شرح أصول السنة للإمام أحمد

ابن جبرين

أصول السنة للإمام أحمد [1]

أصول السنة للإمام أحمد [1] من أشهر المتون المختصرة التي كتبها السلف رضوان الله عليهم في العقيدة: متن (أصول السنة)، لإمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقد بين فيه مذهب أهل السنة في أبواب الإيمان والقدر والصحابة وغيرها، ولذا كان جديراً أن يُهتم به، وقد عُني به كثير من العلماء، ومن ذلك ما في هذا الشرح المبارك.

تعريف الأصل المطلوب تحقيقه

تعريف الأصل المطلوب تحقيقه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: فهذه رسالة (أصول السنة) لإمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى. قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم، وترك البدع؛ وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات في الدين]. هذه رسالة للإمام أحمد في أصول السنة، والأصل: هو ما يبنى عليه غيره، أو ما يتفرع عنه غيره كأساس الحيطان وأصول الشجر، والمعنى: أن السنة لها أصول تتفرع عنها، فأصل الأصول هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم، فإذا حقق الناس هذه الأصول وتمسكوا بالكتاب والسنة وتمسكوا بما كان عليه الصحابة فإنهم بذلك سيكملون ما يتفرع عن هذه الأصول.

السنة مفسرة للقرآن

السنة مفسرة للقرآن قال المصنف رحمه الله: [والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، إنما هو الاتباع وترك الهوى]. قوله: (السنة) يعني: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي التي تفسر القرآن، وذلك لأن الله أمره بالبيان فقال: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]. والسنة المأمور باتباعها هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته التي نقلت عنه، فهي شرح لمعاني القرآن وإيضاح له، فيقتصر عليها ولا يلحق بها غيرها مما لا يساويها، وهذا معنى قوله: (لا يقاس عليها) ولكن إذا اتضح الحكم عُمم في كل ما يدخل فيه، وإذا اقتصر الإنسان على السنة واكتفى بها ففيها الكفاية، ومن زاد عليها أو أضاف إليها شيئاً فهو مبتدع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وكل بدعة ضلالة) يعني: أن المبتدع ضال وتائه ومخطئ، والسني المتمسك بالسنة هو المصيب، وهو الذي على هدىً ونور من الله.

وجوب الإيمان بالقدر وعدم الخوض في الغيبيات

وجوب الإيمان بالقدر وعدم الخوض في الغيبيات قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها: أولاً: الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه، والإيمان بها، لا يقال: لمَ؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق والإيمان بها، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم، مثل حديث الصادق المصدوق، ومثل ما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤيا كلها، وإن نبت عن الأسماع واستوحش منها المستمع، وإنما عليه الإيمان بها، وألا يرد منها حرفاً واحداً، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات، وألا يخاصم أحداً ولا يناظره، ولا يتعلم الجدال، فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه ومنهي عنه، لا يكون صاحبه وإن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال ويؤمن بالآثار]. الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة، وهو: أن يؤمن العبد بأن الله علم ما سوف يكون وكتب ذلك في اللوح المحفوظ. ويؤمن بأنه لا يكون في الوجود شيء إلا بعد إرادة الله، ولا يكون إلا ما يريد. ويؤمن بأن الله خالق كل شيء، وأنه ليس من شيء موجود من المخلوقات ومن الأفعال ومن الأحكام إلا والله خالقه، وعندئذ يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). وكما في حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد)، أي: يكتب ذلك وهو في بطن أمه، ولما سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: (ألا ندع العمل ونتكل على كتابنا؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له). فنحن مأمورون بأن نعمل والله هو الذي ييسر الإنسان ويعينه لما خلقه له، فمن خلقه شقياً خذله حتى يعمل عمل أهل الشقاوة، ومن خلقه سعيداً يسر الله له أسباب السعادة. وأما الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة فهذا -أيضاً- ثابت، وقد جاءت به الأحاديث، وأنكر ذلك الإباضية وغيرهم من المعتزلة، ولا يُعتد بإنكارهم. وكذلك -أيضاً- يتجنب الجدل الذي هو الخصومات والمنازعات التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل على المؤمن أن يستسلم لما يعرفه، ولا يرد شيئاً إذا ثبت ولم يعرفه، ولا يسأل عن الأشياء الغيبية، فلا يقول: لماذا خلق الله كذا؟ ولماذا أمر الله بكذا؟ بل يقول: سمعنا وأطعنا، دون أن يسأل عن الكيفية في أسماء الله وصفاته، ولا عن العلل بأفعال الله وأحكامه، فما عرف منها قبله، وما لم يعرفه استسلم له.

القرآن كلام الله ليس بمخلوق

القرآن كلام الله ليس بمخلوق قال المصنف رحمه الله: [والقرآن كلام الله، وليس بمخلوق، ولا يصف ولا يصح أن يقول: ليس بمخلوق، قال: فإن كلام الله ليس ببائن منه، وليس منه شيء مخلوقاً، وإياك ومناظرة من أخذل فيه، ومن قال باللفظ وغيره، ومن وقف فيه فقال: لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله، فهذا صاحب بدعة مثل من قال: هو مخلوق، وإنما هو كلام الله ليس بمخلوق]. من المسائل التي تكلم فيها الأولون والآخرون أيضاً: القرآن، فأهل السنة يعتقدون أنه كلام الله أنزله الله على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم، وتكلم الله به حقيقة وكتبه أو أمر بكتابته في اللوح المحفوظ، وكذلك أمر بكتابته في الصحف وفي المصاحف، فهو لا يخرج عن كونه كلام الله، وأنكر ذلك المعتزلة وكذا الإباضية الذين في عمان وغيرهم أنكروا ذلك، وقالوا: إنه مخلوق، وجعلوه كسائر المخلوقات، ورد عليهم أهل السنة وبينوا أن الله تعالى متكلم، ويتكلم إذا شاء، وأن كلامه قديم النوع متجدد الآحاد، وأن من جملة كلامه هذا القرآن، وردوا على من قال: إنه مخلوق، وكذلك ردوا على من توقفوا وقالوا: لا ندري أمخلوق أو غير مخلوق؟ بل يجب الجزم بأنه كلام الله. وقال أهل السنة في القرآن أيضاً: منه بدأ، وإليه يعود، فلا يجوز أن يُجعل شيء منه مخلوقاً، لا لفظه ولا معناه، بل هو كله كلام الله، تكلم به حقيقة. ويثبتون صفة الكلام -أن الله تعالى متكلم كما يشاء- ويتوقفون عن كيفية كلامه، أو التدخل في الأشياء الغيبية التي لا تبلغها الأفهام، فيقولون: نكل علم ذلك إلى الله تعالى.

وجوب الإيمان برؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة وفي الجنة

وجوب الإيمان برؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة وفي الجنة قال المصنف رحمه الله: [والإيمان بالرؤية يوم القيامة، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح]. كذلك أيضاً من أصول السنة: الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، ويرونه في الجنة كما يشاء، والأحاديث في ذلك صحيحة ثابتة، ولا عبرة بمن أنكر الرؤية ورد أحاديثها مع ثبوتها. وكيفيتها لا نعلمها، إلا أننا نتحقق أن المؤمنين يرون ربهم عياناً مجاهرة بأبصارهم، وأن هذه الرؤيا هي أعظم نعيم الجنة، وفسرت بأنها هي الزيادة في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، وفسر بها المزيد في قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، والأدلة عليها واضحة ومعروفة في كتب أهل السنة.

الخلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا

الخلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا قال المصنف رحمه الله: [وأن النبي قد رأى ربه؛ فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحيح، رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه الحكم بن إبان عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره، ولا نناظر فيه أحداً]. مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه مسألة خلافية، فأثبت ذلك ابن عباس كما في هذه الأحاديث، وأنكرت ذلك عائشة، وأنكرت على من يقول: إنه رأى ربه. وقد ورد في ذلك أحاديث فيها عدم الرؤية، كما في حديث أبي ذر في صحيح مسلم قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه)، وفي رواية: (رأيت نوراً). فهذا دليل على أنه إنما رأى نوراً، وقد أخبر بأن الله تعالى حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، ولكن الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه رؤية قلبية لا رؤية بصرية، وبذلك فسرت الرواية عن ابن عباس، والدليل على هذا أن الله قد منع ذلك موسى، كما قال تعالى عنه: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] طلب موسى أن ينظر إلى ربه، فقال الله: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف:143] الآية. فرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه إنما هي مكاشفات قلبية لا رؤية بصرية، وذلك لضعف الإنسان في هذه الدنيا عن أن يثبت لعظمة الله وجلاله، أما في الآخرة فإن الله يمد أهل الجنة بقوة يتمكنون من رؤيته، ويثبتون أمام رؤيته؛ وليس خلقتهم في الجنة كخلقتهم في الدنيا.

وجوب الإيمان بالميزان الكائن يوم القيامة

وجوب الإيمان بالميزان الكائن يوم القيامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالميزان يوم القيامة كما جاء: (يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة) ويوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر، والإيمان به والتصديق به والإعراض عمن رد ذلك وترك مجادلته]. من أصول أهل السنة الإيمان باليوم الآخر، والإيمان بما أخبر الله به في اليوم الآخر، ومن ذلك أنه أخبر بالميزان، كما قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} [الأنبياء:47]. قيل: إن العبد نفسه يوزن، والدليل قوله تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:105]، وفي الحديث: (يؤتى بالرجل السمين الأكول الشروب فلا يزن عند الله جناح بعوضة). وقيل: إن الأعمال تجسد وتوزن، والله قادر على أن يجعلها أجساداً ولو كانت أعراضاً، فتجعل الصلاة جسداً وتوزن، وكذلك الذكر، وكذلك الصوم وما أشبه ذلك، وتوزن -أيضاً- السيئات، فتجعل هذه في كفة وهذه في كفة. وقيل: إن الذي يوزن هو الصحف التي تكتب فيها الأعمال، والسجلات التي سجلت فيها الأعمال من سيئات وحسنات. وبكل حال يجب أن يؤمن العباد بذلك كما قال تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} [الأعراف:8 - 9]. فهذه أدلة واضحة على ثبوت الميزان، ولا عبرة بمن أنكره كالفلاسفة ونحوهم الذين قالوا: إنما يحتاج إلى الميزان البقالون والباعة ونحوهم، ونحن نقول لهم: إن هذا من إظهار العدل من الله تعالى.

وجوب الإيمان بتكليم الله جل وعلا عباده يوم القيامة

وجوب الإيمان بتكليم الله جل وعلا عباده يوم القيامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأن الله تعالى يكلمه العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان، والتصديق به]. من جملة ما يدخل في الإيمان بالآخرة وبالبعث بعد الموت، وبالجمع في يوم القيامة أن الله يكلم العباد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) أي: مترجم ينقل الكلام من لغة إلى لغة، بل يكلمه بكلام يفهمه ويعرفه ويتحققه، وهذا واضح في أنه تعالى يكلم عباده كما يشاء.

وجوب الإيمان بأن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضا يوم القيامة

وجوب الإيمان بأن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضاً يوم القيامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بالحوض، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً يوم القيامة يرد عليه أمته، عرضه مثل طوله مسيرة شهر، آنيته كعدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار من غير وجه]. وهذا من جملة الإيمان باليوم الآخر، وقد ردت في الحوض أحاديث كثيرة قد تبلغ الثلاثين أو الأربعين حديثاً أخبر فيها صلى الله عليه وسلم بأن له حوضاً يوم القيامة؛ ترد عليه أمته، وأن هناك من يُذاد عنه، لأنه لم يكن متمسكاً بالسنة عاملاً بها؛ مع كونهم من أمته، عليهم علامة الأمة في كونهم غراً محجلين. وهذا الحوض ورد أن طوله مسيرة شهر وعرضه مسيرة شهر، وفي بعض الروايات أنه: ما بين عدن إلى أبين، عدن بأرض حضرموت وأبين بأرض الشام، يعني: طوله وعرضه سواء وآنيته عدد نجوم السماء، ويصب فيه ميزابان من الجنة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، يرده المؤمنون، ويذاد عنه المنافقون والكافرون، وورود تحديده بأنه ما بين عدن إلى أبين يدل على أنه شهر بالمسيرة المعتادة التي كانوا يعرفونها.

وجوب الإيمان بعذاب القبر وفتنته

وجوب الإيمان بعذاب القبر وفتنته قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بعذاب القبر، وأن هذه الأمة تفتتن في قبورها، وتسأل عن الإيمان والإسلام، ومن ربه؟ ومن نبيه؟ ويأتيه منكر ونكير كيف شاء وكيف أراد، والإيمان به والتصديق به]. وهذا أيضاً مما يدخل في الإيمان باليوم الآخر، فكل ما بعد الموت من حين تخرج الروح من الجسد فهو من اليوم الآخر يقال: من مات فقد قامت قيامته، أي: قد دخل فيما يكون بعد الموت. ومما يكون بعد الموت الإيمان بعذاب القبر وبنعيمه، نؤمن بذلك كما وردت به الأحاديث الصحيحة، وكما ذكر ذلك واستنبطه العلماء من القرآن من بعض الآيات والأدلة، وأنه يأتيه ملكان، وردت تسميتهما (منكر ونكير) في بعض الروايات، وأنهما يسألانه: من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟ وأنه يفسح له في قبره إذا كان من المؤمنين، ويضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، فيصير القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. ويعم ذلك كل ميت، سواء قُبر أو لم يُقبر، فحتى ولو أكلته السباع أو أحرق وأذريت جثته في الرياح أو في البر والبحر، فإن الله قادر على أن يوصل إليه ما يستحقه من عذاب أو نعيم، والأحكام بعد الموت وفي البرزخ على الأرواح؛ لأن الأرواح باقية بعد مفارقتها للأجساد، ولكن لابد أن يصل شيء من الألم أو النعيم إلى الأجساد ولو كانت فانية. وعلى كل حال يجب على الإنسان المؤمن أن يؤمن بما يكون بعد الموت مما ورد في هذه الأحاديث، ويحمله الإيمان على أن يستعد لذلك، وأن يعمل العمل الذي يكون سبباً في نجاته من تلك الأهوال.

وجوب الإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

وجوب الإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبقوم يخرجون من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحماً، فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة -كما جاء الأثر- كيف شاء، وكما شاء، إنما هو الإيمان به والتصديق به]. وهذا أيضاً من الإيمان باليوم الآخر، ومن فضائل وميزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما ورد عنه من أنه هو الشفيع المشفع في المحشر، وقد وردت أدلة كثيرة على أنه يشفع لأمته، ويشفع للخلق كلهم، فيشفع الشفاعة الأولى لمجيء الله تعالى لفصل القضاء، حتى يفصل بين عباده عندما يطول الموقف، وهذا بعدما يطلبون الشفاعة من أولي العزم: من آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وعند ذلك إذا اعتذروا يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا لها). كذلك -أيضاً- يشفع لهم أن يدخلوا الجنة، ويكون هو أول من يستفتح باب الجنة، وكذلك يشفع لقوم أن ترفع درجاتهم ومنازلهم من أهل الجنة. وأما الشفاعة التي يشاركه فيها غيره من الأنبياء والملائكة فهي شفاعته لأهل الكبائر من أهل التوحيد أن يخرجوا من النار، فبعدما احترقوا وصاروا فحماً يخرجون من النار بعد مدة الله أعلم بمقدارها، ثم يلقون في نهر في الجنة يقال له: نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم بعد ذلك يتنعمون بما يتنعم به أهل الجنة، وذلك لأنهم من أهل التوحيد ومن أهل العقيدة.

وجوب الإيمان بوقوع فتنة الدجال وقتل عيسى بن مريم له

وجوب الإيمان بوقوع فتنة الدجال وقتل عيسى بن مريم له قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه كافر، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لدّ]. هذا من الإيمان بالغيب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الأمور المستقبلة الغيبية فلابد أن نؤمن ونصدق بها، وذلك لثبوتها بالسنة من طرق متواترة في أحاديث صحيحة، فمن الإيمان بالغيب الإيمان بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور المستقبلة الغيبية. ووصف الدجال بأوصاف تبين أنه إنسان، وأنه أعور العين اليمني، وأنه فتنة يفتتن بها خلق كثير، ويثبت الله أهل الحق فلا يفتتنون به، ويعلمون أنه كذاب، ولذلك سمي دجالاً يعني: كثير الكذب وعظيم الدجل. والأحاديث التي في نزول عيسى متواترة أيضاً، وأنه يقتل الدجال باب لد في الشام، وأن عيسى يقيم في المسلمين فيما بعد، فيكسر الصليب الذي للنصارى، ويقتل الخنزير الذي يأكلونه، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، وينتشر الإسلام كما يشاء الله؛ وذلك في الوقت المستقبل الله أعلم متى يكون ذلك.

الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

الإيمان قول وعمل يزيد وينقص قال المصنف رحمه الله تعالى: [والإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، كما جاء في الخبر: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) (من ترك الصلاة فقد كفر)، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، من تركها فهو كافر، وقد أحل الله قتله]. مسألة الإيمان من المسائل التي تكلم فيها أهل السنة مع المرجئة وغيرهم. فقال أهل السنة: إن الإيمان قول وعمل، وإنه تدخل فيه العقائد، وتدخل فيه الأقوال والأعمال، فهو قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، فالأقوال -الأذكار ونحوها- تكون من الإيمان، والعقائد وأذكار القلب تكون من الإيمان، والأعمال البدنية داخلة في مسمى الإيمان، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) فكلمة: (لا إله إلا الله) من الإيمان، وهي قول باللسان، وإماطة الأذى من الطريق من الإيمان، وهي عمل بالبدن، والحياء من الإيمان، وهو عمل قلبي، وكذلك بقية شعب الإيمان. كذلك أيضاً نقول: إن من الإيمان جميع الأعمال التي هي قربة، والإيمان يزيد بها وينقص بالمعاصي، فالإيمان عند أهل السنة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد أخبر الله بأنه يزيد في قوله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4]، وقوله جل وعلا: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:124]، وقوله سبحانه: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:173] ونحو ذلك، وكل شيء قبل الزيادة فهو قابل للنقصان، فالإنسان إذا ذكر الله وحمده وشكره زاد إيمانه وإذا تكلم بسوء أو سباب أو شتم أو معصية نقص إيمانه، وهكذا. ومن الأعمال التي هي من جملة الإيمان: الصلاة؛ فإنها من الإيمان كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143]، يعني: صلاتهم إلى بيت المقدس قبل أن تحول القبلة ما كان الله ليضيع ذلك، فسماها إيماناً؛ لأنها من ثمرة الإيمان، وهذه الصلاة لا شك في أهميتها وعظم شأنها؛ ولأجل ذلك أكد الله ذكرها في القرآن، وأكثر من ذكرها، وورد أيضاً في السنة الاهتمام بها، بل وفي بعض الأحاديث أن تركها كفر، يعني: الإصرار على تركها يعتبر كفراً، وأن تاركها يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإذا أصر على تركها حتى يقتل قتل مرتداً، يعامل معاملة المرتد؛ وذلك لأنها أعظم شعائر الدين ولا شك أن ما كان بهذه العظمة لا يجوز التهاون به.

الصحابة أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فضائل بعضهم

الصحابة أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فضائل بعضهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [وخير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لم يختلفوا في ذلك، ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة: علي بن أبي طالب، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وطلحة كلهم للخلافة، وكلهم إمام، ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر: (كنا نعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وأصحابه متوافرون أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نسكت)، ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين، ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على قدر الهجرة والسابقة أولاً فأولاً. ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم، كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة ورآه فهو من أصحابه، له الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه نظر، فأدناهم صحبة أفضل من القرن الذي لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه أفضل -لصحبتهم- من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير].

سبب كلام أهل السنة في موضوع الصحابة

سبب كلام أهل السنة في موضوع الصحابة إنما تكلم العلماء في العقائد على الصحابة رداً على الرافضة الذين يكفرون أكثر الصحابة، وسبب ذلك أن الرافضة اعتقدوا في علي رضي الله عنه هذه العقيدة السيئة، وهي: أنه أولى بالخلافة من الصحابة الذين قبله أبي بكر وعمر وعثمان، ورووا أحاديث مكذوبة أنه وصي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه الذي أوصى إليه. فلما عرفوا أن الواقع يخالف ما ذهبوا إليه اعتقدوا أن أبا بكر وعمر وعثمان كلهم اغتصبوا ما ليس لهم من هذه الولاية والخلافة، وخطئوا الصحابة الذين بايعوهم، واعتقدوا أن علياً مظلوم؛ حيث أخذ منه الأمر وهو أولى به، فهو أولى بالإمامة وأولى بالخلافة، ولم يقفوا عند هذا الحد بل اعتقدوا كفر هؤلاء الصحابة واعتقدوا أنهم ارتدوا، وطبقوا عليهم الحديث الذي فيه: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وأخذوا يجمعون ويلفقون الأكاذيب عليهم؛ فاحتاج أهل السنة إلى أن يردوا هذه الأكاذيب، فاعتنوا بالأحاديث التي في فضائل الصحابة، وبينوا أن ترتيب الصحابة في الخلافة هو كما وقع، وأن أحقهم بالخلافة هو أبو بكر الذي سموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمعوا على ذلك دون أي اختلاف، وبايعه الصحابة كلهم؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم رضي به خليفة له في حياته في الصلاة لما مرض، فقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، ولما قالت له عائشة وحفصة: لو أمرت عمر فقال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس؛ فإنكن صواحب يوسف)، فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام التي كان صلى الله عليه وسلم مريضاً فيها، واستمر ذلك، ولما توفي صلى الله عليه وسلم اتفقوا على بيعته إماماً وخليفة عليهم، وقالوا: رضينا لدنيانا من رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا، أي: ما دام أنه استخلفه في الصلاة فإنه أحق بأن يكون خليفة في الولاية العامة، فاتفقوا عليه ولم يختلفوا. والأحاديث التي في فضله رضي الله عنه كثيرة ذكر أكثرها الإمام أحمد في كتابه الذي سماه (فضائل الصحابة)، وكذلك الأحاديث التي في فضل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.

أفضلية الخلفاء الراشدين كترتيبهم في الخلافة

أفضلية الخلفاء الراشدين كترتيبهم في الخلافة فأهل السنة يترضون عن الصحابة جميعاً، ويعتقدون أنهم أفضل هذه الأمة التي هي أفضل الأمم، فإن أفضل الأمم هي هذه الأمة، وأفضل قرونها هو القرن الذي بعث فيه صلى الله عليه وسلم، وأفضل أولئك القرن الصحابة، وأفضل الصحابة الخلفاء الأربعة، وأفضلهم أبو بكر؛ فهو أفضل الأمة بعد نبيها، هكذا اتفق على ذلك أئمة السلف وأهل السنة، كما جاء في الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: (كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره)، أي: لا ينكر هذا الترتيب الذي هو ترتيبهم في الفضل. وقد تواتر عن علي رضي الله عنه أنه كان يخطب ويقول: (أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر)، وهذا مشهور عنه من طرق متعددة، ولكن الرافضة قوم بهت؛ فلا يقبلون من كلامه ما يخالف معتقدهم، مع أنهم يعتقدون فيه الولاية والصدق، ولكن لما خالف ذلك معتقدهم ردوا هذا الدليل الواضح الذي هو من كلامه رضي الله عنه. وعند موته عهد بالخلافة إلى عمر، فقبل ذلك الصحابة وبايعوه، واتفقت الصحابة رضي الله عنهم على بيعة عمر، وكونه هو الخليفة الثاني، وهو أول من سمي بأمير المؤمنين، وبقي في الخلافة عشر سنين، إلى أن قتله أبو لؤلؤة المجوسي وأصيب المسلمون بقتله، بل كأنه لم تحصل لهم مصيبة مثلها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. واستمر رضي الله عنه في الخلافة هذه المدة، وهو متقن لهذه الولاية، وعادل بين الأمة، وسائر فيهم أتم سيرة وأحسنها. ثم بعده بويع عثمان، وصار هو الخليفة بعده، ولم يزل كذلك إلى أن قتله الثوار الذين ثاروا عليه، ولما قتل لم يكن هناك أولى من علي رضي الله عنه، فتمت له البيعة، إلا أن أهل الشام توقفوا عن البيعة حتى يمكنهم من قتلة عثمان، وانفصلوا، وإنما حصل الانفصال بين أهل الشام وبين أهل العراق، وتمت الخلافة لـ علي في العراق وفي الحجاز وفي اليمن وفي خراسان، وانفصلت الشام ثم مصر، وصار في الولاية على الشام ومصر معاوية إلى أن قتل علي رضي الله عنه، ولما قتل تولى بعده ابنه الحسن نصف سنة، ثم إنه تنازل عن الخلافة وسلمها لـ معاوية.

الصحابة خير قرون هذه الأمة

الصحابة خير قرون هذه الأمة وبكل حال فالصحابة رضي الله عنهم هم خير قرون هذه الأمة، وهم أولى بأن يترحم ويترضى عنهم؛ وذلك لسبقهم إلى الإسلام، ولفضلهم وفضائلهم التي لا يدركها غيرهم، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي، والذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، فإذا كان الذي ينفق مثل جبل أحد من الذهب مع كثرته وكونه بهذا القدر من المال لا يبلغ نفقة أحدهم إذا أنفق مداً -وهو ربع الصاع- أو نصف المد، دل على أن نفقاتهم وأعمالهم لا يدركها من بعدهم. وكل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به واستمر على إيمانه إلى أن مات وهو على ذلك فله فضل الصحبة؛ وكذلك من صحب النبي صلى الله عليه وسلم وشهد له بالرسالة وبايعه أو رآه فهو من أصحابه وله هذه الميزة وهذه الفضيلة، وهذه الفضيلة لا يدركها غيرهم.

أفضل هذه الأمة بعد الصحابة رضي الله عنهم التابعون ثم تابعوهم

أفضل هذه الأمة بعد الصحابة رضي الله عنهم التابعون ثم تابعوهم وبعدهم التابعون، نؤمن بأن أفضل الأمة أهل القرن الأول الذين هم الصحابة، ثم بعدهم تلامذتهم وأبناؤهم الذين تعلموا منهم والذين أسلموا على أيديهم. ثم بعد التابعين تابعو التابعين، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة وسكت عن الباقي، وهذا دليل على أن القرون الثلاثة هي أفضل هذه الأمة؛ ولأجل ذلك كان الحق فيها ظاهراً، والسنة فيها ظاهرة، وأهل السنة ظاهرون، والمبتدعة أذلاء. ولم يتمكن المبتدعة إلا في القرن الرابع وما بعد؛ فإنهم تمكنوا، وكثر الذين أنكروا كثيراً من السنة، فتمكن المعتزلة والجهمية وأتباعهم، وكذلك القدرية والجبرية وسائر المبتدعة، وكذلك الشيعة ونحوهم تمكنوا في تلك القرون وصار لهم ولاية في العراق، كدولة بني بويه، وفي الشام ومصر كدولة من سموا أنفسهم (فاطميين) وهم بنو عبيد القداح، فلم يزالوا كذلك إلى أن أراح الله منهم العباد، ولكن تأثيرهم في تلك البلاد وبقاياهم وسننهم لا تزال إلى الآن، وأبقى الله تعالى من أهل السنة من يرد عليهم ويبين باطلهم. فيعتقد المسلمون فضل الصحابة، ويعتقدون أنهم خير قرون هذه الأمة، وأن هذه الأمة أفضل القرون.

طعن الرافضة على الصحابة والرد عليهم

طعن الرافضة على الصحابة والرد عليهم وأما الرافضة فإنهم يفترون على الصحابة من أنهم فعلوا كذا، وأنهم فعلوا كذا، وأن أبا بكر فعل، وأن عمر فعل، ويطعنون في أبي بكر -مثلاً- بأنه يسمي خالداً سيف الله، وأن خالداً قتل مالك بن نويرة، وأنه تزوج امرأته في تلك الليلة التي قتل فيها دون عدة، وأن أبا بكر أقره وقال: (عجزت النساء أن تلد مثل خالد) فهذا من الطعن في أبي بكر، وهذا كذب صريح، وخالد رضي الله عنه أنزه وأورع من أن يتزوج امرأة في عدتها أو يقتل رجلاً مسلماً لأجل امرأته، وهذا كله من أكاذيب الرافضة على هؤلاء الصحابة. وأما كذبهم على عمر بأنه تخلف عن جيش أسامة فيقولون: أبو بكر هو الذي منعه؛ وذلك لأنه اعتبره وزيراً لا يستغني عنه، وأرسل جيش أسامة فذهبوا إلى ما ذهبوا إليه، ورجعوا سالمين غانمين. وكذلك أيضاً طعنهم في الصحابة بأنهم تولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، ويستدلون بقوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]. فنقول: الله تعالى عذرهم، والنبي صلى الله عليه وسلم عذرهم، وذلك لما أن نفحهم المشركون بكثرة النبل انهزموا، ثم لما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم رجعوا إليه، ولم يرد أن علياً من الذين ثبتوا معه، ولاشك أنه ثبت معه العباس والحارث بن عبد المطلب، وأما أن الذين انهزموا كلهم ضُلال من الكفار والمنافقين فهذا بلا شك كذب على الصحابة رضي الله عنهم. ويطعنون في الصحابة بأنهم تركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائماً يوم الجمعة، ويستدلون بقوله تعالى: {انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11]. ونقول: هذا أيضاً ليس بطعن، فإنا نتحقق أنهم رجعوا، وليس عندنا يقين أن علياً كان من الذين بقوا حتى يمدحوه، فقد يكون داخلاً في هؤلاء الذين خرجوا، ونتحقق أنهم خرجوا ثم رجعوا وأكملوا الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، وذكرهم الله بقوله: {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} [الجمعة:11]. وبكل حال فتلفيقاتهم وأكاذيبهم كل ذلك مما يموهون به على الناس، وهم في الحقيقة أبعد عن أن يكونوا أهل حق وصواب.

وجوب طاعة ولاة الأمر والرد على من أباح الخروج عليهم

وجوب طاعة ولاة الأمر والرد على من أباح الخروج عليهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به، ومَنْ ظهر عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين. والغزو ماضٍ مع الإمام إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك، وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم. ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة، من دفعها إليهم أجزأت عنه براً كان أو فاجراً. وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة باقية تامة ركعتين، من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة -من كانوا- برهم وفاجرهم، فالسنة بأن يصلي معهم ركعتين، وتدين بأنها تامة لا يكن في صدرك من ذلك شيء]. في هذا رد على الخوارج الذين يخرجون على الأئمة، ورد أيضاً على المعتزلة الذين يبيحون الخروج على الأئمة، ويجعلون ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والأئمة هم الذين تتم لهم الولاية؛ ويستولون على الأمة الإسلامية سواء كان ذلك الوالي عهد إليه من قبله أو أخذها بالقوة وتولى عليهم بالغلبة، كل هذا بلا شك إذا تمت له الولاية وجبت الطاعة والسمع له، وحرم الخروج عليه؛ وذلك لأن الخروج على الأئمة يسبب فتناً وضرراً على المسلمين، وكم حصل بسببه من القتل؟! وكم حصل بسببه من السجن وإضرار المسلمين وإضرار علماء المسلمين؟! فلأجل ذلك قالوا: يجب السمع والطاعة لولاة الأمور، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بالسمع والطاعة -يعني: لولاة الأمور- وإن تأمر عليكم عبد حبشي مجدع الأطراف كأن رأسه زبيبة)، أمر بأن يسمع له ويطاع إلا أنهم لا يطاعون في معصية، لقوله: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، ولكن لا يجوز أن يخرج عليهم بالسيف، ولا أن تنزع الطاعة من أيديهم. أما الأعمال التي تعمل معهم فإن الإمام غالباً هو الذي يتولى الغزو، ويتولى الحج، كما يقول العلماء: الحج والجهاد ماضيان مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً؛ فإن هذا من خير أعمالهم. فإذا تولى على الجيش الذي يغزو والٍ وكان فيه شيء من الفسق كشرب الخمر أو سماع الغناء أو نحو ذلك، لم يكن ذلك مسبباً لنزع اليد من طاعته، وكذلك لو أقام الحج أحد الولاة والأمراء المعروفين بشيء من الفسق فإن ذلك أيضاً من حسناتهم ولا يجوز نزع الطاعة ولا الخروج عليهم. وكذلك أيضاً هم الذين يقسمون الأموال؛ لأن قسمة الفيء وقسمة الغنائم وقسمة الأموال تكون إليهم، يضعونها كما أمر الله، ويفرقونها على مستحقيها وتقبل منهم، وكذلك أيضاً دفع الصدقات والزكوات إليهم وما أشبهها، ومن دفعها إليهم فإنه تبرأ ذمته ولا يلزمه أنه يخرجها مرة أخرى. وبكل حال فالأئمة وولاة الأمور الذين لهم الولاية العامة تجب طاعتهم ما لم يأمروا بمعصية، ويحرم الخروج عليهم ونبذ طاعتهم، لما يترتب على ذلك من المفاسد والفتن. وكذلك أيضاً تصح الصلاة خلفهم، وكان الولاة هم الذين يصلون الجمع والأعياد، والوالي هو الذي يتولى صلاة الجمعة والعيد، ولو كان فيه شيء من الفسق أو من المعاصي. وذهب بعض المبتدعة: إلى أنه لا تجوز الصلاة خلفهم، حتى ولو كان الإمام أميراً أو والياً، وصاروا يعيدون، فيصلي أحدهم خلفه ثم يعيد الصلاة، وهذا من التشدد والتنطع، وقد كان الصحابة يصلون خلف الأئمة والأمراء الذين عليهم، وفيهم شيء من الفسق كـ الحجاج وابن زياد ونحوهما، ولا يعيدون الصلاة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أصول السنة للإمام أحمد [2]

أصول السنة للإمام أحمد [2] لا نجاة للعبد ولا فوز ولا فلاح إلا باتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن أهم ما جاء به الكتاب والسنة مسائل الاعتقاد، فيجب على كل مسلم أخذ عقيدته وتوحيده من هذين المصدرين على فهم سلف الأمة، ومن تلك العقائد: عدم الخروج على ولاة الأمر، والصلاة خلفهم وطاعتهم بالمعروف، وقتال البغاة واللصوص، وأن الزاني المحصن يرجم، وأن البعث حق والجنة والنار مخلوقتان.

حكم الخروج على ولاة الأمر

حكم الخروج على ولاة الأمر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو الغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق]. الخروج على الأئمة يحصل به مفاسد كثيرة، فيحصل به فتن وقتل واضطهاد لأهل الخير، ويحصل به إذلال لأهل الدين ولأهل الإيمان ولأهل العلم ولأهل العمل الصالح، وقد جُرّب ذلك في العصور الأولى، فالذين خرجوا على الحجاج في ولايته كـ ابن الأشعث لما أن خلع بيعة أمير المؤمنين عبد الملك، وخلع طاعة والي العراق الذي هو الحجاج، واجتمع معه خلق كثير حتى أن منهم كثيراً من علماء التابعين في ذلك الوقت، فماذا حصل؟ حصل أنه لما انتصر عليهم الحجاج أخذوا وقتل بذلك خلق كثير، وكان من آخرهم سعيد بن جبير رحمه الله. وكذلك أيضاً: لما أن خلع المقاتل الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم طاعة سليمان بن عبد الملك حصل أنه قوتل حتى قتل، وذكروا وقالوا: إنه ينطبق عليه الحديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، ولكن يترحم عليه؛ لأنه كان له جهد في الجهاد، وفتح الكثير من بلاد السند وما وراء النهر. وهكذا أيضاً ابن المهلب عند أن خلع الطاعة وحاول أن يستبد بالأمر حصلت فتنة. وهكذا في آخر عهد بني أمية خرج زيد بن علي بن الحسين وحاول أن يتم له الأمر فقُتل، وقُتل من معه واضطهدوا. وكذلك في خلافة المنصور خرج اثنان من العلويين وهما: محمد بن عبد الله بن حسن وأخوه إبراهيم وكل منهما بايعه خلق كثير ثم قتلوا. وبكل حال لا يجوز الخروج على الأئمة لما يحصل بذلك من الإذلال والإهانة لأهل الخير، ومعلوم أن الأئمة في أيديهم الولاية ونحوها، فتجب طاعتهم إلا فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) ولما قيل: (ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، وما دام أنهم يقيمون الصلاة وأنهم يظهرون شعائر الإسلام ولو حصل منهم خلل أو نقص أو لوحظ على بعضهم شيء من المعاصي والتقصير، فإن ذلك لا يسوغ الخروج عليهم.

جواز قتال اللصوص والخوارج دفاعا عن النفس

جواز قتال اللصوص والخوارج دفاعاً عن النفس قال المصنف رحمه الله: [وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله، فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنها بكل ما يقدر، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم، ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده ألا يقتل أحداً، فإن مات على يديه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول، وإن قُتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رَجُوتُ له الشهادة كما جاء في الأحاديث، وجميع الآثار في هذا إنما أمر بقتاله، ولم يؤمر بقتله ولا اتباعه ولا يجهز عليه إن صُرع أو كان جريحاً، وإن أخذه أسيراً فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فحكم فيه]. اللصوص هم الذين يعتدون على الأموال، ومثلهم أيضاً المحاربون وقطاع الطريق ونحوهم، وهؤلاء بلا شك أنهم فيما يظهر من المسلمين، فإذا شهروا سلاحهم فإنهم يقاتلون بما يندفعون به، وقد ذكر الله أنهم يرد أمرهم إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة:33] الآية. فإذا دخل اللصوص في بيت من البيوت لأخذ مال فإن صاحب البيت يدفعهم بالتي هي أحسن، ولا يبدؤهم بالقتال رأساً، فإنهم لم يبلغوا أن يقاتلوا، إنما دخلوا لأخذ مال أو للاختلاس أو نحو ذلك، ولكن إذا رأى منهم القوة ورأى منهم الجد قاتلهم. وروي عن ابن عمر أنه دخل عليه لص، فأصلت السيف في وجهه، ولولا أن أبناءه قبضوه لقتل ذلك اللص. وكأنه عرف منه أنه معتدٍ، وأنه جاء لأجل الفساد أو أنه ليس من أهل العصمة، ولكن ما دام أنه قد وردت الأدلة في أنهم يدفعون بالتي هي أحسن، وأنه إذا جرح أحد منهم فلا يجهز عليه، أي: لا يتمم قتله، ولا يتبع مدبرهم، أي: المنهزم منهم لا يتبع بل يترك؛ دل ذلك على أنهم لم يخرجوا من الإسلام، فيهددهم ويخوفهم بعدما يذكرهم، فإذا لم ينفع فيهم التذكير ولا التخويف ولا التهديد أظهر لهم أن عنده من القوة ما يدفعهم وما يردهم، فإذا لم يندفعوا استعمل القوة بأدنى مراتبها، فإن كانوا يُكفون بضربهم بالعصي اكتفى بذلك ولم يستعمل السلاح، فإذا لم يكفوا استعمل السكين دون السيف، وإذا لم يكفوا استعمل السيف أو نحوه مما يقاتل به في هذه الأزمنة، كالرصاص ونحوه، فله أن يستعمل ذلك لدفع كيدهم ولدفع شرهم، وسواء كان اعتداؤهم لأجل قتله أو لأجل ماله أو لأجل محارمه أو ما أشبه ذلك، فكل هؤلاء من اللصوص المعتدين يدفعون بما يندفع به شرهم أو يرفع بأمرهم إلى من يأخذ على أيديهم.

حكم الشهادة لمعين بالجنة أو بالنار

حكم الشهادة لمعين بالجنة أو بالنار قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا نشهد على أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار، نرجو للصالح ونخاف عليه، ونخاف على المسيء المذنب، ونرجو له رحمة الله]. من عقيدة أهل السنة أنهم لا يجزمون لأحد بجنة ولا نار ولو انطبقت عليه بعض الأحاديث، وهناك أحاديث في الوعيد، وهناك أحاديث في الوعد، فيقولون: إن أمره إلى الله تعالى. فمثلاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، هذا من أحاديث الوعد، فهل كل من رأيناه يقولها، نقول هذا من أهل الجنة، وهذا محرم على النار؟! A لا، بل نقول: هذا أمره إلى الله؛ لأن الإخلاص غيبي. كذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) أو قوله: (لا يدخل الجنة قتات) أو نمام، هل نقول: إن هؤلاء من أهل النار؟ A لا؛ وذلك لأن أمرهم إلى الله، وما في قلوبهم خفي فلا نجزم بجنة ولا نار، بل نقول: هؤلاء من العصاة الذين وردت فيهم هذه الأدلة، وأمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وهؤلاء وعُدوا بالثواب ووعُدوا بالمغفرة، وأمرهم إلى الله إن شاء كمل ذلك وأثابهم بأن يرحمهم ويدخلهم الجنة، وإن شاء عاقبهم على ما عملوه، الله أعلم بكيفية ذلك. هذا معنى كون أهل السنة لا يجزمون لمعين بجنة ولا نار إلا من جزم له النبي صلى الله عليه وسلم كالعشرة ونحوهم من الذين ورد تسميتهم أنهم من أهل الجنة، وكالذين ورد أنهم من أهل النار كـ أبي لهب كما في قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3] ونحوهم ممن وردت النصوص في أنهم من أهل العذاب.

مصير المذنبين من المسلمين

مصير المذنبين من المسلمين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن لقي الله بذنب يجب له النار تائباً غير مصر عليه فإن الله عز وجل يتوب عليه، و {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:25]. ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن لقيه مصراً غير تائب من الذنوب التي استوجب بها العقوبة، فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ومن لقيه كافراً عذبه ولم يغفر له]. وأمر الآخرة إلى الله تعالى، فقد أخبر الله بأنه: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:129]، وذلك إليه سبحانه وتعالى. فمن لقيه وهو من أهل التوحيد فهو أهل أن يغفر له، كما ورد في حديث ابن مسعود: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)، ولكن مع ذلك فإننا لا نجزم لهذا بالجنة ولهذا بالنار، بل نقول: هذا ورد وعيده وهذا ورد وعده وكلهم تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم؛ وذلك لأن أعمالهم مهما كثرت لا تقابل نعمة الله عليهم ورحمته بهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل). فنحن محتاجون إلى رحمة الله، وأعمالنا تقصر عن أن تكون سبباً مستقلاً لنجاتنا، ولكن الله تعالى أمر بالعمل الصالح، وأمر بالإكثار من الحسنات، ونهى عن السيئات، وجعل ذلك من أسباب رحمته ودخول جنته، ونهى عن السيئات والمخالفات التي تكون أيضاً سبباً لغضبه وعذابه. أما إذا لقي الله تعالى وقد أقيم عليه الحد، فإذا كان تائباً من ذلك الذنب فإن الحد كفارة، وإذا أقيم عليه الحد ولكنه لم يعترف ولم يتب فلا ينفعه، إنما يكون الحد زاجراً له مرة أخرى عن هذا الذنب أو زاجراً لغيره. وقد بين العلماء أن الحدود لا تكون كفارة إلا لمن تاب، فمن زنى -مثلاً- وجاء معترفاً وقال: أقيموا علي الحد كما فعل ماعز والغامدية فإن ذلك كفارة، وأما من أنكر وشهد عليه الشهود بأنه زنى ورجم بذلك وهو منكر غير تائب فالحد لا يطهره، وإنما يمنع غيره من أن يفعلوا كفعله، وهكذا بقية الحدود التي تقام في الدنيا لا تكون مكفرة إلا لمن تاب من ذلك الذنب وحسنت توبته.

رجم الزاني المحصن ثابت في السنة خلافا للخوارج

رجم الزاني المحصن ثابت في السنة خلافاً للخوارج قال المصنف رحمه الله تعالى: [والرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الراشدون]. يعني: أن رجْم الزاني المحصن الذي قد تزوج ثم زنى بعدما تزوج زواجاً شرعياً ودخل بامرأته ثابت في السنة، متواترة به الأحاديث، فمن أنكره فقد أنكر سنة معلومة ظاهرة، وأنكرت ذلك الخوارج الذين يقولون: إنهم لا يعملون إلا بما في القرآن، وقالوا: ليس في القرآن رجم. وقد بين عمر رضي الله عنه أن من جملة ما نزل آية الرجم، وقال: (وقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ثم كانت مما نسخ لفظه وبقي حكمه. فالمحصن من السنة أن يرجم حتى يموت إذا قامت عليه البينة، أو اعترف بالزنا أربع مرات وبقي على اعترافه إلى أن يقام عليه الحد.

حكم من انتقص أحدا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

حكم من انتقص أحداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بغَّضه لحدث منه أو ذكر مساويه، كان مبتدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً، ويكون قلبه لهم سليماً]. قوله: (من تنقص أحداً من الصحابة) يعني: عابهم أو ذكر مثالبهم أو مساوئهم أو نحو ذلك، فإنه يعتبر بذلك قد ابتدع وتعدى على حرمة الصحابة رضي الله عنهم. ولا شك أنه قد وقع من بعضهم أمور اجتهادية أنكرتها عليهم الرافضة وعدوها من المثالب، وقد يكون بعضها من محاسن الدين ومن محاسن الشريعة، ولا شك أنها من فضائلهم ولو عدوها من مثالبهم، وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله في (العقيدة الواسطية) أن ما يروى عن الصحابة فإما أن يكون كذباً لا أصل له مما افتراه عليهم أعداؤهم، وإما أن يكون قد زيد فيه أو حرف أو غير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر.

تعريف النفاق وأنواعه وحكم صاحبه

تعريف النفاق وأنواعه وحكم صاحبه قال المصنف رحمه الله تعالى: [والنفاق هو الكفر: أن يكفر بالله ويعبد غيره، ويظهر الإسلامَ في العلانية، مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه فهو منافق)، على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نقيسها]. المنافق هو: الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، وهم الذين: {َإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14]، والذين: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:11] هؤلاء هم المنافقون، وإنما فعلوا ذلك تستراً أو ستراً لعقائدهم، والأصل أنهم يريدون بذلك أن يأمنوا مع هؤلاء ومع هؤلاء، يقول تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} [النساء:141] أي: أعطونا من الغنيمة فنحن معكم {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} [النساء:141]، أي: نصر، {قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:141]، فهم مع المؤمنين في الظاهر ومع الكفار في الباطن، وهذا هو أصل النفاق، ومثل هذا يقال له: النفاق الاعتقادي. وأما النفاق العملي فهو المذكور في هذا الحديث: (أربع من كن فيه كان منافقاً)، وفي الحديث الآخر: (آية المنافق ثلاث) فهذه الخصال تسمى نفاقاً عملياً، ولكنه من علامات النفاق الاعتقادي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [(ثلاث من كن فيه فهو منافق) على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نقيسها، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ومثل: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، ومثل: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، ومثل: (من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، ومثل: (كفرٌ بالله تبرؤ من نسب وإن دق)، ونحوه من الأحاديث مما قد صح وحفظ، فإنا نسلم له وإن لم يعلم تفسيرها، ولا نتكلم فيها، ولا نجادل فيها، ولا نفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت، لا نردها إلا بأحق منها]. هذه الأحاديث استدل بها الخوارج على تكفير العصاة، ويقولون: إن المعصية الكبيرة تُخرج من الملة وتُدخل في الكفر، ويحكمون على أهل المعاصي وأهل الذنوب والكبائر بأنهم مخلدون في النار، ويستدلون بهذه الأحاديث مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وكذلك أحاديث علامات النفاق كقوله صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر). وفي رواية: (وإذا اؤتمن خان). ومعلوم أن هذه الخصال لا تخرج من الملة، فليس خلف الوعد -مثلاً- مخرجاً من الملة، وليس نفاقاً صريحاً، يعني: اعتقادياً، وكذلك الخيانة وما أشبهها، ولكنها من الذنوب ومن كبائر المعاصي. فالعبد إذا سمع مثل هذه الأدلة يعرضها على الكتاب والسنة، ويقول: نقبلها، ولكن لا نقول: إنها مخرجة من الإسلام، وإن من عمل بها فإنه ليس بمسلم، بل أمره إلى الله تعالى. ومثله: (برئ من الإسلام من تبرأ من نسب وإن دق) ومثله: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، كل ذلك من أحاديث الوعيد. وأحاديث الوعيد تُجرى على ظاهرها؛ ليكون أبلغ في الزجر، مع الاعتقاد أنها لا توصل إلى الخروج من الملة، فلا نقول: إن هذا قد كفر وخرج من الإسلام بهذا الذنب، بل نقول: عمله عمل كفر وأما هو فلا يكون كافراً، ففرق بين العمل وبين العامل، فالعمل قد يكون من أعمال الكفار أو من أعمال المنافقين ولا يلزم أن كل من عمل هذا العمل يخرج من الإسلام ويدخل في الكفر، بل أمرهم إلى الله تعالى، ونحثهم على التوبة والرجوع إلى الله.

وجوب الإيمان بخلق الجنة والنار

وجوب الإيمان بخلق الجنة والنار قال المصنف رحمه الله تعالى: [والجنة والنار مخلوقتان، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دخلت الجنة فرأيت قصراً، ورأيت الكوثر، واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا، واطلعت في النار فرأيت كذا وكذا، فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار]. هذا أيضاً من الإيمان باليوم الآخر، فيجب الإيمان بأن الجنة موجودة الآن ومخلوقة، وكذلك النار، وأنهما موجودتان الآن خلافاً لبعض الفلاسفة والمعتزلة ونحوهم، فإنهم يقولون: إنما ينشئهما الله في يوم القيامة، وأما الآن فليستا بموجودتين. فإذا كانت الأحاديث صريحة بأنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأنه دخل الجنة ورأى فيها كذا وكذا، ورأى النار ورأى فيها كذا وكذا، فهذا دليل على أنهما موجودتان ومخلوقتان، وأنهما يوم القيامة يخرجان بقول الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء:90] يعني: أظهرت، {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء:91] ففي يوم القيامة تبرز، وكما في الحديث: (يؤتى يوم القيامة بجهنم) يعني: تفسيراً لقوله: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23]، يجيء بها الملائكة يجرونها، كما أخبر في الحديث.

وجوب الصلاة على الموحدين من أهل القبلة واستحباب الاستغفار والدعاء لهم

وجوب الصلاة على الموحدين من أهل القبلة واستحباب الاستغفار والدعاء لهم قال المصنف رحمه الله: [ومن مات من أهل القبلة موحداً يُصلى عليه، ويُستغفر له، ولا يُحجب عنه الاستغفار، ولا تُترك الصلاة عليه لذنب أذنبه، صغيراً كان أو كبيراً، أمره إلى الله عز وجل]. ورد في الحديث: (صلوا على من قال: لا إله إلا الله)، أي: الذين دخلوا في الإسلام، وأظهروا الإسلام، فهؤلاء من أهل الإسلام ومن أهل التوحيد، فنصلي على من مات منهم ولو علمنا عنه شيئاً من الذنوب، إلا الذنوب المكفرة التي تخرج من الملة كترك الصلاة مع الاستمرار عليها وكذلك النفاق، كما قال الله تعالى في المنافقين: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84]، وهؤلاء بلا شك منافقون، وهم الذين اتضح نفاقهم وعرف، وكان الصحابة لا يصلون على من يُشك في أمره حتى يصلي عليه مثل حذيفة الذي أطلعه النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أسماء المنافقين. أما بقية المسلمين ولو كان فيهم معاص وتقصير فإنه يصلى عليهم، ويوكل أمرهم إلى الله تعالى، ونعتقد أن ذنوبهم لم تخرجهم من الإسلام، وبلا شك أن العاصي أحق بأن يدعى له؛ لأنه هو الذي وقع منه الذنب، فهو أحق بأن يُدعى له ويُصلى عليه ويُترحم عليه حتى يغفر الله له. أما المبتدعة أصحاب البدع المكفرة فلا يجوز أن يُصلى عليهم، فقد كفر السلف الدعاة إلى البدع، مثل الجهمية ونحوهم، وبلا شك أيضاً أن الرافضة ما داموا يطعنون في الكتاب والسنة ويطعنون في الصحابة فإنهم لا يصلى عليهم؛ لكونهم بلغوا وسيلة يكفرون بها، لا سيما الذين يشركون ويدعون أهل البيت في الملمات وفي الأزمات ونحو ذلك. فالمشرك الذي يُعرف منه الشرك وسواء كان قبورياً أو نحوه يعتبر بذلك ليس بمسلم، وليس بموحد، فلا يصلى عليه، وما ورد أيضاً أن الإمام يترك الصلاة على بعض العصاة فذلك لأجل الزجر عن فعله، فلا يصلي الإمام على من قتل نفسه، ولا يصلي على الغالِّ الذي يغل من الغنيمة، زجراً عن مثل هذا الذنب، ولكن يأذن لهم بأن يصلوا عليه حتى ولو كان قاتل نفسه ونحو ذلك، ما دام لم يخرج من الإسلام.

الأسئلة

الأسئلة

سبب ذكر الإمام أحمد للرجم وقتال اللصوص في هذه الرسالة التي تتكلم في العقيدة

سبب ذكر الإمام أحمد للرجم وقتال اللصوص في هذه الرسالة التي تتكلم في العقيدة Q أتى الإمام أحمد بالرجم وقتال اللصوص في رسالة تتكلم عن العقيدة، ولم يتكلم عن الأسماء والصفات مثلاً؟ A نقول: اكتفى في أولها بالتمسك بالكتاب والسنة، فإن ذلك عام يدخل فيه الإيمان بالأسماء والصفات وما أشبهها، وكأنه وضع هذه الرسالة -فيما يظهر- في الأمور الظاهرة التي هي أقرب إلى أنها من الأعمال، فجاء فيها بما يدخل في هذه الأمور، وألحق بها هذه الأشياء ولو كانت من الفروع، لكون الخلاف فيها مع هؤلاء الذين ابتلي بهم الناس في زمانه وبعد زمانه؛ لأجل ذلك اهتم بهذه الأمور الواقعية، والغالب أن من كتب رسالة يهتم بالذي يكثر فيه الخلاف مع أهل زمانه.

الفلاسفة لا يؤمنون بالبعث

الفلاسفة لا يؤمنون بالبعث Q هل يؤمن الفلاسفة بالبعث؟ A لا يؤمنون ببعث الأجساد وحشرها، إنما يجعلون البعث خاصاً بالأرواح، والحساب والعذاب على الأرواح، أما الأجساد وإعادتها فيكذبون بذلك ويردون الأحاديث والآيات التي هي صريحة في إعادة الأجساد بعد ما تفنى وتكون تراباً، وينكرون القصص التي في القرآن، كقصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، وقصة الذين قال الله لهم: {مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة:243] ونحو ذلك.

كفر من ترك شيئا معلوما من الدين بالضرورة

كفر من ترك شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة Q من ترك الصيام عمداً وهو يعلم الحكم، هل يكون كافراً بذلك؟ A لا شك أن من ترك شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة فإنه يكفر بذلك، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل إذا أصر على ذلك، حتى قال العلماء في باب حكم المرتد: إن من حرَّم شيئاً حلالاً كالخبز مثلاً، وأصر على ذلك يُعتبر مرتداً، ومن قال مثلاً: إن اللحم المذكى حرام، وإن الخبز الطاهر النقي الذي ليس فيه شبهة حرام، أو النكاح الحلال الذي هو الزواج الشرعي حرام أو ما أشبه ذلك، فهو كافر، ومن قال مثلاً: إن الزنا حلال، وإن فعل الفاحشة بالمرأة الأجنبية أو اللواط ونحوه حلال إذا حصل فيه التراضي، فهذا بلا شك أنه كافر، وكذلك أيضاً ترك الصيام عناداً مع اعتقاد أنه لم يفرض يعتبر أيضاً ردة وكفراً، وأما الجاهل فإنه معذور، حتى لقد كان الصحابة يسقطون الحد عن الجاهل حتى تقوم عليه الحجة. وإذا كان يعتقد وجوب الصوم ولكن تركه تكاسلاً وتفريطاً، فإنه يعامل في الدنيا بما يعامل به الكفار، فيقال له: صم والتزم، فإذا أصر وقال: لا أصوم ولو قتلتموني ولو مزقتموني ولو قطعتم أعضائي، قتل بعد ذلك، ولا يصلى عليه، وأما عقيدته فأمره إلى الله.

بعض الأدلة على فضائل الصحابة

بعض الأدلة على فضائل الصحابة Q الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} [التوبة:100]، هل هذه الآية من الأدلة القوية في الرد على الرافضة؟ A نعم، هي من الآيات التي تبين فضل الصحابة، فالله تعالى قسم في هذه الآية الصحابة إلى ثلاثة أقسام: السابقون الأولون من المهاجرين، وكذلك الأنصار من أهل المدينة، وكذلك الذين اتبعوهم بإحسان وهم الذين جاءوا بعدهم، وهؤلاء كلهم من الصحابة، يقول الله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:100]. كذلك قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة:117] يعني: في غزوة تبوك، وكانوا نحو أربعين ألفاً، ذكر الله أنه تاب عليهم، ومدحهم بأنهم اتبعوه في ساعة العسرة، وجعل من جملتهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن ذلك مما يدل على فضائلهم وما تميزوا به، والآيات كثيرة في ذلك.

كل من مات فسيبعثه الله وإن مات على أي كيفية

كل من مات فسيبعثه الله وإن مات على أي كيفية Q كيف يُسأل ويُبعث من تفتت جسمه أو من غرق في البحر أو من ذابت جنازته أو مات في حادث طائرة؟ A لا أدري ماذا يقصد السائل بقوله: كيف يبعث؟! فما دمنا نقول: إن الله تعالى قادر على أن يبعث من أُحرق فإنه لا يعجزه شيء، وقد ورد في بعض الأحاديث: (أن رجلاً قال لأولاده: إذا مت فأحرقوني، ثم ذروني في البحر، فلما فعلوا قال الله له: كن، فقام) أي: جمعه الله وأحياه، فهذا دليل على أنه لا يخرج من قدرة الله شيء، فالإنسان الذي يموت ثم تأكله الطيور والسباع يعيده الله، والذي يموت ثم يحرق أو يلقى في البحر حتى تأكله دواب البحر أو نحو ذلك كل ذلك لا يصعب على الله أن يعيده كما كان.

سؤال الميت إذا كان في الثلاجة

سؤال الميت إذا كان في الثلاجة Q إذا مات الإنسان وبقي في الثلاجة قبل أن يدفن عدة أيام أربعة أو ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر فهل يُسأل قبل الدفن؟ A قد يبقى في الثلاجة -مثلاً- سنة أو سنين ولا يمنع أنه يحاسب؛ وذلك لأن أمر البرزخ على الأرواح، فالأرواح هي التي يتم التساؤل معها، فهي التي تُسأل، وهي التي تعذب، وهي التي تنعم.

معنى توبة الله على نبيه

معنى توبة الله على نبيه Q يقول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} [التوبة:117] والتوبة لا تكون إلا عن ذنب، فما توجيه الآية؟ A قد ذكر الله المغفرة في قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:2] وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، فنقول: بلا شك أن الذنب قد يطلق على بعض الأمور المباحة أو على الغفلة أو نحو ذلك، وعلى هذا تسمى ذنباً. ويقول بعض العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليغان على قلبي؛ وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة) قالوا: إن هذا الاستغفار من هذه الغفلة التي عدها ذنباً، كونه -مثلاً- أحياناً يغفل عن ذكر الله تعالى ثم ينتبه ويبادر بالاستغفار، فعد هذه الغفلة ذنباً. فإذاً: التوبة التي تابها الله عليه وعلى الصحابة لا شك أنها إما من شيء من الغفلة كان ينبغي أن يعمروا وقتها بطاعة الله، وإما من الأمور الاجتهادية التي يجتهدونها ويعملونها لأجل رضا الله تعالى، ولكن يكونون فيها مجتهدين مخطئين كما حصل من الاجتهادات التي نبه الله تعالى نبيه على بعضها، كقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1] إلى آخر الآيات، وكقوله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال:67]، وكقوله: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84] وما أشبه ذلك.

حكم صلاة العلماني

حكم صلاة العلماني Q هناك من العلمانيين من يصلي، ولكن أفكارهم كفرية معلومة، فهل يحكم بأنهم مسلمون من أجل صلاتهم؟ A يعاملون في الدنيا معاملة المسلمين، ونحن إنما نعمل بالظاهر، وأما في الآخرة فأمرهم إلى الله تعالى، لكن إذا ظهر منهم كلمات توجب الردة، فإنهم يعاقبون بما يعاقب به المرتد.

لا يجوز الزيادة في السنة ما ليس منها

لا يجوز الزيادة في السنة ما ليس منها Q ذكر الإمام أحمد في الرسالة: (وليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال) فما المراد بذلك؟ A يظهر أن مراده بالقياس هنا: أن يلحق بها ما ليس منها، ولكن لا يلحق بذلك القياس الذي يراد به إلحاق المسائل بما يشابهها عند عدم النص فيها، فيقول: إنه ليس في السنة قياس، بمعنى: أننا لا نلحق بها شيئاً ليس منها ونجعله من السنة ونقول: إنه منصوص عليه.

حكم المال والسلاح الذي أخذه الجنود في حرب الخليج

حكم المال والسلاح الذي أخذه الجنود في حرب الخليج Q بالنسبة لموضوع قسمة الفيء؛ هناك بعض من تكلم عن الغنائم التي حصل عليها بعض الناس من الحرب التي حصلت في أزمة الخليج، فما حكم الأشياء التي أخذت وما حكم من أخذ؟ A الواجب أن هؤلاء الذين أرسلتهم الدولة للقتال يعتبرون خداماً للدولة، فليس لهم أن يستقلوا بشيء أخذوه، فإذا حصلوا على أسلحة يسلمونها للدولة سواء للدولة الكويتية أو للدولة السعودية، ولا يجوز لهم أن يستبدوا بها، وذلك لأنها لا تسمى غنيمة، إنما هم رجال موظفون تجري لهم مرتبات وإعاشات وانتدابات فيعطون حقهم، فأما الغنائم ونحوها فإنها لا تكون -والحال هذه- من الغنائم. أولاً: لأنه قتال فتنة، وليس هو قتال لأجل الكفر. ثانياً: أن هذه الأموال والأسلحة قد تكون داخلة في حكم الأموال المشتبهة؛ فلا تدخل في الغنيمة، لكن قد يعتذر بعضهم ويقول: إننا لو لم نأخذها لانتهبها غيرنا، ولأخذها من لا يستحقها، ولأخذها بعض الأعداء وقاتلونا بها أو نحو ذلك، فنقول: حتى ولو كان ذلك، فالأولى تسليمها إلى الدولة التي بعثتكم، والدولة تتصرف فيها كما تشاء.

حكم التحلق يوم الجمعة

حكم التحلق يوم الجمعة Q ما حكم الحِلَق في يوم الجمعة؟ وما صحة الحديث الوارد في ذلك؟ A كان الصحابة إذا جاءوا لصلاة الجمعة يكون بعضهم بعيد العهد بإخوته فيتحلقون حلقاً في المسجد، فيرقى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وهم لا يزالون حلقاً، هناك حلقة، وهناك حلقة، وهناك أخرى، وهناك رابعة، وهناك خامسة، فنهى عن التحَلُق يوم الجمعة قبل الصلاة، أي: الذي يقصدون به التحدث فيما بينهم، وأمرهم إذا دخلوا للمسجد أن يصفوا صفوفاً، وأن يكونوا صفوفاً على هيئتهم حتى يأتي الإمام وهم على مصافهم، حتى لا يحصل اختلال واضطراب عندما يريدون أن يأخذوا مصافهم، ولا يدخل في ذلك حلقات العلم التي تكون في أول النهار؛ وذلك لأنهم لم يدخلوا على أنهم يلزمون المكان الذي يصلون فيه صلاة الجمعة، إنما دخلوا للاستفادة فائدة مؤقتة ثم ينصرفون بعد ذلك.

معنى الخروج على ولاة الأمر

معنى الخروج على ولاة الأمر Q ما هو ضابط الخروج؟ وما معنى: (مات ميتة جاهلية)، هل يعني أنه كافر؟ A الخروج هو تكفير الولاة، وشهر السلاح عليهم، وإنكار أحقيتهم بالولاية أو بالإمارة، ونبذ الطاعة لهم، وخلع بيعتهم، فمن فعل ذلك اعتبر محارباً، يعامل بما يعامل به البغاة الذين ذكرهم العلماء في قتال أهل البغي عند قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9]. وأما قوله: (مات ميتة جاهلية)، فهذا يعني أنه مات على هذه النكسة التي هي نكسة البيعة، ويعتبر هذا من أحاديث الوعيد.

نسخ القرآن بالحديث الآحاد

نسخ القرآن بالحديث الآحاد Q هل السنة الأحادية ناسخة للقرآن؟ لأني قرأت في كتاب (مباحث في علوم القرآن) أن السنة الآحاد لا تنسخ القرآن، فهل هذا صحيح؟ A لم يرد حديث ثابت ينسخ آية من القرآن إلا حديث أو حديثان أو نحو ذلك، فمثل حديث: (لا وصية لوارث) اختلف فيه هل ينسخ قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة:180] أو أن الناسخ هو الآيات التي في تقسيم التركة بين الورثة؟ وعلى كل حال إذا ثبتت أحاديث قطعية الثبوت ولو كانت آحاداً ووردت مخصصة لآية من القرآن أو مخصصة لمفهومها فإنه يعمل بها، وتكون ناسخة أو مخصصة، وأما إذا لم تثبت أو أمكن الجمع بينهما فإنه لا يقال: إنها ناسخة.

حكم الخروج على الحكومات المجاهرة بالكفر

حكم الخروج على الحكومات المجاهرة بالكفر Q في بعض الدول التي تحكم بغير شرع الله يرون الكفر البواح، سواء من خلال وسائل الإعلام أو غيرها، فنريد النصيحة للإخوة هناك في قضية التعجل وغيرها، وهل يجوز للمسلمين الذين تحكمهم حكومات كافرة تعلن كفرها عبر وسائل الإعلام وتبيح المحرمات وغير ذلك من الكفر، هل يجوز لهم الخروج عليها؟ A نرى أنهم لا يستطيعون الخروج ما دام أنهم ليس بأيديهم قوة، ولا عندهم منعة، وأن القوة بأيدي الدولة، لكن إذا استطاعوا أن يستقلوا بأنفسهم وينفردوا في قرية أو في برية كمهاجرين يستقلون عن هذه الدولة ويقيمون أمرهم بأنفسهم حتى لا يكونوا تحت ولاية دولة كافرة فهو أولى، وإذا لم يستطيعوا صبروا وعبدوا الله كما يستطيعون، وأقاموا عبادته وحققوا ما أمروا به وأنكروا المنكر بقلوبهم، وقالوا: اللهم إنه منكر، وإنا له منكرون، ويكتفون بذلك عن أن يشهروا السلاح الذي يكون فيه إذلال لهم، وقمع لكلمة أهل الخير، وتسلط من الدولة على كل من أظهر التدين والصلاح، واتهام لهم بأنهم هم المفسدون في الأرض، وبأنهم هم الذين يعيثون في الأرض فساداً. وبسبب تشدد بعضهم على بعض الدول صارت كثير من الدول تسلط تهمتها على أهل التدين وأهل الصلاح، فيجعلونهم هم الخطر الكبير على الدول، وكل من رأوه ملتزماً أو متمسكاً قالوا: هذا من الذين يحاولون انقلاباً، أو يحاولون خروجاً على الدولة، أو يجمعون ثواراً يقومون بثورة، فلا يزالون يتسلطون عليهم. فلو أنهم استسلموا للأمر وعبدوا الله تعالى وأنكروا بقلوبهم وأصلحوا أحوالهم وأحوال من تحت أيديهم وحرصوا على نشر الإسلام بصورة جلية ظاهرة، وبينوا محاسنه وحرصوا على التمسك به وتركوا للدولة شئونها، وكذلك تركوا لها تصرفاتها إذا لم تقبل منهم ولم يستطيعوا إصلاحها لكان في ذلك خير كثير، والأحوال تختلف بحسب المناسبات.

المقصود بحديث: (إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك)

المقصود بحديث: (إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك) Q يا فضيلة الشيخ أحسن الله إليك، ما توجيه حديث: (إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك)، أهم الصحابة أم الأمة؟ A يدخل في ذلك الذين ارتدوا من بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقُتلوا في الردة، والذين قاتلهم الصحابة هم كثير، كما حصل في وقعة اليمامة، وكما حصل من كثير من الأعراب الذين ارتدوا، ويدخل في ذلك أيضاً الكثير من المبتدعة الذين كانوا مسلمين وعليهم علامات الإسلام، ويتوضئون وتظهر عليهم آثار الأمة: من كونهم عليهم الغرة والتحجيل وما أشبهه، ولكنهم مبتدعون بأي نوع من البدع، فيدخل في ذلك بدعة الخوارج، وبدعة القدرية، وبدعة الرافضة، وما أشبههم، فإنهم من الذين أحدثوا بدعاً بعد الصحابة؛ لأجل ذلك لا يكونون على الحق إلا من كان على سيرة الصحابة، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية، قال: (هم من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

حكم الصلاة والمؤذن يؤذن لخطبة الجمعة

حكم الصلاة والمؤذن يؤذن لخطبة الجمعة Q ما حكم صلاة ركعتين والمؤذن يؤذن الأذان الثاني يوم الجمعة؟ وهل ينتظر الإنسان حتى ينتهي المؤذن ويفرغ من الأذان أم يصلي ركعتين وهو يؤذن؟ A أنا أختار أنه يصلي وهو يؤذن حتى يتفرغ لاستماع الخطبة، فإن استماع الخطبة واجب وإجابة المؤذن سنة، فإذا دخل وهو يؤذن صلى ركعتين خفيفتين في حالة الأذان، وأجل إجابة المؤذن إلى ما بعد الأذان أو أجله إلى ما بعد الخطبة، ويستمع إلى الخطبة.

نصيحة عامة للشباب

نصيحة عامة للشباب Q فضيلة الوالد حفظك الله! هل من نصيحة عامة لأبنائك الشباب؛ لأن مثلك قد مرت عليهم الأيام والسنون وأكسبتهم العلم والتجارب والمعارف، نسأل الله لنا ولك الخير والبركة في الجهد والعمر، وأن ينفع بك، فهل من كلمة تختم بها لأبنائك وتلاميذك؟ A أعتقد أنه قد مر بي مثل ما مر بهم، أو مر بكثير منهم أمور لم تخطر على بالي، ولم تمر بي، وأنهم إن شاء الله أهل تجربة وأهل معرفة، وأعتقد أيضاً أن كثيراً منهم يعرفون ما لا أعرف، ويستحضرون ما قد يغيب عني، ولكن مع ذلك نتواصى جميعاً بما أمر الله به وهو تقوى الله تعالى التي هي وصية الأولين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]، ونعرف أن هذه الكلمة كلمة جامعة يدخل فيها الأعمال الخيرية فعلاً، وترك الأعمال السيئة والبعد عنها، ونتواصى أيضاً بتعلم العلم النافع وبالعمل به كما أمرنا الله بقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]. فيوصي بعضنا بعضاً بأن نعمل بالحق ونصبر على ما يصيبنا في ذات الله تعالى، ونتواصى أيضاً بأن ندعو إلى الله، فإذا من الله عليك بالهداية فلا تحتقر نفسك بأن تدعو إخوتك الذين تثق بأنهم يقبلون منك أو يتأثروا بك حتى ولو لم يكن هناك رجاء محقق، لكن لا تيأس من روح الله، ولا تقنط من رحمة الله، ولا تقل: الناس هالكون، ولا فائدة في كلامي، بل ادع إلى الله بقدر استطاعتك، ومن رأيت منه منكراً أي منكر ولو صغيراً ونبهته فقد يهديه الله تعالى على يديك، فيكون ذلك سبباً لنجاته وأجراً لك وثواباً عظيماً، وسواء كان ذلك من المسلمين أو من الكفار، فلا تحتقر إذا رأيت كافراً أو عاصياً أن تنصحه بأدنى نصيحة، حتى ولو كان عاصياً بأقل معصية، فربما يتأثر وينتفع ولو أنها من صغائر الذنوب. فلو رأيت -مثلاً- من يدخن ونبهته على تحريم الدخان ومفاسده فقد ينتبه لذلك ويتذكر، ولو رأيت -مثلاً- من يحلق لحيته ونبهته ونصحته، فربما يتأثر ويعرف أن هذا حق، وإذا نصحه إنسان ثم نصحه في اليوم الثاني آخر ثم في الثالث، ثم تواترت عليه وتوالت عليه النصائح فسيكون خجلاً وسيستحيي من أن يظهر أمام من ينكر عليه ممن هو مثله أو ممن هو دونه، وكذلك أيضاً نتواصى مع بعضنا بأن نتمسك بالكتاب والسنة في جميع أحوالنا. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

§1/1