان تركها يفيت المعرفة). قوله: (إن كان تركها) أي: الإشارة، (يفيت المعرفة) أي: العلم بالمنادى، أما إذا كان تركها لا يفيت المعرفة فإنك تأتي بأي. اشترط المؤلف لصحة مجيء اسم الإشارة بدلاً عن أي: أن يكون تركها يفيت المعرفة، مثلاً: إذا قلت: يا أيها الرجلُ، فأنت عرفت أن المنادى رجل، لكن أنا أريد أن أعين رجلاً، فأقول بدل (أي): يا هذا الرجل؛ لأجل أن تعرف أن المنادى هو هذا المشار إليه، فإذا كان تركها يفيت المعرفة فإنك تأتي باسم الإشارة. أما إذا كان لا يفيت، مثل: يا أيها النبي، يا أيها العالم، يا أيها الأب، يا أيها القاضي، يا أيها الأمير، فلا حاجة لاسم الإشارة؛ لأنه متعين بالتعريف بالعهد الذهني المعروف، تقول: يا أيها القاضي، إذا كنت تعرف أنه هو القاضي المعين ونحو ذلك. لكن إذا كان ترك اسم الإشارة يفيت المعرفة بعين المنادى، فإننا نأتي باسم الإشارة، فتبين أن الإتيان باسم إشارة بدلاً عن (أي) إنما يكون للضرورة، والضرورة هي ما إذا كان تركها يفوت المعرفة، أما إذا كان لا يفوت المعرفة فلا؛ لأن (أي) هي الأصل فنرجع إلى الأصل. قال المؤلف رحمه الله: [في نحو سعدُ سعدَ الأوس ينتصب ثانٍ وضم وافتح أولاً تصب] قوله: (في نحو سعد سعد الأوس)، سعد: منادى حذفت منه ياء النداء، والأصل: يا سعد سعد الأوس، وسعد الأوس هو سعد بن معاذ رضي الله عنه، وسعد الخزرج هو سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ رضي الله عنه حياته معروفة، وختام حياته بالشهادة، واهتز له عرش الرحمن سبحانه وتعالى، وفيه قال حسان بن ثابت: وما اهتز عرش الله من أجل هالك سمعنا به إلا لسعد أبي عمر فإذا قلت: يا سعد سعدَ الأوس، فالثاني ينتصب؛ لأنه منادى مضاف، فإذا كان بدلاً من الأول فإنه بدل منه على أنه مضاف أو عطف بيان، فينتصب لأنه مضاف. لكن الأول يقول فيه المؤلف: (وضم وافتح أولاً تصب) أي: أنه يجوز في الأول وجهان: الضم على الأصل؛ لأنه غير مضاف، والعلم إذا نودي يبنى على الضم. والوجه الثاني الفتح: وقد اختلف فيه النحويون، فقال بعضهم: إنه جاز على أن تكون سعد الثانية مقحمة زائدة، وكأن الأصل: يا سعدَ الأوس، وهذا على رأي من يجوزون زيادة الأسماء، والمسألة فيها خلاف بين النحويين، أما في الحروف فالظاهر أنها جائزة وشائعة، لكن زيادة الأسماء فيها خلاف. وقال بعضهم: إنه ينصب فيبنى مع الثاني كبناء خمسة عشر، فتقول في الإعراب على هذا الرأي: يا: حرف نداء، سعد سعد: اسم منادى مبني على الفتح في محل نصب؛ لأنه مضاف. الرأي الثالث يقول: إننا نفتحه على الإتباع، بمعنى: أن يكون تابعاً لما بعده في الحركة، وعلى هذا نقول: سعد: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره حركة الإتباع. وفي الحقيقة أن هذه الإعرابات لا بأس أن يتمرن الإنسان عليها ويعرفها، لكن أهم شيء عندنا هو الحكم، وهو أن الثاني ينصب، والأول يجوز فيه الوجهان: الفتح والضم، وله شاهد من كلام العرب وهو قول الشاعر: يا زيدُ زيدَ اليعملات الذبل. ويجوز: يا زيدَ زيدَ اليعملات الذبل. واليعملات: هي الإبل.

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: المنادى المضاف إلى ياء المتكلم]. تقدم في باب الإضافة أن المضاف إلى ياء المتكلم إما أن يكون صحيح الآخر، أو معتل الآخر، وأن المعتل تفتح فيه الياء، سواء كان معتلاً بالألف أو بالياء، حتى المثنى المرفوع، وحتى جمع المذكر السالم المرفوع أو المنصوب أو المجرور، وقد تقدم الكلام عليه، فتبقى الياء مفتوحة فتقول: يا فتايَ، وأما إذا ناديت غلاماك فتقول فيهما: يا غلامايَ، إن عينت؛ لأنه يكون نكرة مقصودة فيبنى على الألف. أما إذا كان صحيح الآخر، فقد ذكر المؤلف أن فيه لغات متعددة.

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم الصحيح الآخر

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم الصحيح الآخر قال المصنف رحمه الله تعالى: [واجعل منادى صح إن يضف ليا كعبد عبدي عبد عبدا عبديا] قوله: (واجعل منادى صح) أي: ما كان آخره صحيحاً، وهو الذي ليس آخره حرف علة، وحروف العلة هي: الواو والألف والياء. قوله: (إن يضف ليا)، المراد بالياء هنا ياء المتكلم. قوله: (كعبدِ عبدي عبدَ عبدا عبديا) فهذه خمس لغات: الأولى: يا عبدِ؛ يا: حرف نداء، وعبدِ: منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وحذفت الياء للتخفيف. الثانية: يا عبدي: مثلها، إلا أنك تقول: عبد: مضاف، والياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر. الثالثة: يا عبدَ: أصلها (عبدا) بالألف، فقلبنا الياء ألفاً ثم حذفنا الألف للتخفيف، فقلنا: يا عبدَ؛ يا: حرف نداء، عبدَ: منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المقلوبة ألفاً في محل نصب، والألف المنقلبة عن ياء محذوفة للتخفيف. الرابعة: يا عبدا: الفرق بين هذه وبين التي قبلها أن الألف المنقلبة عن ياء باقية، فنقول في إعراب (عبدا): عبدا: منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل الألف المنقلبة عن ياء، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وعبد: مضاف، والألف المنقلبة عن ياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر. والسر في تعدد اللغات في هذا: أن إضافة الشيء للنفس كثيرة: عبدي، بعيري، بيتي، فلذلك جاءت فيه لغات متعددة، وكلما كثر الشيء عند العرب تجد له أصنافاً كثيرة. الخامسة: يا عبديا: الألف هنا للإطلاق، والمراد (عبديَ)، فتقول: يا عبديَ: منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتلكم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وعبد: مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه مبني على الفتح في محل جر. في القرآن الكريم يقول الله تعالى: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16]، أصلها: يا عبادي فاتقون، فحذفت الياء، ويقول تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر:53]، فأتى بالياء مفتوحة، مثل: يا عبديا. والياء في (يا عباد) إن كانت موجودة فقد حذفت لالتقاء الساكنين.

المنادى بيا ابن أم ويا ابن عم ونحوها

المنادى بيا ابن أم ويا ابن عم ونحوها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفتح او كسر وحذف اليا استمر في يا ابن أم يا ابن عم لا مفر] إذا أضيف (ابن) إلى (أم) و (عم) ونودي جاز فيه مع اللغات السابقة لغتان: الكسر والفتح، تقول: يا ابن أمَّ، وتقول أيضاً: يا ابن أمِّ، إلا أن الياء تحذف منهما؛ لقوله: (وحذف اليا استمر)، وذلك لكثرة الاستعمال. وقولنا: يا ابن أم، ويا ابن عم، إذا قال قائل: أليست هذه مثل الأولى؟ نقول: لا؛ ففي الأولى المضاف إلى ياء المتكلم هو المنادى، وهنا المنادى مضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم. وهذا خاص بـ يا ابن أم ويا ابن عم، أما غلامي وما أشبهها فإنه إذا كان المنادى غير مضاف إلى ياء المتكلم فتبقى الياء، تقول: يا ابن غلامي، ولا تقل: يا ابن غلامَ، لكن: يا ابن أمَّ، ويا ابن عمَ، يجوز ذلك. وإعرابها: يا: حرف نداء. ابن: منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وابن مضاف، وأم: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، والياء المحذوفة مضاف إليه. وإذا قلنا: يا ابن أمَّ -بالفتح- فنقول: ابن: مضاف، وأم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل الألف المنقلبة عن ياء. إعراب آخر بالنصب: يا ابن أم: اسمان مبنيان على الفتح في محل نصب؛ لأنهما منادى، وابن أم مضاف والياء المقدرة مضاف إليه. إعراب آخر: ابن: منادى مضاف منصوب، أم: مضاف إليه مجرورة بالكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها الفتحة المناسبة للألف المنقلبة عن الياء المحذوفة للتخفيف، والألف المحذوفة مضاف إليه. إذاً: نقول على هذا: يا ابن أم: والأولى أنه ما دام أن الياء محذوفة فلا نقول: مضاف إليه، بل نقول: ابن: مضاف، وأم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على ما قبل الألف المنقلبة عن الياء المحذوفة للتخفيف.

حكم يا أبت ويا أمت

حكم يا أبتِ ويا أمّتِ قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفي الندا أبتِ أمَّتِ عرض واكسر أو افتح ومن اليا التا عوض] يجوز في النداء أن تبدل الياء تاءً، مع أن الذي مر معنا قبل قليل أن الياء تبدل ألفاً، والألف إلى الياء، وكلها حروف علة، لكن هنا يجوز أن تبدلها بحرف صحيح وهو التاء، فتقول: يا أبتِ! قال الله تعالى: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات:102] نقول في إعرابها: يا: حرف نداء. أب: منادى منصوب بياء النداء، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. وأب مضاف والتاء المنقلبة عن ياء مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر. وكذلك: يا أمّت: يا: حرف نداء. أم: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة. وأم مضاف والتاء المنقلبة عن ياء مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر. وقوله: (عرض) أي: وقع عرضاً، وليس بلازم؛ لأن الأصل أن تقول: يا أبي، ويا أمي. قوله: (واكسر أو افتح)، أي: تقول: يا أبتَ، يا أمتَ، يا أبتِ، يا أمتِ. وقوله: (أو) للتخيير. قوله: (ومن اليا التا عوض) من الياء: جار ومجرور في موضع نصب على الحال من (عوض). والتاء: مبتدأ، عوض: خبر المبتدأ. والمعنى: جاءت التاء عوضاً عن الياء، وكأن المؤلف يشير بقوله: (ومن اليا التا عوض)، إلى دفع وهم أن تقول: التاء للتأنيث، فإنه قد يقول قائل إنها للتأنيث، مثلما قالوا في (ثم) (ثمة)، ولكنه بين أن التاء اسم؛ لأنها عوض من الياء.

شرح ألفية ابن مالك [56]

شرح ألفية ابن مالك [56] هناك أسماء لا تأتي عند العرب إلا في سياق النداء، ويأتي (فَعَالِ) لسبِّ الإناث، و (فَعَل) لسب الذكور. ومن أنواع النداء الاستغاثة، وفيها تقترن اللام المفتوحة بالمستغاث به.

أسماء ملازمة للنداء

أسماء ملازمة للنداء قال المصنف رحمه الله تعالى: [أسماء لازمت النداء وفل بعض يخص بالندا لؤمان نومان كذا واطردا]. قوله: (أسماء): مبتدأ، و (لازمت): خبر، ويجوز أن تقول: أسماء: خبر مبتدأ محذوف أي: هذه أسماء، وعلى هذا التقدير نسلم من إيراد: أنه لا يصح الابتداء بالنكرة. وقوله: (لازمت)، أي: صارت ملازمة للنداء، فلا تستعمل إلا في النداء. قوله: (فُلُ) اختلف النحويون، فبعضهم قال: إن أصل (فلُ) فلان، وأصل (فلة) فلانة. وقال آخرون: بل هي كلمة مستقلة برأسها، غير منحوتة، فإذا قلت: يا فلُ، فمعناها: يا مرء، ويا فلة أي: يا امرأة، وبناء على ذلك نقول: يا فلُ، دائماً، بخلاف ما لو قلنا: إنه مختزل من قولك: فلان، فإنه يجوز أن نقول: يا فُلُ ويا فُلَ، لكن هنا نقول: يا فلُ على أنه كلمة مستقلة بنفسها، كناية عن المرء، تقول يا فلُ استقم، أي: يا مرء استقم، ويا فلة استقيمي، أي: يا امرأة استحيي. وهل يجوز أن يقال: فلُ قائمٌ؟ نقول: لا؛ لأن هذه مما تختص بالنداء، ولا يمكن أن تقول: رأيت فلاً، ولا: مررت بفلٍ؛ لأنها خاصة بالنداء. أيضاً: (لؤمان، ونومان)، لؤمان: كثير اللؤم، وعظيم اللؤم، أي: لئيم بكثرة، هذه أيضاً مما يختص بالنداء، فتقول: يا لؤمان، والسبب: أن فيها شيئاً من التوبيخ، ونقول في إعرابها: يا: حرف نداء. لؤمان: منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأنه نكرة مقصودة. و (نومان) أي: كثير النوم، فلا تكاد تراه إلا نائماً، وهذا أيضاً مما يختص بالنداء؛ لأن كثرة النوم في الحقيقة عيب، ولهذا إذا صار الإنسان كثير النوم فلابد أن هناك سبباً، وعليه أن يعرض نفسه على أطباء؛ لأنه قد يكون هناك مرض لا يدري عنه، فالنوم لا بد أن يكون متزناً مع اليقظة. صحيح أن الأطفال يكثرون النوم، فيمكن أن يناموا عشرين ساعة، ولكن هكذا فطروا، فإذا كبر الإنسان قل نومه. قوله: (لؤمان): مبتدأ. ونومان: معطوف عليه بحرف عطف مقدر. كذا: جار ومجرور خبر المبتدأ. إذاً: عندنا أربع كلمات: فلُ وفلة، ونومان، ولؤمان. قوله: (واطرد في سب الأنثى وزن يا خباث). (اطرد) أي: قياسياً، (في سب الأنثى) أي: عيبها وشتمها وما أشبه ذلك، تقول: يا خباث، يا لكاع، يا فجارِ، يا فساقِ، وما أشبه ذلك، فإذا أردت أن تنادي أنثى واصفاً لها بالعيب والسب تناديها على هذا الوزن: (فَعَالِ)، فإذا صارت كذوبة نقول: يا كذابِ، وإذا صارت قبيحة نقول: يا قباحِ، وعلى هذا فقس. قوله: (والأمر هكذا من الثلاثي): الأمر: مبتدأ. من الثلاثي: حال. هكذا: خبر. أي: يكون الأمر من الثلاثي مطرداً على وزن فعال، فتقول في (نزلَ): نزالِ، تقول لرجل مثلاً: نزال نكرمك، أي: انزل نكرمك، وكذلك نقول في حضر: حضار، وسجد: سجادِ، وركع: ركاعِ، وعلى هذا فقس، ولا يصح من غير الثلاثي. قوله: (وشاع في سب الذكور فُعَلُ) أي: شاع في اللغة العربية في سب الذكور فُعَل، بينما الأنثى اطرد في سبها فَعَالِ، فصارت الأنثى أكثر منا عيوباً؛ لأن الذكور لم يرد إلا ما جاء في اللغة، أما الأنثى فهو مطرد أن يصاغ في سبها فعال. أما الذكور فقال: (وشاع في سب الذكور فعل ولا تقس)، إذاً نقتصر على السماع، فما وجد على هذا الوزن في السماع أخذنا به، ولا نأتي من عندنا بشيء جديد، فلا يمكن أن نقول في سب الذكور: يا فُجَر، ولا يا فسق؛ لأنه لم يرد، فالمسألة موقوفة على الورود. ومما ورد: لكع، وهي كلمة تعبر عن السب، لكن لا نقيس عليها، فلا نقول لإنسان غافل عند الدرس كثيراً: يا غُفل انتبه، أما لو كانت هناك طالبة غافلة فنقول: يا غفال انتبهي؛ فهو يصح لأنه مطرد. إذاً: الأشياء المقصورة على السماع في اللغة العربية تشبه في المسائل الفقهية ما يسمونه بالتعبدِ، فإنه لا يقاس عليه. قوله: (وجر في الشعر فلُ)، جر: فعل أمر، وتصلح لغير الأمر، فإن كانت المسألة قياسية وأنه كلما جاء (فلُ) في الشعر فلك أن تدخل عليها حرف الجر، فإن (جر) فعل أمر، وإن كانت المسألة سماعية، فإن (جر) فعل ماض، أي: جره العرب، وهذا الأخير هو الأقرب احتمالاً، وهو أن (جر) فعل ماض مبني للمجهول. ومعنى (جر في الشعر فلُ)، أي: ورد مجروراً في الشعر، مع أنه مختص بالنداء، لكنه يرد في اللغة العربية مجروراً، ومنه قول الشاعر: تضل منه إبلي بالهوجل في لجة أمسك فلاناً عن فُلِ الشاهد قوله: (فلاناً عن فل)، أي: عن رجل من الرجال، وهذا البيت في الحقيقة مما يؤيد قول من قال: إنه منحوت من فلان، أي: أمسك فلاناً عن فلان، لكن لو كانت عن فلان لقال: عن فلَ، وبقي مفتوحاً. والخلاصة: أن ابن مالك رحمه الله ذكر لنا عدة قواعد: القاعدة الأولى: أن من الأسماء ما يختص بالنداء فقط، فلا يأتي غير منادى، وهي: فلُ، فلة، لؤمان، نومان. الثانية: أنه يجوز اطراداً أن يصاغ لسب الأنثى اسم على وزن فَعالِ، مثل: لكاعِ، وفجارِ، وغفالِ ونحوه. الثالثة: أنه يصاغ من الفعل الثلاثي فعل أمر على وزن فعالِ، كنزالِ، بمعنى انزل، ودراكِ بمعنى أدرك، وتراكِ بمعنى اترك. الرابعة: أنه يقال في سب الذكور: فُعَل، لكنه سماعي غير قياسي. الخامسة: أن (فُلُ) سمعت في الشعر في حال الجر غير مناداة، كقول الشاعر: (أمسك فلاناً عن فلِ).

الاستغاثة

الاستغاثة

تعريف الاستغاثة وكيفية نداء الاستغاثة

تعريف الاستغاثة وكيفية نداء الاستغاثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاستغاثة]. الاستغاثة: هي طلب إزالة الشدة، إذا وقع الإنسان في شدة وطلب من أحد أن ينقذه منها سمي هذا الطلب: استغاثة. إذاً: هي طلب إزالة الشدة والإنقاذ منها. ومن الناحية الشرعية هي جائزة بغير الله تعالى فيما يقدر عليه، وفيما لا يقدر عليه لا تجوز. وعندنا في الاستغاثة: مستغيث، ومستغاث به، ومستغاث له، فالمستغيث هو المتكلم، والمستغاث به هو المنادى، والمستغاث له هو الواقع في شدة وطلب تخليصه منها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا استغيث اسم منادى خفضا باللام مفتوحاً كيا للمرتضى]. إذا أردت أن تنادي شخصاً مستغيثاً به فلا تقول: يا زيد، بل تقول: يا لزيد، فتجره بلام مفتوحة. ولماذا عدلنا عن يا زيد، إلى: يا لزيد؟ السبب: كأنه أتي باللام الدالة على الاختصاص والتنبيه، فكأن قائلاً يقول: أين يتجه نداؤك؟ فتقول: لزيد، فهي أبلغ من (يا زيد)، لأن (يا زيد) تعني أدعو زيداً، لكن (يا لزيد)، أبلغ كأني أقول: أنا أوجه طلبي وندائي إلى زيد، فهو أشد في الحث والإسراع. والمنادى -المستغاث به- ندخل عليه حرف الجر اللام المفتوحة ونجره بها فنقول: يا لزيد، والمستغاث له يؤتى به بعد المستغاث به مجروراً باللام المكسورة، هذا الأصل، فتقول: يا للمرتضى، للمكروب، تنادي رجلاً مرتضى مقبول الشفاعة لشخص مكروب لا تقبل شفاعته، فتقول: يا لَلمرتضى لِلمكروب، وتستغيث بالله سبحانه وتعالى فتقول: يا لله لِلمسلمين. نقول في إعرابها: يا: حرف استغاثة. واللام: حرف جر. الله: لفظ الجلالة مجرور باللام وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. للمسلمين: اللام حرف جر، والمسلمين: اسم مجرور باللام وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه جمع مذكر سالم. والجار والمجرور لا بد له من متعلق، فأين متعلق الجار والمجرور هنا؟ قيل: اللام هنا نائبة مناب أدعو، فصار الجار والمجرور متعلقاً بها، وقيل: إنها محذوفة والتقدير: يا الله أدعوك للمسلمين، أو أستغيثك للمسلمين، فيكون الجار المجرور الأخير متعلقاً بفعل محذوف يدل عليه سياق الكلام، ولا يهمنا المتعلق أكثر مما يهمنا صورة اللفظ. فإذا أردت أن تستغيث بشيء لشيء فاجعل المنادى مجروراً باللام المفتوحة، واجعل المستغاث له مجروراً باللام المكسورة حسب الأصل؛ لأنه ربما تدخل اللام في المستغاث له على شيء يجب أن تكون مفتوحة معه، مثل (لك) فتفتح، تقول: يالله لك، أو يقول لك إنسان مثلاً: فلان وقع في شدة، فتقول: يالله له؛ لأنه إذا دخل الضمير تكون اللام مفتوحة. ونقول في إعراب: يا لزيد: يا: حرف استغاثة. لزيد: اللام: حرف جر، وزيد: مستغاث منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهروها اشتغال المحل بحركة حرف الجر. قوله: (كيا للمرتضى) أصلها بدون استغاثة يا مرتضى، أو: يا أيها المرتضى، إذا أبقينا أي.

عطف مستغاث على مستغاث آخر

عطف مستغاث على مستغاث آخر قال المصنف رحمه الله تعالى: [وافتح مع المعطوف إن كررت يا وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا]. قوله: (وافتح مع المعطوف) أي: إذا عطفت مستغاثاً آخر على المستغاث الأول، فإن كررت (يا) فافتح اللام في المعطوف، تقول: يا لَزيد ويا لعمرو لِبكر، هنا المستغاث اثنان: زيد وعمرو، والمستغاث له بكر. قال: (وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا) عندنا الآن: المستغاث المقرون بيا -سواء كان أصيلاً أو معطوفاً- تفتح فيه اللام، فهنا صورتان: الأولى: مستغاث واحد قرن باللام. الثانية: مستغاث آخر معطوف عليه بتكرير (يا)، فهاتان الصورتان نفتح اللام فيهن. (وفي سوى ذلك) يشمل صورتين أيضاً: الأولى: المستغاث له، والثانية: المستغاث المعطوف على مستغاث بدون تكرير (يا)، تقول: يا لَزيد ولِعمرو لِبكر، فهنا لم تتكرر (يا) مع المعطوف، ولذلك كسرت لام (لعمرو)، وكذلك تكسر لام المستغاث له وهو بكر، فنقول: يا لزيد ولِعمر ولِبكر.

حذف اللام من المستغاث وإبدالها ألفا

حذف اللام من المستغاث وإبدالها ألفاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولام ما استغيث عاقبت ألف ومثله اسم ذو تعجب ألف]. قوله: (لام ما استغيث عاقبت ألف) (ألف) أصلها: ألفاً، لكن حذف الألف إما للروي، وإما على لغة ربيعة؛ لأن ربيعة من العرب يقفون على المنصوب بحذف الألف، فيقولون: رأيت زيد. قوله: (ولام ما استغيث عاقبت ألف) بمعنى: أنها قد تحذف اللام ويأتي بعدها ألف بدلها، فتقول في: يا لزيدٍ لعمرٍو: يا زيدا لعمرٍو، ونقول: إن الألف بدلاً عن اللام، كما قال ابن مالك: (عاقبت ألف). قوله: (ومثله) أي: مثل المستغاث في كونه يختم بالألف (اسم ذو تعجب ألف) أي: جيء به للتعجب، مثل أن تقول في: يا للعجب لمن ينام، يا عجبا لمن ينام، فتبدل اللام ألفاً، وقد يقال: واعجبا لمن ينام، وكثير من الناس يقرءونها: يا عجباً لمن ينام، بالتنوين فهل نلحن من يقول: وا عجباً، أو يا عجباً بالتنوين؟ A نعم، نلحنه إذا أراد أن يتعجب، أما إذا أراد أن ينادي عجباً، وقال: أنا أقول: يا عجباً، مثل قول الأعمى: يا رجلاً، وقصدي أن أنادي عجباً أي عجب، فهذا قد نصحح كلامه، لكن لا شك أن اللغة الفصيحة أن يقال: (وا عجبا) وأنا أسمع كثيراً من الوعاظ يقولون في مواعظ رمضان: وا عجباً لمن ينام، بالتنوين، والصواب أن يقال: وا عجبا لمن ينام؛ لأن هذه الألف بدل عن اللام.

شرح ألفية ابن مالك [57]

شرح ألفية ابن مالك [57] الندبة من أنواع النداء، وهي النداء للتفجع أو التوجع، ويلحق الاسم المندوب ألف وهاء، ويجوز حذف الهاء، على تفصيل يذكره العلماء.

الندبة

الندبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما للمنادي اجعل لمندوب وما نكر لم يندب ولا ما أبهما ويندب الموصول بالذي اشتهر كبئر زمزم يلي وامن حفر] الندبة في اللغة: الدعاء. وفي الاصطلاح: النداء للتفجع على الشيء أو للتوجع منه. وقد مر معنا في الفقه أن الندبة هي تعداد محاسن الميت، لكنها في النحو ليست هذا؛ لأنك لو قلت في الفقه: هذا فلان الذي يفعل كذا ويفعل كذا، سمي ندبة، لكن نقول: في اصطلاح النحو لا يسمى ندبة، فالندبة في الاصطلاح: المنادى المتفجع عليه أو المتوجع منه. والحرف المختص بالندبة في باب النداء هو (وا)، كما قال ابن مالك فيما سبق: (ووا لمن ندب). قوله: (ما للمنادى اجعل لمندوب)، أي: أن حكم المندوب حكم المنادى تماماً، فيبنى على الضم حيث يبنى ذاك على الضم، وينصب حيث ينصب ذاك، إلا أنه استثنى المؤلف فقال: (وما نُكر لم يندب ولا ما أبهما)، فلا تقل مثلاً: وارجلُ؛ لأن (رجل) نكرة، والنكرة غير معلوم حتى يتفجع عليه أو يتوجع منه، أما نداؤه فيجوز. وكذلك لا يندب المبهم، مثل: أي، والذي، ومن، وما أشبه ذلك، فكل مبهم لا يندب، واستثنى المؤلف من المبهم فقال: (ويندب الموصول بالذي اشتهر) أي: بالذي اشتهر بصلته، فيستثنى من المبهم: الموصول الذي اشتهر بصلته، لأنه إذا كان مشتهراً بصلته فإنه يزول إبهامه، مثال ذلك: إذا قلت: أكرم من حفظ الألفية، وكلكم تحفظونها، فهذا مبهم، ولكن إذا قلت: أكرم من حفظ الألفية، ولم يحفظها إلا واحد فقط، فهنا تعين وإن كانت الصيغة صيغة إبهام، لكنه معلوم أنه لا يحفظها إلا واحد. وتقول: جزى الله من أضاء لنا الطريق خيراً، ونحن نعرف أن الذي أضاء الطريق هو فلان فقط، فيصير معيناً. فإذا كان الموصول مشهوراً بصلته جاز أن يندب؛ لأنه معين يزول فيه الإبهام، ولهذا قال: (ويندب الموصول بالذي اشتهر كبئر زمزمٍ يلي وامن حفر) (بئر زمزم) مقدم لكن نضعه مؤخراً، ولهذا قال: (يلي وامن حفر) فتقول: وامن حفر بئر زمزماه، فهذا موصول، والذي حفر بئر زمزم غير معين لمن لا يعلمه، لكننا نعلم أن الذي حفر بئر زمزم هو عبد المطلب، فيكون قولنا: وامن حفر بئر زمزم، كقولنا: واعبد المطلب، والسبب: أنه معلوم مشتهر. ومثله ما إذا قلنا: وامن عبر نهر دجلة لقتال الفرس، فهذا مشهور، وهو سعد بن أبي وقاص، فيصح أن أندبه؛ لأنه مشهور. ونحن الآن نتكلم عن صيغة الندب فقط، أما عن التحليل والتحريم فمعلوم أنه لا يجوز أن نندب الأموات. إذاً: كل مبهم يصح نداؤه ولا يصح ندبته، وكل منكَّر يصح نداؤه ولا تصح ندبته.

لحوق الألف آخر المندوب

لحوق الألف آخر المندوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنتهى المندوب صله بالألف متلوها إن كان مثلها حذف] سبق أن المندوب خالف المنادى في أنه لا يندب المنكر، ولا المبهم، إلا ما استثني من المبهم، كذلك يخالف المنادى في قوله: (ومنتهى المندوب صله بالألف)، أي: أن المندوب منتهاه يوصل بالألف، فإذا قلت: يا زيدُ، فهذا منادى، بدون ألف، وتقول في الندبة: وازيدا، بألف في آخره. وقول المؤلف: (صله بالألف). هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، لكن له قرينة صارفة، فالأمر ليس للوجوب. فقوله: (صله) ليس واجباً إلا إذا التبس بالمنادى بحيث تكون أداة الندبة (يا) وإذا لم يصله بالألف التبس، فحينئذ تتعين الألف، وإلا فلا تجب، ولماذا لا تجب؟ لأن الندبة معلومة بالحرف المختص بها وهو (وا)، لكن إذا جاءت (يا) وصار لو لم نصله بالألف التبس بالمنادى؛ وجب علينا حينئذ أن نوصله، تقول: وازيدا، وإذا وقفت فزد هاء السكت، كما سيأتي، فتقول: وازيداه، وهذا متفجع عليه، وتقول: وارأساه، واظهراه، وهذا متوجع منه، وما أشبه ذلك. ومن المتفجع عليه قول فاطمة رضي الله عنها حين توفي الرسول عليه الصلاة والسلام: (وا أبتاه). إذاً: استفدنا من كلام المؤلف أن المندوب يخالف المنادى أيضاً في أمر ثالث وهو وصل آخره بالألف. قوله: (متلوها إن كان مثلها حذف)، (متلوها) أي: التي كانت تالية له، فهي تالية والسابق متلو، أي: أن ألف الندبة إذا سبقها ألف وكان مثلها فإنه يحذف؛ وذلك لأنه التقى ساكنان: الألف التي في أصل الكلمة، وألف الندبة، وإذا التقى ساكنان وهما حرفا لين حذف أحدهما، قال ابن مالك: إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق ولو قال قائل: لماذا لا نحذف ألف الندبة ونترك الألف التي في الأصل لأنها أصلية؟ فنقول: لا، بل نحذف الأولى؛ لأن هذا هو الأصل. ولأن ألف الندبة جيء بها لمعنى، فلو حذفناها فات هذا المعنى. مثال ذلك: واحد عنده موسى للحلاقة، فانكسر عليه، فقال: واموساه، فالألف هذه هي ألف الندبة، وألف موسى حُذفت؛ لأن ابن مالك يقول: (متلوها إن كان مثلها حذف). إذاً: متلوها هو الذي يأتي قبلها، فهي تالية له (اسم فاعل)، والذي قبلها متلو (اسم مفعول)، فإن كان مثلها حذف.

حذف التنوين من المنادى المندوب

حذف التنوين من المنادى المندوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذاك تنوين الذي به كمل من صلة أو غيرها نلت الأمل] هذا هو الموضع الخامس الذي تخالف فيه الندبة المنادى، وهو أنه يحذف التنوين -مع أن المندوب لا يكون مبنياً على الضم- فيحذف التنوين من الصلة أو غيرها. مثلاً: وامن حفر بئر زمزماه، فتحذف التنوين من (زمزماه). وكذلك أيضاً من غير الصلة كالإضافة، كما لو أضفت، فتقول: وا غلام زيداه.

قلب ألف المندوب إلى حرف مجانس للحركة قبله إذا كان الفتح يوهم لبسا

قلب ألف المندوب إلى حرف مجانس للحركة قبله إذا كان الفتح يوهم لبساً قال المصنف رحمه الله تعالى: [والشكل حتماً أوله مجانساً إن يكن الفتح بوهم لابسا] هذه من مسائل النحويين التي تشبه مسائل الفرضيين البعيدة التي لم تحدث، كقولهم: إذا مات الإنسان عن عشرين جدة، فهذا أمر بعيد، والذي قاله ابن مالك الآن من الأشياء البعيدة. عرفنا أن آخر المندوب يلحق به الألف، ومن ضرورة إلحاق الألف أن يكون الذي قبلها مفتوحاً، وإذا كان الشكل الذي قبل الألف إذا فتحناه أوجب لبساً فإننا نبقيه على ما هو عليه ونحول الألف إلى حرفٍ يجانس تلك الحركة، وهذا صعب التصور قليل الوضوح. يقول: (والشكل حتماً أوله مجانساً). الشكل: مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده، وهذا من باب الاشتغال. وأوله: فعل أمر. والضمير مفعول به. حتماً: متعلق بأول، أي: الشكل أوله حتماً، والمفعول الثاني لأوله هو: مجانساً، أي: أول الشكل مجانساً حتماً، ومتى يكون ذلك؟ قال: (إن يكن الفتح بوهم لابساً) أي: إذا كان الإبقاء على الفتحة يوهم اللبس فيجب أن تجعل الألف التي في الندبة حرفاً مجانساً للحركة التي قبلها، فإذا أردت أن تندب غلام غائبٍ تقول: واغلامهو هذا هو المندوب، وآخره هاء مضمومة، وعندما نصل بها ألف الندبة يجب أن تُفتح فنقول: واغلامها لكن إذا قلنا: واغلامها، التبس علينا الأمر، فلم ندر هل ندب غلام امرأة أم ندب غلام رجل، إذاً: ماذا نصنع؟ نقول: آخر المندوب مضموم وهو الهاء، والذي يجانس الضمة هو الواو، فاجعل ألف الندبة واواً وقل: واغلامهوه؛ لأنك إذا قلت: واغلامهاه؛ التبس علينا الأمر: هل أنت تندب غلام امرأة أو تندب غلام رجل، ولذلك قل: واغلامهوه، واجعل الألف واواً، وهذا معنى قوله: (أوله مجانساً). لكن متى نوليه؟ قال: (إن يكن الفتح بوهم لابساً). كذلك أيضاً إذا كان مكسوراً وأوهم الفتح فإننا نقلب الألف ياء، مثاله: تقول: واغلامك، تخاطب امرأة تندب غلاماً لها تفجعاً عليه، فنلحق آخر المندوب ألفاً، وعندما نلحق واغلامك ألفاً فإنه يُفتَح ما قبله، فتقول: واغلامكاه، وعندما نقول: واغلامكاه لا ندري هل نحن نندب غلام رجل أم غلام امرأة، إذاً: نبقي الكسرة التي تدل على خطاب المرأة على حالها، ونأتي بحرف يجانس الكسرة فتكون ياءً، فنقول: واغلامكيه. إذاً: منتهى المندوب صله بالألف، إلا إذا كان وصله بالألف يوجب اللبس؛ فإنه يجب أن تقلب الألف إلى حرف مجانس للحركة؛ فإن كانت الحركة كسرة تجعل الألف ياءً، وإن كانت الحركة ضمة تقلب الألف واواً.

زيادة هاء السكت في آخر المندوب عند الوقف عليه

زيادة هاء السكت في آخر المندوب عند الوقف عليه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وواقفاً زد هاء سكت إن ترد وإن تشأ فالمد والها لا تزد] قوله (واقفاً): حال من فاعل زد. زد: فعل أمر. هاء: مفعول به. أي: زد هاء سكت حال كونك واقفاً، أي: إذا وقفت على المندوب فإنه يختم بالألف كما سبق؛ فإن شئت أن تزيد هاء سكت فافعل، (وإن تشأ فالمد) أي: تزيد المد، (والها لا تزد): مثال ذلك: تقول: واغلاماه؛ فتزيد الهاء جوازاً، ويجوز أن تقول: واغلاما. وقوله: وإن (تشأ فالمد) ظاهره أن المد ليس بلازم وأنك لو قلت: واغلام فهو جائز، وهذا هو ما مشى عليه بعض المحشيين، فيقولون: إن قوله: (منتهى المندوب صله بالألف) الأمر هنا للاستحباب وليس للوجوب، قالوا: وإنما حملناه على الاستحباب جمعاً بينه وبين النقيض الآخر وهو قوله: (وإن تشأ فالمد) أي: تزيد المد، ولكني أنا ربما أعارضها وأن قول ابن مالك: (وإن تشأ فالمد والها لا تزد)، أي: وإن تشأ فاقتصر على المد دون الهاء، وتكون الجملة جملة واحدة. وهذا الذي ذكرناه قد يعارض بأنه قال: (واوقفاً زد هاء سكتٍ إن ترد)، فلو قلنا: (وإن تشأ فالمد والها لا تزد) صار مكرراً مع الشطر الأول، لأنه لا يخرج عما دل عليه إذا حملناه على ما قلت أنا، وعليه فيكون حمل قوله: (ومنتهى المندوب صله بالألف) على الاستحباب وجيهاً. إذاً: لنا ثلاث صور في المندوب: واغلامَ، بالفتح فقط، واغلاماهْ، بالألف وهاء السكت، واغلاما، بالألف فقط.

نداء المضاف إلى ياء المتكلم بالندبة

نداء المضاف إلى ياء المتكلم بالندبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقائل واعبديا واعبدا من في الندا اليا ذا سكون أبدى] تقدم لنا أن المضاف إلى ياء المتكلم إذا كان صحيح الآخر، ففيه خمس لغات، وإذا ناديته بالندبة ففيه لغتان -على لغة من يقول (عبديْ) بالسكون: تقول: واعبدا، واعبديا. إذاً: عبديْ، بالياء الساكنة، يجوز في الندبة أن آتي بألف الندبة وأحذف الياء لأنها ساكنة، فأقول: واعبدا، ويجوز أن آتي بألف الندبة وأبقي الياء، وإذا أبقيتها فلابد أن أحركها بما يناسب الألف وهو الفتحة، فأقول: واعبديا. أما على اللغات الأخرى: فعلى لغة من يفتح الياء (عبديَ) نقول: واعبديا، فنأتي بألف الندبة ونترك الياء مفتوحة على ما هي عليه، وعلى لغة حذف الياء (عبدِ) نأتي بالألف فقط: واعبدا. فالذي يجوز فيه وجهان هو (عبديْ) بالياء الساكنة، ووجه ذلك ما ذكرنا: أننا إذا قلنا: واعبديا، فمعناها أننا أبقينا الياء وأتينا بألف الندبة، وحركنا الياء بالفتح لمناسبة الألف، وإذا قلنا: واعبدا فإننا أبقينا الياء الساكنة، فجاءت الألف فالتقى ساكنان أولهما حرف لين فحذف. فإذا قال قائل: لماذا تحذف الياء وهي دالة على ياء المتكلم ودالة على الإضافة؟ نقول: ألف الندبة دالة على الندبة، فلو حذفناها لما وجدت ندبة، ولهذا نحذف الياء لالتقاء الساكنين.

شرح ألفية ابن مالك [58]

شرح ألفية ابن مالك [58] الترخيم حذف آخر المنادى، وفيه لغتان: لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، وهو في الأصل مخصوص بالنداء، وقد يكون في غير النداء في ضرورة الشعر، وللترخيم ضوابط وقواعد لابد من الالتزام بها ومعرفتها.

الترخيم

الترخيم

تعريف الترخيم

تعريف الترخيم قال المصنف رحمه الله تعالى: [الترخيم ترخيماً احذف آخر المنادى كيا سعا فيمن دعا سعادا] الترخيم: لغة: ترقيق الصوت، ويؤتى به للتحسين، ولهذا لا يؤتى به إلا في مقام الرقة واللين، أو التعظيم أحياناً. قوله: (ترخيماً) الظاهر أنه مفعول لأجله، لكنهم يقولون: إن الترخيم في الاصطلاح: هو حذف آخر المنادى، وإذا كان هو حذف آخر المنادى فإنه لا يصلح أن تكون (ترخيماً) مفعولاً لأجله؛ لأنه يصبح المعنى: الترخيم ترخيم، أي: رخم للترخيم، وهذا ليس له معنى، وعلى هذا إذا كان الترخيم هو حذف آخر المنادى فإنها تكون كقول القائل: جلست قعوداً، فتكون مصدراً معنوياً على رأي ابن آجروم، أو مفعولاً مطلقاً على رأي ابن مالك، كما في قوله: وقد ينوب عنه ما عليه دل كجد كل الجد وافرح الجذل إذاً: (ترخيماً): مفعول مطلق عامله قوله: (احذف). إذاً: فالترخيم في اصطلاح النحويين: حذف آخر المنادى، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها: (يا عائش). قوله: (كياسعا فيمن دعا سعادا) هذه امرأة اسمها سعاد، إذا أردت أن أرخم بالنداء أقول: يا سعا، أو سُعا، فسواء أبقيت حرف النداء أو حذفته، المهم هو أن أحذف آخر المنادى ترخيم.

ما يجوز ترخيمه وما لا يجوز

ما يجوز ترخيمه وما لا يجوز قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجوزنه مطلقاً في كل ما أُنث بالها والذي قد رخما] قوله: (وجوزنه مطلقاً في كل ما أنث بالها) سواء كان المؤنث بالتاء ثلاثياً، أو رباعياً، أو خماسياً، وسواء كان علماً، أو اسم جنس، أو صفة، فإنه يرخم في كل حال، فتقول في ترخيم (فلانة): يا فلان، وعائشة: يا عائش، وحمزة: يا حمز، وشاة: يا شا، وصخرة: يا صخر وهكذا. إذاً: كل ما ختم بالتاء فإنه يرخم مطلقاً. قوله: (والذي قد رخما بحذفها وفره بعد). والذي قد رخم من المؤنث بالهاء (بحذفها) أي: حذف الهاء وحدها، (وفره) كما ذكرنا قبل قليل: يا حمزُ، يا عائشُ، يا فاطمُ وما أشبه ذلك.

شروط ترخيم ما ليس مؤنثا بالهاء

شروط ترخيم ما ليس مؤنثاً بالهاء يقول المؤلف رحمه الله: [واحظلا ترخيم ما من هذه الها قد خلا إلا الرباعي]. قوله: (واحظلا) أي: امنع، (ترخيم ما من هذه الها قد خلا) (ما) بمعنى الذي، أي: امنع ترخيم الذي خلا من هاء التأنيث- (إلا الرباعي فما فوق العلم، دون إضافة ودون إسنادٍ متم). إذاً: المنادى الخالي من تاء التأنيث لا يرخم إلا بشروط: الشرط الأول: أن يكون رباعياً، فإن كان ثلاثياً لم يرخم، فمثلاً: زيد لا يرخم؛ لأنه ثلاثي، فلا تقل: يا زي، وكذلك عمرو لا يرخم، وكل ثلاثي. الشرط الثاني: لا بد أن يكون علماً، فإن كان غير علم فلا يرخم، فمثلاً: قائم، رباعي لكنه لا يرخم؛ لأنه ليس بعلم، أما جعفر فإنه يرخم لأنه رباعي وعلم، فتقول: يا جعف وهكذا. الشرط الثالث: ألا يكون مضافاً، قال: (دون إضافة) فإن كان مضافاً فلا يرخم، مثل: عبد الله، فلا تقول: يا عبد؛ لأن الإضافة تفوت، والإضافة نسبة شيء إلى شيء، فأنت إذا قلت: يا عبد، إن حذفت المضاف إليه لم يتبين لنا أنه مضاف إلى شيء، وإن حذفت بعض المضاف إليه لم يصح، فلو قلنا مثلاً في: غلام جعفر: يا غلام، لا يصح، ولو قلنا: يا غلام جعف، لم يصح، إذاً لا بد أن نقول: يا غلام جعفر. الشرط الرابع: قال: (وإسناد متم) المراد به المركب تركيباً إسنادياً، فيشترط في ترخيم ما ليس مؤنثاً بالهاء ألا يكون مركباً تركيباً إسنادياً، والمركب الإسنادي مثل: تأبط شراً، وشاب قرناها، فهذا أيضاً لا يرخم، ولو أردنا أن نرخم تأبط شراً وقلنا: يا تأبط، لم يصح. وهناك التركيب المزجي، مثل: معد يكرب، علم على رجل، وحضرموت، علم على البلد المعين، فإذا أردت أن تنادي معد يكرب فإنه يجوز أن ترخمه؛ لأن المؤلف ما منع إلا اثنين من الترخيم وهما: التركيب الإضافي والتركيب الإسنادي. أما التركيب المزجي فإنه جائز، فتقول: يا معد، فتحذف آخره، وأنا عندي أننا نقول: حتى في المركب تركيباً إسنادياً ينبغى أن يجوز؛ لأن المركب تركيباً إسنادياً لا يدل على اثنين، فالمسمى واحد، بخلاف المركب تركيباً إضافياً فإنه مركب من مضاف ومضاف إليه، والتركيب المزجي أيضاً لا يدل على اثنين؛ لأن معد يكرب واحد، وليس (معد) مضاف و (كرب) مضاف إليه، فما قصد منه الدلالة على التعدد، ولهذا نقول: إنه إذا جاز ترخيم التركيب المزجي فينبغي أن يجوز ترخيم التركيب الإسنادي.

يحذف مع الآخر للترخيم ما اتصل بالآخر بشروط

يحذف مع الآخر للترخيم ما اتصل بالآخر بشروط قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومع الأخر احذف الذي تلا إن زيد ليناً ساكناً مكملا أربعة فصاعداً والخلف في واو وياء بهما فتح قفي]. ذكرنا أن الترخيم حذف آخر المنادى، ولكن هل يحذف مع الآخر شيء؟ يقول المؤلف هنا: (ومع الآخر احذف الذي تلا إن زيد ليناً ساكناً مكملا أربعة فصاعدا. قوله: (مع الآخر احذف الذي تلا) أي: الذي تلاه الآخر، والذي تلاه الآخر هو ما قبل الآخر، فيحذف الآخر والذي قبله بهذه الشروط: الأول: إن كان الحرف الذي قبل الآخر حرفاً زائداً. الثاني: أن يكون حرف لين، وحروف اللين: الألف والواو والياء. الثالث: أن يكون ساكناً. الرابع: أن يكون حرف اللين الحرف الرابع فما زاد، (مكملاً أربعة) أي: به تمام الأربعة (فصاعداً)، احترازاً مما لو كان هو الثالث. إذاً: يحذف في الترخيم الحرف الآخِر والذي قبله بهذه الشروط: أن يكون ما قبله زائداً، وأن يكون حرف لين، وأن يكون ساكناً، وأن يكون رابعاً فأكثر؛ مثاله: تقول في ترخيم (منصور): يا منصُ، بضم الصاد، وفي (مسكين): يا مسكُ، لكن (مسك) لك فيه وجهان: الوجه الأول: أن تبنيه على الضم، وهذه يسمونها: لغة من لا ينتظر، فتقول: يا مسكُ. الوجه الثاني: أن تبقيها مكسورة على الأصل، وهذا على لغة من ينتظر، وهذا اصطلاح عند النحويين: فلغة من لا ينتظر يجعل الباقي كأنه اسم مستقل، ولغة من ينتظر يجعله كأنه اسم مقطوع مبتور. وفي (عثمان) تقول: يا عثمَ، على لغة من ينتظر، ويا عثمُ، على لغة من لا ينتظر. أما في (منصور) فقد اتفقت اللغتان؛ لأن ترخيم (منصور)، يا منصُ، بضم الصاد، هذا على لغة من ينتظر، وإذا بنيناها على الضم كذلك أيضاً تقول: يا منصُ، لكن يختلف الإعراب، فإن أجريتها على لغة من ينتظر فإنك تقول: يا: حرف نداء. منصُ: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الانتظار؛ لأن هذه الضمة ليست من أجل النداء، فهي الضمة الأصلية. لكن في مثل (يا مسكين) نقول على لغة من لا ينتظر: يا مسكُ: يا: حرف نداء. مسكُ: منادى مبني على الضم في محل نصب، وعلى لغة من ينتظر: يا مسكِ: يا: حرف نداء. مسكِ: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الانتظار، وكذلك نقول في (عثمَ وعثمُ). أمثلة للتوضيح: غضنفر، لا يصح أن نحذف النون؛ لأنه ليس حرف لين، وليس رابعاً فأكثر. عصفور، يصح أن نحذف الواو؛ لأنه حرف لين، ورابع، والظاهر أنها زائدة؛ لأنها من العصفر وهكذا.

ترخيم ما كان قبل آخره واو أو ياء وقبلهما مفتوح

ترخيم ما كان قبل آخره واو أو ياء وقبلهما مفتوح قال رحمه الله تعالى: (والخلف في واو وياء بهما فتح قفي). الواو والياء من حروف اللين لا شك؛ لأن حروف اللين مجموعة في قولك: (واي) فهذه حروف اللين: الواو والألف والياء، إذا كان الواو قبله مفتوح والياء قبله مكسور. يقول المؤلف: (والخلف في واوٍ وياء بهما فتح قفي) فتح: مبتدأ، قفي: الجملة خبر المبتدأ، بهما: جار ومجرور متعلق بقفي، أي: والخلف في واو وياء جاءا بعد فتح. فمنهم من قال: تحذف الواو وتحذف الياء. ومنهم من قال: لا تحذفان بل تبقيان. مثال ذلك في الواو: فرعون، الواو من حروف اللين، والذي قبله حركة غير مناسبة، وهي الفتحة. ومثالها في الياء: غرنيق فالياء رابعة وزائدة أيضاً، ولكن الذي قبلها مفتوح، فهي حركة غير مناسبة. فتقول في (فرعون): يا فرعو، هذا قول، والقول الثاني: تقول: يا فِرعَ، وفي (غرنيق) تقول على القول الأول: يا غرني، وعلى القول الثاني: يا غرنَ.

ترخيم المركب وترخيم الجملة

ترخيم المركب وترخيم الجملة قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعجز احذف من مركب وقل ترخيم جملة وذا عمرو نقل] قوله: (والعجز احذف من مركب) هذا أبلغ من حذف حرفين، فالترخيم حذف حرف واحد، ومنه ما فيه حذف حرفين، وهنا حذف العجز كله، والعجز يحذف من المركب، مثل: معدي كرب، هذا مركب تركيباً مزجياً، إذا رخمناه نقول: يا معدي، فحذفنا (كرب)، فصار المحذوف ثلاثة أحرف، حتى لو فرض أن عجز المركب أكثر من ثلاثة أحرف فإنه يحذف كل العجز، مثل: حضرموت، عجزه ثلاثة حروف، تحذف كلها، ومثله: بعلبك، عجزه ثلاثة حروف؛ لأن الكاف مشددة، فهي ثلاثة حروف. المهم: أن المركب يحذف عجزه كله، ولا يدخل التركيب الإضافي في هذا الحكم؛ لأنه تقدم معنا قول المؤلف: (دون إضافة وإسناد متم). ويقول هنا: (وقل ترخيم جملة) أي: أن ما ركب تركيب جملة فإن ترخيمه قليل، ومنه: تأبط شراً، فهذا مركب تركيباً إسنادياً، وهو جملة؛ لأن تأبط: فعل ماض، والفاعل مستتر، وشراً: مفعول به، هذه الجملة كلها اسم رجل سمي تأبط شراً، فصار مركباً تركيباً إسنادياً، فهل يجوز أن يرخم؟ نقول: سبق في كلام المؤلف أنه لا يجوز؛ لأنه قال: (دون إضافة وإسناد متم) لكن هنا ناقض وقال: (وقل ترخيم جملة) فيحمل قوله فيما سبق: (دون إضافة وإسناد متم) على أن المراد بالنسبة للإسناد الكثرة، أي: أنه لا يكثر ترخيم المركب تركيباً إسنادياً. فالمركبات عندنا ثلاثة أنواع: إسنادي، وإضافي، ومزجي، فالمزجي يجوز وبكثرة، والإضافي لا يجوز مطلقاً، والإسنادي يجوز لكن بقلة، ولهذا قال: (وقل ترخيم جملة). وإذا أردنا أن نرخم (شاب قرناها) نقول: يا شاب، ونحذف قرناها. قوله: (وذا عمرو نقل): ذا: اسم إشارة مبتدأ مبني على السكون في محل رفع. عمرو: مبتدأ ثان مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره. نقل: فعل ماض، والفاعل مستتر تقديره هو، والجملة خبر المبتدأ الثاني، والجملة الاسمية خبر المبتدأ الأول. وعمرو هذا هو سيبويه إمام أهل البصرة في النحو، فقوله: (عمرو نقل) أي: نقل عن العرب، ومن المعلوم أن أئمة النحو ما جاءتهم الإمامة هكذا بدون تعب، بل لقد كانوا يتعبون ويخرجون إلى البراري ويتلقون الأعراب الذين ما دخلوا في المدن ولا تغيرت ألسنتهم، فينقلون عنهم الكلام، فمن جملة ما نقله سيبويه: أنهم -أي العرب- يرخمون المركب تركيباً إسنادياً، وكون ابن مالك يقول: (وذا عمرو نقل) ويأتي بهذا ليقوي كلامه دليل على أن ترخيم المركب تركيباً إسنادياً قليل جداً، وهو كذلك. خلاصة البحث من هنا وما سبق: أن المرخم يحذف منه حرف واحد وحرفان والعجز مطلقاً، هذا بالنسبة لما يحذف. ثانياً: المركب ثلاثة أقسام: مركب تركيباً إضافياً، ومركب تركيباً إسنادياً، ومركب تركيباً مزجياً، فالمركب تركيباً إضافياً لا يرخم، والمركب تركيباً إسنادياً يرخم بقلة، والمركب تركيباً مزجياً يرخم بكثرة.

يجوز في الاسم المرخم لغتان

يجوز في الاسم المرخم لغتان قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن نويت بعد حذف ما حذف فالباقي استعمل بما فيه ألف واجعله إن لم تنو محذوفاً كما لو كان بالآخر وضعاً تمما فقل على الأول في ثمود يا ثمو ويا ثمي على الثاني بيا] قوله: (وإن نويت بعد حذف ما حذف) (ما) في قوله: (ما حذف): مفعول نويت، أي: إن نويت ما حذف بعد حذفه (فالباقي استعمل بما فيه ألف) الظاهر أن الباء هنا بمعنى: (على) أي: فاستعمل الباقي على ما ألف فيه قبل الحذف، أي: اجعله على حاله. تقول مثلاً: يا مسكِ، وتقول: يا عثمَ، يا منصُ، فهنا لم نغير من الحركات شيئاً، ونقول في الإعراب: عثمَ: منادى مرخم مبنى على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الانتظار. قال: واجعله إن لم تنو محذوفاً كما لو كان بالآخر وضعاً تمما أي: اجعل المرخم إن لم تنو المحذوف كما لو كان الحرف موجوداً. فقوله: (بالآخر وضعاً تمما) أي: كما لو كان هذا المرخم تمم بالحرف الأخير الموجود وضعاً، ومعنى (وضعاً) أي: بحسب وضع العرب، فلا نلتفت للمحذوف إطلاقاً، فنقول في عثمان: يا عثمُ، وفي مسكين: يا مسكُ، وفي منصور: يا منصُ، على أن تكون هذه الضمة ليست الحركة الأصلية، ولهذا نقول في (يا منصُ) على هذا: يا: حرف نداء. منصُ: منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأننا قدرنا أن هذه الحركة -الضمة- حركة بناء لا حركة انتظار. وإذا كان آخره حرف علة مثل: يا فرعو، على لغة من لا يحذف الواو، نقول: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره الثقل، وكذلك نقول في (غرنيق): يا غرني، ونعربها مثل (فرعون)، وقد ذكرنا أن غرنيق اسم طائر، واشترطنا في الترخيم أن يكون علماً أي: اسم إنسان. أمثلة للتوضيح: نقول في (حمزة) على لغة من ينتظر: يا حمزَ، وعلى لغة من لا ينتظر: يا حمزُ، ونقول في (قتادة) على لغة من ينتظر: يا قتادُ، وعلى لغة من لا ينتظر: يا قتادُ وهكذا. يروى أن ابن عباس رضي الله عنهما قيل له: إن ابن مسعود قرأ قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77]: (ونادوا يا مالِ)، فقال: (ما كان أشغل أهل النار عن الترخيم). وعلى كل حال: إذا ثبتت القراءة فإما أن يقال: إنهم عجزوا عن إتمام الكاف، وإما إن يقال: رخموا من باب الاستعطاف. قال رحمه الله تعالى: (فقل على الأول في ثمود يا ثمو ويا ثمي على الثاني بيا) قوله: (فقل على الأول) الأول: إذا نويت بعد حذف ما حذف، أي: على لغة من ينتظر، قل عليه في (ثمود): يا ثمو فنقول: ثمو: منادى مبني على ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل. قال: (ويا ثمي على الثاني بيا) أي: على لغة من لا ينتظر، وإذا قال قائل: لماذا قلنا: يا ثمي ولم نقل يا ثَمُ؟ يقولون: لأنه لا يوجد اسم معرب آخره واو مضموم ما قبلها، أما المبني فيوجد مثل: هو، وكذلك يوجد غير العربي، مثل قمندو، سمندو، ونحو ذلك. ولهذا يقولون في (ثمود) على لغة من لا ينتظر: يلزم أن نجعله بالياء (يا ثمي) مثل قاضي وداعي وهادي وما أشبه ذلك، وعلى هذا نقول في إعرابه: يا: حرف نداء. ثمي: منادى مرخم مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره الثقل. وفي غير ثمود مثل مسكين نقول فيه: يا مسكِ على لغة من ينتظر، ويا مسكُ على لغة من لا ينتظر.

ما يلتزم فيه لغة واحدة عند ترخيمه

ما يلتزم فيه لغة واحدة عند ترخيمه قال المصنف رحمه الله تعالى: [والتزم الأول في كمُسلمه وجوز الوجهين في كمَسلمه]. قوله: (والتزم الأول) أي: لغة من ينتظر، وهو قوله: (إن نويت بعد حذفٍ ما حذف) هذا هو الأول، فالتزمه في كمُسلمة، فإذا ناديت امرأة بهذا الاسم (مسلمة) وأردت الترخيم فتحذف الهاء فتقول: يا مسلمَ، على لغة من ينتظر؛ فهنا تتعين لغة من ينتظر؛ لأنه لو أتينا بها على لغة من لا ينتظر وقلنا: يا مسلمُ؛ اشتبه المنادى المذكر بالمؤنث، حتى لو فرض أنك تناديها من قرب فتقول: يا مسلمُ، ستلتفت عليك وتقول: من تريد؟ لكن تقول: يا مسلمَ، على لغة من ينتظر. وقوله: (التزم) فعل أمر، والأمر للوجوب، فالعلة في وجوب الالتزام هنا خوف اللبس. قوله: (وجوز الوجهين) الوجهان هما: لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، في (كمَسلمة) مسلمة ليست علماً بل اسم مكان من السلامة، فليست علماً يختلف فيه المذكر والمؤنث ولكنها اسم مكان، والمكان يصلح تذكيره وتأنيثه، تقول: مسلمة، أي: هذا المكان مسلمة، كما نقول: مفازة ومهلكة وما أشبه ذلك، فإذا أردت أن ترخم تقول: مسلمَ، ومسلمُ؛ لأنه ليس فيه التباس، وإن كان علماً فهو منقول من اسم المكان إلى العلمية. وخلاصة الكلام: أنه يجوز لنا في الترخيم لغتان: لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، فإن حصل لبس في التزام إحداهما وجب العدول عنه وأتينا بالوجه الذي لا يلتبس.

ترخيم غير المنادى للضرورة

ترخيم غير المنادى للضرورة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولاضطرار رخموا دون ندا ما للندا يصلح نحو أحمدا]. قوله: (لاضطرار رخموا دون ندا) الفاعل في (رخموا) يعود على العرب؛ لأن النحويين لا يستطيعون أن يغيروا في اللغة، إذاً: العرب رخموا للضرورة بدون نداء، لكن بشرط أن يكون هذا المرخم صالحاً للنداء. مثاله: أحمد، لو فرضنا أن (أحمد) جاءت في سياق بيت من الشعر لو أبقيناها على ما هي عليه لاختل وزن البيت، إذاً نحذف آخرها ونقول: أحمَ أو أحمُ، على حسب الإعراب؛ لأنه لا يوجد هنا نداء. ومثاله قول الشاعر: لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره طريف بن مالٍ ليلة الجوع والخصر الشاهد: قوله: طريف بن مال، وأصله: مالك، (لنعم الفتى) الفتى: فاعل، وطريف: مبتدأ مؤخر، وهو المخصوص بالمدح (ابن مال) أصله: ابن مالك، رخمه بدون نداء للضرورة. وهذا آخر باب الترخيم، فصار الترخيم في الأصل خاصاً بالنداء، ولكنه قد يرخم في غير النداء للضرورة فقط، والمقصود بالضرورة الشعر.

شرح ألفية ابن مالك [59]

شرح ألفية ابن مالك [59] الاختصاص يشبه النداء لكن يمتنع أن يجيء فيه حرف النداء، ويكون المخصوص منصوباً بفعل محذوف. والإغراء والتحذير من الأساليب البليغة في اللغة العربية، والمحذر منه أو المغرى به يكون منصوباً بفعل محذوف وجوباً، وقد يكون الحذف جائزاً.

الاختصاص

الاختصاص قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاختصاص الاختصاص كنداء دون يا كأيها الفتى بإثر ارجونيا]. الاختصاص بالشيء معناه: الانفراد به وقصر الحكم عليه، تقول: اختصصت بكذا بمعنى: انفردت به، ولهذا يقال: هذا مالك الخاص، وهذا بيتك الخاص، وهذا الكتاب خاص بفلان، أي: أنه منفرد به عن غيره ومقصور عليه. ومعنى الاختصاص في الاصطلاح قريب من المعنى اللغوي؛ لأن المتكلم يقصر الحكم على نفسه، وله شروط أفادها المؤلف بقوله: الاختصاص كنداء دون يا كأيها الفتى بإثر ارجونيا (ارجونيا) أصله ارجوني، فالألف هنا للإطلاق، تقول: ارجوني أيها الفتى، و (أيها الفتى) للمتكلم، والاختصاص لا بد أن يكون مسبوقاً بشيء سواء بجملة أو بغير جملة، وأما النداء فلا يشترط، تقول: يا محمد، يا بكرُ، يا خالدُ، يا عمرو، وما أشبه ذلك. وأما الاختصاص فلابد أن يسبقه شيء، كأن تسأل الله عز وجل أن يرحمك فتقول: يا رب اغفر لي عبدَك الضعيف، وما أشبه ذلك، فأنت تتذلل له. الإعراب: ارجوني: ارجوا: فعل أمر مبني على حذف النون، والنون للوقاية، والياء مفعول به، والواو فاعل للجماعة، مثل قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وارجوني على وزن ادعوني. أيها: أي: مفعول لفعل محذوف تقديره: أخص أيها الفتى، ولا تقل: يا أيها الفتى؛ لأنها ليست منادى، وهذا من الغريب؛ لأنك لو قلت إنها منادى فإنه ليس من العادة أن الإنسان ينادي نفسه، لكن لو قلت: أخص أيها الفتى، صح، ولهذا يقولون: (أي) مفعول به مبني على الضم في محل نصب، والهاء للتنبيه. الفتى: صفة لأي تابع للفظه، وإنما قلنا: تابع للفظه؛ لأننا لو أبدلنا الفتى الذي هو مقصور باسم صحيح الآخر وقلنا: ارجوني أيها الرجلُ، اتباعاً للفظ، فيكون الرجل صفة لأي تابعاً للفظه، فهو مبني على الضم في محل نصب. إذاً: فهمنا أن الاختصاص مثل النداء لكنه يختلف عنه بأمور: أولاً: أنه لا بد أن يكون مسبوقاً بشيء؛ لقول المؤلف: (بإثر). ثانياً: أنه لا يقترن بياء النداء؛ لقوله: (دون يا). ثالثاً: أنه يكون للمتكلم ومعه غيره. وقوله: (ارجوني أيها الفتى) للمتكلم. قوله: (وقد يرى) فيها نائب فاعل يعود على الاختصاص، أي: قد يرى الاختصاص دون أي تلو أل؛ لأن المثال الذي ذكره المؤلف فيه (أي) (أيها الفتى) لكن قد يرى دون أي تلو أل، أي مقروناً بأل، مع أنه لو كان نداء لما اقترن بأل؛ لأن المنادى لا يقرن بأل وإلا جيء بأي قبله كما سبق. مثاله: (نحن العرب أسخى من بذل). نحن: مبتدأ، وخبرها: أسخى. العرب: منصوبة على الاختصاص، والمعنى: نحن أخص العرب أسخى من بذل. إذاً: عندنا الآن ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يكون الاختصاص مقروناً بأي. الصورة الثانية: أن يكون معرفاً بأل دون أي. الصورة الثالثة: أن يكون مضافاً، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث). نحن: مبتدأ، وجملة (لا نورث) خبره. معاشر الأنبياء: منصوب على الاختصاص، أي: نحن أخص معاشر الأنبياء لا نورث. فصار الآن كأن الاختصاص يفسر الضمير السابق وهو (نحن) من (نحن العرب) فالعرب فسرت الضمير (نحن)، والياء من (ارجوني أيها الفتى)، ونحن من (نحن معاشر الأنبياء)، ولهذا قلنا: لابد أن يسبقه ضمير إما للمتكلم أو للمتكلم معه غيره، حتى يكون كالتفسير له. إذاً صور الاختصاص ثلاث: أن يقرن بأي، وأن يقرن بأل، وأن يضاف، وكله يكون منصوباً بفعل محذوف تقديره: أخص. قوله: (نحن العرب أسخى من بذل)، هذا صحيح، فإنه لا يوجد في الأمم أكرم من العرب أبداً، ولا أزكى نسباً ولا أطيب محتداً من العرب، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أفضل الرسل من العرب، وقد قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]، فلولا أن هذه الأمة -أمة العرب- خير الأمم ما جعله الله منها، ولكن بعد الإسلام صار خير الناس المسلمين، سواء من العرب أو من غير العرب، ولكن يزداد المسلم العربي طيباً إلى طيبه.

التحذير والإغراء

التحذير والإغراء

أنواع التحذير وأحكامه

أنواع التحذير وأحكامه قوله: (إياك والشر ونحوه نصب) إياك والشر: مفعول مقدم لنصب على أنه مراد به لفظه. ونحوه: الواو حرف عطف، نحو: معطوف على (إياك والشر) على أنه يريد به اللفظ؛ لأن (إياك والشر) بمعنى: هذا اللفظ، أو هذا التركيب ونحوه. (نصب محذراً) أي: أن المحذر نصب (إياك والشر) وما أشبهه، مثل: إياك والأسدَ، إياك والرياء، إياك والخنا، إياك والغيبة، وما أشبه ذلك. وقوله: (بما) أي: نصبه بعامل، فـ (ما) هنا نكرة موصوفة، (استتاره وجب) عبر هنا بالاستتار على سبيل التسامح؛ لأن المراد بالاستتار هنا الحذف، والاستتار -كما هو معلوم- إنما يكون في الضمائر، وهذا الذي معنا من باب الحذف وليس من باب الاستتار، فهو من باب التسامح، أو من باب استعمال الاستتار في غير معناه الاصطلاحي، بل في معناه اللغوي، فمراده بما استتاره وجب أي: بما وجب حذفه. ولذلك فإعراب (إياك والشر) يقولون: إياك: مفعول لفعل محذوف وجوباً تقديره: أحذر، وأصل التركيب (أحذرك)، فالضمير في (أحذرك) ضمير متصل، ولما حذفنا الفعل لم نجد شيئاً يتصل به الضمير، فاضطررنا إلى فصل الضمير وقلنا: إياك، فعلى هذا يكون (إياك) ضميراً منفصلاً مبنياً على السكون في محل نصب بعامل محذوف والتقدير: أحذر، وإن كان الظاهر في كلام الشارح (احذر) لكن الصواب: أُحذر. والأسد: الواو: حرف عطف، الأسد: مفعول لفعل محذوف أيضاً، وليس معطوفاً على (إياك)؛ لأنه لو قلنا إنه معطوف على (إياك) لفسد المعنى، وصار المعنى: أحذرك وأحذر الأسد، وهذا لا يستقيم، إذاً يكون مفعولاً لفعل محذوف تقديره: إياك أحذر وجانب الأسد أو واجتنب الأسد، فيكون من باب عطف جملة على جملة. وقوله: (بما استتاره وجب) يدل على أنه لا يجوز أن تبرز الفعل هنا، فلو قلت: إياك أحذر، لما كان من باب التحذير، وإنما يكون جملة مستقلة ولا تسمى تحذيراً، وإنما سمي (إياك والشر) تحذيراً مع حذف العامل لأن هذا أبلغ في تنبيه المخاطب، فلو قال: أحذرك لما صار له أثر في نفس المخاطب كما يقول: إياك، ولاسيما في الصيغة الثانية التي تكرر فيها (إياك). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ودون عطف ذا لإيا انسب وما سواه ستر فعله لن يلزما إلا مع العطف أو التكرار كالضيغم الضيغم يا ذا الساري]. قوله: (ودون عطف) أي: إنك إذا أتيت بالتحذير بدون عطف فقلت: إياك الشر، فيقول: (لإيا انسب) أي: انسب التحذير لإيا. قوله: (وما سواه ستر فعله لن يلزما) بل يجوز ذكر فعله، مثلما لو قلت أحذر زيداً الأسد، فهنا لا يلزم أن نحذف الفعل، بل يجوز ذكره ويجوز حذفه إذا دلت عليه القرينة. (إلا مع العطف أو التكرار كالضيغم الضيغم يا ذا الساري) أي: فيجب ستر الفعل مثل: الضيغم الضيغم، والضيغم اسم للأسد، فالضيغم الضيغم هذا محذَّر مفعول لفعل محذوف ويحذف من أجل التكرار. قال الشارح رحمه الله تعالى: [التحذير: تنبيه المخاطب على أمر يجب الاحتراز منه، فإن كان بإياك وأخواته وهو: إياكِ وإياكما وإياكم وإياكن وجب إضمار الناصب، سواء وجد عطف أم لا، فمثاله مع العطف: إياك والشر، فإياك: منصوب بفعل مضمر وجوباً والتقدير: إياك أحذر، ومثاله بدون العطف: إياك أن تفعل كذا، أي: إياك من أن تفعل كذا]. والتقدير كما سبق: أحذرك من فعل كذا، لكنه انفصل الضمير من أجل حذف العامل لأننا لم نجد عاملاً يتصل به. وإنما قلنا: إن (إياك أن تفعل كذا) بمعنى: إياك من أن تفعل كذا؛ لأن (أن) هنا على تقدير (من)؛ لأنه لو قال: أحذرك فعل كذا، لما صار هناك محذراً منه، وهو لن يكون محذراً منه إلا على تقدير (من). قال الشارح: [وإن كان بغير إياك وأخواته، وهو المراد بقوله: (وما سواه) - فلا يجب إضمار الناصب إلا مع العطف، كقولك: مازِ رأسك والسيف، أي: يا مازنُ قِ رأسك واحذر السيف أو التكرار نحو: الضيغم الضيغم]. قوله: ماز رأسك والسيف، أصله: مازنُ، لكنه منادى مرخم بحذف آخره وهو النون، لقول المصنف فيما سبق: (كيا سعا فيمن دعا سعادا). ورأسك: مفعول لفعل محذوف تقديره: قِ. والسيف: الواو: حرف عطف، السيف: مفعول لفعل محذوف تقديره: واحذر، أو جانب السيف، وما أشبه ذلك. قال الشارح: [أو التكرار نحو: الضيغم الضيغم، أي: احذر الضيغم، فإن لم يكن عطف ولا تكرار جاز إضمار الناصب وإظهاره نحو: الأسدَ، أي: احذر الأسدَ، فإن شئت أظهرت وإن شئت أضمرت]. فصار الآن إذا جاءت (إيا) فلا بد من الإضمار، وما سوى (إيا) فإن تكرر وجب الإضمار، وإن لم يتكرر جاز الإضمار والإظهار، كما لو قلت: الأسدَ، فإنه يجوز أن أقول: احذر الأسدَ، أما لو قلت: الأسد الأسد، فإنه لا يجوز أن تأتي بالفعل.

شذوذ التحذير بإياي وإياه

شذوذ التحذير بإياي وإياه قال المصنف رحمه الله تعالى: [وشذ إياي وإياه أشذ وعن سبيل القصد من قاس انتبذ] قوله: (وشذ إياي)؛ لأن التحذير يكون للمخاطب (إياك)، ولا يكون للمتكلم، فلا تقل: إياي والشر، فإنه شذوذ، والشاذ معناه: أنه مخالف للقياس. قوله: (وإياهُ أشذ) أي: أكثر شذوذاً، وذكر له مثالاً في الشرح قال فيه: إذا بلغ الرجلُ الستين فإياهُ وإيا الشواب، أي: النساء الشابات، أي: لا يتزوج بهن، يقول: إذا بلغ هذا السن فليحذر الشواب. والشاهد قوله: (فإياهُ) حيث حذر بضمير الغيبة، وهذا شاذ. إذاً: فالتحذير بـ (إيا) يكون للمخاطب والمتكلم والغائب، والمخاطب هو الكثير الوارد، والمتكلم شاذ، والغائب أشذ. قوله: (وعن سبيل القصد من قاس انتبذ). عن سبيل: جار ومجرور متعلق بانتبذ، أي: من قاس هذه الضمائر على المخاطب فقد خرج وبعد عن سبيل القصد وهو منهج الحق، كأن المؤلف رحمه الله يرد قول من يقول: إنه مقيس، ويرى أنه مقتصر فيها على السماع.

الإغراء

الإغراء قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكمحذر بلا إيا اجعلا مغرى به في كل ما قد فصلا] الإغراء ضد التحذير، فهو إذاً: تنبيه المخاطب على أمر يرغب أن يحصل عليه، فأغريته أي: نبهته على أمر ينبغي أن يأخذ به، فلا تستعمل فيه (إيا)، بل يأتي بدون (إيا)، مثل قوله صلى الله عليه وسلم (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)، فقوله: (الصلاةَ الصلاةَ) نقول فيها: منصوبة على الإغراء والتقدير: الزموا الصلاة، فهي إذاً مفعول لفعل محذوف على الإغراء، والصلاة الثانية توكيد. ومثله في كلام المؤلف: (الضيغم الضيغم يا ذا الساري)، لكن هذا تحذير، والصلاة الصلاة إغراء، ومثله أيضاً أن تقول: العلم العلم، أي: الزم العلم العلم.

شرح ألفية ابن مالك [60]

شرح ألفية ابن مالك [60] تنوب عن الأفعال أسماء تسمى أسماء الأفعال، وهي تعمل عمل الأفعال وتكون مبنية، وبعضها سماعي وبعضها قياسي، وهناك ما يسمى أسماء الأصوات، وهي مبنية أيضاً. وللتوكيد نونان تلحقان فعل الأمر والفعل المضارع، ولهما أحكام من حيث موضعهما وما يحذف لهما وغير ذلك.

أسماء الأفعال والأصوات

أسماء الأفعال والأصوات قال المصنف رحمه الله تعالى: [أسماء الأفعال والأصوات]. أسماء الأفعال أي: الاسم الذي وضع علماً على الفعل فلا يسمى شخص باسمه، هذا معنى قوله: (أسماء الأفعال) فهي أسماء جعلت للأفعال، مثل ما تقول: هذا زيد، هذا عمرو، هذا خالد، يوضع اسم للفعل، وهو على ثلاثة أقسام: ما وضع للأمر، وما وضع للماضي، وما وضع للمضارع.

أسماء الأفعال

أسماء الأفعال قال المصنف: [ما ناب عن فعل كشتان وصه هو اسم فعل وكذا أوه ومه] قال رحمه الله تعالى: (ما ناب عن فعل) ثم قيد هذه النيابة بمثال فقال: (كشتان وصه) فليس المقصود كل ما ناب عن فعل؛ لأن اسم الفاعل ينوب عن الفعل، والمصدر ينوب عن الفعل، وليس كنيابة شتان عنه، وقد قال ابن مالك في أول الألفية: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر) لأجل أن يخرج اسم الفاعل؛ فإنه نائب مناب الفعل، لكنه يتأثر بالعوامل، تقول مثلاً: أنا مكرم زيداً، فمكرم نابت عن كلمة (أكرم) لكنها تتأثر بالعوامل، والمراد هنا ما ناب عن فعل ولم يتأثر بالعوامل، ولهذا قيد ذلك بالمثال بقوله: (كشتان وصه). شتان: اسم فعل ماض؛ لأنه بمعنى: افترق، وصه: اسم فعل أمر بمعنى: اسكت، ونحن نقول بدل (صه) باللغة العامية: أص، فهي محرفة من (صه) وليست مقتضبة من (اسكت) فلا يقال: إن أصل (أص): اسكت؛ لأنه إذا قلنا بهذا لزم حذف التاء والكاف وإبدال السين صاداً، لكن إذا قلنا: إنها نائبة عن (صه) فهو أقرب. وقوله: (أوه) اسم فعل مضارع بمعنى: أتوجع. (ومه) اسم فعل أمر بمعنى: اكفف عن الشيء. إذاً: شتان للماضي، وصه للأمر، وأوه للمضارع، ومه للأمر.

كثرة ورود اسم الفعل في الأمر وقلته في الماضي والمضارع

كثرة ورود اسم الفعل في الأمر وقلته في الماضي والمضارع قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما بمعنى افعل كآمين كثر وغيره كوي وهيهات نزر] قوله: (وما بمعنى افعل) وهو اسم فعل الأمر (كآمين كثر) آمين معناها: استجب، فهي هنا اسم فعل أمر، لكنها بالنسبة لله عز وجل نقول: اسم فعل دعاء، ولا نقول: أمر؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يوجه إليه الأمر، إذ إن الأمر هو طلب الفعل على سبيل الاستعلاء. وعليه نقول في إعراب آمين: اسم فعل أمر مبني على الفتح، لكنه يسكن إذا وقف عليه. وقوله: (وغيره) أي: غير الذي بمعنى افعل، وهو يشمل اسم الفعل الماضي واسم الفعل المضارع، (كوي وهيهات نزر) (وي) بمعنى: أعجب، ويقول المؤلف: إنها قليلة، مع أنها وردت في القرآن كثيرة، قال تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص:82]. (وهيهات) بمعنى: بعد، كقوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون:36]. فهيهات: اسم فعل ماض بمعنى (بعد) مبني على الفتح، وهيهات الثانية توكيد لها، واللام في قوله: ((لِمَا تُوعَدُونَ)) قالوا: إنها زائدة. و (ما) فاعل مبني على السكون في محل رفع، و (توعدون) صلته، أي: هيهات هيهات الذي توعدونه، وقد جاءت بدون اللام في قول الشاعر: فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خل بالعقيق نواصله الشاهد: أنه عداه إلى الفاعل بدون لام. إذاً: نأخذ من هذا البيت قاعدة وهي: أن أسماء الأفعال إذا كانت بمعنى الطلب فهي كثيرة، وبمعنى الماضي والمضارع قليلة. نرجع إلى كلمة (آمين)؛ لأننا نقولها في كل صلاة، ففيها لغة (أمِين)، وهي لغة صحيحة لكنها قليلة جداً. و (آمِّين) لا يصح؛ لأنه يختلف المعنى، لأن (آمِّين) بمعنى: قاصدين، قال تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة:2]. ونسمع بعض الذين يؤمنون يقولون: أمِين، وهي لغة لكنها قليلة، والأفصح بالمد: آمين، ولهذا قال الفقهاء: يحرم تشديد ميمها، فإن فعل بطلت صلاته؛ لأنك إذا شددته صارت بمعنى: قاصدين، فتتكلم بكلام لا يجوز في الصلاة فتبطل صلاتك.

مجيء اسم الفعل من الظرف والجار والمجرور

مجيء اسم الفعل من الظرف والجار والمجرور قوله: (والفعل من أسمائه عليك) الفعل: مبتدأ. من أسمائه: جار ومجرور خبر مقدم. وعليك: مبتدأ مؤخر، والجملة خبر المبتدأ. أي: من أسماء الأفعال عليك، تقول: عليك زيداً، بمعنى الزم زيداً، ونحن نقول بالعامية: عليك به، أي: الزمه. عليك: اسم فعل أمر بمعنى: الزم، وبني على الفتح مراعاة للشكل؛ لأن (عليك) شكلها جار ومجرور فتبقى هكذا. إذاً (عليك): اسم فعل أمر مبني على الفتح، وفيه ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، والكاف هذه من بنية الفعل. زيداً: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. قوله: (وهكذا دونك) دونك أيضاً من أسماء الفعل، و (دونك) أصلها ظرف، وليس أصلها اسم فعل، بل أصلها ظرف وهو دون مضافاً إلى كاف الخطاب، لكنها تستعمل اسم فعل أمر بمعنى: خذ، تقول: دونك الكتاب، أي: خذه، (مع إليك) كذلك إليك أصلها جار ومجرور، إلى: حرف جر، والكاف اسم مجرور، ولكنها تستعمل اسم فعل أمر بمعنى تنحَّ، أي: ابعد عني، نقول: إليك عني فإني عنك مشغول، أي: تنحَّ عني. وقد ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد -وهو كتاب لـ ابن القيم على اسمه بدائع فوائد، ليس مبوباً، بل كلما طرأ عليه فائدة كتبها في هذا الكتاب، ولكنه كتاب جيد- ذكر بحثاً في حَمِدَ ومَدَحَ وكيف أن العرب فرقت بينهما، وجعلت هذا له معنى وهذا له معنى، مع أن الحروف واحدة وأطال كما هي عادته رحمه الله، طويل النفس في هذا الأمر أتى بالعجب العجاب -وشيخه هو ابن تيمية - ولكنه كما قال القائل: تألق البرق نجدياً فقلت له إليك عني فإني عنك مشغول كان مشغولاً بما هو أهم من مباحث النحو رحمه الله، فقد كان مشغولاً في مناظرة الفلاسفة والمناطقة وأهل الكلام، وغيرهم، كما يعلم من كتاباته رحمه الله وجزاه خيراً. فالحاصل أن قوله: إليك عني أي: تنحَّ عني. إعراب: دونك الكتاب: دونك: اسم فعل أمر مبني على الفتح، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت. الكتاب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. وإليك مثلها.

مجيء اسم الفعل من المصدر

مجيء اسم الفعل من المصدر قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذا رويد بله ناصبين ويعملان الخفض مصدرين]. (رويد) تأتي مصدراً، قال تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق:17]، وتأتي اسم فعل، تقول: رويد زيداً، أو رويدك زيداً، وفي هذه الحال تكون اسم فعل أمر، وكذلك (بله) ولكنها تستعمل أحياناً مصدراً، وإذا استعملت مصدراً فإنها لا تكون اسم فعل، بل تكون مصدراً مضافاً إلى ما بعده، ولهذا قال: (ويعملان الخفض مصدرين). قوله: (وما لما تنوب عنه من عمل لها) أي: أن اسم الفعل يعمل عمل الفعل البليغ واسم له، فإن كان لازماً فهو لازم، وإن كان متعدياً فهو متعد، فمثلاً: صه، لازم؛ لأنه بمعنى اسكت، واسكت فعل لازم، فلا يتعدى إلى مفعول. و (دونك الكتاب) متعد؛ لأنه بمعنى: خذ، فيكون ناصباً لمفعوله. يقول المؤلف: (وأخر ما لذي فيه العمل) المشار إليه في قوله: (وأخر ما لذي) أسماء الأفعال، أي: أخر ما لأسماء الأفعال فيه العمل، أي: أن مفعولها لا يتقدم عليها، فمثلاً: دونك زيداً، لا يصح أن تقول: زيداً دونك. وإذا قال قائل: يرد عليكم قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء:24] فإن (كتابَ) مقدم على (عليكم)، وعليكم اسم فعل بمعنى: الزموا. أجاب عنه المانعون فقالوا: (كتابَ) مفعول لفعل محذوف دل عليه (عليكم)، والتقدير: الزموا كتاب الله، ومجيء (عليكم) كتأكيد له. قال المصنف رحمه الله تعالى: [واحكم بتنكير الذي ينون منها وتعريف سواه بين]. (سواه) أي: سوى ما ينكر، أي: إذا أتيت باسم الفعل منوناً فهو عام، وإن أتيت به غير منون فهو خاص، مثلاً: سألني سائل في أثناء الدرس فقلت له: صهْ، فسأل سؤالاً آخر، فإنه لا يكون مخالفاً؛ لأن (صهْ) تعني اسكت عن هذا الكلام فقط؛ لأنها معرفة، فإن قلت: صهٍ، بالتنوين، فالمعنى: اسكت عن كل شيء، وهذا لا يعرفه إلا صاحب النحو. إذاً: الفرق بين ما يراد به العموم وما يراد به الخصوص: إن نونت فهو للعموم، وإن لم تنون فهو للخصوص. واحد مثلاً في الدرس وكان يتلفت، إن فتح الباب التفت، وإن تحرك أحد التفت، وإن أحد حرك المسجل التفت، وإن فتح الكتاب التفت، وقلت له: مهْ، فالمعنى: اكفف عن هذا الفعل المعين الذي فيه تشاغل عن الدرس. وأما إذا قلت: مهٍ، فالمعنى: اكفف عن كل شيء، أي: لا تحرك شيئاً حتى الكتاب الذي معك، ولهذا يمكن أن يعرف المدرس هل فهم الطالب أم لا بهذه الطريقة، فإذا قال له: صهٍ، ثم سكت عن هذا الكلام وجاء بكلام آخر، فإنه يكون غير ممتثل، أما إذا قلت له: صهْ، ثم أتى بكلام آخر فإنه يكون ممتثلاً.

أسماء الأصوات

أسماء الأصوات قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما به خوطب ما لا يعقل من مشبه اسم الفعل صوتاً يجعل كذا الذي أجدى حكاية كقب والزم بنا النوعين فهو قد وجب] قوله: (وما به خوطب ما لا يعقل). ما: مبتدأ، خبره: يجعل. صوتاً: مفعول يجعل الثاني مقدم، أي: الذي خوطب به ما لا يعقل. و (ما): نائب فاعل خوطب، أي: ما خوطب به الذي لا يعقل يجعل صوتاً من مشبه اسم الفعل. مثاله: أن تقول للبعير: حي، أي: قم، وإخ، أي: ابرك، وتقول للغنم: اخس، أي: امشي، وتقول للحمار إذا أردت زجره: حر، وإذا أردته يقف: أش ونحو ذلك. قوله: (كذا الذي أجدى حكاية) أي: أفاد حكاية (كقب) قب يقولون: إنه صوت السيف إذا جعل في الجعبة، وعندنا نسميها: طق، أما إذا وقع الشيء من فوق فنقول: دق. هذا أيضاً يقول المؤلف: إنه يجعل حكمه حكم اسم الفعل. قوله: (والزم بنا النوعين فهو قد وجب). النوعان هما: أسماء الأصوات، وما أجدى حكاية، فكله يلزم بناؤه؛ لأنه ينوب مناب الفعل بدون تأثر بالعوامل، وقد سبق أن من أسباب البناء أن تكون الكلمة نائبة مناب الفعل بدون تأثر بالعوامل.

نونا التوكيد

نونا التوكيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [نونا التوكيد للفعل توكيد بنونين هما كنوني اذهبنَّ واقصدنهما]. قوله: (نونا التوكيد). أي: هذان نونا التوكيد، وقال: (نونا التوكيد) لأنهما اثنتان: ثقيلة وخفيفة، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32]، ((لَيُسْجَنَنَّ)) هذه شديدة، ((وَلَيَكُونًا)) خفيفة، وقال تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15]، فقوله: ((لَنَسْفَعًا)) فيه نون توكيد خفيفة. والتوكيد معناه: التقوية. قال رحمه الله تعالى: للفعل توكيد بنونين هما كنوني اذهبنَّ واقصدنهما (اذهبنَّ)، هذه نون توكيد مشددة، (واقصدنهما) نون توكيد خفيفة. إذاً: فنونا التوكيد هما عبارة عن حرفين أو نونين تلحقان آخر الفعل، إحداهما مشددة وتسمى: الثقيلة، والثانية ساكنة وتسمى: الخفيفة.

ما يؤكد بنوني التوكيد من الأفعال

ما يؤكد بنوني التوكيد من الأفعال قال المصنف رحمه الله تعالى: [يؤكدان افعل ويفعل آتيا ذا طلب أو شرطاً اما تاليا أو مثبتاً في قسم مستقبلاً وقل بعد ما ولم وبعد لا] قول المؤلف: (للفعل توكيد)، لا يشمل كل فعل، ولهذا قال: (يؤكدان افعل) إشارة لفعل الأمر، (ويفعل) إشارة إلى الفعل المضارع، وعليه فالماضي لا يؤكد بنون التوكيد، إنما يؤكد بقد مثلاً، أما نون التوكيد فلا يؤكد بها، فلا تدخل نون التوكيد إلا على فعلين فقط هما: المضارع والأمر، أما الأمر فأطلق المؤلف وقال: (يؤكدان افعل)، وظاهره بدون شرط ولا قيد، تقول: اضرب واضربن، وقم وقومن، واركب واركبن، وعلى هذا فقس. إذاً: فعل الأمر يجوز توكيده وعدمه بدون شرط ولا قيد، أما الفعل المضارع فقيده فقال: [ويفعل آتيا ذا طلب أو شرطاً اما تاليا أو مثبتاً في قسم مستقبلا وقل بعد ما ولم وبعد لا وغير إما من طوالب الجزا وآخر المؤكد افتح كابرزا]. إذاً: الأفعال بالنسبة لنون التوكيد تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم لا يمكن أن يؤكد بها، وهو الماضي. وقسم يجوز أن يؤكد بها مطلقاً، وهو الأمر. والقسم الثالث -وهو المضارع- فيه تفصيل، وقد قالوا: إنها تجري فيه الأحكام الخمسة: واجب، وقريب من الوجوب، وممتنع، وقليل، وأقل. قوله: (وآخر المؤكد افتح) آخر: مفعول مقدم. وافتح: فعل أمر، أي: افتح آخر المؤكد. ثم قال: (كابرزا) الألف منقلبة عن نون التوكيد والأصل: ابرزن. ويؤخذ من المثال أنه لا بد أن تتصل نون التوكيد بالفعل لفظاً وتقديراً، مثل قوله تعالى: {لَيُنْبَذَنَّ} [الهمزة:4]، ومثل قوله تعالى: {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت:50]. أما إذا لم تتصل النون بالفعل فإنه لا يبنى على الفتح، مثل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87]، وهناك قال: ((لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي))، والفرق أن ((لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي))، باشرت الفعل لفظاً وتقديراً، و ((لَيَقُولُنَّ اللَّهُ))، لم تباشره تقديراً، إذ إن بينها وبين الفعل أشياء محذوفة.

متى يؤكد الفعل المضارع بنوني التوكيد

متى يؤكد الفعل المضارع بنوني التوكيد قوله: (آتيا ذا طلبٍ) أي: إذا جاء المضارع ذا طلب، والمضارع إذا اقترنت به اللام يكون ذا طلب، مثل: لا تضربَن، قال الله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف:23]، فهذا طلب، والطلب فيه هو النهي؛ لأن النهي طلب الكف. وتقول: لتقومن يا زيد، هذا طلب لأنه أمر. وتقول: هل تقومن يا زيد؟ هذا أيضاً طلب؛ لأنه استفهام، والاستفهام: طلب الإفهام. إذاً: هذا معنى قوله: (ذا طلب). قوله: (أو شرطاً اما تاليا) أيضاً: إذا أتى شرطاً تالياً لإما، وإما هذه هي إنْ الشرطية اقترنت بها (ما) الزائدة المؤكدة، قال الله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم:26]. فقوله: (ترينَّ) فعل مضارع أتى بعد إما الشرطية، وأصل إما الشرطية: إنْ. الثالث: قوله: (أو مثبتاً في قسم مستقبلاً) أي: أو جاء مثبتاً في قسمٍ مستقبلاً، ونزيد شرطاً رابعاً: غير مفصول عن لامه. فلابد أن يكون مثبتاً، بعد قسم، مستقبلاً، غير مفصول عن لامه، فإذا تمت هذه الشروط الأربعة أكد المضارع وجوباً، قال الله تعالى: {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة:4]، وقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. فقوله: (لتبعثن) فعل مضارع مثبت. وفي قسم، وهو قوله: (وربي) وهو مستقبل وغير مفصول عن لامه. وقال تعالى: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} [الحشر:12]، (ليولن) هذه مثبتة، في قسم، مستقبل، غير مفصول عن لامه. فخرج بقوله: (مثبتاً) إذا كان منفياً؛ لأنه إذا كان في قسم لكنه منفي فإن نون التوكيد لا تدخل عليه، كقوله: {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) [الحشر:12]، فلم يقل: (لا ينصرنّهم) بل قال: (لا ينصرونهم) بدون توكيد؛ لأنه منفي، وكذلك قال: (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم)، ولم يؤكدها، فلم يقل: لا يخرجنّ. وخرج بقوله: (مستقبلاً) كما لو قلت: والله لأضربك الآن، فلا يجوز أن تقول: لأضربنَّك؛ لأنه غير مستقبل، وكذلك لا يجوز: والله لأكرمنَّك أمس، وقال بعض النحويين: يجوز أن تقول: والله لأضربنك الآن. واشترطنا الشرط الرابع وهو: أن يكون غير مفصول من لامه، فإن فصل من لامه فإنه لا تلحقه نون التوكيد، كقوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران:158]، فاللام في قوله: (لإلى الله) للتوكيد، لكنه ما قال: (لإلى الله تحشرُنَّ)؛ لأنه فصل من لامه بالجار والمجرور (لإلى الله تحشرون). أذاً: إذا تمت الشروط الأربعة وجب التوكيد، وإذا انتفى واحد امتنع التوكيد، فلو قال قائل: إن أكرمتني لفي البيت أكرمنك، فهذا خطأ؛ لأنه فصل بين لام التوكيد وبين الفعل. وإن قلت: إن أكرمتني لا أهيننك، لم يصح؛ لأنه منفي، والنفي لا يمكن أن يجتمع مع نون التوكيد. ولا بد أن يكون ذا قسم مستقبلاً. قوله: (وقل بعد ما ولم وبعد لا). أي: أنه يقل توكيده في هذه المواضع، وهي (بعد ما) والمقصود (ما) الزائدة في غير الشرط، مثاله: إذا قلت: بعين ما أراك، فهو أولى؛ ولكنه يصلح أن تؤكد فتقول: بعين ما أرينك، إلا أنه قليل. (ولم) مثل: لم يقومن زيد، فإنه يجوز لكنه قليل، والأفصح: لم يقم زيد. (وبعد لا) مثل: لا يقومن زيد، تريد أن تنفي قيامه، فهذا قليل، ومنه قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]. وكوننا نقول إنه قليل وهو موجود في القرآن، في النفس منه شيء، لأن القليل معناه أنه ضعيف في اللغة العربية، والصواب: أنه بعد (لا) ليس قليلاً؛ لأنه موجود في القرآن وهو أفصح شيء. قوله: (وغير إما من طوالب الجزاء). أي: غير إما من أدوات الشرط؛ لأن طوالب الجزاء هي أدوات الشرط، مثل: إن تقومن أكرمك، فهذا قليل، والأكثر: إن تقم أكرمك. فتبين بهذا أن الفعل المضارع يؤكد أحياناً، ولا يؤكد أحياناً، فتارة يجب التوكيد بأربعة شروط: أن يقع جواباً لقسم، مثبتاً، مستقبلاً، غير مفصول بينه وبين اللام بفاصل، ويمتنع إذا اختل شرط من ذلك، وإن شئت فقل: يمتنع توكيده في كل حال لا يؤكد فيها أي: لم يوجد فيها سبب يقتضي التوكيد. ويكون كثيراً بعد إما من طوالب الجزاء، ومثاله قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} [الإسراء:23]، {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} [الأنفال:57]، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم:26]، وهو كثير، ويقل بعد أدوات الشرط غير إما، وبعد ما، ولم، ولا.

أحكام اتصال الفعل المسند إلى الضمائر بنوني التوكيد

أحكام اتصال الفعل المسند إلى الضمائر بنوني التوكيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [واشكله قبل مضمر لين بما جانس من تحرك قد علما والمضمر احذفنه إلا الألف وإن يكن في آخر الفعل ألف فاجعله منه رافعاً غير اليا والواو ياء كاسعين سعيا واحذفه من رافع هاتين وفي واو ويا شكل مجانس قفي نحو اخشين يا هند بالكسر ويا قوم اخشون واضمم وقس مسويا] إذا كان الفعل معتلاً بالألف، فإما أن يرفع ظاهراً، وإما أن يرفع ضميراً، فإن رفع ظاهراً قلبت الألف ياءً، مثل: يسعى، تقول: ليسعين زيد، فهنا قلبت الألف ياءً لتظهر الفتحة عليها. وإذا رفع ضميراً غير الواو والياء قلبت الألف ياءً، مثل: لتسعين، فهنا رفع ضميراً مستتراً وجوباً تقديره: أنت، ومثل: ليسعيانِّ، فهنا رفع ضميراً بارزاً وهو ألف الاثنين، وهذا هو معنى قول المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن يكن في آخر الفعل ألف فاجعله منه رافعاً غير اليا والواو ياء كاسعين سعيا). فأما إذا كان الفعل المعتل رافعاً للياء أو الواو فإن ألفه تحذف، كما قال المؤلف: (واحذفه من رافع هاتين)، وهما: الواو والياء، فإذا رفع الفعل المعتل بالألف واواً أو ياء وجب حذف الألف، ولهذا قال: (واحذفه) أي: الألف (من رافع هاتين) وهما: الواو، والياء، مثل: لتسعون يا قوم، الآن الفعل رافع للواو، أين ذهبت الألف؟ حذفت ولم تبق، قال الله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:6]. فحذفت الألف لأن الفعل رفع واواً. وكذلك إذا رفع ياءً يحذف الألف، قال الله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} [مريم:26]، فهنا ألف الفعل حذفت، والياء الموجودة هي الفاعل. قوله: (وفي واو ويا شكل مجانس قفى) أي: الواو المرفوعان بالفعل المعتل بالألف يكون فيهما شكل مجانس لهما، والذي يجانس الواو الضمة، والذي يجانس الياء الكسرة. ولهذا قال الله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:6]، وقال في الياء: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} [مريم:26]. والخلاصة: أنه إذا كان الفعل معتلاً بالألف، فإن رفع الواو أو الياء حذفت الألف، وشكلت الواو بالضمة، والياء بالكسرة. وإن رفع غير الواو والياء: فإن الألف تقلب ياء، مثل: ليسعين زيد، أو لتسعيانِّ، فهنا قلبت الألف ياء. والفعل المعتل بالواو والياء تحذف كما مر. قال رحمه الله تعالى: (نحو اخشين يا هند بالكسر ويا قوم اخشون واضمم وقس مسويا) ذكرنا أن الفعل المعتل بالواو والياء تحذف الواو، وتحذف الياء، فتقول في يرمي: يرمُن، وتقول في ياء المخاطبة: ترمِن؛ وإذا حولناها إلى فعل غير مؤكد سنتبين، تقول: في يرمي مسنداً إلى واو الجماعة بدون توكيد: يرمون، فحذفت الياء، فإذا أكدت حذفت واو الجماعة لأجل التقاء الساكنين، فتقول: هل ترمُن يا قوم؟ وفي التأنيث إذا أسندته إلى ياء المخاطبة تقول: ترمين، لكن في التوكيد تحذف الياء فتقول: ترمِنَّ. وفي المثال: (تخشون الله) حذفت الألف وبقيت واو الجماعة، وعندما تؤكد هذا الفعل تحذف نون الرفع، ونون التوكيد حرف مشدد -أي: أوله ساكن- وحينئذٍ لا بد أن نحرك الواو بحركة مجانسة، فنقول: لتخشوُن الله، فإذا أسند الفعل المعتل بالألف إلى واو الجماعة فإن الألف تحذف، وإذا أسند إلى ياء المخاطبة فإن الألف تحذف، وإذا أسنده إلى ألف الاثنين فإن الألف تنقلب ياء: تخشيان الله، فإذا أدخلنا نون التوكيد حذفنا نون الرفع وحركنا ما قبل نون التوكيد بحركة مجانسة للواو والياء.

لا تقع النون الخفيفة بعد الألف

لا تقع النون الخفيفة بعد الألف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولم تقع خفيفة بعد الألف لكن شديدة وكسرها ألف] سبق أن نون التوكيد خفيفة وثقيلة وهي المشددة، فالخفيفة لا تقع بعد الألف أبداً؛ لأنها ساكنة، والألف ساكنة، فلا يمكن أن تجتمعا، فإذا قلت لرجلين تخاطبهما: لتتبعان، فلابد أن تشدد النون، ولا تأت بها خفيفة، ولهذا قال: (لكن شديدة وكسرها ألف) أي: كسر الشديدة مألوف، قال الله تعالى: {فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس:89]. ونقول في إعرابها: لا: ناهية. تتبعان: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والألف: فاعل، والنون للتوكيد، وحركت بالكسر لالتقاء الساكنين. ونقول في إعراب (لتتبعانِّ): اللام: جواب القسم. تتبعان: فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال، والألف فاعل، والنون للتوكيد، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين. إذاً: النون الخفيفة لا تقع بعد الألف لسكونها، فإذا قال قائل: وكذلك النون المشددة أولها ساكن، فلماذا لا نحركها بالكسرة؟ قالوا: لأنه لو حركناها بالكسر لاشتبهت بنون المثنى مثل: تقومانِ، ولاشتبهت بنون الإعراب.

زيادة ألف قبل نون التوكيد إذا أكد الفعل المتصل بنون النسوة

زيادة ألف قبل نون التوكيد إذا أكد الفعل المتصل بنون النسوة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وألفاً زد قبلها مؤكدا فعلاً إلى نون الإناث أسندا] قوله: (زد قبلها) أي: قبل نون التوكيد المشددة. أي: إذا أكدت الفعل المسند إلى نون النسوة فزد ألفاً ثم ائت بنون التوكيد، مثاله: تقول للنسوة: لا تضربن، فهذه النون هي نون النسوة؛ لأن لا: ناهية. وتضربن: فعل مضارع مبني على السكون في محل جزم لاتصاله بنون النسوة، فإذا أردت أن أؤكد هذا الفعل آتي بألف بعد نون النسوة، ثم آتي بنون التوكيد: لا تضربنانِّ. فقوله: (وألفاً زد قبلها) أي: قبل نون التوكيد الشديدة (مؤكداً فعلاً إلى نون الإناث أسندا) أي: أسند إلى نون الإناث، فنأتي بالفعل مسنداً إلى النون، ثم بعد ذلك بالألف، ثم نون التوكيد، والألف هنا قالوا: نجيء بها للفصل بين نون النسوة ونون التوكيد الشديدة؛ لئلا تجتمع ثلاث نونات في محل واحد، مع أنه هكذا نطق العرب، لكن تعليل النحويين هكذا: لئلا تجتمع ثلاث نونات في مكان واحد.

حذف نون التوكيد الخفيفة إذا وليها ساكن

حذف نون التوكيد الخفيفة إذا وليها ساكن قال المصنف رحمه الله تعالى: [واحذف خفيفة لساكن ردف وبعد غير فتحة إذا تقف]. إذا جاء بعد نون التوكيد الخفيفة حرف ساكن وجب أن تحذف؛ لأنه لا يمكن أن يجتمع ساكنان، فلا بد أن تحذف نون التوكيد، مثال ذلك: إذا قلت: اضربَنْ الرجل، فالنون الآن ساكنة؛ لأن نون التوكيد الخفيفة ساكنة، والهمزة في (الرجل) ساكنة، فلا بد أن تحذف النون فتقول: اضربَ الرجل. اضرب: فعل أمر مبني على الفتح، ولماذا لا نقول: اضربِ الرجل، بالكسرة بل نقول: اضربَ الرجل؟ لأن نون التوكيد الخفيفة ساكنة، وإذا وقع بعدها ساكن فإنها تحذف، فإذا قلت: ادخلَنْ المسجدَ، فهذه نون توكيد خفيفة، وبعدها همزة المسجد ساكنة، فلا تقول: ادخلَنْ المسجد، بل تقول: ادخلَ، وتحذف النون. فإن كانت النون شديدة (ادخلَنَّ المسجدَ) فتبقى النون، قال الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [الفتح:27]. ومنه قول الشاعر: لا تهين الفقير علك أن تركع يوماً والدهر قد رفعه لا: ناهية ونصب الفعل معها. وعلك: لغة في لعل. علك أن تركع يوماً، أي: أن تذل وتنزل، والدهر قد رفعه، وهذه حكمة عظيمة، فإن هذا ممكن أن يقع، وهو كثير، يمكن اليوم أن يكون فقيراً يسأل، ثم ما يلبث أن تكون أنت الفقير وجئت تسأله. الشاهد قوله: (لا تهين الفقير) فإن أصله: (لا تهينن الفقيرَ) قد يقول قائل: أنتم عللتم بأنه التقى ساكنان فلماذا لا تكسرونها وتقولون: لا تهيننِ الفقير، أو ادخلنِ المسجد؟ وفي الحقيقة أن هذا يثقل عليكم، لكنهم يقولون: إن نون التوكيد لا تأتي مكسورة إلا إذا كانت بعد ألف، وهذه ليست بعد ألف، وقد ذكرت أن بعض المسائل النحوية مهما علل النحوي فيها فلا يستطيع أن يتخلص. فنقول: المرجع في هذا هو السماع.

تحذف النون الخفيفة عند الوقف بعد الضمة والكسرة

تحذف النون الخفيفة عند الوقف بعد الضمة والكسرة قوله: (وبعد غير فتحة إذا تقف) أي: واحذفها أيضاً بعد غير الفتحة إذا وقفت، ومعلوم أن النون يفتح ما قبلها دائماً، أي: يبنى الفعل معها على الفتح، سواء كانت شديدة أو خفيفة، قال تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32]. لكن إذا كان الذي قبلها غير مفتوح، وذلك إذا كان مضموماً وإذا كان مكسوراً، مثال المضموم: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران:186]، فالذي قبلها مضموم، ومثال المكسور: لتفهمِن يا هند، فالذي قبلها مكسور، وأصبح (لتفهميننَّ) كما سبق، فهنا إذا كان الذي قبلها مضموماً، أو مكسوراً ووقفت عليها فإنها تحذف، فتقول مثلاً: يا هند لتفهمِ، يا قوم لتسمعُ، لكن يقول: [واردد إذا حذفتها في الوقف ما من أجلها في الوصل كان عدما] أي: إذا حذفتها فاردد ما كان محذوفاً لأجلها التوكيد عند الوصل، وعلى هذا فإذا وقفنا نرد الياء، ونرد الواو، ونقول: يا هند لتفهمي، ونقول: يا قوم لتسمعوا. إذا قال قائل: ما يدرينا أن الفعل مؤكد؟ نقول: لأنه إذا جاءت اللام الواقعة في جواب القسم فإنه يجب تأكيده، فإذا لم نجد النون عرفنا أن هناك حذفاً بالتغيير، وأن النون أصلها موجودة بالتأكيد، كذلك لو لم يكن مؤكداً لوجب أن تأتي نون رفع، ولقلنا: يا هندُ لتفهمين، ويا قوم لتسمعون، فلما لم تأت نون الرفع ووجد ما يقتضي التوكيد -وهي اللام الموطئة للقسم- علمنا أن هناك نون توكيد لكنها حذفت، ولما حذفت وجب أن نرد ما حذف من أجلها في الوصل؛ لأن ما حذف من أجل الوصل حذف لوجودها، فإذا زالت رجعت، ولهذا قال: [وأبدلنها بعد فتح ألفا وقفاً كما تقول في قفن قفا]. وتقول: في اضربن: اضربا، الضمير يعود على الألف المبدلة عن نون التوكيد الخفيفة، أما الثقيلة فلا، الثقيلة تقول: اضربنَّ، أو اضربنْ، وأما الخفيفة فتقلب ألفاً. والخلاصة: أن نون التوكيد تتبع الفعل إما وجوباً، وإما جوازاً بقلة، وإما جوازاً بكثرة، على حسب التفصيل السابق، وقد ذكرنا مثالاً ينبني عليه حكم شرعي، فإذا قلت على مذهب أبي حنيفة: والله أصومُ، وجب عليك الكفارة، مع أنك قد صمت؛ لأنه لا يمكن أن تحذف نون التوكيد مع القسم، فيكون المعنى: والله لا أصوم. فإذا أردنا أن نصحح الكلام على اللغة العربية صار التقدير: والله لا أصومُ، ولكن سبق لنا أن بعض أهل العلم قال: إن هذا وإن كان مقتضى القواعد العربية لكن الأيمان تحمل على العرف، فالإنسان إذا قال: والله غداً أصوم، فيقتضي معنى كلامه: أنه يصوم، ولا يخطر في باله أن المعنى: لا يصوم. قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف} [يوسف:85]، التقدير: والله لا تفتأُ.

شرح ألفية ابن مالك [61]

شرح ألفية ابن مالك [61] الأسماء تنقسم من حيث الإعراب إلى: أسماء مبنية، وأسماء معربة، وأسماء ممنوعة من الصرف، والممنوع من الصرف لا ينون ولا يجر بالكسرة، وموانع الصرف تسع منها ألف التأنيث وزيادتا فعلان والوصف الذي على أفعل وصيغة منتهى الجموع.

الاسم الذي لا ينصرف

الاسم الذي لا ينصرف

تعريف الصرف والعلل المانعة منه

تعريف الصرف والعلل المانعة منه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما لا ينصرف الصرف تنوين أتى مبينا معنى به يكون الاسم أمكنا]. الأسماء ثلاثة أقسام: منها: ما لا يتغير بحسب العوامل، وهذا هو المبني. ومنها: ما يتغير تغيراً كاملاً، وهذا هو المعرب المنصرف. ومنها ما يتغير تغيراً ناقصاً، وهذا هو المعرب غير المنصرف. مثال الأول -وهو المبني- تقول: مررت بمنْ قامَ، ورأيت مَنْ قامَ، وجاء مَنْ قامَ. والذي يتغير بعض التغير -كما ذكرنا- هو الاسم المعرب غير المنصرف. والصرف في اللغة: التغيير، تقول: صرفت الشيء، أي: غيرته عن مكانه. وفي اصطلاح النحويين: هو التنوين الذي أتى ليبين تمكن الاسم من الاسمية، هذا هو الصرف. فخرج بقوله: (تنوين): ما لا ينون، وخرج بقوله: (أتى مبيناً معنى به يكون الاسم أمكنا) تنوين العوض، فإن تنوين العوض لا يسمى صرفاً؛ لأنه تنوين لعارض، بخلاف التنوين في (زيدٍ) و (عمروٍ)، و (خالدٍ). قال تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة:84] (إذ) منونة؛ لكن هذا التنوين عوض عن جملة محذوفة. كذلك (جوارٍ وغواشٍ) هو تنوين لكنه ليس تنويناً لبيان تمكن هذين الاسمين من الاسمية، وإنما هو من أجل العوض. ومثاله كالتنوين في: عليٍ، ومحمدٍ، وبكرٍ، وخالدٍ، وفي سماءٍ، وأرضٍ، وما أشبهها. ثم إن الاسم الذي لا ينصرف يختص بحكمين: أحدهما: أنه لا ينون أبداً، لا مرفوعاً، ولا منصوباً، ولا مجروراً. الثاني: أنه يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، إلا أن يضاف أو يحلى بأل، قال ابن مالك فيما سبق: وجر بالفتحة ما لا ينصرف ما لم يضف أو يك بعد أل ردف وما هو الاسم الذي لا ينصرف؟ يقول العلماء: إنه ما كان فيه علتان من علل تسع، أو علة واحدة تقوم مقام علتين، وهذه العلل مجموعة في قول الشاعر: اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَة فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلا فهذه التسع العلل: الأولى: الجمع. الثانية: وزن الفعل. الثالثة: العدل. الرابعة: التأنيث. الخامسة: المعرفة. السادسة: التركيب. السابعة: الزيادة. الثامنة: العجمة. التاسعة: الوصفية.

من موانع الصرف ألف التأنيث

من موانع الصرف ألف التأنيث قال المصنف رحمه الله تعالى: [فألف التأنيث مطلقاً منع صرف الذي حواه كيفما وقع] ألف: مبتدأ. ومنع: الجملة خبر المبتدأ. (صرف الذي حواه) أي: صرف الذي اتصل به كيفما وقع. إذاً: ألف التأنيث مانعة من الصرف، سواء كانت ممدودة أو مقصورة؛ لأنه قال: (ألف التأنيث مطلقاً)، وسواء اتصلت باسم أو علم، أو صفة، لقوله: (كيفما وقع)، أي: فهي تشمل المقصورة والممدودة، في علم، أو اسم، أو صفة. مثال ألف التأنيث الممدودة: صحراء، هذه ألف التأنيث الممدودة لأنها ألف بعدها همز، وصحراء اسم، فليست علماً ولا صفة. كذلك: خضراء، فيها ألف تأنيث ممدودة، وهي صفة من الخضرة. أيضاً: أسماء، ألف تأنيث ممدودة، وهي علم. ومثال ألف التأنيث المقصورة، -وهي الألف التي ليس بعدها همزة: حبلى -أي: حامل- فهذه ألف تأنيث مقصورة وقعت في وصف. ومثالها في علم: سلمى، وليلى، فهذا علم فيها ألف التأنيث المقصورة فتمنعها من الصرف. ومنها: أرطى، وهي اسم، ليست وصفاً ولا علماً، ونحو ذلك. تقول مثلاً: مررت بأسماء: مررت: فعل وفاعل. بأسماء: الباء حرف جر، وأسماء: اسم مجرور بالباء، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، والمانع له من الصرف ألف التأنيث الممدودة. وتقول: مررت بامرأة حبلى؛ مررت: فعل وفاعل. بامرأة: جار ومجرور. حبلى: صفة لامرأة مجرورة وعلامة جرها فتحة مقدرة على الألف نيابة عن الكسرة منع من ظهورها التعذر.

الوصفية وزيادة الألف والنون

الوصفية وزيادة الألف والنون قال المصنف رحمه الله تعالى: [وزائدا فعلان في وصف سلم من أن يرى بتاء تأنيث ختم]. قال: قوله: (وزائدا فعلان) الزيادة في (فعلان) هي الألف والنون، وإنما قال: (فعلان)؛ لأن (فَعَلَ) هو الذي توزن به الكلمات، ولهذا يقال: فاء الكلمة، وعين الكلمة، ولام الكلمة. إذاً: (فعل) فاء الكلمة وعينها ولامها، والزائد الألف والنون، إذاً: الألف والنون مانعان من الصرف، لكن بشرط أن يكونا (في وصف) وشرط ثان: (سلم من أن يرى بتاء تأنيث ختم). إذاً: يمنع الاسم من الصرف: الصفة وزيادة الألف والنون، بشرط ألا يكون المؤنث من ذلك مختوماً بتاء التأنيث. مثاله: سكران، عطشان، غضبان، تقول: هذا سكرانُ، ومررت بسكرانَ، ورأيت سكرانَ. ففي الجر جُرّ بالفتحة، وكذلك لم ينون؛ لأنه ممنوع من الصرف. ومؤنثة ليس مختوماً بتاء التأنيث، تقول: سكرى، عطشى، غضبى، بخلاف سيفان، فإنه منصرف لأن مؤنثة: سيفانة، أي: طويلة.

الوصفية ووزن الفعل

الوصفية ووزن الفعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ووصف اصلي ووزن أفعلا ممنوع تأنيث بتا كأشهلا]. أي: ومنع من الصرف وصف أصلي ووزن أفعل، فلابد أن يكون وصفاً أصلياً، على وزن أفعل، وبشرط أن يكون مؤنثه ممنوع التأنيث بالتاء. فذكر المؤلف ثلاثة أوصاف: أن يكون وصفاً أصلياً، وأن يكون على وزن أفعل، وأن يكون مؤنثه خالياً من التاء، فإذا تمت هذه الشروط فإنه يكون ممنوعاً من الصرف. مثاله: أشهل، ومؤنثه: شهلاء، فنقول: أشهل: وصف أصلي، على وزن أفعل، وليس تأنيثه بالتاء. مثال آخر: أحمر، أصفر، أخضر، أزرق وما أشبه ذلك، ومثله أفضل؛ لأنه وصف أصلي، ممنوع التأنيث بالتاء، فيكون ممنوعاً من الصرف، مثاله: مررت برجل أفضل من فلان. فنقول: مررت: فعل وفاعل. برجل: جار مجرور. أفضل: صفة لرجل، وصفة المجرور مجرورة، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية ووزن الفعل.

الوصفية العارضة

الوصفية العارضة وقوله: (وصف أصلي) خرج به ما إذا كان الوصف عارضاً أي: غير أصلي، فإنه يلغى ولا يعتبر ويرجع إلى الأصل، فإذا وجدنا اسماً على وزن (أفعل) عرضت له وصفية وأصله ليس للوصف، فإنه لا يمنع من الصرف اعتباراً بأصله، ولهذا قال رحمه الله: [وألغين عارض الوصفية كأربع وعارض الإسمية]. كلمة (أربع) وصف، تقول: مررت بنساء أربع، فهذا وصف لهن، أي: بالغات هذا العدد، لكن لما كان أصل أربع ليس وصفاً؛ لأن أصل (أربع) اسم لهذا العدد الذي بين الثلاث والخمس. هذا الأصل في أربع، فالوصف فيه عارض تقول: اشتريت أربع شياه، فهنا ليس وصفاً وتقول: مررت بنساء أربع، فصار الآن وصفاً، فالأصل فيه الاسمية، أي: أنه اسم لعدد يكون بين الثلاثة والخمسة، وابن مالك يقول: (ألغين عارض الوصفية) ولا تعتبره، وعليه تكون (أربع) مصروفة؛ لأنها ليست وصفاً أصلياً، فتقول: مررت بنساء أربعٍ، واشتريت شياهاً أربعاً، فلم نصرفها؛ لأن الوصف فيها عارض. قوله: (وعارض الإسمية) أيضاً ألغ عارض الاسمية واعتبر الوصف الأصلي، وهذا عكس المسألة، يعني: كما أنه لو وجد وصف على وزن أفعل ثم عرضت له الاسمية فإننا نعتبر الأصل ولا نعتبر الاسم، مثاله كما قال: [فالأدهم القيد لكونه وضع في الأصل وصفاً انصرافه منع]. الأدهم: مبتدأ. وانصراف: مبتدأ ثان. ومنع: خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول أي: فالأدهم انصرافه منع، وكلمة (الأدهم) هي وصف مثل: أخضر وأبيض وأزرق، لكنه وضع اسماً للقيد، وقد سبق لنا في البلاغة قول الحجاج: إنا حاملوك على الأدهم، فقال المهدَّد: مثل الأمير يحمل على الأدهم والكميت والأشقر. والمراد بالأدهم: القيد، والقيد لونه أبيض فيسمى أدهم، فالأدهم في الأصل وصف، لكنه جعل اسماً للقيد سواء كان أدهم أو غير أدهم. إذاً: اسميتها عارضة، فيعتبر الأصل، ولهذا قال: (فالأدهم القيد)، القيد هذا بيان للأدهم، أي: فالأدهم الذي هو القيد. يقول المؤلف: (لكونه وضع في الأصل وصفاً انصرافه منع)، قوله: (لكونه في الأصل وصفاً) متعلق بمنع، أي: فالأدهم القيد انصرافه منع لكونه في الأصل وصفاً. وخلاصة الأبيات الثلاثة: أنه إذا اجتمع وصف أصلي، على وزن أفعل، ليس مؤنثة مختوماً بالتاء، فإنه لا ينصرف، والعبرة بالأصل، فلو كان أصله اسماً ثم جعل وصفاً فإنه ينصرف، ولو كان في الأصل صفة ثم جعل اسماً فإنه لا ينصرف، فالعبرة بالأصل. ومثال الذي كان أصله اسماً ثم صار صفة: كلمة (أربع)، ومثال الذي أصله صفة ثم جعل اسماً: (الأدهم)، فإنه في الأصل صفة، ثم جعل اسماً للقيد، فالأدهم ممنوع من الصرف وإن لم يرد به الصفة؛ لأن الأصل أنه للصفة، والأربع مصروفة وإن جعلت صفة اعتباراً بالأصل.

أمثلة لأسماء مصروفة أصلها صفات

أمثلة لأسماء مصروفة أصلها صفات قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأجدل وأخيل وأفعى مصروفة وقد ينلن المنعا] أجدل: اسم للصقر، وكلمة أجدل في الأصل صفة، تقول: فلان أجدل من فلان، لكنه جعل اسماً للصقر، فهل تنوسيت الصفة وصار مصروفاً، أم نقول: مادام صفة في الأصل فإنه غير مصروف؟ يقول ابن مالك: إنه مصروف؛ لأن الصفة تنوسيت، فكأنه لم يستعمل صفة في الأصل للقوة ونقل إلى الصقر، ولهذا قال: (مصروفة وقد ينلن المنع)، أي: وقد تمنع. وعليه نقول: اشتريت من السوق أجدلاً، فهنا صرفنا (أجدلاً) على القول الأول، وعلى القول الثاني: اشتريت أجدلَ من السوق، بعدم الصرف. ما الفرق بين أجدل وبين الأدهم؟ يقولون: لأن ظهور الصفة في (أدهم) أقوى من ظهورها في (أجدل)؛ لأن أدهم لون مثل: أخضر، وأحمر، لكن أجدل اسم تفضيل، فظهور الصفة في الأول أقوى من ظهورها في الثاني، ولأن الصفة تنوسيت إطلاقاً، فإن الصقر لا يجادل، فكأن الصفة نسيت مطلقاً من هذه الكلمة وجعلت اسماً للصقور. الثانية: قال: (وأخيل) الأخيل طائر معروف، وكأن هذا الطائر -والله أعلم- جميل الشكل، فكأن عنده خيلاء، أو إذا قام يمشي يتأرجح فهو أخيل، لكنه سمي أخيل، تقول: رأيت أخيلاً، أي: هذا الطائر المسمى بأخيل، أو رأيت أخيلَ؛ لكن (أخيلاً) بالتنوين أكثر؛ لأن ابن مالك يقول: (وقد ينلن) وقد: للتقليل. قوله: (وأفعى) الأفعى هي الحية، وأفعى على وزن أفعل، وكان يقال: فلان أفعى من فلان، قيل: إن أصلها فلان أفوع من فلان، فنقل حرف العلة إلى الآخر فصارت: أفعى. إذاً: كلمة أفعى في الأصل اسم تفضيل، ثم صارت اسماً للحية، فيصح أن نجعلها مصروفة، وأن نجعلها غير مصروفة. لكن إذا قال قائل: إن آخرها ألف فلا يتبين أنها مصروفة أو غير مصروفة؟ فنقول: صحيح أنه عند النطق لا يتبين، لكن عند الإعراب يتبين، فإذا قلت: نظرت إلى أفعى، ونريد أن نعربه على أنه ممنوع من الصرف نقول: إلى: حرف جر. أفعى: اسم مجرور بإلى، وعلامة جره فتحة مقدرة على آخره نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف. أما على القول بأنها مصروفة فنقول: أفعى: اسم مجرور بإلى وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر. فالنطق لا يظهر بالنسبة لأفعى، لكن الإعراب يظهر فيها على اعتبار أنها مصروفة أو على اعتبار أنها غير مصروفة.

الوصفية والعدل

الوصفية والعدل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنع عدل مع وصف معتبر في لفظ مثنى وثلاث وأخر ووزن مثنى وثلاث كهما من واحد لأربع فليعلما] هذه هي العلة الرابعة: قوله: (ومنع عدل مع وصف معتبر). منع عدل: مبتدأ. معتبر: خبره، أي: من موانع الصرف: العدل مع الوصف. والعدل معناه: التغيير، أي: أن تغير الكلمة إلى كلمة أخرى تعدل بها عن بنائها الأصلي، فهذا يكون بالوصف في لفظ مثنى وثلاث وأخر، ولفظ مثنى وثلاث أي: مفعل وفعال، فمثنى وصف بمعنى: اثنين اثنين، فتقول مثلاً: مر بي نساء مثنى، أي: اثنتين اثنتين، وثلاث أي: ثلاثاً ثلاثاً، قال الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]، وقال تعالى: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:1] يعني: الأجنحة. وفي لفظ مثنى وثلاث يقال: مثنى، ويقال: ثلاث، ويقال: مثنى وثناء، ويقال: مربع ورباع، ويقال: مخمس وخماس، ويقال: مسدس وسداس، ومسبع وسباع، ومثمن وثمان، ومتسع وتساع، ومعشر وعشار، هذا هو القياس، لكنه ما كان يصلح إلا في مثنى وثلاث ورباع وأظن تساع وعشار، لكن القياس أنه يجوز فيها كلها. ومثنى وصف معدول عن الاثنين فهو ممنوع من الصرف، والمانع له من الصرف الوصفية والعدل. وتقول: مررت بنساء ثُلاث: بنساء: جار ومجرور. ثلاث: صفة للنساء مجرور، وصفة المجرور مجرورة، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية والعدل. كذلك (أخر) قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، ولم يقل: فعدة من أيام أخرٍ، وهي معدولة عن: أخرى. ولو قيل: فعدة من أيام أخرى لصح، لكنه قال: أخر، فهي معدولة عن أخرى، وقيل: إنها معدولة عن الآخر التي بأل، ولكن هذا لا يستقيم إذا كان الموصوف نكرة، لأنه يلزم أن يوصف بمعرفة، وعلى كل حال هي معدولة، فتقول: ((مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)): من أيام: جار ومجرور. أخر: صفة لأيام مجرورة وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية والعدل. إذاً: الذي عندنا الآن في الأوصاف ثلاثة أوزان هي: مثنى، وثلاث، وما كان على وزنهما من العدد، وأخر، وكل هذه المانع لها من الصرف الوصفية والعدل. قال رحمه الله تعالى: (ووزن مثنى وثلاث كهما من واحد لأربع فليعلما) ابن مالك رحمه الله جعل المسألة إلى أربع فقال: (ووزن مثنى وثلاث كهما) أي: كوزنهما (من واحد لأربع)، فنقول في واحد: أحاد. فقوله: (من واحد لأربع فليعلما) معناه: فلا تزد على الأربع، وقال بعضهم: بل نزيد إلى العشرة لأنه لا مانع، وإذا كان للمثنى فلا يعني ذلك أنه لا يصلح إلا له.

صيغة منتهى الجموع

صيغة منتهى الجموع قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكن لجمع مشبه مفاعلا أو المفاعيل بمنع كافلا]. قوله: (وكن لجمع مشبه مفاعلاً أو المفاعيل) ما قال: في كل جمع على مفاعل، بل قال: مشبه مفاعل أو مفاعيل؛ وذلك لأن مفاعل فيها ميم زائدة، ومفاعيل فيها أيضاً ميم زائدة، وليس بشرط أن يكون فيها ميم زائدة، الشرط أن يكون الجمع على هذا الوزن، أي: على وزن مفاعل أو مفاعيل، بحيث يكون أوله وثانيه متحركين بعدهما ألف، وبعد الألف حرف مكسور سواء كان فيه ياء أو لم يكن فيه ياء، مثل: مساجد كمفاعل، ومصابيح كمفاعيل، ومفاتح كمفاعل، ومفاتيح كمفاعيل، وقوالب كمفاعل؛ لأن وزنها (فواعل)، ودحارج مشبه لمفاعل؛ لأن وزنه فعالل، وصواريخ تشبه مفاعيل، وهي على وزن فواعيل. وطواغيت على مفاعيل؛ لأن طواغيت وزنها فواعيل، ومثله مواعين على شبه مفاعيل؛ لأن الظاهر أن وزنها فواعيل، ومثلها: مواعيد، ونحو ذلك. إذاً: كل ما شابه مفاعل أو مفاعيل فإنه ممنوع من الصرف لعلة واحدة كافية، وعلى هذا فلا فرق بين أن يكون اسماً أو صفة، مذكراً أو مؤنثاً، مادام على هذا الوزن فإنه يكون ممنوعاً من الصرف، ويسمون هذا الوزن: صيغة منتهى الجموع. إذاً: ما كان على هذا الوزن فإنه لا ينصرف، والمانع له من الصرف صيغة منتهى الجموع. قال رحمه الله تعالى: [وذا اعتلال منه كالجواري رفعاً وجراً أجره كساري]. قوله: (ذا اعتلال) ذا: منصوبة على الاشتغال، ونصبها هنا هو الراجح. (وذا اعتلال) أي: وأدغم ذا اعتلال، أي: ما كان آخره حرف علة من هذا الوزن أدغم رفعاً وجراً، (أجره كساري) ساري هذه أظنها اسم فاعل معتل بالياء، ففي حال الرفع والجر تحذف الياء وتنون الراء، فتقول: هذا سارٍ، ومررت بسارٍ، وإعرابها: هذا: مبتدأ. وسارٍ: خبر المبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والتنوين هنا عوض عن الحرف المحذوف. وتقول: مررت بسارٍ: مررت: فعل وفاعل. بسارٍ: الباء: حرف جر، سارٍ: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة، والتنوين هنا عوض عن الياء المحذوفة. وإذا جاءت صيغة منتهى الجموع وهو معتل الآخر، فيقول ابن مالك: إنك تجريه كساري، أي: أنك تحذف حرف العلة وتنونه، مثال ذلك قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41]، فكلمة (غواش) جمع، وهي صيغة منتهى الجموع، على وزن فواعل، فهي صيغة منتهى الجموع، ففي القرآن الآن حذفت الياء ونون ما قبلها وبقي مقصوراً على ما هو عليه، فنقول في إعرابها: من فوقهم: الجار والمجرور خبر مقدم. غواش: مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والنون عوض عن الياء المحذوفة. وهذا في حال الرفع، وابن مالك يقول: (رفعاً وجراً)، وكذلك أيضاً في الجر يجرى كساري، بمعنى: أنها تحذف الياء وينون ما قبلها، مثل أن تقول: مررت بجوارٍ يلعبن، فجوار جمع جارية، على وزن فواعل، تقول: مررت: فعل وفاعل. بجوار: الباء حرف جر، جوارٍ: اسم مجرور بالباء وعلامة جره فتحة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف والمانع له من الصرف صيغة منتهى الجموع. وعلم من قول ابن مالك: (رفعاً وجراً) أنه في حال النصب لا يجرى كساري، وإنما يبقى حرف العلة منصوباً بدون تنوين، قال الله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [النحل:15]، فكلمة (رواسي) معتلة بالياء، وبقيت الياء في حال النصب منصوبة. وخلاصة هذا البيت: أن ما كان مجموعاً على صيغة منتهى الجموع فلا يخلو: إما أن يكون مرفوعاً، أو مجروراً، أو منصوباً، فإن كان مرفوعاً أو مجروراً فإنه يجوز إجراؤه إجراء المعتل بالياء، مثل: ساري، فتقول: هؤلاء جوارٍ، ومررت بجوارٍ، وإن كان منصوباً فإنه تبقى الياء مفتوحة بدون تنوين، فتقول: رأيت جواريَ يلعبن، ولا يصح أن تقول: رأيت جوار، ولا يصح أن تقول: رأيت جوارياً، بل تبقى الياء مفتوحة بدون تنوين، ومنه قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [النحل:15]. وقد ذكر المؤلف هذا حتى لا يظن الظان أن هذا الحكم يشمل المعتل، فاستثناه المؤلف.

ما يلحق بصيغة منتهى الجموع

ما يلحق بصيغة منتهى الجموع قال رحمه الله: [ولسراويل بهذا الجمع شبه اقتضى عموم المنع]. وهذا من باب القياس في النحو، فسراويل ليس بجمع، وإنما هو مفرد، تقول: علي سراويل، وليس عليك إلا واحد، فاللغة العربية ألا تقول: سروال، إلا في لغة قليلة جداً لبعض العرب، وإلا اللغة الفصيحة المشهورة أن تقول: سراويل. وسراويل ليس بجمع، بل هو مفرد، لكن فيه شبه من هذا الجمع، ولهذا قال: (ولسراويل بهذا الجمع شبه) أي: شبه من حيث اللفظ، أما المعنى فلا؛ لأن صيغة منتهى الجموع تدل على تعدد، وسراويل لا تدل على تعدد، لكنه يشبهه في اللفظ. قوله: (اقتضى) أي: ذلك الشبه، ما الذي اقتضى؟ اقتضى عموم المنع، أي: اقتضى أن نمنع سراويل من الصرف مع أنه ليس بجمع، وهو في الأول يقول: (وكل جمع مشبه مفاعلا) فكأنه رحمه الله ذكر إيراداً: إذا كان هذا اللفظ ليس بجمع فهل له حكمه؟ قال: له هذا الحكم؛ لأنه يشبه هذا الجمع من حيث اللفظ، فسراويل على وزن فعاليل، فهو يشبهه لفظاً، فلذلك اقتضى عموم المنع من الصرف. مع أنهم يقولون: إن هذا اللفظ أعجمي في الأصل، لكنه عرب. فنقول مثلاً: أتيت بسراويل: أتيت: فعل وفاعل. والباء: حرف جر. وسراويل: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه يشبه صيغة منتهى الجموع. وجمع سراويل: سراويلات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فليلبس سراويلات). قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن به سمي أو بما لحق به فالانصراف منعه يحق]. الضمير في (به) يعود على ما كان مشبهاً لمفاعل أو مفاعيل، قوله: (سمي) أي: جعل علماً. يعني: هذه الصيغة من الجمع إذا سميت بها إنساناً منعت من الصرف وإن كانت لا تدل إلا على واحد. مثال ذلك: رجل سميناه مساجد، كلمة (مساجد) الآن تدل على علم مفرد، لكن لما كان مسماه بصيغة منتهى الجموع ثبت لها حكم صيغة منتهى الجموع، ولهذا قال: (فالانصراف منعه يحق)، فهو ممنوع من الصرف، تقول: مررت بمساجدَ فاشتريت منه خبزاً، لو سمع هذا الكلام أحد من العامة سيقول: هذا مجنون، يشتري من المساجد خبزاً! لكن نحن سمينا هذا الرجل مساجد، تقول: مررت: فعل وفاعل. والباء: حرف جر. ومساجد: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف إلحاقه بمنتهى الجموع من أجل اللفظ. وأشار بقوله: (يحق) إلى أن هناك خلافاً؛ لأن بعض النحويين يقول: لا يمنع من الصرف؛ لأنه الآن سلبت دلالته على الجمعية، وصار دالاً على المفرد وينصرف؛ لأنه زال معناه. كذلك (أو بما لحق به) الذي يلحق بصيغة منتهى الجموع أيضاً إذا سميت به فإنه ممنوع من الصرف، فلو سميت شخصاً بسراويل فهذا ليس بصيغة منتهى الجموع من الأصل بل هو مفرد، ومع ذلك يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأنه ملحق بصيغة منتهى الجموع. وكذلك شراحيل، فشراحيل اسم علم معروف في التابعين وفي الصحابة، وشراحيل أصلاً ليست جمعاً، ومع ذلك تمنع من الصرف؛ لأنها تشبه الجمع. إذاً: (ما سمي به) أي: بصيغة منتهى الجموع، أو سمي بما ألحق بصيغة منتهى الجموع فإن ابن مالك يقول: (فالانصراف منعه يحق)، الفاء في قوله: (فالانصراف) رابطة لجواب الشرط في قوله: (وإن به سمي) والانصراف: مبتدأ، ومنع: مبتدأ، ويحق: جملة هي خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ وخبره جواب الشرط.

شرح ألفية ابن مالك [62]

شرح ألفية ابن مالك [62] ومن موانع الصرف التركيب المزجي، ووزن الفعل والتأنيث بغير الألف والعجمة، وذلك مع العلمية، فإذا اجتمعت واحدة من هذه العلل مع العلمية منعت العلم من الصرف.

تابع موانع الصرف

تابع موانع الصرف قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعلم امنع صرفه مركبا تركيب مزج نحو معد يكربا]. قوله: (والعلمَ امنع صرفه مركباً) يجوز نصب العلمَ، ويجوز رفعه لكنه مرجوح؛ لأن المشغول هنا طلب، وإذا كان المشغول طلباً فالأرجح النصب. والمعنى: إذا وجدنا علماً مركباً تركيب مزج فإنه يمنع من الصرف، ومعنى (مزج) أي: خلط، كأنك خلطت الكلمتين وجعلتهما كلمة واحدة، فإذا قلت: عبد الله، فإنهما كلمتان متضايفتان؛ لأن (عبد) لها معنى و (الله) لها معنى، لكن إذا أتيت بكلمتين ومزجتهما وجعلتهما دالتين على شيء واحد، فقد خلطت الكلمتين وجعلتهما لشيء واحد، مثل: معد يكرب، أصل (معدي) اسم مفعول، فهي كلمة مستقلة، و (كرب) كلمة مستقلة، فعل ماض، خلطتهما وجعلتهما شيئاً واحداً، فهذا نسميه تركيباً مزجياً، من المزج وهو الخلط. فإذا وجدنا علماً مركباً تركيباً مزجياً سواء كان علماً لإنسان أو لمكان فإنه ممنوع من الصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتركيب المزجي، مثل: معد يكرب، تقول: مررت بمعد يكرب: مررت: فعل وفاعل. الباء: حرف جر. معد يكرب: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتركيب المزجي. ومثله أيضاً: بعلبك، هذه أيضاً أصلها: بعل، وبك، فخلط الاسمان وجعلا اسماً واحداً، فنقول مثلاً: سكنت في بعلبك: سكنت: فعل وفاعل. في: حرف جر. بعلبك: اسم مجرور بفي وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتركيب المزجي، ومثله: حضرموت. المهم: أنه إذا ركب تركيباً مزجياً وهو علم فإنه ممنوع من الصرف، وهذه العلة -وهي التركيب المزجي- لا توجد في الصفة، إنما توجد في الأعلام فقط.

العلمية والتركيب المزجي

العلمية والتركيب المزجي قال رحمه الله: [ولسراويل بهذا الجمع شبه اقتضى عموم المنع]. وهذا من باب القياس في النحو، فسراويل ليس بجمع، وإنما هو مفرد، تقول: علي سراويل، وليس عليك إلا واحد، فاللغة العربية ألا تقول: سروال، إلا في لغة قليلة جداً لبعض العرب، وإلا اللغة الفصيحة المشهورة أن تقول: سراويل. وسراويل ليس بجمع، بل هو مفرد، لكن فيه شبه من هذا الجمع، ولهذا قال: (ولسراويل بهذا الجمع شبه) أي: شبه من حيث اللفظ، أما المعنى فلا؛ لأن صيغة منتهى الجموع تدل على تعدد، وسراويل لا تدل على تعدد، لكنه يشبهه في اللفظ. قوله: (اقتضى) أي: ذلك الشبه، ما الذي اقتضى؟ اقتضى عموم المنع، أي: اقتضى أن نمنع سراويل من الصرف مع أنه ليس بجمع، وهو في الأول يقول: (وكل جمع مشبه مفاعلا) فكأنه رحمه الله ذكر إيراداً: إذا كان هذا اللفظ ليس بجمع فهل له حكمه؟ قال: له هذا الحكم؛ لأنه يشبه هذا الجمع من حيث اللفظ، فسراويل على وزن فعاليل، فهو يشبهه لفظاً، فلذلك اقتضى عموم المنع من الصرف. مع أنهم يقولون: إن هذا اللفظ أعجمي في الأصل، لكنه عرب. فنقول مثلاً: أتيت بسراويل: أتيت: فعل وفاعل. والباء: حرف جر. وسراويل: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه يشبه صيغة منتهى الجموع. وجمع سراويل: سراويلات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فليلبس سراويلات). قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن به سمي أو بما لحق به فالانصراف منعه يحق] الضمير في (به) يعود على ما كان مشبهاً لمفاعل أو مفاعيل، قوله: (سمي) أي: جعل علماً. يعني: هذه الصيغة من الجمع إذا سميت بها إنساناً منعت من الصرف وإن كانت لا تدل إلا على واحد. مثال ذلك: رجل سميناه مساجد، كلمة (مساجد) الآن تدل على علم مفرد، لكن لما كان مسماه بصيغة منتهى الجموع ثبت لها حكم صيغة منتهى الجموع، ولهذا قال: (فالانصراف منعه يحق)، فهو ممنوع من الصرف، تقول: مررت بمساجدَ فاشتريت منه خبزاً، لو سمع هذا الكلام أحد من العامة سيقول: هذا مجنون، يشتري من المساجد خبزاً! لكن نحن سمينا هذا الرجل مساجد، تقول: مررت: فعل وفاعل. والباء: حرف جر. ومساجد: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف إلحاقه بمنتهى الجموع من أجل اللفظ. وأشار بقوله: (يحق) إلى أن هناك خلافاً؛ لأن بعض النحويين يقول: لا يمنع من الصرف؛ لأنه الآن سلبت دلالته على الجمعية، وصار دالاً على المفرد وينصرف؛ لأنه زال معناه. كذلك (أو بما لحق به) الذي يلحق بصيغة منتهى الجموع أيضاً إذا سميت به فإنه ممنوع من الصرف، فلو سميت شخصاً بسراويل فهذا ليس بصيغة منتهى الجموع من الأصل بل هو مفرد، ومع ذلك يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأنه ملحق بصيغة منتهى الجموع. وكذلك شراحيل، فشراحيل اسم علم معروف في التابعين وفي الصحابة، وشراحيل أصلاً ليست جمعاً، ومع ذلك تمنع من الصرف؛ لأنها تشبه الجمع. إذاً: (ما سمي به) أي: بصيغة منتهى الجموع، أو سمي بما ألحق بصيغة منتهى الجموع فإن ابن مالك يقول: (فالانصراف منعه يحق)، الفاء في قوله: (فالانصراف) رابطة لجواب الشرط في قوله: (وإن به سمي) والانصراف: مبتدأ، ومنع: مبتدأ، ويحق: جملة هي خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ وخبره جواب الشرط.

العلمية وزيادة الألف والنون

العلمية وزيادة الألف والنون قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذاك حاوي زائدي فعلانا كغطفان وكأصبهانا]. قوله: (كذاك حاوي) أي: كالعلم المركب العلم الحاوي زائدي فعلانا. والحاوي هو الجامع، و (زائدا فعلانا) هما الألف والنون، ولا يشترط أن يكون على وزن فعلان، المهم أن يوجد علم فيه زيادة الألف والنون، فإنه يكون ممنوعاً من الصرف، فكل علم فيه زيادة الألف والنون فهو ممنوع من الصرف. وما يدرينا أنها زائدة أو ليست بزائدة؟ مثاله: حسان، النون هنا زائدة أو أصلية؟ لا ندري، فإن كان من الحسن فهي أصلية، وإن كان هي من الحس: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران:152] فهي زائدة. إذاً: نقول: إذا كنت لا تدري فانظر إلى السماع، فإن كان مسموعاً بعدم الصرف فهو غير مصروف، وإن كان غير مسموع فإنك بالخيار. فعلى هذا تكون المسألة: ما علمت زيادة الألف والنون فيه فهو ممنوع من الصرف، هذا بدون تفصيل، وما كان محتملاً للزيادة وعدمها فهنا نرجع للسماع، فإن كان مسموعاً مصروفاً فإنه يصرف والنون تكون أصلية، وإن سمع غير مصروف فإنه لا يصرف والنون تكون زائدة، وإذا لم يسمع فأنت بالخيار: إن رأيت أن النون أصلية صرفت، وإن رأيت أنها غير أصلية لم تصرف. حسان بن ثابت رضي الله عنه يقولون: إنه ما سمع إلا ممنوعاً من الصرف، وعلى هذا فتكون النون زائدة؛ لأنه قال: (كذاك حاوي زائدي فعلانا) فتكون النون زائدة. كذلك (عثمان) النون زائدة. و (عفان) ننظر: فإن كان من العفة فالنون زائدة ويكون ممنوعاً من الصرف، وإن كان من العفونة فالنون أصلية ويكون مصروفاً، لكن المسموع عثمان بن عفان، وعلى هذا فتكون ممنوعة من الصرف، وتكون النون زائدة، ويكون مشتقاً من العفة. إذاً: قوله: (كذاك حاوي زائدي فعلانا) أي: كذاك العلم الذي اشتمل على زيادة الألف والنون فإنه ممنوع من الصرف، فإذا قال قائل: بماذا نعرف الزيادة؟ قلنا: ننظر إلى تصريف الكلمة، إذا سقطت النون في أحد التصاريف فهي زائدة. قوله: (كغطفان) غطفان علم على قبيلة (وأصبهان) علم على بلدة، فتبين بهذا أن العلم سواء كان علماً للبلدان أو للإنسان أو أي علم يكون، إذا كان فيه ألف ونون زائدتان فإنه ممنوع من الصرف.

العلمية والتأنيث

العلمية والتأنيث قوله: (كذا مؤنث) أي: كذا علم مؤنث، فمؤنث: صفة لموصوف محذوف والتقدير: كذا علم مؤنث. وقول المؤلف: (بهاء) هذه غريبة على أسماعكم؛ لأن المعروف أن المؤنث يؤنث بالتاء، لكن تاء المؤنث قد يعبر عنها بعض أهل العلم بالهاء، ولكن الأكثر على أنهم يعبرون عنها بالتاء، ولو أن ابن مالك قال: كذا مؤنث بتاء مطلقاًَ، لكان البيت مستقيماً، لكن كأنه يرى الرأي الثاني: أن التاء التي ليست لجمع تسمى هاء. وقوله: (مطلقاً) الإطلاق هنا يعني أنه على أي شيء كان، سواء كان لمذكر أو لمؤنث، وسواء كان على ثلاثة أحرف أو أقل أو أكثر إذا كانت الهاء هي الثالثة. إذاً: قوله: (بهاء مطلقاً) أي: على أي صفة كان فهو ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث، أي: التأنيث بالتاء، لكن إن كان لمذكر فتأنيثه لفظي، وإن كان لمؤنث فتأنيثه لفظي ومعنوي. مثال ذلك: نحن نعرف أن من الصحابة من اسمه قتادة، فهذا مؤنث بالتاء، ومن اسمه طلحة وسمرة وأسامة وحمزة، فكل هذه الأسماء ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، ونوع التأنيث فيها لفظي، فلو قال قائل: وعن طلحةٍ رضي الله عنه، لكان مخطئاً. لكن ممكن أن أقول: قطعت طلحةً فأوقدت النار تحت القدر؛ فتصرف لأنها ليست علماً. كذلك نقول: مررت بامرأةٍ قائمةٍ، امرأة وقائمة مصروفتان وفيهما التاء؛ وذلك لأنهما ليستا علمين. إذاً: قوله: (كذا مؤنث) يجب أن نقول: إن هناك شيئاً محذوفاً وهو (علم) فنقول: كذا علم مؤنث بهاء مطلقاً؛ لأجل أن يخرج الوصف والاسم الجامد، فامرأة: اسم جامد، وقائمة: وصف، وهذا غير ممنوع من الصرف. لو جاءتني بنت وسميتها امرأة، فإنها تكون ممنوعة من الصرف؛ لأجل العلمية والتأنيث، ولهذا فعائشة إن كانت وصفاً فهي مصروفة، وإن كانت علماً فهي غير مصروفة، تقول: مررت بعجوز عائشةٍ مائة سنة، فهي هنا مصروفة؛ لأنها وصف، وتقول: مررت بامرأة فاطمةٍ ولدها، كذلك مصروفة لأنها ليست علماً. إذاً: كل علم مختوم بتاء التأنيث فهو ممنوع من الصرف، سواء كان هذا العلم لمذكر أو لمؤنث، وسواء كان على ثلاثة أحرف أو أكثر. ثم قال: (وشرط منع العار كونه ارتقى فوق الثلاث) قوله: (العار) أي: العاري من التاء، يعني: الخالي منها، فإذا كان العلم مؤنثاً بغير التاء، وهو ما يسمى بالتأنيث المعنوي، فإنه ممنوع من الصرف بشرط: (كونه ارتقى فوق الثلاث) أي: زاد على ثلاثة أحرف. مثاله: زينب، ممنوع من الصرف؛ لأنه أربعة أحرف، كذلك: سعاد ممنوع من الصرف؛ لأنها مكونة من أربعة أحرف. إذاً: كل علم مؤنث زائد على ثلاثة أحرف فهو ممنوع من الصرف. فإن كان ثلاثة أحرف يقول: (أو كجور او سقر أو زيد اسم امرأة لا اسم ذكر) فإذا كان الثلاثي كجور فهو ممنوع من الصرف؛ لأجل العلمية والعجمة، فتقول مثلاً: دخلت جورَ، ومشيت إلى جورَ، وهذه جورُ، ولا تصرف لأنها أعجمية. كذلك (سقر)، قال الله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42]، ممنوع من الصرف؛ وذلك لتحرك الوسط؛ وفيه أيضاً فيه العلمية والتأنيث، فلتحرك وسطه صار ثقيلاً ممنوعاً من الصرف. قوله: (وزيد اسم امرأة) (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال)، امرأة سماها أبوها (زيد)، زيد بنت عمرو، فزيد اسم ذكر، لكن مع ذلك إذا سمي به أنثى فإنه يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأن اسم الذكر على المرأة ثقيل معنى، فلأجل الثقل قالوا: يكون ممنوعاً من الصرف. إذاً: الثلاثي من المؤنث مصروف إلا في ثلاث مسائل: متحرك الوسط، وما كان أعجمياً، وما كان مذكراً سمي به مؤنث.

حكم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط إذا عدم العجمية والتذكير

حكم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط إذا عدم العجمية والتذكير قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجهان في العادم تذكيراً سبق وعجمة كهند والمنع أحق]. أي: للعلماء وجهان في المؤنث الثلاثي الساكن الوسط إذا عدم العجمة والتذكير: الصرف وعدمه. مثل: هند، كلمة هند عربية، وهي ثلاثة أحرف ساكنة الوسط، وهي اسم لمؤنث، فهند يجوز فيها وجهان: الصرف وعدمه، فتقول: مررت بهندَ، ومررت بهندٍ، ونقول: هذه هندٌ، وهذه هندُ، وتقول: رأيت هنداً، ورأيت هندَ، كل ذلك جائز، ولكن ابن مالك يقول: (والمنع أحق) أي: المنع من الصرف أحق. وخلاصة هذين البيتين: يمنع من الصرف كل علم مختوم بتاء التأنيث مطلقاً بدون شرط. ويمنع من الصرف كل علم مؤنث زاد على ثلاثة أحرف، أو كان أعجمياً، أو كان محرك الوسط، أو كان اسماً لذكر سمي به أنثى. إما إذا كان ثلاثياً ساكن الوسط ولم يسم به ذكر فيقول ابن مالك: إن فيه وجهين، والمنع أحق.

العلمية والعجمة

العلمية والعجمة قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعجمي الوضع والتعريف مع زيد على الثلاث صرفه امتنع]. أيضاً: من الأسماء التي تمنع من الصرف: العجمي، بشرط أن يكون عجمي الوضع، أي: أنه ليس من كلام العرب، وإنما هو من كلام العجم. (والتعريف) أي: أنه علم في لغة العجم، أي: عجمي في وضعه وفي تعريفه، والمراد بالتعريف هنا غير تعريف النكرة، فالمراد بالتعريف العلمية. إذاً: قوله: (والعجمي الوضع والتعريف) هذا شرط، الشرط الثاني قال: (مع زيد على الثلاث). قوله: (صرفه امتنع) الجملة هذه خبر مبتدأ؛ لأن العجمي: مبتدأ، وصرف: مبتدأ ثان، وامتنع: الجملة خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، أي: أن العجمي وضعاًً وعلميةً الزائد على الثلاث صرفه امتنع، أي: ممنوع صرفه. فقوله: (العجمي الوضع) احتراز من عربي الوضع، فإذا وجد اسم عربي فإنه لا يمنع من الصرف ولو تسمى به الأعجمي. فحسين مثلاً عربي، والعجم يتسمون بحسين كثيراً، فهل نقول: لما كان هذا علماً أعجمياً يمنع من الصرف؟ لا؛ لأن أصله عربي، وابن مالك يقول: (العجمي الوضع). وقوله: (والتعريف) أي: أنه علم بلغة العجم، فلو جعل اسم الجنس علماً بلغة العرب، وهو عند العجم ليس بعلم، فلا يمنع من الصرف، ومثلوا لذلك بقالون، أحد الرواة عن القراء اسمه قالون، لكنه عربي، وأصل قالون في اللغة الأعجمية اسم جنس أو صفة، فقالون بمعنى: جيد، فليست علماً، إذاً فتقول: قال قالون، وسمعت قالوناً، واستحسنت قراءة قالونٍ. وذلك لأنه ليس عجمي التعريف، وابن مالك يقول: (والعجمي الوضع والتعريف). وقوله: (مع زيد على الثلاث) هذا شرط أن يكون زائداً على الثلاث، فإن لم يكن زائداً على الثلاث فإنه يصرف ولو كان عجمي الوضع والتعريف، مثل: نوح، ولوط، فهذان اسمان أعجميان لكنهما مصروفان؛ لأنهما مكونان من ثلاثة أحرف فقط. وهود فيه نزاع، فبعضهم قالوا: إنه عربي، وبعضهم قالوا: إنه غير عربي، لكن مهما كان فإنه ليس زائداً على الثلاثة. قال بعض المحشين: جميع أسماء الملائكة ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة، وكأنهم يريدون أن ما ليس من وضع العرب فهو أعجمي، إلا أنهم استثنوا أربعة من الملائكة وهم: مالك، ورضوان، ومنكر، ونكير، فهؤلاء الأربعة يصرفون، ومن عداهم من الملائكة لا يصرفون مثل: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل. إذاً: الذين تنصرف أسماؤهم من الملائكة أربعة: مالك، ورضوان، ومنكر، ونكير. والأنبياء كذلك أسماؤهم لا تنصرف؛ للعلمية والعجمة، إلا ما نذكره الآن: شعيب، وصالح، وهود، ولوط، ونوح، وشيث على القول بأنه نبي، ومحمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء سبعة من الأنبياء تنصرف أسماؤهم. إذاً: جميع أسماء الأنبياء ممنوعة من الصرف ما عدا سبعة، وهم من ذكرناهم.

العلمية ووزن الفعل

العلمية ووزن الفعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذاك ذو وزن يخص الفعلا أو غالب كأحمد ويعلى]. (كذاك) أي: كالذي ذكر، والمراد العلم أيضاً، (ذو وزن يخص الفعلا) بمعنى: أنه يختص بالأفعال، إما دائماً وإما غالباً. فالدائم مثلما: لو سميت رجلاً: ضُرب، فهذا ممنوع من الصرف؛ لأنه على وزن فُعِلَ، ووزن (فُعِل) لا توجد في الأسماء، إنما تكون في الأفعال. كذلك لو سمي شخص كُتِمْ، واحد مثلاً ولد له ولد ولم يعلمه فقالوا: ماذا نسميه؟ فقال: سأسميه شيئاً يدل على ما فعلنا: كُتِمْ، فنقول: هذا علم موازٍ للفعل المبني للمجهول، فيكون ممنوعاً من الصرف، فتقول: جاء كُتِمٌ، وضربت كُتِمَ، ومررت بكُتِمَ. وكذلك ما كان على وزن فعَّل مثل: كلَّم، وشدَّد، وحسَّن، وما أشبه ذلك، نقول: هذا أيضاً ممنوع من الصرف؛ لأنه على وزنٍ يخص الفعل، فيكون ممنوعاً من الصرف.

شرح ألفية ابن مالك [63]

شرح ألفية ابن مالك [63] كثير من الأسماء تجمع جمع تكسير، ولجموع التكسير صيغ كثيرة، منها ما يكون جمع قلة ومنها ما يكون جمع كثرة، ولكل صيغة من الجموع أوزان تأتي هي جمعاً لها.

جمع التكسير

جمع التكسير

جموع القلة

جموع القلة قال ابن مالك: [أفعلة أفعل ثم فعله ثمت أفعال جموع قله]. قوله: (أفعلة). إذا قلتُ: عندي لك أرغفة، فهذا الجمع للقلة، وجموع القلة تنتهي إلى عشرة، فإن قلت: أنا أريد منك عشرين رغيفاً، فهذا لا يمكن؛ لأن منتهى جمع القلة عشرة على كل الأحوال، فلا يمكن أن أعطيك أكثر من هذا، ولا يجب عليَّ إلا أقل ما يقع عليه الجمع، وهو ثلاثة. قوله: (أفعُلُ) فأفعُل مثل: أعبد، أوجه. قوله: (فعلة) مثل: فتية جمع فتى وصبية جمع صبي. وقوله: (ثمة أفعال) مثل: أسباب، وأرقام، وأحكام، وأحجام، وأنعام، فهذه كلها جموع قلة.

الاستغناء ببعض جموع القلة عن جموع الكثرة

الاستغناء ببعض جموع القلة عن جموع الكثرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبعض ذي بكثرة وضعاً يفي كأرجل والعكس جاء كالصفي]. قوله: (وبعض ذي) يشير إلى الأوزان الأربعة السابقة. وقوله: (وضعاً) يعني حسب وضع اللغة العربية، والمعنى: أن بعض هذه الأوزان قد يدل على الكثرة بمقتضى الوضع اللغوي، مثل: أرجل، فلا نقول: إنها لا تدل إلا على ثلاثة أرجل فقط، بل تدل على ثلاثة أرجل وما زاد إلى ما لا نهاية له، وقد يوجد أوزان جموع كثرة فتستعمل في جموع القلة، مثل: الصُّفي، وزنها فعول وهو من أوزان الكثرة، لكن مع ذلك يستعمل في الكثرة وفي القلة. إذاً: فالمسألة خاضعة للغة العربية، ومع ذلك فلا أرى مانعاً من أن نؤصل قواعد لنرد ما نشتبه فيه إلى هذه القواعد وإن كانت قد تختل كثيراً.

ما يجمع على أفعل

ما يجمع على أفعل قال المؤلف رحمه الله: [لفعل اسماً صح عيناً أفعل وللرباعي اسماً أيضاً يجعل]. والمعنى: أي اسم ثلاثي ليست عينه حرف علة وهو على وزن (فَعْل) فإن جمعه على (أَفْعُل) مثل: فَلْس جمعه أفلس. فإذا لم يكن على وزن فَعْل فإنه لا يكون جمعه على أفعُل، فلو قلت: ذئب، وهو اسم ثلاثي صحيح العين، لكنه ليس على وزن فَعْلٍ بل هو على وزن فِْعل، فلا يقال في جمعه: أذئُب. لكن قد يرد علينا أن شخصاً، جمعه أشخاص وهو اسم ثلاثي على وزن فَعْلٍ صحيح العين، ومع ذلك لم يرد عن العرب إلا أشخاص، وبهذا نعرف أن القاعدة التي ذكرها هؤلاء العلماء رحمهم الله في جمع التكسير غير مطردة. وخرج بقوله: (اسماً) الصفة، مثل: ضَخْم، فلا نقول فيها: أضْخُم؛ لأنها صفة وليست اسماً. وكذلك (أفعُل) تأتي جمعاً للرباعي إذا كان اسماً لمؤنث قبل آخره مدة كالعناق والذراع فتقول: أعنق، وأذرع. والعناق: الصغيرة من ولد المعز، والذراع معروفة. وسُعاد، نقول في جمعها: أسُعد، وهذا القياس؛ لأنها اسم رباعي ممدود ما قبل الآخر ومؤنث.

ما يجمع على أفعال وفعلان

ما يجمع على أفعال وفعلان [وغير ما أفعُل فيه مطرد من الثلاثي اسماً بأفعال يرد [وغالباً أغناهم فعلان في فعل كقولهم صردان]. سبق أن أفعلاً جمع لكل اسم ثلاثي صحيح العين على وزن (فَعْل) وذكر هنا أن ما لم يجمع على أفعُل وكان ثلاثياً، فإنه يجمع على أفعال، مثل: سبب تجمع على أسباب، وفرح على أفراح. وقوله: (وغالباً أغناهم فعلان في فُعَلٍ كقولهم صردان). أمَّا فُعَل المضمومة العين ففي الغالب أنها تجمع على وزن (فعلان) كقولهم: صردان في صُرَد، والقياس فيها أصراد، لكن لما اختل فيه شرط من الشروط وهو فتح الفاء، فجاء مضموم الفاء ومفتوح العين، قال العرب فيه: صردان. والصرد نوع من الطيور، ففي الحديث (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد).

ما يجمع على أفعلة

ما يجمع على أفعلة قال المصنف رحمه الله تعالى: [في اسم مذكر رباعي بمد ثالث افعلة عنهم اطرد والزمه في فعال أو فِعال مصاحبي تضعيف أو إعلال]. (أفعلة) جمع لكل اسم مذكر رباعي ثالثة مدة مثال ذلك: طعام، اسم مذكر رباعي ممدود الثالث تقول في جمعه: أطعمة، ولباس تقول في جمعه: ألبسة. فإن اختل شرط اختلف وزن جمعه فمثلاً في (سعاد) اختل شرط التذكير فلا نقول في جمعها: أسعدة. قال المؤلف: [والزمه في فعالٍ أو فعالِ مصاحبي تضعيف أو إعلال]. أي: الزم الجمع على أفعلة في فَعالٍ أو فِعالِ، لكن بشرط أن يكونا مصاحبي تضعيف أو إعلال. والفرق بين التضعيف والإعلال: أن التضعيف هو أن يتكرر الحرف، والإعلال أن يكون فيه حرف علة. مثال فعَال مضعفاً: قرار، نقول فيها: أقرَّه، وجِلال: أجلة، وما أشبه ذلك. ومثال الإعلال: قباء جمعه أقبية، وكساء جمعه أكسية، وخباء جمعه أخبية، وغطاء جمعه أغطية، وعلى هذا فقس. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [(أفعلة) جمع لكل اسم مذكر رباعي ثالثه مد نحو: قذال وأقذلة، ورغيف وأرغفة، وعمود وأعمدة. والتزم أفعلة في جمع المضاعف أو المعتل اللام من فَعال أو فِعال كبتاتٍ وأبتَّة، وزمام وأزمَّة، وقباء وأقبية، وفناء وأفنية].

ما يجمع جمع كثرة على وزن فعل

ما يجمع جمع كثرة على وزن فُعْل قال المصنف رحمه الله تعالى: [فُعْل لنحو أحمر وحمرا وفعلة جمعاً بنقل يدرى]. قوله: (لنحو أحمرٍ وحمراء)، أي: أحمر نقول في جمعه: حُمْر، وفي الحديث: (خيرٌ لك من حمر النعم) وأخضر يجمع على خُضْر، وعلى هذا فقس. وقوله: (وفِعلة جمعاً بنقل يدرى) معناه: أن كلمة (فِعلة) تأتي لكنها بالنقل، يعني في السماع عن العرب وليست قياسية، ومثالها: صبية جمع صبي، ووِلْدة جمع ولد، وغلمة جمع غلام، وما أشبه ذلك. وهذا الوزن هو آخر أوزان جمع القلة.

ما يجمع للكثرة على فعل أو فعل أو فعل

ما يجمع للكثرة على فُعُل أو فُعَل أو فِعَل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفُعُلٌ لاسم رباعي بمد قد زيد قبل لام اعلالاً فقد ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف وفُعَلٌ جمعاً لفُعلة عُرف ونحو كبرى ولفِعلة فِعَل وقد يجيء جمعه على فُعَل]. ذكر من جموع الكثرة: فُعُلٌ، وفُعَل وفِعَل. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [وأمثلة جمع الكثرة: فُعُلٌ وهو مطرد في كل اسم رباعي قد زيد قبل آخر مدة، بشرط كونه صحيح الآخر، وغير مضاعف إن كانت المدة ألفاً، ولا فرق في ذلك بين المذكر والمؤنث، نحو: قَذَال وقُذُل، وحمار وحُمُر، وكُراع وكُرُع، وذراع وذُرُع، وقضيب وقُضُب، وعمود وعُمُد. وأما المضاعف: فإن كانت مدته ألفاً فجمعه على فُعُلِ غير مطرد، نحو: عنان وعُنُن، وحجاج وحُجُج، فإن كان مدته غير ألف فجمعه على فُعُل مطرد، نحو: سرير وسُرُر، وذلول وذُلُل. ومن أمثلة جمع الكثرة فُعَل، وهو جمع لاسم على فُعْلة أو على فُعْلى -أنثى الأفعل- فالأول: كقُربة وقُرَب، وغُرفة وغُرف، والثاني: ككُبْرى وكُبَر وصُغْرى وصُغَر. ومن أمثلة جمع الكثرة: فِعَلِ، وهو جمع لاسم على فِعْلة نحو: كِسْرة وكِسَر، وحِجَّة وحِجَج، ومِرْية ومِرَى. [وقد يجيء جمع فِعْلة على فُعَل نحو: لحية ولُحى، وحِلية وحُلى]. أهـ. مع أن القياس أن يقال في لحية: لحِى، وحلية حِلى. لكن قوله: (وقد يجيء جمعه على فُعَل) هل معناه أنه يجوز الوجهان، وفُعَل قليلة، أم أن المعنى أنه قد يجيء مخالفاً للقياس، فلا تقول في لحيةٍ: لِحى؟ فالظاهر الأول، وأنه يجوز أن تقول: لحىً ولُحى.

ما يجمع للكثرة على وزن فعلة وفعلة

ما يجمع للكثرة على وزن فُعَلة وفَعَلة قال المصنف رحمه الله تعالى: [في نحو رامٍ ذوا طراد فُعَلَه وشاع نحو كامل وكمله]. رامٍ: اسم فاعل منقوص تقول في جمعه: رماة، وفي قاضٍ قضاة. وفي سامٍ سماة. وأصل رماة: رُمَية، لكن تحركت الياء فانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصارت رماة. وغزاة أصلها غُزَوَة، لكن قيل فيها: غُزاة؛ لأن الواو تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فقيل: غزاة. وعلى هذا فقس. قوله: (وشاع نحو كامل وكملة). (كامل) على وزن (فاعل) لكنها ليست ناقصة؛ لأن آخرها حرف صحيح، فيقال: كملة، على وزن فَعلة. ومثله: ساحر سحرة، وفاجر فجرة، وكاهن كهنة، وكافر كفرة.

ما يجمع للكثرة على وزن فعلى

ما يجمع للكثرة على وزن فَعْلى يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فعلى لوصف كقتيل وزمن وهالك وميت به قمن]. قوله: (فعلى لوصف كقتيل) يعني: لكل وصف يشبه قتيلاً، وقتيل على وزن فعيل بمعنى مفعول. فكل فعيل بمعنى مفعول فجمعه فَعلى، فقتيل نقول فيها: قتلى، وجريح نقول فيها: جرحى. أما قضيب فإنه لا يجمع على (قضبى)؛ لأن ابن مالك يقول: (فعلى لوصف كقتيل) وقضيب اسم وليس وصفاً. وقوله: (وزمن) يعني: المقعد، نقول في جمعه: زَمنى. وقوله: (وهالكٍ) يعني: وكهالك، يقال فيها: هلكى. وميت، يقال فيها: موتى. [فعلى لوصف كقتيل وزمن وهالك وميتٌ به قمن من أمثلة جمع الكثرة: فعلى، وهو جمع لوصف على فعيل بمعنى مفعول دال على هلاك أو توجع؛ كقتيل وقتلى، وجريح وجرحى، وأسير وأسرى. ويحمل عليه ما أشبهه في المعنى، من فعيل بمعنى فاعل كمريض ومرضى، ومن فَعِل: كزمن وزمنى، ومن فاعل: كهالك وهلكى، ومن فَيْعل: كميت وموتى، وأفعل نحو: أحمق وحمقى]. اهـ. قوله: (ميت) نقول: إنها على وزن فيعل، كان أصله: مَيْوت من موت، ولكن حصل فيه إعلال بقلب الواو ياء ثم أدغمت في التي قبلها فقيل: ميِّت.

ما يجمع للكثرة على وزن فعلة

ما يجمع للكثرة على وزن فِعَلة قال: [لفُعلٍ اسماً صح لاماً فِعَلَه والوضع في فِعْل وفَعْل قلّله] قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة فِعَلة، وهو جمعٌ لفُعْل اسماً صحيح اللام نحو: قُرْط وقِرطة]. قال رحمه الله تعالى: [وفي فعيل وصف فاعل ورد كذاك في أنثاه أيضاً اطرد] قال ابن عقيل: [واطرد أيضاً فِعال في كل صفة على فعيل بمعنى فاعل مقترنة بالتاء أو مجردة عنها ككريم وكرام، وكريمة وكرام، ومريض ومراض، ومريضة ومراض]. وأنثى فعيل فعلية، وأنثى كريم كريمة، ومريض مريضة.

ما يجمع للكثرة على وزن فعال

ما يجمع للكثرة على وزن فِعال قال المصنف رحمه الله تعالى: [وشاع في وصف على فعلانا أو أثنييه أو على فُعْلانا ومثله فُعٍْلانة والزمه في نحو طويل وطويلة تفي]. قال ابن عقيل: [أي: واطرد أيضا مجيء فِعال جمعاً لوصف على فَعلان، أو على فعلانة أو على فَعلى نحو: عَطشان وعِطاش، وعَطشى وعِطاش، وندمانة وندام]. وقوله: (أو أنثييه) يقصد أنثيي فعلان وهما فعلانة بالتاء وفَعلى فتقول: سكران أنثاه سكرانة وسكرى. قال ابن عقيل: [وكذلك اطرد فعال في وصف على فعلان أو على فعلانة نحو: خُمصان وخماص، وخُمصانة وخماص. والتزم فِعال في كل وصف على فعيل أو فعلية معتل العين، نحو: طويل وطوال، وطويلة وطِوال].

ما يجمع للكثرة على وزن فعول وفعلان وفعلان

ما يجمع للكثرة على وزن فُعُول وفِعلان وفُعْلان قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبفعُولٍ فَعِلٌ نحو كبد يخص غالباً كذاك يطرد في فَعْل اسماً مطلق الفا وفَعَل له وللفُعال فِعلانٌ حصل]. قوله: (في فعل اسماً مطلق الفا)، معنى مطلق الفاء: أن يكون مثلثاً: سواء بالفتح مثل: فَعْل، أو بالكسر مثل فِعْل، أو بالضم مثل: فُعل. وقوله: (اسماً) احترازاً من الصفة. قال: [وشاع في حوت وقاع مع ما ضاهاهما وقل في غيرهما]. قال ابن عقيل: [ومن أمثلة جمع الكثرة: فُعُول وهو مطرد في اسم ثلاثي على فَعِل، نحو: كبِد وكُبُود ووعل ووعول، وهو ملتَزَمٌ فيه غالباً. واطرد فُعُول أيضاً في اسم على فَعْل بفتح الفاء نحو: كَعْب وكُعُوب، وفَلس وفُلوس. أو على فِعل بكسر الفاء نحو: حِمل وحُمُول، وضِرْس وضُرُوس. أو على فُعْل بضم الفاء نحو: جُند وجُنُود، وبُرد وبُرُود. ويحفظ فُعُول في فَعَل نحو: أَسَد وأُسود، ويفهم كونه غير مطرد من قوله: (وفَعَلٌ له) ولم يقيده باطراد. وأشار بقوله: (وللفُعَال فِعلانٌ حصل) إلى أن من أمثلة جمع الكثرة فِعلاناً، وهو مطرد في اسم على فُعال نحو: غلام وغِلمان، وغراب وغِربان. وقد سبق أنه مطرد في فُعَل: كصُرد وصِردان. واطرد فِعلان أيضاً في جمع ما عينه واو: من فُعْل أو فَعَل نحو: عود وعيدان، وحوت وحيتان، وقاع وقيعان، وتاج وتيجان. وقل فِعلان في غير ما ذكر نحو: أخٍ وإخوان، وغزالٍ وغزلان]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفعلاً اسماً وفعيلاً وفعل غير معل العين فُعْلانٌ شمل] قال ابن عقيل: [من أبنية جمع الكثرة: فُعْلان، وهو مقيس في اسم صحيح العين على فَعْلٍ، نحو: ظَهر وظُهْران، وبطن وبُطْنان. أو على فعيل، نحو: قضيب وقضبان، ورغيف ورغفان. أو على فَعَل نحو: ذكر وذُكران، وحَمَل وحُملان].

ما يجمع للكثرة على فعلاء وأفعلاء

ما يجمع للكثرة على فُعَلاء وأفعلاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولكريمٍ وبخيل فُعَلا كذا لما ضاهاهما قد جُعلا وناب عنه أفعلاء في المعل لاماً ومضعف وغير ذاك قل]. قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فُعَلا، وهو مقيس في فعيل -بمعنى فاعل- صفة لمذكر عاقل غير مضاعف ولا معتل، نحو: ظريف وظرفاء، وكريم وكرماء، وبخيل وبخلاء. وأشار بقوله: (كذا لما ضاهاهما) إلى أن ما شابه فَعيلاً في كونه دالاً على معنى هو كالغريزة يجمع على فُعَلاء، نحو: عاقل وعقلاء، وصالح وصلحاء، وشاعر وشعراء. وينوب عن فُعَلاء في المضاعف والمعتل (أفعِلاء) نحو: شديد وأشداء، وولي وأولياء. وقد يجيء (أفعلاء) جمعاً لغير ما ذكر نحو: نصيب وأنصباء، وهيِّن وأهوِناء].

ما يجمع للكثرة على وزن فواعل

ما يجمع للكثرة على وزن فَوَاعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [فواعل لفوعل وفاعل وفاعلاء مع نحو كاهل وحائض وصاهل وفاعله وشذ في الفارس مع ما ماثله]. قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فواعل، وهو لاسم على فوعل نحو: جوهر وجواهر. أو على فاعل نحو: طابع وطوابع. أو على فاعلاء نحو: قاصعاء وقواصع. أو على فاعل نحو: كاهل وكواهل. وفواعل أيضاً جمعٌ لوصف على فاعل إن كان لمؤنث عاقل نحو: حائضٍ وحوائض، أو لمذكر ما لا يعقل نحو: صاهل وصواهل. فإن كان الوصف الذي على فاعل مذكر عاقل لم يجمع على فواعل، وشذ فارس وفوارس وسابق وسوابق. وفواعل أيضاً جمع لفاعلة، نحو: صاحبة وصواحب وفاطمة وفواطم].

ما يجمع للكثرة على وزن فعائل

ما يجمع للكثرة على وزن فعائل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبفعائل اجمعن فعاله وشبهه ذا تاء أو مزاله]. قال ابن عقيل رحمه الله: [من أمثلة جمع الكثرة: فعائل، وهو لكل اسم رباعي بمدة قبل آخره مؤنثاً بالتاء، نحو: سحابة وسحائب، ورسالة ورسائل، وكناسة وكنائس، وصحيفة وصحائف، وحلوبة وحلائب. أو مجرداً منها نحو: شمال وشمائل، وعقاب وعقائب وعجوز وعجائز].

ما يجمع للكثرة على فعالي وفعالى

ما يجمع للكثرة على فَعَالي وفَعالَى قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبالفعالي والفعالىَ جمعا صحراء والعذراء والقيس اتبعا]. قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فَعِالي وفَعالَى، ويشتركان في ما كان على فَعْلاء اسماً: كصحراء وصحاري وصحارى، أو صفة: كعذراء وعذاري وعذاراى].

ما يجمع للكثرة على فعالي

ما يجمع للكثرة على فَعَاليّ قال المصنف رحمه الله تعالى: [واجعل فعالي لغير ذي نسب جدد كالكرسي تتبع العرب]. قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فعاليُّ، وهو جمع لكل اسم ثلاثي آخره ياء مشددة غير متجددة للنسب، نحو: كرسي وكراسي، وبردي وبرادي، ولا يقال: بصري وبصاري]. اهـ. وذلك لأن الياء في بصري متجددة للنسب، لكن الياء في كرسي أصلية وكذلك في بردي، وهو قصب السكر.

ما يجمع للكثرة على وزن فعالل

ما يجمع للكثرة على وزن فعالل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبفعالل وشبهه انطقا في جمع ما فوق الثلاثة ارتقى من غير ما مضى ومن خماسي جرد الاخر انف بالقياس والرابع الشبيه بالمزيد قد يحذف دون ما به تم العدد وزائد العادي الرباعي احذفه ما لم يك لينا إثره اللذ ختما] قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فعالل وشبهه وهو: كل جمع ثالثه ألف بعدها حرفان، فيجمع بفعالل: كل اسم رباعي غير مزيد فيه، نحو: جعفر وجعافر، وزبرج وزبارج، وبرثن وبراثن. ويجمع بشبهه: كل اسم رباعي مزيد فيه، كجرهر وجواهر، وصيرف وصيارف، ومسجد ومساجد. واحترز بقوله: (من غير ما مضى) من الرباعي الذي سبق ذكر جمعه: كأحمر وحمراء، ونحوهما مما سبق ذكره. وأشار بقوله: (ومن خماسي جرد الآخر انف بالقياس) إلى أن الخماسي المجرد عن الزيادة يجمع على فعالل قياساً، ويحذف خامسه نحو: سفارج في سفرجل، وفرازد في فرزدق، وخوارن في خورنق. وأشار بقوله: (والرابع الشبيه بالمزيد البيت) إلى أنه يجوز حذف رابع الخماسي المجرد عن الزيادة، وإبقاء خامسه إذا كان رابعه مشبهاً للحرف الزائد، بأن كان من حروف الزيادة كنون خورنق، أو كان من مخرج حروف الزيادة كدال فرزدق؛ فيجوز أن يقال: خوارق وفرازق، والكثير الأول، وهو حذف الخامس وإبقاء الرابع نحو خوارن وفرازد. فإن كان الرابع غير مشبه للزائد لم يجز حذفه، بل يتعين حذف الخامس، فتقول في سفرجل: سفارج ولا يجوز سفارل. وأشار بقوله: (وزائد العادي الرباعي البيت) إلى أنه إذا كان الخماسي مزيداً فيه حرف حذف ذلك الحرف، إن لم يكن حرف مد قبل الآخر فتقول في سبطرى: سباطر، وفي فدوكس فداكس، وفي مدحرج دحارج. فإن كان الحرف الزائد حرف مد قبل الآخر لم يحذف، بل يجمع الاسم على فعاليل نحو: قرطاس وقراطيس وقنديل وقناديل، وعصفور وعصافير].

كيفية جمع ما به زيادة لو بقيت اختل معها بناء الجمع

كيفية جمع ما به زيادة لو بقيت اختل معها بناء الجمع قال المصنف رحمه الله تعالى: [والسين والتا من كمستدع أزل إذ ببنا الجمع بقاهما مخل والميم أولى من سواه بالبقا والهمز واليا مثله إن سبقا] قال ابن عقيل: [إذا اشتمل الاسم على زيادة لو أُبقِيت لاختل بناء الجمع الذي هو نهاية ما ترتقي إليه الجموع وهو -فعالل وفعاليل- حذفت الزيادة، فإن أمكن جمعه على إحدى الصيغتين بحذف بعض الزائد وإبقاء البعض فله حالتان: إحداهما: أن يكون للبعض مزية على الآخر. والثانية: أن لا يكون كذلك. والأولى هي المرادة هنا، والثانية ستأتي في البيت الذي في آخر الباب. ومثال الأولى: مستدعٍ، فتقول في جمعه: مداعٍ، فتحذف السين والتاء وتبقى الميم؛ لأنها مصدرة ومجردة للدلالة على معنى، وتقول في ألندد ويلندد: ألادَّ ويلاد، فتحذف النون وتبقى الهمزة في ألندد، والياء من يلندد لتصدرهما؛ ولأنهما في موضع يقعان فيه دالين على معنى، نحو: أقوم ويقوم، بخلاف النون؛ فإنها في موضع لا تدل فيه على معنى أصلاً. واليلندد الخصم يقال: رجل ألندد ويلندد، أي: خصم مثل الألد].

كيفية جمع ما اشتمل على زيادتين من الأسماء

كيفية جمع ما اشتمل على زيادتين من الأسماء قال المصنف رحمه الله تعالى: [والياء لا الواو احذف ان جمعت ما كحيزبون فهو حكم حتما]. قال ابن عقيل: [إذا اشتمل الاسم على زيادتين، وكان حذف إحداهما يتأتى معه صيغة الجمع، وحذف الأخرى لا يتأتى معه ذلك حذف ما لا يتأتى معه صيغة الجمع وأبقي الآخر، فتقول في حيزبونٍ: حزابين، فتحذف الياء وتبقى الواو فتقلب ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. وأوثرت الواو بالبقاء لأنها لو حذفت لم يغن حذفها عن حذف الياء؛ لأن بقاء الياء مفوت لصيغة منتهى الجموع. والحيزبون: العجوز]. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وخيروا في زائدي سرندى وكل ماضاهاه كالعلندى] قال ابن عقيل: [يعني أنه إذا لم يكن لأحد الزائدين مزية على الآخر كنت بالخيار، فتقول في سرندى: سراند بحذف الألف وإبقاء النون، وسراد بحذف النون وإبقاء الألف، وكذلك علندى فتقول: علاند وعلاد، ومثلهما حبنطى؛ فتقول: حبانط وحباط؛ لأنهما زيادتان زيدتا معاً للإلحاق بسفرجل، ولا مزية لإحداهما على الأخرى، وهذا شأن كل زيادتين زيدتا للإلحاق. والسرندى الشديد، والأثنى: سراندة، والعلندى -بالفتح- الغليظ من كل شيء وربما قيل: جمل علندى -بالضم- والحبنطى: القصير البطين يقال: رجل حبنطى بالتنوين وامرأة حبنطاة].

شرح ألفية ابن مالك [64]

شرح ألفية ابن مالك [64] يأتي التصغير في كلام العرب للتحقير أو التمليح أو التعظيم، وله صيغ معينة، وإذا زاد الاسم عن أربعة أحرف فإنه يتصرف في زياداته بالحذف والقلب ونحو ذلك، والتصغير يرد الحروف إلى أصولها.

التصغير

التصغير

تعريف التصغير

تعريف التصغير يقول المؤلف: [التصغير]. والتصغير ضد التكبير، والتكبير بقاء الاسم كما هو عليه، وليس هناك تكبير ووسط وتصغير، فالأسماء إما مكبرة وإما مصغرة. والتصغير يراد به التحقير، ويراد به التعظيم، ويراد به التلميح، وله أغراض متعددة، فقول الشاعر: وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل. أي: الموت، والمراد به التعظيم. وقول النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس: (يا غليم) المراد به التمليح. والغالب أنه يراد به التحقيق، وله أوزان متعددة: أوزان التصغير: أولاً: الثلاثي، يقول المؤلف: [فُعيلاً اجعل الثلاثي إذا صغرته نحو قُذَيِّ في قذى]. الثلاثي إذا صغرته فوزنه دائماً فُعيل، فنقول في قَذى: قُذَيٌّ، وهدى هُدي، وفتى فُتَي، وعلى هذا فقس. إذاً: كل ثلاثي سواء كان معتل الآخر، أو الوسط، أو صحيحاً أو كان مثالاً، مثل: وعد تقول: وعيد. فتكون على فُعَيل في التصغير سواء أريد به التحقير، أو أريد به التعظيم. قال: [فعيعل مع فعيعيل لما فاق كجعل درهم دريهما] إذا كان الاسم رباعياً فأكثر يقال فيه: فعيعل وفُعيعيل، فتقول مثلاً في جعفر: جعيفر، وفي درهم: دُريهم، وفي عصفور: عصيفير. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فعيلا اجعل الثلاثي إذا صغرته نحو قُذَيّ في قَذى فعيعل مع فعيعيل لما فاق كجعل درهم دريهما]. قال ابن عقيل: [إذا صُغر الاسم المتمكن ضُم أوله، وفتح ثانيه، وزيد بعد ثانيه ياء ساكنة، ويقتصر على ذلك إن كان الاسم ثلاثياً فتقول في فلس: فُلَيس، وفي قذىً قذي]. المراد بالاسم المتمكن هو الاسم المعرب، وغيره الممنوع من الصرف ويقال: متمكن غير أمكن. قال ابن عقيل: [وإن كان رباعياً فأكثر فعل به ذلك وكسر ما بعد الياء].

فوائد التصغير

فوائد التصغير قال رحمه الله: [فوائد التصغير خمس: الأولى: تصغير ما يتوهم كِبره نحو: جُبيل تصغير جبل]. يعني: لو أن أحداً قال: ما أريد أن أذهب من هذا الطريق؛ لأن فيه جبلاً فتقول له: ما أمامك إلا جُبيل، فهذا المقصود بتصغير ما يتوهم كبره. [الثانية: تحقير ما يتوهم عظمه، نحو: سُبيع تصغير سَبُع]. والسبع معروف وجسمه معروف، لكن قد يظن إنسان أنه عظيم فأحقره وأقول: سُبيع. الثالثة: [تقليل ما يتوهم كثرته نحو: دريهمات تصغير جمع درهم. الرابعة: تقريب ما يتوهم بعده إما في الزمن نحو: قُبيل العصر، وإما في المكان نحو: فُويق الدار، وإما في الرتبة نحو: أُصيغرُ منه]. يعني: هو أصغر منه، وتقليل ما يتوهم بعده إما بالزمن كأن يظن الإنسان وهو نائم وقت الظهر فاستيقظ ووقت العصر ضيق فأقول له: أنت الآن قُبيل العصر. وفي المكان يقول مثلاً: فُويق الدار، ومنه قوله الخبثاء الفلاسفة: (مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي). فالأفضل عندهم الولي ثم النبي، لكن النبي منحط جداً عن الولي، لأنه قال: دون الولي، ثم بعد ذلك الرسول، والرسول قريب من النبي، وكلاهما دون الولي، ولهذا يزعمون أن أوليائهم أفضل من الأنبياء، ويقولون: إن من أئمتنا من هو بمرتبةٍ لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل، قاتلهم الله! [الخامسة: التعظيم كما في قول لبيد بن ربيعة العامري: (وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل). وأنكر هذه الفائدة البصريون، وزعموا أن التصغير لا يكون للتعظيم لأنهما متنافيان]. فيقولون في دويهية: إن هذه المراد أنها شيء بسيط عند الناس، فكل الناس يصابون فيها وليست بشيء عزيز، ومع ذلك فإنها وإن كانت شائعة فإنها تصيب كل الناس. قال ابن عقيل: [وإن كان رباعياً فأكثر فعل به ذلك وكسر ما بعد الياء، فتقول في درهم: دُريهم، وفي عصفور: عصيفير. وأمثلة التصغير ثلاثة: فُعيلٌ، وفعيعيل، وفُعيعلٍ]. يعني: أوزان التصغير ثلاثة فقط: فُعيل وفُعيعل وفُعيعيل، فلا يوجد وزن رابع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما به لمنتهى الجمع وصل به إلى أمثلة التصغير صل]. قال ابن عقيل: [أي: إذا كان الاسم مما يصغر على فُعيعل أو على فعيعيل توصل إلى تصغيره بما سبق أنه يتوصل به إلى تكسيره على فَعالل أو فعاليل: من حذف حرف أصلي أو زائد، فتقول في سفرجل: سُفيرج، كما تقول: سفارج، ومستدعٍ: مديعٍ، كما تقول: مداعِ، فتحذف بالتصغير ما حذفت في الجمع. وتقول في علندى: عُلَيند، وإن شئت قلت: عليِّد، كما تقول في الجمع علاند وعلادد].

يجوز تعويض ياء قبل الطرف عما حذف من الاسم المصغر

يجوز تعويض ياء قبل الطرف عما حذف من الاسم المصغر قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجائز تعويض يا قبل الطرف إن كان بعض الاسم فيهما انحذف]. يقول المؤلف: إنه يجوز أن نعوض قبل الآخر ياء تكون عوضاً عن آخر المحذوف، كما ذكرنا أنك تحذف السين والتاء، كما قال المؤلف: والسين والتا من كمستدع أزل إذ ببنا الجمع بقاهما مخل فمثلاً: مستخرج، لابد أن نحذف منها السين والتاء فنقول: مخيرج، ويجوز لنا أن نعوض ياء عما حذفناه فنقول في مستخرج: مخيريج، لكن نقول: إن كان بعض الاسم فيهما انحذف، فإن لم يكن انحذف فإنه لا تعوض الياء؛ لأن الياء إنما تكون عوضاً عما حذف، فإذا كانت الحروف كلها أصولاً فإنها لا يحذف منها شيء. قال المؤلف رحمه لله: [وحائد عن القياس كل ما خالف في البابين حكماً رسما]. قوله: (حائد عن القياس) أي: خارج عنه. (كل ما خالف في البابين) يعني بالبابين باب منتهى الجموع، وباب التكسير، فما خالف القواعد في ذلك فإنه يعتبر خارجاً عن القياس، والقاعدة: أن الخارج عن القياس يحفظ ولا يقاس عليه.

المواضع التي يجب فيها فتح ما بعد ياء التصغير

المواضع التي يجب فيها فتح ما بعد ياء التصغير قال المصنف رحمه الله تعالى: [لتلو يا التصغير من قبل علم تأنيث او مدته الفتح انحتم كذاك ما مدة أفعال سبق أو مد سكران وما به التحق] وما بعد ياء التصغير في فعيعل وفيعيل مكسور، لكن يقول المؤلف: (لتلو يا التصغير من قبل علم تأنيث)، أي: إذا جاء ياء التصغير في علم مؤنث فإنه لا يكسر ما بعد الياء فيكون مفتوحاً، مثاله: تقول في فاطمة: فطيمَة، وفي وردة: وريدَة، ولهذا قال: (الفتح انحتم). يقول: (أو مدته) أي: مدة تاء التأنيث سواء كانت ممدودة أو مقصورة، فنقول في سلمى: سليمَى، ولا نقول: سليمِي، ونقول في صحراء: صحيراء، ولهذا قال: (أو مدته الفتح انحتم). قوله: (كذاك ما مدة أفعال سبق) مر معنا أن أفعالاً من أوزان جموع القلة، فإذا صغرتها تفتح ما بعد الياء، فتقول في أسباب: أسيباب، وتقول في أعمال: أعيمال، وعلى هذا فقس، فإذا جاءت أفعال التي هي جمع تكسير فإنه لا يكسر ما بعد ياء التصغير. قوله: (أو مد سكران وما به التحق) هذا أيضاً مثل ما سبق، فتقول في سكران: سكيران، وتقول في غضبان: غضيبان، وتقول في عطشان: عطيشان. والمقصود سكران الذي مؤنثه سكرى، يعني فعلان الذي مؤنثه فعلى، فتبقى الألف فيه ولا تكسر. أما فعلان الذي مؤنثه فعلانة فليس من هذا الباب، فنقول في شيطان: شييطين، وفي العامية يقولون: هذا شويطين، والصواب: شييطين. وتقول في صرفان: صريفين؛ لأنه ليس على بابه، لكن نقول: إنه يجمع على صرافين، فإذا جمع على صرافين فإن التصغير يلحق بالجمع، فيقال: صريفين، وغالباً أن هذه المسائل -كما قال بعضهم- قليلة في اللغة العربية.

أشياء لا يعتد بها في التصغير

أشياء لا يعتد بها في التصغير قال المصنف رحمه الله تعالى: [وألف التأنيث حيث مدا وتاؤه منفصلين عدا كذا المزيد آخراً للنسب وعجز المضاف والمركب وهكذا زيادتا فعلانا من بعد أربع كزعفرانا وقدر انفصال ما دل على تثنية أو جمع تصحيح جلا]. قال ابن عقيل رحمه الله: [لا يُعتد في التصغير بألف التأنيث الممدودة، ولا بتاء التأنيث، ولا بزيادة ياء النسب، ولا بعجز المضاف، ولا بعجز المركب، ولا بالألف والنون المزيدتين بعد أربعة أحرف فصاعداً، ولا بعلامة التثنية، ولا بعلامة جمع التصحيح. ومعنى كون هذه لا يعتد بها أنه لا يضر بقاؤها مفصولة عن ياء التصغير بحرفين أصليين، فيقال في جخدباء: جخيدباء، وفي حنظلة: حنيظلة، وفي عبقري: عبيقري، وفي بعلبك: بعيلبك، وفي عبد الله: عُبيد الله، وفي زعفران: زعيفران، وفي مسلميَن: مُسيلِمَين، وفي مسلمِيْن: مسيلِمِين، وفي مسلمات: مُسيلِمات]. المقصود ما زاد على أربعة أحرف، ولهذا قال المؤلف: (من بعد أربع)؛ لأن ما لم يزد على أربعة أحرف فقد سبق أنه لا يعد منفصلاً؛ بل يجب فتح ما قبله كما سبق فتقول في سكران: سكيران. أما ما بعد أربعة أحرف فيقول: قدرها منفصلة، وإذا قدرناها منفصلة فإن ما كان على أربعة أحرف يصغر على فعيعل، فإذا قدرناها منفصلة فلا بد أن نكسر ما بعد ياء التصغير، مثاله: جخدباء، ألف التأنيث الممدود وقعت زائدة على الأربعة، يعني خامسة، فلا نغير صيغة التفعيل من أجلها، بل نقول فيها: جخيدِباء، ولا نقول: جخيدَباء، بينما حمراء نقول فيها: حُميراء، ما الفرق مع أن كلاً منهما ألف ممدودة؟ الفرق: أن الألف الممدودة في جخد باء خامسة فأكثر، وألف التأنيث الممدودة في حمراء رابعة. إذاً: القاعدة: أن ألف التأنيث الممدودة بعد أربعة أحرف تغير صيغة التصغير فقط، ولهذا قال: اجعلها منفصلة، (وتاؤه منفصلين عدا) التاء مثل: حنظلة، فيها تاء التأنيث، وهي خامسة، فلا نغير التصغير من أجلها، فنقول في حنظلة: حنيظِلة، ولا نقول: حنيظَلة، والفرق أن تاء التأنيث وقعت خامسة، فإذا وقعت خامسة فإننا نعدها منفصلة. قوله: (كذا المزيد آخراً للنسب)، أي: كذلك المزيد آخر النسب لكنه متجاوز الأربعة، مثل: عبقري، فالعين والباء والقاف والراء هذه أربعة أحرف، والياء زائدة على الأربعة، هذا أيضاً نعتبره منفصلاً؛ حتى لا نغير صيغة التصغير، فنقول في عبقري: عبيقري. قوله: (وعجز المضاف والمركب) معلوم أن عجز المضاف منفصل، وعجز المضاف هو المضاف إليه، فنقول في عبد الله: عبيد الله، ونجعل ما بعد ياء التصغير كأنه منفصل عن عجزه، ولكن اعلم أن عبيد الله وما أشبهها خاضعة للعوامل، فتقول: رأيت عبيدَ الله، ومررت بعبيدِ الله، وهذا عبيدُ الله. يقول: (وهكذا زيادتا فعلانا من بعد أربع كزعفرانا). قوله: (من بعد أربع) عائد لما سبق، (كزعفران) الزاي والعين والفاء والراء أصل الكلمة، والألف والنون زائدتان بعد أربعة، فنقول في زعفران: زعيفران، بخلاف سكران فنقول فيها: سكيران؛ لأن الألف والنون في زعفران زائدة على أربعة أحرف فتكون كأنها منفصلة. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وقدر انفصال ما دل على تثنية أو جمع تصحيح جلا). (جلا) أي: فنقدره منفصلاً، وإذا قدرناه منفصلاً فإننا نصغره على فعيعل، فنقول في مسلِمَين: مسيلِمَين، ونقول في مسلمين: مسيلِمِين، فنقدره كأنه مسلم، ومسلم نقول فيه: مسيلٍم، على وزن فُعيعل، ولا نقول: مسيلَم، إذاً: مسلِمَين نقول فيها: مسيلِمَين، ولا نقول: مسيلَمَين، ومسلِمِين نقول فيها: مُسيلِمِين، ولا نقول: مُسيلَمِين؛ لأننا نعتبر علامة التثنية والجمع منفصلة.

تصغير الاسم المختوم بألف التأنيث المقصورة

تصغير الاسم المختوم بألف التأنيث المقصورة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وألف التأنيث ذو القصر متى زاد على أربعة لن يثبتا وعند تصغير حبارى خير بين الحبيرى فادر والحبيرِّ]. ألف التأنيث الزائد على الأربعة لا يثبت؛ لأنه إذا ثبت تغيرت به صيغة التصغير، مثاله: حبنطى، فهذا زائد على الأربعة: حاء، باء، نون، طاء، ألف، فنقول فيها: حبينط؛ لأنك لو قلت: حبينطى، لتغيرت القاعدة، وعلى هذا فنحذفه، إلا إذا كان ثالثه ألفاً زائدة فأنت مخير، ولهذا قال: (وعند تصغير حبارى خير بين الحبيرى فادر والحبيِّر). الحبارى نوع من الطيور، إذا صغرناه نقول: حُبِّير، وحبيرى، فيجوز أن تحذف الألف الثالثة وتبقي الألف الأخيرة، ويجوز أن تحذف الأخيرة وتبقي الأولى، لكن إذا أبقيت الأولى فإنه يجب أن تقلبها ياء؛ لأنه يجب كسر ما بعد ياء التصغير.

تصغير الاسم إذا كان ثانية حرف لين

تصغير الاسم إذا كان ثانية حرف لين قال المصنف رحمه الله تعالى: [واردد لأصل ثانياً ليناً قلب فقيمةً صيِّر قويمة تصب]. (ليناً) هذه حال، أو مفعول ثان لقلب، أي: واردد لأصل ثانياً قلب ليناً، أي: قلب ألفاً، مثاله: قال: (فقيمة صير قويمة تصب). كلمة (قيمة) الحرف الثاني فيها ياء، لكن أصلها الواو؛ لأنها مِن قوَّم الشيء، قومته أقومه، ولكنها قلبت الواو ياء لعلة تصريفية وهي: أن ما قبلها مكسور، فإذا جاءت الواو ساكنة وما قبلها مكسور قلبت ياء؛ لأن الكسرة لا تتناسب مع الواو، فلأنه لا تتناسب الواو مع الكسرة نغير الواو إلى ما يناسب الكسرة وهي الياء، ونقول: قيمة، لكن عندما نصغر فإنه يقال: إن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فنقول في قيمة: قويمة، ولا نقول: قييمة بالياء. وبهذا نعرف خطأ التعبير الشائع الذي يقولون فيه: تقييم هذا الشيء، والصواب: تقويم هذا الشيء. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وشذ في عيد عييد وحتم للجمع من ذا ما لتصغير علم]. (حتم) بمعنى أوجب، (للجمع) يعني: جمع التكسير. (حتم له ما لتصغير علم) أي: ما علم للتصغير، وعلى هذا فيجب أن نرد الثاني إذا كان ليناً إلى أصله في الجمع، فنقول مثلاً في عيد إذا أردنا أن نجمعه: أعياد، والأصل: أعواد، لكنه شاذ، ونقول في قوم: أقوام، ولا نقول: أقيام، أما (باب) وتوابعه فسيأتي إن شاء الله فيما بعد. قال رحمه الله تعالى: [والألف الثاني المزيد يُجعل واواً كذا ما الأصل فيه يُجهل]. الألف الثاني إذا كان مزيداً فإنه يجعل واواً، (كذا ما الأصل فيه يجهل)، فإن كان غير مزيد رد إلى أصله كما سبق. إذاً فهمنا الآن أن الألف إذا كان مزيداً وهو ثانيه فإنه يجعل واواً، مثل: قائم، فالألف فيه مزيدة، فنقول فيه: قويئم؛ لأن الألف مزيدة، ونقول في غاز: غويز، ونقول في داع: دويع، وعلى هذا فقس. فإذا كانت الألف ثانية مزيدة فإنها تجعل واواً. كذلك إذا كانت الألف مجهولة لا ندري ما أصلها واو أم ياء؛ فإننا نجعلها واواً. مثاله: باب، إذا أردنا أن نصغره نقول: بويب، ولا نقول: بييب؛ لأن المجهول نجعله واواً، وأما الأصلي فإنه يرد إلى أصله، فإذا كان أصله واواً فإنه يكون واواً، وإذا كان أصله الياء فإنه يكون ياءً، فنقول في ناب: نييب، وفي الجمع: أنياب، ونقول في ثوب: ثويب، وفي جمعه: أثواب.

شرح ألفية ابن مالك [65]

شرح ألفية ابن مالك [65] يتصرف النحاة كثيراً في الأسماء إذا صغرت، فالمنقوص عن الثلاثة يردون إليه عند التصغير ما حذف منه، والثلاثي المؤنث يلحقون به تاء التأنيث ما لم يلتبس وهكذا، وربما صغروا بعض الأسماء المبنية.

تصغير ما نقصت حروفه عن أصله

تصغير ما نقصت حروفه عن أصله قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكمل المنقوص في التصغير ما لم يحو غير التاء ثالثاً كما]. ليس المراد بالمنقوص ما كان معتل الآخر كما مر معنا فيما سبق، بل المراد بالمنقوص ما نقصت حروفه عن أصله، فيكمل، لكن المؤلف استثنى فقال: (ما لم يحو غير التاء ثالثاً)، فإن حوى غير التاء ثالثاً فإنه لا يكمل، فإن كان على حرفين أو على ثلاثة أحرف ثالثها التاء فإنه يجب أن يكمل لأجل أن تتم صيغة التصغير، إما على فُعيعل أو على فعيعيل، وما كان على حرفين فقط فإنه لا يمكن أن تتم الصيغة به إلا إذا جلب له الحرف الذي نقص. وقوله: (ما لم يحو غير التاء ثالثاً) فإن حوى غير التاء ثالثاً فإنه لا يكمل بل يبقى على ما هو عليه؛ لأنه يمكن أن يصاغ منه صيغة التصغير. وقوله: (كما) المراد بـ (ما) هنا ما إذا سمينا بها شخصاً، فتقول: ما بن عبد الله، ما بن محمد، فإذا أردنا أن نصغر (ما) نقول: موي؛ لأن أصله: مويُّ، فهو أربعة أحرف: الميم والواو والياء المشددة، على وزن فُعيل، وبهذا استقامت صيغة التصغير. مثال آخر: يد، فيها نقص؛ لأن أصلها (يدي)، فلابد أن نأتي بالمحذوف فنقول: يُدَيٌّ، لكن بما أنها ختمت بياء ساكنة فيجب أن تختم بالتاء فنقول فيها: يُديَّة. ومثله: (عدة) فيها نقص؛ لأن الأصل: (وعد)، ففيها نقص الواو، فعندما نصغر لا بد أن نأتي بالواو، فنقول: وعيدة. فإن قال قائل: أليست (عدة) على ثلاثة أحرف؟ قلنا: بلى، على ثلاثة أحرف، ويمكن تصغيرها على فُعيل، لكن الحرف الثالث منها تاء، والمؤلف يقول: (ما لم يحو غير التاء ثالثاً) وعلى هذا فنقول في عدة: وعيدة؛ لأنه لا يمكن أن تتم صيغة التصغير إلا إذا أتينا بهذا الناقص، وهو الواو. قال الشارح: (المراد بالمنقوص هنا ما نقص منه حرف، فإذا صُغر هذا النوع من الأسماء فلا يخلو إما أن يكون ثنائياً مجرداً عن التاء، أو ثنائياً ملتبساً بها، أو ثلاثياً مجرداً عنها. فإن كان ثنائياً مجرداً عن التاء أو ملتبساً بها رد إليه في التصغير ما نقص منه، فيقال في دم: دُمَيّ، وفي شَفه: شُفيهة، وفي عدة: وعيدة، وفي ماء -مسمىً به- موي. وإن كان على ثلاثة أحرف وثالثه غير تاء التأنيث صغر على لفظه ولم يُرد إليه شيء، فتقول في شاك السلاح: شُويك). تقول: شُويك؛ لأن (شاك السلاح) أصلها: شوك السلاح؛ لأنها مأخوذة من الشوكة، فمعنى (شاك السلاح) أي: مشفعه ومقويه، ومنه قوله تعالى: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال:7]. إذاً: ليست (شاك السلاح) منقوصة في الإعراب، فليس أصلها: شاكي السلاح؛ لأن الألف هنا أصلية، ولو كانت (شاكي) آخرها ياء لكانت الألف زائدة؛ وكثير من الناس يظنون أن (شاك السلاح) منقوص، أي: أن آخره ياء ولكنها حذفت، والصواب أنه ليس منقوصاً وأن آخره الكاف، فآخره اسم صحيح لا حرف علة.

تصغير الاسم المرخم

تصغير الاسم المرخم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن بترخيم يصغر اكتفى بالأصل كالعطيف يعني المعطفا]. الترخيم في النداء: أن يحذف آخر المنادى، فإذا أردت أن تصغر المرخم فاحذف الزوائد وصغره على الأصل، مثل: مِعْطف، إذا أردنا أن نصغره تصغيراً تاماً بدون ترخيم نقول: مُعَيْطف، على وزن فُعيعل، لكن إذا أردنا أن نصغره تصغير ترخيم فنقول: احذف الزوائد، فمِعطَف مأخوذ من العطف، فالميم زائدة، فإذا صغرناه نقول: عُطيف. فتصغير الترخيم أن تحذف الزوائد، وتقول في مفتاح على الأصل: مفيتيح، وفي الترخيم: فُتَيح؛ فالميم زائدة؛ لأن مفتاح من فتحَ. وتقول في مسجد على الأصل: مسيجيد، وعلى الترخيم: سُجيد، وفي مُنخل على الأصل: منيخيل، وعلى الترخيم: نُخَيل، ومغزل على الأصل: مُغَيزل، وعلى الترخيم: غزيل، وغزال على الأصل: غُزَيِّل، وعلى الترخيم: غُزيل. إذاً: صار عندنا الآن تصغير ترخيم، وتصغير على الأصل، فالذي على الأصل على حسب القواعد السابقة، وعلى الترخيم تحذف الزوائد، ومثله: مكيريم على الأصل، وعلى الترخيم: كريم. إذا قال قائل: هذه الألفاظ تشتبه، فيشتبه هذا بهذا، ف A أن السياق يعين المراد، وحينئذ يزول الإشكال. قال الشارح: [من التصغير نوع يسمى تصغير الترخيم، وهو عبارة عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي هي فيه؛ فإن كانت أصوله ثلاثة صغر على فُعيل، ثم إن كان المسمى به مذكراً جُرد عن التاء، وإن كان مؤنثاً ألحق تاء التأنيث، فيقال في المِعطف: عُطيف، وفي حامد: حُميد، وفي حبلى: حُبيلة، وفي سوداء: سُويدة. وإن كانت أصوله أربعة صغر على فعيعل، فتقول في قرطاس: قُرَيطس، وفي عصفور: عُصيفر]. وكذلك في مدحرج: دحيرج. كلمة (عصفور) فيها الواو زائدة، إذا حذفناها سيبقى: عين وصاد وفاء وراء، من العصفر، عصفِر، أو عُصفُر.

تصغير الاسم الثلاثي المؤنث العاري عن التاء

تصغير الاسم الثلاثي المؤنث العاري عن التاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [واختم بتا التأنيث ما صغرت من مؤنث عار ثلاثي كسن ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس كشجر وبقر وخمس وشذ ترك دون لبس وندر لحاق تا فيما ثلاثياً كثر]. قوله: (عار) أي: من التاء، وهذه قاعدة في تصغير المؤنث، إذا كان ثلاثياً عارياً من التاء فإنه يجب أن يقرن بالتاء، فمثلاً (سن) إذا أردنا أن نصغرها نقول: سُنينة، ولو قلنا سُنين بدون تاء لكان هذا ممنوعاً، وفي قط: قطيطة، وعلى هذا فقس. وقوله: (عار ثلاثي) لا فرق بين أن يكون الثلاثي محرك الوسط، أو ساكن الوسط، ويستثنى من ذلك ما ذكره بقوله: (ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس كشجر وبقر وخمس). فإن كان المؤنث الثلاثي إذا ختم بالتاء اشتبه بالجمع أو بغيره؛ فإنه يجب ألا يختم بها، مثاله: شجر، لو قلنا: شجيرة، لاشتبه بتصغير شجرة؛ لأن شجرة مؤنثة مقرونة بالتاء ثلاثي، فيصغر على شُجيرة، وشجر ثلاثي عار من التاء، فلو قلنا بوجوب تأنيثه بالتاء لقلنا في تصغير شجر: شُجيرة، وحينئذ يلتبس عندنا الجمع بالمفرد، وعليه فنصغر شجر على: شُجير، ولا نقول: شجيرة، مع أنه اسم ثلاثي مؤنث، لكن لما كان تأنيثه يوجب اللبس والاشتباه امتنع اقترانه بالتاء. كذلك أيضاً: بقر، فهو مؤنث ثلاثي، ومقتضى القاعدة: أنه عند التصغير يُجلب إليه تاء التأنيث، فيقال في بقر: بقيرة، لكن إذا قلت: بُقيرة، التبس بتصغير المفرد؛ لأن تصغير بقرة على بُقيرة، وحينئذ يلتبس الجمع بالمفرد، فيمتنع وجود التاء، فنقول: بقير. وكذلك ورد، نقول: وريد؛ فهو اسم ثلاثي مؤنث، لكننا لو أتينا بالتا لالتبس به تصغير المفرد وهو وردة، حيث يقال فيها: وريدة. وكذلك خمس، فهو مؤنث -لأنه اسم لعدد- خال من التاء، ومقتضى القاعدة: أن ما كان اسماً ثلاثياً خالياً من التاء فإننا نزيد التاء، فنقول: خميسة، لكنه عندما التبس بتصغير خمسة امتنع، وعليه فنقول في تصغير خمس: خميس. قال رحمه الله تعالى: (وشذ ترك دون لبس) أي: شذ ترك التاء لمؤنث الثلاثي إذا لم يكن هناك لبس، والشاذ -كما هو معروف- يحفظ ولا يقاس عليه، وأحياناً يعبر ابن مالك ويقول: ندر، وهو نفس المعنى. يقول: (وندر لحاق تاء فيما ثلاثياً كثر) قوله: (ثلاثياً): مفعول كثر مقدم؛ لأن كثر بمعنى: زاد، وليست من باب (كثُر) اللازم، والمعنى: ما زاد على الثلاثة فإنه يندر لحاق التاء فيه. مثاله: قوس، فهو ثلاثي مؤنث، تقول: أعط القوس باريها، فلو أننا صغرنا (قوس) فقلنا: قويسة، لكان خلاف اللغة العربية مع أنه على القياس، لكن جاء في اللغة العربية: قويس، بدون تاء. ما معنى شذ وندر؟ الشاذ: هو الذي خالف قواعد النحويين لكنه كثر وروده في اللغة، والنادر: هو الذي قل استعماله في اللغة؛ لأن النادر بمعنى القليل، والشاذ بمعنى المخالف، فعند النحويين ما خالف القواعد فهو شاذ ولو كثر استعماله في اللغة العربية، وما ندر أي قل استعماله بين العرب فإنه يسمى نادراً أي: قليلاً. قوله: (وندر لحاق تا فيما ثلاثياً كثر) مثاله: قدَّام، فهو اسم مؤنث، يقولون في قُدام إذا أردت تصغره: قديديمة، مع أنه زاد على الثلاثة فهو خمسة أحرف، ومع ذلك صغر بالتاء، لكنه شاذ، مع أننا نقول في مريم: مريِّم بدون تاء؛ لأنه زائد على الثلاثة، وفي زينب: زيينب وهكذا.

تصغير بعض المبنيات شذوذا

تصغير بعض المبنيات شذوذا قال المصنف رحمه الله تعالى: [وصغروا شذوذاً الذي التي وذا مع الفروع منها تا وتى]. قوله: (وصغروا شذوذاً) ما قال: نادراً؛ لأن تصغيره بالياء كثير، لكنه باعتبار القواعد مخالف؛ لأن التصغير خاص بالأسماء المعربة، و (الذي) مبني، لكنه مع ذلك ورد عن العرب تصغيره فقالوا في الذي: اللذيا، وفي اللتي: اللتيا. وجاء عنهم أيضاً أنهم صغروا اسم الإشارة (ذا) فقالوا: ذيَّا، حتى في اللغة العامية الآن نقول: هذيا. قوله: (مع الفروع منها) أي: فروع الذي والتي وهي: اللذان، والذين، واللتان واللاتي، وفروع ذا وهي: ذانِ، وتانِ، وذين، وتين، فنقول في تصغير (تي): تَيّ، وتِيّ.

شرح ألفية ابن مالك [66]

شرح ألفية ابن مالك [66] إذا نسبت العرب إلى قبيلة أو بلدة أو شخص جاءت بياء مشددة في آخر الاسم المنسوب إليه، ويلزم أن يكون ما قبل ياء النسب مكسوراً، وإذا كان قبلها ياء مشددة حذفت لتبقى ياء النسب، وقد فصل النحاة في أحكام ألف وتاء التأنيث والحروف الزائدة في المنسوب إليه.

النسب

النسب

تعريف النسب

تعريف النسب قال المصنف رحمه الله تعالى: [النسب ياء كيا الكرسي زادوا للنسب وكل ما تليه كسره وجب]. قوله: (النسب) ويقال: النسبة، ويقال: الإضافة، ومعناه: أن تنسب الشيء إلى الشيء، إما باعتبار القبيلة، وإما باعتبار البلد، وإما باعتبار العلم، وإما باعتبار الصنعة والمهنة، وما أشبه ذلك. فقولنا: مكِّي، نسبة إلى البلد، وقرشي إلى القبيلة، ونحوي إلى العلم. وحرفي إلى الحرفة والصناعة، وعلى هذا فقس. المهم أنه إضافة شيء إلى شيء لينسب إليه، سواء كان ذلك قبيلة أو بلداً أو ما أشبه ذلك. وله صيغتان: الصيغة الأولى: أن تحوله إلى ما يشبه صيغة المبالغة، كنجار، وحداد، وما أشبه ذلك، وهذا في المنسوب إلى الحِرَف كما قال الحريري في ملحة الإعراب: وانسب أخا الحرفة كالبقال ومن يضاهيه إلى فَعَّال الصيغة الثانية: أن تزيد ياءً في آخره، وهذه الياء يتعلق بها أحكام كما سيأتي. قوله: (ياءً كيا الكرسي زادوا للنسب): زادوا: فعل وفاعل. ياءً: مفعول مقدم. والفاعل في قوله: (زادوا) يعود إلى أهل اللغة؛ لأن النحويين ليس لهم حق في صياغة الألفاظ وإنما الحق لأهل اللغة. وقوله: (للنسب) اللام للتعريف، أي: لأجل أن ينسب المضاف إلى ما اشتق منه المنسوب إليه. وأشار المؤلف بقوله: (كيا الكرسي) إلى أن ياء الكرسي ليست للنسب، وهو كذلك؛ لأن ياء النسب إذا حذفتها فإن المنسوب إليه يكون له معنىً قائم بنفسه، فمثلاً: مكِّي، إذا حذفنا ياء النسب، قلنا: مكة، فله معنىً قائم بنفسه، وكذلك قرشي، إذا حذفنا ياء النسب قلنا: قريش، لكن كرسي إذا حذفنا الياء قلنا: كُرس، فليس له علاقة بكرسي، فإن (كرسي) كلمة وضعت لما يجلس عليه. وقوله: (كيا الكرسيّ) وجه المشابهة بينهما أن كلاً منهما ياءٌ مشددة تظهر عليها علامة الإعراب. قال: (وكل ما تليه كسره وجب) هذا من الأحكام التي تحدث بعد النسبة، أن كل ما تليه يجب كسره، مثال ذلك: إذا قلت: تميم، الميم الأخيرة في تميم غير مكسورة، لكن إذا نسبت إلى تميم وجب فيها الكسر، فتقول: تميميٌ، وتقول: نحويٌ، وتقول: مكيٌ، وعلى هذا فقس. كذلك من الأحكام: أن الإعراب ينتقل عما قبلها إليها، فبدلاً من أن يكون الإعراب على آخر المنسوب إليه يكون الإعراب على ياء النسبة، كأن تقول: جاء تميمٌ، ورأيت تميماً، ومررت بتميمٍ، لكن إذا نسبت انتقل الإعراب إلى ياء النسبة، فنقول: جاء تميميٌ، ورأيت تميمياً، ومررت بتميميٍ.

حذف الياء المشددة من آخر الاسم المنسوب

حذف الياء المشددة من آخر الاسم المنسوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومثله مما حواه احذف وتا تأنيث او مدته لا تثبتا]. قوله: (مثله) أي: مثل ياء الكرسي (مما حواه احذف) أي: إذا حوى المنسوب إليه ياءً كياء الكرسي وجب حذفها حتى لا تجتمع ياءان شبيهتان أو مِثلان في كلمة واحدة، مثاله: الشافعي، اسمه محمد بن إدريس الشافعي، نسبة إلى شافع، عندما تنسب رجلاً من أهل العلم إلى مذهب الشافعي تقول: الشافعيّ، فالياء التي في المنسوب الشافعي ليست هي الياء في المنسوب إليه، بل الياء في المنسوب إليه حذفت، فإذا قلت: أحمد بن علي بن حجر الشافعي، فالياء في الشافعي ليست هي الياء التي في قولك: محمد بن إدريس الشافعي؛ لأن الياء التي كانت في المنسوب إليه حذفت، وحلت ياء النسب محلها.

حكم تاء التأنيث وألفه في آخر الاسم المنسوب

حكم تاء التأنيث وألفه في آخر الاسم المنسوب قوله: (وتا تأنيث او مدته لا تثبتا) مما يحذف تاء التأنيث، فيجب حذفها عند النسبة فمكة نقول فيها: مكي، ونحذف التاء، وفي تجارة نقول: تجاري، وفي وردة: وردي. إذاً: تاء التأنيث تحذف، سواء كانت رابعة أو أكثر. قوله: (أو مدته) أي: مدة التأنيث، وهي ألف التأنيث المقصورة فتحذف كذلك، ولهذا قال: (لا تثبتا)، فعند النسبة إلى سلمى نقول فيها: سلمي، ونحذف الألف. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن تكن تربع ذا ثان سكن فقلبها واواً وحذفها حسن]. قوله: (وإن تكن) الضمير يعود إلى ألف التأنيث لا إلى تاء التأنيث، (تربع) أي: إذا جاءت رابعة، لكن النظم يضيق على الإنسان فقد يعبر الناظم بشيء خفي عادلاً عما هو واضح من أجل الضرورة. (ذا ثان سكن) أي: ما ثانيه ساكن، (فقلبها واواً وحذفها حسن). مثاله: حبلى، الألف فيها رابعة، والحرف الثاني منه ساكن، إذاً تنطبق على قوله: (وإن تكن تربع ذا ثان سكن) يقول المؤلف: (فقلبها واواً وحذفها حسن) فتقول في النسبة إلى حُبلى: حبلويٌّ، فهذا قلبها واواً، وتقول: حُبْليٌّ، وهذا حذفها. إذاً: إذا كانت ألف التأنيث رابعة فيما ثانيه ساكن جاز فيها وجهان: قلبها واواً، وحذفها، والأصل الذي يبنى على القاعدة هو الحذف؛ لأن المؤلف قال فيما سبق: (أو مدته لا تثبتا).

حكم ألف الإلحاق في الاسم المنسوب

حكم ألف الإلحاق في الاسم المنسوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [لشبهها الملحق والأصلي ما لها وللأصلي قلب يعتمى]. قوله: (لشبهها) أي: شبه ألف التأنيث، (الملحق) أي: الذي يلحق بألف التأنيث، وهي ألف يسمونها ألف الإلحاق، فليست ألف التأنيث وليست أصلية، مثل: علقى، الألف فيها للإلحاق. فالألف التي للإلحاق يقولون إنه يثبت لها حكم ألف التأنيث، ولهذا قال: (ما لها وللأصلي قلب يُعتمى) أي: الألف الأصلية التي هي رابعة فأكثر فيما ثانيه ساكن يجوز فيها وجهان كما سبق، لكن القلب في الأصل يعتمى، أي: يختار، والأمثلة ستكون في الشرح. أفادنا المؤلف الآن أن الألف المقصورة تكون على ثلاثة أوجه: للتأنيث، وللإلحاق، وأصلية. فألف التأنيث الأصل فيها الحذف، ويجوز فيما كانت فيه رابعة مما ثانيه ساكن وجهان: الحذف والقلب. وألف الإلحاق حكمها حكم ألف التأنيث، فتحذف إلا إذا كانت رابعة فيما ثانيه ساكن فيجوز فيها وجهان. والألف الأصلية نقول فيها ما نقول في ألف التأنيث، إلا أن المؤلف يقول: إن القلب هو الذي يختار. ثم قال رحمه الله تعالى: [والألف الجائز أربعاً أزل كذاك يا المنقوص خامساً عزل]. قوله: (والألف) مفعول مقدم لقوله: أزل، (الجائز) صفته، ومعنى (الجائز أربعاً) أي: الذي تجاوز أربعة أحرف، فالألف إذا تجاوز أربعة أحرف فإنه يحذف بكل حال، سواء كان للتأنيث، أو أصلياً، أو للإلحاق، فنقول مثلاً في مصطفى: مصطفِيٌّ؛ لأنه ألف جاوز أربعة.

حكم ياء المنقوص في الاسم المنسوب

حكم ياء المنقوص في الاسم المنسوب قوله: (كذاك يا المنقوص خامساً عُزل). ياء المنقوص إذا كان خامساً فأكثر فإنه يُعزل، أي: يحذف، وانظر إلى المؤلف رحمه الله من أجل ضيق النظم يعبر بتعبيرات مختلفة، ولو جاء بهذه كلها في عبارة واحد وقال: تحذف، لكان أسهل، لكن مشكلة النظم هي التي تلجئه إلى مثل ذلك. فكلمة (أزل) وكلمة (عُزل) وكلمة (لا تثبتا) كلها معناها: احذفها، لكن نظراً لضيق النظم عبر بهذه الألفاظ. فالمنقوص إذا كان ياؤه خامساً فإنه يحذف، مثاله: مهتدِ، الياء كانت خامسة، فإذا نسبت إلى مهتدٍ تقول: مهتديّ، بالياء المشددة، وهذا مهتديُّ القومِ؛ مثلاً. إذاً: الذي يحذف: الياء التي تشبه ياء النسب، وتاء التأنيث مطلقاً، ومدة التأنيث، إلا إذا كانت رابعة فيما ثانيه ساكن فيجوز الوجهان، ومدة الإلحاق والمدة الأصلية حكمها حكم مدة التأنيث، إلا أن الأولى في الأصلية القلب فيما تجاوز أربعة فأكثر. وياء المنقوص إذا كانت خامسة فأكثر فإنها تحذف، فنقول في مهتدٍ: مهتديّ، لكن فرق بين مهتدٍ ومهتديّ، فنقول: جاء مهتديٌّ، وجاء مهتدٍ، فقط؛ لأنها منقوصة. قال رحمه الله تعالى: [والحذف في اليا رابعاً أحق من قلب وحتم قلب ثالث يعن]. إذا كانت الياء رابعة فحذفها أحق من قلبها واواً، فتقول في قاض: قاضيّ، وقد تقلب واواً فتقول: قاضوي. وإن كانت الباء ثالثة قلبت واواً وفتح ما قبلها، فتقول في شجٍ: شجَوي.

النسبة إلى الثلاثي المكسور العين

النسبة إلى الثلاثي المكسور العين قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأول ذا القلب انفتاحاً وفعِلْ وفُعِلٌ عينهما افتح وفِعِلْ]. قوله: (وأول ذا القلب) (ذا) قد تكون اسم إشارة، وقد تكون بمعنى صاحب، أي: صاحب القلب، (انفتاحاً) أي: اجعل ما قبله مفتوحاً، وعلى هذا فنقول: أول: فعل أمر، والفاعل: مستتر وجوباً. ذا: مفعول به مبني على السكون في محل نصب، إذا قلنا إنه اسم إشارة، وإن المعنى: وأول هذا القلب. وإن جعلنا (ذا) بمعنى صاحب فنقول: مفعول به منصوب بالألف نيابة عن الفتحة، لأنه من الأسماء الخمسة. انفتاحاً: المفعول الثاني لأولِ. وإذا كانت ذا اسم إشارة فالقلب بدل، وإن كانت بمعنى صاحب فهي مجرورة بالإضافة. وانفتاحاً: مفعول ثان، ومعنى (أوله انفتاحاً) أي: اجعله يلي انفتاحاً. أي: أن ما قبله يجب أن يكون مفتوحاً، فإذا قلبنا وجب أن نفتح ما قبله بكل حال، فنقول في: شجي -شين جيم ياء- نقول في النسبة إليها: شجوي، فنحن الآن قلبنا الياء واواً؛ لأنها ثابتة، ويجب أن نفتح ما قبلها ولو كان مكسوراً، فنقول: شجَوي، هذا معنى قوله: (وأولِ ذا القلب انفتاحاً)، وعلى هذا فمتى قلب حرف العلة واواً وجب فتح ما قبله بناء على هذه القاعدة. قوله: (وفَعِلْ وفُعِل عينهما افتح وفِعِل) يقول المؤلف: فَعِل، وفُعِل، وفِعِل، هذه ثلاث كلمات كل منها على ثلاثة أحرف، لكن الأولى مفتوحة الفاء، والثانية مضمومة الفاء، والثالثة مكسورة الفاء، إذا نسبت إلى هذه الثلاثة يقول: (عينهما افتح) وفاؤهما تبقى على ما هي عليه، إن كانت مضمومة فهي مضمومة، وإن كانت مكسورة فهي مكسورة، وإن كانت مفتوحة فهي مفتوحة، لكن عينهما افتح. عين: مفعول مقدم لـ (افتح) فقوله: (وفَعِل) إذا نسبت إليها تقول: فَعَلي، مثاله: نَمِر، فالنون مفتوحة والميم مكسورة، عندما ننسب إليها نقول: نَمَري. و (فُعِل) مثاله: دئل، نقول: دؤلي، ومنه أبو الأسود الدؤلي. لأن المؤلف يقول: إذا نسبت إلى فُعِل فافتح العين. (وفِعِل) مثاله: إبل، إذا أردنا أن ننسب شخصاً إلى الإبل نقول: إبلي. إذاً: في كل من (فَعِل، وفُعِل، وفِعِل) نفتح العين، وأما الفاء فتبقى على ما هي عليه، وأما اللام فقد تقدم أن ما قبل ياء النسبة يجب أن يكون مكسوراً. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقيل في المرمي مرموي واختير في استعمالهم مرمي]. سبق لنا أن المنسوب إلى الياء المشددة تحذف منه الياء الأولى ويؤتى بدلها بياء النسبة جديدة، كالنسبة إلى الشافعي، وهكذا (مرمي) النسبة إليه: مرميّ، هذه القاعدة، لكن مع ذلك جاء عن العرب أنهم قالوا في المرمي: مرموي، لكن انظر إلى قوله: (قيل في المرمي)، فهو يدل على التضعيف، ولهذا قال: (واختير في استعمالهم مرمي) فتقول: جاء المرموي، وتقول: جاء المرمي، نسبة إلى مرمي.

النسبة إلى ما آخره ياء مشددة مسبوقة بحرف واحد

النسبة إلى ما آخره ياء مشددة مسبوقة بحرف واحد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ونحو حي فتح ثانيه يجب واردده واواً إن يكن عنه قلب]. كلمة (حي) الياء الأولى، لا تحذف بل تبقى، لكن تقلب الثانية واواً، فيقال في حي: حيوي، أما الياء الثانية فقد قلبت إلى واو على القاعدة السابقة؛ لأنها ثالثة، أما الياء الأولى فقد حصل فيها تغيير وهو الفتح، فقد كانت ساكنة، لكن لما نسبنا يقول: (ونحو حي فتح ثانيه يجب) فتقول: حَيَوي. قوله: (واردده ياء إن يكن عنه قلب) أما إذا كان ياء وأصله الياء فيبقى على حاله، ولا يرد إلى الواو، وكلمة (حي) مأخوذة من الحياة، فالياء الثانية فيه أصلية تقول: حيي زيد، ولا تقول: حوي زيد، وتقول: حيي الشجر، ولا تقول: حوي الشجر، إذاً الياء أصلية، فتبقى الأولى على أصلها، والثانية تقلب واواً كما سبق، فنقول: حيوي. فقول المؤلف: (واردده واواً إن يكن عنه قلب) أي: إن كانت الياء الأولى في نحو حي قد قلبت عن واو فإنها ترد إلى أصلها، مثل: طي، فيه ياء مشددة بعد الحرف الأول وهي مثل حي، لكن الياء الأولى في طي منقلبة عن واو، فعندما ننسب إلى طي نقول: طووي، فعندنا الآن واوان: الأولى: رددناها إلى أصلها، والياء الثانية من الأصل تقلب واواً عند النسب. وإذا نسبنا إلى (لي) نقول: لووي، لأن (لي) أصله من لوى يلوي لياً. وإذا نسبنا إلى (شي) من شي اللحم نقول: شووي؛ لأنها من شوى يشوي، فأصل الياء الأولى واو. كذلك نوى اسم لبلد، نقول في النسبة إليها: نووي، وإذا نسبنا إلى نواة التمر، كواحد يبيع نوى التمر، فنقول: نووي.

النسبة إلى ما آخره علامة تثنية أو جمع

النسبة إلى ما آخره علامة تثنية أو جمع قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعلم التثنية احذف للنسب ومثل ذا في جمع تصحيح وجب]. قوله: (علم التثنية) بمعنى: علامة التثنية. (احذف للنسب) أي: إذا نسبت. فإذا نسبت إلى مثنى وجب أن تحذف علامة التثنية، فتقول في النسبة إلى زيدان: زيدي، وتحذف الألف والنون، وفي النسبة إلى البحرين: بحري، ولا تقول: بحريني بحراني. والمسألة فيها خلاف، فهناك من يرى أنك تبقيها، وتقول: بحراني، وبحريني إذا نسبت إلى المنصوب. قوله: (ومثل ذا في جمع تصحيح وجب) أي: حذف العلامة في جمع التصحيح واجب، مثلاً: المسلمون، ننسب إليها ونقول مسلمي، ولا نقول مسلموني، وفي مسلمات: مسلمي، وشجرات: شجري، وهكذا. إذاً: علامة الجمع وعلامة التثنية يجب أن تحذف؛ لأنها على تقدير الانفصال؛ إذ هي علامة زائدة على بنية الكلمة فوجب أن تحذف. وبالنسبة للبحرين، هناك من يقول إنه لا يعرب إعراب المثنى، وإنما يعرب بالحركات على النون، وعلى هذا الرأي لا نحذف العلامة، فمثلاً يقولون: سكنت البحرينَ، وسافرت إلى البحرينِ، وسار في البحرينِ، فيعربون بالحركات، وعلى هذا الرأي ننسب إليها بدون حذف فنقول: بحريني؛ لأننا جعلنا النون كأنها أصلية حيث جعلناها تعرب بالحركات.

النسبة إلى نحو طيب

النسبة إلى نحو طيب قال المصنف رحمه الله تعالى: [وثالث من نحو طيب حذف وشذ طائي مقولاً بالألف] قوله: (وثالث من نحو طيب حذف). ثالث: مبتدأ، وهو نكرة، لكن سوغ الابتداء بالنكرة أنه موصوف بقوله: (من نحو طيب)، وجملة (حذف): خبر المبتدأ. وقوله: (حذف) الذي حذفه هم أهل اللغة. وكلمة (طيب) مكونة من أربعة أحرف، الثالث منها ياء مكسورة أدغمت فيها ياء قبلها، فيجب أن تحذف الياء الثانية، وهي ثالثة الحروف، فبالنسبة للكلمة ككل هي الثالثة، فتقول في طيب: طَيِْبي، وتقول في جيد: جَيْدِي، وعلى هذا فقس، كلما أتت الياء مشددة ثانية، فإنها تحذف الياء الثانية من هذه المشددة. وعلى هذا نقول في طيء: طيئي، لكن أهل اللغة يحكمون ولا يحكم عليهم، وهم يقولون: فلان الطائي، ولا يقولون فلان الطيئي، فيجعلون الياء ألفاً، فإن أحد من العرب جاء وقال: فلان الطائي، فلا نخطئه؛ بل: نقول: هو الحاكم علينا، لكن كيف قال: (وشذ طائي)؟ ولابد أن نعرف الفرق بين ندر وبين شذ: فشذ باعتبار القواعد، وندر باعتبار استعمال العرب، فاللغة القليلة يقال فيها ندر، واللغة المشهورة الكثيرة لكنها خارجة عن قواعد النحو يقال: شاذ؛ لأنه فرض نفسه باستعمال العرب له، لكن خالف القواعد فيكون شاذاً، فهو شاذ يعمل به ولا يقاس عليه، والشاذ في الحديث لا يعمل به؛ لأنه ضعيف، لكن الشاذ في اللغة العربية يعمل به، ولا يقاس عليه. إذاً: القاعدة من هذا البيت: كل اسم رباعي ثانيه ياء مشددة نحذف الياء الثالثة عند النسبة. فإذا قال إنسان: ما تقولون في قول العرب: طائي؟ نقول: هذا شاذ وخارج عن القياس.

النسبة إلى فعيلة وفعيلة

النسبة إلى فَعيلة وفُعيلة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفَعلي في فَعلية التزم وفُعلي في فُعيلةٍ حتم]. قوله: (وفعلي في فعيلة التزم) الأصل أن النسبة إلى فعيلة: فعلي، مثل: جريدة: جردي، صحيفة: صحفي، ما الذي حصل؟ لو أننا أبقينا حروف المنسوب إليه على ما هي عليه فسنقول في النسبة إلى صحيفة: صحيفي، وفي جريدة: جريدي، وفي غريسة: غريسي، وفي غليظة: غليظي. إذاً: غليظي غلط، والصواب: غلظي، وفي عقيدة نقول: عقدي، ولا نقول: عقيدي؛ لأن فعيلة تحذف ياؤها، وتحذف عينها، فنقول كلما نسبنا إلى فعيلة: فعلي، ولهذا قال: (فعلي في فعيلة التزم) أي: التزم لغة لا شرعاً. قوله: (وفُعَلي في فُعيلة حتم) إذا جاءت كلمة على وزن (فُعيلة) ونسب إليها فلابد أن تحذف الياء مثل ما قلنا في عنيزة: عنزي، وفي بريدة: بردي، وفي جهينة، جهني، وعلى هذا فقس. قال المؤلف رحمه الله: [وألحقوا معل لام عريا من المثالين بما التا أوليا]. المثالان هما: فَعيلة وفُعيلة، قوله: (وألحقوا معل لام) (معل لام) أي: الذي آخره حرف علة (عريا) أي: ليس في آخره تاء؛ لأن فَعِيْلة فيها تاء، وفُعَيلة فيها تاء. (ألحقوا بما التا أوليا) أي: ألحقوا بما فيه التاء، فالمعلل اللام إذا عري من التاء فإنه يلحق بما فيه التاء، وينسب إليه على فَعلي، أو فُعلي، مثاله: تقول في عدي: عدوي، ولو أبقيناها على أصلها لقلنا: عديوي، ولكن ما نسب إليه يكون كفعلي، وتقول في قصي: قُصوي، كفُعلي. فأفادنا المؤلف رحمه الله أن ما خلي من التاء -أي: ما كان على وزن فَعيل أو فُعيل- وكان معتل اللام فحكمه حكم ما فيه التاء، أي أنه ينسب على فَعلي أو على فُعلي. ويؤخذ من قوله: (معل لام) أنه إذا كانت لامه صحيحة ونسب إليه على فعلي فإنه يكون شاذاً، فمثلاً: قريش، نقول: قرشي، وهذا استعمال العرب لها، لكنه على قاعدته شاذ. كذلك في ثقيف نقول: ثقفي، واللام في ثقيف صحيحة، ومع ذلك العرب يقولون: ثقفي، ومقتضى ما قعده ابن مالك لذلك أن نقول: ثقيفي، إذاً يكون قولنا في النسبة إلى ثقيف: ثقفي، شاذاً، وإلى قريش: قرشي كذلك يكون شاذاً، وهذا رأي سيبويه قال: إن هذا شاذ، فيحفظ ولا يقاس عليه. وفي صهيب نقول: صهيبي، ولا نقول: صهبي؛ لأنه ما سمع، فما دام أنه لم يسمع نمشي على القاعدة، ولكن بعض النحويين قال: إن (قريش وثقيف)، وما أشبهها مما كان العرب ينسبون إليه على فَعلي أو فُعلي يدل على أن هذا قياس وليس سماعاً، وعلى هذا فيكون مطرداً لا شاذاً، فيجوز لي أن أنسب إلى صهيب بصهيبي وصهبي؛ لأن العرب قالوا في قريش: قرشي، وهذا مطرد عنهم.

شرح ألفية ابن مالك [67]

شرح ألفية ابن مالك [67] بين العلماء كيفية النسب إلى ما آخره همزة مد، وكيفية النسب إلى الأسماء المركبة، وكذلك الأسماء التي حذفت منها بعض حروفها. وقد يستغنى في باب النسب ببعض الصيغ عن ياء النسب كما في النسبة إلى الحرف والصناعات.

تابع النسب

تابع النسب

النسبة إلى معتل العين ومضعفها

النسبة إلى معتل العين ومضعفها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وتمموا ما كان كالطويلة وهكذا ما كان كالجليلة]. طويلة على وزن فعيلة، ومقتضى القاعدة في النسبة إلى طويلة أن نقول: طَوَلي، بحذف الياء، لكن يقول هنا (وتمموا) أي: بدون حذف، فينسب على لفظه، فنقول في النسبة إلى طويلة: طويلي. إذاً: فهذا استثناء من قوله: (وفعلي في فعلية التزم) أي: ما لم يكن كالطويلة. ومثله: حويلة، نقول فيها: حويلي، وفي عليلة: عليلي. إذاً: ما كان كطويلة يبقى كما هو في النسبة إليه، والسبب: أن عينها معتلة فهي تحتاج إلى علاج، وحيث إن عينها معتلة أبقيناها على ما هي عليه. إذاً: كل فعيلة معتلة العين تبقى على حالها. قوله: (وهكذا ما كان كالجليلة) أيضاً نبقيها على لفظها، فنقول في النسبة إلى جليلة: جليلي، ونقول في النسبة إلى جميلة: جميلي، وفي قليلة: قليلي، وفي عزيزة: عزيزي، وفي شديدة: شديدي. فهنا لم نحذف الياء لأنه مضاعف العين. الخلاصة: كلما نسبنا إلى فعيلة فنحذف الياء في النسب، إلا إذا كانت معتلة العين أو مضعفة العين فإنها تبقى على لفظها، وما لم يكن فيه التاء من فعيل أو فعيلة، فإن كان معتل اللام ألحق بها، وإن كان صحيح اللام لم يلحق، وما ورد عن العرب فهو شاذ كقرشي وفقهي.

النسبة إلى ما آخره همزة مد

النسبة إلى ما آخره همزة مد قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهمز ذي مد ينال في النسب ما كان في تثنية له انتسب]. أي: أن الممدود يعامل إذا نسب إليه معاملته إذا ثني، وابن مالك يقول في المثنى: وما كصحراء بواو ثنيا ونحو علباء كساء وحيا بواو او همر وغير ما ذكر صحح وما شذ على نحو قصر إذاً: معناه لازم أن نرجع إلى كيفية الممدود، (وما كصحراء) صحراء الألف فيها ممدودة للتأنيث، فعند التثنية يقول ابن مالك: (بواو ثنيا)، فنقول: صحراوان، وفي النسبة نقول: صحراوي؛ لأن صحراء إذا ثنيت وجب قلب همزتها واواً، فإذا نسب إليها يجب أن تقلب همزتها واواً فنقول في صحراء: صحراوي. قوله: (ونحو علباء كساء وحيا بواو او همز) علباء الهمزة فيها زائدة للإلحاق، وكساء الهمزة فيها أصلية، فإذا كانت الهمزة للإلحاق كعلباء أو كانت الهمزة أصلية ككساء ورداء وما أشبهه، فإنه يجوز فيها الوجهان: إبقاؤها على أصلها، وقلبها واواً، فنقول في النسبة إلى علباء: علباوي أو علبائي، ونقول في النسبة إلى كساء: كسائي، وكساوي. كذلك نقول في رداء: ردائي، ورداوي، وفي بناء: بنائي أو بناوي، وعلى هذا فقس. وفي حمراء نقول: حمراوي، وفي سوداء: سوداوي؛ لأن الهمزة زائدة للتأنيث، فتقلب واواً. يقول: (وغير ما ذكر صحح) فمثلاً: قرّاء وضّاء، أي: كثير القراءة، وكثير الوضوء، الهمزة هذه أصلية؛ لأنه من قرأ ومن توضأ، فنقول في النسبة إلى قراء: قرائي، وفي النسبة إلى وضاء: وضائي. إذاً: النسبة إلى ما فيه همزة تكون على ثلاثة أوجه: إما أن تقلب بالهمزة واواً، أو تبقى على ما هي عليه، أو يخير الإنسان بين هذا وهذا إذا كانت الهمزة منقلبة عن أصل، أو كانت للإلحاق.

النسبة إلى المركب

النسبة إلى المركب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وانسب لصدر جملة وصدر ما ركب مزجاً ولثان تمما إضافة مبدوءة بابن أو اب أو ماله التعريف بالثاني وجب فيما سوى هذا انسبن للأول ما لم يخف لبس كعبد الأشهل] هذه الأبيات الثلاثة في النسبة إلى المركب، فهناك بعض الأعلام تكون جملة، مثل ما يقولون: تأبط شراً، أو الشنفري، أصله: الشن فري، أو شاب قرناها. فإذا أردنا أن ننسب إلى هذه الجملة ننسب إلى صدرها، فنقول في تأبط شراً إذا أردنا أن ننسب إليه: تأبطي، جاء عبد الله التأبطي، أي: المنسوب إلى تأبط شراً، ونقول في الشنفري: جاء عبد الله الشني. ويؤخذ من كلام ابن مالك أنه لا يجوز أن ينسب إلى عجزها، فلا نقول في تأبط شراً: جاء الشري، أو في شاب قرناها: جاء القرني. قوله: (وصدر ما ركب مزجاً). المركب تركيباً مزجياً هو علم ضم فيه كلمتان إحداهما إلى الأخرى لا على سبيل النسبة، لأنه لو كان على سبيل النسبة لكان مركباً إضافياً ولكنه على سبيل الخلط، ولهذا سمي مزجياً، والمزج هو الخلط، فكأننا مزجنا هاتين الكلمتين حتى صارتا كلمة واحدة، ولهذا يكون إعرابها على الآخر، مثل: حضرموت، أصله: حضر موت، ثم ركبت الكلمة الأولى مع الثانية وجعلا علماً لواحد، فعندما ننسب إلى حضرموت المقتضى أن نقول: حضري، لكنهم أدخلوا الميم مع الكلمة الأولى وكانوا يقولون: حضرمي. وفي بعلبك نقول: بعلي؛ لأن المؤلف يقول: (وصدر ما ركب مزجاً) ولا نقول: بعلبكي. قوله: (ولثان تمما إضافة مبدوءة بابن أو أب) (ولثان) أي: وانسب للثاني إذا تمم إضافة مبدوءة بابن أو أب، فالمركب تركيباً إضافياً مبدوءاً بابن أو أب ننسب فيه إلى الثاني، مثاله: ابن مالك، لا نقول: هذا ابني مالكي ولا نقول: هذا ابني، ولكن نقول: هذا مالكي، ولكن مشكلتنا إذا قلنا: هذا مالكي أن يظن المخاطب أنه نسبة إلى مالك، وليس إلى ابن مالك، فما هو الجواب عن هذا الإشكال؟ A أن السياق يعين المراد. مثال آخر: ابن الزبير، إذا نسبنا إليه نقول: زبيري، ويرد علينا الإشكال السابق وهو أنه نسبة إلى الزبير، لكن هذا الإشكال يزول بالسياق، فالسياق هو الذي يبين المراد. وقوله: (أو اب) أصله: أو أب، لكن لضرورة الشعر نقل الفتحة من الهمزة إلى الواو، فتحركت الواو وبقيت الهمزة ساكنة. مثاله: أبو بكر نقول في النسبة إليه: بكري، وهل يجري ذلك المنسوب إلى (أم)؟ نقول: المؤلف ما ذكره، لكن هو مثله، فكل علم به كنية فإنه ينسب إلى عجزه، وقد مر علينا أن العلم يأتي بصورة اسم أو لقب أو كنية، فالكنية ما قدم بأب أو بأم أو بابن، وعلى هذا فما أضيف إلى أم ينسب أيضاً إلى عجزه، أي: الثاني، فتقول في النسبة إلى أم سلمة: سلمي، ولا نقول: أمي، أو أمي سلمي. يقول: (أو ما له التعريف بالثاني وجب) أي: ينسب للثاني، وهو ما اكتسب التعريف بسبب الإضافة، مثل: غلام زيد، إذا أردنا أن ننسب إليه نقول: زيدي، لكن أصل غلام زيد ليست علماً، إلا أن يكون علماً بالغلبة، يعني: هذه النسبة لا تكون على إطلاق فليس كل غلام لزيد يسمى هكذا، لكن هذا يختص بما كان علماً بالغلبة بحيث لا يفهم من غلام زيد إلا هذا الرجل المعين، كما لا يفهم من ابن عمر إلا عبد الله بن عمر فهذا أيضاً ينسب إلى عجزه. فنقول بالنسبة إلى غلام زيد: زيدي، ولا نقول: غلامي، أما إذا كان غلام زيد لا ينصرف إلى معين فينسب إلى الأول فيقال: غلامي؛ لأن المقصود نفس الغلام، لا النسبة إلى سيده الذي هو زيد. وإذا لم يتعرف الأول بالثاني، أي: إذا لم نجد له التعريف بالثاني بأن كان الثاني نكرة أيضاً فإنه ينسب إلى الأول، مثاله: غلام رجل، غلام هنا نكرة، وقد أضيف إلى نكرة، والمضاف إلى النكرة نكرة، فعندما ننسب إلى غلام رجل نقول: غلامي؛ لأنه غير معين الآن، لكن عند النسبة إلى غلام الرجل نقول: الرجلي. يقول: (فيما سوى هذا انسبن للأول) لا يعرف السوى إلا إذا عرفنا الأصل، والأصل: أن ما كان مضافاً مبدوءاً بابن أو أب أو أم على قول، وكذلك ما أضيف إلى معرفة؛ ينسب إلى الثاني، وفيما سوى ذلك قال: (انسبن للأول) مثل: غلام رجل، نقول: غلامي. قال: (ما لم يخف لبس كعبد الأشهل) فإن خيف لبس فإنه ينسب للثاني، مثل: عبد الأشهل، لو نسبنا للأول فقلنا: عبدي، فسيكون فيه لبس: هل عبدي منسوبة إلى عبد الله، أم إلى عبد الرحمن، أم عبد الأشهل أو ما أشبه ذلك؟ إذاً: ننسب إلى الثاني فنقول: الأشهلي؛ ونقول في النسبة إلى عبد المطلب: مطلبي؛ وفي عبد الدار: عبدري؛ لأن العرب قالوا: عبدري وهو سماعي، وقالوا في عبد شمس: عبشمي. يقول الشارح: [حكم همزة الممدود في النسب كحكمها في التثنية، فإن كانت زائدة للتأنيث قلبت واواً نحو: حمراوي في حمراء. أو زائدة للإلحاق كعلباء، أو بدلاً من أصل نحو كساء، فوجهان: التصحيح نحو: علبائي وكسائي، والقلب نحو: علباوي وكساوي. أو أصلاً فالتصحيح لا غير نحو: قرائي في قراء]. وقال الشارح: [إذا نسب إلى الاسم المركب؛ فإن كان مركباً تركيب جملة أو تركيب مزج حذف عجزه، وألحق صدره ياء النسب، فتقول في تأبط شراً: تأبطي، وفي بعلبك: بعلي. وإن كان مركباً تركيب إضافة فإن كان صدره ابناً أي: كان معرفاً بعجزه حذف صدره، وألحق عجزه ياء النسب، فتقول في ابن الزبير: زبيرى، وفي أبي بكر: بكري. فإن لم يكن كذلك فإن لم يخف لبس عند حذف عجزه حذف عجزه، ونسب إلى صدره، فتقول في امرىء القيس: امرئي، وإن خيف لبس حذف صدره ونسب إلى عجزه، فتقول في عبد الأشهل وعبد القيس: أشهلى وقيسي].

النسبة إلى الثلاثي المحذوف اللام

النسبة إلى الثلاثي المحذوف اللام قال المصنف رحمه الله تعالى: [واجبر برد اللام ما منه حذف جوازاً ان لم يك رده ألف في جمعي التصحيح أو في التثنيه وحق مجبور بهذي توفيه]. قوله: (واجبر برد اللام ما منه حذف) المراد باللام لام الابتداء (ما منه حذف) أي: ما حذف منه اللام، أي: اجبر ما حذف منه اللام برد لامه، واللام هي آخر الكلمة؛ لأن الميزان (فعل) وآخره اللام، فإذا وجدنا كلمة حذفت لامها، وجب أن نردها عند النسب، لكن الشرط: (جوازاً ان لم يك رده ألف في جمعي التصحيح أو في التثنية) أي: نرد اللام جوازاً، إلا أن يكون مما ترد لامه بالتثنية أو الجمع فإنه يجب أن نردها. إذاً قوله: (اجبر برد اللام ما منه حذف) معناه: اجبر برد اللام ما منه حذفت اللام، قوله: (ألف) أي: في اللغة العربية (في جمعي التصحيح) المراد بجمعي التصحيح: جمع المؤنث السالم وجمع المذكر السالم. فإن كان قد ألف رد هذا المحذوف فإنه يقول: (وحق مجبور بهذي توفية) الإشارة إلى جمعي التصحيح والتثنية أي: حقها أن يوفى ولا يحذف. وخلاصة هذين البيتين: أن الاسم إذا كان ثلاثياً فحذفت لامه؛ فإن كانت اللام ترد عند التثنية أو جمعي التصحيح وجب ردها، وإن كانت لا ترد بالتصحيح أو التثنية فإنه يجوز لك أن تردها، ويجوز ألا تردها. مثاله: دم، عندما تثنيها تقول: دمان، بدون رد اللام، وعندما تنسب إليها تقول: دموي، ودمي؛ لأنها لا ترد في التثنية، وإذا لم ترد بالتثنية فإنه يجوز في النسب أن أرد اللام وألا أرده. ومثله: أب، في التثنية نقول: أبوان، وعندما ننسب إلى أب نقول: أبوي، ولا نقول: أبي؛ لأن اللام إذا كانت ترد في التثنية وجب ردها في النسب. أيضاً: يد، نقول في تثنيتها: يدان، قال الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، وإذا أردنا أن ننسب نقول: يدوي، أو يدي؛ لأن اللام لا ترد في التثنية، وإذا لم ترد في التثنية فإنه يجوز لنا أن نردها عند النسب وألا نردها. وأخ نثنيها فنقول: أخوان، وننسب إليها فنقول: أخوي، ولا نقول: أخيّ؛ لأن اللام ترد في التثنية، فإذا ردت في التثنية وجب أن ترد في النسب. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبأخ أختاً وبابن بنتا ألحق ويونس أبي حذف التا]. يعني: ألحق أختاً وبنتاً بأخ وابن، فعندما تنسب إلى أخ تقول: أخوي، وعندما تنسب إلى ابن، تقول: ابني، أو إن حذفت الهمزة تقول: بنوي. إذاً: عندما أنسب إلى أخت ألحقها بأخ، فأقول في النسبة إليها: أخوي، وإذا أشكلت علينا النسبة هل هي إلى الأخ أو إلى الأخت فإن ذلك يعرف بالسياق. وبالمثل: ابن وبنت، وعندما نحذف همزة ابن نقول: بنوي. قوله: وبابن بنتا ألحق ويونس أبى حذف التا يونس قال: لا نحذف التاء من بنت وأخت وإنما ننسب إلى لفظها بدون حذف فنقول في أخت: أختيّ بالتاء. ونقول في بنت: بنتيّ. والأولى بالصواب قول يونس لأننا لو أخذنا به يزول عنا الالتباس. وهناك قول ثالث يقول: انسب إلى اللفظ بحذف التاء. يعني: تقول في أخت: أُخيّ، وفي بنت: بِنيّ، بحذف التاء؛ لأنها عند الجمع تحذف فيقال: بنات، ولا يقال: بنتات، ويقال: أخوات، ولا يقال أختات، فمادامت تحذف عند الجمع فإننا نحذفها عند النسب. فعندنا في بنت وأخت ثلاثة أقوال: الأول: أننا نجري أختاً وبنتاً مجرى أخ وابن. القول الثاني: أننا ننسب إليهما على لفظهما بدون حذف. القول الثالث: أننا ننسب إليهما على لفظهما مع الحذف.

النسبة إلى الثنائي الذي ثانيه حرف لين

النسبة إلى الثنائي الذي ثانيه حرف لين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وضاعف الثاني من ثنائي ثانيه ذو لين كلا ولائي]. فإذا كان المنسوب إليه ثنائياً، وثانيه ذو لين، يعني: أحد حروف اللين وهي: الألف والواو والياء. فإننا نضاعفه، فإذا أردنا أن ننسب إلى (لا) نقول: لائي ولا نقول: لئي، وبما أن آخر الثنائي الألف فلابد أن تقلب همزة عند المضاعفة. مثلاً إذا كان هناك رجل اسمه (لا). ورزقه الله ولداً وسماه عبد الله، وعبد الله هذا رزق ولداً سماه صالحاً فنقول نحن عنه: هو صالح بن عبد الله اللائي.

النسبة إلى الثلاثي المحذوف الفاء

النسبة إلى الثلاثي المحذوف الفاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن يكن كشية ما الفا عدم فجبره وفتح عينه التزم]. (وإن يكن كشية) يعني: وإن يكن ثلاثياً مثل (شية)، ومعنى ما الفا عدم: ما حذفت فاؤه. نحن نعرف أن كل كلمة لها فاء وعين ولام، وشية محذوفة الفاء، والعين هي حرف الشين، واللام هي حرف الياء. والمحذوف الفاء وأصله واو؛ لأن أصل الكلمة (وشي). قوله: (فجبره وفتح عينه التزم). والجبر في باب النسب أن ترد المحذوف. (وفتح عينه التزم) العين بالنسبة إلى شية هي حرف الشين، وعلى هذا فالنسبة إلى شية هي: وشَويّ. إذاً: إذا حذفت فاؤه فإنه يجب فيه أمران: الأول: رد الفاء، والثاني: فتح العين. كذلك كلمة (عدة) عند النسبة إليها نقول: وعَديّ.

النسبة إلى الجمع

النسبة إلى الجمع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والواحد اذكر ناسباً للجمع إن لم يشابه واحداً بالوضع]. قوله: كلمة أنصار جمع لكنها في الواقع تشبه الواحد، فينسب إليها أنصاري، على لفظها، وأما أنمار فإنها ليست جمعاً، فينسب إليها على لفظها، فيقال: أنماري، وأنبار يقال فيها: أنباري، لأنها ليست جمعاً في الأصل، لكن أنصار يدل على جمع، ويشبه الواحد في الوضع.

الاستغناء عن ياء النسب

الاستغناء عن ياء النسب قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومع فاعل وفعَّال فعل في نسب أغنى عن اليا فقبل]. قوله: (ومع فاعل وفعَّال فعل) هذه ثلاث صيغ، (في نسب أغنى عن اليا)؛ لأن معناه أنه يصاغ على وزن فاعل، وعلى وزن فعَّال، وعلى وزن فَعَل، للنسبة عوضاً عن الياء، فيقال في الرجل كثير البيع للتمر: تامر، وكذلك الرجل كثير بيع اللبن، أو كثير شرب اللبن، يقال: لابن، ويقال إن رجلاً شكى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول الحطيئة فيه: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فدعا عمر رضي الله عنه حسان بن ثابت وقال: ما تقول في قول الحطيئة هذا، هل هجاه أو مدحه؟ قال: يا أمير المؤمنين! إنه قد سلح عليه، أي أنه من أعظم الهجاء. فالطاعم هنا ليس معناه الذي طعم مرة واحدة ولكن معناه أنك ذو إطعام وذو كسوة فهو من باب النسبة على فاعل. والفعال كثير ولاسيما في الحرف، مثل بناء ونجار وحداد وصناع. وأما فَعل فهو قليل، لكنه موجود، قال الشاعر: لست بليلي ولكني نهر لا أدلج بالليل ولكن أبتكر يعني ليس هو ممن يمشي في الليل، ولكنه يمشي بالنهار فهو نهر، نسبة إلى النهار. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وغير ما أسلفته مقرراً على الذي ينقل منه اقتصرا]. يعني ما ذكره رحمه الله هو القواعد، وكان العرب هم الحكام في هذه الأبواب فيقولون: ليس لنا إلا أن نستسلم، فالذي يخالف ما ذكرت من القواعد يقتصر فيه على السماع، ولا يقاس عليه، ولهذا قال: (على الذي ينقل منه اقتصرا) مثل عبد شمس كان المفروض أن نقول: شمسي لكن يقال: عبشمي، وعبد الدار بدلاً من أن نقول داري نقول: عبدري.

شرح ألفية ابن مالك [68]

شرح ألفية ابن مالك [68] الأصل في الوقف عند العرب أن يوقف على حرف ساكن، فلا وقف على متحرك ولا ابتداء بساكن، وما كان منوناً منصوباً وقفوا عليه بالألف، وعندهم في الوقف روم وإشمام ونقل وتسكين وتضعيف، وقد يقفون بهاء السكت، ولكل ذلك تفاصيل مذكورة.

الوقف

الوقف

تعريف الوقف وكيفية الوقف على المنون

تعريف الوقف وكيفية الوقف على المنون قال المؤلف رحمه الله: [الوقف تنويناً اثر فتح اجعل ألفا وقفاً وتلو غير فتح احذفا] الوقف معناه: قطع الكلام، يعني أن تقف على الكلمة أو الجملة أو الحرف أو ما أشبه ذلك، فتقطع الكلام. والوقف في القرآن بعضه وقف لازم وبعضه جائز وغير ذلك، ولكن البحث هنا من جانب أحكام آخر الموقوف عليه. يقول المؤلف: (تنويناً اثر فتح اجعل ألفاً) تنويناً: مفعول مقدم باجعل، يعني: التنوين الذي جاء بعد فتح اجعله ألفاً، فتقول، في رأيت زيداً: رأيت زيدا، إذا وقفت، ولا تقول: رأيت زيد. قال: (وقفاً وتلو غير فتح احذفا)، تلو: مفعول مقدم باحذف، يعني: والتنوين الذي يكون تلو غير الفتح -وهو الضم والكسر- احذفه، فإذا قلت: مررت بزيدٍ، قلنا: هذا غلط. والصواب أن تقول: مررت بزيده؛ لأن ابن مالك يقول: احذف، والأمر للوجوب، إلا أن يدل عليه الدليل. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [تنويناً اثر فتح اجعل ألفا وقفاً وتلو غير فتح احذفا]. أي إذا وقف على الاسم المنون، فإن كان التنوين واقعاً بعد فتحة أبدل ألفاً، ويشمل ذلك ما فتحته للإعراب نحو: رأيت زيداً وما فتحته لغير الإعراب كقولك في إيهاً وويهاً: إيها وويها. وإن كان التنوين واقعاً بعد ضمة أو كسرة حذف وسكن ما قبله، كقولك في جاء زيدٌ ومررت بزيدٍ: جاء زيدْ، ومررت بزيدْ]. وقد ذكرنا أن ربيعة تقف على المنصوب بالسكون فتقول: رأيت زيد.

حكم حذف صلة الضمير في الوقف

حكم حذف صلة الضمير في الوقف قال المؤلف: [واحذف لوقف في سوى اضطرار صلة غير الفتح في الإضمار]. الضمير له صلة معروفة؛ تقول: ضربته ضرباً شديداً، مررت به نائماً، هذه صلة، فيقول: احذف الصلة الوقف. قوله: (في سوى اضطرار)، أما في حال الاضطرار فلا تحذف؛ لأن لكل شيء حكمه. قوله: (صلة غير الفتح في الإضمار)، أي: صلة غير الفتح في الضمير، أما صلة المفتوح فلا تحذف، فتقول: رأيتها، ببقاء الألف، ولكن إذا كان مضموماً أو مكسوراً تحذف صلتها، فتقول: زيد ضربتهْ، زيد مررت بهْ.

كيفية الوقف على إذا

كيفية الوقف على إذاً قال: [وأشبهت إذاً منوناً نصب فألفاً في الوقف نونها قلب]. (إذاً) تشبه المنون المنصوب، تقول: زيداً مررت به إذا، فهي تشبه المنون المنصوب، وإذا كانت تشبهه فعند الوقف نقلب نونها ألفاً، ولا نقول: إذاً بالنون. وهل يمكن أن يقف الإنسان على إذاً؟ و A نعم؛ فتقول: (أكرمك إذا). وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون هناك التباس أو لا، لأنني إذا قلت: أكرمك إذا، قد تلتبس بإذا الشرطيه، لكن نقول: الأصل عدم ذلك، وأن معنى أكرمك إذاً، أي لأنك زرتني، ولهذا قال: (فألفاً في الوقف نونها قلب). وإعراب (نونها): نائب فاعل عند الكوفيين، لأنهم يجوزون تقديم الفاعل أو نائب الفاعل، ولكن البصريين يقولون: لا يجوز ذلك، فهي مبتدأ، و (قلب): فعل ونائب فاعل، والجملة خبرها. قال ابن عقيل: [إذا وقف على هاء الضمير، فإن كانت مضمومة نحو: رأيتهُ، أو مكسورة نحو: مررت بهِ، حذفت صلتها ووقف على الهاء ساكنة، إلا في الضرورة، وإن كانت مفتوحة نحو: هند رأيتها، وقف على الألف ولم تحذف. وشبهوا إذاًَ بالمنصوب المنون فأبدلوا نونها ألفاً في الوقف].

كيفية الوقف على المنقوص

كيفية الوقف على المنقوص قال المؤلف رحمه الله: [وحذف يا المنقوص ذى التنوين ما لم ينصب اولى من ثبوت فاعلما وغير ذى التنوين بالعكس وفي نحو مر لزوم رد اليا اقتفى]. حذف: مبتدأ، وأولى: خبر. والمنقوص: كل اسم معرب آخره ياء لازمة مكسور ما قبلها، مثل: القاضي. قوله: (ما لم ينصب) أي: وهو مرفوع أو مجرور؛ فهي ثلاثة شروط: أن يكون منقوصاً منوناً غير منصوب، فإذا تحققت الثلاثة فحذفها أولى من ثبوت فاعلما، تقول في (مررت بقاضٍ) عند الوقف: (مررت بقاضْ)، ويجوز (مررت بقاضي)، ولكن الحذف أولى، ومنه: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72]، و (بما أنت قاضي)، {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11] وأصلها: (من والي). فقوله: (أولى من ثبوت) أي: ويجوز الإثبات، لكن في القرآن لا نثبت إلا إذا كان هناك قراءة؛ لأن القرآن توقيفي. وقوله: (ما لم ينصب اولى من ثبوت فاعلما)، فإن نصب المنقوص فهو على القاعدة الأولى، فتقف على تنويه بالألف، فتقول مثلاً: أكرمت راميا، أجبت داعيا، حكمت قاضيا. قال: (وغير ذي التنوين بالعكس) غير ذي التنوين هو المحلى بأل، وقوله (بالعكس) أي: بإثبات الياء، فتقول: جاء القاضي. وقوله (بالعكس) إذا عكسنا المسألة بالحكم والأولوية، صار يجوز الإثبات والحذف ولكن الأولى إثبات الياء، أقول: جاء القاضي، ويجوز: جاء القاض. قال الله تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9]، والأولى: المتعالي، لكنه يجوز الحذف. فصار الحذف أولى في المنون والعكس في غير المنون. قال: (وفي نحو مر لزوم رد اليا اقتفى). مر: اسم فاعل من أرى. قال ابن عقيل رحمه الله: [إذا وقف على المنقوص المنون، فإن كان منصوباً أبدل من تنوينه ألف، نحو: رأيت قاضيا، فإن لم يكن منصوباً فالمختار الوقف عليه بالحذف، إلا أن يكون محذوف العين أو الفاء، كما سيأتي، فتقول: هذا قاض، ومررت بقاض، ويجوز الوقف عليه بإثبات الياء كقراءة ابن كثير: (ولكل قوم هادي). فإن كان المنقوص محذوف العين: كمر - اسم فاعل من أرى - أو الفاء: كيفى -علماً-]. قوله: (كيفي علماً) يفي في الأصل فعل مضارع، لكن لو سمي به شخص فله هذا الحكم. قال: [أو الفاء: كيفى -علماً- لم يوقف إلا بإثبات الياء، فتقول: هذا مري، وهذا يفي، وإليه أشار بقوله: (وفي نحو مر لزوم رد اليا اقتفي). فإن كان المنقوص غير منون، فإن كان منصوباً ثبتت ياؤه ساكنة نحو: رأيت القاضي، وإن كان مرفوعاً أو مجروراً جاز إثبات الياء وحذفها، والإثبات أجود، نحو: هذا القاضي، ومررت بالقاضي].

الوقف على الاسم المحرك الآخر

الوقف على الاسم المحرك الآخر

وجوه الوقف على الاسم المحرك الآخر

وجوه الوقف على الاسم المحرك الآخر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وغيرها التأنيث من محرك سكنه أو قف رائم التحرك أو أشمم الضمة أو قف مضعفا ما ليس همزاً أو عليلا إن قفا محركاً وحركات انقلا لساكن تحريكه لن يحظلا]. قال الشارح: [إذا أريد الوقف على الاسم المحرك الآخر فلا يخلو آخره من أن يكون هاء التأنيث أو غيرها، فإن كان آخره هاء التأنيث وجب الوقف عليها بالسكون، كقولك في: هذه فاطمة أقبلت: هذه فاطمه. وإن كان آخره غير هاء التأنيث ففى الوقف عليه خمسة أوجه: التسكين، والروم، والإشمام، والتضعيف، والنقل. فالروم: عبارة عن الإشارة إلى الحركة بصوت خفى. والإشمام: عبارة عن ضم الشفتين بعد تسكين الحرف الأخير، ولا يكون إلا فيما حركته ضمة. وشرط الوقف بالتضعيف أن لا يكون الأخير همزةً كخطأ، ولا معتلاً كفتى، وأن يلي حركة، كالجمل، فتقول في الوقف عليه: الجمل - بتشديد اللام - فإن كان ما قبل الأخير ساكناً امتنع التضعيف، كالحمل. والوقف بالنقل عبارة عن تسكين الحرف الأخير ونقل حركته إلى الحرف الذي قبله، وشرطه: أن يكون ما قبل الآخر ساكناً، قابلا للحركة، نحو: هذا الضرُبْ، ورأيت الضرَبْ، ومررت بالضرِبْ. فإن كان ما قبل الآخر محركاً لم يوقف بالنقل كجعفر. وكذا إن كان ساكناً لا يقبل الحركة كالألف، نحو: باب وإنسان].

نقل الفتحة في غير المهموز الآخر

نقل الفتحة في غير المهموز الآخر قال المؤلف: [ونقل فتح من سوى المهموز لا يراه بصري وكوفٍ نقل]. نقل فتح، أي: من الآخر، في غير المهموز لا يراه عالم من البصريين، ونقل الكوفيون ذلك عن العرب، وعلى هذا فمذهبهم هو الصحيح. وقوله: (من سوى المهموز)، خرج به المهموز، فإنه إذا كان مهموز الآخر فإنه تنقل حركته إلى الساكن الصحيح قبله على رأي الكوفيين والبصريين. تقول مثلاً: أنا أحب الدفْء، الأصل أن نقول: الدفء، ويجوز أن نقول: الدفأ على القولين جميعاً. قال: [والنقل إن يعدم نظير ممتنع وذاك في المهموز ليس يمتنع]. أفادنا المؤلف رحمه الله أنه إذا نقلنا الحركة إلى الساكن قبله، وكان هذا البناء لا نظير له في اللغة العربية، فإنه لا يجوز؛ لأننا نخرج بذلك عن الأوزان المعروفة في اللغة العربية، إلا في المهموز.

الوقف على تاء التأنيث في الاسم

الوقف على تاء التأنيث في الاسم قال المؤلف: [في الوقت تا تأنيث الاسم ها جعل إن يم يكن ساكن صح وصل] (في الوقت تا تأنيث الاسم جعل) يعني إذا وقفت على اسم مختوم بتاء التأنيث، فاجعله هاءً تقول: هذه فاطمه، ولا تقول هذه فاطمت. وقول المؤلف: (تاء تأنيث الاسم)، خرج به تاء تأنيث الفعل مثل: هند قامت، ولا تقل: هند قامه، (ما لم يكن بساكن صح وصل)، فإن وصل بساكن صحيح قبله، فإنه يوقف عليه بالتاء، وهذا استثناء من الشطر الأول، وذلك مثل: أخت، فلا تقول: هذه أخه، بنت، فلا تقول: هذه بنه. أما إذا اتصل بساكن غير صحيح كما لو قلت: فتاة، فتقول في الوقف فتاه. قال المؤلف: [وقل ذا في جمع تصحيح وما ضاهى وغير ذين بالعكس انتمى]. (وقل ذا في جمع تصحيح) المشار إليه قلب التاء هاء، وجمع التصحيح هنا هو جمع المؤنث السالم، فجمع المؤنث السالم يقل فيه أن تجعل التاء هاء، فتقول: عندي مسلمات، ويقل أن تقول: عندي مسلماه، والأكثر أن تقول: مسلمات، قال الله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} [التحريم:5] إذا وقفت على واحدة من هذه وقفت بالتاء. قوله: (وما ضاهى)، يعني ما شابهه، وهو الملحق به. قوله: (وغير ذين بالعكس) يعني: غير جمع المؤنث السالم والملحق به، فالأكثر فيه الوقوف على الهاء، ويجوز بالتاء لكنه قليل.

الوقف بهاء السكت في الفعل المعتل

الوقف بهاء السكت في الفعل المعتل قال المؤلف: [وقف بها السكت على الفعل المعل بحذف آخر كأعط من سأل]. الفعل المعتل الآخر يوقف عليه بهاء السكت يقول: [وليس حتماً في سوى ما كع أو كيع مجزوماً فراع مارعوا]. أي: ولكن ليس حتماً في سوى فعل كع، وهو فعل أمر من وعى، أي: أما (ع) فيجب أن يوقف عليها بهاء السكت، فتقول: القول عه، النار قه، بالوعد فه. قوله: (أو كيع مجزوماً) يعي: فعل مضارع إذا لم يجزم وقف عليه بالياء فيقال: فلان يعي، فإذا جزم كان آخره العين فيجب فيه وأمثاله هاء السكت تقول: لم يعه. قوله: (فراع ما رعوا) أي: راع ما راعاه النحويون أو اللغويون أو الجميع، والظاهر أن المقصود العرب.

كلام ابن عقيل في الوقف بالنقل في المهموز وبهاء السكت

كلام ابن عقيل في الوقف بالنقل في المهموز وبهاء السكت قال الشارح رحمه الله تعال: [ونقل فتح من سوى المهموز لا يراه بصري وكوف نقلا مذهب الكوفيين أنه يجوز الوقف بالنقل: سواء كانت الحركة فتحة، أو ضمة، أو كسرة، وسواء كان الأخير مهموزاً، أو غير مهموز، فتقول عندهم: هذا الضَِرب، ورأيت الضَرَب، ومررت بالضَرِب، في الوقف على الضرْب، وهذا الرِدءُ، ورأيت الرِدَءَ، ومررت بالرِدِءِ في الوقف على الردء. ومذهب البصريين أنه لا يجوز النقل إذا كانت الحركة فتحة إلا إذا كان الآخر مهموزاً، فيجوز عندهم: رأيت الرِدَء ويمتنع: رأيت الضَرَب. ومذهب الكوفيين أولى، لأنهم نقلوه عن العرب]. أي: فهم متفقون في غير الفتح، وهو الضم والكسر. قال: [والنقل إن يعدم نظير ممتنع وذاك في المهموز ليس يمتنع]. يعنى أنه متى أدى النقل إلى أن تصير الكلمة على بناء غير موجود في كلامهم امتنع ذلك، إلا إن كان الآخر همزة فيجوز، فعلى هذا يمتنع: هذا العِلمُ، في الوقف على العِلْم؛ لأن (فِعُلاً) مفقود في كلامهم، ويجوز: هذا الرِدُءْ؛ لأن الآخر همزة. في الوقف تا تأنيث الاسم ها جعل إن لم يكن بساكن صح وصل وقل ذا في جمع تصحيح وما ضاهى وغير ذين بالعكس انتمى إذا وقف على ما فيه تاء التأنيث: فإن كان فعلاً وقف عليه بالتاء، نحو: هند قامت، وإن كان اسماً فإن كان مفرداً فلا يخلو: إما أن يكون ما قبلها ساكناً صحيحا، أو لا، فإن كان ما قبلها ساكناً صحيحاً وقف عليه بالتاء، نحو: بنت وأخت، وإن كان غير ذلك وقف عليه بالهاء، نحو: فاطمهْ، وحمزهْ، وفتاهْ، وإن كان جمعاً أو شبهه وقف عليه بالتاء، نحو: هندات وهيهات]. ذكر (هيهات)؛ لأنه شبه الجمع، وهو اسم فعل ماض. قال: [وقل الوقف على المفرد بالتاء، نحو: فاطمت، وعلى جمع التصحيح وشبهه بالهاء، نحو: هنداه، وهيهاه]. نقول في عنيزة، عنيزه، أما: عنيزت فهو قليل. وكذلك: بريده، ويجوز: بريدت، لكنه قليل. قال رحمه الله: [وقف بها السكت على الفعل المعل بحذف آخر كأعط من سأل وليس حتماً في سوى ماكع أو كيع مجزوماً فراع مارعوا ويجوز الوقف بهاء السكت على كل فعل حذف آخره للجزم، أو الوقف، كقولك في لم يعط: لم يعطه، وفي أعط: أعطه، ولا يلزم ذلك إلا إذا كان الفعل الذى حذف آخره قد بقى على حرف واحد، أو على حرفين أحدهما زائد، فالأول كقولك في ع وق: عه، وقه، والثاني كقولك في لم يع ولم يق: لم يعه، ولم يقه].

الوقف على ما الاستفهامية

الوقف على ما الاستفهامية قال المؤلف: [وما في الاستفهام إن جرت حذف ألفها وأولها الها إن تقف وليس حتماً في سوى ما انخفضا باسم كقولك اقتضاءم اقتضى]. قوله: (ما في الاستفهام)، يعني ما الاستفهامية إذا جرت حذف ألفها وجوباً، انظر إلى قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] لو قال قائل: (عما يتساءلون) فهو خطأ. وتقول: لم فعلت كذا؟ ولا يجوز: لما فعلت كذا! قوله: (وأولها الها إن تقف)، أي إذا وقفت عليه فتقف بالهاء فتقول: إذا كان فعلي صواباً فلمه؟ يعني: لم تلمني؟ قوله: (وليس حتماً)، يعني يجوز أن تقول: لم، ويجوز: لمه. وكذلك إن جرت بالإضافة وجب حذف ألفها، لكن إلحاق هاء السكت بها إن جرت بالحرف جائز، وإن جرت بالاسم فهو واجب، ولهذا قال: [وليس حتماً في سوى ما انخفضا باسم كقولك اقتضاءك ما اقتضى]. فقوله: (اقتضاء م) كلمة (م) هنا استفهامية، يعني: أي اقتضاء اقتضى؟ فإذا وقفنا على (م) نقول: اقتضاء مه؟ وجوباً؛ لأنها انخفضت بالإضافة (بالاسم). وخلاصة البيتين أنك إذا جررت ما الاستفهامية وجب عليك حذف ألفها، وهل يلزمك أن تضيف إليها هاء السكت؟ A فيه تفصيل: فإن جرت بالحرف لم يجب، لكنه جائز، وإن جرت بالاسم وجب. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [وما في الاستفهام إن جرت حذف ألفها وأولها الها إن تقف وليس حتما في سوى ما انخفضا باسم كقولك اقتضاءم اقتضى إذا دخل على ما الاستفهامية جار وجب حذف ألفها، نحو: عم تسأل؟ وبم جئت؟ واقتضاءم اقتضى زيد؟ وإذا وقف عليها بعد دخول الجار، فإما أن يكون الجار لها حرفاً أو اسماً، فإن كان حرفاً جاز إلحاق هاء السكت، نحو: عمه وفيمه، وإن كان اسماً وجب إلحاقها، نحو: اقتضاءمه، ومجيء مه].

الوقف بهاء السكت على ما حركته حركة بناء لازمة

الوقف بهاء السكت على ما حركته حركة بناء لازمة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ووصل ذي الهاء أجز بكل ما حرك تحريك بناء لزما ووصلها بغير تحريك بنا أديم شذ في المدام استحسنا]. قال الشارح: [يجوز الوقف بهاء السكت على كل متحرك بحركة بناء لازمة لا تشبه حركة إعراب، كقولك في كيف: كيفه]. وكذلك يقال في أين: أينه؟ وقوله: (ووصلها بغير تحريك بنا أديم) يعني أن وصلها بغير تحريك بناء دائم شذ، وفي المدام استحسن. قال الشارح: [ولا يوقف بها على ما حركته إعرابية، نحو: جاء زيد، ولا على ما حركته مشبهة للحركة الإعرابية، كحركة الفعل الماضي]. وقالوا: إن حركة الفعل الماضي تشبه الحركة الإعرابية لأنها تتغير، فإن الماضي قد يبنى على الضم كضربوا، وعلى السكون كضربت، فعلى هذا تقول: ضربَ، ولا يصلح أن أقول: ضربه! قال رحمه الله: [ولا على ما حركته البنائية غير لازمة، نحو: قبل وبعد والمنادى المفرد، نحو: يا زيد، ويا رجل، واسم لا التي لنفى الجنس، نحو: لا رجل. وشذ وصلها بما حركته البنائية غير لازمة، كقولهم في من عل: من علُه، واستحسن إلحاقها بما حركته دائمة لازمة]. والحاصل أنه أفادنا المؤلف رحمه الله أن الحركة إما أن تكون إعرابية، فهذه يمتنع إلحاق هاء السكت بها مطلقاً، أو تكون حركة بناء تشبه الحركة الإعرابية فكذلك أيضاً، مثل: ضرَبَ فعل ماض، فلا تقول: ضربه، ومثل جاء، فلا تقول: جاءه. أو تكون الحركة حركة بناء غير لازمة، فإلحاق هاء السكت جائز لكنه شاذ، مثل: من قبله، من بعده، من عله. أو تكون حركة بناء لازمة، فالأحسن إلحاقها، مثل: كيفه وأينه وما أشبهها. قال المؤلف رحمه الله: [وربما أعطى لفظ الوصل ما للوقف نثراً وفشا منتظما]. قال الشارح: [قد يعطى الوصل حكم الوقف، وذلك كثير في النظم، قليل في النثر، ومنه في النثر قوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ} [البقرة:259]. ومن النظم قوله: مثل الحريق وافق القَصَبَّا. فضعف الباء وهى موصولة بحرف الإطلاق، وهو الألف]. معناه أن لفظ الوصل قد يعطى حكم الوقف على التفصيل السابق. ومعنى: ((لَمْ يَتَسَنَّهْ)) أي لم يتغير.

شرح ألفية ابن مالك [69]

شرح ألفية ابن مالك [69] الإمالة لغة لتميم ومن جاورهم من أهل نجد، وأما أهل الحجاز، ومنهم قريش فلا يميلون، والإمالة تكون بإضجاع الألف نحو الياء والفتحة نحو الكسرة، ولا يكون ذلك إلا في مواضع معينة، فإن للإمالة أسباباً ولها موانع، فهي تتطلب تدقيقاً في الفهم حتى تستوعب.

الإمالة

الإمالة قال المؤلف: [الإمالة الألف المبدل من يا في طرف أمل كذا الواقع منه اليا خلف دون مزيد أو شذوذ ولما تليه ها التأنيث ما الها عدما] قال الشارح رحمه الله: [الإمالة عبارة عن أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء. وتمال الألف إذا كانت طرفاً بدلاً من ياء، أو صائرة إلى الياء دون زيادة أو شذوذ، فالأول كألف رمى ومرمى، والثانى كألف ملهى، فإنها تصير ياء في التثنية نحو ملهيان]. الإمالة كأنها والله أعلم من باب تحسين اللفظ، أو أنها لغة من اللغات. يقول المؤلف: (الألف المبدل من يا في طرف)، ومثل الشارح بألف (رمى) والدليل أنك لو وصلت بها تاء الفاعل انقلبت ياء، فتقول: رميت. قوله: (وكذا الواقع منه اليا خلف) أي التي تخلفه الياء وليس طرفاً فإنه أيضاً يمال، لكن دون مزيد أو شذوذ. فالألف لما كان يصلح أن تبدلها ياءً صح أن تضجع حتى تكون قريبة من الياء، ولهذا بعضهم فسر الإمالة بالإضجاع، وليس بالإنحاء، مثل ألف (رمى) حيث أضجعت ولم تكتب قائمة، وكذا النطق، فهي إضجاع في الواقع. قال الشارح: [واحترز بقوله: (دون مزيد أو شذوذ) مما يصير ياء بسبب زيادة ياء التصغير، نحو: قُفَيٌّ، أو في لغة شاذة كقول هذيل في (قفا) إذا أضيف إلى ياء المتكلم: قَفَيَّ. وأشار بقوله: (ولما تليه ها التأنيث ما الها عدما) إلى أن الألف التي وجد فيها سبب الإمالة تمال وإن وليتها هاء التأنيث كفتاة]. هنا فائدة في الحاشية، وهي أن حكم الإمالة الجواز، فالحمد لله أنه لا يوجد منها شيء واجب، فمهما وجدت أسباب الإمالة فإن تركها جائز، والأسباب التي سيذكرها الناظم والشارح أسباب للجواز لا للوجوب، وذكر أن الإمالة لغة تميم ومن جاورهم، يعني أن غالب أهل نجد يميلون، والحجازيون لا يميلون إلا قليلاً. قال المؤلف: [وهكذا بدل عين الفعل إن يؤل إلى فلت كماضي خف ودن] أي: بدل عين الفعل إذا كان يئول إلى فلت، مثل (خاف) فعينها الألف، وتئول عند نسبتها إلى تاء المتكلم إلى فلت، فتقول: خفت، ونام: نمت. ودن: فعل أمر من دان يدين، فعندما تضيفها إلى تاء الفاعل تقول: دنت، فيقول: بدل عين الفعل أيضاً تمال. قال ابن عقيل: [أي: كما تمال الألف المتطرفة -كما سبق- تمال الألف الواقعة بدلاً من عين فعل يصير عند إسناده إلى تاء الضمير على وزن (فِلْتُ) بكسر الفاء؛ سواء كانت العين واواً كخاف، أو ياء كباع وكدان، فيجوز إمالتها كقولك: خفت، ودنت، وبعت. فإن كان الفعل يصير عند إسناده إلى التاء على وزن فُلْتُ -بضم الفاء- امتنعت الإمالة، نحو: قال وجال، فلا تملها، كقولك: قلت، وجلت]. أي: فالإمالة غالباً تكون بين الفتحة والكسرة، فأما الضمة فليس فيها إمالة، ولذلك فإن: قال وباع وخاف، لا نميل الألف فيها، لأنها عند إسنادها إلى تاء الفاعل تكون على وزن فُلْتُ، وهل يصح أن أقول: لأنها واوية؟ A لا؛ لأن (خاف) واوية، بدليل المصدر: خاف يخاف خوفاً، لكنها عند إسنادها إلى التاء تصير: خفت، مثل نام ينام نمت، مع أنها واوية، فإذاً نقول كما قال المؤلف: إذا كانت الألف في الأجوف عند إسناد الفعل إلى تاء الفاعل على وزن فِلتُ، جازت الإمالة، وإن كانت على وزن فُلتُ لم تجز الإمالة. قال المؤلف: [كذاك تالي الياء والفصل اغتفر بحرف أو مع ها كجيبها أدر]. قال ابن عقيل: [كذاك تمال الألف الواقعة بعد الياء: متصلة بها نحو: بيان، أو منفصلة بحرف نحو: يسار، أو بحرفين أحدهما هاء نحو: أدر جيبها، فإن لم يكن أحدهما هاء امتنعت الإمالة، لبعد الألف عن الياء، نحو بيننا، والله أعلم]. قال المؤلف: [كذاك ما يليه كسر أو يلي تالي كسر أو سكون قد ولي كسراً وفصل الها كلا فصل يعد فدرهماك من يمله لم يصد]. قال ابن عقيل: [أي: كذلك تمال الألف إذا وليتها كسرة، نحو: عالم، أو وقعت بعد حرف يلي كسرة، نحو: كتاب، أو بعد حرفين وليا كسرة أولهما ساكن، نحو: شِملال، أو كلاهما متحرك ولكن أحدهما هاء، نحو: يريد أن يضربها. وكذلك يمال ما فصل فيه الهاء بين الحرفين اللذين وقعا بعد الكسرة أولهما ساكن، نحو: هذان درهماك]. قال المؤلف رحمه الله: [وحرف الاستعلاء يكف مظهرا من كسر او يا وكذا تكف را إن كان ما يكف بعد متصل أو بعد حرف أو بحرفين فصل كذا إذا قدم ما لم ينكسر أو يسكن اثر الكسر كالمطواع مر]. قال ابن عقيل: [حروف الاستعلاء سبعة، وهي: الخاء والصاد والضاد والطاء والظاء والغين والقاف]. وهي مجموعة في قولك: خص ضغط قظ. قال الشارح: [وكل واحد منهما يمنع الإمالة إن كان سببها كسرة ظاهرة أو ياءً موجودة ووقع بعد الألف متصلاً بها كساخط وحاصل، أو مفصولاً بحرف كنافق وناعق، أو حرفين كمناشيط ومواثيق. وحكم حرف الاستعلاء في منع الإمالة يعطى للراء التي هي غير مكسورة، وهي المضمومة نحو: (هذا عِذارٌ)، والمفتوحة نحو: (هذان عذاران)؛ بخلاف المقصورة على ما سيأتي إن شاء الله. وأشار بقوله: (كذا إذا قدم) إلى أن حرف الاستعلاء المتقدم يكف سبب الإمالة ما لم يكن مكسوراً أو ساكناً إثر كسرة، فلا يمال نحو: صالح وظالم وقاتل، ويمال نحو: طلاب وغلام وإصلاح]. قال المؤلف: [وكف مستعل ورا ينكف بكسر را كغارما لا أجفو] قال الشارح: [يعني أنه إذا اجتمع حرف الاستعلاء أو الراء التي ليست مكسورة مع المكسورة غلبتهما المكسورة وأميلت الألف لأجلها، فيمال نحو: على أبصارهم، ودار القرار، وفهم منه جواز إمالة نحو (حمارك)؛ لأنه إذا كانت الألف تمال لأجل الراء المكسورة مع وجود المقتضي لترك الإمالة وهو حرف الاستعلاء أو الراء التي ليست مكسورة فإمالتها مع عدم المقتضى لتركها أولى وأحرى]. قال المؤلف: [ولا تمل لسبب لم يتصل والكف قد يوجبه ما ينفصل]. قال الشارح: [إذا انفصل سبب الإمالة لم يؤثر، بخلاف سبب المنع فإنه قد يؤثر منفصلا فلا يمال (أتى قاسم) بخلاف (أتى أحمد)] قال المؤلف: [وقد أمالوا لتناسب بلا داع سواه كعمادا وتلا] قال الشارح: [قد تمال الألف الخالية من سبب الإمالة لمناسبة ألف قبلها مشتملة على سبب الإمالة، كإمالة الألف الثانية من نحو عمادا لمناسبة الألف الممالة قبلها وكإمالة ألف (تلا) كذلك]. أي: (تلا) معطوفة على (عمادا) فأمليت ألفها لمناسبة الإمالة في الكلمة قبلها. قال المؤلف: [ولا تمل ما لم ينل تمكنا دون سماع غير ها وغير نا] قال الشارح: [الإمالة من خواص الأسماء المتمكنة، فلا يمال غير المتمكن إلا سماعاً؛ إلا ها ونا فإنهما يمالان قياسا مطردا نحو (يريد أن يضربها)، ومر بنا]. الأسماء المتمكنة هي الأسماء المعربة، فكل الأسماء المبنية لا تمال إلا اسمين فقط، وهما (ها) التي هي ضمير المؤنث و (نا) التي هي ضمير المتكلم المعظم نفسه أو الذي معه غيره. قال المؤلف: [والفتح قبل كسر راء في طرف أمل كللأيسر مل تُكف الكلف كذا الذي تليه ها التأنيث في وقف إذا ما كان غير ألف]. قال الشارح: [أي: تمال الفتحة قبل الراء المكسورة وصلاً ووقفاً، نحو: (بشرر) (وللأيسر مِل) وكذلك يمال ما وليه هاء التأنيث من نحو قيِّمة ونعمة]. الإمالة هنا إمالة حركة وهي الفتحة، بحيث تكون بين الفتحة والكسرة.

شرح ألفية ابن مالك [70]

شرح ألفية ابن مالك [70] معرفة تصاريف الكلمات مهم جداً، فمن الكلمات العربية ما يتصرف ومنها ما لا يتصرف، والذي يتصرف منها قد تكون حروفه أصلية وقد يكون فيها ما هو زائد، وقد يحذف بعض حروفها الأصلية، فمن المهم أن يميز الطالب جميع ذلك.

التصريف

التصريف

عدم دخول الصرف في الحرف وما أشبهه

عدم دخول الصرف في الحرف وما أشبهه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التصريف حرف وشبهه من الصرف بري وما سواهما بتصريف حري وليس أدنى من ثلاثي يرى قابل تصريف سوى ما غيرا ومنتهى اسم خمس أن تجردا وإن يزد فيه فما سبعا عدا وغير آخر الثلاثي افتح وضم واكسر وزد تسكين ثانيه تعم وفِعُلٌ أهمل والعكس يقل لقصدهم تخصيص فعل بفعل وافتح وضم واكسر الثاني من فعل ثلاثي وزد نحو ضمن ومنتهاه أربع إن جردا وإن يزد فيه فما ستاً عدا]. التصريف: علمٌ يعرف به أحكام الكلمة من حيث التغيير وردها إلى الأصول بزيادة أو حذف. فهو لا يتعلق بآخر الكلمة، وإنما يتعلق بأوائلها وأواسطها هل فيها تغيير أو لا؟ وكذلك في أوزانها هل فيها زيادة أو نقص. وفي الحقيقة ليست فائدته كفائدة النحو؛ لأن النحو فائدته عظيمة جداً، لكنه فيه فائدة عظيمة أيضاً، حيث تعرف به حركة الكلمة في أولها وفي وسطها، هذه مثلاً من باب كذا، أو من باب كذا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. والتصريف لا يدخل على جميع الكلمات؛ ولهذا يقول: (حرف وشبهه من الصرف بري). حرف: مبتدأ. وشبهه: معطوف عليه. وبريء: خبر المبتدأ، وساغ الابتداء بالنكرة لأجل التقسيم، وابن مالك يقول: (لا يجوز الابتداء بالنكرة ما لم تفد). وقوله: (وشبهه)، شبه الحرف نوعان: أحدهما من الأسماء، والثاني من الأفعال، فالذي من الأسماء هو الأسماء المبنية، فكل اسم مبني فهو بريء من التصريف، فمثل: (أنا) لا تستطيع أن تقول وزنها فَعَلَ، (نحن): لا تستطيع أن تقول: وزنها: فَعْلُ، لأن كل اسم مبني فلا تصريف فيه إطلاقاً ولا تجرى فيه الموازين الصرفية. وأما النوع الثاني: فهو كل جامد من الأفعال فإنه لا يدخل فيه التصريف، مثل: ليس وعسى. فصارت الأشياء البريئة من الصرف ثلاثة: الحرف، والأسماء المبنية، والأفعال الجامدة. (وما سواهما بتصريف حري)، يعني: جدير بالتصريف ما سوى الحرف وشبهه، فدخل في ذلك جميع الأسماء المعربة وجميع الأفعال المتصرفة.

لا يدخل الصرف على كلمة حروفها أقل من ثلاثة

لا يدخل الصرف على كلمة حروفها أقل من ثلاثة قوله: (وليس أدنى من ثلاثي يرى قابل تصريف سوى ما غيرا) يعني: لا يمكن أن يوجد ما يقبل التصريف وهو أدنى من ثلاثة أحرف أبداً. المعنى: أن كل ما يقبل التصريف من الأسماء والأفعال فإنه لا يقل عن ثلاثة أحرف، إلا ما غير، يعني: ما دخل فيه إعلال بحذف، فهذا ربما يقل عن ثلاثة أحرف، فمثل: (يد) حرفان ومع ذلك فإنها مما يدخله التصريف، لكن فيها حذف، والحذف هنا ليس سببه قاعدة تصريفية، بل حذف اعتباطاً، أي: نطقت بها العرب هكذا. وعلى هذا فنقول: كل قابل للتصريف من فعل أو اسم أو حرف فإنه لا يمكن أن ينقص عن ثلاثة أحرف إلا أن يعتريه تغيير، فمثلاً: فِ، فعل أمر قابل للتصريف، لأن أصله ثلاثي (وفي) لكن حذف منه حرفان. قوله: (ومنتهى اسم خمس إن تجردا وإن يزد فيه فما سبعاً عدا) أي: المجرد من الزيادة في الاسم منتهاه خمس، والمزيد منتهاه سبع، فلا يمكن أن تجد كلمة من الأسماء العربية تزيد على سبعة أحرف أبداً إذا كانت مزيدة، ولا على خمسة إذا كانت مجردة، مثال المجرد الثلاثي: فلس، والرباعي جعفر، والخماسي: سفرجل. ومثال المزيد إلى سبعة: احرنجام. قال: (وغير آخر الثلاثي افتح وضم واكسر وزد تسكين ثانيه تعم). غير الآخر يشمل أول الثلاثي وثانيه. يقول: (افتح وضم واكسر). فإذا كان الأول والثاني في كل واحد منهما ثلاث لغات في ثلاث حركات، فتكون تسعة أوجه، قال المؤلف: (وزد تسكين ثانيه) فتكون اثني عشر وجهاً؛ لأن تسكين الثاني يكون مع الحركات الثلاث للأول. إذاً: الاسم الثلاثي يكون له اثنتا عشرة صورة بالنسبة للحركات، في أوله وفي وسطه. مثال: فتح الأول مع فتح الثاني: قلم. وفتح الأول مع كسر الثاني: حَذِر. وفتح الأول مع ضم الثاني: عَضُد. وفتح الأول مع تسكين الثاني: قَيْد. وأمثلة ضم الأول مع الحركات الثلاث والسكون: صُرد ودُئِل وعُنُق وقُفْل. وأمثلة كسر الأول مع الحركات الثلاث والسكون: عِنبْ وإِبِل وحِبْك وعِلْم. وسيأتي أن فِعُل أهمل، أي: وزن: حِبُك، والعكس يقلك أي: فُعِل، فتكون للاسم الثلاثي عشرة أوزان. قوله: (وفِعُل أهمل)، يعني: أن العرب لم تنطق بكلمة فِعُل، بل أهملته، ولكن المؤلف ذكره إتماماً للتقسيم والحصر، على أن بعضهم قال: إنه غير مهمل لكنه نادر. قال: (والعكس يقل)، أي: فُعِل مثل سُئِل. أي: يقل في الأسماء؛ ولهذا يقول: (والعكس يقل لقصدهم) يعني: لقصد العرب (تخصيص فعل بفُعِل)، يعني: أنهم قل نطقهم بِفُعِل في الاسم؛ لأنهم نقلوا هذا الوزن إلى الفعل الماضي الثلاثي المبني للمجهول، هنا (فعل) ليس المقصود الميزان، إنما المقصود اسم الكلمة، يعني: قصدوا أن يكون فُعِل من خصائص الأفعال. ثم انتقل المؤلف إلى حكم الفعل الثلاثي، قال: (وافتح وضم واكسر الثاني من فعل ثلاثي وزد نحو ضمن). هذه أوزان الفعل انتقل إليها المؤلف بعد ذكر أوزان الاسم، قال: (وافتح وضم واكسر الثاني) ولم يتكلم عن الأول، لأن الأول مفتوح في الأفعال، والأفعال لا يضم أولها إلا إذا بنيت للمجهول، وقد ذكره بقوله: (وزد نحو ضمن). وأمثلته: نبدأ بالضم فنقول: عَظُم، ومثال بالكسر: شرب، فرح، ومثال الفتح: وقف وقعد. وزد نحو ضمن، وهو مضموم الأول مكسور الثاني، ويكون كذلك إذا كان مبنياً للمجهول. فصارت أوزان الفعل الثلاثي أربعة. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [التصريف حرف وشبهه من الصرف برى وما سواهما بتصريف حري التصريف عبارة عن علم يُبْحَثُ فيه عن أحكام بنية الكلمة العربية وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك. ولا يتعلق إلا بالأسماء المتمكنة والأفعال، فأما الحروف وشبهها فلا تعلق لعلم التصريف بها. وليس أدنى من ثلاثي يرى قابل تصريف سوى ما غيرى يعني: أنه لا يقبل التصريف من الأسماء والأفعال ما كان على حرف واحد أو على حرفين إلا إن كان محذوفاً منه، فأقل ما تبنى عليه الأسماء المتمكنة والأفعال ثلاثة أحرف، ثم قد يعرض لبعضها نقص كيد وقل وم الله وق زيداً]. ومنتهى اسمٍ خمسٌ إن تجردا وإن يزد فيه فما سبعاً عدا الاسم قسمان: مزيد فيه، ومجرد عن الزيادة. فالمزيد فيه هو: ما بعض حروفه ساقطٌ وضعاً، وأكثر ما يبلغ الاسم بالزيادة سبعة أحرف نحو: احر نجام واشهيباب]. أي: من اشهاب شهيباباً، مثل: احمارَّ يحمارُّ احمراراً. قال: [والمجرد عن الزيادة هو: ما بعض حروفه ليس ساقطاً في أصل الوضع، وهو: إما ثلاثي كَفلْس، أو رباعي كجعفر، أو خماسي -وهو غايته- كسفرجل]. ما لا يسقط شيء من حروفه هو المجرد، فمثلاً فَلْسْ على وزن فَعْلْ لا يسقط شيء من حروفه، لكن مثلاً إذا قلت: مصطفى، فهذا مزيد، وأصله من الصفوة، فالحروف الأصلية فيه هي الصاد والواو، التي هي الألف المقصورة. وعلامة الحرف الزائد أن ينطق به في الميزان، وأما الأصل فتكرر له حروف الميزان، مثل جعفر، وزنه: فعلل، وسفرجل، وزنه فعلل. أما قنديل فزنه: فعليل. إذاً: الياء زائدة في قنديل، وقائم وزنه: فاعل، ما دام نطقت بالألف في الميزان بلفظها فهي زائدة.

أوزان الثلاثي من الأسماء

أوزان الثلاثي من الأسماء قوله: (ومنتهى اسم خمس إن تجردا وإن يزد فيه فما سبعاً عدا) أي: المجرد من الزيادة في الاسم منتهاه خمس، والمزيد منتهاه سبع، فلا يمكن أن تجد كلمة من الأسماء العربية تزيد على سبعة أحرف أبداً إذا كانت مزيدة، ولا على خمسة إذا كانت مجردة، مثال المجرد الثلاثي: فلس، والرباعي: جعفر، والخماسي: سفرجل. ومثال المزيد إلى سبعة: احرنجام. قال: (وغير آخر الثلاثي افتح وضم واكسر وزد تسكين ثانيه تعم). غير الآخر يشمل أول الثلاثي وثانيه. يقول: (افتح وضم واكسر). فإذا كان الأول والثاني في كل واحد منهما ثلاث لغات في ثلاث حركات، فتكون تسعة أوجه، قال المؤلف: (وزد تسكين ثانيه) فتكون اثني عشر وجهاً؛ لأن تسكين الثاني يكون مع الحركات الثلاث للأول. إذاً: الاسم الثلاثي يكون له اثنتا عشرة صورة بالنسبة للحركات، في أوله وفي وسطه: مثال فتح الأول مع فتح الثاني: قلم. وفتح الأول مع كسر الثاني: حَذِر. وفتح الأول مع ضم الثاني: عَضُد. وفتح الأول مع تسكين الثاني: قَيْد. وأمثلة ضم الأول مع الحركات الثلاث والسكون: صُرَد ودُئِل وعُنُق وقُفْل. وأمثلة كسر الأول مع الحركات الثلاث والسكون: عِنَبْ وإِبِل وحِبُك وعِلْم. وسيأتي أن فِعُل أهمل، أي: وزن: حِبُك، والعكس يقل أي: فُعِل، فتكون للاسم الثلاثي عشرة أوزان. قوله: (وفِعُل أهمل)، يعني: أن العرب لم تنطق بكلمة فِعُل، بل أهملته، ولكن المؤلف ذكره إتماماً للتقسيم والحصر، على أن بعضهم قال: إنه غير مهمل لكنه نادر. قال: (والعكس يقل)، أي: فُعِل، مثل: سُئِل. أي: يقل في الأسماء؛ ولهذا يقول: (والعكس يقل لقصدهم) يعني: لقصد العرب (تخصيص فعل بفُعِل)، يعني: أنهم قل نطقهم بِفُعِل في الاسم؛ لأنهم نقلوا هذا الوزن إلى الفعل الماضي الثلاثي المبني للمجهول، هنا (فِعْل) ليس المقصود الميزان، إنما المقصود اسم الكلمة، يعني: قصدوا أن يكون فُعِل من خصائص الأفعال.

أوزان الثلاثي من الأفعال

أوزان الثلاثي من الأفعال ثم انتقل المؤلف إلى حكم الفعل الثلاثي، قال: (وافتح وضم واكسر الثاني من فعل ثلاثي وزد نحو ضمن) هذه أوزان الفعل انتقل إليها المؤلف بعد ذكر أوزان الاسم، قال: (وافتح وضم واكسر الثاني) ولم يتكلم عن الأول، لأن الأول مفتوح في الأفعال، والأفعال لا يضم أولها إلا إذا بنيت للمجهول، وقد ذكره بقوله: (وزد نحو ضمن). وأمثلته: نبدأ بالضم فنقول: عَظُم، ومثال الكسر: شرب وفرح، ومثال الفتح: وقف وقعد. (وزد نحو ضمن) وهو مضموم الأول مكسور الثاني، ويكون كذلك إذا كان مبنياً للمجهول. فصارت أوزان الفعل الثلاثي أربعة.

كلام ابن عقيل في شرح الأبيات الأولى من باب التصريف

كلام ابن عقيل في شرح الأبيات الأولى من باب التصريف قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [التصريف حرف وشبهه من الصرف بري وما سواهما بتصريف حري التصريف عبارة عن علم يُبْحَثُ فيه عن أحكام بنية الكلمة العربية وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك. ولا يتعلق إلا بالأسماء المتمكنة والأفعال، فأما الحروف وشبهها فلا تعلق لعلم التصريف بها. وليس أدنى من ثلاثي يرى قابل تصريف سوى ما غيرا يعني: أنه لا يقبل التصريف من الأسماء والأفعال ما كان على حرف واحد أو على حرفين إلا إن كان محذوفاً منه، فأقل ما تبنى عليه الأسماء المتمكنة والأفعال ثلاثة أحرف، ثم قد يعرض لبعضها نقص كيد وقل وم الله وق زيداً]. ومنتهى اسمٍ خمسٌ إن تجردا وإن يزد فيه فما سبعاً عدا الاسم قسمان: مزيد فيه، ومجرد عن الزيادة. فالمزيد فيه هو: ما بعض حروفه ساقطٌ وضعاً، وأكثر ما يبلغ الاسم بالزيادة سبعة أحرف نحو: احرنجام واشهيباب]. أي: من اشهاب اشهيباباً، مثل: احمارَّ يحمارُّ احمراراً. قال: [والمجرد عن الزيادة هو: ما بعض حروفه ليس ساقطاً في أصل الوضع، وهو: إما ثلاثي كَفلْس، أو رباعي كجعفر، أو خماسي -وهو غايته- كسفرجل]. ما لا يسقط شيء من حروفه هو المجرد، فمثلاً: فَلْسْ على وزن فَعْلْ لا يسقط شيء من حروفه، لكن مثلاً إذا قلت: مصطفى، فهذا مزيد، وأصله من الصفوة، فالحروف الأصلية فيه هي الصاد والفاء والواو، التي هي الألف المقصورة. وعلامة الحرف الزائد أن ينطق به في الميزان، وأما الأصل فتكرر له حروف الميزان، مثل جعفر، وزنه: فعلل، وسفرجل، وزنه فعلل. أما قنديل فوزنه: فعليل. إذاً: الياء زائدة في قنديل، وقائم وزنه: فاعل، ما دام نطقت بالألف في الميزان بلفظها فهي زائدة.

أوزان الاسم الثلاثي

أوزان الاسم الثلاثي قال رحمه الله: [وغير آخر الثلاثي افتح وضم واكسر وزد تسكين ثانية تعم] العبرة في وزن الكلمة بما عدا الحرف الأخير منها، وحينئذ فالاسم الثلاثي إما أن يكون مضموم الأول أو مكسوره أو مفتوحه، وعلى كل من هذه التقادير إما أن يكون مضموم الثاني أو مكسوره أو مفتوحه أو ساكنه، فيخرج من هذا اثنا عشر بناء حاصلة من ضرب ثلاثة في أربعة، وذلك نحو: قُفْل وعُنُق ودُئِل وصُرَد، ونحو: عْلِم وحِبُك وإِبِل وِعِنَبْ، ونحو: فَلْس وفَرَس وعَضُد وكَبِد]. قُفْل وعُنُق ودُئِل وصُرَد، جاءت وحدها لأنها مضمومة الأول والثاني بالحركات الثلاث والسكون، قُفْل على وزن فُعْل، عُنُق على وزن فُعُل، دُئِل: فُعِل، صُرَد: فُعَل. ومع كسر الأول: عِلْم على وزن: فِعْل، حبك على وزن فِعُل، وإبل على وزن: فِعِل، وعِنَب: فِعَل. ونحو فَلْس هذا مفتوح الفاء: فَلْس: فَعْل، فَرَسْ: فَعَلْ، عَضُد: فَعُل، كَبِد: فَعِل. فهذه اثنا عشر. قال رحمه الله: [وفِعُل أهمل والعكس يقل لقصدهم تخصيص فِعْل بفُعِلْ]. يعني: أن من الأبنية الاثني عشر بناءين أحدهما مهمل والآخر قليل. فالأول: ما كان على وزن فِعُل بكسر الأول وضم الثاني وهذا بناء من المصنف على عدم إثبات حِبُك. والثاني: ما كان على وزن فُعِل بضم الأول وكسر الثاني كدُئِل، وإنما قلَّ ذلك في الأسماء لأنهم قصدوا تخصيص هذا الوزن بفِعْل ما لم يسم فاعله كضُرِب وقُتِل.

أوزان الفعل الثلاثي

أوزان الفعل الثلاثي وافتح وضم واكسر الثاني من فعل ثلاثي وزد نحو ضمن ومنتهاه أربع إن جردا وإن يزد فيه فما ستاً عدا الفعل ينقسم إلى مجرد وإلى مزيد فيه كما انقسم الاسم إلى ذلك، وأكثر ما يكون عليه المجرد أربعة أحرف، وأكثر ما ينتهي في الزيادة إلى ستة. وللثلاثي المجرد أربعة أوزان: ثلاثة لفَعَل الفاعل، وواحد لفُعِل المفعول. فالتي لفَعَل الفاعل: فَعَل -بفتح العين- كضَرب، وفَعِل -بكسرها- كشَرِب، وفَعُل -بضمها- كشَرُف. والذي لفعل المفعول فُعِل بضم الفاء وكسر العين كضُمِن. ولا تكون الفاء في المبنى للفاعل إلا مفتوحة؛ ولهذا قال المصنف: (وافتح وضم واكسر الثاني) فجعل الثاني مثلثاً وسكت عن الأول، فعلم أنه يكون على حالة واحدة، وتلك الحالة هي الفتح.

أوزان الرباعي والخماسي من الأسماء

أوزان الرباعي والخماسي من الأسماء قال المؤلف رحمه الله: [لاسم مجرد رباعٍ فعلل وفِعلُلُ وفِعْلَل وفُعْلُل ومع فعل فعلل وإن علا فمع فَعَلَّلٍ حوى فَعْلَلِلا كذا فُعَلِّل وفِعلَلٌّ وما غاير للزيد أو النقص انتمى] قال الشارح: [الاسم الرباعي المجرد له ستة أوزان: الأول: فعلل، بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه، نحو: جعفر. الثاني: فعلل، بكسر أوله وثالثه وسكون ثانيه، نحو: زبرج. الثالث: فعلل، بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه، نحو: درهم وهجرع. الرابع: فعلل، بضم أوله وثالثه وسكون ثانيه نحو: برثن. الخامس: فِعَلٌّ بكسر أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه نحو: هزبر. السادس: فُعْلَل، بضم أوله وفتح ثالثه وسكون ثانيه نحو جُخْدَب. وأشار بقوله: فإن (علا إلخ) إلى أبنية الخماسي، وهي أربعة: الأول: فَعَلَّل بفتح أوله وثانيه وسكون ثالثه وفتح رابعه، نحو: سفرجل. الثاني: فَعْلَلِل، بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وكسر رابعه، نحو: جَحْمَرِش]. والجحمرش من النساء: الثقيلة السمجة، أو هي العجوز الكبيرة، ومن الإبل الكبيرة السن. قال: [الثالث: فُعَلِّل بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه وكسر رابعه، نحو: قُذَعْمِل. الرابع: فِعْلَلٌّ، بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وسكون رابعه، نحو: قِرْطَعْب. وأشار بقوله: (وما غاير إلخ) إلى أنه إذا جاء شيء على خلاف ما ذكر فهو إما ناقص وإما مزيد فيه؛ فالأول: كيد ودم، والثاني: كاستخراج واقتدار].

تمييز الحرف الزائد من الأصلي

تمييز الحرف الزائد من الأصلي قال المؤلف رحمه الله: [والحرف إن يلزم فأصل والذي لا يلزم الزائد مثل تا احتذي]. قال الشارح: [الحرف الذي يلزم تصاريف الكلمة هو الحرف الأصلي، والذي يسقط في بعض تصاريف الكلمة هو الزائد، نحو: ضارب ومضروب]. هذه قاعدة بينة، يقول: الحرف الذي في الكلمة إن يلزم -يعني: يستمر في كل تصاريفها- فهو أصلي، وإن سقط في بعض التصاريف فهو زائد. فمثل: ضرب، فيها ثلاثة أحرف الضاد والراء والباء، إن سقط واحد من هذه الثلاثة في بعض التصاريف فهو زائد، وإن بقيت في كل التصاريف فهي أصول، فتقول: ضارب، فجاءت الضاد والراء والباء، لكن هنا زيادة وهي الألف؛ لأن الألف تسقط في بعض التصاريف. ومضروب، جاء فيها الضاد والراء والباء، فهي أصول، وجاء فيها ميم وواو فهما زائدان. خرج: الخاء والراء والجيم، فهذه الثلاثة لا تسقط في كل التصاريف، تقول: استخرج، فحروف خرج أصول، والهمزة والسين والتاء زوائد. مستخرج: الخاء والراء والجيم أصول، والميم والسين والتاء زوائد، وعلى هذا فقس. فإذا قال لك قائل: ما هو الأصلي من حروف الكلمة؟ فقل: هو الذي يلزم في كل التصاريف. قوله: (والذي لا يلزم الزائد) الذي: مبتدأ، والزائد: خبره. ومثل المؤلف بقوله: (مثل تا حتذي) والواقع أن (احتذي) فيها حرفان زائدان، وهما الهمزة والتاء، والمؤلف ما أراد أن يحصر في هذا المثال كل الحروف الزوائد، بل أراد أن يضرب مثلاً لحرف زائد فقط، فالتاء زائدة. وحروف الزيادة يجمعها قول الشاعر: سألت الحروف الزائدات عن اسمها فقالت ولم تبخل (أمان وتسهيل) قال الشارح: [وإن كان في الكلمة زائد عبر عنه بلفظه، فإذا قيل: ما وزن ضارب؟ فقل: فاعل، وما وزن جوهر؟ فقل: فوعل، وما وزن مستخرج؟ فقل: مستفعل. هذا إذا لم يكن الزائد ضعف حرف أصلي، فإن كان ضعفه عبر عنه بما عبر به عن ذلك الأصلي، وهو المراد بقوله: وإن يك الزائد ضعف أصلى فاجعل له في الوزن ما للأصل]. هذا مستثنى، فيلاحظ أن الزائد بلفظه اكتفي، إلا في هذه المسألة، فإذا كان الزائد مضعف الأصلي فإنه يجعل له ما للأصل، فإذا كان الزائد تضعيف العين فإنا نضعف العين، ولهذا قال: (وإن يك الزائد ضعف أصلي فاجعل له في الوزن ما للأصل) قال الشارح: [فتقول في وزن اغدودن: افعوعل، فتعبر عن الدال الثانية بالعين كما عبرت بها عن الدال الأولى؛ لأن الثانية ضعفها، وتقول: في وزن قتَّل: فعَّل، ووزن كرَّم: فعَّل، فتعبر عن الثاني بما عبرت به عن الأول، ولا يجوز أن تعبر عن هذا الزائد بلفظه، فلا تقول: في وزن اغدودن: افعودل، ولا في وزن قتَّل: فعتل، ولا في وزن كرِّم: فَعْوَل]. قال المؤلف: [واحكم بتأصيل حروف سمسم ونحوه والخلف في كلملم]. قال الشارح: [المراد بسمسم الرباعي الذي تكررت فاؤه وعينه ولم يكن أحد المكررين صالحاً للسقوط، فهذا النوع يحكم على حروفه كلها بأنها أصول، فإذا صلح أحد المكررين للسقوط ففي الحكم عليه بالزيادة خلاف، وذلك نحو: لمَلِم، أمر من لَمْلَم، وكَفْكَفْ، أمر من كَفْكَفَ؛ فاللام الثانية والكاف الثانية صالحان للسقوط بدليل صحة لُمَّ وكُفَّ، فاختلف الناس في ذلك، فقيل: هما مادتان، وليس كفكف من كف ولا لملم من لم، فلا تكون اللام والكاف زائدتين. وقيل: اللام زائدة وكذا الكاف. وقيل: هما بدلان من حرف مضاعف والأصل لَمَّمَ وَكفَّفَ، ثم أُبدل من أحد المضاعفين لام في لملم وكاف في كفكف].

زيادة الألف

زيادة الألف قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فألف أكثر من أصلين صاحب زائد بغير مين]. بدأ المؤلف رحمه الله يبين مواضع الزيادة، وقد ذكرنا حروف الزيادة، فحروف الزيادة لها مواضع، الأول كما قال: كل ألف صاحب أكثر من أصلين فهو زائد، أي: فإن صاحب أصلين فليس بزائد، فمثل (قال) فيه ألف لكنه ما صاحب إلا أصلين وهما القاف واللام؛ لكن (قاتل) الألف فيه صاحب أكثر من أصلين، وهي: القاف والتاء واللام، فكل ألف صاحب أكثر من أصلين فهو زائد بغير مين، أي بغير كذب. قال الشارح: [إذا صحبت الألف ثلاثة أحرف أصول حكم بزيادتها، نحو: ضارب وغضبى، فإن صحبت أصلين فقط فليست زائدة، بل هي إما أصل كإلى، وإما بدل من أصل كقال وباع]. إلى بكسر الهمزة زنة رضا، وهي النعمة، وهي واحدة الآلاء في نحو قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13].

زيادة الياء والواو

زيادة الياء والواو قال المؤلف: [واليا كذا الواو إن لم يقعا كما هما في يؤيؤ ووعوعا] قال الشارح: [أي: كذلك إذا صحبت الياء أو الواو ثلاثة أحرف أصول، فإنه يحكم بزيادتهما إلا في الثنائي المكرر]. فالأول: كصيرف ويعمل وجوهر وعجوز. والثاني: كيؤيؤ -لطائر ذي مخلب- ووعوعة، مصدر وعوع إذا صوت. فالياء والواو في الأول زائدتان وفي الثاني أصليتان]. الياء في (صيرف) صاحب أكثر من أصلين: الصاد والراء والفاء، إذاً فالياء في صيرف زائدة، ولنا أن نعرف أنها زائدة بغير ما قال المؤلف، يعني: إذا اشتبهت عليك فصرفها إلى تصاريف أخرى، فقل: الصيرف هو الذي يصرف الدراهم والدنانير، فهو من صرف، فعرفنا الآن أن الياء زائدة، حتى لو لم يعطنا المؤلف هذه القاعدة.

زيادة الهمزة والميم

زيادة الهمزة والميم قال المؤلف رحمه الله: [وهكذا همز وميم سبقا ثلاثة تأصيلها تحققا] قال الشارح: [أي: كذلك يحكم على الهمزة والميم بالزيادة إذا تقدمتا على ثلاثة أحرف أصول؛ كأحمد ومكرم، فإن سبقا أصلين حكم بأصالتهما، كإبل ومهد]. همزة أحمد سبقت ثلاثة أصول: حاء وميم ودال، فالهمزة إذاًَ زائدة، لكن همزة (سأل) غير زائدة، لأنها لم تسبق ثلاثة أصول. وهمزة أخرج زائدة؛ لأنها سبقت ثلاثة أصول. والميم إذا سبقت ثلاثة أصول فهي زائدة، مثل: مكرم، سبقت: كاف راء ميم، إذاً هي زائدة. قال المؤلف: [كذاك همز آخر بعد ألف أكثر من حرفين لفظها ردف]. قال الشارح [أي: كذلك يحكم على الهمزة بالزيادة إذا وقعت آخراً بعد ألف تقدمها أكثر من حرفين، نحو: حمراء وعاشوراء وقاصعاء. فإن تقدم الألف حرفان فالهمزة غير زائدة، نحو: كساء ورداء، فالهمزة في الأول بدل من واو وفي الثاني بدل من ياء، وكذلك إذا تقدم على الألف حرف واحد كماء وداء].

زيادة النون

زيادة النون قال المؤلف: [والنون في الآخر كالهمز وفي نحو غضنفر أصالة كفي] قال الشارح: [النون إذا وقعت آخراً بعد ألف تقدمها أكثر من حرفين حكم عليها بالزيادة، كما حكم على الهمزة حين وقعت كذلك، وذلك نحو: زعفران وسكران. فإن لم يسبقها ثلاثة فهي أصلية نحو: مكان وزمان. ويحكم أيضاً على النون بالزيادة إذا وقعت بعد حرفين وبعدها حرفان، كغضنفر]. قال المؤلف: [والتاء في التأنيث والمضارعه ونحو الاستفعال والمطاوعه]. قال الشارح: [تزاد التاء إذا كانت للتأنيث كقائمة، وللمضارعة نحو: أنت تفعل، أو مع السين في الاستفعال وفروعه نحو استخراج ومستخرج واستخرج، أو مطاوعة فعَّل نحو: علَّمته فتعلم، أو فعلل كتدحرج]. قال المؤلف: [والهاء وقفاً كلمه ولم تره واللام في الإشارة المشتهره]. قال الشارح: [تزاد الهاء في الوقف نحو لمه ولم تره، وقد سبق في باب الوقف بيان ما تزاد فيه].

§1/1