شرح أخصر المختصرات

ابن جبرين

شرح أخصر المختصرات [1]

شرح أخصر المختصرات [1] لب العلوم هو الفقه في الدين، ومن أراد الله به خيراً فقهه في الدين، ومن هذا المنطلق كان لدراسة الفقه وتعلمه والتأليف فيه أهمية كبيرة، ودراسة الفقه له عدة طرق، منها: دراسة الفقه المقارن، ومنها: دراسة الفقه على منهج مذهب من المذاهب، وكل مذهب له مؤلفاته الخاصة به، وهي أنواع، فمنها المطول، ومنها المختصر، ومن هذه الكتب المختصرة كتاب (أخصر المختصرات) للبلباني رحمه الله في الفقه الحنبلي، وقد عُني به العلماء شرحاً وتعليقاً، وقد ابتدأه المؤلف -كغيره- بكتاب الطهارة، وبيَّن أقسام المياه، وأنواع النجاسات، وآداب دخول الخلاء، وسنن الفطرة.

تعريف الفقه والفهم

تعريف الفقه والفهم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فالفقه في الدين من نعم الله تعالى التي يخص بها من شاء من عباده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) . والفقه هو: الفهم للنصوص من الآيات والأحاديث، واستنباط الأحكام منها، وهذا الفهم هو هبة من الله تعالى ممن شاء الله تعالى ولمن هداه وميزه بهذا الفهم، والناس يتفاوتون في هذا الفهم، فمن مقل ومن مستكثر، وسبب الفهم فتح من الله تعالى وتوفيق، وقوة إدراك، وقوة حفظ واستنباط، وذلك مما يتفاوت فيه الناس. وقد انقسم العلماء رحمهم الله بالنسبة إلى العلم والحديث إلى أربعة أقسام: القسم الأول: وهبهم الله تعالى الحفظ، فهم حفاظ، يحفظون النصوص، ويحفظون الأحاديث، ويحفظون الأسانيد، حفظ الله تعالى بهم هذه الشريعة من أن يُفقد منها شيء، ويُضرب بحفظ كثير منهم المثل، ولم يكونوا يكتبون، كما روي عن عامر بن شراحيل الشعبي أنه قال: (ما كتبت سوداء في بيضاء) يعني: أن كل ما روي عنه فإنه من حفظه. القسم الثاني: وهبهم الله الفهم والإدراك، بحيث يستنبطون الأحكام من الأدلة، فيأتيهم الحديث وهم لا يحفظونه ولكن يُكتب لهم الفهم فيه، فيستخرجون منه عشرات المسائل، وأنه يدل على كذا، ويفهم منه كذا، ويستنبط منه كذا. القسم الثالث: الذين جمعوا بين ذلك، فرزقهم الله الحفظ، ورزقهم الفهم. القسم الرابع: الذين نقص حظهم من الاثنين: من الحفظ ومن الفهم. قال الشاعر: فرب ذي حرص شديد الحب للعلم والفهم بليد القلب معجّز في الحفظ والرواية ليست له عمن روى حكاية وآخر يُعطى بلا اجتهاد حفظاً لما قد جاء في الإسناد والعلم قد يرزقه الصغير في سنه ويحرم الكبير فإنما المرء بأصغريه ليس برجليه ولا يديه لسانه وقلبه المركب في صدره وذاك خلق عجب

ترجمة الإمام أحمد وبقية أصحاب المذاهب الأربعة

ترجمة الإمام أحمد وبقية أصحاب المذاهب الأربعة ذكر العلماء أن الإمام أحمد رحمه الله جمع بين الحفظ والاستنباط، فرزقه الله الحفظ، ورزقه الفهم، فهو كان -كما ذكر أبو حاتم الرازي - يحفظ ألف ألف حديث، وكذلك أيضاً كان يجيب على المسائل المتعلقة بالحديث، وقد مدحه الصرصري في قصيدته اللامية بقوله: حوى ألف ألف من أحاديث أسندت وأثبتها حفظاً بقلب محصّل أجاب على ستين ألف قضية بأخبرنا لا عن صحائف نقّل أي: أنه عرضت عليه ستون ألف مسألة، فأجاب عنها من حفظه بأخبرنا فلان وحدثنا فلان، ولم يرجع إلى الكتب، ولا إلى الصحائف، ولما كان كذلك كان هو إمام أهل السنة، فمذهبه أقرب المذاهب إلى الحق وإلى السنة، والعلماء الآخرون لا نبخسهم حقهم، بل نقول: إنهم على خير. فـ أبو حنيفة رحمه الله كان قليل الحفظ، لم يذكر بالحفظ ولا بالأحاديث، ولكنه كان قوي الفهم وقوي التعليل، ومعرفته بكيفية الاستدلال أمر يفوق غيره، وقد اهتم تلامذته بتسجيل مسائله التي سئل عنها، فممن سجلها من تلامذته أبو يوسف ومحمد بن الحسن، ثم اشتهر مذهبه بسبب تلك الكتب التي سجلت فيها مذهبه. وأما الإمام مالك فهو بلا شك محدث وحافظ، ولكنه لم يتوسع في الحديث، إنما كان حديثه ما رواه عن أهل المدينة وما حفظه عنهم، ومع ذلك فإنه أيضاً قد استنبط مسائل، وألف كتابه (الموطأ) ، وذكر فيه كثيراً من الآراء التي نقلها عن أهل المدينة، وتتلمذ عليه بعض التلامذة، فألفوا مسائله، وعمدتهم في مذهبه النقل، وقد اشتهر مذهبه واشتهر الذين تمذهبوا به في المغرب. وأما الشافعي رحمه الله فهو أيضاً تتلمذ على مالك، وأخذ عنه (الموطأ) ، وكذلك أيضاً أخذ عن غيره، ولكنه لم يكن من أهل الحفظ ومعرفة الصحاح من الأحاديث؛ ولذلك كان يقول لتلميذه الإمام أحمد: (إذا صح الحديث عندكم فأخبرنا حتى نعمل به) ، ولكن رزقه الله تعالى الفهم، فهو يستنبط كثيراً، كما تدل على ذلك كتبه التي كتبها والتي أملاها، فكتبه كتب فقه. وأما الإمام أحمد فلم يكن يكتب في الفقه، وإنما كان يكتب في الأحاديث أو يكتب في العقيدة، وكره كتابة الفقه والمسائل الفقهية، وأحال تلامذته إلى أن يأخذوا من حيث أخذ؛ ولعل السبب أنه رأى أن كثيراً من الذين كتبوا اختلفوا. فمثلاً: كتب أبي حنيفة فيها خلاف لمن بعده، وكتب مالك فيها خلاف لمن قبله ولمن بعده، ومسائل الثوري كذلك وهكذا. ومع ذلك فإن تلامذته كتبوا مسائله التي نقلوها عنه شفاهاً، والتي حضروها؛ في أكثر من ثلاثين مجلداً، يوجد بعضٌ منها، كمسائل أبي داود، ومسائل ابنه صالح، ومسائل ابنه عبد الله، ومسائل إسحاق بن إبراهيم بن هانئ وغيرها، ولكن أكثرها لم توجد، إما فقدت أو أخذت؛ وذلك لأن الإمام أبا بكر الخلال تتبع مسائل الإمام أحمد، وجمعها في جامع كبير، ورتبها، وقال: نقل حنبل كذا ونقل ابن منصور كذا، ونقل البرزاطي كذا، ونقل ابن هانئ كذا، إلى أن بلغت نحواً من عشرين مجلداً. ثم جاء بعده ابن حامد فجمع ما فات الخلال، واجتمعت له مسائل كثيرة، ثم كاد مذهب أحمد أن ينطمس وينمحي؛ وذلك لأن أهل القرن الرابع تركوا العقيدة السلفية، واعتنقوا مذهب الأشعري، ومذهب الكرامية ومذهب الكلابية، واشتهر أيضاً مذهب الاعتزال، وأصبح كلام أحمد ومذهب أحمد غريباً، وأصبح من تمذهب بمذهبه يُتهم بأنه مشبه، وبأنه ممثل، وبأنه حشوي، وبأنه وبأنه، فقل أصحاب أحمد، وقل الذين اعتنقوا مذهبه، وصاروا لا يخرجون ولا يصرحون بمذهبهم إلا خفية.

ترجمة مؤلف (أخصر المختصرات) وكتابه

ترجمة مؤلف (أخصر المختصرات) وكتابه وفي ذلك الزمان ألف الخرقي مختصره، وهو من أهل العراق، ثم انتشر مذهب الاعتزال ومذهب الرفض هناك، فهرب إلى الشام، وبقي في الشام حتى مات. وكان مذهب أحمد في الشام أكثر؛ بسبب توارث أهل الشام لمذهب الإمام أحمد، وكان يوجد المذهب أيضاً في العراق وفي مصر ولكنه قليل، وما زال كذلك إلى هذه الأزمنة؛ فإن الحنابلة أكثر ما يوجدون في الشام في حلب، وفي دمشق، وفي بعلبك، ونحوها. وكان أهل نجد جهلة، وبعضهم يذهبون ليتعلمون، فمن ذهب إلى مصر تعلم مذهب الشافعي، ومن ذهب إلى الشام تعلم مذهب الحنابلة، ومن ذهب إلى تركيا ونحوها تعلم مذهب الأحناف، وكان أئمة الدعوة حنابلة؛ لأنهم كانوا يتعلمون هذا المذهب من علماء الشام، وكان في الشام حنابلة إلى العهد القريب، ومن آخرهم الحنبلي المشهور بـ ابن بدران الذي خدم المذهب الحنبلي، ومنهم أبو عبد الله محمد بن بدر الدين البلباني من علماء الحنابلة في القرن الحادي عشر، ألف كتاباً سماه (كافي المبتدي) ، واشتهر هذا الكتاب، ورأى أن فيه زيادة، وأن فيه ترتيباً أحسن مما قبله كزاد المستقنع ونحوه، ثم اختصره وسماه (أخصر المختصرات) ، وكلاهما للبلباني، و (كافي المبتدي) شرحه أيضاً معاصر المؤلف وهو أحمد بن عبد الله بن أحمد البعلي الحلبي وسمى شرحه (الروض الندي بشرح كافي المبتدي) ، وهو مطبوع في مجلد كبير. ثم إن أخاه عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد البعلي الحنبلي شرح (أخصر المختصرات) وسماه (كشف المخدرات) ، فهذان أخوان شرحا هذين الكتابين اللذين ألفهما للبلباني، وكلاهما في القرن الحادي عشر، وكانا في دمشق أو في حلب. ولا شك أن هذا دليل على عناية الحنابلة بمسائل الفقه، وسبب ذلك: أنهم تميزوا بالفقه الحنبلي واختصوا به، فلذلك الحنابلة المتقدمون والمتأخرون ما تجد مؤلفاتهم غالباً إلا فيما يتعلق بالفقه، وقليل منهم من يؤلف في غيره، إلا العلماء الفطاحلة الكبار كالإمام أحمد رحمه الله، وكذلك بعض تلامذته كابنه عبد الله، والخلال وابن بطة ونحوهم ممن كتبوا في المسائل الأخرى. وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، فهما من الحنابلة، ولكن لهم اختيارات قد يخالفون فيها المشهور عن الحنابلة في الفقه. هذا الكتاب يقول فيه مؤلفه: إنه لن يجد ما هو أخصر منه، يعني: في زمانه لم يجد أخصر منه، فهو مؤلف على أبواب الفقه، ومسائله قريبة من مسائل كتب الفقه في (زاد المستقنع) ، والغالب أنه لا يخرج عن مسائل الزاد، وإنما يغير صيغتها، وقد يحذف منها بعض الأشياء، وبعض الجمل التي ليست مشهورة. ولعلنا نقتصر في شرح هذا الكتاب على تحليل المسألة والتمثيل لها إذا احتاجت إلى ذلك، والإشارة إلى الحكم، والإشارة إلى الخلاف إذا كان قوياً.

أقسام المياه

أقسام المياه قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الطهارة. المياة ثلاثة: الأول: طهور وهو: الباقي على خلقته، ومنه مكروه كمتغير بغير ممازج، ومحرم لا يرفع الحدث، ويزيل الخبث وهو: المغصوب، وغير بئر الناقة من ثمود. الثاني: طاهر لا يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث، وهو المتغير بممازج طاهر، ومنه يسير مستعمل في رفع حدث. الثالث: نجس يحرم استعماله مطلقاً، وهو ما تغير بنجاسة في غير محل تطهير، أو لاقاها في غيره وهو يسير، والجاري كالراكد، والكثير قلتان، وهما مائة رطل وسبعة أرطال وسبع رطل بالدمشقي، واليسير ما دونهما. فصل: كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله إلا أن يكون ذهباً أو فضة، أو مضبباً بأحدهما، لكن تباح ضبة يسيرة من فضة لحاجة، وما لم تعلم نجاسته من آنية كفار، وثيابهم طاهرة، ولا يطهر جلد ميتة بدباغ، وكل أجزائها نجسة إلا شعراً ونحوه، والمنفصل من حي كميتته. فصل: الاستنجاء واجب من كل خارج إلا الريح والطاهر وغير الملوث، وسن عند دخول خلاء قول: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) وبعد خروجه منه: (غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) وتغطية رأس وانتعال وتقديم رجله اليسرى دخولاً، واعتماده عليها جالساً، واليمنى خروجاً عكس مسجد ونعل ونحوهما، وبعد في فضاء، وطلب مكان رخو لبول، ومسح الذكر باليد اليسرى إذا انقطع البول من أصله إلى رأسه ثلاثاً، ونثره ثلاثاً. وكره دخول خلاء بما فيه ذكر الله تعالى، وكلام فيه بلا حاجة، ورفع ثوب قبل دنو من الأرض، وبول في شق ونحوه، ومس فرج بيمين بلا حاجة، واستقبال النيرين. وحرم استقبال قبلة واستدبارها في غير بنيان، ولبث فوق الحاجة، وبول في طريق مسلوك ونحوه، وتحت شجرة مثمرة ثمراً مقصوداً. وسن استجمار ثم استنجاء بماء، ويجوز الاقتصار على أحدهما، لكن الماء أفضل حينئذٍ، ولا يصح استجمار إلا بطاهر مباح يابس منقٍ، وحرم بروث وعظم وطعام وذي حرمة ومتصل بحيوان. وشرط له عدم تعدي خارج موضع العادة، وثلاث مسحات منقية فأكثر. فصل: يسن السواك بالعود كل وقت إلا لصائم بعد الزوال فيكره، ويتأكد عند صلاة ونحوها، وتغير فم ونحوه، وسن بداءة باليمين فيه، وفي طهر وشأنه كله، وادهان غباً، واكتحالٍ في كل عين ثلاثاً، ونظر في مرآة، وتطيب، واستحداد، وحف شارب، وتقليم ظفر، ونتف إبط. وكره قزع، ونتف شيب، وثقب أذن صبي. ويجب ختان ذكر وأنثى بعيد بلوغ مع أمن الضرر، ويسن قبله، ويكره سابع ولادته، ومنها إليه] جعل المؤلف المياه ثلاثة أقسام، وهذا اختيار أكثر الفقهاء، وذهب كثير من المحققين إلى أن الماء قسمان: طهور، ونجس، وأن الحد الفاصل بينهما هو التغير بالنجاسة، والذين قسموها إلى ثلاثة، عرفوا الأول: بأنه الباقي على خلقته، كمياه الآبار والأنهار والأمطار والبحار، هذا هو الباقي على خلقته. يقولون: ومنه مكروه، كالذي تغير بغير ممازج، الممازج هو: الذي يخالط الشيء؛ لأنه يختلط بالماء، ولا يمكن تصفيته منه، فإذا كان غير ممازج له فإنه مكروه مع كونه طهوراً، فإذا صب عليه لبن فإنه يمازجه، ولا يمكن تخليصه منه، وإذا صب عليه دهن فإنه لا يمازجه، بل يطفو فوقه ويمكن تصفيته، فيريد بغير الممازج مثل الدهن، والزيت، والكافور ونحوها، فيقول: إذا تغير بمثل هذه الأشياء فإنه طهور، ولكنه مكروه؛ لأنها قد تظهر رائحتها. وقد يكون محرماً يزيل الخبث، أو يزيل الخبث ولا يرفع الحدث، وهو المغصوب. والمغصوب اختلف فيه، هل يرفع الحدث أم لا؟ والصحيح: أنه يرفع الحدث، ويزيل الخبث؛ وذلك لأنه يستعمل لهذه الأعضاء فينظفها، لكن نقول: إن الغاصب آثم، ومذنب، ولا نقول: بطل وضوءه إذا توضأ بهذا الماء المغصوب، بل وضوءه صحيح، وإذا صلى في أرضٍ مغصوبة فصلاته صحيحة، ولا يؤمر بالإعادة، ولكنه آثم بسبب الغصب، فينبغي التنبه إلى أن المغصوب يرفع الحدث مع كون صاحبه آثماً باستعماله، ونقول له: إن شربته، وإن أرقته، وإن توضأت به، وإن غسلت به إناءً، وإن غسلت به نجاسة؛ فأنت آثم، ولكن لا تبطل طهارتك، والإثم هاهنا متعلق بوصف، إلا إذا كان مضطراً، ومنعه صاحبه بغير حق، فإن له أن يغصبه لينقذ نفسه إذا كان مضطراً إلى شرب ويخشى الموت عطشاً، فله أن يغصبه بقيمته. قوله: (وغير بئر الناقة من ديار ثمود) وديار ثمود هي التي تعرف الآن بمدائن صالح، ذهب كثير من العلماء إلى أن الآبار كلها لا يتوضأ منها إلا بئر الناقة، واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم لما وردوها نهاهم أن يشربوا منها، والذين عجنوا من تلك الآبار علفوا نواضحهم وداوبهم بذلك العجين، والذين ارتووا أراقوا ما ارتووا به. ثم إن بعض العلماء قال: إن هذا من باب الزجر، ولذلك قال: (أن يحل بكم ما حل بهم) والصحيح: أن الحدث يرتفع بها، أصغر أو أكبر، سواء بئر الناقة أو غيرها، وإنما النهي هنا من باب الزجر. الماء الطاهر الذي هو طاهر غير مطهر لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس، وهو المتغير بممازج، والممازج هو: المخالط، فإذا صب عليه لبن، أو صب عليه مرق، أو صب عليه حبر، فإنه ممازج، فمثل هذا لا يرفع الحدث، لكن إذا قيل: إن المياه قسمان فهذا لا نسميه ماءً؛ لأنه تغير اسمه، فنقول: هذا مرق، أو نقول: هذا لبن إذا رأيناه أبيض، أو نقول: هذا (شاي) أو قهوة، ونقول: هو طاهر في نفسه، ولكن لا يسمى ماءً، والوضوء إنما يكون بالماء، قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء:43] ، وقال: {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان:48] ، فعلى هذا لا يدخل في مسمى الماء؛ لأنه تغير بما مازجه. وقد اختلف في المستعمل، فإذا توضأت، وجمعت الماء الذي مر على جسدك في طست، فهل هذا الماء الذي تصاب من أعضائك طهور أو طاهر؟ يقولون: إنه طاهر غير طهور، والصحيح: أنه طهور، ولكن لا يشرع أن يتوضأ به، ولا أن يغتسل به؛ لأنه قد رفع به حدثاً فلا يرفع به حدثاً آخر، ولأنه لو كان يستعمل مرة ثانية ما فرط النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بإتلافه، ولما كانوا يتوضئون ويتركون ماء الأعضاء ينصب على الأرض لتشربه، فلو كان ينتفع به مرة ثانية لكانوا تلقوه وتلقفوه. وبكل حال الماء المستعمل لا يُرفع به حدث آخر ولو كان طهوراً. الثالث: النجس الذي يحرم استعماله، وتعريفه هو: ما تغير بنجاسة في غير محل تطهير، أو لاقاها في غيره وهو يسير. يقول: (إذا تغير بنجاسة) التغير يكون بأحد أوصافه: إما اللون أو الريح أو الطعم، وورد في حديث بئر بضاعة: (الماء طهور لا ينجسه شيء -وفي رواية ضعيفة- إلا ما تغير طعمه أو ريحه أو لونه بنجاسة تحدث فيه) ذكر هذه الرواية في (بلوغ المرام) ، وضعفها كثير من العلماء، وهي من حديث أبي أمامة وغيره، ولكن يقول الإمام أحمد: العمل عليها؛ وذلك لأن الميتة نجسة، فإذا ظهر أثر الميتة في الماء فإنه ينجس، وكذلك الدم نجس والبول نجس فإذا ظهر أثر البول أو الدم في هذا الماء لوناً أو ريحاً أو طعماً فإنه ينجس، ولا يجوز استعماله. وأما إذا لاقاها في محل التطهير فهو طاهر. صورة ذلك: نجاسة الكلب تغسل سبعاً، ومحل التطهير آخر غسلة، فإذا كان في آخر غسلة فإن المكان قد طهر، فالماء الذي ينفصل في آخر غسلة يُعتبر طاهراً، وكذلك الثوب إذا كان فيه نجاسة، فالغسلة الأخيرة التي يكون الثوب طاهراً بعدها يعتبر الماء الذي ينفصل عنها طاهراً. يقول: (والجاري كالراكد) فإذا كان نجساً عليه أثر النجاسة فلا فرق بين كونه يجري أو كونه راكداً. ثم إن الفقهاء قسموا الماء إلى يسير وكثير، وحددوا اليسير بأنه قلتان فأقل، وأن ما فوق القلتين أو ما بلغ القلتين هو الكثير، وقالوا: القلتان: هي الحد الأعلى لحمل النجاسة، فإذا كان الماء دون القلتين فوقعت فيه نجاسة يسيرة ولم يتغير فإنه يعتبر نجساً، وإذا كان كثيراً فلا ينجس إلا بالتغير، هذا هو كلامهم، فيقولون: إذا كان الماء دون القلتين -يعني: قربتين أو ثلاث قرب- ووقعت فيه ميتة فإنه ينجس، أو وقع فيه قطرات بول أو دم ولكنها لم تظهر ولم يظهر أثرها فإنه يعتبر نجساً، ويستدلون بحديث القلتين: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) ، أو (لم ينجس) ومفهومه أنه إذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث، ويظهر أثر النجاسة فيه، فلا يتوضأ به، ثم قدروا القلتين بخمس قرب، وقدروهما بمائة رطل وسبعة أرطال وسبع رطل بالدمشقي، والرطل ميزان كان معروفاً عندهم. والصحيح في هذا هو: أن الماء قليله وكثيره طهور حتى يظهر أثر النجاسة فيه، وأنه لا فرق بين القلتين وما فوق القلتين وما دون القلتين، ولا فرق بين القليل والكثير، وأن الحد الفاصل هو التغير، فإذا ظهر أثر النجاسة طعماً أو لوناً أو ريحاً فإنه ينجس.

أحكام الآنية

أحكام الآنية بعد ذلك تكلم المؤلف على الآنية؛ وذلك لأن الماء يحتاج إلى آنية تمسكه، والآنية الأصل فيها: الطهارة، سواء كانت من الزجاج أو من الخشب أو الحجارة أو الحديد أو النحاس أو الصفر أياً كان، عكس الأواني التي تتخذ من الجلود مثلاً، فالجلود تدبغ ثم تجعل أواني، وكذلك يصنعونها من الحجارة، ومن الخشب، وفي هذه الأزمنة أيضاً تتخذ من الربل أو ما أشبه ذلك من المعادن الجديدة، فكل الأواني طاهرة يباح اتخاذها واستعمالها إلا آنية الذهب أو الفضة، وهكذا المضبب بهما لا يباح اتخاذه إناءً ولا استعماله، وقد وردت في هذا الباب أحاديث مشهورة كما في (بلوغ المرام) ، واختُلف في العلة، ففي بعض الروايات: (إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) وعلل بعضهم أن فيها كسر قلوب الفقراء. والصحيح: أنها تجمع الأمرين: ففيها إسراف، وفيها كسر قلوب الفقراء، وفيها نقص لحظ العبد من الآخرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من شرب بها في الدنيا لم يشرب بها في الآخرة) وقال: (هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة) . ويعم ذلك كل ما يصاغ من الذهب والفضة، يعم الكأس المصنوع من ذهب أو من فضة، والفنجان المصنوع من ذهب أو فضة، ويعم القدح والإناء وما أشبهها، ويعم القدور والصحون ونحوها، فلا يجوز اتخاذها من ذهب ولا من فضة؛ لهذه العلة. واُختلف فيما إذا توضأ من إناء ذهب أو إناء فضة، هل يرتفع حدثه؟ الصحيح: أنه يرتفع؛ لأنه استعمل الماء على الأعضاء، ولكنه يعتبر آثماً بالاستعمال، وأما الحدث فإنه يرتفع بوجود رافعه. والمضبب: هو الملحم، فإذا انصدع -مثلاً- طرفه ثم لحم بفضة يسيرة لحاجة فيجوز، وأما إذا لحم بذهب فلا يجوز، وكذلك إذا طعم أو طلي، والمطعم هو: الذي فيه خروق محشوة بذهب أو فضة، والمطلي به كالذي يطلى بماء الذهب أو نحوه، ولا يجوز استعمال المضبب إلا ما كان فيه ضبة يسيرة لحاجة إذا كانت من فضة. إذاً: تجوز الضبة بهذه الشروط: أن تكون من فضة، وأن تكون يسيرة، وأن تكون لحاجة. يقول: (آنية الذهب والفضة محرمة مطلقاً) حتى على النساء، ومعلوم أن النساء يجوز لهن التحلي بلباس الذهب ولباس الفضة، كأسورة وقلائد وخواتيم وأقراط؛ ومع ذلك فإن آنية الذهب والفضة شرباً أو استعمالاً أو اقتناءً لا تصح لا للرجال ولا للنساء، وكذلك الأواني ولو كانت صغيرة كسكين أو ملعقة أو قلم أو نحو ذلك، وساعة الذهب للرجال فقط لا تجوز، وإنما تجوز للنساء؛ لأنها حلية. وتكلم المصنف على آنية الكفار وثيابهم، وذكر أن الأصل فيها أنها طاهرة؛ وذلك لأن الأصل أنهم يتنزهون ويتطهرون، لكن إذا علم أن هذا الثوب صاحبه يتعاطى نجاسة، كالذي يصنع الخمر، ولابد غالباً أن يراق بعضها على ثيابه، فلا تلبس إلا بعد الغسل، وكذلك الطباخون الذين يطبخون في قدورهم لحم الخنازير، أو يشربون في آنيتهم الخمر، فلا تباح هذه الأواني إلا بعد غسلها، فأما إذا لم تعلم نجاستها فإنها طاهرة.

حكم استعمال جلد الميتة

حكم استعمال جلد الميتة تكلم المصنف على جلد الميتة، واختار أنه لا يطهر بالدباغ، واستُدل على ذلك بحديث عبد الله بن عكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) ولكن الحديث فيه مقال، وقد كثر اضطراب المحدثين فيه، فلما كان فيه ضعف واضطرب عدل الإمام أحمد عن العمل به في الآخر، فالصحيح أنه فإذا دبغ الجلد طهر، وقد وردت فيه أحاديث صحيحة كقوله: (أيما إهاب دبغ فقط طهر) ، وقوله: (يطهره الماء والقرظ) يعني: الدباغ، وقوله: (ذكاته دباغه) أي: يعمل الدباغ كما تعمل الذكاة، وغيرها من الأحاديث، وفي فعل الصحابة رضي الله عنهم كـ ميمونة دليل على أنه يطهر بالدباغ. وأجزاء الميتة نجسة إلا الشعر ونحوه؛ لأن الشعر يقطع منها في الحياة، ويختار المؤلف أن أجزاءها كالعظام والأظلاف والقرون نجسة، واختار شيخ الإسلام أن العظم إذا جف فهو طاهر، ولو كانت تحل فيه الحياة، وكذلك الظلف والقرن، فيجوز أن يجعل القرن فقبض سكين مثلاً، وكذا الظلف؛ وذلك لأنه لا تحله الحياة؛ ولأنه لا يسري فيه الدم. قوله: (والمنفصل من حي كميتته) ، ورد في حديث: (ما أُبين من حي فهو ميتة) يعني: ما قُطع منه، فإذا قُطع ذنب الشاة وهي حية فإنه نجس، أو كذلك قطعت رجل الظبي -مثلاً- وهو حي فإنها نجسة ميتة، وما قطع من السمكة وهي حية فإنه طاهر وحلال؛ لأن ميتة السمك طاهرة.

أحكام الاستنجاء

أحكام الاستنجاء ذكر المصنف الاستنجاء الذي هو: إزالة النجاسة بعد التبول والتغوط، فذكر: أولاً: أن الخارج من أحد السبيلين ناقض للوضوء. ثانياً: أنه نجاسة تخرج من أحد المخرجين من القبل أو الدبر، فلا بد من تطهيرها، ولما كان كذلك كان لها آداب، وتلك الآداب مأخوذة من السنة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم علم أمته كل شيء حتى الخراءة، يعني: حتى آداب التخلي، وإن كانت عادية وطبيعية، ومما يستحيا من ذكرها. الاستنجاء هو: غسل أثر الخارج، أي: غسل أثر البول أو الغائط، ويسمى استنجاءً لأنه يقطع الأثر، مشتق من النجو الذي هو القطع، فمن حكمة الله تعالى أنه خلق هذا البشر محتاجاً إلى الطعام والشراب، ثم إن هذا الطعام والشراب بعدما يُتغذى به يتغير ويفسد، فيخرج متغيراً نجساً، فإذا خرج نجساً فلابد من إزالة أثره، فالاستنجاء -أي: غسله بالماء- واجب من كل خارج إلا الريح؛ لأن الريح تخرج من الدبر وليس لها جرم، فلا يستنجى منها، وأما البول والغائط وكل خارج -كما لو خرج من دبره دم أو خرج من ذكره دم أو قيح أو ما أشبهه- فإنه يعتبر نجساً، فلابد من إزالة أثره بالماء. وإذا خرج منه طاهر -كما لو خرج منه حجر أو شعر أو نحو ذلك- فإن كان مبتلاً فإنه يُستنجى منه، وإن كان يابساً بدون بلل وغير ملوث وليس فيه أثر الغائط ونحوه -والتلويث هو: التغير، لوثه يعني: غيره، وانطبع عليه- فإنه لا يُستنجى منه. ومثلوا أيضاً للطاهر بالولد، فإذا ولدت المرأة ولداً فإنه طاهر وغير ملوث، ولكن معلوم أنه يخرج مع النفاس الدم.

بيان ما يقال عند دخول الخلاء

بيان ما يقال عند دخول الخلاء قوله: (سن عند دخول الخلاء قول: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) ورد أن أماكن الخلاء تسكنها الشياطين، فأمر صلى الله عليه وسلم بذكر اسم الله عندها، فإن اسم الله يغلب الشياطين، ثم بعد ذلك يأتي بالاستعاذة. والاستعاذة هي: التحفظ والتحصن، أي: أتحصن وأستعين وأتحرز وأستجير بالله من الخبث والخبائث، وفسر (الخبث) بذكران الشياطين و (الخبائث) بإناث الشياطين، ورويت بإسكان الباء (الخبْث) أي: الشر، و (الخبائث) أهل الشر، وبعد الخروج يقول: (غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) . فيسن بعد الخروج أن يقول: غفرانك، ومناسبة طلب المغفرة تقصير الإنسان عن شكر نعمة الله تعالى. روي أن بعض الصحابة كان إذا خرج من الخلاء مسح بطنه وقال: (يا لها من نعمة! وقال: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى فيّ منفعته، وأذهب عني أذاه، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى الذي لو بقي لأهلكني، وعافاني بدون أذى) . وثبت أنه يقال بعد الأكل والشرب: (الحمد لله الذي أطعم وسقى، وسوغه، وجعل له مخرجاً) ، وقيل في مناسبة طلب المغفرة: إنه دخل وهو مثقل بهذا الأذى، وخرج وقد أحس بالخفة، فتذكر ثقل الذنوب فقال: أسألك غفرانك.

آداب دخول الخلاء

آداب دخول الخلاء يسن تغطية الرأس إذا كان في صحراء مثلاً؛ لأنه جالس على شيء مستقذر، وكذلك يلبس نعالاً مخافة أن ينصب عليه البول أو يتطاير إليه. قوله: (وتقديم رجله اليسرى دخولاً، واليمنى خروجاً) اليمنى تقدم في الأشياء الفاضلة كالمسجد، والبيت، وفي لبس النعل والخف، واليسرى بعكسها، ويقدم الإنسان في دخول الخلاء رجله اليسرى، ويقدم عند الخروج رجله اليمنى، عكس المسجد والنعل، قيل: إن هذا تكريم لليمنى. وكذلك يعتمد عند جلوسه أكثر ما يعتمد على رجله اليسرى تكريماً لليمنى؛ وقيل: لأنه أسهل للخارج. ويسن أن يبعد إذا كان في صحراء؛ لأنه على حالة مستقذرة؛ لأنه قد يسمع منه صوت، ولأنه قد يتأذى بما يخرج منه إذا كان قريباً. ويسن طلب مكان رخو للبول، فإذا كان في أرض صلبة يحرص على أن يجد أرضاً لينة ليأمن رشاش البول، أو يأخذ حجراً فينكت به الأرض إلى أن تلين، حتى إذا انصب البول عليها لم يرتد عليه الرشاش الذي قد يقع على ثوبه أو يقع على قدمه أو على ساقه، فيتنجس وهو لا يدري؛ لأن البول ورشاشه نجس. أما مسح الذكر باليد اليسرى إذا انقطع البول من أصله إلى رأسه ثلاثاً، وكذلك نثره ثلاثاً، فهذا ليس بصحيح، ولا حاجة إليه، وقد ذكرها الفقهاء وقالوا: إنه من باب الاحتياط؛ حتى يخرج ما بقي في الذكر، ولكن الصحيح أنه لا حاجة إليه؛ وذلك لأن البول -كما ذكر شيخ الإسلام - في المثانة كاللبن في الضرع، إن حُلب در، وإن تُرك قر، فلا حاجة إلى هذا التمسح والنتر، ثم ذكروا أنه يحدث السلس، وهذا واقع، وقد ذكر لي كثير من الشباب أن معهم هذا السلس، بحيث يخيل إلى أحدهم إذا قام وإذا خرج بقطرتين أو بقطرات، وسبب ذلك أنه يستعمل السلت والنتر، فكان من أثر ذلك أن حدث معه هذه الوسوسة، فصار دائماً يوسوس في الطهارة، والصواب: أنه إذا توقف البول وانقضى تقاطره فإنه يستنجي بعده، ويغسله بالماء، والعادة أن الماء يوقفه؛ ولذلك يسن الغسل بالماء استنجاءً من النجو الذي هو القطع، تقول: نجوت الشجرة، أي: قطعتها، فالأصل أنه إذا تبول فإنه يستنجي بعد ذلك، ولا يلتفت إلى ما يوسوس به الشيطان. ثم ذكر المصنف الأشياء المكروهة، والمحرمة، والمسنونة، فمن المكروهات أن يدخل الحمام أو بيت الخلاء بما فيه ذكر الله، وذكروا أنه صلى الله عليه وسلم كان مكتوباً على خاتمه (محمد رسول الله) فكان إذا ذهب إلى الخلاء نزع خاتمه، وإذا لم يستطع أو لم يجد قبض عليه بيده اليمنى، يعني: يجعل فصه مما يلي الكف ويقبض عليه، فإذا كان مع الإنسان أوراق فيها ذكر اسم الله فالأولى أن يخرجها، فإن لم يستطع أو نسي فإنه يخفيها في جيبه. ويعم ذلك كل ما فيه ذكر الله حتى ما فيه البسملة ونحوها. ويكره تكلمه وهو جالس على حاجته؛ لأنه على حالة مستقذرة إلا لضرورة كإجابة داع، أو إنقاذ هالك أو نحو ذلك. ويكره رفع ثوبه قبل دنوه من الأرض، فإذا كان في الصحراء فلا يرفع ثوبه حتى يقرب من الجلوس؛ لأنه إذا رفع ثوبه انكشفت عورته للناظرين. ويكره أن يبول في شق ونحوه، أي: جحر الدابة؛ لأنه قد يخرج عليه من الشق شيء من الدواب أو نحوها، وقد يكون ذلك الشق مسكوناً فيه بعض الجن أو نحوهم، ومما يذكر في هذا الباب أن سعد بن عبادة بال في شق فصرع ميتاً، فسمعوا قائلاً يقول: نحن قتلنا سعد بن عبادة ورميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده والله أعلم بذلك. قوله: (ويكره مس فرج بيمين بلا حاجة) يعني: اليمين تنزه عن أن يمس بها فرجه في الاستنجاء أو الاستجمار، أو أن يمسك ذكره بيمينه تكريماً لليمين، لكن إذا كان أقطع أو مشلولاً أو نحو ذلك جاز له ذلك للضرورة. أما استقبال النيرين فجعلوها من المكروهات، ولعل الصواب أنه لا مانع من ذلك، والنيران هما: الشمس والقمر، ولا دليل على الكراهة إلا لما فيهما من نور الله، واستنبط بعض العلماء جواز الاستقبال والاستدبار من قوله صلى الله عليه وسلم: (ولكن شرقوا أو غربوا) وقالوا: إنه أمر أهل المدينة إذا جلسوا لقضاء الحاجة أن يشرقوا، ولم يقل: إلا أن تكون الشمس طالعة، وأن يغربوا، ولم يقل: إلا أن تكون الشمس غاربة، وكذلك القمر، والغالب أنهما يكونان في المشرق والمغرب.

المحرمات عند قضاء الحاجة

المحرمات عند قضاء الحاجة ثم ذكر المصنف المحرمات فقال: (وحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير بنيان) . وردت أحاديث كثيرة في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة، واختلف في قضاء الحاجة إذا كان في البنيان، فأكثر الفقهاء استثنوا البنيان، وحملوا عليه حديث عبد الله بن عمر الذي في الصحيحين وهو مذكور في العمدة: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلاً الشام مستدبراً الكعبة) ، وحملوا عليه بعض الأحاديث الواردة في ذلك. ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني في النيل والمباركفوري في (تحفة الأحوذي) أنه لا يجوز لا في صحراء ولا في بنيان لعموم الأحاديث، وحملوا الأحاديث التي فيها الاستقبال أو الاستدبار أنها من الأفعال، وهي تحتمل أنها للخصوصية، والحكمة في ذلك تنزيه القبلة التي يستقبلها المصلي، سواء في صحراء أو في بنيان، فتنزه عن أن يستقبلها الذي يقضي حاجته بفرجه أو يستدبرها بدبره، فيكون في ذلك استهانة بهذه القبلة. فالراجح: أنه لا يستقبلها لا في بنيان ولا في صحراء، لكن إذا كان هناك ضرورة عفي عن ذلك، كما في حديث أبي أيوب يقول: (فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها، ونستغفر الله عز وجل) . قوله: (ويحرم لبثه فوق حاجته) ، يعني: إطالة جلوسه وهو على نجاسته بغير حاجة كما هو فعل الموسوسين، بل عليه إذا قضى حاجته واستنجى أن يخرج. قوله: (ويحرم بوله في طريق مسلوك ونحوه، وتحت شجرة مثمرة ثمراً مقصوداً) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟! قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) الطريق المسلوك، والظل الذي يستظل فيه الناس؛ لأنهم ربما وقعوا في النجاسة، وكذلك الثمرة المقصودة، كثمر العنب والنخل ونحو ذلك؛ لأنه قد يتساقط فيتلوث بالنجس.

مسنونات قضاء الحاجة

مسنونات قضاء الحاجة ذكر المصنف بعد ذلك المسنونات فقال: (يسن أن يستجمر ثم يستنجي بالماء) . يعني: يجمع بينهما، فيبدأ بالاستجمار الذي هو التمسح بأحجار أو نحوها، ثم يستنجي بالماء، ويجوز أن يقتصر على أحدهما، فإن اقتصر على أحدهما فالاقتصار على الماء أفضل، وإن جمعهما بدأ بالاستجمار ثم الاستنجاء. والاستجمار يسن فيه أن يمسح ثلاث مسحات، إما بالمناديل المعروفة، وإما بالأحجار أو نحوها، يمسح ثلاث مسحات منقية للمخرجين: لمخرج البول ومخرج الغائط. ولا يجوز الاستجمار إلا بطاهر مباح يابس منقٍ، فلا يستجمر بالنجس، يعني: بالأشياء النجسة، سواء كانت مائعة أوسائلة، فلا يستجمر ولا يتمسح بعظام الميتة أو لحمها ولو يابساً، أو دم متجمد، أو روث حمار أو نحوه، وكذلك لا يغتصب شيئاً يستجمر به، ولا يستجمر إلا بالشيء اليابس؛ لأنه إذا استجمر بالرطب لن يحصل به النقاوة، والعادة أن الاستجمار لا يكون إلا بالأحجار اليابسة أو بالمناديل والخرق والأعواد ونحوها، ولابد أن يكون منقياً، والذي لا ينقي مثل الشيء اللزج ونحوه. ويحرم الاستجمار بالروث والعظم لما جاء في الحديث: (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستجمار بالروث والعظم وقال: إنهما لا يطهران) ، وفي حديث آخر علل بأنهما طعام الجن، وأن الروث علف لدوابهم، وإذا كان يحترم طعام الجن من العظام فإن طعام الإنس أولى كالخبز اليابس ونحوه، وكذلك كل محترم، فلا يتمسح بأوراق كتب علم أو بغلاف كتاب أو ما أشبه ذلك. وكذلك كل متصل بحيوان، فلا يتمسح بذنب بقرة أو برجلها ونحو ذلك. ويجزئ الاستجمار وحده بشرط: ألا يتجاوز الخارج موضع العادة، فإذا انتشر الغائط على صفحات الإليتين فلا ينقى إلا الماء، وكذلك البول إذا ترطب به رأس الذكر والحشفة ونحو ذلك فلابد من الماء. والاستجمار يكون بثلاث مسحات منقية فأكثر، ويسن قطعه على وتر، كما ورد في حديث: (ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج) ، فإذا استنجى باثنتين جعل ثالثة حتى تكون وتراً، فإذا لم ينق إلا بأربع زاد خامسة، فإذا لم ينق إلا بست زاد سابعة، هذا معنى فليوتر.

فضل السواك ومشروعيته

فضل السواك ومشروعيته قوله: (يسن السواك بالعود كل وقت إلا لصائم بعد الزوال فيكره) . يعني: السواك مسنون في كل وقت، والسواك هو: هذا العود الذي تدلك به الأسنان، يؤخذ من أراك أو من زيتون أو نحوه، ولكن أكثر ما يستعمل من الأراك، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة، وتكلم عليه العلماء قديماً وحديثاً، وألف فيه بعض المعاصرين رسالة ماجستير بعنوان: (السواك خلف المجهر) يعني: أنه حقير عند بعض الناس، ولكن المجهر يكبر الشيء، وكأنه يقول: أكبره. والسواك له حكم كثيرة، وفي الحديث: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) ، فالحكمة في شرعيته تنظيف الفم، وتنظيف الأسنان، والمحافظة عليها من التآكل، والمحافظة على الفم من التغير؛ لأن الفم طريق النفس، وكل ما يتبخر من الجوف يمر من الفم، ولأنه طريق الأكل، فالغالب أنه يبقى بين الأسنان شيء من بقايا الطعام فيحتاج إلى إزالتها. يقول: (يسن السواك بالعود كل وقت إلا لصائم بعد الزوال فيكره) هذا فيه خلاف، والصحيح: أنه لا يكره، لا قبل الزوال ولا بعده، رجح ذلك كثير من العلماء كـ ابن تيمية وابن القيم، والذين كرهوه قالوا: إنه يزيل الخلوف، والخلوف أطيب عند الله من ريح المسك، وحقق ابن القيم أنه لا يزيله؛ لأن الخلوف هو ما يخرج من المعدة من أثر خلو المعدة من الطعام، والسواك لا يزيل الخلوف، إنما يزيل ما بين الأسنان من النتن وكذلك نتن الفم؛ فلا يكره. ويتأكد السواك عند الصلاة والوضوء ونحوه، ويتأكد إذا قام إلى الصلاة، حتى ورد حديث ذكره الناظم الذي نظم منظومة في السواك حيث يقول: به الصلاة فضلت سبعين رواه أحمد مسنداً يقيناً يعني: أنه ورد في حديث: (الصلاة التي يُستاك لها تفضل على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفاً) وإن كان في سنده مقال. وكذلك عند الوضوء ورد فيه حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) . وعند تغير رائحة الفم، لاسيما بنوم، كان عليه السلام: (إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك) . أو بتغير بطول سكوت، أو ببقاء أكل، أو باصفرار أسنان. ويسن أن يبدأ بجانب طرف فمه الأيمن، ثم ينظف إلى الأيسر، عملاً بأنه عليه السلام كان يعجبه التيمن، وكذلك في الطهور، وفي الوضوء يبدأ بيده اليمنى قبل اليسرى، وبرجله اليمنى قبل اليسرى، كما كان عليه السلام يحب التيمن في تنعله وترجله، وفي أمره كله.

استحباب الادهان غبا

استحباب الادهان غباً وبعد ذلك ذكر المصنف أنه يسن أن يدهن غباً، وفي بعض البلاد تكون هناك حرارة ويبوسة، فيحتاج إلى أن يبل جسده بالدهن، فيدهن وجهه، ويدهن يديه ورجليه، ولكن إذا لم يكن هناك دافع فلا حاجة للإكثار منه.

استحباب الكحل والتطيب

استحباب الكحل والتطيب يسن الاكتحال بالإثمد، وهو علاج للعين، وهو من أنفع الأكحال، ويسن أن يكتحل في كل عين ثلاثاً يوماً بعد يوم. ويسن أن ينظر في المرآة لينظر وجهه، وكان عليه السلام ينظر فيها ويقول: (اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي) . ويسن التطيب، وكان عليه السلام يحب الطيب، ويحب الرائحة الطيبة، ويقول: (من عرض عليه طيباً فلا يرده، فإنه طيب الرائحة، خفيف المحمل) .

سنن الفطرة

سنن الفطرة بعد ذلك ذكر سنن الفطرة التي قال صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشعر، وتقليم الأظفار ونتف الآباط) . والاستحداد هو: حلق الشعر الذي حول الفرج في الرجال والنساء، وجعله الله تعالى حول هذا الفرج ليكون مخففاً للشهوة أو ليكون حماية وعلامة على العورة، فيسن حلقه. الشارب: الشعر الذي ينبت على الشفة العليا سُمي شارباً؛ لأنه إذا طال ينغمس في الشراب، فيسن حفه، والحف هو: القص من غير حلق، ويسن أن يقص بالمطراق، ولا يحلق بالموسى. وتقليم الأظفار: من اليدين أو من الرجلين؛ وذلك لأنها تشوه إذا طالت، ويجتمع فيها أوساخ، وقد تكون حائلة بينها وبين وصول الماء إلى البشرة. ونتف الإبط هو: الشعر الذي يكون في الإبط، فمن السنة إزالته ولكونه رقيقاً لا يشق نتفهه فينتفه، وهذه من خصال الفطرة. وقدر بعضهم المدة بأربعين يوماً وقيل: في وقت الحاجة، فمن الناس من يطول شاربه في كل أسبوع أو كل عشرة أيام فيحتاج إلى حفه، وكذلك أظفاره، وكبير السن قد يكون طولها عنده أقل، وقد لا تطول إلا في مدة طويلة تصل إلى أربعين يوماً.

حكم القزع

حكم القزع يكره القزع، وهو: حلق بعض الرأس وترك بعضه، قال صلى الله عليه وسلم: (احلقه كله، أو اتركه كله) وسواء كان المحلوق من جانب أو من جانبين أو من الوسط أو من المقدم أو من المؤخر فهذا هو القزع، وهذه الكراهة كراهة التحريم.

حكم نتف الشيب

حكم نتف الشيب يكره نتف الشيب؛ وذلك لأن الشيب نور وبهاء في الإنسان، فلا يجوز أن ينتفه هرباً من الشيب؛ وذلك لأن الله تعالى هو الذي قدر أن يكون الإنسان في أول عمره شعره أسود، ثم ينقلب إلى أبيض.

حكم ثقب أذن الصبي

حكم ثقب أذن الصبي وثقب أذن صبي لا يجوز؛ لأن ثقب أذن الأنثى هو لأجل الحلي، فالأنثى تثقب أذنها لأجل ما يسمى بالقرط، أو الخرص، وهو: قطعة من ذهب تعلق في أذن الأنثى، فأما الصبي فلا يجوز؛ لأن ذلك يعتبر مثلة.

حكم الختان

حكم الختان قوله: (ويجب الختان للذكر والأنثى) ، أما الذكر فإنه واجب، وأما الأنثى فإنه غير واجب؛ لكنه مكرمة، والصحيح: أنه واجب في الرجل لأجل تكملة الطهارة؛ لأن القُلفة التي تكون في رأس الذكر قد يصعب غسل داخلها؛ فلأجل ذلك إذا قطعت وظهر رأس الذكر كان الغسل سهلاً، فقطعها هو لأجل أن تتم الطهارة؛ ولهذا لو مات قبل أن يختن فلا يشرع ختنه؛ ولأن هذه الجلدة تعود في الآخرة حيث لا يكون في الجنة بول ولا غائط ولا نجاسة. أما ختان الأنثى فهو: أخذ لحمة صغيرة من الفرج كعرف الديك، ولا تستأصل، بل يقطع منها بعضها، وفي الحديث أنه قال للخافضة: (أشمي ولا تنهكي) أي: لا تبالغي. ومتى يجب الختان؟ يجب بعد البلوغ، ساعة مايبلغ، أو قبل ذلك مع أمن الضرر، فإذا خاف على نفسه جاز تأخيره. ويسن في الصغر؛ وذلك لأنه في ذلك الوقت ليس له عورة محترمة، والأفضل أن يكون في سابع ولادته، وإذا خيف عليه الضرر فيؤجل، ولكن الأصل أن يرجع بذلك إلى العادة وما يحدث بعدها، فإذا أمنت المضرة فلا بأس أن يُختن ولو في اليوم الأول، وإلا فالأصل أنه يكون في اليوم السابع أو ما بعده، والله أعلم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [2]

شرح أخصر المختصرات [2] الطهارة والنظافة شعار المؤمن، وقد حث الشرع على الطهارة، وأوجبها عند القيام ببعض العبادات كالصلاة ونحوها، فعلى المؤمن أن يلازم الطهارة؛ فإنها سيما هذه الأمة يوم القيامة، وعليه أن يستنزه ويبتعد عن النجاسات حتى يحبه الله عز وجل، فإن الله أخبر في كتابه أنه يحب المتطهرين.

الوضوء وأحكامه

الوضوء وأحكامه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ذكر المؤلف فيما سبق أن المياه ثلاثة أقسام، واختار شيخ الإسلام أن الماء قسمان: طاهر، ونجس، وأن الحد الفاصل بينهما هو التغير. وذكرنا أن ما سموه طاهراً في نفسه لا يرفع الحدث، هو في الغالب لا يسمى ماءً، حيث إنه يكتسب اسماً آخر كأن يسمى لبناً أو مرقاً أو قهوة أو شاهياً أو نحو ذلك. وذكرنا في باب الآنية أن الراجح: أن جلد الميتة يطهر بعد الدبغ، لقوة الأدلة في ذلك، وهي واضحة الدلالة، والحديث الذي تمسك به من قال: إنها لا تطهر فيه اضطراب. وذكرنا في الاستنجاء أن مسح الذكر باليد اليسرى بعد البول ونتره لا دليل عليه، والحديث الذي فيه ضعيف، وأنه يسبب السلس، كما وقع ذلك كثيراً. وذكرنا في استقبال القبلة واستدبارها في البنيان أنه رجح شيخ الإسلام عدم جوازه كما لا يجوز في الصحراء، أخذاً بعموم الأحاديث التي فيها النهي. كذلك ذكرنا أن السواك يصح للصائم قبل الزوال وبعده، والحديث الذي فيه: (إذا صمتم فاستاكوا أول النهار ولا تستاكوا آخره) لا يصح، والتعليل أيضاً غير صحيح. هذه الأمور التي نبه عليها العلماء في المخالفات، سواء كانت مأمورات أو منهيات، والآن نبدأ فيما يتعلق بالوضوء. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: فروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضة واستنشاق، وغسل اليدين، والرجلين، ومسح جميع الرأس مع الأذنين، وترتيب، وموالاة، والنية شرط لكل طهارة شرعية غير إزالة الخبث، وغسل كتابية لحل وطء، ومسلمة ممتنعة. والتسمية واجبة في وضوء وغسل وتيمم، وغسل يدي قائم من نوم ليل ناقض لوضوء، وتسقط سهواً وجهلاً. ومن سننه: استقبال قبلة، وسواك، وبداءة بغسل يدي غير قائم من نوم ليل، ويجب له ثلاثاً تعبداً، وبمضمضة فاستنشاق، ومبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل شعر كثيف، والأصابع، وغسلة ثانية وثالثة، وكره أكثر، وسن بعد فراغه رفع بصره إلى السماء، وقول ما ورد. فصل: يجوز المسح على خف ونحوه، وعمامة ذكر محنكة أو ذات ذؤابة، وخُمُر نساء مدارة تحت حلوقهن، وعلى جبيرة لم تجاوز قدر الحاجة إلى حلها، وإن جاوزته أو وضعها على غير طهارة لزم نزعها، فإن خاف الضرر تيمم، مع مسح موضوعة على طهارة. ويمسح مقيم، وعاصٍ بسفره من حدث بعد لبس يوماً وليلة، ومسافر سفر قصر ثلاثة بلياليها، فإن مسح في سفر ثم أقام أو عكس فكمقيم. وشرط تقدم كمال طهارة، وستر ممسوح محل فرض، وثبوته بنفسه، وإمكان مشي به عرفاً، وطهارته، وإباحته ويجب مسح أكثر دوائر عمامة، وأكثر ظاهر قدم خف، وجميع جبيرة. وإن ظهر بعض محل فرض أو تمت المدة استأنف الطهارة. فصل: نواقض الوضوء ثمانية: خارج من سبيل مطلقاً، وخارج من بقية البدن من بول وغائط وكثير نجس غيرهما، وزوال عقل، إلا يسير نوم من قائم أو قاعد، وغسل ميت، وأكل لحم إبل، والردة، وكل ما أوجب غسلاً غير موت، ومس فرج آدمي متصل، أو حلقة دبره بيد، ولمس ذكر أو أنثى الآخر لشهوة بلا حائل فيهما، لا لشعر وسِن، ولا بها، ولا من دون سبع، ولا ينقض وضوء ملموس مطلقاً. ومن شك في طهارة أو حدث بنى على يقينه. وحرم على محدث مس مصحف وصلاة وطواف، وعلى جنب ونحوه ذلك، وقراءة آية قرآن، ولبث في مسجد بغير وضوء. فصل: موجبات الغسل سبعة: خروج المني من مخرجه بلذة، وانتقاله، وتغييب حشفة في فرج أو دبر، ولو لبهيمة أو ميت بلا حائل، وإسلام كافر، وموت، وحيض ونفاس. وسُن: لجمعة، وعيد، وكسوف، واستسقاء، وجنون وإغماء لا احتلام فيهما، واستحاضة لكل صلاة، وإحرام، ودخول مكة، وحرمها، ووقوف بعرفة، وطواف زيارة، ووداع، ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار. وتنقض المرأة شعرها لحيض ونفاس لا جنابة إذا روت أصوله. وسُن توضؤ بمد، واغتسال بصاع، وكره الإسراف، وإن نوى بالغسل رفع الحدثين أو الحدث وأطلق ارتفع. وسن لجنب غسل فرجه، والوضوء لأكل وشرب ونوم ومعاودة وطء، والغسل لها أفضل، وكره نوم جنب بلا وضوء] . المؤلف كما رأينا يختصر كثيراً، فإنه اقتصر على فروض الوضوء ولم يذكر صفته؛ وذلك لأنه إذا أتى بهذه الفروض فقد أتى بالوضوء المطلوب، وكذلك إذا حافظ على سننه وشروطه وواجباته، وهذه الأشياء التي هي السنن والواجبات والشروط وما أشبهها، مأخوذة من عمومات الأدلة.

تعريف الوضوء

تعريف الوضوء الوضوء: مسمى شرعي، لا تعرف العرب هذا الاسم إلا من حيث العموم، يعني: مشتق من الضوء الذي هو النور، قيل: لأنه ينير للمتوضئ الطريق إلى العبادة، وقيل: لأنه ينور هذه الأعضاء، أي: ينظفها، أو لأنه ينورها في الآخرة تنويراً حسياً، حيث ورد أن هذه الأمة يعرفون بالغرة والتحجيل كما هو مشهور.

شروط الوضوء وفروضه

شروط الوضوء وفروضه شروط الوضوء تسعة: من شرطه الإسلام، فلا يصح الوضوء من كافر، والعقل فلا يصح من فاقده، والتمييز فلا يصح من الصغير الذي لا يميز إلى آخرها. وفروضه ستة: يعني: بالتتبع وجد أنها لا تخرج عن ستة، والمراد: اللازمات والواجبات فيه، وكأنهم بهذا فرقوا بين الفرض والواجب، والجمهور على أنه لا فرق بينهما. فهاهنا جعلوا هذه هي الفروض وجعلوا الواجب هو التسمية، والفرق بينهما: أن الواجبات تسقط سهواً وجهلاً، وأما الفروض فلا تسقط سهواً ولا جهلا. والذين فرقوا بينهما كالحنفية قالوا: الفرض آكد، وهو: ما ثبت بدليل قطعي، والواجب: ما ثبت بدليل ظني، ولعل هذا اصطلاح خاص بالأحناف، وإلا فالفرض والواجب تعريف كل منهما واحد، فالواجب هو: ما يثاب فاعله احتساباً ويعاقب تاركه تهاوناً، فيدخل في ذلك الفروض، فإنه يثاب من فعلها تقرباً إلى الله تعالى، ويعاقب من تركها عصياناً وتهاوناً بها، فيعم الفروض والواجبات. قوله: (وفروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضمة واستنشاق) الوجه: ما تحصل به المواجهة، يعني: المقابلة فلا يدخل فيه الرأس الذي هو منبت الشعر؛ لأنه غالباً يستر بالعمامة والقلنسوة، ولا تدخل فيه الأذنان، فالغالب أنها تستر بالعمامة ونحوها، وتدخل فيه اللحية والعارضان؛ لأنها تحصل بهما المقابلة والمواجهة، فعلى هذا يلزم غسل الشعر كما سيأتي. والمضمضة والاستنشاق ألحقا بالوجه، والجمهور على أنه واجب أن يتمضمض ويستنشق. والمضمضة: تحريك الماء في الفم، والاستنشاق: اجتذاب الماء إلى الأنف بقوة النفس، والحكمة تنظيف الفم؛ لأنه قد يكون فيه شيء من الوسخ بعد الأكل وطول الصمت ونحو ذلك؛ ولذلك شرع تنظيفه بالسواك، وكذلك تنظيف الأنف -يعني: المنخرين- لأنهما قد يتحلل منهما شيء من الرأس من المخاط ونحوه، فشرع تنظيفه معه، حتى يأتي الإنسان إلى الصلاة نظيفاً بقدر ما يستطيع. واستدل على الوجوب بقوله في الحديث: (إذا توضأت فمضمض) وفي حديث آخر: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) ، واستدل بأن الوجه يدخل فيه ما يلحق به كالعينين، فالمنخران تابعان له، ويلزم غسل داخلهما بقدر الاستطاعة، والفم أيضاً داخل، فيجعلونه في حكم الظاهر؛ لأنه إذا وضع في فمه ماءً وهو صائم ثم مجه لم يفطر، فدل على أن حكمه حكم الظاهر، ولو وضع في فمه جرعة خمر ثم مجها ما حُد لذلك، ولو أن الصبي الذي في سن الرضاع صب في فمه لبن المرأة ثم مجه لم يعد ابناً لها، فدل على أنه في حكم الظاهر، فيلزم تنظيفه. وخالف في ذلك الشافعية وقالوا: إنه في حكم الباطن؛ لأنه لا تحصل به المواجهة، فداخل الفم وداخل الأنف لا تحصل بهما المواجهة، فالأنف يستره المنخران، والفم تستره الشفتان، وبكل حال ثبت الفعل الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه أنه كان لا يترك المضمضة والاستنشاق، وكان هذا مبيناً للآية الكريمة: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] . وغسل اليدين وغسل الرجلين فرضان بلا خلاف، وحد اليدين إلى المرفقين، والصحيح: دخول المرفقين في اليدين، وتكون إلى في قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] أي: مع المرافق، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ يدير الماء إلى أعلى مرفقيه من جوانبه، مما يدل على أنه يدخل المرفق في الغسل، وكذا الكعبين يغسلهما مع القدمين، والكعب هو: العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم، وفي كل قدم كعبان من الجانبين، وينتهي الكعب بمستدق الساق، فنهاية الكعب وعروقه وما يغسل منه هو مستدق الساق، فيكون الغسل إلى ذلك المكان. ومن الواجبات مسح الرأس مع الأذنين، والرأس هو: ما ينبت فيه الشعر غالباً، يعني: منابت الشعر المعتاد من نهاية الجبين إلى القفا، ورد مسحه مبتدئاً بالناصية لحديث عبد الله بن زيد: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح برأسه، فأقبل بهما وأدبر) والواو هاهنا ليست للترتيب، ولكنها لمطلق الجمع، ثم فسر ذلك بقوله: (بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) هذه هي صفة المسح. فيمررهما على الشعر إذا كان الشعر مسدولاً، أو معقوصاً، أو جعداً؛ لأن المرور يعم جميع الرأس. واختلف في مسح الأذنين، هل يجوز مسحهما ببقية بلل الرأس أو يأخذ لهما ماءً جديداً؟ ورد في الحديث أنه: (أخذ لأذنيه ماءً جديداً) ، والصحيح: أنه أخذ الماء الجديد لرأسه، (فمسح رأسه بماء غير فضل يديه) ، هكذا ذكر في (بلوغ المرام) . وصفة مسح الأذنين: إدخال السبابتين في صماخ الأذن، يعني: في خرقها، ومسح ظهور الأذنين بالإبهامين، يعني: يمرر الإبهامين عليها، وأما غضاريف الأذن فلا تمسح، لما في ذلك من مشقة. وقد ورد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الأذنان من الرأس) وهو صريح بأنهما يمسحان، وفي ذلك أحاديث مشهورة مروية عن عدة من الصحابة. والسنة دلت على تعميم جميع رأسه بالمسح من أدناه إلى أقصاه، وخالف في ذلك الشافعية، فقالوا: يجزئ أن يمسح ولو بعض شعره، وهذا خلاف النصوص، فإن الوارد أنه عليه الصلاة والسلام كان يعمم رأسه بالمسح، ولم ينقل أنه كان يقتصر على بعضه. وذهبت الحنفية إلى أنه يكفي ربع الرأس، واستدلوا بحديث المغيرة: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح ناصيته) وأجاب عن ذلك ابن كثير في التفسير بأنه مسح ناصيته؛ لأنها ظاهرة، وكمل المسح على العمامة، فإن في الحديث: (مسح ناصيته وعلى العمامة والخفين) ولم يقل: إنه اقتصر على مسح بعض الرأس، فمسح جميع الرأس هو فرض، ولا يجزئ بعضه، وهذا هو الأصل. ومن الفروض أيضاً الترتيب، فالترتيب يكون على ما في الآية، فيبدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم بالرأس، ثم يختم بالرجلين، والرجلان مغسولتان، كما أن اليدين مغسولتان، وعليه أن يتأكد من غسل رجليه؛ فقد ورد في الحديث: (ويل للأعقاب من النار) والأعقاب هي: مؤخر الأقدام، وذلك لأن الذي يتوضأ سريعاً قد يكون من سرعته أنه لا يتعهد مؤخر القدم، فيبقى فيه بقعة أو بياض، فأمر بأن يتعهد ذلك ويدلكه. ومذهب الرافضة مسح الرجلين، وهو خلاف السنة، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم مسحهما، بل كان يغسلهما، والسنة مبينة للقرآن. فالترتيب يبدأه بوجهه، ثم بيده، ثم برأسه، ثم برجليه، فلو غسل يديه قبل وجهه لزمه إعادة غسلهما بعد الوجه، ولو غسل رجليه قبل أن يمسح رأسه لزمه غسلهما آخر وضوئه، ولو مسح رأسه قبل غسل يديه، لزمه أن يمسح رأسه بعد اليدين، حتى يكون وضوءه على ما ورد في الآية: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6] فيتوضأ على هذا الترتيب، ويبدأ بما بدأ الله به، كما في الحديث. والموالاة أيضاً فرض، والموالاة هي: أن يواليها ويسرع فيها، بأن يغسل كل عضو عقب الآخر ولا يتوقف، فإذا انتهى من غسل الوجه بدأ في غسل اليدين، ثم بعد اليدين يبدأ بمسح الرأس، وبعد الرأس يبدأ مباشرة في غسل الرجلين، فلو غسل وجهه ويديه ثم توقف ساعة أو نصف ساعة أو ربع ساعة ثم كمل لم يصح وضوءه؛ لأن الوضوء طهارة وعبادة، ولابد أن تكون متوالية في وقت واحد، ولا يصح أن يفرقها. وحددوا ذلك: بألا ييبس عضو قبل غسل ما بعده، فلو يبس الوجه قبل غسل يديه أعاد غسل الوجه، إلا إذا كان هناك -مثلاً- ريح شديدة، أو حر وسموم، فإنه قد ييبس الوجه بسرعة، ولكن المراد الوضوء المعتاد. وهناك بعض الموسوسين يبقى أحدهم في الوضوء ساعة أو ساعتين، ولا شك أن هذا من الشيطان، بحيث إنه يبقى يدلك يديه نصف ساعة، ويخيل إليه أنهما لم يبتلا، ويرجع يغسل رجليه ويدلكهما ساعة أو نصف ساعة على هذه الحال، ويعتبر أنه لم يتوضأ وضوءاً متوالياً، فعليه في هذه الحال إذا كان يشق عليه أن يتوضأ بسرعة في نحو دقيقة أن يعيد الوضوء متوالياً. ومن فروض الوضوء: النية، وهي شرط لكل طهارة شرعية، والنية هي: عزم القلب على الفعل، بأن ينوي بقلبه أن يعمل فعلاً من العبادات الشرعية، فالطهارة، والوضوء، والغسل، والتيمم، تسمى كل هذه طهارات شرعية، فلابد لها من النية، فلو أن إنساناً غسل وجهه لإزالة نعاس أو نحو ذلك، ثم غسل يديه لنظافتهما ولم ينو الوضوء في ذلك ثم قال: سأكمل الوضوء، فمسح برأسه وغسل رجليه فنقول: يلزمه أن يعيد غسل وجهه ويديه؛ لأنه غسلهما بدون نية رفع الحدث، وإنما بنية رفع النعاس أو بنية النظافة أو ما أشبه ذلك. وكذلك إذا اغتسل للتنظيف ولم يغتسل لرفع الجنابة، فإنه لا يرتفع حدثه. والحاصل: أن النية شرط للطهارة كالوضوء والغسل والتيمم. أما إزالة النجاسة فلا يشترط لها النية، فلو كان لك ثوب نجس ثم أصابه المطر وغمره طهر، أو وقع في سيل فغمره طهر، أو كان في نعله نجاسة فخاض بها في سيل أو في نهر بدون نية طهر. وكذلك مما لا يشترط له النية غسل الكتابية، وكذا المسلمة الممتنعة لحل وطء، فإذا طهرت الحائض لا يحل وطؤها إلا بعد الغسل، فإذا امتنعت المسلمة أجبرها زوجها على الاغتسال، فغسلها مجبرة بدون نية يبيح الوطء، ولكنه لا يرفع حدثها، ولا يباح لها الصلاة بذلك، وكذلك إجبار الكتابية. قوله: (والتسمية واجبة في وضوء وغسل وتيمم وغسل يدي قائم من نوم بليل) فالتسمية هي: قول: (باسم الله) ، وقد ورد فيها حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) وهذا الحديث روي من عدة طرق عن عدة من الصحابة، ولكن طرقه ضعيفة لا تبلغ درجة الصحة، وروي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يصح في هذا الباب شيء، ولكن يقولون: بمجموع تلك الطرق يتقوى، ويكون دليلاً على الوجوب، فيسمى قبل غسل اليدين، فإذا أراد أن يغسل يديه فإنه يقول: باسم الله، ثم يغسل يديه، ثم يتمضمض، ثم يكمل الوضوء. وكذلك عند الاغتسال إذا أراد أن يغتسل قبل الوضوء يبدأ بالبسملة ثم يكمل. وكذلك التيمم، فعندما يتيمم بالتراب يقول: باسم الله. وهكذا من قام من نوم ليل نوماً مستغرقاً ناقضاً لوض

سنن الوضوء

سنن الوضوء من سنن الوضوء: استقبال القبلة، يعني: أن يكون مستقبل القبلة حال الوضوء، ولكن لم يرد دليل في ذلك. ومن سننه: السواك، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) . ومن سننه: أن يبدأ بغسل يديه من غير قيام من نوم ليل؛ لأن غسل يدي القائم من نوم الليل واجب، ولكن غيره يغسل كفيه ثلاثاً؛ لأنهما الآلة التي يغترف بهما، فيغترف الماء باليد ويغسل بهما وجهه، ويغترفه باليد ويغسل يديه، وهكذا يغسل رجليه بيده، فلابد أن ينظف اليدين، وتنظيفهما سنة. أما من نوم الليل فإنه يجب أن يغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً، واختلف في العلة في ذلك، واختار المؤلف أنه أمر تعبدي، لا تعرف فيه الحكمة؛ لأنه -مثلاً- لو جعل يديه في كيس حتى أصبح لوجب عليه أن يغسلهما. ومن السنن: أن يقدم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، فيبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، فإن أخرهما جاز. ومن السنن: المبالغة فيهما لغير صائم. والمبالغة بالمضمضة هو: أن يحرك الماء بقوة في فمه، والمبالغة في الاستنشاق هو: أن يجتذب الماء بقوة النفس إلى أقصى خياشيمه حتى ينظفه، وأما الصائم فلا يبالغ مخافة أن يدخل إلى حلقه. ومن السنن: تخليل شعر الوجه الكثيف، فإذا كان شعر اللحية كثيفاً فإنه يخلله، بأن يدخل فيها أصابعه حتى يصل إلى أصوله، وإذا اقتصر على غسل ظاهره إذا كان كثيفاً كفى، وضابط الكثيف: أنه الشعر الذي يستر البشرة، والخفيف هو: الذي تُرى البشرة من ورائه، فالخفيف يجب غسل داخله وظاهره. ومن السنن: تخليل الأصابع، ويتأكد التخليل في أصابع القدمين؛ لأنها غالباً ملتصقة، فيدخل أصابع يديه بين أصابع رجليه حتى يتأكد من وصول الماء، وتخليل أصابع اليدين مستحب لأنها متفرقة يستطيع أن يدخل بعضها في بعض، والعادة والمعروف أن أصابع اليدين متفرقة، وأن الماء يصل إليها. ومن السنن التثليث، بأن يغسل كل عضو ثلاث مرات: الوجه ثلاث غسلات، وكل يد يغسلها ثلاثاً، وكل رجل ثلاثاً؛ لأن الثلاث هي أكمل، والغسلتان دونهما، ومن اقتصر على غسلة واحدة فقد ارتفع حدثه، ومن غسل كل عضو مرتين فهو أفضل، والثلاث أفضل من الاثنتين، وما زاد على الثلاث لا يجوز، مكروه كراهة التحريم، وقد ورد النهي عن الإسراف، فروي في الحديث: (لا تسرف ولو كنت على نهر جارٍ) . ومن السن: أن يرفع بصره إلى السماء ويقول ما ورد، فرفع بصره إلى السماء هو لذكر الله تعالى، وكأنه لما أراد أن يدعو الله ويذكره رفع بصره، والذي ورد أنه يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله) وورد أيضاً أنه يقول: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) وإن قال بعد ذلك شيئاً من الأدعية، كأن يقول: (واجعلني من ورثة جنة النعيم) وهو من الدعاء الذي قاله إبراهيم عليه السلام؛ جاز ذلك.

أحكام المسح على الخفين

أحكام المسح على الخفين انتقل المؤلف بعد ذلك إلى المسح على الخفين، والمسح على الخفين رخصة لهذه الأمة، وهي من الرخص التي فيها تيسير للعبادة، والخف هو: ما يصنع من جلود الإبل أو البقر ونحوها، ويجعل على قدر القدم، ويجعل له موطئ كالنعل، ويجعل له غطاء تربط فيه وتخرج في أصل النعل، ثم بعد ذلك يجعل له مدخل تدخل معه القدم، ثم يعقد على الساق، ويلبس للتدفئة، وللوقاية من البرد، فالمسح عليه من الرخص، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه. وأنكر ذلك الرافضة ونحوهم من المبتدعة، ولأجل ذلك يذكر العلماء مسائل الخفين في كتب العقيدة؛ وذلك لأن المخالفين فيه هم مخالفون في العقائد. قوله: (ونحوه) كما يوجد في هذه الأزمنة ألبسة على الأقدام منها ما يكون تحت الكعبين، ومنها ما يكون فوق الكعبين، فالذي يكون فوق الكعبين كالذي يسمى (البسطار) أو نحوه، وينظم على الساق يلحق بذلك، ويمسح عليه، والذي دون الكعبين لا يُمسح عليه؛ وذلك لأنه لا يستر القدم. ومما ورد المسح عليه الجورب، وهي: عبارة عن منسوج من صوف أو نحوه يستر القدم، وينظم على الساق، فيمسح عليها إن كانت تكفي عن الأحذية، يعني: تنسج من الصوف أو من الشعر، وتكون غليظة تلبس على القدم، ويجعل تحتها رقعة من الجلد تمكن مواصلة المشي فيها، هذه هي الجوارب التي يجوز المسح عليها، ولابد أن تكون قوية النسج بحيث إنه لا يخرقها الماء. وجاءت في هذه الأزمنة ما يسمى بالشراب، وسميت جوارب، وترخص الناس بالمسح عليها، وتوسعوا في ذلك، ونحن نقول: إذا كانت قوية بحيث إنه لا يخرقها الماء أو لا يخرقها إلا بعد صب كثير فإنه يمسح عليها، فأما إذا كانت شفافة أو رقيقة فلا يمسح عليها؛ وذلك لأنها لا تحصل بها التدفئة المطلوبة، ولأن الجوارب التي كانت في عهد الصحابة كانوا يجعلون تحتها رقعة من جلد ثم يمشون بها وحدها، وكانت تستر القدم كله، إلى مستدق الساق.

جواز المسح على العمامة والجبيرة

جواز المسح على العمامة والجبيرة يجوز أن يمسح الرجل على العمامة إذا كانت محنكة، وهي التي تشد على الرأس، ثم يجعل طرفها تحت الحنك، ثم تربط، ويشق نزعها. أو ذات ذؤابة: وهي التي تدار على الرأس كله، وتربط ويجعل لها طرف بين الكتفين يتدلى خلف الظهر يُسمى الذؤابة؛ لأن في رفعها مشقة، فإذا لم يكن في رفعها مشقة كالغترة والقلنسوة التي هي الطاقية فإنه لا حرج ولا مشقة في رفعها، فيلزم رفعها ومسح ما تحتها. وخمار المرأة إذا كان قد أدارته تحت حلقها يمسح، يعني: أن هناك نوعاً من الخمر تديره المرأة على رأسها، ثم تديره تحت حلقها، ويشق عليها رفعه؛ فيجوز أن تمسح عليه. والجبيرة هي: ما يجبر به الكسر في اليد أو في الرجل أو نحو ذلك، فإذا جبرت الجبيرة على الكسر فإنه يمسح عليها إذا لم تتجاوز قدر الحاجة، ولا تحديد لها، بل يمسح عليها إلى حلها. أما إذا جاوزت قدر الحاجة كما يعمل الآن في الجبس، فقد يكون الكسر قدر أربع أصابع، ثم يجعل الجبس على اليد كلها إلى نصف العضد، ففي هذه الحال يلزم نزعها، فإن خاف الضرر تيمم بعد المسح. وهل يشترط أن توضع على طهارة؟ الصحيح: أنه لا يشترط؛ وذلك لأن الكسر يقع بغتة، فيفزع أهله إلى جبره بسرعة، ويشق عليهم أن يأمروه أن يتوضأ، سيما في ذلك العضو الذي قد انكسر، فيجوز المسح عليها ولو لبسها على غير طهارة، فإذا وضعها على غير طهارة فالصحيح: أنه لا يلزم نزعها، وإذا جاوزت محل الحاجة مسح عليها وتيمم عن الزائد إذا خاف الضرر بنزعها.

المدة التي يمسح فيها على الخفين

المدة التي يمسح فيها على الخفين مدة المسح للمقيم يوم وليلة، تبدأ المدة على الصحيح من أول حدث، هذا الذي عليه جمهور الفقهاء، وقيل: من أول مسح، والجمهور يرون أنه من أول حدث. مثال ذلك: إذا توضأ لصلاة الفجر وغسل قدميه، ولبس الخفين، وانتقض وضوءه في الضحى في الساعة العاشرة، ولم يمسح إلا في الساعة الثانية عشر عند صلاة الظهر، فيمسح لصلاة العصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم توضأ في الساعة الحادية عشراً من اليوم الثاني فلا يمسح؛ لأن المدة قد انتهت، فإن توضأ في الساعة التاسعة مسح؛ لأن المدة لم تنته. واختلف فيمن سافر سفر معصية، هل يمسح يوماً وليلة أو ثلاثة أيام، الفقهاء قالوا: يمسح يوماً وليلة؛ لأن العاصي لا يرخص له، والأقرب أنه مثل غيره كسائر المسافرين يمسح ثلاثة أيام بلياليها، ونحن نقول: يأثم بعصيانه، وأما الأحكام الشرعية فلا يختلف فيها العاصي وغيره. والمسافر سفر قصر يمسح ثلاثة أيام بلياليها من باب التسهيل عليه؛ لأن السفر -كما ورد في الحديث-: (قطعة من العذاب) . قوله: (ومن مسح في سفره ثم أقام أو عكس) مثلاً مسح لصلاة الظهر، ثم سافر بعد صلاة الظهر، فيمسح مسح مقيم يوماً وليلة، أو مسح وهو في السفر لصلاة الظهر ثم وصل البلد بعد الظهر أو قبل العصر فيمسح مسح مقيم، تغليباً لجانب الإقامة، واحتياطاً للعبادة، أما إذا أحدث -مثلاً- في الساعة العاشرة قبل أن يمسح، ثم سافر في الساعة الحادية عشرة ومسح وهو في السفر، فإنه يمسح مسح مسافر.

شروط المسح على الخفين وصفته

شروط المسح على الخفين وصفته المسح يشترط له شروط: الشرط الأول: أن يلبس الخفين بعد تمام الطهارة، فلا يلبس الخف الأيمن إلا بعد غسل رجله اليسرى، يعني: بعدما ينتهي من الطهارة، واستدلوا بقوله: (أدخلتهما وهما طاهرتان) يعني: ابتدأت بإدخالهما حال كونهما طاهرتين. هذا قول. القول الثاني: أنه يجوز أن يلبس الخف الأيمن قبل أن يغسل الرجل اليسرى إذا غسل الرجل اليمنى وطهرها، وهذا أقرب؛ وذلك لأنه أدخلها وهي طاهرة، ثم يغسل اليسرى ويدخلها وهي طاهرة، واستدل الشوكاني في النيل بحديث: (أدخلتهما وهما طاهرتان) فكلمة (وهما) يعني: وكل منهما. الشرط الثاني: أن يكون الممسوح ساتراً لمحل الفرض، فإذا كان ساتراً لبعضه فلا يمسح عليها ولو كانت تنظم على القدم؛ لأنها ما سترت القدم كله، فلابد للخف أن يستر محل الفرض كله إلى منتهى الكعبين. الشرط الثالث: أن يثبت بنفسه، فإذا كان لا يثبت إلا بإمساكه باليد فإنه لا يسمى خفاً، ولابد أن ينظم ويستمسك بنفسه، ولو شده بخيط أو نحوه. الشرط الرابع: أن يمكن المشي فيه عرفاً، فإذا كان لا يمشي فيه أو إذا مشى فيه سقط، وإنما يثبت إذا جلس أو ركب فلا يمسح عليه؛ لأنه عرضة للسقوط. الشرط الخامس: طهارته، فإذا كان نجساً نجاسة طارئة، أو نجاسة أصلية كالمنسوج من جلد شاة قبل الدبغ أو جلد حمار أو كلب ونحو ذلك فلا يمسح عليه؛ وذلك لأنه سيصلي حينئذ بنجاسة. الشرط السادس: الإباحة، فإذا كان مغصوباً فلا يمسح عليه، هذا على القول المشهور عند الفقهاء. والقول الثاني ولعله الأقرب: أنه يمسح عليه، ونقول له: أنت آثم بلبسه، سواء في الصلاة أو في غيرها. وأما صفة المسح: فالعمامة يمسح أكثر دوائرها، يعني: أطرافها التي تدور على الرأس، فيمسح دوائرها، ويمسح وسطها؛ وذلك لأن العمامة بدلاً عن الرأس، والرأس يمسح كله، وأما الخف فيمسح ظاهره، من أصابعه إلى ساقه، وأما الجبيرة فيمسحها كلها. قوله: (متى ظهر بعض محل الفرض استأنف الطهارة) فلو انحسر الخف، وظهر الكعب؛ بطلت الطهارة بعد المسح، فيلزم أن يستأنفها. وكذلك متى تمت المدة بطلت الطهارة، فلو تمت المدة في الساعة الثانية ظهراً، وجاء وتوضأ للظهر اليوم الثاني، وبقي على طهارته إلى العصر، فنقول: انتقض وضوءك في الساعة الثانية التي هي تمام يوم وليلة، فيلزمه أن يخلع ويجدد الوضوء.

نواقض الوضوء

نواقض الوضوء نواقض الوضوء هي: مبطلاته، وذكر المصنف أنها ثمانية، وفي بعضها خلاف: الناقض الأول: ما خرج من السبيلين، فهو ناقض، سواء كان له جرم، أو ليس له جرم كالريح، فإنه يعتبر ناقضاً، وسواء كان طاهراً أو نجساً، فلو خرج من دبره حجر أو خيط يابس أو دود طاهر، فإنه يعتبر ناقضاً؛ وذلك لأنه خارج من مخرج نجاسة، ولا خلاف في هذا. الناقض الثاني: النجس الخارج من بقية البدن، الخارج من البدن إما أن يكون طاهراً أو نجساً، فإن كان طاهراً فلا ينقض، مثل: العرق والدموع واللعاب والمخاط، فهذه طاهرة لا ينقض خروجها الوضوء، أما النجس فمثل القيح، والصديد، والدم، والبول، والغائط، وقد يقول قائل: كيف يخرج البول والغائط من غير المخرج؟ فنقول: نعم، فلو انسد دبره ففتح له مخرج مع جنبه أو مع ظهره فإن ما خرج منه يعتبر ناقضاً، إلا إذا كان لا يتحكم فيه، فيعتبر كصاحب السلس، وكذلك لو انسد مخرج البول، ففتح له من المثانة فوق العانة أو نحو ذلك فإنه يعتبر ناقضاً، وسواء كان قليلاً أو كثيراً. أما الخارج النجس من غيرهما فلا ينقض إلا الكثير، فلا تنقض -مثلاً- قطرة دم أو قطرتان، أو قيح أو صديد أو نحو ذلك، واختلف في القيء -وهو ما يسمى بالتطريش- هل ينقض أو لا؟ والصحيح: أنه ينقض إذا كان كثيراً متغيراً برائحة أو بلون، ولا ينقض إذا كان ليس متغيراً، أو كان قليلاً. الناقض الثالث: زوال العقل، فالمجنون قد لا يشعر بحالته فلا يدري ما يخرج منه، فربما يخرج منه الريح والبول ونحو ذلك ولا يشعر، فإذا كان متوضئاً ثم جن ولو يسيراً انتقض وضوءه، وكذا الإغماء والغشية من نواقض الوضوء أيضاً؛ لأنه لا يشعر بنفسه، أما النوم فإذا كان يسيراً من قاعد أو قائم فلا ينقض، وأما إذا كان مضطجعاً فإنه ينقض ولو كان يسيراً؛ لأنه قد يستغرق، وحد القليل أو اليسير هو ما يبقى معه شعور بنفسه؛ وذلك لأنه إذا استغرق وهو قاعد سقط على جنبه. الناقض الرابع: تغسيل الميت، وقد ورد فيه أحاديث، وفيها شيء من الخلاف، فورد ما يدل على أن من غسله أنه يغتسل: (من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ) ولكن لعل الأقرب أنه يكفيه الوضوء، وذهب بعضهم إلى أنه لا حاجة إلى الوضوء إذا كان متوضئاً إلا إذا مس عورته أو نحو ذلك. الناقض الخامس: أكل لحم الإبل، وفيه أيضاً خلاف مع الشافعية، والقول الصحيح: أنه ناقض، والشافعية يرون أنه غير ناقض لأحاديث ترك الوضوء مما مست النار، مع أن الأحاديث الصحيحة تدل على أنه ناقض للوضوء. واختلف هل كل جميع أجزائها تنقض أو يختص باللحم؟ أكثر الفقهاء على أنه يختص باللحم الأحمر، والقول الثاني -ولعله الأرجح-: أنه ينقض جميع أجزائها، فإذا أكل من الكبد أو من الكرش أو من القلب أو من اللسان فكل ذلك يلحق باللحم. الناقض السادس: الردة؛ لأن الردة عن الإسلام تبطل الأعمال، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] والوضوء عمل شرعي، فإذا ارتد بطلت أعماله، ومنها الوضوء. الناقض السابع: ما أوجب غسلاً، فكل ما أوجب غسلاً أوجب وضوءاً، ومن موجبات الغسل إذا انتقل المني من الصلب ولم يخرج فإنه يغتسل. الناقض الثامن: مس فرج آدمي متصل أو حلقه دبره بيده، وهذا أيضاً فيه خلاف، وكذلك الخلاف في قوله: (منفصل) فهل ينقض المنفصل كالذكر المقطوع أم لا؟ والصحيح أنه خاص بالمتصل، والخلاف فيه طويل، وكذلك النقض بمس الدبر فيه خلاف، ولعل الأقرب أنه لا ينقض مس الذكر إلا إذا كان يثير الشهوة.

الخلاف في نقض الوضوء من لمس المرأة والعكس

الخلاف في نقض الوضوء من لمس المرأة والعكس اختلف في مس الرجل المرأة، أو مس المرأة الرجل بشهوة، فالجمهور على أنه يختص بالذكر، فإذا مس المرأة بشهوة بلا حائل فالأقرب أنه لا ينقض إلا إذا كانت الشهوة حادة، وذهبت الشافعية إلى أنه ينقض مطلقاً، واستدلوا بقول الله تعالى: {أَوْ لمَسْتُمْ النِّسَاءَ} [النساء:43] على إحدى القراءات، والصحيح: أنه لا ينقض إلا لشهوة، فإن كان وراء حائل لم ينقض، ولا ينقض مس شعرها، أو مس الظفر، أو السن. وكذلك لو مسها بظفره أو مسها بشعره. وكذلك لا ينقض مس طفلة دون سبع سنين؛ لأنها ليست محلاً للشهوة. ووضوء الملموس لا ينتقض، فإذا مس امرأة بشهوة لا ينتقض وضوءها، وكذلك لو مسته بشهوة منها وهو لم يمسها لا ينتقض وضوءه. قوله: (من شك في طهارة أو حدث بنى على اليقين) صورة ذلك: إذا شك وقال: هل أنا تطهرت أم لا؟ أو انتقض وضوءه مثلاً في الساعة العاشرة، فقال: لا أدري هل أنا توضأت بعد ذلك الوقت أم لا؟ ففي هذه الحالة نقول: الحدث يقين، والطهارة مشكوك فيها، فعليك تجديد الطهارة، والعكس إذا قال: أنا أتحقق أنني توضأت في الساعة العاشرة ولا أدري هل انتقض وضوئي أم لا؟ ف A يبقى على طهارته؛ لأن الأصل الطهارة؛ فلا تزول إلا بيقين.

حكم مس المصحف للمحدث

حكم مس المصحف للمحدث المحدث الذي انتقض وضوءه بواحد من هذه النواقض لا يجوز له مس المصحف، وفيه كلام كثير، ولكن الراجح: أنه لا يمسه، والآية صريحة في هذا: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة:79-80] والتنزيل هو هذا القرآن، فلا يمس هذا القرآن المنزل إلا المطهرون، وكذلك أيضاً ورد في السنة، وورد من فعل الصحابة، ورخص فيه بعض العلماء بتأويلات، والصحيح أنه لا يمسه إلا طاهر.

يحرم على المحدث الصلاة والطواف

يحرم على المحدث الصلاة والطواف لا تصح الصلاة إلا بطهور، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) ، وقال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ، وقال تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:6] أي: إذا قمتم وأنتم محدثون فاغسلوا. ولا يجوز أن يطوف إلا وهو متطهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري) ، ولقول الله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26] ، فلابد أن يكون الطائفون متطهرين، ولأنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يطوف توضأ. فيحرم على الجنب الذي عليه جنابة مس المصحف، والصلاة، والطواف، وكذلك المرأة الحائض التي لم تغتسل. ويحرم عليهم قراءة القرآن ولو من الحفظ، وبالنسبة إلى الحائض فيها خلاف، وأباح كثير من المشايخ أنه يجوز لها قراءة القرآن إذا خافت النسيان، وأنه يجوز للجنب قراءة آية على أنها دعاء، كقوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة:201] أو على أنها ذكر كقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] .

حكم المكث في المسجد للجنب والحائض

حكم المكث في المسجد للجنب والحائض قوله: (يحرم على الجنب ونحوه كالحائض اللبث في المسجد بغير وضوء) ، يعني: يحرم عليه أن يمكث في المسجد وهو غير متوضئ، وقد ورد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا أرادوا أن يجلسوا في حلقة التعليم وعليهم جنابة توضئوا وجلسوا، ويقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولا شك أن ذلك دليل على أنهم فهموا أن الوضوء يخفف الجنابة، وأباحوا للجنب أن يدخل المسجد لحاجة كعابر سبيل، كأن يدخل من باب ويخرج من باب، واستدلوا بقوله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] فقالوا: (عابري سبيل) يعني: قاطع طريق، أي: جعله طريقاً لحاجة. فهذه نواقض الوضوء ذكرناها مع الاختصار، وذكرنا ما فيه خلاف قوي، وما هو الأصل فيه، على ما ذكره الفقهاء.

موجبات الغسل

موجبات الغسل ذكر المصنف أن موجبات الغسل سبعة، والغسل يراد به غسل البدن كله، أي: ما يمكن وصول الماء إليه. وهذه الموجبات هي: الأول: خروج المني من مخرجه بلذة، واشترط بعض العلماء لخروج المني الموجب للغسل شرطان: الأول: الدفق. والثاني: اللذة. يعني: أن يخرج في اليقظة ويشعر بلذة عند خروجه، فإذا كان يسيل سيلاناً كالبول فلا يوجب غسلاً، وكذلك إذا خرج دفقاً، يعني: اندفاعاً ولم يصحبه لذة، واستثنوا من ذلك النائم، فإنه إذا وجد المني قد خرج منه فإنه يغتسل؛ لأن النائم لا يشعر به حالة خروجه. الموجب الثاني: انتقاله، وهو أن ينتقل من الصلب متوجهاً إلى مكان خروجه ولكن لم يخرج، فيغتسل له، فإذا خرج بعد ذلك فلا يعيد الاغتسال، ولكن يتوضأ؛ لأنه خارج من أحد السبيلين. الموجب الثالث: مسمى الوطء، وحدّه: تغييب حشفة في فرج أصلي قبل أو دبر ولو لبهيمة أو ميت بلا حائل، وفيه أيضاً كلامٌ كثير، والصحيح: أنه يوجب الغسل. والذين قالوا: لا يوجب، استدلوا بالحديث الذي فيه: (الماء من الماء) يعني: أن الاغتسال لا يكون إلا بعد الإنزال. والذين قالوا: يوجب، استدلوا بحديث: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) ، فإذا غيّب الرجل رأس ذكره إلى محل الختان ولو في بهيمة، أو دبر، أو ميت، أو امرأة حلالاً أو حراماً وجب عليه الغسل، ولا شك أن الحرام يوجب الإثم، كالبهيمة، والدبر، والمرأة الحرام، ولكن مع ذلك يكون عليه جنابة. واشترط: ألا يكون مع حائل، فإن كان من وراء ثوب فإنه لا يوجب. الموجب الرابع: الكافر إذا أسلم؛ وذلك لأنه في حالة كفره نجس، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] ، وقد ورد أيضاً أنه عليه السلام أمر رجلاً أسلم أن يغتسل. وذهب بعضهم: إلى أنه يستحب إلا أن يكون عليه نجاسة قبل أن يسلم كالجنابة التي لم يغتسل لها. والأقرب: أنه واجب عليه. الموجب الخامس: الموت، فإذا مات الإنسان وجب تغسيله، كما هو معروف. السادس والسابع: الحيض، والنفاس، وهما مما يختص بالمرأة، لقول تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة:222] . أما الاغتسالات المسنونة فكثيرة، منها: الأول: غسل الجمعة، وقد ذهب بعضهم: إلى وجوبه، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) . وذهب بعضهم: إلى أنه ليس بواجب وأنه سنة. وذهب آخرون إلى أنه واجب على من هو بعيد العهد بالنظافة؛ لأن هذا إذا كان به وسخ أو قذر أو نحو ذلك فإنه يؤذي المصلين، فيجب عليه، وأما إذا كان نظيف البدن فلا. الثاني: الغسل للعيد، قياساً على الجمعة؛ لأن فيه اجتماعاً عاماً. الثالث: الاغتسال لصلاة الكسوف، قياساً أيضاً على الجمعة، ولكن ليس هناك دليل. الرابع: الاغتسال للاستسقاء، ولعل الأقرب: أنه يكتفى بالوضوء لعدم الدليل؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لما وقع الكسوف قام فزعاً إلى الصلاة، ولم ينقل عنه أنه اغتسل. الخامس: الجنون، فإذا أفاق أحد من جنون فإنه يغتسل؛ وذلك لأنه لا يدري ما حدث فيه. السادس: الإغماء، والغشية، فإذا غشي عليه ثم أفاق فليغتسل، ثبت أنه عليه السلام في مرض موته أغمي عليه، فلما أفاق قال (ضعوا لي ماء في مركن فاغتسل، ثم ذهب ليقوم فأغمي عليه) فإن وجد احتلام في الجنون أو الإغماء فإنه يكون واجباً، ولا يكون مسنوناً. السابع: الاغتسال للاستحاضة عند كل صلاة، كما ورد الأمر لها بأن تغتسل لكل صلاة أو تجمع الصلاتين في اغتسال واحد إذا شق عليها. الثامن: الاغتسال عند الإحرام، وقال بعضهم بوجوبه، والصحيح أنه سنة. التاسع: عند دخول مكة، وكان في ذلك الوقت بين الإحرام وبين دخول مكة قد يكون عشرة أيام أو أربعة أيام أو ثلاثة، فأما في هذه الأزمنة فالزمن قصير، يدخلها بعد أن يحرم بساعة أو نحوها، فلا حاجة إلى تجديد الغسل. العاشر: إذا وصل إلى حدود الحرم، كما يقول المؤلف أيضاً: يغتسل لحرم مكة. الحادي عشر: يغتسل للوقوف بعرفة. الثاني عشر: الاغتسال لطواف الزيارة (طواف الإفاضة) . الثالث عشر: الاغتسال لطواف الوداع. الرابع عشر: الاغتسال للمبيت بمزدلفة. الخامس عشر: الاغتسال لرمي الجمار. هكذا عددوا هذه الاغتسالات، وأكثرها استحسان، وقالوا: لأنه عمل صالح فيسن أن يأتيه بنظافة، والصحيح: أنه لا دليل على ذلك، وأنه لا موجب للاستحباب إلا إذا كان الإنسان بعيد العهد بنظافة أو نحوها.

حكم نقض الشعر للغسل الواجب

حكم نقض الشعر للغسل الواجب قالوا: تنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض والنفاس؛ وذلك لأن الغسل من الحيض ينبغي التنظيف فيه؛ ولأنه تطول مدتها وهي لم تغتسل، ولأنها في النفاس قد تبقى أربعين يوماً وهي لا تصلي، وكذلك ستة أيام أو عشرة أيام في الحيض، وهذه المدة تتسخ فيها، فيتأكد أن تنقض شعرها عند الاغتسال، أما في الجنابة فيكفي أن تروي أصوله، ولا حاجة أن تنقضه، لحديث أم سلمة قالت: (يا رسول الله! إني امرأة أشد ظفر رأسي -تجعل رأسها ظفائر، يعني: قروناً- أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات) فلابد أنها تغرف عليه وتدلكه حتى يصل الماء إلى أصول الشعر.

الاقتصاد بالماء في الوضوء والغسل

الاقتصاد بالماء في الوضوء والغسل السنة أن يتوضأ الشخص بمد، ويغتسل بصاع؛ تلافياً للإسراف، ويكره الإسراف ولو كان الإنسان على البحر أو النهر، ويتوضأ بالمد، يعني: بمقدار المد الذي هو ربع صاع، ويغتسل بالصاع، وإذا كان يغتسل تحت (الرشاش) المعروف فإنه يحاول الاقتصاد وعدم الإسراف.

النية في الغسل لرفع حدثين

النية في الغسل لرفع حدثين إذا نوى الشخص بالغسل رفع الحدثين، أو رفع الحدث وأطلق، ارتفع الحدثان، فإذا كان -مثلاً- على المرأة حدثان: طهرت من الحيض، ولم تجد ماء فتيممت، ووطأها زوجها، ثم وجد الماء، فأصبح عليها موجبان: الجنابة والحيض، فإذا اغتسلت غسلاً واحداً، ونوت رفع الحدثين ارتفعا، وكذلك الرجل، مثلاً: لو وطأ امرأته ثم نام فاحتلم، وأصبح عليه موجبان: موجب الاحتلام، وموجب الوطء، فاغتسل بنية رفع الحدثين أو بنية رفع الحدث وأطلق ارتفع الحدثان. ولو اغتسل لسنة الجمعة وعليه جنابة لم يتذكرها إلا بعد الاغتسال، فالصحيح: أنه يرتفع حدث الجنابة؛ لأنه اغتسل ناوياً الطهارة لصلاة الجمعة فيطهر.

الأشياء التي تكره للجنب قبل الغسل وبيان أن الوضوء يخفف الكراهة

الأشياء التي تكره للجنب قبل الغسل وبيان أن الوضوء يخفف الكراهة يسن للجنب أن يتوضأ ويستنجي إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يعاود الوطء، والغسل له أفضل، كما جاء عن عمر أنه قال: (يا رسول الله! أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ) وفي حديث عن عائشة وغيرها: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة) يعني: استنجى ثم توضأ وضوءه للصلاة؛ وذلك لأجل أن الأكل ولو كان مباحاً كل وقت فإنه نعمة من الله تعالى، فينبغي أن يُتطهر له، فإذا شقت عليه الطهارة خفف ذلك بالوضوء. وقد تقدم أنه يسن إذا أراد الجنب أن يجلس في المسجد أن يتوضأ، وكذلك أيضاً إذا أراد أن يعود إلى الوطء، وقد ورد فيه حديث: (إذا وطأ أحدكم امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما) والاغتسال أفضل. ويكره نوم جنب بلا وضوء، فأشدها كراهة النوم؛ لكثرة الأحاديث التي جاءت في النهي عن أن ينام أحد وهو جنب إلا بعد أن يتوضأ.

الأسئلة

الأسئلة

معنى قول المصنف (وغسل كتابية لحل وطء ومسلمة ممتنعة)

معنى قول المصنف (وغسل كتابية لحل وطء ومسلمة ممتنعة) Q أحسن الله إليكم! فضيلة الشيخ! ما معنى قول المصنف: (وغسل كتابية لحل وطء ومسلمة ممتنعة) ؟ A معلوم أن الرجل يباح له أن يتزوج امرأة كتابية من أهل الكتاب، لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:5] فإذا طهرت من الحيض فلا يحل له أن يطأها حتى تغتسل، فإذا امتنعت أجبرها، ومعلوم أن غسلها بإكراه بدون نية، فيجزئ هذا الغسل، ويحل له الوطء. وكذلك المرأة المسلمة إذا طهرت من الحيض في الصباح، وأراد زوجها أن يطأها، وامتنعت من الاغتسال، وقالت: لا أغتسل حتى يأتي وقت الصلاة، فأجبرها حتى اغتسلت بدون نية، فغسلها يحل به الوطء.

الكفاءة في النكاح

الكفاءة في النكاح Q فضيلة الشيخ! أحسن الله إليكم! ما حكم من أراد أن يتزوج غير قبيلية وهو قبيلي، وأبوه يصر على عدم زواجه منها ويقول: إن هذا يترتب عليه أمر عظيم؟ A هذه ترجع إلى العادات، والأصل أنه لا فرق بين العرب وبين الموالي، الموالي: والمولى هو: الذي يعرف بالخضيري والعرب يعرفون بالقبائل، فالأصل أنهم كلهم بنو آدم، وكلهم مسلمون، ولكن في ذلك خلاف قديم مذكور في كتب الفقه، كما في (المغني) و (المستوعب) ونحوها، ولكن الصحيح: أنه لا بأس بذلك، ولكن إذا كان يترتب على ذلك شيء من الخلافات ومن المشاكل ونحو ذلك، ويترتب على ذلك عقوق الوالدين؛ فعليه أن يلتمس رضا والديه، ويطيعهما.

حكم مسح الرقبة في الوضوء

حكم مسح الرقبة في الوضوء Q فضيلة الشيخ! نرى بعض الناس يمسح الرقبة عند الوضوء، فهل لهذا أصل؟ A ورد فيه آثار، وذهب إليه الزيدية، فهم يرون أنه يسن مسح العنق، ورووا في ذلك حديثاً: (مسح العنق أمان من الغل) ، والصحيح: أنه لا يصح في ذلك شيء، وتجدون الآثار في ذلك مذكورة في (نيل الأوطار) ، وذلك لأن مؤلفه خالط أولئك الزيدية، ورأى عملهم هذا، وقرأ في كتبهم، فجمع ما يستدلون به، ولا يصح منها شيء.

صلاة الرواتب للمسافر

صلاة الرواتب للمسافر Q فضيلة الشيخ! نحن عازمون على إكمال الدورة العلمية، ونحن من خارج الرياض، فهل نصلي السنن الرواتب؟ A تصلون إلا إذا كان عليكم مشقة؛ وذلك لأن المسافر شرع له الجمع والقصر، وتسقط عنه السنن الرواتب لأجل المشقة، فإن كان عليكم مشقة وصعوبة وكلفة فإنها تسقط، وإذا لم يكن عليكم مشقة فتزودوا من الخير؛ فإن في هذه السنن فضلاً كبيراً، بل وفي جميع النوافل، يقول صلى الله عليه وسلم عن الله في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فالنوافل تصير سبباً في محبة الله تعالى للعبد.

غسل الجنابة لمن يجعل على ذكره حائلا

غسل الجنابة لمن يجعل على ذكره حائلاً Q فضيلة الشيخ! إذا جامع الرجل وهو يلبس على ذكره حائل كالربل فهل عليه غسل؟ A نعم؛ وذلك لأنه حصل بذلك الإيلاج، ولو كان هذا الحائل مقصوداً، وأيضاً يحصل غالباً معه الإنزال، فلابد من الاغتسال من الرجل والمرأة.

مقدار لحم الإبل الذي ينقض الوضوء

مقدار لحم الإبل الذي ينقض الوضوء Q يقول بعض العوام: إن أكل لحم الإبل بمقدار العصفور فأقل لا ينقض الوضوء، أفتونا مأجورين؟ A ينقض إذا كان له جرم، يعني: إذا أكل ما يحتاج إلى مضغ فإنه ينقض، أما الشيء الذي يتفتت كالذي يجعل في السنبوسة أو نحو ذلك فلا ينقض، ففي رمضان قد يجعل بعض لحم الإبل في بعض الأطعمة، ولكنه يفرم ويذوب؛ فيعفى عنه.

حكم عدم توحيد العدد في الوضوء

حكم عدم توحيد العدد في الوضوء Q هل يجوز لي في حالة الوضوء أن أغسل وجهي ثلاثاً ويدي اثنتين ورجلي واحدة في وضوء واحد؟ A يجوز ذلك، يجوز أن يغسل كل عضو ثلاثاً، ويجوز أن يتوضأ ويغسل بعض الأعضاء ثلاثاً، وبعضها اثنتين، وبعضها واحدة.

يجب الغسل بانتقال المني من الصلب

يجب الغسل بانتقال المني من الصلب Q من أحس بخروج المني من ذكره ولم يخرج، وصلى ولم يغتسل فهل يعيد الصلاة؟ A إذا أحس بانتقاله من الصلب فليغتسل، مثلاً: إذا ثارت شهوته أو حصل ما يحرك شهوته، بأن مس امرأة، أو حقق النظر إليها، أو نظر إلى صور أو نحو ذلك، ففي هذه الحال يغتسل إذا أحس بانتقاله، ولو لم يخرج.

لبن الإبل لا ينقض الوضوء

لبن الإبل لا ينقض الوضوء Q فضيلة الشيخ! شرب حليب الإبل هل ينقض الوضوء؟ A النقض خاص باللحم، أما اللبن فلا ينقض.

حكم النوم عن صلاة الفجر

حكم النوم عن صلاة الفجر Q ما حكم النوم عن صلاة الفجر ويتعذر فاعل ذلك بقوله: رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ؟ A لا يجوز تعمد ذلك، والإنسان معروف أنه ينام، ولكن عليه أن يأتي بالأسباب، فينام مبكراً مثلاً، ويوكل من يوقظه للصلاة، أو يجعل عنده ساعة منبهة أو نحو ذلك.

حكم من صلى بالمسح على الجبيرة الزائدة عن الحاجة جهلا

حكم من صلى بالمسح على الجبيرة الزائدة عن الحاجة جهلاً Q إذا مسح شخص على الجبيرة وهي زائدة عن الحاجة، وصلى بذلك مدة شهر مثلاً، وكان يمسح أعلى الجبيرة فماذا عليه الآن؟ A لا نلزمه أن يقضي الشهر كله، وإنما نقول: هذا شيء قد يشق عليك، وأنت معذور بالجهل، وفي المستقبل عليك أن تمسح جميع الجبيرة، ثم تتيمم عن الزائد.

حكم التيمم عند وجود ماء لا يكفي إلا للشرب

حكم التيمم عند وجود ماء لا يكفي إلا للشرب Q كنا في منطقة تبعد عن المدينة ما يقارب خمسة إلى عشرة كيلو مترات، وكان معنا ماء قليل، فتيممنا وصلينا، فهل يجوز ذلك؟ A إذا كنتم على سيارة فلا يجوز؛ لأن السيارة تقطع هذه العشرة الكيلو مترات في عشر دقائق أو في خمس دقائق، فيجب عليكم أن ترسلوا سيارة تأتيكم بماء للوضوء، وليس في ذلك صعوبة، وإذا كنتم على أرجلكم وليس معكم سيارة فأنتم معذورون في هذه المدة.

حكم مسح الشعر الطويل

حكم مسح الشعر الطويل Q هل مسح المرأة على رأسها إذا كان الشعر طويلاً يكون عليه كله أم ماذا، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A الصحيح: أن مسحه يكون إلى القفا، أما القرون التي تتدلى ذراعاً أو أكثر فلا يلزم أن تتبع، وكذلك الرجل قد يكون عليه شعر يتدلى إلى ظهره -مثلاً- فلا يلزمه أن يتتبع الشعر ويمسحه.

غسل التبرد لا يرفع حدث الجنابة

غسل التبرد لا يرفع حدث الجنابة Q إنسان عليه جنابة واغتسل للتبرد فقط، ثم ذكر بعد أيام، فهل يعيد الصلوات التي كانت عليه بعد الجنابة؟ A الصحيح: أنه إذا اغتسل للتبرد لم يرتفع الحدث، فلابد أن يعيد الصلوات التي صلاها بعد الجنابة، وقبل الاغتسال لها.

الوضوء الواحد يكفي لعدة صلوات

الوضوء الواحد يكفي لعدة صلوات Q تعودت الخروج من المنزل على وضوء، ويستمر هذا الوضوء حتى صلاة الظهر فهل أصلي به الظهر؟ A نعم، إذا كنت على وضوء فإنك تصلي به صلاتين أو ثلاثاً أو أربعاً حتى ينتقض الوضوء.

حكم اغتسال الرجل بفضل ماء زوجته والعكس

حكم اغتسال الرجل بفضل ماء زوجته والعكس Q فضيلة الشيخ! قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الماء لا يجنب) وأنا وزوجتي بعد الجماع نغتسل في المسبح أو المغطس الإفرنجي مع بعضنا جميعاً في وقت واحد، فهل ما نقوم به يرفع الجنابة، أرجو الإفادة؛ فأنا على هذا الحال منذ مدة طويلة؟ A قوله: (الماء لا يجنب) في حالة خاصة، وهو أنه كان عندهم ماء في قدح كبير، فاغتسلت منه ميمونة من جنابة، ثم جاء ليغتسل منه أو ليتوضأ فقالت: (إني كنت جنباً، فقال: إن الماء لا يجنب) فاغتسل منه، يعني: من بقية الماء، فلا يضر مثل هذا، وثبت أنه كان يغتسل هو وعائشة من إناء واحد يغترفان منه جميعاً، فلا بأس بذلك، وهكذا أيضاً إذا اغتسل الإنسان في المغطس مثلاً، فإذا امتلأ المغطس ماءً واغترفا منه جميعاً يجوز ذلك، وكذلك إذا اغتسلا من الرشاش لا بأس.

حكم انغماس الجنب في الماء الراكد

حكم انغماس الجنب في الماء الراكد Q ظاهر السؤال يا شيخ! أنهم يجلسون في المغطس؟ A لا يجزئ الانغماس في الماء حتى ولو كان كثيراً، فإنه عليه السلام: (نهى أن يغتسل الرجل في الماء الراكد، قيل للراوي: كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولاً) ، فإذا كان الماء راكداً فهذا لا يجزئ أن ينغمس فيه، وأما أن يغترف منه فلا بأس.

حكم نقض الشعر عند غسل الجنابة

حكم نقض الشعر عند غسل الجنابة Q أحسن الله إليكم! إذا كان للرجل ضفائر في شعره فهل ينقضها عند غسل الجنابة؟ A الصحيح أنه لا ينقضها إذا كان الماء يدخلها، وإنما يدلكها حتى يصل الماء إلى أصولها.

الغسل بنية الوضوء يجزئ عن الوضوء

الغسل بنية الوضوء يجزئ عن الوضوء Q شخص نوى الوضوء وهو يغتسل فهل يجزئ هذا عن الوضوء؟ A الصحيح أنه يجزئ، فإذا نوى الاغتسال دخل فيه الوضوء، وإن كان الأولى أن يتوضأ.

حكم الاستياك بالأصبع أو الخرقة

حكم الاستياك بالأصبع أو الخرقة Q هل أصاب السنة من استاك بأصبعه أو بخرقة؟ A قال الفقهاء: إنه لا يصيب السنة، وإن كان يخفف، فإذا لم يجد إلا أصبعه دلك بها أسنانه، أو خرقة خشنة دلك بها أسنانه؛ حتى يخفف ذلك وإن لم يكن مصيباً للسنة.

حكم تقديم اليسار على اليمين في الوضوء

حكم تقديم اليسار على اليمين في الوضوء Q إذا غسل الشخص اليسار قبل اليمين سواء في اليدين أو في القدمين مستدلاً بعموم الآية فهل هذا صحيح؟ A ارتفع الحدث عنه، وإن كان ترك السنة، فيجوز ابتداء الغسل باليسرى قبل اليمنى ويرتفع الحدث.

وجوب الترتيب في الوضوء

وجوب الترتيب في الوضوء Q ورد عن علي بن أبي طالب أنه توضأ ولم يرتب بين أعضاء الوضوء كما في جاء في أثر صحيح في كتاب تمام المنة؟ A لعل ذلك كان لعذر، أو أن ذلك كان وضوء تجديد، لا أنه وضوء من حدث، فالمشهور أنهم كانوا جميعاً يرتبون الوضوء، والصحابة كانوا يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

شرح أخصر المختصرات [3]

شرح أخصر المختصرات [3] دين الإسلام دين السهولة واليسر، ولهذا رفع المشقة والحرج عن المكلف، ومن ذلك أن شرع التيمم عند فقد الماء أو تعذر استعماله، وأينما أدركت الإنسان الصلاة فعنده مسجده وطهوره، بل يجوز لمن فقد التراب أن يصلي على حاله، وكل هذا من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة.

أحكام التيمم

أحكام التيمم قرأنا في الدرس الماضي فروض الوضوء: ومنها مسح جميع الرأس، وذكرنا الأدلة على ذلك، وأدلة من اكتفى بمسح بعضه، وبينا أنها لا تصلح دليلاً، وذكرنا كذلك التسمية، ودليل من جعلها واجبة، والأحاديث التي فيها وإن لم تبلغ درجة الصحة بمفردها فإنهم يحتجون بمجموعها. وقرأنا أيضاً المسح على الخفين، وفيه الخلاف في ابتداء المدة: هل مدة المسح تبدأ من أول حدث أو من أول مسح؟ على قولين، والمختار: أنه من أول حدث؛ وذلك لأنه حينئذٍ يكون أهلاً للمسح، ومن اختار أنه من أول مسح فلهم اختيارهم. ومر بنا أيضاً: أن العاصي بسفره كالمقيم في مدته، وهذا اختيار كثير من الفقهاء. والقول الثاني: أنه كالمسافر يمسح ثلاثة أيام ولو كان عاصياً بسفره. وذكرنا الخلاف فيما إذا تمت مدة المسح وهو على طهارة: هل ينتقض وضوءه أم يبقى؟ والمختار أنه ينتقض إذا تمت المدة التي هي يوم وليلة وهو على طهارة، ورجّح البعض أنه يبقى على طهارته حتى ينتقض الوضوء، والذي اختاره أكثر الفقهاء أنه ينتقض وضوءه، ويصير كأنه لم يغسل قدميه؛ لأن المسح عليهما قد بطل مفعوله. ومرّ بنا أيضاً: أن من النواقض الخارج النجس من البدن إذا كان كثيراً غير بول أو غائط كالدم والقيء والصديد، وانعقد الاتفاق على أنها نجسة، فالصحيح أن خروجها ناقض، مع خلاف موجود في ذلك. وكذلك مر بنا الخلاف في لحم الإبل، هل ينقض أو لا؟ والمختار أنه ينقض خلافاً للشافعية ونحوهم، وقد ورد فيه حديثان: حديث عن البراء وحديث عن جابر بن سمرة، ولا عذر في ترك العمل بهما. وكذلك ذكرنا الخلاف في مس الفرج، في مس الرجل ذكره أو الأنثى قبلها، وفيه ثلاثة أقوال: قول: أنه ناقضٌ مطلقاً إذا كان بدون حائل. وقول: أنه لا ينقض مطلقاً. وقول: أنه ينقض إذا أثار الشهوة. والاحتياط: أنه يتوضأ، ويعفى عنه إذا كان من غير قصد كما في الاغتسال، أو كان اللمس برءوس الأصابع أو بظهرها أو نحو ذلك. ومرّ بنا في موجبات الغسل الخلاف في تغييب الحشفة في الفرج هل ينقض أو لا؟ فالجمهور على أنه يوجب الغسل. وقد قع فيه خلاف بين الصحابة: فذهب بعضهم: إلى أنه لا ينقض إلا بالإنزال، لحديث: (إنما الماء من الماء) ، والآخرون رجحوا أن هذا منسوخ، ذكر ذلك المحققون كما في شرح الزركشي وغيره. ومر معنا الخلاف في إسلام الكافر: هل يوجب الغسل أو لا؟ والصحيح: أنه يلزمه الغسل؛ وذلك لأنه قبل إسلامه نجس معنوياً. ومر بنا ذكر الأغسال المستحبة، وهي كثيرة كما ذكرنا. وكذلك نقض المرأة شعرها للغسل من الحيض أو النفاس، وفيه أيضاً خلاف، والمختار: أنها تنقض؛ وذلك لأنه حدث كبير، ولأنه يحتاج إلى تنظيف زائد، ولا يحصل هذا بمجرد الاغتسال. ومر بنا ذكر مقدار الغسل، وأنه يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع، والمد من البر: ملء كفين متوسطتين مجموعتين، وقدر ذلك من الماء؛ لأن الماء لا يكون له علاوة، بخلاف البر فإنه يكون له علاوة فوق اليدين، وكره الإسراف، يعني: الإكثار من صب الماء؛ لعموم الأدلة في النهي عن الإسراف مطلقاً. هذه أهم المسائل الخلافية التي مرت في الدرس الماضي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: يصح التيمم بتراب طهور مباح له غبار إذا عدم الماء لحبس أو غيره، أو خيف باستعماله ضررٌ ببدنٍ أو مال أو غيرهما، ويفعل عن كل ما يفعل بالماء سوى نجاسة على غير بدنٍ إذا دخل وقت فرض وأبيح غيره، وإن وجد ماءً لا يكفي طهارته استعمله ثم تيمم، ويتيمم للجرح عند غسله إن لم يمكن مسحه بالماء، ويغسل الصحيح، وطلب الماء شرط، فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد. وفروضه: مسح وجهه، ويديه إلى كوعيه، وفي أصغر ترتيب وموالاة أيضاً. ونية الاستباحة شرط لما يتيمم له، ولا يصلي به فرضاً إن نوى نفلاً أو أطلق. ويبطل بخروج الوقت، ومبطلات الوضوء، وبوجود ماء تيمم لفقده. وسن لراجيه تأخير لآخر وقت مختار، ومن عدم الماء والتراب أو لم يمكنه استعمالهما صلى الفرض فقط على حسب حاله ولا إعادة، ويقتصر على مجزئ، ولا يقرأ في غير صلاة إن كان جنباً. فصل: تطهر أرض ونحوها بإزالة عين النجاسة وأثرها بالماء، وبول غلام إن لم يأكل طعاماً بشهوة، وقيئه بغمره به، وغيرهما بسبع غسلات، أحدها بتراب ونحوه في نجاسة كلب وخنزير فقط مع زوالها، ولا يضر بقاء لون أو ريح أو هما عجزاً، وتطهر خمرة انقلبت بنفسها خلاً، وكذا دنها، لا دهن ومتشرب نجاسة. وعفي في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس ونحوه، من حيوان طاهر لا دم سبيل إلا من حيض، وما لا نفس له سائله، وقمل وبراغيث وبعوض ونحوها طاهرة مطلقاً، ومائع مسكر، وما لا يؤكل من طير وبهائم مما فوق الهر خلقة، ولبن ومني من غير آدمي. وبول وروث ونحوها من غير مأكول اللحم نجسة، ومنه طاهرة، كمما لا دم له سائل. ويعفى عن يسير طين شارع عرفاً إن علمت نجاسته، وإلا فطاهر. فصل في الحيض: لا حيض مع حمل، ولا بعد خمسين سنة، ولا قبل تمام تسع سنين، وأقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر، وغالبه ست أو سبع، وأقل طهر بين حيضتين ثلاثة عشر، ولا حد لأكثره، وحرم عليها فعل صلاة وصوم، ويلزمها قضاؤه، ويجب بوطئها في الفرج دينار أو نصفه كفارة، وتباح المباشرة فيما دونه. والمبتدأة تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي، فإن لم يجاوز دمها أكثره اغتسلت أيضاً إذا انقطع، فإن تكرر ثلاثاً فهو حيض تقضي ما وجب فيه، وإن أيست قبله أولم يعد فلا، وإن جاوزه فمستحاضة، تجلس المتميزة إن كان وصلح في الشهر الثاني، وإلا أقل الحيض حتى تتكرر استحاضتها، ثم غالبه، ومستحاضة معتادة تقدم عادتها، ويلزمها ونحوها غسل المحل وعصبه، والوضوء لكل صلاة إن خرج شيء، ونية الاستباحة، وحرم وطؤها إلا مع خوف زنا. وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً، والنقاء زمنه طهر، يكره الوطء فيه، وهو كحيض في أحكامه، غير عدة وبلوغ] . هذا شيء من تتمة أحكام الطهارة، والطهارة بالماء هي الأصل، ولكن قد يشق تحصيل الماء أو استعماله، فأبيح أن يتيمم بدل الطهارة بالماء.

تعريف التيمم

تعريف التيمم التيمم في اللغة: القصد، تقول: تيممت الشيء إذا قصدته، وسمي بذلك أخذاً من قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا} [النساء:43] أي: اقصدوا الصعيد الطيب فامسحوا، والأصل أن الماء هو الطهور الذي يرفع الأحداث ويزيل الأخباث؛ لقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال:11] ، وقوله: {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان:48] ، ولكن قد يحتاج إلى الماء لقلته مثلاً، وقد يشق استعماله؛ فشرع التيمم.

سبب مشروعية التيمم

سبب مشروعية التيمم ذكر في سبب شرعية التيمم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه مسافرين في غزوة، وكانوا يسيرون ليلة مظلمة، فسقط عقد لـ عائشة، فلما سقط قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنيخوا ها هنا حتى الصباح) ولم يكن معهم ماء يتوضئون به، ولم يكونوا على ماء، فقال الناس لـ أبي بكر: ألا ترى إلى عائشة حبست النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟! وفي آخر الليل نزل الأمر بشرعية التيمم، نزلت فيه آيتان: آية في سورة النساء وهي قول الله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء:43] . والثانية في سورة المائدة وهي قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6] ، وفيها زيادة (منه) .

التيمم من خصائص هذه الأمة

التيمم من خصائص هذه الأمة والتيمم يعتبر رخصة وتوسعة على هذه الأمة، وقد دلت السنة على أنه من الخصائص التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره) أي: متى كان سائراً أو مسافراً فأدركته الصلاة وليس معه ماء، فإن عنده مسجده، أي: وجه الأرض يصلي في أي بقعة، وطهوره يعني: تراب الأرض يتطهر منه بالتيمم. فهذا دليل على أنه من خصائص هذه الأمة.

شروط التيمم

شروط التيمم ذكر العلماء شروطاً للتيمم: فأولاً: هل يشترط أن يكون التيمم بتراب أو يجوز بغير التراب؟ الجمهور من الفقهاء على أنه لابد أن يكون بتراب، ومعنى هذا أنه لا يتيمم على صخرة، ولا على بلاط، ولا على فراش، ولا على بطحاء خشنة كالحصباء ونحوها. والصحيح: أنه يجوز أن يتيمم من الجميع عند الحاجة، وذلك لقوله عليه السلام: (أيما رجل أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره) فقوله: (عنده) أي: ولو كانت الأرض رملية أو حصباء أو صخرية، فإن تيسر التراب طلبه، فإن شق عليه لم يلزمه أن يحمله. وشدد بعض العلماء فقالوا: إذا كان أمامه أرضاً رملية فعليه أن يحمل معه تراباً ليتيمم منه، ذكر ذلك الشافعية في كتبهم، ولكن الصحيح أن عنده مسجده وطهوره، فيتيمم في أي مكان، فإن وجد التراب فهو أفضل، وإلا تيمم من الرمل أو من البطحاء أو غيرهما. الشرط الثاني: أن يكون طهوراً، يعني: طاهراً، والله جعل هذا التراب طهوراً يقوم مقام الماء، فإذا كانت الأرض فيها نجاسة من أبوال أو رماد نجس أو أي شيء نجس فلا يجوز التيمم بها؛ لأن الله شرط الطيب في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43] . والأرض الوسخة لا تسمى صعيداًً طيباً، فالرمادية أو المزبلة أو التي يلقى فيها القمامات والفضلات أو المجزرة التي فيها الدماء والفرث والدم ونحو ذلك ليست أرضاً طيبة، ولا تدخل في قوله: (صعيداً طيباً) . الشرط الثالث: أن يكون مباحاً، فعند بعض الفقهاء أنه لو تيمم في أرضٍ مغصوبة فلا يُرفع حدثه؛ لأنها ليست مباحة، وكذا لو دخل أرضاً بغير إذن أهلها، يعني: قد أحاطوها ومنعوها فدخل وتسلق حائطاً، يقولون: لا يباح أن يتيمم بها؛ وذلك لأنها غير مباحة. والأقرب: أنه يرتفع حدثه، ويأثم بدخوله في أرض غيره، ولكن إذا تيمم فيها وصلى فيها، يرتفع حدثه، وتجزئة صلاته، ولا يؤمر بالإعادة، وإنما يقال: أنت آثم بدخول أرض غيرك قهراً، ولكن عبادتك لا نأمرك بإعادتها. الشرط الرابع: قولهم: (له غبار) ، هذا شرط عند كثير من الفقهاء؛ لأن الله يقول: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6] ، وقوله: (منه) للتبعيض، أي: من بعضه، فالأرض التي فيها غبار إذا ضربها بكفيه علق الغبار، ثم مسح به وجهه، ومسح بالغبار كفيه، والتي لا غبار فيها إذا ضربها لا يعلق بيديه شيء، فبأي شيء يمسح؟! هذا قول. والقول الثاني: أنه لا يشترط الغبار، وأن قوله: (منه) أي: بعد أن تضربه ولو لم يعلق {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6] يعني بما ضربتم فيه، فالعادة أن اليد إذا ضربت في الأرض قد يلتصق بها بعض حبات التراب كالرمل والبطحاء ونحو ذلك، وكذلك الغبار ولو كان يسيراً، فيصدق عليه أنه مسح منه. والأرض الرملية ليس لها غبار كما هو مشاهد، ولو ضربتها ما تطاير غبار. وقد يكون هناك غبار على غير الأرض، مثلاً: إذا كان هناك فراش في مجلس، وبقي على عدم تنقيته عشرة أيام أو شهراً فضربته بيدك فإنه يتطاير منه غبار، بل قد يجتمع الغبار على غيره ولو كان مرتفعاً، فعلى هذا فله أن يضرب وجه الأرض سواء كان فيه غبار أم لا. الشرط الخامس: عدم الماء، دليله قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) وكيف يعدم الماء؟ إذا حبس -مثلاً- ولم يستطع الوصول إلى الماء، فإنه يصلي بالتيمم، أو إذا سافر ومر بأرض صحراء ليس فيها ماء، فيجوز له أن يتيمم، ولو كان معه ماء يحبسه لشربه أو لطبخ طعامه يتيمم؛ لأن الوضوء له بدل، والشراب ليس له بدل. وكثير من الناس بعد وجود السيارات يتساهلون، فإذا خرجوا -مثلاً- مسيرة عشرين كيلو متراً أو أربعين كيلو متراً تيمموا ومعهم مياه كثيرة، تكفيهم لو توضئوا، وكذلك توجد حولهم مزارع أو قرى، وقد يكون البلد قريباً، ومع هذا يتيممون، ففي مثل هذا لا يجب التساهل إذا كان معهم ماء، ولا يقولون: إننا لسنا على آبار أو مساكن أو نحوها، فإن الماء الذي معهم كثير، ومعلوم أنه لو قل الماء الذي معهم لأرسلوا وارداً يأتيهم بالماء، بل لو فقدوا حاجة كملح الطعام لأرسلوا من يأتيهم به، مما يدل على أن عندهم القدرة على تحصيل الماء، فلا يجوز التيمم والحال هذه، والتيمم مع وجود الماء أو مع القدرة على إحضاره يعتبر تساهلاً؛ لأن الله قال: (فلم تجدوا ماء) ، وقد تشدد الحنابلة في طلب الماء، فقالوا: إذا دخل الوقت لزمه أن يطلب الماء، ويبحث عنه فيما حوله، فإذا بحث لعله يجد مستنقعاً أو يجد غديراً أو يجد بئراً أو نحو ذلك، فيبحث ولا يتيمم إلا إذا تحقق وتيقن أنه ليس عنده ماء.

جواز التيمم مع وجود الماء إذا تعذر استعماله

جواز التيمم مع وجود الماء إذا تعذر استعماله يباح التيمم إذا خيف باستعمال الماء أو طلبه الضرر، فإذا خاف أنه إذا استعمله تضرر بعطش له أو لرفقته أو لدوابهم فيتيمم، وكذا إذا استعمله وفيه جرح إذا غسله تضرر أو إذا ذهب يطلبه خاف ضرراً، كأن يكون هناك عدوٌ يخافه ويترصد له، فالضرر يكون بالبدن أو بالمال أو بغيرهما، والضرر بالبدن كالجرح، فإذا كان إذا غسله تضرر فله أن يعدل إلى التيمم، والضرر بالمال مثلاً إذا توضأ عطشت دابته أو نحو ذلك، والضرر في غيرهما كالرفقة، فإذا كان معه رفقة وإذا توضأ بالماء تضرروا فإنه يتيمم.

يباح بالتيمم كل ما يباح بالطهارة بالماء

يباح بالتيمم كل ما يباح بالطهارة بالماء إذا تيمم فعل كل ما يفعل بالماء، سوى نجاسة على غير بدن، يعني: إذا تيمم جاز له أن يصلي، وجاز له أن يقرأ في المصحف، وإذا كانت المرأة حائضاً مثلاً وطهرت وتيممت جاز لزوجها وطؤها، وكذلك إذا تيمم جاز له أن يصلي على جنازة، أو نحو ذلك، فيفعل كل ما يفعله إذا توضأ بالماء. إلا نجاسة على غير بدن، النجاسة التي على غير البدن -يقولون: لا يرفعها التيمم. واختلف في النجاسة التي على الثوب: إذا لم يجد إلا هذا الثوب، ولم يجد سترة يستر بها بدنه، أو كان يصلي فأصابته نجاسة كبول أو غائط أو دم أو غير ذلك، فهل يتيمم لها؟ الأقرب: أنه يتيمم لها إذا لم يجد ثوباً غير هذا. وأما النجاسة التي على القدح -مثلاً- أو على الفراش فلا يرفعها التيمم؛ لأن تطهيرها ليس ضرورياً للصلاة. وأما النجاسة التي على البدن إذا تنجس ولم يجد ماء يغسله فيرفعها التيمم؛ لأنه إذا تيمم رفع الحدث، ورفع النجاسة التي على بدنه.

وقت التيمم

وقت التيمم متى يجوز التيمم؟ يجوز بعد دخول الوقت، فلا يتيمم قبله، فلا يتيمم لصلاة الفجر قبل طلوع الفجر، ولا يتيمم لصلاة الظهر قبل الزوال، ولا للمغرب قبل الغروب، ولا للعشاء قبل غروب الشفق، بل لابد أن يكون التيمم بعد دخول الوقت؛ وذلك لأنها استباحة عبادة؛ لهذا فلا يتيمم إلا بعد ما يدخل الوقت، وإذا كان يصلي غير الفرض فلا يتيمم إلا بعد ما يباح الفرض، مثلاً: إذا طلعت الشمس انتقض تيممه لصلاة الفجر، فإذا أراد أن يصلي صلاة الإشراق فيتيمم إذا أبيحت النافلة، وهي تباح إذا خرج وقت النهي بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، ويقدر ذلك بربع ساعة أو بنحو عشر دقائق بعد طلوع الشمس، فإذا أبيحت النافلة تيمم لها.

الذي لا يجد ماء كافيا لغسل جميع أعضائه يتيمم للباقي

الذي لا يجد ماءً كافياً لغسل جميع أعضائه يتيمم للباقي من وجد ماء لا يكفي لطهارته كلها استعمله وتيمم للباقي، وجد ماء قليلاً ملء الكأس، فغسل به وجهه، وغسل به ذراعيه، وانتهى الماء، فيتيمم عن الباقي، أي: عن مسح الرأس وغسل الرجلين؛ وذلك لأنه وجد ماء فاستعمله فانتهى ذلك الماء قبل تكميل الطهارة فيتيمم للباقي. وهل يتيمم قبل أن تنشف أعضاؤه؟ الصحيح: أنه يتيمم بعد ما تنشف أعضاؤه؛ لأنه سيتلوث بالتراب إذا تيمم ويده رطبة.

تحديد وقت التيمم للجرح

تحديد وقت التيمم للجرح إذا كان فيه جرح فمتى يتيمم للجرح؟ قيل: عند غسله إن لم يمكن مسحه بالماء، وهذا قد يكون فيه مشقة، وصورة كلامهم: أنه إذا كان الجرح مثلاً في يده اليسرى في الذراع، وعليه لصوق أو نحوه، فيبدأ فيغسل وجهه مع المضمضة والاستنشاق، ثم يغسل يده اليمنى، ثم يغسل الكف اليسرى، ويغسل ما يقدر عليه من ذراعه اليسرى كالمرفق ونحو ذلك، ويبقى هذا الجرح الذي لا يقدر على مسحه، وإذا مسحه قد يتضرر، فيتيمم له في هذه الحال قبل مسح الرأس، فإذا تيمم له كمّل الوضوء، فمسح على رأسه وغسل رجليه، هذا معنى تيممه للجرح عند غسله؛ لأن هذا من الترتيب. لكن قد يشق عليه أن يتيمم وقت وضوئه، وقد يكون التراب الذي حوله غير صالح، وقد يتوضأ في داخل الحمام، والحمام مبلط أو نحوه، فالأقرب أنه إذا انتهى من وضوئه كله تيمم لهذا الجرح، أما إذا قدر على مسحه فإنه يمسحه، فيبل يده ثم يمسح الجرح إذا كان بارداً، فإن كان عليه شاشة أو جبيرة مسح عليها وكفى، وتقدم أنها إذا كانت زائدة عن قدر حاجته فيتيمم عن الزائد، وإذا كان فيه جرح فيغسل أعضاءه الصحيحة، فإذا كان الجرح -مثلاً- في وسط الذراع غسل الكف، وغسل أول الساعد وغسل المرفق، ويبقى الوسط الذي فيه هذا الجرح أو فيه هذه الجبيرة، فهذا هو الذي يتيمم له.

اشتراط طلب الماء قبل التيمم

اشتراط طلب الماء قبل التيمم قوله: (طلب الماء شرط) يعني: لازم أن يطلبه، والصحيح: أنه إذا علم أنه ليس حوله الماء، فإنه لا يلزمه الطلب، وهم يقولون: إذا دخل الوقت فإنه يمد نظره من هنا ومن هنا، ويمشي قليلاً ويسأل، فإذا رأى -مثلاً- خضرة تدل على إمكان أن يكون هناك ماء أو ما أشبه ذلك ذهب إليها، هذا طلب الماء. ولعل الأولى أنه إذا كان متحققاً أن الأرض قاحلة ليس فيها ماء تيمم، وإن لم يطلبه، فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد، مثلاً إنسان تيمم في صحراء وهو يعلم أن فيها ماء، وأن هناك عيناً أو بئراً أو (ماكنة) قريبة منه، فتيمم لأنه فقد علم مكانها، ونسي القدرة على الماء، فإنه يعيد؛ لأنه فرط.

فروض التيمم

فروض التيمم فروض التيمم اثنان: مسح الوجه، ومسح الكفين، أما فروض الوضوء التي تغسل فأربعة، ومسح اليدين يكون إلى الكوع عند الحنابلة، والكوع هو: المفصل الذي بين الكف والذراع، فمفصل الكف من الذراع يُسمى كوعاً، ومفصل الذراع من العضد يُسمى مرفقاً، والمسح إلى المرفقين مختلف فيه، والشافعية قالوا: يمسح إلى المرفق؛ لأن المسح بدل الغسل، واستدل الحنابلة بحديث عمار بن ياسر: أنه يكفي مسح الكفين فقط، ولكن لابد من مسح بطونها وظهورها وتخليل الأصابع؛ لأن الله قال: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:43] ولم يذكر حداً، ولم يقل: إلى المرافق، ولا إلى الآباط، فاليد عند الإطلاق تطلق على الكف؛ وذلك لأنها هي التي تعمل، كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران:182] ، والذراع لا يعمل غالباً، فتكون اليد هي الكف، ولقوله: {تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:33] ، والسارق تقطع يده من الكوع، والدليل الذي يستدل به الشافعية على أن المسح إلى المرفق ضعيف لا يصح، وهو مروي في سنن الدارقطني: (التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين) ولكنه ضعيف. وإذا كان التيمم بدلاً عن الوضوء فلابد فيه من الترتيب والموالاة، ويقولون: يجب الترتيب والموالاة إذا كان التيمم عن حدث أصغر، فإذا كان التيمم لرفع حدث أصغر -مثلاً- لأجل خروج الريح، أو لأجل بول أو لأجل أكل لحم إبل، أو نحو ذلك؛ فيكون أركانه وفروضه أربعة: مسح الوجه، ومسح الكفين، والترتيب، والموالاة، أما إذا كان عن حدث أكبر فلا يشترط ترتيب ولا موالاة؛ لأنهما لا يشترطان في أصله، فالغسل لا يشترط فيه الترتيب، ولا يشترط فيه الموالاة، فلو غسل أعلى جسده إلى بطنه في أول الليل، وغسل بقيته من بطنه فما تحت في آخر الليل أجزأ، يعني: لا تشترط فيه الموالاة، وكذلك لو بدأ بالاغتسال برجليه ثم بساقيه ثم بفخذيه ثم بحقويه ثم ببطنه وصدره ثم برأسه أجزأ؛ لأنه لا يشترط فيه ترتيب، فيقولون: إذا كان التيمم بدل الحدث الأصغر فلابد من ترتيب وموالاة، وإذا كان بدل الحدث الأكبر فلا حاجة إلى موالاة ولا ترتيب. ولعل الأقرب: أنه يلزم الترتيب والموالاة في الأمرين؛ وذلك لأنه ليس فيه كلفة، فهما في مقام واحد، فيضرب الأرض ثم يمسح الوجه ثم يمسح اليدين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ابدءوا بما بدأ الله به) ، فالله بدأ بالوجه فقال: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء:43] ، فهو قدم الوجه فنقدمه كما في الوضوء. وكون الإنسان يضرب بيديه الأرض ثم يمسح وجهه، ثم بعد ساعة أو نصف ساعة يضرب ويمسح يديه هذا خلاف المعتاد، فالتيمم عبادة واحدة فلا يفرقها، لا في أكبر ولا في أصغر.

اشتراط النية في التيمم

اشتراط النية في التيمم النية شرط للغسل لكل حدث، ونية الاستباحة شرط لما يتيمم له، ومعنى ذلك: أنه يجب أن ينوي بتيممه هذا صلاة الظهر مثلاً، وإذا كان في الضحى نوى بالتيمم صلاة الضحى، فينوي الصلاة التي يتيمم لها، ويدخل في هذا التيمم بقية العبادات، وإذا تيمم للظهر جاز له أن يصلي ركعتين قبلها، وركعتين بعدها مثلاً، وأن يمس المصحف، يعني: أن حدثه ارتفع بالتيمم. ويقولون: إذا تيمم لنفل لم يصل به فرضاً، وصورة ذلك: إذا أصبح إنسان وتيمم لأجل أن يصلي صلاة الضحى، وتذكر بعد ذلك أنه لم يصل الفجر أو العشاء، فهل يصليها بهذا التيمم الذي تيممه لنية الضحى، ولنية التطوع أو يتيمم له تيمماً جديداً؟ عند الفقهاء أنه يتيمم له تيمماً جديداً؛ لأنه تيمم لنافلة فلا يصلي بها الفريضة، وهذا على القول بأن التيمم مبيح، ولعل الأقرب: أنه رافع، فالتيمم قيل: إنه يرفع الحدث رفعاً مؤقتاً، وقيل: إنه لا يرفع الحدث، والحدث باق، ولكنه يبيح العبادة، وإذا قيل: إنه مبيح فمن تيمم لنافلة لم يصل فرضاً، وإذا قلنا: إنه رافع -ولعله الأقرب- فإنه يصلي فروضاً ونوافل، ولو كانت نيته أن يصلي صلاة نافلة كالضحى؛ وذلك لأنه ارتفع حدثه، فإذا ارتفع فلا يعود إلا بموجب. قوله: (إذا نوى نفلاً أو أطلق) أي: لم ينو نفلاً ولا فرضاً، بل تيمم بالإطلاق، وقد عرفنا أن الصحيح: أنه إذا تيمم لنافلة صلى بها فرضاً.

مبطلات التيمم

مبطلات التيمم يبطل التيمم بخروج الوقت، هذا هو المشهور؛ وذلك لأنه حدد الوقت، فإذا تيممت لصلاة العصر وغربت الشمس وأنت على تيممك، ولم تأت بناقض من نواقض الوضوء؛ فجدد التيمم للمغرب، وإذا تيممت للمغرب وأنت لا تجمع، وجاء وقت العشاء؛ فجدد التيمم للعشاء، وهكذا، فيبطل التيمم بخروج الوقت؛ وذلك لأنه طهارة ضرورية تحدد بقدرها. وكذلك يبطل بمبطلات الوضوء، يعني: بخروج ريح، أو ببول، أو بغائط، أو بخروج دم، أو بأكل لحم الإبل، أو نحو ذلك مما يبطل الوضوء. ويبطل أيضاً بوجود الماء؛ لأنه محدد بفقد الماء، فإذا وجد الماء -وكان التيمم لأجل فقده- فإنه يبطل، فإذا حضر الماء بطل التيمم، كما يُضرب ذلك مثلاً. واختلف فيما إذا وجد الماء وهو في الصلاة، هل يستمر في صلاته أو يقطعها؟ الأكثرون على أنه يقطعها، وبعضهم قال: إنه يستمر فيها؛ لأنه دخلها بطهارة، ولم يوجد ما يبطل هذه الطهارة، وعلى هذا إن استمر فلا بأس، ولكن الأولى أن يقطعها ويتوضأ.

استحباب تأخير الصلاة لراجي الماء

استحباب تأخير الصلاة لراجي الماء قوله: (وسن لراجي الماء تأخير لآخر وقت مختار) يعني: راجي الماء، فله تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار، ووقت الصلاة ينقسم إلى قسمين: وقت اختيار، ووقت ضرورة، فوقت الاختيار في صلاة الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، فإذا كنت -مثلاً- تسير في الطريق، ووقت العصر يدخل في الساعة الثانية والثلث، وأنت تمشي ويمكن أنك تصل إلى الماء بعد ساعة قبل أن يخرج الوقت، وقبل أن يصل ظل الشيء مثليه، فالأولى أن تؤخره -أي: العصر- إلى الساعة الرابعة والثلث مثلاً، والأولى أن تؤخر التيمم؛ لأنك ترجو أن تصل إلى الماء، أو أرسلت من يأتي بالماء وتنتظره، فإن خفت أن يخرج وقت الاختيار فلك أن تتيمم، كذلك مثلاً إذا أرسل جماعة وارداً ثم أملوا أنه يأتيهم بماء قبل خروج وقت الاختيار فإنهم ينتظرونه، حتى يؤدوا الصلاة بماء.

صلاة فاقد الطهورين

صلاة فاقد الطهورين قوله: (من عدم الماء والتراب أو لم يمكن استعمالهما صلى الفرض فقط على حسب حاله ولا إعادة) يعني: من عدم الماء والتراب مثل المحبوس ونحوه، فقد لا يجد ماءً ولا تراباً في هذه الحال، فهو معذور إذا صلى بدون وضوء ولا تيمم، ولكن إذا تيسر له أن يتيمم على البلاط ونحوه فهو أفضل، وفي هذه الحالة يقولون: يقتصر على الفرض، فلا يصلي نوافل؛ لأن طهارته ناقصة، وكذلك أيضاً يقتصر على المجزئ فيقرأ الفاتحة فقط، ولا يقرأ معها سورة، ويقتصر من التسبيح على (سبحان ربي العظيم) مرة واحدة، و (سبحان ربي الأعلى) مرة واحدة، هكذا قالوا، ولعل الصواب: أنه يصلي صلاة كاملة، وأنه يصلي نوافل؛ وذلك لأنه معذور لفقد التراب، ولا إعادة عليه. قوله: (ولا يقرأ في غير صلاة إن كان جنباً) إذا كان جنباً ولم يجد ماء ولا تراباً وصلى فإنه يقرأ في الصلاة، ولا يقرأ خارج الصلاة.

إزالة النجاسة

إزالة النجاسة النجاسة مثل الدم، والبول، والغائط، والقيء، والخمر، والصديد، والميتة لحمها وما يتعلق بها، ولعاب الكلب، ونحو ذلك، هذه تُسمى (نجاسات) أي: نجاسات عينية، ويشترط للصلاة إزالة النجاسة وتجنبها، ومن صلى وعليه نجاسة لم تصح صلاته إذا كان قادراً على إزالتها. والنجاسة إما أن تكون على الأرض أو على الثوب أو على الإناء أو على البدن، فإذا كانت على الأرض أو على ما اتصل بالأرض كالبلاط مثلاً، أو الفراش الملتصق بالأرض الذي لا يمكن رفعه، أو على الجدران ونحوها، فلا تطهر إلا بزوال عين النجاسة وغسل أثرها بالماء، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بتطهير نجاسة بول الإعرابي بصب الماء عليها، أمر بدلو من ماء فأمر بصبه عليها، ومن المعلوم أن الدلو يكاثرها كثيراً فترطب، فإذا كان لها جرم كالبول والغائط فلابد من زوال جرمها، وزوال حمرة الدم مثلاً أو صفرته أو صفرة القيح والصديد، فإذا زال جرمها وأثرها طهر المكان، ولا حاجة إلى عدد.

حكم بول الغلام

حكم بول الغلام قوله: (وبول غلام لم يأكل الطعام بشهوة) أي: يكتفى بصب الماء عليه دون فرك وتكرار، وأما إذا أكل الطعام بشهوة فإنه يغسل كغيره حتى يزول أثره، بخلاف بول الأنثى ولولم تأكل الطعام، وبخلاف غائط الصغير فإنه يغسل، والرخصة والتخفيف إنما هي في بوله بشرط أنه لم يشته الطعام. وألحقوا قيئه ببوله، يعني: إذا تقيأ الصغير لبناً فإنه أيضاً يغمر بالماء، يعني: يكاثر بالماء ويصب عليه صباً من دون دلك، أما بقية النجاسات فيشترط لها سبع غسلات، واستدلوا بحديث روي عن ابن عمر: (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) ولكن الحديث غير معروف، والصحيح: أن جميع النجاسات لا يشترط لغسلها عدد، بل الحكم واحد، فإذا زالت عين النجاسة بالماء اكتفي بذلك، دون إعادة، وذلك لأنها لو لم تزل بالسبع لزيد حتى تزول، فلو لم يزل أثر الدم أو الغائط بسبع غسلات فيغسل ثمانياً أو تسعاً أو نحو ذلك حتى يزول أثره؛ وذلك لأن القصد إزالة أثرها، وبه تطهر.

نجاسة الكلب

نجاسة الكلب نجاسة الكلب ورد في غسلها العدد، كما في الحديث الصحيح: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب) ، وفي حديث آخر: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعاً وغسلوه الثامنة بالتراب) ، والفقهاء ألحقوا به الخنزير، وذلك لنجاسته وخبثه، ولعل الصواب: أنه لا يلحق به شيء، لا يلحق به الخنزير ولا غيره، ولا الحمار ولا الأُسود ولا السباع، بل يختص الحكم بالكلب، وهذا لحكمة فيه ظهرت أخيراً، وهي أن في لعابه جراثيم خفية صغيرة لا تزول إلا بتكرار الغسل والتراب، هكذا ذكر لنا بعض المشايخ، فالخنزير ليس مثله. ثم اختلفوا في بقية نجاسات الكلب هل تغسل سبعاً، يعني: بول الكلب وروثه هل يغسل سبعاً أو يكتفى بغسله حتى يزول أثر النجاسة؟ الأقرب: أنه لا يحتاج إلى سبع، ولا إلى تراب، بل يُغسل إلى أن يزول أثر النجاسة وعينها كسائر النجاسات، فالخنزير وبول الكلب ودمه كلها تغسل إلى أن يزول الأثر، ولا حاجة إلى التسبيع بالماء إلا في لعابه يعني: إذا شرب من الإناء.

حكم أثر النجاسة

حكم أثر النجاسة إذا زالت النجاسة بعد الغسل لم يضر اللون أو الريح، وقد يبقى لونها، فيقولون: لا يضر اللون، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: (تحته -يعني: لأن به جرماً حتى يتساقط ما تجمد منه- ثم تقرصه بالماء -وذلك بأن تصب عليه الماء وتدلكه جيداً برءوس الأصابع- ثم تنضحه بالماء) وفي حديث آخر أنه قال: (يكفيك الماء، ولا يضرك أثره) أي: لو بقي أثره، فلو أصاب الثوب الأبيض -مثلاً- دم من جرح أو نحوه ثم إنه غسله بالماء، ولكن بقي سواده فلا يضر، وإذا بقي شيء لا يزيله الماء فلا يشترط فيه صابون ولا مزيل، وكذلك لو بقي ريح عجز عن إزالته فلا يضر.

نجاسة الخمر

نجاسة الخمر من النجاسات: الخمر، وقد سماها الله تعالى رجساً، والرجس هو: النجس، فكل شيء وصف بأنه رجس إذا كان من السوائل فإنه نجس العين، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم خبيثة بقوله: (الخمر أم الخبائث) ، فعلى هذا تكون نجسة، ولو كان أصلها طاهراً، فقد تكون مصنوعة من التمر، أو من العنب، أو من العسل، أو من الزبيب، أو من الشعير، ومع ذلك فإنها إذا كانت مسكرة فإنها نجسة، فإذا انقلبت خلاً بنفسها طهرت، فإن الخل يكون مفيداً طاهراً، يصلح إداماً، كما في الحديث (نعم الإدام الخل) كخل التمر أوخل الزبيب أو نحو ذلك، فإذا انقلبت الخمر بنفسها خلاً فإنها تطهر، وأما إذا عالجها حتى تخللت فلا تطهر؛ لأنه مأمور بإراقتها فوراً، فإذا نقلها من الظل إلى الشمس حتى تتخلل أو طبخها أو جعل فيها دواءً حتى يخللها، فإنها تبقى على نجاستها. وقوله: (كذا دنها) يعني: ظرفها التي هي فيه، سواء كان من الجلود أو من الخشب، فإذا تخللت طهر ذلك الدن.

حكم الدهن الممتزج مع النجاسة

حكم الدهن الممتزج مع النجاسة هل يطهر الدهن المتنجس المتشرب نجاسة؟ A لا يطهر؛ وذلك لأنه لا يمكن غسله، لكن الصحيح: أنه إذا وقعت به نجاسة فإنها ترفع وما حولها، ويطهر الباقي، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فأرة سقطت في سمن وماتت فقال: (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) لأنها إذا ماتت فهي نجسة، فتلقى وما حولها. واختلف هل هناك فرق بين القليل والكثير، وبين المائع والجامد؟ والصحيح: أنه لا فرق، فتلقى وما حولها ولو كان جامداً، والرواية التي فيها أنه كان جامداً غير صحيحة. والحاصل: أنه إذا كان هناك دهنٌ متنجسٌ كله فإنه لا يطهر، وكذلك بطريق الأولى إذا كان نجس العين كشحم الميتة، فإنه يعتبر نجساً ولا يمكن تطهيره، وكذا إذا تشرب الدهن بالنجاسة وامتزجت به، فلا يمكن تطهيره.

الدم الطاهر والدم النجس

الدم الطاهر والدم النجس قوله: (يعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر) يعفى عن يسير دم نجس، يعني: نطفة أو نطفتين مثلاً في الثوب أو على البدن أو على البقعة، إذا كان دم إنسان أو دم حيوان طاهر، مثل الحيوان المأكول كالإبل والبقر والدجاج ونحو ذلك، بخلاف دم من كلب أو من خنزير أو من حمار فإنه لا يعفى عن يسيره؛ لأنه نجس في الحياة، وكذا فضلاته. ولا يعفى عن الكثير، ويعفى عن القيء اليسير وما أشبهه، فإذا كان الدم اليسير في المائعات فلا يعفى عنه، وإذا سقطت نطفة دم في الماء فلا يشرب منه ولا يُتوضأ به، بل يزال أو يُصب منه إلى أن يزول صبغها، وكذلك المطعومات لا تؤكل، فإذا وقعت النقطة أو النقطتان -مثلاً- على خبزة، فالتي وقعت عليها النقطة تزال ويزال أثرها. يقول: (لا دم سبيل) دم السبيل مثل دم الحيض، أو الذي يخرج من الدبر، فإن نجاسته أشد، فلا يُعفى عن يسيره إلا من الحيض؛ لكونه ضرورة فيعفى عنه، والحيوانات التي ليس لها دم إذا ماتت تعتبر طاهرة مطلقاً.

حكم ما لا نفس له سائلة

حكم ما لا نفس له سائلة قوله: (وما لا نفس له سائلة) النفس هنا الدم، يعني: الدابة التي ليس فيها دم يتقاطر إذا قتلت، فهي تعتبر طاهرة إذا ماتت في الطعام، أو ماتت في الماء، ويستدل على ذلك بحديث الذباب؛ فإنه أمر بغمسه، والذباب ليس له نفس سائلة، وكذا البعوض، والذر، والنمل، والفراش بأنواعه، والزنابير وأشباهها، والعقرب ونحوها، فهذه الدواب إذا ماتت فهي طاهرة؛ لأنه ليس لها دم، وألحقوا بها القمل والبراغيث، فكلها طاهرة إذا ماتت.

نجاسة المسكر المائع

نجاسة المسكر المائع قوله: (المسكر المائع نجس) يعني: المسكر إما أن يكون مائعاً أو غير مائع، فتختص النجاسة بالمسكر المائع، وهو الذي يُشرب، فأما غير المائع كالحبوب التي تخدر أو تسكر فهذه لا يحكم بنجاستها؛ لأنها ليست مائعة. كذلك ميتة ما لا يؤكل من الطيور فهي نجسة، مثل الرخم، والغراب، والعقاب، والصرد، والهدهد، فهذه لا تؤكل، وإذا ماتت في الماء فلها حكم النجاسة.

حكم البهائم وألبانها

حكم البهائم وألبانها البهائم التي هي فوق الهرة خلقة نجسة، يعني: البهائم التي لا تؤكل كالكلب، والذئب، والسباع، والثعالب، وما أشبهها، ويعفى عن الهرة للضرورة؛ لأن سؤرها طاهر، كما ورد ذلك في الحديث، وكذلك ما يبتلى به كثيراً كالفأرة إذا خرجت ووقعت في الماء ولم تمت أو في الدهن فإنها طاهرة. ولبن ما لا يؤكل لحمه كلبن الحُمر ولبن الكلاب نجس. ومني كل ما لا يؤكل لحمه نجس إلا مني الآدمي فهو طاهر، ومني الآدمي فيه خلاف هل هو طاهر أم لا؟ والمشهور أنه طاهر، والاحتياط أنه إذا كان يابساً أن يفرك، فإذا وقع على الثوب مني الاحتلام وإن كان رطباً فإنه يغسل؛ لأنه ورد غسله، وورد فركه.

حكم بيض ما لا يؤكل لحمه

حكم بيض ما لا يؤكل لحمه بيض ما لا يؤكل كبيض النسور وبيض الغراب والحدأة وما أشبهها نجس، وكذلك بولها وروثها، فكل ما ليس بمأكول اللحم يعتبر نجساً، وما لم يكن له دم سائل فإنه طاهر، والذي ليس له دم مثل الفراش والبعوض وما أشبهه.

عدم نجاسة طين الشوارع

عدم نجاسة طين الشوارع طين الشوارع يعفى عنه، وكثيراً ما تجدون في الشوارع ماءً ومستنقعات، فالأصل فيها أنها طاهرة، وهذا يشمل كل الشوارع والمستنقعات التي فيها، فإن علمت نجاسته فهو نجس، كما يقع في بعض البلاد أن ماء البيارات يخرج على وجه الأرض، فيحكم بأنه نجس، وإلا فالأصل طهارة ما تسرب من الماء من الخزانات ونحوها ثم جرى في الأسواق والطرق. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [4]

شرح أخصر المختصرات [4] الحيض كتبه الله عز وجل على بنات حواء، فلا محيص لهن عنه، وتتعلق به أحكام كثيرة، ولذا أدخله الفقهاء في كتب الفقه، وتكلموا على مسائله وأحكامه، فعلى المسلمة أن تعلم هذه الأحكام حتى تكون على بصيرة من أمر دينها.

أحكام الحيض

أحكام الحيض كتاب الحيض هو آخر كتاب الطهارة، والحيض يختص بالنساء، ولكن معرفته مهمة؛ لأن طالب العلم لابد أن يعرف أحكام ما جاء في الشرع، والحيض يتعلق به كثير من الأحكام، فيتعلق به تحريم وطء الحائض في الفرج، وكذلك الاعتداد، فإذا طلقها زوجها فتكون عدتها ثلاثة قروء إذا كانت تحيض، وكذلك الرجعة في زمن العدة ويتعلق به مما يختص بالمرأة أنها لا تصوم، ولا تصلي، ولا تطوف، ولا تمس المصحف، ولا تقرأ القرآن إلا لضرورة، ولا تدخل المسجد، ولا تلبث فيه، وأحكامه وأدلته معروفة. قوله: (لا حيض مع حمل) لا تحيض الحامل؛ لأن الدم ينصرف غذاءً للجنين، فيتغدى به الحمل ما دام في بطن أمه عن طريق سرته، فهذا الدم الذي هو دم الحيض إذا علقت المرأة بالحمل توقف خروجه، وانصرف غذاءً للجنين، فإذا ولدت خرج الدم المتبقي الزائد عن غذاء الجنين، وسُمي دم نفاس، والدم الزائد يحتبس في الرحم، فإذا انقطع دم النفاس توقف الدم، وإذا كانت ترضع ينقلب لبناً؛ ولهذا فإن المرضع لا تحيض إلا قليلاً، فبعض النساء تكون بنيتها قوية، ويكون جسدها وبدنها قوياً، وخلقتها قوية كبيرة، ودمها كثير، فتحيض ولو كانت ترضع، والغالب أنها إذا كانت ترضع من صدرها طفلها أنها لا تحيض، بل ينقلب الحيض الذي هو هذا الدم لبناً يتغذى به الولد، فإذا لم تكن حاملاً ولا مرضعاً فإن هذا الدم يجتمع في الرحم، ولا يكون له مصرف فيخرج في أوقات معينة، فإذا اجتمع في الرحم إلى حد محدد خرج بعد ذلك في أيام متتابعة، وله أحكام لابد من معرفتها.

بداية الحيض ونهايته

بداية الحيض ونهايته قال المصنف رحمه الله: (لا حيض بعد خمسين سنة) الغالب أن المرأة لا تحيض إذا تم لها خمسون سنة، ولكن قد يوجد من تحيض وهي بنت خمسين، وربما إلى خمس وخمسين، ويرجع ذلك إلى قوة البنية والجسم والبدن، فالعادية والنحيفة يتوقف حيضها في ثمان وأربعين أو تسع وأربعين أو خمسين، وغيرها قد يستمر إلى خمس وخمسين أو نحو ذلك. وأول سن تحيض فيه المرأة وهي بنت تسع سنين، وإن كان نادراً، وسبب تبكير الحيض إلى الفتاة هو قوة البنية، فإذا كانت المرأة قوية كبيرة البدن تحيض مبكرة، وعادة أنه في الأزمنة التي تكثر فيها الخيرات، وتكثر فيها النعم، أن تشب الطفلة شباباً سريعاً، وتراها بنت تسع سنين وتعتقدها بنت خمس عشرة أو ثلاث عشرة سنة، فتحيض في سن مبكر.

أقل الحيض وأكثره

أقل الحيض وأكثره مدة الحيض: أقلها يوم وليلة -يعني: أقل ما وجد- ثم تطهر، وأكثر ما وجد خمسة عشر يوماً، يعني: أكثر ما وجد أنها تبقى خمسة عشر يوماً ثم تطهر، وأكثر النساء وأغلبهن ستة أيام أو سبعة أيام، هذا هو الأغلب.

أقل الطهر وأكثره

أقل الطهر وأكثره أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً، روي أن امرأة جاءت إلى علي رضي الله عنه وقالت: إنها قد اعتدت في شهر بعدما طلقها زوجها، فأنكر ذلك زوجها، وقال له قاضيه: إن جاءت بمن يشهد لها من أهل بيتها وإلا فهي كاذبة، فدل على أنها قد تحيض في الشهر الواحد ثلاث حيضات، يعني: تحيض في يوم واحد ثم تطهر ثلاثة عشر يوماً، واليوم الخامس عشر حيض، والسادس عشر وما بعدها إلى ثمانية وعشرين طهر، والتاسع والعشرون حيض، فتحيض في تسعة وعشرين يوماً ثلاث مرات، وإن كان ذلك نادراً، فأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً، ولا حد لأكثره، فقد تبقى بعضهن شهرين أو خمسة أشهر ولا ترى الدم.

ما يحرم على الحائض والنفساء

ما يحرم على الحائض والنفساء الحائض لا تصلي ولا تصوم، بل يحرم عليها ذلك، وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، كما ذكرت ذلك عائشة؛ وذلك لأن الصلاة تتكرر فيشق قضاؤها، فقد تحيض نصف الشهر فيشق عليها أن تقضي صلاة نصف شهر، أما الصيام فإنه لا يتكرر، إنما هو في السنة مرة. ويحرم وطؤها في الفرج؛ وذلك لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] والمحيض: يراد به مجرى الدم (الفرج) . ومن وطأ وأولج في الفرج وهي حائض فعليه كفارة دينار أو نصفه، ولم يثبت في ذلك حديث صحيح، والحديث المروي في ذلك يصحح العلماء أنه موقوف على ابن عباس، فلأجل ذلك ذهب بعضهم كـ شيخ الإسلام إلى أنه لا يلزمه كفارة؛ وذلك لأنه لم يثبت فيها حديث مرفوع، ولكن كونه صحيحاً ثابتاً موقوفاً عن ابن عباس، فـ ابن عباس لا يقوله برأيه ولا يتخرص، لذلك يُلزمون من وطأها في الحيض أن يكفر، وقالوا: إن كان في أول الحيض فدينار، وإن كان في آخره فنصفه، والدينار قطعة من الذهب يتعامل بها، ويقدر بأنه أربعة أسباع الجنيه السعودي، فإذا وطأ في أول الحيض تصدق بأربعة أسباع الجنيه، وإذا كان صرف الجنيه سبعمائة تصدق بأربع مائة، وإن كان في آخره تصدق بنصفه أي: مائتين. ويجوز أن يباشرها فيما دون الفرج، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حاضت المرأة من نسائه يأمرها أن تلبس إزاراً أو تجعل إزاراً فوق بطنها من السرة إلى الركبة، ويباشرها فوق ذلك، ويجوز أن يباشرها فيما دون الفرج، وإنما الممنوع هو الإيلاج في الفرج؛ لأنه محل النجاسة، قال تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] .

حكم المبتدئة في الحيض

حكم المبتدئة في الحيض تكلم العلماء عن المبتدئة -التي بدأها الحيض- ماذا تفعل أول ما يأتيها الحيض؟ قال بعضهم: تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي، ولو كان الدم جارياً، وأقله يوم وليله؛ مخافة أن الدم الزائد دم عرق. ثم إذا انقطع قبل خمسة عشرة يوماً اغتسلت مرة ثانية، وتفعل ذلك في ثلاثة أشهر، مثلاً: في الشهر الأول تغتسل بعد يوم، فإذا انقطع بعد خمسة أيام اغتسلت مرة ثانية، وفي الشهر الثاني كذلك تغتسل بعد يوم، ثم إذا انقطع بعد خمسة أيام مع اليوم -يعني: ستة- اغتسلت ثانية، وهكذا في الثالث، ففي الرابع تجلس الستة؛ لأنها تكررت ثلاثة أشهر، فدل على أن هذه كلها حيض. القول الثاني: أنه لا يشترط أن تتكرر، بل حكمها حكم غيرها، فإذا رأت الدم الذي يصلح أن يكون دم حيض فلا تصلي حتى ينقطع، إلا إذا تعدى خمسة عشر يوماً؛ وذلك لأن الأصل أنه دم الحيض، وأنه لا فرق بين المبتدئة وغيرها. وذكروا أن المبتدئة إذا أيست قبله أو لم يعد فلا قضاء عليها، مثاله: إذا اغتسلت بعد يوم، وقلنا لها: الخمسة الأيام الأخرى صلي فيها وصومي، فصامت نذراً أو قضاءً، ثم تكرر منها أنها تغتسل بعد يوم وينقطع الدم بعد ستة أيام، فتبينا أن هذا كله حيض -الستة الأيام-، وتبينا أنها صامت النذر أو صامت القضاء وهي حائض، فماذا نفعل؟ نأمرها أن تقضي ما صامته؛ لأننا تحققنا أنها صامته في أيام حيض، إلا إذا أيست، وبلغت سن الإياس، أو انقطع الدم ولم يعد، وهذا لو كانت صغيرة، فلا قضاء عليها؛ لأنها صامته وهي طاهرة، فلا يلزمها أن تصومه مرة ثانية.

أحكام المستحاضة

أحكام المستحاضة إذا تجاوز الدم خمسة عشر يوماً فهي مستحاضة، والمستحاضة لها ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن تكون لها عادة، فإذا استمر الحيض معها عشر سنين، يأتيها من أول الشهر وينقطع في اليوم السابع، ثم استحاضت واختلط عليها الأمر بعد عشر سنين، فنقول: هذه تقدم عادتها، فتجلس من أول الشهر إلى اليوم السابع لكل شهر، حتى تشفى من هذا الاختلاط. الحالة الثانية: إذا لم يكن لها عادة، تارة يكون حيضها خمسة، وتارة يكون عشرة، وتارة ثمانية، وتارة يكون في أول الشهر، وتارة يكون في آخر الشهر، وتارة في وسطه، فماذا تفعل؟ تعمل بالتمييز، والتمييز هو: أن تفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، والغالب أن دم الحيض يكون غليظاً، ودم الاستحاضة يكون رقيقاً، ودم الحيض يكون أسود، ودم الاستحاضة يكون أحمر، وقد تميز بغير ذلك، والنساء يعرفن ذلك، فتعمل بالتمييز الصالح. الحالة الثالثة: إذا لم يكن لها تمييز بأن امتزج الدم وليس لها عادة، وهذه تُسمى (المتحيرة) ، فهذه تجلس عادة نسائها من كل شهر ستة أو سبعة أيام كعادة أمها وأختها وأخواتها ونحوهن. فمن كانت مستحاضة جلست أقل الشهر الذي هو يوم وليلة حتى تتكرر استحاضتها، فإذا تكررت استحاضتها ولم تميز وأطبق عليها الدم -وقد يطبق عليها سنة أو سنتين أو ثلاثاً أو أكثر- فهذه إذا لم يكن لها تمييز ولم يكن لها عادة تجلس غالبه، وغالب الحيض ستة أيام أو سبعة أيام، والمستحاضة المعتادة تقدم عادتها، وعرفنا أنها تقدم العادة على التمييز، فإن لم يكن لها عادة فالتمييز، فإن لم يكن لها عادة ولا تمييز فغالب الحيض من كل شهر. والمستحاضة إذا أرادت أن تصلي تغسل المحل، فتغسل فرجها وتعصبه، وتتوضأ لكل صلاة، إلا إذا لم يخرج بين الصلاتين شيء. وتنوي بالوضوء استباحة الصلاة. ويحرم على زوجها وطؤها؛ إلا إذا خاف الزنا، فإذا لم يستطع أن يملك نفسه وخشي على نفسه العنت، ففي هذه الحال يجوز وطؤها، وأكثر العلماء قالوا: يجوز وطؤها للضرورة.

أحكام النفاس

أحكام النفاس النفاس هو: الدم الذي يخرج بعد الولادة، واختلف في أكثره، فقيل: أكثره أربعون يوماً، وقيل: ستون يوماً، وقلَّ أن يوجد من يكون معها دم بعد الأربعين، ولكن ذلك نادر. وإذا طهرت قبل الأربعين فبعض النساء قد تطهر بعد نصف شهر من الولادة، وبعضهن قد تبقى خمسين يوماً وهي ما طهرت، فمتى كان الدم مستمراً وهو مثل دم النفاس فإنها تجلس ولو زاد على الأربعين، وأما إذا لم يبق معها إلا صفرة بعد الأربعين أو كدرة أو نجاسة مياه أو نحو ذلك فإنها تصلي. وأما الوطء فالصحيح أنه يكره وطؤها قبل الأربعين ولو طهرت، هكذا ذكروا، ولعل الصواب: أنه يجوز إذا طهرت طهراً شاملاً ورأت النقاء وصلت وصامت، فلا مانع من وطئها. قوله: (النقاء زمنه طهر) مثلاً: من طهرت بعد عشرين يوماً فهذا الزمان الذي بعد العشرين طهر؛ لأنه يكره الوطء فيه، وإن فعل فلا بأس. والنفاس مثل الحيض في أحكامه، يعني: أنها لا تصلي، ولا تصوم، ولا تقرأ، ولا تمس المصحف، ولا تدخل المسجد، ولا تطوف بالبيت، ولا يجوز وطؤها إلخ، إلا العدة، فالعدة تكون بالحيض، وأما النفاس فلا يُعد من القروء، وكذلك يعرف بلوغ المرأة بالحيض، ولا يكون النفاس علامة على البلوغ؛ ولذلك تكون قد بلغت فبمجرد الحمل، فمجرد ما حملت حُكم ببلوغها، فهذا ما يتعلق بالحيض على وجه الاختصار، وتطالع له المبسوطات، وقد تكلم العلماء وتوسعوا فيه، والله أعلم.

شرح أخصر المختصرات [5]

شرح أخصر المختصرات [5] لقد فرض الله على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة، ورتب عليها الأجر العظيم، ووعد تاركها بالعذاب الشديد، فهي عمود الإسلام وثاني أركانه، فيجب على المسلم وجوباً عينياً أن يتعلم أحكامها ومسائلها.

ملخص أحكام التيمم

ملخص أحكام التيمم قرأنا في أحكام التيمم اشتراط أن يكون المتيمم به تراباً، وأن الصحيح جواز التيمم بالرمل ونحوه، واشتراط الإباحة، وأن الصحيح ارتفاع الحدث بالتيمم بتراب غير مباح كالأرض المغصوبة ونحوها. وكذلك مر بنا أيضاً في مبطلات التيمم الخلاف في بطلان التيمم بخروج الوقت، والاحتياط أن يتيمم لكل صلاة، كذلك من عدم الماء والتراب ذكروا أنه يصلي على حسب حاله، ويقتصر على المجزئ، يعني: لا يقرأ زيادة على الفاتحة، ولا يسبح أكثر من واحدة، ولا يقرأ في غير الصلاة إذا كان جنباً، وأن الصحيح أنه مثل غيره؛ لأنه يفعل ما يستطيعه.

ملخص أحكام إزالة النجاسات

ملخص أحكام إزالة النجاسات كذلك ذكرنا في إزالة النجاسة اشتراط سبع غسلات في إزالة النجاسات كلها، والصحيح: أن إزالة النجاسة يكون بزوال عين النجاسة دون أن يشترط عدد لا سبع ولا أقل ولا أكثر، إلا في نجاسة الكلب، والمراد بها: ولوغه فقط، وأما بقية نجاساته فهي كسائر النجاسات، وأن الصحيح عدم إلحاق الخنزير بالكلب، بل هو كغيره يغسل حتى يزول أثر النجاسة وجرمها وعينها. كذلك تكلموا على طين الشوارع، والصحيح أنه إذا تحقق أنه نجس كالمياه التي تتسرب من البيارات ونحوها فإنه نجس، وإلا فالأصل الطهارة.

ملخص أحكام الحيض والاستحاضة

ملخص أحكام الحيض والاستحاضة كذلك مر بنا في بحث الحيض ذكر أقله وأكثره، وأن الصحيح في المبتدئة أنها كغيرها، إذا رأت الدم فما دام الدم كثيراً فإنها تتوقف عن الصلاة، ولا يلزمها أن تتطهر بعد يوم، بل هي كغيرها، وحددوا أكثره بخمسة عشر يوماً نظراً إلى الواقع، وإلا فلو قدر زيادته فإنه يعتبر حيضاً إذا تحقق بأنه مثل دم الحيض، إلا إذا استمر فإنه يكون استحاضة. وأن المستحاضة لها ثلاث حالات: الأولى: أن ترجع إلى عادتها، الثانية: فإن لم يكن لها عادة فالتمييز، وهو التفريق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، الثالثة: فإن لم يكن لها عادة ولا تمييز فإنها تجلس غالب الحيض من كل شهر، أي: ستاً أو سبعاً. هذه أهم المسائل الخلافية في هذه الأبواب والله أعلم. والحمد لله ربه العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقدمة كتاب الصلاة

مقدمة كتاب الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الصلاة. تجب الخمس على كل مسلم مكلف، إلا حائضاً ونفساء، ولا تصح من مجنون ولا صغير غير مميز، وعلى وليه أمره بها لسبع، وضربه على تركها لعشر، ويحرم تأخيرها إلى وقت الضرورة إلا ممن له جمع بنيته، ومشتغل بشرط لها يحصل قريباً، وجاحدها كافر. فصل: الأذان والإقامة فرضا كفاية على الرجال الأحرار المقيمين للخمس المؤداة والجمعة، ولا يصح إلا مرتباً متوالياً منوياً من ذكر مميز عدل ولو ظاهراً، وبعد الوقت لغير فجر، وسن كونه صيتاً أميناً عالماً بالوقت، ومن جمع أو قضى فوائت أذن للأولى وأقام لكل صلاة، وسن لمؤذن وسامعيه متابعة قوله سراً إلا في الحيعلة فيقول الحوقلة، وفي التثويب: صدقت وبررت. والصلاة على النبي عليه السلام بعد فراغه، وقول ما ورد، والدعاء، وحُرم خروج من مسجد بعده بلا عذر أو نية رجوع. فصل: شروط صحة الصلاة ستة: طهارة الحدث وتقدمت، ودخول الوقت، ووقت الظهر من الزوال حتى يتساوى منتصب وفيئه سوى ظل الزوال، ويليه المختار للعصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه سوى ظل الزوال، والضرورة إلى الغروب، ويليه المغرب حتى يغيب الشفق الأحمر، ويليه المختار للعشاء إلى ثلث الليل الأول، والضرورة إلى طلوع فجر ثانٍ، ويليه الفجر إلى الشروق، وتدرك مكتوبة بإحرام في وقتها، لكن يحرم تأخيرها إلى وقت لا يسعها، ولا يصلي حتى يتيقنه أو يغلب على ظنه دخوله إن عجز عن اليقين، ويعيد إن أخطأ. ومن صار أهلاً لوجوبها قبل خروج وقتها بتكبيرة لزمته وما يجمع إليها قبلها، ويجب فوراً قضاء فوائت مرتباً ما لم يتضرر أو ينسى، أو يخشى فوت حاضرة أو اختيارها. الثالث: ستر العورة، ويجب حتى خارجها وفي خلوة وظلمة بما لا يصف البشرة. وعورة رجل وحرة مراهقة، وأمة مطلقاً ما بين سرة وركبة، وابن سبع إلى عشر الفرجان، وكل الحرة عورة إلا وجهها في الصلاة، ومن انكشف بعض عورته وفحش أو صلى في نجس أو غصب ثوباً، أو بقعة أعاد، لا من حبس في محل نجس أو غصب لا يمكنه الخروج منه] .

طريقة العلماء في البدء والتبويب في كتبهم

طريقة العلماء في البدء والتبويب في كتبهم الأصل أن العلماء يبدءون بكتاب الصلاة، ولكن بدءوا بالطهارة لأنها شرطها، والعادة أن الشرط يتقدم المشروط، واستطردوا في كل ما يتصل بالطهارة، وفي كل ما له صلة بإزالة النجاسات وما أشبهها، وإن كانت عادة المؤلفين الأولين أن يرتبوا كتبهم على ترتيب أركان الإسلام، فيبدءون بالشهادتين، ثم بالصلاة، ثم بالزكاة، تم بالصيام ثم بالحج. فعل ذلك مسلم في صحيحه، وكذا البخاري في تقديمه للإيمان الذي هو مضمون الشهادتين، ثم الصلاة، ثم الصوم -إلا أن البخاري أخر الصوم عن الحج- ثم بالحج، وهذا هو الترتيب المعتاد. ولما كان التوحيد هو العقيدة الأساسية أفرد بعد ذلك بكتب، فجعلت باسم التوحيد أو الإيمان، أو السنة، أو الشريعة، وجعلت كتب التوحيد مفردة لأهميتها، وجعلت بقية الأحكام مجموعة، وقسموا الأحكام أربعة، فبدءوا بالعبادات؛ لأنها حق الله، فإذا انتهوا من العبادات التي هي حق الله بدءوا بالمعاملات التي فيها كسب المال؛ لأن الإنسان بحاجة إلى كسب المال الذي هو قوته، والذي هو مادة حياته، ثم بعد ذلك بالنكاح؛ لأنه أيضاً من تمام الضرورات، ثم ختموا بالحدود والجنايات؛ لأنها تنتج عمن كملت عليه النعمة، واتصلت نفسه بعد ذلك بالعدوان وبالظلم.

وجوب الصلاة

وجوب الصلاة والآن نحن في القسم الأول الذي هو العبادات، وفي أهمها وهو الصلاة.

الصلوات الواجبة

الصلوات الواجبة الصلوات الواجبة خمس كما هو معروف، دليلها قوله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد) ، في حديث طلحة بن عبيد الله، وقوله صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: (فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة) ، فدل على أن الصلوات المكتوبة خمس. وفي حديث الإسراء: (إن الله تعالى فرض عليه خمسين صلاة، ثم إنه طلب التخفيف بإشارة من موسى حتى جعلها الله تعالى خمساً، وقال: لا يبدل القول، هي خمس وهي خمسون) يعني: أن من حافظ عليها فله أجر خمسين، والحسنة بعشر أمثالها. هذه الصلوات الخمس واجبة على المسلم، والكافر مطالب بشرطها وهو الإسلام، فإذا لم يسلم لم يطالب بها.

خطاب الكفار بالصلاة

خطاب الكفار بالصلاة وهناك خلاف أصولي: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ تكلم العلماء على ذلك في أصول الفقه، ورجحوا أنهم مخاطبون بها وإن كانت لا تقبل منهم، ويكون خطابهم بمعنى زيادة العقوبة عليهم، فيقال مثلاً: هذه عقوبتك على الشرك، وهذه عقوبتك على ترك الصلاة، وهذه عقوبتك على ترك الصوم وهكذا، وإلا فلو أنهم صلوا وهم مشركون ما قبلت منهم ولا أجروا عليها. ثم هو معروف أن كلمة (تجب) بمعنى: تلزم، أي أنها واجبة وجوباً مؤكداً، لا تجب إلا على المسلم المكلف. والمكلف: هو البالغ العاقل، هذا تعريف التكليف: البالغ العاقل، فيخرج بذلك الصغير، فإنه لا تجب عليه، وأمره بها أمر تعليم وتدريب، ويخرج بذلك أيضاً فاقد العقل، وهو المجنون، فإنه مرفوع عنه القلم حتى يفيق، فإن الله تعالى إنما خاطب بالواجبات من يعقل، ومعلوم أن فاقد العقل لا يفهم، ولا يدري ما يقال له، ولا يميز بين الواجب وغيره، وعلامة ذلك: أنه يفعل الأفعال التي لا يقرها العقل وليس معه ما يميز به بين النافع والضار. ويستثنى من هذا الوصف الحائض والنفساء، فتسقط عن الحائض والنفساء في زمن الحيض وزمن النفاس، فلا تجب عليها الصلاة، ولا يلزمها قضاؤها كما تقدم في الحيض، وتقدم أن السبب استمرار هذا العذر وهذه النجاسة، ومشقة القضاء عليها، حيث إنه قد يجب قضاء خمسة عشر يوماً وأربعين يوماً في الحيض، فيكون في ذلك صعوبة. وبعد ذلك صرح بما يحترز به عن مسلم مكلف، وعرفنا أن (مكلف) احترازاً من مجنون وصغير، فلا تصح من المجنون ولا يؤمر بها؛ لأنه لا يحسن ولا يفهم ولا يدري ما يقال له، وكذلك من الصغير غير المميز، وأما إذا كان مميزاً فإنه يؤمر بها، ويكون أمره للتدريب، حتى يألفها لصغره، وحتى تخف عليه عند التكليف، وحددوا الصغر الذي يميز معه بسبع سنين، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) . الأمر هاهنا للأولياء؛ فهل هو للوجوب أم للاستحباب؟ النبي عليه الصلاة والسلام يقول لنا: (مروا أولادكم) هذا الأمر قال بعضهم: إنه للوجوب، ويلزم الولي أن يأمر أولاده ذكوراً وإناثاً بالصلاة لتمام سبع، ولكن القرينة وهي أنه ما أمر بالضرب إلا لتمام عشر تدل على أن الأمر ليس للإلزام، وإنما هو للتعليم والتدريب، فإذا بلغ سبع سنين ودخل في الثامنة فإن والده وولي أمره يأمره، ويستدعيه، ويأخذ بيده إلى المسجد ويعلمه ما يلزم، فيعلمه الطهارة، ويعلمه اجتناب النجاسة، ويعلمه الصلاة بقدر ما يستطيع، فيعلمه ما يقول في القيام، وما يقول في الركوع والسجود، وما يقول في القعود وفي الرفع من الركوع، ويعلمه الطمأنينة والخشوع، ويعلمه الإقبال على الصلاة وعدم الحركة والالتفات، ويدربه على ذلك. كما أنه في هذه السن يحافظ عليه أيضاً، فيحفظه عن المحرمات، ويبعده عن السفه، ويبعده عما هو محرم أو منكر -مثلاً- كرؤية الصور القبيحة والأفلام الخليعة، وكذلك سماع الأغاني والملاهي وما أشبهها؛ لأنه في هذه السن يألف ما يسمع، وينطبع في ذاكرته ما يقال له، ويتدرب على هذا السماع المحرم، ويكون ذلك سبباً في انخراطه، أو في توغل هذه المنكرات في قلبه، فيصعب بعد ذلك تخليصه. ويضرب على تركها لعشر؛ ولذلك لأن العشر مظنة البلوغ، والأصل أن أقل ما يبلغ فيه الصبي إذا تم عشر سنين. فيوجد كثير ممن يحتلم وقد تم له عشر سنين. ودخل في الحادية عشرة، أو مثلاً يبلغ بالإنبات أو نحوه، فإذا بلغ عشر سنين فهو مظنة البلوغ، فيضرب على تركها. وهل الضرب ضرب تعليم أو ضرب تأديب؟ الصحيح أنه ضرب تعليم. يعني: لا يشدد فيه، بل يضربه ضرب تعليم حتى يعلم ذلك؛ لأنه لا يزال في سن الصغر غالباً، فيعلمه تعليماً وفيه شيء من الشدة. هذا ما يتعلق بمن تلزمه.

تحريم تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة

تحريم تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة بعد ذلك يقول: (ويحرم تأخيرها إلى وقت الضرورة) . وذلك لأنها لا تؤخر إلا للضرورة، وقت الضرورة يكون في صلاة العصر والعشاء، إلا لمن له الجمع بنيته إذا كان يجوز له الجمع، كإنسان سائر في الطريق ودخل عليه وقت الظهر وهو مستمر في السير، ويحب مواصلة السير، فدخل عليه وقت العصر، وهو مشتغل أيضاً بالسير ويحب مواصلة السير، فخرج وقت الاختيار الذي هو أن يكون ظل كل شيء مثليه، واستمر في سيره حتى دخل وقت الضرورة. أي: قبل الغروب بنصف ساعة أو بثلث ساعة فوقف، فصلى الثنتين في وقت الضرورة. أي: في وقت العصر الذي هو وقت الضرورة. وكذا لو كان سائراً في الليل، وشق عليه النزول، وأراد مواصلة السير، فلم ينزل إلا في آخر الليل، فإنه يجوز له؛ لأن هذا له عذر في التأخير، فأما الإنسان المقيم فلا يجوز أن يؤخر العصر إلى ما قبل الغروب؛ لما ورد في ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: (تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) يعني: أنه فرط في الوقت وأخره صلاة العصر إلى أن قرب الغروب، وقد ورد: (أن الشمس تغرب بين قرني شيطان، فحينئذ يسجد لها المشركون) ، كذلك تطلع بين قرني شيطان، ولأجل ذلك نهي عن الصلاة في هذين الوقتين: عند الطلوع وعند الغروب؛ لئلا يكون سجوده للشيطان. فالحاصل أنه لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت -وقت الضرورة مثلاً- إلا لمن له الجمع بنيته، قال: (ومشتغل بشرط لها يحصل قريباً) : إذا كان أخرها لأجل أن يشتغل بشرطها، فعرف أن شرطها يحصل قريباً، مثاله: تأخر لانتظار الماء، فينتظر أن يأتيه الماء، لأنه الآن ليس عنده ماء، وقد أرسل وارداً، فينتظر ولو خرج وقت الاختيار ودخل وقت الاضطرار. مثال ثانٍ: السترة. يعني: الثياب، إذا كان ليس عليه ثياب تستره، ولكن ينتظر أن يأتي فلان بثوب ساتر أو ينتظر خياطة هذا الثوب الذي يستر به عورته، فله أن يؤخرها لانتظار هذا الشرط، وكذا بقية الشروط.

كفر جاحد الصلاة

كفر جاحد الصلاة بعد ذلك يقول: (وجاحدها كافر) . ما تكلم إلا على جاحدها، وقد ذهب جمع من العلماء إلى أن تاركها كافر ولو لم يجحد، ولكن إذا دعي إليها وأصر على أن يمتنع من الصلاة، ففي هذه الحال يقتل، وإذا قتل وهو مصر على تركها فلا يعامل معاملة المسلمين، فلا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ وذلك لأنه استمر على الترك وأصر عليه ولو لم يجحد، واستمر على ذلك إلى أن صبر على القتل. نقول: وردت أحاديث تدل على كفر تاركها، تجدونها في كتاب الصلاة لـ ابن القيم، وذكر أدلة من يقول بأنه كافر، ومن يقول بأنه غير كافر لا يخرج من الإسلام، وحكم بين القولين، ولكنه ذكر أن العلماء فرضوا مسألة ممتنعة الوقوع، وهي: أنهم يقولون: إنما يعامل معاملة الكافر إذا دعي إلى الصلاة، وقيل له: صلِّ وإلا قتلناك. فقال: لا أصلي، وأنا معترف بأن الصلاة فريضة، وأنها ركن من أركان الإسلام بل عمود الإسلام، وأنها فريضة الله التي فرضها على عباده، وأنها أول ما يحاسب عنه العبد وآخر ما يخرج من الدين، وأن الله فرضها منه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، وأنها شعار الإسلام وشعار المسلمين أنا أعترف بذلك كله، ومع ذلك فإني لا أصلي ولو قتلتموني، ولو قطعتموني إرباً إرباً. ويقال: هل هذا صحيح؟ هل يكون مؤمناً الإيمان الصحيح بأن تاركها كافر، وبأنها فريضة الله، وبأنها عمود الإسلام، وبأنها أول ما يحاسب عليه العبد، ومع ذلك يصبر على القتل ولا يصليها؟! إذا رأينا مثل هذا قلنا: كذبت، لست معترفاً بفضلها، ولست معترفاً بفرضيتها، ولو كان كذلك ما صعبت عليك، فالصلاة ليس فيها مشقة ولا تعب ولا صعوبة، بل الصلاة تعتبر لذة للمؤمن وراحة وقرة عين له، فأنت على هذا القول وعلى هذا الصبر تقول: (اقتلوني ولا أصلي) ، وتقول مع ذلك: إنك مصدق بأنها فريضة. نقول: هذا قول يخالف الفعل، وفعلك هذا يخالف كلامك. ففي هذه الحال إذا صبر على القتل وأصر عليه نحكم بأنه جاحد، وأن إقراره باللسان يخالف ما في قلبه، فيخالفه عمله تركاً وإصراراً وصبراً على القتل، وهو دليل على أنه ليس مقتنعاً بأنها فريضة، فإذا قتل والحال هذه فإنه يعامل معاملة الكفار. يعني: لا يتولاه المسلمون، فلا يغسلونه ولا يكفنونه ولا يصلون عليه، ولا يدفنونه في مقابر المسلمين، وتطلق منه زوجته في الحياة -مثلاً- وكذلك لا يرثه أقاربه المسلمون، ويعتبر مرتداً، ويعتبر ماله فيئاً، فإذا مات أحد من أقاربه فإنه لا يرثه إذا كان في هذه الحال. فالحاصل أنه ذكر هنا أن (جاحدها كافر) ولو -مثلاً- عُرِّف وأمر وبين له فإنه يعتبر كافراً.

حكم تارك الصلاة تكاسلا

حكم تارك الصلاة تكاسلاً أما تاركها تكاسلاً وتهاوناً ففي هذه الحال لا يكفر إلا إذا دعي إليها وأصر، فلو قال: أنا معترف بفرضيتها، ولكني متكاسل أرى أنها ثقيلة، وأرى مشقة فيها، فأنا أستثقل أداءها في كل يوم في كل هذه الأوقات، ففي هذه الحال يدعى إلى فعلها، ويشدد ويضيق عليه، فإذا امتنع وأصر حتى قتل، أو حتى تضايق وقت الذي بعدها ففي هذه الحال يحكم بكفره، وذكر العلماء أنه يستتاب ثلاثة أيام، فإن فعلها وأقر بوجوبها وإلا فإنه يقتل، وحينئذ يقتل قتل كافر، وحيث كفر فإنه يقتل بعد الاستتابة ولا يعامل معاملة المسلمين. فالحاصل أن الصلاة لها أهميتها، ومكانتها في الدين، فلذلك يراها المسلمون لذة وراحة، ويراها المنافقون ونحوهم ثقلاً وعائقاً، ومشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لـ بلال: (أرحنا بالصلاة) يعني: عجل بها حتى نريح أنفسنا إذا دخلنا فيها فنجد لها راحة، ونجد لها لذة: (وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة) ، فدل على أنها لذيذة عند أهل الإيمان، وثقيلة عند غيرهم، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] أي: فعلها ثقيل إلا على أهل الخشوع، فالخاشعون تكون عندهم خفيفة ولذيذة وراحة وسروراً وسلوة، وغيرهم تكون عندهم كبيرة وثقيلة.

الأذان والإقامة

الأذان والإقامة ومما يلحق بالصلاة: الأذان والإقامة، واتفق العلماء على أنها من شعائر الإسلام، وأن الأذان من شعائر الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أغار على قوم انتظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم لمعرفته بأنهم مسلمون، وإلا أغار عليهم، ذلك لأنه رفع صوت بذكر الله تعالى، ونداء إلى شعيرة من شعائر الإسلام.

فضل الأذان

فضل الأذان وورد في فضل المؤذنين أحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) ، وقوله: (يغفر للمؤذن مدى صوته) ، وفي حديث آخر: (لا يسمعه حجر ولا شجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) ، وورد في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33] قالوا: نزلت في المؤذنين.

حكم الأذان والإقامة

حكم الأذان والإقامة الأذان والإقامة فرضا كفاية، وفروض الكفاية هي التي إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركوها أثموا كلهم، فإثمهم كلهم دليل على أنهم مكلفون بها، وإثمهم جميعاً دليل على تكليفهم، فإذا قام بهما من يكفي سقط الإثم عن الباقين. والأفضل أن المؤذن يتولى الأذان بنفسه، ولا يعتمد على جهاز أو آلة أو نحو ذلك، ففي بعض الدوائر أو بعض الشركات يجعلون الأذان من الأشرطة. فمثلاً: يأخذون شريطاً عند المكبر ثم يشغلونه. صحيح أنه يحصل به المقصود والإعلان المطلوب، ولكن الأصل أن المؤذن الذي يريد الأجر يلقيه بنفسه كما هو، ويستمع إليه المدعوون. الأذان: الإعلام بدخول الوقت. والإقامة: الإعلام بالقيام إليها. الوجوب والفرضية على الرجال، ولا يجب على النساء، ولو كانت قرية -مثلاً- أو خياماً أو بيوت شعر في بادية كلهم إناث فلا أذان عليهم، ولا تتولى الأذان المرأة؛ لأنها منهية عن رفع الصوت أمام الرجال. ويشترط أيضاً أن يكون الأذان على الأحرار، أما إذا كانوا مماليك فيقولون: لا يجب عليهم الأذان، ولكن يسن؛ وذلك لأنهم مكلفون بأن يصلوا ولو كانوا مملوكين، ويجب على سادتهم أن يمكنوهم، ويخلوا لهم وقتاً يؤدون فيه الصلاة جماعة، إلا إذا كان المسجد بعيداً يستغرق ساعة مثلاً ذهاباً وساعة إياباً فلهم أن يمنعوهم؛ لأنهم قد يعتذرون بأنها عشر ساعات يفوت عليهم فيها خدمة هذا المملوك، فأما إذا كان المسجد قريباً كنصف ساعة أو ربع فلا يسقط عن المملوك. - ويشترط أيضاً في الأذان: أن يكون على المقيمين، ويسن للمسافرين من غير وجوب، فالمقيمون يلزم عليهم، سواء كانوا في بيوت مدر أو في بيوت شعر، فيلزمهم ويجب عليهم، والمسافرون يسن لهم، وكان بلال رضي الله عنه يؤذن للصحابة وهم في السفر، ودائماً هو الذي يتولى الأذان عند دخول الوقت، بل يشرع حتى للمنفرد؛ لحديث عن أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إني أراك تحب البادية والغنم، فإذا كنت في باديتك أو غنمك فأذنت فارفع الصوت بالأذان؛ فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن وإنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) ، فهو فضيلة حتى ولو كان منفرداً.

حكم الأذان لغير الصلوات الخمس والجمعة

حكم الأذان لغير الصلوات الخمس والجمعة السنية تكون للصلوات الخمس المؤداة وللجمعة، ويخرج الكسوف، وينادى لها ولكن لا يؤذن لها بالأذان المعتاد، والاستسقاء، والعيد والتراويح لا يؤذن لها، ولو أنهم فاتتهم صلاة الفجر واستيقظوا بعدما طلعت الشمس، وأرادوا أن يقضوا الصلاة فلا يؤذنون، ولابد أن يكون الأذان للصلاة التي تؤدى في وقتها.

الموالاة والترتيب في الآذان

الموالاة والترتيب في الآذان ولا يصح الأذان إلا مرتباً متوالياً، وترتيبه: أن يبدأ بالتكبيرات الأربع، ثم بالشهادتين الأربع، ثم بالحيعلات الأربع، ثم بالتكبيرتين، ثم بالتهليل كما هو معروف، هذا هو الترتيب، فلو قدم الشهادات لم يصح، ولو قدم الحيعلة على الشهادات لم يصح، ولم يسقط به الوجوب، ولابد أن يكون مرتباً. كذلك لابد أن يكون متوالياً، فلو كبر التكبيرات الأربع ثم سكت، أو خرج -مثلاً- ثم رجع بعد خمس دقائق أو عشر دقائق أو أربع دقائق فاتته الموالاة، فلابد أن يعيده من أوله، ويعيد ما فعله حتى تكون متوالية، والسنة أن يقف بين كل تكبيرتين. التوالي هو كونه إذا أتى بالتكبيرة أتى بالذي بعدها، والسنة أن يترسل في الأذان، وقد ورد فيه حديث: (إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر) والترسل: أن يقف بعد كل تكبيرة، وكلما أتى بتكبيرة وقف وتنفس، ثم أتى بالتكبيرة الثانية، ثم توقف وتنفس، ثم بالثالثة ويقف ويتنفس، ثم بالرابعة وهكذا الشهادات، وهكذا الحيعلات، وذلك ليحصل به مد الصوت؛ لأن المؤذن يمد صوته بقدر ما يستطيع، ومعلوم أنه إذا جمع جملتين في نفس لم يحصل مده كما ينبغي، فإذا جمع تكبيرتين في نفس لم يحصل المد المطلوب، ثم هو يخالف الترسل الذي في الحديث: (إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر) والحدر: هو الإسراع، والترسل: هو التأني في الإلقاء. وهذا هو الأذان المعتاد.

الفصل بين التكبيرات في الآذان

الفصل بين التكبيرات في الآذان وفي السنين المتأخرة كان المؤذنون في الحرم يجمعون التكبيرتين في نفس واحد، الذي حملهم على ذلك: الإسراع من غير دليل، ثم جاءت الإذاعة فصارت تنقل صوت مؤذني الحرم على هيئته: تكبيرتين بنفس. فاعتقد الناس أن هذا هو السنة، وقلدهم كثير من المؤذنين، وصاروا يجمعون تكبيرتين في نفس، وهو خلاف الحديث وخلاف الحكمة التي لأجلها شرع الأذان، وهو مده ومد كل جملة مداً بليغاً حتى تطول مدته، وكنا نسمع بعض المؤذنين قديماً أنه يقيم في الأذان -قبل وجود المكبر- نحو خمس دقائق يمد صوته؛ حتى يسمعه الغافل؛ لأن هناك إنساناً منشغلاً وإنساناً غافلاً، فإذا طالت مدته سمع ولو جملة، فالسنة أن يمد كل تكبيرة مداً بليغاً بأقصى نفسه، ثم يقف بعدها ويسترجع النفس، ثم يمد التكبيرة الثانية بقدر أقصى نفسه، ثم يقف بعدها، وهكذا التكبيرات الأربع، وهكذا الشهادات. المد يكون في حروف المد، في (الله) يمد اللام، وكذلك في الشهادة (أن لا إله إلا الله) يمد هذه الحروف بقدر ما يتسع له نفسه، هذا هو الأذان المعتاد. فنرى أن جمع التكبيرتين في نفس واحد من الخطأ، ورأيت من تكلم في ذلك من العلماء، نقل عن ذلك عن النووي أنه أجاز جمع التكبيرتين، وكأنه حكى ذلك قولاً في الجواز، وقال: لأنهما من جنس واحد. ثم تكلم على ذلك المباركفوري -شارح الترمذي تحفة الأخوذي- وكأنه يرى استحباب جمع التكبيرتين في نفس واحد، ولكن سبب ذلك أنه رأى هذا هو أذان أهل الحرم. والحجاج إذا حجوا ورأوا تكبير الحرم اعتقدوا أن أهل الحرم هم أهل السنة وهم أهل الدليل، وأنهم أقرب إلى الصواب، وما علموا أن هؤلاء مقلدة حدث منهم هذا في عهد أخير. وقد كنا قبل خمسين سنة في مكة، وكان يؤذن أربعة مؤذنين في زوايا الحرم، هذا مؤذن حنفي، وهذا مالكي، وهذا شافعي، وهذا حنبلي، والمؤذن الحنبلي هو الذي يرتب الأذان، والأخيرون كأنهم مشوا على طريقتهم هذه التي هي طريقة محدثة: جمع التكبيرتين، ثم أمروا بعد ذلك بأن يقتصروا على المؤذن الواحد؛ لأنه يحصل به الإعلام، مع أنهم أيضاً قبل ثمانين سنة أو نحوها -قبل الفتح- كان يصلى أربع جماعات في الحرم، كل أهل مذهب يصلون وحدهم، حتى جمعهم الله تعالى بعد استيلاء هذه الدولة المباركة. فالحاصل أن المباركفوري كأنه استدل بالحديث الذي في صحيح مسلم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله. فقال: أشهد أن محمداً رسول الله. ثم قال: حي على الصلاة. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر الله أكبر فقال: الله أكبر الله أكبر) ، فاستدل به على جمع التكبيرتين، ورأيت أيضاً بعض الشباب الذين يؤذنون على هذه الكيفية يستدلون بهذا الحديث، والجواب أن نقول: هل سمعتم النبي صلى الله عليه وسلم عندما تكلم بهذا؟! هل تأكدتم أنه ما سكت بين التكبيرتين؟ قد يكون سكت، قد يكون قال: إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، وأيضاً فإنه من باب تعليمهم ما يقولون، والدليل: أنه ما ذكر إلا تكبيرتين مع أنها أربع، فكأنه يريد جنس التكبيرات، فلا يكون في هذا الحديث دليل على أنه يجمع التكبيرتين، هذا هو الذي أختاره.

من شروط الأذان

من شروط الأذان يشترط أن يكون منوياً: أن يكون ناوياً الأذان أنه نداء للصلاة. يشترط أن يكون من ذكر، فلا يجوز أن تؤذن الأنثى ولا يرفع صوتها ولو في أشرطة أو نحوها. يشترط أن يكون مميزاً، فلا يكون صغيراً دون التمييز، وهذا دليل على أنه إذا ميز كابن سبع صح أذانه؛ لأنه يحصل به المقصود. يشترط أن يكون عدلاً، وهذا يخرج الفاسق، فالفاسق ليس له أن يتولى أعمال الخير، لكن لو كان ظاهره العدالة اكتفي بذلك، ولا نبحث عن باطنه أو عن أسراره. ويشترط أن يكون الأذان بعد دخول الوقت، فمن أذن قبل الوقت فإنه يعيد ولو بدقيقة، ولو أذن للمغرب قبل الغروب، أو للظهر قبل الزوال ولو بدقيقة يعيد، واختلفوا في أذان الفجر، وأكثر الفقهاء -إلا الحنابلة- أجازوا الأذان للفجر قبل طلوع الفجر، ومنهم المؤلف هنا، والصحيح أنه لا يجوز ولو اشتهر ذلك في كتب الحنابلة، وذلك لأن الصلاة لا تصح إلا بعد دخول وقتها، ومنها: صلاة الصبح، فلا تصح إلا بعدما يدخل الفجر، والفجر يدخل بطلوع الصبح، فلابد أن يكون بعد طلوع الفجر، وأما ما استدلوا به من أذان بلال؛ فإنه كان لأجل الصوام ينبهم على أن يستعدوا للسحور ونحوه.

ما يسن للمؤذن

ما يسن للمؤذن ما يسن للمؤذن؟ الوصف الأول: كونه صيتاً -أي: رفيع الصوت- لأنه المقصود، نعم يصح الأذان ولو كان صوته خافتاً ويحصل به المقصود، ولكن الحكمة من الأذان بلوغ الصوت إلى آخر القرية أو نحوها. الوصف الثاني: أن يكون أميناً، وذلك لأنه يؤتمن على هذه العبادة، فيسمعه -مثلاً- المعذور أو النساء فيصلون في بيوتهم، ويسمعه الصائم فيفطر، ويسمعه الصائم فيمسك للصيام، فلابد أن يكون أميناً وموثوقاً يعتمد أذانه. الوصف الثالث: أن يكون عالماً بالوقت، أي أن عنده معرفة بالمواقيت، بحيث إنه يعرف متى يدخل الوقت ومتى يخرج، ففي هذه الحال لابد أنه يتعلم أول الوقت وآخره.

الأذان والإقامة في الجمع والقصر

الأذان والإقامة في الجمع والقصر يقولون: إذا جمع صلاتين في وقت واحد كالمسافر، أو من جمع لمطر أو نحوه كفاه أذان واحد. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع في عرفه الظهرين اكتفى بأذان واحد، وفي مزدلفة العشائين أذن للأولى وأقام لكل صلاة. كذلك أيضاً إذا قضى فوائت، فقد اشتهر أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام لما كان في غزوة الأحزاب شغله الأحزاب عن الأربع الصلوات: عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فصلاها كلها في وقت العشاء أو بعد العشاء، وأذن مرة فاجتمعوا، ولم يكن هناك حاجة إلى أن يكرر الأذان لاجتماعهم، ثم صلى كل صلاة بإقامة.

متابعة المؤذن وترديد قوله

متابعة المؤذن وترديد قوله يسن للمؤذن والسامع متابعته سراً، قالوا: المؤذن أيضاً يجيب نفسه، فإذا كبر وقال: (الله أكبر) بصوت مرتفع كبر أيضاً سراً ليحصل على إجابة نفسه، وكذا السامع إذا سمعه يكبر كبر، وبعد كل جملة إلا في الحيعلة فيقول الحوقلة، وذلك بأن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. بعد كل واحدة، وهي أربعة جمل، وبعد التثويب -الذي هو قوله: الصلاة خير من النوم- يقول: صدقت وبررت. كأنهم قالوا: إن هذا استحسان، وذلك لأن كلمة (حي على الصلاة) ليست ذكراً وليست آية، وإنما هي دعوة نداء. أي: هلموا إلى الصلاة! فلا فائدة في أن تقولها وأنت تجيبه، ولا فائدة للسامع أن يقول: حي على الصلاة. وكذلك في الصلاة إذا قال الإمام: (سمع الله لمن حمده) . فليست هذه ذكراً، فلا فائدة للمأموم في أن يقول: سمع الله لمن حمده، فلأجل ذلك يقول: ربنا ولك الحمد. فهكذا في قول: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) يأتي بالحوقلة لأنها ذكر، كأنه يقول: أنا أجيبك أيها المنادي معتمداً على حول الله وقوته، فليس لي حول وليس لي طول وليس لي قدرة وليس لي قوة إلا بأن يمدني الله تعالى بحول منه وبقوة منه، فيكون في هذا اعتماد على الله وتوكل عليه. كذلك التثويب (الصلاة خير من النوم) ليست ذكراً، فلا فائدة في قولها، فإذا قال: صدقت وبررت، فإنه لا بأس بذلك، يكون ذكراً أن يصدقه فيما يقول. وبعض العلماء يقول: يأتي بها لعموم الحديث الذي فيه: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول) ولكن الصحيح: أن عموم قوله: (فقولوا مثلما يقول) مستثنى منه الأشياء التي ليست ذكراً، ومثلها كلمة (قد قامت الصلاة) ليست ذكراً، فلا فائدة في أن يقولها، والحديث الذي فيه أن يقول: (أقامها الله وأدامها) ضعيف، ولكن لما كانت كلمة (أقامها الله وأدامها) كلمة دعاء فلا يعترض على من قالها، ولا يقال: إن هذا لم يثبت. ونحن نقول: إنه لم يثبت مرفوعاً، ولكن الدعاء لا يمنع منه، وكونك تعيدها مع المقيم فتقول: قد قامت الصلاة. لا فائدة في ذلك.

الصلاة على النبي بعد الأذان

الصلاة على النبي بعد الأذان وبعد ذلك ذكر الصلاة على النبي، فيصلي السامع على النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك المؤذن نفسه، وذلك لأنه موطن إجابة للدعاء، ومن أسباب إجابة الدعاء تقديم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لحديث: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلى على النبي) . قال: (وقول ما ورد) : ومنه: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) ، وزيادة (إنك لا تخلف الميعاد) ما وردت في الحديث، ولكن لا بأس بها، وذلك لأنها واردة في القرآن في مثل قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:194] ، فلا ينكر على من أتى بها، حيث إنها بعض آية من كلام الله. يسن بعد ذلك: الدعاء، وقد ورد حديث: (الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد) أي: من أسباب الإجابة.

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان قال المصنف رحمه الله: (يحرم خروج من مسجد بعد الأذان بلا عذر أو نية رجوع) . ورد حديث عن أبي هريرة أنه رأى رجلاً بعد الأذان خرج من المسجد، فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم) ، ويحمل على أن أبا هريرة عرف أنه لا يرجع، أما إذا خرج ليتوضأ ثم يرجع سريعاً بأن كان حاقناً أو له عذر شديد فخرج وقضى حاجته ورجع فلا حرج عليه في ذلك، وهكذا إذا كان -مثلاً- إماماً في مسجد آخر فلا حرج أن يذهب إلى مسجده، أو عرف بأنه يدرك الصلاة في مسجد آخر، وكان له شغل في ذلك المسجد، كان له عذر، فالعذر في قوله: (بلا عذر) كونه -مثلاً- إماماً في مسجد، أو مؤذناً في مسجد آخر، أو له حاجة قرب ذلك المسجد، أو يريد أن يقطع بعض الطريق، أو نحو ذلك من الأعذار، فمثل هذا يباح له أن يخرج بعد الأذان إذا أمن ألا تفوته الصلاة جماعة. والحكمة في ذلك: أنه إذا خرج فاتته الجماعة، فيكون تسبب في فوت صلاة الجماعة التي هي من الواجبات كما سيأتي.

من شروط الصلاة: دخول الوقت

من شروط الصلاة: دخول الوقت والشرط: ما لا يتم المشروط إلا به، وشروط الصلاة تكون قبلها، ولا يدخل فيها إلا بعدما تتكامل الشروط، وشروطها معروفة يحفظها الأطفال في المرحلة الابتدائية، وذكر هنا ستة، وهي تسعة، وذلك لأن الثلاثة الأول: الإسلام والعقل والتمييز شروط لكل عبادة، فكأنهم يتركونها لأنها معروفة متكررة، فيتكلمون على الشروط الخاصة بالصلاة. الشرط الأول: الطهارة، وقد تقدمت في كتاب الطهارة، ويراد بها الطهارة من الحدث. والشرط الثاني: دخول الوقت، لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] ، من حكمة الله تعالى أنه ما أوجب الصلوات جميعاً سبع عشرة ركعة في وقت واحد، فإنه قد يشق ويصعب الإتيان بها في وقت واحد، فجعلت متفرقة، ومن الحكمة في ذلك: تجدد الصلة بالله، وذلك لأن العبد إذا غفل وقتاً من الأوقات، وقسا قلبه دخل عليه وقت الصلاة، وهو الوقت الذي يؤدي فيه عبادة فيها ذكر وشكر ودعاء، وفيها قراءة وخشوع وفيها إنابة وتذلل، فيكون هذا الذكر وهذه العبادة مما يصقل القلب، وينشطه على العبادة، ومما يزيل ما به من الغفلة، وما وقع من آثارها من القسوة.

الحكمة من تفاوت الأوقات بين الصلوات

الحكمة من تفاوت الأوقات بين الصلوات إن أطول الأوقات التي لا صلاة فيها: ما بعد العشاء وما بعد الفجر، وذلك لأن ما بعد العشاء محل راحة غالباً ومحل نوم، ومع ذلك شُرع فيه التهجد، وقد وردت الأدلة في تأكيد التهجد وفي تأكيد صلاة الليل وهي مشهورة. والثاني: بعد الفجر إلى الظهر، ومع ذلك شرعت فيه صلاة الضحى، والحكمة أن يكون هذا الوقت الطويل لا يخلو من صلاة ولو تطوعاً. أما بقية الأوقات فإنها متقاربة، من الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء، هذه أوقات متقاربة، فلأجل ذلك لا تطول فيها الغفلة.

مأخذ المواقيت

مأخذ المواقيت هذه المواقيت قد تؤخذ من عموم الآيات أو من ظواهرها، واستنبطت من آية في سورة هود: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود:114] . (طرفي النهار) : يدخل في الطرف الأول صلاة الفجر وفي الطرف الثاني الظهر والعصر؛ لأنهما في النصف الثاني من النهار. (وزلفاً من الليل) أي: المغرب والعشاء؛ لأنهما في أول الليل. والآية الأخرى في سورة الإسراء، وهي قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78] ، (فدلوك الشمس) يعني: ميلها، ويدخل فيه الظهر والعصر. و (غسق الليل) يدخل فيه المغرب والعشاء. (قرآن الفجر) يعني: صلاة الفجر. واستنبطت أيضاً من قوله تعالى في سورة الروم: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم:17-18] . فـ (حين تمسون) يذكر فيه صلاة المغرب والعشاء. (وحين تصبحون) يذكر فيه صلاة الفجر. و (عشياً) صلاة العصر. و (حين تظهرون) صلاة الظهر هكذا فسّرها المفسرون.

وقت صلاة الظهر

وقت صلاة الظهر بدأ بالظهر؛ لأن الذي قبلها ليس وقتاً لشيءٍ من الفرائض. أي ما بين طلوع الشمس إلى زوال الشمس لم يوقَّت فيه فريضة، فهو ليس وقتاً لشيءٍ من الصلوات المكتوبة، فلذلك بدءوا بالظهر؛ لأن الأوقات التي بعدها متصل بعضها ببعض، فالظهر يتصل وقتها بالعصر وليس بينهما فاصل، والعصر يمتد وقتها إلى المغرب، والمغرب يمتد وقتها إلى العشاء، والعشاء يمتد وقتها إلى الفجر. ويبدأ وقت الظهر بالزوال. والزوال يراد به زوال الشمس من وسط السماء، ومعلوم أن الشمس إذا طلعت لا تزال ترتفع وينتصب للأشياء ظل، وكل شيءٍ شاخص فإنه يكون له ظل، ثم لا يزال ذلك الظل يتقلص وينقص حتى تكون في وسط السماء فيتوقف نقصه، فإذا مالت إلى جهة الغرب ابتدأ يزيد ولا يزال يزيد إلى أن تغرب، فإذا مالت وابتدأ الظل في الزيادة ولو قدر أنملة دخل وقت الظهر. إذاً: يدخل وقت الظهر بزوال الشمس وذلك إذا مالت وابتدأ الظل بالزيادة. يقول رحمه الله: [حتى يتساوى منتصب وفيئه سوى ظل الزوال] . يعني: متى ينتهي وقت الظهر؟ إذا تساوى منتصبٌ وفيئه. (فيئه) أي: ظله. ويراد ما كان زائداً على الظل الموجود وقت الزوال. فمثلاً: إذا نظرنا إلى شيء منتصب عندما زالت الشمس، ومن وقت زوال كانت الشمس مائلة إلى جهة الجنوب، فكان له ظل -مثلاً- ولو قدر أصبعين؛ فهذا الظل الموجود وقت الزوال لا نعتد به، وإنما يبدأ وقت الظهر من زيادة الظل، ولا نحسب الظل الموجود وقت الزوال، ثم لا يزال وقت الظهر ممتداً حتى يصير ظله مثله، ويتساوى وفيئه. إذا قدرنا مثلاً: أن هذا الشيء ثمانية سنتيمتر مثلاً، فإذا زاد طول الظل بعد الظل الموجود على ثمانية سنتيمتر خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر. - نفرض مثلاً: أن طول هذا الجدار عشرة أمتار، فمتر موجود قبل الزوال وعشرة بعده، إذا وصل ظله إلى أحد عشر متراً انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر. - افرض أنك وقفت وقت الزوال وإذا ظلك قدم، فهذا الظل الموجود وقت الزوال لا يعتد به، ويمتد وقت الظهر إلى أن يكون ظلك مثلك. - افرض مثلاً: أن طولك مائة وخمسون سنتيمتر، فإذا كان الظل مثلك فإنه يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر، فهذا معنى قوله: (يتساوى منتصب وفيئه سوى ظل الزوال) .

وقت صلاة العصر

وقت صلاة العصر إذا انتهى وقت الظهر دخل وقت العصر. والعصر لها وقتان، وقت اختيار ووقت اضطرار، والمختار يبدأ من خروج وقت الظهر حتى يصير ظل كل شيءٍ مثليه. أي: إذا كان ظلك مثلك مرتين ولا تعد الظل الموجود وقت الزوال خرج وقت الاختيار ودخل وقت الاضطرار، ووقت الضرورة يمتد إلى أن تغيب الشمس، وقد تقدم أنه لا يجوز تأخيرها إلى وقت الضرورة إلا لعذر.

وقت صلاة المغرب

وقت صلاة المغرب وبعد الغروب يدخل وقت المغرب، ويمتد حتى يغيب الشفق الأحمر، والشفق الأحمر هو الحمرة التي تكون في الجهة الغربية بعد غروب الشمس، فإذا انتهت وغابت تلك الحمرة وأظلم الجو خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء.

وقت صلاة العشاء

وقت صلاة العشاء والعشاء أيضاً لها وقتان: وقت اختيار ووقت اضطرار، فالمختار يبدأ من غروب الشفق إلى ثلث الليل الأول، وقيل إلى نصفه، ووقت الضرورة إلى طلوع الفجر.

وقت صلاة الفجر

وقت صلاة الفجر والفجر فجران، فجر أول وهو بياض في آخر الليل مستطيل دقيق يشبهونه بذنب السرحان، فهذا لا يدخل به وقت الفجر ولا يحرم على الصائم الأكل، وأما الفجر الثاني ويسمى الفجر الصادق: فهو البياض المعترِض في الأفق الشرقي فهذا هو الذي يحرم الطعام على الصائم، ويبيح صلاة الفجر، ووقت الفجر يمتد إلى طلوع الشمس. يعني: إلى خروجها، فيخرج وقتها ولا يكون وقتاً بعد طلوع الشمس.

ما تدرك به المكتوبة

ما تدرك به المكتوبة قال المصنف رحمه الله: [تدرك المكتوبة بإحرم في وقتها] إذا أحرم فقال: (الله أكبر) قبل أن يخرج الوقت فقد أدرك الوقت وأصبحت صلاته أداءً لا قضاءً، هذا قول، والقول الثاني أنه لا يُدرك إلا بإدراك ركعة، وهذا هو الصواب الصحيح أنه لا يدرك الوقت إلا بإدراك ركعة، قال صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ، يعني: فيضيف إليها باقي الصلاة. لكن ورد في رواية: (من أدرك سجدة من الصبح قبل أن تطلع الشمس) ، وحملت السجدة على أن المراد بها الركعة التي هي قيام وقعود وركوع وسجود، فمن أدرك ركعة عُدّت صلاته أداءً وإلا فهي قضاء، ويحرُم تأخيرها إلى وقت لا يسعها، ويحرم أن يؤخرها إلى أن يبقى وقتٌ يضيق عن أدائها، فإذا كانت -مثلاً- صلاة الفجر تستغرق أربع دقائق فأخرها إلى أن لم يبق إلا ثلاث أو دقيقتان حرم عليه، أو صلاة العصر تستغرق أربع دقائق أو خمساً فأخرها حتى لم يبق بينه وبين غروب الشمس إلا دقيقتان، فلا يجوز ذلك. والصلاة لا بد أن تكون في الوقت، فلا يصلي حتى يتيقن أن الوقت قد دخل؛ لأنه ربما يؤديها قبل دخول الوقت فلا تجزئ، فلا يصلي الظهر حتى يتحقق أن الشمس قد زالت، ويعرف الزوال بزيادة الظل إذا كانت الشمس طالعة، وإذا كان غيماً فبالتحري أو يغلب على ظنه دخوله إن عجز عن اليقين. إذا غلب على الظن أنه قد زالت الشمس أو قد طلع الفجر إن كان هناك -مثلاً- غيم، يعني: قبل انتشار الساعات الموجودة؛ لأن الساعات تحدد الوقت. ويعيد إن أخطأ: فلو قدر -مثلاً- أنه صلى الفجر قبل أن يطلع الفجر، ثم تبين أنه أخطأ فيعيد، وكذلك لو تبيّن أنه صلى المغرب قبل غروب الشمس ولو بدقيقة فيعيد. قال المصنف رحمه الله: [من صار أهلاً لوجوبها قبل خروج وقتها بتكبيرة لزمته وما يجمع إليها قبلها] من صار أهلاً لوجوبها. يعني: من وجبت عليه قبل أن يخرج وقتها بتكبيرة لزمته وما يجمع إليها قبلها. إذا أدرك من آخر وقتها قدر تحريمة وهو أهل لوجوبها لزمته، يدخل في ذلك مثالان: المثال الأول: المجنون، إذا أفاق قبل أن تغرب الشمس بدقيقة أو بتكبيرة لزمته العصر وما يجمع إليها، لأنه أدرك آخر العصر، والذي يجمع إليها قبلها هو الظهر؛ فيقضي الصلاتين، لأنه قبل ذلك كان ساقطاً عن التكليف ولكن الآن أصبح مكلفاً، فنقول له: اقض الصلاتين اللتين أدركت وقتهما ولو لم تدرك إلا جزءاً يسيراً، لأن وقتهما واحد. وكذلك في العشائين إذا أفاق هذا المجنون قبل أن يطلع الفجر بدقيقة أو بنصف دقيقة أو بقدر تحريمة ألزمناه أن يقضي صلاة المغرب والعشاء لأنه أدرك آخر وقتهما وهما تجمعان. المثال الثاني: الحائض، وهذا يقع كثيراً إذا طهرت الحائض قبل أن تغرب الشمس بدقيقة لزمها الظهران، وإذا طهرت قبل أن يطلع الفجر لزمها العشاءان، والعمدة في ذلك أنها صارت من أهل التكليف، وأن الصلاتين وقتهما واحد. ثم العمدة أيضاً على ورود آثار عن الصحابة، فهو مرويٌ عن عبد الرحمن بن عوف وعن سعد بن أبي وقاص وعن ابن عباس وغيرهم بأسانيد صحيحة رواها ابن أبي شيبة في مصنفه في المجلد الثاني الطبعة القديمة في صفحة (235) أو نحوها. وكثير من النساء جادلن في ذلك، فنقول: العمدة في ذلك كلام هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، وهم لا يقولون إلا عن توقيف.

ترتيب قضاء الفوائت فورا

ترتيب قضاء الفوائت فوراً قال المصنف رحمه الله: [يجب فوراً قضاء فوائت مرتباً] . إذا كان عليه فوائت فإنه يجب قضاؤها فوراً، فلا يؤخرها، مثال ذلك: شخص كان مغمى عليه لمدة يومين، أو ثلاثة أيام، فإذا فاق صار عليه قضاء خمسة عشر فرضاً، ففي هذه الحال يقضي هذه الفروض إذا صحا مرتِّباً لها. إذا كان أولها -مثلاً- الفجر صلى فجر ظهر عصر مغرب عشاء فجر ظهر وهكذا حتى يكملها، ولا يؤخرها بل يأتي بها فوراً. يعني: ساعة ما يصحو أو ساعة ما ينتهي عذره، كصاحب البنج -مثلاً- إذا زال العذر قضاها فوراً مرتّبة. فإن تضرر فله أن يؤخرها -مثلاً- إذا سئم وتعب، أو إذا كان مريضاً -مثلاً- ويشق عليه ذلك، وبقي فيه من أثر المرض إرهاق وتعب، ففي هذه الحال يجوز أن يؤخر بعضها حتى يريح نفسه قليلاً، وإذا نسي أولها صلاها حسب اعتقاده. يعتقد بعض الناس أن قضاءها يكون كل وقت مع وقته، يقول: إذا صليت الظهر صل معها ظهر من الفوائت، وإذا صليت العصر صل معها عصراً من الفوائت، وكذا المغرب والعشاء والفجر، وهذا خطأ لا دليل عليه، بل تقضيها كلها متوالية. وكذلك إذا خشي فوت الحاضرة أو اختيارها: كما إذا استمر يصلي حتى خرج وقت الظهر، فنقول: يقدِّم الظهر؛ لأنها تؤدى أداءً، أو إذا استمر يقضي هذه الصلوات فخرج وقت الاختيار للعصر وهو صيرورة ظل الشيء مثليه، فيقدِّم العصر.

من شروط الصلاة: ستر العورة

من شروط الصلاة: ستر العورة قال المصنف رحمه الله: [ستر العورة] :

تعريف العورة

تعريف العورة الشرط الثالث: ستر العورة: ومسائله يسيرة. العورة: هي ما يلحق كاشفها عار. والسوءة: هي ما يلحق الإنسان عار وعيب ويسوءه ذلك، لأجل ذلك تسمى السوءة، في قوله تعالى: {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف:22] . يجب ستر العورة حتى في خارج الصلاة؛ لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] ، ولقوله: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف:26] .

ما يحصل به ستر العورة

ما يحصل به ستر العورة يستر الإنسان عورته بشيء طاهر ولو كان في خلوة وليس عنده أحد، روي أنه عليه الصلاة والسلام قيل له: (يا رسول الله! يغتسل أحدنا في الصحراء عارياً، فقال: الله أحق أن يستحيا منه) ، وكذا إذا كان في ظلمة، ولا يقول: ليس عندي أحد يرى عورتي، بل يستر عورته. والستر يكون بما لا يصف بشرته. يعني: بالستر الذي يستر الجسد بحيث لا يكون شفافاً توصف من ورائه البشرة بحيث يُرى شعر البشرة أو لونها بياض أو سواد أو حمرة، ولا بد أن يكون الساتر يستر ظاهر الجسد فلا يرى ما وراءه.

بيان حد العورة

بيان حد العورة عورة الرجل والصغيرة الحرة والصغيرة المراهقة التي دون البلوغ والأمة كبيرة أو صغيرة من السرة إلى الركبة، وابن سبع إلى عشر عورته الفرجان فقط. الحرة: المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة، فإنها تكشف وجهها في الصلاة، أما بقية بدنها فإنها تستره لحديث أم سلمة قالت: (يا رسول الله! أتصلي المرأة بالدرع الواحد فقال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها) ، فاشترط أن يغطي ظهور القدمين، وهكذا يغطي الكفين ويغطي العنق مع تغطيتها بقية الجسد.

ستر المنكبين في الصلاة

ستر المنكبين في الصلاة الصحيح أنه يشترط للرجل إذا صلى فرضاً أن يستر العورة التي من السرة إلى الركبة ويستر المنكبين أو أحدهما، أي: العاتقين، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) ، فلا بد أن يستر العاتق أو العاتقين، وفي بعض الروايات: (عاتقيه) . ومن العلماء من أجاز أن يقتصر على ستر عورته، واستدل الشافعية بقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن كان واسعاً فالتحف به وإن ضيقاً فاتزر به) ، فأباح أن تجعله إزاراً فتصلي في الإزار ولكن لعل هذا لعذر. وعن أبي هريرة أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أيصلي أحدنا في الثوب الواحد؟ فقال: أو لكلكم ثوبان) ، وفي لفظ: (أوكلكم يجد ثوبين) ، يعني: أن كثيراً منهم لا يجدون إلا ثوباً واحداً إزاراً أو رداءً، فأكثر لباسهم كلباس المحرم. ومن انكشفت بعض عورته وفحُش أعاد، أما إذا كشفت الريح -مثلاً- إزاره أو ثوبه ولكنه غطاه بسرعة فلا يعيد، وذلك لأن هذا ليس فاحشاً، فأما إذا انكشف بعض عورته. يعني: ما فوق الركبة أو ما تحت السرة وفحش -يعني: طالت المدة- فإنه يعيد، وكذا إذا صلى في نجس أو غصب ثوباً أو بقعة أعاد.

الصلاة في الثوب المغصوب

الصلاة في الثوب المغصوب ذكرنا أنه إذا صلى في ثوب أو بقعة مغصوبة فالصحيح أنه لا يعيد، وذلك لأنه أدى الصلاة كما ينبغي، ولكنا نقول له: آثم، وصاحب المغصوب يطالبه بأجرته سواءٌ أجرته للصلاة فيه أو أجرته خارج الصلاة، وصاحب البقعة المغصوبة أيضاً يطالبه بردها، أما الثوب النجس فإنه إذا صلى فيه متعمداً فإنه يعيد، كما سيأتي، ولا بد أن يصلي في ثوب طاهر. قال: (لا من حُبس في محل نجس لا يمكنه الخروج منه) أي: إذا حبس والمكان نجس كمزبلة مثلاً أو مكان فيه أبوال أو أرواث أو فيه دماء ولا يستطيع التخلص فهو معذور، فيصلي على حسب حاله.

شرح أخصر المختصرات [6]

شرح أخصر المختصرات [6] اجتناب النجاسات واستقبال القبلة والنية من شروط الصلاة، وهي شروط تتعلق بها أحكام وتتفرع عليها مسائل ينبغي للمسلم معرفتها.

من شروط الصلاة: اجتناب النجاسة

من شروط الصلاة: اجتناب النجاسة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. ابتدأنا في كتاب الصلاة، وذكر المؤلف من تجب عليه الصلاة، ومن تسقط عنه، ومتى يؤمر بها الصغير، ومتى يضرب، وحكم تأخيرها إلى آخر الوقت، وحكم من جحدها، وكذلك ذكر الأذان والإقامة على من يجبا، وما يشترط للأذان من الترتيب والموالاة والنية، ومن يصح منه، وأنه يشترط أن لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، وذكرنا أن استثناء الفجر بناءً منهم على حديث بلال أنه كان يؤذن في آخر الليل، والظاهر من الأحاديث أنه ما كان يفعل إلا في رمضان أو آخر الليل، ولم يقتصروا على أذانه بل يؤذن بعده ابن أم مكتوم، فيترجح أنه لا يؤذن لصلاة إلا بعد أن يدخل وقتها، ولا فرق بين الفجر وغيره. وكذلك متابعة المؤذن في كلمات الأذان وما له في ذلك من الأجر، وأنه إذا كان ذلك خالصاً من قلبه دخل الجنة، وأنه لا يتابع في الحيعلة، ولا في التثويب ولا في قد قامت الصلاة؛ لأنها ليست من الأذكار، وما يقول بعد الفراغ من الأذان، وكذلك أيضاً شروط الصلاة والحكمة في تفريق المواقيت، ودخول وقت الظهر ونهاية ذاك الوقت، وأن صلاة العصر لها وقتان اختياري واضطراري، وكذا العشاء، وبأي شيء تدرك الصلاة في وقتها لتكون أداءً لا قضاءً، وترجيح أنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة، وكذا إدراك الجماعة، ووجوب التأكد من دخول الوقت ولو بغلبة الظن، وأنه إذا صلى قبل الوقت وأخطأ فإنه يعيد. وحكم من أدرك أول وقتها وهو غير مكلّف ثم كلِّف في آخر وقتها كالمجنون يفيق والحائض تطهر في آخر الوقت، وماذا تقضيه، وحكم قضاء الفوائت وكيفيته، وحكم ستر العورة، ومتى يجب، وهل يختص الستر بداخل الصلاة؟ ومقدار عورة الرجل والحرة والأمة والصغير، وكذلك من انكشف بعض عورته في الصلاة وفحُش، وحكم من صلى في مكان نجس أو مغصوب أو ثوب مغصوب يرجِّحون أنه يعيد، والراجح أنه لا يعيد إذا صلى في ثوب مغصوب أو بقعة مغصوبة، ولكنه يأثم. هذه خلاصة ما مر بنا. والآن نأتي إلى بقية الشروط. قال رحمه الله: [الرابع: اجتناب نجاسة غير معفو عنها في بدن وثوب وبقعة مع القدرة. ومن جبر عظمه أو خاطه بنجس وتضرر بقلعه لم يجب، ويتيمم إن لم يغطه اللحم، ولا تصح بلا عذر في مقبرة وخلاء وحمام وأعطان إبل، ومجزرة ومزبلة، وقارعة طريق، ولا في أسطحتها. الخامس: استقبال القبلة، ولا تصح بدونه إلا لعاجز ومتنفل في سفر مباح، وفرض قريب منها إصابة عينها وبعيد جهتها، ويعمل وجوباً بخبر ثقة بيقين وبمحاريب المسلمين، وإن اشتبهت في السفر اجتهد عارف بأدلتها وقلّد غيره، وإن صلى بلا أحدهما مع القدرة قضى مطلقاً. السادس: النية، فيجب تعيين معيَّنة وسنة مقارنتها لتكبيرة إحرام، ولا يضر تقديمها عليها بيسير، وشُرِط نية إمامة وائتمام ولمؤتم انفراد لعذر، وتبطل صلاته ببطلان صلاة إمامه لا عكسه إن نوى إمام الانفراد] . من شروط الصلاة: اجتناب النجاسة: النجاسة يراد بها النجاسة العينية كالبول والغائط والقيء النجس والدم وأجزاء الميتة والخمر والدواب النجسة كالخنزير والحُمُر، وأرواث الدواب النجسة كروث الحُمُر ونحوه، فهذه كلها تسمى نجاسات عينية، وهي التي لو غسلت لم تطهر، مثلاً الكلب لو غسل ثم غسل لا يطهر، الميتة لو غسلت لم تطهر بالغسل، وكذلك الخنزير والأعيان النجسة. فالمصلي يكون متطهراً ويجتنب النجاسات، سواء في ثيابه أو على بدنه أو في البقعة التي يصلي عليها حتى لا يكون حاملاً للنجاسة، لو حمل النجاسة ولو مثلاً قطرات بول في قارورة، أو نقط دم لا يعفى عنها في منديل، فإنه لا تصح صلاته.

نجاسة الدم

نجاسة الدم ويتساهل كثير من الناس في حمل المناديل التي فيها دم، أحدهم مثلاً يرعف، أو يظهر في أسنانه شيءٌ من الدم أو في جرح معه فتراه يمسحه بالمنديل ثم يستمر في صلاته ويجعل المنديل في مخبئه، ويكون ذلك الدم مما لا يعفى عنه، فمثل هذا لا يصح أن يحمله. وكذلك لو خرج منه الدم في خارج الصلاة ومسحه بمنديل مثلاً ثم حمل المنديل معه فإن هذا خطأ، لا يصلي وهو حامل لنجاسة. ثم نقول: قد تقدم في بعض الأسئلة التي عرضت أن بعضهم يشك في نجاسة الدم، وكثير من الإخوان يقولون: الدم ليس بنجس، وذكرنا أنه نجس، وإنما يعفى عن قليله، كنطفة أو نقطٍ يسيرة متفرقة، وذكرنا أن الدليل كونه محرَّماً: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3] ، وكل محرم من السوائل فإنه نجس العين، ومن الأدلة أيضاً على نجاسته: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في تطهيره بثلاثة أشياء سُئِل عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: (تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه) ، وذلك دليل على نجاسته. ولا يقال: إن هذا خاص بدم الحيض فإن الحكم واحد، لأن دم الحيض أصله يخرج من عروق في جوف المرأة خلقها الله تعالى لتغذية الجنين، فهي من جملة بدن المرأة. وقد ذكر صلى الله عليه وسلم أن دم المستحاضة دم عرق يقال له (العاذل) ، فدل على أن مخرجه واحد ويُلحق به بقية الدماء من الجروح ومن البدن ومن الذبيحة ونحوها، وذكرنا أن صلاة عمر رضي الله عنه وجرحه يثعب دماً، لأنه معذور، ويُلحق بمن حدثه دائم، لأن الذي حدثه دائم كالجروح السيالة، وصاحب السلس يصلي على حسب حاله، ولأنه لو ترك الصلاة ما توقّف الدم، وكذلك صلاة الصحابي الذي رمي وهو يصلي واستمر في صلاته ودمه ينزف، لأنه لا يستطيع إيقاف الدم فاستمر في صلاته، فهو كمن حدثه دائم، وهناك أدلة أخرى كثيرة.

ما يعفى عنه من النجاسات في الصلاة

ما يعفى عنه من النجاسات في الصلاة هناك نجاسة معفو عنها، وهي مثل نقط الدم اليسيرة؛ يعفى عن نقطة أو نقطتين أو ثلاث متفرقة من الدم، وذلك للمشقة. ويعفى أيضاً: عن أثر الاستجمار بمحله، إذا استجمر الإنسان بعد التغوط ومسح أثر الخارج بالحجارة وبقي شيءٌ لا يزيله إلا الماء فمثل هذا يُعفى عنه كما تقدّم في إزالة النجاسة، وذكر أنه يعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم ونحوه من حيوان طاهر، لا دم سبيل. وكذلك أيضاً دم ما لا نفس له سائلة كدم البراغيث والقمل ونحو ذلك.

النجاسة في الثوب والبدن

النجاسة في الثوب والبدن ويتجنب النجاسة في ثوبه وفي بدنه وفي البقعة التي يصلي عليها، ويكون ذلك مع القدرة، فإن عجز فهو معذور، فإذا لم يجد إلا الثوب الذي فيه نجاسة، أو سجن في مكان نجس، أو ليس له قدرة كالمريض الذي لا يستطيع أن يتطهر، ولا يستطيع أن يمسك بوله، ولا يستطيع أن يتطهر بعد التخلي، فمثل هذا عاجز عن التطهر، فيصلي على حسب حاله.

النجاسة في جبر العظم أو خياطه

النجاسة في جبر العظم أو خياطه قال: (ومن جُبِر عظمه بنجس أو خاط جرحاً بنجس وتضرر بقلعه لم يجب قلعه وصلى على حسب حاله) . الجبر قد يكون بعظم ميتة -مثلاً- يشدونه عليه، أو بجلد نجس يمسكون به الجرح. أو يخاط به الجرح أو يُجبر به العظم، ويشق عليه قلعه، فإنه لا يجب ولكن يتيمم. فإن غطاه اللحم. أي: نبت اللحم على هذا الشيء، كما لو جرح وأدخلوا في الجرح خيطاً نجساً خيط به ونبت اللحم عليه، فهل يلزمه أن يشق اللحم وأن يخرج ذلك الخيط النجس؟ هذا فيه مشقة، فيعفى عن ذلك.

المواضع التي لا تصح الصلاة فيها

المواضع التي لا تصح الصلاة فيها وذكر بعد ذلك المواضع التي لا تصح الصلاة فيها، وهي: الأول: المقبرة، وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، والنهي عن الصلاة في المقبرة والحمام. واختُلِف في العلة، فأكثر الفقهاء على أن العلة تلوثها بصديد الموتى. يعني: أن الميت يتحلل ويخرج منه في قبره رائحة منتنة وأن تلك الرائحة تمتصها الأرض وتظهر على وجه الأرض فلا يجوز أن يصلى فيها لهذا السبب. والصحيح من التعليل أن العلة مظنة الغلو فيها، ولذلك نُهي عن الصلاة عند قبور الأنبياء: (لا تتخذوا القبور مساجد) ، مع أن أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض، فهو دليل على أن العلة خوف الغلو في الأموات ودعائهم مع الله، وهذا هو الذي وقع من القبوريين، فإنهم لما بنوا على القبور زيّن لهم الشيطان أن ذلك من تعظيمها ومن احترام أهلها، فوقع من بعدهم في دعاء الأموات، فصاروا يقصدون تلك القبور الذي يقال: إنها قبور أولياء وسادة، أو شهداء أو صالحين، فأدى الأمر إلى عبادتها مع الله. فالصحيح ما علل به شيخ الإسلام أنها مظنة الغلو، وقد ذكر ذلك في اقتضاء الصراط المستقيم. الثاني: الخلاء، يراد به: بيت الخلاء، ويسمى الحش والكنيف والمرحاض، وتسميته بالحمام تسمية جديدة، وهو محل قضاء الحاجة. وورد أيضاً: النهي عن الصلاة في الحمام، وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في المقبرة والحمام، وليس المراد الحمام الذي في البيوت الذي هو بيت التخلي، بل المراد الحمام الذي يكون في البلاد الباردة كالشام والعراق ومصر وتركيا وغيرها، وهو عبارة عن بيت يحفر له في الأرض دور أو دورين ثم يكون فيه ماء ساخن يدخله الإنسان حتى يستحم بمعنى يتنظف، وكرهوا الصلاة فيه لما فيه من كشف العورات، أي: أنه يكثر فيه كشف العورات، وكان في الزمان القديم مظلِماً، وفي هذه الأزمنة بعد وجود الكهرباء استطاعوا أن ينوروه، فأصبح كأنه الأقبية التي يحفر لها في الأرض. والحاصل أنه نهي عن الصلاة فيه لهذه العلة. وأما النهي عن الصلاة في الخلاء، فلأجل أنه مأوى الشياطين، والشياطين تألف الأماكن القذرة، ولذلك ورد في حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة) يعني: تحضرها الشياطين، وأمر بالاستعاذة من الخبث والخبائث: ذكور الشياطين وإناثهم. فهذه هي العلة. الثالث: الحمام، ذكرنا أنه غير الخلاء، وأنه الدور التي يحفر لها في الأرض ويُستحم فيها، ويدخلها من يستحم فيها لوجود الماء الساخن. الرابع: أعطان الإبل، والعلة أنها مأوى الشياطين، وقد ورد في حديث: (إن على ذروة كل بعير شيطان) ، وفي حديث: (إنها جن خلقت من جن) ، وفي حديث آخر: إن الفضاضة وغلظ الطبع في الفدادين أصحاب الإبل، والسكينة في الغنم. هكذا علل كثير من العلماء، وعللوا بذلك أيضاً الوضوء من أكل لحمها، ومنهم من علل بأن مبارك الإبل مظنة النجاسة، وأن كثيراً إذا أراد التغوط أو التبول استتروا بالإبل فتكون تلك المبارك لا تخلو من نجاسة. الخامس: المجزرة، وهي التي تذبح فيها البهائم لأنها تتسخ بالدم وبالفرث، وذلك دليل على أنها نجسة ومستقذرة. السادس: المزبلة، التي هي مُلقى الزبالات والقمامات والنفايات؛ لأن الغالب أنها لا تخلو من نجاسة، ولأنها مستقذرة تقذرها النفوس وتنفر من هذه القمامات. السابع: قارعة الطريق، واختُلف في العلة، فقيل: إن الناس إذا سلكوا هذا الطريق غالباً ما يلقون النجاسة فيها، فإذا حقِن أحدهم تبوّل في الطريق أو قريباً منه، أو أنها لكثرة مرور الناس عليها يلقى فيها قمامات ونفايات ونحوها، وقيل: العلة التشويش، وأنه إذا صلى في قارعة الطريق تشوّش بكثرة المارين الذين يسيرون مع هذه الطريق فلا يقبل على صلاته. وأما الصلاة بأسطحها فيراد به سطح الحمام مثلاً، والخلاء وأشباهها، وقد ذكروا أنها لا تصح، ولكن لعل القول بالصحة أقرب، وذلك لأن الذي يصلي لا يشاهد نجاسة ولا يشاهد شيئاً مما نهي عنه فلا ضرر عليه، ولا أثر عليه. ولذلك إذا تنجست الأرض ويبست النجاسة عليها ولم تجد ما تغسلها به، وبسطت عليها بساطاً صحّت الصلاة. ويحدث كثيراً في المساجد أن البالوعة يُحتاج إلى سطحها، في التوسع فيفرش عليها إذا ضاق المسجد لصلاة جمعة أو نحوها، فيضطرون إلى أن يصلوا في سطحها مع أنها الذي فيها نجاسات محققة، فالصحيح أنه لا مانع من الصلاة في أسطحها.

من شروط الصلاة: استقبال القبلة

من شروط الصلاة: استقبال القبلة الشرط الخامس: استقبال القبلة: قال الله تعالى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144] ، المسجد الحرام يراد به الكعبة، ويدخل في ذلك: المسجد الذي حول الكعبة، فالمصلي مأمور بأن يستقبل بيت الله تعالى الذي هو الكعبة المشرفة، ويستقبل المسجد الذي حولها إذا كان خارجه، ولكن الأصل أن القبلة هي الكعبة المشرفة، ولأجل ذلك إذا صليت خارج حيطان المسجد فعليك أن تتحقق أنك مستقبل بناية الكعبة، ولا تكتفي ببناية أو جانب من جوانب المسجد، ومن ثم يعفى في ذلك عن العاجز، مثلا: ً المريض الذي لا يستطيع التوجه؛ لأنه مضطجع على سريره والسرير موجه لغير القبلة، ولا يستطيع الحركة، وليس هناك حيلة في توجيه السرير إلى القبلة، فمثل هذا عاجز، يصلي على حسب حاله، ويدخل في قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] . أي: فثم الجهة التي تتوجهون إليها، وهي مجزئ أن يصلى فيها. قال: (والمتنفل إذا كان في سفر مباح) ، قوله: (مباح) يخرج سفر المعصية، كالذي يسافر ليقطع الطريق، أو ليسرق، أو ليزني، أو ليقتل مسلماً، فلا تباح له الرخص، هكذا عللوا. السفر يأتينا أنه ما لا يقطع إلا بكلفة ومشقة، ولما كان السفر مظنة المشقة، وكان المسلم إذا سافر يحب أن لا تفوته أوراده وصلواته رخص له بأن يصلي على ظهر بعيره، ولو كان وجهه لغير القبلة، فقد تكون القبلة خلفه أو عن أحد جانبيه، فيصلي إلى جهته اغتناماً للصلاة، حتى لا تفوته هذه الأوراد والسنن الرواتب. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر يصلي النوافل على راحلته حيثما توجهت به، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، فالفريضة لها مكانتها وأهميتها، فينزل ويصلي على الأرض، ويصلي بأصحابه وكذلك يأمرهم.

ما بين الجهتين قبلة

ما بين الجهتين قبلة قوله: (وفرض قريب منها إصابة عينها وبعيد جهتها) : أي: القريب الذي في مكة وفي حدودها يلزمه أن يحدد جهة الكعبة فيتوجه إلى عينها، وأما البعيد الذي في الجهات البعيدة كهذه البلاد وما حولها، وخارج المملكة فيكفيهم أن يتوجهوا إلى جهتها؛ لأن الجهات مثلاً أربع: جهة المشرق، وجهة المغرب، وجهة الشمال، وجهة الجنوب، فهذه الجهات الأربع يكفي إذا توجه إلى الجهات التي هي فيها، ولو مال عنها يمنة أو يسرة؛ وذلك لأن الجهات التالية ورد فيها حديث في السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) بالنسبة إلى أهل المدينة؛ لأن قبلتهم في جهة الجنوب، ويقول: هذه الجهة التي هي القبلة إذا مال عنها قليلاً، ولم يكن إلى جهة الغرب، أو مال عنها يساراً، ولم يكن إلى جهة الشرق، فما بين الجهتين كله قبلة، يقال في هذه البلدة -أي: في الرياض- ما بين الشمال والجنوب قبلة، أي: أنت على قبلة ما لم تستقبل الشمال وتستقبل الجنوب، ولكن مع ذلك يحرص على تحري الإصابة. قوله: (ويعمل وجوباً بخبر ثقات بيقين) أي: إذا أخبرك موثوق أن هذه القبلة فاعمل به ولو كان واحداً. قوله: (وبمحاريب المسلمين) أي: إذا كنت مسافراً ودخل عليك الوقت، ورأيت محراباً موجهاً إلى القبلة في بلاد الإسلام فاعمل به. قوله: (وإن اشتبهت في السفر اجتهد عارف بأدلتها) : إذا اشتبهت عليه في السفر فإنه يجتهد بعلامتها كمطالع الشمس والقمر، ومنازل النجوم؛ فإن الذي يعرف النجوم يعرف أن نجماً يطلع من جهة الشرق، وآخر يطلع من جهة كذا ويعرف -مثلاً- أن نجم سهيل يطلع من جانب من المشرق، وأن نجماً يقال له الثريا يطلع من وسط المشرق، وكذلك بقية النجوم يعرفها بالمنازل فيجتهد. قوله: (وقلد غيره) : من كان لا يعرف فإنه يقلد العارف، وإذا صلى بلا اجتهاد وهو قادر على أن يجتهد فأخطأ فعليه القضاء مطلقاً، وذلك لأنه لم يأت بشرطها.

من شروط الصلاة: النية

من شروط الصلاة: النية الشرط السادس: النية: ويتوسع كثير من العلماء في النية ويشددون فيها؛ وسبب ذلك أن الشافعية رحمهم الله هم الذي توسعوا في أمر النية؛ لأنه نقل عن الشافعي أنه قال: تفتتح الصلاة بفرضين وسنة، الفرضان هما: النية والتحريم، والسنة رفع اليدين، فلما نقل هذا اعتقد الشافعية أنه يريد التلفظ بها، فصاروا يتلفظون بالنية عند الصلاة، والصحيح أن النية محلها القلب، وأن التلفظ بها بدعة، ولذلك قيل للإمام أحمد: تقول قبل التحريم شيئاً؟ قال: (لا. إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه) . أي: لم ينقل عنهم أنهم كانوا يتلفظون بقول: نويت أن أصلي أربع ركعات صلاة العشاء مستقبلاً القبلة متطهراً إماماً أو مأموماً أداءً أو قضاءً. لم ينقل عنهم ذلك، فلا حاجة إلى ذلك. ولكن النية محلها القلب، فينوي بقلبه ولو لم يحرك قلبه، وذلك أنه يكفي فيه العزم التصميم على الشيء. يقول ابن القيم رحمه الله: كل عمل لا يخلو من نية، فإما أن تكون نية صادقة، أو نية كاذبة. ويقول: من التكليف الذي لا يطاق العمل بلا نية، فلا يعمل الإنسان عملاً إلا وله نية، تارة تكون صالحة، وتارة تكون فاسدة، فمثلاً: إذا تطهرت في بيتك، وتوجهت إلى المسجد، وقلبك يتحدث بأمر من الأمور الدنيوية مثلاً أو نحوها، واعترضك إنسان وقال لك: أين تذهب؟ تقول: إلى المسجد، ثم يقول: لماذا؟ تقول: لأداء الصلاة، نطق لسانك بما في قلبك. إذاً: النية ضرورية، فإذا كانت نيته أن يراه الناس ويمدحوه فالنية فاسدة، وهو كالمنافق الذين قال تعالى فيه: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:142] . والحاصل أنه يجب تعيين النية. يعني: بقلبه، ويسن مقارنتها بتكبيرة الإحرام، والصحيح أنها مستمرة قبل التكبيرة وبعدها، وتستمر إلى أن ينتهي من الصلاة، فلا حاجة إلى أن يحرك نيته عند التحريم، ولا يضر تقديمها عليه بيسير. نقول: إن النية متقدمة من حين دخل الوقت وأنت عازم وناوٍ أن تصلي. يقول: (شرط نية إمامة وائتمام) ، معلوم أن الإمام عازم على أنه إمام؛ ولأجل ذلك يأتي بأعمال الإمام، والمأموم كذلك عازم على أنه مأموم، فلا حاجة إلى أن ينوي كل واحد. يعني: يجدد النية أو يحرك قلبه بذلك.

جواز الانفراد للمأموم لعذر

جواز الانفراد للمأموم لعذر وكذلك ذكروا أنه يجوز للمأموم أن ينفرد عند عذر، ودليله في قصة معاذ أنه صلى مرة بأصحابه فافتتح الصلاة بسورة البقرة، وكان معه رجل مرهق ومتعب، فلما رأى أنه سوف يطيل انفرد وأتم صلاته لنفسه، فهذا دليل على أنه يجوز للمأموم أن ينوي الانفراد لعذر.

جواز قلب المنفرد نفسه إماما

جواز قلب المنفرد نفسه إماماً وهل يجوز للمنفرد أن يقلب نفسه إماماً؟ إذا كبر إنسان وحده منفرداً ثم جاء آخر وصف معه فهل له أن يقلب نفسه إماماً مع أنه ما نوى إلا الصلاة وحده؟ الصحيح الجواز، ودليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر وحده لصلاة التهجد، فجاء ابن عباس فكبر معه وصار إماماً، والحديث الذي في صحيح مسلم ذكر جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ قبلهم ثم كبر وحده. يقول جابر: فجئت فصففت عن يساره فأدارني عن يمينه، وقلب نفسه إماماً بعدما كان مأموماً، ثم جاء جبار بن صخر فصف عن يساره، فدفعهما خلفه. وفي حديث عن عائشة رضي الله عنها ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وحده، وخلفه ستارة أو جدار فرآه ناس فصفوا خلفه، ولما علم بأنهم يصلون بصلاته رفع التكبير، فقلب نفسه إماماً. فهذا دليل على الجواز.

صلاة المأمومين تبطل ببطلان صلاة إمامهم

صلاة المأمومين تبطل ببطلان صلاة إمامهم قوله: (وتبطل صلاته ببطلان صلاة إمامه) : إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأمومين؛ وذلك لأنهم مرتبطون بإمامهم، وذلك في ما إذا كبر الإمام ثم تذكر أنه محدث، ففي هذه الحال بطلت صلاته، فيأمرهم أن يستأنفوا صلاتهم. أما إذا خاف أن يسبقه في أثناء الصلاة حدث كريح أو رعاف، وعلم أنه لا يستطيع إتمام الصلاة فله أن يستخلف، ويجتذب واحداً يصلي بهم. أما إذا سبقه الحدث، أو تذكر أنه محدث، فالمشهور أنه لا يستخلف، وأجازه بعض المشايخ، فالمسألة فيها خلاف مبني على أنه هل تبطل صلاة المأمومين إذا بطلت صلاة إمامهم كما هو القول المشهور، أو لا تبطل إذا كان الزمان يسيراً؟ فالمشهور أنها تبطل. قوله: (لا عكسه إن نوى إمام الانفراد) : أما إذا بطلت صلاة المأموم فإنها لا تبطل صلاة الإمام، وصورة ذلك: إذا كبر الإمام ومعه واحد، أو معه اثنان، ثم بطلت صلاة أحدهما، في هذه الحالة إذا بطلت صلاة المأموم، فالإمام يتم صلاته سواء وحده أو معه فرد؛ لأنه لا فرق بين صلاة الإمام والمنفرد. مثاله: إذا كانوا اثنين، هذا إمام وهذا مأموم، وبطلت صلاة الإمام، فتبطل صلاة المأموم ولو لم يبق منها إلا التشهد، فإذا بطلت صلاة الإمام فإن المأموم ينصرف ويلتمس إماماً أو يصلي وحده، لا عكسه، فإذا بطلت صلاة المأموم فإن الإمام يركع على حالة الانفراد، وينوي أنه منفرد ويتم صلاته.

شرح أخصر المختصرات [7]

شرح أخصر المختصرات [7] لقد فرض الله علينا الصلاة، وأمرنا بها وحثنا عليها، وحذر من تركها والتهاون بها، وقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على صفة أدائها فقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، فعلى المرء أن يتعرف على صفة الصلاة حتى يؤديها كاملة بصفتها الصحيحة.

باب صفة الصلاة

باب صفة الصلاة

آداب وسنن الخروج إلى الصلاة

آداب وسنن الخروج إلى الصلاة قال المصنف رحمه الله: [باب صفة الصلاة يسن خروجه إليها متطهراً بسكينة ووقار مع قول ما ورد، وقيام إمام فغير مقيم إليها عند قول مقيم: "قد قامت الصلاة" فيقول: (الله أكبر) وهو قائم في فرض رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، ثم يقبض بيمناه كوع يسراه ويجعلهما تحت سرّتِه، وينظر مسجده في كل صلاته ثم يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) ثم يستعيذ ويبسمل سراً، ثم يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية، وفيها إحدى عشرة تشديدة، وإذا فرغ قال: (آمين) يجهر بها إمام ومأموم معاً في جهرية، وغيرهما فيما يُجهر فيه، ويُسن جهر إمام بقراءة صبح وجمعة وعيد وكسوف واستسقاء وأوليي مغرب وعشاء، ويكره لمأموم ويُخيَّر منفرد ونحوه، ثم يقرأ بعدها سورة في الصبح من طوال المفصل والمغرب من قصاره والباقي من أوساطه. ثم يركع مكبراً رافعاً يديه، ثم يضعهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويسوِّي ظهره ويقول: (سبحان ربي العظيم) ثلاثاً، وهو أدنى الكمال، ثم يرفع رأسه ويديه معه قائلاً: (سمع الله لمن حمده) وبعد انتصابه: (ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيءٍ بعد) ومأموم: (ربنا ولك الحمد) فقط، ثم يكبر ويسجد على الأعضاء السبعة، فيضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، وسُن كونه على أطراف أصابعه ومجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه وتفرقة ركبتيه ويقول: (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً، وهو أدنى الكمال، ثم يرفع مكبراً ويجلس مفترشاً ويقول: (رب اغفر لي) ثلاثاً، وهو أكمله، ويسجد الثانية كذلك، ثم ينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، فإن شق فبالأرض، فيأتي بمثلها غير النية والتحريمة والاستفتاح والتعوُّذ إن كان تعوّذ ثم يجلس مفترشاً، وسُن وضع يديه على فخذيه، وقبض الخنصر والبنصر من يمناه، وتحليق إبهامها مع الوسطى، وإشارته بسبابتها في تشهد ودعاء عند ذكر الله مطلقاً، وبسط اليسرى، ثم يتشهد فيقول: (التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ، ثم ينهض من مغرب ورباعية مكبراً ويصلي الباقي كذلك سراً مقتصراً على الفاتحة، ثم يجلس متوركاً فيأتي بالتشهد الأول ثم يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) . وسُن أن يتعوذ فيقول: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) وتبطل بدعاء بأمر الدنيا، ثم يقول عن يمينه ثم عن يساره: (السلام عليكم ورحمة الله) مرتِّباً معرِّفاً وجوباً. وامرأة كرجل لكن تجمع نفسها وتجلس متربعة أو مسدلة رجليها عن يمينها وهو أفضل، وكُره فيها التفات ونحوه بلا حاجة، وإقعاء وافتراش ذراعيه ساجداً، وعبث وتخصُّر وفرقعة أصابع وتشبيكها، وكونه حاقناً ونحوه تائقاً لطعام ونحوه، وإذا نابه شيءٌ سبّح رجل وصفّقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى، ويزيل بصاقاً ونحوه بثوبه، ويباح في غير مسجد عن يساره، ويكره أمامه ويمينه. ] نبدأ الآن في باب صفة الصلاة، ويذكرون قبل ذلك آداب الخروج إليها: فيسن أن يخرج إليها متطهراً إذا تيسر له الطهور وإلا فله أن يؤخر الطهور ويتطهر من الأماكن المعدة عند المساجد. ويسن أن يمشي من بيته إلى المسجد بسكينة ووقار، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا) . السكينة. يعني: التؤدة في المشي. والوقار: الهيبة. ويسن أن يقول ما ورد من الأدعية التي وردت وهي كثيرة ومذكورة في آداب المشي إلى الصلاة، منها: - أن يقول: (بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله) ، ويقول: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) ، ويقول: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا) إلى آخر الأدعية. - إذا دخل إلى المسجد والصلاة لم تقم فإنه يصلي، فإن كان وقت راتبة كالظهر والفجر صلى الراتبة القبلية، وإن لم يكن وقت راتبة صلى تحية المسجد ركعتين قبل المغرب وقبل العشاء وقبل العصر مع أنه ورد أيضاً الأمر بحقه.

وقت القيام إلى الصلاة

وقت القيام إلى الصلاة متى يقوم إلى الصلاة؟ أما المقيم فإنه يقوم إذا أمره الإمام، وأما غيره فيقومون إذا قال المؤذن: (قد قامت الصلاة) صحيح أنه لا حرج في التقدم أو التأخر، لو قام عند أول تكبيرة، أو قام بعد التحليلة حصل المقصود، كلمة (قد قامت الصلاة) كأنها إشارة لهم أي: قد قامت فقوموا، لذلك خصها الفقهاء بأنهم يقومون عند (قد) .

افتتاح الصلاة بالتكبير

افتتاح الصلاة بالتكبير افتتاح الصلاة بالتكبير (الله أكبر) ركن من أركان الصلاة، ولا يجزئ غيرها، ولا يكفي أن يقول: الله أعظم، أو الله أجل أو ما أشبه ذلك، فالتكبيرة التي هي تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة يأتي بها الإمام وهو قائم في الفريضة. وفي صفة الصلاة التي ذكر المؤلف رحمه الله: الفرائض والنوافل والسنن والأركان والواجبات على ترتيب حركات الصلاة، فبدأ بالتكبيرة، وهي ركن ثم بالقيام في قوله: (وهو قائم) ، وهو ركن، وخصه في الفرض لأن القيام إنما يجب في الفرض، وأما النفل فيجوز أن يصليها وهو قاعد، وله نصف أجر القائم، وكذلك العاجز إذا عجز عن القيام سقط عنه وصلى وهو جالس، واختلف فيما إذا كان إماماً: هل يصلون خلفه قعوداً أو قياما؟ والأرجح أنه إذا ابتدأ بهم وهو قائم ثم اعتل أتموا خلفه قياماً، وأما إذا ابتدأ بهم وهو جالس، فالأرجح أنهم يتمون خلفه جلوساً جمعاً بين الأدلة.

رفع اليدين عند التكبير

رفع اليدين عند التكبير قوله: (رافعاً يديه إلى حذو منكبيه) : رفع اليدين إلى محاذاة المنكبين سنة ثابتة بأدلة قوية، متفق عليها عند الأئمة الأربعة، وخالف في ذلك: الرافضة والإباضية ونحوهم، وعلتها كما ذكرها بعض العلماء: أنه إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه؛ فيرفعهما يحاذي منكبيه، وقيل: حد الرفع أن تكون الكف حذاء المنكب والأصابع حذاء الأذن.

وضع اليمنى على اليسرى تحت السرة

وضع اليمنى على اليسرى تحت السرة قوله: (ثم يقبض بيمناه كوع يسراه ويجعلهما تحت سرته) : من السنن: أن يقبض اليد اليمنى باليسرى، ويكون القبض على الكوع، والكوع: هو المفصل الذي بين الكف والذراع، فيقبض كوع اليسرى بكفه اليمنى. أما كونه يجعلهما تحت سرته فهذا نظراً إلى المشهور عند الفقهاء الحنابلة، رووا في ذلك حديثاً عن علي: (من السنة قبض الكف على الكف في الصلاة تحت السرة) ولكنّ الحديث ضعيف، لم يثبت عند بعض العلماء موضع لهذا المكان، والترمذي رحمه الله مع سعة اطلاعه وكثرة ما يذكر من الأحاديث أو يشير إليها، لم يذكر في الباب شيئاً، وكأن الأمر عنده واسع، أن يضعهما على الصدر أو على البطن أو على السرة أو تحتها، ولكن الشارح الذي هو المباركفوري توسع في هذا المكان ورجح أنه يجعلها على الصدر، وروى أو ذكر في ذلك حديثين: - حديث في مسند أحمد وحديث في صحيح ابن خزيمة، ولو كانا غريبين وقال: إنهما أولى وأصح من حديث علي. وقد صنف في هذه أحد علماء الهند رسالة طبعت قديماً ويمكن أنها جددت بعنوان: (شرح الصدور في وضع الأيدي على النحور) حتى أنه استدل بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] أن بعض العلماء أو بعض المفسرين قال: (صل وانحر) يعني: اجعل يديك على نحرك، ولكنه قول شاذ. وبكل حال فوضعهما تحت السرة جائز لنص كثير من الفقهاء عليه، والأفضل فوق السرة أو على الصدر.

النظر إلى موضع السجود

النظر إلى موضع السجود قوله: (وينظر مسجده في كل صلاته) : من السنن أن ينظر إلى موضع سجوده في كل صلاته. يعني: أن يقصر نظره على موضع مسجده. أي: موضع جبهته. لماذا؟ ليجتمع عليه قلبه؛ لأنه إذا نظر يمنة ويسرة تشوش عليه فكره، وقد ورد أيضاً النهي عن الالتفات في الصلاة، وورد الوعيد على رفع البصر إلى السماء: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء أو لتخطفن، أو لا ترجع إليهم)

الاستفتاح

الاستفتاح وبعد ذلك يستفتح، واختار الإمام أحمد هذا الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك) إلى آخره؛ وذلك لأنه ثناء، والثناء على الله يقدم على الدعاء، ولا شك أن حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي) إلى آخره أصح إسناداً، أما هذا الحديث فمروي في صحيح مسلم عن عائشة ومروي أيضاً عن عمر أنه كان يجهر به، فاختاره الإمام أحمد؛ لأنه ثناء على الله تعالى. والتسبيح: هو التقديس والتنزيه. و (بحمدك) يعني: متلبساً بحمدك. البركة: كثرة الخير، (تعالى جدك) يعني: لك جميع أنواع العلو. والجد: الحظ والنصيب. يعني: حظك من التقديس، كلمة التوحيد: (لا إله غيرك) كلمة الإخلاص. يجوز أن يستفتح مثلاً: بـ (اللهم باعد بيني وبين خطاياي) ، ويستفتح بحديث علي الذي في السنن: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض إلى آخره) ، وهو طويل مذكور في سنن أبي داود وفي غيره، وكذلك أيضاً يجوز أن يستفتح بالحديث الذي فيه: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، عالم الغيب والشهادة) إلى آخره، ولـ شيخ الإسلام رسالة مطبوعة في المجلد الثاني والعشرين في أنواع الاستفتاحات، يعني أن أنواع الاستفتاحات كثيرة، وبيّن أسانيدها وتكلم عليها وبيّن أصحها. وتكلم ابن القيم أيضاً في زاد المعاد عن الاستفتاح وقال: إن الذين يستفتحون بالاستفتاحات الطويلة لا يكملونها وإن هذا أخصرها وأجمعها.

الاستعاذة

الاستعاذة وبعد ذلك يستعيذ ويبسمل سراً، والاستعاذة أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والأفضل أن يقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) حتى يجمع بين الأمرين: الأمر الذي في سورة فصلت: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36] ، وفي سورة النحل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] فيقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

البسملة

البسملة والبسملة اختلف فيها: هل هي من الفاتحة أو ليست من الفاتحة؟ والشافعية يرون أنها من الفاتحة ولذلك يجهرون بها، والمالكية لا يقرءونها لا سراً ولا جهراً، والحنابلة يرون أنها ليست من الفاتحة ولكنها آية من القرآن، ولأجل ذلك يقرءونها سراً، ولا يقولون: إنها من الفاتحة وإنما تكتب أمام كل سورة. يعني: تكتب للتبرك في أول كل سورة.

قراءة الفاتحة

قراءة الفاتحة وقراءة الفاتحة ركن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، والمشهور أنها ركن في حق الإمام والمنفرد، وأما المأموم فإنها مستحبة في سكتات الإمام وفيما لا يجهر به، وإذا لم يقرأ بها فإن صلاته تصح ويحملها عنه الإمام، وفيها أيضاً خلاف طويل، وقد ألف فيها البخاري رسالة -يعني: قراءة المأموم- مطبوعة بعنوان: (جزء القراءة خلف الإمام) ، ورجح أنها لازمة للمأموم كما أنها لازمة للإمام والمنفرد، واستدل بعمومات، وناقش من قال: إنها لا تجب على المأموم. وقراءتها لا بد أن تكون مرتبة، فلا يقدم آية على آية، فلو قال: الحمد لله، الرحمن الرحيم، رب العالمين، أو قال: الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، الرحمن الرحيم، بطلت، ولا بد أن تكون مرتبة آياتها، فلابد أن تكون متوالية، فلا يفرق بينها تفريقاً طويلاً. ويسن أن يقف عند كل آية انتظاراً لجواب الله تعالى، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] سكت قليلاً ينتظر قول الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] سكت قليلاً ينتظر قوله: مجدني عبدي، إذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] سكت ينتظر قول الله: أثنى عليّ عبدي، إذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] سكت ينتظر قول الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، هكذا ورد في الحديث، والحديث مشهور عن أبي هريرة. وورد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف على رءوس الآي، واستحب أكثر العلماء أن يقف في قراءته على رأس كل آية؛ وذلك لأنها فصلت عما قبلها، واختلفوا فيما إذا كانت الآية متصلة بما بعدها، ويرجح بعضهم كالشيخ ابن قاسم في حاشيته على الروض: أنه يقف ولو كانت متصلة بما بعدها. يعني: بعض الآيات لا يصح الوقوف عليها عند القراءة المستمرة، ولكن أحياناً يجب الوقوف عليها للنفس أو نحو ذلك، مثل قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} [التكوير:1-2] يقولون: لا يقف عليها إلا لضيق النفس، ومثل قوله تعالى في سورة التين: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [التين:5-6] منع بعضهم الوقوف على (أَسْفَلَ سَافِلِينَ) ، ويقول: لا بد من الاستئناف، وأما قوله: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:1-3] يرخص في ذلك، وبكل حال: الوقوف على رءوس الآية هو الأفضل. وذكروا أن في الفاتحة إحدى عشرة شدة غير البسملة، فلا بد أن يأتي بالتشديد؛ لأن الشدة تعتبر حرفاً، فلو قال: مالك يوم الْدِيِنْ، أو قال: إيَاَكَ، أو قال: اهدنا الْصِرَاطَ، فإنها لا تنعقد، ويعتبر أخل بالقراءة وترك منها حرفاً.

التأمين بعد الفراغ من الفاتحة

التأمين بعد الفراغ من الفاتحة بعد الفاتحة يؤمن: (آمين) ، فإذا كانت الصلاة جهرية جهر بها الإمام والمأمومون، ومعناها: اللهم استجب، وفيها فضل: (إذا قال الإمام: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] قولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) ، وأما إذا كان في سرية فإنه يسر في التأمين.

الجهر في الصلاة الجهرية

الجهر في الصلاة الجهرية يسن الجهر في الصلاة الجهرية، ولو لم يجهر صحة صلاته، والجهر يكون في صلاة الصبح والجمعة والعيد والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، فهذه صلوات جهرية يسن أن يجهر فيها، فلو ترك الجهر صحة صلاته، ولو نسي الجهر لم يلزمه سجود سهو، وكذلك صلاة الخسوف والاستسقاء وصلاة العيد يجهر فيها أيضاً بالقراءة بالفاتحة وبالسورة التي بعدها. والمأموم يسر ولا يجهر؛ وذلك لأنه مأمور بالإنصات، وإذا قرأ مثلاً في سكتات الإمام فإنه يسر؛ لأنهم لو قرءوا وهم مثلاً مائة أو مئات شوشوا على المصلين، فيسرون بقراءتها. والمنفرد يخير بين السر والجهر، فإن كان هناك من يستمع له إذا كان يقرأ، فيستفيدون من قراءته جهراً في ليل أو نهار، في تطوع أو فرض، , وإن كان هناك من يتأذى بجهره فإنه يسر كنائمين أو متحدثين ونحوهم.

السكتة بعد الفاتحة

السكتة بعد الفاتحة وبعدما يفرغ من قراءة الفاتحة فإنه يسكت، وقد اختلف في السكتة التي بعدها، فمن العلماء من ذكر أنه يسكت بعد الفاتحة سكتة ينتظر فيها المأمومين ليقرءوا الفاتحة، ومنهم من لم يذكر هذه السكتة، ومنهم من أنكرها، ورجح أنه لا يسكت كما ذكر ذلك ابن القيم في زاد المعاد. والأشهر أنه يسكت، وورد في ذلك الحديث الذي في سنن الترمذي، وفيه ذكر سكتتين ثم قال: وإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] العادة أنه يسكت حتى يرجع إليه نفسه، وحتى يتفكر فيما يقرأ بعد الفاتحة، وحتى لا يصل القراءة بالقراءة.

قراءة سورة بعد الفاتحة وصفة القراءة

قراءة سورة بعد الفاتحة وصفة القراءة ولا خلاف أنه يقرأ بعد الفاتحة سورة في الصبح وفي الأوليين من المغرب، وفي الجمعة ونحوها. وذكروا أنه يقرأ سورة، وهذا هو الذي اشتهر في كثير من المؤلفات، وهو دليل على أن قراءة سورة كاملة أفضل من قراءة بعض سورة، كأول السورة أو وسطها أو آخرها. وهو الذي حدث من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أحياناً يقرأ سورة في كل ركعة، وأحياناً يقرأ في الركعة سورتين من المفصل، فيقرأ في الركعتين أربع سور في الفجر، والمشهور أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصل، والمغرب من قصاره، والعشاء من أوساطه. وطواله من سورة (ق) إلى سورة (عمّ) ، وأوساطه من (عمّ) إلى سورة (الضحى) ، ومن الضحى إلى آخره قصاره. ويستحب أن يقرأ في المغرب أيضاً من طواله، فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قرأ فيها بسورة الأعراف، قسمها في الركعتين، وكذا أيضاً في غيرها من الصلوات تجوز الإطالة أحياناً لمناسبة. والقراءة معلوم أيضاً أنها ترتل كما أمر الله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:4] وفي حديث عائشة كان صلى الله عليه وسلم يرتل القراءة حتى تكون السورة أطول من أطول منها، ومع ذلك فإنه كان يطيل، فالثابت أنه كان يقرأ في الفجر ما بين ستين آية إلى مائة آية، وإذا كان من السور القصار فإنه يقرأ بقدرها. يعني: من سورة البقرة نحو ثلثها؛ لأن البقرة مائتان وست وثمانون آية، يعني: إذا قرأ ثلثها صدق عليه أنه قرأ ما فوق الستين ودون المائة. وكذلك مثلا: ً إذا قرأ سورة الأنبياء وسورة الحج، فهذه السور دون المائة، وسورة الأحزاب آياتها ثلاث وسبعون فهذه دون المائة، ومعناه أن إذا قرأها فلا يستنكر عليه، وكذلك إذا قرأ سورة النمل أو سورة العنكبوت أو سورة الروم أو سبأ، هذه كلها فوق أو قريب من بعضها وهي أقل من الخمسين، وبعضها فوق الستين، وكذلك سُور آل حميم، فلا ينكر على الإمام الذي يقرأ من هذه السور، لا سيما وقد أثر عن الصحابة رضي الله عنهم. فقد كان عمر رضي الله عنه غالباً يقرأ بالسور الطويلة كسورة النحل وهي فوق المائة وسورة يوسف. وثبت أن أبا بكر رضي الله عنه صلى بهم بسورة البقرة كلها، ولما انصرف قالوا: (كادت الشمس أن تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين) . رواه مالك في الموطأ، وكانوا مع ذلك يتحملون ويألفون الصلاة ويحبونها.

الركوع

الركوع فإذا انتهى من القراءة وسكت قليلاً حتى يرجع إليه نفسه ركع، ويرفع يديه كرفعه الأول إلى منكبيه، ويكون تكبيره في حالة انحنائه. أي: حالة ما يتحرك منحنياً يأتي بلفظة: (الله أكبر) . ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويسوي ظهره، أي: يلقم كل ركبة يداً، قالوا: لا يسن تفريج الأصابع في الصلاة إلا في الركوع، أما البقية فإنه يسن ضمها، ويجعل ظهره مستوياً فلا يجعله محصوراً منحنياً، بل يجعله وسطاً مستوياً، حتى قالوا: إنه لو وضع عليه قدح لركد، ويجعل رأسه بحياله فلا يخفض رأسه ولا يرفعه.

الدعاء والتسبيح في الركوع

الدعاء والتسبيح في الركوع وبعدها الدعاء في التسبيح أن يقول: (سبحان ربي العظيم ثلاثاً، وهو أدنى الكمال) وإن زاد إلى عشر فله ذلك، فأعلاه في حق الإمام عشر في حديث أنس، أنه لما صلى خلف عمر بن عبد العزيز وهو على المدينة قال: (ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى) . يقول ابن حجر: يعني: تسبيحه في الركوع والسجود عشراً عشراً. بعد ذلك يرفع من الركوع، فيرفع يديه إلى حذو منكبيه، ويقول: (سمع الله لمن حمده) ، ويسرع فيها، حتى لا يسبقه المأمومون، فالمأمومون يبقون راكعين حتى يفرغ من التسميع، ولا يتحركون حتى يفرغ من قوله: (سمع الله لمن حمده) ، ويقولها في حالة حركته مرتفعاً. وبعدما ينتصب يقول: (ربنا ولك الحمد) أو: (اللهم ربنا لك الحمد -روايتان- ملء السموات وملء الأرض وملئ ما شئت من شيء بعد، وإن زاد بقوله: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، لا ينفع ذا الجد منك الجد، فإن ذلك وارد، وورد أيضاً: أنه عليه السلام أقر الذي قال: (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) ، وروي أيضاً أنه قال: (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله) يقول ذلك أو ما أمكنه، والمأموم لا يسمع، أي: لا يقول: (سمع الله لمن حمده) . والحديث فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، وإذا رفع وقال: سمع الله لمن حمده، فارفعوا وقولوا: ربنا ولك الحمد) ، روي عن الشافعية أن المأموم يسمّع أيضاً، ولا دليل لهم إلا عموم قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) . ومعلوم أن هناك فرقاً بين الإمام والمأموم، وأن الحديث إنما هو في الرؤية لا في السماع، وأن المأمومين لا يقرءون والإمام يقرأ، وأنهم لا يجهرون كما يجهر الإمام، فعرف أن هناك فرق بين المأمومين وبين إمامهم.

السجود

السجود قوله: (ثم يكبر ويسجد على الأعضاء السبعة، فأول ما يضع على الأرض ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه) ، هذا هو المختار وهو أن يقدم ركبتيه على يديه، وهذا هو الذي تدل عليه السنة النبوية من فعله صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الصريحة كحديث وائل بن حجر وأنس وغيرهما: (أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) ، ودل على ذلك أيضاً: أن هذه هي جلسة النشاط، وأن تقديم اليدين جلسة العاجز؛ لأنه معروف أنه إذا قدّم يديه اعتمد عليهما، فيكون ذلك من جلسة المتثاقل العاجز، ومعلوم أن الإنسان إذا دخل في مجلس، وأراد أن يجلس على الأرض وهم جلوسٌ على الأرض، فإنه عادة لا يقدم يديه إلا إذا كان مريضاً أو كان كبير السن فيعتمد على يديه، أما إذا كان نشيطاً فإنه يجلس جلسته العادية ويحني رجليه ويجلس على الأرض، وهذا هو الصحيح. وقد نصره ابن القيم رحمه الله في كتبه الثلاثة: في زاد المعاد واستوفى الكلام حوله، وفي كتاب الصلاة وأطال فيه، وفي شرحه أو حاشيته على سنن أبي داود لما أتى على الحديث عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) ، فبين أن هذا الحديث فيه انقلاب، وأن الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه، وبتتبع طرق الحديث وجد أن في الحديث ضعفاً، واضطراباً، وأشار إلى اضطرابه في زاد المعاد، وبيّن الضعف، وكذلك أيضاً في كتاب الصلاة أطال في ذلك ورجح أنه ضعيف. ثم بيّن أيضاً أن أوله يخالف آخره، فإن البعير يبدأ بيديه قبل رجليه، وأما قولهم: إن ركبة البعير في يده، فهذا غير صحيح، والأصل أن الركبة إنما هي في الرجل في كل شيء، ولو كانت صورة ركبة البعير في يديه صورةً فإنها لا تسمى ركبة بل تسمى كما في اليد مرفقاً. يعني: يرتفق به، فالبعير مشاهد أنه يقدم يديه قبل رجليه، فإذا قدم إنسان يديه أشبه البعير في بروكه، وهذا هو الصحيح، ثم وردت أيضاً أحاديث تؤيد حديث وائل في أنه يقدم يديه قبل ركبته. وورد أيضاً حديث أبي هريرة في شرح معاني الآثار للطحاوي، وفي مصنف ابن أبي شيبه، وفيها: (فليضع ركبتيه قبل يديه، ولا يبرك كما يبرك الفحل) ولو كان في الإسناد راوٍ ضعيف لكنه يتقوى ببقية الروايات، وهذا هو القول الصحيح، ولا عبرة بمن رد على ابن القيم وأنكر ما قاله، حتى المحقق الذي حقق زاد المعاد ضعف رأي ابن القيم ولم يجب عن كل الاعتراضات التي ذكرها. وألف بعض تلامذة الألباني رسالة في تأييد تقديم اليدين بعنوان: (نهي الصحبة عن تقديم الركبة) ولكنه تكلف في رده، وأتى بأدلة لا تنهض له. وقد ألف فيها الفريح البهلال، الشيخ المعروف في الزلفى، وأيد ابن القيم وانتصر للحق، وبين أن الحديث الذي عن أبي هريرة خطأ ولا دلالة فيه، وأن الحديث الثاني الذي استدلوا به ضعيف، وأنه إنما صح من فعل ابن عمر، وابن عمر فعل ذلك لما كبر سنه، وكان يقدم يديه قبل ركبتيه لعجزه عن ذلك. وقد بين ذلك أيضاً الشيخ خليل إبراهيم الذي حقق رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأحاديث، وطبعت مع مجموعة رسائل الشيخ، ورجح ما رجحه ابن القيم، وبين الأدلة الواضحة على ذلك، وذكرنا ذلك أيضاً في تحقيقنا لشرح الزركشي، وبينا الأدلة، هذا هو الذي يترجح لنا، ومن قرأ كلام ابن القيم بإنصاف عرف موافقته، فالحاصل: أنه ذكر أنه يقدم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته ثم أنفه. ويسن كونه على أطراف أصابعه. يعني: سجوده على أطراف أصابع رجليه، ويجعل رءوسها إلى القبلة، وبطونها إلى الأرض منبسطة، ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذه، فلا يلصق عضده بالجنب، بل يفرج إذا استطاع ما لم يضايق الذي إلى جانبه، ويرفع بطنه عن فخذيه ويرفع فخذيه عن ساقيه، ولا يلصق بطنه بفخذيه؛ فإن هذا كأنه غير ساجد، ويفرق بين ركبتيه، وكذلك يفرق بين رجليه فلا يلصقهما، وذلك بأن يجعل بينهما مثلاً نحو شبر، وقد استدل البعض على إلصاق القدمين بحديث عائشة: (فوقعت يدي على رجليه أو على قدميه وهما منصوبتان) . نقول: هذا لا يدل على أنهما ملتصقتان فإنها قد تمس أصابعها قدماً وأسفل الكف قدماً. وقد تكون مسحتهما مسحاً وبينهما فاصل فوقعت يدها على الرجل ثم على الرجل مع وجود الفرجة التي بينهما.

الدعاء في السجود

الدعاء في السجود الدعاء في السجود مندوب، والتسبيح كتسبيح الركوع سبحان ربي الأعلى -ثلاثاً- وهو أدنى الكمال، وأعلاه عشر، ويسن فيه الإطالة: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ، فيسن أن يكثر فيه من الدعاء لقوله: (فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) . وبعد ذلك يرفع مكبراً، ويجلس مفترشاً، والافتراش أن يفرش رجله اليسرى ويضع عليها إليتيه وينصب اليمنى، ويضع بطون أصابعها إلى الأرض، ويقول: رب اغفر لي ثلاثاً، ويزيد أيضاً، ويطيل هذا الركن أيضاً. كان أنس إذا جلس بين السجدتين أطال حتى يقول القائل: قد نسي. ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى، وبعد ذلك ينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، وينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، ولا يجلس بعد الركعة الأولى جلسة الاستراحة؛ وذلك لأن جلسة الاستراحة ما رويت مرفوعة صريحة، إنما رويت من فعل رجل من التابعين وكان شيخاً كبيراً. في حديث أبي قلابة يقول: جاءنا مالك بن الحويرث، فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة، أصلي كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فقيل لـ أبي قلابة: كيف كان يصلي؟ فقال: مثل صلاة شيخنا هذا، قال: وكان ذلك الشيخ إذا رفع من الركعة الأولى لم يقم حتى يستوي جالساً. ذلك الشيخ يقال له عمرو بن سلمة الجرمي وليس صحابياً على الصحيح، ولو كان أدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وهو الذي قدمه قومه يصلي بهم وهو صغير كما في صحيح البخاري ولم تثبت صحبته، فجلسته هذه كانت لعجزه ولكبر سنه، وكان يجلس بعد الأولى وبعد الثالثة. أما مالك بن الحويرث فلم يذكر أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم يقم حتى يستوي جالساً، وهذه الرواية ليست في الصحيح، فيدل على أنها رويت بالمعنى، وأنها كانت من فعل عمرو بن سلمة، وهذا الذي يترجح لنا أنها ما رويت إلا من فعل هذا الرجل. وأما حديث أبي حميد الساعدي الذي بعضه في الصحيح، فلم تذكر أصلاً في صحيح البخاري، وذكرت في سنن الترمذي، ولكن الصحيح أنه غلط من الراوي، وأنها تكرر عليه ذكرها؛ ولأجل ذلك ذكر أن جلسته بين السجدتين وجلسته بعد السجدتين على حد سواء، وهذا ليس بصحيح. فالحاصل أن ذكرها في حديث أبي حميد غير ثابت. يعني: أن العبرة بما في حديث أبي حميد عند البخاري، وأما ذكرها في حديث المسيء صلاته فلم تذكر إلا في رواية وقعت خطأ في صحيح البخاري نبه البخاري على أنها خطأ، ووقعت في كتاب الاستئذان. وذهبت الشافعية إلى استحباب هذه الجلسة وبالغوا في ذلك، وأنكرها الحنفية، ولما كانوا ينكرونها ذكر بعض الاعتراضات عليها الطحاوي في شرح معاني الآثار، وابن حجر لما كان شافعياً تكلف في إجابته على تلك الإيرادات التي أوردها الطحاوي في فتح الباري، ولكلٍ اجتهاده. وما روي أن الإمام أحمد رجع إليها فلعله رجع إليها بالفعل لما أسن، ولما كبر سنه وتجاوز السبعين، وكان مما يشق عليه أن يقوم بسرعة معتمداً على ركبتيه أو معتمداً على صدور قدميه فكان يجلس ثم يعتمد ويقوم، وقد تكلمنا أيضاً عليها في تعليقنا على شرح الزركشي. فالحاصل أنه ذكر أنه ينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، فإن شق عليه القيام لكبر أو مرض فله أن يعتمد بيديه على الأرض. قوله: (فيأتي بمثلها غير النية والتحريمة) أي: الركعة الثانية يأتي بها كالأولى إلا أنه لا يأتي بالتحريمة، ولا بالاستفتاح ولا بالتعوذ ولا بتجديد النية إلا إذا لم يتعوذ في الركعة الأولى. قوله: (ثم يجلس مفترشاً) : أي: بعد الركعتين يجلس مفترشاً. فيفرش رجله اليسرى كجلسته بين السجدتين ويجلس عليها. قوله: (وسن وضع يديه على فخذيه، وقبض الخنصر والبنصر من يمناه، وتحليق إبهامها مع الوسطى) : أي: يسن أن يضع يديه على فخذيه، ويقبض من اليمنى الخنصر والبنصر، ويحلق بإبهامه والوسطى، أي: يجعلهما كالحلقة.

الإشارة بالسبابة وتحريكها

الإشارة بالسبابة وتحريكها ويشير بالسبابة: أي يشير بها عند التشهد إشارة إلى الوحدانية، وعند الدعاء، وعند ذكر الله مطلقاً. وقيل: إنه يشير بها كلما أتى بذكر (الله) ، أو عند الدعاء إذا قال: (السلام عليك) ، (السلام علينا) ، أو عند الشهادة: (أشهد) ، أو عند الدعاء مطلقاً إذا دعا في آخر صلاته. أما تحريكها دائماً فليس بسنة، إنما يشير بها أحياناً، وبعد ذلك يبسط اليسرى على ركبته، وبعد ذلك يتشهد بهذا التشهد، واختار الإمام أحمد هذا التشهد؛ لأنه مروي عن ابن مسعود بأسانيد صحيحة، ولم ينقل عنه اختلاف فيه.

التشهد الأوسط

التشهد الأوسط وبعدما يتشهد إذا كان في ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالعشاء أو كظهرين نهض مكبراً، بعد قوله: (وأن محمداً عبده ورسوله) ، وصلى ما بقي سراً ويقتصر على الفاتحة ولا يجهر.

التورك

التورك وبعدما يأتي بالباقي يجلس متوركاً إذا تيسر كالإمام والمنفرد، وأما المأموم فإذا شق عليه بأن لم يجد متسعاً فله أن يجلس مفترشاً؛ لأنه قد يكلفه إلى إخراج رجله إلى من بجانبه وكذا الثاني والثالث فيحصل مضايقة.

التشهد الأخير

التشهد الأخير يجلس متوركاً ويأتي بالتشهد المذكور، ثم بعد ذلك يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر في هذا إلا الصلاة على إبراهيم، وفي بعض الروايات أنه يجمع بين إبراهيم وآله، وأنكر بعض العلماء وقالوا: لم يرد الجمع، بل إما أن يقول: كما صليت على إبراهيم، أو كما صليت على آل إبراهيم، والأكثر: (كما صليت على آل إبراهيم) ، والإشارة إلى ذكر ذلك في سورة هود في قوله: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود:73] .

التعوذ بعد التشهد

التعوذ بعد التشهد وبعد ذلك يسن أن يتعوذ، وقد ورد في حديث أنه يتعوذ من عذاب جهنم: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) ، وروي أيضاً أنه: (كان يستعيذ من المأثم والمغرم، فقيل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) .

عدم الدعاء بأمر من أمور الدنيا

عدم الدعاء بأمر من أمور الدنيا ولا يدعو بدعاء يخص الدنيا، بل يكون دعاؤه للآخرة، فلا يدعو بدعاء خاص كربح تجارة مثلاً أو مال كثير أو أواني أو أمتعة أو ما أشبه ذلك، بل يدعو بدعاء عام كأن يقول: (اللهم ارزقني، أو أغنني بحلالك عن حرامك، أو هيئ لي من أمرك رشداً) .

التسليم

التسليم وبعد ذلك يسلم فيقول: (السلام عليكم ورحمة الله) عن يمنيه وكذلك عن يساره، مرتباً معرفاً السلام، ولا يقول: (سلام) ، وزيادة: وبركاته رويت في سنن أبي داود، والظاهر أنه عليه السلام ما كان يقولها إلا قليلاً. وذكر ابن القيم في كتاب الصلاة أن الذين رووا (ورحمة الله) خمسة عشر صحابياً.

صلاة المرأة

صلاة المرأة والمرأة صلاتها كالرجل وذكروا أنها تجمع نفسها. يعني: أنها تضم نفسها ولا تنفرج ولا تجافى العضد عن الجنب، وذكروا أنها تجلس متربعة أو مسدلة رجليها، والأولى أنها تسدل رجليها بجانب يمينها، ويجوز أن تفترش، وهو أيضاً معتاد.

مكروهات الصلاة

مكروهات الصلاة وهنا: مكروهات الصلاة: الأول: الالتفات وهو أشدها، ولا تبطل الصلاة فيه إلا إذا انحرف عن القبلة انحرافاً كلياً، فإذا كان لحاجة وكان يسيراً فلا بأس. الثاني: الإقعاء: هو أن ينصب قدميه ويجلس على أليتيه ويضع أليتيه على عقبيه. الثالث: الافتراش: أن يفرش ذراعه على الأرض، ونهى أن يفترش الرجل ذراعيه كانبساط الكلب. الرابع: العبث: وهو كثرة الحركة. الخامس: التخصّر: أن يضع يديه على خاصرته. السادس: فرقعة الأصابع. أي: معالجتها حتى تصوّت، كذلك تشبيكها؛ لأنه عبث. السابع: ولا يصلي وهو حاقن؛ لأن ذلك يشوّش عليه صلاته. الثامن: ولا بحضرة طعام يشتهيه، وقد ورد في الحديث الذي في العمدة: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثين) .

التسبيح للرجل والتصفيق للمرأة

التسبيح للرجل والتصفيق للمرأة قال: (وإذا نابه شيء في صلاته سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى) ، يعني: تضرب ظهر الكف ببطن الكف، ولا يجوز لها أن تسبح؛ لأن ذلك فيه إشهار لها. وإذا كان نابه بصاق فإنه يبصق في ثوبه أو في منديله ويزيله، وأما في غير المسجد فإنه يبصق عن يساره ويكره بصقه أمامه أو عن يمينه والله أعلم.

شرح أخصر المختصرات [8]

شرح أخصر المختصرات [8] الصلاة عمود الدين، وتعظيمها من صفات المؤمنين، وللصلاة أركان وواجبات وشروط يجب على المسلم معرفتها والعمل بها. والصلاة من خير الأعمال، فمن استطاع أن يستكثر من نوافلها فليفعل؛ فهي نور له في الدنيا وفي قبره وفي آخرته، وقد بين العلماء أحكام صلاة التطوع وأفضلها وأوقات النهي عنها وغير ذلك مما يتعلق بها.

أركان الصلاة

أركان الصلاة قرأنا فيما مضى وجوب اجتناب النجاسة في الثوب والبدن والبقعة مع القدرة، وكذلك حكم من جبر عظمه بنجس، وحكم الصلاة في المقبرة ومن علل بأنها مظنة النجاسة وترجيح أن العلة خوف الغلو في القبور، وحكم الصلاة في أسطحت هذه المنهيات: الحمام والخلاء، ومعاطن الإبل، والمجزرة، والمزبلة، وأن الصحيح أنه لا مانع من الصلاة في أسطحها. كذلك ذكرنا حكم استقبال القبلة وأنه فرض إلا لعاجز ومتنفل في سفر، وكذلك العلامات التي يعمل بها في معرفة تحديد القبلة، وحكم من اشتبهت عليه في السفر، وحكم من صلى بلا اجتهاد ولا تقليد من يعرف. كذلك من شروط الصلاة: النية، وسبب اهتمام الفقهاء بها وذكرهم أنها تقارن التحريمة، والصحيح أنها ملازمة للمصلي في جميع صلاته، وكذلك نية الإمامة ونية الائتمام وما أشبه ذلك. وذكرنا أيضاً صفة الصلاة وما ذكر من أنه يخرج إليها بسكينة ووقار ودليل ذلك، ومتى يقوم إلى الصلاة عند الإقامة، وحكم تكبيرة الإحرام، وأنه لا يصح غيرها بدلها، وحكم رفع اليدين عند استفتاح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه، وأين يضع يديه بعد قبضهما، والترجيح أنه يضعهما على صدره، وحكم الاستفتاحات، وسبب اختيار الإمام أحمد لما اختاره من الاستفتاح، وحكم قراءة الفاتحة ووجوب ترتيبها وتواليها، والتلفظ بشداتها، وكذلك التأمين في الجهرية، وجهر الإمام بالقراءة في الصلوات الجهرية، وحكم الجهر للمأموم والمنفرد، واستحباب أن يقرأ بعد الفاتحة سورة كاملة، وأنه أفضل من قراءة أول سورة أو آخر سورة؛ لأنه الوارد، ولأن السور الكاملة منفصلة لها معنى متكامل. وكذلك ذكرنا حكم الركوع، وأين يضع يديه ومقدار المجزئ من التسبيح في الركوع والكمال، والرفع من الركوع، وأن التسميع خاص بالإمام والمنفرد، فالمأموم لا يسمّع فلا يقول: سمع الله لمن حمده، والسجود على الأعضاء السبعة، والترجيح لأن يضع ركبتيه ثم يديه، وأن تقديم اليدين على الركبتين إنما يكون في حق العاجز كالكبير والمريض ونحو ذلك، وأن الأدلة صريحة على ذلك، وكذلك كونه يسجد على أطراف أصابعه، وصفة السجود الكامل وما يقول فيه، وصفة الجلسة بين السجدتين وما يقول فيها، ونهوضه إلى الركعة الثانية مكبراً، وأن جلسة الاستراحة لم تثبت مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وإنما رويت عن مالك بن الحويرث خارج الصحيح، وأنها تجوز للعاجز ونحوه. وذكرنا بعد ذلك الجلوس بين السجدتين مفترشاً، وصفة قبض أصابعه في التشهد الأول، وسبب اختيار تشهد ابن مسعود، والنهوض إلى الركعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، والفرق بينها وبين الركعة الثانية، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخرها، والتعوذ بالله من أربع واستحباب ختمها بالدعاء والسلام، وأن زيادة: (وبركاته) رواية في السنن وفيها شذوذ، وأن الاقتصار على (ورحمة الله) هو المتبع الكثير، والمرأة كالرجل في صلاتها وحكم الالتفات في الصلاة بلا حاجة، وكذلك الإقعاء وافتراش الذراعين والعبث والتخصر إلى آخرها. فهذه الأفعال التي وردت في صفة الصلاة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وجملة أركانها أربعة عشر: القيام، والتحريمة، والفاتحة، والركوع، والاعتدال عنه، والسجود، والاعتدال عنه، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة، والتشهد الأخير، وجلسته، والصلاة على النبي عليه السلام، والتسليمتان، والترتيب. وواجباتها ثمانية: التكبير غير التحريمة، والتسميع، والتحميد، وتسبيح ركوع، وسجود، وقول: رب اغفر لي. مرة مرة، والتشهد الأول، وجلسته، وما عدا ذلك والشروط سنةٌ. فالركن والشرط لا يسقطان سهواً وجهلاً، ويسقط الواجب بهما. فصل: ويشرع سجود السهو لزيادة ونقص وشك، لا في عمد، وهو واجب لما تبطل بتعمده، وسنة لإتيان بقول مشروع في غير محله سهواً، ولا تبطل بتعمده، ومباح لترك سنة. ومحله قبل السلام ندباً إلا إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر فبعده ندباً، وإن سلم قبل إتمامها عمداً بطلت، وسهواً فإن ذكر قريباً أتمها وسجد. وإن أحدث أو قهقه بطلت كفعلهما في صلبها، وإن نفخ أو انتحب لا من خشية الله، أو تنحنح بلا حاجة فبان حرفان؛ بطلت، ومن ترك ركناً غير التحريمة فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك منها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها، وقبله يعود فيأتي به وبما بعده، وبعد سلام فكترك ركعة. وإن نهض عن تشهد أول ناسياً لزم رجوعه، وكره إن استتم قائماً، وحرم وبطلت إن شرع في القراءة لا إن نسي أو جهل، ويتبع مأموم، ويجب السجود لذلك مطلقاً. ويبني على اليقين -وهو الأقل- من شك في ركن أو عدد. فصل: آكد صلاة تطوع: كسوف، فاستسقاء، فتراويح، فوتر، ووقته من صلاة العشاء إلى الفجر، وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة: مثنى مثنى، ويوتر بواحدة، وأدنى الكمال ثلاث بسلامين، ويقنت بعد الركوع ندباً، فيقول: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمن مأموم، ويجمع إمام الضمير، ويمسح الداعي وجهه بيديه مطلقاً. والتراويح عشرون ركعة برمضان تسن، والوتر معها جماعة، ووقتها بين سنة عشاء ووتر. ثم الراتبة ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وهما آكدها، وتسن صلاة الليل بتأكد، وهي أفضل من صلاة النهار. وسجود تلاوة لقارئ ومستمع، ويكبر إذا سجد وإذا رفع، ويجلس ويسلم، وكره لإمام قراءتها في سرية وسجوده لها، وعلى مأموم متابعته في غيرها. وسجود شكر عند تجدد نعم، واندفاع نقم، وتبطل به صلاة غير جاهل وناس، وهو كسجود تلاوة. وأوقات النهي خمسة: من طلوع فجر ثان إلى طلوع الشمس، ومن صلاة العصر إلى الغروب، وعند طلوعها إلى ارتفاعها قدر رمح، وعند قيامها حتى تزول، وعند غروبها حتى يتم. فيحرم ابتداء نفل فيها مطلقاً، لا قضاء فرض، وفعل ركعتي طواف، وسنة فجر أداء قبلها، وصلاة جنازة بعد فجر وعصر] .

تعريف الركن لغة وشرعا

تعريف الركن لغة وشرعاً تقدم أن للصلاة شروطاً تسعة، ويأتي بها المصلي قبل أن يشرع في الصلاة، وللصلاة أركان وواجبات وسنن، ذكر المؤلف أن عدد أركانها أربعة عشر ركناً. وركن الشيء: هو جزء ماهيته، يعني: الأجزاء التي إذا تكاملت كملت الماهية، كما يقال مثلاً: رأس الإنسان ركن منه، ويده ركن، ورجله ركن، وظهره ركن، وصدره ركن، والمجموع يتكون منه إنسان، وكما نقول مثلاً: هذا الجدار ركن من هذا المسجد، وهذا العمود ركن، وهذا السقف ركن، فأركان الشيء أجزاؤه التي يتركب ويتكون منها. وقيل: ركن الشيء جانبه الأقوى، أي: أحد جوانبه التي يعتمد عليها كأركان البيت، وهي جوانبه القوية التي تكون هي عمدته، ويقال مثلاً: حيطان المسجد أركانه؛ لأنها جوانبه القوية، وكذلك أعمدته أركانه، وكذلك سقفه ركنه، فركن الشيء جانبه الأقوى، ولكن يقال: إن أركان الصلاة هي الأجزاء التي إذا تكاملت كملت الصلاة، وإذا لم تتكامل لم تقبل ولم تكمل.

بعض الأركان المتفق عليها

بعض الأركان المتفق عليها وعددها في المشهور أربعة عشر ركناً، ولكن في بعضها خلاف، ولا خلاف أن القيام ركن إلا على الذي يعجز عنه فيصلي قاعداً، والقيام خاص بالفريضة، ولا خلاف عندنا أن التحريمة ركن، وكذلك قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد، وكذلك الركوع ركن، والاعتدال منه، يعني: الرفع منه حتى يعتدل ويستتم قائماً، والسجود ركن، ويراد به السجدتان، كل واحدة منهما ركن، فإن السجدتين تسميان ركناً واحداً. وقوله: (والسجود والاعتدال عنه، والجلوس بين السجدتين) قد يقال: إن هذا تكرار؛ لأنه ذكر الاعتدال عنه والجلوس بين السجدتين، وبعد الركوع ما ذكر إلا الاعتدال عنه وهو القيام، فبعد السجود كان يكفي أن يذكر الاعتدال عنه، أو يذكر الجلوس بين السجدتين، وكأنهم نصوا على الاعتدال من السجود حتى يفصل بين السجدتين، فإن الجلوس بين السجدتين شيء زائد عن الفصل، فلا بد أن يرفع حتى يفصل، ولا بد أن يجلس بين السجدتين، فلذلك عدوهما ركنين، والظاهر أنهما ركن واحد: الاعتدال عن السجود والجلوس بين السجدتين.

بعض الأركان المختلف فيها

بعض الأركان المختلف فيها الطمأنينة: يراد بها الثبات في كل ركن من الأركان، أي: الركود، فإذا ركع فلا يرفع حتى يطمئن ويثبت بقدر قول: سبحان ربي العظيم، كذلك الطمأنينة في الرفع، فلابد أن يستتم قائماًً بقدر ما يقول: ربنا ولك الحمد، قبل أن يهوي للسجود. وكذلك يطمئن إذا سجد ووضع جبهته على الأرض، فلا بد من الطمأنينة عند الركود على الأرض، بقدر قوله: سبحان ربي الأعلى، ولو مرة، وأدنى الكمال ثلاث كما تقدم. كذلك لا بد أن يجلس بين السجدتين جلسة مطمئناً فيها بقدر ما يقول: رب اغفر لي. وهذه الطمأنينة دل عليها حديث المسيء صلاته، فإن فيه: (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً) فذكَّره بهذا الركن في هذه الأركان؛ وذلك لأنه رآه يخفف في صلاته، فأنكر عليه وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ، فذكره بأنه لا بد من الطمأنينة في كل ركن. وخالف في ذلك الأحناف، وتشاهدون الذين يأتون من الباكستان أو من الهند وهم على مذهب أبي حنيفة يخففون الأركان، وبالأخص الرفع، فترى أحدهم عندما يرفع رأسه من الركوع لا يستتم قائماً، بل ينحط للسجود، وساعة ما يرفع رأسه من السجدة الأولى لا يستتم جالساً، بل يسجد السجدة الثانية ولا يطمئن، ويقولون: إن أبا حنيفة لم ير الطمأنينة واجبة، وإنه يرى أنه يحصل مسمى الركن بمجرد الانحناء، وبمجرد الرفع، وبمجرد سجوده ومس جبهته الأرض. ولكن قال في الحديث: (حتى تطمئن راكعاً) ، وأيضاً ثبت أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن نقر كنقر الغراب) ، وهو الذي ساعة ما ينحني يرفع، فالغراب إذا نقر ينقر بسرعة، فنهى عن نقر كنقر الغراب، كما نهى عن أشياء في الصلاة تشبه فعل البهائم، ونظمها الحافظ بقوله: إذا نحن قمنا إلى الصلاة فإننا نهينا عن إتيانها بستة بروك بعير والتفات كثعلب ونقر غراب في سجود الفريضة وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه وأذناب خيل عند فعل التحية ومن جملتها النهي عن نقر كنقر الغراب، وهذا لم ينتبه له الحنفية، وأبو حنيفة معذور لأنه ما بلغه النهي، ولا بلغه الدليل، وأتباعه الذين بلغهم الدليل يجب عليهم أن يقولوا به ولا يتركوه. ومن الأركان التشهد الأخير الذي يعقب بالسلام، وجلسته، أي: لا يتشهد وهو قائم، بل لا بد من الجلوس، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها خلاف، بعضهم يراها من الواجبات التي تجبر بسجود السهو، كما مشى على ذلك صاحب الكافي وغيره، والمشهور أنها من الأركان، وتقدم أن لفظها: اللهم صل على محمد إلى آخره. وهذا يدل على أن الإمام أحمد رحمه الله يؤكد أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويشدد في تركها، وكذلك أتباعه، ومنهم أئمة الدعوة، فإنهم يؤكدون أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اشتهر عند أعداء هذه الدعوة نبزهم وعيبهم بأنهم ينهون عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويمنعونها، فرد عليهم أئمة الدعوة فقالوا: كيف نمنعها ونحن نقول: إنها ركن في الصلاة؟! إنما ينهون عنها في بدع لا زالت متجددة في بعض البلاد، مثل إذا كان الخطيب يخطب فصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الجالسون كلهم: اللهم صل على محمد، بصوت واحد، فيرتج المسجد، فنهى العلماء عن ذلك، وقالوا: هذا من البدع، وكذلك كان المؤذنون إذا أذنوا، فعندما يرفع صوته بشهادة أن محمداً رسول الله يرفع صوته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما ورد، إنما ورد الأمر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم سراً. ومن الأركان التسليمتان، والمشهور أن الركن هو التسليمة الأولى، والتسليمة الثانية تعتبر سنة؛ لأنه يحصل بالأولى الخروج لقوله: (وتحريمها التسليم) . ومن الأركان الترتيب، ومعناه: أن يرتب الصلاة كما هي، فلا يجعل السجود قبل الركوع، ولا يأتي بالرفع من السجود قبل السجدة الأولى، فلو جلس من القيام وقال: هذه الجلسة التي بين السجدتين أجعلها قبل السجدتين، فإنه يعتبر قد خالف ترتيب الصلاة.

واجبات الصلاة

واجبات الصلاة الواجبات ثمانية: الأول: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، فقد تقدم أنها ركن، وهذا في حق الإمام والمنفرد، وأما المأموم فإنها ركن في حقه إلا تكبيرة الركوع، وذلك إذا أدرك الإمام راكعاً فكبر ناوياً التحريمة سقطت عنه تكبيرة الركوع. الثاني: التسميع واجب وهو قول: سمع الله لمن حمده في حق الإمام والمنفرد دون المأموم. الثالث: التحميد -وهو قول: ربنا ولك الحمد- واجب في حق المصلين كلهم. الرابع: قول: سبحان ربي العظيم في الركوع. الخامس: قول: سبحان ربي الأعلى في السجود. السادس: قول: رب اغفر لي بين السجدتين. السابع: التشهد الأول. الثامن: جلسة التشهد الأول، والدليل على أنه واجب سقوطه سهواً.

سنن الصلاة

سنن الصلاة ما عدا الأركان والواجبات والشروط فإنه سنة، فالسنن بقية الأفعال، فمنها: رفع اليدين، وكذلك وضعهما على الصدر، ورفعهما أيضاً عند الركوع، ووضعهما على الركبتين، وكذلك أيضاً وضعهما حيال المنكبين أو حيال الرأس إذا سجد، وكذلك جمع أصابعه عند الرفع، وتفريقها عند الركوع، واستقبال القبلة بها في السجود، والمجافاة. ومن السنن: الاستفتاح، والاستعاذة، والبسملة على القول الصحيح خلافاً للشافعية، والتأمين، وهو قول: آمين، وكذلك ما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع والسجود وسؤال المغفرة. كذلك من السنن أيضاً: الجهر في الجهرية، والإسرار في السرية. والأركان والشروط لا تسقط سهواً ولا جهلاً، والواجب يسقط سهواً وجهلاً، ولكن يجبر بالسجود.

سجود السهو

سجود السهو ذكر المؤلف سجود السهو، فمتى يشرع؟ يشرع في ثلاث حالات: إذا زاد في الصلاة أو نقص أو شك، فإنه يسجد للسهو، فمثال الزيادة لو ركع ركوعين كصلاة الكسوف، يعني: ركع ثم رفع وظن أنه ما ركع، ثم ركع، فيسجد السهو، كذلك لو سجد ثلاث سجدات في ركعة واحدة فيعتبر أنه زاد، وكذلك لو صلى خمساً في الظهر أو أربعاً في المغرب أو ثلاثاً في الفجر فيعتبر أنه زاد فيسجد للسهو. وكذا إذا زاد حركة من جنس حركات الصلاة إذا كانت من الحركات الواجبة، كأن كرر الرفع أو كرر الجلسة بين السجدتين، أما إذا زاد في الركن سهواً فإنه لا يعد زيادة، فلو جلس بين السجدتين، وظن أنه في التشهد، فأتى بالتشهد إلى قبيل آخره، ثم تذكر أنه في الجلسة بين السجدتين، فقال: رب اغفر لي، ثم سجد، فهل يسجد للسهو في هذه الحال؟ الصحيح أنه لا يسجد؛ لأنه ما أتى بشيء زائد، وإنما أتى بالتشهد في غير محله ثم تلافاه، وكذلك لو رفع من الركوع وقرأ الفاتحة وظن أنه في القيام، ثم تذكر وقال: ربنا ولك الحمد فهل يسجد؟ الصحيح أنه لا يسجد؛ لأن هذه زيادة في غير محلها، ثم تلافاها. والنقص: إذا لم يسجد إلا سجدة في ركعة من الركعات أو لم يرفع بعد الركوع، بأن ركع فلما قال: سبحان ربي العظيم خر ساجداً، وترك ركناً هو الرفع. وكذلك إذا نقص من الصلوات بأن صلى الظهر ثلاثاً، أو المغرب اثنتين، أو الفجر واحدة، فإنه يسجد. كذلك إذا شك في ركن، كما إذا شك في الفاتحة ثم قرأها، فيحتمل أنه قرأها مرتين فيسجد، أو شك مثلاً في السجود هل سجد سجدة أو سجدتين، فعدها سجدة ثم أتى بسجدة، أو شك في واجب كأن يشك هل جلس في التشهد الأول أم لا؟ فعليه سجود السهو، أو شك هل قال: سبحان ربي العظيم أم لا؟ فيسجد للسهو. أما العمد فإنه يبطل الصلاة، فإذا تعمد مثلاً زيادة ركعة أو نقص ركن أو تعمد القيام في حالة قعود أو تعمد قعوداً في حالة قيام، أو تعمد الإتيان بشيء في غير محله، كأن يتعمد أن يقول: رب اغفر لي وهو رافع، أو تعمد قول: سبحان ربي العظيم في السجود أو سبحان ربي الأعلى في الركوع، أو ربنا ولك الحمد بين السجدتين، أو التحيات لله بين السجدتين، فإن العمد يبطل الصلاة، أما إذا حصل السهو بزيادة أو نقص أو شك وجب عليه السجود. وسجود السهو واجب لكل شيء يبطل عمده الصلاة، ومعلوم أنه إذا ترك التشهد الأول عمداً بطلت الصلاة، وإذا ترك قول سبحان ربي الأعلى موضع السجود عمداً بطلت صلاته، وإذا ترك قول التحيات لله عمداً بطلت صلاته، فإذا تركها سهواً وجب عليه السجود. أما إذا أتى بقول مشروع في غير محله سهواً فإنها لا تبطل، ولكن عليه سجود السهو، فإذا قرأ وهو جالس أو تشهد وهو قائم، أو قال: رب اغفر لي وهو قائم، أو قال: ربنا ولك الحمد وهو جالس أو قال: سبحان ربي الأعلى وهو راكع، أو سبحان ربي العظيم وهو ساجد، أي أنه أتى بسنة في غير محلها مع أنها مشروعة، فإنه يسن له السجود ولا يجب؛ لأن هذا من جملة أذكار الصلاة، وهي لا تبطل بتعمده. واستثنوا من ذلك السلام، فإن تعمده يبطل الصلاة، وتركه سهواً يوجب سجود السهو. يقول: (ومباح) يعني: سجود السهو مباح لترك سنة. عرفنا أنه واجب وسنة ومباح، فيكون واجباً إذا كان المتروك يبطل الصلاة عمداً، ويكون سنة إذا قال قولاً مشروعاً في غير محله، ولا يبطل عمده الصلاة، ويكون مباحاً إذا كان ترك سنة من السنن سهواً كأن ترك رفع اليدين سهواً، فيباح له أن يسجد، أو ترك قراءة السورة في الظهر بعد الفاتحة واقتصر على الفاتحة، أو ترك وضع اليدين على صدره فيباح له السجود ولا يجب.

محل سجود السهو

محل سجود السهو متى يسجد للسهو؟ يقول المؤلف: (محله قبل السلام ندباً) أي: الأفضل أن يكون قبل السلام؛ لأنه جزء من الصلاة، ومتمم لها، ولأنه يحصل به الخروج من الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فلذلك يسجد للسهو قبل أن يسلم. وذكر العلماء أنه يجوز فيه الحالتان: أن يكون السجود كله قبل السلام أو يكون السجود كله بعد السلام، وأكثره قبل السلام، والمشهور عند الإمام أحمد أنه كله قبل السلام إلا في ثلاث حالات ذكرها صاحب عمدة الفقه: الأولى: إذا سلم عن نقص. الثانية: إذا بنى الإمام على غالب ظنه. الثالثة: إذا ذكره بعد السلام. واعتمد في ذلك على الأدلة، وهنا ما ذكر إلا واحدة، منها وهي: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر فبعد السلام ندباً لا وجوباً، يقول: فلو صلى الظهر ثلاثاً ثم سلم، ثم ذكر، فإنه إذا أتى بالركعة الرابعة سلم ثم سجد ثم سلم ندباً، فإن جعل السجود بعد السلام جاز، وإن جعله قبل السلام جاز، والأفضل أن يجعله بعد السلام. وكذلك إذا بنى الإمام على غالب ظنه، فمثلاً: كان في آخر صلاته وشك هل صلى أربعاً أو ثلاثاً، وغلب على ظنه أنها أربع فإنه يسلم، ثم يسجد للسهو ثم يسلم، وأما بقية الحالات فإنه يسجد لها كلها قبل السلام؛ لأن السجود جزء من الصلاة، والذين قالوا: إنه إذا كان السجود لزيادة فبعد السلام، ليس عندهم دليل، فهم يقولون: إذا زاد في الصلاة ركعة أو زاد فيها جلوساً أو زاد قياماً أو زاد فيها قراءة يكون السجود بعد السلام، لكن لم يوجد دليل يعتمدونه، فالصحيح أن الأدلة تدل على أن السجود بعد السلام في حالتين كما في حديث ذي اليدين وحديث أبي سعيد. من سلم قبل إتمام الصلاة عمدا ًبطلت صلاته؛ لأنه متلاعب، وإذا سلم قبل إتمامها سهواً ثم ذكر قريباً أتمها وسجد يعني: سلم بعد ثلاث ركعات وانصرف، ثم تذكر فعاد وأتم الركعة التي بقيت، فيتمها ويسجد للسهو، ويكون السجود بعد السلام. وأما إذا طالت المدة أو أحدث أو قهقه فإنها تبطل، والقهقهة: هي المبالغة في الضحك. إذا لم يتذكر أنه صلى الظهر ثلاث ركعات إلا بعد نصف ساعة أو بعد ساعة فإنه يعيد الصلاة كلها، وكذلك إذا لم يتذكر إلا بعد السلام بدقيقة أو نصف دقيقة وقد أحدث أو ضحك ضحكاً مبالغاً فيه، سواء الإمام أو أحد المأمومين، ففي هذه الحال تبطل الصلاة، لأن القهقهة والحدث في صلب الصلاة يبطلها.

حكم التنحنح والنفخ في الصلاة

حكم التنحنح والنفخ في الصلاة قوله: إذا نفخ في الصلاة فبان حرفان بطلت الصلاة، يعني: كرر النفخ، وكذلك إذا انتحب من غير خشية الله يعني: بكى بكاء لم يحمله عليه خشية الله والرقة والخوف، ولكن بسبب عارض ففي هذه الحال إذا بان منه حرفان بطلت، وكذلك إذا تنحنح من غير حاجة وبان منه حرفان، أما إذا تنحنح لحاجة فلا بأس ولا حرج.

إذا ترك ركنا ولم يذكره إلا بعد الشروع في آخر

إذا ترك ركناً ولم يذكره إلا بعد الشروع في آخر يقول المؤلف: (ومن ترك ركناً غير التحريمة فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك منها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها) ، مثاله: إذا قرأ في الركعة الأولى، ثم بعد فراغه من القراءة خر ساجداً وترك ركنين، ترك الركوع والرفع منه، ثم سجد سجدتين، ثم قام للركعة الثانية وشرع في قراءتها فتذكر أنه ما ركع في الركعة الأولى، فماذا يفعل؟ الصحيح والمشهور أنه يلغي الأولى ويجعل هذه الثانية مكانها، وقيل: إنه يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين تكملة للأولى، أي: يأتي بالركن الذي تركه وبما بعده، وسواء فعل هذا أو هذا فإنه يجوز. أما إذا ترك سجدة واحدة ثم قام فتذكر أنه ما سجد إلا سجدة واحدة بعدما شرع في القراءة فماذا يفعل؟ الصحيح أنه يجلس ثم يقول: رب اغفر لي، ثم يسجد السجدة الثانية ويكون بذلك قد كمل الركعة الأولى، ثم يقوم للثانية، وقيل: إنه يلغي الأولى إذا شرع في قراءة الثانية، والأرجح هنا أنه يكمل الأولى، أما إذا وصل إلى الركن المتروك من الركعة الأولى في الثانية فإنه لا يعيد، ومثاله: إذا نسي الركوع من الركعة الأولى ثم سجد سجدتين بينهما جلسة، وقام للركعة الثانية وقرأ، ثم ركع، وفي الركوع تذكر أنه ما ركع في الأولى، فإن هذا الركوع يكون بدل الركوع في الركعة الأولى، فيلغي الركوع الثاني، ويكون هذا تكميلاً للأولى أو يلغي الركعة الأولى وتكون الركعة الثانية هي الأولى. قوله: (وقبله يعود فيأتي به وبما بعده) يعني: قبل الشروع في القراءة يرجع فيأتي بالركن المتروك وبما بعده، فمثلاً: إذا قام ثم تذكر أنه ما ركع فإنه يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، فيكون بهذا مكملاً للركعة الأولى، ولا يقول: أركع وتكون كاملة من غير أن يأتي بما بعده، بل يأتي بالركوع مع الرفع، ثم السجدتان والجلسة بينهما. أما إذا تذكر بعدما سلم أنه ترك ركوع ركعة فإنه لا يعيده، فقد بطلت الركعة ويأتي بركعة ثانية كاملة.

سجود السهو لترك التشهد الأول

سجود السهو لترك التشهد الأول إذا ترك التشهد الأول ناسياً فله ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يذكره قبل أن يستتم قائماً فيلزمه الرجوع، ويأتي به وعليه سجود سهو. الحالة الثانية: أن يذكره بعد ما استتم قائماً، وقبل أن يشرع في القراءة، فيكره له الرجوع، بل يستمر في ركعته، ويكمل صلاته، ويسجد للسهو، فإن رجع جاز ذلك، ومع ذلك لا يسقط عنه سجود السهو. الحالة الثالثة: ألا يذكره إلا بعدما يشرع في القراءة، ففي هذه الحالة يحرم عليه الرجوع، بل يستمر في القراءة ويكملها بالسجود؛ لأنه ترك واجبين: التشهد الأول والجلوس الأول. فإن رجع بعد ما شرع في القراءة بطلت صلاته إلا إذا كان ناسياً أو جاهلاً. قوله: (ويتبع مأموم) أي: المأموم يتبع إمامه، فيسبح له، ولكن إذا استتم قائماً فلا حاجة إلى التسبيح إلا من باب التذكير، وكذلك إذا شرع في القراءة فلا يسبحون له، ويسجدون معه ويتبعونه في القيام، ولا يجوز أن يخالفوه إذا قام إلى الركعة الثالثة ولم يجلس للتشهد، فلا يجوز أن تجلس أنت للتشهد، بل عليك أن تقوم وتتابع إمامك إذا لم يقبل التسبيح. الحاصل: أن السجود للسهو يجب في هذه الحالات الثلاث مطلقاً، ويبني المصلي على اليقين وهو الأقل، فمن شك في عدد الركعات، فم يدر هل صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فاليقين أنها ثلاث، والرابعة مشكوك فيها، فيبني على أنها ثلاث، كذلك: من شك هل سجد سجدتين أم سجدة واحدة، فالواحدة يقين، والثانية مشكوك فيها، فيبني على اليقين ويأتي بها، فهذه أحكام سجود السهو على وجه الاختصار.

صلاة التطوع

صلاة التطوع ثم بدأ في صلاة التطوع. وآكد التطوع من حيث الإطلاق الجهاد في سبيل الله؛ لأنه قد يكون جنسه فرضاً، ولكن الأصل أنه غالباً تطوع، ثم بعده النفقة في الجهاد، ثم ما يتبعه من التطوعات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

آكد النوافل

آكد النوافل آكد نوافل الصلوات صلاة الكسوف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة) فأمرهم أن يبادروا للصلاة ولا يتأخروا، وذلك دليل على أهميتها. ثم بعدها صلاة الاستسقاء؛ لأن سببها القحط، والناس مأمورون بأن يدعوا ربهم، فهي سنة مؤكدة. ثم بعدها صلاة التراويح، والمحافظة عليها سنة مؤكدة، وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليها، وفعلها بعده الصحابة.

صلاة الوتر ودعاء القنوت

صلاة الوتر ودعاء القنوت ورد في صلاة الوتر ما يدل على تأكدها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوتروا يا أهل القرآن) ، وقال: (من لم يوتر فليس منا) ، وقال: (الوتر حق، من شاء أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن شاء أن يوتر بواحدة فليفعل، ومن شاء أن يوتر بخمس فليفعل) فهذا يدل على أنها مؤكدة وليست واجبة، خلافاً للحنفية فإنهم يرون أنها فرض كالصلوات الخمس. والصحيح أنها نافلة مؤكدة؛ وذلك لقوله عليه الصلاة السلام: (إن الله افترض عليهم خمس صلوات) ولم يذكر غيرهن، فدل على أن ما زاد فهو نفل. والوتر من آكد السنن، وسببه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى وتر يحب الوتر) ، ختمت صلاة النهار بوتر وهي المغرب، وكذلك صلاة الليل. ووقت الوتر ما بين العشاء والفجر، تقول عائشة (من كل الليل قد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر) . وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، أي: وما زاد عليها يعتبر تهجداً، فإذا أراد أن يتهجد فينوي إحدى عشرة ركعة وتراً كما سيأتي، والزائد الذي قبلها يعتبره تهجداً، فيصليها مثنى مثنى، فإن الوتر يسلم فيه من كل ركعتين على الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى) . وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين، ركعتين بسلام، وركعة بسلام، هذا أدنى الكمال، والواحدة مجزئة. والقنوت في الوتر مستحب، ولكن لا يستحب المداومة عليه؛ لأنه لم يكن عليه السلام يداوم عليه، ولكنه علم الحسن، وعلم علياً رضي الله عنهما، الدعاء بقوله: (اللهم اهدنا فيمن هديت) هذا من رواية الحسن، والدعاء بقوله: (اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك) إلى آخره هذا من رواية علي، فقد علمه صلى الله عليه وسلم أن يقول: (اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك) . ثم بعده يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في الزيادة على هذا المقدار، والصحيح أنه يجوز في المناسبات كالليالي التي ترجى كليلة القدر، وكذلك أيضاً الليالي الشهيرة كليلة الجمعة ونحوها، فيستحب أن يكثر من الدعاء؛ لأنه مندوب، والله تعالى يحب من عباده أن يبالغوا في دعائه، وفي الحديث: (من لم يسأل الله يغضب عليه) ، والله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، فيجوز أن يزيد مثل قوله: (اللهم اقسم لنا من خشيتك) إلى آخره، وغير ذلك من الأدعية ولو لم تكن مأثورة إذا كانت مشتملة على فضل وخير. وبعد ذلك يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ورد في الحديث: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم) . والمأمومون يؤمنون بعد كل جملة يقف عليها الإمام، يقولون: آمين، والإمام يجمع الضمير فيقول: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وإذا كان منفرداً يقول: اللهم اهدني إلى آخره. قوله: ويمسح الداعي وجهه بيديه مطلقاً أي: كل من دعا بدعاء ورفع يديه فإن يمسح بيديه وجهه. ومن أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين، وفيه أحاديث كثيرة، قيل: إنها بلغت سبعين حديثاً، وفيها تأليف للمنذري، وجمع منها السيوطي اثنين وأربعين حديثاً عن جماعة من الصحابة، ورسالة السيوطي اسمها: فضل الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء، وهي محققة ومطبوعة، وتدل مجموعها على أن رفع اليدين متأكد في الدعاء، وأنه سبب من أسباب الإجابة، ومنها حديث سلمان: (إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) . وأما حديث أنس: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلا في الاستسقاء) فيريد المبالغة، فإنه كان إذا استسقى على المنبر رفع يديه حتى تكون على رأسه مبالغة في ذلك، فأما في حال الدعاء مطلقاً فإنه يرفعهما إلى صدره، وقد ورد ذلك في حديث: (أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعها أكثر من الصدر) . أما مسح الوجه باليدين فورد فيه أحاديث، وذكر الحافظ منها حديثاً له شواهد في آخر بلوغ المرام، وذكر أنه بإسناد حسن، وبالتتبع بلغت سبعة أحاديث عن سبعة من الصحابة، كان يرفع يديه ويمسح وجهه بيديه بعد الدعاء، والذين أنكروه كأنهم لم يتتبعوا طرق الأحاديث. أيضاً ورد مسح الوجه عن كثير من الصحابة من فعلهم، فقد كانوا يمسحون وجوههم بأيديهم بعد الدعاء، وذكر الحكمة صاحب سبل السلام فقال: إنه إذا رفع يديه فلا بد أن يكون بهما خير ورحمة وغفران، فأولى أعضائه بهذه الرحمة وجهه، فيمسح وجهه حتى يبيض وجهه يوم تبيض وجوه.

صلاة التراويح

صلاة التراويح ذكر المؤلف أن التراويح عشرون ركعة، وتسن الوتر معها جماعة، ووقتها بين سنة العشاء والوتر، هذا هو الصحيح، ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم فيها عدداً، ولكنه كان يأمرهم بقيام رمضان، ويحثهم على القيام ويرغبهم فيه، ثم صلى بهم ثلاث ليال، وخشي أن يفترض عليهم قيام الليل، ثم أمرهم أن يصلوا لأنفسهم، وفي عهد عمر رضي الله عنه رآهم يصلون أوزاعاً، ورأى أن بعضهم لا يحسن القراءة؛ فجمعهم على إمام ورأى أن ذلك أفضل من صلاتهم متفرقين، والصحابة قد صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة صلاة التراويح، فهي سنة نبوية تركها صلى الله عليه وسلم خشية أن تفترض، وأمر عمر بفعلها بعد موته عليه الصلاة والسلام، وبعد الأمن من أن تفترض، فأصبحت سنة مؤكدة. سميت تراويح؛ لأنهم كانوا يطيلون فيها القراءة، كانوا يقرءون مثلاً سورة البقرة في ثمان ركعات، وإذا قرءوها في اثنتي عشرة ركعة رأوا أن ذلك تخفيفاً، فكانوا يقرءون مثلاً في الليلة الأولى سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء، وفي الليلة الثانية يقرءون من المائدة إلى آخر التوبة، وفي الليلة الثالثة من أول يونس إلى آخر النحل، وفي الرابعة من أول الإسراء إلى آخر الفرقان، وفي الخامسة من الشعراء إلى آخر يس، وفي السادسة من الصافات إلى آخر الحجرات، ويختمون في السابعة، وهذا يسمى تحزيب القرآن، فكانوا يطيلون صلاة التراويح، ويصلونها كل ركعتين بسلام، فإذا صلوا أربع ركعات استغرقت مثلاً ساعة؛ فيستريحون بعدها، ثم يصلون أربعاً تستغرق ساعة فيستريحون بعدها، وهكذا إلى أن يتموا العشرين؛ فسموها تراويح بسبب الاستراحات التي بعد كل أربع ركعات. يقول: (والوتر معها) فتكون مع الوتر ثلاثاً وعشرين، وفي هذه الأزمنة غلب الكسل على أكثر الناس فصاروا يقتصرون على ثلاث عشرة، ثم غلب الكسل فصاروا يقتصرون على إحدى عشرة إلا في الحرمين فلا يزالون يصلون عشرين ركعة مع الوتر، ولكنهم يخففون ويقتصرون على قراءة جزء واحد نظراً لكثرة المصلين.

السنن الرواتب

السنن الرواتب ذكر المؤلف الرواتب، ويراد بها السنن التي قبل الفرائض أو بعدها، وهي في حديث ابن عمر عشر ركعات: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وورد في بعض الروايات أربع ركعات قبل الظهر؛ فتكون اثنتي عشرة ركعة، كان يواظب عليها لأنها متعلقة بهذه الفرائض، ولأنها شرعت لتكملة الفرائض، وقد ورد في حديث: (أول ما ينظر من عمل العبد صلاته، فإن لم يكملها قال الله: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فتكمل به الفريضة) ، وورد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم ندب إلى أربع قبل الظهر وأربع بعدها، وندب أيضاً إلى أربع قبل العصر، فقال: (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً) . وذكر بعض المشايخ أن كثيراً من الصالحين وطلبة العلم يحافظون على عشرين ركعة زائدة على الرواتب، فالرواتب عشر ويزيدون معها عشرين، فيصلون قبل الظهر ستاً، وبعدها ستاً، وقبل العصر أربعاً، فهذه ستة عشر، وبعد المغرب ستاً، وبعد العشاء ستاً، وقبل الفجر اثنتين، فهذه ثلاثون ركعة. وورد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم عمم الصلاة بقوله: (بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء) لئلا يعتقد أنها واجبة، وفي حديث آخر أنه قال: (صلوا قبل المغرب، وكرر ذلك ثلاثاً، ثم قال: لمن شاء) فإذا كان كذلك فإنه بين كل أذانين صلاة يعني: بين أذان المغرب وإقامتها صلاة، وبين أذان العشاء وإقامتها صلاة، وبين أذان العصر وإقامتها صلاة، فتكون هذه كلها من النوافل التي يرغب فيها. آكد الرواتب: ركعتا الفجر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها سفراً وحضراً، وفي حديث أنه قال: (صلوها وإن طردتكم الخيل) ، وقال في فضلها: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) وهذا دليل على آكديتها، وقد رأيت كتاباً مطبوعاً اسمه (كلام أهل العصر في أحكام ركعتي الفجر) وهو مجلد لطيف، كله في الكلام على أحكام سنة الفجر من حيث آكديتها، ومن حيث قضاؤها، ووقتها، وما أشبه ذلك.

صلاة قيام الليل

صلاة قيام الليل ذكر المؤلف حكم صلاة الليل زيادة على الوتر، يقول: (تسن صلاة الليل بتأكد، وهي أفضل من صلاة النهار) ، يعني: أنها مؤكدة، وقد كانت مفروضة على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:2] ، ولقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79] يعني: زائدة في حقك، أو أنها تعتبر نافلة ولكنها مؤكدة، وقد كثرت الأدلة عليها، وصنفت فيها المؤلفات، منها كتاب لبعض المتأخرين طبع في مجلدين عنوانه (رهبان الليل) أطال الكلام في فضل التهجد، والأدلة فيه، وصفته، وما إلى ذلك. وليس لصلاة الليل حد محدود؛ لأن الله تعالى أطلق في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64] ، ولم يحدد لهم عدداً، فيجوز لهم أن يتنقلوا من قيام إلى ركوع إلى سجود إلى قراءة سجداً وقياماً، وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر:9] آناء الليل: يعني ساعات الليل، ووصف الله نبيه وأصحابه بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل:20] يعني: قريباً من ثلثي الليل {وَنِصْفَهُ} [المزمل:20] أي: وتقوم نصفه {وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:20] أخبر أن هذا هو حالهم، ووصف الصحابة رضي الله عنهم بذلك الشاعر في قوله: بالليل رهبان وعند جهادهم لعدوهم من أشجع الأبطال أي: أنهم في الليل يصلون ويتهجدون ويدعون ربهم ويتضرعون إليه، ويكثرون من العبادة.

ليس لقيام الليل عدد محدود

ليس لقيام الليل عدد محدود ليس لصلاة الليل حد، فلا تقتصر على عدد، وأما ما ذكرت عائشة من أنه صلى الله عليه وسلم ما زاد على إحدى عشرة ركعة فهذا في الغالب، فكان في الغالب لا يزيد، ولكن قد ورد أنه زاد في حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس) . فأثبتت عائشة الزيادة، وكذلك أثبتها ابن عباس في حديث مبيته عند خالته فقال: (فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر) أي: صلى ثلاث عشرة ركعة مع أن صلاته استغرقت نصف الليل؛ لأنه يقول. فلما كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام، فذكر أنه استمر يصلي الليل كله ثلاث عشرة ركعة، أي: استغرقت تقريباً ست ساعات إذا كان الليل اثنتي عشرة ساعة، أو أربع ساعات ونصف إذا كان الليل تسع ساعات، ولا شك أن هذا دليل على أنه كان يطيل في أركانها. والأصل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد النوم، فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يتحدث بعد العشاء، بل ينام بعدها مباشرة، ثم يقوم آخر الليل، وبذلك فسر قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل:6] وهي: القيام بعد النوم، {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] . وعلى كلٍ فصلاة الليل أفضل من صلاة النهار، صلاة النهار مثل التطوع في الضحى، وهي مندوبة، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) ، وفيه أحاديث تجدونها في زاد المعاد وغيره. وسبب شرعيتها أن ساعة الضحى ينشغل الناس بحرفهم وبتجاراتهم، فالذي يتطوع في ذلك الوقت يكون متفرغاً لعبادة لا يشركه فيها إلا قليل كالذي يتهجد في آخر الليل وقت نوم الناس، فيصلي بالليل والناس نيام.

سجود التلاوة

سجود التلاوة سجود التلاوة مشروع، ويسن للقارئ والمستمع دون السامع، ومن أتى به يكبر إذا سجد وإذا رفع، ثم يجلس ويسلم، ولم يذكر أنه يتشهد. وكره للإمام قراءة سجدة في سرية كالظهر وسجوده لها، ولو سجد في الجهرية فإن على المأمومين متابعته إلا إذا سجد في سرية كالظهر، فإذا سجد في الجهرية من المغرب والعشاء والفجر والجمعة والعيد والتراويح وما أشبه يتابع. سجود التلاوة المشهور عندنا أنه في أربعة عشر موضعاً، وهي: الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والحج فيها سجدتان، والفرقان، والنمل، والسجدة، وفصلت، والنجم، والانشقاق، والعلق، واختلف في سجدة ص، والراجح أنها سجدة شكر، إن سجدها القارئ وإلا فلا بأس لا حرج، ورد في حديث: (سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكراً) ومحل السجود مذكور في المصاحف، يذكر بعد الآية علامة على محل السجود، وإذا كان المحل في آخر السورة فإنه يسجد إذا أتمها كآخر سورة الأعراف وآخر سورة النجم وآخر سورة العلق، فيسجد إذا كمل الآية التي فيها سجود التلاوة.

سجود الشكر

سجود الشكر قال: (يسن سجود الشكر عند تجدد نعم واندفاع نقم) : إذا تجددت على إنسان نعمة سجد لله شكراً، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره خر ساجداً، سواء كان ذلك الأمر اندفاع نقمة كموت عدو أو نحوه، أو إذا حصل فتح ونصر للمسلمين فإنه يسن سجود الشكر، وفيه كلام طويل، وقد أفرده بعضهم بالتأليف. ولا يجوز أن يسجد في الصلاة سجود الشكر، وإن سجده عالماً بطلت صلاته، أما إذا كان جاهلاً أو ناسياً فلا تبطل. سجود الشكر سجدة واحدة مثل سجود التلاوة، وهل تشترط له شروط الصلاة؟ اختلف فيه، واختار كثير من العلماء أنه لا بد أن يكون على طهارة، وأن يستقبل القبلة، وأن يكون ساتر العورة إلى آخر شروط الصلاة، ورجح شيخ الإسلام أنه لا يشترط ذلك، وأنه يجوز أن يسجد وهو محدث، وأن يسجد لغير القبلة، وأن يسجد وإن لم يستر عورته، وإن كان ستر العورة واجباً في كل الحالات خارج الصلاة وداخلها. يقول شيخ الإسلام: أقل ما روي أن اسمه صلاة فيها تحريم وتسليم ركعة، فأما سجدة واحدة فلا تسمى صلاة، فعلى هذا فسجود التلاوة وسجود الشكر لا يسمى صلاة، ومع ذلك يستحب أن يكبر ويسلم؛ لأن هناك من يجعله صلاة. اشتهر عند كثير من الفقهاء أن سجود التلاوة صلاة، وقالوا: لا بد أن يكبر، وروي في ذلك حديث أنه عليه السلام لما سجد كبر لما خر ساجداً وكبر لما رفع، ولعل ذلك كان في الصلاة؛ وذلك لأنه يشرع في الصلاة أن يكبر عند كل خفض ورفع. واختلف فيما إذا سجد للتلاوة في الصلاة ثم قام قبل إتمام القراءة، هل يكبر أو يكتفي بالقراءة، كان مشايخنا الأولون إذا رفع من السجدة ويريد مواصلة القراءة في التراويح أو في صلاة فجر يوم الجمعة يكتفي بقراءة الآية التي بعدها، ويجهر بها، والمأمومون يتبعونه، واستحب آخرون أن يكبر، وأخذوا ذلك من عموم قوله: (كان يكبر في كل خفض ورفع) ، ولكلٍ اجتهاده.

أوقات النهي عن الصلاة

أوقات النهي عن الصلاة أوقات النهي خمسة: اثنان موسعان، وثلاثة مضيقة، الموسع من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى أن تتهيأ الشمس للغروب، والمضيق من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قدر رمح، ومن تهيئها للغروب إلى أن يتم غروبها، وعند قيامها حتى تزول، فالمضيقة وقتها قصير، فبعد أن ترتفع الشمس ويطلع حاجبها يتوقف عن الصلاة حتى ترتفع قيد رمح، ويمكن أن يقدر ذلك بخمس دقائق أو عشر على الأكثر، وإذا تهيأت الشمس للغروب يكون ذلك قبل أن تغرب بعشر دقائق تقريباً، وهو وقت المضيف حتى يتم غروبها، وكذلك عند الزوال إذا وقف الظل عن الزيادة إلى أن تزول الشمس، ويقدر هذا بنحو خمس أو عشر دقائق، هذه هي الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الصلاة فيها، وأن ندفن فيها موتانا: حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تطلع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وحين تضيف للغروب) . والأحاديث التي فيها كثيرة، تروى عن أكثر من عشرين صحابياً، وذكر في بلوغ المرام عدة منها، وفي عمدة الأحكام ذكر حديثاً أو حديثين ثم قال: ورواه فلان وفلان وفلان حتى عد أكثر من عشرة، والترمذي لما روى الحديث الذي في الباب قال: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان حتى عد عشرين من الصحابة، كلهم رووا أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس، فتكون الأحاديث فيها متواترة، يقول ابن عباس رضي الله عنه: (حدثني رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع) فهذان الوقتان هما الوقتان الموسعان إلا أنه إذا تهيأت الشمس للغروب دخل الوقت المضيق. وإذا كانت الأحاديث بهذه الكثرة عرف بذلك تأكد النهي عنها.

الصلوات التي تجوز وقت النهي

الصلوات التي تجوز وقت النهي يحرم ابتداء النفل في أوقات النهي، أما إذا كان يصلي فدخل وقت النهي فلا بأس، مثلاً كان يصلي الضحى وامتدت صلاته حتى استوت الشمس فإنه يكمل، والنوافل كلها لا تجوز في أوقات النهي إلا الفرائض إذا فاتت، فلو طلعت الشمس وهو يصلي الفجر فإنه يتمها، أو طلعت قبل أن يصلي فإنه يصلي ساعة ما يستيقظ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وقت النائم إذا استيقظ، ووقت الناسي إذا ذكر) . واختلف في ركعتي الطواف فـ عمر رضي الله عنه طاف بعد الفجر، ولم يصل ركعتي الطواف، ركب راحلته وصلاها بذي طوى بعدما طلعت الشمس، فكأنه كان يرى أنها لا تصح في وقت النهي، وكان ابن الزبير يطوف بعد العصر ثم يدخل بيته ولا يصليها عند المقام، وكثير من الصحابة كانوا لا يصلونها، وآخرون رأوا أنها من ذوات الأسباب التي يباح فعلها في هذه الأوقات. وأما سنة الفجر إذا فاتت فهل يصليها بعد الفجر؟ في حديث قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه يصلي ركعتين بعد الفجر فقال: (ما هذه الصلاة يا قيس؟ فقال: الركعتان قبل الفجر لم أدركهما، فسكت) وسكوته دليل على الإقرار، ولكن كأنه يكره مثل هذا. واختلف في صلاة الجنازة في هذين الوقتين، والصحيح أنها جائزة؛ لأنه لا ركوع فيها ولا سجود، وبعض العلماء رأى أنه لا يصلى على الجنازة في أوقات النهي، فمثلاً الخرقي الذي شرحه الزركشي وشرحه ابن قدامة في المغني يقول: إذا جيء بالجنازة وقت العصر صلوا عليها قبل صلاة العصر، وكذلك إذا جيء بها وقت الفجر قدموا الصلاة عليها قبل صلاتهم للصبح، حتى لا يؤخرونها بعد الصلاة فتكون في وقت نهي، فكأن الخرقي فهم أنها لا تصلى في أوقات النهي، والأكثرون على أنها من ذوات الأسباب. واختلف في تحية المسجد، فكثير من العلماء يقولون: لا تدخلوا المسجد في أوقات النهي؛ لأنكم إن صليتم خالفتم حديث أربعة وعشرين صحابياً روايتهم مرفوعة، وإن تركتموها خالفتم حديث أبي قتادة: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) ، فكونكم تخالفون حديثاً أو أحاديث هذا عمل يخالف الشرع والأدلة. وبعضهم يدخلون المسجد ولا يصلونها ويقولون: كوننا نخالف أربعة وعشرين حديثاً أشد من مخالفتنا حديثاً أو حديثين، فإن صلاة تحية المسجد ورد فيها حديثان أو ثلاثة، وبكل حال لكلٍ اجتهاده، والله أعلم.

شرح أخصر المختصرات [9]

شرح أخصر المختصرات [9] لقد جاء الشرع المطهر بكل ما فيه رفق بالعباد وتخفيف عليهم، ومن ذلك أنه راعى حال المصلين، فأمر الأئمة بالتخفيف عليهم، وكذلك حال السفر وما فيه من الرخص، وحال المرض والمطر والخوف وغيرها، وهذا تيسير من الله سبحانه وتعالى وفضل، فهو يعلم حال العباد وضعفهم، فلم يكلفهم إلا بما يستطيعونه ويقدرون عليه.

ترتيب النوافل في الأفضلية

ترتيب النوافل في الأفضلية ذكرنا أن آكد صلاة التطوع الكسوف ثم الاستسقاء ثم التراويح ثم الوتر، ثم السنن الرواتب، ثم التهجد بالليل، ثم صلاة الضحى، وذكرنا سجود التلاوة، وأوقات النهي، وما يفعل فيها. هكذا ذكروا ترتيب هذه النوافل بناء على آكدية الأدلة، وإن كانت الوتر لها أهميتها حيث إن بعض العلماء كالأحناف قالوا بوجوبها، ولا يلتفت إلى خلاف من ينكر شيئاً منها كالرافضة الذين يطعنون في عمر أنه ابتدع صلاة التراويح مع أنها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً. ومر أيضاً استحباب القنوت، وذكرنا أنه لا يستحب أن يقنت دائماً بل يقنت أحياناً؛ لأن لم ينقل أنه عليه السلام كان يقنت في الوتر دائماً، ولكن علمه الحسن وعلمه علياً رضي الله عنهما. كذلك أيضاً مر بنا مشروعية رفع اليدين في الدعاء في القنوت، ويسن مسح الداعي وجهه بيديه بعد كل دعاء، وذكرنا ما ورد فيه من الأدلة، وذكرنا أيضاً التراويح، وأنها عشرون ركعة على ما كان عليه في عهد عمر بن الخطاب، وكذلك في عهد الخلفاء. وقد روت عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، وكذلك روي عن ابن عباس، وهذا يدل على أن صلاة الليل لا تنحصر في عدد معين، واقتصاره عليه الصلاة والسلام على إحدى عشرة ركعة لأنه كان يطيلها، كان يصلي في نصف الليل نحو ست ساعات أو على الأقل أربع ساعات ونصف، أي: نصف الليل أو ثلثه. ثم ذكرنا أيضاً آكدية سنة الفجر، وآكدية صلاة التهجد، وما ورد فيها من الأثر، وآكدية سجود التلاوة للقارئ والمستمع، والخلاف هل هو صلاة أم ليس بصلاة، وذكرنا أن الأرجح كونه ليس بصلاة، وكذلك أيضاً سجود الشكر وأسبابه، والأوقات التي يحرم فيها النوافل، وجواز قضاء الفرائض وركعتي الطواف فيها، وهذا من باب التذكير، وقد شرحت والحمد لله، وشروحها موسعة في كتب العلماء.

صلاة الجماعة

صلاة الجماعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: تجب الجماعة للخمس المؤداة على الرجال الأحرار القادرين، وحرم أن يؤم قبل راتب إلا بإذنه، أو عذره، أو عدم كراهته. ومن كبر قبل تسليمة الإمام الأولى أدرك الجماعة، ومن أدركه راكعاً أدرك ركعة، بشرط إدراكه راكعاً، وعدم شكه فيه، وتحريمته قائماً، وتسن ثانية للركوع، وما أدرك معه آخرها، وما يقضيه أولها. ويتحمل عن مأموم قراءة، وسجود سهو، وتلاوة، وسترة، ودعاء قنوت، وتشهد أول إذا سبق بركعة، لكن يسن أن يقرأ في سكتاته وسرية، وإذا لم يسمعه لبعد لا طرش. وسن له التخفيف مع الإتمام، وتطويل الأولى على الثانية، وانتظار داخل ما لم يشق. فصل: الأقرأ العالم فقه صلاته أولى من الأفقه، ولا تصح خلف فاسق إلا في جمعة وعيد تعذرا خلف غيره، ولا إمامة من حدثه دائم، وأمي وهو من لا يحسن الفاتحة، أو يدغم فيها حرفاً لا يدغم أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى إلا بمثله. وكذا من به سلس بول، وعاجز عن ركوع وسجود، أو قعود ونحوها، أو اجتناب نجاسة أو استقبال، ولا عاجز عن قيام بقادر إلا راتباً رجي زوال علته، ولا مميز لبالغ في فرض، ولا امرأة لرجال وخناث، ولا خلف محدث أو نجس، فإن جهلا حتى انقضت صحت لمأموم، وتكره إمامة لحان وفأفاء ونحوه. وسن وقوف المأمومين خلف الإمام، والواحد عن يمينه وجوباً، والمرأة خلفه، ومن صلى عن يسار الإمام مع خلو يمينه أو فذاً ركعة لم تصح صلاته، فإذا جمعهما مسجد صحت القدوة مطلقاً، بشرط العلم بانتقالات الإمام، وإلا شرط رؤية الإمام أو من وراءه أيضاً، ولو في بعضها. وكره علو إمام على مأموم ذراعاً فأكثر، وصلاته في محراب يمنع مشاهدته، وتطوعه موضع المكتوبة، وإطالته الاستقبال بعد السلام، ووقوف مأموم بين سوار تقطع الصفوف عرفاً إلا لحاجة في الكل، وحضور مسجد وجماعة لمن رائحته كريهة من بصل أو غيره. ويعذر بترك جمعة وجماعة مريض، ومدافع أحد الأخبثين، ومن بحضرة طعام يحتاج إليه، وخائف ضياع ماله أو موت قريبه أو ضرراً من سلطان أو مطر ونحوه، أو ملازمة غريم ولا وفاء له، أو فوت رفقته ونحوهم. فصل: يصلي المريض قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، والأيمن أفضل، وكره مستلقياً مع قدرته على جنب وإلا تعين، ويومئ بركوع وسجود ويجعله أخفض، فإن عجز أومأ بطرفه، ونوى بقلبه كأسير خائف، فإن عجز فبقلبه مستحضر القول والفعل، ولا يسقط فعلها ما دام العقل ثابتاً، فإن طرأ عجز أو قدرة في أثنائها انتقل وبنى. فصل: ويسن قصر الرباعية في سفر طويل مباح، ويقضي صلاة سفر في حضر وعكسه تامة. ومن نوى إقامة مطلقة بموضع، أو أكثر من أربعة أيام، أو ائتم بمقيم أتم، وإن حبس ظلماً، أو لم ينو إقامة قصر أبداً، ويباح له الجمع بين الظهرين والعشاءين بوقت إحداهما، ولمريض ونحوه يلحقه بتركه مشقة، وبين العشاءين فقط لمطر ونحوه يبل الثوب، وتوجد معه مشقة، ولوحل وريح شديدة باردة لا باردة فقط، إلا بليلة مظلمة. والأفضل فعل الأرفق من تقديم أو تأخير، وكره فعله في بيته ونحوه بلا ضرورة، ويبطل جمع تقديم براتبة بينهما، وتفريق بأكثر من وضوء خفيف وإقامة. وتجوز صلاة الخوف بأي صفة صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحت من ستة أوجه، وسن فيها حمل سلاح غير مثقل] .

وجوب صلاة الجماعة على الرجال

وجوب صلاة الجماعة على الرجال ذكر المؤلف في الفصل الأول صلاة الجماعة، وأنها تجب، والواجب هو ما يعاقب تاركه تهاوناً، ويثاب فاعله. والجماعة يراد بها الاجتماع على أدائها، والأصل أن أداءها جماعة يكون في المساجد، ولا يكفي أداؤها جماعة في البيوت، ولو اجتمع في البيت عشرة أو أكثر أو أقل فلا يكفي أن يصلوها جماعة في بيوتهم ويعتذرون بأنه حصل اجتماع؛ لأن هذا فيه تعطيل للمساجد، فإن المساجد بنيت لأجل عمارتها بالمصلين، فلا يجوز تعطيل المساجد لهذا العذر. والأصل في وجوبها الأدلة، فمن ذلك قول الله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] أي: مع المصلين الذين يجتمعون للصلاة، والأحاديث كثيرة صريحة في وجوبها، بل يستدل عليها أيضاً بالوعيد في قوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:43] ، فإن هذا الدعاء دعاء لهم إلى فعلها جماعة فامتنعوا فعوقبوا في الآخرة بعجزهم عن السجود. وثبت أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يحرق على المتخلفين بيوتهم، وهو لا يهم إلا بحق، وإنما تركه لما بها من النساء والذرية، ولا شك أن ذلك دليل على أن ما قاموا به من السيئات، وترك العمل الواجب. وكذلك أيضاً في الحديث المذكور في بلوغ المرام، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) ، والأدلة على وجوبها كثيرة، والمفاسد التي تترتب على تركها كثيرة، والمحاسن والحكم التي تترتب على أدائها جماعة لا تحصى.

عدم وجوب صلاة الجماعة على النساء

عدم وجوب صلاة الجماعة على النساء يقول: (لا تلزم إلا الرجال) . أما النساء فتجوز صلاتهن في المساجد من غير وجوب، ثبت أن النساء كنّ يشهدن صلاة الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ، قال: (وبيوتهن خير لهن) ، وقال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها) ، ومع ذلك فإن بيتها خير لها؛ لأنها قد يتعرض لها الفساق ونحوهم.

الجماعة للصلوات الخمس

الجماعة للصلوات الخمس لا تلزم الجماعة إلا للصلوات الخمس، أما غيرها من النوافل فتصح في البيت، ولا تلزم أيضاً إلا المؤداة أما المقضية التي قد فات وقتها فيصليها بمفرده متى تيسر له أداؤها، وتسقط عن المملوك إذا كان المسجد بعيداً، فإذا كان قريباً يلزم سيده أن يمكنه من أداء الصلاة جماعة في المساجد، وتسقط عن العاجزين لمرض أو كبر يشق معه الحضور إلى المسجد، وإنما تلزم القادر وهو الصحيح سالم الأعضاء. كل مسجد له إمام راتب، وهو أولى بمسجده، فيحرم أن يؤم أحد في مسجد قبل إمامه الراتب الذي عين فيه والتزم به، فلا يجوز لأحد ولو كان أفضل منه أن يتقدم ليصلي بالناس إلا بإذنه، فله أن يقدم غيره لحاجة مثل أن يتأخر لعذر، وإذا تأخر ندب أن يرسل إلى من يصلي مكانه، فإذا عرف المأمومون عذره وعدم حضوره قدموا غيره، وكذلك لو عرف المأمومون عدم كراهته أن يتقدم فلان.

ما تدرك به الجماعة

ما تدرك به الجماعة بأي شيء تدرك الجماعة؟ فيه قولان: القول الأول: أنها تدرك بإدراك تحريمة قبل السلام، فإذا أتيت وهم في آخر التشهد وقلت: الله أكبر قبل أن يسلموا أدركت فضل الجماعة، وإن كنت قد فاتك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وفاتك فضيلة متابعة الإمام، ولكن تعد مدركاً للجماعة إذا أدركت هذه التحريمة قبل السلام. هذا قول. والقول الثاني ولعله الأرجح: أنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة، فمن أتى وهم قد صلوا أربع ركعات في الرباعية، وما بقي عليهم إلا آخر الركعة فقد فاتته الجماعة. نتيجة الخلاف: إذا أتيت مثلاً وهم في التشهد الأخير أو أتيت وقد رفع من الركوع الأخير من الركعة الأخيرة، وما بقيت إلا السجدتان والتشهد، فهل تدخل معهم أو تنتظر جماعة أخرى؟ إذا قلنا: إنها تدرك بالتحريمة تدخل معهم؛ لأنك تدرك الجماعة وفضلها، وإذا قلنا: إنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة فإنك تنتظر جماعة أخرى إن كان معتاداً أن يأتي بعض المتخلفين ويقيموا جماعة أخرى، وإن لم يعتد ذلك بل الأصل أنهم يصلون في بيوتهم، ولا يأتي أحد بعد السلام فادخل مع الجماعة، ولو لم تدرك إلا آخر التشهد.

ما تدرك به الركعة

ما تدرك به الركعة بأي شيء تدرك الركعة؟ يعني: متى يكون الإنسان مدركاً الركعة التي يعتد بها من صلاته؟ في ذلك خلاف: القول الأول: أنه يدركها بإدراك الركوع، فإذا أدرك الإمام راكعاً، وأدرك معه قول: سبحان ربي العظيم قبل أن يتحرك للرفع من الركوع؛ أدرك الركعة واعتد بها؛ وذلك لأنه أدرك معظمها، والشيء يدرك بإدراك معظمه، فإذا أدرك الركوع ثم أدرك القيام بعده ثم أدرك السجدتين وأدرك الجلسة بينهما؛ فقد أدرك أكثر الأركان، ولم يفته إلا ركن القيام الأول، وقراءة الفاتحة، فيكون مدركاً للركعة لإدراكه أكثرها. القول الثاني: أنه لا يدرك الركعة إلا إذا أدرك الإمام قائماً وتمكن من قراءة الفاتحة، ويختار هذا القول البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وينقله أيضاً عن بعض العلماء المتقدمين. ولكن المشهور أنها تدرك بإدراك الركوع، فإذا أدركه راكعاً ولم يشك في أنه ركع وكبر للتحريمة وهو قائم، فقد أدركها، بأن انحنى وتمكن من قول (سبحان ربي العظيم) قبل حركة الإمام للرفع، وأما إذا شك هل رفع الإمام قبل أن أركع؟ وهل أنا سبحت قبل أن يتحرك؟ ففي هذه الحال يقضيها احتياطاً للعبادة. يلاحظ أن كثيراً يأتون مسرعين إذا جاءوا والإمام راكع، ويكبر أحدهم وهو منحي للتحريمة، وهذا لا يصح، ولا بد أن يقف ثم يكبر تكبيرة الإحرام ثم ينحني راكعاً، وأما قصة أبي بكرة أنه ركع قبل الصف فلم يذكر أنه كبر وهو منحنِ، جاء وهم ركوع، ولما حاذى الصف كبر وركع ومشى على حالة الركوع حتى اتصل بالصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) أي: لا تعد أن تكبر قبل أن تصل إلى الصف، ولم يأمره بالإعادة؛ لأن الحركة يسيرة خطوة أو خطوتين. إذا جاء والإمام راكع وكبر ناوياً تكبيرة الإحرام أجزأته وسقطت عنه تكبيرة الركوع، ولكن يسن أن يأتي بتكبيرتين: تكبيرة الإحرام وهو قائم، وتكبيرة للركوع وهو منحنٍ، هذا هو الأفضل.

هل ما يدركه المسبوق أول صلاته أو آخرها

هل ما يدركه المسبوق أول صلاته أو آخرها هل ما يدركه المسبوق أول صلاته أو آخرها؟ في ذلك خلاف، وأكثر الفقهاء على أن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته، وما يقضيه هو أولها، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا) قالوا: والقضاء يحكي الأداء، وهو دليل على أن ما فاته هو أول صلاته، فيقضيها على صفتها، يقضي ما فاته على أنه أول صلاته. وسبب الخلاف في هذه المسألة اختلاف رواية الحديث، ففي رواية: (وما فاتكم فأتموا) ، وفي رواية: (وما فاتكم فاقضوا) ، أخذ أكثر الفقهاء برواية: (فاقضوا) ، والذين قالوا: إن ما يدركه هو أول صلاته استدلوا برواية: (وما فاتكم فأتموا) ، وهي أرجح من رواية: (فاقضوا) من حيث السند، ويمكن أن تحمل رواية: (فاقضوا) على الإتمام لقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة:10] يعني: أكملت وأتمت، فيترجح أن المسبوق إذا أدرك الإمام في ركعة عد هذه الركعة أول صلاته، وإذا قام ليقضي جاء بالركعة التي بقيت عليه. الذين قالوا: إن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته تناقضوا، فقالوا: إذا أدرك ركعة من الظهر أو من العشاء ثم قام ليأتي بما فاته فإنه يصلي معها ركعة ثم يتشهد، مما يدل على أنه قد كمل ركعتين، وبعد الركعتين يتشهد ثم يأتي بركعتين بدون قعود بينهما، فنقول لهم: هذا تناقض، لو كان ما يقضيه هو أول صلاته، لقلنا له: فاتك ثلاث ركعات، هذه الثلاث اثنتان سرداً وواحدة فرداً، فإذا قمت تقضي الثلاث فائت بثنتين سرداً لا تجلس بينهما، ثم ائت بالثالثة وتشهد بعدها وسلم، فتكون مثل المغرب، فأما إذا ألزمتموه إذا أدرك ركعة أن يتشهد بعد الأخرى، وأن يسرد الركعتين الباقيتين بدون جلوس بينهما، فهذا يدل على أن الركعة التي أدركها هي أول صلاته. فالراجح أن ما يدركه هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخرها؛ وذلك لأن الأول حساً لا يمكن أن نجعله الآخر، فأول شيء أدركه هو هذه الركعة التي مع الإمام، وإن لم يتمكن من أن يقرأ فيها بعد الفاتحة فإنها سقطت القراءة بعد الفاتحة كما تسقط قراءة الفاتحة إذا أدركه راكعاً. وتوسط بعضهم وقال: نأمره إذا قام ليقضي أن يقرأ مع الفاتحة سورة حتى يدرك ما فاته حقاً؛ لأنه إذا فاته الركعتان اللتان فيهما قراءة الفاتحة وسورة، والركعتان اللتان أدركهما ليس فيهما إلا قراءة الفاتحة، فإذا قام ليقضي قلنا له من باب التدارك أن يقرأ في المقضيتين الفاتحة وسورة حتى يتدارك ما فاتك.

ما يتحمله الإمام عن المأمومين

ما يتحمله الإمام عن المأمومين ذكر المؤلف ما يتحمله الإمام عن المأمومين، ذكروا أنه يتحمل ثمانية أشياء، ونظمها بعضهم في أبيات مذكورة في حاشية الروض المربع للشيخ العنقري أولها قوله: ويحمل الإمام عن مأموم ثمانيه تعد في المنظوم وذكر هاهنا منها ستة، والشارح ذكرها كاملة، وهي: الأول: القراءة، قراءة الفاتحة وقراءة سورة، إذا كانت الصلاة جهرية فإن المأموم ينصت ويستحب أن يقرأ في السكتات كما سيأتي، وأما إذا كانت سرية فيتأكد عليه أن يقرأ، وبعض العلماء لم يسقطها عن المصلي لا في الجهرية ولا في السرية. الثاني: سجود التلاوة. الثالث: سجود السهو. إذا سجد الإمام للتلاوة أو السهو سجد المأموم، ويتأكد عليه أن يتابع إمامه، ولو سها المأموم ولم يسجد إمامه فلا يسجد المأموم. وإذا سها الإمام، والمأمومون ما سهوا، كأن ترك التسبيح في الركوع والسجود أو التحميد أو ما أشبه ذلك ثم سجد للسهو، فيلزمهم أن يتابعوا الإمام في هذا السجود، فإن لم يتابعوا الإمام فصلاتهم صحيحة، كذلك لو قرأ الإمام آية فيها سجدة وسجد ولم يكبر فقد يشوش على المأمومين، فإذا سجد ولم يتابعوه فإنه يتحملها الإمام. الرابع: السترة، وهي التي تكون أمامه، يقولون: سترة المأمومين إمامهم، وسترة الإمام سترة لمن خلفه، والصفوف بعضهم سترة لبعض، فالصف الأول سترة للثاني، والصف الثاني سترة للثالث، وهكذا ولا يجوز المرور بين الصفوف كما يفعله بعض المتساهلين، ويقولون: سترة الإمام سترة لكم، فإن هذا مرور بين يدي المصلي، وصاحبه متعرض للوعيد. الخامس: دعاء القنوت، فالمأمومون يؤمنون إذا دعا الإمام للقنوت، فلا يقنتون بأنفسهم، ولا يدعون بمثل دعائه، بل يكفيهم التأمين. السادس: التشهد الأول إذا سبق المأموم بركعة، إذا أتيت والإمام قد صلى ركعة، وأدركت معه الركعة الثانية، فإنك تتشهد بعدها، وإذا تشهدت بعدها فإنك تكون قد تشهدت وأنت ما صليت إلا ركعة، قمت بعدها لتصلي الثلاث، كأنهم يقولون: يجوز أن تأتي بها كصلاة المغرب، ركعتين فتشهد ثم ركعة، ولكن الصحيح أنك تأتي مع الركعة التي أدركت وتشهدت معهم بركعة أخرى، ثم تتشهد، ويكون تشهدك هذا هو التشهد الأول. السابع: التسميع، وهو قول: (سمع الله لمن حمده) ، لا يقوله إلا الإمام. الثامن: قول: (ملء السموات وملء الأرض) ، فالمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، وقول: (ملء السموات) يحملها الإمام عنهم.

قراءة المأموم في سكتات الإمام وفي السرية

قراءة المأموم في سكتات الإمام وفي السرية لما ذكر المؤلف القراءة قال: (يسن أن يقرأ في سكتات الإمام وفي السرية) يعني: إذا كانت الصلاة سرية يتأكد أن يقرأ المأموم فيها كالظهر والعصر والأخيرة من المغرب والأخيرتين من العشاء، فهذه كلها سرية، ويتأكد أن يقرأ المأموم فيها؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت، فإذا كنت لست منصتاً لقراءة الإمام فكيف تسكت ولا تقرأ؟! وقد ذكرنا أن البخاري وغيره يلزمون أن يقرأ المأموم الفاتحة في الجهرية. هل للإمام سكتات في الجهرية؟ قد ورد في حديث سمرة قال: (حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا استفتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من القراءة كلها) ، وفي رواية: (وإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] ) هكذا في سنن الترمذي. وعلى هذا يكون عدها ثلاث سكتات: سكتة قبل الفاتحة، وسكتة بعد {وَلا الضَّالِّينَ} ، وسكتة بعد القراءة كلها وقبل الركوع، لكنه قال: (حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم سكتتين) ، وسئل عن ذلك عمران بن حصين فأقره، وشهد أنه صادق في هذه السكتتين. والسكتة التي بعد الفاتحة قد استحبها بعضهم وقالوا: يتأكد على الإمام أن يسكت سكتة بعدها يمكن المأمومين من قراءة الفاتحة؛ وذلك لأن هناك من يوجب قراءتها، وقد يستدلون على ذلك بقول أبي هريرة: (اقرأ بها في نفسك يا فارسي) ، فيدل على أنه يقرأ في نفسه ولو جهر الإمام، ولكن قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) وفسر الإمام أحمد قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:204] قال: أجمعوا على أنها في الصلاة، يعني: أن الوجوب إنما يكون في الصلاة، أي: فإذا قرئ القرآن في الصلاة فأنصتوا، ولا يجتمع قراءة مع إنصات، وقد يقال: يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة، فيقرأها بسرعة خروجاً من خلاف وجوبها، وقد يقال أيضاً: إذا قرأ نصفها في سكتة الإمام، ثم ابتدأ الإمام السورة كمّلها بسرعة، وهذا هو الأقرب. من لم يسمع الإمام إما أن يكون بعيداً، وإما أن يكون أطرش وهو الأصم، فإذا كان لا يسمع الإمام لبعد جاز له أن يقرأ، وإذا كان لا يسمعه لطرش فلا يقرأ؛ وذلك لأنه يشوش على من حوله إذا قرأ، فيسمعه من بجنبه من هنا ومن هنا فيشوش عليهم.

حقيقة التخفيف المأمور به في الصلاة

حقيقة التخفيف المأمور به في الصلاة يقول: (ويسن له التخفيف مع الإتمام) . الضمير يعود على إمام الصلاة، فيسن له أن يخفف مع الإتمام، وقد انقسم الناس في الصلاة إلى ثلاثة أقسام: قسم يطيلون كثيراً، وقسم يخففون كثيراً، وقسم يتوسطون. الذين يطيلون قد يكون فعلهم منفراً عن هذه العبادة، كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ معاذ: (أتريد أن تكون فتاناً؟!) ، وقال: (أيها الناس! إن منكم منفرين، أيكم أمّ الناس فليخفف) ، وذكر العلة: (أن فيهم الصغير والكبير وذا الحاجة) . ولكن يقول ابن القيم رحمه الله: إن حديث معاذ هذا كثيراً ما يستدل به النقارون: (أيكم أمّ الناس فليخفف) ، ثم ينقرون الصلاة نقر الغراب ويقولون: هذا هو التخفيف الذي أمرنا به، فنقول: هذه ليست صلاة، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم: (نهى عن نقر كنقر الغراب) وهو التخفيف المخل. والتخفيف المشروع هو اتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى النسائي بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات) أي: أنه فسر قوله بفعله، فمن قرأ بالصافات في صلاة الصبح فإنه يعتبر مخففاً، الصافات ست أو سبع صفحات، ومع ذلك فإنه إذا رأى من الناس نفرة أو إطالة فإنه يقرأ من طوال المفصل كما تقدم.

استحباب إطالة الركعة الأولى على الثانية

استحباب إطالة الركعة الأولى على الثانية قوله: (وتطويل الركعة الأولى على الثانية) : يسن أن تكون الركعة الأولى أطول من الثانية؛ ولعل السبب في ذلك أن يدرك المأمومون هذه الركعة، فقد يكونون متأخرين يسمعون الإقامة فيأتون من أماكن بعيدة فيطيل الأولى حتى يدركوها، فقد روى مسلم عن جابر قال: (كانت تقام صلاة الظهر فيذهب أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يرجع إلى بيته فيتوضأ ثم يأتي إليهم فيدركهم في الركعة الأولى؛ لما يطيل بهم) فذهابه إلى البقيع يقضي حاجته كم يستغرق من الدقائق؟! كذلك رجوعه إلى بيته، كذلك اشتغاله بالوضوء، كذلك ذهابه إلى المسجد، ومع ذلك يدركهم وهم في الركعة الأولى، وهذا دليل على أنه قد يبقى في الركعة الأولى مثلاً خمس دقائق أو ست دقائق على الأقل، ومما يدل أيضاً على أنه كان يطيل بهم. ولذلك يستحب أن يطيل الركعة الأولى على الثانية.

استحباب انتظار الداخل وخاصة في الركوع

استحباب انتظار الداخل وخاصة في الركوع قوله: (وانتظار داخل ما لم يشق) : ذكروا أنه يسن للإمام انتظار داخل ما لم يشق، ويروي فيه أحاديث وآثار، ومنها: (أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع من الركوع حتى لا يسمع وقع قدم) ، وفي رواية: (حتى لا يسمع وقع نعل) يعني: إذا ركع الإمام، ودخل أحد من الباب من هنا أو من هنا والإمام راكع انتظره حتى يتصل بالصف ما دام يسمع وقع قدمه، لأجل إدراك الركعة، فإن شق على المأمومين فحق المأمومين أولى من هذا الداخل. ثم على الداخل أن لا يسرع بل يمشي الهوينا لما تقدم: (إذا سمعتم الإقامة فأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار، ولا تأتوها وأنتم تسعون) .

الأولى بالإمامة في الصلاة

الأولى بالإمامة في الصلاة قال المصنف: (فصل: الأقرأ العالم فقه صلاته أولى من الأفقه) . الأولى بالإمامة الأقرأ العالم فقه صلاته، فهو أولى من الأقرأ وأولى من الأفقه الذي ليس بأقرأ، فإن قلت: أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله) ولم يذكر الفقه؟ A أنهم كانوا إذا قرءوا شيئاً تفقهوا فيه، فلا يقرءون إلا بعد ما يتفقهون، فالأقرأ في ذلك الوقت جامع بين القراءة وبين الفقه والفهم سيما للصلاة، فإذا قدم إنسان قارئ حافظ للقرآن ولكنه لا يفقه أحكام الصلاة، فإنه إذا عرض له شيء في الصلاة لم يدر ما يفعل، ولا يقدر أن يميز أركانها من واجباتها من سننها، ولا يدري ما سجود السهو، ولا يدري ما يسجد له، ولا يفرق بين تسبيح الركوع والسجود، وبين التكبير والتسميع فهذا لا يتقدم؛ لأنه قد يصلي صلاة غير مجزئة. أما إذا جمع بين القراءة والفقه ومعرفة أحكام الصلاة؛ فإنه أولى من الأفقه الذي ليس بأقرأ، وأولى من الأقرأ غير الفقيه.

حكم إمامة الفاسق في الصلوات والجمع والأعياد

حكم إمامة الفاسق في الصلوات والجمع والأعياد قال: (ولا تصح خلف فاسق إلا في جمعة وعيد تعذرا خلف غيره) : الفاسق الذي عرف بالفسق، كأن عرف بشرب الخمر، أو بالزنا، أو بأكل الربا، أو بشهادة الزور، أو بالسرقة، أو بالظلم والعدوان، أو بتتبع العورات، أو غير ذلك من موجبات الفسق، لا تصح إمامته سواء كان فسقه بالأفعال كالزاني والسارق، أو بالعقائد كالرافضي والخارجي، فهؤلاء لا تصح الصلاة خلفهم، ولو كان مستوراً فلا بد أن نبحث عنه. وهل تصح صلاته بمثله؟ في ذلك خلاف، ومعلوم أنهم إذا كانوا كلهم سواء فلا بد أن يتقدمهم أحدهم، فإذا كنت تعلم فسقه فلا تصل خلفه، إذا كان فسقه شيئاً ظاهراً كحليق مثلاً، أو تعلم أنه يشرب الدخان، أو أنه مسبل ثوبه وأنت تراه فلا تصل خلفه، أما إذا كان مستوراً فإنك لا تبحث عنه. يستثنى من ذلك: صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرا خلف غيره؛ وذلك لأنه غالباً ما يتولاها الأمراء، وقد يكون الأمير مشهوراً بشيء من البطش ومن الظلم ومن الاعتداء، والتسرع في الحكم على المتهمين بظلم أو نحو ذلك، فمثل هذا قد يرخص في صلاة الجمعة والعيد خلفه، وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف بعض الأمراء في عهد بني أمية، وأولئك الأمراء قد اشتهروا بشيء من الفسق والمعاصي، مثل: تأخير الصلاة عن وقتها كصلاة العصر، ومثل: التسرع في قتل الأبرياء، وكثرة السجون ونحو ذلك، فيصلون خلفهم لتعذر الصلاة خلف من هم عدول.

حكم إمامة من حدثه دائم وأمي ومريض

حكم إمامة من حدثه دائم وأمي ومريض لا تصح إمامة من حدثه دائم كصاحب السلس والقروح السيالة، واختلف هل يصلي بمثله أم لا؟ والأرجح أنه يصلي بمثله؛ وذلك لأن حدثه دائم؛ ولأن طهارته ناقصة. قال: (ولا تصح الصلاة خلف الأميّ وهو الذي لا يحسن الفاتحة أو يدغم فيها حرفاً لا يدغم، أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى) . الأمي في الأصل الذي لا يقرأ ولا يكتب، لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا} [الجمعة:2] يعني: أن العرب كانوا أميين غالباً، ثم اصطلح الفقهاء على أن الأمي هو الذي لا يحسن الفاتحة، أو يقرؤها ولكن يغلط فيها، فيدغم فيها حرفاً لا يدغم في أي قراءة من القراءات، هناك قراءة لبعض القراء وهو أبو عمرو يدغم الميم في قوله: (الرحيم ملك) يجعلها ميماً مشدداً، فمثل هذا قراءة سبعية وإن كانت مكروهة. فأما إذا أدغم حرفاً لا يدغم مثله، فإن ذلك يخل بقراءته، يسأل بعض الإخوان عن بعض الهنود الذي يقلبون الحرف، حرف الحاء هاء، يقول: الهمد لله، نقول: مثل هذا لا تصح إمامته إلا بمثله، لأن هذا قد يكون عاجزاً عن النطق بحرف الحاء، فتصح صلاته بمثله، وإلا فالأصل أنه لا يتقدم الذين لا يحسنون الفاتحة. وذكر صاحب سلس البول، وقد تقدم أنه داخل في الحدث الدائم. كذلك العاجز عن الركوع أو السجود أو القعود ونحوها، هذا أيضاً لا تصح إمامته؛ لأنه إذا كان لا يستطيع الركوع ما تمت صلاته، فيصلي جالساً لنفسه مأموماً فلا يصلي إماماً، وكذلك بقية الأركان. وحد العاجز هو الذي لا يأتي بالركن كاملاً، فإذا كان عاجزاً عن الانحناء بحيث لا يقدر أن تصل يداه إلى ركبتيه صدق عليه أنه عاجز عن الركوع. كذلك مثلاً: إذا كان عاجزاً عن القعود بحيث إنه لا يستطيع أن يجلس مفترشاً بين السجدتين أو التشهد؛ لعيبٍ مثلاً في ركبته أو في قدمه، فيصدق عليه أنه عاجز عن القعود، وكذلك إذا كان لا يستطيع السجود لمرض مثلاً في رأسه أو في عينه يمنع من السجود، فيصدق عليه أنه عاجز، وكذا عاجز عن اجتناب نجاسة، فإذا كان مثلاً لا يستطيع أن يزيل النجاسة التي على ثوبه أو على بدنه فهو معذور والحال هذه، وكذلك لو كان عاجزاً عن استقبال القبلة فإنه تصح صلاته وحده ولا يصح أن يكون إماماً. أما العاجز عن القيام ففيه خلاف قد أشير إليه فيما تقدم، وذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين) فرخصوا في إمام الحي الراتب إذا رجي زوال مرضه، وابتدأ الصلاة بهم جالساً فإنهم يصلون خلفه جلوساً. أما إذا كان لا يرجى زوال مرضه، فالأصل أنهم يستبدلون به غيره؛ لأنه والحال هذه يستمرون في صلاتهم وهم جلوس، وكذلك إذا ابتدأ بهم الصلاة وهو قائم ثم اعتلّ لزمهم أن يتموا وهم قيام.

حكم إمامة المميز دون البلوغ والمرأة والمحدث واللحان

حكم إمامة المميز دون البلوغ والمرأة والمحدث واللحان صلاة المميز للبالغ في فرض لا تجوز، والمميز هو الذي دون العشر، فلا يصح أن يؤم البالغين في الفريضة، ولو كان أقرأ من غيره. ولا تصح إمامة المرأة للرجال والخناثى ونحوها؛ وذلك لأن المرأة مأمورة بأن تكون خلف الرجال فلا تتقدمهم، وكذا لو صلت في وسطهم ولو كانوا محارم لها. ولا تصح خلف محدث يعلم حدثه، فإذا صلى وهو محدث بطلت صلاته وصلاة المأمومين، وكذا إذا كان عليه نجاسة يعلمها بطلت صلاته وصلاة المأمومين، فإذا جهل حتى انقضت صحت صلاة المأموم، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه صلى مرة الفجر، فلما خرج إلى بستان له وجد على فخذه آثار احتلام، فعلم أنه صلى بهم وهو محتلم، فاغتسل وأعاد ولم يأمرهم بالإعادة، فإذا صلى الإمام وهو ناسٍ الحدث ولم يتذكر إلا بعدما انتهت الصلاة أعاد وحده، فإن تذكر وهو في الصلاة لزمهم الإعادة كلهم. وتكره إمامة اللحان والفأفاء ونحوهم، اللحان قيل: إنه الذي يلحن في قراءته، وقيل: إنه الذي فيه لحن، والكل منهي عنه، سواء كان الذي يلحن في قراءته حتى تكون كأنها غناء، أو الذي يلحن في قراءته ويغلط فيها غلطاً يحيل المعنى. والفأفاء: هو الذي يكرر الفاء، وكذا التمتام: الذي يكرر التاء عند النطق، إذا أراد أن ينطق مثلاً بكلمة أولها تاء كرر التاء (ت ت ت) وكذلك يكرر الفاء (ف ف ف فأقول) ، هؤلاء في إمامتهم نظر بسبب هذا التكرار.

مكان وقوف المأمومين في الصلاة رجالا ونساء أفرادا وجماعات

مكان وقوف المأمومين في الصلاة رجالاً ونساءً أفراداً وجماعات موقف المأمومين: يقف المأمومون خلف الإمام -هذا هو المعتاد- إذا كانوا اثنين فأكثر، والواحد يقف عن يمينه وجوباً، ولا يجوز أن يقف عن يساره إذا كان المأموم وحده، المرأة الواحدة تقف خلف الإمام أو خلف الصف؛ وذلك لحديث أنس: (أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام فلما أكل قال: قوموا فلأصلي لكم، يقول أنس: فقمت أنا واليتيم وراءه والعجوز خلفنا) العجوز جدتهما ومع ذلك ما صفت معهما، بل صفت خلفهما، فدل على أن المرأة تقف وحدها ولو كانت فرداً، وأما الرجل فلا يقف وحده خلف الصف، ولا خلف الإمام. من صلى عن يسار إمام وليس خلف الإمام ولا عن يمينه أحد بطلت صلاته، أما إذا كان عن يمينه وعن يساره فإنها تصح؛ وذلك لما روي أن ابن مسعود رضي الله عنه صلى بين علقمة والأسود يعني: جعل أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ونقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إما قولاً وإما فعلاً، لكن بعضهم حمل ذلك على رؤية المكان وجعله عذراً، فالأصل أن الواحد يقف عن يمين الإمام، والاثنين يقفان خلفه، لكن إذا وقف أحدهم عن يمينه والآخر عن شماله صحت صلاتهم، لحديث جابر يقول: (إنه وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأداره عن يمينه فجاء جبار بن صخر فوقف عن يساره فدفعهما خلفه) فصار هذا هو السنة أن الاثنين يقفان خلف الإمام، إلا إذا كانوا دون البلوغ فإنهم كلهم يقفون عن يمين الإمام.

حكم من صلى خلف الصف منفردا

حكم من صلى خلف الصف منفرداً من صلى خلف الصف وحده ورد فيه حديث: (لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف) وورد أنه صلى الله عليه وسلم: (رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره بأن يعيد) ؛ وذلك لكونه منفرداً. يكثر السؤال عما إذا جاء والصف مكتملاً فماذا يفعل؟ الجمهور على أنه يصلي منفرداً أو ينتظر حتى يأتي أحد ويصلي معه، وأجاز شيخ الإسلام ابن تيمية بأن يصلي وحده فرداً مع الإمام؛ حتى لا تفوته صلاة الجماعة وهو ينظر إليهم، فقد يأتي وهم في الركعة الأولى وينتظر ولا يأتيه أحد فهل نقول له: اترك صلاة الجماعة وصل وحدك وهو ينظر للجماعة وقد جاء من مكان بعيد؟ في هذا شيء من الخطأ أو شيء من التفويت، لذلك كثر البحث في هذه المسألة وكثر الكلام حولها. أولاً: نقول له: التمس فرجة، بأن يقرب بعضهم إلى بعض حتى تكون بينهم فرجة تتسع له. ثانيا: إذا وجدهم متراصين تراصاً شديداً جاز له أن ينبه أحدهم ليتأخر معه، ورد في ذلك حديث أنه قال: (هلا التمست فرجة أو اجتررت رجلاً) ولو كان الحديث ضعيفاً لكن عمل به كثير من الفقهاء وكرهوا أن يجتذبه بقوة؛ لأن هذا تصرف مؤذ، ولكن ينبهه بكلمة خفيفة أو يسحبه سحباً خفيفاً أو نحو ذلك، وحملوا عليه الحديث الذي فيه: (لينوا في أيدي إخوانكم) أن المراد: إذا طلبك أن تتأخر معه حتى تصح صلاته، فتأخر. ورد أيضاً: (أنه إذا اجتذبه فإن لهذا المجتذب أجر) ؛ لأنه وصل صفاً ومن وصل صفاً وصله الله، فإذا لم يستطع أن يجتذب أحداً لكونهم امتنعوا، فله أن يخرق الصف ويقوم عن يمين الإمام إذا كان هناك متسع عن يمينه، فإذا لم يستطع وكثرت الصفوف ولا يستطيع أن يخرقها وصلى وحده، عملاً بما اختاره شيخ الإسلام فلعل ذلك يجزئه وهو أولى من تفويت الصلاة وهو ينظر.

ضابط صحة اقتداء المأموم بالإمام

ضابط صحة اقتداء المأموم بالإمام متى يقتدي المأموم بالإمام؟ إذا جمعهما مسجد صحت الإمامة، ولو كان بينهما جدار، وإذا كان السور واحد وامتلأ المسجد وصفوا في الرحبة صحت صلاتهم؛ لأن المسجد واحد، وكذلك إذا امتلأت الرحبة وصفوا في الطريق والصفوف متراصة صحت الصلاة، وصح أن يقتدي بهم بشرط أن يعلم بانتقالات الإمام، أي: يعلم برفعه وخفضه وركوعه وسجوده. أما إذا لم يجمعهما مسجد وصلى خارج المسجد فاشترطوا رؤية الإمام أو رؤية من وراءه ولو بعضهم، فإذا كان يصلي مثلاً في الطريق أو في الشوارع فاشترطوا أن يرى الإمام ولم يكتفوا بسماعه، ولعل الأولى في هذه الأزمنة إذا اتصلت الصفوف الاكتفاء؛ وذلك لوجود المكبر؛ لأن المساجد تمتلئ فهم يصلون في الأرصفة والطرق؛ حيث لا يجدون مكاناً، إلا أنه لا يجوز أن يكونوا أمام الإمام بل عن جانبيه أو خلفه.

المكروهات التي ينبغي اجتنابها في صلاة الجماعة

المكروهات التي ينبغي اجتنابها في صلاة الجماعة يقول: (يكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين قدر ذراع فأكثر) روي أنه صلى الله عليه وسلم لما بني له المنبر ركع عليه وكان مرتفعاً نحو أقل من ذراع وهي الدرجة الأولى، ولما أراد أن يسجد نزل وسجد على الأرض. صلاته في المحراب إذا كان يمنع من مشاهدته ويستره عن المأمومين الذين يقتدون به مكروهة، فلا يصلي في المكان المرتفع إلا للضرورة إذا امتلأ المسجد ولم يجد مكاناً، وإلا فإنه يتأخر عن المحراب. صلاة الإمام في التطوع مكان المكتوبة منهي عنه؛ لما ورد في سنن أبي داوود: (أن المغيرة نهى أن يتطوع الإمام مكان المكتوبة) ولكن إذا أراد أن يتطوع فإنه ينتقل إلى مكان آخر. استقبال الإمام القبلة بعد السلام لا يجوز طويلاً، كان النبي صلى الله عليه وسلم ساعة ما يسلم يمكث قدر ما يقول: (أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام) إلى آخره ثم ينصرف، ولا يبقى مستقبلاً القبلة، كثير من الأئمة في خارج البلاد وربما في داخلها يبقى قدر دقيقة أو دقيقتين وهو مستقبل القبلة لا ينصرف، وهذا خطأ. وصلاة المأمومين بين السواري إذا قطعت الصفوف منهي عنها، وقد ورد في ذلك حديثان مذكوران في كتاب منتقى الأخبار، ذكر أنس: (أنهم كانوا ينهون عن الصلاة بين السواري إذا كانت تقطع الصفوف) لكن إذا اضطر إلى ذلك بأن امتلأ المسجد ولم يجدوا مكاناً إلا هذه الأماكن فلهم عذر. قوله: (وحضور المسجد والجماعة لمن رائحته كريهة) قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من أكل بصلاً أو ثوماً أو كرّاثاً فلا يقربنّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) مثل هذه إذا كان محتاجاً لها فإنه يميتها طبخاً.

المعذورون بترك الجمع والجماعات

المعذورون بترك الجمع والجماعات المريض معذور يصلي في بيته حال مرضه؛ لأن المريض يعذر بترك الجماعة والجمعة وتسقط عنه الجمعة والجماعة؛ لأجل المرض وكذلك مدافع أحد الأخبثين البول أو الغائط معذور أيضاً؛ وذلك لأنه متضرر فهو معذور بتركه الجماعة، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) لكن يراد بالطعام هنا الذي يحتاج إليه ويتضرر بفواته، كالصائم الذي اشتدت حاجته إلى الطعام، أما إذا كان لا يضره ويستطيع أن يصبر ويقدم الصلاة فهو الواجب. وإذا خاف ضياع أعماله فإنه يسقط عنه الجماعة ونحو ذلك، فإذا كان مثلاً عنده دواب ويخشى أنها تنفر وتشرد إذا ذهب، أو كان له قريب في الموت فله أن يحضر عنده ولو فاتته صلاة الجماعة، أو تضرر من سلطان وهو ممن يطلبه بظلم، أو كان هناك مطر يمنع من الوصول إلى الجمعة أو الجماعة، أو هناك غريم يطالبه بدين فلا يجد له وفاء، أو يخشى فوات رفقته إذا كان مسافراً فيبقى منقطعاً، كل هذه أعذار يعذر بها المسلم في ترك الجمعة والجماعة. والأصل أن الإنسان لا يتأخر إلا لعذر شديد فأما مجرد سبب خفيف فلا يكون عذراً، فليس مجرد خوف الغريم عذراً أن لا يخرج، إلا إذا كان لا يخرج من بيته دائماً فهو عذر، فأما إذا كان يخرج إلى الأسواق وإلى الدوائر ويترك الخروج إلى الصلاة فليس هذا عذراً.

صفة صلاة المريض

صفة صلاة المريض عندنا صلاة المريض، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فإذا استطاع أن يقوم وجب عليه قال تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] فإذا كان القيام يشق عليه فإنه يصلي وهو قاعد، فإذا كان قعوده أيضاً يشق عليه صلى على أحد جنبيه الأيمن أو الأيسر، والأيمن أفضل، فإذا لم يقدر فعلى الأيسر، فإذا لم يقدر على أحد جنبيه صلى مستلقياً على ظهره رجلاه إلى القبلة ويرفع رأسه حتى يواجه القبلة. تكره صلاة المريض مستلقياً مع القدرة على الصلاة وهو على جنب، وإذا صلى وهو على جنب فإنه يومئ بالركوع والسجود. وإذا صلى وهو جالس فإنه يجعل السجود أخفض من الركوع، إذا لم يستطع صلى على جنب ويحرك رأسه عند الركوع والسجود، فإذا لم يستطع تحريك رأسه فبعضهم يقول: يحرك طرفه يعني: عينيه مع تحريك يديه، ولو رءوس الأصابع، فتحريك الطرف أن يحرك عينيه وينوي بقلبه، وذلك مثل المأسور الموثق على خشبة أو نحوها لا يستطيع أن يتحرك ينوي بقلبه، ويحرك طرفه، فإذا عجز عن تحريك طرفه نوى بقلبه وصلى على حسب حاله ناوياً بقلبه فكلما انتقل إلى ركن نوى الانتقال، يستحضر القول والفعل، وإذا عجز عن الأقوال أتى بما يستطيع ولو بأدنى حركة، فيحرك شفتيه بالقراءة والذكر وما أشبه ذلك، وما دام عقله معه فلا تسقط الصلاة عنه، بل يصلي على حسب حاله ما دام عاقلاً. كثير من المرضى لشدة الألم ولشدة الوجع يترك الصلاة مع قدرته على الصلاة، ولو بتحريك رأسه، وهذا خطأ، أيضاً الذين حوله يقولون: إنه متألم ومشغول بالألم عن أن يصلي، فنحن نقول: يجب أن تذكره بالصلاة وأن وقتها قد دخل، فإذا ذكرته وأمرته واعتذر بأنه لا يطيق أو أنه منشغل بالآلام وبالوجع فقد برئت أنت. وإذا طرأ العجز في أثناء الصلاة انتقل إليه، فلو أن إنساناً كبر وهو قائم، ثم عجز انتقل إلى الجلوس، فإن كبر وهو جالس ثم تعب انتقل إلى الاضطجاع، وهكذا مثلاً: لو كبر وهو جالس ثم أحس بنشاط قام وانتقل إلى القيام، أو كبر وهو على جنبه ثم أحس بنشاط انتقل إلى الجلوس؛ وذلك لأنه قد أصبح قادراً ولو استفتح الصلاة وهو عاجز.

حكم صلاة المسافر وصفتها

حكم صلاة المسافر وصفتها عندنا صلاة السفر فيها كلام كثير سيما في هذه الأزمنة. هل القصر سنة أو رخصة؟ فإذا قيل: إنه رخصة، فإن الأفضل الإتمام، وإذا قيل: إنه سنة، فإن الأفضل القصر مع جواز الإتمام. الأكثرون على أنه عزيمة وأنه سنة؛ لأنه هو الذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وذهب كثير من العلماء إلى أنه رخصة كسائر الرخص، والرخصة إنما تفعل عند الحاجة، فإذا كان هناك حاجة فإن فعلها أفضل، وإذا لم يكن هناك مشقة ولا حاجة ولا ضرورة فإن تركها أفضل. فنقول: أولاً: السفر مظنة المشقة سيما في الأزمنة القديمة، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (السفر قطعة من العذاب؛ يمنع أحدكم نومه وراحته، فإذا قضى نهمته فليسرع الفيئة) ، كان المسافرون يبقون في السفر شهراً وأشهراً وسنين، وكانوا أيضاً يلاقون مشقة، حيث إنهم يمشون على أقدامهم عشر ساعات أو أكثر، وإذا ركبوا ركبوا على ظهر البعير والشمس تصهرهم من الأمام أو الخلف، والجلسة غير مريحة، يجلس أحدهم على ظهر القتب، أو على ظهر الرحل جلسة غير مطمئنة، يعني: قد يكون مشيه أسهل عليه من الركوب، يبقى على ذلك مثلاً مدة خمس ساعات وهو راكب أو أكثر أو أقل، فكان السفر مشقة.

رخص السفر

رخص السفر فجاءت الرخص فيه أربع: الرخصة الأولى: الفطر؛ لقوله تعالى: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] ثم ذكر العلة بقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] . الرخصة الثانية: قصر الرباعية، يعني: أن الصلاة على المقيمين أربع فتقصر للمسافر وتكون ركعتين تخفيفاً عليه. الرخصة الثالثة: الجمع أن يجمع بين الظهرين في وقت إحداهما وكذا بين العشاءين؛ لمشقة النزول. الرخصة الرابعة: الزيادة في مدة المسح على الخفين إذا كان يمسح على خفه. فهذه الرخص تختص بالسفر، إن قالوا: في سفر طويل، الطويل حددوه بيومين، ويمكن أن يقال: يوم وليلة، أكثرهم حدده بأنه مسيرة يومين، فإذا كان مثلاً أقل من يومين فليس بطويل، ولم يحددوه بالمساحة إلا لأجل أنها تستغرق يومين، فالمساحة التي هي ستة عشر فرسخاً، أربعة برد هي ثمانية وأربعون ميلاً، فهم نظروا فيها وإذا هي مسيرة أربعٍ وعشرين ساعة، كان المسافر يسير اثنتي عشرة ساعة ثم يريح نفسه بالليل اثنتي عشرة ساعة، مسيرة أربع وعشرين ساعة، فهذا هو السفر الذي تقصر فيه الصلاة مسيرة ستة عشر فرسخاً ولكنها لا تقطع إلا في اثنتي عشرة ساعة؛ لأن الفرسخ ثلاثة أميال، فتكون المساحة ثمانية وأربعين ميلاً، والميل مسيرة نصف ساعة.

شروط الترخص برخص السفر

شروط الترخص برخص السفر اشترطوا: أن يكون السفر مباحاً، فإذا سافر لقطع طريق فليس له أن يقصر فيه ولا أن يترخص برخص السفر، وذكرنا أنه إذا كان لعذر جاز ذلك. ثم في هذه الأزمنة يكثر التساهل في الرخص كالذين يسافرون ساعتين أو نصف يوم نرى أن هذا ليس بسفر، إذا كان مثلاً يذهب في أول النهار ثم يرجع في الليل فلا يسمى سفراً، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر: أن السفر يحدد بالزمان لا بالمساحة، فهو يقول: لو أن إنساناً قطع مسافة طويلة لا تقطع إلا في يومين ورجع في يومه فلا يقصر، ولا يترخص، ولو قطع مسافة قليلة في زمن طويل فإنه يترخص فجعل العلة هي طول الزمان، ولم يكن في زمانه أسرع من الخيل، فضرب بها مثلاً، فقال: لو ركب إنسان فرساً سباقاً وقطع مسافة لا تقطع إلا في يومين ثم رجع في يومه فلا يترخص؛ فهو جعل العبرة بالزمان لا بالمساحة، وتجدون كلامه في المجلد الرابع والعشرين في رسالة طويلة في أحكام السفر، وقد لخص كلامه أيضاً الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشيته على الروض المربع، فنقل اختياره أن السفر يقدر بالزمان. فعلى هذا لو أن إنساناً خرج من الرياض مسافة ثلاثين كيلو وطال مقامه وجلس هناك - مثلاً- يومين فله أن يترخص، ولو وصل - مثلاً- إلى القصيم مع طول المسافة ورجع في يومه فلا يترخص؛ نظراً إلى الزمان، وكذلك لو سافر في الطائرة إلى جدة ورجع في يومه فلا يترخص، فهذا هو الذي رجحه شيخ الإسلام؛ لأنه نظر إلى العلة وهي الزمان الذي يغيب فيه عن أهله، لأن الإنسان إذا غاب عن أهله نصف يوم فقط ولو وصل إلى أطراف المملكة، فإن لا يقصده الناس، ولا يأتون ليسلموا عليه، ولا ليهنئوه بسلامته من السفر، ولا يظنون أنه سافر، أما إذا غاب يومين أو ثلاثة أيام، ولو كانت مسافة عشرين أو ثلاثين كيلو فقط فإنهم يفتقدونه ويأتون إليه ليسلموا عليه ويهنئوه، فهذا هو العذر. وهذا هو الأقرب وهو أن السفر لا يقدر بالمساحة، بل يقدر بالزمان.

قضاء صلاة السفر في الحضر

قضاء صلاة السفر في الحضر يقول: (من قضى صلاة سفر في حضر فإنه يقضيها تامة) . مثلاً: إذا مرت عليه صلاة الظهر وهو في السفر، وجاء إلى بلده وقت العصر وأراد أن يصلي الظهر فإنه يصليها تامة؛ لأن السفر قد انقضى. يتساهل بعض الناس إذا سافروا إلى الرياض مثلاً ودخل عليهم وقت الظهر في الطريق وبينهم وبين البلد ساعة فيصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين، ثم يجيئون والعصر لم يدخل وقته فيقولون: قد صلينا، ويكتفون بتلك الصلاة، نقول: إنكم أصبحتم من أهل صلاة العصر وتلزمكم أربعاً، أصبحتم مطالبين بها فلا تسقط عنكم، وكذلك في العشاءين إذا أقبل بعضهم إلى الرياض وبينه وبينها مقدار ثلاثين كيلو أو نحوها وصلى المغرب والعشاء وقصر العشاء، ثم يجيء والناس لم يصلوا العشاء وقد أذن أولم يؤذن، نقول له: عليك صلاة العشاء أربعاً، هذا هو الراجح، ورخص هناك من رخص، لكن الإنسان يحتاط للصلاة. لو أن إنساناً دخل عليه وقت الظهر وهو في البلد ثم خرج قبل أن يصلي، فأراد أن يصليها بعدما يخرج من البلد، فإنه يصليها أربعاً؛ لأنها لزمته أربعاً، وكذلك لو أخرها وفوتها ثم صلاها في الطريق فإنه يصليها أربعاً.

حكم صلاة من نوى إقامة مطلقة أو أكثر من أربعة أيام

حكم صلاة من نوى إقامة مطلقة أو أكثر من أربعة أيام من نوى إقامة مطلقة لموضع أو نوى أكثر من أربعة أيام أو ائتم بمقيم لزمه الإتمام، هذا هو المشهور عند الفقهاء: أنه إذا نوى إقامة من غير تحديد فإنه يتم، وإذا نوى أربعة أيام فإنه يتم بعدها، وإذا ائتم وصلى خلف مقيم فإنه يتم؛ وذلك لأنه لا فرق بينه وبين المقيمين، فإذا سافر إلى بلد كالرياض أو مكة أو جدة أو الدمام أو بريدة ونحوها من هذه المدن، واستقر إما في فندق وإما في شقة مثلاً استأجرها أو نحو ذلك وتمتع بما يتمتع به المقيمون، يعني: عنده الكهرباء وعنده الفرش وعنده السرر وعنده الطعام، وعنده السيارات التي تنقله إلى حيث يريد، وليس بينه وبين المقيمين فرق، فكيف تسقط عنه صلاة الجماعة؟! وكيف يقصر؟! هل يقال: إن هذا على سفر؟ ليس على سفر، هو مقيم مع المقيمين، وعليه الإتمام، أما إذا لم ينو إقامة محددة ولم يستقر في البلد، فإن له القصر ولو طالت المدة؛ لأن الفقهاء يعتبرون إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح ستة عشر يوماً أنه لم يكن عازماً على الإقامة، بل كان متهيئاً للسفر في أي يوم، فكان ذلك سبباً في استمراره على القصر. وقيل: إن عذره كونه على أهبة السفر أو كونه كمسافر؛ لأنه ما استقر في البلد، ولا دخل البيوت، ولا استقر الصحابة أيضاً في المساكن ولا في بيوت المدر أو بيوت الطين، إنما منازلهم تحت ظل الشجر، أو تحت القباب الصغيرة أو الخيام أو البيت من الشعر يستظلون به، أو يستظلون في الكهوف، فهم في حكم المسافر بخلاف الذين يستقرون في داخل البلد، سواء استقر وسكن عند أخ له أو قريب له أو استأجر مكاناً في المدن المشهورة ونحوها، يمكن أن يقال: إن القرى ليس فيها فنادق وليس فيها شقق تؤجر، وأن الذي يأتي إليها لا يستقر فيها، إنما ينام في سيارته مثلاً، أو ينزل خارج البلد تحت شجرة أو عريش أو نحو ذلك، فيمكن أن هذا يقصر ولو طالت المدة. أما إذا عزم على الإقامة الطويلة فإنه يقصر حتى ولو كان يسكن في فنادق أو في خيام أو نحو ذلك، هناك مثلاً بعض الجنود الذين يستقرون في أطراف المملكة ولو كانوا مرابطين، ولكن يعلمون أنهم يبقون هناك أشهر وربما نصف السنة أو أكثر، فمثل هؤلاء لا يقصرون؛ لأنهم ليسوا على سفر، فيلزمهم أن يتموا الصلاة، ومثلهم أيضاً الطالب الذي يأتي ويقيم خمسة أيام، سواء كان سكنه في الجامعة أو في خارجها، نقول: إنك لست مسافراً، ويلزمك الإتمام. وكذلك الذي يملكون ما يسمى بالاستراحات أو بساتين تبعد عن الرياض مثلاً تسعين كيلو أو مائة كيلو، يذهبون إليها مثلاً يوم الخميس والجمعة، ولهم هناك بيوت، ولهم مساكن، فمثل هؤلاء لا يقال إنهم مسافرون، ولو غابوا عن البلد يوماً وليلة، أو يومين؛ لأنهم في ملكهم وفي بيوتهم وفي بلادهم، ولو كانوا لا يقيمون فيها إلا يومين، فليس لهم رخصة في أن يقصروا، يمكن أن يقال: لهم رخصة في القصر إذا جاءهم الوقت وهم في الطريق، فأما إذا وصلوا فإنهم مقيمون.

حكم صلاة المسافر خلف المقيم والعكس

حكم صلاة المسافر خلف المقيم والعكس سئل ابن عباس: (ما للمسافر إذا صلى وحده قصر، وإذا صلى مع المقيمين أتم؟ فقال: تلك السنة) ولأنه إذا صلى مع المقيمين فإنه يلزمه متابعة الإمام، فلا يخالف الإمام، وأما إذا صلى المسافر بالمقيمين فإن له القصر، كان صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة قصراً، فإذا صلى ركعتين وسلم أمر الذين يصلون معه من أهل مكة بالإتمام، وقال: (أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر)

حكم صلاة المسافر المحبوس ظلما

حكم صلاة المسافر المحبوس ظلماً أما إذا حبس ظلماً ولم ينو إقامة فإنه يقصر أبداً؛ فهو معذور، لأنه منع من السفر ولم يتمكن، فهو مغلوب وله أن يقصر، وكذلك الذي ما نوى إقامة إنما هو متردد ولكنه لم يستقر.

جمع الظهرين والعشاءين للمسافر والمريض

جمع الظهرين والعشاءين للمسافر والمريض أما الجمع بين الظهرين والعشاءين في وقت أحدهما للمسافر، فالصحيح أنه خاص بالسائر الذي على ظهر الطريق، فأما النازل فإنه ولو قصر لا يجمع، فمثلاً الحجاج في منى يقصرون ولا يجمعون؛ وذلك لأنهم لا مشقة عليهم في الصلاة في كل وقت، وهم يجمعون الظهرين في عرفة والعشاءين في مزدلفة؛ وذلك لأن جمعهم في عرفة لأجل أن يطول الموقف، وجمعهم في مزدلفة لأنهم متأخرون فلا يصلون إليها إلا بعد أن يدخل وقت العشاء. المسافر يفعل الأرفق به إذا جمع، فإذا توجه مثلاً من هنا إلى مكة أو إلى جيزان، ودخل عليه وقت الظهر وهو قد ركب سيارته وأحب أن يؤخره حتى ينزل وقت العصر فيصليهما جميعاً فهو جائز، أو دخل عليه وقت الظهر وهو نازل ويحب أن يواصل السير إلى المغرب قدم العصر وصلاها مع الظهر فهو جائز أيضاً، يعني: له أن يجمع في وقت إحداهما. كذلك المريض إذا كان يلحقه مشقة بالتوقيت فله أن يجمع في وقت إحداهما، ويفعل الأرفق به.

حكم الجمع للمطر والوحل والريح

حكم الجمع للمطر والوحل والريح أما الجمع للمطر فالصحيح أنه لا يجمع إلا العشاءين؛ لأنها تكون في ظلمة؛ ولأن الأسواق تمتلئ بالطين، والذين يأتون إلى المساجد يتخبطون في الطين، ويخوضونه مثلاً إلى نصف الساق فيشق عليهم، والطرق مظلمة والشوارع مليئة بالطين وبالزلق والمزلة فيجمعون بين العشاءين. أما في النهار فلا يجمع؛ وذلك لأنه لا مشقة، ولأنهم يبصرون الطريق وليس هناك مشقة برد ولا مشقة زلق أو مزلة، نعم له أن يتخلف إذا كان المطر غزيراً بحيث يبل الثياب وتوجد معه مشقة. وكذلك الوحل، وهو الطين المتجمع في الأسواق بحيث يخوضونه مثلاً إلى نصف الساق ولا يستطيعون أن يجدوا طريقاً غيره، وكذلك الريح الشديدة الباردة، ولا بد أن تكون شديدة باردة، فيجوز أن يجمع بها بين العشاءين، أما إذا كانت باردة فقط فلا يجمع إلا إذا كانت الليلة مظلمة حالكة الظلام، فجمع التقديم أو التأخير يفعل ما هو الأرفق، أما إذا كان يصلي في بيته فلا حاجة إلى الجمع إلا للضرورة كالمريض ونحوه. وعند الجمع لا بد أن يجمع بينهما بلا فاصل، فلو صلى بينهما سنة بطل الجمع، وإذا فرق بينهما بعمل كأن صلى الظهر ثم اشتغل ثم أراد أن يصلي العصر بطل الجمع، فلا بد أن يكون الجمع متوالياً، لكن لو انتقض وضوءه مثلاً وتوضأ وضوءاً خفيفاً فلا بأس، وكذلك لو فصل بينهما بإقامة. ذكر بعد ذلك صلاة الخوف، وأنها صحت من ستة أوجه، وكلها جائزة، وتسن عندما يخاف هجوم العدو على المسلمين، وفي هذه الأزمنة قد تكون متعذرة، وذكروا أنه يسن فيه حمل السلاح الخفيف لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] . ننتهي إلى هذا والله أعلم، وصلى الله على محمد.

شرح أخصر المختصرات [10]

شرح أخصر المختصرات [10] لقد فرض الله صلاة الجمعة على هذه الأمة واختارها وهداها إليها من بين سائر الأمم، وهذا فضل منه سبحانه وتعالى. والحكمة من مشروعيتها هو اجتماع أهل البلد، وتذكيرهم بما يجب عليهم وما نهوا عنه، وكذلك الاجتماع من أجل التعارف والتآلف والتعاون والتراحم، كما أنه تعالى شرع صلاة العيدين: عيد الفطر بعد الانتهاء من صيام رمضان، وعيد الأضحى بعد الانتهاء من مناسك الحج، وكذلك شرع لنا صلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء، فعلى المسلم أن يتعلم أحكام هذه الصلوات وصفاتها حتى يؤديها على الوجه الصحيح.

حكم الطمأنينة في الصلاة والوتر عند الحنفية

حكم الطمأنينة في الصلاة والوتر عند الحنفية لاحظ علينا بعض الإخوة أننا ذكرنا أن الحنفية لا يرون أن الطمأنينة ركن، ونقل من كلام الكاساني ومن كلام ابن عابدين وهما من علماء الحنفية ما يأتي: فصل في بيان الواجبات الأصلية في الصلاة، ثم يقول: ومنها الطمأنينة، والقرار في الركوع والسجود، يعني: أنها من الواجبات وليست من الفروض. الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب، وكذلك أيضاً غيرهم، كالحنابلة فإنهم يفرقون بين الركن والواجب، فالركن عندهم فرض ولا تتم الصلاة إلا به، والواجب يجبر بسجود السهو، فهذا الكاساني عدّ الطمأنينة والقرار في الركوع والسجود من الواجبات، ثم أجاب عن حديث المسيء صلاته لأنه وارد عليهم، يقول: أما حديث الأعرابي فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخاً للكتاب، ولكن يصلح مكملاً، فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب، يعني أن قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً) يحمل على الوجوب ويحمل نفيه الصلاة على نفي الكمال، أي في قوله: (فإنك لم تصل) ، يعني أن الصلاة مجزئة ولكن فيها نقص. وتمكن النقص الفاحش الذي يوجب عدمها من وجه، وأمره بالإعادة على الوجوب؛ جبراً للنقصان أو على الزجر عن المعاودة إلى مثله. بكل حال هذا دليل على أنهم ما عملوا بحديث المسيء صلاته وجعلوه من الآحاد، فلا يصلح ناسخاً للكتاب، وجعلوه مكملاً فيحمل الأمر بالاعتدال على الوجوب. نحن ما قلنا: إن الحنفية يكرهون الطمأنينة، ولا أنهم يحرمونها، ولكنهم لا يرونها ركناً، أما غيرهم فإنهم يقولون إنها ركن، وإن من صلى بلا طمأنينة فإنها لا تصح صلاته؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع فصل فإنك لم تصل) كلمة: (لم تصل) دليل على الإبطال، لا على نفي الكمال كما يقوله الكاساني. وبكل حال لعل هذا الحديث ما بلغ أبا حنيفة رحمه الله، وإلا فـ أبو حنيفة كان ممن يطمئن في صلاته ويخشع فيها، بل كان يقوم الليل أو أغلب الليل، وليس عليه نقصان ولا عليه طعن. فالحاصل أنه يقول: الطمأنينة في الركوع واجبة حتى لو تركها ساهياً يلزمه سجود السهو، الآخرون يقولون: إنها ركن والأركان لا تجبر بسجود السهو. وأما الوتر فيرون أنه واجب، والواجب عندهم أقل رتبة من الفرض، فالواجب ما ثبت بدليل ظني، والركن ما ثبت بدليل قطعي، وأدلتهم مذكورة في كتبهم ولكلٍ اجتهاده. ذكرنا وجوب صلاة الجماعة، أي: الاجتماع على الصلاة في المساجد على الرجال الأحرار القادرين، وعرفنا بأي شيء تدرك الجماعة، وبأي شيء تدرك الركعة؟ ومتى تجزئ الركعة تكبيرة واحدة، وما يتحمله الإمام عن المأموم وهي ثمانية أشياء، وحكم قراءة من خلف الإمام، وأنه يستحب أن يقرأ في سكتاته وفي السرية، وحكم التخفيف الذي استحبوه وأنه ليس هو النقر. وكذلك ذكرنا أنه يقدم في الإمامة الأقرأ الأفقه، وحكم الصلاة خلف الفاسق ومتى تصح، وإمامة الأمي أو من يلحن لحناً يحيل المعنى، أو صاحب السلس أو العاجز عن الركوع والسجود أو القعود، أو العاجز عن القيام، ومتى يصلي المأمومون خلف الإمام جلوساً، وحكم إمامة المميز، والمرأة، والمحدث النجس، واللحان، والفأفاء، وأين يقف المأمومون من الإمام، وحكم صلاة المنفرد خلف الصف رجلاً كان أو امرأة، ومن صلى عن يسار الإمام مع خلو يمينه، ومتى يصح اقتداء المأمومين بالإمام، والفرق بين ما إذا كانوا خارج المسجد أو داخل المسجد، ومتى يشترط رؤية الإمام أو سماع صوته، وكذلك انصراف الإمام بعد السلام مباشرة، والصف بين السواري، وحضور المسجد بشيء فيه رائحة كريهة، ومن يعذر بترك الجمعة والجماعة، وصلاة المريض كيف يصلي قائماً ثم قاعداً، ومتى يصلي مستلقياً، وكيف يومئ بالركوع والسجود، وذكر بعض المحققين أنه تسقط عنه الصلاة إذا وصل إلى حالة لا يستطيع فيها الحركة إلا بطرفه؛ وذلك لعجزه، والجمهور على أنها لا تسقط ما دام العقل معه. وكذلك قصر المسافر للرباعية وأن الصحيح أن السفر يقدر بالزمان لا بالمسافة، وتقدير الفقهاء بالزمان حيث قدروه بمسيرة يومين قاصدين، والذين قدروه بالمساحة؛ لأن تلك المساحة كانت لا تقطع إلا في يومين قاصدين، وحكم من نوى الإقامة إقامة مطلقة، أو عزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، أو ائتم بمقيم أن الجميع يتمون، وأما إذا حبس ظلماً ولم ينو إقامة فإنه يقصر، وحكم الجمع بين الظهرين والعشاءين، وكذلك جمع المسافر والمريض، وحكم الجمع في المطر، وكذلك للريح الشديدة في الليلة الباردة، وهل الأفضل أن يقدم أو يؤخر، وحكم الجمع في البيوت بلا ضرورة، ومتى يبطل الجمع بين الصلاتين بالفاصل بينهما.

صلاة الخوف

صلاة الخوف وصلاة الخوف صحت من ستة أوجه أو من سبعة، استوفى طرقها ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء:102] ، وكذلك غيره من الذين ألفوا في الأحاديث كـ البيهقي وغيره، والإمام أحمد يختار حديث صلاة ذات الرقاع، وهو أنه صفهم عليه الصلاة والسلام، فطائفة صفت خلفه وطائفة تجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما ًوأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة، ثم ثبت جالساً فأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم، وقال: إنها أقرب لموافقة الآية الكريمة، ولكن الكل جائز إذا كان هناك مناسبة.

مشروعية صلاة الجمعة وأحكامها وشروطها وأركانها

مشروعية صلاة الجمعة وأحكامها وشروطها وأركانها قال رحمه الله تعالى: [فصل: تلزم الجمعة كل مسلم مكلف ذكر حر مستوطن ببناء، ومن صلى الظهر ممن عليه الجمعة قبل الإمام لم تصح، وإلا صحت، والأفضل بعده، وحرم سفر من تلزمه بعد الزوال، وكره قبله ما لم يأت بها في طريقه أو يخف فوت رفقة، وشرط لصحتها الوقت، وهو أول وقت العيد إلى آخر وقت الظهر، فإن خرج قبل التحريمة صلوا ظهراً وإلا جمعة. وحضور أربعين بالإمام من أهل وجوبها، فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا جمعة إن أمكن وإلا ظهراً، فمن أدرك مع الإمام ركعة أتمها جمعة، وتقديم خطبتين من شرطهما: الوقت، وحمد الله، والصلاة على رسوله عليه السلام، وقراءة آية، وحضور العدد المعتبر، ورفع الصوت بقدر إسماعه، والنية، والوصية بتقوى الله، ولا يتعين لفظها، وأن تكونا ممن يصح أن يؤم فيها لا ممن يتولى الصلاة، وتسن الخطبة على منبر أو موضع عال، وسلام خطيب إذا خرج وإذا أقبل عليهم، وجلوسه إلى فراغ الأذان وبينهما قليلاً، والخطبة قائماً معتمداً على سيف أو عصا، قاصداً تلقاءه، وتقصيرهما والثانية أكثر، والدعاء للمسلمين، وأبيح لمعين كالسلطان. وهي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الفاتحة الجمعة والثانية المنافقين، وحرم إقامتها وعيد في أكثر من موضع ببلد إلا لحاجة، وأقل السنة بعدها ركعتان وأكثرها ست، وسن قبلها أربع غير راتبة، وقراءة الكهف في يومها وليلتها، وكثرة دعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وغسل وتنظف وتطيب، ولبس بياض، وتبكير إليها ماشياً، ودنو من الإمام، وكره لغيره تخطي الرقاب إلا لفرجة لا يصل إليها إلا به، وإيثار بمكان أفضل لا قبول، وحرم أن يقيم غير صبي من مكانه فيجلس فيه، والكلام حال الخطبة على غير خطيب، ومن كلمه لحاجة، ومن دخل والإمام يخطب صلى التحية فقط خفيفة. فصل: وصلاة العيدين فرض كفاية، ووقتها كصلاة الضحى وآخره الزوال، فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده صلوا من الغد قضاء، وشرط لوجوبها شروط جمعة، ولصحتها استيطان وعدد جمعة، لكن يسن لمن فاتته أو بعضها أن يقضيها وعلى صفتها أفضل، وتسن في صحراء، وتأخير صلاة فطر، وأكل قبلها، وتقديم أضحى وترك أكل قبلها لمضحٍ، ويصليها ركعتين قبل الخطبة يكبر في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستاً، وفي الثانية قبل القراءة خمساً، رافعاً يديه مع كل تكبيرة، ويقول بين كل تكبيرتين: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً، أو غيره، ثم يقرأ بعد الفاتحة بالأولى سبح، والثانية الغاشية، ثم يخطب كخطبتي الجمعة، لكن يستفتح في الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع، ويبين لهم في الفطر ما يخرجون، وفي الأضحى ما يضحون. وسن التكبير المطلق ليلتي العيدين، والفطر آكد، ومن أول ذي الحجة إلى فراغ الخطبة، والمقيد عقب كل فريضة في جماعة من فجر عرفة لمحل، ولمحرم من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق. فصل: وتسن صلاة كسوف ركعتين، كل ركعة بقيامين وركوعين، وتطويل سورة وتسبيح، وكون أول كل أطول، واستسقاء إذا أجدبت الأرض وقحط المطر، وصفتها وأحكامها كعيد، وهي والتي قبلها جماعة أفضل، وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم، وترك التشاحن، والصيام، والصدقة، ويعدهم يوماً يخرجون فيه، ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً متنظفاً لا مطيباً، ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ومميزو الصبيان، فيصلي ثم يخطب واحدة، يفتتحها بالتكبير كخطبة عيد، ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، ويرفع يديه وظهورهما نحو السماء، فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه: (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً) إلى آخره. وإن كثر المطر حتى خيف سُنَّ قول: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة:286] الآية) ] . في هذا حكم صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء، أما الجمعة فمعروف أنها كل أسبوع، أي: في اليوم السابع من الأسبوع وهو يوم الجمعة، وأما العيد فإنه في كل سنة، عيد الفطر مرة في السنة، وعيد الأضحى مرة في السنة.

الحكمة من مشروعية صلاة الجمعة

الحكمة من مشروعية صلاة الجمعة الحكمة في شرعية صلاة الجمعة جمع أهل البلد كل أسبوع وتذكيرهم وتأليفهم، ومعلوم أن مساجد الجماعة يجتمع فيها أهل كل حي، فأهل هذا الحي يجتمعون مثلاً في هذا المسجد، وأهل الحي الثاني يجتمعون في مسجدهم كل يوم خمس مرات، فإذا جاء يوم الجمعة اجتمع أهل البلد في مسجد واحد، يحصل تقابلهم، وتعارفهم، وتآلفهم فيما بينهم، وتباحثهم في الأمور ذات الأهمية، فلأجل ذلك لا يجوز تكرار الجمعة في البلد إلا لحاجة، ولا تقام في البلد إلا في مسجد واحد. في العهد النبوي ما كان هناك إلا مسجد واحد هو المسجد النبوي، يأتي إليه أهل قباء وأهل العوالي وأهل الأماكن التي هي بعيدة عن المدينة، يأتون كلهم ويصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن بعضهم يأتي من الصباح، ويرجع إلى أهله فلا يصل إليهم إلا مساءً؛ ذلك لأن القصد جمع أهل البلد في مسجد واحد، ولذلك روي عن ابن عباس أو غيره من الصحابة قالوا: (الجمعة على من آواه المبيت إلى أهله) ، ومعناه: أن الجمعة واجبة على الإنسان الذي إذا صلى الجمعة ثم رجع إلى أهله أدركهم قبل الليل، ولو سار ثلاث أو أربع ساعات، وهذا دليل على أنهم كانوا يسيرون قبل الصلاة نحو ثلاث ساعات أو أربع متوجهين إلى المسجد، وبعد الصلاة يتوجهون إلى أهليهم فيسيرون نحو ثلاث أو أربع ساعات؛ وذلك لأنه ليس هناك إلا مسجد واحد. ثم ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما اجتمع عيد وجمعة في يوم رخص لمن صلى العيد أن لا يرجعوا إلى صلاة الجمعة؛ وذلك للمشقة عليهم؛ لأنهم أتوا إلى صلاة العيد مبكرين، يمكن أنهم ساروا من آخر الليل، فقطعوا مسيرة ساعتين أو نحوها حتى وصلوا إلى مصلى العيد، ثم لابد أنهم يرجعوا إلى أهليهم بعد صلاة العيد، فيسيرون أيضاً مسيرة ساعتين حتى يصلوا إلى أهليهم، فلو كلفوا أن يأتوا إلى صلاة الجمعة لأتوا أيضاً مسيرة ساعتين قبل الزوال، ثم يرجعون بعد صلاة الجمعة أيضاً مسيرة ساعتين، فيتكلفون ثمان ساعات مشياً، ولا شك أن في ذلك مشقة، فأسقطت عنهم صلاة الجمعة إذا أدركوا صلاة العيد، حيث إنهم قد حصلوا على خير، فيصلون في أماكنهم ظهراً، والقريبون يصلون جمعة، ولذلك قال في الحديث: (وإنا لمجمعون) فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بمن كان قريباً، فأما البعيدون فأسقطها عنهم لأجل المشقة، فهذا هو السبب. إذا اجتمع عيد وجمعة سقطت الجمعة عمن بينه وبين المسجد مسيرة ساعتين، فأما من كان دون ذلك فلا تسقط على الصحيح. يتساهل كثير من الناس فيصلون ظهراً ويتركون صلاة الجمعة يوم العيد، وربما يصلون في بيوتهم، وليس بينهم وبين المسجد إلا عشر دقائق أو ربع ساعة على السيارات التي يسرها الله وسخرها، فنقول: إن هذا تفريط وإهمال، ما شرعت الجمعة إلا لمصلحة، شرعت لأجل الاجتماع، ولأجل التذاكر، ولأجل التعارف والتباحث في الأمور المهمة، وشرعت لأجل الفوائد التي يستمعونها من الخطباء، ولأنهم قد يكونون جهلة بالقراءة وجهلة بالأحكام، فيتعلمون القراءة ويتعلمون الأحكام التي يلقيها الخطباء عليهم فيرجعون بفائدة.

من تجب عليهم صلاة الجمعة

من تجب عليهم صلاة الجمعة وتجب صلاة الجمعة على كل مسلم، فلا تجب على الكافر كما لا تجب عليه الصلوات الخمس حتى يسلم. وتجب على مكلف، فلا تجب على الصغير الذي دون سن التكليف، ولا تجب على فاقد العقل كما لا تجب عليه الصلاة أصلاً. وتجب على ذكر، فلا تجب على النساء، وإن حضر النساء أجزأتهن. وتجب على حر، فلا تجب على المملوك؛ لأنه مشغول بخدمة سيده، ولأن الجمعة غير واجبة عليه بنص الحديث، فإذا كان بينه وبين المسجد ساعتين فوّت على سيده مثلاً خدمة أربع ساعات ذهابا ًوإياباً، أما إذا كان قريباً ليس بينه وبين المسجد إلا ربع ساعة أو نصف ساعة فلا تسقط عن الرقيق. وتجب على مستوطن، فلا تجب على أهل البوادي، وهم البدو الرحّل الذين يتنقلون من مكان إلى مكان وليسوا مستقرين. ذكروا أن المستوطن لابد أن يكون مستوطناً ببناء، والصحيح أنه إذا كان ساكناً في مكان لا يذهب عنه فإنها لا تسقط عنه ولو كان في خيمة كالمرابط من العساكر ونحوهم، والذين في الحدود فإنها تجب عليهم، ولو كانوا يسكنون في صنادق أو في خيام أو بيوت شعر أو ما أشبه ذلك.

حكم صلاة الظهر ممن تلزمه الجمعة قبل الإمام

حكم صلاة الظهر ممن تلزمه الجمعة قبل الإمام قال: (ومن صلى الظهر ممن عليه الجمعة قبل الإمام لم تصح) أي: كيف يصلي الظهر وهو ممن تلزمه الجمعة؟! فيلزمه أن يصلي مع الإمام، فإن لم يفعل أعادها جمعة أو أعادها ظهراً، أما إذا فاتته صلاة الجمعة مع الإمام فإنه يصليها ظهراً، بعد صلاة الإمام، وإذا كان عاجزاً عن الإتيان إلى المسجد لمرض أو بعدٍ أو نحو ذلك فمتى يصلي الظهر؟ يتحرى فراغ الإمام من صلاة الجمعة فيصلي بعده، وإن صلى وقت صلاة الجمعة فلا بأس؛ لأن الخطباء قد يطيلون مثلاً فيفرغ الذي يصلي ظهراً وحده قبلهم.

حكم إنشاء السفر يوم الجمعة

حكم إنشاء السفر يوم الجمعة حكم السفر يوم الجمعة: السفر بعد الزوال لا يجوز، وذلك لأنه دخل وقتها، فلا يجوز أن يسافر بعد دخول الوقت وهو النداء لها، قال تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] دليل على أنهم مخاطبون بالسعي إليها إلى أن تنقضي، {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا} [الجمعة:10] . أما السفر قبل الزوال فإنه مكروه إذا علم بأنه لا يصليها في الطريق، أما إذا تحقق بأنه سيدركها في الطريق فلا بأس؛ لأن بعض الطرق قد يكون فيها عدة قرى في كل قرية مسجد، فإذا سافر مثلاً إلى الحجاز فإنه يمر بعدة مساجد قبل صلاة الجمعة، لو سافر مثلاً في الضحى أو سافر في الصباح فقد يمر بعشرة جوامع أو أكثر، فعليه إذا مر وقت الصلاة أن يصلي في أحدها. فالحاصل أنه إذا سافر يوم الجمعة قبل الزوال فسفره مكروه إذا لم يعلم أنه يؤديها في الطريق، وكان بعض المشايخ يقول: وجدنا بالتجربة أن المسافر يوم الجمعة حري أن لا يوفق، ويقول: من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة فأصابه بلوى فلا يلومن إلا نفسه. ويرخص له إذا كان تبعاً لرفقة بحيث إذا لم يسافر معهم بقي منقطعاً فيخشى فوت رفقته، ولو لم يكن في الطريق مساجد، فيسقط عنه إذا كان السفر قبل الزوال.

وقت صلاة الجمعة واشتراط العدد لها

وقت صلاة الجمعة واشتراط العدد لها يشترط لها الوقت، فلا تصلى قبل الوقت، والمشهور عند الفقهاء أنه يدخل بوقت صلاة العيد، أي: بخروج وقت النهي، والقول الثاني: أنه لا يدخل إلا بالزوال، فيؤذن لها الأذان الأول قبل الزوال، ووقت أدائها بعد الزوال مباشرة، وهذا هو المستحب والذي عليه العمل، وأما آخر وقتها فهو آخر وقت الظهر بالاتفاق، يعني: صيرورة ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال. قوله: (إذا خرج قبل التحريمة صلوها ظهراً) ، إذا خرج الوقت قبل أن يكبر التحريمة بقوله: الله أكبر، كما لو أطال الخطبة فخرج وقت الظهر ودخل وقت العصر فإنهم يصلونها ظهراً قضاءً، وأما إذا أحرم قبل أن يخرج الوقت فإنهم يصلونها جمعة. الشرط الثاني: العدد واختلف فيه، فالمشهور عند الفقهاء الحنابلة اشتراط أربعين من أهل وجوبها، أي: من المكلفين الأحرار المسلمين المقيمين، واستدلوا بأن في حديث كعب بن مالك أن أول جمعة أقيمت في المدينة كان عددهم أربعين، وكان جمعهم أسعد بن زرارة صلى بهم بعض الصحابة، ولكن هذا ليس دليلاً على اشتراط هذا العدد، فلذلك ذهب المالكية إلى أنها تجزئ باثني عشر، واستدلوا بأن في حديث جابر في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة:11] ذكر أن أهل المسجد خرجوا لما سمعوا بتلك التجارة ولم يبق إلا اثنا عشر، وA أنهم خرجوا ونظروا ثم رجعوا، لا شك أنهم رجعوا وأكملوا صلاتهم، ولكن خروجهم دليل على الاكتفاء بهذا العدد وهو اثنا عشر، وقد ذكر عن بعض العلماء أنها تصح بثلاثة، إمام ومؤذن ومستمع، وأن الثلاثة أقل العدد، وبكل حال الاحتياط والاجتهاد في إتمام العدد، فإن نقص عددهم وهم مقيمون في بلادهم عن هذا العدد فالصحيح أنها تجزئهم. هنا يقول: (فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا جمعة إن أمكن وإلا ظهراً) إذا نقصوا قبل إتمامها انتظروا حتى يجيء عدد يكملهم، فإذا علم بأنهم لا يتمون صلوها ظهراً، يعني: على هذا القول.

ما تدرك به صلاة الجمعة

ما تدرك به صلاة الجمعة قال: (من أدرك مع الإمام ركعة أتمها جمعة) ، أي: أما إذا جاء والإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية فإنها قد فاتت، فعليه أن يصليها ظهراً، هذا هو القول الصحيح، وإن كان هناك من العلماء من يجيزون أن يصليها جمعة ولو لم يدرك إلا التشهد، يقولون: إنه أدرك ما يسمى بجمعة، ولكن الجمهور على أنه إذا فاتته الركعتان فإنه يدخل معهم بنية الظهر إذا كان قد دخل وقت الظهر، فيصلي معهم ويقوم ويأتي بأربع.

اشتراط خطبتي الجمعة وذكر شروطهما

اشتراط خطبتي الجمعة وذكر شروطهما الشرط الثالث: تقديم خطبتين، أي: لابد يوم الجمعة من خطبتين، وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل في خطبته، فمن طولها فإنه يفصل بينهما بجلسة، يخطب فإذا تعب جلس ثم استأنف وخطب، فهو دليل على أنه كان يطيل الخطبة، فيمكن أن الخطبة تستغرق ساعة أو على الأقل نصف ساعة لكل واحدة من الخطبتين. ولو كان لا يطيل وكانت خطبته عشر دقائق أو عشرين دقيقة لما احتاج إلى الجلسة بين الخطبتين، ولما احتاج إلى هذا الفاصل، وهو الجلوس، وكان في إمكانه أن يواصل خطبته نصف ساعة أو ثلثي ساعة ثم ينزل ويصلي، فلما فصل بينهما دل على أنه كان يطيل، فلا ينكر على من أطال الخطبة بقدر نصف ساعة أو نحوها. وأما الحديث الذي فيه: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) فإن الطول والقصر نسبي، فيقال مثلاً لمن خطبته أربعون دقيقة: هذه خطبة قصيرة، ويقال لمن خطبته ساعتان مثلاً أو ساعة ونصف: هذه طويلة، فقصر خطبته يعني: أن طول صلاة الرجل وقصر خطبته بحيث يخطب مثلاً نصف ساعة ولا تكون خطبته أكثر من ساعة هذه هي الخطبة القصيرة. قوله: (مئنة) يعني: علامة من فقهه. للخطبتين شروط: قيل إنها تشترط في مجموعهما، وقيل: في كل واحدة من الخطبتين. الشرط الأول: الوقت، فلا يخطب قبل دخول الوقت، سواء قلنا: إن الوقت يدخل بدخول وقت صلاة العيد، أو بدخول وقت صلاة الظهر، لابد أن تكون الخطبتان بعد الوقت. الشرط الثاني: حمد الله، لابد أن يبدأ الخطبة بالحمد لله؛ لأن هذا هو المعتاد من النبي صلى الله عليه وسلم. الشرط الثالث: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أُثر من أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أن الدعاء موقوف حتى يصلى عليه، ولعموم الآية وهي قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ، ولما ورد من أنهم قالوا: (كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) إلخ. وردت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة عليّ فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله؟ كيف تعرض عليك وقد أرمت؟ -يقول: بليت- فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) ، فهذا يؤكد أن يوم الجمعة أحق أن تكثر فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الخطبة أولى. الشرط الرابع: قراءة آية من القرآن، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آيات في خطبته، وربما قرأ سورة، فثبت أنه كان يقرأ سورة (ق) كاملة في خطبته، فأقل شيء آية، ولكن لابد أن تكون الآية طويلة، يعني: لها فائدة ولها عمل، فلا يجزئ آية تتكون من كلمة أو من كلمتين، ويستحب أن تكون الآية في الموضوع الذي يتطرق إليه في أثناء الخطبة، فإذا خطب عن التقوى قرأ آية تتعلق بالأمر بالتقوى، وإذا خطب عن الصلاة قرأ آية تتعلق بذكر الصلاة، وهكذا في كل المواضيع. الشرط الخامس: حضور العدد المعتبر الذي هو الأربعون على قول الفقهاء، فلابد أن يحضر الأربعون فيها من أول الخطبة إلى آخرها. الشرط السادس: رفع الصوت بقدر إسماعه، فالخطيب لابد أن يكون صيتاً بحيث يسمع المصلين، وبعد وجود المكبر لا يلزمه رفع الصوت؛ لأن المكبر يرفع الصوت ويدفعه. الشرط السابع: النية، لابد أن ينوي لهذه الخطبة أنها الخطبة المشترطة، التي هي وظيفة هذه الصلاة. الشرط الثامن: الوصية بتقوى الله، ولا يتعين لفظها، ولا يتعين أن يقول: اتقوا الله، ولكن يوصيهم بشيء يحرك القلوب، فيوصيهم بالخوف من الله، أو تقوى الله، أو عبادته، أو رجائه، أو التوكل عليه، أو دعائه، ويبسط القول في ذلك حتى يكون للخطبة معنى، يتوسع في ذكر الأدلة التي تتعلق بالموضوع الذي اختاره. الشرط التاسع: (أن تكون ممن يصح أن يؤم فيها) وفي بعض النسخ: (أن يؤم فيما) ، والصواب: (أن يؤم فيها) أي: أن تكون من الخطيب الذي يصح أن يكون إماماً فيها، أي: في هذه الصلاة، وهو الذكر الحر العاقل البالغ، فلا تصح من غيره. والإقامة ليست شرطاً على الصحيح، فيجوز أن يصلي بهم المسافر إذا كان أفضل منهم. قوله: (ممن يصح أن يؤم فيها، لا ممن يتولى الصلاة) ، معناه: أنه يصح أن يتولى الخطبة واحد ويتولى الصلاة غيره، فإن الصلاة عبادة والخطبة عبادة أيضاً فلا يلزم أن يتولاهما واحد، ولكن لابد أن يتولى كلاً منهما من هو أهل ممن تنطبق عليه هذه الصلاة.

سنن خطبة الجمعة

سنن خطبة الجمعة أما سنن الخطبة: فالسنة الأولى: أن يكون على منبر، أو موضع عال حتى يشرف على المأمومين، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع نخلة معروف في قبلة المسجد، ثم صنع له المنبر وجعل ثلاث درجات، فكان يخطب عليه، فيتأكد أن يكون الإمام أعلى من المأمومين في حالة إلقاء الخطبة. السنة الثانية: سلام الخطيب، إذا خرج فإنه يبدؤهم بالسلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسلم إذا دخل سلاماً عادياً، ويسلم سلاماً عاماً إذا أقبل عليهم. السنة الثالثة: الجلوس إلى فراغ الأذان؛ يجلس حال الأذان على كرسي أو نحوه، فإذا فرغ الأذان ابتدأ، وكذلك يجلس بين الخطبتين، يفصل بينهما بجلوس ليستريح فيه. اختلف في خطبة القاعد هل تصح أم لا؟ كثير من العلماء يقولون: القيام سنة، لو خطب وهو جالس لأجزأ ذلك، فيذكرون أن عثمان رضي الله عنه كان يخطب جالساً، وكذا بعض خلفاء بني أمية، ولكن عذر عثمان العجز والكبر، لأنه كان قد تجاوز الثمانين من عمره، فكان يشق عليه إطالة القيام، وإلا فالصحيح القيام في الخطبة لقوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} [الجمعة:11] . ومن السنن أيضاً: أن يعتمد بيده على سيف أو عصا، يعني: أي شيء يعتمد عليه بجنبه، كانت عادة الخطباء أن يرتجلوا الخطبة، فيمسكون بأيديهم عصاً أو قوساً أو سيفاً أو نحو ذلك، فالأفضل أن يمسك عصاً معتادة، وكونه صلى الله عليه وسلم أمسك مرة سيفاً لعله لم يتيسر له إلا هو. ومن السنن أيضاً: أن يقبل بوجهه على من أمامه، يقصد بتلقاء وجهه، لكن إذا احتاج إلى أن يلتفت يميناً ويساراً ليسمع من هاهنا ومن هاهنا، بحيث لا يكون هناك مكبر فلا بأس، وأما تقصيرهما فقد عرفنا أنه تقصير نسبي، والثانية أكثر تقصيراً، يعني: يطيل الأولى ويقصر الثانية، وتقصيره الخطبتين تقصيراً نسبياً. ومن السنن أيضاً: أن يدعو للمسلمين، كان المجاهدون في تلك السنين يتحرون وقت الخطبة فيبدءون في القتال، ويقولون: هذا الوقت الذي يدعو فيه الخطباء للمجاهدين، فيدعو للمسلمين عموماً، ومن جملتهم المجاهدون. وهل يباح الدعاء لمعين؟ أباحوا ذلك للسلطان؛ لأن صلاحه صلاح للرعية، ولو ذكر باسمه أو بصفته أو بكنيته أو بلقب يتميز به، أو بلفظه الذي يختص به كأن يقول: اللهم وفق سلطاننا أو إمامنا أو نحو ذلك، وذلك لأن صلاح الأئمة أمر مقصود للأمة، وفيه مصلحة عظيمة.

صفة صلاة الجمعة وآدابها

صفة صلاة الجمعة وآدابها صلاة الجمعة ركعتان بالاتفاق، قيل: إنها ظهر مقصورة، وقيل: إنها فرض يوم الجمعة، والصحيح أنها ظهر مقصورة، وأن القصر جاءت بدله الخطبتان، ثم بالاتفاق أنه يجهر بالقراءة فيها، والحكمة في ذلك أنه يحضرها عدد كثير، فيحضرها أناس من الجهلة ومن البوادي ومن أطراف البلاد، فيحتاجون إلى من يسمعهم الفاتحة، ويسمعهم قراءة السورة أو نحو ذلك، حتى يستفيدوا من هذا السماع، بخلاف صلاة الظهر فإنه يسر فيها؛ لأنهم يكتفون بقراءة الجهر في الليل.

ما يقرأ في صلاة الجمعة وفي فجرها

ما يقرأ في صلاة الجمعة وفي فجرها يقرأ فيها بسورة الجمعة والمنافقون، لأنه ورد ذلك مرفوعاً: (أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالجمعة والمنافقون) ، والأكثر على أنه كان يقرأ بسبح والغاشية. ويسن أيضاً: أن يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورة السجدة، وهل أتى على الإنسان، والحكمة في ذلك اشتمالهما على المبدأ والمعاد والوعد والوعيد.

حكم إقامة أكثر من جمعة في البلد الواحد

حكم إقامة أكثر من جمعة في البلد الواحد ذكر أنه يحرم إقامتها في البلد الواحد في أكثر من موضع إلا لحاجة، كسعة البلاد وكثرة السكان وضيق المسجد، بحيث يصلون في الطرق، فلا بأس بالتعدد للحاجة، وأما إذا كانت المساجد واسعة ومتقاربة فلا يجوز التعدد، وحده بعضهم بمسيرة فرسخ ونصف، وقيل: بفرسخ، والفرسخ مقدار ثلاثة أميال، فإذا كان بين المسجدين ثلاثة أميال فلا يصح إقامة مسجد في هذا المكان، أما إذا كانت المسافة أكثر من ثلاثة أميال فإنه يجوز إقامتها للحاجة إذا كان هناك مسافة طويلة، أو كان الجمع كثيراً.

السنن القبلية والبعدية للجمعة

السنن القبلية والبعدية للجمعة ذكروا أن لصلاة الجمعة سنة قبلها وبعدها، فيسن أن يصلي بعدها، وأقل السنة ركعتان وأكثرها ست؛ وذلك لأن الوقت وقت تستحب فيه العبادة، أما السنة قبلها فهي غير راتبة، ولكنها مستحبة، لا تدخل في الرواتب، دليلها أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من تطهر يوم الجمعة ثم أتى المسجد وصلى ما كتب له، ثم أنصت للخطبة كان كفارة لما بينه وبين الجمعة الأخرى) .

ما يسن في يوم الجمعة وليلتها

ما يسن في يوم الجمعة وليلتها يسن قراءة سورة الكهف في يومها أو ليلتها، ورد فيها حديث وأن قراءتها تعصم من فتنة الدجال، أو (أنه يضيء له نور بينه وبين السماء) ، وإن كان الحديث فيه مقال، لكن وروده من طرق كثيرة يبين أن له أصلاً، مع فضل السورة وعظمها. ويسن في يوم الجمعة كثرة الدعاء، فإن فيها ساعة الإجابة، وقد اختلف فيها على أقوال: ذكر ابن حجر في فتح الباري نحو أربعين قولاً في تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة. ويسن أيضاً كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا الحديث: (فأكثروا فيه من الصلاة علي، فإن صلاتكم معروضة علي) . اختلف في حكم الغسل يوم الجمعة، وقد تقدم في باب الغسل أنه سنة مؤكدة، وقد ذهب بعض الظاهرية إلى أنه واجب، وفصل بعضهم فقال: إنما يجب على من كانت رائحة بدنه كريهة، كذلك التنظف والتطيب ولبس أحسن الثياب من البياض، الحكمة في ذلك لئلا يتأذى به المصلون، فيأتي بثياب نظيفة وينظف بدنه ويتطيب؛ حتى لا يؤذي المصلين ولا يؤذي الملائكة. ومن السنة التبكير إليها ماشياً، حتى تكتب له خطواته؛ لحديث: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة) إلخ، والساعة الأولى هي أول ساعة من النهار بعد خروج وقت النهي، والساعة الثالثة هي التي يصلى فيها، أو تقام فيها الصلاة، وذلك بالنسبة إلى التوقيت الغروبي. ويسن أن يدنو من الإمام؛ لأنه إذا تقدم أو بكر وجد فرجة أو وجد مكاناً قريباً من الإمام، وإذا تأخر فاته القرب.

حكم تخطي الرقاب للإمام والمأموم

حكم تخطي الرقاب للإمام والمأموم ويحرم تخطي الرقاب إلا لعذر، فإذا كانت الصفوف متراصة فالذي يتخطاهم يؤذيهم، روي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى فقال: اجلس فقد آذيت وآنيت) يعني: آذيت المصلين وتأخرت، وفي بعض الروايات: (أنه من يتخطى الرقاب فقد اتخذ جسراً إلى النار) أو كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام. ويجوز للإمام إذا لم يكن هناك مدخل أن يتخطى الرقاب لحاجة، كما يجوز للمصلي إذا رأى فرجة في الصفوف المتقدمة أن يتخطى الرقاب إليها، وذلك لأنهم فرطوا حيث تركوا هذه الفرجة، ولأنه لا يصل إليها إلا بالتخطي.

حكم إيثار الشخص لغيره بالمكان الأفضل

حكم إيثار الشخص لغيره بالمكان الأفضل يكره الإيثار بالمكان الأفضل، فإذا كنت في الصف الأول فهل تؤثر صديقك مثلاً أو أخاك أو نحو ذلك؟ يكره الإيثار؛ لأنك أحق به، ولأن القربات لا يؤثر بها أحد، أما القبول فيجوز، أي: إذا آثرك أخوك أو ولدك جاز أن تقبل الجلوس في مكانه.

حكم إقامة المصلي من مكانه والكلام حال الخطبة

حكم إقامة المصلي من مكانه والكلام حال الخطبة يحرم إقامة المصلي من مكانه الذي قد سبق، إلا أن يكون صبياً صغيراً كان في الصف الأول وكان دون العشر فلا بأس أن يقام؛ ليتحقق أن يلي الإمام أولو الأحلام والنهى، فلا يقام غيره من مكانه ويجلس فيه، وفي ذلك أحاديث. ويحرم الكلام حال الخطبة إلا للخطيب فيجوز له أن يتكلم، فقد ثبت أنه لما دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال: (قم يا فلان فاركع ركعتين) وكذلك من يكلمه لحاجة؛ لقصة ذلك الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا) إلخ. من دخل والإمام يخطب صلى التحية فقط وخففها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صل ركعتين وتجوز فيهما) .

حكم صلاة العيدين وصفتهما وما يشترط فيهما

حكم صلاة العيدين وصفتهما وما يشترط فيهما صلاة العيدين اختلف فيهما: فقيل إنهما سنة، وقيل: فرض كفاية، وقيل: فرض عين، وذهب بعض المحققين إلى أنها فرض عين تجب على كل مكلف، واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم أن يخرجوا العواتق وذوات الخدور، وأن يخرجوا الحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، ولكن هذا دليل على آكديتها لا على أنها فرض عين، فعلى الأقل أنها فرض كفاية يجب على أهل البلد أن يقيموها، فإذا تركوها أثموا.

وقت صلاة العيدين

وقت صلاة العيدين وقتها كصلاة الضحى، يعني: من خروج وقت النهي إلى الزوال، آخره الزوال وأوله ارتفاع الشمس قيد رمح، وإذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد الزوال قضوها من الغد، أما إذا علموا قبل الزوال فإنهم يصلونها، إذا علموا قبل الزوال فإنهم يؤدونها، وإذا جاءهم الخبر بعد الزوال صلوها من الغد قضاءً.

شروط صلاة العيدين

شروط صلاة العيدين يشترط فيها شروط الجمعة التي تقدمت، وهي: أن يكونوا في بلد، وأن يكونوا أحراراً، وأن يكونوا مقيمين، وكذلك أيضاً يشترط لها الخطبة، وأن تشتمل الخطبة على تلك الشروط التي تقدمت، ويشترط لصحتها الاستيطان وعدد الجمعة، فالاستيطان أن يكونوا مستوطنين، فلا تلزم البوادي، وعدد الجمعة أن يكونوا أربعين على القول الذي اختاره الفقهاء. من فاتته أو فاته بعضها سن له أن يقضيها وعلى صفتها أفضل، فإذا فاتته ركعة قضاها كما هي بتكبيراتها ونحو ذلك، فإذا فاتت جماعة قضوها وجهروا فيها.

ما يسن في العيدين

ما يسن في العيدين تسن في الصحراء، أي: أن يخرجوا خارج البلد، كان صلى الله عليه وسلم يخرج في الصحراء، يعني: في البقيع. يسن تأخير صلاة الفطر، أي: يؤخرها إلى ما بعد طلوع الشمس بربع ساعة أو نحوه ليبدءوا في الصلاة. وأن يأكل قبلها تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً حتى يكون قد تحقق الإفطار، أما صلاة عيد الأضحى فيبكر بها بعد طلوع الشمس مثلاً بخمس أو عشر دقائق وأن لا يأكل قبلها حتى يأكل من أضحيته إذا كان عنده أضحية.

صفة صلاة العيدين وخطبتيهما

صفة صلاة العيدين وخطبتيهما صلاة العيد ركعتان كما أن صلاة الجمعة ركعتان، لكن تزيد على الجمعة بالتكبيرات الزوائد، ففي الركعة الأولى ست تكبيرات زوائد بعد تكبيرة الإحرام، تقول: الله أكبر الله أكبر حتى تتم الست، وفي الثانية قبل القراءة خمس، يرفع يديه مع كل تكبيرة، وهذا دليل على أن رفع اليدين يطرد في كل تكبير ليس فيه انتقال، كتكبيرات الجنائز. وبين كل تكبيرتين يقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً، أو غيره، لو قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أجزأ ذلك. ثم بعد هذه التكبيرات يقرأ الفاتحة، ويقرأ بعدها سبح في الأولى والغاشية في الثانية، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من قراءة هاتين السورتين في الأماكن التي تجمع خلقاً؛ وذلك لأن في سبح التذكير في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى} [الأعلى:9-11] وفي سورة الغاشية التذكير أيضاً في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21] فكأنه يقول: إنما بعثت لأذكركم فتذكروا. يقول: (كخطبتي الجمعة) ، أي: يخطب خطبتين، واختلف هل تستفتح بالتكبير؟ أكثر الفقهاء على أنه يفتتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع، والتكبيرات تكون سرداً: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، وأنكر ذلك كثير من العلماء، وقالوا: إن الحديث الذي ورد في ذلك غير مقبول، وجعلوا عمل بعض الصحابة أو عمل بعض الخلفاء في كونهم يبتدئونها بالتكبير غير مسوغ، وقالوا: المعتاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خطبه كلها بالحمد، فعلى هذا يستحب أن يبدأها بالحمد، ويكون التكبير بعد الحمد وبعد المقدمة، واستحباب التكبير ليتحقق الأمر به، قال تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185] ولذلك يسن التكبير في تلك الأماكن، ويستوي في ذلك المأمومون والمنفردون وغيرهم، فيستفتحها بالحمد ثم يكبر بعد الحمد تسع تكبيرات في الأولى وسبعاً في الثانية. تشمل خطبة عيد الفطر على زكاة الفطر وبيان ما يخرجون، وعلى فضل ذلك اليوم، وعلى الوصايا والأعمال الصالحة التي يوصيهم بها، وفي خطبة الأضحى على ذكر الأضحية وبيان حكمها وما أشبه ذلك.

مشروعية التكبير في العيدين وصفته

مشروعية التكبير في العيدين وصفته يسن في ليلة عيد الفطر التكبير المطلق، ويتأكد في ليلة العيد وفي يوم العيد وفي المصلى، ويستمر إلى أن يبدأ الإمام في الصلاة، ثم يستمر الإمام في التكبير ويكبر في أثناء خطبته، وكذلك في ليلة عيد النحر، ويستحب أيضاً في العشر الأول من ذي الحجة، من حين يدخل الشهر؛ لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:28] فيتأكد إذا رأى بهيمة الأنعام؛ لقوله تعالى: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:28] ، فيكون هذا تكبيراً مطلقاً يجهرون به في أسواقهم وفي مساجدهم، وفي بيوتهم، ويجهر به المصلي الذي ينتظر الصلاة مثلاً ويجهر به الماشي والراكب ونحو ذلك؛ إظهاراً لهذا الشعار وهو قوله تعال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:28] ويستمر إلى فراغ الخطبة، وهذا يسمى: التكبير المطلق. أما المقيد فيسن عقب كل فريضة تصلى في جماعة وأوله فجر يوم عرفة لأهل القرى، وللمحرم من ظهر يوم النحر، ويستمر إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة تصلى في جماعة، وصفته: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد مرتين أو ثلاثاً.

حكم صلاة الكسوف وصفتها

حكم صلاة الكسوف وصفتها تقدم في التطوع أن آكد صلاة التطوع صلاة الخسوف، ثم بعدها الاستسقاء، واستدلوا بأنها تشرع لها الجماعة؛ ولأن الكسوف ينادى لها، والكسوف هو كسوف أحد النيرين: الشمس والقمر، الذي هو ظهور الانمحاء عليه في نهار أو في ليل، وثبت أنه وقع كسوف الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى أظلمت كثيراً، ولما رأى ذلك فزع إلى الصلاة، وأمر بأن ينادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصلى بهم صلاة طويلة وغاير فيها عن بقية الصلاة وبقية التطوعات، حيث كرر فيها الركوع والقيام، فالمشهور أنه صلى في كل ركعة ركوعين، يعني: قام قياماً طويلاً، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً قرأ فيه أيضاً الفاتحة وسورة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رفعاً معتاداً، ثم سجد سجدتين، ثم قام للركعة الثانية وفعل فيها كما فعل في الأولى. وقد روي أيضاً في صحيح مسلم: (أنه ركع في كل ركعة ثلاثة ركوعات) ، وفي حديث آخر: (أنه ركع في كل ركعة أربعة ركوعات) ، يعني: أنه قرأ ثم ركع، ثم رفع فقرأ ثم ركع، ثم رفع فقرأ ثم ركع، ثم رفع فقرأ ثم ركع، أربعة ركوعات في الركعة الواحدة، وروي أيضاً في سنن أبي داود وغيره: (أنه ركع خمس ركوعات) ، وقد أنكر كثير من المحققين هذه الزيادات، وقالوا: إنه لم يقع الكسوف إلا مرة يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم. يقول شيخ الإسلام: معلوم أنه لم يمت مرتين، وأنه لم يكن هناك إبراهيمان. ولكن إذا نظرنا إلى الأحاديث التي فيها تكرار الركوع ثلاثاً أو أربعاً أو خمسا ًوجدناها بأسانيد صحيحة تقبل في الأحكام الأخرى، فكيف نردها؟ لا نردها بهذا الاحتمال، فيترجح أن صلاة الكسوف تكررت، إما كسوف شمس تكرر وإما كسوف قمر، لأن من العادة أنه يقع كسوف الشمس في كل سنة أو في كل سنتين، فلا بد أن يتكرر في العهد النبوي، وكذلك كسوف القمر قد يتكرر في السنة مرتين أو أكثر، فلابد أنه وقع في القصة أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم انتهى وقد تجلت الشمس، وذلك دليل على أنه أطال فيها. في بعض الروايات قرأ في الركوع الأول قدر سورة البقرة، وأن ركوعه قريب من قيامه، ثم الركوع الثاني يمكن أنه قدر سورة آل عمران، والركوع أقل من الركوع الثاني، فلابد أنها استغرقت صلاته نحو ثلاث ساعات أو أكثر، مما يدل على أنه أطال فيها؛ لأنه انصرف وقد تجلت الشمس، ثم اختلف هل خطبهم كخطبة الجمعة أم علمهم تعليماً، فالمشهور أنه علمهم مجرد تعليم، فأخبرهم بأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وأنها آية يخوف الله بها عباده ولو كانت معلومة السبب. وكذلك أيضاً حثهم على الفزع إلى الصلاة: (إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة) ، وكذلك ذكرهم بما رأى في صلاته تلك، فذكر أنه تمثلت له الجنة بينه وبين الحائط فتقدم إليها، يقول: (تناولت منها قطفاً لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، يقول: وعرضت علي النار وتقهقر لما رآها، ورأى فيها عمرو بن لحي يجر قصبه) ؛ لأنه أول من غير دين إبراهيم (ورأى فيها سارق الحاج صاحب المحجن الذي يعلق المتاع في محجنه ويجره، فإذا فطنوا له قال: إنما تعلق بالمحجن، وإذا لم يفطنوا له أخذه، ورأى فيها المرأة التي تعذب في هرة حبستها) ، يعني: ذكرهم بنحو هذا، وكأنه يحثهم على أداء الأمانات وعلى عدم الظلم والعدوان، وأن ذلك من أسباب تغير الأحوال. يسن تطويل قراءة السورة وتطويل التسبيح، وكون الأول أطول من الثاني، فيكون كل ركوع أطول من الذي بعده، وكل قيام أطول من الذي بعده.

مشروعية صلاة الاستسقاء وصفتها وحكمها

مشروعية صلاة الاستسقاء وصفتها وحكمها تشرع صلاة الاستسقاء إذا أجدبت الأرض وقحط المطر؛ وذلك لأن الله تعالى يبتلي عباده بهذا القحط فيؤخره حتى يعرفوا أنهم بحاجة إلى فضله وعطائه، فيضرعوا إليه. فتأخر المطر قد يكون بسبب المعاصي: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30] ، وقد يكون ابتلاء وامتحاناً، وقد يكون سببه حثهم على الدعاء والرغبة. أما صفة صلاة الاستسقاء وأحكامها فكصلاة العيد، يعني: أنه يبدؤها بالتكبيرات في الركعة الأولى ست مرات بعد تكبيرة الإحرام، خمس مرات، وأنه يجهر فيها بالقراءة ونحو ذلك، وصلاة الاستسقاء الأفضل أن تصلى جماعة وتجوز فرادى عند المناسبة والحاجة.

ما يفعله الإمام في الاستسقاء

ما يفعله الإمام في الاستسقاء إذا أراد الإمام أن يخرج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة وترك المظالم والتخلي منها، وترك التشاحن، والصيام والصدقة، يعني: يكون هذا التذكير لهم في المساجد أو في الخطب قبل خروجهم، ويعدهم يوماً يخرجون فيه، ويسن أن يكون عاماً للمنطقة أو نحوها، بأن يستسقوا كلهم في يوم واحد، فيبين لهم أن التوبة سبب لإجابة الدعوة، وأن المظالم سبب للعقوبات، وأن التشاحن والتقاطع فيما بينهم سبب لمحق البركات، ويبين لهم أن الصدقة والصيام من أفضل العبادات التي يجيب الله دعوة صاحبها، ويذكرهم ويحثهم على الأعمال الصالحة. يخرج كل واحد منهم وبالأخص الإمام متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً، يعني: أنه يتصف بصفة المسكنة، يخرج وهو منكسر القلب، في الحديث: (أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي) هذا الانكسار وهذا التواضع وهذا التذلل وهذا التعبد من أسباب إجابة الدعاء، وهكذا يخرج كل واحد من المصلين، ويكون متطهراً نظيف البدن، إلا أنه لا يتطيب؛ لأن استعمال الطيب يحمل صاحبه على الفخر وعلى الخيلاء ونحو ذلك، فلا يناسب صفة المنكسرة قلوبهم. على الإمام أن يخرج بأهل الدين والصلاح والشيوخ؛ لأنهم أقرب إلى إجابة الدعوة، ولا يخرج الفسقة والعصاة والعتاة وأهل الذنوب وأهل قلة العبادات، بل يختار الذين يخرجون من أهل الدين وأهل التدين وأهل الالتزام، وأهل الصلاح والإصلاح شيوخاً أو شباباً، ويخرج بمميزي الصبيان؛ وذلك لأنهم من أسباب إجابة الدعاء، يذكر في الحديث: (لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع، لصب عليكم العذاب صباً) يعني: أن الله تعالى يرفع العذاب بهؤلاء الضعفاء كبار السن، وصغار السن الذين هم أطفال، وأهل الصلاح الذين يديمون العبادة. وأن يصلي بهم ركعتين كصلاة العيد ثم يخطب، ذكر بعض العلماء أنه يخطب قبل الصلاة، ولكن المشهور أنه يخطب بعدها لكن خطبة واحدة، اختلف هل يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد؟ الأكثرون على أنه يبدؤها بالتكبير، وذهب بعض المحققين إلى أنه يبدؤها بالحمد. وأن يكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار، مثل قوله: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:10-11] ومثل قوله: {وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:3] ونحو ذلك. يرفع يديه عند الدعاء يجعل ظهورهما نحو السماء؛ لأن من شدة الرفع تكون ظهورهما إلى السماء، يعني: يبالغ في الرفع، وما كان يبالغ في الرفع إلا في صلاة الاستسقاء، ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء قوله: (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً) إلى آخره فيقول: (مجلجلاً سحاً طبقاً دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والشدة والجهد ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ادفع عنا الجوع والجهد والبلاء، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم إنك أمرتنا بالدعاء ووعدتنا إجابتك، فقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدنا) هذه الأدعية ذكرها الشارح وذكرها أيضاً غيره ممن شرحوا هذه الأذكار. إذا كثر المطر وخيف الهدم والضرر يدعو بقوله: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به) الظراب: هي الروابي والمرتفعات الصغيرة، والآكام: هي ما غلظ من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلاً، إذا ارتفع عما حوله كالتلال وغيرها، وبطون الأودية: هي مجاري السيول، ومنابت الشجر: أصولها. يسن أن يكمل الآية، ويسن لمن أغيث بمطر أن يقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته) ويحرم أن يقول: (مطرنا بنوء كذا وكذا) كما كان أهل الجاهلية يقولونه. من رأى سحاباً أو هبت ريح شديدة فإنه يقول: (اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به) إذا سمع الرعد يقول: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) ، إذا رأى كوكباً انقض يقول: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) ، إذا سمع نهيق الحمار أو نباح الكلب يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ، إذا سمع صياح الديك يقول: (أسأل الله من فضله) . تكلموا على ما يسمى بقوس قزح، وهو إشارة ممتدة في الأفق لونه أخضر، وقالوا: إنه حماية لأهل الأرض من الغرق، والصحيح أنه من آيات الله تعالى، أما الذين يقولون: إنه دليل الفتنة أو الدماء فإن ذلك ليس له أصل. الآن انتهينا من كتاب الصلاة وبقي علينا كتاب الجنائز والزكاة والصوم والحج والجهاد لعلنا نكملها، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الأذكار والأدعية الجماعية بعد الصلوات

حكم الأذكار والأدعية الجماعية بعد الصلوات Q في بلدنا يقوم بعض العامة ببعض الأذكار الجماعية التي يفعلونها بعد كل أربع ركعات من صلاة التراويح، فما حكم هذا العمل؟ A الأدعية الجماعية يظهر أنها بدعة إذا كان فيها رفع صوت، أما إذا كان هناك أناس لا يحسنون الدعاء، وأمروا واحداً أن يدعو وهم يؤمنون فلا بأس بذلك كالدعاء للقنوت، ولكن لا يتقيد بدعاء معين، ولا يتقيد بوقت معين كبين التراويح.

حكم الصلاة خلف الفاسق والمبتدع

حكم الصلاة خلف الفاسق والمبتدع Q ذكرت أن الصلاة خلف الفاسق لا تصح، مع أن شيخ الإسلام نقل الاتفاق على صحة الصلاة خلف المبتدع وهو أشد من الفاسق، فما ردكم جزاكم الله خيراً؟ A هكذا ذكر المؤلف صاحب المتن كما ترون، وكأن المراد إذا كان هناك من هو خير منه، وكأن كلام شيخ الإسلام أن المراد إذا ابتلي أهل بلد وغلب عليهم أهل البدعة، ففي هذه الحالة ليس لهم إلا أن يصلوا خلف هذا المبتدع سيما الجمع والأعياد ونحو ذلك، فليس لهم مفر؛ لأنه متغلب عليهم، فالحاصل أنه إذا وجد رجل صالح لم يعين الفاسق الذي يعلن بفسقه، أما إذا لم يوجد إلا الفاسق والبقية لا يحسنون قراءة الفاتحة ولا يعرفون الأحكام فهم معذورون بهذا.

حكم الاستمناء باليد

حكم الاستمناء باليد Q وقد تكرر كثيراً، وأذكره لكثرة ما تكرر، يقول: ما حكم الاستمناء المعروف الآن بالعادة السرية وجزاكم الله خيراً؟ A الأصل أنه لا يجوز، أجازه بعض الأئمة كالإمام أحمد للضرورة، إذا خشي التشقق والمشقة، أو خاف الوقوع في الزنا فبعض الشر أهون من بعض، والصحيح أيضاً أنه إذا حصل في رمضان فإنه يبطل صوم ذلك اليوم، فلابد من قضائه إذا استمنى وهو صائم، وأنه يوجب الغسل؛ لأنه إخراج مني بدفق ولذة.

حكم تصوير العروسين ليلة الزواج للذكرى

حكم تصوير العروسين ليلة الزواج للذكرى Q هذه سائلة تقول: ابتلي الناس في هذا الزمان بتصوير العروسين ليلة الزواج لتذكر ذلك في المستقبل، محتجين بجواز التصوير بكاميرا الفيديو، أولاً: هل يجوز التصوير بهذه الكاميرا، ثانياً: وعلى فرض جوازها هل يجوز التصوير بالفيديو مع كثرة ما سببته من المشاكل التي توقع الطلاق غالباً لانتشار ذلك الشريط وفشوه بين الناس، ثالثاً: وهل أعتبر آثمة لعصيان زوجي الذي يرغب في هذه المسألة مع نصيحته وتوجيه نصحي له، وجزاكم الله خيراً، مع أنها تقول: إنها على باب الزواج؟ A نقول: إن هذا لا يجوز والحال هذه، يعني: كون الرجل يدخل ويجلس على منصة بين النساء إلى جانب زوجته ثم يخرجون هذه الكاميرا ويصورونه ويقولون: إن هذا للذكرى ونحو ذلك، هذا لا يجوز لهذه الحال، حتى ولو رخص في جنس التصوير بالفيديو ونحوها، فإنه على هذه الحال منكر فننهى عنه، ولا حاجة إلى مثل هذا، ولا ضرورة إلى ذلك، كون الإنسان يقول مثلاً: إن هذا للذكرى، تذكر حالته، ماذا تفيده هذه الذكرى ونحو ذلك؟ فيتوب إلى الله تعالى، ولا يجوز له إلزام زوجته بهذا، ولا يجوز أيضاً لولي الأمر إقرار مثل هذا، ويقتصرون على ما كانوا عليه من إدخال الزوجة إليه، وانضمام كل منهما إلى الآخر بخلوة لا بأس بذلك.

حكم خلو الخطيب بالمخطوبة قبل الزواج

حكم خلو الخطيب بالمخطوبة قبل الزواج Q ما حكم دخول الخطيب قبل الزواج؟ A قبل العقد لا يجوز له الخلوة بالمرأة، وأما بعد العقد فيجوز له أن يخلو بها؛ لأنه قد حلت له بمجرد العقد.

حكم إمامة غير المميز للبالغين في الصلاة

حكم إمامة غير المميز للبالغين في الصلاة Q ذكرتم أحسن الله إليكم بالأمس: أن غير المميز لا تصح إمامته للبالغين، فما قولكم وفقكم الله لكل خير في حديث عمرو بن سلمة، وأنه كان يؤم قومه وهو صغير؟ A هذا الحديث مروي في الصحيح، وهم كانوا في برية ولما جاءهم وفد وسمعوا منه أنه يؤمهم أقرؤهم؛ ولم يجدوا أحداً أقرأ من عمرو بن سلمة الجرمي، فقدموه، يقول: قدموه وهو ابن ست أو سبع سنين، يعني: كان صغيراً، ويظهر أن هذا اجتهاد منهم، لم يكن ذلك عن أمر من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أنه بلغه ذلك وأقره، فهو اجتهاد منهم، ولم ينقل ذلك إلا في هذه القصة، فالصحيح أن الذي لم يبلغ لا تصح إمامته.

حكم شرب الزعفران مع القهوة وغيرها للمحدة

حكم شرب الزعفران مع القهوة وغيرها للمحدة Q التي في الحداد على زوجها الميت هل تشرب ما به زعفران كالقهوة والنعناع وغيرهما؟ A تنصح بأن لا تقرب شيئاً فيه طيب، الزعفران لا شك أن فيه شيئاً من الطيب، ولو كان يشرب، وقد رخص فيه بعض العلماء، ولكن على الأقل أنه مكروه، إذا كان يكره لها أن تمسح به وجهها وخديها وأن تدهن به ذراعيها، فكذلك شربه في القهوة ونحوها، أما المشروبات الأخرى لعلها جائزة كالشاهي والنعناع وما أشبهه.

حكم الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر

حكم الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر Q ما رأي فضيلتكم في مسألة الجمع بين صلاة الجمعة والعصر؟ A صرح مشايخنا بأن ذلك لا يجوز، وأنكر الشيخ ابن باز في سنة ست عشرة وخمس عشرة على الذين جمعوا بين الجمعة والعصر في الرياض، وأمرهم بالإعادة، كذلك غيره من المشايخ، فهذا هو الأصل، لكن المسافر إذا سافر يوم الجمعة، ثم في الطريق مر على بلدة وصلى معهم الجمعة فينويها ظهراً مقصورة، ويجمع معها العصر ويواصل سيره، نرى أن هذا لا بأس به للذي هو في الطريق، ونختار أن الجمع يختص بالمسافر، وأن المقيم لا يجمع.

حكم صلاة المرأة للجمعة في بيتها ركعتين بدل الظهر

حكم صلاة المرأة للجمعة في بيتها ركعتين بدل الظهر Q بعض النساء يصلين ركعتين في البيت على أنها صلاة جمعة بدل صلاة الظهر، فهل هذا الفعل صحيح؟ A غير صحيح، المرأة تصلي صلاة الظهر أربعاً، إن صلت مع الجماعة في المسجد صلت معهم ركعتين، وأما إذا صلت في بيتها فتصلي أربع ركعات.

اعتذار الشيخ عن الذهاب إلى شرورة

اعتذار الشيخ عن الذهاب إلى شرورة Q هذا أحد الإخوة من شرورة يقول: ندعو الشيخ لزيارتنا، وإقامة لقاء مفتوح هناك، ويسأل من الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم؟ A نعتذر في هذه السنة، ويمكن عندنا زيارة في أول شهر أربعة للمنطقة الجنوبية نقيم هناك نحو نصف شهر في أبها وفي الخميس، هناك يمكنهم أن يأتوا ويستفيدوا من هناك.

حكم إمامة من يقصر لحيته كثيرا

حكم إمامة من يقصر لحيته كثيراً Q هناك إمام مسجد يقصر لحيته كثيراً، فهل تجوز إمامته؟ A ذنب كبير مع الإصرار عليه، فإذا كان كذلك فإن عليهم أن ينصحوه ويكرروا النصيحة له، أو يرفعوا بأمره لمن له ولاية، لعله أن يتوب، أو لعله أن يبدل بغيره، أما الصلاة خلفه فلا نقول بإعادتها، الصلاة خلف من أقام الصلاة كاملة صحيحة.

حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الآل

حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الآل Q هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تصلوا علي الصلاة البتراء، قالوا: يا رسول الله! وما البتراء؟ قال: أن تقولوا: اللهم صل على محمد، ولكن قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد) ؟ A قد سمعت بهذا ولكنه ضعيف، لم يثبت ثبوتاً يجزم به، الله تعالى أمر بالصلاة والسلام عليه ولم يذكر آله حيث قال: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ، دائماً العلماء يقولون: صلى الله عليه وسلم ولا يذكرون آله، ذكر الآل في التشهد: (اللهم صل على محمد وآل محمد) ، مع أن الآل فيهم خلاف هل هم الأتباع، أو أنهم أهل البيت، ولكل قول ما يرجحه.

حكم الصلاة في المسجد الأبعد خلف إمام سنة

حكم الصلاة في المسجد الأبعد خلف إمام سنة Q إذا كان المسجد قريباً من مسجد آخر بفرسخ أو أقل منه، ولكن المسجد القريب فيه إمام غير معروف بالسنة وبالمنهج الصحيح، والمسجد الأبعد معروف بالعلم والسنة، فأين نصلي جزاكم الله خيراً؟ A تصلي مع الإمام المعروف بالسنة، وتحتسب أجر الخطوات، والأبعد أفضل من الأقرب.

حكم صيام اليوم الذي لم يعلموا بأنه عيد إلا في الظهر

حكم صيام اليوم الذي لم يعلموا بأنه عيد إلا في الظهر Q إذا لم يعلموا عن العيد إلا بعد الظهر فإنهم يؤدون العيد من الغد قضاء، فهل يجوز صيام ذلك اليوم الذي صلوا فيه العيد؟ A لا يجوز، وذلك لأنهم جعلوه يوم عيد، فلا يجوز صيام اليومين: اليوم الذي جاءهم الخبر فيه إذا كانوا صياماً فإنهم يفطرون، واليوم الذي أدوا فيه الصلاة.

حكم إمامة الفاسق الأقرأ والأحفظ لكتاب الله

حكم إمامة الفاسق الأقرأ والأحفظ لكتاب الله Q هل يقدم الإمام الفاسق إذا كان أقرأ وأحفظ لكتاب الله، أفتونا مأجورين؟ A يقدم إذا لم يوجد غيره، أما إذا وجد من هو محسن للقراءة وقائم بالصلاة وسالم من الفسوق فإنه الأحق.

حكم من يتعمد عدم حضور خطبتي الجمعة ويحضر للصلاة

حكم من يتعمد عدم حضور خطبتي الجمعة ويحضر للصلاة Q من تعمد عدم حضور صلاة الجمعة إلى بعد الخطبتين وبداية الصلاة، فما حكم عمله هذا؟ A لا شك أنه مخطئ وأنه فوت على نفسه أجراً كبيراً وعملاً كثيراً، ولكن مع ذلك ما نقول: إنها بطلت صلاته، بل إنه أدرك الصلاة ولو ما أدرك إلا ركعة واحدة، فإنه يعتد بها كجمعة ولكنها ناقصة.

حكم تأدية صلاة الظهر جماعة بعد الجمعة بنية القضاء

حكم تأدية صلاة الظهر جماعة بعد الجمعة بنية القضاء Q صليت في إحدى الدول، فلما انتهت الصلاة قام الإمام والجماعة بالإقامة وصلوا أربع ركعات بعد ما صلوا الجمعة، يقولون: إن هذا قضاء، فما حكم ذلك؟ وما حكم الصلاة معهم وجزاكم الله خيراً؟ A هذه بدعة، ولا يجوز، ويظهر أن هذا من فعل بعض الرافضة الذين إذا صلوا الجمعة مع الجماعة قاموا وصلوا ظهراً؛ لاعتقادهم أن صلاتهم مع السنة باطلة، وأنها لا تصح الصلاة إلا خلف معصوم، فلذلك يعيدون الصلاة.

وقت ابتداء ليلة الجمعة وانتهاء يومها

وقت ابتداء ليلة الجمعة وانتهاء يومها Q متى يبدأ يوم الجمعة وليلة الجمعة؟ A ليلة الجمعة تبدأ من غروب الشمس يوم الخميس، هذه ليلة الجمعة، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس ليلة السبت.

وقت ابتداء الساعة الأولى من يوم الجمعة

وقت ابتداء الساعة الأولى من يوم الجمعة Q متى تبدأ الساعة الأولى في يوم الجمعة؟ A الصحيح أنها تبدأ في الساعة الواحدة بالتوقيت الغروبي، والتوقيت موجود تقرءونه كله.

حكم صلاة من تكلم أثناء خطبة الجمعة

حكم صلاة من تكلم أثناء خطبة الجمعة Q إذا تكلم رجل أثناء خطبة الإمام فهل عليه إعادة الصلاة ظهراً، أم أنها تحتسب له ظهراً دون أن يعيدها؟ A الصحيح أنه لا يلزمه الإعادة ولا نقول ببطلانها، ولكن الأحاديث فيها هذا الوعيد من باب الزجر عنه.

حكم قراءة سورة السجدة في ركعتي صلاة الفجر يوم الجمعة

حكم قراءة سورة السجدة في ركعتي صلاة الفجر يوم الجمعة Q بعض الأئمة يقرأ في يوم الجمعة سورة السجدة ويقسمها على الركعتين، فهل عمله هذا صحيح؟ A خطأ، لابد إذا أراد السنة أن يقرأ السورتين، وليس القصد قراءة السجدة، وليس القصد أن يسجد، بل القصد سورتين كان يحافظ عليهما؛ لما فيهما من الوعد والوعيد، والثواب والعقاب والمبدأ والمعاد.

حكم قراءة سورة الكهف فجر يوم الجمعة وفضلها

حكم قراءة سورة الكهف فجر يوم الجمعة وفضلها Q ما حكم قراءة سورة الكهف في فجر يوم الجمعة؛ وذلك لفضل قراءتها؟ A ذكرنا أن فيها أحاديث ولو كان فيها ضعف، ولكن مجموعها يدل على فضل قراءة سورة الكهف سواء في ليلة الجمعة أو في صبحها أو في يومها، فيقرؤها الأفراد لما ذكر من ثوابها، وأما كون الإمام يقرأ بها في الصلاة فذلك غير مشروع، فإذا قرأ بها لمناسبة فلا بأس.

حكم صلاة التسابيح

حكم صلاة التسابيح Q ما حكم صلاة التسابيح؟ A ورد فيها أحاديث ولكنها ضعيفة، لم يروها الإمام أحمد ولم ترو في الصحيحين، وإنما رويت في سنن أبي داود والترمذي، ولكن لفظها غريب وأسانيدها غريبة، فلا نستحبها.

حكم اضطرار الخطباء للمأمومين على إجابة السؤال

حكم اضطرار الخطباء للمأمومين على إجابة السؤال Q عندنا خطباء يضطرون المستمعين للكلام، كأن يقولوا: وحدوا الله، أو: من الواحد؟! من الواجد؟ لكي يقولوا: الله، بحجة أن بعض العلماء يفعل ذلك، فهل هذا جائز؟ A غير جائز، وإذا كانوا مثلاً خاطبوا المصلين بمثل هذا الذي يذكرونه على أنه سؤال، فعلى المأمومين أن لا يخاطبوهم وأن ينصتوا، ولا يجيبوهم بجواب، ولهم أن يجيبوا أنفسهم، وللخطيب أن يجيب نفسه.

حكم صلاة الخطيب ركعتين قبل صعوده على المنبر

حكم صلاة الخطيب ركعتين قبل صعوده على المنبر Q صليت الجمعة في إحدى المناطق، وعندما دخل الخطيب صلى ركعتين ثم صعد المنبر فما رأيكم في ذلك؟ A لا بأس بذلك إذا دخل مبكراً، أما إذا دخل متأخراً قرب وقت الصلاة فالأولى أن يدخل ويجلس على المنبر مباشرة.

حكم أداء الخطبة بغير اللغة العربية

حكم أداء الخطبة بغير اللغة العربية Q هل تجوز الخطبة بغير اللغة العربية؟ A الأصل أنها لا تجوز، لكن إذا كانوا لا يفهمونها فتترجم، يخطب خطبة فيها أركان الخطبة وشروطها باللغة العربية ولو لم تستغرق إلا دقيقة أو ثلاثاً، ثم يكلمهم ويترجم لهم باللغة التي يفهمونها.

حكم استخدام مصطلحات وكلمات بلغة غير العربية

حكم استخدام مصطلحات وكلمات بلغة غير العربية Q هل يجوز استخدام كلمات أو مصطلحات باللغات الأجنبية في أثناء الخطبة؟ A يجوز عند الحاجة إذا كانوا لا يفهمون إلا تلك المصطلحات.

حكم من تعمد أكل الثوم والبصل للهروب من صلاة الجماعة

حكم من تعمد أكل الثوم والبصل للهروب من صلاة الجماعة Q من يتعود أكل الثوم والبصل دائماً قبل الصلاة لكي يكون عذراً له لعدم حضور صلاة الجماعة، فهل فعله جائز؟ A غير جائز، وليس بمعذور، ويستحق التعزير؛ لأنه تعمد ترك الصلاة، ولا تسقط عنه الجماعة والحال هذه.

حكم سجود السهو لمن تكرر سهوه

حكم سجود السهو لمن تكرر سهوه Q سها رجل في الصلاة ثم قبل أن يتمها سها مرة ثانية، ماذا عليه؟ وكيف يكون سجوده؟ A ليس عليه إلا سجود واحد، ولو تكرر السهو. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [11]

شرح أخصر المختصرات [11] من عظمة هذا الدين شموليته في أحكامه، فإن الإسلام قد استوعب جميع نواحي الحياة، وقد شملت أحكامه كل صغيرة وكبيرة، فما من مرحلة يمر بها الإنسان إلا وهي عامرة بأحكام الشريعة، ومن ذلك: الموت، فإن كل نفس ذائقة الموت، ولذلك فإن الإسلام قد وضع الأحكام الشاملة لكل جزئيات هذه المرحلة، من بداية مرض الموت، مروراً بالوصية والاحتضار، إلى قسمة التركة وتنفيذ الوصية والتعزية والحداد ونحو ذلك، وهذا يدل على عظمة هذا الدين، وأنه من عند الله، وأن الله كرم هذا الإنسان إذ سن له الشرائع والأحكام في جميع مراحل حياته.

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قرأنا في الليلة الماضية ما يتعلق بالجمعة، ومن تلزمه الجمعة، وشروطه، وحكم من صلى ظهراً ممن تلزمه الجمعة، وسفر من تلزمه قبل الزوال أو بعده، وشروط صحة الجمعة، والخلاف في العدد المشترط لحضورها، والراجح أن اشتراط الأربعين ليس بلازم، وأنها تصح باثني عشر، وتدرك الجمعة بإدراك ركعة كاملة، واشتراط الخطبتين، وما يشترط فيهما، وما يسن، وعدد ركعات الجمعة، وما يقرأ فيها، وتعدد الجمعة في البلد، والسنة بعدها وقبلها، وما يستحب في الجمعة من القراءة، وما يكره فيها، وأنه يحرم تخطي الرقاب، وأن يقيم غيره، وأن يتكلم حال الخطبة. كذلك صلاة العيد: ذكرنا حكمها ووقتها، وحكم ما إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد خروج الوقت، وشروط وجوبها، وما يشترط لصحتها من العدد والاستيطان، وحكم من فاتته الصلاة أو بعضها، وأين تؤدى؟ وما هي التي تؤخر من صلاة العيدين والتي تقدم؟ وما هي التي يؤكل قبلها والتي لا يؤكل قبلها؟ والتكبيرات الزوائد في الصلاة، وما يكون بين كل تكبيرتين، وما يقرأ في صلاة العيد، وخطبة العيد ومقدارها، والتكبير المطلق والتكبير المقيد. وذكرنا صلاة الكسوف وسببها وتطويلها، وكون كل ركعة أطول من التي قبلها، وكل ركن كذلك. وذكرنا صلاة الاستسقاء، وسببها، وصفتها، وأين تؤدى؟ وماذا يتقدمها من المواعظ والأعمال الصالحة؟ وصفة من يخرج إليها، ومن يستحب خروجهم ومن لا يستحب، وما يستحب في الخطبة، وأنه يدعو فيها بما ورد، وذكر بعض الأدعية. وبهذا نعلم أن الشريعة الإسلامية جاءت بكل المصالح، فشرعية صلاة الاستسقاء لأجل إزالة الضرر عن المسلم، فقد يعم المسلمين ضرر كقحط أو جدب أو نحو ذلك، فإذا كان القحط في جهة من البلاد فإن الجميع يؤدون صلاة الاستسقاء، ولو كان بعضهم ليس عنده قحط؛ وذلك لأن مصيبتهم واحدة؛ ولذلك يشاهد أنها تكثر الأمطار في جهة وتخف في جهة، فيستغيثون ويستسقون ربهم كلهم، وهذا يحقق قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) . قال رحمه الله تعالى: [كتاب الجنائز: ترك الدواء أفضل، وسُن استعداد للموت، وإكثار من ذكره، وعيادة مسلم غير مبتدع، وتذكيره التوبة والوصية، فإذا نزل به سن تعاهد بلِّ حلقه بماء أو شراب، وتندية شفتيه، وتلقينه (لا إله إلا الله) مرة، ولا يزاد على ثلاث، إلا أن يتكلم فيعاد برفق، وقراءة الفاتحة ويس عنده، وتوجيهه إلى القبلة، وإذا مات تغميض عينيه، وشد لحييه، وتليين مفاصله، وخلع ثيابه، وستره بثوب، ووضع حديدة أو نحوها على بطنه، وجعله على سرير، وغسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه، وإسراع في تجهيزه، ويجب في نحو تفريق وصيته وقضاء دينه. فصل: وإذا أخذ في غسله ستر عورته، وسن ستر كله عن العيون، وكره حضور غير معين، ثم نوى وسمى، وهما كفي غسل حيّ، ثم يرفع رأس غير حامل إلى قرب جلوس، ويعصر بطنه برفق، ويكثر الماء حينئذٍ، ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها، وحرم مس عورة من له سبع. ثم يدخل أصبعيه وعليها خرقة مبلولة في فمه، فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما بلا إدخال ماء، ثم يوضئه، ويغسل رأسه ولحيته برغوة السدر، وبدنه بثُفله، ثم يفيض عليه الماء. وسن تثليث، وتيامن، وإمرار يده كل مرة على بطنه، فإن لم ينق زاد حتى ينقى. وكره اقتصار على مرة، وماء حار وخلال وأشنان بلا حاجة، وتسريح شعره. وسن كافور وسدر في الأخيرة، وخضاب شعر، وقص شارب، وتقليم أظفار إن طالا، وتنشيف. ويجنب محرم مات ما يجنب في حياته. وسقط لأربعة أشهر كمولود حياً، وإذا تعذر غسل ميت يمم. وسن تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض بعد تبخيرها، ويجعل الحنوط فيما بينها، ومنه بقطن بين إلييه، والباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده، ثم يرد طرف العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم الأيمن على الأيسر، ثم الثانية والثالثة كذلك، ويجعل أكثر الفاضل عند رأسه. وسن لامرأة خمسة أثواب: إزار وخمار وقميص ولفافتان، ولصغيرة: قميص ولفافتان، والواجب ثوب يستر جميع الميت. فصل: وتسقط الصلاة عليه بمكلف، وتسن جماعة، وقيام إمام ومنفرد عند صدر رجل ووسط امرأة، ثم يكبر أربعاً، يقرأ بعد الأولى والتعوذ الفاتحة بلا استفتاح، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية كفي تشهد، ويدعو بعد الثالثة، والأفضل بشيء مما ورد، ومنه: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار، وافسح له في قبره، ونور له فيه) . وإن كان صغيرًا أو مجنونًا قال: اللهم اجعله ذخراً لوالديه، وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم، ويقف بعد الرابعة قليلاً، ويسلم ويرفع يديه مع كل تكبيرة. وسن تربيعٌ في حملها، وإسراعٌ، وكون ماشٍ أمامها، وراكبٍ لحاجةٍ خلفها، وقرب منها، وكون قبرٍ لحداً، وقول مدخل: (باسم الله، وعلى ملة رسول الله) ، ولحده على شقه الأيمن، ويجب استقباله القبلة، وكره بلا حاجة جلوس تابعها قبل وضعها، وتجصيص قبر، وبناءٌ وكتابةٌ، ومشيٌ وجلوسٌ عليه، وإدخاله شيئاً مسته النار، وتبسمٌ وحديثٌ بأمر الدنيا عنده. وحرم دفن اثنين فأكثر في قبرٍ إلا لضرورةٍ، وأي قربةٍ فعلت وجعل ثوابها لمسلمٍ حي أو ميتٍ نفعه. وسن لرجال زيارة قبر مسلم، والقراءة عنده، وما يخفف عنه، ولو بجعل جريدة رطبة في القبر، وقول زائر ومار به: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) . وتعزية المصاب بالميت سنة، ويجوز البكاء عليه، وحرم ندب ونياحة، وشق ثوب ولطم خد ونحوه] . ألحقوا كتاب الجنائز بالصلاة؛ لأن أهم ما يعمل مع الميت الصلاة عليه، واسمها صلاة ولو لم يكن فيها ركوع وسجود؛ لأن فيها قياماً، وقراءة، وتكبيرات، وتحريماً، وتسليماً، فأشبهت الصلاة، ولأنه يشترط لها الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، ونحو ذلك، فأصبحت من جنس الصلاة. ولما كان كذلك ذكروا كتاب الجنائز بعد كتاب الصلاة، وذكروا ما يتعلق بالجنائز، وإن لم يكن من جنس الصلاة.

أيهما أفضل: التداوي أم تركه؟

أيهما أفضل: التداوي أم تركه؟ هل ترك التداوي أفضل أم فعله؟ يقولون: من كان قوي القلب، وقوي الصبر، ويأمن ألا يضجر ولا يشتكي ولا يتضجر ولا يتأوه، بل يثق في نفسه بأنه يرضى بقضاء الله وبقدره؛ فإن ترك الدواء توكلاً على الله تعالى أفضل في حقه، كما في حديث السبعين ألفاً: (لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) ومع ذلك فإن الدواء جائز، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم (تداووا عباد الله! ولا تتداووا بحرام) ، وقوله: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم، وكية نار، وشربة عسل) يعني: أن هذه أقرب لحصول الشفاء، ولا ينفي حصول الشفاء في غيرها، فهذا دليل على إباحة التداوي، وإذا أراد الإنسان التداوي فإنه مع ذلك يتوكل على الله، ويعتقد أن ربه سبحانه هو الذي أنزل الداء، وهو الذي أنزل الدواء، وهو الذي أمر بالعلاج وأباحه، كما أمر بالغذاء والأكل والشرب لدفع ألم الجوع والعطش وما أشبه ذلك، فعلى هذا يكون الدواء مباحاً، ولا ينافي التوكل إذا علم أن الله تعالى مسبب الأسباب.

من السنة الاستعداد للموت بالأعمال الصالحة

من السنة الاستعداد للموت بالأعمال الصالحة يقول المؤلف رحمه الله: (يسن الاستعداد للموت) الاستعداد له هو بعمل الصالحات، وكان كثير من السلف يعملون من الأعمال الصالحة ما لا مزيد عليه؛ حتى لو قيل لأحدهم: إنك تموت الليلة أو غداً لم يكن هناك ما يزيد في عمله؛ لأنه عامل بكل ما يستطيعه وما يقدر عليه، فالاستعداد له هو أن يعمل الأعمال الصالحة، ويترك السيئات، ويتوب دائماً، ويجدد التوبة في كل صباح وفي كل مساء حتى إذا جاءه الموت يكون مستعداً، ولا يقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:10-11] . ويسن الإكثار من ذكره، ففي حديث صحيح عند الترمذي وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هاذم اللذات) هكذا ضبطوه بالذال، يعني: مكدرها، أي: أنه ما ذكر في قليل إلا كثره، ولا في كثير إلا قلله، فإذا أكثر من ذكره فإن ذكره يزهده في الدنيا وما عليها، ويرغبه بالقناعة، ويقنعه بما أعطاه الله ولو كان قليلاً، وكذلك إذا كان ذا ثروة وذا أموال ونحوها، ثم تذكر الموت علم أنه ذاهب وتارك هذه الدنيا كلها، وأنه ليس له إلا ما قدم، فيحرص على أن يقدم الخير.

استحباب عيادة المسلم غير المبتدع

استحباب عيادة المسلم غير المبتدع تسن عيادة المسلم غير المبتدع، والعيادة: هي زيارة المريض في حال مرضه؛ لأنه محبوس قد حبسه المرض، فهو يحب من إخوانه وأصدقائه أن يعودوه، فإذا عادوه دعوا له، وذكروه، وحثوه على الصبر، وحثوه على التوبة، وحثوه على كتابة وصيته وما عنده، ونفسوا له في أجله، فيقولون له: أبشر بالعافية وبالشفاء، فإن فرج الله قريب، فإن الله تعالى يثيبك على صبرك، وإن المؤمن مبتلى، وإن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فزيارته في حال مرضه وحال احتباسه فيها أجر كبير، وقد وردت فيها أحاديث كثيرة مذكورة في كتب الآداب. ولا يسن زيارة المبتدع وصاحب البدعة، سواء كانت بدعته بدعة اعتقادية كالمعتزلي والرافضي والقبوري والمتصوف الغالي في التصوف ونحوهم، أو بدعة عملية كالذين يبتدعون أعمالاً زائدة على الشرع مثل بدعة المولد، وبدعة الرغائب، وما أشبهها، وأشدها ما يكون من الشرك كبدعة المشركين الذين يغلون في الأموات ويدعونهم من دون الله، فلا يجوز عيادتهم. وإذا زاره ونفس له في الأجل، فإن ذلك لا يرد قدراً، ولا يغير شيئاً، فيقول له: سوف تشفى إن شاء الله، ومثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد لما زاره: (لعلك أن تشفى حتى ينفع الله بك قوماً ويضر بك آخرين) . ويستحب تذكيره بالتوبة، فعلى الإنسان أن يجددها في كل صباح ومساء؛ لأن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.

ما يستحب فعله عند المحتضر

ما يستحب فعله عند المحتضر يجب على الإنسان -إذا كان عنده شيء- أن يبادر بكتابة الوصية، وليست كتابة الوصية مقربة للأجل أو مبعدة له، فيبادر بكتابة وصيته ولو كان صحيحاً قوياً، وفيها أحاديث. قال رحمه الله: (فإذا نزل به سُن تعهد بلِّ حلقه بماء أو شراب، وتندية شفتيه) وذلك ليسهل عليه الكلام، ويسهل عليه أن ينطق بالشهادة، ويسهل عليه أن يتكلم بما يريد أن يوصي به. قال رحمه الله: (وتلقينه لا إله إلا الله مرة، ولا يزاد على ثلاث، إلا أن يتكلم فيعاد تلقينه برفق) ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) والمراد: المحتضر الذي حضره الأجل، يلقن برفق حتى لا يضجر، ويكررها؛ لأنه عند النزع في حالة شدة، وفي حالة ألم شديد؛ فلا يشدد عليه، وإنما يلقن برفق، فيقال: قل: لا إله إلا الله، أو يذكر عنده كلمة لا إله إلا الله، ولا يكرر عليه أكثر من ثلاث، فإن تكلم بعدها يعاد تلقينه برفق، ولا يكلف الشيء الذي لا يستطيعه. قوله: (وقراءة الفاتحة ويس عنده) أما سورة يس فقد ورد فيها حديث مذكور في السنن: (اقرءوا على موتاكم يس) ، واستحب بعضهم قراءة الفاتحة، ذكر ذلك في سبل السلام، واستحب بعضهم قراءة سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] ، واستحب بعضهم قراءة البقرة، ولكن لعل هذه وقائع دون أن يكون فيها نص، وكأنه وقع أن بعض الصحابة أو بعض العلماء قال: اقرءوا عليه سورة البقرة، وآخر قال: اقرءوا الفاتحة، وآخر قال: اقرءوا الملك، ولكن النص ما ورد إلا في سورة يس، ولعل السر في اختيار يس ما فيها من البشارة مثل قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس:26] ، ومثل قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} [يس:55] ، فإن في هذا ما يقوي قلبه.

ما يستحب فعله بالميت بعد خروج روحه

ما يستحب فعله بالميت بعد خروج روحه يستحب توجيه المحتضر إلى القبلة، بأن يجعل على جنبه الأيمن، ووجهه إلى القبلة، فإن شق عليه ذلك فإنه يستلقي على ظهره، ويرفع رأسه حتى يكون وجهه إلى القبلة، وتكون رجله إلى جهة القبلة، لتكون القبلة مقابل وجهه، واختلف في حكم ذلك، فأنكره بعضهم كـ سعيد بن المسيب، واستحبه بعضهم كـ حذيفة حيث قال: وجهوني، واستدلوا بحديث: (قبلتكم أحياء وأمواتاً) ، فهو مستحب. قوله: (وإذا مات يسن تغميض عينيه، وشد لحييه، وتليين مفاصله، وخلع ثيابه، وستره بثوب، ووضع حديدة أو نحوها على بطنه، وجعله على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه) تغميض عينيه ورد فيه قوله عليه السلام: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) فيسن إذا رأوا أنه قد نزل به أن يغمضوا عينيه؛ وذلك لأنه إذا مات وهي مفتوحة بقيت مفتوحة دائماً، وفيه شيء من التشويه لمظهره وصورته، فيغمضه الذين يحضرونه. وأما شد لحييه فلمخافة أن يبقى فمه مفتوحاً حالة غسله، وحالة تجهيزه، فيشد حتى ينطبق فمه مع أسنانه. وأما تليين مفاصله فالحكمة في ذلك أن تلين عند الغسل، وذلك بأن يمد يده ثم يثنيها، ويمد منكبه ثم يثنيه، وهكذا يفعل بيده الأخرى، وكذلك يفعل برجليه، فيقبض رجله ليثنيها ثم يمدها مرتين أو ثلاثاً حتى تلين عند الغسل. قوله: (وخلع ثيابه) يعني: الثياب التي مات فيها يسن أن تخلع ساعة موته، ويستر برداء أو نحوه، ذكروا أنه صلى الله عليه وسلم لما مات ستروه بثوب حبرة. وأما وضع الحديدة أو شيء ثقيل على بطنه؛ لأنه عادة يربو وينتفخ، فتوضع هذه حتى لا ينتفخ بعد موته، فتضغط عليه هذه الحديدة أو الخشبة أو نحو ذلك، وبعضهم يجعل عليه مصحفاً، ولا أصل لذلك، حتى ولو قالوا: إن فيه البركة ونحو ذلك فالأولى أن يتبع الدليل، ولا دليل على استحباب جعل المصحف على بطنه. قوله: (ووضعه على سرير غسله) يعني: يبادر إلى وضعه على سرير غسله إذا تيسر ذلك بعد موته مباشرة متوجهاً يعني: موجهاً وجهه إلى القبلة، منحدراً نحو رجليه، يعني: ترفع جهة رأسه، وتخفض جهة رجليه حتى إذا خرج منه شيء ينحدر، ولا يلوث بقية بدنه.

استحباب الإسراع في تجهيز الميت وتنفيذ وصيته وقضاء دينه

استحباب الإسراع في تجهيز الميت وتنفيذ وصيته وقضاء دينه يسن الإسراع في تجهيز الميت، وقد ورد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) يعني: أن إبقاءه عندهم بدون تجهيز وهو ميت لا فائدة فيه، فليس له إلا أن يجهز ويدفن قبل أن يتغير وينتن، فإنه عادة يسرع إليه التغير، فيبادرون بتجهيزه، ويستثنى من ذلك إذا مات فجأة؛ مخافة أنها غشية غلبت عليه وأنه سوف يصحو ويفيق، أما إذا تحقق أنه مات وخرجت روحه فالإسراع في تجهيزه أولى. وكذلك الإسراع في تفريق وصيته وقضاء دينه، وهذا يتعلق بأوليائه، فإذا أوصى فيجب أن تنفذ وصيته، سواء كانت وصية مالية في ماله، أو وصية بإبلاغ شيء أو نحوه، وكذلك الإسراع في إبراء ذمته من الدين، وقد ورد في ذلك حديث: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) فيسارعون في قضاء دينه حتى يرتاح من ذلك، وقد ورد في حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم أُتي برجل فقال: هل عليه دين؟ فقالوا: ديناران، فقال: صلوا عليه، فقال أبو قتادة: هما علي، فسأله بعد ذلك: هل قضيتهما؟ قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلدته) فيسارعون بقضاء دينه بقدر الاستطاعة، فإذا كان عليه دين وهم عاجزون فإنهم معذورون.

تجهيز الميت من فروض الكفاية

تجهيز الميت من فروض الكفاية وتجهيز الميت من فروض الكفاية، وتغسيله يلزم من علم بحاله، وهو من فروض الكفاية، وكذلك تكفينه وحمله والصلاة عليه ودفنه، كل هذه من فروض الكفاية، فلو تركوه وهم عالمون بذلك أثموا؛ بسبب أنهم فرطوا في شيء واجب عليهم جميعاً، فيأثم كل من علم أنه دفن بلا غسل، أو نحو ذلك. والجاهلون عليهم أن يتعلموا، وفي كثير من البوادي يجهلون الحكم، فإذا ما مات الميت حفروا له حفرة كأنه جيفة حيوان ودفنوه فيها، بدون تغسيل، وبدون تكفين، وبدون صلاة عليه، ولا شك أن هذا حرام على من يعلم الحكم، وأن عليهم أن يتعلموا.

كيفية غسل الميت

كيفية غسل الميت صفة تغسيل الميت أن تنزع ثيابه المعتادة، وأن يستر بثوب، فإذا بدءوا بتغسيله وضعوا على عورته سترة تستر ما بين السرة إلى الركبة، ووضعوه على سرير، وبدءوا بالتغسيل. وكذلك يستر عن العيون، بأن يستر في داخل غرفة مغلقة الأبواب والنوافذ، ولا يراه أحد إلا الذين يتولون تغسيله، ولا يجوز أن يغسل أمام الناس، ويتأكد أن يكون تحت سقف، وإذا لم يجدوا مكاناً مسقوفاً غسلوه في مكان مكشوف السقف، ولكن الأولى أن يكون في محل مستور. ويكره أن يحضره إلا أهل التجهيز: الذي يدلك، والذي يصب عليه الماء، والذي يعلمهم بأن يقول: افعلوا كذا وكذا، يعني: الذين يقومون بتجهيزه هم الذين يحضرونه، ولا يجوز أن يحضره غيرهم لعدم الحاجة إلى ذلك. ولابد من النية، فينوي تغسله الذي يتولاه. ثم يسمي فيقول: باسم الله؛ وذلك لأنه ينوي رفع حدث عنه، والنية والتسمية مثل النية والتسمية في غسل الحيض، وقد عرفنا أن التسمية فيها خلاف، والمشهور أنها واجبة، وأن النية شرط، يعني: في غسل الحيض. وبعد أن ينوي المغسِّل يرفع رأسه إلى قرب جلوسه، فيعصر بطنه برفق؛ ليخرج ما كان متهيئاً للخروج، فقد يكون في بطنه شيء، فإذا عصر بطنه برفق خرج، ولكن لا يعصره عصراً شديداً مخافة أن تخرج أمعاؤه، بل يعصر برفق، ويكثر من صب الماء حينئذٍ مخافة أن يخرج منه شيء له رائحة، فإذا أكثر من صب الماء فإنه يحمل الخارج بسرعة. ويستثنى من ذلك الحامل، فلا يرفع رأسها، ولا يعصر بطنها؛ لأن ذلك قد يسبب خروج الحمل أو انشقاق البطن أو نحو ذلك. وبعد أن يبدأ في تغسيله يلف على يده خرقة أو ليفة ينجيه بها، ويغسل بذلك فرجيه، فيدخل يده من تحت الستارة فيغسل قبله ودبره وما حول ذلك إلى تحت السترة، ويصب الماء على السترة ولا يكشفها، ولا يحل له أن ينظر إلى عورة مكلف، وهو من بلغ عشر سنين أو فوقها، فلا تكشف عورته، وإنما يدخل يده تحت السترة، ويصب الماء ويدلكه وعلى يده هذه اللفافة من خرقة أو نحوها. قوله: (ويحرم مس عورة من له سبع سنين) يعني: من تمت له سبع سنين يحرم مس عورته وهما الفرجان. وأيضاً ينظف فمه ومنخريه، ولا يدخلهما الماء، فلا يدخل الماء في فمه ليمضمضه مخافة أن يدخل الماء إلى جوفه فيحرك النجاسة، وكذلك في أنفه، وإنما يلف على إصبعيه خرقة، فيبل الخرقة فينظف بها فمه وأسنانه ومنخريه، ولا يدخلها الماء. ثم يبدأ بأعضاء الوضوء، وينوي وضوءه، فيغسل وجهه كما يغسل وجه المتوضئ، ثم يغسل ذراعيه، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه، كأنه وضوء حي، هذا أول ما يبدأ به أن يوضئه. ثم بعد أن يوضئه يبدأ بغسل رأسه فيدلك رأسه، والرأس عادة فيه الشعر، والشعر يحتاج إلى دلك، وغالباً ما يكون فيه وسخ، فلأجل ذلك قالوا: يغسله بورق السدر، فيجعلون السدر في طست أو في إناء كبير، ثم يخضخضونه إلى أن يكون له رغوة، فيأخذون هذه الرغوة فيغسلون بها الشعر، ويدلكون الشعر، ولا يأخذون بثفل السدر؛ لأنه قد يدخل بين الشعر، فيكتفون بغسله بالرغوة، وكذلك اللحية يغسلها برغوة السدر حتى لا تدخل فيها حبات من حثالة ورق السدر. والسدر معروف، فإذا يبس يسحق جيداً حتى يكون ناعماً كالدقيق، فيقوم مقام الصابون، يعني: تغسل به الأواني، وينظف به الجلد، وينظف به الثياب، فهو يقوم مقام الصابون، وهو من جملة المنظفات، فيستعمل في غسل الميت، كما أنهم كانوا يستعملونه لغسل الحي؛ لحديث أم سلمة لما كانت حادّة على زوجها فكانت تغسل رأسها بشيء من المزيل، فأمرها أن تغسل رأسها بالسدر بدلاً من الأشنان، وذكر أن الأشنان يشب الوجه، فقال: (اغسليه بالسدر) يعني: رأسها عندما تحتاج إلى اغتسال من حيض أو نحوه. فيغسل رأسه ولحيته برغوة السدر، ويغسل بدنه بثفل السدر، يعني: بحثالته وبقية الماء الذي اختلط به، والعادة أن الماء يكتسب قوة من هذا السدر، فتكون فيه قوة تنظيف، يعني: قد يؤخذ ملئ الكأس من السدر، فيصب في طست يسع عشرين لتراً أو نحوه، ويكفيه هذا المقدار، فيغسل به الرأس والبدن. قوله: (ويسن التثليث) بأن يغسله ثلاثاً (والتيامن) بأن يبدأ بشقه الأيمن، فيبدأ من رأسه، فيغسل شقه الأيمن الذي هو عنقه ويده اليمنى وجنبه الأيمن الذي أمام والذي خلف وفخذه إلى قدمه، ثم بعد ذلك يقلبه ويغسل جنبه الأيسر، يعني: يصب الماء ويدلكه، ويلف على يده خرقة أو ليفة يدلك بها جسده أو نحوها حتى لا يمس بشرته بيده، بل بواسطة هذه اللفافة ونحوها، فإذا غسله ثلاثاً اكتفي بذلك، وتجزئ واحدة منظفة. قوله: (ويمر يده في كل مرة على بطنه) يعني: يعصر بطنه عصراً خفيفاً حتى يخرج منه ما هو مستعد للخروج من النجاسات ونحوها، فإذا كان عليه وسخ شديد واحتيج إلى تكرار الغسل فيزاد على الثلاث، ولكن يسن أن تكون وتراً؛ لحديث أم عطية أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اغسلنها ثلاثاً أو خمسا ً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدرٍ، واجعلن في الغسلة الآخرة كافوراً) فالقطع على وتر أفضل، فإذا احتاجوا إلى الغسلة الرابعة أضافوا إليها خامسة، فإن احتاجوا إلى ست أضافوا إليها سابعة، وفي كل غسلة يبدءون من أعلاه، يصبون عليه الماء ويدلكونه إلى رجليه. ويكره أن يقتصر على غسلة واحدة مع إجزائها، فالغسلة الواحدة مجزئة، ولكن الأفضل ألا يقصر عن ثلاث. ويستعمل الماء الحار والأشنان عند الحاجة إليه، والماء الحار قد يكون أقوى في التنظيف، فإذا احتيج إليه استعمل، وإن لم يحتج إليه فلا يستعمل، لماذا؟ لأنه يرخي الأعضاء، فلا يحتاج إليه سيما إذا كان شديداً إلا عند الحاجة إلى التنظيف به. والخلال هو: تخليل الأسنان بعود أو نحوه إذا احتيج إلى ذلك وإلا فلا، والأشنان هو: ورق من شجر الوادي شبيه بالحمض، يؤخذ زهره ثم يجفف وييبس، ثم يسحق ويقوم مقام الصابون، وله قوة في التنظيف فيستعمل، فإذا لم تكن هناك حاجة فلا يستعمل، ويكتفى بالسدر. وإذا كان على المرأة شعر طويل فإنه يسرح بمشط أو نحوه، كما ذكرت أم عطية أنهم جعلوا قرون رأسها ثلاثة قرون، والقرن هو الظفيرة، فجعلوه ثلاث ظفائر، وألقوها خلفها، وإذا كان على الرجل شعر طويل فإنه يسرح بالمشط ونحوه حتى ينظف. وذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ أم عطية: (واجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً) والكافور معروف، يوجد عن العطارين ونحوهم، وهو شيء أبيض يسحق ثم يخلط بالماء في الغسلة الأخيرة، وفائدته: أنه يصلب الأعضاء، ويصلب البشرة، ومعلوم أنه بعد السدر يحتاج إلى غسلة أخرى حتى ينظف أثره ولزوجته. وذكر المؤلف خضاب الشعر، والصحيح أنه لا حاجة إليه؛ لأنه يفعل في الدنيا، فالمرأة تخضب شعرها بالحناء أو نحوه للجمال، فأما بعد الموت فلا حاجة إلى تخضيبه. وإذا كان شارب الرجل طويلاً أو أظفاره فإنه يقص الشارب وتقلم الأظفار؛ لأنه من تمام الجمال. وأيضاً بعدما يغسل ينشف بثوب أو نحوه، إلا إذا كان محرماً فيجنب المحرم ما يجنب في حياته، بمعنى أنه لا يطيب، ولا يغطى رأسه في حال موته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (غسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) فيجنب المحرم ما يجتنب في حياته.

حكم السقط

حكم السقط السقط الذي عمره دون أربعة أشهر: الصحيح أنه لا يكفن، وإنما يلف ويدفن في مكان طاهر، وليس له حكم الإنسان، فإذا تمت له أربعة أشهر فإنه يعامل كالحي، فيغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدعى لوالديه كما لو ولد حياً، فأما ما دون الأربعة الأشهر فإنه لا حكم له. وقد ورد في الحديث أنه عليه السلام قال: (سموا أسقاطكم فإنهم شفعاؤكم) يعني: السقط الذي تم أربعة أشهر يسمى، ويعمل معه كما يعمل مع المولود حياً.

إذا تعذر غسل الميت يمم

إذا تعذر غسل الميت يمم قوله: (وإذا تعذر غسل ميت يمم) وذلك لأجل المشقة، فيضرب أحدهم يديه بالتراب، ويمسح وجهه، ويمسح كفيه، ويقوم مقام الغسل، ويمثلون لذلك بالمحترق الذي إذا غسل تمزق لحمه، فلا يستطيعون أن يغسلوه، وكذلك من كان في بدنه جروح كثيرة، وجلدته بشعة، بحيث إنه إذا صب عليه الماء تمزق جلده، وتمزق لحمه؛ فلا يغسل والحالة هذه، وهكذا أيضاً ما يحصل في حوادث السيارات، فإن كثيراً منهم بعد الحادث يكون قد تمزق أشلاء، وتقطعت أعضاؤه؛ فلا يستطيعون أن يغسلوه، فيغسلون ما يقدرون عليه من ذلك، ويلفون بعضه إلى بعض.

كيفية تحنيط الميت وتكفينه

كيفية تحنيط الميت وتكفينه قوله: (يسن تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض) ، ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كفن رسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة) ثلاث لفائف أي: خرق، كل خرقة فيً طول الميت وزيادة فوق رأسه، وخلف رجليه، هذه الثلاث اللفائف يوضع بعضها فوق بعض، توضع كل لفافة فوق الأخرى، وتبخر، يعني: بالطيب، ويجعل بينها حنوط، والحنوط هو عبارة عن أخلاط من الطيب من المسك ومن الريحان ومن أنواع الطيب، تخلط جميعاً، ثم تذر فوق اللفافة الأولى، وفوق الثانية، وفوق الثالثة، ثم يجعل الميت فوقه. قلنا: إن الحنوط مجموعة من الأطياب من مسك ومن ورد ومن ريحان وأنواع من الطيب، تجمع وتسحق، ثم توضع في قارورة أو نحوها، وعندما يراد تكفين الميت بعد ما يتم تغسيله، يجعل الحنوط على اللفائف، فيذر على اللفافة الأولى، ثم توضع عليها اللفافة الثانية ويذر فوقها، ثم اللفافة الثالثة. ويؤخذ من هذا الحنوط في قطن، ويجعل بين إليتيه، ثم يمسك على إليتيه وعلى عورته بأن تشد بخرقة على هيئة التبان مشقوقة الطرف، طولها متر، وعرضها نصف متر، تجمع إليتيه ومثانته، فتجعل تحت إليتيه، ثم تخرج بين فخذيه وتمسك عورته، ثم بعد ذلك تشق نصفين، ثم تدخل تحت جنبيه حتى تعقد خلفه وتمسك الحنوط، وتكون كهيئة التبان هكذا ذكروا. ويوضع الباقي من الحنوط على منافذ وجهه، فيجعل على عينيه، وعلى منخريه، وعلى أذنيه، وعلى حلقه، وإبطيه، وبطون ركبتيه، وبطون ذراعيه، وعلى مواضع سجوده كركبتيه وذراعيه ونحو ذلك من مواضع السجود. وعندما يوضع على السرير فوق الكفن يؤخذ طرف اللفافة فيرد من جهة ثم الطرف الثاني يرد فوقه، ثم هكذا الثانية والثالثة، ثم بعد ذلك يعقد بخرق من تحتها، فتجعل خمس خرق تمسكه أو سبع خرق، واحدة فوق الرأس، وواحدة خلف الرجلين، وواحدة فوق الرقبة، وواحدة فوق الصدر، وواحدة فوق المثانة، وواحدة على الفخذين، وواحدة على الساقين وإن احتيج إلى أكثر فلا بأس، ويجعل أكثر الفاضل على رأسه، وذلك إذا كان الكفن طويلاً. والمرأة تكفن في خمسة أثواب: إزار وخمار وقميص ولفافتين، والإزار: هو ما يستر به العورة، يعني: من السرة إلى الركبة خرقة تسترها، وتعقد على العورة، والخمار يلف على الرأس وعلى الوجه، والقميص: عبارة عن ثوب أو خرقة في طول الميت مرتين أو نحوها، فيشق في نصفها مدخل للرأس، فيدخل الرأس مع هذا الشق، فيجعل نصفها فراشاً ونصفها لحافاً، واللفافتان: مثل لفافة الرجل ترد إحداهما من الطرف الأيمن والثانية من الطرف الأيسر، ثم الثانية كذلك. والميت يوضع على السرير بعد ما توضع عليه هذه اللفائف. والصغيرة يكفي فيها قميص ولفافاتان. والمجزئ الواجب ثوب واحد يستر جميع الميت من أعلاه إلى أسلفه، وإنما اختاروا خمسة أثواب للمرأة، وثلاث لفائف للرجل؛ لأنه هو الأفضل، وإلا فالأصل أن الواحدة تكفي.

الصلاة على الميت حكمها وكيفيتها

الصلاة على الميت حكمها وكيفيتها الصلاة على الميت تسقط بواحد مكلف، فإذا صلى عليه رجل واحد بالغ عاقل مكلف فإنها تسقط عنهم، وإذا ترك ولم يصل عليه أحد فإنهم يأثمون، وتسن جماعة، ويسن كثرة الجماعة؛ وذلك لأن كل واحد منهم يدعو له، وقد ورد حديث: (ما من مسلم يصلي عليه مائة رجل لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعوا فيه) ، وفي حديث آخر: (ما من مسلم يقوم عليه أربعون رجلاً يسألون الله له المغفرة إلا غفر له) أو نحو ذلك، فكثرتهم أولى، وقد ورد في فضل الصلاة عليه أجر كبير، قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) يعني: من الأجر، كأنه حصل له هذا الأجر الكبير بصلاته على أخيه المسلم، ولا شك أن في هذا تأكيد الصلاة على الميت، وقد ورد أيضاً أن من حق المسلم على المسلم تشييعه واتباع جنازته إذا مات. وكانت الصلاة على الأموات في العهد النبوي في البقيع، فإذا أرادوا أن يصلوا عليه حملوه إلى البقيع، ثم صلوا عليه، ثم حملوه إلى قبره، وما كانوا يصلون على الجنائز في المساجد إلا قليلاً، ذكرت عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ابني بيضاء في المسجد، وكذلك أيضاً ذكرت أنه صلي على أبي بكر في المسجد، وكذلك أمرت بالصلاة على عبد الرحمن بن عوف في المسجد؛ فدل على أنه يجوز. والصلاة في المسجد في هذه الأزمنة أولى؛ وذلك لأن المساجد تجمع جماعات كثيرة، ولو لم يصل عليه إلا الذين يشيعونه لكانوا قليلاً، فلأجل ذلك يتأكد أن ينظر المسجد الذي أهله وجماعته كثير، فيصلى عليه فيه حتى يكون ذلك أقرب إلى شفاعتهم له لكثرتهم. ولا بأس أيضاً بإعلان الصلاة عليه إذا كان له أحباب يحبون أن يصلوا عليه، فيجوز الإعلان عليه في صحيفة أو في إذاعة أو نحو ذلك، ويحدد وقت الصلاة عليه، وكذلك يجوز إخبار بعضهم بعضاً: إن فلاناً توفي، وسوف يصلى عليه في المسجد الفلاني؛ لأنهم غالباً يودون أن يشتركوا في الصلاة عليه والدعاء له، فلا بأس بالإخبار حتى يكثر المصلون عليه.

شرح أخصر المختصرات [12]

شرح أخصر المختصرات [12] من محاسن هذه الشريعة ورحمتها بالمكلفين: أن شرعت الصلاة على الموتى المسلمين، والدعاء لهم، وإكرامهم بالدفن، وتشرع زيارة القبور للرجال خاصة، ويشرع إهداء الأعمال الصالحة للموتى على خلاف بين العلماء في ذلك.

كيفية صلاة الجنازة

كيفية صلاة الجنازة قال المصنف رحمه الله: [فصل: وتسقط الصلاة عليه بمكلف، وتسن جماعة، وقيام إمام ومنفرد عند صدر رجل ووسط امرأة] . الصلاة على الميت فرض كفاية، وورد فيها الأمر بقوله: (صلوا على من قال: لا إله إلا الله) يعني: على كل مسلم، ولكن لا يصلى على المبتدع المعلن بدعته، ولا على من وقع في الشرك كالقبوريين ونحوهم، الذين يجادلون عن شركهم وعبادتهم للأموات ونحوهم، والمبتدعة تترك الصلاة عليهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم هم بترك الصلاة على من عليه دين، فكذلك من يعلن بدعته ويدعو إليها، وإذا علمت الميت تاركاً للصلاة وتحققت من ذلك، فلا تصلي عليه، وإذا علمت أنه مبتدع قبوري أو رافضي أو معتزلي يعني: من غلاة الجهمية ونحوهم فلا تصل عليه، وانصح إخوتك الذين يحبون الخير ألا يصلوا عليه، ولا تدع لمن هو من دعاة الضلال. وأما من ظاهره الخير، ولو كان عنده شيء من المعاصي، فإنه أولى أن يصلى عليه، وذهب بعض العلماء إلى الصلاة على تارك الصلاة تكاسلاً، وهو غير جاحد، أو كان يصلي أحياناً أو يصلي الجمعة، قالوا: هذا أولى أن يصلى عليه؛ ويترحم عليه؛ وذلك لأنه مات وهو مسلم، لكن نقول: لا يصلى عليه من باب الزجر. وموقف الإمام من الميت -إذا كان الذي يصلي عليه فرداً واحداً- أن يقف عند صدر الرجل، وقيل: عند رأسه، والرأس والصدر متقاربان، فيكون وقوفه عند الصدر، وقد يستر الرقبة والرأس وذلك ليدعو له فإنه أولى بأن يوقف عند ذلك، أما المرأة فإنه يقف عند وسطها، أي: عند عورتها، هكذا ورد في الحديث.

عدد تكبيرات صلاة الجنازة

عدد تكبيرات صلاة الجنازة التكبيرات في صلاة الجنائز أربع تكبيرات، لكن يجوز عند المناسبة الزيادة عليها، فقد روي أن التكبير خمس، وروي ست، وأكثر ما روي سبع، فقد ثبت في صحيح البخاري أن علياً رضي الله عنه كبر على سهل بن حنيف ستاً، وقال: (إنه بدري) أي: أن له ميزة، وله فضيلة، لكونه من أهل بدر يعني: ممن حضر غزوة بدر، ولذلك رأى العلماء أن صاحب الفضل يجوز أن يكبر عليه خمس تكبيرات أو ست تكبيرات أو سبع تكبيرات، ولكن المتقرر والمعتاد والأكثر أربع تكبيرات.

القراءة والدعاء في صلاة الجنازة

القراءة والدعاء في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الأولى يقرأ الفاتحة بلا استفتاح، وإنما يستعيذ ويبسمل ويقرأ الفاتحة، واختلفوا هل يزيد عليها؟ روي في بعض الأحاديث أنه قرأ الفاتحة وسورة، وأنكر بعضهم ذكر السورة، فقد رواه البيهقي وقال: ذكر السورة ليس بمحفوظ، وناقشه بعض المتأخرين، وذكروا أنه محفوظ، وأنه مروي من طرق ثابتة، وبكل حال لم تذكر السورة في الروايات الصحيحة، فإن زادها فلا بأس. وبعد التكبيرة الثانية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مثل الصلاة في التشهد: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم، وإن شاء قال: على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبعد التكبيرة الثالثة الدعاء للميت، ويسن أن يدعو بما ورد، وذكر المؤلف هذا الدعاء؛ لأنه مأثور ووارد، فيدعو بالدعاء العام والدعاء الخاص، أما الدعاء العام فقوله: (اللهم اغفر لحينا وميتنا) إلخ، والدعاء الخاص مثل قوله: (اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه) إلخ كما في حديث مالك بن عوف، والأدعية المأثورة الصحيحة مشتهرة، ويجوز الدعاء بغير ما ورد، فقد روى أبو داود قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) يعني: ادعوا له بدعاء كثير خالص؛ ليكون ذلك أقرب إلى الإجابة فإنه قد انقطع عمله فيحب أن يزوده إخوته بهذه الأدعية الواردة وما يلحق بها. وروي أيضاً الحديث الذي فيه: (اللهم أنت ربه، وأنت خلقته، وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسره وعلانيته، جئنا شفعاء إليك فاغفر له، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، اللهم إنه عبدك وابن عبدك، نزل بجوارك وأنت خير منزول به، ولا نعلم إلا خيراً، اللهم إنك غني عن عبادته، وهو فقير إلى رحمتك ومغفرتك) أو ما أشبه ذلك، وليس هناك تحديد لعموم هذا الحديث: (أخلصوا له الدعاء) ، فيكثر من الدعاء بما تيسر. والدعاء للصغير وغير المكلف قد وردت فيه أحاديث منها: (اللهم اجعله ذخراً لوالديه وفرطاً، وأجراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم) الفرط في قوله: (وفرطاً) هو الذي يتقدم الوراد، فالقوم إذا وردوا على الماء أرسلوا واحداً يهيء لهم المورد، ويسمونه: فرطاً، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أنا فرطكم على الحوض) وسمي الطفل فرطاً؛ لأنه يتقدم أبويه ليهيئ لهما المدخل، يعني: دخول الجنة؛ ولذلك سمي فرطاً، والذخر: هو الشيء الذي يدخر للآخرة ونحوها، والشفيع: الذي يشفع في أبويه. وقوله: (ثقفل به موازينهما) ورد في حديث أن رجلاً خف ميزانه، فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه. والدعاء بكونه في كفالة إبراهيم لحديث سمرة الذي في صحيح البخاري في الرؤيا أنه قال: (ورأيت إبراهيم عليه السلام وإذا عنده خلق كثير من أولاد المسلمين بكفالته) يعني: أطفال المسلمين. ثم يكبر الرابعة، وهل يدعو بعدها أم لا؟ ذكر بعضهم أنه يدعو بعدها، وورد في بعض الأحاديث أنه وقف وأطال حتى ظنوا أنه يكبر خامسة، ولا شك أن وقوفه لابد أن يكون فيه دعاء، وقد ذكر النووي في رياض الصالحين أنه يستحب أن يقول بعد الرابعة: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله) . ثم بعد ذلك يسلم، والصحيح أنها تكفي تسليمة واحدة، وإن سلم اثنتين فلا حرج، والمعتاد أن التسليمة الواحدة يحصل بها الخروج. والتكبيرات في صلاة الجنازة مثل تكبيرات صلاة العيد، فيرفع يديه مع كل تكبيرة، وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة لصلاة الجنائز، ولا شك أن ذلك دليل على أنه من السنة.

حمل الجنازة والإسراع بها

حمل الجنازة والإسراع بها بعد ما يصلى على الجنازة يشرع حملها إلى القبر، وكانوا يحملونها على الأكتاف، ويجوز حملها على الدابة، وفي هذه الأزمنة يجوز أن تحمل على السيارة، وقد كانوا يستحبون أن يحملها أربعة، وكل واحد يحمل من الجهات الأربع حتى يكون قد حملها، فيحمل مع الجانب الأيمن المتقدم ويجعله على كتفه الأيسر، ثم يتأخر ويحمل الجانب الأيمن المؤخر فيجعله على كتفه الأيسر، ثم ينتقل فيحمل الجانب المقدم الأيسر ويحمله على كتفه الأيمن، ثم المؤخر الأيسر يحمله على كتفه الأيمن، ويكون كأنه حملها كلها، هذا معنى قوله: يسن التربيع في حملها. وأما الإسراع فاستدلوا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) وقد أخذ بعضهم بظاهر الحديث وقال: الإسراع هو شدة السير في حملها، فيسرعون في حملها جداً، ويسيرون سيراً سريعاً، حتى قالوا: إنه مر بجنازة وكأنها تنفض نفضاً، ولكن إذا كان فيه مشقة أو كان المكان بعيداً فإنهم لا يكلفون على أنفسهم، وإنما يسيرون سيراً هادئاً، ومعلوم أنهم بالسيارات لا يتمكنون من الإسراع إلا بالسير المعتاد؛ لشدة الزحام ولكثرة السيارات، فيسيرون السير الذي يمكنهم بحسب اتساع الطريق أو ضيقه. القول الثاني: أن المراد به الإسراع في التجهيز، يعني: لا تحبسوها، كما ذكرنا في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) فيكون المراد أسرعوا بتجهيزها، ويكون قوله: (تضعونه عن رقابكم) أي: تتخلصون منه؛ لأنكم ملزمون به، وليس الكل يحملونها على رقابهم، بل يحملها عادة أربعة أو نحوهم. ويسن كون الماشي أمامها والراكب خلفها، ويجوز الركوب لحاجة كما لو كان المكان بعيداً، وكانوا يحملونها على الرقاب، والأصل إباحة المشي خلفها وأمامها، والأكثر والمعتاد أنهم يمشون خلفها، وبذلك يفسر التبع في قوله: (ومن تبعها حتى تدفن) ، وهذا يدل على أنهم يتبعونها، وأنهم يكونون خلفها، أما في هذه الأزمنة ولوجود السيارات؛ فلا يتمكن من تحقيق التأخر، ولكن على حسب ما تيسر. وكذلك القرب منها، يعني: كونه قريباً منها، وهذا يتيسر إذا كانت محمولة على الأعناق، وأما إذا كانت على السيارات ففي ذلك شيء من الصعوبة.

اللحد والدفن وكيفيته

اللحد والدفن وكيفيته اللحد أفضل من الشق، وذلك أنهم إذا حفروا القبر، ووصلوا إلى منتهاه؛ لحدوا في الجانب الذي يلي القبلة، وحفروا في أحد جوانب القبر ما يكفي لإدخال الميت فيه، أما الشق فإنهم إذا وصلوا إلى قعره، شقوا في وسطه شقاً لقبر الميت، ثم صفوا عليه اللبن صفاً، وأما اللحد فإنهم ينصبون عليه اللبن نصباً، بحيث تكون كل لبنة معتمدة على قعر القبر وطرف اللحد، فيصف صفاً، وينصب نصباً لحديث سعد قال: إلحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حديث: (اللحد لنا، والشق لغيرنا) وفيه ضعف. ويقول الذي ينزله: باسم الله، وعلى ملة رسول الله، يقول ذلك عندما يدليه، وكذلك عند الدفن يقولون: باسم الله، وعلى ملة رسول الله، وذلك إشارة إلى أنهم متبعون في ذلك للسنة. فيوضع على شقه الأيمن في لحده، ووجهه إلى القبلة لحديث: (قبلتكم أحياء وأمواتاً) يعني: الكعبة، فيجب أن يوجه إلى القبلة على شقه الأيمن. قوله: (ويكره جلوس تابعها بلا حاجة) أي: قبل وضعها، وقد كانوا يؤمرون أن يقوموا إذا رأوا الجنازة، فإذا مرت بهم جنازة قاموا وقوفاً، وقد مرت بهم جنازة وهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف، فقالوا: إنها جنازة يهودي، فقال: (أليست نفساً؟!) وفي حديث آخر قال: (إن للموت فزعاً) فكانوا يستحبون أن يقوموا، وهذا من باب الاستحباب، لا أنه من باب الوجوب. ويكره جلوس تابعها قبل وضعها، وبعد الدفن يشرع أن يحثوا قِبَل رأسه ثلاث حثيات، يحثي على القبر ويقول: باسم الله، وعلى ملة رسول الله (ثلاثاً) ، إذا تيسر له ذلك.

حرمة تجصيص القبور والبناء عليها

حرمة تجصيص القبور والبناء عليها يكره -وقيل: يحرم- تجصيص القبور، والبناء عليها، والمشي والجلوس عليها، والصحيح أن هذا كله محرم، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها) ، والنهي في الأصل للتحريم، ولعل السبب في ذلك أنه إذا جصص أو بني ورفع كان ذلك سبباً للغلو فيه، فقد يعتقد العامة أنه ذو جاه، وأنه ذو مكانه؛ فيتبركون به ويدعونه فيقع الشرك، هذا هو السبب، وفي حديث علي: (لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) يعني: سويته بسائر القبور، وأزلت ارتفاعه حتى يكون مثل سائر القبور، والقبر يرفع قدر شبر أو نحو ذلك؛ ليكون ذلك علامة على أنه قبر، فأما البناء عليه ورفعه فإن ذلك داخل في النهي. وكتابة اسمه عليه على الحجر أو نحو ذلك لا يجوز، وإذا وجد فإنه يمحى. والمشي على القبور، والوطء عليها تعمداً، والجلوس عليها؛ كل ذلك لا يجوز، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر) . ولا يجوز إدخال القبر شيئاً مسته النار، وقد يتساهل بعضهم فيدخل فيه شيئاً من البلك، وهو مما مسته النار، بل يقتصر على اللبن، أو على الحجارة، أو على أعواد أو نحوها. ويكره بتأكد أن يخوضوا في حديث الدنيا وهم عند القبر، وكذلك الضحك والتبسم؛ لأنهم في حالة يذكرون فيها الموت، ويجهزون فيها أخاً لهم ميتاً، فكونهم يخوضون في الدنيا ويتبسمون ويضحكون يدل على أنهم لم يستعدوا للموت، وأنه ليس للموت فزع عندهم. ويحرم دفن اثنين أو أكثر في قبر واحد إلا لضرورة، كما حصل في قتلى أحد؛ لما كان بالمسلمين من الجراح، فكانوا يدفنون الاثنين في قبر، وذلك للضرورة، فإذا لم تكن هناك ضرورة فإن كل واحد يفرد في قبر وحده.

إهداء الأعمال الصالحة للموتى وانتفاعهم بها

إهداء الأعمال الصالحة للموتى وانتفاعهم بها قوله: (أي قربة فعلت وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفعته) هذا هو القول الصحيح، أنه يجوز أن يهدى للميت من الأعمال فتنفعه، فإذا حججت ونويت حجك عنه أو عمرتك أو صدقتك أو دعاءك أو جهادك أو نحو ذلك فإن ذلك ينفعه، واختلفوا في القراءة وفي الصلاة، والأكثرون على أنه يجوز أن تهدي إليه صلاة أو قراءة، وتقول: إذا قرأت سورة أو ختمة: اللهم اجعل ثوابها لفلان سواء كان حياً أو ميتاً، ومنع ذلك كثيرون، واستدلوا بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} [النجم:39] ، ولكن الصحيح أن الآية في الملكية، أي: ليس له الملكية إلا لما سعاه، فلا يستطيع أن يملك أعمال غيره، لكن إذا أهديت إليه تملكها.

زيارة القبور خاصة بالرجال

زيارة القبور خاصة بالرجال زيارة القبور خاصة بالرجال، ولا تجوز للنساء، ويسن للرجل زيارة قبور المسلمين، وتجوز زيارة قبور الكفار للعبرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك في أول الأمر مخافة الغلو، ومخافة الندب والنياحة، ثم بعد ذلك أذن لهم وقال: (إنها تذكركم الآخرة) أي: تزهدكم في الدنيا، وترغبكم في الآخرة، وتذكركم الموت وما بعده، فالزيارة للقبور فيها مصلحتان: الدعاء للأموات والترحم عليهم، وتذكر الآخرة والاعتبار، وقد حفظ عن أبي العتاهية أنه مر على قبور فقال: ألا يا عسكر الأحياء هذا عسكر الموتى أجابوا الدعوة الصغرى وهم منتظرو الكبرى يحثون على الزاد وما زاد سوى التقوى يقولون لكم جدوا فهذا آخر الدنيا فأهل الدنيا يكون مآلهم إلى ما آل إليه أولئك المقبورون الذين قد دفنوا. وأما زيارة النساء للقبور فلا تجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج) ، وثبت أيضاً أنه رأى نسوة ينتظرن جنازة، فقال: (هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا، هل تحملن فيمن يحمل؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات) وفي رواية: (فأنكن تفتن الأحياء، وتؤذين الأموات) . وروي أيضاً أنه رأى فاطمة قد جاءت من قبل البقيع، فسألها فقالت: (أتيت إلى أهل ذلك الميت فعزيتهم، فقال: لعلكم بلغت معهم الكدى -يعني: طرف المقابر- قالت: معاذ الله، وقد سمعتك تقول ما تقول، فقال: لو بلغتيها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك) فهذا تشديد عظيم، وهو دليل على أنه لا يجوز للنساء زيارة القبور؛ وذلك لقلة صبرهن وغير ذلك، ولا عبرة بقول بعض المتأخرين الذين أخذوا يشددون ويقولون: إنه يجوز، ويطرحون هذه الأدلة، ويتمسكون بالحديث: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزروها) فإن الخطاب للرجال. أما القراءة عند القبور فلا تجوز؛ وذلك لأنه قد يتخذ وسيلة إلى اعتقاد أن القراءة عند القبر أفضل منها في المسجد، ثم يجر ذلك إلى الصلاة عند القبور، وأنها أفضل من الصلاة في المساجد، ثم يجر ذلك إلى الغلو في الأموات واتخاذ قبورهم مساجد، فالصحيح أنه لا يجوز أن يتحرى القراءة عند القبر.

وضع الجريد على القبور من خصائصه صلى الله عليه وسلم

وضع الجريد على القبور من خصائصه صلى الله عليه وسلم قوله: (وما يخفف عنه ولو بجعل جريدة رطبة في القبر) . الصحيح أن هذا لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على قبرين يعذبان، وغرز فيهما جريدتين، هذا من خصائصه؛ لأن الله تعالى أطلعه على هذين، وأما غيره فليس له هذه الخصيصة، وليس له أن يفعل ذلك، ولو كان ذلك جائزاً لاشتهر عند السلف، ولرأيناهم يغرزون في كل قبر جريدة خضراء، فالصحيح أنه لا يجوز، إنما يدعى له، ويترحم عليه، ويسلم عليه بهذا السلام: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ، وفي رواية: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) أو بما تيسر من السلام. قوله: (وتعزية المصاب بالميت سنة) ورد فيه حديث: (من عزى مصاباً فله مثل أجره) وإن كان فيه ضعف، فالمصاب بحاجة إلى تسليته وتعزيته وتخفيف مصيبته، فيأتي إليه المعزون، ويترحمون على ميته، ويدعون له، ويحثونه على الصبر والتسلي.

جواز البكاء على الميت وتحريم النياحة

جواز البكاء على الميت وتحريم النياحة يجوز البكاء على الميت ولا يجوز النحيب، ولا يجوز الزفير الشديد، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) ، وورد أيضاً أنه بكى مرة عند بعض أصحابه، فقال: (ألا تسمعون؟! إن الله لا يعذب بحزن القلب، ولا بدمع العين، ولكن يعذب بهذا أو يرحم) يعني: اللسان، فلذلك يحرم الندب، والنياحة، وشق الثوب، ولطم الخد، وما أشبه ذلك من أمور الجاهلية، فقد كان أهل الجاهلية إذا مات فيهم الميت يلطم أحدهم خده، أو يضرب صدره، والمرأة تشق ثوبها أو تشق جيبها، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم (برئ من الصالقة والحالقة والشاقة) ، والصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: هي التي تحلق شعرها أو تنتفه، والشاقة: هي التي تشق ثوبها، وفي الحديث: (ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية) ودعوى الجاهلية: أنهم إذا مات فيهم الميت أخذوا يندبونه بنداء كنداء الغائب، إما باسمه كأن يقولوا: وا سعداه، وا راشداه، وا زيداه، وا عمراه، وإما بقرابته كأن يقولوا: وا ولداه، وا أخواه، وا أبواه، وا عماه، وإما بصفة تصل إليهم منه، كأن يقولوا: وا مطعماه، وا كاسياه، وا كافلاه، وا حافظاه، وما أشبه ذلك، فكل هذا من الندب الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تسخط لقدر الله تعالى وقضائه، ولأن ذلك لا يرد فائتاً. والله أعلم، وصلى الله على محمد.

شرح أخصر المختصرات [13]

شرح أخصر المختصرات [13] الزكاة ركن من أركان الإسلام، وقد فرضها الله عز وجل طهرة للأموال وزكاة للنفس، وهي من محاسن هذا الدين وفرائضه؛ إذ بها تسود الألفة بين طبقات المجتمع، وبها ترتفع الشحناء، وتسد الفاقة، وتدفع الحاجة. وقد حدد الشرع الأموال التي تجب فيها الزكاة، وحدد الأنصبة والمقادير وشروط كلٍّ، وما يتعلق بها من أحكام، وفصل الفقهاء كيفية الإخراج، وما يشترط له الحول وما لا يشترط، وكيفية حساب المقادير المختلفة، وضم بعضها إلى بعض، وذلك حتى يعبد المسلم ربه بإخراجها على بصيرة.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الزكاة. تجب في خمسة أشياء: بهيمة أنعام، ونقد، وعرض تجارة، وخارج من الأرض، وثمار، بشرط: إسلام، وحرية، وملك نصاب، واستقراره، وسلامة من دين ينقص النصاب، ومضي حول إلا في معشر، ونتاج سائمة، وربح تجارة، وإن نقص في بعض الحول ببيع أو غيره لا فراراً انقطع، وإن أبدله بجنسه فلا، وإذا قبض الدين زكّاهُ لما مضى. وشرط لها في بهيمة أنعام: سوم أيضا. وأقل نصاب إبل: خمس، وفيها شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وهي التي لها سنة، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وهي التي لها سنتان، وفي ست وأربعين حقة، وهي التي لها ثلاث، وفي إحدى وستين جذعة وهي التي لها أربع، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. وأقل نصاب البقر ثلاثون، وفيها تبيع، وهو الذي له سنة، أو تبيعة، وفي أربعين مسنة، وهي التي لها سنتان، وفي ستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة. وأقل نصاب الغنم أربعون، وفيها شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث، إلى أربعمائة، ثم يستقر في كل مائة شاة، والشاة بنت سنة من المعز، ونصفها من الضأن. والخلطة في بهيمة الأنعام بشرطها تصير المالين كالواحد. فصل: وتجب في كل مكيل مدخر خرج من الأرض، ونصابه خمسة أوسق، وهي ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلاً وستة أسباع رطل بالدمشقي، وشرط ملكه وقت وجوب، وهو اشتداد حب، وبدو صلاح ثمر، ولا يستقر إلا بجعلها في بيدر ونحوه. والواجب عشر ما سقي بلا مئونة، ونصفه فيما سقي بها، وثلاثة أرباعه فيما سقي بهما، فإن تفاوتا اعتبر الأكثر، ومع الجهل العشر. وفي العسل العشر سواء أخذه من موات أو ملكه أو ملك غيره إذا بلغ مائة وستين رطلاً عراقية. ومن استخرج من معدن نصاباً ففيه ربع العشر في الحال، وفي الركاز الخمس مطلقاً، وهو ما وجد من دفن الجاهلية. فصل: وأقل نصاب ذهب عشرون مثقالا، وفضة مائتا درهم، ويضمان في تكميل النصاب، والعروض إلى كل منها، والواجب فيهما ربع العشر. وأبيح لرجل من الفضة خاتم وقبيعة سيف، وحلية منطقة ونحوه، ومن الذهب قبيعة سيف وما دعت إليه ضرورة كأنف، ولنساء منهما ما جرت عادتهن بلبسه، ولا زكاة في حلي مباح أعد لاستعمال أو عارية. ويجب تقويم عرض التجارة بالأحظ للفقراء منهما، وتخرج من قيمته، وإن اشترى عرضاً بنصاب غير سائمة بنى على حوله] .

اقتران الزكاة بالصلاة في كتاب الله

اقتران الزكاة بالصلاة في كتاب الله ذكر كتاب الزكاة بعد كتاب الصلاة؛ لأنها قرينتها، فالصلاة تذكر بلفظ الإقامة، والزكاة تذكر بلفظ الإيتاء، كقوله: {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة:5] ، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] فقد أمر بالزكاة أمراً مطلقاً قبل الهجرة في السور المكية، وأما أنصبتها ومقدارها وشروطها فإنما وجدت في المدينة، وذلك بعد وجود أسبابها؛ لأن أهل مكة كانوا يتصدقون بكل أموالهم أو جلها، كما قال تعالى في شأن أبي بكر رضي الله عنه: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] ، وكذلك يروى أن قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] نزل في أبي بكر وفي غيره.

الزكاة نماء وطهرة

الزكاة نماء وطهرة الزكاة في اللغة هي: النماء والتطهير، فقول تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103] أي: تنمي أموالهم وتطهرها؛ وذلك لأن الأموال غالباً قد يكون فيها شيء من الخلل من الغش، أو من الخداع، أو من الشبهة، فتكون هذه الزكاة مطهرة ومصفية لها، ومع ذلك فإنها تنميها وتزيدها، ولذلك جاء في الحديث: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) ، فأخبر بأن المال وإن كثرت الصدقة منه فإن الله تعالى يخلفه، وفي الحديث: (ينزل ملكان كل يوم يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) ، وكذلك يقول الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39] .

شروط وجوب الزكاة

شروط وجوب الزكاة قوله: (تجب في خمسة أشياء) ذكروا لوجوبها شروطاً وهي: حرية، وإسلام، وملك نصاب، واستقراره، ومضي الحول، فلا تجب على العبيد؛ لأنهم مملوكون، وما بأيديهم ملك لأسيادهم، ولا تجب على الكافر؛ لأنه مطالب بشرطها، ولا تجب على الفقير؛ لأنه يستحق المواساة، ولأن ماله قليل، فأقل شيء ملك النصاب، ولابد أن يستقر الملك عليه، فإذا لم يكن مستقراً كدين الكتابة والمهر قبل الدخول فإنها لا تجب الزكاة فيه، ولا تجب في السنة أكثر من مرة، بل لابد أن يمضي الحول.

الأموال التي تجب فيها الزكاة

الأموال التي تجب فيها الزكاة وأصول الأموال الزكوية أربعة: بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والنقود، وعروض التجارة، والمؤلف جعلها خمسة ففرق بين الخارج من الأرض وبين الثمار، والثمار خارجة من الأرض. إذاً: فالأموال الزكوية أربعة: أولها: بهيمة الأنعام، وهي أكثر ما كان موجوداً في العرب في وقت نزول القرآن، ثم يليها التجارة، وكان الكثير من التجار ينمون أموالهم بالتجارة فيحصل لهم ربح كثير، ثم بعد ذلك الخارج من الأرض الذي هو ثمر النخل والزبيب والحبوب وما أشبهها، ثم بعد ذلك النقود، ومعلوم أن النقود لا تتوالد، ولكنها تنمى بالتجارة؛ لأنه تشترى بها عروض ثم تباع بربح، هذه هي الأموال الزكوية. ثم ذكر الشروط: الإسلام، وعرفنا أنه لابد أن يكون مسلماً، والحرية، وملك النصاب واستقراره، وقد ذكرنا مثاله وهو المهر قبل الدخول؛ لأنها عرضة للطلاق، فلا تزكيه المرأة حتى تملكه ويستقر ملكها عليه؛ لأنه إذا طلقها فسيسقط نصفه، أو يعفى عنه كله، ومن غير المستقر أيضاً: الدين على المملوك ويسمى دين كتابة، فإنه يمكن أن يعجز نفسه فيسقط الدين، فلابد أن يكون الملك مستقراً.

الكلام على اشتراط الخلو من الدين للزكاة

الكلام على اشتراط الخلو من الدين للزكاة وشرط الفقهاء شرطاً خامساً وهو: السلامة من الدين الذي ينقص النصاب، واختلفوا هل الدين يمنع من الزكاة كلاً أو لا يمنعها أصلاً، أو فيه تفصيل؟ فأكثر الفقهاء على أنه يمنع؛ وذلك لأنه إذا كانت عليه ديون تستغرق ماله أصبح المال لغيره، فيصبح كأنه فقير، وعلى هذا فلا فرق بين جميع الأموال إذا كان الدين يستغرق الأموال، أو لا يبقي إلا أقل من النصاب فلا يصير غنياً، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وهناك قول آخر: أن الدين لا يمنع، وأن الزكاة تؤخذ من كل الأموال، سواء على أصحابها دين أم لا؛ لأنهم مفرطون حيث لم يوفوا أهل الدين من هذه الأموال. والقول الثالث: أنه لا يمنع من الأموال الظاهرة ويمنع من الخفية، والأموال الظاهرة مثل بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يخرص النخل على أهله، ولم يقل: هل عليكم دين؟ بل يخرصون النخل والزرع ونحو ذلك، وكذلك كان يرسل من يأخذ الصدقات من بهيمة الأنعام، ولم يكونوا يسألونهم: هل عليكم دين أم لا؟ وقالوا: لأن الأموال الظاهرة تتعلق بها نفوس الفقراء، حيث يرون هذه الأموال الظاهرة ويعتقدون أن لهم فيها حقاً، فإذا لم يأتهم منها شيء أساءوا الظن بأصحابها، وقالوا: لا يزكون، فيكون في ذلك إساءة ظن بأصحاب الأموال. فعلى هذا يترجح أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الخفية كالتجارة والنقود؛ لأن صاحبها هو الذي يحاسب نفسه، دون الأموال الظاهرة كالثمار والنخيل والأعناب والزروع وبهيمة الأنعام، والإبل والبقر والغنم، فهذه لا يمنع الدين الزكاة فيها. وبكل حال فإن الفقهاء عندما اشترطوا ذلك نظروا إلى العلة، وهي: أن الزكاة شرعت للمواساة، فإذا كان المال مستحقاً لأصحاب الديون فكيف يواسي من مال مستحق عليه؟! وله وجه، ويمكن أن يقال لصاحب الحروث: إذا كان زرعك أو نخلك ليس لك بل عليك فيه ديون فإنك تعطي أصحاب الديون حقوقهم، فإن بقي شيء وإلا فلا حق عليك ولا زكاة عليك؛ لأنك ملحق بمن يستحق الزكاة وهم الفقراء.

ما يشترط للزكاة فيه مضي الحول وما لا يشترط

ما يشترط للزكاة فيه مضي الحول وما لا يشترط وشرط سادس: وهو الحول، الحول هو السنة، أي: اثنا عشر شهراً هلالياً، فلم تجب الزكاة في كل شهر، ولا في كل شهرين، وإنما تجب في كل سنة؛ لأن في السنة تتنامى الأموال فتتوالد البهيمة، وتنمو التجارة، ويمكن تنمية النقود وما أشبهها. يستثنى من مضي الحول: المعشّر، وما المراد بالمعشّر؟ المعشّر: هو الخارج من الأرض، كالتمر والزبيب والتين إذا كان يدخر، أو الشعير أو البر، أو الذرة، وجميع ما يدخر، وسمى معشراً؛ لأنه يخرج منه العشر، أو يخرج منه نصف العشر؛ وذلك لأنه لا يحتاج أن يحول عليه الحول، والغالب أنه يبقى في الأرض خمسة أشهر ثم يحصد. فمثلاً: إذا زرع في الصيف دخناً أو ذرة، وبعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر حصد فإنه يخرج الزكاة، ثم بعد شهر أو شهرين زرعها براً أو شعيراً وبعد خمسة أشهر حصد فإنه يخرج زكاتها، فأخرج الزكاة مرتين من هذه الأرض: زكاة دخن وزكاة بر، فلذلك قالوا: المعشرات لا يشترط لها الحول. وكذلك نتاج السائمة لا يشترط لها الحول، وصورة ذلك: إذا كان عنده مائة وعشر من الغنم، ولما تمت أحد عشر شهراً ونصف ولدت مائة من السخال، فأصبحت مائتين وعشراً، فبدل ما كان الواجب عليه شاة صار الواجب عليه ثلاث شياه، مع أن هذه المائة السخال ما لها إلا شهر، فلا يشترط أن يتم لها الحول. الثالث: ربح التجارة لا يشترط له الحول، مثاله: إذا بدأ التاجر تجارته ورأس ماله ألف، وأخذ يتجر، ففي الشهر الأول ربح ألفاً، وفي الشهر الثاني ربح ألفين، وفي الشهر الثالث ربح أربعة، وما زال يربح كل شهر الضعف، ولما تمت السنة وإذا ماله أربعون ألفاً، فمنها ما لم يكن له إلا شهر، ومنها ما له شهران، ومنها ما له ثلاثة، مع أنه لما بدأ لم يكن معه إلا ألف، فكم يزكي؟ يزكي أربعين ألفاً؛ فربح التجارة يتبعها، ولا يشترط له أن يمضي عليه الحول. وإذا نقص عن النصاب في بعض الحول لبيع أو غيره انقطع إلا أن يكون فراراً، فمثلاً: إذا ابتدأ التجارة ورأس ماله ألف، ثم ربح في شهر ألفاً وربح في شهرين ألفين، وهكذا وفي الشهر السادس خسر، أو دفع المال الذي معه ولم يبق معه إلا أربعون ريالاً، ثم بعد ذلك هذه الأربعون ربحت، في الشهر السادس فبدأت تزيد، فبلغت ألفاً في الشهر السابع، وفي الشهر الثامن تمت ثلاثة آلاف، وفي الشهر التاسع عشر بلغت عشرين ألفاً، فمتى يزكيها؟ إذا تمت حولاً بعد ابتدائه لها من تمام النصاب، نقول: النصاب انقطع في الشهر الخامس؛ لأنه نقص النصاب ولم يبق معه إلا أربعون، بعد أن كانت معه عشرة آلاف فانقطع النصاب في الشهر الخامس، ولم يتم نصاباً إلا في الشهر السابع، فيبدأ الحول من الشهر السابع، ويستأنف سنة من الشهر السابع، إلا إذا كان الذي دفعه لهذا الفرار من الزكاة، فمثلاً: إذا كان عنده خمسمائة ألف، ولما قارب الحول وإذا الخمسمائة الألف فيها اثنا عشر ألفاً ونصف، فخاف من الزكاة واشترى بها عقاراً، فقال: هذا العقار للسكنى، ثم بعد ذلك باع العقار بستمائة، ففي هذه الحال لا ينقطع الحول؛ لأنا نتهمه بأنه فعل ذلك هرباً وفراراً من الزكاة فلا تسقط الزكاة، بل يبني على حوله الأول. وإذا أبدله بجنسه لم ينقطع الحول، فمثلاً: إذا كان عنده من الضأن خمسون، وفي نصف السنة أبدلها بستين من المعز، فهل ينقطع الحول؟ ما ينقطع؛ لأن الضأن والمعز نصابها واحد، وكذلك لو كان عنده عشر من الإبل، وبعد نصف سنة أبدلها بجمال أو ببخاتي أو بعراب فإنه لا ينقطع الحول؛ لأن الجنس واحد، فكلها إبل.

زكاة الدين عند قبضه

زكاة الدين عند قبضه قوله: (وإذا قبض الدين زكاه لما مضى) . هكذا ذكروا، أن الدين إذا قبضه زكاه لما مضى ولو أتلفته الزكاة، وقد اختلف في زكاة الدين، هل يزكى الدين أو لا زكاة فيه، أو فيه تفصيل؟ والناس في هذه الأزمنة يكثرون من الدين، فقال العلماء: إن كان الغريم الذي عنده دين قادراً على الوفاء موسراً غنياً فإنك تزكيه عن كل سنة، واعتبر دينك كالوديعة، ما دمت تقدر على أخذه متى ما أدرت، وأما إذا كان المدين موسراً ولكنه مماطل، أو معسراً فقيراً، فقيل: إنك تزكيه إذا قبضته عن السنين الماضية كما قاله صاحب المختصر، فلو كان الدين عشرة آلاف ومكث ثلاثين سنة ثم استرجعته فإنك على هذا القول تزكيه للسنة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة وهكذا حتى تتم الثلاثين سنة، فعن السنة الأولى تزكي عشرة آلاف، وعن السنة الثانية تزكي تسعة آلاف وسبعمائة وخمسين؛ لأنه قد نقص، وعن السنة الثالثة تزكي ما بقي، وهكذا، فإن لم يبق إلا أقل من النصاب فإنه لا يزكى. والقول الثالث: أنه يزكى إذا قبض عن سنة واحدة عند أن يقبضه؛ وذلك لأنه يعتبر كأنه كسبه، وحصل عليه بعد أن أيس منه، فإذا قبضت هذه السنة العشرة الآلاف فأخرج زكاة سنة واحدة: مائتين وخمسين، وهذا هو الأقرب حتى لا يجحف بأصحاب الحقوق؛ لأنا لو قلنا له: زك عن ثلاثين أو أربعين سنة لما بقي له إلا أقل من النصاب، والنبي عليه السلام أخبر بأن الزكاة إنما تؤخذ من الأغنياء، ولأن هذا يجحف بالأموال، فالقول الوسط: أن الدين إذا بقي على صاحبه زمناً طويلاً اقتصر على إخراج زكاة سنة واحدة.

زكاة بهيمة الأنعام

زكاة بهيمة الأنعام ابتدأ بزكاة بهيمة الأنعام، وهي التي كانت منتشرة عند العرب، وأفضلها عندهم الإبل، ثم الغنم فهي أكثر ما يقتنون، والبقر موجودة ولكنها قليلة، ويشترط لها السوم، وهو الرعي، والسائمة هي التي ترعى كما قال تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل:10] ، أي: ترعون بهائمكم، ومنه أيضاً قوله تعالى: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران:14] أي: التي ترعى. أما إذا كانت معلوفة أكثر الحول ولا تخرج بل كانت محجوزة في شباك أو بستان أو داخل السور وتأكل مما ينبت لها صاحبها من الأعلاف ونحوها أكثر الحول، يعني: سبعة أشهر أو ستة أشهر ونصف فلا زكاة فيها، فإن كانت تخرج كل يوم وترعى ولو أنها لا تجد إلا شيئاً يسيراً من فتات الحشيش ومن يابس الشجر ثم تأوي إلى مراحها فإنها تعتبر سائمة.

نصاب زكاة الإبل ومقدارها

نصاب زكاة الإبل ومقدارها ثم ذكر النصاب، وأقل نصاب الإبل خمس، والخمس والعشر والخمسة عشر والعشرون: زكاتها من غيرها؛ لأنه لو أخرجت زكاتها منها لأجحف بها، فلو قيل: في الخمس واحدة لكان في ذلك الخُمس، والخُمس كثير، والأصل أنه ليس فيها إلا ربع العشر، ففي الأربعين من الغنم شاة وهو ربع العشر، فلذلك تكون زكاة الإبل من الغنم، والعادة أن أهل الغنم يملكون الإبل، وأهل الإبل يملكون الغنم، فكانوا يخرجون زكاة الإبل من الغنم. قوله: (ففي الخمس شاة) . الشاة: اسم لواحدة من الغنم ذكوراً وإناثاً ضأناً ومعزاً، وإذا أرادوا التفصيل قالوا لأنثى الضأن: نعجة، ولذكر الضأن: كبش، ولأنثى المعز: عنز، ولذكر المعز: تيس، والواحد من الجميع: شاة، فالعنز شاة والنعجة شاة، والكبش شاة، والتيس شاة، فإذا أخرج شاة في الخمس تكون قيمتها متوسطة، كما إذا كانت الإبل متوسطة القيمة، ومعروف أن قيمة الإبل تختلف، فأحياناً تكون الإبل هزيلة وضعافاً فيخرج شاة ليست ضعيفة ولكنها ليست السمينة الغالية، وأحياناً تكون متوسطة، وأحياناً تكون ثمينة سمينة غالية فيخرج شاة من خيار الغنم. وفي العشر شاتان، وما بينهما يسمى وقص، أي: نقول لصاحب الخمس: عليك شاة، ولصاحب التسع: ليس عليك إلا شاة، ولصاحب العشر: عليك شاتان، ولصاحب الأربع عشرة: عليك شاتان، ولصاحب الخمس عشرة: عليك ثلاث، ولصاحب التسع عشرة: عليك ثلاث، ولصاحب العشرين: عليك أربع، ولصاحب الأربع والعشرين: عليك أربع، فيسمى ما بين الخمس إلى العشر وقص، والوقص ليس فيه شيء. فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض، وبنت المخاض: هي البكرة التي قد تم لها سنة، سميت بنت مخاض؛ لأن أمها ماخض، والغالب أن أمها قد حملت وانتهى لبنها، وليس شرطاً أن تكون أمها حاملاً، ولكن ذكروها بهذا علامة لها، فهي ما تم لها سنة، سواء كانت أمها ماخضاً أم لا. وفوق خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين وقص فإذا وصلت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون، وبنت اللبون ما تم لها سنتان، وسميت بذلك؛ لأن أمها غالباً قد ولدت، فهي ذات لبن، وليس ذلك شرطاً، بل إذا تم لها سنتان فهي تجزئ في هذا المقدار، وما بين ست وثلاثين إلى خمس وأربعين وقص، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة، والحقة ما تم لها ثلاث سنين، ولماذا سميت حقة؟ لأنها استحقت أن تركب، واستحقت أن يطرقها الفحل، فاسمها ووصفها أنها ما تم لها ثلاث سنين، فتجب في ست وأربعين إلى ستين، فإذا زادت عن الستين واحدة ففيها جذعة، وهي ما تم لها أربع سنين، وسميت بذلك؛ لأنها قد جذعت ثناياها، يعني: قد كمل نبات الثنايا وتم لها أربع سنين، وبذلك نعرف أن بنت المخاض لا تجب إلا مرة واحدة، والجذعة لا تجب إلا مرة واحدة، وأما بنت اللبون والحقة فإن وجوبها يستمر كما سيأتي. وإذا لم يجد بنت لبون ودفع بنت مخاض دفع معها جبراناً، وفي ذلك الوقت كان الجبران شاتان أو عشرون درهماً، وفي هذا الوقت تقدر بنت المخاض بأن قيمتها أربعمائة، وبنت اللبون قيمتها خمسمائة، والحقة قيمتها ستمائة والجذعة قيمتها سبعمائة، فيأخذون الآن القيمة وذلك لتعذر حمل هذه الأنعام معهم حيث إنهم يذهبون على سيارات فلذلك يأخذون القيمة، مع أن القيمة مختلف فيها، ولكن لما ورد أنه يُدفع الفرق عشرون درهماً كان هذا مسوغاً لأخذ القيمة. فإذا لم يجد بنت لبون ودفع حقة فإن المصدق يرد عليه شاتين أو عشرين درهماً، يعني: الفرق بين بنت اللبون والحقة، وإذا لم يجد بنت المخاض ووجد جذعة وبينها وبين بنت المخاض سِنَّان: ففي هذه الحال يرد عليه المصدق أربع شياه أو قيمتها. ويجزئ أن يدفع ابن اللبون مكان بنت المخاض؛ وذلك لأنه مقارب لقيمتها، ولا شك أن الذكور أقل قيمة من الإناث عادة. فإذا تجاوز ذلك وتمت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون، فإذا تمت إحدى وتسعين يعني: مائة إلا تسعاً ففيها حقتان، وما بين ست وسبعين إلى تسعين وقص، فإذا تمت مائة وإحدى وعشرين فثلاث بنات لبون، وما بين إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين وقص ليس فيه شيء، فمن عنده إحدى وتسعون عليه حقتان، ومن عنده مائة وعشرون عليه حقتان، فإذا تمت إحدى وعشرين ومائة فثلاث بنات لبون. ثم بعد ذلك في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، فيكون الوقص عشراً، فإذا تمت مائة وثلاثين فهي عبارة عن: أربعين وأربعين وخمسين، ففي أربعين بنت لبون، وفي أربعين بنت لبون، وفي خمسين حقة، فإذا تمت مائة وأربعين فهي عبارة عن خمسين وخمسين وأربعين، ففي الخمسين حقة وفي الخمسين حقة وفي الأربعين بنت لبون، وإذا تمت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق؛ لأنها عبارة عن خمسين وخمسين وخمسين، وإذا تمت مائة وستين ففيها أربع بنات لبون؛ لأنها عبارة عن أربعين وأربعين وأربعين وأربعين، وإذا تمت مائة وسبعين فالمائة والعشرون فيها ثلاث بنات لبون، والخمسون فيها حقة، فإذا تمت مائة وثمانين: ففي المائة حقتان، وفي الثمانين بنتا لبون، فإذا تمت مائة وتسعين ففي المائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي الأربعين بنت لبون، فإذا تمت مائتين اتفق الفرضان؛ لأن المائتين أربع خمسينات أو خمس أربعينات، فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء أخرج خمس بنات لبون.

نصاب زكاة البقر ومقدارها

نصاب زكاة البقر ومقدارها ونصاب زكاة البقر ثلاثون، وفيها تبيع، وهو الذي له سنة، أو تبيعة، فيخير المالك، وقيل: يخير العامل، وهكذا ورد في الحديث، قال بعضهم: إن (أو) للتخيير، وقال بعضهم: إنها للشك، وأكثرهم على أنها للتخيير، فإذا تمت أربعين ففيها مسنة، وما بين الثلاثين والأربعين وقص، والمسنة ما تم لها سنتان، فإذا تمت ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان، وما بين الأربعين إلى الستين وقص، ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة، فإذا عرفنا أن في الثلاثين تبيعاً وفي الأربعين مسنة إذاً: ففي السبعين مسنة وتبيع، وفي الثمانين تبيعان أو تبيعتان، وفي التسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة تبيعان ومسنة، وهكذا.

نصاب زكاة الغنم ومقدارها

نصاب زكاة الغنم ومقدارها أما نصاب الغنم، فأقل النصاب أربعون وفيها شاة، ثم ما فوق الأربعين وقص إلى مائة وعشرين، فمن عنده أربعون فعليه شاة، ومن عنده مائة وعشرون فليس عليه إلا شاة، ومن عنده مائة وإحدى وعشرون فعليه شاتان، ثم ما بعد المائة والإحدى والعشرين وقص إلى مائتين، أي: ففي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، وما بعد مائتين وواحدة وقص إلى أربعمائة، فمن عنده مائتان وواحدة فعليه ثلاث شياه، ومن عنده أربعمائة إلا واحدة فعليه ثلاث شياه. فإذا تمت أربعمائة ففيها أربع شياه، وفي الخمس خمس شياه، وفي الست ست شياه، وهكذا. ثم ذكر أن الشاة من المعز ما تم لها سنة، ومن الضأن ما تم لها نصف السنة.

تأثير الخلطة في زكاة الأنعام

تأثير الخلطة في زكاة الأنعام والخلطة في بهيمة الأنعام تصير المالين كالواحد، ولكن يكون بشرطها، وليس هناك شيء من الأموال تكون فيه الخلطة مؤثرة إلا في بهيمة الأنعام، أما في غيرها فإنها لا تؤثر، فمثلاً: إذا زرع اثنان على بئر ولما حصدا كان نصيب كل واحد منهما أقل من النصاب، ففي هذه الحالة لا زكاة عليهما، ولو كان مجموعهما نصاباً؛ لأن كل واحد منهما يستقل بنصيبه، وكذلك أيضاً لو اشترك ثلاثون فجاءوا بألف وخمسمائة، ومع ذلك ما ربحت تجارتهم ولا زادت ولا نمت، فتم الحول وإذا نصيب كل واحد منهم أقل من النصاب، فلا زكاة على أحد منهم، فأما إذا ربحوا وصار نصيب كل واحد منهم نصاباً أو أكثر فإن فيه الزكاة. وأما بهيمة الأنعام فإن الخلطة تصير المالين كالواحد، فلو كان هناك ثلاثة، كل واحد له أربعون شاة، ثم اشتركوا واختلطوا طوال السنة، وتمت السنة وليس لهم إلا أربعون، أربعون، أربعون فالمجموع مائة وعشرون، فليس عليهم إلا شاة واحدة يتقاسمون ثمنها، وكذلك إذا وجد رجلان لكل واحد منهما أربع من الإبل واختلطوا في الحول كله فعليهم زكاة، ولو افترقا لم يكن عليهما زكاة، فالأربع ليس فيها زكاة. وكذلك إذا كان لواحد مائة وخمس من الغنم، ولواحد مائة وخمس واختلطوا، فأصبحت مائتان وعشر فعليهم ثلاث شياه، ولو لم يشتركوا فليس عليهم إلا شاتان، فالخلطة تؤثر. وذكر الفقهاء للخلطة شروطاً وهي: أن يكون الراعي واحداً، وأن يكون المشرب واحداً، فيسقونها في حوض واحد وبدلو واحد، ويكون المبيت في مكان واحد، بحيث تبيت في حضيرة واحدة، أو في سور واحد، ويكون مكان الحلب واحداً، فهؤلاء يأتون ويحلبون فيه وهؤلاء يأتون ويحلبون فيه، وليس شرطاً أن يخلطوا الحليب في إناء، فكل واحد منهم يعرف أغنامه فيحلبها ويختص بها، فإذا اختلطوا في المرعى والمحلب والمبيت والحوض تمام الحول فإنهما يصيران كواحد. ثم لا يجوز أن يتفرقوا لأجل الزكاة، فلو كانوا ثلاثة لكل واحد ثلاثين وخلطوا طول الحول، ولما أقبل العامل تفرقوا، وكل واحد منهم عزل غنمه وقال: ما عندي إلا ثلاثين وليس عليّ زكاة، فهذا لا يجوز، فإذا اختلطوا طوال الحول فلا يتفرقون لأجل الفرار من الزكاة. وكذلك أيضاً لا يجتمعون لتقل الزكاة عليهم، كما لا يجوز جمعهم لتزيد عليهم الزكاة، فإذا كان عند هذا سبعون، وعند هذا ثمانون، السبعون فيها شاة والثمانون فيها شاة، فلا يجوز للعامل أن يجمعهم فيقول: اجتمعوا حتى آخذ منكم ثلاث شياه؛ لأنكم إخوة، فلا يجمعهم العامل لأجل أن تزيد الزكاة، وقد ورد في الحديث: (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الزكاة، بل يزكي كل على ما كان عليه) . ثم إذا كان أحد الخليطين ليس من أهل الزكاة، يعني: إذا كان أحد الخلطاء كافراً ذمياً، أو ليس له مال كالمكاتب فالصحيح أنه لا أثر لخلطته؛ لأن ماله ليس زكوياً.

زكاة الخارج من الأرض ونصابها

زكاة الخارج من الأرض ونصابها أما زكاة الخارج من الأرض وهو الثمار والحبوب، فقد اختلف في الخارج من الأرض: هل يزكى كل ما يخرج من الأرض أم لا يزكى إلا بشرطه؟ فالمختار عند الإمام أحمد أنه لا يزكى إلا ما يكال ويدخر من الثمار والحبوب، فالكيل هو المعيار بالصاع ونحوه، والادخار هو الحفظ، أي: يحفظ ولا يفسد ولو طالت المدة، فمثلاً التمر يدخر فيبقى سنة ولا يتغير، وكذلك الزبيب يدخر ويكال أيضاً، وكذلك الشعير والدخن والذرة والأرز وما أشبه ذلك، فهذه تكال وتدخر، فعلى هذا القول لا زكاة فيما لا يدخر ولو جني منه أثمان كثيرة، فلا زكاة في الفواكه كالتفاح والموز والكمثرى، وكذلك البطيخ بأنواعه، ولا زكاة في الخضار كالقرع والكوسة والطماطم والبصل؛ وذلك لأنه لا يتم الانتفاع بها في المآل، لأنها لا تدخر. ولو أنها في هذه الأزمنة تدخر بواسطة الثلاجات وتبقى مدة، فمثلاً: البطاط والطماطم والخيار والكوسة وما أشبهه قد يبقى أشهراً في الثلاجات ولكن يكلف كثيراً، بما يصرف عليه من الكهرباء ونحوه، فلأجل ذلك تسبب تكلفته هذه أنه لا زكاة في عينه وإنما الزكاة في ثمنه إذا حال عليه الحول، ويعتبر ككسب يستقبل بثمنه حولاً. وخالف في ذلك الحنفية، واختاروا أن جميع الخارج من الأرض يزكى، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) . وA أن هذا وإن كان عاماً لكن نظرنا في العلة فإن هذه الفواكه لا يتم الانتفاع بها انتفاعاً كاملاً، والغالب أن أهلها يأكلونها، فيأكلون البطيخ أو يبيعون منه شيئاً يسيراً في حينه، ويأكلون التفاح والبرتقال والأترج أو الليمون ولا يدخرونه ولا يكون عندهم منه شيء كثير، وإن كان بعضها قد يجفف مثل التين فإنه يجفف وينتفع به، وكذلك الطماطم يجفف وينتفع به في المآل، فإنه والحال هذه إذا بلغ الذي جفف نصاباً فإنه يزكى. والنصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، فالخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع، وقدرت بالرطل الدمشقي: ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلاً وستة أسباع رطل بالرطل الدمشقي، أو بما يعادله، والأصل أنها خمسة أوسق، وأن الوسق ثلاثمائة صاع، ثم الصاع على الصحيح خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وذهب أبو حنيفة إلى أنه ثمانية أرطال. ويشترط في وجوبه: ملكه وقت الوجوب وهو وقت اشتداد الحب وبدو صلاح الثمر، فإذا باعه بعدما اشتد حبه، فهل الزكاة على المشتري أو على البائع؟ على البائع؛ وذلك لأنها وجبت عليه قبل أن يخرجه من ملكه، ولا زكاة على المشتري إلا إذا باعه وحصل من ثمنه على نصاب وتم الحول. وكذلك النخل إذا بدا صلاحه، يعني: احمر أو اصفر فباعه صاحبه فالزكاة على البائع؛ لأنها وجبت فيه وهو في ملكه. ثم لا يلزمه إخراجها إلا بعد أن يصفيه ويجعله في البيدر، يقول: (لا يستقر الوجوب إلا بجعلها في البيدر) كان أهل الزرع يلوطون مكاناً خاصاً يسمونه (البيدر) ويسمى عند العامة (البوع) ، وهو الذي يدوسون فيه الزرع ويصفونه فيه، فيقول: ما دام أنه في سنبله فإنه عرضة للهلاك، وربما يأتيه سيل وربما يأتيه جراد، وربما تأتيه ريح تسفي عليه أو تقلعه فلا يطالب بإخراج الزكاة إلا إذا حصده وجمعه في هذا المكان المهيأ لأن يصفى فيه، فإذا جعل في (البيدر) استقر الوجوب. ثم قالوا: الواجب نصف العشر فيما سقي بآلة، والعشر فيما سقي بالمطر وثلاثة أرباعه فيما سقي بهما (أي: بالآلة وبالأمطار) وإن تفاوتا اعتبر الأكثر، ومع الجهل العشر، وقد ورد قوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) وذلك لأن الذي يسقى بالمطر أو يسقى بالأنهار النابعة من الأرض تخف المئونة عليه، فإذا كان يسقى بالدلاء أو يسقى بالمكائن والمضخات التي تستخرج الماء من أجواف الآبار فإنه يكلف وقوداً ويكلف قطع غيار، ويكلف عاملاً ولأجل ذلك تخفف فيه الزكاة، فيكفي إخراج نصف العشر، فإن سقي نصف السنة بماء السماء والنصف الثاني بماء الدلاء فثلاثة أرباع، وإذا تفاوتا نظر إلى الأكثر، فإذا كان ثلاثة أرباع السنة يسقيها بالدلاء، والربع الباقي جاءت السيول وصارت تشرب بعروقها فإنه يقدر ثلاثة أرباع العشر، وإذا جهل فلا يدرى أيهما أكثر فالأولى أن لا ينقص عن العشر.

زكاة العسل ومقدارها

زكاة العسل ومقدارها أما زكاة العسل فقد اختلف فيها العلماء: فالإمام أحمد اختار أنه يزكى، وقد ورد في ذلك حديث، ولكن الحديث فيه مقال، فلأجل ذلك لم يعمل به جمهور العلماء، والإمام أحمد كأنه ثبت عنده فجعل في العسل الزكاة، سواء أخذه من الموات يعني: من أشجار العظة التي في البراري، أو من ملكه، كما لو كان في ملكه سدر وشجر فتأتي النحل وتعمل بيوتها فيها، أو من ملك غيره، إذا وجده في أشجار مملوكة ولكن أصحابها لا يعرفونه ولا يهتمون به، فإذا بلغ مائة وستين رطلاً عراقياً، فإنه يزكى، وإذا نقص عن مائة وستين فإنه لا يزكى. وتقدر بقربتين، والقربة جلد شاة متوسطة.

زكاة المعادن ونصابها

زكاة المعادن ونصابها المعدن: هو ما يستخرج من جوف الأرض، فإذا عثر على معدن من المعادن فإن كانت تختلف قيمتها كمعدن نحاس أو رصاص أو حديد، فاستخرج منه نصاباً فإن فيه ربع العشر في الحال؛ وذلك لأنه يعتبر كسباً جديداً، فيخرج منه. أما إذا كان قليل القيمة كالملح أو الجص أو الأشياء الرخيصة، فمثل هذه تخرج الزكاة من القيمة إذا باعه بما يبلغ النصاب.

زكاة الركاز

زكاة الركاز وفي الركاز الخمس مطلقاً، والركاز: ما وجد من دفن الجاهلية، فإنه يوجد مدفوناً في قعر الأرض، وهو كنوز قديمة قد ترجع مدتها إلى آلاف السنين، فإذا وجدت اعتبرت مثل الغنيمة، فيخرج من قيمتها الخمس، فإذا كانت عليها علامات الإسلام فإنها لقطة فتعرف، فإذا لم تعرف أخرج منه قدر العشر ثم بعد ذلك يملكها، والله أعلم.

نصاب الذهب والفضة ومقدار زكاتهما

نصاب الذهب والفضة ومقدار زكاتهما عندنا زكاة التجارة، وزكاة النقود، ففي حديث أنس الطويل الذي في الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي الرقة ربع العشر) ، وحدد نصابها بمائتي درهم، وقال: فإذا لم يكن عند الرجل إلا مائة وتسعون فليس عليه زكاة إلا أن يشاء، وحدد العلماء نصاب الذهب بعشرين مثقالاً، ونصاب الفضة بمائتي درهم، ثم ذكروا أنها بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً ونصف، وبالريال السعودي الفضي ستة وخمسون ريالاً عربياً سعودياً، وبالريال الفرنسي اثنان وخمسون ريالاً فرنسياً، وكانوا يتعاملون به قبل ستين أو سبعين سنة قبل أن يضرب الريال السعودي. وقدروا نصاب الذهب الآن فقال بعضهم: إنه واحد وتسعون جراماً، وقال بعضهم: بل خمسة وثمانون، وهو في هذه الحدود، فإذا بلغ النصاب فإنه يزكى، والذهب إما أن يكون تبراً أو مسبوكاً أو مضروباً، فالتبر هو الذي لم يصف، فلا يزال فيه خبثه وفيه ترابه، فلا زكاة فيه حتى يعلم مقدار ما فيه من الذهب بعد التصفية، فإذا بلغ خمسة وثمانين جراماً فإنه نصاب. وأما المسبوك فهو الذي سبك حلياً، بمعنى أنه صيغ إلى خواتيم أو أسورة أو قلائد أو أقراط، ويسمى مصوغاً ومسبوكاً، فهذا إذا بلغ وزنه خمسة وثمانين جراماً فإنه نصاب، وما نقص فليس فيه نصاب وليس فيه زكاة. أما المضروب فهو الذي ضرب دنانير أو جنيهات من الذهب كالجنيه السعودي والإفرنجي، فهذا يعتبر أيضاً بوزنه، وعرفنا أنه بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً ونصفاً، وأنه إذا كان بغيره فإذا بلغ خمسة وثمانين جراماً فإنه نصاب. أما الفضة فالفضة تكون تارة تبراً، يعني: مستخرجة من الأرض غير مصفاة، فإذا بلغ الصافي منها مقدار مائتي درهم أو ستة وخمسين ريالاً سعودياً فإنه نصاب وتخرج منه الزكاة إذا حال عليه الحول، وكذلك لو كان مصوغاً، فقد يصاغ من الفضة الحلي والخواتم، والحلق والأسورة، فإذا كان مقدراه مائتي درهم، أو ستة وخمسين ريالاً فضياً فإنه نصاب.

نصاب النقود الورقية ومقدارها

نصاب النقود الورقية ومقدارها والآن جاءت هذه الأوراق، ووقع فيها خلاف طويل وكثير بين العلماء، فبعض مشايخنا يقول: إن نصابها ستة وخمسون كنصاب الفضة؛ لأن الريال الورقي بدل عن الريال الفضي سواء بسواء، ويقول: إن ريال الفضة لا يؤكل ولا يشرب ولكنه يدفع كقيمة، وكذلك يقال في ريال الورق إنه يؤخذ كقيمة، فلا فرق بينهما. والأكثرون من المشايخ على أنها ليست كالفضة، وذلك لاختلاف القيمة، فأنت الآن إذا ذهبت للصرافين وطلبت منهم الريالات الفضية بريالات ورقية لا تجدها عندهم إلا بثمن أكثر، فقد يساوي ريال الفضة عشرة ريالات ورقية، وربما عشرين، فدل على أنها ليست مثلها في القيمة، ولعل السبب النفاسة، فإن الفضة يمكن ادخارها وتنفع في كل الدول، بخلاف الأوراق فإنه لا يمكن ادخارها، وهي أيضاً عرضة للتلف. وكان بعض مشايخنا الأولين الذين ماتوا قديماً لما خرجت لا يدخرها، ويقول بعبارته: الفأر يخرقها، والماء يغرقها، واللص يسرقها، والنار تحرقها، والريح تفرقها، ومعنى هذا أنها ليست كالريالات الفضية، وذكروا أن بعض التجار ادخر ريالات ورقية كثيرة في زاوية من زوايا بيته، وغفل عنها عدة أشهر، فوجد الأرضة قد أكلتها، فذهبت عليه مئات الألوف، وكذلك كثير من الذين يغفلون عن النقود في مخابئهم، ثم يلقون الثوب في الغسالة، ويخرج وقد اضمحلت تلك النقود التي فيه. وأيضاً معلوم أن ستة وخمسين في ذلك الوقت -قبل خمسين سنة أو أربعين سنة- كانت لها قيمة، والذي يملك ستة وخمسين ممكن أن يشتري له أرضاً، ويمكن أن تقوته سنة أو نصف سنة، وفي هذه الأزمنة لا يقال لمن عنده ستة وخمسون إنه غني، ولو اشترى بها ثوباً أو عمامة قد لا تكفي، ولذلك فالصحيح أنها ليست مثل الريالات الفضية؛ لوجود الفرق في الثمن، فعلى هذا تقدر قيمتها فنسأل ونقول: كم قيمة الريال الفضي عندكم أيها الصيارفة الآن بالريال الورقي؟ فإذا قالوا: عشرة ضربنا ستة وخمسين في عشرة فتكون خمسمائة وستين، فيكون هذا هو النصاب، فإذا حال عليها الحول فإنه يزكى، فهذا هو القول الأقرب.

ضم الأموال بعضها إلى بعض وتزكيتها عند بلوغها النصاب

ضم الأموال بعضها إلى بعض وتزكيتها عند بلوغها النصاب قوله: (ثم يضمان في تكميل النصاب، وتضم العروض إلى بعضها) : يعني: إذا كان عنده نقود فضة ونقود ذهب، ونقود الذهب أقل من النصاب وكذا الفضة، فإذا قدرنا أن الذهب نصف نصاب والفضة نصف نصاب، فإنه يزكي؛ لأن مجموع الذي عنده أصبح نصاباً، وإذا كان عنده ربع نصاب فضة وربع نصاب ذهب ونصف نصاب عروض فإنها تضم. والعروض هي السلع التي تعرض للبيع.

زكاة عروض التجارة ومقدارها وكيفية تقويمها

زكاة عروض التجارة ومقدارها وكيفية تقويمها والعروض تخرج زكاتها فتقدر قيمتها وقت وجوب الزكاة، ولا يعتبر ثمنها الذي اشتريت به، فإذا اشترى الكيس بمائة، ولما تم الحول كان الكيس يساوي مائتين، فإنه يزكي قيمته المائتين، يعني: ببيع الجملة. وكذلك إذا اشترى قطع القماش الطول بمائة، ثم صار الطول يساوي مائتين في رأس الحول، فإنه يزكي مائتين. ويجمع الذي عنده بعضه إلى بعض، فإذا كانت تجارته في أطعمة وفي أكسية وفي أحذية وفي كماليات وفي أوانٍ، فلابد أن يخرج زكاة الجميع، فيقدر قيمة الثياب وقيمة الأغذية وقيمة الأحذية وغيرها، ببيع الجملة بسعر يوم إخراج الزكاة، ثم يخرج زكاتها. حتى إن عمر رضي الله عنه مر عليه رجل يحمل جلوداً، فاستدعاه وقدرها وأمره أن يخرج زكاتها؛ لأنها بلغت نصاباً؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم بعث من يخرص الزكاة على التجار ومنهم عمر رضي الله عنه، فذكروا أنه منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس وكانوا تجاراً، فعذر النبي صلى الله عليه وسلم خالداً؛ لأن الذي عنده أسلحة قد أوقفها، فكان عنده دروع وسيوف ورماح ولكنه قد أوقفها كلها وجعلها في سبيل الله تعالى فلا زكاة فيها، وتحمل زكاة العباس؛ لأنه عمه، ولم يعذر ابن جميل، فدل على أنه تخرج الزكاة من التجار؛ ولأن أغلب أموال الناس الآن في التجارة، فإذا لم يجب على التجار زكاة سقطت عن أكثر الأموال، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] . وزكاة النقود وزكاة التجارة والعروض ربع العشر فإذا بلغت مائتي درهم ففيها ربع العشر، وربع العشر في المائة ريالان ونصف، وفي المائتين خمسة، وهكذا.

ما يباح للرجل والمرأة من الذهب والفضة

ما يباح للرجل والمرأة من الذهب والفضة ويباح للرجل من الفضة الخاتم، فيلبس خاتماً في يده اليمنى أو اليسرى، في إصبعه الصغيرة: الخنصر أو البنصر، وكذلك تباح قبيعة السيف، يعني: طرف غلافه الذي يمسك به؛ وذلك لأنه مما يتخذ للزينة، وتسميها العامة الحياصة. كذلك الجوشن يجوز أن يحلى بشيء من الفضة، وحلية المنطقة: وهي التي تجمع فيها الذخيرة. أما الذهب فيباح للرجل منه قبيعة السيف، أي: طرفه، وكذلك ما دعت إليه الضرورة كأنف ونحوه، وفي قصة عرفجة أنه قطعت أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن عليه، فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب، وذلك للضرورة. أما النساء فيباح لهن ما جرت العادة بلبسه، وعادتهن في كل زمان لبس ما تيسر، وفي هذه الأزمنة: ما يلبس في الرقبة وتسمى قلائد أو رشارش، وما تلبس في الأصابع وتسمى خواتيم، وما تلبس في الذراع وتسمى أسورة، ويسميه العامة: غوائش، وما تلبس في الأذن ويسمى أقراطاً، وما تلبس في الرأس وتسمى حلقاً، وما يلبس في الوسط ويسمى حزاماً، وما يلبس أيضاً في اليد، وما جرت عادتهن بلبسه.

زكاة الحلي وخلاف العلماء فيها

زكاة الحلي وخلاف العلماء فيها واختلف في زكاة الحلي المباح الذي يعد للاستعمال أو العارية، فكثير من الفقهاء يقولون: لا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال أو العارية، وقاسوه على الأكسية، وأن المرأة لو كانت عندها ثياب ثمينة كثيرة فلا زكاة فيها، وكذلك قاسوها على الأواني، فإذا اتخذ إنسان عدة أوان زائدة عن قدر الحاجة ولو كانت أثمانها كثيرة فلا زكاة فيها، وكذلك كل ما يستعمل، فكل ما يتخذ للاستعمال لا زكاة فيه قياساً على النواضح وهي الإبل التي يستقى عليها أو يحمل عليها، ومثله في هذه الأزمنة السيارة التي يركب عليها أو الماكنة التي يسقي بها، أو ماكنة خياط يخيط بها، قالوا: لا زكاة فيها؛ لأنها ليست للنماء وإنما هي للاستعمال. وهذا هو الذي كان عليه مشايخنا الأولون كالشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ عبد العزيز بن رشيد ونحوهم، فقد كانوا لا يرون زكاة في الحلي المستعمل، وأما شيخنا الشيخ ابن باز فيختار أنه يزكى. وقد كثر الخلاف في هذه المسألة وألفت فيها المؤلفات ما بين مؤيد للزكاة وما بين منكر لها، والخلاف طويل، والأدلة من هؤلاء وهؤلاء مختلفة، وكل منهم يجيب عن أدلة الآخر، والإطالة في هذا غير مناسبة. ولكن نقول: الاحتياط أن ما يلبس دائماً كالخواتيم والأسورة لا زكاة فيه، وأما الذي لا يلبس إلا في المناسبات فإن فيه الزكاة، وذلك لأن كثيراً من النساء أسرفن في ذلك، فربما يكون عليها من الحلي ما قيمته مئات الألوف ولا تلبسه إلا مرة أو مرتين في السنة في أفراح أو في أعياد أو نحو ذلك، ولا شك أن هذا الإسراف يستدعي عدم التساهل، ويستدل أيضاً بالأحاديث التي استدل بها الشيخ في إيجاب الزكاة وهي مذكورة في الكتب الفقهية.

كيفية تقويم عروض التجارة وإخراج زكاتها

كيفية تقويم عروض التجارة وإخراج زكاتها قال رحمه الله: (ويجب تقويم عروض التجارة بالأحظ للفقراء منهما) ، أي: من الذهب أو من الفضة، فإذا كان الأحظ أن تقوم بالذهب فتبلغ مثلاً أحد عشر جنيهاً قومت بالذهب، وإذا كان الأحظ للفقراء أن تقوم بالفضة قومت بالفضة، فإذا كانت عنده ثياب فإن قومناها بالفضة بلغت ثلاثمائة وإن قومناها بالجنيه ما بلغت إلا ثمانية جنيه أو خمسة جنيه فإننا نقومها بالفضة لأنها الأحظ للفقراء. قوله: (وتخرج من قيمتها) . أجاز بعض العلماء أن تخرج زكاتها منها، فمن كان عنده ثياب فيخرج الزكاة ثياباً، ومن كان عنده أحذية فيخرج الزكاة أحذية، ومن كانت عنده كتب فيخرج الزكاة كتباً، ومن كان عنده مواعين أخرجها منها. ولكن القول الآخر وهو الصحيح أنها تخرج من القيمة، فيقومها ويخرج قيمتها.

كيفية حساب الحول إذا استبدل البضاعة بغيرها

كيفية حساب الحول إذا استبدل البضاعة بغيرها قوله: (فإذا اشترى عرضاً بنصاب بنى على حوله، وإذا اشتراه بسائمة لم يبن) . مثلاً: إذا كانت بضاعته ثياباً، ثم إنه اشترى بالثياب أطعمة فإنه يبني على حوله، فإذا كانت قد مرت ستة أشهر وبضاعته أكسية، والستة الأخرى جعلها أكياس أطعمة من الأرز أو من البر أو ما أشبه ذلك، فإنه يبني على حوله؛ وذلك لأن التجار يغيرون بضاعتهم كل يوم أو كل شهر، فيشتري أحدهم بضاعة جديدة ويصفي ما كان عنده وهكذا. أما إذا أبدلها بسائمة فإنه ينقطع الحول، فلو كانت عنده تجارة تقوم بمائة ألف، ولما تم لها أحد عشر شهراً اشترى بها خمسين من الإبل سائمة، فحينئذ ينقطع الحول ويستقبل بالإبل حولاً جديداً.

شرح أخصر المختصرات [14]

شرح أخصر المختصرات [14] من فضل الله وكرمه أن شرع عبادات في نهاية كل عبادة هامة؛ لتجبر النقص والتقصير الحاصل فيها، ومن ذلك الصيام، فإن النقص في هذه العبادة حاصل وكثير، فشرع الله لجبره وسد خلله زكاة الفطر، فإنها تجبر ما حدث في الصيام من خلل، فهي طهرة للصائم وطعمة للمساكين، ومصرف زكاة الفطر الفقراء والمساكين، مع أن مصارف زكاة الأموال ثمانية تولى الله بيانها وتحديدها بنفسه كما في آية التوبة.

وجوب زكاة الفطر

وجوب زكاة الفطر قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وتجب الفطرة على كل مسلم إذا كانت فاضلة عن نفقة واجبة يوم العيد وليلته وحوائج أصلية، فيخرج عن نفسه ومسلم يمونه، وتسن عن جنين. وتجب بغروب الشمس ليلة الفطر، وتجوز قبله بيومين فقط، ويومه قبل الصلاة أفضل، وتكره في باقيه، ويحرم تأخيرها عنه، وتقضى وجوباً، وهي صاع من بر أو شعير أو سويقهما أو دقيقهما، أو تمر، أو زبيب، أو أقط، والأفضل تمر فزبيب فبر فأنفع، فإن عدمت أجزأ كل حب يقتات، ويجوز إعطاء جماعة ما يلزم الواحد وعكسه. فصل: ويجب إخراج زكاة على الفور مع إمكانه، ويخرج ولي صغير ومجنون عنهما، وشُرِطَ له نية، وحرم نقلها إلى مسافة قصر، إن وجد أهلها، فإن كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلد المال، وفطرته وفطرة لزمته في بلد نفسه، ويجوز تعجيلها لحولين فقط، ولا تدفع إلا إلى الأصناف الثمانية وهم: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل، ويجوز الاقتصار على واحد من صنف، والأفضل تعميمهم والتسوية بينهم، وتسن إلى من لا تلزمه مئونته من أقاربه، ولا تدفع لبني هاشم ومواليهم، ولا لأصل وفرع وعبد وكافر، فإن دفعها لمن ظنه أهلاً فلم يكن أو بالعكس لم تجزئه إلا لغني ظنه فقيراً. وصدقة التطوع بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه سنة مؤكدة، وفي رمضان وزمن ومكان فاضل، ووقت حاجة أفضل] . يسن للمسلم الحرص على اتباع السنة بقدر ما يستطيع، فإذا جاءته الأوامر وفيها ما هو مسنون وواجب حرص على أن يأتي بالمسنون زيادة على الواجب، وكثيراً ما نسمع أن هذا سنة وهذا واجب، ويريدون بالسنة: الفضيلة العمل الذي ليس بواجب ولكنه متأكد، فعندنا مثلاً: زكاة الفطر، فيها واجب وفيها مسنون، فتجب على الإنسان الموجود وعن أولاده ومن يمونه، وتسن عن الجنين في بطن أمه، ولا تجب على الجنين ومن لا تلزمه مئونته ونحوه. الفطرة: صدقة الفطر، وهذه الصدقة تخرج في آخر رمضان، إما عند رؤية الهلال، وإما في صباح يوم العيد، وإما قبله بيوم أو يومين.

سبب مشروعية زكاة الفطر

سبب مشروعية زكاة الفطر لماذا شرعت زكاة الفطر؟ شرعت لسببين: السبب الأول: طهرة للصائم من اللغو والرفث؛ وذلك لأن الصائم قد يعمل بعض الأخطاء التي تقدح في صومه، فكلامه فيما لا يعنيه، وسفهه ولغوه، والغيبة والسباب ونحو ذلك، كل هذه لا شك أنها تنقص الصوم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) يعني: أنه إذا عمل بقول الزور فإن صومه يبطل أو ينقص أجره، وفي الحديث لما ذكر الصوم قال: (إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يفسق ولا يرفث ولا يجهل، فإن سابه أحد فليقل: إني امرؤ صائم) ، وورد حديث: (أهون الصيام ترك الطعام والشراب) يعني: أن ترك الغيبة وترك النميمة وترك الأعمال السيئة صعب على النفوس، وهو في الحقيقة ثمرة الصيام، وفي حديث آخر: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) . فلما كان الصائم لا يسلم إلا نادراً شرع أن يختم صيامه بهذه الصدقة؛ لتكون مكملة لما نقص، ومرقعة لما تخرق. ولذلك يقول بعضهم: استغفر الله من صيامي طول زماني ومن صلاتي صوم يرى كله خروق وصلاة أيما صلاة السبب الثاني لشرعيتها: أنها طعمة للمساكين، ففي الحديث: (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) فإن يوم العيد يوم فرح وسرور، والناس يظهرون فيه بالفرح ويهنئ بعضهم بعضاً، ولذلك يكون من الذلة أن يذل الإنسان نفسه بتكفف الناس في ذلك اليوم، إذا لم يكن عنده ما يقوت به نفسه ويقوت به عياله، فلذلك شرعت هذه الفطرة: طهرة للصائم وطعمة للمساكين.

من تجب عليه زكاة الفطر

من تجب عليه زكاة الفطر تجب زكاة الفطر على كل مسلم، ولا تجب على كافر، ثم لا تجب عليه إلا إذا فضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، صاع أو أكثر، فلا بد أن يبدأ بنفسه، فقد ورد في الحديث: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) ابدأ بنفسك وتصدق عليها، فيبدأ بنفسه، يترك لنفسه طعامه وطعام عياله يوم العيد وليلة العيد، وكذلك أيضاً ما يسد حوائجهم الأصلية من كسوة وأوانٍ وحاجيات، فيقدم حاجته، (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) ، وفي لفظ: (أن يحبس عن من يملك قوته) ، فإذا عجز عنهم بدأ بنفسه، فإن فضل شيء فلزوجته، فإن فضل بعدها فلأمه، ثم أبيه، ثم أولاده الأكبر فالأكبر، ثم من ينفق عليهم كخادم أو نحوه، وقيل: إن الخادم يقدم على الأولاد؛ وذلك لأنه يقول: أطعمني وإلا فأعتقني. أما الجنين الذي في بطن أمه فلا تجب عنه ولكن تسن عنه، يعني: سنة مؤكدة، ولو ولدته قبل غروب الشمس بدقيقة وجبت عنه، فإن ولد في ليلة العيد فلا تجب، يعني: بعد غروب الشمس وإنما تسن، ولا تجب عن الكافر، فلو كان عند مسلم خادم كافر مملوك فلا تجب عليه؛ لأنها طهرة، والكافر ليس أهلاً للتطهير، فإن أسلم قبل غروب الشمس بدقيقة وجب أن يخرج عنه، وإن أسلم بعد غروب الشمس لم يجب، وكذلك لو اشترى عبداً قبل غروب الشمس بدقيقة فعليه فطرته، وبعد غروب الشمس لا تلزمه وإنما تلزم الذي باعه.

وقت إخراج زكاة الفطر

وقت إخراج زكاة الفطر وقت وجوب زكاة الفطر غروب شمس ليلة الفطر، يعني: بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان، هذا وقت الوجوب، ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين، وذلك لأنه قد يشق على الناس تفريقها في ليلة واحدة، فلذلك رخص في أن يقدمها قبل العيد بيوم أو يومين، ولأن العادة أنها إذا جاءت إلى الفقير قبل العيد بيوم أو يومين يبقى بعضها إلى يوم العيد، فيبقى عنده ما يسد حاجته يوم العيد، ويكفيه عن التطوف. وأفضل إخراجها: يوم العيد قبل الصلاة، أي: صباح العيد قبل الصلاة، ولو لم تصل إلى أهلها إلا بعد الصلاة، فمثلاً: إذا أخرجت إلى الجمعيات في صباح العيد، فجمعت عند الجمعية ولو بلغت عشرين كيساً أو أكثر، فالجمعية تفرقها في ذلك اليوم، أو بعده بيوم أو بعده بأيام، فيكون صاحبها قد أخرجها قبل الصلاة، فإن لم يتيسر له إخراجها قبل صلاة العيد، أخرجها ولو في ذلك اليوم، فإن فات يوم العيد كله فإنها لا تسقط، بل يقضيها ويبادر بقضائها متى انتبه إلى ذلك أو عرفه، فلو وكل من يخرجها ليلة العيد فنسي الوكيل ولم يعلم أنه لم يخرج إلا بعد العيد بيوم أو يومين فإنها لا تسقط، وعليه أن يقضيها لأنا عرفنا أنها فريضة، تجزئ في باقي العيد مع الكراهة، ويحرم تأخيرها بلا عذر عن يوم العيد، فيقضيها وجوباً.

مقدار زكاة الفطر

مقدار زكاة الفطر مقدار زكاة الفطر صاع من بر أو صاع من شعير أو سويقهما أو دقيقهما، أو تمر، أو زبيب، أو أقط، هذه هي الأصول الخمسة التي وردت في الأحاديث، وكانت من القوت المعتاد في ذلك الزمان، وهي غالب قوتهم وكان أهل البوادي كثيراً ما يقتاتون الأقط، فجاءت الأحاديث بإخراجها من هذه الخمسة، ففي حديث أبي سعيد: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط) فسر الطعام بأنه البر. وجاء في حديث ابن عمر: (عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين) هكذا في موطأ مالك، فدل على أنها لا تخرج عن العبد الكافر، ولو كان صاحبه ومالكه ينفق عليه؛ لأنها طهرة وهو ليس أهلاً للطهرة. والدقيق هو الطحين، يعني: إذا طحن البر أو الشعير جاز إخراج صاع منه، ولكن يكون بالوزن لا بالمكيال؛ لأنه إذا طحن انتشرت أجزاؤه، فربما يكون الصاع بصاع ونصف بعد ما يطحن، فيخرج بالوزن، فننظر كم وزنه، ووزن الصاع خمسة أرطال وثلثاً فيخرج خمسة أرطال وثلث من الدقيق أو من السويق، والسويق: هو البر أو الشعير يطبخ في سنبله طبخاً طويلاً نحو ثلاث ساعات أو أربع، ثم بعد ذلك يجفف، ثم يصفى من السنبل، ثم يسحق، ثم يؤكل بدون طبخ، وإذا أرادوا أكله بلوه بماء وأكلوه؛ فإنه قد نضج عندما طبخ وهو في السنبل، ويتخذه المسافر زاداً إذا كان مستعجلاً، ويكون الصاع من هذا بالوزن لا بالكيل، يعني: خمسة أرطال وثلث بالعراقي.

أفضل الأنواع التي تخرج منها الفطرة

أفضل الأنواع التي تخرج منها الفطرة أكثر الصحابة على أن أفضل الأصناف في زكاة الفطر: التمر لسهولة نقله وعدم احتياجه إلى طبخ أو إصلاح، فكانوا يخرجونها من التمر كـ ابن عمر، ولكن يفضل الأنفع للفقراء، ومعاوية لما قدم من الشام وجد أهل المدينة يخرجونها من الشعير، والشعير رخيص، فأشار عليهم أن يخرجوها من البر ولو أقل، فقال: أرى نصف صاع من سمراء الشام يعدل صاعاً من الشعير؛ وذلك لأنه رأى أن الشعير لا يؤكل، وإنما يدفع علفاً للغنم ونحوها، والناس يخرجون منه، فأشار عليهم أن يخرجوا شيئاً يؤكل ولو قليلاً، وكانت قيمة الصاع من الشعير بقيمة نصف صاع من البر، فجعلوا صاع الشعير بنصف صاع من بر، ولكن أبا سعيد استمر على إخراج صاع كامل، ولو من الشعير. فنقول: إن كان ولابد من إخراج شعير -والشعير لا يؤكل- فنصف صاع من البر الذي يؤكل أفضل من صاع أو صاعين مما لا يؤكل، أما إذا كانوا يخرجونها صاعاً من بر بطيب نفس فإن ذلك أكمل. فالأفضل هو التمر كما فعله ابن عمر، ثم بعده الزبيب؛ لأنه شبيه به، ولا يحتاج إلى طبخ، ثم بعده البر؛ لأنه أنفع، ثم ينظر إلى الأنفع، فإذا عدمت هذه الخمس أجزأ كل حب يقتات، وذهب بعض العلماء كـ شيخ الإسلام إلى أن الأفضل إخراجها من القوت المعتاد، وأفتى مشايخنا بإخراجها من الأرز؛ لأنه أكثر استعمالاً في هذه الأزمنة، فإخراجها منه أفضل، وإذا لم يتيسر فالبر أفضل، لأنه قوت، أما التمر فقد لا يقتات به إلا القليلون، ولو كان ينفع الفقراء ونحوهم، لكن الغالب أنهم لا يجعلونه قوتاً، فإذا عدمت هذه الأصناف وكان قوت أهل البلد مثلاً: الدخن أو الذرة أو السلق أو الفول فإنهم يخرجون منه؛ لأنه يصبح قوتاً معتاداً. واختلف هل تخرج من اللحم؟ إذا كان قوتهم لحم سمك أو لحم طير فنقول: إذا كانوا لا يطعمون إلا اللحم أخرجوا الزكاة مما يأكلون.

حكم إخراج زكاة الفطر نقدا

حكم إخراج زكاة الفطر نقداً اختلف هل يجزئ إخراج القيمة في زكاة الفطر؟ الحنفية يجيزون إخراج القيمة، والجمهور يقولون: إذا وجدت الأصناف الخمسة أو القوت فلا؛ وذلك لخدمة الفقراء، والحنفية قالوا: نظرنا وإذا الحاجة تندفع بالقيمة، ونظرنا وإذا كثير من الذين يأخذونها يبيعونها برخص، فربما يشتري صاحبها الصاع بخمسة، فيجتمع عند الفقير عشرون صاعاً فيبيع الصاع بثلاثة؛ لأنه يريد الثمن، فلو أعطي قيمتها لكان أربح له، ولكن الأولى إخراجها من الأصناف، وإعطاؤها لمن هو بحاجة إليها ليأكلها، أما هؤلاء الذين يجمعونها ويبيعونها فلا يستحقونها، ولو كان يشملهم اسم الفقر، ولكن ينظر من هم الفقراء الذين يحتاجون إلى القوت، فشراؤها لهم خدمة لهم، وتسهيل عليهم، فبدل ما يذهبون ويشترونها من الأسواق تأتيهم عند أبوابهم. قوله: (ويجوز إعطاء الجماعة ما يلزم الواحد وعكسه) يعني: إذا كان الفقراء كثيرين فأخرجت صاعاً وفرقته عليهم حفنة حفنة، وكذلك إذا كان الفقير واحداً والبيوت كثيرة: عشرة بيوت، وكلهم جمعوا فطرتهم وأعطوها هذا الفقير فهذا جائز إذا كان مستحقاً.

وجوب إخراج الزكاة على الفور

وجوب إخراج الزكاة على الفور ذكر المصنف إخراج الزكاة، يعني: زكاة المال وزكاة الفطر، وإخراجها يعني: إيصالها إلى أهلها وإعطاؤها لمستحقيها فوراً بدون تأنٍ وبدون تأخير، فقد يحتاج إلى عمل، ويحتاج إلى أن يحصي قيمة بضائعه ويدققها، ويحسب الديون التي عليه، ويحسب الديون التي له، ويسقط هذه من هذه، ثم ينظر في الباقي، ثم ينظر هل عنده سيولة نقود، ثم بعد ذلك يسأل: أين الفقراء؟ لمن نصرفها؟ فإذا تيسرت وجمع ما يكفي أخرجه وأوصله إلى أهله.

وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون

وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون الصبي والمجنون في أموالهما زكاة، وعليهما زكاة فطر ولو لم يكونا مكلفين، فيلزم الولي إخراج الفطرة عن الصبي وعن المجنون ولو لم يكونا من الذين يصومون، فإذا كانت لهما أموال فالولي هو المكلف بإخراج الزكاة منها، هذا هو قول الجمهور، وذهب بعض العلماء كالحنفية إلى أنه لا يزكى مال المجنون؛ لأنه غير مكلف، يقولون: تسقط عنه الصلاة ويسقط عنه الصوم، ويسقط عن الحج، فكيف يكلف بالزكاة؟! وA أن الزكاة تجب في المال ولا تجب على البدن، أما الصلاة والصوم فإنها على البدن؛ ولأن المال الموجود تتعلق به نفوس الفقراء، فينظرون إلى هذا المال الذي يديره وكيله، فيتحرون أن يأتيهم حقهم منه، ولا ينظرون إلى مالكه، فلذلك تجب الزكاة في مال الصبي وفي مال المجنون. ولابد من النية عند إخراج الزكاة، فلو أخرج من جيبه مالاً وأعطاه مسكيناً كتطوع، ثم أراد أن ينويها زكاة لا يصح؛ لأن النية لابد أن تكون مقارنة لإعطائها الفقير، فلا يصح أن يخرجها بلا نية ولا تجزئ.

حكم نقل الزكاة إلى بلاد غير بلاد المزكي

حكم نقل الزكاة إلى بلاد غير بلاد المزكي هل يجوز نقل الزكاة إلى بلاد أخرى؟ أكثر الفقهاء على أنها لا تنقل إلى مسافة قصر، يعني: إلى مسيرة يومين بسير الإبل، بل تفرق في البلد الذي فيه المال؛ وذلك لأن الفقراء فيه يتشوفون إلى حقهم في هذا المال، فإذا نقلت إلى بلاد أخرى كان في ذلك تفويتاً لحقهم، وإساءة الظن بأهل هذا المال، فيظنون أنهم لا يزكون، ويقولون: كيف زكوا ونحن فقراء ولم يأتنا شيء منها؟! فهذا هو السبب. واستدلوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) فإن ظاهره أنها تؤخذ من هذا وتعطى لهذا في الحين وفي الحال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل السعاة فيأمرهم أن يفرقوها على الفقراء في حينها، فإذا لم يجدوا أحداً من الفقراء جاءوا إليه بما بقي. ولعل الصواب: أنه يصح نقلها للمصلحة، ومعروف أنه عليه السلام كان يرسل الجباة ليأتوا إليه بالزكاة، وأن أولئك الجباة كانوا يأتون فيقولون: هذه هي الزكاة التي جمعناها، فيفرقها على أهل المدينة أو على أهل البوادي وغيرهم. وفي حديث ابن اللتبية أنه قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي) ، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قبول الهدية، مخافة أنه تغاضى لأجلها عن بعض الحقوق، وقال: (أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً) . فدل على أن الواقع أنهم كانوا يأتون بها إليه، ولا شك أنهم كانوا يفرقون بعضها، ولكن الغالب أنهم يأتون بأكثرها، ولعل السبب في ذلك: أن أهل تلك البوادي أغنياء وعندهم أموال، فإذا جبيت من هؤلاء البوادي وليس فيهم فقراء فإنها تجمع ويؤتى بها إلى الإمام ثم الإمام يتولى توزيعها أو يدخلها في بيت المال، والواقع في هذه الأزمنة أن الجباة والعمال يوجهون ويقال لهم: أعطوا فلاناً، وأعطوا فلاناً، وأعطوا فلاناً؛ فيعطون بحسب تلك الأسماء، وما بقي فإنهم يأتون به ويدخلونه في بيت المال، ولا شك أن من دفعها إلى ولي الأمر برئت ذمته؛ لأن بيت المال مجمع الأموال التي تجبى من كل جهة وتصرف في مصالح المسلمين.

تخرج زكاة المال في بلد المال، وزكاة الفطرة في مكان وجوده

تخرج زكاة المال في بلد المال، وزكاة الفطرة في مكان وجوده إذا كان المزكي في بلد وماله في آخر، أخرج زكاة المال في بلد المال، وأخرج فطرته وفطرة من يمونه وفطرة من لزمته في البلد الذي هو فيه، قالوا: لأن الزكاة تتبع المال، والفطرة تتبع البدن، مثاله: إذا كانت أمواله في الرياض وهو مستقر في مكة أو في جدة، فإنه يفرق زكاة أمواله ببلد المال: الرياض، ويخرج فطرته وفطرة عياله في البلد التي أقاموا فيها، وقيل: إنه يخرج فطرته في البلد الذي تغيب شمس الثلاثين من رمضان وهو فيه، فلو قدر مثلاً أنه وعياله صاموا في الرياض، وقبل العيد ببومين أو بيوم ذهبوا إلى مكة، وجاءتهم ليلة العيد وهم بمكة فيفطرون في مكة، يعني: كأن الفطرة تتبع البدن، فيخرجونها في البلد الذي هم فيه ليلة العيد.

جواز تعجيل الزكاة

جواز تعجيل الزكاة يحوز تعجيل الزكاة لحولين فقط، يعني: إذا رأيت مستحقاً في هذه السنة وعندك زكاة السنة القادمة وزكاة السنة التي بعدها فقلت: سوف أعجل زكاة سنتين وأعطيها هذا الفقير الذي يكاد أن يسجن في دينه، أو الذي أحدق به الغرماء وشددوا عليه، فأعطيته زكاة سنتين دفعة واحدة جاز ذلك، ولا يجوز أكثر من سنتين، وإنما يجوز هذا إذا كان هناك سبب، وإلا فالأصل إخراج زكاة كل مال بعد حوله. واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم قال: (إنا كنا احتجنا فأقرضنا العباس صدقة سنتين) لما جاء عمر فقال: إن العباس منع الزكاة، قال: (هي علي ومثلها معها) يعني: كان العباس قد دفع زكاة سنتين، فدل على أنه يجوز إخراج الزكاة عن سنتين ولا يستحب.

مصارف الزكاة

مصارف الزكاة أهل الزكاة هم المذكورون في الآية الكريمة من سورة التوبة، ذكروا أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله من الزكاة، فقال: (إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك) فبين أن الله تعالى هو الذي تولى قسمها في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ) ، (إنما) أداة حصر، {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] وحد الفقير: هو الذي دخله يكفيه أقل من نصف الشهر، وبقية الشهر يقترض، فإذا كان دخله خمسمائة وينفقها في ثلاثة عشر يوماً، وبقية الشهر ليس عنده شيء فهذا نسميه فقيراً، فإذا كان مثلاً دخله ستمائة وتكفيه سبعة عشر يوماً فنسميه مسكيناً، فالمسكين أقل حاجة من الفقير، والدليل أن الله تعالى ذكر الفقراء وحث على الإنفاق عليهم، قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] ، وقال تعالى: {لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:273] هكذا وصفهم، وكذلك في قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر:8] وصفهم بأنهم فقراء؛ لأنهم تركوا أموالهم وهاجروا، فالفقراء أشد حاجة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر: (أعوذ بك من الفقر إلا إليك) . وأما المسكنة فالمسكين أخف حاجة، وهو الذي يكفيه دخله أكثر الشهر، والدليل قول الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف:79] فوصفهم بأنهم مساكين، وأن لهم سفينة يعملون عليها في البحر، فدل على أنهم قد يملكون بعض الأشياء، ومع ذلك يوصفون بأنهم مساكين، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين) فكونه استعاذ من الفقر، وسأل ربه أن يجعله مسكيناً دل على أن المسكنة أقل شدة من الفقر. الثالث: العاملون عليها، يعني: الجباة الذين يجمعونها، يرسلهم الأئمة ليجمعوها، فيكون لهم حق فيها بقدر تعبهم، ويستثنى من ذلك إذا كان لهم رواتب، فالحكومة في هذه الأزمنة تفرض لهم رواتب، فإذا كان كذلك فلا يحق لهم أن يأخذوا منها شيئاً، بل يكتفون بما يفرض لهم من الرواتب، فإن فرضت لهم الحكومة شيئاً ونسبة معينة اقتصروا عليها، ولا يزيدون، هذا هو الصواب. الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم رؤساء القبائل ومن كانت لهم شهرة ومكانة في أقوامهم، فيعطون تأليفاً لهم، إذا كان يرجى إسلامه أعطي من الزكاة ولو كان كافراً حتى يسلم، أو ليقوى إيمانه، فهو مسلم، ولكن إيمانه ضعيف، فيعطى حتى يقوى إيمانه، أو إسلام نظيره، فإذا أعطيناه أسلم أولئك الآخرون من القواد والرؤساء، أو يرجى منه جباية زكاة، إذا كان رئيساً وقومه يطيعونه ولا يجبون الزكاة إلا إذا أمرهم، فإذا أعطيناه شيئاً منها سلم قومه وعشيرته ودفعوا الزكاة، فمثل هؤلاء مؤلفة قلوبهم فيعطون منها. وثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما غنموا غنائم حنين أعطى منها المؤلفة قلوبهم، ومنهم: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، ومنهم عباس بن مرداس أعطاه أقل من عيينة والأقرع؛ فغضب لذلك فكمل له النبي صلى الله عليه وسلم مثلهم، لا شك أن مثل هؤلاء كانوا يُتألفون، وفي عهد عمر رضي الله عنه قوي الإسلام وانتشر وتمكن في البلاد، وعاد أولئك الرؤساء كسائر الناس لا يحتاج إلى تأليفهم، فأسقط عمر حقهم، وقال: إن الله قد أعز دينه فلا حاجة إلى أن نتألفهم، وليسوا فقراء ولا مساكين ولا ضعفاء ولا غارمين، ولا نعطيهم لأنهم أكابر ورؤساء وقواد، وهم لا يستحقون من الزكاة، إنما كان ذلك في حالة ضعف الإسلام، فأما بعد ما قوي الإسلام فلا حق لهم، وهذا هو السبب في إسقاطه حقهم. الخامس: الرقاب، يعني: المماليك الذين اشتروا أنفسهم بمال مؤجل، ويسمون المكاتبين، فالمكاتب الذي اشترى نفسه يعطى من الزكاة حتى يوفي عن نفسه. السادس: الغارمون، والغارم: هو المدين الذي عليه دين كثير لا يستطيع وفاءه، إما غارم لإصلاح ذات البين، كأن يقترض أموالاً يصلح بها بين فئتين من المسلمين، وإما غارم لنفسه يعني: استدان ولا يستطيع أن يفي، ولو لم يوصف بأنه فقير، ولو كان عنده دخل، ولكن الدين استغرق أمواله. السابع: في سبيل الله، فسر بأنه في الجهاد، يعني: المجاهدون الذين ليس لهم رواتب، فيعطون من الزكاة ما يشترون به أسلحة وما ينفقون به على أنفسهم ذهاباً وإياباً ولو كانوا أغنياء في بلادهم؛ تقوية للمجاهدين وللجهاد، وتكون النفقة عليهم مضاعفة، فالنفقة في سبيل الله: الحسنة أو الدرهم بسبعمائة، وذهب بعض العلماء إلى أن كلمة في سبيل الله تعم وجوه الخير كلها، فيدخل في ذلك بناء المساجد، وبناء المدارس، وإصلاح القناطر، وإصلاح الطرق، وتهيئتها للسالكين، ويدخل في ذلك نشر العلم، وطبع الكتب، وتيسير وسائل العلم وما أشبه ذلك، وقالوا: إن سبيل الله كل وسيلة توصل إلى رضا الله تعالى. ونقول: إذا تعطلت هذه المصالح ولم يوجد لها إلا مصرف الزكاة صرف فيها من الزكاة، وإلا فالأصل أن الزكاة لها مصرف خاص، وهو كونها في سبيل الله يعني: في القتال. الثامن: ابن السبيل، ويعرفونه: بأنه المسافر الذي انقطع به السفر، وإن كان له أموال في بلاده، وفي هذه الأزمنة يمكنه أن يتصل ببلاده، ويطلب إرسال مال بواسطة البنوك، ويأتي بسرعة، لكن إذا لم يتيسر وبقي منقطعاً لا يستطيع حيلة، وليس له وسيلة يصل بها إلى أهله؛ حلت له الزكاة إلى أن يصل إلى أهله، هؤلاء هم أهل الزكاة الثمانية.

الاقتصار في صرف الزكاة على صنف واحد من الأصناف الثمانية

الاقتصار في صرف الزكاة على صنف واحد من الأصناف الثمانية هل يجوز الاقتصار في صرف الزكاة على صنف واحد؟ الصحيح أنه يجوز، والدليل قوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] فاقتصر على الفقراء، فدل على أنه يجوز إعطاؤهم الزكاة كلها، والأفضل تعميمهم، يعني: الأفضل إذا كان عندك مال كثير أن تقول: هذا نصيب الفقراء، هذا نصيب المساكين، هذا نصيب الغارمين، هذا نصيب المجاهدين، هذا نصيب العاملين، هذا نصيب المنقطعين، وتسوي بينهم، يعني: إذا كانت ثمانية آلاف فكل قسم أو صنف له ألف، ولكن الصواب أنه يقدم أكثرهم حاجة، فالأشد حاجة كالفقراء والغارمين مثلاً يقدمون. قوله: (وتسن إلى من لا تلزم مئونته من أقاربه) إذا كان له أقارب وفقراء لا تلزمه مئونتهم ففيهم أفضل، يقول صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة) بشرط ألا تلزمه مئونتهم، فإن كانت تلزمه مئونتهم فلا يجوز؛ لأنه يدفعها حماية ووقاية لماله، والذين تلزمه مئونتهم: هم الذين يرثهم أو يرثونه، فإذا كان له إخوة فقراء وليس لهم أولاد لو ماتوا لورثهم، ألزم بإعطائهم النفقة، وألزم بالإنفاق عليهم إذا كان قادراً، فإن كان لهم أولاد فإنه لا يرثهم، ففي هذه الحالة يعطيهم من الزكاة، وكذلك أعمامه إذا لم يكن لهم أولاد ولم يكن لهم إخوة، وكان هو الذي يرثهم لو ماتوا، أو يرثون منه يلزمه الإنفاق عليهم فلا يعطيهم من الزكاة.

حكم دفع الزكاة لبني هاشم في حالة الضرورة

حكم دفع الزكاة لبني هاشم في حالة الضرورة لا تدفع الزكاة لبني هاشم، وبنو هاشم: هم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لبني هاشم، إنما هي أوساخ الناس) وقال لهم: (إن لكم بخمس الخمس ما يغنيكم عن الزكاة) هذا هو المشهور. وفي هذه الأزمنة يوجد كثيرون يسمون أنفسهم سادة، ويدعون أنهم من ذرية علي إما من ذرية الحسن أو الحسين، أو من ذرية جعفر أو نحو ذلك، فيقولون: نحن من بني هاشم ويوجد فيهم فقراء وضعفاء ومساكين وغارمون، ولا يأتيهم من بيت المال ما يكفيهم، فنقول: إذا اضطروا واحتاجوا جاز أن يدفع لهم؛ وذلك لأنه لم يتيسر لهم ما كانوا يعطونه من خمس الخمس، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة قسمها خمسة أخماس: أربعة أخماس للغانمين، وخمس يجتبيه، ثم إن هذا الخمس يوزعه خمسة أخماس على قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41] فيوزعه على هؤلاء، وفي هذه الأزمنة لا يوجد جباية أموال، ولا يوجد ما يقوم مقام الزكاة، فلا خمس ولا غنائم، فيحتاجون إلى أن يعطوا من الزكاة ما يسد حاجتهم. ذكر المصنف أن موالي بني هاشم لا تحل لهم الزكاة، والصحيح أنها تحل لهم في هذه الحالة كما تحل لبني هاشم، واستدل الفقهاء بحديث أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أن بعض العمال استدعاه أن يخرج معه في عمالة للزكاة ليصيب منها، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنها لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم) فلم يخرج أبو رافع، فإذا قلنا: إنها تحل لبني هاشم للحاجة فمواليهم بالطريق الأولى، فمواليهم ليس لهم شرف السيادة التي لبني هاشم.

حكم دفع الزكاة إلى من تلزم مئونته

حكم دفع الزكاة إلى من تلزم مئونته قوله: (ولا تحل لأصل ولا فرع) وذلك لأنه تلزمه مئونتهم، فالأصل: هم الآباء والأجداد ذكوراً وإناثاً، فلا يعطي منها أباه ولا أمه ولا جده أبا أبيه، ولا جده أبا أمه، ولا جداته من كل جهة، ولا يعطي أحداً من أصوله، وكذلك الفروع وهم من تفرع عنه: أولاده ذكوراً وإناثاً، وأولاد بنيه ذكوراً وإناثاً، وأولاد بناته وأولاد بنات بناته ونحوهم؛ لأنه ينفق عليهم عند الحاجة، وينفقون عليه إذا احتاج. ولا تحل الزكاة لكافر؛ وذلك لأنها صدقات، والكفار ليسوا أهلاً للصدقات.

حكم دفع الزكاة لمن ظن من أهلها ثم تبين خلاف ذلك

حكم دفع الزكاة لمن ظُن من أهلها ثم تبين خلاف ذلك قوله: (فإن دفعها لمن ظنه أهلاً فلم يكن لم تجزئ) يعني: دفعها لهاشمي يظنه غير هاشمي فإنها لا تجزئ إذا علم بعد ذلك أنه من بني هاشم، أما إذا دفعها لمن يظنه غنياً فبان فقيراً فإنها تجزئ، وفيه قصة ذلك الرجل الذي قال: لأتصدقن الليلة، فخرج فوضع صدقته في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، فقيل له: إنه قد قبلت صدقتك، وكذلك لو تعمد إخراجها لمن يعتقده غنياً، قال: هذا الرجل أعطيه وأنا أجزم أنه غني، فأعطاها إياه، ثم تبين أنه فقير، فهل تجزئ؟ لا تجزئ؛ لأنه عندما دفعها كان جازماً أنها في غير أهلها.

الحث على صدقة التطوع وتضاعفها في الأزمنة والأماكن الفاضلة

الحث على صدقة التطوع وتضاعفها في الأزمنة والأماكن الفاضلة بعد ذلك ذكر المصنف صدقة التطوع، والصدقة بالفاضل مستحبة، وقد رغب الله تعالى في الصدقات كما في قوله تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة:177] يعني: آتى المال على حبه، وكذلك قوله تعالى في قصة عباد الله الأبرار: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان:8-9] كل هذا في صدقة التطوع، وورد فيها فضل كبير ومضاعفة كبيرة. فلابد أن يتصدق بما فضل عن كفايته وكفاية من يمونه، فهي سنة مؤكدة، ولا يجوز أن ينقص كفاية عياله؛ لحديث: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها) وحديث: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) . وتضاعف أجر الصدقة في رمضان ورد فيه حديث: (إذا دخل رمضان فانبسطوا في النفقة فإن النفقة فيه مضاعف) ، وكذلك في سبيل الله، وكذلك في الأزمنة الفاضلة كعشر ذي الحجة ويوم الجمعة، وكذلك الأماكن الفاضلة كمكة والمدينة، وكذلك أوقات الحاجة، إذا كانت هناك حاجة وشدة وفقر وجوع شديد في بلد، فإن الصدقة عليهم تكون مضاعفة، هذا هو الأصل في إيجاب الصدقات.

شرح أخصر المختصرات [15]

شرح أخصر المختصرات [15] من كرم الله عز وجل أن شرع لعباده كثيراً من العبادات التي يكسبون بها الأجور والحسنات، ومن أعظم تلك العبادات فريضة الصيام، وقد حددها الشارع بزمان وعلامات. فعلى المسلم أن يعرف أحكام الصيام وما يتعلق به؛ ليحقق هذه العبادة العظيمة كما أمره الله تعالى، فينال بذلك الفضل والأجر.

كتاب الصيام

كتاب الصيام بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف رحمه الله: [كتاب الصيام. يلزم كل مسلم مكلف قادر، برؤية الهلال ولو من عدل، أو بإكمال شعبان، أو وجود مانع من رؤيته ليلة الثلاثين منه كغيم وجبل وغيرهما، وإن رؤي نهاراً فهو للمقبلة. وإن صار أهلاً لوجوبه في أثنائه، أو قدم مسافر مفطراً، أو طهرت حائض أمسكوا وقضوا. ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكيناً. وسن الفطر لمريض يشق عليه ومسافر يقصر، وإن أفطرت حامل أو مرضع خوفاً على أنفسهما قضتا فقط، أو على ولديهما فمع الإطعام ممن يمون الولد. ومن أغمي عليه، أو جن جميع النهار لم يصح صومه، ويقضي المغمى عليه. ولا يصح صوم فرض إلا بنية معينة بجزء من الليل، ويصح نفل ممن لم يفعل مفسداً بنية نهاراً مطلقاً] . صيام رمضان هو الركن الرابع، وقبله ركن الشهادة وركن الصلاة والزكاة، وقد أجمع المسلمون على أنه فريضة على كل مسلم، ولا يلزم إلا المسلم، فلا يلزم الكافر ولا يصح منه، ولا يلزم إلا المكلف، فلا يلزم المجنون ولا الصغير، لكن الصغير يدرب عليه حتى يألفه إذا كلف، ولا يلزم العاجز كالمريض ونحوه ممن يشق عليه.

كيفية ثبوت دخول رمضان وانتهاؤه

كيفية ثبوت دخول رمضان وانتهاؤه يجب صوم رمضان برؤية الهلال، أو بإكمال عدة شعبان، وهذا متفق عليه، وكم يكفي للرؤية؟ الأكثرون على أنه يكفي واحد لرؤية هلال رمضان، وأما هلال شوال فلا يكفي إلا اثنان عدلان، فقد ورد أنه جاء أعرابي فقال: (إني رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم، فأمر بلالاً أن يؤذن للصوم) . ثم هناك سبب ثالث ذكره بقوله: أو وجود مانع في الرؤية ليلة الثلاثين منه كغيم وجبل وغيرهما، هذه المسألة مختلف فيها، فإذا كانت ليلة الثلاثين وحال دونه غيم أو قتر أو مانع كجبل فهل يصومون أم لا؟ المشهور عند الإمام أحمد أنهم يصومون، والراجح من حيث الدليل أنه لا يصام؛ واستدل الإمام أحمد بحديث عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له) قالوا: اقدروا له يعني: ضيقوا عليه، واستدلوا على أن القدر بمعنى التضييق بقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق:7] ، واستدلوا أيضاً بأن ابن عمر كان إذا كان ليلة الثلاثين أرسل من ينظر إليه، أرسل أربعة أو عشرة وقال: انظروا إلى الهلال، فإن كانت صحواً ولم يروه أصبح مفطراً يوم الثلاثين، فإن رأوا الهلال صام، فإن كان هناك غيم أو قتر حال دون أن يروه أصبح صائماً، فجعلوا فعل ابن عمر تفسيراً لقوله: (فاقدروا له) ولكن إذا نظرنا إلى بقية الأحاديث رأينا أن أكثر الروايات تبين أن القدر بمعنى الإتمام، فقد ورد في رواية: (فاقدروا له ثلاثين) وفي رواية: (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) ، وفي رواية: (فأكملوا العدة) وهذا هو الصحيح. قوله: (وإن رؤي نهاراً فهو لليلة المقبلة) لكن لا يعتد به إلا إذا رؤي متأخراً عن الشمس، فأما إذا رؤي أمام الشمس فإنه لا يعتبر هلالاً، وإنما يكون هلالاً إذا رؤي بعد غروب الشمس، أو رؤي في النهار وقد سبقته الشمس، وعرف بأنها تغيب قبله.

من صار أهلا للصيام أثناء نهار رمضان

من صار أهلاً للصيام أثناء نهار رمضان قوله: (ومن صار أهلاً لوجوبه في أثنائه أمسك وقضى) صورة ذلك: إذا قدر أن إنساناً صغيراً، ابن إحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة، وفي أثناء نهار رمضان كان مفطراً، فنام في النهار فاحتلم، فنقول له: أمسك بقية يومك، واقضه إذا انتهى رمضان، وصم بقية الشهر، وكذلك الفتاة إذا حاضت في أثناء النهار، نقول: هذا النهار الذي حاضت فيه قد بلغت فيه، فيلزمها قضاؤه، وكذلك مثلاً: إذا طهرت الحائض في أثناء النهار، وكانت قد أصبحت مفطرة بسبب الحيض، ولما كان في نصف النهار طهرت واغتسلت، فإنها تمسك بقية النهار، وتقضي ذلك اليوم الذي طهرت في أثنائه، وكذلك المسافر إذا قدم في وسط النهار وهو مفطر فإنه يمسك بقية نهاره ويلزمه القضاء، وكذا المريض إذا عوفي في وسط النهار وهو مفطر، لزمه الإمساك بقية يومه، ولزمه القضاء.

الكبير والمريض الميئوس يطعمان عن كل يوم مسكينا

الكبير والمريض الميئوس يطعمان عن كل يوم مسكيناً الكبير أو المريض الذي لا يرجى برؤه إذا أفطر فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، لأنه معذور في إفطاره، ولا يستطيع الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، فيلزم أولياؤه أن يطعموا عنه. واختلف العلماء فيما إذا كان قد ذهب عنه التمييز، يعني: خرف فأصبح لا يعقل ولا يفهم ولا يميز، يقولون له: أمسك وصم فيقول: أمسكت، ثم بعد ذلك يشرب أو يأكل، فصار أقل حالة من الطفل، ففي هذه الحال من العلماء من يقول: يسقط عنه التكليف كالمجنون؛ لأنه فاقد العقل، والأكثرون على أنه يطعم عنه؛ لأنه لم يزل تحت ولايتهم؛ ولأنه قد تجاوز سن التكليف.

بيان الأفضل للمريض والمسافر من الصوم والإفطار

بيان الأفضل للمريض والمسافر من الصوم والإفطار المريض الذي يشق عليه الصيام هل الأفضل له أن يفطر أم يصوم مع المشقة؟ الأفضل أن يفطر مع المشقة، وهذه رخصة، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، فإذا كان الصوم يتعبه فالفطر أفضل له، وكذلك المسافر الذي يقصر الصلاة، هل الأفضل له أن يفطر ويقضي أو الأفضل له أن يصوم؟ في ذلك تفصيل: إذا كانت عليه مشقة في الصيام في السفر بحيث إنه يسقط، ويحتاج إلى من يخدمه، ومن يفرش له الفراش، ومن يرشه، ومن يحمله؛ ففي هذه الحال الأفضل له الفطر، ولو صام وصبر على الكلفة أجزأه الصيام عن أيام رمضان، هذا قول الجمهور، يعني: أن الأفضل له الفطر مع المشقة الإفطار، وأنه لو تكلف وتجشم وصام فإن ذلك يجزئه، ويسقط عنه الفرض، واستدلوا بحديث أبي الدرداء قال: سافرنا في حر شديد حتى إن أحدنا ليجعل يده فوق رأسه من حر الشمس، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة، ففي هذا مشقة وصبر على الصوم. وأما إذا لم تكن عليه مشقة، والصيام لا يكلفه ولا يعوقه عن حاجته، فيخدم نفسه ويصلح شئونه: يصلح طعامه ويفرش فراشه، ويصلح مركبه، ولا يحوجه إلى أحدٍ يخدمه؛ ففي هذه الحال الصوم أفضل، وإن أفطر جاز، فعن أنس قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فكانوا يرون أن من به قوة وقدرة فإنه يصوم، وفي حديث جابر المشهور: أنهم كانوا في سفر، قال: (فمنا الصائم ومن المفطر، فنزلنا منزلاً، فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر) وذلك لأن الصوام سقطوا تحت الظل، ولم تكن عندهم قدرة على أن يخدموا أنفسهم، ولا أن يخدموا رفقتهم من شدة الجهد، ومن شدة الضمأ، ومن شدة التعب، فإذا كانوا بهذه الحال بحيث إنهم يسقطون إذا نزلوا منزلاً، ولا يستطيعون أن يخدموا أنفسهم، فالفطر والحال هذه أفضل، وعليه يحمل حديث أبي موسى وغيره: (أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فرأى زحاماً، ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصيام في السفر) فهذا محمول على ما إذا كان هذا الصائم محتاجاً إلى من يظلل عليه، وإلى من يخدمه، وإلى من يرشه، وإلى من يبل مكانه الذي ينزل فيه، ففي هذه الحالة: صيامه ليس من البر، فكونه يغني نفسه، ويخدم نفسه، أولى من كونه يصوم ويحتاج إلى من يخدمه، وفي حديث آخر: أن قوماً جاءوا من سفر، فأخذوا يمدحون صاحبهم فلان، وقالوا: ما كنا في نهار إلا وهو صائم، وما كان في ليل إلا وهو قائم، فقال صلى الله عليه وسلم: (ومن يصلح حاله؟ من يحمل رحله؟ ومن ينزل رحله؟ ومن يصلح طعامه؟ ومن يصلح فراشه؟ فقالوا: نحن الذين نخدمه، فقال: أنتم خير منه) وذلك لأنه يحتاج إلى من يخدمه؛ لأن الصيام أقعده وأتعبه، وحال بينه وبين أن يغني نفسه، فإذا كان كذلك فالصوم والحالة هذه ليس بفاضل بل مفضول. والخلاصة: إذا كنت في سفر، وليس عليك مشقة، والصوم لا يعوقك عن خدمة نفسك، فالصوم أفضل، حتى توقع الصيام في زمانه الذي فرض فيه وهو أيام رمضان، وحتى لا يكلفك القضاء، فإن كثيراً من الذين يفطرون يصعب عليهم القضاء، فلا يقضون ما عليهم إلا قرب رمضان الثاني، ففي هذه الحالة: الصوم مع عدم المشقة أفضل، والفطر مع وجود المشقة أفضل، والصوم مع وجود المشقة جائز، والفطر مع عدم المشقة جائز ولكنه مفضول.

حكم إفطار المرضع والحامل

حكم إفطار المرضع والحامل قوله: (إذا أفطرت الحامل أو المرضع خوفاً على أنفسهما فعليهما القضاء فقط) . إذا أفطرت حامل خوفاً على نفسها، فليس عليها إلا القضاء؛ لأنها كالمريض، خافت على نفسها من الألم، فإن كان خوفها على الجنين أو على الرضيع، فهي خائفة على غيرها فعليها مع القضاء الإطعام، هكذا روي عن ابن عباس وغيره، وحمل على ذلك قول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] . والإطعام على من يلزمه مؤنة الولد؛ لأنها أفطرت لأجل هذا الولد، فلذلك يكون عليه الإطعام، وإن أطعمت هي من مالها أجزأ. قوله: (ومن أغمي عليه أو جن جميع النهار لم يصح صومه) فإذا أغمي عليه قبل الفجر بساعة وما أفاق إلا بعد غروب الشمس وما أكل ولا شرب فهل يجزئه هذا الصوم؟ لا يجزئه؛ لأنه ما نوى، وكذلك من أصابه جنون قبل طلوع الفجر وأفاق بعد غروب الشمس ولو لم يأكل فلا يكون صياماً، لأن الصيام يحتاج إلى نية. أما النوم، فلو قدر أنه عازم على الصيام في رمضان ثم غلبه النوم قبل الفجر، واستغرق في النوم ولم يستيقظ إلا في الليل، ففي هذه الحال نقول: يجزئه الصيام؛ وذلك لأن النوم ليس كالجنون، وإذا نبه انتبه، ولأنه ناو. وإذا أغمي عليه جميع النهار فإن عليه القضاء، وأما المجنون فلا قضاء عليه؛ لأن من شرط التكليف العقل.

وجوب النية في الصيام

وجوب النية في الصيام الصيام لابد له من نية، ولابد أن يعيّنه، وتكون النية بجزء من الليل، ولكن قال بعض العلماء: إنه تكفيه نية واحدة في رمضان، فإذا دخل رمضان وقد عزم على أن يصوم الشهر كله، فلا حاجة إلى أن يجدد النية في كل ليلة، ومعروف أنه إذا استيقظ وأكل آخر الليل فإن أكله يكون بنية السحور، فإذا قيل له: لماذا تأكل؟ يقول: لأني أريد الصوم، فينطق بما في قلبه، فيدل على أن النية موجودة، فلا حاجة إلى أن يحرك قلبه بالنية كل ليلة.

من أراد السفر فلا ينوي الإفطار إلا بعد أن يجد به السير

من أراد السفر فلا ينوي الإفطار إلا بعد أن يجد به السير مسألة: المسافر إذا أراد أن يسافر فلا يجوز له الإفطار، بل عليه أن يصبح صائماً، ولا يفطر إلا إذا فارق عامر البلد، إذا كان عازماً على الإفطار، فبعض الناس إذا قال: سوف أسافر غداً أفطر بالنية، وقال: إني قد حجزت، وقد أركب الساعة الثامنة أو التاسعة، فيصبح ولم يعزم على الصوم، فربما يعرض له عارض فلا يتيسر له السفر، فيقول: أنا ما أكلت شيئاً منذ أصبحت، وأريد أن أتم صومي؛ لأن السفر لم يتيسر لي، فهل يجزئه؟ لا يجزئه؛ لأنه أصبح بنية الإفطار، فقد عزم على الإفطار ونواه، ونقول له: إنك أخطأت بهذه النية، كان عليك أن تنوي الصوم، ولا تعزم على الإفطار إلا إذا جدّ بك السير، فأما قولك: نويت الإفطار وأنت ما جدّ بك السير فإنك مخطئ؛ وذلك لأنه قد لا يتيسر لك السفر، فلذلك ينتبه لمثل هذا.

حكم النية في صيام النافلة

حكم النية في صيام النافلة صوم النفل يجوز أن ينوى له من النهار، ففي حديث عائشة قالت: (دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني إذاً صائم) دخل عليها في الصباح، ولما لم يجد طعاماً عزم على أن يتم صوم ذلك اليوم، مع أنه ما نوى من الليل، ولكن هذا خاص بالنفل، ويشترط له شرطان: الشرط الأول: ألا يكون قد أكل أو شرب في أول النهار، فإن ذلك ينافي الصوم. الشرط الثاني: أن ينوي قبل الزوال، ليكون صومه أكثر النهار، وليس له أجر إلا على ما نواه، أما نهاره الذي ما نوى فيه فإنه لا أجر له فيه؛ لأنه أصبح بنية الإفطار.

شرح أخصر المختصرات [16]

شرح أخصر المختصرات [16] اتفق العلماء على أن من مفطرات الصيام: الأكل والشرب والجماع والحيض والنفاس، واختلفوا في غيرها هل تفطر أم لا؟ مثل الحجامة والقيء وما دخل الجوف من غير الأكل والشرب، فينبغي تحقيق الراجح في هذه المسائل لأهميتها البالغة، وللصيام مستحبات ومكروهات ينبغي معرفتها، كما ينبغي معرفة الأيام التي يستحب صيامها والتي يكره أو يحرم صيامها.

مفطرات الصيام

مفطرات الصيام قال رحمه الله تعالى: [ومن أدخل إلى جوفه، أو مجوف في جسده كدماغ وحلق شيئاً من أي موضع كان غير إحليله، أو ابتلع نخامة بعد وصولها إلى فمه، أو استقاء فقاء، أو استمنى، أو باشر دون الفرج فأمنى، أو أمذى، أو كرر النظر فأمنى، أو نوى الإفطار، أو حجم، أو احتجم عامداً مختاراً ذاكراً لصومه؛ أفطر، لا إن فكر فأنزل، أو دخل ماء مضمضة أو استنشاق حلقه، ولو بالغ أو زاد على ثلاث. ومن جامع برمضان نهاراً بلا عذر شبق ونحوه فعليه القضاء والكفارة مطلقاً، ولا كفارة عليها مع العذر: كنوم، وإكراه، ونسيان، وجهل، وعليها القضاء، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت. وكره أن يجمع ريقه فيبتلعه، وذوق طعام، ومضغ علك لا يتحلل، وإن وجد طعمهما في حلقه أفطر، والقبلة ونحوها ممن تحرك شهوته. ويحرم إن ظن إنزالاً، ومضغ علك يتحلل، وكذب وغيبة ونميمة وشتم ونحوه بتأكد. وسن تعجيل فطر، وتأخير سحور، وقول ما ورد عند فطر، وتتابع القضاء فوراً. وحرم تأخيره إلى آخر بلا عذر، فإن فعل وجب مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، وإن مات المفرط ولو قبل آخر أطعم عنه كذلك من رأس ماله، ولا يصام، وإن كان على الميت نذر من حج، أو صوم، أو صلاة ونحوها سن لوليه قضاؤه، ومع تركة يجب، لا مباشرة ولي. فصل: يسن صوم أيام البيض، والخميس والإثنين، وست من شوال، وشهر الله المحرم، وآكده العاشر ثم التاسع، وتسع ذي الحجة، وآكده يوم عرفة لغير حاج بها. وأفضل الصيام صوم يوم وفطر يوم. وكره إفراد رجب والجمعة والسبت والشك، وكل عيد للكفار، وتقدم رمضان بيوم أو بيومين ما لم يوافق عادة في الكل. وحرم صوم العيدين مطلقاً، وأيام التشريق إلا عن دم متعة وقران. ومن دخل في فرض موسع حرم قطعه بلا عذر، أو نفل غير حج وعمرة كره بلا عذر] . يتكلم الفقهاء في كتاب الصوم على من يلزمه الصيام، ثم بماذا يلزم؟ ثم يتكلمون عن المفطرات، وعن غير المفطرات مما يظن أنه مفطر أو نحوه، ويتكلمون أيضاً عن المكروهات في حال الصيام، ثم يتكلمون عن صيام التطوع، وما يلزم فيه وآكده ونحو ذلك، ثم بعدما ينتهون من باب الصيام يتبعونه بالاعتكاف؛ لما له من الصلة بالصيام. ذكر هاهنا ما يفطر به الصائم، الصيام في الأصل يكون: عن الأكل والشرب وعن الجماع، ولذلك قال الله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فأباح بالليل المباشرة والأكل والشرب إلى أن يتبين الفجر، ثم أمر بالإمساك عن هذه الأشياء -الأكل والشرب والوطء- إلى الليل: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] ، لكن لما كان الأكل هو إدخال الطعام إلى الجوف تكلم الفقهاء على ما يلحق به مما يدخل إلى الجوف، فقالوا: إن من أدخل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان فإنه يفطر؛ وذلك لأنه شبيه بالتغذي، ولأن الغذاء هو إدخال الطعام إلى الجوف عن طريق الفم عادة أو عن طريق الأنف أو غير ذلك.

أمور مختلف في وقوع الإفطار بها

أمور مختلف في وقوع الإفطار بها قوله: (ومن أدخل إلى جوفه، أو مجوف في جسده كدماغ وحلق) يعني: إذا جرح أو شج في رأسه فداوى الجرح، ودخل الدواء إلى دماغه في رأسه؛ فقد دخل هذا الدواء إلى مجوف فهل يفطر بذلك أم لا؟ هناك أسباب متفق على الفطر بها وأسباب مختلف فيها، وهذا من المختلف فيه، فقيل: يفطر؛ لأنه أدخل شيء إلى مجوف وهو الدماغ فإنه جوف الرأس، وقيل: لا يفطر، ولعل الأقرب أن هذا معالجة جرح، وليس بغذاء، ولا يسمى آكلاً ولا شارباً إذا أدخل إلى دماغه دواء. قوله: (كدماغ أو حلق) لا شك أن الحلق يوصل إلى الجوف؛ لأن الطعام يدخل عن طريق الحلق إلى المريء الذي هو مدخل الطعام والشراب، فإذا وصل إلى حلقه فإنه يعتبر داخلاً في جوفه، فيفطر ولو بقطرة أو قطرات من ماء أو نحوه. قوله: (من أي موضع كان غير إحليله) الإحليل: هو مخرج البول، يعني: الثقب الذي في رأس الذكر، فإذا أدخل منه شيئاً فإنه لا يفطر به، لماذا؟ لأنه لا يصل إلى الجوف، والبول الذي يخرج من الإحليل (من هذا الثقب) ليس من الجوف، وإنما هو من المثانة، والمثانة ليس لها منفذ، وإنما يأتي إليها البول عن طريق الرشح، بمعنى أنه يجتمع البول في أسفل البطن، ثم تمتصه هذه المثانة، فيدخل إليها عن طريق الرشح، مثل رشح القربة التي في جوفها ماء وليس فيها خروق، ولكن لابتلالها يرشح الماء من ظاهرها. فعلى هذا لا يكون الإحليل منفذاً، فإذا أدخل منه شيئاً فليس داخلاً إلى الجوف، بخلاف ما إذا أدخل من دبره. أما الإدخال من الأذن ففيه أيضاً خلاف، وكذلك الإدخال من العين، ذكر الأطباء أن في العين عرقاً يتصل بالخياشيم، ولذلك إذا اكتحل في عينه فإنه يحس بأثر الكحل في خياشيمه، وكذلك إذا قطر في عينه قطرة حارة أو حامضة أو مالحة أحس بطعمها أو أحس بحرارتها في خياشيمه؛ فتصل إلى الفم، ولكن هل يسمى هذا أكلاً أو شرباً؟ لا يسمى أكلاً ولا شرباً إذا جاء عن طريق العين أو عن طريق الأذن، ومع ذلك فإن أكثر الفقهاء قالوا: إذا أحس بطعم القطرات -التي في عينه أو في أذنه- في خياشيمه فإنه يفطر إذا كان متعمداً، ورجح شيخ الإسلام أنه لا يفطر؛ لأن العين والأذن ليستا منفذاً محسوساً للأكل والشرب بخلاف الفم والأنف، فإنه منفذ محسوس، ومعلوم أن الماء إذا دخل في الخياشيم (المنخرين) دخل إلى الجوف، وقد ثبت في حديث لقيط أنه صلى الله عليه وسلم قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) . قوله: (أو ابتلع نخامة بعد وصولها إلى فمه) النخامة تارة تخرج من الرئة (من الجوف) فتصل إلى حلقه، فإذا أخرجها فوصلت إلى لسانه ثم عاد وابتلعها فقد ابتلع شيئاً له جرم فيفطر، وكذلك لو نزلت من رأسه ثم أخرجها عن طريق الفم فوصلت إلى فمه ثم أعاد ابتلاعها؛ لأنه ابتلع شيئاً له جرم.

حكم القيء والاستمناء للصائم

حكم القيء والاستمناء للصائم القيء ورد فيه حديث صححه جمع من العلماء، وضعفه بعضهم، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من استقاء فقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه) فإذا استقاء متعمداً بأن أدخل يده في حلقه حتى أخرج الطعام أو الشراب من جوفه فعليه القضاء، فأما إذا غلبه القيء وخرج قهراً فإنه معذور، فلا قضاء عليه. وكذلك إذا استمنى بيده -وهو ما يسمى بالعادة السرية- فإنه يجب عليه القضاء؛ وذلك لأنه عالج شهوته بيده، فيكون بذلك متسبباً لقضاء شهوة، والصائم يجب أن يتجنب ذلك، قال الله في الحديث القدسي: (ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) . وكذلك إذا باشر فأمنى أو أمذى، والمباشرة هي: مباشرة الزوجة ولو من وراء ثوب أو من وراء إزار، فإذا باشرها فحضرت شهوته فأمذى أو أنزل -يعني: خرج منه مذي أو مني- فإنه يعتبر قد فعل الشهوة، فيكون عليه القضاء. وكذلك إذا كرر النظر إلى امرأة أو إلى صورة في أفلام أو نحو ذلك فحصل منه الإمناء (المني) فإنه عليه القضاء. وقد اختلف في خروج المذي، ولعل الأقرب أنه لا يقضي إذا وقع منه المذي؛ وذلك لأن الكثير من الشباب الذين معهم قوة شهوة يحصل من أحدهم المذي بمجرد نظرة، أو بمجرد فكرة، أو بمجرد رؤية لما يثير الشهوة؛ فيشق عليهم التحفظ من ذلك، فأما إذا خرج المني فإنه يفطر، وهو الذي يخرج دفقاً بلذة، ويكون لونه أصفر بخلاف المذي، فالمذي رقيق أبيض معروف. ومما يفطر أيضاً: النية، ولو لم يتناول شيئاً، فإذا نوى الإفطار، ونوى قطع الصيام بالنهار، وعزم على أن يفطر ولو لم يتناول، ثم عزم على أن يتم؛ بطل صومه؛ لأن الصيام نية، فإذا نوى تركه بطل الصوم.

حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) وخلاف العلماء في ذلك

حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) وخلاف العلماء في ذلك قوله: (أو حجم أو احتجم) الحجامة فيها خلاف طويل، فأكثر الأئمة لا يرون الفطر بالحجامة، وذهب الإمام أحمد إلى أنه يفطر بها؛ وذلك لكثرة الأحاديث التي وردت فيها، فقد ذكر بعض العلماء أن حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أحد عشر صحابياً، وبعضهم جمع رواة حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) إلى سبعة عشر صحابياً، وتلك الأحاديث لا تخلو من الضعف، وذكر الإمام أحمد منها عدة أحاديث صحيحة كحديث شداد وحديث ثوبان، وأنها معتبرة وصحيحة، فالإمام أحمد ذهب إلى أنه يفطر بالحجامة: الحاجم والمحجوم عملاً بهذا الحديث، وذهب الأئمة الباقون إلى عدم الإفطار بالحجامة، وقالوا: لأنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم، هكذا في صحيح البخاري، وأكثر الروايات على أن اللفظ: (احتجم وهو محرم صائم) ، ولكن الإمام أحمد رحمه الله يقول: إن ذكر الصيام خطأ من بعض الرواة، فإن أصحاب ابن عباس الملازمين له لم يذكروا فيه الصيام، وإنما ذكروا فيه الإحرام. وبكل حال إذا احتجم فالاحتياط أنه يفطر ويقضي، وكان كثير من الصحابة يؤخرون الحجامة إلى الليل، فإذا أراد أحدهم أن يحتجم أخر حجامته إلى الليل، وفي هذا دليل على اعتبارهم أن الحجامة من المفطرات. والذين قالوا: إنها لا تفطر قالوا: إنما الفطر بما أدخله لا بما أخرجه، والدم إنما هو شيء يخرج من الإنسان، وA أن الفطر قد يكون أيضاً بما يخرج، كفطر الحائض بدم الحيض، مع أنه شيء خارج، ومع ذلك لا يصح صومها، وليس لها عذر إلا هذا الخارج، فكذلك أيضاً إخراج الدم بالحجامة، ويلحق بها أيضاً جميع أنواع إخراج الدم: كالفصد والشرط وما أشبهه. وفي هذه الأزمنة يقام بإخراج الدم للتبرع، فإذا أخرج دماً كثيراً للتبرع لمريض أو نحوه ألحق بالحجامة، وكذلك إذا أخرج دماً كثيراً للتحليل، أما إذا كان يسيراً فلا يلحق بالحجامة، والذي يخرج بالتحليل عادة يكون شيئاً يسيراً يمكن أن يقدر بأنه أقل من فنجان الشاي، فإذا كان أقل من ذلك فإنه لا يعتبر ملحقاً بالحجامة. وفطر الحاجم؛ لأنه كان يمص الدم، كانت المحجمة مثل القعب، ولها طرف دقيق، فيلصقها بالبشرة بعدما يجرحها جروحاً، فيخرج منها الدم لامتصاصه الهواء الذي في داخلها، ومع امتصاصه يخرج منه دم يختلط بريقه، فيكون ذلك سبباً في إفطاره، حيث إنه لابد أن يختلط بريقه ولو مجه، وأما فطر المحجوم فلإخراجه لهذا الدم. وفي هذه الأزمنة توجد حجامة بدون امتصاص، يعني: كالإبر التي يستخرج بها الدم، أو آلات تمسك بدون أن يمصها، فلذلك نقول: إذا احتاج إنسان إلى حجامة لمرض أو نحوه فالحاجم إذا لم يمتص بمحجمه فلا قضاء عليه. واشترطوا في هذه الأشياء كلها -يعني: في إدخال شيء إلى جوفه أو في ابتلاع النخامة، أو القيء أو الاستمناء أو المباشرة أو تكرير النظر أو الحجامة- أن يكون عامداً، فإذا كان مخطئاً فلا يفطر، هذا الشرط الأول. الشرط الثاني: أن يكون مختاراً بخلاف ما إذا كان مكرهاً، بأن يدخل إلى جوفه قهراً عليه كالمريض المغمى عليه. الشرط الثالث: لابد أن يكون ذاكراً لصومه، فإذا كان ناسياً فلا يفطر.

الداخل إلى الجسم عن طريق الإبر هل يعد مفطرا؟

الداخل إلى الجسم عن طريق الإبر هل يعد مفطراً؟ الإبر الموجودة في زماننا هذا هل يفطر بها الصائم أم لا؟ كان مشايخنا الأولون يمنعون منها، فكان المرضى إنما يعالجون في الليل، ويضربون الإبر في الليل، وقد عهدنا من سنة أربع وسبعين إلى خمس وتسعين أنهم لا يضربون الإبر لأحد إلا بالليل، ويمنعون منها بالنهار، كالشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، والشيخ عبد الله بن حميد، وكذلك الشيخ ابن باز كان يمنع منها، ولما كثرت الشكايات، وذكر الأطباء أن كثيراً من الإبر لا يحصل منها وصول إلى الجوف، وإنما هي إبر موضعية؛ فلذلك رخصوا في الإبر إلا أن تكون مما يصل إلى الجوف، كالإبر التي في الوريد (في العروق) فإنها تنتشر بسرعة، وكذلك إبر التغذية والتقوية، فأما التي في طرف البدن أو في طرف الجلد لتهدئة أو نحوها فرخصوا فيها بعد ذلك. مما ذكروا أنه لا يفطر: لو تصور المرأة، وفكر فيها، فثارت شهوته؛ فأنزل، فهذا شيء قهري لا يفطر به، وكذلك إذا طار إلى حلقه ذباب أو غبار غير متعمد له فلا يفطر، وكذلك إذا تمضمض أو استنشق ومع ذلك دخل شيء من ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى حلقه وهو غير متعمد فلا يفطر، مع أنه منهي عن المبالغة، ولكن لو قدر أنه بالغ أو قدر أنه زاد على ثلاث في المضمضة أو في الاستنشاق فدخل إلى جوفه أو حس بطعمه فابتلعه فلا يفطر بذلك؛ لأن الممضمضة مأمور بها شرعاً.

تحريم الجماع في نهار رمضان وكفارته

تحريم الجماع في نهار رمضان وكفارته من المفطرات الوطء (الجماع) ، فإذا جامع في نهار رمضان بلا عذر فعليه القضاء والكفارة، ولابد أن يكون نهاراً، وأن يكون ذاكراً، وأن يكون بلا عذر، فإذا كان بعذر كأن يغلبه الشبق الذي هو شدة الشهوة، ولم يستطع أن يتمالك نفسه، ففي هذه الحال ليس عليه إلا القضاء، فأما إذا كان يقدر أن يملك نفسه، ولو مع وجود الشهوة فإن عليه القضاء والكفارة. والذي تجب فيه الكفارة هو الوطء الحقيقي الذي يوجب الحد في الزنا، ويوجب الغسل في الجماع، ولو لم يحصل به إنزال. والكفارة مثل كفارة الظهار على الترتيب: أولاً: عتق رقبة، والصحيح أنها لابد أن تكون مؤمنة؛ لأن الله اشترط الإيمان في كفارة القتل، وأطلق في كفارة الظهار، فيحمل المطلق على المقيد. ثانياً: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة:4] فلابد من التتابع. ثالثاً: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة:4] لكل مسكين مد بر أو نصف صاع من شعير أو غيره، وقيل: بل نصف صاع من الجميع: من الأرز أو البر أو نحوه، وهو الأحوط. قوله: (فإن لم يجد سقطت) استدلوا بقصة ذلك الرجل الذي قال: (هلكت! وقعت على أهلي في رمضان، فقال: هل تجد رقبة؟ قال: لا، قال: هل تستطيع صيام شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق -والعرق الزنبيل- فيه تمر فقال: أين الهالك؟ خذ هذا وتصدق به، فقال: أعلى أفقر مني؟! ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، فقال: أطعمه أهلك) ولم يأمره بالقضاء إذا أيسر، فدل على أنها سقطت عنه. أما المرأة فاختلف في الكفارة عليها، فإن كانت معذورة كأن يطأها وهي نائمة، أو أكرهها وقهرها، أو كانت ناسية أو جاهلة؛ فلا كفارة عليها، وإن كانت مختارة ومطاوعة وعالمة ومتعمدة وعارفة بالحكم فعليها كفارة مثله، ويلزمهما قضاء ذلك اليوم الذي أفسداه.

مكروهات الصيام

مكروهات الصيام ذكر المصنف مكروهات الصيام ومنها: أن يجمع ريقه فيبتلعه، مع أنه يجوز ابتلاع الريق، ولكن كونه يجمع ريقه ثم يبتلعه فهذا يشبه امتصاص الشيء الذي فيه رطوبة أو نحوه، فيكره ولكن لا يفطر. وكذلك ذوق الطعام بلا حاجة مكروه، كأن يجعل الطعام على لسانه؛ لأنه إذا وضعه على لسانه ابتل لسانه، وعرف حلاوته وحرارته وحموضته أو مرارته أو ملوحته، ولا يكره عند الحاجة، فقد تحتاج المرأة إلى معرفة طعم الطعام من ملوحة أو نحوها، فإذا جعلته على لسانها ثم دلكت طرف اللسان حتى لا يبقى له طعم، فلعله يعفى عن ذلك. ومن المكروهات: مضغ العلك الذي لا يتحلل، ويحرم مضغ العلك الذي يتحلل، والعلك هو ما يمضغ في الفم لتسلية أو نحوها، وأكثره من اللبان الشجري المعروف، وليس له طعم عادة، وإنما يمضغ؛ لأنه يسبب نكهة أو رائحة أو نحو ذلك، فإذا كان لا يتحلل فهو مكروه، وإن كان يتحلل منه أجزاء فتختلط بالريق وتبتلع فهو حرام، فهناك كثير من العلوك تمضغ وتتحلل، وقد يكون فيها شيء من الحلاوة ونحوها، فإذا وجد طعم العلك في حلقه أفطر، أما إذا لم يجد فلا يفطر، ولكنه مكروه.

حكم القبلة للصائم

حكم القبلة للصائم اختلف في القبلة للصائم، فقيل: إن كانت عن شهوة فهي مكروهة وهي داخلة في قوله: (ترك شهوته) ، فإذا قبل فإنه لم يترك شهوته، لكن جاءنا الحديث عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم) فلذلك اختلف في حكم القبلة، فمنعها بعضهم؛ لأنها من جملة الشهوة، وأباحها آخرون؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح التفصيل، وهو أنه إذا كانت القبلة تثير شهوته منعت، وإذا كانت القبلة قبلة شفقة ورحمة ورقة فلا بأس بها، وعلى ذلك يحمل حديث عائشة أنه كان يقبل تقبيل شفقة لا تقبيل شهوة، فالحاصل أنها تكره إذا كانت تحرك شهوته، وقد تحرم إذا غلب على ظنه ثوران الشهوة ثم الإنزال أو نحو ذلك، يعني: إذا غلب على ظنه أنه سوف ينزل منه المني حرم التقبيل، وإلا فهو مكروه، وإباحته لمن لا تحرك شهوته.

اشتداد تحريم الغيبة والنميمة والشتم في حق الصائم

اشتداد تحريم الغيبة والنميمة والشتم في حق الصائم أما حكم الغيبة والنميمة والشتم ونحوه فهذا يحرم على كل حال؛ وذلك لأن هذه الأشياء محرمة على الصائم والمفطر، فإذا صام تأكد التحريم، ووجب عليه التحفظ أكثر، وقد ذكرنا بعض الأدلة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ، وقوله: (إذا كان صوم أحدكم فلا يفسق ولا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم) ، وفي حديث آخر: (ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث) ، وفي حديث آخر: (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش) ، والأحاديث في ذلك مذكورة في كتب فضائل رمضان.

مستحبات الصيام

مستحبات الصيام يسن تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، وقد ورد حديث: (أحب عباد الله إليه أعجلهم فطراً) ، وذكر أن اليهود كانوا لا يفطرون حتى تشتبك النجوم، فقال صلى الله عليه وسلم: (خالفوهم) ، وحدد وقت الإفطار بقوله: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا -يعني: أقبل الليل من المشرق، وأدبر النهار من المغرب- وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم) فإذا رأيت سواد الليل مقبلاً من جهة المشرق، وتحققت من غروب الشمس؛ فقد دخل وقت الإفطار. وبهذا يعرف أنه لا يستحب الوصال، وهو: صلة الليل بالنهار، وما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يواصل فقد اعتذر بأنه يبيت يطعمه ربه ويسقيه، والصحيح أن معنى ذلك: أن الله تعالى يقويه، فيفتح عليه أنواع الإلهامات وأنواع الواردات التي تغنيه عن الأكل، ولم يرخص للصحابة بالوصال، ولكن لما رأوه يواصل استمروا في الوصال؛ فواصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال فقال: (لو تأخر لزدتكم، كالمنكل لهم) فالوصال يفوت هذا الخير المذكور في قوله: (أحب عباد الله إليه أعجلهم فطرا) . كذلك يسن تأخير السحور، والسحور: هو أكلة السحر في آخر الليل، وفيها أيضاً فضل، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) وورد حديث: (إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) وأحاديث أخرى مذكورة في كتب الفضائل. ويسن عند الإفطار أن يدعو بما ورد من الأدعية، مثل أن يقول: اللهم إني لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي، ويا واسع الرحمة ارحمني، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله، أو يدعو بما تيسر من الأدعية، ويرجى إجابة ذلك، وقد ورد في حديث: (للصائم عند فطره دعوة لا ترد) .

قضاء الصوم وما يتعلق به من أحكام

قضاء الصوم وما يتعلق به من أحكام قضاء الصيام دين على الإنسان، فإذا أفطر في رمضان لسفر أو مرض، أو أفطرت المرأة لحيض أو نفاس فيعتبر ديناً، وعلى المسلم أن يبادر بقضائه؛ لأنه لا يأمن العوارض، ولا يأمن الأعذار التي تعوقه وتحول بينه وبين القضاء، فلذلك اختاروا أنه يقضي الأيام التي عليه بعد رمضان مباشرة، مخافة العوارض والعوائق، ومع ذلك فإن له التأخير إذا كان الوقت واسعاً، وأما إذا خاف من العوائق فلا يجوز له التأخير. وقد يقال: إن عائشة كان يكون عليها الصوم من رمضان فلا تقضيه إلا في شعبان، واعتذرت بأن ذلك لمكان النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: لمكان خدمته، وحاجته، وكثرة سفرها معه، ونحو ذلك، ولا يلزم أن يكون ذلك كل عام، ويمكن أنه وقع مرة أو مرتين، وإلا فالغالب أنهن يبادرن بالقضاء. وإذا أخره لعذر إلى رمضان بأن مرض واستمر مرضه أو استمر سفره حتى أدركه رمضان آخر؛ فليس عليه إلا القضاء، فإن كان لغير عذر فإن عليه القضاء والكفارة، وهي إطعام مسكين لكل يوم، واستدل بعضهم على ذلك بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] والأكثرون استدلوا بأن هذا مروي عن كثير من الصحابة، فإنهم أمروا بالكفارة: إطعام مسكين عن كل يوم، ويجوز في هذا الإطعام تفريقه، ويجوز سرده، أي: يجوز إعطاؤه مسكيناً، ويجوز إعطاؤه مساكين دفعة واحدة.

من مات وعليه صوم صام عنه وليه

من مات وعليه صوم صام عنه وليه إذا مات المفرط فإن على ورثته أن يكفروا عنه، فيطعمون عنه من رأس ماله، ولا يصام عنه، ومثال ذلك: إذا أفطر عشرة أيام لمرض، ثم شفاه الله بعد رمضان شهراً أو شهرين أو نصف سنة، ولكن كان يدعي شيئاً من المرض مع أنه قادر على أن يصوم ولكن: تساهل، ثم عاد إليه المرض بعد ثلاثة أشهر، ولما عاد إليه حبسه، وبقي مريضاً حتى أدركه رمضان الثاني أو لم يدركه ولكنه مات في هذا المرض الثاني، فماذا يجب على ورثته؟ الإطعام من رأس ماله، فيطعمون عليه عن كل يوم مسكيناً، ولو تبرع أحدهم أن يصوم عنه هل يصام عنه أم لا؟ أكثر الأئمة يجوزون أن يصام عنه، فيصوم عنه ولده الذكر أو الأنثى أو زوجته أو أخته، وذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يصام عنه ما أفطر من أيام رمضان؛ وذلك لأنه ثبت عنده أن الحديث الذي في قضاء الصيام عن الميت إنما هو صيام النذر، فتلك المرأة قالت: (إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأقضي عنها؟ قال: نعم) وفي رواية: رجل، ولكن جاءنا حديث صحيح واضح في أنه يقضى عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ولا شك أنه يعم صيام الفرض وغيره، فصيام النذر ورد تشبيهه بالدين مع أنه لم يجب بأصل الشرع، وإنما أوجبه المرء على نفسه، فصيام الفرض الذي أوجبه الله أولى بأن يقضيه عنه أحد أولاده أو أهله. فالصحيح أنه يقضى عنه، فإن شاءوا صاموا عنه، وإن شاءوا أطعموا عنه، وأما النذر فالمشهور أنه يلزم القضاء عنه، فيصوم عنه أحد أقاربه. وإذا قلنا: يجوز الصيام عنه فهل يلزم أن يكون الصائم واحداً أم يجوز أن يكونوا عدداً؟ يجوز أن يكونوا عدداً، فإذا كانت عليه عشرة أيام، وأولاده عشرة: خمسة ذكور وخمسة أناث، فقالوا: نصوم عنه يوماً واحداً كلنا، فأصبحوا صياماً يوماً واحداً، ونووا أن صيامهم عن أبيهم، فالصحيح أن ذلك يجزئ. قوله: (وإن كان على الميت نذر من حج أو صوم أو صلاة ونحوها سن لوليه قضاؤه) إذا كان عليه نذر كأن يقول: إن شفاني الله تعالى أو رد غائبي، أو عافاني من هذا المرض، أو ربحت في هذه التجارة، أو جاء ولدي من غيبته؛ فعليَّ أن أصوم عشرة أيام، أو أن أحج حجة واحدة، أو أن أصلي عشرين ركعة، أو أن أتصدق بمائة، أو أن أقرأ القرآن في ليلة، أو أن أذكر الله في هذا اليوم ألف مرة، أو نحو ذلك من القربات، فهذا يعتبر نذر طاعة يجب الوفاء به، فإذا مات ولم يقضه قيل: يسن لوليه القضاء، وقيل: يجب، وإذا كانت له تركة وجب أن يخرج من تركته ما يقضي نذره، فيقال لأحد الناس: حج عن فلان فإن عليه نذراً، أو يقال لولده: صم عنه، أو صل عنه، واجعل صلاتك عوضاً عن صلاته التي نواها ولم يقدر، ففي هذه الحال يجب الصوم على الولي، وكذلك الصلاة والحج والقراءة والذكر وما أشبه ذلك. قوله: (ومع تركة يجب لا مباشرة ولي) أي: إذا كانت للميت تركة فيجب أن يقضى عنه ولو بأجرة، كأن يعطى من يحج عنه ونحو ذلك.

صيام التطوع

صيام التطوع إن الله تعالى يحب من عباده أن يكثروا من أنواع العبادة، ومن جملة العبادة الصيام، فإن جنسه فرض، وهو صوم رمضان، فإذا كان جنسه واجباً بأصل الشرع فإنه يستحب الإكثار من التقرب إلى الله بالتطوع منه.

استحباب صيام الأيام البيض

استحباب صيام الأيام البيض يستحب صيام أيام البيض، وقد وردت أحاديث كثيرة عن بعض الصحابة: أنه صلى الله عليه وسلم أوصاهم أن يصوموا ثلاثة أيام من كل شهر منهم: أبو هريرة وأبو ذر، وورد في حديث أبي بن كعب: (إذا صمت من الشهر ثلاثاً فصم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر) وسميت هذه أيام البيض؛ لأن لياليها بيض بالقمر، ونهارها أبيض بالنهار، وهي مما يسن صيامه.

استحباب صيام الإثنين والخميس

استحباب صيام الإثنين والخميس يسن صيام الإثنين والخميس من كل أسبوع لمن قدر على ذلك، وإذا قلنا: أيهما أفضل: صيام الإثنين والخميس أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر التي هي أيام البيض؟ لا شك أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب، ووردت فيه عدة أحاديث، وجعل ذلك عدلاً لصيام الدهر؛ لأنه إذا صام ثلاثة أيام فكأنه صام الدهر، فيكون كمن صام كل شهر، فالحسنة بعشر أمثالها، ولا شك أن الإثنين والخميس أكثر من الأيام الثلاثة؛ لأنه إذا صام الإثنين والخميس يصوم من كل شهر ثمانية أيام أو أكثر، وسبب تفضيل هذين اليومين ما روي أنه صلى الله عليه والسلام كان يحافظ عليها، ويقول: (إنها ترفع فيها الأعمال، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) فدل هذا على فضل هذه الأيام.

فضل صيام ست من شوال

فضل صيام ست من شوال يسن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان، وجاءت فيها أحاديث كثيرة، أشهرها حديث في صحيح مسلم عن أبي أيوب: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) وفي حديث آخر: (صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ست من شوال بشهرين، وذلك كصيام الدهر) وهذه الست فيها كلام طويل، والأرجح أنه يستحب أن يبدأ بها ويتبعها رمضان، لقوله: (أتبعه) فيصوم الأيام التي بعد العيد ليصدق عليه أنه أتبعها، وحيث إنه جاء في الحديث: (ستاً من شوال) فإنه يصدق عليه أن يصوم من شوال كله: من وسطه أو من أوله أو من آخره، وتجزئ متتابعة، وتجزئ متفرقة؛ لأن الجميع يصدق عليها أنها من شوال. وتكلم العلماء أيضاً على ما إذا كان عليه قضاء فهل يبدأ بالقضاء أو يبدأ بأيام الست؟ ومن كان عليه قضاء فليبدأ بالقضاء، ولو استغرق القضاء صيام الشهر، فلو أن امرأة نفست في رمضان فأفطرت الثلاثين يوماً، ولم تطهر إلا في عشر من شوال، فصامت عشرين يوماً من شوال قضاء عن رمضان وانتهى شوال، وبقي عليها من رمضان عشرة أيام، وصامتها في ذي القعدة، فهل تفوت عليها هذه الست؟ الصحيح أنها تقضيها وتصومها من ذي القعدة؛ لأن رمضان في حقها صار في شوال، وهكذا: من أفطر لعذر، مثلاً: رجل استمر به المرض، وأفطر رمضان كله للمرض، وشفي في شهر محرم أو في شهر صفر فإنه يقضي في شهر صفر ثلاثين يوماً، ثم يتبعه بصيام الست؛ حتى يحصل له صيام الدهر، فيصومها بعد الانتهاء من قضائه.

استحباب صيام محرم لا سيما يوم عاشورا

استحباب صيام محرم لا سيما يوم عاشورا يستحب صيام شهر محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه: المحرم) وهو الشهر الأول من السنة الهجرية، ويسمى شهر عاشوراء؛ لأن اليوم العاشر منه يسن صيامه، والشهر كله يتقرب إلى الله فيه بالصيام؛ لأنه أحد الأشهر الحرم المذكورة في قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36] وأفضله اليوم العاشر ثم التاسع. اليوم العاشر يسمى يوم عاشوراء، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة مختلفة اختلافاً كثيراً، يمكن أن تنظر في منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار، ولعل السبب أنه دخل فيها الكذب، وسبب الكذب أن الرافضة لما قتل الحسين في يوم عاشوراء ولدوا فيه الأكاذيب الكثيرة، وأنه يوم شؤم؛ لدرجة أنهم إلى هذا اليوم يحزنون فيه، ويذكرون أنه يوم مشئوم، ويعملون فيه مآتم وأشياء محرمة. ثم إنه قابلهم من يعرفون بالنواصب، فوضعوا فيه أحاديث أخرى كثيرة، وأنه يوم شريف، وأن يحصل فيه كذا، وأن من اكتحل فيه ومن ادهن فيه، ومن وسع فيه على أهله، ومن تطيب فيه إلخ، يريدون بذلك مراغمة الرافضة، فصار هذا اليوم لعبة بين هؤلاء الضدين: الروافض والنواصب، فأولئك كذبوا، وهؤلاء كذبوا؛ فلأجل ذلك توجد فيه الأحاديث المختلفة. والذي صح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الصيام، وأنه كان يصومه ويأمر بصيامه، ويخبر أن صيامه يكفر سنة، فأما تلك الأشياء المختلفة فهي من وضع هاتين الطائفتين، ولا يلتفت إلى أقوالهم. في صحيح مسلم أنه قيل: يا رسول الله! إن اليهود يصومونه، يعني: إنك تصومه الآن موافقاً لهم، فقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) ؛ ولذلك قال بعض العلماء: إن التاسع ناسخ للعاشر، وفهموا ذلك من هذا الحديث، لكن لعله غير ناسخ، وأن الحكم باق في أنه يصوم التاسع والعاشر، ثم ورد أيضاً: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده وخالفوا اليهود) وفي رواية: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) ، هذا هو الذي صح فيه.

استحباب صيام تسع ذي الحجة

استحباب صيام تسع ذي الحجة يسن أيضاً صيام التسعة الأيام الأولى من شهر ذي الحجة؛ لما ورد فيها من الفضل الكثير، كما هو مذكور في كتب الفضائل، ومنها الحديث الذي في البخاري: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام إلخ) . قوله: (وآكده يوم عرفة) . يوم عرفة هو آكد أيام التسع، وهو اليوم التاسع، ويسن صيامه إلا للحجاج الذين وقفوا بعرفة، فإن الأفضل للحاج أن يفطر ولا يصوم فيه إلا لسبب كما إذا لم يجد الهدي وصام السابع والثامن والتاسع، أما غيرهم فإن الأفضل لهم أن يفطروا؛ ليتقووا على الدعاء، ولأنهم ضيوف الله تعالى، والكريم لا يجوع ضيوفه، فأما غير الحاج فإن صومه فيه فضل، حتى ورد أنه يكفر السنة الماضية والسنة الباقية.

أفضل الصيام صيام داود

أفضل الصيام صيام داود وأفضل الصيام صيام داود الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو، وهو أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فداود عليه السلام اشتهر هذا عنه، ونقله عنه النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (أفضل الصيام صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى) فهذا هو أفضل الصيام.

ما يكره صيامه

ما يكره صيامه يكره صيام الدهر، وما روي عن بعض السلف أنهم كانوا يصومونه فإن ذلك اجتهاد منهم، ففي حديث: (لا صام من صام الدهر) وفي حديث آخر: (لا صام ولا أفطر) . ويكره إفراد شهر رجب بالصوم؛ وذلك لأن فيه عادات جاهلية، ومنها إفراده كله بالصيام، فهذا من العادات الجاهلية. ويكره إفراد يوم الجمعة، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) إلا لسبب، وكذلك يوم السبت، وقد ورد فيه أيضاً: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجر فليمضغه) وقوله: (فيما افترض عليكم) يعني: فيما شرع لكم واستحب لكم صيامه، ولا يفهم منه أن المراد الفريضة في رمضان. ويجوز صوم الجمعة والسبت لأسباب كما إذا كان أحد أيام ذي الحجة الأول، أو كان يوم عرفة يوم جمعة أو يوم سبت، أو وافق اليوم الذي يصومه، فإذا كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فصام يوم الجمعة أفطر السبت، أو صام يوم الخميس وأفطر الجمعة وصام يوم السبت، فمثل هذا لم يتعمد صيامه، وإنما وافق صيامه، وكذلك إذا كان عاشوراء يوم سبت أو يوم جمعة جاز صيامه. ويوم الشك هو: الذي يشك فيه هل هو من رمضان أو لا؟ ومثاله: إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان لم ير الهلال فيها، فهل يجوز أن يصومه بالتحري؟ نعم، وقد كان يصومه بعض السلف ويقولون: لأن أصوم يوماً من شعبان أفضل من أن أفطر يوماً من رمضان، ولكن ورد فيه حديث عمار المشهور: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم. فليلة الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال فيها فإنه لا يصام، وليلة الثلاثين من رمضان إذا لم ير الهلال يلزم الصوم. وكذلك يكره صيام عيد الكفار؛ لأن في صيامه شيئاً من التشبه بهم، فكأنه عظّمه موافقة لهم. وكذلك يكره صوم اليومين الأخيرين من شعبان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا أن يكون صوماً يصومه أحدكم فليصمه) فإذا كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ووافق اليوم الذي يصومه آخر يوم من شعبان فلا بأس بذلك؛ لأنه ما صامه على أنه تحري، ولا صامه على أنه من رمضان، فإنه كان ينهى عن وصل رمضان بغيره، فلا يوصل رمضان بيوم قبله ولا بيوم بعده، بل يلزم إفطار يوم العيد، وكذلك يتأكد إفطار يوم الثلاثين من شعبان. ويحرم صيام يومي العيدين؛ وذلك لأنهما عيد المسلمين؛ ولأنه يفصل بها بين الأيام التي تصام والتي لا تصام، ولا يجوز صيامها ولو لنذر، ولا يجوز صيامها ولو لكفارة وغيرها. أما أيام التشريق -وهي الثلاثة الأيام التي بعد عيد النحر: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر- فلا يجوز صيامها؛ لأنها عيد، وفي الحديث: (يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) >ويجوز صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي، فإذا كان عليه دم تمتع أو دم قران في حج المتمتع أو القارن ولم يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام في الحج فإذا لم يتمكن من صيام الثلاثة قبل العيد صام الثلاثة بعد العيد. قوله: (ومن دخل في فرض موسع حرم قطعه بلا عذر) يعني: إذا دخل في قضاء يوم من رمضان، فيحرم قطعه بلا عذر، أما إذا كان هناك عذر كمرض أو سفر أو نحو ذلك، فإنه لا بأس بأن يفطره، فأما إذا لم يكن هناك عذر فإنه يتم صيامه؛ لأنه دخل في فرض، وأما إذا كان في نفل فإنه يكره بلا عذر، فإذا دخل في صيام نفل كره قطعه بلا عذر، أما نفل الحج ونفل العمرة فإنه لا يجوز تركه، فإذا أحرم بحج أو بعمرة لم يجز تأخيره ولا إبطاله، بل يلزمه الإتمام كما سيأتينا في الحج إن شاء الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [17]

شرح أخصر المختصرات [17] الاعتكاف من العبادات العظيمة، وهو سنة مؤكدة، وقد حافظ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفاه الله، والقصد من الاعتكاف التفرغ للعبادة والانقطاع لها، وللاعتكاف: شروط وسنن ونواقض ومحظورات بينها العلماء، فمن أراد الاعتكاف فعليه أن يراجع ذلك ليستقيم له اعتكافه ويكون اعتكافه، مقبولاً عند الله تعالى.

باب الاعتكاف

باب الاعتكاف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال المصنف رحمه الله: [فصل: والاعتكاف سنة، ولا يصح ممن تلزمه الجماعة إلا في مسجد تقام فيه إن أتى عليه صلاة، وشرط له طهارة مما يوجب غسلاً. وإن نذره أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة؛ فله فعله في غيره، وفي أحدها فله فعله فيه وفي الأفضل، وأفضله المسجد الحرام،ثم مسجد النبي-عليه السلام- فالأقصى. ولا يخرج من اعتكف منذوراً متتابعاً إلا لما لا بد منه، ولا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة إلا بشرط. ووطء الفرج يفسده، وكذا إنزال بمباشرة، ويلزم لإفساده كفارة يمين. وسن اشتغاله بالقرب، واجتناب ما لا يعنيه. ] يذكرون الاعتكاف بعد الصيام اقتداء بالكتاب العزيز، فإن الله تعالى لما ذكر الصيام أتبعه بالاعتكاف في قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] . والاعتكاف: لزوم مسجد لطاعة الله، هذا هو الاعتكاف في الشرع، فلابد أن يكون في مسجد؛ حتى لا تفوت المعتكف الجمعة والجماعة؛ لأن التفرد والوحدة التي تفوت صلاة الجماعة لا خير فيها. والقصد من الاعتكاف: التفرغ للتزود من العبادة، فلأجل ذلك فالمعتكف يكون منفرداً مشتغلاً في زاوية من المسجد بأنواع الطاعة: فيقرأ القرآن، ويكثر من تدبره، ويكثر من ذكر الله تعالى بأنواع الذكر، ويكثر من الأدعية رجاء إجابتها، ويشتغل بالصلوات النوافل، ويكثر من التقرب إلى الله تعالى، ويعتزل مجالسة العامة، والخوض في الدنيا وفي أمورها الخاصة، ويصون لسانه عن الكلام السيئ الذي ينافي العبادة، ولا يهتم بأمور الدنيا، ولا ينشغل بشيء من ملذاتها، ولا يهتم بالسؤال عن شيء من أمور الدنيا من أمواله أو نحوه إلا لضرورة.

حكم الاعتكاف

حكم الاعتكاف الاعتكاف سنة مؤكدة، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، وما ترك الاعتكاف إلا سنة من السنين ثم قضاه في شوال. ودخل مرة معتكفه، وأمر أن يبنى له خباء في جانب المسجد، فبني له خباء يستتر به، واستأذنته عائشة أن تعتكف وتبني لها خباء، فلما رأتها حفصة بنت خباء، ثم رأتهن زينب فبنت خباء، فلما انصرف من صلاة الصبح وإذا بالمسجد قد امتلأ بتلك الأخبية التي ضيقت على المصلين، فعرف أن هذا من باب المنافسة، فأمر بها فنقضت؛ وترك الاعتكاف في تلك السنة، واعتكف في شوال عشرة أيام؛ لأنه أحب أن يداوم على هذه العبادة. والاعتكاف سنة، ولكنه يجب بالنذر، فإذا نذر أن يعتكف لزمه الوفاء بنذره.

شروط الاعتكاف ومن يصح منه الاعتكاف

شروط الاعتكاف ومن يصح منه الاعتكاف ممن يصح الاعتكاف؟ يصح ممن تلزمه الجماعة، وهو: المسلم الحر البالغ العاقل، فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا من الصغير، ولا من المجنون، ولا يصح من العبد إلا بإذن سيده. ويشترط أن يكون في مسجد، قال تعالى: ((وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)) [البقرة:187] ، ويشترط في هذا المسجد أن تقام فيه صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه الجمعة اختار أن يعتكف في مسجد فيه جمعة حتى لا يخرج؛ لأنه إذا اعتكف في مسجد لا تصلى فيه الجماعة احتاج أن يخرج كل يوم خمس مرات، وكثرة الخروج تنافي الاعتكاف، فإذا كان في مسجد تقام فيه الجماعة فإنه يصلي فيه، ولا تفوته الجماعة، ولا يخرج من معتكفه. ويشترط أيضاً: الطهارة مما يوجب غسلاً، فلا يعتكف في المسجد وهو جنب، وإذا قدّر أنه احتلم خرج فوراً واغتسل.

حكم نذر الاعتكاف

حكم نذر الاعتكاف يجب الاعتكاف بالنذر، فإذا نذر أن يعتكف وجب عليه الوفاء، وخالف في ذلك الحنفية وقالوا: لا يجب الوفاء بالنذر إلا في أشياء جنسها واجب بأصل الشرع، والاعتكاف ليس جنسه واجباً بأصل الشرع، فيجب عندهم الوفاء بنذر الصلاة؛ لأن منها ما هو واجب، والوفاء بنذر الصوم؛ لأن هناك صوم الفرض، والوفاء بالصدقة؛ لأن هناك زكاة الفرض، والوفاء بالحج إذا نذره، وأما الاعتكاف فلا يجب عندهم، والصحيح أنه يجب لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ، فإذا نذر طاعة وجب عليه الوفاء، والاعتكاف طاعة فيجب عليه الوفاء، سواء كان النذر مطلقاً أو معلقاً، فإذا قال: إن رزقت ولداً فلله عليّ أن أعتكف عشراً في هذا الشهر، ثم رزق ولداً؛ وجب عليه الوفاء؛ وذلك لأنه ألزم به نفسه وتحقق الشرط، وكذلك إذا لم يعلق بأن قال ابتداء: لله علي أن أعتكف في هذا الشهر يوماً أو عشراً أو نحو ذلك.

أقل مدة للاعتكاف

أقل مدة للاعتكاف اختلف في أقل الاعتكاف، فقيل: يكفي أن يعتكف ساعة: ستين دقيقة، وقيل: أقله يوم أو ليلة، ولعل هذا هو الأقرب؛ وذلك لأن في حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام -وفي رواية: ليلة- فقال: أوف بنذرك) ، فعلى هذا أقل مدة للاعتكاف اثنتا عشرة ساعة: يوم بدون ليلة أو ليلة بدون يوم، فأما اعتكاف ساعة فلا يسمى اعتكافاً؛ لأن الاعتكاف في الأصل هو طول الملازمة، وطول الإقامة في المكان الذي يجلس فيه، وقد كان المشركون يعكفون عند معبوداتهم كما في قولهم: {نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71] يقيمون عندها يوما أو أياماً، وكذلك قول إبراهيم عليه السلام: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:52] ، فالحاصل أنه إذا أراد أن يعتكف فلا أقل من يوم أو ليلة.

تعيين الاعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة غير ملزم

تعيين الاعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة غير ملزم إذا نذر الاعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة لم يلزمه فيه، بل يجوز في غيره، ومثال ذلك: إذا نذرت وقلت: لله علي أن أعتكف في هذا المسجد يوماً ولا أخرج منه، جاز لك أن تعتكف في المسجد الثاني الذي يقع جنوب أو يقع شمال، وجاز لك أن تعتكف في كل مسجد يوماً؛ لأن القصد هو العبادة، وهذا المسجد ليس له مزية على غيره، فكلها مساجد تصح فيها العبادة. أما إذا خص أحد المساجد الثلاثة فإنه يلزمه فيه، والمساجد الثلاثة هي التي تشد إليها الرحال، وأفضل المساجد الثلاثة: المسجد الحرام؛ لأن الصلاة فيه بمائة ألف، ثم يليه المسجد النبوي، والصلاة فيه بألف، ثم المسجد الأقصى والصلاة فيه بخمسمائة. روي أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في المسجد الأقصى، فقال: صل ها هنا) يعني: في مسجد مكة؛ لأنه أفضل، فقال: (إني نذرت في ذلك المسجد، فكرر عليه ذلك مراراً، فقال: شأنك إذاً) فإذا اخترت ذلك فلك ذلك، فمن نذر أن يصلي أو يعتكف في المسجد الأقصى جاز له أن يقضي نذره أو صلاته في المسجد النبوي؛ لأنه أفضل، ومن نذر أن يعتكف أو يصلي في المسجد النبوي جاز له أن يعتكف أو يصلي في المسجد الحرام؛ لأنه أفضل، ومن نذر أن يعتكف أو يصلي في المسجد الحرام لم يجزئه في غيره؛ لأنه ليس هناك ما هو أفضل منه، فأما المساجد الأخرى فإن بعضها ينوب عن بعض، فإذا نذر أن يعتكف أو يصلي في مسجد قباء جاز أن يصلي أو يعتكف في غيره من مساجد المدينة، أو في المسجد الأموي في دمشق الشام أو في مسجد عمرو بن العاص في مصر، وكذلك في غيره. والحاصل: أنه إذا نذر في غير المساجد الثلاثة صلاة أو اعتكافاً فإنه يجزئه في غيره، وأما في الثلاثة فلابد أن يجزئ في أحدها، وإن عين الأفضل لم يجزئه في غيره، والأفضل هو مسجد مكة (المسجد الحرام) ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى (مسجد بيت المقدس) .

حكم نذر الاعتكاف متتابعا

حكم نذر الاعتكاف متتابعاً قوله: (ولا يخرج من اعتكف منذوراً متتابعاً إلا لما لابد منه) لأنه صار واجباً بنذره، فإذا نذر صياماً متتابعاً فإنه يلزمه التتابع إلا لعذر، وإذا نذر اعتكافاً متتابعاً وجب الوفاء به، والتتابع: كأن يقول: نذرت أن أعتكف هذا الأسبوع، والأسبوع سبعة أيام، فإنه يجب عليه أن يتابع هذا الأسبوع ولا يقل: أعتكف يوماً ثم أخرج ثم أعتكف يوماً ثانياً حتى أتم سبعة؛ لأنها لا تسمى أسبوعاً. ثم إن المعتكف لا يخرج إلا لما لابد منه، يخرج مثلاً لقضاء حاجته من البول ونحوه، ويخرج للطهارة إذا لم يكن هناك في المسجد ما يتطهر به، ويخرج للأكل إذا لم يجد ما يأكله أو لم يأت ما يأكله، أو يخرج لإحضار الطعام، ولكن يقتصر على قدر الحاجة.

الصيام في الاعتكاف مستحب وليس بواجب

الصيام في الاعتكاف مستحب وليس بواجب اختلف هل يشترط مع الاعتكاف صوم؟ والصحيح أنه لا يلزم، والحديث الذي فيه (لا اعتكاف إلا بصوم) لم يثبت، والدليل على أنه يصح بدون صيام: الحديث الذي ذكرنا عن عمر أنه نذر أن يعتكف ليلة، والليل ليس محلاً للصوم، فدل على أنه يصح بلا صوم، والسبب في ذلك أنه عبادة مستقلة، والاعتكاف هو التفرغ للعبادة، فإن تيسر الصيام معه فهو أفضل، أما إذا كان في رمضان فيلزم؛ لأن رمضان واجب صومه بأصل الشرع، وإن اعتكف في غير رمضان فسنة أن يعتكف صائماً.

حكم خروج المعتكف لزيارة ونحوها

حكم خروج المعتكف لزيارة ونحوها هل للمعتكف أن يعود مريضاً ويشهد جنازة؟ الصحيح أنه لا يفعل ذلك إلا إن اشترط فقال مثلاً: لله علي نذر أن أعتكف في هذا المسجد أسبوعاً، فلا يخرج لا لعيادة مريض ولا لشهادة ميت أو تشييعه إلا إذا اشترط، فقال: بشرط أن أعود فلاناً المريض، أو أن أعود المرضى من أقاربي، أو أن أشهد من مات منهم وأشيعه، فله شرطه؛ لأن المسلمين على شروطهم.

الأمور التي يفسد بها الاعتكاف

الأمور التي يفسد بها الاعتكاف متى يفسد الاعتكاف؟ يفسده الوطء؛ لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] عبر بالمباشرة عن الوطء، وكذلك لو أنزل بالمباشرة، والوطء: الجماع الصريح وإن لم يحصل إنزال، والإنزال الذي سببه التقبيل أو الضم أو المباشرة دون الفرج يفسد الاعتكاف، فإذا كان الاعتكاف منذوراً لزمه قضاؤه، ولزمه مع القضاء كفارة يمين؛ لأنه ما وفى بنذره إذا كان معيناً، والمعين كأن يقول: لله علي أن أعتكف العشر الأول من شهر ربيع الثاني، فحدد العشر الأول ثم أفسد منها يوماً بالإنزال أو بالجماع، فنقول له: كمل اعتكافك، واقض ذلك اليوم، وكفر كفارة يمين؛ وذلك لأنك ما وفيت بالشرط كما ينبغي.

وظائف الاعتكاف

وظائف الاعتكاف ذكرنا أن المعتكف يعتزل الناس، وأنه ينفرد، فلا يأذن لأحد أن يزوره، ولا يفتح الباب للزوار ولكثرة المخالطين بل ينفرد عنهم، وإذا قدر أن زاره أحد فلا بأس أن ينبسط معه، ولكن لا يتمادى معه في شيء من كلام الدنيا. وعلى المعتكف أن يشتغل بالقربات، ويشتغل بكثرة الذكر تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً وتكبيراً واستغفاراً، ويشتغل بالدعاء، فيكثر من دعاء الله تعالى، ويشتغل بالصلوات في غير أوقات النهي، ويشتغل بالقراءة، ويتجنب ما لا يعنيه، يعني: الكلام الذي لا أهمية له فلا يتكلم في شيء من أمور الدنيا، ولا يتكلم في فلان أو فلان، ولا يتكلم في حالات الناس، ولا في أسعارهم، ولا في مبايعاتهم، ولا في الحوادث التي تحدث، يتجنب ذلك كله حتى يكتب له اعتكافه عملاً صالحاً، نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

طول نهار رمضان في بعض البلدان ليس مسوغا للإفطار

طول نهار رمضان في بعض البلدان ليس مسوغاً للإفطار Q طالب كان يدرس في بلد يطول فيه النهار ويقصر فيه الليل، حيث يمسكون في شهر رمضان عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ويفطرون عند الساعة التاسعة ليلاً؛ ولطوله لم يصم هذا الطالب الشهر كله، فماذا عليه جزاكم الله خيراً؟ A إذا أفطر أياماً معلومة، فلابد من قضاء تلك الأيام التي يعرفها، وهذا العذر لا يسوغ له أن يفطر شيئاً من أيام رمضان وهو مكلف.

حكم حيض المرأة قبل الصلاة

حكم حيض المرأة قبل الصلاة Q امرأة دخل عليها وقت صلاة العشاء فأخرتها إلى الساعة العاشرة ليلاً، فأتتها العادة فماذا عليها في هذه الحالة، أفتونا مأجورين؟ A تبقى هذه الصلاة في ذمتها، وإذا طهرت فإنها تقضيها.

إذا طهرت الحائض قبل طلوع الشمس ولو بدقيقة فعليها أداء صلاة الفجر

إذا طهرت الحائض قبل طلوع الشمس ولو بدقيقة فعليها أداء صلاة الفجر Q إذا طهرت الحائض قبل طلوع الشمس، فما هي الصلوات التي يجب عليها أداؤها؟ A إذا طهرت قبل أن تطلع الشمس ولو بدقيقة عليها أن تقضي صلاة الفجر.

الاحتلام يوجب الغسل ولا يبطل الصيام

الاحتلام يوجب الغسل ولا يبطل الصيام Q إذا احتلم وهو صائم فماذا عليه؟ وإذا أفطر وهو يجهل ذلك، فما حكم ذلك؟ A لا يجوز له الإفطار، عليه أن يغتسل لأجل الصلاة، والاحتلام لا يبطل الصيام.

حكم الجماع في نهار رمضان وما يترتب عليه

حكم الجماع في نهار رمضان وما يترتب عليه Q ما حكم الجماع في نهار رمضان وما هي كفارته، علماً بأن بعض الناس يستهينون بهذا الأمر؟ A لا شك أنه يفسد الصيام، وأنه يوجب كفارة؛ لأن الله تعالى أباح الجماع في ليل رمضان في قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187] ، فهذا يدل على أن إباحة الوطء خاص بالليل؛ لقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فمن جامع في نهار رمضان لم يكفه القضاء، بل عليه مع القضاء كفارة مثل كفارة الظهار على الترتيب، ويعتبر ذنباً، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه ذلك الرجل فقال: (هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على أهلي في رمضان) فأقره على أن هذا هلاك، فدل على أنه ذنب. وقد يقع هذا من كثير من الشباب، وبالأخص في الأيام التي هي قرب زواجه، فتقع منه المباشرة والوطء في نهار رمضان، وهذا خطأ، وعليه أن يحفظ صيامه، فإذا أراد أن ينام في نهار رمضان ينام بعيداً عن امرأته حتى لا تغلبه شهوته، والمرأة أيضاً عليها أن تنام في مكان بعيد إذا عرفت أنه لا يملك نفسه إذا قربت منه، ويحفظ كل واحد منهما صيامه عما يفسده.

مفاسد الذهاب إلى الملاهي

مفاسد الذهاب إلى الملاهي Q هذه فتاة تقول: إنها فتاة ملتزمة، ولكن أهلها يذهبون إلى مدن الألعاب والملاهي، ولا تحب الذهاب معهم للأسباب الآتية: التبذير، وكثرة النساء المتبرجات، وقيام بعض النساء بالتصوير بالكاميرات، ومضيعة الوقت، فما هو توجيهكم وجزاكم الله خيراً؟ A لا شك أن ما ذكرت صحيح، وأن هذه الملاهي ليس فيها إلا لهو وسهو، فهذه الألعاب التي ينصبها بعض الناس لاكتساب الأموال، ويسمونها ملاهي، هي في الحقيقة لهو، وفيها إضاعة المال، والنبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن كثرة السؤال، وإضاعة المال) يعني: صرفه فيما لا أهمية له. وكذلك يشتد الأمر إذا كان فيها تصوير، فإن هناك من يصور الحاضرات من النساء، وكذلك إذا كان فيهن من تكشف وجهها، وقد يكون هناك رجال كالبوابين والحراس ونحوهم، فيحصل أنها تكشف أمامهم، ولا تبالي بهم ولو كانوا من المتقاعدين ونحوهم، ولا يجوز للمرأة أن تكشف أمام هؤلاء ولا غيرهم. والوقت ثمين، وعلى المرأة الناصحة لنفسها أن تحفظ وقتها بالشيء الذي ينفعها، وأن تبتعد عن الشيء الذي يضر أو الشيء الذي لا نفع فيه ولا فائدة.

دخان الطبخ ونحوه لا يفطر

دخان الطبخ ونحوه لا يفطر Q هل دخان النار لمن يطبخ أو يعمل القهوة على النار يفطر؟ A الصحيح أنه لا يفطر، هذا البخار الذي يتبخر من القهوة أو من الطعام أو دخان النار ونحوه لو حصل أنه يشم رائحته لا يفطر.

دعوة الصائم عند الإفطار لا ترد

دعوة الصائم عند الإفطار لا ترد Q في الحديث: (للصائم دعوة عند فطره لا ترد) متى تكون هذه الدعوة؟ A عند الإفطار، يعني: عندما يبدأ في الإفطار، وقبل أن يتناول شيئاً، يدعو بما تيسر.

جواز المضمضة بالماء البارد في نهار رمضان

جواز المضمضة بالماء البارد في نهار رمضان Q في أيام رمضان الحارة هل يجوز أن أتمضمض بالماء البارد؟ A يجوز، على أن تتحفظ حتى لا تبتلع شيئاً، وعلى ألا تبالغ فيه.

يجب التأكد من غروب الشمس عند الإفطار

يجب التأكد من غروب الشمس عند الإفطار Q كنت على سفر في رمضان، وأفطرت عند غروب الشمس، وعندما ذهبت قليلاً على طريق مرتفع رأيت أن الشمس لم تغرب كاملاً، فما حكم صومي جزاكم الله خيرا؟ A نرى أن عليك القضاء؛ لأنك تسرعت، حيث لم تتأن حتى يدخل وقت الإفطار وهو غروب الشمس.

من سقى أرضا مجهولة فله ثمرها ولصاحبها أجرتها

من سقى أرضاً مجهولة فله ثمرها ولصاحبها أجرتها Q عندي رشاش في مزرعتي أسقي به الزرع، ويخرج الرشاش في دورانه ويسقي أرضاً مجهولة الصاحب، ولعلها للبلدية، والآن قد أثمرت تلك الأرض، فما حكم الحب المنتج من غير أرضي، وجزاكم الله خيراً؟ A لا بأس في ذلك إذا كنت أنت التي تسقيها ولا تعرف لها أهلاً، فإذا جاء أهله وطلبوا منك أجرتها فعليك أن تعطيهم أجرة على ما نبت فيها من الزرع إذا كان نبت فيها الزرع، وإذا لم يطلبوا شيئاً فلك الزرع؛ لأنه أثر سقيتك. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [18]

شرح أخصر المختصرات [18] الحج ركن من أركان الإسلام، وهو من أعظم أبواب الخير التي فتحها الله عز وجل لعباده، فإن من حج حجاً صحيحاً عاد كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه، وهو من الجهاد في سبيل الله. والحج كغيره من العبادات، له أركان، وواجبات، ومستحبات، وشروط، وله مبطلات ومحرمات ومكروهات، وقد فصل العلماء رحمهم الله كل ذلك وبينوه، فعلى من أراد الحج والعمرة أن يطالع ما كتبه العلماء كي يحج حجاً صحيحاً مبروراً.

كتاب الحج والعمرة

كتاب الحج والعمرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الحج والعمرة. يجبان على المسلم الحر المكلف المستطيع في العمر مرة على الفور، فإذا زال مانع حج بعرفة وعمرة قبل طوافها وفعلا إذن وقعا فرضا، وإن عجز لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من حيث وجبا، ويجزئانه ما لم يبرأ قبل إحرام نائب، وشُرِطَ لامرأة محرم أيضاً، فإن أيست منه استنابت، وإن مات من لزماه أُخرجا من تركته. وسن لمريد إحرام غسل أو تيمم لعذر، وتنظف، وتتطيب في بدن، وكره في ثوب، وإحرامٌ بإزار ورداء أبيضين عقب فريضة أو ركعتين في غير وقت نهي، ونيته شرط، والاشتراط فيه سنة. وأفضل الأنساك التمتع، وهو أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم به في عامه، ثم الإفراد، وهو أن يحرم بحج ثم بعمرة بعد فراعه منه، والقران: أن يحرم بهما معاً أو بها ثم يدخله عليها قبل الشروع في طوافها، وعلى كل من متمتع وقارن إذا كان أفقياً دم نسك بشرطه، وإن حاضت متمتعة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة، وتسن التلبية، وتتأكد إذا علا نشزاً، أو هبط وادياً، أو صلى مكتوبة، أو أقبل ليل أو نهار، أو التقت الرفاق، أو ركب، أو نزل، أو سمع ملبياً، أو رأى البيت، أو فعل محظورا ناسياً، وكره إحرام قبل ميقات وبحج قبل أشهره. فصل: ميقات أهل المدينة الحليفة، والشام ومصر والمغرب الجحفة، واليمن يلملم، ونجد قرن، والمشرق ذات عرق، ويحرم من بمكة لحج منها، ولعمرة من الحل، وأشهر الحج شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. ومحظورات الإحرام تسعة: إزالة شعر، وتقليم أظفار، وتغطية رأس ذكر، ولبس المخيط إلا سراويل لعدم إزار وخفين لعدم نعلين، والطيب، وقتل صيد البر، وعقد نكاح، وجماعٌ، ومباشرة فيما دون فرج. ففي أقل من ثلاث شعرات وثلاثة أظفار في كل واحد فأقل طعام مسكين، وفي الثلاث فأكثر دم، وفي تغطية الرأس بملاصق ولبس مخيط وتطيب في بدن أو ثوب أو شم أو دهن الفدية. وإن قتل صيداً مأكولاً برياً أصلاً فعليه جزاؤه، والجماع قبل التحلل الأول في حج وقبل فراغ سعي في عمرة مفسد لنسكهما مطلقاً، وفيه لحج بدنة ولعمرة شاة، ويمضيان في فاسده ويقضيانه مطلقاً إن كانا مكلفين فوراً وإلا بعد التكليف وبعد حجة الإسلام فوراً. ولا يفسد النسك بمباشرة ويجب بها بدنة إن أنزل وإلا شاة، ولا بوطء في حج بعد التحلل الأول وقبل الثاني، لكن يفسد الإحرام فيحرم من الحل ليطوف للزيارة في إحرام صحيح ويسعى إن لم يكن سعى وعليه شاة. وإحرام امرأة كرجل إلا في لبس مخيط، وتجتنب البرقع والقفازين وتغطية الوجه، فإن غطته بلا عذر فدت] .

حكم الحج والعمرة

حكم الحج والعمرة الركن الخامس من أركان الإسلام: الحج والعمرة، ولا خلاف في وجوب الحج بشروطه واختلف في فرضية العمرة، فأكثر الفقهاء على أن العمرة فريضة كالحج، واستدلوا بذكرها مع الحج، قال الله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158] فقرنها مع الحج، وقال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] وورد ذكر فضلها في قوله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: هل على النساء جهاد؟ قال: (عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) وهو دليل على أن العمرة واجبة عليهن فعلى الرجال أولى، وللذين أوجبوها أدلة أخرى موسعة. والذين ذهبوا إلى أنها غير واجبة وأنها سنة استدلوا بالحديث الذي فيه أن رجلاً سأل: (هل تجب العمرة عليَّ؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك) ، ولكن الحديث فيه مقال وفيه احتمال، ثم وردت العمرة في حديث جبريل في السنن للدارقطني لما فسر الإسلام: (أن تشهد أن لا إله إلا الله -إلى قوله-: وأن تحج وتعتمر) ، والإسناد صحيح صححه الدارقطني وغيره، وإن كانت الرواية شاذة حيث لم تذكر في أكثر الأحاديث، فالراجح أن العمرة فريضة على القادر، كما أن الحج فريضة على القادر.

شروط وجوب الحج والعمرة

شروط وجوب الحج والعمرة يشترط لوجوب الحج والعمرة شروط: الشرط الأول: الإسلام، فلا يجب الحج على الكافر ولا يجوز، بل لا يمكن الكافر من دخول مكة، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً في حجة أبي بكر أن ينادي: لا يحج بعد العام مشرك. الشرط الثاني: الحرية؛ لأن المملوك مملوكة عليه منافعه؛ لأنه لا يستطيع أن يتصرف لنفسه، فالسيد يملك عليه منافعه، ففي ذهابه إلى الحج تفويت ما للسيد عليه، فلذلك لا يجب عليه. وقد ورد في حديث: (أيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام) . الشرط الرابع: البلوغ. يخرج بذلك الصغير، فلا يجب عليه الحج لعدم تكليفه، ولكن مع ذلك يصح حجه ولو كان صغيراً، ففي الحديث الصحيح: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً لها، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) والمعنى أنه يصح حج الصغير ولو كان ابن خمس سنين أو أربع سنين. أي: يعقل. ووليه هو الذي يحرم به فينوي عنه إداخله في النسك، وكذلك يلبسه إذا كان ذكراً لباس الإحرام، ويكمل به مناسك الحج، فيطوف به ويسعى به ويقف به في المواقف التي يجب الوقوف بها ويلبي عنه ويرمي عنه وهكذا، وينوي حجه، أي: أحد أقاربه؛ لقوله: (ولك أجر) . الشرط الرابع: العقل، فلا يجب الحج على المجنون، وذلك لعدم فهمه وإدراكه، فهو لا يفهم ما يقال ولا يقدر على التصرف، ولا يعرف الأحكام، ولا يقدر أن يمتنع عن المحظورات، والقلم عنه مرفوع. الشرط الخامس: القدرة، فإن قوله تعالى: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] فسر فيه السبيل بأنه الزاد والراحلة، أي: من يملك زاداً وراحلة صالحين لمثله بعد قضاء حوائج أهله، وبعد قضاء ما يحتاجون إليه في غيبته، وكذلك أن يقدر على الحوائج الأصلية التي يحتاج إليها في السفر. وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] ما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة) . وفي هذه الأزمنة معلوم أنه لا يحتاج إلى أن يملك راحلة -أي: سيارة- لكن إذا كان يملك أجرة ركوبه في السيارة فقد صار مستطيعاً إذا توافرت فيه بقية الشروط، من امتلاك النفقة في ذهابه وإيابه، وامتلاك النفقة التي تكفي لأهله حتى يرجع، فإذا كان محترفاً وغاب توقفت حرفته وتوقفت صنعته وعمله، فلابد من أن يؤمن لأسرته ما يكفيهم مدة غيابه. وكانت الغيبة قديماً -أي: قبل خمسين أو ستين سنة- نحو شهرين ذهاباً وإياباً، فيكون الرجل بناء أو حفاراً يحفر بالأجرة، أو عاملاً في حرث يعمل بالأجرة، وقد تكون له حرفة يدوية كأن يكون خرازاً أو دباغاً أو خياطاً أو غسالاً أو حداداً أو نجاراً، فإذا غاب توقف كسبه، فمن أين يطعم أهله؟ نقول: لا يجب عليه إلا إذا توافر عنده من كسبه ما يكفي أهله في مدة غيبته، وفي هذه الأزمنة قلت أو قصرت المسافة، فبدل أن كانوا يغيبون لشهرين أصبحوا يغيبون لمدة أسبوع أو ثمانية أيام، ففي هذه المدة التي هي ثمانية أيام أو نحوها إذا كان عند أهله ما يكفيهم مدة ذهابه وإيابه، وحصل على النفقة التي تكفيه لذهابه وإيابه، وحصل على أجرة الركوب ذهاباً وإياباً فإنه قادر، فإذا عجز عن ذلك فإنه غير مستطيع، فالمستطيع هو الذي يملك ما يوصله إلى مكة ويرده وما يكفي أهله مدة غيبته. وأما ما يذكره الفقهاء في هذا الباب عند تفسير قوله: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] أن السبيل هو من يملك زاداً وراحلة صالحين لمثله، وأن يملك العدة التي يحتاج إليها كخطام البعير ورحله وفرشه، ومتاعه الذي يحتاج إليه، وأوانيه التي يطبخ فيها وقربته التي يحمل الماء فيها، وما أشبه ذلك فهذه قد خفت في هذه الأزمنة. والحاصل أنه لابد من أن يكون مستطيعاً. إذاً الإسلام والعقل شرطان للوجوب والصحة، فلو حج الكافر لم يصح منه. وأما الصغير والعبد فإنه يصح الحج منه ولكن لا يجب عليه، ولا يكلف به، فحجه صحيح ولكن لا يكفيه عن حجة الإسلام. وأما العاجز فإن الاستطاعة شرط للوجوب، فلو أنه تكلف وحج فهل يجب عليه حجة أخرى؟ نقول: صح حجك وأجزأك. لو تكلف وقال: أنا أحج راكباً. أو تبرع له أحد وحج به صح حجه، وكذلك أجزأه عن حجة الإسلام.

يجب الحج في العمر مرة

يجب الحج في العمر مرة ثم الوجوب إنما هو مرة واحدة في العمر، وما زاد على ذلك فهو تطوع، ولما فرض الله الحج في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فقال الأقرع بن حابس: أفي كل عام يا رسول الله! فقال: لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة، فما زاد فهو تطوع) .

وجوب الحج على الفور

وجوب الحج على الفور ثم هل الحج على الفور أو على التراخي؟ نختار أنه على الفور، فساعة أن تتم الشروط وساعة أن يتمكن فالزمن الذي تتم فيه الشروط ويتمكن يجب عليه بحيث يعد مفرطاً إذا أخره، وبحيث يعد ملوماً إذا تغيرت حالته بعد ذلك، فمثلاً: لو أنه في عام ثمانية عشر تمت الشروط في حقه واستطاع أن يحج ولكنه أهمل الحج وتركه بغير عذر، ثم في عام تسعة عشر عجز، تلف ماله أو خسر في تجارته وأصبح عاجزاً مالياً، نقول: إنه ملوم حيث تمكن وفرط، إن عليه إثماً بتأخيره وبتفريطه، ونقول: لو مات بعد أن قدر ولم يحج لزم إخراج نفقة الحج من رأس المال كما سيأتي، وذلك لأنه قدر وفرط حتى مات. وذهبت الشافعية إلى أنه على التراخي، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى سنة عشر، وA أنه لم يتمكن إلا تلك السنة؛ فإنه في سنة ثمان لما فتحت مكة كان مشتغلاً بالوفود، ولم تكن مكة قد طهرت من عادات المشركين، ولما كان في سنة تسع أرسل أبا بكر ومن معه من الحجاج ليطهروا مكة فصاروا ينادون بأول سورة براءة: {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:1-2] إلى قوله: {وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة:3] فكانوا ينادون: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وذلك لأنهم كانوا في عاداتهم الجاهلية يطوفون وهم عراة، ولما طهر البيت في سنة تسع حج سنة عشر، وكمل الله تعالى له الدين، وهو دليل على أن الحج على الفور؛ لأنه ما تمكن إلا في سنة عشر.

إذا زال مانع الحج بعرفة صح الحج

إذا زال مانع الحج بعرفة صح الحج قال المصنف رحمه الله: (فإن زال مانع الحج بعرفة أو مانع عمرة قبل طوافها وفعلاً إذن وقعا فرضاً) . عرفنا أن من موانع الحج الرق والصغر، فإذا أحرم العبد بالحج وأحرم الصغير بالحج، ولما أحرما قدما مكة وطافا طواف القدوم وذهبا إلى منى مع أهليهم ووقفا بعرفة، وفي يوم عرفة عتق الرقيق وبلغ الصغير -وهما بعرفة- وأكملا حجهما أجزأهما عن حجة الإسلام، هذا معنى زوال المانع. وكذلك لو أسلم الكافر بعرفة ثم أحرم وكمل المناسك صح حجه، أو عقل المجنون بعرفة وأحرم وكمل المناسك صح حجه عن الفريضة. وقد عرفنا أن العمرة فريضة، فلو قدر أن العبد أحرم بالعمرة وعتق قبل بدئه بالطواف، ثم طاف وسعى بعد العتق صحت عمرته فريضة، وكذلك الصبي إذا احتلم، والمرأة إذا حاضت قبل أن تطوف ثم طافت للعمرة بعدما طهرت وكملت النسك صحت عمرتها وأجزأتها عن الفريضة.

حكم من عجز عن أداء الحج أو العمرة لمرض لا يرجى برؤه

حكم من عجز عن أداء الحج أو العمرة لمرض لا يرجى برؤه قال المصنف رحمه الله: (وإن عجز لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من حيث وجبا) . العاجز لكبر كالذي لا يستطيع الركوب أو الحركة ونحو ذلك يقيم من يحج عنه، فقد ثبت في الصحيح في قصة المرأة التي من خثعم أنها قالت: (يا رسول الله! إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) وقاس ذلك بالدين. أي أنها عرفت أن الفريضة قد وجبت عليه، وذلك لأنه عاقل وفاهم ومكلف، ولكن لكبره لا يستطيع أن يثبت على البعير، ولا يستطيع أن يتماسك، ويحتاج إلى من يمسكه، فأمرها بأن تحج عنه بعد حجتها. وفي هذه الأزمنة قد يوجد من هذه حالته، ويمكن أن يقال: إن البعير ليس مثل السيارة؛ فالسيارة مركبها مريح وكذلك الطائرة، ولكن يوجد بعض كبار السن إذا ركب السيارة أغمي عليه فلا يستطيع أن يركبها، وكذلك الطائرة ونحوها، يغمى عليه فلا يستطيع أن يفيق ولا يتمكن من الثبات، فهذا معذور وعليه أن يقيم من يحج عنه. واشترطوا في المرض أنه لا يرجى برؤه، فإذا قرر الأطباء أن هذا المرض يستمر معه إلى الموت وليس هناك أمل في الشفاء فعليه -والحال هذه- أن يقيم من يحج عنه، وكذلك العمرة. ثم قوله: [من حيث وجبا] ، أي: يقيم من يحج عنه ويكون ذلك من ماله [من حيث وجبا] يعني: من بلاده التي وجب عليه أن يحج منها، ولا يجوز من أقرب منها؛ لأن تكلفة الحج تختلف باختلاف البلاد، فتكلفة الحج من الرياض -مثلاً- ثلاثة آلاف ريال سعودي ذهاباً وإياباً بما في ذلك الفدية ونحوها، وتكلفة الحج من جدة أو من الطائف ألف أو نحوه، فإذا كان الذي عجز عن الحج لمرض أو لكبر من أهل الرياض أقاموا من يحج عنه من الرياض، ولا يجوز أن يكون من يحج عنه من الطائف ولا من المدينة ولا من جدة، وذلك لأن التكلفة أقل، وهو مكلف بأن يحج من هذه البلاد، ونقول كذلك أيضاً فيمن هو من خارج المملكة، فإذا وجب عليه الحج وهو من أهل قطر أو من أهل الكويت، والتكلفة هناك قد تكون أكثر، قد تبلغ مثلاً خمسة آلاف أو ستة، فلا يجوز أن يقيم من يحج عنه من الرياض ولا من المدينة؛ لأنها أقل، إلا إذا لم يخلف إلا تركة قليلة فإنه يحج عنه من حيث بلغت تلك التركة. وكذلك لو قدر أن إنساناً سافر للحج، فلما وصل -مثلاً- إلى الطائف أو قريباً منها توفي قبل الإحرام، ففي هذه الحال يقام من يحج عنه من أهل الطائف؛ لأنه قد قطع هذه المسافة، هذا إذا كان الحج فرضاً، أما إذا كان تطوعاً فيجوز أن يحج عنه ولو من أهل مكة؛ لأن التطوع تبرع. فإن برئ هذا المريض قبل إحرام النائب لم يجزئه الحج عنه، ولزمه -والحال هذه- أن يحج بنفسه؛ لأنه زال عذره. إما إذا لم يبرأ إلا بعد أن أحرم نائبه فإن حجة النائب عنه مجزئه. فالحاصل أنه إذا وكل من يحج عنه ويعتمر عنه ثم برأ قبل أن يحرم النائب بالحج أو بالعمرة بطلت النيابة ولزمه أن يحج بنفسه، وأما إذا أحرم النائب قبل برئه ثم برأ بعد ذلك فإن حج النائب يكفي.

حكم أخذ المال في حج الإنابة وتساهل الناس في ذلك

حكم أخذ المال في حج الإنابة وتساهل الناس في ذلك هنا نتكلم على الإنابة؛ لأنه وقع فيها تساهل، وذلك لأن كثيراً من الناس اتخذوها حرفة وأرادوها للتجارة، ويسمونها حج البدل، فيأتي كثير من الناس إلى الرياض يقولون: أعطونا حج بدل. فنقول لهم: إن النائب إنما يحج من البلد التي منها المحجوج عنه، فأنتم الآن حججتم إلى الرياض والحج إلى مكة، فكيف تأتون لأجل هذا؟ وبهذا نعرف أنهم ما أرادوا بذلك إلا المال، والدليل على ذلك: أنهم يماكسون، فإذا قيل لهم: نعطيكم ألفين؛ لأن حجكم إلى مكة ولا ترجعون إلى الرياض قالوا: إن فلاناً يعطي ثلاثة، وفلاناً يعطي أربعة. وهكذا، فهذا يدل على أنهم ما قصدوا إلا المال، فنقول لك: لا تنب إلا من يريد الحج لا من يريد المال. وصورة ذلك: إنسان فقير يحب أن يحج بنفسه ويشارك الحجاج في تلك المواسم ويكون ممن تنزل عليهم الرحمة، وممن يباهي الله تعالى بهم الملائكة، ولكنه فقير ليس عنده ما يبلغه وما يرده، ويتمنى أن يحج ولكن ليس بقادر مع أنه قد حج فريضة الإسلام، فهذا أخذ المال لأجل الحج، فمثل هذا يعطى نيابة، وعليه أن ينفق منها في حجه نفقة ذهابه وإيابه وفديته وتنقلاته وما بقي منها يرده على أهل الحاج إلا إذا سمحوا، هذا هو الأصل، وقليل الذين يعملون بذلك. وقبل خمس وعشرين سنة كان الحاج تكفيه مائة ريال أجرة ركوب ذهاباً وإياباً، ويكفيه للنفقة ذهاباً وإياباً خمسون ريالاً أو سبعون ريالاً، ثم ما زالوا يزيدون ويزيدون إلى أن صاروا يطلبون ألوفاً، فعرفنا بذلك أن مثل هؤلاء يتخذون الحج حرفة وتجارة يريدون بها المال، فلا يجوز إعطاؤهم؛ لأن من عمل عملاً لأجل مال بطل أجره؛ لقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15] ، ولقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:20] ، وفي الحديث: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم) .

يشترط في حج المرأة أن يكون معها محرم

يشترط في حج المرأة أن يكون معها محرم ويشترط في وجوب الحج على المرأة أن يكون معها محرم، وهذا هو قول الجمهور، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم) ، وفي حديث آخر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسير مسيرة يومين إلا ومعها ذو محرم) وأقل ما ورد في ذلك مسيرة يوم، هذه أدلة الجمهور. وذهب المالكية إلى أنه يجوز أن تحج مع نسوة ثقات، ذكر مالك ذلك في الموطأ، وقال: إن الحج فريضة، وهذه مستطيعة من حيث المال، والمحرم إنما هو شرط، والفرض يقدم على الشرط، فإذا علم أن سبب المحرم إنما هو الخوف عليها من الوقوع في الفاحشة ونحوها فإذا أمنت بأن كانت مع نسوة ثقات فلا حرج ولا خوف عليها. هكذا يعلل المالكية، وفي زمانهم كان المالكية يأتون من أقصى المغرب، من بلاد المغرب ومن بلاد أفريقيا ومن الأندلس ونحو ذلك، وهؤلاء كلهم على مذهب مالك، فكانوا يرسلون نساءهم بدون محرم في السفن، ويشترطون أن يكون معها ثقات من النساء، ومع ذلك فإن الخطر موجود. ويمكن أن يتساهل في هذه الأزمنة إذا أيست ولم تجد محرماً، وسافرت في السيارات الكبار (الحافلات) التي يفصل فيها بين النساء والرجال بحاجز ولا يحصل الاختلاط، وإذا نزلوا تكون النساء جميعاً في خيام والرجال في خيام والمدة قصيرة، مثلاً: ستة أيام أو سبعة أيام، وهذا للتي لا تجد محرماً، مثل الخادمات، وكثيراً ما يشترط أهلها على من استقدمها تمكينها من أداء الحج؛ لأن أهلها في بلادهم لا يقدرون لفقرهم وعجزهم، فإذا شرط على المستقدم فالوسيلة أن يرسلها مع الحملات التي فيها نساء موثوقات ويفصلون النساء عن الرجال، فأما إذا وجدت محرماً فليس لها أن تحج إلا مع محرم. قوله: [فإن أيست منه استنابت] يعني: إذا أيست من وجود محرم فإنها تنيب من يحج عنها. وهذا في الأزمنة القديمة التي تكون فيها مدة الحج شهرين كما ذكرنا، أما في هذه الأزمنة فلعل الأمر أخف.

حكم من مات ولم يحج مفرطا وله تركة

حكم من مات ولم يحج مفرطاً وله تركة قال المصنف رحمه الله: [وإن مات من لزماه أخرجا من تركته] . الضمير يرجع إلى الحج والعمرة، فإذا مات من كان قادراً وفرط حتى مات قبل أن يحج ويعتمر لزم إخراج نفقتهما من تركته، أو يحج عنه أحد أولاده ذكوراً أو إناثاً، فإذا لم يوجد من يحج عنه أخرج من التركة، وتخرج من رأس المال، وتكون كأنها دين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه ذلك بالدين في قوله: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه؟) فدل على أنها تخرج من رأس المال لا من الثلث، فتخرج من رأس المال كأنها ديون للآدميين، وإذا كان قد أوصى بالثلث أخرج ذلك الثلث، ثم يقسم الباقي على الورثة. والفقهاء أيضاً يذكرون ما يلزم من سافر إلى الحج من أحكام السفر، كما ذكر ذلك النووي رحمه الله في رسالته التي في مناسك الحج، ولكن تغيرت الأحوال؛ لأن السفر قديماً كان يستغرق أشهراً وفي هذه الأزمنة لا يستغرق إلا أياماً.

استحباب الاغتسال عند الإحرام لأجل النظافة

استحباب الاغتسال عند الإحرام لأجل النظافة قال المصنف رحمه الله: [ويسن لمريد إحرام غسل أو تيمم لعذر] . أي: إذا وصل إلى الميقات، وذلك أنهم كانوا لا يصلون إلى المواقيت إلا بعد مدة، بعد عشرين يوماً أو بعد خمسة وعشرين يوماً، فلا يصلون إلى الميقات إلا وقد اتسخت أبدانهم واتسخت ثيابهم، فهم بحاجة إلى أن يتنظفوا ويغتسلوا، إلا أهل المدينة؛ فإن ميقاتهم بجانب المدينة ما بينهم وبينها إلا ثلاث ساعات بالرواحل أو نحوها، ولكن ميقاتهم بعيد عن مكة؛ لأنهم يبقون محرمين عشرة أيام، فما بين مكة وميقات أهل المدينة عشرة أيام، فهم بحاجة إلى الاغتسال وإلى النظافة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النفساء أن تغتسل للإحرام مع أنها لا تصلي، فدل ذلك على مشروعيته. نقول: إذا قدر أن الإنسان في بيته تنظف واغتسل وأزال ما في بدنه من الأوساخ ثم ركب سيارته، وبعد خمس ساعات أو ست ساعات أو نحوها وصل إلى الميقات، فهذه الساعات لا يتسخ فيها بدنه عادة، فيكتفي باغتساله في منزله، ويعمل ما يعمله من مقدمات الإحرام ويحرم. أما شرعية التيمم فالتيمم لعدم الماء، والصحيح أنه ليس بمشروع، إلا إذا أراد أن يصلي ركعتين ولم يجد ماء فإنه يكتفي بالتيمم، فأما إذا كان الماء موجوداً فإنه يتوضأ ويصلي ركعتين، وأما غسل الإحرام فلا حاجة إلى أن يتيمم بدله، وذلك لأننا عرفنا أن الاغتسال شرع لأجل النظافة، ومعلوم أن التيمم لا ينظف ولا تحصل به نظافة البدن ولا نظافة أعضاء الوضوء.

استحباب تعاهد خصال الفطرة قبيل الإحرام

استحباب تعاهد خصال الفطرة قبيل الإحرام ويستحب أن يتنظف عند الإحرام، والمراد بالتنظف هنا تعاهد خصال الفطرة، فيقص من شعره، ويقلم أظفاره، وينتف شعر الإبط، ويحلق عانته مخافة أن يطول الشعر بعد ذلك فيتأذى به وهو ممنوع من أخذه بعد عقد الإحرام؛ لأنهم كانوا إذا أحرموا مفردين بقوا خمسة عشر يوماً، ففي هذه الخمسة عشر يمكن أن تطول الأظافر، ويطول الشارب، ويطول الشعر فيتأذى به، فأمر أن يتعاهده قبيل عقد الإحرام حتى لا تؤذيه بعد ذلك، وهذا هو السبب في تعاهد الشعر. وفي هذه الأزمنة لا تبقى مدة الإحرام إلا قليلاً، فالإحرام بالعمرة لا يمكث إلا ساعتين أو ثلاث ساعات، والإحرام بالحج لا يمكث إلا يومين أو ثلاثة أيام، فنقول: إذا كانت أظافره أو شعره ليس طويلاً فلا حاجة إلى التعهد، حتى الذين يحرمون من المدينة بدل أن كانوا يبقون محرمين عشرة أيام أصبحوا يبقون ثلاث أو أربع أو خمس ساعات ثم يصلون إلى مكة. فالتنظف إزالة شعر العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب، وإزالة الرائحة الكريهة ونحو ذلك، ولا شك أنه إذا كانت فيه رائحة كريهة فإن عليه أن يزيلها ويحرص على إزالتها.

استحباب الطيب للمحرم قبيل إحرامه

استحباب الطيب للمحرم قبيل إحرامه ويتطيب في بدنه قبل الإحرام؛ لأنه ممنوع من الطيب بعد ذلك، وقد تطول مدة منعه من الطيب فيتأذى بالرائحة؛ لأنه يبقى عشرة أيام أو نصف شهر وهو ممنوع من الطيب، فلذلك سن له أن يتطيب قبيل عقد الإحرام، أما إذا كانت مدة الإحرام لا تطول فلا حاجة إلى أن يتطيب، وإن تطيب فلا بأس ولكن يكون الطيب في البدن، أي: في شعر الرأس أو في الخدين، أو في اليدين، ولا يجوز أن يطيب ثيابه. ففي قصة ذلك الرجل الذي أحرم في جبة وقد تضمخ بالطيب في ثيابه قال صلى الله عليه وسلم: (انزع عنك الجبة، واغسل عنك أثر الطيب) فأمره بأن يغسل أثر الطيب عن ثيابه، فهذا دليل على أنه إذا طيب بدنه فلا بأس، فإن طيب ثيابه أو وقع عليها طيب من غير اختيار سن أن يغسل أثر الطيب عن ثيابه.

صفة إحرام الرجل

صفة إحرام الرجل قال المصنف رحمه الله: [وإحرام بإزار ورداء أبيضين] هذا في حق الرجل، والإزار: ما يشد به عورته من السرة إلى ما تحت الركبة، والرداء يجعله على ظهره يتظلل به من حر الشمس ومن البرد ونحوه، أي: يضع على ظهره رداءً يلتف به. هذا هو إحرام الرجل.

ليس للإحرام صلاة سنة وإنما هي للوضوء

ليس للإحرام صلاة سنة وإنما هي للوضوء ويسن أن يحرم عقب صلاة، فإن كان وقت فريضة صلاها ثم عقد الإحرام بعدها، وإن لم يكن في وقت صلاة كالضحى مثلاً صلى ركعتين ينويها سنة الوضوء وليست سنة إحرام؛ لأنه لم ترد في الإحرام سنة خاصة، ولكن ينوي أنها سنة وضوء بشرط أن لا يكون في وقت نهي كبعد العصر وبعد الفجر، فإذا كان وقت إحرامه بعد العصر فلا يصلي بل يتوضأ ويحرم ويركب سيارته، وكذلك بعد الفجر إن لم يمكث حتى تطلع الشمس. وليس مجرد لباس الإحرام هو النية، فلو رأيت رجلاً في الرياض لابساً إزاراً ورداء كلباس المحرم فلا تنكر عليه ولا تقل: هذا خاص بالإحرام. لأن هذا لباس جائز لكل زمان ولكل مكان. إذاً: فمتى يكون الإنسان محرماً؟ إذا نوى وعزم على الدخول في النسك، إذا نوى بقلبه، فلو أنه لبس الإحرام -الإزار والرداء- عند الميقات، ومكث وعليه لباس الإحرام ساعة أو نصف يوم قبل أن ينوي وقبل أن يعزم على الإحرام، ففي هذه الساعات يجوز أن يقص من شعره، ويجوز أن يتطيب، بل يجوز أن يطأ امرأته؛ لأنه ما نوى الإحرام، فلا تحرم المحظورات إلا إذا نوى بقلبه الدخول في النسك. إذاً فالإحرام نية، وليس الإحرام مجرد اللباس.

حكم الاشتراط في الحج والعمرة

حكم الاشتراط في الحج والعمرة ما حكم الاشتراط في الحج والعمرة؟ ذكر أنه سنة، وصفته أن يقول: اللهم! إني أريد العمرة فيسرها لي، وتقبلها مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. إذ كانوا يستحبونه لكل محرم بحج أو بعمرة، سواء في أشهر الحج أو في غير أشهر الحج. وذهب بعضهم إلى أنه لا يستحب -ومنهم شيخ الإسلام - وقالوا: لا يستحب إلا إذا خاف على نفسه عدم التمكن، بأن خاف على نفسه من أن يصده عدو، أو خاف على نفسه أن يمنعه مرض، أو كان هناك خطر، ففي هذه الحال له أن يشترط: إن حبسني حابس فمحلي -أي: موضع إحلالي- حيث حبستني. يقول شيخ الإسلام: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر به الصحابة، وإنما أمر به امرأة واحدة وهي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب لما جاءته فقالت: (إني أريد الحج وأجدني شاكية -أي: مريضة. فخشيت أن مرضها يحول بينها وبين إتمام المناسك- فقال: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني؛ فإن لك على الله ما استثنيت) هذا سبب شرعية الاشتراط، ولما لم يعلمه بقية الصحابة دل على أنه لمن خاف أن لا يتمكن فقط. وقد يقول قائل: إن الحوادث موجودة في هذه الأزمنة بكثرة، حوادث الاصطدام، وحوادث الانقلاب وما أشبه ذلك، نقول: هي موجودة ولكن المسافة قليلة، والعادة أنها نادرة في هذه المسافات التي هي مسافة ساعة أو ثلاث ساعات، وبالجملة فإن اشترط فلا بأس، وإن لم يشترط فلا بأس، وإن خاف لمرض أو عجز أو نحو ذلك أو عدم تمكن فيستحب له أن يشترط. ويحدث كثيراً أن المرأة تأتي إلى الميقات وعليها الحيض، وتخاف أن أهلها لا يقيمون حتى تطهر، فهل تحرم معهم وتشترط، أو لا تحرم، أو تحرم ولا تشترط؟ نقول: إن جزمت بأن أهلها سيمكثون إلى أن تطهر فإنها لا تشترط، فتحرم ولا تشترط، فإن خافت أنهم لا ينتظرونها بل قد ينصرفون قبل أن تطهر فلها أن تشترط، فإن علمت وجزمت بأنهم لا ينتظرونها فليس لها أن تحرم، بل تبقى وتدخل معهم مكة بدون إحرام؛ لأنها تحققت أنهم لا يبقون إلا ساعتين أو ثلاث ساعات ثم يرحلون وهي لا تطهر إلا بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أيام، فإذا اشترطت تقول: اللهم! إني نويت بعمرة -مثلاً- فإن حبسني حابس أو منعني مانع فمحلي حيث حبستني. هذه مقدمات يعملها عند الميقات.

الأنساك الثلاثة

الأنساك الثلاثة ذكروا الأنساك ثلاثة: التمتع، والقران، والإفراد. واختلف في أفضلها، فالإمام أحمد يختار أن أفضلها التمتع، وأما الأئمة الآخرون فإنهم مختلفون، فالشافعية يختارون الإفراد، والمالكية في رواية يختارون القران، ولكل اختياره.

صفة التمتع

صفة التمتع صفة التمتع أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه، وأشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، فإذا أحرم بالعمرة في شهر شوال وفرغ منها وتحلل وبقي في مكة إلى أن يحج وحج في ذلك العام، فإنه متمتع وعليه فدية التمتع. وأما إذا فرغ من العمرة ثم رجع إلى بلاده ثم أحرم بالحج بعد ذلك وحده فإنه يعتبر مفرداً وليس عليه دم، ويسقط عنه دم التمتع برجوعه إلى بلده.

أفضلية التمتع

أفضلية التمتع وهل الإفراد أفضل أم التمتع؟ يختار بعض المشايخ أن الإفراد أفضل إذا سافر للحج سفراً مستقلاً وللعمرة سفراً مستقلاً، وذلك لأنه أكثر مئونة وأكثر تعباً، فإذا قال: أعتمر في رمضان. فسافر في رمضان واعتمر، ثم في شهر ذي الحجة سافر للحج مفرداً فإن هذا أفضل، حيث إنه سافر سفرتين، وأما لو سافر من كانوا من أهل جدة أو أهل الطائف أو منطقة قريبة من مكة للعمرة يوم سبعة، ثم فرغوا من العمرة، ثم رجعوا إلى أهليهم، ثم أحرموا بالحج من بيوتهم يوم ثمانية، ثم رجعوا ودخلوا مكة، فهل هم متمتعون أم مفردون؟ ما بين إحرامهم بالحج والعمرة إلا نصف يوم أو يوم، والصحيح أنه يسقط عنهم دم التمتع، وأنهم والحال هذه يعتبرون مفردين؛ لأن الحج في سفر والعمرة في سفر.

صفة الإفراد

صفة الإفراد قال المصنف رحمه الله: [ثم الإفراد، وهو أن يحرم بحج، ثم بعمرة بعد فراغه منه] يسافر من الرياض ويمر بالميقات، ويحرم بالحج ويفرغ منه، ثم يرجع إلى بلاده، وينشئ للعمرة سفراً مستقلاً، فهذا هو الإفراد، أما ما يفعله العجزة ونحوهم أو من المعذورين الذين يأتون من مكان بعيد، كالذين يأتون من اليمن أو من الشام أو من إفريقيا أو من البلاد الفقيرة، فلقلة نفقتهم وأموالهم يقولون: لا نقدر على الفدية، ولا نقدر على العمرة مرة ثانية. فيحرمون بالحج ويفرغون من الحج، ثم بعد ذلك يعتمرون من التنعيم في اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر، ويقولون: هذه عمرة الإسلام انتهينا منها. نقول: إنها وإن كانت مجزئة لكنها ناقصة، والعمرة الكاملة هي التي يحرم بها من بلده، ويفسر بعض العلماء قول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] قال: إتمامه أن تحرم به من دويرة أهلك، يعني: أن تنشئ له سفراً مستقلاً لكل واحد منهما، هذا هو الإتمام. نقول لهؤلاء: إذا كنتم عاجزين عن الفدية فإنكم تستطيعون الصيام، فأحرموا متمتعين بالعمرة، وانتهوا من العمرة، وبعد ذلك صوموا ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، صوموا بين الحج والعمرة ثلاثة أيام أو في أيام التشريق فتحصل لكم عمرة تامة وحجة تامة، فأما عمرة التنعيم فإنها ناقصة؛ لأن أصل العمرة هي الزيارة، وكلمة (عَمَر المكان) تعني (زاره) ، فسميت عمرة لأنهم يزورون البيت من أماكن بعيدة. والذين يقولون: إن الإفراد أفضل اختاروا ذلك؛ لأنهم يعتمرون في سفر مستقل، فأما الذين يعتمرون من التنعيم ويقولون: سقطت عنا العمرة فنرى أن عمرتهم ناقصة.

صفة القران

صفة القران وأما القران فهو أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل أن يشرع في طوافها، بأن يقول: أحرمت بحج وعمرة. أو يقول: أحرمت بعمرة. ثم بعد أن يدخل مكة وقبل أن يطوف يقول: اللهم! إني نويت إحراماً بحج مع عمرتي. فيدخل الحج على العمرة، ويجوز ذلك، ويسمى إدخال الأكبر على الأصغر، إذ أحرم بالعمرة -والعمرة هي الأصغر- ثم نوى إدخال الحج عليها، وهذا جائز ولكن قبل أن يشرع في طوافها، فيصير قارناً، فأما إدخال الأصغر فلا يجزي، فإذا أحرم بالحج ثم قال: أريد أن أدخل على حجي عمرة حتى أنتهي من العمرة ويكفيني إحرام واحد وسعي واحد نقول: لا يجوز إدخال العمرة على الحج، لكن العكس يجوز.

شروط وجوب الهدي على المتمتع والقارن

شروط وجوب الهدي على المتمتع والقارن والقارن والمتمتع عليهما هدي. ويشترط لوجوب الهدي شروط: أولها: أن يكون آفاقيا، أي: ليس من ساكني المسجد الحرام؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:196] أي: يكون آفاقيا، وأقل ذلك مسافة قصر، والصحيح أنه يكون آفاقيا حتى ولو كان من خارج حدود الحرم، فلو كان من أهل جدة اعتبر آفاقيا، وكذلك من أهل بحرة ونحوها، أما القرى المتصلة بمكة فإنها تعتبر من حاضرة المسجد الحرام. هذا شرط، والمؤلف رحمه الله لم يذكر هنا إلا شرطاً واحداً، وذكر الشارح سبعة شروط لوجوب الهدي على المتمتع وعلى القارن هذا أحدها، أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام. الشرط الثاني: أن تكون عمرته في أشهر الحج، فإذا كانت عمرته في رمضان فلا يكون متمتعاً. الشرط الثالث: أن يحج من ذلك العام، فلو اعتمر في سنة وحج في سنة فلا يجب عليه الدم. الشرط الرابع: أن لا يسافر بين الحج والعمرة مسافة قصر. هكذا قال بعض العلماء، ولكن قد اختلف في حد مسافة القصر، ومنهم من قال: لا يسقط عنه الهدي إلا إذا رجع إلى أهله ولو كان مكان أهله قريباً كجدة مثلاً. ومن قالوا: مسافة القصر اختلفوا: فمنهم من قال: هي خمسة وثمانون كيلو متر. ومنهم من قال: مسافة القصر أربعة برد. ومنهم من قال: مسافة القصر مسافة يوم وليلة. والمختار أنه إذا غاب عن مكة مدة يوم وليلة وقطع فيها ما لا يقطع إلا بمشقة سقط عنه دم التمتع. الشرط الخامس: أن يتحلل من العمرة، فإن أحرم قبل حله منها صار قارناً، ولكن مع ذلك عليه دم. الشرط السادس: أن يحرم بالعمرة من الميقات أو من مسافة قصر فأكثر من مكة، وهذا داخل في كونه إذا لم يحرم بها؛ فإنه من حاضري المسجد الحرام. الشرط السابع: أن ينوي التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها. وأكثر الفقهاء ما ذكروا إلا أربعة شروط: الأول: أن لا يكون من أهل مكة. ونالثاني: أن تكون عمرته في أشهر الحج. والثالث: أن يتيسر له الحج في ذلك العام. والرابع: أن لا يسافر بينهما مسافة قصر. هذه شروط وجوب الهدي أو شروط وجوب دم التمتع. يقول: [وإن حاضت متمتعة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة] . فـ عائشة رضي الله عنها أحرمت متمتعة بالعمرة، ولما جاءت إلى سرف حاضت، وبقيت في عمرتها، ولما كانت بمكة وقرب ذهاب الناس إلى عرفة وهي لم تطهر أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل على عمرتها حجاً، فأدخلت الأكبر على الأصغر وصارت قارنة، ولم تطهر إلا بعرفة فطهرت واغتسلت، وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن طوافك بالصفا والمروة يكفيانك عن حجك وعمرتك) ولكنها لما رأت صويحباتها قد حصلن على حج مستقل وعمرة مستقلة أحبت أن تكون مثلهن.

الأماكن التي تستحب فيها التلبية

الأماكن التي تستحب فيها التلبية بعد ذلك ذكر التلبية، والتلبية شعار المحرم، وهي مسنونة ومؤكدة، وذهب بعضهم إلى أنها ركن من أركان الحج والعمرة، فطالما أحرم ولم يلبِ لم يصح إحرامه، وبعضهم جعلها واجبة فإذا لم يلبِ فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً، ولكن أكثر الفقهاء على أنها سنة ولكنها تتأكد، فهي سنة مؤكدة. وذكر المصنف لها أحد عشر موضعاً تتأكد فيها: الأول: إذا علا نشزاً. أي: إذا رقى مكاناً مرتفعاً لبى. الثاني: إذا هبط وادياً. أي: منخفضاً. الثالث: إذا صلى مكتوبة. أي: فريضة من الفرائض. الرابع: إذا أقبل الليل. الخامس: إذا أقبل النهار. السادس: إذا التقت الرفاق، وكانوا يتلاقون في الطريق وهم يمشون أو ركباناً على الإبل. السابع: إذا ركب دابته أو مركوبه. الثامن: إذا نزل. التاسع: إذا سمع من يلبي، فيجدد التلبية. العاشر: إذا رأى البيت. الحادي عشر: إذا فعل محظوراً وهو ناسٍ، كتغطية رأس، ولبس مخيط، ونحو ذلك.

حكم الإحرام قبل الميقات

حكم الإحرام قبل الميقات هل يجوز أن يحرم من الطائف قبل أن يصل إلى الميقات الذي هو السيل (قرن المنازل) ؟ يجوز ولكن مع الكراهة، فإن قدر أنه ركب الطائرة فاحتاط وأحرم ولبى قبل أن يصل إلى الميقات بعشر دقائق أو بربع ساعة فإن ذلك جائز مخافة أن يتجاوزه وهو غافل، مع أن الملاحين ينبهون الذين يركبون الطائرة على قرب الوصول إلى الميقات، ولكنهم يغفلون فلا يشعرون إلا وقد تجاوزوا الميقات بعشرة كيلو، فيكون عليهم دم إذا أحرموا بعد ذلك، فنقول لهم: أحرموا قبل الميقات بربع ساعة أو بثلث ساعة أو بعشر دقائق احتياطاً حتى لا يلزمكم دم.

حكم الإحرام بالحج قبل أشهر الحج

حكم الإحرام بالحج قبل أشهر الحج كذلك هل يجوز الإحرام بالحج قبل أشهره ولو كان فيه مشقة؟ صفة ذلك أن يقول: سوف أحرم بالحج من نصف رمضان وأبقى بالإحرام إلى يوم العيد -عيد النحر- فيجوز ذلك مع الكراهة، أي أنه أحرم قبل دخول وقت الحج أو قبل أشهر الحج، وهذا مكروه ولكنه جائز، وينعقد حجه ولو كانت عليه مشقة؛ لأنه سوف يبقى قريباً من ثلاثة أشهر على إحرامه.

مواقيت الحج

مواقيت الحج الحج له مواقيت زمانية ومواقيت مكانية، فالزمانية ذكرها الله تعالى إجمالاً بقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] ، وكأنها كانت معروفة ومعلومة عند العرب قبل الإسلام، واتفقوا على أنها شوال، وذو القعدة، واختلفوا في ذي الحجة، فقيل: وذو الحجة كله. وقيل: العشر الأول منه، والذين قالوا: ذو الحجة قالوا: إنه يجوز إيقاع أعمال الحج في آخره، ولأن الله ذكرها بالجمع (أشهر) ولم يقل: شهران. وأكثر الفقهاء على أنها شهران وعشرة أيام، ومعنى كونها (أشهره) أي: لا يصح الإحرام به إلا فيها، وإن كان قد أجاز بعضهم الإحرام قبلها ولكن مع الكراهة كما ذكرنا. أما المواقيت المكانية فقد روى ابن عمر أو ابن عباس حديثاً فيه توقيت الأماكن، فوُقِّت لأهل المدينة ذو الحليفة، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرن، هذه هي المواقيت التي ذكرت في الأحاديث. فذو الحليفة قريب من المدينة، وبينه وبين المسجد النبوي ستة أميال، وهو الآن قد دخل في المدينة، فقد وصل إليه البنيان والعمران، ولكنه متميز يعرف بمسجد الإحرام، ويعرف بذي الحليفة، ثم لما كثر الرافضة في المدينة سموه أبيار علي، وادعوا أن علياً قاتل الجن في هذا المكان، وقد أنكر ذلك شيخ الإسلام وقال: تسميته بأبيار علي كذب، ولم يقاتل علي أحداً من الجن، فيسمونه أبيار علي، وبين الحليفة وبين المدينة عشر مراحل، وفي ذلك الوقت كانت عشرة أيام على الإبل، والآن قد قربت فهي أقل من أربعمائة كيلو مترٍ، فكانت مع الطريق القديم الذي يمر ببدر وجدة ورابغ كانت قريباً من أربعمائة كيلو مترٍ ثم قصرت مع الطريق الجديد. والجحفة وقتها لأهل الشام وأهل مصر والمغرب، والمغرب يعني إفريقيا كلها، يأتون عن طريق البحر أو يأتون عن طريق البر ويمرون بالمدينة فيحرمون من الجحفة، وكانت تسمى قديماً (مهيعة) ، وكانت قرية قديمة ثم صار فيها وباء وحمى، فهجرت وخربت وصار الناس يحرمون قبلها من رابغ، ورابغ أيضاً بلدة قديمة ذكرها الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) وذكر أن الناس يحرمون من رابغ، وفي هذه الأزمنة عمرت الحكومة -أيدها الله- مسجداً في الجحفة، وسهلت له طريقاً معبداً، فمن أراد أن يحرم من الميقات الحقيقي فإنه يجد طريقاً بعدما يتجاوز رابغ ويصل إلى الجحفة وهناك مسجد مهيأ فيه كل ما يحتاجه المحرم، كما أن في ذي الحليفة مسجداً كبيراً مهيأ بالمغاسل ونحوها. وأهل اليمن ميقاتهم يلملم، وتسمى الآن (السعدية) ، وفيها أيضاً مسجد كبير، وفيها مراحيض وحمامات ومغتسلات، وليس حوله قرى -أي: حول ذلك المكان- إلا قليل سكنوا لأجل المصالح الخاصة. ولأهل نجد قرن، ويسمى (قرن المنازل) أو (قرن الثعالب) ، وأصله جبال صغيرة مستطيلة ممتدة شمالاً وجنوباً، مرتفعة عن الأرض قليلاً، وهي دون الجبال الكبيرة الشاهقة، وبينها وادٍ ويمرُّ من دونها أو على حدها، وتسمى الآن: (السيل الكبير) ، وقد تسمى أيضاً (قرن المنازل) . ثم في حدود عام اثنين وثمانين فتح طريق من الطائف إلى مكة مع الجبل الذي يعرف بكراء، وصار أهل الطائف ومن مر معهم يمرون مع ذلك المكان، فأين يحرمون؟ لا يمكن أن يمروا إلى الميقات الذي هو السيل، فسألوا ووجدوا ما يسمى الآن بـ (وادي محرم) وهو أعلى قرن المنازل، فصدرت الفتوى بأنه ميقاتهم، وعمر هناك مسجد كبير، وكان ابن لادن قد عمر مسجداً صغيراً ثم عمرت الحكومة مسجداً كبيراً في وادي محرم، وكذلك أيضاً في وادي السيل وهو أشهرها، فالحاصل أن هذه خمسة مساجد: مسجد في ذي الحليفة، ومسجد في الجحفة، ومسجد في يلملم، ومسجد في وادي محرم، ومسجد في السيل، وهذه هي المواقيت التي يمر بها الناس والتي طرقها معبدة. أما ذات عرق فلا يمر بها الطريق، وكان أهل العراق وأهل المشرق -أي: المشرق كله الهند والسند وما وراء النهر- كانوا يمرون في طريقهم على إيران وخراسان والعراق وما إلى ذلك، ويأتون من طريق العراق، ويصعب عليهم أن يمروا بميقات أهل نجد الذي هو قرن المنازل، فلما صعب عليهم سألوا عمر وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرناً وإنه جور عن طريقنا، فقال لهم عمر: (انظروا حذوها من طريقكم) فوقت لهم ذات عرق، فكانوا يحرمون بها طوال هذه القرون، وتسمى (الضريبة) ، ولما لم تكن في تلك الجهات طريق معبدة يمر بها صاروا يأتون مع طريق الحجاز مع طريق نجد أو مع طريق المدينة، ويحرمون من قرن أو يحرمون من ذي الحليفة، ويمكن أن يمر بالضريبة هذه بعض الأهالي الذين حولها والذين لا يتمكنون من الذهاب إلى الطرق المعبدة لبعدها عنهم فيحرمون منها، ولكن ليست محرماً مشهوراً مع أنها ميقات، فطوال هذه القرون يمر بها ويحرم منها أهل المشرق كلهم، وأهل مكة يحرمون منها، وكذلك أهل جدة، وكذلك أهل الشرائع، وأهل بحرة، وأهل الهدا، وأهل الشميسي. وأهل القرى التي حول مكة يحرمون من بيوتهم، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (ومن كان دون ذلك فمحله من حيث أحرم، حتى أهل مكة من مكة) . أما أهل مكة فإنهم إن أرادوا العمرة فإنهم يخرجون ويحرمون من الحل؛ لأنه لابد في العمرة من أن يكون فيها حل وحرم، كما أن الحج لابد من أن يكون فيه حل وحرم، فأهل مكة يخرجون من حدود الحرم إلى عرفة وهي من الحل، وكذلك لابد أن يخرجوا إلى التنعيم مثلاً أو إلى عرفة ويحرمون بالعمرة، والدليل على ذلك: (أنه صلى الله عليه وسلم أرسل عائشة لتحرم من التنعيم للعمرة) .

محظورات الإحرام

محظورات الإحرام محظورات الإحرام تسعة: الأول: إزالة الشعر من البدن، من الشارب، أو من اللحية، أو من العانة، أو من شيء من البدن، والأصل تحريم حلق الرأس، قال تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] ، ولكن لما كانت إزالة الشعر فيها شيء من الترفع ألحقت جميع أشعار البدن بالرأس؛ لأن إزالته تنعم وترفع، هذا هو السبب. الثاني: تقليم الأظفار من اليدين أو الرجلين، ألحقت أيضاً بحلق الرأس؛ لأنه أيضاً ترفع وتنعم. الثالث: تغطية رأس الرجال. ودليله قوله صلى الله عليه وسلم في الذي مات وهو محرم: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه -أي: لا تغطوا رأسه-؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) . الرابع: لبس المخيط. والمراد به ما فصل على جزء من البدن، أي: على مقدار من البدن. وليس شرطاً أن يكون مخيطاً بإبرة أو ماكينة ونحوها، فلو نسج على هيئة اللباس، حيث إن بعض الماكنات تنسج الفنائل ولا تكون فيها خياطة، أو السراويلات أو ما أشبهها فإذا كان محيطاً بجزء من البدن فإنه لا يجوز لبسه، فيدخل في ذلك القميص الذي له جيب وأكمام، وتدخل فيه الجبة التي لها أكمام، والفانيلة، وكذلك العباءة التي لها أكمام، والفروة، والألبسة الجديدة وما يسمى بالبالطو والكوت وما أشبهها. ويستثنى من ذلك السراويل لمن لم يجد إزاراً، فإذا لم يجد إزاراً فإنه يلبس السراويل، والسراويل واحد جمعه سراويلات، وقيل: إن مفرده سروال. والأكثر على أن المفرد سراويل، والجمع سراويلات، فيجوز أن يلبس السراويل ليستر به عورته إذا لم يجد إزاراً. وكذلك يلبس الخفين إذا لم يجد نعلين، واختلف هل يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين كما في حديث ابن عمر أو لا يقطعهما كما في حديث ابن عباس؟ اختار الإمام أحمد أنه لا يقطعهما وأنه لا يفك السراويل، وأكثر الفقهاء على أنه يقطع الخفين حتى يكونا أسفل من الكعبين، وإذا كان كذلك فلا يلبس شبه المقطوع وهو ما يسمى بالكنادر التي تحت الكعبين، والأقرب أنه لا يلبسها مع وجود النعلين؛ لأنهما كالخف المقطوع والخف المقطوع لا يلبس إلا عند عدم النعل. الخامس: الطيب. فلا يتطيب في بدنه ولا في ثوبه بأي نوع من أنواع الطيب، من المسك أو من الكافور أو من الورد أو من العود أو من الريحانة أو جميع أنواع الطيب التي فيها رائحة زكية أو لون زكي أو حسن كزعفران أو ورس أو ما أشبه ذلك. السادس: قتل الصيد. ويراد به الصيد البري المتوحش طبعاً. السابع: عقد النكاح، وإذا عقد النكاح فإنه لا ينعقد ولا فدية عليه. الثامن: الجماع. التاسع: المباشرة. مباشرة المرأة ولو بالتقبيل ولو فيما دون الفرج، فهذه محظورات الإحرام، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

إذا حاضت المرأة قبل غسل الإحرام

إذا حاضت المرأة قبل غسل الإحرام Q إذا حاضت المرأة قبل غسل الإحرام فماذا عليها؟ وهل عليها دم؟ وكيف تفعل في مكة؟ A ذكرنا أنها إذا جاءت إلى الميقات وهي حائض فإما أن تجزم وتعتقد أن رفقتها لا ينتظرونها، بل ينصرفون قبل أن تطهر، فهذه لا تحرم، بل تدخل معهم مكة ولا تدخل الحرم. الثاني: أن تعرف وتتيقن أنهم ينتظرونها حتى تطهر، ففي هذه الحال تحرم معهم، وتغتسل وتفعل ما يفعله المحرم إلا أنها لا تصلي، ثم تدخل مكة وتبقى في المنزل إلى أن تطهر ثم تغتسل وتكمل عمرتها. الثالث: أن لا تدري، أي: تشك هل سوف ينتظرونها أم لا؟ ويمكن أن تطول مدتها، فالأقرب لهذه أنها تشترط فتقول: إذا لم أتمكن فمحلي حيث حبستني.

امرأة اغتسلت للحيض ولم تغسل رأسها

امرأة اغتسلت للحيض ولم تغسل رأسها Q امرأة حاضت لأول مرة، وعندما اغتسلت بعد الحيض لم تغسل رأسها لجهلها، ثم ذهبت إلى الحج واغتسلت للإحرام ولم تنو الطهارة من الحيض، فماذا عليها الآن وقد حجت العام الماضي ولم تتزوج بعد، هل يلزمها الطواف؟ A تركها لغسل رأسها خطأ، وإذا صلت شيئاً من الصلوات بهذه الطهارة فتعيد ما صلته، ثم لما اغتسلت غسلاً كاملاً عند الميقات ارتفع الحدث -حدث الحيض- ولو ما نوت الطهارة من الحيض، لوجود الاغتسال الكامل الذي هو مسنون، فيصح حجها وتصح بقية أعمالها.

إذا ترك السعي لعلة جبر بالفدية

إذا ترك السعي لعلة جبر بالفدية Q امرأة اعتمرت وطافت وفي السعي أغمي عليها وذلك لصرع ينتابها أحياناً وأدخلت المستشفى وأعيدت إلى بلادها وخلعت إحرامها ولم تكمل السعي، فما عليها؟ A الأسهل عليها الفدية، فدية ترك واجب، فتذبحها في مكة لمساكين الحرم، على القول بأن السعي من الواجبات التي تجبر بدم، وهو قول مشهور عند العلماء.

حكم من زاد على السبعة الأشواط في السعي

حكم من زاد على السبعة الأشواط في السعي Q نحن جماعة ذهبنا لنعتمر، وبعد أن انتهينا من الطواف بالبيت ذهبنا إلى السعي فسعينا أربعة عشر شوطاً جهلاً منا، فماذا علينا؟ A تكفيكم سبعة والسبعة الأخرى رياضة.

الحج عمن خارج المملكة من داخل المملكة

الحج عمن خارج المملكة من داخل المملكة Q والدي كان يسكن خارج المملكة وتوفي، فهل يجوز أن أحج عنه وأنا في المملكة؟ A إذا كان مات وهو عاجز فإنه جائز أن تحج عنه من المملكة، أما إذا كان قادراً على أن يحج بماله من هناك فلابد أن تكون الحجة من بلاده.

حكم المتاجرة في حملات الحج

حكم المتاجرة في حملات الحج Q ما حكم المتاجرة في حملات الحج، وأن تأخذ عن الشخص ستة آلاف أو أربعة آلاف أو غيرها؟ A لا بأس إذا كان يخدم الحجاج خدمة مناسبة، ويقوم بما يجب عليه لهم، فلا مانع من ذلك إن شاء الله.

لا يجوز الحج عن أكثر من شخص في حجة واحدة

لا يجوز الحج عن أكثر من شخص في حجة واحدة Q هل يجوز أن يحج الشخص عن أكثر من شخص في حجة واحدة؟ A لا يجوز ذلك، إنما في كل سنة حجة واحدة عن شخص واحد.

حج النافلة عن الغير

حج النافلة عن الغير Q لي جدة كبيرة في السن ولا تستطيع الحج والعمرة، مع العلم أنه قد سبق لها أن حجت حجة الإسلام والعمرة أيضاً، فهل لي أن أحج عنها؟ A يجوز ذلك، وتنويها تطوعاً عنها إذا كانت عاجزة، فيجوز أن يحج عنها أحد أولادها أو أولاد أولادها.

التحرز من المخالفات والمنكرات في حملات الحج

التحرز من المخالفات والمنكرات في حملات الحج Q يحصل في الحج سفور الخادمات وتبرجهن وحصول كثير من المنكرات، حيث إن القيم عليهن تظهر عليه علامات الفسق، ويحصل التقاء الخدم الرجال بالخادمات معهن في أثناء الحج، وأنا على علم بهذا لأني صاحب حملة لتنظيم الحج، فما توجيهكم في ذلك؟ A إذا كنت صاحب حملة فلا بد أن تتعهد من يحج معك من النساء بأن يتسترن غاية التستر، ولا يبرزن أمام الرجال، سواء أكان معهن محارمهن أم ليس معهن كالخادمات ونحوهن. نقول: ولابد من أن تتأكد أن كل امرأة لا تلتزم بشعائر الإسلام تمنعها وتردها، وتقول لها: ليس لك معنا مكان، اطلبي غيرنا. حتى يكون الحجاج صفوة خياراً رجالاً ونساءً.

سبب الجهر بالنية في الإحرام

سبب الجهر بالنية في الإحرام Q معلوم أن النية محلها القلب، فلماذا يعلن المحرم نيته بها؟ A لأجل أن هذا النسك يختلف باختلاف الأعمال، فلأجل ذلك شرع أن يتلفظ بذلك، فيقول: اللهم! إني أحرمت بعمرة، لبيك حجا. أو: اللهم! لبيك عمرة. أو نحو ذلك، ثم ورد فيه الحديث أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال) .

كيفية الإهلال بالحج والعمرة عن الغير

كيفية الإهلال بالحج والعمرة عن الغير Q كيف يقول من نوى الحج أو العمرة عن غيره؟ A يقول: اللهم! إني أحرمت بهذه العمرة أو بهذا الحج عن فلان، فيسره لي وتقبله مني.

حكم تكرار العمرة في اليوم الواحد

حكم تكرار العمرة في اليوم الواحد Q هل يجوز لي أن أعتمر عدة مرات في اليوم الواحد عن نفسي وأهلي؟ A هذا غير مشروع، وما كان الصحابة ولا السلف يخرجون مرتين أو ثلاثاً إلى التنعيم، ونفضل لك أن تبقى في الحرم وتنوي الاعتكاف أو تشتغل بالقربات، فهو أفضل من تكرار العمرة في اليوم أو في الأيام.

من كان مقيما في مكان فميقاته ميقات أهل ذلك المكان

من كان مقيماً في مكان فميقاته ميقات أهل ذلك المكان Q يقول: أنا رجل من أهل السودان وأقيم في مدينة الرياض، فأين يكون ميقاتي؟ A ميقات أهل الرياض ونجد (السيل) الذي هو (قرن المنازل) وفيه مسجد معروف هناك.

حكم تجاوز الميقات بغير إحرام

حكم تجاوز الميقات بغير إحرام Q رجل رحل إلى جدة بالطائرة وله نية العمرة، لكن نيته أن يصل إلى جدة ويبقى فيها يومين أو ثلاثة ثم يذهب إلى مكة ويأتي بالعمرة، ما حكم عمله ذلك؟ وإن كان لا بأس بذلك فأين يكون الميقات، هل هو من مكانه بجدة أم ينزل إلى السيل ثم يحرم؟ A إن أحرم من جدة فعليه دم؛ لأنه تجاوز الميقات، والطريقة التي يسلم بها من الدم أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه، فيرجع إلى السيل ويحرم منه حتى يسلم من وجوب الدم عليه.

زوج البنت محرم

زوج البنت محرم Q هل لي أن أصافح أم زوجتي وأن تكشف لي وجهها وتجلس معي في الخلوة؟ A أم الزوجة محرم، وهي محرمة عليه؛ لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء:23] فله أن يصافحها، ولها أن تكشف عنده كسائر محارمها.

حكم سفر المدرسات من غير محرم

حكم سفر المدرسات من غير محرم Q ما حكم فعل المدرسات اللاتي يسافرن مسافة مائة وخمسين ومائتين وخمسين كيلو متر بدون محرم، ويعللن ذلك بأنهن كثيرات ولا توجد خلوة، حيث يخرجن من بعد صلاة الفجر ولا يعدن إلا بعد العصر أو قريباً منه؟ A يجوز ذلك للحاجة؛ لأنه يشق عليهن أن يذهب مع كل واحدة محرمها، فإذا كن عشراً أو عشرين، وكن ثقات، وكان السائق ثقة ومعه امرأته أو إحدى محارمه، والمسافة ساعة أو ساعتين ذهاباً ومثلها إياباً فلعل ذلك يرتكب بقدر الحاجة.

حكم ذهاب المرأة الكبيرة للعمرة من غير محرم

حكم ذهاب المرأة الكبيرة للعمرة من غير محرم Q طبيبة كندية كبيرة في السن، وقد أيست من الحيض، وتأثرت بالإسلام وأسلمت، وفيها حرص شديد على تعلم الصلاة والفاتحة والسنن والمستحبات، والآن تريد العمرة، وليس لها أحد هنا، وقد تنكر لها زميلاتها الكافرات ولمنها على إسلامها، وأنا امرأة متكفلة بالذهاب بها إلى مكة مع زوجي وأولادي فهل علي إثم؟ A لا حرج عليكم إن شاء الله، وإن ذهبت مع الحملات فهو أولى، حيث إنها كبيرة شبه آيسة، فإذا ذهبت معكم فلا بأس.

شرح أخصر المختصرات [19]

شرح أخصر المختصرات [19] لقد جعل الله لعبادة الحج زماناً ومكاناً لا تصح إلا فيه، وبين النبي عليه الصلاة والسلام صفة هذه العبادة غاية البيان، وشرع لها ثلاثة مناسك، وبين أفضلها، وبين لها المواقيت المكانية التي يجب الإحرام منها، ومتى تلبس الإنسان بالإحرام فإنه يمنع من أمور تسمى محظورات الإحرام، فعلى الحاج أن يعرف تلك الأحكام ليصلح حجه ويتم.

أحكام الفدية

أحكام الفدية في كتاب الحج مسائل تحتاج إلى التوضيح والبيان، قد نتوقف فيها قليلاً بالتوسع. قرأنا شروط وجوب الحج على الإنسان، وعلمنا المراد بالاستطاعة، والخلاف في كون الحج على الفور أو على التراخي، وحكم من عتق أو بلغ وهو في عرفة أو في العمرة قبل الطواف، وكذلك علمنا متى يجوز الحج عن الغير، وما يشترط للمرأة زيادة على شروط الرجل، والحكم إذا مات المحرم قبل أن يحج أو يعتمر، وما يسن عند الإحرام، والحكمة في ذلك، وما يحرم فيه الرجل والمرأة، وحكم الصلاة قبل الإحرام، وحكم النية والاشتراط في الإحرام، وأفضل الأنساك، وذكرنا أن سبب اختيار الإمام أحمد التمتع هو: أنه آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم، واختار غيره الإفراد أو القران، وفيه وخلاف طويل بين الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم، وذكرنا صفة الإحرام بالتمتع وبالإفراد وبالقران، وما يلزم المتمتع والقارن، وشروط وجوب الحج، وما يلزم المرأة إذا حاضت قبل أن تكمل العمرة إذا كانت متمتعة، ومواضع التلبية، أي: الأماكن التي تستحب فيها، وحكم من أحرم قبل الميقات أو أحرم بالحج قبل أشهر الحج، والمواقيت الأربعة التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم، والخلاف في الميقات الخامس الذي هو ذات عرق: هل وقته النبي صلى الله عليه وسلم أو وقته عمر؟ والمختار أنه وقته عمر، وإن كان قد وردت فيه أحاديث مرفوعة، وذكرنا ميقات أهل مكة للحج والعمرة، وأشهر الحج، ومحظورات الإحرام التسعة، وبقي أن نذكر أحكام الفدية. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ففي أقل من ثلاث شعرات وثلاثة أظفار في كل واحد فأقل طعام مسكين، وفي الثلاثة فأكثر دم، وفي تغطية الرأس بملاصق ولبس مخيط وتطيب في بدن أو ثوب أو شم أو دهن الفدية، وإن قتل صيداً مأكولاً برياً أصلاً فعليه جزاؤه. والجماع قبل التحلل الأول في حج وقبل فراغ سعي في عمرة مفسد لنسكهما مطلقاً، وفيه لحج بدنة، ولعمرة شاة، ويمضيان في فاسده، ويقضيانه مطلقاً إن كانا مكلفين فوراً، وإلا بعد التكليف، وحجة الإسلام فوراً. ولا يفسد النسك بمباشرة، ويجب بها بدنة إن أنزل وإلا شاة، ولا بوطء في حج بعد التحلل الأول وقبل الثاني، لكن يفسد الإحرام فيحرم من الحل ليطوف للزيارة في إحرام صحيح، ويسعى إن لم يكن سعى وعليه شاة، وإحرام امرأة كرجل إلا في لبس مخيط، وتجتنب البرقع والقفازين، وتغطية الوجه، فإن غطته بلا عذر فدت. فصل في الفدية: يخير بفدية حلق وتقليم وتغطية رأس وطيب بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين كل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو زبيب أو شعير أو ذبح شاة. وفي جزاء صيد بين بمثل مثلي، أو تقويمه بدراهم ليشتري بها طعاماً يجزئ في فطرة، ويطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن طعام كل مسكين يوماً، وبين إطعام أو صيام في غير مثلي، وإن عدم متمتع أو قارن الهدي صام ثلاثة أيام في الحج، والأفضل جعل آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجع لأهله، والمحصر إذا لم يجده صام عشرة أيام ثم حل. وتسقط بنسيان في لبس وطيب وتغطية رأس، وكل هدي أو طعام فلمساكين الحرم إلا فدية أذى ولبس ونحوها، فحيث وجد سببها، ويجزئ الصوم في كل مكان، والدم: شاة أو سبع بدنة أو بقرة. ويرجع في جزاء صيد إلى ما قضت فيه الصحابة، وفيما لم تقض فيه إلى قول عدلين خبيرين، وما لا مثل له تجب قيمته مكانه، وحرم مطلقاً صيد حرم مكة وقطع شجره وحشيشه إلا الإذخر وفيه الجزاء، وصيد حرم المدينة، وقطع شجره وحشيشه لغير حاجة علف وقتب ونحوهما ولا جزاء] .

حكم من ارتكب محظورا من محظورات الإحرام ناسيا

حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً قد عرفنا محظورات الإحرام، وهذه المحظورات إما أن يفعلها المحرم ناسياً أو متعمداً، فالناسي والجاهل يعذران في بعضها، وقد لا يعذران في البعض، فمثلاً: من المحظورات: قص الشعر، وتقليم الأظفار، والطيب، وجزاء الصيد، والوطء، هذه أكثر الفقهاء على أنه لا يعذر فيها المحرم ولو كان ناسياً أو جاهلاً، ويعللون بأنها إتلاف، والإتلاف يستوي عمده وسهوه. ومعنى كونها إتلاف: أنه أتلف هذه الأظفار بدل ما كانت موجودة، أو أتلف هذا الشعر بدل ما كان موجوداً، أو أتلف هذا الطيب، أو أتلف هذا الصيد الذي صاده، فيقولون: الإتلاف يستوي عمده وسهوه. ومثال ما ليس بإتلاف: تغطية الرأس، ولبس المخيط، وعقد النكاح. والقول الثاني: أن جميع المحظورات ليس فيها فدية على الجاهل والناسي، ولا فرق بين الإتلاف وغيره؛ وذلك لأن الناسي معذور في جميع الأحكام التي يفعلها ويسقط عنه الإثم، قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] ، وفي الحديث الذي في صحيح مسلم أنه لما نزلت هذه الآية: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله: (قد فعلت) ، وكذلك الحديث المشهور: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فيدخل في ذلك محظورات الإحرام، فإذا أخطأ فيها -ولو كان فيها إتلاف- فالصحيح أنه لا جزاء عليه، ولا فدية عليه في محظورات الإحرام كلها إذا فعلها ناسياً إلا الجماع، فإن الجماع -غالباً- لا يتصور فيه النسيان للمحرم، فهو بين طرفين، وقد تطول مدته؛ ولذلك أفتوا بأن فيه الفدية سواء كان عمداً أو سهواً. أما الصيد فيقولون: إن الصحابة قضوا فيه، ولم يستفصلوا: هل أنت عامد أم لا؟ وA أن الآية صريحة في اشتراط العمد، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} [المائدة:95] فشرط الله العمد، والوصف بالعمد يدل على رفع الإثم أو رفع الجزاء عن الناسي وعن المخطئ، وأن الجزاء إنما يلزم من كان متعمداً. وهكذا الراجح أنه إذا قص من شعره ناسياً أو خاطئاً أو من أظفاره، أو تطيب ناسياً أو مخطئاً، فإنه معذور، ولا فدية عليه ولا إثم. وهذه المحظورات يمنع منها المحرم؛ لأنها ترفه، والمحرم يتصف بالشعث والغبرة، ويبتعد عن أسباب الترفه والتنعم، ورد أن الله يباهي بالحجاج ملائكته فيقول: (انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين) أي: قد اغبرت أبدانهم من طول البعد عن الترفه والتنعم، وقد شعثت رءوسهم. وهم ضاحون، يعني: وهم بارزون في الشمس. فهذا هو السبب في كون المحرم يبتعد عن أسباب الترفه، من الطيب ولبس المخيط وهو اللباس المعتاد، وكذلك عن تغطية الرأس، وكذلك عن أخذ الشعر أو أخذ الأظفار أو ما أشبه ذلك؛ لأجل أن يتصف بهذا الوصف الذي يدل على خشوعه وخضوعه، فإذا فعل من ذلك شيئاً من غير عمد فإنه معذور ولا إثم ولا فدية عليه على الصحيح.

حكم من ارتكب محظورا من محظورات الإحرام عامدا

حكم من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام عامداً من ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام متعمداً فعليه الفدية. وقد ذكر الفقهاء أنه إذا أخذ شعرتين أو شعرتين ونصف أو ظفرين فليس عليه إلا الإطعام، في كل شعرة طعام مسكين، سواء أخذها نتفاً أو قصاً أو حلقاً، وسواء كانت من شعر رأسه أو من شعر أي شيء من أعضاء بدنه، والنص ما ورد إلا في الرأس، قال تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:27] ، وقال تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] ، ولكن العلماء ألحقوا بالرأس ما سواه من الشعر؛ لأنه يصدق عليه أنه شعر، وإزالته فيها شيء من الترفه. ويعفى عما سقط من غير قصد، فإذا احتلم المحرم وغسل رأسه في الإحرام وتساقط منه شعر فلا حرج، وكذلك لو غسل وجهه في الوضوء أو خلل لحيته وسقط منه شعر فلا فدية عليه؛ لأنه غير متعمد. والحاصل أنه إذا كان متعمداً في أخذ ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار ففي كل ثلاث فدية دم. يعني: شاة. وإذا أخذ أكثر من ثلاث أو حلق شعر الرأس كله فليس عليه إلا شاة، فإذا حلق ثلاث شعرات فعليه شاة، وإذا نتف ثلاث شعرات في الصباح ثم ثلاثاً في المساء ثم ثلاثاً بعد ذلك فليس عليه إلا شاة. أما إذا كانت أقل من ثلاث شعرات ففي كل شعرة طعام مسكين، وكذلك الظفر، ففي أقل من ثلاثة أظفار في كل ظفر طعام مسكين.

مقدار الفدية في الحج

مقدار الفدية في الحج قوله: (وفي تغطية الرأس بلاصق، ولبس مخيط، وتطيب في بدن أو ثوب أو شم أو دهن الفدية) . الفدية ذكرت قريباً في قوله: (وفي الثلاثة فأكثر دم) وهذا يريد به تمام الفدية، فإن الله تعالى ذكر الفدية وفيها التخيير: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] والآية فيها إجمال، وجاءت السنة بالتفصيل وبالتبيين، ففي حديث كعب بن عجرة أنه لما آذاه هوام رأسه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (احلق واذبح شاة، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين) فبين أن المراد بقوله تعالى: (من صيام) أنه ثلاثة أيام، وقوله تعالى: (أو صدقة) أنه إطعام ستة مساكين، وقوله تعالى: (أو نسك) أن النسك أقله شاة، أي: واحدة من الغنم. فهذه الخمسة يخير فيها، والنص ورد في الحلق، وألحق به الفقهاء هذه الخمس، فإذا حلق رأسه أو بعضه قلنا: أنت مخير بين أن تصوم ثلاثة أيام، أو أن تطعم ستة مساكين، أو أن تذبح شاة، وكذلك لو قلم من أظافره ثلاثة فأكثر قلنا له: أنت مخير، وكذلك لو غطى رأسه، وكذلك لو لبس مخيطاً، وكذلك لو تطيب في بدنه أو تطيب في ثوبه أو شم الطيب أو ادهن به؛ فإنه مخير بين هذه الثلاثة. والصيام يصلح في كل مكان، وأما الإطعام فلمساكين الحرم، وكذلك النسك -الذبح- لمساكين الحرم؛ وذلك لقوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95] هذه فدية هذه الخمسة. وكذلك من محظورات الإحرام: الصيد، فالصيد فيه الجزاء؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} [المائدة:95] والصيد: هو اقتناص حيوان بري متوحش طبعاً غير مقدور عليه، واصطياده فيه جزاء، ولابد أن يكون مأكولاً، فلو قتل ذئباً أو ثعلباً أو قطاً فليس عليه فدية؛ لأنه غير مأكول، وكذلك إذا لم يكن برياً، فلو قتل أو ذبح فرساً أو بعيراً -ولو كان ذلك البعير قد نفر من أهله- فلا جزاء فيه، فأما إذا كان صيداً برياً مأكولاً فإن فيه الجزاء، فهذه ستة.

عقد النكاح للمحرم باطل وليس فيه فدية

عقد النكاح للمحرم باطل وليس فيه فدية عقد النكاح للمحرم ليس فيه فدية ولكنه لا ينعقد عند جمهور العلماء، ويقع باطلاً، أما الحنفية فيجيزونه ويصححونه، ولكن الأدلة تدل على بطلانه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم، ولا يُنكِح، ولا يخطب) ، وقال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] والرفث يعم كل ما كان حول النساء من الكلام ونحوه، ومنه: عقد النكاح، ولا جزاء فيه ولا فدية، ولكنه يعتبر لاغياً.

جماع المحرم وما يتعلق به من أحكام

جماع المحرم وما يتعلق به من أحكام جماع المحرم قبل التحلل الأول في الحج أو قبل الفراغ من السعي في العمرة يفسد النسك إذا كان جماعاً تاماً يوجب الغسل، ولو لم يحدث إنزال. والتحلل الأول هو: أن يكون قد طاف ورمى وبقي عليه الحلق، أو حلق ورمى وبقي عليه الطواف، أو حلق وطاف وبقي عليه الرمي، فهذا يسمى التحلل الأول، فإذا جامع بعد التحلل الأول لم يفسد نسكه كما سيأتي، وأما قبل التحلل فيفسد نسكه، وإذا فسد فإنه يمضي فيه، فإن كانت المرأة محرمة فكذلك أيضاً يفسد نسكها، ويمضيان في هذا النسك. سئل ابن عباس وغيره عن هذا فقالوا: عليهما أن يمضيا فيه، وعليهما أن يقضياه ثاني عام، وعليهما مع ذلك فدية، والفدية إن كان في الحج فهي بدنة، وإن كان في العمرة فهي شاة. وإذا كانا مكلفين قضياه في السنة التي بعدها، والمكلف هو: الحر المسلم البالغ العاقل، فإذا كان الجماع قبل البلوغ فإنه يفسد لكن متى يقضي؟ يقضي بعد التكليف، بعد البلوغ وبعد حجة الإسلام يقضيه فوراً، هذا في الجماع قبل التحلل الأول، فإنه يفسد نسكهما ويمضيان فيه ولو كان فاسداً، وقالوا: ليس من الأعمال ما يفعل فاسده إلا الحج؛ وذلك لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] فأمر بإتمامه مطلقاً.

فدية جماع المحرم

فدية جماع المحرم فدية الجماع في حج بدنة وهي: الواحدة من الإبل، وتجزئ عنها البقرة، وإن كان في عمرة فشاة، والشاة هي الواحدة من الغنم من الضأن أو من المعز ذكوراً أو إناثاً، فكلها تسمى شاة كما تقدم، وعند التفصيل لكل واحدة اسم، فالأنثى من الضأن تسمى نعجة، والذكر من الضأن يسمى كبشاً أو خروفاً، والأنثى من المعز تسمى عنزة، والذكر من المعز يسمى تيساً، والجميع شاة، التيس يسمى شاة، والكبش يسمى شاة، والعنز تسمى شاة، فالشاة اسم للواحدة من الغنم، فإذا وطئ في عمرة فليس عليه إلا واحدة من الغنم. ومعنى قوله: (يقضيانه فوراً) أي: في السنة التي بعدها، فإذا كانا مكلفين نقول لهما: اقضياه في العام الثاني، ثم من باب التشديد عليهما قالوا: إذا قضياه في العام الثاني فإنه يفرق بينهما، بأن تكون الزوجة -مثلاً- في فرقة والزوج في فرقة، ولا يجتمعان في فرقة واحدة: في حملة مثلاً أو في قافلة، بل كل واحد يكون في قافلة حتى لا يجتمعان، وهذا من باب الزجر. وإذا كانا غير مكلفين كالصغير إذا جامع قبل البلوغ وكذلك العبد نقول لهما بعد البلوغ أو بعد العتق: عليك حجة الإسلام الفرض، ثم عليك قضاء تلك الحجة التي تلبست بها ثم أفسدتها. انتهى ما يتعلق بالخمسة المحظورات التي يخير فيها، والسادس جزاء الصيد، والسابع عقد النكاح، والثامن الجماع، وبقي عندنا التاسع والأخير وهو المباشرة، وهي من محظورات الإحرام، ويدخل في المباشرة إذا ضم زوجته أو قبلها أو لاصقها ببشرته على فراش ولو كان بينه وبينها حائل أو نحو ذلك، فماذا يجب عليه في هذه المباشرة لأنها محظورة من محظورات الإحرام؟ يجب عليه إن أنزل: بدنة، وإن لم ينزل: شاة، والبدنة -كما تقدم- الواحدة من الإبل، أو الواحدة من البقر من ذكور أو إناث، فإذا قبل امرأته ولم يكن منه إنزال فعليه شاة، وكذلك إذا باشر ولم ينزل، ولو من وراء حائل، فأما إذا أنزل فعليه بدنة، هكذا روي عن الصحابة في وقائع وقعت فأفتوا فيها، والنسك صحيح لا يفسد، إلا أنه لابد من هذه الفدية.

الوطء بعد التحلل الأول لا يفسد النسك

الوطء بعد التحلل الأول لا يفسد النسك لا يفسد النسك بوطء في حج بعد التحلل الأول وقبل الثاني، إذا كان قد تحلل بأن طاف ورمى وبقي الحلق ثم وطئ، أو رمى وحلق وبقي الطواف ثم وطئ، أو طاف وحلق وبقي الرمي ثم وطئ، يعني: فعل اثنين من هذه الثلاثة التي هي: الطواف ومعه السعي والرمي والحلق أو التقصير؛ فإذا فعل اثنين منها فقد: تحلل التحلل الأول، فإذا وطئ في هذه الحال فلا يفسد نسكه يعني: بعد التحلل الأول وقبل الثاني، لكن يفسد الإحرام، فنقول: إحرامك فسد، فيحرم من الحل لطواف الزيارة في إحرام صحيح، فإذا كان قد رمى وحلق وبقي عليه الطواف، فيذهب يحرم من الحل ثم يدخل مكة حتى يطوف طواف الزيارة بإحرام صحيح، وكذلك يسعى إن لم يكن سعى. والفدية في هذا الوطء الذي هو بعد التحلل الأول شاة، أما إذا كان قد طاف وحلق وبقي عليه الرمي، فالصحيح أنه لا حاجة إلى أن يحرم من الميقات أو من خارج الحدود؛ لأن الرمي لا يشترط له أن يرمي وهو محرم، بل يجوز أن يرمي وهو حلال كما في الرمي في أيام التشريق. انتهى ما يتعلق بفدية المحظورات.

إحرام المرأة وصفته

إحرام المرأة وصفته قوله: (وإحرام امرأة كرجل) : إحرام المرأة، وإحرام المرأة كإحرام الرجل إلا في اللباس، فعليها أن تتجنب الطيب، وأن تتجنب قص الشعر، وتقليم الأظفار، وقتل الصيد، والوطء، والمباشرة، وعقد النكاح، وهي كالرجل في هذه المحظورات، ويسن لها التلبية إلا أنها لا ترفع صوتها بالتلبية كالرجل، وقد ورد في حديث ابن عمر المشهور: (يا رسول الله! ما يلبس المحرم؟ قال: لا يلبس القميص، ولا العمامة، ولا البرانس، ولا السراويلات، ولا الخفاف، ولا ثوباً مسه ورس أو زعفران، ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين) . وقوله: (وتجتنب البرقع) : أي النقاب وهو: لباس يفصل على قدر الوجه، ويكون فيه ثقبان كلاهما على قدر حدقة العين، وسمي نقاباً لأن فيه هذين النقبين، ويسمى أيضاً البرقع. والقفاز هو ما يفصل على قدر الكف، وهو شراب اليدين الذي له أصابع وتدخل فيها قدر الكف، فهذا الذي تتجنبه المرأة المحرمة، أما تغطية الوجه فأكثر الفقهاء يقولون: لا تغطي وجهها بلا عذر، فإن غطته بلا عذر فدت. ويفسرون العذر بأنه إذا كانت أمام الرجال الأجانب فإنها تغطي؛ وذلك لأن هذا عذر، وقد دل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها: (كنا إذا حاذينا الرجال سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه) ، فهذا دليل على تغطية المحرمة لوجهها أمام الرجال، ويجب عليها أن تستر وجهها ولو مس بشرة الوجه. واختلف في الفدية إذا غطت وجهها بلا عذر فأكثر الفقهاء على أنها تفدي كما يفدي الرجل إذا غطى رأسه، والقول الثاني -ولعله الصحيح- أنه لا فدية عليها إذا غطت وجهها ولولم يكن هناك رجال؛ لأنه ليس هناك دليل يمنع المرأة من تغطية الوجه، وإنما أمرت ألا تلبس البرقع والقفاز، هكذا ورد: (لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين) ولم يقل: لا تتخمر، أي: لا تلبس الخمار، ولم يقل: لا تغطي وجهها، فالصحيح أنها تغطي وجهها أو تغطي يديها بأكمام الثوب أو بالعباءة ولا فدية عليها في ذلك، وإنما نهيت عن النقاب والقفاز.

التخيير في الفدية

التخيير في الفدية قوله: (يخير بفدية حلق) : الفدية هي فدية ارتكاب بعض المحظورات التي هي محظورات الإحرام، وعندنا خمسة من محظورات الإحرام: حلق الشعر، وتقليم الأظفار، وتغطية الرجل رأسه، وألحقوا به وجه المرأة، والطيب، ولبس المخيط. فهذه خمسة أشياء: اثنان من اللباس، وهما: لبس المخيط وتغطية الرأس، وثلاثة من الترفه وهي: التقليم، والحلق، والطيب، فهذه الخمسة يخيّر مرتكبها بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، فله الخيار للآية الكريمة وهي قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] ، والنبي صلى الله عليه وسلم بينها في حديث كعب بن عجرة فقال: (أتجد شاة؟ قال: لا، قال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم فرقاً بين ستة مساكين، أو انسك شاة) والفرق مكيال يساوي ثلاثة آصع، وأراد أن يطعمهم من التمر، والفقهاء فرقوا بين البر وغيره، فقالوا: إذا أطعم من البر فإنه يكفيه لكل مسكين مد، وأما من التمر والزبيب والشعير فإنه لابد لكل مسكين من نصف صاع، ومثله أيضاً أطعمة أخرى كالأرز والدخن والذرة نصف صاع منها، ومن البر مد -أي: ربع الصاع- والاحتياط أن يجعله جميعاً نصف صاع من البر أو من غيره، ولا يخرج القيمة، ولو قال: القيمة أنفع للفقراء! فيقال له: النص ورد بالإطعام، فيخرجها من الطعام، ولا يطعم خارج الحرم، بل الإطعام لمساكين الحرم، فتفرق على مساكين الحرم، ومساكين الحرم هم السكان الذين في مكة.

جزاء الصيد

جزاء الصيد قوله: (وفي جزاء صيد بين مثل مثلي) : أما جزاء الصيد، فيخيّر بين إخراج المثل إذا كان مثلياً، أو تقويمه بدراهم يشتري بها طعاماً يجزئ في زكاة فطرة، فيطعم عن كل مسكين مد بر، أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن كل طعام مسكين يوماً، وهذا الإطعام أو الصيام يلزم في غير المثلي، فالله تعالى جعل الخيار في قوله: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} [المائدة:95] فهذا الخيار الأول: {جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95] ، ثم قال: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة:95] ، ثم قال: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} [المائدة:95] فهذه الآية في سورة المائدة ذكر الله تعالى فيها جزاء الصيد، وذكر أنه محرم، ثم ذكر أنه بعد الإحلال يباح صيده، قال تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:2] ، وقال تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة:96] ، والصيد إما أن يكون مثلياً أو غير مثلي، فإذا كان له مثل فإنه يقومه بدراهم فيشتري بها طعاماً يجزئ في زكاة الفطرة؛ فيطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن كل مسكين يوماً، أو يخرج المثل ويذبحه ويطعمه المساكين. مثال ذلك: إذا اصطاد أو ذبح أرنباً، فالأرنب فيها عناق، وهي السخلة التي عمرها ثلاثة أشهر أو أربعة، فنقول له: إما أن تذبح العناق وتطعمها للمساكين أو تقدر ثمنها، فمثلاً: لو قدرنا ثمنها بخمسين ريالاً فتشتري بالخمسين الريال طعاماً من البر أو من الأرز وتعطي كل مسكين مداً من البر أو نصف صاع من غيره، فإذا شق ذلك عليك واخترت الصيام فإننا نقدر فنقول: قيمة العناق خمسون ريالاً، وتساوي من البر أو من الأرز -مثلاً- خمسة آصع، والخمسة الآصع طعام عشرة مساكين، فتصوم عشرة أيام. وقد يكثر الصيام، فلو قدرنا أن عليه بدنة إذا قتل نعامة، فيذبح بدنة أو نقدر قيمتها مثلاً بثلاثمائة ريال، والثلاثمائة ريال يشتري بها من الأرز ثم يطعمه كل مسكين نصف صاع من الأرز، ونقدر أن قيمة الصاع خمسة، فلكل مسكين نصف صاع، وإذا عجز فإنه يصوم عن كل مسكين يوماً ولو كثرت الأيام.

جزاء الصيد غير المثلي

جزاء الصيد غير المثلي إذا لم يكن الصديق مثلياً، يعني: لم يكن له مثل، فإنه يخير بين الإطعام والصيام، يعني: يخير بين أن تقدر قيمته فيصوم أو يشتري بها طعاماً للمساكين، هذا بالنسبة إلى جزاء الصيد.

فدية المتمتع والقارن

فدية المتمتع والقارن قوله: (إن عدم متمتع وقارن الهدي) : المتمتع والقارن عليهما أيضاً فدية، والمتمتع هو الذي أحرم بالعمرة ثم فرغ منها ثم أحرم بالحج، والقارن هو الذي أحرم بالعمرة والحج معاً، فعليهما الهدي لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة:196] ، والهدي واحدة من الغنم، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، فإذا لم يجد الهدي قال الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196] الثلاثة التي في الحج يندب أن يصومها وهو محرم أو بقي عليه بقايا الإحرام، فمثلاً: يحرم في اليوم السابع فيصوم السابع والثامن والتاسع حتى يفرغ منها قبل يوم النحر، هذا الأفضل أن يجعل آخرها يوم عرفة، فإن لم يتيسر صام الثلاثة بعد العيد: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، وأجاز بعض العلماء أن يصومها بين الحج والعمرة، فلو قدر أنه انتهى من العمرة في اليوم الثالث من ذي الحجة، وهو لن يحرم بالحج إلا في يوم التروية، فصامها في اليوم الرابع والخامس والسادس أجزأته؛ لأنه صامها في زمن الحج، وصامها في مكان الحج. والسبعة يندب إذا رجع إلى أهله أن يبادر إليها ولا يتأخر، فيصومها مباشرة دون أن يؤخرها، وهذا الصواب.

باب الإحصار

باب الإحصار وقوله: (والمحصر إذا لم يجده صام عشرة أيام ثم حل) ، قال الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة:196] ، أحصر الصحابة رضي الله عنهم في الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، حين منعهم أهل مكة من إتمام عمرتهم، فنحروا هديهم في الحديبية وتحللوا، وكذلك الحكم إذا أحصر إنسان، والإحصار يكون بعدو يصده عن إكمال نسكه، أو بمرض كما لو سقط أو حصل عليه حادث فتكسر ولم يستطع إكمال حجه أو إكمال عمرته؛ فيذبح عنه هدي كشاة ثم يتحلل، فإن لم يجد بقي محرماً حتى يصوم عشرة أيام؛ لأن الله تعالى جعل صيام العشرة الأيام قائماً مقام الحج، فيصوم في إحرامه عشرة أيام ثم بعد ذلك يتحلل إلا إذا كان قد اشترط: (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) ، وكثيراً ما يدخل المريض المستشفى ويمنعه الأطباء من الصيام، وقد لا يجد الهدي ففي هذه الحال يجوز له أن يتحلل وينوي الصيام عندما يستطيع. وذكر المصنف أن فدية اللبس والطيب وتغطية الرأس تسقط بالنسيان، والصحيح أنها تسقط أيضاً بالنسيان فدية الحلق وفدية التقليم، والفقهاء الذين لم يسقطوها عللوا بأنها إتلاف، والصحيح أنه لا فرق بين الإتلاف وغيره.

أنواع الهدي

أنواع الهدي قوله: (كل هدي أو إطعام فلمساكين الحرم إلا فدية الأذى واللبس ونحوهما فحيث وجد سببها) . الهدي أربعة أنواع: الأول: هدي تطوع، كأن يهدي معه شيئاً من ماله، كما أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة، فهذا يجوز أن يأكل منه، ولكن الأصل أنه يطعمه المساكين، قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] . الثاني: هدي التمتع والقران، فهذا أيضاً ملحق بهدي التطوع، فله أن يأكل منه ويطعم رفقته، ويطعم المساكين. الثالث: جزاء الصيد، وهذا لا يأكل منه بل يطعمه كله للمساكين، وكذلك فدية المحظور، إذا فعل محظوراً واختار أن يطعم أو اختار أن يذبح فإنها لمساكين الحرم ولا يأكل منها. الرابع: دم الجبران، فإذا ترك واجباً من الواجبات يجبره بدم، وهذا الدم لا يأكل منه بل يطعمه لمساكين الحرم، وكذلك لو اختار الإطعام فلكل مسكين مد بر، ولا يطعم رفقته، وإنما يكون الإطعام لمساكين الحرم. أما فدية الأذى فحيث وجد؛ وذلك لأن كعب بن عجرة حلق رأسه بالحديبية وأطعم في الحديبية، وكذلك فدية اللبس، مثلاً: إذا أحس بالبرد فلبس عمامة وهو محرم، أو لبس قميصاً واختار أن يطعم أو يذبح، فإنه يذبح حيث وجد سببه، فلو كان في الطريق كأن يكون في جدة مثلاً أو في بحرة أو في الشرائع فإنه يخرج الفدية في ذلك المكان. إذاً: فدية الأذى وفدية اللبس حيث وجد سببها، أما الصوم فإنه يقع في كل مكان؛ لأن نفعه قاصر، فيجوز أن يؤخره إلى أن يرجع إلى بلده. قوله: (والدم شاة) ، الشاة هي الواحدة من الغنم، (أو سبع بدنة) يجتمع السبعة في بدنة، (أو سبع بقرة) يجتمع السبعة في البقرة.

يرجع في تقدير فدية الصيد إلى ما قضت فيه الصحابة أو حكم عدلين

يرجع في تقدير فدية الصيد إلى ما قضت فيه الصحابة أو حكم عدلين قوله: (ويرجع في جزاء الصيد إلى ما قضت فيه الصحابة) ، الصحابة قضوا في الصيد بما قضوا به، فقضوا بأن في النعامة -إذا قتلها المحرم- بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي بقر الوحش بقرة، وكذلك في الوعل والتيتل والأروى -وهي أنواع من الوعول- بقرة، أما الظبي والغزال ففيها عنز، وهي واحدة من المعز، والحمامة جعلوا فيها شاة مع أنها بعيدة منها، وقالوا: لأنها تشبهها في الشرب، وإن كان شبهاً بعيداً، وفي الأرنب عناق، والضب جعلوا فيه جفرة، وفي اليربوع -وهو دويبة تشبه الفأر- جفرة، يعني: جعلوها كلها من النعم التي هي الإبل والبقر والغنم. والضبع عند فقهائنا حلال، فجعلوا فيه كبشاً، والكبش هو الواحد من ذكر الضأن، فيرجع إلى ما قضى به الصحابة، أما ما لم يقضوا به فإنه يرجع فيه إلى قول عدلين خبيرين؛ لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:95] وما لا مثل له تجب قيمته في مكانه، وتقدر قيمته في مكانه الذي ذبحه فيه، ثم يدفع قيمته ويتصدق بها على مساكين الحرم.

صيد مكة يحرم مطلقا

صيد مكة يحرم مطلقاً قوله: (وحرم مطلقاً صيد حرم مكة) فمكة تميزت عن غيرها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها، إلا الإذخر) وهذا من آثار تحريمها، وأنها حرم، فكونها حرماً: لا يقتل صيدها، بل ولا ينفر إلا ما يملكه الآدميون، فمثلاً: الحمام البري والدجاج والأوز يجوز ذبحه في مكة، وأما حمام الصيد وغيره مما هو صيد حتى الجراد فإنه لا يجوز صيده ولا ذبحه، ومن ذبحه فعليه فدية، وحكم بعض الصحابة في الجرادة تمرة، وقالوا: (تمرة خير من جرادة) فإذا قتل جرادة فعليه أن يتصدق بتمرة، وبعضهم يقول: قبضة طعام من تمر أو أرز. وقطع الشجر فيه أيضاً جزاء، إذا كانت الشجرة كبيرة ففيها بدنة، وإذا كانت صغيرة ففيها شاة، وأما الحشيش ففيه قيمته، الحشيش الذي هو أعواد دقيقة منبسطة على الأرض، ففيه قيمته، ورخص في الإذخر، فقد استثناه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يحتاجون إليه لقينهم ولبيوتهم ولقبورهم. والحاصل أن الشجر فيه الجزاء مثل جزاء الصيد. وأما صيد حرم المدينة فحرام، ولكن ليس فيه جزاء، فلم يرد فيه الجزاء، ولا يجوز قطع شجره وحشيشه إلا أنه رخص لهم بقطع الشجر في الأشياء التي يحتاجون إليها في الناعورة والبكرة وما يحتاجون إليه، وكذلك الحشيش علفاً لدوابهم، والقتب وهو الذي يجعل على ظهر السانية التي يسنون عليها. فالحاصل أنه يحرم ذلك ولا جزاء فيه.

شرح أخصر المختصرات [20]

شرح أخصر المختصرات [20] يستحب دخول مكة من أعلاها، والخروج منها من أسفلها، ويستحب دخول المسجد الحرام من باب بني شيبة، ثم بعد الدخول يبدأ الحاج أو المعتمر بالطواف، ثم الصلاة خلف المقام، ثم السعي، كما ورد ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام.

دخول مكة

دخول مكة قال المصنف رحمه الله: [باب دخول مكة: يسن نهاراً من أعلاها، والمسجد من باب بني شيبة، فإذا رأى البيت رفع يديه وقال ما ورد، ثم طاف مضطبعاً للعمرة المعتمر، وللقدوم غيره، ويستلم الحجر الأسود ويقبله، فإن شق أشار إليه ويقول ما ورد، ويرمل الأفقي في هذا الطواف، فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام، ثم يستلم الحجر الأسود، ويخرج إلى الصفا من بابه، فيرقاه حتى يرى البيت، فيكبر ثلاثاً ويقول ما ورد، ثم ينزل ماشياً إلى العلم الأول فيسعى شديداً إلى الآخر، ثم يمشي ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل ماشياً إلى العلم الأول، فيسعى شديداً إلى الآخر، ثم يمشي ويرقى المروة، ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا، يفعله سبعاً، ويحسب ذهابه ورجوعه. ويتحلل متمتع لا هدي معه بتقصير شعره، ومن معه هدي إذا حج، والمتمتع يقطع التلبية إذا أخذ في الطواف] . قوله: (باب دخول مكة) . المحرم في طريقه من الميقات إلى مكة عبادته كعبادة غيره إلا أنه يتميز بالإكثار من التلبية، ويتميز بالتحفظ عن المحظورات.

دخول مكة نهارا

دخول مكة نهاراً قوله: (يسن دخولها نهاراً من أعلاها) : يستحب أن يدخلها نهاراً؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه دخلها ضحى، ولكن يقول بعض العلماء: إن هذا مجرد اتفاق، يعني: أنه مصادفة، صادف أن الوقت الذي دخل فيه كان نهاراً، ولكن كان بعض العلماء وبعض الصحابة إذا أقبلوا عليها في أول الليل باتوا حتى إذا أصبحوا وأضحوا دخلوها ضحى، وفي هذه الأزمنة قد يشق على الناس الانتظار لكثرتهم، فإذا قيل مثلاً: إذا أقبلتم على الحدود فبيتوا؛ لكثرت السيارات هناك، وحصل الزحام حتى يتوقفون -مثلاً- من المغرب إلى الضحى أو إلى الإشراق، فعلى كل حال يجوز دخولها نهاراً وليلاً، ويجوز آخر النهار، وفي وسط الليل، وفي آخر الليل.

دخول مكة من أعلاها والخروج من أسفلها

دخول مكة من أعلاها والخروج من أسفلها يسن للمحرم أن يكون دخوله مكة من أعلاها، أعلاها هو شرقها، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل من أعلاها وخرج من أسفلها -أي: من جهة الغرب- أعلاها طريق يقال له: كَداء وهو ما يسمى الآن (بالحجون) ، وأسفلها طريق يقال له: كُدى، ويعرف الآن بالريع، وكان كَداء طريقاً صعباً ثم إنه سهل في أزمنة متفرقة إلى أن سهلته الحكومة فأصبح سهلاً صعوده، وكذلك كُدى. وعلى كل حال يدخل الحاج والمعتمر من أي طريق تيسر له، فلا نلزمه أن يذهب حتى يخرج من أسفلها من كُدى، ويدخل من أعلاها من كَداء، وذلك لأن هذا ليس عبادة.

دخول المسجد الحرام من باب بني شيبة

دخول المسجد الحرام من باب بني شيبة قوله: (والمسجد من باب بني شيبة) : كان هذا الباب صغيراً في شرق المسجد محاذياً لبئر زمزم من جهة الشمال، والمسجد في ذلك الوقت كانت مساحته ما بين محاذاة بئر زمزم وما أحاط به من حوله، ثم لما وسع المسجد هدم باب بني شيبة، وهدم ما حوله وجعلت عليه التوسعة القديمة التي هي الآن صحن، ثم بنيت البنايات في عهد الترك التي لا تزال موجودة، وجعل الترك في الجانب الشرقي مدخلاً سموه باب بني شيبة، ثم جاءت هذه التوسعة الكبيرة في عهد حكومتنا أيدها الله، وجعلوا باباً محاذياً وراء المسعى سموه باب بني شيبة، ولا شك أن تكليف الناس كلهم أن يدخلوا من ذلك الباب فيه شيء من الصعوبة، ولو كان محاذياً لباب بني شيبة القديم، فدخوله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة كان من باب المصادفة، فإن تيسر لك أن تدخل منه وإلا فلا حرج.

رفع اليدين والدعاء عند رؤية البيت الحرام

رفع اليدين والدعاء عند رؤية البيت الحرام قوله: (فإذا رأى البيت رفع يديه وقا ما ورد) : رفع اليدين يسن في كل دعاء، قيل: إن رفع اليدين هناك كرفعهما في تكبيرة الإحرام، وقيل: إنه يرفعهما يدعو، وأثر من الدعاء أنه يقول: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً وتكريما ومهابة وبراً، وزد من عظمه وشرفه ممن حجه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبراً) . ويقول: (الحمد لله حمداً كثيراً كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله) . ويقول: (الحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلاً، الحمد لله على كل حال، اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك، اللهم تقبل مني، واعف عني، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت) ، أو ما تيسر من هذا الدعاء، هذا روي بعضه وبعضه قالوه استحساناً، ويرفع بذلك صوته إن كان رجلاً، والمرأة تخفض صوتها.

الاضطباع في الطواف

الاضطباع في الطواف قوله: (ثم طاف مضطبعاً) : بعد ذلك يطوف مضطبعاً للعمرة المعتمر، وللقدوم غير المعتمر يعني: كالقارن والمحرم، والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن -أي: تحت إبطه- وطرفيه على عاتقه الأيسر، فيبدي ضبعه وكتفه الأيمن، ويستر الأيسر.

استلام الحجر الأسود عند بدء الطواف

استلام الحجر الأسود عند بدء الطواف الطواف أن يبدأ من الحجر الأسود، وإن تيسر له قبّله، والتقبيل: أن يضع شفتيه عليه من غير تصويت، فإن لم يتيسر له استلمه بيده وقبلها، وإن لم يتيسر ذلك استلمه بعصا إن كان معه عصا أو محجن وقبلها، وإن شق ذلك عليه اكتفى بالإشارة ولا يقبل شيئاً، يحاذيه ويكبر ويسير. وعندما يستلمه أو يقف عنده يدعو بما ورد، ومما ورد أن يقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. يسن أن يقول ذلك كلما استلم الحجر أو حاذاه.

استحباب الرمل في طواف القدوم

استحباب الرمل في طواف القدوم يرمل الأفقي في هذا الطواف ثلاثة أشواط ويمشي أربعاً، والرمل هو: إسراع المشي مع مقاربة الخطا، وأول ما شرع في عمرة القضية، لما اتفق المشركون مع الصحابة على أن يرجعوا في الحديبية سنة ست قبل أن يكملوا عمرتهم، على أن يعتمروا في ذي القعدة سنة سبع، فجاءوا سنة سبع، فلما قدموا كان المشركون من أهل مكة يحقدون عليهم، فقالوا: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب -المدينة- يريدون بذلك أن يقللوا من شأنهم أمام سفهائهم حتى لا يكون لهم قدر، وحتى لا يهابونهم، فبلغت هذه المقالة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر أصحابه بالرمل ليظهروا بذلك قوتهم وجلدهم. فوقف المشركون عند جبل قعيقعان في الجانب الشمالي، فصاروا ينظرون إليهم وهم يرملون، فقالوا: كيف تقولون: إنهم وهنتهم الحمى؟ ما هم إلا كالغزلان يعني: في رملهم ثلاثة أشواط. ثم في سنة عشر حج النبي صلى الله عليه وسلم، ولما طاف أول طواف رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعاً، ولعله أراد بذلك إحياء تلك السنة، وتذكر قولة المشركين القدامى، والحرص على غيظ المشركين. فإذا تيسر للحاج أن يرمل فعل ذلك، فإذا لم يتيسر ذلك للزحام فإنه يسير، وإذا تيسر أن يرمل إذا طاف بعيداً في طرف الطائف فهو أفضل، فإن شق عليه طاف بدون رمل. يطوف سبعة أشواط ويدعو بما تيسر، وليس لكل شوط دعاء مخصوص، والأدعية المذكورة في بعض المناسك: دعاء الشوط الأول دعاء الشوط الثاني ليست إلزامية، وهي أدعية لا بأس بها، وبعضها مأثورة، ولكن يجوز الدعاء بها ويجوز الدعاء بغيرها.

صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام

صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام بعدما ينتهي الطائف من السبعة الأشواط، يسن أن يصلي خلف مقام إبراهيم، ومقام إبراهيم في جهة الشرق، وكانت عليه بناية ومظلة يصلون تحتها في شدة الحر، ولكن لشدة الزحام والمضايقة أزيلت تلك البناية، وبقي المقام عليه هذا الزجاج الذي يحميه، وصار الناس يصلون خلفه وإن لم تكن هناك مظلة، وجعلت الحكومة في الرحبة كلها (الصحن) بلاطاً أبيض لا يكتسب الحرارة، ولا يحس من يطوف عليه بشيء من الحرارة، فيستحب أن يصلي الطائف خلف المقام، فإن لم يتيسر ذلك صلى ولو بعيداً، ولو قرب مدخل زمزم أو نحو ذلك في جهة الشرق. والصلاة خلف المقام ليست واجبة في الحج أو العمرة ولكنها من السنن المؤكدة، وقد دل عليها قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] ، وفي حديث جابر الطويل لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم تأخر قبل المقام وقرأ بهذه الآية: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] فصلى هناك ركعتين.

السعي بين الصفا والمروة وما يستحب فيه

السعي بين الصفا والمروة وما يستحب فيه بعد الطوف يبدأ بالسعي، وذكروا أنه بعد أن يصلي ركعتين يرجع إلى الحجر الأسود فيستلمه، وهذه السنة قد هجرت، ولكن يفعلها الإنسان إذا استطاع، أو يحاذي الحجر ثم يشير إليه ثم يخرج إلى الصفا، وكان هناك باب محاذ للحجر في جهة الجنوب الشرقي يسمى باب الصفا، يدخلون منه ثم يتوجهون إلى الصفا، وكان الصفا والمروة خارجاً عن حد المسجد -يعني: لهما حمى خاص- وفي هذه التوسعة الكبيرة أدخلا فيه، وجعل سور المسجد وراء المسعى، فإذا خرج من هذا الباب -أي: من جهة باب الصفا- توجه نحو الصفا ثم بدأ بالسعي، ويبدأ بالصفا فيرقاه حتى يرى البيت، وقد لا يراه بسبب البنايات وبسبب العمد والسواري، فإذا رآه استقبله وكبر ثلاث تكبيرات متوالية، ثم يقول ما ورد، وقد ورد أنه يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده) وإن زاد قوله: (ولا شيء قبله ولا بعده) فلا بأس، ويدعو بما أحب، ويستحب عند التوجه إلى الصفا أن يقرأ الآية: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] الآية، ثم يقول: (نبدأ بما بدأ الله به) ، فإذا دعا على الصفا وتوجه إلى المروة ماشياً حتى يحاذي العلم الأخضر، كان هناك علمان مثل العمود الأخضر، والآن جعلا في أصل الحائط، وجعل فيها نجفات خضر، وهذان العلمان كانا مهبط وادٍ، أدركناه قبل خمسين سنة، وكانوا إذا نزلوا فيه يسرعون فيه لكونه مجرى واد، والحكومة صرفت الأودية، وجعلت لها مجارياً، وجعلت الطريق مستوياً، ولكن من باب إحياء السنة يستحب أن يسعى بين العلمين ولو لم يكن منهبطاً، ويسعى بين العلمين سعياً شديداً إذا استطاع وإذا وجد سعة، فإن كان هناك زحام أو لا يستطيع مشى بقدر ما يستطيع، فما بين العلمين محل جري. وبعد ذلك يمشي من العلم الثاني إلى المروة، فيرقى على المروة ويقول ما قاله على الصفا من التهليل والتكبير ونحو ذلك، ثم ينزل متوجهاً إلى الصفا، فإذا جاء إلى ما بين العلمين سعى، ويمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه. والسعي سبعة أشواط، ذهابه شوط ورجوعه شوط، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، ولو بدأ بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط. وبعدما ينتهي يكون قد أنهى عمرته إذا كان متمتعاً أو كان معتمراً. والأفضل أن المتمتع الذي ليس معه هدي قد قلده يقصر شعره، ويترك الحلق حتى يحلقه للحج، وإن حلق فلا بأس.

تحلل من ساق الهدي

تحلل من ساق الهدي إذا كان مع المتمتع هدي فإنه يدخل الحج على العمرة، ويبقى على إحرامه حتى يتحلل منهما معاً؛ لأن الهدي يمنعه من التحلل؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قدم مكة هو وأصحابه، وكان بعضهم معه هدي مثل أكابر الصحابة كـ أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وأبي طلحة وغيرهم من أثرياء الصحابة، بعضهم كان معه خمسون بدنة، وبعضهم خمس، وبعضهم عشر، وبعضهم كان معهم غنم قد قلدوها، وأكثرهم ليس معهم هدي، فلما قدم الذين معهم هدي منعهم هديهم من التحلل، والذين ليس معهم هدي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتحلل مع أنهم أحرموا مفردين، فقال لهم: (اجعلوا إحرامكم عمرة) وسمي هذا الفسخ فسخ الحج إلى العمرة، فأمرهم أن يطوفوا ويسعوا ويتحللوا في اليوم الرابع من شهر ذي الحجة، فبقوا متحللين: اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وأول اليوم الثامن أحرموا بالحج، ثم توجهوا إلى منى كما سيأتي. والذين معهم هدي لم يتحللوا إما لأنهم أحرموا قارنين بالحج والعمرة، أو لأنهم أحرموا بالعمرة ثم منعهم الهدي من التحلل فأدخلوا عليها الحج، أو أنهم أحرموا مفردين وبقوا على إفرادهم، ويكون هذا الهدي هدي تطوع؛ لأن المفرد ليس عليه فدية. والحاصل أن الذي معه هدي لا يتحلل، بل يبقى على إحرامه، لكن يمكن إذا قدم مبكراً أن ينحر هديه؛ لأنه يجوز سوق الهدي في غير الحج، فلو اعتمر -مثلاً- في رمضان وساق معه هدياً بدنة أو بدنتين أو عشراً أو غنماً أو بقراً، فإنه إذا انتهى من عمرته ذبحها وتصدق بلحمها وأكل منه وأطعم، لقوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] . فالحاصل أن الذي لا هدي معه يتحلل بعد سعي العمرة، والذي معه هدي يبقى على إحرامه إلا إذا قدم مبكراً، فلو قدر أن إنساناً جاء إلى مكة في شهر شوال ومعه هدي: خمس من الإبل أو من البقر، أو عشر من الغنم أو عشرون وقد جعل في رقابها قلائد على أنه أهداها إلى الله تعالى، فإذا طاف وسعى للعمرة هل نلزمه بأن يبقى محرماً من شهر شوال إلى شهر ذي الحجة؟ قد يكون في هذا مشقة، فنقول له: انحر هديك، وتحلل تحلل عمرة، فإن هديك قد بلغ محله، فيكون قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] أي: الوقت الذي يحل فيه ذبحه، وهو إن كان في أيام الحج يوم النحر، وإن كان في العمرة فبعد الفراغ منها، والذي يعتمر -مثلاً- في شهر شوال قد ينحر هديه مثلاً، ثم يرجع إلى أهله ثم يأتي للحج في أيام الحج. والمتمتع يقطع التلبية إذا بدأ بالطواف، والحاج يقطع التلبية إذا أخذ في الرمي؛ وذلك لأنه شرع في أسباب التحلل، والتلبية علامة على الإحرام، فشروعه في أسباب التحلل يكون سبباً في التوقف عنها، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

لا يشترط في التوكيل للرمي أن يكون الوكيل حاجا

لا يشترط في التوكيل للرمي أن يكون الوكيل حاجاً Q إذا كان الحاج غير قادر على الرمي بنفسه، فوكل غيره، هل يشترط أن يكون الموكل حاجاً؟ A لا يشترط، ولابد أن يكون الوكيل الذي يرمي عنك من الذين يرمون عن أنفسهم، فلا يوكل غيره.

من مس طيبا ولم يقصد فعليه أن يمسحه

من مس طيباً ولم يقصد فعليه أن يمسحه Q هناك من يضع الطيب على الحجر الأسود، فإذا علق الطيب بيدي هل علي شيء؟ A تطييب الحجر الأسود من الخطأ، والصحيح أنه لا يجوز ذلك؛ لأنه يسبب أن كثيراً من المحرمين يتلطخون بهذا الطيب، وإذا قدر أنه دهن على الحجر الأسود أو على الركن اليماني طيب ومسه أحد وهو لا يدري فلا فدية عليه، ولكن يمسح يده إذا علم ذلك، ولو أن يمسحه بطرف الكعبة.

صوم الحج يجوز فيه التفرقة والتتابع

صوم الحج يجوز فيه التفرقة والتتابع Q بالنسبة لصيام الثلاثة الأيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، هل هذا الصيام يكون متتابعاً أو متفرقاً؟ A يجوز متفرقاً ويجوز متتابعاً، والأولى أن يتابعه حتى يبرأ منه بسرعة.

من تجاوز الميقات وكان قاصدا غير مكة فميقاته ميقات البلد الذي قصده

من تجاوز الميقات وكان قاصداً غير مكة فميقاته ميقات البلد الذي قصده Q خرجنا من اليمن قاصدين العمرة في رمضان، وقبل وصولنا إلى الميقات بثلاث ساعات قلنا: نذهب أولاً إلى المدينة، وتجاوزنا الميقات بدون إحرام ثم أحرمنا للعمرة من ذي الحليفة، هل فعلنا هذا صحيح؟ A صحيح إن شاء الله، إذا قصدتم المدينة فميقاتكم ميقات أهل المدينة.

من تجاوز الميقات من غير إحرام عاد إلى أقرب ميقات وأحرم منه

من تجاوز الميقات من غير إحرام عاد إلى أقرب ميقات وأحرم منه Q إذا نويت العمرة ونويت أيضاً زيارة أقاربي في جدة، فهل يجوز لي تجاوز ميقات أهل نجد بلا إحرام وأبقى في جدة حلالاً ثم أحرم من مكاني؟ A إذا تجاوزت الميقات ووصلت إلى جدة وأردت الإحرام، فلابد أن ترجع إلى أحد المواقيت، فإن كنت -مثلاً- من اليمن، وشق عليك الرجوع إلى ميقات اليمن لبعده، فترجع إلى ميقات أهل الشام وهو الجحفة أو ميقات أهل نجد.

الإحرام في العمرة عن الغير

الإحرام في العمرة عن الغير Q من كان من أهل اليمن، وبعد أن انتهى من عمرته أراد أن يعتمر عن أمه التي لم تعتمر لعدم القدرة، هل يحرم من مكة أم من التنعيم أم من مكانه؟ A يفضل له أن يحرم من أحد المواقيت، فإذا شق عليه أو منع فإنه يحرم من التنعيم، وقد ذكرنا أن تكرار العمرة غير مشروع، لكن مثل هؤلاء قد يكونون معذورين؛ لأنهم جاءوا من أماكن بعيدة، ولهم أقارب لم يتيسر لهم حج ولا عمرة؛ فيريدون أن يعتمروا عنهم، فله أن يهدي لأمه أو لأبيه أو نحوهما ثواب هذه العمرة وإن كانت قاصرة.

حكم الجماع في الحج

حكم الجماع في الحج Q رجل جامع امرأته قبل التحلل الأول، فهل يعيد الحج من العام المقبل حتى ولو كان ذلك الحج نفلاً؟ A نعم، حتى ولو كان نفلاً؛ لأن النفل يجب عليه إتمامه؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] ، وليس هناك شيء من الأعمال يجب إتمامه ولو كان نفلاً إلا الحج والعمرة، فيجب عليه الحج من قابل كما ذكرنا.

حكم من لم يتم العمرة جهلا

حكم من لم يتم العمرة جهلاً Q أنا شاب اعتمرت قبل سنتين وقد كنت بالغاً، وقد طفت ستة أشواط فقط جهلاً مني، فماذا علي؟ وهل تصح عمرتي؟ A بقي عليك شوط، وهذا الشوط لا تتم العمرة إلا به، فنقول: إنك لم تتم عمرتك، فلابد أن تعيد هذه العمرة، ولو كنت قد فعلت شيئاً من المحظورات فتفدي عن المحظورات بصيام خمسة عشر يوماً مثلاً أو إطعام ثلاثين مسكيناً أو نحوها.

صفة السعي

صفة السعي Q هل يشترط في السعي الصعود إلى الصفا والمروة أو يكفي مجرد وصوله إلى الصفا والمروة بدون أن لا يصعد عليهما؟ A إن صعد فهو أفضل، والواجب أن يصل إلى أدنى الصفا وإلى أدنى المروة.

حكم لبس حزام الإحرام وفيه خياطة

حكم لبس حزام الإحرام وفيه خياطة Q ما حكم الحزام الذي يستخدمه المحرم لمسك إحرامه من السقوط، مع العلم أن هذا الحزام فيه المخيط، بارك الله فيكم؟ A لا بأس به للحاجة، وقد رخص العلماء قديماً في لبس ما يسمى بالكمر والمنطقة التي تجعل فيها النفقة، وقالوا: هذه الخياطة ليست خياطة مقصودة، إنما هي شبه الخرازة، فلا بأس بالحزام عند الحاجة.

إذا وصل المسافر في نهار رمضان وجامع فيه فعليه كفارة

إذا وصل المسافر في نهار رمضان وجامع فيه فعليه كفارة Q أحسن الله إليك، يقول: إذا قدم المسافر إلى بلدته في نهار رمضان بعد غيبة طويلة، فوقع بأهله، هل عليه كفارة أم لا مع العلم أنه كان مفطراً، أفتونا مأجورين؟ A عليه كفارة؛ لأنه إذا قدم ووصل إلى بلده وجب عليه الإمساك في بقية ذلك النهار، فإذا وطئ فيه فإنه قد وطئ في نهار يلزمه الإمساك فيه، ولو أنه سوف يقضيه، فعليه كفارة للوقت والله أعلم.

تقديم صلاة الجنازة على الفريضة

تقديم صلاة الجنازة على الفريضة Q إذا دخل شخص متأخر المسجد ووجد أناساً يصلون على جنازة، ووجد جماعة متأخرون يصلون في آخر المسجد، فمع من يصلي؟ A ننصحه أن يصلي على الجنازة؛ لأنها سوف تفوت، ثم بعد ذلك يصلي الفرض، وقد يلقى جماعة آخرين يصلي معهم.

حكم استخدام حبوب منع الحمل

حكم استخدام حبوب منع الحمل Q تزوجت مرتين وطلقت، وأنجبت لكل زوج طفلاً، وأنا الآن على وشك الزواج من الثالث، وأخشى أيضاً هذه المرة من عدم التوفيق؛ لذا لا أريد الإنجاب منه، حتى لا يتفرق أبنائي عند كل زوج طفل، فهل يجوز لي أن آخذ حبوب منع الحمل لمدة سنة أو أقل حتى تتضح الأمور دون علم زوجي، أفتونا مأجورين؟ A لا يجوز ذلك إلا بإذن من الزوج وبتقرير من الأطباء بعدم ضررها؛ وذلك لأن الولد حق للأبوين، وليس من حقها وحدها، وعليها أن تفعل الأسباب التي تكون سبباً في التأليف بينها وبين الزوج حتى لا يتكرر طلاقها مرة ثالثة، وقد يكون هذا بسببها؛ لأنه غالباً يقع الطلاق بسبب يصدر من النساء.

تجب الصلاة على النفساء إذا انقطع الدم

تجب الصلاة على النفساء إذا انقطع الدم Q هل تجب الصلاة على المرأة النفساء بعد انقطاع الدم أم لابد من انقضاء مدة النفاس، جزاكم الله خيراً؟ A إذا انقطع الدم فإنها تصلي ولو بعد الولادة بيوم أو يومين؛ لأن المانع إنما هو الدم، فإذا توقف لزمتها الصلاة، فإذا انقطع الدم وبقيت سوائل، وهذه السوائل فيها شيء من صفرة أو كدرة أو نحو ذلك فإنها لا تصلي حتى تنقطع من مرة، أو لا يبقى إلا شيء طاهر ليس شبيهاً بالدم ولا بالحمرة ولا بالصفرة، فعند ذلك تصلي.

حكم من اعتمر ونسي التقصير

حكم من اعتمر ونسي التقصير Q أنا سوداني أقيم في الرياض منذ سنة، اعتمرت أنا وزوجتي وأولادي، ولكن بعد الانتهاء من العمرة خرجنا من مكة ولم نقصر، ورجعنا إلى الرياض، والآن أنوي أن أعتمر عمرة أخرى، فهل علي شيء أم أعذر بالنسيان، وجزاكم الله خيراً؟ A إذا تذكرتم وقصرتم في الطريق أو قصرتم في أي مكان فإنه يكفي، فإذا لم تقصر حتى وطئت زوجتك فإن عليك وعلى زوجتك التي لم تقصر عن كل واحد فدية، وهي: ذبيحة تذبح في الحرم، ولا يمنعك ذلك من إعادة العمرة. والأولاد عليهم فدية أيضاً إذا كانوا ما قصروا، ويمكن التقصير لهم الآن، فالأولاد يجوز التقصير لهم ولو بعد شهر وبعد أشهر؛ لأنهم ما زالوا محرمين، ولا يطرأ عليهم ما يفسد الإحرام وهو الوطء.

حكم من صاد الجراد في الحرم أو هو محرم

حكم من صاد الجراد في الحرم أو هو محرم Q في إحدى السنين حججت مع أبي، وقمنا بصيد كميات من الجراد، فهل هذا من قتل الصيد؟ وماذا يجب علينا، أفتونا مأجورين؟ A ذكر أكثر العلماء أن الجراد من الصيد، فإذا صيد داخل الحرم، أو صاده قوم محرمون فلابد أن يتصدقوا عن كل جرادة تمرة.

من عجز عن الحج أناب من يحج عنه

من عجز عن الحج أناب من يحج عنه Q عجوز لا تستطيع الذهاب للحج؛ لأنها إذا ركبت في السيارة أغمي عليها، فهل يجوز أن تكلف من يحج عنها وهي على قيد الحياة؟ A نعم، ويعتبر هذا عذر، فلها أن توكل من يحج عنها من بلدها.

كيفية استقبال الحجر الأسود

كيفية استقبال الحجر الأسود Q إذا حاذى الحاج أو المعتمر الحجر الأسود، فهل يستقبله بوجهه أو يكتفي بجعله عن يساره، وجزاكم الله خيراً؟ A يلتفت إليه بوجهه، ويكبر، ويشير بيده، ولا يستقبله بصدره.

حكم المسعى

حكم المسعى Q هل المسعى اليوم له حكم المسجد من حيث جواز جلوس الحائض فيه أم لا؟ A نعم، له حكم المسجد؛ لأن الزيادة لها حكم المزيد، فقد أصبح الآن داخل سور المسجد، فلا يجوز للحائض أن تسكن في داخله، أما التوسعة التي وراءه فلا بأس أن تدخلها.

لا تجب صلاة الجماعة في المسجد إذا كان بعيدا

لا تجب صلاة الجماعة في المسجد إذا كان بعيداً Q نحن شباب نخرج يوماً من أيام الأسبوع إلى الاستراحة، ونقضي فيها ذلك اليوم، وعندما يحين موعد الصلاة نسمع المؤذن، وبيننا وبين المسجد حوالى كيلو، ويقول المسئول عنا: نصلي في الاستراحة وليس في ذلك شيء، فما حكم فعلنا هذا؟ وإذا ذهبت إلى المسجد وتركت أصحابي فهل في ذلك شيء؟ A الأولى أنكم تصلون في المسجد، ولكن حيث إنه يبعد مسافة كيلو، فهذه المسافة قد يكون فيها مشقة عليكم في ذهابكم جميعاً، فلا بأس أن تصلوا في مكانكم لأجل الوقت.

من حرم حلالا فعليه الكفارة

من حرم حلالاً فعليه الكفارة Q زوجة قالت لزوجها: يحرم علي أخذ شيء منك، فماذا يترتب على ذلك إذا أخذت منه شيئاً؟ A من حرم شيئاً من الحلال فعليه كفارة اليمين، قال تعالى: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] يعني: الكفارة.

شرح أخصر المختصرات [21]

شرح أخصر المختصرات [21] لقد أمرنا الله جل وعلا بحج بيته الحرام، وجعله من أركان الإسلام، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حاجاً ليبين للناس مناسك الحج وصفاته، ولذا قال: (خذوا عني مناسككم) ، فعلى من أراد الحج أو العمرة أن يعرف الأحكام التي تخصه في حجه وعمرته، حتى يؤديها كما أمر الله تعالى.

صفة الحج والعمرة

صفة الحج والعمرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل في صفة الحج والعمرة. يسن لمحل بمكة الإحرام بالحج يوم التروية، والمبيت بمنى، فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة، وكلها موقف إلا بطن عُرَنَةَ، وجمع فيها بين الظهر والعصر تقديماً، وأكثر الدعاء مما ورد، ووقت الوقوف من فجر عرفة إلى فجر النحر، ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة بسكينة، ويجمع فيها بين العشاءين تأخيراً، ويبيت بها، فإذا صلى الصبح أتى المشعر الحرام فرقاه ووقف عنده، وحمد الله وكبر وقرأ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة:198] الآيتين، ويدعو حتى يسفر، ثم يدفع إلى منى، فإذا بلغ محسراً أسرع رمية حجر، وأخذ حصى الجمار سبعين أكبر من الحمص ودون البندق، فيرمي جمرة العقبة وحدها بسبع، يرفع يمناه حتى يرى بياض إبطه، ويكبر مع كل حصاة، ثم ينحر ويحلق أو يقصر من جميع شعره، والمرأة قدر أنملة، ثم قد حلّ له كل شيء إلا النساء، ثم يفيض إلى مكة فيطوف طواف الزيارة الذي هو ركن، ثم يسعى إن لم يكن سعى وقد حل له كل شيء. وسن أن يشرب من زمزم لما أحب، ويتضلع منه ويدعو بما ورد، ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال، ويرمي الجمار في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال وقبل الصلاة، ومن تعجل في يومين إن لم يخرج قبل الغروب لزمه المبيت والرمي من الغد. وطواف الوداع واجب يفعله، ثم يقف في الملتزم داعياً بما ورد، وتدعو الحائض والنفساء على باب المسجد، وسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه. وصفة العمرة أن يحرم بها من بالحرم من أدنى الحل، وغيره من دويرة أهله إن كان دون ميقات وإلا فمنه، ثم يطوف ويسعى ويقصر] .

الإحرام من الأبطح أو منى يوم التروية

الإحرام من الأبطح أو منى يوم التروية تذكر صفة الحج مع الاختصار، وذلك لأن الحجاج عادة يأتون ثم ينزلون بالأبطح، والأبطح وما حوله في تلك الأزمنة كان فيه متسع، ولم تمتد إليه المباني، فكان الحجاج ينزلون هناك. فإذا جاؤوا -مثلاً- في اليوم الرابع أو في اليوم الخامس أنهوا عمرتهم إذا كانوا متمتعين، وبنوا لهم خياماً أو استظلوا تحت شجر وأقاموا هناك إلى اليوم الثامن، ويسمى يوم التروية، فإذا كان يوم التروية أحرموا بالحج. لماذا سمي يوم التروية؟ لأنهم يرتوون فيه من المياه -أي: يملئون- ما معهم من القرب والمزادات التي جاؤوا بها من بلادهم، يملئونها من الماء، حيث لم يكن يوجد في تلك الأزمنة الماء في منى، ولا في مزدلفة ولا في عرفة غالباً، فسموه يوم التروية. ولعله في القرن الثاني أو الثالث عشر وجدت المياه بعمليات كان لها تأثير، واحتيج فيها إلى أتعاب ومشقة، إلى أن أوصل الماء إلى تلك الأماكن ضمن جداول يسير فيها، ويكون فيها فتحات إلى أن يمر بالمشاعر كلها، يمر بمنى وبمزدلفة وبعرفة، هذا في القديم. ثم في عهد الحكومة اعتنت بالمياه في تلك الأماكن، وأمنتها في أيام المناسك بواسطة الأنابيب التي امتدت وصارت في كل الأماكن، والحمد لله. وفي يوم التروية الذين كانوا قد تحللوا يحرمون بالحج، والذين بقوا على إحرامهم فما تحللوا -كالمفرد والقارن- إذا كانوا نازلين بالأبطح يتوجهون مع الحجاج إلى منى، وفي تلك الأزمنة كانت منى خالية ليس فيها أحد إلا يوم التروية وما بعده، أما في هذه الأزمنة فالمشاهد أن الأبطح وما حوله لم يبق فيه مساكن للحجاج، بل قد امتدت المباني والعمارات إلى أن وصلت إلى منى أو تجاوزت منى من الجهات الأخرى، إلا أنه منع من البناء في المشاعر، فهذه الأماكن أصبحت مملوكة، وأصبح الحجاج الذين يأتون -حتى ولو في أول الشهر- يستقرون في منى في مخيمات لهم يبنونها من حين يأتون من أول الشهر أو من اليوم الثاني أو الرابع أو الخامس، حتى الذين يأتون في اليوم السابع أو الثامن يأتون إلى منى ويستقرون فيها هذه الأيام كلها. فعلى هذا لا يكون ليوم التروية ميزة عن الأيام التي قبله لمن كان مفرداً أو قارناً، وأما من كان متمتعاً فإنه يحرم من منى بدل أن يكان يحرم من الأبطح؛ لأنهم في منى مستقرون. وبعض العلماء قال: يستحب أن يحرم تحت الميزاب -يعني ميزاب الكعبة-. ولكن الصواب أنه لا حاجة إلى ذلك، وأن هذا لم يرد، وأن فيه مشقة على الناس، والميزاب لا يتسع إلا لواحد أو لاثنين، فكيف يكلف مئات الآلاف أن يذهبوا إلى تحت الميزاب فيحرمون منه، والصحابة أحرموا من رحالهم وأماكنهم التي كانوا فيها. ثم ذكروا أنه عند هذا الإحرام يفعل مثل ما فعله عند الميقات، أي: إذا تيسر له اغتسل وتنظف وتطيب، وأخذ من شعر شاربه وأظفاره إذا خاف أنها تطول وتؤذيه، وقد ذكرنا أن هذا التنظف يفعل عند الحاجة، فإذا كانت أظافره طويلة، وكذا شعر شاربه أو عانته فإنه يتعاهدها عند الإحرام، وذكرنا أن الإحرام في تلك الأزمنة كانت تطول مدته، فيخشى أن تطول هذه الأشعار والأظفار فتؤذيه، وأما في هذه الأزمنة فإن مدة الإحرام لا تطول بالعمرة، إنما هو نصف يوم أو نحوه، فإذا لم تكن طويلة فلا حاجة إلى تعاهدها، ويقال كذلك عند الإحرام بالحج. ولا شك أنه يستحب الاغتسال؛ لأنه من باب النظافة، وقد تقدم في الأغسال المستحبة في كتاب الغسل أنه يسن الاغتسال عند الأعمال الصالحة، فقالوا: يسن الاغتسال عند الميقات، والاغتسال عند دخول مكة، والاغتسال عند إرادة الطواف بالبيت، والاغتسال عند الإحرام بالحج، والاغتسال عند الوقوف بعرفة -أي: عند دخول الوقت-، والاغتسال للوقوف بمزدلفة، والاغتسال لدخول منى، والاغتسال لرمي الجمار، والاغتسال لطواف الإفاضة، ونحو ذلك كما تقدم في باب الغسل. وقد عرفنا أن الحكمة في الاغتسال هي النظافة، فإذا كان البدن نظيفاً والإنسان حديث عهد بنظافة فلا حاجة إلى هذه الاغتسالات، ويمكن أنهم كانوا يستحبونها لأنهم في ذلك الوقت في شدة حر لا توجد معهم مكيفات ولا مراوح كهربائية، فيشق عليهم الوقوف في شدة الشمس، فيحتاجون إلى أن يغتسلوا ليخففوا الحرارة عليهم، فهذا هو السبب، وهو أن تلك الأماكن كانت شديدة الحر، فمنى ومزدلفة وعرفة الحر فيها شديد، والشمس فيها حارة وقت الصيف، وحتى في وقت الشتاء، فلذلك أكثر الأغسال المستحبة للمشاعر. والحاصل أنهم يحرمون في يوم التروية كإحرامهم عند الميقات، فقبل الإحرام يصلي ركعتين إذا لم يكن في وقت نهي، وينوي بها سنة وضوء أو نحو ذلك، ويسن أن يحرموا في الضحى حتى تأتي عليهم الصلوات الخمس بمنى وهم محرمون.

المبيت بمنى

المبيت بمنى وأما مبيتهم بمنى ليلة عرفة فقد اختلف في حكمه، والصحيح أنه مستحب ومؤكد، وذهب بعض العلماء إلى أنه ركن، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته باتوا بمنى ليلة عرفة، توجهوا إلى منى كلهم من الأبطح، ونزل بمنى كل الحجاج الذين معه، وأقاموا بمنى حتى طلعت الشمس في اليوم التاسع، ثم توجهوا إلى عرفة، وهو صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم: (خذوا عني مناسككم) يعلمهم ذلك دائماً. ولا شك أن هذا دليل على أن أفعاله التي فعلها من مشاعر الحج، فلذلك قال بعض العلماء: إن المبيت بمنى من الأركان، ولا يتم الحج إلا به. القول الثاني أنه من الواجبات التي تجبر بدم، فمن ترك المبيت بمنى يوم التروية وليلة عرفه فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً. والقول الثالث أنه من السنن المؤكدة، والذين جعلوه من السنن -كما هو المشهور عند أحمد، حيث لم يذكر في الأركان ولا في الواجبات- كأنهم استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) ، فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج، واستدلوا -أيضاً- بحديث عروة بن مضرس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه -يعني: بمزدلفة- ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه) ، وهو حديث مشهور صحيح، لكن لعله عندما لم يذكر المبيت بمنى أراد أن هذا شيء معهود ومعروف مشهور، ومع آكديته والخلاف فيه نرى كثيراً يتساهلون بهذه الليلة أو بهذا اليوم -يوم الثامن- وبالأخص المطوفون، نشاهد أنهم يأخذون حجاجهم من مساكنهم لمكة في اليوم الثامن، ويتوجهون بهم إلى عرفة، ويستقرون بعرفة اليوم الثامن وليلة التاسع واليوم التاسع إلى أن تغرب الشمس في اليوم التاسع، ثم يذهبون بهم إلى منى، وهذا تساهل، أي: ترك هذا الركن أو هذا الواجب أو هذه السنة المؤكدة التي هي الإقامة بمنى في ذلك اليوم، فننتبه إلى أنه من آكد السنن -إذا قلنا: إنه سنة- أو أنه من الواجبات. فمنى يقيمون فيها وهم محرمون، والأعمال في ذلك اليوم هي أعمال المحرمين، فيكثرون من التلبية؛ لأنهم محرمون بالحج، وكذلك يصلون فيها الرباعية قصراً ركعتين؛ لأنهم على أهبة السفر، ولا يجمعون، بل يصلون كل صلاة في وقتها، ويأتون بما أمروا به من شعائر الحج، فمن ذلك التلبية بعد كل صلاة، فعندما ينتهون من أية صلاة يرفعون أصواتهم بالتلبية، ومن ذلك -أيضاً- كثرة الذكر والدعاء؛ لأنهم قد تلبسوا بهذا الإحرام الذي هو عمل من أعمالهم الذي جاؤوا به، فلذلك يكثرون من التلبية والدعاء والذكر.

الذهاب إلى عرفة بعد طلوع شمس يوم عرفة للوقوف بها

الذهاب إلى عرفة بعد طلوع شمس يوم عرفة للوقوف بها إذا طلعت الشمس صبح يوم عرفة -اليوم التاسع- توجهوا إلى عرفة، وفي طريقهم يذكرون الله تعالى ويلبون. ثم يقفون بعرفة، وكل عرفة موقف إلا بطن عُرَنَةَ، وعرفة واسعة جداً، فهي تمتد في جهة الشمال نحو أربعة كيلو متر شمال الجبل الذي هو جبل الرحمة، ومن الجهة الجنوبية نحو اثنين أو ثلاثة كيلو متر، ومن الجهة الغربية نحو ثلاثة كيلو متر، وشرق الجبل -أيضاً- قد يصل إلى الجبال الطويلة. واختلف في نمرة هل هي من عرفة أم لا؟ فأكثر العلماء يقولون: إنها ليست من عرفة، وذلك لأنها اختصت بهم أن اسمها نمرة. القول الثاني -ولعله الأرجح- أنها جزء من أجزاء عرفة، وقد ورد ما يدل على ذلك، فمن ذلك قوله في حديث جابر الطويل: (فلما طلعت الشمس سار حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد بنيت بنمرة) فقوله: (أتى عرفة) يعني: دخل حدود عرفة. ولا شك أن هذا دليل على أنه وصل إليها، وتكون القبة فيها وفي جزء من أجزائها يقال له: نمرة. وهناك حديث -أيضاً- مشهور، يقولون فيه: إنه نزل بنمرة، وهو الموقف الذي يقف فيه أو ينزل فيه الإمام في عرفة. وهذا في حديث صحيح مروي في السنن وفي المسند وغيرها. ويدل على أنها من عرفة استثناء بطن عُرَنَةَ في قوله صلى الله عليه وسلم: (عرفة كلها موقف إلا بطن عُرَنَةَ) فعرنة -أيضاً- من عرفة، إلا ما كان من البطن -يعني مجرى الوادي- فإنه ليس من عرفة فلا يوقف فيه، وفي حديث آخر قال: (عرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة) يعني: ارتفعوا عنه. فعرنة ممتدة غرباً، فهي وراء نمرة التي فيها المسجد المشهور مسجد نمرة، فنمرة بين عرفة وعرنة، فقال: (ارفعوا عن بطن عرنة) ولم يقل: وارفعوا عن نمرة. وإنما استثنى بطن عرنة، فهو دليل على أن عرفة واسعة، ويستثنى فقط البطن -أي: الوادي- الذي هو منخفض الآن، فهذا هو الذي لا يوقف فيه، وأما ما وراءه ولو مسيرة كيلو متر أو نحوه في جهة مكة وكذلك في الجهات الأخرى فإنه موقف. والناس يتضايقون كثيراً بسبب الحدود التي قد حددت في هذه الأزمنة، ففيها شيء من التضييق، وقد حددت من جهة الجنوب، ومن جهة الغرب، ومن جهة الشمال والشرق، فصار فيها شيء من الضيق، وجعلوها من باب الاحتياط، فيأتي الناس مبكرين -قبل يوم عرفة بخمسة أيام أو بعشرة أيام- ثم يتقاسمون تلك البقعة التي هي داخل الحدود، ويبقى بقية الناس ليس لهم أماكن، فنقول: إن عرفة واسعة، وإذا لم يجد مكاناً داخل الحدود وقف ولو بعد الحدود، كما يفعلون ذلك في منى، فيقفون وراء الحدود ولا حرج عليهم؛ لأن عرفة واسعة، ولأن هذه الحدود جعلت من باب الاحتياط، ولأنهم معذورون حيث لم يجدوا مكاناً، فلذلك يرخص لهم ولا يشددوا على أنفسهم، ولا يكلفوا أنفسهم بالدخول في داخل الحدود مع عدم الحصول على أماكن متسعة لهم. ولا يسكنون في الوادي المنخفض فقط، فأما ما حوله فلا حرج في ذلك.

الإكثار من الدعاء والتكبير والتلبية في عرفة

الإكثار من الدعاء والتكبير والتلبية في عرفة إذا وصلوا إلى عرفة واستقروا فيها فإنهم يكثرون من الدعاء والذكر والتكبير والتلبية ونحو ذلك، فإذا دخل وقت الظهر بعد زوال الشمس صلوا الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وقت الظهر جمع تقديم، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، جمع في وقت الظهر ليطول وقت الوقوف، وذلك لأنه قبل أن يصلي خطب خطبة طويلة، علم الناس فيها الأحكام والشرائع، وبين لهم كثيراً من الأحكام، فلأجل ذلك يسن أن يخطب إمامهم وأن يعلمهم الأحكام التي تتعلق بالمناسك، وكذلك الأحكام التي تتعلق بالأوامر والنواهي مما قد يخفى عليهم، فإنه عليه الصلاة والسلام وضع ربا الجاهلية، قال: (كل ربا الجاهلية موضوع) يعني: ساقط. ووضع دماء الجاهلية في خطبته، وكذلك حثهم على الكثير من الأحكام، وعلمهم الحلال والحرام، فهكذا تكون الخطبة في ذلك. ثم بعد ذلك وقف على ناقته القصواء، واستمر واقفاً عليها حتى غربت الشمس، وهو رافع يديه يدعو الله تعالى، وكان وقوفه شرق الجبل الذي يقال له: (جبل الرحمة) عند الصخرات الكبار، وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) ، وأرسل إلى بعض الصحابة الذين كانوا في مكان بعيد، وقال لهم: (الزموا أماكنكم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم) ، فأقرهم على أماكنهم رغم أنهم بعيدون من جبل الرحمة، وذلك من باب التسهيل عليهم حتى لا يزدحموا في أماكن يضايق بعضهم بعضاً. ويوم عرفة أفضل الأيام، يجتمع فيه الحجاج بعرفة، وكلهم في حالة واحدة، قد ارتدوا هذه الأكسية التي هي أكسية الإحرام، وقد كشف الرجال رءوسهم، ولبسوا هذا اللباس الموحد الذي هو أشبه بلباس الموتى، الذي هو إزار ورداء، وكذلك قد اتحدوا على هذا اللباس، وليس هناك فرق بين الغني والفقير، وبين الصغير والكبير، وبين الشريف والوضيع، وبين الأحمر والأسود والأبيض ونحوهم، بل كلهم على حالة واحدة، وفي موقف واحد، والحكمة في ذلك: أن يشعروا بأنهم سواسية، يجمعهم دين واحد، ويعبدون رباً واحداً، ويقصدون مقصداً واحداً وهو ثواب الله تعالى ورضاه وجنته والسلامة والنجاة من عذابه، فلا جرم أمروا بأن يكثروا من الأدعية التي تتيسر لهم، وليس شرطاً أن تكون مأثورة ومنقولة، بل يدعون بما أحبوا، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر يدعو رافعاً يديه، واستمر في الدعاء من الساعة الواحدة -أو قريباً منها- إلى الساعة السادسة والنصف أو السابعة وهو يدعو، فست ساعات أو نحوها وهو يدعو. وهل نقل لنا دعاؤه كله في الست الساعات؟ ما نقل لنا، مما دل على أنه أباح لكل منهم أن يدعو لنفسه، وأن يدعو بما تيسر له في هذه الحالة، فيدعو الله تعالى ويسأله خيري الدنيا والآخرة، وكذلك يكثر من التلبية -أي: يكرر التلبية- حيناً بعد حين، وكذلك يكثر من التكبير، والمأثور: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله) إلخ، وهكذا -أيضاً- يتلو الآيات التي فيها تمجيد الله تعالى، والثناء عليه، وذكر صفاته، مثل آخر سورة الحشر، وأول سورة الحديد، وكذلك آية الكرسي، والآيتان من آخر سورة البقرة، ونحو ذلك، ويكثر من الأدعية التي في القرآن، ويرددها، ويكثر -أيضاً- مما يحفظه من الأدعية المأثورة التي في السنة، كذلك -أيضاً- يرفع يديه، وذلك لأن رفع اليدين سبب من أسباب إجابة الدعاء كما في حديث سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) يعني: خاليتين. وثبت في حديث أنه صلى الله عليه وسلم (كان رافعاً يديه يدعو وخطام الناقة بيده اليمنى، فسقط منه الخطام) ، يقول الراوي: (فرأيته رافعاً يده اليسرى وقد مد يده اليمنى ليتناول الخطام) ، مما يدل على أنه استمر في رفع يديه، أي: طوال ذلك الوقوف كان رافعاً يديه، وقد عرفنا أنه من أسباب إجابة الدعاء. كذلك -أيضاً- يكثر من التلبية؛ لأنها شعار الحج، ويكثر من التكبير وما أشبه ذلك، وفي هذه الأزمنة قد لا يتيسر لهم ركوب الدواب، وقد فاتنا أن نحج على الرواحل، ولكن حدثنا آباؤنا الذين كانوا يحجون على الإبل أن الإبل يصفونها في ذاك المكان، وأنهم من طول مقامهم يدعون ويبكون في دعائهم، وأن الإبل يسيل من أعينها الدموع -أي: تدمع في ذلك الموقف- ويشاهدون ذلك، فإما أن الله تعالى ألقى عليها الهيبة والخشوع، وإما أن هذا بسبب من الأسباب.

استحباب إظهار الحاجة والفقر إلى الله يوم عرفة

استحباب إظهار الحاجة والفقر إلى الله يوم عرفة وفي هذا الموقف الذي هو يوم عرفة ينبغي للحجاج أن يظهروا حاجتهم وفاقتهم وفقرهم إلى الله تعالى، ويظهروا الخشوع والاستكانة والاستضعاف بين يدي ربهم رجاء أن يقبل منهم، وقد ورد في الحديث: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ، ولما روى بعض الصحابة هذا الحديث سأله أحد تلامذته فقال: هذا ليس بدعاء، هذا ثناء على الله، فكيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة) ؟ فأجابه بأن الثناء يقوم مقام الدعاء، واستدل بقول الشاعر يمدح ابن جدعان: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء كأنهم يستحبون أن يأتوا بهذا الدعاء أو بهذا الشعر لأن فيه استضعافاً بين يدي الله تعالى، ولو كان الشاعر وجهه إلى آدمي، فأنت إذا قلت: يا رب! لا حاجة إلى أن أذكر حاجتي، فأنت أعلم بحاجتي، وأنت أعلم بما أحتاجه وبما أطلبه، فأعطني حاجتي من غير سؤال، فأنا أثني عليك وأذكرك وأمدحك بما أنت أهله، فيكفيني أن أمدحك وأثني عليك، ويكفي ذلك لإعطائي حاجاتي وفي قضاء حوائجي التي أنا بحاجة إليها في دنياي وفي أخراي. ويُسمع كثير منهم ينشدون أبياتاً -أيضاً- فيها شيء من التذلل والاستضعاف، مثل قول بعضهم: يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى مناط عروقها في نحرها والمخ من تلك العظام النحل امنن علي بتوبة تمحو بها ما كان مني في الزمان الأول فلا شك أن هذا موطن دعاء، وأنه الذي يباهي الله تعالى فيه بهم ملائكته، كما ورد في الحديث أن الله تعالى يقول: (يا ملائكتي! انظروا إلى عبادي، أتوني شعثاً غبراً، ضاحين من كل فج عميق، يدعونني، يرجون رحمتي ويخافون عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم، انصرفوا مغفوراً لكم) أو كما ورد، فوصفوا أنهم شعث غبر، أي: أنهم من طول بعدهم عن التنعم والترفه صارت رءوسهم منتفشة، وصارت وجوههم مغبرة، فصاروا شعثين، فكان ذلك أقرب إلى انكسار قلوبهم وإلى رغبتهم في فضل ربهم سبحانه وتعالى. واستطردنا هنا لأنه مما يغلط فيه كثير من الناس، ونشاهد أن الكثير في يوم عرفة كأنهم في بلادهم، يخوضون ويتكلمون فيما بينهم، ويضحكون، وليس لهم إلا أنهم عاكفون، وكأن هذا الموقف كسائر المواقف، ولا شك أن هذا خطأ، وأن الواجب عليهم أن يجعلوه يوم عبادة، لا يوم عادة، ولا يوم ضحك، ولا يوم خوض في الشيء الذي لا أهمية له ولا فائدة فيه، بل من حين يصلون صلاة الظهر إلى أن تغرب الشمس يشتغل كل فرد بنفسه، فيدعو بما تيسر من الأدعية، ويدعو بما يحفظه، وكتب الأدعية متوافرة والحمد لله، أعني الكتب التي فيها أدعية وأذكار، مثل الكلم الطيب لـ ابن تيمية، والوابل الصيب -أيضاً- لـ ابن القيم، والأذكار للنووي، وغيرها من الكتب التي تذكر فيها الأدعية العامة والخاصة، ومثلها -أيضاً- كتب متأخرة، وأفضلها الذكر الذي جمعه واختاره الملك عبد العزيز، ويسمى "الورد المصفى المختار" يبدأ منه بما تيسر. ووقت الوقوف بعرفة من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر، فمن جاء فوقف في أول النهار بعد الفجر صدق عليه أنه وقف بعرفة، ودليل هذا في حديث عروة بن مضرس قوله: (وقد وقف قبل ذلك بعرفة ساعة من ليل أو نهار) هكذا ذكر: (ساعة من ليل أو نهار) كلمة (أو نهار) تعم النهار كله، أي: من طلوع الشمس إلى غروبها. وكذلك قوله: (من ليل) تعم ليلة النحر كلها، أي: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. فمن وقف في هذا كله ولو ساعة فإنه يعتبر قد وقف بعرفة. وقد بالغ العلماء في ذلك حتى قال بعضهم: لو مر بعرفة وهو محرم ولكنه غافل لم يشعر بأنها عرفة، سار منها حتى قطعها في ليلة النحر، أو في يوم عرفة صح وقوفه بها، حتى ولو كان نائماً أو غافلاً إذا كان قد عقد الإحرام. وهناك قول آخر: أن وقت الوقوف من الزوال، أي: بعد زوال الشمس يكون الوقوف. وهذا القول يستدلون عليه بأنه صلى الله عليه وسلم ما وقف إلا بعد الزوال وبعدما صلى الصلاتين، وهذا القول هو الذي نصره كثير من المتأخرين، وقالوا: من وقف بعرفة في أول النهار فلا يعتد بوقوفه إذا خرج منها قبل أن تزول الشمس، ولا يكون كأنه وقف فيها، ولا يكون قد تم حجه. ولكن لعل القول الأول هو الأولى، أن يوم عرفة كله من طلوع الشمس إلى طلوع الفجر يوم النحر، وأن الجميع كله وقت للوقوف؛ لما ذكرنا من حديث عروة بن مضرس وغيره.

الدفع إلى مزدلفة بعد غروب الشمس

الدفع إلى مزدلفة بعد غروب الشمس ثم بعد ذلك يدفعون بعد الغروب إلى مزدلفة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم والحجاج معه لما غربت الشمس توجهوا إلى مزدلفة، وكان يقول لهم: (أيها الناس! السكينة السكينة!) ، وكانوا يسرعون فيحصل منهم مضايقة في بعض الأماكن الضيقة، وكان صلى الله عليه وسلم يسير على ناقته، وقد أخذ بزمامها يجد السير، فكان إذا أتى حبلاً من الحبال المرتفعة أرخى لها، وكان -كما يقال- يسير العنق -أي: قدر العنق- فإذا وجد متسعاً نصَّ، أي: أسرع. وكانت المسافة بين عرفة ومزدلفة تستغرق بسير الأقدام أو بسير الإبل ساعتين، ومع السير المتوسط ساعتين ونصف، فكانوا يسيرون سيراً سريعاً أو سيراً متوسطاً، فلما وصلوا كان قد دخل وقت العشاء؛ إذ وصلوا بعد ساعتين من غروب الشمس أو بعد ساعتين ونصف، فجمعوا بين العشاءين جمع تأخير، ولعل السبب أنهم قد طال وقوفهم، وأحبوا المبيت لطول المسافة ومشقة السير؛ لأنهم على رواحلهم من الساعة الواحدة بعد الظهر حتى الساعة التاسعة من الليل تقريباً، ولا شك أن هذا زمن طويل، فهو ثمان ساعات شقوا على أنفسهم فيها، فلما وصلوا إلى مزدلفة أناخوا رواحلهم وحطوا رحالهم، ثم صلوا العشاءين وأراحوا أنفسهم. وفي هذه الأزمنة يحصل اختلاف عما كانوا عليه في الزمان القديم، والواقع أن بعض الناس يسيرون سيراً سريعاً من عرفة، ففي مدة أربع أو خمس دقائق يصلون إلى مزدلفة، فكيف يصلون؟ نقول: يصلون جمع تقديم، ولا يلزمهم أن يؤخروا إلى وقت العشاء؛ لأنه ورد أنهم يُصلُّون ساعة أن يَصِلُوا. وآخرون بضد ذلك، فمن شدة الزحام قد لا يصلون إلا نصف الليل أو بعد مضي ثلث الليل أو في آخر الليل، فيصلون -أيضاً- إذا وصلوا، ويمكن أن بعضهم قد يخشون طلوع الفجر وما وصلوا، فهؤلاء يصلون في الطريق، ومن المشايخ من يقول: يصلون في الطريق إذا خشوا أن يفوت وقت الاختيار. يعني: إذا مضى نصف الليل وهم ما وصلوا فيصلون في الطريق. وكيف يصلون والسيارات مزدحمة أمامهم وخلفهم وعن الجانبين؟ المشاهد أنهم قد يقفون في الموقف الواحد نصف ساعة أو ثلث ساعة ثم يتحركون، والمشاهد -أيضاً- أنهم في نصف الساعة يقطعون مسافة عشرة أمتار أو نحوها، فإذا وقفوا في هذه الوقفة نزلوا ذكوراً وإناثاً، والأرض واسعة، فيصلون فيها الصلاة جمعاً أو قصراً الصلاة، حتى لا يؤخروها عن وقتها. والسائق إذا رجعوا نزل وقاد السيارة واحد غيره إلى أن يصلي مع من بقي، هذا هو الذي أفتى به مشايخنا، فالحاصل أنهم إذا أَمَّلوُا أن يصلوا قبل نصف الليل أو بعد نصف الليل بقليل -وقيل: إلى ثلثي الليل- أخروها إلى أن يصلوا، وإلا صلوها في الطريق حتى لا يفوت وقتها.

المبيت بمزدلفة

المبيت بمزدلفة المبيت بمزدلفة واجب من الواجبات كما سيأتي، وذهب بعضهم إلى أنه ركن، واستدلوا بقول الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة:198] والمشعر الحرام هو مزدلفة، فهذا الأمر يدل على الوجوب: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة:198] (عنده) يعني: فيه. والأكثرون على أنه من الواجبات التي إذا تركت جبرت بدم. والآن يحصل أن كثيراً يفوتهم المبيت بمزدلفة لأجل الزحام، فيتوجهون من عرفة، ولشدة الزحام قد لا يصلون إلى مزدلفة إلا بعد الصباح، فهل عليهم دم والحال هذه؟ نرى أنه لا دم عليهم، وذلك لأنهم بذلوا وسعهم وتوجهوا كما توجه غيرهم، ولم يستطيعوا فعل أكثر مما حصل، وإذا كان بعضهم أقوياء يستطيعون مواصلة السير إذا رأوا أن السير يتأخر بهم فاستطاعوا أن يواصلوا السير بأقدامهم مسيرة ساعة أو ساعة ونصف حتى يصلوا إلى مزدلفة فهو أفضل، والعجزة والنساء ونحوهم يسقط عنهم بقدر ما بذلوه من الجهد. وفي مزدلفة يقع خطأ من كثير من الذين يتعجلون، وهو أن كثيراً منهم يجلسون فيها ساعة أو ساعة ونصفاً، ثم يسيرون إلى منى، وهذا خطأ، وكثير من الناس إذا كان نصفهم أو ثلثهم نساء ادعوا أن لهم عذراً، فيجلسون ساعة أو ساعة ونصفاً ثم يتوجهون إلى منى، ولا شك أنه قد وردت الرخصة للنساء والعجزة كما جاء: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لـ أم سلمة ولـ سودة أن تدفعا في آخر الليل) وهذه الرخصة خاصة بمن هذه حالته، أما بقية الصحابة وأمهات المؤمنين فإنهم بقوا. كذلك رخص لبعض الشباب أن يذهبوا مع بعض النساء، ومنهم ابن عباس رضي الله عنه، يقول: إنه من جملة الذين أذن لهم أن ينفروا آخر الليل، ولكنه جعل يضرب أفخاذه ويقول: (أي بني! لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) فدل على أنه رخص لهؤلاء، ولا تكون الرخصة عامة للناس كلهم، فيتنبه إلى أن الأصل المبيت بمزدلفة إلى الصباح، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه.

صلاة الصبح وإتيان المشعر الحرام

صلاة الصبح وإتيان المشعر الحرام وإذا صلى الصبح أتى المشعر الحرام، والمشعر هو الجبل الصغير الذي عنده المسجد، ولكن تسمى مزدلفة كلها بالمشعر الحرام، فيقف عنده ويحمد الله ويكبر، ويذكر ويقرأ قول الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة:198] الآية. ويكثر من الدعاء حتى يسفر، وإذا لم يتيسر لبعد المكان فإن مزدلفة كلها موقف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) و (جمع) هي مزدلفة، يعني أن كلاً منهم وقف في مكانه، فيصلون في أماكنهم، ويدعون الله تعالى حتى يسفروا، وكان المشركون يقفون بمزدلفة إلى أن تشرق الشمس على ثبير -الجبل المرتفع الذي يقع شرق شمال مزدلفة- فيقولون: أشرق ثبير كيما نغير. فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأفاض من مزدلفة قبل أن تشرق الشمس، أي: بعدما أسفر جداً.

السير إلى منى

السير إلى منى ثم بعدها يتوجه من مزدلفة إلى منى، ويسير -أيضاً- كما يسير من عرفة إلى مزدلفة سيراً معتاداً، وإن كان في هذه الأزمنة الناس يسيرون على السيارات، والسير على السيارات يختلف عن السير على الرواحل. فإذا وصلوا إلى وادي محسر أسرعوا رمية حجر، ووادي محسر حاجز وفاصل بين منى ومزدلفة، وليس هو من المشاعر، وقدر رمية الحجر يمكن أنه -مثلاً- عشرة أمتار، والآن قد حددوه، ولكن زعموا أنه أربعون متراً من باب الاحتياط، وإلا فهو قدر رمية حجر، أي: قدر ما يأخذ الإنسان حجراً ويرمي به. والعادة أنه إذا رمى به يمتد نحو عشرة أمتار أو خمسة عشر متراً، فهم من باب الاحتياط جعلوا له حدوداً من جهتيه. إذاً النبي عليه الصلاة والسلام أسرع فيه السير براحلته، وذلك لأنه الوادي الذي تحسر فيه فيل أبرهة، والذي أنزل عليهم فيه الطير الأبابيل تحمل حجارة من سجيل، فهذا واد قد نزل فيه هذا العذاب، ولكن مع ذلك الناس في هذه الأزمنة لشدة زحامهم يسكنون فيه، ويكون مستقراً لكثير منهم لعدم المساكن، فيعذرون بذلك، وأيضاً لا يتيسر الإسراع فيه، وذلك لشدة الزحام، لا إسراع السيارة ولا إسراع الراجلين. قوله: [وأخذ حصى الجمار سبعين، أكبر من الحمص ودون البندق] . حصى الجمار تؤخذ من أي مكان، ولكن كثيراً من الفقهاء ينصون على أنه يؤخذ من مزدلفة، فكانوا يأخذون من مزدلفة سبعين حصاة، سبعاً ليوم العيد، والثلاثة الأيام التي بعدها لكل يوم إحدى وعشرون، والصحيح أنه يؤخذ من كل مكان، والنبي صلى الله عليه وسلم ما أخذ من مزدلفة إلا سبعاً، قال للفضل بن عباس: (ناولني سبع حصيات. يقول: فناولته حصيات مثل حصى الخذف -أو هن حصى الخذف- فقال: بمثل هذا فارموا عباد الله، وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) ، وحصى الخذف هي الحصاة التي يجعلها بين إصبعين ثم يخذف بها، أي: يرمي بها صيداً أو نحو ذلك كالعصفور أو نحوه، وهو الذي ورد فيه أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدواً، ولكنها تفقأ العين وتكسر السن) . فحصى الخذف: الحصيات التي هي قدر نواة التمر أو أصغر، أو قدر حبة الفول أو قريباً منها. والحمص هو المعروف الذي يؤكل، ويسمى القريض، والبندق نبت أكبر منه، وهو نبت شيء من الشجر عليه قشرة. فيكون هذا مقدار الحصى التي يرمى بها.

الوصول إلى منى ورمي الجمار

الوصول إلى منى ورمي الجمار وإذا وصل إلى منى فإن تحيتها الرمي، هكذا يقول العلماء: تحية منى رمي جمرة العقبة، يرميها بسبع حصيات كما هو معروف، ويقتصر على رمي جمرة العقبة فلا يرمي غيرها. والرمي قيل: إنه من سنة إبراهيم أو إسماعيل. وسببه -كما ذكر في مسند أحمد -: أن الشيطان اعترض لإبراهيم عند الجمرة الكبرى لما أراد أن يذبح ولده، فرجمه، ثم اعترض لإسماعيل عند الجمرة الوسطى فرجمه، ثم اعترض هاجر أم إسماعيل عند الجمرة الصغرى فرجمته، هكذا ورد في ذلك الحديث. ورجمنا لهذه الحجارة المنصوبة ليس هو رجم للشيطان كما يعتقده بعض العامة، وإنما هو لتذكر عداوة الشيطان، إذا عرفنا عداوته لأبينا آدم ثم لأبينا إبراهيم فإننا نأخذ حذرنا من إغوائه لنا ومن طواعيته، ومع ذلك فإن شرعية هذا الرمي لإقامة ذكر الله، هكذا ورد في حديث عن عائشة قالت: (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) ولأجل ذلك يكبر مع كل حصاة حال الرمي في يوم العيد وفي الأيام التي بعده، فكلما رمى حصاة كبر معها بقوله: (الله أكبر) . وقيل: إنه يسمي. أي: باسم الله، الله أكبر. وبعضهم يقول: غضباً للشيطان. أو: نعوذ بالله من الشيطان. وما أشبه ذلك، ولكن التكبير هو الذي ورد. وذكروا أنه يرفع يمناه حتى يرى بياض إبطه؛ لأنه لم يزل محرماً، فيرفع يده من تحت الرداء، فإذا ارتفعت ارتفع الرداء، فيرى بياض إبطه من شدة رفعه.

نحر الهدي

نحر الهدي بعدما يرمي جمرة العقبة إن كان معه هدي نحر هديه، أو إذا كان عليه فدية نحر فديته أو ذبحها.

الحلق أو التقصير

الحلق أو التقصير بعد ذلك يحلق أو يقصر، والحلق أو التقصير يعتبر نسكاً وعبادة من العبادات وطاعة وقربة، وليس هو عادة، فلابد أن يحلق رأسه -وهو أفضل- أو يقصر منه، وإذا اقتصر على التقصير فلابد أن يدور على رأسه ويأخذ منه كله، وإن لم يكن من كل شعرة. والمرأة تقصر من كل ضفيرة قدر أنملة، وقد كان النساء يجعلن رءوسهن ضفائر -أي: قروناً-، فقد يكون رأسها -مثلاً- ثلاثة قرون أو خمسة أو ستة، فتمسك كل قرن وتقص منه قدر أنملة، أي: قدر خصلة من خصال الإصبع، ويكون هذا هو التقصير في حقها. وليس على النساء حلق، وإنما عليهن التقصير، وأما الرجل فإن الحلق أفضل، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاث مرات، والمقصرين واحدة. فإذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر حل له كل شيء إلا النساء، ويسمى هذا التحلل الأول، والتحلل الأول يدخل بفعل اثنين من ثلاثة، وفي يوم العيد يفعل أربعة أشياء: الرمي، والنحر، والحلق، والطواف، ولم يعدوا النحر من أسباب التحلل؛ لأنه ليس عاماً، وكثير من الناس ليس عليهم هدي إذا كانوا مفردين، فيكون عليهم الرمي والحلق والطواف؛ ولأجل ذلك جعلت هذه الثلاثة هي أسباب التحلل، فإذا فعل اثنين منها فقد تحلل التحلل الأول، وإذا رمى وحلق بقي عليه الطواف، فإذا فعل الثلاثة حل التحلل كله، ولو بدأ بالطواف ثم بالحلق وبقي عليه الرمي فقد حل التحلل الأول، كذلك لو رمى وطاف ولم يحلق أحل له كل شيء إلا النساء، فإذا فعل الثلاثة حل له كل شيء حتى النساء.

طواف الإفاضة والسعي

طواف الإفاضة والسعي وطواف الإفاضة هو طواف الحج، ويسمى: (طواف الإفاضة) ، و (طواف الزيارة) ، و (طواف الحج) ، ويسن أن يكون في يوم العيد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أفاض في ذلك اليوم، ولكن في هذه الأزمنة يحصل مشقة وصعوبة، فلا بأس بتأخيره، فلو أخره إلى اليوم الحادي عشر ليلاً أو نهاراً أجزأ ذلك، وكذلك لو أخره إلى ما بعد أيام التشريق أجزأه ذلك، فوقته واسع، ومن العلماء من حدد وقته إلى آخر الشهر، ومنهم من حدده إلى آخر أيام التشريق، والصحيح أنه يجوز تأخيره. وطواف الزيارة معروف أنه ركن من أركان الحج كما يأتي، وإذا كان عليه سعي فإنه يسعى، والمتمتع لا شك أن عليه سعيين: سعي مع طواف العمرة، وسعي مع طواف الحج. وأما القارن والمفرد فليس عليهما إلا سعي واحد، فإن قدمه بعد طواف القدوم سقط عنه بعد طواف الزيارة، وإن لم يسعَ بعد طواف القدوم بقي عليه السعي، فيأتي به بعد طواف الزيارة -أي: طواف الإفاضة-، ولا يصح السعي إلا بعد طواف مشروع، ويجوز الفصل بينهما فصلاً يسيراً كنصف يوم، فلو طاف في أول النهار في الساعة السابعة صباحاً مثلاً، ولم يسع إلا في الساعة الثانية عشرة أو الثالثة عصراً أجزأه ذلك، وأما إذا أخره إلى الليل فالمشهور أنه يعيد الطواف حتى يكونا متواليين. وهل يجوز تقديم السعي على الطواف؟ أجاز ذلك بعض المشايخ، والجمهور على أنه لا يجوز، وكان مشايخنا الأولون يشددون فيقولون: لا يجوز تقديم السعي على الطواف اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف ثم سعى.

الشرب من ماء زمزم

الشرب من ماء زمزم وبعد ذلك يسن أن يشرب من زمزم لما أحب، ويتضلع منه، ويدعو بما ورد. وبئر زمزم هي البئر القديمة التي نبعت على عهد أم إسماعيل، وورد أن (ماء زمزم لما شرب له) يعني: إذا شربه المسلم ونوى به شفاءً أو علماً أو رزقاً أو نحو ذلك فإن الله يعطيه ما نواه، ومما ورد من الأدعية أن يقول: اللهم! اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً وشبعاً، وشفاءً من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك وحكمتك أو ما أشبه ذلك، يدعو بهذا أو يدعو بغيره.

المبيت بمنى ثلاث ليال

المبيت بمنى ثلاث ليال وبعد ذلك يرجع إلى منى، فيبيت بها ثلاث ليال، أي: ليلة اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، فيبيت مساء يوم العيد، ثم ليلتين بعده، وهذا لمن لم يتعجل، ومن تعجل فإنه يبيت فيها ليلتين ويقيم فيها يومين بعد يوم العيد. وفي أيام منى ذكر الحديث: (أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) ومنع من صيامها إلا لمن لم يجد الهدي كما تقدم، وفي أيام منى -أيضاً- يكثر الحجاج من الذكر والتكبير، فيكبرون بعد كل صلاة التكبير المقيد، وكان بعض الصحابة ومنهم عمر رضي الله عنه يكبرون فيها تكبيراً مطلقاً، فكان إذا كان في خيمته رفع صوته بالتكبير حتى ترتج منى تكبيراً.

رمي الجمار الثلاث أيام منى

رمي الجمار الثلاث أيام منى ومن الأعمال التي يقوم بها الحجاج في أيام منى الرمي، والرمي هو رمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، ويسن قبل صلاة الظهر وبعد الزوال، وإن شق أخره إلى قرب الغروب. وهذا الرمي واجب -كما سيأتي- من الواجبات، وفي هذه الأيام يرمي كل جمرة بسبع حصيات، يبدأ بالصغرى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة. يقول: الرمي وقته من الزوال إلى غروب الشمس. هذا هو المجمع عليه، واختلفوا في الرمي ليلاً، وأجاز ذلك بعض العلماء المتأخرين، فأجازوا أن يرمي يوم العيد ليلاً إذا لم يتمكن من الرمي في النهار ولو إلى آخر الليل، وفي اليوم الحادي عشر أن يرمي ولو في آخر الليل، وأما في اليوم الثاني عشر فإن كان سوف يتعجل فإنه يرمي قبل غروب الشمس، ويخرج قبل غروب الشمس حتى لا يلزمه المبيت، وإن كان لا يتعجل فله أن يؤخر الرمي إلى الليل، وله أن يرميه طوال الليل، وأما اليوم الثالث عشر فلا يجوز تأخيره إلى ما بعد الغروب، بل يرميه قبل أن تغرب الشمس؛ لأن أيام التشريق تنتهي بغروب الشمس في اليوم الثالث عشر، وبها ينتهي أعمال الحج. ومن تعجل في يومين خرج قبل غروب الشمس في اليوم الثاني عشر، فإن غربت عليه الشمس بعدما ركب الطريق فله أن يواصل خروجه. مثاله: لو حمل رحله وخيمته على سيارته ثم سار، ولشدة الزحام غربت الشمس وهو لم يخرج من منى، نقول له: اخرج. فأما إذا غربت عليه الشمس ورحله ما يزال في الأرض فإننا نقول له: بت هذه الليلة، وارمِ الجمرة في اليوم الثالث عشر؛ فإنك ما تعجلت، وقد أدركتك ليلة الثالث عشر.

طواف الوداع

طواف الوداع وآخر ما يعمله الحاج طواف الوداع، وهو من الواجبات، يفعله بعدما ينتهي من رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر، أو متى عزم على الخروج، فقد أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت. ولو أخر طواف الزيارة وطافه عند الخروج بالنية كفاه عن طواف الوداع، حيث صدق عليه أنه جعل آخر عهده بالبيت.

الوقوف بالملتزم بعد طواف الوداع

الوقوف بالملتزم بعد طواف الوداع ثم بعدما ينتهي من طواف الوداع إذا تيسر له وقف بالملتزم داعياً بما تيسر، والملتزم: هو ما بين الحجر الأسود والباب. روي أنه تستجاب فيه الدعوة، وصفة التزامه أن يضع يديه عليه، وإذا قدر وضع صدره أو خده عليه، ثم يدعو بما ورد، ومما ورد أنه يقول: (اللهم! هذا بيتك، وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضاً، وإلا فمُنَّ عليّ الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، وهذا وقت انصرافي إن أذنت لي، غير مستبدل بك سواك، اللهم! فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة؛ إنك على كل شيء قدير) . ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي الحطيم الذي هو تحت الميزاب، فيدعو ثم يشرب من ماء زمزم، ثم يخرج. وعندما يخرج لا يلزمه أن يمشي القهقرى كما يفعل بعضهم، بل يمشي على حالته. والحائض لا تدخل البيت ولكن تقف بالباب وتدعو بما تيسر، فالحائض والنفساء ممنوعتان من دخول المسجد.

زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أما زيارة المدينة فأكثر الفقهاء يقولون: الزيارة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه. ولكن الصحيح أن الزيارة للمسجد، فينوي بزيارة المدينة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه الذي تضاعف فيه الصلوات، فالصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه، فإذا سار إلى المدينة فلا ينوي زيارة القبر، بل ينوي زيارة المسجد. والأحاديث التي وردت في زيارة القبر ضعيفة أو موضوعة، وما ثبت شيء منها، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) يعني: لا تشد إلى بقعة رجاء فضيلتها فإذا جاء إلى المسجد بدأ فصلى فيه تحيته، ثم بعد ذلك يزور القبر، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، وكذلك يزور قبور البقيع والشهداء، ويسن -أيضاً- أن يصلي في مسجد قباء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيه، وأما بقية المزارات فلا أصل لها.

صفة العمرة

صفة العمرة العمرة صفتها أن يحرم بها إما من الميقات كالذي يأتي من الآفاق، وإما من أدنى الحل إذا كان من أهل مكة، فيخرج المكي إلى أدنى الحل ليحرم، ثم يطوف ويسعى ويقصر، وتنتهي عمرته، وأما ما روي أن إتمامها أن يحرم بها من دويرة أهله إن كان دون الميقات فهذا خاص بمن هم دون المواقيت، أما الذين في المواقيت أو ما وراء المواقيت فيحرمون بها من الميقات. هذه صفة العمرة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من لم يستطع الحج حتى مات

حكم من لم يستطع الحج حتى مات Q أبي لم يستطع الحج في شبابه لقلة المال لديه، فلما كبر سنه ما استطاع، ثم مات ولم يحج، ولم يحج عنه أبناؤه، فهل عليه أو على أبنائه إثم، علماً بأن أمي كذلك؟ A إذا كان قدر أحد أولاده أو قدرت أنت فحج عن أبيك، وهو معذور أولاً للفقر، ثم للكبر، وكان عليه بعدما قدر أن يوكل من يحج عنه، ولكن حيث إنه لم يتيسر له فلعل أولاده أن يحجوا عنه أو يوكلوا من يحج عنه.

حكم من مات ولم تقسم تركته لمدة عشر سنوات

حكم من مات ولم تقسم تركته لمدة عشر سنوات Q رجل يعمل ببلاد بعيدة، فمات، وكان يضع أمواله في أحد البنوك، فوكل أهل الميت أحد أصدقائه بالإشراف على أمواله، فأخذ يرسل لهم ما يطلبون من غير تقسيم للتركة، فيرسل للأم والأبناء الصغار، أما الكبار فهم يعملون ولا يرسل لهم، علماً بأنهم لم يقسموا التركة الباقية، فهم يسكنون ويعيشون مع بعضهم في منزل واحد وطعامهم واحد، فهل عليهم إثم في عدم تقسيم التركة؟ وقد بقي هذا المال عشر سنوات ولم يزك، فهل في ذلك شيء؟ A لابد أن يؤخذ رضا الإخوة الكبار الذين يعملون، حيث إن لهم حقاً في هذه التركة بعد موت مورثهم، فإذا سمحوا بما أنفقه إخوتهم الصغار وأمهم سقط حقهم، ونشير عليهم بأن يقتسموها من الآن إذا أرادوا أن تعرف جميع الحقوق، حتى يعرف حق القاصرين -مثلاً- وحق الباقين الذين مع أمهم، وحتى ينفق عليهم مما يخصهم. أما الزكاة فلا تسقط إذا كان المال موفراً، ولكن ينظر في نصيب كل واحد منهم، فإذا بلغ نصيب كل واحد النصاب فعليه الزكاة، فإن كان نصيب كل واحد أقل من النصاب فلا زكاة عليهم ولو كان مجموعه يبلغ النصاب.

حكم بقاء المرأة مع زوج لا يصلي

حكم بقاء المرأة مع زوج لا يصلي Q أنا امرأة متزوجة منذ ثلاثة عشر عاماً، وعندي أربعة أولاد، وملتزمة ولله الحمد، وزوجي شارب للخمر تارك للصلاة، له سبع سنين لم يشهد صلاة الفجر، ونصحته مراراً وتكراراً إلا أنه أصر على ما يفعله، والآن أنا طالبة منه الطلاق لأني سأحس بالراحة إذا طلقني، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ A لا يجوز البقاء معه إذا كان لا يصلي؛ لأن ترك الصلاة والإصرار على تركها وعدم التقبل للنصيحة يعتبر كفراً كما أفتى بذلك المشايخ، فلابد أن تطلب منه أن يخلي سبيلها، وتحرص على أن يكون الأولاد معها حتى لا يتربون عنده فيأخذون ما أخذه.

حكم السفر إلى بلد فيه اختلاط وتبرج للدراسة

حكم السفر إلى بلد فيه اختلاط وتبرج للدراسة Q أنا شاب فلسطيني، انتهيت من دراسة الثانوية ولم أقبل في الجامعات السعودية، فهل يجوز لي السفر إلى أحد البلدان العربية المسلمة مع ما يوجد هناك من الاختلاط داخل الجامعة وغيرها علماً بأن الوالدين مصران على سفري، وأن البقاء بلا جامعة سيضر بي اقتصادياً واجتماعياً؟ A لا بأس بأن تطيع الأبوين إذا أصرا على أنك تسافر، ولو كان في البلاد الأخرى سفور واختلاط وفتن، وبإمكانك أن تغض بصرك وتحفظ نفسك.

حكم ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجه

حكم ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجه Q هل كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في حجه واجب لقوله: (خذوا عني مناسككم) ، وكذا الصلاة لقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ؟ A لا شك أن أفعاله في الحج وفي الصلاة منها ما هو ركن ومنها ما هو واجب ومنها ما هو سنة، ولا يلزم التقيد بكل فعل فعله ويقال: إنه من الواجبات. وذلك لأنه أقر على إسقاط كثير منها، كما في حديث عروة بن مضرس وغيره.

وجوب طاعة الأم إذا طلبت أن يحج بها ابنها

وجوب طاعة الأم إذا طلبت أن يحج بها ابنها Q رجل تطلب منه والدته دائماً أن يحج بها، مع أنها قد حجت حجة الإسلام، ولكنها تريد الحج رغبة في الأجر، وهو يرفض لما في الحج في هذه الأزمنة من الزحام الشديد والمشقة، خصوصاً على النساء، فهل له ذلك أم يجب عليه أن يطيعها؟ A لا يعتذر بعذر الزحام، فالزحام يمكنه أن يتحمله، فيتحين الأوقات التي يجد فيها فراغاً للطواف بأمه، وبقية المشاعر ليس فيها زحام، فيطيع أمه وله أجر إن شاء الله.

شرح أخصر المختصرات [22]

شرح أخصر المختصرات [22] للحج والعمرة أركان وواجبات يجب على من أراد أحدهما أن يتعلم أحكامه ومسائله، وقد بين ذلك أهل العلم رحمهم الله، ومما بينوه: أنواع الذبائح التي تتعلق بالحج والعمرة، من الهدي ودم التمتع ودم الجبران وجزاء الصيد، وكذلك بينوا أحكام الأضاحي التي تشرع لمن لم يحجوا؛ ليشاركوا الحجاج في التقرب إلى الله بالذبائح والأكل والتصدق منها.

مقدمة في بيان كيفية الترجيح بين المسائل الخلافية في الحج

مقدمة في بيان كيفية الترجيح بين المسائل الخلافية في الحج قرأنا في صفة الحج متى يحرم المحلون بالحج، وحكم المبيت بمنى ليلة عرفة، ومتى يذهبون إلى عرفة، وبيان الموقف في عرفة، وكيف يصلون الظهرين، وبيان وقت الوقوف بعرفة، ومتى يدفعون إلى مزدلفة، وكيف يكون الدفع، وكيف تصلى المغرب والعشاء هناك، وما المراد بالمشعر الحرام، وماذا يفعل عنده، ومتى يدفع إلى منى، وماذا يفعل الحاج إذا بلغ محسراً، ومن أين يأخذ حصى الجمار، ومقدار الحصى، وكيف يرمي، وماذا يدعو به عند الرمي، وأعمال يوم النحر، وكيف يرتبها، ومقدار ما تأخذه المرأة من الشعر تقصيراً، وبيان التحلل الأول، ومتى يفيض الحاج إلى مكة، واستحباب الشرب من ماء زمزم والدعاء، وحكم المبيت بمنى ليالي منى، وكيف يرمي الجمرات، ومتى ينفر من تعجل في يومين، وحكم من غربت عليه الشمس في اليوم الثاني عشر قبل أن ينفر من منى، وحكم طواف الوداع، ومشروعية الوقوف بالملتزم، وما تفعل الحائض والنفساء التي سقط عنها طواف الوداع، وحكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، وبينا أن الزيارة تكون للمسجد لا للقبر، وأن السلام يكون بعد أداء صلاة تحية المسجد، وذكرنا صفة العمرة، ومن أين يحرم بها إذا كان من أهل مكة، ومتى يتحلل من العمرة. وقد أكثر العلماء قديماً وحديثاً من الكتابة حول مناسك الحج، وبينوا ماذا يفعل الحاج في هذه المشاعر، ولا شك أن فيها شيئاً من الاختلاف بين العلماء، ولكن لكل اجتهاده، وأصح الأقوال ما وافق الدليل، والأدلة واضحة، والسنة محفوظة قولاً وفعلاً، والاختلافات التي وقعت بين الصحابة ومن بعدهم فيها مجال للاجتهاد. فمن الاختلافات: الاختلاف في أي الأنساك أفضل؟ فالإمام أحمد يختار أن أفضل الأنساك التمتع؛ لأنه آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم. والإمام مالك يختار القران. والشافعي يختار الإفراد، وفي رواية عنه القران. وسبب ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا، فـ ابن عباس يرى التمتع ويلزم الحاج به، حتى إنه يقول: من طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فقد حل شاء أم أبى، فهو يوجب التمتع، حتى على من أحرم مفرداً، ويسمى هذا فسخ الحج إلى العمرة، واختلفوا في حكمه: هل يجوز إذا أحرم بحج أن يفسخه ويجعله عمرة؟ في ذلك خلاف كبير، وسبب ذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر سبعة عشر صحابياً بالتحلل وقد كانوا مفردين، حيث لم يكن معهم هدي، وامتنع الذين معهم الهدي أن يتحللوا، فلذلك رجح بعض العلماء الفسخ، بل بعضهم يلزم به، ومنهم ابن القيم في زاد المعاد، فإنه لما ساق الأحاديث التي في الأمر بالفسخ قال: ليس لأحد عذر في تركها؛ فإنها صريحة في الأمر بالفسخ، ومع ذلك فالمسألة محتملة للأقوال، وذلك لأن أكابر الصحابة كـ أبي بكر وعمر وعثمان كانوا يلزمون الناس بالإفراد، وكان عمر ينهى عن التمتع، ويأمرهم بأن يعتمروا في سفر مستقل؛ خوفاً من تعطل الحرم من الطائفين، هكذا اعتذروا عنه؛ فإنه لا يخفى عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يتحللوا، ولكن مع ذلك يقول: إذا أمرناهم بالعمرة في هذا السفر سافروا سفراً واحداً، وقضوا فيه حجاً وعمرة، واكتفوا بهذا السفر عن سفر آخر للعمرة، وتعطل البيت بقية السنة، فإذا منعوا فإنهم يقتصرون على الحج في سفرتهم، ويأتي بعضهم في شهر صفر للعمرة، وبعضهم في شهر ربيع، وبعضهم في جمادى، وبعضهم في رجب، وبعضهم في رمضان، فيبقى البيت الحرام معموراً بالزوار، هذا عذره. ولكن إذا ثبت الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مقدم على قول كل أحد، فـ ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن من أتى البيت فطاف به وسعى فقد حل، ولو لم ينوِ التحلل، فاحتجوا عليه بأن أبا بكر وعمر ينهون عن التمتع، وينهون عن العمرة مع الحج، فاشتهر عنه أنه قال: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء! أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!) بمعنى: أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على قول كل أحد. وهناك خلافات أخرى في كثير من المناسك، ولكن إذا اتضح الدليل فالمسلم يتبع الدليل مع من كان، ولا يتعصب لمذهب من المذاهب.

أركان الحج

أركان الحج قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل أركان الحج أربعة: إحرام، ووقوف، وطواف، وسعي. وواجباته سبعة: إحرام مار على ميقات منه، ووقوف إلى الليل إن وقف نهاراً، ومبيت بمزدلفة إلى بعد نصفه إن وافاها قبله، وبمنى لياليها، والرمي مرتباً، وحلق أو تقصير، وطواف وداع. وأركان العمرة ثلاثة: إحرام، وطواف، وسعي. وواجبها اثنان: الإحرام من الحل، والحلق أو التقصير. ومن فاته الوقوف فاته الحج وتحلل بعمرة، وهي إن لم يكن اشترط، ومن منع البيت أهدى ثم حل، فإن فقده صام عشرة أيام، ومن صد عن عرفة تحلل بعمرة ولا دم. فصل: والأضحية سنة يكره تركها لقادر، ووقت الذبح بعد صلاة عيد أو قدرها إلى آخر ثاني التشريق، ولا يعطى جازر أجرته منها، ولا يباع جلدها ولا شيء منها، بل ينتفع به. وأفضل هدي وأضحية إبل، ثم بقر، ثم غنم، ولا يجزئ إلا جذع ضأن أو ثني غيره، فثني إبل ما له خمس سنين، وبقر سنتان، وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة، ولا تجزئ هزيلة، وبينة عور أو عرج، ولا ذاهبة الثنايا أو أكثر أذنها أو قرنها. والسنة نحر إبل قائمة معقولة يدها اليسرى، وذبح غيرها، ويقول: (باسم الله، اللهم هذا منك ولك) . وسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً مطلقاً، والحلق بعدها، وإن أكلها إلا أوقية جاز، وحرم على مريدها أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته في العشر. وتسن العقيقة، وهي عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، تذبح يوم السابع، فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين، ثم لا تعتبر الأسابيع، وحكمها كأضحية] . هكذا لخص الفقهاء باب الحج، وقسموه إلى ثلاثة أقسام: أركان، وواجبات، وسنن. الأركان جمع ركن، وركن الشيء: جانبه الأقوى الذي لا يتم إلا به، أو ركن الشيء جزء ماهيته -أي: البعض منه- وباجتماع الأركان تتم الماهية، وأركان الحج أربعة: الإحرام، والوقوف، والطواف، والسعي.

الإحرام

الإحرام الإحرام ركن بلا خلاف؛ وذلك لأنه نية النسك، وليس الإحرام هو اللباس، بل الإحرام هو النية، يعني: أن ينوي بقلبه الدخول في النسك، ثم بعد دخوله فيه يشعر بأنها حرمت عليه المحظورات، وأنه تلبس بهذه العبادة، فهو مثل الإحرام بالصلاة، ومعلوم أنه إذا أحرم بالصلاة حرم عليه الالتفات، وحرمت عليه الحركة والمشي، وحرم عليه الأكل والشرب، وحرم عليه الضحك، وحرم عليه الانصراف عن القبلة وأشباه ذلك، فكذلك نقول: إذا دخل في النسك -أي: في الحج أو العمرة- فإنها تحرم عليه هذه المحظورات، فيحرم عليه تغطية الرأس، ولبس المخيط، والتطيب، وقص الشعر، وتقليم الأظافر إلخ، فالإحرام هو النسك، وهو أن يعزم بقلبه أنه دخل في الإحرام. وقد تقدم جواز الإحرام قبل أن يأتي الميقات، وذكرنا أنه إذا أحرم بالحج قبل أن تدخل أشهره -كما لو أحرم في آخر رمضان بالحج، وبقي محرماً إلى يوم النحر- فإن ذلك جائز مع الكراهة. والصحيح أنه ينعقد الإحرام قبل الميقات، وقد روي أن عبد الله بن معمر لما انتصر المسلمون في وقعة نهاوند نذر أن يحرم منها إلى مكة، فعقد الإحرام من خراسان، وجاء محرماً مسيرة أكثر من شهر، إلى أن حل إحرامه بالعمرة بعدما تحلل، وكان ذلك في عهد عثمان، ولكن عثمان لامه لأنه شق على نفسه، وغيره كثير من الذين أحرموا قبل الميقات بمدة، وقد تقدم قول بعضهم: يحرم من دويرة أهله إن كان دون الميقات، لكن قد روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] قال: (إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك) وظاهره أنه يحرم من حين يخرج من بيته مسافراً، ولكن ابن عباس ومن قال بهذا أرادوا أن تنشئ لهما سفراً، وأن يكون سفرك من بيتك إلى الحرم لأجل الحج أو لأجل العمرة، فهذا هو الذي يكون أجره كاملاً، وأما الذي يسافر لغرض ثم يعتمر في طريقه، فهو وإن كانت عمرته مجزئة لكنها أنقص أجراً ممن لم يسافر إلا للعمرة، فالذين يسافرون لغرض كتجارة أو زيارة أو احتفال، أو لحضور مناسبة في مكة أو في جدة أو في الطائف، ثم يقولون: إذا وصلنا ذلك المكان نأخذ عمرة، نقول: عمرتهم مجزئة؛ ولكن ليست مثل عمرة الذي ما حمله على السفر إلا أداء العمرة، فهذا عمرته أكثر أجراً.

الوقوف بعرفة

الوقوف بعرفة الوقوف بعرفة ركن، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) وذلك لأن الحجاج يجتمعون في عرفة يوم عرفة، فالذين يفوتهم الوقوف بعرفة يفوتهم الحج، وآخره إذا طلع الفجر يوم النحر، فإذا طلع الفجر فقد فات وقت الوقوف، فمن جاء بعد ذلك فقد فاته الحج.

الطواف

الطواف الطواف ركن بلا خلاف، ودليله قول الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] والمراد: طواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، فهذا ركن. وأما طواف القدوم فإنه سنة في حق المفرد والقارن، فيسن لهما إذا قدما، وذلك الطواف يعتبر تحية المسجد أو تحية مكة.

السعي بين الصفا والمروة

السعي بين الصفا والمروة السعي بين الصفا والمروة فيه خلاف: هل هو ركن أو واجب، أو سنة؟ اختار الإمام أحمد في المشهور عنه أنه ركن، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلمِ: (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) (كتبه) يعني: فرضه، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الذين قالوا: إنه واجب: إن الله تعالى نفى الجناح عمن لم يفعله، ونفي الجناح لا يدل على الركنية، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158] وقد استشكل هذه الآية عروة رحمه الله، فقال لـ عائشة: ما أرى السعي واجباً؛ لأن الله قال: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ) أي: فلا حرج عليه إذا تطوف بينهما، فكأن التقدير: لا حرج عليك إذا تطوفت، فلم يكن فيها أمر بالتطوف، وأجابت عائشة بقولها: لو كان ذلك كذلك لقال: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما. وأيضاً استدل على الركنية بأن الله تعالى جعل الصفا والمروة من شعائر الله، والشعائر هي المعالم التي لها أعمال، أي: التي لها أعمال تختص بها، فكل مشعر من المشاعر له عبادة تخصه، فإن المشاعر والشعائر تنقسم إلى أقسام، فنقول -مثلاً-: عرفة مشعر من مشاعر الحج، ولكنه ليس بحرم، ومنى ومزدلفة مشعران وحرمان، ووادي محسر حرم وليس بمشعر، وادي عُرَنَةَ ليس حرماً ولا مشعراً، فهذه المشاعر لكل مشعر منها عبادة، فمشعر عرفة له عبادة، ومشعر مزدلفة له عبادة، ومشعر منى له عبادة، فكذلك مشعر الصفا والمروة لها عبادة، وعبادتها السعي بينهما. والحكمة في السعي إحياء ما فعلته أم إسماعيل، فإنها لما نفد عليها الماء رقت على الصفا ونظرت، ثم سعت ووصلت إلى المروة، ثم نظرت وهكذا حتى تمت سبعة أشواط، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فلأجل ذلك شرع السعي بينهما سبعة أشواط) . وأما نفي الحرج في الآية فسببه: أن المشركين كانوا قد جعلوا صنمين على الصفا والمروة، صنم على الصفا يقال له: إساف، وعلى المروة صنم يقال لها: نائلة، فكانوا يطوفون ويتمسحون بهذين الصنمين، فلما أسلم المسلمون ظنوا أن الطواف بهما كان لأجل هذين الصنمين، فبين الله أنهما مشعران، والمشعر لابد له من عبادة، فعبادتهما هو هذا السعي، وهو عبادة لما فيه من الامتثال، ولما فيه من هذا التعب ونحوه. هذه أدلة من يرى أن السعي ركن. ومن يقول: السعي واجب يستدل بأن الله تعالى رفع الحرج بقوله: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) ويقول: هذا لا يدل على الركنية، وإنما يدل على الوجوب، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وهو أنه واجب من الواجبات التي تجبر بدم. ونحن نفتي من أحرم فنقول: يجب عليك ويلزمك أن تسعى، ثم إذا قدر أنه ترك السعي عجزاً أو ترك بعضه، ثم تحلل وخرج، وصعب عليه الرجوع، وفعل المحظورات؛ تساهلنا معه، وأفتيناه بأن السعي واجب، يجبر بدم؛ لمشقة الرجوع. كثيراً ما ترد أسئلة، فيها أن أناساً سعى بعضهم أربعة أشواط ثم عجز وتحلل، أو سعى ثلاثة أشواط أو خمسة أشواط ثم عجز وتحلل ورجع إلى أهله، فمثل هذا نقول: إنه قد ألغى إحرامه، وقد فعل المحظورات، ولبس المخيط وتطيب، ووطئ أهله، وفعل كل المحظورات، فكيف نلزمه مع ذلك ونقول: ارجع لأجل أن تكمل عمرتك، وعليك فدية عن اللبس وتغطية الرأس وعن الطيب والتقليم وما أشبه ذلك؟! في ذلك شيء من المشقة، وكثيراً ما يحصل أنه يتزوج بعدما يرجع، أو تتزوج المرأة بعد أن ترجع، وربما ولد لهما أولاد، فلو قلنا: هذا عقد باطل، والأولاد ليسوا على ولادة صحيحة، ففي ذلك شيء من المشقة، فلذلك نتساهل ونقول لمن تساهل وترك السعي: اجعله كأنه من الواجبات التي تجبر بدم، وأما قبل أن يقع فإننا نلزمه بإتمامه.

واجبات الحج

واجبات الحج

الإحرام من الميقات

الإحرام من الميقات واجبات الحج سبعة: الواجب الأول: الإحرام من الميقات. إذا مر على الميقات وجب عليه أن يحرم منه، فإذا جاوز الميقات وأحرم بعدما جاوزه فعليه دم؛ لأنه ترك الإحرام من الميقات. وكثيراً ما يقع السؤال عن الذين يذهبون إلى جدة، ثم يحرمون منها، فهؤلاء عليهم دم؛ حيث إنهم تجاوزوا الميقات، سواء كان سفرهم براً أو جواً، فيلزمهم أن يحرموا من الميقات، فيحرم -مثلاً- في الطائرة من الميقات، ولو تقدمه بخمس أو عشر دقائق جاز، ويحرم من كان في سيارة إذا مر بالميقات، وإذا قدر أنه تجاوز الميقات ووصل إلى جدة، ثم أراد أن يحرم؛ لزمه أن يرجع حتى يحرم من الميقات، فمن لم يرجع وأحرم بعدما جاوز الميقات فعليه دم، ولا يفيده رجوعه بعد الإحرام، فلو وصل -مثلاً- إلى الزيمة، ثم أحرم منها، ورجع بعد ما أحرم إلى السيل ما سقط عنه الدم، أما إذا رجع قبل أن يحرم فإن عليه أن يحرم من الميقات ولا دم عليه، وهكذا إذا وصلوا إلى جدة عن طريق الجو ولم يحرموا، نقول لهم: ارجعوا إلى الميقات، وإن أحرمتم من جدة فعليكم الدم لمجاوزة الميقات.

الوقوف بعرفة إلى غروب الشمسا

الوقوف بعرفة إلى غروب الشمساً الواجب الثاني: الوقوف بعرفة إلى الليل إن وقف نهاراً. قال الفقهاء: إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة نهاراً، ولم يدفع حتى غربت الشمس، فجمع فيها بين نهار وليل، فالذي ينصرف قبل أن تغرب الشمس يكون قد خالف السنة، وترك واجباً، فعليه دم عن تعجله، فإذا وصل إلى عرفة -مثلاً- وقت الضحى، ثم لما وصل إليها قام فيها، ولما صلى العصر خرج منها، نقول: إن رجع في الليل -يعني: بعدما غربت الشمس- إلى عرفة، وهكذا إذا جاء عرفة في النهار من مكة قبل أن تغرب الشمس فلا شيء عليه، وأما إذا استمر في ذهابه ولم يرجع فإن عليه دم جبران، أما من لم يأت عرفة إلا في الليل فلا شيء عليه؛ لحديث عروة بن مضرس. وهذه مسألة من المسائل الاجتهادية، وينبغي الاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

المبيت بمزدلفة

المبيت بمزدلفة الواجب الثالث: المبيت بمزدلفة إلى بعد نصفه إن وافاها قبله. إذا جاء الحاج إلى مزدلفة قبل نصف الليل فليس له أن ينفر منها إلا بعد انتصاف الليل، فمن نفر منها قبل نصف الليل فعليه دم جبران، وأما إذا لم يأتها إلا بعد نصف الليل فلا شيء عليه، وقد ذكرنا أنه يرخص للظعن والضعفة، ولكن الرخصة إنما كانت في آخر الليل، فكان الظعن والضعفة ينفرون إذا غاب القمر، والقمر في تلك الليلة -التي هي ليلة العاشر- لا يغيب إلا قرب آخر الليل، حين يبقى ربع الليل أو أقل فيغيب، فهذا هو الذي رخص له. وقد ذكرنا أن الرخصة ليست عامة، وإنما هي للضعفة، والناس قد تساهلوا في المبيت بمزدلفة في هذه الأزمنة.

المبيت بمنى ليالي منى

المبيت بمنى ليالي منى الواجب الرابع: المبيت بمنى ليالي منى، وهي: ليلة إحدى عشرة، وليلة اثنتا عشرة لمن تعجل، وليلة ثلاثة عشر لمن لم يتعجل، والمبيت بمنى هو البقاء بها طوال الليل، وهذا هو الأصل، وبعض العلماء يرخص في الاكتفاء بمبيت نصف الليل، فنرى كثيراً من الحجاج في أول الليل يفرشون لهم سجاداً على الرصيف، ويجلسون يتحدثون، ثم إذا مكثوا خمس ساعات أو أربع ساعات ركبوا سياراتهم ودخلوا مكة، وهم مستقرون هناك، فنقول: هؤلاء ما باتوا، وأصل المبيت هو النوم ليلاً، وقد يتعللون أنهم لا يجدون مكاناً في منى، وأن منى امتلأت، والجواب أن نقول لهم: اضربوا خيامكم في أقرب مكان تجدوه، سواء من جهة مكة أو من جهة مزدلفة، ولكم رخصة في ذلك، حيث إنكم فعلتم ما استطعتم، فأما أن تستأجروا شققاً أو فللاً، وتقيمون فيها نهاركم كله، وتأتون في الليل أربع ساعات أو نحوها، ثم ترجعون فيها بقية نهاركم وبقية ليلكم؛ فما أنصفتم، هذه الأيام اسمها: أيام منى، يجلس الحجاج فيها في منى ليلهم ونهارهم؛ لأنهم في هذا المشعر، فهو مشعر من المشاعر يعمر بالذكر والتلبية قبل التحلل وبعده، كما يعمر برمي الجمار والأذكار ونحوها، فكونهم يرجعون إلى مساكنهم إذا كانوا من أهل مكة، أو إلى أماكن استأجروها وكانوا من الآفاقيين؛ فهذا فيه تساهل، ونحن نفتي هؤلاء بأنهم أخطئوا، ولكن نتسامح معهم، فلا نوجب عليهم فدية.

الرمي

الرمي الواجب الخامس: رمي الجمار مرتباً وقد ذكرنا أنه من السنن المأثورة عن إبراهيم وإسماعيل وأم إسماعيل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقال: (خذوا عني مناسككم) . وترتيبه: أن يبدأ بالصغرى التي تلي مسجد الخيف، ثم بالوسطى، ثم بجمرة العقبة، ويجب أن يرمي كل واحدة منها بسبع حصيات، وأن تكون السبع متعاقبات، فلا يرميها دفعة واحدة، فلو رماها دفعة واحدة كانت عن رمية واحدة فقط، ولابد أن تكون متعاقبة. وقت الرمي في يوم العيد النهار كله، وآخر ليلة العيد للظعن، والرمي في الليل ترخص فيه بعض المشايخ نظراً للزحام، وأما في أيام التشريق فاليوم الحادي عشر من الزوال إلى الغروب، ورخص بعض مشايخنا -أيضاً- في الرمي ليلاً، وفي اليوم الثاني عشر من تعجل يرمي قبل أن تغرب الشمس حتى يخرج إذا كان متعجلاً، وأما إذا لم يكن متعجلاً فرخصوا له أن يرمي في الليل، وأما في اليوم الثالث عشر فلا يمتد الرمي إلى ليلة أربعة عشر، بل ينتهي بغروب الشمس في اليوم الثالث عشر.

الحلق أو التقصير

الحلق أو التقصير الواجب السادس: الحلق أو التقصير. وقد ذكرنا أن الحلق أفضل، وأن التقصير مجزئ، ولكن لابد أن يعم الرأس، فيدور عليه كله، وإن لم يأخذ من كل شعرة.

طواف الوداع

طواف الوداع الواجب السابع والأخير: طواف الوداع، وهو واجب إلا أنه يسقط عن الحائض والنفساء. هذه الواجبات التي من ترك واجباً منها فعليه دم.

أركان وواجبات العمرة

أركان وواجبات العمرة أركان العمرة ثلاثة: الإحرام، والطواف، والسعي، وفيه خلاف كما في الحج. وواجباتها اثنان: الإحرام من الميقات، والحلق أو التقصير. الإحرام من الميقات للآفاقي كالإحرام من الحج، أو الإحرام من محل إقامته إذا كان خارج حدود الحرم، وأما أهل مكة فإن إحرامهم بالعمرة من خارج حدود الحرم، والدليل أنه صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن أن يخرج بـ عائشة إلى التنعيم، وهي خارج حدود الحرم؛ فدل على أنه لا يجوز الإحرام بالعمرة من داخل الحدود، ولو كان يجوز لقال: أحرمي من مكانك في الأبطح. مع العلم بأن أهل مكة ليس عليهم عمرة؛ وذلك لأن العمرة تسمى عمرة لما فيها من الزيارة، وكأنهم سموها عمرة لأنهم يعمرون بها البيت والمشاعر، وقيل: الاعتمار هو السفر. فالعمرة زيارة إلى مكة لأداء أعمال مخصوصة، ولذلك تصح في كل السنة، وأما الحج فلا يصح إلا في أشهر الحج كما تقدم، وأهل مكة لا يحتاجون إلى سفر حتى يقال: سافروا للحج؛ لأنهم في مكة. ويقول ابن عباس: (عمرتكم الطواف) أي: أنكم قريبون من البيت فاعمروه بالطواف.

الفوات والإحصار في الحج والعمرة

الفوات والإحصار في الحج والعمرة يعقد الفقهاء باباً في آخر الحج يسمونه (باب الفوات والإحصار) ، وقد اختصره المؤلف هنا، فذكر أن من فاته الوقوف فاته الحج وتحلل بعمرة، وقد روي أن بعض الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه جاءوا إليه محرمين في يوم العيد، فوجدوه ينحر هديه، فقالوا: يا أمير المؤمنين! أخطأنا في الحساب، نحسب أن هذا اليوم هو اليوم التاسع، فأمرهم أن يطوفوا بالبيت، ويسعوا بين الصفا، ويجعلوها عمرة ويتحللوا، وأمر من لم يكن أدى الفرض أن يحج في العام القادم، فهذا ما يفعله من فاته الوقوف. ومن جاء إلى مكة بعدما طلع الفجر يوم العيد فاته الوقوف، وتحلل بعمرة، وأهدى إن لم يكن اشترط، وأقل الهدي شاة يذبحها لمساكين الحرم، أما إذا كان قد اشترط بقوله: (فمحلي حيث حبستني) . فإنه يتحلل بعمرة بدون هدي. ومن منع البيت أهدى ثم حل، كما فعل الصحابة لما منعهم المشركون بالحديبية، وفي ذلك يقول الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] والمحصر: هو الممنوع الذي منع من دخول مكة، فإذا أحرم ثم منع من دخول مكة فماذا يفعل؟ يذبح هدياً، ثم يتحلل، فإن فقده صام عشرة أيام ثم تحلل.

من منعوا من العمرة والحج لعدم وجود تصريح

من منعوا من العمرة والحج لعدم وجود تصريح بعض المسلمين الذين في المملكة متعاقدون، ولا يمكنون من دخول مكة وأداء العمرة لسبب من الأسباب، أو يمنعون من العمرة وإن لم يمنعوا من دخول مكة، فيحرمون، وبعدما يسيرون -مثلاً- كيلو متر واحد يمرون على المرور، فيطلبون منهم التصاريح، هل عندكم تصريح من كفلائكم؟ هل عندكم رخصة بأداء هذا النسك؟ فإذا لم يكن عندهم تصريح منعوا وأرجعوا. فمثل هؤلاء عليهم أن يشترطوا عند الإحرام بأن يقولوا: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني؛ لأن هذا حابس، وهو منعهم من العمرة بدون تصريح وبدون إذن من كفلائهم، فإذا اشترطوا تحللوا، فأما إذا لم يشترطوا فلا يجوز لهم التحلل إلا بعد الذبح، فيذبح أحدهم فدية ويتحلل، فإذا لم يجد بقي محرماً إلى أن يصوم عشرة أيام ثم يتحلل؛ لأن الله جعل صيام عشرة أيام قائماً مقام الهدي، والله جعل على المحصر هدياً: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] فالإحصار هو منعهم من دخول مكة. وبعضهم يأتي بحيلة فيحرم بثيابه، فيجوز الإحرام بالثياب، ولكن عليه فديتان: فدية عن تغطية الرأس، وفدية عن لبس المخيط، فالفدية هي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين عن تغطية الرأس، وإطعام ستة مساكين عن لبس المخيط، وإذا كشف رأسه ولم يغطه فليس عليه إلا فدية واحدة. فهذا قد يفعله بعض المحرمين الذين يأتون على سياراتهم محرمين، ويحبون أن يدخلوا بها مكة، فإذا أحرم أحدهم ورآه المرور محرماً أوقفه في مواقف الحج، وقالوا له: استأجر وادخل، فإذا رأوه غير محرم ظنوه من أهل مكة وسمحوا له بالدخول، فإذا أحرم بثيابه العادية سمحوا له بالدخول، والإحرام بالثياب ينعقد؛ لأن الإحرام هو النية.

إحرام العساكر بثيابهم

إحرام العساكر بثيابهم يجوز للجنود وللعساكر أن يحرموا بثيابهم إذا كانوا سوف يقفون في المشاعر، ولا يمنعهم مدراؤهم ورؤساؤهم من التلبية، فيستطيعون أن ينظموا السير وأن يقوموا بأعمالهم وهم يلبون، لكن عليهم فديتان: فدية عن تغطية الرأس، وفدية عن لبس المخيط، صيام ثلاثة أيام وثلاثة أخرى، أو إطعام ستة مساكين وستة. وكثيراً ما نسمع أن كثيراً من العساكر يقول: إنني دائماً أحضر المشاعر، ولي عشر سنين أو خمس عشرة سنة وأنا أحضر، ولم أقدر على الحج، يمنعني رئيسي أن أحج، فنقول له: هل تقف في المشاعر؟ يقول: نعم، نقف معهم في منى يوم التروية، ونذهب معهم إلى عرفة، ونقف في عرفة إلى أن تغرب الشمس، ونسير مع من يسير من عرفة إلى مزدلفة، وننظم السير، ونبيت -أيضاً- بمزدلفة، ثم ننتقل إلى منى، ونقيم فيها أيام منى ننظم الناس. فنقول لهم: أنتم قد وقفتم في المشاعر، فما عليكم إلا أن تؤدوا الحج، يبقى عليكم الطواف والرمي ووقته واسع، فيمكنكم أن ترموا في الليل إذا هجعت الطلبات، تأخذ حصى وتذهب ترمي الجمرات، والطواف لو أخرته أسبوعاً أو عشرة أيام فلا بأس، فتستطيع أن تطوف بعد ذلك وتسعى. إذاً: فلا حرج عليك أن تحج وأنت بثيابك.

من صد عن عرفة

من صد عن عرفة يقول: (ومن صد عن عرفة تحلل بعمرة ولا دم عليه) . إذا أحرم بالحج ولكن صد عن عرفة إما بمرض حصل له، أو بحادث حصل له، تحلل بعمرة ولا دم عليه، يعني: يطوف ويسعى، ثم يتحلل.

أنواع الذبائح التي تهدى إلى البيت

أنواع الذبائح التي تهدى إلى البيت ذكر المصنف هنا الأضاحي، وأكثر المؤلفين يؤخرون الأضاحي مع كتاب الأطعمة؛ وذلك لأنها من جملة الذبائح التي تذبح وتؤكل كما في مختصر الخرقي والمغني والكافي وغيرها، وكذلك في مؤلفات المؤلفين الآخرين، ولكن الكثير من الحنابلة ألحقوها بالحج؛ وذلك لأنهم تكلموا على الهدي، والهدي يتبع الحج، فلما تكلموا على الهدي ألحقوا به كل ما له صلة به من الذبائح.

الهدي

الهدي ما يذبح بمكة أربعة أنواع: النوع الأول: الهدي الذي ذكر في قول الله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح:25] ، وفي قوله تعالى: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} [المائدة:2] ، وفي قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} [المائدة:97] والهدي كان معمولاً به قبل الإسلام، وكان أهل الجاهلية يهدون إلى البيت، فكان أحدهم إذا توجه إلى البيت قطع من ماشيته قطيعاً من الغنم أو من الإبل أو نحوها، وجعل في رقابها قلائد حتى لا يتعرض لها، وساقها ولم يركبها احتراماً لها، فإذا أتى إلى البيت وكمل نسكه نحرها. والنبي صلى الله عليه وسلم أهدى هدياً في عمرة الحديبية، وأهدى هدياً في عمرة القضاء، وأرسل مع أبي بكر هدياً، وأهدى لما حج حجة الوداع سبعين بدنة من المدينة، وثلاثين جاء بها علي من اليمن، فتمت مائة بدنة، وأهدى معه بعض الصحابة، وذكر الله تعالى الهدي بقوله: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:36-37] .

دم التمتع والقران

دم التمتع والقران النوع الثاني: هو دم التمتع والقران، يذبح بمكة، ولا يجوز ذبحه في غيرها، ومع ذلك يجوز الأكل منه كما يؤكل من الهدي، ويدخل في قوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا) .

جزاء الصيد

جزاء الصيد النوع الثالث: جزاء الصيد، إذا أتلف المحرم صيداً، فعليه أن يذبح بدله، فإنه ولا يأكل منه، بل يكون لمساكين الحرم.

دم الجبران

دم الجبران النوع الرابع: دم الجبران، إذا ترك المحرم واجباً من الواجبات، ألزم بأن يذبح دماً كما إذا ترك الرمي، أو ترك الطواف، أو أحرم بعد الميقات، فإن عليه أن يذبح دماً، ويجعله لمساكين الحرم، ولا يأكل منه.

أحكام الأضحية

أحكام الأضحية

لا تجب الأضحية على الحاج

لا تجب الأضحية على الحاج الأضحية ليست خاصة في مكة، بل هي عامة في كل مكان. وهل على الحاج أضحية؟ ذكر بعض العلماء أنه ليس عليه أضحية، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل سنة لما كان في المدينة، وفي الحديث أنه: (ضحى بكبشين) ، ولكن لما حج اكتفى بنحر الهدي عن الأضحية، وأطلقت عائشة على دم التمتع أنه أضحية، فقالت: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر، وقالت: دخل علينا بلحم بقر) فقالوا: ضحى عن نسائه بالبقر، ولكن اسم الأضحية خاص بالنسيكة التي تذبح بمناسبة عيد النحر، وتذبح في القرى وفي المدن وفي البوادي وفي سائر الأماكن، يذبحها كل من عنده قدرة ومن تيسرت له.

حكم الأضحية

حكم الأضحية الأضحية سنة مؤكدة، وذهب بعضهم إلى أنها واجبة على أهل اليسار، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربن مسجدنا) ولعل هذا من باب الزجر، والدليل على أنها غير واجبة: أنه صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيتين، قال في إحداهما: (عن محمد وآل محمد) وقال في الثانية: (عمن لم يضحِ من أمة محمد) وهذا يدل على أن هناك من لم يضح، ولابد أن يكون عندهم قدرة، ولكن كان لهم مانع أو عذر أو نحو ذلك، وعلى كل فيكره تركها لقادر.

وقت ذبح الأضحية

وقت ذبح الأضحية وقت الذبح بعد صلاة العيد أو قدرها، ويتساهل بعض أهل البوادي الذين لا يصلون فيذبحونها ساعة ما تطلع الشمس أو ساعة ما تنتشر قليلاً، وهذا خطأ، لا تذبح إلا بعدما يذهب قدر صلاة العيد والخطبتين، فيقدر بعد طلوع الشمس خمس دقائق ليخرج وقت النهي، وصلاة العيد تستغرق عشر دقائق، والخطبة تستغرق -على الأقل- خمسة عشر دقيقة، فهذه نصف ساعة، فبعد إشراق الشمس بنصف ساعة يدخل وقت الذبح. أما منتهاه ففيه خلاف، والمشهور عند أكثر فقهاء الحنابلة أنه يومين من أيام التشريق، وأثر عن الإمام أحمد أنه قال: أيام الذبح ثلاثة عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: أيام التشريق كلها ذبح، أي: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، فإذا غابت الشمس في اليوم الرابع عشر خرج وقت نحر وذبح الأضاحي.

لا يعطى الجزار من الأضحية شيئا

لا يعطى الجزار من الأضحية شيئاً قال المصنف رحمه الله: (ولا يعطي الجزار أجرته منها) ورد ذلك في حديث علي في الهدي، يقول: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على إبله وأن أقسم لحومها وجلودها وجلالها على المساكين، وألا أعطي الجزار شيئاً منها، وقال: نحن نعطيه من عندنا) الجزار يذبح ويسلخ ويقطع اللحوم ونحو ذلك، ويحتاج إلى أجرة إن لم يوجد متبرع، فلذلك يعطى أجرته من غيرها، وإذا أعطي منها فإن ذلك يعتبر صدقة، ولا يجوز بيع شيء من أجزائها، بل يتصدق بها أو تؤكل، وجلدها يجوز الانتفاع به أو التصدق به ولا يجوز بيعه، وإذا تصدق به على المساكين وباعوه جاز ذلك.

ما يجزئ من الأضاحي

ما يجزئ من الأضاحي الهدي والأضحية لا يكون إلا من بهيمة الأنعام، وأفضل الهدي والأضاحي الإبل، وقد تفضل الغنم لأنها أهنأ وأقرب إلى أن يؤكل لحمها، ولكن قالوا: أفضلها الإبل ثم البقر ثم الغنم، ولعل السبب في ذلك: أن الإبل أكثر لحماً، ثم تليها البقر ثم الغنم، وهذا فيمن أهدى هدياً كاملاً، فإذا أهدى بعيراً كاملاً فهو أفضل مما لو أهدى شاة. الذي يجزئ من الضأن هو الجذع الذي تم له ستة أشهر، فإذا تم للضأن ستة أشهر أجزأ عن الأضحية، وكذلك عن الفدية ونحوها، وأما غيره فلابد أن يكون ثنياً، والثني من المعز: هو الذي تم له سنة؛ لأنها تنبت ثنيته من الأسفل، والثني من البقر: هو الذي تم له سنتان، إذا فتحت فمها وجدتها قد نبتت لها ثنيتان طويلتان بدل الأسنان الصغيرة، والثني من الإبل ما تم له خمس سنين، ما تنبت الثنايا في الإبل إلا إذا تمت له خمس سنوات. الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، كانوا من قبل يذبحون شاة عن الرجل وعن أهل بيته، ولو كانوا كثيراً، ولكن الأصل أنه هو الذي ينفق عليهم، ولو كان بعضهم قد بلغ أشده، فلما كان عاقلهم كان هو الذي يدفعها. وإذا كان صاحب البيت سوف يذبح أضحية، ويجعلها عنه وعن أهل بيته، عن زوجتيه -مثلاً- وبناته وعن أبنائه ولو كان بعضهم ابن أربعين سنة أو خمسين أو عشرين؛ فمن الذي يتوقف عن أخذ الشعر؟ الذي يتوقف هو الرجل المالك الذي يدفع الدراهم. والبدنة والبقرة تجزئ كل واحدة منهما عن سبعة. والإنسان إذا ضحى بشاة جاز أن يشرك فيها أبويه أو بعض أقاربه، فيقول: اللهم تقبل عني وعن أبوي. فهل يجوز أن يجعل سبع البقرة أو سبع البدنة عنه وعن أبويه؟ يجوز على الصحيح؛ لأن البدنة تجوز عن سبع شياه، وقد يكون السبع من الإبل أو البقر أكثر من لحم الشاة.

ما لا يجزئ من الأضاحي

ما لا يجزئ من الأضاحي ذكر المصنف ما لا يجزئ من الأضاحي: فلا تجزئ الهزيلة التي لا مخ فيها، والهزال: هو الضعف، بحيث إنها لضعفها ليس فيها مخ في عظامها؛ ويكون ذلك عن قلة التغذية ونحوها، ويعرف ذلك بقلة الشحم واللحم في ظهرها وجسمها، وكذلك العوراء البين عورها، التي ذهبت إحدى عينيها إما ببياض يمنع النظر، وإما انفقأت العين ولم يبق لها جرم. ولا العرجاء التي لا تطيق المشي مع الصحاح، سواء كان في يدها العيب أو في رجلها. ولا التي ذهبت ثناياها من أصلها، وعادة أن البهيمة إذا كبرت وأسنت تتآكل ثناياها فمن آثار الأكل، فتنثلم وتنمحي قليلاً قليلاً حتى لا يبقى إلا أصولها، وهذا يدل على أنها قد كبرت، فإذا ذهبت ثناياها من أصلها فلا تجزئ. كذلك إذا ذهب أكثر الأذن أو القرن، وقد ورد في ذلك أحاديث، فقد ورد النهي عن المقابلة والمدابرة والخرقاء والشرقاء ونحوهن، ولكن قد يقال: إن هذا لا يقلل من قيمتها -أعني: قطع الأذن أو قطع القرن- وربما أنه قد يرفع من ثمنها، ولكن إذا عرف أنه ورد فيها هذا النص فتتجنب لأجل أن تكون الأضحية كاملة، أما إذا قطع قليل من الأذن أو شق أعلاها شقاً ولم يذهب منها شيئاً، وكذلك القرن إذا أخذ غلافه وبقي أصله؛ فلعل ذلك لا ينقص من قيمتها.

ما يسن في الأضاحي

ما يسن في الأضاحي قال المصنف رحمه الله: (السنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى) النحر: هو طعنها في أصل الرقبة مما يلي الجثة، وهو يختص بالإبل لأن عنقها طويل، فتطعن في الوهدة التي في أصل العنق -بين الرقبة والنحر- هذا هو الأصل، واستدل عليه بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] . والسنة أن تكون الإبل عندما تنحر معقولة يدها اليسرى وهي قائمة، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:36] كانوا يصفونها صفوفاً، ثم يعقلون من كل واحدة يدها اليسرى، فتكون قائمة على ثلاث، ثم يمسكون رأسها بحبل حتى لا تنفر، ويلوون رأسها إلى جانبها، ويربطون -أيضاً- قوائمها بحبال، فإذا طعنت سقطت وماتت، وهو معنى قوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج:36] ، وبعضهم قد ينحرها وهي باركة، لاسيما إذا لم يكن عنده من يمسكها، وقد مر ابن عمر على رجل ينحر بدنته وهي باركة، فقال: (ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم) ، وهذا من السنن، ولكن إذا عجز عن ذلك جاز أن ينحرها وهي باركة. وهل يجوز ذبحها في أصل الرأس؟ A الصحيح أنه لو ذبح الإبل في أصل الرقبة مما يلي الرأس أجزأ ذلك؛ لأنه حصل بذلك إماتتها، أما البقر والغنم فإنها تذبح، توضع على جنبها الأيسر ويستقبل بها القبلة، وتذبح البقرة والغنم ضأناً أو معزاً في أصل الرأس، ولو نحرت الشاة في أصل الرقبة أو البقرة أجزأ، ولكنه خلاف الأولى. ويقول عند الذبح: (اللهم هذا منك ولك) . يعني: أنت المتفضل به ونحن نذبحه رضاًَ لك، وإن كان الذي يأكله هو الإنسان، ولذلك قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] أي: الله تعالى غني عنها، وعن لحومها ودمائها، ولكن امتحنكم واختبركم بذلك حتى يعلم من يمتثل ومن يطيع. وسن أن يجزئ الأضحية أثلاثاً، هكذا ورد عن كثير من الصحابة، ثلث لأهله- ثلث الأضحية وكذا الهدي- والثلث الثاني يهديه لأقاربه وجيرانه، ولو كان عندهم من الأضاحي، والثلث الآخر: يتصدق به على المساكين والضعفاء وذوي الحاجات، يلتمسهم ولو كانوا بعيداً. وفي هذه الأزمنة تكثر الأضاحي والهدايا، ففي مكة يضيع كثير منها، وبالأخص في يوم العيد، حيث يحرق أو يدفن كثير منها، ولكن هناك شركات تتقبل الأضاحي وتذبحها، ثم تسلخها، وترسل بها إلى بلاد بعيدة أو قريبة بها حاجة، وهناك من يأخذها ويثلجها في ثلاجات وينتفع بها، مثل الجمعيات الخيرية، وقد زرنا بعض الجمعيات قبل أسبوعين أو ثلاثة، ووجدنا عندهم أضاحٍ موجودة إلى الآن في الثلاجات، يوزعون منها كل يوم عدداً؛ وذلك لأن كثيراً من أهل القرى ذوو حاجة وفقراء ومساكين، فكانت هذه الثلاجات التي تبرع بها المحسنون سبباً في حفظها عن التعفن والتغير، والانتفاع بها عند الحاجة. ويسن أن يحلق بعدما يذبح أضحيته تشبهاً بمن يذبح الهدي في مكة، فإنه إذا رمى ذبح ثم حلق، فقالوا: أنت في بلدك إذا ذبحت أضحيتك فإنه يسن أن تحلق رأسك؛ وذلك لأنه منهي عن حلق رأسه في أيام العشر، فإذا انتهت العشر وذبح أضحيته تشبه بالحجاج في الحلق، وإذا كان حديث عهد بالحلق فليس بلازم. ولو أكل الأضحية كلها إلا قدر أوقية- يعني: قدر قبضة اليد- فتصدق بتلك الأوقية جاز، فإن أكلها كلها ولم يطعم منها شيئاً ضمن بعضاً منها يتصدق به، ولو أن يشتري من جزارين قدر الأوقية ويتصدق به. وذكرنا أن من أراد الأضحية فإنه لا يأخذ شيئاً من شعره، ولا من ظفره، ولا من بشرته في العشر، ففي حديث أم سلمة مرفوعاً: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئاً حتى يضحي) ، والحكمة في ذلك: التشبه بمن ساق الهدي، فإنه يحرم ويتجنب أخذ شيء من شعره، فكأن المضحي عزم على أن يدفع شيئاً من ماله كالهدي، ولكن إن فعل فلا شيء عليه، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية. كثير من الذين ابتلوا بحلق اللحى يومياً أو كل يومين يقولون: لا نستطيع أن نصبر عن ذلك، فلذلك بعضهم يترك الأضحية التي تحرمه من حلق لحيته، فيجمع بين معصية وبين ترك طاعة، وبعضهم لا يصبر، فيقدم على حلق لحيته مع كونه يريد أضحية، فنقول له: عود نفسك الصبر، واصبر هذه العشرة الأيام؛ ولعل ذلك يكون سبباً في أن يفتح الله عليك، ويهديك فلا ترجع إلى هذه المعصية.

العقيقة وأحكامها

العقيقة وأحكامها

حكم العقيقة

حكم العقيقة العقيقة: هي النسيكة التي تذبح عن المولود، إذا رزق الله الإنسان مولوداً فإنها نعمة من الله، فعليه أن ينسك عنه نسيكة. واختلف في حكمها، فأكثرهم على أنها سنة لا تصل إلى الوجوب، وذهب بعضهم إلى وجوبها عند القدرة، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويسمى) واختلف في معنى (مرتهن) فقيل: إنه مرتهن عن الشفاعة لوالديه إذا لم يعق عنه، وقيل: إنه مرتهن عن برهما أو عن خدمتهما وطواعيتهما، وهذا دليل على آكديتها.

ما يجزئ في العقيقة وما لا يجزئ

ما يجزئ في العقيقة وما لا يجزئ يذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، فالصبي الذكر يذبح عنه شاتان. ولابد في العقيقة من السلامة من العيوب التي لا تجزئ معها في الأضحية ولا في الهدي. والجارية -يعني الأنثى- يذبح عنها شاة. وورد أنه لا يجزئ في العقيقة شرك في دم، بمعنى: أنه لو كان هناك سبعة ولد لكل واحد منهم مولود، فلا يقولوا: نشترك في هذه البدنة، هذا يأخذ سبعان، وهذا يأخذ سبعاً، فالذي له ذكر يأخذ سبعين، والذي له أنثى يأخذ سبعاً، فأكثر العلماء أنه لا يجزئ، ولابد أن تكون العقيقة تامة، وإذا أراد أن يذبح بدنة فليجعلها تامة عن ولده، وكذلك إذا أراد أن يذبح بقرة فلابد أن تكون تامة، ولابد أن تكون ثنية تجزئ في الأضحية.

ما يسن في العقيقة

ما يسن في العقيقة استحبوا في العقيقة ألا تكسر العظام تفاؤلاً بالسلامة، قالوا: لا يكسر لها عظم. وهذا من باب التفاؤل، وإلا فعند الحاجة لا مانع من ذلك. ووقت ذبحها في اليوم السابع، وإن عجلها أجزأ ذلك، كأن يذبح في اليوم الأول أو الثاني، ولكن الأفضل في اليوم السابع، فإذا فات ففي اليوم الرابع عشر -يعني: بعد أسبوعين- فإذا فات ففي إحدى وعشرين -أي: بعد ثلاثة أسابيع- فإذا فات فإنها لا تعتبر بعد ذلك الأسابيع، بل يذبحها متى تيسرت، يذبحها في يوم اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين، ومنهم من اعتبر الأسابيع بعد ذلك فقال: إذا فاته الحادي والعشرون تذبح في اليوم الثامن والعشرين، وإذا فاته الثامن والعشرون تذبح في اليوم الخامس والثلاثين، وهكذا، ولكن الأصل أنها لا تعتبر، وأنه يذبحها في أي يوم تيسر. يقولون: وحكمها كالأضحية، يتصدق منها ويهدي، وذهب بعضهم إلى أنه يجعلها وليمة، ويدعو إليها أصدقاءه وجيرانه وأقاربه، ويخبرهم بأنها عقيقة المولود فلان أو المولودة، ثم يدعون له ولولده بالصلاح والنبات الحسن ونحو ذلك. والمؤلف ما تكلم على تسمية المولود، وأكثرهم قالوا: يسمى في اليوم السابع، ولكن الصحيح أنه يجوز التسمية قبل ذلك، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ولد لي الليلة غلام سميته باسم أبي إبراهيم) فدل على أنه يجوز التسمية قبل اليوم السابع. والحديث الذي فيه: (تذبح يوم سابعه ويسمى) المراد: أنه يسمى متى تيسر الاسم، وذلك لأنهم قد يتأخرون في اختيار الاسم للاختلاف في ذلك، ثم بعد ذلك يختارونه ولو لم يكن في اليوم السابع بل بعد اليوم العاشر أو نحوه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من تحلل بعدما ذبح ورمى جهلا

حكم من تحلل بعدما ذبح ورمى جهلاً Q ذكرتم أن التحلل الأول يكون بفعل اثنين من ثلاثة: وهي الرمي والحلق والطواف دون النحر، ونحن في إحدى السنوات تحللنا التحلل الأول بعد أن رمينا ونحرنا، فهل فعلنا هذا صحيح؟ وماذا علينا وجزاكم الله خيراً؟ A أنتم معذورون بالجهل، وكان عليكم أن تتثبتوا في النحر، فهو ليس من أسباب التحلل؛ وذلك لأنه ليس عاماً لكل الحجاج بخلاف الحلق والرمي.

حكم تأخير الطواف والسعي إلى الوداع

حكم تأخير الطواف والسعي إلى الوداع Q بعض الناس يؤخرون طواف وسعي الحج إلى الوداع، ويطوفون طواف الحج وينوي به طواف الوداع ويسعى بعد ذلك، ويكون آخر عهده بالبيت السعي، فهل فعلهم صحيح؟ A صحيح إن شاء الله، والأولى أنهم يعيدون الطواف مرة ثانية بعد السعي، ولكن الفصل بالسعي لا يعتبر عملاً.

حكم اللعب في الكمبيوتر للصغار والكبار

حكم اللعب في الكمبيوتر للصغار والكبار Q هل يجوز اللعب في الكمبيوتر للصغار والكبار؟ A هذه الأجهزة والأدوات فيها منفعة ومصلحة، ولكن كثير من الناس يتخذونها ملهاة، ويعرضون فيها أشياءً فيها شيء من الباطل، فننصح بعدم اتخاذها لهذه الأغراض، وإذا كان ولابد أن الأطفال يتلهون بشيء يشغلهم فيختار لهم في هذه الأجهزة أشياء تناسبهم، دون أن ينشغلوا بما هو محرم، ولو كان فيها شيء من اللهو.

حكم الحلق في العشر للمضحي

حكم الحلق في العشر للمضحي Q إذا دخلت العشر وأريد أن أضحي، وقد مضت عليَّ مدة الأربعين يوماً ولم آخذ من شعر إبطي وغيره، فما الحكم في ذلك؟ A لا حرج أن تصبر هذه العشرة الأيام، لكن إذا طال شاربك أو أظفارك لدرجة أنك تستوحش منها فلك أن تقصر منها للعذر.

حكم التوكيل في الحج ممن هو مقيم بمكة

حكم التوكيل في الحج ممن هو مقيم بمكة Q أنا مقيم في هذه البلاد، ووكلني أحد الإخوة في بلدي بالحج عن أمه المتوفاة؛ وذلك لعدم استطاعته أن يجهز من يحج عنها من خارج هذه البلاد، فهل يجزئ هذا العمل؟ A يجزئ إذا لم يستطع أن يجهز إنساناً يحج عن أمه من بلدها.

حكم قطع الحمل لعذر المرض

حكم قطع الحمل لعذر المرض Q امرأة متزوجة وعندها خمسة أطفال، وهي مريضة بمرض السكر، والحمل يؤثر على صحتها، فهل يجوز لها إجراء عملية لمنع الحمل؟ A يجوز لها إذا قرر الأطباء أن الحمل خطر على صحتها، كأن يقولوا: إذا حملت فإنها تتعرض لأمراض قد توهنها وقد تودي بحياتها، فأما إذا لم يكن عليها خطر فليس لها ذلك.

ميقات من سافر إلى المدينة

ميقات من سافر إلى المدينة Q رجل من أهل الرياض سافر إلى المدينة المنورة ولم تكن نيته الإقامة، وأراد أن يعتمر، فمن أين يحرم؟ A إذا نوى العمرة وهو في المدينة أحرم من ميقات المدينة، وإذا لم ينو إلا بعدما خرج من المدينة أحرم من ميقات الجحفة أو نحوه.

حكم من منع زوجته من الحج

حكم من منع زوجته من الحج Q ما حكم الزوج إذا منع زوجته من السفر إلى الحج وأقسم يميناً على هذا؟ وهل للزوجة معصيته؟ A لا يجوز له منعها إذا لم تكن قد أدت فرض الحج، فلا يمنعها إذا توافرت الأسباب لديها وقدرت، ولها أن تعصيه والحال هذه؛ وذلك لأن هذا فرض الله، ولا يجوز تأخيره، ولا إثم عليها، ولا يلزمه أن ينفق عليها إذا وجدت من ينفق عليها، ووجدت محرماً، فالفرض لا يسقط عنها بمنعه لها.

حكم لعن الزوجة

حكم لعن الزوجة Q إذا قال لي زوجي: لعنك الله، فهل معنى هذا أن أحداً منا قد طرد من رحمة الله لقوله ذلك؟ وكيف أتعامل معه؟ وهل أطلب منه أن يفارقني إذا كرر اللعن أو الدعاء عليّ خشية أن يصيبني بعض ما يقول؟ A هذا حرام، وهذه الكلمات ورد فيها وعيد شديد، ولكن لا تحرم زوجته عليه إذا أطلق عليها اللعن، وهذا لا يوجب المقاطعة والقطيعة، ولكن ينصح هذا الزوج الذي أطلق هذا اللعن، ويرشد إلى أن عليه أن يتوب ويستغفر ويملك لسانه.

حكم رمي الجمار من غير ترتيب

حكم رمي الجمار من غير ترتيب Q إذا رمى الحاج الجمار بغير ترتيب، فهل يصح حجه أم ماذا عليه؟ A الصحيح عليه دم، لو بدأ من جمرة العقبة، ثم بالوسطى، ثم بالصغرى فلا يعتبر رميه صحيحاً، ولا يصح له إلا الصغرى، وعليه أن يعيد الوسطى ثم الكبرى، فإذا لم يفعل فإنه ترك واجباً يجبر بدم.

جواز الإحرام من جدة لمن لم ينو العمرة

جواز الإحرام من جدة لمن لم ينو العمرة Q لو ذهب أحد إلى جدة، ولم يكن عنده نية العمرة أو الحج، ثم لما وصل قرر أن يعتمر من جدة، فهل يحرم من جدة أم ماذا يفعل؟ A نعم، إذا لم ينو العمرة ولم تخطر بباله حتى وصل إلى جدة جاز أن يحرم من جدة.

حكم التوكيل للحج عن العاجز من غير البلد

حكم التوكيل للحج عن العاجز من غير البلد Q إذا كان شخص عاجزاً عن الحج من أهل الرياض فهل له أن يوكل من يحج عنه من القرى المجاورة للرياض؟ A إذا كان عجزه بدنياً -يعني: مرض أو كِبَر- فإنه يوكل من يحج عنه من بلده إذا كان فرضاً، وإن كان نفلاً جاز من كل مكان، أما إذا كان عجزه مالياً، بحيث إنه لا يستطيع من حيث المال أن يحج من بلده، عنده مال قليل، والتكلفة من بلده تكلفه -مثلاً- عشرة آلاف، ولو حجج -مثلاً- من الطائف لكلفت عليه ألفين، وهو لا يجد إلا الألفين، فله أن يوكل من يحج عنه من أهل الطائف بالألفين.

الإشهاد على الطلاق

الإشهاد على الطلاق Q طلقت زوجتي طلاق السنة طلقة واحدة، ثم راجعتها بعد العدة، وبعد مرور سنة تقريباً أردت طلاقها مرة ثانية فكانت الصيغة التالية: أشهدك يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان أني طلقت زوجتي فلانة بنت فلان الطلقة الثانية، فهل يقع الطلاق بهذه الصيغة؛ مع العلم أني نويت الطلاق؟ A الطلقة الأولى وقعت، لكن إذا كان راجعها وهي في العدة عادت إليه ولأنها رجعية وبقيت معه، ثم طلقها الطلقة الثانية، وأشهد عليها، وأوقع بها طلقة ثانية، فلم يبق له بعد ذلك إلا واحدة، ويصح له أن يراجعها، ومتى طلقها الثالثة لم تحل له إلا بعد زوج، أما إذا راجعها بعد العدة فلا تصح الرجعة.

اعتبار إذن الوالدين في طلب العلم

اعتبار إذن الوالدين في طلب العلم Q أنا في بلد ليس فيه علماء، ويوجد طلبة علم قليلون وليسوا بالمستوى المطلوب، فهل يجوز لي أن أخرج في طلب العلم دون إذن والدي؟ A نرى أنك لا تخرج إلا بإذن والديك، وبإمكانك أن تقرأ على طلبة العلم الموجودين، وليس شرطاً أن يكونوا ربانيين، وبإمكانك أن تأخذ من المعلومات التي عند هذا والتي عند هذا وعند هذا، وكذلك تستفيد من المؤلفات المنتشرة بكثرة، وتستفيد من الإذاعات ونحوها.

حكم هجر من أراد الاعتداء على العرض

حكم هجر من أراد الاعتداء على العرض Q حصل بيني وبين شخص خصومة بسبب محاولته التعدي على عرضي، فهل يجوز لي أن أقطعه؟ وإذا مت وأنا على هذه الحال فكيف يكون الأمر؟ A لا شك أنه إذا هم بهذه المعصية وبهذا الاعتداء على الأعراض فلك أن تهجره إلى أن يتوب ويندم ويعتذر.

حكم تجميع جلود الأضاحي وبيعها

حكم تجميع جلود الأضاحي وبيعها Q هل يجوز تجميع جلود الأضاحي وبيعها وإعطاء نقودها للفقراء؟ A نعم، لكن لا يبيعها أهلها، أما إذا تصدقوا بها على الجمعيات، وجمعت ثم دبغت وبيعت، وتصدق بثمنها، أو بيعت قبل أن تدبغ فلا بأس.

حكم اعتزال الناس لمعاصيهم

حكم اعتزال الناس لمعاصيهم Q بعض الناس إذا رزقوا بمولود فإنهم يأخذون العقيقة إلى البر، ويعزمون بعض الأصحاب، فهل في ذلك شيء أو لا؟ A لا بأس بذلك، القصد هو ذبحها، والفرح بهذا المولود يقتضي أنهم يجتمعون على طعام ويأكلون منه، لكن عليهم أن يتصدقوا ولو ببعض منها.

حكم الانعزال عن الناس لأجل ما يمارسونه من المعاصي

حكم الانعزال عن الناس لأجل ما يمارسونه من المعاصي Q أنا أواجه بعض المشاكل، فإنني انقطعت عن الناس الذين من حولي؛ وذلك لأنني أراهم يتساهلون في سماع الغناء والنظر إلى الدش، فكيف أوفق بين تقواي لله عز وجل وبين العيش مع الذين من حولي من أهلي وأقاربي؟ A تحرص على أن تبذل لهم النصح والتوجيه، وإذا رأيت أن مجالستهم تقسي قلبك، أو تجرك إلى أن تصير معهم فابتعد عنهم، وإذا كان في المجالسة شيء من تخفيف الشرور والمنكرات فلا تقاطعهم.

شرح أخصر المختصرات [23]

شرح أخصر المختصرات [23] لقد خصص العلماء للجهاد باباً مستقلاً ذكروا فيه أحكام الجهاد ومسائله؛ كحكمه، وصفته، وأحواله، وفيئه وغنائمه، وعلى من يصرفان، ومن يقتل ومن لا يقتل، ومن تجب طاعته، ونحو ذلك، وهذا يدل على أهمية الجهاد في ديننا الإسلامي، وأنه لا يستقيم أمر الدين وعزه إلا به.

أحكام الجهاد في سبيل الله

أحكام الجهاد في سبيل الله قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الجهاد وهو فرض كفاية إلا إذا حضره أو حصره أو بلده عدو، أو كان النفير عاماً ففرض عين، ولا يتطوع به مَنْ أحد أبويه حر مسلم إلا بإذنه، وسن رباط، وأقله ساعة، وتمامه أربعون يوماً، وعلى الإمام منع مخذل ومرجف، وعلى الجيش طاعته والصبر معه، وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار حرب، فيجعل خمسها خمسة أسهم: سهم لله ولرسوله، وسهم لذوي القربى، وهم: بنو هاشم والمطلب، وسهم لليتامى الفقراء، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل. وشُرط فيمن يسهم له إسلام، ثم يقسم الباقي بين من شهد الوقعة: للراجل سهم، وللفارس على فرس عربي ثلاثة، وعلى غيره اثنان، ويقسم لحر مسلم مكلف، ويرضخ لغيرهم. وإذا فتحوا أرضاً بالسيف خُيِّر الإمام بين قسمها، ووقفها على المسلمين، ضارباً عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي في يده، وما أخذ من مال مشرك بلا قتال -كجزية وخراج وعشر- فيءٌ لمصالح المسلمين، وكذا خمس خمس الغنيمة. فصل: ويجوز عقد الذمة لمن له كتاب أو شبهته، ويقاتل هؤلاء حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، وغيرهم حتى يسلموا أو يقتلوا، وتؤخذ منهم ممتهنين مصغرين، ولا تؤخذ من صبي وعبد وامرأة وفقير عاجز عنها ونحوهم، ويلزم أخذهم بحكم الإسلام فيما يعتقدون تحريمه من نفس وعرض ومال وغيرها، ويلزمهم التميز عن المسلمين، ولهم ركوب غير خيل بغير سرج، وحرم تعظيمهم وبداءتهم بالسلام، وإن تعدى الذمي على مسلم أو ذكر الله أو كتابه أو رسوله بسوء انتقض عهده، فيخير الإمام فيه كأسير حربي] .

تعريف الجهاد وحكمه

تعريف الجهاد وحكمه الجهاد: هو قتال الكفار، ومن العلماء من يجعله مع الحدود كما فعل صاحب المغني وغيره كثير، ومنهم من يجعله مع العبادات كما في المقنع وشروحه؛ وذلك لأنه عبادة، وبعض العلماء جعلوه ركناً من أركان الإسلام؛ وذلك لكثرة الأحاديث التي وردت في فضل الجهاد، والتي وردت في كيفيته، وفي العمل فيه، وهي كثيرة، ويدل على ذلك -أيضاً- جهاد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يستقر في المدينة بعدما هاجر إلا وقتاً يسيراً ثم بدأ يغزو ويهادن، ووقعت في كل سنة عدة غزوات إلى أن فتحت البلاد، ودان العباد بالإسلام. وقد كان أولاً منهياً عن القتال، ومأموراً بالاقتصار على البلاغ: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48] ، {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [المائدة:99] ، وكذلك كان منهياً عن بداءة أحد أو قتال أحد إلا بعد أن يبدأ، فنزل عليه في أول الأمر: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق:45] ، {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] ، {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48] ، {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [المائدة:99] ، {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] وأشباه ذلك. ولما قويت معنوية المسلمين أذن لهم في الجهاد، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج:39] فأول الأمر كانوا ممنوعين، ثم بعد ذلك أذن لهم أن يقاتلوا من بدأهم، ويكون القتال للدفاع: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة:190] . ثم الحالة الثالثة: قتال كل الكفار في قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] واستقر الأمر على قتال جميع المشركين حتى يسلموا. والجهاد فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ومعناه: أنهم مأمورون بأن يقاتلوا في سبيل الله، فإذا قامت به فرقة تكفي فإنه يسقط الإثم عن الباقين.

الحالات التي يكون الجهاد فيها فرض عين

الحالات التي يكون الجهاد فيها فرض عين متى يكون الجهاد فرض عين؟ في ثلاث حالات: الحالة الأولى: إذا حضر المسلم الصف. الحالة الثانية: إذا استنفره الإمام. الحالة الثالثة: إذا دهمهم العدو. الدليل على الأول: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال:45] ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال:15] فهذا دليل على أن من حضر الصف وجب عليه الصبر، ووجب عليه القتال، وصار فرض عين. أما النفير فدليله قوله تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التوبة:38] فإذا دعاهم الإمام أن ينفروا وجب عليهم النفير. وإذا دهم البلاد عدو، وليس لهم به قدرة فإنه يتعين الجهاد عليهم جميعاً حتى على النساء وعلى الكبار والصغار، كل بقدر ما يستطيعه.

وجوب استئذان الوالدين في جهاد التطوع

وجوب استئذان الوالدين في جهاد التطوع ذكر المصنف رحمه الله أنه: لا يجاهد الحر المسلم تطوعاً إلا بإذن أبويه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل يستأذنه في الجهاد: (أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد) فإذا أذنا له جاز، وأما إذا كان فرض عين فإنه لا يستأذن أحداً، بل ينفر. وهذا يدل على عظم حق الوالدين؛ لأن رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين.

سنية الرباط في سبيل الله

سنية الرباط في سبيل الله يسن الرباط، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران:200] الرباط: هو ملازمة الثغور التي يأتي منها العدو، إذا كان العدو يأتي من هذا الطريق، سواء على أرجلهم أو على خيل أو سيارات أو نحوها، فالذين يرابطون فيها لهم أجر كبير؛ لأنهم يحرسون المسلمين لئلا يأتيهم أحد من هذا الفج وهم على حين غفلة، فإذا أحس المرابط بالعدو جاء وأنذر المسلمين وقال: جاءكم العدو فاستعدوا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها) . وأقله ساعة، وأكثره أربعون يوماً، فإذا رابط أربعين يوماً في هذا الثغر فإن على الإمام أن يبدله بغيره.

منع الإمام للمخذلين والمرجفين

منع الإمام للمخذلين والمرجفين إذا غزا المسلمون أو أرادوا الغزو فلا يجوز أن يكون فيهم المخذل والمرجف، فيمنع الإمام المخذل والمرجف، قال تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} [الأحزاب:60] فالمخذل: هو الذي يخذل المجاهدين، فيقول: لا تخرجوا، لا حاجة لأحد منكم، وليست هناك ضرورة إليكم، والجهاد ليس بضروري، ولا حاجة إلى الجهاد في هذا الوقت؛ يخذلهم ويمنع كثيراً منهم عن مقابلة العدو. والمرجف: هو الذي يهول الأمر، فيقول: إن عدوكم سوف يستولي عليكم، أنتم ضعفاء لا تقدرون على أن تقاوموا، العدو أكثر منكم عدداً وقوة، ليس عندكم ما تقاومون به عدوكم، سوف يستولون عليكم، فماذا تفعلون؟! فيسبب أن ترتجف القلوب، فمثل هؤلاء لا يجوز أن يكونوا في الغزو، ويمنعهم الإمام من الخروج معه.

وجوب طاعة الأمير

وجوب طاعة الأمير قوله: (وعلى الجيش طاعته والصبر معه) . يجب على كل الجيش الذي ينفر أن يطيعوا أميرهم ويصبروا معه، ولكن إنما الطاعة في المعروف، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر على سرية عبد الله بن جحش، وأمرهم أن يطيعوه، ثم إنه غضب عليهم، فأمرهم مرة أن يوقدوا ناراً وقال: ادخلوها، فقد أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني. فأراد بعضهم أن يدخلها، ثم قالوا: ما فررنا إلا من النار، كيف ندخلها؟! ولم يزل بعضهم يحفز بعضاً حتى خمدت النار وسكن غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) فطاعته تكون فيما فيه مصلحة. ولهم أن يشيروا عليه بما يرون فيه مصلحة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطي غطفان ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا في غزوة الأحزاب، فاستشار سعداً فقال: إن كان أمراً تأمرنا به فسمعاً وطاعة، وإن كان رأياً فلا والله ولا تمرة واحدة، فعند ذلك قبل كلام سعد، وكذلك في كثير من الأمور كان يستشيرهم عملاً بقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159] فعليهم أن يشيروا عليه بما يرونه صالحاً، وأن يصبروا معه، وألا ينصرفوا ولا يرجعوا حتى يرجع الجيش.

صفة الغزو وترتيب الجيش

صفة الغزو وترتيب الجيش صفة الغزو والقتال موسعة في كتب الفقه، ووقت اختيار البداءة في القتال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر حتى إذا زالت الشمس، وهبت الرياح، ونزل النصر ابتدأ في القتال، وكان يدعو عندما يبدأ في القتال فيقول: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وزلزلهم، وانصرنا عليهم) ، فكان يعبئ الجيش فيجعله مقدمة وجناحين، ويجعل لكل جناح وجانب من يحثهم، وكان يجعل في مؤخرته من يحث الذين يكادون أن ينهزموا، فيحثهم على الصبر والثبات، ثم يشجعهم على الإقدام والمبارزة.

كيفية تقسيم الغنائم

كيفية تقسيم الغنائم والقتال هو مقابلة الصفين، وقتل كل منهم للآخر إلى أن يحصل النصر للمسلمين والهزيمة للكافرين، ثم إذا انهزموا فإنهم يدفعونهم ويقتلون، ولا يجوز الأسر إلا بعد الإثخان؛ لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} [محمد:4] يعني: أكثرتم فيهم القتل {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد:4] أي: الأسر، أي: أوثقوهم واربطوهم. ثم بعد ذلك إذا انهزموا ملك المسلمون ما كان عندهم، ويسمى غنيمة، وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها بدار الحرب، فمتى استولى عليها المسلمون يملكونها، وسميت غنيمة؛ لأنهم غنموا وربحوا، فإذا غنمها المسلمون قسموها خمسة أسهم: خمس يقسم، وأربعة أخماس للغانمين، والخمس الذي يحرز يجعل خمسة أسهم، قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41] السهم الذي لله ولرسوله مصرفه كمصرف الفيء، يجعل في مصالح المسلمين، ويكون لبيت المال في المصالح التي يحتاج إليها من بناء مساجد، وإصلاح الطرق، وبناء القناطر والجسور التي فوق البحار مثلاً وكذلك أيضاً رزق وإعاشة القضاة ونحوهم، كل هذا يدخل في بيت المال. أما سهم ذوي القربى فاختلف في أهله، فأكثر العلماء على أنهم بنو هاشم وبنو المطلب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم من سهم ذوي القربى، وفي هذه الأزمنة قد يقال: إنهم تفرقوا وكثروا، فلا يمكن حصرهم، فلذلك يعطى من هو محقق النسب، وكذلك أيضاً يعطى أقارب الرؤساء والسلاطين، ويكون لهم حق في خمس الخمس. وسهم لليتامى الذين هم من الفقراء؛ وذلك لأنهم غير قادرين على الكسب. وسهم للمساكين عموماً، ويدخل فيهم الفقراء أيضاً. وسهم لأبناء السبيل، وقد تقدم تعريف الفقراء والمساكين وأبناء السبيل في الزكاة، وأنهم ممن تحل لهم الزكاة، وكذلك يعطون من خمس الغنيمة. ثم بعد ذلك يقسم على الغانمين، ويشترط فيمن يسهم له الإسلام، فإذا قاتل مع المسلمين كافر فلا يجوز أن يعطوه، فلا يعطى الكافر من غنائم المسلمين، بل تقسم الغنائم على المسلمين الذين قاتلوا. تقسم أربعة أخماس الغنيمة على من شهد الوقعة، للراجل سهم -والراجل: هو الذي يقاتل على رجليه- وللفارس على فرس عربي ثلاثة، وللفارس على فرس غير عربي سهمان؛ وذلك لأن الخيل العربية أقوى في الصبر، وأقوى في الجلد، وأقوى في السباق؛ لذلك يفضل الفرس العربي على غيره، ويقال في غير العربي: الهجين، وهو من كان أبوه عربياً، والثاني: المقرئ، وهو ما كانت أمه عربية، والبرذون وهو ما ليس أحد من أبويه عربياً، ولما فتحت بلاد فارس اختلطت خيول المسلمين بخيول الفرس، والفرس غير العربي أقل نكاية من العربي، فلذلك كان يعطى هذا الفرس سهماً، ويعطى الرجل سهماً، فأما إذا كان أبواه عربيين فإن الفارس له ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه، هذا هو القول المشهور، وذهب الحنفية إلى أنه لا يزاد الفارس على سهمين، فيعطى الفرس سهماً، ولا يفرقون بين العربي وغيره. والذي يقسم له من الغنيمة هو الحر المسلم المكلف، فلا يقسم للنساء، ولا يقسم للعبيد، ولا يقسم لغير مكلف كالصغير والمجنون، ولا يقسم للكافر، وإنما يرضخ لهم، والرضخ: هو إعطاؤهم من الغنيمة دون تسويتهم بغيرهم، ويعطون شيئاً يكون مناسباً لهم.

تخيير الإمام في الأرض المفتوحة بالسيف

تخيير الإمام في الأرض المفتوحة بالسيف إذا فتح المجاهدون أرضاً بالسيف خُير الإمام بين قسمها أو وقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي بيده، فمكة لما فتحت عنوة بالسيف وقفها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأصبحت وقفاً، أما خيبر فلما فتحها قسمها، وأعطى كلاً من الغانمين جزءاً من أرضها، أما أرض الشام ومصر والعراق فإنهم قسموا المساكن والدور، وأما المزارع فلم تقسم على الغانمين، بل جعلها عمر وقفاً يدر على بيت المال، وقال: إنا لا نأمن أن تنقطع هذه الغنائم وتتوقف، فإذا جعلنا هذه الأراضي كلها وقفاً كانت غلتها لبيت المال، فوقفها كلها، وضرب عليها خراجاً، فإذا زرعها المسلم دفع أجرة عليها ودفع الزكاة، وإذا زرعها غير المسلم دفع الأجرة، وأجرتها العشر، والزكاة نصف العشر إذا كانت تسقى بمئونة، أو العشر بغير مئونة، فإذا زرعها مسلم وسقاها بلا مئونة فإنه يدفع الخمس، عشر أجرتها، وعشر زكاة، وأما إذا سقاها بمئونة فإنه يدفع ثلاثة أرباع الخمس، يعني: عشر ونصف عشر، وأما إذا زرعها غير مسلم فليس عليه إلا الخراج مستمراً كل سنة، حتى ولو لم يزرعها، فإذا كانت في يده وتحت تصرفه ضربت عليها أجرة سنوية.

الأموال التي تؤخذ من المشركين دون قتال

الأموال التي تؤخذ من المشركين دون قتال الأموال التي تؤخذ من المشركين بلا قتال تسمى فيئاً، قال الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر:7] إلخ، وقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر:6] ، والجزية تلحق بالفيء، وكذلك عشر خراج الأرض الخراجية، والعشر الذي يؤخذ من أموال الكفار إذا اتجروا إلينا، فإذا كان الكفار يجلبون أموالاً إلى بلاد المسلمين للتجارة فإنه يؤخذ منهم العشر من التجارة كل سنة. فعشر تجارة الحربي مثلاً، وخراج الأرض الخراجية، والجزية التي تؤخذ من أهل الكتاب؛ كلها نسميها فيئاً، والفيء قد ذكر الله تعالى مصرفه فقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر:7] أي: تصرف في هذه الأشياء كما يصرف في ذلك خمس الغنيمة.

عقد الذمة

عقد الذمة يجوز عقد الذمة لمن له كتاب أو شبهته، ومعنى (عقد الذمة) : أن الكفار من اليهود أو النصارى ونحوهم تعقد لهم الذمة، والذين يشبهونهم هم المجوس، فاليهود لهم كتاب التوراة، والنصارى لهم كتاب الإنجيل، أما المجوس فقيل: لهم شبهة كتاب، والله تعالى ما أمرنا أن نعقد الذمة إلا لأهل الكتاب، قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] ، فقيدهم بالذين أوتوا الكتاب، أما الوثنيون فلا يعقد لهم ذمة، وهذا هو القول المشهور. وذهب بعض العلماء إلى أنها تؤخذ الجزية من جميع الكفار: من الوثنيين والمشركين والدهريين والهندوس والبوذيين ونحوهم؛ وذلك لأن القصد من أخذها هو إقرارهم حتى يعرفوا الإسلام، ثم يدخلون فيه، وهذا هو الواقع؛ فإن كثيراً من المجوس الذين في المدائن وخراسان لما رأوا معاملة المسلمين لهم كان ذلك مما حملهم على الإسلام، فأسلموا وصاروا من جنود الإسلام، وصار أولياؤهم وأولادهم من علماء المسلمين، فـ أبو حنيفة كان أصله مجوسياً، وكذلك البخاري من أصل مجوسي وكثير غيرهما، فدخل أجدادهم في الإسلام بسبب حسن التعامل الذي كانوا يشاهدونه من المسلمين، فرأوا أن هذه المعاملة حرية أن أهلها أهل دين صحيح، فلذلك دخلوا في الإسلام. فعلى هذا لا فرق بين الكتابي وغيره في أخذ الجزية، ولكن الآية صريحة في تقييد أخذ الجزية بأهل الكتاب: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] فهذا قيد، فلذلك اقتصر بعض العلماء في أخذ الجزية من أهل الكتاب فقط. وإذا نظرنا في الأدلة الأخرى وجدنا فيها ما يجيز أخذها من غيرهم، ففي حديث بريدة الذي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا لقيت عدوك من المشركين -ولم يقل: عدوك من أهل الكتاب- فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن أجابوك لها فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام، ثم ادعهم إلى الجزية، ثم إن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) فجعل ثلاث خصال: الخصلة الأولى: الإسلام، والخصلة الثانية: الجزية، والخصلة الثالثة: المقاتلة، فاستدل بهذا الحديث على أنها تؤخذ من جميع الكفار. وعلل الذين قالوا: لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب بأن أهل الكتاب لهم دين يعتقدون صحته، ويظنون أنهم على حق، وأنه دين سماوي، ولكن دينهم منسوخ، ولا يعتبر صحيحاً. فالحاصل أن الفقهاء قالوا: لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتابين، ومن المجوس وأتباعهم، وهم الذين دانوا بدينهم، مثل كفار بني تغلب، مع كونهم كانوا عرباً، ولم يدخلوا في الإسلام، ثم لما كان في عهد عمر ضرب عليهم الجزية فامتنعوا، وقالوا: نحن عرب، كيف تضرب علينا الجزية؟! فعند ذلك ضعّف عليهم الزكاة، وقال: الزكاة التي نأخذها من العرب المسلمين نجعلها عليكم مضاعفة، فرضوا بذلك، ونفروا من كلمة (جزية) ولكنهم بذلوها باسم الزكاة مضاعفة، فهؤلاء من كفار العرب، ولكنهم تبعوا النصارى، ولكن يقول علي وغيره: ما تبعوهم إلا في شرب الخمر؛ لأنهم يقولون: إنا نصارى بالاسم. يقاتل أهل الكتاب ومن تبعهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، أما غيرهم من الكفار العرب أو من العجم الذين لا كتاب لهم فإنهم يقاتلون حتى يسلموا أو يقتلوا، فليس لهم إلا الإسلام أو السيف.

تعريف الجزية وكيفية أخذها

تعريف الجزية وكيفية أخذها الجزية: هي ضريبة تؤخذ من أهل الذمة سنوياً، وكانت تؤخذ منهم على قدر اليسار، فكانت تؤخذ من النصارى الذين في اليمن في نجران وفي الحبشة اثنا عشر ديناراً سنوياً، وأما من أهل الشام ومصر والعراق فإنها كانت أربعة وعشرين ديناراً؛ لأنهم أيسر، ومن أجل كثرة المال والقدرة على الدفع، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في حياته من يقبضها من البحرين، فأرسل أبا عبيدة وأبا هريرة، وجبيت منهم أموال كثيرة، وقسمها النبي عليه الصلاة والسلام في حياته، وأعطى منها المستحقين، ولم يدخر لنفسه منها شيئاً، وكذلك جُبيت بعده ممن التزم بالجزية من المجوس ونحوهم. وتؤخذ منهم ممتهنين صاغرين، يقول الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] فلابد أن يعطيها عن يد، فلا يرسل بها خادمه ولا ولده، بل يأتي بها وهو صاغر، ثم يقف، ويطال وقوفه حتى يشعر بالصغار والذل والهوان، وقوله: (عن يد) أي: لا عن يد غيره، فلا يوكل من يدفعها، (وهم صاغرون) الصغار: هو الذل والهوان، فلابد أن يشعروا أنهم أذلاء، وأنهم مهانون، ولا تؤخذ الجزية إلا ممن عنده قدرة على دفعها، فالصبي لا تضرب عليه؛ وذلك لأنه لا يملك، وكذلك العبد المملوك ليس له ملك حتى يدفع منه، وكذلك المرأة فهي تابعة لزوجها أو لأبيها، وهكذا الفقير العاجز، وهكذا الراهب الذي ينفرد في صومعته للتعبد، فإنه غالباً لا يملك شيئاً، فمثل هؤلاء تسقط عنهم، وكذلك من يشبههم مثل الأعمى والزمن والشيخ الكبير. وأما الرهبان الذين يخالطون الناس، ويتخذون مساجد ومزارع فحكمهم كسائر النصارى، تؤخذ منهم الجزية، فتؤخذ من الرهبان، وتؤخذ من الأحبار الذين هم علماؤهم، وتؤخذ من التجار وما أشبههم، هذا حكمهم في الجزية.

وجوب معاملة أهل الذمة بأحكام الإسلام

وجوب معاملة أهل الذمة بأحكام الإسلام يُلزم الإمام أخذ أهل الذمة بحكم الإسلام فيما يعتقدون تحريمه من نفس ومال وعرض وغيرها، فيعاملهم بأحكام الإسلام، ويلزمهم بها؛ لأنهم دخلوا تحت حكم الإسلام، فإذا حصل بينهم قتال فإننا نحكم عليهم بالقصاص كما نحكم به على المسلمين، وإذا سرق أحد منهم -ولو كانت سرقة من نصراني مثله- حكمنا بقطع يده، والزنا هم يعتقدون تحريمه؛ فيرجم من زنى منهم إذا ثبت الزنا منه، إما بالإقرار وإما بالشهود، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجم اليهوديين اللذين زنيا، وكان اليهود -لما كثر فيهم الزنا- اصطلحوا على إسقاط الحد الذي هو الرجم، وتعويضه بالجلد والتحميم، وقالوا: إنه كثر في أشرافنا، فاصطلحنا على أن نجعل حداً يقام على الشريف والوضيع، وهو: أن يركب الزاني والزانية على برذون منكسين، ويحممون وجوههم، ويطوفون بهم في العشائر، فلما حصل الزنا منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: احكم فيهم، وقالوا: إن حكم فيهم بحد الزنا الذي هو الرجم لم نقبله، وإن حكم بالتحميم قبلناه وجعلناه حجة لنا عند الله؛ فأنزل الله تعالى فيهم قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة:42] ، وقوله قبل ذلك: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة:41] فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يأتوا بالتوراة، فوجدوا فيها آية الرجم، فأمر أن يرجما. وقوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة:42] ثم قال بعد ذلك: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة:49] قيل: إن الآية الأخيرة منسوخة بالأولى، وأن الحاكم فيهم مخير بين الحكم وتركه، وهذا قول أكثر العلماء، أننا مخيرون أن نحكم بينهم أو أن نتركهم، وقيل: العكس: أن الأولى هي المنسوخة، والأخيرة هي المحكمة: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) . والحاصل أننا إذا حكمنا بينهم حكمنا بينهم بشرعنا، ولم نحكم بينهم بقوانينهم الوضعية، بل نختار الحكم الذي هو حكم الله تعالى في النفس كالقصاص، والعرض كالزنا، والمال كالسرقة، أي: إذا قتلوا اقتص منهم أو دفعت الدية كما في الحكم الإسلامي، وإذا زنى أحد منهم جلد إن كان بكراً، ورجم إن كان ثيباً، وكذلك نحكم بينهم في القذف كحكمنا فيما بيننا، وكذلك يحكم فيهم في المال بحكم السرقة والنهب والاختلاس وقطع الطريق وما أشبه ذلك.

إلزام أهل الذمة بالتميز عن المسلمين في العادة والهيئة والمعاملة

إلزام أهل الذمة بالتميز عن المسلمين في العادة والهيئة والمعاملة أهل الذمة يقيمون فيما بين المسلمين، ولكن يؤخذ عليهم العهد أن يكونوا متميزين عن المسلمين، وقد كتب عليهم عمر رضي الله عنه كتاباً طويلاً لما تعهدوا له ببذل الجزية، وقد أورده ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة:29] في سورة التوبة، ورواه البيهقي في سننه الكبرى، وفيه التزامهم على أنفسهم بما يلي: أننا نلتزم على أنفسنا بألا نركب خيول المسلمين، وألا نلبس لباسهم، ولا نتشبه بهم، وبأن نتميز عنهم معاملاتنا وأعمالنا، وبأن نكون على حال لا يكون عليها المسلمون، وكذلك نتميز بشد أوساطنا بالزنار، وجز مقدم رءوسنا، أي: قص الناصية علامة عليهم. فكانوا يجعلون لهم علامة يتميزون بها على المسلمين، حتى إذا رآهم المسلمون عرفوا أنهم ليسوا مسلمين، فيعاملونهم المعاملة التي أمروا بها، فمن ذلك ألا يبدءون بالسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) وأمرنا إذا سلموا علينا أن نقول: وعليكم، ولا نقول: وعليكم السلام؛ وذلك لأنهم كانوا يقولون: السام عليكم. فأمرنا بأن نقول: وعليكم. ولو تحققنا أن النصراني يقول: السلام عليكم -ولا يقول: السام- فإننا نرد عليه فنقول: وعليكم السلام، أو نقول: وعليكم. ومعنى اضطرارهم إلى أضيق الطريق أنهم إذا دخلوا في الطريق وكان ضيقاً كان لهم حافة الطريق، وللمسلمين وسط الطريق؛ ليشعروا بأنهم أذلة، وهذا من جملة إذلالهم وإهانتهم. ومما يتميزون به أنهم لا يركبون الخيل، بل يركبون البراذين، والبرذون هو الخيل الذي ليس من أبوين عربيين، ويركبون البغال، والبغل: هو الذي أحد أبويه من الحمر، فيركبون الحمر، وهذا في الوقت الذي كانت الخيول تركب، وركوبها يعتبر زينة؛ لأن الخيل كانت تركب لأجل الزينة، فقد جعلها الله تعالى زينة قال سبحانه: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] ، ولكن إذا تعطلت كما في هذه الأزمنة، واستبدلت بمراكب جديدة فإنهم يتميزون في مراكبهم، كما أنهم يتميزون في عملهم. وقد ذكرنا أنهم كانوا يلزمون أن يقصوا مقدم الناصية حتى يعرف المسلم أن هذا ذمي، وكانوا يتميزون بأن يشدوا على أوساطهم الزنار الذي يعرفون به أنهم ليسوا من المسلمين، فكذلك في ركوب الخيل ونحوها، وهكذا يقال: إذا كانوا من أهل الذمة فلا يركبون السيارات الفارهة، بل يركبون سيارات دنيئة أو رخيصة أو نحو ذلك حتى يعرفوا بذلك، وقد كانوا يمنعون من استعمال السرج، وهو الذي يكون على الخيل ويركب عليه، فكانوا يركبون على الإكاف، وهي: البرذعة التي تبسط على ظهر البرذون أو نحوه لتقي الراكب، فيركبون ببرذعة بدون سرج. فيتميزون بهذه السمات حتى يكونوا مهانين أذلة، وهذا سبب تميزهم، فلأجل ذلك يقال لهم: لا تشبهوا بالمسلمين، بل تميزوا تميزاً ظاهراً. ولكن الواقع في هذه الأزمنة أن المسلمين هم الذين يتشبهون بهم، فصاروا يتميزون غالباً بحلق اللحى، وحلق اللحى كان ميزة لهم، وبالأخص للمجوس والفرنجة ونحوهم، أما دعاتهم وعبادهم فإنهم يرون أن اللحى من شعار المسلمين ولا يحلقونها، فجاء هؤلاء المتأخرون فحلقوها، وصار حلقها شعاراً لهم، وقلدهم الكثير من المسلمين، واعتقدوا أن هذا التشبه والتقليد رفعة ورقي وشرف! فهذا من المصائب، يعني: كونهم يقال لهم: لا تشبهوا بالمسلمين، ثم نرى أن المسلمين هم الذين يتشبهون بهم في هذا اللباس أو في هذه الأخلاق! وذكر العلماء أنه لا يجوز أن يحترم هؤلاء الذميون، بل يهانون، فلا يجوز أن يجلسوا في صدور المجلس، بل إذا دخلوا مجلساً فإن لهم أطرافه، ولا يكونون في وسط المجالس أو في صدورها؛ ليشعروا بالإهانة، ولا يجوز القيام لهم، وإذا قدم واحد منهم -ولو كان عالماً كما يسمونه أو مفكراً أو مخترعاً أو له مكانة- لا يجوز القيام له، ولا يجوز أن يبدءوا بالسلام لما ذكر من الأحاديث، ويمنعون من بناية معابدهم في بلاد الإسلام، فلا يبنون الكنائس ولا البيع ولا الصوامع التي يتعبد فيها رهبانهم، ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع ونحوها، وإذا انهدمت فلا يجددونها، وإذا كانت موجودة في وقت عقد الذمة فلا نهدمها، ولكن متى انهدمت فيما بعد ذلك فلا يجوز أن تجدد؛ وذلك لأنهم أصبحوا في بلاد قد استولى عليها المسلمون. ولا يرفعون مساكنهم فوق مساكن المسلمين، بل تكون مساكنهم منخفضة، إما مساوية لمباني المسلمين أو دونها.

انتقاض عهد الذمي

انتقاض عهد الذمي إذا تعدى الذمي على مسلم بضرب أو بقتل أو زنى بمسلمة أو نحو ذلك انتقض عهده، وقد وقع في عهد عمر رضي الله عنه أن ذمياً كان يسوق امرأة راكبة على حمار، ثم إنه تحين غفلة الناس فحاول أن يسقطها، فسقطت من الحمار، وحاول أن يفجر بها، حتى جاء من أنقذها، فقال عمر رضي الله عنه: ما على هذا عاهدناكم، فأمر بقتله؛ لأن هذا يعتبر نقضاً للعهد. وكذلك إذا قتل الذمي مسلماً أو مسلمة كما في حديث اليهودي الذي رض رأس جارية بين حجرين، فرض رأسه بين حجرين. كذلك إذا ذكر الله تعالى بسوء، كأن سب القرآن، أو سب الله تعالى، أو سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو سب الإسلام، أو تنقص الإسلام تنقصاً ظاهراً، فلا شك أن هذا كله يعتبر اعتداءً ونقضاً للعهد، فينتقض عهده، فيخير الإمام فيه كما يخير في الأسير الحربي، فإما أن يجعله رقيقاً يسترقه، وإما أن يأسره ويكون أسيراً، وإما أن يقتله، والأسرى يخير فيهم الإمام، قال تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4] فإذا أُسر من الحربيين أسارى، أو من الذين انتقض عهدهم بمثل هذه الأعمال فماذا يفعل بهم؟ يخير الإمام فيهم: فإما أن يقتلهم؛ وذلك لأنهم يعتبرون قد استحقوا القتل لنقضهم العهد أو بالاستيلاء عليهم لما غنم المسلمون أموالهم وأسروهم، سيما إذا كان لهم مكانة في قومهم، فله أن يقتلهم أو يفادي بهم أسرى المسلمين، فيرسل إلى الكفار فيقول: أطلقوا أسرانا ونطلق أسراكم، أو نعطيكم من الأسرى على أن تخلوا أسرانا، حتى ولو كان الأسرى من غيرهم، فقد يكون الأسرى الذي عند المسلمين من اليهود، وأسرى المسلمين عند النصارى، فيكون الفداء بمعنى: أن نعطيهم أسارى على أن يخلوا سبيل الأسارى الذين عندهم، أو تؤخذ الفدية التي هي فدية مال يبذلونه لفك أساراهم كما حصل من الفداء الذي دفعه كفار مكة في فداء أسراهم، يعني: أنه يخير فيهم بين أربعة أشياء: إما أن يفادي بهم أسارى المسلمين. وإما أن يسترقهم. وإما أن يمن عليهم. وإما أن يأخذ بدلهم مالاً. وقد ذكر الله بعض ذلك في قوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4] . والذميون يبقون في بلاد المسلمين مراقبين، فإذا تشبهوا بالمسلمين فقد نقضوا العهد، وكذلك لو تركوا التميز عن المسلمين انتقض عهدهم، فإذا انتقض عهدهم حلت دماؤهم، وهل تحل دماء أولادهم ونسائهم؟ الصحيح أنها لا تحل، روي أن رجلاً أسلم ثم ارتد، وبقيت زوجته لم ترتد، فلم يتعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم، وأقرها، وحكم بقتل المرتد دون غيره. هذا آخر ما يتعلق بالجهاد، والبحث فيه طويل، ولكننا اقتصرنا على الذي ذكر في هذا المتن، وبه يتضح المقام إن شاء الله.

الأسئلة

الأسئلة

حديث (رباط يوم في سبيل الله) لا ينطبق على طلب العلم

حديث (رباط يوم في سبيل الله) لا ينطبق على طلب العلم Q هل هذا الحديث: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها) ينطبق على طالب العلم الذي ترك أهله وماله وحضر عند العلماء لطلب العلم؟ A الرباط إنما فضل لكونه في مكان مخوف، يتعرض فيه المرابط لقتل المشركين إذا جاءوا على حين غرة وغفلة، أو لأنه في حالة مرابطته قد ابتعد عن أهله، وكان في غاية من الشدة والضيق، وطلب العلم لا شك أنه عمل بر، وعمل صالح، ولكن ليس مثل الرباط، وطالب العلم له أجره حيث إنه رابط على هذا العمل، وهناك أدلة على ذلك، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) وغير ذلك من الأدلة.

الحالة التي يجوز فيها الهروب من العدو

الحالة التي يجوز فيها الهروب من العدو Q ما حكم هروب كثير من المسلمين إذا دهمهم العدو في بلادهم؟ A ذكر العلماء أنه لا يجوز الهروب من العدو إلا إذا كانوا أكثر من مثليهم، كان المسلمون مأمورين أن يقاتلوا عشرة أمثالهم كما في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:65] يعني: مثلهم عشر مرات، {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} [الأنفال:65] ، ثم خفف الله ذلك فقال: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} [الأنفال:66] . فنقول: يجوز الهروب إذا كانوا أكثر من مثليهم، فإذا جاءهم العدو الذين عددهم عشرون ألفاً، والمسلمون مثلاً ثمانية آلاف أو سبعة آلاف، وهم لا يقدرون على مقاومتهم، أو كان عند العدو من الأسلحة الفتاكة ما ليس عند المسلمين؛ فإنهم يهربون طلباً للنجاة منهم، فأما إذا كانوا مثليهم، كأن كانوا -مثلاً- عشرين ألفاً والمسلمون عشرة آلاف، أو المسلمون أكثر من العشرة، فليس لهم حق في الهرب، بل يقاتلونهم ويستعينون بالله تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] .

فرضية الجهاد على من يختص بمعرفة نوع السلاح

فرضية الجهاد على من يختص بمعرفة نوع السلاح Q بعض العلماء يلحق حالة رابعة في فرض العين في الجهاد، وهو أنه إذا كان يوجد سلاح أو آلة لا يعرف استعماله إلا هو فيجب عليه الجهاد، هل هذا صحيح؟ A إذا كان هذا السلاح الفتاك لا يعرفه إلا فلان، والمسلمون محتاجون إلى استعماله لحرب العدو، فإما أن يعلم غيره وإما أن يلزمه الخروج حتى يستعمله لأجل النكاية به في العدو.

نصيحة لطالب العلم المبتدئ ببعض كتب الحديث

نصيحة لطالب العلم المبتدئ ببعض كتب الحديث Q ما هي الكتب التي توصي بها طالب العلم المبتدئ في أبواب الحديث؟ A كتب الحديث كثيرة، فنوصيه بمختصر الصحيحين الذي هو: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، وكذلك جامع الأصول الذي جمع ستة كتب: الصحيحين، وسنن أبي داود والترمذي، والنسائي، وموطأ مالك، ففيه الأحاديث التي في هذه الكتب، وإن كان ترتيبه فيه شيء من الغموض، لكن فيه فهارس تبينه، وكذلك منتقى الأخبار إذا كان يريد الحفظ وكذا بلوغ المرام، وكذلك الأدب المفرد للبخاري وما أشبهها من الكتب المفيدة.

حكم تحديد الرباط بأربعين يوما

حكم تحديد الرباط بأربعين يوماً Q قال المصنف: (الخروج أربعين يوماً وهو أكثره) هل هذا سنة أم يجوز الزيادة عن أربعين يوماً؟ A المراد المرابطة، بمعنى أنه يقيم في هذا الثغر أربعين يوماً، هذه نهاية الرباط، وإن زاد فله ذلك، ولو أقام سنة أو سنوات؛ لأنه في جهاد؛ ولأنه يحمي المسلمين ويحرسهم وأجره عظيم، إذا كان: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها) فكيف برباط أربعين يوماً أو مائة يوم أو أكثر أو أقل؟!

شرح أخصر المختصرات [24]

شرح أخصر المختصرات [24]

حكم زيادة (ولك الشكر) عند الرفع من الركوع

حكم زيادة (ولك الشكر) عند الرفع من الركوع Q نريد بعض المصلين عند قوله: (ربنا ولك الحمد) كلمة: (ولك الشكر) فهل ورد ذلك؟ A لم يرد ذلك، الذي ورد أن يقول: (ربنا ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ، وورد أيضاً: (أن رجلاً لما رفع رأسه من الركوع قال: ربنا ولك الحمد حمداً طيباً مباركاً فيه) ، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ومدحه بهذا، فمثل هذا يجوز.

حكم الوضوء بماء البحر

حكم الوضوء بماء البحر Q إذا كان هناك شخص قرب البحر، وحان وقت الصلاة، ولم يكن لديه ماء، فهل يتيمم أم يتوضأ من ماء البحر؛ مع العلم أنه من الصعب المضمضة به لملوحته وكذلك استنشاقه؟ A يتوضأ به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) وفي الحديث أنهم قالوا: (يا رسول الله! إنا نركب البحر وليس معنا إلا قليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ قال: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) ، يتوضأ ولو كانت فيه ملوحة، ويصبر على الملوحة، وكذلك الاستنشاق فإنه لا يضره.

حكم العطورات التي فيها مادة الكحول

حكم العطورات التي فيها مادة الكحول Q ما حكم العطورات التي تحتوي على مادة الكحول، وهل نقول: إن كل من صلى صلاة وهو متعطر بهذه المادة يعيد صلاته؟ A الصحيح أنه لا يعيد؛ وذلك لأن الكحول الموجود فيها شيء يسير، وإن كان الأولى اجتنابها إذا كان فيها كحول كثير، أما إذا كان الكحول يسيراً لحفظ المادة من التعفن فيعفى عنه.

حكم الزواج برافضية

حكم الزواج برافضية Q هل يجوز أن أزور أبي في منزل زوجته وهي من الروافض؟ A انصح أباك أن يطلقها إذا كانت رافضية، ولا يمسكها وهي على هذه الحال؛ وذلك لأن الروافض على الصحيح ليسوا مسلمين حقاً، وذلك لأنهم يطعنون في القرآن كما تدل عليه كتبهم، ويردون السنة، ولا يعترفون بالأحاديث التي في الصحيحين، ويغلون في أئمتهم ويدعونهم من دون الله، فهذه العقائد الثلاث كافية. على كل حال لأبيك حق أن تزوره، ولكن زوجته التي هي على هذه العقيدة لا يجوز لك أن تجعلها محرماً لك، أو تجعلها قريبة أو تجعل لها صلة أخرى.

حكم زيارة الأب الذي لا يصلي ولا يصوم

حكم زيارة الأب الذي لا يصلي ولا يصوم Q ما حكم زيارة الأب الذي لا يصلي ولا يصوم، ويشرب المسكر، وإذا قلت له: لا تشرب المسكر قال: إن الله وعد به في الجنة، وأنا أريده في الدنيا؟ A هذا لا يستحق أن تزوره، إذا نصحته فلم يتقبل، فلم يصل، ولم يصم، ويتعاطى المسكرات، ثم يستحلها مع أن الذي وعد الله تعالى به في الجنة ليس فيها شيء من ذلك؛ لقوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} [الصافات:47] .

لا يجوز منع العمال من أداء الصلاة وقت الدوام

لا يجوز منع العمال من أداء الصلاة وقت الدوام Q سائل يقول: إن مسئوله في العمل يرفض أن يصلي العامل في وقت العمل، ويقول له: العمل عبادة، صل في المنزل؟ A هذا لا يجوز، وإذا كان في بلاد تحكم بالشرع فإن عليك أن ترفع بأمره حتى يمكن العمال من أداء الصلاة في وقتها.

حكم أخذ الأجرة على الأذان

حكم أخذ الأجرة على الأذان Q هل يجوز أخذ الأجرة على الأذان؟ A لا يجوز، ولكن إذا أخذ شيئاً من بيت المال على أنه رزق ومكافأة فلا بأس، أما الذي يقول: لا أؤذن لكم إلا إذا أعطيتموني كذا وكذا، فيكلف أهل المسجد أن يجمعوا له، فهذا لا يجوز.

حكم الصلاة في مكان فيه مسكر

حكم الصلاة في مكان فيه مسكر Q هل يجوز أن أصلي في مكان فيه مسكر؟ A إذا كان المكان طاهراً فلا يضرك، وإن استطعت أن تتلفه وتريقه فافعل ذلك، وإلا فافعل ما تستطيعه.

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان Q هل يحرم الخروج بعد الأذان إلى ملحقات المسجد من غرف ونحوها؟ A إذا كان لا يرجع وتفوته الصلاة فيحرم، وأما إذا كان سيرجع ويلحق مسجداً ثانياً فلا حرج.

الحكمة من النهي عن سفر الإنسان وحده

الحكمة من النهي عن سفر الإنسان وحده Q ما الحكمة من قول النبي صلى الله عليه وسلم في المسافر: الواحد شيطان، والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب؟ A كان المسافر في تلك الأزمنة يتعرض لقطاع الطريق، وللضياع، والسباع والهوام ونحو ذلك، فلذلك نهى أن يسافر الرجل وحده فقال: (لو تعلمون ما أعلم في الوحدة ما سار أحد وحده) ، أما في هذه الأزمنة فالأمر قد خف؛ وذلك لقرب المسافات، ولأن الطرق آهلة بالمسافرين ذهاباً وإياباً، فلا حرج في ذلك.

سنية رفع الأيدي في كل دعاء

سنية رفع الأيدي في كل دعاء Q هل يسن رفع الأيدي للدعاء بعد الأذان وبعد الصلاة؟ A نعم، يسن رفع الأيدي في كل دعاء؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سلمان المذكور في بلوغ المرام: (إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) يعني: خاليتين، فهو يعم كل دعاء، إذا قلنا: إنه يسن الدعاء بين الأذان والإقامة، ويسن دبر كل صلاة أو ما أشبه ذلك فمن أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين.

ليس كل من صحت صلاته صحت إمامته

ليس كل من صحت صلاته صحت إمامته Q ما صحة قول: (من صحت صلاته صحت إمامته) ؟ A ليس صحيحاً على الإطلاق؛ لأنه -مثلاً- قد لا يحسن الفاتحة، وفي هذه الحالة لا يصح أن يكون إماماً لمن يحسنها، فالإنسان الذي عجز عن تعلم الفاتحة تصح صلاته، ولا يصح أن يكون إماماً لمن يحسنها، وهكذا غيره من المعذورين.

حكم إمامة من يقرأ (إياك نعبده)

حكم إمامة من يقرأ (إياك نعبده) Q يوجد إمام في بلادنا يقول في الفاتحة: (إياك نعبده) فهل تصح الصلاة خلفه؟ A لا يجوز تعيين مثل هؤلاء الذين يزيدون في الحروف أو ينقصون منها، وينبه على ذلك، وهذه الزيادة قد يقال: إنها لا تفسد الصلاة؛ لأنها لا تغير المعنى، ولكن فيها زيادة حرف في القرآن، وهو لا يجوز تعمداً، ويرشد، فإذا لم يستطع أخروه وولوا غيره.

حكم شفع الإقامة كالأذان

حكم شفع الإقامة كالأذان Q في بعض الدول المجاورة ينادى بالإقامة مثل الأذان تماماً، أي: نفس جمل الأذان، فهل لهذا أصل؟ وهل ينكر على من فعل ذلك؟ A هذا في مذهب أبي حنيفة أن الأذان تسع عشرة جملة، فيكرر الشهادتين حتى يكون الأذان تسعة عشر، ولكنهم يخفون بعض جمل الشهادتين، والإقامة سبع عشرة جملة، يعني: مثل أذاننا ويزيدون فيها: قد قامت الصلاة (مرتين) فتكون سبع عشرة جملة، ومثل هؤلاء ينبهون إلى أن هذا خلاف الحديث، ولو كان موافقاً لمذهبهم، ومذهبهم مشهور معمول به في تركيا وباكستان، وفي الأفغان والهند.

ضابط الإقامة والسفر

ضابط الإقامة والسفر Q سائل يقول: إنه مدرس في حفر الباطن، وفي أثناء العطلة يبقى عند أهله في الرياض لمدة شهرين، فهل أصبح في هذين الشهرين مقيماً أم مسافراً؟ A مقيماً إذا كان يقيم أربعة أيام، ثم -أيضاً- إذا كان عند أبويه أو نحوهم فإنه يعتبر مقيماً، ثم إذا كان في منزل يتمتع فيه بما يتمتع المقيمون، فليس فيه صفة من صفات المسافر.

كيفية تربية أبناء المدارس على الصلاة

كيفية تربية أبناء المدارس على الصلاة Q أعمل مدرساً، ونصلي الظهر جماعة بالمدرسة، وكثير من الطلاب يصلي بغير وضوء، وكثير منهم يتظاهر بأنه يصلي وفي الحقيقة أنه لا يصلي، بل يتحدث مع زملائه أثناء سجوده وركوعه، وحاولنا مراراً إصلاحهم والتنبيه عليهم دون جدوى، فما العمل، هل نحكم عليه بالكفر حينئذ، أم هل من سبيل لعلاج ذلك؛ علماً بأنهم في المرحلتين المتوسطة والثانوية؟ A لا شك أن هذا يقع كثيراً من هؤلاء الطلاب الشباب الذين اعتادوا ترك الصلاة منذ الصغر، ولم يربهم آباؤهم على الصلاة في صغرهم، فثقلت عليهم، فهم لا يصلون، يعني: عصراً ومغرباً وعشاءً وفجراً، ولا يأتون إلى المساجد، بل يشاهد أنهم في الملاعب والأسواق يتسكعون، وعليكم أن تعلموهم وتخوفوهم في أثناء التدريس، وقبل الإقامة إذا اجتمعوا في المصلى يتكلم أحد المدرسين وينبههم، ويبين لهم شروط الصلاة ومنها الطهارة، ومنها النية، ويبين لهم فرضها وحكمها، لعلهم أن يتدربوا. وعليكم أن تؤدبوا من عرفتم أنه يتكلم في الصلاة، فأدبوه واردعوه، وكذلك من تحققتم أنه صلى بلا طهارة.

حكم الوضوء مع وجود الصبغة على الأظفار

حكم الوضوء مع وجود الصبغة على الأظفار Q هل يصح الوضوء مع وجود الصبغة التي على الأظفار -المناكير- وهل تأخذ حكم الجورب؟ A الصحيح أنه لا يجوز المسح عليها، ولا الوضوء عليها إذا كان بالإمكان قلعها؛ ولأنها ليست ضرورية، وليست مثل الجوارب التي ينتفع بلبسها ويكون فيها التحصن من البرد ونحوه.

جواز التيمم للمريض إذا صعب عليه استعمال الماء

جواز التيمم للمريض إذا صعب عليه استعمال الماء Q كنت في المستشفى أكثر من خمسين يوماً، وبسبب المرض يصعب عليَّ استعمال الماء، فكنت أضرب السرير وأتيمم، فهل فعلي هذا صحيح؟ A عفا الله عما سلف، الواجب على من قدر أن يتوضأ أن يستعمل الوضوء، ولا يكتفي بالتيمم، وإذا كان عاجزاً يشق عليه فما جعل الله في الدين من حرج.

استحباب الغسل يوم عرفة

استحباب الغسل يوم عرفة Q ورد عن ثلاثة من الصحابة منهم ابن عمر أنهم اغتسلوا يوم عرفة، فهل في ذلك دليل على استحباب الغسل يوم عرفة؟ A فيه دليل، ولعلهم قصدوا بذلك تخفيف شدة الحر؛ لأنهم يقفون على رواحلهم راكبين، بعدما يصلون الظهرين في وقت الظهر، فيبقى أحدهم راكباً على بعيره إلى غروب الشمس، وهم في هذه الحال تصهرهم الشمس، فلعل الوضوء والاغتسال يخفف عنهم حرارتها.

حكم التلطف للكافر لدعوته إلى الإسلام

حكم التلطف للكافر لدعوته إلى الإسلام Q الكافر إذا أردت دعوته إلى الإسلام، فهل يجوز لي أن أسلم عليه أو أصافحه تأليفاً لقلبه؟ A حيه بتحية تناسبه، فحيه -مثلاً- بالتحية التي يتعامل بها، ولا بأس بالمصافحة، والكلام اللطيف، فإذا أصر فعليك أن تقاطعه، وأن تظهر له البغض والمقت والتحقير.

حكم من سمع الأذان وهو خارج المدينة

حكم من سمع الأذان وهو خارج المدينة Q في بعض الأحيان نخرج في ضواحي المدينة في أماكن برية ونحن جماعة، ما حكم صلاتنا جماعة إذا كنا نسمع الأذان بالمكبر فقط، فهل يلزمنا الصلاة في المسجد؟ A إذا كنتم بعيدين عن المسجد نحو كيلو متر أو أبعد فلا يلزمكم، ولو سمعتم الأذان بواسطة المكبر؛ لأن فيه شيئاً من المشقة، وأما إذا كان يمكنكم الذهاب إلى المسجد ولو على سيارة بلا مشقة ويقدر بنحو الكيلو متر فلابد أن تصلوا في المسجد.

الاكتفاء بأذان المساجد التي تسمع

الاكتفاء بأذان المساجد التي تسمع Q عندما نكون المدرسة ونسمع تأذين المساجد، هل يجب علينا الأذان ونحن نصلي جماعة في المدرسة، أم نكتفي بأذان مؤذن المسجد؟ A لا بأس أن يكتفى بأذان المسجد، إذا كان المسجد قريباً تسمعونه، وإن أذنتم فحسن.

الاكتفاء بأذان المساجد لمن تأخر عن الأذان في مسجده

الاكتفاء بأذان المساجد لمن تأخر عن الأذان في مسجده Q إذا دخلت المسجد متأخراً عن الأذان بعشر دقائق أو بربع ساعة، وقد أذنت المساجد المجاورة، فهل يشرع لي الأذان؟ A إذا كان أذان المساجد مرتفعاً صوته، بحيث يسمعه أهل الحي كلهم فالتأخير فيه شيء من التشويش، فإذا أذنت بعد عشر دقائق من أذان الناس أو ربع ساعة؛ لاستنكر الناس ذلك، وربما يكون سبباً في تأخر جماعة هذا المسجد، فيكتفى بأذان المساجد الأخرى.

حكم صلاة المغرب خلف إمام يصلي العشاء

حكم صلاة المغرب خلف إمام يصلي العشاء Q دخلت مع الإمام في صلاة العشاء وأنا لم أصلِ المغرب، فدخلت بنية المغرب، ولكن قد فاتتني ركعة واحدة من العشاء، فكيف يكون ترتيب التشهد الأول بالنسبة لي وجزاكم الله خيراً؟ A في ذلك خلاف، المشايخ الأولون وأهل المذاهب غالباً يقولون: لا تدخل معهم، إذا عرفت أنهم يصلون العشاء فصل المغرب وحدك، وبعض المشايخ المعاصرين أباحوا أن تدخل معهم وهم في العشاء وتنويها مغرباً لك ولو اختلف تتابع الركعات، وفي هذه الحالة إذا فاتتك ركعة صل معهم الثلاث الركعات، وتكتفي بالتشهد الأول.

الحلف بالحرام وحكمه

الحلف بالحرام وحكمه Q خطبت أختي من قبل ابن عمي، فجاء ابن خالي وخطبها على خطبته، فأصر أخي وأمي على تزويج أختي من ابن خالها، وكان أن حلفت بالحرام من أهلي عدة مرات ما تتزوج أختي، ولكن زوجوها بغير رضاي، فماذا علي وجزاكم الله خيراً؟ A لا يجوز للثاني أن يخطبها على خطبة الأول؛ لقوله: (ولا يخطب على خطبة أخيه) لكن يمكن أنه ما علم بأنها مخطوبة، ثم يمكن أنهم لما جاءهم الخطيب الثاني رأوا أنه أحسن من الأول وأفضل وأصلح، وعلى كل حال: كان الأولى ألا تخالف أبويك، وألا تقحم هذه الأقسام وألا تحلف هذه الأيمان فتكلف على نفسك. والجواب في مثل هذا التحريم إذا قلت: حرام من أهلي وتقصد من ذلك تحريم زوجتك، فالتحريم ظهار على الصحيح، فعليك كفارة الظهار المذكورة في أول سورة المجادلة على الترتيب: تحرير رقبة، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة:4] ، فلا تمس زوجتك حتى تكفر.

حكم تقديم النافلة على الفريضة لمن فاتته صلاة الصبح

حكم تقديم النافلة على الفريضة لمن فاتته صلاة الصبح Q إذا فاتتني صلاة الصبح ولم أصلها في وقتها وصليتها بعد طلوع الشمس، فهل أقدم الفريضة أم أقدم النافلة؟ A تقدم النافلة؛ لأن الوقت قد فات، أما إذا استيقظت وقد بقي لطلوع الشمس قدر ركعتين فإنك تقدم الفريضة حتى تقع في الوقت.

حكم أكل الضفادع والتماسيح

حكم أكل الضفادع والتماسيح Q قول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) هل يدخل في الحديث التماسيح والضفادع إذا ماتت في البر؟ A من العلماء من يقول: كل ما يموت في البحر من دواب البحر التي لا تعيش إلا فيه حلال، ومنهم من يقول: ما كان جنسه محرماً في البر فيحرم جنسه في البحر. والضفادع تشاهد أنها برية، تخرج في البر ثم تنغمس في البحر، فهي برية بحرية، فليست حلالاً، وأما التماسيح ففيها هذا الخلاف، والأكثر على أنها لا تدخل في الإباحة.

حكم الالتفات ووضع الأصبع في الأذن حال الأذان

حكم الالتفات ووضع الأصبع في الأذن حال الأذان Q هناك مسألتان في الأذان؛ الأولى: الالتفات مع وجود المكبرات، الثانية وضع السبابة في الأذان، فما قولكم في هذا حفظكم الله؟ A الالتفات كان سنة عندما كان المؤذن يؤذن في غير مكبر؛ حتى يذهب صوته يميناً ويساراً، وأما إذا كان يؤذن في المكبر فأرى أنه لا يلتفت؛ لأن الالتفات يضعف صوته، حيث إنه يلتفت عن اللاقط الذي يلتقط الصوت، فشرعية الالتفات إنما هو إذا أذن في غير مكبر. أما وضع الإصبع في الأذن فإنه من السنة، وفعله بلال، وسببه أنه أندى للصوت؛ ولأنه يخاف إذا رفع الصوت كثيراً أن يخرج من أذنيه، ففيه هذه الفائدة.

حكم الأذان في السيارة إذا دخل الوقت

حكم الأذان في السيارة إذا دخل الوقت Q هل يؤذن في السيارة إذا دخل الوقت ونحن فيها، سواء كنا في سفر أو حضر؟ وشكر الله لكم. A لا بأس بذلك، فلو رفع صوته في السيارة وهي تمشي عرف -مثلاً- أن المصلين هم أهل هذه السيارة.

كيفية الصلاة الجهرية منفردا

كيفية الصلاة الجهرية منفرداً Q كيف تقضى صلاة الفجر بعد طلوع الشمس، أعني هل يجهر فيها بالقراءة؟ A إذا كنت منفرداً فإنك تسر، وإذا كنت إماماً فإنك تجهر.

حكم تأخير العشاء إلى نصف الليل

حكم تأخير العشاء إلى نصف الليل Q امرأة تؤخر العشاء غالب الأيام إلى قرب الساعة الثانية عشرة إلا عشر دقائق، بحجة أن ذلك من السنة، فهل فعلها هذا صحيح؟ A الليل كله وقت لصلاة العشاء، ولكن الأولى ألا تؤخر عن نصف الليل، وإن أخرت لعذر فلا بأس.

كيفية وضوء وصلاة المشلول

كيفية وضوء وصلاة المشلول Q شاب أصيب في حادث سيارة بشلل كامل، لا يستطيع معه الحركة، وأهله لا يستطيعون أن يوضئوه لكل صلاة، ولا يستطيع أن يستقبل القبلة، وأيضاً لا يدري إذا خرج منه شيء أو لا، فكيف يصلي مع هذه الحال؟ A {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، إذا دخل الوقت فإنهم يوضئون أعضاءه الظاهرة، وإذا كان في ذلك مشقة اقتصر على التيمم.

حكم احتجاب النساء عمن بلغ سن العاشرة

حكم احتجاب النساء عمن بلغ سن العاشرة Q ذكرتم في أحد دروسكم أن سن العاشرة مظنة البلوغ، ولذا أمر بضرب الطفل للصلاة، فهل تؤمر النساء بالاحتجاب عنهم في هذه السن؟ A الغالب أنه يبلغ في العاشرة، ولكن إذا تحقق أنه لم يبلغ فلا يلزمه؛ لقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] .

حكم صرف الزكاة في الصناديق الخيرية

حكم صرف الزكاة في الصناديق الخيرية Q هل تدخل الزكاة في الصناديق الخيرية التعاونية لبعض العوائل، وأهدافه هي أولاً: مساعدة الضعفاء والمتزوجين، ثانياً: تسديد الديون والتسليف، ثالثاً: استثمار هذه الأموال، رابعاً: الاجتماعات السنوية والشهرية. أفيدونا مأجورين؟ A لا بأس إذا كانت تصرف لمساعدة الفقراء والمتزوجين والمدينين ونحوهم، واستثمارها فيه خلاف، ولكن إذا توفر من الزكاة مال كثير فلا بأس باستثماره حتى تصرف غلته في هذه الوجوه.

حديث (خلقت الإبل من الجن)

حديث (خلقت الإبل من الجن) Q قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور:45] وقلتم حفظكم الله: إن الإبل خلقت من الجن، ومن المعروف أن الجن خلقت من النار، فكيف نوفق؟ A هكذا ورد في الحديث أنها خلقت من الجن، فلعل المراد التشبيه لا أنها مادتها الأصلية، والله أعلم.

حكم الوقوف في المسجد إذا لم يكف الوقت لتحية المسجد

حكم الوقوف في المسجد إذا لم يكف الوقت لتحية المسجد Q إذا دخلت المسجد وليس هناك وقت كاف لتحية المسجد، فهل أجلس أو أنتظر الإقامة واقفاً؟ A انتظر واقفاً، ولا تجلس إذا كانت الإقامة قريبة، وإذا أمكنك أن تصلي ولو ركعة وتتم الركعة الثانية بعد الإقامة فلا بأس.

الصلاة على الدابة خاص بالسفر

الصلاة على الدابة خاص بالسفر Q صلاة النافلة على الدابة هل هو خاص بالسفر أم يجوز في الحضر؟ A ما ذكروه إلا في السفر؛ لأن الذي في الحضر يمكن أن يصل إلى مقصده ويصلي الراتبة.

كيفية الصلاة على الطائرة ومعرفة الوقت

كيفية الصلاة على الطائرة ومعرفة الوقت Q إذا كان المسافر في الطائرة، وخاصة في أقصى الشرق أو أقصى الغرب، ولا يعرف وقت دخول الصلاة- وخاصة صلاة الفجر، فقد يكون في ليل، ويدخل في النهار بسرعة، وإن كان يعرف الاتجاه، ولكن الكراسي في الاتجاه المعاكس، ولم يستطع أن يصلي واقفاً، فماذا يفعل؟ وجزاكم الله خيراً. A إذا كان يمكن وصوله قبل طلوع الشمس انتظر، وأما إذا خشي أن تطلع الشمس فإنه يصلي على حسب حاله، ويجتهد ويتحرى، ويسأل الطيار أو الملاحين ونحوهم عن الوقت، وهم عندهم معرفة بذلك.

حكم من يطوف ويحمل ولده الصغير معه بدون طهارة

حكم من يطوف ويحمل ولده الصغير معه بدون طهارة Q بعض الناس يطوفون وهم يحملون أولادهم الصغار على أكتافهم، وهؤلاء الأطفال يلبسون الحفائظ، وقد تكون فيها نجاسة، فما حكم طوافهم؟ A عليهم أن يتحققوا من نظافتها قبل دخول المسجد، وإذا أرادوا أن يطوفوا بالطفل فعليهم أن ينظفوه ويطهروه ثم يلبسوه حفيظة طاهرة، ثم يبدءوا في الطواف، والعادة أنه لا يخرج منه شيء في الوقت القريب، وإذا خرج شيء ولم يشعروا به فلا حرج.

حكم من أحس بخروج المني من الصلب ولم يخرج

حكم من أحس بخروج المني من الصلب ولم يخرج Q من أحس بخروج المني من الصلب ولم يخرج، ثم صلى ولم يغتسل لجهله، فهل يعيد الصلاة، مع العلم أنها حصلت كثيراً؟ A في الغالب أنه إذا انفصل من الصلب أنه يخرج، وإذا بقي -مثلاً- ساعة أو نصف يوم فلابد أن يخرج بعد ذلك، ولو سيلاناً مع البول، فهذا الذي يحس -مثلاً- بشهوة الغالب أنه لا ينتقل؛ لأن الذي ينتقل لابد أن يخرج، وإذا جاوز محله فلابد أن يخرج إما في الحال وإما بعد ساعة أو بعد ساعات يسيرة. ننصحك بألا تكثر الوهم، وإلا فكلما حصلت لك شهوة اعتقدت أنه انتقل، فهذا ليس بصحيح، ولا تكلف نفسك.

حكم من ظهر منه دم في الصلاة ثم مسحه بالمنديل

حكم من ظهر منه دم في الصلاة ثم مسحه بالمنديل Q ماذا يفعل من ظهر منه دم في صلاته ومسحه بمنديل، ووضع المنديل في جيبه، هل صلاته صحيحة؟ وما حد الدم الكثير واليسير؟ A إذا كان يسيراً فإنه يعفى عنه، كأن يكون نقطتين أو ثلاث نقط، أما إذا كان كثيراً فإنه يقطع الصلاة، ويجدد الوضوء، وينظف بدنه أو منديله.

حكم من يقوم بتجديد بعض الإقامات للعمال النصارى

حكم من يقوم بتجديد بعض الإقامات للعمال النصارى Q معقب لدى إحدى المؤسسات، ويقوم بتجديد بعض الإقامات للعمال النصارى، فهل عمله هذا يدخل في التعاون على الإثم والعدوان؟ A إذا كانوا يدفعون له أجرة ويعاونهم بالأجرة، فلا بأس أن يأخذ منهم الأجرة، فهو أولى من أن يأخذها غيره من الفسقة أو الكفرة، ومعلوم أنه لابد لهم من هذه الإقامات، وهذه الجوازات، وهذه الرخص وما أشبهها، فكونهم يبذلونها لمسلم أولى من كونه يأخذها كافر.

حكم المداومة على الإطالة في الصلوات الجهرية

حكم المداومة على الإطالة في الصلوات الجهرية Q ما حكم المداومة على الإطالة في كل الصلوات الجهرية، نرجو التوضيح؟ A الإطالة لا بأس بها، ولكن المداومة على ذلك بحيث يشق على المأمومين مشقة كثيرة لا يجوز.

حكم قراءة الإمام بسورة الأعراف في المغرب

حكم قراءة الإمام بسورة الأعراف في المغرب Q هل يصح للإمام في وقتنا هذا أن يقرأ بسورة الأعراف في صلاة المغرب اتباعاً للسنة، وهل له أن يخبر الجماعة بأنه سيقرأ بهم سورة الأعراف؟ A فعل ذلك بعض مشايخنا، وبعض زملائنا، وبعض تلامذتنا -أيضاً- اقتداءً بالسنة، واتباعاً للأحاديث، ولكن لا يداوم على ذلك، وإذا فعله مرة كفى، وينبه المأمومين.

حكم تعمد الإمام الإسرار في الصلوات الجهرية

حكم تعمد الإمام الإسرار في الصلوات الجهرية Q ما حكم تعمد الإمام القراءة سراً في الصلوات الجهرية؟ A لا يجوز، وإن كان ذلك لا يبطل الصلاة، هم ذكروا أن الجهر في الظهر لا يبطلها، والإسرار في المغرب لا يبطلها، ولكنه خلاف السنة، ولا يجوز تعمد ذلك.

حكم ترك قراءة السورة بعد الفاتحة

حكم ترك قراءة السورة بعد الفاتحة Q ما حكم ترك قراءة السورة بعد الفاتحة سواء كان ناسياً أو متعمداً؟ A الأصل أنه لا يجوز تعمده، وإذا كان ناسياً فالصلاة صحيحة، وإن تعمد ذلك لبيان الجواز فلا بأس، فالأصل أن السورة بعد الفاتحة ليست واجبة.

حكم إمامة من يخرج منه قيح ودم من الدبر

حكم إمامة من يخرج منه قيح ودم من الدبر Q أنا إمام مسجد، وقد قدر الله علي بخروج ورم قرب فتحة الشرج، ينفتح هذا الورم ويخرج منه دم من خارجه، وإذا قمت بضغطه فإنه يخرج منه قيح يسيل مع فتحة الشرج، وأرى بعض أثر الدماء والقيح -وهي قليلة غالباً- في السراويل، فالسؤال: هل ترون أن أستمر في إمامة المسجد والحالة هذه، أم أترك الإمامة؟ والله يرعاكم. A لك أن تستمر إذا كان يسيراً، ولك أن تتعاهد نفسك قبل الدخول في الصلاة، وتنظف هذا الجرح، ولا حرج عليك إن شاء الله.

الجهر بالتأمين في الجهرية والإسرار بها في السرية

الجهر بالتأمين في الجهرية والإسرار بها في السرية Q ما معنى قول المؤلف: (يجهر بها -أي: بـ (آمين) - إمام ومأموم معاً في جهرية وغيرهما مما يجهر فيه) ؟ A في كل صلاة يجهر بها إمام ومأموم، والمنفرد يخير، والذي يجهر هو الصلوات الجهرية، كالأولتين من المغرب والعشاء، وصلاة الصبح، والجمعة، والعيد، والكسوف، والاستسقاء ونحوه.

حكم ضرب النساء بالدف وإعطائهن الأجرة على ذلك

حكم ضرب النساء بالدف وإعطائهن الأجرة على ذلك Q هل يجوز إعطاء الأجرة للنساء اللائي يضربن الدف الإسلامي في الحفلات؟ A الدف لا بأس بالضرب به، فهو من السنة؛ لحديث (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) ، فإذا لم يجد من يحسن الضرب عليه إلا امرأة وطلبت أجرة فلها ذلك.

شرح أخصر المختصرات [25]

شرح أخصر المختصرات [25] اهتم العلماء بالعلوم الشرعية، وبينوا أن الإسلام شامل لكل ما يحتاج إليه العباد في أمور دينهم ودنياهم، وليس خاصاً بالعبادات؛ بل يدخل فيه المعاملات والمعاقدات والجنايات، ومن أهم المعاملات التي اهتم العلماء ببيانها البيوع؛ لحاجة الناس إليها، ولكثرة الأخطاء الواقعة فيها، وللبيع شروط لا يصح إلا إذا توافرت جميعها فيه.

اهتمام العلماء بالتصانيف وترتيبهم لها

اهتمام العلماء بالتصانيف وترتيبهم لها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب البيع وسائر المعاملات: ينعقد بمعاطاة وبإيجاب وقبول بسبعة شروط: الرضا منهما، وكون عاقد جائز التصرف، وكون مبيع مالاً وهو ما فيه منفعة مباحة، وكونه مملوكاً لبائعه أو مأذوناً له فيه، وكونه مقدوراً على تسليمه، وكونه معلوماً لهما برؤية أو صفة تكفي في السلم، وكون ثمن معلوماً، فلا يصح بما ينقطع به السعر، وإن باع مشاعاً بينه وبين غيره أو عبده وعبد غيره بغير إذن، أو عبداً وحراً، أو خلاً وخمراً صفقة واحدة صح في نصيبه وعبده والخل بقسطه، ولمشتر الخيار. ولا يصح بلا حاجة بيع ولا شراء ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها الثاني، وتصح سائر العقود، ولا بيع عصير عنب لمتخذه خمراً، ولا سلاح في فتنة، ولا عبد مسلم لكافر لا يعتق عليه، وحرم ولم يصح بيعه على بيع أخيه، وشراؤه على شرائه، وسومه على سومه] . علماء هذه الأمة اعتنوا بالعلوم الشرعية وأولوها اهتمامهم، وبينوا أن الشرع الشريف شامل لكل ما يحتاج إليه من أمور الدين ومن أمور الدنيا، وأنه ليس خاصاً بالعبادات، بل يدخل في ذلك المعاملات، ويدخل في ذلك العقود، ويدخل في ذلك الجنايات وما أشبهها، فليس هناك شيء يحتاج إليه إلا والشرع الشريف قد بينه ووضحه. ثم إن الأولين كانوا يجمعون علم العقائد مع علم الأحكام؛ وذلك لأن العقائد تعتبر هي أساس علم العبادات، ولا تصح العبادات إلا إذا صحت العقائد التي هي التوحيد القولي والتوحيد العلمي، كما فعل البخاري حيث قدم كتاب العلم وكتاب الإيمان قبل كتاب الأحكام من الطهارة وما بعدها، وكذلك فعل مسلم حيث قدم كتاب الإيمان، وكذلك ابن ماجة حيث قدم -أيضاً- كتاب الاعتقاد أو الإيمان. ثم إن كثيراً من العلماء أفردوا كتاب العقائد والتوحيد، وجعلوه في كتب خاصة؛ وذلك لأهميته؛ ولأن الخلاف فيه قد يخرج من الملة، فألفوا فيه مؤلفات خاصة مثل كتاب السنة للإمام أحمد، والسنة لابنه عبد الله، والتوحيد لـ ابن خزيمة، والتوحيد لـ ابن مندة، والسنة لـ ابن أبي عاصم، والسنة للخلال، والإيمان لـ ابن أبي شيبة، والإيمان لـ أبي عبيد القاسم بن سلام، والإيمان لـ ابن مندة، والشريعة للآجري وأشباهها. ولما أفردوا كتب العقائد بقي من الشريعة نوعان: نوع سموه الأحكام، ونوع سموه الآداب، فأما الآداب فإنها آداب المسلم فيما يتعامل به مع إخوانه، وفيما يتعامل به مع جيرانه، وما أشبه ذلك، وهذا النوع مستحسن عقلاً، ووارد شرعاً، ومع ذلك فإن أهل الجاهلية كانوا يحبذون العمل به، ويمتدحون أهله؛ فلذلك أفرد هذا النوع في مؤلفات خاصة، مثل الأدب المفرد للإمام البخاري، والآداب للبيهقي، وأدب الدنيا والدين للماوردي، والآداب الشرعية لـ ابن مفلح وما أشبهها، يتكلمون فيها عن الفضائل: كالصدق وحسن الخلق وما يتصل به، وأضداد ذلك كذم الكذب، وذم سوء الخلق، وكذلك مدح الكرم، وذم البخل، ومدح الأمانة وذم الخيانة، وما أشبه ذلك. فمنهم من يكون معتمده الأحاديث كما فعل النووي في رياض الصالحين، وكذلك المنذري في الترغيب والترهيب، ومنهم من يتعدى للآثار والأشعار وما أشبهها كما فعل ابن حبان في روضة العقلاء، وكل هذا لا شك أنه علم مفيد، وأن التأدب به يفيد من تعلمه وتخلق به، ولكنه لا يضلل بتركه، ولا يخرج من الملة، وإن كان يمدح به في التزكية، ويقدح ضده في العدالة، وترد به الشهادة وما أشبه ذلك، فجعلوا هذا العلم خاصاً في مؤلفات خاصة، وأدرجه بعضهم في المؤلفات العامة، فـ البخاري جعل في صحيحه كتاب الأدب، وكذلك مسلم، وكذلك أبو داود والترمذي ونحوهم، وأفرد هذا النوع بكتب خاصة، وما ذاك إلا لأهميته ولاختلاف الآراء فيه، وما بقي إلا الأحكام التي يتعلق بها الحكم من صحة أو فساد، وسموا هذا القسم بعلم الأحكام، أو بعلم الفقه، وهو ما ألف فيه في المذاهب الأربعة وغيرها، وأكثر العلماء من التأليف فيه في كل مذهب، وفي المذهب الحنبلي أول من ألف في الأبواب الخرقي صاحب المختصر، والمؤلفون قبله كانوا يعتمدون على أشياء خاصة، كالذين كتبوا مسائل الإمام أحمد، حيث قسموها أو بوبوها، ولكنهم أضافوا إلى الأحكام غيرها.

ترتيب كتب الفقه

ترتيب كتب الفقه ولما كتبوا في هذا النوع -الذي هو علم الأحكام الفقهية- قسموه إلى أربعة أقسام: قسم العبادات، وقسم المعاملات، وقسم المعاقدات، وقسم الجنايات، وبدءوا بقسم العبادات؛ لأنها حق الله على العبيد؛ ولأن منها ما هو فرض عين؛ ولأنها حق الله تعالى، فلابد من معرفته. ثم إنهم قسموها إلى أربعة أقسام على ترتيب أركان الإسلام، فبدءوا بالصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، هذا هو ترتيب أكثرهم، وأضاف كثير منهم الجهاد، وجعلوه ركناً سادساً، كما فعل ابن قدامة في المقنع ومن تبعه من بعده، فرتبوها على ترتيب أركان الإسلام، وبدءوا بالصلاة، إلا أنهم قدموا شرطها عليها وهو الطهارة؛ لأن الشرط يتقدم على المشروط، وانتهوا من الصلاة وما يتعلق بها، وألحقوا بها -أيضاً- الجنائز؛ لأن أهم ما يعمل في الجنائز الصلاة على الميت، فألحقوها بالصلاة، وبعد ذلك ذكروا الزكاة لأنها قرينة الصلاة في كتاب الله، وبعد ذلك ذكروا الصيام؛ فإنه جاء في حديث الأركان بعد الصلاة والزكاة؛ ولأنه فرض عين على كل مكلف، وبعد الانتهاء منه ذكروا كتاب الحج؛ وذلك لأنه من أركان الإسلام، وأخروه لأنه لا يجب في العمر إلا مرة، ولا يجب إلا على المستطيع، وبعد ذلك ذكروا الجهاد؛ لأن الصحيح أنه من فروض الكفاية، وإن كان قد يصل إلى فرض العين في بعض الأحوال. ولما انتهوا من قسم العبادات بدءوا بالمعاملات؛ وذلك لأن أهم شيء يحتاجه الإنسان في حياته هو تحصيل القوت والغذاء الذي به قوام حياته، ومعلوم أن الإنسان لابد له من غذاء يتقوت به، وهو الأكل والشراب والكسوة ونحوها، وذلك يتوقف على تحصيل المال والكسب، وقد عرف أن أنواع المكاسب التي يكتسب منها المال كثيرة، فمنها الحرف اليدوية كالصناعات من حدادة ونجارة ونساجة وحياكة، ومثلها -أيضاً- الصناعات الجديدة، والصناعات الحديثة، كصناعة الأدوات والمكائن وما أشبهها، وما تحتاج إليه من هندسة ونحو ذلك، فهذه من أنواع المكاسب التي ينشغل بها خلق كثير، ومنها -أيضاً- الحرف اليدوية، مثل البناء والحفر والغرس والتكسب بمثل ذلك كخياطة وغسيل وما أشبه ذلك، هذه -أيضاً- من المكاسب التي يتكسب بها، وكذلك -أيضاً- تربية المواشي، والتكسب من ورائها، وكذلك غرس الأشجار واستثمارها، والتكسب من ثمارها أكلاً وتجارة وما أشبه ذلك، وكل هذه تعرف بالتجربة، ويحتاج في معرفتها إلى تعلم مبادئها، وليس لها أحكام من الأحكام التي يعرف بها حلها أو حرمتها، إلا الأشياء العامة من تحريم الغش فيها والخيانة والمخادعة وخلف الوعد وما أشبه ذلك.

أهمية البيوع والتجارة واهتمام العلماء بها

أهمية البيوع والتجارة واهتمام العلماء بها أهم شيء في المعاملات هو البيع والتجارة، فلذلك اعتنوا بهذا النوع الذي هو قسم التجارة، فـ ابن ماجة في سننه قال: كتاب التجارات، والبخاري قال: كتاب البيوع. وكذلك مالك وأبو داود ومسلم وغيرهم قالوا: كتاب البيوع. وبعضهم قال: كتاب البيع، وسبب تخصيصهم واعتنائهم بالبيع أن فيه مخالفات، وفيه شروط، وفيه أخطاء كثيرة، ويدخل الشرع في أموره، فأحل أشياء وحرم أشياءً، وفيه أنواع الربا، وفيه النهي عن الغرر، وما أشبه ذلك، ولا شك أن هذا من أهم الأمور المهمة في هذه الحياة التي يحتاج إليها. ولا شك أن الكسب الحلال له تأثير في الغذاء، وتأثير في حسن الحياة وطيبها، وأن الكسب الحرام له -أيضاً- تأثير في العبادات والمعاملات؛ ولذلك ورد في الحديث: (لا يدخل الجنة لحم نبت على سحت) وفي رواية: (كل جسد نبت على سحت فالنار أولى به) ، والسحت: هو الحرام الذي ذم الله اليهود به، قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة:42] أي: للحرام، وقال تعالى: {وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المائدة:62] ، وفسر أكلهم هذا بقوله في آية أخرى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء:161] فإن هذا من السحت. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أكل الحرام سبب لرد الدعاء في قوله: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!) يعني: أنه لما تغذى بالحرام رد دعاؤه مع وجود الأسباب الكثيرة التي تكون سبباً في إجابة الدعاء؛ فلذلك يتأكد على المسلم أن يبتعد عن أكل الحرام، وأن يحرص على أكل الحلال، ولا شك أن له تأثيراً عجيباً في إجابة الدعاء. ذكروا أنه قبل نحو سبعين أو ثمانين سنة كان رجل في بعض القرى القريبة مستجاب الدعوة، يأتي إليه المريض فينفث عليه، فيشفى بإذن الله، ويدعو له ويستجاب دعاؤه، ثم إنه استحضر إلى هذه البلاد، وخيف أنه يتعاطى سحراً أو نحو ذلك، فلما أحضر أخبر بأنه لا يأكل إلا حلالاً، وأن والده خلف له بستاناً من كسب يده، وأوصاه بأن لا يأكل إلا منه، وأنه توقف عليه، فهو ينفق عليه بجزء منه، ويتغذى بجزء منه، ويبيع بيعاً صحيحاً بعضه، ويشتري بما يبيعه منه حاجاته الأخرى الضرورية. وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً رأى سحابة وسمع صوتاً فيها يقول: اسق حديقة فلان، ثم إن تلك السحابة تقدمت قليلاً وأمطرت في شعب، فتابع سيره حتى وصل إلى حديقة وفيها رجل يصلح الماء، فسأله فإذا هو ذلك الرجل الذي سمع اسمه من السحابة، فأخبره بأنه يقسم إنتاجها ثلاثة أقسام: قسم يتصدق به، وقسم يأكله، وقسم يرده فيها ينفق به عليها) ، فرحمه ربه بهذا العمل الحسن، وأرسل هذه السحابة لسقي حديقته. وذكر لنا بعض مشايخنا أنه في بعض القرى تأخر المطر عن زمانه، وخيف على بعض الأشجار والثمار من الكساد والموت واليبس، ولم يقدروا على الاستسقاء إلا بأمر عام من الحكومة، ثم إن أحدهم استسقى وحده ومعه أولاده وأخوه، صلى ركعتين في صحراء قريبة من بستانه، ولما صلى ركعتين رفع يديه ودعا، وقلب رداءه أو كساءه، وقلب أهله أرديتهم، ولم يمكث إلا يوماً واحداً حتى جاءت سحابة وسقت بستانه حتى روي، ووصل الماء إلى جاره ولم يسق منها إلا خمس نخلات ثم وقف! فإجابة الدعوة من آثار الكسب الحلال. ولا شك أنه كلما فشا الحرام وكثر تداوله كان ذلك من أسباب رد الدعاء وعدم الاستجابة، وهكذا -أيضاً- إذا فشت المعاصي وكثرت المخالفات. والحاصل أن العلماء اهتموا في هذه الكتب بالكسب الحلال، فذكروا شروط البيع، والخيار، والربا والتحذير منه وأنواعه، وكذلك بقية المعاملات، إلى أن ذكروا أنواع المكاسب التي يحصل منها كسب المال، ومنها الفرائض والوصايا والعتق، وبنهاية العتق يكون قد انتهى قسم المعاملات التي فيها كسب المال بأي طريق من الطرق، وبعدما انتهوا من هذا القسم عرفوا أن المسلم إذا حصل على قوته، وعرف كيف يكسب المال، وعرف وجوه المكاسب المباحة، فلابد له بعد ذلك من أمر آخر، ألا وهو النكاح، فإنه -أيضاً- من الضروريات في هذه الحياة، وإن لم تكن الضرورة إليه مثل الضرورة إلى الغذاء الذي هو القوت، فهو ضروري في كل يوم مرة أو مرات، فلما انتهوا من المعاملات بدءوا بالقسم الثالث، وهو قسم النكاح، ويسمى: العقود والمعاقدات، وأدخلوا فيه الخلع والطلاق والإيلاء والظهار واللعان والعدد والنفقات؛ لأنها من تمامه، وإن كان لها تعلق بالقسم الثاني الذي هو المعاملات. وبعدما انتهوا من هذا القسم فالعادة أن الإنسان إذا تمت عليه نعمة المأكل والمشرب والمسكن والملبس والمنكح؛ فلابد أن يكون عنده شيء من التعدي، فطبع الإنسان الأشر والبطر والاعتداء على الغير، فجعلوا بعد ذلك قسماً رابعاً هو خاتمة أقسام الفقه وهو قسم الجنايات، الذي هو الشجاج والقصاص والديات وما يتصل بها، وكذلك الحدود التي حددها الشرع عقوبة على المحرمات كحد الزنا، وحد السرقة إلخ، وألحقوا بذلك -أيضاً- القضاء؛ لأنه لا يحتاج إليه إلا عند كثرة الجنايات وكثرة الخصومات، وختموا بالإقرار الذي يكون سبباً للحكم بما أقر به. هذه هي أقسام الفقه، وهكذا قسم كتب الفقه فقهاء الحنابلة، لكن هناك كثير من المتقدمين والمتأخرين قدموا وأخروا في هذه الأقسام، ولكل اجتهاده.

تعريف البيع وصيغته

تعريف البيع وصيغته البيع أكثر ما يستعمل في المكاسب، وقد ذكروا أن اشتقاقه من الباع، والباع: هو ما بين اليدين إذا مدتا، سمي بذلك لأن المتبايعين يمد كل منهما باعه -أي: يده- للأخذ والإعطاء، فالبائع يمد يده بالسلعة، والمشتري يمد يده بالثمن. وتعريفه: عقد أو معاملة لأخذ شيء من السلع بثمن معلوم، والعقد: هو المعاقدة بين المشتري والبائع، ولابد فيه من الصيغة التي يصح بها، وله صيغتان: صيغة قولية، وصيغة فعلية، فالقولية: هي الإيجاب والقبول، والفعلية: هي المعاطاة من البائع أو المشتري، والصيغة القولية أن يقول البائع: بعتك، ويقول المشتري: قبلت. مثلاً: يقول: بعتك الثوب بعشرة، فيقول المشتري: قبلته أو رضيت به. وهذه هي العادة، فلابد من إيجاب وقبول، ثم لابد أن يكون الإيجاب هو المتقدم، وقيل: يصح تقدم القبول، فإذا قال -مثلاً-: اشتريت الكتاب منك بعشرة، فقال: قد بعتك؛ صح ذلك ولو كان القبول متقدماً، وكذلك إذا قال: بعني هذا الكتاب بعشرة. فقال: خذه بها؛ صح ذلك. واختلفوا في تأخير الإيجاب أو تأخير القبول، كأن يقول: بعتك الكتاب بعشرة. فسكت المشتري ساعة أو ساعتين، ثم قال: قبلت. والصحيح أنه يجوز ذلك وينعقد، وكذلك لو اشتغل بكلام أجنبي، كأن يقول: بعني هذا الكتاب بعشرة. فسكت البائع، ثم انتقل إلى كتاب آخر فقال: بعني هذا المصحف -مثلاً- بعشرين. ثم بعد ذلك قال: قد بعتك الأول بعشرة. فلا حاجة إلى أن يقول: قبلت؛ وذلك لأنه قد بدأ بسومه من قبل. وصيغة المعاطاة فعلية، وهي: أن يمد إليه بالسلعة، ويمد الثمن إذا كان قد عرف ثمنها كما، لو كان مكتوباً على الكتاب ثمنه أو على الكيس ثمنه فمد الدراهم ولم يتكلم، وأخذها البائع ومد إليه بالسلعة ولم يتكلم واحد منهما؛ صح، وتسمى هذه صيغة فعلية، وتستعمل في الأشياء التي عرف ثمنها، فإذا أتيت إلى الخباز فإنك تدفع إليه ريالاً ويمد إليك بأربعة أرغفة عادة دون أن يتكلم واحد منكما، وهكذا -أيضاً- بقية المعاملات التي لا يحتاج فيها إلى مماكسة، وأثمانها معروفة، ومثلها الأجرة إذا كانت محددة، أجرة السيارة إلى مكان معين، فتسمى هذه معاطاة.

شروط البيع

شروط البيع يشترط للبيع سبعة شروط لابد منها، وقد أشار إليها المؤلف:

التراضي

التراضي الشرط الأول: التراضي منهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما البيع عن تراض) أي: لا يكون إلا عن تراضي، ويخرج بهذا المغصوب، فلو أخذت منه سلعة بدون اختيار منه فإن البيع باطل؛ وذلك لأنه لم يسمح بها، ولم يرضَ بذلك الثمن، إما لأنه بحاجة إلى سلعته كسيارته مثلاً أو بيته أو ثوبه، وإما أن الثمن الذي بذل له قليل، فلذلك اشترط التراضي، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29] أي: عن رضاً من الطرفين. وكذلك -أيضاً- لو أكره المشتري على الشراء، فإن البيع باطل.

أهلية العاقد

أهلية العاقد الشرط الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف، سواء كان هو البائع أو المشتري، فإذا كان سفيهاً أو صغيراً أو محجوراً عليه أو مملوكاً فلا ينفذ تصرفه، وأجازوا للصغير البيع والشراء في المحقرات، الصغير الذي دون العاشرة أو نحوها، فإذا جاءك -مثلاً- بريال أو بخمسة ريالات وطلب حاجة معروفة، وأعطيته، فإن هذا عادة ينفذ؛ لأنه في الغالب يتسامح فيه، وأما إذا جاء بمال كثير كخمسين أو مائة فالأصل أن أهله لا يولونه مثل هذا، فلابد أنه أخذها من غير رضا، فلا يجوز أن ينفذ بيعه وشراؤه، وهكذا -مثلاً- لو أخذ كيساً أو ثوباً له قيمة أو كتاباً له قيمة وجاء به ليبيعه، فالعادة أن أهله لا يوافقون على توكيله في هذا، فلابد أن يكون العاقد جائز التصرف، وسيأتي -إن شاء الله- في باب الحجر متى يجوز تصرفه.

كون المبيع مالا

كون المبيع مالاً الشرط الثالث: كون المبيع مالاً، وهو ما فيه منفعة مباحة، فلا يجوز بيع ما ليس فيه منفعة، أو فيه منفعة ولكنها محرمة مثل الخمر، كما ذكر الله في قوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] ، وكذلك إذا كانت المنفعة ليست مباحة مطلقاً كالكلب، فإنه وإن كان فيه منفعة الحراسة والصيد، لكنها منفعة خاصة لمن يحتاج إلى ذلك. وكذلك الحشرات ليس فيها منفعة، فإذا كان فيها منفعة خاصة فإنه يجوز بيعها، مثل بيع النحل؛ لأنه يستخرج منه العسل، فيجوز بيعه ولو كان من الحشرات التي هي شبيهة بالذباب، ومثل بيع دود القز، فإن نسيجه ينتج منه الحرير، ونسجه مثل نسج العنكبوت إلا أنه أرق وألين، فيؤخذ هذا النسج وينسج منه ثياب لينة رفيعة الثمن، فيجوز بيع غزله، ويجوز بيع الدود نفسه، وأما بقية الحشرات فلا يجوز بيعها، وكذلك كل ما لا منفعة فيه. ويجوز بيع ما فيه منفعة مباحة ولو كان حرام الأكل، مثل الحمار الأهلي، فمنفعته مباحة، والناس يحتاجون إليه للحمل عليه وركوبه عادة، وإن كان غير مأكول، فبيعه متعارف عليه.

كون المبيع مملوكا للبائع أو مأذونا له فيه

كون المبيع مملوكاً للبائع أو مأذوناً له فيه الشرط الرابع: كون المبيع مملوكاً للبائع أو مأذوناً له فيه، ويخرج بذلك أن يبيع ما ليس في ملكه، فلا يبيع شاة غيره، ولا بيت غيره، ولو كان خاصاً بأبيه وأمه، إلا إذا كان موكلاً مأذوناً له في البيع فإنه يقوم مقام صاحب المال، وكذلك لا يشتري بمال غيره، فلو أعطاك إنسان ألفاً أو عشرة آلاف أمانة، فلا تقل: سوف أشتري له بها أرضاً أو داراً، ولو كانت رخيصة، بل احفظها له حتى تسلمها، ولا تقل: إن هذا أنفع. ولا يجوز لك أن تبيع شاة غيرك، حتى لو جاء إنسان محتاج وسوف يدفع فيها ثمناً كبيراً فتقول: أبيعها لأجل المصلحة، لأجل هذه المصلحة التي ليس لها نظير، فلا يجوز ذلك، وما ذاك إلا لأنه في هذه الحال قد لا يرضى، وقد تكون حاجته إلى تلك الشاة أو ذلك الثوب أو ذلك الكيس أو ما أشبهه أشد، فالحفظ لهم أولى. ولو اشتريت شاة ونويتها لزيد بدراهم عندك له، ثم قبلها زيد، أو كان عندك له دراهم، وعرفت بأنه بحاجة إلى شاة، ورأيت شاة مناسبة واشتريت تلك الشاة بدراهمه، فإن رضي فهي له، وإن سخط لزمتك أنت، ولا ترجع لصاحبها البائع، إلا إذا أخبرته وقلت: إني أشتريها لزيد، وقد لا يكون موافقاً؛ لأنه غائب وعندي له دراهم، فإذا لم يرضها في هذه الحالة فإن صاحبها يقبلها؛ لأنك أخبرته بأنك لا تشتريها لنفسك، وإنما هي لإنسان عندك له مال، وهو لم يرضَ. أما إذا كان حاضراً، واشتريت له بماله، وأقرك، وانتهى العقد، وهو ساكت ويرى تصرفك، فالصحيح أنه يلزمه ذلك، وإذا تم البيع فليس له الرجوع، وليس لصاحبها أن يلزم. وهذا يعتبر من الشروط المشهورة، وهو كون البائع مالكاً للعين أو وكيلاً في تلك العين مأذوناً له فيها.

القدرة على التسليم

القدرة على التسليم الشرط الخامس: القدرة على التسليم، ويخرج به إذا كان لا يقدر على تسليمه فإنه لا يصح العقد، ومثلوا لذلك ببيع الجمل وهو شارد، فإنه عادة إذا شرد لا يستطيعون اللحوق به، توجد عندهم الخيل، ولكن قد لا تدركه، وقد تدركه ولكن يغلب الفرس بقوته، فربما صدمها وسقطت؛ فلذلك قالوا: لا يباع الجمل وهو شارد. ويمكن في هذه الأزمنة أن يدرك بالسيارات، وإن كان قد يسلك طريقاً صعباً لا تسلكها السيارات، إذا كانت الطريق فيها شعاب وأشجار وحجارة ومرتفعات ومنخفضات، فالجمل قد يصعد الجبال، وقد يسرع السير في تلك المرتفعات ولا يهمه، فلذلك لا يصح بيعه حتى يقدر على تسليمه. وكذلك العبد الآبق -الهارب- لا يجوز بيعه؛ لأنه غير مقدور على تسليمه. وهكذا بيع الطير في الهواء ولو ألِف الرجوع كالصقر والبازي والباشق التي تعلم لأجل الصيد بها، إن كان طائراً في الهواء فالعادة أنه لا يفهم، وإذا قيل له: ارجع، فلا يدري ولا يرجع، وإن كان أهله يشيرون إليه إشارات فينزل بها لهم، ولكن ليس ذلك مطرداً؛ لذلك لا يجوز بيع الطير في الهواء، وهكذا الطيور المأكولة، لو مر بك قطيع من الحمام في السماء فلا يجوز أن تقول: أبيعك يا فلان خمساً من هذه الحمام، سأرميها وأسقطها؛ لأن هذا ليس في إمكانك، وليست في ملكيتك، ولو كنت معتاداً أن تصيب إذا رميت، فلا يجوز بيعه وهو في الهواء. وكذلك السمك في البحر، فالعادة أنه يكون بعيداً، وقد يهرب إذا نزل إليه أحد ليصيده، فلا يجوز بيعه وهو في هذه الحال، وهذه أمثلة.

العلم بالمبيع رؤية أو صفة

العلم بالمبيع رؤية أو صفة الشرط السادس: أن يكون معلوماً لهم برؤية أو صفة تكفي للسلم. المبيع لابد أن يكون مرئياً أو موصوفاً صفة توضحه، فالمرئي مثل الجمل تشاهده وتنظر إليه، ومثل الثوب تقلبه، ومثل القدر ترفعه وتنظر فيه، ومثل الكتاب تقلب ورقاته وتعرفه؛ فهذا بيعه صحيح بعد رؤيته وتقليبه، والغائب لابد من وصفه وصفاً دقيقاً لا يكون معه اختلاط. وسيأتينا في باب السلم أنه لا يجوز السلم في الأشياء التي لا تنضبط بالوصف، كالتي تدخلها الصناعات اليدوية، فعلى هذا لابد أن يكون منضبط الصفة، مثل ثوب من صفته كذا وكذا، نوع القماش كذا وكذا، طوله كذا، عرضه كذا، شاة صفتها كذا، ولونها كذا، سمينة أو متوسطة أو هزيلة، وسنها كذا وكذا، وكذلك -مثلاً- فيما ينضبط بالصفة من الأحذية أو الكتب والرماح والسيوف والأقواس بأنواعها، والحبوب والثمار التي توصف وتنضبط بالصفات، كعشرين صاعاً من بر من نوع كذا وكذا، أو من تمر، ولا شك أن هذه تنضبط بالصفات.

العلم بالثمن

العلم بالثمن الشرط السابع والأخير: كون الثمن معلوماً؛ وذلك لأنه أحد العوضين، والعوض لابد أن يكون معلوماً للمتعاقدين، فالثمن عوض يبذله المشتري، فلابد أن يكون معلوماً بالعدد أو بالنوع، فإذا كان في البلد عملات مختلفة، فيها -مثلاً- جنيه سعودي، وجنيه مصري، وجنيه سوداني، فلابد أن تقول: بمائة جنيه. وتعينها، وإذا كان في البلد ريال سعودي ويمني وقطري، فلابد أن تحدد الريال الذي تبيع به من أي العملات هو، وإذا كان فيها -مثلاً- دينار كويتي ودينار بحريني ودينار أردني فلابد أن تحدد بأي الدنانير هو، وهكذا إذا كان فيها عملتان مختلفتان، فإذا كان فيها دينار ودولار فلابد أن يحدد البيع بأيهما، فلا يقول -مثلاً-: بمائة. ويسكت، لابد أن يبين النوع، مائة دينار، مائة دولار، مائة ريال وهكذا، فيجب أن يكون الثمن معلوماً. وكذلك -أيضاً- العدد، بأن يقول: بعشرين، بثلاثين، بمائة وما أشبه ذلك، فلا يصح بما ينقطع به السعر، أي: بما تقف عليه السلع، كأن يقول: أنا جلبت هذه الأكياس، خذ منها عشرة بالسعر الذي أبيع به في السوق، وما ينقطع به السعر، وهذا فيه خلاف، ولعل الأقرب أنه جائز إذا كان السعر عادة معيناً، ومن منع من ذلك فهو مخافة أن يكون البيع مجهولاً، وأن يكون السعر في السوق متفاوتاً، فقد يبيع كيساً بمائة، وقد يبيع كيساً بتسعين، وقد يبيع آخر بمائة وعشرة، فلذلك لابد أن يحدد السعر.

تفريق الصفقة

تفريق الصفقة يقول المصنف: [وإذا باع مشاعاً بينه وبين غيره بغير إذن شريكه، أو باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة، أو باع عبداً وحراً صفقة واحدة، أو خلاً وخمراً صفقة واحدة؛ صح في نصيبه من المشاع، وفي عبده وفي الخل لقسطه، ولمشتر الخيار إذا لم يبع صاحبه أو صاحب القسم الثاني] . تسمى هذه: مسائل تفريق الصفقة، وهي التي تصح الصفقة في بعض البيع دون بعض، فلو كان لك أرض مساحتها ثمانمائة متراً، مشتركة بينك وبين زيد، ثم جاءك إنسان وقال: بعني هذه الأرض بمائة ألف. فبعتها بمائة ألف، وشريكك ما وكلك، بل هو غائب لم يحضر ولم يدر، ففي هذه الحال إذا جاء شريكك وقال: لا أوافق. فإن المشتري يأخذ نصيبك فقط، وهو نصف الأرض أربعمائة، أو يردها ويقول: لا أريد إلا الجميع، فله الخيار في ذلك، وحيث إنك بعت نصيبك من هذه الأرض فإن لشريكك أن يشفع فيأخذ نصيبك، ويعطيك الثمن الذي بعت به. وكذلك إذا بعت عبدك وعبد زيد، وهو عبد واحد مشترك بينكما فبعته، وشريكك لم يقبل، أو كانا عبدين، إنسان يريد أن يشتري عبدين فبعت عبدك وعبد زيد صفقة واحدة بعشرة آلاف مثلاً، ثم امتنع صاحب العبد الآخر من بيعه؛ فإن المشتري له الخيار أن يأخذ عبدك أو أن يرد الجميع ويقول: لا أريد إلا الاثنين. وكذا لو أخذ شاتين، شاة لك وشاة لزيد، وقال: لا أريد إلا اثنتين. فبعت شاتك وشاة زيد ولم يرض زيد، فإن البيع يصح في شاتك، ولا يصح في شاة زيد إلا برضاه، وإذا لم يرض فللمشتري الخيار. وكذلك لو باع ما لا يحل مع ما يحل، فلو باع عبداً وحراً، أو خلاً وخمراً، فالحر لا يجوز بيعه، والخمر لا يجوز بيعه، فإذا باع بألف خلاً وخمراً صح في الخل؛ لأنه ينتفع به، وهو مباح، ولم يصح في الخمر، وللمشتري الخيار لو كان المشتري يعتقد أن كليهما خل، ولم يظن أن أحدهما خمر.

حرمة البيع بعد النداء الثاني للجمعة إلا لحاجة

حرمة البيع بعد النداء الثاني للجمعة إلا لحاجة يقول: [ولا يصح بلا حاجة بيع ولا شراء ممن تلزمه الجمعة قبل ندائها الثاني؛ لقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9] النداء الثاني هو الذي عند جلوس الإمام، فإذا نودي للصلاة بالنداء الثاني حرم البيع والشراء، ومن باع أو اشترى فالبيع باطل، قال تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] أي: اتركوا البيع، والنهي يقتضي الفساد، واستثني صاحب الحاجة، إذا كان هناك حاجة ملحة شديدة، كأن يكون -مثلاً- بحاجة إلى ثوب ليستتر به في الصلاة، ووجد امرأة أو نحوها تبيع، فإنه يشتري ذلك، ويصح البيع، وكذلك لو اشترى -مثلاً- طعاماً وكان في شدة الجوع، جاز شراؤه لأنه مضطر، أما من لا تلزمه الجمعة كالمرأة والصغير فإنه لا حرج في بيعه وشرائه إلا من الرجال، أما سائر العقود فتصح بعد نداء الجمعة، كعقد النكاح وعقد الوقف وعقد الخلع؛ لأنها ليست من جنس البيع، ولا تدخل في مسماه.

بيوع لا تصح

بيوع لا تصح لا يصح بيع ما يستعان به على معصية، فإذا عرفت -مثلاً- أن إنساناً يشتري منك العنب ليعمله خمراً حرم عليك بيعه، أو يشتري منك عنباً ليعصره ويعمله خمراً حرم عليك أن تبيعه؛ وذلك لأن فيه مساعدة له على المنكر، والله تعالى يقول: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ، وكذلك السلاح في فتنة بين المسلمين، فإذا عرفت أنه يشتري منك هذا السيف ليقتل به مسلماً، أو هذا الرصاص أو البارود ليقاتل به المسلمين، حرم عليك أن تبيعه؛ وما ذاك إلا لأنه يقتل به بريئاً، فإذا بعته أعنته على منكر. وكذلك لا يجوز بيع عبد مسلم على كافر إذا لم يعتق عليه، أما إذا عتق عليه كأبيه أو أخيه أو ابنه فيصح، فإذا أسلم عبد، وكان سيده مسلماً، فإنه لا يجوز أن يباع على كافر، إلا إذا كان الكافر ممن يعتقه إذا اشتراه؛ لأن العبد إذا اشتراه أبوه عتق، أو اشتراه ابنه عتق، أو اشتراه أخوه أو عمه أو خاله يعتق عليهم، فأما إذا كان لا يعتق عليه كابن عمه أو ابن خاله ونحوهم فلا يجوز بيعه عليه؛ وذلك لأن فيه إهانة للمسلم، قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141] ، وإذا تولى عليه وهو مسلم فلابد أنه يؤذيه، ولابد أنه يهينه ويمتحنه ويشق عليه.

حرمة بيع الرجل على بيع أخيه

حرمة بيع الرجل على بيع أخيه يقول: [وحرم ولم يصح بيعه على بيع أخيه، وشراؤه على شرائه، وسومه على سومه] . ورد النهي في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع بعضكم على بيع بعض) ، وقال: (لا يبيع المسلم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه) ، وصورة ذلك: إذا رأيت جارك باع ثوباً بعشرة، وأشرت إلى المشتري وقلت: رده وأنا أبيعك مثله بتسعة. فيرده لأجل رخص الثمن، وكذلك لو رأيت جارك اشترى شاة أو ذهباً وباعه له البائع بمائة -مثلاً-، ثم إنك رغبت فيه، فأشرت إلى البائع وقلت له: استرجع شاتك أو ذهبك وأنا أشتريها منك بأكثر، أنا أدفع لك في الشاة مائتين أو مائة وخمسين، فحمله على ذلك استعادة تلك السلعة طمعاً في هذا الثمن الزائد الذي زدته عليه، ولا شك أن هذا فيه ضرر بالمسلم. والعلة في تحريم ذلك أنه يسبب العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ لأنك إذا أفسدت عليه صفقة حقد عليك، فإنه قد باع هذا الثوب بعشرة بيعاً جازماً، ولما باعه أشرت إلى المشتري وقلت: أنا أعطيك مثله بتسعة. فقال: خذ ثوبك ورد علي دراهمي. ولا يدري ما السبب، فإذا عرف أن السبب كونك أنت جاره، ومع ذلك أفسدت عليه هذا المشتري أو هؤلاء المشترين حقد عليك. وكذلك -أيضاً- الشراء على شرائه، كما لو جلب عليه سمن فاشتراه بمائة، وقبل أن يتفرقا قلت لصاحب السمن: استرجعه وأنا أعطيك مائة وعشرة. فاستعاده، فلا شك أن هذا يعتبر ضرراً؛ لأنه قد جزم على الشراء، وقد اشترى هذا السمن بمائة، فأنت أفسدت عليه العقد، وطلبته بمائة وزيادة، فتكون بذلك قد أبطلت عليه تجارته أو أغررت به. فالحاصل: أن هذا ونحوه من جملة ما جاء الشرع بالمنع منه، وهذا من الأشياء التي فيها ضرر على الطرفين، والعلة في تحريم ذلك ما يسببه من العداوة والبغضاء والحقد بين المسلمين، وإثارة الشحناء، فيقول: فلان كلما اشتريت شيئاً لمز صاحبه، وزاد علي، أو اشتراه من صاحبه بعد أن اشتريته، وكلما بعت على أحد الزبائن أشار إليه واجتذبه إليه، فهو مضار بي، ويحرص على أن يفعل بي ما يضرني. ولا شك أن هذا مما جاءت الشريعة بالنهي عنه؛ حتى يكون المسلمون إخوة متحابين في الله.

شرح أخصر المختصرات [26]

شرح أخصر المختصرات [26] الشروط في البيع منها ما هو صحيح ومنها ما هو فاسد، فالشروط الصحيحة هي التي تكون من مقتضى العقد ولا تخالفه، والشروط الباطلة هي التي تنافي مقتضى العقد وتخالفه، فهذه تفسد عقد البيع وتبطله.

الشروط في البيع

الشروط في البيع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: والشروط في البيع ضربان: صحيح: كشرط رهن وضامن وتأجيل ثمن، وشرط بائع نفعاً معلوماً في مبيع كسكنى الدار شهراً، ومشتر نفع بائع كحمل حطب أو تكسيره، وإن جمع بين شرطين بطل البيع. وفاسد يبطله: كشرط عقد آخر من قرض وغيره، أو ما يعلق البيع كبعتك إن جئتني بكذا، أو رضي زيد. وفاسد لا يبطله: كشرط أن لا خسارة، أو متى نفق وإلا رده، ونحو ذلك. وإن شرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ] . بدأ المؤلف بالشروط، وهي جمع شرط، وهو في اللغة: العلامة، ومنه قوله تعالى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18] أي: علامات الساعة. وفي اصطلاح الفقهاء: الشرط إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة. ويتضح بالأمثلة التي تأتي إن شاء الله، وذكر أن الشروط في البيع نوعان: نوع صحيح، ونوع باطل، والباطل ينقسم إلى نوعين: نوع يبطل العقد، ونوع يبطل الشرط وحده.

الشروط الصحيحة في البيع

الشروط الصحيحة في البيع ذكروا أن الصحيح ثلاثة أنواع: الأول: شرط مقتضى العقد. الثاني: شرط البائع. الثالث: شرط المشتري. والشروط الأصل أنها صحيحة، ودليل ذلك الحديث المشهور، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) فدل على أن الشروط كلها معتبرة إلا إذا خالفت الشرع. فمثال شرط مقتضى العقد -وهو لم يذكر هنا-: لو اشترط شرطاً لا أهمية له، كأن يقول: اشتريت منك الثوب بشرط أن ألبسه، أو أهديه، أو لولدي، واشتريت منك الدابة بشرط أن أتمكن من حلبها، أو من ركوبها إذا كانت مركوبة، أو من ذبحها إذا كانت مما يؤكل، واشتريت منك الدار بشرط أن أسكنه أو أؤجره، أو أسكن فيه أولادي كل هذا لا حاجة إليه؛ لأنك إذا ملكته فلك التصرف فيه، إذا ملكت الكتاب فلك أن تنسخه، ولك أن تقرأ فيه، ولك أن تعيره من يقرأ فيه، ولك أن تبيعه، ولك أن تورثه من بعدك، فقد ملكته، وإذا اشتريت الثوب فقد ملكته، فلك أن تلبسه، ولك أن تكسوه أحد أولادك أو من تريد، ولك أن تبيعه، فقد دخل في تصرفك، فهذا النوع الأول يسمونه: شرط مقتضى العقد؛ لأن العقد يقتضي ملكية المشتري للسلعة، ويقتضي ملكية البائع للعوض، وهو الثمن الذي بذلته للبائع قد دخل في ملكه، فهذه الدراهم ثمن هذا الثوب أو الكيس قد ملكها، فله أن يتصرف فيها كيف يشاء. أما شروط البائع فالبائع قد يكون محتاجاً للسلعة، فيقول: بعتك البيت بشرط أن أسكنه شهراً، يعني: أنه بحاجة إلى سكناه هذه المدة، أو سنة -مثلاً-؛ فله ذلك، أو يقول: بعتك السيارة بشرط أن تبقى معي خمسة أيام أنقل عليها رحلي أو نحو ذلك، فهذا شرط له فيه مصلحة، أو قال: بعتك الكتاب بشرط أن أستعيره منك لمدة خمسة أيام أقرأ فيه أو نحو ذلك، فيشترط البائع منفعة في المبيع، وتكون تلك المنفعة مباحة، أما إذا كانت لا تباح فلا يجوز، فلو قال: بعتك الأمة بشرط أن تمكنني من وطئها شهراً أو يوماً، فلا يجوز؛ وذلك لأنها لما انتقلت من ملكه حرم عليه وطؤها، وكذلك الشروط التي فيها شيء يدخل في الحرام، ومنه إذا قال: بعتك الشاة بشرط أن تقرضني مائة. فإن هذا قرض جر نفعاً فيكون ربا؛ لما ورد في بعض الأحاديث: (كل قرض جر منفعة فهو ربا) فمثل هذه شروط باطلة. والشروط التي من قبل المشتري: إما صفة في المبيع، وإما خدمة من البائع، فالصفة مثالها أن يقول: اشتريت منك العبد بشرط أن يكون كاتباً. فإن هذه الصفة تزيد في قيمته، أو الأمة بشرط أن تكون بكراً، أو الدابة بشرط أن تكون هملاجة أو ذات لبن، فهذا ونحوه يصح لأن فيه منفعة للمشتري؛ لأنها إذا فقدت ثبت له الخيار، فإذا اشترى الدابة ولم يجد فيها اللبن جاز له ردها، أو وجدها شروقاً شروداً وقد اشترط أن تكون هملاجة -يعني: مذللة- معسوفة، فإن هذا يفوت عليه منفعة، وكذلك إذا شرط صفة في المبيع له فيها منفعة. ومن الشروط التي للمشتري إذا اشترط على البائع: خياطة الثوب أو تفصيله، كأن يقول: اشتريت منك هذه القطعة القماش بشرط أن تفصلها، أو بشرط أن تخيطها، فإن هذا فيه مصلحة للمشتري، أو يقول: اشتريت منك هذه الحزمة الحطب بشرط أن توصلها إلى المنزل، أو بشرط أن تكسر أعواد هذا الحطب، فإن هذا -أيضاً- فيه مصلحة للمشتري، وهكذا إذا اشترط عليه حمل الكيس فقال: اشتريت منك هذا الكيس بشرط أن تحمله إلى سيارتي أو إلى بيتي، ولا شك أنه يزيد في الثمن مقابل أجرة إيصاله؛ وذلك لأن العادة أن هناك قيمتان: قيمة للكيس، وأجرة لإيصاله إلى المنزل، فمعلوم أنك إذا اشتريت كيسين: كيس ستحمله أنت، والكيس الثاني سيحمله البائع معك إلى منزلك الذي يبعد -مثلاً- عن المستودع هذا حوالى نصف كيلو؛ فلا شك أنه سيزيد عليك في قيمة الكيس الذي يحمله، ولكن يعتبر هذا شرطاً إذا اشترطت أن يوصله. فالحاصل: أن هذه شروط صحيحة.

حكم الجمع بين شرطين في البيع

حكم الجمع بين شرطين في البيع قال: [إن جمع بين شرطين بطل البيع] ؛ لأنه ورد في الحديث (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، وعن شرطين في بيع) ، وقال: (لا شرطان في بيع) وهذا الحديث أشكل على كثير من العلماء، وتوقف كثير منهم وتورعوا عن هذه الشروط، وورد -أيضاً- حديث بلفظ: (نهى عن بيع وشرط) ، ومع ذلك فالصحيح أنها تجوز الشروط التي من مصلحة العقد، وقد ثبت في الصحيح أن جابراً باع جمله على النبي صلى الله عليه وسلم، واشترط حملانه إلى المدينة، وهذا شرط من مصلحة البائع، أي: لمصلحة جابر، فهو دليل على جواز جنس الشروط إذا كان فيها مصلحة، والشرع لا ينهى عن شيء فيه مصلحة وليس فيه مضرة. وحديث: (ولا شرطان في بيع) نلتمس له صورة تنطبق عليه، فيحمل على شرطين باطلين؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) ، ويراد بـ (كتاب الله) شرع الله، أي: كل شرط مخالف لشرع الله فهو باطل، فعلى هذا إذا قال: اشتريت منك الدابة بشرط أن تكون هملاجة ولبوناً. فهل هذان شرطان؟ الصحيح أنه جائز، والهملاجة: المذللة، واللبون: ذات اللبن، والمعنى: أنه اشترط فيها صفة فيها منفعة، فهي صفة ينتفع بها هذا المشتري، فلا محذور في ذلك، وكذلك يجوز على الصحيح أن يقال: اشتريت منك هذا القماش بشرطين: أن تفصله وأن تخيطه. فهذا من مصلحة المشتري، ولا محذور في ذلك، خلافاً لما فهمه كثير من الفقهاء، وكذلك لو قال: اشتريت منك الحطب بشرط أن تحمله ثم تكسره. فهذان -أيضاً- من مصلحة المشتري؛ وذلك لأنه قد يشق عليه حمله وتكسيره، فله في ذلك مصلحة، ولا محذور في ذلك. وعلى هذا كيف يحمل حديث: (لا شرطان في بيع) ؟ يحمل على أن المراد الشرطان الفاسدان اللذان ينافيان مقتضى العقد، كأن يشترط -مثلاً- أن لا خسارة عليه، أو يشترط أن الولاء له، أو ما أشبه ذلك من شروط تنافي مقتضى العقد، ويمكن أن يدخل في ذلك -أيضاً- الشروط الربوية التي توقع في المحظور من الربا ونحوه. والحاصل: أن هذه الأنواع شروط صحيحة، سواء كانت شروطاً من مقتضى العقد، أو شروطاً من البائع كسكنى الدار شهراً، أو حملان البعير إلى موضع معين، أو من المشتري كحمل الحطب وتكسيره، وخياطة الثوب وتفصيله، وكذلك صفات المبيع ككون العبد كاتباً أو خصياً أو مسلماً، والأمة بكراً، والدابة هملاجة أو لبوناً، وهكذا الصفات في المبيع.

الشروط الباطلة في البيع

الشروط الباطلة في البيع الشروط الفاسدة في البيع منها: شروط تنافي مقتضى العقد، وهذه تفسد العقد، فإذا قال -مثلاً-: بعتك الكتاب بشرط ألا تقرأ فيه، ولا تبعه، ولا تعره، ولا تمكن أحداً يقرأ فيه. فماذا أنتفع به وما حاجتي به؟ أو يقول: بعتك البيت بشرط ألا تسكنه، وألا تؤجره، ولا تستبدله، ولا تبعه فهذه شروط تفسد العقد، وهكذا بقية أنواع الانتفاع؛ لأنك -مثلاً- ما اشتريت الثوب -مثلاً- إلا لتلبسه أو لتهبه أو لتبيعه، فكيف يمنعك من ذلك؟! وما اشتريت هذا الطعام إلا لتأكله، أو لتتصدق به، أو لتطعمه ضيفك أو أهلك، فكيف يشترط عليك منعك من ذلك؟! فهذا ينافي مقتضى العقد. ومن الشروط ما يبطل الشرط ويصح العقد، ومثلوا لذلك بما ورد في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، والولاء لمن أعتق) ورد هذا في قصة بريرة لما شرط أهلها أن الولاء لهم لما أعتقوها، وإنما الولاء لمن أعتق. فإذا قال: بعتك العبد بشرط ألا تعتقه، ولا تستخدمه، ولا تبيعه، أو بشرط أنك إذا أعتقته فلي الولاء. فمثل هذا شرط باطل، والعقد صحيح. وهكذا في الرهن، لو قال: اشتريت منك -مثلاً- هذه الأكياس، ورهنتك هذا السلاح، بشرط أنك لا تبعه إذا حل الدين. أو قال -مثلاً-: إذا حل الدين ولم أوفك فالسلاح لك. فهذا كله شرط باطل، والبيع صحيح، وماذا يفعل؟ يبيعه إذا حل الدين، ويستوفي دينه من ثمنه، وبقية الثمن يرده لصاحبه، وقد ورد في الحديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) . هذه أمثلة لهذه الشروط ما يصح منها وما لا يصح.

شرح أخصر المختصرات [27]

شرح أخصر المختصرات [27] قد يحصل البيع والشراء على عجلة وعدم تروٍ وتمهل في الأمر، وفي هذه الحالة قد يندم أحد المتعاقدين، وإذا ندم كان بإمكانه أن يرد السلعة أو يرد الثمن، ولكن في مدة معلومة، فإذا مضت تلك المدة لم يكن له أن يرد، وهذا هو ما يسمى في الشريعة (الخيار) ، وهو دليل على يسر الشريعة وسماحتها وكمالها وشمولها لجميع جوانب الحياة.

الخيار في البيع وأقسامه

الخيار في البيع وأقسامه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: والخيار سبعة أقسام: خيار مجلس: فالمتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما عرفاً. وخيار شرط: وهو أن يشترطاه أو أحدهما مدة معلومة. وحرم حيلة ولم يصح البيع، وينتقل الملك فيهما لمشتر، لكن يحرم، ولا يصح تصرف في مبيع وعوضه مدتهما إلا عتق مشتر مطلقاً، وإلا تصرفه في مبيع، والخيار له. وخيار غبن يخرج عن العادة لنجش أو غيره، لا لاستعجال. وخيار تدليس بما يزيد به الثمن، كتصرية وتسويد شعر جارية. وخيار غبن وعيب وتدليس على التراخي ما لم يوجد دليل الرضا إلا في تصرية فثلاثة أيام. وخيار عيب ينقص قيمة المبيع، كمرض وفقد عضو وزيادته، فإذا علم العيب خيّر بين إمساك مع أرش أو رد وأخذ ثمن. وإن تلف مبيع، أو أعتق ونحوه تعين أرش، وإن تعيب عنده أيضاً خير فيه بين أخذ أرش ورد مع دفع أرش ويأخذ ثمنه، وإن اختلفا عند من حدث فقول مشتر بيمينه] . الخيار في اللغة: هو التخيير بين شيئين، كقولك مثلاً: اختر هذا أو هذا. وعند الفقهاء: الخيار: طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الرد؛ وذلك لأن البيع قد يقع في حال عجلة، وفي هذه الحال قد يندم أحد المتعاقدين، فإذا ندم كان في إمكانه الرد، وإذا مضت المدة لم يتمكن من الرد، فلذلك شرع الخيار، وذكر أنه سبعة أقسام، ولكنه ذكر ثمانية.

خيار المجلس

خيار المجلس القسم الأول: خيار المجلس، أي: مكان موضع العقد، سواء كانا جالسين أو واقفين أو راكبين أو ماشيين، ما داما مجتمعين فإن الخيار ثابت لكل منهما، ودليله: قوله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً، أو يخير أحدهما صاحبه، فإن خير أحدهما صاحبه فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا فقد وجب البيع) فسبب ذلك: أنك -مثلاً- قد تشتري السلعة، ثم يتبين لك أنها عندك، فتقول: لم يحصل تفرق، خذ سلعتك ورد دراهمي. أو -مثلاً- تبيع السلعة، ثم يتبين أنك بحاجة إليها، فتقول: رد علي سلعتي وخذ دراهمك؛ فإني لا أستغني عنها؛ فهذا سبب شرعية خيار المجلس، وهذا مما جاء به الشرع، ولم يكن معروفاً قبل الإسلام، إلا أنهم كانوا إذا تبايعوا وتعاقدوا فإنه قد يندم أحدهما ويطلب الإقالة، فالحاصل أن في هذا دليلاً على شرعية هذا النوع. وكذلك في كل عقد من العقود التي بمعنى البيع، مثاله: إذا جئت بجنيه، وطلبت من الصيرفي تحويله إلى دراهم، فقال: أشتريه منك بخمسمائة وخمسين، ثم سلم لك القيمة واستلم الجنيه، ثم تذكرت أنه لابد أن يشتريه بستمائة، فندمت وقلت: رد علي جنيهاتي وخذ دراهمك، نحن لا نزال في المجلس. فيلزم بأن يرده عليك. وكذلك الإجارة: لو استأجرت من المكتب داراً بعشرة آلاف لمدة سنة أو نصفها، وبعدما سلم لك المفاتيح، وقبل أن تتفرقا، وقد أعطيته الأجرة أو نصفها تذكرت أنك مغلوب، وأنه يوجد عند فلان أرخص منها، وأنها لا تساوي إلا ثمانية، فندمت وقلت: رد علي دراهمي وخذ مفاتيح دارك، لا حاجة لي فيها، فهذا يصح. وهكذا -أيضاً- العكس: لو أن صاحب الجنيه ندم، وقال: أنا اشتريت منك الجنيه بخمسمائة وخمسين، وأنا أعرف أنه غالٍ، لا أريده، رد علي دراهمي، أو أنا بحاجة إلى دراهمي ولا حاجة لي في هذا الجنيه، وكذا صاحب البيت إذا أجرك بعشرة، ثم بعد ذلك تذكر أنه يساوي اثني عشر، فقال: ندمت، لا أؤجره بهذا، رد علي مفاتيحي وخذ دراهمك، فمن ندم بعدما تم العقد، ورد في المجلس؛ فإنه يجوز ذلك. وهكذا في الرهن، وفي السلم، وفي الشركات، وفي الصلح الذي هو بمعنى البيع وما أشبهها. هذا النوع يسمى: خيار المجلس، ومتى يحصل لزوم البيع؟ بالتفرق بالأبدان، بأن يتفرقا، فإذا اشترى -مثلاً- الكيس، وحمله على سيارته، ثم ركب سيارته ومشى -مثلاً- عشرة أمتار، ثم ندم ورجع وقال: خذ كيسك. لزم البيع، ولا يتمكن من إرجاعه؛ وذلك لأنه قد حصل التفرق، وكذلك لو ندم البائع بعدما ركب المشتري سيارته ومشى عشرة أمتار أو نحوها فأدركه أو اتصل به هاتفياً وقال: ندمت، رد لي أكياسي. لا يصح، وقد وجب البيع، فالتفرق هو التفرق بالأبدان، هذا هو الصحيح، وخالف في ذلك المالكية والأحناف، وتكلفوا في رد هذا الحديث، فالإمام مالك رده لأنه مخالف لعمل أهل المدينة، وقال: لا أعرف أحداً يعمل به في المدينة من مشايخنا. وقد خالفه كثير من العلماء في زمانه وبعده، وذكر ابن عزيز أنه حديث مشهور، وأنه معروف معمول به في البلد، وابن عزيز من علماء قريش من أهل المدينة، فعرف بذلك أن القول بكونه مخالفاً لعمل أهل المدينة غير صحيح، وأتباع مالك الذين قلدوه تمسكوا بأنه ليس هناك خيار مجلس، وتكلفوا في صرف الحديث عن ظاهره، فقالوا: المراد بالتفرق التفرق بالأقوال. ولا شك أن هذا خلاف الواقع، وذلك لأنهما قبل الأقوال لا يسميان متبايعين، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان) فقبل أن يقول: بعني، وقبل أن يقول: بعتك، هل يسميان بيعان؟! لا، فهذا صرف للفظ عن ظاهره، وكذلك الأحناف أعذارهم لرد هذا الحديث غير سديدة، ولا عذر عن العمل بهذا الحديث.

خيار الشرط

خيار الشرط القسم الثاني من أقسام الخيار: خيار الشرط. إذا اشترطا لهما أو لأحدهما مدة معلومة ولو طويلة فإنه لازم، ولابد من تحديد المدة، فيقول -مثلاً-: اشتريت السيارة بعشرين ألفاً، ولي الخيار أستشير مدة يوم أو يومين أو أسبوع. اشتريت منك البيت، ولي الخيار مدة شهر أبحث عن جيرانه -مثلاً-، وأبحث عن صفاته الخفية، عن أسسه، وعما فيه من العيوب، فلي الخيار في هذه المدة شهراً مثلاً أو نحوه. فإنه يصح ذلك، ولابد أن يحدد فيقول: شهراً هلالياً، أو أسبوعاً. وكذلك -أيضاً- قد يكون البائع هو الذي يشترط، فيقول: بعتك الدار ولي الخيار شهراً أبحث هل أجد سكناً بثمنها أم لا. فيكون له الخيار مدة شهر أو أسبوع على حسب ما يتفقان عليه، ويسمى هذا خيار الشرط، ويصح لكل واحد منهما، فيقول -مثلاً-: بعتك السيارة بعشرين ألفاً، ولي الخيار مدة أسبوع. أو يقول: اشتريتها، ولي الخيار مدة عشرة أيام. وفي هذه الحال لو ندم البائع والمشتري يريدها فإنها ترد، ولو ندم المشتري والبائع يريد التنفيذ فإنها ترد، فمن ندم منهما وطلب فسخ البيع فإنه يستحق ذلك. والخيار يصح في البيع، ويصح في الصلح -الذي هو بمعنى البيع-، وفي السلم، وفي الإجارة، إذا قلت -مثلاً-: استأجرت منك هذه الدار ولي الخيار يوماً أو أسبوعاً. جاز ذلك، فإن ندمت في هذه المدة، وإلا لزم عقد الإجارة. وفي هذه المدة -مدة الأسبوع أو نحوها- الملك للمشتري، ومع ذلك لا يتصرفان في هذا المبيع، لا يتصرف المشتري ولا يتصرف البائع، يجوز للبائع إذا شرط الخيار في الدار مثلاً أن يسكنها، فله ذلك، مع أن له الخيار، ويمكن للمشتري أن يتصرف، فيركب السيارة -مثلاً- للتأكد من سلامتها، أو لمعرفة سرعتها، أو لمعرفة ما تحمله، أو يجرب الدابة إذا كانت مركوبة، يجربها ماذا تحمل، ويجرب لبنها هل فيها لبن كثير أم لا، يصح ذلك، وله أن يلبس الثوب ليقيسه أو ما أشبه ذلك، وفي هذه المدة لو انهدمت الدار فإنها من ضمان المشتري؛ لأنه هو الذي اشتراها في هذه المدة، وإذا كانت تؤجر يومياً فأجرتها للمشتري، والبائع قبض الثمن، فلو جعله في سلع وربح في هذين اليومين أو في هذا الأسبوع فالربح للبائع في هذا الثمن؛ لأنه قبضه على أنه ملك له، فالملك في العين للمشتري وله أجرتها، ولو -مثلاً- ولدت الشاة التي فيها خيار، فإن الولد يكون للمشتري، فيتبعها في البيع، وله أن يحلبها -مثلاً- في هذه المدة؛ لأن عليه علفها، والخراج بالضمان.

خيار الغبن

خيار الغبن النوع الثالث من أنواع الخيار هو: خيار الغبن، والغبن له ثلاثة أسباب: الأول: تلقي الركبان، فيشتري منهم ويغلبهم، فلهم الخيار إذا نزلوا إلى الأسواق فرءوا أنه غبنهم. الثاني: الجهل بالسلع، كأن يأتي إلى صاحب الدكان فيقول: بكم هذا الثوب؟ بكم تبيعه؟ فيقول: كم تبذل؟ فيقول: عشرة. فيقول: لا أبيعك. فيقول: أحد عشر. فيقول: لا. فيقول: اثني عشر. فيقول: لا. ولا يزال يزيد ويعتقد أنه صادق، وهذا يسمى المسترسل، الذي لا يحسن أن يماكس. ومثله -أيضاً-: لو زاد عليه البائع، فإن بعض الباعة يعتقد أن كل أحد يماكس، فإذا جاءه الجاهل قال له -مثلاً-: الثوب بعشرين. ويشتري منه مباشرة، ولا يماكس ولا يراجع، ثم يتبين أنه باع الذي قبله بأحد عشر أو باثني عشر أو بخمسة عشر، فيقول: زاد علي الربع أو الثلث، فلي الخيار. الثالث: زيادة الناجش، فإذا عرضت -مثلاً- السيارة للبيع بالمزاد العلني، وهناك إنسان يرغب فيها، فجاء إنسان لا يريد شراءها، ولكنه يريد نفع البائع، فجعل يزيد عليك، فإذا قلت -مثلاً-: بعشرة آلاف. قال: بأحد عشر ألفاً. فإذا قلت: باثني عشر. قال: بثلاثة عشر. فإذا قلت: بأربعة عشر. قال: أنا أشتريها بخمسة عشر. وهو لا يريدها، وإنما يريد زيادة الثمن لنفع البائع، فإذا تبين للمشتري أنه غبن، وأن سبب الغبن زيادة هذا الناجش، فإن له الخيار، فهو يقول: عرفت أنها لا تساوي هذه، وإنما ظننت أن هذا الذي يزيد صادق، وأنه عازم على شرائها، وتبين لي أنه ما أراد إلا إغراري أو نفع البائع. هذه ثلاث صور للغبن: تلقي الركبان، وزيادة المسترسل، وزيادة الناجش. ويمكن أن يكون هناك غبن يسير، فإذا كان الغبن -مثلاً- خمسة في المائة أو أربعة في المائة وما أشبه ذلك، فإنه يتسامح في مثل هذا، أما إذا كان الغبن الثلث أو الربع أو شيئاً كثيراً فلا يتسامح فيه، مثلاً: سيارة لا تساوي إلا أربعة آلاف، فزاد فيها ألفاً، أو ما أشبه ذلك، فلا شك أن هذا كله مما ينافي المصلحة، ومما ينافي النصيحة، والواجب أن البائع ينصح للمشترين، ويبين لهم الحقائق ولا يغلبهم، وكثير من الباعة يأخذون أموالاً لا تحل لهم بهذا، والواجب عليه أن يبيع على هذا وهذا بقيمة واحدة، يأتي العارف بالسلع فيقول: بكم هذه العمامة؟ فيعرف أنه عارف، فيقول: بعشرين. ولا يزيد عليه، ثم يأتيه الجاهل فيقول: بكم هذه العمامة؟ فيقول: بأربعين. فيقول: أسقط عني. قال: أسقط عنك خمسة. وإذا رحمه قال: أسقط عنك عشرة. فيشتريها بثلاثين، فيبيع لهذا العارف بعشرين، ولهذا الآخر بثلاثين، فيكون قد أضر بهذا الجاهل، والواجب أن يسوي بينهما، وأن ينصح لهذا الجاهل، وهكذا في جميع السلع.

خيار التدليس

خيار التدليس النوع الرابع: خيار التدليس. والتدليس: هو إظهار السلعة بمظهر غير ما هي عليه، كتسويد شعر الجارية وتجعيده، وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها، والمصراة التي جمع لبنها في ضرعها، كل هذا يسمى تدليساً، وهذا يعتبر غشاً، حيث أظهر السلعة بمظهر حسن وباطنها غير حسن، وهذا يحدث كثيراً، وهو داخل في الغش، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على بائع بر، فأدخل يده فيه فأصابت بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟! قال: أصابته السماء -يعني: المطر-. قال: هلا جعلته أعلاه كي يراه الناس، من غش فليس مني) فاعتبر هذا غشاً، وكان عليه أن يجعل العيب ظاهراً، لكنه جعل المتندي والرطب باطناً، فإذا جاء يكيل أدخل الصاع حتى يأخذ من ذلك الرطب ويجعله في المكيال، ولا يتفطن المشتري، وهذا يعتبر غشاً وتدليساً. وكذلك -مثلاً- إذا جعل أعلى الزنبيل شيئاً جيداً من القهوة أو من الهيل، وأسفله رديئاً، فيعتبر هذا غشاً؛ لأنه إذا جاءه الجاهل أخذ له من الأسفل ليخلطه ويلتبس عليه، وكذلك بائع اللحم الذي يبيع بالوزن، إذا أظهر اللحم الأحمر أمام المشتري، وأخفى عنه العظم أو العصب، وإذا جاء ليزن أخذه وجعله في الأسفل، ولا شك أن هذا يعتبر -أيضاً- تدليساً، وكل هذا واقع كثيراً. مررت مرة ببعض الذين يبيعون الأعلاف، وإذا عنده أعلاف قد بقيت خمسة أيام، وقد يبس أعلاها، أما وسطها فإنه لا يزال ندياً، فإذا هو يحل الخيط عنها، ثم يأخذ اليابس والذابل ويجعله في الوسط، ثم يجعل الشيء الندي الذي لا يزال رطباً ندياً في الأعلى، فنصحته وقلت: هذا غش. فقال: ما هذا غش، هذا أمام البائع وأمام المشتري. فقلت: إن المشتري لا ينظر إلا إلى هذا الظاهر، ويعتقد أنه جميعاً سواء. فقال: هذا كله أمامه، ثم قال: إن هذا المشلح الذي عليك إذا تحسست أسفله، فإنك تفك خياطته التي في الوسط وتجعل الأسفل في الوسط، أليس هذا غشاً؟ فقلت: ليس كذلك، ذلك لأنه ظاهر، والذي يشتري لابد أن يقلبه ويعرف أنه قد رد أسفله إلى أعلاه، بخلاف هذا. فينبغي التنبه لمثل هؤلاء، ومنهم الذين يبيعون الفواكه والخضروات كالطماطم، فيجعلون الأعلى صالحاً، وكذلك الذين يبيعون التفاح أو نحوه، يجعلون أعلاه صالحاً، وأسفله رديئاً إذا كان في صناديق أو في كراتين، وهكذا باعة الرطب وما أشبهها، ولا شك أن هذا داخل في الغش، فإذا تبين أنه قد دلس عليه فإن له الخيار. والفقهاء مثلوا للتدليس بتسويد شعر الجارية، فإذا كان يبيع جارية -يعني: أمة- قد ابيض شعرها من الكبر، فيسوده حتى يتوهم الذي يشتريها أنها شابة، وهذا غش، أو يجعده، والتجعيد: هو أن تعالج كل شعرة إلى أن تنعقد على أصلها، والشعر الجعد هو المتعقد، وهذا يوهم أنها شابة أو نحو ذلك. كذلك جمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها، والرحى حجر يركب على حجر، ويجعل القمح في وسطه حتى تدور وتطحنه، والذي يدور بها هو الماء، ويجعلون في هذه الرحى خروقاً، خرق في خشبة مثل اللوح، وخرق أمامها في خشبة كاللوح وهكذا، وهذه الألواح أطرافها في وسط الماء الذي يمر، فالماء يمر ويدفع هذا اللوح، فإذا دفع شيئاً استدارت الرحى قدر شبر، ثم جاء اللوح الذي بعده فدفعه الماء، فاستدارت قدر شبر، إلى أن تستدير، فإذا كان جري الماء جيداً فإن استدارتها تكون بسرعة، فتدور الرحى بسرعة، فيجمعون الماء -مثلاً- في خزان، ثم إذا عرضوها للبيع أطلقوا الماء بقوة، فإذا رآها المشتري تدور بسرعة يزيد في الثمن، ويعتقد أن هذه عادتها، هكذا مثلوا بهذه الأمثلة. وعلى كل حال: لا شك أن هذا كله غش، والغش كثير، وأنواعه متكاثرة.

خيار العيب

خيار العيب النوع الخامس: خيار العيب، وتعريفه: هو ما ينقص قيمة المبيع كمرضه وفقد سن أو عضو وزيادتهما، وزنا الرقيق وسرقته وإباقه وبوله في الفراش، هكذا يمثلون، والأمر أعم من ذلك، فالعيب: هو ما ينقص قيمة المبيع، فإذا اشترى الثوب، وبعدما اشتراه وجد فيه خرقاً أو خروقاً، استحق الرد؛ لأن هذا عيب، وكذلك إذا اشترى كيساً من القمح ثم وجد فيه دابة قد أفسدته، أو وجد فيه أخلاطاً من شعير أو نحوه، فهذا يعتبر عيباً، فله رده، أو اشترى بعيراً ووجده أعور أو وجده مريضاً، وكذلك إذا اشترى شاة ووجدها مصراة، أي: قد حبس لبنها في ضرعها يومين أو ثلاثة أيام، إلا أن المصراة ورد أن الخيار فيها ثلاثة أيام، وأنه إذا ردها يرد معها صاعاً من طعام من تمر أو نحوه عوضاً عن اللبن الذي كان فيها وقت شرائه لها. أما إذا كانت مريضة فإن له الخيار، أو عوراء أو عرجاء فإن له الخيار، وهاهنا الخيار للمشتري، وإذا وجد البيت قد تصدعت منه الحيطان اعتبر هذا عيباً، وإذا وجد الأرض رديئة، وهو يعتقد أنها طينة، فإذا هي لا تصلح للغرس ولا للزرع، اعتبر هذا عيباً، فله أن يردها، وهكذا جميع العيوب، إذا وجد -مثلاً- في الإناء طروقاً، أو وجده متكسراً فإن هذا عيب، فله أن يرده. فالحاصل: أن العيب كل ما ينقص قيمة المبيع. وذهب بعضهم إلى أن الخيار على التراخي، ولعل الأقرب أنه على الفور، فإذا علم المشتري بالعيب فله الخيار بين أمرين: أن يطلب الأرش أو يرد المبيع. والأرش: هو قيمة ما بين الصحيح والمعيب، فيقول -مثلاً-: أنا اشتريت الشاة بمائة، وذبحتها وتبين فيها عيب -مريضة أو نحو ذلك- والآن فاتته، فيقال: كم تساوي وفيها ذلك المرض؟ قالوا: تساوي ثمانين ريالاً، وأنا اشتريتها بمائة، فالفرق الخمس، فيرد عليه الخمس، وهكذا لو ماتت عند المشتري، وتبين أن موتها بسبب المرض، فيقال: كم قيمتها مريضة؟ وكم قيمتها سليمة؟ فينظر الفرق، فيدفعه البائع للمشتري، وهكذا لو قال -مثلاً-: إني لبست الثوب، وقد استعملته، ووجدت فيه خروقاً أو تمزقاً، فيقال: كم قيمته صحيحاً؟ قيمته عشرون، كم قيمته بهذه العيوب؟ خمسة عشر، فالفرق الربع، ويسمى هذا: الأرش، وهو فرق ما بين قيمة الصحة والعيب، ولا يجوز والحال هذه أن يستعمله وقد عزم على رده، فإذا عزم على رده فإنه يوقف استعماله، فيخلعه إن كان ملبوساً، ويوقفه إن كان مركوباً، أو كان مشروباً وما أشبه ذلك، وإذا كان قد أكل من الكيس فإنه يتوقف، ويقدر ما أكله، فيقول: أكلت منه ربعه أو ثلثه -أو ما أشبه ذلك- ولا أريد الباقي، خذه -أيها البائع- لأنك خدعتني. فله أن يرده ويأخذ الثمن، أو يمسكه ويأخذ الأرش. وهنا قد يحصل الاختلاف: فإذا قال البائع: هذا العيب حصل عندك، أنت الذي أحرقت الثوب، أو أنت الذي كسرت الزجاج -مثلاً- أو قد تصدع عندك، أو هذه الدابة ما عرجت إلا عندك، أو ما فقئت عينها إلا عندك، والمشتري يقول: بل هذا عيب قديم قبل أن أشتريها، ففي هذه الحال يكون الحكم بأن يحلف المشتري أنه اشتراها وفيها هذا العيب، وأنه عيب قديم، فيحلف المشتري أني اشتريتها وفيها هذا المرض، أو وفيها هذا التكسر، أو وفي الجدار هذا التصدع، وبعد حلفه له أن يرده، وله أن يأخذ الأرش. وإذا تلفت العين المعيبة فإنها من ضمان المشتري، ويرد البائع عليه القسط الذي بين الصحة والعيب، يعني: أرش العيب. وإذا وجدت قرينة تدل على أن العيب حصل عند أحدهما عمل بها، فإذا كان الجرح يسيل عرف بأنه حدث عند المشتري، وإذا كان -مثلاً- بياض في العين عرف أنه عند البائع، فإذا وجدت بينة لأحدهما عمل بها، سواء بينة تشهد بأنه قديم أو أنه حادث، فيعمل بالبينة، ولا تستعمل اليمين إلا عند عدم البينة، والملك في هذه الحال للمشتري، إلا أنه إذا عزم على الرد فإنه يتوقف عن استعمالها كما ذكرنا. بقي عندنا: خيار التخبير، وخيار الاختلاف، وكذلك ما يحتاج إلى حق توفية، نؤجلها ونستمع إلى بعض الأسئلة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم جعل البضاعة عند التاجر فما باعه فله الربح وما لم يبعه يرده

حكم جعل البضاعة عند التاجر فما باعه فله الربح وما لم يبعه يرده Q ما حكم ما يتعامل به بعض شركات الألبان وغيرها، حيث يجعلون البضاعة عند صاحب التموينات، فما باعه فله الربح، وما انتهى مدة صلاحيته تسترجع الشركة ما فسد من البضاعة؟ A لا بأس بذلك، إذا جعلوه عنده كأنهم يقولون: إنه وديعة عندك، الذي تبيعه هو لك ونأخذ ثمنه، والذي لا تبيعه يبقى عندك وتمضي مدته يعتبر كأنه وديعة.

حكم التأجير الذي ينتهي بالتمليك

حكم التأجير الذي ينتهي بالتمليك Q ما حكم تأجير السيارة الذي ينتهي بالتمليك؟ وكيف ينطبق ذلك على حديث: (لا شرطان في بيع) ؟ A ذكرنا أن حديث (لا شرطان في بيع) له عدة محامل، ومع ذلك فإنه قد عمل بظاهره كثير من العلماء، حتى إن بعضهم توقف فيما إذا شرط البائع شرطاً وشرط المشتري شرطاً، فقالوا: ظاهر الحديث يدخل فيه هذا، وهذه المسألة قد كثر السؤال عنها، والشركات الآن وقعوا في هذا النوع، وهو أنهم يقولون: نبيعك السيارة -مثلاً- بسبعين ألفاً، تؤدي إلينا كل شهر ثلاثة آلاف، وإذا أديت السبعين ألفاً سلمنا لك وثائق السيارة، وقبل ذلك تكون كأنها ملك لنا، وإذا عجزت عن التسليم أو تركت شيئاً من الأقساط فإننا ننتزع منك السيارة، وتكون الأقساط الذي وصلت إلينا كأجرة عن استعمالك لها، ويعبرون عن ذلك بأنه تأجير ينتهي بالتمليك، وسبب ذلك: أنهم جربوا أن كثيراً من الذين يشترون لا يسددون الأقساط في حينها، بل تتراكم عليهم الأقساط وتتأخر، فاضطروا إلى أن يأخذوا السيارة ويقولون: ما وصل إلينا فإنه أجرة عما مضى. وتوقفت إلى الآن لجنة الإفتاء، ما أصدروا في هذا فتوى صارمة، ولكنهم يفتون فتاوى شفوية أن هذا لا يجوز، ويعللون ذلك بأنه لا يصدق عليه أنه أجرة ولا أنه بيع. ونحن نقول: إذا كنت محتاجاً إلى شراء هذه السيارة فإنك تشتريها شراءً صحيحاً، وتقول لهم: هي رهنكم. فإنه يجوز رهن المبيع على ثمنه وغيره، وإذا كانت رهناً لهم، وحلت أقساطهم ولم توف الدين، فإنهم يبيعونها ويأخذون بقية أقساطهم، ويردون عليك الباقي، فإن الرهن باق على ملك الراهن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) هذا هو الذي يتمشى عليه الأمر: أنه يشتريها ويجعلها رهناً لهم.

معنى قول المؤلف: (وإذا تعيب أيضا خير فيه)

معنى قول المؤلف: (وإذا تعيب أيضاً خير فيه) Q ما معنى قول المؤلف: (وإذ تعيب أيضاً خير فيه بين أخذ أرش ورد مع دفع أرش، ويأخذ ثمنه) ؟ A هو يقول في خيار العيب: إذا تلف العبد فإنه من ضمان المشتري، وإن زاد فيه عيب، يعني: كان فيه عيب واحد، ثم أضيف إليه عيب آخر، فتحققنا أنه كان فيه عيب عند البائع، وحصل عيب جديد عند المشتري، ففي هذه الحال ليس له إلا أرش العيب القديم، وأما العيب الذي حدث عنده فإنه من فعله، لكن لو اختار المشتري أن يرده، ويدفع أرش العيب الذي حدث عنده، وقبل ذلك البائع فله ذلك.

من اشترى خروفا فذبحه ووجده مريضا لا يؤكل فله أن يرجع بالثمن

من اشترى خروفاً فذبحه ووجده مريضاً لا يؤكل فله أن يرجع بالثمن Q اشتريت خروفاً من بائع أغنام، ولما ذهبت به إلى المسلخ وذبحته وجدت به مرضاً، وصادرته إدارة المسلخ، وأعطيت ورقة تفيد بمرضه إلى البائع، فلما ذهبت إلى البائع وأخبرته وأعطيته الورقة قال: تكون قيمتها بيني وبينك، نصفها علي، ونصفها عليك، فما حكم ذلك؟ A إذا كانت لا تصلح للأكل فله الثمن كله، لكن يمكن أنها تصلح لغير الأكل، والحاصل أنه في هذه الحال لما ذبحها وجد أنها لا تصلح للأكل، وأنها مريضة، وأن من أكل منها تسمم أو مرض، وصادرتها البلديات، فالصحيح أنه يرجع بالثمن.

من اشترى كتابا ووجد فيه أوراقا بيضاء فله الخيار

من اشترى كتاباً ووجد فيه أوراقاً بيضاء فله الخيار Q في بعض الأحيان نشتري الكتب، وبعد ذلك نجد فيها بعض الورقات بيضاء، ويمتنع البائع من استبدال الكتاب، فما حكم ذلك؟ A لا شك أن هذا عيب، وأن عليه أن يقبلها ويبدلها بغيرها من النوع السليم، أو عليه أن يدفع الأرش عن تلك الأوراق البيضاء.

هل يقوم الشيك مقام النقد

هل يقوم الشيك مقام النقد Q هل يقوم الشيك مقام النقد في القبض والصرف؟ A هذا فيه خلاف، ورجح بعض هيئة كبار العلماء أن ذلك جائز، ووافقه عليه أكثر المشايخ؛ وذلك لأن الدراهم تعتبر أوراقاً، والشيك -أيضاً- يعتبر ورقاً، وإن كان الشيك لا يصلح إلا عند البنك، والأوراق تصلح عند جميع البقالات والناس، ولكن لما كان يعتبر وثيقة مأمونة حصل بها القبض.

حكم ثبوت خيار المجلس للمتعاقدين بالهاتف

حكم ثبوت خيار المجلس للمتعاقدين بالهاتف Q إذا تمت المبايعة عن طريق الهاتف، ثم وضع كل من البائع والمشتري السماعة، وندم أحدهما، فهل يجوز له الرد؟ A لا شك أن هذا شيء جديد لم يتكلم عليه العلماء قديماً -أعني: البيع بالهاتف- والقواعد تقتضي أنه يحصل لزوم البيع بانتهاء المكالمات، بأن يضع كل منهما السماعة من يده بحيث يحصل التفرق، بحيث أنه لو تكلم بعد ذلك بدون هاتف ما سمعه، فينقضي الخيار.

حكم بيع السيارة المعيبة مع إخفاء العيب

حكم بيع السيارة المعيبة مع إخفاء العيب Q إذا أردت بيع سيارة بها عيب، ولم أرد إخبار المشتري بذلك من باب إتمام البيع، فما الحكم؛ مع العلم أني طلبت منه فحص السيارة؟ A هذا يعتبر غشاً، وقد مرت بنا جملة في المتن نسينا أن نتكلم عليها في آخر الشروط، وهي قوله في الضمان المجهول أنه لا يصح: (إن شرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ) . وصورة ذلك: أن يقول: اشتر السيارة، وإذا كان فيها عيب أو عيوب فلا تلحقني بشيء، أنا بريء من هذه السيارة بالعيوب التي فيها، هي أمامك، افحصها، ولا تطالبني بشيء مما فيها، هذا معنى (إن شرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ) ، فلابد أن يوقفه على العيوب التي يعرفها فيها، فيقول: أعرف فيها هذا العيب في العجلات، وهذا العيب في الماكينة، وهذا العيب في كذا، هذا هو الذي أعرفه، وإذا كان فيها شيء لا أعرفه فلا علي، ولا تسألني إلا عما أعرفه، فأما إذا علم -مثلاً- أن في الماكينة عيباً، فقال: تشتريها على أنها معيبة في الماكينة، ومعيبة في كراسيها، ومعيبة في بوديها، ومعيبة في عجلاتها، ومعيبة في كذا وكذا وأخذ يعدد، والمشتري يعرف أنه ليس كذلك؛ لأن الظاهر أنها سليمة، فيعتقد أنها سليمة، فيزيد في الثمن، فهذا -أيضاً- خيانة، كالذي يعرض شاة ويقول: اشتر هذه الشاة على أنها عوراء وعرجاء ومريضة بمرض كذا، ومريضة بجرب، ومريضة بكذا وكذا ويعدد عشرين عيباً، والمشتري يعلم أن هذه الصفات ليست كلها فيها، والبائع يعرف أن فيها واحداً من هذه العيوب، فأخفاه عن المشتري، فهذا يعتبر غشاً، فيستحق أن يردها بذلك العيب. والواجب على البائع أن يخبر بالعيوب التي يعرفها، وأما العيوب التي لا يعرفها فيتنصل منها ويقول: إن كان فيها شيء فلا أعرفه. فإذا أقدم على ذلك العيب فليس له الرد به، وإذا وجدت عيوب أخرى فله الرد بها، وإذا كنت تعرف فيها عيوباً فلابد أن توقفه عليها ولو لم يسألك.

حكم انتفاع المشتري بالسلعة في زمن الخيار

حكم انتفاع المشتري بالسلعة في زمن الخيار Q بالنسبة لخيار الشرط إذا رجع المشتري في بيعه تبعاً للشرط، فهل يقدم للبائع مقابل ما استفاد به من السلعة، كما لو استخدم السيارة شهراً؟ A ذكروا أنه لا يجوز في حالة الشرط أن ينتفع بها أحد منهما، مثلاً: لا يجوز لك أن تلبس الثوب وقد اشترطت الخيار، ولا أن تركب السيارة وقد اشترطت الخيار، بل لا تستعملها إلا بعد أن تجزم بالشراء، فإذا تصرف المشتري بالسلعة فإن ذلك دليل على الرضا، فتصرف المشتري فسخ لخياره، فإذا تصرف فيها ثم ردها فللبائع أن يطالبه بذلك، فيقول: أنت دنست الثوب بلبسك له -مثلاً-، أو تمزق الكتاب بقراءتك فيه -مثلاً- ثم رددته، فأعطني أجرته أو أعطني عوض ما حصل فيه.

حكم قول البائع: البضاعة بعد البيع لا ترد

حكم قول البائع: البضاعة بعد البيع لا ترد Q توجد بعض العبارات عند بعض الباعة مثل قولهم: البضاعة التي تباع لا ترد؟ A على المشتري أن يقلبها وأن يتفقدها تفقداً تاماً قبل أن يجزم بالشراء، وإذا فحصها ووجدها سليمة أقدم على ذلك، وليس له بعد ذلك أن يردها وقد اشترط عليه؛ لأنه أقدم على الشراء مع علمه بأنها معيبة، لكن قد يقال: إن له خيار الغبن، فإذا غبن غبناً يخرج عن العادة فإن له أن يرد السلعة إذا كان ذلك مما لا يتسامح فيه.

حكم البيع والشراء بالإنترنت

حكم البيع والشراء بالإنترنت Q هل يجوز أن أشتري سلعاً من أسواق أمريكا -مثلاً- بواسطة الإنترنت، وأن أبيعها في أسواق اليابان -مثلاً- بواسطة هذه الشبكة وأنا في بيتي لم أسافر ولم أذهب؟ وإذا كانت الإجابة بعدم الجواز فما هي المحاذير في مثل هذا البيع؟ وما نصيحتكم لمن قد فعل مثل هذا الفعل؟ A لا شك أن هذا يحدث كثيراً، وقد ورد فيه نهي، وهو (أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ، وسيأتينا في الفصل الذي بعد الخيار ما يحصل به القبض، فيحصل قبض ما بيع بالكيل كيلاً، وما بيع بالوزن وزناً إلخ. ونقول: إذا اشريت السيارة -مثلاً- بواسطة الهاتف أو نحوه من دولة، فلابد أن توكل من يستلم هذه السيارة ويحوزها لك، ولا يجوز لك أن تبيعها لا على قريب أو بعيد حتى تحجز لك وتحاز على جانب، وكذلك -أيضاً- لو اشتريتها بالهاتف من معرض من المعارض في الرياض، فلا تبعها حتى ترسل من يستلمها ويستلم مفاتيحها، ثم ينقلها من مكان إلى مكان، فهذا هو الذي جاء به الشرع، وسبب ذلك: أن تدخل في الملكية؛ لأنها قبل ذلك ليست في ملكيتك، بحيث أنها لو تلفت تلفت على البائع بخلاف ما إذا قبضت، فجعل الفاصل بين انتقالها من البائع إلى المشتري حيازتها، فقبل الحيازة إذا تلفت فعلى البائع، أو رخصت فعلى البائع، أو غليت فعلى البائع، وبعد الحيازة تدخل في ملك المشتري، فله غنمها وعليه غرمها.

نصيحة لمن يفتر عن طلب العلم

نصيحة لمن يفتر عن طلب العلم Q أحس برغبة شديدة في طلب العلم، والحضور لدروس هذه الدورة، ثم أحس بالفتور شيئاً فشيئاً حتى أنقطع في نهاية الدورة عن الحضور، فما نصيحتكم لي وجزاكم الله خيراً؟ A لا شك أن الرغبات تتفاوت، وننصحك بأن تواصل في هذه الحلقات، وأن تستمر فيها، فإنك تحصل على خير كثير، وتحصل على فوائد، وتحصل على علوم، وكذلك -أيضاً- تحصل على أجر، وتذكر الحديث: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) ، وتذكر الحديث: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) فننصحك بالمواصلة، وإذا أحسست من نفسك بشيء من الكسل أو التثاقل فعليك أن تعزم وأن تجزم على المواصلة، وتبتعد عما يعوقك عن ذلك، وتستعين بالله تعالى، والله المعين. والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

شرح أخصر المختصرات [28]

شرح أخصر المختصرات [28] قد يتبايع المتبايعان فيبيع البائع ويشتري المشتري، ويتم البيع، ولكن قد يندم أحدهما على البيع أو على الشراء، فيريد إرجاع السلعة أو إرجاع قيمتها، ولذلك شرع الخيار لكلا المتبايعين، وهذا من تيسير الشريعة وسماحتها، وهو أنواع متعددة بحسب ما يتفق عليه، أو بحسب نوع المبايعة التي وقعت بين البائع والمشتري.

من أحكام الخيار

من أحكام الخيار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وخيار تخبير ثمن، فمتى بان أكثر، أو أنه اشتراه مؤجلاً، أو ممن لا تقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعضه بقسطه ولم يبين ذلك؛ فلمشتر الخيار. وخيار لاختلاف المتبايعين، فإذا اختلفا في قدر ثمن أو أجرة ولا بينة لهما حلف بائع: ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا، ثم مشتر: ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، ولكل الفسخ إن لم يرض بقول الآخر، وبعد تلف يتحالفان، ويغرم مشتر قيمته. وإن اختلفا في أجل أو شرط ونحوه فقول ناف، أو عين مبيع أو قدره فقول بائع، ويثبت للخلف في الصفة وتغيّر ما تقدمت رؤيته. فصل: ومن اشترى مكيلاً ونحوه لزم بالعقد، ولم يصح تصرفه فيه قبل قبضه. ويحصل قبض ما بيع بكيل ونحوه بذلك مع حضور مشتر أو نائبه، ووعاؤه كيده وصبرة ومنقول بنقل، وما يتناول بتناوله، وغيره بتخلية. والإقالة فسخ تسن للنادم] . عرفنا في باب الخيار أن الخيار طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الرد؛ وذلك لأن البيع قد يقع صدفة أو بغتة بدون تروٍ، فيندم أحدهما، فيكون له الخيار في رد السلعة أو استرجاع السلعة، تارة يندم البائع فيتأسف على البيع، وتارة يندم المشتري ويتأسف على الشراء؛ فلذلك جعل هذا الخيار لرد البيع أو لتمكنه. وذكرنا أن من أنواع الخيار: خيار المجلس، وأنه يثبت ما لم يتفرقا، فإن ندم البائع استرد السلعة، وإن ندم المشتري استرد الثمن، وإذا تفرقا أو أسقطاه فإنه يسقط، فلو قال البائع: بعتك ولا خيار لي؛ فالبيع يلزم ولو قبل التفرق، وينعقد البيع، ولو قال المشتري: اشتريت السيارة بعشرين ألفاً ولا خيار لي من الآن، ولو ندمت فلا ترد علي؛ لزم البيع. وذكرنا خيار الشرط، وهو أن يشترطا في صلب العقد مدة معلومة ولو طويلة، تارة يشترطها كل منهما فيقول البائع: بعتك البيت بمائة ألف، ولي الخيار شهراً، فيقول المشتري: اشتريته بمائة ألف ولي الخيار شهرين. فإذا ندم البائع في هذا الشهر استرد البيت ورد الثمن، وإن ندم المشتري والبائع ما ندم رد البيت، وقال: أعطني القيمة. وقد يكون الخيار لواحد، فيقول البائع -مثلاً-: بعتك بمائة ألف ولا خيار لي. أو يقول المشتري: ولي الخيار شهراً. وتارة يقول المشتري: لا خيار لي. فيقول البائع: لي الخيار شهراً.

الخيار من باب الحيلة

الخيار من باب الحيلة وقوله: (وحرم حيلة ولم يصح البيع) . صورة ذلك: أن يشتري البيت -مثلاً- بمائة ألف، وقصده أن يسكنه شهراً، فيقول: لي الخيار شهراً. فيسكنه في هذا الشهر، فإذا مضى الشهر وهو قد سكنه، رد البيت وقال: ندمت، فهذه حيلة من المشتري. وكذلك تحرم الحيلة من البائع، فلو قال البائع: بعتك البيت بمائة ألف، ولي الخيار شهراً. فاستلم المائة الألف، وقصده أن ينتفع بها في هذا الشهر، أن يتجر بها ويربح فيها -مثلاً-، ولما مضى الشهر قال: رد علي بيتي وخذ دراهمك، وما قصد بهذا العقد إلا الحيلة، فهذا البيع إذا كان بهذه الحيلة لا يصح.

الملك مدة الخيار للمشتري

الملك مدة الخيار للمشتري لمن الملك مدة الخيار؟ ينتقل الملك مدة الخيارين للمشتري، ولو كان -مثلاً- حيلة فالملك فيهما للمشتري، ولهذا تكون له أجرة الدار إذا كان المبيع داراً مؤجرة، وله ثمر النخل إذا كان المبيع له ثمر، وله لبن الشاة إذا كانت هي المبيعة، وعليه نفقة الشاة أو نفقة الجمل، وذلك لأن الملك له، وله نماؤه المنفصل، فلو ولدت الشاة في مدة خيار الشرط فولدها للمشتري، وإذا ماتت ذهبت على المشتري، وإذا انهدم الجدار فإصلاحه على المشتري، فالملك مدة الخيارين للمشتري، والدراهم في يد البائع، ولو سرقت منه ثم ندم المشتري فإنه يردها، ولا يقول: الدراهم سرقت؛ لأنه أخذها لمصلحته، فربحها له، وخسارتها عليه، فالثمن دخل في ملك البائع، والسلعة دخلت في ملك المشتري، فهذا دليل على انتقال كل منهما إلى الآخر، فإذا حصل الندم وفُسخ البيع ففي هذه الحال يرجع كل منهما إلى ماله، فلو انهدم البيت فندم المشتري، فإن كان في البيت عيب ولم يخبره فإنه يستحق الرد، وإن لم يكن فيه عيب، بل جاءه -مثلاً- مطر أو سيل، ففي هذه الحال المطالب به المشتري، يصلحه إذا أراد رده؛ وذلك لأنه استلمه سليماً، فلابد أن يرده سليماً.

حكم التصرف في المبيع مدة الخيار

حكم التصرف في المبيع مدة الخيار قوله: (ولا يصح تصرف في مبيع وعوضه مدتهما) ، أي: مدة الخيارين، خيار الشرط وخيار المجلس، لا يصح التصرف في مبيع وعوضه، مثال تصرف البائع: إذا قال: الخيار لي في هذه الدار، فلي أن أهدم هذا الجدار، ولي أن أغير هذه الزاوية. فليس له التصرف، وكذلك المشتري، لو قال: لي الخيار، وأريد أن أزيد فيها كذا، وأريد أن أصلح فيها كذا، ليس له ذلك، إلا إذا كان الخيار للمشتري وحده، فتصرفه دليل على قبوله، وإسقاط الشرط، فلو أنه سبل البيت، والخيار له؛ لزم العقد، وأصبح البيت موقوفاً، فليس له الرد بعد ذلك؛ لأنه تصرف فيه، وأخرجه من ملكه حيث جعله وقفاً، ولو كتب على الكتاب: وقف لله تعالى؛ لزم البيع، ولم يتمكن من الرد. وإذا كان الخيار للبائع فلا يجوز للمشتري التصرف، ولا يصح، فلو كتب على الكتاب: وقف، وندم البائع، استرده وأبطل الوقفية، وكذلك لو كان المبيع بيتاً أوقفه، وكذلك لو كان المبيع شاة فباعها المشتري، لم يصح البيع؛ لأن علاقة البائع لم تنقطع، فلابد أن يستردها إذا ندم، فلا يصح أن يتصرف فيها المشتري حتى تنقضي مدة الخيار. وكذلك لا يتصرف البائع في العوض إذا كان معيناً، كأن يقول -مثلاً-: بعتك الشاة بهذا الكيس. فالمبيع هو الشاة، والثمن هو الكيس، فأنت أيها البائع لا تتصرف في الكيس، وأنت أيها المشتري لا تتصرف في الشاة حتى تنقضي مدة خيار شرط، فلا يتصرف كل منهما فيما صار إليه. أما إذا كان العوض دراهم، فالدراهم يقوم بعضها مقام بعض، فله أن يتصرف فيها، فإذا قال -مثلاً-: اشتريت الشاة بهذه المائة ورقة واحدة. ثم ندم بعد ذلك المشتري وقال: رد علي دراهمي، أعطيتك ورقة فئة مائة. فقال: الورقة صرفتها، أو تصرفت فيها، ولكن خذ عشر ورقات فئة عشرة. فإنه يقبلها، أو خذ ورقتين فئة خمسين. فإنه يقبلها؛ وذلك لأنه لا فرق بين هذه وهذه. واستثنوا تصرف المشتري في العبد إذا أعتقه المشتري فإنه يعتق على الصحيح؛ وذلك لأن الشرع يتشوف إلى العتق، والقول الثاني: أنه لا ينفذ ولا يعتق؛ لأنه تصرف في شيء ليس مختصاً به، فربما يندم البائع ويقول: رد علي عبدي، فإذا قال: أعتقته، فسيقول: تعتقه وأنا قد اشترطت أن لي الخيار؟ وأنا الآن ندمت ولا أستغني عن عبدي. فيكون العتق في هذه الحال لاغياً. أما إذا كان الخيار للمشتري، كأن قال: اشتريت العبد بألف، ولي الخيار شهراً، ثم أعتقه، والبائع ليس له خيار، فإنه يعتق. وكذلك تصرف المشتري إذا كان الخيار له وحده، فإنه يصح، فلو ذبح الشاة سقط خياره، ولا يصح له أن يذبحها والبائع قد اشترط الخيار، أما إذا كان البائع ليس له خيار والخيار للمشتري، كما لو اشترى الشاة بمائة، ثم إنه شرط الخيار خمسة أيام، وذبح الشاة في اليوم الثاني، بطل خياره ولزم البيع.

من أنواع الخيار

من أنواع الخيار ذكرنا خيار الغبن، وأنه لزيادة الناجش، وكذلك المسترسل، وكذلك تلقي الركبان، واستثنوا المستعجل، فلا خيار له، فلو أن إنساناً دخل السوق مستعجلاً، ولما دخل السوق اشترى شاة على عجل، وزاد عليه صاحبها، أو اشترى كيساً على عجل، والناس يبيعون الكيس بمائة وهو اشتراه بمائتين أو بمائة وخمسين، فلماذا تستعجل؟ لماذا لا تسأل واحداً واثنين وتسأل الناس؟ هذا رآك مستعجلاً وزاد عليك، فأنت باستعجالك أخطأت، فلا خيار لك. وذكرنا خيار التدليس، وهو الذي يزيد به الثمن كالتصرية، وهي ألا يحلب الشاة يومين أو ثلاثة، فإذا رآها المشتري ظن أنها ذات لبن كثير فزاد في ثمنها، ثم يتبين له أنها مصراة، وأن هذا اللبن لبن يومين، فيردها وصاعاً من تمر بعد اليوم الثالث. وخيار الغبن والعيب والتدليس على التراخي، ما لم يوجد دليل الرضا، إلا في التصرية فثلاثة أيام، فإذا وجد التمر مفرقاً، ثم إنه طواه، وقال: هذا لا يصلح، ورده بعد يومين، فيلزم البائع قبوله، فإذا قال: لماذا لم ترده في اليوم الأول؟ فيقول: ما تمكنت، وأشهد أنه فيه عيب. وكذلك خيار الغبن، إذا اشترى السيارة ثم وجد أنه مغبون بزيادة الناجش أو المسترسل، لما اشتراها ورجع علم أنه غبن نصف الثمن أو ثلث الثمن، أوقفها، وقال: لا حاجة لي فيها. فإذا لم يردها إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام، يلزم البائع قبولها، فالخيار على التراخي لا على الفور. وذكرنا خيار التدليس، والتدليس: هو إظهار السلعة بمظهر لائق، ففي هذه الحال إذا عرف المشتري أنها مدلسة لا يلزمه أن يردها في الحال، لكن إن وجد دليل الرضا بأن استعملها، كأن لبس الثوب، أو طبخ في القدر -مثلاً-، أو استمر في حلب الشاة أكثر من ثلاثة أيام وهي مصراة -مثلاً-، أو ركب السيارة فاستعملها، أو سكن في الدار مع كونه مغبوناً أو ما أشبه ذلك، فإن هذا دليل على الرضا، فيسقط خياره، أما المصراة فلا يمسكها أكثر من ثلاثة أيام، وإن أمسكها أكثر فهو دليل الرضا. وذكرنا خيار العيب، وهو ما تنقص به قيمة المبيع؛ كمرض وفقد عضو وزيادته، وكل عيب ينقص الثمن، مثل الخروق في الثوب أو في القدر، والخراب في السيارة، أو التصدع في الحيطان أو في السقف، ونقص أوراق من المصحف أو من الكتاب، وهكذا كل خلل في السلع، فإذا اشترى شاة ووجدها عوراء أو مريضة أو عرجاء فهذا عيب، فله الخيار، فإذا علم بالعيب فله الخيار بين أمرين: إما أن يردها ويأخذ الثمن، وإما أن يطالب بالأرش، وما هو الأرش؟ هو ما بين قيمة الصحة والعيب، فإذا قال: كم يساوي هذا الكتاب وهو سليم؟ يساوي -مثلاً- عشرة، والآن فيه نقص أو فيه بياض كم يساوي؟ يساوي ثمانية، فيرد عليه الخمس، كم تساوي هذه الشاة وهي سليمة؟ تساوي مائة، وكم تساوي وهي عوراء؟ تساوي ثمانين، فيرد عليه الخمس وهكذا، وهذه الزيادة تسمى: الأرش. وإذا تلف المبيع تعين الأرش، فإذا ذبح الشاة أو ماتت أو احترق الثوب تعين الأرش؛ وذلك لأنه لا يمكن رده. ولو كانت الشاة فيها عور، ثم عند المشتري أصيبت عينها الثانية فأصبحت عمياء، عيب من عند البائع، وعيب من عند المشتري، ففي هذه الحال يخير بين أخذ أرش وبين رد مع دفع أرش، له الخيار: إما أن يأخذ أرش العين التي كانت عند البائع، وإما أن يرد الشاة ويرد معها أرش العين التي صارت عنده أو أرش الكسر الذي حصل عنده، وإن اختلفا عند من حدث العيب، فقال البائع: هذا انكسر عندك. وقال المشتري: بل انكسر قبل أن أشتريها. فإن القول قول المشتري، فيحلف أني اشتريتها وفيها هذا العيب، وهذا إذا لم يكن هناك بينة.

خيار التخبير بالثمن

خيار التخبير بالثمن النوع السادس: خيار التخبير بالثمن، أي: الإخبار، كثير من المشترين يبنون في الشراء على ثمن البائع، فيقول: بكم اشتريت هذه الكتب؟ فيقول: اشريت الكتاب بثمانية. فيقول: أنا أفيدك ريالاً وأشتريها بتسعة، ثم تبين أن البائع اشترى الكتاب بستة، وأنه كذب، وقال: اشتريته بثمانية، فيثبت لك الخيار؛ لأنك اشتريت الكتاب بتسعة على أنك فوت في كل كتاب ريالاً، ولا شك أن هذا هو الفائدة من السؤال لك عن الثمن، فإذا كذب عليك وقال: اشتريتها بثمانية، والحقيقة أنه اشترى بستة، فإن لك الخيار إذا بان أنه زاد عليك، ويحدث هذا كثيراً، فإذا اشترى إنسان غنماً، فجاء إليه آخر وقال: أنا أفيدك في كل شاة عشرة. أو قال -مثلاً-: أشركني، أنا أدخل معك بالشراكة في هذه الغنم أو هذه الأكياس، فكذب عليه وقال: الشاة بمائة أو الكيس بمائة. فأعطاه في كل شاة عشرة ريال فائدة أو في كل كيس، أو اشترك معه وأخذ نصف الغنم أو نصف الأكياس، ثم تبين أن البائع كذب عليه، وأنه اشترى كل شاة بثمانين، أو كل كيس بثمانين، ففي هذه الحال للمشتري الخيار؛ لأنه تبين أن الثمن أكثر مما اشتراه، وأنه أخبره بأكثر مما اشترى به، وكيف تشتري بثمانين وتقول أنك اشتريته بمائة؟! أخطأت، وأنا عاملتك على أنك اشتريت بالمائة، وأعطيتك في كل شاة أو في كل كيس عشرة، فأنا اشتريت منك الكيس بمائة وعشرة، وتبين عندما بحثنا أنك اشتريت الكيس بثمانين، فالخيار لي، رد علي دراهمي. ويمكن أن يصطلحا فيقول: أسقط عنك العشرين التي زدتها، فأنا اشتريته بثمانين فيصير الثمن بتسعين، بدلاً مما كان بمائة وعشرة، فإذا تراضيا على ذلك جاز. وكذلك إذا لم يخبره بأن الثمن مؤجل، فإذا قال -مثلاً-: بكم اشتريت الغنم؟ قال: اشتريت كل شاة بمائة -أو الأكياس- وهو صادق، ولكنه اشتراها بثمن مؤجل يحل بعد سنة، فأنت اعتقدت أنه اشتراها بثمن النقد، فأعطيته فائدة في كل كيس عشرة، ولما علمت بأن الثمن مؤجل، والمؤجل عادة يزاد فيه، ولو كان نقداً لكان الكيس بثمانين، ولكنه اشتراه بمائة لأجل الأجل، فاشتراها بمائة لمدة سنة، ففي هذه الحال ماذا نفعل؟ الصحيح أن للمشتري الخيار، فيردها ويأخذ دراهمه، وبعض العلماء يقول: إذا كان الثمن مؤجلاً فيؤجل على المشتري. لكن قد يقول: أنا لا أعرفك يا مشتري، فكيف أؤجله عليك؟ أو يقول المشتري: أنا لا حاجة لي في التأجيل، دراهمي موجودة، ولا أحب الدين. ففي هذه الحال له الخيار: إما أن يسقط عنه ويقول: ثمنها حالة ثمانون، وأنت اشتريتها بمائة لأجل الأجل، فأشتريها بالثمانين وأعطيك فائدة، هذا هو خيار التخبير. وكذلك إذا تبين أنه اشتراها ممن لا تقبل شهادته له، فله الخيار؛ وذلك لأن العادة أنه يزيد في الثمن؛ لأجل مصلحة ولده، إذا قال: بكم اشتريت الغنم أو الأكياس؟ فقال: كل كيس بمائة، فأعطيته في كل كيس أو في كل شاة فائدة عشرة، ثم اتضح أنه اشتراها من ولده أو اشتراها من أبيه، وزاد في الثمن لمصلحة والده أو لمصلحة ولده، وهي لا تساوي إلا ثمانين، ولكن قال: الزيادة عند والدي أو عند ولدي لا تهم. فأخبرك وقال: نعم، اشتريتها بمائة. وهو صادق، ولكنه ما اشتراها من ولده، وزاد فيها لمصلحة الولد أو لمصلحة الوالد أو الأخ أو نحوهم ممن لا تقبل شهادتهم له، أو اشتراها من زوجته وزاد في الثمن، ولم يخبر المشتري، فلك الخيار، فإذا قال: أنا اشتريتها بمائة. وهو صادق، ولكنها لا تساوي إلا ثمانين؛ لأنه زاد في الثمن لأجل مصلحة ولده أو والده أو نحوهما، فيثبت الخيار للمشتري والحال هذه. وكذلك إذا اشتراها بأكثر من ثمنها حيلة، ويقع هذا حيلة، فمثلاً: إذا قال: إن فلاناً التاجر بحاجة إلى بيتك هذا، فأنا سوف أشتريه منك بخمسمائة ألف، وهو لا يساوي إلا أربعمائة، حتى آتي إلى هذا التاجر وأقول: أبيعك البيت برأس مالي، أو أبيعك البيت بفائدة خمسين ألفاً أو مائة ألف، وأحلف له أني اشتريتها بخمسمائة وأنا صادق، والبيت لا يساوي إلا أربعمائة، ولكن نحتال حتى نربح على هذا التاجر الذي لا يهمه الثمن لكثرة أمواله، فهذه حيلة، فإذا اتضح للمشتري أنها حيلة فإنه يسترد الثمن ويرد المبيع، أو يشتريه بما يساويه، وبذلك يعلم أن كل حيلة لا تنفذ، والحيل مهنة يلجأ إليها كثير من المحتالين، يقول بعضهم: واحتل على حل العقود وفسخها من أصلها وذاك ذو الإشكال إلا على المحتال فهو طبيبها يا محنة الأديان بالمحتال فحل العقد الذي بين اثنين -مثلاً- أو فسخه يصعب، لكن يأتون بحيل من هنا وهناك. وكذلك لو باع بعضه بقسطه من الثمن، ولم يبين ذلك، فللمشتري الخيار، أحياناً يشتري غنماً، كل شاة -مثلاً- بمائة، وهي تختلف، بعضها يساوي خمسين، وبعضها مائتين، فيبيع بمائتين ومائة وخمسين وبمائة وثمانين، وإذا بقي رديئها، وجئت إليه، حلف لك أنه اشتراها كل شاة بمائة، وهو صادق، ولكن باع خيارها ولم يبق إلا رديئها، ففي هذه الحال لابد أن يخبر، ويقول: أنا اشتريتها كل شاة بمائة، ولكن بعت بعضها بقسطه، وبعتها بما تيسر. وهكذا يفعل كثير من الذين يبيعون الفواكه أو الخضار ونحوها، يشتري -مثلاً- البطيخ كل حبة بثلاثة، ثم يبيع بعضها بعشرة، وبعضها بثمانية، وبعضها بسبعة، وبعضها بخمسة، فيبيع خيارها، فيأتي إليه آخر وقد بقي عنده رديئها، فيحلف أنه اشترى كل واحدة بثلاثة، وهو صادق، ولكنه ما أخبر بالحقيقة، فيقلده ويصدقه هذا، ويقول: اشتريت منك برأس مالك، أو أعطيك ريالاً فائدة في كل حبة. ففي هذه الحال له الخيار إذا تبين له أنه لم يبين له، ولم يقل: هذا رديء، بعت بعشرة، وبعت بعشرين، وهذا الباقي قد لا تساوي الواحدة إلا ريالاً أو ريالين أو نصف ريال، فالحاصل أن في هذه الأشياء الخيار.

خيار الاختلاف للمتبايعين

خيار الاختلاف للمتبايعين النوع السابع: خيار الاختلاف للمتبايعين، فإذا اختلفا في قدر الثمن، أو أجرة الدار، أو عين المبيع ولا بينة، أو لكل واحد منهما بينة، فلهما بينتان، عند هذا بينة، وعند هذا بينة، وتعارضت البينتان وتساقطتا، فلابد من الحلف، فيقول البائع: بعتك بستمائة. ويقول المشتري: بل بخمسمائة. وليس هناك بينة، وليس هناك وثيقة، وكذلك الأجرة، إذا قال -مثلاً-: استأجرت الدار بعشرة آلاف، فقال: بل بخمسة عشر ألفاً، وليس هناك وثائق، وليس هناك بينة، ففي هذه الحال لابد من التحالف، فيتحالفان، ويبدأ البائع بالحلف؛ وذلك لأنه العارف بالأصل، فصاحب السلعة هو العارف بالقيمة، وهو عادة ما يبيع الشاة إلا بمائتين، وهذا يقول: اشتريتها منك بمائة، أو عادته أنه ما يبيع مثلاً الكيس إلا بمائة، وهذا يقول: اشتريت منك بخمسين، ففي هذه الحال يحلف البائع، ويشتمل حلفه على نفي وإثبات، فيقول: والله ما بعتك الكيس بمائة، وإنما بعتك بمائتين. يشتمل على نفي وإثبات، ويبدأ بالنفي: ما بعتك بمائة، وإنما بعتك بمائتين -مثلاً-؛ أو ما بعتك البيت بأربعمائة، وإنما بعتك بخمسمائة. وكذلك في الإجارة، يقول: ما أجرتك بعشرة، وإنما أجرتك بخمسة عشر، وكذلك لو كان الخلاف في عين المبيع، إذا اختلفا فقال المشتري: بعتني نعجة. فقال البائع: بل بعتك الكبش. فيحلف ويقول: ما بعتك النعجة الأنثى وإنما بعتك الذكر -الكبش-. فيشتمل حلفه على نفي وإثبات، فإذا لم يرض المشتري بيمينه حلف المشتري، فيحلف بعد ذلك ويقول: والله ما اشتريته بمائتين، وإنما اشتريته بمائة، والله ما استأجرته بخمسة عشر، وإنما استأجرته بعشرة. فتشتمل يمينه -أيضاً- على نفي وإثبات، ويبدأ بالنفي، أو يقول: والله ما اشتريت الكبش، وإنما اشتريت النعجة، فيشتمل على نفي وإثبات، ويحلف البائع: ما بعتك بكذا، وإنما بعتك بكذا، ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا. ولكل الفسخ إن لم يرض بقول الآخر، فإذا لم يوافق البائع على البيع بمائة فله أن يقول: رد علي الكيس، رد علي نعجتي، رد علي بيتي. فإن رضي المشتري، وقال: قبلته بمائة وخمسين، قبلت الكبش بدل النعجة، قبلت الإيجار بخمسة عشر ألفاً. فله ذلك. فالحاصل أنهما إذا تحالفا -أي: حلف البائع ثم حلف المشتري- فإنهما يفسخان العقد. وإذا كانت السلعة تالفة، فيتحالفان ويغرم المشتري القيمة، فقد تتلف السلعة عند المشتري، فإذا ذبح الشاة -مثلاً- واختلفا في قيمتها، فالبائع يقول: بمائتين. والمشتري يقول: بمائة. وهذا قد ذبحها وأكلها، ففي هذه الحال تقدر كم قيمة شاة صفتها كذا وكذا؟ يسأل أهل النظر: بكم تقدرونها؟ فيغرمها المشتري بما تساوي، وإذا اختلفا في صفتها فقال البائع: إنها شاة سمينة أو لبون، وقال المشتري: بل هزيلة، وليست حاملاً، وليست لبوناً. فالقول قول الغارم وهو المشتري، وكذلك في سائر ما يختلفان فيه، فإذا قال المشتري: الثوب احترق، وفيه عيوب، وفيه خروق، وثمنه بعشرة، فقال البائع: بل ثمنه بخمسة عشر، وهو سليم، وليس فيه خروق، وليس فيه عيوب. ففي هذه الحال المشتري يقول: بعشرة، والبائع يقول: بخمسة عشر، والثوب قد احترق أو قد تمزق، واختلفا في العيوب التي فيه، واختلفا في صفته، فمن يقدم قوله؟ القول قول المشتري؛ لأنه غارم؛ فيقدر بقيمته التي يقدره بها ويصفه بها المشتري. وإن اختلفا في أجل أو شرط ونحوه فالقول قول من ينفيه، مثال الأجل: إذا قال: إني اشتريت البيت مؤجلاً أو لمدة سنة. فقال البائع في الحال: ليس هناك أجل، تنقدني الثمن حالاً. فالقول قول البائع؛ لأنه نافٍ، وكذلك لو قال البائع: بعتك البيت بشرط أن أسكنه شهراً. وأنكر ذلك المشتري، وقال: بل البيع ناجز، وليس هناك شرط، ففي هذه الحال القول قول من ينفي الشرط. وكذلك لو اختلفا في تحديد الأجل، فالبائع يقول: أجل الدين ستة أشهر، والمشتري يقول: اثنا عشر شهراً. فالقول قول البائع أنه ستة أشهر؛ لأنه نافٍ للزيادة، ولأن الأصل حل المبيعات، وعدم تأجيلها. فالحاصل أنه إذا اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه. وكذلك إذا اختلفا في عين المبيع أو قدره فالقول قول البائع، مثال اختلافهما في عين المبيع: أن يقول البائع: بعتك الذكر. ويقول المشتري: اشتريت الأنثى. أو يقول: بعتك هذا البيت الذي هو دور. فيقول: لا، بل بعتني هذا البيت الذي هو من دورين. ففي هذه الحال القول قول البائع؛ لأنه هو المالك، فيحلف أني ما بعته هذا البيت، وإنما بعته هذا البيت، ما بعته الأنثى، وإنما بعته الذكر. هذا مثال اختلافهما في عين المبيع. وكذلك إذا اختلفا في قدره، فإذا قال -مثلاً-: بعتني كيسين بمائة. فقال: بل كيساً. ففي هذه الحال القول قول البائع: أو ما بعته كيسين، وإنما بعته كيساً. وتقدم مثال اختلافهما في قدر الثمن.

خيار الخلف في الصفة

خيار الخلف في الصفة النوع الثامن: الخيار للخلف في الصفة، ولتغير ما تقدمت رؤيته، مثلاً: باعك شاة بالوصف، فقال: أبيعك شاتي التي صفتها سمينة، وكبيرة، ولبون. ثم وجدها مختلفة، ليست سمينة، أو ليست كبيرة، أو ليست لبوناً، أو قال -مثلاً-: أبيعك ذلك الكيس الذي فيه بر جيد، ليس فيه رداءة، ولما رآه وجده مختلفاً، وجده رديئاً، فيه شعير أو فيه تراب أو ما أشبه ذلك، فيثبت الخيار للخلف في الصفة. وهناك أشياء كان لا يجوز بيعها بالوصف، لكن في هذه الأزمنة يجوز ذلك، مثل المنازل، فقد تشتري البيت وما رأيته، ولكن يضعون له مخططاً، فيقولون: هذا الدور الأرضي فيه كذا وكذا غرفة، وأساسه من كذا، ونوع البلاط كذا، وارتفاع السقف كذا، وسعة كل غرفة كذا وكذا متراً أو كذا وكذا سنتيمتراً، ومرافقه كذا وكذا، وأبوابه من كذا، ومكيفاته من كذا، فيرسمونه، فتتصوره كأنك تراه، لكن إذا دخلته وتغيرت صفاته عما وصف لك، ففي هذه الحال يثبت لك الخيار. وكذلك لو رأيته رؤية سابقة ثم تغير، كما لو رأيته قبل شهر، رأيت الجمل وهو سمين، ولكن ظننت أنه باق على سمنه، وإذا هو قد هزل، فإن ذلك يثبت لك الخيار. أو مثلاً: دخلت البيت قبل شهر أو قبل شهرين وهو مهيأ ومحسن، ولما اشتريته بالوصف رأيته بعد شهر وإذا هو قد تكسر بلاطه، أو تكسرت غسالاته -مثلاً-، أو انقلعت أصباغه أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال يثبت الخيار.

قبض المبيع والتصرف فيه

قبض المبيع والتصرف فيه انتهينا من أقسام الخيار، والفصل الذي بعده عنوانه: (قبض المبيع وتصرفه فيه) بأي شيء يحصل القبض؟ ومتى يصلح التصرف؟ قال رحمه الله: [فصل: ومن اشترى مكيلاً ونحوه لزم بالعقد، ولم يصح تصرفه فيه قبل قبضه] . كلمة (نحوه) يدخل فيها ما يباع بالوزن وبالعد وبالذرع، فالمكيلات مثل الحبوب، وعادة أنها تباع بالكيل، فإذا اشتريت كومة طعام تمر أو بر أو أرز، وقلت: اشتريت جميع هذه الصبرة كل صاع بخمسة. وتفرقتما، والبر لا يزال في مكانه، وأعطيته الثمن أو بعض الثمن، فمتى يصح لك أن تتصرف فيه؟ إذا قبضته، وبأي شيء يحصل القبض؟ بالكيل، وهكذا لا يصح لك أن تبيع منه قبل أن تستوفيه، وقد ورد في الحديث: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) وبأي شيء يحصل الاستيفاء؟ بالكيل، بأن تكتاله، وفي الحديث: (نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري) فمثلاً: إن قلت: اشتريت منك هذه الصبرة، كم هي؟ قال: أنا قد كلتها مائة صاع. فتقول: أنا لا أقبلها إلا بكيل. فتكيلها بنفسك، فإذا كلتها دخلت في ملكك، فإذا جاءك إنسان آخر يشتري، فلا يشتريها بكيلك، بل لابد من كيل آخر، فيحصل قبض ما بيع بالكيل بالكيل. ولا بأس إذا كان المشتري الثاني يشاهدك وأنت تكتالها من البائع الأول، فأراد أن يعطيك فائدة، ويشتريها منك، ولكن لابد من حيازتها إلى رحلك، وقد ورد في حديث ابن عمر أنه قال: اشتريت زيتاً في السوق، فأتاني رجل وأعطاني فيه فائدة أعجبتني، فأردت أن أضرب على يده، وإذا رجل خلفي يقول: لا يجوز. فالتفت فإذا هو زيد بن ثابت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ؛ فلذلك لابد أن تقبض مرتين، أن يقبضها البائع ثم يقبضها المشتري. وهكذا -أيضاً- ما يوزن، كما لو اشتريت زبرة حديد أو نحاس أو رصاص أو نحو ذلك مما يباع بالوزن، وكومة الحديد تسمى زبرة، قال تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف:96] (زبر) جمع زبرة، وكومة البر أو الشعير أو الذرة أو الدخن أو الأرز تسمى صبرة، فالحديد يباع بالوزن، ومثله الصوف والقطن واللحوم تباع بالوزن، فإذا رأيت -مثلاً- كومة لحم وقلت: أنا أشتري منك الكيلو منها بخمسة، فمتى يدخل في ملكك؟ لا يدخل إلا بالوزن، تأتي بالميزان وتزنه، فإذا وزنته دخل في ملكك، وصح لك التصرف فيه. وكذلك ما يباع بالعدد، إذا أتيت إنساناً وعنده كومة من قرع -مثلاً- فقلت: اشتريت منك هذا القرع، كل واحدة بريال. ففي هذه الحال لابد من عده، ولا يدخل في ملكك ولو سلمت الثمن إلا بعد العد. وهكذا -مثلاً- ما يذرع، إذا اشتريت بزاً مطوياً على عود أو نحوه من القماش، كل متر بعشرة، متى يصح لك أن تتصرف فيها؟ إذا ذرعتها، فلابد أن تقبضها بالذرع. يقول: [يحصل قبض ما بيع بكيل كيلاً، وما بيع بالوزن وزناً، وما بيع بالعد عدداً، وما بيع بالذرع ذرعاً، ولابد من حضور المشتري أو نائبه -يعني: وكيله- ووعاؤه كيده، ولو أرسل لك الأكياس وقال: خذها، واجعلها في هذه الأكياس، كل هذه الصبرة. فوعاؤه كيده، يعني: كأنه قبض ذلك، حيث إنه أرسل الكيس فكلتها -مثلاً-، وأشهدت عليها. يقول: (وصبرة ومنقول بنقل) الصبرة: كومة الطعام إذا بيعت جزافاً، فلا تباع حتى تنقل من مكانها، يعني: قد يباع الشيء جزافاً كومة، مثلاً: من خضار أو من طماطم أو من بصل، ففي هذه الحال قد يقول: اشترها جملة جزافاً. كيف يتم النقل؟ وكيف يتم القبض؟ بتحويلها من مكانها، وكذلك كل ما ينقل، فقبض الأكياس بنقلها من زاوية إلى زاوية، وكذلك ما يتناول بتناوله، فقبض الكتاب بأن يمده إلى المشتري ويتناوله، فيدخل في ملكه. وما لا ينقل -كالبستان أو البيت- قبضه بتخليته.

الإقالة

الإقالة يقول رحمه الله: [والإقالة فسخ تسن للنادم] . (تسن) يعني: تستحب، وقد ورد فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أقال نادماً بيعته أقال الله عثرته) ؛ وذلك لأن الإنسان قد يشتري الشيء أو يبيع الشيء ثم يندم، فيأتي إلى الطرف الثاني ويقول: أقلني، فإني قد ندمت. فيسن أن يقبل ذلك، وأن يقيله البيع، فإذا بعت -مثلاً- دارك، ثم تبين أنك لا تستغني عنها، وقد استلمت الثمن، وندمت على ذلك، فجئت إلى المشتري وقلت: إني قد ندمت، وتبين أني خاطئ في هذا البيع، أقلني أقال الله عثرتك. فيستحب أن يقيلك، فيرد عليك بيتك. وهكذا العكس: لو أن المشتري ندم، اشترى البيت -مثلاً- بخمسمائة ألف، ثم ندم وتبين أنه لا حاجة له إليه، أو أنه مستغن عنه، أو أنه كثير الثمن، فجاء إلى البائع وقال: قد ندمت، فأقلني، خذ بيتك، ورد علي دراهمي. فهل يلزم البائع؟ لا يلزمه، ولكن يستحب له؛ وذلك لأن البيت قد دخل في ملك المشتري، والثمن قد دخل في ملك البائع، وكل منهما صح له تصرفه فيما صار إليه، فقبوله الإقالة يعتبر تسامح منه، وليس بلازم. واختلف: هل الإقالة بيع أو فسخ؟ والراجح: أنها فسخ؛ لأنها رد للبيع الأول، وليست بيعاً مستأنفاً، وهناك من يقول: إنها تعتبر بيعاً، وكأنه اشترى منك البيت، فهو -مثلاً- باعك البيت بخمسمائة، ثم لما ندمت قبله منك وأعطاك الخمسمائة، فكأنه اشتراه منك بخمسمائة، ويترتب على ذلك مسائل ما ذكرت هنا، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم بيع السلعة قبل قبضها

حكم بيع السلعة قبل قبضها Q إذا اشريت سيارة بخمسين ألف ريال، وجاءني رجل وقال: لك ألف ريال واخرج منها، والسيارة في نفس المعرض لم أحركها ولم آخذها إلى رحالي، مع العلم أنه سوف يعطي الخمسين ألف إلى البائع الأول، فهل هذا العمل صحيح؟ A لابد أن تبيعه بعد أن تقبضها، وحيث أنها مما ينقل فقبض المنقول بنقله، فتحركها من موضعها، وتنقلها من مظلة إلى مظلة، ثم بعد ذلك تبيعه بربح أو بخسران.

حكم بيع العقار بالتقسيط

حكم بيع العقار بالتقسيط Q انتشر أخيراً مشروع تقسيط العقار عن طريق شركة الراجحي، فهل عملهم هذا صحيح؟ A لا بأس بذلك، التقسيط في العقار مثل التقسيط في غيره، كالتقسيط في السيارات، والتقسيط في الثلاجات، وفي الأمتعة وما أشبهها، فالإنسان قد لا يجد الثمن دفعة واحدة، فيأتي إلى الشركة أو يأتي إلى التاجر ويقول: أريد أن تبيعني قطعة أرض أو عمارة، وثمنها أقساط، أعطيك كل شهر قسطاً كألف أو خمسة آلاف، أو كل سنة عشرة آلاف أو مائة ألف، ويسمى هذا البيع بالأجل، والأجل يصح أن يكون آجالاً، فلا مانع، كما لو احتجت -مثلاً- إلى غسالة، واشتريتها بألف، وقلت: أسلم لك كل شهر مائة. فهذا أقساط وهو يجوز.

هل يلزم وزن المبيع المعروف وزنه وعدد ما فيه

هل يلزم وزن المبيع المعروف وزنه وعدد ما فيه Q إذا كانت العين معلومة الوزن أو المكيل، مثل أن يكون هذا الكيس فيه خمسة وأربعون كيلو جرام -مثلاً-، أو تكون هذه البضاعة معروفة العدد، ولها عدد محدد متعارف عليه عند التجار، فهل يجب علي أن أعده أو أوزنه، أم يكتفى بالتعارف عليه؟ A الأكياس تباع بالعدد، وإذا كانت موزونة ومكتوباً عليها وزنها فلا حاجة إلى أن يفتح كل كيس ثم يكال أو يوزن، فأوزانها معروفة، فبيعها ينتقل من كونها مكيلة إلى كونها معدودة، وهكذا أطوال الأقمشة، إذا كان مكتوباً على كل واحد عدد الأمتار، فتباع والحال هذه بالعدد. ولكن حيث إنها من جملة ما ينقل فقبضها بنقلها، أي: بتحويلها من زاوية إلى زاوية، فإذا اشتريت -مثلاً- عشرة أكياس، كل كيس بمائة، وأنت تريد أن تبيعها على مجتزئ كل كيس بمائة وعشرين، فلا تبعها عليه حتى تحوزها، حتى تنقلها من زاوية إلى زاوية، أو من الدكان إلى الطريق، ثم بعد ذلك تبيعها، ويكون هذا هو القبض.

حكم طاعة الزوج في المعصية

حكم طاعة الزوج في المعصية Q هذان سؤالان من النساء؛ الأول يقول: زوجي يجبرني على مشاهدة التلفزيون، ونحن معاشر النساء نفتن بالمذيعين والممثلين كما أنكم تفتنون بالنساء، فهل أعتبر عاصية وآثمة إذا لم أطع زوجي؟ وجزاكم الله خيراً. A (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فإذا كانت هذه الرؤية تسبب فتنة، والمرأة إذا نظرت إلى هؤلاء الرجال المذيعين الذين قد يكونون من الشباب، وقد يكونون في غاية الجمال، فلا شك أن هذا يثير الشهوة، وأنه يدفع إلى الفتنة وإلى الفاحشة ونحو ذلك، والشباب إذا نظروا إلى المرأة ولو بواسطة الشاشات فإنه يكون في ذلك فتنة، ويفتتن بذلك كثير من الشباب، وكذلك تفتتن المرأة إذا نظرت إلى صورة هذا الإنسان، حتى ذكر لنا كثيراً أن بعض النساء إذا رأت رجلاً في الشاشة تقوم وتقبل الشاشة! ولا شك أن هذا من أسباب الفتن، فعليها ألا تطيع زوجها في ذلك.

الأفضل في الصفوف في صلاة الجماعة

الأفضل في الصفوف في صلاة الجماعة Q وهذه سائلة أخرى تقول: هل يبدأ الصف من المنتصف من خلف الإمام، والأفضلية لليمين؟ وهل اليمين أفضل من الشمال بالنسبة للصفوف؟ وجزاكم الله خيراً. A الأفضل من الصفوف تبدأ من الصف، ويمنة الصف أفضل من يسرته، ولكن القرب من الإمام أفضل، إذا كان -مثلاً- عن يمين الإمام عشرون، وعن يساره عشرة، فالأفضل عن يساره للقرب من الإمام.

حكم رد العربون إذا لم يمض البيع

حكم رد العربون إذا لم يمضِ البيع Q ما حكم العربون المدفوع مقدماً إذا فشلت الصفقة؟ فهل هو من حق البائع إذا رجع المشتري عن الشراء أم يسترده المشتري؟ وجزاكم الله خيراً. A إذا كان لهما الخيار أو لواحد منهما فإنه يرد ما قبضه مما يسمى عربوناً أو مقدمة ثمن، وأما إذا كان البيع لازماً ليس فيه خيار، فإنهما يصطلحان على أن يقول: أقيلك البيع، ولكن الثمن الذي أتاني لي، أو أجرة العقار. فيتفقان، وذلك لأن البيع قد لزم، أما إذا لم يكن لازماً بل فيه خيار فإنه يرد الثمن كله بما فيه العربون.

حكم تحديد قيمة السلعة والقول للبائع: ما زاد فهو لك

حكم تحديد قيمة السلعة والقول للبائع: ما زاد فهو لك Q لدي منزل للبيع، وقلت لصاحب العقار: أريد في هذا المنزل مائة ألف ريال صافي والباقي لك، وصاحب العقار باع المنزل بمائة وعشرين ألف ريال، ولم يخبر صاحب البيت، فهل هذا العمل جائز؟ وجزاكم الله خيراً. A يمكن أن يجوز حيث إنه رضي بالمائة الألف، ولكن الأولى أن يخبره ويقول: المنزل يساوي أكثر من مائة، أنا بعته بمائة وعشرين، وأجرتي إنما هي خمسة آلاف أو ستة آلاف التي هي المعتاد، أو ألفان ونصف، فعند بعضهم ربع العشر أو نصف العشر، والحاصل أنه إذا باعه بأكثر فالأولى أن يخبر المالك ويقول: بعته بمائة وعشرين، فإن سمحت لي بالعشرين وإلا أخذت أجرتي التي هي ربع العشر أو نصف العشر، والبقية لك؛ لأنك أنت صاحب المال.

تلف السلعة في زمن الخيار

تلف السلعة في زمن الخيار Q لو تلف المال أو السلعة مدة خيار المجلس أو الشرط في يد البائع أو المشتري بغير تفريط ولا تعد، فما الحكم؟ هل يضمن؟ A الصحيح أنه يذهب على المشتري إذا كان في مدة خيار الشرط، وأما خيار المجلس فإن العادة أنه لم يتم قبضه، ولم يتفرقا فيذهب على البائع، فإذا كان أحدهما تسبب في إتلافه فإنه يغرمه، وكذلك لو أتلفه أجنبي فإنه يغرمه ذلك المتلف.

حكم سرقة آلات اللهو وكسرها

حكم سرقة آلات اللهو وكسرها Q أريد السفر -قريباً إن شاء الله- لأحد المدن المجاورة، ويوجد لدي أقارب يملكون بعض المنكرات مثل أشرطة الغناء والدش وغيره، فهل يجوز لي سرقة هذه المنكرات ثم كسرها؟ A عليك أن تنصحهم، وأن تحذرهم، وأن تبين لهم شرها، وأما كونك تسرقها فأنا أرى أن في ذلك مفاسد؛ لأنه لابد أن يحصل منهم شيء من الفتنة ومن القتال والشكايات والمرافعات وما أشبه ذلك، وإذا لم يقبلوا النصيحة فنرى أن تعتزل تلك المساكن التي فيها هذه المنكرات.

قول البائع للمشتري: اسأل عن ثمن السلعة وأبيعك بأرخص من ذلك

قول البائع للمشتري: اسأل عن ثمن السلعة وأبيعك بأرخص من ذلك Q ما رأيكم فيما يفعله بعض الباعة عند الشراء، فيقول للمشتري: اذهب فانظر في السوق، وأي محل تجد السلعة فيه فسأنزل لك خمسة ريالات عن آخر سلعة أو عن آخر سوم؟ A يصح ذلك، ولكن ينبغي ألا يحمله على ذلك، بل يقول: هذا الذي أنا أبيع، والذي يبيع غيري لست بمسئول عنه. هذا يفعله كثير، يقول -مثلاً-: أنت تريد أن تشتري عشرين كيساً، وأنا أبيع بمائة، ولكن اذهب وانظر في الأسواق ثمن هذا وهذا وهذا، فإذا وجدت أن أحداً يبيع بخمسة وتسعين، بعتك أنا بالتسعين وهكذا، لعل ذلك جائز.

الخيار للمشتري في السلعة المعيبة

الخيار للمشتري في السلعة المعيبة Q من وجد في السلعة عيباً فردها إلى البائع، فقال البائع: أرد عليك الأرش. فرفض المشتري إلا أن يرد القيمة كاملةً، ورد السلعة إلى البائع، فهل هو مخير بين رد السلعة أو الأرش؟ A نص على ذلك صاحب الكتاب، يقول: إن البائع يلزمه ما يطلبه المشتري، فإن طلب المشتري الأرش أعطاه الأرش، وإن طلب الرد والفسخ فله ذلك، فالخيار للمشتري، يقول -مثلاً-: وجدت الكتاب ناقصاً فلا أريده ناقصاً، أعطني الثمن. وتارة يقول: سأقبله ولكن أعطني قيمة الخلل. هذا الخلل نقص صفحات -مثلاً- أو بياضها ينقصه الربع، أعطني الربع أو الخمس الذي ينقصه، فالخيار للمشتري.

حكم كتابة سعر غير حقيقي على السلعة

حكم كتابة سعر غير حقيقي على السلعة Q اشتريت بخوراً بمائة وثلاثين ريالاً، ولكنني كتبت عليه مائتين وثلاثين ريالاً، ثم قمت بالحراج عليه حتى وصل إلى مائتين ريال، فبعته بهذه القيمة، فهل علي شيء؟ A لا شك أن عليك إثماً؛ لأن الناس إذا رأوا هذه الكتابة اعتبروا أنك صادق، وزادوا فيها، فهذا يعتبر تدليساً، فعليك أن تكتب الثمن الحقيقي، وإذا كان هناك تكلفة، كما لو اشتريت الكيس بثمانين، ثم إنك استأجرت من يحمله بخمسة، ثم استأجرت له مخزناً بخمسة، فأصبح عليك بتسعين، فمن العلماء من يقول: عليك أن تخبره، وتقول: ثمنه ثمانون، وأجرته كذا، تخبر بذلك على الحقيقة، ومنهم من يقول: يجوز أن تجمل وتقول: قيمتها تسعون. يعني: مع الذي تكلف به، وهذا هو الذي عليه أكثر الناس. أحسن الله إليكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [29]

شرح أخصر المختصرات [29] الربا من أعظم المحرمات، ومن كبائر الموبقات، وقد وردت أدلة كثيرة في تحريمه والزجر عنه، وهو أنواع وأبواب، فعلى المسلم أن يعلم أحكام هذا الباب ليسلم منه.

الربا

الربا قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: الربا نوعان: ربا فضل، وربا نسيئة، فربا الفضل: يحرم في كل مكيل وموزون بيع بجنسه متفاضلاً ولو يسيراً لا يتأتى، ويصح به متساوياً، وبغيره مطلقاً، بشرط قبض قبل تفرق، لا مكيل بجنسه وزناً، ولا عكسه، إلا إذا علم تساويهما في المعيار الشرعي. وربا النسيئة يحرم فيما اتفقا في علة ربا فضل؛ كمكيل بمكيل، وموزون بموزون نساء، إلا أن يكون الثمن أحد النقدين فيصح، ويجوز بيع مكيل بموزون وعكسه مطلقاً، وصرف ذهب بفضة وعكسه، وإذا افترق متصارفان فصل العقد فيما لم يقبض] .

تعريفه

تعريفه الربا في اللغة: الزيادة، يقال: ربا هذا الشيء؛ يعني: زاد، قال الله تعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:5] يعني: ربت وزادت بالنبات، وارتفعت عن مستواها، وكذلك قال تعالى: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون:50] والربوة هي: المكان المرتفع الزائد عن مستوى الأرض، هذا تعريفه في اللغة. وفي الشرع: هو زيادة في أشياء مخصوصة.

أدلة تحريمه

أدلة تحريمه الربا حرمه الله تعالى، وورد الوعيد الشديد في تحريمه، فمن ذلك قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ} [البقرة:275] فتوعد الله المرابين بأنهم في الآخرة يقوم أحدهم ثم يسقط مثل المجنون الذي يمشي قليلاً ثم يصرع، شبههم بالذي قد لامسه مس من الجن، والعادة أنه يمشي ثم يصرع ثم يقوم فيمشي ثم يسقط، فهكذا المرابون يقومون إذا بعثوا، وفي بعض الآثار أنهم يعرفون بانتفاخ بطونهم، وورد في حديث سمرة الذي في البخاري في ذكر الرؤيا: (أنه مر برجلين أحدهما يسبح في دم، والآخر على طرف الشط عنده حجارة، كلما أتى إليه فتح فمه وألقى فيه حجراً) وفسره بأنه آكل الربا. وقد اتفق العلماء على أن الربا من كبائر الذنوب، واستدلوا على ذلك بالوعيد الشديد في القرآن؛ قال الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275] أي: من عاد إلى تعاطيه، ولم يتب منه، واستعمله وأكله، فإنه متوعد بهذا الوعيد الشديد. ثم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا} [البقرة:278] أي: اتركوا ما بقي من الربا {إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278-279] . ذكر بعض السلف أنه يقال لآكل الربا يوم القيامة: قم حارب الله ورسوله! أي: كأنه قد استعد أن يحارب الله ورسوله! وماذا يفعل؟ وماذا تنتهي به قوته في هذه المحاربة؟! ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130] ولاشك أن النهي يدل على التحريم، وقد ورد الوعيد عليه في الحديث الذي في الصحيح عن جابر وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله، وشاهديه وكاتبه، وقال: هم سواء) فاللعن دليل على التحريم، ويحرم التعاون عليه، فالشاهدان لما شهدا على هذا الحرام وأكداه بشهادتهما دخلا في الوعيد، والكاتب لما علم أنه ربا وكتبه دخل في الوعيد، والآكل: هو الذي يربحه، والموكل: هو الذي يدخله على الآكل، فكلهم عليهم الوعيد. كذلك ثبت أنه صلى الله عليه وسلم عده من السبع الموبقات كما في الحديث الذي في الصحيح عن أبي هريرة: (اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات) فجعله من جملة هذه المحرمات، وسماها موبقات، يعني: مهلكات. ووردت أحاديث أخرى فيها وعيد شديد، ولكن يظهر أنها من القُصاص، ولو كانت أسانيدها مقاربة؛ مثل الحديث الذي فيه: (درهم ربا أشد إثماً من ست وثلاثين زنية) فهذا الحديث إسناده مقارب، لكن يظهر أنه من أحاديث القصاص الذين يتساهلون في الرواية، وكذلك حديث آخر بلفظ: (الربا سبعون باباً، أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه) فهذا أيضاً من أحاديث القصاص، ويظهر أنها ليست صحيحة، فقد كان هناك قصاص يأخذون ما وجدوا، فربما يسمعون الحديث من أحد العامة فيروونه ويجعلونه حديثاً، فيسمعهم من يرويه ويصدق به. وبكل حال: الوعيد شديد، وقد صحح بعضهم بعض هذه الأحاديث كما في منظومة ابن عبد القوي: وإياك إياك الربا فلدرهم أشد عقاباً من زناك بنهّد ولكن يكفي أنه من السبع الموبقات، إلى آخر ما ورد فيه.

أنواع الربا

أنواع الربا الربا نوعان: ربا فضل، وربا نسيئة، وربا الفضل أخف؛ وذلك لأن فيه خلافاً عن بعض السلف، فقد روي عن ابن عباس وغيره أنهم أباحوا ربا الفضل، ولكن ذكروا أن ابن عباس رجع عنه، وإن كان قد تبعه على ذلك بعض تلامذته وقالوا بقوله، وذكر بعضهم أنه لم يرجع عن إباحته، واستدل له بحديث أسامة في الصحيح: (لا ربا إلا في النسيئة) أو: (إنما الربا في النسيئة) فأخذوا من هذا أنه لا يحرم ربا الفضل، ولكن فسره بعضهم بقوله: لا ربا أشد ولا ربا أعظم من ربا النسيئة. بدأ المؤلف بربا الفضل، واختار هنا أنه في كل مكيل وموزون بيع بجنسه متفاضلاً، فيحرم ربا الفضل في كل مكيل وموزون بيع بجنسه متفاضلاً ولو يسيراً لا يتأتى، وفي الحاشية قال: كتمرة بتمرتين، وهذا هو المشهور عن الإمام أحمد أن علة الربا: الكيل والوزن، فكل ما يكال أو يوزن فإنه يعتبر ربوياً، فكل مكيل بيع بجنسه، فلابد أن يكون متساوياً ولا يصح متفاضلاً، والمكيلات هي: ما كان أهل المدينة يبيعونه بالكيل؛ كالتمر، والزبيب، والبر، والشعير، والذرة، والدخن، والأرز، وكذلك ما كان مكيلاً ولو لم يكن قوتاً، مثل: القهوة، والهيل، والقرنفل، والزنجبيل، وكذلك ما ليس بمأكول ولا مطعوم؛ كزهر الورد، والصابون -مثل: التايت الآن-، يقولون: كل ما يباع بالكيل لا يجوز صاع بصاعين من نفس الجنس، مثل صاع بر بصاعين، هذا ربا، ولا صاع شعير بصاعين، ولا صاع بر بصاع وحفنة، ولا صاع تمر بصاعين، لا يجوز هذا، ودليله أن بلالاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد، فسأله: (أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا يا رسول الله، والله إنا لنشتري الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: أوه أوه! عين الربا، لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيباً) أي: إذا أردت أن تشتري تمراً جيداً وعندك تمر رديء، فالتمر الرديء بعه بدراهم، ثم اشتر بالدراهم تمراً جيداً من الذي تريد، فأما أن تقول: يا صاحب الجيد! أعطني صاعاً بصاعين، أو صاعين بثلاثة، أو صاعين بأربعة، فهذا لا يجوز، وهو عين الربا كما ورد في هذا الحديث.

الأصناف الربوية المنصوص عليها

الأصناف الربوية المنصوص عليها عن عبادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح؛ مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، فنص هذا الحديث على ستة أصناف ربوية، فلا يباع تمر بتمر إلا مثلاً بمثل، ولا يباع بر ببر إلا مثلاً بمثل ولو اختلفت القيمة، ومعلوم أن القيمة تختلف؛ وذلك لأن هناك نوعاً من التمر جيد غال رفيع الثمن، كالذي يسمى بالسكري أو البرني، فثمنه رفيع، وهناك تمر رخيص كالذي يسمى بالخضري، أو بالصفري، قد يكون الكيلو من السكري بعشرين، والكيلو من هذا بريال أو بريالين، ولو تفاوتت قيمته فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل. وإذا أراد إنسان عنده تمر دقلي أو روحاني أو عجوة أو نحو ذلك أن يشتري تمراً آخر، فإنه يبيع التمر الذي عنده بدراهم، ثم يشتري بالدراهم من التمر الذي يريد جيداً أو رديئاً، فأما أن يقول: أعطني صاعاً بصاعين فهذا ربا، أو صاع بصاع ونصف فهذا ربا، كما في حديث بلال الذي ذكرنا. وهكذا البر يختلف أيضاً؛ فهناك بر اسمه صمع، وبر اسمه الشارعي، وبر اسمه الحباب، وبر اسمه اللقيمي، وهذه تختلف قيمتها، فبعضها صاعه بأربعة، وبعضه صاعه بستة، وبعضها صاعه بثلاثة، فإذا كان الإنسان عنده بر رديء، ويريد أن يشتري جيداً، باع الرديء بالدراهم، واشترى بالدراهم جيداً، وكذلك بالعكس، ولا يكون الصاع بصاعين، أو الصاعين بثلاثة، بل هذا من الربا. وقوله: (مثلاً بمثل) ولو اختلفت القيمة إذا كان الاسم واحداً، هذا تمر وهذا تمر، هذا نوع وهذا نوع، فالاسم يعم؛ ولكن الكلمة تحتها أنواع، فالتمر تحته أنواع: الثلج نوع، والروحاني نوع، والنيفي نوع، والصفري نوع، والجميع تمر، فالجنس تمر، وتحته أنواع. والبر جنس، يسمى براً، ويسمى قمحاً، ويسمى: حنطة، كل هذه مسميات لاسم واحد، ولكن تحته أنواع فالصمعي نوع، والشارعي نوع، وأشباه ذلك، فإذا أراد أن يشتري نوعاً بنوع فلا يجوز إلا مثلاً بمثل.

خلاف العلماء في إلحاق غير الأصناف الستة بها

خلاف العلماء في إلحاق غير الأصناف الستة بها الحديث فيه ستة أصناف، وهي: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح، فاختلف العلماء: هل يلحق بها غيرها أو لا يلحق بها غيرها؟ ذهب ابن حزم والظاهرية أنه لا يلحق بها غيرها، بل يقتصر على هذه الستة، ولا يجوز أن يلحق بها غيرها، والجمهور قالوا: يلحق بها غيرها، ويقاس عليها، فإنه ما ذكر هذه الستة إلا ليلحق بها غيرها. واختلفوا ما العلة التي نلحق بها ما كان مثلها؟

مذهب أحمد في الربويات

مذهب أحمد في الربويات عند الإمام أحمد وأبي حنيفة أن كل ما يكال أو يوزن فإنه يلحق بالستة، وجعلوا علة الربا: الكيل والوزن، هكذا اختار الإمام أحمد. يقول المؤلف: (في كل مكيل وموزون) فكل مكيل لا يباع إلا بجنسه مثلاً بمثل، وكل موزون لا يباع بجنسه إلا مثلاً بمثل، فالمكيلات في العهد النبوي هي الحبوب، والثمار، والسوائل، هذه كلها مكيلة، فمثلاً: التمر مكيل، والدهن مكيل يباع بالكيل، واللبن مكيل، والأرز مكيل، والقهوة مكيل، وكذا القرنفل والزنجبيل، وكذا ما ليس بمطعوم أو ما ليس بقوت مثل حب الرشاد، وما يسمى: بالحب الحار وأشباهها، هذه كلها تباع كيلاً، فعلى هذا تكون ربوية، فلا يجوز أن يباع حب الرشاد مثلاً بصاع ونصف؛ يعني: رشاد برشاد، أو الحب صاع بصاع وربع، ما يجوز إلا مثلاً بمثل، وكذلك القهوة، فلو كانت عندك قهوة رديئة وأردت أن تشتري جيدة فلا تبعها إلا مثلاً بمثل، صاعاً بصاع، وإذا أردت الجيد فإنك تبيع الرديء بالدراهم، ثم تشتري بالدراهم جيداً مما تريد، وهكذا الهيل مثلاً يتفاوت، منه ما هو جيد ومنه ما هو رديء، فإذا أراد شخص أن يشتري جيداً وعنده رديء، باع الرديء بالدراهم واشترى بالدراهم جيداً، أما أن يقول: أعطني صاعاً بصاعين من هذا الرديء فلا يجوز، وهذا يدخل في الربا. يدخل في الربا كل المكيلات قديماً، فالدهن مثلاً كان يباع بالكيل، ولكن يرجع فيه إلى أصله، فدهن الغنم يسمى جنس، فلا يباع منه صاع بصاعين، أو صاع بصاع ونصف من دهن الغنم، والغنم سواء كان ضأناً أو معزاً يعتبر جنساً واحداً، وأما دهن غنم ودهن إبل فإنه يختلف، فيجوز أن يباع صاع من دهن الغنم بصاعين من دهن الإبل؛ وذلك لأنه ليس مثله، هذا له أصل، وهذا له أصل، ولكن لابد أن يكون يداً بيد، لابد من التقابض. وكذلك الألبان، لبن الإبل أرخص من لبن الغنم، فيجوز أن يباع صاع من لبن الغنم بصاعين من لبن الإبل، ولكن يداً بيد، وأما لبن غنم بلبن غنم فلابد فيه من شرطين: لابد من التماثل، ولابد من التقابض، صاعاً بصاع، وكذا الأقط، يباع أيضاً كيلاً، فلا يجوز أن يباع أقط الغنم بجنسه إلا صاعاً بصاع أو صاعين بصاعين مثلاً بمثل، ويجوز صاع من أقط الغنم بصاعين من أقط الإبل؛ وذلك لاختلاف الأصل. وكذلك في كل المكيلات، ولو كان كيلها غير معتاد، فالبصل يباع بالكيل في الأصل، فعلى هذا لا يباع إلا صاعاً بصاع ولو اختلف المسمى، ولو كان هذا طويلاً وهذا عريضاً، فيباع صاع بصاع، ومن كان عنده رديء باعه بدراهم، واشترى جيداً بدراهم. هذه أمثلة للمكيل. أما الموزون فهو الذي لا يتأتى كيله؛ مثل: اللحوم، فإنها تباع بالوزن، ولكنها أجناس، فلحم الغنم جنس، ولحم البقر جنس، ولحم الإبل جنس، ولحم السمك جنس، ولحم الطيور جنس، ومن العلماء من قال: الطيور عدة أجناس، فلحم الدجاج جنس، ولحم الحمام جنس، ولحم العصافير جنس، ولحم الحبارة جنس، ومنهم من قال: إنها كلها جنس. فاللحوم تباع بالوزن، فلا يجوز أن يباع مثلاً كيلو لحم بقر باثنين كيلو لحم بقر، ولو كان هذا سميناً وهذا هزيلاً؛ لأن الاسم واحد (لحم بقر) ، وكذلك لحم الغنم، ولا فرق على الصحيح بين الضأن والمعز، بل كلاهما جنس، فعلى هذا: لا يجوز أن يباع كيلو لحم باثنين كيلو لحم من الغنم، ولو كان هذا سميناً دسماً وهذا هزيلاً، ومن كان عنده لحم هزيل وأراد سميناً باع الهزيل بالدراهم، واشترى بالدراهم سميناً، فأما أن يقول: أعطني كيلو باثنين كيلو، فهذا عين الربا. ويجوز أن يشتري مثلاً كيلو لحم غنم باثنين كيلو لحم إبل لأنه أرخص؛ وذلك لأنهما جنسان، هذا جنس وهذا جنس، واللحم الأحمر كله جنس؛ وإن كان منه لحم الظهر ولحم الفخذ ولحم العضد، وأما البواطن فإنها أجناس، فالكبد جنس، والطحال جنس، والرئة جنس، والكلية جنس، والقلب جنس، والأمعاء جنس، والكرش جنس، هذه أجناس لا تتفق، فعلى هذا يجوز أن يباع مثلاً اللسان بالقلب ولو اختلف الوزن؛ وذلك لأنها متفاوتة. فاللحوم من الموزونات، وبعض العلماء جعلها أربعة، فقال: السمك جنس، وبهيمة الأنعام جنس، والصيد جنس، والطيور جنس، وبعضهم اعتبرها أجناساً، وهذا هو الأقرب، فالإبل جنس، والبقر جنس، والغنم جنس، والظباء جنس، وكذلك الطيور تتفاوت، فلحم الدجاج جنس، ولحم الحبار جنس إلى آخره، إلا أن اللحوم إذا تقاربت فإنها تكون جنساً، فالضأن والمعز جنس، والبقر والجواميس جنس، والإبل والبخاتي جنس. هذا نوع من الموزونات وهي كثيرة، ومن الموزونات: القطن، والحديد، والنحاس، والرصاص، والصوف، والشعر وأشباه هذه، فهذه لا تباع بالكيل إنما تباع بالوزن، فلابد فيها من التماثل، فإذا باع قطناً بقطن فلابد أن يكون كيلو بكيلو ولو اختلفت القيمة، وإذا باع صوفاً بصوف فلابد أن يكون مثلاً بمثل، وإذا باع حديداً بحديد فيكون مثلاً بمثل، وإذا باع رصاصاً برصاص فيكون مثلاً بمثل، فهذه هي الأصناف الربوية عند الإمام أحمد. قوله: (في كل مكيل وموزون) يخرج الذي لا يكال ولا يوزن، مثل المعدود أو المذروع، فمثل هذا ليس بربوي، فيجوز أن تبيع شاة بشاتين، وبعيراً ببعيرين، فقد روي أن علياً رضي الله عنه باع جملاً له يسمى عصيفيراً بعشرين بعيراً إلى أجل؛ وذلك لارتفاع قيمته، فيجوز فيه النساء، ويجوز فيه التفاضل، فيجوز أن يبيع عبداً بعبدين، وفرساً بفرسين، وشاة بشاتين؛ لأنها لا تكال ولا توزن ما دامت حية. وكذلك ما يذرع، يجوز أن تبيع جلداً بجلدين أو بعشرة جلود، ويجوز ثوباً بثوبين أو بخمسة ثياب، ويجوز فيه أيضاً النساء، فيجوز أن تقول مثلاً: أبيعك هذا الثوب بثوبين جديدين تعطينيهما بعد شهر أو بعد عام، لا بأس بالمفاضلة، ولا بأس بالنساء. ومثله أيضاً: ما يباع بالعدد، إن كانوا يبيعون الخضار بالعدد لا بالوزن، فالتفاح والبيض يباعا بالعدد، لا يوزنا ولا يكالا، فعلى هذا يجوز أن تبيع بيضتين بأربع، وأن تبيع تفاحتين بأربع، أو بطيختين بثلاث، وكذلك القرع، والباذنجان، والكوسة، والخيار، والقثاء. وكذلك أيضاً ما يباع بالصرة كالخس والفجل وأشباهها، فهذه ليست مكيلة ولا موزونة، فيجوز التفاضل فيها، وهو واقع من الناس، يجوز أن تبيع حبة بحبتين من القرع، أو من الباذنجان، أو ما أشبه ذلك؛ لأن هذا يباع بالعدد، وإذا قلت: إن التفاح الآن يباع بوزن، وكذلك البرتقال، وغيرهما من الفواكه! نقول: إن العبرة بالأصل. وبعض الفواكه كان قديماً يباع بالكيل، وهو ما يكون صغيراً مثل المشمش، والخوخ، والتين، فهذه تلحق بالمكيلات فتكون ربويةً، فالناس كانوا يكيلون المشمش بالصاع، وكذلك الخوخ والتين، كما أنهم يكيلون الزبيب. فالحاصل: أن الثياب مثلاً يجوز بيعها ثوباً بثوبين، أو ذراعاً بذراعين، ولو من قماش واحد، ويجوز فيه النساء، أي: أن تبيع ثوبين بخمسة ثياب مؤجلة، لا بأس بالنساء فيه، ولا بأس بالتفاضل. إذاً: اختيار الإمام أحمد أن الربا يختص بما يكال ويوزن.

مذهب مالك في الربويات

مذهب مالك في الربويات الإمام مالك يرى أن العلة في الربا هي القوت، فكل شيء يصلح قوتاً فإنه ربوي، وإلا فليس بربوي، ويلحق بذلك ما ليس قوتاً لكنه يصلح القوت، فيقول: ورد الشرع بأربعة من القوت: البر، والشعير، والتمر، والرابع الملح الذي يصلح به القوت، فعنده الرز ربوي؛ لأنه قوت، وكذلك الدخن والذرة؛ لأنهما قوت، ويلحق بذلك ما يصلح به القوت أو ما يتبع القوت، مثل الخضار التي يصلح بها القوت، فعنده أن الطماطم ربوي، وكذلك القرع؛ لأنه يصلح به القوت أو يخلط به، وكذلك جميع ما يحتاج إلى طبخ مثل الجزر والبيض فيكونان قوتاً، وكذلك بعض الفواكه مثل العنب الذي يكون زبيباً؛ لأن الزبيب قوت، فعلى مذهب مالك لا يجوز بيع الدباء إلا مثلاً بمثل، وهكذا الأترج والتفاح؛ لأنه يمكن أن يكون قوتاً، والموز عنده قوت؛ لأنه يصلح أن يقتات، فيكون ما يقتات أو يصلح القوت ربوياً. وأما ما ليس بقوت كالقهوة والهيل والقرنفل، والحلب، وحب الرشاد، وما أشبه ذلك، فهذه عند مالك ليست ربوية، فيجوز أن تبيع صاعاً من القهوة بصاعين، أو صاعاً من الهيل بصاعين، إذا كان يداً بيد؛ لأنها ليست قوتاً، ولأنها ليست مما يصلح به القوت، ويقول: اللحوم قوت، فجميع اللحوم عنده ربوية، وأما الحديد فليس بربوي.

اختلاف العلماء في علة الذهب والفضة

اختلاف العلماء في علة الذهب والفضة اختلفوا في علة الذهب والفضة، فالإمام أحمد وأبو حنيفة يقولان: العلة فيهما كونهما يوزنان، فالذهب يباع بالوزن، والفضة تباع بالوزن، فألحقنا بهما الرصاص؛ لأنه يباع بالوزن، وكذا الحديد يباع بالوزن، والصفر يباع بالوزن، وكذلك أيضاً الصوف والقطن وما أشبه ذلك، فهذه تباع بالوزن، فألحقناها بالذهب والفضة. وأما الإمام مالك فيقول: العلة في الذهب والفضة أنهما أثمان؛ فلذلك نلحق بهما ما كان ثمناً، فنلحق بهما ما يسمى الآن: بالهلل، وكذا الأوراق النقدية؛ لأنها أثمان بجميع أنواعها، فلا يباع جنسها بجنسها إلا مثلاً بمثل، لا يباع ريال بريالات سعودية إلا مثلاً بمثل، فلا يباع ريال بريال، أو خمسة بخمسة، إلا إذا اتفق الاسم واختلفت القيمة مثلاً، فيجعل العلة في الذهب والفضة كونهما أثماناً للسلع؛ فأنت مثلاً إذا قلت: بكم هذا الكتاب؟ سيقولون مثلاً: بعشرة ريالات، وهذا يدل على أنها أثمان، أي: قيم للسلع، فيجعل العلة هي الأثمان، فعند الإمام مالك يجوز في الحديد أن يباع كيلو باثنين كيلو، وكذا القطن؛ لأنهما ليسا قوتاً وليسا أثماناً، فالعلة عنده القوت.

مذهب الشافعي في الربويات

مذهب الشافعي في الربويات الإمام الشافعي يقول: العلة هي الطعم، وقال: العلة في الذهب والفضة: الثمنية كما قال مالك، فعند الإمام الشافعي أن كل شيء يطعم ولو لم يكن قوتاً فإنه ربوي، وما ليس بمطعوم فإنه ليس بربوي، نأتي بأمثلة: عندنا مثلاً الحناء، هذا ربوي عند الإمام أحمد؛ لأنه مكيل، وليس ربوياً عند الشافعي؛ لأنه ليس بمطعوم، ولا عند الإمام مالك؛ لأنه ليس بقوت، وكذلك مثلاً زهر الورد ليس ربوياً إلا عند الإمام أحمد؛ لأنه يكال، وكذلك الصابون الذي يغسل به ليس ربوياً عند الإمام الشافعي؛ لأنه ليس بمطعوم، وليس بربوي عند مالك؛ لأنه ليس بقوت، ولكنه مما يكال، فهو ربوي عند الإمام أحمد، كذلك الأشنان الذي كانوا يغسلون به، هو ربوي عندنا دون مذهب الإمام مالك والشافعي، وكذلك النورة التي يطلى بها وما أشبهها، فهذه ربوية عندنا، وليست ربوية عند الشافعي؛ لأنها ليست مطعومة، ولا عند الإمام مالك؛ لأنها ليست بقوت. أما القهوة فهي عندنا ربوية؛ لأنها مكيلة، وربوية عند الشافعي؛ لأنها مطعومة، وليست ربوية عند مالك؛ لأنها ليست قوتاً، وكذلك الزنجبيل، وحب الرشاد، والقرنفل، والحب الحار وما أشبهها، فهذه ربوية عند الشافعي؛ لأنها مطعومة، وربوية عندنا؛ لأنها مكيلة، وليست ربوية عند مالك؛ لأنها ليست قوتاً، فهذه تعليلات الأئمة فيما هو ربوي من ربا الفضل. نعود فنقول: إذا بيع مكيل بمكيل، أو موزون بموزون فلابد من شرطين: 1- التماثل؛ صاع بصاع، أو كيلو بكيلو. 2- التقابض؛ يداً بيد، ولا تجوز الزيادة فيه ولو يسيراً، كتمرة بتمرتين، أو حفنة بحفنتين، لا نَساء ولا حالاً، فلا يصح إلا متساوياً، صاع بصاع، أو كيلو بكيلو، أو حفنة بحفنة. أما إذا بيع بغيره فإنه يصح بشرط: قبض قبل تفرق، وصورة ذلك: بر بشعير، ماذا يشترط فيه؟ يشترط فيه التقابض دون التساوي، فيجوز صاع بر بصاعين شعير، ولكن لابد من التقابض، يداً بيد؛ لأنه قال في الحديث: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) مثلاً صاع زبيب بصاعين تمر ماذا يشترط فيه؟ يشترط فيه التقابض دون التساوي، صاع بصاعين يجوز؛ لأنه قد يكون الزبيب أغلى، فيقال: صاع زبيب بصاعين تمر. هذا معنى قوله: (وبغيره مطلقاً) يعني: ويجوز في غيره أن يباع مكيل بموزون، أو أن يباع جنس بغير جنسه؛ لأنه قال هناك: (بيع لجنسه) ، وتفطن لكلمة (جنسه) ، تمر بتمر جنس بجنس، وأما تمر بزبيب فجنس بجنس آخر ليس بجنسه، فيشترط فيما بيع بغير جنسه التقابض قبل التفرق، ويجوز التفاوت كصاع بصاعين.

قوله: (لا يجوز أن يباع المكيل بجنسه وزنا ولا عكسه)

قوله: (لا يجوز أن يباع المكيل بجنسه وزناً ولا عكسه) ذكروا أنه لا يجوز أن يباع الشيء بجنسه وزناً ولا عكسه، فيقولون مثلاً: التمور مكيلة، فلا يباع تمر وزناً بتمر كيلاً، وذلك لعدم تحقق التساوي، فلا يباع مكيل بجنسه إلا كيلاً، ولا موزون بجنسه إلا وزناً، فلا يباع صاع تمر باثنين كيلو تمر؛ لعدم معرفة التماثل، أو صاع زبيب بثلاثة كيلو زبيب، ما يجوز، فلا يباع إلا كيلاً، والصحيح: أنه يجوز وزناً؛ لأن الوزن أضبط بالمثلية، كما هو اليوم واقع الناس، فالتمر أصبح موزوناً، والزبيب أصبح موزوناً، والدهن أصبح موزوناً، فيجوز أن يباع مثلاً تمر بتمر كيلو بكيلو، ولو اختلف النوع؛ ولذلك قال: (ولا عكسه إلا إذا علم تساويهما في المعيار الشرعي) والمعيار الشرعي في المكيلات هو: الصاع، وفي الموزونات: هو ما يعرف بالرطل قديماً، وما يعرف الآن بالكيلو، وهو المعيار الذي تقدر به المقدرات، وقد توسعوا في ذكر الأمثلة؛ لذلك قالوا: لابد من التحقق في التماثل، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سئل: هل يباع الرطب بالتمر؟ فقال: (هل ينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم) وهو يعرف أنه ينقص؛ لأنه إذا كان رطباً يزيد بهذه الرطوبة، فإذا يبس وجف خف وزنه، وخف كيله، فقال: (لا يباع إلا مثلاً بمثل) يعني: لا يباع الرطب باليابس لعدم تحقق التساوي، أما الدقيق مثلاً فيباع وزناً ولا يباع كيلاً؛ لأن العادة أنه إذا طحن انتشرت أجزاؤه، فأنت مثلاً تأتي بالصاع من البر تطحنه، وإذا كلته وجدته قد زاد، وأصبح الصاع صاعاً وربع أو صاعاً وثلث. ففي هذه الحال: لا يباع صاع دقيق بصاع بر؛ لعدم تحقق التساوي، لكن بالوزن يتحقق التساوي، فإذا بيع كيلو دقيق بكيلو بر فلا بأس بذلك. وكذلك العصيرات تلحق بأصولها، فعصير العنب يعتبر مثل العنب، فلا يباع إلا بجنسه مثلاً بمثل، ودبس التمر يلحق بالتمر، فلا يباع دبس بدبس إلا متساوياً متماثلاً، أما إذا خرج عن جنسه فالصحيح أنه يجوز التفاضل فيه، مثاله: الخبز، فالخبز أصبح غير مكيل ولا موزون، أصبح يباع بالعدد، مع أن هناك من يزنه، ففي هذه الحال يجوز أن تشتري رغيفاً برغيفين ولو كان أصلهما براً، ويجوز فيه النساء أيضاً، يجوز أن تقول: بعني رغيفاً وأعطيك رغيفين غداً، والرغيف هو الواحدة من الخبز، وكذلك أيضاً إذا كانت هناك خبزة كبيرة، فتقول: بعني هذه الخبزة بأربع صغيرات، أو بثلاث، فيجوز ذلك؛ لأنه خرج عن أصله، وأصبح غير مكيل ولا موزون، أصبح يباع بالعدد كما هو مشاهد، وأما إذا كان باقياً على أصله أو ملحقاً بأصله كالدبس ونحوه، فإنه باق على ما هو عليه.

ربا النسيئة

ربا النسيئة ربا النسيئة: هو ربا الجاهلية الذي ورد فيه الوعيد الشديد، كان أهل الجاهلية إذا كان عند أحد لإنسان دين، مثلاً عشرة آلاف، جاء إليك وقال: أعطني ديني وإلا زدت عليك فيه، وأخرتك، ويعبرون بقولهم: إما أن تعطي وإما أن تربي، إما أن تعطيني ديني الذي في ذمتك، وإما أن تربي، ما معنى تربي؟ أي: نزيد في الدين، ونزيد في الأجل، الدين عشرة آلاف، نجعلها خمسة عشر ألفاً ونؤخرك سنة، فإذا تمت السنة جاء إليك وقال: عندك لي خمسة عشر ألفاً، إما أن تعطيني إياها وإما أن أزيد وأؤخرها، فيؤخرك سنة ويجعلها مثلاً عشرين ألفاً، فإذا حلت العشرون جاء وقال: أعطني العشرين وإلا زدت فيها وأجلتك سنة، فيجعلها مثلاً ثلاثين، ويقول: أؤخرها سنة، فإذا حلت الثلاثون جاء وقال: أعطني الثلاثين وإلا زد فيها وأؤخرك، فيجعلها أربعين، وهكذا تتضاعف، وهذا معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130] ولما جاء الإسلام كان أناس عندهم عشرات الألوف وهي ربا، فجاء الإسلام بإبطالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: (كل ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضعه ربا العباس) ، فوضع الربا الذي كان العباس يتعاطاه عند كثير من المرابين، وأنزل الله تعالى قوله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] ، إذا كان رأس مالك عشرة آلاف ثمن السلع التي بعتها، فتقتصر عليها، والزيادات التي ضاعفتها إلى أن وصلت إلى أربعين ألفاً أو مائة ألف كل هذه أسقطها، وليس لك إلا رأس مالك. والنساء: هو التأخير، نسأه يعني: أخره، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37] ونسيء الجاهلية هو تأخير بعض الشهور المحرمة، وقرأ بعض القراء قول الله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسئها) أي: نؤخرها. فالنساء هو التأخير، ومعنى ذلك أنهم كانوا يقولون: نؤخرك بالمطالبة ونزيد في الدين، الدين الذي هو عشرة، ننسئه أي: نؤخره ثم نجعله زائداً عما كان عليه؛ لذلك يحرم ربا النسيئة فيما اتفق عليه في علة ربا الفضل، كمكيل بمكيل، وموزون بموزون نساءً. وذكرنا في ربا الفضل أنه لا يجوز النساء فيما كان جنساً بجنس، إذا اتفقا في علة واحدة، فمثلاً: شعير ببر صاع بصاعين ماذا يشترط فيه؟ يشترط فيه التقابض، ولا يجوز فيه النساء، ومثلاً: كيلو لحم غنم باثنين كيلو لحم إبل يجوز، ولكن لابد فيه من التقابض، ولا يجوز فيه النساء؛ وذلك لأن العلة فيه واحدة، وهو أن هذا موزون وهذا موزون، وكذلك مثلاً إذا بيع حديد أو رصاص باللحم، ماذا يشترط فيه؟ يشترط فيه التقابض، ولا يجوز فيه النساء، ولا يجوز التفرق قبل التقابض، فيحرم ربا النسيئة إذا ما اتفق في علة ربا فضل كمكيل بمكيل، مثل: بر بشعير، ولا يجوز النساء يعني: التأخير، ويجوز صاع بصاعين في موزون بموزون، كحديد بقطن، أو حديد بلحم، أو لحم بقطن أو بصوف، لكن لا يجوز إلا يداً بيد، ولا يجوز النساء. واستثنوا إذا كان الثمن أحد النقدين، فعندنا أن العلة في النقد الوزن، فالريالات قديماً كانت من فضة، والجنيهات كانت من الذهب، وكانوا يتعاملون بالدراهم الفضة المضروبة، أو بالذهب الذي هو الدنانير المضروبة، ففي هذه الحال: يجوز النساء إذا كان الثمن أحد النقدين، يعني: من النقود، فيجوز مثلاً أن تشتري لحماً بدراهم غائبة، أو تشتري قطناً بدراهم غائبة، أو تشتري قطناً غائباً أو لحماً غائباً بدراهم حاضرة، وهو ما يسمى بالسلم، فلو منع ذلك لانسد السلم في الموزونات، فيجوز بيع مكيل بموزون وعكسه موزون بمكيل مطلقاً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الصرف مع التأخير

حكم الصرف مع التأخير Q أحسن الله إليكم! هذا سائل يقول: إذا ذهب أحد إلى من يصرف له خمسمائة ريال فلم يجد عنده إلا ثلاثمائة ريال، فقال: خذ الثلاثمائة وارجع بعد مدة وخذ المائتين، فهل يعتبر هذا صحيحاً؟ A يجوز ذلك؛ وذلك لأنها اسم واحد ولا فرق بينها، خمسة واحدة أو خمس ورقات أو عشر ورقات، القيمة واحدة، ولا تفاوت بينها، فلا حرج في كونه مثلاً يعطيك الآن ثلاثمائة، وترجع إليه بعد يوم أو يومين فيعطيك الباقي.

وجوب نقل البضائع الكبيرة قبل بيعها ولو كانت في ثلاجات

وجوب نقل البضائع الكبيرة قبل بيعها ولو كانت في ثلاجات Q أحسن الله إليكم! يقول: البضائع الكبيرة التي تكون في الثلاجات يصعب نقلها من مكانها لوجود مشقة، فهل يكفي قبض الدراهم وأخذ المستند على بيعها؟ A لاشك أنها ثقيلة، فإذا باع ما في هذه الثلاجة الكبيرة فإنها تبقى في ملك البائع، ولو تلفت لذهبت على البائع، وفسدت كلها على البائع، ولكن يكون قد انعقد سبب البيع، فلا يجوز له أن يرجع لكون البيع قد انعقد، ثم لا يجوز للمشتري أن يبيع وهي في الثلاجة، اشترى مثلاً مائة كرتون تفاح أو بطاط، أو مائة كيس من البصل، ولكنها لا تزال في الثلاجة، فلا يجوز أن يتصرف فيها لكون البيع قد انعقد، وقد وجب لوجود التفرق، ولكن ليس لك أيها المشتري أن تتصرف فيها قبل أن تقبضها، وإذا تلفت فإن ذهابها على البائع؛ لأنها لا تزال في مستودعه، أو لا تزال في ثلاجته.

حكم بيع الأسهم بالتأجيل مع رفع السعر

حكم بيع الأسهم بالتأجيل مع رفع السعر Q أحسن الله إليكم! يقول: لدي أسهم في شركة، وأريد أن أبيعها على شخص مؤجلاً بسعر أكثر من سعرها الحالي، فهل هذا جائز؟ A لا يجوز إذا كانت دراهم، أما إذا كانت سلعاً فلا بأس، مثلاً: شركة صناعية تنتج مصنوعات، ولك فيها سهم واحد في الألف، فلك أن تبيع حالاً بثمن النقد، ولك أن تبيعه بمؤجل؛ وذلك لأنك تملك هذا الجنس الذي هو واحد في الألف من هذه الشركة، وكذلك أيضاً إذا كانت الشركة زراعية، عندها مثلاً أراضي زراعية، وعندها رشاشات، ومكينات، وحصادات وما أشبه ذلك، ولك فيها شراكة، فتقول: لي في هذه الشراكة سهم واحد في الألف، أو عشرة في الألف، أو واحد في المائة، فتبيع نصيبك منها بحال أو بمؤجل؛ لأن هذا ليس بربوي.

مسألة مد عجوة ودرهم

مسألة مد عجوة ودرهم Q أحسن الله إليكم! يقول: عندي تمر رديء، وأريد أن أشتري بوزنه تمراً جيداً على أن أدفع الفرق بين النوعين، فهل هذا جائز؟ A غير جائز، وتسمى هذه: مسألة مد عجوة ودرهم، أو مد عجوة بدرهم ومدي عجوة، وفي الحديث: أن فضالة بن عبيد اشترى قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر ديناراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباع حتى تفصل) يعني: حتى يباع الذهب بوزنه، ويباع الخرز بقيمته.

بيع الذهب بالذهب مع التفاضل ربا

بيع الذهب بالذهب مع التفاضل ربا Q أحسن الله إليكم! هذه تقول: ما حكم ما تفعله بعض النساء من بيع ذهب بذهب لنفس المحل مع التفاضل في البيع، نرجو التنبيه؛ لأن هذه مسألة منتشرة؟ A صحيح منتشرة، ولعلنا نأتي إليها إن شاء الله في باب الصرف، ونبين حكمها، وكيفية الواجب؛ لأن فيها تفصيل.

حكم بيع ريالات معدنية بورقية مع التفاضل

حكم بيع ريالات معدنية بورقية مع التفاضل Q أحسن إليكم! ما حكم بيع تسعة ريالات معدنية بعشر ريالات ورقية؟ A وقع فيها خلاف بين المشايخ، ولعل الجواز أقرب؛ وذلك لوجود الاختلاف، فإذا كان يداً بيد فلا بأس؛ لأن هناك فروقاً بين الريالات الورقية والريالات المعدنية والريالات الفضية، ولو كان الجنس واحداً.

بيع بطاقة الهاتف بأكثر من سعرها المحدد عليها

بيع بطاقة الهاتف بأكثر من سعرها المحدد عليها Q أحسن الله إليكم! يقول: انتشر في هذه الآونة الأخيرة بطاقة الهاتف بدلاً من العملة النقدية، وبعضهم يبيع فئة خمسين بخمس وخمسين، أو فئة عشرين بخمسة وعشرين، فهل هذا جائز؟ A هذا جائز؛ لأن هذه الورقة ليست مثل الريالات، لو أتيت إلى البقال وقلت: أعطني بهذه الورقة التي هي بطاقة الهاتف ما يعطيك ولا يعتبرها دراهم، وإنما تصلح للهاتف فقط، فلا جرم أنه يجوز أن يذهب إلى أصحاب الهاتف، ويأخذ منهم بطاقتين مثلاً بمائتين أو بطاقتين بمائة ثم يبيعهما بفائدة، لا بأس.

علة ربا الفضل

علة ربا الفضل Q أحسن الله إليكم! يقول: ما الراجح-حفظكم الله- في علة ربا الفضل؟ A لا أستطيع أن أجزم بشيء، ولكن الإمام أحمد استدل بقوله في حديث عبادة لما ذكر الأربعة: (وكذلك الميزان) أو: (وقال في الميزان مثل ذلك) فأخذ منه أن العلة هي: الكيل والوزن. والشافعي أخذ بحديث ربيعة الذي فيه: (نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل) ، فقال: كل شيء مطعوم فإنه ربوي، ولكل اجتهاده، والفتوى على أن العلة عندنا هي الكيل والوزن.

هل يرجع في الكيل والوزن إلى العرف؟

هل يرجع في الكيل والوزن إلى العرف؟ Q أحسن الله إليكم! يقول: إن الكيل والوزن أحياناً لا ينضبط، فما يكون مكيلاً في بلد قد يكون معدوداً في بلد آخر، فهل يرجع في ذلك إلى العرف؟ A المرجع في الكيل إلى المدينة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الوزن إلى مكة، وقد ورد في ذلك حديث في سنن أبي داود: (المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة) ، والأشياء التي ما كانت موجودة في ذلك الزمان في المدينة أو مكة تلحق بما يقاربها في البلاد الأخرى، وقد أحصوها، وتجدون ذلك في حاشية الشيخ ابن قاسم على الروض، وكذلك في حاشية العنقري، فيذكرون ما هو مكيل، وما هو موزون.

حكم الصلاة في البنك من أجل الاستعجال في استلام الراتب منه

حكم الصلاة في البنك من أجل الاستعجال في استلام الراتب منه Q أحسن الله إليكم! يقول: ابتلينا باستلام رواتبنا من البنوك، وفي حال الزحام يدخل علينا وقت صلاة المغرب، فتغلق الأبواب للحفاظ على الأموال، فهل تجوز الصلاة في البنك؟ A ليس هناك زحام، وبالإمكان أن تؤخر حتى تصلي، فالصلاة أولى، فلا يجوز لك أن تقول: إذا ذهبت أصلي فاتني الترتيب، بل اذهب وصلي ولو مسكت ترتيباً آخر، فالصلاة أولى.

الفرق بين المكيل والموزون والمعدود

الفرق بين المكيل والموزون والمعدود Q أحسن الله إليك! كثر التساؤل حول الفرق بين المكيل والموزون والمعدود أحسن الله إليك؟ A قلنا: إن المكيلات مثل الحبوب والثمار، وكذلك المائعات، وأما الموزونات فهي التي لا يتأتى فيها الكيل؛ مثل اللحوم والحديد والقطن وما أشبه ذلك، والمعدودات هي التي تباع بالعدد غالباً مثل: البطيخ بأنواعه، والقرع، والباذنجان، وما أشبه ذلك، وكانوا أيضاً يبيعون التفاح والأترج والليمون والبرتقال والموز وما أشبه ذلك بالعدد، وهذه يرجع فيها إلى كتب الفقهاء، فهم يذكرون أن هذا مكيل، وهذا معدود، وهذا موزون.

التفاضل في أنواع اللبن مع اختلاف الأصل

التفاضل في أنواع اللبن مع اختلاف الأصل Q أحسن الله إليكم! يقول: التمر أنواع كثيرة، ومع ذلك لا يجوز التفاضل فيها؛ لأنه يدخل تحت مسمى واحد وهو تمر، فلماذا جاز في اللبن والدهن؟ A ذلك لأنها ترجع إلى أصولها، فالتمر اسمه تمر، وكله من نخل، وأما الألبان فهذا أصله ناقة، وهذا أصله بقرة، وهذا أصله شاة، والشاة تطلق على الغنم، يعني: على الضأن والمعز، فلذلك صارت اللحوم أجناساً، والألبان أجناساً، والأدهان أجناساً. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [30]

شرح أخصر المختصرات [30] كثير من الناس يقع في الربا عند بيع وشراء الذهب، فعلى المسلم والمسلمة التنبه لهذا، وسؤال أهل العلم قبل الإقدام على ذلك؛ لأن كثيراً منهم يقع في المحظور وهو لا يعلم.

من أحكام ربا النسيئة

من أحكام ربا النسيئة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وربا النسيئة يحرم فيما اتفقا في علة ربا فضل كمكيل بمكيل، وموزون بموزون نساءً إلا أن يكون الثمن أحد النقدين فيصح، ويجوز بيع مكيل بموزون، وعكسه مطلقاً، وصرف ذهب بفضة وعكسه، وإذا افترق متصارفان بطل العقد فيما لم يقبض. فصل: وإذا باع داراً شمل البيع أرضها وبناءها وسقفها وباباً منصوباً وسلماً ورفاً مسمورين، وخابية مدفونة؛ لا قفل ومفتاح ودلو وبكرة ونحوها. أو أرضاً شمل غرسها وبناءها، لا زرعاً وبذره إلا بشرط، ويصح مع جهل ذلك، وما يجز أو يلقط مراراً فأصوله لمشتر، وجزة ولقطة ظاهرتان لبائع ما لم يشرط مشتر] ذكر المؤلف أن الربا نوعان، وتقدم ربا الفضل، وأشرنا أيضاً إلى ربا النسيئة، وأنه كان ربا الجاهلية، يقول: (يحرم ربا النسيئة فيما اتفقا في علة ربا الفضل) أي: في كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، ولو لم يكونا من جنس واحد، فيحرم فيهما النسأ، صورة ذلك: لا تبع صاع تمر بصاعين زبيب نساء، ويجوز يداً بيد، أو صاع زبيب بصاعين تمر، ويجوز يداً بيد، وذلك لاختلاف الجنس، ولكن لا يجوز نساء؛ لأن في حديث عبادة: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) فيعم بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، أي: إذا كانا مكيلين، البر مكيل والشعير مكيل، اتفقا في العلة وهي الكيل، فلا يباع أحدهما بالآخر إلا يداً بيد، وإذا بيع بر بشعير يشترط شرط واحد، وهو: التقابض، ولا يشترط التماثل، فيجوز أن تبيع خمسة آصع بر بعشرة آصع شعير، ولكن يداً بيد، ولا يجوز النسأ، لا يجوز أن تقول: أعطيك الآن خمسة آصع بر، وتعطيني بعد عشرة أيام عشرة آصع شعير، لا يجوز ذلك؛ لأن العلة واحدة، وهو أن هذا مكيل وهذا مكيل، وكذلك بقية المكيلات، مثل صاع من الهيل بخمسة آصع من القهوة، يجوز، ولكن يداً بيد، ولا يجوز أن تقول: أعطيك الآن صاعين وتعطيني بعد عشرة أيام أو عشرين يوماً خمسة آصع من القهوة، لا، لابد أن يكون يداً بيد، وهكذا بقية المكيلات، حتى ولو لم تكن من القوت، فمثلاً: الفل أو الشونيز -الذي هو الحبة السوداء- مكيل عندنا، ومطعوم عند الشافعي، فهو ربوي، فإذا قلت -مثلاً-: أعطيك الآن صاعاً من الحبة السوداء، وتعطيني بعد خمسة أيام صاعين من الحلف -الذي هو الرشاد- أو مما يسمى بالحب الحار أو ما أشبه ذلك، فلا يجوز؛ لأن العلة واحدة، وهي: أنه مكيل بمكيل. وكذلك أيضاً إذا اتفقا في الوزن، إذا كان هذا موزوناً وهذا موزوناً، وكان هذا جنساً وهذا جنساً، فمثلاً اللحوم موزونة، فإذا قال: أعطيك الآن كيلو لحم غنم، وتعطيني غداً أو بعد غد كيلوين لحم إبل لا يجوز، أما إذا كان يداً بيد كيلو بكيلوين فيجوز، إذا كان يداً بيد ولو تفاوت؛ لأن هذا جنس وهذا جنس، وهكذا -مثلاً- إذا قال: أعطيك كيلو لحم سمك بكيلوين لحم دجاج غداً أو بعد غد لا يجوز إلا يداً بيد، يجوز فيه التفاضل، ولا يجوز فيه النسأ، وكذلك إذا قال: عشرين جراماً ذهباً بمائة جرام فضة يجوز يداً بيد، ولا يجوز فيه النسأ، وكذلك حديد بنحاس يجوز فيه التفاضل ولا يجوز فيه النسأ، إذا بعت -مثلاً- كيلو حديد بكيلوين نحاس يجوز يداً بيد، ولا يجوز أن يكون نساءً؛ لأن العلة واحدة، وكذلك القطن بالصوف، فإذا بيع كيلو قطن بكيلوين صوف أو بالعكس، يجوز يداً بيد، ولا يجوز نساءً ولو بعد المجلس بنصف ساعة. فهذا معنى قوله: ربا النسيئة يحرم فيما اتفقا في علة ربا الفضل. عندنا -مثلاً- اللحم والقطن، ما العلة فيهما؟ الوزن، فلا يباع قطن بحديد إلا يداً بيد، ولا يشترط التماثل، وكذلك -مثلاً- الرصاص بالنحاس العلة فيهما ما هي؟ الوزن، فلا يباع رصاص بنحاس إلا يداً بيد، يجوز التفاضل ولا يجوز النسأ يعني: التأخير. وإذا عرفنا أن الفلفل والزنجبيل العلة فيهما واحدة وهي الكيل، فيباع أحدهما بالآخر متفاضلاً، ولا يجوز التأخير والنسأ، لا بد أن يكون يداً بيد، مكيلاً بمكيل، فهيل مع قهوة لا يجوز إلا يداً بيد؛ لأنهما موزون بموزون، وحديد برصاص لا يجوز نَساءً، إلا إذا كان الثمن أحد النقدين فإنه يجوز، وذلك للضرورة.

الربا في النقود

الربا في النقود النقود: هي الدراهم التي تصنع من الفضة أو الدنانير التي تصنع من الذهب، فالدرهم قطعة صغيرة من الفضة كانوا يتعاملون بها، والنصاب منها مائتا درهم كما هو معروف، وتساوي بالريال الفضي السعودي ستة وخمسين ريالاً، وتساوي بالريال الفرنسي اثنين وعشرين ريالاً فرنسياً، والريالات الفرنسي والسعودية موجودة عند الصيارفة، فهذا مقدار الدرهم العربي، وأما الدينار فهو قطعة من الذهب صغيرة أيضاً، وتساوي أربعة أسباع الجنيه السعودي المصنوع من الذهب، فالجنيه السعودي الموجود الآن عند الصيارفة أربعة أسباعه دينار؛ ولذلك قالوا: نصاب الذهب بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً وثلاثة أخماس الجنيه، مع أنها بالدينار عشرين ديناراً، فيعرف بذلك الفرق بين الجنيه السعودي وبين الدينار العربي. ومن النقود الفلوس، وهي: قطع صغيرة من النحاس تسمى فلوساً، وهي أيضاً نقود يشترى بها الأشياء الرخيصة، وتشبه ما يسمى عندنا بالهلل، والهلل: قطع صغيرة من النحاس توجد في البنوك وعند الصيارفة، وهي أيضاً من النقود، وكانوا يتعاملون أيضاً بقطع صغيرة من النحاس اسمها دوانيق، واحدها دانق، والدرهم ستة دوانق، هذه هي النقود المضروبة. واعلم أن الذهب أول ما يستخرج من الأرض يكون فيه أخلاط من نحاس ومن حديد ومن تراب، ويسمى قبل أن يصفى تبراً، وفي هذه الحال يجوز بيعه بفضة، ولا يجوز بيعه بذهب، وذلك لعدم تحقق المساواة؛ لأنه إذا كان ربع كيلو جرام من التبر لا ندري كم خلطه من النحاس، وكم خلطه من التراب، فلابد أن يصفى، وتسمى تصفيته سبكاً، والسباك هو الصائغ، الذي يصوغ أو يصفي، يقول الشاعر: سبكناه ونحسبه لجيناً فألقى الكير عن خبث الحديد السبك: هو التصفية، وتصفية التبر بأن يدخل في الكير، ثم يحمى عليه فيذوب الحديد في جانب ويتجمد، ويذوب الذهب ويتجمد، ويبقى التراب والحجارة لا تذوب، فيعرف بذلك مقدار ما فيه من النحاس، ومقدار ما فيه من التراب، وما فيه من الذهب، واللجين: اسم للذهب، والعرب تسميه (لجيناً) كما في قول الشاعر: عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك فإذا صفي الذهب من هذا الخلط يسمى مسبوكاً، وقوله: (سبكناه ونحسبه لجيناً) يعني: أدخلناه الكير حتى نسبكه، فإذا صار قطعاً من ذهب سمي سبائك، يقولون: سبائك الذهب، يعني: قطع الذهب الخالصة من الخلط، ففي هذه الحال إذا كان مسبوكاً صافياً من الأخلاط، فإذا بيع بذهب فلابد أن يكون مثلاً بمثل، وإذا بيع بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، وكذلك إذا بيع وهو سبائك بحديد أو بقطن أو بنحاس فلابد أن يكون يداً بيد، وذلك لأن العلة واحدة، وهي كون هذا موزوناً وهذا موزوناً، فالصائغ يأخذ هذه السبائك ثم يصوغها، يجعلها صوغاً، والصوغ: هو ما يلبس، يصوغها خواتيم في الأصابع، أو يصوغها أسورة في الأيدي، أو يصوغها قلائد في الرقاب، أو يصوغها أقراطاً في الأذن، ففي هذه الحال إذا كان مصوغاً فإنه أيضاً -على المشهور- لا يباع إلا مثلاً بمثل، يعني: وزن ذهب بوزن ذهب، يعني هذا مصوغ وهذا مسبوك، لا يباع إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن، يداً بيد، وإذا بيع وهو مصوغ بدراهم فلابد من التقابض قبل التفرق، ولا يجوز فيه النسأ؛ وذلك لأن العلة واحدة، وهي أن هذا موزون وهذا موزون. وقد يضرب بعد ذلك دنانير أو يضرب جنيهات، وفي هذه الحال يسمى مضروباً، وتجدون مكتوباً على الريال: ضرب في مكة المكرمة أو ضرب في كذا وكذا، يعني: جعل على هذه الحالة التي هي كونه نقداً، فإذا كان مضروباً سمي نقداً، وأما إذا كان مصوغاً أو مسبوكاً أو تبراً فلا يسمى نقداً، فالنقد هو الذي ضرب دراهم إذا كان من فضة أو دنانير إذا كان من ذهب مثل الجنيهات الذهبية والريالات الفضية، فبهذا يعرف الفرق بينهما. فالحاصل أن العلة في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، فإذا بيع ذهب بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، ولا يجوز فيه النسأ، والأدلة عليه كثيرة، منها ما في حديث عبادة أنه قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، وفي حديث: أن طلحة جاءه رجل ومعه دنانير، فعرضها عليه ليشتريها بدراهم، فتفاوضا واتفقا على أن يعطيه البعض وقال: الباقي آخر النهار إذا جاءتني جاريتي أو خادمي، وسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: والله! لا تفارقه حتى تستلم، إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الذهب بالفضة إلا يداً بيد. ومن الأدلة عليه أيضاً حديث عبد الله بن عمر قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا بأس، ما لم تفترقا وبينكما شيء) فإذا كان رأس المال من النقدين المضروبين جاز النسأ، والناس بحاجة إلى ذلك، فأنت -مثلاً- تشتري عشرة كيلو جرام من اللحم، وليس معك ثمن، ومعلوم أن اللحم موزون، وأن الدراهم موزونة، فذلك موزون بموزون، ولابد أن يكون يداً بيد لأن العلة واحدة، ولكن لما كان أحد النقدين هو الثمن تسومح في ذلك، فجاز أن يكون الثمن غائباً، فجاز بمائة درهم تشتري بها عشرة كيلو جرام لحم، أو عشرة كيلو حديد أو قطن أو ما أشبه ذلك، مع التأخير. ويأتينا أيضاً في السَلَم أنه يجوز ذلك في الموزنات، والسَلَم: هو كون الثمن حاضراً والمثمن غائباً، فيجوز في الموزنات مع أن العلة واحدة، فتقول لإنسان -مثلاً-: أشتري منك في ذمتك مائة رطل حديد، كل رطل بخمسة، وأعطيك الثمن الآن، وتعطيني الأرطال بعد سنة أو نصف سنة، يسمى هذا سلماً، ومع ذلك الدراهم علتها الوزن، والحديد علته الوزن، وكذا القطن واللحم وما أشبه ذلك، فيجوز إذا كان أحد العوضين من النقدين.

متى يجوز التأجيل

متى يجوز التأجيل يقول: إذا بيع مكيل بموزون جاز مطلقاً، وذلك لعدم الاتفاق في العلة، فيجوز أن تقول -مثلاً-: أشتري منك عشرة آصع براً بخمسة كيلو جرام لحماً، ولكن لابد أن يكون أحد العوضين حاضراً؛ لئلا يكون بيع دين بدين، فإنه لا يجوز بيع الدَين بالدِين، فإذا قلت -مثلاً-: أعطني عشرة آصع بر ثمنها خمسة كيلو جرام من لحم، فقال: خمسة كيلو جرام لحماً ليست لدي الآن، آتيك بها غداً أو بعد خمسة أيام أو بعد شهر، يجوز ذلك؛ لأن هذا مكيل وهذا موزون، اللحم موزون والبر مكيل، فلما اختلفت العلة جاز النسأ، لكن لا يجوز أن يكون العوضان غائبين؛ لأنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) أي: الغائب بالغائب، فلابد أن يكون أحد العوضين حاضراً، فإذا كان -مثلاً- البر حاضراً واللحم غائباً، أو بالعكس جاز. وكذلك صرف ذهب بفضة، فالذهب جنس، والفضة جنس، ولكن العلة فيهما ما هي؟ العلة عندنا كونهما موزوني جنس، فصرف الدراهم بالدنانير أو بيع الذهب بالفضة اتفقا في علة واحدة وهي الوزن، فلا يجوز أن يباع أحدهما بالآخر إلا يداً بيد، ومعلوم أن الذهب أغلى من الفضة، فإذا صرفت -مثلاً- جنيه بمائة ريال فضة، فلابد من التقابض قبل التفرق؛ لأن العلة فيهما واحدة؛ وهي: أن هذا موزون وهذا موزون، وعند الأئمة الآخرين أن هذا ثمن وهذا ثمن، أي: نقد، فهما من النقود التي تستعمل قيماً للسلع، وتقدر بهما السلع.

حيلة شرعية للسلامة من ربا النساء عند الصرف

حيلة شرعية للسلامة من ربا النساء عند الصرف قد يحتاج الإنسان إلى صرف، ولا يجد الصيرفي الثمن كاملاً، والحيلة في ذلك إذا قال -مثلاً-: أشتري منك هذا الجنيه بخمسمائة، ولكن ما وجد الآن إلا مائتين وخمسين، ففي هذه الحال لا يجوز التفرق إلا بعد التقابض، لكن إذا كنت محتاجاً إلى هذه المائتين والخمسين حاجة ضرورية، فتترك الجنيه عنده وتقول: الجنيه عندك أمانة، وهذه المائتين والخمسين اعتبرها قرضاً منك، واعتبر الجنيه رهناً عندك، وإذا أتيتك بعد غد وقد وجدت الدراهم أحاسبك على ما في ذمتي من المائتين والخمسين، وتعطيني بقية قيمة الجنيه، فصار تصارفاً جديداً، فإذا جئت غداً وإذا الجنيه قد رخص، لا يساوي إلا أربعمائة وخمسين، فيقول: الآن يساوي أربعمائة وخمسين، وعندك لي مائتان وخمسون، فالباقي لك مائتان، فخذ هذه المائتين بقيتها، فنتصارف من الآن، وتصارفنا بالأمس لا يعتبر؛ وذلك لأنه لم يحصل التقابض من الطرفين، حصل من طرف واحد، يمكن أن يعتبر هذا، ويمكن أن يعتبر شيء آخر وهو أن تقول: الآن صارفتني على نصف الجنيه، والنصف الثاني أمانة عندك، ولا تتصرف فيه، فإذا جئت بعد غد وإذا السعر قد انخفض فإنه يعطيك قيمة نصف الجنيه الذي قد أعطاك نصفه بالغة ما بلغت، إذا كان النصف أصبح لا يساوي إلا مائتين وخمسة وعشرين، والجنيه كان بالأمس ما يساوي إلا أربعمائة وخمسين، وعندي لك نصف جنيه، والنصف الأول قد قبضت قيمته، فأعطيك قيمة النصف الباقي الذي هو مائتان وخمسة وعشرون، وهكذا لو ارتفع السعر وأصبح يساوي ستمائة، فإنك تقول: عندك لي ستمائة، وقد وصلني منك مائتان وخمسون، قيمة النصف، والنصف الباقي كم قيمته؟ ثلاثمائة، فيحاسبك على ثلاثمائة، ولا يحاسبك على النصف الأول، فأنت قبضت نصف الجنيه مائتين وخمسين، والنصف الباقي زاد قيمته فأصبح يساوي ثلاثمائة، يعني صرف الجنيه بستمائة، فيعطيك قيمة النصف الذي عنده؛ فيصح ذلك.

ربا النساء في بيع الذهب واستبداله

ربا النساء في بيع الذهب واستبداله يدخل الربا في بيع الذهب، ومعروف أن الذهب علته الوزن، وأن الفضة علتها الوزن، فاتفقا في العلة، فلذلك لا يباع ذهب بفضة إلا يداً بيد، فعلى هذا إذا احتجت -مثلاً- إلى شراء ذهب، وطلبت من أصحاب الذهب ما قيمته -مثلاً- مائتا جرام من الذهب مصوغة -قلائد أو ما أشبهها- فحسب الجرام -مثلاً- بمائة، والمائتا جرام بعشرين ألفاً، وما وجدت إلا عشرة آلاف، والعشرة الآلاف قيمة خمسين جراماً، والخمسون الباقية يكتبها في ذمتك ذهباً، فيقول: في ذمة فلان خمسون جراماً ذهباً مصوغة من عيار كذا وكذا، ولا يقول: عشرة آلاف، بل يقول: خمسون جراماً، فإذا أتيته بعد غد أو بعد خمسة أيام وإذا السعر قد انخفض فإنك تحاسبه خمسين جراماً على سعرها وقت القضاء، ولو ارتفع تحاسبه على سعرها وقت تسليم الثمن، لا على سعرها بالأمس أو قبل الأمس، ويسمى هذا صرفاً بعين وذمة، بمعنى أن في ذمتك أو عندك له خمسين جراماً معروفة، وتريد الآن أن تقضيه ثمنها، وكأنك تشتريها منه الآن، تقول: أشتري منك خمسين جراماً الآن بقيمتها بعين وذمة، ولا تحسبها على ثمنها بالأمس؛ وذلك لأنه يصير بيع ذهب بفضة وأحدهما غائب؛ ولهذا يقول: وإذا افترق المتصارفان بطل العقد فيما لم يقبض، فإذا افترق المتصارفان، بطل العقد فيما لم يقبض، كما مثلنا أنك قبضت مائتين وخمسين نصف الجنيه، وبقي النصف الذي هو مائتان وخمسون، لا تكتب في ذمتك مائتان وخمسون، بل اكتب: في ذمتك نصف جنيه، أو عندي لفلان نصف جنيه. فإذا كنت بحاجة إلى أن تشتري عشرين جراماً أو مائة جرام، وكل جرام بمائة، ولم تجد إلا نصف القيمة، فالباقي تكتبه عندك جرامات، فتقول: عندي لفلان عشرة جرامات من الذهب، فالذي لم يقبض ثمنه تعده أمانة عندك، فإذا أتيته غداً تحاسبه على سعر الغد، أي: على سعر وقت إحضار الثمن لا على سعرها بالأمس، هذا معنى قوله: بطل العقد فيما لم يقبض. أما الذين يستبدلون الذهب القديم بذهب جديد فلابد في هذه الحال أن يبيعوا الذهب القديم بدراهم، ثم يشترون بالدراهم ذهباً جديداً، والعادة أن أهل الذهب يفرقون بينهما، فيشترون -مثلاً- الجرام من الذهب القديم بخمسة وأربعين، ويبيعون الجرام من الذهب الجديد بخمسين أو بخمسة وخمسين، وفي هذه الحال صاحب الذهب يشتري منك الذهب القديم، فيقول: هذا الذهب القديم اشتريته الجرام بخمسة وأربعين، قيمته أربعة آلاف، وأنت تريد ذهباً جديداً، عندي لك الآن أربعة آلاف، تشتري مني الجديد؟ فإذا قلت: نعم، أشتري منك هذا الذهب الجديد، فوزنه، وإذا قيمته خمسة آلاف، فحاسبك على الأربعة الآلاف التي في ذمته ثمن الذهب القديم، وتزيده الألف الذي هو ثمن الذهب الجديد، فتكون قد حاسبته على ما في ذمته من ثمن قديم وعلى ثمن جديد. وأما أن يكون ذهب بذهب ومعه زيادة فلا يجوز، فإذا قال -مثلاً-: أنا أشتري منك هذا الذهب بهذا الذهب، مع ألف ريال زيادة، هذا -مثلاً- وزنه مائة جرام ولكنه مستعمل، وهذا وزنه مائة جرام ولكنه جديد، فيأخذ القديم ويعطيك الجديد، ويقول: أعطني زيادة مع الذهب ألفاً أو خمسة آلاف. هل يجوز هذا؟ لا يجوز، ذهب بذهب وزيادة لا يجوز، بل يشتري الذهب القديم بدراهم، إما أن يدفعها لك وتشتري منه أو من غيره، وإما أن يبيعك وتحاسبه على ما في ذمته لك من ثمن الذهب القديم، ويقع الناس في أخطاء في مثل هذا، والفضة لا يتعامل بها الناس الآن، وإنما يتعاملون بالأوراق النقدية.

هل الأوراق النقدية تنزل منزلة الذهب؟

هل الأوراق النقدية تنزل منزلة الذهب؟ اختلف العلماء كثيراً في هذه الأوراق، هل ننزلها منزلة الذهب أو ننزلها منزلة الوثائق والأسناد؟ أكثرهم على أنها أسناد وليست ذهباً، وإنما هي مثل الوثائق، ولذلك لا تخرجها الحكومات والدول إلا إذا كان عندهم لها رصيد، فإذا لم يكن لها رصيد فلا قيمة لها، فعرف بذلك أنها مثل الوثائق والأسناد التي تقوم مقام ما جعلت بدلاً عنه، وكان بعض المشايخ يجعلها نقوداً حتى في الزكاة، فيقول: إنها قائمة مقام الفضة، فإذا كان نصاب الفضة ستة وخمسين فنصاب الزكاة من الأوراق ستة وخمسون أيضاً، ومن كان عنده ستة وخمسون فإنه غني، لا تحل له الزكاة، ويعتبر النصاب ستة وخمسون ريالاً ورقاً، ومن ملكها عليه زكاة، كان يرى ذلك الشيخ عبد الرزاق العفيفي رحمه الله، ولكن الأكثرون على الفرق بين الأوراق النقدية، وبين الدراهم الفضية، وبين الدراهم المعدنية.

حكم صرف الريالات الورقية بالريالات المعدنية مع الزيادة

حكم صرف الريالات الورقية بالريالات المعدنية مع الزيادة جرت أسئلة عن صرف الريالات الورقية بالريالات المعدنية بزيادة، هل يجوز ذلك أم لا؟ فبعض المشايخ تشددوا وقالوا: لا يجوز، ومنهم الشيخ عبد الرزاق رحمه الله، فيقول: هذه الريالات الورقية اسمها ريال ولو كانت أوراقاً، وهذه الريالات المعدنية اسمها ريالات ولو كانت معادن، وهذه اسمها ريالات ولو كانت من فضة، فمكتوب على كل واحد منها أنه ريال، هذه فضة، وهذه معدن، وهذه ورق، فلا يجوز أن يباع بعضها ببعض إلا متماثلاً مثلاً بمثل، عشرة بعشرة. والذين قالوا: إن الريالات الورقية تعتبر أسناداً أجازوا المفاضلة بينها وبين الريالات المعدنية والريالات الفضية؛ وذلك لأنها أغلى عند العامة، فالعامة يفضلون الريالات الفضية على المعدنية، ويفضلون المعدنية على الورقية، وهذا معروف عند العامة، وسبب ذلك أن الريالات المعدنية تبقى أكثر من بقاء الريالات الورقية، فالورقية عرضة للتلف، كما يقول بعضهم في الحث على حفظ المتون وعدم الاعتماد على الكتب: الماء يغرقها والنار تحرقها والفأر يخرقها واللص يتلفها يعني: أن هذه الأوراق عرضة للتلف، وكثيراً ما يذكر عن بعض الذين خزنوا أوراقاً نقدية في زوايا ونسوها، فأكلتها الأرضة وتلفت، فتلف عليهم مئات الألوف لما تركوها في الزوايا، ولو كانت من الفضة أو من المعدن ما أتى عليها التلف، وما أكلتها الأرضة، ويشاهد أنه إذا بطل التعامل بالريالات الفضية صيغت حلياً خواتيم من فضة وأسورة من فضة، وكذلك أيضاً الريالات المعدنية إذا بطل التعامل بها أمكن أن تصاغ إما أواني وإما عملة أخرى، فينتفع بها، وأما الريالات الورقية فإذا بطل التعامل بها لا ينتفع بها بل تحرق، فمن هذه الوجوه فالراجح أنه يجوز المفاضلة في الصرف بينهما، يعني: إذا كان الإنسان يريد ريالات معدنية كعملات الهواتف ونحوها فيجوز أن يدفع زيادة للذي يصرفها، فيشتري تسعة بعشرة، وأيضاً فإن الريالات المعدنية لا توجد عند كل أحد، وإنما الذي يريدها يذهب إلى المؤسسة أو إلى بعض البنوك، وربما أنه يستأجر سيارة بعشرين ذهاباً وإياباً، أو بأربعين، ثم إذا كان معه -مثلاً- أربعة آلاف من الأوراق من فئة خمسمائة -مثلاً- قبضها بيده، فإذا حولها إلى معادن أصبحت في كيس، وربما لا يحمله إلا واحد قوي أو اثنان، فيكون لحملها مئونة، فتكون هذه المئونة وهذا التعب مبرراً في أن يبيع التسعة بعشرة، وأيضاً هناك حاجة، ليس كل واحد يستطيع أن يذهب لصرفها مثلاً.

صرف عملة بعملة أخرى

صرف عملة بعملة أخرى صرف عملة بعملة يحصل فيه تساهل، فمثلاً عندنا الريال السعودي، وهناك ريال قطري، وفي اليمن ريال يمني، وكلها اسمها ريال، ولكن تختلف القيمة، فيجوز المفاضلة بينها، ولا يجوز النساء، فإذا صرفت ريالات سعودية بريالات قطرية جاز التفاضل، ولم يجز النساء، بل لابد أن يكون يداً بيد، تسلم وتستلم، وهكذا أيضاً غير الريالات، مثلاً: الدولار الأمريكي مستعمل في جميع الدول غالباً، فإذا أردت أن تحول ريالات سعودية إلى دولارات أمريكية فلابد من التقابض، ومعروف أن الدولار أغلى من الريال، ففي هذه الحال يجوز التفاضل بينهما، ولكن لا يجوز النساء، بل لابد أن يكون يداً بيد، سواءً اتفق الاسم كريال سعودي وريال قطري أو لم يتفق، فالريالات السعودية بدولارات أمريكية أو بجنيهات مصرية أو بدنانير كويتية كلها لابد فيها من التقابض إذا صرف هذا بهذا، فإذا أردت أن تحول هذا الدينار الكويتي إلى ريالات سعودية، فإنك تستلم وتسلم في مجلس العقد، ولو اختلفت القيمة بعد يومين فإنه يرجع إلى اختلاف القيمة، ولو أنك قلت: عندي هذا الدينار الكويتي، أريد أن تعطيني به ريالات سعودية، فقال -مثلاً-: بعشرة، ولكن لم يجد إلا خمسة، أعطاك خمسة، ماذا يكتب في ذمته؟ يكتب: في ذمتي نصف دينار كويتي لفلان، فإذا جئته من الغد وإذا الريال قد نقصت قيمته، فأصبح -مثلاً- الدينار يساوي اثني عشر ريالاً، أو ارتفعت قيمته فأصبح الدينار يساوي ثمانية، ففي هذه الحال يعطيك صرف النصف بسعر اليوم، إن انخفضت قيمته أصبحت تطالبه بستة، وإن ارتفع تطالبه -مثلاً- بنفس الثمانية، فلابد إذا صرف إحداهما بالآخر أن يكون يداً بيد. وأما إذا أردت نقله إلى بلاد أخرى، أردت -مثلاً- أن ترسل عشرة آلاف ريال إلى باكستان أو إلى مصر، فباكستان عندهم الروبية، ومصر عندهم الجنيه، ففي هذه الحالة تجعلها عندهم وديعة، ويعطونك سنداً، وتأتي إلى فرعهم الذي في مصر، وتقول: إن عندكم لي عشرة آلاف ريال سعودي، أعطوني صرفها بسعر اليوم لا بسعرها في الرياض، فتتفق معهم على سعرها في ذلك المكان، ولهم أن يزيدوا عليك، وذلك لأنهم نقلوها لك من الرياض إلى مصر، أو إلى باكستان -مثلاً-، ويجوز أن تصرفها -مثلاً- فتقول: هذه الريالات أريد تحويلها إلى جنيهات مصرية، أو إلى روبيات باكستانية، فيعطونك الصرف يداً بيد، يعطونك الجنيهات المصرية فتستلمها، أو الروبيات أو الدنانير فتستلمها، وإذا استلمتها تحولها عندهم أو عند غيرهم إلى مصر أو إلى الباكستان أو إلى الشام أو إلى اليمن، وتحويلها جائز ولو أخذوا عليك أجرة عن نقلها.

بيع الأصول والثمار

بيع الأصول والثمار انتهينا من الصرف، ونبدأ في بيع الأصول والثمار، وهو سهل، وتصوره يكفي لفهمه، ويسمى بيع العقار، والعقار هو الذي لا ينقل، مثل الدار والبستان والأرض، فإذا بعته هذه الدار ماذا يدخل في البيع؟ تدخل الأرض، ويدخل البناء، من الحيطان والسقف -الذي هو ظلها-، وتدخل الأبواب المنصوبة، ويدخل السلم، وعادة أن السلم يكون مسمراً، قد يكون من خشب وقد يكون من حديد، ولكن يسمرونه في الأرض، يحفرون لأصله، ويحفرون لأعلاه في الجدار، ويجعلونه قائماً مقام الدرج، فيكون داخلاً في البيع، أما إذا لم يكن مسمراً بل ينقل من مكان إلى مكان فلا يدخل في البيع، وكذلك الرف المسمر، عادة أنهم يسمرون في الزاوية خشبتين أو ثلاث، ثم يجعلونها مكاناً لرفع بعض الأقمشة أو بعض الأواني، فهذا الرف والأخشاب التي هي مسمرة مربوط عليها في الباب أو في الجدار تدخل في البيع. وكذا الخابية المدفونة، وهي عبارة عن شبه خزان أو شيء يحفر له في الأرض، ثم يجعل فيه شيء يخزن، يغلق بابه ثم يجعل فيه ماء لحفظه -مثلاً- أو نحو ذلك، قد تكون من طين أو من جلود وتجعل في جوف الأرض وتدفن، والضابط: أن كل شيء مسمر فإنه يدخل في البيع، ولو كان يمكن قلعه كما في هذه الأزمنة، ففي هذه الأزمنة يمكن أن يقلع الباب ويركب، ويمكن أن تقلع زجاج النوافذ وتركب، لكن الأصل أنها مسمرة، فيدخل في البيع الشيء الثابت والشيء المسمر، فمثلاً الأنوار الكهربائية تدخل في البيع؛ وذلك لأنها مسمرة ومثبتة، وكذلك المكيفات المسمرة أيضاً، أما إذا كانت تنقل من مكان إلى مكان فلا تدخل في البيع، ولا يدخل كل شيء يمكن نقله، فمثلاً الفرش والكنب تدخل في البيع؛ لأنه يمكن نقلها، وكذلك الثلاجة والغسالة وأدوات المطبخ والأواني وما أشبهها، هذه لا تدخل. قالوا: القفل لا يدخل؛ وذلك لأنه يمكن نقله، وكان يستخدم قبل أن توجد المغالق هذه التي تعتبر مسمرة في الباب، وأما قديماً فالقفل يعلق كقفل الحقائب ونحوها، فيقولون: هذا لا يدخل؛ وذلك لأنه يمكن نقله، وأما المفتاح فإنه تابع للقفل، فإن كان القفل ينقل فالمفتاح تابع له، وإن كان القفل لا ينقل مثل هذه المغالق فإنه تابع للدار، ويدخل في البيع. وكذلك قديماً كانت الأبواب فيها ما يسمى بالمجرى، والمجرى له مفتاح، والصحيح أن المفتاح تابع للمجرى. وإذا كان هناك بئر وعليها دلو فالدلو ما يدخل؛ وكذلك البكرة، وهي شبيهة بالدراجة، توضع على أعلى البئر، وتسمى عند العامة (المحالة) ، وعند أهل البوادي (الجارَّة) ، وفي اللغة تسمى (البكرة) ، يكون لها أسنان، ويوضع عليها الحبل، وتجر عليها الدلاء، فهذه أيضاً تنقل لأنها معقودة بحبال. وإذا كان المبيع أرضاً فإنه يدخل في البيع قرار الأرض، وكذلك ما فيها من الغرس إذا كان فيها غرس، والغرس مثل الشجر الذي له ساق كالنخل والتوت والرمان والتين والأترج والتفاح والموز، ويدخل في ذلك أيضاً المباني إذا كان فيها حجرة مبنية مثلاً، أما إذا كان فيها زرع فلا يدخل في البيع إلا إذا اشترطه، وكذلك إذا كان فيها بذر، فهذا البذر للذي بذره وهو البائع، إلا إذا اشترط ذلك المشتري. ولو كان البذر مدفوناً في الأرض فإنه يعفى عن جهالته، فإذا اشترطه المشتري دخل في البيع، أما إذا كان فيها شيء يجز مراراً مثل البرسيم فأصوله للمشتري، والجزة الظاهرة للبائع. وكذلك إذا كان يلقط مراراً كالباذنجان والطماطم، فهذه اللقطة الموجودة التي قد نضجت للبائع يأخذها، والباقي للمشتري، فالجزة مثل جزة البرسيم، واللقطة مثل لقطة الطماطم أو لقطة الباذنجان أو الكوسة أو البامية، وغيرها من الأشياء التي تلقط إذا ظهرت، فإذا كانت ظاهرة فهي للبائع، إلا إذا اشترط ذلك المشتري؛ لحديث (المسلمون على شروطهم) فتدخل في البيع.

الأسئلة

الأسئلة

حكم قرض الزوجة لزوجها لشراء أثاث لهما

حكم قرض الزوجة لزوجها لشراء أثاث لهما Q هذه سائلة تقول: إنها معلمة، وراتبها -ولله الحمد- أكثر من راتب زوجها، تقول: ولذا فإن زوجي لا يقدر على توفير ما نحتاجه، فأنا -مثلاً- عندما أريد السفر إلى مكة المكرمة فإن زوجي لا يقدر براتبه أن يسافر معي، فأنا أساعده وأقول له: سوف أقرضك على أن تسافر أو تشتري أثاثاً للبيت، وإذا قدرت عليه في الشهر المقبل ترده علي، فهل هذا يدخل في حديث (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) ؟ A لا يدخل في ذلك، والأصل أن الزوجين كبيت واحد يتسامح فيما بينهما، ولا شك أنها تساعد زوجها وتعطيه وتقرضه ونحو ذلك، ولا حرج إذا قالت: أقرضك على أن تصحبني كمحرم لي، أو أدفع الأجرة عنك، أو ما أشبه ذلك، فإذا كان لها دخل أكثر من دخل زوجها وقد تراضيا على ذلك، فلها أن تعطيه ولها أن تقرضه.

وجود بحوث عن العملات الحديثة

وجود بحوث عن العملات الحديثة Q في هذا العصر قد انقرضت تلك الدنانير والجنيهات، وقد لا يعرف الكثير التعامل معها في هذا العصر، وقياسها على الريالات السعودية، وغيرها من العملات الحديثة، لماذا لا يكون هناك مؤلفات في بيان العملات الحديثة والقديمة، والفرق بينهما؟ A كتب العلماء كثيراً فيما يتعلق بهذه العملات، ويوجد نشرات نشرت في مجلة البحوث وكذلك في غيرها، فقد أكثروا في ذلك، وذكروا ما فيها من الاختلاف، وهل هي أسناد أو هي نقود قائمةً مقام النقود، ومن تتبعها وجدها.

التزوير في أي شهادة لا يجوز

التزوير في أي شهادة لا يجوز Q ما حكم استخراج شهادات الصوامع لا من أجل الزراعة وإدخال الحبوب بواسطتها، ولكن من أجل بيعها على المزارعين، أو شراء القمح من المزارعين بقيمة أقل وإدخالها إلى الصوامع؟ A كل شيء فيه كذب أو تزوير ننهى عنه، فكونه يستخرج هذه الشهادة وهو لا يريد أن يزرع، أو يراجع فيقول: أعطوني فإن عندي أرضاً أريد أن أزرعها، وهو لا يريد ذلك، فهذا يعتبر كذباً، فلا يجوز ذلك إلا لمن عزم على الزراعة، أو عنده ما يقدر به عليها {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة:189] .

كيفية زكاة مال التجارة مع الأموال الأخرى

كيفية زكاة مال التجارة مع الأموال الأخرى Q هذا سائل كتب أربعة أسئلة، ويقول: الرجاء عرضها لأهميتها بالنسبة له ولغيره، يقول: لدي بعض المحلات التجارية أبيع فيها الملابس، ولدي بعض التساؤلات حول زكاة هذه المحلات: أولاً: هل أحصي البضاعة وما تحصل من أموال أم البضاعة فقط لإخراج الزكاة؟ A لا شك إن كان له أموال أنه يزكيها إذا حال عليها الحول، وإذا كان تاجراً -مثلاً- فإن ربح التجارة داخل في رأس المال ولو لم يتم حول للأرباح، فمثلاً إذا كان متجره عند ابتدائه فيه عشرة آلاف، وعنده أموال أخرى ودائع في البنك أو في بيته مقدارها عشرة آلاف، والعشرة التي اتجر بها لما تمت سنة وإذا هو قد ربح في أشهر السنة عشرة آلاف أخرى -مثلاً-، فيزكي عن ثلاثين ألفاً، العشرة التي هي عنده من قبل كرأس مال، والعشرة التي قد أودعها، والعشرة التي هي ربح، يجمع هذا إلى هذا.

كيفية زكاة عروض التجارة

كيفية زكاة عروض التجارة وسؤاله الآخر يقول: هل أحصي المال وقيمة البضاعة من أول السنة أم عند تمام الحول؟ A عند تمام الحول يقدر السلع بقيمتها الإجمالية، فإذا تم الحول يقدر قيمة ما عنده من الأكياس، وقيمة ما عنده من الثياب، أو قيمة ما عنده من الأحذية -مثلاً- بسعرها الحالي، ثم يخرج زكاتها.

المعتبر في حساب زكاة عروض التجارة سعر البيع وقت الإخراج

المعتبر في حساب زكاة عروض التجارة سعر البيع وقت الإخراج وسؤاله الثالث يقول: هل أحصي قيمة البضاعة بحسب ما اشتريته أم بحسب ما أبيعه؟ A بحسب ما تساويه الآن، سواء كان أقل من قيمته الشرائية أو أكثر، ما تساويه الآن، البيع المجمل.

هل يزكي الدين في عروض التجارة؟

هل يزكي الدين في عروض التجارة؟ وسؤاله الأخير يقول: يكون على دين نظراً لشراء بعض البضائع بالدين، فهل يدخل الدين في الزكاة أم استثنيه من الزكاة؟ A أهل الدين يزكون دينهم، وأنت تزكي ما عندك من المال، وتسقط قدر الدين من المال الذي عندك، وإذا كان أهله يعرفون أن عندك رأس مال فإنهم يزكون دينهم.

عدم جواز بيع السيارة المشتراة إلا بعد قبضها بنقلها

عدم جواز بيع السيارة المشتراة إلا بعد قبضها بنقلها Q اشتريت سيارة بطاقة جمركية وذلك بالمؤجل، وكتبت العقد وذهب البائع، وذهبت أنا وبعت السيارة من معرض آخر بعد أن أخذت المفتاح من البائع وشغلت السيارة في مكانها، ولكن لم أحرك السيارة من مكانها، فهل هذا العقد صحيح، علماً أنه لا يمكن رد السيارة في حالة بطلان هذا العقد؟ A لا شك أنك أخطأت حيث إنك لم تحول السيارة من مكانها، فقبضها يكون بنقلها، فقد نهي أن تباع السلع حيث تبتاع، فلابد أن تنقلها وتحوزها من مكان إلى مكان، ومن معبر إلى معبر، وحيث إنه لا يمكن ردها لا تعد لمثل ذلك.

هل يقوم قبض الشيك مقام النقد

هل يقوم قبض الشيك مقام النقد Q يعمل بعض الناس في هذه الأيام بتجارة العملات، أي: أنه يذهب هذا اليوم للبنك، ويشتري -مثلاً- الدولار الأمريكي بمبلغ معين، ولا يستلم المبلغ بل يستلم سنداً بذلك أو قسيمة إيداع في حسابه، وفي اليوم الآخر يبيعه بمبلغ أعلى قليلاً عن طريق نفس البنك وبنفس السند وهو لا يستلم شيئاً، فهل هذا العمل جائز؟ A لا يجوز، وقصد البنوك من هذا تشجيع هؤلاء الذين يودعون عندهم أموالاً طائلة، فيقولون: أودع عندنا مائة ألف، أو ألف ألف، ونحن نتصرف لك في هذا الشيء الذي هو بيع العملات، مع أنه ليس هناك قبض، فيريدون بذلك إبقاء هذه الودائع عندهم حتى يستفيدوا منها، ويخشون منه أن يأخذها ويعطيها بنكاً آخر أو نحو ذلك، فيشجعونه -في نظرهم- على إبقائها حتى تستمر عندهم، ويأخذون أرباحها، ونقول في هذه الحال: لابد من القبض إذا صرفتها، لو قلت: عندي مائة ألف ريال، اصرفوها لي بدولارات، فلابد أن يكون يداً بيد، فيسلمون لك دولارات، وتسلم لهم الريالات، ثم إذا أردت أن تبيعها غداً بربح أو بخسران فلك ذلك، ويكون البيع يداً بيد. وهناك بعض المشايخ رخصوا في قبض ما يسمى بالشيكات، وجعلوا قبض الشيك قائماً مقام النقد، وكأنهم يقولون: إن هذا فيه تسهيل على الناس فيما إذا كان بحاجة إلى شيء كثير، ويكتفي أو يعجز عن حمل هذا المال معه، فيكفي أن يكتب شيك، مثال ذلك: إذا اشترى إنسان ذهباً بمائة ألف، فيقول: ليس من العادة أن أحمل مائة ألف معي وأسلمها لصاحب الذهب، فأعطيه شيكاً على رصيدي الذي في البنك، فيكون ذهباً بنقد أو ما يقوم مقام النقد. وكذلك أيضاً في هذه المصارفة إذا أعطاهم الريالات التي هي مائة ألف، وأعطوه شيكاً فيه ثلاثون ألفاً من الدولارات أو نحو ذلك بقيمتها، فلعل هذا يكون قائماً مقام التقابض.

قوة الخلاف في بيان علة الربا

قوة الخلاف في بيان علة الربا Q ألا ترون أهمية ترجيح أحد المذاهب في علة الربا لشدة الحاجة إلى ذلك في كل وقت؟ وما مدى صحة من رأى أن العلة هي مطلق الثمنية؟ A ذكرنا أن قول الجمهور: إن الذهب والفضة العلة فيهما الثمنية، وعلى هذا فإن الموزونات التي ليست مطعومة ولا قوتاً لا تكون ربوية، فيجوز بيع الحديد بعضه ببعض متفاضلاً، وكذلك النحاس والقطن والغزل والصوف وما أشبه ذلك؛ لأنها ليست قوتاً وليست مطعومة، وإنما هي موزونة، وهذا على القول بأن العلة هي الثمنية، ولكل اجتهاده، ونحن نتورع أن نقول: إن هذه هي العلة؛ وذلك لكثرة الخلاف، وقوة الخلاف بين العلماء. أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [31]

شرح أخصر المختصرات [31] جاءت الشريعة بتنظيم معاملات الناس بما يكفل جلب المصالح لهم ودفع المفاسد عنهم، ومن ذلك أحكام بيع الثمار، فلا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، ولا بيع الزرع قبل اشتداد حبه، إلا في حالات استثنائية رخصت فيها الشريعة لسلامتها من المفسدة، وقد بين أهل العلم أحكام ذلك، والحكمة من هذا سد كل طريق يفضي إلى العداوة والشحناء.

أحكام بيع الأصول

أحكام بيع الأصول قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن باع نخلاً تشقق طلعه فالثمر له مبطناً إلى جذاذ ما لم يشرطه مشتر، وكذا حكم شجر فيه ثمر باد، أو ظهر من نوره كمشمش، أو خرج من أكمامه كورد وقطن، وما قبل ذلك والورق مطلقاً لمشتر، ولا يصح بيع ثمر قبل بدو صلاحه، ولا زرع قبل اشتداد حبه لغير مالك أصلٍ أو أرضٍ إلا بشرط قطع إن كان منتفعاً به، وليس مشاعاً، وكذا بقل ورطبة، ولا قثاء ونحوه إلا لقطة لقطة أو مع أصله، وإن ترك ما شرط قطعه بطل البيع بزيادة غير يسيرة إلا الخشب فلا، ويشتركان فيها، وحصاد ولقاط وجذاذ على مشتر، وعلى بائع سقي، ولو تضرر أصل، وما تلف سوى يسير بآفة سماوية فعلى بائع ما لم يبع مع أصل أو يؤخر أخذ عن عادته، وصلاح بعض ثمرة شجرة صلاح لجميع نوعها الذي في البستان، فصلاح ثمر نخل أن يحمر أو يصفر، وعنب أن يتموه بالماء الحلو، وبقية ثمر بدو نضج وطيب أكل، ويشمل بيع دابة عذراها ومقودها ونعلها، وقنٍ لباسه لغير جمال] . هذا الفصل في بيع الأصول وفي بيع الثمار، والأصول يدخل فيها بيع الأرض وما يلحق بها، وبيع الدار وما يلحق بها، وبيع البستان وما يلحق به، فإذا باع البستان وفيه نخل أو شجر، وذلك الشجر قد أخرج ثمرته، فالثمرة للبائع، وحده في النخل أن يتشقق الطلع، فمعروف أن النخل أول ما يخرج يكون ثمره في أكمام، وتسمى جماراً، فهذه الأكمام بعد خروجها بأسبوع أو بعشرة أيام تتشقق، وإذا تشققت تدلت الشماريخ، فإذا رآها أهل النخل قد تشققت بادروا إليها ولقحوها، والتلقيح هو التأبير، وورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع) والتأبير: هو التلقيح، وعادتهم إذا تشققت الكوافير هذه، بادروا وقطعوا الكافور، ولقحوه التلقيح المعروف. لماذا لم يدخل في البيع؟ لأن العادة أن صاحبه قد سقاه وتعب عليه سنة، فإذا رأى ثمرته فإن نفسه تتعلق به، فإذا باع الأرض والنخل لم يدخل الثمر، بل يبقى للبائع إلى أن يجذه، هذا إذا لم يشترطه المشتري، فإذا قال المشتري: لا أشتري إلا والثمر يتبع الشجر؛ صح ذلك، وكذا حكم كل شجر فيه ثمر بادٍ، يعني: كل شجر قد بدا ثمره إذا بيعت الأرض وفيها ذلك الشجر فالثمر للبائع، فالعنب إذا تدلت العناقيد؛ لأن العنب ثمره ليس في كوافير وليس في أغلفة، بل تتدلى هذه العناقيد، وتكون صغيرة جداً كحب الدخن، ثم بعد ذلك تكبر شيئاً فشيئاً إلى أن تبلغ النضج، فتكون للبائع إذا تدلت العناقيد، وكذلك شجر التفاح إذا كان فيه ثمر قد بدا ولو صغيراً، أو البرتقال أو الأترج أو الخوخ أو المشمش، وكذلك شجر الطماطم والباذنجان والقرع والدباء -وهو نوع من القرع- والبطيخ بأنواعه، كل هذه إذا كانت الثمرة قد بدت ولو صغيرة فبيع الأصل؛ فإنها لا تتبعه، بل تكون للبائع إلا بشرط. قال: (وما ظهر من نوره كمشمش) النور: هو الزهر، فبعض الأشجار تزهر أزهاراً ثم يتساقط الزهر، ثم تبدو الثمرة، فالأترج تبدو أزهاره ثم تتساقط، والمشمش يبدو زهره ثم تتساقط أوراق الزهر، ثم تبدو الحبة في مكانها، وغيره كثير من الذي يبدو نوره، فنوره يعني: زهره. (أو خرج من أكمامه) فبعضه يكون في أكمام كالورد، فإذا كان في أكمامه فإنه للمشتري، وإذا تشققت الأكمام فإنه للبائع. والقطن يخرج في أكمام صغيرة مثل الرمان، ثم تتشقق تلك الأكمام، وإذا تشققت فإنها حينئذ للبائع، وقبل أن تتشقق تكون للمشتري إلا بشرط، أما ما لا يتشقق كالرمان، فالرمان له لون، فيبدو حمل الرمان صغيراً، ثم بعد ذلك يكبر، ولكن يبقى في غلافه محفوظاً، فبمجرد ما تتدلى حبات الرمان تكون للبائع، وإذا لم تظهر إلا بعد البيع فهي للمشتري. ما تشقق من أكمامه كالورد والقطن والتفاح وما أشبهه فالأصل أنه يكون للبائع إذا ظهرت الثمرة وعرفت، وما دامت لم تظهر فالأصل أنها للمشتري. وما قبل خروج الثمر يتبع الشجر في البيع، وكذلك أوراقه، مثل ورق العنب وورق البرتقال وورق التين وورق الأترج، فهذه الأوراق تابعة للبيع، وتكون للمشتري.

أحكام بيع الثمار

أحكام بيع الثمار الثمار قد تباع وحدها، ثمرة هذه النخلة، ثمرة هذه العنبة، ثمرة هذه التفاحة، ثمرة هذه الأترجة، فمتى يجوز بيعها ومتى لا يجوز بيعها؟ يشترط في بيعها بدو الصلاح، وقبل بدو الصلاح لا يصح البيع، كانوا يبيعون النخل وهو لا يزال بسراً صغيراً، فيأتي المشتري ويقول: اشتريت ثمرة هذه النخلة وهي لا تزال حبات صغيرة، ربما أنها قد أبرت وخرجت بعد التأبير، فإذا اشتراها وجاء الحصاد أو الجذاذ أو الصرام وجد بها عاهات، أصابه رذاذ، أو قتام، أو غبار، فيحصل الترافع، وتحصل الشكايات، ويحصل الاختلاف، فالبائع يلزم المشتري ويقول: أنت اشتريته، والمشتري يقول: كيف أقبله وقد أصابه هذا القتام أو هذا الغبار؟ وهي عاهات تصيب ثمار النخل، فلما كثر ترافعهم نهي عن البيع إلا بعد بدو الصلاح، حتى لا يقع هذا الاختلاف، فلا يباع ثمر النخل إلا بعد بدو صلاحه، وكذلك بقية الثمار: ثمر العنب، ثمر التوت، ثمر الزيتون، ثمر الخوخ أو الموز، كل هذه الثمار لا تباع إلا إذا بدا صلاحها وأمنت من العاهة، وأما قبل ذلك فلا يجوز؛ مخافة أن تصيبها عاهة ثم يندم المشتري، أو مخافة أن يبيعها البائع رخيصة، فيندم البائع، فيحصل اختلاف بينهما، يقول: بعتها وأنا أعتقد أنها رخيصة؛ لأني رأيت حباتها صغيرة، والآن قد أصبحت مرتفعة الثمن، وقد أصبحت غالية، فلا أريد البيع، أو يقول: اشتريتها أعتقد أنها سليمة، وأنها تنفع، والآن أصابتها هذه العاهات فلا أريدها. فإذا بدا صلاحها فالأصل غالباً أنها تكون مأمونة أن تصيبها عاهة.

لا يباع الزرع قبل اشتداد حبه

لا يباع الزرع قبل اشتداد حبه قال: (ولا زرع قبل اشتداد حبه) لماذا؟ لأنه قبل ذلك عرضة للآفات، فقد يصيبه برد فيجف إذا كان لا يزال في سنبله أخضر، أو لم يخرج السنبل، فلا يجوز أن يقول: بعتك هذا الزرع وهو لا يزال أخضر إلا بشرط القطع في الحال، فإذا قال: بعتك هذا الزرع الذي لم يخرج سنبله بشرط أن تقطعه كعلف؛ يجوز ذلك إذا كان ينتفع به كعلف للدواب، فيقطعه في الحال، أما بيع البر الذي فيه لا يصح حتى يشتد حبه؛ وذلك لأنه إذا اشتد حبه أمن من العاهات، وقبل الاشتداد يمكن أن يصيبه بَرَد أو يصيبه بَرْد أو يصيبه سيل أو ينقطع الماء عنه، فيكون ظمؤه سبباً ليبسه فلا يثمر، أو لا يثمر إلا قليلاً، أما بعد اشتداد الحب فيصح البيع فقد أمنت العاهات. ويجوز بيع الزرع الأخضر لمالك الأصل أو لمالك الأرض، فإذا كان أصل الزرع أو الأرض التي فيها الزرع لإنسان، والثمر لآخر؛ جاز بيع الزرع قبل اشتداد حبه لمالك الأصل أو لمالك الأرض، مثلاً: إنسان استأجرك لتسقي هذا النخل وهذا التين وهذا العنب، ثم ظهر الثمر، وأنت لك نصف الثمر؛ جاز أن تبيعه على مالك الأصل، فتقول: بعتك نصيبي من هذا النخل ولو كان بسراً، ولو كان حبات صغيرة كحبات العنب أو الرمان أو نحوه، فيجوز بيعه لمالك الأصل. وكذلك لو استأجرت أرضاً، وبعدما زرعت فيها وظهر الزرع بعتها على مالك الأرض، ولا يزال الزرع أخضر، أو فيه سنبل لكنه لم يشتد، فيجوز بيعه على مالك الأرض. وكذلك يجوز بيع الزرع لأجنبي بشرط القطع إذا كان منتفعاً به كعلف للدواب، فيجوز بيعه إذا كان منتفعاً به، بشرط ألا يكون مشاعاً، والمشاع هو المشترك بين اثنين، وليس ورث أحد منهما متميزاً، بل كل واحد منهما له نصف هذا الزرع، فلا يجوز أن يبيع أحدهما نصيبه قبل أن يشتد حبه، ولو بشرط القطع؛ وذلك لأنه قد يمنع صاحب النصف الثاني، فيقعون في خلاف. يقول: (وكذا بقل ورطبة) . البقل: هو الأوراق التي تؤكل، مثل ورق ما يسمى بالخس وأوراق الفجل وأوراق الجرجير، هذه تسمى بقولاً، يجوز بيعها إذا كانت تقطع في الحال، وأما لمن يبقيها فلا يجوز. والرطبة: اسم من أسماء (القت) الذي هو البرسيم، وله عدة أسماء، يسمى الخصة أو القصة ويسمى القضب، وهو مذكور في القرآن {وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا} [عبس:28-29] وهو علف للدواب، فالرطبة يجوز بيعها لمن يجزها في الحال، وأما القثاء -وهو البطروح، يشبه الخيار يؤكل ولا يحتاج إلى طبخ- فإنه يؤخذ من شجره، فيجوز بيعه لقطة لقطة، فمثلاً: كلما ظهر هذا القثاء أو هذه البامياء أو ما يسمى بالكوسة تقول: بعتك هذه اللقطة الموجودة بمائة، فيأخذها في الحال، ولا يتركها تكبر، مخافة أن تختلط بغيرها مما يكون للبائع، فتكون لقطة لقطة، كلما بدت هذه اللقطة باعها لمن يقطعها في الحال، أو يبيعها مع أصل هذا الشجر للذي يلقط ثمره لقطة لقطة، فالجف أو القرع أوالباذنجان أو الطماطم وغيرها مما يؤخذ لقطة لقطة، كلما احمر ونضج باعه على من يقطعه في الحال.

حكم ترك ما شرط قطعه

حكم ترك ما شرط قطعه قال: (وإن ترك ما شرط قطعه بطل البيع بزيادة غير يسيرة) لو باع هذا القرع وهو متوسط، فتركه حتى كبر، أو باعه طماطم وهو صغير بشرط القطع، ولكن تركه حتى كبر؛ بطل البيع، وهكذا لو باع الجف وهو صغير وتركه المشتري حتى كبر بطل البيع؛ وذلك لأنه اشتبه بشيء لا يستحقه؛ لأن هذه الزيادة التي ليست يسيرة من ملك البائع، فالمشتري تعمد تركه حتى اختلط بما ليس له، أما إذا كانت الزيادة يسيرة كأن تركه يوماً أو يومين فالعادة أن الزيادة تكون يسيرة. يقول: (يشتركان فيها) أي: يشترك البائع والمشتري في هذه الزيادة، الزيادة تكون للبائع، والموجود وقت البيع يكون؟ للمشتري، فيشتركان فيها، واستثنوا من ذلك الخشب، كخشب الأثل أو السدر وما أشبهه، والأصل أن الزيادة تكون يسيرة؛ لأنها قد تبقى سنة ولا تزيد إلا شبراً أو نصف شبر، سيما بعدما تكبر. وإذا اشترى الزرع بعدما يشتد حبه فالحصاد على المشتري؛ لأنه ملكه، وحصاده يعني قطعه بالمجن، وفي هذه الأزمنة بالحصادة -الماكينة التي تحصده- فالحصاد يكون على المشتري؛ لأنه عين ملكه، وكذلك لقط الثمر، فأجرة اللقاطين تكون على المشتري، فإذا كانت الثمرة تحتاج إلى لقط كالطماطم أو الباذنجان فاللقط على المشتري، وكذلك الجذاذ الذي هو الصرام على المشتري أيضاً. قال: (على البائع سقي ولو تضرر الأصل) أي: ولو تضرر الثمر، فإذا باع هذه النخلة وقد بدا صلاح ثمرها، فالبائع يقول: ما بعتك إلا الثمرة، فالشجر لي، فأنا أسقي شجري، فإذا قال المشتري: لا تسقه، فإنه قد يفسد الثمر، فالمشتري ليس له إلا الثمر، فلا يمنعه من سقي أصل شجره أياً كان الشجر، وذكر بعضهم أن سقي شجر النخل قد يضر بالثمر، فليس للمشتري أن يمنع البائع من سقي شجره؛ لأنه ملكه.

وضع الجوائح

وضع الجوائح يقول: (وما تلف بآفة سماوية فعلى البائع، إلا الشيء اليسير) أي: إذا كان التلف شيئاً يسيراً فعلى المشتري، وأما إذا كان تلفاً كبيراً بآفة سماوية فعلى البائع، ما لم يبع مع أصل، أما إذا باع شجر الثمر ثم تلف بآفة سماوية فإنه يذهب على المشتري، وهكذا لو أن المشتري أخر الجذاذ عن عادته فتلف فإنه على المشتري. ماذا تسمى هذه المسألة؟ تسمى مسألة وضع الجوائح، الجائحة هي: المصيبة التي تصيب الثمر، وقد اختلف فيها العلماء، فالإمام أحمد ذهب إلى وضع الجوائح، ولم يعمل بذلك أكثر الأئمة، فإذا باع الثمرة في هذه النخلة أو النخلات بعدما بدا صلاحها، ثم قدر أن جاءها جراد وأكل الثمرة، أو جاءها بَرَد وأسقط الثمرة، فعلى من تذهب؟ فيه قولان: ذهب أحمد إلى أنه يتحملها البائع، وذهب الأئمة الآخرون إلى أنها على المشتري؛ لأن البائع يقول: بعتك الثمرة، وخليت بينك وبينها، واستلمت الثمن كاملاً، ولم أمنعك، وأصبحت الثمرة ملكاً لك، وهذا الأمر ليس بيدي، هي آفة سماوية، وليس باستطاعتي أن أرد أمر الله تعالى، فكيف أتحملها وقد بعتها، وقد أقدم عليها ذلك المشتري؟! وذهب الإمام أحمد إلى أنها على البائع، واستدل بحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لو بعت من أخيك ثمرة فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) وهو حديث صحيح. وذهب بعضهم إلى أن هذا الحديث ورد قبل النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها، ولعل هذا هو الأقرب، فهو خاص بما كانوا يتعاملون به قبل أن ينهوا، فكان أحدهم يبيعه وهو أخضر، ويبيعه وهو بلح صغير، ثم تأتي عاهة، فيقول: إذا أصابته عاهة فأنت أيها البائع تتحمل، لا تأخذ من المشتري شيئاً؛ لأنك أنت صاحب الشجر، وهذه الشجرة من جملة شجرك، وأنت عادة متعرض لهذه الآفات؛ لقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة:65] ، وقد أخبر الله تعالى بما أصاب ثمار أصحاب الجنة الذين ذكروا في سورة القلم في قوله: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم:19-20] يعني: تلك الثمار أصبحت كأنها مصرومة.

ضابط صلاح الثمر

ضابط صلاح الثمر قال رحمه الله: (وصلاح بعض ثمرة شجرة صلاح لجميع نوعها الذي في البستان) . قد ذكرنا في باب الربا أن التمر جنس تحته أنواع، فنوع يسمى الصُفري، ونوع يسمى الخضري، ونوع يسمى السكري، ونوع يسمى الإبراهيمي أو المنيفي وما أشبهها، فإذا بدا صلاح شجرة من الصفري جاز بيعها وبيع بقية الصفري الذي في هذا البستان؛ لأن العادة أنه يتقارب نضجه، هذا معنى قوله: لجميع نوعها الذي في البستان، لا لجميع النخل، فإن بعضها قد يتأخر مثل ما يسمى بالخصار، وما يسمى بالحلأ، فقد يتأخر نضجه؛ فلذلك لا يكون صلاحاً إلا لذلك النوع لا لجميع الجنس. والعنب أنواع، منه ما يكون أسود، ومنه ما يكون أخضر، فصلاح بعض الأخضر صلاح لجميع نوعه. ما علامة صلاح ثمر النخل؟ أن يحمر أو يصفر؛ وذلك لأنه أول ما يخرج يكون أخضر كلون الأوراق، فأوراق الشجر غالباً يكون أخضر، ولا يزال أخضر إلى أن يقرب من النضج ثم ينقلب، فبعضه يكون أصفر، وبعضه يكون أحمر كما هو مشاهد، فإذا احمر أو اصفر جاز بيعه، وصار ذلك علامة على بدو صلاحه. وأما العنب فبعضه يبقى على لونه، وبعضه يكون أخضر ثم ينقلب أسود عند نضجه، فإذا انقلب أسود فإنه قد نضج، وجاز بيعه، والذي يبقى على خضرته بدو صلاحه أن يتموه بالماء الحلو، فماؤه يكون أولاً شديد الملوحة، ثم إذا بدا نضجه صار ماؤه حالياً. وأما بقية الثمار فعلامة بدو الصلاح فيها النضج وطيب الأكل، فإذا بدا في الثمرة النضج وطاب أكلها، فقد بدت فيها علامة النضج، فالأترج ينقلب أصفر، وكذلك أيضاً البرتقال ينقلب أصفر، فهذا علامة على أنه قد بدا صلاحه، وكذلك الزيتون وما أشبهه إذا طاب أكله وبدا فيه النضج جاز بيعه. وألحق بهذا بعض الأشياء وليست ثماراً وليست عقاراً، مثل بيع الدابة، فإذا باع ناقة، فيدخل في البيع عذارها ومقودها ونعلها؛ وذلك لأنه عادة يحتاج إليه، فكانوا يجعلون في فم البعير -جملاً أو ناقة- لجاماً، ثم يقودونها به، ويسمونه العذار، فيدخل في البيع، وكذلك يجعلون حبلاً يقودونها به ويسمونه الخطام، فهذا الخطام واللجام يتبعها في البيع، وكذلك أيضاً النعل، فالخيل يجعلون لها حذاءً، وبعض الدواب كالبقر والحمر تحتاج إلى حذاء يقي حوافرها من الحفا والحصى، فنعلها يتبعها. أما إذا باع عبداً، والعبد عادة يكون له ثياب، فإذا كانت ثياباً للجمال، يلبسها في المناسبات، فهذه لا تتبعه في البيع، وأما الثياب العادية التي يلبسها عادة في الاشتغال وما أشبهه فإنها تدخل في البيع.

شرح أخصر المختصرات [32]

شرح أخصر المختصرات [32] السلم أو السلف من العقود التي كانت في الجاهلية، وأقرها الإسلام بعد أن هذبها ونظمها بحسب المصلحة العادلة المشتركة بين الطرفين، وقد بين العلماء شروطه وضوابطه وأحكامه.

تعريف السلم

تعريف السلم قال المصنف رحمه الله: [فصل: ويصح السلم بسبعة شروط: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته كمكيل ونحوه، وذكر جنس ونوع وكل وصف يختلف به الثمن غالباً، وحداثة وقدم، وذكر قدره، ولا يصح في مكيل وزناً وعكسه، وذكر أجل معلوم كشهر، وأن يوجد غالباً في محله، فإن تعذر أو بعضه صبر أو أخذ رأس ماله، وقبض الثمن قبل التفرق، وأن يسلم في الذمة فلا يصح في عين ولا ثمرة شجرة معينة] السلم هو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد هكذا عرّفه صاحب (زاد المستقنع) ، ويُعرِّفه بعضهم بأنه ما عُجل ثمنه وأُخر مثمنه، وفي حديث ابن عباس: قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسلمون في الثمار السنة والسنتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيء فليُسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) ، وأكثر ما كانوا يُسلفون أو يسلمون في الثمار والزروع ونحوها، يحتاج صاحب النخل أو صاحب العنب إلى نقود، فيأتي إلى التاجر -مثلاً- ويقول: أبيعك في ذمتي مائة صاع من التمر أعطيكها بعد خمسة أشهر أو بعد سنة، وكل صاع بريال لتسلم لي الثمن الآن، ولو كان التمر موجوداً الآن لكان كل صاع بريالين، ولكن أنا أبيعه رخيصاً لأني محتاج إلى الثمن. فينتفع صاحب النخل حيث يأخذ الدراهم مقدمة ليشتري بها -مثلاً- علفاً لدوابه، أو يُعطي منها أجرة العمال، ويُنفق منها على عياله، فإذا صرم النخل أعطى ذلك التاجر مائة صاع، وصاحب التجارة يبيع الصاع بريالين فيحصل له ربح. وكذلك مثلاً صاحب الزرع، كإنسان يريد أن يزرع وليس عنده مال فعنده البئر وعنده الأرض، وعنده -كما في هذه الأزمنة- الماكنة أو الآلة التي يسقي بها، لكن عنده بعض الأدوات دون بعض، وهو في حاجة -مثلاً- إلى بذور، وبحاجة إلى أجرة عمال، وبحاجة إلى نفقة على عياله، فيأتي إلى التاجر ويقول: أبيعك مائة صاع بر في ذمتي مؤجلة إلى وقت الحصاد بعد خمسة أشهر أو بعد سنة كل صاع بريالين، ولو كان البر موجوداً لكان سعر الصاع بأربعة، ولكن للحاجة أبيعه برخص فيربح المشتري حيث إنه بعد الحصاد إذا قبضها يبيع الصاع بأربعة وقد اشتراه بريالين، وينتفع البائع بتعجيل الثمن، فكل منهما له فائدة، هذا هو حقيقة السلم.

شروط صحته

شروط صحته

أن يمكن ضبط صفاته

أن يمكن ضبط صفاته يصح السلم بسبعة شروط: الشرط الأول: أن يكون مما يمكن ضبط صفاته، كمكيل وموزون ومعدود ومزروع يمكن ضبط صفاته، وأخرجوا ما لا ينضبط بالصفات، وعرفوه بأنه الذي تدخله الصناعات اليدوية، وذلك لأنه يختلف، فقد كانت الصناعات اليدوية قديماً تختلف، فالذي يصنع السكاكين لا يجعلها متساوية، بل هذه أكبر من هذه، وهذه أقطع وأمضى من هذه، وهذه فيها حديد قوي وهذه حديد ضعيف، وكذلك الذي يصنع القدور تختلف، فيكون بعضها أكبر من بعض وبعضها أقوى، وهكذا الذي يخيط الثياب، فعادة أنها لا تتساوى، ويكون هذا أطول أو هذا أوسع وما أشبه ذلك، فيقولون: لا يصح السلف فيما تدخله الصناعة اليدوية. أما في هذه الأزمنة فقد أصبحت الصناعة بالماكنة، وأصبح الاختلاف يسيراً أو ليس هناك اختلاف، فالمصنوعات الآن تصنع بالماكنات، والتجار الآن يسلمون فيها، فيتفقون مع الشركات المنتجة، ويقدمون لها الثمن أو نصف الثمن، ويحدد لهم مدة يسلمون البضاعة فيها، وأصبحت هذه الأدوات كلها يصح السلم فيها؛ لأنها لا تختلف، فيسلمون -مثلاً- في القدور، ويعرفون أرقامها مثلاً، فرقم كذا سعره كذا، ويقول التجار: نشتري منكم -أيها الصناع في المصانع- القدر رقم كذا -مثلاً- بعشرين ونقدم لكم الثمن، ويأتينا بعد نصف سنة. وتكون القدور معروفة، فالذي بثلاثين يعرف برقم كذا، ورقم كذا بعشرين، ورقم كذا بعشرة، ورقم كذا بخمسة، وكذلك أيضاً الأباريق أصبحت معروفة منوعة تنضبط بالصفة، ويصح السلم فيها، وكذلك الصحون أصبحت أيضاً معروفة، وكذلك كل شيء تدخله الصناعة أصبحت الصناعة تضبطه، وهم يسلمون فيها الآن، فيسلمون -مثلاً- في الملاعق مائة ألف كلها بريالين، وكذلك يسلمون في السكاكين الصغيرة أو الكبيرة، حتى في الأمواس والإبر وما أشبهها، يسلمون في الصغير والكبير، فجاز ذلك لأنها أصبحت تنضبط بالصفات، وكذلك أيضاً سائر المصنوعات، فيسلمون الآن في الأحذية، ومن قبل كان الخراز يشقق أحذيته ثم يخرزها بيده بمخراز فيقع فيها اختلاف، فتكون هذه أثقل، وهذه أكبر، وهذه أصغر، ولا يجوز السلم فيها لأنها تختلف، وأما الآن فأصبحت أرقاماً محددة، وليس بينها اختلاف أصلاً، وكذلك أيضاً الثياب أصبحت تصنع بالماكنات بمقاسات معينة، أما التي يفصلها المفصلون ويخيطونها فإنها من الصناعات اليدوية، فأما التي تخاط بالماكنة تفصيلها وعملها فهذه يصح السلم فيها لعدم الاختلاف فيما بينها، فأصبحوا الآن يسلمون حتى في الماكنات الكبيرة مثل مضخات الماء والسيارات مع كبرها إذا كانت تنضبط بالصفة، فمثل هذا جائز لعدم المحذور، وقديماً منعوا من ذلك لكونه يختلف، والآن أصبح الاختلاف فيه يسيراً، وهذا الشرط الأول.

ذكر الجنس والنوع

ذكر الجنس والنوع الشرط الثاني: ذكر الجنس والنوع وكل وصف يختلف به الثمن غالباً وحداثة وقدم، وما الفرق بين الجنس والنوع؟ الجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعاً، والنوع ما له اسم خاص يشمل أشخاصاً، ويتضح هذا بالمثال. فكلمة (التمر) جنس، والبرني والخضلي والسكري نوع من جنس، فإذا أسلم في تمر فلا يقل: في تمر بل يذكر الجنس بأنه تمر، ويذكر النوع بأنه خضلي أو نيفي أو عجوة، فيذكر النوع حتى لا يختلف النوع، وكذلك الحنطة جنس تحته أنواع، فنوع يسمى الصمع، ونوع يسمى الشارعي، ونوع يسمى الحباب، وأنواع أخرى، فإذا أسلم في الحنطة فلابد أن يذكر الجنس بأنه بر، ويذكر النوع بأنه شارعي -مثلاً- أو أنه صمع أو ما شابهه. إذاً يجب ذكر الجنس والنوع وكل وصف يختلف به الثمن، فإذا كان هناك أوصاف فلابد أن يذكرها، فمثلاً الأرز جنس، وتحته أنواع، فنوع مصري، وآخر هندي، وآخر باكستاني، وقد يسمى باسم بلده مثل (بشاور) أو نحوها، ولا شك أنه لابد من ضبط كل وصف يختلف به الثمن، وكذلك الحداثة والقدم لابد أن يذكرهما، فالتمر مثلاً يختلف سعره بالحداثة وبالقدم، فيفضل الجديد من التمر، والأرز مثلاً قد يفضل القديم منه، فلابد أن يذكر هل هو جديد أم قديم، فتذكر الحداثة والقدم حتى لا يكون هناك اختلاف.

ذكر القدر

ذكر القدر الشرط الثالث: ذكر قدره بكيل أو وزن أو عد أو ذرع. فيقول مثلاً: مائة صاع أو مائة كيلو. وإذا كان مكيلاً فلا يقدر موزوناً، فلا يصح بيع مكيل موزوناً، ولا بيع موزون كيلاً، ولكن لعل الصواب أنه يجوز وزن ما هو مكيل، والناس الآن يسلمون في المكيل موزوناً، فالزرع -مثلاً- أصبح موزوناً بالكيلو، فيجوز أن تقول: اشتريت منك في ذمتك ألف كيلو من البر كل كيلو -مثلاً- بريال، تعطيني إياها في وقت كذا وكذا.

أن يكون الأجل معلوما

أن يكون الأجل معلوماً الشرط الرابع: أن يكون مؤجلاً بأجل له وقع في الثمن، فلا يصح حالاً؛ لأن الأصل أنه مؤجل، ولو كان حالاً حاضراً لما احتيج إلى أن يسمى سلماً، فإذا كان البر عنده فإنه يبيعه ويدفعه للمشتري في حينه، وكذلك التمر ونحوه، فلابد أن يكون مؤجلاً، ولا يسمى سلماً إلا إذا كان مؤجلاً بأجل له وقع في الثمن، بحيث يرخص فيه لأجل الأجل، فمثلاً: بدل أن يكون الصاع بريالين يشتري الصاع بريال؛ لأنه غائب ينتظره إلى أن يأتيه أجله، وقدره بعضهم بشهر، وقدره بعضهم بأكثر، والصحيح أنه لا حد له، بل إذا كان الأجل له وقع في الثمن يرخص في الثمن لأجله صح، ولا يصح حالاً، وإذا كان يأخذ منه شيئاً كل يوم يصح، مثاله: أن تتفق مع الخباز الذي يبيع الأربع من الخبز بريال، فتقول: أنا أشتري منك الخمس بريال لمدة ستين يوماً أو تسعين يوماً وأعطيك الثمن الآن، أعطيك تسعين ريالاً نقداً على أن تعطيني كل يوم خمس، وأنا بحاجة إليهن كل يوم ففي هذه الحال يصح، وذلك لأنه مؤجل، وإن كان الأجل متعدداً، ففي كل يوم تأتيه ويعطيك خمسة أرغفة إلى أن تتم تسعون يوماً، وقد أعطيته الثمن مقدماً. وهكذا لو اتفقت مع القصاب الذي يبيع اللحم، يبيع الكيلو من لحم الغنم بعشرة ريال، فتقول: أنا أشتري منك مائة كيلو، وأنقدك الثمن الآن كل كيلو بثمانية ريال أسلم لك المال حالاً، وآخذ منك كل يوم كيلو إلى أن أتم مائة يوم فمثل هذا يجوز، ويسمى سلماً مؤجلاً، ولكن الأجل متعدد.

أن يوجد غالبا في محله وقت حلوله

أن يوجد غالباً في محله وقت حلوله الشرط الخامس: أن يوجد غالباً في محله وقت حلوله. وذلك يعرف بالعادة، فمثلاً: الرطب لا يوجد في الشتاء وكذلك العنب ونحوه، فإذا أسلم في الرطب في الشتاء لم يصح؛ لأنه غير موجود، وكذلك العنب ونحوه، وهكذا أيضاً إذا أسلم في شيء يتعذر وجوده في وقت الحلول، ولو قدر أنه أسلم في شيء ولكن تعذر وقت حلوله، إما أصابته آفة سماوية أو لم يجد شيئاً أو تعذر لضعفه؛ ففي هذه الحال للمشتري الخيار أن يصبر إلى السنة القادمة -مثلاً- أو يطالب برأس ماله، وليس له إلا ذلك، ولا يقول: أعطني بدله، أو يقول: الذي عندك الآن -مثلاً- مائة صاع، أبيعكها على أن تعطيني ثمنها كل صاع بريالين، ولو كنت اشتريته نقداً فبريال، فهذا لا يجوز، بل يصبر إلى أن يعطيه السنة القادمة أو يأخذ رأس ماله.

قبض الثمن في مجلس العقد

قبض الثمن في مجلس العقد الشرط السادس: قبض الثمن في مجلس العقد. أي: أن يقبض الثمن في المجلس قبل أن يتفرقا؛ حتى لا يكون بيع دين بدين، وقد ورد في الحديث: (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) ، والكالئ هو الغائب، فلا يجوز أن يؤخر الثمن، بل يستلم الثمن في المجلس ويكتب في ذمته المثمن.

أن يكون السلم في الذمة

أن يكون السلم في الذمة الشرط السابع: أن يكون السلم في الذمة، فلا يصح في عين ولا ثمرة شجرة معينة، بل يكون في ذمته، دليل ذلك ما ذكره جابر أو غيره من الصحابة: كان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة لشهرين أو لأربعة أشهر. يقول الراوي: فقلت: هل كان لهم زروع؟ فقال: ما كنا نسألهم. يأتون يجلبون البر، فيقال لأحد التجار: أشتري منك في ذمتك مائة صاع تأتيني بها بعد شهرين أو ثلاثة أشهر ويستلم التاجر الثمن ثم يذهب، فهذا النبطي -وهو من الزارعين- يشتري منه الصاع بريال، وهو هناك يشتري الصاع بنصف ريال، ثم يأتي إليك بها في بلدك، وتبيع الصاع بريالين، فأنت اشتريت بريال، وهو اشتراه بنصف ريال، وأنت بعت بريالين، فكل منهما منتفع، ولو قال -مثلاً-: لا أشتري منك إلا من ثمرة هذه النخلة فلا يجوز؛ لأنها قد يفسد ثمرها، وقد لا تنبت، وكذلك لو قال: لا أقبل إلا من ثمر هذا البستان أو من زرع هذه الأرض، لا يجوز، بل يقول: في ذمتك لي مائة صاع من البر سواء زرعت أو لم تزرع، وإذا حل الأجل فإنك تحضر لي مائة صاع تشتريها أو تحصدها أو ما أشبه ذلك، هذا معنى قولهم: إنه لا يصح في عين ولا في ثمرة شجرة معينة، مخافة أنها لا يصلح منها ثمر.

الأسئلة

الأسئلة

صرف الشيك بأقل مما فيه مقابل تعجيل الدفع

صرف الشيك بأقل مما فيه مقابل تعجيل الدفع Q نستلم رواتبنا من البنك، ويتم استلام الشيكات في يوم ثلاثة وعشرين من الشهر، ولكن لا يتم الصرف إلا في يوم خمسة وعشرين، فيقوم بعضهم بصرف الشيك في مؤسسات صرف قبل مدة استحقاقه مقابل مبلغ قدره خمسون ريالاً يُخصم من المبلغ الموجود في الشيك، فهل هذا العمل صحيح؟ A غير صحيح، وذلك لأنه بيع مال بمال متفاوتاً، دراهم حاضرة بدراهم غائبة أقل منها، فيقول -مثلاً-: أعطوني ثلاثة آلاف وخمسمائة وأعطيكم بعد يومين ثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين فيربحون خمسين ريالاً في يومين، ولا شك أن هذا ربا، وهذه زيادة دراهم بدراهم أكثر منها، فيكون هذا ربا، فيصبر الإنسان ويتحمل يومين أو يقترض بقدر حاجته حتى يسلم من الربا، ويأتيه راتبه كاملاً.

معنى قول المؤلف: (إلا الخشب فلا، ويشتركان فيها)

معنى قول المؤلف: (إلا الخشب فلا، ويشتركان فيها) Q يقول: ما معنى قول المؤلف: إلا الخشب فلا، ويشتركان فيها؟ A كلمة (إلا الخشب فلا) جملة معترضة، وأما قوله: (يشتركان فيها) ، فيريد به: يشتركان في الزيادة، فإذا باع -مثلاً- البطيخ وهو صغير ثم تركه المشتري ولما تركه زاد فإنهما يشتركان في هذه الزيادة، وأما الخشب فإن زيادته يسيرة.

معنى قول المؤلف: (وعلى بائع سقي ولو تضرر أصل)

معنى قول المؤلف: (وعلى بائع سقي ولو تضرر أصل) Q قول المؤلف رحمه الله: وعلى بائع سقي ولو تضرر أصل، ألا يخالف هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) ؟ A لا يخالفه، وما ذلك إلا لأنه ملزم بسقي شجره، فيقول: الشجر لي وسوف أسقيه، وأنت اشتريت مني الثمرة، فإن شئت فاستلمها في الحال، وإن شئت فاتركها حتى يتم نضجها، فكوني أتضرر لمصلحتك فهذا عليّ فيه ضرر فالشجر إذا لم يسق تضرر وضمر.

الخلاف في ضمان الثمر الذي أصابته جائحة

الخلاف في ضمان الثمر الذي أصابته جائحة Q اختلفوا إذا تلف الزرع بآفة سماوية، فالإمام أحمد يقول: الضمان على البائع. فما هو دليل القول الآخر؟ A أدلتهم عموم المبايعات، فإن النبي عليه السلام رخص في بيعه، ونهى أن يباع الثمر حتى يبدو صلاحه، فهذا دليل على أنه دخل في ملك المشتري، وفي الحديث: (نهى أن تباع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع) ، فدخلت في ملك المشتري، فإذا أصابتها هذه الجائحة ذهبت على المشتري، والمشتري قد قبضها بالتخلية، والبائع قد استلم الثمن وانقطعت علاقته بها، هذا دليل كل منهم.

حكم تفريط المشتري بالسلعة أثناء خيار الشرط

حكم تفريط المشتري بالسلعة أثناء خيار الشرط Q يقول: اشتريت سيارة، واشترطت أن أجربها لمدة أسبوع، فبعد يومين تعطلت السيارة بتفريط من المشتري، فمن الذي يتحمل تلف السيارة البائع أو المشتري؟ A إذا كان لك الخيار في تلك الأيام بتجربتها، ثم كان تعطلها بسبب آفة داخلية فيها، فإنك تردها على البائع، وأما إذا كان التعطل بسبب منك أنك -مثلاً- خاطرت بها أو أسرعت، أو انقلبت بك، أو حدث منك تهور أو تفحيط أو ما شابه ذلك حتى حصل هذا الخلل فأنت الذي تضمنه ولو رددت السيارة.

حرمة السفر إلى بلاد الغرب للسياحة مع عدم أمن الفتنة

حرمة السفر إلى بلاد الغرب للسياحة مع عدم أمن الفتنة Q زوجي يسافر بنا سنوياً للسياحة في إحدى البلاد التي تباع فيها الخمور ويكثر فيها التبرج والسفور، ولاحظت على أبنائي وبناتي انحرافاً أخلاقياً ونبذاً للحجاب وقتلاً للغيرة ودفناً للحياء، لذلك فقد عصيته في هذا العام في مسألة السفر، ومنعت أبنائي وبناتي من السفر، آمل توجيه نصيحة، وهل أنا آثمة؟ A أحسنت هذه المرأة بما فعلت من الامتناع، ولاشك أن السفر إلى تلك البلاد التي يكثر فيها التبرج وتباع فيها الخمور وتكثر فيها المنكرات وسيلة من وسائل الانحراف، فأولاده إذا رأوا هذه المنكرات تخلقوا بها، وهان أمرها عندهم ذكوراً وإناثاً، ففي هذه الحالة نرى أنها على خير إذا عصته؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعليها نصحه، وعلى من يعرفه أن ينصحه وأن يحذره من هذه الأسباب، وفي بلاده من المنتزهات ما يغنيه عن السفر الذي يكلفه أموالاً ويسبب الضرر له ولأولاده.

استلاف مال من شخص للتجارة به

استلاف مال من شخص للتجارة به Q يقول: استلفت من شخص مبلغاً من المال لمدة سنة، ثم أعطيته بعضه، وبعضه الآخر أنفقته في التجارة، مع أن الشخص الذي استلفت منه قال: متى ما توفر المبلغ لديك فائتني به فهل يجوز الانتفاع بهذا المبلغ أو يجب رده على صاحبه؟ A إذا لم يطالبك به وقال: مباح لك أن تتصرف فيه إلى أن يتوفر لديك فلك أن تتجر به، وربحه وخسرانه عليك، واعتبره كدين في ذمتك، فأما إذا اتفقت معه على أن يكون مضاربة ويكون له جزء من الربح فاعتبره كمضاربة، واعتبر أن خسرانه عليكما وربحه بينكما.

إغراء الشركات للزبائن بجوائز في بعض بضائعها مع الزيادة في السعر

إغراء الشركات للزبائن بجوائز في بعض بضائعها مع الزيادة في السعر Q يقول: يوجد في السوق أنواع من المناديل، يوضع في داخل المنديل نقودٌ، فيباع هذا في السوق بخمسة وستين ريالاً، وهناك مناديل من نفس النوع ليس فيها نقود تباع بستين ريالاً، علماً بأن الكرتون الذي بداخله نقود لا نعرف هل في داخله نقود أو لا، فيشتريه الإنسان وهو لا يعلم، فهل هذا جائز؟ A ما أرادوا بذلك إلا اجتلاب أموال الناس، فجعلوا في واحد -مثلاً- خمسة ريالات، وأرادوا بذلك أن يشتري هذه الكراتين حتى يحظى بواحد منها، وربما لا تكون النقود إلا في واحد أو اثنين، فنقول: إن هذا خطأ من هذه الشركة التي جعلت نقوداً في داخل هذه المناديل، وعليها ألا تتسبب في اجتلاب أموال الناس بمثل هذه الحيل، والإنسان الذي بحاجة إلى شراء هذه المناديل يشتريها على حالتها.

إظهار المحل بشكل جاذب للزبائن

إظهار المحل بشكل جاذب للزبائن Q قلتم بأن الهدايا التي تقدمها المحلات التجارية لا تجوز؛ لأنها تغري الناس بالتعامل مع هذه المحلات، فكيف هذا وشكل المحل ونظافته والدعاية الموجودة فيه كلها تغري الناس بالتعامل مع هذا المحل، فكيف نقيس هذا على ذاك؟ A معلوم أنهم ما قصدوا إلا مصالحهم الخاصة، ولم يقصدوا نفع الشعوب، ولا نفع الأفراد، ولو أرادوا ذلك لتصدقوا بهذه الهدايا ونحوها ولأنفقوها في أوجه الخير، ولكن أرادوا بذلك أولاً أن يشتهر متجرهم، وأن يتحدث الناس به، ويكون ذلك كالدعايات التي يُعلن عنها، وأرادوا ثانياً أن الناس إذا تسامعوا بهذه الهدايا ونحوها تهافتوا من كل مكان وتكلفوا وتجشموا المشقة، وبذلوا أموالاً حتى يحصلوا عليها، فيحصلون من الناس أموالاً كثيرة يربحون بها عشرات أمثال تلك الهدايا، فنحن نقول: لا تشجعهم على هذه الدعايات، وعليك أن تشتري ممن تيسر لك، ولا تتكلف الشراء بتشجيعهم، فربما كانت هذه الهدايا لا تحصل لك، وتكون قد تكلفت تكلفاً زائداً بمجيئك من بعيد، فاقنع بما ترزق، واقتصر على ما تيسر. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [33]

شرح أخصر المختصرات [33] الإسلام يدعو إلى التعاون على البر والتقوى، وهذا من أسباب المودة والمحبة، ومن ذلك القرض، فقد رغب الإسلام فيه، وأوجب على المقترض أن يرد مثل ما أخذ بلا زيادة مشترطة، وفي القرض أحكام كثيرة بينها أهل العلم رحمهم الله.

وجوب الوفاء بالسلم في موضع العقد

وجوب الوفاء بالسلم في موضع العقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجب الوفاء موضع العقد إن لم يشرط في غيره، ولا يصح بيع مسلم فيه قبل قبضه، ولا الحوالة به ولا عليه، ولا أخذ رهن وكفيل به، ولا أخذ غيره عنه. فصل: وكل ما صح بيعه صح قرضه إلا بني آدم، ويجب رد مثل فلوس ومكيل وموزون، فإن فُقد فقيمته يوم فقده، وقيمة غيرها يوم قبضه، ويحرم كل شرط يجر نفعاً، وإن وفاه أجود أو أهدى إليه هدية بعد وفاء بلا شرط فلا بأس] . شروط السلم السبعة زائدة على شروط البيع، فالشروط السبعة التي في أول باب البيع لابد منها هنا، فلابد من التراضي بينهما، ولابد أن يكون العاقدان جائزي التصرف، وأن يكون المبيع مالاً، وأن يكون مقدوراً على تسليمه، وأن يكون الثمن معلوماً، وأن يكون المبيع معلوماً إلى آخر ما تقدم. وذكر هنا أنه يجب الوفاء موضع العقد إن لم يشترط في غيره، وذلك لأنهما عندما تعاقدا كان الأصل أنه يسلم المبيع في الموضع الذي تعاقدا عليه، صورة ذلك: إذا تعاقدا -مثلاً- في الرياض، والمزارع في القصيم أو في الأفلاج أو في الأحساء، وجاء صاحب الزرع أو صاحب الثمر واشتريت منه في ذمته مائة صاع أو مائة كيلو تحل بعد نصف سنة، ودفعت إليه الثمن، فإذا حل الوفاء فعليه أن يأتي به على بعيره أو على سيارته ليحضره لك في موضع العقد، أي في البلد الذي تعاقدا فيه؛ لأن العادة أن المبيع يسلم في مكان التبايع، هكذا ذكروا أنه يسلم في مكان التعاقد، ويجوز شرطه في غيره، فلو قال البائع: بشرط أن ترسل إليّ في الأحساء من يستلم التمر جاز ذلك، أو قال صاحب الأفلاج أو الخرج: أنا لا أنقله، فأرسل من يستلمه في البلد الذي أنا فيه؛ فنقله صعب عليّ فإن المشتري يرسل من يستلمه، أما لو تعاقدا مثلاً في صحراء برية أو تعاقدا في لجة بحر فلابد أن يحددا موضع التسليم؛ لأن مكان العقد ليس محلاً للوفاء مثل لجة البحر، فيحددان أين يكون التسليم في البلاد الفلانية، سواءٌ أكانت بلد المشتري أم بلد البائع.

حكم التصرف في المسلم فيه قبل قبضه

حكم التصرف في المسلم فيه قبل قبضه مسألة: ما حكم التصرف في المسلم فيه قبل قبضه؟ A لا يجوز، وذلك لأنه لا يدخل في ملك المُسْلِم المشتري إلا بالقبض، وقد ذكرنا أن القبض في جميع المبيعات شرط لصحة التصرف، فمن اشترى شيئاً بالكيل فلا يتصرف به إلا بعد كيله، ومن اشترى شيئاً بالوزن فلا يتصرف فيه إلا بعد وزنه، وهكذا ما في الذمة، فإذا اشتريت في ذمة هذا المزارع مائة صاع تحل -مثلاً- في رجب وسلمته ثمنها في المحرم كل صاع بريالين، ثم بعد شهر أو نصف شهر جاءك إنسان وقال: بعني دينك الذي في ذمة فلان الذي هو مائة صاع والذي يحل في رجب فهل يجوز أن تبيعه؟ لا تبعه قبل قبضه، وذلك لأنه ما يزال من ضمان البائع الذي هو المزارع إلى أن تقبضه، فلا يزال في ذمة البائع إلى أن يستوفيه المشتري، فيدخل حينئذ في ملكيته. ومن التصرف أيضاً الحوالة به أو الحوالة عليه، فإذا فرضنا أن صاحب الدراهم اسمه سعد، وصاحب الزرع أو النخل اسمه سعيد، والتمر أو الزرع يحل في رجب، فصاحب الدراهم إن جاءه إنسان يطالبه بدينه فقال: عندك لي مائة صاع أوفها لي الآن. فهل يقول: أحيلك على سعيد؛ فإن عنده لي مائة صاع تحل في رجب؟ لا يصح؛ لأنها لم تدخل في ملك سعد إلا بالقبض، فلا يحيل عليها. وإذا جاء رجب وحلّت في ذمة سعيد، وجاءه سعد وقال: أوفني مائة صاع فقد حلت. فقال سعيد: أُحيلك على خالد فإن عنده لي مائة صاع هل يصح؟ لا يصح، وذلك لأن الذي في ذمة خالد لم يدخل في ذمة سعيد، فلا تدخل في ذمته إلا بالقبض، فلا يحيل عليها قبل قبضها، وقبضها يكون بالكيل، وأجاز بعض العلماء الحوالة إذا حُددت، وقال: إنّ قبض كل شيء بحسبه، وإن المحال يكون كالوكيل. أي: إذا جاءك يستوفيك فقال: أعطني مائة صاع التي في ذمتك فقد حلّت فكأنك توكله عندما تقول: في ذمة خالد لي مائة صاع أو مائة كيلو، وكلتُك أن تستلمها. فلعل هذا لا مانع منه، وذلك لقيام الوكيل مكان الموكل.

حكم أخذ الرهن والكفيل في السلم

حكم أخذ الرهن والكفيل في السلم يقول: [ولا يصح أخذ رهن وكفيل به] قالوا: لأن دين الرهن عرضة للفسخ. وذلك أنه قد لا يتيسر. وذكر المؤلف في الشرط السادس أنه إن تعذر أو بعضه صبر أو أخذ رأس ماله، فأخذ رأس ماله دليل على أن دين السلم عرضة للفسخ، وإذا كان عرضة للفسخ فليس هو ديناً ثابتاً، فليس مثل قيمة الوديع ما دام أنه ليس له إذا تعذر إلا رأس ماله، فهو دليل على أنه عرضة للفسخ، فإذا كان كذلك فليس له أن يطلب رهناً ولا أن يطلب كفيلاً؛ لأن الرهن والكفيل إنما يصح التزامه في الشيء الذي لا يتأتى عليه الفسخ، ويمكن أن نقول: يصح الرهن والكفيل على رأس المال، فأنت دفعت إليه -مثلاً- مائتين من الدراهم على أن يعطيك مائة صاع في رجب، ثم تخشى أن يماطل إما أن لا يعطيك مائة صاع وإما أن لا يقدر على ذلك، فتقول: أعطني رهناً وأنا أسلمك مائتين أو أعطني كفيلاً، فإذا لم تعطني مائة صاع فعلى الأقل رأس المال، فإذا جاء رجب ولم تزرع ولم تغرس -مثلاً- فعلى الأقل أعطني رأس المال الذي هو مائتان. فالصحيح أنه يجوز أخذ رهن أو كفيل حتى يوفيه إذا حل إما نفس الدين الذي هو مائة الصاع وإما رأس المال الذي هو مائة ريال، فالوثيقة منه أن ترهن هذا البعير أو هذا السيف، ويقول: إذا حل الدين في رجب أبيع البعير إذا لم توفني، وآخذ دراهمي، أو الكفيل يحضر لي الدين الذي هو مائة صاع.

عدم صحة أخذ غير المسلم فيه عنه

عدم صحة أخذ غير المسلم فيه عنه قوله: [ولا أخذ غيره عنه] صورة ذلك إذا قال: حلت المائة الصاع، وأنا لم أزرع، والبر غال، وليس عندي مائة صاع، ولا أستطيع أن أشتريها لك، ولكن أعطيك تمراً أو شعيراً أو ثياباً بدل المائة الصاع. فهل هذا يصح؟ لا يصح ذلك؛ لأنه تصرف فيه قبل قبضه، إذاً ليس لك إلا رأس المال أو تصبر.

أحكام القرض

أحكام القرض

تعريفه وفضله

تعريفه وفضله القرض: هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله. ويكون القصد منه الإرفاق والتوسعة على المستقرض، والعادة أنه لا يقترض إلا من حاجة، والمقترض هو الذي يأتي فيقول: أقرضني. والعامة يعبرون عنه بالسلف، فيقول: سلفني ألف ريال. أو: سلفني عشرة آصع من البر. أو: سلفني عشرة أذرع من القماش الفلاني. هذا هو القرض، ورد فيه حديث ذكره صاحب بلوغ المرام وغيره: (ما من مسلم يقرض مسلماً مرتين إلا كان كصدقة عليه مرة) أي: له أجر الصدقة. فإذا أقرضته مائتين فكأنك تصدقت عليه بمائة، مع أنه سوف يرد عليك المائتين؛ لأنها قرض سيردها عليك، ولكن لك أجر؛ لأنك وسعت عليه، حتى قال بعض العلماء: إن أجر القرض أعظم من أجر الصدقة. وذلك لأن المستقرض محتاج، فلا يأتي إليك ويقول: أقرضني. إلا وقد اشتدت حاجته، فهو في حاجة شديدة حيث لا يستطيع أن يشتري حاجته هذه، ولا يجد لها ثمناً، فكان إقراضه توسعة عليه، وهذا يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) ، فالمقرض محسن على المستقرض، والاستقراض لا يعد من المسألة المنهي عنها، التي ورد فيها الحديث: (لا تزال المسألة بالرجل حتى يقوم يوم القيامة وليس على وجهه بضعة لحم) ، فله أن يستقرض ولا يلحقه عيب؛ لأنه قد تشتد به الحاجة، ويمكن أن يكون له دين وتأخر وفاؤه فيستقرض حتى يحل الدين، أو نزل به ضيف واحتاج إلى إكرامه، فلابد أن يستقرض إلى أن يأتيه ماله أو نحو ذلك، فعرف بذلك أن الاستقراض ليس من السؤال المنهي عنه.

كل ما صح بيعه صح قرضه إلا الرقيق

كل ما صح بيعه صح قرضه إلا الرقيق ما الذي يصح قرضه وما هو الذي لا يصح؟ كل ما صح بيعه صح قرضه إلا بني آدم، فيصح القرض في كل شيء يصح بيعه، مثلاً: تقرضه شاة أو كبشاً ويرد عليك مثله، وتقرضه بعيراً ويرد عليك مثله، وتقرضه ثوباً، وتقرضه صاعاً من بر فيرد مثله، أو من شعير أو من تمر، وهكذا لو أقرضته نقوداً فيرد مثلها ريالات أو دولارات أو دنانير أو جنيهات أو ما أشبهها، فعليه أن يرد مثلها، وهكذا كل الأشياء التي ينتفع بها وتملك، أما الأشياء التي لا تملك فلا يصح قرضها. ولا يصح بيعها، وقد تقدم في أول البيع أنه لا يصح بيع الكلب فلا يصح قرضه، وكذلك الحشرات لا يصح قرضها، واستثنوا من الحشرات دودة القز والنحل، وذلك لأنه ينتفع بنسيج دودة القز، وينتفع بما يخرج من بطون النحل، فهذا يصح قرضه. وأما النجاسات فلا يصح بيعها ولا يصح قرضها، ولو كان فيها منفعة، والأسمدة التي يحكم بأنها طاهرة يجوز قرضها وبيعها، فصاحب المزرعة قد يحتاج من جاره -مثلاً- إلى عشرة أكياس من الأسمدة التي تسمد بها الأرض، وإذا اقترضها رد مثلها، وذلك لأنها مما يصح بيعه، وأما إذا كانت نجسة كروث الحمر وما أشبه ذلك من النجاسات فلا يصح بيعها، ولا يصح قرضها. واستثنوا بني آدم، أي: المماليك، فلا يصح أن يقرض عبداً، ولا أن يقرض أمة، وذلك لأنه قد يقترض أمة ليطأها ثم يردها، ومعلوم أنه لا يحل الوطء إلا بعقد نكاح أو بملك يمين، فلو أنه استقرض الأمة ليردها فيمكن أن تدخل في ملكه فيرد بدلها، وقد لا يتأتى مماثلاً لها من كل وجه، فلذلك لا يصح قرض العبيد.

تأجيل القرض

تأجيل القرض هل القرض يتأجل؟ معلوم أن الذي أقرضك أحسن إليك، فما ربح في بيعك ولا ربح في القبض، ولا استفاد من ذلك، وإنما وسع على المقترض، فهذا القرض يعتبر حالاً غير مؤجل، فلو أنه أقرضك ألف ريال ثم قال: أعطني الألف بعد يوم فحق عليك الوفاء؛ لأنه ما ربح، لكن لو أجل القرض فينبغي له أن يفي بوعده، فلو قال: أقرضك الألف وأُمهلك مدة شهر فطلبه قبل الشهر فنقول له: لك حق؛ لأنك ما ربحت، ولكن ننصحك أن تفي بوعدك، فأنت قد أمهلته شهراً، فليس لك أن تضايقه، بل تصبر إلى أن يمضي هذا الشهر الذي أمهلته وأخرته فيه. فهذا هو الصحيح، وهو أنه ينبغي له أن يفي بالوعد، فإذا وعده لا يضايقه قبل ذلك. وذكرنا في تعريف القرض أنه: دفع مال إلى من ينتفع به ويرد بدله، وهذا دليل على أن المال الذي اقترضه يخرج من ملك المقرض ويدخل في ملك المقترض، فيصبح له حق التصرف فيه، فإذا اقترض شاة خرجت من ملك المالك الأول ودخلت في ملك المقترض، فله أن يحجزها، وله أن يجزها، وله أن يذبحها، ويثبت بدلها شاة مثلها في ذمته مماثلة للتي دخلت في ملكه.

رد القرض بمثله

رد القرض بمثله إذا قبض المقترض العين المقرضة فتلفت في يده فإنها تذهب عليه، وليست كالأمانة، بل يرد بدلها إذا تلفت، فلو أقرضك إنساناً ألفاً، ولما خرجت بها سرقت منك فالدين ثبت في ذمتك، وأنت الذي تغرم هذا الألف الذي ذهب عليك؛ لأن صاحبه أثبته في ذمتك، وعند الرد يرد المثل بالمثليات، وترد القيمة بغير المثليات، فالفلوس التي تسمى (الهلل) يرد مثلها، وإن بقيت عند الذي اقترضها ردها بعينها، والمكيل كذلك، فإذا اقترض صاع بر أو صاع ملح فإنه يرد مثله، وكذلك المعدود، ويحدث كثيراً بين الجيران أنهم يقترضون أشياءً ثم يتسامح فيها ولو كانت متقاربة، وقد لا تكون متماثلة، فيقترضون لطعامهم شيئاً من الطماطم أو الباذنجان أو القرع ما يُصلحون به طعامهم، وكذلك قد يقترضون بعض الأشياء من الصابون أو المناديل التي هم بحاجة إليها، يقترضونها ويردون بدلها، والتفاوت بينها يسير، فيرد المثلي بمثله. والموزون كذلك، فإذا اقترض منه -مثلاً- قدر كيلو من لحم الإبل رد مثله، أو من لحم السمك رد مثله، أو دجاجة رد مثلها، فإن عدم المثل رجع إلى القيمة، ومتى يقومها؟ يوم الرد، فمثلاً: أقرضك مائة كيلو من التمر السكري، ولما طلبها لم يوجد هذا النوع من التمر، وفي هذه الحال له قيمته، فمتى يقوّم هذا القرض؟ نفرض أنه أقرضك في محرم، وقيمة السكري يومها -مثلاً- الكيلو بعشرة، وطلبه منك في شهر رمضان وعُدم، ولو وجد لكانت قيمته الكيلو بعشرين، فترد عليه الكيلو بعشرين، وذلك لأنه وقت الطلب ووقت وجوب الدفع ووقت وجوب الوفاء. ويحدث كثيراً أن بعض الناس من خارج البلاد يقترض منك -مثلاً- ألف ريال، وهو سوداني مثلاً، وفي ذلك الوقت كان الريال السعودي يساوي جنيهين سودانيين، وبعد خمس سنين قال: أعطني ألف ريال. فقال: في هذا الوقت ليس عندي إلا جنيهات سودانية، والجنيه الآن قيمته عُشر ما كان عليه في ذلك الزمان، وصار الريال يساوي عشرين جنيهاً، وأنت الآن تطلب قيمته، فهل قيمته يوم فقده أو يوم طلبه؟ في هذه الحال نقول: هو أقرضك ألف ريال فرد عليه ألف ريال أو قيمة الألف عند الطلب، ولو كانت قيمته في ذلك الوقت -مثلاً- ألفي جنيه والآن قيمته عشرة آلاف أو أكثر أو أقل، فرد عليه قيمة ما أقرضك؛ لأنه موجود. وهكذا لو اتفقا في الاسم، فلو أن بعض الإخوان اليمنيين أقرض أحد أصدقائه ألف ريال سعودي، وذلك المقترض حولها إلى ثلاثة آلاف ريال يمني، ثم بعد خمس سنين طالبه من اليمن فقال: أعطني ألف ريال سعودي، فقال: في ذلك الوقت كانت تساوي ثلاثة آلاف، فأعطيك الآن ثلاثة آلاف ريال يمني. وفي هذا الوقت تساوي -مثلاً- مائة ألف ريال يمني أو قريباً منها، فنقول: لا، بل أعطه ألف ريال سعودي أو قيمتها بالريال اليمني؛ وذلك لأن على المقترض أن يرد مثلما أقرض، أو قيمته وقت الطلب. أما ما ليس له مثل فيرد بقيمته يوم قبضه، فبعض الأشياء لا يوجد لها مثل، مثل بعض الفواكه، فلو اقترض -مثلاً- بعض البطيخ أو بعض الفواكه والخضار وما أشبه ذلك مما لا يوجد لها مثل فإنه يرد قيمتها يوم القبض، فعندما قبضته كم كانت قيمته؟ قيمته ألف أو نصف الألف. أما إذا طالبك بها في بلد آخر، كأن أقرضك في الرياض ألفاً وطلبه في مكة فعليك أن تقضيه؛ لأنه ليس في حمله مئونة عليك، أما إذا أقرضك -مثلاً- عشرة كيلو تمر في الرياض، وطلبه منك في الأحساء فهل ترده؟ A ترده؛ لأنه خفف عليك قيمته وحمله إليه، وقد تكون قيمته أنقص، ولو كان الأمر بالعكس، فلو أقرضك في الأحساء عشرة كيلو وطلبها منك في الرياض. فإنك تعطيه قيمتها في الأحساء؛ لأنه إذا أعطيته هناك فكأنك نقلتها له وأسقطت عنه أجرتها، وقد تكون قيمتها هناك أكثر، فلذلك قالوا: إذا كانت في بلد القرض أرخص فإنه يعطيه قيمتها.

كل قرض جر نفعا فهو ربا

كل قرض جر نفعاً فهو ربا يقول: [ويحرم كل قرض يجر نفعاً] . كل قرض جر نفعاً فهو ربا، كأن يشترط المقترض على المقرض فيقول: أقرضك مثلاً عشرة آصع في الرياض، بشرط أن تقضيني إياها في القصيم أو في الحجاز، وأراد بذلك أن تسقط عنه أجرة نقلها، فهذا شرط جر نفعاً، فلا يجوز، وكل قرض جر منفعة فهو ربا، ويدخل في ذلك جميع المنافع، فلو قال -مثلاً-: أقرضك خمسة آلاف بشرط أن تعطيني سيارتك خمسة أيام استعملها، فهذا القرض جر نفعاً، ويحدث في بعض البلاد أن إنساناً يقرض إنساناً -مثلاً- مائة ألف، ثم يقول له: أعطني مزرعتك أستغلها حتى ترد عليّ قرضي، فيأخذ مزرعته أو بئره وماكنته ثم يستغلها ويزرعها ويغرس فيها ويأخذ غلتها، وقد تبقى معه خمس سنين أو عشراً وهو يستغلها ويقول: لا أسلمها لك إلا إذا رددت عليّ المائة ألف التي هي قرض، ومن أين يردها؟ فليرد عليه أرضه حتى يستغلها ويعطيه من غلتها، فهذا قرض جر نفعاً، وقد لا يسمونه قرضاً وإنما يسمونه ديناً، كما لو قال: أقرضك مائة بشرط أن تبيعني هذه الشاة بمائة، وهي شاة تساوي مائة وعشرين، فقد يكون محتاجاً إلى المائتين، وشاته تساوي مائة وعشرين، فيقول: نعم، أبيعك الشاة بمائة لأجل إقراضك لي مائة أخرى؛ لأني محتاج، فنقول: هذا قرض جر منفعة فهو ربا.

حكم الجمعية التعاونية بين الموظفين

حكم الجمعية التعاونية بين الموظفين يسأل كثيراً عن الجمعية التي يفعلها الموظفون الذين يكونون في دائرة واحدة كمدرسة أو إدارة خاصة، فإذا دخلت السنة اجتمعوا على أن كل واحد منهم يقتطع من راتبه -مثلاً- ألفاً أو ألفين، فيجمعونه في كل شهر فيكون عشرين أو ثلاثين ألفاً، ويعطونها في الشهر الأول واحداً منهم، ثم يجمعونها في الشهر الثاني ويعطونها آخر، ثم يعطون ثالثاً في الشهر الثالث، إلى أن يدور الدور عليهم كلهم في السنة أو في السنتين، ويسمونها (جمعية الموظفين) ، فهل هذه الجمعية جائزة أم لا؟ منعها بعض المشايخ مثل صالح بن فوزان وغيره، وعرضت على هيئة كبار العلماء فأصدروا فيها فتوى بالجواز، والأكثر من أعضاء الهيئة وافقوا على ذلك، وبعض الذين خالفوا لم يوقعوا، وكتبوا: أنا مخالف أو أنا متوقف ولم يعتبروا خلافهم، وعللوا قولهم بالمنع بأن فيها منفعة، ولكن ليس فيها منفعة للمقرض، وإنما المنفعة للمقترض، ففيها مصلحة، وكأنهم يقولون: أنت -يا هذا- بحاجة إلى أن نعطيك في هذا الشهر ثلاثين ألفاً تؤثث منزلك -مثلاً- أو توفي ديناً حل عليك، ولو لم نعطك لاقترضت أو لاستدنت فتضررت بالدين، وفي الشهر الثاني يكون الآخر أشد حاجة فنعطيها له، وهكذا، فكل واحد يقرضك شهراً، ثم إذا جاءت النوبة رد عليه ما اقترضه، فكأنه أقرضه ثم رد عليه، فلا يكون فيها زيادة، ولا يكون فيها منفعة للمقرض، وإنما المنفعة للمقترضين كلهم، فلا تدخل في قرض جر منفعة.

جواز الزيادة في قضاء الدين بلا شرط

جواز الزيادة في قضاء الدين بلا شرط يقول: [وإن وفاه أجود أو أهدى إليه هدية بعد وفاء بلا شرط فلا بأس] ورد أنه صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً، فجاءه يستوفيه فلم يجد إلا خياراً رباعياً فأعطاه وقال: (إن خيركم أحسنكم وفاءً) ، والبكر هو ولد الناقة الذي قد تم له سنة، والأنثى بكرة، فاحتاج النبي صلى الله عليه وسلم مرة إلى هذا البكر، فأقرضه هذا الرجل بكراً، فرده رباعياً، والرباعي أكبر من البكر، فالبكر ابن سنة، والرباعي لعله ابن ثلاث سنين، فهذا دليل على أنه يجوز الوفاء بأحسن، فإذا أقرضك أحد شاة متوسطة وأعطيته شاة أحسن منها فلا بأس، وهكذا لو أقرضك ثوباً متوسطاً وأعطيته ثوباً جديداً أجود من غير شرط فلا حرج في ذلك. وكذلك إذا أهدى لك بعد الوفاء فإنك تقبل الهدية إذا لم يكن هناك شرط، أقرضته مثلاً ألفاً أو عشرة آلاف، وبعدما أوفاك أهدى إليك ثوباً أو فاكهة أو عسلاً أو سمناً أو شيئاً مما يهدى عادة، وأنت لم تشترط عليه، واعتبر ذلك مكافأة لك على كونك أحسنت إليه، فلا بأس بقبول ذلك إذا لم يكن هناك شرط.

شرح أخصر المختصرات [34]

شرح أخصر المختصرات [34] جاءت الشريعة بجلب المصالح ودفع المضار عن العباد، سواء في العبادات أو المعاملات أو غيرها، ومن المعاملات التي يتبين فيها ذلك الأمر: الرهن، وهو توثقة عين بدين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها، وله أحكام كثيرة بينها أهل العلم.

الرهن

الرهن

تعريفه

تعريفه قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، وكذا ثمر وزرع لم يبد صلاحهما، وقن دون ولده ونحوه، ويلزم في حق راهن بقبض، وتصرف كل منهما فيه بغير إذن الآخر باطل إلا عتق راهن، وتؤخذ قيمته منه رهناً، وهو أمانة في يد مرتهن، وإن رهن عند اثنين فوفى أحدهما أو رهناه فاستوفى من أحدهما انفك في نصيبه] . الرهن في اللغة: الثبوت. يقال: ماء راهن: أي: راكد. ولزوم الشيء مكانه يسمى رهناً، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] ، {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] ، وفي الحديث: (كل غلام مرتهن بعقيقته) ، وعرفوا الرهن اصطلاحاً بأنه: توثقة عين بدين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها. فهو من الوثائق، ومعروف أن الدين هو ما يكون في الذمة، مثلاً في ذمتك مائة ريال أو ألف ريال لفلان نسميها ديناً؛ لأنها ليست عيناً معينة، فإذا أعطيته من فئة خمسمائة أو أعطيته من فئة العشرة فإنه يقبل ذلك، ولا يقول: إنه يلزم أن يعطيني كذا وكذا، فكل ذلك جائز. فقولهم: (توثقة عين بدين) العين هي الرهن، فإذا رهنته -مثلاً- هذا الكيس فهو عين، أو رهنته هذا البعير، أو هذه الأرض، أو هذا البستان، أو هذه الدار، أو هذه الشاة فهذه عين معينة. وقولهم: (بدين يمكن استيفاء الدين منها) . لو قدر أن رجلاً قال: أقرضني خمسة آصع من الأرز وأرهنك هذا الكيس من الأرز، وهذا الكيس ما أحب أنني آخذ منه شيئاً؛ لأني أريد أن أبيعه عند الحلول أو نحو ذلك، ولا أحب أن آخذ منه. فأقرضته أو بعته خمسة آصع بمائة ريال، فإذا حلّ الدين فإما أن تبيع هذا الكيس فتستوفي دراهمك، وإما أن تأخذ دينك منه فتأخذ من الكيس الخمسة الآصع.

كل ما جاز بيعه جاز رهنه

كل ما جاز بيعه جاز رهنه يقول: [كل ما جاز بيعه جاز رهنه] . كل ما جاز بيعه جاز رهنه، حتى المماليك، فيجوز رهن العبد، ويجوز رهن الأمة، وذلك لأنه يجوز بيعها، وهناك ما يجوز رهنه دون بيعه، فقد تقدم أنه لا يجوز بيع الثمر في رؤوس النخل إلا إذا بدا صلاحه، ولكن رهنه يجوز، فيجوز أن تقول: رهنتك ثمرة هذه النخلة. وهي لا تزال بسراً، وذلك لأنه قد يكون الدين لا يحل إلا بعد خمسة أشهر، فإذا حل الدين كان البسر قد صار رطباً أو تمراً فيجوز بيعه، وكذلك لو قال: رهنتك هذا الزرع. وهو ما يزال نابتاً صغيراً، ومعلوم أنه لا يجوز بيع الزرع نابتاً صغيراً إلا بشرط القطع في الحال، ولا يجوز بيع الحب في سنبله إلا بعد أن يشتد، ومع ذلك يجوز رهنه، وذلك لأنه عادة يمكن تأخيره إلى أن يشتد الحب، فعند ذلك يجوز البيع. قوله: [وكذلك ثمر] يعني: كالنخل والعنب [وزرع لم يبد صلاحهما] أي: يجوز رهنهما ولا يجوز بيعهما، ولا يجوز بيع القن دون ولده، فإذا كان عند الإنسان أمة مملوكة ولها ولد مملوك صغير فهل يجوز بيع الأمة دون ولدها، أو بيع الولد دون أمه؟ لا يجوز، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته) ، ومع ذلك يجوز رهن الأمة دون ولدها، ويجوز رهن الولد دون أمه، وإذا حل الدين فإننا نقول له: بعهما جميعاً وأوف الدين ولا تبع أحدهما، وإذا بيعا فثمن الأمة يأخذه الغريم، وثمن الولد يأخذه السيد الذي هو الراهن.

هل الرهن عقد لازم أم جائز؟

هل الرهن عقد لازم أم جائز؟ هل الرهن عقد لازم، أو عقد جائز، أو فيه تفصيل؟ يقولون: لازم في حق الراهن وجائز في حق المرتهن، فالمرتهن لو قال: ارهني الكيس ثم رهنته الكيس فلا تقدر أن ترجع، ولا تقول: ارجع لي كيسي حتى توفيه الدين، أما هو فلو رده عليك وقال: وثقت بذمتك ولا حاجة لي إلى وثيقة فأنا راض بذمتك فخذ كيسك ومتى حلّ ديني أوفني ففي هذه الحال يجوز، فيصير لازماً في حق الراهن، وغير لازم في حق المرتهن.

قبض الرهن

قبض الرهن هل يشترط القبض؟ كثير من العلماء قالوا: يشترط القبض، فلا يلزم إلا بالقبض، فإذا قلت -مثلاً-: أرهنك العشرة الأكياس التي عندي في بيتي فلم يقبضها المرتهن فإنك تقدر على بيعها، أما إذا استلمها وأودعها في بيته أو في مخزنه فإنك لا تقدر على بيعها حتى توفي الدين، أو تباع ويوفى الدين منها، والدليل قوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] ، فدل على أنه لا بد من قبضها. أو أخرجه المرتهن إلى الراهن بطل اللزوم، فلو قال الراهن: أنا رهنتك الكتاب الفلاني وأنا محتاج إليه، فأعطنيه لأطالع فيه وأقرأ فيه فدفعته إليه بطل الرهن، وجاز له أن يبيعه، أو قال -مثلاً-: أعطني السيف لأقاتل به فأعطاه بطل رهنه وجاز له أن يبيعه، وآخرون قالوا: لا يشترط القبض. وفي هذه الأزمنة يكتفون بقبض الوثائق ونحوها، فإذا رهنه السيارة قال: أعطني رقمها الذي يسمى الاستمارة، فيقبض وثيقتها هذه حتى لا يتمكن من بيعها؛ لأنه يقول: الرهن يبقى -مثلاً- نصف سنة، فهل من المصلحة أن نعطل السيارة واقفة نصف سنة أو سنة؟ ليس هذا من المصلحة، بل نستغلها، فإن إيقافها ينقص قيمتها، وهكذا لو رهنك داراً، فهل من المصلحة أن تغلق الدار سنة أو سنتين حتى يوفيك الدين؟ ليس من المصلحة إضاعة منفعتها، بل عليه أن يؤجرها أو نحو ذلك، فعرف بذلك أنه لا يشترط القبض بل يكفي قبض الوثيقة، قبض ما يسمى بحجة الاستحكام أو ما يسمى بالاستمارة.

عدم الانتفاع بالرهن إلا ما استثني

عدم الانتفاع بالرهن إلا ما استثني يقول: [وتصرف كل منهما فيه بغير إذن الآخر باطل إلا عتق راهن] ، فلا يجوز للراهن أن يبيع العين المرهونة؛ لأنه يبطل حق المرتهن، ولا يصح للمرتهن أيضاً أن ينتفع بها، فلا يلبس الثوب المرهون ولا يستعمل الأشياء المرهونة استعمالاً يضر بها. ويقولون: إذا كان الرهن مما يخشى فساده فإنه يباع، فلو رهنه شيئاً يفسد كالفواكه ونحوها فله أن يبيعها ويحتفظ بثمنها أو يقتضيه من دينه. وكذلك التصرفات مثل البيع والهبة والوقف، فلو قال الراهن: قد وقفت هذه الدار بطل الوقف، وكذلك لو قال: قد وقفت هذا الكتاب المرهون أو هذه الأسلحة المرهونة بطل الوقف؛ لأنه قد تعلق بها حق للغير، وكذلك الهبة، فلو قال: وهبتك الكيس الذي هو عند فلان رهن لم تصح الهبة، وأشباه ذلك، واستثنوا من ذلك العتق فإنه يصح، فإذا كان الرهن عبداً وأعتقه الراهن هل يصح العتق أم لا؟ المؤلف يرى أن عتق الراهن يصح، وتؤخذ قيمته منه رهناً، والقول الثاني أنه لا يصح، وذلك لأنه تعلق به حق للمرتهن، فكيف يبطل حق غيره؟! فلو كان عنده قيمة لأوفى بها الدين، فإذا أعتقه فمن أين تؤخذ القيمة؟! فقد يقول: ما عندي شيء أرهنه أو أدفعه قيمة ولكنهم قالوا: تؤخذ قيمته ولو أمتعة، أو كان عنده عبد آخر جعل بدله، ولو كان عنده -مثلاً- سيارة أو دواب من الأنعام أخذها رهناً مكانه. وقوله: [وهو أمانة في يد مرتهن] أي: الرهن فإذا كان المرتهن قد قبضه فإنه أمانة عند المرتهن، فلو تلف عنده ذهب على الراهن، فيكون من ضمان الراهن كما أن منفعته للراهن، فلو أجر البيت فأجرته للراهن، ولو احتاج الرهن إلى أجرة فهي على الراهن، فإذا كان الرهن بعيراً فعلفه على الراهن، وكذلك أجرة الراعي على الراهن، وإذا كان الرهن أكياساً تحتاج إلى مخزن فاستأجر له مخزناً فالأجرة على الراهن، وإذا زاد فزيادته للراهن، فإذا ولدت الشاة فولدها رهن معها، وثمرة الشجرة رهن معها، وأجرة الدار رهن معها، وإذا نقص فنقصه على الراهن، وهكذا. وإن رهن عند اثنين فوفى أحدهما انفك نصيبه، فإذا رهن شاة عند اثنين، اشترى من هذا ثياباً واشترى من هذا طعاماً وقال: الشاة رهن عندكما. ثم إنه أوفى واحداً منهما جاز أن يبيع الآخر نصف الشاة، وذلك لأنه قد أوفى نصفها فانفك في نصيبه، وكذلك العكس، فإذا كانت مثلاً شاة لاثنين، وجاءا إليك وقالا: هذه شاتنا ونحن بحاجة. فاشترى أحدهما طعاماً بمائة واشترى الآخر ثياباً بمائة وقالا: نرهنك هذه الشاة التي هي بيننا نصفان. فأوفى أحدهما نصيبه جاز أن يتصرف بنصف الشاة. وكذلك لو كان مما ينقسم، فلو اشترى أحدهما فواكه والثاني اشترى لحماً ورهناك هذا الكيس وهو بينهما نصفان فأوفى أحدهما دينه وقال: أعطني نصفي فإنك تقسمه وتعطيه نصفه، والنصف الثاني يبقى للآخر.

الأسئلة

الأسئلة

إعارة الخادم للخدمة

إعارة الخادم للخدمة Q بعض الناس يقرض خادمة أو يقترض خادمة من صديق له لمدة ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر نظراً لحاجته إليها واستغناء كفيلها عنها، فهل هذا جائز؟ A الخادمة هذه ليست مملوكة، وإنما هي كالأجير، فأنت تستأجر إنساناً ويسمى الأجير الخاص مدة شهر يخدمك بألف ريال، ثم قد تستغني عنه لسفرك أسبوعاً فتأجره وتقول: يا فلان! أجرتك خادمي هذا ليخدم عندك وإن لم يكن بمثل خدمته عندي. فيجوز ذلك، أو تعيره وتقول لصديقك: يخدم عندك هذا الأجير وقت حاجتك ثم ترده إلي. ويكون عمله عنده في العمل الذي يحسنه ويعمله عندك بشرط الأمانة، وبشرط أن لا يكون هناك خطر.

رهن الرهن

رهن الرهن Q هل يجوز رهن العين المرهونة؟ A يقول العلماء في تعليل منع ذلك: المشغول لا يشغل. فإذا كانت مرهونة فلا ترهن مرة ثانية حتى للمرتهن، فلو أن خالداً ارتهن هذا الكيس من مدينه بمائة، والكيس قد يساوي خمسمائة، ثم إن صاحبه استدان من آخر مائة أخرى وقال: رهنتك الكيس الذي عند خالد ففي هذه الحال الكيس قد انشغل بالمائة الأولى التي لخالد، فيقولون: المشغول لا يشغل. فلا يرهنه آخر وقد تعلقت به الديون الأولى، ولو كان يقاوم ذلك.

إعارة كلب الصيد

إعارة كلب الصيد Q هل يجوز إعارة كلب صيد؟ A تجوز إعارته، وذكروا في باب الغصب أنه إذا غصب كلب صيد فإنه يرده، ويكون استحقاقه له، فكلب الصيد الذي بيده هو أملك به؛ لأنه صاحبه، وله أن يعيره، وأما الإجارة والبيع فلا.

مسألة ضع وتعجل

مسألة ضع وتعجل Q علي دين عشرة الآلف ريال مؤجلة، وقلت لصاحب الدين: أعطيك تسعة آلاف نقداً وتسامحني في ألف، فهل هذا جائز؟ A هذه مسألة (ضع وتعجل) ، فإذا وجدت الدين قبل أن يحل أجله فهل يجوز لك أن تقضيه قبل حلول أجله ويسقط عنك بعضه؟ في ذلك خلاف، والأقرب أنه جائز، ولا يسمى بيع أجل كما يقول ذلك من منعه، وإنما يكون هذا من باب الإسقاط، كأنه أسقط شيئاً من الدين، وكأنه أحسن إليك بهذا الإسقاط.

حكم قرض من يريد المال لحرام

حكم قرض من يريد المال لحرام Q هل يصح أن أمتنع عن إقراض من جاءني ليقترض مني ليستخدمه في حرام؟ A نعم. لك أن تمتنع من إقراضه ومن الصدقة عليه إذا عرفت أنه يدفع المال في حرام، كأن يشتري به آلات لهوٍ كأفلام مثلاً، أو أجهزة يغلب عليها الحرام، أو يشتري خمراً أو دخاناً، فلا تقرضه.

رد القرض بنفس العملة ولو رخصت

رد القرض بنفس العملة ولو رخصت Q اقترضت من شخص ألف جنيه سوداني قبل خمس سنوات، وكانت مبلغاً كبيراً آنذاك، والآن لا تساوي شيئاً، فهل أردها له ألف جنيه سوداني أم أقارنها بالعملات الأجنبية التي لم تتغير قيمتها؟ A تردها كما اقترضت، فإذا اقترضت ألف جنيه سوداني فترد ألف جنيه سوداني؛ لأنه ما يزال الاستعمال بها جارياً، ولو نقصت قيمتها بالنسبة إلى الريال السعودي.

إيجار البيت للوالد

إيجار البيت للوالد Q أنا شاب متزوج، ولدي أولاد، وقد اشتريت منزلاً في خارج الرياض بعد ديون وبيع سيارة وغيرها، ثم انتقلت إلى الرياض لطبيعة عملي، واستأجرت منزلاً بأحد عشر ألف ريال، ولما أردت أن أؤجر المنزل الذي اشتريته في بلدي قال والدي: سوف أستأجر منك البيت. قلت: لا بأس. وخصمت نصف قيمته، ومضى إلى الآن ما يقارب السنتين ولم يعطني ريالاً واحداً، مع أن المال متوفر عنده، ولكنه يصرفه في أمور كمالية كفرش وغيره في أقل من سنة، وقد يصرفه في أمور محرمة كشراء دش وغيره، وكل هذا ليس في المنزل الذي فيه والدتي؛ لأنه متزوج بأخرى، مع النظر إلى قلة مرتبي وحاجتي إلى المال، وراتبي ضعيف، فهو ألفا ريال فلا يكفيني للمعيشة، فكيف وعلي ديون أخرى، والإيجار حال علي، فبم تنصحونني؟ A أنت ومالك لأبيك، وننصحك بأن تطلب منه برفق وتقول: يا والدي! إنني بحاجة، وأريد أن أبيع هذا البيت لأوفي منه ديني وأدفع منه حاجاتي، أو أؤجره وأطلب من المؤجر أن يدفع لي الأجرة لأستأجر بها في الرياض أو غير ذلك، تطلب منه برفق؛ لأن الوالد له أن يتملك من مال ولده الأشياء التي لا تتعلق بها حاجة الولد ما لم يضره أو كان يحتاجه.

العلة في عدم جواز إقراض العبد

العلة في عدم جواز إقراض العبد Q ما هي العلة في عدم إقراض العبد؟ A يقال: لأنه قد لا يوجد مثله؛ لأن الآدميين يختلفون، فيختلفون في السن، ويختلفون في الأخلاق، ويختلفون في الديانة، ويختلفون في الأمانة، وما أشبه ذلك. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [35]

شرح أخصر المختصرات [35] الاستيثاق في الحقوق أمر تدعو إليه حاجة الناس، خصوصاً عند خراب الذمم، ولهذا الاستيثاق صور شرعية معينة؛ كالرهن، والضمان، والكفالة، وكل واحد منها له خصوصيته وأحكامه في الشرع.

بيع الرهن إذا حل الدين ولم يحصل الوفاء

بيع الرهن إذا حل الدين ولم يحصل الوفاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فإن كان إذن لمرتهن في بيعه باعه، وإلا أجبر على الوفاء أو بيع الرهن، فإن أبى حبس أو عزر، فإن أصر باعه حاكم ووفى دينه، وغائب كممتنع، وإن شرط أن لا يباع إذا حل الدين، أو إن جاءه بحقه في وقت كذا وإلا فالرهن له بالدين لم يصح الشرط، ولمرتهن أن يركب ما يركب ويحلب ما يحلب بقدر نفقته بلا إذن، وإن أنفق عليه بلا إذن راهن مع إمكانه لم يرجع، وإلا رجع بالأقل مما أنفقه، ونفقة كفله إن نواه، ومعار ومؤجر ومودع كرهن، ولو خرب فعمره رجع بآلته فقط. فصل: ويصح ضمان جائز التصرف ما وجب أو سيجب على غيره لا الأمانات بل التعدي فيها، ولا جزية، وشرط رضاء ضامن فقط، ولرد حق المطالبة من شاء منهما، وتصح الكفالة ببدن من عليه حق مالي، وبكل عين يصح ضمانها، وشرط رضاء كفيل فقط، فإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى قبل طلب برئ، وتجوز الحوالة على دين مستقر إن اتفق الدينان جنساً ووقتاً ووصفاً وقدراً، وتصح بخمسة على خمسة من عشرة وعكسه، ويعتبر رضا محيل ومحتال على غير مليء] . الحكمة من شرعية الرهن التوثق لصاحب الدين، حتى إذا حل دينه ولم يوفه الراهن تمكن من بيع الرهن وأخذ دينه من ثمنه، وورد في الحديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) يعني أن الرهن لا يخرج من ملك الراهن، بل هو باق في ملكه فله غنمه وعليه غرمه، وغنمه فائدته، فإذا أجر الرهن وكان سيارة أو بيتاً فإن الأجرة للراهن، وكذلك لو كان له ثمرة كحمل شجر مرهون أو ولد بهيمة مرهونة فإنه للراهن؛ لأنه لم يخرج من ملكه، وكذلك عليه غرمه، فعليه أجرة مخزنه إذا احتاج إلى خزانة، وعليه نفقته وأجرة الرعاة ونحوهم (له غنمه وعليه غرمه) . فإذا حل الدين فإن المرتهن يطالبه ويقول: أوف الدين فإذا امتنع من الوفاء وأصر ولم يوف، أو عجز عن الوفاء، فلا يخلو إما أن يكون الراهن قال للمرتهن: إذا حل الدين ولم أوفك فلك أن تبيع الرهن وتستوفي دينك فيبيعه ويأخذ دينه ويرد باقي ثمنه على الراهن. وكذلك إذا كان قد وكل وكيلاً أن يبيعه عند حلول الدين ويعطي المرتهن دينه ويعطي بقيته للراهن؛ لأنه عين ماله، وكل يستحق ما يستحقه، فيبيعه ذلك الوكيل. فإن امتنع من بيعه ولم يأذن للمرتهن ولم يوكل ففي هذه الحال يتدخل الحاكم فيجبره على الوفاء أو بيع الرهن، فيقول: إما أن توفي دينك وتأخذ عين مالك الذي هو الرهن، وإما أن تبيع عين المرهون وتوفي الدين من قيمة الرهن. فإذا امتنع من البيع وامتنع من الوفاء وامتنع من التوكيل تدخل الحاكم حينئذ فحبسه أو عزره بتعذيب أو نحوه إلى أن يوفي دينه أو يبيع الرهن، فإن أصر ولم يتأثر بالحبس تدخل الحاكم وباعه ووفى الدين، والحاكم في هذا الموضع هو القاضي، ومعلوم أن القاضي في هذه الأزمنة ليس هو الذي يتولى ذلك بنفسه غالباً، ولكنه يحكم فيقول: بصفة أن فلاناً امتنع عن الوفاء، وامتنع من بيع عين الرهن، وامتنع من التوكيل على بيعه فقد حكمت ببيعه واستيفاء الدين للمرتهن. والذي إليه التنفيذ هو أمير البلد، فيقوم بتنفيذه، فيبيعه ويوفي الدين، ويحفظ بقية ثمنه لصاحبه الراهن.

الغائب كالممتنع

الغائب كالممتنع قال: [وغائب كممتنع] . إذا كان الراهن غائباً بعيداً بحيث لا يدرى أين هو، فهل هو متغيب أو مستخف، أو بعيد لا تصله المكالمات والخطابات، وحل الدين ويوجد رهن فالشرع نهى عن الضرر، ولا شك أن المرتهن سيتضرر بتأخير وفائه حقه، فللحاكم أن يتدخل ويحكم ببيع العين المرهونة لحلول الدين ولغيبة المالك، فإذا حكم بذلك فالذي ينفذه أمير البلد الذي يكون منفذاً للأحكام.

الشروط الباطلة في الرهن

الشروط الباطلة في الرهن هناك شروط باطلة في الرهن، فإذا شرط أن لا يباع إذا حل الدين فالشرط باطل؛ لأنه ما الرهن إلا وثيقة، وإذا كان وثيقة فإنه عند حلول الدين يباع، وكونه بشرط أن لا يباع فيقول: رهنتك هذه الأكياس في مائة ريال بشرط أنك ما تبيعها، أو هذا الثمر مثلاً، أو هذا الكتاب، أو هذا الثوب بشرط أنك ما تبيعه إذا حل الدين فما الفائدة؟ هذا شرط باطل، وإذا حل الدين فإنه يباع إذا امتنع من الوفاء. وكذلك لو شرط: إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالرهن لك مقابل الدين. فالشرط أيضاً باطل، وذلك لأن الرهن داخل في ملكية الراهن، فكونه يقول: الرهن لك بدينك يخالف النص الذي ذكرنا، وهو قوله في الحديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) فلا يملكه المرتهن، ولو كان الرهن ثوباً والدين عشرين، ولما حل الدين ولم يوفه عرض للبيع بالمزاد العلني، فاشتراه المرتهن وقال: أشتريه. وما زاد أحد عليه، فاشتراه بدينه الذي هو عشرون أو أكثر أو أقل جاز ذلك؛ لأنه ما عرض للبيع إلا للمزيد، فالمرتهن رأى أنه أحق به أو أنه يساوي هذه القيمة.

للمرتهن ركوب ما يركب، وحلب ما يحلب بقدر نفقته

للمرتهن ركوب ما يركب، وحلب ما يحلب بقدر نفقته قال: [وللمرتهن أن يركب ما يركب وأن يحلب ما يحلب بقدر نفقته بلا إذن] . هذه مسألة خلافية، ذهب الإمام أحمد إلى أنه يركب البعير المركوب، وتحلب الشاة المرهونة التي فيها لبن مقابل نفقته على البعير وعلى الشاة، واستدل بحديث صحيح مروي عند البخاري والإمام أحمد، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الظهر يركب إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) ، فالإمام أحمد قال: لا عذر لنا في ترك هذا الحديث، فإنه حديث ثابت -والحديث صحيح في صحيح البخاري- فكيف لا نعمل به؟! وأما الأئمة الثلاثة فخالفوا في ذلك وقالوا: لا يركبه إلا بأجرة مثله، ولا يحلب الشاة المرهونة أو البقرة إلا بأجرة مثلها. فيقولون: في هذه الحال إذا أنفق على البعير حسب النفقة عليه وزادها في الدين وقال: إني دفعت أجرة الراعي -مثلاً- كل شهر ثلاثين، وإني اشتريت له علفاً كل شهر بثلاثين فهي ستون يضيفها إلى دينه، وإذا باعه فإنه يأخذها من الراهن أو يطلبها من الراهن، فإذا احتاج وركب البعير -مثلاً- حسب أجرته، فإن ركب من كذا إلى كذا وأجرة مثله خمسون أو مائة يسقطها من دينه أو يسقطها من النفقة، هكذا ذكروا. فإذا كان الرهن بعيراً، فقديماً كانوا يركبونه لا يجدون ما يركبون غيره قبل وجود المراكب الجديدة، وكذلك الحصان والحمر الأهلية، فالإبل والخيل والحمر والبغال تركب، وكذلك السفن والزوارق تركب، فإذا ركبها فإنه يحسب لها أجرة، ويسقطها من دينه، هذا عند الأئمة الثلاثة، وأما عند الإمام أحمد فإذا كان ينفق على الفرس أو على الحمار أو البغل أو البعير فركبه فإن ركوبه يكون مقابل النفقة، وإذا كان ينفق على الشاة أو البقرة أو الناقة وفيها لبن فيقول الإمام أحمد: يشرب لبنها، ويكون مقابل النفقة والأئمة الثلاثة يعملون بالحديث الذي ذكرنا: (لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه وعليه غرمه) فغرمه النفقة عليه، وغنمه لبنه أو أجرة ركوبه، والإمام أحمد جعل هذا مستثنى، وقد برر بعضهم مذهب أحمد فقال: إذا كان الرهن يشترط قبضه ولابد أن يكون في يد المرتهن كما إذا كان من الإبل فهذه الإبل فيها منفعة، فالناقة فيها لبن مثلاً، والبعير يركب، فلا تضيع هذه المنفعة، بل يحرص على استغلالها، وقد يشق عليه أن يستأذن المالك كلما أراد أن يشتري لها علفاً، ولا يجوز تركها بلا علف، وذلك لأنها محترمة، وإذا لم تعلف فإنها تموت، وكذلك أيضاً إذا كان فيها منفعة الركوب فلا تضيع منفعتها، فيكون إنفاقه بقدر ركوبه، وركوبه وإنفاقه متقاربان، فيركب البعير وينفق عليه، وكذلك ينفق على البقرة أو الناقة ويشرب لبنها، والأمران متقاربان، وكذلك الشاة ينفق عليها ويشرب لبنها ويكون اللبن مقارباً لعلفها ونحو ذلك، ولكل اختياره، وكل منهما عمل بحديث، فالإمام أحمد عمل بحديث خاص، وقال: هذا يخصص الأحاديث العامة، وهو حديث: (الظهر يركب إذا كان مركوباً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يشرب ويركب النفقة) فلا عذر عن العمل بهذا الحديث.

الإنفاق على الرهن بغير إذن الراهن

الإنفاق على الرهن بغير إذن الراهن قال: [وإن أنفق على الرهن بلا إذن الراهن مع إمكانه لم يرجع] . إذا كان الرهن يحتاج إلى نفقة، وكان -مثلاً- ليس فيه منفعة، مثل الثور فإنه لا يركب ولا يحلب ولكن يحتاج إلى نفقة العلف، فأنفق عليه بلا إذن مع إمكان أن يستأذنه فإنه لا يرجع، فإذا أذن له الراهن وقال: أنفق عليه واحسب علي نفقته وصار ينفق عليه كل يوم بريال علفاً فإنه يرجع به على الراهن، وأما إذا لم يستأذن مع قدرته على الاستئذان فلا يرجع، بل يذهب عليه ما أنفقه، وذلك لأنه أنفق عليه حماية لماله، يقول: لو لم أنفق عليه فإنه سيموت، وإذا مات ضاع مالي، فأنا ما حفظته إلا كوثيقة لعله إذا حل ديني أبيعه وأستوفي من ثمنه ديني. وهكذا إذا أنفق على الرهن وهو ليس حيواناً، مثل شجر يحتاج إلى سقي، فأنفق عليه مع إمكان استئذان الراهن فلا يرجع، وكذلك لو كان الرهن شيئاً يسرع فساده كالخضار مثلاً، ففي هذه الحال يبيعه إذا خشي أن يفسد ويحتفظ بثمنه، فيبيع الفواكه ويبيع الخضار إذا خشي أنها تتلف، وكذلك لو كان الرهن مثلاً أكياساً وكانت في مستودع بأجرة، فإن الأجرة على الراهن، فلو خشي أن هذا المستودع يسقط فأتى بعمال ونقلوه من هذا المكان إلى مكان آخر مأمون ففي هذه الحال عليه قبل ذلك أن يستأذن الراهن ويقول: ائذن لي أن آتي بعمال وآتي بحمالين ينقلونه حتى لا يذهب؛ فإني أخشى عليه من سيل -مثلاً-، أو من غرق، أو من هدم. فإذا نقله ولم يستأذن المالك فلا أجرة له، ولا يرجع بهذه النفقة، أما إذا لم يقدر على الاستئذان، كما لو كان الراهن بعيداً ولا يمكن استئذانه، أو جاء أمر باغت كسيل -مثلاً- وكان لا بد أن ينقل هذا المستودع إلى مكان آخر قبل أن يدخل عليه السيل، أو وقع حريق مثلاً وخشي أن يناله فنقله إلى مكان آخر واستأجر عمالاً، ففي هذه الحال يرجع، وبأي شيء يرجع؟ يرجع بالأقل مما أنفق، أو من أجرة المثل أو نفقة المثل، فإذا قال: إني استأجرت عمالاً خوف الحرق والغرق بمائتين حتى لا يتلف المال فنظرنا وإذا أجرة النقل العادية لا تزيد عن مائة فنقول: إنك تسرعت، ولو طلبت من ينقله بمائة لوجدت، فأنت تسرعت فلك مائة وإن وجدنا أنه لا ينقل مثله إلا بثلاثمائة وقد نقله بمائتين فليس له إلا المائتان، ولا يقول: إني أستحق ثلاثمائة؛ لأنك ما دفعت إلا مائتين وفي هذه الحال أيضاً لا يرجع إلا إذا أنفقه وفي نيته أن يرجع إلى الراهن، وأما إذا لم ينو فلا حق له في الرجوع.

المعار والمؤجر والمودع كالرهن

المعار والمؤجر والمودع كالرهن قال: [ومعار ومؤجر ومودع كرهن] . يعني: مع النية. فالعارية ليس لها أجرة، وصاحبها محسن إليك، فإذا أعارك -مثلاً- كتاباً وهو أوراق متفرقة، ولكنك أنفقت عليه وأتيت بمن رتبه ومن أصلح ما فيه من الأخطاء ومن خاطه ومن غلفه بغلاف جيد حتى لا يبلى فهذه النفقة على هذا الكتاب لا ترجع فيها إلا إذا لم يمكنك أن تستأذن، كأن يكون صاحبها الراهن غائباً، وخشيت على الأوراق أن تأكلها الأرضة مثلاً، أو أن يتمزق الكتاب أو يتلف، فأردت أن تنفق عليه حتى يبقى، ولم تقدر على استئذان المالك، وهو عارية عندك، فأعطيته الكتاب فجلده لك فلك أن ترجع إذا كنت ناوياً الرجوع، وبأي شيء ترجع؟ بالأقل مما أنفقته أو من أجرة المثل، فإذا كان الناس يجلدون الكتاب بعشرين وأنت جلدته بثلاثين فليس لك إلا العشرون، وإذا كانوا يجلدون العشرين وأنت وجدت من يجلده بعشرة فليس لك إلا العشرة؛ لأنها التي أنفقتها. وهكذا العارية إذا احتاجت إلى نفقة، أعارك إنسان مثلاً شاة لتحلبها، ثم انتهى اللبن الذي فيها ولم تجد صاحبها لتردها إليه، وأنفقت عليها أجرة الراعي وقيمة العلف، فإن نويت أن ترجع فلك الرجوع، وإن لم تنو وتبرعت بالنفقة فليس لك الرجوع، وإذا نويت الرجوع فلا ترجع إلا بالأقل من نفقة المثل أو ما أنفقته، فإذا كانت نفقة المثل في الشهر عشرة وأنت أنفقت عشرين فليس لك إلا عشرة، وإذا كانت نفقة المثل عشرة، وأنت أنفقت خمسة فليس لك إلا الخمسة، وكذلك المؤجر، فلو استأجرت سيارة لمدة يومين، وبعد ما استأجرتها احتاجت إلى تغيير زيت مثلاً أو احتاجت إلى تشحيم مثلاً، أو احتاجت إلى أدوات ففي هذه الحال لا تنفق عليها إلا بإذن الراهن، فإن لم تستأذنه وأنفقت عليها وأنت تقدر على الاستئذان فلا أجرة لك، وإن لم تقدر على استئذانه فإنك تستحق ما أنفقته أو أجرة المثل على الأقل منهما. وهكذا الوديعة التي يودعها عندك إنسان لتحفظها، فإذا أنفقت على الشاة الوديعة، أو أنفقت على الكتاب، أو أنفقت على البر كأن خشيت عليه الآكلة فطحنته -مثلاً- أو اشتريت له أكياساً لتحفظه، أو نقلته إلى الشمس حتى تموت الدابة التي فيه وخسرت عليه -مثلاً- عشرة، فإن كنت نويت الرجوع عليه فإنك ترجع، وإن كنت لم تنو فلا ترجع، ويكون الرجوع كما ذكرنا بالأقل مما أنفقته من أجرة المثل.

حكم الرهن إذا خرب فعمره المرتهن

حكم الرهن إذا خرب فعمره المرتهن قال: [ولو خرب الرهن فعمره رجع بآلته فقط] . إذا كان الرهن داراً فعمره وركب عليه أبواباً ونوافذ -مثلاً- وعمره ببلاط أو بلبن بلك أو لبن الطين المعروف قديماً ففي هذه الحال يرجع بآلته فقط، يرجع باللبن البلك أو الطين، ويرجع بالبلاط إذا أمكن قلعه مع عدم تأثره، ويرجع بالأبواب وبالنوافذ -مثلاً- وبالأنوار والمكيفات وما أشبهها، وبالفرش وما أشبهها، يرجع بعين ماله، فإذا قال: أنا أعطيت العمال أجرة على هذا قلنا: ليس لك ذلك، لا تعمره إلا بإذن المالك.

الضمان

الضمان الفصل الذي بعد الرهن فيه ثلاثة أبواب: باب الضمان، وباب الشهادة، وباب الحوالة، وجمعها المؤلف في فصل واحد لتقاربها. والضمان: مشتق من الضمن، وكون شيء في ضمن شيء أي: في جملته. ويعرفونه اصطلاحاً بأنه: التزام جائز التصرف ما وجب على غيره وما قد يجب. فقولهم: (التزام جائز التصرف) يعني الحر المكلف الرشيد، (ما وجب على غيره) من الأموال ونحوها، (وما قد يجب) كأن يقول لصاحب البقالة: دين فلان الذي لك أنا أضمنه، أنا ضامن له، فإذا لم يوفك فاطلبني. أو قال لصاحب البقالة -مثلاً- ما أخذ منك فلان أو استدان فأنا ضمين به. ففي هذه الحال يصح الضمان، ويكون ضامناً.

خطورة الضمان

خطورة الضمان لابد أن يكون الضمان من جائز التصرف، وهو الحر المكلف الرشيد، فلا يضمن الصغير، ولا يضمن السفيه، ولا يضمن المملوك، ولا شك أن الضامن يكلف نفسه، وأنه قد يتضرر؛ لأن الضامن إذا لم يوف المضمون عنه فإنه يطالبه صاحب المال فيقول له: إما أن يوفيني المضمون عنه وإما أن توفيني، فديني أنت الذي ضمنته. وقد يعجز المضمون عنه، فيكلف الضامن ويقال: إما أن تضمن وإلا حبست. وهذا يدل على أن الضمان فيه مخاطرة، وقد يؤدي إلى حبس الضامن، ولذلك ذكر العنقري في حاشيته على الروض بيتاً يقول فيه: ضاد الضمان بصاد الصك ملتصق فإن ضمنت فحاء الحبس في الوسط فكم من ضامن تعرض للحبس مع أنه محسن، يقول: أحسنت إلى رفيقي وصديقي لما قال: اضمني في دين علي فاستحييت منه فضمنته، وكان الدين كثيراً وكنت أعهده صاحب وفاء وأعهده من أهل الأمانة، ولكن أخلف ظني فهرب بالدين الذي في ذمته، أو عجز وأصبح مفلساً لا يستطيع. وفي هذه الحال يرجعون إلى الضامن ويقال: أنت الذي التزمت بوفاء الدين.

اشتراط الأهلية في الضامن

اشتراط الأهلية في الضامن قال رحمه الله تعالى: [يصح ضمان جائز التصرف] . أي: الحر المكلف الرشيد. فلا يضمن العبد؛ لأنه ليس له مال، ولا يضمن المجنون؛ لأنه لا يتصرف، ولا الصغير؛ لأنه غير مكلف، ولا المحجور عليه الذي ماله محجور عليه، ولا السفيه الذي ماله محجور عليه لسفهه. قوله: (ما وجب) أي: ما قد ثبت من الدين. [وما سيجب] أي: ما سوف يأخذه. كأن تقول -مثلاً- لصاحب الدكان: دينك الذي لك على فلان أنا أضمنه، والذي سوف يأخذه فلان أنا أضمنه.

حكم ضمان الأمانات

حكم ضمان الأمانات قال رحمه الله: [ولا يصح ولا يشترط ضمان الأمانات بل التعدي فيها] . ضمان الأمانات لا حاجة إليه، والأمانة: هي الوديعة التي يودعها صاحبها عند من يحفظها. سواءٌ أكانت من النقود أم من غيرها، فإذا أودعت عند إنسان ألفاً فلا تحتاج إلى ضمان، ولا تقول: أودعك بشرط أن تأتيني بضمين. فإنه سيقول: أنا متبرع بحفظها. فكيف أضمنها؟ وكيف آتي بضمين؟ لو تلفت عندي وأنا ما فرطت فيها فإني لا أضمنها، فلا مصلحة لي في حفظها، أنا أحفظها لك تبرعاً، فإن أردت ذلك وإلا فأودعها عند غيري. وكذلك لو أودعت عند إنسان أكياساً أو طعاماً أو ثياباً أو قدوراً أو أواني فهو متبرع بحفظها ليحفظها لك مجاناً وديعة أو أمانة، فكيف تقول: ائتني بضمين يضمنها لي إذا تلفت عندك؟ فإنه يقول: خذها ولا تودع عندي شيئاً إذا كنت تطلب مني ضميناً. فالأمانات إذا تلفت لا تضمن إلا في حالتين: إذا فرط، أو تعدى، والتفريط هو الإهمال، والتعدي هو الاستعمال، فهذا المودع حفظ الوديعة في حرز مثلها ثم سرقت أو احترقت، فلا ضمان عليه، لكن إن فرط: فترك الأبواب مفتوحة، وجاء لص واختطفها فهذا التفريط يضمن به، مثلاً: أودعته شاة فأهملها حتى افترسها السبع، فإنه يضمن؛ لأنه في هذه الحال فرط، وفي هذه الحال لك أن تطلب ضميناً، فتقول: ائتني بضمين عن التفريط. والتعدي هو الاستعمال، فإذا أعطى مفاتيح السيارة لأحد الأولاد وهي مودعة، ثم حصل حادث وتكسرت فإنه يضمنها المودع، وفي هذه الحال لصاحبها أن يطلب ضميناً فيقول: ائتني بضمين، فإذا استعملتها أنت أو أحد أولادك فإنك تغرم قيمتها أو تغرم إصلاحها وهكذا لو لبس الثوب، أو حل وثاق الدهن فانسكب، أو فتح باب المخزن فدخلت البقر أو نحوها فأكلت من البر أو من التمر مثلاً، أو طبخ في القدر فاحترق ففي هذه الحال يضمن، وفي هذه الحال لصاحبها أن يطلب ضميناً فيقول: أريد ضميناً عن التعدي فيها. ولا تضمن الجزية التي هي ضريبة تؤخذ على الذمي من اليهود أو النصارى أو المجوس، فتؤخذ منهم الجزية، ولكن هل يقال لصاحبها: ائتنا بضمين؟! لا يلزم؛ لأن الجزية تسقط عن الفقير كما ذكر في كتاب الجهاد.

اشتراط رضا الضامن

اشتراط رضا الضامن يشترط رضا الضامن فقط، فالضامن متبرع فيشترط رضاه، فلا يجوز إجباره على الضمان، بل لا يضمن إلا برضاه وبموافقته، أما المضمون عنه فلا يشترط رضاه، فلو قال -مثلاً-: لا أرضى أن فلاناً يضمني. وقال الضامن: أنا أضمنه ولو لم يرض فقد يقول: ما أحب أن يكون له منة علي، فلا أحب أن يضمني ولكن صاحب المال قال: لا أطلقك إلا بضمين. فجاء هذا الضامن وقال: أنا أضمنه ولو لم يرض. ورضي الضامن ورضي المضمون له فيصح الضمان وإن لم يرض المضمون عنه. قال: [ولرب الحق مطالبة من شاء منهما] . صاحب الدين له أن يطالب المضمون عنه، وله أن يطالب الضامن، وذلك لأن الحق استهلكه المضمون عنه وتحمله الضامن، فإذا حل الدين جاء إلى المضمون عنه وقال: حل الدين الذي في ذمتك، فأعطني ديني. فإذا ماطل وأخر الوفاء أو كان معسراً رجع إلى الضامن وقال: أنت ضمنت ديني، وفلان ما أوفاني، فأنا أطالبك لأنك التزمت بالوفاء وقلت: إذا لم يوفك فإني أوفي عنه. فله مطالبة من شاء منهما، وإذا مات المضمون عنه فإن أوفى ورثته فله مطالبتهم وله مطالبة الضامن، ولو مات الضامن فله أن يطالب ورثته ويقول: إن مورثكم ضمن ديني عند فلان. وإذا قال للضامن: أعفيتك من الضمان فهل يسقط الدين؟ A لا يسقط؛ لأن الدين في ذمة المضمون عنه، أما إذا قال للمضمون عنه: أعفيتك من الدين فإنه لا يطالب الضامن، فإذا سقط الدين الذي في ذمة المضمون عنه فلا حاجة إلى الضمان، وإذا برئت ذمة المضمون عنه برئت ذمة الضامن، وأما إذا أبرأ الضامن فإن المضمون عنه يبقى مطالباً.

الكفالة

الكفالة الكفالة: هي التزام إحضار من عليه حق مالي من جائز التصرف. فالكفالة تتعلق بالأبدان، وأما الضمان فإنه يتعلق بالذمة، والحقوق التي تلزم الإنسان إما أن تكون حقوقاً مالية وإما أن تكون حقوقاً بدنية، فالحق المالي مثل الديون والأمانات والعواري ونحو ذلك، فإذا قال -مثلاً-: أعرني الثوب، أو القدر أطبخ فيه، أو السيارة أركبها، أو البعير أركبه، أو الشاة أحلبها فقال: لا بد من كفيل فيصح، وذلك لأن هذا حق مالي، فلو أن الكفيل عجز عن إحضار المكفول فإنه يطالب، فيقال: إما أن تحضر لنا السيارة التي ضمنت صاحبها، وإما أن تغرم قيمتها، وكذلك الثوب أو ما أشبه ذلك، فيطالبونه إما بإحضار المال وإما بالغرامة، وإما بإحضار المستعير أو المستدين، يقولون: أحضر غريمنا حتى تبرأ وإلا طالبناك بما عليه، أما إذا كان عليه حق بدني فلا تصح الكفالة، والحق البدني كأن يكون عليه مثلاً حد قذف الآدمي، أو حد جلد في زنا، أو حد سرقة بقطع اليد، أو حد قصاص بقتل النفس بالنفس. فقال: من يكفلني؟ أمهلوني أذهب يوماً أو يومين حتى أوصي أو أعهد، فمن يكفلني؟ فهل يصح أن يكفله أحد؟ لا يصح؛ لأنه لو لم يحضره الكفيل فهل نقتل الكفيل ونقول: النفس بالنفس؟! الكفيل ليس هو الجاني، وهل نقطع يده. ونقول: أحضره وإلا قطعنا يدك؟ الكفيل ليس هو السارق، فلا تجوز الكفالة في الحقوق البدنية مثل حد الزنا وحد القصاص وحد السرقة وحد القذف وحد الخمر، فهذه حدود تتعلق بالبدن، فليس لأحد أن يكفل صاحبها؛ لأنها لا تؤخذ إلا من ذلك الجاني. وأما الديون والأمانات والعارية فإنها أموال فتصح الكفالة فيها، فيقول: أنا أكفلك في دينك، أنا أكفلك في عاريتك، أنا أكفلك في العين التي استأجرها فلان، إما أن أحضر ذلك المكفول أو أحضر دينك أو أحضر أداتك التي استعارها أو استأجرها، أو أن أغرمها. فتصح الكفالة لمن عليه حق مالي، وكلمة (حق مالي) . تخرج الحق البدني كما ذكرنا. قال رحمه الله: [وبكل عين يصح ضمانها] . مثاله: العارية فإنها مضمونة، فلو استعار منك قدراً يطبخ فيه وأتلفه ضمن، فإذا قلت: لا أعيرك إلا إذا أتيتني بكفيل فإن الكفيل إما أن يأتي بالعين المرهونة كالقدر مثلاً وإما أن يغرمها. وكذلك المغصوب، فلو اغتصب الإنسان منك شاة أو جملاً فجاء إنسان وقال: أنا كفيل بأن أحضر ذلك الغاصب، أو أحضر الجمل أو الشاة جازت كفالته، فإذا لم يحضر ذلك فإنه يضمن قيمة البعير، أو قيمة الشاة، أو الثوب، أو القدر.

اشتراط رضا الكفيل

اشتراط رضا الكفيل قال: [وشرط رضا كفيل] . الكفيل متبرع فيشترط رضاه، وأما المكفول الذي في ذمته الحق فلا يشترط رضاه، وهكذا المكفول له صاحب الحق لا يشترط رضاه إذا كان الكفيل مليئاً قادراً، فإن مات برئ الكفيل؛ لأنه يقول: أنا أحضر لك زيداً لتأخذ دينك من ذمته، فإذا مات برئ الكفيل؛ لأنه ما التزم إلا بإحضاره حياً، وإذا تلفت العين بإذن الله تعالى قبل الطلب برئ، والعين مثل الشاة، فإذا ماتت وهو ما فرط فيها، أو غرقت، أو احترقت، وكذلك الثوب إذا احترق في حريق عام برئ الكفيل في هذه الحالة.

الحوالة

الحوالة قال رحمه الله تعالى: [تجوز الحوالة على دين مستقر] . الحوالة: مأخوذة من التحول. وهو أن يتحول فلان من كذا إلى كذا، وتعريفها: نقل الدين من ذمة إلى ذمة وقد دل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته، ومن أتبع على مليء فليتبع) ، وفي حديث آخر: (مطل الغني ظلم، ومن أحيل على مليء فليحتل) . صورة ذلك: إذا كان لك دين عند عمرو وعليك دين لزيد، فجاء زيد يطالبك بدينه فقلت: لي دين عند عمرو، أحلتك عليه لتقبضه في الدين الذي علي لك. فلا مانع، ويسمى هذا حوالة، فعمرو سيقضي دينك إما لك وإما لوكيلك، فكأنك وكلت زيداً على أن يقبضه وقلت: اقبضه وخذ دينك الذي علي هذه هي الحوالة.

شروط الحوالة

شروط الحوالة للحوالة شروط: الشرط الأول: أن يكون دين المحال عليه مستقراً، أما إذا لم يكن مستقراً فلا تصح الحوالة عليه، مثاله: صداق المرأة قبل الدخول، فهو عرضة للفسخ، ويمكن أن يسقط نصفه بالطلاق أو كله بالفسخ أو بالعيب أو نحو ذلك، فليس لها أن تحيل عليه، فلو جاءها غريم فقالت: أحلتك على زوجي قبل أن يدخل بي فاطلب منه صداقي فالدين هاهنا غير مستقر، وهو الصداق. مثال ثان: دين الكتابة، فالعبد الذي يشتري نفسه من سيده بثمن مؤجل يثبت هذا الدين في ذمته، ولكنَّه غير مستقر، فلو كان عند سيده دين لك، فجئت تطالبه فقال: أحلتك على دين الكتابة الذي عند عبدي سعيد فلا يصح؛ لأن سعيداً يمكن أن يعجز ويعود قناً، ومثلوا أيضاً بدينك له، فإنه عرضة للفسخ، فلا تصح الحوالة إلا على دين مستقر. الشرط الثاني: أن يتفق الدينان جنساً ووصفاً ووقتاً وقدراً، فإذا كان أحد الدينين دراهم والآخر دنانير ففي هذه الحال يمكن أن يقال: إنه يصح أن يكون صرفاً. ولكن أكثرهم يقولون: لا يصح؛ لأن الدينين مختلفان، وكذلك لو كان الدين الذي عليك تمراً وعند زيد لك بر، فلا تحيل بالبر على التمر لعدم اتفاق الدينين. وكذلك الوقت، مثلاً: دينك الذي في ذمتك قد حل، والدين الذي لك ما حل، فلا تقل: أحلتك بدينك عندي بديني على زيد. فإن دينك على زيد لن يحل إلا بعد سنة أو نصف سنة، ففي هذه الحال لا تصح الحوالة، فلا بد بأن يكونا حالين. وكذلك يتفقان وصفاً، فإذا كان أحد الدينين من جنس والآخر من جنس، كأن يكون أحدهما تمر برني، والآخر تمر عجوة لم يتفقا في الوصف، أو الدين الذي في ذمتك ذهب والذي لك فضة، فلا بد أن يتفقا وصفاً. وكذلك قدراً، فلا تحيله مثلاً بعشرة على خمسة؛ لأنك ما أعطيته حقه، ففي هذا يقول: [تصح بخمسة على خمسة من عشرة] أي: إذا كان في ذمتك له خمسة ودينك عشرة فتقول: أحلتك بخمستك على خمسة من الذي لي وتبقى الخمسة باقية عند الآخر، فيأتي إليه ويقول: أحالني فلان بخمسة عليك وأنت عندك له عشرة فيدفع له خمسة، وكذلك عكسه، فإذا جاءك وقال: عندك لي عشرة فقلت: نعم. أحلتك بخمسة منها على زيد يجوز ذلك، والخمسة الباقية تبقى في ذمتك. الشرط الثالث: رضا المحيل، وذلك لأنه هو صاحب الحق، فلا بد أن يرضى، فلا تأت إلى غريمه وتقول: أعطني المال الذي عندك وفاءً عن فلان، فهو يقول: هل أحالك علي؟ فإذا ما أحالك فلا أعطيك؛ لأنه لا يرضى. الشرط الرابع: رضا المحتال على غير مليء، فلا بد أن يكون المحال عليه مليئاً، فمن أحيل على مليء فليحتل، والمليء: هو القادر على الوفاء. قالوا: مليء بماله ومليء ببدنه. فإذا كان ممن لا يمكن أخذ الحق منه كأن يكون رئيساً أو وزيراً، أو أميراً كبيراً لا تمكن شكايته ولا تمكن مخاصمته ولا يمكن لأحد أن يطلب منه ففي هذه الحال لا يقال: إن الحوالة عليه جائزة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم زراعة الشعر في الرأس طبيا

حكم زراعة الشعر في الرأس طبياً Q انتشرت في الآونة الأخيرة طرق عدة لزراعة الشعر، ومن هذه الطرق طريقة تعتمد على وضع شعر طبيعي مكان الشعر المتساقط، حيث يكون هذا الشعر مماثلاً للشعر المتساقط من حيث اللون وطبيعة الشعر، ويتم الحصول على هذا الشعر مما يسمى ببنك الشعر، وهو شبيه بما يعرف اليوم ببنك الدم، علماً بأن الشعر المزروع يتم تثبيته باستخدام شبكة، وهي عبارة عن طبقة شفافة مماثلة للون بشرة الرأس، وينفذ من خلالها الماء والهواء، فما الحكم في هذا؟ A نرى أنه لا يجوز، وذلك لكثرة الأحاديث التي فيها لعن الواصلة والمستوصلة، والواصلة هي التي تصل شعر الناس. والمستوصلة التي تطلب وتقول: يا فلانة! أوصلي شعري بشعر. ويدخل الجميع في اللعن، والعياذ بالله، واللعن لا يكون إلا على كبيرة، ولو كان مماثلاً للشعر الأصلي، ولو كان يمكن تثبيته وزرعه وترسيخه في جلدة الرأس، فإن هذا يعتبر كله غشاً وتدليساً.

حكم شراء العجلات الجديدة بقديمة مع دفع الفارق

حكم شراء العجلات الجديدة بقديمة مع دفع الفارق Q ما حكم شراء عجلات السيارات الجديدة من صاحب محل يبيع عجلات جديدة ويستبدل قديمة بجديدة، ثم يخصم قيمة العجلات القديمة ويدفع له الفرق، فما حكم هذا العمل؟ A لا بأس بذلك، لأنها ليست ربوية، فيجوز أن تباع بالعدد، فلا حرج أن يشتري القديمة مثلاً بعشرين ويبيع الجديدة بمائة أو بمائتين، ويخصم منها ثمن القديمة.

حكم الرهن إذا رخص سعره وصار أقل من الدين

حكم الرهن إذا رخص سعره وصار أقل من الدين Q لو رهن رجل سيارة بعشرين ألفاً لدين بخمسة عشرة ألفاً، ولما حلّ الدين امتنع الراهن من الوفاء، وأراد بيع الرهن، فصار سعره قد نقص فصار بثلاثة عشر ألفاً، فما العمل في هذه الحالة؟ A ليس له إلا ما تباع به، تباع السيارة بثلاثة عشر ألفاً فيأخذها المرتهن ويطالبه ببقية الدين.

حكم تأخير القسمة ومستغلات التركة

حكم تأخير القسمة ومستغلات التركة Q توفي رجل وله ولدان وبنت، وخلف بيتاً، ولم يرث الابن الأكبر والبنت شيئاً لمدة عشر سنين، وذلك لأن الابن الأصغر يسكن في هذا البيت، وهم غير راضين بذلك، فهل عندما يباع البيت يعطى الابن الأكبر والبنت دون الابن الأصغر؛ لأنه عاش في البيت لمدة عشر سنين؟ A لا شك أنهم لهم حق في أجرة هذه المدة، فالذين لم يسكنوا يطالبون الذي سكنه بأجرته؛ لأن لهم حقاً فيه حيث إنهم من الورثة.

أرباح الأسهم المرهونة

أرباح الأسهم المرهونة Q لمن تكون أرباح الأسهم المرهونة في دين؟ وكذلك لمن تكون الزيادة في رأس مال الشركة، أي: الأسهم الإضافية هل هي للراهن أو للمرتهن؟ A قد ذكرنا حديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه) فأرباح الأسهم تكون للراهن، فإن قبضها استوفى منها دينه، وزيادتها ونقصها كل ذلك على الراهن، فنقصها أو غلاؤها كل ذلك من نصيب الراهن.

حكم رهن الأرض بشرط تملكها عند العجز

حكم رهن الأرض بشرط تملكها عند العجز Q رجل رهن أرضه، وقال للمرتهن: إذا لم أستطع الوفاء بالدين فالأرض لك. وهذا الرجل توفي ولم يستطع الوفاء بالدين، بالإضافة إلى أن الأرض قيمتها أقل من الدين، فأخذ المرتهن الأرض ولم يتصرف فيها، ولكنه توفي بعد فترة أيضاً، وقسمت الأرض على ورثة المرتهن، وبعد سنوات تقارب العشرين سنة أتى أبناء الراهن يطالبون بالأرض، والأرض قد قسمت بين الورثة، والنظام الموجود في هذه البلدة نظام قبلي لا يطبقون فيه الشريعة، فما نصيحتكم لهؤلاء؟ A نرى أنها تقدر في ذلك الزمان الذي أخذها المرتهن قبل وفاته، يقدرونها وينظرون كم قدرها، ثم يخصم الدين الذي في ذمة الراهن، فإذا كانت أقل من الدين فإنه يأخذها كلها ويطالب الورثة ببقية الدين، فإن كانت قيمتها أكثر من الدين فإن البقية يردونه على الورثة، فهي كما ذكرنا لم تخرج من ملك الراهن.

حكم ركوب الثور

حكم ركوب الثور Q يذكر أن الثور لا يركب ولا يحلب، فهل عدم الركوب لنهي شرعي، أم لعدم وجوده في هذه الديار؛ لأننا في بلادنا نركب الثور ونحمل عليه، وهو أفضل من الحمار في وقت الأمطار الكثيرة؟ A جاء في حديث: (أن رجلاً كان قد ركب بقرة، وأن الله أنطقها وقالت: إنا ما خلقنا الركوب، إنما خلقنا للحرث) ، والعادة أن البقرة والثور لا يركبان، وإذا كان في بعض البلاد يركبونهما فلعله لأنهم لم يجدوا غيرهما.

حكم أخذ مبلغ مقابل فاتورة الماء ثم رد الباقي بحسب الفاتورة

حكم أخذ مبلغ مقابل فاتورة الماء ثم رد الباقي بحسب الفاتورة Q صاحب المكتب العقاري يأخذ أحياناً مائتي ريال ويقول: هذه للماء، فإن كان في الحساب في الفاتورة أقل أخذناها، وإن كانت أكثر دفعناها عنك، فما الحكم في ذلك؟ A يعتبرها كحرز مثلاً، فيقول: إن الماء قد يسرف فيه ويصرف منه شيء كثير، فنأخذ عليك المائتين ونمسكها، فإذا خرجت الفاتورة وفيها مائتان أو أقل حسبناها مما عندنا وأعطيناك الباقي، وإن كان فيها أكثر طالبناك بالزيادة. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [36]

شرح أخصر المختصرات [36] من مقاصد الشريعة: تقوية أواصر المحبة والإخاء بين المسلمين، ولذا رغبت في الإصلاح بينهم، وأخبر الله في كتابه أن الصلح خير، وقال عليه الصلاة والسلام: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) ، وقد بين أهل العلم أنواع الصلح وأحكامه.

الصلح

الصلح

تعريفه وفضله

تعريفه وفضله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: والصلح في الأموال قسمان: أحدهما على الإقرار، وهو نوعان: الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين أو عين، فيضع أو يهب له البعض ويأخذ الباقي، فيصح ممن يصح تبرعه بغير لفظ صلح بلا شرط. الثاني: على غير جنسه، فإن كان بأثمان عن أثمان فصرف، وبعرض عن نقد وعكسه فبيع. القسم الثاني: على الإنكار. بأن يدعي عليه فينكر أو يسكت ثم يصالحه، فيصح ويكون إبراءً في حقه وبيعاً في حق مدع، ومن علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه. فصل: وإذا حصل في أرضه أو جداره أو هوائه غصن شجرة غيره أو غرفته لزم إزالته وضمن ما تلف به بعد طلب، فإن أبى لم يجبر في الغصن ولواه، فإن لم يمكنه فله قطعه بلا حكم، ويجوز فتح باب لاستطراق في درب نافذ، لا إخراج جناح وساباط وميزاب إلا بإذن إمام مع أمن الضرر، وفعل ذلك في ملك جار ودرب مشترك حرام بلا إذن مستحق، وكذا وضع خشب إلا ألا يمكن تسقيف إلا به، ولا ضرر فيجبر، ومسجد كدار، وإن طلب شريك في حائط أو سقف انهدم شريكه للبناء معه أجبر كنقض خوف سقوط، وإن بناه بنية الرجوع رجع، وكذا نهر ونحوه] . ذكر المؤلف في الفصل الأول: الصلح، وفي الفصل الثاني ما يلحق بالصلح من اصطلاح على الطرق وما أشبهها. والصلح: معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المتخاصمين. وقد حث الله تعالى على الصلح في آيات عامة في أماكن عامة وأماكن خاصة، فمن العموم قول الله تعالى: (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1] أي: احرصوا على أن تصلحوا ما يحدث بينكم. أي: بين إخوانكم. وقال الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] ، فجعل من الخير الإصلاح بين الناس، وقد أمر الله تعالى بالإصلاح بين المتقاتلين، قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] ، فإذا أدى الخصام بين المتخاصمين إلى القتال أو إلى النزاع فعلى المسلمين أن يسعوا إلى الإصلاح بينهما، وذكرهم الله بالأخوة فقال: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) أي: جميعهم. ولو تقاتلوا فإنهم لا يخرجون بذلك عن الأخوة الإيمانية، فاحرصوا على الإصلاح بينهما، وذكروا كلاً بالإخوة الإسلامية، وبالأخوة الدينية، فإنهم متى تذكروا هذه الأخوة رجعوا عما هم عليه، وحرصوا على أن يصطلحوا فيما بينهم، سيما إذا كان الشقاق والنزاع على أمور دنيوية لا أهمية لها. وكذلك أيضاً ذكر الله الصلح بين الزوجين في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] يعني: إذا حصل شقاق ونزاع فأراد المسلمون الإصلاح بين الزوجين بعثوا حكمين، فإن حرص الحكمان على أن يصلحا بينهما يوفق الله بينهما. فهذا من حرص الشريعة على الإصلاح العام والإصلاح الخاص، وكذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} [النساء:128] وفي قراءة: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} ، فيصطلحان على إسقاط بعض الحقوق حتى تأتلف القلوب، فتسقط الزوجة بعض حقها إذا خشيت أنه يميل عنها أو يطلقها، وكذلك هو أيضاً يسقط بعض حقه إذا رأى منها نفرة وخشي أن تنشز عنه، ويتدخل بينهما أولياؤهما حتى يصطلحا.

أهميته

أهميته من أهمية الصلح أن الله تعالى أباح فيه الكذب للمصلحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل زوجته وحديث المرأة زوجها) فأباح الكذب إذا أراد الإنسان أن يصلح بين اثنين، فيأتي إلى هذا ويقول له: إن صاحبك يريد الخير ويريد الصلح، وإنه قد ندم على ما فعل، وإنه محب لأن تأتلف القلوب وأن تتبدل البغضاء بالمودة والمحبة، وإنه قد تنازل عن بعض حقه. ثم يأتي إلى الثاني ويرغبه أيضاً في الصلح، ويقول له مثل ذلك حتى يتقاربا ويصطلحا وتزول بينهما العداوة، وكل هذا من حيث العموم. والباب هذا معقود للصلح في الأموال، والغالب أنه يحصل بسببها نزاع وشقاق، ويحصل بسببها بغضاء وشنآن وتهاجر، وقد يدوم الهجران مدة طويلة، فقد يتهاجر الإخوان أو الأقارب ويبقون متهاجرين أشهراً أو سنين، مع أن الأصل في ذلك أمور دنيوية لا تساوي هذا التهاجر، فالواجب أن يصلحا بينهما، وأن يسعى ذوو الوجاهة للصلح بينهما، ولو تحملوا أموالاً لهؤلاء أو لهؤلاء، كما في حديث قبيصة بن مخارق لما تحمل حمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه فقال: (يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة) يعني أن قبيصة وجد قبيلتين بينهما عداوة وبينهما قتال أو ما يقرب من القتال، فجاء إلى هؤلاء فقال: ماذا تنقمون؟ فقالوا: إنهم أخذوا مالنا، وإنهم قتلوا منا كذا وكذا. فقال: أنا أتحمل ما أخذوه من المال، وأنا أتحمل الديات التي تدعونها عليهم. ثم جاء إلى الآخرين فقال لهم: ماذا تنقمون؟ فقالوا: إنهم نهبوا منا، وإنهم جرحوا، وإنهم قتلوا. فيقول: أنا أتحمل ما تدعون به. فهذا الذي تحمل لهؤلاء ولهؤلاء يحل له أن يأخذ من الزكاة ويدخل في الغارمين، وما ذاك إلا أنه مصلح ومحسن: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة:91] ، ولو كلف أن يدفع من ماله لأجحف ذلك به، فلذلك جعل له حق في الزكاة، وهو أحق الغارمين؛ لأن الغارمين قسمان: غارم لإصلاح ذات البين، وغارم لنفسه، أي: مدين لحاجات نفسه الضرورية. فقدم الغارم لإصلاح ذات البين، وجعل له حقاً في الزكاة المفروضة. والباب الذي عندنا هنا في الصلح في الأموال، وأما الصلح في الدماء فذكروه في كتاب القصاص، فالصلح في الأموال قسمان: صلح على إقرار، وصلح إلى إنكار.

الصلح على الإقرار وقسماه

الصلح على الإقرار وقسماه الصلح على الإقرار هو: أن يعترف بحقك، يقول: نعم أنا معترف أن له عندي مالاً: إما دين وإما قرض، وإما قيمة متلف، أنا الذي هدمت جداره، أو قطعت شجره، أو أنا استقرضته وعندي له مال.

الصلح على جنس الحق

الصلح على جنس الحق الصلح على الإقرار هو أن يعترف بحقك، فيقول: أنا معترف أن له عندي مالاً إما دين، وإما قرض، وإما قيمة متلف، فأنا الذي هدمت جداره، أو قطعت شجره، أو أنا استقرضته وعندي له مال. والصلح على الإقرار نوعان: صلح على جنس الحق، وصلح على غير جنسه. فقد يقول: أنا أعترف أن عندي له غنماً، أو أن عندي له إبلاً، ولكن لي فيها حق، فأنا أنقذتها -مثلاً- من الضياع، أو أنا علفتها، أو حفظتها مدة طويلة فلي فيها حق وصاحب الغنم أو الإبل يقول: ما وكلتك لتحفظها، ولا وكلتك لتنقذها، فأعطني دوابي وأولادها. فيتنازعان، ففي هذه الحال يسعى أهل الخير للصلح بينهما، فإذا قالوا: لك نصفها -أيها المحسن- لأنك حفظتها. أو: لك ربعها. أو: لك واحدة منها مقابل تعبك ومقابل علفك وحفظك فلك جزء منها فهذا صلح على جنس الحق. ومثل أن يقر له بدراهم دين أو يقر له بعين مثل الأغنام، فهذا عين مال، أو يقر له بأكياس، ويقول: هذه الأكياس له، ولكني وجدتها في البرية، وخفت عليها أن تسرق فنقلتها على سيارتي وأتيت بها من مكان بعيد، فلي حق فيها وصاحبها يقول: ما وكلتك لتنقلها، وأنا أعرف مكانها، وأعرف أنها كانت في مكان مأمون، فلماذا تنقلها؟ فيتنازعان هذا يقول: لا حق لك فيها لأنك تجرأت ونقلتها. وهذا يقول: لي حق فيها لأني نقلتها وأنقذتها من الطيور -مثلاً-، أو أنقذتها من اللصوص، أو أنقذتها من الدواب. فيدعي فيها حقاً. فالصلح صفته أن يضع له من الدين، أو يهب له بعضه ويأخذ الباقي، يقول: عندي له -مثلاً- عشرون ألفاً، ولكنه غلبني وزاد علي في الثمن أو: إن فيها شبهة في المبايعة بالربا أو بيع الغرر أو ما أشبه ذلك. فيدعي شبهة فيها، فيصطلحان ويقول: أضع عنك ألفين وأعطني الباقي ثمانية عشر ألفاً. ويسمى هذا صلحاً عن دين مع الإقرار، فهو مقر بالدين ولكن يدعي أن له حقاً. أو أن له شبهة، فيقول: إنك ظلمتني حيث بعتني غالياً. أو: خدعتني حيث أوقعتني في شيء لا فائدة فيه ومدحت السلعة وهي ليست جيدة. أو: بعتني بيعاً فيه شيء من الشبهة، وهو أن هذا البيع إما بيع مجهول وإما بيع قبل القبض أو ما أشبه ذلك فالحاصل أنه يدعي شبهة، ففي هذه الحال يصطلحان على إسقاط شيء من ذلك الدين. وكذلك العين، كأن يدعي غنماً أو إبلاً، ويعترف الآخر بأنها له، أو أكياساً -مثلاً- أو ثياباً، فقال: أقر أن له عندي هذه العشرة من الثياب، ولكني وجدتها ساقطة وأخذتها. فيقول: أنا تركتها في ذلك المكان وسأعود إليها. فيدعي شبهة. فالحاصل أن الإقرار بالدين هو الإقرار بأموال نقود، والإقرار بالعين هو أن يقر له بهذه الأغنام، أو بهذه الإبل، أو بهذه الأكياس، أو بهذه الثياب، أو بهذه القدور، أو ما أشبه ذلك، فالصلح في هذه الحال أن يضع عنه شيئاً من الدين، فيقول: أعطني ألفين وأسقط عنك ألفاً. أعطني ثمانية وأسقط عنك ألفين. أو يهب له فيقول: وهبتك هذه الشاة وأعطني الباقي. وهبت لك هذا البعير وأعطني الباقي. وهبت لك نصف كيل، وهبت لك ثوباً، ويأخذ الباقي، فهذا يصح.

شروط الصلح على جنس الحق

شروط الصلح على جنس الحق يشترط لهذا الصلح شروط: الشرط الأول: أن يكون المصالح ممن يصح تبرعه. فإذا كان المالك سفيهاً أو مجنوناً فلا يصح صلحه، وذلك لأنه محجور عليه لا يصح أن يتصرف ولا أن يتبرع، وهذا قد تبرع -مثلاً- بألف أو بألفين أو بشاة أو ناقة، فلا بد أن يكون ممن يصح تبرعه، وهو الحر المكلف الرشيد، فالمملوك لا يصح تصرفه فلا يصح تبرعه، والصغير لا يصح تبرعه، والمجنون لا يصح تبرعه، والسفيه لا يصح تبرعه. الشرط الثاني: أن لا يكون بلفظ الصلح بل بلفظ الإسقاط أو بلفظ الإبراء، فيقول -مثلاً- أبرأتك من نصف الدين أو ثلثه أو: أسقط عنك كذا وكذا. فلا يكون بلفظ الصلح؛ لأنه إذا كان بلفظ الصلح يكون فيه شيء من الإجبار، فيقولون: يشترط ألا يكون بلفظ الصلح، بل بلفظ الإبراء أو الهبة أو الوضع، أي: أن يضع عنه كذا. الشرط الثالث: أن لا يكون هناك شرط، كأن يقول: لا أقر لك بدينك إلا إذا أسقطت عني نصفه أو ربعه. فيقول: أنا أعترف أن لك عندي عشرة آلاف، ولكن ليس لك بينة، وليس عندك وثيقة، وأنا سوف أجحدك وأنكر هذا الدين إذا أتينا عند القاضي ولا أقر بذلك، ولا أعترف عند الشهود، ولا أكتب لك وثيقة إلا إذا أسقطت عني نصفه أو ثلثه أو ربعه أو عشره. فيقول: سوف آتي بشهود، واعترف أمام الشهود بالدين الذي هو عشرة آلاف وأنا أسقط عنك منه ألفين -مثلاً- أو ألفاً، ولكن أنت الآن تلتزم بالاعتراف، فأنا ما عندي بينة ولا كتبت عليك، بل وثقت بذمتك ووثقت بأمانتك وأعطيتك مالي، ولم أشعر بأنك ستجحدني. فيقول: أنا أجحدك، ولا أعترف أمام الشهود إلا إذا أسقطت عني النصف أو الثلث أو ما أشبه ذلك فيقول: سوف آتي بالشهود واعترف أمامهم أن عندك لي عشرة، أو أن عندك لي هذه الأمانة مثلاً، أو هذه الأغنام أو ما أشبهها، فاعترف أمام الشهود، وفيما بيني وبينك أعطيك منها ألفاً أو شاة أو ما أشبه ذلك. فجاء بالشهود واعترف وكتبوا شهادتهم: إن فلاناً مدين لهذا بعشرة ألاف. أو: إن هذه الأغنام له أو هذه الأكياس أو هذه الأعيان، ثم قال: ولكنه التزم بأن يعطيني منها كذا وكذا مقابل الاعتراف! فالمالك يقول: أنت لا تستحق، وذلك لأنك خائن لم تعترف إلا بعد أن التزمت لك بذلك، فأنت لا تستحق شيئاً الآن، وثقت ديني أمام هذين الشاهدين باعتراف منك، فلا حق لك فيما وعدتك، ما وعدتك إلا لأجل أن تعترف. فيقول: كيف تعدني وتخلف ما وعدتني؟ فيقول: ما وعدتك إلا لأجل أن تقر أمام الشاهدين مخافة أن تجحد. هذه شروط هذا الصلح: الشرط الأول: أن يكون ممن يصح تبرعه. الشرط الثاني: أن لا يكون بلفظ الصلح. الشرط الثالث: أن لا يمنعه حقه بدونه. فلا يقول: لا أعترف لك إلا بشرط أن تعطيني منه كذا. فهذا صلح على جنس الحق يعني: على إسقاط شيء من الدراهم أو شيء من الأغنام أو ما أشبه ذلك.

صلح على غير جنس الحق

صلح على غير جنس الحق النوع الثاني: صلح على غير جنس الحق، بل على جنس آخر، فإذا كان الدين دراهم قال: أنا لا أجد الدراهم، ولكن أصطلح معك على دنانير. لا أجد الريالات ولكن نصطلح على جنيهات. يقول المؤلف: إن كان بأثمانها فصرف، وذلك لأن الريالات أثمان والجنيهات أثمان، فيكون صرفاً. وإذا قلت: أليس الصرف يكون يداً بيد؟ قلنا: بلى. ولكن يصح الصرف عن نقد بذمة، أي أن الصرف يصير عيناً بذمة، ودليله حديث ابن عمر، يقول: (كنا نبيع الإبل بالبقيع، نبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم) فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وسموا هذا صرفاً بعين وذمة، فهو يقول: نعم عندي لك مائة ألف، ولكن نصطلح على أن أعطيكها جنيهات ذهباً. ففي هذه الحال يصير صرفاً، فلا بد أن يكون بسعر يومه، ولا بد أن يتقابضا قبل التفرق، فإذا قالوا: نقدر المائة الألف بعشرين جنيهاً، فسلم الجنيهات الآن في المجلس قبل التفرق يكون هذا صرفاً بعين وذمة. وكذلك أيضاً لو اصطلحا على نقد آخر غير النقد السعودي، فإذا قال: عندي لك -مثلاً- عشرة آلاف ريال، ولكن نصطلح على أن أعطيك -مثلاً- ستة آلاف دولار. فيصير هذا صرفاً، فلا يتفرقا إلا بعد التقابض كما هو شرط الصرف. أما إذا كان الصلح بعرض عن نقد فإننا نسميه بيعاً، أو بنقد عن عرض فإننا نسميه بيعاً، وهذا أيضاً صلح، وصورة ذلك إذا اعترف وقال: نعم عندي لك -مثلاً- ألف ريال، ولكن لا أجده، فنصطلح على أن أعطيك هذه الأكياس من الأرز أو من البر، فتأخذ مني عشرة أكياس أو ثمانية أكياس عن الألف. فنسمي هذا بيعاً، وكذلك مثلاً عكسه، فإذا قال: صحيح أن عندي لك مائة صاع من البر، ولا أجدها الآن، فنصطلح على أن أعطيك ثمنها من الريالات، قيمة كل صاع -مثلاً- ريالان، فأعطيك مائتي ريال. فنسمي هذا أيضاً بيعاً، كأنه قال: المائة الصاع التي في ذمتي بعنيها بمائتي ريال. أو يقول بالعكس: أبيعك مائة صاع عن المائتين التي في ذمتي، في ذمتي لك مائتي ريال ولا أجدها، ولكن أبيعك مائة صاع من البر. فيسمى هذا صلحاً، ولكنه في الحقيقة بيع. ولو قال -مثلاً-: عندي لك خمسون ألفاً ولا أجدها، ولكن أبيعك أو أعطيك بدلها نصف هذه الأرض التي هي بيني وبين زيد نصفان، فخذ نصفي بالخمسين ألفاً التي لك، فأخذها، وعلم زيد فله أن يشفع فيقول: شريكي أعطاكها عن خمسين ألفاً، وأنا أشفع عليه لأني شريكه، فخذ الخمسين التي اشتريتها بها وتكون الأرض كلها لي. فيجوز ذلك.

الصلح على الإنكار

الصلح على الإنكار القسم الثاني: الصلح على الإنكار، وصلح الإنكار أن يأتيك إنسان ويدعي عليك ديناً فيقول: عندك لي خمسة آلاف وأنت لا تتذكر، إما أنك تنكر وتقول: أبداً ما عندي لك شيء. وإما أنك تقول: لا أتذكر، نسيت أن عندي لك شيئاً. فالصلح في هذه الحال من المدعى عليه، كأنه يشتري سمعته فيقول: أنت الآن تدعي علي بخمسة آلاف وأنا لا أتذكرها، فأشتري سمعتي حتى لا يقال: إن فلاناً جحد ديناً عليه. أو حتى لا أتعرض للمرافعات ولا للشكاوي ولا للمحاكم، فأشتري سمعتي، فأنت الآن تدعي علي بخمسة، فأنا أعطيك أربعة واسمح لي في الباقي. فيسمى هذا الصلح على إنكار، بمعنى أنه كان منكراً ولكن يشتري سمعته، ففي هذه الحال يصح أن يدعى عليه فينكر أو يسكت ثم يصالحه، والمدعى عليه إما أنه نسي وإما أنه أنكر وهو يعلم أنه لاشيء عليه، فعند ذلك اصطلحا لأجل قطع المنازعات.

الفرق بين المدعى عليه والمدعي في الصلح على الإنكار

الفرق بين المدعى عليه والمدعي في الصلح على الإنكار يقول: [يكون في حق المدعى عليه ابراءً، وفي حق المدعي بيعاً] . قوله: [في حق المدعي بيعاً] فلو ادعى عليك بألف وقلت: لا أذكر شيئاً، ولكن خذ هذا البعير عن دعواك فأخذ البعير وكأنه اشتراه منك بالألف؛ لأنَ أقصى ما يدعي عليك ألف، ولما ذهب بالبعير وجده أعور أو مريضاً فله أن يرده، فيقول: أنا أخذته عن الألف وحسبته سليماً، ثم تبين أنه مريض، فلا أقبله. فينفسخ الصلح والحال هذه، وكذلك لو ادعى عليك رجل بعشرة آلاف وأنت منكر، ولكن تشتري سمعتك فتقول: أعطيك نصف الأرض التي بيني وبين زيد بعشرة آلاف، فلما قبض الأرض شفع عليه شريكك الذي هو زيد وقال: أنت تدعي أنك اشتريتها بدينك الذي هو عشرة آلاف، وأنا شريكه، فأنا سوف أنتزعها وأعطيك العشرة الآلاف التي أنت تدعيها، ولا تدعي أكثر من عشرة آلاف، فكأنك اشتريت نصف هذه الأرض بدينك الذي هو عشرة آلاف، فخذها وأعطني الأرض حتى تكون الأرض كلها لي؛ لأني لا أرغب في الشريك، وأحب أن تكون هذا الأرض كلها سالمة لي. فله أن يشفع، وذلك لأن المدعي يدعي أنه اشتراها عن دينه الذي هو عشرة آلاف، وإذا كان يدعي أنه اشتراها ثبتت الشفعة، وأما المدعى عليه فإنها تكون إبراءً لذمته، فلا رد ولا شفعة، فلو ادعى عليك نصف البعير، أو نصف الأرض، ولما ادعاه قلت: سوف أعطيك خمسمائة عن دعواك بهذا البعير. فأعطيته خمسمائة وذهب، فوجدت البعير بعد ذلك أعور وهو ملكك، فهل لك أن تسترد الخمسمائة ليس لك ذلك؛ لأنك ما اشتريت البعير، أنت تدعي أنه ملكك، وإنما تخلصت من دعواه، وأردت بذلك أن ينقطع النزاع، ففي هذه الحال ليس لك أن تسترد الخمسمائة، بل إنما دفعتها ابراءً لذمتك، وتخلصاً من المرافعة، وكذلك لو ادعى عليك نصف الأرض، فقال: نصف أرضك هذه أو ثلثها لي. فلما ادعى عليك أعطيته عن دعواه -مثلاً- عشرة آلاف وقلت: أشتري سمعتي، فخذ عشرة آلاف واسمح لي. فعلم شريكك، فهل له أن يشفع فيقول: قد اشتريت هذه الأرض؟ ما له شفعة، وذلك لأنك تقول: ما اشتريت هذه الأرض، الأرض أرضي، لكن هذا ادعى علي وضايقني فأعطيته هذه العشرة لتنقطع الدعوى ولتنقطع الخصومة، والأرض لي ليس له فيها شيء فلا تثبت الشفعة والحال هذه.

من علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه

من علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه يقول: [ومن علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه] . سواءً المدعي أو المدعى عليه، إذا كذب أحدهما فما أخذه حرام، فهذا المدعي إذا كان كاذباً، فجاء إليك وهو يعلم كذب نفسه وأنه مبطل، وإنما أراد أن تعفيه، وقال: عندك لي دين عشرة آلاف. أو: أنا أدعي عليك نصف هذا البعير أو نصف هذه الدار. فاشتريت سمعتك وأعطيته خمسة آلاف، أو أعطيته شاة أو نحو ذلك لقطع نزاعه لا شك أنه أكل حراماً؛ لأنه يعرف كذب نفسه، فما أخذه حرام. وكذلك العكس، فلو أن المدعى عليه أنكر وكان عالماً بصدق المدعي، ولكنه قال: هذا إنسان ليس عنده بينة، وسوف أجحده، وإذا جحدته أعطيته نصف ماله الذي يدعيه أو ربعه حتى يترك لي الباقي، فأنا أعرف أن عندي له عشرة آلاف، ولكن سوف أجحدها حتى يقنع بخمسة آلاف أو بثلاثة آلاف. فهذا حرام، فأنت تعترف في باطن الأمر، فأعطيته نصفها والباقي حرام عليك؛ لأنك جحدته وأنت تعرف أنه محق في دعواه. فهذا ما يتعلق بالصلح، والفصل الذي بعده تابع للصلح، ويسمى أحكام الجوار، وأحكام المتجاورين والمشتركين في بعض الأعيان.

أحكام المتجاورين

أحكام المتجاورين

الضرر يزال

الضرر يزال قال رحمه الله تعالى: [إذا حصل في أرضه أو داره أو هوائه غصن شجرة غيره أو على غرفته لزم إزالته] . الجاران قد يكون بينهما شجر، وهذه الشجرة قد يمتد غصنها إذا كانت تمتد -مثلاً- على الأرض مثل نبات القرع والبطيخ، فإن امتد الغصن حتى صار في أرض جارك فعليك أن تزيله؛ لأنه شغل أرض جارك، وكذلك الشجر الذي يكون على ساق، فإذا تدلى غصن النخلة أو غصن السدر أو الرمان أو الأترج على جارك، وشغل هواء جارك وهو يملك أرضه ويملك هواءها، فيلزمك أن تزيله، وكذلك لو امتد على سقف الغرفة، أو دخل من نافذة من النوافذ إلى الغرفة، ففي هذه الحال على صاحب الشجرة أن يزيل ذلك الغصن. وإذا أتلف شيئاً فإنه يضمنه، فلو أن عروق الشجرة امتدت تحت الجدار وسقط من أجلها فعلى الجار صاحب الشجرة بناء ذلك الجدار، وكذلك لو أن غصن الشجرة خرق الجدار، أو أتلف شيئاً منه أو هدم بعضاً منه فإنه يغرم ما أتلفه. ولا بد قبل ذلك أن صاحب الأرض يطالبه، أما إذا سكت عنه فإنه يعتبر قد أذن له، فيطالبه قبل ذلك ويقول: أزل هذا الغصن. أو: اقطع هذا العرق الذي امتد في أرضيّ فإذا امتنع فإنه يزيله فيلويه، فإذا لم يلتو ولم يزل باقياً فله أن يقطعه. قال رحمه الله تعالى: [فإن أبى لم يجبره في الغصن ولواه، فإن لم يمكنه فله قطعه بلا حكم] . ولا يحتاج إلى حكم حاكم؛ لأن هذا ضرر، والضرر يزال، وهذا كله يتعلق بالغصن، ويلحق به العرق. قال رحمه الله تعالى: [ويجوز فتح باب لاستطراق في درب نافذ] . قوله: [لاستطراق] يعني: للدخول معه والخروج معه. ويكون هذا في الدرب النافذ، والدرب النافذ هو الذي له مدخل من كل جهة، يدخل الناس من الشرق ومن الغرب، يعني أنه نافذ، وأما غير النافذ فهو الذي له نهاية وليس بنافذ، بل نهايته مسدودة، وهذا الدرب إذا كان جدارك عليه وهو طريق مسلوك يجوز لك أن تفتح باباً آخر، فأنت قد فتحت عليه الباب الأول، فيجوز لك أن تفتح باباً ثانياً، وذلك لأنك تملك المرور معه، والناس يمرون معه، وفتحك لهذا الباب لا يضايق الناس؛ لأنك فتحته على جدار من جدرانك وعلى طريق مسلوك ليس خاصاً بأحد، وليس لأحد أن يمنعك منه، فهذا فتح الباب للاستطراق.

حكم إخراج جناح وساباط وميزاب من البيت

حكم إخراج جناح وساباط وميزاب من البيت قال رحمه الله تعالى: [لا إخراج جناح وساباط وميزاب إلا بإذن إمام مع أمن الضرر] . الجناح: هو أن يمد على جداره شبه مظلة ويسقفها، وينتفع بهواء الطريق، فيقول: هذا الطريق لا أضيقه، ولكن أنا بحاجة إلى أن أمد أخشابي -مثلاً- أو أمد الصبة وآخذ من الهواء متراً أو متراً ونصف أسقفه وأنتفع به، وأتوسع به في داري. ويسمى هذا جناحاً ويسمى روشناً، فلا يجوز ذلك إلا بإذن الإمام أو بإذن المسئول، وفي هذه الأزمنة المسئولون هم البلدية، والعادة أنهم يأخذون مقابلاً من أصحاب العمارات على ذلك، فأصحاب العمارات يجعلون الدور الأرضي على حد المأذون لهم، ثم في الدور الثاني يمدون الصبات فتأخذ من الطريق متراً أو نحوه، فهذا المتر يسمى جناحاً ويسمى روشناً، فيؤخذ عليهم مال مقابل ذلك، بشرط ألا يضيقوا الطريق، أما إذا كان ذلك يضيق الطريق بأن كان نازلاً بحيث لو مرت سيارة لاصطدمت به فإنه لا يحق لهم. وأما الساباط فهو تسقيف الطريق كله، إذا كان الطريق -مثلاً- خمسة أمتار وهو طريق نافذ، فيتفق صاحب هذا الجدار مع جاره المقابل له على أن يسقفا الطريق، فيقول: أنا أبني على الطريق غرفة، وأنت تبني عليه غرفة. وأجعل صبتي على جدارك وأنت كذلك. فهل لهما ذلك؟ قديماً كان هذا موجوداً في القرى، وإلى الآن موجود في المباني القديمة داخل البلد، تجد الطريق مسقوفاً كله، والناس يمرون على الطريق وهو مسقوف، وفوقه غرفة أو غرفتين، ويسمى هذا ساباطاً، فلا يجوز هذا؛ لأنه تملك لشيء مشترك وهو هواء هذا الطريق الذي هو للمارة، لكن يجوز بإذن الإمام. فأما الميزاب الذي يصب معه السيل ويسمى ثعباناً أو مثعباً. فهذا ضروري للناس، إذا جاء السيل وصب من الدار يصب على الطريق، وهل يجوز جعل هذه الميازيب تصب في الطريق؟ يجوز بإذن الإمام إذا لم يكن فيها ضرر، وأما إذا كان فيها ضرر أو لم يأذن فيها الإمام فلا يجوز في هذه الحال، والناس في هذه الأزمان يجعلون على بيوتهم الأنابيب التي تمتد من السطح إلى الأرض، ولا يكون فيها ضرر، وأما الميازيب التي تصب في وسط الطريق فإنه قد يكون فيها ضرر، فقد تصب مياهاً أو سيلاً أو نحو ذلك فيتضرر المشاة، فإذا أذن فيها الإمام ولم يكن فيها ضرر من سعة الطريق جاز، وأما إذا تضرروا ففي إمكانهم أن يحفروا طرف السطح إلى إن يصل إلى الأرض لينصب الماء من السطح مع ذلك المكان المحفور في وسط الجدار إلى الأرض، فلا يكون في ذلك ضرر. وهذا كله إذا كان الدرب نافذاً، وذلك لأنه مشترك بين المسلمين. ومما يلحق بذلك منع أخذ شيء من الطريق، وذلك لأن الطريق مشترك، ونجد أن بعض الناس يأخذون من الطريق -مثلاً- متراً عتبة أو ثلاث عتبات من الطريق، وهذا خطأ، فالطريق مشترك بين الناس ولو كان واسعاً، وقد تضايق الناس هذه العتبات التي تأخذ متراً، وربما يصطدم فيها إنسان، وربما تصطدم فيها سيارة، فلذلك تزال، لكن إن كان الطريق واسعاً كبيراً فلا بأس بذلك، سيما إذا كان هناك أرصفة في أطراف الطريق، فلا تحصل مضايقة على أهل السيارات ونحوها. وكانوا قديماً يأخذون من الطريق نحو ذراع اليد، ويجعلونه كالكرسي ويسمونه حبساً، ويجلسون عليه كما يجلسون على الكراسي، وهذا يجوز إذا كان الطريق واسعاً، وإلا فالأصل أنه إذا كان ضيقاً فلا يجوز. يقول: [وفعل ذلك في ملك جار ودرب مشترك حرام بلا إذن مستحق] . لا يجوز للجار أن يخرج جناحاً أو ميزاباً أو ساباطاً، وذلك لأنه تملك لملك الغير إذا كانت هذه الأرض التي فتحت عليه في ملك جاره، وكذلك الدرب المشترك الذي تقدم في الدرب النافذ، وأما الدرب المشترك المسدود آخره. فلا يجوز أن يفتح به باباً أو ساباطاً أو جناحاً إلا بإذن المستحق، فيشترط أن يأذن له الأهل كلهم، أو الذين يطرقونه، أما الذين لا يأتي إليهم فإنهم لا ضرر عليهم، فإذا كان الدرب المشترك فيه خمسة أبواب من هنا وخمسة أبواب من هنا، وهو مسدود في نهايته، فصاحب الباب الثالث أراد أن يجعل دكة أو يجعل ساباطاً أو يجعل جناحاً أو ميزاباً فمن الذي يمنعه؟ يمنعه الذين وراءه، وأما الذين قبله فليس لهم أن يمنعوه، فإذا أذن له أهل البيتين اللذين في أقصى الطريق فإنه يجوز له.

لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره

لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره قال رحمه الله تعالى: [وكذا وضع خشب إلا أن لا يمكن التسقيف إلا به. ولا ضرر فيجبر] . ورد في هذا الحديث المشهور عن أبي هريرة: (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبه في جداره) ، ثم يقول أبو هريرة: (ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم. يعني: بهذه السنة. فإذا لم يقدر أن يضع السقف إلا على جدار جاره فليس للجار أن يمنعه بموجب هذا الحديث إذا لم يتضرر الجدار ونحوه. قال: [ومسجد كدار] . لو كان بيته ملاصقاً للمسجد، واضطر إلى أن يضع خشباً على جدار المسجد فإنه لا يمنع من ذلك. قال: [وإن طلب شريك في حائط أو سقف انهدم طلب شريكه للبناء معه أجبر] . إذا كان الجدار بين اثنين وانهدم، فطلب أحدهما من الآخر أن يشاركه في عمارته أجبر عليه؛ لأنه يتضرر فيصير لا فاصل بينهما، فيجبر على أن يساعده، وكذلك إذا كان السقف بين اثنين وانهدم السقف، فطلب أحدهما من الآخر أن يساعده فإنه يجبر على عمارة هذا السقف. قال رحمه الله تعالى: [وكنقض خوف السقوط] . لو كان هذا الجدار أو السقف بينهما فتصدع وخيف أنه ينهدم، وإذا انهدم تضرر أو أتلف أحداً، ففي هذه الحال إذا قال أحدهما: هلم ننقض هذا الجدار ونبنيه من جديد فإنه يجبر عليه، وذلك لأنهم لو تركوه انتقض وأتلف نفساً أو ما دون النفس، ولو حصل ذلك فإنهما يضمنان، وذلك لأنهما يعلمان بأنه خطر ولم يتلافيا ذلك الخطر، وإذا بناه أحدهما بنية الرجوع على شريكه رجع؛ لأن نفعه وملكه لهما جميعاً. قال: [وهكذا نهر ونحوه] . إذا كان بينهما ساقي ماء يمشي فتعطل، وكلاهما يسقي منه، فعمره أحدهما وأصلحه رجع على الآخر بقسطه، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

إحياء الأرض من غير إذن الحاكم

إحياء الأرض من غير إذن الحاكم السؤل: إذا كنت قد أحييت أرضاً وأنا في طور الإحياء فجاءني من يطلب مالاً حتى يسكت عني، وإلا يخبر عني ويكيد لي، فهل أعطيه من المال؟ A لا يجوز في هذه الحال تملك شيء إلا من جهة رسمية، فإذا كان مالكاً لهذه الأرض أو سابقاً إليها وعنده إذن فيها فله أن يتملكها، فكونه يقول: لا تفضحوني، ولكن اتركوني وأعطيكم مالاً فلا يجوز لهم أن يأخذوا هذا المال، ولا يجوز له أن يدفع، ولا يجوز له أن يحيي هذه الأرض إلا بإذن رسمي.

حضور الحائض للدروس في المسجد

حضور الحائض للدروس في المسجد Q بعض النساء يحضرن المسجد لحضور دروس العلم، وقد تصاب المرأة بالحيض، وتقول: إن في مؤخرة المسجد في مصلى النساء مكاناً من ضمن سور المسجد، ولكن لا يصلى فيه؛ لأنه مكان لمرور الناس ولوضع الأحذية، فهل يجوز لها أن تجلس في هذا المكان وهي حائض لتستفيد من الدروس؟ A ورد نهي الحائض أن تدخل المسجد، وعلل ذلك للخوف من تلويثها، ولذلك فإذا أمنت من التلويث فإنه جائز لها الدخول، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة أن تناوله خمرة من المسجد -أي: سجادة كان يصلي عليها- فقالت: إني حائض قال: (إن حيضتك ليست في يدك) وإذا كان كذلك فلا بأس أن تجلس في هذا المكان الذي ليس هو محل صلاة، إنما هو محل وضع أحذية أو ما أشبهه.

الهدية للموظف مكافأة له

الهدية للموظف مكافأة له Q أعمل في إحدى الوظائف، وجاءني أحدهم فقضيت له حاجة في مؤسستي التي أعمل فيها، ثم بعد ما التقيت به أهدى إلي هدية، فهل تلك الهدية من الرشوة؟ A لا بأس بذلك إذا لم تكن قاصداً لهذه الهدية، ولم تقض حاجته لأجل أن يهدي إليك، وهو أيضاً ما أهدى إليك لتقدمه على غيره، وإنما أراد مكافأتك على فعل فعلته، فلا بأس بذلك.

وضع مظلة للسيارة على أرض بدون إذن صاحبها

وضع مظلة للسيارة على أرض بدون إذن صاحبها Q بجوار منزلي أرض خالية، ووضعت فيها مظلة للسيارة بدون استئذان صاحب الأرض، فهل علي إثم في ذلك؟ A لا بأس بذلك حتى يأتيك صاحبها ويأمرك بإزالة هذه المظلة؛ لأنك لا تملك بها.

إذن الإمام بشيء فيه ضرر

إذن الإمام بشيء فيه ضرر Q لو وضع شيء بإذن الإمام ولكنه يضر بالمارة، فهل للمتضررين المطالبة بإزالة الضرر مع العلم بأن هذا يحصل كثيراً؟ A نعم. ولو كان بإذن الإمام؛ لأن الإمام قد يستأذن لأشياء ظاهرها أنه صالح، ولكن إذا كان فيها ضرر فلا يجوز، فيطالبون بإزالة ذلك الشيء الذي فيه ضرر من الطريق مثلاً أو من الأرض أو نحوها.

لا تنزع العين الاصطناعية عند الاغتسال

لا تنزع العين الاصطناعية عند الاغتسال Q هل يلزم من يغتسل للجنابة أن ينزع العين الاصطناعية عند اغتساله أم لا؟ A لا يلزم إذا مر الماء عليها؛ فإنها قد تكون ضرورية.

حكم ركوب السيارة المرهونة بنفقتها

حكم ركوب السيارة المرهونة بنفقتها Q هل تدخل السيارات المرهونة في حكم ما يركب بنفقته الذي ورد في الحديث؟ A لا تدخل؛ لأن النفقة ليست ضرورية لها، بخلاف بهيمة الأنعام، فإنها إذا تركت النفقة عليها هلكت.

حكم الكفالة الحضورية

حكم الكفالة الحضورية Q ما حكم الكفالة الحضورية المعمول بها حالياً؟ A جائزة؛ لأن الكفالة -كما تقدم- هي التزام إحضار هذا الإنسان عند حلول الدين أو أي حق مالي، فإذا أحضره برئ الكفيل.

زكاة الأرض الموروثة إذا عرضت للبيع

زكاة الأرض الموروثة إذا عرضت للبيع Q هل الأرض الموهوبة أو الموروثة لا تجب فيها الزكاة حتى ولو نويت للبيع؟ A هكذا ذكر الفقهاء أنه إذا وهبت له أرض ثم نواها للزكاة لم يزك عنها حتى يبيعها، ثم يجعلها في تجارة أو نحوه، ولا يبدأ حولها حتى يبيعها، ومن العلماء من يقول: إذا باعها أخرج زكاة سنة واحدة.

بيع الحبحب بشرط القطع

بيع الحبحب بشرط القطع Q في هذه الأيام يكثر بيع الحبحب بشرط أن يكون صالحاً، فما حكم ذلك؟ A لا بأس بذلك؛ لأنه شيء خفي لا يعرف نضجه إلا بعد شقه، فإذا شقه ووجده غير ناضج فله أن يرده.

جعل ولي المرأة شيئا من مهرها مقابل قضاء دينه

جعل ولي المرأة شيئاً من مهرها مقابل قضاء دينه Q شخص مدين طالبه صاحب الدين، ولا يوجد لديه مال، فقال له: أزوج إحدى بناتي بقيمة هذا الدين فهل هذا جائز؟ A لا شك أن المهر من حق الزوجة، ولكن والدها له حق أن يتملك من مهرها ما لا يضرها، فعلى هذا إذا كان سوف يعطيها شيئاً من حقها والبقية يسقطه من دينه فلا بأس بذلك.

نصيحة لمن زوج أخته برجل قليل الدين

نصيحة لمن زوج أخته برجل قليل الدين Q لي أخت زوجتها قبل أربعة أعوام من رجل ضعيف الدين، فكنت دائماً أنصحه وأوجهه إلى الخير، وقد فوجئت بأنه قد أدخل الدش في بيته، وأختي لديها الآن ثلاثة أطفال منه، وأختي عندما كانت عندنا لم تر التلفاز؛ لأنه لم يكن موجوداً لدينا أصلاً، فما النصح والتوجيه في ذلك؟ A عليكم نصيحته وتحذيره، وتهددونه بأنكم سوف تأخذون أولاده أو تحاولون فسخ النكاح تهديداً له وإن كنتم لا تقدرون على ذلك عادة، لكن لعل الله أن يهديه.

حكم من أخرج جناحا من داره بدون إذن الحاكم

حكم من أخرج جناحاً من داره بدون إذن الحاكم Q رجل بنى عمارة، وجعل في الدور الأول جناحاً بدون استئذان من ولاة الأمر، فماذا عليه أن يفعل الآن؟ A إذا كان في داخل سوره فلا حرج عليه، وأما إذا كان هذا الجناح على الطريق فلا بد أن يأخذ عليه إذناً، وإذا كان في مدينة من المدن المشهورة فإنه لا يسمح له إلا بعد إذن وبعد إخراج مخطط لذلك المبنى وموافقة من البلدية عليه، وبعد ما يسمى بالفسخ وما أشبه ذلك.

صلاة النساء جماعة في البيت

صلاة النساء جماعة في البيت Q هل تجوز صلاة النساء في البيت جماعة؟ A لا بأس بذلك، فإذا اجتمعن وصلت بهن إحداهن فلا مانع.

صلاة النافلة جماعة

صلاة النافلة جماعة Q هل تجوز صلاة النافلة في البيت جماعة؟ A لا حرج في ذلك، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بـ ابن عباس في ليلة من الليالي نافلة.

نصائح لطلاب العلم الشرعي في الدورات الشرعية

نصائح لطلاب العلم الشرعي في الدورات الشرعية Q يا شيخ نبغي بعض نصائح لشبابنا حتى يسيروا للعلا فلقد أتوا للدرس ملء قلوبهم حباً لعلم الشرع فالقلب تلا لكن نخاف عليهمو أن يفتروا فالدرب صعب كالمسير على الفلا A نتناصح فيما بيننا جميعاً على أن نجد ونجتهد في تلك الدورات، وأن نواظب عليها، وأن نحرص على التزود منها، وذلك لأمور: أولاً: فيها علوم شرعية دينية نافعة. ثانياً: مدة الدورة قصيرة، فهي عشرون يوماً أو نحوها. ثالثاً: عندنا فراغ ووقت متسع، فلا نضيعه في لهو ونفرط في مثل هذه الأيام. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [37]

شرح أخصر المختصرات [37] جاءت الشريعة بجلب المصالح للخلق، ودفع المفاسد عنهم، ومن أحكامها التي فيها مصالح للعباد: الحجر على المفلس، والحجر على الصغير والمجنون والسفيه، صيانة للحقوق والأموال من الضياع والتلف، وقد بين أهل العلم تفاصيل ذلك.

الحجر

الحجر قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ومن ماله لا يفي بما عليه حالاً وجب الحجر عليه بطلب بعض غرمائه، وسُنَّ إظهاره، ولا ينفذ تصرفه في ماله بعد الحجر ولا إقراره عليه، بل في ذمته، فيطالب بعد فك حجر. ومن سلمه عين مال جاهل الحجر أخذها إن كانت بحالها، وعوضها كله باق ولم يتعلق بها حق للغير. ويبيع حاكم ماله ويقسمه على غرمائه، ومن لم يقدر على وفاء شيء من دينه، أو هو مؤجل تحرم مطالبته وحبسه، وكذا ملازمته. ولا يحل مؤجل بفَلَس، ولا بموتٍ إن وثَّق الورثة برهن محرز أو كفيل مليء، وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع على الغرماء بقسطه. فصل: ويحجر على الصغير والمجنون والسفيه لحظهم، ومن دفع إليهم ماله بعقد أو لا رجع بما بقي لا ما تلف، ويضمنون جناية وإتلاف ما لم يدفع إليهم، ومن بلغ رشيداً أو مجنوناً ثم عقل ورشد انفك الحجر عنه بلا حكم، وأعطي ماله، لا قبل ذلك بحال. وبلوغ ذكر بإمناء، أو بتمام خمس عشرة سنة، أو بنبات شعر خشن حول قبله، وأنثى بذلك وبحيض، وحملها دليل إمناء. ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر بما يليق به ويؤنس رشده، ومحله قبل بلوغ، والرشد هنا إصلاح المال، بأن يبيع ويشتري فلا يغبن غالباً، ولا يبذل ماله في حرام وغير فائدة. ووليهم حال الحجر الأب، ثم وصيه، ثم الحاكم، ولا يتصرف لهم إلا بالأحظ، ويقبل قوله بعد فك حجرٍ في منفعة، وضرورة، وتلفٍ، لا في دفع مالٍ بعد رشدٍ إلا من متبرع، ويتعلق دين مأذون له بذمة سيد، ودين غيره وأرش جناية قنٍ وقيم متلفاته برقبته] . الفصل الأول: يتعلق بمن يحجر عليه لأجل الدين. والفصل الثاني: يتعلق بمن يحجر عليه لأجل قصر النظر، فالحجر على الأول لمصلحة الغرماء، والحجر على الثاني لمصلحته هو، لئلا يفسد ماله، والحجر على الأول إذا كان مديناً، والدين يعم قيم السلع وعوض المتلفات، ويعم أيضاً الدين بالصداق الحال أو ما أشبهه.

التحذير من التهاون في قضاء الديون

التحذير من التهاون في قضاء الديون ورد التحذير من التهاون بديون الناس التي تتعلق بالذمة، فثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) يعني: من أخذها ديناً أو قرضاً أو أخذها ليتاجر فيها، وهو يريد إتلافها أتلفه الله، وإن كان ناصحاً وفقه الله لأدائها. ولا شك أن الدين غرم يتعلق بذمة الإنسان، ولذلك قال الله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:65-67] ، والمغرمون هم المدينون، يقول الله: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:65] يعني: زرعكم، {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة:65] يعني: تتكلمون وتقولون: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْن مَحْرُومُونَ} [الواقعة:66-67] فدل على أن الغرم من جملة ما يتألم لأجله. وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في آخر صلاته فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقيل له: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: إن الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف) ، وهذا حق، فالإنسان إذا كان عليه دين، وجاءه صاحبه اضطر إلى أن يكذب ويقول: سأعطيك بعد قليل، أو سأعطيك، فيكذب بذلك، أو يعده شهراً أو نصف شهر ثم لا يستطيع، فيخلف الوعد. وقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم خلف الوعد والكذب من خصال المنافقين، فعلى هذا يستعاذ بالله من المغرم، أي: من تحمل ديون الناس وحقوقهم، ولذلك ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى أحداً قال: (ما أحب أن لي مثل أحد ذهباً، يأتي عليّ ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا ديناراً أرصده لدين) يعني: لوفاء دين، وثبت أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن قتلت في سبيل الله هل يغفر لي؟ فقال: إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر، غفر الله لك، ثم قال: إلا الدين فإن جبريل أخبرني به) أي: لا تغفره الشهادة في سبيل الله؛ وذلك لأنه حق لآدمي، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، فلا بد من قضائها، فتؤخذ من حسناته إذا مات وهو لم يوفها مفرطاً، فحقوق الآدميين لا بد من وفائها، وهي من الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً، ففي الحديث الذي في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفره الله، وهو الشرك بالله، وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم الإنسان نفسه، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وهو مظالم العباد فيما بينهم) فهذه لابد فيها من القصاص لا محالة. إذا عرف هذا فإذا كان على الإنسان دين وعنده مال فإنه يؤمر بوفائه، ويكلف أن يعطي الناس حقوقهم، ولا يجوز له أن يؤخر الوفاء، ويعتبر ذلك ظلماً، وورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) ، والمطل هو التأخير، يعني: تأخيره للوفاء ظلم منه لأصحاب الأموال، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) والواجد: هو القادر على الوفاء، وليُّه: يعني تلويته لأصحاب الحقوق، وعدم إيفائها، وعدم إعطاء الناس حقوقهم، (يحل عرضه وعقوبته) ، عرضه، أي: شكواه، وعقوبته: حبسه؛ وذلك لأنه أخر الحق عن أصحابه، فلهم أن يرفعوا بأمره، ولهم أن يشتكوه إلى من يأخذ حقهم منه، فإذا كان ماله بقدر دينه أو أكثر، حرم عليه التأخير، ولم يجز حبسه بل يكلف ويؤمر أن يعطي الناس ما في ذمته لهم حتى تبرأ ذمته، وحتى يعطي كل ذي حقٍ حقه، فإن أخر ذلك فلهم شكواه، ولهم عقوبته.

الحجر على المدين

الحجر على المدين إذا كان عنده مال، ولكن ماله أقل من دينه، عنده مثلاً ما يساوي عشرة آلاف: أمتعة وعروض ونقود وسلع، والديون التي في ذمته تساوي عشرين ألفاً، ففي هذه الحال يحجر عليه، أي: يمنع من التصرف في هذا المال الذي في يده، ويمنع أن يبيعه أحداً أو يشتري منه، فتوقف أمواله التي في يده فلا يبيع شيئاً منها، لا شاةً ولا بعيراً، لا كيساً ولا ثوباً ولا قدراً، ولا شيئاً مما في يده، فيقال: لا أحد يشتري منه، ولا أحد يبيعه بدين، وتحصر ديونه التي في ذمته، وإذا حصرت وكانت -مثلاً- عشرين ألفاً كلها حالة، وأهلها يطالبون بها، ففي هذه الحال يحجر عليه إذا طلبوا وقالوا: احجر عليه يا حاكم، وامنعه من أن يتصرف في ماله. ويسن إعلان الحجر، أي: إظهاره وإشهاره وإعلانه؛ حتى يتوقف الناس عن البيع له، أو عن الشراء منه، ولا يمكن تصرفه في ماله بعد الحجر، ولو باع كيساً أو شاةً ما نفذ البيع، بل يرد البيع، ويقال: لا يجوز لك أن تبيع، ولا يجوز لكم أن تشتروا منه، وكذلك لا يقبل إقراره عليه، فلو قال مثلاً: هذه الشاة لزوجتي، وهذا البعير لأبي، وهذه الأكياس لأخي، وليس لي منها شيء، فلا يقبل منه ذلك، إذ الأصل أن ما في يده فإنه ملكه، أما إذا اعترف في ذمته، فقال: في ذمتي لزيد مائة، وفي ذمتي لخالد مائتان، فاعترافه بعد الحجر يثبت، ولكن هؤلاء الذين اعترف لهم لا يعطون من هذه الأموال الموجودة، مخافة أنه ما أراد بالاعتراف إلا إضرار الغرماء حيث اشتكوه، وحيث كلفوا الحاكم أن يحجر عليه، فهذا بلا شك ضرر عليه، وضرر على غرمائه، فيحجر عليه ثم تصفى أمواله. ثبت أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان جواداً سخياً كريماً، فكان ينفق ما عنده من الأموال، فكثر دينه، وقلت أمواله، فعند ذلك طلب النبي صلى الله عليه وسلم من غرمائه أن يضعوا عنه أو يسمحوا عنه، فلو كانوا تاركين لأحدٍ شيئاً لتركوا لـ معاذ لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم امتنعوا؛ لأنهم ذوو حاجة؛ ولأن أموالهم عواري أو بضائع لغيرهم، أو شركات، أو لأموات، أو لأيتام، فلم يضعوا شيئاً، ولم يتسامحوا عنه بشيء، فعند ذلك حجر النبي صلى الله عليه وسلم أمواله التي في يده كلها وباعها، ووزعها على الغرماء بالنسبة، ثم بعد ذلك أراد أن يجبره فبعثه على الزكاة والجزية إلى اليمن؛ ليصيب من سهم العاملين عليها، فبعثه لجبرانه لما حصل عليه. فهذا دليل على أن من كثر دينه فإن لأهل الدين أن يمنعوه من التصرف بواسطة الحاكم، وأن للحاكم أن يمنعه من أن يتصرف في أمواله التي في يده، ثم يجمعها ويعرضها للبيع، ويبيعها.

حكم من باع ماله قبل الحجر بدين مع بقاء المبيع في ملكه

حكم من باع ماله قبل الحجر بدين مع بقاء المبيع في ملكه من وجد ماله عند من أفلس بعينه ولم يتصرف فيه؛ فإنه أولى به، فيأخذه برأس ماله، ومن سلمه عين مال جاهلاً بالحجر أخذ عين ماله إذا الأموال وعوضها كله باق، ولم يتعلق بها حقٌ للغير. من باع ماله قبل الحجر بدين، ثم حجر عليه وتلك العين التي باعها موجودةٌ في ملكه فإنه أحق بها بشروط: الشرط الأول: ألا تتغير صفتها. الشرط الثاني: ألا يقبض من ثمنها شيئاً. الشرط الثالث: ألا يتعلق بها حقٌ للغير. الشرط الرابع: أن يكون البائع موجوداً. الشرط الخامس: أن يكون المشتري موجوداً. وتتضح هذه الشروط بالتمثيل فنقول: إذا اشترى منك كيس قهوة، ونفرض أنه بـ (1000) ريال، وبعد نصف شهر حجر عليه، ولما حجر عليه إذا بالكيس موجودٌ في ملكه، فإنك تقول: أنا أحق به؛ لأنه عين مالي، آخذه برأس ماله، فإذا قال الغرماء الآخرون: بل نحن نشاركك في قيمته، وتشاركنا في بقية المال، فإن لك الحق في أن تطالب بعين مالك، فتقول: هذا الكيس مالي، أنا الذي بعته، وما تغير، ولو لم يحجر عليه إلا بعد موتك لم يكن لورثتك المطالبة. وهذا الكيس لو تغير كما لو أدخله المحامص فحمص، فإنه يكون قد تغيرت حالته، فلا تستحق الرجوع فيه. وكذلك مثلاً لو رهنه عند زيد، فإنك لا تستحق الرجوع فيه؛ وذلك لأن حق زيد تعلق به، حيث قد رهنه بدين آخر، فلا تستحق الرجوع فيه، فيكون دينك كسائر الغرماء. وكذلك لو مات المشتري ووجدت عين مالك عند ورثته، فأنت أسوة الغرماء؛ لأن غريمك قد مات، فليس لك إلا ما للغرماء، وكذلك لو غير عين المبيع، فلو كان المبيع مثلاً كيس حنطة، ثم إنه طحنه وتغيرت هيئته وصورته، فيكون البائع أسوة الغرماء، ليس له إلا مثل ما لهم، فيباع الكيس مع بقية ماله، ويكون المشتري أسوة الغرماء، وكذلك أيضاً لو غيره فلو اشترى خشباً مثلاً، ونجرها أبواباً فإنه قد تغير، أو اشترى أقمشة وخاطها ثياباً فإنها قد تغيرت، فتغيرت صفته، فيكون صاحبه أسوة الغرماء، فلا بد من هذه الشروط الخمسة: كون البائع موجوداً، وكون المشتري موجوداً، وكون المبيع لم يتغير، وكون الثمن باقياً لم يقبض منه شيء، وكونه لم يتعلق به حق للغير. سواءٌ كان هذا المبيع غالياً أو رخيصاً، فلو كان مثلاً سيارة اشتراها منك ديناً بستين ألفاً، ولم يعطك من ثمنها شيئاً، بل ثمنها دين، ثم أفلس وحجر عليه، فطالب بسيارتك، وقل: أنا أحق بها برأس مالها، ولا أكون أسوة الغرماء؛ لأنك إذا كنت أسوة الغرماء فلا يبقى لك إلا مقدار ما حل من الدين، والدين المؤجل لا تعطى من عوضه شيئاً. وكذلك السيارة إذا رهنها عند آخر، فإنه تعلق بها حق الراهن، فلا تستحق الرجوع فيها، فلا بد أن تكون أنت موجوداً، ولا بد أن يكون المشتري موجوداً، ولا بد أن تكون السيارة لم تتغير، ما صدم بها مثلاً، ولا غير شيئاً من عجلاتها، أو شيئاً من أدواتها، ولا بد ألا تقبض شيئاً من الثمن، ولا بد ألا يرهنها. ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد عين ماله عند أحدٍ قد أفلس فهو أحق به) أي: بثمنه عند إنسان قد أفلس. كذلك لو بعته عيناً ماليةً، ولم تدر أنه محجور عليه، ثم علمت بعد ذلك، فلك أن تستعيد تلك العين وتقول: أنا جاهل، ما علمت بأنه محجور عليه، وعين مالي موجودة، سيارتي موجودة مثلاً، أو كيسي موجود، يعني: أنك أحق به؛ لأنك جاهلٌ بالحجر، فتأخذها إذا كانت باقية بحالها، إذا كان عوضها كله باقياً في ذمته، ولم يتعلق بها حق للغير، ما رهنت مثلاً أو نحو ذلك. ومما يذكرون في تعلق حق الغير: الجناية، لكنها خاصة بالعبد دون البعير والشاة والسيارة ونحوها، فيقولون: إذا اشترى منك عبداً مثلاً بعشرة آلاف، ثم إن العبد جرح إنساناً أو قطع منه إصبعاً، أو شجه في رأسه، أو أتلف شاةً لإنسان، فهذا قد تعلق به حق الغير، وهو المجني عليه، فلا تكون أنت أحق بثمنه، ولا ترجع فيه؛ لأن صاحب المجني عليه يقول: هذا العبد هو الذي جنى علي، فديني في ذمته، أو أرش جنايتي في ذمته، فلا ترجع فيه. أما إذا كان المبيع شاةً أو بعيراً ثم إن هذا البعير رفس إنساناً فقتله، فهل يكون صاحبه المجني عليه أحق بثمن البعير أو أحق بالبعير بأن يقول: هذا البعير هو الذي قتل أخي، أو ابني؟ A ليس كذلك؛ وذلك لأن البعير غير مكلف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العجماء جبار) أي: هدر. وكذلك الشاة لو دخلت حرثكم فأكلت الزرع مثلاً، فهل تقولون: نحن أحق بها من الغرماء؛ لأنها أكلت زرعنا، نقول: ليس كذلك، ولكن صاحبها يغرم لكم ما أفسدته، وتكونون أسوة الغرماء. وإذا بعته سيارةً بستين ألفاً ديناً، ثم إنه صدم بها إنساناً فمات، أو صدم بها شجرة أو جداراً، فهل يقول ورثة ذلك الميت: نحن أحق بالسيارة التي صدمت ولدنا؟ الجواب: ليس كذلك؛ لأن السيارة جماد، إنما الذي يحركها هو الذي يغرم، فهو الذي يغرم الدية، وهو الذي يغرم قيمة الجدار مثلاً، أو قيمة الشجرة، فلذلك لا يلحق بمثل جناية العبد؛ لأن العبد مكلف عاقل.

للحاكم بيع مال المفلس وقسمه بين غرمائه إلا ما كان ضروريا

للحاكم بيع مال المفلس وقسمه بين غرمائه إلا ما كان ضرورياً يقول المؤلف: [ويبيع حاكم ماله ويقسمه على غرمائه] . أي: بقدر حصصهم، فإذا أحصى المال الذي صفاه ووجده عشرة آلاف، ووجد الديون ثلاثين ألفاً كلها حالة، ننظر نسبة المال إلى نسبة الدين، وهو الثلث، فكل واحدٍ منهم يعطى ثلث دينه، فالذي له ثلاثمائة يعطى مائة، والذي له ثلاثة آلاف يعطى ألفاً، والذي له ألفٌ وخمسمائة يعطى خمسمائة، وهكذا، وبذلك تحصل المساواة بينهم، ويحصل النقص عليهم كلهم. ولو قال رجل منهم: أنا ديني قديم من عشر سنين، وهؤلاء دينهم جديد، ما أخذوه إلا من سنة، أو من نصف سنة؟ A الجميع سواء، فكلهم حقهم قد حل، فيستوون في هذا المال. واعلم أنه لا يجرد المفلس من كل ماله، بل يترك له بيت يسكنه، فإذا كان عنده بيتٌ يساوي مثلاً ثمانمائة ألف، فيبيعه الحاكم ويشتري له بيتاً بمائتين أو بثلاثمائة ليسكنه، ويقول: هذا بيت الفقراء، أما أن تسكن في هذا البيت الذي بثمانمائة ألف أو بمليون، فهذا بيت أثرياء وأغنياء، وأنت فقير، فيشتري بيتاً بمائتين أو بثلاثمائة ويسكنه فيه، ويقسم البقية الزائدة على الغرماء. وإذا كانت عنده سيارة قيمتها ثمانون ألفاً يبيعها، وإذا قال: أنا لا أستغني عن السيارة. فتشتري له سيارة بثلاثين ألفاً أو بعشرين ألفاً ولو مستعملة، ويقال: هذه سيارة الفقراء، لا تشترِ سيارة الأثرياء الأغنياء. وكذلك أيضاً متاع بيته، إذا كان عنده شيءٌ زائد يبيعه، فإذا كان عنده مثلاً عددٌ من الصحون وعددٌ من القدور، وعددٌ من الكئوس، وعددٌ من الفرش وما أشبهها، فيترك له الشيء الضروري، ويبيع البقية ويقسم ثمنها، ويترك له الشيء الذي هو بحاجة إليه، مثل غسالة أو ماكنة خياطة إذا كان خياطاً، أو ثلاجةً صغيرةٌ مثلاً بقدره أو ما أشبه ذلك؛ حتى يبرئ ذمته، وإذا كان صاحب حرفة تركت له آلة حرفته، فإذا كان خياطاً تركت له آلة الخياطة، وقيل: تكسب وأنفق على نفسك، وأوفِ بقية دينك، وإذا كان مثلاً غسالاً فكذلك، وإذا كان حجاماً تركت له آلة حجامته، وإذا كان مثلاً بناءً تركت له آلة بنائه التي يشتغل ويبني بها، وهكذا بقية الحرف، أما إذا كان مثلاً صاحب ماشية، فيبيع من ماشيته ما يستغني عنه، ويترك له غنيمةً يشرب لبنها، ويبيع من نسلها، إلى أن يوفي دينه، وهكذا. فالحاصل أن هذا دليل على عظم شأن الدين؛ لأنه حق آدمي؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه، فيقول في الدعاء المأثور: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والهرم، والجبن والبخل، والكسل والحزن، وسوء الأخلاق، وشماتة الأعداء، وضلع الدين، وقهر الرجال) ضلع الدين يعني: ضرره، وهمه، وأثره.

حرمة مطالبة المعسر أو حبسه

حرمة مطالبة المعسر أو حبسه يقول: [ومن لم يقدر على وفاء شيءٍ من دينه أو هو مؤجل تحرم مطالبته، ويحرم حبسه، وكذا ملازمته] . يمكن أن يقسم الناس بالنسبة للدين إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: من ماله أكثر من دينه. والقسم الثاني: من ماله أقل من دينه. والقسم الثالث: من ليس له مال، فليس عنده قدرةٌ على الوفاء. فإذا كان ماله أكثر من دينه أو بقدر دينه، فلا يحبس ولا يحجر عليه، ولكن يكلف أن يوفي دينه، وإذا كان ماله أقل من دينه حجر عليه بطلب غرمائه، وإذا لم يكن له مال لم يحجر عليه؛ وذلك لأنه معسر، بل يؤمر أن يتكسب، وأن يحترف إلى أن يجمع ما يوفي دينه، ويسد حاجته، والدليل قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] النظرة هي التأخير، أنظروه يعني: أخروه إلى ميسرة، ولا يحل لكم أن تطالبوه وهو معسر.

التنبه لحيل بعض الناس في ادعاء الإعسار

التنبه لحيل بعض الناس في ادعاء الإعسار في هذه الأزمنة يكثر الذين يتحملون الديون، ثم يدعون الإعسار، وإذا ادعوا الإعسار أخذوا يتسولون، وأخذوا يطلبون من الأثرياء، ولا شك أن كثيراً من المتسولين ليسوا صادقين، بل أهل حيل، فلذلك فإن القضاة إذا ادعى أحد الإعسار لا يقبلون منه إلا بعد سجنه، فإذا صبر في السجن مثلاً نصف سنةٍ أو سنةً أو نحوها، عرف بذلك صدقه. وقبل ذلك لابد أن يبحث عن ملكه، ماذا يملك؟ هل عنده عقار يستغني عنه؟ هل له رصيد أو حساب في أحد المصارف؟ هل له غرماء يطلب منهم مالاً؟ أي: عندهم له أموالٌ وديون، لا بد للقاضي أن يستفصل ويبحث. وإذا أعطى الإنسان زكاته لمن يعتقده فقيراً، وكان في نفس الأمر غنياً، فإنه يعتبر قد برئت ذمته؛ لأن الغارمين لهم حقٌ في الزكاة، فقد جعلهم الله من جملة أهل الزكاة، فلابد للقضاة أن يتثبتوا وأن يتحققوا. وكثيرٌ من الناس يستدينون أموالاً كثيرة ثم يسرفون، فتجدهم يبنون مبانٍ فاخرة، ويصرفون عليها مئات الألوف، فالأولى بالقاضي مع من كان من هؤلاء أن يقول: نبيع عمارتك هذه التي تساوي مليوناً أو أكثر، ونشتري لك عمارة بثلاثمائة ألف ونحوها، ونوفي الدين، فأنت قد أسرفت، وأخذت أموال الناس وصرفتها في هذه الزينات، وفي هذه الأنواع التي زخرفت بها هذا البناء، فهذا يعتبر من الإسراف، فلا يقبل منه ولا يقول: اسجنوني حتى تؤدي عني الحكومة أو ما أشبه ذلك، بل على القاضي أن يتثبت، وألا يصدق كل من يدعي، فقد يكون هناك كثيرٌ من المحتالين، وقد ظهر لبعض القضاة حيل كثيرٍ منهم، يأتي مثلاً إلى إنسان ويقول: اشتكني وادع أن في ذمتي لك خمسمائة ألف، وأنا سوف أعترف عند القاضي بأنها ثابتة، وبأنها قيمة السيارات، أو قيمة مواد بناء، أو ما أشبه ذلك، فإذا ثبتت في ذمتي أدعيت بعد ذلك الإعسار، فإذا ادعيت لا يضرني إذا سجنت نصف سنة ثم دفعت الحكومة عني، أو دفع الأثرياء، أو دفع من صندوق البر ثلثاها: أربعمائة أو نحوها، ثم أقتسمها أنا وأنت. وقد ظهرت حيل كثيرة مثل هذه، فعلى القضاة أن يتثبتوا، فإذا ثبت أن هذا مدين، وأنه ليس عنده شيء يوفي به دينه، قل أم كثر فإنه معذور، ولا يجوز حبسه، ولكن يؤمر بأن يوفي دينه مهما استطاع، وإذا كان الدين مؤجلاً فلا يجوز مطالبته؛ لأن الدين لم يحل، ولا يجوز حبسه، ولا تجوز ملازمته، وإن كان عليه دين مؤجل فلا يجوز لأصحاب المؤجل أن يطالبوا بحقوقهم، ويقولون: أعطونا من ماله الذي تقتسمونه، فإن ديننا ثابت، نقول: دينكم مؤجل، فإن حل قبل أن تقسم الأموال أخذتم قسمكم، وإن قسم قبل الحلول فليس لكم مع هؤلاء شيء. ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل، ويبقى إلى أن يحل، ولكن لو خاف أصحاب الدين المؤجل من الورثة أن يقتسموا الميراث، ويقولون: ما عندنا لك شيء، فلابد للدائن أن يطالبهم فيقول: إما أن تعطوني ديني ولو كان مؤجلاً، أو تعطوني بعضه وأسقط بعضه -على قول من أجاز ذلك- أو تأتوني بكفيل يكفل حقي، ويضمنه عند حلوله، أو ائتوني برهن أتوثق منه، فإذا وثق دينه برهن محرز بقدر الدين، فإنه يكفي أو يضمنه كفيل.

ظهور الغريم بعد قسمة مال المفلس

ظهور الغريم بعد قسمة مال المفلس يقول: [وإن ظهر غريم بعد القسمة رجع على الغرماء بقسطه] . لو اقتسموا، وبعدما اقتسموا تبيّن غريمٌ يطالبه بدين سابق، وقال: عنده لي دين، وهذه وثائقي، فإنه يرجع إلى الغرماء بقسطه، فإذا كان قسطه له العشر، فيأخذ من كل واحد منهم عُشر ما دفع إليه. هذا الفصل الذي يتعلق بالدين والحجر عليه، أما الفصل الذي بعده فهو الحجر على السفهاء.

الحجر على الصغير والمجنون والسفيه

الحجر على الصغير والمجنون والسفيه قوله: [يحجر على الصغير والمجنون والسفيه لحظهم] أي: لمصلحتهم؛ وذلك لأنهم لا يحسنون التصرف، فيمنعون من التصرف في الأموال، والدليل قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] ، أي: لا تعطوها لهؤلاء السفهاء، فإنهم يفسدونها؛ لأنهم لا يفكرون ولا يعرفون المصالح، وإذا سلطوا على الأموال أتلفوها، فأنت إذا أعطيت طفلاً عمره خمس سنين خمسمائة ريال مثلاً، فإنه لا يدري قيمتها، وربما يشتري بها حلوى أو لعبةً أو نحو ذلك، يعجب بهذه السلعة، ولا يفكر في قيمتها؛ فلذلك لا يسلطون على الأموال، وكذلك المجنون فاقد العقل؛ لأنه لا يدري ما قيمة هذا المال، وكذلك السفيه ولو كان كبيراً، فهناك من يبلغ عشرين أو ثلاثين سنة وهو سفيه ناقص العقل لا يحسن أن يتصرف، فيقال: هذا سفيه، وإذا سلط على الأموال أتلفها، فيذبح ما يقدر عليه من الشياه مثلاً، ويمزق ما يقدر عليه من الثياب أو يشتري غالياً ويبيع رخيصاً، ولا يبالي بذلك، فمثل هؤلاء يمنعون من التصرف، ولو كانت الأموال أموالهم، فالمصلحة تعود إليهم. قوله: [ومن دفع إليهم ماله بعقدٍ أو لا رجع بما بقي لا ما تلف] ، فإذا اشتريت منهم مثلاً ثوباً رجع به، وذلك لأنهم لم يؤذن لهم أن يشتروا، فشراؤهم هذا يعتبر سفهاً، ولو باعهم قدراً أو كيساً أو نحو ذلك فليس لهم حسن التصرف، فإذا تلف شيءٌ منه فلا يرجع؛ لأنه سلطهم على ماله، وإن بقي منه شيء فإنه يرجع فيه، فلو باعهم ثوبين فأحرقوا واحداً وبقي واحد، فإنه يرجع بالباقي، أو باعهم مأكولاً ثم أكلوا بعضه وبقي بعضه كفاكهة أو نحوها فإنه يرجع بما بقي، أما ما تلف فإنه يذهب عليه؛ لأنه سلطهم على ماله. أما الجناية فيضمنونها ولكن تتحملها العاقلة إذا بلغت الثلث ونحوه، ولو كانت صغيرة، فلو قاد سيارةً وصدم بها إنساناً فإن العاقلة تتحمل ذلك، أي: أقاربه، وكذلك لو صدم جداراً أو شجرة فإن عاقلته وأهله يغرمون؛ لأنهم سلطوه على هذه السيارة، أو أخذ سكيناً وطعن بها إنساناً فإنهم يغرمون؛ لأنهم مأمورون بأن يحفظوه ولا يعطوه سلاحاً، فيضمنون الجناية ويضمنون إتلاف مال من لا يدفعه لهم، فلو دخل السفيه أو المجنون بيت أناس ثم أتلف شيئاً: أحرقه أو مزقه أو أراق شيئاً من الأطعمة أو الأدهان فإنه يضمن؛ لأن وليه مكلفٌ بأن يأخذ على يديه ويحفظه حتى لا يدخل بيوت الناس.

الحد الذي ينتهي به الحجر على الصغير والمجنون

الحد الذي ينتهي به الحجر على الصغير والمجنون يقول: [ومن بلغ رشيداً أو مجنوناً ثم عقل ورشد انفك الحجر عنه بلا حكم، وأعطي ماله، لا قبل ذلك بحال] . يدفع للصغير ماله بهذين الشرطين: البلوغ والرشد، أو العقل والرشد، فإذا كان مجنوناً ثم عقل ورشد دفع إليه ماله، وإذا كان صغيراً فبلغ ورشد دفع إليه ماله، والدليل قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6] ، فذكر أن لذلك شرطين: الأول: بلوغ سن يقارب سن النكاح. الثاني: اختبارهم بما يناسبهم، فإذا عقل ورشد أو بلغ ورشد دفع إليه ماله، قال الله: {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء:6] ، ولا يحتاج إلى حكم حاكم، بل بمجرد بلوغه ورشده يدفع إليه ماله؛ لأنه أحق به، وأما قبل ذلك فلا، ولو بلغ عشرين أو ثلاثين سنة؛ لأنه لا يزال سفيهاً. بأي شيء يحصل البلوغ؟ البلوغ في الرجل يحصل بثلاثة أشياء: الأول: بالإمناء، أي: بالإنزال، فإذا احتلم فأنزل، أو أنزل باستمناء أو نحوه فقد بلغ، لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء:6] . الثاني: تمام خمس عشرة سنة، لحديث ابن عمر يقول: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني) . الثالث: نبات الشعر الخشن حول الفرج. فهذه علامات البلوغ في الرجل والمرأة، وقد يوجد في الأطفال شعر رقيق، وليس هو علامة على البلوغ، قال عطية القرظي: (عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي) ، يعني: كانوا يكشفون عن عوراتهم فينظرون، فمن أنبت يقتل، ويشبهونه بالرجال. والأنثى أيضاً بلوغها بالإنزال، إذا احتلمت فأنزلت، أو بتمام خمس عشرة سنة، وبالشعر الخشن، وتزيد أيضاً بالحيض، فإذا حاضت فهو علامة على البلوغ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمار) يعني: صلاة من قد حاضت، وكذلك الحمل دليل على الإنزال، فإذا حملت حكم ببلوغها من حين علوقها بالحمل، وهذا دليل على أنها قد بلغت.

اختبار من بلغ الحلم قبل إعطائه ماله

اختبار من بلغ الحلم قبل إعطائه ماله يقول: [ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر بما يليق به، ويؤنس رشده، ومحله قبل البلوغ] . والدليل قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] ابتلوهم، يعني: اختبروهم فيما يليق به، فيختبر ولد التاجر مثلاً فيما يناسبه، فيعطى شيئاً يتجر به فينظر، فإذا عرف رشده، فإنه يدفع إليه ماله، وولد البدوي مثلاً يختبر برعيه الغنم أو الإبل ونحوها، وحفظه لها، وهكذا صاحب الحرث ينظر في سقيه للحرث وما أشبهه، وهكذا كل إنسان يختبر بما يناسبه ويليق به. وقوله: (ومحله قبل البلوغ) . أي: الاختبار قرب بلوغه، والرشد في قوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء:6] هو الصلاح في المال ولو كان فاسداً في دينه؛ لأن الحجر عليه إنما هو في ماله، ومتى يعرف أنه صالحٌ في ماله، مصلح لماله؟ إذا باع واشترى فلم يغبن غبناً فاحشاً، لا يبيع رخيصاً، ويشتري غالياً، ولا يبذل ماله في حرام، أو في غير فائدة، فلا يشتري آلات الملاهي مثلاً، ولا يشتري شيئاً يلعب به أو نحو ذلك مما يتلف بلا فائدة، بل يحفظ ماله، ولا يبذله في أشياء محرمة، ولا في مخدرات، ولا مسكرات، ولا ملهيات، ومن فعل ذلك فإنه سفيه، ولو كان ماله كثيراً.

ولي المحجور عليه للصغر أو الجنون

ولي المحجور عليه للصغر أو الجنون يقول: [ووليهم حال الحجر الأب] . وذلك لأنه أولى، فإذا كان الطفل له مالٌ من أمه مثلاً، فإن أباه هو الولي، وهو وكيله ووصيه، ثم بعد ذلك وصي الأب، فإذا أوصى الوالد أن فلاناً وصيي على أطفالي. فيكون الوصي وكيل الأب، ثم الحاكم إذا لم يكن هناك وصي، وللحاكم أن ينظر من هو الأقرب والأشفق عليه من أخٍ أو قريبٍ أو نحو ذلك، والولي يتصرف لهم في أموالهم، ولكن لا يتصرف إلا بما فيه الحظ لهم، فلا يبيع إلا إذا رأى مصلحة في البيع، ولا يشتري لهم إلا شيئاً تتحقق فائدته ومصلحته، وهو يعتبر أميناً على هذه الأموال، فيقبل قوله بعد فك الحجر، فيقبل قوله: إنه تلف من المال كذا، أو أنفقت منه كذا، أو بعت منه كذا، أو اضطررت إلى كذا وكذا؛ لأنه مأمور في المنفعة التي بذلها، وفي الضرورة التي ألجأته مثلاً إلى البيع، أو ما أشبه ذلك، فإذا قال: بعت شاته أو بعت بعيره لأنفق عليه، أو رأيت مناسبة لبيعها، ولو لم أبعها لفات الموسم، أو ما أشبه ذلك، قبل قوله، أما في دفع المال إليه فلا يقبل إلا ببينة؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:6] فإذا دفع بغير شهود وجحد اليتيم، فإنه يغرم الولي إلا إذا كان متبرعاً بالحفظ، فأما إذا كان يحفظ بأجرة فيغرم ما تلف أو لم يدفعه. بعد ذلك تكلم على دين العبد، فإذا كان العبد مأذوناً له في ذمة سيده فاستدان فإن دينه يتحمله سيده، وأما إذا لم يأذن له فإنه يتعلق برقبته، فيصير صاحب الدين يطالب ويقول: هذا العبد في رقبته لي كذا وكذا مائة أو ألف. وكذلك لو استودع عند العبد شيئاً فأتلفه، فإنه يطالب السيد فيقول: إما أن تفديه وإما أن يشاركه فيه. وكذلك أرش جناية العبد، فإذا جنى على إنسان: شجة أو جرحاً فإن المجني عليه يقول لسيده: إما أن تفديه وتعطيني الأرض، وإلا أكون شريكاً لك، ويكون ديني وأرش الجناية في رقبة هذا العبد، وكذلك قيمة متلفه، إذا أتلف العبد شيئاً تعلق برقبته، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

حجر الأبناء على أبيهم

حجر الأبناء على أبيهم Q ما هو ضابط حجر الأبناء على أبيهم؟ A الأصل أن الأبناء يحترمون آباءهم، لكن لو بلغ الأب سن التخريف، وبلغ حالةً لا يفقه فيها، فإن لهم أن يمنعوا الناس ويقولوا: لا تشتروا منه، ولا تبيعوا عليه، فإنه لا يفهم، وإنه لا يفقه المصلحة، فلهم أن يمنعوه، ولكن يعلن ذلك القاضي، فيكون ذلك بواسطة القاضي حتى لا يتعامل معه أحد إلا على بصيرة.

إذا أقر المحجور عليه بمال لقريبه بقرينة عمل بها

إذا أقر المحجور عليه بمال لقريبه بقرينة عمل بها Q لو أقر المحجور عليه بأن هذا المال المعين لأخيه مثلاً، ووجدت قرينة على ذلك، فما الحكم؟ A إذا وجدت قرينة عمل بها، فيكون هذا المال لمن أقر به، لكن إن كانت حيلة فلا تقبل منه، وكثيرٌ من المحجور عليهم أو المدينين إذا طلب منه القضاء يقول: هذه الشاة لامرأتي، وهذه الإبل لأبي، ليس لي منها شيء. ويريد بذلك التخلص من هؤلاء الغرماء، فلا يقبل منه إلا ببينة أو بقرائن.

بيع دار الميت المدين لسداد دينه

بيع دار الميت المدين لسداد دينه Q رجل توفي وعليه دين قرابة مليونين، وداره لو بيعت تساوي قرابة مليون ومائتين، وليس فيه سوى الزوجة وأربعة أبناء، فهل للغرماء أن يطالبوا ببيع البيت؟ A يرفع الأمر إلى القاضي، ولا يباع إلا بأمر القاضي؛ وذلك لأن هذا شيء تعلق بذمة هذا الميت، فلابد أنهم يسعوا في إبراء ذمته ببيع داره، وهل يستطيعون أن يستأجروا؟! فينظر القاضي في أمرهم.

حد العاقلة

حد العاقلة Q هل صحيح أن حد العاقلة إلى الجد الخامس؟ A يعبرون عنهم بأنهم الأفخاذ، يمكن إلى الجد الخامس أو إلى العاشر إذا كانوا متقاربين.

حكم أخذ المدين من الزكاة مع قدرته على سداد بعض دينه كل شهر

حكم أخذ المدين من الزكاة مع قدرته على سداد بعض دينه كل شهر Q ما حكم من يأخذ من الزكاة وهو مديون بدين يستطيع أن يسدده كل شهر؟ A لا يحل له إذا كان يستطيع، إلا إذا شدد عليه أهل الدين، وقالوا: لا نخلي سبيلك إلا أن تعطينا الآن. ولم يوافقوا على التسديد شهرياً.

طلب المحجور الإمهال ليتجر

طلب المحجور الإمهال ليتجر Q هل للمحجور عليه أن يطلب ممن حجروا عليه أن يمهلوه أن يتّجر بأمواله حتى يسددهم؟ A له ذلك إذا كانوا يثقون بأنه إذا اتّجر بها ربح، ثم حصل من أرباحه ما يعطيهم أموالهم كلها، ولو أنهم أخذوا الأموال الموجودة ما حصل لهم إلا نصف ديونهم، وهو ذو حرفة ومعرفة، إذا اتّجر ربح في هذه السنة أو نحوها أرباحاً يحصل منها وفاء ديونهم.

من ادعى على ميت مالا ومعه أوراق غير موثقة

من ادعى على ميت مالاً ومعه أوراق غير موثقة Q لي جدٌ توفي وترك مالاً وديناً، فوفينا عنه دينه، ثم جعلنا الباقي في بناء مسجد، وبعد أربع سنوات جاء رجلٌ يدعي على جدي بدين، مع علمه في تلك المدة بموت جدي، وجاء بأوراق ليست موثقة، فما العمل في هذه الحال؟ A لا بد من إثباتها عند القاضي، فيرفع الأمر إلى القاضي، فتدّعون أنه لم يتقدم هذه المدة، وهو يشاهدنا نوفي ديونه، ويعلم أننا صرفنا بقية تركته لمسجد، وهذه الأوراق ليست موثقة، وللقاضي أن ينظر في القرائن.

مراعاة أحوال الناس وتقسيط ما ثبت في الذمة

مراعاة أحوال الناس وتقسيط ما ثبت في الذمة Q لي دين عند أحد الأثرياء، وذلك أن سائقه صدم سيارتي فقال لي: أخصص لك نصف راتب السائق خلال خمس سنوات، وأعطيك نصف المبلغ، فهل يجوز عمله هذا؟ A يجوز ذلك إذا رضيت أنت، فلك أن تطالب السائق، ولكن إذا عرفت أن السائق ليس عنده شيء، فلك أن ترضى بنصف مرتبه، ولك أن ترضى بنصف الأرش يقدمه لك تبرعاً منه.

حكم أفلام الكرتون للأطفال

حكم أفلام الكرتون للأطفال Q انتشرت في هذه الأزمنة المتأخرة أجهزة إلكترونية وهي مشتملة على ألعاب مسلية للأطفال، غير أنها تشتمل على بعض الصور ولذوات الأرواح، ومنها أفلام كرتون، وقد تسامح فيها كثيرٌ من الأخيار من أجل حفظ أولادهم، ولأجل مصالح أخرى، فهل هذا جائز؟ A لا شك أنها داخلة في اسم الصور، ولكن حيث إنها ليست ثابتة، ويمكن مسحها مثلاً والتسجيل عليها، فيخف أمر الصور فيها، لاسيما وأنها تختص بالأطفال الذين دون سن التمييز أو نحوهم، وتحفظهم من العبث الذي لا بد لهم منه، فلعله يتسامح فيها، ولكن لا يتوسع فيها توسعاً بحيث تبذل فيها أموالٌ طائلة، أو تشغل عما هو أهم منها.

رجوع العوام إلى العلماء المعتبرين في المسائل المختلف فيها

رجوع العوام إلى العلماء المعتبرين في المسائل المختلف فيها Q يحدث بيننا خلاف وجدل بسبب اختلافات الفقهاء والعلماء في بعض المسائل الفقهية، فما هو دور العامي مثلنا حيال ذلك؟ A لا شك أنه يوجد خلاف كثير بين العلماء، ولكن الواجب على العامة أن يأخذوا بأقوال العلماء المعتبرين فيرجعون إلى العلماء المعتبرين في زمانهم، وإذا نقل لهم عن علماء السلف الذين هم محل قدوة فيقتدون بهم.

استئذان الوكيل لموكله في شراء سيارة لمصلحته

استئذان الوكيل لموكله في شراء سيارة لمصلحته Q شخصٌ وكله آخر باستثمار ماله، وسمح له بسد حاجته منه إن أراد، ويرغب الوكيل بشراء سيارة بقيمة سبعين ألفاً للوكيل، بحيث يسجلها لصالح الموكل بقيمة ثمانين ألفاً، فهل يجوز ذلك؟ A لا بد من أخذ إذن الموكل؛ لأن هذه قيمة رفيعة، فإذا كانت السيارة لمصلحة الموكل؛ للاتجار في ماله، ولمتابعة الغرماء، ومتابعة التجارة، ومتابعة الإيراد والتصدير، وما أشبه ذلك، وسمح بذلك الموكل؛ جاز ذلك.

حكم صرف الحوالة قبل قبضها

حكم صرف الحوالة قبل قبضها Q جاءتني حوالة من أحد الإخوة، واستلمتها بالعملة التي توجد في البلد، فهل أدفع المبلغ بالعملة التي حولها هو أم بالعملة التي استلمتها في بلدي؟ A يجوز ذلك ويكون صرفاً لعين وذمة، كأنه يقول: عندكم لنا مثلاً مائة دولار، أريد صرفها بقيمة اليوم بريال سعودي مثلاً يجوز ذلك؛ لحديث ابن عمر: (كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم فنأخذ الدنانير وبالعكس، فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس ما لم تفترقا وبينكما شيء) ، فتستلم منهم العوض في الحال.

تأثير الرضاع إنما يكون لمن رضع دون إخوته

تأثير الرضاع إنما يكون لمن رضع دون إخوته Q أمي أرضعت ابن أختي الكبير، ومعروف شرعاً أنه أخو خاله من الرضاع، لكن إخوته الذين هم أصغر منه، ولم يرضعوا من أمي التي هي جدتهم، هل يجوز أن أزوجهم من بناتي أم لا، أفتونا مأجورين؟ A يجوز ذلك، والذي لا تزوجه هو الذي رضع من أمك، وأما إخوته فلا يتأثرون برضاع أخيهم.

حكم الطار

حكم الطار Q ابن خالي سوف يتزوج بعد أيام، وعلمنا بأنه سوف يأتي بفرقة من النساء تزعم أنها تستخدم الطار فقط، وهذه الفرقة سوف تحيي ساعات طويلة من الفرح وغير ذلك، وهذه الفرقة اشترطت أن تأخذ سبعة آلاف ريال، وأنا رفضت طلب والدتي، فهل هذا جائز؟ A لا يجوز لك تمكين هؤلاء الذين يلعبون هذا اللعب المشتبه والمحرم بما يسمى بالطار أو ما أشبهه، ولا بأس باستعمال الدف على ما ورد في حديث: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف) ، وشيء من النشيد المباح، وأما هذه الأجهزة الكثيرة وما أشبهها من الأمور الملهية، مع السهر الطويل؛ فلا تجوز. أحسن الله إليكم، وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [38]

شرح أخصر المختصرات [38] قد لا يستطيع الإنسان قضاء حوائجه كلها بنفسه، فأجازت له الشريعة أن يوكل غيره في البيع أو الشراء أو الخصام، أو في قبض ديونه ونحو ذلك، فيقوم الوكيل مقام موكله فيما وكله فيه، وللوكالة أحكام بينها الفقهاء.

الوكالة

الوكالة قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وتصح الوكالة بكل قول يدل على إذن، وقبولها بكل قول أو فعل دالٍ عليه، وشرط كونهما جائزي التصرف، ومن له تصرف في شيء فله توكل وتوكيل فيه، وتصح في كل حق آدمي، لا ظهار ولعان وأيمان، وفي كل حق لله تدخله النيابة، وهي وشركة ومضاربة ومساقاة ومزارعة ووديعة وجعالة، عقود جائزة لكل فسخها، ولا يصح بلا إذن بيع وكيل لنفسه، ولا شراؤه منها لموكله، وولده ووالده ومكاتبه كنفسه، وإن باع بدون ثمن مثلٍ أو اشترى بأكثر منه صح، وضمن زيادة أو نقصاً، ووكيل مبيع يسلمه ولا يقبض ثمنه إلا بقرينة، ويسلم وكيل الشراء الثمن، ووكيل خصومة لا يقبض، وقبض يخاصم، والوكيل أمينٌ لا يضمن إلا بتعدٍ أو تفريط، ويقبل قوله في نفيهما وهلاك بيمينه كدعوى متبرع رد العين أو ثمنها لموكل، لا لورثته إلا ببينة. فصل: والشركة خمسة أضرب: شركة عنان: وهي أن يحضر كل واحد من عدد جائز التصرف من ماله نقداً معلوماً؛ ليعمل فيه كلٌ على أن له من الربح جزءاً مشاعاً معلوماً. الثاني: المضاربة: وهي دفع مال معين معلوم لمن يتجر فيه بجزء معلوم مشاعٍ من ربحه، وإن ضارب لآخر فأضر الأول حرم، ورد حصته في الشركة، وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد تصرف أو خسر جبر من ربح قبل قسمة] . الفصل الأول: يتعلق بالوكالة. والفصل الثاني: يتعلق بالشركة.

تعريف الوكالة وحكمة مشروعيتها

تعريف الوكالة وحكمة مشروعيتها الوكالة: مشتقة من وكلت الشيء إلى فلانٍ يعني: فوضته إليه، ويعرفونها اصطلاحاً: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة. فقولهم: (استنابة) يعني: إقامة آخر مقامه، وصريحها أن يقول: وكلتك، أو أنبتك، أو فوضت إليك، أو قم مقامي في كذا. وسبب شرعيتها أن الإنسان قد لا يقدر على قضاء حوائجه كلها بنفسه، فجاز له أن يوكل غيره، فيوكله ليبيع سلعته، ويوكله ليشتري له سلعةً، ويوكله ليخاصم في دين له أو حق، ويوكل لقبض ديونه أو جمعها، فيقوم الوكيل مقامه فيما وكله فيه. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوكل بعض أصحابه لقبض الزكوات وهم العمال، وكذلك ورد أنه قال: (ائت وكيلي بخيبر ليعطيك وسقاً من التمر، فإن طلب منك آية فضع يدك على ترقوته) ، فلم يكن هناك وثائق ولا أختام، فكأنه قال: من جاءك يطلب من التمر زاعماً أني أرسلته، فلا تعطه حتى يضع يده على ترقوتك، وهو العظم الذي بين النحر والكتف، فهذا دليل على أنه كان يوكل أصحابه لجمع الزكوات، ويفرقونها بإذنه. وكذلك روي (أنه وكل عروة البارقي أن يشتري له شاةً بدينار، فاشترى له شاتين بدينار، وباع إحداهما بدينار، وجاءه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة، فكان لو اشترى التراب لربح فيه) ، وفي حديث زيد بن خالد وأبي هريرة في قصة العسيف أنه قال: (اغد -يا أنيس - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) ، فوكله في إثبات هذا الحد، ووكله في إقامته، وهذا يدل على أن هذا كله جائز. ومن المعلوم أن هذه المملكة تحت ولاية الملك، وهو لا يستطيع أن يباشر كل الأعمال بيده، فوكلاؤه يعتبرون نوابه، فالوزراء وكلاء، وقد وكلوا في كل دائرة من يقوم بها، فهذا موكل في هذا النوع من المعاملات، وهذا موكل بالصرف لكذا وكذا، وهذا موكل بالقبض من كذا وكذا، وهؤلاء القضاة موكلون في إثبات الخصومات، وكذلك المنفذون موكَلون بتنفيذ الحدود، وبتنفيذ الأحكام القضائية وأشباه ذلك، هذا من حيث العموم. أما من حيث الخصوص، فإن كلاً منا قد يكون محتاجاً إلى الوكالة، فأنت مثلاً تحتاج إلى شراء وأنت منشغل، فتوكل من يشتري لك ثوباً أو كيساً أو نحو ذلك، أو توكل من يبيع شاتك أو يبيع دارك، أو ما أشبه ذلك، ويقوم هذا الوكيل مقام الموكل، ولا شك أن هذا ونحوه دليل مشروعية الوكالة، وأن الناس بحاجة إليها، لا يستغنون عن أن يوكل أحدهم صاحبه في قضاء حاجته. وقد عرفنا أن الوكالة: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.

ما تنعقد به الوكالة من الألفاظ

ما تنعقد به الوكالة من الألفاظ شروط الوكالة: أولاً: هل يشترط لها صيغة؟ يقول: (تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن) فإذا قال: وكلتك، فوضت إليك، أنبتك، أنت نائب عني، أنت تقوم مقامي، اذهب فبع هذه السلعة، اذهب فاشتر لنا كيساً؛ هذه كلها صيغ تدل على الإذن. وهل يشترط للقبول عبارة؟ لا يشترط، فلو قال: إن شاء الله، أو سأفعل، أو حباً وكرامة، أو أهلاً وسهلاً، أو قبلت منك هذا التوكيل، جاز ذلك كله، فلا حاجة إلى أن يحدد كلمة خاصة يقول فيها: قبلت، أو ما أشبه ذلك، فيصح قبولها بكل قول أو فعل يدل على القبول، لو قلت له: بع هذا الكيس، فسكت، ولكنه حمله على سيارته ودخل به السوق وباعه؛ صح. وإذا قلت له: اذهب فاقبض ديني من زيد، فسكت، وذهب وقال لزيد: أنا وكيل في قبض الدين الذي عندك، صح ذلك، ويكون هذا دالاً على القبول. قوله: (شرط كونهما جائزي التصرف) . الذي لا يجوز تصرفه مثل المملوك، فليس له التصرف في نفسه ولا في غيره، لكن يجوز لسيده أن يوكله، وكذلك السفيه لا يستحق تصرفه في ماله كما تقدم، فلا يصح توكيله، ولا يصلح توكله، وكذلك الصغير، وكذلك المجنون، فكونهما جائزي التصرف يخرج هؤلاء الأربعة: المملوك، والصغير، والمجنون، والسفيه، فإن هؤلاء لا يصح لأحدهم أن يوكل، ولا يصلح أن يكون وكيلاً، فلا يتوكل ولا يوكل؛ لأنهم لا تصرف لهم في أموالهم، فكذا في غير أموالهم. واصطلح الفقهاء على أن المالك يسمى موكلاً، وأما النائب فيسمى وكيلاً، ولا يقال (موكَّل) ؛ لأنها قد تشتبه في الكتابة (موكَّل وموكِّل) ، فإذا رأيت كلمة (م وك ل) فاقرأها موكِّل ولا تقرأها موكَّل؛ لأن الموكَّل عبروا عنه بالوكيل، وهو الذي ورد في القرآن: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء:81] ، فالوكيل: هو النائب عن غيره.

ما يصح التوكيل فيه

ما يصح التوكيل فيه يصح التوكيل في كل شيء يصح التصرف فيه، يقول المؤلف: (من له التصرف في شيء فله توكُّل وتوكيلٌ فيه) ، كل شيء يصح تصرفه فيه فإنه يصح أن يكون وكيلاً أو يكون موكِّلاً، فمعلوم أن الإنسان يتصرف في ماله: فيبيع منه، ويهب، ويشتري، ويتصدق، ويسدد، وإذا كان كذلك فله أن يوكِّل، فيقول: وكلتك يا زيد! أن تكتب وثيقة بيتي الفلاني عند القاضي، وكلتك أن تبيع هذه الأرض التي هي ملكي، أو هذه السلعة، وكلتك أن تتصدق من مالي بألف ريال، وكلتك أن تعطي فلاناً أو تهدي إلى فلان شاة، فأنت تتصرف في مالك فلك أن توكل فيه. ويدخل في ذلك العقود، فيصح للزوج أن يوكل، وكذلك الولي، فإذا كان الزوج بعيداً أرسل لك وكالة وقال: أنت وكيلي في تزوج بنت فلان، فتحضر أنت، فيقول ولي البنت: زوجت موكِّلك فلاناً ابنتي، فتقول: قبلتها لموكلي فلان، يصح ذلك، وهكذا أيضاً الولي يوكلك مثلاً فتقول للزوج: زوجتك بنت موكلي فلانة بنت فلان، فيقول: قبلتها. وقد يوكلان معاً، يوكل الزوج ويوكل الولي، فيقول وكيل الزوج لوكيل الولي: زوجت موكلك فلاناً فلانة بنت موكلي فلان، فيقول وكيل الزوج: قبلت زواج فلانة لموكلي فلان. ويصح أيضاً في الطلاق، فيوكلك في طلاق امرأته فتقول: اشهد يا فلان ويا فلان أني طلقت فلانة بوكالة زوجها لي، حيث وكلني على طلاقها، وهكذا المخاصمات، والناس الآن يوكلون من يسمى المحامي، فهذا المحامي وكيل عن فلان، فيأخذ ما عند موكله من الحجج ثم يحتج عند القاضي ويقول: حجتي التي أحتج بها لموكلي كذا وكذا، وموكلي عنده من البينات كذا وكذا، فهذا وكيلٌ أيضاً في الخصومة. فالحاصل أن الوكالة تصح في كل شيء يملك التصرف فيه، وتصح في كل حقوق الآدميين من الأموال والعقود والفسوخ، فيوكل في البيع، ويوكل في الشراء، ويوكل في القبض، ويوكل في الخصومات، وما أشبه ذلك.

ما لا يصح التوكيل فيه

ما لا يصح التوكيل فيه استثنوا ما لا يصح التوكيل فيه فقال المؤلف: (لا ظهار ولعان وأيمان) ، فهذه لا يصح التوكيل فيها، فلا يصح أن يقول: وكلت من يظاهر من امرأتي، تقول: يا فلانة! أنتِ على فلان كظهر أمه، وذلك لأن الظهار حرام قال الله تعالى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة:2] وما كان منكراً وزوراً فلا تتوكل فيه، وإذا وكلك وقال: اذهب إلى امرأتي وقل: إن فلاناً يقول: أنتِ علي كظهر أمي، تقول: لا أقول هذا، ولا أفعله؛ لأن الله سماه منكراً وزوراً، فلا أتوكل في منكر، ولا أتوكل في زور. وكذلك اللعان، لا يصح التوكيل فيه، لأنه يقترن به شهادات وأيمان ودعاء، واللعان ذكره الله تعالى في القرآن، ونسبه إلى الزوجين فقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ} [النور:6-7] فلا يصح التوكيل فيه، لا يقول: يا فلان! اذهب فاشهد عني، والعن نفسك عني؛ لأن الزوج يقول: أشهد بالله أن امرأتي هذه زانية، وإني لمن الصادقين، أربع مرات، وكذلك المرأة تقول: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، ثم تقول: غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فلا يجوز أن يكون موكلاً في اللعن ولا في الغضب؛ لأن هذا دعاء على النفس، ولا يقول مثلاً: لعنة الله على فلان إن كان من الكاذبين، فهذا شيء يتعلق بما في الضمير، فلا يجوز التوكل فيه. وكذلك الأيمان لا يجوز التوكل فيها، فلا يقول إذا توجهت إليه يمين في خصومة: يا فلان! وكلتك أن تحلف عني؛ لأن الحلف فيه استحضار عظمة المحلوف به، فالذي يحلف بالله أو بصفة من صفات الله يستحضر عظمة الله، فيحمله هذا الاستحضار على أن يعترف بالحق، وألا يتجرأ على الحلف كاذباً، ويستحضر أنه إذا حلف كاذباً فإن عليه عقوبة شديدة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين صبر هو فيها كاذبٌ لقي الله وهو عليه غضبان) .

حكم التوكيل في العبادات

حكم التوكيل في العبادات فالحاصل أن اليمين لا تدخلها النيابة، ولا يحلف أحد عن أحد. يقول: (وفي كل حق لله تدخله النيابة) أي: من العبادات ما تدخله النيابة، فيجوز التوكيل فيه، فتوكله أن يفرق كفارة النذر أو كفارة اليمين، وتقول: يا فلان! عليّ كفارة يمين إطعام عشرة مساكين، فخذ هذه الدراهم لتشتري طعاماً وتطعمهم، فيجوز هذا، وكذلك مثلاً تعطيه زكاة مالك ليفرقها، فتقول: وكلتك أن تفرق هذه الزكاة على المساكين الذين تعرفهم، وتعرف استحقاقهم، فهذه من العبادات المالية التي يصح التوكيل فيها. ومن العبادات التي يصح التوكيل فيها الحج والعمرة خاصة، فقد وردت الإنابة فيهما، فيجوز أن يوكل العاجز ويقول: يا فلان خذ هذه النفقة وحج عني أو حج عن أبي الميت، أو وكلتك أن تحج عني أو عن أبي، أو تعتمر وتجعل عمرتك عن أبي أو عن أخي، وتعطيه نفقته. فهذه العبادات يصح التوكيل فيها، وأما بقية العبادات فلا يصح أن يوكل فيها. ذكر لي بعض الإخوان الغيورين أنه مر على بعض الشباب المتهاونين فقال لهم: اذهبوا إلى المسجد وأدوا الصلاة مع الجماعة، فقالوا: أنت بالنيابة، يعني: كأنهم يقولون: صل عنا، وهذا من الاستهزاء، ولا شك أن الصلاة عبادة بدنية لا يصح التوكيل فيها، ولا يصح أن يصلي أحد عن أحد؛ لأنها عبادة تتعلق بالبدن، ولا تسقط عن الإنسان إلا إذا أداها بنفسه. وكذلك الصيام عبادة بدنية، وقد رأيت إنساناً كبيراً لعله مسافر، شرب من الماء والناس ينظرون، فأنكر عليه بعضهم وقال: هذا ما صام! فقال: أنت تصوم عني، ويظهر أنه أراد بذلك الاعتذار، ولو قال: إنني مسافر كان أقرب إلى عذره، مع أن المسافر إذا كان في البلد لا يحل له أن يُظهر الأكل أمام الناس، فعليه أن يمسك ولا يأكل ولا يشرب إلا في خفية؛ لأن الناس يستنكرون أكله أو شربه في رمضان علناً، وعلى كل حال فالعبادات البدنية لا يجوز التوكل فيها.

الوكالة عقد جائز ومثلها الشركة والمساقاة والمزارعة

الوكالة عقد جائز ومثلها الشركة والمساقاة والمزارعة وحكم الوكالة أنها عقد جائز، فيجوز للوكيل أن يخلع وكالته، ويقول: وكلني فلان على بيع سلعته، واشهدوا أني لا أريد هذه الوكالة، وكلني على قبض دينه مثلاً أو على قبض مكافأة، واشهدوا أني لا أقبضها، فليوكل غيري، فيجوز للوكيل أن يعزل نفسه متى أراد، وكذلك الموكل يجوز أن يعزل وكيله. وقد تكون الوكالة محددة، ففي بعض الأعمال قد يقول الموكل: يا فلان! أنت وكيلٌ على سقي هذه الأغنام أو سقي هذه الأشجار حتى يأتي زيد من سفره، فإذا جاء بطل توكيلك، أو أنت وكيلٌ على أولادي تنفق عليهم من أموالهم إلى أن يبلغ الكبير منهم الحلم ويكون رشيداً فتنفسخ وكالتك، فهذه تكون وكالةٌ مؤقتة، فإذا قدم زيد انفسخت وصار هو الوكيل، أو إذا بلغ فلان ورشد فهو الوكيل وتنفسخ وكالته، وقد يوكل الموصي أخاه ويقول: حتى يبلغ ابني ويرشد. فالوكالة عقد جائز، فيصح للوكيل أن يخلع نفسه، ويصح أن يخلعه الموكل، ثم لو تصرف قبل أن يبلغه الخلع فإن تصرفه نافذ، فلو وكله ليطلق امرأته، ولما وكله ذهب الوكيل إلى المحكمة وقال: هذه وكالة لي من فلان بطلاق امرأته. ولكن ندم الموكل فقال: اشهدوا أني خلعته عن هذه الوكالة، ولم يعلم الوكيل بالخلع حتى ذهب إلى القاضي، وأصدر القاضي صكاً بالطلاق قبل أن يبلغه الخبر بأنه مخلوع، ففي هذه الحال لا شك أنه ينفذ الطلاق؛ لأنه ما بلغه خبر العزل إلا بعدما كتب الطلاق. وهكذا يقال في البيع، لو قال مثلاً: وكلتك في بيع بيتي مثلاً بخمسمائة. ثم ندم وقال: من لقي فلاناً فليخبره أني قد عزلته، ولم يلقه أحد ألا بعد البيع وقبض الثمن وكتابة الوثيقة، فإنه ينفذ البيع؛ لأنه تصرف وهو مفوض وموكل. وشركة العنان وشركة المضاربة كلاهما عقد جائز، يعني: يتمكن أحد الشريكين أن يحل الشركة وأن يطلب القسمة، وكذلك المساقاة والمزارعة، والمساقاة هي أن يقول: اسق هذا النخل سنة بنصف الثمر أو بربعه. فيصح أن يبطل العقد قبل أن يثمر النخل، ويعطيه أجرة مثله. والمزارعة أن يقول: ازرع هذه الأرض ولك نصف الزرع، فيصح أن يخلعه ثم يعطيه أجرة ما أنفقه، وكذلك الوديعة؛ إذا أودع عندك إنسان مثلاً ألف ريال فإنه يصح أن يأخذها بعد ساعة أو بعد يوم. وكذلك الجعالة، فإذا قال: من بنى هذا الجدار فله مائةٌ، فله أن يقول: رجعت عن ذلك؛ وذلك لأنه لم يتفق مع واحد، وهذه كلها عقود جائزة، ولكل واحد فسخها.

لا يصح للوكيل أن يبيع على نفسه أو أقاربه أو يشتري لهم

لا يصح للوكيل أن يبيع على نفسه أو أقاربه أو يشتري لهم قال المصنف رحمه الله: (ولا يصح بلا إذن بيع وكيل لنفسه، ولا شراؤه منها لموكله، وولده ووالده ومكاتبه كنفسه) صورة ذلك إذا قال: وكلتك أن تبيع هذه الدار أو هذه السيارة أو هذا الكيس أو هذه الشاة. ومعنى ذلك: أنك تدخل بها السوق، وتنظر من يشتري هذه الشاة أو هذا البعير أو هذا الكيس، فهل تقول: أنا أولى به وسأشتريه لنفسي؟ لا يجوز؛ لأنك متهم بالتساهل، فقد يقال: اشتراه لنفسه برخص، ولو أنه دخل به السوق أو صبر عليه لباعه بأكثر. وهكذا إذا بعته على ولدك أو على والدك أو على مكاتبك؛ لأن المكاتب الذي اشترى نفسه من سيده بثمن مؤجل، لا يزال عبداً ما بقي عليه درهم، فلا يصح للوكيل أن يشتري الشاة لنفسه، بل يبيعها لغيره، وإذا وكلك أن تبيع هذه السيارة فلا تبعها على نفسك أو ما أشبه ذلك مخافة التهمة. وهكذا الشراء لا يجوز أيضاً، فإذا قال: وكلتك أن تشتري لي كيس بر أو أرز فلا تقل: عندي أكياس وسأشتري له من نفسي إلا إذا كان هناك دلالة تدل على الإذن أو قرينة بأن قال مثلاً: بعني من نفسك أو بصفتك تاجراً فبعني كيساً أو ثوباً أو شاة من غنمك. فمثل هذا يعتبر قرينة، فأما إذا سكت وقال: اشتر لي كيس تمر أو سيارة صفتها كذا وكذا، أو اشتر لي ثوباً أو شاةً، فلا تشتر ذلك من نفسك ولا من أبيك ولا من أبنك ولا من مكاتبك؛ لأنك قد تزيد في الثمن، فقد يكون الكيس مثلاً بمائة، فتحسبه عليه بمائة وخمسة، أو نحو ذلك، فيدخله الشك. فالحاصل أن الوكيل لا يشتري من نفسه، ولا يبيع على نفسه، وولده مثله، وأبوه مثله، ومكاتبه مثله. يقول هنا: (وإن باع بدون ثمن مثلٍ أو اشترى بأكثر منه صح وضمن زيادةً أو نقصاً) صورة ذلك: إذا قال مثلاً: بع هذه الشاة في السوق، فتساهلت وبعتها مثلاً بمائتين، ومثلها يساوي مائتين وخمسين لو صبرت، لكنك بعتها في أدنى السوق، أو بعتها لأول من سامها، فالبيع صحيح، ولكن تضمن النقص؛ لأنها تساوي مائتين وخمسين وأنت بعتها بمائتين. وكذلك إذا وكلك أن تشتري له شاة، والغنم التي تماثلها تساوي مائتين، ولكنك اشتريت من أدناهم وبدون مراجعة بمائتين وخمسين، فهذا دليل على أنك تريد الحظ لذلك البائع، أو أنك متساهل، فعليك أن تدفع هذه الزيادة، فيقول لك: الناس يشترون بمائتين، فأنا لا أدفع إلا مائتين، والخمسون الزائدة تكون عليك؛ لأنك تساهلت. وهذا يفيد أن الوكيل عليه أن يجتهد في النصح لموكله سواءً كان بأجرة أو بدون أجرة، ومعلوم أنه إذا قال لك: بع الشاة ولك اثنين في المائة من ثمنها، فإنك سوف تحرص على أن تزيد في الثمن حتى تبيعها بأربعمائة مثلاً، فتكون أجرتك ثمانية مثلاً، وإذا بعتها بثلاثمائة مثلاً فلا يحصل لك إلا ستة. وهكذا إذا قال: وكلتك أن تشتري لي شاة، ولك أجرةٌ عشرة ريال أو نحو ذلك، فإنك مأمور أن تنصح له، وأن تجتهد في شراء الرخيص، وألا تشتري بثمن مرتفع حتى لا تضره؛ لأنك وكيل وأمين. فالحاصل أن الوكيل إذا تساهل واشترى غالياً صح الشراء وضمن الزيادة، وإن تساهل وباع رخيصاً صح البيع وضمن النقص.

حكم القبض للثمن من الوكيل

حكم القبض للثمن من الوكيل قال المصنف رحمه الله: (وكيل بيع يسلمه، ولا يقبض ثمن إلا بقرينة) إذا قال مثلاً: وكلتك أن تبيع هذه الدار، أو هذه الأرض فأنت وكيل على البيع، تسلم وثائق الأرض، ومفاتيح الدار، وأما الثمن فقد لا يأمنك عليه، فلا تقبض الثمن إلا إذا كانت هناك قرينة، إذا قال مثلاً: بع هذه الغنم في هذا السوق. فإنه يأتيك أعرابي ويأتيك حضريٌ ويأتيك جاهلٌ ويأتيك عارف، وتبيع على هذا شاةً وعلى هذا شاتين، فليس لك أن تترك الثمن في هذا الحال، بل تقبض الثمن؛ لأنك لو لم تقبضه لذهب عليه؛ لأنه لا يعرف هؤلاء الذين يشترون، فهذه قرينة تدل على أن الوكيل يقبض الثمن. فالحاصل أن الوكيل يكون على تسليم المبيع لا على قبض الثمن، وبالأخص إذا كان المشتري معروفاً، إذا قال: وكلتك أن تبيع هذه الشاة على زيد أو تبيع هذا البعير على عمرو أو تبيع هذا البيت على خالد فلا تقبض الثمن، وإنما تسلم المبيع، وأما إذا قال: بعه في السوق فإنك تقبض الثمن. أما الوكيل في الشراء فإنه يسلم الثمن؛ وذلك لأنه لا يوكلك أحد لتشتري له إلا بثمن، إلا إذا كان الشراء من إنسان يعرفه، فتذهب إلى التاجر وتقول: إن فلاناً وكلني أن أشتري له منك خمسة أكياس أو خمسة أثواب، ولم يعطني الثمن. فيقول: أهلاً وسهلاً، فلان معروف عندي، فلا حاجة إلى تسليم الثمن مقدماً، فيعطيك السلع كالثياب ونحوها، ولك أن تقول: الثمن يدفعه إليك موكلي. أما إذا أعطاك الثمن وقال: خذ هذه المائة لتشتري لي بها كيساً أو ثياباً، فإنك تسلم الثمن، وتقبض السلع التي اشتريت.

وكيل الخصومة لا يقبض

وكيل الخصومة لا يقبض قال المصنف رحمه الله: (ووكيل الخصومة لا يقبض، وقبض يخاصِم) : الوكيل في الخصومة مثل أن تقول للمحامي: وكلتك أن تخلص ديني الذي هو عشرة آلاف، فهذا توكيل على الخصومة، فيخاصم إلى أن يثبت الحق، فأما قبض الدين فلا يقبضه إلا إذا وكل على ذلك، كما إذا قال له: بعد أن تخاصم ويثبت الحق فأنت وكيل على القبض. والمحامي يأتي بالبينات وبالوثائق وبالقرائن إلى القاضي، فإذا ثبت الحق واعترف به الخصم ولم يكن له عذر، فلا يقبض المحامي منه شيئاً، بل صاحبه هو الذي يقبضه؛ لأنه قد لا يأمن عليه أحداً، فوكيل الخصومة يخاصم ولا يقبض. وأما وكيل القبض فله أن يخاصم، إذا قال مثلاً: وكلتك أن تقبض ديني من زيد، فجئت إلى زيد وقلت: أنا وكيل من فلان. فامتنع أن يسلم لك، فإنك تخاصمه، وترفع أمره إلى القاضي، وتطلب منه أن يحكم عليه، وتقول: إن فلاناً أعطاني وكالةً أن أقبض دينه من هذا الرجل، وهذا الرجل امتنع أن يعطيني، فاحكم عليه، ففي هذا الحال يخاصم ويقبض.

الوكيل أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط

الوكيل أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط قال المصنف رحمه الله: يقول: (والوكيل أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط) : الوكيل مأمون على المال الذي دفع إليه، فلو أعطيته مائةً يشتري لك بها، ثم سرقت منه أو تلفت فلا يضمن؛ لأنه أمين، وكذلك لو وكلته أن يبيع شاة، فقبض الثمن ثم سرق منه، فإنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، والتعدي مثل أن يلبس الثوب فيتخرق فإنه يضمن، والتفريط مثل أن يهمل الشاة التي وكل أن يبيعها أو يحفظها فسرقت فإنه يضمن، هذا التعدي والتفريط. قوله: (ويقبل قوله في نفيهما وهلاك مع يمينه) فيحلف أنه ما فرط أو ما تعدى، ويقبل قوله مع يمينه في الهلاك، إذا قال مثلاً: احترق الثوب ماتت الشاة هلك البعير، خربت السيارة. قال المصنف رحمه الله: (كدعوى متبرع رد العين أو ثمنها لموكل لا لورثته إلا ببينة) : المتبرع هو الذي تبرع بحفظ هذه الشاة، فادعى أنه ردها إلى صاحبها فإنه أو رد ثمنها إلى صاحبها، يقبل قوله بيمينه، أما إذا ادعى أنه ردها إلى الورثة فلا يقبل إلا ببينة، فإذا قال: أعطيتك ثمن الشاة الذي وكلتني فيه. فأنكر صاحب الشاة، حلف الوكيل أنه أعطاه وسلم، وأما إذا قال: أعطيتكم يا ورثة! ثمن الشاة التي وكلني بها أبوكم. فلا يقبل إلا ببينة.

الشركة

الشركة الشركة مشتقة من الاشتراك الذي هو الاجتماع، ويعرفونها بأنها: اجتماع في استحقاق أو تصرف، هذا تعريف الشركة من حيث العموم، وذكر أنها خمسة أضرب.

شركة العنان

شركة العنان سميت شركة العنان لتساويهما من حيث التصرف ومن حيث رأس المال، مثل المتسابقين على فرسين، فعادة المتسابقين على الخيل أن يمسك كل واحد منهما بعنان فرسه، فإذا تساويا تساوت أعنتهما، فسميت شركة العنان لذلك، وهي أن يحضر كل واحد جائز التصرف من ماله نقداً معلوماً يعمل فيه كل واحد منهم على أن له من الربح جزءاً مشاعاً معلوماً، فهذه شركة العنان. وهي تصح بين اثنين وبين ثلاثة وبين أربعة إلى عشرة إلى مائة أو أكثر أو أقل، وإذا كانوا كلهم يشتغلون في الشركة فيكون الربح بينهم على قدر النسبة التي يعملونها، وإذا كان العامل واحداً أو العامل غيرهما فالربح على ما يشترط، فلو دفع هذا مائة ألف، وهذا خمسين ألفاً، ولكن صاحب الخمسين يعمل في هذه التجارة عشر ساعات، وصاحب المائة يعمل خمس ساعات، واتفقوا على أن الربح بينهما نصفان، مع أن رأس مال أحدهما أكثر؛ جاز ذلك، ويكون الربح بينهما نصفين، وهذه الشركة كما هو مشاهد: شركة في تجارة، فيجمعون رأس المال ثم يشترون السلع الصغيرة أو الكبيرة ثم يبيعون ويربحون، وهذه السلع قد تكون صغيرة مثل الكئوس والخردوات والإبر والسكاكين والملاعق وما أشبهها، أو كبيرة مثل السيارات أو الماكينات أو الثلاجات أو ما أشبه ذلك، يبيعون مثل هذا، ويشتركون في الربح على ما شرطاه، فهذه الشركة صحيحة. كذلك شركة المزارعة: إذا دفع هذا مائة ألف وهذا مائة، وهذا مائة، وأحيوا أرضاً أو اشتروها واشتروا ماكنات، واشتروا مضخات ورشاشات وحصادات وأدوات، ففي هذه الحال إذا زرعوا فإن الزرع يكون بينهم على قدر ما يشترطونه. كذلك أيضاً الشركة المعمارية، إذا اشتركوا على أن يشتروا أدوات العمارة، ثم يكون الربح على ما يتفقون عليه. فالحاصل أن شركة العنان فيما إذا أحضر كل واحد منهم رأس ماله، هذا مائة ألف، وهذا خمسين، وهذا عشرين، واتفقوا على أن يتجروا فيها، هذا يعمل أكثر، وهذا يعمل أقل، فلا بد أن يكون كل واحد منهم جائز التصرف، فهذه شركة صحيحة، ولا يدخل فيها من كان سفيهاً أو مجنوناً أو صغيراً أو محجوراً عليه، ويكون رأس المال من النقود المعلومة، هذا يحضر مثلاً مائة ألف ريال سعودي، وهذا مثله، ويجوز أن تكون نقوداً غير سعودية، هذا يحضر خمسين ألف دولار وهذا عشرين ألف دولار، وما أشبه ذلك، فيعمل به كل منهما على أن يكون الربح بينهما، ولكن لكل واحد منهما جزء مشاع معلوم، فيقول: لي نصف الربح، ولك نصفه، أو لي ثلثه ولك ثلثاه؛ بصفتك أكثر مالاً، أو ما أشبه ذلك، ولا يجوز أن يشترط لأحدهما شيء معين فلا يقول لك في كل شهر مائة؛ لأنهما قد لا يربحان إلا هذه المائة، أو يقول لك ربح هذا الشهر ولي ربح الذي بعده، لا يجوز ذلك.

شركة المضاربة

شركة المضاربة الضرب الثاني من الشركة: شركة المضاربة: وهي مشتقة من الضرب في الأرض، وهو السفر قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ} [النساء:101] يعني: سافرتم، وقال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:20] وسميت بذلك؛ لأن الغالب في التجار أن يسافر أحدهم لأجل التجارة، فيستجلب سلعاً رخيصةً ثم يحملها فيبيعها في البلد الثاني بثمن أرفع، فيربح في ذلك، فيكون له جزء من الربح، ولصاحب المال جزء من الربح. وتعريفها: دفع مال معين معلوم لمن يتجر فيه بجزء معلوم مشاع من ربحه، وفي هذه الشركة يكون رأس المال من واحد والتصرف من واحد؛ وذلك لأنك قد تكون محسناً للتجارة قادراً على أن تشتري وعلى أن تبيع، وتعرف كيف يكون الربح، ولكن ليس عندك رأس مال، فتأتي إلى أحد التجار الذين عندهم أموال كثيرة زائدة عن تصرفهم، فتتفق معه على أن يعطيك مائة ألف مثلاً، على أن تتجر فيها، فيكون منك الاتجار والبيع والشراء، ومنه رأس المال، والربح بينكما، يكون نصفين أو أثلاثاً أو أرباعاً، على حسب ما تتفقان عليه. وهذا مما يحصل به التنمية للأموال، فإن كثيراً من الناس عندهم أموال مرصودة ولا يحتاجون إليها للتصرف، وآخرون لا يجدون مالاً يتصرفون فيه، فيكون من هذا الاتجار، ومن هذا رأس المال، فيحصل لهذا ربح ولهذا ربح، ولا شك أن هذا جائز، ويسمى قراضاً، فكأنهم أقرضوه يعني: أعطوه من المال، وقد عمل بهذا كثير من السلف، وكان حكيم بن حزام إذا أعطى ماله قراضاً لإنسان يشترط عليه فيقول: لا تجعل مالي في كبدٍ رطبة -يعني: لا تشتر به بهائم فإنها قد تموت- ولا تنزل به وادياً -لأنه قد يأتي السيل فيذهب به- ولا تركب به بحراً -مخافة أن يغرق-، فكأنه يشترط عليه شروطاً. ويذكر أن عبد الله بن عمر وعبيد الله جاءا مرةً من العراق، وكان أمير العراق قد جمع مالاً كثيراً لبيت المال من الجزية ومن الخراج، فأعطاه عبد الله وعبيد الله وقال: هذا مال لبيت المال، ادفعاه لأبيكما، واشتريا به حنطة. فاشتريا وحملاها على رواحلهما وربحا ربحاً كثيراً، فقال أبوهما عمر رضي الله عنه: أعطياني رأس المال والربح، فإنه ما أعطي كل واحد من الجيش مثلكما، فقال عبيد الله: لو خسرنا لدفعناه كله، ولو تلف لدفعناه، وعبد الله سكت، ثم اتفق بعض الصحابة على أن يجعلوه قراضاً، فأخذ منهم نصف الربح وجعله قراضاً. ولابد أن يكون رأس المال معلوماً، حتى إذا انتهت الشركة رد رأس المال إلى صاحبه ويقتسمان الربح، ولابد أن يكون الربح بينهما جزءاً معلوماً مشاعاً، فلا يقول مثلاً: لي ربح السفر إلى الشام، ولك ربح السفر إلى اليمن، بل يقول: في كل سفرةٍ لي نصف الربح ولك نصفه أو لي ثلثه ولك ثلثاه. قوله: (وإن ضارب لآخر فأضر بالأول حرم، ورد حصته في الشركة) فمثلاً: لو أعطيته مائة ألف، وهذه المائة تكفيه ليتصرف، ولكن أخذ مائة ألف من تاجر آخر، واتجر بها، فلاشك أن هذه المائة الثانية تقلل من إنتاجه، وتشغله، فيضر بالأول، ففي هذه الحال يرد حصته من المضاربة الثانية في ربح المضارب الأول، ويقسمها مع المضارب الأول؛ لأنك ما أعطيته أولاً إلا وأنت تريد أن يعمل بجهده، وبكل ما يستطيعه، والآن قد صرف بعض جهده للآخر، أما إذا لم يضر فلا حرج؛ لأنه مثلاً قد يقول: أنت أعطيتني عشرة آلاف واشتريت بها ثياباً، والدكان واسع فأخذت من الثاني عشرة آلاف واشتريت بها أحذية، ولا يشغلني بيع الأحذية عن بيع الثياب، فلا حرج عليه والحال هذه. قوله: (وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد تصرف أو خسر جبر من الربح قبل القسمة) ، فلو أنه عزل رأس المال، وعزل الربح قبل القسمة وقال: سأجعل الربح في ثياب وأجعل رأس المال في أكياس، ثم خسر رأس المال الذي في الأكياس، فإنه يجبر رأس المال من الربح الذي في الثياب.

الأسئلة

الأسئلة

آيات الصفات محكمة من وجه ومتشابهة من وجه آخر

آيات الصفات محكمة من وجه ومتشابهة من وجه آخر Q نقرأ في بعض الكتب أن صفات الله جل وعلا من المحكم في القرآن، فهل هذا صحيح أو فيه تفصيل؟ A في هذا تفصيل، والتفصيل أن نقول: إن آيات الصفات من المحكم؛ لأن الله تعالى ذكرها بالألفاظ الفصيحة المعلومة التي يفهمها العرب، ويفسرونها ويعرفون مدلولها وما تدل عليه، فتفسر وتترجم وتفهم، فمعانيها الظاهرة المتبادرة ليست من المتشابه، أما كنه الصفة وماهية الصفة وكيفيتها وأي شيء هي، فهذا من المتشابه. فمثلاً: الله تعالى ذكر العرش وهو مخلوق، ولكن لا ندري ماهية العرش: هل هو من حديد؟ هل هو من خشب؟ هل هو من بخار؟ هل هو من تراب؟ هل هو من طين؟ ما أخبرنا الله تعالى بشيء من ذلك، فلا يجوز لنا أن نخوض في ذلك. والعرش لا شك أنه سرير عظيم خلقه الله تعالى واستوى عليه، وهذا مخلوق لا نقدر أن نعرف ماهيته، ومن أي شيء هو، فمن باب أولى ما يتعلق بالصفات، وقد اشتهر أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أخبرنا عن ربك -يا محمد! - أهو من ذهب أم من فضة أم من جوهر؟ وهذا تكلف، فنقول: نثبت لله تعالى ذاتاً، ولكن كيفية الذات وماهيتها نتوقف في ذلك، ويكون هذا من المتشابه، هذا هو القول في صفات الله تعالى.

لا مجاز في اللغة ولا في القرآن

لا مجاز في اللغة ولا في القرآن Q ونقرأ في بعض الكتب أن في القرآن مجازاً، فهل في المسألة خلاف؟ وما هو الراجح؟ وهل في ذلك خطر على العقيدة؟ A اشتهر عند الأصوليين والمتكلمين أن كلام العرب ينقسم إلى حقيقة ومجاز، ولا تخلو كتب الأصول من تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، ثم توسعوا في المجاز فحملوا آيات الصفات على المجاز، فقالوا: يد الله مجاز عن قدرته، واستواؤه مجاز عن ملكه، وعرشه مجاز عن الملك، وما أشبه ذلك، فتوصلوا بإثبات المجاز إلى نفي حقائق الصفات، وخالف في ذلك كثير من المحققين، وتكلم عن ذلك ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة، وكذلك قبله شيخه شيخ الإسلام، وقالا: إن كلام العرب كله حقيقة، وإن القرآن كله حقيقة، وليس فيه مجاز؛ لأن المجاز هو الذي يصح نفيه؛ فلذلك نختار ما اختاره ابن القيم، أنه ليس في القرآن مجاز، وأنه ليس في اللغة مجاز، هذا هو الذي يختار حتى لا يتوصل بإثبات المجاز إلى نفي الصفات، وإبطال دلالاتها، وإبطال معانيها.

حرمة المحاماة عن المجرمين

حرمة المحاماة عن المجرمين Q يقول: هل يجوز ما يفعله بعض المحامين من الدفاع عن بعض الناس، ولو كان هؤلاء الناس مجرمين، والمحامون يعرفون ذلك، ولكن يدافعون عنهم من أجل المال؟ A هذا حرام عليهم، فإذا علمت أن هذا مخطئ فحرام عليك أن تتوكل له وتحامي عنه لأجل مصلحة يعطيكها، فإذا علمت أن الدعوى عليه، وأنه ظالم في قضية، وليس له حق، فعليك أن تنصحه وتقول: لا أتوكل لك، فإني أعرف أنك مخطئ أو أنك ظالم.

جواز شرط عدم فسخ الشركة إلا بعد زمن

جواز شرط عدم فسخ الشركة إلا بعد زمن Q إذا اشترط أحد الشركاء عدم فسخ الشركة إلا بعد زمن، فهل يصح هذا؟ A لا شك أن ذلك جائز، فإذا خاف أن يفصلها شريكة فيتضرر، فله ذلك، وقد ذكروا أن الشركة عقد جائز ولكل واحد فسخه، لكن المسلمون على شروطهم.

شراء صاحب الحراج السلعة لنفسه عند المزايدة

شراء صاحب الحراج السلعة لنفسه عند المزايدة Q هل يجوز للذين يقومون بالتحريج على السيارات أن يشتروا لأنفسهم؟ A الصحيح أنه يجوز لهم ذلك إذا سامح الحاضرون كلهم، ولم يزد السعر، وإنما وصل السعر إلى هذا المقدار، وزاد المحرج عليهم، ولم يزد أحد عليه، فلا بأس، فيقول: أنا آخذها بعشرين ألفاً، هل أحد يزيد، فلم يزد أحد فلا بأس، ويكون هو من جملة الزائدين، بخلاف ما إذا وكله ليبيعها فباعها على نفسه.

تزويج الولي موليته في نفس الوقت الذي زوجها فيه وكيله

تزويج الولي موليته في نفس الوقت الذي زوجها فيه وكيله Q إذا وكل شخص شخصاً بتزويج ابنته، ثم قام الموكل بتزويج ابنته لرجل، وقام الوكيل بتزويج نفس البنت لرجل آخر، فأيهما يمضي؟ A ذكروا هذا في النكاح، وأولاً نقول: لا بد إذا وكلت على التزويج أن تعين الزوج فتقول: وكلتك أن تزوج فلانة فلاناً، وإذا كنت بعيداً قلت: أنت وكيل على ابنتي أو على ابنة أخي، فإذا جاءك كفء فإنك تزوجه، لكن إذا زوج وليان كأخوين فيقولون: الحق للأسبق، فينظر أيهما أسبق، إما إذا وقعا معاً فإنهما يبطلان، ثم تختار أحدهما.

توكيل الوكيل لغيره

توكيل الوكيل لغيره Q هل يصح للوكيل أن يوكل غيره؟ A ليس للوكيل أن يوكل غيره؛ لأن الموكل ما رضي إلا بك، فليس لك أن توكل غيرك، لكن إذا وكلك وقال: لك أن تفعل هذا بنفسك أو تنيب غيرك فلا حرج في ذلك.

اجتماع التوكل في طرف واحد لطرفين

اجتماع التوكل في طرف واحد لطرفين Q هل لأحد أن يكون وكيلاً عن المدعي والمدعى عليه في نفس القضية؟ A لا يتصور هذا؛ لأنه إذا وكله هذا ووكله هذا فلا بد أنه سيحكم بنفسه، وفي هذه الحال لا تتصور الدعوى، وأما في غير ذلك فإنه يصح، فيصح مثلاً أن يوكلك إنسان على تزويج ابنته، ويوكلك آخر على تزويجها له، فتقول: اشهدوا أني زوجت فلانة لفلان، وأني قبلتها عنه، ويسمى هذا تولي طرفي العقد كالوكيل في الشراء، يوكلك آخر لتشتري له شاة، ويوكلك آخر لتبيعها، فتقول: اشهدوا بأني اشتريت هذه الشاة التي وكلني صاحبها، وبعتها على فلان الذي وكلني للشراء، فتكون وكيلاً للبائع ووكيلاً للمشتري.

شرح أخصر المختصرات [39]

شرح أخصر المختصرات [39] أمر الله بعمارة الأرض لتحقيق عبادته فيها، وشرع التعاون فيما فيه صلاح الدين والدنيا، ومن ذلك مشروعية الشركات بمختلف أنواعها، ومشروعية المساقاة والمزارعة، وقد بين أهل العلم أحكامها الشرعية حتى تتحقق منها المصالح المرضية.

من أحكام الشركات

من أحكام الشركات قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثالث: شركة الوجوه، وهي: أن يشتركا في ربح ما يشتريان في ذمتهما بجاهيهما، وكل وكيل الآخر وكفيله بالثمن. الرابع: شركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانهما من مباح كاصطياد ونحوه، أو يتقبلان في ذممهما من عمل كخياطة، فما تقبله أحدهما لزمهما عمله وطولبا به، وإن ترك أحدهما العمل لعذر أو لا فالكسب بينهما، ويلزم من عذر أو لم يعرف العمل أن يقيم مقامه بطلب شريك. الخامس: شركة المفاوضة، وهي: أن يفوض كل إلى صاحبه كل تصرف مالي، ويشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما، فتصح إن لم يدخلا فيها كسباً نادراً، وكلها جائزة، ولا ضمان فيها إلا بتعد أو تفريط. فصل: وتصح المساقاةُ على شجر له ثمر يؤكل، وثمرة موجودة بجزء منها، وشجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة أو الشجر أو منهما، فإن فسخ مالك قبل ظهور ثمرة فلعامل أجرته، أو عامل فلا شيء له، وتملك الثمرة بظهورها، فعلى عامل تمام عمل إذا فسخت بعده، وعلى عامل كل ما فيه نمو أو صلاح وحصاد ونحوه، وعلى رب أصل حفظه ونحوه، وعليهما بقدر حصتيهما جذاد. وتصح المزارعة بجزء معلوم مما يخرج من الأرض بشرط علم بذر، وقدره، وكونه من رب الأرض] . ذَكَرَ المؤلف أن الشركة خمسة أضرب، وأشهرها شركة العِنان، وهي التي تحدث كثيراً، وذلك لأن الإنسان بمفرده قد يكون عنده مال قليل، ولا يستطيع أن يعمل فيه عملاً كثيراً، فإذا اشتركَ اثنان أو ثلاثة أو عشرة أو مائة، وكل واحد منهم دفع مالاً، ثم اشتركوا في التصرف كان ذلك سبباً لكثرة الأرباح وكثرة النَاتج من هذه الشركة، يفعلون ذلك في تجارة مثلاً، كأن يجمعوا مائة ألف أو ألف ألف، ثم يتجرون فيها، ويربحون غالباً أرباحاً مناسبة، سواءٌ أكانت تجارتهم في أشياء صغيرة أم كبيرة، ففي هذه الحال يكون الربح على ما شرطوا، وكذلك إذا اشترك اثنان في صناعة، جمعا رأس المال، ثم اشتركا في مصانع تصنع أشياء كبيرة أو صغيرة، والعادة أنها يكون لها إنتاج، وكذلك إذا جعلا المال في زراعة، اشتركا، ثم اشتريا أدوات الزراعة التي ينتج بها المزروعات، من الحبوب والثمار وما أشبه ذلك، ويكونان شركاء في النتاج.

حكم بيع الأسهم التجارية

حكم بيع الأسهم التجارية الشركات الآن كثيرة: شركات تجارية، وشركات معمارية، وشركات زراعية، وشركات صناعية أو ما أشبهها، فالمساهمة فيها جائزة، واختلفوا في بيع السهام، فالإنسان إذا اشترك في شركة كشركة (سابك) ، التي هي صناعية منتجة ثم احتاج، فهل له أن يبيع سهامه التي في هذه الشركة؟ ومثلها شركة النقل أو شركة الألبان، فهذه الشركات لا شك أنها تنتج، وأنها تسوق إنتاجها، ويربحون كثيراً، فالصحيح أنه إذا كانت النسبة معلومة جاز البيع، وهم عادةً يخبرون برأس المال عندما يفتحونها ويبتدئونها، فيقولون: رأس المال مائة مليون، أو ألف مليون، أو نصف مليون. ففي هذه الحال تعرف نسبة المساهمين، فلو كان للإنسان سهم من ألف سهم أو من مائة ألف لكان معروفاً، فيقول: بعتك سهمي الذي هو واحد في الألف، أو واحد في الألفين فيجوز ذلك ولا حرج في ذلك؛ لأنه يصبح شيئاً معلوماً. والمعاملات المشتبهة التي لا يجوز بيعها مثل المساهمات في البنوك، وذلك لأن البنوك غالباً أعمالها فيها ربا، فلذلك المساهمة فيها لا تجوز، وكذلك شراء الأسهم، وإن كان يجوز الإيداع فيها إيداعاً عادياً، وإذا قيل: إن الشركات الكبيرة -مثل الشركات التجارية، أو الشركات الصناعية، أو المعمارية، أو الزراعية، أو شركات الكهرباء، أو النقل، أو الانتاج- تودع أموالها في البنوك وتأخذ عليها أرباحاً فيقال: إن هذه الأرباح جزء يسير بالنسبة إلى إنتاجها، فقد يكون إنتاجها -مثلاً- مائة مليون، ويكون الذي تأخذه من البنوك يساوي ربع مليون أو نحوه، والمعتاد أنهم في كل سنة يقسمون الأرباح، ففي هذه الحال لا بأس أن المساهم فيها يأخذ سهمه من هذه الأرباح، وحيث إن فيها هذه الشبهة فبعض المشايخ يقول: يتصدق بربعه أو عشره. ونحن نقول: يكفيه لو تصدق بربع العشر؛ لأنه أكثر من الجزء الذي يؤخذ من الربا، فعلى هذا يصح بيع هذه الأسهم وشراؤها، وذلك لأنها شيء معلوم معين محدد معروف النسبة، يُعرف أن لك في هذه الشركة كذا وكذا من النسبة، واحد في الألف أو واحد في الألفين، فأنت ما تبيع إلا نصيبك، والمشتري ينزل منزلتك في استحقاق ما تستحقه من الأرباح، وأما جعلها تجارة فأرى أن ذلك مكروه، فكثير من الناس يشتري السهام في هذه الشركة مثل: (شركة الراجحي) ، فإذا ارتفع السعر باعها، ثم بعد أيام أو بعد شهر ينزل السعر فيشتري سهاماً، ولا يزال كذلك، ولا شك أنهم يتعرضون للخسران كثيراً، فقد يشتريها على أنها رخيصة، ثم تزداد رخصاً، وعلى كل حال أجاز العلماء بيع الأسهم إذا كانت معلومة، وليس فيها شيء من الشبهة، وأجازوا أخذ أرباح السهام من الشركات الكبيرة ولو كانت تودع في البنوك، أو تقترض من البنوك، ويتصدق بما يظنه دياً، والغالب أنهم يخبرون بالواقع إذا سألهم المساهم: ما قدر الفوائد التي دخلت عليكم من البنوك؟ فإذا قالوا: واحد في الألف أو واحد في المائة تصدق به أو زاد عليه احتياطاً وأخرجه صدقة، والبقية لا بأس بها. والعادة أن الشركاء يشتغلون بأبدانهم، فيكون من هذا المال والبدن، ومن هذا ماله وبدنه، ومن هذا ماله وبدنه، ويشتركون جميعاً في العمل، ويشتركون في المال، لكن الشركات الكبيرة تأخذ السهام فقط، وتأتي بعمال أجانب يعملون لها في قيادة السيارات، وفي تشغيل الماكنات، وفي تسويق الإنتاج وما أشبه ذلك، فيحتاجون إلى عمال، وذكر بعضهم أن شركة (سابك) تربح في كل سنة نحو ثلاثمائة مليون أو أربعمائة مليون، وأنها تصرف الجميع في إعاشات العمال، وفي الأدوات، وفيما تحتاج إليه الشركة، ويبقى نحو العشر أو نصف العشر من الإنتاج يوزع على المساهمين، مما يدل على أنهم يستغرقون أكثر الإنتاج، فلا يبقى إلا جزء يسير منه هو الذي يوزع على المساهمين، وكذلك أيضاً الشركات الزراعية، يجمعون -مثلاً- رأس مال كثير، ثم يشترون الأدوات، ثم يحفرون الآبار، ويشترون المضخات، ويستجلبون الأدوات، ثم يبدءون في الإنتاج، ثم بعد التصفية لا شك أنهم يربحون، فيوزعون الأرباح على المساهمين، ولا شك أنهم يخسرون أجرة عمال، وكذلك إصلاح الماكنات، ومصاريف الكهرباء، وما أشبه ذلك، فيسددون ذلك من الإنتاج، والبقية توزع على المساهمين، وهكذا بقية أنواع الشركات، والشركات في العمارة تدخل في شركة الأبدان.

شركة المضاربة

شركة المضاربة شركة المضاربة عرفنا أنها خاصة بأن يكون المال من واحد والعمل من آخر، وذلك لأنه قد يكون عند إنسان وقت فراغ ولا يجد مالاً، وهو يستطيع أن يَتَّجِرْ، فيعطيه الآخر مالاً ويقول: مني المال ومنك العمل. ففي هذه الحال يَتَّجِرْ بهذا المال في الأعمال التي تناسبه، في أطعمة، أو في مشروبات، أو في أكسية، أو أحذية، أو أدوات، أو سيارات، أو أوانٍ أو نحو ذلك، والربح بينهما على ما شرطاه، سواء أكان للعامل الربع أم النصف أم الثلث، أم ما أشبه ذلك. وإذا قال: الربح بيننا ففي هذه الحال يكون بينهما نصفين، وإذا قال: لك الربع. أو: لك الثلث. أو: لك الثلثان فيكون الباقي للآخر، وإذا اختلفا لمن الجزء المشروط فالأصل أنه للعامل؛ لأن المالك له ربح ماله، فإذا اتفقا على أن الجزء المشروط ثلث، فقال العامل: الثلث لك يا صاحب المال وقال المالك: الثلث لك يا عامل ولي الباقي فالمشروط للعامل، هذا هو الأصل، ثم قد تكون في غير تجارة، يكون إنسان متفرغاً يحسن الصناعة، فيقول: أعطني مالاً وأنا أشتري مواد صناعية وأنتج، والربح بيننا. فلو أعطاه واشترى مطابع، وقال: الربح بيننا صح ذلك، فهذا يطبع وهذا منه رأس المال، أو اشترى أدوات خياطة، هذا منه الخياطة وهذا منه المال، والربح بينهما، وهكذا بقية الصناعات اليدوية وما أشبهها، والمصانع الآن تقوم على أنها شركات، إما أن تكون مساهمة، وإما أن يكون رأس المال كله من واحد والعمل من الآخر والناتج يكون بينهما، وهكذا أيضاً الزراعة، فلو قال: منك المال ومني الأرض، المال منك نشتري به مكائن، ونشتري به رشاشات، ونشتري به بلورات، ونحفر به، ونستأجر به عمالاً، وأنا علي الاحتراف والاشتغال، وإذا حصل النتاج فهو بيننا نصفان يجوز ذلك أيضاً، ويكون من المباح المعتاد، والربح يكون بينهما على ما شرطاه، فلو قدر أن رأس المال كان عشرين ألفاً، وفي نصف السنة ربح عشرين ألفاً، ثم إنه عزل رأس المال وقال: أجعل رأس المال في فواكه، وأجعل الأرباح في أطعمة -في أرز وفي تمر وفي شاي أو قهوة- ثم قدِّر أن رأس المال الذي جعله في فواكه أو في خضروات كسد وخسر ففي هذه الحال يجبر من الربح، فالربح الآن عشرون ألفاً، وقد خسر في هذه الأطعمة، فيجبر رأس المال من الربح ما لم يقسم. ويجوز في كل سنة أن يقتسما، فلو أنه في السنة الأولى حسبت الأرباح وإذا هي عشرون ألفاً، فاقتسماها، وكل واحد أخذ حقه، وبقى رأس المال عشرون ألفاً، واستقبلا بها عاماً جديداً، ثم خسرا رأس المال، ذهب عليهما معاً، كأن يكون اشترى بها أغناماً ثم قدر أنها ماتت فإنها تذهب على المالك، وذلك لأن العامل أمين، فهو يقول: ذهب علي تعبي وذهب عليك مالك، فلا أغرم شيئاً. ويُذكر أن بعضهم يشترط ويقول: رأس مالي لا ينقص ولا يضيع منه شيء، ولو خسرت فإنك تغرمه من مالك، وهذا شرط ينافي مقتضى العقد، وذلك لأن المضارِب مؤتمن؛ لأنه في الأصل أخذ ذلك لمصلحة الجميع، لكن إذا اشترطت عليه شروطاً ولم يفِ بها، أو عمل بخلافها فإنه يضمن، وقد ذكرنا أن حكيم بن حزام كان يعطي ماله مضاربة، ويشترط فيقول: لا تجعل مالي في كبد رطبة -أي: لا تجعله في حيوان؛ لأن الحيوانات قد يأتي عليها الموت فيذهب المال- ولا تنزل بمالي في واد -مجرى سيل- مخافةَ أن يأتي سيل فيحمله فيضيع مالي، ولا تركب به في بحر مخافة أن تهيج الأمواج فيلقى مالي في البحر. فإذا اشترطت عليه مثل هذه الشروط، ولكنه ما وفى بها فإنه يضمن إذا تلف المال، أو تلف بعضه، أو خسر، وكذلك لو تلف المال قبل أن يبدأ في التصرف فإنه يذهب عليهما معاً.

شركة الوجوه

شركة الوجوه شركة الوجوه سميت بذلك لأنهما يشتركان في الجاه، والجاه يسمى الوجه، فإذا قال أحدهما: أنا لي جاه عند هؤلاء التجار، وأنت لك جاه عند الآخرين، فهلم أستدين من هؤلاء، وأنت تستدين من هؤلاء، ونجمع ما أخذناه ونصرفه ونسوقه، وما ربحنا فهو بيننا نقضي منه الديون، ثم نشترك بعد ذلك في الأرباح وننميها، فيسمى هذا شركة الوجوه، يشتريان في ذمتيهما بجاهيهما، والجاه هو الوجه، فإذا كان الإنسان له جاه عند الناس فوثقوا به وأعطوه بدون أن يدفع لهم الثمن، أعطوه من مالهم ديناً، أو قرضاً، أو نحو ذلك، ولابد أن تتميز هذه الشركة، ولا يدخلان فيها شيئاً ليس منها، فإن أدخلا فيها كسباً نادراً فإنها تبطل، وذلك لأنها مبنية على المساواة، فلو قدر أن أحدهما استدان مبلغ خمسين ألفاً، والثاني حصل على عشرة آلاف فصارت ستين ألفاً، فجمعاها وتصرفا فيها بالبيع والشراء والتنمية، سواءٌ في تجارة، أو في حرث، أو في بناء أو ما أشبه ذلك والربح بينهما، وذلك لأن كلاً منهما جاء بما يقدر عليه، واستدان وبذل وجهه عند التجار وعند الأثرياء، وحصل على ما حصل عليه، ولو تفاوتا، لكن لو اتفقا على أن من أتى بالأكثر فله ربح أكثر جاز ذلك كما في رأس المال، فلو قال: أنا أتيت بخمسين ألفاً وأنت أتيت بعشرة فيكون لي -مثلاً- ثلثا الربح ولك الثلث ففي هذه الحال يجوز، فالمسلمون على شروطهم، وكذلك أيضاً لو تفاوتا في العمل، لو أن أحدهما يشتغل النهار كله، والآخر يشتغل خمس ساعات من الليل جاز أن يتفاوتا في الربح، فيقول: بصفتي أكثر منك عملاً فلي ثلثا الربح ولك الثلث. فهذا يجوز إذا اتفقا عليه، ولو كان أحدهما أذكى من الآخر وأعرف بتسويق السلع وأعرف بالتجار وبتصريف المال واشترط لنفسه أكثر فالمسلمون على شروطهم. يقول المؤلف: [وكل وكيل الآخر وكفيله بالثمن] . فأصحاب الديون يطالبون هذا ويطالبون هذا، وذلك لأنهما اجتمعا في هذا المال، جمعاه في دكان واحد أو في مستودع واحد، فصاحب الخمسين الألف يطالبهما معاً، فيطالب صاحب العشرة فيقول: في شركتكما هذه لي دين، استدنتما مني خمسين ألفاً، أعطني لأنك أحد الشريكين. وكذلك صاحب العشرة يطالب الآخر، ولو أنه ليس هو الذي اقترض منه، فكل منهما وكيل عن الآخر، كما أنهما يتصرفان بالوكالة، فإذا غاب أحدهما ينفذ تصرف الآخر في هذا الملك، فإذا باع -مثلاً- هذا الكيس فبيعه صحيح، نصفه له ملكاً ونصفه لشريكه، وشريكه قد وكله، فينفذ تصرفه فيه كله بحكم الملك في نصيبه وبحكم الوكالة في نصيب شريكه، وإذا أوفى أحدهما ديناً عن الآخر فإنه تبرأ ذمة الموفي ويسلم، وليس له أن يطالب الآخر، ويقول: أنت الذي اقترضت أو استدنت مني.

شركة الأبدان

شركة الأبدان قال المصنف رحمه الله: [الرابع: شركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانهما من مباح كاصطياد ونحوه، أو يتقبلان في ذممهما من عمل كخياطة] . سميت شركة الأبدان بهذا لأنه ليس معهما رأس مال، وإنما يشتركان في أبدانهما، كما قال ابن مسعود: اشتركت أنا وعمار وسعد بن أبي وقاص فيما نكتسب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء. وهذه شركة أبدان تصح في الكسب المباح في الأبدان، وفي الأعمال البدنية، فإذا اشتركا في قطع النبات وهو أخضر أو يابس وبيعه، فهذا معه منجل يحش به وهذا كذلك، ويحملانه -مثلاً- على ظهورهما أو على دابتيهما أو سيارتيهما ويبيعان، أو اشتركا في الحطب، يحتطبان ثم يحملانه ويبيعانه، وكل واحد منهما يجمع ما يقدر عليه من الحطب، أو اشتركا في الصيد المباح كصيد الظباء، أو صيد حمر الوحش، أو الوعول، أو الأرانب نحو ذلك من المباح، أو اشتركا في صيد الجراد ونحوه، وكل منهما يجمع في هذه الأواني التي يجمعان فيها صحت هذه الشركة، وهكذا أيضاً إذا تقبلا في ذمتيهما أعمالاً كخياطة، كأن يشتركا في فتح دكان يخيطان فيه بالأجرة، فيستأجران الدكان، ويشتريان ماكنات الخياطة وما أشبهها، وكذلك لو اشتركا في تغسيل الثياب في مغسلة هذا يغسل من جانب، وهذا يغسل من جانب، أو هذا عليه التغسيل وهذا عليه الكي، أو اشتركا في صنعة مباحة كحجامة، أو حياكة، أو حلاقة، ويشاهد أن الحلاقين يستأجرون دكاناً، ويحلق كل واحد منهم، ويشتركون في الكسب بينهم. أو يشتركون في البناء للناس بالأجرة، يبنون عمارات أو منازل عادية أو أسواقاً أو مساجد أو مدارس، يشترك جماعة ويأخذونها مقاولةً أو نحو ذلك، ثم يعطون عمالهم ما يستحقونه، والبقية يقتسمونها بينهم، فيصح ذلك. وكذلك لو اشتركا في حرث، كالعمال الذين يشتركون في سقي نخل ثم يصرمونه ويبيعونه ويعطون صاحبه نصيبه، ويشتركون في الباقي. وكذلك لو اشتركا في أيَّ معمل، ونشاهد أهل الورش يكونون شركاء، وأهل النقل -سيارات الأجرة، وسيارات النقل، أو ما أشبهها- قد يكونون شركاء. فالحاصل أن شركة الأبدان شركة يكثر الاحتياج إليها، ويكثر وقوعها في الناس، والناس على ما يتعارفون فيها، ولو أن إنساناً أعطى كيسه ليُطحن عند رجل من هؤلاء الطحانين جاز له أن يطالب الثاني؛ لأنهما مشتركان في هذا الطاحون، أو أعطاه دقيقاً ليخبزه في هذا الفرن جاز أن يطلبه من الثاني، فيقول: أعطيت شريكك كيس دقيق ليخبز لي فأنت مطالب به؛ لأنك وإياه شريكان. أو أعطاه سيارته ليصلحها في هذه الورشة، وغاب صاحبها الذي أعطاه، فإنه يطلب إصلاحها من الآخرين، فيقول: أنجزوها؛ فإنكم سواء في هذا المكان. وإذا أعطى ثوبه واحداً ثم جاء ولم يخطه، فيطالب الآخرين بخياطته، ويقول: أنتم سواء في هذا المكان فعليكم أن تنجزوه. أو أعطاه خشباً لينجره باباً، أو حديداً ليصلحه باباً، فإنه يطالب كل واحد منهم بإنجاز هذا العمل، ولا يقولون: لم نأخذ منك هذا العمل. بل عليهم أن ينجزوا العمل الذي يتقبله واحد منهم؛ لأنهم كلهم معتمدون في هذا المكان، هذا معنى قوله: [فما تقبله أحدهما لزمهما عمله وطولبا به] . مثلاً: تقبل واحد منهم أن يبني هذا الجدار، فأصحاب الجدار يطالبون الثاني، ويطالبون الثالث، فيقولون: أنجزوا الذي التزمتم به. وهكذا لو تقبل أحدهم حفر هذه البئر، فيطالب الجميع أن يحفروها، وأن ينجزوا هذا الحفر، وهكذا لو أعطى الثوب واحداً فله أن يطالب الثاني بإنجاز خياطته، أو بإنجاز غسله أو نحو ذلك، فيُطالبُ كل منهما بما تقبله الآخر.

حكم ترك أحد الشركاء العمل

حكم ترك أحد الشركاء العمل قال المصنف رحمه الله: [وإن ترك أحدهما العمل لعذر أو لا فالكسب بينهما] وذلك لأنهما متفقان على أن الكسب بينهما، فلو قدر على أن أحدهما تخلف يوماً، أو سافر يوماً أو أياماً لأمر عارض، والبقية يشتغلون في هذه الورشة أو في هذه العمارة فإن الكسب بينهم جميعاً، وذلك لأنهم مستوون في أنهم استأجروا هذا المكان وتقبلوا هذه الأعمال، والعادة أنهم يتسامحون فيمن غاب يوماً أو يومين ويعذرونه، سيما إذا كان له عذر، وقد يتغيب لكسل ونحوه، ولا شك أيضاً أنه معذور والكسب بينهم، ولكن لو اتفقا على أن من غاب فإنه يُنوِّبُ من يقوم مقامه لزمه، سيما إذا سافر سفراً بعيداً، أو مرض مرضاً مزمناً أو طويلاً، فإن عليه أن يُنوِّبَ مكانه، وإذا احتاج أحدهما من الشركة أخذ شيء فإنه يكون قرضاً حتى يقتسما فيحسب من نصيبه. يقول: [ويلزم من عُذر أو لم يعرف العمل أن يقيم مقامه بطلب شريك] . إذا كان أحدهما مريضاً أو انشغل بعذر، فقال شريكه: المكان يحتاج إلى عمال، فعليك أن تقيم مقامك من يعمل؛ فإن العمل مشروط بيننا نحن جميعاً أن نعمل ويكون الكسب بيننا فيلزمه أن يأتي بعامل على حسابه، ويعطيه أجرته من نصيبه ليقوم مقامه، وهكذا لو لم يكن يحسن الصنعة، فقد لا يحسن بعضهم الحلاقة أو الخياطة، ففي هذه الحال لا مانع من أن يقيم مقامه غيره إذا طالبوه، فإذا قالوا له: أنت لا تحسن هذه الصنعة، لا تحسن التسجيل -مثلاً- إذا كان مسجلاً، ولا تحسن الحياكة، ولا تحسن النجارة، فأنت الآن اشتركت معنا في عمل بدني ولا تشتغل، ونحن الذين نشتغل فيلزمه أن يقيم مقامه في العمل الذي يعجز عنه أو الذي لا يحسنه إذا طالبه بذلك شركاؤه.

شركة المفاوضة

شركة المفاوضة قال المصنف رحمه الله: [الخامس: شركة المفاوضة، وهي أن يفوِّض كل إلى صاحبه كل تصرف مالي، ويشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما، فتصح إن لم يدخلا فيها كسباً نادراً] . وكأن شركة المفاوضة تعم جميع الشركات المتقدمة، وصورتها: أن ينضم كل واحد إلى الآخر، فيقول: نحن شركاء في المال الذي بأيدينا، ونحن شركاء في الكسب الذي نكسبه بأبداننا، ونحن شركاء فيما نتدينه في ذممنا، ونحن شركاء فيما نحصل عليه من الكسب المباح مثل صيد أو ما أشبه ذلك، كل واحد منهما يفوض الآخر، فيقول: فوضتك بما يحصل وبما تجده، ويقول الآخر أيضاً: فوضتك. فيفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف، ويعم ذلك أيضاً التصرف الذي تدخله النيابة، ولكن لا يجوز أن يفوضه في كل شيء تحت تصرفه، فإنه لو قال ذلك لتسلط عليه، فقد يطلق زوجته، ويقول: إنك فوضتني! ويعتق عبده ويقول: إنك فوضتني! ويهب أمواله ويتصدق بها ويقول: إنك فوضتني! أنا مفوض من فلان. إنما التفويض فيما هو معتاد أن يفوضه أحدهما إلى الآخر، فكأن هذه الشركة تعم جميع أنواع الشركات التي يمكن أن تدخل في اسم شركة. فيفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي، ففي هذه الحال ينفذ تصرفه كوكيل، فيبيع من مال من فوضه، ويشتري له، ويضارب بماله، ويتاجر به، ويزارع به، ويَتَّجِرُ فيه بحسب العادة، فيكون شريكاً في كل ما يملك، ويكون مفوضاً في كل ما يملك. قال: [يشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما] . لو أهديت إلى أحدهما هدية صارا شريكين فيها، أو صاد أحدهما صيداً صارا شريكين فيه، أو ربح أحدهما في تجارة أو في بيع صارا شريكين فيها، وكذلك -أيضاً- إذا لزم أحدهما شيء فإنهما يدفعانه، فلو أتلف أو أحرق أحدهما ثوباً أو أفسده ضمناه جميعاً، وكذلك كل ما يتلفه أحدهما، ولو استدان أحدهما ديناً فإنهما جميعاً يقومان بقضائه، ولصاحب الدين أن يطالب من شاء منهما، لكن لا يدخلان فيها كسباً نادراً، فإذا أدخلا فيها كسباً نادراً فإنها لا تعتبر، والكسب النادر مثل لقطة، أو كنز، أو ميراث، فتفسد ويكون لكل واحد منهما ربح ماله وأجرة عمله، وذلك لأنه إذا وجد أحدهما لقطة وعرفها وصار لها قيمة وملكها فهذا مال زائد، وكذلك لو مات قريب أحدهما فورث منه مائة ألف أو نحوها، فهذا مال وكسب نادر، فلا يكونان شريكين فيه. يقول: [وكلها جائزة، ولا ضمان فيها إلا بالتعدي أو التفريط] . قد عرفنا الفرق بين العقود الجائزة واللازمة، فاللازمة هي التي يلزم الأخذ فيها ولا يتمكن أحد من الفسخ، أما الجائزة، فهي التي يجوز فسخها.

المساقاة

المساقاة قال المصنف رحمه الله: [وتصح المساقاة على شجر له ثمر يؤكل، وثمرة موجودة بجزء منها، وشجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة أو الشجر أو منهما] . المساقاة: مشتقة من السقي وذلك لأن أهم ما يعمله المساقي هو إخراج الماء من الآبار، وإصلاح الأنهار والجداول حتى تشرب الأشجار، فمثاله: إذا كان له نخل وعجز عن سقيه، فقال لآخر: اسقه والثمرة بيننا، اسقه وأبَّره ولَقِّحْهُ واصْرِمْهُ. ولك نصف الثمرة، أنا الذي غرسته وعملت فيه حتى نبت وأثمر، ولكنني الآن منشغل وعاجز عن سقيه فيكون من هذا السقي ومن هذا الشجر، ودليل ذلك أنه لما فتحت خيبر وملك المسلمون شجرها وأرضها، والمسلمون منشغلون بالقتال وبالجهاد اتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود الذين هم أهلها على أن يعملوا فيها بنصف الثمرة، يعملون في سقيها، وحرثها وكل تركيب وتلقيح وصرام، ولهم نصف الثمرة، فدل ذلك على جواز المساقاة، وليس خاصاً بالنخل، بل تجوز في غير النخل، كشجر العنب والتوت والرمان والخوخ والمشمش والطماطم والبطيخ بأنواعه، والتفاح بأنواعه، وما أشبه ذلك، فهذه أيضاً يصح أن يساقي عليها. كذلك لو بدت ثمرة الشجر وعجز صاحبها عن إتمام بقيتها، فقال لعامل: لك ربعها على أن تسقيها حتى تنمو أو حتى تنضج، وعلى أن تجزها أو تلتقط هذه الثمرة الموجودة في شجرة الأترج أو الباذنجان، فيجوز ذلك، وله جزء منها مشاع، كذلك لو قال -مثلاً-: هذه الأرض، وأنا أشتري لك الشجر، وأنت اغرس الشجر، وهذه البئر أخرج منها الماء واسقِ الشجر إلى أن يثمر، وإذا أثمر فإن الثمرة بيننا، لي نصفها ولك نصفها، أنا مني الأرض ومني الشجر ومني الآبار، وأنت منك العمل -عمل يديك- يصح ذلك، ويكون بجزء مشاع، ولا يجوز أن يشرط له ثمرة شجرة معينة، فلا يقول -مثلاً-: لي التمر السكري -مثلاً- ولك تمر الصهري. أو: لي ثمر هذه الشجرات الأربع ولك هذه الأربع. لماذا لا يجوز؟ لأنها قد تثمر هذه ولا تثمر الأخرى، وقد تكون إحداهما أكثر ثمرة من الأخرى، فيحصل في ذلك الضرر والغبن على أحدهما، أما إذا قال: لك الربع أو الثلث أو النصف من جميع الثمرة رفيعها ووضيعها، غاليها ورخيصها صح ذلك، فيكون بجزء من الثمرة كنصفها، أو بجزء من الشجر بأن يقول -مثلاً-: إذا أثمر فلك نصف الشجر. أو منهما فيقول: لك نصف الثمر ولك نصف الشجر، أو شجري الذي لي لك نصف ثمرته وشجرك لك. أو ما أشبه ذلك. والمساقاة والمزارعة عقدان جائزان، لكل منهما فسخه، فالعامل قد يفسخ والمالك قد يفسخ، فإذا فسخ العامل فقد أسقط حقه، فلو قدر أنه اشتغل وسقى شهراً أو نصف شهر ثم تركه فإنه يكون قد أضر بصاحب الشجر، فلا شيء له؛ لأنه يقول: أنا اتفقت معك حتى يثمر، وأنت الآن قد تركته ولم تسقه، فلا شيء لك، ذهب تعبك وعملك، أما إذا فسخ المالك عندما ظهرت الثمرة أو قبل أن تظهر الثمرة، كأن سقاه العامل نصف سنة، وقبل أن يظهر ثمر النخل طرده المالك لغير سبب فإنه يعطيه أجرة مثله، عن كل شهر كذا وكذا، فأما بعد ظهور الثمرة فإنه يستحق منها؛ لأنها قد ظهرت وأبّرت، فله نصيبه منها حتى ولو منعه المالك. وقد ذكرنا فيما تقدم أنه إذا باع النخل بعد أن يُؤَبَّرَ فإن الثمرة للبائع، وهاهنا يقول: [تملك الثمرة بظهورها] يعني: يملكها العامل؛ لأنه عمل حتى ظهرت الثمرة، فعلى العامل أن يتمم العمل، وإذا طرده المالك لم يسقط حقه من الثمرة. والعامل يعمل بيده، فكل ما فيه نمو الثمرة أو إصلاحها فإنه يلزمه، فعليه تركيب، وعليه اللقاح، وعليه الجزاز، وعليه الحصاد، وعليه السقي، وعليه الزبر، وعليه حرث الأرض، وعليه إصلاح مجاري الماء، وعليه إصلاحُ الأدوات التي يمشي معها الماء، ويكون العقد على حسب الاتفاق، فلو اتفقا على أن المالك يدفع قيمة المشتروات كلها فله ذلك، وعلى رب الأرض حفظه، فإذا انهدم الجدار أو انقطع الشباك فعليه إصلاحه، أو انهدمت البئر فعليه حفرها، أو خربت الماكنة فعليه إصلاحها، وإذا كانا شريكين فعليهما بقدر حصتيهما في الجزاز، فإذا ما بقي إلا حصاد الزرع يقول: علي نصف الحصاد وعليك نصفه وإن اتفقا على أن الحصاد على العامل والجزاز عليه لزمه ذلك.

المزارعة

المزارعة المزارعة: هي زرع الأرض، فإذا كان لإنسان أرض صالحة للزراعة، وفيها بئر، وعليها ماكنة، فإنه -والحال هذه- قد يحتاج إلى من يحرثها ومن يزرعها، فيتفق مع العامل قائلاً: عليك زرعها، ولك جزء من ثمرها، لك نصف الثمرة أو ربعها أو ما أشبه ذلك. فيجوز ذلك أيضاً، فإن خيبر كانت فيها مزارع، وكان كثير من الصحابة لهم أرض فيها، فكانوا يكرونها بجزء مما يخرج منها كثلث أو ربع أو نحو ذلك، ولا يجوز أن يقول: لك زرع هذه البقعة ولي زرع هذه البقعة. هذا لا يجوز، وهذا يسمى (المخابرة) ويسمى أيضاً (المحاقلة) ، وقد ورد النهي عن المخابرة، ولا شك أن النهي مخافة أن يكون فيه شيء من الغبن على أحدهما، لكن لابد أن يكون لك الثلث، أو الربع، أو العشر، أو الثلثان مما يخرج من الأرض، ويحدد الأرض بأنها التي مسافتها كذا وكذا، ويحدد ما يبذر فيها: يبذر فيها براً، أو أرزاً، أو شعيراً، أو ذرةً، ويبذر فيها -مثلاً- مسافةَ عشرين باعاً، أو مائة باع، واختلفوا: هل يشترط أن يكون البذر من رب الأرض أو يكون من العامل؟ على روايتين، والصحيح: أنه يجوز أن يكون البذر من رب الأرض أو من العامل، ولكن لا يجوز أن يقول: آخذ بذري بعد الحصاد ثم نقتسم الباقي. بل يقتسمان الجميع، سواءٌ أكان البذر من المالك أم من العامل، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

قول صاحب المحل للعامل: أعطني كذا كل شهر والباقي لك

قول صاحب المحل للعامل: أعطني كذا كل شهر والباقي لك Q ما يفعله الناس اليوم من استخدام عامل ووضعه في محل تجاري، ويقول له: أعطني كل شهر خمسة آلاف ريال -مثلاً- وما زاد فهو لك هل هذا جائز؟ A قد يضطرون إلى هذا ويقولون: إننا نضطر إلى أن نأخذ منه شيئاً معلوماً وذلك لأن العامل عادة لا يؤتمن كثيراً، فقد يبيع في اليوم بخمسمائة ويجحد منها مائةً أو أكثر أو أقل، فيقولون: من المصلحة أن نجعل المكان كأنه مؤجر لكن قواعد الشرع لا تبيح ذلك، وذلك لأنه يؤجره الدكان، ثم يؤجره البضائع، فقد يكون رأس مال البضائع عشرين ألفاً أو خمسين ألفاً، فيقول: أجرتكها. وقد يكتب عليه أن بيدك كذا وكذا، وقد يرتفع السعر عند عزله -مثلاً- فيتضرر العامل، فإذا كان شراؤك للكيس مثلاً بمائة، ولما أردت أن تعزله قلت: أعطني الدكان بما فيه، وفيه عشرون كيساً، وفيه عشرون ثوباً، وفيه كذا وكذا، فيحتاج إلى أن يشتريها، وقد يرتفع السعر وقد ينخفض، لهذا نرى أنه لا يجوز، وأن الإنسان يجب عليه أن يجلب أناساً مأمونين موثوقين، وإذا لم يأمنهم فعليه أن يباشر الأعمال بنفسه.

قول صاحب السيارة للآخر: أعطني كل يوم كذا والباقي لك

قول صاحب السيارة للآخر: أعطني كل يوم كذا والباقي لك Q ما حكم ما يفعله أصحاب سيارات الأجرة، حيث إنهم يطالبون السائق بإعطائهم مائتي ريال يومياً، سواء توافر له ذلك المبلغ أم لم يتوافر؟ A هذا أخف؛ لأن هذا يعتبر أجرة، فالناس يؤجرون السيارات الآن، فالإنسان إذا لم يجد سيارة فإنه يستأجر سيارة كل يوم بمائة، أو كل ساعة بكذا وكذا، فلعل هذا يكون من باب الأجرة.

حكم بيع السهم مؤجلا بأكثر من سعره الحالي

حكم بيع السهم مؤجلاً بأكثر من سعره الحالي Q لدي سهم في إحدى الشركات، وأريد أن أبيع هذا السهم لشخص بثمن مؤجل أكثر من سعره الحالي، فهل هذا جائز؟ A أرى أنه لا يجوز، وذلك لأنه بيع دين بدين، فالسهام ما قبضت، والثمن ما قبض.

الاشتراك في عملين مختلفين

الاشتراك في عملين مختلفين Q لو اشترك اثنان في عملين مختلفين: شخص يعمل في الخياطة، والآخر في الحدادة، فهل هذه الشركة من شركة الأبدان؟ A يجوز ذلك، فإذا كان هذا خياطاً، وهذا غسَّالاً فلا بأس بذلك.

لا يجوز تحديد ثمر شجرة معينة في المزرعة

لا يجوز تحديد ثمر شجرة معينة في المزرعة Q ذكر أنه لا يجوز تحديد ثمر شجرة معينة في المزارعة، وفي المساقاة يذكر أنه يجوز أن يقول لك: التقط ثمر شجرة معينة. فما الفرق بينهما؟ A الأصل أن المساقاة تكون على جزء معلوم النسبة كنصف الثمر أو ربع الثمر، فلا يجوز أن يقول المالك: لي النوع كذا ولك النوع كذا. لأن هذه قد تثمر وهذه قد لا تثمر، وأما إذا اتفقا على النسبة: لك الربع من الشجر كله، أو الثلث فذلك جائز.

يتحمل تبعات الحادث في سيارة يعمل فيها شركاء من كان يقودها

يتحمل تبعات الحادث في سيارة يعمل فيها شركاء من كان يقودها Q نحن ثلاثة شركاء نعمل على سيارة، ونقتسم الربح بالتساوي، علماً بأن السيارة ملك لواحد منا، وليس له سوى نصيب واحد منا، فحصل حادث للسيارة فمن يتحمله؟ A أرى أنه يتحمله الذي كان يقودها، سواءٌ أكان المالك أم غيره؛ لأنه المتسبب فيها.

زكاة المساهمات العقارية

زكاة المساهمات العقارية Q كيف نزكي المساهمات العقارية والتي مكثت أكثر من خمس سنوات، ولا نعلم مصيرها؟ A هذا يعتبر من المال غير المقدور عليه، فكثير من هذه المساهمات كالأراضي تبقى عشر سنين أو عشرين سنة، ولا يقدر أصحابها على أن يتصرفوا فيها، فليست هو تحت أيديهم، فلو أمروا أن يزكوا عن كل سنة لاستغرقت زكاتها أكثر من قيمتها أو أكثر من أرباحها، فأرى أنها تعتبر كالمال المفقود، ويزكى إذا قدروا عليها عن سنة واحدة.

حكم الاشتراك في معمل للتصوير

حكم الاشتراك في معمل للتصوير Q ما حكم الاشتراك في معمل للتصوير؟ A لا شك أن كل عمل يكون حلالاً أو حراماً بحسب ذلك العمل، سواءٌ فردياً أو شركة، فإذا اشتركا في فتح دكان لحلق اللحى كان الكسب حراماً؛ لأن العمل حرام، وهكذا إذا اشتركا في فتح دكان لأشرطة الغناء هذا منه الثمن وهذا منه التسويق كان الكسب حراماً، وهكذا أيضاً التصوير الذي ليس بضروري يعتبر أيضاً كسباً حراماً، وأشباه ذلك.

حكم شركات التأمين

حكم شركات التأمين Q ما حكم شركات التأمين الموجودة الآن؟ A لا يجوز الاشتراك فيها، يسمونها تعاونية وليست كذلك، بل هي تجارية، وقد صدرت الفتاوى من اللجنة الدائمة بأنه لا تجوز المساهمة فيها، ولا يجوز أن يُؤمن الرجل على نفسه، ولا على تجارته، ولا على أولاده، ولا على سكنه، ولا على سيارته، ولا عبرة بمن أباح ذلك، وما ذاك إلا أنهم غالباً يقصدون نفع أنفسهم والكسب من وراء المساهمين، وسبب المنع أولاً الغرر، وذلك لأنه يدفع لهم كل سنة ألفاً أو ألفين، وتمضي عليه عشر سنوات وهو لم يحتج إليهم، ولا يردون إليه شيئاً من هذا المال، ولو أنهم قد يقولون: إذا لم تحتج إلينا في السنة الأولى فلا تدفع شيئاً في السنة الثانية. ويريدون بذلك ترغيب الناس أن يستمروا معهم. والأمر الثاني أنه قد يكلفهم، فقد يدفع ألفاً أو ألفين، ثم يعمل حادثاً فيكلفهم عشرات الألوف، فيأخذ ما لا يستحقه. الأمر الثالث: أن كثيراً من الذين يؤمنون يخاطرون، فتجد أحدهم يركب الأخطار بالسيارات ونحوها، وإذا قيل له: ترفق قال: أنا قد أمنت، والشركة ستدفع عني. فيتسبب في إزهاق أرواح وفي إتلاف أموال.

إعطاء الولد الذكر مثل حظ الأنثيين في العطية

إعطاء الولد الذكر مثل حظ الأنثيين في العطية Q لدى والدي مال، فهل يعامل البنون والبنات في العطية للذكر مثل حظ الأنثيين حال الحياة؟ A إذا أعطى والد أولاده عطية فإنه يعدل بينهم؛ لحديث النعمان بن بشير: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، والصحيح أنه يقسم بينهم على قسمة القرآن: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11] ؛ لأن الصحابة كانوا يقسمون على قسمة القرآن، لكن الأشياء التي يحتاجها أحدهم لا يلزم أن يعطي الآخر مثلها، فإذا احتاجت المرأة -مثلاً- لكسوة بمائتين فلا يقول: نعطي الأولاد أربعمائة، فكسوة الولد -مثلاً- ستون أو سبعون، وكذلك أيضاً إذا احتاجت إلى حلي بخمسة آلاف أو بعشرة، فلا يلزم أن يعطي الأولاد ضعفها؛ لأن هذه حاجات خاصة.

معنى الجداد

معنى الجداد Q ما معنى الجداد؟ A هو الصرام، أي: جرد النخل وجده، تصرم القنوان التي فيها الثمر، وذلك بقطعها بالمنجل ونحوه.

شرح أخصر المختصرات [40]

شرح أخصر المختصرات [40] الإجارة أنواع، ولها شروط، وفيها أحكام كثيرة ومسائل عديدة، وهي من العقود اللازمة، وحاجة الناس إليها ماسّة، وقد اهتم أهل العلم بباب الإجارة اهتماماً كثيراً، فينبغي العلم بأحكامها والعمل بها في عقود الإجارة بأنواعها.

الإجارة

الإجارة قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وتصح الإجارة بثلاثة شروط: معرفة منفعة، وإباحتها، ومعرفة أجرة إلا أجيرًا وظئرًا بطعامهما وكسوتهما. وإن دخل حمامًا، أو سفينةً، أو أعطى ثوبه خياطًا ونحوه صح وله أجرة مثل. وهي ضربان: إجارة عين: وشرط معرفتها، وقدرة على تسليمها، وعقد في غير ظئر على نفعها دون أجزائها، واشتمالها على النفع، وكونها لمؤجر، أو مأذوناً له فيها. وإجارة العين قسمان: إلى أمد معلوم يغلب على الظن بقاؤها فيه. الثاني: لعمل معلوم، كإجارة دابة لركوب أو حمل إلى موضع معين. الضرب الثاني: عقد على منفعة في الذمة في شيء معين أو موصوف، فيشترط تقديرها بعمل أو مدة كبناء دار وخياطة، وشرط معرفة ذلك وضبطه، وكون أجير فيها آدمياً جائز التصرف، وكون عمل لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة] .

تعريف الإجارة

تعريف الإجارة يعرفون الإجارة: بأنها عقد على منفعة مباحة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو عمل مباح بعوض مباح، والعقد: لا يكون إلا بين اثنين، عاقد: وهو المالك، وكذلك: العاقد الثاني: وهو المستأجر، والمعقود عليه: وهو المنفعة. ويعرفون الإجارة: بأنها بيع المنافع، والحاجة داعية إليها؛ وذلك لأنه ليس كل أحد يستطيع أن يحصل ما يحتاجه من الأعيان للاستعمال، فيحتاج إلى أن يستأجر، ويقال أيضاً: إن حاجته لا تدوم، بل تنقضي في يوم أو في سنة أو نحو ذلك؛ فلذلك يحتاج إلى أن يستأجر العين لينتفع بها، ويدفع أجرتها، ثم يردها إلى مالكها، والمالك يكون عنده أعيان هو مستغنٍ عن استعمالها بخاصة نفسه، فيؤجرها لمن ينتفع بها ويدفع أجرةً، وترد إلى المالك بعد استيفاء المنافع التي فيها.

شروط الإجارة

شروط الإجارة ذكر المؤلف أنه يشترط لها ثلاثة شروط: الأول: معرفة المنفعة. الثاني: إباحة المنفعة. الثالث: معرفة الأجرة. وهذه شروط لابد منها في صحة الإجارة، فأولاً: معرفة المنفعة: فمعروف أن هناك أشياء منفعتها ظاهرة، فالدار مثلاً: يستأجرها ليسكن فيها مدة محددة، وقد يستأجرها ليجعلها مخزناً لتجارته أو نحو ذلك، فإذا استأجرها لهذا الغرض، فإنه يستوفي هذه المنفعة، فإن استأجرها للسكنى فلا يجوز له أن يجعلها مستودعاً للدواب -للبقر، وللغنم، وللحُمُر وللخيل-؛ وذلك لأنها تفسدها بحوافرها مثلاً، وتلوثها بالروائح -الروث ونحوه-، ولا يستأجرها للسكنى ويجعلها مثلاً: مصنعاً من المصانع التي يكثر فيها الدَّقُّ بالسندان أو بالحجارة الثقيلة التي تزلزل الحيطان وتتصدع منها وما أشبه ذلك. وإذا استأجرها للسكنى فيسكن فيها من تتحمله، فإذا كانت تتحمل مثلاً: عشرة، فلا يسكن فيها عشرين أو ثلاثين؛ لأنهم بدخولهم وخروجهم وصعودهم ونزولهم قد يؤثرون على بنائها، وقد يؤثرون على أرضيتها وفرشها وحيطانها وما أشبه ذلك، فلا يسكنها إلا ما تتحمل. وكذلك أيضاً: إذا استأجر الدار ونحوها، فلا يسكنها من يتضرر الجيران منهم. فالحاصل: أن سكنى الدار منفعةٌ مباحة، وسكنى المخزن منفعةٌ مباحة، يخزن فيه تجارته، وكذلك: سكنى الدكاكين لإيداع البضائع فيها، وفتحها للاتجار فيها وما أشبه ذلك. وكذلك استئجار الخيمة للاستظلال بها، والسجاد والفرش تستأجر من أجل أن تفرش فرشاً عادياً، ويجلس عليها جلوساً عادياً، ولا يجوز مثلاً: أن تفرش في الشمس التي تفسدها، ولا أن تتعرض للإحراق وما أشبه ذلك. واستئجار السرر والكراسي هو للجلوس عليها والنوم عليها وما أشبه ذلك. واستئجار القدر أو الإبريق للطبخ فيه، وإذا استأجره ليجعله زينةً فإنه ليس من المرافق، فيتجمل بها مثلاً. واستئجار الثوب ليلبسه، وكذلك: ما يلبس كالنعل ونحوه. ولابد أن تكون الأجرة معروفة، كسكنى دار وحمل إلى موضع معين، فإذا استأجر السيارة فلابد أن يحدد ما يحمله، أن يحمل عليها كذا وكذا -كيلو أو طن- وأن يحدد المسافة، فيقول: السير عليها من كذا إلى كذا، مثلاً: من الرياض إلى مكة أو ما أشبه ذلك. وكذلك أيضاً: الخدمة: فإذا استأجر خادماً فلابد أن يحدد نوع الخدمة، فلا يكلفه أن يحمل الأشياء الثقيلة، وهو استأجره مثلاً: لإصلاح طعام، أو لإصلاح فرش، أو إصلاح القهوة، أو قيادة سيارة أو تنظيفها وتغسيلها، أو سقي حديقة، أو إخراج قمامة من المنزل، يعني: خدمةٌ يقدر عليها ذلك المستخدم، فلا يكلفه ما لا يطيق، فإذا كانت خدمته متواصلة كالذي يعمل في دكان أو الذي يعمل في بستان أو الذي يرعى دواب؛ فلا يكلفه أكثر مما يطيق، فيكلفه ما يستطيع، كأن يخدم عشر ساعات أو اثنتي عشرة ساعة إذا لم يكن العمل شاقاً، ويريحه بقية الوقت. وكذلك: إذا استأجر معلماً، فالتعليم يكون بقدره، كأن يعلم الأولاد -مثلاً- كل يوم عشر ساعات أو نحوها، وقد تكون المنفعة على شيء معين، كأن يقول: كلما حفظوا جزءاً فلك أجرة كذا وكذا، وكلما حفظوا باباً من العلم، أو تعلموا كتاباً فأجرتك كذا وكذا. والحاصل أنه لابد من معرفة المنفعة التي تستغل من تلك العين، وفي كل عين منفعة، فاستئجار الكتاب ليس للزينة، وإنما للقراءة فيه، وكذا المصاحف، واستئجار السكين ليس للزينة وإنما ليقطع بها مثلاً، واستئجار الساعة ليستخدمها لمعرفة الوقت عند حاجته إليها، واستئجار السيارة للحمل عليها، لا ليتجمل بها، واستئجار السراج ليوقده في الليل مثلاً إذا كان محتاجاً إليه، وكذلك: استئجار مكيف ليتبرد به، فكل شيء منفعته محددة ومعروفة.

الأشياء التي لا تصح الإجارة فيها

الأشياء التي لا تصح الإجارة فيها ثم ذكر المصنف الشرط الثاني: وهو إباحتها، وذكر في التعليق الأشياء التي لا تباح إجارتها يقول: فلا تصح الإجارة على الزنا والزمر والغناء، ولا على التياتو -يعني: الضرب بالأدوات التي فيها ملاهي من الأوتار وما أشبهها- ولا على النياحة، ولا على إيجار الدار أو الحانوت لبيع الخمر أو القمار، سواء شرط ذلك في العقد أم لا؛ لأن هذه محرمةٌ شرعاً، ولا يجوز أن يستأجر الأمةَ ليزني بها، وهي مملوكة لغيره، فيقول: أجرني هذه الأمة مدةَ شهر أستمتع بها أو يقول للمرأة: أجريني نفسكِ لفعل الزنا، هذا حرام، وأجرتها حرام، وقد حرمها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (مهر البغي خبيث أو سحت) ومهرُ البغي: هو ما يبذل للبغي الزانية مقابل تمكينها من الزنا بها، فهذه المنفعة محرمة. وكذلك الزمر -يعني: المزامير التي ينفخ فيها ويكون لها صوت-، وكذلك استئجار الطبول ليتلذذ بها؛ فإنها أيضاً: ملحقةٌ بالمزامير التي هي محرمة، واستئجار المغني أو المغنية يعتبر أيضاً: منفعةً محرمة. وكانوا قديماً يعلِّمون الأمةَ الغناء، فإذا تعلمت الغناء وصارت مطربةً ومغنيةً ارتفع ثمنها، وزيد فيها عند البيع إذا قيل: إنها مغنية، فكان العلماء يحرمون هذه الزيادة، ويقولون لبائعها: لا تبعها على أنها مغنية، بعها على أنها ساذجة جاهلة لا تعرف شيئاً، فإذا بعتها بألف، وزيد ثمنها لأجل غناها؛ فإن تلك الزيادة محرمةٌ عليك، فإذا كان هذا في بيعها، فكذلك في إجارتها، فالذين يؤجرون أنفسهم للطرب والغناء والتلحين والفن وما أشبه ذلك؛ هذه الأجرةُ حرام، واستئجار المغنين والمطربين ونحوهم حرامٌ، وما يدفعُ لهم حرام، وسماع أصواتهم حرام، فالغناء حرام بجميع أنواعه، سواءً بواسطة أشرطة الكاسيت، أو أشرطة الفيديو التي فيها شيء من الغناء والطرب، ويحرم تأجيرها، كما أنه حرامٌ بيعها. وكذلك: أدوات اللهو واللعب التي تستعمل للطرب، مثل: الطبول التي تضرب في الأفراح ونحوها، ويستثنى ما رخص فيه، وهو الدف لقوله عليه السلام: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف) ، وهو: الذي ختمت جهةٌ منه، ولم تختم الثانية، أما الطبل فإنه مختومٌ من الجهتين، وإذا ضرب سمع له طنينٌ مطرب، فلذلك: لا يجوز بيع الطبول وما أشبهها، ولا تجوز إجارتها. وكذلك: استئجار النائحة، فهناك نساءٌ يعرفن النياحة، فيتعلمن الندب والنياحة والصياح وتعداد محاسن الميت، كقولهم: وا محمداه! وا إبراهيماه! وا مطعماه! وا كاسياه! وا أخواه! وا ولداه! ففعلهن هذا يسبب الحزن والبكاء والصراخ، فأجرتهن واستئجارهن محرم. وكذلك استئجار الدار أو الحانوت لبيع الخمور؛ وذلك لأنه حرم ثمنه، فتحرم أجرته، والذين يؤجرونهم لا شك أنهم شركاء لهم في الإثم، ويدخلون في قوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ، وهكذا تأجيره على من يحلق اللحى، فإن ذلك محرمٌ، أما إذا كان يحلق الرأس مثلاً فلا بأس؛ لأن حلق الرأس من المباحات. وكذلك الخياطون، إذا كان الخياط يخيط للنساء الملابس الضيقة فإنه يدخل في الوعيد، فإذا استأجر دكانه الخياط، فعليه أن يشترط عليه ألا يخيط الثياب الضيقة ولا الشفافة ولا القصيرة التي يتبين منها شيءٌ من أعضاء المرأة، وكذلك أيضاً: الثياب الزائدة بالنسبة للرجال التي فيها إسبال إلى تحت الكعبين فهذه أجرتها محرمة، فإذا استأجر منه الخياط اشترط عليه ألا يعمل مثل هذه الأعمال. وهكذا أيضاً: إذا استأجره للبيع، فيشترط عليه ألا يبيع أجهزة الأغاني كالأشرطة المحرمة، وكذلك أدواتها المحرمة كالطبول وما أشبهها. وهكذا الذين يستأجرونها للعب المحرم، فهناك من يعمل ما يسمى بالاستراحات، ثم يؤجرونها على أناس وفيها الخمور أو الدخان والشيش وما أشبهها، ويلعبون فيها طوال ليلهم بما يسمى بالزنجفة أو البلوت يعني: الأوراق التي هي لهو، فيلعبون فيها إلى آخر الليل، ويتركون الصلوات: مغرباً وعشاءً وفجراً، فنرى أن هؤلاء قد أعانوهم على الإثم والعدوان، فليتنبهوا لمثل ذلك، فلابد أن تكون العين مباحة، والمنفعة مباحة، ولا يشترط أن تكون العين التي فيها المنفعة نفسها مباحة، إنما اشترطوا إباحة المنفعة، فمثلاً: الحمار لا يؤكل، ولكن يؤجر للحمل عليه، أو ليركب وما أشبه ذلك. وأما إذا كانت العين مباحة المنفعة كركوب الخيل والحمر والأواني، فإنه يصح التأجير لها، والعين التي لا تباح منفعتها، ولا يباح ثمنها كالكلب لا يصح تأجيره. وتقدم أنه لا يصح أن يباع -مثلاً- العصير لمن يعمله خمراً، وهكذا أيضاً: لا يؤجر عليه -إذا كان يعمل خمراً- قدوراً أو أدوات وقود كآلات الطبخ، والوقود الذي هو (البوتجاز) لا يجوز تأجيره على من يستعين به على عمل محرم.

معرفة الأجرة

معرفة الأجرة الشرط الثالث: معرفة الأجرة، أي: تسمية الأجرة؛ وذلك لأنها أحد العوضين، المستأجر يستوفي المنفعة، والمؤجر يستحق الأجرة، فلابد من تسمية الأجرة؛ مخافة أن يكون هناك اختلاف ونزاع يؤدي إلى الضرر؛ لذلك: لابد من تسمية الأجرة. كثيراً ما تركب سيارات الأجرة، ثم يقع اختلاف إذا لم تُسمِ الأجرة، فيطلب منك -مثلاً- ثلاثين، وتقول: لا تستحق إلا عشرين أو عشرةً، المسافة قليلة، والزمن قليل. وهكذا أيضاً: قد يحسّن الإنسان الظن إذا استأجر فرشاً كقطع الزلِ، ولا يحدد أجرة، ثم عند المحاسبة يطلبون منه أكثر، ويقولون: كنا نؤجرها بكذا وكذا، كنا نؤجر الأباريق بكذا، ونؤجر القدور بكذا، فيطلبون منه أكثر؛ لذلك يقال: إن تسمية الأجرة في العقد أولى حتى ينقطع النزاع، وحتى لا يحصل الاختلاف. ويصح في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما، والأجير: الخادم، فقد يكون هناك بعض الفقراء يعجز أحدهم عن تحصيل لقمة العيش، يعجز أن يجد ما يقوت به نفسه أو يستر به عورته، فيقول: أنا أقنع أن أخدمك بمجرد إطعامي وكسوتي، فيصح استئجار الخادم بطعامه وكسوته، وقد يقال: إن هذا يختلف! فيقال: الاختلاف قليل، فبعض الخدام لا يشبع إلا بثلاثة أرغفة، وبعضهم يكفيه رغيفٌ واحد في كل وجبة، فمثل هذا يتسامح فيه، والعادة أن التفاوت بسبب كثرة العمل، فإذا كان يشتغل شغلاً متواصلاً كثيراً؛ فلا يستنكر منه إذا أكل رغيفين أو ثلاثة أرغفة، أو أكل كثيراً، وإذا كان عمله يسيراً -يعمل وهو جالس، أو يجلس أكثر الوقت- فالغالب أنه لا يأكل كثيراً. والحاصل: أن هذا يتسامح فيه ولو وقع فيه اختلاف. وكذلك أيضاً: الكسوة، قد يكون لكثرة مزاولته الأعمال يحتاج إلى كسوة كل شهرين، وبعضهم قد تكفيه كسوة نصف سنة أو سنةً كاملة؛ لذلك يتسامح في ذلك، فيستأجر الخادم بطعامه وكسوته. وكذلك الظئر: وعرفها في الحاشية بأنها: المرضعة، فإذا استؤجرت على طعامها وكسوتها؛ صح الإيجار، فكثيراً ما تكون المرأة عاجزةً عن إرضاع ولدها، فتستأجر له ظئراً -أي: مرضعةً-، فهذه المرضعة قد تكون فقيرة يعجزها تحصيل القوت، فتقنع بالطعام والكسوة، فتقول: أنا أرضع لكم ولدكم، ولو كان الرضاع يختلف، فالكبير يرضع منها كثيراً، والصغير أقل، ولو كان أيضاً: الطعام يختلف، قد تكون إحدى المرضعات تأكل كثيراً، وبعضهن تشبع بقليل، وهذا أيضاً مما يتسامح فيه. يقول: (وإن دخل حماماً، أو سفينةً، أو أعطى ثوبه خياطاً أو نحوه؛ صح وله أجرة المثل) لأن هؤلاء عادةً تعرف الأجرة عندهم، والحمامات: هي أماكن تؤجر للاستحمام، وهي توجد في البلاد الباردة، مثل الشام ومصر والعراق، وهي بيوت تحت الأرض فيها حمامات -يعني: مستحمات-، وفيها ماءٌ ساخن، يدخلها الإنسان ويغسل بدنه بذلك الماء الحميم، والأجرة معروفة عندهم، فلا حاجة إلى أن تفرض الأجرة على كل من دخل، وإذا كانت أجرته مثلاً خمسة قد يكتبونها على البوابة، فيكتبون: أجرة الاستحمام خمسة أو عشرة أو عشرين، فلا حاجة إلى إيقاف كل واحد. وكذلك: إذا ركب سفينةً معتادة التردد من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، تحمل الركاب؛ فهذه أيضاً: قد تكون معروفة الأجرة؛ لأنها تتردد دائماً، فلا حاجةَ إلى أن كل من ركب تفرض عليه الأجرة. ويلحق بها السيارات والطائرات والباخرات والقطارات، فإنها وسائل نقل حديثة، والمسافة محددة، فمسافة القطار من الرياض إلى الأحساء أو إلى الدمام معروفة، وكل راكب محددة قيمة إركابه، بأنها بكذا وكذا، وكذلك سيارات النقل من الرياض إلى مكة أو إلى جدة أو الطائف معروفة الأجرة عندهم، فلا حاجة إلى أن كل راكب يشارطهم بأجرة كذا وكذا، بخلاف البلاد التي ليست مأهولةً دائماً، فإذا استأجر -مثلاً- من الرياض إلى برية معروفة، وقد يكون الطريق إليها غير مسفلت، فلابد أن يسمي الأجرة، سواءً أجر ركاباً يركبون كل راكب بكذا، أو أجر سيارته لمن يحمل عليها. وهكذا الثياب، فالأصل أن الخياطين معروفة أجرة الخياطة عندهم، فيقولون: الثوب التام أجرته بكذا، وثوب الطفل أجرته بكذا، والسراويل أجرته بكذا، والقلنسوة أجرتها بكذا -يعني: أجرة الخياطة- وكذلك البنطلون أو الجبة أو ما أشبه ذلك، كل شيء خياطته محددة عندهم، فمثل هؤلاء لا حاجة إلى أن يتعاقد عند كل واحد. وألحق بالخياط الدلال الذي يدل على السلع، يدلك على من تستأجر منه، أو يدلك على من تبتاع منه، أو تخطب منه خطبة نكاح، هؤلاء يسمون دلالين، وكذا الحمالين الذين يحملون على ظهورهم، وأجرتهم على الكيس كذا وكذا من الدكان إلى السيارة، وما أشبهها، وكذلك الحلاقين: والحلاق غالباً يكتب أجرة الحلاقة بكذا وكذا، حلق الرأس بكذا، وقصه بالماكنة بكذا، وكذلك الصباغ الذين يصبغون الأواني أو يصبغون الثياب، وكذا المطرِّز الذي يصلح القلنسوة فيدقها، ويصلح النقوشات، فهؤلاء يلحقون بالخياط.

أنواع الإجارة

أنواع الإجارة ذكر المؤلف أن الإجارة ضربان: أولاً: إجارة العين، والثاني: عقدٌ على منفعة في الذمة، فإجارة العين: هي أن يتعاقد على استيفاء المنفعة من هذه العين التي هي معينة أو موصوفةٌ في الذمة، فإذا كان فيها منفعة فإنها تصلح إجارتها، ويشترط لهذا الإجارة شروط: الشرط الأول: معرفة العين، وإن كانت غير معينة فلابد أن توصف وصفاً دقيقاً، فإذا استأجر منه داراً فلابد أن يراها، ويكفي أن توصف له وصفاً كاملاً، يقال مثلاً: سعتها كذا وكذا متراً مربعاً، وارتفاع سقفها كذا، وفيها من الغرف كذا، وفيها من المستحمات كذا وكذا، وتوصف الصهاريج ونحوها، وفيها من المجالس كذا، ومن السطوح كذا، ويذكر نوع بنائها، ونوع بلاطها، وما فيها من المرافق والمكيفات وما أشبه ذلك، فإذا وصفت وصفاً دقيقاً صح عقد الإجارة عليها وإن لم يرها. كذلك: إذا استأجر دابةً للركوب فلابد أن توصف له، فيوصف له الفرس أنه قويٌ، وأنه سمين، وأنه ثابتٌ، وأنه مذلل، أو توصف له الناقة أو الجمل، وكذلك المراكب الجديدة، فتوصف له السيارة التي يريد أن يستأجرها يومياً أو إلى مكان معين أنها تتحمل كذا، وأنها من نوع كذا وكذا. وهكذا: إذا استأجر ثوباً ولم يره صح أن يوصف له بأنه ثوب من صوف أو من قطن طوله كذا، جديد أو مستعمل، وإذا استأجر كتاباً ليقرأ فيه، أو قدراً ليطبخ فيه، أو كأساً ليشرب فيه أو ما أشبه ذلك؛ فلابد أن يعرفه معاينة أو يوصف له وصفاً دقيقاً. الشرط الثاني: القدرة على التسليم، فلا يصح أن يؤجره جملاً شارداً ولا عبداً آبقاً؛ لأنه لا يقدر على تسليمه، إلا إذا كان بالإمكان القدرة عليه، فإذا قدر على أن يدركه بالسيارة ويقبض عليه بأن كان في محيط؛ فلا بأس بذلك. الشرط الثالث: العقد على نفعها دون أجزائها إلا في الظئر، فقد عرفنا أن العقد فيها هو على شيء من أجزائها وهو لبنها، ويلحق بها أيضاً: ذوات اللبن، فيصح أن تستأجر شاةً لتحلبها، مع أن المنفعة جزءٌ من أجزائها، وكذا البقرة أو الناقة تستأجرها لأجل أن تشرب لبنها، وتكون الأجرة عليك؛ وذلك لأن التفاوت فيه يسير، فأما بقية الأدوات فإن الأجرة تكون على النفع لا على الأجزاء؛ وذلك لأن الأجزاء تهلك بالاستعمال، فمثلاً: لا يقول: أجرني هذا الكيس -كيس بر مثلاً- لآكل منه ثم أرده، فإن هذا لا يسمى انتفاعاً بالعين، بل استهلاكاً لها، وكل شيء يهلك بالاستعمال لا يستأجر، فلا يستأجر -مثلاً- التفاح لأجل أن يؤكل أو نحوه، ولا الطيب والعود لأجل أن يتطيب به؛ لأنه يتلف بالاستعمال، وأجاز بعضهم استئجاره للشم إذا كانت له رائحةٌ عطرة يقول مثلاً: رائحته عطرة، أجرنيه يوماً أتلذذ بشمه، ثم أرده عليك بأجرة كذا وكذا، فمثل هذا منفعة، ولكن ليست مقصودةً عادة؛ وذلك لأن الأصل أنه يتلف، وهكذا الشمعة معلومٌ أنه إذا أوقد فيها فإنها تتلف، فهل يجوز استئجارها لأجل أن يوقدها؟ لا يجوز؛ وذلك لأنها تتلف بالاستعمال، ويجوز استئجار السراج، ويكون الوقود على المستأجر يجعل فيه وقوداً مثل (القاز) أو ما أشبه ذلك، ويستأجر المكيف ليتبرد به، ثم يرده، أو يستأجر الأنوار الكهربائية ليستنير بها يوماً -مثلاً- ثم يردها، فهذه منفعتها مباحة، أو يستأجر -مثلاً- المكبر أو يستأجر المسجل ليسجل فيه، ثم يرده، كل هذه منافعها مباحة، والأجرة على المنفعة لا على الأجزاء، وإذا كان يخلولق، جاز ذلك، فمعلوم أن الثوب يخلولق إذا لبس، ولكن صاحبه يأخذ أجرة منفعة الثوب في اللباس، ومنفعة الحذاء -مثلاً- بالانتعال، ومنفعة الفرش بالجلوس عليها، فالإجارة تكون على نفعها لا على أجزائها. الشرط الرابع: أن تكون العين فيها منفعة مقصودة، فإذا كانت لا تشتمل على منفعة ولا فائدة فيها فلا تؤجر، فمثلاً: سيارةٌ خربة لا تصلح أن يركب فيها، ولا أن يقودها قائد، فهذه لا منفعة فيها، وكذلك: جمل هزيل، لا يمكن أن ينتفع به في حمل، ولا في ركوب؛ على أي شيء يستعمل؟! ليس هو محلوبٌ ولا مركوب! فلا فائدة في تأجيره، وكذلك مثلاً: إذا استأجر أرضاً سبخة ليزرعها! ما يمكن، ليس فيها منفعة ولا تزرع؛ لأن الأرض السبخة لا تنبت نباتاً كقوله في الحديث: (إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً) . فالحاصل أنه لابد أن تكون فيها منفعة، فالدار فيها منفعة للسكنى، والدابةُ التي تركب فيها منفعة، والثوب فيه منفعة، والقدور فيها منفعة، والخيمة فيها منفعة، فأما الذي لا منفعة فيه فلا تصح إجارته. الشرط الخامس: كونها ملكاً للمؤجر أو مأذوناً له فيها، أي: لابد أن يكون مالكاً لتلك العين أو مرخصاً له في تأجيرها، فلا يؤجر كتاب غيره، ولا قدر غيره، ولا بيت غيره، ولا سيارة غيره، حتى ولو رأى في ذلك مصلحة، لو رأى إنساناً محتاجاً للسيارة، وسوف يدفع أجرةً رفيعة كثيرة، ورأى أن جاره عنده سيارة واقفة، وأنه ليس بحاجة لها هذا اليوم أو هذه الأيام، فهل يقول: أتجرأ على جاري -ولو كان غائباً- وآخذ مفاتيح سيارته، وأؤجرها بأجرة رفيعة، لمصلحة جاري؟ ليس له ذلك؛ وذلك لأنه غير مأذون له، إلا إذا كان هناك إذن عام، بأن قال له جاره: متى رأيت مصلحةً مناسبةً فلا مانع من أن تتجرأ على ما يختص بنا، ولك الحرية في ذلك، فلابد أن يكون مالكاً للعين أو موكلاً مأذوناً له فيها.

أقسام إجارة العين

أقسام إجارة العين ذكر المؤلف أن إجارة العين قسمان: الأول: إجارةٌ إلى أمد معلوم يغلب على الظن بقاؤها فيه، الثاني: لعمل معلوم، والغالب أن الذي إلى أمد تكون في بعض الأعيان التي تستغل غلتها ومنفعتها، ويجوز أن تكون المدة طويلة، ولكن يفضل ألا تطول طولاً يختلف به السعر، فقد رأينا أناساً أجروا دكاكين لمدة عشرين سنة، أجر هذا الدكان مدة عشرين سنة، وكل سنة -مثلاً- بعشرة آلاف، ثم في هذه المدة ارتفع السعر أو انخفض، فصار جيرانه يؤجرون -مثلاً- بخمسين ألفاً، وهو بعشرة آلاف مدة عشرين سنة! فيتأسف ويقول: هذا من الغبن، كوني أجرته عشرين سنة فارتفع السعر، وكذلك أيضاً: العكس، فكثير من الناس استأجروا أماكن لمدة عشرين سنة أو ثلاثين سنة، وربما مائة سنة، ثم نزل السعر أو ارتفع، فصار الناس يؤجرونها بعشرة، وهو محسوبٌ عليه بعشرين أو بثلاثين، فيندم، فالأولى ألا تكون المدةُ طويلة، وذكروا أن أوقافاً في بعض البلاد أجرت لمائة سنة، وكل سنة بعشرين صاع من البر أو من التمر، وبعدما طالت المدة صارت مثلها تؤجر بعشرين ألفاً، وبثلاثين ألفاً، وهو لا يزال يستغلها بهذا الشيء الزهيد، وكانوا ما يؤملون ارتفاع الأسعار في كثير من المدن؛ فيكره أن تؤجر مدةً طويلةً يحتمل فيها تغير السعر بزيادة فيغبن المؤجر أو بنقص فيغبن المستأجر. القسم الثاني: تأجير الإنسان -مثلاً- لعمل معلوم، كأن يستأجره لبناء حائط أو لحفر بئر أو لسقي نخل أو شجر، فلابد أن يكون العمل معلوماً، فتكون الخياطة -مثلاً- معلومة، نوعها كذا وكذا، أو معتاداً، ويكون البناء من كذا وكذا، من اللبن أو من البلوك أو ما أشبه ذلك، ومثل أيضاً: إجارة دابة لركوب إلى موضع معين أو لحمل إلى موضع معين، ومثلها أيضاً: السيارة، وفي هذه الحال لا تحدد المدة، والغالب أنها تخضع لعمل صاحبها الذي هو قائد السيارة أو سائق البعير، فأحياناً يستأجر السيارة من الرياض إلى القصيم ليحمل عليها متاعه أو أهله أو نحو ذلك، فيبقى في الطريق يومين، يسير بتؤدة، وأحياناً يقطعها في ثلاث ساعات. فالحاصل أن هذا عمل معلوم، استأجرتك تحمل هذه البضاعة من الرياض إلى القصيم بمائة أو ألف سواءً وصلت في يوم أو وصلت في خمسة أيام أو في عشرة، هذا عمل معلوم، مثل: حمل لمتاع أو ركوب على دابة أو على سيارة أو ما أشبهها إلى موضع معين.

الإجارة على منفعة في الذمة

الإجارة على منفعة في الذمة انتهينا من الضرب الأول: وهو إجارة العين، والضرب الثاني: العقد على منفعة في الذمة في شيء معين أو موصوف، منفعة في الذمة: مثل خياطة الثوب، وبناء الجدار، وحفر البئر، وحرث الأرض وزرعها، وتلقيح الأشجار، وتلقيح النخل وجدادها، وصرامها، وحصاد هذا الزرع، ولقط هذا الثمر، كل هذا منفعة في الذمة، يعني: تستأجره على أن يعمل لك هذا العمل بأجرة معينة، تقول: استأجرتك أن تحصد هذه البقعة من الزرع -سواء حصدها في يوم أو في عشرة أيام أو في ساعة- بمائة أو بألف، هذه منفعة في الذمة يبذلها لك، أو تبني هذا الجدار الذي طوله كذا وسمكه كذا وعرضه كذا، بأجرة معينة، وإذا خشيت أنه يتلاعب في ذلك فلك أن تحدد له مدة، فتقول: في ظرف خمسة أيام أو شهر أو سنة، وإذا لم تفعل ذلك فإنك متساهل، ونضرب عليك غرامة عن تأخيرك ونحو ذلك كما تفعل ذلك الشركات التي تتقبل بناء الدور أو المساجد أو المدارس أو المشاريع الكبيرة، أو تتقبل إصلاح الطرق وصيانتها وتنويرها أو ما أشبه ذلك، وكل هذه منفعةٌ معلومة في الذمة يأتي بها ذلك المستأجر، ولابد أن تكون في شيء معين، أو موصوف، مثال الشيء المعين أن تقول: الطبخ في هذا القدر أو في قدر كذا وكذا، فهذه منفعةٌ معينةٌ من هذه العين، وكذلك أيضاً: العمل، إذا استأجرت الطحان لطحن هذا الكيس، هذه منفعة في الذمة، يطحنه بكذا، والغسال يغسل ثوبك بكذا، والقصار يقصره بكذا وكذا، والدباغ يدبغ لك هذا الجلد بكذا وكذا، والحلاق يحلق رأسك بكذا وكذا، هذه تسمى عقوداً على منفعة في الذمة في شيء معين أو موصوف، الشيء المعين: منفعة في هذه السيارة وهو الحمل عليها، والموصوف: منفعةٌ في خيمة كذا وكذا غير معينة، لا يقول: الخيمة الفلانية، أو يقول: تبني هذه الدار في المكان الفلاني كذا وكذا لأسكنها، إذا كان موصوفاً. ويشترط تقديرها بعمل أو مدة، تقديرها بعمل: كالخياط يقدر عمله بالخياطة، وكذلك يقدر للمدة، فيقال مثلاً: لمدة شهر تبني داراً أو نحو ذلك، ويشترط معرفة ذلك وضبطه، معرفة الخياطة ونوعها، معرفة البناء ومقداره وارتفاعه وما أشبه ذلك. وذكر أنه يشترط معرفة المنفعة وضبطها، يعني: نوع الخياطة وجنسها وصفتها، وارتفاع الجدار ونوع المادة التي يبني بها. كذلك يشترط كون الأجير آدمياً جائز التصرف، والأجير في العادة يكون من الآدميين، لكن قد يستعين بالبهائم ونحوها، فالحفر -مثلاً- ما يكون إلا بالآدمي الذي ينزل في البئر ويحفرها، لكن إخراج التراب قد يحتاج إلى آلة، أو يحتاج إلى دابة يعلق فيها الدلو فيخرج التراب، ولكن الأصل أن الذي تعاقد معه آدمي. وكذلك أيضاً: البناء، الأصل أنه يتولاه الآدميون، ولكن قد يستعملون الرافعة التي ترفع اللبن إلى السطح أو إلى المكان الرفيع أو الحيطان، وقد يستعملون الآلة التي تصب الصبة فوق السطوح، فهذه وإن لم تكن آدمياً ولكن الذي يستعملها آدمي.

الإجارة على القرب

الإجارة على القرب وشرط أيضاً: كون عمل يختص صاحبه أن يكون من أهل القربة، فإذا كان العمل من القربة لم يجز التأجير عليه؛ وذلك لأن القرب يتقرب بها إلى الله تعالى، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً) ، فلا يجوز أن يستأجر أحداً على عمل من الأعمال الصالحة، فلا يستأجره على أن يصلي، فيقول: أستأجرك على أن تصلي هذه الصلاة، ولك أجرةٌ على الصلاة، أو لك أجرة على الصيام مثلاً، أو لك أجرةٌ على الأذان، أو على الإمامة، أو على الخطابة، أو على تعلم القرآن ونحو ذلك، فمثل هذه أعمال يبتغى بها وجه الله، ومن عملها للدنيا فسد أجره، ولا يجوز أن يكون العمل الذي يبتغى به وجه الله وتعالى يراد به الدنيا. وذكرنا أنه يصح أن يستأجر من يحج عنه أو يعتمر عنه، ولكن ذلك الأجير لا يعمل العمل لأجل الأجرة، وإنما يأخذ المال لأجل العمل، فيحج لأجل الحج لا لأجل النقود التي تبذل له، حتى لا يبطل عمله، ويكون ممن عمل عملاً دينياً لأجل مصلحة دنيوية، وهكذا بقية القربات.

الأسئلة

الأسئلة

استئجار الشعراء في الزواج

استئجار الشعراء في الزواج Q أحسن الله إليكم وهذا سائل يقول: ما حكم استئجار الشعراء في ليلة الزواج؟ A إذا كان الشعر مباحاً جاز ذلك، ولكن يكره لهم أن يأخذوا الأجرة، روي أنه صلى الله عليه وسلم أباح الغناء المباح، وقال: (هلا أرسلتم من يقول: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم) يعني: أن مثل هذا من جملة ما يباح في ليالي الزواج ونحوه، فأما ما يفعل في كثير من الزواجات مما يسمونه (المراد) الذي فيه هجاءٌ، وفيه سبٌ، وفيه عيبٌ، وفيه أيضاً: سهرٌ طويل، وفيه تغنجٌ وتمايلٌ، ومديح فيه مبالغة، وذمٌ فيه مبالغة، فلا يجوز ذلك.

وضع الدشوش في الاستراحات

وضع الدشوش في الاستراحات Q أحسن الله إليكم، يقول: هناك من يؤجر الاستراحات، ويضعون فيها الدشوش، ويقولون: إن عدد المستأجرين سوف يقل كثيراً إذا لم نضع هذا الجهاز، ونحن نخرج جزءًا من الدخل كصدقة للتكفير عن ذلك، فهل عملهم هذا جائز؟ A غير جائز؛ وذلك لأن هذه الدشوش آلاتٌ تفسد الأخلاق، وتدعو إلى الفساد، وهي محرمة ولو أنها عمت وطمت، ونقول: أخرجوها، واقنعوا بما يرزقكم الله تعالى من الرزق الحلال.

حكم الرواتب التي يستلمها الأئمة والمؤذنون

حكم الرواتب التي يستلمها الأئمة والمؤذنون Q أحسن الله إليكم، يقول: ما حكم الرواتب التي يستلمها الأئمة والمؤذنون؟ A يجوز أن يجعل من بيت المال رزقاً للمؤذنين والأئمة والخطباء والمعلمين والمقرئين ونحوهم، إذا كان يصرف لهم رزق من بيت المال لا مانع من ذلك، وأما أن يفرضوا على أهل المسجد فلا يجوز، سئل الإمام أحمد عن رجل قال: أصلي بكم بكذا وكذا؟ فقال: أسأل الله العافية، ومن يصلي خلف هذا؟!

استئجار استراحة فيها دشوش بدون استخدامها

استئجار استراحة فيها دشوش بدون استخدامها Q أحسن الله إليكم، يقول: هل يجوز استئجار استراحة فيها دشوش، ولكنني لا أستخدمها، وهل في ذلك إعانةٌ لهم على الإثم والعدوان؟ A أرى أن هذا فيه إعانةٌ لهم، اطلب غيرها مما هي سالمةٌ من هذا، وعادة أنهم يزيدون في أجرتها لأجل هذه الأجهزة، فستجد أرخص منها وأحسن منها.

تأجير المستأجر لما استأجره

تأجير المستأجر لما استأجره Q أحسن الله إليكم يقول: استأجرت استراحة لمدة سنة، فهل يجوز لي أن أؤجرها باليوم من باب الاستثمار؟ A يجوز، فقد ذكروا أنه يجوز تأجير المؤجر لمن يقوم مقامه لا بأكثر منه ضرراً، فإذا استأجرت البيت أو العمارة أو الشقة مدة سنة، ثم استغنيت عنها في نصف السنة، فلك أن تؤجر بقية مدتك.

حكم بيع البيت المؤجر

حكم بيع البيت المؤجر Q أحسن الله إليكم، يقول: هل يجوز بيع البيت المؤجر أثناء فترة تأجيره؟ وهل للمالك الجديد إخراج المستأجر؟ A يجوز، ولكن لا يملك المالك الجديد إخراج المستأجر، فيشترطون على المشتري ألا يخرج هذا المستأجر؛ لأن هذا المستأجر قد ملك المنفعة مدته التي اتفقوا عليها معه، فليس لهم إلزامه بالخروج، وإن خرج من نفسه فلا بأس.

حكم إيجار المحلات لأصحاب الإنترنت

حكم إيجار المحلات لأصحاب الإنترنت Q أحسن الله إليكم، يقول: انتشرت في الآونة الأخيرة محلات تسمى مقهى الإنترنت، أي: أن الشخص يحضر إلى المقهى، ويراسل بالإنترنت، وربما يراسل أناساً لا يعرفهم من الرجال والنساء، ويأخذون أوقاتاً طويلة، فما حكم تأجير المحلات لهؤلاء؟ وما حكم استئجارها؟ A لا شك أن المقاهي يحصل فيها الفساد الكبير، ففيها شرب الدخان وشرب الشيش، وقد انتشرت هذه الأمور بسببها؛ وكذلك أيضاً: وجود أجهزة الدشوش فيها، زيادةً على ما ذكر السائل من هذه الأجهزة -أجهزة الإنترنت- التي يتمكن بها الشخص أن يكلم فيها من يريد، وأن يتصل فيها بمن يريد من خارج البلد وداخلها، فيتفق مع امرأة بعيدة أو قريبة أو ما أشبه ذلك، ولا شك أن هذا تمكين لأهله مما لا يجوز؛ والإتيان إلى هذه الأماكن وتشجيع أهلها لا يجوز.

تأجير محلات لبيع وتشغيل الألعاب الإلكترونية

تأجير محلات لبيع وتشغيل الألعاب الإلكترونية Q أحسن الله إليكم، يقول: ما رأيكم في تأجير محلات لبيع وتشغيل الألعاب الإلكترونية، وجزاكم الله خيراً؟ A هذه الأدوات لا شك أن فيها مصلحة وفيها منفعة، مثل أجهزة المسجلات والمذياع وما أشبهه، فهذه فيها خير وشر، فإذا كانت خاصةً بالأشياء المباحة التي فيها منفعة، ولو كانت قد تستعمل للشر، فلعله يتسامح فيها، وأما إذا كانت خالصةً للشر فلا تجوز.

حكم العرضة الشعبية

حكم العرضة الشعبية Q أحسن الله إليكم، يقول: يحدث بكثرة عندنا في المنطقة الجنوبية ما يسمى بالعرضة الشعبية، ويستخدم فيها ما يسمى بالزير، كما أن فيها قصائد معظمها يعتمد على الكذب وعلى الكلام البذيء فما حكم ذلك؟ A نرى عدم حضورها، والأولى أنهم يمنعون من إعلانها، ويمنعون من إظهار هذا الذي يسمى بالزير أو ضرب الطبول أو ما أشبهها من المحرمات، فننصح بعدم حضورها، ومن له قدرة على أن يمنع أهله وأقاربه فليمنعهم، والأولى أن يرفع أمرهم إلى مراكز الهيئات ليأخذوا على أيديهم، ويقللوا من هذا المنكر.

تأجير العمارات للشركات الأجنبية

تأجير العمارات للشركات الأجنبية Q أحسن الله إليكم، ما حكم تأجير العمارات على الشركات الأجنبية والتي أغلب من يعمل بها من النصارى؟ A نرى أنه لا بأس؛ وذلك لأنهم دخلوا كعمال، ولابد لهم من مساكن، ولهم عهد، ولهم أمان، فيدخلون في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة:6] يعني: إذا دخل، فهم يدخلون في أهل العهد، وأهل الذمة، فمثل هؤلاء لابد من نزولهم، وقد ورد في بعض الأحاديث ذكر الجار الكافر، وهو قوله في الحديث: (إن الجيران ثلاثة: جار له حق، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق) ، فذكر أن الجار الذي له حق هو الكافر، فله حق الجوار، فدل على أنه يجوز إسكانهم، وإقرارهم، ولكن الدولة أو الحكومة تتعهد عليهم ألا يظهروا شعائر دينهم، وألا يعملوا بما يخالف تعاليم البلاد الإسلامية.

حكم استئجار الذهب

حكم استئجار الذهب Q أحسن الله إليكم، يقول: ما حكم تأجير الذهب كما يحصل الآن عندما تتزوج المرأة فإن زوجها يستأجر ذهباً في ليلة الزواج فقط؟ A جائزٌ ذلك، وذكر بعض العلماء لما بحثوا في زكاة الذهب أنه إذا كان معداً للكراء أو للتأجير فإن فيه زكاة، فدل على أنه يجوز تأجيره، وهذا فيه منفعة، ولو كانت المنفعة فيه الجمال والزينة فلا مانع من استئجاره.

إيجار الاستراحات مع اشتراط عدم الدشوش

إيجار الاستراحات مع اشتراط عدم الدشوش Q أحسن الله إليكم، يقول: بعض الناس يقولون: نحن نؤجر الاستراحات، ونشترط على المستأجرين عدم وضع الدشوش، أو ممارسة المحرمات، فهل يكفي هذا لإبراء الذمة؟ A يكفي، ولكن لابد من متابعتهم، وإذا تابعوهم ورأوهم قد خالفوا ذلك، فإن عليهم إخراجهم وقطع مدة الإجارة.

حكم شراء كتيبات فيها مسابقات عليها جوائز

حكم شراء كتيبات فيها مسابقات عليها جوائز Q أحسن الله إليكم، يقول: انتشرت في هذه الإجازة المسابقات الثقافية، والتي تباع في كتيب بريالين أو بخمسة ونحو ذلك، فما حكم شرائها مع العلم أننا لا نشتريها إلا من أجل الجائزة؟ وهل يدخل ذلك في الغرر؛ لأني لا أعرف هل أربح أو أخسر؟ A ينظر في المقاصد من وراء ذلك؛ فإذا كانت هذه المسابقات علمية، يعني: في هذا الكتيب -مثلاً- أسئلة يطلب الجواب عليها، وذكر فوائد، والذي يشتريه يستفيد منه، ويبقى منتفعاً به بقية حياته، فلا مانع سيما إذا كانت تكلفته قليلة، فيباع بسعر التكلفة، فلا مانع من الدخول في ذلك بهذا الشرط.

صاحب البيت أحق من المستأجر

صاحب البيت أحق من المستأجر Q أحسن الله إليكم، يقول: في بعض الدول إذا استأجر رجلٌ شقةً -مثلاً- فإن صاحب الشقة لا يستطيع إخراج المستأجر حسب أنظمة الدولة، ولا يستطيع رفع الإيجار عليه أبداً؛ فما حكم ذلك الإيجار؟ وما الحكم لو اشترط المستأجر للخروج من الشقة مبلغاً معيناً؟ A لا شك أن هذا مخالفٌ للشرع؛ وذلك لأن العين ملكٌ لصاحبها، فلا يجوز أن يملكها المستأجر أو يصير أحق بها، وهذه الأنظمة والقوانين التي يفرضونها ويعملون بها في كثير من البلاد لا شك أنها ظلم، فنقول: إن الإنسان عليه أن يعرف حرمة مال غيره، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) ، فإذا كانت نفسه غير طيبة، فلا يسكن فيها إلا برضاه وبأجرة المثل.

حكم اشتراط سقوط الأجرة بتأخر العمل

حكم اشتراط سقوط الأجرة بتأخر العمل Q أحسن الله إليكم، يقول: أدخلت سيارتي في ورشة لإصلاحها، واتفقنا على ألفين ريال، والمدة بعد شهر، ومضى الشهر الأول والثاني وقلت له: خلال أسبوع إن خرجت وإلا لن أدفع لك ريالاً واحداً فتأخر، ثم أصلحها وأخذت السيارة ولم أعطه شيئاً؛ فهل علي شيء؟ A لا شيء عليك؛ وذلك لأنك تعطلت في هذين الشهرين والسبعة الأيام الزيادة، ويمكن أنك صرفت في تنقلاتك وفي استئجارك أكثر من الألف، فلا شك أنه أخطأ عليك في تأخره هذه المدة.

الظفر بالحق

الظفر بالحق Q أحسن الله إليكم، يقول: لدينا خادمة، ووالدي لا يدفع لهذه الخادمة راتبها؛ فهل آخذ شيئاً من ماله بدون علمه وأدفعه للخادمة علماً بأنه قادر؟ A قد يكون فعله هذا خوفاً من أن تهرب أو ما أشبه ذلك، أو يريد حفظه لها ليدفعه لها دفعة واحدة عند سفرها، حيث إنها لا تحتاج إليه في هذه المدة، وأنت عليك أن تستفصل منه عن السبب الذي لأجله منعها، ومعلوم أنه يحرم تأخير أجرة الأجير، ورد في الحديث: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) , وورد أيضاً وعيدٌ شديدٌ في الثلاثة الذين يعذبهم الله، ومنهم: (رجل استأجر أجيراً، فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره) ، وإذا رأيت أنه لا يعطيها، وأنه يمنعها ولا يريد المصلحة لها، فعليك أن تعطيها أجرتها من ماله، ولولم يعلم بذلك.

شرح أخصر المختصرات [41]

شرح أخصر المختصرات [41] لقد أباح لنا الشارع الحكيم عقد الإجارة، وبين لنا أنواع الإجارة وضوابطها، وما يلزم المؤجر والمستأجر؛ حتى تسير الحياة وتنتظم، ويرفع الظلم والضرر.

ما يلزم المؤجر والمستأجر

ما يلزم المؤجر والمستأجر قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعلى المؤجر كل ما جرت به عادةٌ وعرفٌ، كزمام مركوب وشد، ورفع وحط، وعلى مكترٍ نحو محمل ومظلة، وتعزيل نحو بالوعة إن تسلمها فارغةً، وعلى مكرٍ تسليمها كذلك. فصلٌ: وهي عقدٌ لازمٌ، فإن تحول مستأجرٌ في أثناء المدة بلا عذر فعليه كل الأجرة، وإن حوله مالكٌ فلا شيء له، وتنقضي بتلف معقود عليه، وموت مرتضع، وانقلاع ضرس أو برئه ونحوه. ولا يضمن أجيرٌ خاص ما جنت يده خطأً، ولا نحو حجام، وطبيب، وبيطار عرف حذقهم إن أذن فيه مكلفٌ أو ولي غيره ولم تجن أيديهم، ولا راعٍ ما لم يتعدَّ أو يفرط. ويضمن مشتركٌ ما تلف بفعله لا من حرزه ولا أجرة له. والخاص: من قدر نفعه بالزمن، والمشترك بالعمل. وتجب الأجرة بالعقد ما لم تؤجل، ولا ضمان على مستأجر إلا بتعد أو تفريط، والقول قوله في نفيهما. فصلٌ: وتجوز المسابقةُ على أقدام وسهام وسفن ومزاريق، وسائر حيوان لا بعوض، إلا على إبل، وخيل، وسهام. وشرط تعيين مركوبين، واتحادهما، وتعيين رماة، وتحديد مسافة، وعلم عوض، وإباحته، وخروجٌ عن شبه قمار، والله أعلم] . قد عرفنا شروط الإجارة، ومنها معرفة المنفعة كسكنى دار، وكون المنفعة مباحة، ومعرفة الأجرة. وذكرنا أن الإجارة ضربان: إجارة عين، وعقدٌ على منفعة، وأن المنفعة: هي ما يتقبله الأجير في ذمته، كأن يلتزم خياطة ثوب، أو بناء حائط، أو طحن خبز، أو دبغ جلد، أو خرازة قربة، فهو عمل معين في الذمة يشترط تقديره أو تحديده بمدة، كبناء دار وخياطة، وشرط معرفة ذلك وضبطه، وشرط كون الأجير آدمياً جائز التصرف، وشرط كون العمل لا يختص صاحبه أن يكون من أهل القربة؛ لأن القربات يتقرب بها إلى الله، ولا يؤخذ عليها أجر. وهنا نذكر ما يلزم المؤجر وما يلزم المستأجر، فالمؤجر إذا أجر دابةً، والتزم أن يسوقها -مثلاً: استأجره إنسان- فعليه ما جرت به العادة والعرف كزمام مركوب، وهو الحبل الذي يقاد به البعير، وشد: يعني رفع المتاع حتى يشده على ظهر البعير، وحط: إذا أنيخ البعير، فأجير المؤجر هو الذي يحط الرحل. وأما المكتري فعليه المحمل والمظلة، كانوا إذا استأجروا بعيراً لركوب امرأةٌ فيه، عملوا لها محملاً ومظلة، وتسمى عمارية إذا كانت فوق البعير. وتسمى هودجاً، تستتر فيه المرأة إذا ركبت على البعير، وقد يجعل على البعير هودجين عن يمينه وعن يساره، في كل واحد امرأة تدخل في وسطه ولا يراها أحد، وفي هذه الأزمنة المكري -المؤجر- مثل قائد السيارة، عليه وقودها، وعليه إصلاحها إذا خربت، وعليه قيادتها، وأما حط الرحل وشده وتنزيله فالعادة والعرف الآن أنه على صاحبه، وإذا كان العادة أنه يظلل السيارة، واحتيج إلى تظليل فإنه على حسب الشروط والعادات. وإذا استأجره -مثلاً- لبناء حائط فالعادة أن اللبن، والطين، والإسمنت، والحديد، والأدوات الكهربائية تكون على صاحب المال -المؤجر-، وأما الأجير -الذي هو العامل- فعليه في العادة الأدوات التي يعمل بها، مثل: الأخشاب التي يصب عليها، ومثل الأدوات التي يرفع بها البلك إلى السطح، ومثل الخلاطة التي تخلط وتصب فوق السطح، فهذه على الأجير العامل، وهذا على حسب العرف والعادة. وإذا استأجره لحفر؛ فإن الأدوات على الأجير -العامل-، فهو الذي يأتي بالحفار، ويأتي بالحبال وبالزنابيل التي يخرج بها التراب، وبالأدوات التي يحفر بها الأرض على حسب العادة. وهكذا: إذا استأجره لخياطة فالماكنة على الخياط، وإذا استأجره لطحن فالماكنة التي تطحن على العامل، وهكذا قوله: (وتعزيل نحو بالوعة إن تسلمها فارغة) : عادةً أنهم إذا كان في الدار بالوعة -وهي ما يسمى الآن بالبيارة- فإن صاحب الدار يفرغها من الماء والأوساخ التي فيها ثم يسلمها، والأجير -أيضاً- إذا انتهى من الأجرة وأراد الرحيل فإنه يفرغها بأن ينزف ما فيها من الماء الذي حصل بسببه. وكذلك أيضاً: الكنيف الذي عادةً أنهم يجعلونه محلاً لقضاء الحاجة، إذا تسلمه فارغاً فإنه يفرغه عند خروجه من الدار، وكذلك قمامة الدار إذا تسلمها وهي نظيفة، فلابد أنه يخرج ما فيها من القمامة.

حكم الإجارة

حكم الإجارة ما حكم الإجارة؟ الإجارة عقدٌ لازم لا يجوز فسخه، لازم مثل عقد البيع، ولكن فيه خيار المجلس كما تقدم في البيع، فإذا تعاقد على أن يستأجر الدار بعشرة آلاف، واتفقا على ذلك، وسلمت الأجرة، ثم ندم أحدهما في المجلس فإنه يملك الفسخ، وله أن يقول: رد علي دراهمي، يمكن أن أحصل على أقل من هذا، أو يقول: خذ دراهمك ورد علي المفاتيح، يمكن أن أحصل على أجرة أحسن، أو أنا محتاج. وهكذا خيار الشرط إذا اشترطاه يومين أو ثلاثة أيام، سواء اشترطه المؤجر أو المستأجر، ثم بدا لأحدهما فله أن يفسخ، ولكن إذا اشترطه مدة طويلة فلا يجوز إلا إذا كانت تنقضي قبل انقضاء مدة الإجارة، فلو كان البيت -مثلاً- فيه مستأجر، وتنقضي مدته بعد شهر، ثم استأجرته أنت، وقلت: لي الخيار هذا الشهر، وقال المالك: لي الخيار هذا الشهر، صح ذلك؛ فلكل منهما أن يفسخ في هذه المدة قبل أن يخرج المستأجر، وأما أن يكون البيت فارغاً، ويسلم مفاتحه، ويقول: لي الخيار شهراً فهذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه يضيع على المالك مدة شهر كامل يذهب عليه بدون أجرة، ولو استأجره -مثلاً- ثلاثة أشهر وقال: لي الخيار التسعة الأشهر الباقية أو عشرة أشهر إلا قليل، فله ذلك، وسبب ذلك: أنها لا تنقص من المدة التي استأجرها؛ لأنها تنقضي مدة الشرط قبل أن تبدأ مدة الإجارة، فعرف بذلك أن الإجارة عقدٌ لازم، متى حصل الافتراق، ولم يكن هناك شرط؛ لم يتمكن أحدهما أن يفسخ، إلا إذا أذن له الآخر وأقاله. فلو -مثلاً- سكنه المستأجر شهراً، ثم انتقل وتركه وكانت الإجارة سنة، لزمته أجرة الباقي أحد عشر شهراً، وإن لم يسكن فيها، ويطالبه المالك ويقول: العقد قد انتهى بيني وبينك، وهو سنةٌ بعشرة آلاف، فأعطني العشرة الآلاف، واصنع بالبيت ما تصنع، اسكنه أو اتركه مغلقاً أو أجّره أو أسكن فيه من تريد؛ فالبيت ملكك في هذه السنة. وإن تغاضى صاحب الدار وأقاله، ورد عليه أجرة الباقي، فهو أفضل. أما لو استأجره -مثلاً- بعشرة آلاف، ثم سكنه أحد عشر شهراً، ثم إن المالك استكرهه وأخرجه كرهاً، فإنه يطالبه بالأجرة كاملة، ولو ما بقي له إلا شهر، فيطالبه بالأجرة كاملة، ولا يستحق عليه شيئاً. وإذا خرّجه المالك قبل تمام المدة فلا شيء للمالك ولو لم يبقَ إلا أقل المدة، وما ذاك إلا أنه ملك البيت هذه السنة؛ فليس له أن يخرجه قبل تمامها، ويقال كذلك في سائر الأعيان التي تؤجر، كخيمة -مثلاً- استأجرها شهراً، ولما بقي خمسة أيام جاء صاحبها وقلعها، فللمستأجر المطالبة بالأجرة كلها، ولا يقول: أعطني أجرة خمسة الأيام، بل له الأجرة كاملة؛ لأنه يضطر إلى أن يستأجر أخرى بقية هذه المدة. وكذلك: لو استأجر -مثلاً- قدراً ليطبخ فيه مدة يوم، وفي نفس اليوم جاء صاحبه وانتزعه؛ فلا يستحق أجرة، وإذا استأجره يوماً واكتفى منه بثلاث ساعات ورده؛ فلصاحب القدر أن يطالب بالأجرة كاملة.

ما يفسخ عقد الإجارة

ما يفسخ عقد الإجارة قال المصنف رحمه الله: (وتنفسخ بتلف معقود عليه) : إذا استأجر البعير ليحمل عليه، أو ليسني عليه، وكانت المدة شهراً، فمات البعير في نصف الشهر، انفسخت الإجارة في الباقي، وكذا: لو استأجر أرضاً فيها بئرٌ، ثم إن البئر نشف ماؤها، ولم يبقَ فيها ماء؛ انفسخت الإجارة في الباقي؛ لأن المستأجر يتضرر، ويموت شجره، ففي هذه الحال يعطيه نصف الأجرة إذا كانت نصف المدة قد مضت. وكذلك: إذا استأجروا ظئراً -مرضعةً- ترضع طفلاً لمدة سنتين، وبعد سنة أو بعد أشهر مات الرضيع، انفسخت الإجارة في الباقي؛ لأنها استأجرت للإرضاع، ولم يبقَ هناك رضيع. وكذلك أيضاً: اقتلاع ضرس، فإذا اتفق مع الطبيب بأجرة -مثلاً- مائة، على أن يقلع هذا الضرس، ثم إن صاحبه -مثلاً- قلعه بيده، فلا أجرة له والحال هذه؛ وذلك لأنه ما بقي عملٌ يعمله الطبيب. وكذلك: لو أحس ببرئه -برئ الضرس- وقال: لا حاجة لي إلى قلعه فقد برئ، وأشباه ذلك إذا لم يبقَ حاجةٌ إلى تلك العين المؤجرة. وفي كل حال: لو مات أحد الأجيرين فإنها لا تنفسخ، فلو استأجر الدار وتمت الأجرة، وقبل أن يسكنها مات المستأجر، فورثته يقومون مقامه، فيؤجرونها أو يسكنونها، ولو مات المؤجر الذي هو المالك، وقال الورثة: نحن بحاجة إلى بيتنا، لم يملكوا ذلك، ويملك المستأجر أخذها ولو مات المالك, ولو امتنع الورثة، فلا تنفسخ بموت أحدهما.

الفرق بين الأجير العام والخاص

الفرق بين الأجير العام والخاص بعد ذلك ذكر المصنف أن الأجير ينقسم إلى قسمين: أجيرٌ خاص، وأجير مشترك. والفرق بينهما: أن الأجير الخاص: هو الذي تملك منفعته اليوم كله، أو الشهر كله، أو السنة كلها، ولا يعمل عند غيرك، وقد استأجرته لعمل، ويعم ذلك كل الأعمال التي يستأجر لها العمال، فإذا استأجرته شهراً لبناء في بيتك فإنه يعمل عندك هذا الشهر، ولا يعمل عند غيرك، إلا إذا عمل في وقت الراحة، فمثلاً إذا اتفقتما على أن يعمل عندك كل يوم عشر ساعات، وتريحه أربع عشرة ساعة؛ فله أن يعمل فيها لنفسه أو لغيره. وهكذا: إذا استأجرته خياطاً، وأنت الذي أثثت المكان، واشتريت مكائن الخياطة على أن يعمل فيها -مثلاً- في النهار سبع ساعات، وفي الليل خمس ساعات، فإنه يعتبر أجيراً خاصاً يعمل عندك بالأجرة، والأجرة التي يأخذها من أصحاب الثياب لك، وأنت تعطيه مرتباً حتى ولو لم يأتِه أحد، ولو بقي يوماً أو أياماً ليس لديه عمل فراتبه ماضٍ. وهكذا: إذا استأجرته راعياً لغنمك أو إبلك، فهو أجيرٌ خاص، أو استأجرته عاملاً في حرثك، يسقي الحرث -مثلاً- ويحرث الأرض ويلقح ويصرم ويجز ويحصد، ويجري الماء ولا يعمل إلا عندك؛ فإنه أجيرٌ خاص. وهكذا: بقية الأعمال اليدوية ونحوها، فإذا استأجرت دكاناً للحلاقة -حلاقة الرءوس مثلاً- واستأجرته ليحلق، فالأجرة لك وله راتبه، أو كذلك مغسلة سيارات، أو مغسلة ثياب، فإنه يعمل عنك بالشهر، ويكون أجيراً خاصاً، أو في ورشة إصلاح السيارات، فأنت الذي استأجرت الورشة، وأنت الذي عندك الأدوات، وهو يعمل بيده ويصلح السيارات، وما يدفع أصحاب السيارات فهو لك، وله مرتبه، ويعتبر أجيراً خاصاً، وهكذا: بقية الأعمال اليدوية التي يمكن أن يستأجرها إنسان.

الأجير الخاص لا يضمن ما جنت يده

الأجير الخاص لا يضمن ما جنت يده قال المصنف رحمه الله: (ولا يضمن أجير خاص ما جنت يده خطأً) : مثلاً: لو أخطأ في تفصيل الثوب فلا يضمن، إذا كان -مثلاً- يخيط لك ثياباً تختص بك أنت، أو أخطأ في سقي الأشجار فمات بعضها؛ فلا يضمن ما تلف بيده. وهكذا -مثلاً-: إذا كان يصلح الساعات التي هي لك أنت، وأخطأ وخربت واحدة؛ فإنك لا تضمِّنه، وهكذا بقية الأعمال، فلو أحرق الثوب الذي يكويه وهو لك، لم يضمن ما جنت يده خطأً. وكذلك الحجام الذي عُرف حذقه وإحسانه للحجامة لا يضمن، فلو أنه -مثلاً- لما حجم إنساناً سمم الجرح ومات ذلك المحجوم، فلا يضمن الحجام؛ لأنه معروف ومشهود له بالذكاء وبالحذق. وكذلك الطبيب المشهود له بالطب والحذق، فإذا طبب إنساناً ومات، أو عاب أحد أعضائه، أو عالج العين -مثلاً- فعميت، أو عالج الأذن فصمت، أو عالج يداً فشلت، أو عالج لساناً فشل، أو ضرساً فانقلعت الأضراس، أو ما أشبه ذلك؛ فلا ضمان عليه إذا عرف حذقه، وأما إذا كان غير حاذق، فإنه يضمن، وقد ورد في ذلك حديث: (من تطبب ولم يعرف بطبٍ فهو ضامن) أي: إذا كان ليس أهلاً للتطبب -أي: ليس أهلاً للعلاج-، وليس معه مؤهلات العلاج، وعالج عيناً أو صدراً أو ظهراً أو يداً أو قدماً؛ فحصل شلل أو حصل فقد حاسةٍ كبصر أو كلام أو شم، أو فقد عضواً كعين أو أصبع، فإنه يضمن. قوله: (وبيطار) أي: وكذلك: البيطار: وهو الطبيب الذي يعالج الدواب، فهناك من يتخصصون في علاج البقر أو الإبل أو الخيل، ومنهم من يكون حاذقاً مجرباً عارفاً، وقد يحصل أن الشاة التي عالجها تموت -مثلاً- أو أن الفرس تتعيب بسبب علاجه، فلا يضمن إذا كان حاذقاً معروفاً، بشرط أن يأذن له في العلاج الولي أو إنسان مكلف، فلو أن البيطار تطبب في طفل -ولو كان حاذقاً- ولم يأذن وليه، فإنه يضمن؛ وذلك لأنه لا يحق له أن يعالج بغير إذن الولي. أما إذا كان المريض مكلفاً حراً، بالغاً رشيداً، وطلب من الطبيب أن يعالجه، فإنه يعتبر علاجه مأذوناً فيه، فلا يضمن الطبيب. وهكذا كل من يعمل عملاً مأذوناً فيه، -فمثلاً- الختّان لو عرف بحذقه، وقطع بعض الذكر خطأ؛ فلا يضمن إذا كان حاذقاً. والحلاق إذا جرح الرأس، وحصل تسممٌ في تلك الجروح أو حصل الموت؛ فإنه لا يضمن إذا كان معروفاً بإحسان الصنعة. وكذلك: لو خرج في الإنسان -مثلاً- خراج -وهي القروح والبثور التي تكون في البدن- ثم تطبب طبيب وشق الجلد ليشق تلك الخروق، فتسمم الجرح؛ فإنه لا يضمن إذا كان من أهل الحذق. ثم اشترط المصنف أيضاً شرطاً فقال: (ولم تجن أيديهم) أي: أما إذا جنت اليد -يعني: تعدت- فإنه يضمن، فمثلاً: الحجام معروف أنه بحجامته يجرح جروحاً يسيرة، ولكن لو أنه بالغ في الجرح، فشق الجلد إلى أن وصل -مثلاً- إلى العظم، فهذه جناية مضمونة، وكذلك الطبيب والبيطار لو قدر -مثلاً- أنه عمل جناية فيها شيء من التعدي فإنه يضمن. يقول: (ولا راعٍ ما لم يتعدَ أو يفرط) الراعي: راعي الغنم أو البقر أو الإبل أجير خاص يعمل بالأجرة، فلا يضمن، فلو عدى الذئب -مثلاً- وافترس شاةً فلا يضمن. وكذلك: لو جاء إليه لصوص وغصبوه فأخذوا من الدواب شيئاً، ولم يقدر على مقاومتهم؛ فإنه لا يضمن، أما إذا تعدى أو فرّط فإنه يضمن. وقد عرفنا أن التعدي هو: الاستعمال، وأن التفريط هو: الإهمال، فإذا تعدى بأن ربط شاةً ليحلبها فجاء السبع ولم تستطع الهرب، فإنه يضمن؛ لأنه قيدها. وكذلك: لو حمل على البعير أكثر مما يطيق فعقر فإنه يضمن، وهكذا: لو فرط بأن نام وضاعت الدواب، أو غفل وتركها تذهب فضاعت أو افترست فإنه يضمن؛ لأن هذا تفريط.

الأجير العام يضمن ما جنت يده

الأجير العام يضمن ما جنت يده الأجير المشترك: هو الذي يعمل لأكثر من واحد، فهذا يشترك الناس في منفعته، مثل: الخياطين، فالخياط: يأتيه هذا بثوبه، وهذا بسراويل، وهذا بقلنسوة، وهذا بفنيلة، وهذا بكوت، فيعمل لعدد، وأجرة الثوب بكذا، وأجرة السراويل بكذا، وأجرة القلنسوة بكذا. ومثله أيضاً: الغسال: يأتيه هذا بثيابه ليغسلها، وهذا بعمائمه، وهذا بسراويله، وهذا وهذا فيشترك في نفعه أكثر من واحد. ومثله: كل من يعملون بالأجرة كالدباغين والخرازين، فيأتي هذا بجلده ليخرزه دبةً، وهذا ليخرزه سقاءً، وهذا ليخرزه جراباً، وكذلك الحذَّاء الذي يعمل الأحذية، يأتيه هذا بجلد فيقول: اعمل لي حذاء، وهذا وهذا وكذلك: الخبازون: يأتيه هذا -مثلاً- بعجينه ليخبزه، وهذا بعجينه ليخبزه، وهكذا وكذلك الطحانون: يأتيه هذا بحنطته، وهذا بكيسه، ويسمى هؤلاء مشتركين، فالأجير المشترك هو الذي يشترك في منفعته أكثر من واحد، والأجير المشترك يضمن ما تلف بفعله، فلو أنه مزق الثوب لما فصله، أخذ يشقه بالمقراض من هنا ومن هنا، فأصبح غير صالح؛ فإنه يضمن. وكذلك: لو أحرق الخبز، أهمله -مثلاً- وأحرقه، ولم يعد يصلح للأكل؛ فإنه يضمن، وهكذا الجزارون، والطباخون، إذا طبخ -مثلاً- وأضاعه، فإنه يضمن. وكثيراً ما نسمع: أن إنساناً يأتيه بخروف فيقول: اذبحه واطبخه، ثم يأتيه آخر، فيعطيه خروفك خطأً، ويضيع عليك طعامك، أو يخطئ فيعطي لهذا ذبيحة هذا، وذبيحة هذا للآخر؛ فإنه يضمن والحال هذه، وهكذا لو طبخه، ولكنه أخطأ في طبخه إما بأن تركه نيئاً، وإما بأن أحرقه، وبقي غير مستساغ؛ فيضمن والحال هذه، ويسمى هذا: أجيراً مشتركاً. وكذلك أصحاب الورش: إذا استأجره ليصلح سيارته، ولكنه خربها؛ بأن ركب فيها ما ليس بصالحٍ أو استعملها للنظر؛ فتلف منها شيء من الأدوات بفعله، فإنه يضمن، وهكذا: بقية العمال الذين يعملون بالأجرة في أماكنهم. فالحاصل: أن هذا يسمى أجيراً مشتركاً، فما تلف بفعله فإنه يضمنه، وإذا أفسد -مثلاً- الجلد الذي يدبغه أو الذي يخرزه فإنه يضمنه، أما ما تلف من حرزه فإنه لا يضمنه، فلو احترق دكان الخياط فإننا لا نضمِّنه جميع ما احترق؛ لأنه ما فرط، أو جاءه لصوص وسرقوا ما فيه، فإنه لا يضمن. مثلاً: احترقت الورشة وفيها سيارات، فأصحابها لا يضمنون، ولكن هل يعطون الأجرة؟ لا أجرة لهم؛ لأنهم لا يستحقون الأجرة إلا إذا سلَّم العين التي استؤجر لأجلها، وهاهنا ما سلم الثوب -مثلاً- بل احترق أو سرق قبل أن يغسله أو قبل أن يخيطه، أو احترق المخبز كله، واحترقت ماكنة الطحان؛ فلا يضمن، ولكن لا يستحق أجرة. وقد عرفوا الأجير الخاص بأنه: من قدر نفعه بالزمن، والمشترك: من قدر نفعه بالعمل، فمن قدر نفعه بالزمن فإنه أجير خاص، كأن يقول المستأجر: لك في الشهر ألف، فهذا يسمى أجيراً خاصاً. وأما المشترك فيقدر نفعه بالعمل: يعني: كل ما خطت الثوب فلك كذا، وكلما غسلته فلك كذا، وكل سيارة تصلحها فلك كذا، أو هذه السيارة إصلاحها أو غسيلها بعشرة أو مائة، فيقدر نفعه بالعمل. ومثله أيضاً: من يعمل عملاً بدون تحديد مدة، فإذا قلت مثلاً: لك على هذا الحائط مائة، سواء عَمَرَهُ في يوم أو في شهر، فإن هذا مقدر نفعه بالعمل.

أجرة الأجير تجب بالعقد ما لم تؤجل

أجرة الأجير تجب بالعقد ما لم تؤجل قال المصنف رحمه الله: (وتجب الأجرة بالعقد ما لم تؤجل) أي: أجرة العامل يستحقها بالعقد، هذا هو الأصل، فإذا تعاقد اثنان على حفر هذه البئر، أو على بناء هذا الجدار، أو على خياطة هذا الثوب، أو إصلاح هذه السيارة، أو على سكنى هذه الدار، فإن هذا العقد يستحق به الأجرة من حين يتم العقد، وتجب الأجرة بالعقد ما لم تؤجل أو تقدر، فالمسلمون على شروطهم. وفي هذه الأزمنة في هذه البلاد العادة أنه إذا استأجر داراً دفع نصف الأجرة مقدماً، والنصف الثاني بعد نصف سنة، يعني: في مبدأ النصف الثاني يسلم نصف الأجرة المتبقية، وأصبح هذا عرفاً، وفي بعض البلاد يدفع أجرة السنة كلها مقدماً قبل أن يستلم الدار، وهذا هو الأقرب: أنه يملك المالك الأجرة بنفس العقد، وإن اتفقا على أن يؤجره، ويعطيه كل شهر قسطاً جاز ذلك، وإن منعه وقال: لا أعطيك حتى تنتهي من العمل مخافة التهاون والتأخير فله ذلك، فيقول للأجير المشترك: تخيط هذا الثوب في يومين، فقال: أعطني الأجرة، فقال: أخشى إذا أعطيتك أن تتساهل ويبقى عندك الثوب أسبوعاً أو عشرة أيام، فأمسكها عندي حتى تنتهي منه بسرعة، أو نجارة هذا الباب، أو إصلاح هذا الباب من حديد، أو هذه النافذة -مثلاً- في أربعة أيام، فإذا منعه من الأجرة حتى ينهي العمل، وقال له: لا أسلمك الأجرة مخافة التساهل فله ذلك. والحاصل: أن الأجرة تملك في الأصل بالعقد ما لم تؤجل، وإن كان مقدراً بالعمل فإنها تكون عند نهاية العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) ؛ وذلك لأنه عرق جبينه؛ ولأنه عمل يديه، فلا يجوز تأخير أجرته عنه، ونسمع أن كثيراً من أهل المؤسسات ونحوهم يؤخرون أجرة العمال، فيستأجر بعضهم كل عامل بستمائة أو ثمانمائة ليعملون له، ثم يمضي عليهم شهران وثلاثة أشهر أو خمسة أشهر وربما أكثر وهو لا يعطيهم أجرتهم، وربما يعطيهم كل شهر -مثلاً- خمسين ريالاً، ويقول: لحاجاتكم الضرورية، وإذا قيل له: لماذا لا تعطيهم؟ يقول: أخشى أن يهربوا، إنهم جاءوا على كفالتي وتحت مسئوليتي، وقد يجدون من يغريهم، ويقول: أنا أعطيكم في الشهر ألف ريال أو أكثر، فيأخذهم علي، ويعملون عنده بدون رخصة، فأنا أحبس الأجرة، فهل هذا يجوز؟! A هذا حرامٌ عليك، فأنت تعرف أنهم فقراء، وما جاءوا إلا لفقرهم وحاجتهم، وقد يكون وراءهم أرامل وعوائل وذريات بحاجةٍ إلى من ينفق عليهم، وقد يكونون أيضاً: مدينين، فبعضهم يستدين حتى يأتي إلى هذه البلاد، وربما يستدين ألفاً أو خمسة آلاف حتى يعطيها لصاحب المكتب، فحرامٌ عليكم أن تؤخروا أجرتهم وأنتم تعلمون حاجتهم، وإذا هربوا فإنهم لا يقدرون على العمل، فجوازاتهم عندكم قد أمسكتموها، لا يقدرون على الهرب ولا على السفر إلا بها، وقد منعت الحكومة أن يعمل أحد عند غير كفيله، ومن عثر عليه وهو يعمل عند غير كفيله فإنه يستحق الجزاء، فلذلك أنت آمن من أن يهربوا، وأنت ظالم لتأخير أجرتهم عنهم، بل أعطهم أجرتهم شهرياً كما هو الاتفاق بينك وبينهم.

لا ضمان على مستئجر إلا بتعد أو تفريط

لا ضمان على مستئجر إلا بتعدٍ أو تفريط قال المصنف رحمه الله: (ولا ضمان على مستئجر إلا بتعد أو تفريط، والقول قوله في نفيهما) : العين المستأجرة أمانة عند المستئجر، فإذا تلفت فإنه لا يضمنها، فإذا استأجر ثوباً ليلبسه فتلف فلا يضمنه، أو حذاءً ليلبسه، أو قدراً ليطبخ فيه، أو مسحاةً ليحفر بها، أو سكيناً ليقطع بها، أو فأساً ليقطع بها شجراً، أو موساً ليحلق به، فكل هذا أمانةٌ في يديه، فإذا تلف فلا ضمان عليه إلا بتعدٍ أو تفريط. والتعدي هو: الاستعمال، والتفريط هو: الإهمال، فإذا استعمل -مثلاً- السكين في غير ما استعملت له، فأخذ يقطع بها خشباً أو يقطع بها حجارة فإنه يضمن، وكذلك الفأس إذا استأجره ليقطع به الشجر، ولكنه أخذ يقطع به حجارة، فتكسر فإنه يضمن؛ لأن هذا تعدٍ، وكذلك الإهمال: إذا أهمل الفأس أو المسحاة -مثلاً- في الطريق؛ فسرقت، فإنه يضمن. (والقول قوله في نفيهما) فيحلف أنني ما فرطت وأنني لم أتعدَ. وهنا نهاية باب الإجارة، والفصل الذي بعده، يقال له: باب السبق أو السباق.

باب المسابقة

باب المسابقة لماذا جعلت المسابقة مع المعاملات؟ بعض العلماء يجعلها مع الجهاد؛ لأنها تدرب على الجهاد، ولكن لما كان بعضها فيه عوض؛ جعلت هاهنا ليعلم متى يحل العوض ومتى لا يحل. والسَبْقُ: هو المسابقة، والسَبَقُ: هو العوض أي: الجائزة التي تدفع للسابق، وتسمى: سَبَقْاً، والمسابقة: تجوز على الأقدام، فيتسابق اثنان على قدميهما ليعلم من هو السابق منهما.

مشروعية المسابقة

مشروعية المسابقة ورد في حديثٍ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلما ركبني اللحم سابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك) ، وكان ذلك في غزوة من الغزوات، وفي ليلة من الليالي، وكانوا منفردين في مكان بعيد عن الجيش، فأخذ يتدرب، وهذا يدل على حسن العشرة مع الزوجة، وأنه جاراها هذه المجاراة بالمسابقة على الأقدام في العدو. وكذلك أيضاً: المصارعة؛ فكون أحدهما يجاهد نفسه أن يصرع الآخر فيه أيضاً: تدرب على النشاط والقوة، وفي بعض الأحاديث: أنه عليه الصلاة والسلام صارع رجلاً يقال له: ركانة، فالمصارعة فيها اختبار القوة والنشاط، كما أن المسابقة فيها التدرب على سرعة الجري على الأقدام. وكذلك أيضاً: المسابقة على السفن البحرية، فقد تكون إحداهما أقوى جرياً من الأخرى، فيتجارى اثنتان، وينظر أيهما أسبق، وكانت السفن قديماً تجري بالرياح، وإذا سكنت الرياح سكنت في البحر كما قال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنْ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشورى:33] ، وأما في هذه الأزمنة فالمراكب البحرية فيها مكائن تدفعها فتندفع بها في لجة البحر، وقد يكون بعضها أقوى من بعض، وأسرع سيراً، فيجوز السباق على السفن والمراكب البحرية والمزاريق، والمزراق زورق يكون في البحر، وهو مركب صغير، يركب فيه أربعة أو خمسة، ثم يجعلون له مثل الخرقة تدفعها الريح، فالزورق من المراكب البحرية. وكذلك أيضاً: السباق على الحيوانات: فيصح السباق على الإبل والخيل والبغال والحمر، وهي جميعها تركب ويتسابق عليها، والحكمة من ذلك تدريبها على سرعة السير. ولا يجوز السباق بعوض إلا في ثلاثة: الإبل والخيل والسهام، وفي حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة والخيل التي لم تضمر، وكان ابن عمر فيمن سابق) ، فقد كانوا يضمرون الخيل. يعني: يطعمونها طعاماً كاملاً نحو ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر حتى تسمن وتقوى، ثم يقطعون العلف عنها ثلاثة أيام حتى يخف ما في بطنها، ثم يطعمونها شيئاً يدفع عنها الجوع، فتصير خفيفةً وقويةً، وإذا انطلقت فقد تجري نحو اثني عشر ميلاً، والميل: قريب كيلوين إلا ربع، والخيل التي لم تضمر لا تجري إلا نحو ثلاثة كيلو أو أقل ثم تقف. والحاصل: أنه سابق بين الخيل، فدل على صحة السباق، والحكمة من ذلك: تدريبها على السير؛ وذلك لأنه يقاتل عليها، فإذا كانت قد تدربت فإن صاحبها الذي ركبها يجريها حتى تصل إلى ما يريد أن تجري فيه حتى تلحق الأعداء، وحتى تدرك الأعداء الهاربين، ففي ذلك تدريب لها. وكذلك الإبل يسابق عليها، ويجوز العوض لمن سبق، فمن سبق على بعيره فله هذا العوض الذي هو مائة أو ألف أو جوهرة أو كذا وكذا. وكذلك السهام، فالسهام هي الرمي، ومعلوم أن تعلم الرمي سنة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً) ، فيسن تعلم الرمي، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] فقال: (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) . يعني: من جملة القوة تعلم الرمي، وكان الرمي قديماً بالسهام، والسهم ينحت من عود سَلَم، أو سَمُر، ويجعلون له رأساً محدداً، ثم يجعل في القوس، ويرمى به فيذهب نحو مائتي ذراع أو ثلاثمائة على الأكثر، ويرمي الرمية فينفذ فيها، فيتدرب على الرمي، ومثله أيضاً: الأسلحة الجديدة.

شروط المسابقة

شروط المسابقة ذكروا في المسابقة شروطاً: الشرط الأول: تعيين المركوبين، بأن يقول: يكون السباق على هذه الفرس وهذه الفرس، فرسك الفلانية وفرسي الفلانية. الشرط الثاني: اتحادهما؛ وذلك لأن الخيل تنقسم إلى أقسام: الخيل العربية: وهو الذي أبوه وأمه من الخيل العربية، وما يسمى (بالبراذين) وهو الذي أحد أبويه ليس بعربي، فلابد أن يكونا عربيين أو من غيرهما، فلابد من اتحادهما. الشرط الثالث: تحديد المسافة: أن يكون بدء السباق من هذا المكان، ونهايته إلى ذلك المكان. الشرط الرابع: العلم بالعوض: أن يعين العوض: وهو أن يقول: من سبق فله -مثلاً- مائة أو ألف الشرط الخامس: لابد أن يكون العوض مباحاً، فلا يقول: من سبق فله زق خمر -مثلاً- أو شيء مغصوب أو نحو ذلك الشرط السادس: ألا يكون شبيهاً بالقمار، والقمار هو الميسر، وهو أن يكون هناك شبه لعب، ويكون من قمر أخاه أخذ منه مالاً بغير حق، فاللعب بالبلوت وبالأوراق أو ما أشبه ذلك العوض الذي يؤخذ عليه حرام ملحق بالميسر. الشرط السابع: تعيين الرماة: الرمي يكون من فلان وفلان، ولابد من تعيين الأقواس التي يرمى بها، أو السلاح الذي يرمى به -السلاح الجديد-، فكل ذلك مما يشترط في المسابقة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم أخذ العوض في المسابقات واللعب

حكم أخذ العوض في المسابقات واللعب Q هذا سائل يقول: ما حكم: لو اتفق فريقان أو قسمان: بأن من فاز في هذه اللعبة أو في هذه المسابقة فإنه يأخذ من المهزوم مبلغاً من المال يحدده الجميع؟ A الأصل أنه لا يصح العوض إلا في المسابقة على الخيل أو الإبل أو الرمي، لكن رخص بعض المشايخ في المسابقات الهادفة مثل في العلوم الشرعية، فيقال مثلاً: من أجاب على هذه الأسئلة فله كذا، أو من كتب في هذه المسألة -مثلاً- ورقتين أو ثلاث ورقات فله كذا، ويكون في ذلك حث للكتَّاب على البحث في الكتب، وعلى القراءة، ومعرفة المراجع، وما أشبه ذلك، ففي ذلك فائدة، وإذا كان العوض إما من متبرع وإما من بيت المال فلا مانع، وأما إذا كان العوض من أحدهما فإن أكثر العلماء ألحقوه بالقمار.

ما يعرف به حذق الطبيب

ما يعرف به حذق الطبيب Q ما هو ضابط معرفة حذق الطبيب، وقد كثر الأطباء في المستشفيات، وبعض الأطباء يفتك ببعض أعضاء المرضى، فهل في ذلك ضابط، حفظكم الله؟ A يعرف من الشهرة، وفي هذه الأزمنة يعرف من المؤهل، وبالخدمة، وأن معه شهادات على أنه قد درس هذا الطب في مدرسة كذا وكذا، لمدة عشر سنين أو سبع أو نحو ذلك، وكذلك أيضاً: أنه قد عمل في المستشفيات مدة كذا وكذا، وأنه معروف بالحذق، ويعرف ذلك بالتجربة.

الاشتراط على المدرس ألا يدرس دروسا خاصة

الاشتراط على المدرس ألا يدرس دروساً خاصة Q بالنسبة للمدارس الأهلية، بعضهم يشترط في العقد: ألا يعطي المدرس دروساً خصوصية للطلاب من المدارس أو غيرها، فهل هذا الشرط صحيح، ولو خالف المدرس في ذلك، فهل يعتبر المال الذي يحصل عليه من الدروس الخصوصية حرام أم لا؟ A نعم يعتبر شرطاً صحيحاً، والسبب في ذلك نظر الوزارة إلى أن كثيراً من المدرسين -وبالأخص المتعاقدين- لا يخلصون في التدريس في الفصول، ولا ينصحون للطلاب، فيبقى الطالب ملتبسة عليه بعض المسائل، ولا يعرف كيف يعرفها، فيحتاج إلى أن يستأجر هذا المدرس ليعلمه في بيته دروساً خصوصية، فيكتسب المدرس من الطلاب في الدروس الخصوصية زيادة على مرتبه من المدرسة، فيحصل من ذلك خلل وتقصير من المدرسين، فمنعت -والحال هذه- الوزارة أن يتولى أحد المدرسين الدروس الخصوصية. ومثل ذلك أيضاً: الأطباء، فقد منع الطبيب الذي يعمل في المستشفيات الحكومية أن يفتح له عيادة خاصة، لماذا؟ مخافة ألا ينصح للمراجعين؛ ليحملهم على مراجعته في عيادته، فيكتسب من هنا ومن هنا، فمن خالف -والحال هذه- فإنه يتعبر مخطئاً، وما أخذه حرام.

المتسبب المباشر ضامن

المتسبب المباشر ضامن Q السائق أجير خاص؛ فهل يضمن لو صدم بالسيارة؟ وهل يغرم السيارة الثانية، أم على كفيله ذلك؛ لأن كثيراً من الناس يخصم قيمة ما فسد من السيارتين من راتب السائق؟ A لا شك أنه إذا كان متسبباً فإنه يضمن، فإذا كان غير حاذق في القيادة، أو تهور أو خاطر أو عمل ما يسمى (مجاكرة) أو (تفحيط) مما يسبب الاصطدام أو الانقلاب، فإنه -والحال هذه- يضمن، وإذا كان الخطأ مشتركاً فإنه يقسم بين السائقين.

حكم اشتراط عدم الضمان في حال التلف

حكم اشتراط عدم الضمان في حال التلف Q بعض مغاسل الثياب تشترط ألا تضمن الثوب في حال تلفه أو فقده إلا نصف قيمته أو نحوها، فهل يصح هذا الشرط؟ A هذا شرط يخالف الشرع، نقول: إذا أفسد الثوب غسال أو خياط بعمله فإنه يضمنه، وأما إذا سرق من دكانه فإنه لا يضمنه، ولكن لا أجرة له.

حكم احتباس شيء من الأجرة مقابل الإخلال في العمل

حكم احتباس شيء من الأجرة مقابل الإخلال في العمل Q أحسن الله إليكم، يقول: لو أني استأجرت عاملاً لكي ينظف منزلي -مثلاً-، على أن يتقن النظافة، ولكنه لم يتقن النظافة، فهل يجوز لي أن أمسك شيئاً من الأجرة مقابل عدم إتقانه أو لا أعطيه الأجرة أصلاً؛ لأنه لم يلتزم بالشرط؟ A لا شك أن العمل يوصف قبل البدء فيه، فيبين له أن عملك كذا وكذا، ومن النظافة تغسيل كذا أو حمل كذا أو تنزيل كذا وكذا، فإذا كان بينهما شروط ولم يوفِ بها فلا أجرة له حتى يوفي ذلك العمل.

الإيجار تملك للمدة المعينة

الإيجار تملك للمدة المعينة Q أحسن الله إليكم، يقول: استأجرت منزلاً لمدة سنة، ثم أردت الخروج من المنزل بعد ستة أشهر، فأردت أن أؤجر المنزل في الستة الأشهر الباقية، فهل يحق لصاحب المنزل أن يمنعني مع العلم أنه لم يكن هناك اتفاق مسبق على هذا الأمر؟ A ليس له أن يمنعك، وعليك أن تعطيه أجرة بقية السنة، وتملك المنزل بقية سنتك، سواء أجرته أو أغلقته أو سكنته أو أسكنت فيه أحد أهلك.

قياس السيارات على الإبل والخيل

قياس السيارات على الإبل والخيل Q هل يقاس على الإبل والخيل السيارات كما قيست الأسلحة الجديدة على السهام؟ A الظاهر أنها لا تقاس، وسبب ذلك أنها ليس عادة مما يتدرب عليها في القتال، وقد يكون في الإسراع بها شيء من المخاطرة يؤدي إلى حوادث، فنرى أنها ليست مثل الإبل والخيل.

حكم مسابقات الحيوانات

حكم مسابقات الحيوانات Q ما حكم السباقات التي تجرى بين الحيوانات: كصراع الديكة وسباق الحمام؟ A هذه لا تجوز، ولا يجوز أن يؤخذ فيها عوض، وقد ورد أيضاً النهي عن اللعب بالحمام في بعض الأحاديث، وهو (أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يتبع حمامة، فقال: شيطان يتبع شيطانة) ، فلا يجوز اللعب بها، ولا أخذ العوض على لعبها، وكذا ما أشبه ذلك.

حكم لعب البلوت بغير عوض

حكم لعب البلوت بغير عوض Q إذا كان لعب الورق والبلوت ليس على عوض، ولا يكون فيه تضييع للواجبات أو وقوع في محرمات، فما حكمه، مع العلم أن هذا يقع كثيراً، وجزاكم الله خيراً؟ A ننصح بترك ذلك؛ لأنه من اللهو، وهو داخل في قوله تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] ، ولا شك أن لهو الحديث: كل شيء يشغل عن الخير، ولا شك أن هذا اللعب بالبلوت وما أشبهه يشغل عن قراءة القرآن وعن تحفظه، وعن تعلم العلم النافع، وعن ذكر الله تعالى، أو عن الاشتغال بالتجارة النافعة أو الأعمال المفيدة، أو عن التدرب على الأعمال المفيدة من تعلم صنعة مفيدة أو ما أشبه ذلك. فنرى أن الانشغال بمثل هذا من لهو الحديث؛ فلا يجوز ولو كان اللاعبون يحافظون على الصلاة ولا تفوتهم، وإذا كان عندهم فراغ، فنقول: اشغلوا فراغكم بالعلم النافع والعمل الصالح.

مخالفة الشرط تفسخ عقد الإجارة

مخالفة الشرط تفسخ عقد الإجارة Q أجرت منزلاً، واشترطت عليه ألا يضع دشاً في البيت، فوافق على الشرط، وبعد مدة أخل بالشرط، فهل لي فسخ العقد، وهل له أن يطالبني بما دفع من النقود؟ A نعم، لك فسخ العقد؛ لأن المسلمين على شروطهم، وأما ما مضى من المدة فإنك تستحقه، وترد عليه بقية أجرة المدة التي لم يسكن فيها.

حكم حبس شيء من راتب العامل لتذكرة سفره

حكم حبس شيء من راتب العامل لتذكرة سفره Q ما حكم قبض شيء من راتب العامل بقدر التذكرة؛ لأن بعض العمال بعد أن يأتي من بلده للعمل، قد يعمل ستة أشهر -مثلاً- ثم يرفض العمل، ويقول: أريد أن أسافر، ولا يوجد عنده قيمة التذكرة؛ لأنه أرسل جميع مرتباته إلى أهله في الخارج، فما الحكم لو أمسكت عليه قيمة التذكرة حتى إذا رفض العمل اشتريت له تذكرة من مرتبه ليسافر؟ A لا بأس بذلك إذا كان هذا شيئاً معروفاً عندهم، فيحسب عليه قيمة التذكرة، ويحفظها ويقول: عندي لك كذا وكذا -ألف، ألفان، ثلاثة آلاف- تكفي لتذكرتك، فإذا طلبت الرجوع قبل أن تنتهي مدتك اشتريت تذكرة بها، وإن أتممت المدة أعطيتك أجرتك وتذكرتك علينا.

الأجير العام والأجير الخاص

الأجير العام والأجير الخاص Q هل يجتمع وقت الأجير الخاص والأجير المشترك في محل واحد، بأن يكون في محل خياطة -مثلاً- فيعتبر الخياط أجيراً خاصاً لصاحب المحل، وعاماً لسائر الناس؟ A يعتبر الأجير الذي يعمل لك في المحل أجيراً خاصاً، وتعتبر أنت أجيراً عاماً؛ فإن الناس يأتون إليك وأنت صاحب المتجر، أو صاحب الدكان -مثلاً- الخياط، فأنت أجير مشترك، وعاملك الذي يعمل لك كل شهر بألف -مثلاً-أجير خاص لك.

شرح أخصر المختصرات [42]

شرح أخصر المختصرات [42] حث الدين الإسلامي على العارية، وتوعد مانعها من غير حاجة؛ لأن فيها توسعة على المسلمين، والإعارة لها أحكام وشروط ومسائل ذكرها العلماء في كتب الفقه، وكما أباح الله العارية وحث عليها فقد حرم الغصب وعدّه من الكبائر، وتوعد صاحبه بالعذاب الشديد، ولهذا الباب مسائل وأحكام بينها العلماء في كتب الفقه.

أحكام العارية

أحكام العارية قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: والعارية سنةٌ. وكل ما ينتفع به مع بقاء عينه نفعًا مباحًا تصح إعارته إلا البُضْعَ وعبدًا مسلمًا لكافرٍ، وصيدًا ونحوه لمحرمٍ، وأمةً، وأمرد لغير مأمونٍ. وتضمن مطلقًا بمثل مثلي، وقيمة غيره يوم تلفٍ، لا إن تلفت باستعمالٍ بمعروفٍ كخُمل منشفةٍ، ولا إن كانت وقفًا ككتب علمٍ، إلا بتفريطٍ، وعليه مؤنة ردها، وإن أركب منقطعًا لله لم يضمن. فصلٌ: والغصب كبيرةٌ، فمن غصب كلبًا يقتنى، أو خمر ذمي محترمةً ردهما، لا جلد ميتةٍ، وإتلاف الثلاثة هدرٌ، وإن استولى على حر مسلمٍ لم يضمنه، بل ثياب صغيرٍ وحليه، وإن استعمله كرهًا أو حبسه فعليه أجرته كقن. ويلزمه رد مغصوبٍ بزيادته، وإن نقص لغير تغير سعرٍ فعليه أرشه، وإن بنى أو غرس لزمه قلعٌ وأرش نقصٍ وتسوية أرضٍ، والأجرة، ولو غصب ما اتجر، أو صاد، أو حصد به فمهما حصل بذلك فلمالكه، وإن خلطه بما لا يتميز، أو صبغ الثوب فهما شريكان بقدر ملكيهما، وإن نقصت القيمة ضمن. فصل: ومن اشترى أرضاً فغرس، أو بنى، ثم استحقت، وقلع ذلك، رجع على بائع بما غرمه، وإن أطعمه لعالم بغصبه؛ ضمن آكل. ويضمن مثليٌ بمثله، وغيره بقيمته، وحرم تصرف غاصب بمغصوب، ولا يصح عقد، ولا عبادة، والقول في تالف وقدره وصفته قوله، وفي رده وعيب فيه قول ربه. ومن بيده غصب أو غيره وجهل ربه؛ فله الصدقة به عنه بنية ضمان، ويسقط إثم غصب، ومن أتلف -ولو سهواًً- محترماً؛ ضمنه. وإن ربط دابةً بطريق ضيق؛ ضمن ما أتلفته مطلقاً، وإن كانت بيد راكب، أو قائد، أو سائق؛ ضمن جناية مقدمها، ووطئها برجله] .

العارية سنة

العارية سنة العارية: اشتقاقها من العري؛ لأنها عارية عن العوض والأجرة والثمن. وتعريفها: أنها إباحة عين لمن ينتفع بها ويردها. قوله: (العارية سنة) أي: إعارتها سنة؛ وذلك لأن فيها توسعة على المسلمين، حيث إن الإنسان تبدو حاجته في أمر، ثم لا حاجة به إليه دائماً، وإنما يحتاجها يوماً أو شهراً أو نحو ذلك، ثم يستغني عن تلك العين، فشرع أن يعيره من هو واجد لتلك العين حتى يقضي شغله وحاجته بها، ثم يردها.

ما يصح إعارته

ما يصح إعارته يقول: (وكل ما ينتفع به مع بقاء عينه نفعاً مباحاً تصح إعارته، إلا البضع، وعبداً مسلماً لكافر، وصيداً ونحوه لمحرم، وأمة وأمرد لغير مأمون) ، والبقية تصح إعارته إذا كان نفعه مباحاً، فيحتاج الإنسان -مثلاً- إلى مطالعة في كتاب، وليس محتاجاً له دائماً فيستعيره من مكتبة أو من صديق له يقرأ فيه، ثم يرده، ولمن أعاره أجر، وكذلك يحتاج -مثلاً- لثوب أو لمشلح يتجمل به -مثلاً- في ليلة زفاف أو نحوه، وليس بحاجة إليه دائماً فتعيره ليتجمل به في تلك الليلة، ثم يرده. يحتاج إلى قدر يطبخ فيه يوماً أو شهراً أو أسبوعاً إذا كان -مثلاً- مسافراً أو في قرية ليس له فيها أهل، فيستعير منك قدراًَ يطبخ فيه أو إناء يشرب به، أو سراجاً يستضيء به أو صحناً يأكل فيه فتعيره؛ فالإعارة في هذه الحال سنة وله أجر، وفي منعها إثم إذا كان مستغنياً عنها، وقد فسر قول الله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] ، أن المراد: منع العارية مع الاستغناء عنها. إذا احتاج إنسان إلى دلوك ليجتذب به ماء من البئر، أو إلى قربتك ليجتلب بها ماءً لبيته، أو إلى قدر ليطبخ فيه، فتسن إعارته ويكره منعه مخافة الإثم؛ ولأنه لا يحتاج دائماً إلى هذه السلع، وإلا فمن حاجته غير عارضة فالعادة أنه يشتريها ويتملكها؛ وكذلك إذا احتاج إلى مسحاة ليحفر بها، أو زنبيل ليستعمله في الحفر -مثلاً- أو منجل ليقطع به حشيشاً أو نحوه، أو فأس ليقطع بها حطباً، وما أشبه ذلك، فإعارته فيها فضل وفيها أجر، وكذلك كل ما فيه منفعة، مع حاجة المحتاج إليه.

شروط العارية

شروط العارية ويشترط أن تكون المنفعة مباحة، فإذا كانت المنفعة محرمة فلا يجوز إعارته؛ لأنه إذا أعاره صار شريكاً له، فلا يجوز أن تعيره طبلاً ليغني به ولا عوداً ولا شطرنج، وكذلك آلات الغناء، وأشرطة الغناء الماجن، وأفلام الفيديو التي فيها صور محرمة، فإذا طلب أن تعيره فأعرته فإنك تكون آثماً حيث إنك تساعده على هذا المنكر. وهكذا إذا عرفت أنه يستعير منك لأجل معصية كما إذا استعار منك سيفاً ليقتل به مسلماً أو ليظلم به، أو رصاص بندقية ليصيد بها وهو محرم، أو ليرمي بها مسلماً بريئاً، أو استعار قدراً ليصنع فيه خمراً وأنت تعرف ذلك منه؛ أو استعار شطرنج للعب، وكذلك لو استعار موسىً ليحلق به لحيته، أو ليحلق به اللحى، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه مساعدة له على المنكر، والله تعالى يقول: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] . وهكذا فالمحرم اقتناؤه تحرم إعارته، فكتب الضلال محرم اقتناؤها ومحرم إعارتها؛ لأنه يضل بها غيره، والمجلات الخليعة محرم اقتناؤها، ومحرم إعارتها؛ لأنها تضل خلقاً كثيراً. تفطن لقوله هاهنا: (ينتفع به مع بقاء عينه نفعاً مباحاً) يعني: تطبخ في القدر، والقدر لا يتغير أو تشرب بالكأس، أو تجلس على الكنب أو تفرش الزلية أو تلبس الثوب يوماً أو نحوه، أو تأكل في القدر أو تستضيء بالسراج، فعينه باقية وفيه منفعة، وهذه المنفعة مباحة. وقوله: (مع بقاء عينه) يخرج ما لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه كالشمعة، فإنها تفنى بالاستعمال، وكالكيس من الطعام فإنه لا يعار؛ لأنه يفنى بالاستعمال، وإنما يسمى قرضاً، فإذا أقرضته طعاماً ليأكله فإنه يرد بدله كما تقدم في باب القرض. ثم استثنوا البضع، فلا يجوز أن تعير جاريتك المملوكة لمن يطؤها؛ لأن الوطء لا يباح إلا بملك يمين أو بنكاح صحيح، وهذا ليس بموجود؛ لأنها ملك غيره، أما إعارة على الخدمة. يعني: إذا كان عندك خادمة أعرتها لتخدمهم، ثم يردونها فلا بأس بذلك، وكذلك العبد إذا أعرته لمن يستخدمه فلا مانع من ذلك كأن يكون عندهم لقيادة سيارة أو تغسيل سيارة أو سقاية حديقة أو إصلاح قهوة، أو تنظيف أوانٍ، أو تغسيل ثياب ونحوه. ويستثنى إذا كان كافراً، فلا يجوز أن تعيره عبداً مسلماً، لأنه يهينه ولأنه يستغله وهو كافر، ولأن الكافر لا ولاية له على المسلم، قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] ، أي: سيطرة وقوة وتسلطاً، فليس للكافر سلطة على المسلم، ولهذا إذا أسلم العبد وهو عند كافر، كلف الكافر بإعتاقه أو ببيعه أو بهبته. أي: بإخراجه من ملكه حتى لا يبقى ذليلاً عند كافر. قوله: (وصيداً ونحوه للمحرم) لا يجوز أن تعيره؛ وذلك لأن الصيد محرم على المحرم، قال تعالى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] ، وقال: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة:96] ، فلذلك لا يجوز، وهكذا لا يجوز أن تعيره شيئاً يبطل إحرامه، فلا تعيره قميصاً ليلبسه وأنت تعرف أنه محرم، وكذلك إذا طلب منك موسىً ليحلق به وأنت تعرف أنه محرم، فلا تعره هذا الموسى؛ لأنه محرم عليه الحلق، وكذلك مقراضاً يقلم به أظفاره وهو محرم. يقول: (وأمة وأمرد لغير مأمون) أي: لا يجوز إعارة الأمة لإنسان غير مأمون عليها، لا يؤمن أن يطأها، وكذلك الأمرد -يعني: الشاب- إذا كان شاباً مملوكاً وهو جميل، يخشى أن يفعل به فاحشة اللواط فلا يجوز أن يعار، وأما إذا كان مأموناً. يعني: يقصد بذلك استخدامه فلا مانع.

ضمان العارية

ضمان العارية وقوله: (وتضمن مطلقاً) أي: العارية مضمونة إذا تلفت، ودليل ذلك: حديث صفوان بن أمية لما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزو هوازن في حنين وطلب منه عارية دروع ثلاثين درعاً، فقال -قبل أن يسلم-: أغصباً يا محمد؟! فقال: (بل عارية مضمونة) ، أي: نستعيرها ليلبسها المقاتلون، وتضمن إذا تلفت، ونردها إذا بقيت، فاستعار منه ثلاثين درعاً. وهذا دليل على جواز الإستعارة من غير المسلم إذا كان لحاجة. ولا شك أن الذي يعيرها للمجاهدين يكون له أجر، فالمجاهد إذا استعار منك سيفاً يقاتل به الكفار أو رمحاً أو قوساً أو درعاً أو مجناً يلبسه على رأسه أو حذاءً؛ فإن المعير يكون شريكاً له في الأجر، وكذلك أيضاً الأسلحة الجديدة يصح إعارتها للمجاهدين، ويكون شريكاً له في الأجر، كالدبابات والسيارات والقاذفات والبنادق والرشاشات وما أشبهها، ويكون للمستعير أجر القتال بها، وللمعير أجر في ذلك. قوله: (وإذا تلفت فإنه يضمنها بمثل مثليٍّ، وقيمة غيره يوم تلف) : فالمثلي هو الذي يوجد له مثل، فيقال: هذا الكأس له أمثاله، فإذا استعاره فانكسر، أعطاه كأساً مثله؛ لأنه موجود فيضمن بمثله، أو استعار كتاباً فاحترق، وتوجد كتب مثله، فإنه يشتري له كتاباً ويعطيه إياه، وهذا القدر وهذا الصحن، لها أمثال فيضمن المثلي بمثله. وأما غير المثلي: فهو الذي تختلف أجناسه، فمثلاً: الجلود كالقربة والسقاء والمزادة، فهذه تختلف عادة، وقل أن يوجد مثلها، أو أن يجد قربة مساوية لهذه أو مزادة أو ظرفاً مساوياً لهذا الظرف، وكذلك الأشياء التي كانت تصنع باليد كقدور النحاس والأباريق القديمة، فهذه يقل أن يوجد مثلها مساوياً فإنها تضمن بقيمتها، أي: تقوَّم يوم التلف، فيقال: كم تساوي تلك القربة؟ كم يساوي ذلك القدر الذي سلم إلى يد فلان؟ كم يساوي ذلك القميص الذي لا يوجد له نظير في هذه الأزمنة؟ فإذا كان يساوي عشرة يوم التلف، فأعطه العشرة. قوله: (لا إن تلف باستعمال بمعروف كخمول منشفة) ، إذا تلف باستعمال فإنه لا يضمن، فإذا أذن لك أن تلبس الثوب، ثم إن الثوب تخرق من آثار اللبس العادي من غير تعد فلا يضمن. وكذلك المنشفة، فالمنشفة التي تنشف بها الأيدي بعد الغسل أو بعد الوضوء، فإذا ذهب خملها من آثار المسح فلا تضمن. والخمل: أهدابها التي فيها، فإذا ذهبت الخمل، فإنها لا تضمن؛ لأنه استعمال مأذون فيه، وقد أذن لك أن تتمسح بها مدة شهر أو نحوه، وكذلك لو اسود القدر من الطبخ فيه، فلا يضمن، وهكذا لو تثلم وجه المسحاة من آثار الحفر، أو تشقق الزنبيل من آثار الحمل فيه. فالحاصل: أنه إذا تلف باستعمال بمعروف فلا ضمان، وأما إذا استعملها استعمالاً غير معروف فإنه يضمن. كيف يكون الاستعمال غير معروف؟ إذا استعملها استعمالاً زائداً عما هي عليه، لو أنه أخذ يضرب بالفأس حجارة -مثلاً- ويكسرها به فتثلمت الفأس وتكسرت، أو أخذالمسحاة يحفر بها أرضاً حجرية وكان من آثار ذلك أن تكسر وجهها، فإنه يضمن والحال هذه؛ لأن هذا ليس هو المعروف، والمعروف: أنه يقطع بالفأس الخشب، ويحفر بالمسحاة ونحوها الأرض السهلة. وكذلك المنجل الذي يسمى المحش، يقطع به الحشيش فإذا قطع به الحجارة فتثلم فإنه يعتبر قد تعدى فيضمن. يقول: (ولا إن كانت وقفاً ككتب علم) أي: فهذه لا تضمن؛ لأنه مأذون في استعمالها، يوجد كتب في المكتبات مكتوب عليها: (وقف) يستعيرها الإنسان ليقرأ فيها، فلو قدر أنها تلفت عنده فإنها لا تضمن؛ وذلك لأنه مأذون في استعمالها فتلفها عنده كتلفها في المكتبة إذا استعملت، لكن لا يجوز أن يستعملها استعمالاً غير مأذون به، كأن يستعملها غير رافق بها، فيلقيها على الأرض أو يرمي بها رمياً سيئاً أو يعرضها للشمس أو للأطفال، ففي هذه الحال يضمن. قوله: (وعليه مئونة ردها) : إذا كانت تحتاج إلى مئونة فإنها على المستعير، فلو احتاج إلى حمّال، كما لو استعار مكيفاً ثقيلاً فرده على المستعير فأجرة الذي يحمله من بيت المعير إلى بيت المستعير، ثم من بيت المستعير إلى بيت المعير، على المستعير، وهي مئونة ردها، وكذا كل شيء له مئونة إذا كان ثقيلاً، كما لو استعار فرشاً ثقيلاً ليفرشه في حفل أو نحوه، أو استعار خياماً ليستظل بها في مناسبة ونحوها، ثم انتهى منها فأجرة الرد على المستعير؛ لأنه أخذها لمنفعته. قوله: (وإن أركب منقطعاً لله لم يضمن) : صورة ذلك: إذا رأيت إنساناً منقطعاً في برية وتصدقت عليه وأركبته بعيراً أو فرساً أو حماراً أو بغلاً أو وثقت به وأركبته في سيارة، وسلمت مفاتيحها له، ثم إنها خربت أو تلفت الدابة، وهو لم يفرط فإنه لا يضمن؛ وذلك لأنك محسن وتطلب الأجر، فليس لك أن تكدر أجرك وتبطله بتغريمه، فإنك محسن إليه.

باب الغصب

باب الغصب

تعريف الغصب

تعريف الغصب الغصب: هو الاستيلاء على حق غيره قهراً بغير حق. وكلمة الاستيلاء أوسع من الأخذ، إذ عرفه بعضهم بأنه: أخذ مال الغير ظلماً، فنقول: قد يكون هناك غصب من غير أخذ كما لو أخرجه من بيته ظلماً واستولى على بيته أو على مزرعته أو على أرضه، من غير أن يقبضها، فإن هذا يسمى غصباً، وهكذا إذا طرده من ماشيته -إبله أو خيله أو بقره- فإنه يكون قد استولى عليها فيعتبر مغتصباً، ويصح الغصب لكل شيء يمكن ملكه. قال الله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79] ، أي: يغتصبها من أهلها فيتسلمها ويطرد أهلها، وهذا يدل على أن الغصب هو الأخذ أو الاستيلاء على مال الغير أو حق الغير.

حكم الغصب

حكم الغصب الغصب والنهب كبيرة من الكبائر، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ولا ينتهب نهبةً يرفع الناس إليها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) . يعني: ينتهبها من صاحبها والناس ينظرون. يعني: شبه غصب، وفي الحديث الصحيح: (من اغتصب شبراً من الأرض بغير حق طوقه من سبع أرضين) .

حكم غصب الكلب المقتنى وخمر الذمي وجلد الميتة

حكم غصب الكلب المقتنى وخمر الذمي وجلد الميتة ثم إنه يقول: (من غصب كلباً يقتنى، أو خمر ذمي محترمة ردهما لا جلد ميتة) ؛ وذلك لأن الكلب المقتنى صاحبه أحق بمنفعته؛ لأن الله تعالى أضافه إلى أهله، لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ} [المائدة:4] ، فهذا الكلب الذي دربته وعلمته فتعلم وأصبح يصيد الصيد، فأنت أملك به، فإذا جاء إنسان واغتصبه قهراً بغير حق فنقول له: رده إلى صاحبه فهو أولى به، وأنت تعتبر غاصباً. والخمر محرمة، وهي في أيدي اليهود محترمة، فلا يجوز أن تدخل بيوتهم وتشقق الظروف التي فيها الخمر. واحترامها معناه: إقرارهم عليها، فإن من دينهم شرب الخمر، فيقرون إلا أنهم لا يظهرون بيعها في بلاد الإسلام، ولا يظهرون شربها ولا يخرجون وهم سكارى، ولكن نعرف أنهم يصنعونها في بيوتهم ويجتمعون فيشربونها، فلو دخل إنسان واغتصب زق خمر، ثم ذهب به، أمر بأن يرده؛ لأن هذا من الاعتداء على المعاهدين، والمعاهدون لهم احترام، وقد ورد في ذلك الوعيد: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) ، المعاهدون وأهل الذمة لهم ذمة، ولهم عهد، فيرد الكلب، ويرد الخمر المحترمة، أما غير المحترمة فلا يردها. وغير المحترمة: هي التي أظهرها صاحبها في الأسواق، فإنهم إذا أظهروها فلا حرمة لها، بل تتلف. قوله: (لا جلد ميتة) قد عرف الخلاف في جلد الميتة هل يطهر بالدباغ أم لا، والراجح عندنا أنه يطهر، وإذا طهر فإنه يستعمل في اليابسات وفي الرطب وفي المائعات، وإذا كان كذلك؛ فالصحيح أنه مملوك، وأن الانتفاع به مباح، وأنه عين مالية تباع وتستبدل، فعلى هذا إذا كان مدبوغاً فإنه يرده، وكذلك إذا كان يصلح أن يدبغ. قوله: (وإتلاف الثلاثة هدر) أي: الكلب والخمر والجلد، يعني: لا ضمان في إتلافها. وقد عرفنا أن الراجح في الجلد أنه مضمون، أما إذا مات الكلب أو اهراق الخمر، فلا ضمان؛ لأنه لا قيمة لها.

حكم غصب الآدمي

حكم غصب الآدمي يقول: (وإن استولى على حر مسلم لم يضمنه، بل ثياب صغير وحليه) ، وذلك لأن الحر لا قيمة له ولا ثمن له، فلو استولى غصباً على إنسان حر، فحبسه عنده أو أوقفه عنده، وقدر أنه مرض ومات فلا دية عليه ولا ضمان بخلاف العبد، فإنه إذا استولى على العبد فمات عنده، فإنه يضمن ثمنه، وإذا استعمل هذا الحر كرهاً، فأكرهه على أن يبني عنده أو يحفر عنده أو استعمله في نسيج أو في حجامة أو في هندسة أو في سقي حرث أو في رعي إبل، واستعمله في عمل وأكرهه حتى اشتغل ذلك العمل، فعليه أجرته؛ وذلك لأن أجرته ومنافعه متقومة، والإنسان عادة لا يعمل عند غيره إلا بأجرة، فإذا استعمله كرهاً فعليه أجرته، وهكذا إذا حبسه، وأضاع عليه منفعته، فعليه أجرته، يقول: أنت حبستني شهراً أو أسبوعاً لو لم تكن حبستني لكنت أتكسب وأحترف وأحصل على مصلحة، والآن ضيعت علي هذا الزمان، فيطالبه بأجرته. أما إذا كان صغيراً فإنه يضمن ثيابه وحليه، إذا اغتصب طفلا ًثم بليت ثيابه، فعليه ضمان ثيابه، وإن اغتصب جارية عليها حلي وأمسكها عنده -وهي حرة- وضاع حليها الذي عليها؛ فإنه يضمن ذلك الحلي. أما إذا كان قناً مملوكاً فإنه يضمنه، فإن مات القن عنده ضمنه بقيمته، وإن حبسه فعليه أجرته، وإن استعمله كرهاً فعليه أجرته؛ وذلك لأن القن متقوم، كما لو غصب شاة فماتت فإنه يضمنها لأنها متقومة، ولو ماتت بمرض، وكذلك بقية الدواب، صغيرة أو كبيرة، فلو غصب دجاجة وماتت في يده ضمنها بقيمتها، أو غصب بعيراً كجمل أو ناقة، ثم ماتت عنده إما بتفريط كأن أهملها أو أجاعها أو حمل عليها، أو ماتت عنده مرضاً، فإنه يضمن الجميع؛ وذلك لأنها متقومة.

وجوب رد المغصوب بزيادته

وجوب رد المغصوب بزيادته قوله: (ويلزمه رد المغصوب بزيادته، وإن نقص بغير تغير سعر فعليه أرشه) : ورد فيه حديث: (لا يحل لأحدكم أن يأخذ مال أخيه، ومن أخذ عصا أخيه فليردها) ، إن أخذ العصا بغير حق فإنه يردها. فإن زاد فإنه يرده بزيادته متصلة أو منفصلة، والزيادة المتصلة كما إذا غصب شاة هزيلة وسمنت عنده، فإنه يردها ولو كانت تساوي مثل الثمن الأول مرتين. وكذلك إذا غصب بستاناً ليس فيه حمل، ثم حمل الشجر فإنه يرده بحمله الموجود. وكذلك لو غصب شاةً أو بقرة فحملت عنده فإنه يردها بحملها؛ لأنه عين مال المغصوب منه، فيرده ولو غرم عليه أضعافه. ولو قال مثلاً: أنا أنفقت على هذه البقرة، أنا استجلبت لها فحلاً حتى طرقها، أنا حفظتها مدة ورعيتها وأعطيت الراعي أجرته، فيقال: أنت ظالم: (ليس لعرق ظالم حق) ، فعليك ردها بزيادتها ولا تستحق شيئاً. وكذلك لو غيّرها عما كانت عليه، كما لو غصب قطناً فنسجه ثوباً؛ فإنه يرده منسوجاً، وقد يقال: إنه يستحق أجرة النسيج. وكذلك لو غصب خشباً ونجره أبواباً فإن عليه رده؛ وذلك لأنه عين مال المغصوب منه، أو غصب بيضاً فأصبح فراخاً فإنه يردها، ولو قال: أنا ما غصبت إلا بيضاً فأرد بدله، فيقال: هذا عين مال المغصوب؛ ويلزمك أن ترده، ولو أنفقت عليه ما أنفقت. وإذا غصب تبراً -يعني: ذهباً في ترابه- ثم صفّاه فأصبح صافياً مسبوكاً فإنه يرده، ولا أجرة له، وكذلك لو صاغه حلياً فإنه يرده، ولا حق له في أجرة؛ لأنه تصرف في ملك غيره. وإذا غصب قطعة قماش، خاطها ثياباً فإنه يردها، ولو غرم عليها أضعاف ثمنها، وما ذاك إلا أنه تصرف في شيء لا يملكه، وليس له حق في هذا التصرف، بل هو تصرف فضولي فلا يستحق عليه شيئاً. وهكذا لو باعها يلزمه استرجاعها، وإذا باع الشاة المغصوبة أو السيارة المغصوبة فالبيع باطل؛ لأنه تصرف في ملك الغير. وهكذا لو جعلها صداقاً لامرأة تزوجها، فإنه يردها، ويعطي المرأة صداقاً بدل هذه الأشياء التي أصدقها. وهكذا لو وهبها لإنسان لزم استرجاعها؛ فلو مات الغاصب فعلى الورثة أن يردوا الأعيان التي يعرفون أنها غصب إلى مالكها إذا كان معروفاً؛ وذلك لأنها ملك ذلك الرجل المعروف عندهم، فلا يحل لهم أن يستمتعوا بها وهم يعرفون أنها ظلم.

وجوب رد المغصوب مع ضمان النقص

وجوب رد المغصوب مع ضمان النقص قوله: (وإذا نقص المغصوب فعليه ضمانه وعليه أرشه) : فلو هزلت الشاة أو العبد فإن عليه ضمان ذلك النقص، فلو كانت قيمتها لما اغتصبها ثلاثمائة والآن صارت قيمتها مائة بسبب الهزال، فإنه يضمن النقص، أو كبرت الشاة حيث كانت مسنةً فبقيت عنده حتى كبرت ونقص ثمنها، فإنه يضمن نقصها، وتقدر قيمتها يوم أخذها ويوم ردها ويضمن الفرق بينهما. أما إذا كان النقص بسبب تغير السعر فلا ضمان، فلو اغتصب سيارة في وقت ارتفاع السعر، وكانت قيمتها عندما اغتصبها ثمانين ألفاً، ثم إنها بقيت عنده ولم يستعملها وردها، ولما ردها كانت لا تساوي إلا ستين ألفاً، فعليه ضمان نقصها إذا كان النقص بسبب قدم ما يسمى بالموديل، أما إذا كان بسبب رخص الأسعار فلا يضمن، مثاله: اغتصب أرضاً وقيمتها ذلك الوقت مائة ألف وبعد سنة أو نصف سنة رخصت الأراضي فصارت لا تساوي إلا خمسين ألفاً. فالحاصل: أنه لا يضمن النقص إذا كان بسبب تغير السعر، وإذا زاد السعر ردها بزيادة السعر، فلو غصبها وقيمتها عشرون ألفاً ولما ردها ارتفع السعر وكانت تساوي أربعين ألفاً فإنه يردها ولا يطالب بشيء. وإذا كانت فيها منفعة أضاعها، فإن صاحبها يطالب بمنفعتها تلك المدة، فإذا قال: عطلت علي داري مدة شهر أو مدة سنة وتركتها مقفلة وكنت سأستغلها وأسكنها أو أؤجرها، فعليه أجرتها تلك المدة التي أضاعها على صاحبها. يقول: (وإن بنى أو غرس لزمه قلعٌ وأرش نقصٍ، وتسوية أرضٍ والأجرة) : أي: لزمه أربعة أشياء، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق) ، وهذا عرق ظالم غصب الأرض، ولما غصبها بنى فيها بنايات، وغرس فيها أشجاراً بغير حق، ولما استرجعها صاحبها طالبه، فيقال له: عليك أن تقلع هذه المباني التي بنيتها بغير إذن، ولو كان بناؤها مائة ألف، والهدم قد يكلفه مائة ألف أخرى فيلزمه هدم البناء وقلع الأشجار التي غرسها في هذه الأرض. ويلزمه أيضاً أرش نقصها، يقال: لما اغتصبها كانت أرضاً مستوية وكان فيها طعمها، وكان فيها طينها، ولكنه نقصها لما أنه غرس فيها، فهذا الغراس امتص طعم الطين الذي فيها، وامتص طعم الأسمدة التي فيها، ونقصت قيمتها، فإذا كانت قيمتها قبل أن تغصب مائة ألف والآن قيمتها خمسون ألفاً، فعليك نصف القيمة. وأيضاً: تسويتها، فعندما يقلع الأشجار وتكون فيها حفر، فيمسحها حتى يسويها كما كانت. وعليه أيضاً أجرتها، إذا بقيت عنده سنة أو عشر سنين فإنه يطالبه بأجرتها تلك المدة. إذاً: يلزمه أربعة أشياء: القلع، وأرش النقص، وتسوية الأرض، والأجرة. فلو قال صاحبها: أنا أقنع بهذا الشجر الذي غرسته فيها، وأرى أن قلعه إفساد، وأنه كلفة وأن بقاءه فيه مصلحة؛ لأنه قد أثمر أو قارب أن يثمر، واتفقا على إبقائه، ولما أبقاه طالب الغاصب وقال: أعطني مقابل تعبي فأنا قد اشتريت هذه الجذوع، ثم اشتريت المضخة وحفرت لها في هذا المكان وجلبت الغراسين فغرست، وهكذا أيضاً عملت عليها إلى أن قربت من الثمر؛ فلهما أن يتفقا على إبقاء هذه الشجر، وهذه المباني التي بناها فيها ويقدر له قيمته، ولكن يطالبه بأجرتها عن السنة التي مضت.

ربح وزيادة المغصوب لمالكه

ربح وزيادة المغصوب لمالكه قوله: (ولو غصب ما اتجر أو صاد أو حصد؛ فمهما حصل بذلك فلمالكه) : يعني: لو أنه اغتصب ألف ريال، ثم اتجر بها سنتين أو ثلاث سنين فزادت هذه الألف وأصبحت عشرين ألفاً، فإن الربح كله مع رأس المال للمغصوب منه؛ لأنه ربح ماله، والغاصب تصرف فيه تصرف فضولي فلا يستحق شيئاً. وكذلك إذا اغتصب رصاصاً وبندقية، ثم صاد بها صيداً فإن الصيد أيضاً لصاحب البندق؛ وذلك لأنه حصل بعين ماله، والغاصب معتدٍ. أما لو غصب فأساً، ثم قطع بها حطباً، أو غصب منجلاً وحصد به حشيشاً أو زرعاً، فالصحيح في هذه الحال أن الحشيش للغاصب، وكذلك الحطب، ولكن عليه أجرة الفأس، وعليه أجرة المنجل، كما إذا غصب سكيناً وذبح بها شاة فالشاة للغاصب؛ لأنها من غنمه، وعليه أجرة تلك السكين التي ذبح بها. فالحاصل: أنه إذا كان من نماء عين المغصوب فإنه له، وأما إذا لم يكن عين ماله، وإنما هو شيء حصل به، فإنه للغاصب؛ وذلك لأن الحشيش من المباح، والغاصب -مثلاً- خرج إلى البر وقطع هذا الحشيش -الذي هو من المباح- وجمعه وحمله على بعيره أو على سيارته، فهو ملكه، وإن كان ذلك المنجل ملك غيره، إنما نقول: عليه أجرته. وإذا استأجره إنسان ليحصد معه زرعاً والمنجل الذي معه ليس له بل مغصوب، فالأجرة على صاحب الزرع، فيقول: لك في كل يوم خمسون ريالاً، وأجرة المنجل في اليوم خمسة أو أربعة؛ لأن المحش قيمته رخيصة، فالصحيح أنه يكون ملكاً للغاصب عليه أجرة المنجل ونحوها.

حكم المغصوب إذا خلط بما لا يميزه

حكم المغصوب إذا خلط بما لا يميزه قوله: (وإن خلطه بما لا يتميز أو صبغ الثوب فهما شريكان بقدر ملكيهما) : ومثال الذي لا يتميز: لو غصب حنطة، ثم طحنها وخلطها بدقيق غيرها فهذا لا يتميز، وكذلك لو غصب الحنطة أو الأرز، وصبه في أحواض مملوءة من الحنطة أو من الأرز، وغصب دقيقاً فخلطه بدقيق غيره، أو غصب دقيق حنطة وخلطه بدقيق شعير فأصبح لا يتميز؛ فهما شريكان، يقول: دقيقك أو حنطتك في هذا الكيس الذي فيه غيره: كم الذي لك يا هذا؟ وكم الذي لك يا هذا؟ فإذا قال هذا: لي خمسة، وهذا خمسة عشر، فهو بينهما أثلاثاً بقدر ملكيهما، ولو صبغ الثوب أو اغتصب قطناً وصبغه، فهما شريكان، هذا منه الصبغ وهذا منه القطن، ومعلوم أيضاً أنه لا يمكن إزالة الصبغ؛ لأنه ينصبغ به، فيكونان شريكين، هذا بقدر ثمن الثوب وهذا بقدر ثمن الصبغ. وكذلك لو نسجه، فهذا عليه أجرة النسيج، لكن في هذه الحال يقولون: إنه تصرف في ملك غيره، فيرده كما كان، وقد ذكروا أنه إذا نجر الخشبة أو صار الحب زرعاً، أنه يرده وأرش نقصه، أو غصب نوىً وأصبح شجراً أو ما أشبه ذلك, فيرد بدله إذا لم يمكن رده. قوله: (وإن نقصت القيمة ضمن) مثاله: إذا كان قطناً نظيفاً قيمته غالية، ولما صبغه نقصت القيمة، فعليه رده وعليه ضمان النقص، وكذا لو غصب دهناً وخلطه بزيت ونقصت قيمته وأصبح لا يتميز، ففي هذه الحال أيضاً يرده، ويرد النقص، أو يكونان شريكين بقدر ملكيهما.

ضمان الغصب

ضمان الغصب

يرجع المشتري على الغاصب في غرامة غرسه وبنائه في الأرض المغصوبة

يرجع المشتري على الغاصب في غرامة غرسه وبنائه في الأرض المغصوبة قوله: (ومن اشترى أرضاً فغرس أو بنى، ثم استحقت وقلع ذلك، رجع على بائع بما غرمه) . صورة ذلك: إذا اشتريت أرضاً ودفعت الثمن، ثم غرست فيها غرساً، أو بنيت فيها بناءً، ثم جاء صاحبها، وقال: الأرض مغصوبة مني، والذي غصبها هو الذي باعك، فلا حق لك ولا حق له، فانتزعها، ولما انتزعها كلفك أن تقلع غرسك، وكلفك أن تهدم بناءك؛ وذلك لأنه ثبت ملكه للأرض واستحقها؛ ففي هذه الحال يرجع صاحب الغرس أو البناء على من باعه بما غرمه، أي: بما تكلف به، فيقول للبائع: أنت كلفتني، وأنت خدعتني، وما علمت أنك مغتصب أو منتهب، فالأرض قد أخذت مني، وقد هدم بنائي، وقلع غرسي فعلى الغاصب الذي باعه أن يغرم تكلفته، ولو كانت مئات الألوف؛ لأنه غره.

ضمان الآكل عالما بالغصب

ضمان الآكل عالماً بالغصب قوله: (وإن أطعمه لعالم بغصبه ضمن آكل) : صورة ذلك: إذا غصب كيساً من بر أو نحوه، ولما غصبه أعطاك ذلك الكيس وأنت تعلم أنه مغصوب، وأنه ملك فلان أخذ بغير رضاه، فالضمان على الآكل الغاصب، وعليه الإثم، لكن المغصوب منه يطالب الغاصب؛ لأنه هو الذي اعتدى وأخذ الكيس، ثم إن الغاصب يرجع على الآكل، ويمكن أن المغصوب منه يطالب الآكل. وإذا وجدت العين عند الآكل انتزعها المالك منه سواء كان أخذها بهبة أو بيع أو ما أشبه ذلك. مثلاً: الغاصب غصب شاة وأهداها لزيد أو باعها على زيد، وزيد يعلم أنها مغصوبة، فجاء صاحبها ينتزعها من زيد، فإن ذبحها زيد فعليه قيمتها، وإن ولدت عند زيد، فولدها ملك لصاحبها، ويردها هي وولدها، فإن كان قد بذل فيها ثمناً رجع بالثمن على الغاصب؛ ولا شك أنه إذا علم بأنها مغصوبة حرم عليه أن يقبلها، إذ كيف يقبلها وهي ملك فلان، فلا يجوز له أن يقبلها لا بيعاً ولا هبةً ولا صداقاً ولا خلعاً ولا عطيةً ولا إرثاً، بل هي ملك فلان الذي لم تطب نفسه، وأخذت منه غصباً.

كيفية ضمان المغصوب المثلي والقيمي

كيفية ضمان المغصوب المثلي والقيمي إذا تلف المغصوب وطالب به صاحبه، فإنه يضمن، وكيف يضمن؟ يضمن إذا كان مثلياً بمثله، وإذا كان غير مثلي بقيمته. المثلي: هو المكيل والموزون وما أشبه ذلك من المقدرات، فإذا غصب سمناً ثم طالب به صاحبه، فيرد عليه سمناً ولو كان قد أتلفه واستهلكه، وإذا غصب براً أو أرزاً فإنه يشتري له بدله، إذا كان قد أكله. وكذلك إذا غصب قماشاً يرد عليه مثله؛ لأنه موجود، ولو غصب زيتاً أو عسلاً رد عليه مثله؛ لأنه موجود. أما غير المثلي فيرد الضامن قيمته يوم أتلفه أو يوم طالب به صاحبه. وغير المثلي هو المصنوعات التي تدخلها اليد الصناعية كالسكاكين والخناجر والقدور والقرب والأسقية والأحذية، فقد كانت قديماً تصنع باليد، وتتفاوت، فتكون هذه القربة أكبر من هذه -مثلاً- وهذا الجلد أحسن من هذا، وهذا الحذاء أفضل من هذا، ولا تتساوى عادة، فلذلك تضمن بقيمتها. وكذلك أيضاً بهيمة الأنعام، فإذا غصب شاة فالغنم أيضاً تتفاوت ويصعب أن يوجد لها مماثل سواء في سمنها وفي كبرها وفي لونها وسنها، فلذلك كان عليه قيمتها. وعرفنا أن الغالب في هذه الأزمنة أن المصنوعات تتقارب، فالأحذية تتقارب، وكذلك الثياب التي تخاط بالماكنة تتقارب، والكتب التي تطبع طبعة واحدة متقاربة، والقدور والصحون والأباريق والأقلام والسكاكين والملاعق الغالب أنه لا تفاوت بينها، حيث إنها تصنع بماكنة فلا يقع تفاوت بينها، فيضمن القدر بمثله من أي نوع، ويضمن السكين بمثلها، ويضمن البساط بمثله والثوب بمثله، والخيمة بمثلها، لتقاربها وعدم التفاوت بينها.

حكم تصرف الغاصب بالمغصوب

حكم تصرف الغاصب بالمغصوب

بطلان تصرف الغاصب وعقده على المغصوب

بطلان تصرف الغاصب وعقده على المغصوب قوله: (وحرم تصرف غاصب بمغصوب) : وذلك لأنه حرام إمساكه، فإذا حرم عليه إمساكه، حرم عليه التصرف فيه. قال: (ولا يصح العقد) : فلو غصب ثوباً وباعه فالبيع باطل، ولو غصب أرضاً وسبلها بطل الوقف، ولو غصب جارية وزوجها بطل الزواج، ولو غصب أمتعة أو أطعمة وأكياساً ونحوها وتصدق بها؛ بطلت الصدقة ولصاحبها أن يستردها إذا كانت موجودة. فتصرف الغاصب بالبيع، وبالهبة وبالوقف، وبالعتق -لو غصب وأعتق- وبالصداق -لو غصب شيئاً وجعله صداقاً لامرأة تزوجها- ونحوها؛ باطل فلا يصح العقد.

حكم استخدام المغصوب في عبادة

حكم استخدام المغصوب في عبادة قوله: (ولا عبادة) ذكر في الحاشية بعض الأمثلة على العبادة وأنها لا تصح، فإذا بنى في الأرض المغصوبة مسجداً فإنه لا يصح، ولصاحبها أن يهدم المسجد، وإن تراضوا على أن يعطوه ثمن الأرض ويبقى المسجد فهو أفضل، وكذلك لو غصب جملاً وحج عليه، أو سيارة وحج عليها أو جاهد عليها لم يصح جهاده، أو غصب ماءً وتوضأ به لم يصح وضوءه ولا اغتساله به، وكذلك بقية العبادات، ولو أخرج المغصوب كفارة عن نذر أو عن يمين فلا يجزئه ولا يقبل منه، وهذا هو القول المشهور. والإمام أحمد رحمه الله يرى أنه لا يصح الحج بمال مغصوب، أو بمال حرام، وأن عليه أن يحج حجة أخرى، وفي ذلك يقول بعض الشعراء: إذا حججت بمال أصله سُحتٌ فما حججتَ ولكن حجت العير لا يقبل الله إلا كل صالحة ما كل من حج بيتَ الله مبرورُ وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه يأثم، ولكن الحج صحيح، بحيث لا يؤمر أن يعيده؛ لأنه أدى الحج ومناسكه ببدنه، وإنما المال وسيلة، ولعل هذا هو الأقرب، وأنه يصح الحج ويسقط الفرض، ولكنه يأثم. ومثله: إذا غصب ماءً فتوضأ به، أو اغتسل به من جنابة: فهل يرتفع الحدث؟ الإمام أحمد يرى أنه لا يرتفع؛ وذلك لأنه معصية، فكيف يجمع بين طاعة ومعصية؟! والصحيح هو القول الثاني في المذهب، وهو أنه يصح، وهو قول أكثر العلماء وأن الحدث يرتفع، ولكن يأثم بالغصب؛ لأنه يأثم بالغصب حتى لو أراقه، فلو أراق الماء الذي غصبه أثم، وكذلك لو شربه أو باعه أثم، فالعبادة لا تعلق لها بذلك.

الصلاة في الدار المغصوبة

الصلاة في الدار المغصوبة وكذلك: لو غصب داراً وصلى فيها، فهل تصح صلاته؟ الرواية المشهورة للإمام أحمد أنها لا تصح صلاته، والقول الآخر: أنها تصح، بحيث إذا تاب لا يؤمر بالإعادة؛ وذلك لأنه أدى الصلاة كما أمر، فلا حاجة إلى أن يعيدها، ونقول له: جلوسك في هذه الدار إثم، واستمتاعك بها واستعمالك لها إثم، وعليك ذنب الغصب، وعليك ذنب الاستعمال لها، وسواء أغلقتها أو سكنتها أو أجرتها أو أسكنت فيها فقراء -مثلاً- صدقة منك فلا يقبل الله تعالى صدقتك، حيث إنك تصرفت في مال إنسان معصوم بغير حق. فعلى هذا لا يؤمر بإعادة الصلوات التي صلها في هذه الدار المغصوبة، ولكنه يأثم.

الصلاة في الثوب المغصوب

الصلاة في الثوب المغصوب وكذلك لو صلى في ثوب مغصوب، فالرواية المشهورة عند أحمد أنها لا تصح صلاته، والقول الثاني: أنها تصح مع الإثم، ويقال: أنت آثم بلبس هذا الثوب، سواء لبسته في صلاة أو لبسته في نوم أو لبسته في يقظة أو في سوق فأنت آثم باستعمالك له، ولكن لا دخل للعبادة.

قبول قول الغاصب في التالف

قبول قول الغاصب في التالف قوله: (والقول في تالف وقدره وصفته قوله) ؛ وذلك لأنه غارم، فإذا غصب شاة وماتت، فقال صاحبها: إنها سمينة، وقال هو: بل هي هزيلة، فالقول قول الغاصب لأنه غارم، وكذلك لو قال: إنك غصبت مني نعجة، فقال: بل غصبت منك كبشاً ذكراً، أو قال: غصبت بقرة، فقال: بل ثوراً، أو قال: غصبت مني ناقة، قال: بل جملاً، أو قال: غصبت مني ثوبين، فقال: بل واحداً، وهي تالفة؛ فالقول قول الغاصب؛ لأنه ضامن. فالقول قول الغصاب في عينه: أي: هل هو ذكر أو أنثى، وفي قدره، أي: ثوب أو ثوبان، وفي صفته، أي: جديد أو مستعمل. وأما في رده والعيب فيه، فالقول قول صاحبه، فإذا قال: رددت عليك الكيس الذي غصبتك والثوب الذي أخذته منك بغير حق، فقال: لم ترده، فيحلفه صاحبه أنه ما رده وله ثمنه أو وله بدله؛ وذلك لأن الأصل عدم الرد، وقد اعترف بالغصب وادعى الرد، فلا يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فإذا لم تكن بينة حلف صاحبه، وكذلك إذا ادعى الغاصب أنه معيب: فقال: إن الثوب مخرق، والقدح متصدع، والشاة عوراء، وأنكر صاحبها، وقال: بل هي سليمة ليس فيها شيء من هذه العيوب، فالقول قول ربها، فيحلف على سلامتها ويقبل قوله.

الصدقة بالمغصوب ونحوه بنية الضمان

الصدقة بالمغصوب ونحوه بنية الضمان قوله: (ومن بيده غصب أو غيره وجهل ربه فله الصدقة به عن صاحبه بنية لضمان ويسقط إثم الغصب) : يحدث كثيراً أن الإنسان يكون عنده دين وينسى صاحبه، فيقول: أنا استدنت من صاحب دكان بعشرة، ولكن نسيته، ولا أدري أين هو ولا أدري من هو، فنقول: تصدق به واجعل أجره لصاحبه؛ فإن وجدته بعد ذلك فخيره بين الأجر وبين الضمان، وأخبره بأنك تصدقت بها، فإن اختار أجرها فله أجرها، وإن قال: اضمنها؛ فتضمنها والأجر يكون لك، وهذا معنى أنه يتصدق به بنية الضمان، أي: يضمنه إذا جاء صاحبه. وهكذا الودائع: إذا أودع عندك إنسان ثوباً أو كيساً أو تمراً أو كتاباً أو خيمة أو بساطاً، ولم يأتِ ولا تدري ما اسمه، أو تعرف اسمه ولكن لا تدري أين هو، وطالت المدة حتى أيست من أن يرجع إليك؛ فتصدق به واجعل أجره لصاحبه، وإذا قدر أنه أتاك -ولو بعد عشر سنين أو عشرين سنة- فإنك تخيره، بين أجر تلك الصدقة، وبين غرامتها -غرامة العين- ويكون الأجر لك.

ضمان المتلفات وضمان الدواب

ضمان المتلفات وضمان الدواب

ضمان من أتلف محترما

ضمان من أتلف محترماً قوله: (ومن أتلف -ولو سهواً- محترماً ضمنه) . من أتلف محترماً فعليه الضمان، ولو كان الإتلاف سهواً أو خطأً، فإذا صدم شاة فإنه يضمنها؛ لأنها محترمة، أو اصطدم في جدار فهدمه؛ فعليه الضمان، أو صدم شجرة فقلعها فعليه ضمانها. وهكذا لو شق ظرفاً خطأً بأن رمى بسكين فأصابت قربة أو ظرفاً فيه سمن فإنه يضمن ما تلف فيه، وكذلك بقية الأموال إذا أتلفها بإحراق أو بإغراق أو ما أشبه ذلك، فلو أنه طرد شاةً فسقطت في بئر فماتت ضمنها. ويحدث كثيراً أن يجد الراعي شاة ضالة فيأتي بها مع غنم صاحبه، فإذا وجدها صاحب الغنم فإن عليه إمساكها إلى أن يأتي ربها، ولا يجوز له طردها، فلو طردها فافترست ضمنها، بل يحفظها إلى أن يجيء صاحبها، وتكون كاللقطة؛ لأن في الحديث: (خذها؛ فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) ، وكذلك بقية ما كان ضالاً.

لا تضمن آلات اللهو ونحو

لا تضمن آلات اللهو ونحو وقوله: (محترماً) يعني: ما له قيمة وما يضمن. فيخرج ما ليس بمحترم فإذا أتلف صوراً خليعة فلا يضمن لأنها غير محترمة، أو أتلف آلات لهو كطبول أو عود لهو أو شطرنج أو أشرطة غناء أو أفلام خليعة، إذا أتلفها فلا قيمة لها ولا ضمان عليه؛ لأنها غير محترمة، ولو أن صاحبها يبذل بها مالاً. يعني: نقول: إن المال الذي يأخذه أهلها حرام، كالذين يسجلون أشرطة فيها صور خليعة كصور نساء متبرجات، فإنه يجب إتلافها، وكذلك الصور في المجلات التي تعرض فيها الصور الخليعة، لا شك أن إتلافها يعتبر امتثالاً فلا قيمة لها ولا حرمة لها ولا تضمن. وكذلك أيضاً: الأعواد والرباب والطنبور والطبول وغيرها من آلات الغناء؛ فهذه غير محترمة فلا قيمة لها، ومن أتلفها فلا ضمان عليه.

ضمان ما أتلفته الدواب

ضمان ما أتلفته الدواب وقوله: (وإن ربط دابة بطريق ضيق ضمن ما أتلفته مطلقاً) . وذلك لأن الطريق ليس ملكه، فإذا ربطها بطريق ضيق ضمن ما أتلفته مطلقاً. وكذلك السيارات: لو أوقفها بطريق ضيق فعثر بها إنسان فتكسر أو شج وجهه، فإن صاحبها يضمن، وهكذا لو أوقفها في زاوية خفية فجاء سائق سيارة أخرى على غفلة فاصطدم بها فمات أو تحطمت سيارته، فإن صاحب السيارة الذي أوقفها يضمن أيضاً. وذكر أن إنساناً أوقف سيارته في ظل، ثم إن طفلاً سقط من السطح على سطح تلك السيارة فمات، فضُمنه صاحب السيارة، ولعل هناك قرائن أيضاً سببت ضمانهُ. وكذلك لو حفر بئراً أو حفرة في طريق ضيق وعثر بها إنسان فمات أو تكسر ضمن صاحب الحفرة؛ لأنه أخطأ بالحفر في هذا الطريق، أو أبقى فيه حجارة كالحجارة التي يبنى بها فسدت الطريق أو أكثره، فعثر بها إنسان فإنه يضمن. وذكر الدابة كمثال -فقال: (إذا ربط دابة في طريق ضيق) وإلا فإنه يدخل ما يلحق بها. وتكلموا أيضاً على ما تفسده الدابة من الحرث، وقد ورد في تفسير قول الله تعالى: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء:78] . أن النفش هو الأكل منه ليلاً، فقالوا: إذا دخلت الدواب ليلاً كغنم أو بقر أو إبل أو حمر أو خيل في حرث، وأكلت منه، أو أفسدت الزرع -مثلاً- أو أفسدت البطيخ، فإن أهلها يضمنون؛ وذلك لأن عليهم حفظها بالليل؛ لأن عادة أهل الدواب أن يمسكوها ويحفظوها ليلاً، ولا يتركوها تعيث، فإذا لم يمسكوها ضمنوا ما أتلفته ليلاً، وأما في النهار فالعادة أن أصحاب الدواب يطلقون سراحها لترعى في النهار، إبلاً وخيلاً وغنماً، وأن أهل الحرث يحفظونه في النهار فيكونون حوله، فإذا غفلوا نهاراً عنه فلا ضمان؛ لأنهم تساهلوا بحراسة حرثهم. ثم يقول: (وإن كانت بيد راكب أو قائد أو سائق ضمن جناية مقدمها ووطئها برجلها) وذلك لأن العادة أنه يتصرف في مقدمها، فإذا عضت إنساناً أو وطئته بخفها بمقدمها أو مؤخرها ضمن؛ لأنه يملك قيادتها، فإنه إذا كان يسوقها فإنه يصرفها هنا أو هنا، كذلك إن كان فيها خطام يقودها بالخطام، وكذلك إذا كان راكباً عليها، فالعادة أنه يحمل عصا وأنه يوجهها بالعصا من هنا ومن هنا. فإذا كانت بيد راكب أو قائد يقودها بخطامها أو سائق خلفها يسوقها ضمن جناية مقدمها إذا عضت أحداً أو وطئته أو رفسته بيدها، ولا يضمن مؤخرها، فإذا نفحت بذنبها إنساناً فأصابت عينيه -مثلاً- أو وجهه، فلا غرم على صاحبها؛ لأنه لا يتصرف في مؤخرها، وكذا لو رمحته برجلها فلا ضمان على صاحبها.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التحدي بجعل

حكم التحدي بجعْلٍ Q ما رأي فضيلتكم فيما يحصل كثيراً من التحدي بين اثنين أو أكثر في مسألة أو نحوها، فيقول أحدهما: إذا كان الأمر كما قلت فعليك ذبيحة، ويلزمه بها، فهل هذا جائز؟ A هذا قد يدخل في القمار إذا كان كثيراً، وقد يتساهل فيه إذا كان يسيراً كطعام أو نحوه، ولكن تركه أولى إذا لم يترتب على ذلك مصلحة، أما إذا كان فيه مصلحة كمسابقات علمية عليها جوائز تشجع المتسابقين على البحث ونحوه فهذا جائز.

البيع بعد الأذان

البيع بعد الأذان Q ما رأيكم فيمن ينكر على من يبيع المساويك بعد الأذان ونحوها، وهل هذا محل للإنكار؟ A نعم. ينبغي على الباعة إذا سمعوا الأذان أن يغلقوا متاجرهم، حتى بائع السواك ونحوه؛ فيبيعه بعد الصلاة أو قبل الأذان، أما إذا سمع المؤذن، فإنه يطوي متاعه ويذهب إلى المسجد، ومع ذلك إذا لم تقم الصلاة ولم يتضايق الوقت، فالبيع صحيح إذا حصل.

دخول الأم في حديث: (أنت ومالك لأبيك)

دخول الأم في حديث: (أنت ومالك لأبيك) Q يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) ، هل تقاس الأم على الأب في هذا الحكم؟ A نعم، هذا هو الصحيح؛ لأن الأم أحد الأبوين؛ ولأن الله تعالى عندما يذكر الأبوين يخص الأم بالذكر، كقوله: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} [لقمان:14] ، {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف:15] ، فهو يدل على عظم حقها.

وإن أركب منقطعا لله لم يضمن

وإن أركب منقطعاً لله لم يضمن Q ما معنى قول المصنف: (وإن أركب منقطعاً لله لم يضمن) ؟ A ذكرنا أنه إذا وجد إنساناً منقطعاً في الطريق -ابن سبيل- ولم يستطع أن يصل إلى بلده، فأركبه حماراً -مثلاً- أو فرساً أو بعيراً، ثم إن ذلك المركوب تلف تحته -انكسر مثلاً- أو مات فلا ضمان على ذلك الراكب؛ لأنه أركبه لله.

ضمان صاحب السيارة لمن أركبهم معه

ضمان صاحب السيارة لمن أركبهم معه Q ما رأيكم فيما يحصل الآن: حيث إن الإنسان إذا أركب شخصاً في سيارته، ثم حصل حادث ومات هذا المنقطع، فإن الذي أركبه يحمل ديته؟ A إذا كان متسبباً، وكانت عليه نسبة من الخطأ. يعني: أنه ارتكب خطأً لسرعته -مثلاً- أو استعمل السيارة وليست سليمة، بل فيها عيوب، مما سبب الحادث، فعليه نسبة من الخطأ؛ فإنه يضمن من تلف معه، ولو كان أركبهم لله.

الفرق بين الغصب والسرقة

الفرق بين الغصب والسرقة Q ما الفرق بين الغصب والسرقة؟ A معلوم أن الغصب أخذ بقوة وعلانية، وجرأة وقدرة، يقهر بها المغصوب فيغلبه، أما السارق فإنه يأخذ على حين غفلة، فيكسر الأبواب في وقت الغفلة أو النوم، ويتسلق الحيطان، ثم يدخل ويأخذ الأمتعة على حين غفلة من أهلها وعلى غرة. فهذا هو السارق.

السارق والغاصب يضمن المنفعة والأجرة

السارق والغاصب يضمن المنفعة والأجرة Q إذا سرقت البهائم في البادية فإن صاحبها يطلبها، وقد يستمر أياماً أو شهوراً فإذا تحصل على السارق: فهل يضمن السارق مصاريفه في مدة بحثه؟ A إذا كان أخذها من زريبته وساقها، فإنه يطالبه بمصارفيه التي أنفق لطلبها، وكذلك منفعتها إذا حلبها في هذه المدة، وذلك أن السارق أو الغاصب يُطَالب بقيمة ما أخذ منها.

حكم منع العارية لمن لا يرجعها في وقتها

حكم منع العارية لمن لا يرجعها في وقتها Q قلتم: إن من منع العارية وهو مستغنٍ عنها؛ فإنه يأثم؛ لقول الله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] ، وبعض الإخوة وفقهم الله يطلبون من بعضهم إعارتهم بعض الكتب والأشرطة الدينية، ولكنهم يتهاونون في ردها، وربما لا يردونها، مما يجعل البعض إذا جاءه مستعير للكتب أو الأشرطة يرفض إعارته؛ فهل يدخل في هذه الآية؟ A لا يدخل إذا كان ذلك المعير محتاجاً إلى هذه الكتب أو هذه الأشرطة، وكان المستعير معروفاً بالتساهل وتأخير الرد، فيفوت على المعير مصلحة، بحيث إنه إذا احتاج إلى كتابه أو إلى ذلك الشريط لم يجده، فله أن يمنعه، فيقول: أنت لا تصلح أن تعار؛ لأننا بحاجة إلى كتبنا، وأنت تطيل بقاءها عندك، وبقي عندك ذلك الكتاب شهراً أو أشهراً وفوَّتَّ علينا الفوائد، وهو محق والحال هذه؛ وذلك لأن المستعير عليه أن يردها في الوقت الذي طُلب منه، إذا حدد له يوماً فلا يزيد عليه، فأما أن يهملها ويقول: ليسوا بحاجة فإن هذا خطأ.

المؤمنون عند شروطهم

المؤمنون عند شروطهم Q توجد أرض عند أحد الأقارب، مساحتها اثنان كيلو في واحد كيلو، فقال لي: أريد أن أعطيك نصف الأرض بشرط أن تحيي الأرض، وتضع فيها رشاشين على مساحة الأرض، وأن تشبكها له وتستخرج عليها صكاً، ما حكم هذا أفتونا مأجورين؟ A إذا كانت ملكاً لذلك المالك الذي قد ملكها أو إقطاعاً -يعني: أُقطعها من الحكومة- فله أن يتصرف هو والأجير على ما يريدون، إذا قال: لك نصفها بشرط كذا وكذا -كما ذكر في السؤال- فالمؤمنون عند شروطهم.

حكم استخدام آلة التصوير في الإدارات الحكومية لأغراض شخصية

حكم استخدام آلة التصوير في الإدارات الحكومية لأغراض شخصية Q نستخدم آلات التصوير التي في عملنا لتصوير بعض الأوراق المتعارف عليها، مثل بطاقات الأحوال وغيرها، مع موافقة الرئيس المباشر؛ فهل في ذلك بأس؟ A ينبغي ألا يتوسع في هذا؛ لأن هذه الأجهزة حكومية اشتريت لمصلحة الإدارة التي هو فيها؛ فلا تستعمل إلا فيما هو من خصائص الأعمال، وأما الحاجات الخصوصية؛ فلا ينبغي أن يتوسع في ذلك، لكن إذا كان ذلك نادراً في حياته كما إذا احتاج إلى تصوير حفيظته أو شهادة له، فلعل ذلك يتسامح فيه.

شرح أخصر المختصرات [43]

شرح أخصر المختصرات [43] الشفعة هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض مالي، وبثمنها الذي استقر عليه العقد، ولابد لثبوت الشفعة من شروط تضمن المصلحة ودفع الضرر عن الشفيع والمشتري، وهي مفصلة بأحكامها في كتب الفقه.

باب الشفعة

باب الشفعة قال المصنف رحمه الله: [فصلٌ: وتثبت الشفعة فوراً لمسلم تام الملك في حصة شريكه المنتقلة لغيره بعوض مالي بما استقر عليه العقد. وشرط تقدم ملك شفيع وكون شقص مشاعاً من أرض تجب قسمتها، ويدخل غراس وبناء تبعاً، لا ثمرة وزرع، وأخذ جميع مبيع، فإن أراد أخذ البعض، أو عجز عن بعض الثمن بعد إنظاره ثلاثاً، أو قال لمشترٍ: بعني أو صالحني، أو أخبره عدلٌ فكذبه ونحوه: سقطت، فإن عفا بعضهم أخذ باقيهم الكل أو تركه. وإن مات شفيعٌ قبل طلب بطلت، وإن كان الثمن مؤجلاً أخذ مليءٌ به، وغيره بكفيل مليء. ولو أقر بائع بالبيع وأنكر مشترٍ ثبتت] .

تعريف الشفعة

تعريف الشفعة الشفعة: مشتقة من الشفع الذي هو العدد الزوج، فالواحد يسمى وتراً، والاثنان والأربعة والستة والثمانية والعشرة تسمى شفعاً، والأعداد إما وتر وإما شفع؛ لقوله تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:3] ، فالشفع هو العدد الزوج، هذا اشتقاقها. تعريف الشفعة: هي استحقاق انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض مالي بثمنها الذي استقر عليه العقد. وهكذا تعريفها في زاد المستقنع، وسيتضح بالأمثلة كما سيأتي إن شاء الله.

صورة الشفعة

صورة الشفعة وصورة ذلك: إذا كان للإنسان أرض ومعه شريك فيها شركة مشاعة، أي: ليس لهذا الجنوب ولهذا الشمال، بل كل بقعة منها فهي بينهما فهذه الأرض بينهما نصفين، فباع أحدهما نصفه على زيد، ولما باع علم شريكه فجاء إلى زيد وقال: أنت اشتريت نصيب شريكي وأنا أحق به؛ لأني لا أحب الشركاء، وأنت اشتريتها بستين ألفاً فخذ دراهمك. فالشركة مشروعة؛ لأن الشركاء قد يتضايق بعضهم ببعض، قال الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24] ، فيكون الشريك أحق بانتزاعها بالثمن الذي اشتراها به زيد.

اشتراط الفور والإسلام وتمام الملك في الشفعة

اشتراط الفور والإسلام وتمام الملك في الشفعة ثم لابد لها من شروط: الشرط الأول: أن يبادر بأخذها فوراً ولا يؤخر الطلب؛ وذلك لأنه قد يتضرر المشتري فقد يتصرف فيها، فلابد أن يبادر ساعة ما يعلم أن شريكه باع، فيذهب إلى المشتري ويقول: إني شافع، أو يشهد من حوله: اشهدوا أني قد شفعت في حصة شريكي التي باعها على زيد. الشرط الثاني: أن يكون الشفيع مسلماً؛ فإذا كان كافراً فلا شفعة له على مسلم، فلو كان أحد الشريكين كافراً، فباع المسلم على مسلم وأراد الكافر أن ينتزعها من المسلم، لم يجز له ذلك، وذلك لئلا يعلو على المسلم، فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فلا شفعة لكافر على مسلم، ولو كانت الشركة بين كافرين فباع أحدهم على مسلم وأراد الكافر الثاني أن يشفع فلا شفعة له. الشرط الثالث: تمام الملك: فإذا لم يكن الملك تاماً فلا شفعة. كيف يكون تمام الملك؟ إذا كان قد ملكها إرثاً أو هبة أو ملكتها المرأة صداقاً بعد الدخول، أو ملكها الزوج مقابل خلع، أو ملكها شراءً، أو ملكها جميعاً بالإحياء، ففي هذه الحال له الشفعة، أما إذا لم يكن الملك تاماً فلا شفعة. وصورة ذلك: إذا ملكتها المرأة صداقاً ولكن قبل أن يدخل بها الزوج باع شريكها، فلا شفعة لها؛ لأنه يمكن أن يطلقها قبل الدخول، فإذا طلقها ترجع نصف الأرض، فلا يكون لها شفعة. وهكذا إذا كانت الأرض مجرد إقطاع، وأن الخليفة أو الملك أقطع هذه الأرض التي هي -مثلاً- مائة في مائة لزيد وعمرو، فلا يملكانها إلا بعد الغرس فيها أو بعد سقيها أو بعد البناء فيها، فإن باع أحدهما قبل الغرس ونحوه لم يكن الملك تاماً.

لا شفعة إلا فيما انتقل بعوض مالي

لا شفعة إلا فيما انتقل بعوض مالي وقوله: (في حصة شريكه المنتقلة لغيره بعوض مالي بما استقر عليه العقد) . أي: ولو كانت الحصة قليلة، فلو كانت الأرض بين اثنين أحدهما له تسعة أعشارها والثاني له العشر، وباع صاحب التسعة الأعشار، فصاحب العشر له الشفعة على المشتري. ولو تعدد المشتري: فلو كان المشتري -مثلاً- عشرة، كل واحد اشترى منها قطعة، فلصاحب العشر أن يشفع على الجميع، ويقول: أنا أحق؛ لأني شريك. وكذلك لو كان العكس، فلو كان الذي باع هو صاحب العشر، فلصاحب التسعة الأعشار أن يأخذ هذا العشر فيضمه إلى ملكه ويعطي المشتري ثمنه، هذا إذا كان الانتقال بعوض مالي.

إذا كان العقد بغير عوض مالي فلا شفعة

إذا كان العقد بغير عوض مالي فلا شفعة أما إذا كان الانتقال بعوض غير مالي فلا شفعة، وصورة ذلك: لو كانت الأرض بين اثنين شراكة، ثم إن أحدهما تزوج امرأة، وقال: صداقك نصف هذه الأرض التي بيني وبين خالد، ولما أصدقها أراد خالد أن يشفع؛ فهل له شفعة؟ ليس له شفعة؛ لأن شريكه دفعها مقابل النكاح، فلا يقول: أيتها المرأة! إني أشفع عليك وأعطيك صداقاً بدل هذا الصداق؛ فليس له ذلك؛ لأنها أخذته مقابل هذا الزواج، بل هو مقابل الاستمتاع بها. هذا مثال. مثال ثانٍ: إنسان قتل رجلاً عمداً، فقال: أولياء القتيل: سوف نقتلك أو تعطينا نصيبك من هذه الأرض بالغاً ما بلغ، فقال: خذوا الأرض، وقيمتها مائة ألف أو مائتا ألف أو ثلاثمائة، فهل هم أخذوها هنا بعوض مالي؟ ما أخذوها إلا عوضاً عن دم صاحبهم، فهذا عوض ليس بمالي، فليس فيه شفعة.

اشتراط تقدم ملك الشفيع لصحة الشفعة

اشتراط تقدم ملك الشفيع لصحة الشفعة يشترط لها شروط: الشرط الأول في قوله: (وشرط تقدم ملك شفيع) أي: على البيع، فيخرج ما إذا ملكاها سواء فليس لأحدهما شفعة على الآخر، فإذا اشترى زيد وعمرو أرضاً على أنها شراكة بينهما، وكل منهما دفع نصف الثمن، فهل لأحدهما شفعة على الآخر؟ A ليس لأحدهما شفعة؛ لأنهما ملكاها دفعة واحدة، واشترياها سواءً.

لا تكون الشفعة إلا في المشاع

لا تكون الشفعة إلا في المشاع الشرط الثاني في قوله: (وكون شقص مشاعاً) ، فيخرج ما إذا كان الشقص متميزاً، فلو قسماها نصفين، وقال: لك النصف الأيمن ولي النصف الأيسر، وتراضيا على ذلك، فإذا باع أحدهما بعد ذلك فلا شفعة، لأنه تميز ملك أحدهما، وفي بلوغ المرام وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) ، فإذا كانت الأرض مائة متر، ثم اقتسماها، وجعلا بينهما حدوداً ومعالم فلا شفعة.

لا شفعة إلا في أرض تجب قسمتها

لا شفعة إلا في أرض تجب قسمتها الشرط الثالث: كونها أرضاً تجب قسمتها. وهذا فيه خلاف، فقسمة الأرض تنقسم إلى قسمين: قسمة إجبار، وقسمة تراضٍ. فقسمة الإجبار: إذا كانت الأرض واسعة، وإذا قسمت لم يتضرر أحدهما، كأرض مساحتها مائة متر، فإذا قسمت أمكن صاحب الخمسين متراً أن يزرع فيها وأن يحفر وأن يبني وأن يغرس، فلا ضرر عليه بالقسمة، وهذا إذا طلب القسمة ألزم الثاني بأن يقسم معه. أما ما لا يقسم إلا بضرر، فيسمى قسمة تراضٍ، فإذا كان بينهما -مثلاً- دكان عرضه متران، وطوله ثلاثة أمتار، وطلب أحدهما أن يقسم نصفين، فإن شريكه يقول: علي ضرر، لأنه لا يبقى إلا نحو متر وربما ينقصه الجدار فماذا يفيد؟! أنا لا أتمكن من الانتفاع به؛ فهذا لا يقسم إلا بتراضٍ، فإن تراضيا فلهما ذلك، فأما إذا لم يتراضيا فلا. فهل تقع شفعة في هذا الدكان إذا باع أحدهما نصفه؟ الصحيح أن فيه شفعة ولو لم تجب القسمة؛ وذلك لأن الضرر فيه أشد. وكذلك البيت إذا كان عرضه ستة أمتار وطوله سبعة أمتار أو ثمانية، وهو مشترك بين اثنين، وطلب أحدهما نصيبه قسمة، فلا يقسم إلا بالتراضي؛ لأنه إذا قسم فسد ولم ينتفع به، والصحيح أنه إذا باع أحدهما نصيبه ثبتت الشفعة. قوله: (ويدخل غراس وبناء تبعاً) ، فإذا بيع البستان وهو بين اثنين نصفين، فباع أحدهما نصفه، وفيه غراس وبناء فإنه يدخل تبعاً، وذلك لأنه معلوم أنه للاستقرار وللدوام، والإنسان إذا بنى داراً فالعادة أنها ليست مؤقتة؛ يقول: هذه داري طول حياتي، ومن اشتراها فإنه يقول: أسكن فيها طول الحياة فليست مؤقتة. وكذلك إذا غرس فيها شجراً كنخل أو ليمون أو رمان، فالعادة أيضاً أنه يبقى، وليس مثل الذي يموت بسرعة كبطيخ ونحوه. فإذا شفع الشافع انتزعهما من المشتري وأعطاه ثمنه، وذلك إذا باع شريكه نصف الأرض بما فيها من البيوت وبما فيها من الأشجار. قوله: (لا ثمرة وزرع) يعني: إذا باعها وفيها ثمر فالعادة -كما تقدم- أنه للبائع، وكذلك الزرع لبائع إلى الحصاد والجذاذ إلا إذا اشترطه المشتري، وقد تقدم هذا في الأصول والثمار.

اشتراط أخذ جميع المبيع في الشفعة

اشتراط أخذ جميع المبيع في الشفعة الشرط الرابع: أخذ جميع المبيع: أن الشفيع يأخذ المبيع كله ولا يأخذ جزءاً منه. صورة ذلك: إذا كانت الأرض أثلاثاً: أحدهما له ثلثاها والآخر له ثلث، ثم إن صاحب الثلثين باع ثلثيه على زيد، فقال صاحب الثلث: أنا أشفع، ولكن لا أريد إلا ثلثاً، فالمشتري يقول: علي ضرر، فالثلث لا يكفيني، وله أن يقول: إما أن تأخذ الثلثين أو تتنازل عن الشفعة، ويلزم بذلك، فإن عجز وأراد أخذ البعض، أو عجز عن بعض الثمن بعد إنظاره ثلاثاً بطل حقه في الشفعة. وإذا قال: أنا شافع في الثلثين، وقيمتهما كانت أربعين ألفاً، فقال: أنا أريد أن أشفع، ولكن لا أجد إلا ثلاثين ألفاً، فيمهل ثلاثة أيام، فإن عجز، فإنه يرد الثمن وتبطل شفعته. وكذلك لو قال للمشتري: أنت اشتريت من شريكي بأربعين ألفاً، فبعني هذا الشق الذي اشتريته بخمسين ألفاً مؤجلاً، أو قال: صالحني بنصفه أو بثلثه؛ بطلت شفعته؛ وذلك لأنه لم يبادر بالشفعة، وقد ورد في الحديث: (الشفعة كحل العقال) . يعني: عليه أن يبادر بها، وفي حديث آخر: (إنما الشفعة لمن واثبها) ، يعني: بادر بطلبها دون تأخير. وهكذا لو جاءه إنسان عدل وقال: إن شريكك قد باع شقصه بأربعين ألفاً، فكذبه، وليس من عادة هذا الإنسان الكذب، أو تواترت إليه الأخبار بأن صاحبه قد باع، فلم يطلب الشفعة، سقطت شفعته.

حكم الشفعة إذا كثر الشركاء

حكم الشفعة إذا كثر الشركاء قوله: (وإن عفا بعضهم أخذ باقيهم الكل أو تركه) : وصورة ذلك: إذا كانت الأرض بين ثلاثة: أحدهم له نصفها والآخر له ثلثها، والثالث له سدسها، ثم باع صاحب الثلث، فإذا باع صاحب الثلث، فصاحب النصف يقول: أنا أريد الشفعة، ولكن لا أشفع إلا في سدس، وصاحب السدس يقول: أنا لا أريد الشفعة، والمشتري يقول: لا أقدر أن أجزئها فإما أن تأخذه كله أو تتركه كله. وهكذا لو باع صاحب النصف، فإذا قال صاحب الثلث: يكفيني سهمان أضمهما إلى الثلث، فقال المشتري: لا أقبل، فإما أن تأخذ النصف كله وإما أن تتنازل عن الشفعة، فإن قول المشتري صحيح، فإما أن يأخذ الشفيع نصيب شريكه كاملاً أو يدعه كاملاً. أما إذا طلب الشريكان الشفعة؛ فإنه بينهما على قدر ملكيهما: فإذا فرضنا أن الأرض ستة أسهم، ثلاثة لواحد واثنان لواحد، والسادس لواحد، فباع صاحب الثلاثة، فأراد الشريكان الشفعة، فكيف نقسمها بينهما؟ A على قدر سهامهما، فلصاحب السهمين سهمان، ولصاحب السهم سهم، فيصبح صاحب السهمين يملك الثلثين، ويصبح صاحب السهم يملك الثلث. فإن ترك أحدهما الطلب وقال: لا أريد الشفعة ألزم الآخر بأن يأخذ الجميع أو يترك الجميع؛ لئلا يتضرر المشتري.

حق الشفعة لا يورث

حق الشفعة لا يورث هذا معنى قوله: (وإن عفا بعضهم أخذ باقيهم الكل أو تركه) . قوله: (وإن مات شفيع قبل طلب بطلت) : يعني مات قبل المطالبة بالشفعة فإن حقه من الشفعة يبطل، ولا تثبت الشفعة لورثته؛ وذلك لأن ملك الورثة متجدد، وقد ذكرنا أنه لابد أن يكون الملك سابقاً للبيع، والورثة ملكهم حادث بعد البيع للمشتري.

حكم الشفعة إذا كان ثمن المبيع مؤجلا

حكم الشفعة إذا كان ثمن المبيع مؤجلاً وإن كان الثمن مؤجلاً أخذ الشفيع به إذا كان مليئاً، وغير المليء يأتي بكفيل مليء، فإذا باع أحدهما نصيبه -مثلاً- بأربعين ألفاً مؤجلة لمدة سنة، وقال الشفيع: أنا شافع بالأربعين، ولكن كيف آخذها وهي مؤجلة؟ فنقول: إن كان الشفيع مليئاً فإنه يؤجل عليه الثمن، ولا يدفعه إلى سنة، وإذا لم يكن مليئاً فكان فقيراً فلا شفعة له إلا إذا وثق بكفيل مليء.

ثبوت الشفعة بإقرار البائع وإنكار المشتري

ثبوت الشفعة بإقرار البائع وإنكار المشتري يقول: (ولو أقر البائع بالبيع وأنكر مشترٍ ثبتت) : وذلك لأنها إنما ثبتت بإقرار البائع، فإذا قال البائع: أنا بعت نصيبي بأربعين ألفاً على زيد، فقال: زيد: أنا ما اشتريت، فقال الشريك: أنا شافع، ويكون الملك لي؛ ثبتت الشفعة بإقرار البائع بالبيع.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من دخل الصلاة وتيقن أنه على غير طهارة

حكم من دخل الصلاة وتيقن أنه على غير طهارة Q صليت المغرب وأنا في الركعة الثانية تذكرت بأني لست على طهارة، وتيقنت من ذلك، وحينما أردت الخروج تذكرت بأن ورائي صفوفاً من المصلين، والتخطي فيه مشقة، فأتممت صلاتي وأنا متيقن بأني لست على طهارة؛ فماذا أفعل الآن؟ A تعيد الصلاة، وإذا سلم المصلون تخرج سريعاً، وتجدد الوضوء وتعيد الصلاة التي صليتها بغير وضوء.

حكم إلغاء عقد الإيجار قبل انتهاء وقته

حكم إلغاء عقد الإيجار قبل انتهاء وقته Q شخص استأجر مستودعاً بأجرة مقدارها عشرة آلاف ريال، واشترط عقد إيجار لمدة عشر سنوات، وبعد سنتين أراد المؤجر أن يلغي العقد: هل أطالبه بإيجار عشر سنوات؟ A إذا كان العقد بينهما محكماً عشر سنوات، كل سنة بكذا وكذا، وقد اتفقا على ذلك، فليس للمالك أن يلزمه بفسخ العقد؛ لأنه قد تم العقد بينهما سواء دفع القيمة أو كانت القيمة والأجرة على أقساط، فإن تنازل لذلك المستأجر فإنه من نفسه. يعني: يجوز له أن يتنازل، وإن أصر فليس للمالك إلزامه بالتنازل.

إبراء ذمة الميت من الدين

إبراء ذمة الميت من الدين Q توفي والدي وبعد شهرين أتى رجل يدعي أن له مبلغاً من المال، ولا يوجد معه بينة ووجدت في أوراق والدي أنه لم يكمل عمله وأنه أخذ مبلغاً مقدماً ولم يكمل عمله، وقد رددت على هذا الرجل وقلت له: هات بينة، والآن أجد في نفسي أنني أعطيه المال؛ ليذهب الشك عني، علماً بأن بحثت عن الرجل فلم أجده فماذا أفعل؟ A كما سمعت تصدق عنه، وتكون الصدقة عنه مضمونة، إن وجدته بعد ذلك، وأيضاً: إذا كان أبوك منعه؛ لأنه لم يكمل عمله، فلا حق له؛ لأنه لا يستحق الأجرة إلا بإتمام العمل، ولكن الأولى أن تبرئ ذمة أبيك.

حكم اعتبار المال المفصول في الزكاة

حكم اعتبار المال المفصول في الزكاة Q إذا غُصب مني مال، فهل يحق لي أن أعتبره من الزكاة؟ A لا يحق لك؛ وذلك لأن الغاصب عادة ليس من أهل الزكاة لظلمه، وقد يكون غنياً لا تحل له الزكاة، وإن عرفت الغاصب فلك مطالبته، وأخذ المال منه، وإن لم تعرفه فسوف تجده في الآخرة.

حكم الضمان في حالة احتراق دكاكين متجاورة

حكم الضمان في حالة احتراق دكاكين متجاورة Q احترق مستودع للدخان، وكان ذلك بسبب سوء التوصيلات في المستودع المجاور له، فهل علي ضمان ذلك، علماً أن الحريق بدأ في مستودعنا أولاً؟ A ليس عليك ضمان إذا كان هذا الحريق حريقاً عاماً، فإنه قد تحترق عدة مخازن، وعدة دكاكين، بسبب حريق واحد، وهذا ليس بالإمكان.

حدود السترة في الصلاة

حدود السترة في الصلاة Q أحد الإخوة أتى إلي وأنا أصلي السنة الراتبة بعد صلاة المغرب فطرح سواكه أمامي على الأرض، ثم مر من أمامي من وراء السواك، فهل علمه هذا صحيح؟ A لا يكفي أن يكون السواك سترة، فالأولى أن يجعل بينه وبين قدميك نحن ثلاثة أذرع، ويمر من وراء ذلك.

حكم من وضع سما في مزرعته فماتت البهائم بسبب

حكم من وضع سماً في مزرعته فماتت البهائم بسبب Q دخلت غنم في مزرعة شخص فأتلفت مزرعته، ثم حذر أصحاب الغنم من ذلك، وتكرر إتلاف مزرعته، فأخبر أصحابها أنه سوف يضع السم في المزرعة، فوضع السم وأتت الغنم وماتت؛ فهل يغرم؟ A لا شك أنه يغرم، وذكرنا أن ما أتلفته الغنم ليلاً فإنه يضمن صاحبها؛ لأنه فرط بحفظها، ونهاراً لا ضمان عليه؛ لأن أصحاب الحرث فرطوا بالحفظ، فوضعه لهذا السم يعتبر ظلماً منه، وعليه غرم ما تلف بسبب السم الذي وضعه عمداً؛ لأن البهائم لا تميز.

حكم الصلاة في الأرض المسورة

حكم الصلاة في الأرض المسورة Q ما حكم الصلاة في الأرض التي عليها سور، وما حكم دخولها؛ وهذا يحصل كثيراًَ في السفر؟ A لا يعد غصباً؛ لأن كونها مسورة -مثلاً- وصاحبها لا ينتفع بها، وجاء المسافرون فوجدوها مسورة، ولها باب، ففتحوها وصلوا فيها، أو استظلوا بها أو استتروا بها عن أعين الناس؛ فلا يعد هذا غصباً، ولا تعد صلاتهم باطلة.

حكم من اشترى أرضا مغصوبة بالخطأ وبنى فيها

حكم من اشترى أرضاً مغصوبة بالخطأ وبنى فيها Q لوالدي أرض، ولم يعلم إلا وقد بُني فيها بالخطأ، حيث بيعت من قبل المكتب العقاري خطأً بالأرض المجاورة لها، فما حكم ذلك، وهل يجوز الطلب من صاحب البناء أن يهدم بناءه؟ A إذا كان قد بنى فيها فتتفقون على الثمن، وتشترون منه البناء، فهو أفضل من الهدم لبناء ربما كلفه عشرات الألوف أو مئات الألوف، والبائع الذي أخذ الثمن فإنه يرده ويبيع الأرض الأخرى.

شرح أخصر المختصرات [44]

شرح أخصر المختصرات [44] الوديعة: هي الأمانة التي تودع عند إنسان ليحفظها، ويسن قبولها لمن علم من نفسه الأمانة، ولها مسائل وأحكام خاصة ينبغي معرفتها، وهي مذكورة في كتب الفقه.

باب الوديعة

باب الوديعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويسن قبول وديعة لمن يعلم من نفسه الأمانة، ويلزم حفظها في حرز مثلها، وإن عينه ربها فأحرز بدونه أو تعدى أو فرط أو قطع علف دابة عنها بغير قول ضمن، ويقبل قول مودع في ردها إلى ربها أو غيره بإذنه لا وارثه، وفي تلفها وعدم تفريط وتعد وفي الإذن، وإن أودع اثنان مكيلاً أو موزوناً يقسم، فطلب أحدهما نصيبه لغيبة شريك أو امتناعه سلم إليه، ولمودع ومضارب ومرتهن ومستأجر إن غصبت العين المطالبة بها. فصل: ومن أحيا أرضاً منفكة عن الاختصاصات، وملك معصوم ملكها، ويحصل بحوزها بحائط منيع، أو إجراء ماء لا تزرع إلا به إن قطع ماء لا تزرع معه، أو حفر بئر أو غرس شجر فيها، ومن سبق إلى طريق واسع فهو أحق بالجلوس فيه ما بقي متاعه ما لم يضر. فصل: ويجوز جعل شيء معلوم لمن يعمل عملاً ولو مجهولاً، كرد عبد، ولقطة، وبناء حائط، فمن فعله بعد علمه استحقه، ولكل فسخها، فمن عامل لا شيء له، ومن جاعل لعامل أجرة عمله، وإن عمل غير معدٍ لأخذ أجرة لغيره عملاً بلا جَعْلٍ أو معدٍ بلا إذن فلا شيء له إلا في تحصيل متاع في بحر أو فلاة، فله أجر مثله، وفي رقيق دينار أو اثنا عشر درهماً. فصل: واللقطة ثلاثة أقسام: ما لا تتبعه همة أوساط الناس كرغيف وشسع، فيملك بلا تعريف. الثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع، كخيل، وإبل، وبقر، فيحرم التقاطها، ولا تملك بتعريفها. الثالث: باقي الأموال، كثمن، ومتاع، وغنم، وفصلان، وعجاجيل، فلمن أَمِنَ من نفسه عليها أخذها، ويجب حفظها وتعريفها في مجامع الناس غير المساجد حولاً كاملاً، وتملك بعده حكماً، ويحرم تصرفه فيها قبل معرفة وعائها ووكائها وعفاصها، وقدرها وجنسها وصفتها، ومتى جاء ربها فوصفها لزم دفعها إليه، ومن أخذ نعله ونحوه ووجد غيره مكانه فلقطة. واللقيط: طفل لا يعرف نسبه ولا رقه، نبذ أو ضل إلى التمييز، والتقاطه فرض كفاية، فإن لم يكن معه شيء وتعذر بيت المال أنفق عليه عالم به بلا رجوع، وهو مسلم إن وجد في بلد يكثر فيه المسلمون، وإن ادعى أجنبي رقه وهو بيده صدق، وإن أقر به من يمكن كونه منه ألحق به] . الوديعة هي: الأمانة التي تودع عند إنسان ليحفظها، وهي مشتقة من ودع الشيء إذا تركه؛ لأنها متروكة عند المودع، (ودعه) أي: تركه، وقرأ بعض القراء قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:3] أي: ما تركك. ثم يسن أن يقبلها، إذا جاء إنسان يودع عندك وديعة دراهم أو أكياساً أو أقمشة يريد أن تحفظها حتى يحتاجها، أو أطعمة أو مواشي وأنت تعلم من نفسك الأمانة فإنك تحفظها، سواءً بأجرة أو تبرعاً، والمتبرع له أجر؛ لأنه داخل في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ، فمن وثق من نفسه بالأمانة، فإنه يحفظها في حرز مثلها. قوله: (يلزم حفظها في حرز مثلها) ، أي: ما تحرز فيه، ومعلوم أنها إذا كانت جواهر أو حلياً أو نقوداً أنها تحفظ في الصناديق التي يقفل عليها، ما يسمى الآن بالتجوري أو ما أشبه. يعني: أنه يقفل عليها ويحفظها؛ لأنها تتبعها الهمم، وربما تناولها الجهلة والسفهاء ونحوهم وعبثوا بها. وقوله: (وإن عينه ربها فأحرز بدونه) فإنه يضمن، فإذا قال: احفظها في جيبك، فحفظها في كمه أو في يده، فإن اليد أقل حفظاً وحرزاً من الجيب، فيضمن والحال هذه؛ لأنه تساهل، وإذا قال: احفظها في الصندوق، فحفظها مثلاً في رف أو روزنة، فإنه يضمن؛ وذلك لأن هذا أقل حفظاً لها. وإذا كانت غنماً وقال: احفظها في الزريبة، فتركها في الطريق فافتلتت ضمنها؛ لتساهله في حفظها، وكذلك إذا قال: احفظ هذه الأكياس في المستودع، فتركها خارج المستودع في داخل السور أو نحوه فإنه يضمن، ويلزمه أن يحرزها في حفظ مثلها. وكذلك يضمن إذا تعدى أو فرط، فالتعدي: الاستعمال، فإذا لبس الثوب أو فتق الختم أو الحزام، أو حل حزام السمن فاهراق، أو حزام الكيس فعبثت به دابة أو طفل، فيعتبر متعدياً. وكذلك: إذا فرط، فأهملها كأن ترك الباب مفتوحاً فدخل الأطفال فعبثوا بها أو أخرجوها، أو أهمل الدابة في الطريق فظلت، وكذا لو قطع العلف إذا كانت دابة فإنها لا تعيش إلا بالعلف، فإذا قطع العلف عن الشاة مثلاً، أو عن البقرة، أو البعير ضمن؛ لأنها لا بد لها من طعام، وينفق عليها مما أعطاه صاحبها، وصاحبها عادة قد يعطيه نفقة، وقد يقول له: خذ هذه النفقة، هذه مائة ريال أنفق عليها منها، وقد يقول له: انفق عليها واحبسها وأنا أعطيك ما خسرته. أما لو رخص له صاحبها فقال: لا تنفق عليها بل اتركها تأكل بنفسها، تأكل من الحشيش ونحوه، فتركها فهزلت أو ماتت فإنه لا يضمن. وكذا إذا قال له صاحبها: لا تطعم الدابة ولا تسقها، ولكن لا شك أنه يأثم إذا رآها تموت جوعاً أو ظمأً، فإن من رآها، ولو كان أجنبياً عليه أن يعلفها ويزيل عنها الظمأ ونحوه، ولو لم تكن مملوكة له، بل لو لم تكن مملوكة أصلاً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش، رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها -يعني: خفها- فنزلت في البئر وسقته، فغفر الله لها، قالوا: وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبد رطبة أجر) . قوله: (ويقبل قول مودع في ردها إلى ربها أو غيره بإذنه لا وارثه) . المودع: الموكل على حفظها. فإذا قال: رددتها إليك، أو وكلتني أن أردها إلى فلان، فرددتها بأمرك، وأنكر صاحبها، فالقول قول المودع؛ لأنه أمين فلا يضمن. قوله: (لا وارثه) : أي: وارث المودع؛ وذلك لأنه إذا مات المودع، وجاء وارثه، وقال: إن أبي قد ردها عليك، فلا يقبل إلا ببينة؛ لأنك ما ائتمنته إنما ائتمنت أباه أو مورثه. قوله: (وفي تلفها وعدم تفريط وتعد وفي الإذن) : أي: يقبل قوله في تلفها وعدم تفريط وتعدٍ وفي الأذن، فإذا قال: ماتت الشاة حتف أنفها، أو احترق الثوب، أو سرق المتاع، أو تآكل الجلد أو الثوب. أي: أكله العث، أو نحو ذلك؛ فإنه يقبل قوله؛ لأنه مأمون موثوق. ويقبل قوله في عدم التفريط، فإذا قال صاحبها: إنك فرطت وأهملت الشاة حتى افترست، فادعى أنه ما أهمل، فالقول قوله. وكذلك: لو ادعى أنك تعديت، فلبست الثوب أو فككت حزام الدراهم، أو حزام الطعام، أو الدهن حتى اهراق، أو أخرجته حتى تسلط عليه الأطفال، أو الطير، أو الدواب؛ فأنكر المودع فإن القول قوله، أنه ما تعدى ولا فرط. وكذلك في الإذن، إذا قال: أذنت لي أن أستعمله، أذنت لي أن أقترض من الدراهم، أذنت لي أن أتصدق منها، أو أذنت لي أن أعطيها لفلان فإنه يقبل قوله فيه. قوله: (وإن أودع اثنان مكيلاً أو موزوناً يقسم فطلب أحدهما نصيبه لغيبة شريك أو امتناعه سلم إليه) : صورة ذلك: إذا أودعك اثنان كيس بر، أو أرز، أو سمن، أو تمر، وقالا: هذا بيننا نصفين أي: كل منهما له نصف، فجاء أحدهما وقال: أنا محتاج، وشريكي في هذا الظرف غائب، فأعطني نصيبي، فلك أن تعطيه؛ لأنه طلب حقه. وكذلك لو كان شريكه حاضراً ولكن امتنع، وقال: لا حاجة لي الآن في هذا الكيس، لست بحاجة إلى هذا الأرز ولا إلى هذا السمن، فإنه يعطى صاحبه وشريكه نصيبه، ويقسم نصفين بالمكيال أو بالميزان، ثم يعطى نصيبه. المكيل: مثل الأدهان والألبان، وكذلك الحبوب والثمار، فهذه تقدم أنها مكيلة، والموزون: إذا كان بينهما مثلاً: قطن أو صوف -يعني شيء يوزن- فيقسم بينهما ويعطى هذا نصيبه، ويبقى نصيب الآخر حتى يأتي. قوله: (ولمودع ومضارب ومرتهن ومستأجر إن غصبت العين المطالبة بها) أي: إذا غصبت العين المودعة، كما لو أودع عندك إنسان كتاباً وغصبه واحد، فإن لك حقاً أن تطالب به، فإذا قال: الكتاب ليس لك، أو الكيس ليس لك، أو البعير ليس لك، فقل: إنه أمانة عندي، صاحبه أودعه عندي فأنا وكيل على أن أحفظه، فلك أن تطالب الغاصب حتى تسترجعه. وكذلك: المضارب: إذا أعطاك إنسان عشرين ألفاً وقال: اتجر فيها والربح بيننا، فتسمى هذه مضاربة وتسمى قراضاً، فأنت منك العمل وهو منه المال، فلو غصبت هذه العشرون الألف فإنك تطالب الغاصب؛ لأنها أمانة عندك، فتطالب الغاصب حتى يعيد إليك ما أخذه من هذا المال الذي هو وديعة عندك، ولك فيه حق وهو بعض الربح، ولصاحبه حق، فأنت الموكل. كذلك المرتهن: إذا رهن عندك إنسان شاة أو كيساً أو سيفاً، ثم غصبه غاصب، فإنك تطالبه أنت أيها المرتهن، ولو كان غير ملكك، ولو كان ذلك الغاصب قريباً للمالك، ولو قال: هذا البعير بعير أخي فإنا أحق به، أو بعير ابن عمي، أو كيس جاري وقريبي فغصبه منك بغير حق، فإنك تطالبه؛ لأنه وديعة عندك. وثانياً: أنه وثيقة قبضته وأمسكته حتى يحل دينك وتبيعه إذا لم يوفك الراهن. وكذلك المستأجر: له أيضاً: مطالبة الغاصب، أياً كانت العين المؤجرة، فلو أنك استأجرت بيتاً، فجاء إنسان فغصبك وأخرجك، فإنك تطالبه. أو استأجرت كتاباً فغصب منك، فلك المطالبة، ولو لم يكن الكتاب لك. أو مثلاً: استأجرت سيارة تركبها فغصبت منك، أو بعيراً تركبه، أو بقرة تحلبها، فالغاصب يطالبه المغصوب منه إذا كانت مستأجرة عنده؛ لأنها أمانة عنده، والمال المضارب، والعين المرهونة، والعين المستأجرة كلها وديعة وكلها أمانة عند من هي في يده، فإذا غصبها غاصب فله مطالبة ذلك الغاصب.

باب إحياء الموات

باب إحياء الموات هذا الباب يتعلق بإحياء الموات، وهي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك المعصوم، وتسمى مواتاً؛ لأنها أرض ميتة ليست لأحد، فمن أحياها ملكها. واختلف هل يشترط فيها إذن الإمام أو لا يشترط؟ فالمشهور عن الإمام أبي حنيفة اشتراط إذن الإمام، وكذلك رواية عن أحمد، وفي هذه الأزمنة يترجح عدم الإحياء إلا بإذن الإمام، نظراً إلى كثرة من يغلب عليهم الهلع، وكذلك الاستكثار، فيأخذون ما ليسوا بحاجة إليه وأيضاً: قد يحصل فيها شقاق ونزاع إذا لم تكن بإذن الإمام؛ فلذلك العمل في هذه البلاد: على أن الإحياء يشترط فيه إذن الإمام. قوله: (ومن أحيا أرضاً منفكة عن الاختصاصات) : هناك ما يسمى بالأرض المختصة، فإن البلاد بحاجة إلى مراعي وبحاجة إلى مرتفقات، فتسمى هذه خصائص البلد، فليس لأحد أن يحييها؛ لأنه يضر بأهل البلد، وكذلك أيضاً: الإنسان إذا بنى داراً كان بحاجة إلى الأرض التي أمام بيته، موقف مناخة، وملقى كناسته، أو موقف سيارة، فليس لأحد أن يضايقه، فتسمى هذه اختصاصات. قوله: (ملك معصوم ملكها) : وكذلك: إذا لم يكن فيها ملك لمعصوم، والمعصوم: هو المسلم والذمي، فإذا كان فيها ملك لذمي ولو كان كافراً لم تملك بالإحياء؛ لأنه قد ملكها ذلك المعصوم وبالطريق الأولى إذا كان مسلماً، فلا يحل لأحد أن يحييها. ثم اختلف أيضاً: في الإحياء في دار الحرب، فإذا كانت الأرض في دار حرب وليست في دار إسلام -يعني: أهل تلك البلد محاربون للمسلمين- فسبق إنسان وأحياها، إن قيل: إنه لا يملكها؛ وذلك لأنها لا تملك إلا بالاغتنام، أي: لا تملك إلا بأخذها غنيمة، فإذا لم تكن غنيمة فلا يحصل الإحياء. والقول الثاني: أنه يملكها ولو كانت في أرض حرب، والعمل على أنه يملكها إذا أحياها إحياء شرعياً، ويكون ذلك من جملة ما يحوزه المسلم كغنيمة يأخذها من بلاد المحاربين. وإذا قيل: بأي شيء يحصل الإحياء؟ يقال: في هذه البلاد يحصل ما يسمى بالمنح -أن يمنح الإنسان أرضاً- وقديماً كان يسمى (إقطاعاً) أن يقطع الإمام أرضاً لمن يحييها، كما في حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع وائل بن حجر أرضاً) . يعني: قال له: هذه الأرض لك اغرس فيها واستغلها، فيكون هذا المقطع أحق بها، فإما أن يحييها، وإما أن يتحجرها، وإما أن يعجز عنها، والدولة في هذه الأزمنة إذا منحت، تشترط أنك تحييها في ثلاث سنين مثلاً، أو خمس، أو ست وتحدد له مدة، فإذا لم يحيها فإنه يستحق أن تنزع منه وتعطى لمن يحييها، حتى تستغل، فإن فيها منفعة فتستغل منفعتها، فمن أمسكها وتركها مواتاً عشرات السنين فقد أضاع منفعتها. وقوله: (ويحصل بحوزها بحائط منيع) أي: بأن يعني يبني عليها جداراً من جميع الجهات، وهذا الجدار لا بد أن يكون منيعاً، بحيث لا تدخلها الغنم، ولا البقر، ولا الكلاب، بل يردها هذا الجدار، فمن أحاط عليها حائطاً فقد أحياها، واستحق أنها تبقى في ملكه، واعتبر قد عمرها. الثاني: قوله: (أو إجراء ماء لا تزرع إلا به) أي: إذا أجري عليها ماء فإنها تملك بهذا، والعادة أن الزراع يبذرون ثم يجرون الماء، وعادة أنه يجري بسواقي. وفي هذه الأزمنة يقوم مقامها ما يسمى بالرشاش، ويعتبر سبباً في التملك، فإذا بذر فيها ثم رشها بهذا الرشاش الذي يسقى به الزرع ملكها، وصار أحق بها هو وأهله من بعده. ولو أجرى الماء -مثلاً- من مسافة ثلاثة كيلو مع سواقي إلى أن وصل إليها وزرعها ملكها، وأما أن يأتي بماء في قراب أو في سيارة ثم يصبه عليها فلا يملكها والحال هذه؛ وذلك لأنه يؤدي إلى أن كل أحد يأتي بقربة ويصبها في مكان ويقول: ملكت هذه البقعة! فلا بد أن يجري الماء، إما مع سواقي أو ما أشبه ذلك من أنابيب الري. وما زرعه على الطّل، أو على المطر، لا يملكها؛ وذلك لأنه ما أجرى إليها ماء، بل الماء الذي سقاه بها ماء السماء، فلا يملكها والحال هذه، ولكن يكون أحق بها ما دام زرعه باقياً. قوله: (أو قطع ماء لا تزرع معه) ، كما لو جاء إلى أرض قريبة من الأنهار، أو من البحر، ثم حبس الماء الذي فيها ومنعه، وكانت مستنقعاً، فإنه يملكها والحال هذه؛ لأنها قبله لا تصلح أن تزرع، فقد كانت مستنقعاً -قطعة بحر أو قطعة نهر- فدفن ذلك المستنقع، أو حجز الماء الذي يمد إليها من البحر أو من النهر، فيملكها بذلك. وكذلك: إذا حفر بئراًَ فإنه يملك حريمها، وورد في حريم البئر خلاف: فمنهم من يقول: حريم البئر مد رشائها، ومنهم من يقول: حريمها خمسة وعشرون ذراعاً من كل جانب إذا كانت بئراً جديدة، وإذا كانت قديمة فحريمها خمسون ذراعاً من كل جانب، وورد في ذلك حديث: (للبئر البدي خمسة وعشرون ذراعاً، والعادي خمسون ذراعاً) ، العادية: البئر القديمة، وإذا وجدت بئراً قديمةً قد اندفنت، وليست لأحد ولا يعرفها أحد، ثم إنك أحييتها، وحفرتها من أعلاها حتى أخرجت ماءها، وحتى وصلت إلى قعرها، فإن لها حريماً -يعني: حمى- من كل جانب: خمسون ذراعاً، وأما البئر الزراعية التي تزرع عادةً، فذهب بعضهم إلى أن حريمها ثلاثمائة ذراع من كل جانب إذا كانت للزرع، بخلاف ما إذا كانت لسقي الدواب، أو الامتياح -يعني: الارتواء منها- فإنه يكفيه خمسة وعشرون أو خمسون، وإذا كانت لا تكفي لعمقها، بأن كان عمقها -وهي بدية- ستين ذراعاً، أو عمقها خمسين ذراعاً، وقد رأينا آباراً في شمال المملكة عمقها أكثر من ستين باعاًًً -ليس ذراعاً- وذكروا لنا أن هناك بئراً عمقها قريب من تسعين باعاً، ففي هذه الحالة هم بحاجة إلى أن يكون حماها مد رشاها، وعادتهم أنهم يجتذبون الماء بالدلاء، والدلو معلق في رشا -حبل-، ثم يربطون طرف الحبل ويضعونه على البكرة، ثم يربطونه على دابة -بعير مثلاً- وفي هذه الأزمنة على سيارة يجتذبوا الدلو من البئر إلى أن يخرج، فربما يكون طول الرشا نحو ثلاثمائة ذراع أو قريباً منها؛ فلذلك هي بحاجة إلى مد رشاها. فالحاصل: أن من حفر بئراً إلى أن وصل إلى الماء فإنه يملكها ويملك حريمها. وكذلك إذا غرس شجراً فيها مما لا يعيش إلا بالغرس، يعني: أخرج الماء من البئر ثم غرسه حولها ملك ما غرسه كما يملك ما زرعه، وإذا أخرج الماء وزرع به زرعاً ولو مائة باع ملك، وكذلك إذا غرس غرساً وسقاه من هذه البئر أو جذب ماء من بئر بعيدة وسقى ذلك الغرس: نخلاً أو تيناً، أو أترجاً، أو من الشجر الذي لا يقوم على ساق كبطيخ وقرع ونحوه، ملك الأرض التي غرس فيها. يقول بعد ذلك: (ومن سبق إلى طريق واسع فهو أحق بالجلوس فيه ما بقي متاعه ما لم يضر) ، أي: من الناس من يكون معه بضاعة قليلة ويحتاج إلى أن يبسط بساطاً وينشر عليه بضاعته، ويعرضها للمشترين فإذا كان الشارع واسعاً وجاء إنسان وبسط بساطه في جانب من هذا الطريق، وترك فيه متاعه في صندوق ثقيل، أو نحو ذلك، وكلما أصبح نشر بضاعته فهو أحق بذلك المكان؛ لأنه سبق إليه، ولو طالت مدة بقائه فيه، وكذلك إذا منح من قبل البلدية، وإذا أعطته البلدية قطعة، وقالت: أنت تستحق هذه القطعة، ابسط فيها بساطك وانشر فيها بضاعتك، حتى تستغني عنها، أو تجد ما تستأجر به دكاناً، فإنه أحق بهذا المكان ولو طالت المدة.

باب الجعالة

باب الجعالة الجعالة: عرفها الشارح بقوله: أن يجعل شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملا ًمعلوماً أو مجهولاً بعوض معلوم. قوله: (كرد عبد) وفي المتن المحقق: (لا كرد عبد) فـ"لا" هنا زائدة، وهو تكرار لها في: (مجهولاً) والصواب (مجهولاً كرد عبد) يعني: بدون "لا".

صورة عقد الجعالة

صورة عقد الجعالة من أمثلة العمل الذي تجعل عليه الجعالة: رد عبد آبق، ورد لقطة، وبناء حائط؛ فهذه أمثلة للجعالة، معناه: أنه لا يتفق مع إنسان، ولو اتفق معه لكانت إجارة، ولكن يقول: من بنى لي هذا الجدار فله مائة، أو من رد شاتي التي هربت، أو التي ضاعت فله عشرة، أو من رد اللقطة التي فقدتها -دراهم مثلاً أو ثوباً أو كيساً أو سيفاً- من أتى بهذه اللقطة فله مائة أو فله عشرة فنسمي هذا جعالة. أي: جعلاً، لا أنه أجرة، فمن عمل هذا العمل استحقه، ومن فعله بعد علمه استحقه، وأما من فعله قبل علمه فإنه يعتبر متبرعاً. فلو مثلاً: وجدت شاة فلان -ضالة- وعرفتها، وأتيت بها، وأنت ما علمت، فلما أتيته ذكر لك أنه قد جعل لمن جاء بها عشرة، فلا تطالب بهذه العشرة؛ وذلك لأنك متبرع ومحسن في إتيانك بها، وكذلك لو سقط منه كيس، وعرفت أنه كيس فلان، ثم أتيته به، اعتبرت متبرعاً، فليس لك المطالبة، ولا تطالب بقولك: إنه أعطى لمن جاء بالكيس عشرة أو خمسة لاعتبارك متبرعاً قبل أن يأتيك أو قبل أن تعلم، وهكذا لو قال: من حفر هذه البئر إلى الماء فله ألف، ومن بنى هذا الجدار وأقامه على صفة كذا وكذا، فله مائة أو خمسمائة، فعلم بذلك إنسان أو جماعة وعمروا وبنوا، فإنهم يستحقونه، وإذا كانوا جماعة اقتسموا الجعل بينهم على حسب أعمالهم، وإذا كان بعضهم أشد أو أكثر عملا ً استحق زيادة. هذه هي الجعالة.

حكم الجعالة

حكم الجعالة الجعالة عقد جائز وليست عقداً لازماً، فله أن يفسخه، وله أن يقول: قد رجعت عن قولي، ولن أعطي من رد ضالتي أو لقطتي شيئاً، وأنا الذي سوف أطلبها، ولا أعطي شيئاً على بناء الجدار، وأنا الذي سأبنيه، ففي هذه الحال إذا فسخ فإنه لا شيء لمن فعلها بعد الفسخ، لكن لو عمل العمل قبل أن يصل إليه خبر الفسخ، أي: علمت أنه جعل لمن رد بعيره عشرة، ووجدت البعير وأقبلت به، ولما أقبلت جاءك أناس وقالوا: إنه قد رجع وقال: لا يرده أحد، اتركوا البعير يرعى بنفسه، ولكنك قد أتيت به؛ فتستحق أجرة بقدر عملك، كما لو أتيت به إلى البلد قبل أن تعلم أنه أبطل الجعالة. وكذلك لو أن إنساناً قال: من بنى لي جداراً طوله كذا فله مائة، ثم إن إنساناً بنى ربع الجدار أو ثلثه، ثم ترك البقية، فلا يستحق شيئاً؛ لأنه لم يأت بما جعلت الجعالة عليه، أما لو بنى نصفه أو ثلثه، ثم جاء صاحب الجدار، وقال: رجعت لا أبذل له شيئاً، ففي هذه الحال يلزمه أن يعطي العامل أجرة عمله، فإن بنى نصف الجدار فله نصف الجعالة، وإن بنى ثلثه فله ثلثها، وهكذا إذا فسخ الجاعل فللعامل أجرة ما عمله.

من أحكام الجعالة

من أحكام الجعالة قوله: (إن عمل غير معدٍ لأخذ أجرة لغيره عملاً بلا جُعْل، أو معدٍ بلا إذن فلا شيء له) ، لماذا؟ لأنه عمله متبرعاً، فلو رأيت جداراً متصدعاً فهدمته وأقمته، ولم يجعل صاحبه عليه شيئاً، أو رأيت بعيراً هارباً شارداً فوجدته، ولم يجعل صاحبه عليه شيئاً، فهل تستحق شيئاً؟ ليس لك جعالة، ولا تستحق؛ لأنك متبرع بهذا العمل، أو رأيت ثوباً متسخاً فغسلته أو كويته، وهو لم يجعل أجرةً أو جعالة، فلا تستحق شيئاً؛ لأنك متبرع. وكذا: لو سقيت إبله، فرأيت إبله وردت على ماء وهي ظمأى وسقيتها، وهو لم يجعل أجرة ولا جعالة لمن سقاها، فلا شيء لمن سقاها؛ لأنه متبرع. هذا معنى قوله: (وإن عمل غير معدٍ لأخذ أجرة لغيره عملاً بلا جعل، فلا شيء له) ؛ وذلك لاعتباره متبرعاً، فمن خاط ثوباً بلا جُعْل أو غسله بلا جُعْل، أو طحن دقيقاً بلا جُعْل -يعني: ما أمر به-، أو رد بعيراً بلا جُعْل، أو نسخ كتاباً بلا جُعْل، فكل من فعل ذلك اعتبر متبرعاً ولا شيء له. وكذلك قوله: (معدٍ بلا إذن) إذا كان معداً للجعالة، ولكن فعلته بدون إذنه، فلا شيء لك. يعني: ما أذن لك أن تحفر بئره، ولو قلت: أخشى أن يموت حرثه أو شجره، فحفرتها حتى يكون فيها ماء، أو أحصد زرعه بدون أن يأذن لي ولو لم يجعل جعالة، أحصده حتى لا تأكله الطير أو الوحوش والدواب فليس لك جعل؛ وذلك لأنه ما أذن لك. قوله: (إلا في تحصيل متاع من بحر أو فلاة فله أجر مثله) . وهذا مستثنى، فمثلاً: إذا سقط متاعه في بحر، سقط منه كيس في بحر فأنقذته، أو متاع أوان فأنقذتها، ففي هذه الحال لك أجرة المثل، وكذلك لو وجدت له كيساً في صحراء وعرفت أنك إذا لم تأخذه فإنه سيلتقط -سيأخذه اللصوص ونحوهم- أو وجدت شاة ضالة وعرفت أنك إذا لم تنقذها ماتت، أو تلفت، فتستحق تشجيعاً لك على هذا أجرة المثل. يقول: (وفي رقيق دينار أو اثنا عشر درهماً) . يعني: العبد إذا هرب، وقد ورد عن بعض الصحابة أنهم قدروا أجرة رده ديناراً أو اثنا عشر درهماً، فإذا أبق العبد وجاء به إنسان إلى صاحبه، فإنه يستحق ذلك، والدينار: يقدر بأربعة أسباع الجنيه السعودي، والدراهم: اثنا عشر درهماً في ذلك الوقت، وهي مقابل الدينار.

باب اللقطة

باب اللقطة اللقطة هي: مال أو مختص ضل عن ربه، وتتبعه همة أوساط الناس، يعني: مال وجدته ساقطاً في أرض تتبعه همة أوساط الناس؛ وذلك لأن الفقهاء قسموا الناس إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: نفوسهم ضعيفة: لو سقط منه ريال لاهتم به، ورجع يطلبه، ولو سقط منه رغيف خبز لذهب يطلبه، ولحزن له، وجعل ينادي من وجده. القسم الثاني: رفيعة أنفسهم، لو ضاع من أحدهم مائة أو مئات ما همه ذلك، ولا اهتم بطلبها؛ وذلك لكثرة ماله، وعزة نفسه. القسم الثالث: أوساط الناس، يعني: عوامهم، وهؤلاء إذا سقط من أحدهم خبزة، لم يهتم بها ولم يسأل عنها، أو قضيب عصا لم يهتم بذلك، أو تمرة أو نحوها لم يهتم بها. وإذا سقط من أحدهم عشرة ريالات أو عشرون ريالاً رجع يتتبع أثرها، ويسأل: من وجدها؟ أو ضاع منه ثوب قيمته عشرة أو نحو ذلك، وغالباً أنه لا يهتم لما هو دون ذلك، فلا يهتم للريال أو الريالين أو ما أشبهها، ولا يهتم بالخبزة أو بالحبل أو نحو ذلك. فالحاصل: أن الأشياء التي لا تتبعها همة أوساط الناس لا يحتاج ملتقطها إلى أن يعرفها، بل من وجدها ملكها، قد ورد أن بعض الصحابة قالوا: (رخص لنا في التقاط الحبل والثوب بدون تعريف) . وثبت في الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق فرفعها، وقال: لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها) ، فهو دليل على أنها لا تحتاج إلى تعريف، فمثل تمرة، أو كسرة خبز، أو ما أشبه ذلك، مثل هذه لا تعرف.

أنواع اللقطة

أنواع اللقطة ولذلك قسموا اللقطة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما لا تتبعه همة أوساط الناس: كرغيف، أو سوط، أو عصا، أو شسع -يعني: سير النعل- أو ما أشبه ذلك، فهذه لا تعرف. القسم الثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع: كخيل، وإبل، وبقر، وحمر ونحوها، فهذه لا تلتقط ولا تملك بتعريفها، وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة؟ فقال: (اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فهي لك أو استنفقها، ومتى جاء صاحبها يوماً من الدهر فوصفها فأعطها له، فقيل: فضالة الإبل؟ فغضب وقال: مالك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر، حتى يأتيها ربها، فقال: فضالة الغنم؟ فقال: خذها، فهي لك، أو لأخيك، أو للذئب) ، فيقاس على الإبل الخيل؛ لأنها تهرب فلا يدركها السبع -الذئب ونحوه- وكذلك البقر، فإنها تمتنع من الذئاب العادية، ولا تقدر على افتراسها غالباً، ولكن قد تفترس إذا اجتمع عليها اثنان أو ثلاثة، وكذلك الإبل قد يجتمع عليها ثلاثة من الذئاب أو أربعة. القسم الثالث: بقية الأموال. فالحاصل: أن الضوال ثلاثة أقسام: الأول: لا تتبعه همة أوساط الناس، فهذا لا يلتقط، ولا يعرف. الثاني: ما يمتنع بنفسه من صغار السباع، كالخيل والإبل والبقر، فيحرم التقاطها، ولا تملك بالتعريف، ولو عرفها عشر سنين. الثالث: بقية الأموال، كالأثمان -الدراهم والدنانير- والمصاغ: حلي الذهب أو الفضة، والأمتعة، كالأقمشة والفرش، والأدفئة والقدور والأواني، والدواب والغنم ضأناً أو معزاً، والفصلان، وهي: أولاد الإبل الصغار، والعجاجيل: أولاد البقر، وهي جمع عجل، فهذه لمن أمن نفسه عليها أخذها، وأما إذا لم يأمن نفسه عليها فلا يأخذها. وعليه يحمل حديث: (لا يؤوي الضالة إلا ضال) ، ويتأكد إذا خاف عليها، كأن يخاف على الشاة أن تفترس، أو خاف على الدراهم أن تلتقط، فيلتقطها من يخفيها، وكذلك إذا خاف على بقية المتاع كحقيبة مثلاً: ويعرف أن صاحبها سوف يأتي قريباً، وأنه إذا لم يأخذها اختطفت ففي هذه الحال يحفظها. يقول: (فلمن أمن نفسه عليها أخذها) يعني: التقاطها، وأما إذا لم يأمن نفسه وخشي أن نفسه تطمع فيها ويخفيها وهو يعرف أهلها أو لا يعرفهم، فإنه -والحال هذه- يعتبر ظالماً بأخذها، بل عليه أن يتركها؛ ليأخذها من يحفظها، ثم إذا أخذها فعليه حفظها، ولا يجوز له إهمالها؛ وذلك لأنها دخلت في عهدته، وإذا أهملها فإنه يضمن، فلو أنه أتى بالشاة وأدخلها مع غنمه ثم بعد ذلك أخرجها، فافترست، فإنه يضمنها؛ وذلك لأنها دخلت في ضمانه، فعليه أن يحفظها. وكذلك لو أخذ الحقيبة مثلاً، أو الجراب أو الكيس، ثم جاء به إلى بيته، ثم رده إلى مكانه، فإنه يضمن، وما ذاك إلا أنه أزال مكانها التي كانت فيها، وأزالها من موضعها، وربما أن صاحبها جاء بعد شهر فلم يجدها، وأيس منها، فإذا ردها فإنه يضمن، ويجب بعد ذلك تعريفها.

تعريف اللقطة

تعريف اللقطة التعريف: هو النداء عليها في مجامع الناس غير المساجد حولاً كاملاً، كما في حديث زيد بن خالد يقول: (ثم عرفها سنة) ، أي: حولاً كاملاً. أي: سنة هلالية، ينادي عليها في الأسواق وأبواب المساجد ولا يذكر صفتها كلها، فإذا كانت دراهم، قال: من فقد نقوداً؟ ولا يقول: من فئة مائة، أو من فئة خمسمائة، فإذا جاء صاحبها، فإنه لا بد أن يصفها أنها من فئة ريال أو من فئة خمسة -مثلاً- أو أنها في خرقة مثلاً، أو في بوك، أو ما أشبه ذلك ويصف عفاصها. أي: خرقتها التي هي فيها، وكذلك: إذا كانت حلياً، يقول: من فقد الحلي؟ والحلي إذا جاء صاحبه قال: صفه لنا؟ فإن قال مثلاً: قلائد أو أسورةً أو خواتيم، أو أقراطاً، فإذا وصفها ووصف عددها كم هي؟ وزنتها، وهكذا أيضاً: يذكر جنسها إذا كانت -مثلاً- أطعمة، أي نوع من الطعام؟ من الأرز، من أي نوع من التمر؟ من أي نوع من الثياب؟ طولها وعددها، فلا بد أن يذكر ذلك، الذي يأتي ويصفها. ثم بعدما يمضي الحول، يملكها حكماً، أي: يحكم بأنها للملتقط؛ لأنه جاء في الحديث: (إن جاء صاحبها وإلا فهي لك) ، ويدخلها في ماله، ولكن بعد أن يكتب أوصافها، وكذلك إن كانت من الدواب، من الغنم أو من أولاد البقر أو أولاد الإبل، فإنه يذكر أوصافها ولونها وسنها عندما وجدها، وإن كانت من الدراهم كتب أوصافها في دفتر مثلاً، وكذلك: بقية أوصافها ونحوه. ويحرم تصرفه فيها، قبل معرفة ذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام: (اعرف عفاصها، ووكاءها، ثم عرفها) ، وعاءها: الخرقة التي هي بها إن كانت دراهم، وكذلك إن كانت حلياً، وكذلك نوع الكيس. (وكاءها) يعني: الخيط الذي تربط به. (وعفاصها) يعني: الإناء التي هي فيه، والعفاص: هو الوعاء أو الخرقة، (وقدرها) . يعني: عددها، مائة أو ألف أو نحو ذلك. (وجنسها) : أنها من فئة مائة أو من فئة خمسين أو من فئة مائتين، ولا يلزم أن يعرف أرقامها. يعني: نفس العملات الآن فكل ورقة لها رقم، والإنسان لا يستحضر أرقامها، ومتى جاء صاحبها فوصفها لزم دفعها إليه ولو بعد عشر سنين أو عشرات السنين. ثم يقول: (ومن أخذ نعله ووجد غيره مكانه فلقطة) ، وكذلك: من أخذ ثوبه في حمام أو نحوه فوجد ثوباً غيره فإنه لقطة، ولكن في هذه الحال، إذا تحقق أن صاحب هذه النعل هو الذي أخذ نعله، فإنه يأخذ قدر نعله من هذه النعال، وإذا كانت متقاربة أو متساوية فإنه يلبسها إلى أن يجيء صاحبها. وكثير من الناس يلتقط اللقطة، ثم يكتمها لمدة شهر أو شهرين أو أشهر، ثم بعد ذلك يسأل، ويقول: وجدت لقطة، كيف أعرفها؟ فنقول له: قد أخطأت؛ وذلك لأنك كتمتها في هذه المدة، وصاحبها يهتم بها في الأسبوع الأول، وفي الشهر الأول، ويتسمع الأخبار، فإذا لم يسمع من ينشدها ولا من يعرفها أيس منها، وظن أنها سرقت، وأن الذي أخذها يخفيها ولا يبديها. فالواجب أن يبدأ في التعريف من اليوم الأول الذي وجدها فيه، ففي الأسبوع الأول يعرفها في كل يوم مرتين أو ثلاث مرات، ويكون التعريف في الأسواق وفي المجتمعات، وعند أبواب المساجد وإذا لم يقدر فإنه يؤجر من يعرفها، وأجرتها تكون منها. يقول مثلاً: يا فلان! عرف لقطة من ذهب أو من نقود أو ما أشبه ذلك، ففي الأسبوع الأول يعرفها كل يوم مرتين، ثم في الأسبوع الثاني يعرفها كل يوم مرة، وفي الثالث كل يومين مرة، وفي الرابع كل أسبوع مرتين، ثم بعد ذلك، يعرفها بقية السنة، في كل أسبوع مرة، كيوم الجمعة مثلاً، وفي هذه الأزمنة يمكن أن يكتفى بالإعلانات ويعلن عنها في الصحف، ويعلن عنها في الإذاعة وغيرها، ويكون ذلك مما يلفت انتباه صاحبها في تتبع الإعلانات. وكذلك أيضاً: يكون التعريف في الأماكن القريبة من مكانها الذي سقطت فيه، فإذا وجدها في السوق، فإنه يعرفها في هذا المكان وما قرب منه، وإذا وجدها في طريق عرفها قريباً منها، وكثيراً ما يسقط من السيارات -السيارات الناقلة- يسقط منها بعض الأمتعة فتحتاج إلى تعريف، ففي هذه الحال يعرفها في الأماكن التي يظن أن صاحبها يهتم بها ويأتي إلى ذلك المكان، فهذا الذي كتمها شهراً أو أشهراً، ثم بدأ يعرفها هل يملكها بعد السنة؟ نقول: لا يملكها، بل تكون عنده كأمانة أو يدفعها إلى بيت المال أو إلى القضاة أو ما أشبه ذلك، ويستثنى من ذلك أيضاً: لقطة الحرم، فقد ورد فيها ما يدل على آكدية تركها، فلا تلتقط لقطتها، وإذا التقطت فإنها لا تملك، بل تبقى، حتى يجد صاحبها، فإن لم يجده فإنها توضع في رتاج الكعبة، يعني: في مصلحة البيت الحرام، لئلا يتهاون بها.

باب اللقيط

باب اللقيط قوله: (اللقيط: طفل لا يعرف نسبه ولا رقه، نبذ أو ضل، إلى التمييز) ، والغالب أنه إذا نبذ لا يعرف نسبه، والغالب أنه ابن زنا، فكثيراً ما تزني المرأة وإذا وضعت نبذت طفلها في طريق أو في مسجد، ثم هناك من يأخذه ويربيه، ويتولى حضانته، فاللقيط قد يكون ابن عهر، وقد يكون طفلاً ضجر منه أهله، ولا يريدونه، ويريدون أن يضمه من يلقاه، وكذلك قد يضل من أهله ولا يعرف أهله، فإما أنه نبذ -يعني: طرحه أهله عمداً- وإما أنه تاه وضل، والعادة أنه إذا ضل فإنهم يهتمون ويسألون عنه كثيراً، أما إذا كان مميزاً فإنه يعرب عن نفسه، فإذا بلغ السابعة فالأصل أنه يتكلم ويعرب عن نفسه، ويسمي نفسه، ويعرف أباه ويعرف أهله، فلا يكون والحال هذه لقيطاً، بل يحفظ إلى أن يجده أهله، أو يصف مكان أهله.

حكم الالتقاط

حكم الالتقاط قوله: (والتقاطه فرض كفاية) ؛ لأن أخذه من مصلحته مخافة أن يهلك؛ لأنه إذا لم يؤخذ تعرض للهلاك؛ لعدم معرفته لمصلحة نفسه، فمن وجده فإنه يأخذه. وورد أن رجلاً جاء بطفل وجده ضالاً في برية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر (عسى الغوير أبوسا) وهذا مثَل يضرب لمن جاء بخبر عجيب، فأخبره بأنه وجده تائهاً أو ضالاً، فقال عمر: (لك ولاءه وعلينا نفقته) ، معنى ذلك: أننا ننفق عليه من بيت المال، ولاؤه: يعني: حضانته، وتربيته وحفظه عليك فأنت محتسب، وإذا لم يحتسب أو كان عاجزاً فإنه يوكل به بأجرة من يحضنه وينفق عليه ويربيه، كما في هذه البلاد؛ فإن هناك حضانة لمثل هؤلاء. وكذلك أيضاً: هناك من يتولى تربيتهم وتنشئتهم وتدريسهم، وتعليم من ليس له والد أو لا يعرف والده، فهذا اللقيط لا يعرف نسبه وأنه ابن فلان، ولا يعرف هل هو رقيق أم حر، فالتقاطه فرض كفاية. قوله: (فإن لم يكن معه شيء وتعذر بيت المال، أنفق عليه عالم بلا رجوع) فتارةً أهله يجعلون معه مالاً، يربطون معه مثلاً: شاةً ليرتضع منها أو يجعلوا معه صرةً فيها دراهم، ويجعلون معه أكسيةً أو نحوها، حتى ينفق عليه من تلك النفقة، فما وجد قريباً منه أو معه فإنه له، وينفق عليه منه، فإن لم يوجد معه شيء، أنفق عليه من بيت المال؛ لأن بيت المال لمصالح المسلمين، فإن لم يتيسر فعلى من علم حاله أن ينفق عليه، ويلزم من علم حاله من المسلمين الذين يقدرون أن ينفق عليه بقدر ما يحتاجه، وليس له أن يرجع على أحد، بل يجعل ذلك من باب الاحتساب، ويعتبر أخذه فرض كفاية، وتعتبر النفقة عليه فرض كفاية.

أحكام اللقيط

أحكام اللقيط يقول: (وهو مسلم إن وجد في بلد يكثر فيها المسلمون) فيحكم بإسلامه، وذلك لأن الأصل في الأولاد أنهم ولدوا على الفطرة، فإن كانت البلاد كلها أهل ذمة، فإنه يلحق بهم، وإن كان الأكثرون هم المسلمون أو فيها مسلمون كثير حكمنا بأنه مسلم، ثم يحكم بأنه حر ولا يجوز أن يحكم برقه؛ لأن الأصل في المسلم الحرية. قوله: (وإن أقر به من يمكن كونه منه ألحق به) إذا جاء إنسان وقال: هذا ولدي، فإن كان ذلك ممكناً فإنه يحلق به حرصاً على اتصال نسبه، وحرصاً على ألا يكون مجهول النسب، وإن ادعى أنه مملوكه، وأنه ولد من أمته، وكانت هناك دلائل، فإنه يعتبر مملوكاً له، ولو كان ابن زنا. وإذا كانت أمة مملوكة لإنسان وزنت، فولدها يكون رقيقاً لسيدها؛ لأن الولد يلحق أمه بالحرية والرق، وإذا تداعى فيه أكثر من واحد، وكل واحد يقول: هذا ابني، قدم لمن معه بينة، فالذي معه شهود يشهدون أنه ابنه فإنه يقدم، وإذا لم يكن مع أحدهما بينة، عرض على القافة، فمن ألحقته القافة به لحق به. والقافة: هم الذين يعرفون الشبه، وهناك أناس عندهم قوة نظر وقوة فكر، إذا رأوا الأثر علموا أن هذا أثر فلان، أو أنه قريب منه أو أنه قريب من فلان. وكذلك أيضاً: إذا رأوا إنساناً قالوا: قريب أو أخ لفلان بن فلان، فهؤلاء القافة، لا شك أنه يعتبر قولهم إذا جربت إصابتهم، وقد دل على ذلك، قصة مجزز المدلجي؛ فإنه مر على أسامة بن زيد وزيد بن حارثة وقد غطيا رءوسهما وقد بدت أرجلهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، وسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسر بذلك! وكان بنو مدلج فيهم قبيلة يعرفون الشبه والأثر، وكان أسامة بن زيد أسود البشرة وأبوه زيد بن حارثة أبيض مشرب بحمرة، فطعن بعض الناس في نسبه، وقالوا: ليس ابناً له، فعند ذلك لما رآهما مجزز وقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، سر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أسامة حبه وابن حبه؛ ليرد بذلك طعن الذين يطعنون في نسبه. إذا عرض هذا اللقيط على القافة، وعرض الرجلان اللذان يدعيان أنه ولدهما، فمن ألحقته القافة به لحق به، فإن اختلف القافة عرض على واحد، فألحق بأحدهما، ثم عرض على الثاني فألحقه بالآخر، ففي هذه الحال، قيل: إنه يخير بينهما، وقيل: يقرع بينهما. وعلى كل حال، فهذا دليل على عناية الشرع بمصالح المسلمين، ثم هذا اللقيط الذي التقط وأحسن إليه يحكم بأنه مسلم ولا يجوز أن يلحق بالكفار إذا كان في بلاده مسلمون، ولو كان المسلمون قليلاً، وكذلك أيضاً: يعتنى به فيربى تربية صالحة حسنة، بمعنى: أنه يربى على الإسلام، وعلى معرفة دين الإسلام، ولو كانت البلاد فيها نصارى أو يهود أو أهل شرك أو نحو ذلك، حتى ينشأ على الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ لأن الله تعالى فطر الناس على الإسلام؛ ولأن: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه) . فالأصل أنه مولود على الفطرة، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم) ، ومعنى: حنفاء. يعني: على الفطرة الحنيفية. فهكذا يربى الأولاد على الفطرة التي فطروا عليها -أي: على الإسلام- وكذلك أيضاً: في هذه الأزمنة يتساءل كثير من الذين يربونهم؛ وذلك لأنه إذا نشأ هذا الطفل الذي هو لقيط، فلابد أن يلحق نسبه بإنسان؛ لأنه إذا لم يعرف من أبوه ولا من أسرته وقبيلته، فقد يستضيق نفسه، وقد يتعقد في حياته، ولا يدري ما هو؛ فلذلك يخترعون اسماً، يعني: اسماً مناسباً ينطبق عليه ابن فلان بن فلان، إذا كان مثلاً: يصلح أن ينسب إليه، كأن يقال: ابن إبراهيم ولو كان إبراهيم بعيداً، وابن نوح ولو كان بعيداً أو ما أشبه ذلك. ويمكن أن ينسب إلى أبٍ قريب، فإذا كان أهل البلد محصورون، ويمكن أن يكون من قبيلة كذا: من قبيلة يربوع أو من قبيلة حنظلة، أو من الرباب من تيم، وهكذا حتى لا يتعقد، بل يجعل له أب وأسرة ونحو ذلك، وعلى المربي تربيته بالتعليم، ويعلم تعاليم الإسلام، ويعلم ما يفقه به، وما يعرف به كيف يعبد ربه، ويربى على أركان الإسلام، وعلى تعاليم تلك الأركان، ويعلم الثلاثة الأصول وما يتصل بها. فهذا ونحوه، دليل على عناية الشرع وما يتميز به عن سائر الأديان إذ لا يعتنون بهؤلاء اللقطاء بل يلقونهم، ولا يهتمون بهم، وتميز الإسلام بحرصه على ألا يكون هناك من يضيع نسبه، أو من يهمل فيتضرر به، إذا كان الإسلام يأمر بالإحسان إلى البهائم، وذكرنا قبل قليل: أنه لا يجوز إهمال البهائم حتى تموت مع القدرة على إنقاذها، فكيف ببني الإنسان؟!

الأسئلة

الأسئلة

اختلاف السعر في البيع

اختلاف السعر في البيع Q أنا أشتغل في محل تجاري ويأتيني الزبون فيسأل عن سعر السلعة فأقول له مثلاً: بخمسين ريالاً، وبعض الناس يشتريها بدون نقاش، وبعضهم يناقش في السعر فيأخذها مني مثلاً: بأربعين ريالاً، فما حكم هذا؟ وهل يلزمني أن أبيع للناس كلهم بسعر واحد؟ A المختار أنك تبيعهم بسعر واحد، وهو السعر المتوسط؛ لأنك إذا قلت: إن الثوب بخمسة عشر، وقد جاء إلى من قبلك، ووجده بعشرين فإنه سوف يشتريه منك، وإذا جاءك إنسان وماكسك وراجعك إلى أن اشتراه بخمسة عشر، وجاء إنسان آخر ولم يراجع واشتراه بالعشرين، فقد زدت على ذلك الجاهل، وكان الأولى أن تجعل سعرك واحداً. وكثير من الباعة يزيد ويقول: الثوب بخمسة وعشرين، ويقول: إني إذا قلت: بخمسة عشر، لم يقبل الزبون لأول مرة، بل لا بد أن يماكس، وهذا غير صحيح، فالعادة أن الواحد إذا أراد الشراء، فإنه يسأل عدة دكاكين فيشتري من أرخصهم سعراً.

حكم لقطة الحرم إذا كانت لا تتبعها أوساط الناس

حكم لقطة الحرم إذا كانت لا تتبعها أوساط الناس Q ما حكم لقطة الحرم التي لا تتبعها همة أوساط الناس؟ وهل الحرم هو المسجد أو منطقة الحرم كلها، وجزاكم الله خيراً؟ A إذا كانت لا تتبعها همة أوساط الناس كرغيف، أو حبل صغير مثلاً، أو عصا فلا مانع من التقاطها، والحديث الذي قال فيه: (ولا تلتقط لقطتها) يريد بذلك: اللقطة التي تتبعها همة أوساط الناس. والحرم: عبارة عن حدوده المحددة الآن، وهي التي لا يجوز قطع الشجر فيها، ولا يجوز تنفير الصيد فيها، وهي محددة بأعلام مبينة، فما كان وراءها فإنه ليس من حدود الحرم.

حكم لقطة الشاة

حكم لقطة الشاة Q رجل ذهب ليصطاد في الجنوب -وهو من سكان الرياض- فوجد في أحد الأمكنة شاة في الطريق العام، وليس عندها أحد، فأخذها معه إلى الرياض ورباها، ولها عنده الآن مدة طويلة، فهل يجوز له بيعها وأكلها؟ A عرفنا أن الشاة عرضة للضياع وللسباع والهلاك؛ فلذلك لا تترك، إلا إذا ظن أن صاحبها يأتي قريباً، فإذا ظن أنه قريب، وأمن عليها الخطر؛ فليتركها. ففي هذه الحال يفضل أنه يتصدق بقيمتها، أو يتصدق بها، حيث إنه فرط في التعريف.

شرح أخصر المختصرات [45]

شرح أخصر المختصرات [45] يعتبر الوقف من أهم الموارد المالية في الدولة الإسلامية، حيث يتكفل بجانب كبير من النفقات على الفقراء والمساكين، وإصلاح الطرق والجسور أو بنائها، وعمارة المساجد ودور تحفيظ القرآن، وغير ذلك. والوقف يعتبر من المندوبات الشرعية التي يبتغي بها صاحبها وجه الله، ودوام الأجر له من بعد موته، وله شروط وأركان وحدود وضوابط يجب الالتزام بها شرعاً.

تعريف الوقف ودليله وصيغته

تعريف الوقف ودليله وصيغته قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: والوقف سنة، ويصح بقول وفعل دال عليه عرفاً، كمن بنى أرضه مسجداً أو مقبرة، وأذن للناس أن يصلوا فيه ويدفنوا فيها. وصريحه: وقفت وحبست وسبلت، وكنايته: تصدقت وحرمت وأبدت. وشروطه خمسة: كونه في عين معلومة يصح بيعها غير مصحف، وينتفع بها مع بقائها، وكونه على بر، ويصح من مسلم على ذمي وعكسه، وكونه في غير مسجد ونحوه على معين يملك، وكون واقف نافذ التصرف، ووقفه ناجزاً. ويجب العمل بشرط واقف إن وافق الشرع، ومع إطلاق يستوي غني وفقير، وذكر وأنثى. والنظر عند عدم الشرط لموقوف عليه إن كان محصوراً، وإلا فلحاكم، كما لو كان على مسجد ونحوه. وإن وقف على ولده أو ولد غيره فهو لذكر وأنثى بالسوية، ثم لولد بنيه، وعلى بنيه أو بني فلان فللذكور فقط، وإن كانوا قبيلة دخل النساء دون أولادهن من غيرهم، وعلى قرابته أو أهل بيته أو قومه دخل ذكر وأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه، لا مخالف دينه. وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم، وإلا جاز التفضيل والاقتصار على واحد] .

تعريف الوقف ودليله

تعريف الوقف ودليله يعرف الوقف كما في زاد المستقنع بأنه: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، ولذلك قالوا: إنه عقد لازم، وقالوا: إنه لا يصح الرجوع فيه، ولا يصح بيعه إلا إذا تعطلت منافعه، فيباع ويصرف ثمنه في مثله. والواقف يقصد الأجر، هذا هو الأغلب على الواقف؛ وذلك لأن الأجر يستمر بعد موت الواقف. ودليله من السنة حديث عمر رضي الله عنه: أنه أصاب أرضاً بخيبر -أي: ملكها- لم يصب مالاً هو أعجب عنده منها، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم ماذا أفعل بها؟ فقال: (إن شئت حبست أصلها وسبلتها، ففعل ذلك عمر رضي الله عنه، فجعلها مسبلة على الفقير والمسكين وابن السبيل والضيف وفي وجوه الخير، وجعل لمن يشتغل فيها أن يأكل منها غير متأثل مالاً) أي: بقدر عمله فيها. يقول: هذا البستان وقف سبلته، لا يُباع ولا يوهب ولا يورث ولا يُقسم على الورثة، بل يكون وقفاً، يبتغي به وجه الله، وثمرته وما يخرج منه تُنفق في وجوه الخير، أي: إذا كان يخرج منه تمر أو عنب أو ثمر مأكول أو ينتفع به، فإنه يتصدق بها على الفقراء وذوي الحاجات، فيأتيه أجر هذه الصدقة بعد موته. ومن الأدلة على الوقف الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، فالصدقة الجارية هي الوقف الذي هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، فإذا وقف داراً وقال: يسكنها ذوو الحاجة بدون أجرة، فإنه على خير، وله أجر، أو قال: تؤجر ويُتصدق بثمنها على المساكين وعلى الفقراء والمستضعفين؛ فإنه على خير، فهي صدقة جارية، أو وقف دكاناً وقال: أُجرته على فقراء آل فلان، أو فقراء البلد الفلانية، أو فقراء قبيلة كذا، فله أجر، ولا شك أنه يأتيه الأجر ما دامت الدار عامرة أو المزرعة يُنتفع بها، وكذلك بقية ما يُنتفع به.

انقسام صيغة الوقف إلى صريح وكناية

انقسام صيغة الوقف إلى صريح وكناية لابد في الوقف من صيغة، والصيغة: قول أو فعل، فيصح بقول، ويصح بفعل دال عليه، وقد مثل للفعل بقوله: (كمن بنى أرضه مسجداً أو مقبرة وأذن للناس أن يصلوا فيه ويدفنوا فيها) أي: بنى أرضه مسجداً وأذن فيه، وفتح أبوابه، فلا يحتاج إلى أن يقول: أشهدكم أني أخرجته من ملكي، وأنه وقف لله، فإذا بناه مسجداً، وجعل محرابه إلى القبلة، وجعل له علامات المسجد كمنارة ونحوها، وأذّن فيه أو ركّب فيه مؤذناً، فقد أصبح هذا وقفاً يأتيه أجره ما دام المسجد عامراً بالمصلين، وكذلك لو كان عنده أرض، فسورها وفتح أبوابها، وأذِن للناس أن يدفنوا فيها أمواتهم، فقد أصبحت مقبرة مسبلة، وخرجت من ملكه، وأصبحت وقفاً على أموات المسلمين. أما الصيغة القولية، فذكر المصنف أن منها ما هو صريح ومنها ما هو كناية، يقول: (وصريحه: وقفت وحبست وسبلت، وكنايته: تصدقت وحرمت وأبدتّ) ، فإذا قال: وقفت هذا الكتاب أو حبسته أو سبلته أصبح وقفاً ولزمه، ولم يجز له بعد ذلك بيعه، وجاز أن ينتفع به من احتاج إليه أو من وقف عليه، وكذلك لو قال: حبست هذا المُكبر وجعلته لله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، أصبح بهذه الكلمة وقفاً لازماً، وخرج عن ملكه، ولم يحق له أن يرجع فيه، وكذا لو قال: سبلت هذا المكيف، خرج عن ملكه، فكلمة (سبلت) صريحة في أنه أراد بذلك إخراجه من ملكه وجعله وقفاً، وكذلك (وقفت، وحبست) فهذه عبارات صريحة. وأما الكنايات فهي: (تصدقت، وحرمت، وأبدت) ، والغالب أن كلمة (تصدقت) تكون لإخراجه من ملكه ولتمليكه للمتصدق عليه، فإنه إذا قال: تصدقت بهذا الثوب على فلان، فإن المتصدق عليه يملكه، ولكن إذا قال: تصدقت بهذا الثوب أو بهذه العباءة لمن يحتاج إليه من المسلمين، جاز ذلك، وخرج عن ملكه وأصبح وقفاً، ولابد في هذه الكنايات من النية، وذلك بأن ينوي أنه وقف. وأما قوله: (حرمت) فالأصل أن التحريم هو المنع، ولكن قد يريد بقوله: حرمت، أي: حرمت بيعه، وحرمت أن يملكه شخص، وجعلته محرماً على ورثتي أو على شخص معين، فإذا نوى أنه وقف صار وقفاً. وكذلك قوله: (أبدت) ، كما إذا قال: أبدت هذه الفرش، أي: أخرجتها من ملكي، وجعلتها محرمة مؤبدة ليس لي فيها تصرف، فتصير وقفاً بهذه الكلمة. والعلماء يشترطون النية مع هذه الكنايات: (تصدقت وحرمت وأبدت) ، وذلك أن يكون القائل ناوياً بذلك كونه وقفاً، أو يكمل ذلك بعبارة أخرى كأن يقول: تصدقت به صدقة محرمة، أو مؤبدة، أو مسبلة، أو محبسة، أو موقوفة، أو يقول: تصدقت به صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، فيفهم من ذلك أنه جعله وقفاً، وأنه أخرجه من ملكه حتى ينتفع به.

شروط الوقف

شروط الوقف

كون الوقف في عين معلومة

كون الوقف في عين معلومة ذكر المصنف رحمه الله أن شروط الوقف خمسة فقال: (كونه في عين معلومة يصح بيعها غير مصحف، وينتفع بها مع بقائها) أي: أن الوقف لابد أن يكون في عين معينة معلومة، أياً كانت تلك العين إذا كان فيها منفعة، حتى الحيوانات، فإذا وقف هذه الفرس على المجاهدين فإنها تكون معلومة، أما إذا قال: فرساً من خيلي فإنه لا يصح حتى يعينها بالفرس الفلانية، أو قال مثلاً: هذا الجمل وقفته على من يجاهد عليه أو من يحج عليه، أصبح معيناً، أما إذا قال: جملاً من جمالي أو بعيراً من إبلي، فلا يصح حتى يعينه، ومثله في هذه الأزمنة المراكب الجديدة، فإنه يجوز وقفها، فيجوز أن يقول: وقفت هذه السيارة على من يحج ويعتمر عليها، أو وقفتها على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يتجولون عليها، أو وقفتها على الدعاة الذين يدعون إلى الله يسافرون عليها، فأخرجها من ملكه وجعلها وقفاً. أما إذا قال: أوقفت سيارةً من سياراتي، وعنده سيارات، فلا يصح؛ لأنه لابد أن تكون معينة حتى تخرج من ملكه؛ لأن الأصل أن الموقوف يخرج عن ملك الواقف حتى ولو تعطل الانتفاع به، فلو وقف فرشاً على المسجد ثم هُدم المسجد، فلا يجوز له أن يقول: ردوا عليّ فرشي، لأنا نقول: قد أخرجته من ملكك فينقل إلى مسجد آخر، ولا يحل لك أن تستعيدها، أو قال: ردوا عليّ مكيفاتي أو مراوحي التي سبلتها في هذا المسجد، لم يحل له أن يرجع فيها. فالحاصل أنه لابد أن يكون الوقف بعين معينة معلومة حتى بالإشارة مثلاً، كأن يقول: وقفت هذا المشلح على كل من يتزوج ليلة زواجه حتى أُريحه من شرائه، أو يقف ثوب المرأة الجميل الذي تدخل به على زوجها ليلة الزفاف حتى لا يكلف وليها أن يشتري لها ثوباً، فيوجد في بعض الأماكن لمساعدة المتزوجين مشالح موقوفة على من يريد أن يتزوج، فيأخذه يوم زواجه ثم يرده بعد يوم أو يومين؛ لأنه ليس من أهل لباسه، وكذلك يوجد ثياب للعروس لتتجمل بها ليلة زفافها ثم تردها، فهذه موقوفة يقصد الذين وقفوها الأجر، كذلك الحلي يجوز وقفها، فيوقف ما يسمى بالبنادق والأسورة، وكذا الخواتيم تلبسها العروس يوم زفافها أو القلادة، ثم بعد ذلك يردها المستعير لها؛ لأنه قد يقول: إني لا أقدر على شراء هذا الحلي الثقيل، فهناك من يسبلها ويجعلها وقفاً حتى ينتفع بها في ليلة زفافه أو يوم الاحتفال ثم يردها، وتكون وقفاً على العاجزين عن اقتناء أمثالها. وقوله: (يصح بيعها غير مصحف) ، فالشيء الذي لا يصح بيعه لا يصح وقفه إلا المصحف، فإنه يصح وقفه مع أنه لا يصح بيعه عندهم، وإن كان الصحيح جواز بيعه، فأما الشيء الذي لا يصح بيعه فلا يصح وقفه، فلا يصح أن يوقف كلب صيد، فيقول: وقفت كلب صيد، أو كلب حراسة للحرث، أو الحراسة للغنم؛ لأنه ليس له ثمن، فلا يصح بيعه. ويمثلون أيضاً بجلد الميتة ولو بعد الدبغ، إذ ترجح عندهم أنه لا يباع ولا ينتفع به إلا في اليابسات، والقول الثاني: أنه يصح بيعه ويصح الانتفاع به في اليابس وفي الرطب وما أشبه ذلك، فإذا دبغ جلد الميتة وجعله سقاءً أو قربةً يُبرد فيها الماء صح وقفه؛ لأنه يطهر بالدباغ، فيصح وقف القرب التي يُبرد فيها الماء أو يُنقل فيها الماء، فينتفع بها من يحتاج إليها ولو كانت من جلود الميتة. أما جلود ما لا يؤكل لحمه كجلد حمار أو جلد كلب فهذا لا يصح بيعه، ولا يطهر بالدباغ على الصحيح، فلا يصح وقف مثله فراشاً، لأنه قد ورد النهي عن افتراش جلود النمار؛ لأنها سباع، والسباع محرمة الأكل، فلا يصح بيع جلودها، ولا يصح وقفها. وتقدم أنه لا يصح بيع الحشرات، فلا يصح وقفها إلا إذا كان لها قيمة مثل النحل، فإنه يصح بيعه ولو كان من الحشرات؛ وذلك لأنه يُنتفع به. والشيء الذي لا ينتفع به أو كان نفعه محرماً لا يصح وقفه، وذلك مثل آلات الملاهي، فإن نفعها محرم، فلو قال: أسبل هذه الطبول، وأجعلها وقفاً على الذين يلعبون في أيام الأعياد أو في أيام الأفراح، فإنه لا يجوز؛ وذلك لأن الانتفاع بها محرم، وكذلك جميع آلات الملاهي كالعود والطنبور والرباب، وكذلك كتب الإلحاد وكتب الضلال والمجلات الخليعة، فلو احتسب إنسان وقال: أنا أشتري هذه المجلات وأسبلها في هذه المكتبة، مع أنها مليئة بالضلال وبالصور الهابطة ونحو ذلك فلا يصح وقفه، أو قال: أُسبل هذه الأفلام التي فيها هذه الصور، وأجعلها في هذا المكان وقفاً يتفرج عليها من يريدون أن يتفرجوا، أو هذه الأشرطة الغنائية أسبلها، هل له أجر أم عليه وزر؟ لاشك أن عليه وزراً، فكل شيء لا يصح بيعه لصفة فيه فإنه لا يجوز وقفه؛ لأن ذلك يعتبر إعانة على المحرم، وهكذا جميع ما يُستعان به على المحرم.

كون الوقف على بر

كون الوقف على برٍّ الشرط الثاني: أن يكون الوقف على بر، ومثل له في الحاشية: إذا وقف على المساكين، والمساجد، والقناطر، والأقارب. فالقناطر: جمع قنطرة، وهي الجسر الذي يجعل على النهر حتى يعبر الناس من جانب إلى جانب، فإصلاح هذه الجسور إذا خربت فيه نفع للمسلمين، فإذا قال: أُجرة هذا الدكان تُعمر بها المساجد، فهذا وقف بر، أو قال: أجرته لإصلاح فرش هذا المسجد، أو إصلاح مكيفاته، أو إصلاح أنواره، أو إصلاح مكبراته؛ فهذا عمل بر يثاب على ذلك، وكذلك إذا وقف هذه الدكاكين، وجعل أجرتها تُفرق على مساكين هذا البلد، أو مساكين القرية الفلانية، أو أقاربه ونحوهم؛ فهذه من أعمال البر. عرفنا ما هو الوقف على بر، فما مثال الوقف الذي ليس على بر؟ نقول الأمثلة كثيرة؛ فإذا قال: غلته مثلاً يُسرج بها هذا القبر الذي يُعبد، أو يبنى بها على هذا القبر مشهد؛ حتى يكون هناك من يعبده ومن يصلون عنده أو يدعونه، فهذا عمل إثم، ولا عبرة بمن يفعله. فيذكرون أن الرافضة في العراق وغيره أكثر أوقافهم على كربلاء، وعلى النجف، يدّعون أن كربلاء فيها قبر الحسين، والنجف فيه قبر علي رضي الله عنهما، فيوقفون السرج والأنوار على قبريهما، وكذلك يوقفون على عمارة الطرق وسفلتتها حتى يصلوا إلى هذا المشهد وهذه المعابد، ويوقفون على تنوير الطرق، وكذلك على عمارة ما انهدم وترميمه إذا طالت مدته، بل يوقفون على من يخدم من يزور هذه المشاهد، ويقولون: أنت يا هذا خادم لهؤلاء الذين يزورون هذا المكان ويطوفون به، وأجرتك وراتبك من هذه الأوقاف، حتى يخدمهم بحلق رءوسهم، يتحللون كأنهم محرمون، أو يحلقون لحاهم، أو ما أشبه ذلك، فهل هذه الأوقاف يؤجرون عليها؟ لا. وهكذا كثير من الذين يوقفون أوقافاً كثيرة على إسراج القبور، أو على صب الأدهان عليها، أو على ضيافة من يعتكف عندها، أو من يطوف بها، أو ما أشبه ذلك، فهذا وقف على إثم ليس وقفاً على بر، فإن الوقف هو الذي يقصد به الأجر الأخروي، وأما إذا كان هذا يقصد به الإثم فإنه يعتبر مساعدة على الإثم، فيصير الذين وقفوا متعاونين على الإثم والعدوان. فأنواع البر كثيرة، وأنواع الموقوفات أيضاً كثيرة، كان كثير من المسلمين يحرصون على أن يكون هناك ما ينتفع به إخوانهم العاجزون، فيوقفون ما يساعدهم على قضاء حوائجهم، وقد أدركنا قبل خمسين سنة أو نحوها أنهم يوقفون أشياء تمس إليها الحاجة، حتى كان يوقف بعضهم السكين على من يذبح بها أضحية أو نحوها ولا يجد ما يذبح به، ويوقف المنجل (المحش) على من يقطع به النخيل أو السعف أو يحش به لدوابه، ويوقفون القدور على من يطبخ بها إذا احتاجوا أن يطبخوا فيها؛ لأنه ليس كل أحد كان يجد قِدراً كبيراً يطبخ به إذا نزل به ضيف، فيذهبون إلى من عنده قدر موقوف فيقولون: عند فلان ضيف، ويأتون به ليطبخ فيه. كذلك مما كانوا يوقفونه الطاحونة التي هي الرحى، وهي عبارة عن حجرين مدورين أحدهما فوق الآخر يُطحن بها القمح، والبر، والذرة، ونحوه، يديرونها إلى أن يخرج الدقيق من حافاتها، فكانوا قديماً في القرى يقولون: يوجد في بيت فلان رحى مسبلة نذهب نطحن فيها، وهكذا، فهذه بلا شك من الأسبال التي يؤجر من يوقفها. والأمثلة كثيرة، فكل من سبّل شيئاً فيه منفعة ولو ثوباً أو ثياباً تُلبس في أيام العيد أو في أيام الحفلات يكون له أجره على لباسه، وكانوا يسبلون الأسلحة التي يقاتل بها، فيسبل عدة سيوف أو رماح لمن يقاتل في سبيل الله، كذلك الأقواس التي يُرمى بها قديماً، وبعدما وجدت البنادق كان يُسبل كثير منهم الأسلحة الجديدة، ويجعلها وقفاً لمن يقاتل بها في سبيل الله، وكذلك الدروع التي يلبسونها ويتحصنون بها من مواقع السلاح، وكذلك المغفر الذي يجعل على الرأس، فكانوا يسبلون أمثال هذه، ويبتغون بذلك الأجر؛ لأن من جهز غازياً فقد غزا، فيبقى له أجره ما دام يُقاتل بهذا السيف، فيكون قد ساعد على قتال المشركين؛ ولأنه نفع المسلمين بها في الجهاد أو ما أشبه ذلك، فهذه كلها تُعتبر من الوقف على بر. واستثنوا أن يقف مسلم على ذمي، أو ذمي على مسلم، فيجوز ذلك ولو لم يكن فيه بر إلا أن فيه بر القرابة، ذكروا أن صفية أم المؤمنين رضي الله عنها كان لها قريب يهودي فدعته ليُسلم، وقالت: أسلم حتى ترثني، ففكر ثم قال: لا أترك ديني حتى لا يُقال: ترك دينه لأجل هذه المصلحة، فأصر على بقائه على يهوديته، وأحبت أن تصله لأجل القرابة، فوقفت وقفاً كدار، وجعلت غلتها عليه من باب صلة الرحم، فاستدلوا بذلك على أنه يجوز الوقف على غير المسلم إذا كان لقرابة بينهما، وكذلك لو كان الواقف هو الذمي كيهودي له ذمة أو نصراني له ذمة وقف على المسلمين، فبنى لهم مسجداً، أو أصلح لهم طريقاً، أو سبل لهم مقبرة، أو سبل نعشاً يُحمل عليه الموتى، فيصح ولو كان الذي سبله يهودياً ذمياً، لكن لما كان ينتفع به قُبل الانتفاع به، ونفذ ذلك، وصار وقفاً على المسلمين. ثم قولهم: يشترط أن ينتفع بها مع بقاء عينها، يخرج بذلك ما لا ينتفع به إلا بإتلافه، فإنه لا يصح وقفه فلو قال: وقفت كيس الأرز، لم يصح هذا وقفاً؛ لأنه يتلف بأكله، وإذا قال مثلاً: وقفت هذا الشمع على هذا المسجد، لم يصح؛ لأن الشمع أيضاً يحترق شيئاً فشيئاً؛ لأنه يوقد بالشحم أو الزيت المجمد فلا يُنتفع به إلا بإتلافه، ومثل هذا لا يُسمى وقفاً؛ لأنه يفنى باستعماله. بخلاف ما إذا قال: وقفت هذا السراج أو هذه النجفات ونحوها، فهذه تسمى وقفاً؛ لأنه يُنتفع بها مع بقائها. ولو كان الموقوف يتلف بالاستعمال الطويل، كالثوب يتلف بالاستعمال، فإنه يصح وقفه؛ لأنه ينتفع به مدة، وكذلك إذا وقف الأحذية على المساكين أو على المصلين أو ما أشبه ذلك، وكذلك إذا وقف بئراً فيها ماء فإنه ينتفع بمائها؛ لأن الماء ولو كان يستهلك لكنه يستخلف، حيث ينزح منها ثم يأتي ماء بدل الماء، فيصح وقف البئر ليشرب منها، ويصح وقف الأحواض التي يُصب فيها الماء، ويصح وقف الدلو الذي يُنتزع به من البئر، ويكون وقفه مساعدةً على استخراج الماء من البئر، وفي هذه الأزمنة يصح وقف الماكينة (المضخة) التي ينتزع بها الماء من البئر، ويصح الوقف على وقودها ونحوه، فإذا وقف داراً وقال: غلة هذه الدار -أجرة هذه الدار- تُصلح منها هذه الماكينة التي يجتذب بها الماء، فيُشترى لها محروقات مثلاً، وهي تسقي النخل الذي ثمرته وقف على الصائمين أو ما أشبه ذلك، فكل ذلك مما يُنتفع به مع بقاء عينه.

كون الوقف على معين

كون الوقف على معين الشرط الثالث: أن يكون الوقف على معين يملك، إلا المسجد فإنه لا يملك، ولكن يصح الوقف عليه، ولكن لابد أن يوكل من يصلحه، فلو قال: وقفت هذا الدكان على هذا المسجد، فلابد من وكيل يؤجر الدكان، ويطلب الأجر، ويرمم المسجد، ويُصلح ما وهى منه، فيصلح أنواره، أو يدفع أجرة من يخدمه، أو ما أشبه ذلك. فالمسجد جماد لا يملك، ولكن لابد من إنسان يتولى إصلاحه والإشراف عليه، هذا في المسجد، وكذلك في المقبرة لابد أن يكون هناك وكيل يحفر فيها أو يُصلحها ويفتح الأبواب أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا وقفاً على شيء لا يملك، ولكنه يستأجر له من يتولى أمره، وكذلك القناطر -التي هي الجسور التي يعبر بها من مكان إلى مكان- يصح الوقف عليها. أما غير المساجد فلا بد أن يكون على معين يملك، وذلك إما معين بالذات أو معين بالوصف، ولابد أن يكون ذلك المعين ممن يملك، فالمعين بالذات كأن يقول: هذا وقف على أولادي، فإن كثيراً من الناس يقول: هذا البيت وقف على أولادي أو على أولادي الإناث، تسكنه من هي محتاجة ولا يباع، فهذا معين ببناته، أو يقول: يسكنه من لا يملك سكناً من أولادي بدلاً من أن يستأجر، أو يقول: غلته وأجرته تُقسم على أولادي أو على ذوي الحاجة منهم، فمثل هذا أيضاً معين يملك. وأما غير المعين فيصح إذا عُين بالوصف، كأن يقول: وقف على المساكين، أو على الفقراء، أو على المجاهدين، أو يقول: غلة هذا العقار أو ثمرة هذا النخل على الصوام أو نحوهم، فهذا غير معين بالذات ولكنه معين بالوصف، وكذلك إذا قال: على ذوي الحاجة من أسرتي أو من القبيلة الفلانية، فكل هذا معين بالوصف، ولابد أن يمكنه أن ينتفع بهذه العين، ويشاهد انتفاعه بها، وأما الذي لا يشاهد فلا يجوز، إلا إذا وقفه مثلاً على تجهيز الأموات بأن يقول: أجرة هذه الدار أو الدكان في تجهيز الأموات، يُشترى به أكفان وحنوط وأجرة حفارين، فمثل هذا أيضاً يملك، وإن لم يكن ملكاً صحيحاً. فأما ما لا يملك فلا يجوز الوقف عليه، مثاله: هؤلاء القبوريون يوقفون على ذلك القبر، فصاحب القبر ميت لا يملك، فيقولون: وقف على السيد فلان، على سيدي فلان، على الرفاعي، أو على سيدي عبد القادر، أو على سيدي البدوي، وهي أوقاف طائلة توقف على هؤلاء الأموات، ويتلاعب بها الذين يتولونها. ثم يمثلون لمن لا يملك بما لو قال: وقف على المؤمنين من الجن؛ لأنهم لا يملكون كالبشر؛ ولو أنه خصص المؤمنين، أو قال: وقف على الملائكة، فالملائكة ليسوا من جنس البشر، ولا يملكون ملك المشاهدة، فلابد أن يكون الوقف على معين، وأن يكون ذلك المعين ممن يصح تملكه وانتفاعه.

كون الواقف جائز التصرف

كون الواقف جائز التصرف الشرط الرابع: كون الواقف جائز التصرف، فلا يصح من محجور عليه، فلو كان الواقف سفيهاً أو محجوراً عليه، كالمفلس الفقير الذي كثرت الديون عليه، أو إذا كان صغيراً لم يبلُغ ولم يعرف الأمور، فمثل هذا لا يصح وقفه حتى يبلُغ ويعقل ويفك حجره وما أشبه ذلك.

كون الوقف ناجزا

كون الوقف ناجزاً الشرط الخامس: أن يكون الوقف ناجزاً فلا يصح أن يكون وقفاً معلقاً ولا محدداً. والناجز هو الذي يخرجه من ملكيته في الحال، يقول: وقفت هذا الكتاب، فيخرجه من ملكيته حالاً، وكذلك إذا قال: وقفت هذه الدار، خرجت من ملكيته وقفاً ناجزاً. وغير الناجز هو المعلق، فلو قال مثلاً: إذا أغناني الله عن داري فهي وقف، فهذا وقف غير ناجز، فلا ينجز إلا إذا نجزه وقال: قد أخرجته من ملكي وأصبح وقفاً. وكذلك إذا قال مثلاً: إذا قضيت ديني أوقفت دكاني أو أوقفت هذه الأرض مسجداً، فهذا أيضاً وقف معلق، فلا يصح إلا إذا كان منجزاً. وكذلك أيضاً لو وقفه زمناً محدداً لم يصح، فلو قال مثلاً: وقفت هذا المكيف مدة الصيف، فلا يسمى وقفاً بل يسمى عارية؛ لأنه إذا انقضى الصيف أخذه، فلا يسمى وقفاً، فالوقف لابد أن يكون منجزاً تنقطع عنه علاقات الواقف، ويقصد بذلك الأجر عليه. فهذه خمسة شروط: الأول: كونه في عين معينة معلومة. والثاني: كونه على بر. والثالث: كونه على معين يملك. والرابع: كون الواقف نافذ التصرف. والخامس: كون الوقف ناجزاً.

العمل بشرط الواقف إن وافق الشرع

العمل بشرط الواقف إن وافق الشرع قال المصنف رحمه الله: (ويجب العمل بشرط الواقف إن وافق الشرع) : أي: يجب العمل بشرط الواقف، فإذا شرط فيه شروطاً موافقةً للشرع وجب العمل بها؛ لأنه هو المالك، أما إذا لم توافق الشرع فإنه لا يجوز العمل بها، فمثلاً لو قال: هذا المسجد وقفٌ على الصوفية لا يصلي فيه إلا المتصوفة، فغلاة الصوفية مشركون، فإذا استولينا عليه قلنا: هذا شرط باطل لا يُعمل به، وكذلك لو قال: غلة هذا العقار وقف على عمارة هذا القبر أو هذا المشهد، أو على خدمة الذين يعبدونه، ويعكفون عنده، فهذا شرط باطل لا يُعمل به، وكذلك لو قال: غلة هذا البيت يُشترى بها -مثلاً- آلات لهو، وطرب، وتسبل ويلعب بها في الحفلات وفي المهرجانات ونحوها، فلا يُعمل بهذا الشرط، ويعتبر شرطاً باطلاً. وإذا وافق الشرط الشرع عُمل به، فإذا عين فيه إماماً فقال: وقفت هذا المسجد وبنيته بشرط ألا يصلي به إلا فلان مدة حياته عُمل بشرطه، وإذا بنى مدرسة وسبلها، وقال: بشرط أن يدرّس فيها المذهب الحنبلي أو المذهب الشافعي، فإنه يُعمل بشرطه، أو سبل داراً وقال: تُصرف أجرتها في شراء كتب التوحيد، أو كتب العقائد، أو يشترى بها كتب الفقه الحنفي أو الشافعي عمل بشرطه؛ لأن له مقصداً في ذلك؛ ولأن هذا شرط لا يخالف الشرع. وكذلك لو شرط أن يتولاه فلان، ثم فلان، فإنهم يتولونه على ترتيبه الذي رتبه لهم. وكذلك إذا شرط أن ينفق على جهة معينة وقال: ينفقه فلان على القبيلة الفلانية، وغلّة هذا الوقف أو ثمرة هذا النخل تُنفق على قبيلة كذا أو للأسرة الفلانية، أو قال: أجرة هذه الدار لأولاد فلان ولم يحدد ولم يرتب، فإنه يستوي فيهم الذكر والأنثى، والغني والفقير، أي: يقسم بينهم على رءوسهم. أما إذا حدد وقال: يعطى الذكر سهمين، أو يُفضل الغني، أو القوي، أو العالم، أو المجاهد، أو الكريم، أو السخي، أو تختص بالفقراء، فخصص جهة، أو قال: تختص بالعزاب، أو لمساعدة المتزوجين؛ ففي هذه الحال يعمل بشرطه؛ لأنه شرط له فيه مقصد؛ ولأنه قد يكون قصده بذلك الأجر. وإذا رئي مثلاً أنه خالف ما هو الأفضل والأولى، فالأولى أن يُقترح عليه ما هو أصلح وما هو أولى، فيقال: أنت ذكرت أنه يسوى بين الغني والفقير، وهذا ليس فيه أجر، فإن الغني عنده ما يكفيه ويسد حاجته ولو كان من أولادك، فالأولى إذا كان وقفاً أن تصرفه عن الغني، وأن تجعله للفقراء أو ما أشبه ذلك. واشتهر عند بعض الفقهاء قاعدة وهي قولهم: شروط الواقف كشروط الشارع، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن شروط الشارع جاءت عن المشرع الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم، فهي مقدمة ويلزم العمل بها، وأما الواقف فهو بشر، فقد يشرط شرطاً يخالف مقتضى الشرع فلا يجوز العمل به، وقد ذكرنا لذلك أمثلة منها: إذا شرط أن يتولى وقفه فاسق فإنه لا يعمل به، ومن ذلك أن يعين في المسجد إماماً صوفياً أو قبورياً، وكذا إذا شرط أن يدفن في مسجده، كما إذا قال: إذا مت فادفنوني في مسجدي، فإن هذه شروط تخالف مقتضى الشرع فلا يعمل بها. وهكذا الشروط التي تكون على باطل أو على محرم؛ فلو شرط أن غلة هذا الوقف تعمر بها الكنائس، أو تُرفع بها القباب على القبور، أو يُطبع بها الإنجيل أو التوراة، أو كتب الإلحاد، فمثل هذا لا يصح العمل بشرطه؛ وذلك لأنه يخالف مقتضى الشرع. فلابد أن تكون شروط الواقف موافقة للشرع، فإذا شرط أن يتولى إمامة المسجد فلان وكان كفئاً، أو يؤذن فيه فلان وكان أهلاً لأن يتولى المأذنة، أو شرط أن وقفه ينظر فيه، ويتولى تأجيره وإصلاحه أحد أولاده، وكانوا مأمونين وموثوقين، فإن هذا شرط يوافق مقتضى الشرع فيعمل به. وكذلك مصرف الوقف: فإذا شرط أن يُصرف في المساكين، أو يصرف على المساجد، أو على القناطر، أو على المدارس الخيرية، كمدارس تحفيظ القرآن، أو على المجاهدين، أو على طبع الرسائل والكتيبات الإسلامية والأشرطة الدينية، فإن هذه شروط فيها مصلحة.

ناظر الوقف

ناظر الوقف أما بالنسبة للناظر على الوقف، فإذا قال الواقف: الوكيل على هذه الأوقاف فلان، والنظر له ينظر ما هو الأصلح، فعلى هذا الوكيل أن ينظر ما هو الأصلح، فيمكن في هذه السنة أن يتصدق به على الفقراء والمساكين، وفي السنة الثانية يصرفه على المجاهدين، وفي السنة الثالثة يُعمر به مساجد، وفي السنة الرابعة يطبع به كتباً أو أشرطة، فيكون النظر موقوفاً على اختيار ذلك الوكيل، ومن هنا فلابد أن يكون الناظر رشيداً عالماً. وذكر المصنف أنه إذا لم يُعين فالنظر للموقوف عليهم، فإذا قال: غلة هذا البيت وقف على أولاد زيد، أو أولاد عمرو، أو أولاد أخي، ولم يعين ناظراً، ففي هذه الحال يكون الناظر واحداً منهم هو الذي يؤجره ويصلحه إذا وهي ويرممه، ويقبض الأجرة، ويفرقها فيما يريد، ويعطي من هو الأحق. فالوكيل هنا هو أحد الموقوف عليهم، حيث يتفقون على رجل رشيد فيقولون: يا أخانا؛ أنت أفلحنا وأعدلنا، فنريد أن نجعلك وكيلاً على وقفنا؛ سواء كان الوقف عقاراً، كشقق أو دكاكين، أو كان بستاناً فيه نخيل وأعناب وتين ورمان وأشجار مثمرة، فهذا الوكيل يحفر الآبار، ويجري الأنهار، ويحاسب العمال، ويتفقد عملهم، ويوكل على التلقيح وعلى السقي، وعلى الحرث والزبر والحصاد وما أشبه ذلك. والوكيل يتعب، فيجوز أن يجعلوا له جُعلاً مقابل تعبه، كأن يقولوا: (10%) أو (5%) من غلة هذا الوقف مقابل تعبك، ومقابل عملك وشغلك. ولو عجز الموقوف عليهم عن الإشراف على هذا الوقف وعمارته، أو عن حرثه وزبره وما أشبه ذلك، فاستأجروا أجيراً أجنبياً للأشراف عليه، وجعلوا له جُعلاً، فقالوا: لك من كل عشرة واحداً أو اثنان أو قالوا: لك (10%) أو (20%) مقابل إشرافك وتعبك، فأنت تشتري المحروقات -مثلاً-، وتحاسب العمال، وتتفقد عملهم، وتوظفهم، أو تقوم بالسقي، وتصلح مجاري الماء، وتلقح، وتقطع الأغصان الرديئة، وأنت تصرم، وأنت وأنت، ففي هذه الحال يجوز أن يجعلوا له جُعلاً، ويجوز له أن يأخذه ولو لم يكن من أهل الوقف. وإذا كان الموقوف عليهم محصورين كأن يقول: هذا وقف على أولاد أخي، وهم خمسة، فيختارون واحداً منهم، أو يقومون كلهم بالإشراف والنظر. وكذلك إذا كان الموقوف منقولاً، فلابد أيضاً أن يكون عليه ناظر، فكثيراً ما يكتبون على الكتاب: هذا الكتاب وقف لله تعالى على طلبة العلم، والناظر عليه فلان ومن بعده فلان، فوظيفة هذا الناظر (الوكيل) أنه يحفظه من التلف، وإذا أعاره إنساناً توثق أنه سوف يرده إلى مكانه، وكذلك يحدد له مدة، فيقول مثلاً: أعرتك الكتاب عشرة أيام أو نحو ذلك، وعليه أن يحتاط. وكذلك لو كان الموقوف سيفاً أو سلاحاً يقاتل به، فلابد أن يكون عليه ناظر، وهذا الناظر يعطيه من هو من أهل النجدة والقتال به. وكذلك الأواني؛ إذا كان الموقوف قدراً أو صحناً أو فأساً فإنه يكون عليه وكيل، وهكذا سائر الموقوفات.

النظر للحاكم إذا كان الموقوف عليهم غير معينين

النظر للحاكم إذا كان الموقوف عليهم غير معينين إذا لم يعين الواقف وكيلاً، وكان الموقوف عليهم غير معينين كالمساجد، كما إذا وقف على المسجد أو على مساجد البلاد، أو وقف على مطبعة تطبع كتب أهل الإسلام أو ما أشبه ذلك، أو أجهزة التسجيل التي تسجل العلوم الإسلامية، ولم يوكل النظر لأحد؛ ففي هذه الحال يكون النظر للحاكم قاضي البلد. قد يقولون: إن قاضي البلد لا يستطيع أن يُشرف على الأوقاف كلها لكثرتها، ولكن له أن يوكل، فيقول: أنت يا فلان وكيل على الوقف الفلاني الذي على المساجد، وأنت يا فلان وكيل على العقار الذي في المكان الفلاني الذي هو موقوف على طبع الكتب، وهكذا إذا كان الوقف على مسجد، أو على قنطرة، أو مدرسة خيرية، أو جهة خيرية كالجهاد وتجهيز الغزاة وما أشبه ذلك.

حكما زيادة غلة الوقف عن مصرفه زيادة غير عادية

حكما زيادة غلة الوقف عن مصرفه زيادة غير عادية قديماً كان الوقف منزلاً صغيراً، وكان يؤجر في السنة بمائة أو بثمانين، فيقول الواقف: وقفته في أضحية، ويسكت عما زاد؛ لأنه في ذلك الزمان لم تكن غلته إلا بقدر الأضحية، لكن في هذه الأزمنة قد يكون إيجاره عشرة آلاف، وقد تصل في بعضها إلى مائة ألف بعد أن كانت أربعين ريالاً، وذلك بسبب أن الأوقاف كانت محل رغبة، ثم نُزعت ملكيتها، ولما نُزعت قدر لها ثمن كثير، فاشتري بها في مكان آخر، ثم جاءها أيضاً تثمين فقدرت بملايين، فعُمر بها أيضاً، فكانت تُغل كل سنة ثلاثمائة ألف أو خمسمائة ألف، وليس فيها إلا أضحية. ففي هذه الحال إذا لم يذكر لها مصرفاً فإن الباقي يصرف في أعمال الخير، وما ذاك إلا لأن الواقف إنما قصد أن يبقى الأجر مستمراً عملاً بحديث: (صدقة جارية) ، فلما كانت كذلك رأى العلماء أن يصرف الباقي في مصارف الخير. كثير من الواقفين لا يعينون المصرف، بل يقولون: هذا البيت وقف في أعمال البر، ففي هذه الحال تتولاه وزارة الأوقاف، وفي كل دولة وزارة أوقاف، فهذه الوزارة تصرفه في وجوه الخير. أما إذا كان الواقف قد عين جهة، كما إذا حدد أن هذا البستان أو هذا المنزل وقف على أولاده، فإنه يقتصر عليهم. وهنا Q لماذا وقفته على أولادك، فأموالك كلها لأولادك يأخذونها بعد موتك، فلماذا جعلته لأولادك؟ A يقول: إذا جعلته ملكاً مطلقاً يمكن أنهم يبيعوه، وإذا اقتسموه ربما أنهم يفسدونه وينفقونه بسرعة، أما إذا بقي فإنهم إن احتاجوا سكنوا، وإن لم يحتاجوا أجّروا، ويبقى مؤجراً ينتفعون به هم، ومن بعدهم أولادهم، فهذا مقصد كثير من الذين يوقفون البيوت والدكاكين على أولادهم، فيقولون: نخشى أن يبيعوه ويصرفوه ولا يبقى لهم شيء يغل. وهكذا إذا وقف البستان، فقد يوقف البستان ويجعل فيه أضحية أو حجة، أو يجعل فيه نخلة للصائمين، وقد كانوا قديماً يقولون: هذه النخلة وقف لإفطار الصائمين في هذا المسجد، فتبقى النخلة موقوفة، والبقية ملك، فلا يقدرون على أن يبيعوه؛ لأن فيه نخلة، وقد يكون فيه نخلات، ويوجد الآن بعض البساتين أوقف الجد الأبعد نخلة، ثم الجد الذي يليه نخلة، ثم الجد الذي دونه نخلة، وهكذا إلى أن وصلت إلى خمس أو عشر، ولا يقدرون على بيعه، فلأجل ذلك يقتصرون على استغلاله.

تعطل الوقف لسوء تصرف الناظر

تعطل الوقف لسوء تصرف الناظر ما حكم تعطّل الوقف؟ يوجد الآن كثير من المزارع التي كانت موقوفة، أو كانت فيها نخلة موقوفة أو فيها أضحية، ثم تعطلت بسبب غور المياه أو غلاء العمال أو غلاء المحروقات. والغالب أن الوكيل قديماً لم يحسن التصرف، فكانوا يأكلونها ولا يدخرون منها شيئاً للمستقبل، فيستغلون البيت ما دام عامراً، فإذا خرب وانهدم قالوا: ليس عندنا ما نعمره، أو يشتغلون بالماكينة ما دامت تشتغل، ويأكلون ما حصلوا عليه، فإذا خربت تركوها وقالوا: ليس عندنا ما يصلحها، وقد كان الأولى بهم أن يدخروا كل سنة شيئاً من الغلة، حتى إذا خربت كانوا قد جمعوا ما يصلحونها به أو ما يشترون به ماكينة أخرى، فلذلك يقولون: إن على الناظر مسئولية، فإن الواقف يريد أن يستمر أجره، وأنت أيها الناظر وكيل، فعليك ألا تستغل المصلحة ما دامت موجودة ثم تعطلها، بل مسئوليتك كبيرة، وهو أنك تنظر إلى هذه الغلة، وترصد شيئاً منها للمستقبل. حتى الدكاكين والشقق التي تؤجر، فالآن يقبضون أجرتها ثم يقتسمونها بسرعة، ثم في السنة الآتية أو التي بعدها تتعطل فلا تؤجر، ثم يقولون: ليس عندنا ما نضحي له به، أو ليس عندنا ما نحجج له به، فيقال: أين غلتها في الأزمنة الماضية؟ فيقولون: اقتسمناها! فيقال لهم: أخطأتم، وكان الأولى أنكم تحتفظون ببعضها، فربما تتعطل في سنة من السنوات فلا تؤجر أو ما أشبه ذلك، فالحاصل أن على الوكيل الناظر مسئولية.

الوقف الخاص

الوقف الخاص

استواء الذكور والإناث في حالة الوقف على الأولاد

استواء الذكور والإناث في حالة الوقف على الأولاد قال المصنف رحمه الله: (وإن وقف على ولده أو ولد غيره فهو لذكر وأنثى بالسوية، ثم لولد بنيه) : كلمة الولد يدخل فيها الذكر والأنثى، كما في قوله تعالى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11] فالأنثى تسمى ولداً؛ لأنها مولودة، وكما في قوله تعالى: {إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:11] ، وقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء:12] ، وقوله: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء:12] ، فيدخل الذكر والأنثى في كلمة ولد، فإذا قال: هذا الوقف -بستاناً كان أو دكاناً- وقف على ولدي، أو قال: وقف على ولد أخي، أو قال: على ولد ابن عمي فلان؛ فإنه يدخل فيه الذكور والإناث؛ لأنهم جميعاً من الولد. ثم اختلفوا هل يكون وقفاً يتوزعونه بالسوية، أو يُفضل بعضهم كالذكور؟ المشهور أنهم يستوون.

الوقف على ولد الابن وحكم دخول أولاد البنات فيه

الوقف على ولد الابن وحكم دخول أولاد البنات فيه قوله: (ثم بعدهم لولد بنيه) ، يعني: ذكوراً وإناثاً دون ولد البنات، فلا يدخل أولاد البنات؛ لأنهم يعتبرون أجانب، فلا يدخلون في قوله: على ولدي. ثم هاهنا أيضاً مسألة تُشكل كثيراً: يأتوننا أناس ويقولون: إن جدنا مات، وجعل الوقف على أولاده، وأبونا قد مات، وأعمامنا لم يعطونا نصيب آبائنا، فهل لأولاد بنيه نصيب في هذه الحال؟ بعض الواقفين ينص على ذلك، فيقول: من مات من أولادي فنصيبه لأولاده، وفي هذا حل للنزاع، وبعضهم يسكت ويقول: على أولادي، أو يقول: على أولادي ثم أولاد بني ثم أولادهم وإن نزلوا، فإذا مات واحد منهم قد يكون له أولاد فقراء وأيتام، فأعمامهم يستغلون هذا الوقف ويقولون: لا حق لكم؛ لأنكم من البطن الثاني ونحن من البطن الأول! ف A الواقف ما أراد إلا الأجر، وهؤلاء من ولده، وهم أيتام وفقراء، ففي هذه الحال الراجح أن من مات من أولاده فسهمه لذريته. وإذا كان أولاده مثلاً عشرة، فالبنت إذا ماتت يرجع سهمها إلى الذكور، وليس لأولادها شيء؛ لأنهم أجانب، وأما الابن إذا مات فإن أولاده لهم حق، فلا يسقط حقه، فنرى في هذه الحال أنهم يعطون من غلة وقف جدهم. وعبارة الفقهاء: (ثم لولد بنيه) يقتضي أنهم لا يعطون البنين إلا إذا انقطع الأولاد، ومعنى هذا أنه إذا كان الوقف غلته مائة ألف، وأولاده عشرة ذكور وإناث، فماتت بنت فإن المائة الألف تقسم على التسعة الباقين، فإذا ماتت بنت أخرى، قسمت المائة ألف على الثمانية، وكذلك إذا مات ابن، بل إذا ماتوا كلهم إلا واحداً فتكون الغلة لهذا الواحد، ولو بقي عشرين سنة وهو يأكل هذه الغلة، وأولاد إخوته فقراء ويتامى لا يعطيهم شيئاً، هذا مقتضى كلام بعض الفقهاء، ولعل الصحيح أنهم أولى بالرحمة، لاسيما إذا مات آباؤهم وهم أطفال، فهم أولى بأن يعطوا أنصباء آبائهم. قال: (وعلى بنيه أو بني فلان، فللذكور فقط) أي: إذا قال: هذا وقف على بني، أو على بني أخي، أو على بني أختي؛ فإن كلمة (بنين) تختص بالذكور؛ لأنه إذا قيل: فلان له أولاد؟ قالوا: نعم، له أربعة بنين وخمس بنات، فقسم الأولاد إلى بنين وبنات، كما يقال الآن: مدارس بنين ومدارس بنات، أما كلمة أولاد فإنها تعم الذكور والإناث، فكلمة بنين تختص بالذكور، فإذا قال: هو وقف على بني، أو على بني أخي، أو على بني عمي؛ اختص بالذكور. وكانوا يخصون الذكور؛ لأن الإناث غالباً يستغنين بمهورهن وبنفقة أزواجهن، فالمرأة لا تحتاج غالباً إلى المال؛ لأنه ينفق عليها زوجها، وأما الأبناء الذكور فإنهم بحاجة إلى دفعه في مهور، وإلى دفعه في نفقة على الأولاد، أو نفقة على الزوجات، أو على الخدم، أو ما أشبه ذلك، فقد يجوز أن يخص به الذكور، سيما إذا زوّج البنات في حياته، وعرف أنهن استغنين، فيقول: غلة هذا الدكان على بني أو ما أشبه ذلك، فيختص بالذكور فقط.

توزيع الوقف على الأولاد والأبناء والقبائل ونحو ذلك

توزيع الوقف على الأولاد والأبناء والقبائل ونحو ذلك قال المصنف رحمه الله: (وإن كانوا قبيلة دخل النساء دون أولادهن من غيرهم) أي: إذا وقف على قبيلة، والقبيلة كما إذا قيل مثلاً: بنو تميم، بنو أسد، بنو خزيمة، بنو يربوع، بنو دارم، بنو حنظلة، بنو جهينة، وما أشبهه؛ فهذه قبائل، فإذا وقف على قبيلة دخل فيهم الذكور والإناث إلا أولاد الإناث من غيرهم؛ وذلك لأنهم لا ينتسبون إليهم، بل ينتسبون إلى قبائلهم، فمثلاً: امرأة من بني سليم زوجها من غطفان فيقال: أولادها من غطفان لا من سليم، فإذا وقف على بني سليم دخل الإناث دون أولادهن من غيرهم.

حكم الواقف على قرابته أو أهل بيته أو قومه

حكم الواقف على قرابته أو أهل بيته أو قومه ثم ذكر المصنف بعد ذلك أنه إذا وقف على قرابته فقال: على قرابتي، أو: على أهل بيتي، أو: على قومي، أو: على أنسابي -النسب والنسيب هو القريب- ففي هذه الحال يدخل الذكر والأنثى من أولاده، وأولاد أبيه، وأولاد جده، وأولاد جد أبيه، يعني: أربعة بطون، ودليل ذلك الأخذ بأولي القربى في قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال:41] ، وما كان لذي القربى صرفه النبي صلى الله عليه وسلم لأقاربه، فأدخل فيه ذريته كـ فاطمة وبنيها، ولم يكن لأبيه ذرية غيره، وذرية جده عبد المطلب وهم أعمامه، وذرية جد أبيه وهو هاشم، فأدخل هؤلاء الأربعة، فهكذا كلمة القرابة والقوم والنسباء وأهل البيت يدخل فيهم أربعة بطون. وكلمة أهل البيت يراد بها الأقارب في الأصل، كما في قول الله تعالى في قصة إبراهيم: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:73] أي: أقارب إبراهيم وذريته ونحوهم، إلا من خالف في الدين فلا يدخلون في أهل البيت ولا في القرابة. وكذلك في قول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب:33] ، فأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فسروا بأنهم أقاربه الذين حرمت عليهم الزكاة في حديث زيد بن أرقم، عندما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في غدير خم فقال: (أذكركم الله في أهل بيتي، فقيل له: من أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته هم أقاربه الذين حرمت عليهم الزكاة بعده، ثم عد آل العباس وآل جعفر وآل عقيل وآل علي) يعني: من أولاده وأولاد أبيه وجده الذين هم بنو هاشم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن سهم ذوي القربى لهم، وأنهم استغنوا به عن الزكاة بقوله: (لا تحل الزكاة لبني هاشم، إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم عن الزكاة) فدلنا هذا على أن أقارب الرجل وأنسابه هم أهل بيته وأقاربه إلى الجد الرابع.

حكم الواقف على ذوي رحمه أو أصهاره

حكم الواقف على ذوي رحمه أو أصهاره قد يقف الرجل على ذوي أرحامه، وكلمة الرحم يدخل فيها أقارب الأم وأقارب البنات؛ لأن لهم رحماً، فبنات أولاده وبنات بناته، وكذلك أخواله وخالاته وعماته، وبنات الأعمام وبنات الأخوال ونحوهم، هؤلاء من ذوي الأرحام؛ لأنهم يدخلون في الرحم كما في قوله عليه السلام: (إن لهم رحماً سأبلها ببلالها) ، فدخل في ذلك أقاربه من جهة أبيه ومن جهة أمه إذا وقف على ذوي أرحامه. وإن وقف على أصهاره فالأصهار هم أقارب زوجته، وهم أبو الزوجة وأخوتها وأعمامها ونحوهم، فهؤلاء يسمون الأصهار، ولا يدخلون في الأنساب؛ لأن نسب الرجل أقاربه من جهة أبيه، وأما أقارب زوجته فهم الأصهار، وقد قسم الله تعالى القرابة إلى قسمين في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] فأنسابك هم أعمامك وأولاد عمك وأبناء إخوتك وأبناء أعمام أبيك وأبناؤهم، وأصهارك هم أبو زوجتك وإخوتها وأعمامها وأولاد أعمامها. فإذا وقف على أصهاره اختص بأقارب الزوجة، وإذا وقف على أنسابه أو على أقاربه اختص بأقاربه من الأب، وإذا وقف على أرحامه عمّ جميع أقاربه من الأب والأم.

حكم الوقف على جماعة

حكم الوقف على جماعة قال المصنف رحمه الله: (وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم) أي: إذا وقف على جماعة؛ فإذا كان يمكن حصرهم فلابد من حصرهم، كما لو وقف على من في هذه القرية من بني هاشم أو من بني عبد المطلب أو من بني علي، أي: من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم محصورون بأولاد فلان وأولاد فلان وأولادهم، فيجب حصرهم والتسوية بينهم، فيفرق الوقف على الذكر والأنثى منهم، ويسوى بينهم. أما إذا كثروا ولم يمكن حصرهم ففي هذه الحال يجوز التخصيص والتفضيل، ويجوز الاقتصار على واحد أو على جماعة؛ وذلك لأنه لا يمكن حصرهم، ففي هذه الأزمنة لا يمكن حصر الذين ينتسبون إلى الحسن والحسين، فأهل البيت لا يمكن حصرهم؛ لأنهم يوجدون في كل دولة، فملوك الأردن وملوك المغرب يدّعون ذلك، وكذلك يوجد منهم في المملكة قبائل كثيرون، فمن وقف مثلاً على الأشراف لم يمكن حصرهم، فيجوز أن يُقتصر على بعضهم، ويجوز أن يفضل هذا على هذا، والأولى في هذه الحال أن يُقتصر على ذوي الاستحقاق من الغارمين والعاجزين ومن يلحق بهم. مسائل الوقف متعددة قد أطال العلماء فيها، ولكن المؤلف هنا اقتصر على أهمها، ومن أراد التوسع فيها فقد أُلّف فيها مؤلفات، وذلك لكثرة الخلاف الذي يقع فيها. يوجد الآن أوقاف يمكن أن لها ألف عام أو أكثر وهي تصرف في مصارفها، وهناك أوقاف في الهند وفي المغرب وفي كثير من البلاد موقوفة على الكعبة، أو على المسجد الحرام، وقد استغنى عنها المسجد الحرام، بسبب أن الدولة خدمته وأقامت ما حوله ووسعته، كذلك أيضاً تشاهد الأوقاف التي في مكة مثل عمائر الأشراف، فهذه أوقاف على توسعة الحرم أو على خدمته أو على عمارته أو إنارته أو ما أشبه ذلك، يُصرف منه في وجوه ما يحتاجه شيء يسير والبقية يأخذها أولئك الذين يدعون أنهم من الأشراف، وأنهم وكلاء على ذلك، يصرفونها بما يرونه. وبكل حال فالوقف من أفضل الأعمال لما ذُكر في الحديث: (صدقة جارية) ، وذكروا أن الصحابة ما منهم من أحد إلا وحبس عقاراً، وأن تلك الأحباس بقيت مدة طويلة لمكة، وأن الذين كانوا يتولونها استولوا عليها فيما بعد، وقد نزعت ملكية كثير منها، وعمر بها هذه العمارات التي في مكة، التي على عشرة أدوار أو خمسة عشر، والغالب أنها من تلك الأوقاف التي كانت قرب مكة، ولما نزعت ملكيتها عمر بها في أماكن، وأهلها الذين وقفت عليهم يستغلونها. ومن الأوقاف أيضاً الأرض التي فتحت عنوة في عهد عمر رضي الله عنه، وهي أرض الشام ومصر والعراق، فإنها عندما فتحت رأى عمر رضي الله عنه وقفها، وعدم بيعها وعدم قسمتها، وجعلها وقفاً لبيت المال، يُضرب عليها خراج مستمر يؤخذ ممن هي في يده، فإذا كان الذي يزرعها أو يحرثها ذمياً دفع ما يسمى بالعُشر خراجاً، ويسمى الديوان، وكذلك إذا كان الذي يزرعها مسلماً فإنه يُخرج الزكاة ويُخرج أيضاً الأجرة التي هي الخراج، فيؤخذ منه الخمس، إذا كانت تسقى بغير مئونة أخرج العشر لأنه زكاة، والعشر الثاني كأجرة لها، ومع ذلك فإنها في هذه الأزمنة اقتطعت وقسمت وبيعت، ولم تبق على ما كانت عليه.

شرح أخصر المختصرات [46]

شرح أخصر المختصرات [46] مما يهم المسلم معرفته أحكام الهدية؛ إذ هي مما يتعامل بها الناس فيما بينهم، وكثير منهم لا يفرق بين الهدية والصدقة والعطية، ولا يميز أحكام هبة الثواب عن هبة التبرع، ولا يعرف ما يجب مراعاته من شروط لجواز أخذ الوالد من مال ولده، ولا متى يجب على الأب التسوية بين أبنائه ومتى لا يجب، وهذه أمور قد بينها الفقهاء، فعلى المسلم أن يعلمها ليسلم من مخالفة الشرع.

تعريف الهبة وأحكامها

تعريف الهبة وأحكامها قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: والهبة مستحبة، وتصح هبة مصحف, وكل ما يصح بيعه, وتنعقد بما يدل عليها عرفاً، وتلزم بقبض بإذن واهب، ومن أبرأ غريمه من دينه برئ ولو لم يقبل، ويجب تعديل في عطية وارث بأن يُعطي كلاًّ بقدر إرثه, فإن فضل سوى برجوع, وإن مات قبله ثبت تفضيله، ويحرم على واهب أن يرجع في هبته بعد قبض، وكره قبله. وله أن يتملك بقبض مع قول أو نية من مال ولده غير سرية ما شاء ما لم يضره, أو ليعطيه لولد آخر، أو يكن بمرض موت أحدهما، أو يكن كافراً والابن مسلماً] . الهبة مستحبة، وهي مشتقة من هبوب الريح، يقال: هبت الريح؛ وذلك لأن الريح خفيفة وهبوبها خفيف، ثم سميت الهبة بذلك لخفتها على مال الواهب. ويعرِّفون الهبة بأنها: تمليك عين بلا عوض، وتسمى هبة التبرع أو التبرر، فإن صرف لها عوضاً سميت هبة الثواب؛ لأنه يطلب لها أجراً. فإذا قال: وهبتك هذا الكتاب على أن تعوضني منه ثوباً أو كيساً، فإن هذه هبة ثواب، فهي من أنواع البيع، لها أحكام البيع، وشروط البيع: بأن يكون الواهب يملك ما وهب، وأن يكون مكلفاً، وأن تكون الهبة مالية، وأن يكون مقدوراً على تسليمها، وأن تكون معلومة إلى آخر شروط البيع. فهذه هبة الثواب، وأما هبة التبرر وهو الذي لا يريد عليها عوضاً، وإنما يقصد بذلك التودد إلى الذي يهب له، ويقصد أن تحصل بينهما المودة والمحبة وصفاء القلوب، كما ورد في الحديث: (تهادوا تحابوا، فإن الهدية تسل السخيمة) ، والسخيمة هي الضغائن التي في القلوب، والأحقاد والبغضاء، والغالب أنك إذا أهديته شيئاً يفرح به، فإنه يعرف بذلك صداقتك، وإذا كان يكن لك شيئاً من الحقد فإنه يرجع إلى المودة فيحبك ويُقدرك، فهذا السبب في الحث على الهبة. فالهبة هي التبرع بالمال بدون عوض في الحياة، وهي مستحبة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا، فإن الهدية تسل السخيمة) ، أي: تذهب وحر الصدر كما في رواية: (تسل السخيمة وتذهب وحر الصدر) ، أي: تزيل ما في الصدر من البغضاء بين الاثنين، وما بينهما ومن الأحقاد والضغائن، فإذا أهدى إليه عرف أنه يُحبه وأنه يود له الخير، فعند ذلك تثبت المودة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويُثيب عليها، وكان يأكل من الهدية ولا يأكل من الصدقات والزكوات ونحوها، ويقول: (إنها لا تحل لآل محمد) ، أما الهدية فإنه كان يقبلها ويثيب عليها.

ما تجوز هبته

ما تجوز هبته تصح الهدية ولو بشيء يسير، إذا أهديت لصاحبك شيئاً يسيراً ككتاب مثلاً أو فاكهة أو كسوة أو أي شيء مما يطعم أو يفرح به أو يُستعمل، ولو شيئاً يسيراً كقلم أو قرطاس أو دفتر، فإن ذلك مما يحسن استعماله بين الإخوة، فلذلك ذكروا باب الهدية. وهل تصح هبة المصاحف؟ عندهم أن المصحف لا يباع ولكن يهدى، والصحيح أنه يجوز بيعه، وإذا كان له ثمن فإنه يصح بيعه وتصح هديته، ويصح إهداء كل ما يُنتفع به وإن لم يكن مما يباع، ككلب صيد أو جلد ميتة بعد الدبغ، وغيرها من الأشياء التي فيها منفعة إذا باعها، فإذا أهداها فإن ذلك مما يحصل به المحبة والمودة بين الإخوة.

صيغة الهبة

صيغة الهبة هل للهبة صيغة؟ تصح بكل قول أو فعل يدل عليها، فإذا أهدى إليك مثلاً ثوباً أو ساعة وقال: خذ هذا، أو هذا تبرع مني، أو أهديتك، أو وهبتك أو ما أشبه ذلك، كان ذلك جائزاً. وكذلك لو أشار إشارة عندما مد إليك كتاباً، وفهمت من إشارته أنه هدية بدون عوض، فإنك تقبله ويصير هدية، فتصح بكل قول وبكل فعل يدل عليها. فالقول مثل: وهبتك، أهديتك، أعطيتُك، خذ مني هذا، تبرعت لك بهذا، وما أشبه ذلك. والفعل هو: أن يمده بيده، أو يُشير إليك لتأخذه، فإذا وضعه على طاولة أو على الأرض وأشار إليك، وفهمت من إشارته أنه تبرع؛ صدق عليه أنه هدية وهبة.

متى تلزم الهبة

متى تلزم الهبة متى تلزم الهبة؟ تلزم بقبضها، فإذا قبضها الموهوب له بإذن الواهب أصبحت لازمة، وقبل ذلك يصح أن يرجع فيها، فلو أنه مدّ يده إليك بالكتاب ولكن ما قبضته، فوضعه على السرير ولم تقبضه أنت، ففي هذه الحال يجوز أن يرجع فيها، ولا تكون لازمة. فأما إذا قال: خذ هذا الكتاب، وضعه على سريرك أو على طاولة، فأخذته بعد أن قال لك: خذ، ففي هذه الحالة يصير لازماً، ولا يصح الرجوع فيه بعد قبضه. أما إذا وضعه على السرير أو على الأرض ولم يقل: خذه، فأخذه صاحب السرير أو صاحب المنزل؛ فمثل هذا لا يصير هبة ولا يلزم، ولصاحبه أن يقول: أنا ما وهبتك، أنا ما أهديتك، بل نسختي بيدي ولا أستغني عنها، فله أن يرجع فيها، لأنه لا تلزم الهبة إلا بهذين الشرطين: حصول القبض الذي هو أخذ المتهب. وإذن الواهب، وذلك إذا قال: خذه، فتصير لازمة.

إبراء الدين إسقاط لا يفتقر إلى قبول

إبراء الدين إسقاط لا يفتقر إلى قبول قال المصنف رحمه الله: (ومن أبرأ غريمه من دينه برئ ولو لم يقبل) ؛ لأن الإبراء إسقاط، وإذا أسقطه صار لازماً، فإذا قال للغريم: عندك لي مائة أو ألف، وأنا قد أبرأتك وأسقطته عنك، برئ الغريم، ولو لم يقل: أنا قابل، أو قال: لا أرضى أو لا أريدها وأنا في غنى، ولست بحاجة إلى أن تسامحني. فيكون قد برئ بمجرد ما يقول: أبرأتك أو أسقطت الدين الذي عليك، أو وهبتك الدين الذي في ذمتك ولو لم يقل المدين: قد قبلت، وكذلك لو قال: لا أريد أن تُسقطه عني، أو قال: لا أُحب منتك، ولا أريد أن يكون لأحد عليّ فضل أو مِنّة، ففي هذه الحال الواهب قد أبرأه وأعطاه وأسقطه، والمتهب أو المدين له أن يرده ويقول: أنا لم أقبضه، أنا لا أريده، أنا لا أسمح ولا أريد أن أقبل منك ولا من غيرك شيئاً.

الفرق بين العطية والهبة والصدقة

الفرق بين العطية والهبة والصدقة في هذا الباب جمعوا الهبة والعطية، وفي آخره ذكروا الوصية، والوصية تأتينا في الفصل الذي بعده إن شاء الله. العطية معناها قريبٌ من الهبة ومن الهدية، ولكنها أعم، فيدخل في ذلك عطية الوالد لأولاده أو من دونه أو من فوقه، وكأن الهبة والهدية أخص، فإذا كان عندنا مثلاً أمير من الأمراء أو ثري أو رئيس قبيلة، وعندنا إنسان فقير مسكين، فالأمير أو الرئيس إذا سلّم هذا الفقير كسوة أو كيساً، فهل تسمى هذه هدية؟ هذه تسمى صدقة منه عليه؛ لأنه لا يُريد الأجر منه، وإنما يريد الأجر من الله، أما الفقير إذا جاء مثلاً بطيب طيب الرائحة وأعطاه للأمير، فهذه تسمى هدية وهبة، فالعطية من النازل للعالي تسمى هدية، ومن العالي لمن تحته تسمى صدقة، وأما من إنسان لمن هو مثله فتسمى عطية، وقد تسمى أيضاً هدية. والغالب أن الفقير إذا أهدى للأمير فإنه والحال هذه يريد أكثر منها، فهو يقول: أنا أهديت للأمير هذه الفاكهة العجيبة، أو هذه الأطياب وما أشبهها؛ لأنني أريد أن يثيبني ويعطيني أكثر مما أعطيته، والعادة أن الأمير الذي أهدي له يثيب هذا الفقير، فيعطيه ثمنها مرتين أو أكثر أياً كانت تلك الهدية ولو كانت متوافرة، ولو أهدى إليه مثلاً فاكهة كعنب أو رطب مع أنها قد تكون موجودة عند الأمير أكثر، ولكنه أراد بذلك الثواب. فإذا شُرط فيها الثواب فإنها تسمى هبة ثواب، وفي هذه الحال يكون لها حكم البيع، فيصح أن يرجع فيها فيقول: أنا أعطيتك أو وهبتك هذا الكيس ولم تهدني ولم تهبني فأنا أحق به، وقد ورد في ذلك حديث: (الرجل أحق بعطيته ما لم يثب عليها) أي: ما دامت موجودة وقد عُرف بأنه قصد أجر الثواب والعوض، فله في هذه الحال أن يرجع فيها؛ لأنها شبه بيع، والبيع لابد له من عوض، ولذلك قالوا: تصح الشفعة فيها إذا حدد الثمن، فإذا كان لك قطعة أرض إلى جنب أحد جيرانك، فأهديتها إلى أمير مثلاً وقلت: أريد ثوابها مثلاً مائة ألف، ففي هذه الحال للجار الذي إلى جانبك أن يقول: أنا لي شفعة فيها، وأدفع مائة ألف فتكون الأرض كلها لي، فهبة الثواب بمنزلة البيع، وكذلك له أن يرجع فيها كما عرفنا؛ لأن الرجل أحق بهديته ما لم يثب عليها، أي: إذا كان قد شرط ثواباً ولم يحصل له.

التسوية بين الأولاد في العطية

التسوية بين الأولاد في العطية ثم العطية كأنها بين المتقاربين في الحال، أي: إذا سلمت لأخيك شيئاً أو لجارك فإنها تسمى عطية، وكذلك هبتك لمن تحتك إذا لم تقصد الأجر تسمى عطية، ومن ذلك عطية الوالد لأولاده تُسمى عطية، فعطيتك لأخيك عطية، ولزميلك وصديقك عطية، ولولدك عطية، وأما للفقير الذي هو أنزل منك فإنها تسمى صدقة، وأما للأمير الذي فوقك فهذه تسمى هدية وهبة، والغالب أنك تأمل أكثر من ثمنها. ذكر المصنف رحمه الله بعد ذلك عطية الوالد لأولاده، وأنه إذا أعطى أولاده عطية بدون سبب فإنه يلزمه التسوية والعدل، وقد جاء في ذلك حديث النعمان بن بشير، وهو أن والده بشير بن سعد أعطاه ونحله غلاماً، فقالت أمه: (أحب أن تُشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء ليشهده، فقال: أكُلَّ ولدك نحلته مثله، قال: لا، فقال: فأرجعه) ، وفي رواية أنه قال: (أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: فلا إذن، وقال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، وفي رواية أنه حينما قال: (أشهدك على هذا، قال: لا أشهد على جور) ، وكل هذه الألفاظ في الصحيحين أو أحدهما. وقوله: (اعدلوا بين أولادكم) العدل هو: التسوية، واختلف في مفهوم هذه الكلمة، فبعضهم قال: يسوي بين الذكر والأنثى؛ لأن قوله: (اعدلوا بين أولادكم) معناها: سووا بينهم، فيعطي الذكر كالأنثى، وقيل: إن العدل هو أن يقسم لهم على ما في الميراث، للذكر سهمان وللأنثى سهم؛ وذلك لأن كتاب الله تعالى هكذا فرض لهم، ولاشك أن القرآن هو أعدل ما يقال: إنه عدل، وهذا هو الصحيح، وهو أنه يسوي بينهم بقدر ميراثهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11] . وإذا قدِّر أنه فضل بعضهم وزاده، ففي هذه الحال يلزمه التسوية، فيسترد ما أعطى ذلك الذي أعطى، لقصة النعمان فإنه رد تلك الهبة، فعُلم بذلك أنها لا تلزم ولو قبضها ذلك الابن، وأنه يلزمه التسوية، فإن قدر على أن يعطي الآخرين مثل هذا الذي أعطاه فإنه يلزمه أحد أمرين: إما أن يُعطي الآخرين حتى يستووا أو يسترد ما أخذه من ذلك الذي فضله.

حكم موت الأب قبل أن يسوي بين أولاده في العطية

حكم موت الأب قبل أن يسوي بين أولاده في العطية لو قدِّر أن الأب مات قبل أن يسوي بين أولاده، ففي هذه الحال هل تثبت؟ ذكروا أنها تثبت، وأن الورثة ليس لهم مطالبة أخيهم، وهذا هو الذي عليه الفتوى. وذهب آخرون إلى أن للورثة مطالبة أخيهم فيقولون: أبونا فضلك وأعطاك شيئاً زائداً علينا بغير سبب، فنحن لا نرضى، ويلزمك أن تأتي بما أعطاك وتضعه في التركة، ونقتسمه بالسوية، وهذا قول لبعض العلماء، وله وجاهته حتى لا يلحق الأب إثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه جوراً فقال: (لا أشهد على جور) ، فإذا أرادوا إبراء ذمة أبيهم فإنه يلزمهم التسوية، فيرد الذي فضل على إخوته ما كان أخذه.

حالة جواز التفضيل بين الأولاد

حالة جواز التفضيل بين الأولاد في هذه المسألة شيء من التفصيل، فنقول: إنه قد يجوز التفضيل لبعض الأسباب أو بعض المناسبات، فمن ذلك تزويج من بلغ منهم؛ لأن التزويج كالنفقة، فإذا بلغ واحد وزوجه، ثم بلغ الثاني وزوجه، فلا يلزمه أن يعطي الأصاغر مثل ذلك الكبير الذي زوجه، ولو كانت أمهم مثلاً مطلقة وهم تحت كفالتها فلا تقول: أنت أعطيت ولدك هذا خمسين ألفاً في زواجه، فأعط أولادي كل واحد منهم خمسين ألفاً، وعليه أن يقول: من بلغ منهم فإني أزوجه، وأما قبل البلوغ فلا يلزمني. فلو مات قبل أن يزوّج بعضهم فليس لهم أن يأخذوا من التركة مقابل زواجهم، بل يقتسمون التركة ويتزوجون إن شاءوا من أنصبائهم. ومن ذلك في هذه الأزمنة إذا بلغ أحدهم من الذكور مثلاً ثماني عشرة سنة احتاج إلى سيارة يتنقل عليها، وقد يكون له إخوة صغار، فيشتري له أبوه سيارة للدراسة وللتنقل، فهل يلزمه أن يُعطي الصغار مثل قيمة هذه السيارة، وتقول أُمهم: أعطيت ولدك الكبير سيارة بخمسين ألفاً مثلاً، فأولادي هؤلاء عليك أن تعطيهم قيمتها إذا بلغوا ليشتروا مثلها؛ لأنك إذا لم تفعل فقد فضلت بعضهم؟ لا يلزمه ذلك، وما ذاك إلا أن هذه السيارة للحاجة، فمتى بلغ الصغير اشترى له مثلها، وقبل البلوغ ليس بحاجة إليها فهي كالزواج. وهكذا مثلاً إذا كان له بنات، واشترى لكل واحدة منهن حلياً بعشرة آلاف، فهل يعطي الذكور مثلها؟ لا يلزمه؛ لأن هذا من تمام الزينة، فلا يلزمه أن يعطي الذكور مثل ذلك. وعندنا مثلاً الكسوة تتفاوت، فهو يشتري كسوة أولاده الذكور، فالذكر قد يكفيه كل شهرين أو كل أربعة أشهر خمسون ريالاً كسوة، وأما الأنثى فإن كسوتها قد تكون بمائتين، فلا يلزمه إذا اشترى كسوة أنثى بمائتين أن يُعطي الذكر تمام المائتين؛ لأن هذه كسوتها، وهذه كسوته، وقد أعطى كلاً منهم كسوته وسد حاجته، فهذا التفاوت لا يلزم التسوية فيه. وبعضهم إذا زوج بناته قد يجهز بعضهن مثلاً بأربعين ألفاً زيادة على المهر، وبعضهن لا يجهزها كذلك، ويكتفي بمهرها، فهل يلزمه لهذه التي ما أعطاها شيئاً أن يُعطيها مثل ما جهز به أختها؟ لا يلزمه ذلك؛ لأن هذا التجهيز تستحقه تلك، فيشتري لها كسوة ويشتري لها حلياً أو أواني، أو ما أشبه ذلك، فإذا كان الصداق الذي دفع لها قليلاً زاده من عنده، فلا يلزمه أن يُعطي أخواتها مثل هذه الزيادة، سواء قبل الزواج أو وقت الزواج. كذلك ذكروا أنه يجوز التفضيل أيضاً لأسباب؛ منها: إذا كان أحدهم معوقاً فله أن يزيده وأن يتبرع له، كالمريض أو الضرير أو ما أشبه ذلك؛ لأنه بحاجة إلى الزيادة. وكذلك لو أن أحدهم تفرغ لطلب العلم، والآخر اشتغل بطلب الدنيا، فهذا الذي اشتغل بطلب الدنيا حصل على مال واشترى له سكناً وأثث سكنه، وطالب العلم منشغل بالطلب وبالتعلم فيستحق أن يساعده في السكن، ويستحق أيضاً أن يساعده في الزواج أو في تأثيث السكن، ويقول لإخوته: أنتم استغنيتم، وأنا مطالب بمن لم يستغن، فكما أنكم استغنيتم، وانفرد كل واحد منكم في مسكن، وصار ينفق على نفسه، وأنا أنفق على إخوتكم الأطفال، ولا يلزمني أن أُعطيكم مثلهم؛ فكذلك أيضاً لا يلزمني أن أعطيكم مثل هذا الذي تفرغ للتعلم وانقطع للفقه في الدين، فليس يلزمه أن يُعطي إخوته مثل ما أعطاه. وقد يقول: اشتغل بطلب العلم وأنا أشتري لك سيارة، وأنا أزوجك، وأنا أُسكنك، وأنا أُنفق عليك، فيقول: أنا لا أريد التعلم ولكني أشتغل لنفسي، فيقول: إذا اشتغلت لنفسك واستغنيت فلا يلزمني لك أكثر من حاجتك، فإذا أغنيت نفسك فلا نعطيك شيئاً، بل نعطي أخاك الذي تفرغ. كذلك أيضاً يقع أن بعض الأولاد ينقطع على والده والآخر ينفصل، فهذا الذي انقطع عند والده يستحق أن يكافئه، كثير منهم يقول: أنا أشتغل مع والدي في تجارته، أشتغل معه في سقي حرثه، أساعده في حرفته أياً كانت، كما إذا كان خياطاً أو قصاراً أو خرازاً أو غسالاً أو نحو ذلك، فأحد أولاده انفرد بصنعة، والآخر اشتغل مع والده؛ فهذا الذي اشتغل مع والده يستحق أن يعطيه مقابل اشتغاله سكناً ويزوجه ويعطيه سيارة. ثم أيضاً قد يشتغل بعضهم مع أبيه أربعين سنة في تجارته، والأخ الثاني موظف مستقل بوظيفته، فيجوز للأب أن يُشرك الولد ويقول: هذا الولد الذي اشتغل معي عشرين أو ثلاثين أو أربعين عاماً، أجعله شريكاً، فأجعل تجارتي بيني وبينه نصفين. أو يقول: إنه اشتغل معي في سقي الحرث، وفي إصلاح المضخات، وفي حفر الآبار، وفي الحرث والسقي والزرع والغرس وإصلاح المجاري للماء وما أشبه ذلك، فنقول: لاشك أنه تعب معك عشر سنين أو عشرين سنة، فإما أن تجعل له مرتباً كما لو كان أجنبياً، وإما أن تُشركه في هذا الحرث. وهكذا في البوادي بعض أولادهم يتعلقون بالوظائف، وبعضهم يبقى عند ماشية أبيه يرعى ويسقي، ويحفظ إبلاً وغنماً، فينقطع على حفظ ماشية أبيه، فهل يساوى بإخوته الآخرين عند الميراث؟ إخوته توظفوا، وكل منهم يجمع مرتبه، ويشتري لنفسه مسكناً وأثاثاً، وأصبح عنده رأس مال، وعنده ذخيرة، وهذا انشغل مع أبيه في رعي غنمه وإبله، وفي سقيها وحفظها وإصلاحها ومراعاتها، وخدمة أبويه؛ فيستحق والحال هذه أن يجعل له نصيباً من هذه الأغنام أو الإبل، ويقول لإخوته: أنتم استغنيتم عن أبيكم، وهذا خدم أباه وقام بخدمته وحفظ حلاله وحفظ أمواله، ففي هذه الحالة يجوز التفضيل.

حكم الرجوع في الهبة

حكم الرجوع في الهبة قال المصنف رحمه الله: (ويحرم على واهب أن يرجع في هبته بعد قبض، وكره قبله إلا لأب) . ذكر أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض بإذن الواهب، فإذا قبضها الموهوب له بعد أن يأذن له الواهب ويقول: اقبض هذه الهدية أو هذه الهبة خذها فهي لك، فقبضها، فهل لصاحبها أن يرجع فيها إذا كانت هبة تبرر وليست هبة ثواب؟ لا يجوز، وقد اشتهر في الحديث المشهور قوله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) ، وقال: (ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) ، أي: هذا مثل سيء مطابق: فالكلب إذا وجد مثلاً جيفة وأكل منها أكثر من حاجته، وخاف أن يضره، فإنه يتقيأ، فيقيء نصف ما أكل، وبعد خمس ساعات أو ثلاث ساعات يأتي إلى قيئه ولو كان منتناً كريه الرائحة فيأكل قيئه، يقول قتادة: (ولا أعلم القيء إلا حراماً) . فالإنسان إذا أكل لحماً أو خبزاً أو نحو ذلك، وبعد أن استقر في بطنه تقيأه، فهل نفسه تطمئن إلى أن يعود فيأكل ذلك القيء؟ لا شك أنه مستقذر طبعاً، فيقول قتادة: (ولا أعلم القيء إلا حراماً) ، أي: فإذا كان كذلك عُرف أنه لا يجوز الرجوع في الهبة بعد أن يستلمها المتهب ولو كانوا في المجلس ولو قبل التفرق؛ فإنه مثل الكلب. حتى ولو كانت كثيرة، ولو وهبك بيتاً وأعطاك مفاتيحه، أو وهبك أرضاً وأعطاك وثائقها، وبعدما أعطاك وتمت الهبة وتم التقبل والقبض قال: رُد عليّ بيتي، أو أرضي، أو ناقتي، أو سيارتي، فتقول له: ألست قد وهبتها لي؟ ألست قد أهديتها لي؟ فإذا قال: أنا أحق بها؛ ف A أن ذلك لا يحل لك، إلا إذا كان قد اشترط أجراً وهي هبة الثواب كما تقدم، ففي هذه الحال يجوز أن يرجع في هبته إذا كان قد اشترط لها عوضاً، ويسمى المردود، أي: ما يرده المتهب على الواهب. وأما قبل القبض فإنه مكروه، فلو أعطاك أو وهبك كتاباً فوضعه على الطاولة، وقبل أن تقبضه وتستلمه أراد الرجوع، فهذا مكروه رجوعه ولو كان جائزاً، أي: أنه يجوز ولكن مع الكراهة. ويستثنى الأب فيما يهب لأولاده؛ وذلك لأن الوالد يملك ما بيد الأبناء، فله إذا وهبهم أن يرجع، واستدل لذلك بحديث النعمان بن بشير عندما وهبه أبوه ذلك العبد، ثم رجع فيه لما قال له صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فلما لم يكن عنده ما يُسوي بين أولاده رجع ورد تلك الهبة والنِحلة، والأب يملك ما بيد أولاده.

شروط أخذ الأب من مال ابنه

شروط أخذ الأب من مال ابنه قال المصنف رحمه الله: (وله) يعني: للأب (أن يتملك بقبض مع قول أو نية من مال ولده غير سرية ما شاء ما لم يضره، أو ليعطيه ولداً آخر، أو يكن بمرض موت أحدهما، أو يكن كافراً والابن مسلماً) . دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) ، وهو حديث مشهور، ولو كان في طرقه بعض الضعفاء، لكن بمجموعها يرتقي الحديث إلى أن يكون صحيحاً لغيره، فيجوز للأب أن يتملك من مال ولده ما شاء، سواء بقول أو بنية. فالقول كما إذا قال: إني قد تملكت أرض ولدي هذه، فتدخل في ملك الأب، أو يقول: إني قد تملكت سيارة ابني هذه، فتدخل في ملك الأب. والنية كما لو أخذ الأب مفاتيح دار ابنه ونوى أنه أدخلها في ملك الأب، ففي هذه الحال تدخل في ملك الأب بمجرد النية، وكذا إذا أخذ وثائق الأرض، وأخذ مفاتيح السيارة، وعزم على أنه قد ملكها وأخرجها من ملك ابنه إلى ملك الأب، فتدخل في ملك الوالد. ويستثنى من ذلك السرية، فالأرجح أن المملوكة التي يطؤها ولده بملك اليمين، يحرم عليه أن يتملكها؛ لأن ابنه قد وطأها، ولا يحل له أن يطأ ما وطأ ابنه.

عدم الإضرار بالولد

عدم الإضرار بالولد اشترطوا لذلك التملك شروطاً: الشرط الأول: ألا يضر الولد. الشرط الثاني: ألا يأخذه من ولده ليعطيه ولداً آخر، فإن هذا جور. الشرط الثالث: ألا يكون في مرض موت أحدهما، أي: موت الأب أو موت الابن. الشرط الرابع: ألا يكون الابن مسلماً والأب كافراً. ففي مثل هذه الحالات لا يصح للأب أن يأخذ، فإذا كان الابن محتاجاً إلى هذه الدار ليسكنها، ويسكن أولاده فيها، ولا يستغني عنها، والأب مستغنٍ؛ فهل له أن يخرج ولده ويقول: يا بني اخرج وانزل في خيمة أو نحوها واترك لي هذه الدار لأؤجرها؟ الدار ملك الابن، وهو الذي ملكها وعمرها وتعب فيها، وأسكن فيها أولاده، فلا يحل للوالد أخذها؛ لأن هذا ضرر عليه، وفي الحديث: (لا ضرر ولا ضرار) ، وقال تعالى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق:6] ، وقال: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء:12] ، فدل على أنه إذا تضرر الابن فلا يجوز للأب أن يأخذ، فإذا قال مثلاً: هذه سيارتي يا أبي لا أستغني عنها، ولا أستطيع أن أستأجر كلما أردت أن أذهب إلى مكان، ولا أقدر على أن أشتري بدلها؛ فكيف تأخذها وتدعني وأنت مستغن عنها، ولست محتاجاً إلى ثمنها، ولا محتاجاً إلى استعمالها؛ لأن عندك غيرها؟ فلا يجوز والحال هذه أن يأخذها، حتى ولو كان الشيء صغيراً، فلا يجوز له أن يأخذ ثوبه ويدعه عارياً، أو يأخذ طعامه ويدعه جائعاً، والأب مستغن عنه.

أن لا يعطي ما أخذه لولد آخر

أن لا يعطي ما أخذه لولد آخر الشرط الثاني: ألا يعطيه لولد آخر، فيأخذ من هذا ألف ريال ويعطيها للثاني، فهذا لا يجوز؛ وذلك لأن هذا جور، وفي الحديث: (لا أشهد على جور (، لكن إذا كان الابن مستغنياً وعنده فضل، وأخوه فقير وذو حاجة شديدة، وليس عنده ما يكفيه، والأب لا يقدر على أن يعوله؛ فإنّ على الأخ أن يُنفق على أخيه ولو كان لا يرث منه، ويجوز للأب أن يأخذ من مال هذا المستغني الذي عنده فضل ويُنفق منه على أخيه الفقير، فأما إذا كانا متكافئين فليس له أن يأخذ من هذا ويعطي هذا، فهذان شرطان.

أن لا يكون الأخذ في مرض موت أحدهما

أن لا يكون الأخذ في مرض موت أحدهما الشرط الثالث: ألا يكون في مرض موت أحدهما؛ وذلك لأنه عند المرض تتعلق بالمال حقوق الورثة، فإذا مرض الابن، وله زوجته وأمه وأولاده ذكوراً وإناثاً؛ فليس للأب في مرض موت الابن -إذا كان مرضاً مخوفاً- أن يأخذ من مال الابن؛ لأنه بذلك يظلم الزوجة ويظلم الأم ويضر الأولاد إذا أخذ تركة أبيهم. وهكذا أيضاً لو كان المريض هو الأب، فإنه في هذه الحال ليس له أن يتملك؛ لأنه إذا كان مرض الأب مرضاً مخوفاً -أي: يخاف منه الموت- ففي هذه الحال نقول: ليس له أن يتملك من مال أولاده؛ لأنه والحال هذه كأنه يأخذ من مال هذا ويجعله في تركته ليُعطي أولاداً له ما كسبوا، وليُعطي زوجات له ما اكتسبن؛ فيضر بعض أولاده وينفع آخرين، هذه ثلاثة شروط.

أن لا يكون الأب كافرا والابن مسلما

أن لا يكون الأب كافراً والابن مسلماً الشرط الرابع: ألا يكون ذلك من مسلم لولد كافر، فلا يجوز للكافر أن يأخذ من مال ولده المسلم؛ لأن أموال المسلم ملك لورثته، والكافر ليس له ميراث، فلا يرث من مال ابنه المسلم كما سيأتي في الفرائض إن شاء الله. فليس له أن يأخذ من مال الولد المسلم أو قريبه المسلم أو أبيه المسلم، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] .

شرح أخصر المختصرات [47]

شرح أخصر المختصرات [47] المريض مرضاً مخوفاً له أحكام خاصة تتعلق بتصرفاته المالية؛ من وصية وعطية وغيرها، وقد بين الفقهاء تلك الأحكام، وبينوا فروقاً دقيقة بين كثير منها.

متى يحرم قبول الهدية؟

متى يحرم قبول الهدية؟

حكم قبول الهدية في مقابل العمل المراد به وجه الله

حكم قبول الهدية في مقابل العمل المراد به وجه الله عرفنا أن الهدية: هي التبرع بجزء من المال أو بمنفعة لقصد التودد والمحبة، وأن العطية هي إعطاء الإنسان غيره شيئاً من المال بغير مقابل، وأن الهدية قسمان: هدية تبرر، وهدية ثواب، فهدية الثواب تكون كالبيع، إذا لم يعط مقابلها فله الرجوع، وهدية التبرع لا يجوز الرجوع فيها. وقد ورد في فضل الهدية حديث مشهور هو: (تهادوا تحابوا) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، مع أن أهلها لا يشترطون ثواباً، ولكنه يحب مكافأتهم، فقد ورد في حديث: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه) . وبهذا يعرف أن الهدية تكون مالاً، وتكون منفعة، فالإنسان الذي يعلمك، ويفهمك مسألة من المسائل، يعتبر قد فعل معك معروفاً، وأنت تحب أن تكافئه، لكن يستحب له إذا كان قصده الثواب والأجر ألا يأخذ هديتك؛ لأنها قد تنقص أجره، وقد جاء في حديث أبي الدرداء: (أنه علم رجلاً من أهل الصفة آيات من القرآن، فأهدى إليه قوساً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أحببت أن تطوق مثله من النار فخذه) ؛ وذلك لأنه أراد الأجر بتعليمه، فلا يحق له أن يفسد أجره، وأن يأخذ عليه عوضاً. ويقال كذلك في كل من عمل عملاً يحتسبه عند الله، فلا يفسد أجره بقبول تلك الهدية، سيما إذا كان ذلك الذي علمته أو دللته فقيراً كأهل الصفة الذين هم من فقراء المهاجرين، فمن فعل ذلك يحتسب الأجر، فليس له أن يأخذ ما يقابله، وقد ورد في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ما معناه: (من عمل عملاً يبتغي به وجه الله فأهدي إليه شيء فلا يأخذه) ، بل عد في بعض الروايات أنه من الربا، وإن لم يكن من الربا الصريح، فإذا عملت لإنسان عملاً تحتسبه فلا تأخذ عليه أجراً، كما إذا حملت له متاعه أو رفعته له، أو أوصلته له إلى منزله وأنت محتسب أنه فقير ذو حاجة، أو شفعت له عند من قضى حاجته، أو أما أشبه ذلك، وأنت تحتسب الأجر، فليس لك إفساد أجرك بأخذ هدية، وقد قصدت الأجر الأخروي، فلا تأخذ أجراً دنيوياً.

حكم قبول الهدية إذا قصد بها الرشوة

حكم قبول الهدية إذا قصد بها الرشوة ومن الهدايا التي لا تجوز، إذا كان ذلك المهدي يقصد مقصداً دنيوياً، فليس له أن يهدي، وليس للمهدى إليه أن يقبل، فإذا أهديت للطبيب لأجل أن يقدمك على المراجعين، فهذه هدية شبيهة بالغلول، وهدايا هؤلاء العمال غلول، أو أهديت لمدرس ليزيد في درجاتك، فهذه من جنسها، ولا يحق له أن يقبلها، أو أهديت للموظف ليقبل وظيفتك، وليقدمك في الوظيفة على من هو أحق منك، فإن هذه من الغلول أو من المحرم. ومثله: ما ورد في هدية القاضي فإنها تسمى رشوة، فإذا أهدى أحد الخصمين للقاضي أو نفعه، وأراد بذلك أن يميل معه، وسماها هدية، ولو -مثلاً- ضيافة، بأن استضافه وأكرمه ويريد أن يميل معه، فإنها تسمى رشوة، وكذلك إذا كان يراجع كاتباً ويريد أن يقدمه على غيره، فإنه بذلك يكون قد أعطاه ما يشبه الرشوة، فليس للآخذ أن يأخذ، ولا للمعطي أن يعطي في هذه الحالات وأشباهها. ويقع كثيراً التساهل في هذا، ويسأل كثيرون من أصحاب المنح هذا Q إني طلبت منحة أرض سكنية، وإذا أعطيت هذا المسئول أعطاني في مكان مرغوب، وإذا ما أعطيته دفعني وأبعدني؟ فالجواب أن نقول: هذه رشوة ولو سميتها هدية، فإنك بذلك تضر غيرك، والواجب عليه أن يسوي بين جميع الممنوحين ونحوهم، فلا يقدم هذا لأنه يعرفه، أو هذا لأنه صديقه، أو هذا لأنه من أسرته، أو هذا لأنه كبير القوم، أو هذا لأنه أهدى إليه أو ما أشبه ذلك. وأما حديث: (هدايا العمال غلول) فهو مشهور، وإن كان هذا اللفظ في إسناده مقال، والأصل فيه قصة ابن اللتبية الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على جمع الزكاة من البهائم، فجاء وقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هلَّا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً) المعنى: أنهم أهدوا له حتى يتسامح معهم، إذا كان عليهم -مثلاً- خمس شياه ثمينة، أهدوا له شاة وأعطوه خمساً هزيلة، وقبلها، فمثل هذا يعتبر رشوة، ولو سموها هدية؛ لأنهم يقصدون بذلك أن يخفف عنهم، وكذلك أصحاب الثمار، لا يجوز له أن يستضاف عندهم؛ لأنه قد يزيد في خرص من لم يضيفه أو لم يكرمه ويتغاضى عن الذي أكرمه، والذي زاد في إكرامه ينقص عليه من الزكاة، فلذلك لا يجوز له والحال هذه. فأمر الهدايا والهبات فيه تساهل كثير، ويقع به ضرر على الفقراء الذين لا يجدون ما يهدون، حيث إن أولئك الذين هم أهل طمع وأهل مقاصد دنيوية؛ يقدمون من أهدى إليهم في القضايا وفي الكتابات وإخراج الصكوك، وكذلك في المنح وما أشبهها، وهذا لا يجوز، وإذا عرفنا هذا الحكم فلا يصح لأحد أن يقبل شيئاً من هذه الهدايا ونحوها.

لا يطالب الأب بالدين بل بالنفقة الواجبة

لا يطالب الأب بالدين بل بالنفقة الواجبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين ونحوه، بل بنفقه واجبة، ومن مرضه غير مخوفٍ تصرفه كصحيح، أو مخوف كبرسامٍ أو إسهال متداركٍ، وما قال طبيبان مسلمان عدلان عند إشكاله إنه مخوفٌ، لا يلزم تبرعه لوارثٍ بشيءٍ، ولا بما فوق الثلث لغيره إلا بإجازة الورثة. ومن امتد مرضه بجذام ونحوه ولم يقطعه بفراش فكصحيح، ويعتبر عند الموت كونه وارثاً أو لا، ويبدأ بالأول فالأول بالعطية، ولا يصح الرجوع فيها، ويعتبر قبولها عند وجودها، ويثبت الملك فيها من حينها، والوصية بخلاف ذلك كله] . تقدم فيما يتعلق بالعطية ما يحل للأب أن يأخذ من مال ولده، وعرفنا شروطه، ثم يقول المصنف: (وليس لولد ولا لورثة مطالبة أبيه بدين ونحوه، بل بنفقة واجبة) أي: إذا كان لك دين على والدك فليس لك أن تطالب أباك بهذا الدين، وتقول: إن عندك لي ديناً يا أبي، بل إن دفعه الأب ورده فلك أخذه، وإلا فله أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، فإذا استدان منه ديناً فليس له أن يطالبه ويقول: أعطني يا أبي الدين الذي عندك، وكذلك إذا مات الابن فليس لورثته مطالبة أجدادهم، ويقولون: إن أبانا كان له دين عندك أيها الأب الأبعد، أيها الجد، ليس لهم ذلك. وظاهر هذا أنه يجوز له أن يأخذ من مال أولاد ابنه، وأن الجد بمنزلة الأب يأخذ من مال ابنه، ومن مال ابن ابنه وإن نزل؛ لأن الجد أب، فله أن يأخذ من ماله ابنه وابن ابنه ما لا يضر الابن، ولا تتعلق به حاجته. ويجوز للابن مطالبة أبيه بالنفقة الواجبة، فإنه يجب عليه أن ينفق على أولاده، والأصل أن الأب لا يجمع الأموال إلا لأولاده، فإذا احتاجوا للنفقة الواجبة الضرورية وجب عليه أن ينفق عليهم بقدر كفايتهم طعاماً وشراباً وكسوة وسكناً، وكذلك الحاجات الضرورية كتزويج وما أشبهه. وللأب أن يسوي بينهم في النفقة، فلا يزيد لهذا عن هذا، أو لهؤلاء عن هؤلاء لأنه يحبهم، بل يعطيهم بالسوية، فلا يشتري لهذا كسوة غالية وهذا كسوة رخيصة، أو يطعم هؤلاء من اللحوم والفواكه، وهؤلاء من يابس الخبز وما أشبهه، بل عليه أن يسوي بينهم، وإذا قصر عليهم وكادوا أن يجوعوا، فلهم مطالبة أبيهم حتى يسد خلتهم وحاجتهم.

تصرفات المريض

تصرفات المريض

حكم تصرفات المريض إذا كان مرضه غير مخوف

حكم تصرفات المريض إذا كان مرضه غير مخوف ذكر المصنف بعد ذلك تصرفات المريض، متى تكون نافذة أو غير نافذة؟ إذا كان المرض غير مخوف فتصرفه كتصرف الصحيح، فإذا كان مرضه وجع ضرس، أو وجع عين، أو ألماً في إصبع، أو صداعاً في رأسه أو حرارة، أو سعلة يسيرة، أو ألماً في يد أو رجل؛ فإنه يتصرف تصرفاً صحيحاً، فله أن يهدي، وله أن يتصدق، وله أن يوقف؛ وذلك لأنه شبيه بالصحيح، والإنسان في صحته يتصرف كما يشاء. والصدقة في حالة الصحة أفضل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمسك حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان) ، فلا يجوز له أن يتصدق في حالة المرض المخوف إلا بالثلث فأقل. فإذا كان الإنسان صحيحاً وتصدق بنصف ماله أو بالثلثين أو سبله، أو أعطاه لمستحق أو ما أشبه ذلك، فليس لورثته منعه، وكذلك لو أوقف أموالاً كثيرة أو تبرع بها وأعطاها لبعض أقاربه، أو بنى بها مساجد أو ما أشبه ذلك؛ فكل ذلك جائز في حالة الصحة.

حكم تصرفات صاحب المرض المخوف

حكم تصرفات صاحب المرض المخوف إذا كان المرض مخوفاً فليس له تصرف إلا في الثلث. والمرض المخوف مثلوا له بالبرسام أو بالإسهال، والبرسام: مرض في الرأس يختل به الدماغ، تسميه العامة أبو دمغة؛ لأنه يختل به الدماغ؛ فالعادة في مثل هذا أنه يموت، وأما الإسهال المتدارك فاسمه عند الأطباء (الكوليرا) ، وهو مرض يحصل به الإسهال المتدارك، ويتمادى به إلى أن يموت. فإذا كان مرضه مخوفاً أو قرر طبيبان مسلمان عدلان أن هذا المرض مخوف، أي: يخاف منه الموت؛ فمثل هذا تصرفاته لا تنفذ إلا في الثلث؛ وذلك لأن حقوق الورثة إذا تعلقت بالمال فيخاف أن يقصد إضرار الورثة، مثل ما يسمى عند العامة بتوليج المال، أي: إخراجه من ملكه حتى يتضرروا، ولا يبقى لهم شيء يملكونه؛ إما لأنهم أساءوا صحبته، أو أنهم ما أطاعوه ولا خدموه، أو أنهم أقارب غير رافقين به إذا لم يكن له أولاد، وكان له إخوة أهل قطعية وعقوق، أو بنو عم مقاطعون له، فأراد أن يخرج المال من ملكه في حياته حتى لا ينتفعوا به إضراراً بهم. فإن كان صحيحاً ولو كان عمره مائة سنة، ولكن معه عقله وإدراكه، ومعه قوته يذهب ويجيء، فتصرفه تصرف نافذ، فإذا بنى مساجد، أو عمر مدارس خيرية، أو أصلح طرقاً، أو تصدق بصدقات، أو أوقف أوقافاً وسبلها، فإنه ينفذ؛ وذلك لأنه في حالة صحته وفي حالة قوته، والعادة أن الصحيح القوي يمسك المال، وأنه يحتاج إليه.

حكم العطية للوارث في المرض المخوف

حكم العطية للوارث في المرض المخوف الحاصل أنه إذا كان صحيحاً فتصرفه صحيح، وأما إذا كان مرضه مخوفاً فإن تصرفه لا ينفذ إلا في الثلث، ولا ينفذ إذا أوصى للوارث، وقال: لك يا ولدي كذا، أو لك يا أمي أو يا زوجتي كذا، ففي هذه الحال لا ينفذ ذلك؛ لأنهم وارثون، وقد ورد في الحديث: (لا وصية لوارث) ، وهذا شبيه بالوصية؛ لأنه عطية في المرض، وقد تعلقت حقوق الورثة بالمال، فهذه العطية تعتبر من الثلث إلا إذا كانت لوارث، ففي الحديث: (لا وصية لوارث) . وفي قصة سعد لما قال: (أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال: النصف؟ قال: لا. قال: الثلث؟ قال: الثلث؛ والثلث كثير) يعني أراد أن يتصدق بالثلثين، ثم بالنصف، فصرفه إلى الثلث، ثم قال: (والثلث كثير) ، فإذا أجاز الورثة ذلك جاز، أي: إذا تصدق بنصف ماله أو بثلثيه ووافق الورثة على ذلك جاز؛ لأن الحق لهم، وكذلك لو تبرع لأحدهم، فمثلاً: إذا كان له ثلاثة أولاد أغنياء، وعندهم تجارات، وعندهم أملاك، وله واحد فقير لا يملك شيئاً ولا سكناً، وأوصى له أو تبرع في مرض الموت، فقال: أعطوه مسكناً. ووافق الورثة، نفذ ذلك إذا أجازه الورثة؛ لأن الحق لهم.

المرض الممتد وحكم التصرف فيه إذا لم يقعده

المرض الممتد وحكم التصرف فيه إذا لم يقعده هناك أمراض تمتد ولا يكون المرض مخوفاً، فمن امتد مرضه بجذام ونحوه، ولم يقطعه بفراش؛ فتصرفه صحيح، والجذام: قروح تخرج في الأنف أو في الوجه، وهو الذي ورد الاستعاذة منه: (أعوذ بك من البرص والجذام وسيء الأسقام) وفي الحديث: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ، وذلك لأن ينتقل بإذن الله. فالجذام قد يطول بصاحبه عشر سنين أو عشرين سنة، فلا يكون مخوفاً، ومثله مرض السل في ابتدائه، ومرض الصدر أو التدرن الصدري، فهذا في أول الأمر يبقى سليماً معافى، ولكن في آخره تخرج قروح في الرئة، ثم تشتد إلى أن تقضي عليه، ولكن تطول مدته، فقد يبقى عشر سنين أو نحوها. ومثل ذلك الفالج في آخره، والفالج هو الشلل النصفي، ففي أوله خطر، أما في آخره فإنه قد يبقى عشر سنين أو عشرين سنة وهو مشلول يد أو رجل، فتصرفه صحيح، ولو طالت مدته، إلا إذا كان على الفراش، فمن كان مرضه قد ألزمه الفراش بحيث لا يستطيع أن يتحول ولا أن يذهب ويجيء، بل هو دائم على الفراش فإن هذا مخوف، فتصرفه غير صحيح إلا بإجازة الورثة.

الفرق بين عطية المريض ووصيته

الفرق بين عطية المريض ووصيته

الفرق بين الوصية والعطية

الفرق بين الوصية والعطية هناك فروق بين العطية والوصية: فالعطية هي التبرع في الحياة، والوصية هي: التبرع بعد الموت وبعد الوفاة، فيعتبر عند الموت كونه وارثاً أو لا، فمثلاً: إذا تبرع لقريبه فقال في مرض موته: أعطوا أخي هذه السيارة أو عشرة آلاف، وكان أخوه لا يرث؛ لأنه محجوب بابن للميت، ثم قدر أن ابن الميت مات قبل أبيه، ثم مات الأب، فأصبح الأخ وارثاً، فهل يأخذ هذه العطية أو الوصية؟ لا يأخذها إلا بإجازة الورثة؛ لأنه أصبح وارثاً، وفي الحديث: (لا وصية لوارث) ، فيعطى حقه من الميراث، ولا يأخذ هذه العطية. وعكسه: لو قدر أنه أوصى لأخيه، أو أعطاه في آخر حياته، وكان أخوه يرث في ذلك الحال، ثم قدر أن الموصي أو المعطي ولد له ابن قبل موته، ولما ولد له حجب الأخ، فأصبح الأخ لا يرث، فهل تصح تلك العطية له؟ نعم تصح، إن خرجت من الثلث أو إن سمح بها الورثة، هذا معنى قوله: (يعتبر عند الموت كونه وارثاً أو لا) ، بمعنى أنه أوصى له وهو يرث، وقبل موت الموصي حجب وأصبح لا يرث، فتصح الوصية، والعكس: إذا أصبح الموصى له وارثاً، وذلك إذا مات ابن الموصي أو المعطي في حياته، وأصبح الموصى له من الورثة، فلا تصح تلك الوصية أو العطية.

كيفية البدء في العطية والوصية

كيفية البدء في العطية والوصية قال المصنف رحمه الله: (ويبدأ بالأول فالأول في العطية) . صورة ذلك: إذا قال وهو مريض مرضاً مخوفاً: أعطوا زيداً خمسة آلاف، ثم في اليوم الثاني قال: أعطوا سعداً عشرة آلاف، ثم في اليوم الثالث قال: أعطوا إبراهيم ثلاثة آلاف. فنظرنا فإذا الجميع ثمانية عشر ألفاً، ثم قدر أنه لما مات حصرنا الثلث، ووجدنا الثلث عشرة آلاف، ففي هذه الحال يأخذ زيد منها خمسة آلاف، وسعد خمسة آلاف فقط، ولا يأخذ إبراهيم شيئاً. وكذلك لو قالوا يوم الجمعة: أعطوا زيداً ثلاثة آلاف، فإنا نعطيه الثلاثة الآلاف، فنبدأ بالأول، وقال يوم السبت: أعطوا سعداً خمسة آلاف، فإنا نعطيه ذلك من هذا الثلث الذي هو عشرة آلاف، يبقى عندنا من الثلث ألفان، وعندنا إبراهيم قد أمر له بعشرة آلاف يوم الأحد، فنقول له: خذ هذين الألفين بقية الثلث، فإذا قال: لماذا أعطيتموهم حقهم تماماً، وما أعطيتموني إلا القليل؟ ف A لأنهم قبلك، أي: لأنه تبرع لهم قبل أن يتبرع لك، فليس لك إلا بقية الثلث؛ وذلك لأن العطية تنفذ في الحياة، وإنما منعنا من إخراجها لأنه مريض، فإن شفي من مرضه أعطاهم ما يريدون أو منعهم؛ لأن العطية والهبة لا تلزم إلا بالقبض، وأما إن مات فإنها ترجع إلى الثلث، فإن خرجت أعطياته كلها من الثلث أخذوها، وإن كان الثلث قليلاً لم يخرج منه إلا الثلث، ويبدأ بالأول الذي هو زيد فيعطى الثلاثة الآلاف، ثم سعد يعطى الخمسة الآلاف، ثم يبقى لإبراهيم من الثلث ألفان، وليس له إلا ذلك، هذا معنى قوله: (يبدأ بالأول فالأول في العطية) . بخلاف الوصية، فإنهم يستوون، فلو قال: إذا مت فأعطوا زيداً ثلاثة آلاف، ثم قال بعد يوم: وأعطوا سعداً خمسة آلاف، ثم قال بعد يوم: وأعطوا إبراهيم عشرة آلاف. فنظرنا وإذا المجموع ثمانية عشر ألفاً، ووجدنا الثلث تسعة آلاف، ففي هذه الحال يسوى بينهم في الوصية، وكيفية التسوية أن يعطى كل واحد منهم بقدر حصته. ننظر في الثلث فإذا هو تسعة آلاف، والوصية ثمانية عشر ألفاً، فنسبتها النصف، فنقول: لك يا زيد ألف ونصف، ولك يا سعد ألفان ونصف، ولك يا إبراهيم خمسة آلاف، هذا هو الثلث، فيبدأ بالأول فالأول في العطية، ويستوي المتقدم والمتأخر في الوصية.

حكم الرجوع في العطية وفي الوصية

حكم الرجوع في العطية وفي الوصية العطية لا يصح الرجوع فيها؛ وذلك لأنه تبرع بها، وإنما منعنا إخراجها انتظار أن يموت فتخرج من الثلث أو يشفى فيخرجها، فإذا قال وهو مريض: لك يا سعد هذه السيارة، ولك يا عمرو هذه الأرض، ولك يا إبراهيم هذه النقود المصرورة، فلا تنفذ في هذه الحال، ولكن إذا قدر أنه شفي، فهل له أن يرجع؟ ليس له أن يرجع في العطية، لحديث: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) ، وإن كانت لا تلزم كما تقدم إلا بالقبض، ولكن هذا قد تبرع بها، وأصبحت كأنها ملك للمعطى، فليس له الرجوع، بخلاف الوصية فإن له الرجوع، فإذا قال: إذا مت فأعطوا زيداً هذه السيارة، وأعطوا سعداً هذه العمارة، وأعطوا بكراً هذه القطعة من الأرض، ثم شفي، فهل يلزم إعطاؤهم؟ لا يلزم، وله أن يرجع؛ وذلك لأن الوصية لا تنفذ إلا بعد الموت، فله أن يرجع في الوصية، ولا يرجع في العطية.

وقت اعتبار قبول العطية وقبول الوصية

وقت اعتبار قبول العطية وقبول الوصية إذا قدر أنه قال وهو مريض: أعطوا زيداً هذه الشاة، وأعطوا سعداً هذه الناقة، فكل منهم قال: قبلت. ولكن منعناهما من أخذها مخافة ألا تخرج من الثلث، فولدت الشاة ونتجت الناقة، ثم مات، وخرجتا من الثلث، ففي هذه الحال هل يكون ولد الناقة وولد الشاة تركة أو يكونان للمعطى؟ A يكونان للمعطى؛ وذلك لأنها دخلت في ملكه من وقت القبول، فهذا معنى قوله: (يعتبر قبولها عند وجودها) ، لما اعتبر قبولها عند وجودها صار نماؤها تبعاً لها. وهكذا لو قال: أعطوا زيداً هذه النخلة. ثم لم يمت حتى حملت، وزيد قد قبلها، ولما مات طالبه الورثة بالحمل، فهل لهم ذلك؟ ليس لهم، فلو قالوا: إنها حملت قبل الموت، فالجواب: أنها تلزم بالقبول، والقبول قد حصل. وهكذا لو كانت داراً فقال: أعطوا زيداً هذه الدار، وأعطوا عمراً هذا الدكان، وقبل كل منهما، ولكن ما سلمناها مخافة أن يموت ولا تخرج من الثلث، ولما مات نظرنا فإذا الدار قد أجرت بعشرة آلاف، والدكان بخمسة آلاف مثلاً، ففي هذه الحال نقول: إنه والحال هذه تكون الأجرة للمعطَى؛ لأنها خرجت من الثلث، وملكها من وقت القبول، هذا معنى: (يعتبر قبولها عند وجودها) . وقوله: (يثبت الملك فيها من حينها) : (من حينها) قيل: إنه من حين العطية، وقيل: من حين القبول. والفرق بين القولين: أنه لو قال: أعطوا زيداً الدكان، ولم يقل زيد: قبلت إلا بعد الموت، فلا يثبت الملك إلا بعد الموت، وليس له الأجرة قبل القبول، بل أجرة الدكان للورثة، وله عين الدكان، وله قسطه من الأجرة بعد القبول. وأما إذا قلنا: إن الملك قبل القبول يثبت من حين العطية، ففي هذه الحال له أجرة هذا الدكان، بمعنى أنه لو قال في شهر المحرم: أعطوه هذا الدكان. وزيد ما قال: قبلت. إلا في شهر رجب، أي: بعد نصف سنة، والمعطي ما مات إلا في ذي الحجة بعد سنة، فالصحيح أن أجرة نصف السنة قبل القبول للورثة، والنصف الثاني للمعطى، والملك يثبت من حين القبول. وأما الوصية فإنها لا تثبت إلا بعد الموت، فلو قال الموصى له: قبلت. ثم قال الموصي: رجعت. فله الرجوع.

شرح أخصر المختصرات [48]

شرح أخصر المختصرات [48] جعل الله للمسلم ثلث ماله يتصدق به عند وفاته، فيجعله وقفاً أو وصية أو نحو ذلك مما يبتغى به وجه الله، والوصية لها أحكام كثيرة تتعلق بها، من جهة ما تجوز الوصية به أو له وما لا تجوز، ومن جهة المقدار الذي يحق للمرء الوصية به، وماذا يكون العمل عندما يوصي بقدر نصيب وارث، وغير ذلك من المسائل التي تكلم عنها الفقهاء رحمهم الله.

أحكام عامة في الوصية

أحكام عامة في الوصية قال المصنف رحمه الله: [كتاب الوصايا: يسن لمن ترك مالاً كثيراً عرفاً الوصية بخمسه. وتحرم ممن يرثه غير أحد الزوجين بأكثر من الثلث لأجنبي، أو لوارث بشيء. وتصح موقوفة على الإجازة. وتكره من فقير وارثه محتاج، فإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه كمسائل العول، وتخرج الواجبات من دين وحج وزكاة من رأس المال مطلقاً. وتصح لعبده بمشاع كثلث، ويعتق منه بقدره، فإن فضل شيء أخذه، وبحمل ولحمل تحقق وجوده، لا لكنيسة وبيت نار وكتب التوراة والإنجيل ونحوها، وتصح بمجهول ومعدوم، وبما لا يقدر على تسليمه. وما حدث بعد الوصية يدخل فيها، وتبطل بتلف معين وصى به. وإن وصى بمثل نصيب وارث معين، فله مثله مضموماً إلى المسألة، وبمثل نصيب أحد ورثته له مثل ما لأقلهم، وبسهم له سدس، وبشيء أو حظ أو جزء يعطيه الوارث ما شاء] . اختصر المؤلف الوصايا مع كونها كثيرة المسائل، وتوسع الفقهاء فيها، والغالب أن كلامهم فيها إنما هو فرض مسائل. ذكر الله تعالى الوصية في القرآن، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180] ، وكان هذا قبل أن تنزل الفرائض، فكان أحدهم إذا حضره الموت قال: اقسموا مالي، فأعطوا الوالد كذا، وأعطوا الوالدة كذا، وأعطوا الزوجة كذا، وأعطوا الأخ كذا، وأعطوا الابن أو البنت كذا وكذا فكان هو الذي يقسمه، وكان الله أمر بذلك (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) ، ولما نزلت آيات المواريث نسخت إطلاق هذه الآية، وأصبحت الوصية لا تصح للورثة، وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) فالوارث يكفيه نصيبه. والذين يرثون بكل حال -كما سيأتينا في الفرائض- الأولاد ذكوراً وإناثاً، والأبوان (الأب والأم) ، والزوجة أو الزوج، فهؤلاء لا يصح أن يوصي لهم، وأما غيرهم فيصح أن يوصي له إلا إذا كان يرث، أو أوصى له وهو لا يرث، ولكن أصبح بعد ذلك وارثاً، كما لو أوصى لأخيه من الأب فقال: إذا مت فأعطوا أخي من الأب ألفاً أو عشرين ألفاً، وكان محجوباً بأخيه الشقيق، فمات الشقيق قبل الموصي، فأصبح الأخ من الأب وارثاً، فلا يعطى شيئاً من الوصية، ولا يوصى له؛ لأنه أصبح وارثاً. وكذلك ما ذكرناه قريباً: فيما إذا أوصى لأخيه، وكان له ابن، فمات الابن قبل الموصي، أصبح الأخ وارثاً، فلا يصح أن يوصى له. يقول المؤلف: (يسن لمن ترك مالاً كثيراً عرفاً الوصية بخمسه) : قول الله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة:180] المراد: ترك مالاً كثيراً فيه فضل على ورثته، وإلا فإن الأصل أن يجمع المال لورثته ليتوسعوا في ماله، هذا هو الأصل. ومعلوم أن الورثة أحق بمال مورثهم، سيما إذا كانوا فقراء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) ، عالة: يعني فقراء، فإذا كان ماله قليلاً، وورثته ذوي حاجة وفقراء، فالصدقة تكون فيهم، فلا يستحب له أن يوصي لا بثلث ولا بأقل من الثلث؛ لأن إمساكه للمال لأجل توسعته على ورثته أفضل. فإذا كان الورثة أغنياء وأثرياء، وسمحوا بزيادة على الثلث، فله أن يتصدق ولو بماله كله، فلو قدر أنه ليس له ورثة، لا أصحاب فروض ولا عصبات، ففي هذه الحال له أن يوصي بماله كله، لأن المال في هذه الحال سيدخل في بيت المال، فله أن يوصي أو يتصدق بماله كله، سواء في الحياة أو بعد الممات. أما حكم الوصية فيستحبون أن يوصي بالخمس، فقد ذكر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: رضيت لنفسي ما رضي الله لنفسه، فأوصى بالخمس؛ وذلك اقتداءً بقول الله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41] يعني: أن ظاهر الآية أن الله تعالى أمر بأخذ الخمس من الغنائم، فأوصى بالخمس، فهذا دليل استحباب الوصية بالخمس. وروي عن ابن عباس أنه قال: وددت لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث؛ والثلث كثير) ، فصاروا يستحبون أن يوصي بالربع ولو كان عنده أموال طائلة. ثم ذكروا أنه لا يصح أن يوصي بأكثر من الثلث لأجنبي، ولا بشيء لوارث؛ وذلك لأن الحق للورثة إذا كان له ورثة. فلا يوصي بأكثر من الثلث؛ لقوله: (الثلث؛ والثلث كثير) إلا بإجازة الورثة، ولا يوصي لوارث بشيء ولو كان قليلاً، ولو كان الوارث محتاجاً، ويستثنى من ذلك إذا لم يكن له وارث إلا الزوجة، فإذا لم يرثه إلا زوجته، فله أن يوصي بأكثر من الثلث؛ لأن الزوجة ستأخذ نصيبها كاملاً.

تعريف الوصية وسنية كتابتها

تعريف الوصية وسنية كتابتها الوصايا: جمع وصية، واشتقاقها من وصيت الشيء إذا وصلته، سميت بذلك لأن الموصي وصل ما قبل الموت بما بعد الموت. وتعريفها: أنها الأمر بالتصرف بعد الموت، يعني أن يوصي غيره بأن يتصرف له بعد الموت بكذا وكذا، فيدخل فيها أن يوصيه بأولاده، فيقول: أنت وكيلي على ذريتي الأطفال تنفق عليهم وتحفظ أموالهم، ويدخل فيه أن يوصيه بتفريق ثلثه أو بتنشئته أو نحو ذلك، ويدخل في ذلك أيضاً أن يوصي إليه بوفاء دينه، أو ما أشبه ذلك. ويستحب أو يتأكد أن يكتب وصيته، فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) ، فمن هذا استحبوا بتأكد كتابة الإنسان وصيته في حياته، ولو كان شاباً، ولو كان سليم القوى، وذلك لأنه لا يدري متى يفجؤه الأجل، فإذا كتب وصيته ومات فجأة كان قد أوصى، واحتاط لنفسه. فيكتب الديون التي له: عند فلان لي كذا، وعند فلان كذا وكذا، ويكتب الديون التي في ذمته: عندي لفلان كذا، وعندي لفلان كذا، ويكتب الأمانات التي عنده، فيقول: عندي لفلان أمانة في موضع كذا وكذا، وقدرها كذا أو نوعها كذا وكذا، أو عندي وصية أبي أو وقف جدي أو أبي الذي فيه كذا وكذا، فيفصل ذلك، حتى لا يبقى في ذمته شيء؛ وذلك لأنه إذا مات ولم يكتب وصاياه وديونه، ثم جاء الغرماء إلى ورثته وقالوا: إننا نطالبه بدين مقداره كذا. فالورثة قد لا يصدقون، وقد يأتيهم من هو كاذب، فربما يكون أحدهم صادقاً ويتورع عن الحلف، أو لا يجد بينة، فلا يأتيه حقه، فيبقى الميت معلقاً بدينه، ويؤخذ في الآخرة من أعماله. وكذلك قد تضيع حقوقه وديونه التي على الناس مع حاجة ورثته إليها، فلذلك يتأكد أن يحتاط ويكتب ما كان عنده من أمانات ومن وصايا وأوقاف وديون وغيرها. وقد كتب كثير من المشايخ نماذج للوصايا صغيرة أو كبيرة، حتى طبعت رسالة في نحو عشرين صفحة مكتوب عليها كعنوان "هذه وصيتي"، ففي مقدمتها فضل الوصية والاحتياط لها، وما يكتبه، وما عنوان الديون التي له، والأملاك التي لي، والديون التي علي، والأملاك التي أنا شريك فيها، وكذلك أيضاً أوصي بكذا وكذا، وعلى وصيي أن يعمل بكذا وكذا. وبعضهم اختصر نموذجاً وجعله في صفحة أو في صفحتين، وجعل فيه بياضاً يكتب فيه الموصي اسمه واسم الوكيل الذي يوصيه، وبياضاً أيضاً لما يريد أن يثبته في ذمته من الديون أو الحقوق، أو ما يوصي من المال كثلث أو ربع أو خمس، وما يريد أن يجعله في تلك الوصية من مال أو من أعمال بر، فإذا حصلت على هذا النموذج وكتبته في مقدمة وصيتك أو أشغلت فيه الفراغ الذي في وسطه واحتفظت به، فإن ذلك أولى وأحرى وأجدر. ومعلوم أيضاً أن الموصي في حياته يغير ما يريد، فيزيد في وصيته ويغير فيها، فإذا قال: إذا مت فبيتي يصير وقفاً، ثم بدا له في حياته فباعه جاز له ذلك، أو نقله من بيت إلى بيت، جاز ذلك؛ لأنه في حياته يملك التصرف في وصيته بزيادة أو بنقص أو بتغيير أو نحوه؛ وذلك لأنها لا تثبت إلا بعد الموت. ثم هناك أيضاً مقدمة للوصية رواها كثير من العلماء، وكانوا يكتبونها في مقدمة وصاياهم، وهي موجودة في مصنف عبد الرزاق وغيره من المصنفات القديمة، وذلك أنهم كانوا يكتبون في مقدمة الوصية: هذا ما أوصى به فلان، وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. ويوصي من خلفه أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم إن كانوا مؤمنين، وأن يحافظوا على الصلوات، وأن يبتعدوا عن المحرمات إلخ ذلك من نصائح يكتبها لورثته أو لمن بعده، فكانوا يستحبون هذا في مقدمة الوصية.

استحباب الوصية بالخمس

استحباب الوصية بالخمس الوصية التي ذكرت في القرآن هي الوصية بالمال في قول الله تعالى في سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:180-182] ، فكان هذا قبل أن تنزل المواريث. ومعنى (كتب عليكم) : فرض عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن يوصي، فيقول: أعطوا أبوي من مالي كذا، أعطوا الوالد كذا، والوالدة كذا، والأخ الفلاني كذا، والأخ الفلاني كذا، والابن كذا، والبنت كذا، هذا معنى قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) يعني: مالاً (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) فالأقربون يدخل فيهم الإخوة ونحوهم. ولما نزلت آيات المواريث نسخ الإطلاق، فقيدت الوصية بأن تكون لغير الوارث، فجاء في الحديث المشهور قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) أي: قد بين الله تعالى الحقوق، فلا يصح لأحد أن يوصي للوارث، بل الوارث يكفيه نصيبه من الإرث. وقد تقدم في الهبة والعطية أنه إذا أعطى في مرض موته فلا تنفذ تلك العطية إلا بعد الموت، ولا تنفذ بعد الموت إلا إذا خرجت من الثلث، وكذلك الوصايا، لا يصح أن يوصي بأكثر من الثلث، ولا يصح أن يوصي للورثة بأي شيء، بل الورثة يكفيهم إرثهم. ثم ذكر الله تعالى أن الوصية تكون لمن ترك خيراً، وفسروا ذلك بما إذا ترك مالاً كثيراً فإنه يوصي، وتكون وصيته على المستحب بالخمس، قال أبو بكر رضي الله عنه: رضيت لنفسي ما رضي الله لنفسه. يعني: قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] فأوصى بالخمس. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وددت لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والثلث كثير) أي: فلا يزاد على الثلث، ويستحب أن ينقص منه إلى الربع، وهذا الحديث هو حديث سعد بن أبي وقاص، يقول: (عادني النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وأنا مريض، فقلت: يا رسول الله! إني امرؤ ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت: فالثلث؟ قال: الثلث؛ والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) فذكر هنا أن الثلث كثير، وأن سعداً لا يرثه إلا بنت واحدة، أي: وزوجته، وبقية المال يأخذه عصبته كإخوته وبنيهم، ومع ذلك منعه من أن يزيد على الثلث، وقال: الثلث كثير، وعلل بإغنائه لورثته، أي: احرص على أن تغني ورثتك. ثم إن سعداً شفي من ذلك المرض وتزوج، وولد له أولاد منهم مصعب بن سعد، وعامر بن سعد، وعمر بن سعد وغيرهم، ومع ذلك يظهر أنه التزم بما عاهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخرج الثلث، يوصي به كصدقة، وذكروا أنه توفي في حدود سنة ست وخمسين. فالحاصل أن في هذا أن منع الزيادة على الثلث لحق الورثة، فلذلك لا يضار الورثة، ولا يجوز له أن يوزع أمواله في حياته حتى لا يترك لهم شيئاً، حتى ولو كانوا قد أساءوا صحبته، ولو أنهم قد عصوه أو عاملوه معاملة سيئة، فلا يجوز له إخراج أمواله وتفريقها إضراراً بهم. وأما إذا أراد أن يتصدق في حياته ولو بمال كثير أو يوقف، فإن له ذلك ولو بأكثر من النصف، أي: أن الإنسان في حياته يتصرف بما يريد، فيخرج من ماله ما يريد، وأما بعد الموت فلا يزيد على الثلث، وورد حديث: (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم) أي: عفا عن ذلك، وأباح لكم عند الوفاة أن تتصدقوا بالثلث ليكون زيادة في أعمالكم، وأما بقية المال فإنه يكون للورثة، أي: إذا أخرج الثلث فالثلثان للورثة.

حكم الوصية بأكثر من الثلث لمن يرثه غير أحد الزوجين

حكم الوصية بأكثر من الثلث لمن يرثه غير أحد الزوجين ذكروا أنه إذا لم يكن للمرأة وارث إلا الزوج، فيجوز لها أن تخرج أكثر من الثلث؛ لأن الزوج أجنبي، وكذلك الزوج إذا لم يكن له وارث إلا الزوجة جاز أن يزيد على الثلث، فيجوز له أن يوصي بالنصف أو بالثلثين أو ما أشبه ذلك، وما ذاك إلا أن الزوجة أو الزوج يعتبر كأجنبي؛ فلأجل ذلك يعرف بأن الورثة هم العصبة والأقارب ونحوهم. وقول المصنف رحمه الله: (يسن) أي: يستحب، (لمن ترك مالاً كثيراً عرفاً) أي: باعتبار عرف الناس، وقد تكون العشرة الآلاف في بعض الأزمنة كثيرة، وفي بعضها المائة الألف قليلة، أي: بالنسبة إلى حاجة الفقراء ونحوهم، فالكثرة والقلة بحسب عرف الناس وعادتهم.

حرمة الوصية لوارث

حرمة الوصية لوارث بعد أن ذكر المصنف أنه تحرم الوصية ممن يرثه أحد غير الزوجين بأكثر من الثلث لأجنبي، ذكر أن الوصية لوارث بشيء حرام، وذكرنا الحديث: (لا وصية لوارث) ، فالوصية لا تصح لوارث، بل الوارث يكفيه ميراثه، وأما الأجنبي فلا يصح الوصية إلا بالثلث فأقل، وكذلك إذا أوصى بأعمال البر، فلا يزيد على الثلث.

حكم الوصية لوارث أو لغيره بأكثر من الثلث إن أجاز ذلك الورثة

حكم الوصية لوارث أو لغيره بأكثر من الثلث إن أجاز ذلك الورثة إن أجاز الورثة الزيادة، أو أجازوا الوصية للوارث فلهم ذلك؛ لأن الحق لهم وقد أسقطوه، فإذا قال: يا أولادي! أخوكم هذا قد خدمني ونفعني، وأنتم مستقلون بأنفسكم، فإني أوصي له بالربع؛ لأنه انقطع في خدمتي، فسمحوا له في الحياة، ثمن انتقضوا بعد الموت، وقالوا: لا نسمح. فهل يجوز؟ يجوز ذلك؛ لأن ملكه للوصية إنما يكون بعد الموت، وقبل الموت طاعتهم وسماحهم له سماح قبل الملك، فإنهم لا يملكون الميراث ولا التركة إلا بعد الموت، فإذا سمحوا بعد الموت نفذ، وأما قبل الموت فلا يعتبر سماحهم، فلهم أن يرجعوا بعد الموت. وكذلك لو أوصى بالنصف، وسمحوا قبل الموت، ثم انتقضوا بعد الموت فلهم ذلك، أما إذا سمحوا بالنصف الذي أخرجه بعد الموت فإنه ينفذ. وتصح الوصية موقوفة على الإجازة، أي: موقوفة على إجازة الورثة، فإذا قالوا بعد الموت: أبونا أوصى لك يا أخانا بمائة ألف، أو أوصى لك بالربع، ونحن قد سمحنا قبل الموت، والآن أيضاً نسمح بعد الموت، فأجازوا ما أوصى به أبوهم لأخيهم، فإنه يجوز ذلك. كذلك أيضاً إذا أوصى بأكثر من الثلث لأجنبي، قال: أعطوا أخي -وهو غير وارث- أو عمي نصف المال، أو أعطوا أعمامي وأخوالي خمسي التركة، فسمحوا في حياته، ثم بعد الموت سمحوا وأجازوا ذلك، صحت الوصية، فالإجازة لا تكون إلا بعد الموت.

حكم الوصية لمن وارثه محتاج

حكم الوصية لمن وارثه محتاج قال المصنف رحمه الله: (وتكره وصية فقير وارثه محتاج) . أي: إذا كان ماله قليلاً، وورثته فقراء، فإن البر فيهم، والأجر فيهم، فله أن يترك ماله القليل لورثته ليتعففوا، وليكفوا وجوههم عن الحاجة للناس، لقوله في الحديث: (خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) أي: يسألونهم، والسائل عادة يمد كفه، يقول: يا فلان! أعطني، يا فلان! تصدق علي، فيسمى هذا التسول تكففاً، بمعنى أنه يمد كفه، هذا معنى (يتكففون الناس) . فلذلك إذا كان المال قليلاً والورثة محتاجين، فالصدقة فيهم، بل هي صدقة وصلة وبر وإغناء لأولاده عن أن يحتاجوا، فهذا معنى قوله: (وارثه محتاج) أي: تكره وصيته إذا كان فقيراً وورثته محتاجين. أما إذا لم يكن له وارث إلا بيت المال فله أن يوصي بماله كله؛ لأنه والحال هذه ليس هناك وارث يحتاجه، فبعض الناس منقطع ليس له أقارب يمسك الحق والمال لأجلهم، فله أن يتصدق بماله كله في الحياة، وله أن يوصي به كله لأعمال البر.

المحاصة في الوصية

المحاصة في الوصية قال المصنف رحمه الله: (فإن لم يفِ الثلث للوصايا تحاصوا فيه كمسائل العول) . تقدم قريباً الفرق بين العطية والوصية، حيث ذكر أن العطية يبدأ فيها بالأول فالأول، وأما الوصية فيتحاصون فيها، أي: تقسم بينهم على قدر أنصبائهم إذا لم يفِ الثلث. مثال ذلك كما سبق: قلنا: إذا كان مريضاً فقال في مرضه: أعطوا زيداً ألفاً. ثم قال بعد يومين: أعطوا خالداً ألفين. ثم قال بعد يوم: أعطوا سعيداً ألفين. فكان مجموع العطايا خمسة آلاف، ثم لم نعطهم شيئاً لأنه مريض، وبعدما مات وجدنا أن ثلث التركة أربعة آلاف، ففي هذه الحالة نقول: لك يا زيد ألف لأنك أولهم، فخذ وصيتك كاملة، ولك يا خالد ألفين، وصيتك كاملة لأنك بعد زيد، ولك يا سعيد ألف، لأنه ما بقي من الثلث إلا ألف، فهو أمر لك بألفين لكن لم يبق إلا ألف، فتأخذ الألف الذي بقي. هذا معنى أنه يبدأ بالأول فالأول في العطية. وأما الوصية فإنهم يتحاصون، ففي هذه الحال إذا كان لزيد ألف، ولخالد ألفان، ولسعد ألفان، ووجدنا أن ثلث التركة أربعة آلاف، أي: نقص الخمس عن الوصايا؛ لأن مجموع الوصايا خمسة آلاف، والثلث إنما هو أربعة آلاف، فنقص الخمس، ففي هذه الحالة يتحاصون، فيسقط الخمس على كل واحد منهم، فالذي له ألف يسقط خُمُسه، فيبقى له ثمانمائة، والذي له ألفان يسقط الخمس، فيبقى ألف وستمائة، وبذلك تنقسم عليهم الأربعة الآلاف التي هي الثلث، هذا معنى قوله: يتحاصون فيه كمسائل العول. وسيأتي العول في الفرائض، وأنه ينقص على الورثة بقدر سهامهم، وذلك عندما تزيد السهام وتنقص الحظوظ، مثاله: إذا ماتت امرأة ولها أم وأخت وزوج، فإن الزوج له النصف، والأخت لها النصف، والأم لها الثلث، فمن أين نعطي الأم؟ يدخل النقص عليهم، فكل واحد منهم ينقص نصيبه، فنقسم المال إلى ثمانية أسهم، فلك يا زوج ثلاثة أثمان، ولك يا أم ربع، ولكِ يا أخت ثلاثة أثمان، فدخل النقص عليهم جميعاً، هكذا مسائل العول.

الواجبات المقدمة على الوصية في التركة

الواجبات المقدمة على الوصية في التركة قال المصنف رحمه الله: (وتخرج الواجبات من دين وحج وزكاة من رأس المال مطلقاً) . وذلك لأن هذه حقوق متعلقة بذمة المالك، فتعتبر مقدمة في التركة، فإذا كان عليه ديون فإنها تقدم على الوصايا، ذكر عن علي رضي الله عنه أنه قال: (إنكم تقرءون الوصية قبل الدين، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية) ، يريد قول الله في آيات المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11] ، {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] ، {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] ، {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] ، فقدم الوصية، فإذا مات شخص، فهل نقدم الوصية أو نقدم الدين؟ يقدم الدين، وما ذاك إلا لأن الدين حق آدمي قد استغله المالك، وقد استهلكه في حياته، فهو متعلق بذمته، وذمته مشغولة به، وفي الحديث (نفس الميت معلقة بدينه حتى يقضى عنه) ، فلذلك لابد أن يقدم الدين. ذكروا أن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، فلذلك نعرف أنها تؤدى قبل حقوق الله تعالى كالزكاة والحج؛ لأنها مبنية على المسامحة والمساهلة، ولذلك لا تجب الزكاة على الفقير، ولا يجب الحج على العاجز، ولكن إذا كان في المال فضل ومات ولم يحج لزم أن يخرج من ماله نفقة حج وعمرة من بلده، فلابد من ذلك، ويكون مقدماً على الوصايا، ويكون من رأس المال. وكذلك أيضاً الزكوات، إذا مات وقد حلت الزكاة في ماله من نقود أو ماشية أو ثمار أو حبوب، فإنها تخرج من رأس المال؛ لأنها تعتبر ديناً، فالزكاة دين في ذمة الميت، فيخرج كما يخرج الدين الذي لآدمي، بمعنى أن هذه كلها تقدم على الوصية، وتخرج من رأس المال، ثم بعد ذلك تخرج الوصايا، أي: يبدأ بدين الآدمي، ثم بدين الله تعالى الزكاة والحج، ثم بالوصايا، والباقي يقسم على الورثة.

الوصية للعبد

الوصية للعبد ذكر المصنف رحمه الله أن الوصية تصح لعبده بمشاع كثلثه. العبد لا يملك لأنه مملوك، ولكن إذا أوصى له بمشاع كثلث التركة عتق منه بقدر الثلث، أو عتق كله، أو عتق وأخذ الباقي؛ فلذلك صحت بمشاع، ولا تصح بمعين؛ لأن العبد لا يملك. فلو قال: إن مت فأعطوا عبدي هذه الأرض أو هذا البستان أو هذا المنزل. فنقول: العبد مملوك فكيف يملك؟ وكذلك لو قال: أعطوه من تركتي ألفاً أو عشرين ألفاً. فلا يملك؛ لأنه هو وما بيده لسيده، فلذلك لا تصح الوصية للعبد إلا بمشاع. والمشاع هو أن يقول: بثلث أو ربع أو خمس، إذا قال: أعطوا عبدي ربع التركة، صح ذلك، ثم يكون حينئذ كأنه أوصى بعتق ذلك العبد، فيعتقون منه بقدر الثلث، والباقي يكون رقيقاً؛ فإن عتق كله وبقي شيء من الثلث أخذه. مثال ذلك: إذا كانت قيمة العبد خمسة آلاف، وقال: أوصيت لعبدي بثلث التركة. فنظرنا وإذا المال الذي تركه عشرة آلاف، وقيمة العبد خمسة آلاف، مجموعها خمسة عشر ألفاً، وثلثها قيمة العبد، فيكون هو الثلث، فيعتق كله، فكأنه قال: أوصيت بثلثي في عتق عبدي، فيعتق العبد. فلو كانت التركة ثلاثين ألفاً، قيمة العبد منها خمسة آلاف، أي: عنده خمسة وعشرون ألفاً، وعنده عبد يساوي خمسة آلاف، وقال: أعطوا عبدي الثلث. فيعتق العبد وقيمته خمسة آلاف، وهل يستحق شيئاً؟ نعم، يستحق بقية الثلث؛ لأن ثلث المال عشرة آلاف، من جملتها قيمة العبد، فنقول في هذه الحال: قيمتك خمسة آلاف، وبقي من الثلث خمسة آلاف خذها. فيكون قد أوصى بعتقه، وبجزء من ماله، والبقية يتقاسمها الورثة. وكذلك إذا لم يعتق كله، لو قدرنا أن التركة عشرة آلاف، وقيمة العبد خمسة آلاف، وقد أوصى له بالثلث، فنظرنا وإذا ثلث التركة ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون، وقيمة العبد خمسة آلاف، ففي هذه الحال يعتقون منه بقدره، والباقي يبقى رقيقاً، أي: إذا نسبناه وجدنا أن ثلاثة آلاف وثلاثمائة تعتبر ثلث التركة، وتعتبر ثلثي العبد، فيعتقون من العبد ثلثيه، ويبقى ثلثه رقيقاً. فالحاصل أنه إذا أوصى لعبده بمشاع كثلثه عتق منه بقدره كالثلثين في مثالنا، فإن فضل شيء أخذه، كما في المثال الأول الذي قلنا: إن التركة فيه ثلاثون ألفاً والعبد منها، فعتق كله، وأخذ بقية الثلث خمسة آلاف.

الوصية بالحمل

الوصية بالحمل تصح الوصية بالحمل إذا تحقق وجوده، فإذا قال: إذا مت فحمل هذه الشاة أو هذه الناقة أو البقرة أو الفرس لزيد. وزيد ليس من الورثة، فتصح الوصية إذا تحقق وجوده. وكذلك تصح أيضاً للحمل، فإذا قال -مثلاً-: أوصيت لحمل فلانة -امرأة حامل كأخته أو عمته -فقال: إذا مت فأعطوا الحمل الذي في بطنها شاة من غنمي أو ناقة، فالوصية هاهنا للحمل، فإذا كان موجوداً حال الوصية وانفصل حياً، فإنها تصح الوصية له.

ما لا تصح الوصية به

ما لا تصح الوصية به ما الذي لا تصح الوصية به؟ لا تصح الوصية بالمعصية، فلا يقول: ثلثي تعمر به الكنائس؛ لأنها معابد النصارى، وكذلك إذا قال: يعمر من ثلثي بيت النار؛ لأنه معبد المجوس، فقد كانوا يعبدون النار. وكذلك لو قال: ثلثي يطبع به الإنجيل، أو تطبع به التوراة وتفرق؛ فلا تصح هذه الوصية؛ لأنها إعانة على معصية، ولأن هذه الكتب محرفة؛ ولأن ما فيها منسوخ بالقرآن، فلا يجوز أن يوصي بطبعها وتوزيعها.

الوصية بالمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه

الوصية بالمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه قال المصنف رحمه الله: (وتصح بمجهول وبمعدوم وبما لا يقدر على تسليمه) ، وذلك لأنها تبرع. قوله: (تصح بمجهول) مثل الحمل فإنه مجهول، فإذا قال: حمل هذه الشاة أوصيت به لزيد. فإنه لا يدرى أذكر هو أم أنثى، واحد أم عدد، حي أم ميت، فإذا ولد فهو له سواء كان ذكراً أو أنثى، عدداً أو واحداً. وكذلك المعدوم، فإذا قال: ما تحمله هذه النخلة فأعطوه زيداً بعد موتي. والنخلة ما حملت في ذلك الوقت، فحملها معدوم، فيصح الوصية بالمعدوم؛ وذلك لأنه إن حصل شيء أخذه الموصى له، وإذا لم يحصل شيء فإنه لا يضره شيء. وكذلك تصح بما لا يقدر على تسليمه؛ لأنه إن قدر فهو له، وإن لم يقدر فلا يضره ولا يخسر شيئاً، وتقدم مثال ذلك في البيع: كالعبد الآبق، والجمل الشارد، والطير في الهواء، والسمك في الماء، والمغصوب في يد غاصبه، فإذا قال: عبدي الذي هرب قد أوصيت به لزيد، أو جملي الذي شرد هو بعد موتي لزيد، أو قال: أرضي التي غصبها فلان هي لزيد بعد موتي. فإن قدر وخلصها فهي له، وإن غُلب عليها فلا يضره. كذلك أيضاً الطير في الهواء، تقدم أنه لا يجوز بيعه ولو كان يألف الرجوع كالصقر وغيره، فبيعه لا يجوز، ولكن الوصية به تجوز؛ لأنه إن قدر عليه وجاءه ونزل عليه فهو له، وإلا فلا يخسر شيئاً.

حكم ما حدث بعد الوصية

حكم ما حدث بعد الوصية قال المصنف رحمه الله: (وما حدث بعد الوصية يدخل فيها) أي: ما حدث بعدها يدخل فيها، فإذا قال: هذه الشاة بعد موتي أعطوها زيداً وصية، ثم ولدت الشاة في حياته ومات، فهي له، أو كانت حائلاً وحملت ومات وهي حامل، فحملها له. أو أوصى بالشجرة وليس فيها ثمر، وحملت الثمرة، ومات وفيها ثمر -النخلة أو نحوها- فما حدث بعد الوصية يدخل فيها، وولد الدابة يلحقها.

بطلان الوصية بتلف معين أوصى به

بطلان الوصية بتلف معين أوصى به قال المصنف رحمه الله: (وتبطل بتلف معين وصى به) ؛ وذلك لأنه إذا وصى بشيء وتلف فلا حيلة في أن يرد، فإذا قال: هذه الشاة أو هذه الفرس إذا مت فأعطوها زيداً. فماتت الشاة أو الفرس قبل أن يموت بطلت الوصية، وليس له شيء، فلو أوصى لك بشاة وماتت، أو باعها، أو تصرف فيها بطلت الوصية.

الوصية بالأنصباء والأجزاء

الوصية بالأنصباء والأجزاء هناك تعبير للفقهاء، وهو: الوصية بالأنصباء والأجزاء. يقولون: باب الوصية بالأنصباء والأجزاء كما في زاد المستقنع، وذكر المصنف ذلك هاهنا إجمالاً، قال رحمه الله: (إذا وصى بمثل نصيب وارث معين، فله مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة) أي: إذا قال: إذا مت فأعطوا أخي مثل نصيب بنتي، وكان له ولدان وبنت، فالولدان لهما أربعة أسهم، والبنت لها سهم، فماذا نعطي أخاه؟ نعطيه سهماً آخر مثل نصيب البنت، فنقسم المال ستة أسهم، فيكون للابن سهمان، وللابن الآخر سهمان، وللبنت سهم، وللأخ سهم -أي: من ستة- هذا معنى أنه وصى له بمثل نصيب أحدهما، أي أنه قال: بمثل نصيب بنتي. فإن قال: أعطوه مثل نصيب زوجتي، وكان له ابن وزوجة، فإن نصيب الزوجة الثمن، فمخرجه من ثمانية، في هذه الحال نجعل المال تسعة، فللزوجة سهم، وللأخ سهم، وللابن سبعة أسهم، فأعطيناه مثل نصيب الزوجة، فأصبحت المسألة من تسعة، فهذا معنى قوله: (مضموماً إلى المسألة) . وإذا كان له ابنان وله أخ، فقال: أعطوا أخي مثل نصيب أحد أولادي، فللولدان سهمان وللأخ سهم، فيأخذ الأخ ثلثاً، ويأخذ كل واحد من الولدين الثلث. أما إذا قال: أعطوا أخي -مثلاً- نصيب ولدي، وليس له إلا ولد وبنت، فمعنى ذلك أنه يأخذ أكثر من الثلث، فيأخذ الخُمُسين، وذلك لأن الولد يأخذ سهمين، والبنت تأخذ سهماً، والأخ يأخذ سهمين، فأصبح للأخ سهمان من خمسة، وهي أكثر من الثلث، فلا تصح إلا بإجازة الورثة هذا معنى قوله: (إذا وصى بمثل نصيب وارث معين) أي: كابنه أو بنته أو زوجته أو أمه، (فله مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة) أي: ننظر مخرج المسألة، ونجعل السهم الذي أوصى به زائداً عليها مضموماً إليها، سواء كان واحداً أو أكثر. لو كان له جدة، وله أم، وله أخ، فالأم تأخذ الثلث، والأخ يأخذ الباقي وهو قدر الثلثان، وقد أوصى بمثل نصيب الأم لجدته، فقال: أعطوا جدتي مثل أمي، ففي هذه الحال نقسم المال أرباعاً، فنقول: الجدة لها سهم، والأم سهم، والأخ سهمان، فصار للأم الربع؛ لأن المسألة كانت من ثلاثة: الأخ له اثنان، والأم لها واحد؛ لأن الأخ الواحد لا يحجبها، فلما كانت ثلاثة أضفنا إليها رابعاً حيث جعلنا للجدة مثل الأم، فتكون من أربعة. أما إذا لم يعين، بل قال: أعطوا أخي مثل نصيب أحد الورثة، ولم يقل: أمي ولا زوجتي ولا بنتي، ففي هذه الحال يعطى مثل ما لأقلهم، أي: ينظر أقلهم فيعطى مثله. فإذا كان له زوجتان وابن، وأوصى لأخيه بمثل نصيب أحد ورثته، فإننا ننظر إلى أن الزوجتين كل واحدة لها نصف الثمن، وأن الابن له سبعة أثمان، فأخوه الذي أوصى له نعطيه نصف الثمن، وذلك مثل ما لأقلهم، فنفرض أن المسألة من ستة عشر، كل زوجة لها سهم من ستة عشر، والابن له أربعة عشر، نزيد فيها سهماً فنجعلها من سبعة عشر، فلأخيه سهم من سبعة عشر، وزوجتاه لكل واحدة سهم، ولابنه أربعة عشر سهماً؛ لأنه قال: مثل أحد ورثتي. والزوجة من ورثته، فنحتاط للورثة، ونعطي الموصى له مثل ما لأقلهم. وكذلك لو كان له -مثلاً- خمسة أبناء وخمس بنات، وقال: أعطوا أخي مثل ما لأحد ورثتي، فالخمسة الأبناء لهم عشرة أسهم، والخمس البنات لهن خمسة، الجميع خمسة عشر سهماً، يصير نصيب كل بنت واحداً من خمسة عشر، فنعطي أخاه سهماً واحداً مثل سهم بنت، فنجعل المسألة من ستة عشر، ونقول: للأخ واحد من ستة عشر، ولكل واحد من الأولاد الذكور من الستة عشر سهمان، ولكل بنت سهم، هذا معنى قوله: (مثل ما لأقلهم) .

الوصية بسهم من المال

الوصية بسهم من المال إذا أوصى بسهم من ماله فيعطى السدس؛ لأن أقل ما تطلق عليه كلمة (السهم) عند الإطلاق السدس، فإذا قال: أعطوا أخي سهماً من التركة، وكان له عشرة أولاد، فيكون لأخيه السدس، والعشرة الأولاد خمسة أسداس، كل واحد له نصف السدس؛ وذلك لأنه نص على سهم، إلا إذا كان هناك قرينة، وأنه يريد بالسهم واحداً من سهام المسألة، ففي هذه الحال سهام المسألة عشرة، فيضم إليها واحد، فيعطى سهماً من أحد عشر سهماً.

الوصية بشيء من المال أو حظ أو جزء

الوصية بشيء من المال أو حظ أو جزء إذا أوصى وقال: أعطوه من مالي شيئاً. ولم يحدد، فللوارث أن يعطيه ما شاء، ولو أن يعطيه عشرة أو مائة أو شاة أو نحو ذلك. وكذلك لو قال: أخي له حظ من مالي بعد موتي. فكلمة (حظ) لا تدل على شيء معين، فيعطيه الوارث ما شاء. وكذلك إذا قال: أعطوه جزءاً من مالي. فكلمة (جزء) تصدق على ربع العشر، وعلى جزء من مائة جزء، فيعطيه الوارث ما شاء. فنعرف بذلك أن الموصى له هو الذي يعطى من الوصية، ولابد أن يكون عاقلاً يملك، وقد تقدم أنه لا يجوز الوقف على من لا يملك، فكذلك الوصية، فلا يجوز أن يوصى لملك من الملائكة، ولا أن يوصى لجني، ولا أن يوصى لقبر؛ وذلك لأنه لا يملك، وإذا وجدت هذه الوصية فهي باطلة، والمال كله للورثة. وإذا كانت وصية على معصية صرفت إلى طاعة، كالوصية على شيء فيه شرك، كأن يوصي بعمارة المشاهد التي تعبد من دون الله، ففي هذه الحال يصرف للمساجد وما أشبهها.

شرح أخصر المختصرات [49]

شرح أخصر المختصرات [49] من أراد الوصية فعليه أن يوصي إلى من يرتضيه الشرع وصياً، بحيث يكون مؤهلاً للقيام بالمسئولية المناطة به، وقد ذكر الفقهاء صفاته وشروطه، والأعمال التي يقوم بها، وضوابط ذلك.

شروط الموصى إليه

شروط الموصى إليه قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويصح الإيصاء إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل، ولو ظاهرًا، ومن كافر إلى مسلم، وعدل في دينه. ولا يصح إلا في معلوم يملك الموصي فعله. ومن مات بمحل لا حاكم فيه ولا وصي، فلمسلم حوز تركته، وفعل الأصلح فيها من بيع وغيره، وتجهيزه منها، ومع عدمها منه، ويرجع عليها أو على من تلزمه نفقته إن نواه، أو استأذن حاكمًا] . هذا الفصل يتعلق بالموصى إليه، والفقهاء يذكرون باب الموصي، وباب الموصى به، وباب الموصى له، وباب الموصى إليه. والمراد بالموصى إليه الوكيل الذي يتولى تنفيذ الوصية، فمن شروط الموصى إليه: أن يكون مسلماً مكلفاً رشيداً عدلاً ولو ظاهراً، فلا يصح أن يوكل كافراً إلا عند الضرورة، دليل ذلك قول الله تعالى في آية الوصية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة:106] إلخ الآية. وسبب نزولها: أن رجلاً من قريش كان مسافراً ومعه مال، وفيه جام ثمين، فحضره الموت وليس عنده إلا اثنان من النصارى، فأوصى بماله، فتوليا وصيته، ثم إنهما جحدا من تركته جاماً له قيمة، فجاءوا بتركته إلى قبيلته من بني سهم، فقالوا: أين الجام؟ فقالوا: لا نعرفه، ثم عثر على الجام بعد ذلك وقد بيع، وأخبر المشتري بمن باعاه، وهما الوصيان، فأنزل الله هذه الآية، وهي تدل على أنه إذا لم يكن عنده من يوصي إليه، فله أن يوصي إلى كافر، وإذا خيف أن هذا الكافر لا يؤدي الأمانة فإنه يستحلف، كما قال ((فيقسمان بالله)) أي: يحلفان بعد الصلاة، كما في هذه الآية: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ} [المائدة:106] . فإذا خيف أنهما كتما، حلف اثنان من أولياء الميت: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة:107-108] ، فهذا في حالة الضرورة. واشترطوا في الوكيل أن يكون مكلفاً، فلا يوكل على تركته أو على وصيته صغيراً غير مميز، ولا يوكل مجنوناً فاقد العقل. واشترطوا أيضاً أن يكون رشيداً، والرشد هو الصلاح في المال، فالرشيد هو الذي يكون مصلحاً للمال، وحافظاً له، ومواظباً عليه، ومأموناً عليه، أما إذا كان مفسداً للأموال سفيهاً مسرفاً، فلا يصح أن يوكل. ومن شروطه أن يكون عدلاً، والعدالة تكون في الدين وتكون في الدنيا، فلا يصح أن يوصي إلى فاسق، والفاسق هو من يفعل المنكرات والفواحش، ويفعل الآثام، وما أشبهها، ففي هذه الحال لا تصح الوصية إليه. فالإسلام، والعقل، والبلوغ، والرشد، والعدالة، هذه شروط الموصى إليه، وهو الوكيل. ويشترط أن يكون عدلاً ولو ظاهراً، أي: يكون عدلاً في الظاهر، فيقولون: لا نعلم عنه إلا خيراً، وباطنه أمره إلى الله.

إيصاء الكافر إلى مسلم أو عدل في دينه

إيصاء الكافر إلى مسلم أو عدل في دينه قال المصنف رحمه الله: (وتصح من كافر إلى مسلم) أي: يصح أن الكافر يوكل ويوصي إلى مسلم. قال: (وعدل في دينه) ، أي: يصح أن الكافر يوصي أو يوكل عدلاً في دينه، أما المسلم فلا يوصي إلى كافر إلا عند الضرورة كما ذكرنا.

شروط الموصى به

شروط الموصى به شروط الموصى به أن يكون معلوماً، والموصى به هو المال، أو الأفعال التي يوصى بها، وذلك كأن يقول: أوصيت بوقف هذا البيت، أو أوصيت بالأضحية بهذه الشاة، أوصيت بالصدقة بهذا الألف، أوصيت بالصدقة بهذه الأكياس، وما أشبهها، فهذا هو الموصى به. ويشترط أن يملكه الموصي، فلا يقول: إذا مت فأعتقوا عني عبد فلان، أو أوقفوا لي بيتاً؛ لأن هذا لا يملكه، ولا يقول: ضحوا عني بشاة فلان؛ لأنه لا يملكها، فلا يوصي إلا بشيء من ملكه، وكذلك أيضاً الأفعال. ومعلوم أن الإنسان إنما يملك ما ولي، فلا يصح أن يقول: أوصيت زيداً على أولاد أخي، فأبوهم أولى بهم، أو يقول: على أن يقسّم تركة أخي، فيقال: أخوك هو الذي يوصي. فلابد أن يكون ذلك الفعل الذي أوصى به يملك ذلك الموصي فعله.

من مات بمحل ليس فيه حاكم ولا وصي

من مات بمحل ليس فيه حاكم ولا وصي ذكر المصنف رحمه الله أن من مات بمحل ليس فيه حاكم، ولا وصي، فعلى من حضره من المسلمين أن يتولوا تركته ويحوزها المسلم العدل، ويفعل ما فيه الصلاح من بيع أو غيره، كإنسان غريب في بلد، وقدر أنه ليس في تلك البلد قاض، فأتاه الموت وهو في تلك البلدة بعيداً عن أهله، فلا تترك تركته تضيع وينتهبها الناهبون، بل يتبرع أحد المسلمين الأكفاء فيتولى تركته، فيجمع أمواله وتركته، وديونه وحقوقه، وإذا جمعها حفظها، فإن كان وصى بصدقة نفذها، وإذا احتاج شيء إلى أن يباع باعه إذا كان ذلك أصلح، فإذا كان فيها بهائم تحتاج إلى علف، ولا يمكن أن يشتري لها، ويخاف أن تموت جوعاً فإنه يبيعها، وإذا كان فيها شيء يفسد كأطعمة أو تمور أو فواكه فإنها يبيعها ولا يتركها تفسد، وإذا كان فيها شيء يخاف عليه التلف فإنه يبيعه كثياب يخشى عليها الحرق ونحوه، ويحفظ ثمنها، ثم يرسل بها إلى بلده التي فيها أهله. وإذا احتاج الميت إلى التجهيز يجهزه من تركته، أي: أجرة تغسيله، وقيمة الحنوط، وثمن الكفن، وأجرة الحفار ونحوها، فيجهزه ذلك المسلم الذي تولاه من تركته محتسباً للأجر. فإن عدمت التركة فلم يكن له مال، ولم يكن عنده شيء، ففي هذه الحال يجهزه من نفسه، إما تبرعاً وصدقة وإما قرضاً، فيحتسب ما جهزه به، ثم يرجع به على ورثته أو على أهله، فيخبرهم بأنه مات، وخسرت على تجهيزه مائة أو مائتين، فله أن يطالبهم بما جهزه به. هذا إذا لم يوجد متبرع، فيرجع بها على تركته أو على من تلزمه نفقته إن نواه. وقوله رحمه الله: (أو استأذن حاكماً) أي: إذا كانت نيته أن يرجع على ورثته أو تركته أو أذن له الحاكم وقال: أنت يا فلان موكل على أن تجهزه، فرخص له الحاكم فجهزه، ففي هذه الحال يرجع على من تلزمه مؤنته.

شرح أخصر المختصرات [50]

شرح أخصر المختصرات [50] من أهم العلوم التي ينبغي العلم بها: علم الفرائض، وهو علم قسمة التركة بين الورثة، ولا يتم ذلك إلا لمن أتقن هذا العلم، فعرف أسباب الميراث وموانعه وشروطه، والحقوق المتعلقة بالتركة وغير ذلك.

مقدمة تمهيدية عن علم الفرائض

مقدمة تمهيدية عن علم الفرائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الفرائض: أسباب الإرث: رحم، ونكاح، وولاء. وموانعه: قتل، ورق، واختلاف دين. وأركانه: وارث، ومورث، ومال موروث. وشروطه: تحقق موت مورث، وتحقق وجود وارث، والعلم بالجهة المقتضية للإرث. والورثة: ذو فرض، وعصبة، وذو رحم] . نبدأ في كتاب الفرائض وهو علم مستقل كان الأولون يهتمون به، ويولونه عناية، وقد أكثروا فيه من التأليف قديماً وحديثاً، ومن أشهر ما ألف فيه منظومة الرحبي المشهورة بالرحبية، ذكر في مقدمتها أهمية هذا العلم بقوله: وأن هذا العلم مخصوص بما قد شاع فيه عند كل العلماء بأنه أول علم يفقد في الأرض حتى لا يكاد يوجد ولكن الناظم نظمها على مذهب زيد قال: عن مذهب الإمام زيد الفرضي إذ كان ذاك من أهم الغرض فاقتصر على مذهب زيد، ومدح ذلك بقوله: وأن زيداً خص لا محاله بما حباه خاتم الرساله من قوله في فضله منبها أفرضكم زيد وناهيك بها ثم ذكر أنه أيضاً مذهب الشافعي بقوله: فكان أولى باتباع التابعي لا سيما وقد نحاه الشافعي فالحاصل أنه اقتصر على مذهب زيد. ثم إن العلماء رحمهم الله تعرضوا للفرائض في كتب الفقه كما في هذا الكتاب، واختصروا أو توسعوا بحسب تلك الكتب التي ألفت، وأفردت هذه الفرائض في مؤلفات مفردة، ومن أسهلها رسالة شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله وتسمى: الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، ألفها من نحو ستين عاماً، عندما كان قاضياً مدرساً، فألفها وطبعت، وهي سهلة التناول، ثم جاء بعده من ألف وزادوا في تآليفهم بالجداول التي يرسمونها ويذكرون فيها أصل المسألة وعولها، وسهام كل وارث، وكذلك يذكرون فيها مصح المسألة أو تصحيحها، وهذه الجداول تسهلها. توجد نسخة الشيخ ابن باز لعلنا نحصل على نسخ منها، نأتي بها إن شاء الله يوم السبت، الذي ليست عنده يأخذها، يفرقها الشيخ فهد، والذي هي عنده يرجع إليها، والذي عنده أيضاً نسخ أخرى تغني عنها كعدة الباحث لأحكام الموارث للشيخ عبد العزيز بن رشيد، وكذلك رسالة الشيخ صالح بن فوزان في الفرائض، وأيضاً كتاب: الفوائد الملية في المباحث الفرضية كتاب كبير للشيخ ابن سلمان. وأيضاً شروح هذه القصيدة التي هي الرحبية فمنها شرح للشنشوري، وشرح لـ سبط المارديني، وفي كل حال فإنها تحتاج إلى عناية، وتحتاج إلى تفهم، وإلى توسعة، وقد لا تتضح من شرحنا، وذلك لأن الكتاب مختصر، فيرجع إلى المؤلفات الأخرى من خفي عليه شيء. معلوم أن فيها اصطلاحات، وتلك الاصطلاحات لا تعرف إلا بعد التكرر وبعد التأكد وبعد التنفيذ، فلذلك ينبغي أن يتفطن طالب العلم للاصطلاحات الفرضية، ويطبقها، ويعلم معناها حتى يفهم المراد. تعرف الفرائض: بأنها العلم بقسمة المواريث، أو العلم بقسمة التركات، والفرائض جمع فريضة، واشتقاقها من الفرض، وهو يدور على معان أصلها الحز والقطع، يقال: فرضت في الخشبة، أو فرض الحبل في الخشبة فرضاً، أي: حز فيها، وفرضه بالسكين، فأصل الفرض الحز والقطع. وسميت فرائض؛ لأنها محددة، وهي في اللغة جمع فريضة، بمعنى مفروضة، ولعلهم أخذوا تسميتها من القرآن الكريم في قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:11] ، فسماها فريضة، فجمعوها فرائض، وسموها بهذا الاسم.

أسباب الميراث

أسباب الميراث

تعريف السبب لغة واصطلاحا

تعريف السبب لغة واصطلاحاً وقد ذكروا أولاً: أسباب الإرث، ويوسعون الكلام فيها كما في رسالة الشيخ ابن باز، يقولون: السبب في اللغة ما يتوصل به إلى الشيء، ومنه سمي الحبل سبباً، قال تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج:15] ومنها أيضاً قوله تعالى: {فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ} [ص:10] وقول فرعون: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ} [غافر:36-37] يعني: الوسائل التي يصعد بها. وأما السبب في الاصطلاح فهو: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، هذا تعريفهم، مثاله: إذا قلنا: أسباب الإرث نكاح وولاء ونسب، أو رحم ونكاح وولاء، فإذا عدمت هذه الأسباب عدم الإرث، فهذا معنى أنه يلزم من عدمه العدم، أي: إذا عدمت الأسباب عدم المسبب، ولكن لو اجتمعت الأسباب فهل يلزم أن يكون هناك إرث؟ لا يلزم من وجودها وجود الإرث، فقد توجد الأسباب أو بعضها ويتخلف الإرث لمانع من الموانع أو لعدم التركة، فعرفنا بذلك أنه يلزم من عدم السبب عدم الإرث، ولكن لا يلزم من وجوده وجود الإرث، فإذا وجد السبب لم يلزم أن يوجد المسبب، فقد توجد الأسباب ولا يوجد إرث.

الرحم

الرحم وقد ذكر أن الأسباب ثلاثة: رحم ونكاح وولاء، والناظم عبر بقوله: أسباب ميراث الورى ثلاثة كل يفيد ربه الوراثة وهي نكاح وولاء ونسب فجعل بدل الرحم النسب، والرحم القرابة، ودليله قول الله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال:75] ، ولكن اصطلح الفقهاء على تقسيم القرابة إلى قسمين: عصبة وذوو رحم، فالعصبة الذين يرثون بالتعصيب، وذوو الرحم الذين لا يرثون إلا مع ذوي الأرحام. فالعصبة: هم الأقارب الذكور من جهة الأب، كالابن وابن الابن والأب وأبي الأب ونحوهم، وكذلك الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم. وأما الرحم: فهم الأخوال والخالات والعمات وبنات العم ونحوهم.

النكاح

النكاح ثم النكاح سبب من أسباب الإرث، قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء:12] ، ومتى يحصل بالنكاح إرث؟ يحصل بمجرد العقد، فإذا حصل عقد النكاح حصل التوارث، والمقصود عقد الزوجية الصحيح الخالي من الموانع الشرعية. فإذا مات أحدهما بعد العقد ولو قبل الدخول، وقبل الخلوة ورثه الآخر، وذلك لأنه يصدق عليه أنه زوج بعد العقد، فإذا مات ورثت منه، وإذا ماتت ورث منها. ثم ذكروا أيضاً في الكتب التي يتوسعون فيها ميراث المطلقة، وأنه إذا طلقها في مرض موته ورثت؛ لأنه يتهم بقصد حرمانها، وإذا طلقها ومات وهي في العدة، فإنها أيضاً ترث إذا كان الطلاق رجعياً، وأما إذا كان الطلاق بائناً فلا توارث.

الولاء

الولاء أما الولاء: فالمراد به ولاء العتاقة، والمولى هو العتيق، ويعرفونه بأنه عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالتعق، فيرثه هو وعصبته المتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم ولا مع غيرهم، ولعل هذا التعريف يتضح فيما بعد. فالمولى هو العبد المملوك أعتقه سيده وأصبح مولى له، كأنه يتولاه وينصره، وينتسب إلى سيده الذي أعتقه ومنّ عليه بالعتق، قال الله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:37] يعني: زيد بن حارثة أنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق. وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب:5] ، سماهم الله تعالى موالي لأنهم يتولون. فإذا مات العتيق وله مال وليس له أولاد، ورثه سيده؛ لأنه أنعم عليه بالعتق، فإذا كان السيد قد مات قام أولاده مقامه، وإذا مات العبد وله أولاد، ثم مات أولاده بعده ولم يكن لهم أولاد، ورثهم أولاد سيدهم، أو إخوة سيد الذي أعتق أباهم، فيحصل التوارث بين هذا العتيق وبين معتقه. واختلف العلماء: هل العبد يرث سيده، إذا قدر أن السيد مات وليس له أولاد ولا عصبة؟ صحح بعض العلماء أنه إذا لم يكن له وارث أن عبده الذي أعتقه يرثه؛ لأن بينهما قرابة وهي هذا الولاء، ولذا يعرفه بعضهم بأنه لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، أي: كأنه قرابة، فلا يجوز للإنسان أن يبيع قرابته من أخيه، فلا يقول لإنسان أجنبي: بعتك قرابتي من أخي أو من أبناء عمي؛ لأن هذا نسب ثابت، فإذا كان لا يجوز أن يبيع قرابته من أخيه أو عمه أو ابن عمه، فكذلك عتيقه، فلا يجوز أن يقول: بعتك قرابتي من هذا العبد الذي أعتقته وأصبح مولىً لي. ولا يجوز أن تهبه، وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته) ، فلا تقول: وهبتك قرابتي من هذا العبد الذي أعتقته، أو بعتك قرابتي منه، فلا يباع ولا يوهب، هذا حكم الولاء، فالولاء يرث به المعتق هو وعصبته. هذه أسباب الأرث. أما الرحم فقد ذكرنا أنهم ينقسمون إلى عصبة وذوي أرحام، والعصبة ينقسمون إلى أصول وفروع وحواش، ويأتينا أمثلة لهم.

موانع الإرث

موانع الإرث موانع الإرث: قتل ورق واختلاف دين، ذكر ذلك الناظم بقوله: ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين

الرق

الرق الأول: الرق، ويعرفونه بأنه: عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر، يعني: السبب الأصل هو أنه كافر، ولما استولى عليه المسلمون استرقوه، وأصبح مملوكاً، فأصبح عاجزاً عجزاً حكمياً لا عجزاً حسياً، ومعنى العجز الحكمي أنه لا يقدر على أن يسافر إلا بإذن سيده، ولا يبيع ولا يشتري إلا بإذن سيده، ولا يتزوج إلا بإذن سيده، وكذلك لا يتملك شيئاً إلا بإذن سيده، فهو مولىً عليه مملوك، هذا معنى أنه عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر. والمملوك لا يملك، فهو وما بيده لسيده، حتى ثيابه وحذاؤه وما كان تحت يده فإنه ملك للسيد، فلذلك لا يرث فإذا كان له أخ حر، ومات أخوه الحر، ولهذا الحر أخ آخر حر وهذا الأخ الرقيق، فالمال كله لأخيه الحر ولا يرث أخيه الرقيق، لأنه لو أخذ شيئاً من المال لأخذه سيده، والسيد أجنبي، فلا يرث الرقيق ولا يورث؛ لأنه ليس له تركة. أما إذا أعتق بعضه فإنه يسمى مبعضاً، والمبعض يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، فإذا قدرنا أن عبداً بين اثنين، أعتق أحدهما نصفه وعجز عن إعتاق نصف الشريك، أصبح نصفه حراً ونصفه رقيقاً، فإذا مات أبوه ولهذا الأب الذي مات زوجة، وله أب، وله هذا الابن الرقيق؛ فهذا الابن الرقيق هل يحجب الزوجة ويمنعها من ميراثها؟ يحجبها عن نصف الثُمن، ولو كان حراً لحجبها عن ثمن، ولم ترث إلا ثمناً، ولكنه نصفه حر فيحجبها عن نصف ما يحجب الحر، فترث الزوجة ثمناً ونصف ثمن، لأنه حجبها عن نصف الثمن بنصفه الحر. وكذلك يرث بنصفه الحر، والأب يرث السدس، لأن الابن لا يمنعه من إرث السدس. نقدر مثلاً أن الأب له السدس، وأن الزوجة لها الثمن، وأن الباقي للابن، فكم يبقى؟ يبقى له سبعة عشر سهماً من أربعة وعشرين. لكنه في مسألتنا نصفه حر، فيرث نصف السبعة عشر، ويرث الأب الباقي، هذا معنى كونه يرث بنصفه الحر، وهذا يسمى مبعضاً.

القتل

القتل وأما القتل فإنه يمنع الإرث، والقتل الذي يمنع الإرث هو ما أوجب قصاصاً أو دية أو كفارة، فإذا قتل الأخ أخاه عمداً وكان له إخوة آخرون فقالوا: نريد القصاص، فقال: أنا أخوه أعطوني ميراثي، فإنه يقال له: لا حظ لك في ميراثه، بل ميراثه لنا ونحن نريد أن نقتلك قصاصاً؛ لأنك قتلته عمداً، ففي هذه الحال لا يرث؛ لأنه قتل عمداً. أما لو قتل الأب ابنه فلا قصاص؛ لأن الأب لا يقتل بابنه، ولكن عليه الدية، فيدفع الدية لأولاده ولأمه، وذلك لأنهم ورثته، فلا قصاص هنا، ولكن تجب الدية، ولا يرث الأب، فإذا كان للابن المقتول أموال فلا يرث منه أبوه؛ لأنه قاتل. كذلك قتل الخطأ، كما إذا كان يقود السيارة فاصطدم أو انقلب مثلاً بأبيه أو بأخيه ومات، فليس له شيء من إرثه ولو كان خطأ لأن عليه الكفارة! لماذا لا يرث القاتل؟ لئلا يتسرع أحد الفسقة بقتل قريبه ويقول: أقتله حتى آخذ تركته، فأنا قريبه ووارثه، ومن القواعد: من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، فجعل القتل سبباً لعدم الإرث، فمن قتل مورثه منع من الإرث. ومثله الموصى له: فإذا أوصى زيد لقريبه أو أحد أصدقائه فقال: إذا مت فأعطوه عشرة آلاف أو مائة ألف من تركتي، ثم طالت حياته، فقال الموصى له: أريد أن أقتله حتى آخذ هذه الوصية، فلا يجوز أن يعطى شيئاً. وكذلك المدبر؛ ذكروا أن عائشة رضي الله عنها دبرت مملوكة لها، وقالت: إذا مت فهي حرة، فتلك المملوكة استبطأت موت عائشة، وعملت لها سحراً تريد أن تموت، فعرف هذا السحر، فقيل: لماذا عملتيه؟ فقالت: أريد العتق، فقالت عائشة: لا تعتقين، وأمرت أن تباع على أشد الناس ملكة، فهذا معنى: من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.

اختلاف الدين

اختلاف الدين أما اختلاف الدين فهو أيضاً مانع من الموانع، ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم) ، وذلك لما مات أبو طالب وكان له عقار بمكة، وكان له أربعة أولاد، ولدان مسلمان جعفر وعلي، وولدان كافران طالب وعقيل، فورثه ولداه الكافران اللذان هما طالب وعقيل، ثم مات طالب وورثه عقيل، ثم أسلم عقيل بعد ذلك، فكان عقيل هو الذي حاز تلك العقارات، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، قيل له: أين تنزل؟ فقال: (وهل ترك لنا عقيل من رباع) ، يعني: أنه استولى على الرباع التي كان يملكها أبوه، فقال: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) . فاختلاف الدين يفرق بين الأخوين أو نحوهما. ولقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] ، ولنهيه عن التولي: {لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} [التوبة:23] فلا يتوارثان. واختلف هل يرث اليهودي نصرانياً، أو يرث النصراني مجوسياً أو وثنياً، فإذا كان هناك أخوان أحدهما يهودي والآخر نصراني فهل يتوارثان؟ فعند الإمام أحمد لا يتوارثان؛ لأن الكفر ملل شتى، فلا يتوارث أهل ملتين، وعند كثير من الأئمة يحصل التوارث؛ لأن الكفر ملة واحدة، دليل الإمام أحمد حديث روي: (لا يتوارث أهل ملتين) ، وهذا هو الذي عليه العمل.

أركان الإرث

أركان الإرث أركان الإرث: وارث، ومورث، ومال موروث. الأركان هي التي يتكون منها الإرث، فلابد أن يكون هناك وارث، وأن يكون هناك مورث. فالوارث هو الذي يحوز المال، والمورث هو الذي يموت وله تركة، والحق أو المال هو التركة، فإذا مات أحد وليس له وارث فلا يحصل إرث، وإذا مات المورث وله وارث ولكن ليس له مال فلا يحصل الإرث، أي: إذا فقد الوارث أو فقد المورث أو فقدت التركة فلا يحصل إرث، هذه أركانه.

شروط الإرث

شروط الإرث وأما شروطه فهي ثلاثة أيضاً: تحقق موت المورث، وتحقق وجود الوارث، والعلم بالجهة المقتضية للإرث.

تحقق موت المورث

تحقق موت المورث متى نتحقق موت المورث؟ إما بالمشاهدة، وإما بالاستفاضة، فالمشاهدة إذا حضره اثنان وقد خرجت روحه، فقالوا: نشهد أننا رأينا فلاناً مات وخرجت روحه، ففي هذه الحال يحكم بأنه مات، وتقسم التركة. إذا لم يأتنا أحد يقول: إني أشهد أنه مات، ولكن نقل نقلاً مستفيضاً اشتهر بين الناس وكثر الذين يتناقلونه، وجاء الناس يعزون أقاربه، بأن مات في بلدة بعيدة ودفن بها، وجاء الخبر وانتشر، فهل يجوز قسمة التركة مع أنا ما شهدناه، ولا أتانا من يقول: أشهد أني شاهدته عندما خرجت روحه؟ يجوز إذا انتشر الخبر وكثر المتناقلون له، فتجوز في هذه الحال قسمة تركته؛ لأنا تحققنا أنه مات بالاستفاضة. أما إذا فقد فيقولون: لا تقسم تركته إذا كان الغالب عليه السلامة إلا بعد أن يتم له من عمره تسعون سنة، والصحيح أنه يجتهد في ذلك الحاكم.

تحقق حياة الوارث

تحقق حياة الوارث الشرط الثاني: تحقق وجود المورث، أي: تحقق حياة المورث ووجوده ولو نطفة، فإذا مات ميت وادعت زوجته أنها حامل منه، فإنه يرث الحمل ولو كان نطفة، أو علقة، أو مضغة، وعلامة ذلك إذا كانت غير فراش أن تلده لأقل من أربع سنين؛ لأن أكثر مدة الحمل أربع سنين، فإذا لم تكن ذات زوج، وادعت أنها حامل، فإنه ينتظر حتى تلد ولو طالت مدة الحمل، لكن في هذه الأزمنة يمكن الكشف عليه بالأشعة ونحوها، فإذا ادعت أنها حامل وأنكر ذلك الورثة، وكشف عليها وتحقق أنها حامل بالأشعة صدقت، فإذا تأخرت ولادتها ولو سنة أو سنتين فإن ولدها يرث إذا ولد حياً. ثم لابد أن يولد حياً حياة مستقرة، أما إذا ولد ميتاً فإنه لا يرث، وكذلك علامة حياته الحركة إذا ولد وتحرك حركة، فحينئذ ٍيرث ولو مات بعد دقيقة من بعد ولادته. أما إذا شك في حياته كما لو مات اثنان جميعاً، ولم يعلم ولم يتحقق أن أحدهما مات قبل الآخر ففي ذلك تفصيل مذكور في باب الغرقى.

العلم بجهة الإرث

العلم بجهة الإرث أما الشرط الثالث: وهو العلم بالجهة المقتضية للإرث، فمعناه: لابد أن نعرف ونتحقق أنه من جملة الورثة، فإذا جاء وقال: أنا أخوه، قلنا: ما الدليل على أنك أخوه؟ ائتنا بمن يشهد لك. مات مثلاً أجنبي في بلد، وجاء إنسان وقال: أنا وارثه، فلابد من الإثبات ومن التثبت، مخافة أن يدعي إرثه من ليس وارثاً له، فلابد من التثبت بشهود مثلاً، أو بمكالمة هاتفية كما في هذه الأزمنة، أو بصكوك تدل على ذلك بما يسمى حصر الإرث، فإذا تحقق ذلك صدق وورث.

أقسام الورثة

أقسام الورثة ذكر بعد ذلك أن الورثة ثلاثة: ذو فرض، وعصبة، وذو رحم، المشهور عند أكثر الفقهاء أن الورثة قسمان: كما يقول الناظم: واعلم بأن الإرث نوعان هما فرض وتعصيب على ما قسما ولكن فقهاء الحنابلة جعلوها ثلاثة: أصحاب فروض، وأصحاب تعصيب، وأصحاب رحم. فأصحاب الفروض: هم الذي يأخذون فروضهم المذكورة في القرآن. وأصحاب التعصيب: هم الذين يأخذون بالتقدير. أما أهل الرحم: فهم الذين يرثون عند عدم العصبة، وعند عدم أهل الفروض، كالأخوال ومن أدلى بهم، والعمات ومن أدلى بهن، وبنات العم، وبنات ابن العم، وبنات الإخوة الأشقاء أو لأب، وأولاد الإخوة من الأم، فهؤلاء يسمون أصحاب رحم، أي: من ذوي الأرحام.

الحقوق المتعلقة بالتركة

الحقوق المتعلقة بالتركة ذكروا أن التركة يتعلق بها خمسة أشياء: الأول: مئونة التجهيز، فإذا مات أخذ من تركته مئونة تجهيزه حتى يجهز، أي: ثمن الكفن، وأجرة الحفر، وما أشبه ذلك. الثاني: الديون التي فيها رهن، المتعلقة بعين التركة، كشاة مرهونة فيأخذها الراهن أو يبيعها، وغير ذلك مما له أمثلة كثيرة. الثالث: الديون المطلقة، فلابد من إيفائها قبل قسمة التركة. الرابع: الوصية. الخامس: تقسيم التركة على الورثة. وذكروا هنا أن الوصية تؤخر عن الدين، مع أن الله تعالى ذكر الوصية قبله، في قوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] لماذا قدم الله الوصية؟ لأنها قد تكون ثقيلة على الورثة، فقدمها للاهتمام بها، أما الدين فإنه حق لإنسان، وصاحبه يطالب به، وهو يطالب بحق، فلذلك قدم من حيث الترتيب، ولأن الميت قد استهلكه، أي: استدان طعاماً وأكله أو ثوباً ولبسه، فهو قد استهلك ثمن ذلك الدين، فلا جرم أن يقدم صاحب الدين على صاحب الوصية. فإذا ضاقت التركة بدئ بهذه الأشياء، فيقدم تجهيز الميت إن لم يوجد من يتبرع به، فإن فضل شيء من المال قدم الدين الذي فيه رهن، كالشاة المرهونة أو السيف المرهون، فإذا أخذها المرتهن وبقي شيء من المال قدمت بقية الديون، فإن بقي شيء أخذه الموصى له، وإن لم يبق شيء من المال سقط الموصى له. وبعد أخذ الوصية تقسم التركة.

شرح أخصر المختصرات [51]

شرح أخصر المختصرات [51] لقد قسم الله الفرائض وبينها في كتابه، ولم يكل ذلك إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل، بل حددها مع أصحابها وشروطهم في كتابه، ثم بين العلماء حالات الورثة استنباطاً من كلام الله تعالى، فذكروا أن أصحاب النصف خمسة، وأن كل وارث يرثه بشروط، وهي مذكورة في كلام العلماء، وكذلك ذكر العلماء أصحاب الربع والثمن بشروطهم، وكما هي مبنية في كتاب الله تعالى.

تحديد أصحاب الفروض

تحديد أصحاب الفروض يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فذو الفرض عشرة: الزوجان، والأبوان، والجد، والجدة، والبنت، وبنت الابن، والأخت، وولد الأم. والفروض المقدرة في كتاب الله ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس. فالنصف فرض خمسة: الزوج إن لم يكن للزوجة ولد ولا ولد ابن، والبنت، وبنت الابن مع عدم الولد الصلب، والأخت لأبوين عند عدم الولد وولد الابن، والأخت للأب عند عدم الأشقاء. والربع فرض اثنين: الزوج مع الولد أو ولد الابن، والزوجة فأكثر مع عدمهما. والثمن فرض واحد: وهو الزوجة فأكثر مع الولد أو ولد الابن] . ذكر أن أصحاب الفروض عشرة، وبها سمي هذا العلم علم الفرائض، وهي الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى، فأصحاب الفروض عشرة، والفروض التي ذكرت في القرآن ستة. يتوسع الفرضيون في ذكر الشروط والمحترزات، ولكن لا نستطيع أن نتوسع؛ وذلك لاختصار الكتاب، وأيضاً أن هذا العلم قد توسع فيه العلماء ووضحوا ما يحتاج إلى توضيح، ولقصر الوقت، ومن أراد التوسع والفهم فليرجع إلى الكتب المصنفة في ذلك، ومن أسهلها: رسالة الشيخ ابن باز رحمه الله؛ الفوائد الجلية في المباحث الفرضية. يقول: (أصحاب الفروض عشرة: الزوجان، والأبوان، والجد، والجدة، والبنت، وبنت الابن، والأخت، وولد الأم) . هؤلاء عشرة أجملهم: الأول: الزوج، والثاني: الزوجة، والثالث: الأم، والرابع: الأب، والخامس: الجد، والسادس: الجدة، والسابع: البنت، والثامن: بنت الابن، والتاسع: الأخت، والعاشر: ولد الأم. فهؤلاء أصحاب الفروض. وطريقة القسم: أن يُبدأ بأصحاب الفروض إذا كانوا موجودين، فيعطون فروضهم، وما بقي بعدهم يأخذه الأقارب الذين هم العصبة بحسب قربهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر) ، أي: أعطوا أصحاب الفروض فروضهم من التركة، فإذا بقي شيء فأعطوه أقرب الذكور.

الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى

الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى وقد ذكر الله تعالى هذه الفروض، وذكر أهلها. يقول: (الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس) . ويعبر بعضهم فيقول: (النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما) . النصف، ونصفه وهو الربع، ونصف الربع وهو الثمن، والثلثان، ونصف الثلثين وهو الثلث، ونصف الثلث وهو السدس. وإذا شئت قلت: الثلثان والنصف، ونصف الثلثين ونصف النصف، ونصف نصف الثلثين، ونصف نصف النصف. وقد ذكر الله تعالى النصف في ثلاثة مواضع: في قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11] يعني: من الذرية. الموضع الثاني: في قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء:12] . الموضع الثالث: في قوله تعالى: {إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:176] . هذه ثلاثة مواضع ذكر الله فيها النصف. وذكر الله الربع في موضعين: في حق الزوجين، في قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء:12] . وذكر الثمن في موضع واحد: قال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء:12] . وذكر الله الثلثين في موضعين: في قول الله تعالى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء:11] ، هذا الموضع الأول. والموضع الثاني: في قوله تعالى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء:176] . وذكر الله تعالى الثلث في موضعين: في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء:11] . والموضع الثاني: في قوله تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12] . وذكر الله تعالى السدس في ثلاثة مواضع: في قوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:11] . ثم قال: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11] . ثم قال: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:12] ، فذكر السدس في ثلاثة مواضع. ولأجل ذلك نعرف أن الفرائض بينها الله تعالى، فالله تعالى هو الذي وضحها وبينها، أنزل فيها ثلاث آيات من سورة النساء: قوله تعالى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11] إلى آخر الآيتين. والآية التي في آخر السورة، وهي قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء:176] إلى آخر الآية، فذكر الله تعالى فيها هذه الفرائض، وذكر فيها أيضاً التعصيب. وذكر ذوي الأرحام في آخر سورة الأنفال: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال:75] ، وكذا في سورة الأحزاب: (وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب:6] . وأجمل الله الفرائض أول ما أنزل قول الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء:7] ، هؤلاء هم الذين ذكر الله تعالى ميراثهم. وكانوا قبل أن تنزل الفرائض يوصي الميت عند قرب موته فيقول: أعطوا والدي كذا، ووالدتي كذا، وابني كذا، وابنتي كذا، وأخي، عملاً بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180] ، فلما نزلت الفرائض نسخت الوصية للأقربين الوارثين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) .

ذكر أصحاب النصف وشروطهم

ذكر أصحاب النصف وشروطهم نبدأ بأهل النصف، ونقول: ذكروا أن النصف فرض خمسة: الزوج، والبنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت من الأب. ولا يشترك في النصف أكثر من واحد، بل النصف لا يكون إلا لواحد أو واحدة، إلا إذا كان تعصيباً، والتعصيب هو الإرث بلا تقدير، أعني: أخذ المال بغير فرض، وإنما هو بالتعصيب الذي هو رد ما بقي بعد أهل الفروض إلى الوارث. فمثلاً: ماتت امرأة عن زوج وأخ، فالزوج له النصف، والأخ له النصف، ولكن لا نقول: للأخ نصف، بل نقول: له الباقي، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (وما بقي فلأولى رجل ذكر) فنسميه تعصيباً، ونسميه باقياً. أما إذا ماتت امرأة عن زوج وأخت شقيقة، ففي هذه الحال، نقول: للزوج النصف، وللأخت النصف، ولا نقول: للأخت الباقي، بل نقول: للأخت النصف؛ لأن الزوج يأخذ النصف فرضاً، والأخت تأخذ النصف فرضاً، فلكل واحد منهم النصف.

شرط أخذ الزوج النصف

شرط أخذ الزوج النصف فذكروا أن الزوج يأخذ النصف بشرط واحد، وهو شرط عدمي، وهو: عدم الفرع الوارث. كلمة (عدمي) إشارة إلى أنه شيء يعدم، ولا يوجد. ومن هو الفرع الوارث؟ اعلم أن الفرع الوارث: هو الأولاد ذكوراً وإناثاً، وأولاد البنين، أي: الذين يرثون. كلمة الأولاد يدخل فيها الذكور والإناث، فالإناث يسمين أولاداً، قال الله تعالى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11] ، فسمى الجميع أولاداً. فإذا كان هناك ولد ذكر أو أنثى حجب الزوج إلى الربع، ومنعه من النصف، ويكونون سواء في الحجب، فإذا ماتت امرأة عن زوج وبنت فإن للزوج الربع، لماذا لم يأخذ النصف؟ لوجود الفرع الوارث، فالبنت من الفرع الوارث. ماتت امرأة عن زوج وعشرة أبناء، للزوج الربع، من الذي منعه من النصف؟ الفرع الوارث، الذين هم عشرة أبناء. ماتت امرأة عن زوج وبنت ابن- ابنها قد مات وله بنت- تحجب الزوج، وتمنعه من النصف، فليس له إلا الربع وهكذا، فالبنت من الفرع الوارث، والابن من الفرع الوارث، وبنت الابن من الفرع الوارث، وابن الابن من الفرع الوارث وإن بعدوا. فشرط أخذ الزوج للنصف أن لا يكون للزوجة ولد ولا ولد ابن، لماذا قال: ولا ولد ابن؟ إشارة إلى أن ولد البنت لا يمنعه؛ لأن ولد البنت لا يرث ذكراً كان أو أنثى، بخلاف ولد الابن: ابن ابن، أو بنت ابن وإن نزل. أما ابن البنت فلا يمنعه، أو بنت البنت فلا تمنعه، إنما الذي يمنعه: الذكور والإناث من أولاد الميتة، والذكور والإناث من أولاد بنيها، لا أولاد بناتها.

شرط أخذ البنت النصف

شرط أخذ البنت النصف الثاني من أهل النصف: البنت، دليله قول الله تعالى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} [النساء:11] يعني: فإن كان أولادكم نساء، أي: بنات، {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء:11] يعني: اثنتين فما فوق،: {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11] ، البنت الواحدة لها النصف، وتأخذ النصف بشرطين عدميين: الشرط الأول: عدم الشريك، وهو أختها. الشرط الثاني: عدم المعصب، وهو أخوها، فإذا كانتا ابنتين أو ثلاث بنات أو أربعاً أو عشراً، فلا تأخذ إحداهن النصف، بل يشتركن في الثلثين، فإذا عدمت البنات ولم توجد إلا بنت واحدة فلها النصف، هذا معنى عدم الشريك؛ لأن أختها وأخواتها يشاركنها في الإرث، أي: يشتركن معها في فرض وهو الثلثان. أما المعصب فهو أخوها، لماذا سمي معصباً؟ لأنه ينقلها من الإرث بالفرض إلى الإرث بالتعصيب، تكون معه عصبة بالغير. فإذا ماتت امرأة ولها زوج وبنت وابن، ففي هذه الحال لا تأخذ البنت النصف، ولا تأخذ الثلث، ولا تأخذ الثلثين، ولكنها تشترك مع أخيها في الباقي، فنعطي الزوج الربع لوجود الفرع الوارث، ويبقى ثلاثة أرباع للابن وأخته تعصيباً، فالأخت مع أخيها ورثت الباقي تعصيباً، حيث عصبها أخوها، أي: قواها، وصارت معه عصبة بالغير ترث ما بقي ولو كان الباقي قليلاً. لو كان عندنا زوج وأم وأب، وخمسة أبناء، وخمس بنات، ففي هذه الحال نقسم المال إلى اثني عشر سهماً، فنقول: للأم السدس؛ اثنان من اثني عشر، وللأب السدس؛ اثنان من اثني عشر، وللزوج الربع؛ ثلاثة من اثني عشر، وبقي من الاثني عشر خمسة، هذه الخمسة هي نصيب الأولاد ذكوراً وإناثاً: خمس بنات وخمسة أبناء، ونسميه تعصيباً ولا نسميه فرضاً، فإذا وجد الأخ مع أخته ورثت معه ما بقي تعصيباً. فنقول: الزوج يأخذ النصف بهذا الشرط: عدم الفرع الوارث. وذكروا أن الزوج له أربع حالات: تارة يأخذ النصف كاملاً، وتارة يأخذ النصف عائلاً، وتارة يأخذ الربع كاملاً، وتارة يأخذ الربع عائلاً. وأما البنت فإن لها ست حالات: تارة تأخذ النصف كاملاً، وتارة تأخذه عائلاً، وتارة تشارك في الثلثين كاملاً، وتارة تشارك في الثلثين عائلاً، وتارة ترث بقية المال تعصيباً مع الابن، وتارة تشارك في المال كاملاً تعصيباً.

شروط أخذ بنت الابن النصف

شروط أخذ بنت الابن النصف بعدها بنت الابن: وبنت الابن تقوم مقام البنت إذا لم يوجد بنت، فتأخذ النصف مع عدم ولد الصلب. كلمة ولد الصلب يدخل فيها الذكور والإناث، فإذا وجد أحد من ولد الصلب؛ أي: أولاد الميت، ذكراً أم أنثى حجبوها، أو أسقطوها؛ هذه بنت الابن. وذكروا أنها تأخذ النصف بثلاثة شروط: عدم الشريك، وعدم المعصب، وعدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها. وقد عرفنا الشريك؛ وهو أختها أو بنت عمها التي في درجتها، وكذلك المعصب الذي هو أخوها أو ابن عمها الذي في درجتها، والفرع الوارث هو الابن أو البنت الذين هم أقرب إلى الميت منها، فلا تأخذ النصف إلا بثلاثة شروط، فإذا اختل واحد من هذه الشروط لم تأخذ النصف. فإذا كان عندنا بنتا ابن فإنهما يأخذان الثلثين، وإذا كان عندنا بنت ابن وابن ابن، فإنهما يأخذان المال بالتعصيب، حتى ولو لم يكونا أخوين. نفرض أن إنساناً له ابنان، مات أحدهما في حياته وخلف بنتاً، ومات الثاني في حياته وخلف بنتاً أخرى، فاجتمعت البنتان، فهذه تقول: الميت جدي أبو أبي، وهذه تقول أيضاً: الميت جدي أبو أبي، فماذا نعطي البنتين وهما بنتا ابن متفرقتين؟ A يشتركان في الثلثين؛ لأن كل واحدة منهما يصدق عليها أنها بنت ابن. فإذا كان مع إحدى البنتين أخ لها (ابن ابن) فهل يرثان الثلثين؟ الجواب: لا يرثانه، بل يعصبهما، فيأخذ المال هو والبنتان بالتعصيب، للذكر مثل حظ الأنثيين، فيقول: أنا ابن ابن لي سهمان، وأنتما بنتا ابن لكما سهمان، للذكر مثل حظ الأنثيين، فلا ترث بنت الابن وحدها، بل يعصبها ابن عمها؛ لأنه في درجتها، والحاصل: أن بنت الابن لها إحدى عشرة حالة: تارة تأخذ النصف كاملاً، وتارة تأخذه عائلاً، وتارة تشارك في الثلثين كاملاً، وتارة تشارك في الثلثين عائلاً، وتارة تأخذ السدس كاملاً، وتارة تأخذه عائلاً، وتارة تشارك في السدس كاملاً، وتارة تشارك فيه عائلاً، وتارة تشارك في المال كله بالتعصيب، وتارة تشارك فيما بقي بعد الفروض بالتعصيب، وتارة تسقط.

شروط أخذ الأخت الشقيقة النصف

شروط أخذ الأخت الشقيقة النصف والأخت الشقيقة ترث النصف بأربعة شروط: عدم الشريك، وعدم المعصب، وعدم الأصل الوارث من الذكور، وعدم الفرع الوارث. عرفنا الشريك؛ وهو أختها، فإذا كانتا شقيقتين أو أخوات شقائق، فلا تأخذ النصف بل تشارك في الثلثين، فالشريك هو أختها التي تماثلها. والمعصب هو أخوها، فإذا كان معها أخ شقيق فإنها ترث المال هي وأخوها بالتعصيب، قليلاً أو كثيراً. فإذا ماتت امرأة ولها زوج وأبوان، ولها خمسة إخوة أشقاء، وخمسة أخوات شقائق، أعطينا الزوج النصف، وأعطينا الأم السدس، والباقي يأخذه الأب، ولا شيء للإخوة، فإن لم يكن هناك أب ورث الإخوة والأخوات الباقي، وسمينا إرثهم تعصيباً. فالأخت الشقيقة مثل البنت: تارة تأخذ النصف كاملاً، وتارة تأخذه عائلاً، وتارة تشارك في الثلثين كاملاً، وتارة تشارك في الثلثين عائلاً، وتارة تأخذ ما بقي مع أخيها تعصيباً بالغير، وتارة تأخذ المال أو ترث المال كله مع أخيها تعصيباً بالغير، وتارة تسقط، فيكون لها سبع حالات.

شروط أخذ الأخت لأب النصف

شروط أخذ الأخت لأب النصف بعدها الأخت من الأب عند عدم الأشقاء، أي: أخت الميت من أبيه، لا من أبويه، فترث النصف بخمسة شروط: وهي الأربعة الماضية، وزيادة عدم الأشقاء والشقائق. فعدم الشريك وهو أختها من الأب، وعدم المعصب وهو أخوها من الأب، وعدم الفرع الوارث، وهو الأولاد وأولاد البنين، وعدم الأصل الوارث من الذكور، وهو الأب والجد، وعدم الأشقاء والشقائق. وإذا أردنا أن نذكر أمثلة على هذه الشروط: فنقول مثلاً: إذا كان عندنا أخت شقيقة، وأخ شقيق، وأخت من الأب، فإنها تسقط الأخت من الأب، يسقطها الشقيق. وكذلك إذا كان عندنا أختان شقيقتان، وأختان من الأب، وعم، تسقط الأختان من الأب، والأختان الشقيقتان تأخذان الثلثين، والباقي للعم، ولا شيء للأخوات من الأب؛ لأن الأخوات الشقيقات استوفين فرضهن، كما قال الناظم: إذا أخذن فرضهن وافيا أسقطن أولاد الأب البواكيا كذلك نعرف أيضاً أن الأخت من الأب لها نحو إحدى عشرة حالة: تارة تأخذ النصف كاملاً، وتارة تأخذه عائلاً، وتارة تشارك في الثلثين كاملاً، وتارة تشارك في الثلثين عائلاً، وتارة تأخذ السدس كاملاً، وتارة تأخذه عائلاً، وتارة تشارك في السدس كاملاً، وتارة تشارك فيه عائلاً، وتارة تأخذ ما بقي بعد أهل الفروض مشاركة، وتارة تشارك في المال كاملاً تعصيباً مع الغير، وتارة تسقط. وستأتي مسائل العول إن شاء الله! هذه شروط أخذ أهل النصف للنصف. ثم قد يأخذ النصف بعض الأخوات بدون أن يكون في المسألة نصفان: فإذا مات ميت عن زوج وأخت شقيقة، فالزوج له النصف كاملاً فرضاً، والشقيقة لها النصف كاملاً فرضاً، وكذلك إذا كان عندنا أخت لأب بدل الشقيقة؛ فللزوج النصف، وللأخت النصف أيضاً كاملاً، فهذان اثنان يأخذان النصف كاملاً فرضاً. وأما إذا كان أحدهما معصباً، فصورة ذلك: إذا مات ميت وله بنت وأخت؛ البنت لها النصف، والأخت لها النصف، ولكن نصف الأخت نسميه تعصيباً مع الغير؛ أي: أن البنت عصبت الأخت، وجعلت المال الباقي لها تعصيباً مع الغير، ويعبرون فيقولون: الأخوات مع البنات عصبات، فهاهنا صاحب الفرض هو البنت، وصاحب التعصيب هو الأخت، ومع ذلك هذه لها نصف وهذه لها نصف، ولكن نقول: المسألة من اثنين؛ للبنت النصف فرضاً، والباقي للأخت، ولا نقول: والنصف للأخت، وذلك كما لو كان عندنا بنت وأخ؛ فللبنت النصف، والباقي النصف يأخذه أخو الميت، ونسميه: تعصيباً، ولكنه تعصيب بالنفس. هؤلاء هم أهل النصف.

أصحاب الربع وأصحاب الثمن

أصحاب الربع وأصحاب الثمن أما أهل الربع، فذكر أن الربع فرض اثنين: الزوج مع الولد أو ولد الابن، والزوجة فأكثر مع عدمهما، وهذا مذكور في القرآن في قول الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء:12] .

ما يأخذه الزوج عند وجود الفرع الوارث

ما يأخذه الزوج عند وجود الفرع الوارث الربع يأخذه الزوج مع الولد، أو ولد الابن، والمراد بالولد: ولد الميتة ذكراً كان أو أنثى، واحداً أو عدداً، فيحجبه الواحد ويحجبه العدد إلى الربع. فلو ماتت امرأة ولها زوج ولها بنت، فللبنت النصف، وللزوج الربع، والباقي لأولى رجل ذكر، وكذلك لو ماتت امرأة ولها زوج ولها عشرة أبناء أو بنات أو بنين وبنات، فللزوج الربع، والباقي للأولاد ذكوراً وإناثاً، قليلاً أو كثيراً (للذكر مثل حظ الأنثيين) . وهكذا إذا لم يكن لها أولاد من الصلب ولكن لها أولاد بنين، فإذا كان لها بنت ابن، أو ابن ابن وإن نزل، أو خمسة أبناء ابن، أو عشر بنات ابن، فالجميع يحجبون الزوج من النصف، فلا يرث إلا الربع، يقول الناظم: والربع فرض الزوج إن كان معه من ولد الزوجة من قد منعه ولد الزوجة، يعني: الفرع الوارث الذي هو الابن واحداً كان أو عدداً، والبنت واحدة كانت أو عدداً، وابن الابن واحداً كان أو عدد، وبنت الابن واحدة كانت أو عدداً، فواحد منهم أو جماعة يحجبون الزوج إلى الربع.

شرط أخذ الزوجة أو الزوجات الربع

شرط أخذ الزوجة أو الزوجات الربع وأما الزوجة فأكثر فإنها ترث الربع مع عدم الفرع الوارث، والفرع الوارث هم الأولاد وأولاد البنين، أي: الابن، وابن الابن، والبنت، وبنت الابن، واحداً كان أو عدداً، هؤلاء إذا وجدوا منعوا الزوجة من الربع إلى الثمن، وإذا عدموا أخذت الزوجة الربع كاملاً، ويسمون الفرع الوارث. وقوله: (الزوجة فأكثر) أي: زوجة أو زوجتان أو ثلاث أو أربع يشتركن في فرضهن؛ لأن الله قال: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء:12] فمقتضاه: أنهن يشتركن في الربع.

ما تأخذه الزوجة عند وجود الفرع الوارث

ما تأخذه الزوجة عند وجود الفرع الوارث وأما الثمن: فهو فرض واحد: وهي الزوجة فأكثر مع الولد أو ولد الابن، فيكون للزوجة ثمان حالات: تارة تأخذ الربع كاملاً، وتارة تأخذه عائلاً، وتارة تشارك في الربع كاملاً، وتارة تشارك فيه عائلاً، وتارة تأخذ الثمن كاملاً، وتارة تشارك فيه كاملاً، وتارة تأخذ الثمن عائلاً، وتارة تشارك فيه عائلاً. مثال أخذها الربع كاملاً: إذا مات رجل وله زوجة وأم وأب. في هذه المسألة: الزوجة لها الربع كاملاً واحد من أربعة، والأم لها ثلث الباقي واحد، والزوج له الباقي. وهذه إحدى العمريتين، فهنا أخذت الربع كاملاً. فلو فرضنا أن عندنا أربع زوجات، وأب، وأم، فالأربع الزوجات يشتركن في الربع، ويأخذن الربع كاملاً؛ لعدم الفرع الوارث. لو كان عندنا: زوجة، وأختان شقيقتان، وأختان من الأم. في هذه الحال: المسألة تكون من اثني عشر؛ لأن فيها ربعاً، وفيها ثلثاً وثلثين، فالزوجة لها الربع ثلاثة، والأخوات الشقائق لهن الثلثان؛ فيأخذن ثلثي الاثني عشر ثمانية، والأخوات من الأم لهن الثلث وهو أربعة، هذه اثنا عشر، ثمانية وأربعة، فهل تسقط الزوجة؟ لا تسقط، بل نزيد في السهام، فنقسم المسألة من خمسة عشر، وهذا هو العول، فنقول: عالت المسألة إلى خمسة عشر، فللأخوات الشقائق ثمانية، وللأخوات من الأم أربعة، هذه اثنا عشر، وللزوجات أو الزوجة الربع ثلاثة، فهذه خمسة عشر، هذا هو العول. فسواء كانت الزوجة واحدة أو ثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، فيشتركن في الربع كاملاً، ويشتركن فيه عائلاً. وكذلك إذا كن يرثن الثمن، مثاله: مسألة تسمى المنبرية، ذكروا أن علياً رضي الله عنه سئل وهو على المنبر عن رجل مات وله زوجة، وأبوان، وبنتان، فنطق وهو في الخطبة بقوله: (جعل الله الثمن تسعاً) أو (صار الثمن تسعاً) . صحيح أن الزوجات لا يأخذن إلا التسع في هذه الحالة، وتكون المسألة من سبعة وعشرين، بعد أن كانت من أربعة وعشرين، فالبنات لهن ثلثا الأربعة والعشرين: ستة عشر، والأبوان لكل واحد منهما السدس أربعة، فيأخذان ثمانية، فهذه أربعة وعشرون، فأين ميراث الزوجة أو الزوجات؟ تعول لهن المسألة فتكون من سبعة وعشرين؛ لأن لهن الثمن ثلاثة، فسواء كن زوجة أو زوجتين أو ثلاثاً أو أربعاً، فإنهن يشتركن في الثمن الذي عالت به المسألة. وهكذا لو لم تعل، فلو كان عندنا بنت واحدة، وزوجة، وعم، فإن البنت لها النصف أربعة من ثمانية، وللزوجة الثمن واحد من ثمانية، والباقي ثلاثة يأخذها العاصب الذي هو العم. فهاهنا أخذت الزوجة الثمن كاملاً، سواء كانت زوجة واحدة، أو ثنتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، فإنهن يشتركن في الثمن لا يزدن عليه، فهذا معنى كونها تأخذ الثمن كاملاً، أو تأخذه عائلاً، أو تشارك فيه كاملاً، أو تشارك فيه عائلاً، وكذلك الربع. والحاصل عندنا: أن أهل الفروض هم هؤلاء العشرة. وقد عرفنا الآن ميراث الزوجين: أن الزوج له الربع مع الفرع الوارث، والنصف مع عدمه، وأنه تارة يعول، وتارة لا يعول.

أمثلة على العول

أمثلة على العول مثال العول: إذا ماتت امرأة ولها أختان، وزوج؛ فالأختان يطالبن بالثلثين، لأن الله تعالى يقول: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} [النساء:176] ، والزوج يطالب بالنصف، لأن الله يقول: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء:12] فليس هاهنا ولد. فيكون في المسألة ثلثان ونصف، ففي هذه الحالة نجعل المسألة من ستة؛ لأن الستة فيها ثلثان وفيها نصف، ونقسم، فنقول: سهام الزوج ثلاثة، وسهام الأخوات أربعة، فعالت المسألة إلى سبعة، هذا معنى كونها عالت. فالزوج هاهنا ما حصل على النصف، وإنما حصل على ثلاثة أسباع. وكذلك لو كان عندنا: أم، مع الأخوات والزوج، فالأم تأخذ السدس، والزوج يأخذ النصف، ففي هذه الحالة تعول المسألة إلى ثمانية: الأخوات لهن أربعة، والأم لها واحد، هذه خمسة، والزوج له ثلاثة، هذه ثمانية، فالزوج هاهنا ما حصل على النصف، وإنما حصل على الربع ونصف الربع؛ أي: على ثلاثة أثمان، لماذا؟ لوجود العول، العول الذي هو: زيادة في السهام ونقص في الأنصبة. وكذلك البنت، وبنت الابن، والأخت ونحوهن، أيضاً يدخل العول في المسألة التي فيها البنت، أو البنات أو نحوهن، فإذا كان عندنا مثلاً: بنت، وزوج، وأبوان؛ فالبنت لها النصف؛ ستة من اثني عشر، والأبوان لهما السدسان، هذه عشرة، والزوج له الربع ثلاثة، فعالت المسألة إلى ثلاثة عشر؛ لأن البنت أخذت النصف ستة، والأب السدس اثنين، والأم السدس اثنين، وبقي اثنان من اثني عشر، والزوج يطالب بالربع، والربع ثلاثة من اثني عشر، فنقسم المسألة إلى ثلاثة عشر سهماً، فيدخل النقص على الجميع، أي أن الأم ما أتاها إلا اثنان من ثلاثة عشر، وكذا الأب، والبنت أعطيناها النصف اسماً لا حقيقة، وكذلك بقية أصحاب الفروض، يدخل عليهم النقص. وكذلك بنت الابن أيضاً تأخذ النصف وتأخذ السدس -كما سيأتي- إذا كان هناك بنت واحدة، فهذا السدس تارة يكون عائلاً، وتارة يكون كاملاً، وتارة تأخذه وحدها، وتارة تشارك فيه أخواتها. ففي مسألتنا هذه: إذا كان عندنا بنت ابن، وأبوان، وزوج، فإن بنت الابن تقوم مقام البنت، فلها النصف كاملاً، ولكن دخل عليها العول، حيث أعطيناها ستة من ثلاثة عشر، ودخل العول على من معها، فهذه أمثلة لحالاتهن.

شرح أخصر المختصرات [52]

شرح أخصر المختصرات [52] من الفرائض التي بينها الله في كتابه: الثلثان والثلث، فالثلثان فرض أربعة من الورثة، والثلث فرض اثنين، ولكل وارث شروط يتصف بها عند أخذه فرضه، وقد وضحها العلماء في متون الفقه وشرحها من بعدهم. ومن مسائل الفرائض: العمريتان، فيفرض فيهما للأم ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين، وإنما سمي (ثلثاً) تأدباً مع القرآن، وإلا فهو ناقص عن الثلث.

أصحاب الثلثين

أصحاب الثلثين يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [والثلثان فرض أربعة: البنتين فأكثر, وبنتي الابن فأكثر, والأختين لأبوين فأكثر, والأختين لأب فأكثر. والثلث فرض اثنين: ولدي الأم فأكثر, يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم, والأم حيث لا ولد ولا ولد ابن، ولا عدد من الإخوة والأخوات. لكن لها ثلث الباقي في العمريتين؛ وهما أبوان وزوجٌ أو زوجة. والسدس فرض سبعة: الأم مع الولد أو ولد الابن، أو عدد من الإخوة والأخوات, والجدة فأكثر مع تحاذ، وبنت الابن فأكثر مع بنت الصلب، وأخت فأكثر مع أخت لأبوين, والواحد من ولد الأم , والأب مع الولد أو ولد الابن, والجد كذلك] .

شرطا استحقاق البنتين فأكثر الثلثين

شرطا استحقاق البنتين فأكثر الثلثين الثلثان سهمان من ثلاثة أسهم، جعلهما الله تعالى فرضاً للبنتين فأكثر، وللأختين فأكثر، في قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء:11] قال العلماء: معنى فوق اثنتين: أي اثنتين فما فوق، هذا هو الصحيح؛ وذلك لأن الأختين لهما الثلثان، كما في آخر السورة: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} [النساء:176] يعني: الأختين، فالبنتان أولى. ولأن الأخت تأخذ النصف، وتأخذ الثلث مع أخيها، فالبنت كذلك بطريق الأولى، أي أنها إذا كانت تأخذ النصف وحدها؛ فإن كانتا اثنتين تغير إرثهما وورثتا الثلثين، فتكون كلمة (فوق اثنتين) معناها: اثنتين فما فوق. وذهب بعض الظاهرية إلى أن فرض الثنتين من البنات النصف، وما فوق الثنتين الثلثان. ولكن هذا خلاف إجماع الأئمة، فقد ذكر أن سعد بن الربيع رضي الله عنه قتل في غزوة أحد، وكان له أخ، وله ابنتان، وله زوجة، فأخذ أخوه جميع المال وقال: الإناث ليس لهن مال، فجاءت امرأته تشتكي وتقول: إنه خلف ابنتين، وإنهما لا ينكحان إلا إذا كان لهما مال، فأنزل الله آية الفرائض، فدعاه فقال: (أعط بنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك) فهذا دليل على أن البنتين تأخذان الثلثين. ذكروا أنهن يأخذن الثلثين بشرطين: شرط وجودي، وشرط عدمي. الشرط الوجودي: أن يكن اثنتين فأكثر، ولو وصلن إلى عشر أو عشرين، فلا يزيد سهمهن على الثلثين. الشرط الثاني: عدم المعصب الذي هو أخوهن، فإنه ينقلهن من الفرض إلى التعصيب. فلو مات ميت وله عشر بنات، وله عم، فالعشر البنات يأخذن الثلثين، والباقي للعم، فإن كان مع البنات أخوهن أخذوا المال كله واقتسموه تعصيباً، للذكر مثل حظ الأنثيين، فتكون القسمة من اثني عشر؛ البنات لهن عشرة أسهم، وهو له سهمان، أي أنه في هذه الحال نقلهن من الفرض إلى التعصيب؛ وأخذوا جميع المال، وسقط العم، وحصل لهن خمسة أسداس المال، ولأخيهن السدس، وقبل وجوده ما كان لهن إلا الثلثان، ولهذا فإنه يسمى: أخاً مباركاً.

شروط استحقاق بنتي الابن الثلثين

شروط استحقاق بنتي الابن الثلثين ورد في الأولاد: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء:11] والأولاد يدخل فيهم الذكور والإناث، فالإناث أولاد، والذكور أولاد؛ لأنهم مولودون. وقال العلماء: إن أولاد البنين كأولاد الصلب، فلذلك فإن ابن الابن إذا لم يوجد غيره ورث المال كله كما يرثه الابن، فالابن إذا لم يكن إلا واحداً أخذ المال كله، فإن مات قبل أبيه وكان له ابن، فابن الابن يرث المال كله إذا لم يكن غيره؛ فكذلك بنت الابن تقوم مقام البنت إذا لم يكن هناك بنت، فتأخذ النصف. فإذا كن بنتي ابن أو أكثر من اثنتين ورثن الثلثين؛ لأنهن يقمن مقام بنات الصلب. فبنات الابن يرثن الثلثين بثلاثة شروط: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم المعصب، وعدم الفرع الوارث الذي أعلى منهن، فإذا كانت واحدة فليس لها إلا النصف، كما أن البنت ليس لها إلا النصف، وإذا كان معهن أخوهن عصبهن، فيأخذن المال معه، كما أن الابن يعصب أخواته، كذلك ابن الابن يعصب أخواته، وابن الابن أيضاً يعصب بنات عمه اللاتي في درجته. إذا كان لزيد مثلاً ابنان، مات أحدهما وله ثلاث بنات، ومات الثاني وله بنت وابن، ثم مات الجد، فبنات الأول يرثن من جدهن، ويقلن: هذا أبو والدنا، وبنت الثاني وابنه يرثون أيضاً، فابن الابن هذا يعصب أخته ويعصب بنات عمه اللاتي في درجته، فيأخذون المال كله تعصيباً، أي: يقتسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين، فبنات عمه لهن ثلاثة أسهم، وهو وأخته لهما ثلاثة، له سهمان ولأخته سهم، هذا معنى كون المعصب ينقلهن من الفرض -الثلثين- إلى التعصيب، وهو أخذ ما بقي بعد أهل الفروض. فلو فرضنا أن هناك زوجاً، فإن الزوج يأخذ الربع؛ لوجود الفرع الوارث، والباقي يأخذه ابن الابن وأخته وبنات عمه تعصيباً. وإذا كان مع بنات الابن بنت صلب، فإن بنت الصلب تأخذ نصفها كاملاً، ويبقى السدس من الثلثين فتأخذه بنات الابن ولو كن عشراً، ويسمى السدس تكملة الثلثين، فلا يرثن الثلثين إلا مع عدم الفرع الوارث الذي أعلى منهن. عرفت أن الفرع الوارث هم الأولاد وأولاد البنين، فبنت الابن وبنات الابن من الفرع الوارث؛ لأنهم متفرعون عن الميت، وحيث إنهم متفرعون عنه فإنهم فرع, وقيدوه بالوارث احترازاً من الفرع الذي لا يرث؛ كبنت البنت، وبنت بنت الابن، فهي فرع غير وارث؛ لأنها تدلي بأنثى. ثم عرفنا أن بنات الابن يأخذن الثلثين بثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكن اثنتين فأكثر. الشرط الثاني: عدم المعصب؛ وهو أخوهن. الشرط الثالث: عدم الفرع الوارث الذي أعلى منهن، فإن كان معهن ابن الصلب سقطن، وإن كان معهن بنت أخذت البنت النصف والباقي لبنت الابن أو بنات الابن، وإن كان معهن بنتان أخذ البنتان الثلثين وسقطت بنت أو بنات الابن.

شروط استحقاق الأخوات الشقيقات الثلثين

شروط استحقاق الأخوات الشقيقات الثلثين الثالث: الأخوات الشقائق، يأخذن الثلثين بأربعة شروط: أن يكن اثنتين فأكثر، وعدم المعصب، وعدم الأصل الوارث من الذكور، وعدم الفرع الوارث. فالواحدة من الأخوات ترث النصف، ولا يرثن الثلثين إلا إذا كن اثنتين فأكثر. وإذا كان معهن أخوهن نقلهن إلى التعصيب ليرثن معه المال كله تعصيباً، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:176] . وإذا كان هناك فرع وارث؛ وهو الأبناء أو البنات، أو بنات الابن، أو أبناء الابن، فلا يرث الأخوات الثلثين، بل إما أن يرثن تعصيباً مع الغير، وإما أن يسقطن، فالابن يسقطهن، والبنات يأخذن معهن الثلث تعصيباً، والبنت إذا أخذت نصفها أخذت الأخوات الباقي تعصيباً. والأصل الوارث هو الأب والجد، وقيدوه بالذكور، فإن كان أب أسقط الأخوات؛ لأنهن يدلين به، يعني: هو واسطتهن، فمن أدلى بواسطة سقط بها. وإن كان جداً ففيه خلاف سيأتي إن شاء الله، فلا يرثن الثلثين مع الأب، ولا مع الجد، ولا مع الابن، ولا مع البنت، ولا مع ابن الابن، ولا بنت الابن، فلا يرث الشقائق الثلثين إلا عند عدم هؤلاء.

شروط استحقاق الأخوات لأب الثلثين

شروط استحقاق الأخوات لأب الثلثين أما الأخوات من الأب، فإنهن يقمن مقام الأخوات الشقائق عند عدمهن، فيأخذن الثلثين بخمسة شروط: الشروط المذكورة في الأخوات الشقائق، وزيادة الشرط الخامس، وهو: عدم الأشقاء والشقائق، فإذا كان معهن شقيقة أخذت النصف، وبقي السدس تكملة الثلثين للأخوات من الأب، وإن كن شقيقتين أخذن الثلثين وسقط الأخوات لأب، وإن كان أخ شقيق، أسقط جميع أولاد الأب، ذكوراً وإناثاً، هؤلاء أصحاب الثلثين.

أصحاب الثلث

أصحاب الثلث

شروط استحقاق أولاد الأم الثلث

شروط استحقاق أولاد الأم الثلث أما الثلث: فإنه فرض اثنين؛ الأم وولد الأم. فولد الأم هم الإخوة من الأم، واحدهم له السدس، والاثنان لهما الثلث، وكذلك إن زادوا فلا يزيد فرضهم على الثلث، وقد ذكر في القرآن في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12] ويستوي ذكرهم وأنثاهم، فيأخذون الثلث بهذه الشروط: الشرط الأول: عدم الفرع الوارث؛ وهو ألا يكون للميت ابن ولا بنت، ولا ابن ابن، ولا بنت ابن، هؤلاء كلهم يسقطون الأخ من الأم والإخوة من الأم، واحداً كان أو عدداً، فإن لم يكن له إلا بنت أو بنت ابن فإنها تسقط الإخوة من الأم. وكذلك إذا كثروا؛ فلو كان له عشرة أبناء سقط الإخوة من الأم. الشرط الثاني: عدم الأصل الوارث من الذكور؛ وهم الأب والجد، هذا هو الأصل الوارث، فالأب يسقطهم، والجد يسقطهم ولو كان بعيداً، فمعناه: أن الإخوة من الأم لا يرثون الثلث إلا بهذه الشروط: عدم الفرع الوارث، وعدم الأصل الوارث من الذكور. والشرط الثالث: أن يكونوا اثنين فأكثر. ولهم أربع خصائص: أولاً: أنهم يدلون بأنثى ويرثون. ثانياً: أنهم يحجبون من أدلوا به حجب نقصان. ثالثاً: أن ذكرهم كأنثاهم. رابعاً: أنهم ذكرهم لا يعصب أنثاهم. هذه خصائصهم. كل من أدلى بأنثى لا يرث، إلا الإخوة من الأم يدلون بأنثى ويرثون، فمثلاً: أولاد الأخت لا يرثون من خالهم، ولا من خالتهم؛ لأنهم يدلون بأنثى، وكذلك أولاد البنت لا يرثون من جدهم أو من جدتهم؛ لأنهم يدلون بأنثى، وكذلك أولاد بنت الابن، وحتى الجد أبو الأم؛ لأنه يدلي بالأم، فكل من أدلى بأنثى لا يرث، إلا الإخوة من الأم، يدلون بأنثى ويرثون. كذلك يضرون أمهم: فإذا مات امرؤ وله أم، وأخوان من أم، وعم؛ فالأم ليس لها إلا السدس، والأخوان لهما ثلث، والبقية للعم، فحجبوا الأم؛ لأنها مع عدمهم كانت تأخذ الثلث، فمع وجودهم ما حصلت إلا على السدس، فهم يحجبون من أدلوا به حجب نقصان. كذلك لما كانوا يرثون بالرحم المجردة استوى ذكرهم وأنثاهم، فإن قوله تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12] ، دليل على أنهم لا يزيدون عن الثلث، والشركة تقتضي المساواة، أي: هم شركاء، ذكرهم كأنثاهم، فهؤلاء من أهل الثلث.

شروط استحقاق الأم الثلث

شروط استحقاق الأم الثلث ومن أهل الثلث: الأم؛ فترث الثلث بثلاثة شروط عدمية: عدم الفرع الوارث، وعدم الجمع من الإخوة، وأن لا تكون المسألة إحدى العمريتين؛ هذه شروط أخذ الأم للثلث. قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء:11] يعني: إذا لم يرثه إلا أبواه فلأمه الثلث والباقي للأب لأنه إذا ذكر نصيب وارث، وسكت عن الباقي، فهو للوارث الثاني، ففي هذه الحال لأمه الثلث إذا لم يكن له ولد، ولم يرثه إلا أبواه، هذا شرط: الولد يعم الذكر والأنثى من الأولاد وأولاد البنين، ويعم الواحد والعدد، فلو كان له بنت أو بنت ابن، فلا ترث الأم إلا السدس؛ لأن له ولداً. الشرط الثاني: عدم الجمع من الإخوة، لقول الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11] فجعل الله الإخوة يحجبون الأم إلى السدس، كما أن الأولاد يحجبونها إلى السدس، هذا نص: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11] . إذا لم يكن له إلا أم وله إخوة، أعطيت الأم السدس، والبقية للإخوة، وكلمة إخوة تعم الإخوة من الأم، فلذلك قالوا: يحجبها الإخوة من الأم إذا كانوا اثنين أو أكثر، ويحجبها من الإخوة الأشقاء اثنان فأكثر، ومن الإخوة من الأب اثنان فأكثر، وكذلك الأخوات شقائق كن أو لأب أو لأم، أو كانوا متفرقين، فيحجبونها إلى السدس. ففي أخوين شقيقين وأم؛ للأم السدس، وفي أختين شقيقتين وأم لها السدس، وكذلك مع أخوان لأب لها السدس، أو أختان لأب، أو أختان لأم، أو أخوان لأم، أو أخ شقيق وأخت لأم، أو أخ شقيق وأخت لأب، أو أخت لأب وأخت لأم، فاثنان من الإخوة ذكوراً وإناثاً، لأب أو لأبوين أو لأم، يحجبونها إلى السدس. ثم هاهنا مسألة فيها خلاف: وهي إذا كان الإخوة محجوبين، فهل يحجبونها أم لا؟ إذا كانوا محجوبين بالجد على القول بأنه يحجبهم، أو محجوبين بالأب: مثاله: مات شخص وله أبوان، وأخوان، ففي هذه الحال: الجمهور على أنهم ساقطون ويحجبون، فيضرون الأم ولا ينتفعون، فيكون للأم السدس، وخمسة الأسداس للأب، هذا مثال من يحجب ولا يرث، ولكنه حجب نقصان؛ فمنعوا الأم من أوفر حظيها، ولم ينتفعوا، بل صار النفع للأب. وذهب بعض العلماء إلى أنهم لا يحجبون في هذه الحال، ويختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فيقول: إذا كانوا لا ينتفعون فكيف يضرون؟! إذ العادة أن الحاجب إنما يحجب غيره إذا كان ينتفع بذلك الحجب، وهذا هو الأصل؛ أن الأولاد يحجبون الأبوين لأجل أن يزيد لهم المال، ويحجبون الزوجين حجب نقصان؛ لأجل أن يزيد لهم المال، ويحجبون الإخوة حجب حرمان؛ لأجل أن يزيد لهم المال، فما فائدة الإخوة من هذا الحجب، وكيف يحجبون وهم لا يرثون؟ فيرى شيخ الإسلام أنهم لا يرثون في هذه الحال، ولا يحجبون الأم، بل الأم لها الثلث كاملاً، ولكن ما تجرأ العلماء على أن يعطوها الثلث وهناك إخوة؛ للنص الصريح: {فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11] فـ شيخ الإسلام يقدر: فإن كان له إخوة يرثون فلأمه السدس، كما إذا كان له ولد وارثون فلأمه السدس.

المسألتان العمريتان

المسألتان العمريتان ثم ذكر أن للأم ثلث الباقي في العمريتين، وهما: أبوان وزوج أو زوجة، فللأم ثلث الباقي تمشِّياً وتأدباً مع القرآن، لأن القرآن فرض لها الثلث إذا لم يكن هناك ولد ولا جمعٌ من الإخوة، ففي هذه الحال إذا كان في المسألة أحد الزوجين وأب وأم فكيف نعطيها أكثر من الأب، الأب عادة ما يأخذ أكثر منها، فإذا كان معها زوج وأعطينا الزوج النصف ثلاثة من ستة، وأعطينا الأم الثلث اثنين من ستة، ما بقي للأب إلا واحد وهو سدس. فرأى عمر بن الخطاب أنها تعطى ثلث الباقي بعد الزوج، ففي هذه الحال يكون لها سدس، وللأب مثلها مرتين، وللزوج النصف، وهذا يسمى ثلث الباقي تأدباً مع القرآن، إذا أخذ الزوج النصف ثلاثة من ستة بقي عندنا ثلاثة أسهم، للأم ثلث الثلاثة واحد وللأب مثلاها. فهذه إحدى العمريتين. الثانية: زوجة وأبوان، فالزوجة لها الربع ويبقى ثلاثة، فللأم ثلث الباقي وللأب الباقي. الباقي بعد الزوجة ثلاثة أرباع، فتأخذ الأم ثلث الباقي وهو في الحقيقة ربع، وسميناه ثلث الباقي تأدباً مع القرآن، ويأخذ الأب الباقي. هذا هو قول عمر رضي الله عنه، فقد اشتهر أنه أفتى في هاتين المسألتين، وتبعه الصحابة وأجمعوا على ذلك، وسميتا بالعمريتين نسبة إلى عمر لأنه الذي أفتى بذلك، كأنه رأى أن الأم عادة ما تأخذ نصف الأب، كما أن البنت تأخذ نصف الابن، وكما أن الزوجة تأخذ نصف ما يأخذه الزوج، فلذلك قالوا نعطيها في هذا نصف الأب. وكأنهم جعلوا معنى قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء:11] ، أي لم يرثه إلا أبواه {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء:11] أي: في هذه الحال، فأما إذا كان هناك ورثة غير الأبوين كزوج أو زوجة فإنها لا تأخذ الثلث وإنما تأخذ مثل نصف الأب. هذا رأيهم. وذهب الظاهرية إلى أنها تأخذ الثلث كاملاً في العمريتين، وقالوا: إن العادة أنها تأخذ فرضها كاملاً، وذلك للعمل بالحديث: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر) ، فعندنا الزوج يأخذ النصف فرضاً، والأم فرضها الثلث، وما بقي هو سدس، فيأخذه أولى رجل وهو الأب. هكذا ذكروا، ولكن الجمهور على ما أفتى به عمر.

أصحاب السدس

أصحاب السدس ذكر أن السدس فرض سبعة، الأم والجدة وبنت الابن والأخت لأب والأخ من الأم والأب والجد.

الأم

الأم فالأم تستحقه مع الولد، أي: إذا كان هناك ولد للميت ذكر أو أنثى، منع الأم من الثلث وورثت السدس. وكذلك ولد الابن يمنعونها أيضاً لأنهم فرع وارث، فلو كان عندنا بنت ابن ابن ابن فإنها تحجب الأم إلى السدس وإن نزلت. كذلك العدد من الإخوة والأخوات: فالجمع من الإخوة يمنعون الأم من الثلث وترث معهم السدس، قال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11] ، وكلمة (إخوة) تصدق على اثنين، فإذا مات وله أخوان وأم فللأم السدس والباقي للأخوين، وإذا كان له أختان وأم، فللأم السدس وللأختين شقيقتين أو لأب الثلثان والباقي للعاصب. فالمقصود أنه يحجبها الجمع من الإخوة، وهم اثنان، أخوان لأب، أو أخوان لأم، أو أخوان لأبوين، أو أختان من أي جهة، أو أخ وأخت، فيحجبونها فلا ترث معهم إلا السدس.

الجدة أو الجدات

الجدة أو الجدات الثاني: الجدة فأكثر مع تحاذ: الجدة ترث السدس بشرط واحد وهو عدم الأم، فلا يمنعها إلا الأم، لأنها تسقطها، وإذا كان عندنا جدتان اشتركن في السدس، وإذا كن ثلاث جدات متحاذيات اشتركن في السدس. يقول الناظم: والسدس فرض جدة في النسب واحدة كانت لأم أو أب وإن تساوى نسب الجدات وكن كلهن وارثات فالسدس بينهن بالسويه في القسمة العادلة الشرعية فإذا كان عندك أم أم وأم أب فهما مستويتان، أم الأب في الدرجة الثانية وأم الأم في الدرجة الثانية، فيشتركان في السدس، فإن كن ثلاث فلا يتحاذين إلا إذا كن في الدرجة الثالثة أم أم أم، وأم أم أب، وأم أب أب. أعني أم أم أم كلهن إناث، وأم أم أب أنثيان وأب، وأم أب أب، فيتحاذين ثلاثاً، فيشتركن في السدس. ذكروا أن الجدة أم الأم جاءت إلى أبي بكر تطلب ميراثها فشهد بعض الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم ورّثها السدس، ثم جاءت الجدة الثانية أم الأب إلى عمر فقال: هو ذاك السدس، أيكن انفردت فهو لها، وإن اجتمعتما فبينكما. ويتحاذى ثلاث جدات، أعني: أم أم أم، وأم أم أب، وأم أب أب، فيرثن السدس بشرط عدم الأم.

بنت الابن

بنت الابن الثالث: بنت الابن فأكثر مع بنت الصلب ترث السدس، ويسمى تكملة الثلثين، صورة ذلك: إذا كان عندك بنت للصلب وعندك بنت ابن، فبنت الصلب تأخذ النصف، وتعطى بنت الابن السدس تكملة الثلثين؛ لأن الله جعل للبنات الثلثين، ومعلوم أن بنات الابن يأخذن الثلثين إذا لم يكن غيرهن، فإذا كان كذلك فلا بد للفرع الوارث من الإناث من استكمال الثلثين، وحيث إن القربى أخذت النصف، فالبعيدة التي هي بنت الابن تأخذ السدس تكملة الثلثين، سواء كانت واحدة أو ثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو أكثر. فبنت الابن أو بنتا الابن يشتركن في السدس الذي هو تكملة الثلثين. إذا مات الميت وله بنت وخمس بنات ابن، فالبنت لها النصف لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11] ، والخمس بنات الابن لهن السدس تكملة الثلثين يشتركن فيه.

الأخت لأب

الأخت لأب الرابعة: الأخت لأب فأكثر مع أخت لأبوين. الأخت من الأب مع الأخت الشقيقة مثل بنت الابن مع بنت الصلب سواء، فإذا كان عندك أخت شقيقة، وخمس أخوات من أب أو واحدة، فالشقيقة لها النصف ثلاثة من ستة، والأخت أو الأخوات من الأب لهن السدس تكملة الثلثين؛ لأن الله جعل للأخت النصف وجعل للأختين الثلثين، فالقريبة القوية التي هي الشقيقة تأخذ النصف، والبقية يأخذن السدس تكملة الثلثين؛ مثل بنت الابن مع بنت الصلب.

الواحد من الإخوة لأم

الواحد من الإخوة لأم الخامس: الواحد من ولد الأم. ولد الأم يعم الذكور والإناث، فالواحد يأخذ السدس لقوله تعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:12] ، فالأخ من الأم أو الأخت من الأم سيأخذ السدس، يقول الناظم: وولد الأم ينال السدسا والشرط في إفراده لا ينسى أي: أن يكون واحداً، سواء كان ذكراً أم أنثى.

الأب

الأب السادس: الأب، فيرث السدس مع الولد أو ولد الابن. والولد يعم الذكور والإناث من أولاد الصلب، وولد الابن يعم الذكور والإناث من أولاد الابن، فكلهم يحجبون الأب إلى السدس، لكن إذا كن إناثاً فإنه يأخذ الباقي تعصيباً، مع السدس فيجمع بين الفرض والتعصيب. إذا مات ميت وله أب وبنت فللأب السدس فرضاً وللبنت النصف فرضاً، ويبقى عندنا ثلث يأخذه الأب تعصيباً؛ لأنه أولى رجل ذَكر، فهو صاحب فرض وصاحب تعصيب. كذلك إذا بقي أقل: فلو كان عندك مثلاً زوجة وبنتان وأب، فالزوجة لها الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين، والبنتان لهما الثلثان ستة عشر، والأب له السدس أربعة، ويبقى عندك واحد من أربعة وعشرين يأخذه الأب تعصيباً، فيجمع بين الفرض والتعصيب. فإذا كان الولد ذكوراً، فالتعصيب للولد، وكذلك ولد الابن واحداً كان أو عدداً، فإذا مات ميت عن أبيه وابنه فالسدس للأب وخمسة الأسداس للابن. وكذلك ابن ابن أو ابن ابن ابن وإن نزل، فليس للأب إلا السدس مع الابن أو ابن الابن وإن نزل.

الجد أبو الأب

الجد أبو الأب والجد كذلك ينزل منزلة الأب في أن الابن يحجبه إلى السدس، وكذلك البنت تحجبه، إلا أنه معها يأخذ الباقي تعصيباً، أي أن منزلته منزلة الأب إلا مع الإخوة، يقول الناظم: والجد مثل الأب عند فقده في حوز ما يصيبه ومده إلا إذا كان هناك إخوة لكونهم في القرب وهو أسوه أو أبوان معهما زوج ورث فالأم للثلث مع الجد ترث ثم قال في باب آخر: ونبتدئ الآن بما أردنا في الجد والإخوة إذ وعدنا

شرح أخصر المختصرات [53]

شرح أخصر المختصرات [53] تعتبر مسائل الجد والإخوة في علم الفرائض من المسائل المختلف فيها، وعلى القول بتوريث الإخوة مع الجد فلذلك حالات: فإما أن يكون معهم صاحب فرض أو لا، وإما أن يكون الإخوة أشقاء فقط أو مع الإخوة لأب، وهذه الحالات لابد أن يختار للجد فيها ما هو أحظ له من الميراث، لكنه على كل حال لا ينقص عن السدس كاملاً أو عائلاً، ولو سقط الإخوة. ومما ينبغي معرفته من علم الفرائض: باب الحجب؛ إذ به ينضبط للطالب مراتب الورثة، وكيفية تقديم بعضهم على بعض في الإرث، ومتى يأخذ صاحب الفرضين أوفاهما، ومتى ينتقل الوارث من الحال الأوفر إلى الأقل وعكسه، ومتى يرث ومتى يسقطه غيره، ومالم ينضبط هذا الباب عند الطالب فلا يعد فرضيّاً، ولا يحق له الكلام في الفرائض.

ميراث الجد والإخوة

ميراث الجد والإخوة ذكر المصنف تقسيم المال بين الجد والإخوة، وننبه إلى أن مسألة الجد والإخوة من المسائل الحرجة التي وقع فيها خلاف كبير بين العلماء المتقدمين من عهد عمر رضي الله عنه، فأفتى فيها أبو بكر بأن الجد يحجب الإخوة وأنه كالأب، وهذا هو الراجح الذي عليه الفتوى. وذهب آخرون إلى أن الجد لا يسقط الإخوة لكونهم في القرب وهو أسوة يعني أنهم متساوون، فالإخوة يقولون: نحن ندلي بالأب، والجد يقول: أنا أدلي بالأب، أي: أنا واسطتي أبوه، فهم يقولون: نحن أبناء أبيه، وهو يقول: أنا أبو أبيه، فجعلوهم أسوة مع الجد، فورَّثوهم معه، سواء كانوا إخوة أشقاء أو إخوة من الأب، فيجعلون الجد كواحد منهم إلا إذا كانت المقاسمة تنقِّصه، فإذا لم يكن معهم صاحب فرض فإنه يقال: أنت بالخيار: إما أن تأخذ ثلث المال أو تقاسم الإخوة، فيختار الأحظ له، فإن كان الإخوة أقل من مثليه فالمقاسمة أحظ له، وإن كان الإخوة مثليه استوى له المقاسمة وثلث المال، وإن كان الإخوة أكثر من مثليه فالمقاسمة تنقِّصه فيأخذ ثلث المال. يقول المؤلف رحمه الله: [فصلٌ والجد مع الإخوة والأخوات لأبوين أو لأب كأحدهم: فإن لم يكن معه صاحب فرض فله خير أمرين: المقاسمة أو ثلث جميع المال. وإن كان فله خير ثلاثة أمور: المقاسمة، أو ثلث الباقي بعد صاحب الفرض، أو سدس جميع المال، فإن لم يبق غيره أخذه وسقطوا إلا في الأكدرية. وهي: زوج، وأم، وجد، وأخت لأبوين أو لأب، فللزوج نصف، وللأم ثلث، وللجد سدس، وللأخت نصف، فتعول إلى تسعة، ثم يقسم نصيب الجد والأخت بينهما، وهو أربعة على ثلاثة فتصح من سبعة وعشرين، ولا يعول في مسائل الجد ولا يفرض لأخت معه ابتداءً إلا فيها. وإذا كان مع الشقيق ولد أب عده على الجد ثم أخذ ما حصل له. وتأخذ أنثى لأبوين تمام فرضها والبقية لولد الأب. فصلٌ حجب الحرمان لا يدخل على الزوجين والأبوين والولد، ويسقط الجد بالأب، وكل جد وابن أبعد بأقرب، وكل جدة بأم، والقربى منهن تحجب البعدى مطلقاً، لا أبٌ أمّه أو أمّ أبيه. ولا يرث إلا ثلاث، أم أم، وأم أب، وأم أبي أب وإن علون أمومة. ولذات قرابتين مع ذات قرابة ثلثا السدس. ويسقط ولد الأبوين بابن وإن نزل، وأب، وولد الأب بهؤلاء وأخ لأبوين، وابن أخ بهؤلاء وجدٍّ، وولدُ الأم بولدٍ وولدِ ابنٍ وإن نزل، وأبٍ وأبيه وإن علا. ومن لا يرث لمانع فيه لا يحجب. ] .

ما يأخذ الجد مع الإخوة إذا لم يكن معهم صاحب فرض

ما يأخذ الجد مع الإخوة إذا لم يكن معهم صاحب فرض كما ذكرنا فإن مسائل الجد والإخوة من أكثر المسائل غموضاً، حيث لم يرد فيها حديث مرفوع، واختلف فيها الصحابة اختلافاً كثيراً، فأفتى أبو بكر رضي الله عنه بأن الجد كالأب يُسقط الإخوة، وأما عمر فاختلف رأيه: فتارةً يسقط الإخوة بالجد، وتارةً يورِّثهم، وتارة يتوقّف ويكره الفتيا في هذه المسألة. ولكنها وقعت له، فوقع أنه مات أحد أبنائه وله ذرّية، ثم مات أحد أولئك الذرية وله إخوة وجد، وهو عمر نفسه، فلم يكن بد من أن يفتي فيها، فاختار أن الجد لا يسقط الإخوة بل يقاسمهم ولكن له طريقة وهي التي ذكرت هنا. فالفتوى الآن على أن الجد يسقط الإخوة وأنه كالأب، وقد نصر ذلك ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين بنحو عشرين وجهاً، فدل على أن الجد يُسقط الإخوة وأنه كالأب، فمن أرادها طالعها. وإذا قيل: إن الجد لا يُسقطهم فإنهم ينظرون ما هو الأحظ له، وذلك لأنه أقوى من الإخوة، فلما كان كذلك جعلوه أفضل منهم. والإخوة الذين يقاسمهم الجد هم الأشقاء أو لأب، وذلك لأنهم جميعاً يدلون بالأب وهو يدلي بالأب، فإذا كان معه إخوة فإنه يكون كأحدهم، فإذا كان في المسألة جد وأخ فإن المال يقسم نصفين، وإذا كان فيها جد وأخت فإن الجد كأخ، فللأخت سهم وله سهمان كما لو كان أخاها، وجد وأختان له سهمان ولهما سهمان لكل واحدة سهم. فإذا لم يكن معهم أصحاب فروض فإن له خير الأمرين: المقاسمة أو ثلث المال. فالمقاسمة أن يقتسم المال مع الإخوة على عدد الرءوس. وتكون المقاسمة خيراً له من ثلث المال إذا كان الإخوة أقل من مثليه، وذلك إذا كانوا مثله مرة ونصف مرة أو مثله مرة، أو نصف مثله، وتنحصر في خمس صور: جد وأخت؛ الأخت نصفه. جد وأختان؛ الأختان مثله. جد وأخ؛ الأخ مثله. جد وأخ وأخت؛ الأخ والأخت مثله مرة ونصف مرة. جد وثلاث أخوات؛ الثلاث الأخوات مثله مرة ونصف مرة. ففي هذه الحالات تكون المقاسمة خيراً له، فإنه إذا كانت مع الجد أخت واحدة يأخذ الثلثين، وإذا كان معه أختان أو أخ يأخذ النصف، وإذا كان معه أخ وأخت أو ثلاث أخوات يأخذ الخمسين، وهو أكثر من الثلث. الحالة الثانية: أن يستوي له المقاسمة وثلث المال، وتنحصر في ثلاث صور، وضابطها أن يكون الإخوة مثليه، أي: مثله مرتين، وصورها ثلاث: جد وأَخَوَان لكل واحد سهم، جد وأخ وأختان؛ الأختان سهم والأخ سهم والجد سهم، جد وأربع أخَوات؛ الجد سهم وأختان سهم وأختان سهم، ففي هذه الحالات تستوي له المقاسمة وثلث المال. أما إذا كان الإخوة خمسة، أو أخوين وأختاً، أو ثلاثة أخوة، أو خمس أخوات، ففي هذه الحالات يكون الإخوة أكثر من مثليه، فإذا كانوا أَخَوين وأختاً، فهم مثله مرتين ونصفاً، وكذلك أخ وثلاث أخوات مثله مرتين ونصف مرة، أو خمس أخوات فهن مثله مرتين ونصف مرة، ففي هذه الحالات لو قاسمهم ما حصل له إلا سبعان، أي: سهمان من سبعة وهذا أقل من الثلث، ففي هذه الحال يأخذ ثلث المال؛ لأنهم أكثر من مثليه. هذا معنى قوله: (إذا لم يكن معه صاحب فرض فإنه يخيَّر بين أمرين المقاسمة أو ثلث جميع المال) .

ما يأخذه الجد مع الإخوة إذا كان معهم صاحب فرض

ما يأخذه الجد مع الإخوة إذا كان معهم صاحب فرض فإن كان معه صاحب فرض، ففي هذه الحال نعطي صاحب الفرض فرضه ثم ننظر في الباقي، فنقول: له ثلاث حالات: إما المقاسمة، وإما ثلث الباقي، وإما سدس جميع المال. فمثلاً: إذا كان يوجد معه جدة أو أم أو زوج أو زوجة أو بنت ففي هذه الحال ننظر في الباقي. فإذا كان معه جدة، فإن الجدة تأخذ السدس، فإذا كان عندنا جد وأخت وجدة بقي عندنا خمسة أسداس بعد الجدة، فالأحَظُّ للجد المقاسمة، لأنه يأخذ من الخمسة الباقية ثلثيها، وتأخذ الأخت ثلثها، وتصح المسألة من ثمانية عشر، نعطي الجدة منها ثلاثة، بقي عندنا خمسة عشر، فالأخت تأخذ خمسة من ثمانية عشر، والجد يأخذ عشرة من ثمانية عشر فهي أكثر من النصف، فالمقاسمة أحظ له. أما لو كان معنا زوج وأخت وجد، ففي هذه الحال يأخذ الزوج النصف، ويبقى معنا ثلاثة من ستة فننظر فإذا الزوج أخذ النصف والباقي نصف وهو ثلاثة من ستة، ومعنا جد وأخت، فنظرنا وإذا هم ثلاثة: الجد عن اثنين والأخت عن واحد، فيكون الأحظ للجد في هذه الحال المقاسمة أيضاً، لأنها خير من السدس وخير من ثلث الباقي، وللأخت ثلث الباقي. أما إذا كثر أصحاب الفروض، كما إذا كان عندنا مثلاً زوج وأم وجد وإخوة، ففي هذه الحال للزوج النصف، والأم لها السدس، ويبقى سدسان للجد والإخوة، فلو قاسمهم لنقص عن السدس، فنقول يأخذ السدس كاملاً والسدس الباقي للإخوة يقتسمونه ولو كانوا عشرة. فإذا لم يبق بعد الفروض إلا السدس أخذه، مثال ذلك: إذا كان عندنا زوج وبنتان وجد وإخوة، الزوج له الربع ثلاثة، والبنتان لهما الثلثان ثمانية، هذه أحد عشر، وبقي عندنا واحد من اثني عشر، فنعطي الجد السدس وتعول المسألة، ويسقط الإخوة ولو كانوا عشرة؛ لأن الجد لا يسقط ولا ينقص عن السدس كاملاً أو عائلاً. فيقول: (إن كان) أي معه (صاحب فرض، فله خير ثلاثة أمور: المقاسمة، أو ثلث الباقي بعد صاحب الفرض، أو سدس جميع المال) . عرفنا مثلاً أن المقاسمة أحظ له فيما إذا كان الباقي من المال أكثر من النصف، ومثَّلنا بما إذا كان عندنا جدة لها السدس والباقي خمسة أسداس، فإذا كان عندنا مثلاً جد وأخ فيكون للجد سدسان ونصف، وللأخ سدسان ونصف، أي: فله ثلث ونصف السدس، فيكون أكثر من ثلث المال، وهو أكثر وأحظ من ثلث الباقي. وأما إذا كان عندنا مثلاً زوجة وأَخَوَان وجد، فالزوجة لها الربع، وبقي عندنا أَخَوان وجد، وبقي معنا ثلاثة أرباع، إذا قاسمهم أخذ سهماً وأخذ الأخوان سهمين، فتكون المقاسمة أحظ له من سدس المال، وإذا قلنا له ثلث الباقي فالباقي بعد فرض الزوجة ثلاثة، ففي هذه الحالة يستوي له المقاسمة وثلث الباقي. فأما إذا كان عندنا بنتان وأم وجد وإخوة، فالبنتان لهما الثلثان أربعة من ستة، والأم لها السدس واحد من ستة، وبقي عندنا سدس يأخذه الجد ويسقط الإخوة، وهذا هو معنى قوله: (فإن لم يبق غيره أخذه وسقطوا) أي: يسقط الإخوة.

المسألة الأكدرية

المسألة الأكدرية إلا في مسألة اسمها الأكدرية فإنه في هذه المسألة ترث الأخت ويفرض لها، ويقول الناظم: والأخت لا فرض مع الجد لها فيما عدا مسألة كمّلها زوج وأم وهما تمامها فافهم فخير أمة علامها تعرف يا صاح بالاكدريه وهي بأن تعرفها حريه فيفرض النصف لها والسدس له حتى تعول بالفروض المجملة ثم يعودان إلى المقاسمه كما مضى فاحفظه واشكر ناظمه فهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب، المتَّبع أن الزوج له النصف ثلاثة، وأن الأم لها الثلث لعدم الجمع من الإخوة، وأن الجد له السدس الباقي، وأن الأخت تسقط. ولكن في هذه الحال جعلوا لها فرضاً، وذلك حتى يزيد نصيب الجد، فأعطوها النصف كالعادة أن الأخت ترث النصف، وأن الأختين ترثان الثلثين، إذا لم يكن هناك أب، وأن الجد مثل أحدهم. ولكن في هذه المسألة فرضوا للأخت فأعطوا الأخت النصف ثلاثة، والزوج النصف ثلاثة، والجد السدس، والأم الثلث، فعالت المسألة إلى تسعة، ثم نجمع نصيب الأخت مع نصيب الجد ونقسمه بينهما، فالأخت لها ثلاثة من التسعة والجد له واحد، وهو يقول: أنا وأنتِ على حد سواء فلماذا لا نتقاسم فنجمع سهامنا الأربعة ونقسمها بيننا: لي سهمان ولك سهم، والأربعة لا تنقسم على الثلاثة، فنأخذ رءوسهم، وهم ثلاثة؛ لأن الجد عن اثنين وهي عن واحد، فنضرب ثلاثة في أصل المسألة مع عولها، أي: في تسعة، فتصح إذا ضربت ثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين، فتنقسم فتعطي الزوج ثلاثة مضروبة في ثلاثة بتسعة، وتعطي الأم اثنين مضروباً في ثلاثة بستة، ويبقى عندك سهامهم أربعة مضروبة في ثلاثة باثني عشر يقتسمونها، فللأخت أربعة وله ثمانية. وربما: يلغِز بعضهم فيقول: ها هنا أربعة، أخذ أحدهم ثلث المال، وأخذ الثاني ثلث ما بقي، وأخذ الثالث ثلث الباقي، وأخذ الرابع الباقي. وذلك أن الزوج أخذ تسعة، وهي ثلث الجميع، أي: ثلث سبعة وعشرين، بقي ثمانية عشر سهماً أخذت الأم منها ستة، وهي ثلث الثمانية عشر، بقي اثنا عشر، للأخت منها أربعة، وهي ثلث الاثني عشر، فهذه مسألة الأكدرية. ولا يعول في مسائل الجد إلا هذه المسألة، ولا يفرض للأخت معه ابتداءً، إلا في هذه المسألة.

مسائل المعادة

مسائل المعادة بعد ذلك ذكر أن الشقيق يَعُد ولد الأب على الجد ثم يأخذ ما بيده، لأنه يحجبه، وذلك لأن الأخ من أبوين أقوى من الأخ من أب فلأجل ذلك يحجبه. وصورة المعادة: أن إذا كان معنا جد وأخ شقيق وأخ من أب فالجد ليس له دخل في أمهم يقول: أنتم سواء بالنسبة لي لأنكم تدلون بالأب، فالإخوة الأشقاء يزاحمون الجد، والإخوة من الأب يزاحمون الجد ويأخذون معه، فلو لم يكن معنا إلا إخوة من الأب لزاحموه وقاسموه، فإذا كان معنا أخ شقيق وأخ من أب فإن الأخ من الأب ينضم إلى الشقيق فيقولان: نحن الآن مثلك مرتين فلك الثلث ولنا الثلثان. فإذا أخذا الثلثين فإن الأخ الشقيق يقول للأخ لأب: لو لم يكن إلا أنا وأنت هل ترث؟ لا ترث، لأني أقوى منك. فيأخذ نصيب الأخ من الأب، فهو يعده على الجد، ثم يأخذ نصيبه لأنه ليس وارثاً معه، أي: يعده على الجد ثم يأخذ ما حصل له. متى يستعمل المعادّة؟ إذا كان الأشقاء أقل من مثلي الجد؛ فإنهم لو كانوا أقل من مثلي الجد فإنهم يعدون الإخوة لأب على الجد، ثم بعد ذلك يأخذون ما بيد الإخوة من الأب، ويقولون: ليس لكم شيء نحن أقوى منكم. إذا كان الإخوة من الأبوين: أختاً واحدة شقيقة ومعها إخوة من الأب، فإن الشقيقة تقول لهم: هلموا معي حتى نزاحم الجد وحتى نعطيه الثلث، فتأخذ معها أخت وأخ من الأب، فبذلك يكونون مثل الجد مرتين: أختين واحدة شقيقة وواحدة من الأب، وأخاً من الأب، فيكونون مثلي الجد، فيأخذون الثلثين ويأخذ الجد الثلث. في هذه الحال تقول لهم الأخت الشقيقة: أنا أقوى منكم، فإنه لو لم يكن إلا أنا وأنتم لأخذت النصف كاملاً، فالآن آخذ ميراثي كاملاً وهو النصف وما بقي فلكم، ففي هذه الحال تأخذ نصف المال، فننظر وإذا مخرج النصف من اثنين، والمسألة من ثلاثة، فإذا ضربنا اثنين في ثلاثة بستة، قلنا: للجد اثنان، وللأخت ثلاثة، وللأخ والأخت من الأب واحد من ستة؛ لأن الأخت أخذت نصفها كاملاً وما بقي فللأخ من الأب والأخت من الأب الذين كملوا الأخت الشقيقة حتى صاروا مثل الجد مرتين، فتأخذ الأنثى لأبوين تمام فرضها وهو النصف، والباقي لولد الأب. العادة أنه لا يبقى لولد الأب إلا سدس، إذا كانت الأخت واحدة وأولاد الأب عشرة فإنها تعدهم على الجد وتقول: يا جد لك ثلث المال لأننا أكثر من مثليك، فلك ثلث المال ولنا الثلثان. وإذا أخذوا الثلثين قالت للإخوة من الأب: لو لم يكن إلا أنا وأنتم لكان نصيبي النصف وباقي المال لكم، والآن أنا آخذ نصيبي كاملاً وهو نصف التركة، ويبقى الباقي لكم فاقتسموه بينكم. هذا على وجه الاختصار، ومن أراد التوسع فليقرأ في المؤلفات التي فيها الأمثلة بكثرة.

مسائل الحجب

مسائل الحجب ننتقل إلى الفصل الذي بعده، ويتعلق بالحجب، فذكر أن حجب الحرمان لا يدخل على الزوج والأبوين والولد، وذكر أن الحجب ينقسم إلى قسمين: حجب حرمان وحجب نقصان. فالحجب مطلقاً تعريفه أنه: منع من قام به سبب الإرث من إرثه بالكلية أو من أوفر حظيه. فإذا مُنِع من إرثه بالكلية سميناه حجب حرمان، وإذا مُنِع من أوفر حظيه سميناه حجب نقصان. ثم حجب الحرمان ينقسم إلى قسمين: حجب أوصاف، وحجب أشخاص. حجب الأوصاف: هو موانع الإرث التي تقدمت: (رقٌ وقتل واختلاف دين) ، فمن قام به مانع منها فهو محجوب بصفة. وأما حجب الأشخاص: فهو الذي يكون محجوباً بمن هو أقرب منه، أي: فهناك شخص أقرب منه أو أقوى منه فيحجبه ويُسقِطه. ثم حجب النقصان: هو حجبه من أوفر حظيه. إذا كان له حظان أحدهما واف والآخر ناقص، فإذا حُجِب من الوافي فهذا حجب نقصان، ويدخل حجب النقصان على جميع الورثة.

أقسام الورثة بالنسبة لحجب الحرمان

أقسام الورثة بالنسبة لحجب الحرمان وينقسم الورثة بالنسبة إلى حجب الحرمان إلى أربعة أقسام: قسم يحجبون ويُحجَبون، وقسم يحجبون ولا يُحجَبون، وقسم لا يحجبون ولا يُحجَبون، وقسم يُحجَبون ولا يَحجبون. فالذين لا يحجبون ولا يحجبون الزوجان، فلا يحجبان أحداً حجب حرمان ولا يحجبهم أحد. والذين يُحجَبون ولا يحجبون هم الإخوة من الأم، يحجبهم الولد والأب والجد، ولا يحجبون أحداً حجب حرمان. والذين يحجبون غيرهم ولا يحجبهم أحد هم الأولاد: الأبناء والبنات، هؤلاء لا يحجبهم أحد ولا يسقطهم أحد. بقية الورثة كالإخوة وبنيهم وبني البنين والأخوات والأعمام يحجبون ويُحجَبون.

أقسام الورثة بالنسبة لحجب النقصان

أقسام الورثة بالنسبة لحجب النقصان أما حجب النقصان فذكروا أنه سبعة أنواع: أربع انتقالات، وثلاث ازدحامات: الأول: انتقال من فرض إلى فرض أقل منه. الثاني: انتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه. الثالث: انتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه. الرابع: انتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه. نذكر لكل واحد مثالاً حتى لا يطول: فالأم لها فرضان الثلث والسدس، فإذا انتقلت من الثلث إلى السدس فهذا انتقال من فرض إلى فرض أقل منه، أعني إذا كان هناك ولد -مثلاً- منعها من الثلث إلى السدس. والزوج له فرضان النصف والربع، فإذا انتقل من النصف إلى الربع، فقد انتقل من فرض إلى فرض أقل منه، فيسمى هذا حجب نقصان. وأما الانتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه، فمثاله البنت، إذا كانت وحدها ففرضها النصف، فإذا كان معها أخوها انتقلت إلى التعصيب ولم يحصل لها إلا الثلث، فانتقلت من فرض النصف إلى تعصيب الثلث، وقد يكون أقل من الثلث إذا كان إخوتها اثنين أو أكثر، وهذا انتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه. وأما الانتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه، فمثاله الأب، إذا كان وحده أخذ المال كله تعصيباً، فإذا كان معه ابن نقله من التعصيب إلى فرض وهو السدس، فلا يصير له إلا السدس، فانتقل من تعصيب يأخذ به المال كله إلى فرض ليس له فيه إلا السدس. وأما الانتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه، فمثاله: الأخت مع أخيها تأخذ الثلث تعصيباً بالغير، فإذا كان هناك بنتان وأم وليس معها أخ فإنها بدل ما تأخذ الثلث مع أخيها لا يحصل لها إلا السدس تعصيباً، لكن تعصيبها مع أخيها تعصيب بالغير، وتعصيبها مع البنتين تعصيب مع الغير، فانتقلت من تعصيب إلى تعصيب أقل منه.

من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة

من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة وقد ذكر المصنف هنا أن الزوجين والأبوين والولد لا يحجبون حجب حرمان، فالزوج لابد أن يرث، وكذلك الزوجة، والأم ترث ولا أحد يسقطها، ولا بد أن الأب يرث ولا أحد يسقطه، وكذلك البنت ترث ولا أحد يسقطها، وكذلك الابن، فهؤلاء لا يسقطهم أحد. وأما الجد فإنه يسقط بالأب، ولا يسقطه إلا الأب، لماذا؟ لأنه واسطته، ومن قواعدهم: من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة. واستثنوا من ذلك ما تقدم، وهو أولاد الأم يدلون بالأم ويرثون معها، فيرثون مع من أدلوا به، وأما الجد فإنه يدلي بالأب فيسقطه الأب، وكل من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة، وكل جد يسقط بمن هو أقرب منه، فإذا كان عندنا جد الميت وجد أبيه فإن الإرث لجده ويسقُط جد أبيه لأنه أبعد، وكل أبعد يسقط بالأقرب. كذلك الابن يُسقِط ابن الابن ولو لم يكن مدلياً به، فإذا مات ميت وله ابن موجود وابن قد مات وترك ابناً، فإن الابن الموجود يُسقِط ابن أخيه ويقول له: أنا في الدرجة الأولى وأنت في الدرجة الثانية، أنا ابن وأنت ابن ابن، فالذي في الدرجة الأولى أقرب، فكل قريب يُسقِط من هو أبعد منه. وفي هذه الحال ذكروا أنه يستحب للأب أن يوصي لأولاد ابنه إذا مات ابنه قبله، فيوصي لهم جدهم فلا يُحرمون، ولكن لا يكون ذلك واجباً.

ميراث الجدات وحجبهن

ميراث الجدات وحجبهن يقول: (وكل جدة بأم) الجدات يرثن ولكن تسقطهن الأم؛ لأن الأم هي التي باشرت الولادة، والجدات يرثن بالأمومة والأم هي المباشرة، فتُسقِط الجدةَ أم الأم وأمها وإن بعدت، وتسقط القربى بمن هو أبعد منها، فالقربى تحجب البعدى مطلقاً، يقول الناظم: وتسقط البعدى بذات القرب في المذهب الأولى فقل لي حسبي فإذا كان عندنا جدة وأم جدة فإن الجدة القريبة تسقط أمها، وكذلك إذا كان عندنا أم أم وأم أم أم فإن أم الأم تسقط أم أم الأم البعيدة. يستثنى من ذلك أن الجدة أم الأب ترث مع ابنها، فلا يُسقط الأبُ أمَّه ولا أمَّ أبيه، بل ترث معه، فهذه تستثنى من القاعدة التي تقول: من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة، فأم الأب ترث مع الأب ولو كان هو واسطتها، لماذا؟ لأنها ترث بالأمومة أي: ترث بالولادة فهي أم، ووسيلتها الولادة، وإذا كان كذلك فإنه لا يسقطها إلا الأم، وأما ولدها فلا يسقطها، فالأب لا يُسقط أمَّه، ولا يُسقط أمَّ أبيه التي هي جدة وارثة. ولا يرث من الجدات إلا ثلاث: أم الأم وأم الأب وأم الجد أب الأب وإن علون أمومة، معنا أم أم أم أم ولو كانت في الدرجة الرابعة أو الخامسة وليس هناك أقرب منها، فهذه واحدة من قبل الأم. الثانية: من قبل الأب: أم أم أب أو أم أم أم أب في الدرجة الرابعة. الثالثة: من قبل الجد، أم أب أب، أو أم أم أب أب وإن علت، إذا كانت من جهة الجد أب الأب. فهؤلاء الجدات الثلاث، القريبة منهن في سلسلة واحدة تسقط البعيدة، وإذا اجتمعن: وإن تساوى نسب الجدات وكن كلهن وارثات فالسدس بينهن بالسوية في القسمة العادلة الشرعية فلو كان هناك أم أم أم في الدرجة الثالثة، وأم أم أب، وأم أب أب، فإذا استوين في هذا اقتسمن السدس، فيكون السدس بينهن بالسوية. ثم ذكروا أن من أدلت بقرابتين مع ذات قرابة واحدة أخذت ثلثي السدس، فلو أن إنساناً تزوج بنت عمّته، وولد له ولد، فجدة الزوج تقول لولدهما: أنا جدتك أم أم أمك وأنا جدتك أيضاً أم أب أبيك؛ لأنه يتزوج بنت عمته فعمته أخت أبيه من الأم أو من الأب، فعمته هي بنت جدته وأبوه ابن جدته نفسها، فالجدة أم لأبيه ولعمته، والولد تكون الجدة جدته من جهتين، فإذا كان له جدة أخرى وهي أم أم أبيه فإنها ترث ثلث السدس، وهذه الجدة ترث ثلثي السدس لأنها أدلت بقرابتين.

كيفية التقديم بين العصبات

كيفية التقديم بين العصبات يقول: (ويسقط ولد الأبوين، يعني الأخ، بالابن وإن نزل والأب) يقول الناظم: وتسقط الإخوة بالبنينا وبالأب الأدنى كما روينا ولد الأبوين ذكوراً وإناثاً: الإخوة والأخوات، يُسقِطهم الابن ويُسقِطهم الأب، فولد الأبوين وهم الأشقاء، يسقُطون بالأبناء وبالأب الأدنى. ويسقط الأخ من الأب بهؤلاء: أي يسقط بالابن وابن الابن والأب، ويسقط بالأخ الشقيق. ويسقط ابن الأخ بهؤلاء: ابن الأخ يسقط بالابن وابن الابن والأب وبالأخ من الأب، ويسقط بالجد. ويسقط ولد الأم بستة: الإخوة من الأم يسقطون بالولد، أي الابن والبنت، ويسقط بابن الابن وبنت الابن، ويسقط بالأب وبالجد. الطريقة في هذا، ذكروا بعض القواعد في الإسقاط فقالوا: إن من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة، وأن القريب يسقط بالبعيد ولو لم يكن مدلياً به، وأن الإخوة يسقطون بالأب لأنه واسطتهم، ويسقطون بالابن وذلك لأن الله ما ورّث الإخوة إلا إذا كانت المسألة كلالة، لقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:176] ، فجعل ميراثهم فيما إذا كانت المسألة كلالة، والكلالة: من ليس له ولد ولا والد، أي: من ليس له أب ولا ابن، ولا ابن ابن ولا أب أب، فالإخوة يَسقطون بمن هو أقوى منهم ومن هو أقرب منهم. وهناك بيت ذكره الشيخ ابن باز رحمه الله في الفوائد، نقله عن الجعبري في منظومته يقول فيه: فبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا ومعنى ذلك أنه يُقدم بالجهة، ثم بعد ذلك بالقرب، ثم بعد ذلك بالقوة: فالجهة مثلاً: جهة البنوة أقوى من جهة الأبوة فيُقدم بجهة البنوة. ثم جهة البنوة فيها أيضاً قرب، فإن البنوة يدخل فيها الابن وابن الابن وابن ابن الابن ولو بعُد. فيقول: (ثم بقربه) أي: ثم تقدم بالقرب، فإذا كان الوارثان في جهة، ولكن أحدهما أقرب من الآخر قدّمته بقربه، فعندك الأخ يُسقط ابن الأخ، وابن الأخ يُسقط ابن ابن الأخ وإن بعُد بسبب القرب. وكذلك العم يسقط ابن العم، وذلك لقربه. وأما القوة فتكون في الإخوة والأعمام، فإذا كان أخوان أحدهما لأب والآخر لأبوين، فكلاهما بالقرب والجهة سواء، لكن أحدهما أقوى، فالشقيق أقوى من الأخ لأب، ففي هذه الحال يُقدم الشقيق، هذا هو التقديم بالقوة. وكذلك العم، يكون عماً شقيقاً وعماً لأب، فالعم الشقيق أقوى فيحجب العم لأب ويسقطه. فعرفنا أن القرب يكون في الجهات، فالابن يسقط ابن الابن، وابن الابن يسقط ابن ابن الابن وهكذا، والأب يسقط الجد، والجد يسقط جد الأب وهكذا، والأخ يسقط ابن الأخ، وابن الأخ يسقط ابن ابن الأخ، والعم يسقط ابن العم، وابن العم يسقط ابن ابن العم وما أشبهه. وكذلك أيضاً القوة.

حكم حجب من لا يرث لمانع غيره

حكم حجب من لا يرث لمانعٍ غيره ثم يقول: (من لا يرث لمانع فيه لا يحجب) ، أي: إذا كان محجوباً بمانع فإنه لا يَحجب غيره، مثاله الموانع الثلاثة: رق وقتل واختلاف دين، فمثل هؤلاء لا يحجبون، فإذا كان رقيقاً ولأبيه زوجة ومات، فإن زوجته تأخذ الربع ولا يحجبها ابنه إلى الثمن؛ لأنه لا يرث ولا يورث.

شرح أخصر المختصرات [54]

شرح أخصر المختصرات [54] مما يتعلق بعلم الفرائض: معرفة أحوال الورثة، فالورثة إما ذوو فرض أو عصبة، فالعاصب يرث المال إذا انفرد، ويأخذ الباقي بعد الفروض، فإن لم يبق شيء سقط، وهم إما عصبة بالنفس أو بالغير أو مع الغير، ولهم أحوال مختلفة، وبعضهم قد ينتقل من الفرض إلى التعصيب، وقد فصل العلماء ميراث العصبات، وحالاتهم، وكيفية التقديم بينهم إذا اجتمعوا. ومما يتعلق بالمواريث: معرفة أصول المسائل، فهو علم متعلق بالحساب، ويحتاج إليه في معرفة أصول المسائل، وما يعول منها وما لا يعول، وكيفية العمل في الرد والعول، ومعرفة قسمة التركات بالطرق المختلفة، حتى يعطى كل وارث حقه الذي أعطاه الله تعالى.

ذكر العصبة بالنفس وإرثهم

ذكر العصبة بالنفس وإرثهم يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: والعصبة يأخذ ما أبقت الفروض، وإن لم يبق شيء سقط مطلقاً، وإن انفرد أخذ جميع المال، لكن للجد والأب ثلاث حالات: فيرثان بالتعصيب فقط مع عدم الولد وولد الابن، وبالفرض فقط مع ذكوريته، وبالفرض والتعصيب مع أنوثيته. وأخت فأكثر مع بنت أو بنت ابن فأكثر يرثن ما فضل. والابن وابنه والأخ لأبوين أو لأب يعصبون أخواتهم، فلذكر مثلا ما لأنثى، ومتى كان العاصب عماً أو ابنه أو ابن أخ انفرد بالإرث دون أخواته، وإن عدمت عصبة النسب ورث المولى المعتِق مطلقاً، ثم عصبته الذكور، والأقرب فالأقرب كالنسب. فصل: أصول المسائل سبعة: أربعة لا تعول، وهي ما فيها فرض أو فرضان من نوع، فنصفان أو نصف والبقية من اثنين، وثلثان أو ثلث والبقية من ثلاثة، وربع والبقية أو مع النصف من أربعة، وثمن والبقية أو مع النصف من ثمانية] .

تعداد العصبات بالنفس

تعداد العصبات بالنفس العصبة: هي الإرث بلا تقدير، وقد ذكروا أنهم ثلاثة أقسام: 1- عصبة بالنفس. 2- عصبة بالغير. 3- عصبة مع الغير. فالعصبة بالنفس كلهم ذكور، وهم: الأب والجد وإن علا، والابن وابن الابن وإن نزل، والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب، والعم الشقيق، والعم لأب، وابن العم الشقيق، وابن العم لأب، والمعتق والمعتقة، هؤلاء هم العصبة بالنفس، فكلهم ذكور إلا المعتقة، يقول الناظم: وليس في النساء طراً عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة فالعصبة: هم الذين يرثون بلا تقدير. وذكر أن للعاصب ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يأخذ ما أبقت الفروض قليلاً أو كثيراً. والحالة الثانية: أن يسقط إذا استغرقت الفروض التركة. والحالة الثالثة: أن يأخذ جميع المال إذا انفرد. هذه حالات المعصب: إذا انفرد حاز المال، وإن بقي شيء بعد أهل الفروض أخذه، وإن استغرقت الفروض التركة سقط.

أمثلة على أخذ العصبة للمال كله

أمثلة على أخذ العصبة للمال كله فمثاله الأب: إذا لم يكن معه غيره أخذ المال كله، وكذلك الابن إذا انفرد أخذ المال كله، وكذلك ابن الابن، والجد، والأخ، وابنه، والعم، وابنه؛ فمن انفرد منهم ولم يزاحمه أحد أخذ المال كله.

أمثلة على أخذ العصبة ما أبقت الفروض

أمثلة على أخذ العصبة ما أبقت الفروض وإذا بقي شيء بعد أهل الفروض أخذه، فإذا ماتت امرأة عن زوج وبنت وابن ابن، فعندنا الزوج له فرض الربع لوجود الفرع الوارث، والبنت لها فرض النصف، فتأخذ البنت اثنين من أربعة، والزوج واحد من أربعة، ويبقى الربع يأخذه ابن الابن تعصيباً، فهو أخذ ما بقي بعد أهل الفروض. ولو بقي قليل فإنه يأخذه، فلو كان عندنا بنتان وأم وزوجة وأخت شقيقة، أو ابن ابن، أو أخ شقيق، أليس البنتان لهما الثلثان ستة عشر من أربعة وعشرين؟ أليس الأم لها السدس أربعة من أربعة وعشرين؟ هذه عشرون، أليس الزوجة لها الثمن ثلاثة من الأربعة والعشرين؟ هذه ثلاثة وعشرون، بقي سهم واحد: ثلث الثمن، يأخذه ابن الابن مثلاً؛ لأنه المعصب، فيأخذه المعصب، سواء كان ابن الابن، أو الأخ الشقيق، أو الأخ لأب، أو العم الشقيق، أو العم لأب، أو ابن أحدهما، فيأخذه، مع أنه ما بقي إلا ثلث الثمن، فهذا بيان أنه إذا أبقت الفروض شيئاً أخذه المعصب قليلاً كان أو كثيراً. فإذا كان عندنا ابن وزوجة، هل الابن يرث بالفرض أو بالتعصيب؟ الابن يرث بالتعصيب، ولا يرث بالفرض، ولكن يحجب الزوجة إلى الثمن، فللزوجة الثمن، والباقي للابن سبعة أثمان، والابن أخذ ما بقي، فإن كان معنا زوج وأبوان وابن، فالزوج له الربع، والأبوان لكل واحد منهما السدس، والابن له الباقي، فنعطي الأبوين أربعة من اثني عشر، والزوج ثلاثة من اثني عشر، فهذه سبعة، يبقى خمسة يأخذها الابن، أي أنه ما بقي له إلا أقل من النصف، فهو يأخذ ما بقي. وكذلك إذا كان عندك بنت، وزوج، وأم، وعم، في هذه الحال: البنت لها النصف ستة، والزوج له الربع ثلاثة من اثني عشر، والأم لها السدس اثنان من اثني عشر، بقي نصف السدس يأخذه العم تعصيباً، فهو المعصب، فيأخذ ما أبقت الفروض قليلاً كان أو كثيراً.

أمثلة سقوط العصبة لاستغراق الفروض

أمثلة سقوط العصبة لاستغراق الفروض وإن استغرقت الفروض التركة سقط، فهذه حالة من حالاته، إلا الابن والأب فلا يسقطان، وذلك لأن الابن يحجب أهل الفروض الكثيرة: فيحجب الأخوات، وكذلك ينقص الأم فلا تأخذ إلا السدس، وينقص الأبوين فلا يأخذ كل واحد منهما إلا السدس، وينقص الزوج فلا يأخذ إلا الربع، أو الزوجة فلا تأخذ إلا ثمن، فيتوفر له الباقي، فلا يمكن أن يسقط؛ لأنه لما حجبهم ومنعهم من أن يأخذوا الحظ الأوفر، لم يمكن أن تستغرق الفروض التركة. ومثال استغراق الفروض التركة: لو ماتت امرأة عن زوج وأخت شقيقة وعم، أليس الزوج له النصف؟ أليس الشقيقة لها النصف؟ نصفان هل بقي شيء للعم؟ ما بقي شيء، فيسقط العم، وكذلك لو كان ابن أخ ما بقي له شيء فيسقط؛ لاستغراق الفروض التركة، هذا استغراق الفروض. فإذا كان عندنا أختان شقيقتان، وأختان لأم، وأخ من الأب، أليس الشقيقتان ترثان الثلثين، والأخوان من الأم يرثان الثلث؟ هل بقي شيء للأخ من الأب؟ لا. فقد استغرقت الفروض التركة وإذا استغرقت الفروض التركة سقط. فهذه حالات المعصب: إذا انفرد حاز المال، وإن بقي شيء بعد أهل الفروض أخذه، وإن استغرقت الفروض التركة سقط.

حالات إرث الأب والجد

حالات إرث الأب والجد ثم ذكر أن الجد والأب لكل منهما ثلاث حالات: تارة يرث بالفرض، وتارة يرث بالتعصيب، وتارة يجمع بينهما. فيرثان بالتعصيب فقط مع عدم الولد وولد الابن ذكوراً وإناثاً؛ فإذا لم يكن عندك إلا أب أخذ المال. وكذلك لو كان هناك زوج أو زوجة أو أم، فالجد في هذه الحال، هل يرث بالفرض؟ لا يرث بالفرض، بل يرث بالتعصيب، ولا يرث بالفرض إلا إذا كان معه أحد الأولاد، فإن كان معه ابن، أو بنون، أو بنون وبنات، فليس له إلا فرض، وهو السدس: هلك هالك عن أب وابن، فللأب السدس والباقي للابن تعصيباً، وكذلك لو كان معه أم، أعطيت الأب السدس والأم السدس، والباقي للابن، وكذلك لو كان معهم زوج، أعطيت الأبوين السدسين، والزوج الربع، والباقي للابن، فالأب إذا كان هناك أبناء قليلون أو كثيرون فليس له إلا السدس، فهو يرث بالفرض مع ذكور الأولاد، وكذلك ولد الابن، فإذا كان مع الأب ابن ابن، فليس للأب إلا السدس، أو ابن ابن ابن وأب، فللأب السدس، لا يزيد ميراثه عن السدس إذا كان معه ابن أو بنون، أو ابن ابن، أو ابن ابن ابن، فيرث بالفرض مع ذكور الأولاد. ويرث بالتعصيب إذا لم يوجد ابن، ولا بنت، ولا ابن ابن، ولا بنت ابن، ولا أولاد ذكور أو إناث، ولا أولاد بنين ذكور أو إناث، فإن كان وحده أخذ المال، وإن كان معه أصحاب فروض أخذ ما بقي، والأب لا يسقط بحال، أما الجد فهو مثل الأب، يقول الناظم: والجد مثل الأب عند فقده في حوز ما يصيبه ومده إلا إذا كان هناك أخوة لكونهم في القرب وهو أسوة. ويقول في الحجب: والجد محجوب عن الميراث بالأب في أحواله الثلاث يعني: أن الأب له ثلاثة أحوال: حال يرث فيها بالفرض، وحال بالتعصيب، وحال يجمع بينهما. متى يجمع الجد أو الأب بين الفرض والتعصيب؟ إذا كان هناك إناث من الولد، يعني: من الذرية، وبقي شيء بعد أهل الفروض، فإن الأب أو الجد أولى به، فيأخذه تعصيباً. فإذا مات ميت عن أب وبنت، أليس الأب له السدس فرضاً، والبنت لها النصف فرضاً؟ وبقي عندنا ثلث يأخذه الأب تعصيباً. وكذا لو مات عن بنت وجد، نعطي الجد السدس، ونعطي البنت النصف، ونعطي الباقي للجد تعصيباً، وكذا لو كان عندنا بنتان وأب، أليس البنتان لهما الثلثان، والجد أو الأب له السدس فرضاً؟ ويبقى عندنا سدس يأخذه الأب أو الجد تعصيباً، فيجمع بين الفرض والتعصيب مع الإناث. فإن لم يبق إلا السدس أخذه، فلو كان عندنا بنتان وأم وأب، أليس البنتان لهما الثلثان أربعة من ستة، والأم لها السدس واحد من ستة؟ ما بقي إلا واحد يأخذه الأب فرضاً، وليس هناك تعصيب، فاستغرقت الفروض التركة، فما بقي شيء يأخذه تعصيباً في هذه الحال، وكذلك لو عالت المسألة، فإنه لا يبقى له شيء، وإنما يأخذ سهمه السدس من عولها. فالحاصل أن للأب والجد ثلاث حالات: الحالة الأولى: التعصيب فقط، وذلك إذا لم يكن هناك ابن، ولا ابن ابن، ولا بنت، ولا بنت ابن، ففي هذه الحال يرث الموجود منهما بالتعصيب. الحالة الثانية: بالفرض فقط، وذلك مع الابن، أو ابن الابن، أي: مع ذكور الولد؛ الابن وابن الابن وإن نزل. الحالة الثالثة: الجمع بين الفرض والتعصيب مع الإناث من الفرع الوارث، فيأخذ ما بقي بعد أهل الفروض، قليلاً كان أو كثيراً، وإن لم يبق شيء اقتصر على السدس، الذي هو فرضه.

العصبة مع الغير والعصبة بالغير

العصبة مع الغير والعصبة بالغير

ميراث العصبة مع الغير

ميراث العصبة مع الغير يقول: (وأخت فأكثر مع بنت أو بنت ابن فأكثر يرثن ما فضل) . ويسمى هذا: التعصيب مع الغير، فالأخوات مع البنات عصبات، دليل ذلك حديث ابن مسعود: (فإنه رفع إليه رجل مات، وله بنت وبنت ابن وأخت شقيقة، فسألوا أبا موسى فجعل المال نصفين بين البنت والأخت، وأسقط بنت الابن، وقال للسائل: ائت ابن مسعود فسيوافقني) ، ظن أبو موسى أن الله ذكر البنت في أول السورة بقوله: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11] ، وذكر الأخت في آخر السورة بقوله: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:176] فأعطى البنت النصف والأخت النصف، وأسقط بنت الابن. (فجاءوا إلى ابن مسعود فأخبروه بجواب أبي موسى، فقال: قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت) . فهذا الحديث فيه أن الأخت أخذت الباقي، ومعلوم أنه ليس فرضاً، فإن الأخت لا ترث فرضاً إلا في الكلالة، وهاهنا ليست المسألة كلالة؛ لوجود الفرع الوارث، وهو البنت وبنت الابن، فإنهما من الولد، والله تعالى ما ورّث الأخت إلا مع عدم الولد؛ لقوله تعالى: {إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:176] ، فلذلك أعطوا البنت النصف، وبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وبقي ثلث، فأعطوا الأخت، وسموا هذا تعصيباً مع الغير. القياس في هذه المسألة: أن نعطي البنت النصف، وبنت الابن السدس تكملة الثلثين، ونقول الباقي لأولى رجل ذكر؛ وذلك لأن الأخت لا ترث إلا في الكلالة، وهاهنا ليست المسألة كلالة، ولأن الله تعالى إنما ورّث الأخت عند عدم الولد: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:176] ، وهاهنا الولد موجود، فإن البنت ولد، وبنت الابن ولد، فهذا هو القياس، ولكن اتبعنا النص، وهو الحديث، وقلنا: لا قياس مع النص، وجعلنا الأخت لها الباقي، وسميناه تعصيباً مع الغير، فتأخذ ما بقي في المسألة قليلاً كان أو كثيراً، وقد تُقَدَّم في هذه الحال على الذكور. فلو مات ميت عن بنت وأخت شقيقة، وأخ من الأب، فإن البنت لها النصف فرضاً، والنصف الباقي نعطيه الشقيقة تعصيباً مع الغير، ولا شيء للأخ من الأب؛ لأن الأخت الشقيقة أصبحت عصبة مع الغير، فتكون أقدم منه، فهذا معنى: أن الأخت أو الأخوات مع البنت أو بنت الابن فأكثر يرثن ما فضل، قليلاً كان أو كثيراً. فبنت وخمس أخوات شقائق: للبنت النصف فرضاً، والباقي للأخوات الشقائق. بنتان وأخوات شقائق أو من الأب: للبنتين الثلثان، والباقي للأخوات من الأب، أو الأخوات الشقائق تعصيباً مع الغير. بنتان وأم وخمس أخوات شقائق: البنتان لهما الثلثان أربعة من ستة، والأم لها السدس واحد من ستة، ويبقى عندنا السدس تأخذه الأخوات تعصيباً مع الغير. إذا كان عندنا بنتان، وأم، وزوجة، وعشر أخوات شقائق: في هذه الحال البنتان لهما الثلثان ستة عشر من أربعة وعشرين، والأم لها السدس أربعة من أربعة وعشرين، فهذه عشرون، والزوجة لها الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين، بقي واحد من أربعة وعشرين تأخذه الأخوات الشقائق أو الأخوات لأب، ونسميه تعصيباً مع الغير، فيأخذن ما فضل. وكذا لو كان بدل البنات بنات ابن: فإذا مات ميت عن بنتي ابن وأخت شقيقة؛ فلبنتي الابن الثلثان، وللأخت الشقيقة ما بقي تعصيباً وكذلك إذا كانت أختاً لأب.

ميراث العصبة بالغير

ميراث العصبة بالغير يقول: (الابن وابنه، والأخ لأبوين أو لأب، يعصبون أخواتهم، فللذكر مثلا ما للأنثى) . يسمى هذا تعصيباً بالغير، وبذلك تعرف أن التعصيب ثلاثة: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير. فالعصبة بالغير هم: البنت مع أخيها، وبنت الابن مع أخيها أو ابن عمها الذي في درجتها، والشقيقة مع أخيها، والأخت من الأب مع أخيها. فهؤلاء يعصبون أخواتهم، فينقلونهن من الإرث بالفرض إلى الإرث بالتعصيب، فيكون لهم المال أو ما بقي. فإذا كان عندك أم وأب وزوج، وثلاثة أبناء وثلاث بنات، فهل تعطي البنات فرضاً أو تعصيباً؟ تعطيهن تعصيباً؛ لوجود إخوتهن، وهم الأبناء، فيأخذ أهل الفروض فروضهم، ثم الباقي للأولاد ذكوراً وإناثاً، ويكون تعصيباً، ولو لم يكن عندك إلا البنات لورثن الثلثين فرضاً، ولعالت لهن المسألة. إذا كان عندك أم لها السدس، وأب له سدس، فهذه أربعة من اثني عشر، وزوج له ربع هذه سبعة، والبنتان لهما الثلثان ثمانية، فتعول إلى خمسة عشر، فيكون لهن ثمانية من خمسة عشر، ولما جاء معهن أخوهن أو إخوتهن نقلوهن إلى التعصيب، ولم يحصل للجميع إلا خمسة من اثني عشر، فقلّ نصيبهن، فالأخ لما نقلهن إلى التعصيب نقص حظهن. وكذلك بنات الابن، فالابن يعصب أخته، فإذا انفرد ابن وأخته أو أخواته فلهم المال، للذكر مثل حظ الأنثيين. ابن الابن وبنت الابن ولو لم تكن أخته، كما لو كانت بنت عمه في درجته، أو هو أنزل منها واحتاجت إليه، فإنه يعصبها، وينقلها إلى الإرث بالتعصيب. وقد يكون أخاً مباركاً، وقد يكون أخاً مشئوماً: فالأخ المبارك، كما لو كان عندك بنتان وعم وخمس بنات ابن، فهل تعطي بنات الابن شيئاً؟ ليس لهن شيء؛ لأن الثلثين أخذه بنات الصلب، والثلث الباقي يأخذه العم، ويسقط بنات الابن، فإذا وجد معهن أخوهن، أو ابن عمهن في درجتهن، أخذوا الثلث الباقي، واقتسمه هو وأخواته أو بنات عمه، ويسمى هذا تعصيباً بالغير، وسقط العم، فيسمى أخاً مباركاً، حيث ورثن معه وقد كن ساقطات؛ لأن البنات إذا استغرقن الثلثين سقط بنات الابن. وأما إذا أخذ بنات الابن السدس مع بنت الصلب، وكان عندك ابن ابن ابن فإنه يأخذ الباقي تعصيباً: مثاله: مات ميت عن بنت الصلب لها النصف، وبنت ابن لها السدس تكملة الثلثين، وابن ابن ابن له الباقي تعصيباً، وفي هذه الحال لا تشاركه بنت الابن؛ لأنها أخذت فرضها، فلو كانت ساقطة، كما لو مات عن بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن؛ فإن ابن ابن الابن يعصب عمته التي هي أخت أبيه، فيأخذ الثلث الباقي هو وإياها، فهي تقول له: لو كان أبوك حياً لورثت معه فإني في منزلته، وإذا كان مفقوداً فأنت تقوم مقامه، فأرث معك كما أرث مع أبيك، فيعصب عمته، ويعصب أخته التي هي بنت ابن ابن. كذلك الأخوات: فالأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق عصبة بالغير، أي: أنه إذا كان عندنا بنتان وزوج وأخ شقيق وأخت شقيقة، فإن الأخ الشقيق والأخت الشقيقة يأخذان ما بقي وهو نصف السدس، ويسمى تعصيباً بالغير، وكذا لو كان عندك زوج، وأم، وأخ من أم، وأخ شقيق وأخته، ففي هذه الحال إذا أعطيت الزوج النصف، والأم السدس؛ لوجود الجمع من الإخوة، والأخ من أم السدس، بقي عندك سدس يأخذه الشقيق وأخته، لو لم يكن معه أخت لانفرد بالمال، ولو لم يكن معها أخ لورثت فرضاً، فلما كان معه أخت أخذا الباقي تعصيباً، فهو نقلها إلى الإرث بالتعصيب. وكذلك الأخ من الأب مع الأخت من أب، أي: كلاهما أخ للميت من أبيه، فيرثان المال تعصيباً، أو يرثان ما بقي بعد أهل الفروض تعصيباً، قليلاً كان أو كثيراً. فالعصبة بالغير هؤلاء الأربعة: الابن مع أخته أو أخواته، وابن الابن مع أخته أو بنت عمه أو أخواته أو بنات عمه، والأخ الشقيق مع أخته أو أخواته، والأخ من الأب مع أخته أو أخواته، فيسمون عصبة بالغير، فللذكر مثل حظ الأنثيين. العم هل يعصب أخته؟ لا يعصبها، بل يأخذ المال وحده، والعمة لا ترث. وابن العم هل ترث معه بنت العم؟ لا ترث؛ لأنها ليست من الورثة. ابن الأخ هل يعصب بنت الأخ؟ لا يعصبها، بل يأخذ المال كله دون أخته، يقول الناظم: وليس ابن الأخ بالمعصب من مثله أو فوقه في النسب أي: حتى لو كانت عمة. إذا مات ميت عن بنت أخيه وابن ابن أخيه، فإنه لا يعصب عمته. فإذا كان عندنا أخت شقيقة، وعندنا بنت وبنت ابن، وعم أو ابن عم، فإن الشقيقة هي التي ترث الباقي لوجود البنات، ويسقط العم. وبكل حال هؤلاء هم العصبة، فالعصبة بالنفس كلهم ذكور إلا المعتقة. والعصبة بالغير هم: البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب. والعصبة مع الغير: الأخت الشقيقة مع البنات أو بنات الابن، والأخت من الأب مع البنات أو بنات الابن.

ميراث عصبة المعتق

ميراث عصبة المعتق يقول بعد ذلك: (إذا عدمت عصبة النسب ورث المولى المعتِق مطلقاً، ثم عصبته الذكور، والأقرب فالأقرب كالنسب) . المولى هو المعتق؛ وذلك لأنه أنعم على رقيقه بالعتق، فإذا أنعم عليه أصبح مولىً له، فإذا مات ذلك العتيق وليس له أولاد ولا إخوة أحرار ورثه سيده المعتق، فإن كان السيد المعتق قد مات ورثه أولاده، أي: أولاد المعتق، فإن لم يكن له أولاد فإخوة المعتق أو أعمامه أو بنو عمه. الحاصل: أنه يرثه عصبته الذكور الأقرب فالأقرب، فابن المعتق يقدم على ابن ابن المعتق، وأخو المعتق يقدم على عم المعتق، وابن أخ المعتق الشقيق يقدم على العم، وهكذا كالتقديم بالنسب.

التقديم بين جهات العصوبة

التقديم بين جهات العصوبة وقد ذكرنا أن العصبة خمس جهات: بنوة، ثم أبوة، ثم جدودة وأخوة، ثم بنو أخوة، ثم عمومة وبنوهم، ثم ولاء، وهي ست جهات إذا قلنا إن الإخوة يرثون مع الجد، أما إذا أسقطنا الإخوة بالجد، فتكون الجهات خمساً: حيث نعد الأبوة والجدودة جهة، فنقول: البنوة وبنوهم، والأبوة وآباؤهم، والإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، والولاء. ثم ترتيبهم في الإرث على هذا، أي: على ترتيبهم في التعصيب. فمن من المعلوم أنه إذا كان عند الميت أبناء وآباء وإخوة وأعمام وموال؛ فالعصبة للأقرب فالأقرب: فهي للابن، فإن عدم فابن الابن، فإن لم يكن عندنا أبناء ولا أبناء أبناء، فالتعصيب للأب، ثم لأب الأب، وهكذا. فإن عدم الأبناء والآباء فالتعصيب للإخوة: الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب. فإن عدم الإخوة وبنوهم فالتعصيب للأعمام: العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب. ثم أعمام الأب، ثم أعمام الجد، ثم بنوهم وبنو بنيهم وإن نزلوا، فيصير التعصيب لأولى رجل ذكر. فإن اتحدت الجهة قدمنا القريب: فابن الابن لا يرث مع الابن؛ لأن الابن أقرب، وابن ابن الابن لا يرث مع ابن ابن، وكذلك ابن الأخ لا يرث مع الأخ، وابن ابن الأخ لا يرث مع ابن الأخ، لأن التقديم للأقرب. وإذا اتحدت الجهة واستووا في القرب: مثل: إذا كان عندنا إخوة أشقاء وإخوة من الأب، فالإرث للأشقاء، أي أن التعصيب للأشقاء؛ لأنهم يدلون بقرابتين، وكذلك العم الشقيق يقدم على العم لأب، يقول الناظم: والأخ والعم لأم وأبِ أولى من المدلي بشطر النسب شطر النسب: أي الذي ما أدلى إلا بأب، كأخ من أب، أو عم من أب، فيقدم عليه عم من أب وأم.

أصول المسائل

أصول المسائل ذكر بعد ذلك أصول المسائل، والمراد حساب المسائل، وعبر بعضهم بباب الحساب، فقالوا: للمسألة أصل ومصح: فأصل المسألة: تحصيل أقل عدد يخرج منه فرضها أو فروضها بلا كسر. ومصح المسألة: تحصيل أقل عدد تنقسم منه المسألة بلا كسر. فأصول المسائل، أي: التصحيح والتأصيل، فالتأصيل: معرفة أصل المسألة، والتصحيح: معرفة مصح المسألة.

الأصول التي لا تعول

الأصول التي لا تعول فذكر: (أن أصول المسائل سبعة: أربعة لا تعول، وهي ما فيها فرض أو فرضان من نوع، فنصفان أو نصف والبقية من اثنين) ، مثال النصفين: زوج وأخت، أليس الزوج له النصف فرضاً، والأخت لها النصف فرضاً؟ المسألة من اثنين، لها نصف وله نصف. أو نصف والبقية من اثنين: إذا كان عندك زوج وعم، فهي من اثنين، فتقول: للزوج النصف، وللعم الباقي ولا تقل: للعم النصف، بل يكون له البقية؛ لأنه ليس فرضاً، فهي من اثنين. (وثلثان أو ثلث والبقية من ثلاثة) : ثلثان والبقية من ثلاثة، إذا كان عندك بنتان وعم، أليس البنتان لهما الثلثان فرضاً؟ لا تقل: وللعم الثلث، لكن قل: وللعم الباقي، هذا معنى قوله: (وثلثان والبقية) . (أو ثلثان وثلث) : إذا كان عندك مثلاً أختان شقيقتان وأختان لأم، أليس الأختان الشقيقتان لهما الثلثان، والأختان لأم لهما الثلث؟ فتقول: أصل المسألة من ثلاثة، للأختين الشقيقتين الثلثان، وللأختين لأم الثلث، ولا تقل: الباقي؛ لأنه فرض، فإذا كان في المسألة ثلثان وثلث، فهي من ثلاثة، وإذا كان فيها ثلثان وباق فهي من ثلاثة. (وإذا كان فيها ثلث وباق من ثلاثة) : كأم وأخ، أليس الأم لها الثلث، لأنه لا يحجبها الأخ الواحد؟ فللأم الثلث، ولا تقل: للأخ الثلثان، بل قل: وللأخ الباقي، هذا معنى: (ثلثان أو ثلث والبقية من ثلاثة) ، يعني: مخرج الثلث من ثلاثة، إذا قلت: من اثنين، فالاثنان ليس فيهما ثلث، ولا فيهما ثلثان، وإذا قلت: من أربعة، فالأربعة ما فيها ثلث، ولا ثلثان، فتكون من ثلاثة. (وربع والبقية من أربعة) : إذا كان عندك زوجة وأخ، أليست الزوجة لها الربع، والباقي للأخ؟ ولا تقل: له ثلاثة أرباع، بل قل: له الباقي، مخرج الربع من أربعة، أما ثلاثة فليس فيها ربع، فتقول: هي من أربعة. وكذلك إذا كان مع الربع نصف: فإذا كان عندك بنت وزوج وأخ، أليس الزوج له الربع والبنت لها النصف؟ فتقول: من أربعة، للزوج الربع واحد من أربعة، والبنت النصف اثنان من أربعة، والباقي للأخ، لا تقل: للأخ الربع، لكن قل: له الباقي؛ لأنه ليس فرضاً، تمشياً مع قوله في الحديث: (وما بقي فلأولى رجل ذكر) ، فربع والباقي أو ربع مع النصف، من أربعة. نصفان من اثنين، ونصف والبقية من اثنين، وثلثان والبقية من ثلاثة، وثلث والبقية من ثلاثة، وثلثان وثلث من ثلاثة. ثمن والبقية من ثمانية، وكذلك ثمن ونصف والبقية من ثمانية، فإذا كان عندك ابن وزوجة، أليس الزوجة لها الثمن؟ فتقول: للزوجة الثمن، ولا تقل: للابن سبعة أثمان، لكن قل: له الباقي. فإذا كان عندك زوجة وبنت وعم، فللزوجة الثمن واحد من ثمانية، والبنت لها النصف أربعة من ثمانية، العم لا تقل: له ثلاثة أثمان، وقل: له الباقي. فهذه أربعة أصول: أصل اثنين، وأصل ثلاثة، وأصل أربعة، وأصل ثمانية؛ فأصل اثنين يكون عادلاً ويكون ناقصاً ولا يعول، عادلاً: أي سهامه بقدر فروضه، كزوج وأخت، هذا أصل اثنين. وأما: زوج وعم فهذا يسمى ناقصاً؛ لأن فيه باقياً؛ حيث بقي بعد النصف فرض تعصيب، فهذا الناقص. أما الثلاثة: فإنه يكون عادلاً، ويكون ناقصاً، فعادلاً: إذا كان عندك أختان شقيقتان وأختان لأم. وأما إذا كان أم وعم، فهو ناقص؛ للأم الثلث والباقي للعم، وكذلك بنتان وأخ ناقص، للبنتين الثلثان، والأخ له الثلث تعصيباً. وأما أصل ثمانية وأصل أربعة، فلا يكون إلا ناقصاً ولا يكون عادلاً، ولا يكون عائلاً، الناقص: هو الذي يبقى فيه شيء بعد صاحب الفرض، ولا يمكن فيه أن تستغرق الفروض التركة، إذا كان أصل أربعة فيه فرضان ربع ونصف وباق، وأصل ثمانية فيه ثمن ونصف وباق، فلا يكون عادلاً. العادل: هو الذي سهامه بقدر فروضه، كثلث وثلثين، ونصف ونصف، والناقص: هو الذي سهامه أقل من فروضه، كنصف وربع وباق، أو ثمن ونصف وباق. قال رحمه الله تعالى: [وثلاثة تعول، وهي ما فرضها نوعان فأكثر، فنصف مع ثلثين أو ثلث أو سدس من ستة، وتعول إلى عشرة شفعاً ووتراً. وربع مع ثلثين أو ثلث أو سدس من اثني عشر، وتعول إلى سبعة عشر وتراً. وثمن مع سدس أو ثلثين أو هما من أربعة وعشرين، وتعول مرة واحدة إلى سبعة وعشرين. وإن فضل عن الفرض شيء ولا عصبة، رد على كل بقدر فرضه ما عدا الزوجين. وإذا كانت التركة معلومة، وأمكن نسبة سهم كل وارث من المسألة، فله من التركة مثل نسبته، وإن شئت ضربت سهامه في التركة، وقسمت الحاصل على المسألة فما خرج فنصيبه، وإن شئت قسمته على غير ذلك من الطرق] . الذي يقسم التركات ويقسم المواريث بحاجة إلى الحساب، والحساب فن واسع توسع فيه الحاسبون وأطالوا فيه، وذكروا فيه مسائل كثيرة يقرؤها الطلاب في المراحل الدراسية، ولكن هاهنا ذكروا حساب المواريث وهو تصحيحها وتأصيلها، والمؤلف هنا اقتصر على التأصيل ولم يذكر التصحيح؛ وذلك لطوله، وقد توسع فيه الذين ألفوا في الفرائض مفرداً، ففي رسالة الشيخ ابن باز رحمه الله (الفوائد الجلية) التوسع في الحساب، حيث يبحثون فيه أولاً عن أصل المسألة، ثم يبحثون بعد ذلك عن تصحيحها.

الأصول التي تعول

الأصول التي تعول ذكرنا أن التأصيل: تحصيل أقل عدد ينقسم على الورثة بلا كسر، فإذا جاءتك مسألة فانظر ماذا فيها من الفروض واجعلها من مخرج ذلك الفرض، فإذا كان عندك أب وابن فليس فيها إلا فرض السدس، ففي هذه الحال تقول: هي من ستة؛ للأب السدس والباقي للابن. وإذا كان عندك ابن وزوجة؛ فليس فيها فرض إلا الثمن، فتقول: للزوجة الثمن واحد من ثمانية، والباقي للابن، فتجعلها من مخرج الثمن. ومخرج الثمن من ثمانية، ومخرج السدس من ستة، والثلث من ثلاثة، والربع من أربعة، والنصف من اثنين. ثم يوجد بعض المسائل فيها فرضان من نوعين، فهذه الفروض هي التي تعول، وقد ذكر أنها ثلاثة، علامتها: ما فيها فرضان فأكثر من نوعين. الأول: أصل ستة: إذا كان في المسألة نصف وثلثان، فمخرج النصف من اثنين، ومخرج الثلثان من ثلاثة، فتضرب اثنين في ثلاثة فتكون من ستة، فإذا كان عندك زوج وأختان، فالزوج له النصف، والأختان لهما الثلثان، فهي من ستة، وإذا حسبتها وجدت أن الزوج له ثلاثة، والأختان لهما أربعة، وعالت إلى سبعة. وكذلك إذا كان عندك زوج وأم وعم، أليس الزوج له النصف، ومخرج النصف من اثنين، والأم لها الثلث، ومخرج الثلث من ثلاثة، فتضرب اثنين في ثلاثة بستة، فتقول: للزوج النصف، وللأم الثلث، والباقي للعم واحد من ستة. كذلك إذا كان فيها سدس وباق، كما إذا كان عندك جدة وعم فهي من ستة، للجدة السدس والباقي للعم، فهذه الستة. هذا الأصل (يعول إلى عشرة شفعاً ووتراً) ، فعندنا مثلاً: زوج وأختان من ستة، الزوج له ثلاثة، والأختان لهما أربعة، فعالت إلى سبعة. وذكروا أن أول ما وجد العول في عهد عمر رضي الله عنه، حيث رفعت إليه مسألة فيها زوج وأخت وأم، الزوج له النصف، والأخت لها النصف، أين نصيب الأم؟ فقالوا: لا بد أن تعول المسألة، فجعلوها من ستة؛ لأن مخرج الثلث من ثلاثة، ومخرج النصف من اثنين، فهي من ستة، ثم حسبوا سهامهم: للزوج ثلاثة من ستة، وللأخت ثلاثة من ستة، وللأم الثلث اثنان، فعالت إلى ثمانية، فقسموا المال من ثمانية. كذلك إذا كان عندك زوج وأختان شقيقتان وأختان من الأم، أليس الزوج له النصف ثلاثة من ستة، والأختان الشقيقتان لهما الثلثان أربعة، والأختان من الأم لهما الثلث اثنان، فإذا حسبتها فهي تسعة: أربعة وثلاثة واثنان، عالت إلى تسعة. فإن كان معهم أم عالت إلى عشرة؛ لأن الأم لها واحد، والإخوة من الأم لهما اثنان، والزوج له ثلاثة، والأخوات الشقائق لهن أربعة، واحد واثنان وثلاثة وأربعة، الجميع عشرة، هذا منتهى عولها شفعاً ووتراً. الثاني: أصل اثني عشر: إذا كان عندك ربع مع ثلثين أو مع ثلث أو مع سدس، فمخرج الربع من أربعة، ومخرج الثلث من ثلاثة، فإذا ضربت ثلاثة في أربعة باثني عشر. وإذا كان فيها سدس فمخرج السدس من ستة، ومخرج الربع من أربعة، وبينها موافقة؛ لأن الأربعة فيها نصف والستة فيها نصف، فإذا أخذت نصف الستة ثلاثة، وضربته في أربعة باثني عشر، أو أخذت نصف الأربعة اثنين، وضربتها في ستة باثني عشر، فهذا أصل اثني عشر. فأصل اثني عشر لا بد أن يكون فيه ربع، ومع الربع ثلث أو ثلثان أو سدس، وهذا الأصل يعول ثلاث مرات، فأصل ستة يكون عادلاً وناقصاً وعائلاً، وأما أصل اثني عشر فلا يكون إلا ناقصاً أو عائلاً، ولا يكون عادلاً، وتقدم أن العادل هو الذي فروضه بقدر سهامه، وأن العائل هو الذي يكون فيه الزيادة، وأن الناقص ما ينقص عن سهامه. فينقص أصل اثني عشر فيكون أحد عشر، فيما إذا كان عندك زوج وبنتان وعم، فالبنتان لهما الثلثان ثمانية والزوج له الربع ثلاثة، فهذا ناقص، ويبقى واحد للعم، فإن كان مع البنتين والزوج أم عالت إلى ثلاثة عشر؛ لأن للأم السدس اثنان فتكون ثلاثة عشر، فإن كان معهم أب عالت إلى خمسة عشر: للأب اثنان، وللأم اثنان، وللزوج ثلاثة، وللبنات ثمانية، فهذه خمسة عشر. وأما عولها إلى سبعة عشر ففي مسألة تسمى أم الفروج، وتسمى الدينارية، وهي: إذا كان عندك ثمان أخوات شقائق، لهن الثلثان ثمانية، وأربع أخوات لأم، لهن الثلث أربعة، فهذه اثنا عشر، وثلاث زوجات، لهن الربع ثلاثة، وجدتان لهما السدس اثنان، فثمانية وأربعة اثنا عشر، وثلاثة خمسة عشر، واثنان سبعة عشر. وتسمى الدينارية؛ لأن كل واحدة أخذت سهماً، فالأخوات الشقائق ثمان، ولهن ثمانية أسهم من سبعة عشر، والأخوات لأم أربع ولهن أربعة أسهم من سبعة عشر، والزوجات لهن الربع وهن ثلاث، ثلاثة أسهم من سبعة عشر، والجدتان لهما السدس اثنان من سبعة عشر، فبلغت إلى سبعة عشر، هذا عولها. الثالث: أصل أربعة وعشرين: إذا كان فيهما ثمن مع سدس، أو ثمن مع ثلثين، ولم يذكروا الثمن مع الثلث؛ وذلك لأن الثمن لا يكون إلا للزوجة عند وجود الولد، والثلث لا يكون إلا للأم أو للإخوة من الأم، وإذا أخذت الأم الثلث أو الإخوة لأم فلا يكون ذلك إلا مع عدم الولد، فإذا كان فيها ولد لم يكن لها الثلث، بل يكون لها السدس، وأما الإخوة لأم فالولد يسقطهم، فلا يجتمع الثمن مع الثلث، فالحاصل: أن الثمن مع السدس، أو الثمن مع الثلثين، من أربعة وعشرين، وهي أيضاً لا تكون إلا ناقصة أو عائلة. مثلاً: عندك بنتان وزوجة وعم؛ البنتان لهما الثلثان ستة عشر، والزوجة لها الثمن ثلاثة، فهذه تسعة عشر، يبقى خمسة للعاصب، فهذه ناقصة. فإن كان معهم أم، فالأم لها السدس، فتعطي البنتين الثلثين ستة عشر، والأم السدس أربعة، هذه عشرون، والزوجة الثمن ثلاثة هذه ثلاثة وعشرون، ويبقى سهم يأخذه أولى رجل ذكر. أما مسألة العول، فتعول مرة واحدة بثمنها، وذلك في المسألة المنبرية، وقد ذكرنا أن علياً سئل وهو على المنبر، عن رجل خلف أبوين وبنتين وزوجة؟ فقال: صار الثمن تسعاً. يعني: أفتاهم في أثناء خطبته. صار الثمن تسعاً، أي: عالت إلى سبعة وعشرين، فالثمن ثلاثة، وهي من سبعة وعشرين، فلا يكون ثمناً وإنما يكون تسعاً، ذلك بأنك تعطي البنات ستة عشر، وتعطي الأبوين ثمانية، كل واحد أربعة، والزوجة لها الثمن ثلاثة، فتعول إلى سبعة عشر، وتسمى البخيلة؛ لأنها ما عالت إلا مرة.

الكلام على العول

الكلام على العول نشير إلى أن العول هو: زيادة في السهام ونقص في الأنصباء، يعني: بدل ما كانت المسألة من أربعة وعشرين زادت إلى أن صارت سبعة وعشرين، فبدل ما كانت الزوجة تأخذ الثمن ما أخذت إلا التسع. وكذلك في أصل ستة، إذا كان فيها نصف ونصف وثلث، فالنصف ثلاثة للزوج، فما حصل له إلا ثلاثة أثمان، والنصف الآخر للأخت ما حصل لها إلا ثلاثة أثمان، والثلث للأم ما حصل لها إلا ثمنان أي ربع، فزادت السهام ونقصت الأنصباء. وأول من أفتى به عمر رضي الله عنه لما وقعت هذه المسائل، فاضطر إلى أن يقول بالعول، ثم إن ابن عباس أنكر العول بعد ذلك، وجعل النقص على من يرثون بالتعصيب، إذا كان هناك ازدحام فيقول: النقص على من يرثون بالتعصيب كما لو كانوا عصبة، ففي هذه المسألة التي هي زوج وأخت وأم، يجعل النقص على الأخت، يقول: لو كان بدلها أخ ما عالت المسألة، أي: إذا كان عندنا زوج وأخ وأم: فالزوج له النصف، والأم لها الثلث، والباقي للأخ، فكيف تكون أخته أكثر منه؟ فتأخذ النصف وهو لا يأخذ إلا السدس، ولو كان معها فإنه يعصبها، أي: ينقلها إلى الإرث بالتعصيب، فإذا كان كذلك فكيف يأخذ الذكر أقل من الأنثى؟ فجعل النقص على الأخت! وكذلك على البنت، أو على البنات في مسألة المنبرية، يقول: نعطي كل واحد من الأبوين السدس كاملاً، والزوجة الثمن كاملاً، والباقي نجعله للبنات، ولو كان أقل من الثلثين؛ وذلك لأنه لو كان معهن أخوهن ما عالت المسألة. لو كان عندنا أم وأب وزوجة وبنتان وابن ما عالت المسألة، بل يكون الباقي للبنتين وأخيهن، ولو كان بدل البنتين ابنين ما عالت المسألة، بل يكون الباقي للابنين، فكيف تكون البنتان ميراثهن أكثر من أخويهن؟ هذا مذهب ابن عباس، وقد ذهب إليه أهل الظاهر كـ ابن حزم فأنكروا العول، روي عن ابن عباس أنه قال: (إن الذي أحصى رمال عالج عدداً لم يجعل في المال نصفاً ونصفاً وثلثاً، فهذان النصفان أخذا المال، فأين الثلث؟ فقيل له: لماذا لم تقله في زمن عمر؟ فقال: إن عمر كان مهيباً فهبته) . ولعله تجدد له فكر. ثم ما ذكروا هنا التصحيح فيرجع في التصحيح إلى رسالة الشيخ الفوائد الجلية، وكذلك إلى غيرها. وتصحيح المسائل هو تحصيل أقل عدد تنقسم منه التركة بلا كسر، وذكروا أن التصحيح إنما يحتاج إليه إذا انكسر سهام فريق عليهم، فيحتاج إلى تصحيحها، والكلام عليه يطول، وقد أطالوا فيه وتوسعوا.

الكلام على الرد

الكلام على الرد ذكر المؤلف بعد ذلك الرد، قال: (وإن فضل عن الفرض شيء ولا عصبة، رد على كل بقدر فرضه ما عدا الزوجين) . الرد عكس العول: وهو نقص في السهام وزيادة في الأنصباء، وقد نظمه أحد العلماء، وألحقه بأبيات الرحبية، في الأبيات التي يقول فيها: إن أبقت الفروض بعض التركه وليس ثم عاصب قد ملكه فرده لمن سوى الزوجين من كل ذي فرض بغير مين فيرد لمن سوى الزوجين، فإذا لم يكن عندك إلا بنتان، وليس هناك عصبة، فإن البنتين تأخذان المال فرضاً ورداً، وتكون المسألة من اثنين، وإن كان عندك بنتان وأم، فالأصل من ستة، أليس البنتان لهما الثلثان أربعة، والأم لها السدس واحد، الجميع خمسة؟ فتقول: المسألة من خمسة، يعني: أخذتها من أصل ستة. وكذلك لو كان عندك أختان من أم، وأم، وليس هناك عصبة، أليس الأختان من أم لهما الثلث اثنان من ستة، والأم لها السدس واحد من ستة، مجموع سهامهم ثلاثة، فترد المسألة إلى ثلاثة، فبدل ما كانت الأم تأخذ السدس؛ لوجود الجمع من الإخوة أخذت الثلث، وبدل ما كان الأختان من أم تأخذان الثلث أخذتا الثلثين، فهذا هو الرد. فإن كان الموجود صنفاً واحداً، كما لو كان عندك بنت واحدة، فالمال كله لها فرضاً ورداً، أو بنتان فالمال لهما كله فرضاً ورداً، أو أخ من الأم، فالمال كله له فرضاً ورداً، أو أخوان من أم يأخذان المال فرضاً ورداً، أو أخت شقيقة فالمال كله لها فرضاً ورداً، أو أختان شقيقتان يأخذان المال كله فرضاً ورداً. فإذا كان عندك أخت شقيقة لها ثلاثة من ستة، وأخت من الأب لها واحد من ستة، تكملة الثلثين، فالجميع أربعة، تقسم المال على أربعة، وتقول: لهما المال فرضاً ورداً، ترده عليهما بقدر سهامهما. وكذلك البنات: بنت وبنت ابن وأم، البنت لها النصف ثلاثة من ستة، وبنت الابن لها واحد تكملة الثلثين سدس، والأم لها السدس، الجميع خمسة، تقسم المال على خمسة فرضاً ورداً، فتقول: كأن البنت أخذت ثلاثة أخماس، وبنت الابن أخذت خمساً، والأم أخذت خمساً، فمعنى فرضاً ورداً أنه يرد عليهم بقدر فروضهم، إلا الزوجان هل يرد عليهما؟ أما الزوجان فبعض العلماء قال: يرد عليهما، فيدخل الرد عليهما كما يدخل العول، فإن العول نقص والرد زيادة، فلماذا يضرهما العول ولا ينتفعان بالرد؟ فرجح شيخ الإسلام أنه يرد على الزوجين، وتبعه ابن سعدي في فتاواه، يعني: رجح أنه يرد على الزوجين. ولكن الجمهور: على أنه لا يرد عليهما. فإذا كان عندك زوج وعندك بنت، أليس الزوج له الربع، والبنت لها النصف؟ فتقول: الزوج له الربع واحد من أربعة، والبنت لها النصف اثنان من أربعة، ولها الباقي رداً، فتأخذ البنت ثلاثة أرباع. وإذا كان المسألة فيها حساب فإنك تحسبها، فإذا كان عندك بنتان لهما الثلثان، وزوج له الربع، فالزوج يأخذ ربعه من أصل أربعة، والبنتان يأخذان الثلثين من أصل ثلاثة، فتكون المسألة من مخرج الربع الذي هو أربعة، وأما البنتان فلهما الباقي فرضاً ورداً، يعني: بدل ما كان لهن الثلثان أخذن ثلاثة أرباع، ومعلوم أنهن يختلفن: فبنت الابن -مثلاً- لها سدس والبنت لها نصف وهكذا.

قسمة التركات

قسمة التركات بقية الفصل فيه قسمة التركة، ذكر الشيخ ابن باز في الفوائد قسمة التركة وتوسع فيها، وذكروا أن قسمة التركة أسهل ما تقسم به بطريقة النسبة، إذا كانت التركة معلومة، وأمكن نسبة سهم كل وارث من المسألة، فله من التركة مثل نسبته، هذه طريقة النسبة، صورة ذلك: إذا قلنا: عندنا زوج وأخت: فالزوج له النصف من المسألة، فله النصف من التركة، والأخت لها نصف المسألة، فلها نصف التركة. وإذا كان معهما أم عالت المسألة إلى ثمانية، فنقول: نسبة سهام الزوج ثلاثة أثمان من المسألة، فله ثلاثة أثمان التركة، فالتركة إذا كانت تنقسم بالأجزاء قسمت، كالنقود تنقسم بالأجزاء، فتجعلها أثلاثاً أو أثماناً أو نحو ذلك، وتعطي كل واحد من الورثة بقدر نسبته. وإن كانت عقاراً فإنها أيضاً تنقسم بالأمتار أو بالأذرع أو نحو ذلك، ففي هذه الحال تنقسم بالنسبة، فيقال: لهذا ربع التركة؛ لأنه يستحق ربع المسألة. هناك طريقة أخرى وهي: أن تضرب سهامه في التركة وتقسم الحاصل على المسألة، فما خرج فهو نصيبه: فإذا كان للزوج مثلاً ثلاثة أسهم، تضربها في التركة، فإذا كانت التركة مثلاً مائة، ضربت الثلاثة في التركة أصبحت ثلاثمائة، فتقسم الحاصل الذي هو ثلاثمائة، على المسألة الذي هو ثمانية، فما خرج فهو نصيب الزوج وهكذا. وإن شئت قسمته على غير ذلك من الطرق؛ فهناك طريقة أخرى تسمى طريقة القيراط الذي هو سهم من أربعة وعشرين سهماً، يسمى ثلث الثمن، فيقسمون التركة على أربعة وعشرين سهماً، ثم يعطون كل واحد نسبته من هذه القراريط. وهناك بعض المؤلفات التي تذكر فيها الجداول، مثل عمدة الباحث لـ ابن رشيد، يذكر فيها في الجزء الأول قسمة التركات، والجدول يبين نسبة كل واحد، فننتهي من هذا.

شرح أخصر المختصرات [55]

شرح أخصر المختصرات [55] مما اختلف فيه العلماء في الفرائض: توريث ذوي الأرحام، وقد استدل بعض العلماء على توريثهم بأدلة، وجعلوا ميراثهم بطريقة تنزيلهم منزلة من أدلوا به، وقد فصل العلماء فيهم وفي ميراثهم. ومن مسائل المواريث: الميراث بالتقدير، وهو ميراث الحمل ونحوه، فيوقف له الأحظ، ويعطى الورثة اليقين.

ميراث ذوي الأرحام

ميراث ذوي الأرحام قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: في ذوي الأرحام. وهم أحد عشر صنفاً: ولد البنات لصلب أو لابن، وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وبنات الأعمام، وولد ولد الأم، والعم لأم، والأخوال، والخالات، وأبو الأم، وكل جدة أدلت بأب بين أمين، أو أب أعلى من الجد، ومن أدلى بهم. وإنما يرثون إذا لم يكن صاحب فرض ولا عصبة، بتنزيلهم منزلة من أدلوا به، وذكرهم كأنثاهم. ولزوج أو زوجة معهم فرضه بلا حجب ولا عول، والباقي لهم. فصل: والحمل يرث ويورث إن استهل صارخاً، أو وجد دليل حياته سوى حركة أو تنفس يسيرين أو اختلاج، وإن طلب الورثة القسمة وقف له الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين، ويدفع لمن لا يحجبه إرثه كاملاً، ولمن ينقصه اليقين، فإذا ولد أخذ نصيبه ورد ما بقي، وإن أعوز شيئاً رجع. ومن قتل مورثه ولو بمشاركة أو سبب لم يرثه؛ إن لزمه قود أو دية أو كفارة. ولا يرث رقيق ولا يورث، ويرث مبعض ويورث، ويحجب بقدر حريته] . عندنا فصل في ذوي الأرحام: ذوو الأرحام: هم الذين ليسوا عصبة وليسوا من أصحاب الفروض، وإنما هم من الأقارب، واختلف في توريثهم: فذهب الإمام أحمد إلى أنهم أولى من بيت المال، فإذا لم يكن أهل فروض ولا أهل تعصيب ولو بعيدين ورثنا ذوي الأرحام. وقد استدل على توريثهم بقول الله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال:75] ، فإنها صريحة في أنهم يستحقون مال قريبهم، فهم أولى من بيت المال، أو أولى من الموالي البعيدين كمولى الموالاة أو نحوهم. وقد يستدل أيضاً على توريثهم بحديث ورد بلفظ: (الخال وارث من لا وارث له) ، مع أنه ليس من العصبة، وليس من ذوي الفروض.

أصناف ذوي الأرحام

أصناف ذوي الأرحام وقد ذكر المصنف أن ذوي الأرحام أحد عشر صنفاً: الصنف الأول: ولد البنات للصلب، ذكوراً وإناثاً، أو ولد بنت الابن. فالبنت ترث، ولكن ابنها لا يرث، وبنتها لا ترث، وهي بنت البنت، وكذلك بنت الابن ترث، ولكن ابنها وهو ابن بنت الابن لا يرث، وبنت بنت الابن لا ترث، فيكونون من ذوي الأرحام. الثاني: ولد الأخوات: فالأخت ترث، ولكن ولدها لا يرث: فالأخت الشقيقة ترث، أما ابنها وبنتها فلا يرثان، والأخت لأب ترث، وبنتها لا ترث، وابنها لا يرث، أي أن الأخت الشقيقة والأخت لأب لا يرث أولادهما، فيكونون من ذوي الأرحام ذكوراً وإناثاً. الثالث: بنات الإخوة: فالأخ يرث، وابن الأخ، ولكن بنت الأخ لا ترث، فتكون من ذوي الأرحام. والعم يرث وابنه يرث، ولكن بنت العم لا ترث. والأخ من الأم يرث، وكذلك الأخت من الأم ترث، لكن أولاد الأخ من الأم أو الأخت من الأم لا يرثون، فيكونون من ذوي الأرحام. والعم لأم، أي: أخ الأب من الأم، وهو عم الميت ولكن أخو أبيه من الأم؛ أولاده يكونون أيضاً من ذوي الأرحام. والأخوال لا يرثون، ويكونون من ذوي الأرحام. والخالات من ذوي الأرحام. والجد أبو الأم من ذوي الأرحام. وكل جدة أدلت بأبٍ بين أمين، أو بأبٍ أعلى من الجد، ومن أدلى بهم من ذوي الأرحام. فهؤلاء أحد عشر: الأول: ولد البنات. والثاني: ولد الأخوات. والثالث: بنات الإخوة. والرابع: بنات العم. والخامس: ولد ولد الأم. والسادس: العم لأم. والسابع: الخال. والثامن: الخالة. والتاسع: الجد أبو الأم. والعاشر: كل جدة أدلت بأبٍ بين أمين، أو أب أعلى منهم. والحادي عشر: من أدلى بهؤلاء.

توريث ذوي الأرحام بالتنزيل

توريث ذوي الأرحام بالتنزيل متى يرثون؟ يقول: يرثون إذا لم يكن هناك أصحاب فروض، ولا أصحاب عصبة. وكيف يرثون؟ ويرثون بالتنزيل: أي: ننزلهم مكان من أدلوا به كبنت بنت حجبت بنت بنت ابن، أو عمة قد حجبت بنتاً لعم فيرثون بالتنزيل، فإذا كان عندك بنت بنت وبنت بنت ابن، فبنت البنت تنزل منزلة البنت فتأخذ النصف، وبنت بنت ابن تنزل منزلة بنت ابن فتأخذ السدس، فتعطيهما المال فرضاً ورداً، هذه بمنزلة أمها، وهذه بمنزلة أمها، هذا هو التنزيل. كذلك إذا كان عندك بنت أخت شقيقة وبنت أخت من الأب ففي هذه الحال: بنت الشقيقة لها النصف، وبنت الأخت من الأب لها السدس، فيكون المال من أربعة، يقسم عليهما من أربعة. ولو كان هناك جماعة أدلين بواحدة فلهن فرضها. فإذا كان عندك مثلاً ثلاث بنات أخت شقيقة، وأربعة أبناء أخت من الأب، فبنات أو أبناء الشقيقة لهن النصف، وبنات أو أبناء الأخت من الأب لهن السدس، فيرثون بالتنزيل، فتعطي هؤلاء سهماً، وهم الذين أدلوا بالأخت من الأب، وهؤلاء ثلاثة، فهذا معنى التنزيل. وبنات الإخوة بمنزلة الإخوة: فإذا كان عندك بنت أخ فإنها تأخذ المال كله، تقول: أنا بمنزلة أبي، فإن أبي لو كان موجوداً لأخذ المال كله، فتنزل منزلة أبيها، وبنت العم تنزل منزلة العم؛ لكن إذا كان عندك بنت أخ وبنت عم: فبنت الأخ تحجب بنت العم، تقول: إن والدي يحجب والدكِ، أي: الأخ يسقط العم، فيكون المال لبنت الأخ دون بنت العم. وكذلك مثلاً إذا كان عندك بنت بنت، وعندك بنت أخ لأم، أليس البنت تسقط الأخ لأم؟ فكذلك بنت البنت تسقط بنت أخ لأم، تقول: أمي تسقط أباكِ، فأنت ساقطة، نعم. هذه تقول: أنا بنت أخ الميت من أمه، أي: أبي أخوه من أمه، لكن هذه تقول: أنا بنت بنته، فبنت البنت أقرب، فتسقط ابن أخ لأم. العمة: العمات أيضاً يدلين بالأب، والخالات يدلين بالأم، فإذا كان عندك عمة وخالة، فافرض أن عندك أباً وأماً، فالعمة لها ميراث الأب، والخالة لها ميراث الأم، فتعطي هذه الثلث وهذه الثلثين. وإذا كان عندك عمتان، عمة أخت للميت من أبيه، وعمة أخته من أبويه، أي: شقيقة، وكذلك أخت الأم شقيقة وأختها من الأب؛ ففي هذه الحال الثلث الذي للخالات يقسم أرباعاً بينهما، والثلثان اللذان للعمات يقسمان أرباعاً: للتي من الأب واحد، وللتي من الشقيقة ثلاثة، كما لو كان ميراثهم، هذا معنى: تنزيلهم منزلة من أدلوا به.

ميراث ذكور ذوي الأرحام وإناثهم

ميراث ذكور ذوي الأرحام وإناثهم قوله: (ذكرهم كأنثاهم) يعني: إذا كان عندك أولاد بنت، البنت تأخذ النصف وتأخذ المال كله إذا لم يكن وارث إلا هي، فإذا كان موجوداً لها خمسة أبناء وخمس بنات، فيقسم المال بينهم على عدد رءوسهم للذكر مثل حظ الأنثى، لماذا؟ لأنهم يرثون بالرحم المجردة.

ميراث أحد الزوجين مع ذوي الأرحام

ميراث أحد الزوجين مع ذوي الأرحام إذا كان معهم زوج أو زوجة، فإن كلاً من الزوجين يأخذ فرضه كاملاً بلا حجب ولا عول، والباقي يكون لهم. فإذا كان عندك زوج، وعندك عمة وخالة، فتقول: الزوج له النصف، والعمة والخالة لهما الباقي نقسمه أثلاثاً، للخالة ثلثه وللعمة ثلثاه؛ لأن الأب يأخذ سهمين والأم تأخذ سهماً، فأنت أيتها العمة لك نصيب الأب، وأنت أيتها الخالة لك نصيب الأم. فأعطينا الزوج النصف كاملاً، وقسمنا الباقي الذي هو النصف بين العمة والخالة أثلاثاً. وكذلك لو كان عندنا زوجة أعطينا الزوجة الربع كاملاً، وأعطينا الثلاثة الأرباع للعمة والخالة، للعمة ميراث الأب، وللخالة ميراث الأم، فإن كان عمات وخالات، فميراث الأب للعمات، وميراث الأم الذي هو الثلث للخالات بينهن، وهكذا. الناظم الرحبي لم يذكر باب الرد، ولا ذكر باب ذوي الأرحام؛ لأن الشافعية لا يورثون ذوي الأرحام ولا يردون، وإنما يجعلون الميراث لبيت المال إذا زاد.

ميراث الحمل

ميراث الحمل وقد ذكر العلماء أبواباً لم يذكرها المؤلف هنا، وقد ذكرها الشيخ رحمه الله في رسالته، منها: ميراث المفقود، وميراث الخنثى المشكل، وميراث الغرقى والحرقى ونحوهم، وقد توسع العلماء في ذكرهم. هنا ذكر ميراث الحمل، قال: (الحمل يرث ويورث إن استهل صارخاً) : إذا مات رجل وله امرأة حامل، فإن هذا الحمل يرث، ولكن يوقف المال حتى يولد، فإذا ولد حياً واستهل صارخاً أعطي نصيبه من الميراث كإخوته. وكذلك إذا ولد (ووجد دليل حياته، سوى حركة يسيرة أو تنفس يسير، أو اختلاج) ، وحركة الاختلاج: هي اضطراب اللحم، يعني: أنه قد يخرج ميتاً فيتحرك لحم فخذه؛ ذلك لأنه لما خرج من مكان ضيق فقد يختلج اللحم، ولا يدل ذلك على حياة، فلا بد أن يولد حياً؛ بأن يستهل صارخاً، أو يتنفس تنفساً يدل على حياته، أو يتحرك حركة ظاهرة تدل على حياته، ثم إذا ولد حياً ثم مات ولو بعد دقيقة أو دقائق، فإن ميراثه لورثته، فيجعل له نصيب من هذا المال ويقسم على ورثته الذين يرثونه لو كان من الأحياء. إذا طلب الورثة القسمة قبل أن يولد الحمل وقف له الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين، يقول الناظم: وإن يك في مستحق المال خنثى صحيح بيّن الإشكال فاقسم على الأقل واليقين تحظ بحظ القسم والتبيين ثم يقول: وهكذا حكم ذوات الحمل يعني: أنه يبني على اليقين. واحكم على المفقود حكم الخنثى إن ذكراً يكون أو هو أنثى وهكذا حكم ذوات الحمل فابن على اليقين والأقل فصورة ذلك: إذا مات رجل وله ابن وله زوجة حامل، ففي هذه الحال إذا طلب الورثة القسم نوقف للحمل ميراث ذكرين؛ لأنه أكثر من ميراث أنثيين، فميراث الذكرين في هذه الحال أكثر، فنقول: بالنسبة للزوجة لا ندري هل يولد حياً أو يولد ميتاً، فإن ولد حياً فإنه يرث، وإن ولد ميتاً فإنه لا يرث، الزوجة لها الثمن لا يزيد ولا ينقص، وأما الابن فإنه إن كان أنثى فله ثلثا الباقي، وإن كانا أنثيين فله نصف الباقي بعد الزوجة، وإن كانا ذكرين فله الثلث، فالأحظ للحمل أن نقدره ذكرين لا أنثيين، متى يكون ميراث الأنثيين أكثر؟ إذا مات ميت عن امرأة حامل وأبوين، إذا قدرناه ذكرين ورث ثلاثة عشر من أربعة وعشرين، وإذا قدرناه أنثيين ورث ستة عشر من أربعة وعشرين عائلة إلى سبعة وعشرين، فنقدره أنثيين؛ لأنهما أكثر إرثاً، ثم إذا ولد أخذ نصيبه ورد ما بقي، أي: إذا قدرناه أنثيين ثم ولد وإذا هو أنثى، فالأنثى لا ترث إلا النصف اثني عشر، ونحن وقفنا لها ستة عشر، فترث نصيبها وترد الباقي على الأب، وإذا قدرناه أنثيين وقفنا ستة عشر، ثم ولد ذكر أو ذكران في هذه الحال أيضاً يأخذ نصيبه، ويرد على الأبوين ما نقصهما؛ لأننا نقصنا الأبوين ونقصنا الزوجة، وجعلنا المسألة فيها عول. يقول: (ويدفع لمن لا يحجبه إرثه كاملاً، ولمن ينقصه اليقين) : الذي لا يحجبه كالأم فإنه لا يحجبها، لوجود الذكر، والزوجة لا يحجبها، لوجود الفرع الوارث، فيدفع لهما نصيبهما والباقي يوقف للحمل، وهو الأكثر كما ذكرنا.

ميراث القاتل والرقيق

ميراث القاتل والرقيق بقي مسألة القتل: ذكرنا فيما تقدم أن من قتل مورثه فإنه لا يرثه، ولو بمشاركة أو بسبب، وعلامة ذلك: إذا لزمه قود أو دية أو كفارة كما تقدم. كذلك ذكرنا فيما تقدم أن الرقيق لا يرث ولا يورث، وأن المبعض الذي نصفه حر ونصفه رقيق يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية. انتهى كتاب الفرائض، وننتقل إلى كتاب العتق إن شاء الله.

شرح أخصر المختصرات [56]

شرح أخصر المختصرات [56] من مميزات الشريعة الإسلامية: معاملة الضعفاء بالحسنى، ومن ذلك رفقها بالعبيد، وحثها على عتقهم، وهذا أمر طبقه المسلمون وعملوا به ابتغاء وجه الله تعالى. ومن العجب أن نسمع من الكفار اليوم الطعن على الإسلام بقضية الرق، وهم يسترقون الأحرار، ويقتلون النساء والأطفال، ويستخدمون من ليس منهم في أشق الأعمال وأنكرها ظلماً وعدواناً. والعتق له أحكام كثيرة اهتم بها الإسلام، كأحكام الكتابة، والتدبير، وأمهات الأولاد، والوصية بالعتق، وغير ذلك مما بينه العلماء والفقهاء.

مقدمات لأحكام العتق

مقدمات لأحكام العتق قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب العتق. يسن عتق من له كسب ويكره لمن لا قوة له ولا كسب، ولا تصح الوصية به، بل تعليقه بالموت وهو التدبير، ويعتبر من الثلث. وتسن كتابة من علم فيه خيراً وهو الكسب والأمانة، وتكره لمن لا كسب له. ويجوز بيع المكاتب، ومشتريه يقوم مقام مكاتبه، فإن أدى عتق، وولاؤه لمنتقل إليه. وأم الولد تعتق بموت سيدها من كل ماله، وهي من ولدت ما فيه صورة ولو خفية، من مالك ولو بعضها، أو محرمة عليه، أو من أبيه إن لم يكن وطئها الابن، وأحكامها كأمة إلا فيما ينقل الملك في رقبتها أو يراد له. ومن أعتق رقبة أو أعتقت عليه فله عليها الولاء، وهو أنه يصير عصبة لها مطلقاً عند عدم عصبة النسب] . العتق: هو إزالة الرق، أو هو: تحرير الرقاب وإزالة الرق عنها. يقول: (يسن عتق من له كسب) . السنن ما فيها أجر وثواب، وقد ورد ما يدل على عظم الأجر، وهو مشهور قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار، حتى فرجه بفرجه) ، وهذا دليل على فضل العتق. الأصل أن الرق إنما يجوز لأجل الكفر، يقولون في تعريف الرقيق: هو عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر. هكذا عرفوه، وذلك لأن الكفار تعبدوا لغير الله وعبدوا غيره، فصاروا عبيداً للشيطان، ومن عبد غير الله فإنما يعبد الشيطان، وإذا كانوا كذلك فإن الله أباح استرقاقهم، فإذا استولى عليهم المسلمون فإنه يجوز استرقاقهم واستعبادهم، ويكونون ملكاً لمن استولى عليهم؛ وذلك لأنهم لما خرجوا عن عبودية الله، وبلوا برق النفس والشيطان، فكان من أثر ذلك أن أباح الله استرقاقهم، وأنهم يكونون من ملك اليمين. فنساؤهم يملكهن من استولى عليهن، ورجالهم كذلك، فالمملوك يصير رقيقاً لمن كان تحت يده، فيستخدمه ويلزمه بما يلتزم به، وكذلك الأمة يستخدمها، ويطؤها كسرية، فتكون حلالاً له؛ لقول الله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:6] ، فجعل الاستمتاع بملك اليمين حلالاً.

أمر الإسلام بالإحسان إلى الرقيق

أمر الإسلام بالإحسان إلى الرقيق ولما أباح الله تعالى الرق أمر بمعاملة الأرقاء معاملة حسنة، ورد في حديث: (أن أبا ذر سب رجلاً كأنه مملوك، فعيره بأمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده؛ فليلبسه مما يلبس، وليطعمه مما يطعم، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) . وقد أمر الله تعالى بحسن الملكة، وجعل للمماليك حقاً من الحقوق العشرة في آيات الحقوق العشرة، وهي قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36] ، أي: أحسنوا إليهم، فجعل لهم حقاً مع الوالدين والأقربين ونحوهم، فإذا كان كذلك دل على أن الإسلام جاء بالإحسان إليهم.

الجواب على شبهات الكافرين حول الرق في الإسلام

الجواب على شبهات الكافرين حول الرق في الإسلام اشتهر في هذه الأزمنة أن الكفار والنصارى ونحوهم يعيبون المسلمين، ويقولون: تستخدمون أخاكم الذي هو رجل مسلم مثلكم! تستخدمونه وتجعلونه كسلعة، وتبيعونه وتشترونه كأنه بهيمة! هذا لا يبيحه العقل، هذا لا يجيزه إنسان ذو عقل، فعابوا على المسلمين أنهم يبيحون الرق، وأنهم يجيزون أن يملك الإنسان إنساناً وأن يستخدمه! وA أولاً: أنه ما استبيح إلا لأنه كان عبداً للشيطان، كافراً بالله تعالى، فلما كان كافراً أباح الله للمسلمين إذا تغلبوا عليه أن يسترقوه وأن يجعلوه مملوكاً لهم، بدل ما كان عبداً للهوى والنفس والشيطان. ثانياً: معلوم أنهم إن استولوا على النساء وعلى الأولاد، فإنهم يستولون عليهم ويكونون مماليك، وأما الرجال والأكابر فقد يخيّرون إذا استولوا عليهم بين أربعة أشياء: بين أن يكونوا أرقاء ولو كانوا كباراً. وبين القتل لأنهم كفار. وبين المنّ عليهم. وبين أخذ الفدية. قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد:4] يعني: أوثقوهم وأسروهم {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4] فخيرهم بين المن وبين الفداء، ولما أسر الذين أسروا في غزوة بدر منَّ النبي صلى الله عليه وسلم على بعضهم، وفادى ببعضهم، وقتل بعضهم، وكذلك استرق بعضهم، فكان هذا هو الذي جاء به الإسلام. معلوم أنه إذا كان رقيقاً وهو كافر، فإن صاحبه الذي هو في ملكه قد يبيعه، فتشتريه أنت وتبذل ثمنه، فإذا أسلم بقي مملوكاً حتى لا يضيع مالك الذي بذلته فيه، فيبقى على رقه بعد أن يسلم؛ وذلك لأنه أصبح مملوكاً، وأصبح مالاً متمولاً، ولو كان من أسلم تحرر لضاعت أموال كثيرة. فالمسلمون يتبادلون هؤلاء الأرقاء فيبيع هذا ويشتري هذا، فإذا اشتراهم وهم أرقاء ثم أسلموا بقوا على رقهم، وحق له أن يستخدمهم، وله أن يبيعهم، وله أن يعتقهم.

كثرة سبل العتق في الإسلام

كثرة سبل العتق في الإسلام

كفارات الذنوب بعتق الرقاب

كفارات الذنوب بعتق الرقاب وقد جاءت الأدلة تحث على كثرة العتق، وجعل ذلك في كفارات الذنوب: جعل الله في كفارة الظهار تحرير الرقبة في قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة:3] أي: عتقها، وذلك من الحرص على أن الرقاب التي أسلمت يزول الرق عنها. وكذلك في كفارة القتل: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] جاء في هذه الآية (مؤمنة) في ثلاثة مواضع: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] ، فذكر الله تحرير رقبة مؤمنة في ثلاثة مواضع في هذه الآية، فيحمل قوله في سورة المجادلة: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3] على أنها مؤمنة؛ لأن الأجر فيها. وكذلك في كفارة اليمين في قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:89] ثم قال: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة:89] ثم قال: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:89] ، فالرقبة هنا أيضاً أطلقت، ولكن يحمل المطلق على المقيد، لأن الأجر يكون في تحرير الرقبة المؤمنة، فيقولون: لا بد أن تكون مؤمنة، وكذلك في كفارة الوطء في نهار رمضان، جاء في السنة الأمر بعتق رقبة مؤمنة.

حكم من أساء إلى عبد

حكم من أساء إلى عبد ثم أيضاً ورد الحرص على تحرير الرقاب، فمن ذلك: أن من قطع عضواً من عبده فكفارته أن يعتقه، أو لطمه، وفي حديث النعمان بن مقرن يقول: (كنا عشرة إخوة أو تسعة، ليس لنا إلا خادم واحدة تخدمنا، فلطمها أصغرنا، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقوها) يعني: كفارة تلك اللطمة أنها تعتق، فأمر بإعتاقها! كذلك أيضاً ورد عن أبي مسعود أنه سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب عبداً له، فقال: (اعلم أبا مسعود! أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعتق ذلك الغلام، فقال: لو لم تفعل للفحتك النار) يعني: على ضربك له. وورد أيضاً النهي عن التمثيل بالمملوك، في حديث: (من لطم عبده لطمناه، ومن مثّل بعبده فإنه يعتق، من جدع عبده جدعناه) يعني: عقوبة له على هذا الفعل. كما جاء الأمر بإحسان الملكة، أي: الإحسان إلى المملوك، حتى ورد في حديث: (إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه ليأكل، فإنه ولي حره وعلاجه، فإن لم يفعل فليناوله لقمة أو لقمتين) بمعنى: أن عادة السيد أن يكون له الطعام الحسن الشهي، والذي يتولى إصلاحه هو عبده، فإذا جاءه به فعليه أن يطعمه معه، وأن يجلسه معه. وقد عمل بذلك أبو ذر لما أنه عيّر رجلاً بأمه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعيرته بأمه؟ هم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) ، فكان أبو ذر إذا لبس حلة ألبس مملوكه مثلها، ويساويه بنفسه، وإذا اشترى حذاء اشترى لعبده مثله، وإذا اشترى عمامة اشترى لعبده مثلها، وكذلك أيضاً يواسيه: فلا يأكل إلا معه؛ يواسيه في الأكل، يواسيه في الشرب، وفي اللباس، وما أشبه ذلك، كل ذلك حرصاً منه على حفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم) .

سريان العتق على من أعتق شركه في عبد

سريان العتق على من أعتق شركه في عبد ومن الوسائل لعتق الرقاب عتق من أعتق بعضه، ورد في حديث: (من أعتق شركاً له في عبد قوّم عليه قيمة عدلٍ، لا وكس ولا شطط، فأعطى شركاءه حصصهم، وإلا عتق منه ما عتق) ، صورة ذلك: إذا كان عبد مشترك بين خمسه، فأعتق أحدهم نصيبه، ألزمناه بأن يشتري بقية أربعة الأخماس، فنقوّم العبد بثمن متوسط، فيشتريه ويعطي كل واحد منهم حصته وثمنه، حتى يكون العبد حراً، ويكون ولاؤه له، فإن لم يكن له مال فإن العبد يكون مبعضاً، يعتق منه جزؤه الذي أعتقه ذلك المعتق وهو أحد الشركاء، أما إذا كان له مال بحيث يقدر على أن يشتري أنصباء شركائه، فإن عليه أن يشتريه. ثم استحباب العتق خاص بمن له كسب، أي: من إذا أعتقته قدر على أن يكتسب أموالاً ويغني نفسه، هكذا استحبوا.

مقارنة بين الاسترقاق عند المسلمين والكفار

مقارنة بين الاسترقاق عند المسلمين والكفار والحاصل: أن مسألة الرق من محاسن الإسلام، فالدول الأخرى إذا استولوا على النساء وعلى الأطفال وعلى الرجال. حصدوهم حصداً، فقتلوا الأطفال وقتلوا النساء ونحوهم، ولا شك أن إبقاءهم مماليك أفضل من قتلهم، وكذا من إيداعهم في السجون، وإطالة سجنهم، فإنهم إذا كانوا مماليك ينفعون غيرهم ويخدمون أهلهم، فينتفعون بالحياة، ويريحهم السيد من كد التعب والكسب، ويقوم بكفايتهم ويعطيهم ما يحتاجون إليه، فأيهما أفضل: ذلك أم قتلهم كما تفعله الدول الكافرة؟! يعيبوننا ويقولون: كيف تستحلون ملكية الإنسان، وتجعلونه كسلعة؟ ولا يفكرون في حالتهم هم، حيث إنهم يقتلون الأطفال، ويقتلون الرجال، ويودعونهم السجون مدة طويلة، فأيما أفضل لهؤلاء المستولى عليهم؟ لا شك أن كونهم يبقون أحياء ينفعون أنفسهم وينتفعون، وقد يتعرضون لأن يكونوا عتقاء يعتقهم من استولى عليهم، ذلك بلا شك خير. ثم في القرن الماضي في أول القرن الرابع عشر وفي آخر القرن الثالث عشر، كان هناك أناس يسرقون بعض الأطفال ويبيعونهم على أنهم مماليك، فيأتون إلى بعض البلاد التي فيها شيء من الجوع ونحوه، مثل السودان أو الحبشة وتلك البلاد، ثم يستدعون بعض الأولاد الذين في سن العاشرة والحادية عشرة، ويختطفونه فيطعمونه ويكسونه ويقولون: اذهب معنا ونحن نطعمك ونعطيك ونحو ذلك. فيذهب معهم يعتقد أنهم سوف يحسنون إليه، ويأتون إلى هذه البلاد ويبيعونه على أنه مملوك، وكثر بيع هؤلاء الذين ليسوا مماليك، وإنما هم أحرار، فلما كثر بيعهم وقلّ أو انقطع الجهاد من عشرات السنين، رأت الحكومة في هذه البلاد أن أكثر هؤلاء المماليك ليست ملكيتهم صحيحة، وأنهم مظلومون، وأنهم قد بيعوا وهم أحرار، فرأت الحكومة تحريرهم، ففي سنة ست وثمانين صدر الأمر بتحرير كل الرقاب الموجودين في المملكة، وتعويض أهاليهم عنهم، ولو كان عند أحدهم عشرة أو عشرون دفعت الحكومة قيمهم وتحرروا، ولم يبق في هذه البلاد أرقاء. ولكن إذا حصل قتال مع الكفار ثم حصل الاستيلاء على سبيهم، فإن الرق يعود، وهذا هو الأصل؛ لأن أصله الاستيلاء على سبي المشركين أطفالهم ونسائهم ونحو ذلك، فإذا قوتل مثلاً اليهود واستولي على سبيهم فلا شك أنهم يكونون أرقاء، وكذلك إذا استولي على سبي بعض المشركين والكفار، فلو أن المجاهدين في الأفغان أو في الشيشان يستولون على سبي من سبي الكفار الذين هم شيوعيون كفرة، فإنهم يسترقون، ولكنهم لم يتجرءوا على السبي، لأجل ذلك من استولوا عليه قتلوه، مع أنه قد ورد النهي عن قتل النساء والصبيان في الحرب؛ وذلك لأنهن لا يقاتلن، وكما ذكر أن في غزوة وجدوا امرأة مقتولة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كانت هذه لتقاتل) . لهذا إذا استولى المسلمون في حرب من الحروب الإسلامية التي هي ضد الكفار على سبيهم من نساء وأطفال، فإنه لا يجوز قتل النساء والأطفال، بل إما أن يمنوا عليهم، وإما أن يسترقوهم، وإما أن يفادوا بهم: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4] . ذكر أيضاً أنه يكره عتق من لا قوة له ولا كسب؛ لأن الأرفق به أن يبقى عند سيده، ينفق عليه، فإذا كان هناك مملوك كبير السن، إذا أعتقه فمن الذين ينفق عليه، لكبر سنه وعجزه، إذ لا قوة له، وليس له قدرة على الكسب؟ فبقاؤه في رق سيده ينفق عليه ويقوم بكفايته أولى به من العتق وأفضل، مع أن العتق فيه هذا الأجر الكبير.

الوصية بالعتق والتدبير

الوصية بالعتق والتدبير قوله: (ولا تصح الوصية بالعتق) ، يعني: لا يصح أن يقول: أوصيت بعتق فلان رقيقي، قد تقدم أنها تصح الوصية للعبد بجزء مشاع من المال -كما تقدم في الوصايا- كثلثه، فيقول: إذا مت فأعطوا ثلث مالي عبدي سعيداً، فإذا قدروا نصف ماله أنه مائة بما فيه العبد، وقيمة العبد مائة عتق كله، وإذا قدر أن قيمة العبد مائة، وثلث المال بما فيه العبد مائتان عتق العبد وأخذ مائة. فأما الوصية به، أن يقول: إذا مت فأعتقوا من مالي كذا، فهذا لا يصح؛ وذلك لأنه تتعلق به بعد ذلك حقوق الورثة. أما تعليقه بالموت وهو التدبير فيصح، والتدبير أن يقول لعبده: أنت حر بعد موتي، أو أشهدكم أني دبرت هذا المملوك أو هذه الأمة. دبرتها: يعني جعلتها حرة بعد موتي، التدبير معناه: أن يعلق عتقه بموته، فيقول: إذا مت فعبدي حر، لماذا سمي تدبيراً؟ لأنه دبر حياته باستخدام العبد، ودبر ما بعد الموت بحصول أجر العتق، فما دام مدبراً فإنه يستمتع به فيستخدمه، وكسبه له، وإن كانت أمة فله وطؤها؛ لأنها لم تخرج عن ملكه، فيكون بذلك كأنه دبر حياته ودبر ما بعد الموت، هذا تعليقه بالموت وهو التدبير. وإذا دبره وعتق بعد موته عتق من الثلث، إن خرج من الثلث خرج كله، وإن لم يخرج عتق منه بقدر ثلث ماله إلا أن يجيز الورثة ما زاد على الثلث، هذا المدبر في حديث جابر ذكر أن رجلاً أعتق مملوكاً له عن دبر، ليس له مال غيره، فباعه النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه ثمنه، وقال: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها) إلى آخره. فدل على جواز بيع المدبر، إذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي، أو: إذا مت ففلان حر، فإنه يجوز له في الحياة أن يبيعه وينتفع بثمنه، فإذا باعه بطل التدبير، وإذا دبره وعتق بعد الموت فإنه لا يعتق إلا إذا خرج من الثلث، فإن كان أقل من الثلث عتق منه بقدر الثلث بما في ذلك قيمته.

مكاتبة المملوك

مكاتبة المملوك

حكم كتابة من علم فيه خير

حكم كتابة من علم فيه خير يقول: (وتسن كتابة من علم فيه خيراً) : هذا يسمى المكاتب، وقد ذكر في القرآن، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور:33] وصورة ذلك أن يقول العبد: أنا أشتري نفسي وأستطيع أن أحرر نفسي، أعمل لنفسي، وأؤدي دين الكتابة، فيتفق مع سيده على أن يشتري نفسه بثمن مقسط، يؤدي كل شهر أو كل سنة قسطاً، إلى أن يؤدي الثمن كله فيعتق، هذا هو المكاتب. وذلك فيما إذا كان يعلم منه أنه قادر على الكسب، وهذا معنى قوله: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور:33] ، فالخير في الآية: الكسب والأمانة، فإذا علم بأنه مأمون، بحيث إنه لا يهرب، ولا يبقى كلاً على الناس يتكفف الناس ونحوه؛ ففي هذه الحال يكاتبه إذا طلب العبد، فيقول: قيمتك مثلاً عشرة آلاف، وأنا أبيعك نفسك بخمسة عشر، تعطيني كل سنة ألفين حتى تتحرر، هذه هي الكتابة، يعني مكاتبته، فيحرص العبد على أن يؤدي الأقساط، يشتغل بالأجرة أو بالتجارة، أو يكون له حرفة يدوية أو ما أشبه ذلك، فيؤدي الكتابة التي تلزمه. فإذا تأخر سنة فلسيده أن يلغي الكتابة، ويقول: أنت لست أهلاً؛ وذلك لأنك ما عملت بما وعدت، حيث إنك ما أديت الكتابة والدين في حينه، فإذا ألغاه لُغي، وعاد قناً، وهكذا إذا عجز وجاء إلى سيده وقال: عجزت، فإنه يعود مملوكاً له، ويعود إلى كونه رقيقاً، ورد في حديث: (المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم) . والحاصل: أنه إذا علم فيه خيراً فإنه يكاتبه.

حكم كتابة من لا كسب له

حكم كتابة من لا كسب له قوله: (وتكره لمن لا كسب له) : لأنه إذا لم يكن له كسب يكون كلاً على الناس، يتسول ويمد كفه إلى الناس: أعطوني أنا أنا، لا شك أن له حقاً، بل له حق في الزكاة؛ لقول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة:60] ، فسرت الرقاب هنا بأنهم المماليك المكاتبون، وأن لهم حقاً في الزكاة، فيعطون حتى يساعدوا على تحرير أنفسهم. فإذا علم فيه خيراً فإنه يكاتبه، وإذا عرف بأنه ليس من أهل الكسب، ولا من أهل القدرة على أداء ما التزم به، أو خاف أنه يهرب، فإن الكتابة لا تصح؛ لأنه يساعده على الإفساد، وكثير من المماليك إذا عتق فسد، من حيث يقع في الزنا، ويقع في المسكرات، ويقع في الفواحش وما أشبهها، فبقاؤه مملوكاً أولى به.

بيع المكاتب

بيع المكاتب يقول: (ويجوز بيع المكاتب، ومشتريه يقوم مقام مكاتبه) : دليل ذلك قصة بريرة: أنها كاتبت أهلها على تسع أواق الأوقية أربعون درهماً، يعني: نحو ثلاثمائة وستين درهماً، وقيمتها يمكن أنها مائتا درهم، ولكن لما كانت مؤجلة زادوا في ثمنها، ولكن جاءت إلى عائشة تطلب منها أن تساعدها في دين كتابتها، فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أدفع لهم الثمن ويكون ولاؤك لي فعلت، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها بأن تشتريها ويكون لها الولاء، لكن أهلها الذين كاتبوها قالوا: نريد أن يكون الولاء لنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق) ، فجعل الولاء لمن أعتق، وفي هذه الصورة عائشة هي التي أعتقتها، فهذا معنى قوله: (يجوز بيع المكاتب) . وقوله: (ومشتريه يقوم مقام مكاتبه) : إذا اشتراه المشتري مكنه من الاحتراف، فإن أدى ما عليه عتق، وكان ولاؤه للمشتري، وإن عجز عاد رقيقاً وصار مملوكاً للمشتري، أي: إذا أدى عتق وولاؤه لمن انتقل إليه، فالذي باعه باع العبد وثمنه وولاءه.

عتق أمهات الأولاد

عتق أمهات الأولاد ذكر بعد ذلك أم الولد فقال: (تعتق بعد موت سيدها من كل ماله) : أم الولد هي الأمة التي يطؤها سيدها فتلد منه ولداً واحداً أو عدداً، ذكراً أو أنثى، فإنها تصير أم ولد، وسواء كان ذلك الولد حياً أم ميتاً إذا وضعته بعدما يتبين فيه خلق الإنسان، يعني: إذا وضعت ما تبين فيه خلق الإنسان كرأسه، وعلامة رأسه عيناه وشفتاه، أو يداه ورجلاه، وأصابع يديه ورجليه، أي أنها وضعت حملاً ولو ميتاً، وقد مضى عليه نحو أربعة أشهر، فإذا وضعته أصبحت أم ولد. وما دامت أم ولد فإن حكمها حكم الأمة عند سيدها، له أن يطأها، وله أن يستمتع بها، وله أن يستخدمها، إلا في نقل الملك؛ فليس له أن يبيعها، ولا أن يهبها لمن يملكها، لماذا؟ لأنه قد انعقد سبب عتقها؛ وذلك لأنها لما ولدت منه صار لها من تمنّ عليه وهو ولدها، في هذه الحال إذا مات سيدها عتقت من رأس المال.

عتق أم الولد ممم يحسب

عتق أم الولد ممَّم يحسب تعتق أم الولد بموت السيد من كل المال، لا من الثلث. وذهب بعض العلماء: إلى أنها تعتق من نصيب ابنها؛ لأنها ولدته، فسواء كان واحداً أو عدداً، وسواء كان ذكراً أم أنثى، فكأنهم يقولون: إن ولدها يملكها، وإذا ملكها فإنه لا يستخدمها، بل تعتق عليه. وقد ذكروا من أسباب العتق: أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه، فإذا ملك الإنسان أباه عتق، أو ملك ابنه عتق، أو ملك أخاه أو ابن أخيه أو عمه أو خاله، يعني: الذي بينه وبينه محرمية، فبمجرد ما يملكه يعتقه. فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه، فكأن ابنها ملكها، أو ملك جزءاً منها، أما في حالة حياة السيد فليس لهم ملك، بل الملك للسيد، أما بعد وفاته فيملكها أولاده، ومن جملتهم ولدها الذي منه واحداً كان أو عدداً، وإذا كان ولدها قد ملكها فإنها تعتق من نصيبه. ولكن القول المشهور: أنها تعتق من رأس المال، أي: تعتق من جميع التركة، فمتى مات سيدها عتقت. تعريفها: من ولدت ما فيه صورة، ولو خفية، من مالك، يعني: ولدت من الذي ملكها مولوداً فيه صورة الإنسان، ولو كانت تلك الصورة خفية، ولكن بالتأمل يُعرف أن هذا رأسه، وأن هذا وجهه، وأن هذه عيناه، وهذه خلقته، ورجلاه، ويداه، يكون ذلك من أسباب عتقها، أنها انعقد سبب عتقها بولادتها ولداً ولو ميتاً ولكن فيه صورة الإنسان ولو خفية، وأن ذلك الولد من سيدها الذي وطئها فأحبلها.

أحكام عتق أمهات الأولاد

أحكام عتق أمهات الأولاد يقول: (ولو كان يملك بعضها، أو كانت محرمة عليه) . يعني: لو أن إنساناً وطئ أمة بشبهة فولدت منه عتقت، وكذلك لو كانت مشتركة بينه وبين ثلاثة، وهو رابعهم، فوطئها أحدهم، فحرام عليه أن يطأها، لكن بشبهة، فحملت منه فولدت؛ أصبحت أم ولد له، وعليه أن يعطي شركاءه حصصهم، وتبقى مملوكة له، فإذا مات عتقت من رأس ماله. يقول: (أو محرمة عليه) : يعني: لكونها مشتركة. (أو من أبيه) : لو وطئ أمة لأبيه فأولدها صارت أم ولد له. يقول: (إن لم يكن وطئها الابن) : لأنه يحرم على الأب أن يطأ أمة ابنه، ويحرم على الابن أن يطأ أمة أبيه، فإذا قدر أنه وطئها، وحملت منه، أصبحت أم ولد لمن وطئها. يقول: (وأحكامها كأمة إلا فيما ينقل ملك رقبتها أو يراد له) : يعني: تبقى في حال حياة سيدها كأنها أمة يستخدمها، ويطؤها، ويستمتع بها، وهي خادمة عنده، وله أيضاً أن يزوجها، وإذا زوجها وولدت أولاداً من ذلك الزوج، أصبحوا مماليك له، فإذا مات عتقت، وعتق أولادها؛ لأنه قد انعقد سبب عتقها، فيعتقون معها، هذا معنى قوله: (أحكامها كأمة إلا فيما ينقل الملك لرقبتها) ، يعني البيع أو الهبة، وكذلك الرهن؛ لأن الرهن يراد للبيع، فليس له أن يرهنها؛ لأنه قد يُعسِر ويحل الدين فيبيعها ذلك المرتهن. فلا بد أنه يحافظ عليها، فلا يبيعها، ولا يهبها، ولا يرهنها، هذا معنى: (أو يراد له) يعني: يراد للبيع، ويراد لنقل الملكية.

ولاء المعتق

ولاء المعتق ثم يقول: (ومن أعتق رقبة أو عتقت عليه فله عليها الولاء، وهو أنه يصير عصبة لها مطلقاً عند عدم عصبة النسب) : قد ذكرنا أن الولاء من أسباب الإرث، فمن الأسباب التي يحصل بها التوارث الولاء، وذكرنا أنهم عرفوه بأن الولاء: عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، فيرثه هو وورثته المتعصبون بأنفسهم، لا بغيرهم ولا مع غيرهم؛ وذلك لأنه إذا أعتق هذا العبد أو تسبب في عتقه، حتى ولو كان كفارة، أصبح ذلك العبد مولىً لذلك المعتق، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب:4] إلى قوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب:5] ، فسماهم الله إخواناً وموالي وهم عتقاء. المولى: هو الذي يتولى إنساناً، فيسمى مولىً له، ثم يطلق الولاء على ولاء العتاقة، ويطلق على ولاء الإسلام، يعني: أن هناك من تدعوه فيسلم على يديك، فيكون مولىً لك، وينتسب إلى قبيلتك، من ذلك ما ذكروا أن جد البخاري الذي هو أبو المغيرة كان مجوسياً دعاه رجل من قبيلة جعف، فأسلم على يديه، فصار يقال له: الجعفي، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، فهو جعفي بالولاء، وليس هو ولاء الرق ولكنه ولاء الإسلام، لأنه أسلم على يدي بعض قبيلة بني جعف. وهذا الولاء لا يحصل به توارث: لا ولاء الإسلام، ولا ولاء الموالاة، وهو أن يأتي إنسان ضعيف، فينضم إلى قبيلة فيقول: أنا لكم وأنا منكم، هذا أيضاً لا يحصل به التوارث. بخلاف ولاء العتق، فإنه يحصل به التوارث، ودليله: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الولاء لمن أعتق) ، لما أن عائشة أعتقت بريرة، وقد كان أهلها أرادوا الولاء لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الولاء لمن أعتق) ، فالرقيق بعد عتقه يصير مولىً لمن أعتقه، فله عليه الولاء، ويصير عصبة له مطلقاً، يرثه عند عدم عصبة النسب، أي: إذا لم يوجد له أقارب من النسب ورثه معتقه الذي منّ عليه بالعتق، وإذا مات السيد قام مقامه أولاده الذكور دون الإناث، فيكون عصبة له هو وأولاده الذكور دون الإناث. هذا آخر العتق.

شرح أخصر المختصرات [57]

شرح أخصر المختصرات [57] النكاح سنة من سنن الله عز وجل الكونية؛ وقد شرعه الله لبقاء النسل البشري، فقد خلق الله عز وجل الرجل والمرأة، وجعل بينهما غريزة النكاح، وقد جاءت الشريعة بتهذيب هذه الغريزة وحفظها من الانحراف، وللنكاح أحكام تجب معرفتها على كل من يقدم عليه.

أحكام النكاح

أحكام النكاح قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب النكاح: يسن مع شهوة لمن لم يخف الزنا, ويجب على من يخافه. ويسن نكاح واحدة حسيبة دينة أجنبية بكر ولود, ولمريد خطبة امرأة مع ظن إجابة نظر إلى ما يظهر منها غالباً بلا خلوة إن أمن الشهوة, وله نظر ذلك، ورأس وساق من ذوات محارمه ومن أمة. وحرم تصريح بخطبة معتدة على غير زوج تحل له، وتعريض بخطبة رجعية, وخطبة على خطبة مسلم أجيب. وسن عقده يوم الجمعة مساء بعد خطبة ابن مسعود] . ذكر بعضهم أن النكاح تتعلق به الأحكام الخمسة، فيكون على بعض الناس واجباً، وعلى بعضهم حراماً، وعلى بعضهم مكروهاً، ولبعضهم مستحباً، ولبعضهم مندوباً. فيكون واجباً إذا خاف على نفسه الزنا، وقدر على مئونة النكاح، وقدر على العدل وإعطاء الزوجة حقها، ففي هذه الحال يكون واجباً؛ لأنه إذا لم يتزوج خيف على نفسه إما الضرر، وإما الوقوع في الزنا ونحوه، والشيء الذي يقي عن الحرام يكون واجباً؛ فلذلك جعلوه واجباً على من يخاف على نفسه الزنا.

الحكمة من النكاح

الحكمة من النكاح ذكر العلماء الحكمة في أن الله تعالى ركّب الشهوة في جنس الآدميين كما ركبها أيضاً في بقية الحيوانات، فقالوا: الحكمة هي: وجود التوالد، وبقاء هذا الجنس من خلق الله تعالى، فإن بالنكاح يدوم ما دام أن الله تعالى أراد إبقاءه، ولما أراد الله أن يغرق أهل الأرض في زمن نوح، أمره أن يحمل من الحيوانات من كل زوجين اثنين: ذكراً وأنثى من كل صنف، فحمل من الإبل ذكراً وأنثى، ومن الفيل ذكراً وأنثى، ومن الخيل، ومن الحمر، ومن البقر، ومن المعز، ومن الضأن، وكذلك من الطيور، ومن الوحوش، ومن الظباء والوعول وما أشبهها، حشرها الله له فحمل من كل زوجين اثنين؛ لأن الغرق عم جميع الأرض، فغرق كل من على وجه الأرض، ونجا أهل السفينة، فلما نجا أهل السفينة بما فيها تناسل ذلك الخلق الذي بقي، وقد حمل حتى الحشرات ونحوها مما أذن الله تعالى بقتله كالحية والعقرب والحشرات بأنواعها، وقد جعل الله تعالى سبب بقائها هذا التزاوج، فالذكر منها ينكح الأنثى، ثم يحصل التزاوج، ويحصل بعد ذلك التواجد، فهكذا الإنسان، ركّب الله فيه هذه الشهوة التي تدفعه إلى الاتصال الجنسي، وكذلك ركب أيضاً في المرأة الشهوة ليحصل التزاوج، ويحصل التقارب؛ فيحصل بذلك التوالد، ووجود النوع الإنساني، وعدم انقطاعه، فلو كان الخلق كلهم ذكوراً ما حصل التوالد، وكذا لو كانوا كلهم إناثاً، فالذي تكون -مثلاً- إبله كلها ذكوراً لا تتوالد، وكذلك بقره أو غنمه لا يحصل التوالد إلا إذا كان هناك ذكور وإناث، فمن حكمة الله أن جعل في الإنسان هذه الشهوة التي تدفعه إلى أن يحصل منه هذا الوصال وهذا الجماع؛ فيحصل بذلك الحمل، ويحصل التوالد، ويحصل البقاء. كذلك أيضاً بعد خروج الإنسان إلى الدنيا يلقي الله في قلوب أبويه رقة وشفقة عليه؛ ليربياه إلى أن يترعرع، وإلى أن يكون إنساناً قوياً.

الترغيب في النكاح

الترغيب في النكاح جاء الترغيب في النكاح، وورد الحث عليه، قال الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:3] والخطاب للرجال، والمعنى: انكحوا -أيها الرجال! - ما طاب لكم من النساء، وفي آية أخرى قال سبحانه: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:32] الأيامى: جمع أيم، وهي: المرأة غير المزوجة، أي: أنكحوها، ولا تبقوها دائماً أيماً، وهذا حث على النكاح. ثم ورد في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج) فخاطب الشباب؛ وذلك لأنهم غالباً عندهم قوة الغلمة والشباب، ولأنهم غالباً لا يحجزهم قوة إيمان عن الوقوع في المحرم، فإذا تزوجوا حصلت لهم هذه المصلحة المذكورة: (أغض للبصر، وأحصن للفرج) . وقد وردت الأدلة في النهي عن التبتل، كما في حديث سعد في الصحيح أنه قال: (رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا) ، فـ عثمان بن مظعون اشتهر بأنه أراد الزهد في الدنيا، والانقطاع للعبادة، وترك زوجته، وكان يقال لها: الحولاء، وبقي هاجراً لها مدة، فجاءت مرة عند النساء وإذا هي متبذلة في ثياب دنسة، وشعر شعث، فأنكرن ذلك، فأخبرت بأن زوجها لا رغبة له فيها، ولا رغبة له في الدنيا، وأنه دائماً إما في صلاة وإما في صوم، فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه، وأخبره بأن هذا الانقطاع لا يجوز، وأخبره بما يجب عليه نحو زوجته، ونحو نفسه، فعند ذلك تراجع، وباشر زوجته، وأعطى نفسه شهوتها، ورد عليه هذا التبتل، يقول سعد: لو أذن له بالتبتل والانقطاع لتبتلنا، ولا نستطيع أن نصبر عن النساء إلا إذا اختصينا، يعني: قطعنا أسباب الشهوة، فكان هذا دليلاً على أنه صلى الله عليه وسلم أراد من أمته أن يأتوا ما أباح الله، وألا يتبتلوا، وألا يتركوا ما أحل الله تعالى لهم من الشهوة المباحة، بل رغبهم في ذلك. ومن الأحاديث التي تحث على ذلك، وتنهى عن ضده: (أن ثلاثة سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في السر فتقالوها، فقال بعضهم: أنا أصوم دائماً، وقال بعضهم: أنا أقوم دائماً، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء؛ فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني) ، وهذا وعيد، فالذي يترك الزواج تقشفاً يُعتبر راغباً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه يفضل فعله على فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك أيضاً ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم -وذكر منهم- المتزوج يريد العفاف) ، فإذا تزوج الإنسان يريد أن يعف نفسه عن الحرام، فإن حقاً على الله تعالى -يعني: مما جعله على نفسه- أن يعينه، وأن يسدده، وأن يخفف عنه ما قد يتحمله، وهذا مشاهد، ونعرف كثيراً من الذين كانوا فقراء لما تزوجوا أغناهم الله تعالى؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32] أي: إذا كانوا فقراء فتزوجوا للتعفف فتح الله عليهم، ورزقهم ووسع عليهم، وكذلك جاء في الحديث المشهور: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، فما ذكر إلا: (ترضون دينه وأمانته) ؛ وذلك لأنه إذا أخذ الزوجة فهو مأمون عليها؛ ولذلك جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) إلى آخره، فهن أمانة، فإذا كان المتقدم أميناً موثوقاً ديناً فإنه لا يرد، إلا إذا كان هناك أسباب أخرى.

حكم النكاح

حكم النكاح قال المصنف رحمه الله: (يسن مع شهوة لمن لم يخف الزنا) أي: أنه إذا كان عنده شهوة، ولكنه يأمن على نفسه، ويقدر على أن يحفظ نفسه من الزنا، فإنه مسنون في حقه ومستحب، فيكون النكاح مسنوناً إذا كان له شهوة، لكنه يأمن على نفسه من الوقوع في الزنا. فإذا قلت: متى يكون مباحاً؟ A يكون مباحاً إذا كان لا شهوة له، يعني: ليس له شهوة تدفعه، ولكن إذا تزوج قدر على أن يعف زوجته؛ لأن عنده قدرة على المباشرة، ولكن ليس هناك شهوة تدفعه أو يندفع بها؛ لأن أمر الشهوة يتفاوت الناس فيه: فمنهم من لا يكون له شهوة، ولكن إذا تزوج قدر على أن يعف امرأته بالوطء ولو كل شهر أو نحوه. ومنهم من يكون معه شهوة، ولكنه يقدر على أن يملك نفسه، فالشهوة تدفعه، ولكنه يستطيع أن يملك نفسه. ومتى يكون النكاح واجباً؟ الجواب: يجب على من عنده شهوة قوية يخشى إذا ترك النكاح أن تدفعه شهوته إلى فعل فاحشة الزنا أو نحوه، ويشترط: أن يكون قادراً على المئونة، وعلى إعطاء الزوجة حقها من العشرة بالمعروف ونحو ذلك. ومتى يكون مكروهاً؟ إذا علم بأنه يقصر في حقوق المرأة، ولو كان يعطيها ولكنه يظلمها أو يعطيها دون حقها. ومتى يكون حراماً؟ إذا كان يتحقق بأنه لا يعطيها شيئاً من حقها، فيظلمها فلا يعفها، ولا ينفق عليها، ويضر بها بأنواع من الضرر، بمعنى: أنه يؤذيها ويفتنها. فالحاصل: أن النكاح يكون مسنوناً لمن أمن على نفسه، ومباحاً لمن لا شهوة له، وواجباً لمن خاف على نفسه فاحشة الزنا، ومكروهاً لمن خاف التقصير في حق الزوجة، وحراماً لمن علم أنه يظلم المرأة ولا يعطيها حقها.

تعدد الزوجات

تعدد الزوجات ذكروا أنه يسن نكاح واحدة؛ وذلك لأن الزيادة عليها يعرضه للضرر، ولعدم العدل، إلا من كان قادراً، قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء:129] . واختلف: هل الأصل في النكاح التعدد أو الإفراد؟ فالذين قالوا: الأصل التعدد، قالوا: إنه الذي أمر الله به في قوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] ، فإن هذا أمر بأن ينكح أكثر من واحدة، ولكن بشرط وهو قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء:3] ، فهذا دليل من يقول: الأصل التعدد. دليل من يقول: الأصل الإفراد قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] ، فهذا دليل على أن الإنسان غالباً لا يستطيع العدل بين الزوجات إلا بصعوبة، وسوف يأتينا في باب العِشْرَة أنواع العدل، إن شاء الله.

مقاصد الناس في النكاح

مقاصد الناس في النكاح وصف المصنف من يستحب نكاحها بأنها حسيبة، يقول المعلق: أصل الحسب: الشرف بالآباء أو بما يعده الإنسان من مفاخرهم. وقوله: (يسن أن تكون حسيبة) يعني: من قوم ذوي شرف، واختلف في حقيقة الشرف: فمن الناس من يقول: إن الشرف هو: الكرم والسخاء والجود، والشجاعة والشهرة والإقدام، وإنه بذلك يكون شريفاً، ولكن هذا أيضاً ليس بمطرد، ولا ينتفع به الخلف، فلا ينتفع خلف بشرف آبائهم وأسلافهم، ولذلك ورد النهي عن الافتخار به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوام عن فخرهم بآبائهم الذين ماتوا أو ليكونن أهون على الله من الجعلان) يعني: أنهم يفتخرون بآبائهم وأسلافهم، وفي حديث آخر: (إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب) ، وفي حديث أخر أنه قيل: يا رسول الله! من أكرم الناس؟ فقال: (أكرمهم عند الله أتقاهم) إلى آخر الحديث، فيكون الحسب هو: التقوى والديانة. ولا شك أيضاً أن من الحسب شرف النسب، وقال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: أن أكثر الناس إنما يسألون عن هذه الأربع، فمنهم من يسأل عن شرف الآباء، فهذه أهلها أوفياء وشجعان وكرماء وأمراء وقادة وسادة؛ فلها شرف ولها نسب رفيع، ثم يذكرون أن هذا الشرف قد يحملها على صيانة نفسها، وصيانة عرضها، وصيانة زوجها، وحفظ نفسها، فلا تتعرض لما يقدح في شرفها، ولما يجلب السمعة لأهلها، فيكون ذلك مما يجلب لها سمعة سيئة، فيذكرون أنها إذا كانت ذات نسب وذات شرف حفظت نفسها عن الدناءات، وعن الأقذار، وترفعت عما لا يستحسن، فتتخلق بالأخلاق الرفيعة، وتتخلى عن الأخلاق الدنيئة التي تقدح في شرفها، والتي تجلب لأهلها سمعة سيئة، فهذا لا شك أنه يقع، ولكن ليس بمطرد دائماً؛ وذلك لأن كثيراً من الناس ذكوراً وإناثاً آباؤهم أهل صيانة وأهل حسب وأهل شرف، ومع ذلك لا يكونون مثلهم ولا قريباً منهم، فلا ينفعهم شرف آبائهم، كما يقول الشاعر: إذا افتخرت بأقوام لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا أي: أنك ما وافقتهم على شرفهم، بل صرت مخالفاً لهم خلافاً ظاهراً، فحسب الإنسان هو فعله، وكما قال بعضهم أيضاً: كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محموده عن النسب فالحاصل: أن هذا مقصد من المقاصد، وهو كونها حسيبة. وقوله: (دينة) أي: ذات دين، ولا شك أن هذا من المقاصد الحسنة؛ لقوله في الحديث: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، وهذا أيضاً مقصد من المقاصد. وأما مقصد الجمال فهو أيضاً بلا شك من المقاصد المعروفة، فإن الكثير يقصدون جمال المرأة وحسنها، فإذا كانت دميمة الخلقة فإن النفس تنفر منها، ولأجل ذلك أبيح النظر إليها قبل العقد، فالجمال من دوافع ومن دواعي النفس، ولكن مع ذلك قد لا يكون مقصداً مقصوداً؛ لأنها قد تفتخر عليه إذا كانت جميلة، وقد تترفع عليه، وتقول: لست كفئاً لي، أنا أجمل النساء، وأنا وأنا، فلا يكون هذا مقصوداً أساسياً. أما قصد المال فهو أيضاً مقصد لكثير من الناس، فهناك من يتزوج المرأة لأجل أنها ذات ثروة وغنىً وكثرة مال، وفي هذه الأزمنة قد يتزوجها لكونها موظفة تتقاضى مرتباً قد يكون مثل مرتب زوجها، أو قد تكون أكثر منه دخلاً، فيتزوجها لذلك، وهذا أيضاً ليس مقصداً أساسياً؛ وذلك لأنها قد تفتخر عليه، وتمنّ عليه وتقول: أنا الذي كفلتك، وأنا الذي أعطيتك، وأنفقت عليك، وقضيت دينك، وأنفقت على ولدك، وأعطيتك، وكذا وكذا، فذلك مما يوقعه في امتنانها عليه، وهذا مما يضجره ويمله، فلذلك لا يكون هذا أيضاً مقصداً أساسياً، إنما المقصد الأساسي أن تكون دينة.

استحباب كون الزوجة من غير الأقارب

استحباب كون الزوجة من غير الأقارب قول المصنف رحمه الله: (أجنبية) يعني: بعيدة من نسبه، ليست من أقارب الزوج، واختلف في السبب في ذلك: فقيل: إن ولدها يكون نجيباً، هكذا قالوا، ولكن ليس ذلك مطرداً. والأكثرون عللوا بمخافة قطع الرحم؛ لأنه إذا ساءت العشرة بينهما فحصل الطلاق أو الشقاق حصل بذلك التهاجر، وقطيعة الرحم، فيقطع أعمامه أو أخواله أو عشيرته، فيحصل التهاجر والتباغض فيما بينهم، وهذا فيما إذا كان أحد الزوجين معروفاً بشراسته وحقده، وحنقه وغضبه، وعدم أمانته، أما إذا عرف كل منهما بالصيانة والديانة، فإن القريبة تكون أحنى عليه وأشفق عليه وعلى ولده؛ لأنها تحبه لقرابته قبل أن يكون زوجاً، وتزداد في محبته ومؤانسته بعد أن يكون زوجها وعشيرها في حياتها، فليس مطرداً كونها أجنبية دائماً، بل بحسب الحالات والمناسبات.

استحباب كون المرأة بكرا

استحباب كون المرأة بكراً قوله رحمه الله: (بكراً) ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ جابر: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك؟!) ولأن المطلقة غالباً يكون قلبها مع زوجها الأول، وكلما حدث بينهما شيء فإنها تمنّ عليه وتعيبه وتقول: زوجي الأول خير منك، كان كذا وكذا، وكان أظفر، وكان أظرف، وكان وكان، فتتمنن عليه، أو يكون قلبها متعلقاً به، وإن كان قد طلقها، فهذا هو السبب، ولا شك أن البكر التي لم تعرف زوجاً قبله تكون أقرب إلى أنها توده وتحبه. وإذا قيل: النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته كلهن ثيبات إلا عائشة، فلماذا اختار هؤلاء الثيبات؟ A ذكر العلماء: أنه صلى الله عليه وسلم ما تزوجهن لأجل الشهوة، وإنما تزوجهن لأجل أن يتودد إلى آبائهن، وإلى أقاربهن، أو نحو ذلك، فتزوج حفصة بنت عمر مع كونها ثيباً؛ ليحصل الوداد بينه وبين أبيها، وكذلك تزوجه لـ ميمونة ولـ زينب، وغيرهن، كان ذلك لأسباب ثبوت المودة، وثبوت الآثار الحسنة، فإنه لما تزوج جويرية بنت الحارث حصل أن الصحابة أعتقوا من عندهم من الإماء، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك مصلحة، ولأن أباها كان من أشراف قومه، فأراد أن يتودد إليه، وغير ذلك، وإلا فالبكر أولى؛ لأنها تكون متوددة متحببة إلى زوجها.

استحباب كون المراة ولودا

استحباب كون المراة ولوداً قوله رحمه الله: (ولوداً) أي: من نساء يعرفن بكثرة الولادة، وكيف يعرف ذلك؟ A إذا عرف أمهاتها وجداتها بكثرة الولادة، ولكن هذا أيضاً من الغيب، فإذا كانت بكراً فكونها ولوداً من أمر غيب، ولكن هذه هي العادة المطردة، وقد تكون عقيماً عاقراً لا تلد، وذلك مما يخلقه الله تعالى في بعض النساء كالرجال، ولكن يُستحب أن تكون ولوداً. روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إني أعجبت بامرأة، وأريد خطبتها، ولكنها لا تلد، فأعرض عنه، ثم سأله مرة ثانية وأخذ يمدحها، ولكنها لا تلد، فقال له: دعها، تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) ، الودود يعني: المتحببة إلى زوجها، والولود يعني المعروفة بالولادة، أي: أنها ليست عاقراً بل تلد، وعلل بقوله: (إني مكاثر بكم الأمم) يعني: أحب أن تكثروا ويكثر أولادكم؛ حتى يكون أتباعي أكثر من أتباع غيري.

النظر إلى المخطوبة

النظر إلى المخطوبة قال المصنف رحمه الله: (لمريد خطبة امرأة مع ظن إجابة نظر إلى ما يظهر منها غالباً) . الخِطبة بالكسر خطبة النساء، والخُطبة بالضم خُطبة الجمعة ونحوها، فإذا أراد أن يخطب امرأة وغلب على ظنه أنها تجيبه وأهلها يجيبون، لما عرف من أهليته وكفاءته، فإن له أن ينظر إلى ما يظهر منها غالباً، وقد وردت في ذلك أحاديث، كحديث المغيرة: أنه خطب امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً) ، وفي حديث آخر أنه قال: (إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إليها؛ فإن ذلك أدعى إلى أن يؤدم بينهما) يعني: إلى أن يؤلف بينهما، وإلى أن تحصل المودة بينهما. واختلف: هل هذا النظر سر أو علانية؟ الأكثرون على أنه يكون سراً وخفية، كما في حديث جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا خطب أحدكم امرأة فاستطاع أن ينظر إليها فليفعل) ، قال جابر: (فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها) ، فقوله: (إن استطاع) دليل على أنه يكون بغير علمها، وقوله: (أتخبأ لها) يعني: أختفي لها، وراء حائط أو نخلة أو نحو ذلك، قال: إلى أن رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها. وينظر إلى ما يظهر منها غالباً، والذي يظهر غالباً وجهها وشعرها وكفاها وقدماها، هذا الذي يظهر منها غالباً، وليس المراد أن ينظر إلى بدنها كاملاً، وأن يتحين كونها مثلاً قد تجردت للاغتسال ونحوه فينظر إليها، أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك لا يجوز. وإذا قيل: إنه ينظر إليها علانية، فيكون ذلك في غير خلوة، وذلك بأن تحضر ومعها أحد محارمها كأبيها أو أخيها، فينظر إليها قائمة، وينظر إليها مقبلة أو مدبرة، ولا يكون هناك خلوة، وتظهر له وجهها وكفيها وشعرها، وينظر إلى هيكلها طولاً وقصراً، وضخامة أو نحافة أو ما أشبه ذلك، فإذا نظر إليها في غير خلوة كان ذلك من الأسباب التي تدفعه إليها. أما إذا غلب على ظنه أنه لا يُجاب، فليس له أن يتعمد النظر، ولا يطلب ذلك، وكذلك أيضاً أهلها إذا غلب على ظنهم أنه لن يعزم على النكاح فلا يجوز لهم أن يمكنوه من النظر إليها. وذكروا أنه ينظر إليها بشرطين: نفي الخلوة، ونفي إثارة الشهوة، أي: أن يأمن الشهوة، وقد يقع أن بعضاً من الشباب إذا خطب امرأة يكثر الاتصال بها هاتفياً، ثم يعقد معها مواعيد، ثم يخلو بها، وربما يخرج بها في سيارته خارج البلد، وهذا لا يجوز لما فيه من الخلوة، وكثيراً ما يحصل أنه يقع بها، ويطؤها في الحرام -والعياذ بالله-؛ لأنها لا تحل له إلا بعد العقد، ولو أنهم استجابوا له وقبلوه فحرام عليه الخلوة بها، سيما إذا لم يأمن الشهوة، ومعلوم أنه إذا خلا بها، وكان شديد الغلمة، وكذلك هي قد تكون شديدة الشهوة، فيندفع كل منهما إلى الآخر، فيقعا في فعل الفاحشة، فلذلك اشترطوا: ألا يكون هناك خلوة، وألا يكون هناك إثارة شهوة.

بيان المقدار الذي يجوز النظر إليه من ذوات المحارم

بيان المقدار الذي يجوز النظر إليه من ذوات المحارم لما ذكر العلماء النظر إلى المخطوبة استطردوا فيما للإنسان أن ينظر إليه من النساء، وما المقدار الذي ينظر إليه، فذكروا أنه ينظر إلى ما يظهر غالباً: كالوجه، والكفين، والرأس، والساق، أي: إذا كنَّ من ذوات محارمه، يعني: كأمه وبنته وأخته وعمته وخالته، وبنت أخ وبنت أخت، وأم من الرضاع، فيجوز أن ينظر إلى ما يظهر غالباً، فينظر إلى الرأس وإلى الوجه وإلى الساعد والذراع والساق؛ لأن هذا مما تحتاج إليه المرأة مع محارمها، كابنها وأبيها، فلابد أنها تتبذل، وأنها تخدم، وأنها تبدو لهم، فيشق عليها أن تتحفظ وأن تتستر، ومعلوم أيضاً أن المسلمين قلوبهم نزيهة، لا يمكن أن تثور شهوته على أمه أو على بنته أو نحوهما، إنما يفعل ذلك من ليس في قلبه إيمان -والعياذ بالله-، فينظر إلى ما يظهر غالباً من ذوات محارمه، ونظر الرجل إلى الرجل يجوز فيما يظهر غالباً، يعني: ينظر إلى ساقيه وإلى ذراعيه وعضديه وعنقه ونحو ذلك، ولا يجوز للعاقل أن يتعرى أمام الرجال، ولا أن يظهر بدنه ولو ستر العورة المغلظة، فإن ذلك مما يقدح في المروءة، كالذين يمشون عراة، ويلبس أحدهم تباناً، يعني: سراويل قصيراً يستر به مجرد الفرجين، ويدعي أنه بسبب الحر أو ما أشبه ذلك، أو أنه ليس بعورة، ولو كان ذلك ليس بعورة أمام الرجال، لكنه ينقص المروءة، فالرجل يحرص على أن يتستر وأن يحفظ نفسه، والله تعالى أمر بالتستر فقال تعالى: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف:26] ، فالريش هو: اللباس الذي يستر البدن. والمرأة لا يجوز لها أن تتبذل أمام النساء، ولا أن تظهر شيئاً مما يخفيه اللباس ويستره، وإنما يجوز لها أن تبدي وجهها وعنقها، وكذلك أيضاً صدرها لإخراج الثديين لإرضاع الطفل؛ لأنها تحتاج إلى إرضاع طفلها عند النساء أو عند المحارم، وكذلك تنظر المرأة من المرأة إلى ساعديها أو ساقيها، فأما ما تستره غالباً كالبطن والظهر والمنكبين والإبطين والجنبين فلا، فهذا مما يُعتاد ستره، ولا يجوز التفسخ والتعري ولو لم يكن عندها إلا نساء.

حكم خطبة المعتدة

حكم خطبة المعتدة قوله: (وحرم تصريح بخطبة معتدة على غير زوج تحل له) وهي المطلقة، فالمعتدة إما أن تكون بائناً أو رجعية، فإذا كانت رجعية -طلقت واحدة أو اثنتين- فإنها تبقى في بيت زوجها، ولا يحل لأحد أن يخطبها، بل هي في ذمة زوجها، ينفق عليها، ويسكنها، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ} [الطلاق:6] ، ولها أن تتكشف أمامه، وترغبه بأن يراجعها، فهذه الرجعية يحرم أن أحداً يخطبها أو يصرح أو يلوح بخطبتها. وأما المعتدة البائن مثل المطلقة ثلاثاً، فلا تحل لزوجها إلا بعد زوج، وكذلك المتوفى عنها، فهي معتدة، وعدتها ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض، أو بوضع الحمل، فهذه لا يحل له أيضاً أن يخطبها تصريحاً، ويحل له أن يعرض لها، والتعريض أن يقول: إني في مثلك لراغب، أو إني أريد أن أتزوج، أو أتمنى أن تحصل لي زوجة مناسبة، أو ما أشبه ذلك، فلا يجوز التعريض بخطبة الرجعية، وإنما يجوز التعريض بخطبة البائن.

حكم الخطبة على خطبة الغير

حكم الخطبة على خطبة الغير يحرم أن يخطب على خطبة أخيه المسلم إذا كان قد أجيب؛ لأن ذلك يسبب الوحشة بينهما والعداوة، فإذا علمت بأنه قد أفسد عليك الخطبة، بأن تقدم عليهم، وقد كانوا أجابوك أو ركنوا إليك، ثم قدموه لكونه أشب أو أغنى أو نحو ذلك، فإن هذا حرام، وقد يحصل بينك وبينه بسبب هذا وحشة وعداوة.

ما يستحب في العقد

ما يستحب في العقد ذكر المصنف سنية العقد، يعني: عقد الزوجية بين الزوجين، الذي يسمى الآن المِلكة، فذكر أن التزويج يسن أن يكون يوم الجمعة، وأن يكون في المساء، يعني: في آخر النهار، رجاء أن يصادفوا ساعة الإجابة؛ لأنه يدعى لهما بالبركة، ويسن أن يخطب بخطبة ابن مسعود، التي هي خطبة الحاجة المشهورة، وهي أن يقول: إن الحمد لله نحمده ونستعينه إلى آخر ذلك، ثم يقرأ ثلاث آيات: من سورة آل عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102] وأول سورة النساء، وآيتين من آخر سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب:70] .

شرح أخصر المختصرات [58]

شرح أخصر المختصرات [58] النكاح عقد له أهمية كبيرة في الإسلام، فله أركان وشروط لابد من حصولها ليحكم بصحته، وقد بين الفقهاء هذه الأركان والشروط بأدلتها من الكتاب والسنة.

أركان النكاح

أركان النكاح قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: أركانه: الزوجان الخاليان عن الموانع، وإيجاب بلفظ: (أنكحت) أو (زوجت) ، وقبول بلفظ: (قبلت) أو (رضيت) فقط أو (مع هذا النكاح) ، أو (تزوجتها) . ومن جهلهما لم يلزمه تعلم, وكفاه معناهما الخاص بكل لسان. وشروطه أربعة: تعيين الزوجين، ورضاهما, لكن لأب ووصيه في نكاح تزويج صغير وبالغ معتوه ومجنونة وثيب لها دون تسع, وبكر مطلقاً كسيد مع إمائه وعبده الصغير، فلا يزوج باقي الأولياء صغيرة بحال، ولا بنت تسع إلا بإذنها, وهو: صمات بكر، ونطق ثيب. والولي, وشروطه: تكليف, وذكورة, وحرية, ورشد, واتفاق دين، وعدالة ولو ظاهراً، إلا في سلطان وسيد. ويقدم وجوباً أب، ثم وصيه فيه, ثم جد لأب وإن علا, ثم ابن وإن نزل, وهكذا على ترتيب الميراث، ثم المولى المنعم، ثم أقرب عصبته نسباً, ثم ولاء, ثم السلطان، فإن عضل الأقرب أو لم يكن أهلاً أو كان مسافراً فوق مسافة قصر زوج حرة أبعد وأمة الحاكم. وشهادة رجلين مكلفين عدلين ولو ظاهراً سميعين ناطقين. والكفاءة شرط للزومه, فيحرم تزويجها بغيره إلا برضاها] . للنكاح أركان، وله شروط، ويراد بأركانه: مجموع ما يتكون منه، وأركان الشيء أجزاؤه الذي يتكون منها، ويُعرفون الركن: بأنه جزء ماهية الشيء، كأركان البيت أو المسجد، يعني: حيطانه التي يتكون منها، ونقول مثلاً: أركان الإنسان أجزاؤه، فيقال: يداه ركن منه، ورجلاه ركن، ورأسه ركن، وظهره ركن، يعني: يتكون ويتركب من هذه الأجزاء، كأركان الصلاة التي تتكون منها، فالقيام جزء من الصلاة وهو ركن، والركوع جزء، كذلك أركان النكاح التي يتكون منها ويصير من مجموعها نكاحاً كاملاً. ذكروا أن أركانه أربعة: الزوج، ولابد أن يكون كامل الرجولة، وخالياً عن الموانع، والزوجة، والإيجاب، والقبول. قوله: (الزوجان الخاليان من الموانع) ، فإذا كان الزوج محرماً للمرأة، لا يصح النكاح؛ لأن هناك مانعاً، أو كان رضيعاً لها لم يصح النكاح، أو كان الزوج كافراً والمرأة مسلمة لم يصح النكاح؛ وذلك لكونه غير كفءٍ لها، وهكذا الموانع التي لا يصح ولا ينعقد معها النكاح، وكذلك المرأة قد يكون فيها موانع، كأن تكون ذات زوج، أو تكون معتدة في عدة زوج قد طلقها أو في عدة وفاة، وكذلك كون الزوج عنده أربع قبلها، فكل هذه موانع لابد من انتفائها من الزوج ومن الزوجة. فالزوج ركن، والزوجة ركن، والإيجاب ركن، والقبول ركن، والإيجاب يكون من الولي، والقبول من الزوج.

الألفاظ التي يكون بها الإيجاب والقبول

الألفاظ التي يكون بها الإيجاب والقبول يشترط بعضهم أن يكون الإيجاب بأحد لفظتين: زوجتك، أو أنكحتك، ويقولون: إنها هي الألفاظ التي ذكرت في القرآن، فذكر في القرآن قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37] ، وكذلك ذكر الأزواج: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب:50] ، وذكر في القرآن النكاح: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:3] ، وكذلك قوله: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32] ، وقوله: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، وقوله: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة:235] ، فلذلك قالوا: ينطق الولي بأحد هاتين الكلمتين: (زوجتك موليتي) أو (أنكحتك موليتي) . ولفظ التزويج اشتقاقه من العدد الشفع، فإن العدد قسمان: شفع ووتر، والشفع يقال له: زوج، وسمي النكاح زواجاً؛ لأن أحد الزوجين قبله كان فرداً ووتراً، فإذا انضم إليه الزوج الثاني أصبح زوجاً، يعني: أصبح بدل الوتر اثنين، ولأجل ذلك كلمة (الزوج) تطلق على الذكر والأنثى، كما تقول: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: التي صارت معه زوجاً، ويقال: النبي صلى الله عليه وسلم زوج عائشة، فكلمة زوج تصلح للرجل وللمرأة، فكل منهما يُسمى زوجاً، إلا أن أهل الفرائض احتاجوا إلى التمييز، فأدخلوا على المرأة تاء التأنيث، كما في قول الناظم: والثمن للزوجة والزوجات وهو لكل زوجة أو أكثرا وإلا فالأصل أنه موضوع لكل واحد من الزوجين، هذا سبب تسمية الزوج بهذا الاسم؛ لأنه بانضمامه إلى الآخر يكون زوجاً بدل ما كان وتراً وفرداً. أما النكاح فالأصل فيه أنه الانضمام، تقول العرب: تناكحت الأشجار، يعني: انضم بعضها إلى بعض وتلاصقت، وذلك إذا امتدت أغصانها، ويقال: تناكح العودان على النار، يعني: انضم أحدهما إلى الآخر حتى صح الوقود بهما، وأما تسمية هذا الزواج نكاحاً؛ فلأن الزوج ينضم إلى الزوجة، والانضمام هو: التناكح، هذا هو الأصل من الانضمام. وهل المراد بالنكاح العقد أو الوطء؟ A يطلق عليهما، وأغلب ما يطلق على العقد، فيقال: نكح فلان المرأة، يعني: عقد عليها، وذكر بعض أهل اللغة: أن العرب فرقت بينهما فرقاً لطيفاً، فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان، فالمراد عقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته أو أمته، فالمراد وطؤها، وكل ما في القرآن من نكح فإنه للعقد، إلا قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، فإن النكاح هنا هو الوطء، وورد ذلك في السنة. ذكر بعض العلماء في كتب الفقه: أنه لا يصح إلا بلفظ: (أنكحتك موليتي) أو (زوجتك موليتي) بأحد هاتين الكلمتين، وذهب آخرون إلى أنه يجوز بغيرهما مما هو معروف عند المتخاطبين، ورجح ذلك بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فإذا قال -مثلاً-: (ملكت ابنتي) فمعناه: أنك تملك الاستمتاع بها ما لا يملكه أبوها، فيكون هذا قائماً مقام زوجتك؛ لأنه حصل بها المقصود، وإذا قال: وهبتك ابنتي، حصل أيضاً المقصود، وهكذا إذا قال: أعطيتكها، حصل بذلك المقصود، وهذا القول هو الأقرب، وهو أنه يصح بكل لفظ يدل على المعنى، ويؤدي المراد، مثل: أنكحتك، وزوجتك، وملكّتك، ووهبتك، وأعطيتك ابنتي، وأملكت لك عليها، أو خليت بينك وبينها، أو خذ ابنتي حلالاً لك، أو أحللتها لك، أو ما أشبه ذلك. وأما القبول فهو من الزوج، واشترطوا أن يقول: قبلت، أو رضيت، عبارتين فقط، أو قبلت هذا النكاح، يعني: يضيف كلمة (هذا النكاح) بعد (قبلت) ، أو يجمع بينهما فيقول: قبلت هذا النكاح ورضيته، أو تزوجتها، أو قبلتها. وإذا قلنا: إنه يصح بما دل على المعنى، فيصح إذا قال الزوج: وافقت، أو أنا موافق، أو أخذتها، أو استوهبتها، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الرضا. يقول المصنف رحمه الله: (ومن جهلهما لم يلزمه تعلم) يعني: من جهل كلمة: (أنكحت) أو (زوجت) أو كلمة: (قبلت) أو (رضيت) ، وذلك إذا كان لا يعرف اللغة، أو لا يعرف معناها، فهل يلزمه أن يتعلمهما، ولا يصح إلا أن يقول: (قبلت) أو (رضيت) ؟ الجواب: لا يلزم، إنما يكفيه معناهما الخاص بكل لسان؛ وذلك لأن كل قوم وأهل كل لسان عندهم اصطلاحات يتعارفون عليها بلسانهم، ذكر لنا بعض الإخوان أنه جاء إلى بعض الأعراب الجهلة في بعض جهات المملكة، وأخذ يسأله، فذكر له أنه مفتيهم، وأنه الذي يعقد لهم، فقال له: كيف طريقتك في عقد النكاح لهم؟ لأنهم بوادٍ بعيدون عن القرى، وبعيدون عن الناس، فذكر له أنه يقول للولي قل: هاك خصلة بنتي على سنة الله وسنة رسوله، منامها حلال، ومقامها حلال، وادخل على الله من الملل والاستملال، وأنت وإياها تحت الله! ولا شك أن هذه من العبارات التي اصطلحوا عليها، وليس عندهم أحد يعقد لهم، فرضوا بأن يكون هذا الذي عندهم -وكأنه أعرفهم وأفهمهم- أن يتكلم بهذه الكلمات. فيبقى أن الزوج لابد أن يقول: قد وافقت، أو قبلت، أو أخذتها، أو ما أشبه ذلك. وهل يصح النكاح بالمعاطاة؟ الصحيح: أنه لا يصح، وإنما تصح المعاطاة في البيع، مثلاً: إذا كانت السلعة معروفاً ثمنها، الثوب معروف ثمنه، فأتيت مثلاً بعشرة ودفعتها للبائع، ودفع لك الثوب، ولم يتكلم واحد منكما بكلمة، صح البيع بالمعاطاة، ولكن لا يصح النكاح بالمعاطاة، فلا يصح أن تدفع له مثلاً المهر، ويدفع لك الزوجة بدون كلام، بل لا يصح إلا بهذا الكلام، ولا يصح أيضاً إلا بشروطه.

شروط عقد النكاح

شروط عقد النكاح الشروط: جمع شرط، وهو: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، يعني: إذا عدمت الشروط عدم المشروط، ولكن إذا اجتمعت الشروط فقد يتخلف المشروط، فهاهنا الشروط في النكاح هي لوازم النكاح التي لا يتم إلا بها، وهي أيضاً شروط للعقد، وشروط العقد أربعة: الأول: تعيين الزوجين. الثاني: رضاهما. الثالث: الولي. الرابع: الشهود. هذه شروط النكاح، إذا تخلف واحد منها لا يصح النكاح.

تعيين الزوجين

تعيين الزوجين الشرط الأول: التعيين، ومعناه: أن يسمي الزوج أو يعيّنه، وكذلك الزوجة، فلا يقول مثلاً: زوجتك أحد بناتي، وله خمس أو عشر؛ لأنه قد يختار من لا ترضى، أو من لا تصلح له، أو يختار الولي له من لا تناسبه، فلابد أن يعينها، فإن قال مثلاً: زوجتك ابنتي فلانة، وسماها صح إذا تعينت، أو كان له بنات وقال: زوجتك ابنتي الكبرى، أو الصغرى، أو الوسطى صح ذلك؛ وذلك لأن هذا الوصف يحصل به التعيين، ولو لم يكن له إلا ابنة واحدة، وقال: زوجتك ابنتي؛ صح ذلك، وأما إذا كان ليس أباً فلابد أن يسميها، فإذا قال: زوجتك أختي، فلابد من تسميتها، أو زوجتك ابنة أخي، فلابد أن يسميها، حتى تتعين؛ لأن الجهالة يحصل معها الغرر، ويحصل معها عدم المقصود. كذلك أيضاً يشترط تعيين الزوج وهو الرجل، فإذا قال: زوجت أحد ولديك ابنتي، أو أحد أبنائك، وله عدة أبناء، لا يصح، أو جاء إليه اثنان فقال: زوجت أحدكما ابنتي فلانة لا يصح؛ لأنه لا يعرف أيهما هو الزوج، فلابد أن يخاطبه، ويقول: يا فلان! زوجتك ابنتي فلانة، أو يكون الخطاب له، وهو معروف ماثل بين يديه، ويقول: زوجتك ابنتي فلانة، هذا معنى تعيين الزوجين.

الرضا

الرضا الشرط الثاني: الرضا، ولا شك أن الرضا معتبر، وقد تقدم أنه شرط في البيع أيضاً، ودليله: قوله سبحانه وتعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء:29] ، وقوله: {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:232] ، فإذا كان شرطاً في البيع، مع أنه تمليك مال، فلابد أيضاً أن يكون شرطاً في النكاح، فلا يصح إكراه أحدهما على النكاح وهو لا يريده، ولا يصح أن يُكره الرجل على امرأة لا يرغبها، وتنفر نفسه منها، إما لسوء خلق، أو لقبح مظهر، أو دمامة، أو عيب، أو كبر، أو صغر، أو جهل، أو نحو ذلك، فإذا أكره وهو غير مقتنع ولم يكن موافقاً، لم يعش عيشة طيبة، ويؤدي ذلك إلى الفراق بسرعة، فلذلك لابد أن يكون موافقاً راضياً، وهكذا الزوجة أيضاً لابد من رضاها، بل ورضاها أهم، وما ذاك إلا أن الغالب أن الزوج هو المتقدم للخطبة، وهو الطالب، والغالب أنه لا يقدم إلا بعدما يتأكد من الصلاحية، أما الزوجة فإنها قد تكون جاهلة بذلك الزوج، وقد تكون أيضاً كارهة له، وربما كارهة للنكاح كلياً، فلذلك لابد من رضاها، وقد جاءت السنة باشتراط الرضا، فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح البكر حتى تُستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر) ، وثبت أيضاً: (أن جارية زوجها أبوها بغير رضاها، فخيّرها النبي صلى الله عليه وسلم) ، وفي حديث آخر: (جاءت جارية بكراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته -يعني: ليرفع قدره، كأن ابن أخيه كان خاملاً فأراد أن يرفع قدره بتزويجه بابنته- فخيّرها، فأجازت نكاح أبيها، وقالت: إنما أردت أن يعلم النساء أن ليس للأولياء عليهن سلطة) أو كما في الحديث، فدل ذلك على أنه يشترط رضاها، وفي حديث عبد الله بن عمر أنه خطب ابنة خاله قدامة وكان قد مات، وكان له بنت فخطبها إلى أمها فوافقت، وعقدوا له، ثم إنه جاءهم المغيرة بن شعبة ورغب لهم في المال، فجاء عمها، واشتكى وقال: (يا رسول الله! إنها جاهلة، وإنها تزوجت وأنا غير راضٍ، وأنا أولى بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها يتيمة، وإن اليتيمة لا تزوج إلا بإذنها وبإذن وليها) ففسخ نكاحها من عبد الله وهي ابنة خاله، وزوجها بـ المغيرة؛ فدل ذلك على أنها لا تزوج إلا برضاها، وبعد مشاورتها. ثم لابد أن يُسمى لها الرجل حتى تعرفه يقيناً، وإذا كانت جاهلة فلها أن تسأل، وكذلك أيضاً لابد أن تخبر عن نسبه، وعن حرفته، وعن كفاءته، ومقدرته المالية ونحوها، فإذا اقتنعت بذلك كله، حصل التزويج، أما إذا لم تقتنع فلا يجوز. والفقهاء استثنوا الأب، وقالوا: إن الأب يجوز له أن يزوج الصغيرة بدون إذنها، وله أيضاً أن يزوج ابنه الصغير إذا رأى في ذلك مصلحة، ولماذا يزوج ابنته دون رضاها إذا كانت صغيرة؟ A الغالب أن الأب يكون معه شفقة، ويكون معه حنو على ولده ذكراً كان أو أنثى، فلا يقدم على تزويجه إلا لمصلحة ظاهرة يراها، فأباحوا له أن يزوج ولده ذكراً أو أنثى إذا كان صغيراً، والغالب أن الصغير رجلاً أو امرأة لا يكون عنده تفكير، ولا يكون عنده معرفة، فإذا كان الأب راضياً بهذا الزوج فالغالب أن الولد يكون كفئاً وأهلاً أن يزوج، ومع ذلك فالصحيح أنه ليس على إطلاقه، فقد يكون كثير من الآباء عندهم جشع، ويزوج غير الكفء لأجل المال، فإذا جاءه إنسان عنده مال ورغبه في كثرة العطاء، فقد يزوجه بغير رضا المرأة، والمرأة هي التي تتألم، وهي التي تتعذب؛ لأنها تلازم ذلك الزوج طوال حياتها، فإذا لم يكن أهلاً في دينه وفي خلقه، فإنها هي التي ينالها الأذى، فلابد من رضاها. وكثيراً ما تشتكي الإناث فتذكر الواحدة منهن أن أباها أكرهها؛ لأجل أن ذلك الزوج عنده مال، ودفع له دفعاً كثيراً، فتألمت الزوجة وتعذبت، وبقيت حسيرة سجينة، وتذكر أنه يتركها في المنزل، ويذهب مع رفقته، ولا يأتي إلا في الساعة الثالثة ليلاً، وربما لا يأتي إلا بعد الفجر، وإذا جاء طرح نفسه على الفراش، وهي طوال ليلها ساهرة تنتظره، أو كذلك يأتي إلى بيته بأصدقائه الفاسدين، ويشرب معهم المسكر، ويسهرون طوال ليلهم على غناء وزمر ومفاسد، وتكون هي المعذبة، لذلك لابد أنها تكون راضية حتى ولو كانت صغيرة إذا كانت مميزة عاقلة. والأولى أيضاً عدم تزويج الصغيرة التي دون العاشرة؛ وذلك لأنها في الغالب ليس عندها تفكير، ولكن إذا كان الأب ناصحاً، وخاف أن هذا الزوج يفوت عليه، فله أن يزوجها، ويكون ذلك موقوفاً على رضاها بعدما تميز. كذلك أيضاً استثنوا المعتوه ولو كان بالغاً، أي: ضعيف العقل، ما عنده تمييز ولا عنده معرفة، سواء كان ذكراً أو أنثى، فإذا رأى وليه المصلحة في تزويجه فإن له أن يزوجه ولو بغير رضاه، فكثير من النساء تكون مخبلة ضعيفة العقل، أو معها مس أو نحوه، ولا تمييز لها، فلابد أنه ينظر لها المصلحة، فإذا جاءه من يخطبها ولو كبيراً ولو فقيراً ورأى في ذلك المصلحة فله تزويجها؛ لأنه ليس لها اختيار، سواء كان فيها نقص العقل أو فقده كالجنون، فالمعتوهة أو المجنونة له أن يزوجها وليها بغير اختيارها؛ لأنه ليس لها اختيار. كذلك أيضاً استثنوا الثيب التي دون تسع، وإن كان ذلك أيضاً نادراً، فلو قدر أن رجلاً زوج ابنته وهي بنت ثمان، ودخل بها زوجها ووطأها، ثم طلقها وأصبحت ثيباً وعمرها دون التسع، فلأبيها أن يزوجها؛ وذلك لعدم تمييزها، ولعدم معرفتها بما هو الأصلح. وقد ذكرنا أن الأولى عدم تزويجها حتى ترشد وحتى تختار. وكذلك أيضاً البكر، جُعل له تزويجها مطلقاً؛ وذلك لأن الأب كما ذكروا أحنى على أولاده، وأشفق عليهم، فلا يزوج إلا باختيار وبحرص، فجعلوا الأب أحق بالبكر ولو كان عمرها عشرين، فله أن يزوجها بدون اختيارها وبدون أخذ رأيها، هكذا قالوا، وقد ذكرنا الأدلة على أنها تختار، وأنه لا يجوز تزويجها إلا برضاها؛ لعموم الأدلة: (لا تنكح البكر حتى تُستأذن) وهذا عام، سواء كان الأب أو غيره، فالفقهاء اختاروا أن الأب له خصوصية، وألحقوا به أيضاً وصيه، فإذا أوصى إلى إنسان عدل وموثوق فإنه يقوم مقام الأب في كونه يزوج الصغير ويزوج المعتوه ولو كان بالغاً بدون رضاه، ويزوج المجنونة، ويزوج الثيب التي دون تسع، ويزوج البكر مطلقاً ولو كانت ابنة عشرين، فالأب ووصيه يزوجون هؤلاء بدون الرضا. والقول الثاني -وهو الصحيح سيما في هذه الأزمنة-: أنه لابد من الرضا لهؤلاء مطلقاً. واستثنوا أيضاً السيد، فإذا كان إنسان عنده مماليك: إماء وعبيد، فيزوج إماءه بدون رضاهن؛ وذلك لأن المصلحة له، وهو الذي يأخذ المهر، وأولادها يكونون مماليكاً له وعبيداً، فله أن يكرهها، وأن يجبرها على أن تتزوج بمن يريد، ولعل الأرجح: عدم جواز ذلك؛ لما فيه من التعذيب حسياً أو معنوياً، وكذلك أيضاً عبده الصغير، ليس له إكراهه على أن يتزوج إلا برضاه؛ لأن ذلك يخضع لشهوته ونفسه وميلها. ولما ذكروا الأب ووصيه والسيد قالوا: لا يزوج بقية الأولياء صغيرة بحال، كالأخ وابن الأخ، والعم وابن العم، والجد، والابن وابنه، لا يزوجون الصغيرة بحال، فلابد أنهم يتركونها حتى تبلغ وترشد، ولا يزوجون بنت تسع إلا بإذنها، سواء كانت بكراً أو ثيباً. ثم ذكروا كيف يعرف إذنها، ورد في الحديث: (رضا البكر صماتها، وسئل: إن البكر قد تستأذن فتستحيي، فقال: إذنها سكوتها) ، فإذا سكتت فإن ذلك دليل على الرضا، أما إذا نطقت وقالت: لا أريده، فعند ذلك لا يجوز إجبارها، وإذا تجرأت ونطقت وقالت: زوجوه، ولو كانت بكراً، جاز ذلك بطريق الأولى، فإذا كان رضاها السكوت، فالنطق دليل الرضا أيضاً، وأما الثيب فلا يُكتفى في نكاحها بالسكوت، بل لابد أنها تنطق وتتكلم صريحاً بأنها قد رضيت فتقول: زوجوه، أو قبلته، أو ما أشبه ذلك.

الولي

الولي الشرط الثالث: الولي. الولي هو: ولي المرأة الذي يتولى العقد لها، واشتراطه هو قول الجمهور، ووردت في اشتراطه الأحاديث الكثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وهو حديث مشهور، رواه نحو خمسة من الصحابة أو أكثر، وورد أيضاً حديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها) ، وفي رواية: (فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) وهذا هو قول الجمهور. واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] فدل على أن الولي هو الذي يمنع المرأة؛ لأن العضل المنع، أي: لا تمنعوهن من نكاح أزواجهن، أي: من الزواج. وذهب الأحناف إلى أنه يصح للمرأة أن تزوج نفسها، وعللوا ذلك بأنها أملك لنفسها، وإذا كانت تملك نفسها فإنها تزوج نفسها، وهي أيضاً تملك أمتها، فلها أن تزوج أمتها. وأدلة الحنفية تعليلات، وقد استدلوا بظاهر قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] ولكن لا دلالة في الآية، إنما المراد: حتى يطأها الزوج. فالحاصل: أن جمهور الأمة على أنه لابد من الولي في العقد، وأن من تزوجت بدون ولي فنكاحها باطل، ورد ذلك في حديث: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ، وقد أخذ الحنفية من بعض هذه الكلمات: (الثيب أحق بنفسها من وليها) ، فجعلوا هذا دليلاً على أنها تزوج نفسها، ولكن ليس هذا بصحيح، وإنما المراد أنها أحق بنفسها، أي: لا يكرهها، ولا يزوجها إلا بعدما يأخذ رضاها. وإذا عرفنا أن الولي شرط من شروط النكاح، فماذا يشترط في الولي؟ ذكر المصنف أنه يشترط فيه ستة شروط: الشرط الأول: التكليف. الشرط الثاني: الذكورية. الشرط الثالث: الحرية. الشرط الرابع: الرشد. الشرط الخامس: اتفاق الدين. الشرط السادس: العدالة. فهذه ستة شروط، ويمكن أن تكون سبعة، فإن التكليف يتضمن شرطين: الشرط الأول: البلوغ. فلا يُزوج صغير دون البلوغ؛ وذلك لنقص معرفته؛ لأنه ناقص المعرفة بنفسه، فلا يكون عارفاً بغيره، أو بمن هو ولي عليه. الشرط الثاني: العقل. فناقص العقل أو المخبل أوالمجنون ليس أهلاً أن يزوج؛ وذلك لعدم أهليته، ولعدم تفكيره. الشرط الثالث: الذكورة. فلا تزوج المرأة المرأة، كما جاء في الحديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها) ، وفي الحديث الآخر: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) . الرابع: الحرية. فالمملوك لا يزوج نفسه، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فهو عاهر) أي: زاني، فإذا كان لا يقدر أن يزوّج نفسه، فكذا لا يزوّج بنته، ولو كانت حرة. الخامس: الرشد. الرشد هو: الصلاح، وضده السفه، فإذا كان سفيهاً مغفلاً لم يكن أهلاً أن يزوج، ورد في الحديث: (لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل) ، فاشترط فيه: أن يكون مرشداً، يعني: رشيداً غير سفيه، ولا ضعيف التفكير. الشرط السادس: اتفاق الدين. فلا يزوج الكافر مسلمة؛ لأن الإسلام فرق بينهما، قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141] فلابد أن يكونا متفقي الدين. الشرط السابع: العدالة. أي: ولو ظاهراً، فيشترط أن يكون عدلاً، فيخرج ما إذا كان فاسقاً معلناً الفسوق، أما إذا كان ظاهره العدالة فإنه يُزوج، واستثنوا السلطان؛ لأنه -أي: السلطان- ولي من لا ولي له، واستثنوا السيد ولو كان فاسقاً؛ لأنه ولي مواليه. ثم ترتيب الأولياء: يقدم الأب وجوباً؛ وذلك لأنه أولى بابنته، ثم وصيه، إذا مات وكان قد وصى أو وكَّل، فوصيه يقدم على غيره، ثم الجد لأب، ثم أبوه وإن علا، فهو أقدم من الإخوة، ثم الابن، يعني: ابن المرأة يزوجها، ثم ابن الابن وإن نزل يزوج جدته مثلاً، ثم بعد ذلك بقية العصبة على ترتيب الميراث: فيقدم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم أبناءهما وإن نزلا، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، على ترتيب الميراث كما تقدم، ثم إذا انقطع أصحاب العصبة فهل يزوج ذوو الأرحام كالخال، والأخ من الأم، وابن الأخت؟ والصحيح: أنهم لا يزوجون، والمولى أقرب منهم، فالمولى المعتق يزوج، فإذا عُدم فأقرب عصبته نسباً، ابنه، ثم أبوه، ثم إخوته على ترتيب الميراث، ثم مولاه، يعني: الذي أعتقه، ثم إذا انقرضوا فالسلطان، لحديث: (السلطان ولي من لا ولي له) ، فإذا عضل الأقرب أو لم يكن أهلاً، أو كان مسافراً فوق مسافة قصر زوج حرة أبعد، وأمة حاكم، والعضل مذكور في قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة:232] ، فإذا عضلها ومنعها حتى ولو كان أباها، فإنه يزوج من هو أبعد منه، إذا اشتكت واشتكى أقاربها أنه منعها وعضلها، كذلك إذا لم يكن أهلاً، فإذا كان سفيهاً أو فاسقاً أو مخبلاً زوج الأبعد، كذلك إذا كان غائباً مسافة لا تقطع إلا بمشقة زوج الأبعد، وفي هذه الأزمنة المسافات تقاربت، فليس هناك مكان بعيد، لكن إذا شق عليه الحضور أمكنه أن يوكل ولو هاتفياً.

الإشهاد في النكاح

الإشهاد في النكاح الشرط الرابع: شهادة رجلين مكلفين عدلين. ورد في الحديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) ، والله تعالى أمر بالإشهاد عند البيع فقال: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة:282] ، وقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] ، فكذلك بطريق الأولى النكاح، والشاهدان يشهدان على قول الولي: زوجتك، وعلى قول الزوج: قبلت. ولابد أيضاً أن يكونا رجلين، فلا تصح شهادة النساء، ولو كن أربعاً أو خمساً أو عشراً، وكذلك لا يصح بشهادة رجل وامرأتين، وشهادة النساء إنما تكون في المال، ولابد أيضاً أن يكونا مكلفين، فلا يصح شهادة ضعيف العقل، أو مخبّل، أو مجنون، أو صغير، فلابد أن يكون الشاهد مكلفاً، ولابد أن يكونا عدلين، فلا تصح شهادة الفاسق ناقص العدالة؛ لأن العدالة: ضدها الفسوق. ثم العدالة يُكتفى بها ولو كانت عدالة في الظاهر. ولابد أن يكونا سميعين ناطقين، يعني: يسمعان الكلام وينطقان. واشتراط الشهادة هو قول الجمهور، وخالف في ذلك المالكية فاكتفوا بالإعلان، فقالوا: إذا أعلن النكاح اكتفي بذلك ولو لم يكن هناك شهود، والجمهور على أنه لابد من شهود للحديث الذي ذكرنا.

اشتراط الكفاءة في النكاح

اشتراط الكفاءة في النكاح الكفاءة في النكاح جعلها بعضهم شرطاً للزومه، فقالوا: يحرم تزويجها بغير الكفء إلا برضاها، وفسرت الكفاءة بأنها المساواة، والمساواة معتبرة في خمسة أشياء: الديانة، والصناعة، والميسرة، والحرية، والنسب، وفيها كلام طويل، وبالأخص في النسب، وقد ورد فيها بعض الأدلة، حيث إن هناك من يجعل الموالي ليسوا أكفاء للعرب، وبعضهم يتسامح في ذلك. وأما في الصناعة فإذا كانت صناعته رديئة ولم يخبرهم بأنه حداد أو دباغ أو حائك أو حجام أو ما أشبه ذلك، فيمكن أن يكون لهم الخيار. وأما الديانة فهي شرط كما ذكرنا. وكذلك الميسرة يشترط أن يقدر على النفقة على زوجته. وكذلك الحرية، فإذا تبين أنه مملوك فإن ذلك عيب. فهذه تمام الشروط في النكاح، والله أعلم.

شرح أخصر المختصرات [59]

شرح أخصر المختصرات [59] بينت الشريعة الإسلامية المحرمات من النساء في النكاح، ويجب على المسلم معرفتهن؛ لأن الوقوع في ذلك أمر خطير، والمحرمات في النكاح قسمان: قسم يحرم على التأبيد، وقسم يحرم مؤقتاً، وقد بين العلماء في كتب التفاسير والفقه تفاصيل ذلك.

المحرمات في النكاح بالنسب

المحرمات في النكاح بالنسب قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويحرم أبداً أمٌ وجدة وإن علت, وبنت وبنت ولد وإن سفلت, وأخت مطلقاً, وبنتها, وبنت ولدها وإن سفلت, وبنت كل أخ, وبنتها, وبنت ولدها وإن سفلت، وعمة وخالة مطلقاً. ويحرم برضاع ما يحرم بنسب, ويحرم بعقد حلائل عمودي نسبه, وأمهات زوجته وإن علون، وبدخولٍ ربيبةٌ، وبنتها، وبنت ولدها وإن سفلت، وإلى أمدٍ أخت معتدته أو زوجته, وزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها, ومطلقته ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره بشرطه، ومسلمة على كافر, وكافرة على مسلم إلا حرةً كتابيةً، وعلى حر مسلم أمة مسلمة, ما لم يخف عنت عزوبة لحاجة متعة أو خدمة، ويعجز عن طول حرة أو ثمن أمة، وعلى عبد سيدته وعلى سيد أمته وأمة ولده, وعلى حرة قِنُّ ولدها. ومن حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين إلا أمةً كتابيةً] . يبوب الفقهاء على الفصل الأول: باب المحرمات في النكاح، ويذكرون أيضاً بعده باب نكاح الكفار؛ وذلك أنه لابد أن نبحث ونعرف متى تحرم المرأة، ومتى لا تحرم. والمحرمات في النكاح قد ورد إجمالهن في القرآن، فذكر الله تعالى في القرآن سبعاً من المحرمات بالنسب، وذكر أيضاً اثنتين من المحرمات بالرضاع، وأربعاً من المحرمات بالمصاهرة، وواحدة محرمة بكونها زوجة للغير، ثم إن العلماء فصلوا: فأول المحرمات: الأم قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23] وكلمة الأم تصدق على الوالدة، وتصدق على الجدة، فالجدة أم الأم تعتبر أماً، وكذلك الجدة أم الأب، فهي من الأمهات؛ لأنه إذا قيل: أمك وأم أمك، وأم أم أمك، وكذلك أم أبيك، وأم أبي أبيك؛ ففيها كلمة أم، ولا شك أن تحريمها لأجل الولادة، ولأنها التي ربت المولود، وأشفقت عليه في صغره، فتعتبر ذات تربية، وذات نعمة عليه، فلا جرم أن كانت أول المحرمات، وأول ما بدأ بها، فالذي ينكح أمه يعتبر قد أتى أكبر المنكر وأفحشه، وكذلك أيضاً أم الأم وإن علت، وأم الأب وإن علت. الثانية: قوله: {وَبَنَاتُكُمْ} [النساء:23] ، فجعل البنت بعد الأم، والبنت أيضاً خلقت من ماء الرجل، وهو الذي غالباً يحنو عليها ويرفق بها، فهي خلقت من مائه، وخلقت منه؛ فلذلك يتأكد تحريمها، ويدخل في كلمة: {وَبَنَاتُكُمْ} [النساء:23] الفروع، فبنته، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابنه، وبنت ابن ابنه، يعني: التي هو جدها، سواء كان أبا الأم، أو أبا الأب وإن بعدت يصدق عليها أنها بنته. وكلمة (ولد) يدخل فيها الذكور والإناث، فالبنت ولد، يعني: مولدة، فبنتها تحرم، وكذلك الابن ولد، فبنته تحرم، وبنت ابن ابن، وبنت بنت ابن، وإن بعدت. الثالثة: قوله: {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء:23] ، فالأخت خلقت معه، إما من ماء واحد إذا كانت أختاً لأبيه، أو اجتمعت وإياه في رحم واحد، إذا كانت أخته من الأم، فكلمة (مطلقاً) يدخل فيها الجميع: أخت من الأبوين، وأخت من الأب، وأخت من الأم، وكلهن يدخلن في كلمة: {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء:23] . الرابعة والخامسة: ذكر الله تعالى بعدهن العمة والخالة فقال: {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} [النساء:23] ، ويدخل في كلمة (عمتك) : أخت أبيك، وأخت جدك عمةُ أبيك، وكذلك أخت جدك أبي الأم، فهي عمة أمك، {عَمَّاتُكُمْ} [النساء:23] يعني: أخوات آبائكم، وأخوات أجدادكم، آباء الآباء أو آباء الأجداد من جهة الأم أو من جهة الأب، فأخت جدك أبي أمك تعتبر عمة أمك؛ فتكون عمتك، وهكذا. والخالة هي: أخت الأم، فأخت الأم تُسمى خالة، وكذلك خالة الأم أخت جدتك أم الأم، وخالة الأب أخت جدتك أم أبيك، وهكذا. قوله: (مطلقاً) أي: تدخل فيه الأخت من أي جهة، فأخت أبيك من أبيه عمتك، وأخته من أبويه عمتك، وأخته من الأم عمتك، كذلك أخت جدك للأب عمة أبيك، سواءً كانت أخته من الأب أو من الأم أو من الأبوين، وأخت جدك أبي الأم عمة أمك، سواء كانت أخته من الأب أو من الأم أو من الأبوين، فالجميع يصدق عليها أنها عمة، وكذلك الخالة هي أخت الأم، سواء كانت أختها من أمها، أو من أبيها، أو شقيقة، يصدق عليها أنها خالتك أخت أمك؛ لأنها وأمك من أب واحد، أو من أم واحدة، أو من أب وأم، كذلك أيضاً خالة أمك، التي هي أخت جدتك من أب أو من أم أو من أبوين، الجميع تدخل في اسم العمة والخالة. السادسة والسابعة: قال تعالى: {وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء:23] ، وهاتان من المحرمات من النسب: بنت أخيك، وأخوك: يعم الأخ من الأب، أو من الأم، أو من الأبوين وهو الشقيق، فتحرم بنته عليك؛ لأنك عمها، كذلك بنتها وإن نزلت، وكذلك بنت ولدها. فهذه التي أنت عمها حرام عليك؛ لأنها بنت أخيك، وبنتها تقول: أنت عم أمي فأنت محرم لها، أو عم جدتي فأنت محرم لها، كذلك بنت ابنها، تدعوك وتقول: يا عم أبي، فأنت عم أبيها، وإن بعدت، فبنت الأخ وبنت بنت الأخ، وبنت بنت بنت الأخ، وبنت ابن الأخ، وبنت ابن ابن الأخ، وبنت بنت ابن الأخ، وكل من تدعوك عماً لها، أو عماً لأحد أجدادها أو آبائها، تدخل في بنت الأخ. كذلك بنت الأخت، أنت خالها، فهي تدعوك خال، سواء كنت أخاً لأمها من الأم، أو من الأب، أو من الأبوين؛ فهي تدعوك خالاً لها، كذلك بنتها، تقول لك: يا خال أمي، وكذلك بنت ابنها، تقول لك: أنت خال أبي، أو خال أبي أبي، أو خال جدي. والأخوَّة سواء كانت من الأبوين أو من أحدهما؛ فالأخت وبنتها، وبنت بنتها، وإن نزلت، وبنت ابنها، وبنت ابن ابنها، وبنت بنت ابنها، وهكذا، كل من تفرع ممن تدعوك عماً لها أو خالاً، أو عماً لأمها أو لأبيها، أو عماً لجدها أو خالاً لها أو خالاً لجدها، أو نحو ذلك. فهؤلاء سبع محرمات بالنسب.

المحرمات في النكاح بالرضاع

المحرمات في النكاح بالرضاع قوله: (يحرم برضاع ما يحرم بنسب) . جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أي: المحرمات من النسب يحرم مثلهن من الرضاع، فالأم التي أرضعتك تعتبر محرماً لك، وبنتها تعتبر أختك من الرضاع، فهي تقول: أرضعتك أمي، وبنت زوجها، تعتبر أيضاً أختك، تقول: أرضعتك زوجة أبي بلبن أبي، فأنت أخي، ارتضعت من اللبن الذي سببه والدي، فهي كذلك تعتبر أختك. مثلاً: لو قدر أن رجلاً له أربع زوجات، ثم أرضعتك إحداهن رضعتين، وأرضعتك الثانية رضعة، والثالثة رضعة، والرابعة رضعة؛ فاجتمع خمس رضعات، فكل واحدة لست ابناً لها؛ لأن الرضاع المحرم خمس، وهذه ما أرضعتك إلا واحدة أو ثنتين، ولكن زوجهن يعتبر أبوك؛ لأنك رضعت من لبنه خمس رضعات، من اللبن الذي هو بسببه، فبناته أخواتك، فهن يقلن: ارتضعت من لبن أبينا خمس رضعات، فبناته من هذه ومن هذه ومن هذه ومن كل زوجاته محرمات عليك؛ لأنك أنت ابنه؛ لأنك رضعت من زوجاته، وزوجاته يحتجبن عنك، إلا أنك ابن زوجهن، وبناته لا يحتجبن؛ وذلك لأنك ارتضعت من لبن أبيهن. فالحاصل أن الأم من الرضاعة هي: التي أرضعت الطفل خمس رضعات في الحولين. والأخت من الرضاع هي: بنت المرضعة أو بنت زوجها الذي هو صاحب اللبن، فتدخل في قوله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] ، فبنتك من الرضاعة هي: التي رضعت من زوجتك خمس رضعات، فتحرم عليك؛ لأنها رضعت من اللبن الذي أنت سببه، فتكون محرماً لها. وكذلك بنت ابنك من الرضاعة، يعني: هذا الذي رضع من زوجتك إذا كان له بنت، فأنت جدها من الرضاع، فهي تقول: أنت أبو أبي من الرضاع، وأنت تقول لها: أنت بنت ابني من الرضاع. كذلك عمتك من الرضاع، وهي أخت أبيك من الرضاع، إذا كان زوج المرأة التي أرضعتك له أخوات، فاعتبرهن عماتك؛ لأنهن أخوات أبيك من الرضاع، وأمك التي أرضعتك إذا كان لها أخوات فاعتبرهن خالاتك من الرضاع، وكل واحدة تقول: أرضعتك أختي فأنت ابن أختي من الرضاع، والعمات كل واحدة تقول: رضعت من لبن أخي، فأنا عمتك أخت أبيك من الرضاع. وكذلك بنت أخيك من الرضاع، يعني: الذي رضعت من لبن أمه أو من لبن أبيه فبنته تدعوك عماً، وتقول: أنت عمي من الرضاع، رضعت من لبن جدتي أخت أم أبي، فأنت أخو أبي، فتكون عمي، أو أنت أخو أمي فتكون خالي، فهي بنت أخيك من الرضاع، وبنت أختك من الرضاع. فتحرم الأم من الرضاع، والأخت من الرضاع، والبنت من الرضاع، وبنت الأخ من الرضاع، وبنت الأخت من الرضاع، والعمة من الرضاع، والخالة من الرضاع، يحرم سبع من الرضاع، كما يحرم سبع من النسب.

المحرمات في النكاح بالمصاهرة

المحرمات في النكاح بالمصاهرة ثم ذكر المصنف المحرمات بالمصاهرة، والقرابة بين الناس: إما قرابة نسب، وإما قرابة مناسبة، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] ، فالمصاهرة القرابة من النكاح، فأم الزوجة تحريمها بالمصاهرة، وبنت الزوجة، تحريمها بالمصاهرة، وكذلك زوجة الابن، وزوجة الأب، تحريمهن بالمصاهرة، وهؤلاء يحرمن بمجرد ما يحصل عقد النكاح، ولو لم يدخل بها، فإذا عقدت على امرأة مجرد عقد ولم تدخل بها فقد حرمت عليك أمها وجدتها، وإن علت، وكذلك إذا عقد ابنك على امرأة ولو لم يدخل بها؛ حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها ابنك ولو لم يدخل بها، فتصبح محرماً لك، وإذا عقد أبوك على امرأة؛ حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها أبوك ولو لم يدخل بها، حتى ولو طلقها قبل الدخول بها، فزوجة الابن محرم بمجرد العقد، وزوجة الأب محرم بمجرد العقد، ومثله ابن الابن، فزوجة ابن ابنك أيضاً محرم لك، وزوجة ابن بنتك محرم لك، وابن بنتك حتى -على الصحيح- من الرضاع، فابنك من الرضاع زوجته محرم لك، وأبوك من الرضاع زوجته محرم لك. قوله: (حلائل عمودي نسبه) ، فزوجة الجد محرم، ولو كان بعيداً، فالجد أبو الأم، أو الجد أبو الأب، وكذلك زوجة ابن الابن، وابن البنت وإن نزل كلهن محرمات، هذا معنى: حلائل عمودي نسبه. ولماذا سميا عمودين؟ A لأن الفروع أغصان يعتمد بعضها على بعض، والأصول كأنها أعمدة يعتمد بعضها على بعض، فعمود النسب العليا: أبوك، وجدك، وجد أبيك، وجد جدك من الأب أو الأم. وعمود النسب الفروع: ابنك، وابن ابنك، وابن ابن ابنك، وبنتك، وبنت ابنك، وبنت ابن ابنك، وبنت بنت ابنك، وهكذا؛ فحلائلهم تحرم بمجرد العقد، كما مثلنا. قوله: (أمهات زوجته وإن علون) يعني: بمجرد العقد، فإذا عقد رجل على امرأة حرمت عليه أمها، وجدتها أم أمها، وجدتها أم أبيها، وإن علت، فهؤلاء هن أمهات الزوجات وإن علون، وهؤلاء يحرمن بمجرد العقد، حتى ولو طلق قبل الدخول. والتي تحرم بالدخول ولا تحرم بالعقد هي الربيبة، لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] وهي بنت الزوجة، ولا تكون محرمة إلا إذا دخل بأمها، أما إذا عقد على امرأة ثم طلقها ولها بنت، حلت له البنت؛ لأنه لم يدخل بأمها، فمجرد العقد عليها لا يحرم بنتها؛ وإنما يحرم الأم ولا يحرم البنت، يقول السلف: أطلقوا ما أطلقه الله، فالله تعالى قال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء:23] ، وأطلق، ثم قال: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] ، فاشترط في الربيبة الدخول بأمها. وقول الله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] استدل بها بعض العلماء على أن زوجة الابن من الرضاع، إذا طلقها حلت لأبيه من الرضاع؛ لأن الله قال: (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) ، فيجعلون الابن من الرضاع لا يدخل في هذه الآية، والجمهور على أنه يدخل؛ وذلك لأن اللبن الذي ارتضع منه من الصلب ولو كان لبن المرأة، لكن أصله بسبب الزوج، فالحمل الذي حصل ودرت بسببه لبناً هو من الزوج، فهذا الولد ارتضع من اللبن الذي صار بسببه، والذي خلق من صلبه، هذا هو الصحيح، فعلى هذا يخرج بقوله: (مِنْ أَصْلابِكُمْ) المتبنى؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يأخذ أحدهم ولداً أجنبياً ويضمه ويقول: هذا ابني بالتبني، ويسمى دعيّاً، ويسمون أدعياء، فلذلك قال الله تعالى في سورة الأحزاب: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب:4] ، (أدعياءكم) يعني: الذين تدعونهم أبناء وهم أجانب، وإنما ضممتموهم إليكم، فيكون قوله: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] ليخرج الدعي، فإن زوجته أجنبية، ولأجل ذلك أحل الله زوجة زيد بن حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان دعياً يدعونه ابن محمد، فقال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب:40] ، فأباح الله زوجته زينب للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37] لماذا؟ {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَج فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب:37] أي: حتى لا يتحرج أحد أن يتزوج زوجة دعيه من بعده. والربيبة اشترط الله فيها قوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:23] ، ولكن أكثر العلماء على أن هذا الشرط أغلبي، وأن كونها ربيبة تعريف لها، وليس ذلك مطرداً، فالضابط أن نقول: بنت الزوجة حرام على زوجها، أي: بنتها من غيره حرام عليه، سواء كانت تلك البنت في حجره أو ليست في حجره، وسواءً كانت ولدت قبل أن يتزوجها أو بعدما تزوجها وطلقها، فبنتها محرم له، هذا هو قول الجمهور، والغالب أنه إذا تزوج الرجل امرأة ومعها بنات أنهن يتربين عنده، وينفق عليهن، فبناء على الأغلب قال تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء:23] ، وليس ضرورياً أن يربيها، بل لو ربتها أمها قبل أن يتزوجها، ولما تزوجها أخذها أبوها، فتُعتبر ربيبة؛ لأنها بنت زوجته. كذلك أيضاً لا يشترط أن تكون في حجره، بل لو تزوجها ولها بنت، فأخذ البنت أهلها، ولم تدخل في بيته إلا لزيارة فنعتبرها ربيبة له، وتحرم عليه، ويكون محرماً لها. وكذلك بنات الزوجة بعد الزوج، إذا تزوجت امرأة، وجاءت منك بأولاد، وطلقتها، وتزوجها زيد وجاءت منه ببنات، فبناتها قبلك وبناتها بعدك حرام عليك، فالضابط أن بنت المرأة المدخول بها، سواء قبل الزوج أو بعده محارم له. وبنت الربيبة حرام أيضاً، فهي تقول: أنت زوج جدتي أم أمي، وكذلك بنت ابنها، فهي تقول: أنت زوج جدتي أم أبي، فتكون محرماً لها، يعني: بنات زوجتك من غيرك، وبنات بنات زوجتك، وبنات أبناء زوجتك من غيرك، كلهن محرمات عليك وإن سفلن، هؤلاء المحرمات أبداً. وقوله في أول الباب: (يحرم أبداً) يعني: محرمات مطلقاً.

المحرمات في النكاح تحريما مؤقتا

المحرمات في النكاح تحريماً مؤقتاً

تحريم أخت الزوجة

تحريم أخت الزوجة ذكر المصنف رحمه الله المحرمات إلى أمد، يعني: المحرمات تحريماً مؤقتاً، فيقول: (أخت معتدته، أو أخت زوجته) . أخت زوجته التي في ذمته حرام عليه إلى أن يطلق زوجته، وتنتهي عدتها، أو تتوفى زوجته، فتحل له أختها، فإذا طلق امرأة فلا يتزوج أختها حتى تنتهي عدة المطلقة، سواء بوضع الحمل، أو بثلاثة قروء، أو نحو ذلك؛ لئلا يجتمع ماؤه في رحم أختين، حتى لو كانت المطلقة بائناً، وهي المطلقة ثلاثاً، فلا يتزوج أختها حتى تنتهي عدتها، وتحل للأزواج، أمّا ما دامت محبوسة عليه فإنها تعتبر كأنها في عصمته.

تحريم الزواج بالزانية حتى تتوب

تحريم الزواج بالزانية حتى تتوب تحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها، قال الله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَان أَوْ مُشْرِك} [النور:3] ، ففي الآية تحريم نكاح الزانية، سيما إذا كانت مصرة على الزنا؛ وذلك لأنها فاجرة، ولأنها تستحق الحد الذي هو العقوبة المشروعة، فلا يتزوجها لئلا تدخل عليه أولاداً من غيره؛ لأنها إذا زنت وحملت من غيره نسبت الأولاد الذين هم من الزنا إليه، فيترتب على ذلك مفاسد، فلا يجوز أن يتزوجها إلا بعد توبتها، ولكن بعدما تقام عليها الحدود، فإذا زنت واعترفت وهي بكر وجلدت مائة جلدة، وغربت، وظهرت منها التوبة والندم، وعرف بذلك أنها صادقة في توبتها، وانقضت عدتها من ذلك الحمل، أو من ذلك الزنا، ففي هذه الحال يحل أن يتزوجها؛ لأنها أصبحت عفيفة، وأما قبل ذلك فلا يجوز، قال الله تعالى: {الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26] ، فإذا تابت أصبحت من الطيبات، وقبل ذلك كانت من الخبيثات، والله يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور:26] .

تحريم المطلقة ثلاثا

تحريم المطلقة ثلاثاً تحرم على الرجل مطلقته ثلاثاً، فإذا طلقها ثلاث طلقات حرمت عليه، وتُسمى بائناً بينونة كبرى، قال الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] يعني: الطلاق الرجعي، كما قال قبل هذه الآية: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] يعني: في الطلقتين، فإذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها فله مراجعتها: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة:228] ، ثم قال بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة:230] يعني: الثالثة، {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، فلا تحل مطلقته إذا كان قد طلقها طلاقاً ثلاثاً -وهي البائنة- حتى تنكح زوجاً غيره، وحتى يطأها ذلك الزوج بشرطه، يعني: لابد أن يطأها الوطء الصحيح، كما في حديث المرأة التي ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه طلقها زوجها، وأنها تزوجت بعده، وأنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته) يعني: حتى يطأها الوطء الذي يوجب الغسل، يطأها بنكاح صحيح مع الانتشار في قبلها، فلو وطأها في الدبر أو باشرها دون الفرج؛ فإنها لا تحل لزوجها الأول، حتى يطأها الثاني وطئاً صحيحاً.

تحريم زواج المسلمة بالكافر والمسلم بالكافرة إلا الكتابية

تحريم زواج المسلمة بالكافر والمسلم بالكافرة إلا الكتابية تحرم المسلمة على الكافر، قال الله تعالى: {وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْد مُؤْمِن خَيْر مِنْ مُشْرِك} [البقرة:221] فالعبد المؤمن المملوك خير من الحر المشرك، وإذا أسلمت تحته فرق بينهما، فإن أسلم في العدة رجعت إليه، وإلا حرمت عليه. قوله: (تحرم كافرة على مسلم، إلا حرة كتابية) . لقول الله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] عصمتها يعني ذمتها، أي: إذا كان لكم زوجات كافرات فلا تمسكوهن بعصمتهن، ولما نزلت الآية طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه زوجتين له كانتا بمكة كافرتين. ويقول تعالى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَة مُؤْمِنَة خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] يعني: مملوكة خير من حرة مشركة، واستثنوا الحرة الكتابية؛ لأن الله تعالى أباح نكاح الكتابية؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَان} [المائدة:5] ، فمثل هذه تحل بهذه الشروط: الشرط الأول: أن تكون كتابية، يعني: من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) ، فإذا كانت وثنية فلا تحل، وإذا كانت مجوسية، أو هندوسية، أو بوذية، أو قاديانية؛ فإنها لا تحل. الشرط الثاني: لابد أن تكون متمسكة بكتابها، فإذا كانوا يتسمون بأنهم يهود، ولكنهم لم يتمكسوا بما في كتابهم، أو نصارى ولم يعملوا بالإنجيل العمل الواجب، بل يخالفونه؛ فليسوا كتابيين، وذلك لأن من شريعة الكتابيين في التوراة والإنجيل تحريم الزنا، وأما الموجودون الآن بكثرة فإنهم لا يحرمون الزنا، ويتسمون بأنهم نصارى أو يهود، يذكر لنا الذين يسافرون إلى فرنسا وبريطانيا وأمريكا أن المرأة هناك لا تتورع عن الزنا، وأن الزنا عندهم أسهل شيء، ولا يغار أحد على ابنته، ولا على موليته، ففي هذه الحال، هل تكون كتابية أصلاً؟! لا تكون كتابية حقيقة. الشرط الثالث: أن تكون محصنة، والمحصنة هي المتعففة، أما إذا كانت غير عفيفة فلا تحل، وكثير من الذين يسافرون إلى البلاد الخارجية يقول أحدهم: أتزوجها؛ لأنها كتابية، ولا يشترط أن تكون عفيفة، ولا يشترط أن تكون متمسكة بكتابها، وقد تكون مرتدة، أو لا تكون كتابيةً حقيقية، فنقول: نكاحها حرام، والله تعالى ما أباح إلا نكاح اللاتي هن من أهل الكتاب حقاً، بشرط كونهن محصنات؛ لقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:5] المحصنات يعني: العفيفات، فإذا لم تكن محصنة فلا يحل لك أن تتزوجها، وإذا لم تكن من أهل الكتاب المتمسكين بكتابهم فلا تحل لك، ولا يحل أن تتزوجها. الشرط الرابع: أن تكون حرةً، فإذا كانت أمة كتابية فلا تحل لمسلم.

تحريم زواج المسلم بالأمة المسلمة إلا للضرورة

تحريم زواج المسلم بالأمة المسلمة إلا للضرورة يحرم على الحر المسلم نكاح الأمة المسلمة، إلا إذا خاف عنت العزوبة، واحتاج إلى نكاحها لحاجة متعة أو خدمة، وعجز عن طول حرة أو ثمن أمة، قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:25] يعني: من المملوكات، فاشترط ألا يستطيع طولاً، والطول هو: المهر، فإذا كان لا يقدر على مهر الحرة، ولا على ثمن أمة يستمتع بها إذا وجد الإماء فله أن يتزوج أمة، ثم قال في آخر الآية: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء:25] يعني: خشي الزنا، يعني: خاف من مشقة عنت العزوبة أن تحمله الشهوة على فعل الفاحشة، فلذلك قال: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ) أي: خاف (الْعَنَتَ) أي: عنت العزوبة، وكانت حاجته الاستمتاع لكسر حدة شهوته أو الخدمة أيضاً، قال الله: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْر لَكُمْ} [النساء:25] ؛ وذلك لأنه إذا تزوجها صار أولاده عبيداً لسيدها؛ لأن الأولاد يتبعون أمهم، فيتحسر إذا رأى أولاده مملوكين يباعون ويشترون؛ فلذلك الصبر خير.

تحريم زواج العبد بسيدته والسيد بأمته

تحريم زواج العبد بسيدته والسيد بأمته يحرم على العبد سيدته، وعلى السيد أمته؛ لأن العبد ليس كفئاً أن يتزوج سيدته، فهو في ملكها؛ لأنها أرفع منه، والسيد يطأ أمته بملك اليمين، فليس بحاجة إلى أن يتزوجها وكذلك أمة ولده لا يحل له أن يتزوجها، إلا إذا لم يكن الابن قد وطأها، وخرجت من ملكية ولدها. وقد ورد في فضل من أعتق الأمة ثم تزوجها الحديث المشهور: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين -وذكر منهم- السيد الذي علم أمته ثم أعتقها وتزوجها) . قوله: (يحرم على الحرة قن ولدها) يعني: مملوك ولدها، فالحرة لا يحل لها أن تتزوج عبدها، ولا عبد ولدها؛ لأنها أرفع منه.

من حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين إلا الأمة الكتابية

من حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين إلا الأمة الكتابية يقول المصنف رحمه الله: (ومن حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين؛ إلا أمةً كتابية) . (من حرم وطؤها بالعقد) مثلاً: حرم وطء أخت الزوجة بالعقد؛ فكذلك يحرم بملك اليمين، فلو كان لزوجتك أخت مملوكة اشترتيها فلا تطأها، وإن كانت مملوكة لك؛ لئلا تدخل في قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء:23] ، وكذلك عمة زوجتك، وخالة زوجتك، وما أشبه ذلك. والمؤلف هنا لم يذكر من المحرمات للجمع إلا قوله: (أخت معتدته، وأخت زوجته) . والصحيح أيضاً: أن عمة زوجته، وخالتها، وبنت أخيها، وبنت أختها محرمات عليه، حتى يفارق زوجته.

شرح أخصر المختصرات [60]

شرح أخصر المختصرات [60] يجب الوفاء بالشروط إذا لم تحل حراماً أو تحرم حلالاً، وأحق الشروط التي يجب الوفاء بها -إذا كانت شروطاً جائزة- الشروط في النكاح، وقد بين الفقهاء أحكام الشروط في النكاح، وما يجوز منها وما لا يجوز.

الشروط في النكاح

الشروط في النكاح قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: والشروط في النكاح نوعان: صحيح كشرط زيادة في مهرها، فإن لم يف بذلك فلها الفسخ. وفاسد يبطل العقد، وهو أربعة أشياء: نكاح الشغار، والمحلل، والمتعة، والمعلق على شرط غير مشيئة الله تعالى. وفاسد لا يبطله كشرط أن لا مهر، أو لا نفقة، أو أن يقيم عندها أكثر من ضرتها أو أقل. وإن شرط نفي عيب لا يفسخ به النكاح فوجد بها فله الفسخ. فصل: وعيب نكاح ثلاثة أنواع: نوع مختص بالرجل كجب وعنة، ونوع مختص بالمرأة كسد فرج ورتق، ونوع مشترك بينهما كجنون وجذام، فيفسخ بكل من ذلك، ولو حدث بعد دخول، لا بنحو عمىً وطرش وقطع يد أو رجل إلا بشرط، ومن ثبتت عنته أجل سنة من حين ترفعه إلى الحاكم، فإن لم يطأ فيها فلها الفسخ. وخيار عيب على التراخي لكن يسقط بما يدل على الرضا، لا في عنة إلا بقول. ولا فسخ إلا بحاكم، فإن فسخ قبل دخول فلا مهر، وبعده لها المسمى يرجع به على مُغرِّ. ويقر الكفار على نكاح فاسد إن اعتقدوا صحته، وإن أسلم الزوجان -والمرأة تباح إذن- أقرا] . هذا الفصل يبوبون عليه: باب الشروط في النكاح، وقد سبق أنهم قالوا: باب الشروط في البيع، وهنا قالوا: باب الشروط في النكاح، وهي: ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر، وهي قسمان: - شروط صحيحة. - وشروط باطلة. وقد ورد الوفاء بالشروط في النكاح في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج) يعني: أن الشروط التي تشترطها المرأة، وتحل نفسها لك بها، عليك أن توفي بها. والشرط هو ما يلتزم به الزوج للزوجة، أو ما تلتزم به الزوجة لزوجها، ويكون محل الشروط صلب العقد، أي: الشروط التي يلزم الوفاء بها هي التي يشترطونها عند العقد، ويكتب ذلك في العقد، فيكتب في العقد أنه اشترط الولي على الزوج لزوجته أن يسكنها في بيت مستقل، أو اشترط ألا يسافر بها، أو اشترط ألا يتزوج عليها، وقد تكثر الشروط التي يحتاج إلى كتابتها، ويختار الإشهاد عليها، فيكتبونها ويشهدون عليها عند العقد، وإذا خالف فيها فلها طلب الفسخ؛ لأنه حق لها، ومعلوم أنه إذا أدخل عليها زوجة أخرى في بيتها فإنها تتضرر، فلها أن تطلب الفسخ، وتقول: إما ألا تدخل علي الزوجة أو فارقني. كذلك أيضاً إذا شرط لها ألا يسافر بها، فإن لها شرطها، وكذلك إذا شرط لها ألا يخرجها من دارها أو من بلدها، فإن هذا من الشروط التي لها فيه مصلحة، وهكذا أيضاً إذا اشترط عليه أن يزوّرها أهلها كل أسبوع أو كل شهر أو كل سنة، فلها شرطها، ولها المطالبة به، وكذلك إذا شرطت زيادة في المهر، فإذا كان مهر أخواتها -مثلاً- عشرة آلاف فاشترطت عشرين ألفاً فلها شرطها، وهكذا إذا شرطوا أيضاً شرطاً قد وجد له أصل في الشرع، ويكون ذلك من باب التأكيد، فإذا شرطوا ألا يُركبها مع أجنبي في السيارة، أو ألا يخلو بها أجنبي، فهذا شرط أقره الشرع، وكذلك إذا شرطوا على الزوج ألا يدخل عليها جهاز الدش ونحوه، ولو طلبت ذلك، وهكذا إذا شرطت أن تبقى في وظيفتها، أو شرطت أن تواصل دراستها حتى تكملها، أو شرطت -إذا كانت موظفة- أن لها راتبها، أو أن يوصلها إلى المدرسة، أو إلى محل عملها، كل ذلك من الشروط التي يجب الوفاء بها. أما الشروط التي تحلل حراماً فلا يجوز اشتراطها ولا الوفاء بها، فلو شرطت أن يمكنها من دخول السوق متى أرادت، أو أن تخرج من بيته متى شاءت، فهذا شرط يخالف الشرع، أو شرطت مثلاً أن يمكنها من نزع الحجاب، كما يكون ذلك في بعض البلاد، أو من حضور الحفلات التي فيها منكرات، أو النوادي، أو من الألعاب التي فيها منكر ونحوه، فهذا شرط يخالف مقتضى الشرع، فلا يجوز الوفاء به، ولو رضي بذلك عند العقد، فإن في الحديث: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) . وإذا شرطت ألا يتزوج عليها فبعض العلماء يقول: لا يصح؛ لأن هذا شرط يحرم حلالاً، ولكن الجمهور على أنه صحيح؛ وما ذاك إلا لأن عليها ضرراً من الضرة، وعلى هذا إذا أراد الزواج بأخرى فإنه يخيرها، ويقول: أنا أريد أن أتزوج، فإما أن توافقي، وإما أن تطلبي الفراق، أي: إذا رغب في ذلك النكاح، وكان هناك دوافع، لكن قد تقول: إن الطلاق ضرر عليَّ، فقد يكون ضرراً عليها، لاسيما إذا أتت بولد واحد أو عدد، فإن ذلك يكون إساءة لسمعتها، وإذا طلقت فقد لا يرغبها الرجال، ويقولون: هذه قد نشزت وفارقها زوج، فلا يرغب فيها غيره، فلذلك يرى بعض العلماء أن عليه الوفاء بهذا الشرط، وألا يتزوج عليها، ولو تضرر. والصحيح: أنه إذا احتاج إلى ذلك فإنه يخيرها بين أن تبقى معه مع الزوجة الجديدة أو تفارقه، فيكون لها الخيار. فإذا لم يف بهذه الشروط أو ببعضها فلها طلب الفسخ، ولها أن تذهب إلى الحاكم وتطلب منه أن يفسخ النكاح إذا جاءت بالشرط، وقد تقول: قد شُرط عليه كذا، وهذه صورة العقد، أو هؤلاء الشهود الذين يشهدون، فأطالب إما أن يفي بما شُرط عليه، وإما أن يخلي لي السبيل، ويكون هذا أوثق لها، روي أن عمر رضي الله عنه رفع إليه رجل تزوج امرأة، وأنها شرطت عليه ألا يسافر بها، فقال: مقاطع الحقوق عند الشروط، يعني: أن الحقوق تقطعها الشروط، فالشروط أوثق، وأولى ما يوفى به شروط النكاح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ، فإذا كان هناك شروط في العقد لزم الوفاء بها.

الشروط التي تبطل النكاح

الشروط التي تبطل النكاح الشروط الفاسدة: منها شروط تبطل العقد، ومنها شروط فاسدة والعقد صحيح. والشروط التي تبطل العقد أربعة:

نكاح الشغار

نكاح الشغار الأول: نكاح الشغار، صورته: أن يقول لك: أزوج ابنك ابنتي، بشرط: أن تزوج ابني ابنتك، أو زوجني بنتك، بشرط: أن أزوجك ابنتي، أو لا أزوج ابنك إلا إذا زوجت ابني، فهذا هو نكاح الشغار. واختُلف في سبب تسميته، فقيل: كلمة (الشغار) مشتقة من الشغر الذي هو الفراغ، يقال: شغر البيت، يعني: خلي ولم يكن فيه ساكن، ومحل شاغر، ومركز شاغر، أي: خالٍ، فقيل: إنه سمي من الفراغ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يخلونه من المهر، فيقول أحدهم: زوجني بنتك وأزوجك ابنتي، ولا صداق، وتكون هذه عوض هذه، يعني: بضع هذه هو مهر الثانية، وبضع هذه هو مهر الأولى، فلا يكون بينهما شيء من المهر، هذا تفسير للشغار. وروي في حديث ابن عمر أنه فسر الشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ولا صداق بينهما. ورجح بعض المحققين أن تفسيره من كلام ابن عمر، وقيل: إنه من كلام نافع، فعلى هذا هل يكون حجة؟ وهل يستدل به على أن الشغار هو الذي لا يكون فيه مهر؟ ذهب إلى ذلك بعض العلماء كالأحناف، فقالوا: الشغار صحيح، ولكن يفرض لكل منهما، فإذا تم العقد فإننا نقول: يا هذا! أعط زوجتك مهراً، وأنت أيضاً أعط زوجتك مهراً، أي: مهر أمثالها، ويبقى النكاح على حاله صحيحاً. والقول الثاني: أنه باطل ولو سُمي لها صداقاً، ولو أعطيت صداقاً بعد العقد أو قبله، وقالوا: إنه ورد في الحديث تفسيره أن يقول: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، زوجني أختك بشرط أن أزوجك أختي، أو نحو ذلك، ويكون العلة فيه هو الاشتراط: لا أزوجك إلا إذا زوجتني، أو لا أزوج ابنك إلا بشرط أن تزوج ابني، فيكون هذا مفسداً له؛ لأنه لابد غالباً أن يحصل إكراه لإحدى الزوجتين، فإنه قد يكره ابنته لمصلحته، ويلجؤها على أن توافق؛ لأن له مصلحة بأنه سوف يتزوج، فيقول: يا ابنتي! اقبلي حتى يزوجوني، أو حتى يزوجوا ابني، فيكرهها، فيكون فيه غالباً إكراه إحدى الزوجتين، أو إكراه كلتيهما، والإكراه لا يجوز، وقد تقدم أنه لا يجوز تزويج البكر إلا بإذنها، ولا الثيب إلا بأمرها، كما في الحديث: (والبكر يستأذنها أبوها) ، فإذا كان هناك عدم رضا فلن تصلح الحال، ولن تستقيم الأمور، فلذلك حرم هذا النكاح، كما يقع في كثير من القرى ومن البوادي، يقع عندهم هذا، ثم تحصل مفسدة، وهو أن أحدهما إذا نشزت امرأته وذهبت إلى أهلها، وابنته صالحة مع زوجها، جاء إلى ابنته وأخذها قهراً، وقال: انشزي يا بنتي! كما نشزت ابنتهم، أو آخذ ابنتي قهراً ولو كانت موافقةً لزوجها، ولو كان بينهما أولاد، ولو كانت تحبه ويحبها، فيصر على أن يأخذها قهراً، ويكون في ذلك مفسدة. هذه هي العلة في تحريم الشغار. أما إذا لم يكن هناك شرط، وكان هناك رضاً من الطرفين، ودفع لكل واحدة منهما ما تستحقه، ففي هذه الحال يظهر أنه لا بأس به، فإذا قال: أهلاً وسهلاً، أنا سوف أزوجك أو أزوج ابنك، وابنتي موافقة، فأعطها مهرها الذي تستحق، فقال: مهرها كذا وكذا، وعندي أيضاً ابنة إذا تريدها فإنها توافق عليك أو على ابنك، ولم يكرهها، ولا ألزمها، فهي راضية، ولكن لابد أن تدفع لها مهرها، وكل واحد منهم يقول: أنا سوف أزوجك سواء زوجتني أم لا، وإذا زوجتني فإني سوف أعطي ابنتك حقها، فمثل هذا لا بأس إذا حصل التراضي.

نكاح التحليل

نكاح التحليل الثاني: المحلل، وهو: الذي يتزوج المرأة لأجل أن يحلها لزوجها الذي طلقها ثلاثاً، كأنه مستأجَر، وقد اشترطوا عليه وقالوا له: تزوجها بشرط أنك متى وطأتها فإنها تطلق منك، أو يلزمك أن تطلقها، ويقصدون بذلك إحلالها لزوجها، وقد يكون الزوج الذي طلق هو الذي يتفق مع هذا الجديد فيقول له: تزوج امرأتي فلانة فإني قد طلقتها، وحُرمت عليّ، بشرط: أنك تبيت معها ليلة ثم تفارقها، حتى أراجعها بعدما تطلقها وتعتد، وقد تقدم في ذكر أنواع المحرمات أنها تحرم عليه مطلقته حتى تنكح زوجاً آخر ويطؤها، فإذا كان ذلك الذي تزوجها ما قصد إلا إحلالها، أو استأجره أهلها أو زوجها حتى يحلها، فإن هذا باطل، والأحاديث فيه كثيرة، أورد ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230] أحاديث كثيرة في لعن المحلِّل والمحلَّل له، وفي بعضها تسمية هذا المحلِّل (التيسَ المستعار) ، والتيس هو ذكر المعز، يعني: كأن زوجها استعاره حتى يطأ زوجته، أو كأنه تيس يُستعار حتى ينزو على المعزى حتى تحبل، فهذه تسمية للتنفير، أما إذا تزوجها برضا وباختيار، وما قصد بذلك إلا النكاح، ففي هذه الحال لو طلقها بعد ذلك باختياره حلت للأول. ثم قد يكون هذا من المرأة، كثيراً ما تندم المرأة إذا طلقت ثلاثاً، وتتمنى الرجوع إلى زوجها، والزوج لا يشعر بذلك منها، فتتزوج، وإذا دخل بها الزوج ووطأها نفرت منه، وافتدت أو خالعت، أو قالت: لا أريده، ويكون قصدها بذلك أن تحل للأول، فهل يكون هذا تحليلاً؟ A لا يكون إذا كان الزوج الأول لم يتدخل في هذا، والزوج الثاني ما له دخل، ولا قصد إحلالها، وإنما هي التي نفرت، وطلبت فراقه حتى تحل للأول، فمثل هذا الوعيد عليها هي، وأما الزوج فلا وعيد عليه، ولا يلحقه هذا اللعن.

نكاح المتعة

نكاح المتعة الثالث: نكاح المتعة، وهو الذي تحدد فيه المدة، بأن يقول للمرأة: تزوجتك مدة شهر، أو يقول وليها: زوجتكها مدة أسبوع، ويعطيها صداقاً يسيراً كدرهم أو دراهم معدودة، ثم إذا مضت المدة التي حددوها حصل الفراق بينهما، هذا النكاح ورد أنه أبيح في غزوة الفتح، والصحيح: أنه ما أبيح إلا فيها، ثم حرم فيها؛ وذلك لأنهم لما دخلوا مكة كانوا عشرة آلاف، وأكثرهم عزّاب، وأعراب، ومسلمون جدد، ويشق عليهم طول العزبة، ودخلوها في نصف رمضان، أو في العشر الأواخر، ومكثوا ستة عشر أو سبعة عشر يوماً، ففي تلك المدة مع عشرة أيام في الطريق خاف النبي صلى الله عليه وسلم عليهم العنت؛ لكونهم حديث عهد بالإسلام، فأباح لهم نكاح المتعة، بأن يتزوج الرجل المرأة على ثوب، أو على خمسة دراهم، ويمكث معها عشرة أيام أو أسبوعاً يستمتع بها، ثم يفارقها إن انتهت المدة، ثم هي تعتد، أو تستبرئ، وإن حملت فإن حملها يكون منه، وإن لم تحمل لا تتزوج غيره إلا بعدما تحيض حيضة، حتى تعرف براءة رحمها، ولما مضت عشرة أيام أو نحوها أعلن أنه زواج محرم، وبقي تحريمه أبداً، وما ذاك إلا لأنه لا يُسمى نكاحاً شرعياً، وهذه المرأة لا تُسمى زوجة، ولا يتوارثان، ولا يحصل بهذا عشرة زوجية، فلذلك نهي عنه نهياً مؤبداً، وبقي كذلك، إلا عند الرافضة فإنهم يبالغون في أنه حلال، ويدّعون أنه كان حلالاً في العهد النبوي، وأن الذي حرمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيعيبون على عمر، ويطعنون فيه بأنه هو الذي حرم هذا النكاح، وكذبوا، بل التحريم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر إنما نهى عن متعة الحج، فتوهموا أنه نهى عن متعة النكاح، ومعنى متعة الحج، أي: التمتع بالحج إلى العمرة، حتى لا يجمع الإنسان في سفر واحد بين حج وعمرة، بل يسافر للعمرة سفراً مستقلاً، وقصده بذلك ألا يبقى البيت مهجوراً؛ لأنهم إذا اعتمروا مع حجتهم بقي البيت طوال السنة لا يأتي إليه أحد، مع أنه ليس نهياً صريحاً، إنما هو نهي كراهة، أو نهي من باب ما هو الأحسن، فلما رأوا في صحيح مسلم أو في غيره أنه نهى عن المتعة، جعلوها متعة النكاح، وقد وقع في بعض الروايات في صحيح مسلم، وكذلك في مصنف عبد الرزاق: أنه نهى عن متعة النساء، والصحيح: أنه خطأ من الراوي. وكذلك أيضاً روي عن بعض الصحابة أنه كان يبيحه كـ ابن عباس، ولكن الصحيح أن ابن عباس ما أباحه إلا للضرورة، وقد أنكر عليه بعض الصحابة حتى علي رضي الله عنه، وكان ابن عباس يبيح أيضاً أكل لحوم الحمر، فيقول: إنها حلال، فرد عليه علي في هاتين المسألتين، في المتعة وفي الحمر، كما في الحديث الذي في الصحيح عن علي رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر) فجمع بينهما في حديث، وأتى بكلمة: (يوم خيبر) ظرفاً لتحريم الحمر لا ظرفاً للمسألتين، وتوهم بعض العلماء أن النهي عن نكاح المتعة كان في خيبر، والصحيح: أنه ما أبيح إلا في غزوة الفتح، وحرم في تلك الغزوة. وقد ناقش أدلة الرافضة كثير من أهل السنة، ولهم مؤلفات في ذلك، والرافضة لهم مبالغة في إباحتها، ولا يزالون هكذا، ولا يعتبر بخلافهم؛ لأنهم ليسوا من أهل السنة.

تعليق الشرط على غير مشيئة الله

تعليق الشرط على غير مشيئة الله الرابع: المعلق على شرط غير مشيئة الله تعالى. إذا قال: زوجتك بشرط رضا أخيها، وأخوها غائب، فهذا معلق على شرط، أو زوجتك بشرط بقائها إلى سنة أو نصف سنة، أو زوجتك بشرط نجاحها في هذا الاختبار، فهذا غيب ولا يُدرى، لأجل ذلك يكون هذا باطلاً، فإذا أرادوا العقد عند تحقق الشرط فليعقدوا لها عقداً جديداً لا بتعليق.

الشروط الباطلة التي لا تبطل العقد

الشروط الباطلة التي لا تبطل العقد هناك شروط فاسدة لا تبطل العقد، بل يبطل الشرط ويصح العقد، فإذا شرط ألا مهر لها، فالعقد صحيح والشرط باطل، وتعطى مهر أمثالها؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء:4] ، وإذا شرط ألا نفقة لها، أو شرط ألا تطالبه بنفقة ولو خبزة أو رغيفاً، صح العقد وبطل الشرط؛ لأنه يخالف مقتضى العقد، فالأصل أن الزوج عليه نفقة امرأته، لقول الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ، فالنفقة واجبة على الزوج، لكن إذا كان لها دخل وساعدته في نفقتها أو في نفقة الأولاد جاز ذلك. ومن الشروط الباطلة: إذا شرط أن يقيم عندها أكثر من ضرتها أو أقل، فإذا قالت: بشرط أن تقيم عندي أربعة أيام، وعند ضرتي يوماً، أو تقيم عندي ثلاثة، أو يومين، فهذا شرط ينافي العدل؛ لأن الله تعالى قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3] فلابد أن يعدل بينهما. وكذلك إذا كان قد شرط عليها: ما لك إلا يوم في الأسبوع، والبقية لضرتك، أو نحو ذلك، فهذا شرط باطل، والعقد صحيح. وإذا شرط نفي عيب لا يفسخ به النكاح، فوُجد بها؛ فله الفسخ، مثلاً: إذا شرط أنها ليست أمية، فوجدت أمية لا تقرأ ولا تكتب، فهذا الشرط لا يبطل العقد، ولكن إذا كان قد شرط ذلك فله شرطه، وله طلب الفسخ، ويُرد عليه صداقه، وكذلك لو شرط أنها بيضاء وبانت سوداء، أو شرط أنها جميلة وبانت دميمة، فالعقد صحيح، ولكن لما تخلّف المطلوب فله الفسخ، وكذلك لو شرط أنها سليمة وصحيحة من العيوب، فوجد بها مثلاً نقص إصبع أو زيادته، أو مثلاً جروحاً يسيرة في البدن، فإن هذا أيضاً لا يبطل به العقد، لكن إذا قال: أنا شرطت فيها السلامة، ووجدت فيها عيوباً أو عيباً؛ فله الفسخ.

عيوب النكاح

عيوب النكاح الفصل الثاني في عيوب النكاح، والعيب هو: ما يكون نقصاً في أحد الزوجين، بحيث تنفر النفس من ذلك العيب، أو لا يحصل كمال الاستمتاع، أو لا يحصل كمال الألفة، أو ما أشبه ذلك، فإذا وجد هذا العيب فإنه يكون سبباً في الفراق. وذكر المصنف أن العيوب ثلاثة أنواع: قسم يختص بالرجال، وقسم يختص بالنساء، وقسم يوجد في الرجال وفي النساء. فالذي يختص بالرجال: كجبّ وعنة، والجب هو: قطع الذكر، وهذا بلا شك عيب؛ لأنه لا يحصل به الاستمتاع، والمجبوب لا يكون زوجاً يحصل منه الإنجاب، ولا يحصل منه الاستمتاع. وإذا كان مقطوعاً نصف ذكره فإنه قد يحصل منه الاستمتاع أو الوطء، ولكن لا يكون استمتاعاً كاملاً، فلها طلب الفسخ. وأما العنة: فهي عدم القدرة على الوطء، العنين هو: الذي لا يحصل منه الانتشار الذي يتمكن معه من الوطء، فإن بعض الناس ليس عنده شهوة، أو عنده شهوة ضعيفة بحيث إنه لا يحصل منه الانتشار والانتصاب، فلا يحصل منه قدرة على الوطء، فيكون هذا عيباً، فللمرأة طلب الفسخ إذا ظهر أنه عنين. والنوع الثاني يختص بالنساء: ذكروا أن من النساء من يكون في فرجها سد يسمى الرتق والعفل، والرتق هو: انضمام الفرج والتحامه، فلا يتمكن زوجها من الاستمتاع، يقال: امرأة رتقاء، أي: ملتصق فرجها بعضه ببعض، ومن الرتق قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً} [الأنبياء:30] أي: كانت السموات ملتصقة بالأرض {فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء:30] . وكذلك العفل مرض يكون أيضاً في الفرج، يمنع من كمال الاستمتاع، ويشبهونه بالأدرة التي قد تكون في الرجل، والآدر هو: الذي فيه فتق في أسفل بطنه، فتنحدر منه أمعاؤه، حتى تجتمع في الأنثيين، هذه تسمى الأدرة، فيكون في النساء هذا الفتق، فيكون أيضاً عيباً، ولكنه أغلب ما يكون في الرجل، والآدر: هو الذي فيه هذا الفتق، فيكون أيضاً عيباً، والفتق قد يفسر بنوع آخر وهو: انفتاق ما بين مخرج الحيض ومخرج البول، فإذا كان منفتقاً ما بينهما فإن ذلك أيضاً عيب؛ لأنها في هذه الحالة لا تقدر على استمساك البول، ففي هذه الحال يكون هذا عيباً. النوع الثالث: العيب المشترك بين الرجل والمرأة: كالجنون، والجذام، والبرص، فإذا وجد في واحد منهما فللآخر طلب الفسخ؛ لأنه مما تنفر منه النفس، فالجنون: فقد للعقل، يقال: جن إذا غُطي على عقله، فإذا تبين أن المرأة مجنونة فله أن يطالب بالفسخ، أو الرجل تبين أنه مجنون فلها المطالبة بالفسخ. كذلك الجذام، وهو: قروح تخرج في الأنف وفي الوجه وتنتشر، ويكون لها رائحة منتنة، ويخشى أيضاً انتقالها، وفي الحديث: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) فالجذام من الأمراض الشديدة، وقد ورد الاستعاذة منه، فمن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بالله من البرص، والجنون، والجذام، وسيئ الأسقام) . والبرص معروف وهو: هذا البهق والبياض الذي يكون في بعض الناس في يديه أو في وجهه أو في أعضائه، فإن كان خفياً في بطن أو ظهر فقد لا يكون عيباً، وإلا فإن النفس تنفر من الشيء الذي يخالف خلقة الإنسان، فيكون عيباً يفسخ به، أما بقية العيوب فلا توجب الفسخ، لكن إذا اشترط نفيها فله شرطه، فإذا شرط ألا عيب فيها، ووجد بها عور، أو وُجد أنها عمياء، أو مشلولة إحدى اليدين، أو عرجاء، أو بها قرع، وهو تمزق شعر الرأس، الأقرع هو: الذي يكون في رأسه هذه القروح التي تمزق الشعر أو نحوه، أو قروح خفية وجروح، أو مرض خفي. فالحاصل: أنه إذا وجد عيب خفي، وكانوا قد كتبوه؛ فله المطالبة بالفسخ إذا كان مما ينفر النفس، وله أن يرضى به. وإذا حدث الجنون أو البرص بعد الزواج وبعد الدخول جاز له أن يطلب الفسخ، مع أن هذا ليس بسبب منها، ولا من أهلها، وإنما حدث أنها جنت، أو أصيبت بالجذام بعد ما دخل بها، ولكن النفس تنفر من ذلك. وهناك عيوب لا تكون ملزمة للفسخ، ولكن إذا كان هناك شرط فـ (المسلمون على شروطهم) ، فإذا لم يشترط نفي العيوب، ووجدها عمياء، أو عوراء، أو وجدت زوجها مثلاً ضعيف البصر يحتاج إلى من يقوده، أو أطرش، والطرَش هو: ثقل السمع، فإذا وجد بأحد منهما طرَش، فإن كان هناك شرط فله شرطه، وإلا فإنه لا يُعد عيباً، وكذلك قطع اليد أو الرجل، سواءً كان حادثاً أو قديماً، وكذلك إذا قطعت إصبعه، فلا يكون هذا موجباً للفسخ إلا بشرط، فإذا شرط: ألا عيب فيها أصلاً من الخلقة، ثم وجدت مقطوعة إحدى اليدين، أو مقطوعة أحد الأصابع بحيث يختل العمل؛ فله طلب الفسخ؛ لأنه شرط نفي العيب. ومن ثبتت عنته أجل سنة من حين ترفعه إلى الحاكم، ويحدث هذا في كبار السن، فقد تجد أن أحدهم يصاب بضعف الشهوة، والمرأة تريد زوجاً يحصل منه الاستمتاع بها، ففي هذه الحال إذا طلبت منه الاستمتاع ورفعته إلى الحاكم، فإن الحاكم يؤجله سنة، وكذلك إذا ثبتت عنته، أي: أنه لا ينتصب ذكره، ولا يحصل منه الوطء الذي يحصل به الاستمتاع، فإذا ترافعا فالحاكم يؤجله سنة، حتى تمر به الفصول الأربعة، يمر به فصل الربيع، فقد يكون مثلاً بسبب برودة، ويمر به فصل الشتاء، فقد يكون الضعف بسبب حرارة، ويمر به فصل الخريف وفصل الصيف، فإذا مرت به الفصول الأربعة ولم يتبين أنه تغيّر بل بقي على عنته، ففي هذه الحال بعد أن ثبتت عنته، وأجله الحاكم سنة من حين الترافع، فإن لم يطأ فيها فلها طلب الفسخ. وإذا وجد عيب كعمى وطرش أو صمم أو خرس أو عور أو شلل على التراخي، يعني: سكتت، ولم تطالب الفراق، ومضى عليها سنة أو سنوات ثم طلبت الفراق، فهل يحتج عليها ويقول: أنت قد مكثت عندي سنة أو سنتين راضية بالحال، فلماذا طلبت الفراق بعد ذلك؟ A لها أن تطلب الفراق ولو بعد عشر سنين؛ لأنه يمكن أنها تقول: كنت أتحمل، أو أتصبر، أو لعله يتغير، فخيار العيب على التراخي، لكن يسقط بما يدل على الرضا إذا دل كلامها أو كلامه على الرضا، فإذا قال: رضيت بها ولو خرساء، فهذا دليل على رضاه، أو قال: رضيت بها ولو عرجاء فكذلك، أو قالت: رضيت به ولو أعور، أو أعمى، أو حدث به العمى، أو المرض، فإذا أظهرت الرضا بطل الخيار، فلو طالبت بعد ذلك بالفسخ فليس لها؛ لأنها رضيت به، ومن رضي به في وقت استقر الرضا بعد ذلك. وأما في عنة فلا يسقط، ولا خيار إلا بالقول، فالعنين خياره لا يسقط إلا بقول، وصورة ذلك: إذا قالت: رضيت به عنيناً، أي: رضيت أن يبقى معها ولو كان عنيناً، فيسقط خيارها. وأما الفسخ فهو: فسخ النكاح، بمعنى: أنها تطالب بالفسخ، ولا يفسخه إلا الحاكم، فإذا ترافعا إلى الحاكم، وقالت: أريد فسخ النكاح بيننا، فإنه هو الذي يتولى فسخه، وإذا فُسِخ النكاح قبل الدخول فلا مهر؛ لأن الصداق إنما كان بسبب العقد، وهاهنا تبين أن العقد لا يصح، وأنه لا يُقر على تلك الحال، فلا تستحق عليه لا مهراً ولا نصف المهر، وأما إذا دخل بها فإنها تستحق المهر كاملاً بما استحل من فرجها، ولكن يرجع به على الذي غرّه أو أوهمه أنها سليمة، سواء الأب أو الأخ أو الواسطة بينهما، يقول: أنت خدعتني، دخلت بها ووجدت بها عيب كذا وكذا، وقد أخذت مني المهر كاملاً، فأنت الذي خدعتني، فيرجع به عليه.

أحكام نكاح الكفار، وحكم إذا أسلم أحد الزوجين أو كلاهما

أحكام نكاح الكفار، وحكم إذا أسلم أحد الزوجين أو كلاهما ذكر المصنف نكاح الكفار، وأنهم يقرون على النكاح الفاسد الذي اعتقدوا صحته، كنكاح بلا ولي، أي: أن تزوج المرأة نفسها، كذلك أيضاً إذا كان هناك نكاح بلا إيجاب ولا قبول، مثاله: اجتمع رجل وامرأة في الجاهلية وقال: زوجيني نفسك، فأخذ بيدها دون أن يكون هناك إيجاب أو قبول، فإذا اعتقدوا صحته صح ذلك. وإذا أسلم الزوجان والمرأة تباح أُقرا على نكاحهما، أي: إذا كانت تباح في تلك الحال، وإلا فرق بينهما. رووا: أن فيروزاً الديلمي أسلم وعنده أختان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارق إحداهما، ولكن يعتزل الثانية حتى تستبرأ التي فارقها. وأسلم غيلان الثقفي وعنده عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اختر أربعاً وفارق سائرهن) ، فإذا أسلموا يقرون على الذي يحله الشرع، والذي لا يحله لا يقرون عليه. وإذا أسلم المجوسي وعنده في ذمته أحد من محارمه أمر بفراقها؛ وذلك لأنه محرم، والمجوس يستبيح أحدهم أن يتزوج بنته أو أخته أو أمه أو غيرهن، فإذا أسلموا أمروا بفراق من هي من المحارم.

شرح أخصر المختصرات [61]

شرح أخصر المختصرات [61] مما فرضه الله عز وجل للمرأة على الزوج: الصداق، وهي تستحقه كله بالدخول عليها، وتستحق نصفه إذا فارقها بعد العقد وقبل الدخول، ويستحب في الصداق أن يكون معجلاً، ويجوز تأجيله، وتكره المغالاة في المهور.

أحكام الصداق

أحكام الصداق قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصداق. يسن تسميته في العقد وتخفيفه، وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً، فإن لم يسم أو بطلت التسمية وجب مهر مثل بعقد. وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح، فلو طلق قبل دخول رجع بألفها، ولا شيء على الأب لهما، وإن شرط لغير الأب شيء فالكل لها، ويصح تأجيله، وإن أطلق الأجل فمحله الفرقة، وتملكه بعقد. ويصح تفويض بضع بأن يزوج أب ابنته المجبرة، أو ولي غيرها بإذنها بلا مهر، كعلى ما شاءت أو شاء فلان. ويجب لها بعقد مهر مثل، ويستقر بدخول، وإن مات أحدهما قبل دخول وفرض ورثه الآخر، ولها مهر نسائها كأمها وعمتها وخالتها. وإن طلقت قبلهما لم يكن لها عليه إلا المتعة، وهي بقدر يسره وعسره. ويجب مهر مثل لمن وطئت بشبهة أو زناً كرهاً، لا أرش بكارة معه، ولها منع نفسها حتى تقبض مهراً حالاً، لا إذا حلّ قبل تسليم أو تبرعت بتسليم نفسها، وإن أعسر لحال فلها الفسخ بحاكم. ويقرر المسمى كله موت، وقتل، ووطء في فرج ولو دبراً، وخلوة عن مميز ممن يطأ مثله مع علمه إن لم تمنعه، وطلاق في مرض موت أحدهما، ولمس أو نظر إلى فرجها بشهوة فيهما، وتقبيلها، وينصفه كل فرقة من قِبله قبل دخول، ومن قِبلها قبله تسقطه. فصل: وتسن الوليمة لعرس ولو بشاة فأقل. وتجب الإجابة إليها بشرطه. وتسن لكل دعوة مباحة، وتكره لمن في ماله حرام كأكل منه، ومعاملته وقبول هديته، وهبته. ويسن الأكل، وإباحته تتوقف على صريح إذن أو قرينة مطلقاً. والصائم فرضاً يدعو، ونفلاً يسن أكله مع جبر خاطر. وسن إعلان نكاح، وضرب بدف مباح فيه، وفي ختان ونحوه] .

تعريف الصداق

تعريف الصداق الصداق: هو ما تستحقه المرأة مقابل الزواج بها، سمي صداقاً؛ لأنه يدل على الصدق في دفعه، وأنه ما دفعه إلا لأجل صدقه في طلبها، وفي نكاحها، أو على الصداقة بينهما، قال الله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء:4] جمع الصدَاق: صدُقات، وأما الصدقة فجمعها: صدَقات. وقوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] يعني: نحلاً، والنحل هو: العطاء، تقول: نحلني فلان يعني: أعطاني عطية، ويُسمى أيضاً أجراً كقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24] ، ويسمى أيضاً فريضة كقوله في هذه الآية: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء:24] ، وذكر بعض العلماء أن له ثمانية أسماء، ونظمها بقوله: صداق ومهر نحلةٌ وفريضةٌ حباءٌ وأجر ثم عقر علائق. فله هذه الأسماء، ومنها ما هو مستعمل كثيراً، ومنها ما استعماله قليل، فالجميع اسم لمسمىً واحد، وهو ما تستحقه المرأة مقابل العقد عليها.

استحباب تسمية الصداق عند العقد

استحباب تسمية الصداق عند العقد قال المصنف رحمه الله: (يسن تسميته بالعقد وتخفيفه) ، قوله: (يسن) أي: ليس بلازم، فإذا عقد عليها، ولم يسم لها مهراً، فإنها تُسمى مفوضة، أي: قد فوضت أمرها إلى وليها، أو إلى زوجها الذي لم يسم لها صداقاً بيناً، وقد دل أيضاً على عدم التسمية قول الله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة:236] يعني: يجوز لكم طلاقهن بعد العقد، ولو قبل الدخول، وقبل الفرض، فدل على أن هناك عقداً لا يكون فيه فرض، أي: تسمية مهر، ولكن يسن تسميته لأجل قطع الخلاف، أي: حتى لا يكون هناك خلاف بينهما في مقداره، وإذا طلق قبله، وكان الصداق بيناً، فتستحق ما سمي لها. ويسن تسميته في العقد، فإذا عقد الولي يقول: زوجتك موليتي فلانة بصداق ألف، أو بصداق عشرين ألفاً، فيسميه، حتى لا يكون هناك نزاع.

استحباب تخفيف الصداق

استحباب تخفيف الصداق يسن تخفيفه، ورد في حديث: (خير النساء أيسرهن مهراً) أو (أيسرهن مئونة) أو (أفضل النساء أو خير النساء أيسرهن مئونة) ، وورد (أن امرأة تزوجت على نعلين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرضيت من نفسك بنعلين؟ فقالت: نعم) فأجاز ذلك، وكذلك جاء في الحديث أنه قال لرجل: (التمس ولو خاتماً من حديد) ، فلو جاء بخاتم من حديد لعقد له به، وكذلك أيضاً جاء رجل فقال: (إني تزوجت امرأة على اثني عشرة أوقية) فأنكر عليه وقال: (كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل) ، فأنكر عليه مع أن هذا قليل، فدل على أنه يستحب أن يكون المهر قليلاً، والأوقية: أربعون درهماً، وذكرت عائشة أن مهر نساء النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر أوقية ونشَّاً، أي: ونصفاً، فيكون ذلك خمسمائة درهم؛ لأن الأوقية أربعون درهماً، وأما بناته فمهورهن أربعمائة، يعني: عشر أواق، أربعمائة درهم، إلا أم حبيبة فإنه أمهرها عنه النجاشي بأربعة آلاف دينار، ولم يدفع النبي صلى الله عليه وسلم في مهرها شيئاً.

مقدار الصداق

مقدار الصداق قال المصنف رحمه الله: (وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً) ، كل ما صح أجره، يعني: عوضاً عن عمل، والأثمان هي قيم السلع، أو هي التي تجعل ثمناً للسلع، وهي الآن تسمى نقوداً، والنقود تختلف باختلاف البلاد، فإذا قال مثلاً: زوجتك على عشرين ألف ريال، وأطلق، فإنه يرجع إلى نقد البلد، فإن كان في السعودية، فعشرون ألف ريال سعودي، وإن كان في قطر فعشرون ألف ريال قطري، وفي اليمن يمني؛ لأن لكل بلد عملتهم، مع أن اسمه ريال، وإذا كان مثلاً في مصر وعقد على عشرين ألف فإنه يكون بنقد البلد، وهو: الجنيه المصري، وإن كان في السودان فالجنيه السوداني، وكذلك إذا عقد على عشرين ألف ليرة، فإن كانوا في سوريا فمن نقدها، وإن كانوا في لبنان فمن نقدها، وإن كانوا في تركيا فليرة تركية، وهكذا، فهذا معنى أن كل بلد لهم نقدهم، فيسمى بالاسم الذي يتعارف عليه. وكل ما صح ثمناً صح مهراً، وعندنا الآن الأثمان بالريالات، وقد تكون أيضاً بالدولارات الأمريكية، وذلك لشيوعها وكثرة التعامل بها في كثير من الدول، فإذا قال: زوجتك بخمسة آلاف دولار، صح ذلك مهراً، وهكذا. وكذلك من الأثمان الجنيه، فإذا قال: زوجتك بخمسين جنيهاً وهم في السعودية فالجنيه السعودي وهكذا. ويصح أيضاً أن يجعل المهر عرضاً، ففي حديث علي لما تزوج فاطمة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ادفع لها مهراً، قال: ليس عندي شيء، فقال: أين درعك الحطمية؟ قال: هي عندي، فجعلها مهراً) ، والدرع هي: التي تلبس في الجهاد يتقي بها اللابس وقع السلاح، ولا يلبسها غالباً إلا الرجال، فجعلها مهراً، وكذلك أيضاً لو أصدقها ثوباً أو ثياباً، أو أصدقها عروضاً كأكياس من الأطعمة، أو أدوات من هذه الأواني وما أشبهها، صدق عليه أنه قد أصدقها مهراً، فكل ما صح ثمناً صح مهراً. وكل ما صح أجرة كذلك، والأجرة هي: التي تؤخذ مقابل عمل، مثلاً: يعمل الإنسان عندك أجيراً، فتعطيه أجرته، فإما أن تعطيه عيناً ونقداً، وإما أن تعطيه عرضاً، فكل ما صح أجرة صح مهراً، فتقول له مثلاً: اشتغل عندي خادماً، وكل شهر أعطيك كبشاً، أي: كل شهر بكبش من الغنم، أو كل أسبوع أجرته ثوب، أو كل شهر أجرته كيس من الأرز أو البر، فكل ما يصلح أن يكون أجرة فيصلح أن يكون مهراً، فيصح أن تمهرها أكياساً من الأرز، أو قطيعاً من الغنم، أو قطعاً من الأقمشة، أو عدداً من الأواني التي تستعمل للشرب أو للطبخ أو للأكل؛ لأنها يصلح أن يكون لها ثمن معين، فيصلح أن تكون مهراً، وقد يصح أيضاً بالحرفة نفسها، فإذا قالت: مهري أن تبني لي هذا البيت، أو مهري أن تحفر لي هذه البئر، أو تركز لي هذا الشجر، أو تسقيه، أو نحو ذلك؛ صح ذلك مهراً، وهو حرفة وعمل، أو أن تطحن لي هذا البر، أو أن تخيط لي هذه الثياب، فيعتبر هذا مهراً؛ لأنه يؤخذ عليه الأجر، والإنسان لا يبني الدار إلا بأجرة، فإذا قيل له: ابنه واجعله صداقاً، أو نزوجك ابنتنا مقابل بنائك لهذا الجدار، أو لهذه الدار، فيصلح أن يكون هذا مهراً. إذاً: المهر المسمى الأصل أنه عند العقد، ويجب لها مهر المثل إذا لم يسم لها صداقاً، فإذا قال: زوجتك ابنتي، ولم يقل: بصداق كذا وكذا، أو قال مثلاً: نتفق فيما بعد، ثم حصلت الفرقة وهو ما سمى، أو حصلت الوفاة، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل بعقد، يعني: مهر أمثالها التي عُقد عليهن بذلك المهر، كأختها أو شبيهتها من زميلاتها. وكذلك إذا بطلت التسمية، فلو أصدقها محرّماً فلا يصح، مثلاً: لو أصدقها زقاق خمر، أو أصدقها طبول، أو آلات لهو، أو أصدقها أفلاماً هابطة، أو أشرطة غناء، فهل يصح هذا الصداق؟ A هذا حرام فلا يصح، وفي هذه الحال يضرب لها مهر أمثالها، أي: من يساويها، فيقال: فلانة التي تساويها في السن، وتساويها في الجمال، وفي النسب، وفي العلم والدراسة، فرض لها كذا، فيفرض لها مثلها.

حكم أخذ الأب من مهر ابنته

حكم أخذ الأب من مهر ابنته قال المصنف رحمه الله: (إن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح ذلك) ؛ وذلك لأن الأب له أن يأخذ من مال أولاده ما لا يضرهم ولا يحتاجون إليه، فإذا أخذ الأب صداق ابنته، فإن له الحق في ذلك، إلا الشيء الذي تتضرر بأخذه كثيابها وأحذيتها وما أشبه ذلك، فإذا قال: أصدقتك ألفاً لك وألفاً لابنتك -التي هي الزوجة- انعقد النكاح وصح، ولزمه الألفان، لكن إذا طلّق قبل الدخول سقط نصف الصداق؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] أي: أعطوهن نصف الفريضة التي فرضتم لهن، {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:237] فإن قوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) يعني: لو فرض لها ألفين صداقاً، ثم طلقها قبل الدخول استحق أن يطالبها بألف، فيلزمها دفعه، هذا إذا كانت قد قبلت الصداق وقبضته، فإن كان فرض لها ألفين: ألفاً لها وألفاً لأبيها، وطلق قبل أن يدخل بها، رجع بالألف الذي لها، وأما الألف الذي لأبيها فلا تستطيع أن تجبر أباها، وتقول: أعطني الألف الذي قبضته؛ لأن له أن يأخذ من مالها ما لا تحتاجه. قال المصنف: (إذا طلق قبل الدخول رجع بألفها ولا شيء على الأب لهما) ، لا للزوج ولا للزوجة؛ لأن الزوج أخذ نصفه، ولا يستحق أكثر من النصف، وقد أخذه، وأما الزوجة فإنها لا تطالب أباها، ولا تقول: يا أبي! أخذت مهري؛ لأنه يقول: أخذته؛ لأن الولد وما يملك لأبيه، كما في الحديث: (أنت ومالك لأبيك) .

إذا اشترط في الصداق شيء لغير الأب فالكل للمرأة

إذا اشترط في الصداق شيء لغير الأب فالكل للمرأة قال المصنف رحمه الله: (وإن شرط لغير الأب شيء فالكل لها) أي: إذا كان لغير الأب حتى الأم، فلو قال: أصدقتكم عشرة ثياب! لها ثوبان، وآخران لأمها، وآخران لأختها، وآخران لعمتها، وآخران لخالتها، فهذه عشرة ثياب كلها لها، وفي هذه الحال إذا طلق رجع بنصف هذه الثياب، سواء كانت عندها، أو عند خالاتها وأخواتها، وما ذاك إلا أن غير الأب لا يُقاس عليه، فيرجع على من هي عنده، وهذه الثياب العشرة هي صداقها، والآن حصل الطلاق قبل الدخول، واستحق خمسة من هذه الثياب إذا كانت متساوية، فيرجع عليها، ويطالبها بأن تجمع له نصف الصداق الذي هو خمسة من هذه الثياب وتردها عليه، سواء التي عندها أو عند أختها أو عند عمتها أو نحو ذلك.

صحة تأجيل الصداق

صحة تأجيل الصداق قال المصنف رحمه الله: (ويصح تأجيله) يصح تأجيل الصداق، ويقع هذا في كثير من الدول، في سوريا، وفي مصر، وفي الأردن وغيرها، فيقسمون الصداق إلى معجل ومؤخر، فالمعجل يدفعه لها عند العقد أو بعده لتنتفع به، وأما المؤخر فإنه يبقى عنده إلى أن يطلق أو إلى أن يفارق أو بعد الموت، ويبقى في ذمته ديناً عليه، لماذا تجعلون هذا المؤخر؟ يقولون: لأنها قد تطلق، وإذا طلقت فقد لا ترغب في الأزواج، وتبقى أيماً أرملةً ليس عندها من يكفلها، فإذا طُلقت فهذا الصداق الذي كان مؤجلاً -وقد يكون عشرين ألفاً أو أربعين ألفاً- تتمتع به بقية حياتها، حتى لا تضطر إلى أهلها، ولا إلى أخوتها أو أبويها أو نحو ذلك، فتستغني بهذا المهر المؤخر، ويصح تأجيله كما ذكر، سواءً كان إلى أجل مسمىً أو غير مسمىً، فالأجل المسمى إذا قالوا: أصدقنا ثلاثين ألفاً: عشرة ادفعها، وعشرين بعد سنة، أو عشرة ادفعها، وعشرة بعد سنة، وعشرة بعد السنة الثانية، ففي هذه الحال يلزمهم أن يؤخروه إلى أن يحل الأجل، وقد يكون قصدهم أنها بحاجة؛ يمكن هذه السنة تكفيها العشرة لأواني أو فرش أو سرر أو مجالس أو أكسية أو ما أشبه ذلك، وهذه الأشياء قد تفنى في عشر سنين، أو تتحطم أو تنكسر؛ ففي العشر السنين الأخرى يأتيها مثلاً عشرة آلاف أخرى، وهكذا. فالحاصل: أنه يصح تأجيله إلى أجل محدد أو غير محدد، فإذا أطلق الأجل ولم يحدد وإنما قال: أصدقنا أربعين ألفاً مؤجلة، وعشرين ألفاً نقداً، فنقد له العشرين ألفاً، وسكت عن تحديد المؤجلة، ما قال: مدة سنة، أو سنتين، أو عشر سنين، أو إلى الموت، فالمؤجل محِلُّه الفرقة، فإذا حصلت الفرقة بطلاق أو بفسخ أو بموت متى ما حصلت حُكِم لها به، ولزمه دفعه، فالفرقة تكون بطلاق أو بفسخ كأن يفسخ الحاكم النكاح، أو بالموت، فمتى حصلت الفرقة حل المؤجل، حتى ولو حصلت بعد الدخول بيوم أو بأيام؛ وذلك لأنه تحقق أنه فارقها.

المرأة تملك الصداق بمجرد العقد

المرأة تملك الصداق بمجرد العقد متى تملك المرأة صداقها؟ A تملكه بمجرد العقد، فقد يكون الصداق عيناً، يعني: قد يكون عرضاً من العروض أو بهيمة أو نحوها فتملكه بالعقد، فإن كان معيناً، كأن يقول: أصدقتك هذه الدار، أو هذه الأشجار، أو هذه الأغنام، فبمجرد العقد تملكها، فلو أن هذه الغنم ولدت بعد شهر، ثم طلق، وأراد أن يأخذ نصف الغنم، فهل يأخذ نصف البهم؟ الجواب: لا يأخذ؛ لأنه في تلك المدة التي أُعلفت فيها، كانت في ملك الزوجة، وفائدتها لها؛ فإذا حلبتها في تلك الأيام فإن لها لبنها ودهنها وجِزتها، كل ذلك يكون لها، وإذا أثمر الشجر بعد العقد فالثمرة لها، وإذا أجَّرت الدار بعد العقد فالأجرة لها، وليس له إذا طلق أن يطالب بنصف الأجرة أو بنصف الثمرة؛ لأنها دخلت في ملكها بمجرد العقد، هذا معنى قوله: (وتملكه بعقد) .

مئونة الصداق إذا طلق قبل الدخول يكون على المرأة

مئونة الصداق إذا طلق قبل الدخول يكون على المرأة يلزم المرأة مئونة الصداق، فمثلاً إذا قال: أصدقتك هذه الأكياس، وكانت الأكياس في مستودع إنسان، ثم مكثت في ذلك المستودع خمسة أشهر، فأجرتها في هذه الخمسة على الزوجة؛ لأنها ملكها، فلو أنه طلق قبل الدخول أخذ نصفها، وليس لها أن تطالبه بنصف الأجرة، بل يقول: أجرتها عليك وغلتها لك، أي: أن أولاد الغنم وأجرة الدار وثمر الشجر لها، ولو كان كثيراً، ولا يطالبها بنصفه، ومئونتها عليها، فإذا احتاجت الغنم إلى علف فإنه عليها، ولو طلق قبل الدخول لا تطالبه بنصف العلف ولا بنصف أجرة الراعي، كما لا يطالبها بنصف اللبن، ولا بنصف الجزة، ولا بنصف النتاج من الأولاد.

مهر المفوضة

مهر المفوضة قال المصنف رحمه الله: (يصح تفويض بضع) . التفويض هو: عدم تسمية المهر في العقد، ومن لم يُسم لها مهر تُسمى مفوَّضة، فيصح تفويض البضع، يعني: بضع امرأة بأن يزوج الأب ابنته المجبرة بلا مهر، أو يزوج الرجل غير المجبرة بإذنها بلا مهر، مثاله: أن يقول: أصدقتها ما شاءت، أو ما شاء أخوها، أو ما شاءت أمها، وما أشبه ذلك، ففي هذه الحال تُسمى مفوضة، يفرض لها ما شاءت، قل أو كثر، فإذا قالت: أنتم قلتم: صداقها ما شاءت أو ما رضيت به أو ما ترضى فلو طلبت مائة ألف أو مائتين فلها ذلك؛ لأنه فوض الأمر إليها وقال: ما شاءت، أو قال: ما شاء فلان، ما شاء أخوها، أو ابنها أو أبوها، فالكل يُسمى تفويضاً. ثم المفوَّضة أو غير المسمى لها، متى يجب لها مهر المثل؟ يجب بالعقد، وقد تقدم أنها تملكه بالعقد إذا كان مسمى، وإذا لم يكن مسمى فلها مهر المثل، ويجب بمجرد ما يحصل العقد بينهما، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل.

استقرار المهر بالدخول

استقرار المهر بالدخول قال المصنف رحمه الله: (ويستقر لدخول) . يعني: إذا دخل بها استقر المهر، فهنا فرَّق بين (يجب) و (يستقر) ، فما هو الفرق بينهما؟ A الوجوب معناه: اللزوم، يعني: يكون لازماً لها، لها مهر المثل، وإن لم يحدد، وأما الاستقرار فإنما يكون بالدخول، فبمجرد العقد يقال: في ذمتك مهر المثل، وبمجرد الدخول يقال: استقر عليك مهر قدره كذا وكذا، فالمهر يستقر بالدخول.

مقدار المهر إذا مات أحد الزوجين قبل الآخر

مقدار المهر إذا مات أحد الزوجين قبل الآخر قال المصنف رحمه الله: (وإن مات أحدهما قبل دخول وفرض ورثه الآخر) . قد ذكرنا في الفرائض أن المرأة إذا ماتت بعد العقد ورث منها، ويرث من مهرها ولو قبل الدخول، وإذا مات ورثت منه ولو قبل أن يفرض لها، فإذا عقد عليها عقداً صحيحاً فمات ورثت منه، أو ماتت ورث منها، وإن لم يحصل دخول ولا خلوة، فإذا مات الزوج ورثت منه، وإذا ماتت الزوجة ورث منها، ولو قبل الدخول بها، ولو قبل أن يفرض لها، ويُسمى لها مهر مثلها، وحينئذ ماذا يجب لها من المهر؟ لها مهر نسائها كأمها وعمتها وخالتها، أي: يفرض لها مثل مهر نسائها اللاتي يماثلنها، كما جاء في الحديث أن قوماً سألوا ابن مسعود عن رجل عقد على امرأة ومات قبل أن يفرض لها، وترددوا إليه شهراً، فقال: (أنا أفتيكم برأي إن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني ومن الشيطان، ولا تتخذوا قولي دليلاً: لها مهر نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث) وكان عنده رجل يقال له: معقل بن سنان الأشجعي، فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة عندنا يقال لها: بروع بنت واشق بمثل ما قضيت) ، ففرح بذلك ابن مسعود؛ حيث وافق قوله قول النبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذا أنه جعل لها مهر نسائها، يعني: كعمتها وخالتها وأختها وقريباتها، فيُنظر كم كان يقدر لهن، فلها مهر كامل ولو قبل الدخول، فإذا مات قبل أن يدخل بها وقبل أن يسمي لها إذا كان قد عقد عليها فإنها ترثه من تركته، ومع ذلك تحد عليه، فجعل عليها عدة وإحداداً، وجعل لها ميراثاً، وأمر لها بصداق أمثالها، هذا هو الذي يجب لها. وروي أن بعض الصحابة خالفوا ذلك، ولم يقبلوا قول معقل بن سنان الأشجعي، وكأنهم لم يصدقوه، حتى قال بعضهم: (كيف نقبل قول أعرابي يبول على عقبه؟!) يعني: أنه من الذين لا يعرفون العلم وهذا غير قادح، فإنه صحابي، والصحابة عدول، والحديث قد اشتهر، ورواه الأئمة في كتبهم، فعلى هذا تُعطى مهراً كاملاً كمهر نسائها، عملاً بهذا الحديث، وهكذا إذا كان قد فرض لها، فإنه يدفع لها المهر الذي فرض لها كاملاً. وذهب بعضهم إلى أنها كالمطلقة قبل الدخول، لها نصف الصداق، عملاً بقوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] وبعضهم قال: لا يقدر لها شيئاً، أي: إذا لم يكن قد فرض لها، وجعلها كالمفوضة غير المدخول بها. قال المصنف رحمه الله: (يجب لها بعقد مهر مثل -يعني: مفوضة- ويستقر بالدخول، وإن مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض ورثه الآخر، وأُعطيت مهر نسائها -أي: مثل مهر نساءها- لا وكس، ولا شطط) أي: مثل نسائها كأمها وعمتها وخالتها وأخواتها ونحوهن.

متعة المطلقة

متعة المطلقة قال المصنف رحمه الله: (وإن طلقت قبلهما لم يكن عليه لها إلا المتعة، وهي بقدر يسره وعسره) . يعني: امرأة عقد عليها رجل، ولم يدخل بها، ولم يُسم لها مهراً، ثم طلقها قبل الدخول وقبل تسمية الصداق، فهل تطالبه بصداق أو تطالبه بنصفه مع أنه لم يسم لها شيئاً؟ A هذه ليس لها إلا أن يمتعها، والمتعة هي: أن يعطيها شيئاً يجبر نفسها عوضاً عن فراقه لها، يُسمى متاعاً ومتعة، واستُدل عليها بآيات من القرآن منها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب:49] أي: أنه ليس عليها عدة، وعليك أن تُمتعها بأن تعطيها متاعاً وتسرحها. ومنها أيضاً قول الله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] فجعل المتاع بقدر العسر واليسر، هذا إذا لم يكن لها صداق فلها المتعة، ولها أن يمتعها، يقول تعالى: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) يعني: مقدار الذي يتحمله، وعلى المعسر الفقير (قدره) وقرأها بعضها: (قدْرُهُ) . ثم قال بعضهم: أعلى المتاع أن يعطيها خادماً: ذكراً أو أنثى، أي: يشتري لها عبداً أو أمة، وأدناه كسوة تجزئها في صلاتها، فإذا طلقها يمتعها؛ لأنها نكحت وطلقت قبل الدخول ولم يُفرض لها، فلم تُعط نصف المفروض ولم تُعط صداقاً كاملاً ولم يدخل بها، وانكسر قلبها بهذا الطلاق الذي حصل قبل الدخول، فيُجبر ذلك بهذه المتعة، يعطيها متاعاً كما قال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] .

وجوب مهر المثل لمن وطئت بشبهة أو زنا كرها

وجوب مهر المثل لمن وطئت بشبهة أو زناً كرهاً قال المصنف رحمه الله: (يجب مهر مثل لمن وطئت بشبهة أو زناً كرهاً) . مهر المثل يعني: مهر مثل نسائها، مثاله: إذا دخل إنسان بيته، وفيه امرأة نائمة، وظنها زوجته، ووطأها ولم ينتبه إلا بعدما وطأها، فعليه مهر المثل، يعني: مثل مهر نسائها وما ذاك إلا أنه وطأ من لا تحل له، فتطالبه بمهر مثلها، ولو أنه وطأها ساعة أو نصف ساعة. وكذلك لو اشتبهت عليه امرأته بأجنبية، ووطأ الأجنبية وهو يعتقدها زوجته، فإن عليه مهر مثلها، وقد يكون هناك اشتباه بين الزوجين وبين الزوجتين كما إذا أُدخل هذا على زوجة أخيه وأُدخل الثاني على زوجة أخيه الأول، ووطأ كل واحد منهما زوجة أخيه، وهو يعتقد أنها زوجته الحلال، ثم تبين عدم ذلك، ففي هذه الحال عليه لها مهر مثلها؛ لأنها وطئت بشبهة. وكذا إذا زنا بها إكراهاً، يعني: هددها حتى مكنته من نفسها قهراً فزنى بها، ففي هذه الحال إذا تاب فعليه لها مهر مثل نسائها، سواء كانت بكراً وأزال بكارتها فإن عليه مهر مثل نسائها أو وطأها وهي ثيب. وإذا كانت بكراً هل لها أن تطالبه بأرش البكارة وتقول: أنت قهرتني قهراً، وأكرهتني على الزنا، والآن أطالبك باثنين: أطالبك بمهر المثل، وأطالبك بأرش البكارة؛ لأنك أزلت بكارتي؟ ليس لها إلا واحد، وهو مهر المثل، فلا تطالبه بأرش البكارة، وإنما يكفيها صداقها الذي وهبه لها مثل مهر نسائها، يعني: صداق مثل أمثالها، فلا تطالبه بأرش البكارة.

جواز منع المرأة نفسها قبل قبضها المهر الحال

جواز منع المرأة نفسها قبل قبضها المهر الحال قال المصنف رحمه الله: (ولها منع نفسها حتى تقبض مهراً حالاً) . إذا أصدقها عشرين ألفاً أو ثلاثين ألفاً حالَّة ثم طلبها للزفاف فلها أن تمتنع وتقول: لا أُسلم نفسي حتى تُسلم ما عندك، على حد قول بعضهم: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلِّمها إلا يداً بيد فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا وإن أبيتم يكون الرهن تحت يدي فهي إذا بذلت نفسها، ووطأها وأزال بكارتها، ثم مع ذلك منعها من صداقها، فات عليها الأوان، فلها قبل ذلك أن تمتنع وتقول: لا أسلِّم نفسي حتى تسلم ما عندك من الصداق الحال، وكذا لو كان الصداق مؤجلاً ثم حل، فلها الامتناع من تسليم نفسها حتى يسلمها ما حل من صداقها. قوله: (لا إذا حل قبل تسليم) . أي: إذا سلمت نفسها ثم حل الصداق، ففي هذه الحال لا تمتنع بعد ذلك؛ لأنها رضيت وسلمت نفسها، ووطأها واستمتع بها، ثم حل الصداق، فهل تقول: أنا أمنع نفسي منك الآن حتى تسلم ما بقي؟ A ليس لها أن تمتنع، ولكن لها المطالبة، وكذلك إذا تبرعت بتسليم نفسها، فليس لها الامتناع بعد ذلك، فإذا تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت أن تمتنع وقالت: سلم لي المهر وإلا امتنعت، ليس لها الامتناع.

إذا أعسر الزوج عن دفع الصداق فللمرأة المطالبة بالفسخ

إذا أعسر الزوج عن دفع الصداق فللمرأة المطالبة بالفسخ قال المصنف رحمه الله: (إن أعسر بحال فلها الفسخ بحاكم) . إذا أعسر الزوج بالصداق الحال، ولو بعد تسليم نفسها، ففي هذه الحال لها أن تطالبه وتقول له: إما أن تعطيني صداقي أو تفارقني، فإذا قال: أنا معسر لا أجد، ف A ولو كنت كذلك، فترفعه للحاكم، وتذكر له أنه لم يسلمها صداقها، فيقول له الحاكم: إما أن تسلمه، وإما أن أفسخ النكاح منك، فإن امتنع فله أن يفسخ النكاح، ولا يفسخه إلا الحاكم.

بيان الوقت الذي يستقر فيه الصداق

بيان الوقت الذي يستقر فيه الصداق قال المصنف رحمه الله: (ويقرر المسمى كله موت، وقتل، ووطء في فرج ولو دبراً، وخلوة عن مميز) . يعني: كل هذه تقرر المسمى، وقد ذكرنا قريباً الفرق بين الاستقرار وبين الوجوب، عند قوله: (ويجب عليها بعقد مهر مثل، ويستقر بدخول) يستقر: يعني يثبت كله؛ لأنه قبل الدخول عرضة لأن ينفسخ نصفه، فأما بعد الدخول فإنه يستقر المسمى كله. يستقر بالموت، فإذا مات استقر الصداق كله في تركته، وكذلك إذا قُتل، أو إذا وطء في الفرج، فهذا يستقر به المهر، حتى ولو وطء في الدبر مع تحريمه. وكذلك إذا كان هناك خلوة، فإذا خلى بها، ولم يكن عندهما مميز، وهو يقدر على الوطء، وهو عالم بأنها معه في ذلك المكان، ولم تمنعه أن يطأها. وكذلك الطلاق إذا طلق في مرض موته أو مرض موتها كل ذلك يقرر المسمى. وكذلك اللمس، فإذا لمسها بشهوة استقر لها الصداق وكذلك إذا نظر إلى فرجها بشهوة، وكذلك إذا قبل، كل هذه يستقر بها المهر كله لها. وأما النصف فينصفه كل فرقة من قبله قبل الدخول، وأما من قبلها فتسقطه، فإذا كان الطلاق منه قبل الدخول يُنصف المهر، وأما إذا كان منها، أي: هي التي فسخت إما لعيب فيها وإما هي التي طلبت فإنه يسقط.

حكم الوليمة

حكم الوليمة قال المصنف رحمه الله: (تسن الوليمة للعرس ولو بشاة فأقل) . ذهب بعض العلماء إلى أنها تجب، ولكن الصحيح: أنها مسنونة، ودليلهم قصة عبد الرحمن بن عوف لما تزوج وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (مهيم؟ قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: كم أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب) والنواة نواة التمر، يعني: هذا صداقها، فقال: (بارك الله لك، أولم ولو بشاة) يعني: اجعل وليمة ولو بشاة، فكأن هذا يدل على أقل الوليمة في حق القادر، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على زوجته زينب بنت جحش رضي الله عنها بشاة، وأكثر نسائه كان يولم عليهن بحيس، فإن صفية لما تزوجها في طريقه بين خيبر وبين المدينة أمر بالأنطاع فبسطت، وجُعل عليها تمر وأقط وسمن، ودعا الناس فأكلوا، فكانت تلك وليمته، فدل هذا على أنه يجوز جعل الوليمة من غير شاة وغير لحم.

وجوب إجابة دعوة الوليمة إذا لم يكن فيها منكر

وجوب إجابة دعوة الوليمة إذا لم يكن فيها منكر قال المصنف رحمه الله: (تجب الإجابة إليها بشرطه) . إذا دُعي الإنسان إلى الوليمة فما حكم إجابته إليها؟ ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (شر الطعام طعام الوليمة؛ يُدعى إليها من يأباها، ويترك من يأيتها أو من يريدها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله) وورد في الحديث أنه عليه السلام جعل إجابة الدعوة من حقوق المسلم على أخيه، لقوله: (وتجيبه إذا دعاك) فأخذوا من قوله: (ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله) أن هذا يدل على الوجوب، ولكن خصوا ذلك بما إذا كانت دعوة خاصة، وجعلوا الولائم قسمين: النقر، والجفل، فدعوة الجفل هي: أن يرسل واحداً ويقول: ادع كل من لقيت في الأسواق وفي الطرق وفي الأماكن العامة، فدعوة الجفل لا تجب الإجابة إليها. وأما دعوة النقر فهي أن يخصص فيقول: ادع فلاناً وفلاناً وفلاناً، فدعوة النقر هي التي تجب الإجابة إليها، ولو لم يجب الدعوة فقد عصى الله. ثم اشترطوا ألا يكون له عذر، فإن كان له عذر كشغل أو مرض أو علم بوجود منكر فإن له بهذا عذراً، مثل أن يعلم أن هناك اختلاط رجال بنساء، أو هناك نساء متكشفات، أو هناك من يعلنون بشرب الدخان، أو من يدقون الطبول، أو من يغنون غناءً ماجناً، أو من يشربون الخمور، أو يجلسون على فرش الحرير، أو يشربون في أواني ذهب، ولو كانت كئوس لقهوة ونحوها، أو كان الذي دعاه مكسبه حرام كرشوة أو رباً أو نحو ذلك فله أن يمتنع.

استحباب إجابة كل دعوة مباحة

استحباب إجابة كل دعوة مباحة قال المصنف رحمه الله: (تسن لكل دعوة مباحة) . كل من دعاك لمناسبة مباحة فإن الأصل أنك تجيبه، وذلك جبراً لقلب أخيك الذي دعاك إلى أي دعوة مباحة؛ لأن هناك ولائم لها مناسبات، كمناسبة سُكنى الدار، فإذا دعاك لذلك فإن هذا ممن تُسن إجابته، وكذلك مناسبة شفاء من مرض، أو مناسبة قدوم غائب، أو مناسبة نجاح من دراسة، أو مناسبة مكسب في تجارة، أو تحصيل وظيفة أو ما أشبه ذلك، فهذه مباحة إذا لم يكن فيها منكر.

تكره إجابة دعوة من في ماله حرام

تكره إجابة دعوة من في ماله حرام قال المصنف رحمه الله: (وتكره لمن في ماله حرام) . إذا كانت معاملاته محرمة؛ يأخذ الرشا، أو يخدع في البيوع، أو يأكل أموال الناس بالباطل، أو يتعامل بمعاملات ربوية أو ما أشبه ذلك، فتكره إجابته، ويكره الأكل من ماله، وتكره معاملته من بيع وشراء، ويكره قبول هديته وهبته إذا كان في ماله حرام؛ لأن في ذلك شيئاً من إقراره بهذا الحرام، وقد يكون ذلك أيضاً سبباً في تقريره، وبعض العلماء يقول: يجوز قبول هديته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل هدايا ملوك الكفار، فملك مصر، وملك الشام، وملك عمان، كانوا يهدون إليه، ويقبل منهم وهم كفار، ويكون إثم المكسب عليهم، ولكن لما كان أصل المال فيه حرام، فالذي يأكله كأنه يقره، ويتغذى بشيء من جملة ما حرم الله، فالأولى أنك لا تجيب دعوته، ولا تقبل هبته وهديته أو كرامته، ولا تتعامل معه ببيع أو شراء وأنت تعرف أنه يتعاطى المحرمات. وأما الأكل فإذا دُعي الإنسان إلى وليمة أو إلى طعام فإن الدعوة لأجل الأكل، فالذي يُدعى ولكنه لا يأكل يكون كأنه ما أتى، فلذلك يُستحب أن يأكل، ومتى يباح الطعام إذا قُدِّم؟ تتوقف إباحته على الإذن أو على القرينة، الإذن أن يقول: كلوا، أو كلوا باسم الله، أو يأمرهم، وأما القرينة فإذا وضع الطعام على الخوان ودعاهم وقال: هلُموا وجلسوا؛ فإن تقديمه إذن في أكله، فلا يحتاج إلى إذن خاص: ما جيء بالطعام إلا للالتقام لا تحتشم من أكل كفعل أهل الجهل فيأكل منه إذا قُدِّم له الأكل الذي تهواه نفسه، فإذا كان صائماً صيام فريضة كقضاء أو نحوه فيقتصر على الدعاء، فيدعو وينصرف، كما جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليُصلِ) يعني: يدعو له بالبركة وينصرف، أما إذا كان صيامه نفلاً فيستحب أن يفطر؛ ليجبر خاطر صاحبه الذي دعاه، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم دعاه أحد الصحابة، فلما جلسوا للأكل اعتزل أحدهم وقال: (إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وجمعكم وقدّم لكم هذا الطعام، أَفطرْ وصمْ يوماً مكانه) فهذا إذا كان نفلاً، وكان أكله فيه جبر لخاطر صاحبه، وفي عدم أكله إساءة الظن به، وإذا لم يكن هناك إساءة ظن فلا داعي إلى ذلك.

حكم إجابة الدعوة بالبطاقات

حكم إجابة الدعوة بالبطاقات في الأزمنة المتقدمة كان الداعي أو صاحب الوليمة يُرسل رسله، فيُرسل واحداً فيقول: ادع فلاناً وفلاناً وفلاناً، ويرسل الآخر إلى الجهة الأخرى ويقول: ادع فلاناً وفلاناً وفلاناً، فيأتي المدعو مع ذلك الرسول. وفي هذه الأزمنة كما هو معروف في هذه البلاد يكتفون كثيراً بإرسال بطاقات فيها الدعوة، وفيها تحديد اليوم، وتحديد المكان، وهذه البطاقة ليس لها حكم الدعوة، وليس لها حكم ما لو كان يُرسل رسولاً؛ وما ذاك إلا أن الدعوة حقيقة هي كونه يقول: فلان يدعوك، فأما كونه يكتب لك كلمات يدعوك بها، وهذه كلمات كتبت لك ولغيرك، فلا تكون مثل الدعوة الخاصة، ولكن من باب الجبر تتأكد الإجابة.

استحباب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف

استحباب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف ذكر المصنف رحمه الله أنه يسن إعلان النكاح والضرب عليه بالدف، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف) والإعلان هو: الإشهار حتى لا يكون سراً، كما في قول الله تعالى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} [البقرة:235] يعني: كونهم يخفونه ولا يبدونه ولا يظهرونه، فإعلان النكاح إشهاره حتى يشتهر أن فلاناً تزوج بفلانه، وربما يكون هناك أخبار عن معرفة بمحظور أو رضاع بينهما، فإذا اشتهر النكاح عرف ما بينهما، فهذا هو السبب في إعلانه، والإعلان يكون بنشر الأخبار، ويكون أيضاً الآن بوضع الأنوار الكهربائية على المكان الذي يجتمعون فيه، ويكون فيه الاحتفال، وغير ذلك من الأشياء التي يحصل فيها الإعلان. وأما الضرب بالدف فالدف هو: الآلة التي هي كهيئة الطار يُختم أحد جانبيه بجلد لم يُدبغ، ثم يُضرب فيصير له صوت ليس شديداً، أما إذا ختم جانباه فإنه لا يجوز، ويسمى طبلاً، والطبل هو: الذي خُتم جانباه، فيُسمى الدف (الطار) ، ويسمى في بعض البلاد (الزير) ، ويسمى عند بعضهم (الدمام) ، والأصل أن تسمية الدف شرعية، وقد جاء حديث أن امرأة قالت: يا رسول الله! إني نذرت إن قدمت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال: (أوف بنذرك) فالدف يُضرب به للفرح، وهو مثل المنخل إلا أنه ختم أحد جانبيه، والمنخل فيه خروق، فذلك المكان المختوم فيه جلد ليس فيه خروق، هو الدف، وهو مباح، وله أوصاف أيضاً يكون بها أحياناً غير مباح، مثل إذا كان فيه زرود أو نحوها. ولا بأس أيضاً مع ذلك بصوت مباح؛ لأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (هلا أرسلتم معها من ينادي يقول: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم) إلى آخره، يعني: أبيات فيها شيء من التحية والترحيب والمديح المباح الذي يكون فيه دليل على التواد والمحبة، فأما الغناء الذي يُفعل لكثير من المناسبات بحيث إنه يجتمع رجال من جهتين، فهؤلاء في جهة وهؤلاء في جهة، ثم يتمايلون ويُغنون غناءً فيه شيء من التشبيب، وفيه شيء من التلحين والطرب، أو يضربون الطبول، فمثل هذا نرى أنه لا يُشرع حضوره، وكذلك أيضاً رفع أصوات النساء بضرب الدفوف أو الطبول، ورفع أصواتهن بغناء فيه شيء من المبالغة في التمايل أو التطريب أو التلحين أو التشبيب أو وصف الخدود والقدود أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضاً لا يجوز. وعادة أن النساء يضربن بالدف ويتمايلن ويرقصن، فهذا إذا لم يكن فيه شيء من الاختلاط، وليس فيه شيء من المحظورات، فلا بأس به.

ضرب الدف عند الختان

ضرب الدف عند الختان يستحبون أيضاً ضرب الدف في حفل الختان، والصحيح: أن الختان أمر عادي، وكانوا يختنون الطفل وعمره سنتان أو ثلاث سنين، ثم يجعلون للختان شيئاً من الحفل، يقسِّمون فيه على الأولاد ونحوهم شيئاً يفرحهم، كجوز أو حلوى أو ما أشبه ذلك، ويضربون بالدف، ولكن ليس دائماً، وإنما مرتين أو ثلاث مرات، والله أعلم.

شرح أخصر المختصرات [62]

شرح أخصر المختصرات [62] أساس بناء المجتمع يبدأ من الأسرة المكونة من الزوج والزوجة، ولأجل أن يكون البناء صحيحاً متيناً فقد بين الشرع أحكام العشرة بين الزوجين، فبين حقوق الزوج على زوجته، وبين حقوق الزوجة على زوجها، فإذا أدى كل منهما ما عليه من الحقوق فستكون أسرة سعيدة، وسيكون بناؤها قوياً متيناً.

أحكام العشرة بين الزوجين

أحكام العِشْرة بين الزوجين قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويلزم كلاً من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف، وألا يمطله بما يلزمه، ولا يتكره لبذله. ويجب بعقد تسليم حرة يوطأ مثلها في بيت زوج إن طلبها ولم تكن شرطت دارها. ومن استُمهل أمهل اليومين والثلاثة لا لعمل جهاز، وتسليم أمة ليلاً فقط. ولزوج استمتاع بزوجة كل وقت ما لم يضرها، أو يشغلها عن فرض, والسفر بحرة ما لم تكن شرطت بلدها. وله إجبارها على غسل حيض وجنابة ونجاسة، وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره. ويلزمه الوطء في كل أربعة أشهر مرة إن قدر، ومبيت بطلب عند حرة ليلة من كل أربع، وأمة من كل سبع] . هذا الفصل يتعلق بعشرة النساء، يذكر فيه الفقهاء باب عشرة النساء، والعشرة والمعاشرة هي: الصحبة التي تكون بين اثنين، وسُميت القبيلة عشيرة لوجود الصحبة بينهم، قال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] فعشيرة الرجل هم أقاربه؛ لأنه يصحبهم، فبين الزوجين صحبة هي غالباً أتم من غيرها، وأطول مدة في الغالب، فلذلك لابد من حُسن العشرة، وأمر الله تعالى بذلك فقال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] أي: اصحبوهن صحبة حسنة بالمعروف، أي: بما هو معروف حُسنُه، ومعروف ملاءمتُه، فيلزم زوجين معاشرة كل منهما الآخر بالمعروف، وأن يتخلق بالأخلاق الفاضلة، وهي كذلك، فيلين جانبه، ويصفح عن الأخطاء والزلات، وكذلك يتخلق بالأخلاق الشريفة، ويبتعد عن الأخلاق السيئة، فيبتعد عما يثير الأحقاد والغضب، وما يسبب الغضب أو النفرة أو ما أشبه ذلك، وهكذا أيضاً يبتعد عن الأخلاق السيئة: عن الكذب، وخُلف الوعد، والمماطلة، والتقصير، وكذلك أيضاً عن أسباب الأذى التي تتأذى منها، فإذا كان كذلك فالأصل أنها تدوم الصحبة. أما إذا اشتمل المجتمع الزوجي على شيء من الأذى فغالباً أن الصحبة لا تدوم، وإذا كان أحد الزوجين سيء الخلق، أو شرساً، أو كثير الظنون، أو حقوداً، أو غضوباً، أو شديد التأثر بأدنى شيء، فإن على الطرف الثاني أن يكون لين الجانب، ويكون سهل الكلام، بحيث إنه يتحمل ما يسمعه، فإذا غضب الزوج لشيء وسب فإن كانت الزوجة ذات خلق فإنها تعترف بالخطأ وتعتذر، وتطلب منه العفو والصفح عما حصل منها، وإن كان شيئاً طفيفاً، وكذلك أيضاً إذا أساء إليها بغيبة أو بتأخير في شيء طلبته أو ما أشبه ذلك، فعليها أن تعفو وتصفح، وهو إذا رأى منها حقداً أو شدة تأثر اعتذر عذراً لطيفاً، وتودد إليها، ووعدها وعد خير، فيكون ذلك سبباً في الصفح وفي الرضا وفي دوام الصحبة. وكثيراً ما تحصل الفرقة بسبب سوء خلق أحدهما إذا كان الآخر لا يعتذر ولا يقبل الاعتذار، بل مجرد أدنى زلة أو خطأً أو ما أشبه ذلك يسب ويشتم، ثم يقابله الآخر بالسباب وبالعتاب الشديد الذي يثير الغضب. أو هي كذلك تسيء الظن به وتتهمه بتهم كثيرة فتقول: أنت تذهب إلى كذا وتتركني، وأنت تجلس إلى فلان أو أنت وأنت، وهو يقول: أنت تكلمين كذا، ويتهمها بأنها تعاكس أو تغازل فيكون ذلك من الأسباب التي تُثير الأحقاد، والواجب هو حسن الظن، فيجب أن يحسن كل منهما الظن بالآخر، وأن يعفو ويتجاوز عما يقع من الخطأ، فهذا من العمل بقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] .

من العشرة بالمعروف عدم المماطلة

من العشرة بالمعروف عدم المماطلة من العشرة بالمعروف ترك المماطلة التي هي التأخير بما يلزمه، فإذا طلبت منه شيئاً من حاجتها كنفقة أو كسوة ضرورية فأخذ يماطلها ويتأخر بما طلبت من شيء واجب فإن ذلك يُسبب حقدها؛ فلا يجوز له المماطلة، كذلك إذا طلبت صداقها الحال فلا يجوز له التأخير بغير عذر، فإن كان يقدر سلّم ما طلبت منه، وإن كان لا يقدر فإنه يعتذر عذراً يُقبل منه. وكثيراً ما يحصل الضجر من هذا الفعل الذي هو المماطلة بالحقوق وبالمواعيد، فإذا وعدها زيارة وماطلها فإن ذلك مما يسبب نفرتها أو إساءة الظن به، وإذا وعدها أن يشتري لها حاجة مما تحتاج إليها ثم تأخر كان ذلك من أسباب إساءة الظن به، وكذلك إذا وعدته شيئاً كأن تصلح له حاجةً وأن تخيط له ثوباً أو تغسله أو تصلح له طعاماً يطلبه أو طعاماً لضيفه ولكنها تأخرت أو ماطلت كان ذلك من أسباب النفرة.

من العشرة بالمعروف عدم التكره

من العشرة بالمعروف عدم التكره قال المصنف رحمه الله: (ولا يتكره لبذله) . يعني: يتكره لما يبذله فيمنُّ به عليها ويقول: أتعبتني وأقلقت راحتي بكثرة الطلبات، وبكثرة الأشغال والأعمال، وهذا مما يكلفني. وكذلك المرأة إذا طلبها شيئاً أخذت تتكره إليه وتتثاقل، فإذا طلبها -مثلاً- لفراشه لا تجيبه إلا بعد تعب، وبعد طول انتظار، وإذا طلب منها حاجة لا تبذلها إلا بتكره، فهذا مما يسبب النفرة.

وجوب تسليم الزوجة للزوج بعد العقد إذا طلبها زوجها

وجوب تسليم الزوجة للزوج بعد العقد إذا طلبها زوجها قال المصنف رحمه الله: (ويجب بالعقد تسليم الحرة التي يوطأ مثلها في بيت زوجها إن طلبها، ولم تكن شرطت داراً) . أي: متى حصل العقد، وطلب من أهلها تسليمها إلى منزله، وكانت يوطأ مثلها، يعني: قد كبرت، وهي التي زادت على العشر وأمكن أن توطأ ويستمتع بمثلها، فإذا طلبها إلى بيته وجب على أهلها تسليمها إلا إذا اشترطت دارها، فإذا اشترطت ألا يخرجها من بيتها أو من بيت أهلها فلها شرطها، وأما إذا لم تشترط فإن على أهلها أن يسلموها لزوجها. كذلك أيضاً إذا اشترطوا ألا يستلمها إلا بعدما يدفع المهر كاملاً فامتنعت وقالت: لا أسلم نفسي إلا إذا سلمت الدفع الذي اشترط عليك فلها ذلك، فإذا طلب زوجته فعليهم أن يدفعوها له إذا لم يكن هناك عذر، فإذا طلبوا الإمهال وقالوا: أمهلنا حتى نجهزها، فله أن يمهلهم يومين أو ثلاثة، حتى يهيئوها ويشتروا لها حاجاتها وما أشبه ذلك، ثم يسلموها لزوجها. قوله: (من استمهل أمهل اليومين والثلاثة، لا لعمل جهاز) . يعني: إذا كانوا يشترون لها حاجاتها، ويكملون لها طلباتها؛ أمهلهم، أما التجهيز فإنه هو الذي يجهزها، فإذا أعطوه امرأته فإنه يجهزها بما طلبت، يعني: بكسوتها وبأوانيها وبأدواتها التي تحتاج إليها إذا كانت هذه الأشياء معتادة: وإذا تزوج الرجل أمة مملوكة فالعادة أنها تخدم سيدها في النهار، ففي الليل تبيت مع زوجها، فيُسلمها سيدها لزوجها ليلاً.

وجوب إجابة المرأة زوجها إلى الفراش إذا دعاها

وجوب إجابة المرأة زوجها إلى الفراش إذا دعاها الاستمتاع الذي هو الوطء يملكه الزوج، فهو حق للزوج، وأيضاً هو حق للزوجة، ولكن الأصل أن الزوج هو الذي يطلب امرأته إلى فراشه، وقد تطلبه هي أن يستمتع بها، فالأصل أنه للزوج، فلذلك يملك أن يستمتع بها كل وقت ليلاً أو نهاراً ما لم يضرها، أما إذا أضرها بكثرة الوطء فإن الضرر يزال، أو يشغلها عن فرض من الفروض كصلاة من الصلوات فلا يجوز ذلك، فالأصل أن الاستمتاع يكون متى طلبها ليلاً أو نهاراً، وعليها أن تجيبه متى طلبها، كما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته فلتجبه ولو كانت على التنور) وذكر العلماء أنه يستمتع بها وتجيبه ولو كانت على التنور، أو كانت راكبة قتب، وهو: الذي يجعل على ظهر الدابة التي يُحمل عليها، أي: ولو كانت راكبة تجيبه لقضاء حاجته؛ لأنه هو الذي يملك الاستمتاع بها ما لم يضرها أو يشغلها عن فرض، وإذا دعاها فعليها الإجابة، ويحرم عليها التكره والتبرم والتثاقل، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) ، وفي رواية: (إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها) ويكون هذا حسب شهوته ورغبته. وإذا كان الأمر من قبلها فكذلك أيضاً، فبعض النساء هي التي تطلب زوجها، كلما دخل أو كلما رأته اجتذبته إلى الفراش، فإن كان قادراً فإن عليه أن يجيبها؛ لأن لها شهوة كما للرجل.

المرأة تابعة لزوجها حضرا وسفرا

المرأة تابعة لزوجها حضراً وسفراً قوله: (وله السفر بحرة ما لم تشترط بلدها) . تقدم في الشروط أنها إذا لم تشترط فإن له أن يسافر بها حيث يرغب، فإذا كان -مثلاً- في الرياض وتزوج وأراد السفر -مثلاً- إلى الحجاز أو إلى القصيم فالمرأة تابعة له إلا إذا اشترط عليه أهلها أنها لا تسافر، أو شرطت هي عند العقد.

إجبار الرجل زوجته على التطهر والتنظف

إجبار الرجل زوجته على التطهر والتنظف قوله: (وله إجبارها على غسل حيض وجنابة) ؛ وذلك لأنه نجاسة معنوية، فيلزمها أن تغتسل حتى تحل له لقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ} [البقرة:222] ، فالتطهر يكون بالاغتسال الذي ورد في السنة، وكذلك إذا حصلت جنابة يلزمها أن تغتسل ولا تصلي إلا بعد الاغتسال لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ، ولقوله: {وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء:43] . ويلزمها أيضاً على غسل النجاسة على بدنها أو ثوبها أو مكانها، فإذا كان هناك نجاسة عينية كبول أو غائط أو دم أو قيء أو شيء مستقذر فعليها أن تغسل ذلك؛ لأنه مما يحصل به التقذر، وعليها أخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره، يعني: إذا كان هناك شيء تعافه النفس كشعر الإبط أو شعر العانة فعليها إزالة ذلك، ونحوه كالأظفار إذا طالت، وكالوسخ في الأسنان الذي يحتاج إلى استعمال السواك والنظافة، وكالوسخ في البدن، فيلزمها أخذ وإزالة كل ما تعافه النفس.

لزوم الوطء كل أربعة أشهر

لزوم الوطء كل أربعة أشهر ذكر المصنف حكم الوطء فقال: (يلزمه الوطء في كل أربعة أشهر مرة، إذا قدر) . أي: في كل ثلث سنة؛ وذلك لأن هذا هو القدر الذي تقدر المرأة على التحمل والصبر فيه، ولأجل ذلك جعلت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] ، وزيادة العشر للاحتياط في وجود حمل أو نحوه، مثال ذلك: عليه أن يطأها في كل أربعة أشهر إن قدر، فإن كان عاجزاً لكبر أو نحوه فبقدر ما يستطيع. ويلزمه المبيت بطلب عند الحرة ليلة من كل أربع، والأمة ليلة من كل سبع، واشتهرت في هذا قصة كعب بن سور، وهي أن امرأة جاءت إلى عمر فقالت له: (إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، فظن أنها تمدحه) فقال: (جزاه الله خيراً) ، فاستحيت المرأة وانصرفت، فقال كعب: إنها تشتكيه وتدعي أنه لا يتفرغ للاستمتاع بها، فردّها وأرسل إلى زوجها وقال لـ كعب بن سور: (اقض بينهما كما فهمت قصتها) ، فقال له كعب: أيها الرجل! إن الله أباح لك أربع نساء، نصيب كل واحدة منهن ليلة، وحيث إنه ليس معك إلا واحدة فلك أن تتعبد ثلاث ليال وتبيت مع زوجتك ليلة من كل أربع، فعجب عمر من فطانته، وأرسله قاضياً على الكوفة، فمن هذا أخذوا أن يلزمه أن يبيت معها، ولا يلزم من المبيت الوطء، وإنما يبيت معها للمؤانسة، فله أن يبيت ثلاث ليال حيث شاء، والليلة الرابعة يبيت عندها، وإذا لم يكن هناك مانع فالأصل أنه يبيت عندها كل الليالي. أما الأمة فإنه قد يجمع معها ثلاث حرائر، والحرة لها مثل الأمة مرتين، فكأنه إذا كان عنده ثلاث حرائر وأمة بات عند هذه ليلتين وعند الأخرى ليلتين وعند الأخرى ليلتين والسابعة عند الأمة؛ فنصيب الأمة ليلة من كل سبع، فإذا لم يكن معه إلا زوجة مملوكة فإنه يبيت عندها ليلة من كل أسبوع.

عدم جواز غيبة الرجل عن زوجته أكثر من نصف سنة إلا برضاها

عدم جواز غيبة الرجل عن زوجته أكثر من نصف سنة إلا برضاها إن سافر الزوج أكثر من نصف سنة، وطلبت زوجته قدومه؛ راسله الحاكم، ذكروا أن عمر رضي الله عنه سأل ابنته حفصة: (كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: نصف سنة) فعند ذلك كان يرسل إلى أمراء الأجناد أن كل من تم نصف سنة فإن عليه أن يرجع، ويرسل بديله من المجاهدين، ففي كل نصف سنة يرجع ليقيم عند زوجته شهراً أو نحوه ثم يرجع، أما إذا تركته وسمحت ولم تطلبه ولم تتكلم فله أن يبقى إلى الوقت الذي يحتاج إليه. والآن كثير من العمال قد يبقى سنتين وربما ثلاث سنين أو أربعاً ولا يذهب إلى زوجته، وعذره عدم التفرغ، أو أن كفيله لا يسمح له، أو أنه لم يجمع شيئاً يستغني به إذا رجع إلى بلده، وزوجته قد سمحت له لأنها تعرف حاجته، فإذا طلبت قدومه أرسل إليه الحاكم، فإذا راسله الحاكم فامتنع وليس له عذر فرق الحاكم بينهما بطلبها، فيفسخ النكاح. أما إذا لم يُعلم خبره فلا فسخ لذلك بحال، فإذا لم يعلم هل هو في الشمال أو في الجنوب أو هو مفقود، ففي هذه الحال تبقى، لكن الصحيح: أنها إذا تضررت، ولم تجد من ينفق عليها، فإن للحاكم فسخ النكاح، فإن رجع الزوج قبل أن تتزوج فهو أحق بها، وإن تزوجت قبل أن يرجع فإنه يعطى مهره.

تحريم جمع الزوجات في مسكن واحد إلا برضاهن

تحريم جمع الزوجات في مسكن واحد إلا برضاهن قال المصنف رحمه الله: (من العشرة ألا يجمع الزوجتين بمسكن واحد إلا برضاهما) . وذلك لأن العادة وجود غيرة بينهما، وكل منهما تبغض الأخرى، وتحقد عليها، وتحسدها، وتلتمس عثراتها، فمن الصعب أن ترضى إحداهما بالأخرى وهي معها في منزل واحد، تقابلها كل يوم؛ فلذلك يجعل كل واحدة في مسكن إلا إذا شرط على الأولى أن الثانية تسكن معك، وشرط على الثانية أن أسكنك معها، ورضيتا بذلك، ففي هذه الحال يجوز أن يجمعهما إذا رضيتا بذلك، وكذا الثلاث أو الأربع.

جواز منع الرجل زوجته من الخروج من داره إلا للضرورة

جواز منع الرجل زوجته من الخروج من داره إلا للضرورة قوله: (وله منعها من الخروج من داره) . لأنه إذا عقد عليها وذهبت معه إلى منزله فهو أملك بها؛ فليس لها أن تخرج إلا بإذنه، وله منعها إلا للأشياء الضرورية، كما إذا مرضت وذهبت إلى الطبيب، أو إذا احتاجت حاجة ضرورية وذهبت إلى البقال وما أشبه ذلك، ففي هذه الحال ليس له منعها لشدة الضرورة، وكذلك أيضاً إذا مرض أحد أبويها فليس له منعها من زيارتهم وما أشبه ذلك. هذا ما يتعلق بالعشرة، وبعد ذلك يتكلمون على القسم بين الزوجات.

القسمة بين الزوجات ووجوب العدل

القسمة بين الزوجات ووجوب العدل قال المصنف رحمه الله: (وعلى غير طفل التسوية بين زوجات في القسم) . إذا كان له زوجتان فأكثر وهو بالغ عاقل رشيد، وجب عليه التسوية بينهما؛ وذلك لأن كلاً منهما لها حق عليه، فيلزمه أن يسوي بينهما، ولا يفضل إحداهما على الأخرى، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) يعني: كالمفلوج، يجيء وهو مشلول أحد الجانبين علامة على ميله. والتسوية بينهما هي: التسوية في القسم، وفي النفقة، وفي المبيت، وفي قضاء الحاجات، ونحوها. لكن إذا رضيت أحداهما فلها إسقاط حقها، والأصل أنه يسوي بينهما بقدر ما يستطيعه، فيسوي بينهما في شراء الحاجات وما أشبهها، وكذلك أيضاً يُسوي بينهما في الأكل، يعني: يأكل عند هذه يوماً وعند هذه يوماً حتى لا تتبرم إحداهما، وقد يقول بعضهم: إذا استضاف الزوج أضيافاً فقد لا تتحمل إحداهما أن تقوم بخدمة الأضياف! فنقول: له أن يجعلهم عند التي تتحمل، كما إذا كان بيت هذه واسعاً والأخرى ضيقاً، وكل ذلك حسب الحاجة.

عدم وجوب التسوية في الوطء والكسوة والمودة

عدم وجوب التسوية في الوطء والكسوة والمودة لا يلزم الزوج التسوية في الوطء، وذلك لأن الوطء يخضع للشهوة، فقد توجد شهوته عند إحداهما دون الأخرى، ولكن عليه ألا يمنعها من حقها من الاستمتاع ولو في الشهر مرة أو في الشهرين أو في الثلاثة أو ما أشبه ذلك بقدر الاستطاعة، فإذا كانت تحتد شهوته إذا جاء عند إحداهما دون الأخرى فلا يلزمه التسوية بينهما. وكذلك في الكسوة، فالكسوة تكون على قدر الحاجة، فقد تحتاج إحداهما إلى كسوة كل شهرين والأخرى بخلافها؛ بكثرة زيارات هذه دون هذه، فلا يلزمه التسوية بالكسوة. كذلك التسوية في الأطعمة يشتري لكلٍ حاجتها، فقد يكون هذه عندها أولاد بحاجة إلى فاكهة وبحاجة إلى لحم وتلك إذا اشترى لها حاجة وليس عندها أولاد بقيت عندها مدة. كذلك أيضاً لا تجب التسوية في مودة القلب، لما جاء في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه، فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) يعني: القلب، فإن القلوب بيد علام الغيوب، فإذا كان قلبه يحب إحداهما أكثر فهو لا يقدر على التسوية في ذلك، ولكن آثار ذلك لابد أن يحرص على التسوية فيها، فإذا قام بالواجب لهما، ولكن الأخرى أحب إليه؛ فلا حرج عليه. والقسم عماده الليل؛ لأن الناس في النهار يتقلبون في حاجاتهم وفي أعمالهم، فيقسم لهذه ليلة، ولهذه ليلة، لكن إذا كان حارساً فإنه يقسم في النهار، وكذلك الذي عمله ليلاً كأهل المرابطة وأهل الخفارات وأهل الحراسة للأشياء المخوفة وكل من لا يحرس إلا ليلاً، ففي هذه الحال يقسم في النهار؛ لأنه في الليل منشغل بالحراسة.

القسم للملوكة على النصف من الحرة

القسم للملوكة على النصف من الحرة ذكر المصنف أن الزوجة المملوكة على النصف من الحرة في القسم، فإذا كان عنده زوجتان حرة وأمة فللحرة ليلتان وللأمة ليلة، والمبعضة في الحساب التي نصفها حر في هذه الحال يقال: لهذه التي نصفها حر مثلاً ليلة ونصف ليلة، وتلك الأخرى الحرة لها ليلتان، ويكون ذلك بالجبر، كأن يقول: لهذه أربع ليال ولهذه ثلاث، بالحساب.

متى يسقط حق الزوجة؟

متى يسقط حق الزوجة؟ إذا أبت الزوجة المبيت معه أو السفر سقطت نفقتها، إلا إذا كانت قد اشترطت دارها أو بلدها وامتنعت من السفر، وأما إذا طلبها للمبيت على فراشه فامتنعت سقطت نفقتها، وسقط حظها من القسم، وله أن يُعطي نصيبها للضرة الثانية. وإذا سافرت لحاجتها حتى للحج أو للعمرة سقطت نفقتها مدة السفر سواء كان طويلاً أو قصيراً؛ وذلك لأن النفقة مقابل الاستمتاع، وهي الآن قد فوتته على نفسها.

يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا

يقيم عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً إذا تزوج الرجل بكراً وعنده قبلها امرأة أو امرأتان أقام عند البكر الجديدة سبعة أيام ثم قسم، أما إذا تزوج ثيباً وعنده قبلها نساء أقام عند هذه الجديدة ثلاثة أيام ثم دار على نسائه، كما ذكرت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها وهي ثيب أقام عندها ثلاثة أيام متتابعة ثم قال: (إنه ليس بك هوان على أهلك، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) يعني: أتممت لك سبعة أيام، فرضيت أن يبيت عندها ثلاث ليال، فالجديدة البكر يبيت عندها سبعة أيام متوالية لتأنيسها لكونها جديدة، والثيب يبيت عندها ثلاثة أيام متوالية، إلى هنا انتهى ما يتعلق بالقسم.

شرح أخصر المختصرات [63]

شرح أخصر المختصرات [63] لقد بين العلماء أحكام النشوز والناشز، وما ينبغي للزوج تجاه زوجته إذا خشي نشوزها، وإذا كرهت الزوجة زوجها فلها أن تخالعه ببذل شيء من مالها يتراضيان عليه.

أحكام النشوز

أحكام النشوز قال المصنف رحمه الله: [والنشوز حرام، وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها، فمتى ظهرت أماراته وعظها، فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ثلاثاً، فإن أصرت ضربها غير شديد، وله ضربها على ترك فرائض الله تعالى. باب الخلع: يباح لسوء عشرة، وبغض، وكبر، وقلة دين، ويكره مع استقامة، وهو بلفظ خلع أو فسخ أو مفاداة فسخ، وبلفظ طلاق أو نيته أو كنايته طلقة بائنة. ولا يصح إلا بعوض. ويكره بأكثر مما أعطاها. ويصح بذله ممن يصح تبرعه من زوجة وأجنبي، ويصح بمجهول ومعدوم لا بلا عوض ولا بمحرم، ولا حيلة لإسقاط طلاق، وإذا قال: متى أو إذا أو إن أعطيتيني ألفاً فأنت طالق طلقت بعطيته ولو تراخت، وإن قالت: اخلعني بألف أو على ألف ففعل بانت واستحقها. وليس له خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها ولا ابنته الصغيرة بشيء من مالها، وإن علّق طلاقها على صفة ثم أبانها فوجدت أو لا ثم نكحها فوجدت طلقت, وكذا عتق. وإن سافر فوق نصف سنة وطلبت قدومه راسله حاكم, فإن أبى بلا عذر فُرق بينهما بطلبها, وإن لم يُعلم خبره فلا فسخ لذلك بحال. وحرُم جمع زوجتيه بمسكن واحد ما لم يرضيا، وله منعها من الخروج، وعلى غير طفل التسوية بين زوجات في القسم، لا في وطء وكسوة ونحوهما إذا قام بالواجب، وعماده الليل، إلا في حارس ونحوه فالنهار، وزوجة أمة على النصف من حرة، ومبعضة بالحساب، وإن أبت المبيت معه أو السفر أو سافرت في حاجتها سقط قسمها ونفقتها. وإن تزوج بكراً أقام عندها سبعاً، أو ثيباً أقام ثلاثاً ثم دار] . النشوز هو: عصيان المرأة لزوجها وهو حرام، أي: معصيتها إياه فيما يجب عليها؛ وذلك لأن الواجب عليها أن تطيعه بما يتعلق بحاجته، فإذا رأى منها أنها تكرهه، وعلامة ذلك أنها لا تجيبه إلى فراشه، أو تجيبه متبرمة متثاقلة، فهذا من علامات النشوز، يقول الله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] فيبدأ بالوعظ والتذكير، فيذكرها ويخوفها، ويذكر لها حق الزوج عليها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لما لها عليه من الحق) ، ووردت في عظم حق الزوج على امرأته أحاديث، وإن كان في أسانيدها مقال، ولكن أصحها هذا، فيعظها ويذكرها ويحذرها من هذا النشوز والتبرم والتثاقل، والعصيان لزوجها، ويخوفها بالله، ويخوفها بالعذاب الأخروي، وبسخط الله، وأن الله يسخط عليها، وأن الملائكة تلعنها وما أشبه ذلك. فإن أصرت وامتنعت أن تقبل وعظه فإنه يهجرها، قال الله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] فيعتزل فراشها، ويذهب إلى زوجته الأخرى إن كان له زوجة، وإذا لم يكن له زوجة فإنه يبيت ويترك فراشها أو يوليها ظهره، فيهجرها في المضجع ما شاء، ولو طالت المدة، ويهجرها في الكلام ثلاثة أيام لا أكثر، فإن الهجر لا يجوز أكثر من ثلاث، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) . ثم قال تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] فإذا أصرت ولم تتأثر بالموعظة ولا بالهجران ينتقل معها إلى الضرب، ولكنه ضرب غير مبرح، أي: غير شديد، يعني: ضرب تأديب، لا يزيد فيه على عشر جلدات. ثم ذكروا أن له ضربها على ترك فرائض الله تعالى كالصلاة والصيام وما أشبه ذلك من الواجبات الدينية، كما أن له ضربها على فعل المنكرات، كما إذا علم بأنها تعاكس، أو لها خلوات مع غير المحارم، أو تدخل في بيته من لا يرضاه، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهونه، ولا يأذن في بيوتكم لمن لا تريدونه) فليس لها أن تدخل في بيت زوجها من لا يرضاه، ولو كان من محارمها، إلا إذا سمح الزوج. وكذلك لا تجلس على فراشه أجنبياً سواء تجلسه لفعل الفاحشة بها أو لغير ذلك لعموم: (لا يوطئن فرشكم من تكرهونه) ، فإذا علم ذلك منها فله تأديبها.

أحكام الخلع

أحكام الخلع عقد المصنف رحمه الله باب الخلع، وهو: أن تطلب المرأة فسخ النكاح، والتخلي من هذا الزوج؛ وذلك إذا كرهته، والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] أي: لا جناح عليها إذا فدت نفسها واشترت نفسها، والأصل فيه أيضاً قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس، فإنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (إني لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام) وذكرت أنها كرهت خلقته، خيل إليها أنه دميم، وأنه قبيح المنظر، وأنه وأنه، فلم تطق التحمل والصبر معه، فأباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفتدي فيه، وقال: (اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة) وكان قد أعطاها حديقة، فإذا كانت تكرهه لسوء عشرته، ولصلابته، ولشرهه، ولعيب فيه؛ فإنها تفتدي منه. وكذلك لنقص دينه أو تهمته بالزنا أو بمسكر أو ما أشبه ذلك، وكذلك إذا عمل معها ما لا يحل كإتيانها في الدبر، فإن لها أن تفتدي. وكذلك إذا كرهته لكبر سن، أي: أنه طعن في السن وهي لا تزال شابة، أو رأت أنه قليل الديانة لا يتورع عن الحرام، أو يترك الصلوات، أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال لها أن تخالعه. قوله: (ويكره مع الاستقامة) إذا كانت حاله مستقيمة كره لها أن تطلب الطلاق أو أن تطلب الفراق أو أن تفتدي، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) يعني: إذا طلبت الطلاق والحال مستقيمة بينها وبين زوجها، وليس هناك عيب فيه ولا خلل، لا نقص في دينه، ولا نقص في عقله، ولا نقص في أخلاقه؛ فطلبها للطلاق أو للمخالعة يعتبر حراماً عليها والحال هذه؛ لورود هذا الحديث.

الخلاف في الخلع هل يعد فسخا أو طلاقا

الخلاف في الخلع هل يُعد فسخاً أو طلاقاً وهل يعتبر الخلع فسخاً للنكاح أو يعتبر طلاقاً؟ إذا كان بلفظ الخلع أو بلفظ الفسخ، أو بلفظ المفاداة اعتبر فسخاً، وإذا كان بلفظ الطلاق أو نيته أو كنايته اعتبر طلاقاً، طلقة بائنة، وإذا قلت: ما النتيجة في ذلك؟ نقول: إذا قال: خالعتها بألف، أو فسخت نكاحها بعشرة آلاف، أو يقول لها: افتدي نفسك بعشرة آلاف فدفعتها، ففي هذه الحال يكون فسخاً، ومعنى كونه فسخاً: أنه لا ينقص به عدد الطلقات، فمثلاً: لو خالعها في سنة إحدى وعشرين بلفظ المفاداة، ثم تزوجها بعد ذلك بالتراضي؛ ثم خالعها في سنة اثنتين وعشرين، فبذلت له مالاً وخالعها، ثم تزوجها بعد ذلك بشهر أو شهرين ودفع لها مهراً، ثم خالعها في سنة ثلاث وعشرين فبذلت له مالاً وخالعها ورضيت بذلك، ثم تراضوا بعد ذلك، فقد خالعها ثلاث مرات، فهل تكون هذه الثلاث ثلاث طلقات؟ A لا تكون، بل يحل له أن ينكحها بعقد جديد، فالخلع بلفظ الخلع، أو بلفظ الفداء يعتبر فسخاً، هذه من النتائج، كذلك من النتائج أيضاً أن في الفسخ ليس عليها عدة، وإنما عليها أن تتربص حيضة واحدة إذا كانت تحيض، ثم تتزوج إذا شاءت، أو تتربص شهر إذا كانت لا تحيض، هذا معنى كونه بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة، أي: أنه فسخ لا ينقص به عدد الطلاق. فأما إذا قال: طلقتك بألف فقالت: خذه، فإنه يعتبر طلاقاً بلفظ الطلاق، أو: أعطيني ألفاً وأطلقك، فقالت: أعطيتك، أو قال: طلقت، أو كان بنية الطلاق كما إذا كان ناوياً طلاقها وطلب منها فدية وقع الطلاق، وتكون طلقة واحدة، أو كناية الطلاق فإذا قال -مثلاً-: أنت خلية، أو برية، أو أنت حرة، أو أنت الحرج، أو اخرجي وذوقي وتجرعي، وحبلك على الغارب، اذهبي كيف شئت، فهذه تعتبر كنايات الطلاق، فإذا قال ذلك وقعت طلقة. وهل تكون رجعية أو بائنة؟ ذكروا أنها طلقة بائنة، ومعنى كونها بائنة عدم تمكنه من الرجعة؛ لأنها اشترت نفسها، فلا ترضى أنه يعيدها، وهي ما دفعت له هذا المال إلا للتخلص، فليس له رجعة عليها، فتعتبر طلقة واحدة بائنة، فإذا قال: اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي طلقت طلقة واحدة ولكنها بائنة.

حكم الخلع بغير عوض

حكم الخلع بغير عوض وقوله: (الخلع لا يصح إلا بعوض) أي: فلا يصح بدون عوض، وإذا كان بدون عوض يُسمى طلاقاً ولا يسمى خلعاً؛ لأن الخلع كأنه تفدي وتشتري نفسها، وتتخلص من سوء عشرة هذا الزوج، فلابد أن تبذل له مالاً حتى يفارقها وتتخلص منه.

حكم الخلع بأكثر من المهر

حكم الخلع بأكثر من المهر قوله: (ويكره بأكثر مما أعطاها) في حديث امرأة ثابت أنه كان أعطاها حديقة، فقال عليه الصلاة والسلام: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فردت عليه حديقته، كان هذا هو الخلع، فإذا أصدقها ألفاً فلا يأخذ منها أكثر منه، ويكره ذلك، وإذا أصدقها بعيراً ومات البعير فإنها ترد عليه بدله مثله، وهكذا لو أصدقها شاة أو ضأناً فإنها ترد عليه مثلهن، وأما أولادهن فلا تردها؛ لأنهن ملكها، وأشباه ذلك. وأجاز بعض العلماء أن يأخذ منها أكثر، واستدلوا بعموم الآية وهي قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] ، يعني: ولو افتدت بكثير فلا جناح عليهما في شيء تفتدي به، وظاهر الآية أنه يجوز أن تفتدي نفسها ولو بأكثر مما أعطاها، فأجاز ذلك بعضهم، ولكن ورد في الحديث، أنه منع من الزيادة، فقال: (أما الزيادة فلا) .

حكم بذل العوض من غير مخالعة

حكم بذل العوض من غير مخالعة ويصح بذل العوض ممن يصح تبرعه من زوجة وأجنبي، يعني: أن الأجنبي يصح تبرعه أو زوجة يصح تبرعها، فلو دفع الفدية أخوها وهو عاقل بالغ رشيد صحت الفدية، وكذلك لو دفعها أجنبي كجار لهم أو صديق لهم أو نحو ذلك جاز ذلك، لكن لا يتخذ حيلة، فإذا عرف بأنها حيلة لم يجز. مثلاً: بعض الرجال قد يعشق امرأة زيد من الناس، ثم يراسلها ويهاتفها ويقول: انشزي عنه وافتدي منه وأنا أتزوجك، فإذا قالت: كيف أفتدي وما عندي شيء؟ يقول: أنا أدفع لك -مثلاً- ألفاً أو عشرين ألفاً تفتدين بها نفسك، فمثل هذا لا يجوز، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من خبب امرأة على زوجها فله النار) أو كما قال، (خببها) يعني: أفسدها حتى نشزت وعصت عليه، ولا يجوز لها أيضاً طاعة مثل هؤلاء الذين يخببونها، ولو وعدها ولو قال: أنا أكثر منه مالاً، وأنا أعطيك أكثر منه أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضاً لو كان يعطيها مطالب قد تجوز أو قد لا تجوز، ويحدث مثل هذا من بعض الفسقة، فإذا رأها -مثلاً- مكموتة قال: زوجك قد أضرك، لم يعطك أجهزة تتسلين بها، ولو كنت عندي فإني أشتري لك جهاز تلفاز، أو جهاز الدش مثلاً، أو أشرطة غناء تتسلين بها، أو أسمح لك بالخروج إلى الملاهي وإلى الملاعب وإلى الأسواق وإلى المنتزهات، وما أشبه ذلك، فهذا أيضاً حرام عليه أن يخبب امرأة على زوجها، فإذا رآها سالكة مع زوجها يحرم عليه الاتصال بها ومكالمتها أو مهاتفتها، ومن باب أولى أفسادها. أما إذا كان رافقاً بها ورآها متضررة، ورآها متأثمة فتصدق عليها وأعطاها مالاً تفتدي به فلا بأس بذلك، ولا يكون قصده أن يتزوج بها، فإن ثبت أنها متضررة جاز لها أن تأخذ هذا المال حتى تتخلص من ذلك الضرر، من سوء عشرة الزوج، أو سوء خلقه، أو سوء معاملته، أو قبح مظهره، أو إضراره بها، أو تقصيره بالنفقة، أو كثرة غيبته، أو كثرة أسفاره وتركها وحيدة أو ما أشبه ذلك.

حكم الخلع بمجهول أو معدوم

حكم الخلع بمجهول أو معدوم ويصح عوض الخلع بمجهول ومعدوم، فلو قالت -مثلاً-: خالعني بنفقة ولدي، فهذه النفقة معدومة، ولكنها توجد شيئاً فشيئاً، أو قالت: أنا أبريك من نفقة الولد أو الأولاد سنة أو خمس سنين وخالعني، وأنا أتحمل نفقتهم فيكون الخلع معدوماً، ولكنه يوجد شيئاً فشيئاً، وكذلك المجهول، لو قالت: خالعني بما تحمل به هذه الشجرة، أو بما تلده هذه الشاة أو هذه الفرس، فهذا مجهول لا يعلم أهو ذكر أم أنثى، واحد أم عدد، ولكن يصح ذلك، فإن حملت وإلا فله مطالبتها بمثله، لا بلا عوض، والخلع لا يصح إلا بعوض.

حكم الخلع بمحرم أو بحيلة

حكم الخلع بمحرم أو بحيلة ولا يصح بمحرم، فلو قالت: خالعني بزقاق خمر، أو بطبول وآلات لهو لم يصح؛ لأن هذا محرم. ولا يصح حيلة لإسقاط الطلاق، فبعض الناس يتزوج المرأة وإذا رأى منها سوء خلقها وخاف أنه إن طلقها تحسب عليه طلقة قال: أعطيني عشرة ريالات أو خمسة ريالات فداءً افتدي بها نفسك، حتى لا تحسب عليه طلقة، وليس له حاجة بهذه الدراهم وإنما يريد أنها لا تحسب عليه، ثم يتزوجها بعد ذلك بعقد جديد، ثم يحتال أيضاً حتى لا يقع الطلاق بأن يطلب منها وما أشبه ذلك، فلا يجوز أن يتخذ حيلة لإسقاط الطلاق، أما إذا كان قصده المال فلا بأس أن يأخذ المال ولا يحسب من الطلاق.

حكم الخلع والطلاق بالتعليق

حكم الخلع والطلاق بالتعليق فإذا قال: متى أعطيتيني ألفاً فأنت طالق، أو إذا أعطيتني ألفاً فأنت طالق، طلقت لعطيته ولو تأخرت؛ لأنه علق الطلاق على إعطائه ألفاً، فلو ما أعطته إلا بعد سنة أو بعد عشر سنين، أعطته قالت: خذ الألف الذي أنت طلبته على الطلاق، فأنت قد علقت الطلاق على عطية الألف والآن هذا هو الألف وقع الطلاق في الحال، ولكنه يقع طلقة واحدة، ولكن تكون طلقة بائنة بحيث إنه لا يقدر على رجعتها، والبينونة هنا بينونة صغرى، والبينونة الكبرى هي التي لا تحل له إلا بعد زوج، وأما هذه فهي بائنة بينونة صغرى تحل له برضاها بعقد جديد، ومهر جديد. فإذا قالت له: اخلعني بألف، أو على ألف، ففعل، بانت واستحق الألف، فإذا قال: قد فعلت، قد وافقت، يستحق الألف منها، وتبين منه بينونة صغرى أيضاً؛ وذلك لأنها هي التي طلبت وهو وافق على طلبها.

حكم مخالعة الأب لزوجة ابنه الصغير

حكم مخالعة الأب لزوجة ابنه الصغير قوله: (وليس له خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها) أي: إذا كانت راضية وكانت الحال مستقيمة، وقد يقال: إن الابن في هذه الحال ليس له خيرة، فإذا كان صغيراً دون العشر وعقد له على امرأة دون العشر، ثم طلبت تلك المرأة ولو كانت صغيرة أو طلب وليها المخالعة فهل لأبيه أن يخالعها؟ A لا يجوز ذلك، بل تترك إلى أن يبلغ الصبي ويعقل، فإن وافق على المخالعة فله ذلك، وأما إذا امتنع وقال: أنا أريدها كزوجة فإنه تبقى الزوجية. وكذلك أيضاً ليس له طلاق امرأة ابنه إلا برضى الابن، فإذا تشددت وقالت: أريد الطلاق، والابن صغير ليس له اختيار فلا يطلقها أبوه، وإذا تضررت رفع الأمر إلى الحاكم، وللحاكم أن يطلق أو يعلق.

حكم خلع الأب ابنته الصغيرة من زوجها

حكم خلع الأب ابنته الصغيرة من زوجها وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها، فمثلاً: أنه جاء إلى زوج ابنته، وقال: أنا أريد أن أخلع ابنتي منك؛ لأنك لا تصلح زوجاً، وابنتي لا تريدك، فأريد أن أخلعها بشيء من مالها، آخذ من مالها ألفاً أو ألفين أو عشرة وهي ما طلبت ولا سمحت بمالها فليس له أن يخلعها، أما إذا طلبت هي وقالت: يا أبت! وكلتك أن تخلصني من هذا الزوج بشيء من مالي أو من مالك بما تريد ففي هذه الحال إذا طلبت ووافق أبوها وبذل من مالها ما طلبه الزوج جاز له ذلك، فإذا قال الزوج: أنا أطلب ألفاً أو عشرة آلاف فله أعطاؤه ذلك.

من أحكام تعليق الطلاق على صفة

من أحكام تعليق الطلاق على صفة وإذا علق طلاقها على صفة، ثم أبانها فوجدت تلك الصفة، ثم نكحها فوجدت طلقت وكذا العتق، صورة ذلك: إذا قال لها: إذا كلمتي فلاناً بالهاتف فأنت طالق، ثم طلقها قبل أن تكلمه، وبانت منه بينونة صغرى، ولما بانت منه بينونة صغرى كلمته بالهاتف، ثم تراضوا بعد ذلك ونكحها نكاحاً جديداً، ثم بعد أن نكحها النكاح الجديد كلمته بالهاتف، وجد ذلك الشيء الذي علق عليه الطلاق، ففي هذه الحال يقع الطلاق المعلق، فإن قلت: أليس علقه على أول مكالمة؟ قلنا: نعم، ولكن المكالمة الأولى كانت في غير عصمته، ولا يملك إيقاع الطلاق فيها، وهو قد حذرها من المكالمة هاتفياً، وقد كالمته في حال كونها في ذمته فيقع الطلاق. وقاسوا على ذلك العتق، فإذا كان له عبد فقال له: إن سافرت إلى الأحساء -مثلاً- فأنت عتيق، فقدر أنه باعه، اشتراه رجل، وفي حالة شرائه سافر إلى الأحساء، ثم قدر أن صاحبه الأول استعاده واشتراه، ولما اشتراه مرة ثانية سافر إلى الأحساء فيحصل العتق الذي هو متعلق على السفر أو على أية صفة، كأن يقول مثلاً: إن خدمت فلاناً لمدة شهر أو: إن خدمت والدي فأنت حر، وباعه قبل الخدمة، ثم قدر أنه خدم في حالة بينونته وفي حالة عدم كونه تحت ملكه، ثم استعاده فإذا خدم حصل العتق المعلق على ذلك الشرط. هذا آخر كتاب النكاح.

الأسئلة

الأسئلة

جواز مخالعة المرأة زوجها إذا كان عقيما

جواز مخالعة المرأة زوجها إذا كان عقيماً Q فضيلة الشيخ: إذا كان الزوج عقيماً، فهل للزوجة المطالبة بالطلاق؟ A إذا تبين أن الزوج لا يولد له، وكانت ترغب في الإنجاب، فلها طلب الفسخ، ولا يفسخ إلا الحاكم، وإن كان هناك شرط فإنه يحدد، فإذا عرف أنه لا يولد له، وزوجوه وقالوا: بشرط فسخ النكاح بعد سنتين أو خمس سنين إن أرادت المرأة، فلهم ذلك.

معنى الدخول الموجب للمهر

معنى الدخول الموجب للمهر Q ما معنى الدخول الذي يوجب المهر، هل هو الخلوة أم الوطء؟ A الصحيح أنه الخلوة، فإذا أغلق الباب، وليس معه أحد غيرها، ففي هذه الحال يُسمى قد دخل بها، ولو لم يطأها.

تعريف النكاح المعلق على شرط

تعريف النكاح المعلق على شرط Q إذا زوج الشخص ابنته وكتبوا في العقد: يشترط أن يكون الزواج بعد سنة أو بعد إنهاء الدراسة فهل هذا من الشرط المعلق؟ A ليس بمعلق، وإنما أخروا الزفاف، فيجوز أن يشترطوا أنه لا يكون هناك زفاف إلا بعد انتهائها من الدراسة أو ما أشبه ذلك، والنكاح المعلق على شرط هو الذي يعلق على شيء مجهول، كأن يقول: بشرط أن يرضى أخوها، ولا يدرى هل يرضى أم لا، أو بشرط نجاحها أو نجاحه وهذا أيضاً لا يدرى هل يحصل أم لا.

المساواة في المبيت لا تسقط إلا برضا المرأة

المساواة في المبيت لا تسقط إلا برضا المرأة Q رجل متزوج بأربع نسوة، ولا يعدل في المبيت، وعندما ينصح يقول: إنني اشترطت عليها أن المبيت على مزاجي إن أردت المبيت وإلا فلا؟ A ذكروا أن هذا شرط باطل، وأن عليه العدل بينهن إلا إذا أسقطت إحداهن حقها أو ليلتها برضاها فلها ذلك، فأما إذا لم ترض ولم يكن هناك قناعة ولا موافقة فلها طلب ليلتها في حينها.

على المدرس والمفتي تبيين مسائل الخلاف

على المدرس والمفتي تبيين مسائل الخلاف Q امرأة مدرسة لمادة الفقه، ويوجد أقوال للعلماء مختلفة، فكيف يحصل الترجيح، وهل دائماً يؤخذ بالأحوط؟ A المدرس أو المفتي إذا سئل عن مسألة خلافية فالأولى له أن يذكر الخلاف إذا كان لا يقدر على الترجيح، كأن يكون في المسألة قولان، فيذكر من قال بكل قول، هذا إذا كان الخلاف ظاهراً، أما إذا كان الخلاف ضعيفاً أو الذين ذهبوا إلى أحد القولين هم الجمهور فإنه يقول: قول الجمهور كذا، أو الصحيح عند العلماء كذا.

معاودة النظر إلى المرأة المخطوبة

معاودة النظر إلى المرأة المخطوبة Q هل للخاطب أن يعاود النظر إلى المرأة المخطوبة؟ وهل تأثم في لبس بعض الحلي عندما يراها؟ A له ذلك، لكن إذا كان صادق الرغبة، فله أن يطلب النظر إليها مرة ثانية، ويقول: إني نظرت وقد تكون في تلك المرة متغيرة، أو متحلية بشيء يغيرها ويجملها، أو ما أشبه ذلك، فعليها أن تظهر بلباسها المعتاد، ولا تغير شيئاً من جسدها، ولا تظهر بحلي أو بزينة تلفت الأنظار لا في المرة الأولى ولا في الثانية، والأولى أنه لا يتشدد في طلب النظر.

جواز تزويج الولي نفسه من موليته إذا كان أقرب الناس إليها وكانت راضية

جواز تزويج الولي نفسه من موليته إذا كان أقرب الناس إليها وكانت راضية Q فضيلة الشيخ: أنا ولي لابنة عمي، وهي الآن مطلقة، فهل أزوج نفسي بها أم لابد من ولي من العصبة، أفتونا مأجورين؟ A إذا كنت أقرب عصبتها فلك أن تزوج نفسك بشاهدين إذا كانت راضية، فتقول للشاهدين: اشهدا أنني زوجت نفسي من ابنة عمي، أو أني تزوجتها، أو قبلتها كزوجة، أو ما أشبه ذلك، أو يقول لك ذلك المأذون: قل: إني زوجت نفسي بابنة عمي وقبلت الزواج، وأما إذا كان هناك من هو أقرب منك فإنه هو الذي يتولى العقد.

حكم زواج التحليل

حكم زواج التحليل Q فضيلة الشيخ: بالنسبة للتيس المستعار هل هو محرم فقط ويكون الزواج صحيحاً ويأثم فاعله أم أن هذا الزواج باطل ولا تحل لزوجها من بعده؟ A الجمهور على أنه باطل، وهناك بعض الذين يتساهلون فيحللونها للأول إذا تزوجها هذا الثاني، مع أنه ما قصد إلا تحليلها، أو حصل الاتفاق بينهما، فالجمهور على أنه باطل، وعلى أنها لا تحل للأول، وتعرفون أنه تساهل فيه كثير من الناس في القرون الأولى، وصاروا في القرون المتوسطة يتساهلون فيه أكثر، وفي زمن شيخ الإسلام ابن تيمية كثر هذا التحليل، وصار عادة وديدناً، وألف فيه ابن تيمية كتاباً كبيراً مطبوعاً اسمه: (إبطال التحليل) وأورد الأدلة فيه، وبين أنه حرام، وكذلك تكلم عليه ابن القيم في (إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان) وبين الأدلة على تحريمه، وكأنه اختصر ما ذكره شيخه، فعلى هذا نقول: إن من تزوجها لقصد الإحلال لا تحل، وحرام عليه، وكذلك إذا استأجره الزوج وقال: تزوجها واشترط كذا.

الفرق بين الزواج العرفي وزواج المسيار

الفرق بين الزواج العرفي وزواج المسيار Q فضيلة الشيخ: ما الفرق بين الزواج العرفي ونكاح المتعة وزواج المسيار؟ A أما العرفي فالعرف عند الناس هو الذي يتعارفون عليه، فإذا كان هناك عرف عند أهل بلد يتعارفون على تسميته زواجاً فلهم عرفهم، ولكن لا يُعتمد إذا كان مخالفاً للشرع، أو كان فيه ما يخالف الشروط الشرعية، ولو تعارفوا على تسميته زواجاً، يعني: لو تعارفوا على تسمية نكاح المتعة زواجاً وقالوا: هذا الزواج العرفي، أو تعارفوا على زواج بلا رضا، أو بلا شهود، أو بلا مهر، وتعارفوا وقالوا: نسميه زواجاً، أو زواجاً مؤقتاً، فلا عبرة بهذا الزواج العرفي. وأما الزواج الشرعي فهو الذي تمت فيه الشروط التي ذكرت في أول كتاب النكاح، فإذا تمت الشروط فيه وانتفت الموانع، فهذا هو الزواج الشرعي. وأما ما سموه الآن بزواج المسيار فهذا شيء جديد، ما كان معروفاً بهذا الاسم، ثم اصطلحوا على تسميته، فإذا تمت فيه الشروط فلا بأس، يعني: كأنه لا يجعل لها ليلة، وإنما يأتيها ساعة من نهار، ويقضي وطره ثم يخرج، ولا يجعل لها ليلة محددة، وهي ترضى بذلك، أو تبقى في بيتها، وتقول: لا أتحول عن بيتي ومع أولادي، وأنت الذي تأتي لقضاء حاجتك، فإذا تمت الشروط فهو صحيح، والشروط أن يكون هناك رضا، وشاهدان، وصداق، وإعلان للنكاح، وإضافتها -مثلاً- في دفتر عائلته، فأما إذا كان سراً، فقد ورد النهي عن نكاح السر، وكذلك إذا شرط شيئاًَ لا يجيزه الشرع.

تعريف الدرزية

تعريف الدرزية Q أشكل علي قوله في الحاشية: كالمجوسية والوثنية والدرزية، فمن هي الدرزية؟ A الدروز طائفة من غلاة الرافضة والنصيرية، وقد يكونون أخبث منهم، ويوجدون بكثرة في سوريا في دمشق، وفي كثير من قرى سوريا، وهم معروفون بهذا الاسم، ويعترفون بأنهم دروز، واحدهم درزي، وعقيدتهم عقيدة كفرية، وقد يتكتمون على عقيدتهم ولا يبدونها، ولا يخرجون شيئا ًمن مؤلفاتهم التي فيها عقائدهم، لكن بعض من دخل فيهم أو احتال عليهم أظهر شيئاً من مؤلفاتهم التي عرف بها معتقدهم، فهم يعتقدون في الحاكم العبيدي أنه إله أو أنه معبودهم، ومعتقداتهم سيئة، فهم لا يصلون ولا يزكون ولا يعملون الأعمال الصالحة، ولا يخلصون العبادة لله، ولا يعترفون بالعبودية، وقد ألفت في الرد عليهم مؤلفات قديمة وحديثة.

مارية القبطية رضي الله عنها كانت أمة للنبي صلى الله عليه وسلم وليست زوجة

مارية القبطية رضي الله عنها كانت أمة للنبي صلى الله عليه وسلم وليست زوجة Q هل مارية القبطية أمة للرسول صلى الله عليه وسلم أم زوجة له؟ وهل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وطء أمة؟ A هي جارية أهديت له، وأصلها مصرية؛ لأن القبط كانوا في مصر، فهي أمة، وأم ولد، يعني: استمتع بها فحملت وولدت له ابنه إبراهيم، وبقيت عنده، وأعتقت بعد موته، ولعله أعتقها في حياته.

حكم اشتراط المرأة على زوجها عند العقد ألا يتزوج عليها

حكم اشتراط المرأة على زوجها عند العقد ألا يتزوج عليها Q شرط المرأة على العاقد: ألا يتزوج عليها، أليس شرطاً محرماً؟ A لا شك أنه شرط حرم حلالاً، ولكن للمرأة مصلحة في هذا الشرط، وعليها مضرة بمخالفته، فلأجل ذلك يعتبره كثير من العلماء شرطاً صحيحاً، ويقولون: إذا كان عليها ضرر فتطلب الفسخ، فإذا شرطت أنه لا يتزوج ثم تزوج، فلها أن تقول: فارقني؛ أنا لا أطيق أن أبقى مع ضرة.

حكم لعن الكافر المعين

حكم لعن الكافر المعين Q هل يجوز لعن الكافر المعين بعد موته سيما إذا تحقق أنه مات على كفره؟ A الصحيح أنه يجوز، وأن النهي عن لعن المعين إنما هو في حال الحياة؛ لأنا لا ندري ما يختم له، أما إذا تحقق أنه مات وهو على كفره مصراً عليه، وعمله الكفري لا خلاف فيه، فإنه يجوز لعنه تنفيراً من معتقده ومذهبه.

معنى قول المؤلف (حتى يطأها زوج غيره بشرطه)

معنى قول المؤلف (حتى يطأها زوج غيره بشرطه) Q ما معنى قول المؤلف: (حتى يطأها زوج غيره بشرطه) مع تحريم زواج التحليل أفيدونا مأجورين؟ A سيأتينا تحريم نكاح التحليل، وقوله: (بشرطه) ليخرج نكاح التحليل، وهو: أن يطأها زوج، ولذلك سماه زوجاً، وأما المحلل فلا يُسمى زوجاً، فيشترط أنه لابد أن يكون زوجاً لا محللاً.

المتمسكات بدينهن المحرف من الكتابيات موجودات

المتمسكات بدينهن المحرف من الكتابيات موجودات Q فضيلة الشيخ: ذكرتم حفظكم الله أنه إذا لم تكن الكتابية متمسكة بدينها فإنه لا يجوز التزوج بها، فهل يوجد هناك كتابيات متمسكات في هذا الزمن؟ A لابد أنه يوجد، فهناك من يدعون إلى التمسك بشريعتهم، فيوجد من اليهود من يدعو إلى التمسك بشريعة اليهود، وهكذا يوجد في النصارى من يُسمون الرهبان والنساك ونحوهم، وعلامتهم أنهم يدعون إلى ذلك، ويُسمون أيضاً مبشرين، ويسمون قسيسين، فلابد أنه يوجد ولو كانوا قلة.

بنات المرأة لا يحرمن بمجرد العقد

بنات المرأة لا يحرمن بمجرد العقد Q أنا شاب عقدت النكاح على امرأة وخلوت بها، ولم أجامعها بسبب عدم قبولها، ثم حصل بيننا الطلاق، فهل أكون محرماً لبناتها فيما بعد، ويكون أبنائي محارم لبناتها، وجزاكم الله خيراً؟ A إذا لم تطأها فالصحيح أنك لا تكون محرماً لبناتها، وتكون محرما ًلأمها؛ لأنك حصل لك العقد مع ابنتها، وكذلك أولادك يكونون محارم لها؛ لأن زوجة الأب تحرم بمجرد العقد، وأما بناتها فحلال لأولادك.

حكم الزواج بنية الطلاق

حكم الزواج بنية الطلاق Q فضيلة الشيخ: بعض الشباب يذهبون إلى بعض البلاد ويتزوجون هناك بنية الطلاق، فيجلس معها شهراً أو أكثر، ثم إذا أراد أن يرجع طلقها، وقد اتخذ هذا العمل عادة في كل إجازة، فهل هذا جائز؟ A أفتى المشايخ أنه يجوز النكاح بنية الطلاق إذا لم يكن مشروطاً في العقد، إذا لم يشترط ولم تحدد المدة، لأنه إذا شرط وحددت المدة فهو نكاح متعة وهو حرام، فأما إذا حصل العقد، ودفع المهر المطلوب منه كاملاً مهر أمثالها، والتزم أنها زوجة له، ورضيت بذلك، وكان في نفسه أنه لا يرضاها كزوجة ثم طلقها؛ اعتبر هو الذي خسر زوجته وخسر ماله، وهي رابحة لأنها سوف تتزوج بعده غيره. بكل حال، هكذا أفتى المشايخ، وذكروا ذلك أيضاً عن بعض المؤلفين، وخالف في ذلك بعض الإخوان، وألف الشيخ صالح بن منصور رسالة قوية في المنع، وقدم لها الشيخ صالح بن اللحيدان، وذكروا أنه لا يجوز، واختاروا عدم إباحته لما فيه من المفاسد، ولما فيه من الإسراف والمحذورات، ولكل اجتهاده. فنحن نقول: إذا كان يخشى على نفسه الزنا وتزوج زواجاً صحيحاً فهو خير من أن يقع في فاحشة الزنا. ثم نقول أيضاً: لا يجوز السفر لأجل ذلك، فكون الإنسان يقطع هذه المسافات ويسافر لأجل هذا فهذا حرام عليه، يعني: كأنه يقول: أسافر لأجل أتمتع بها هذه المدة، مع أن تكاليف السفر ومهر تلك المرأة وتكاليف الرجوع يمكنه أن يتزوج به زوجة وطنية تبقى معه بقية حياته.

كفر عباد القبور

كفر عباد القبور Q فضيلة الشيخ: ينكر بعض الإخوة على من يكفر القبوريين، ويقول: الله لم يكلفكم بتكفير هؤلاء، فهل قولهم صحيح؟ A نقول: المراد بالقبوريين: عباد القبور الذين يعبدون الأموات، والذين يأتون إلى المقبور كالسيد الحسين أو علي أو البدوي أو ابن علوان أو السيدة زينب أو ما أشبه ذلك، ثم يدعونهم: يا سيدتي زينب! يا سيدي الحسين! يا سيدي علي! يا ابن علوان! يا يوسف! يا فلان! ثم يعكفون عندهم، ويذبحون لهم ذبائح يتقربون بها إليهم، ويتبركون بتربتهم، فيأخذ أحدهم التراب ويمسح به وجهه، زاعماً التبرك بهذه التربة المباركة التي نالتها بركة هذا السيد، ويصلي عنده، ويقول: إن الصلاة عنده أفضل من الصلاة في المساجد؛ لأنه يرفع صلاتي! أليس هذا من الشرك؟! الجواب: لا شك أنه دعاه من دون الله، وإذا كانوا بهذه الحالة أصبحوا كفاراً، ولكن لا يقاتلون إلا بعدما تقوم عليهم الحجة، ونرى أن الحجة في هذه الأزمنة قائمة بانتشار الإذاعات، والكتب الإسلامية، والدعوة إلى الله.

حكم اشتراط الرجل على زوجته الكفالة

حكم اشتراط الرجل على زوجته الكفالة Q رجل اشترط على زوجته كفالته، وإذا لم تكفله سوف ينكد عليها فما حكم ذلك؟ A يمكن أن يكون أجنبياً وهي وطنية، فمعنى كفالته: أن تكون إقامته على كفالتها، فإذا كان كذلك فعليها إذا أرادته زوجاً أن تكفله حتى تؤشر له الإقامة؛ لأن إقامته محدودة أو مشروط فيها أن يكون له كفيل، فالأجنبي المصري أو اليمني أو السوري إذا لم يكن له كفيل فلابد أنه يُسفّر، أما إذا كان له كفيل ولو كفلته زوجته فإنه يبقى. وبكل حال إذا كانت ترغب أن يبقى زوجاً لها فإنها تتقدم حتى تكفله، هذا إذا كانت السائلة تريد الكفالة يعني: كفالة الإقامة. أما إذا كانت تقصد كفالة النفقة، أي: أنه فقير يريد أن تكفله، وتنفق عليه من راتبها أو مالها فإذا كان كذلك فالأصل أن الزوج هو الذي ينفق على زوجته، فإذا شرط عليها هذا، فهذا شرط يخالف مقتضى العقد.

حكم الصفرة والكدرة التي تكون قبل الحيض

حكم الصفرة والكدرة التي تكون قبل الحيض Q ما حكم الصفرة والكدرة التي تسبق الحيض؟ A الأصل أنها ليست حيضاً إذا كانت في غير الحيض، وإنما تكون حيضاً إذا كانت في وقته، أما إذا كانت قبله أو بعده فلا تعد، تقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) أي: لا نعتبرها حيضاً، فلا نترك لها الصلاة.

البياض الذي تراه المرأة بعد الطهر لا يضر

البياض الذي تراه المرأة بعد الطهر لا يضر Q ماذا لو رأت المرأة البياض بعد ستة أيام من دم الحيض، وحوالى عشرة أيام أخرى ما بين كدرة وصفرة، وقد يستمر لأكثر من ذلك؟ A البياض الذي هو القصة البيضاء علامة على انقطاع الحيض، فإذا رأت القصة البيضاء المعروفة عرفت أنها انقضى حيضها، فما رأته بعد ذلك فإنه دم عرق أو صفرة أو كدرة، سواء قليله أو كثيره.

وصف القصة البيضاء

وصف القصة البيضاء Q هل للقصة البيضاء وصف معروف حتى لا يلتبس مع الإفرازات الأخرى؟ A هذا شيء تعرفه النساء، يقولون: إنها شيء تشبه الجص، والقصة في الأصل هي الجص الأبيض يخرج من الرحم بعد انتهاء العادة، وهو دليل على أن الحيض قد انقطع، وليس شبيهاً بالإفرازات التي تخرج من الرحم في الاحتلام أو نحوه، فهو شيء له لون خاص، وله إحساس خاص.

حكم إمامة صاحب السلس

حكم إمامة صاحب السَلَس Q أنا شخص مصاب بمرض خروج الريح المستمر -سلس الريح-، وقد حفظت كتاب الله جل وعلا، هل تصح إمامتي في الصلاة، حيث إنني أحياناً أصلي مع كبار السن، وأناس لا يستطيعون قراءة القرآن، أو قراءة الفاتحة، أفتونا مأجورين؟ A لا تصح إمامة صاحب السلس إلا بمثله، هكذا نص العلماء، ثم إذا كان كذلك فإن عليه أن يعالج نفسه حتى تزول هذه الأمراض والعاهات ونحوها، وإذا قدموه فعليه أن يتحفظ حتى تنتهي الصلاة، فلا يصلي وهو يخرج منه هذا الريح الذي هو ناقض للوضوء، وإذا خرج منه فإن عليه أن يستخلف، ويقدم غيره ليكمل الصلاة.

زوج الجدة من المحارم

زوج الجدة من المحارم Q هل تحرم البنت على زوج جدتها، الذي لم يكن أباً لأمها؟ A زوج الجدة يعتبر محرماً للأم، يعني: تقول: أنت زوج جدتي أم الأم أو أم الأب، فأنت تعتبر محرماً، فزوج الأم وزوج أم الأم وزوج أم الأب كلهم محارم للمرأة.

الفرق بين المخالعة والفسخ

الفرق بين المخالعة والفسخ Q لقد أشكل علي الفرق بين المخالعة والفسخ، فما الفرق بينهما وجزاكم الله خيراً؟ A إذا كرهت المرأة زوجها، وقالت: أعطيك ألفاً أو عشرة آلاف، أو أعطيك أرضاً أو بيتاً على أن تخلي سبيلي، يُسمى هذا خلعاً، وإذا غاب الزوج وتقدمت المرأة إلى القاضي وقالت: زوجي غاب، وأهملني فله أن يفسخ النكاح؛ لأنها تتضرر بانتظاره، ويُسمى هذا فسخاً، وكذلك إذا ظهر به عيب كمرض مستمر فللقاضي أن يفسخ النكاح.

حكم الرجوع في الهبة قبل تسليمها

حكم الرجوع في الهبة قبل تسليمها Q فضيلة الشيخ: اتفقت أنا وأحد أصدقائي على هبة شخص مبلغاً من المال، وقمنا بجمع المبلغ، وقبل إيصال المبلغ إليه احتجنا لذلك المبلغ، فهل لنا الرجوع في هذه الهبة؟ A يجوز الرجوع للواهب إذا لم يدفعها للموهوب له أو لوكيله، فأما إذا دفعوها له أو لوكيله حرم الرجوع، فهذا الذي لا تزال هبته في يده ولم يعطها للموهوب له يجوز أن يرجع فيها، وأما الذي قد أعطاك أو أعطى شخصاً آخر فليس له أن يرجع فيها.

ضابط الرضعات المحرمة

ضابط الرضعات المحرمة Q ما هو ضابط الرضعات المحرمة وجزاكم الله خيراً؟ A هي مذكورة في الكتاب في باب الرضاع بعد باب الطلاق، ذكروا أنه تحرم عند الإمام الشافعي والإمام أحمد خمس رضعات، وأما عند الإمام مالك فرضعة واحدة، وذهب الأحناف إلى أنه لا تحرم إلا عشر رضعات. والرضعة اختلفوا فيها، فمنهم من يقول: إنها مجرد مصة؛ لأن في الحديث قال: (لا تحرم المصة ولا المصتان) فإذا مص وابتلع فتعد واحدة، ومنهم من يقول: إنها الإمساك ثم الإطلاق، فإذا أمسك الثدي وامتص منه ثم تركه أو نزع منه فهي رضعة، ومنهم من يقول: هي الشبع، فإذا رضع حتى يشبع تعد هذه رضعة، ولو أنه مسه وأطلقه مراراً، والمختار الذي عليه الفتوى أن الرضعة هي: الإمساك والإطلاق ولو في مجلس واحد.

حكم الجمعية التي يجمع فيها أفراد قبيلة للحوادث التي تنزل بهم

حكم الجمعية التي يجمع فيها أفراد قبيلة للحوادث التي تنزل بهم Q قبيلة معينة أنشأت فيما بينها جمعية؛ حيث يقوم كل فرد من أفراد هذه القبيلة بدفع مبلغ معين، وذلك كل سنة، ويتم تجميعها ووضعها عند أحد أفراد هذه القبيلة، وتبقى عنده، وذلك من أجل الدم أو الدية، ثم حدث خلاف بينهم بسبب هذه الجمعية، مما أدى إلى حصول الشحناء والبغضاء والمقاطعة بينهم، وسؤالي: ما حكم إنشاء مثل هذه الجمعيات؟ وما العمل لحل هذا الخلاف بين القبيلة وجزاكم الله خيراً؟ A إذا أدى ذلك إلى هذا الخلاف فعليهم حل هذه الجمعية، ورد كل مال إلى صاحبه، وإذا نزل بهم حادث عليهم أن يجمعوا له ما يحتاج إليه فوراً؛ لأن الحوادث هذه تقوم بها العاقلة، وأقارب صاحب الحادث يأخذون من هذا ألفاً أو خمسة آلاف ومن هذا ومن هذا حتى يجمعوها. وهذه الجمعية يفعلونها حتى لا يكون هناك تكلف في جمعها بعد أن يحدث الحادث، فإذا صار يحصل بسببها خلاف كأن يقول أحدهم: كلفتوني أو أخذتم مني أكثر من غيري، وقد يقول: لا أعطيكم لأنكم لا تستحقون، أو لأنكم تأخذون مني ولم يحصل شيء، فيحصل نزاعات وخصومات وتقاطع، فالأولى تركها.

حكم الجمع بين المرأة وزوجة أبيها

حكم الجمع بين المرأة وزوجة أبيها Q هل يصح الجمع بين الزوجة وزوجة أبيها المتوفى؟ A يصح ذلك، فقد ذكروا أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب تزوج بنت علي بن أبي طالب، ولما مات علي تزوج امرأة من نسائه، فجمع بين بنت علي وزوجته، ولكنها ليست أم الزوجة التي عنده، وذلك لأنه لا قرابة بينهما، إنما هي قرابة مصاهرة.

حكم إكراه البكر على الزواج إذا لم ترغب فيه

حكم إكراه البكر على الزواج إذا لم ترغب فيه Q إذا رفضت البكر الزواج من عدد من الرجال، وكلهم كفء لها، من دون عذر شرعي، فهل لوليها إجبارها على الزواج؟ A لا يجبرها إذا امتنعت، ولا خير في إجبارها؛ لأنها هي التي تتألم، ولكن عليه وعلى أمها إقناعها، وبيان المصلحة التي تترتب على تزويجها، فإذا لم ترغب أصلاً فلا إكراه عليها.

حكم عقد الزواج بلفظ البيع

حكم عقد الزواج بلفظ البيع Q في بعض المناطق يقول الرجل إذا أراد تزويج ابنته: بعتك بنتي بمائة من الغنم، فيقول الزوج: قبلت، وكذلك يقولون: باع بنته، ويقصدون زوجها فهل يصح ذلك؟ A إذا كان هذا اصطلاح فلا مانع، وهذا مثل قوله: ملكتك ابنتي، أو أعطيتك ابنتي بصداق كذا، أو بمهر كذا، فهذا يمكن أن يكون اصطلاحاً كما يكون في اللغات الأخرى، هناك لغات أجنبية متنوعة، فكل يعقد باللغة التي يفهمها.

على العاقد أن يعرف توفر الشروط وانتفاء الموانع في المرأة قبل أن يعقد

على العاقد أن يعرف توفر الشروط وانتفاء الموانع في المرأة قبل أن يعقد Q هل يجب على المأذون أو أحد الشهود أن يتأكدوا من رضا الزوجة؟ وكيف يكون ذلك؟ A المأذون يعتبر كواسطة بينهما، فعليه أن يستفصل قبل أن يعقد، فيسألهم: هل الزوجة راضية؟ ولابد أن يسأل الشاهدين إذا كانا يعرفانها، وكذلك يسأل الولي، ويتحقق من تمام الشروط، ومن انتفاء الموانع، فإذا خاف أن هناك إجباراً، أو أن هناك أشياء من الموانع فلا يجوز له الإقدام على العقد إلا بعد التحقق من توافر الشروط وانتفاء الموانع.

الفرق بين الاستئذان والاستئمار

الفرق بين الاستئذان والاستئمار Q ما الفرق بين الاستئذان للبكر والاستئمار للثيب؟ A كأن الاستئذان مأخوذ من الإذن الذي يدل على الرضا، فيكون السكوت دليلاً على الإذن، وأما الاستئمار فلابد فيه من الأمر، فكلمة: زوجوه أمر، أو اعقدوا له، فلابد أن الثيب تأمرهم، فلذلك قال: (حتى تستأمر) يعني: يطلب منها الأمر، وقال في الصغيرة: (حتى تستأذن) فهذا هو الفرق.

حكم قول: (يا وجه الله)

حكم قول: (يا وجه الله) Q كثر عند العامة الدعاء بقولهم: يا وجه الله! فما حكم ذلك؟ A لا بأس بذلك؛ لأن الوجه يطلق على الذات، كما قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص:88] ، فإذا دعا الله تعالى بيا وجه الله! جاز ذلك؛ لإطلاقه على الذات، وإن كان الاقتصار على بعض الصفات غير مألوف.

يصح الزواج بأي شرط جائز

يصح الزواج بأي شرط جائز Q رجل متزوج وأراد أن يتزوج بأخرى، وشرط عليها أن تسكن مع أهلها، ويأتيها إذا سافر لعمله، فهل يصح ذلك؟ A إذا قبلت بهذا الشرط فلا بأس بذلك، المسلمون على شروطهم، كذلك أيضاً إذا اشترطت عليه شروطاً، فالمسلمون على شروطهم.

العقد بدون تعيين غير صحيح

العقد بدون تعيين غير صحيح Q قال لي أحد الناس: سأزوجك ابنتي، وله ابنتان، فقلت له: قبلت، فهل يلزمه أن يزوجني إحداهما؟ A لا يلزم حتى يسميها، فيقول: زوجتك ابنتي فلانة، وأما قوله: سوف أزوجك أو أريد أن أزوجك بلفظ المضارع فلا يصير عقداً حتى يكون بلفظ: زوجتك، بلفظ الماضي، وبكل حال لا يتم إلا بعد الرضا، ولا يتم إلا بعد التعيين.

إذا اشترطت المرأة عند العقد مواصلة الدراسة أو التدريس فلها ذلك

إذا اشترطت المرأة عند العقد مواصلة الدراسة أو التدريس فلها ذلك Q اشترطت على زوجي عند عقد النكاح المواصلة في الدراسة والتدريس، فهل إذا توظفت في وظيفة تدريس أعتبر ناشزا ًولا تحل لي نفقته؟ A إذا كان هناك شرط وافق عليه كمواصلة الدراسة أو مواصلة التدريس أو اشترطت أن تواصل الدراسة ثم بعد إنهاء الدراسة أن يمكنها من التدريس والتزم بذلك فإن عليه ذلك، وإذا أراد منعها فإن لها أن تطالبه بتمكينها من هذا الذي شرطت عليه، وإذا منعها من هذا العمل ثم عصت أو نفرت فلا تُسمى ناشزا ًوالحال هذه؛ لأنها قد اشترطت عليه، لكن إذا رأيا المصلحة في ترك العمل ونحو ذلك فيشير عليها بذلك رجاء أن يحصل بينهما التوافق.

حكم أخذ الراتب مع عدم العمل إذا أذن في ذلك المسئول عن العمل

حكم أخذ الراتب مع عدم العمل إذا أذن في ذلك المسئول عن العمل Q أنا موظف في إحدى وزارات الدولة، وقد سمح لي الوزير المفوض من الحاكم بعدم المجيء إلى العمل؛ وذلك لأني أدرس في إحدى الجامعات في خارج بلدي، فهل الراتب الذي أستلمه حلال أم حرام؛ مع العلم أن القانون عندنا لا ينطبق عليّ، أفتونا مأجورين؟ A لابد لمن تعين في عمل أن يقوم بذلك العمل، لكن إذا وافق الرئيس المباشر أو المسئول عنه على تخفيف العمل عنه، ويسلم له الراتب كاملاً؛ بسبب كونه يواصل الدراسة انتظاماً أو انتساباً في الداخل أو الخارج ولن يختل العمل الذي وكل إليه، فلعله يتسامح في ذلك، ويكون الراتب حلالاً، سواء وافق على ذلك النظام أو القانون أو لا. والحاصل: لابد من التأكد من عدم اختلال العمل، وموافقة المسئول.

حكم العقد بالهاتف أو الكتابة

حكم العقد بالهاتف أو الكتابة Q ما حكم عقد النكاح ونحوه بالهاتف أو بالكتابة ونحوه من الوسائل الحديثة؟ A يظهر أنه إذا كان بالهاتف الذي يسمعه الشهود فلا بأس، يعني: هناك هاتف معه سماعة خارجية، ولا يقتصر على سماعه المتكلم، بل يرفع صوته، فالولي ولو كان بعيداً لابد أنهم يعرفون كلامه، ويتحققون أن هذا هو الولي، ويتكلم فيقول: أشهدكم يا فلان وفلان أني قد زوجت ابنتي فلانة لفلان على أن يصدقها كذا، وبشرط كذا وكذا. ثم يجيب الزوج ويقول: أشهدكم أني قبلت، وهو يسمع ذلك، أما إذا كان الهاتف لا يسمعه إلا واحد فلا يكفي؛ لأن الشهود لابد أن يشهدوا على سماع الإيجاب والقبول، وأما الكتابة فلا تكفي، وذلك لأنه يشترط -على الصحيح- الموالاة بين الإيجاب والقبول، وعدم الفاصل بينها.

حكم المزاح في ألفاظ عقد النكاح

حكم المزاح في ألفاظ عقد النكاح Q كثير من الناس يقول مازحاً عن ابنته: زوجتها ابنك أو العكس، فهل في هذا مزح، وجزاكم الله خيراً؟ A لا يجوز المزح بهذا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والعتاق) فلا يجوز المزاح ولا العبث بمثل هذه الكلمات، ومع ذلك مثل هذا الكلام لا يكون عقداً صحيحاً، وذلك لفقد الرضا ولفقد التعيين، ولفقد كثير من الشروط كالأهلية وما أشبهها.

ذكر الاختلاف في أيهما الأصل: الإفراد أو التعدد

ذكر الاختلاف في أيهما الأصل: الإفراد أو التعدد Q ذكرتم أن العلماء اختلفوا هل الأصل التعدد أم الإفراد، فما هو الراجح من أقوالهم، وجزاكم الله خيراً؟ A لكلٍ دليله، والأصل والأغلب الاقتصار على الواحدة كما ذكر ذلك المؤلف بقوله (يسن نكاح واحدة) ، وقالوا: إن الزيادة عليها تعريض للضرر، ولذلك تسمى الزوجة الثانية: ضرة، لأنها تضار الأولى، وتضار الزوج، ولكن تختلف باختلاف المقدرات وما أشبهه.

حكم كتابة آيات من القرآن ثم تغمس في ماء وتشرب

حكم كتابة آيات من القرآن ثم تُغمس في ماء وتشرب Q يقوم بعض الناس بكتابة بعض آيات من كتاب الله بالزعفران في أوراق، ثم تغمس هذه الأوراق بالماء وتشرب، فهل يستشفى بذلك، وجزاكم الله خيرا؟ A أدركنا بعض المشايخ يعملون ذلك، يعني: يكتبون آيات من القرآن في أوراق أو في أواني نظيفة، ثم تغسل ويشربها المريض الذي كُتبت له، ويذكرون أنهم يتأثرون بذلك، ويجدون فيها فائدة؛ لأن كلام الله تعالى فيه فائدة، كما يستشفى بالقراءة عليه ونحو ذلك، فإذا كان ذلك الكاتب موثوقاً معروفاً أنه لا يكتب إلا شيئاً معروفاً فلعله يجوز.

حكم معصية الأقارب في الزواج من أجنبية

حكم معصية الأقارب في الزواج من أجنبية Q أنا شاب أريد الزواج من امرأة أجنبية، وذلك لأن أقاربي يطلبون مهراً كثيراً، ولكن والدتي ترفض زواجي من أجنبية، فهل يحل لي عصيانها؟ A عليك أن تطلب النكاح من غير أجنبية؛ لأن نكاح الأجنبية يحتاج إلى إذن من الدولة، ويحتاج إلى إجراءات، ثم هذه الأجنبية قد لا يوافق عليها، وقد لا تناسبك، وإذا طلقت مثلاً أو رجع أهلها إلى دولتهم شق عليك أن تخرجها، وأن تفرق بينها وبين أولادها، ثم في ذلك أيضاً معصية أهلك وأبويك وأقاربك، فنشير عليك بأن تطيع أهلك وأقاربك الذين لا يريدون منك الزواج بالأجنبية، وستجد إن شاء الله من يناسبك غير هذه الأجنبية. وإذا كان يقصد أنها أجنبية بمعنى ما ذكره المؤلف يعني: أنها ليست من قبيلته بل من قبيلة أخرى، فمثل هذا أيضاً ليس فيه عيب، بل استحبه العلماء كما سمعنا؛ ولما ذكرنا من العلل، ففي هذه الحال لعلك أن تشير على أهلك، وتحاول معهم حتى يوافقوا.

حكم استخدام حبوب منع الحمل

حكم استخدام حبوب منع الحمل Q كثير من النساء يستخدمن حبوب منع الحمل بحجة أنها تجلس فترة بعد الولادة ترتاح فيها؛ لأن كثرة الولادة يتعبها ويذهب شبابها فهل يجوز ذلك؟ A لا يستحب ذلك، فهذه الحبوب مضرة بالصحة، وقد قرر ذلك الأطباء المعتبرون، ولها نتائج سيئة؛ فعلى المرأة أن ترضى بقضاء الله تعالى وبقدره، وقد كان النساء قبل أربعين سنة أو نحوها لا يعرفن هذه الحبوب، ولا يستعملها إلا النادر منهن، وكانت المرأة إذا ولدت اشتغلت برضاع ولدها، وإذا اشتغلت بإرضاعه توقف عنها دم الحيض، وإذا توقف يقول العلماء: إنه ينقلب لبناً، وحيث إنها لا تحيض فإنها لا تحمل، وهذا مشاهد أنها تبقى سنتين بعد الولادة وقت الرضاع لا يأتيها قطرة دم، ومع ذلك لا تحمل، فإذا أنهت رضاع ولدها وفطمته ففي ذلك الشهر تأتيها العادة، ثم بعد وطء زوجها لها بعد الطهر تحمل، هذا كان فعل النساء، وفي كل ثلاث سنين تأتي بولد، أو سنتين ونصف، ولا يحصل عليها تأثر، ولا أذى، ولا ضرر بكثرة إنهاك بدنها، أما في هذه الأزمنة فعدل كثير من النساء عن إرضاع أطفالهن، فصارت ترضعه من هذا اللبن الصناعي، وبعدما تنتهي من مدة النفاس تأتيها العادة، ثم إذا طهرت من العادة ووطأها زوجها حملت منه بعد ذلك، فتحمل في كل سنة، وربما في كل عشرة أشهر أو نحوها، فتقول: إنني أتضرر بذلك، فلذلك تعمل هذه الحيل، فتعمل ما يسمى باللولب، أو تتعاطى هذه الحبوب، أو تحمل زوجها على أن يعزل عنها، وإن كان العزل فيه خلاف في جوازه كما سيأتي. والحاصل: ننصح المرأة بأن تقتصر على ما كانت عليه أمها وجدتها وهو إرضاع الطفل، فتقصره على رضاع لبنه منها إلى أن تفطمه. ووجد من النساء من تحيض ولو كانت ترضع، ومنهن من تحيض بعد الإرضاع بسنة، يعني: تبقى سنة لا تحيض، والنساء يختلفن في قوة البنية أو ضعفها.

الزواج لا يعيق عن طلب العلم

الزواج لا يعيق عن طلب العلم Q أريد الزواج ولكن بعض الإخوة ينصحونني بعدم الزواج؛ لأنه يشغل عن طلب العلم، مع أنني أدرس في الجامعة فما رأيكم؟ A إذا كنت قادراً مقدرة مالية فإن الزواج لا يشغلك عن طلب العلم لا في الجامعة ولا في الحلقات ونحوها، وستجد وقتاً تتعلم فيه، والزواج تعف به نفسك، وكذلك تشغل به فراغك، وتؤنس نفسك، وتؤنس زوجتك، فأنصحك بألا تتأخر لأجل عذر الطلب، فكثير من الطلاب متزوجون ولا يعوقهم ذلك.

الذي لا يستطيع القيام بواجب زوجته عليه أن يفارقها

الذي لا يستطيع القيام بواجب زوجته عليه أن يفارقها Q ماذا يلزم الرجل إذا كان لا يستطيع أن يقوم بالواجب نحو زوجته بسبب ضعف شهوته وجزاكم الله خيراً؟ A عليه أن يحرص على أن يعفها بما يستطيع، وقد ذكروا في باب العشرة أنه إذا كان قادراً على وطئها في السنة ثلاث مرات -أي: في كل أربعة أشهر مرة- كفاه ذلك، أما إذا لم يقدر أصلاً، وطلبت منه الفراق، وهي مثلاً ذات شباب أو نحوه؛ فيجب عليه أن يفارقها حتى تجد من يعفها.

حكم تأخير زواج الأصغر إلى أن يتزوج الأكبر

حكم تأخير زواج الأصغر إلى أن يتزوج الأكبر Q يوجد بعض العادات وهي أن بعض الآباء لا يزوج إلا الابن الأكبر ثم الذي يليه، فإذا كان الابن الأكبر لا يريد الزواج أخر من قبله من الإخوة، فهل من كلمة لهؤلاء؟ A نعتبر هذا خطأ، بل من طلب النكاح وكان أهلاً فإن على الوالد أن يزوجه، وتزويجهم على آبائهم؛ وذلك ليعفهم وليحرص على أن يصونهم عن الوقوع في المحرمات ونحوها. وكذلك أيضاً الإناث كثير من الأولياء قد تبلغ إحدى بناته مثلاً: خمساً وعشرين سنة، أو ثلاثين سنة، فيتقدم إليه بعض الشباب عمره في عشرين سنة، ويخطب ابنة له عمرها عشرون، أو عمرها ثمانية عشر عاماً فيرده، ويقول: لا أزوجها حتى أزوج التي أكبر منها، فيعضلها ويعضل الأخرى، ويكون سبب ذلك كونه لا يزوج الصغرى حتى تتزوج الكبرى، فعليه أن يزوج من جاءه خاطباً إذا كان كفئاً، فهذا الخاطب الذي عمره عشرون سنة أو ثنتان وعشرون قد لا يرغب في التي عمرها ثلاثون أو خمس وعشرون؛ فلذلك لا يحق له أن يمنع من تقدم له من الأكفاء، والله أعلم.

شرح أخصر المختصرات [64]

شرح أخصر المختصرات [64]

لا يصح وقف إلا ما ينتفع به مع بقائه

لا يصح وقف إلا ما ينتفع به مع بقائه Q ذكر المؤلف رحمه الله أن من شرط الوقف أن ينتفع به مع بقائه، فهل يصح وقف بعض التمر أو بعض الماء مع أنه لا يبقى؟ وما ضابط هذا الشرط، وجزاكم الله خيراً؟ A يصح وقف النخلة أو النخل؛ لأنه يثمر كل سنة، وكذلك يصح وقف الأرض التي تزرع وتستغل، فيكون زرعها يتنفع به ويؤكل منه، وكذلك الأشجار التي فيها ثمر كشجر التين والعنب والتوت والرمان يصح وقفها؛ وذلك لأنه ينتفع بها، وتثمر كل سنة، وأما أن يقول: وقفت هذا الكيس التمر فهذا لا ينتفع به؛ لأنه يؤكل مرتين أو ثلاثاً ثم يفنى، أو كيس البر لا ينتفع به إلا لاستهلاكه.

الفرق بين ضمان الموقوف وضمان ما تلف من غيره

الفرق بين ضمان الموقوف وضمان ما تلف من غيره Q لماذا استثنى علماء الحنابلة رحمهم الله تعالى ضمان الموقوف، مع أنهم قالوا بضمان ما تلف من غيره؟ A كأنه يريد بضمان الموقوف أن العلماء قالوا: إذا تلف الموقوف فلا يضمنه المتلف، وقالوا: إن كل من أتلف شيئاً فإنه يضمنه، ولعل السبب في ذلك أن من أتلف شيئاً مملوكاً لشخص فإن ذلك المالك لابد أنه يطالب المتلف، فإذا أتلف إنسان داراً مملوكة فأهلها يطالبون ذلك الذي هدمها وأتلفها ويقولون: لماذا هدمت دارنا؟ وكذلك الموقوف فلو أن إنساناً هدم داراً موقوفة فالوكيل يطالب ذلك الهادم: لماذا أتلفتها وأذهبت منفعتها؟ عليك أن تبنيها وتعيدها كما كانت، أما الموقوف المستعمل فإذا تلف فيما استعمل به فإنه لا يضمن، فإذا وقف إنسان ثوباً ولبسه إنسان لأنه من أهله وتمزق عليه فلا يضمنه، وكذلك لو احترق وهو عنده فلا يضمنه؛ لأنه يعتبر كالأمانة عنده، هذا الفرق بينهما.

صحة وقف تسجيلات إسلامية

صحة وقف تسجيلات إسلامية Q يوجد عندي تسجيلات إسلامية، وأرغب في وقفها بالاشتراك مع بعض الإخوة، على أن يتم بيع الأشرطة بسعر رمزي، فهل يصح مثل هذا الوقف؟ A لا بأس بذلك، والأولى -مثلاً- أنك توقف الأشرطة التي تسجل، وأما إذا وقفت الأجهزة وقلت: هذه الأجهزة وقف، وجعلت لمن يشتغل بها أن يبيع الأشرطة بسعر التكلفة فلك أجر على وقف هذه الأجهزة.

حكم الوقف لمدة معلومة

حكم الوقف لمدة معلومة Q هل يصح الوقف لمدة معلومة مثل: وقفت هذا المنزل لمدة عشر سنين؟ A لا يصح، بل لابد أن يكون الوقف مستمراً، ولا يُرجع فيه، بل يخرج من ملكية الواقف.

حكم الوقف على بعض الأولاد دون بعض

حكم الوقف على بعض الأولاد دون بعض Q من وقف على أحد أولاده هل يلزمه أن يقف على بقية أولاده مثله؟ A يصح الوقف على جنس من أولاده، فيقف مثلاً البيت على العزاب، أو على المطلقة من البنات أو نحوها للسكنى، أو يقفه على الفقير من الأولاد يسكنه، وكذلك على من تفرغ لطلب العلم، فيقول: المتفرغ يستحق من يساعده بخلاف العاملين والموظفين، فيجعله على جهة أو على جنس، فأما إذا كان بدون سبب فإنه يوقفه عليهم جميعاً.

حكم أخذ الواقف مما أوقفه

حكم أخذ الواقف مما أوقفه Q رجل أوقف دكاناً لصالح المسجد أو للفقراء، وكان غنياً ثم افتقر، فهل يجوز له أن يأخذ مما أوقفه، وجزاكم الله خيراً؟ A إذا أوقفه وخرج من ملكه فإن كان على الفقراء فهو فقير له أن يأخذ مع الفقراء، وأما إذا كان على المسجد فليس له أن يرجع فيه، ولا أن يأخذ من غلته شيئاً، ولكن يأخذ من جهة أخرى كالأوقاف التي على المساكين والفقراء.

الوقف المعلق

الوقف المعلق Q ما حكم لو قال: هذه كتبي إذا مت فهي وقف لله؟ A هذا وقف يعتبر معلقاً، ولكن حيث إنه لا يكون إلا بعد الموت فإنه يعتبر وصية إذا علقه بالموت، إذا قال مثلاً: هذه البيوت وقف بعد موتي فقوله يعتبر وصية، فإن كانت بقدر الثلث نفذت هذه الوصية، وإن كانت أكثر نفذ منها بقدر الثلث.

لا يشترط في الموقوف له أن يكون فقيرا

لا يشترط في الموقوف له أن يكون فقيراً Q هل من شرط الموقوف له أن يكون فقيراً؟ A قد لا يكون، فكثير من الآباء يوقفون على أولادهم ولهم أموال طائلة، ولكن يقول: أوقف هذا البستان حتى لا يُباع، وحتى يأكلوا منه بقية حياتهم وأولادهم وأولاد أولادهم، وأوقف هذه الدكاكين وهذه الشقق حتى يأكلوا من غلتها، وربما تتغير حالتهم، هم الآن أغنياء وقد يصيرون فقراء في يوم من الأيام، فيجعلها وقفاً عليهم كلهم، غنيهم وفقيرهم ولو كانوا كلهم فقراء أو كلهم أغنياء.

الشرط الذي فيه ضرر لا يصح

الشرط الذي فيه ضرر لا يصح Q انتشر في الآونة الأخير في بعض المناطق أن تشترط الزوجة على زوجها في عقد النكاح بيتاً خاصاً بها، وتشترط عدم دخول أم الزوج لهذا البيت إلا بعد إذنها، وقد يكون الأبوان أو أحدهما مريضاً أو محتاجاً، فهل يصح مثل هذا الشرط؟ A إذا كان شرطاً فيه ضرر فلا يصح، فلا يجوز له أن يوافقها على هذا الشرط، وهو منع أبويه مثلاً من الدخول في هذا البيت أو من زيارته، أو منع أولاده من غيرها، أو منع أقاربه أو ما أشبه ذلك هذا شرط فيه ضرر، ولكن إذا رأى فيه مصلحة وليس فيه ضرر، وسمح أبواه ونحوهم فلا بأس.

لا يجوز الوثوق بطبيب نصراني

لا يجوز الوثوق بطبيب نصراني Q كانت امرأتي حاملاً ولها ستة أشهر، فقال لي الطبيب: إن الجنين مشوه ولابد من إنزاله، وعندما وافقت وأجريت العملية تبين أن الطفل لم يكن به شيء، وكان الطبيب نصرانياً، فقتله الطبيب، فماذا علي، علماً بأن الجنين لم يُعمل له عقيقة حتى الآن لعدم علمي ماذا له وماذا عليه، وهل علي كفارة صيام شهرين أفتونا مأجورين؟ A لا يجوز أن يوثق بالنصارى، فإنهم أعداء للمسلمين، وفي تقريره هذا قد أخفق، وأنت أخطأت حيث صدقته وعملت بقوله حتى أسقطت ذلك الجنين الذي لم يكن فيه شيء من التشويه، فنقول: لك مطالبة هذا الطبيب الذي كذب والذي اقترح إنزاله بالدية، وكذلك أيضاً لا يلزم العقيقة؛ لأن العقيقة إنما تلزم إذا ولد حياً وعاش سبعة أيام فأكثر، وأما صيام شهرين فليس عليك، بل الآثم ذاك النصراني الذي قرر إنزاله، وأمر به.

حكم الأحذية المصنوعة من جلد النمر

حكم الأحذية المصنوعة من جلد النمر Q يوجد أحذية من جلد النمر، فهل يجوز لبسها وبيعها واقتناؤها؟ A هناك قول بأن الدباغ يطهر كل الجلود، ولو كان جلد محرم الأكل، ورجح ذلك الشوكاني في (نيل الأوطار) واستدل بعموم الحديث: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) وهذا قول من الأقوال، فهذه الأحذية إذا كانت إنما هي أحذية تلبس في الأرجل فلا بأس، لكن نرى أنك لا تصلي بها للشك في طهارتها.

الكفارة على عدة أيمان على عدة أفعال

الكفارة على عدة أيمان على عدة أفعال Q لو حلف شخص عدة أيمان على عدة أفعال مختلفة عن بعضها، فهل يجزئ أن يكفر كفارة واحدة، أم لابد لكل يمين من كفارة؟ A الصحيح أنه يكفيه كفارة واحدة ولو تعددت الأيمان ولو تعدد أسبابها، لأن المسبب واحد فتتداخل، فقد يحلف يميناً واحدة على عدة أشياء، كأن يقول: والله لا أكلم فلاناً، ولا آكل من هذا الطعام، ولا أدخل هذا البيت، ولا أركب هذه السيارة، ثم يضطر فيكلم ويأكل ويركب ويدخل، وهي يمين واحدة وحلف واحد، فتكفيه كفارة واحدة، وكذلك لو كانت عدة أيمان، فلو حلف -مثلاً- اليوم أنه لا يكلم فلاناً فكلمه، ثم حلف غداً أنه لا يأكل من هذا الطعام فأكل، ثم حلف بعده أنه لا يركب هذه السيارة ثم ركب، فالصحيح أنها تتداخل، وتكفيه كفارة واحدة.

حكم من ترك السعي بين الصفا والمروة ولم يعلم إلا بعد رجوعه إلى بلده

حكم من ترك السعي بين الصفا والمروة ولم يعلم إلا بعد رجوعه إلى بلده Q امرأة كبيرة في السن طافت، ولكنها لم تسع لأنها ضاعت، ولم يعلموا إلا بعد وصولهم إلى الرياض، فما هو العمل الآن؟ A معلوم أن هناك خلافاً في السعي، فهناك من يقول: إنه ركن، وهناك من يقول: إنه واجب، فاختلف في ذلك كثير من العلماء، حتى أن عالماً واحداً وهو ابن قدامة في كتابه (المقنع) ذكر روايتين، وفي كتابه (العمدة) ذكر أنه واجب وأنه يجبر بدم، فعلى هذا نعمل بهذه الرواية ونقول: عليها دم يذبح لمساكين الحرم، وهذه الأعمال إذا وقعت وانقطع ومضى الفعل ولا يمكن تداركه أفتينا بأسهل الأقوال، حتى لا يقع المسلم في حرج.

حكم تجاوز الميقات والإحرام من ميقات آخر

حكم تجاوز الميقات والإحرام من ميقات آخر Q نحن جماعة قدمنا من المدينة قاصدين مكة للعمرة، ولكننا تجاوزنا ميقات أهل المدينة عامدين، وذلك لأننا أردنا الإحرام من الطائف؛ لأنه أيسر لنا وأسهل، فما حكم عملنا هذا، وجزاكم الله خيراً؟ A لا بأس بذلك إذا أحرمتم من ميقات آخر، فإذا وصلتم إلى الطائف ومررتم بميقات أهل الطائف الذي هو وادي محرم أو السيل الكبير وأحرمتم منه فلا حرج، مع أن الأولى أنه ليس هناك مشقة لو أحرمتم من ذي الحليفة ميقات أهل المدينة، وقد تكون المشقة في وصولكم الطائف أكثر؛ لأنكم ستبقون بعد إحرامكم أربع ساعات أو ثلاث ساعات ونصف بين المدينة وبين مكة، وأما ذهابكم إلى الطائف ثم رجوعكم ستطول مدة ذهابكم ورجوعكم، وعلى كل حال لا حرج في ذلك.

حكم التأمين، وحكم الأخذ من شركات التأمين

حكم التأمين، وحكم الأخذ من شركات التأمين Q هل يجوز أخذ الدية من التأمين التجاري، وإذا اضطر الإنسان إلى التأمين التجاري وحصل له حادث فهل يأخذ مما تعوض له الشركة تأميناً أم لا؛ وجزاكم الله خيراً؟ A نحن نختار أنه لا يجوز التأمين التجاري لا على السيارات ولا على الأنفس ولا على التجارات، ولكن متى حصل ووقع أن إنساناً أمّن على سيارته ثم حصل عليه حادث فإنه تدفع له الشركة، وله أن يأخذ؛ لأن تلك الشركة التزمت أن تدفع له، سواء أخذ منها أكثر مما أعطاها أو أقل.

حكم بيع الوقف إذا لم ينتفع به وصرفه في مجال آخر

حكم بيع الوقف إذا لم ينتفع به وصرفه في مجال آخر Q إذا وقف رجل نخلاً وهي لبعض الأموات، ويخشى من موتها لعدم قيام أحد بهذا الوقف، فهل يجوز بيعها وجعلها في مسجد أو بئر، نرجو التوضيح، وجزاكم الله خيراً؟ A صحيح أن هناك أوقافاً تعطلت، يعني: قديماً كان الميت إذا مات يوقف هذه البئر، أو هذا النخل، أو هذه الأرض مزرعة أو نحوها، وفي ذلك الوقت كان الناس يهتمون بالحرث، ويحفرون الآبار العميقة، وكذلك أيضاً يولون الأشجار عناية، ولكن أتى بعد ذلك سنوات زهدوا في الزراعة، وأقبلوا على الوظائف أو على التجارات فتعطلت الأوقاف، فالآبار والأراضي قد تبقى عشرات السنين لا ينتفع بها، ولا يصل إلى الميت منها شيء، ففي هذه الحال للوكيل أو للناظر أن يرفع أمرها إلى قاضي البلد الذي هو تبع لها، والقاضي إذا عرف أنها لا يمكن أن تعمر، وليس هناك من يعمرها، وأن عمارتها تكلف أضعاف ثمنها، فله أن يبيعها وينقل ثمنها إلى غيرها ليعمر به شققاً أو يبني به مسجداً أو يصرفه في وجه من وجوه الخير.

حكم العمل في تصوير الأموات

حكم العمل في تصوير الأموات Q هل يجوز تصوير الأموات كعمل، علماً أني أعمل في قطاع عسكري، ويوجد غيري يقوم بهذا العمل، فما رأيكم؟ A نرى أنه لا يجوز، وأنه يبتعد عن الأشياء التي ورد فيها وعيد، وبكل حال قد يكون هناك مقاصد في تصوير الأموات في بعض النشرات، وقصده في ذلك أن يعتبر المسلمون، ويرون أنه حصل كذا وكذا، كذلك في بعض الصحف الذين ينشرون عن الأموات أنه مات فلان، وأن أسرته آل فلان حتى يكون هناك تعزية لهم، فتختلف المقاصد.

حكم الأخذ من المصاحف الموقوفة إذا زادت عن الحاجة

حكم الأخذ من المصاحف الموقوفة إذا زادت عن الحاجة Q كان بجانبي أحد المساجد مصاحف كثيرة زائدة في كراتين، وكان هناك عامل يصلح هذا المسجد، فطلب مني أن أعطيه مصحفاً، فأعطيته مع أن هذه المصاحف وقف لله تعالى، فهل علي شيء؟ A في هذه الأزمنة كثرت المصاحف والحمد لله، وطبع منها ألوف مؤلفة، وامتلأت المساجد، وكتب عليها أنها وقف لا تباع، ففي هذه الحال إذا كانت زائدة عن حاجة المسجد فلا مانع من أن تأخذ منها مصحفاً تقرأ به في بيتك مع بقائه على وقفيته، أو تعطيه إذا كنت وكيلاً على المسجد إنساناً تعرف أنه يقرأ فيه، فهو أولى من بقائها مرصوصة، بل قد تبقى أشهراً لا يُقرأ في شيء منها.

حكم الوقف على أمر مباح

حكم الوقف على أمر مباح Q هل يصح الوقف على مباح، كمن وقف البندقية للصيد مثلاً؟ A لا بأس، والأصل أن الواقف يقصد بذلك الأجر، فإذا أوقف السلاح فإنه يجعله على المقاتلين في سبيل الله، أو المقاتلين لصد المعتدي، ولا يجوز أن يجعله للمحاربين أو قطاع الطريق، أو البغاة ونحوهم، أو المقاتلين في فتنة، أما إن جعله فيمن يقاتل به في الصيد كأن يقول: وقف على أولادي يصيدون بها فهذا يعتبر وقفاً على الأولاد، ومنفعته خاصة، وهو كما لو قال: هذه الدار وقف على أولادي للسكنى.

جواز إشراك الذين أوقف عليهم غيرهم في منفعة الوقف

جواز إشراك الذين أوقف عليهم غيرهم في منفعة الوقف Q إذا أوقفت منزلاً على آل فلان، فهل يجوز لهم إسكان غيرهم معهم، مع أنهم راضون جميعاً؟ A إذا كانوا راضين فلا بأس، فإذا حدد وقال: وقف على أولاد أخي، ثم تزوجت أخت لهم وماتت ولها أولاد وأسكنوا أولاد أختهم معهم برضاهم فلا حرج.

الوقف لا يرجع إلى من أوقفه

الوقف لا يرجع إلى من أوقفه Q ما حكم من يقول: هذا وقف على الفقراء أو على مسجد كذا، فإن استغني عنه فيرجع لولدي، فهل هذا الشرط صحيح؟ A ليس بصحيح، لا يرجع الوقف على الميت ولا على أولاده، بل إذا قال: وقف على ذلك المسجد، ثم استغنى المسجد، نقل إلى مسجد آخر، فإذا قال: وقف على حاجة أولاد أخي واستغنوا ولم يكن لهم حاجة صرف على أولاد قريب له آخر، وأما كونه يرجع إليه فلا يجوز.

وقف الأسهم التجارية

وقف الأسهم التجارية Q هل يجوز وقف الأسهم التجارية في الشركات، مع العلم أنها معرضة للخطر من الربح والخسارة؟ A نرى أنه لا بأس بذلك؛ لأن فيها غالباً غلة، فإذا قال: أسهمي في شركة كذا وقف، فهو يريد بذلك غلتها؛ لأنها في كل سنة يخرج لها غلة، فيقول: وقف على المساجد، أو وقف على الغزاة ونحوهم، أو وقف على الفقراء والمساكين، أو وقف على طبع الكتب والمصاحف، فكلما أخذت أرباحها في سنة صرفت حالاً في ذلك الشيء، فإن قدر أنها خسرت أو كسدت أو لم تربح في سنة من السنين فلا شيء عليه.

حكم بناء مسجد في أرض مسبلة للسقاية

حكم بناء مسجد في أرض مسبلة للسقاية Q يوجد في قريتنا قطعة أرض مسبلة بسقاية ماء، وبعد فترة جاء رجل وبنى في هذه الأرض مسجداً، فهل تعتبر أرضاً مغصوبة، وهل يجوز الصلاة في هذا المسجد؟ A أرى أنه لا بأس إذا كانت موقوفة مسبلة للسقاية، واستغني عن السقاية، وقد كانوا في الأزمنة القديمة يجعلون سقاية، وهي ما يُسمى بالجوابي، والجابية هي مجمع الماء، وقد يكون طولها خمسة أمتار أو أربعة، وعرضها قريباً من ذلك، ويجعلونها مسبلة تردها الدواب من إبل وبقر وأغنام، فيملئونها بالماء، ثم قد يقال إن في هذه الأزمنة قد استغني عنها، فأهل الأغنام ونحوهم يأخذون المياه لها في الوايتات والأحواض، ويجلبون الماء إليها وهي في البرية، فلا يوجد الآن حاجة إلى جعلها، ففي هذه الحال لما استغني عنها وبني مكانها مسجد فلا يعتبر مغصوباً، بل الأجر باقٍ، وهو أولى من تعطيلها.

تعطيل الوقف

تعطيل الوقف Q رجل أوقف ثلاجة على طلبة العلم، فإذا خربت فهل على الناظر إصلاحها أم على من يستخدمها؟ A الواجب الحرص على عمارتها؛ حتى يستمر نفعها على طلبة العلم، ولكن إذا خربت ولم يكن في الإمكان عمارتها فلا حرج على الناظر.

من أوقف وقفا فليس له المنازعة فيه

من أوقف وقفاً فليس له المنازعة فيه Q رجل أوقف أرضاً لإصلاح بئر للشرب، وبعدما أصلحت هذه البئر صار ينازعهم كل يوم يريد أن يسقي زرعه ويزرع عليها، فهل يجوز لنا منعه من ذلك، علماً أن هناك الكثير ممن يجاورون البئر، وتسبب لنا مشاكل معهم أفيدونا مأجورين؟ A ليس له حق، بل تبقى على ما وقفت عليه، فإن سقي زرعه شيء خاص يخصه، وهي وقفت على الأمر العام، فلا يجوز له المنازعة، والأولى في هذه الحال أن يتدخل القضاة، وأن يأخذوا على يد الظالم، ويردوه إلى الحق، ويبينوا له أن العمل بشرط الواقف لازم إذا لم يكن هناك محذور، وأنه لا حق له في أن يسقي زرعه، ويعطل المصالح الأخرى.

حكم وقف أرباح الأموال المودعة في البنوك

حكم وقف أرباح الأموال المودعة في البنوك Q هل من الممكن أخذ الأموال التي تخرج أرباحاً من البنوك وجعلها وقفاً للفقراء؟ A نرى أن الأرباح التي في البنوك كسب حرام، ولكن لا يجوز لصاحب المال أن يتملكها، ولا يجوز له أن يؤكلهم ذلك الربا، فلا يأكله ولا يؤكلهم، لأن في الحديث (لعن الله آكل الربا وموكله) وإنما يتخلص منه، والتخلص هو أن يحيل عليه من ينتفع به، فلا يأخذه وإنما يحيل عليه أحد الفقراء أو المساكين، أو يحيل عليه من يأخذه إلى مسجد ليُعمر به أو نحو ذلك، وإذا أخذ من البنك ولم يأكله المالك ولم يأكله البنك فهو مال طاهر كالأموال التي تغنم من المشركين ولو كانت حراماً، فتحل باغتنام المسلمين لها، ولو كانت ثمن خمر، وكان عمر رضي الله عنه ضرب الجزية على بعض النصارى، ولم يكن عندهم أموال إلا الخمور، فكان يقول: (ولوهم بيعها، وخذوا الجزية من أثمانها، فإذا باعوها وأعطوكم من أثمانها الجزية فخذوها فهي لكم) فكذلك هذه الأموال إذا أخذت طهرت، فلا يأكلها المالك ولا يأكلها البنك، فتكون بعد ذلك كأموال الغنائم، يجوز أن يُبنى بها مساجد أو غيرها، أو تجعل في أوقاف تكون غلتها للمسلمين أو ما أشبه ذلك.

التصرف في غلة الوقف الزائدة

التصرف في غلة الوقف الزائدة Q رجل أوصى بثلث ماله في أضحية، وغلته تزيد عن قيمة الأضحية، فهل للورثة أن يقتسموا الزيادة؟ A إذا زادت الغلة عن الأضحية يفضل أنها تصرف في المصالح الأخرى، يعني: أن الثلث قد يزيد على ما عين له، فإذا قال: أوصي بثلثي صدقة تخرج منه أضحية، ثم جعل الثلث في دكان، وأجرة الدكان عشرة آلاف سنوياً، وقيمة الأضحية -مثلاً- ألف، فالتسعة الباقية لابد أنها صدقة، وأنه قصد بها الأجر، فللوكيل الناظر أن يصرفها في وجه آخر من وجوه الخير.

حكم بيع الوقف لسداد الواقف

حكم بيع الوقف لسداد الواقف Q إذا أوقف رجل لأولاده بيتاً ثم توفي، ووجد أن عليه ديناً، فهل يسدد الدين من البيت الموقوف أم لا؟ A يُسدد الدين من الغلة، وأما البيت فلا يباع إلا بإذن الحاكم.

حكم الوقف للذكور دون الإناث

حكم الوقف للذكور دون الإناث Q أوقفت جدة جدي وقفاً، ونصت أن ثمرة الوقف لذريتها الذكور دون الإناث، وأُخبرنا أن هذا لا يجوز، فلماذا؟ A كأن فيه حيفاً ومحاباة وظلماً للإناث، وهذا هو ما يسمى بالتوليج، يعني: كأنها تولج المال للذكور دون الإناث، هذا هو السبب، وعلى كل حال الوصية لا يُعمل بها إلا بعد الموت، ولا يعمل فيها إلا بأمر الشرع.

حكم أخذ الناظر من مال الوقف

حكم أخذ الناظر من مال الوقف Q أوقف أبي وقفاً عاماً لجدي، وقد توفي والدي رحمه الله وعهد إلي بالوقف، وهو عبارة عن بيت مؤجر، وسؤالي: هل يجوز لي الأخذ من ريع الوقف وصرفه في أمور البيت وحاجاته من الطعام واللباس وشراء المركب أو إصلاحه إلى غير ذلك من الأمور التي يحتاجها البيت، علماً بأني قد أحتاج أحياناً لريع الوقف، وهل يجوز لي سداد ديني من هذا الريع، أفتونا مأجورين؟ A يجوز ذلك، فتبدأ بما أوصاك به سواءً الجد أو الأب فيما عينه كأضحية أو حجة أو ما كانوا يوصون به قديماً، وقد كانوا قديماً يوصون بأشياء الغالب أنها قد انقرضت، فيوصي أحدهم -مثلاً- بدلو أو ما يُسمى بالركية يعني: البئر، وهذا قد انقطع، أو يوصي بسراج للمسجد، وهذا أيضاً قد انقطع، أو يوصي بقرب كسقاية للناس، ففي هذه الحال يمكن أن يجعل بدل القرب ما يسمى بالبرادات؛ لأنها تقوم مقامها، فالحاصل: أنه إذا نفذ ما أوصي به وزاد هناك شيء وهو محتاج فله أن ينفقه على بيته، إما لأجل أنه ناظر على هذا الوقف، والناظر له أن يأخذ منه بقدر عمله، وإما لأنه ولد ذلك الواقف أو ولد ولده، فله حق فيه، وله أن يقضي دينه من الزائد أو نحوه.

وقف النخل هل يشتمل الأرض التي هي فيها

وقف النخل هل يشتمل الأرض التي هي فيها Q إذا أوقف رجل نخلة أو نخلات فتعطل الوقف بموتها، فهل يشمل وقف الأرض أم أن الوقف خاص بالنخلة، فإذا ماتت انتهى الوقف؟ A إن نص صاحب الوقف على أنها لا تبدل فإنه يختص بالنخلة، وأما إذا سكت، وقال: هذه النخلة أو هذه النخلات وقف، فإذا ماتت أو سقطت فعليهم أن يغرسوا في مكانها أخرى، أو قريباً منها، فإن الأرض تتبع النخلة التي غرست فيها.

لا يكون الوقف إلا فيما يبقى

لا يكون الوقف إلا فيما يبقى Q رجل يملك مزرعة وبها مضخة ماء، وهي ليست وقفاً، وتعطلت المضخة وهو لا يملك مالاً لإصلاحها، وأعطيته مالاً لإصلاحها بنية أنه وقف لله، فهل يعتبر هذا المال صدقة أم وقفاً؟ A يعتبر صدقة؛ لأن الوقف هو الذي يبقى، أما هذا فإنه يشتري به -مثلاً- محروقات، أو يشتري به زيتاً، أو يشتري به ما يسمى بالديزل، فهذا يُعتبر صدقة.

حكم الوقف للمخالف في الدين

حكم الوقف للمخالف في الدين Q مر معنا أنه يصح الوقف من مسلم على ذمي وعكسه، وفي آخر الفصل يقول: وعلى قرابته أو أهل بيته، إلى أن قال: لا على مخالف دينه، فكيف التوفيق بين ذلك؟ A المخالف للدين، يعني: إذا قال: على أولادي أو أقاربي أو أنسابي أو قومي أو أهل بيتي فلا يدخل فيهم المخالف للدين، وأما إذا كان له قريب وخصصه، فقال: غلة هذا البيت لقريبي فلان الذي هو ذمي، كما وقفت صفية، فالتخصيص يستثنى من المخالف للدين.

المقصود بالبنين في قوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)

المقصود بالبنين في قوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) Q هل المقصود في قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46] الأبناء الذكور أم تشمل الذكور والإناث؟ A الظاهر أنها خاصة بالذكور، وذلك لأنهم يفتخرون بالذكور، ولذلك قال تعالى في آية أخرى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران:14] ولم يقل: البنات، فإنما كانوا يفتخرون بالبنين.

الحجر على من يستخدم الوقف أو الهدية في المحرم

الحجر على من يستخدم الوقف أو الهدية في المحرم Q وهبت لأخي سيارة هدية، ولكنه أصبح بعد ذلك قليل المكوث في البيت، وقد يذهب إلى أصدقاء السوء، وأنا أخشى عليه من الانحراف، فهل يجوز لي أن آخذ السيارة ولو على وجه التهديد له حتى يقلل من خروجه من البيت، وجزاكم الله خيراً؟ A في هذه الحال يُحجر عليه، ويمنع إذا أصبحت هذه السيارة سبباً لفساده وكثرة غيابه، واتصاله بمن يُفسد عليه أخلاقه، فلأخيه أو لأبيه أو لأحد أقاربه الذين لهم ولاية عليه أن يمنعوه، وأن يحولوا بينه وبين ذلك، وأن يأخذوا هذه السيارة، فإما أن يبيعوها ويصرفوا ثمنها له في شيء آخر، وإما أن ينفقوا بها عليه إلى أن يعقل، ويتغير عن حالته هذه.

يوزع الوقف كما يريد الواقف

يوزع الوقف كما يريد الواقف Q بعض الواقفين يجعل ريع الوقف في الأضاحي، والباقي يوزع على الورثة بالتساوي، فهل هذا جائز، أم يقسم الباقي حسب القسمة الشرعية؟ A يعمل بوصية الواقف، فإذا أخرجت الأضحية وقال: الباقي للورثة بقدر إرثهم، فللذكر مثل حظ الإنثيين، وإذا قال: بالتساوي فيسوى بين الذكر والأنثى، وإذا قال: الباقي للورثة وسكت فيصح أن يُسمى إرثاً.

الوفاء بالوعد المعلق

الوفاء بالوعد المعلق Q اختلفت أنا وأحد الإخوة على ناقة هل هي لقحة أم لا، وقلت له: إن كانت لقحة فما في بطنها فهو لك، تأكيداً مني على أنها غير ذلك، فأنتجت فهل يلزمني أن أعطيه ما أنتجت؟ A في هذه الحال يكون وعداً، والمسلم يفي بما وعد، فإذا قال: إن كانت هذه الناقة حاملاً فولدها لك، فصارت حاملاً فولدت فعليه أن يفي بما وعده.

الشفاعة في تارك الصلاة

الشفاعة في تارك الصلاة Q ما هو رد العلماء الذين يرون تكفير تارك الصلاة تهاوناً على أحاديث الشفاعة، وحديث صاحب البطاقة، وأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان؟ A معلوم في أحاديث الشفاعة أنه لا يشفع إلا في أهل التوحيد، أهل (لا إله إلا الله) وأنهم يعرفونهم بأثر السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، وهذا دليل على أنهم يصلون، فدل على أن من لا يصلي لا يُعرف فلا تناله شفاعتهم، وكذلك حديث البطاقة معلوم أن هذه البطاقة التي فيها الشهادتان حصلت من مؤمن موقن مصدق بها تصديقاً يقينياً، وهذا التصديق لا شك أنه يحمله على العمل بحقها، لقوله في الحديث: (إلا بحقها) فيكون بذلك من أهل (لا إله إلا الله) ومن العاملين بها، ومن العمل بها أداء الصلاة.

هدايا المسئولين

هدايا المسئولين Q ما حكم الهبة لأجل مصلحة، مثل أن يُعطي الموظف للمدير هدية؟ A ورد في حديث: (هدايا العمال غلول) ، فإذا كان يقصد في هذه الهدية منفعة عاجلة فلا يجوز، ولا يجوز للمهدى إليه قبولها إذا خاف أنها تحمله على أن يفعل منكراً، أو يترك واجباً، أو ما أشبه ذلك.

بيان متى يستقر المسافر ويكون له حكم المقيم

بيان متى يستقر المسافر ويكون له حكم المقيم Q قدمنا من الكويت لحضور دروس هذه الدورة، فهل نعتبر مسافرين، وهل تسقط عنا السنن الرواتب؟ A من استقر في سكن مفروش مهيأ مكيف منور فلا يقال إنه مسافر، بل له حكم المقيم، ولو ما أقام إلا يوماً أو يومين، ومن لم يستقر وبقي في سيارته يتجول فيها، أو سكن خارج البلد في خيمة أو تحت شجرة فله حكم المسافر ولو طالت مدته.

الزنا أشد من حلق اللحية وكلاهما معصية

الزنا أشد من حلق اللحية وكلاهما معصية Q يقال: إنك تفتي أن حلق اللحية أشد من الزنا، فهل هذا صحيح؟ A ما ذكرت ذلك، ولا أتذكر أني أفتيت بذلك، ولا شك أن الزنا أقبح وأشد؛ لأن الله رتب عليه عقوبة وحداً زاجراً، وحداً شديداً وهو الرجم أو الجلد والتغريب، فلا يقال: إن حلق اللحى أشد منه، وفي كل حال كلاهما معصية.

وصية لمن خاف على نفسه الانتكاسة

وصية لمن خاف على نفسه الانتكاسة Q أنا شاب مستقيم بحمد الله، ولكنني لا أستطيع الموازنة بين الأعمال، فأحياناً أنشط للصيام فأصوم كثيراً، وأحياناً للصدقة ولغيرها، ثم يقول: أخشى أن أصاب بالانتكاسة، فأسألك يا شيخ الدعاء لي، وبماذا توجهني؟ A نوصيك بمواصلة الأعمال الصالحة، والحرص على الإكثار من النوافل وملازمتها، وإذا كسلت أحياناً وعجزت عن الصيام أو عن الصدقة، أو كسلت وفاتتك سنة من السنن قبلية أو بعدية كالرواتب فلا لوم عليك؛ لأنك تركت مستحباً، ولا يقال: إن هذه انتكاسة.

من خاف خروج وقت الصلاة فليصل على أي حال تيسر له

من خاف خروج وقت الصلاة فليصل على أي حال تيسر له Q كنا في حافلة في أيام الحج، وكنا في وسط الزحام، وحان وقت صلاة الفجر ولم نستطع التوقف، وبدأ الوقت بالخروج ثم اتضح النور، فحينما توقفنا نزلت وصليت، فما حكم صلاتي هذه، وهل كان يجوز لي أن أصلي وأنا جالس في الحافلة، وما الحكم إذا كنت على غير وضوء، وما الحكم أيضاً في القبلة إذا لم نكن عليها، أفتونا مأجورين؟ A نقول: إن الذين في الحافلة كان بإمكانهم أن يقفوا إذا حان الوقت في زاوية من الطريق ويصلوا الصلاة في وقتها، فإن كان معهم ماء وإلا تيمموا، فإذا قدر أنهم لم يستطيعوا بأن كان الطريق ضيقاً كما في حالة الانصراف من عرفة إلى مزدلفة، أو أنهم لا يتمكنون لوجود سيارات عن اليمين وعن الشمال، فإذا خافوا أن يخرج الوقت صلوا، فإن قدروا على أن يصلوا قياماً بين الكراسي فعلوا ذلك، وإن لم يقدروا صلوا على الكراسي ولو بالإيماء بالركوع والسجود، وإن قدروا على طهارة توضئوا وتطهروا أو تيمموا، وإن عجزوا فعلوا ما يستطيعونه ولو أن يتيمموا على كراسيهم.

يكون للواقف أجر ولو شاركه غيره فيه

يكون للواقف أجر ولو شاركه غيره فيه Q هذا أخ يقول: أشهد الله سبحانه وتعالى أني أحبك فيه، وأسأله أن ينفعني والحاضرين بعلمك إنه ولي ذلك والقادر عليه، فضيلة الشيخ! كان لدي بعض الكتيبات قمت بطباعتها، ثم جاءني بعض الإخوة يرغبون بشرائها، فقلت لهم: أبيعكم إياها بنصف قيمة الطباعة على أن تكون وقفاً لله تعالى، وتوزع مجاناً فوافقوا على ذلك، فهل يكتب لي وقفها وجزاكم الله خيراً؟ A لك أجر على طبعها ونشرها، ونستحب لك أن تطبع بثمنها مثلها؛ لأنك نويت إخراجها من ماليتك، فثمنها الذي بعتها به -ولو اشترطت على الذين اشتروها أنهم يوقفونها- ننصحك بأن تشتري مثلها، أو تطبع مثلها، وتكون وقفاً.

أنواع الهبة

أنواع الهبة Q كيف الجمع بين حديث: (الرجل أحق بهديته ما لم يثب عليها) وبين حديث: (العائد في هبته كالكلب) أفتونا مأجورين؟ A ذكرنا أن الهبة نوعان: هبة تبرر، وهبة ثواب، فالذي أحق بهبته هو الذي شرط عوضاً، وتُسمى هبة الثواب، فهو أحق بها ما لم يثب عليها، وأما إذا كانت هبة تبرر فإنه لا يجوز له الرجوع فيها.

حكم حجز الأماكن في المسجد

حكم حجز الأماكن في المسجد Q ما حكم حجز المكان في المسجد بكتاب أو بمفتاح أو بشيء آخر، سواء كان هذا المكان من صفوف الصلاة أو من صفوف طلب العلم عند المشايخ، نرجو التفصيل بارك الله فيكم؟ A إذا كان الذي حجز هذا المكان قريباً، يعني: ذهب لقضاء حاجة، أو لتجديد وضوء فله ذلك، أو كان في المسجد جالساً متكئاً على سارية يقرأ أو يذاكر أو يتعلم جاز له أن يحجز مكاناً سواء للصلاة أو لطلب العلم، وقد ورد فيه حديث: (إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) ، وأما إذا حجز المكان وذهب لينام أو ذهب ليتجول في الأسواق لغير حاجة، أو ذهب إلى محل تجارته أو حرفته أو ما أشبه ذلك فلا يجوز، ولا يحق له الحجز والحال هذه.

حكم الهدية إلى المعلم أو الشيخ

حكم الهدية إلى المعلم أو الشيخ Q هل يجوز للطالب أن يقدم لأحد أساتذته ومشايخه هدية أو هبة، علماً أن هؤلاء قد أحسنوا إليه بالتعليم والتربية، أفتونا مأجورين؛ لأن بعض الإخوة قد قال بعدم جواز ذلك؛ لأنه يدخل في الرشوة، وجزاكم الله خيراً؟ A الممنوع أن الأستاذ والمدرس يأخذ الهدية من الطالب إذا خاف أنه يميل معه، أي: أنه إذا أهدى إليك مالت نفسك معه، فتقدمه على غيره، وتتغاضى عن هفواته، وتجبر نفسه، وتزيد في درجاته، وتتساهل في التصحيح معه وما أشبه ذلك مما تفضله به على غيره، ففي هذه الحال لا يحق للمدرس أن يقبل من هذا، ولو أنه قد أحسن إليه، ولا يحق للطالب أن يهدي له وهذا غرضه. وأما إذا كان قد انتهى من الدراسة، وانتهى من هذه المدرسة، ونجح منها وعزم على أن ينتقل إلى جامعة أو إلى مدرسة أخرى فلا مانع من أن يهدي إليهم هدايا مكافأة لهم، وأن يستضيفهم ويكرمهم أو يهديهم كتباً، أو يهديهم أقلاماً ثمينة، أو ساعات، أو حقائب، أو كسوة، أو ما أشبه ذلك، وهذا من باب رد الجميل، يعني: رأى منهم حسن معاملة معه ومع غيره، فأراد مكافأتهم.

حكم هبة ما لا يجوز بيعه

حكم هبة ما لا يجوز بيعه Q ذكر الماتن أنه تصح هبة كل ما يصح بيعه، فهل تصح هبة ما لا يجوز بيعه ككلب الصيد وغيره؟ A لما كان صاحبه الذي يمسكه أولى بنفعه، فالصحيح أنه تجوز هبته، ولكن لا يطلب مكافأة على الصحيح، ومع ذلك إن كافأه جاز، ومما لا يصح بيعه وتجوز هبته أو المكافأة عليه عسب الفحل، فإنه لا يجوز بيعه، لحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع عسب الفحل) ، والمراد ضرابه، فإذا كان عند إنسان ثور أو تيس معد للضراب والنزوان على الإناث وطلبه إنسان لينزو على الإناث عنده كبقر أو معز أو نحوه، فلا يجوز أن يشرط ويقول: أعطيكه على أن تعطيني عنه مائة أو ألفاً أو نحو ذلك، لكن له أن يكافئه بعدما ينتهي من الضراب، ويقولون: إنه يحصل منه هزال وضعف بعد ذلك، فله أن يرد الجميل، وأن يعطيه مكافأة بدون شرط.

حكم المطالب بالدين بعد إسقاطه إذا لم يقبل المدين الإسقاط

حكم المطالب بالدين بعد إسقاطه إذا لم يقبل المدين الإسقاط Q إذا رفض المدين أن يقبل إسقاط الدين عنه، وأصر على إرجاع الدين، فهل يحق للدائن أن يطالبه بعد حين به؟ A لا يطالبه، وكثير من المدينين لا يحب منّة الدائن، فإذا قال: أسقطت عنك الدين الذي في ذمتك، فقال: لا أقبل؛ لأني لا أتحمل منتك، بل سوف أقضيك، فإذا قال: إني قد أسقطته، قال: لا أقبل صدقتك ولا إسقاطك، فالدائن لا يطالبه، ولكن لو رده جاز قبوله، فإذا رده إليك جاز أن تقبله، لأنك لما وهبته ولم يقل: قبلت، لم يخرج عن ملكيتك.

حكم مكافأة أحد الأولاد دون إخوته على عمل ما

حكم مكافأة أحد الأولاد دون إخوته على عمل ما Q هل يجوز أن يكافئ الوالد ولده إذا نجح في الدراسة تفضيلاً على إخوته، أو إذا حفظ القرآن مثلاً؟ A يجوز ذلك تشجيعاً له، فإنه يجوز للأب أن يقول لأولاده: من حفظ منكم جزءاً فإني أكافئه أو أعطيه ساعة مثلاً، أو قلماً ثميناً، أو حقيبة جديدة، تشجيعاً لهم، أو من نجح منكم أعطيته مكافأة على جده ونشاطه كذا وكذا، مكافأة له، ففي هذه الحالة يجوز ذلك، ويكون بذلك قد حثهم على المنافسة، ولا يكون هذا تفضيلاً.

حكم الأخذ من الميراث مقابل عمل من الأعمال

حكم الأخذ من الميراث مقابل عمل من الأعمال Q رجل كان لوالده مزرعة كبيرة، وكان هو يقوم عليها، وكذلك كان يقوم بالإنفاق على والديه وأخواته، وقرب موت والده قام بكتب هذه المزرعة له، ولم يعط إخوانه منها إلا شيئاً يسيراً، فهل هذا العمل صحيح، وإذا كان غير صحيح فما هو العمل، أفتونا مأجورين؟ A كان عليهم أن يكافئوه على جهده وعلى نشاطه وعلى حفظه لهذه المزرعة في حياة أبيه، بأن يجعلوا له نصيباً منها، كربع أو خمس مقابل تعبه؛ لأنه وقف نفسه عليها هذه المدة، ولكن حيث لم يتأكد من ذلك ولم يتثبت من أبيه ولم يفرض له أبوه شيئاً، وبخل إخوته أن يكافئوه فإنهم يعتبرون آثمين إذا لم يرض، وإذا رضي عنهم وسامحهم فلا إثم.

حكم تملك الابن الكافر من مال أبيه المسلم

حكم تملك الابن الكافر من مال أبيه المسلم Q ذكرتم حفظكم الله أن من شروط تملك الابن لملك أبيه ألا يكون الابن مسلماً والأب كافراً، فلو كان العكس الابن كافراً والأب مسلماً فهل هذا يصح، وجزاكم الله خيراً؟ A أولاً: يتصور هذا فيما إذا كانا كافرين فأسلم الأب وبقي الابن على كفره، بأن كان من أهل الذمة، ففي هذه الحال الإسلام فرق بينهما، فلا يتوارثان، وأما الأخذ فعلى القاعدة أن الإسلام فرق بينهما فليس للأب أن يتملك من مال ولده؛ وذلك لأنه لا ولاية له عليه، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] ، هذا مقتضى القاعدة.

حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن والسنة

حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن والسنة Q هل يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن والسنة النبوية؟ A يجوز ذلك، وأما حديث سلمان فإنه كان متبرعاً في تعليمه ذلك المهاجر، وكان ذلك المهاجر أيضاً فقيراً، فكره له أن يبطل أجره بأخذ ذلك القوس، وإلا فقد ورد: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) فيجوز أن يأخذ على تعليم القرآن وعلى تعليم السنة أجراً.

بعض الأسباب المعينة على الاستقامة

بعض الأسباب المعينة على الاستقامة Q أنا شاب في بداية طريقي إلى الهداية والاستقامة، فكيف أقوي إيماني وأثبت على هدايتي ولا أفتر؟ وكيف أكون في ذمة الله، أفتونا مأجورين؟ A نوصي الشباب المستقيمين أن يحرصوا على أسباب الاستقامة، فمن الأسباب التي تثبتهم وتقوي إيمانهم تعلم العلم النافع، ومن من الأسباب أيضاً كثرة الأعمال الصالحة، ولكن بقدر الجهد، يعني: يتقرب إلى الله بالفرائض وبما يتيسر من النوافل، ومن الأسباب عدم تكليف النفس والمشقة عليها، كما في الحديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا) وكذلك أيضاً قد يكلف نفسه ويشق عليها بكثرة الصيام وبكثرة القيام وبكثرة العبادات وبالتقلل من الشهوة ومن المباحات ويكون بذلك متسبباً بأن تمل نفسه وتستثقل الطاعة، ويشبه مثل هذا بالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فعليه أن يرفق بنفسه وألا يكلفها فوق طاقتها، وعليه أيضاً أن يختار الصحبة الذين يثبتونه ويشجعونه.

حكم الجوائز التي تؤخذ على المسابقات القرآنية والعلمية

حكم الجوائز التي تؤخذ على المسابقات القرآنية والعلمية Q ما حكم الجوائز التي تؤخذ على المسابقات القرآنية والعلمية، وكيف يحكم فيها مع ما ذكر من الترهيب في أخذ مثل ذلك كما في حديث سلمان، وكيف نوفق بين ذلك وحديث: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) أفتونا مأجورين؟ A الجوائز هذه تعتبر جوائز تشجيعية لمن سبق إلى كذا أو لمن فعل كذا، كأن يقال مثلاً: من حفظ القرآن كله يعطى جائزة تشجيعاً له وحثاً للآخرين، أو من حفظ من القرآن كذا فله كذا، وكذا من حفظ السنة، أو من حفظ الصحيح، أو من حفظ مائة حديث أو ألفاً فله جائزة كذا وكذا، فهذه جوائز مشروعة لأجل الحث على المسابقة، مع أن الفاعل يجب عليه الحرص على إخلاص النية، وأن الذي يحمله هو إرادة الثواب الأخروي، وإنما يأخذ هذا تقوية له، فلا يكون هذا هو الهدف. كذلك أيضاً عندنا المسابقات التي ورد فيها الحديث: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) فهذه أيضاً تشجيعية، والنصل هو الرمي، والحافر هو الفرس، والخف هو الإبل، فالمسابقة على هذه يجعل عليها سبق، والسبق هو الجعل الذي يجعل عليها، فيجعل الجعل على مثل هذه، وأما معنى الحديث فإنه يريد بذلك النهي عن الأشياء التي فيها قمار كالألعاب، وما يُسمى بـ (البلوت) أو الألعاب التي تلهي، ثم يأخذون عنها عوضاً، فهذا قمار، ولا يصح أخذه، وهذه لا تُسمى سبقاً، يعني: الجوائز، إنما تُسمى تشجيعية.

الأم تعدل بين أولادها كالأب

الأم تعدل بين أولادها كالأب Q هل يجب على الأم أن تعدل كالأب في العطية بين أولادها؟ A الأم أحد الأبوين، فإذا كان عندها مال وعندها ملك فإنها تعدل بين أولادها، ولا تفضل إلا اذا كان هناك مبرر للتفضيل.

الفرق بين الوصية والوقف

الفرق بين الوصية والوقف Q إذا كان الفقهاء رحمهم الله يقولون: إن الوقف بعد الموت حكمه حكم الوصية، بمعنى: أنه ينظر هل يخرج من الثلث أم لا، فهل هو أيضاً حكمه حكم الوصية في إمكان الرجوع قبل الموت، أم أنه يلزم، ويبقى النظر في خروجه من الثلث فقط، وجزاكم الله خيراً؟ A الوقف هو: إخراج شيء من ماله في حياته ليبقى وينتفع به مع بقاء عينه، بمعنى أنه قال: هذه الدار وقف، وغلتها تصرف على الفقراء أو على المساكين أو على الدعوة إلى الله، ثم في مرض موته قال: وهذه الدار أيضاً وقف، غلتها تصرف على المساجد أو على المجاهدين، فالدار الأولى نفذت؛ لأنها في حالة الصحة، والدار الثانية لا تنفذ؛ لأنها في حالة المرض، فإذا مات وخرجت من الثلث نفذت؛ لأنه أصبح جائز التصرف في الثلث، وإذا عاش وبرئ من ذلك المرض نفذت أيضاً، ولو كانت أكثر من الثلث؛ لأنه في حياته يصح له أن يتصرف، وأن يخرج من ماله ما يريد، ولو ماله كله.

حكم دفع الرشوة إذا لم يخرج الحق إلا بدفعها

حكم دفع الرشوة إذا لم يخرج الحق إلا بدفعها Q إذا دفع شخص الرشوة لمسئول لكي يحصل على حق له شرعي كان سيضيع ويُعطى لمن لا يستحقه إن لم يدفع الرشوة، فما حكم ذلك، أفتونا مأجورين، فإن هذا أمر قد عمت فيه البلوى في بعض البلاد؟ A لا شك أنه رشوة، ولكن يمكن أن يكون السائل في بلاد لا تخرج منها الحقوق إلا برشوة، وإذا لم يدفعها بشيء فلا يخرج حقه بل يضيع عليه ويؤكل، ويعطى لغيره، أو يأخذه أولئك المستولون، فكأنه يشتري حقه الذي هو مستحق له، فأما إذا كان غيره أحق منه فلا يجوز له أن يدفع، صورة الحق الذي له: إذا كان له تركة عند ولي الأمر، وهذه التركة يؤخذ عليها ضرائب، وإذا لم يدفع تلك الضرائب استولي عليها ولم تخرج، ففي هذه الحال يخلصها ولو دفع هذه الضرائب، وكذلك لو كان له دين على إنسان، والقاضي أو الوالي لا يحكم له إلا إذا دفع له رشوة، وإلا فيعرف أن صاحبها الذي عليه الدين سيدفع رشوة، وإذا دفع رشوة قال القاضي أو الوالي لصاحب الحق: ليس لك حق، فهذا إذا كان عادة متبعة ففي هذه الحال يدفعها تخليصاً لحقه إذا لم يظهر لغيره.

قضاء الأولاد دين أبيهم بعد موته

قضاء الأولاد دين أبيهم بعد موته Q إذا مات الأب وعليه دين فهل يلزم الأولاد بتسديد هذا الدين عن أبيهم، أفتونا مأجورين؟ A إذا كان له تركة وجب عليهم المبادرة بوفاء الدين عن أبيهم من تركته؛ لأن الميت معلق بدينه حتى يقضى، وأما إذا لم يكن له تركة وكان له أولاد عندهم مال فإن عليهم أن يوفوا عن أبيهم، لقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي قالت: (إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) فدل على أنهم قد عرفوا أن الدين حق لآدمي يقضيه ورثته، أو يقضيه أولاده إذا كانوا قادرين.

حكم أخذ الجوائز والهدايا التجارية

حكم أخذ الجوائز والهدايا التجارية Q يحدث في الوقت الحالي عند دخولي إلى محطة الوقود أو ما أشبه ذلك، وعند تعبئة وقود السيارة بسعر معين يعطونني هدية فما حكم أخذ هذه الهدية، وجزاكم الله خيراً؟ A هذه تعتبر دعايات من أصحاب هذه المحلات، ويقصدون بذلك أن يجلبوا الناس إليهم، فيجعلون مثل هذه الأشياء لتشتهر أماكنهم، أو شركاتهم، فيجعلون هذه الهدايا، فصاحب المحطة -مثلاً- يقول: إذا اشترى مني أحد بمائة أو مائتين فإني أعطيه كذا، ولا شك أنه يضر أصحاب المحطات الأخرى؛ لأن الناس يأتون إلى هذا، فيكون هذا ضرراً، فلا يجوز لك أن تقصده لأجل هذا التخفيض، أو لأجل هذه الهدية، كذلك أصحاب الورش يقولون لأصحاب السيارات الناقلة التي تسمى الونوش التي تنقل: إذا أتيتنا بسيارة خربة فلك جائزة كذا كلما أتيتنا، فهو يتجاوز أكثر من ورشة ويذهب إلى تلك الورشة التي تعطيه مائة أو خمسين، ولا شك أيضاً أنهم ضروا أصحاب الورش الأخرى، فيكون هذا أيضاً شبيهاً بأخذ الحرام؛ لما فيه من الضرر، وكذلك أصحاب المحلات الذي يقولون: من اشترى منا بكذا أعطيناه جائزة قد تصل هذه الجائزة إلى سيارة أو ما أشبهها، ففي هذه الحالة أيضاً يضرون أصحاب المحلات الأخرى، فلا يجوز ذلك والحالة هذه، ولا يحل لهم هذا، وإذا كنت تشتري منهم بكل حال، أو أوصلت لهم سيارتك لأنهم أقرب فلا بأس أن تأخذ هذه الجائزة، وأما قصدهم لأجل ذلك فإن فيه تشجيعهم على إضرار غيرهم.

حكم صلاة المسبل ووضوئه

حكم صلاة المسبل ووضوئه Q انتشرت أوراق في بطلان صلاة ووضوء المسبل، فهل هذا صحيح؟ A إذا توضأ المسلم وضوءاً صحيحا ً سليماً وكذلك صلى صلاة كاملة فلا يجوز أن يقال: إن وضوءه باطل وصلاته باطلة، إنما تبطل فيما إذا أبطلها، والوضوء لا يبطله إلا الحدث والناقض، والصلاة لا يبطلها إلا ما يبطلها من النواقض والمبطلات. فقد ورد في المسبل في سنن أبي داود، ولكن الحديث في إسناده مقال، وإن ذكره النووي في رياض الصالحين، وفي الحديث أنه قال له: (ارجع فأعد وضوءك مرتين، ثم قال: إنه مسبل، وإن الله لا يقبل صلاة مسبل) وهذا الحديث الذي في السنن فيه رجل ضعيف، وإن كان يروى حديثه للاعتبار، وبكل حال فالحديث لا يقبل بكل حال، وإذا صح فإنما هو زجر عن الإسبال.

صيغة السلام على النبي في التشهد

صيغة السلام على النبي في التشهد Q هل يقول المصلي في التشهد: السلام عليك أيها النبي! أم يقول: السلام على النبي، وجزاكم الله خيراً؟ A الصحيح والمشهور أن يقول: السلام عليك أيها النبي! ولو لم يكن خطاباً، وذكر عن ابن مسعود رواية أنه قال: (كنا نقول: السلام عليك أيها النبي في حياته، أما بعد موته فنقول: السلام على النبي) ولكن هذا لم يكن مشهوراً، والصحابة كلهم كانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي!

حكم الرجوع في العطية والوصية

حكم الرجوع في العطية والوصية Q لم يتضح لي جواز الرجوع وعدمه في العطية والوصية، فهل لك أن توضح ذلك؟ A أما الرجوع في الوصية فالإنسان ما دام حياً فله أن يرجع عن وصيته، وله أن يرجع فيها؛ وذلك لأنها لا تلزم إلا بعد الموت، فلو قال: إذا مت فأعطوا زيداً مائة، ثم ندم وقال: لا تعطوه، فله ذلك، أو قال: إذا مت فأعطوا زيداً هذه الشاه، ثم قال: لا تعطوه؛ فالشاه لي وزيد لا حق له، فرجع فيها فيجوز له ذلك، فيجوز أن يرجع في وصيته. وأما العطية فيجوز أن يرجع فيها قبل أن يقبلها صاحبها، أما إذا قال: قبلتها فإنها تثبت، وليس له أن يرجع فيها إذا قبلها صاحبها وقبضها، وأما قبل القبض وقبل القبول فله أن يرجع.

بيان الواجب على ورثة من مات وعليه دين لا يعرف صاحبه

بيان الواجب على ورثة من مات وعليه دين لا يُعرف صاحبه Q امرأة ماتت وعليها ديون كثيرة ولا يعرف أصحاب الديون، وقد أعلنوا في الصحف وغيرها مطالبين بأصحاب الديون لمراجعتهم فلم يحضر أحد، فما هو الحل؟ A على كل حال إما أن يسأل ورثتها عمن كانت تتعامل معه، فإذا عرف أصحاب المعاملة فالغالب أنهم يقولون: إن لفلان عليها كذا، ولفلان كذا وكذا، فمن عرفوا منهم أعطوه حقه، ومن جاءهم وقال: إن لي ديناً وأثبت ذلك بوثيقة أو ببينة أو حلف عليه فعليهم الوفاء.

حكم بيع الولد من مال أبيه المجنون من أجل علاجه

حكم بيع الولد من مال أبيه المجنون من أجل علاجه Q أبي يعاني من مرض الجنون منذ زمن طويل، وقد عالجته دون فائدة، وله أملاك، وأنا ابنه الوحيد، فهل يجوز لي أن أبيع من أملاكه عند حاجتي، علماً أنني لم أبع شيئاً رغم ظروفي القاسية التي أمر بها وجزاكم الله خيراً؟ A يجوز إذا لم تجد ما تعالجه به إلا من ماله كماشية أو عقار أو نحو ذلك، وإذا كان علاجه يخفف عنه هذا المرض أو يزيله برقية أو أدوية معروفة فلك أن تعالجه.

دية قتل الخطأ تكون على العاقلة

دية قتل الخطأ تكون على العاقلة Q أحسن الله إليكم، رجل توفي في حادث، وتوفي معه شخصان، وليس له تركة، فهل يلزم أولاده بدفع دياتهم، مع العلم أن أولاده صغار ومحتاجون؟ A في هذه الحالة الدية تكون على العاقلة، فإذا كان القتل خطأ فالعاقلة تتحمل الدية، وتؤجل عليهم ثلاث سنين، كل سنة يدفعون ثلثها.

حكم توكيل أحد الورثة على حفظ التركة وتنميتها

حكم توكيل أحد الورثة على حفظ التركة وتنميتها Q نحن ثمانية إخوة وثلاث بنات، مع وجود الوالدة، وقد ترك لنا والدنا أملاكاً عقارية كثيرة، ومنذ وفاة الوالد منذ ثلاث سنوات لم يتم تصفية الإرث، لكن يتم توزيع الأرباح بالتساوي علينا، مع بقاء عين هذه الأملاك، علماً أني عينت من قبل بقية الإخوة وكيلاً على الورثة، فهل فعلنا هذا صحيح؟ A كان الواجب إذا طلبوا القسمة أن يقسم بينهم ويصفيها، فإن رضوا بالشراكة فيما بينهم ووكلوا أحد إخوتهم على أنه يتجر لهم أو ينمي أموالهم ويعطونه أجرته على تعبه وعلى تصفيته وعلى عمله وعلى جمعه للتركة فلهم ذلك، وما فعلوه لا بأس به إن شاء الله.

الوصية لوارث لا تمنعه من أخذ فرضه المفروض له

الوصية لوارث لا تمنعه من أخذ فرضه المفروض له Q إذا سمح الورثة بالوصية لوارث، فهل يقتسم الباقي معهم بسهمه المفروض له؟ A نعم؛ لا يسقط حقه من الإرث، فإذا سمحوا بما خصه به فالباقي لهم جميعاً وهو معهم.

حكم توكيل الورثة أحدهم ناظرا للوقف

حكم توكيل الورثة أحدهم ناظراً للوقف Q إذا لم يحدد الواقف ناظراً، واتفقت الورثة على أحدهم، فهل يجوز ذلك دون الرجوع إلى الحاكم؟ وهل للناظر أن يأخذ مقابل نظارته على الوقف؟ A لا بأس، والأصل أن الواقف يوكل واحداً عنده الأهلية، فإذا لم يوكل وكان له أولاد يجوز أن يُوكل واحداً منهم.

الوصية لا تنفذ إلا بعد الموت

الوصية لا تنفذ إلا بعد الموت Q أشكل علي قولهم: لا يصح القبول قبل الموت، ويثبت الملك به بعد الموت؟ A يعني: قبول الوصية؛ لأنه إذا أوصى لزيد بشاة، ثم قال زيد: قبلت وهو حي، ثم إن الموصي رجع فيها، بطلت الوصية، أما إذا قال: قبلت بعد الموت ثبت الملك.

حكم قسمة المورث تركته على ورثته قبل موته

حكم قسمة المورث تركته على ورثته قبل موته Q قد يقوم بعض الأشخاص بتوزيع ماله عند قرب أجله وفي مرضه على ورثته للرجل ضعف ما للأنثيين، فهل ما يفعله هذا الرجل سليماً؟ A إذا لم يضر أحداً من الورثة فلا بأس، فإذا لم يضر أبويه أو زوجته أو زوجاته وقسم بين أولاده وأعطى الذكر سهمين والأنثى سهماً فلا حرج في ذلك، كما لو أعطاهم وهو صحيح.

حكم منع الورثة من الميراث إذا كانوا سيستخدمونه في الحرام

حكم منع الورثة من الميراث إذا كانوا سيستخدمونه في الحرام Q إذا كان لي مال كثير وشركات كثيرة، وكان لي أبناء أخ وأبناء أخت، وخشيت أن يقوموا باستخدام أموالي في المحرمات والفسوق والمخدرات، فهل أحرمهم من الميراث؟ A الذين يرثون هم أولى بالأخذ إذا كان ليس له أقارب، أما أولاد الأخت فلا يرثون؛ لأنهم من ذوي الأرحام، وبكل حال لا يحرمهم حقهم، لكن في حياته له أن يتصدق وله أن يوقف، وله في حياته وفي صحته أن يعمر مساجد وقناطر وما أشبه ذلك، وأما بعد موته أو قرب موته فليس له أن يضرهم، ولكن مع ذلك ينصحهم ويربيهم التربية الصالحة، ويبين لهم تحريم ما يفعلونه من المخدرات ونحوها.

تقدير الوصية عند عدم إمكان حصرها

تقدير الوصية عند عدم إمكان حصرها Q رجل أوصى بثلث ماله، وماله كثير جداً، فما استطاع الورثة أن يحصروا ثلث ماله، ولو أرادوا ذلك لاحتاجوا إلى سنين طويلة، ويكون في ذلك ضرر على الورثة، وتأخر في أخذ نصيبهم، فهل للورثة تقدير الثلث وذلك بوضع لجنة تقدر الثلث، أفتونا مأجورين؟ A لهم ذلك، ولكن يحتاطون، فإذا قالوا: يمكن أن يكون الثلث عشرة ملايين ولكن نحتاط ونجعله خمسة عشر، والبقية لنا؛ حتى لا يتأخر إخراج الثلث، وإخراج حق الميت.

حكم إجازة بعض الورثة الوصية لوارث دون بعض

حكم إجازة بعض الورثة الوصية لوارث دون بعض Q إن أجاز الوصية لوارث بعض الورثة دون البعض الآخر فما الحكم؟ A إذا أجازها بعضهم صحت في نصيبه، والذين لم يجيزوها لا تصح في نصيبهم، سواء كانت زيادة على الثلث أو وصية لوارث، فيؤخذ من نصيب الذين أجازوه وتقدر نسبتها.

ماذا يعمل الموسوس في وضوئه

ماذا يعمل الموسوس في وضوئه Q أحياناً بعد الانتهاء من التبول والبدء بالوضوء أو عند الدخول في الصلاة أشعر بخروج قطرة من البول، وقد تأكدت من ذلك، فعند ذلك أقطع صلاتي إذا كنت في صلاة، وأذهب إلى إعادة وضوئي والصلاة، وأحياناً لا أعيد الصلاة ولا ألتفت لذلك، وقد أشغلني ذلك كثيراً، فما هو العمل، وجزاكم الله خيراً؟ A الغالب أن هذا إذا كان من الشباب أنه وسوسة وتخيلات، فننصح بعدم الالتفات إلى ذلك، فبعد التبول يستنجي بالماء، والعادة أنه ينقطع أثر البول، وعلامة أنه وسوسة: كونه لا يحس به في سائر أوقاته، وإنما يحس به إذا كان في الصلاة أو قرب الوضوء، أو ما أشبه ذلك، فيتخيل هذا، ثم إذا قدر أنه حقيقي اعتبر من سلس البول، وسلس البول عذر في أنه يصلي على حسب حاله ولو كان يتقاطر. والله أعلم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [65]

شرح أخصر المختصرات [65]

معنى قوله تعالى: (وإذا حضر القسمة أولو القربى) الآية

معنى قوله تعالى: (وإذا حضر القسمة أولو القربى) الآية Q كيف يعطى من حضر القسمة؟ وما حكم تعمد الحضور لمثل هذا؟ وما مقدار العطية منه، وجزاكم الله خيراً؟ A قد اختلف في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء:8] حيث قيل: إنها منسوخة، وقيل: إنها على الاستحباب، ومعنى ذلك: أنه على الذين يقتسمون المال وحضرهم بعض أقاربهم من المستضعفين وذوي الحاجة أن يعطوهم رزقاً من ذلك المال، لا سيما إذا كان مطعوماً، مثل أن يقتسموا الطعام بالصاع تمراً أو حنطةً، أو نحو ذلك، أو يحضرهم أخ للميت أو ابن أخٍ من ذوي الحاجة، أو يأتيهم أحد من أقاربهم فيعطونه صاعاً أو صاعين أو ما أشبه ذلك.

أقسام العصبات في الميراث

أقسام العصبات في الميراث Q ما الفرق بين التعصيب مع الغير، والتعصيب بالغير، والتعصيب بالنفس. وجزاكم الله خيراً؟ A ذكروا أن العصبة ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير، فالعصبة بالنفس كلهم ذكور، أي: أن الإنسان يرث بنفسه، وهم الذكور: الابن، وابن الابن، والأب، والجد، والإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، والمعتق، فهؤلاء أحدهم يقرب نفسه، فهو الذي يرث، وهو الذي يعصب نفسه. وأما العصبة بالغير ومع الغير فإنهن إناث، فالعصبة بالغير: البنت يعصبها أخوها، وبنت الابن يعصبها أخوها أو ابن عمها الذي في درجتها، والأخت الشقيقة يعصبها أخوها الشقيق، والأخت من الأب يعصبها الأخ من الأب إذا كان أبوهما واحداً. ومعنى ذلك: أنه ينقلها من الإرث بالفرض إلى الإرث بالتعصيب، فبدل أن كانت البنات يأخذن الثلثين، فإذا كان معهن أخوهن أو إخوتهن فلا يأخذن الثلثين، بل يقتسمون الباقي ولو كان أقل من الثلث، أو أقل من الثلثين أو نحو ذلك. فمثلاً: ماتت امرأة عن زوج وأم وأب وثلاث بنات، فالبنات لهن الثلثان ولو عالت المسألة إلى ثلاثة عشر، ولو كان معهن أخوهن لها عالت المسألة، فبدل ما يأخذون ستة من ثلاثة عشر يأخذون خمسة من اثني عشر، ويرثون بالتعصيب ويُسمى بالنسبة للأخ تعصيباً بالنفس، ولأخواته البنات تعصيباً بالغير. وأما التعصيب مع الغير فمثاله: الأخت إذا كانت مع البنت أو مع بنت الابن، أي: شقيقة الأخت أو أخت لأب فإنها ترث ما بقي من المال، ويُسمى هذا تعصيباً مع الغير.

الخلاف في التوارث بالإسلام على اليد والالتقاط وكونهما من أهل الديوان

الخلاف في التوارث بالإسلام على اليد والالتقاط وكونهما من أهل الديوان Q ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن من أسباب الإرث: الإسلام على اليد، والالتقاط، وكونهما من أهل الديوان، فما معنى هذا القيد؟ والله يرعاكم. A هذه أدخلوها في المولى، وفيها خلاف قوي، يقول: إذا دعوت نصرانياً أو مجوسياً وأسلم على يدك، ثم مات وليس له وارث، وله أموال بحيث إنك أنت الذي تسببت في هدايته فتعتبر مولىً له فترثه على هذا القول؛ لأنه أسلم على يديك. والقول الثاني: أن ماله لبيت المال. وأما الالتقاط فمعنى ذلك: إذا وجد لقيط ليس له أب، كأولاد البغايا، فإذا ولدت البغي ألقت ولدها غالباً إما في مسجدٍ أو في زاوية في برية أو في غير ذلك، فإذا التقطه إنسان ورباه فإذا مات وله مال فهذا الذي التقطه ورباه أولى بماله، وقيل: ماله لبيت المال. وأما كونهما من أهل الديوان، فالمراد أنهما كانا يجتمعان ويدونان اسميهما تحت مسمىً واحد، فيكون هذا دليلاً على أخوتهما وتُسمى هذه أخوةً بالمؤاخاة، يعني: اسمهما في ديوان واحد، والصحيح -وهو القول المشهور- أنهما لا يتوارثان.

ذكر الخلاف في الرد على الزوج

ذكر الخلاف في الرد على الزوج Q هل يجوز للمرأة أن توصي لزوجها بالنصف إذا لم يكن لها وارث إلا هو، وهل يكون هذا النصف نصف المال أو نصف المال بعد فرضه؛ فإني لم أتبين كيفية القسمة، وجزاكم الله خيراً؟ A إذا ماتت وليس لها وارث إلا الزوج فيأخذ نصف المال بالفرض، ويبقى النصف الآخر اختلف لمن يكون إذا لم يكن لها وراث غير زوجها؟ فأكثر العلماء يقولون: يصرف لأقاربها ولو كانوا بعيدون، ولو إلى الجد العاشر، ولو من القبيلة، أو لسيدها الذي أعتقها، فإذا لم يوجد لها أحدٌ قريب فقيل: إن النصف الباقي لبيت المال، وقيل: إنه يرد على الزوج، ويسمى هذا الرد كما أسماه كثير من العلماء: الرد على الزوجين، وأجازه بعضهم كـ شيخ الإسلام، فعلى هذا القول يأخذ المال كله فرضاً ورداً.

إرث الأخ لأب مع الأخت الشقيقة

إرث الأخ لأب مع الأخت الشقيقة Q هل الأخ من الأب يُعصب الأخت الشقيقة؟ A لا يعصبها. بل هي أقوى منه وأقرب، ولا يرث إلا ما بقي بعد النصف، فإذا مات ميتٌ وله أخت شقيقة وأخ لأب، فالشقيقة تأخذ النصف كاملاً فرضاً، والباقي يأخذه الأخ من الأب تعصيباً، ولو قدرنا أنه ما بقي إلا قليل فليس له إلا ما بقي. فإذا كان عندنا زوج وأخت شقيقة وأخ من الأب فالزوج له النصف، والشقيقة لها النصف، ويسقط الأخ من الأب؛ وذلك لاستغراق أصحاب الفروض جميع التركة.

حكم مضارة الزوجة في الميراث

حكم مضارة الزوجة في الميراث Q رجلٌ قسم تركته بين أبنائه وهو حيٌ ولم يفرض لزوجته التي لا تزال على قيد الحياة، فما حكم عمله هذا؟ A نرى أن ترد القسمة، كما جاء في قصة غيلان الثقفي في عهد عمر لما طال عمره قسَّم أمواله في حياته على أولاده، وطلق نساءه؛ حتى لا يرثن، فجيء به إلى عمر فقال: (لتراجعن نساءك، ولتسترجعن أموالك، أو لأمرن بقبرك أن يرجم) . أي: أنه ما فعل ذلك إلا ليحرم زوجاته. فإذا كانت زوجته في ذمته فلا يحرمها من حقها لاسيما إذا كان كبيراً مترقباً للموت، فعليه أن يترك المال حتى يقسم قسمةً شرعية، أما فعله هذا فيعتبر ظلماً؛ لأنه ما قصد من ذلك إلا حرمان الزوجة.

حكم تبيين الخاطب لأهل المرأة أنه مريض بالسكري

حكم تبيين الخاطب لأهل المرأة أنه مريض بالسكري Q رجلٌ مصاب بمرض السكري ويريد الزواج، فهل يجب عليه أن يخبر من يريد الزواج منهم، وجزاكم الله خيراً؟ A إذا كان هذا المرض لا يعوقه عن الاستمتاع ولا يعوقه أيضاً عن الإنجاب فلا يلزمه الإخبار، أما إذا كان في التقارير أنه لا يحصل منه الإنجاب، أو لا يحصل منه كمال الاستمتاع فلابد أنه يبين أمره للزوجة. وكذلك أيضاً ليس هو مرضاً وراثياً، أو أنه ينتقل ويعدي كما يقولون، بل هذا ليس بصحيح.

حكم ضرب الطبل أو الدف للنساء في الأعراس

حكم ضرب الطبل أو الدف للنساء في الأعراس Q تقام في بعض الأعراس عند النساء ما تسمى بضاربة الطبل أو الدف، فهل يجوز أن تذهب نساؤنا إلى مثل هذه الأعراس، وجزاكم الله خيراً؟ A الضرب بالدف جائزٌ في الأعراس، وقد يكون مندوباً، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف) ، وقال: (فرق ما بين النكاح والسفاح الضرب بالدف) ، ولعل السبب فيه إظهار الفرح والسرور. وأما إذا كان معه طبول أو أصوات موسيقية أو أغانٍ ماجنة، أو تغنجٌ وأهازيج ونحو ذلك مما لا يحل، فننصح بعدم حضوره للنساء.

الجمع بين حديث: (لا عدوى ولا طيرة) وحديث: (وفر من المجذوم فرارك من الأسد)

الجمع بين حديث: (لا عدوى ولا طيرة) وحديث: (وفر من المجذوم فرارك من الأسد) Q كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) وبين قوله: (وفر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟ A جمعوا بينهما بأن قوله: (لا عدوى ولا طيرة) ، نافٍ لما كانت العرب تعتقده من أن الأمراض تعدي بطبعها، فإنهم كانوا يعتقدون أن المرض بطبيعته يعدي. فبين صلى الله عليه وسلم أنه لا ينتقل إلا بإذن الله، وقد جعل الله تعالى المخالطة سبباً، ولكن ليست سبباً أكيداً، فقد يحصل الاختلاط ومع ذلك لا تنتقل الأمراض، فنهى عن المخالطة، بألا يُورد ممرضٌ على مصح، فـ: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) مخافة أن يصيبه مرضٌ، فيعتقد صحة العدوى، وأنها كما يقول الجاهليون تعدي بطبيعتها.

الحقوق المتعلقة بعين التركة، وبيان ما يقدم من حقوق الميت والنفقات

الحقوق المتعلقة بعين التركة، وبيان ما يُقدّم من حقوق الميت والنفقات Q أشكل عليَّ تمثيل الفقهاء رحمهم الله تعالى بالحقوق المتعلقة بعين التركة بأرش جناية العبد المتعلق برقبته، فآمل منكم توضيح ذلك؟ A إذا مات الميت وله تركة: فأولاً: يبدأ بتجهيز الميت، كأجرة الحفر، والغسل، وثمن الكفن والحنوط. ثانياً: الحقوق المتعلقة بعين التركة. مثاله: إذا رهن إنسان بيتاً بدين، فهو أحق به حتى يأخذ دينه، أو رهن سيفاً من التركة فهو أحق بثمنه، فإذا استوفى دينه فالبقية بين الورثة. والفقهاء يمثلون بأرش الجناية على العبد؛ لأن الرق كان كثيراً في زمانهم. مثال ذلك: إذا كان في التركة عبد مملوك، وهذا العبد قد شج إنساناً -أي: جرحه في رأسه- فقدر جرحه بخمسٍ من الإبل، وقطع إصبع إنسان آخر فقدر الإصبع بعشر من الإبل، فهذه تكون خمسة عشر، والتركة موجودة ومنها هذا العبد، فيقدم صاحب الشجة وصاحب الإصبع في قيمة العبد، فيباع العبد ويؤخذ منه أرش الشجة، وأرش الإصبع، مقدمة على بقية أصحاب الديون؛ لأن أرشهم تعلق برقبة هذا العبد، فهم أولى بثمنه، فإن أوفاهم ثمنه وإلا فهم في بقية المال مثل بقية الغرماء، وإذا قدرت الشجاج -مثلاً- بعشرين ألفاً، وقيمة العبد عشرة آلاف فتأخذ العشرة الآلاف والعشرة الباقية يرجعون فيها إلى بقية المال ويتحاصون مع الغرماء، أي: يقتسمون المال هم والغرماء، فإن أوفاهم وإلا فلا شيء لهم.

المذي الذي ينقض الوضوء

المذي الذي ينقض الوضوء Q أحس أحياناً بخروج مذي قليل جداً بعد التفكير أو التقبيل لزوجتي، فهل ينقض الوضوء هذا المذي اليسير، مع العلم بأنه لا يخرج أحياناً إلا في أثناء الصلاة، وهل يلزمني إعادة تلك الصلاة، وجزاكم الله خيراً؟ A إذا كنت لا تحس برطوبته على فخذيك أو في ثوبك فلا تقطع الصلاة، فمجرد الإحساس من غير أن تحس برطوبته خارجاً لا يضر، وقد يكون قطع الصلاة يشق عليك ويكلفك فلا حرج بأن تستمر في صلاتك. وأما إذا تيقنت أنه خرج وأنت في الصلاة، وكان ذلك بسبب منك، أي: بسبب مداعبة أو تقبيل أو ضم أو نحو ذلك، فإنه يبطل الوضوء.

من شروط التوبة إرجاع الحقوق إلى أصحابها

من شروط التوبة إرجاع الحقوق إلى أصحابها Q رجلٌ سرق ثم تاب، وهو الآن يريد أن يرد ما سرقه إلى صاحبه، فهل يجوز له أن يرد من غير أن يعرف صاحب المال، أو ما الحل في ذلك؟ A لابد أن يرد المال إلى أصحابه الذين أُخذ منهم سرقةً أو اختلاساً أو نحو ذلك، فإن كان يعرفهم أوصله إليهم بأي وسيلة ولو بواسطة، بأن يعطيه ولد أحدهم ويقول: أعط هذا أباك فإنه من نصيبه، أو يعطيه أحد أصدقائه ويقول: أوصله إلى فلان فإنه مال له عندي أو ما أشبه ذلك، ولا تبرأ ذمته إلا بإيصاله، فإن جهلهم تصدق به عنهم.

حكم بنت العمة من الرضاع

حكم بنت العمة من الرضاع Q ابنةٌ رضعت من عمتي، فهل يكون والدي خالٌ لها ويحق له السلام عليها، أفتونا مأجورين؟ A كلمة العمة عند العامة قد تطلق على زوجة الأب، فإن كان يريد زوجة أبيه اعتبرت أخته، أي: أن هذه التي رضعت من زوجة أبيه تكون قد رضعت من لبن أبيه فتكون أخته، فإذا كانت أخته كانت عمة أولاده. أما إذا أراد أنها رضعت من عمته التي هي أخت أبيه، فإنها لا تحرم عليه، بل تكون ابنة عمته، وبنت عمته تحل له كابنة عمه، يحل له أن يتزوج بنت عمته كابنة عمه.

حكم حبس الكتب الموقوفة

حكم حبس الكتب الموقوفة Q نحصل أحياناً على بعض الكتب الموقوفة لله عز وجل، ولكن قد يمر عليها عدة سنوات ولم نقرأ فيها، فهل يجوز لنا أن نتركها حتى نحتاج إليها، أم يجب علينا إخراجها لمن يستفيد منها؟ A نظراً لكثرة الكتب وتيسرها في هذه الأزمنة وأصبحت متوفرةً في المكتبات الخيرية وفي المكتبات العامة، وكذلك المكتبات الخاصة، وأصبحت موقوفة، وكثر الذين يطبعونها ويوقفونها، نقول: إن وجدت من هو بحاجةٍ إلى هذه الكتب الموقوفة وسوف يقرأ فيها فلا تحبسها عندك، بل أعطها لمن يستفيدون منها، حيث إنك تذكر أنه قد يأتي عليك عدة سنوات ما فتشت فيها كتاباً. فأما إذا كان الآخرون عندهم أمثالها فلا حرج أن تحبسها حتى تحتاج إليها ولو في العمر مرة.

حكم البيع والشراء بجانب المسجد

حكم البيع والشراء بجانب المسجد Q هل صحيح أنكم تحرمون البيع والشراء من الباعة الذين يبيعون خارج المسجد؟ A يحرم ذلك إذا أقيمت الصلاة أو تضايق الوقت، فيحرم أن يبيع أو أن يُبتاع منهم. أما قبل الإقامة فلا يحرم ذلك. ولكن على كل حال الواجب أنهم لا يشتغلون بعد الأذان، بل يتفرغون للصلاة، ولمقدمة الصلاة.

اللقيط والدعي وولد الزنى لا يرثون

اللقيط والدعي وولد الزنى لا يرثون Q توفي عمٌ لي وترك إرثاً، وكان له بنتٌ وزوجة وابنٌ غير شرعي، فهل لوالدي حقٌ في هذا الإرث؟ A كأنه يقول: إن هذا الابن إما أنه لقيط، أي: تبناه وإما أنه ولدٌ له من امرأة زنى بها. وعلى كل حال لا يرث هذا اللقيط، ولا الدعي، ولا ابن المزني بها، لا يرث من الزاني، ففي هذه الحال يكون بقية المال بعد البنات وبعد الزوجة للعاصب الذي هو ابن العم أو العم، أو ابن الأخ، يعني: الأقرب من العصبة.

بيان الوقت الذي يقسم فيه الإرث

بيان الوقت الذي يقسم فيه الإرث Q ما هو الأفضل: تقسيم الإرث حال وفاة الميت، أم إبقاؤه وصرف الأرباح السنوية على الورثة إذا كانت بعض هذه الأموال مؤجرة؟ A الأولى تقسيمه إذا طلبوا القسمة، لكن إذا كان هناك أطفالٌ قاصرون فنرى عدم التقسيم بينهم، بل يترك الذي لهم جميعاً عند وكيلهم ووليهم لينفق عليهم، وعليه مع ذلك أن يتصرف في مالهم ويتجر به حتى لا تأكله الصدقات والنفقات والزكاة.

حكم منحة الوالد لبعض أولاده دون الآخرين

حكم منحة الوالد لبعض أولاده دون الآخرين Q قبل وفاة والدي منحني قطعة أرض مقابل خدمتي له، وقمت ببيعها على أحد إخوتي وتصرفت بثمنها، فهل تحق لي هذه المنحة من والدي، أفتونا مأجورين؟ A ذكر العلماء أنه لا يجوز للوالد أن يفضل أحد أولاده، لكن إذا فعل ذلك ومات قبل أن يسوي بينهم ثبتت واستقرت على ما هي عليه، وحيث إنه قد توفي وأنك قد تصرفت فيها قبل وفاته أو بعد وفاته فنرى أنها استقرت ملكاً لك.

حكم تخصيص الذكور دون الإناث بشيء من الإرث

حكم تخصيص الذكور دون الإناث بشيء من الإرث Q منحنا والدنا قبل وفاته نحن الأولاد فللاً سكنية من دون البنات، فهل تحسب هذه المساكن ضمن الإرث بالتساوي مع البنات، أم تكون مستقلة عن حق الورثة، وجزاكم الله خيراً؟ A كان الواجب على الوالد أن يسوي بين أولاده، فيعطي الإناث نصف ما يعطي الذكور من هذه المنح ونحوها، ولكن قد ذكرنا أنه يجوز التفضيل لمبرر ولسبب من الأسباب التي ذكرها العلماء. وعلى كل حال وحيث إنه قد مات وقد تُصرف فيها أو قبضت فعلى ما ذكر الفقهاء أنها تثبت، ولا يرجعون فيها، وليس للإناث شيءٌ منها.

حكم وجود شاهدين في الوصية

حكم وجود شاهدين في الوصية Q هل يشترط في الوصية المكتوبة وجود شاهدين فيها، وإن وجدت وصية مكتوبة بدون شاهدين، فهل تمضى أم لا؟ A الأولى أن يكون عليها شاهدان، لكن إذا كانت بخط يده المعروف ووجدت في حقائبه أو في حفائظه عُمل بها إذا لم يأتِ ما ينسخها وإن لم يكن فيها شهود؛ إذا عرفوا أن هذا خطه.

من هلك عن أب وأم وزوج وأخ لأم

من هلك عن أب وأم وزوج وأخ لأم Q هلك هالك عن أبٍ وأم وزوجٍ وأخ لأم، هل تُعد المسألة عمرية؛ وذلك لسقوط الأخ لأم أم لا؛ وذلك لأنه يحجب الأم، نرجو الإيضاح والله يرعاكم؟ A إذا قلنا: إنه إذا وجد اثنان من الإخوة ولو كانوا لا يرثون فإنهم يحجبون الأم، فأخوان من أم، أو أخ وأخت من أم، أو أخ من أم وأخ من أب يحجبون الأم، سواء كانوا وارثين أو محجوبين بالأب. ففي هذه الحال الجمهور على أنهم لا يرثون ويحجبون بالأب، ومع ذلك يحجبون الأم حجب نقصان.

من هلك عن بنت وابن ابن

من هلك عن بنت وابن ابن Q إذا مات الميت عن بنتٍ وابن ابن، هل يأخذ ابن الابن السدس تكملة الثلثين، أم يأخذ الباقي تعصيباً، وجزاكم الله خيراً؟ A يأخذ الباقي تعصيباً؛ لأنه لو لم يكن إلا هو فيأخذ المال كله، فالبنت تأخذ النصف لأنها أقرب، والباقي لأولى رجل ذكر، وهو أولى رجل ذكر.

معنى قول الفرضيين: (من أدلى بأنثى)

معنى قول الفرضيين: (من أدلى بأنثى) Q ذكرتم قولكم: (يدلون بأنثى) ، فما معنى هذا الكلام؟ A أي: أنها واسطتهم، فالإدلاء بمعنى التوسط. فواسطة الإخوة من الأم، الأم؛ فهي التي قربتهم، ومع ذلك ورثوا، فقولهم: (أدلوا بأنثى) أي: توسطوا بها وورثوا، وبقية الذين يدلون بإناث لا يرثون إلا أم الأم، فالجدة أم الأم واسطتها الأم، ومع ذلك ترث، ولكنها تسقطها الأم. مثلاً: أولاد الأخت، الأخت ترث وأولادها ذكوراً وإناثاً لا يرثون؛ لأن واسطتهم الأخت وهي أنثى، وكذلك أولاد البنت، ابن البنت وبنت البنت لا يرثون؛ لأن واسطتهم أنثى، فكل من كان واسطته أنثى لا يرث، إلا من استُثني.

معنى قيام الحجة على الكافر

معنى قيام الحجة على الكافر Q هناك من يقول: إن الكفار من اليهود والنصارى والمجوس لا يستوجبون دخول النار بعد موتهم إلا إذا سمعوا القرآن أو السنة، أو شيئاً من الحجج العقلية، ولا يدخلون النار إلا بعد فهم الحجة، فهل هذا صحيح؟ A لله الحجة على خلقه، فليس هناك أحدٌ إلا وقد قامت عليه الحجة، سواء بالعقل أو بالنقل، ولا شك أن هؤلاء الكفار سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو مجوساً أو وثنيين ونحوهم، كلهم قد قامت عليهم الحجة، إما ببعث الرسل إليهم وإما ببقايا دين الرسل قبلهم، فالذين قامت عليهم الحجة يعذبون إذا كفروا وأصروا، والذين لم تقم عليهم الحجة يمتحنون في الآخرة، والذين لم تبلغهم الشريعة كأهل الفترة يمتحنون في الآخرة، فمنهم من يمتثل عند الامتحان أمر الله فيكون من أهل الجنة، ومنهم من لا يمتثل فيعصي أمر الله فيكون من أهل النار. وتجدون الأحاديث في ذلك في تفسير ابن كثير عند قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] .

قضاء ترديد الأذان بعد الانتهاء منه

قضاء ترديد الأذان بعد الانتهاء منه Q هل يجوز قضاء ترديد الأذان بعد الانتهاء، وجزاكم الله خيراً؟ A لا بأس بذلك؛ لأنه من باب التدارك، فإذا كان الإنسان مشغولاً ففات عليه شيءٌ من السنن فعليه أن يبادر بقضاء ما فاته، سواء قضاء الأذان أو قضاء السنن الرواتب إذا فاتت، أو ما أشبه ذلك.

حكم قول: (شرفني الله بخدمتك)

حكم قول: (شرفني الله بخدمتك) Q (شرفني الله بخدمتك) هذه اللفظة انتشرت، فما رأي فضيلتكم فيها؟ A كلمةٌ يستعملها ويتساهل فيها بعض الناس، ولا شك أنها قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة. ولا شك أن خدمة أولياء الله والصالحين من عباده أنها فضيلة وفيها أجر، فمن شُرف بها فله أجر. وأما خدمة من ليسوا مثلهم فليس فيها شرف، بل إما أن تكون عادية مباحة أو تكون محرمة.

حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم

حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم Q ما حكم من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم من النساء؟ A وردت الأدلة في تحريم زيارة النساء للقبور بما في ذلك قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه، فالأصل أن النساء لا يزرن القبور؛ لئلا يدخلن في اللعن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) ، وهذا يدل على التحريم؛ لأن اللعن يدل على التحريم.

نصيحة لمن لا يستطيع الزواج

نصيحة لمن لا يستطيع الزواج Q أنا شابٌ لا أسمع عن الزواج إلا وتزداد شهوتي حتى في الدروس العلمية، ولا أستطيع الزواج، حيث إنني ما زلت طالباً، ولا أستطيع النفقة على زوجتي، فبماذا تنصحونني مع أنني أصوم، ولكنه لا ينفع؟ A ننصحك بأن تكثر من الأعمال التي تضعف شهوتك، مثل الاحتراف، والعمل البدني، فغالباً أنه يكون له تأثير في إضعاف الشهوة، فإذا كان الإنسان يحترف يحفر يحرث يحمل أحمالاً ثقيلة يمشي مشياً طويلاً يجوع يظمأ فإن ذلك من أسباب إضعاف الشهوة. ثم احرص على أن تعف نفسك بالنكاح الحلال، احرص على أنك تتكسب وتطلب من المال باحترافك وعملك بدنياً إلى أن تجد ما تتعفف به وما تدفعه صداقاً، حتى تزول عنك هذه الحدة.

تحذير أولياء الأمور من الفتنة والتبرج عند النساء

تحذير أولياء الأمور من الفتنة والتبرج عند النساء Q ما رأي فضيلتكم في أغلب الزواجات الآن واحتوائها على منكر عظيم، بل إنهم في زيادة، والله المستعان، والملاحظ يا شيخ! أن كثيراً من الشباب المستقيمين زوجاتهم على هذه الكيفية بالنسبة للبسها في الزواج وغيرها من المنكرات، ويقول واحد منهم: هذا عند النساء، وأنا لا شأن لي، مع أنه من المساعدين على هذا المنكر بضعف شخصيته وبماله الذي يدفعه، فهل من كلمة لهؤلاء؟ A الواجب هاهنا على النساء والرجال، فعلى الرجال أولياء الأمور الآباء والإخوة والأزواج أن يحرصوا على استقامة نسائهم، وعلى ردهن عن أسباب الشر والفساد، سواءٌ في اللباس أو في الأعمال الأخرى، فالرجل مسئولٌ عن زوجته وعن نسائه، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] ، أي: أن الرجل قائم عليها، فلا يمكنها -مثلاً- من الخروج إلى الأماكن التي يكثر فيها الزحام واحتكاك الرجال بالنساء أو مقاربتهن، أو يكثر فيها وجود الشباب المنحرف الذين يحصل منهم غمزٌ أو معاكسة أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضاً الخروج إلى المنتديات أو الملاهي حتى لا يحصل شيءٌ من التبرج والسفور والعري ومشاهدة العراة، وما أشبه ذلك. وأيضاً الأعمال البدنية، فالكثير من النساء اللاتي يعملن في وجوههن أعمالاً تلفت الأنظار، سواء من اللباس أو غيره، تعمل ما يسمى بالمكياج، أو تحمير الشفتين، أو توسعة فتحات النقاب، أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضاً إظهارها لزينتها إذا كان عليها حليٌ، كأسورة في ذراعها، وقد تخرج ذراعها وساعدها وفيه خواتيم وأسورة، فإذا أبدته مع بياض أو حمرةٍ زائدة كان ذلك من الفتنة. فلا شك أن الواجب على الأولياء أن يأخذوا على أيدي من تحت ولايتهم، كذلك أيضاً بالنسبة إلى الأمهات فعليهن مسئولية عن بناتهن ألا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وإذا اضطرت إلى أن تخرج خرجت محتشمة، متسترة؛ لئلا تكون سبباً في فتنة نفسها أو الافتتان بها.

كيفية صفوف النساء في صلاة الجماعة

كيفية صفوف النساء في صلاة الجماعة Q تقول: يحضر دروس هذه الدورة كثير من النساء بحمد الله عز وجل، ولكن نلاحظ عليهن عدم الاهتمام بالصفوف أثناء الصلاة، فتصف كل اثنتين مع بعضهن، ويتركن مسافةً بين بعضهن، فهل من كلمة لهؤلاء؟ وهل على النساء أن يقفن في جهة واحدة من المسجد، أو يقفن في وسط المسجد خلف الإمام، وجزاكم الله خيراً؟ A صفوف النساء كصفوف الرجال، وكانوا يستحبون أن تصف المرأة أول ما تأتي في الصفوف المتأخرة لحديث: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) ، وكان السبب قربه من الرجال -قرب المقدم من صفوف الرجال- ولكن لوجود وصول الصوت مع وجود الحواجز المنيعة التي لا يحصل معها احتكاك أو اختلاط أو تقارب تصبح صفوف النساء أولها أفضلها، أي: المقدم. فعليهن أن يبدأن بالصف المقدم، وأن يكون الصف من الوسط كصفوف الرجال، أي: من محاذاة الإمام ثم يكملن الصفوف الأول فالأول، وليس لهن التفرق وأن يدعن فُرجاً أو صفوفاً متباعدة، فمن خصائص النساء أن المرأة يجوز لها أن تقوم وحدها؛ لحديث مليكة جدة أنس لما صلوا قامت في صف وحدها، وهذا يدل على أن المرأة يجوز لها أن تصف وحدها، ولو لم يصف معها غيرها.

حكم بيع المدبر

حكم بيع المدبَّر Q ألم يرد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المُدَّبر، وجزاكم الله خيراً؟ A باع النبي صلى الله عليه وسلم المدَّبر، ففي حديث جابر: (أن رجلاً أعتق عبداً له عن دبر، لم يكن له غيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم النحام بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، وقال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها) . يقول جابر: عبداً حبشياً مات عام أول -عرفه جابر - ولم يكن هناك نهي عن بيع المدَّبر.

تعريف المدبر

تعريف المدبَّر Q ما هو تعريف المكاتب والمُدَّبر، جزاكم الله خيراً؟ A المدَّبر هو الذي يقول له سيده: إذا مت فأنت حر بعد موتي، أو أعتقتك عن دبر، سمي بذلك لأنه دبر حياته بالاستخدام، ودبر موته بالأجر، فهذا سبب تسميته، ثم إنه يجوز بيعه كما سمعنا، والمدَّبر إذا مات سيده أعتق، ولكن يعتق من الثلث، فإذا خرج من الثلث عتق، وإن لم يخرج عتق منه بقدر الثلث.

استخدام المبعض من العبيد

استخدام المبعض من العبيد Q هل يكون استعمال العبد والأمة الذي عتق جزء من أحدهما بنفس استعمال العبد والأمة غير المعتق جزء منه؟ A إذا عتق جزء منه أصبح مبعضاً فلا يجوز استخدامه إلا بقدر جزئه، فلو أن عبداً مملوكاً بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه وهو الثلث، والآخران لم يعتقا، والذي أعتق لم يقدر على تخليصه فأصبح ثلثه حراً وثلثاه رقيقاً، فإنه يشتغل ويحترف لنفسه يوماً، ويخدم سيده هذا يوماً ويخدم الآخر يوماً، فلا يجوز لهما أن يستخدماه طوال الزمان، فليس لهما إلا ثلثا خدمته، فيومه الذي هو يخدم نفسه له أن يتكسب، سواء في التجارة أو في حرفةٍ أو في غيرها.

الفرق بين الوصية بالعتق والوصية للعبد

الفرق بين الوصية بالعتق والوصية للعبد Q أشكل عليَّ قولكم: (الوصية بالعتق) والفرق بينها وبين الوصية للعبد؟ A الوصية بالعتق إذا قال: إذا متُ فعبدي حر، فهذه وصيةٌ بالعتق، وفي هذه الحال لا يعتق إلا إذا خرج من الثلث، فتعتبر وصية. وأما الوصية للعبد، فهو إذا قال: إذا متُ فأعطوا عبدي ثلث تركتي أو ربع تركتي، ففي هذه الحال العبد مملوك، فكأنه يوصي له، فتصح الوصية له، فإذا مات نظرنا في ثلث التركة، فإذا كان أكثر من قيمة العبد فننظر: إن كانت قيمة العبد مائة وثلث التركة مائتين أعتق وأخذ مائة؛ لأنه أُوصي له بالثلث، وإذا كان ثلث التركة خمسين وقيمة العبد مائة عتق نصفه، وهكذا.

جواز استرقاق الكفار وبيعهم إذا أسروا في الجهاد في سبيل الله

جواز استرقاق الكفار وبيعهم إذا أُسروا في الجهاد في سبيل الله Q هناك قبائل مسلمة في دولةٍ من الدول، وتقوم هذه القبائل بقتال القبائل الوثنية، وتقوم بأسر بعض النساء، فهل يجوز للمسلم أن يشتري منهم جاريةً للتسري بها؟ A يجوز ذلك، يعني: شرعاً لا مانع من جوازه إذا تحقق بأن الذين يقاتلونهم يقاتلونهم على الإسلام، بأن كانوا يدعونهم ويقولون: أسلموا وإلا قاتلناكم، ثم إذا قاتلوهم استولوا على سبيهم نساءً وأطفالاً، فإنهم يصبحون مماليك. فمثلاً: المقاتلون الآن في الشيشان معلوم أنهم يقاتلون دولة كافرة، وأن أموالهم وسبيهم حلال، فإن استولى المقاتلون على شيءٍ من السبي جاز لهم بيعه وتملكه، وجاز الشراء منهم بعدما يستولون عليه، لكن قد لا يُسمح بدخوله في كثير من البلاد الإسلامية؛ وذلك لأن الدول الإسلامية الآن كأنهم أخذوا هذه الفكرة وارتكزت في نفوسهم، هذه الفكرة هي التي يرددها النصارى ويقولون: كيف تستخدمون أمثالكم؟! كيف تستعبدون إنساناً سوياً مثلكم؟! فصارت القوانين الآن في كل البلاد تحارب الرق، والبلاد هذه منعته لأجل ما ذكر، ولو قُدر مثلاً أنه حصل قتال صحيح وسبي صحيح فلا مانع من الاسترقاق.

حكم حضور العرس الذي يشتمل على منكرات

حكم حضور العرس الذي يشتمل على منكرات Q إذا كان هناك زواجٌ وفي هذا الزواج منكرات: من ضرب الطبول، والتصوير بالكاميرا، ومن لبس النساء اللاتي يحضرن لباساً عارياً، يبين مفاتنهن، ولبس البنطال وغيره، فهل يجوز حضور هذا الزواج، ولاسيما إذا كان هذا الزواج لأخٍ لي، أفتونا مأجورين؟ A نرى أنه لا يجوز إذا كان فيه منكرات، فإذا كان فيه طبول فالطبل لا يجوز الضرب به، وإنما يجوز بالدف، وهكذا إذا كان فيه غناء فاتن، أي: أغانٍ ماجنة، أو كان فيه اختلاط الرجال بالنساء، أو فيه أن النساء يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، فيلبسن لباساً أشبه بالعري، أو كذلك فيه تصوير وإفشاء لتلك الصور؛ صور لنساءٍ متكشفات. فإن قدرت المرأة أن تغيّر وتنصح فلها الحضور، وأما إذا لم تقدر على أن تغير فعذرها واسع فلا تحضر.

الرد على من يقول: لا حاجة إلى علم أحكام الجهاد وأحكام الرق

الرد على من يقول: لا حاجة إلى علم أحكام الجهاد وأحكام الرق Q هناك من يدَّعون ويقولون: لا حاجة لنا بهذا العلم -علم أحكام العتق والرقيق- بل هو من المعدوم الآن فلا ينبغي الانشغال بتعلمه حتى يقع ذلك، فما قولكم، وجزاكم الله خيراً؟ A هذا العلم تكلم فيه العلماء، وأودعوه كتبهم، وامتلأت الكتب بما يتعلق بالعتق، وبتحرير الرقاب وغيرها، ولم ينقطع، وأشرنا إلى أنه إذا استولى المسلمون في البلاد التي فيها حروب على أسرى كفار فإنه يقع ذلك، والآن هناك حرب في الشيشان وحرب في كشمير وفي الفلبين وفي إرتيريا وفي فلسطين، فهذه الحروب حروب مع كفار نصارى، فلماذا إذا استولى المسلمون على سبيهم لا يكون رقيقاً؟ فهذا أصل الرق في الشرع، فيمكن أن يعود الرق، وأن يستعمل، وتطبق العلوم والمسائل التي يمثل بها العلماء في كل باب غالباً.

الرد على من ينكر دعاء الخطيب يوم الجمعة

الرد على من ينكر دعاء الخطيب يوم الجمعة Q قال لي أحد الإخوة: إن دعاء الخطيب يوم الجمعة للمسلمين خلاف السنة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو في الخطبة، فما رأيكم؟ A ليس بصحيح، بل الدعاء سنة لأمور: أولاً: ورد في الحديث أن في يوم الجمعة ساعة إجابة. ثانياً: رجح كثير من العلماء أن تلك الساعة هي ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنتهي الصلاة، فيكون هذا موضع دعاء عند مظنة الإجابة. ثالثاً: ما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدعو فيها، بل الأصل أنه يدعو، يدل على ذلك دعاؤه بالاستغاثة لما طُلب منه في جمعةٍ من الجمع، وقال: (اللهم أغثنا) ، وفي الجمعة الثانية دعا بكفها فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا) . فالغالب أنه يدعو في كل جمعة للمسلمين، وهذا سنة المسلمين، ذكروا أن أحد المجاهدين في عهد الصحابة كان يتحيّن وقت صلاة الجمعة فيبدأ في القتال، ويقول: في تلك الساعة يدعو الخطباء بكل جهات البلاد الإسلامية للمجاهدين بالنصر: اللهم انصر المجاهدين، فيرجى إجابة دعائهم -أي: الخطباء- لنا بالنصر إذا بدأنا القتال في تلك الساعة، مما يدل على أن هذا كان مشهوراً.

حكم التصرف في الممتلكات العامة للأمور الخاصة

حكم التصرف في الممتلكات العامة للأمور الخاصة Q رئيسٌ في إحدى الدوائر الحكومية يستعمل سيارات تلك الدائرة وبعض موظفيها أو عمالها لمصلحته الخاصة، ويمنح أراضي بعد موافقة ولي الأمر لأقاربه وإن كانوا ليسوا من أهل هذه المدينة، فهل عمله هذا جائز؟ وهل يجوز أخذ هذه الأراضي التي يوزعها على أقاربه، وجزاكم الله خيراً؟ A الواجب على من اؤتمن على أمانة أن يؤدي هذه الأمانة. فمدراء ورؤساء الدوائر مؤتمنون على ما يصرف لهم من السيارات، أي: أنهم يستعملونها في الأمور الإدارية التي تحتاجها الإدارة، أي: بما تحتاج إليه تلك الإدارة من نقليات أو شراء أدواتٍ أو ما أشبه ذلك. وأما استعمالهم لها في الأغراض الخاصة كنقل أولاده أو في شراء أغراضه الخاصة به أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك خيانة للأمانة. وهكذا أيضاً لا يجوز له تشغيل موظفي الحكومة في أغراضه الخاصة، يعني: الخادم الذي هو خادم في المكاتب لا يحق له أن يقول له: اذهب إلى السوق واشترِ لي غرض كذا وكذا وأوصله إلى داري، أو انقل أولادي من المدرسة إلى المنزل؛ لأنه ليس مملوكاً له أو خادماً له، وإنما خادم للمكتب. وهكذا أيضاً إذا فوّض إليه توزيع أراضٍ فليس له أن يستبد بها ويعطيها أخصاءه، بل عليه أن يقدم من هو أحق من المواطنين، ويعطي كل مستحق ما يستحقه، ويسوي بينهم، ولا يقدم هذا لقرابته أو نحو ذلك.

حكم مد الأرجل إذا كان أمامها مصاحف

حكم مد الأرجل إذا كان أمامها مصاحف Q نرى بعض الإخوة يمدون أرجلهم وأمامها المصاحف، فهل هذا العمل جائز؟ A إذا لم يكن هناك استهانة بالمصاحف لا حرج في ذلك، فالأصل أن المصاحف تكون على كراسٍ مرتفعة عن مستوى الأرض، وأن يتحقق الرفع لها لقوله تعالى: {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس:14] ، فإذا احتاج إلى مد قدميه للاستراحة من تعبٍ أو نحوه ولو كان المصحف أمامه فليس في ذلك تهاون.

حكم قتل المرأة التي تقاتل

حكم قتل المرأة التي تقاتل Q هل يجوز قتل النساء اللاتي يقاتلن المسلمين، كما هو في الوقت الحاضر؛ فإنهن من الجنود فهل يجوز قتلهن، وجزاكم الله خيراً؟ A يقولون: لا تقاتل المرأة إلا إذا قاتلت؛ لأنه ورد في الحديث أنه وجدت امرأة مقتولة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كانت هذه لتقاتل، ونهى عن قتل النساء) ، فإذا قُدر في زمن من الأزمنة أن النساء تعلمن الحرب والرمي وخوض المعارك، صارت المرأة كأنها رجل تدخل في المعركة ومعها آلات القتال إما سيف وإما بندقية وإما رشاشات وإما تقود دبابات أو نحوها، فحكمها في هذه الحال أنها تُقتل؛ لأنها من جملة المقاتلين.

حكم الجمع بين الأختين في النكاح

حكم الجمع بين الأختين في النكاح Q هل يجوز الجمع بين الأختين في الزواج إذا كانت الأخرى من الأب؟ A لا يجوز نكاح أختين، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء:23] ، أي: لا يجمعهما زوج واحد، سواء كانتا أختين من أب أو أم، أو شقيقتين أو متفرقتين، فلا يجوز.

معنى قول المؤلف: (كل جدة أدلت بأب بين أمين)

معنى قول المؤلف: (كل جدة أدلت بأب بين أمَّين) Q نريد أن تبينوا لنا معنى قول المؤلف: (كل جدة أدلت بأبٍ بين أُمين) ؟ A أي: عندك أم أب أم، فالأب أصبح بين أُمين: أم أب أم، فهذا الأب أبو الأم هو جدك أبو الأم ولا يرث، فأمه كذلك لا ترث، ويُسمى الجد الذي من قبل الأم، أي أن أبا الأم من ذوي الأرحام، فجعله -كما سمعنا- من ذوي الأرحام، وكذلك أمه من ذوي الأرحام، فهي جدة أدلت بأبٍ بين أُمين، ذكرها الناظم بقوله: وكل من أدلت بغير وارث فما لها حظٌ من الموارث وكذلك إذا أدلت بجدٍ رابع، يعني: لأن عندهم أن الجدات لا يرثن إلا أم أم، وأم أب، وأم جد، وأما أم أبي الجد فلا ترث، إنما ترث أم الجد القريب.

حكم اصطحاب الخادمة في السفر

حكم اصطحاب الخادمة في السفر Q يوجد عندنا خادمة مسلمة ونريد أن نسافر، فهل يجوز لنا أن نأخذها معنا؟ A يجوز ذلك إذا خيف عليها وتكون مع النساء؛ لأنها إذا كانت أجنبية وليس هناك أحد تجلس عنده، وليس هناك لها محارم، وإذا تركوها في المنزل خيف عليها، أو تركوها عند أحدٍ من الناس خافوا عليها، ففي هذه الحال يجوز للضرورة لاسيما إذا كانوا محتاجين لها.

حكم الأخذ من اللحية، وبيان حدودها

حكم الأخذ من اللحية، وبيان حدودها Q ما حكم ما يفعله بعض الناس من الأخذ من لحيته من جهة الرقبة، ومن أعلى من جهة الخد، هل يجوز هذا العمل؟ A الشعر الذي على الرقبة أو تحت الحنك ليس من اللحية، اللحية: ما نبت على اللحيين، واللحيان هما: منبت الأسنان السفلى، فالحنك الأسفل ما نبت عليه يُسمى لحية، فما نبت على الوجنتين أو قرب منهما أو على الأسنان العليا فليس من اللحية، وما نبت تحت الحنك ليس من اللحية أيضاً.

حكم طهارة المصاب بالسلس

حكم طهارة المصاب بالسلس Q هل من يحس بالرطوبة في ثيابه أثناء الصلاة يقطع صلاته، مع العلم أنه مصاب بالسلس، أفتونا مأجورين؟ A إذا كان مصاباً بالسلس فهو معذور، فيتطهر عند دخول الوقت بعد الأذان ثم يصلي على حسب حاله. وكثيراً ما تحدث الوسوسة عند بعض الشباب، فيخيل إلى أحدهم أنه أحدث بخروج ريح، أو يخيل إليه أنه تقاطر منه بول، وتلك في الحقيقة تخيلات ليست بصحيحة، وعلامة ذلك: أنه لا يجد ذلك إلا أثناء الصلاة، أو بعدما يتوضأ للصلاة، ولا يحس بذلك في الضحى أو في أوقات غير أوقات الصلاة، فهذا دليلٌ على أنها توهمات وتخيلات.

ميراث الجد من جهة الأم

ميراث الجد من جهة الأم Q توفي شخص وليس له ورثة ولكن له جد من جهة الأم، فهل يرث وما نصيبه؟ A الجد أحياناً في مثل هذه الحال يكون من ذوي الأرحام، فذوو الأرحام ينزلون منزلة من أدلوا به، فالجد أبو الأم يدلي بالأم، فهي واسطته فينزل منزلتها، ولو لم يكن عندنا إلا أم أعطيناها المال كله فرضاً ورداً، فرضها الثلث والباقي بالرد. كذلك أبوها الذي أدلى بها وهو الجد أبو الأم، فيأخذ المال كله فرضاً ورداً.

حكم قول القائل: (الله يخلف علينا؛ صرنا كلنا مطاوعة)

حكم قول القائل: (الله يخلف علينا؛ صرنا كلنا مطاوعة) Q أبي يردد أحياناً هذه الكلمة: (الله يخلف علينا؛ صرنا كلنا مطاوعة) ، وهو يقصد أن هؤلاء الشباب ليسوا بشجعان، فكيف أوجه أبي حينما يقول هذه المقالة، وهل هذا من الاستهزاء بالدين، وجزاكم الله خيراً؟ A يكون هذا على حسب النية، ولا شك أن مثل هذه الكلمات يرددها بعض الناس كأنهم ينظرون إلى واقع حال أهل زمانهم، ولكن لا نحملها على أنها سخرية بالدين أو سخرية بغيره، وإنما هي من الكلمات التي يكثر استعمالها تأسفاً على ما مضى، أو تأسفاً على فقد الناس الذين هم أكفأ أو نحو ذلك. ولا شك أن مثل هذه الكلمة فيها شيء من التنقص، فإذا كان يقصد بذلك أن هذا عيب فهي شيء من السخرية، وأما إذا كان يقصد بذلك أنهم صاروا كذلك ففي هذه الحال إنما الأعمال بالنيات.

تحول صغائر الذنوب إلى كبائر

تحول صغائر الذنوب إلى كبائر Q هل الذنوب والصغائر تتحول إلى كبائر؟ وهل الإصرار على حلق اللحية من كبائر الذنوب؟ A ذُكر عن ابن عباس أنه قال: (لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار) ، فمن أصر على الصغائر فمعنى ذلك أنه احتقر هذا الذنب، وإذا احتقره واستصغره فإنه يصير كبيرة؛ لأنه يحتقر ما حرم الله وما نهى الله تعالى عنه. ومن ذلك الاستمرار على حلق اللحية باعتقاد أنه ذنب يسير، ولا شك أنه مع الاستمرار والاحتقار له ينقل إلى كبيرة من الكبائر التي لا تغفر إلا بالتوبة، وكذلك بقية الذنوب ولو كانت صغيرة كالإسبال والكبرياء وما أشبه ذلك.

حكم من طاف من داخل الحجر

حكم من طاف من داخل الحِجْر Q رجلٌ حج هو وزوجته، فلما طافا طواف الإفاضة طافا من داخل الحِجر جاهلين بالحكم، فماذا عليهما، مع العلم أنهما لم يعلما بحكم المسألة إلا بعد الرجوع إلى بلادهم، أفتونا مأجورين؟ A لا يجزئ هذا الطواف؛ لأن الحِجر جزءٌ منه من البيت، فكأنهما لم يطوفا بالبيت كله وإنما طافا ببعضه، لكن نقول: إذا كان طواف الوداع طوافاً كاملاً فلعله يكفي عن طواف الإفاضة. بمعنى: أنهما طافا للوداع من وراء الحِجر كما يطوف الناس، ويمكن أنهما طافا؛ لأن غالباً طواف الوداع يكون فيه زحام شديد فيطوفون من بعيد، فعلى كل حال يجزئ طواف الوداع عن طواف الإفاضة؛ لأنه يصدق عليه أنه طاف بالبيت، ولو كانت نيته أنه للوداع، حيث بطل طواف الإفاضة. أما إذا كان طواف الوداع مثل طواف الإفاضة أيضاً من داخل الحِجر؛ فإننا نقول: إنهما لم يكملا حجهما، وإن زوجته لا تحل له حتى يرجعا ويطوفا؛ لأنهما لم يتحللا التحلل الثاني.

الأولى عدم الخوض في المسائل التي فيها شيء من الغرابة

الأولى عدم الخوض في المسائل التي فيها شيء من الغرابة Q قرأت أن بعض أهل العلم نفى أن يلامس الله -أي: يماس- شيئاً من مخلوقاته، وبعضهم أثبت ذلك مستدلاً بالحديث الذي فيه: (أن الله خلق الجنة بيده) ، والحديث الذي فيه: (أن الله خط التوراة بيده) ، فما الصحيح في ذلك، وجزاكم الله خيراً؟ A الأولى عدم الخوض في مثل ذلك، فالمسائل التي فيها شيء من الغرابة فالأولى البعد عنها، وعدم الخوض فيها. ونحن نعتقد أن الله تعالى يخلق ما يشاء، وأنه يقول للشيء: كن، فيكون، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ، وأن خلقه بيده كما يشاء؛ لقوله: (كتب التوراة بيده) ، ولقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] ، خلقه كما يشاء، سواءً قلنا: إنه مماسة أو قلنا إنه كما يشاء، فالأولى أن نقول: يخلق ما يشاء وكما يشاء.

حكم دعاء الأموات

حكم دعاء الأموات Q ما حكم أن يسأل رجل الميت أن يسأل الله له، فقال بعضهم: إنه شركٌ أكبر، وقال بعضهم: إنه بدعة وليس بشرك، فما الصحيح في ذلك، أفتونا مأجورين؟ A لا شك أنه شرك، فدعاء الأموات شرك؛ لأن الأموات كما ذكر الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف:191-192] إلى أن قال: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:195] ، فدعاء الميت يكون شركاً.

حكم إرث الولد من والده إذا مات في حادث سيارة كان الولد هو السائق لها

حكم إرث الولد من والده إذا مات في حادث سيارة كان الولد هو السائق لها Q شابٌ يسوق السيارة ومعه والده فوقع حادث فمات الوالد، فهل يرث الابن؟ A المشهور أنه لا يرث إذا كان عليه نسبة من الخطأ، ولو قليلة؛ لأنه في هذه الحال يلزمه دية، لو مات معه أموات يلزمه دية أو نسبة من الدية، وكذلك تلزمه الكفارة، فلا يرثه في هذه الحالة. أما إذا لم يكن عليه نسبة من الخطأ، وكان الخطأ على الطرف الثاني أو نحو ذلك فإنه يرث.

حكم طواف الوداع بعد السفر بمدة يومين

حكم طواف الوداع بعد السفر بمدة يومين Q عندما رجعنا من منى إلى مكة لم أطف طواف الوداع، وذهبت إلى جدة ثم رجعت اليوم الثاني ليلاً وطفت طواف الوداع، فهل عليَّ شيء؟ A ليس عليك شيء إذا رجعت وطُفت، ذكر العلماء أنه لو سافر مسيرة يومين أنه يرجع، بمعنى أنه سار يومين في ذلك الوقت الذي يكون السير فيه على الإبل ثم رجع، أي: أنه ما ودع إلا بعدما خرج بأربعة أيام، فيعتبر إذا غاب أربعة أيام في جدة ثم رجع وودع.

غلط من يقول: إن الأخ لأب ليس من ذوي الأرحام

غلط من يقول: إن الأخ لأب ليس من ذوي الأرحام Q يقول بعض العامة: إن زيارة الخال والخالة والعم والعمة أفضل من زيارة الأخ لأب، وأن الأخ من الأب ليس من الرحم، فهل هذا صحيح؟ A ليس كذلك، والأخ من الأب والأخت من الأب من الورثة، يرثون إما بالفرض أو بالتعصيب، وأما الأخوال فلا يرثون إلا مع الرحم، وفي كل حال كلهم من ذوي الأرحام.

أبناء الابن محجوبون بالابن

أبناء الابن محجوبون بالابن Q رجل توفي، وقبل وفاته توفي له ذكر وأنثى من أبنائه، وبقي له ثلاثة ذكور وثلاث إناث، فهل لأبناء الميتين مطالبة أعمامهم بأخذ شيء من التركة؟ A الأعمام الأحياء هم الذين يرثون، أما الأموات فلا يرثون ولا يرث أبناؤهم، لكن الأولى للميت هذا قبل أن يموت أن يوصي لأولاد بنيه الذين ماتوا وهو حي؛ حتى لا يحرموا من المال، وعلى كل حال هذا هو الأقرب، أما الإلزام فليس بلازم.

حكم الإنصات للقرآن

حكم الإنصات للقرآن Q إذا كان القرآن يُقرأ في السيارة ونحن نتحدث، فهل يلزمنا الإنصات أم نغلقه، وجزاكم الله خيراً؟ A عليكم أن تنصتوا لعموم الآية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:204] فإنه يدخل فيه سماع القرآن في الإذاعة ونحوه، وإذا لم تكن منصتاً له فالأولى أنك تغلقه، سواء من شريط أو من إذاعة، فإذا كنت تمشي في السيارة أو في المنزل فإن فتحت القرآن فاستمع له وأنصت.

حكم النفقة على الزوجة إذا رفضت السفر معه

حكم النفقة على الزوجة إذا رفضت السفر معه Q رجل تزوج من خارج بلده وبقي معها مدة، ثم طلب من زوجته السفر معه إلى بلاده فرفضت، مع أنه قد شرط عليها السفر، وله منها ابنان يرسل لهما النفقة شهرياً، ويسأل: هل تلزمه النفقة على زوجته بالرغم أنها رفضت السفر معه، وجزاكم الله خيراً؟ A يرجع إلى الشروط؛ فإن كان قد اشترط عليها أنها تأتي معه إلى بلده فامتنعت سقطت نفقتها، وأما نفقة أولاده فلا تسقط حيثما كانوا، وأما إذا كان لم يشترط أو هي التي اشترطت أنها تبقى، أي: تزوجته بشرط أنه لا يخرجها من بلدها فلها شرطها، وليس له والحال هذه أن يلزمها بأن تأتي معه إلا برضاها، وإذا امتنعت فهي قد اشترطت أنها تبقى في بلادها، وفي هذه الحال عليه نفقتها.

حكم بيع الأسهم التجارية إلى أجل

حكم بيع الأسهم التجارية إلى أجل Q لدي أسهمٌ في إحدى الشركات تساوي ستين ألف ريال، فجاء شخصٌ وقال: بعنيها بمائة ألف إلى سنتين، علماً أنه ما اشتراها إلا لقصد بيعها وأخذ ثمنها، فهل هذا من الربا؟ A لا يكون من الربا، ولكنه من الأشياء التي نهي عنها، ورد أنه صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الدين بالدين، أو بيع الكالئ بالكالئ) ، ففي هذه الحال يكون هذا السهم ديناً؛ لأنه من شركة غير مقبوض، وأنت إذا اشتريته تشتريه بدين؛ لأن ثمنه مؤجل، فيكون بيع دين بدين، أي: غائب بغائب، فلا يجوز، عملاً بحديث: (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) . أما إذا حضر أحد الثمنين فلا مانع إذا بعته بثمنٍ نقداً، فلو قلت: أنا أملك بهذه الشركة سهماً أو مائة سهم، أي: تملك جزءاً معلوماً منها، كواحد في الألف أو واحد في مائة ألف، أو اثنين من ألف ألف، ثم اتفقتم على الثمن فهذا الثمن يجب أن ينقده لك وتحيله على الشركة وينزل منزلتك في استحقاق الأرباح، فيجوز ذلك إذا سلَّم الثمن.

الخلاف في إرث الجد مع الإخوة

الخلاف في إرث الجد مع الإخوة Q أشكل عليَّ فهم قولكم: (وهذا ما عليه الفتوى) فلم أعرف ما هو المقصود بهذه الكلمة؟ A تقدم هذا في مسألة الجد والإخوة، يعني: أن فقهاء المذهب الحنبلي يورثون الإخوة مع الجد، وكذلك فقهاء المالكية وفقهاء الشافعية يورثون الجد مع الإخوة، ولكن اللجنة الدائمة وهيئة كبار العلماء اختاروا القول الثاني وهو: أن الجد يُسقِط الإخوة، فصارت الفتوى على أنهم لا يرثون معه. وكذلك المسائل التي فيها خلاف.

مدى صحة القاعدة: (الشروع في النوافل يصيرها فرائض)

مدى صحة القاعدة: (الشروع في النوافل يصيرها فرائض) Q ما رأيكم حفظكم الله في القاعدة الأصولية: (الشروع في النوافل يصيرها فرائض) ؟ A ما أظنها صحيحة، فهذه القاعدة على الإطلاق لا تكون إلا في الحج أو العمرة، فإذا شرع الإنسان في الحج أو العمرة فإنها تصير فريضة يلزمه إتمامها؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] ، فلا يجوز له إبطالها. وأما إذا شرع في صيام التطوع فيجوز له أن يقطع صومه، لما ورد في الحديث: (المتطوع أمير نفسه) ، فله أن يفطر إذا عرض له عارض، وكذلك أيضاً الصلاة -على الصحيح- إذا شرع فيها وعرض له عارض فله أن يقطعها، كما لو أقيمت الصلاة وخاف أن تفوته ركعة أو نحو ذلك فله أن يقطعها، وأما إذا رجا أنه يتمها فلا يقطعها؛ لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] .

حال حديث: (أنا وارث من لا وارث له، والخال وارث من لا وارث له)

حال حديث: (أنا وارث من لا وارث له، والخال وارث من لا وارث له) Q ما صحة حديث: (أنا وارث من لا وارث له، والخال وارث من لا وارث له) ، وهل الخال يرث؟ A الحديث مشهور بلفظ: (الخال وارث من لا وارث له) ، وأما أول الحديث فليس بصحيح، إنما فيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك ديناً أو ضياعاً فعليَّ وإليَّ، ومن ترك مالاً فلورثته) ، فحديث: (الخال وارث من لا وارث له) حديث مشهور يعمل به كثير من العلماء، ولم يعمل به آخرون كالشافعية؛ لأنه ما ثبت عندهم.

حكم عقد الأجرة من غير منفعة

حكم عقد الأجرة من غير منفعة Q عندنا في بلادنا يطلب من الشركات التي لديها بضاعة كبيرة أن تستأجر مخازن، والسؤال: يأتي مندوب الشركة التي تريد استئجار المحل ويطلب ورقة من مكتب العقارات فقط دون المنفعة بثلث القيمة، يعني: إذا أراد استعمال المخزن فإنه يستأجره بثلاثين ألف مثلاً، وبدون استعمال المخزن يدفع عشرة آلاف سنوياً، فهل يجوز أن نعطيه ورقة العقد؛ لأن الحكومة تطالب بذلك، وجزاكم الله خيراً؟ A لا بأس أنكم تعقدون الأجرة معه كمخزن، إما أن تلزموه بالضرائب التي تأخذها الحكومة، وإما أن تسقطوها عنه وتقومون أنتم بدفعها، سواء كان اتفاق مع مندوب الشركة أو كان مع مديرها، فإذا اتفقتم على تحديد الأجرة فلا مانع من الزيادة فيها مقابل أنكم تدفعون ما تطلبه الدولة أو النقص منها، مع الالتزام بأنه يدفع، فتقولون مثلاً: هذا يساوي ثمانين ألفاً، والدولة تأخذ منا عشرة، فإما أن تلتزم بتسعين ونحن ندفع للدولة، وإما أن تلتزم بثمانين وتدفع للدولة، فإذا اتفقوا على ذلك جاز. وأما إذا كان القصد به التحيل فلا يجوز؛ لأن هذا يصير خداعاً، أعني أن بعض الموظفين يصرف لهم بدل سكن كالمتعاقدين، ثم إنه يتفق مع صاحب العقار على أنه دفع له، يعني: يقول: أنا سأدفع لك يا صاحب العقار عشرين ألفاً وهو ما دفع له شيئاً، أو دفع له عشرة، وكتبها عشرين وقال: اكتب أني دفعت لك عشرين وأنا أعطيك خمسة مني، اكتبها عشرين حتى أستلم، فيكتبها عشرين ألفاً، وهو ما دفع إلا عشرة أو خمسة عشر، فهذا تحايل لا يجوز.

حكم حفظ الأصول الثلاثة

حكم حفظ الأصول الثلاثة Q سمعنا من بعض المشايخ أنه من الواجب على كل مسلم ومسلمة حفظ شرح الأصول الثلاثة، وهل الإنسان إذا مات يُسأل عن الدليل؟ A إذا فهم ذلك فليس واجباً حفظ النصوص، إنما الواجب الفهم والاعتقاد، واجب على كل المسلمين أن يعترفوا بأن الله تعالى هو ربهم، وهو خالقهم، وهو معبودهم، فإذا فعلوا ذلك فلا يلزم أن يحفظوا قوله: (ربي الله الذي رباني، وربى جميع العالمين بنعمته) ، فليس واجباً عليهم أن يحفظوا هذا النص. كذلك عليهم جميعاً أن يدينوا بالإسلام، وأن يكونوا كلهم من الذين يعترفون بأنهم مسلمون، وليس واجباً عليهم أن يعرفوا أو يحفظوا قوله: (الإسلام: الاستسلام لله بالتوحيد) إلخ، بل إذا اتفق أنهم اعترفوا بأنهم مسلمون وأنهم يدينون لله تعالى بالطاعة فلا يلزم حفظ النصوص ونحوها. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [66]

شرح أخصر المختصرات [66] شرع الله تعالى الطلاق وأباحه عند الحاجة، وجعله بيد الرجل، وفي إباحته رحمة وحكمة، والطلاق له أحكام كثيرة من حيث وقوعه وعدمه، وشروط صحته، وصريحه وكنايته، وطلاق السنة وطلاق البدعة، والتوكيل فيه، وغير ذلك من الأحكام.

مقدمة عن أهمية تعلم العلم والعمل به وتعليمه

مقدمة عن أهمية تعلم العلم والعمل به وتعليمه نحمد الله ونشكره، ونثني عليه ونستغفره، ونسأله المزيد من فضله، ونسأله أن يعلمنا ما جهلنا، وأن يبصرنا بأمور ديننا، وأن يهدينا سواء السبيل. نذكركم أنكم -والحمد لله- تعملون عملاً صالحاً في مثل هذه الدورات؛ وذلك لأن مواصلة التعلم والحرص على التلقي عمل بر، عمل صالح يهدي به الله تعالى من أراد به خيراً؛ تكتب به الحسنات، وترفع به الدرجات، ويكتب الله أهله في حملة العلم الذين يحبهم ويحبونه، فهنيئاً للذين يواصلون أوقاتهم بعضها ببعض حتى يستفيدوا من حياتهم في هذه الإجازة التي يتوقف فيها الكثير من الناس عن الدراسة النظامية، والإجازة تضيع على كثير من الناس، بحيث إنهم إما يضيعونها في لهو وسهو وجلوس وتسكع في الأسواق وعمل غير مرضي، أو يضيعونها في رحلات وأسفار لا أهمية لها ولا يستفيدون منها فائدة تعود عليهم بالخير، أو يضيعونها في أمور دنيوية، أو لو استفادوا من أمور الدنيا لكن يفوتهم الخير الكثير؛ وذلك لأن هذه الأيام لابد أن يحاسب عليها العبد، فمن صنع جزءاً من عمره في غير فائدة فإنه يحاسب، وفي الحديث: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) . فالسؤال عن العمر هو أولها، يعني: سواء كان كهلاً أو شاباً أو شيخاً، يسأل عن عمره في أي شيءٍ شغله، ويسأل أيضاً عن شبابه في أي شيءٍ شغله وصرفه، فإذا كان قد صرفه في خير أجاب بجواب نافع مفيد، وأما إذا صرفه في اللهو والسهو فإنه يكون في ذلك متحسراً ولا يجد جواباً. ومن أفضل ما يصرف الشاب أيامه وأشهره فيه التعلم، سيما تعلم العلوم الشرعية، فإنها مفيدة للإنسان في حياته، والعلوم الشرعية يحبها الله تعالى، وتبصر الإنسان في حياته، ويكون بها عالماً كيف يعمل؛ وذلك لأن علمه له نتيجة وله ثمرة. ونحن نحسن الظن بإخواننا الذين توافدوا من بلاد بعيدة إلى هذه الدورة، ونقول لهم: هنيئاً لكم أن تجشمتم المشقات، وجئتم من بلاد بعيدة، وقصدكم بذلك أن تستفيدوا من حياتكم، وأن تعملوا عملاً صالحاً يرفعكم الله تعالى به درجات، ويجزل لكم به الثواب العظيم، فهذا فضل الله تعالى ونعمته عليكم، فلكم بذلك فضل كبير، ونوصيكم أولاً بحسن النية؛ لأن النية إذا كانت حسنة صالحة وفق الله العبد للعمل الصالح، فانو بهذا التعلم رفع الجهل؛ فإن الإنسان خلق جاهلاً كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:78] ، فالإنسان خلق جاهلاً، والجهل نقص، فيزول هذا النقص بالتعلم، حيث أعطانا الله السمع والبصر واللسان والفؤاد وهي من وسائل التعلم، فمن حسن النية أن تنوي رفع الجهل. ومن حسن النية أن تنوي حمل العلم الذي حمله شرف وحمله فضيلة. ومن حسن النية أن تنوي العمل بهذا العلم؛ حتى تعمل على بصيرة، وعلى نور وبرهان. ومن حسن النية أن تنوي نفع نفسك؛ حيث تعمل بالعلم ويقبله الله منك، وتثاب على هذا العلم الذي تعلمته. ومن حسن النية أن تنوي ميراث الأنبياء، بأن تكون من ورثة علمهم الذين ورثوه، ومن أخذه أخذ بحظ وافر. ومن حسن النية أن تنوي نفع الناس الجهلة الذين يحتاجون إليك وإلى أمثالك، وهم كثيرون في البلاد، فقد يتعلم فرد العلم الشرعي، ويرجع إلى بلدة يغمرها الجهل، ويكثر الجهل في أهلها، فلذلك إذا تعلم وفقه الله تعالى وعلّم أهل بلده، واستفاد واستفادوا منه ونفعهم، وكان له أجر كبير على تعلمه؛ حيث إنه يبث ما معه من العلم، ويفقه الأمة ويدعوهم إلى الله: (ومن دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء) ، وفي الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) . ونوصيك أيضاً بمواصلة التعلم؛ فإن العلم كثير ليس له نهاية، وهذه المدة التي تتعلمها في هذه الدورة قليلة بالنسبة إلى بقية الحياة، لا تنال فيها إلا جزءاً يسيراً من العلم، وأنت تعرف أن هذه العلوم تعتبر مبادئ، وأن كل علم له فروع وله شروحات، فإذا انتهيت من هذه الدورة فعليك المواصلة بقراءة الشروح والتعاليق والحواشي، والحرص على استظهارها، وعلى تذكر معانيها حتى تبقى هذه المعلومات، وعليك التزود فيما بعد إلى نهاية الحياة، وتذكر وصية بعض العلماء الذي يقول: اطلب العلم من المهد إلى اللحد؛ يعني إلى الموت، وما ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: مع المحبرة إلى المقبرة، أي: نحمل المحبرة التي هي الدواة نكتب من مدادها الفوائد، ولا نفارقها إلا إذا متنا: مع المحبرة إلى المقبرة، وأشباه ذلك. فكل هذا دليل على أنه لا بد من مواصلة التعلم، وأن الإنسان مهما بلغ من العلم، فإن علمه قليل. وليس كل العلم قد حويته أجل ولا العشر ولو أحصيته لو عمرت مائة سنة ما وصلت إلى عشر العلوم، ولكن الله تعالى جعل بعض العلوم فريضة يلزم تعلمها والعمل بها، وجعل البقية نافلة إذا تعلمها كان من حملة العلم الذي قد يحتاج إليه. والعلوم منها: ما هو فرض عين: وهي الأشياء التي كلف بها العبد أن يعمل بها، ومنها ما هو فرض كفاية: وهي العلوم التي يلزم الأمة أن يتعلموها ويحملوها. موضوعنا هذا هو موضوع الفقه في الدين، الذي هو تعلم الأحكام؛ وذلك لأن العلماء رحمهم الله لما قرءوا النصوص من الكتاب والسنة؛ استخرجوا منها الأحكام، وجعلوها في هذه الكتب، وسموها: الفقه؛ الذي هو الفهم، واستنباط الأحكام من الأدلة، وذكر كل مسألة قد يحتاج إليها؛ فدونوها في هذه الكتب وسموها: كتب الفقه. وتعرفون ما فيها من الخلاف بين العلماء المجتهدين، حيث إن هناك أقوالاً للأحناف الذين هم على مذهب أبي حنيفة، وخالفتها أقوال ومسائل لمن هم أتباع مالك، وخالفتها أيضاً أقوال لأتباع الشافعي، وخالفتها أقوال لأتباع الإمام أحمد بن حنبل، وهذا الاختلاف الذي وقع بينهم الأصل أنه بسبب الاجتهاد، وسبب اختلاف الآراء، وسبب اختلاف الأفهام، وقد يكون سببه أيضاً وقوع خلاف بين الأدلة، والمحققون يجدون جواباً على اختلاف الأدلة، فيجمعون بينها حتى لا يكون بينها اختلاف؛ وذلك لأن مصدرها واحد؛ لأنها إما من كتاب الله وإما من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فالاختلاف الذي يكون بينها يمكن الجمع بينه، وإذا لم يمكن حرصوا على أن يجمعوا بينها بأية وسيلة، وقد مر بنا أمثلة لهذه المسائل التي وقع فيها خلاف. نحن الآن في أواخر كتاب الأحكام من هذا الكتاب الذي هو: أخصر المختصرات، وهو من أخصر كتب الفقه، اختصره مؤلفه من زاد المستقنع، وزاد عليه بعض الجمل، ونقص منه كثيراً؛ فهو قد اختصره لمن يريد أن يحفظه والذي يفهمه يكون عنده علم بمجمل الأحكام الفقهية التي يحتاج إليها في هذه الحياة الدنيا.

الطلاق أحكام ومعان

الطلاق أحكام ومعان قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الطلاق: يكره بلا حاجة، ويباح لها، ويسن لتضررها بالوطء، وتركها صلاةً وعفةً ونحوهما. ولا يصح إلا من زوج ولو مميزاً يعقله. ومن عذر بزوال عقله، أو أكره، أو هدد من قادر فطلق لذلك؛ لم يقع. ومن صح طلاقه صح توكيله فيه وتوكله، ويصح توكيل امرأة في طلاق نفسها أو غيرها. والسنة أن يطلقها واحدةً في طهر لم يجامع فيه، وإن طلق مدخولاً بها في حيض أو طهر جامع فيه؛ فبدعة محرم ويقع، لكن تسن رجعتها. ولا سنة ولا بدعة لمستبين حملها، وصغيرة، وآيسة، وغير مدخول بها. ويقع بصريحه مطلقاً، وبكنايته مع النية، وصريحه لفظ طلاق وما تصرف منه، غير أمر ومضارع ومطلّقة بكسر اللام. وإن قال: أنت عليَّ حرام، أو كظهر أمي، أو ما أحل الله عليَّ حرام، فهو ظهار ولو نوى طلاقاً، وإن قال: كالميتة أو الدم، وقع ما نواه، ومع عدم نية ظهار، وإن قال: حلفت بالطلاق وكذب دين ولزمه حكماً. ويملك حر ومبعَّض ثلاث تطليقات، وعبد اثنتين. ويصح استثناء النصف فأقل من طلقات ومطلقات. وشرطَ تلفظ، واتصال معتاد، ونيته قبل تمام مستثنًى منه، ويصح بقلب من مطلقات لا طلقات. وأنت طالق قبل موتي تطلق في الحال، وبعده أو معه لا تطلق، وفي هذا الشهر أو اليوم أو السنة تطلق في الحال، فإن قال: أردت آخر الكل، قبل حكماً، وغداً أو يوم السبت ونحوه تطلق بأوله، فلو قال: أردت الآخر لم يقبل، وإذا مضت سنة فأنت طالق، تطلق بمضي اثني عشر شهراً، وإن قال: السنة، فبانسلاخ ذي الحجة] . الطلاق في اللغة: يراد به فك الشيء المربوط، وحلّ الرباط ونحوه، يقولون: أطلق البعير فهو مطْلَق ومطَلَّق؛ يعني غير مربوط بعد أن كان مربوطاً، طلّق رباط البعير أو الشاة ونحو ذلك؛ وسمي بذلك لأنه بعد حله ينطلق، يعني: يذهب حيث يريد. والطلاق في الشرع: اسم لمفارقة الزوجة وإطلاق صراحها، سماه الله تعالى بذلك في قوله: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] ؛ ولذلك تسمى هذه السورة: سورة الطلاق، وذكر أيضاً في البقرة في قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227] ، وفي قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} [البقرة:228] ، وفي قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] ، إلى قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، وغير ذلك من الآيات. والمراد به: إطلاق صراح المرأة، فالزوجة بعد عقد النكاح يلزمها أن تكون مقيَّدة مع زوجها، فلا تقدر على معصيته في نفسها ولا أن تذهب إلا بإذنه، ويحل له الاستمتاع بها، فهي معه في عصمته وفي ذمته، فإذا كرهها فإن له رخصة في أن يفارقها، ويسمى هذا الفراق: طلاقاً.

حكم الطلاق

حكم الطلاق ذكر العلماء أن الطلاق تتعلق به الأحكام الخمسة: يباح للحاجة، ويكره بلا حاجة، فالطلاق يباح للحاجة، ومالمراد بالحاجة؟ إذا تضررت المرأة مثلاً، أو كره الرجل خلق المرأة، أو سوء معاملتها؛ فإنه يكون مباحاً؛ لا ثواب منه ولا عقاب، ويكره لغير الحاجة، فإذا كانت الحالة مستقيمة بين الزوجين وكل منهما يسير سيراً مستقيماً مع الآخر؛ فإن الطلاق يكون مكروهاً ولو كان حلالاً، جاء في الحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ؛ فيكون حلالاً ولكنه مكروه، لماذا؟ لأنه يفرق بين الزوجين، ولأنه قد يفرق بين الأولاد وأحد أبويهم، ولما فيه من إضاعتها؛ فالزوجة متى طلقت فإنها قد يكره النّاس عشرتها ونكاحها، يقولون: ما طلقت إلا وفيها ضرر، أو أنها غير صالحة، وهكذا أيضاً قد يتضرر الزوج، ولا يرغب فيه أحد، حيث يقولون: إنه كثير الطلاق، أو يطلق بلا سبب؛ فلذلك يكون الطلاق مكروهاً من غير حاجة، وإن كان واقعاً. ويستحب الطلاق لتضررها، فإذا تضررت الزوجة، وليس التضرر خاصاً بأن يضرها الجماع، بل حتى إذا كانت تتضرر بسوء خلق الزوج، إذا كانت تكرهه لسوء خلقه ولسوء معاملته؛ بحيث إنه إذا أمسكها تضررت وتمنت فراقه، حتى ربما تبذل له من مالها ليطلقها، وهو الخلع، بحيث تحتاج إلى المخالعة، فإذا وصلت إلى هذه الحالة، وصارت تتمنى الفراق؛ استحب له أن يطلقها سواء كانت تتضرر بكثرة الجماع منه، أو تتضرر بسوء معاملته أو ما أشبه ذلك. وكذلك إذا ساءت أخلاقها، أو رآها لا تصلي؛ استحب أن يطلقها، أو رآها قليلة ديانة، أو ليست عفيفة، يخشى أن تفسد نفسها؛ فتفسد عليه فراشها، أو تدخل عليه من ليس من أولاده إذا كانت متهمة بالفاحشة، ففي هذه الحال يستحب له فراقها حتى يسلم من هذه المصائب وما أشبهها.

من يصح منه الطلاق

من يصح منه الطلاق من الذي يصح منه الطلاق؟ ورد في الحديث: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) ، وهو الزوج الذي يملك الاستمتاع بامرأته، فهو الذي يطلق، فلو طلّق أبوه ما وقع، ولو طلق ابنه أو أخوه ما وقع، إلا إذا وكّل، لا يصح الطلاق إلا من الزوج، وإذا كان الزوج صغيراً غير مميز لا يقع طلاقه، وأما إذا كان قد بلغ سن التمييز، وكان في نحو سن العاشرة، وعرف أن الطلاق يسبب مفارقة الزوجة؛ فإن له -والحالة هذه- أن يطلق، ويقع طلاقه ولو كان دون البلوغ.

موانع الطلاق وتعذر وقوعه

موانع الطلاق وتعذر وقوعه متى لا يقع الطلاق؟ إذا كان الزوج معذوراً كزوال عقله -فلو شرب مسكراً جاهلاً، ولم يعلم أنه حرام، فطلاقه لا يقع؛ لأنه يتكلم بما لا يعقل. واختلف فيما إذا طلق وقد تعمد السكر، هل يقع طلاقه أم لا؟ معلوم أن السكران يهذي في كلامه ولا يعقل ما يقول، حيث إن هذا السكر غطّى عقله ومعرفته. أكثر العلماء يقولون: إنه يقع؛ لأنه تعمد شرب المسكر؛ فيقع الطلاق عقوبة له، ولأنه يعرف ما يترتب على شرب المسكر: كالغيبوبة وزوال العقل وزوال المعرفة، فهو كأنه مقدم على هذا الأمر؛ فيقع عقوبة له، قال أكثر العلماء: يقع طلاق السكران، واختار بعض المحققين أنه لا يقع؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وبه كان يفتي شيخنا ابن باز رحمه الله؛ وذلك لأنه في تلك الحالة لا يدري ما يقول، والله تعالى يقول: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43] ، وهو لا يعلم ما يقول، فكلامه لا يحاسب عليه، ومعلوم أنه سيقام عليه الحد الذي هو الجلد أو السجن أو نحو ذلك، فلا نؤاخذه بالطلاق حال سكره. وبعض الناس يستحلون ما يقدرون عليه من أموال السكران، فبعض السكارى -والعياذ بالله- إذا سكر خرج وجعل يمشي بين الناس وفي الأسواق، فإذا أشار مثلاً إلى صاحب سيارة وركب معه، وعرف السائق أنه سكران، أخذ ما معه، فيسلبه ما معه ولو كان ألفاً أو ألوفاً، وربما يأخذ ما معه مما هو ثمين كساعة أو نحوها، فهذا حرام، لأنه أخذ ماله في غفلته وهو لا يدري، وهكذا بعض هؤلاء إذا دخلوا بيت إنسان، ورأوا أنه سكران؛ فإنهم يسلبون ما عنده من المال، ويقولون: إنه حلال لنا؛ لأنه سمح لنا وأعطانا، وهذا حرام. ولاشك أنه يستحق العقوبة الشديدة؛ حيث إنه تعاطى ما يزيل عقله، ولكن كوننا نستحل أمواله أو نأخذ منه ما ليس حقاً لنا، فهذا لا يجوز، أما إذا كان عقله زال بعذر؛ بمعنى: أنه شرب وهو لا يدري، أو مثلاً بنج أي: ضرب ببنج أزال شعوره، فتكلم بما لا يعقل وطلق؛ فإنه لا يقع. وهكذا المكره، وهو الذي ألجئ على التلفظ بالطلاق وهدد، وكان الذي هدده إذا قال فعل؛ يعني: أنه قادر على إلحاق الضرر به، فطلق لذلك، فلا يقع طلاقه، فإذا أكرهه سلطان أو رئيس، أو جاء أهل المرأة إليه فقالوا: طلق وإلا قتلناك، أو قال له أحد أوليائها الذين يريدونها لأنفسهم: طلق وإلا قتلناك، وهددوه بالسلاح، وهم قادرون، ومعهم الأسلحة، فطلق بناءً على كلامهم، فالأصل أنه مغلوب على أمره، فالمكره قد أبيح له أن ينطق بكلمة الكفر، قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] ، فكل ما فيه شيء من الإكراه لا يقع به الطلاق. يحكى أن رجلاً رأى عسلاً في قمة جبل، ولا يوصل إليه إلا من الأعلى، فقال لامرأته: إني سأتدلى بهذا الحبل إليه، فأمسكي هذا الحبل، فأمسكته وتدلى، ولما كان في نصف الطريق متدلياً قالت له: طلقني وإلا أطلقت الحبل حتى تسقط، ولو أطلقته سقط من قمة الجبل ولن يصل إلا قطعاً، فخوفها بالله فلم تقبل؛ فطلقها، ولما صعد ذهب إلى عمر وسأله فقال: راجع امرأتك، لا يقع مثل هذا الطلاق، هذا مثال على الإكراه.

من يصح توكيله في الطلاق

من يصح توكيله في الطلاق من صح طلاقه صح توكيله فيه وتوكله، ومن لا يصح طلاقه فلا يصح توكيله، فلو قال رجل: وكلتك أن تطلق زوجة ابني، فهل تطلقها وقد وكلك أبوه؟ ما يصح، وليس لك أن تطلقها؛ لأن الأب لا يصح أن يطلق زوجة ابنه، أما إذا وكلك هو وقال: وكلتك أن تطلق زوجتي فلانة؛ فلك أن تطلقها، بشرط أن يكون الوكيل عاقلاً عارفاً بآثار الطلاق، وأن يكون الموكل عاقلاً عارفاً بآثار الطلاق، فلا بد أن يكون الوكيل والموكل كلاهما ممن يصح طلاقه. فيصح توكل العاقل البالغ الرشيد ويصح توكيله. وهل يصح توكيل المرأة لطلاق نفسها؟ يصح ذلك، فإذا قال لها: وكلتك في تطليق نفسك متى طلبت أو متى رغبت فيه، فإذا رغبت وقالت: قد طلقت نفسي وقع؛ لأنه سمح لها بتطليق نفسها، فيقع الطلاق. ويصح أيضاً أن يوكلها لطلاق غيرها، فلو وكل امرأة أجنبية وقال لها: وكلتك أن تطلقي امرأتي فلانة، وهي امرأة عاقلة عارفة، يصح أن تطلقها، فيصح أن تكون وكيلةً للطلاق، وكيلةً لطلاق نفسها، ووكيلةً لطلاق ضرتها، ووكيلةً لطلاق امرأة بعيدة.

طلاق البدعة وحكمه

طلاق البدعة وحكمه الطلاق نوعان: طلاق سنة، وطلاق بدعة. ما صفة طلاق السنة؟ طلاق السنة أن يطلقها طلقة واحدة، وأن تكون في طهر لم يطأها فيه، بل طلقها في طهر لم يجامع فيه، هذا هو طلاق السنة إذا كانت قد دخل بها. طلاق البدعة مثل: طلاق الثنتين، وطلاق الثلاث، فجمع الثلاث طلاق بدعة، واختلف هل يقع إذا طلقها ثلاثاً، كما لو قال: أنت طالق وطالق وطالق، أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أنت طالق ثلاثاً، أو قال: أنت طالق مائةً أو نحو ذلك، والجمهور على أنه يقع؛ وذلك لأن هذا هو الذي اجتمع عليه الصحابة، والأئمة الأربعة على أن من جمع الطلاق الثلاث بلفظ واحد أنه يعد طلاقاً، وأنها لا تحل له إلا بعد زوج، وخالف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: لا يقع إلا واحدة إذا طلقها بالثلاث، فقال: أنت طالق بالثلاث، أو طالق وطالق وطالق، قال: إنما يقع طلقة واحدة، لماذا خالفت الجمهور؟ لماذا خالفت الأئمة الأربعة وأتباعهم؟ يقول: إني ابتليت بالمحلل، كثر في زمانه المحلل، لو طلق الرجل امرأته ثلاثاً استأجر من يحللها له، والمحلل ملعون كما في الحديث: (لعن الله المحلِّل والمحلَّل له) ، ويقول: جاء في صحيح مسلم: (أن الطلاق الثلاث كانت تحسب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، وكذلك في عهد أبي بكر، وأن عمر هو الذي أجراها وجعلها ثلاثاً) ؛ فقال اجتهاداً منه: أنا أعمل بهذا الحديث، أعمل بما كان في العهد النبوي، هذا عذر الإمام ابن تيمية، وكان يفتي بذلك شيخنا ابن باز رحمه الله، فمن جمع الثلاث بقوله: طالق ثلاثاً أو طالق بالثلاث تكون واحدة، لما جاء في هذا الحديث. والعلماء أجابوا عن حديث ابن عباس الذي فيه أن الثلاث واحدة بستة أجوبة تجدونها في كتب الشروح: كسبل السلام ونيل الأوطار وغيرها، ومنها: أنه كان منسوخاً ولم يتفطن لنسخه إلا عمر. ومنها: أن الحديث مضطرب ولا يعمل به. ومنها: أن ابن عباس خالف هذا الحديث وأفتى بأن الثلاث تكون ثلاثاً، ولو كانت بلفظ واحدة، إلى غير ذلك. ثم منهم من يقول: إذا قال: طالق ثلاثاً، أو طالق بالثلاث بكلمة واحدة فهي واحدة، وإذا قال: طالق وطالق وطالق، أو طالق ثم طالق ثم طالق فإنه يقع الثلاث، يعني: لم تقع إلا طلقة واحدة إذا قال: طالق بالثلاث أو طالق ثلاثاً، بخلاف ما إذا قال: طالق وطالق، أو طالق ثم طالق فتقع الثلاث. ثم طلاقها وهي حائض طلاق بدعة، وطلاقها في طهر قد جامعها فيه طلاق بدعة، ولكن هل يقع؟ في ذلك أيضاً خلاف؛ فـ شيخ الإسلام وتبعه الشيخ ابن باز على أنه لا يقع إذا طلق وهي حائض أو في طهر قد جامع فيه، والجمهور على أنه يقع ولو كان طلاق بدعة، هذا قول الجمهور. ذكر المصنف رحمه الله هنا أنه إذا طلق مدخولاً بها في زمن الحيض أو في طهر جامع فيه فهو طلاق بدعة محرم، ويقع، ولكن تسن رجعتها، واستدلوا بحديث ابن عمر: (أنه طلق امرأته وهي حائض، فأخبر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاستاء لذلك وقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر ثم ليطلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فقوله: (فليراجعها) دليل على أن الطلاق قد وقع، وهذا معنى قوله: (تسن رجعتها) ، فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق، وهو يدل على أنه طلقها في حيض ووقعت، وأمر أن يراجعها، إذا راجعها في ذلك الحيض أمسكها، حتى إذا طهرت بعد ذلك الحيض فإنه يجامعها؛ لأن الرجعة تكون بالوطء، ثم بعد ذلك يمسكها، فإذا مضى ذلك الطهر وحاضت حيضةً أخرى وطهرت، فإن شاء طلق وإن شاء أمسك. فالنبي عليه الصلاة والسلام أمره أن يراجعها في ذلك الحيض حتى تطهر، وفي الطهر الذي بعد ذلك الحيض يطؤها فيه، ولا يطلقها في ذلك الطهر حتى تحيض حيضة غير التي طلقها فيه، فإذا حاضت أمسكها حتى تطهر، فإذا طهرت في الحيضة الثانية طلقها إن شاء أو أمسكها، وإذا تأملنا ذلك وجدنا أن الحكمة فيه تقليل الطلاق؛ لأن الشرع يكرهه، وذلك لأن الزوج إذا حاضت امرأته قد تكرهها نفسه؛ لأنه لا يقدر على الانتفاع بها والاستمتاع، فإذا طلقها وهي حائض تسرعاً منه فإنه يندم، بخلاف ما إذا أمسكها، فنقول له: أمسكها حتى تطهر، فإذا طهرت فقد تغلبه شهوته فيطؤها فإذا وطئها في ذلك الطهر قلنا له: لا تطلقها في ذلك الطهر حتى يتبين حملها، فإذا أمسكها ولم يتبين فقد يبغضها، فإذا حاضت المرة الثانية قلنا له: لا تطلقها في هذا الحيض فهو طلاق بدعة، أمسكها حتى تطهر، لا يجوز الطلاق في الحيض، فهو يمسكها مع كراهته لها، وإذا طهرت من الحيضة الأخرى فقد يندفع إليها ويجامعها، فإذا جامعها عرف أيضاً أنه لا يحل له أن يطلقها في ذلك الطهر الذي وطأها فيه، فيمسكها وربما يتغير ما في قلبه، ربما يتراجع عن عزمه على الطلاق، فيمسكها ويبقيها زوجة له، وتصلح الحال بينهما، هذا هو السبب في النهي عن طلاق البدعة. عرفنا أن طلاق الثلاث طلاق بدعة، ويقع عند الجمهور، وأن من طلاق البدعة الطلاق في الحيض، ومع ذلك يقع عند الجمهور , وأن من طلاق البدعة أن يطلق في طهر قد جامع فيه، ويقع عند الجمهور، ولا يقع عند بعض المحققين.

حكم طلاق الغضبان

حكم طلاق الغضبان مما وقع فيه الخلاف إذا طلق في حالة غضب، وهو (طلاق الغضبان) ، وقد قسم العلماء الغضب إلى ثلاثة أقسام: الأول: عند ابتداء الغضب، وهذا يقع الطلاق فيه بلا خلاف. القسم الثاني: الغضب الشديد الذي لا يذهب الإحساس، وهذا يقع الطلاق فيه عند الجمهور، وخالف في ذلك شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وألّف ابن القيم رسالة مطبوعة اسمها: إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان، ورجح أنه لا يقع. والقسم الثالث: الغضب الذي يذهب الإحساس ويسبب الإغماء والغيبوبة، فهذا لا يقع.

حكم طلاق الحامل والصغيرة والآيسة وغير المدخول بها

حكم طلاق الحامل والصغيرة والآيسة وغير المدخول بها ذكر المصنف رحمه الله الطلاق الذي لا يسمى سنة ولا بدعة فقال: (ولا سنة ولا بدعة لمستبين حملها) يعني: متى بان حملها، فإنه يطلقها متى أراد، وطلاق الحامل جائز بكل حال وليس ببدعة، ففي حديث ابن عمر أنه قال: (ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) يعني: طاهراً ليست حائضاً في طهر لم يجامعها فيه، أو حاملاً قد تبين حملها، والطهر هاهنا هو طهرها من الحيض، أي: بعد انقضاء الحيض واغتسالها بعده. ذكر عن بعض الجهلة أنه لما سمع أنه لا يطلق إلا في طهر ظن أنه لا يطلق إلا متطهراً؛ يعني: متوضئاً أو مغتسلاً، وهذا قلة فهم، والمراد طهر للمرأة، أي: وهي ليست حائضاً. وكذلك الصغيرة التي لم تحض يجوز طلاقها متى أراد، وليس لطلاقها سنة ولا بدعة؛ وذلك لأنها لا تحيض ولا تحمل، فمتى أراد يطلقها ولو في طهر جامعها فيه؛ لأنها لا تحيض، فله أن يطلقها متى شاء. وكذلك الآيسة التي قد بلغت سن اليأس يقول تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق:4] يطلقها متى شاء فليس لطلاقها سنة محددة. وكذلك أيضاً غير المدخول بها، أي: التي لم يكن دخل بها، فإن له أن يطلقها متى أراد، ولا يشترط أن تكون طاهراً أو حائضاً.

صريح الطلاق وكنايته

صريح الطلاق وكنايته ذكروا أن الطلاق له صريح وله كناية: فصريح الطلاق إذا قال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو أنت مطلقة، فيقع الطلاق بصريحه مطلقاً، وكذلك معنى الطلاق كما لو قال: فارقتك أو خلعتك أو لست في ذمتي، أو أنت لست زوجة لي أو ما أشبه ذلك، الطلاق والتسريح والفراق ورد في القرآن في قوله تعالى: {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:231] ، وفي قوله: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] ، إذا قال: سرحتك، أو أنت مسرحة، فارقتك أو أنت مفارقة، طلقتك أو أنت مطلقة؛ فهو صريح، وكذلك يكون صريحاً بلفظ (طلاق) وما تصرف منه: طلاق، وطالق، أنت طلاق، وأنت طالق، وأنت مطلقة، قد طلقتك، وما تصرف منه، إلا الأمر لا يقع به، إذا قال: اطلقي أو اسرحي، فهذا أمر لا يقع به الطلاق، وكذلك المضارع مثل: تطلقين أو تسرحين، هذا أيضاً لا يصح، لا بد أن يكون بلفظ الماضي أو بلفظ اسم المفعول مطلَّقة، أما إذا قال: مطلِّقة (بكسر اللام) فلا يقع الطلاق؛ لأنه يقصد أنت مطلقة لغيركِ. وأما الكنايات فهي كثيرة: مثل أن يقول: اخرجي، اذهبي، ذوقي، تجرعي، حبلك على غاربك، أو قال مثلاً: بتتكِ، أنت خلية، أنت برية، أنت بائن، أنت حرة، أنت حرج، فهل يقع الطلاق بهذه الكنايات التي ليست صريحة؟ يقع بالكناية إذا نوى، فيقال له: هل نويت؟ إذا قلت مثلاً: اخرجي، ذوقي، تجرعي، حبلك على غاربك، أنت خلية، أنت برية، أنت حرة، أنت حرج، هل نويت طلاقاً، أم لم تنوِ طلاقاً؟ فإن قال: قلت لها: أنت حرة؛ لأنها ليست مملوكة، أنت حرة؛ يعني: بنفسكِ، ما ملكتكِ ملكاً كما تملك الإماء. وكذلك قوله: أنت الحرج، فإن قال: لا أريد بذلك أنها محرمة علي، وإنما أريد أن أحرجها، وقولي لها: اذهبي ذوقي اخرجي، ما أريد إلا تأديبها، أما إذا قال: نعم، قد أردت فراقها؛ فإنها تطلق بهذه الكناية. إذا قال: أنت علي حرام، أو أنت كظهر أمي، أو ما أحل الله علي حرام، فهذا ظهار، يأتينا في باب الظهار كفارته هي المذكورة في أول سورة المجادلة، فإنه إذا حرم امرأته فالتحريم يعتبر ظهاراً، إذا قال: أنت علي كظهر أمي، أو كظهر أختي، أو كظهر ابنتي أو كبطنها أو كفرجها، فإن هذا أيضاً ظهار، أو ما أحل الله منكِ علي حرام؛ فهذا ظهار، فإذا قال: نويت الطلاق، نقول له: لا يقع، لكن عليك كفارة أو عليك أن تصرح بالطلاق. إذا قال: أنت علي كالميتة أو كالدم أو كلحم الخنزير، يعني: محرمة، وقع ما نواه، إن كان نوى طلاقاً وقع طلاقاً، وإن كان لم ينوِ فإنه ظهار، ومع عدم النية يكون ظهاراً. إذا قال: هلكت بالطلاق وكذب؛ فإنه يديَّن، هل أنت صدقت في أنك هالك بالطلاق؟ فإذا قال: ما أردت إلا اليمين، ما أردت الطلاق، فإنه يديَّن ويكون عليه كفارة اليمين. وأما إذا قال: حلفت بالطلاق، أو علي الطلاق من امرأتي أن أفعل كذا وكذا، وكان قد نوى الطلاق، فإنه يقع، ويلزمه حكماً ظاهراً، فإذا طالبت امرأته وقالت: إنه قد حلف بالطلاق، وقال مثلاً: إن لم تخرجي فأنتِ طالق، إن لم تركبي معي فأنت طالق، أو قال: إن خرجت مع فلان فأنت طالق، وكان يريد الطلاق؛ فإنها تطلق، فإن كان لا يريد إلا اليمين يديَّن.

عدد الطلقات للحر والمبعض والعبد

عدد الطلقات للحر والمبعض والعبد كم يملك الحر والمبعض من الطلقات؟ يملك الحر والمبعض ثلاثاً، والعبد يملك اثنتين، إذا طلق الحر واحدة فله أن يراجع؛ لأنها رجعية، فإذا طلق الثانية فله أن يراجع، أما إذا طلق الثالثة فلا رجعة بعدها حتى تنكح زوجاً غيره. وكذلك المعتق بعضه الذي ليس حراً كله؛ نصفه حر، ونصفه عبد يملك ثلاثاً، أما العبد فلا يملك إلا طلقتين، إذا طلق طلقتين لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

حكم الاستثناء من الطلاق والمطلقات

حكم الاستثناء من الطلاق والمطلقات ما هو حكم الاستثناء من الطلاق ومن المطلقات؟ يصح استثناء النصف فأقل، ولا يصح استثناء أكثر، إذا كان له مثلاً أربع زوجات فقال: زوجاتي طوالق إلا اثنتين، صح ذلك، ووقع الطلاق على اثنتين ولم يقع على اثنتين؛ لأنه استثنى النصف، وكذلك لو قال: زوجاتي الثلاث طوالق إلا واحدة، الواحدة أقل من النصف، أما لو قال: زوجاتي الأربع طوالق إلا ثلاثاً، ما يصح استثناء أكثر من النصف، أو زوجاتي الثلاث طوالق إلا اثنتين ما يصح؛ لأنه استثنى أكثر من النصف، والاستثناء يكون بالنصف فأقل. وهكذا الطلقات وصورتها أن يقول: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، كم يقع بها؟ تقع اثنتان؛ لأن الواحدة أقل من النصف، أما إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين فإنه لا يصح الاستثناء؛ لأنه استثنى أكثر من النصف، لا بد أن يكون الاستثناء بالنصف فأقل. اختلف فيما إذا زاد على ما يملك، لو قال: أنت طالق أربع طلقات إلا اثنتين، فهل يقع؟ هو ما يملك إلا ثلاث، ففي هذه الحال الصحيح أنه يصح استثناؤه، أو قال: أنت طالق عشر طلقات إلا اثنتين تطلق واحدة؛ لأنه استثنى أقل من النصف.

شروط صحة الاستثناء

شروط صحة الاستثناء متى يصح الاستثناء؟ اشترط له التلفظ أما إذا كان بالنية، فلا، مثال النية أن يقول: أنت طالق ثلاثاً، ثم قال: استثنيت واحدة بقلبي، أو زوجاتي الأربع مطلقات، وسئل بعد ذلك فقال: استثنيت فلانة، أو استثنيت اثنتين، هذا ما ينفعه؛ لا بد أن يكون الاستثناء باللفظ. الشرط الثاني: شرط اتصال المكان، وشرط النية قبل تمام المستثنى منه، الاتصال أي: لا يكون مفصولاً، صورته مثلاً: إذا قال: أنت طالق ثلاثاً، وسكت نصف ساعة أو ربع ساعة ثم قال: إلا واحدة، لا ينفعه الاستثناء، لا بد أن يكون متصلاً بالكلام. ذكر عن رجل أنه دخل على المنصور وعنده أبو حنيفة فقال له: إن أبا حنيفة يخالف جدك ابن عباس يقول: إن الاستثناء لا يكون إلا متصلاً، فقال المنصور: ما تقول يا أبا حنيفة؟ قال أبو حنيفة: إن هذا الرجل يزعم أنه ليس لكم بيعة عند الرعية، قال المنصور: لماذا؟ قال: يحلفون لكم، وإذا رجعوا إلى بيوتهم استثنوا، وصح لهم أن ينقضوا العهد؛ لأنهم قد استثنوا، فعرف المنصور أن الاستثناء لا يكون إلا متصلاً، وأقر أبا حنيفة على ذلك، والأثر الذي روي عن ابن عباس أنه كان يجيز الاستثناء ولو متأخراً، لم يثبت عنه على الصحيح، فهو أثر ضعيف، فالاستثناء لا بد أن يكون متصلاً، لكن لو سكت للتنفس صح، كما لو قال: أنت طالق ثلاثاً، ثم وقف يتنفس ثم قال: إلا واحدة، فهذا اتصال مكان. ولا بد من النية قبل أن يتم المستثنى منه، فلو قال: أنت طالق ثلاثاً، وما كانت نيته الاستثناء، ولكنه لما أكمل كلامه قال: إلا واحدة، فلا تنفعه؛ لأنه ما نوى الاستثناء قبل تمام الكلام.

حكم الاستثناء بالقلب

حكم الاستثناء بالقلب هل يصح الاستثناء بالقلب؟ يقول المصنف: (يصح من مطلقات لا من طلقات) ، إذا قال مثلاً: زوجاتي طوالق وله أربع، ونوى بقلبه استثناء واحدة أو استثناء اثنتين، يصح؛ وذلك لأن كلمة زوجات تصدق على اثنتين وعلى واحدة، فلا حرج في أن يستثني بقلبه من المطلقات، وأما الطلقات فلا يصح الاستثناء إلا باللفظ، ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في عدد الطلقات.

مسائل غريبة في الطلاق

مسائل غريبة في الطلاق تكلم المصنف هنا على مسائل فيها بعض الغرابة، أولاً: إذا قال: أنت طالق قبل موتي، طلقت في الحال؛ لأن الآن قبل موته، ولا يدرى هل يموت بعد دقائق أو يموت بعد سنوات أو بعد عشرات السنين؛ فتطلق في الحال؛ لأنه جعل الطلاق قبل الموت وهذا الوقت قبل موته. ثانياً: إذا قال: أنت طالق بعد موتي فهل تطلق؟ ما تطلق؛ لأنها بعد موته قد بانت منه؛ لأن الموت بينونة كبرى، ومفارقة كاملة، فلا يقع الطلاق، هذا إذا قال: بعد موتي، وإذا قال: أنت طالق مع موتي هل تطلق؟ لا تطلق أيضاً، وما ذاك إلا لأن الطلاق لا بد أن يكون في الحياة، وأما حالة الموت فلا يصح. وقد ذكروا أنه لو طلقها وهو مريض، فإنها ترث منه، حتى ولو انتهت عدتها؛ لأن الغالب أنه يقصد حرمانها، فيطلقها في المرض حتى لا ترث، فالطلاق مع الموت أو مع قربه لا يقع، لكن إن كان في مرض معتاد وقع الطلاق، لكن إذا اتهم بقصد حرمانها فإنها ترث. وإذا قال: أنت طالق في هذا الشهر، متى تطلق؟ تطلق في الحال؛ لأن هذه الحال من هذا الشهر. وإذا قال: أنت طالق اليوم؛ تطلق ساعة ما يتلفظ، ولا حاجة إلى أن يؤخر الطلاق إلى نهايته. وإذا قال: أنت طالق في هذه السنة؛ تطلق حالة ما يتكلم، سواء قال: أنت طالق اليوم أو في هذا الأسبوع أو في هذا الشهر أو في هذه السنة؛ فإنها تطلق ساعة ما يتكلم. ولو قال: ما أردت طلاقها في الحال، وإنما أردت آخر الكل، يقبل حكماً؛ يعني يصدق. فإذا قال: ما أردت إلا آخر اليوم؛ فإنها تطلق عند غروب الشمس، وإذا قال: آخر الأسبوع؛ فإنها تطلق آخر يوم الجمعة، وإذا قال: آخر الشهر؛ فإنها تطلق آخر يوم ثلاثين الذي هو آخر الشهر، أو آخر تسع وعشرين إن كان الشهر ناقصاً، وهكذا آخر السنة يقبل قوله حكماً. إذا قال: أنت طالق غداً، يراد بغدٍ اليوم الذي بعد هذا اليوم، تطلق في أوله، وأول غدٍ متى هو؟ وقت إمساك الصائم، يعني: وقت طلوع الفجر، فإنه أول النهار، فتطلق وقت طلوع الفجر وتبيُّن الصبح، وقبل ذلك لو ماتت؛ ورثها، ولو مات قبلها ورثت منه؛ لأنها لا تزال زوجة، وتحد عليه ونحو ذلك. إذا قال: أنت طالق يوم السبت مثلاً، يوم السبت قيل: إنه يدخل فيه الليل، فتطلق إذا غربت شمس يوم الجمعة؛ لأن الليلة تكون من يوم السبت، ولكن الأكثرون على أنه يفرق بين يوم السبت وليلة السبت، فلا تطلق إلا في أول صباح يوم السبت بطلوع الفجر، لو قال: أردت آخر يوم السبت أي: وقت غروب شمس يوم السبت، أو قال: أردت آخر الغد كأن قال: أنت طالق غداً، وأراد بها آخر النهار قرب غروب الشمس، هل يقبل؟ لا يقبل. إذا قال: إذا مرَّت سنة فأنت طالق، كلمة سنة اسم لمضي اثني عشر شهراً، فمتى مضى اثنا عشر شهراً هلالياً فإنها تطلق، لكن في بعض البلاد يوقتون بالأشهر الشمسية أو الميلادية، فإذا كان ذلك معتاداً عندهم، فلا بد أن يمضي اثنا عشر شهراً شمسياً من الأشهر المعروفة عند أهل التاريخ الميلادي، وأما إذا قال: اثنا عشر شهراً وهو من المسلمين وبينهم، فتكون الأشهر هلالية؛ لأن هذا هو المعتاد والمعروف عند المسلمين. إذا قال: إذا مضت السنة فأنت طالق؛ السنة في اصطلاح المسلمين هي السنة الهجرية، وتبدأ بشهر محرم، وتنتهي بشهر ذي الحجة، فتطلق في آخر شهر ذي الحجة؛ لأن هذه هي السنة الهجرية، وإذا كان ممن يؤرخ بالتاريخ الميلادي، فإنها تطلق بنهاية السنة الميلادية، فقبل أن يدخل الشهر الميلادي الذي يستقبلون به السنة ويسمى: يناير تطلق، وتنتهي السنة بشهر ديسمبر. الحاصل أن مثل هذه المسائل يذكرها الفقهاء، وبعضها قالوه بالاجتهاد، ومع ذلك فإنهم يقيسون بعضها على بعض على أقل ما يليق بها، فنقول: لا يشترط أن يكون على كل جملة نصٌ أو دليل واضح، بل الأدلة تؤخذ من العمومات أو تؤخذ من المسميات، ونعرف أيضاً أن كثيراً منها خلافية أي: يوجد فيها خلاف بين الفقهاء، وإنما ذكروا ما يترجح لهم.

شرح أخصر المختصرات [67]

شرح أخصر المختصرات [67] اهتم الفقهاء بباب تعليق الطلاق بالشروط، وذكروا فيه مسائل عديدة، وفرقوا بين كثير منها بفروق دقيقة، وكل ذلك استنباط من الأدلة الشرعية وأصول اللغة العربية، ومعرفة هذه المسائل فيها تدريب لطالب العلم على الاستنباط والفتوى.

الحكمة من مشروعية الطلاق

الحكمة من مشروعية الطلاق دين الإسلام دين وسط، والأدلة على هذا كثيرة؛ ومن ذلك أنه أباح الطلاق، وأباح الرجعة، وذكروا: أن النصارى ليس عندهم طلاق، بل متى عقد على المرأة فلا يقدر على أن يتخلص منها، ويلزمونه بإبقائها مهما كانت الحال، ويشددون عليه في أن يمسكها، ولو أساءت صحبته، ولو أضرت به، ولو كانت مخالفة له في أمر العقيدة أو في أمر الديانة، ولا يقدر على أن يتخلص منها، هكذا قالوا. وإذا قدر أنه فارقها فإنهم يلزمونه بالإنفاق عليها بقية حياتها، ويقولون له: إنك أفسدت عليها حياتها، وإنك أضررت بها حيث تزوجتها ثم طلقتها، وذلك ضرر عليها، من أين تأكل؟ وكيف تعيش وقد فارقتها؟ فإما أن تؤمن لها معيشة، وإما أن تبقيها عندك ولا تفارقها، هذه ديانة النصارى، وقد انتشرت هذا الظاهرة في كثير من الدول التي تتسمى بالإسلام؛ وذلك بسبب تأثرها بالاستعمار النصراني، وقد أثر فيها مجاورة النصارى، فهذه الدول تحرم أن يتزوج الرجل أكثر من واحدة. وكذلك أيضاً يمنعون من الطلاق تأثراً بمجاورة من حولهم من النصارى. وكذلك أيضاً إذا عقد عليها فرضوا عليه صداقاً مؤخراً، ويقولون: هذا المؤخر لو قدر أنه مات قبلها، أو قدر أنه طلقها، فإن هذا المؤخر يؤمن لها حياتها، ويؤمن لها معيشتها، فهذه عادة ورثوها من النصارى. ونحن نقول: لا بأس إذا طلبت تأخير صداقها وقالت: لست بحاجة إليه الآن، أدعه كوديعة عندك متى بدت لي حاجة طلبتك، أو إذا فارقتني بموت أو بطلاق طلبته، لا بأس بهذا المؤخر، وأما اعتياده واعتقاد أنه لا يحصل عقد إلا بفرضه، فهذا يخالف ما عليه تعاليم الإسلام؛ لأنهم فرضوا شيئاً زائداً على شرع الله تعالى. إباحة الطلاق من محاسن دين الإسلام، إذا كره الرجل امرأته، ونفرت منها نفسه، أبيح له أن يطلقها، كما أنها إذا كرهته لسوء خلقه أو لسوء معاملته فلها أن تفتدي، أي: أن تدفع مالاً حتى يخلي سبيلها؛ لقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] ، وهو ما يسمى: بالخلع.

من أسباب وقوع الطلاق بين الزوجين

من أسباب وقوع الطلاق بين الزوجين كثيراً ما يحدث الشقاق والنزاع بين الزوجين، يكون أحياناً من الزوج وأحياناً من الزوجة، ويكون نتيجته الطلاق؛ ومن أعظم أسباب ذلك -والله أعلم-: سوء التربية للزوج أو للزوجة، فالزوج مثلاً ينشأ في ترف وفي سرف، وينشأ في مجتمع فاسد يألف اللهو واللعب، ويألف المعاصي والمحرمات، ويشب عليها، فإذا تزوج امرأة حصينة محصنة عفيفة أساء معاملتها أو أضر بها، مما يحملها على بغضه وكراهيته وطلب الطلاق. أحياناً يسهر مع شلة من جنسه إلى الساعة الثانية أو الثالثة ليلاً، ثم يأتي وهو مجهد، فيلقي بنفسه على الفراش، ولا يستيقظ إلا قرب القيلولة، ويتركها أول الليل وحيدة تذرف عيناها بالدموع، لا تدري أين هو، ليس عندها من يؤانسها، ولا يسمح لها أن تكون عند أهلها، ولا أن تكون عند جيرانها، فهي وحيدة ولا تدري أين هو، هل هو في بئر أو في بطن سبع؛ أو على أي شيء سَهِر؟ وسهره غالباً على معاصٍ، حيث إنه نشأ منذ ترعرع مع أولئك الفاسدين المفسدين، فيسهرون على لعب ولهو، ويسهرون على غناء وطرب، ويسهرون على أعواد وعلى دفوف وعلى طبول طوال ليلهم، وقد يسهرون على خمر وزمر ودخان وما أشبه ذلك، وقد يسهرون على مشاهدة أفلام خليعة عبر القنوات الفضائية، ينظرونها ويشاهدونها عبر الشاشات، ويكون ليلهم ضحكاً وقهقهة وتفكهاً وتسلية، كما يعبرون، وهكذا ينقضي ليله، ولا شك أنها تتألم وتتضرر إذا كانت هذه حالته. فعلى هذه الحال لها أن تطلب الطلاق، كيف تقيم زمناً طويلاً وهي وحيدة ليس عندها من يؤانسها، ولا من يزيل وحشتها؟!! وهكذا أيضاً كثير من الأزواج يكون سيئ الخلق مع امرأته، فهو يشدد عليها، ودائماً يسبها ويشتم ويثلب ويعيب ويقبح، ويمد يده ويضرب ويؤلم، وينتقدها على أقل شيء مما ينتقد، ويدقق عليها بأي شيء إذا لم تفعله، بحيث إنه إذا جاء مثلاً وتأخرت عن إحضار الطعام قام وسب وأقذع في السب، وبالغ فيه، وتكلم بكلام سيئ يقلق راحتها، ويقض مضجعها، فهذا بلا شك مما يسبب قلقها، حتى لا تصبر، وتطلب الفراق ولو كان ما كان، وتتمنى أن تعيش وحيدة ولا أن تكون قرينة ذلك الزوج. كذلك مما يسبب الفراق أيضاً أن كثيراً من الأزواج يكون شديداً على امرأته، بحيث يهجرها دائماً، ويغلق عليها، ولا يترك لها متنفساً، فلا يمكنها من زيارة أبويها ولا أقاربها، حتى ولو استدعوها، ولا يمكنها من زيارة أهل فلان كأصدقاء أو جيران لها، فهي دائماً منفردة، مغلق عليها بأشد التغاليق، فماذا تفعل؟ لا شك أنها والحال هذه لا يهنأ لها عيش، ولا يستقر لها قرار، فتكون متمنية دائماً أن تفارقه؛ لأنها تعتبر سجينة، وتعتبر نفسها في أشد الضرر؛ وذلك مما يسبب طلبها الفراق؛ بسبب الصحبة السيئة. كذلك أيضاً كثير من الأزواج سيئ الظن بامرأته، بحيث إنه يكاد أن يقذفها وأن يرميها بفعل الفاحشة، إذا رآها رفعت السماعة اتهمها أن لها أصدقاء، وإذا رآها خرجت اتهمها أنها خرجت للزنا، أو نحو ذلك، ودائماً يسألها ويحلّفها، وأدنى حركة يظن أنها فعلت مع غيره أو زنت أو نحو ذلك، مع أنها في الظاهر محصنة قد أحصنت فرجها، قد حفظت نفسها، ولكن لشدة ظنه وتشدده يقع منه هذا الظن السيئ، وقد ورد النهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث) . وهناك أسباب أخرى لعلكم تعرفونها أكثر مما ذكرنا. وأما بالنسبة للزوجة فلا شك أيضاً أنه يحصل منها أسباب تحمل الزوج على الفراق، منها: أن كثيراً من الزوجات نشأت في بيت ترف، وفي بيت إسراف، وفي بيت فساد، قد أعطاها أهلها ما تريد، وقد أطلقوا لها الحرية، وقد مكنوها من كل شيء تتمناه، فهي عند أهلها قبل زواجها تسرح وتمرح، إذا شاءت دخلت الأسواق وحدها أو مع غيرها، ولا تبالي أن تزاحم الرجال، وقد تتكشف وتتبرج أمام الرجال الذين يحتكون بها. وكذلك أيضاً قد تطول غيبتها عن أهلها، وأهلها قد أطلقوا لها الحرية، وتركوا لها الحبل على الغارب، ومكنوها مما تريد. ومنها: أن كثيراً من البنات تعيش عند أهلها فيما يسمونه بالرفاهية والتنعم، فهم يجلبون لبناتهم ما يتمنينه، فتجد البنات قد نشأن على سماع الغناء دائماً والتلذذ به، ونشأن على رؤية الصور التي تفتن، فهن دائماً مقابلات لهذه الشاشات التي تُعرض فيها الصور الفاتنة الفاضحة، والمرأة ضعيفة التحمل، فهي قد عاشت على هذه العيشة الشريرة التي عاقبتها سيئة. ومنها: تمكين أهلها لها من شراء الصور الفاتنة، والمجلات الخليعة التي فيها صور فاتنة هابطة، إذا رآها الرجل أو المرأة اعتقد أن أهلها هم أهل الرقي وأهل التقدم وأهل الحضارة وأهل الثقافة، فتقلدهم، وتفعل كما تفعل أولئك النساء اللاتي صورت صورهن في تلك المجلات متكشفات متبرجات، فماذا تكون حالتها وقد عاشت عشرين سنة أو نحوها على هذه الصور، وعلى النظر فيها؟ لا شك أنها تحب التقليد لأولئك، فهذا من أسباب فساد البنات. ومنها: أن كثيراً من البنات يمنعهن أهلهن من العمل، فإذا دخلت بيتها فليس لها عمل إلا أن تنطرح على فراش أو تقرأ في قصة، أو تنظر إلى أفلام أو صور، ولا تمد يدها لشغل، قد أراحها أهلها، واجتلبوا لها خادمة تكفيها مئونة بيتها، فهي لا تحسن أن تصلح طعاماً، ولا أن تصلح شراباً، ولا أن تغسل ثوباً، ولا أن تنظف بيتاً، ولا أن تنظف إناءً، قد اعتادت الرفاهية، واعتادت الكسل، واعتادت الخمول، ورضيت بذلك، ورضي بذلك أهلها، ولم يعلموها أية حرفة، فإذا تزوج مثل هؤلاء البنات ماذا تكون حالتهن إذا تزوجن؟! فهل في الإمكان أن تشتغل لزوجها؟ لا يمكن أنها تشتغل، سمعت قصة أوردها شيخنا الشيخ ابن حميد رحمه الله، وهي: أن رجلاً كان وحيداً هو ووالدته في بيت واسع، ثم إنه تزوج امرأة وقال: أتزوج يا والدتي امرأة تساعدك على شغل الدار، وتشتغل وتحترف معك، فلما تزوج تلك المرأة التي قد رفهها أهلها ونعموها، وعاشت في غاية التنعم، دخلت إلى بيته وبقيت على الفراش، ففي اليوم الأول قامت أمه بإصلاح الطعام وبكنس الدار، والزوجة الجديدة تنظر إليها، ثم في اليوم الثاني رأى والدته أيضاً قامت تكنس الدار وتصلحها، فقال: يا أماه! دعيني أكنس معك. يريد بذلك إثارة همة هذه الزوجة لعلها أن ترفق به وتقول: بل أنا أقوم مقامك، ولا تكلف نفسك، أنت رجل. فامتنعت أمه وصارت هي التي تكنس. في اليوم الثالث دخل وإذا أمه تكنس الدار، أيضاً حاول أن يكنس معها فأبت أمه، فأطلت هذه الزوجة الجديدة من النافذة تتفرج عليهما، فقالت: أنا أحكم بينكما: عليك أن تكنس يوماً، وعلى أمك أن تكنس يوماً! هذا جوابها!! ما تنازلت أن تنزل وتريح زوجها من هذا العمل، ففي هذه الحال ماذا تكون حالتها؟ فالرجل يتزوج المرأة من أجل أن تريحه، وأن تصلح له الطعام، فإذا جاء من عمله يجده مهيأًً، وكذلك تغسل ثوبه، وتغسل أواني بيتها وما أشبه ذلك، فإن هذا لا يضرها، بل إنه يعودها على الحركة، ويذهب عنها الخمول والكسل الذي اعتادته ونشأت عليه، وهو مما يضر بصحتها. فهذا ونحوه من أسباب الفراق، إذا تزوجها ولم يجد منها إلا خمولاً وضعف همة، وانقطاعاً عن أن تنفعه أو تنفع غيره، فلا شك أن هذا يسبب الفراق. كذلك مطالبتها بما نشأت عليه، مثل أن يحضر لها تلك المجلات الخليعة؛ لأنه لا صبر لها عنها؛ ولأنها تربت عليها، أو دخل عليها وعثر عليها عندها، فهذا مما يجلب له الظن السيئ بها، وكذلك إذا ألحت عليه في أن يجلب لها الأفلام والصور الخليعة المسجلة في أشرطة الفيديو وغيرها، أو طلبت منه أن يمكنها من شراء هذه الأفلام، فهذا أيضاً مما يسبب مقته وبغضه، لها وسرعة فراقه لها. ومنها: إذا رآها مكبة على سماع الغناء الماجن والتلذذ به، ولا همة لها في أن تصلح شأنه أو شأن بيتها، بل هي مكبة على هذا السماع واللهو، فهذا من أسباب الفراق، فيمقتها ويقول: هذه لا حاجة لي فيها، ولا منفعة لي منها، فكيف أتحمل؟! وكيف أصبر وأقوم أنا بخدمتها؟! ولا شك أن هذا من آثار تربية أهلها الذين ربوها التربية السيئة، ولم يعلموها شيئاً من عمل البيت ولا من عمل الحرفة، ونعموها، وأحضروا لها مطالبها. ومنها: كون البنت درست وواصلت الدراسة، ووصلت إلى مرحلة راقية، أصبحت جامعية أو دكتورة أو نحو ذلك، وقد يكون الرجل دونها في هذا المؤهل، فتحتقره، وتقلل من شأنه، ومن أمره، وتقول: أنا أرفع منك رتبة، وأنا أعز منك منزلة، وأنا وأنا مما يجعله يبغضها، ويعجل بفراقها. ومن أسباب الفرقة: الوظيفة، كونها موظفة في مدرسة كمدرسة أو مديرة أو نحو ذلك، أو موظفة في مستشفى كطبيبة أو ممرضة أو ما أشبه ذلك، فإن هذا أيضاً يأخذ منها وقتاً طويلاً على زوجها، وتكلفه أيضاً إيصالها أو ردها، أو تكلفه إحضار خادم أو سائق يذهب بها ويجيء، وذلك مما قد يسبب الريبة لخلوته بها، ولمخاطبته لها، ولا تلين لزوجها، بل تلزمه بذلك إلزاماً، فهذا ونحوه من آثار التربية السيئة.

علاج الأسباب المؤدية إلى الطلاق

علاج الأسباب المؤدية إلى الطلاق الواجب على الوالدين أن يربوا أولادهم ذكوراً وإناثاً التربية الصحيحة، التربية السليمة، فيربون الذكور على محبة العلم والعمل، العلم النافع، والعمل الصالح، والعبادة ومحبتها، ومحبة الصالحين، وعلى الآداب الإسلامية، وعلى الأخلاق الفاضلة العالية، ومن ذلك حسن المعاملة لأبويهم، وكذلك لإخوتهم وللمسلمين عموماً ذكوراً وإناثاً، فإن الشاب إذا نشأ على هذه التربية علم بأن عليه حقوقاً: حق لله تعالى، وحق لعباده، وحق لنفسه، وأعطى كل ذي حق حقه، وعرف أنه إذا تزوج فإنه يجب عليه حسن المعاملة لهذه الزوجة، وحسن الصحبة، والتخلق بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، وبذل الندى، وكف الأذى، وحسن المعاملة، وتجنب مساوئ الأخلاق، وإعطاؤها حقوقها، وتمكينها مما تريد مما لا محظور فيه، حتى تألفه، وحتى تعيش معه عيشة طيبة، وتجد مطلبها وراحتها، ويرزقها الله تعالى رزقاً حسناً. وكذلك الزوجة إذا تربت على ذلك كان في ذلك توفيقاً بإذن الله لكل من الزوجين، وكل منهما يعيش العيشة الطيبة، ويحيا حياة طيبة، ويسعد سعادة طيبة، هذا هو العلاج الفعال لبقاء الزوجية، وعدم المفارقة لها.

تعليق الطلاق بالشروط

تعليق الطلاق بالشروط قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ومن علق طلاقًا ونحوه بشرطٍ لم يقع حتى يوجد، فلو لم يلفظ به وادعاه لم يقبل حكمًا. ولا يصح إلا من زوجٍ بصريحٍ وكنايةٍ مع قصدٍ، ويقطعه فصلٌ بتسبيحٍ وسكوتٍ، لا كلامٌ منتظمٌ، كأنت طالقٌ يا زانية إن قمت. وأدوات الشرط نحو: "إن" و"متى" و"إذا"، وإن كلمتك فأنت طالقٌ فتحققي أو تنحي ونحوه تطلق، وإن بدأتك بالكلام فأنت طالقٌ، فقالت: إن بدأتك به فعبدي حر، انحلت يمينه وتبقى يمينها، وإن خرجتِ بغير إذني ونحوه فأنت طالقٌ، ثم أذن لها فخرجت، ثم خرجت بغير إذنٍ، أو أذن لها ولم تعلم طلقت. وإن علقه على مشيئتها تطلق بمشيئتها غير مكرهة، أو بمشيئة اثنين، فبمشيئتهما كذلك، وإن علقه على مشيئة الله تعالى تطلق في الحال، وكذا عتق. وإن حلف لا يدخل دارًا، أو لا يخرج منها، فأدخل أو أخرج بعض جسده أو دخل طاق الباب، أو لا يلبس ثوبًا من غزلها فلبس ثوبًا فيه منه، أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه لم يحنث، وليفعلن شيئًا لا يبر إلا بفعله كله ما لم يكن له نيةٌ، وإن فعل المحلوف عليه ناسيًا أو جاهلًا حنث في طلاقٍ وعتاقٍ. وينفع غير ظالمٍ تأول بيمينه. ومن شك في طلاقٍ أو ما علق عليه لم يلزمه، أو في عدده رجع إلى اليقين. وإن قال لمن ظنها زوجته: أنت طالقٌ. طلقت زوجته، لا عكسها. ومن أوقع بزوجته كلمةً وشك هل هي طلاقٌ أو ظهارٌ لم يلزمه شيءٌ] . هذا الفصل يتعلق بالحلف بالطلاق، ويتعلق بتعليق الطلاق بالشروط، هكذا يبوبون: باب الحلف بالطلاق، أو باب تعليق الطلاق بالشروط. والشروط هاهنا: هي الأمور المستقبلة، فمتى علق الطلاق أو العتق أو البيع أو نحو ذلك بشرط فلا يقع ذلك الشيء حتى يوجد ذلك الشرط، ويكثر تمثيل الفقهاء بهذا الشرط، ويقولون: متى علقه بشرط تعلق به، ولو أراد نقضه لم يقدر؛ لأن الشرط تعلق به، فلو قال: إن ولدت امرأتي ابنة فهي طالق. ثم ندم قبل أن تلد، وهي لا تزال حاملاً، وقال: أبطلت شرطي، أبطلت طلاقي، لا ينفعه؛ وذلك لأنه علقه بشيء مستقبل، فإذا ولدت أنثى وقعت الطلقة التي علق بها. وهكذا أيضاً إذا علقه بزمان مستقبل، كأن يقول: إذا دخل شهر ربيع الثاني فامرأتي طالق، وندم قبل انسلاخ هذا الشهر؛ لم ينفعه ندمه، بل تطلق بدخول شهر ربيع الثاني، ولو حاول إبطال الشرط، فإنه لا ينفعه إبطاله. وكذلك إذا قال: متى قدم زيد فامرأتي طالق، ثم ندم قبل قدوم زيد، ما نفعه ندمه، بل يقع الطلاق وقت قدوم زيد.

ضرورة التلفظ بالشرط المعلق في الطلاق

ضرورة التلفظ بالشرط المعلق في الطلاق الشرط لابد أن يكون ملفوظاً، ثم قد يكون الشرط فعلاً، كأن يقول مثلاً: إن سافرتِ بدون محرم فأنت طالق، أو أنت طالق إن ركبت مع أجنبي. وقد يقول: إنني أريد شرطاً ولم أتلفظ به، في هذه الحال هل ينفعه إذا قال: أنت طالق، ثم قال بعد مدة: أردت إذا سافرتِ؟ فقالت: أنت ما أسمعتني هذا الشرط، سمعتك تقول: أنت طالق، وسمعك فلان وفلان تقول: أنتِ طالق، فقال: إني أريد إذا سافرتِ بدون محرم، أو إذا خرجت بدون رضاي أو ما أشبه ذلك، وإنما قلته بقلبي، هل ينفعه ذلك؟ لا ينفعه إذا لم يتلفظ بذلك الشرط، وادعاه بعد ما وقع الفعل، بعدما وقع الطلاق لم يقبل حكماً، وأما إذا لم يسأل، وكانت هذه نيته، أو دلت على الشرط قرائن فإنه يُقبل؛ وذلك لأن هذا شيء بينه وبين الله، لا يعلم ما في قلبه إلا الله. فإذا قال: ما طلقتها بهذا اللفظ إلا إذا فعلت هذا الفعل: إذا سمعت أغاني مثلاً، أو إذا خاطبت أجنبياً، أو إذا خرجت إلى الأسواق بدون إذني، أو إذا تبرجت وتكشفت للناس، هذه نيتي، فيقال له: أنت ما تكلمت بهذا، سمعك فلان وفلان تقول: أنتِ طالق، أو امرأتي طالق، ولم تقل: إن خرجت، ما أتيت بالشرط، فإذاً لا يُقبل منه، إلا إذا كان ذلك بينه وبين الله، ولم يسمع الطلاق منه أحد إلا امرأته.

عدم صحة الطلاق المعلق وغيره إلا من زوج

عدم صحة الطلاق المعلق وغيره إلا من زوج قال المصنف رحمه الله: (لا يصح الطلاق إلا من زوج) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) يعني: الزوج، فإنه هو الذي يمسك امرأته وقت الوقاع، يمسك ساقها، ويمسك عضدها، الطلاق للزوج، فلو طلق عليه أبوه -مثلاً- لم يقع، لا يقول: امرأة ابني طالق، أو امرأة والدي طالق، أو امرأة أخي، لا يقع الطلاق إلا من الزوج. وقد ذكرنا أن الطلاق صريح وكناية، وصريح الطلاق كقوله: أنت طالق، أنت مطلقة، قد طلقتك، وكذلك: فارقتك، وسرحتك، وما أشبه ذلك، هذا صريح. والكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية، كناية الطلاق هي اللفظ الذي ليس بصريح، مثل: اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وأنت خلية، وأنت برية، وأنت بائن، وأنت حرة، وأنت حرج، ولست لي بامرأة، وحبلك على غاربك، وأمثال ذلك، فهذه محتملة، فإذا كان هناك نية أو هناك قرينة وقع الطلاق بالكناية.

ما يقطع التعليق في الطلاق؟

ما يقطع التعليق في الطلاق؟ قال المصنف رحمه الله: (يقطعه فصل بتسبيح وسكوت، لا كلام منتظم) . الضمير في (يقطعه) الشرط والاستثناء، يقطعه تسبيح وسكوت، فلو قال مثلاً: أنت طالق، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، إن قمتِ، إن خرجتِ، بطل الشرط، ووقع الطلاق، ولا ينفعه هذا الشرط، وكذلك لو قال: أنت طالق، ثم سكت سكوتاً يمكنه أن يأتي فيه بكلام، وبعد سكوته قال: إن ركبت مع أجنبي. لماذا لم تأتِ بالشرط ساعة ما نطقت بالطلاق؟ لا ينفعه هذا الشرط المتأخر؛ لأنه فصل بين الطلاق والشرط بالسكوت. أما إذا كان الكلام متواصلاً فإنه والحال هذه يعتبر الشرط، ومثلوا له بقوله: أنتِ طالقة يا زانية إن قمت، كلمة (إن قمت) هذه هي الشرط، وفصل بينها بقوله: (يا زانية) ، وهكذا لو دعاها باسمها، إذا قال: أنت طالق يا بنت زيد إن خرجت بلا إذني، فهذا كلام متصل، ويعتبر الشرط، ولا تطلق إلا إذا خرجت بغير إذنه.

أدوات الشرط المستعملة في الطلاق المعلق

أدوات الشرط المستعملة في الطلاق المعلق ذكر المصنف أدوات الشرط، وهي معروفة في علم النحو وغيره، لكن اقتصر هنا على ثلاث: (إن) وهي الأصل، و (متى) ، و (إذا) . مثالها: أنت طالق إن كلمتِ زيداً هاتفياً، أو أنتِ طالق متى خرجتِ بدون إذني، أنت طالق إذا ركبتِ مع سائق أجنبي. أتى بـ (إن، وإذا، ومتى) فمتى أتى بها متصلة وقع الطلاق إذا وقع الشرط، هذا هو قول جمهور العلماء، أن الطلاق المعلق يقع بوقوع ذلك الشيء الذي علقه، إذا كان ذلك في الإمكان، وأما إذا علقه بشيء غير متصور؛ فإنه لا يقع، ومثل له بعض العلماء بما إذا قال: أنت طالق إن طرتِ، أو صعدتِ السماء، أو قلبت الحجر ذهباً، أو رددتِ اليوم الماضي، أو أحييتِ هذا الميت. فهل يقع الطلاق؟ هذا شيء لا يتصور، ولا يمكن أن تقدر عليه، لا يمكن أن تقلب الحجر ذهباً، ولا أن تحيي الأموات، ولا أن ترد مثلاً يوم السبت الماضي. وأما إذا عكس ذلك فإنها تقع الطلقة، إذا قال: أنت طالق إن لم تحيي الموتى، فتطلق في الحال، أنت طالق إن لم تصعدي إلى السماء، تطلق في الحال، وأشباه ذلك.

حكم وقوع الطلاق المعلق

حكم وقوع الطلاق المعلق الطلاق المعلق عند جمهور العلماء يقع متى وقع الشرط، وهناك خلاف، فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه إذا لم ينوِ الطلاق، وإنما نوى التهديد، اعتبر يميناً، وكفاه أن يكفر كفارة يمين، وهذا هو الواقع كثيراً من الناس، فأكثر من يعلق الطلاق لا يقصد الطلاق، وإنما يقصد الحض أو المنع، يريد بذلك تهديدها، فإذا طلبها من أهلها وقال: اركبي معي، اذهبي إلى البيت، فتثاقلت فقال: إن لم تذهبي معي فأنت طالق، يقول: ما أردت طلاقها، ولكن أردت تخويفها حتى تخاف من الطلاق وتركب معي، ولكنها تمادت وعصت ولم تركب معه، هل يقع طلاقاً؟ يفتي شيخ الإسلام بأنه لا يقع الطلاق وإنما يكفر بإطعام عشرة مساكين كفارة يمين؛ فهو رحمه الله لاحظ المراد من هذا اللفظ. كذلك إذا طلب أن يزور أهله وقال: تعالي معي إلى أهلي، فتثاقلت، فقال: إن لم تركبي معي إلى أهلي فأنت طالق، يريد بذلك تخويفها حتى تطيعه، ولا تتخلف، ولكنها امتنعت، فهل يقع الطلاق؟ يقول شيخ الإسلام: عليه كفارة يمين، وهذا يقع من كثير من الأزواج، فيعتبره شيخ الإسلام يميناً، ويعتبره غيره طلاقاً معلقاً. إذا قال مثلاً: إن خرجت من البيت فأنت طالق، فقال: ما أريد طلاقها، ولكني أريد ألا تخرج من البيت أو قال مثلاً: إن ركبتِ مع فلان، أو إن كلمتِ فلاناً ولو هاتفياً فأنت طالق، ثم قال: ما أريد فراقها، ولكني أريد تهديدها حتى لا يقع منها هذا العصيان، فهذا يعتبره شيخ الإسلام يميناً، فيها كفارة اليمين، ولو لم يكن حلفاً صريحاً، ولكن كأنه حلف، كأنه يقول: والله لتذهبن معي، أو لأمنعنك أن تركبي مع فلان، أو أن تكلمي أجنبياً، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا حلفاً. ولما أفتى شيخ الإسلام بهذا وافقه كثيرون، حتى الخصوم الذين خالفوه في كثير من المسائل الفرعية والأصولية وافقوه على هذه الفكرة، وله رسالة في تعليق الطلاق بالشروط، وكون ذلك يميناً، طبعت في المجلد الرابع والثلاثين، وقد أفردت وطبعت في نسخة مستقلة، وعلق عليها، وجعل لها مقدمة، وهذا يريح كثيراً من الذين يعلقون الطلاق بشرط مستقبل، ولا يكون قصدهم إيقاع الطلاق. وأما الشيء الذي ليس باختيارها فإنه على الصحيح يقع به الطلاق، وقد مثلنا له في أول الكلام، كما لو قال: إن ولدتِ أنثى فأنت طالق، فهنا تطلق؛ وذلك لأن الذكور والإناث ليس باختيارها، وكذلك إذا قال: أنتِ طالق إذا دخل شهر ربيع الثاني، وهاهنا تطلق ولا يقال: إنه تهديد، ولا إنه حض، ولا إنه منع، وكذلك لو قال: أنتِ طالق إذا قدم زيد من سفره، فقدومه ليس باختيارها، فهذا لا يصلح تهديداً ولا وعيداً، وليس فيه حض ولا منع، فكل شيء ليس في إمكانها أن تفعله فإنه يقع، ويكون طلاقاً معلقاً بشرط، وأما الأشياء التي يكلمها به وفي إمكانها أن تفعل أو تترك فيعتبرونها يميناً، ويفتي بذلك شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وغيره من زملائه، فإذا جاءهم من يقول: إني قلت لامرأتي: إن خرجت إلى السوق فأنت طالق، ثم ندمت فماذا أفعل؟ يقولون: هل أنت تريد الطلاق أو لا تريده وإنما تريد منعها؟ فإذا قال: أنا أريد امرأتي، ولا أرغب طلاقها، ولكني أردت أن تمتنع عن هذا الخروج، فيقولون: إذاً عليك الكفارة. أما إذا قال: إني عازم على الطلاق، وأريد أن يكون آخر عهدي بها خروجها أو مكالمتها، ولا أريدها بعد ذلك، أنا أريد طلاقها، ولكن يتوقف طلاقها على هذا الفعل، فهنا تقع الطلقة أو الطلقات. بعد ذلك أتى المصنف بأمثلة: إن كلمتك فأنت طالق فتنحي أو تحققي أو نحو ذلك؛ فإنها تطلق؛ وذلك لأنه كلمها، أليس قوله: (فتحققي أو تنحي) كلام؟ نعم، فتطلق؛ وذلك لأنه علق الطلاق بكلامه، ومع ذلك أوقع الكلام، فتطلق، هذا على قول الجمهور في أن التعليق يقع به طلاق، وأما على قول شيخ الإسلام فإنه لا يقع، ويكون يميناً إذا لم يقصد الطلاق، وإنما قصد منع نفسه أن يكلمها في هذه الحال كلاماً مطلقاً. قوله: (إن بدأتك بالكلام فأنت طالق) يعني: إذا ابتدأتك بعد هذه الجملة، لكنها قالت له: (إن بدأتك به فعبدي حر. انحلت يمينه) ؛ وذلك لأنه ما بدأها، بل هي التي بدأته بقولها: إن بدأتك به فعبدي حر، فلا تطلق، حيث إنها هي التي بدأته، وأما هي فتبقى يمينها، فإذا كلمته بعد ذلك عتق عبدها؛ لأنها بدأته بعد هذا الكلام. قوله: (إن خرجت بغير إذني -أو نحو ذلك- فأنت طالق) يعني: إن خرجتِ إلى السوق، أو إلى الأندية، أو إلى الاستراحات، أو أماكن اللهو بغير إذني فأنت طالق، ثم أذن لها فخرجت، فهذه المرة ما تطلق، لكن خرجت بعد ذلك بغير إذنه، أو أذن لها ولم تعلم بإذنه لها وخرجت، في هذه الحال تطلق، المرة الأولى أذن، والمرة الثانية ما أذن، أو أذن ولم تعلم. أما إذا أبطل كلامه وقال: قد أبطلت كلامي، قد أذنت لك متى شئتِ؛ فإنها لا تطلق.

حكم تعليق الطلاق على مشيئة المرأة أو اثنين

حكم تعليق الطلاق على مشيئة المرأة أو اثنين قال المصنف رحمه الله: (وإن علقه على مشيئتها تطلق بمشيئتها غير مكرهة) إذا قال: أنتِ طالق متى شئتِ، فإذا قالت: قد شئت، أنا أريد الطلاق، أنا أشاء الطلاق، طلقت؛ لأنه علقه على فعل لها، وهذا الطلاق لا يعرف إلا من قبلها، فإذا قالت: قد شئت الطلاق، أو قد أردته، وليست بمكرهة؛ طلقت. أما إذا أكرهها أبوها، وقال: إنه أراد طلاقك، اطلبي منه الطلاق، قولي: إني قد شئت، وإلا ضربتكِ، وإلا أوجعتكِ، أو قاله أخوها لها، فأكرهوها على أن تقول: إني قد شئت الطلاق، فهاهنا هي مكرهة، وتقدم أن الإكراه يمنع وقوع الطلاق. وإذا علق الطلاق بمشيئة اثنين فلا تطلق إلا بمشيئتهما جميعاً، فإذا قال: أنت طالق إذا شاء أبوك وأمك، فقال أبوها: أنا قد شئت، وقالت أمها: أنا لم أشأ، ولا أريد أن تطلق، لا تطلق؛ لأنه علقه على مشيئة اثنين، وكذلك على مشيئة أخويها أو أختيها، إذا شاء أحدهما وقال: أنا أريد أنها تطلق، وقال الآخر: أنا لا أريد، فلا يقع الطلاق إلا بمشيئتهما جميعاً. وإن علقه على مشيئة الله تعالى تطلق في الحال؛ وذلك لأن مشيئة الله نافذة، والله تعالى يشاء كل ما في الوجود، فإذا قال: أنتِ طالق إن شاء الله. طلقت في الحال، وإذا قال لعبده: أنت حر إن شاء الله، أو أعتقتك إن شاء الله، فمتى يعتق؟ يعتق في الحال؛ لأن كل ما يقع فإنه يكون بمشيئة الله تعالى.

الحلف بالطلاق بنية الحث أو المنع أو التضمين

الحلف بالطلاق بنية الحث أو المنع أو التضمين ذكر المؤلف بعد ذلك أمثلة من الكلام الذي هو حلف؛ وذلك لأن كثيراً من الطلاق يعتبرونه حلفاً، فأتوا بهذه الأمثلة: إذا حلف لا يدخل داراً، أو لا يخرج منها، فأدخل أو أخرج بعض جسده، أو دخل طاق الباب، في هذه الحال هل يحنث؟ لا يحنث؛ لأنه ما فعل المحلوف عليه، ومثله الطلاق، لو قال: أنت طالق إن دخلت هذه الدار، فأدخلت رأسها، أو وقفت فوق الطاق، والطاق: هو الباب، إذا فتح ووقفت تحت الطاق، ما تطلق؛ لأنه ما حصل الدخول. وكذلك لو قال: والله! لا أخرج من هذه الدار اليوم، فأطل من النافذة، وأخرج رأسه أو نحو ذلك، أو وقف في طاق الباب فلا يحنث. وكذا لو قال لامرأته: إن خرجت من هذه الدار في هذا اليوم فأنت طالق، فأخرجت رأسها من نافذة أو من الباب، أو وقفت في طاق الباب، فلا تطلق، وكذلك إذا أخرجت يدها من الباب أو من النافذة. إذا حلف ألا يلبس ثوباً من غزلها، فلبس ثوباً بعضه من غزلها، وبعضه من غيره، وغزلها هو الذي تحيكه، كان النساء يغزلن الصوف، وإذا غزلنه نسج ثياباً أو فرشاً أو بيوت شعر أو نحو ذلك، إذا قال: والله لا ألبس ثوباً من غزلها ولبس ثوباً بعضه من غزلها، وبعضه من غيره، ما يحنث. وكذلك لو قال: إن لبست ثوباً من غزلها فهي طالق، ولبس ثوباً بعضه من غزلها، فلا تطلق. إذا حلف ألا يشرب ماء هذا الإناء، كان الإناء فيه ماء فقال: والله! لا أشرب ماء هذا الإناء، فإذا شرب بعضه وقد حلف ألا يشربه لم يحنث، أما إذا حلف أن يشربه وشرب بعضه حنث، فإذا شربه كله لم يحنث. وكذا الطلاق إذا قال: أنت طالق إن شربتِ ماء هذا الإناء، فإنها لا تطلق إذا شربت نصفه أو ثلثيه؛ لأنه علق الطلاق على شربه كله. أما إذا قال: أنت طالق إن لم تشربي ماءه، فإذا شربته كله لم تطلق، وإن شربت بعضه طلقت. إذا قال: والله لآكلن هذا الرغيف، أو والله لألبسن هذا الثوب أو هذه الحلة، فلا يبر إلا إذا فعله كله، ما لم يكن له نية، لو أكل بعضه حنث، وكذا لو حلف على امرأته: إن لم تأكلي هذا الرغيف فأنت طالق، فأكلت نصفه طلقت، وإن أكلته كله لم تطلق. أو قال: أنت طالق إن أكلت الرغيف، فإن أكلت نصفه لم تطلق، وإن أكلته كله طلقت. وهكذا إذا قال: أنت طالق إن لم تشربي هذا الماء، وشربت نصفه فإنها تطلق، فإن شربته كله لا تطلق. أنت طالق إن شربت هذا الإناء، يعني: إن شربته أكله. إذا كان له نية فإنها تنفعه نيته، كما لو لم يكن يتصور، لو قال مثلاً: إن شربت ماء هذا النهر فأنتِ طالق، معلوم أنه لا يتصور أن الإنسان يشرب ماء النهر الجاري كله، فعلى هذا إذا شربت منه فإنها تطلق؛ لأن القرينة تدل على أنه لا يريد شربه كله، وكذلك مثلاً لو كان الطعام كثيراً، فإذا ذبح مثلاً كبشاً، وقال: إن لم تأكلي هذا الكبش فأنت طالق. يريد بذلك: إن لم تأكلي منه، لا يريد أنها تأكله كله؛ فإن هذا متعذر.

حكم من علق الطلاق والعتاق بشيء ففعله ناسيا

حكم من علق الطلاق والعتاق بشيء ففعله ناسياً ذكروا أنه يعذر من حلف على شيء ثم فعله ناسياً أو جاهلاً، إلا في الطلاق والعتاق، فإذا قال: إن لبست هذا الثوب فامرأتي طالق، ولبسه، وقال: إني نسيت أني علقت الطلاق على لبسه، هل يقبل قوله؟ لا يقبل، بل يقع الطلاق؛ وذلك لأنه ادعى شيئاً خفياً، فنحن نعامله بالظاهر، فنقول: تطلق المرأة، وكذلك العكس، لو قال: إن لبست هذا الثوب فعبدي حر، ثم لبسه وقال: إني نسيت، أو إني جاهل أنه هو الثوب الذي علقت العتق على لبسه، فيعتق العبد؛ وذلك لأن الطلاق والعتق فيهما حق لآدمي، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، فلأجل ذلك يقع الطلاق ويقع العتاق؛ بخلاف اليمين فإنها لا تقع. ومعنى ذلك: أنه لو قال: والله! لا ألبس هذا الثوب، ثم لبسه ناسياً، فلا يحنث، والله! لا أركب هذه السيارة، ثم ركبها ناسياً ليمينه أو جاهلاً أنها السيارة التي حلف ألا يركبها، فإنه لا كفارة عليه، وما ذاك إلا لأنه معذور بالنسيان وبالجهل؛ لأن الناسي معذور، قال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، فإذا حلف أنه لا يركب فركب، أو حلف أنه لا يشرب فشرب، وقال: إني ناسٍِ أو جاهل؛ قُبل قوله ولم يلزمه كفارة، وإذا طلق أو أعتق أنه لا يركب وقال: إن ركبت فامرأتي طالق، إن شربت فامرأتي طالق أو عبدي حر، فشرب الماء، أو ركب البعير، أو أكل من اللحم الذي علق عليه طلاقاً ففي هذه الحال يقع الطلاق، حتى ولو قال: إني ناسٍ، ويقع العتاق، ولو ادعى النسيان؛ لأنه ينكر حقاً لغيره.

حكم المعاريض في الطلاق والعتاق وغيرهما

حكم المعاريض في الطلاق والعتاق وغيرهما قال المصنف رحمه الله: (وينفع غير ظالم تأول بيمينه) . التأويل: هو ما يسمى: بالمعاريض، أو تأويل الكلام بتأويل فيه غرابة، وقد ذكروا أمثلة كثيرة في بعضها غرابة، ولكن يقولون: إن فيها مخرجاً من بعض المآزم، ولا يسمى: كذباً، مثاله: في غزوة بدر لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل على بدر لقي رجلاً من المشركين، فسألوه: (ما أخبار قريش وما أخبار محمد؟ فسألهم: ممن أنتم؟ فقالوا: أخبرنا ونخبرك. فأخبرهم بما سمع عن هؤلاء وهؤلاء، ثم قال: من أنتم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء) يعني: أننا خلقنا من ماء، فظن أن هناك قبيلة يقال لها: (ماءً) وصدقهم، وليس في هذا كذب، ولكن فيه تأويل، فالتأويل ينفع إذا كان المؤول غير ظالم، وأما إذا كان ظالماً فليس له أن يتأول، فمثلاً الإنسان الذي عنده دين أو عنده مال، إذا حلف وقال: والله! ماله عندي شيء، وقال: أردت بذلك ماله عندي، وهو شيء، فصاحب المال يعتبر أن هذا حلف على النفي، ونية الحالف على الإثبات، أي: له عندي شيء. فمثل هذا يعتبر كذباً، ولا ينفعه هذا التأويل. وقد كثر التأويل من قبل أهل البدع في كثير من النصوص، واعتبروه أنه نافع، ولكن ليس بنافع لهم؛ لأنهم متأولون ما لا يحل لهم، فأول بعضهم قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] فجعلوا كلمة: (إلى) اسماً لواحد الآلاء التي هي النعم، قالوا: (إلى) -يعني: نعمة- (ربها ناظرة) وهذا تأويل بعيد. ومثال التأويل الظالم: لو قال: هل رأيت بعيري؟ فقال: والله ما رأيته، مع أنه قد تركه عنده، لماذا حلفت وهو عندك؟ قال: حلفت ما رأيته؛ يعني: ما طعنت رئته، رأيته يعني: طعنته في الرئة وأخرجت رئته، وكذلك لو قال: ما قلبته، وأراد بذلك: ما قطعت قلبه، فإن هذا تأويل باطل إذا كان المؤول ظالماً وكاذباً وسارقاً، ولا ينفعه تأويله، وأما إذا كان غير كاذب وغير ظالم فإنه ينفعه تأويله، وينفعه الكلام الذي قد يفهم منه غير ظاهره، فلا يكون في ذلك كذب. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلمات حق، وقد يفهمها بعض على غير ما هي عليه: (جاء إليه رجل فقال: يا رسول الله! احملني. فقال: أحملك على ولد الناقة، فقال: لا يطيقني، فقال: والله! لا أحملك إلا على ولد الناقة) وظن أن ولد الناقة هو البكر الصغير (فقيل له: وهل الجمل إلا ولد الناقة؟!) ، إذا حملك على جمل فالجمل ولد الناقة، فهذا من التأويل المباح. وذكر أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر في زوجها، فقال: (زوجك الذي في عينيه بياض؟ فأنكرت ذلك، فقال: بلى) ولما رجعت أخذت تنظر في عيني زوجها، وما فكرت أن المراد بالبياض: البياض الذي بجانب السواد، وكل إنسان في عينيه سواد وبياض. وكذلك -أيضاً- جاءت امرأة وقالت: يا رسول الله! ادعُ الله أن يدخلني الجنة، وكانت امرأة كبيرة، فقال: (ويحك! إن الجنة لا يدخلها عجوز، فولت تبكي، فقال: ادعوها وأخبروها أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز، إن الله يقول: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} [الواقعة:35-36] ) . فهذه أمثلة من التأويل الذي ينفع.

حكم الشك في وقوع الطلاق وعدده وما علق عليه

حكم الشك في وقوع الطلاق وعدده وما علق عليه قال المصنف رحمه الله: (من شك في طلاق أو ما علق عليه لم يلزمه) إذا قال: أنا أشك هل أنا طلقت أو ما طلقت؟! لا تلتفت إلى هذا الشك، ولا تهتم به؛ وذلك لأن الأصل بقاء الزوجية، وإذا كانت الزوجية باقية فالأصل أنه ما حدث شيء يخرجها عن كونها زوجة، فلا تلتفت إلى هذا الطلاق المشكوك فيه. وكذلك إذا شك فيما علق عليه، إذا قال: أنا طلقتها إن خرجتْ، أنا أشك هل هي خرجت أو ما خرجت، هي تنفي وتقول: أنا ما خرجت، فالأصل عدم وجود الشرط الذي علق عليه الطلاق، فلا يلتفت إلى ذلك الطلاق الذي علقه على شيء وشك في وقوعه، فلا يلزمه ذلك الطلاق. وهكذا إذا شك في العدد، قال: أنا طلقت، ولا أدري هل أنا طلقت واحدة أو اثنتين؟ أشك في ذلك! أيقن بوقوع الطلاق وشك في عدده، ما الحكم؟ يبني على اليقين، الواحدة يقين، والثانية مشكوك فيها، فيبني على اليقين وهي طلقة واحدة.

حكم من طلق امرأة ظنها زوجته فبانت أجنبية والعكس

حكم من طلق امرأة ظنها زوجته فبانت أجنبية والعكس إذا قال لمن ظنها زوجته: أنت طالق، طلقت زوجته، رأى امرأة تمشي في السوق، فظنها زوجته وقال لها: أنت طالق، وإذا هي أجنبية، هو يظنها امرأته، طلقت امرأته؛ لأن نيته تطليق امرأته، أو كذلك رآها تمشي وقال: اشهدوا أن هذه طالق، وهو يظنها امرأته، ويريد تطليقها، فيقع الطلاق. وكذلك العكس إذا رأى امرأة تمشي في السوق، وظن أنها أجنبية، فقال لها: أنت طالق، فبانت زوجته، في هذه الحالة يقول: ما كنت أظنها زوجتي، كنت أظنها امرأة من سائر النساء، ففوجئ بأنها امرأته، من العلماء من يقول: تطلق امرأته؛ وما ذاك إلا لأنه واجهها بطلاق، وإذا قال: إني ما كنت أظن أنها امرأتي، كنت أظنها أجنبية، فلا يقبل؛ وذلك لأنه يتعلق به حق آدمي، فيلزمه الطلاق الذي أوقعه بها، هكذا ذكروا. والقول الثاني: أنه لا يقع؛ وذلك لأنه ظنها أجنبية، وطلاقه للأجنبية لا يضر.

حكم من شك هل طلق أو ظاهر

حكم من شك هل طلق أو ظاهر من أوقع بزوجته كلمة وشك هل هي طلاق أو ظهار فما الحكم؟ يقول: أنا تكلمت مع امرأتي كلمة، ونسيت هل أنا قلت: أنت طالق، أو أنت محرمة علي، أو أنت كظهر أمي، أو قلت: أنت جريئة، أو أنت بريئة، أو أنت غير محترمة، أو ما أشبه ذلك، تكلمت عليها بكلمة، ونسيت تلك الكلمة هل هي ظهار، أو طلاق، أو إنكار، أو سب، أو عيب، نسيت تلك الكلمة، فماذا يلزمه؟ لا يلزمه شيء؛ لأنه ما تجرأ ولا جزم بشيء يترتب عليه طلاق أو ظهار. هذا ما تضمنه هذا الفصل، وبمراجعة الشروح يتبين ما يلحق بها من الصور.

الأسئلة

الأسئلة

حكم حضور الحائض الدورات الشرعية في المساجد

حكم حضور الحائض الدورات الشرعية في المساجد Q ما حكم حضور الحائض لمثل هذه الدورة؟ وهل لها دخول المسجد وفقكم الله ورعاكم؟ A أكثر العلماء على أنه لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد؛ وذلك لحرمته، ولكن السبب في ذلك: مخافة أن تلوثه بما يتقاطر منها من الدم، وفي هذه الأزمنة النساء يتحفظن، ولا يخرج منهن شيء، ومع ذلك الأولى أنها لا تدخل إلا في الملحقات، فإذا كان هناك ملحقات في المسجد كمكتبة مثلاً، أو غرف للحراس، أو ما أشبه ذلك، فلها الجلوس فيها.

مشروعية رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المفروضة وصفته

مشروعية رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المفروضة وصفته Q هل جاء في مسألة رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المفروضة حديث أو أثر أم أنه بدعة، أفتونا مأجورين؟ A ليس ببدعة، ورد في حديث ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: (كنا نعرف انقضاء الصلاة بالتكبير) يعني: بالذكر، يعني: أنهم بعد السلام يسبح هذا، ويستغفر هذا، ويهلل هذا، ويكبر هذا، ويحمد هذا، فيجتمع من رفع الأصوات أن يسمعها الذي خارج المسجد.

حكم الاستثناء في الطلاق بأكثر من النصف

حكم الاستثناء في الطلاق بأكثر من النصف Q إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين، هل يصح الاستثناء في هذه الحال، وكم تطلق الزوجة، أفتونا مأجورين؟ A لا يصح الاستثناء إلا النصف أو أقل، وحيث إن نصف الثلاثة واحدة ونصف، والطلاق لا يتنصف فإنها تطلق اثنتين، حيث استثنى هاتين، ولا يصلح إلا استثناء واحدة.

معنى قولهم: بالرفاء والبنين وحكمها

معنى قولهم: بالرفاء والبنين وحكمها Q ما معنى قولهم: بالرفاء والبنين؟ وما حكم هذه المقولة؟ A كانت هذه من تبريكات الجاهلية، إذا تزوج أحدهم يقولون: بالرفاء والبنين، يدعون له بالرفاء الذي هو النعمة والسرور، وبالبنين الأولاد الذكور، وجاء الإسلام بالتبريك، وكره هذه الكلمة التي هي كلمة جاهلية، فأمر بالدعاء له بالبركة، قال عليه الصلاة والسلام: (بارك الله لك، أولم ولو بشاة) ونحو ذلك.

حكم عرض الرجل موليته على من يتزوجها

حكم عرض الرجل موليته على من يتزوجها Q لي أخت تأخر زواجها، وأنا أرغب أن أعرضها على أحد الشباب الصالحين من طلبة العلم، ولكنني متردد؛ لأنها ليست على مستواه من الصلاح، فهي تسمع الغناء، وتنظر إلى الأفلام، مع أنها محافظة على صلاتها، وبارة بوالديها، فهل أقدم على هذا الموضوع أم لا، وأنا أخاف أن أظلم هذا الشاب إن تزوجها، وأخاف أن يتزوجها غيره من الفساق إن لم تتزوجه، أفتونا مأجورين؟ A الأصل أنه لا يجوز تزويجها إلا برضاها، ولكن إذا وكلت أخاها -مثلاً- وقالت: لك أن تختار لي من تراه مناسباً، وناسب أنه رأى شاباً صالحاً من الصالحين، فله أن يعرض عليه، ومع ذلك يلتمس رضاها ويقول: إني قد طلبت فلاناً فوافق، فإن رضيتِ وإلا فلا إكراه، وكذلك أيضاً يستأذن أبويه، ويذكر لهم خصال هذا الشاب، فأما حبسها حبساً طويلاً ورد الأكْفاء عنها فلا يجوز. أما إذا علم بأنها غير صالحة فلا يعرضها على الصالح، وعليه أن يخبره ويقول: إنها نشأت على سماع لهو وغناء، ولكن لعلها أن تتوب، وعليه أيضاً أن ينصحها قبل ذلك.

حكم من طلق امرأته ثم استغفر وندم

حكم من طلق امرأته ثم استغفر وندم Q ما حكم قول: أنت طالق، ثم استغفر الله، أفتونا مأجورين؟ A إذا قال: أنت طالق. يقع الطلاق، وأما استغفاره أو ندمه وقوله: قد ندمت؛ فلا ينفع.

حكم من علق طلاقه على الكلام فسلم عليها وردت

حكم من علق طلاقه على الكلام فسلم عليها وردت Q إذا قال الرجل لامرأته: إذا كلمتكِ فأنت طالق، ولم يكلمها بعد ذلك، وسافر ورجع بعد شهر، ثم قال لها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردت عليه السلام، فهل تطلق إذا كانت نيته التهديد بسبب خلاف بينهما، أجيبونا مأجورين. A إذا كان يعني بقوله: إذا كلمتك، أي: جميع الكلام حتى السلام فإنها تطلق للسلام، وإما إذا ما قصد بذلك إلا كلاماً خاصاً كأن يقول: إن كلمتك في هذا الأمر، إن كلمتك مثلاً في النفقة أو في الكسوة أو في الخروج، يعني: كلاماً خاصاً فلا يقع، إلا إذا كلمها بذلك الشيء.

حكم الطلاق بنية الحض أو المنع

حكم الطلاق بنية الحض أو المنع Q إذا قال شخص لآخر: علي الطلاق أن تدخل بيتي وتأكل عندي، فلم يدخل، فهل يقع الطلاق؟ A هذا الطلاق يقع عند الجمهور، ولكن شيخ الإسلام يعتبره يميناً إذا كان قصده الحض أو المنع، وهذا هو الذي عليه الفتوى.

حكم من قال: على الحرام ما أجتمع وزوجتي تحت سقف واحد

حكم من قال: على الحرام ما أجتمع وزوجتي تحت سقف واحد Q من قال لامرأته -وقد ذهبت إلى أهلها بدون إذنه-: علي الحرام ما يجمعني معها سقف. فما الحكم؟ A ينظر في كلمة: علي الحرام، إن أراد تحريمها فهو ظهار، وإن أراد تحريم شيء آخر فهو يمين مكفرة.

حكم من طلق زوجته إن خرجت من الدار فخرجت إلى فنائه

حكم من طلق زوجته إن خرجت من الدار فخرجت إلى فنائه Q إذا قال لزوجته: إذا خرجت من هذه الدار فأنت طالق، وكان للبيت فناء وخرجت في هذا الفناء، فهل تطلق؟ A لا تطلق حتى تخرج من الدار كلها، فإن الأفنية والملحقات من اسم الدار.

حكم وقوع الطلاق بالتوعد في المستقبل

حكم وقوع الطلاق بالتوعد في المستقبل Q رجل قال لأم زوجته: إن لم تعقل بنتك، وتصير حرمة، وإلا طلقتها، فما الحكم؟ A كلمة: إلا طلقتها، مستقبل، فلا تقع حتى يطلقها، فإن قوله: وإلا طلقتها. يعني: فيما يستقبل.

الفرق بين تعليق الطلاق بشيء مستقبل وبين الإذن وعدمه

الفرق بين تعليق الطلاق بشيء مستقبل وبين الإذن وعدمه Q ما هو الفرق بين أن يعلق الطلاق بشيء مستقبل كقدوم شهر رمضان، وبين أن يقول: إن خرجت بغير إذني، ثم غير رأيه وقال: لك الخروج بدون إذني، إذ جاز الرجوع له في الثاني دون الأول، وجزاكم الله خيراً؟ A لأن الأذن له، فهو يأذن إذا شاء ويمنع إذا شاء، وأما دخول رمضان فليس له التصرف فيه، لا يقدر أن يقول: يا رمضان! تأخر، يا رمضان! لا تأت، فإذا دخل رمضان قهراً عليه وقع الطلاق، بخلاف قوله: إن خرجت بغير إذني، فإن الإذن يملكه.

حكم من علق طلاقه على إنجاب الأنثى فأتت بأنثيين

حكم من علق طلاقه على إنجاب الأنثى فأتت بأنثيين Q من قال لزوجته: إن أنجبت أنثى فأنت طالق، فأنجبت أنثيين، فهل يقع الطلاق؟ A يقع الطلاق، لكن لو أنجبت ذكراً وأنثى في بطن واحد فإنه لا يقع؛ لأنه يريد الذكور وقد حصل ذكر.

حكم كثرة الحلف بالطلاق

حكم كثرة الحلف بالطلاق Q عندنا في السودان يكثر الحلف بالطلاق، وأحياناً يكون معلقاً مثل أن يقول: علي الطلاق ألا أدخل بيتك، أو آكل من طعامك، أو ألا أكلمك، فما حكم هذا العمل، وجزاكم الله خيراً؟ A هذا أيضاً موجود عندنا في المملكة بكثرة، وخاصة في البوادي، لا يدخل أحدهم إلا إذا طلق عليه، ولا ينزل إلا إذا طلق عليه، عليَّ الطلاق أن تنزل، علي الطلاق أن تأكل من ذبيحتي، علي الطلاق أني ما أنزل، علي الطلاق ألا أتكلم مع فلان، وهذا بلا شك من الخطأ؛ وذلك لأن فيه تسرعاً، وفيه تساهلاً، ويعرض نفسه للوقوع في الطلاق إذا لم يحصل له مقصوده، ونحن نقول: على الفتوى المشهورة: إذا لم يحصل ما طلق عليه وكان قصده الحض أو المنع كفاه كفارة يمين.

شرح أخصر المختصرات [68]

شرح أخصر المختصرات [68] من محاسن الشريعة أن أباحت الطلاق للحاجة إليه، ومن رحمتها أن منحت الرجعة بعد الطلاق، فقد يندم الزوج بعد الطلاق، أو تصلح المرأة بعده وتعود إلى رشدها، فأجازت الشريعة السمحاء الرجعة بضوابط وشروط حكيمة.

مقدمة في أقسام فراق الرجل لامرأته

مقدمة في أقسام فراق الرجل لامرأته قسم العلماء فراق الرجل لامرأته إلى ثلاثة أقسام: الخلع، والطلاق، والفسخ. القسم الأول: الخلع: وهو خاص بما إذا طلبت الزوجة الفراق، وبذلت شيئاً من المال، فإذا كرهت خُلق زوجها، أو خَلقه، أو نقص دينه، أو خافت الإثم بالبقاء معه لعدم أداء حقه، فلها والحال هذه أن تبذل شيئاً من مالها، أو تعطيه صداقه على أن يفارقها. وهذا الفراق ليس طلاقاً، ولا ينقص به عدد الطلاق، بحيث إنه لو خالعها، ثم بعد ذلك تراجع، ثم خالعها مرة أخرى، ثم تراجع، ثم خالعها ثالثة فلهما أن يتراجعا بعقد جديد؛ لأنه ليس طلاقاً من قِبله. القسم الثاني: الطلاق الذي يفعله الزوج، فقد يكره زوجته؛ يكره خَلقها أو خُلقها أو، نقص دينها، أو عدم عفتها، أو يكرهها كراهية قلبية، وإن لم يكن هناك سبب ظاهر، ففي هذه الحال له أن يطلقها، وله بعد الطلقة الأولى أن يراجعها، وله بعد ذلك إذا راجعها أن يطلقها مرة ثانية، وله أن يراجعها بعد الطلقة الثانية في العدة، وبعد العدة بعقد جديد، وإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ويطؤها الزوج الثاني، ويكون نكاحه نكاح رغبة لا نكاح تحليل، وهذا هو الذي جاء به الإسلام؛ حتى لا يضر الرجال بالنساء. ذكروا أنهم كانوا قبل الإسلام يطلق أحدهم ما شاء ثم يراجع، يطلقها المرة الأولى، فإذا قاربت انقضاء العدة راجع، ثم يطلق طلقة ثانية، فإذا قربت العدة راجع، ثم يطلق ثالثة فإذا قربت العدة راجع، وهكذا بعد رابعة وبعد خامسة، إلى ما لا نهاية له، ولما كان في ذلك ضرر على المرأة منع الله من ذلك، وحدد له ثلاث طلقات، يراجع بعد اثنتين أو يجدد العقد، ولا يقدر بعد الثالثة؛ حتى لا يضاروا بالنساء؛ لقول الله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} [البقرة:231] ، فإنها إذا كانت كلما شارفت على انقضاء العدة راجعها، لا شك أنها تتضرر، ولذلك قال الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:128] ثم قال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129] يعني: العدل التام الذي يكون في القلب محبة وفعلاً، ثم قال: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] يعني: يميل مع إحدى زوجتيه، ويترك الأخرى كالمعلقة، فتكون لا أيماً ولا ذات زوج، أي: ليس معها زوج يواسيها ويعطيها حقها، وليست أيماً أي: غير مزوجة بل زواجها كأنه ليس زواجاً، هذا هو الإمساك ضراراً. وأباح الله له أن يفارقها، قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] إذا لم تناسبه فإن له أن يفارقها، وسوف يغنيه ربه، ويغنيها أيضاً، وييسر لكل منهما ما يناسبه، ييسر له امرأة تناسبه، وييسر لها زوجاً يناسبها: (يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ) هكذا وعد الله، فهذا الطلاق هو الذي يعتاده الذين يرغبون في فراق أزواجهم، ولكن كرهوا للرجل كثرة الطلاق، فلا يكون مذواقاً مطلاقاً، بحيث إنه يتزوجها ثم بعد شهر أو سنة يطلق، ثم يتزوج الثانية ثم يطلق، وما روي عن بعض السلف أنه كان كثير الزواج وكثير الطلاق، فلعل ذلك بسبب عدم صلاحية أو ما أشبه ذلك، كما ذكروا عن الحسن بن علي رضي الله عنه، فإنه تزوج نساء كثيرات، ذكروا في بعض ترجمته: أنه مرة كان يمشي في المدينة، فرأى نساءً كثيرات، ولما رأينه اجتمعن والتف بعضهن ببعض وجلسن حياءً منه، فوقف متعجباً! فكلمته إحداهن -وهي أجرؤهن- وقالت: امض رحمك الله، فما منا واحدة إلا وقد ذقت عسيلتها! يعني: هذا الجمع الكثير ما منهن واحدة إلا وقد تزوجها ودخل بها ثم طلق. وقرأت في تاريخ ابن كثير، فذكر في آخر ترجمة لبعض المترجمين فيه أنه تزوج بألف امرأة، هكذا ذكر، ويظهر أن فيه مبالغة. وكذلك في هذه الأزمنة إذا رأوا الرجل مذواقاً مطلاقاً كرهوا أن يزوجوه؛ لأنه إذا طلقها كرهتها النفوس، فإذا طُلقت المرأة فإن الرجال ينفرون منها، ويعتقدون أنها ما طلقت إلا لعيب فيها؛ لأمر من الأمور التي تعاب بها، فيكون ذلك ضرراً عليها، وكان الأولى ألا يتزوج إلا برغبة، وأن يعزم على أنها زوجة له طوال حياته وحياتها، ولا ينوي أن زواجه بها تجربة أو ما أشبه ذلك. فلعله بذلك يرغب فيها وترغب فيه، أما أن يطلقها بعد أن يدخل بها بيومين أو بشهر أو نحو ذلك، فإنها تتضرر بذلك، حتى ولو كان كثير الأموال ويقول: لا يهمني أن أتزوج كل شهر أو كل سنة، وأدفع كثيراً من الأموال، فالمال عندي متوافر، فهذا لا يسوغ له كثرة الطلاق وكثرة النكاح. القسم الثالث: الفسخ: وهو فسخ الحاكم للعقد الذي بين الزوجين، ولا يتولى ذلك إلا القاضي أو من يقوم مقامه، وله أسباب؛ منها: غيبة الرجل، فإذا غاب كثيراً، وترك زوجته، وليس عندها نفقة، ففي هذه الحال إذا تضررت فإن للحاكم أن يفسخ نكاحه ولو كان غائباً، فيقول: حكمت بفسخ نكاح فلان بفلانة. وبعد فسخه تستبرئ بحيضة، ثم تتزوج إذا شاءت، هذا إذا لم تصبر وتتحمل. ومن أسباب الفسخ: إذا ظهر في أحدهما عيب، إذا ظهر في الرجل عيب وكرهته المرأة، فإن لها أن تطلب من الحاكم أن يفسخ نكاحها. ومن أسباب الفسخ إذا جاءت الفرقة من قِبَلها، كما لو نشزت وطالت مدة نشوزها، فله أن يفسخها. وكذا لو ارتدت عن الإسلام فللقاضي أن يفسخ النكاح بينهما، ويكون ذلك الفسخ من قبل الحكام. وأكثر ما يكون الفسخ إذا كان الزوج غائباً أو ظهر فيه عيب كعمى أو برص أو جذام أو جنون أو مرض مزمن أو ما أشبه ذلك، ففي كل هذا يجوز للحاكم أن يفسخ ما بينهما من النكاح. وهذا الفسخ لا يحسب من عدد الطلقات، بمعنى: أن زوجها لو رجع ووجده أنه قد فسخ نكاحها، فله أن يخطبها، ولو كانت قد فسخت منه ثلاثاً، فله أن يخطبها ويعيد نكاحها.

الرد على شبهات دعاة التحرير حول الزواج في الإسلام

الرد على شبهات دعاة التحرير حول الزواج في الإسلام بما تقدم نعرف أن الزوجية التي هي عقدة النكاح بين زوجين أجنبيين ليست مثل الرق، وغير المسلمين قد يعيبون أهل الإسلام بهذا الزواج، ويقولون: إن الرجل الذي يتزوج المرأة يحجزها ويحجرها في منزلها، ويضيق عليها، ولا يترك لها حرية التصرف، ولا يترك لها الخروج متى أرادت، وتكون موقوفة على مصالحه، ولا تتمكن من التصرف لنفسها وما أشبه ذلك، وهؤلاء دعاة التحرر كما يسمون أنفسهم يقولون: ندعو إلى أن نحرر المرأة من هذا الرق الذي جعلها الإسلام فيه. ولا شك أن هذا تهور وكذب على الإسلام، الإسلام جاء بهذا النكاح، ومع ذلك جعله ينحل بهذه الثلاثة الأمور: بالخلع، وبالطلاق، وبالفسخ، وألزم الزوج أن يحسن العشرة، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] أي: عليه أن يحسن عشرة النساء، وكذلك ألزمه أن ينفق عليها بالمعروف، قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] ، وأمره بأن يسكنها، قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق:6] ، وقال: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7] ، وإذا طلقها فعليه أن يمتعها كما قال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:241] ، وقال: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] فذلك دليل على أن الإسلام أعطى حقها كاملاً. وكون المرأة إذا تزوجت قامت على منفعة ومصلحة زوجها لا يقال: إن ذلك رق، ولا إن ذلك إذلال لها، بل إن هذا صيانة لها، حيث إن الإسلام أمر بأن تكون المرأة معززة ومكرمة عند زوجها، وأمر الزوج أن يحافظ عليها، وأن يصون كرامتها، وذلك دليل على أنه أعطاها حقها كاملاً، لا كما يقول الكفرة الذين يقولون: إن النساء نصف المجتمع، وإن لهن حقاً على الأزواج، وإنهن يملكن أنفسهن، ولهن التصرف في أنفسهن، بحيث إنهم أباحوا لها أن تبذل نفسها لمن يزني بها إذا رضيت، ويقولون: لا عقوبة عليها في ذلك؛ لأن هذا شيء تملكه، هي تملك نفسها، فإذا بذلت نفسها باختيارها ولو كانت مزوجة، أو كانت عند أبويها، فإن ذلك في نظرهم جائز، ولا يحق لأبيها أو زوجها أو وليها أن يحافظ عليها!! ولكن الإسلام جاء بتولية زوجها عليها، وكذلك غيره من أوليائها، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] يعني: قائمون عليهن: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] ، فالله تعالى فضل بعضهم على بعض، أي: جعل الرجال أفضل من النساء، وجعل الرجال أولياء للنساء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) ، وروي: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) ، وما أشبه ذلك، فيعرف بذلك بطلان ما يقوله أعداء الإسلام من أن الإسلام ظلم المرأة، وبخسها حقها، وأن لها حقاً في التصرف في نفسها، بل الإسلام جاء بحفظها، وبصيانتها، وبحراستها، حتى لا تكون ممتهنة، ولا تكون مبتذلة، فترخص بذلك، وتقل معنويتها، وتقل الرغبة فيها، وتكون آلة يتبادلها الأعداء، وتتبادلها النفوس الرديئة، يأخذها هذا ثم هذا، وهذا هو الواقع في بلاد الكفر وغيرها من البلاد التي قلدت بلاد الكفر. هذا ما أردنا أن نبينه في هذه المقدمة.

أحكام الرجعة

أحكام الرجعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وإذا طلق حر من دخل أو خلا بها أقل من ثلاثٍ، أو عبدٌ واحدةً لا عوض فيهما، فله ولولي مجنونٍ رجعتها في عدتها مطلقاً، وسن لها إشهادٌ، وتحصل بوطئها مطلقاً، والرجعية زوجةٌ في غير قسمٍ. وتصح بعد طهرٍ من حيضةٍ ثالثةٍ قبل غُسلٍ، وتعود بعد عدةٍ بعقدٍ جديدٍ على ما بقي من طلاقها. ومن ادعت انقضاء عدتها وأمكن قُبِل لا في شهرٍ بحيضٍ إلا ببينةٍ. وإن طلق حر ثلاثاً أو عبدٌ اثنتين لم تحل له حتى يطأها زوجٌ غيره في قبلٍ بنكاحٍ صحيحٍ مع انتشارٍ، ويكفي تغييب حشفةٍ، ولو لم ينزل أو يبلغ عشراً، لا في حيضٍ أو نفاسٍ أو إحرامٍ أو صوم فرضٍ أو ردةٍ] . ذكر في هذا الفصل ما يملكه الزوج من الطلاق، وكيف إذا طلق العدد الذي يملكه، والفرق بين الحر والعبد، ومتى يراجع، ومتى لا يقدر على الرجعة، وحكم الرجعية، وحكم ادعاء المرأة انقضاء عدتها، وإذا طلق الطلاق الذي يملكه فماذا يفعل، ومتى تحل له إذا طلقها ثلاثاً أو عبد اثنتين، وصفة النكاح الذي يحلها للزوج الأول والذي لا يحلها. هذه المسائل مذكورة في هذا الفصل.

الرجعة لا تكون إلا في العدة

الرجعة لا تكون إلا في العدة قال المصنف رحمه الله: (وإذا طلق حر من دخل أو خلا بها أقل من ثلاثٍ، أو عبدٌ واحدةً لا عوض فيهما، فله ولولي مجنون رجعتها في عدتها مطلقاً) . يعني: إذا طلق الحر واحدة، وابتدأت في العدة فله أن يراجعها ما دامت في العدة، وسيأتينا أقسام المعتدات، يقول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] أي: طلقوهن في زمن يستقبلن العدة، ويقول تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] يعني: الطلاق الرجعي الذي يملك رجعتها، ثم قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] أي: الزوج أحق برد الزوجة في هذه المدة التي طلق فيها واحدة أو طلق اثنتين، فإذا طلقها الطلقة الأولى راجعها في العدة، إذا كانت عدتها ثلاث حيض، الحيض الثلاث عادة تكون في ثلاثة أشهر، غالب النساء تحيض في كل شهر مرة، ففي هذه الحال يطلقها قبل الحيضة الأولى، وبعدها قبل الحيضة الثانية، وبعدها قبل الحيضة الثالثة، وله أن يراجعها في هذه المدة، حتى قال بعضهم: لو راجعها بعدما طهرت من الحيضة الثالثة، وقبل أن تغتسل، صحت رجعتها، حتى ذكروا: أن رجلاً طلق امرأته وتركها، ولما طهرت من الحيضة الثالثة وأخذت ماءها وسدرها، وتجردت للاغتسال، فقبل أن تغتسل طرق الباب عليها وقال: يا فلانة! إني راجعتك. فقالت: إني قد حضت ثلاث حيض، فترافعا إلى بعض الصحابة فأثبت الرجعة. وهكذا بعد الحيضة الثانية قبل الحيضة الثالثة أو قبل الطهر منها، إذا كان الطلاق رجعياً. ومتى يكون الطلاق رجعياً؟ إذا طلق حر أو عبد واحدة، أو طلق اثنتين وهو حر، فإن الطلاق رجعي، وتسمى المرأة: رجعية، يعني: تصح رجعتها، هذا سبب تسميتها رجعية: أنه يقدر على مراجعتها، وإذا راجعها فإنها على ما بقي لها من الطلقات، إذا طلقها وهو يملك ثلاثاً، طلق واحدة ثم راجعها بدون عقد، أو تركها إلى أن انتهت عدتها ثم جدد العقد، فإنه يبقى له طلقتان، فإذا طلق الثانية ثم راجعها وهي في العدة بدون عقد أو بعد العدة بعقد جديد، ثم استعادها ورجعت إليه، حتى ولو بعد الزواج من آخر، فإنه لا يبقى له إلا واحدة؛ لأنه قد طلق اثنتين، فيبقى له طلقة واحدة. كذلك العبد إذا طلق واحدة فإن له أن يراجعها في العدة، وله أيضاً أن يؤخر رجعتها ويجدد العقد بعد انتهاء العدة، إذا كانت زوجته أمة فعدتها طلقتان، وهو ما يملك إلا طلقتين، فإذا طلق طلقتين حرمت عليه. إذا كانت الزوجة أمة والزوج حر ملك ثلاث طلقات، وإذا كان الزوج عبداً والمرأة حرة لم يملك إلا طلقتين، هكذا الفرق بين الحر والعبد. فإذا كان الزوج الذي طلق قد دخل بزوجته أو خلا بها، وكان طلاقه واحدة أو اثنتين، أو كان طلاق العبد طلقة واحدة، وكان الطلاق بغير عوض، فله الرجعة.

صحة مراجعة الزوجة للحر والعبد

صحة مراجعة الزوجة للحر والعبد ذكر المصنف بعض المحترزات، فقوله: (من دخل بها) فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فهل له رجعة؟ ليس له رجعة؛ لأن غير المدخول بها لا عدة لها، قال تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] ، فإذا عقد عليها ثم طلقها قبل الدخول ففي هذه الحال بانت منه، فلو امتنعت وقالت: لا أريده، فلها ذلك، فإذا أرادها فلابد من تجديد العقد؛ لأنه لا عدة لها، ولأنه لا يصح رجعتها؛ لأنها قد بانت منه بمجرد قوله: قد طلقتها، هذا إذا لم يكن دخل بها ولا خلا بها. كذلك قوله: (أقل من ثلاث) نعرف أنه إذا طلقها الثالثة بانت منه، فلا يقدر على نكاحها حتى برضاها وبعقد جديد، فضلاً عن رجعتها، بل تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره. قوله: (لا عوض فيهما) أي: لا عوض في فراق العبد، ولا عوض في فراق الحر، ويدل على أنه إذا كان الطلاق على عوض فلا رجعة، إذا اشترت المرأة نفسها من زوجها وقالت: أنا أشتري نفسي منك بعشرة آلاف، أو بعشرين ألفاً، أو بهذا البستان، أو بهذه العمارة، تريد أن تخلص نفسها، وهو ما يسمى: بالخلع، وقَبل ذلك، فهل يقدر على الرجعة؟ لا يقدر، وما ذاك إلا لأنها ما بذلت المال إلا للتخلص، ولو علمت أنه يستعيدها ما بذلت مالها، فهذه لا يقدر على رجعتها؛ ولأنه ليس لها عدة، وإنما عليها الاستبراء. وقوله: (ولولي مجنون) إذا كان الزوج مجنوناً، أو أصابه الجنون، أو مرض أخل بعقله، بحيث إنه عادم للشعور، ففي هذه الحال نقول: إن وليه يقوم مقامه. فإذا طلق عليه الحاكم فلوليه الرجوع، إلا إذا كان طلاق الحاكم فسخاً، وإذا طلقها الولي أو طلقها الزوج في حالة عقل، ثم أصيب بالجنون، فلوليها الرجعة إذا رأى ذلك مصلحة. وقوله: (ولولي مجنون رجعتها في عدتها مطلقاً) أي -كما قال في التعليق-: سواء رضيت أو لم ترض، فلا يشترط رضاها؛ لأن الطلاق حصل باختياره، ولأنها والحال هذه قد بذلت نفسها؛ ولأنها طلقت وهو أملك بها، فليس لها أن تمتنع، لكن شرط الله تعالى شرطاً في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] ، أما إذا كان راجعها للضرر بها فيحرم عليه، ولو أن الرجعة صحيحة، فحرام عليه أن يراجعها بقصد الإضرار بها؛ لقوله: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة:231] .

حكم الإشهاد وعدمه على الرجعة

حكم الإشهاد وعدمه على الرجعة الإشهاد على الرجعة مسنون، كما أن الإشهاد على العقد مسنون، وكذلك على الطلاق، ودليل الإشهاد على العقد قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) ، وعلى الطلاق قول الله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] إلى قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] ، وروي أن رجلاً جاء إلى ابن عباس وقال: (إني طلقت امرأتي وراجعتها. قال: هل أشهدت على ذلك؟ قال: لا. فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة) أي: ما عملت بالسنة في الطلاق، ولا عملت بالسنة في الرجعة، قال: (طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، لماذا لم تشهد؟ أشهد على رجعتها يقول تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] ) . وهل تحصل الرجعة بغير الإشهاد؟ يقولون: تحصل؛ وذلك لأن الرجعية في حكم الزوجة، إذا طلقها مرة فإنه يبقيها في بيتها، ولا يخرجها، قال تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1] فلا يجوز له إخراجها، بل يتركها في بيتها، يتركها في مكانها الذي كانت تسكنه حتى تنتهي عدتها، وعليه نفقتها، وعليه كسوتها، وعليه سكناها، وهي في حكم الزوجة؛ لأنها لم تنقطع علاقتها به، ولها أن تكشف له، ولها أن تتجمل أمامه، ولها أن تعرض نفسها عليه لعله أن يراجعها إذا كانت ترغبه، وعليه أيضاً أن يقسم لها في المبيت، فيبيت عندها، ولكن إذا كان عازماً على الطلاق فلا يجامعها، فإذا جامعها حصلت الرجعة، فتحصل الرجعة بوطئها مطلقاً، حتى ولو لم يكن له نية، فإذا وطأها فإن الوطء لا يحل إلا للزوجة، وفيه دليل على أنه قد رضيها، وأنه قد قنع بمراجعتها، فيحصل بذلك تمام المراجعة، سواء نوى الرجعة بالوطء أو لم ينو.

حكم القسم والنفقة للرجعية

حكم القسم والنفقة للرجعية قال المصنف رحمه الله: (والرجعية زوجة في غير قسم) هكذا استثنوا القسم، بعض العلماء يقول: يقسم لها؛ لأن القسم ليس الغرض منه الوطء، وإنما الغرض منه المؤانسة، ومنهم من يقول: لا قسم لها؛ لأن الأصل في القسم أنه لأجل العدل، وهذه قد انعقد سبب فراقها. والرجعية زوجة في أنها تكشف لزوجها، وفي أنه ينفق عليها، وتبقى في بيته، وفي أنها تتجمل له رجاء مراجعته، ولو مات أحدهما لورثه الآخر، وإذا مات وهي في العدة فإنها تترك عدة الطلاق، وتنتقل إلى عدة الوفاة مع الإحداد.

وقت التمكن من مراجعة الزوجة فيه

وقت التمكن من مراجعة الزوجة فيه قال المصنف رحمه الله: (تصح رجعتها بعد طهر من حيضة ثالثة قبل غسل) يعني: إذا حاضت المرة الأولى وطهرت ولم يراجع، وحاضت المرة الثانية وطهرت ولم يراجع، وحاضت المرة الثالثة وطهرت ولم يراجع، وقبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة بعد الطهر راجعها، صحت الرجعة، وقد ذكرنا قصة الرجل الذي دخل على زوجته بعدما أخذت ماءها وسدرها وتجردت لأجل أن تغتسل بعد طهرها من الحيضة الثالثة، فطرق عليها الباب وقال: يا فلانة! إني قد راجعتك، فقالت: إني قد طهرت من الحيضة الثالثة، فقال لها: هل اغتسلتِ؟ قالت: لا، قال: قد راجعتك، فتحاكما إلى أحد الصحابة، فأفتاهما بأنها ما دامت لم تغتسل، ولم تحل لها الصلاة، فهي في حكم الحائض، فتصح رجعتها. وهكذا إذا طلقت مرة ثم راجعها، فيبقى له عليها طلقتان، وكذلك إذا طلقها واحدة وانتهت عدتها، ونكحها نكاحاً جديداً فإنه يبقى له عليها طلقتان.

من راجع المطلقة بعقد جديد فهو على ما بقي من طلاقها

من راجع المطلقة بعقد جديد فهو على ما بقي من طلاقها قال المصنف رحمه الله: (تعود بعد عدة بعقد جديد على ما بقي من طلاقها) بمعنى: أنه لو طلقها واحدة وانتهت عدتها فهو خاطب من الخطاب، أي: لها أن تقبله ولها أن ترده، فإذا قبلته فلابد من عقد جديد، ورضا وشهود، ومهر. وتعود على ما بقي، يعني: أنها تعود على أنه ليس له عليها إلا طلقتان، ولا يقول: إني نكحتها نكاحاً جديداً فأنا أملك ثلاثاً، نقول: إنك قد أمضيت طلقة واحدة، فما بقي لك إلا طلقتان. إذا كان طلقها طلقتين وانتهت عدتها، وخطبها وتزوجها، فكم يبقى له عليها؟ يبقى له عليها طلقة واحدة؛ وذلك لأنه قد أمضى اثنتين، ولو كان العقد جديداً، حتى ولو نكحت قبله، فلو قدر مثلاً أنه طلقها طلقتين، وتركها حتى انقضت عدتها، وتزوجت من غيره وطُلقت، فهذا الزوج الثاني لا يهدم الطلقتين من الأول، فالزوج الأول إذا نكحها بعده لا تعود على ثلاث، وإذا نكحها زوجها لم يبق له عليها إلا واحدة؛ وذلك لأن النكاح الثاني ليس شرطاً في حلها له، هي تحل له ولو لم ينكحها غيره، إنما الذي يهدم هو إذا طلقها ثلاثاً، ثم تزوجت وطلقت، ثم تزوجها الزوج الأول، ففي هذه الحال تنهدم الطلقات الثلاث، وصار يملك ثلاث طلقات أخرى، نكاح الزوج الثاني لها إذا كان الأول قد طلقها طلقة واحدة فإنه لا يهدمها، وكذا إذا كان الأول قد طلقها طلقتين لا يهدمها نكاح الثاني، وإنما يهدم الثلاث. فهذا معنى قوله: (تعود بعد عدة بعقد جديد، على ما بقي من طلاقها) إذا كان بقي طلقة أو بقي طلقتان لا يملك غيرهما.

حكم قبول من ادعت انقضاء عدتها

حكم قبول من ادعت انقضاء عدتها قال المصنف رحمه الله: (ومن ادعت انقضاء عدتها وأمكن قبل، لا في شهر بحيض إلا ببينة) ذُكِر أن رجلاً طلق امرأته، وبعدما أتمت شهراً رجعت إلى علي رضي الله عنه وقالت: إني قد انقضت عدتي في شهر واحد، فسأل شريحاً: هل يمكن؟ فقال: إن جاءت ببينة من صالحي أهلها تشهد بذلك، وإلا فهي كاذبة، فإذا ادعت انقضاء عدتها في شهر واحد فهي كاذبة؛ إلا إذا جاءت ببينة، وأما إذا كان الزمن ممكناً فإنه يقبل بلا بينة؛ وذلك لأنها مؤتمنة على نفسها، والله تعالى يقول: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة:228] فهي مأمونة على ما في رحمها من الحمل أو الحيض. وأما قصة علي وتلك المرأة فقال العلماء: يمكن وقوعها إذا اعتبرنا أقل الحيض وأقل الطهر، فيمكن أنها بعدما طلقها الزوج حاضت في اليوم الثاني من وقت طلاقها، ولم تبق إلا يوماً، وهو أقل الحيض، ثم طهرت في اليوم الثاني من حيضها، ولما طهرت حسبنا هذه حيضة ثم بقيت ثلاثة عشر يوماً وهي طاهر، ثم حاضت الحيضة الثانية، ولما مضى عليها يوم طهرت في اليوم الثاني، فهنا مضى عليها حيضتان في ستة عشر يوماً، ثم طهرت الطهر الثاني ثلاثة عشر يوماً، ففي اليوم التاسع والعشرين حاضت الحيضة الثالثة، وطهرت في اليوم الثلاثين أو في اليوم الواحد والثلاثين، فهي حاضت في اليوم الأول، وفي اليوم الخامس عشر، وفي اليوم التاسع والعشرين، في شهر واحد حاضت ثلاث حيضات، وبينهما طهران، فتقبل إذا جاءت ببينة، ولكن هذا شيء نادر، يعني: قليل أن توجد امرأة يكون حيضها يوماً واحداً وطهرها ثلاثة عشر أو أربعة عشر يوماً، غالب النساء تحيض وتطهر في شهر، غالب حيضها ستة أيام أو سبعة أيام، وغالب طهرها ثلاثة وعشرون أو أربعة وعشرون يوماً، هذه عادة النساء. فعلى هذا العادة لا تنقضي عدتها إلا في ثلاثة أشهر، فلو انقضت عدتها في شهرين وأمكن ذلك قبل منها؛ لأن هذا شيء لا يعرف إلا من قبلها، وأما في شهر فلا يقبل إلا ببينة.

متى يجوز نكاح المطلقة ثلاثا؟

متى يجوز نكاح المطلقة ثلاثاً؟ قال المصنف رحمه الله: (إذا طلق الحر ثلاثاً أو العبد اثنتين لم تحل له حتى يطأها زوج غيره في قبل بنكاح صحيح، مع انتشار، ويكفي تغييب حشفة ولو لم ينزل، ولو لم يبلغ عشراً، لا في حيض أو نفاس أو إحرام أو صوم فرض أو ردة) ذكرنا أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بدون عدد، يطلقها وإذا شارفت على انقضاء العدة راجعها، ثم يطلقها ثانية، وإذا شارفت على انقضاء العدة راجعها، ثم الثالثة والرابعة والخامسة وهكذا، ولو إلى عشر أو عشرين، فجاء الإسلام بتحديد الثلاث، وأنها بعد الثالثة تحرم عليه، ولا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره، قال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] يعني: الطلاق الرجعي، وقال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] أي: بعد الطلقتين، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة:230] يعني: الثالثة: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، فإذا طلقها الحر ثلاثاً حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وإذا طلق العبد اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ولابد في ذلك الزوج أن يطأها، ولا يكفي العقد، فلو عقد عليها ولم يدخل بها وطلقها ما حلت للأول، وفسروا قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] بأن النكاح هو الوطء. وفي ذلك قصة امرأة رفاعة، جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: (إن رفاعة طلقني وبت طلاقي، وإني تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال صلى الله عليه وسلم: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك) وعبر بالعسيلة عن الوطء، أي: لذة الوطء، فلا يكون هناك رجعة إلى الزوج الأول، ولا تحل له؛ حتى يذوق الثاني عسيلتها، بمعنى: يطؤها زوج غيره، فلو وطئها في الدبر ما حلت للأول، لابد أن يكون في القُبُل، ولو وطئها في نكاح فاسد لم يكفِ، كما لو تزوجها بغير شهود، أو زوجته بنفسها، فإن هذا أيضاً لا يكفي، حتى ولو دخل بها، ولو بقي عندها مدة؛ لأنا نحكم بأنه نكاح فاسد، لابد أن يكون النكاح الثاني نكاحاً صحيحاً كامل الشروط. وقوله: (مع انتشار) الانتشار: هو الإنعاظ، أي: قيام الذكر، فلا يكفي أن يباشرها بدون انتشار، ويقول: إني قد جامعتها وأنزلت؛ لأن مجرد المماسة والمباشرة لا تسمى جماعاً. قوله: (ويكفي تغييب حشفة) يعني: يكفي في الوطء الذي يوجب الغسل تغييب الحشفة في الفرج، أي: تغييب رأس الذكر، تغييب المدورة ولو لم ينزل، فإذا أولج رأس الذكر ولو لم ينزل، واعترف بذلك، واعترفت هي، فإنها تحل للأول إذا طلقها. ولو كان الزوج الثاني صغيراً دون عشر، يعني تزوجها وعمره تسع سنوات وعشرة أشهر، ولكن يتصور منه الانتشار، ويتصور منه الشهوة، ودخل بها، وأولج فيها رأس ذكره، وطلقها بعد ذلك أو طلقت عليه؛ حلت للزوج الأول. واستثنوا إذا وطئها وهي حائض، فإن هذا وطء فاسد وحرام، لا يحللها للأول، وكذلك وهي نفساء ثم، بأن طلقها زوجها الأول ثلاثاً، وكانت حاملاً فولدت وانقضت عدتها، وتزوجت زوجاً آخر وهي في النفاس، ودخل بها ووطئها وهي نفساء، ثم طلقها بعده فهل هذا الوطء يبيحها للأول؟ لا يبيحها. أو وطئها وهي محرمة، وحرام وطء المحرمة، ويجب عليها أو عليه إذا كانا محرمين فدية، حتى لو وطئها بعد التحلل الأول، فإذا أحرم بحج وتحلل، بأن رمى وحلق وبقي عليه الطواف، ووطئ، فإن هذا الوطء محرم؛ لأنه لم يتحلل، فلا يحلها لزوجها الأول لو طلقها بعده. أو وطئها وهي صائمة في رمضان أو صوم قضاء، فلا يحل له أن يطأها في صيام الفرض، فهذا الوطء لا يحللها لزوجها الأول. أو في ردة، فالمرتدة لا يصلح أن تكون زوجة للمسلم؛ لأن الردة تفرق بينهما، قال تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] ، وهذه قد كفرت، فإذا تزوجت وهي كافرة مرتدة، ودخل بها الزوج، ثم أسلمت وعادت إلى الإسلام، فهل هذا الوطء يبيحها لزوجها الأول المسلم؟ لا يبيحها؛ وذلك لأنه وطء محرم في حالة لا يبيحها الشرع، لا يبيح لها أن تتزوج مرتداً، ولا يبيح للمسلم أن يتزوج مرتدة.

حرمة نكاح التحليل

حرمة نكاح التحليل يشترط أن يكون النكاح الثاني نكاح رغبة، وهذا لابد منه، لا نكاح تحليل، سواء اتفق مع الزوج الأول، أو اتفق مع المرأة، فلا يباح أن يتزوجها ليحللها؛ وذلك لأنه ورد لعن المحلل في عدة أحاديث، ذكرها ابن كثير في تفسير هذا الآية: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] فالزوج الثاني لابد أن يتزوجها على أنها زوجة، لا على أنه يحللها للأول، والأحاديث التي وردت بلفظ اللعن كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المحِلل، والمُحَلل له) فالمحِلل هو الذي يتزوجها إذا طلقت ثلاثاً، ثم يطلقها ويقول: أحللها لزوجها الأول أحسن إليه، فإنه يريدها وهي تريده، وكل منهما يرغب في العودة، وهذا قد طلقها ثلاثاً، فأنا أحسن إليهما، فإذا دخلت عليها وجامعتها طلقتها حتى تحل للأول، هذا هو المحِلل. والمحلل له: هو الذي يستأجره، كأن يقول: أنا قد حرمت علي زوجتي حيث طلقتها ثلاثاً، وأريدها وتريدني، وهي أم أولادي، ولا تحل لي إلا بعد زوج، فأريد منك أن تتزوجها، وأن تدخل بها، وأن تطلقها بعد ليلة أو بعد ليلتين، وأنا أدفع لك كل ما تخسره من مهر وغيره، أنا أعطيكه، ولكن بشرط: أن تدخل بها ثم إذا أصبحت فإنك تطلقها، ولا تبقها معك، يستأجره ويستعيره؛ ولذلك يسمى المحَلل: التيس المستعار، والتيس ذكر المعز، فالذين ليس عندهم فحل يستعيرون تيساً لينزو على غنمهم. فيما سبق دليل على تحريم تحليل المرأة إذا طلقت ثلاثاً وحرمت على زوجها، وإنما ينكحها برغبة وإرادة منه ومحبة لأجل أن تكون زوجة، ثم بعد ذلك يقع منه كراهية لها فيطلقها فتحل للأول، أما إذا كان لا رغبة له في البقاء معها، وإنما يريد أن تحل للأول فإنها لا تحل، ويكون الوعيد الشديد عليه وعليها وعلى زوجها الذي استأجره لذلك. وأما إذا كانت المرأة تريد أن ترجع إلى زوجها، فهذا ليس باختيار أحد الزوجين، فلو أنها ندمت على زوجها، ثم خطبها إنسان وعقد عليها ودخل بها، ولما دخل بها بعد يوم أو بعد يومين نفرت منه ونشزت، وأثارت البغض والكراهية، وقالت: لا أريدك، ولا أرغب في البقاء معك، ولست صالحاً للزوجية، وما قصدها إلا أن يفارقها حتى تحل للأول، ولو دفعت إليه ما دفع إليها، فإن هذا مكروه، ومع ذلك لم يذكروا أنها تحرم على الأول.

أحكام الإيلاء

أحكام الإيلاء قال المصنف رحمه الله: [فصل: والإيلاء حرامٌ، وهو حلف زوجٍ عاقلٍ يمكنه الوطء، بالله أو صفةٍ من صفاته على ترك وطء زوجته الممكن في قُبلٍ أبداً أو مطلقاً أو فوق أربعة أشهرٍ، فمتى مضى أربعة أشهرٍ من يمينه ولم يجامع فيها بلا عذرٍ أمر به، فإن أبى أمر بالطلاق، فإن امتنع طَلق عليه حاكمٌ. ويجب بوطئه كفارة يمينٍ، وتارك الوطء ضرراً بلا عذرٍ كمؤلٍ] . هذا الفصل يتعلق بالإيلاء المذكور في قول الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226-227] . الإيلاء: هو الحلف، فإذا حلف رجل على ترك وطء زوجته سمي مولياً، والإيلاء حرام؛ لأن الله أنكره، ولكن إذا فاءوا غفر الله لهم ذلك الحلف، فإذا حلف الزوج العاقل الذي يقدر على الوطء، حلف بالله أو بالرحمن أو بعزة الله أو بصفة من صفاته، حلف وقال: والله! لا أطأ هذه الزوجة، مع أنه يمكنه وطؤها في القبل، فقال: والله! لا أطؤها أبداً، أو والله! لا أطؤها، أو والله! لا أطؤها خمسة أشهر أو نصف سنة أو سنوات؛ فيسمى هذا: إيلاءً، فأما إذا حدد ترك الوطء بشهر، فقال: والله! لا أطؤها شهراً أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو ثلاثة وعشرين يوماً، فلا يسمى هذا إيلاءً، إلا إذا زاد على أربعة أشهر. وكذلك إذا كان الزوج مجبوباً لا يمكنه الوطء، فحلف أنه لا يطؤها، فلا يسمى هذا: إيلاءً؛ لأنه ليس له آلة يطأ بها. وكذلك إذا كان الحلف بغير الله، إذا حلف بمخلوق، كأن يحلف بالولي أو بالنبي أو بالسيد فلان، فهذا حلف بغير الله، ولا تنعقد يمينه، ولكن عليه الكفارة. وإذا كانت الزوجة لا يمكن وطؤها بأن كانت مثلاً رتقاء، أو بها ما يمنع الوطء من العفل ونحوه من العيوب التي تقدمت في النكاح، فإذا حلف أنه لا يطؤها يعني: الوطء العادي الذي تعلق منه بولد، فإن هذا لا يسمى إيلاءً؛ لأنه لا يقدر على وطئها لعدم تمكنه. كذلك لو حلف غير الزوج وقال: والله! لا أطأ فلانة، وهي أجنبية، فلا يسمى هذا إيلاءً. وهكذا لو حلف المجنون، وكان له زوجة، فالمجنون مرفوع عنه قلم التكليف فلا تنعقد يمينه. وأما إذا حلف على عدم وطئها في غير القبل فإنه لا يسمى إيلاءً، إذا حلف لها أو لأهلها إذا كان متهماً بالوطء في الدبر، فحلف وقال: والله لا أطؤها في الدبر أبداً. فإن هذا ليس بإيلاء؛ لأنه التزم ألا يفعل الحرام؛ لأن الوطء في الدبر محرم، ولو وطئها في الدبر وقد حلف، عليه كفارة يمين، وعليه التوبة إلى الله من ذلك. فإذا حلف ولم يحدد مدة، أو كانت المدة فوق أربعة أشهر، أو قال: والله! لا أطؤها حتى تقوم الساعة، أو والله لا أطؤها حتى تطلع الشمس من مغربها، أو: والله لا أطؤها حتى ينزل عيسى ابن مريم، يعني: مدة يغلب أنها تطول، فهذا أيضاً قد آلى من زوجته.

حكم سكوت المرأة عن إيلاء الزوج

حكم سكوت المرأة عن إيلاء الزوج إذا حصل الإيلاء وسكتت الزوجة، ولم تطلب الوطء، فالحق لها، وأما إذا طالبت فإن الحاكم يخيره، يقول له: إما أن ترجع، وإما أن تطلق، يلزمك أحد الأمرين، مضت أربعة أشهر، والله تعالى يقول: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة:226] يعني: رجعوا عن ترك الوطء: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:226] يغفر لك ذنبك، ويغفر لك ما حلفت عليه من ترك الوطء، وعليك الكفارة، {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227] إذا قال: أنا لا أريدها، قيل له: إما أن ترجع عن يمينك وتطأ، وإما أن تطلق، فأما بقاؤها معلقة فذلك لا يجوز. قرأنا قبل قليل قول الله تعالى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] أي: لا أيماً ولا ذات زوج، وقول الله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة:231] أي: مضارة بها. لو سخط عليها وقال: لا حاجة لي في وطئها، وصد عنها، وترك وطأها، ففي هذه الحال يعتبر قد أضر بها، وإن لم يكن مولياً، فمتى مضت أربعة أشهر ولم يجامع، ولم يكن له عذر؛ أمره الحاكم بالجماع أو بالطلاق، يقول له: إما أن تجامع وإما أن تطلق، فإذا أبى كلفه أن يطلق، فإذا امتنع طلق عليه الحاكم، ويسمى طلاق الحاكم: فسخاً، فيقول: إما أن تطلقها وإما أن تفيء وتجامعها، وإلا فسخنا نكاحها، لا نقرها ولا نقرك على هذه المضارة.

كيفية الفيء في الإيلاء

كيفية الفيء في الإيلاء إذا أراد المؤلي أن يفيء فكيف يفيء؟ الفيئة تكون بكفارة يمين؛ لأنه حلف بالله أو حلف بالرحمن أو حلف بذات الله أو باسمه العزيز أو برب العالمين أو بمالك يوم الدين، حلف أنه لا يطأ امرأته، فإذا أراد ترك اليمين والوطء فاليمين لها كفارة ذكرها الله تعالى في قوله: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:89] إلى آخر الآية، وهذا قد عقد اليمين، فعليه كفارة اليمين، فإذا عزم على ترك ما حلف عليه ألزم بذلك.

حكم تارك الوطء إضرارا بالزوجة دون عذر

حكم تارك الوطء إضراراً بالزوجة دون عذر قال المصنف رحمه الله: (وتارك الوطء ضراراً بلا عذر كمؤلٍ) . بعض الأزواج قد يغضب على زوجته، فإذا كان له زوجتان مثلاً فغضب على إحداهما، ترك مضاجعتها، وترك وطأها، والاستمتاع بها، ومضى على ذلك شهر وشهران وأشهر، فما حكم هذا الترك؟ لا شك أنه إضرار، والله تعالى يقول: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة:231] ، ويقول: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] وهذا ما أمسكها بمعروف، بل أضر بها، حيث لم يعطها حقها. في هذه الحال إذا طلبت حقها فلها أن ترفع أمره إلى الحاكم، والحاكم يقول له: إما أن تطأها وإما أن تطلق، وإما أن نطلق عليك إذا امتنعت، فإذا أراد الرجوع لا كفارة عليه؛ لأنه ما حلف، إنما ترك الوطء بغير يمين، ولكن يحدد لها لمدة، والمدة هي أربعة أشهر؛ لأنها المدة التي يمكن للمرأة أن تتحمل غيبة زوجها فيها.

مدة تحمل المرأة غياب زوجها عنها

مدة تحمل المرأة غياب زوجها عنها ذكر ابن كثير عند تفسير آية الوفاة: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] أن هذه المدة هي التي يمكن للمرأة أن تصبر عن زوجها إذا غاب عنها، وذكر أن عمر رضي الله عنه كان مرة يعس في المدينة، فسمع امرأة غاب عنها زوجها، وكان في الجهاد، وهي قد اشتاقت إليه، سمعها وهي تقول: تطاول هذا الليل وازور جانبه وأرقني ألا خليل ألاعبه ألاعبه طوراً وطوراً كأنما بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه فوالله لولا الله لا شيء غيره لحركت من هذا السرير جوانبه مخافة الله والحياء يصدني وإكرام بعلي أن تنال مراتبه فعلم أمير المؤمنين أنها قد اشتاقت إلى زوجها، فسأل ابنته: كم تصبر المرأة عن الزوج عادة؟ قالت: أربعة أشهر إلى ستة أشهر، فأمر أمراء الغزو ألا يتركوا الإنسان يغيب عن أهله أكثر من ستة أشهر، فلأجل ذلك حدد الله مدة الإيلاء بأربعة أشهر؛ لأن هذا هو الذي يمكن للمرأة أن تتحمله، لكن إذا صبرت أكثر من ذلك فلها ذلك، وأنتم تشاهدون هؤلاء العمال الذين يأتون ويتركون زوجاتهم، يغيب أحدهم سنتين، وربما أكثر، ففي هذه الحالة نقول: إذا سمحت الزوجة بهذا المقدار الذي هو سنتان فلها ذلك، وإذا لم تسمح فإما أن يذهب إليها وإما أن يطلق، والعادة أنها تصبر؛ لأنه ما ذهب إلا لأجل طلب الرزق. ويوجد بعض النساء لا يرغبها زوجها، ولكنها ترغب في البقاء معه، فهو يخيرها ويقول لها: أنا لا أريدكِ كزوجة، ولا أرغب مجامعتكِ، فلك الخيار: إما أن تبقي ولا تطالبينني بالقسم، وتبقي مع أولادك في بيتك، كلي واشربي ونامي وامكثي مع أولادك، وإما الطلاق واخرجي وتزوجي إذا شئت. فإذا آثرت البقاء، وأسقطت حقها؛ فلها ذلك، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء:128] خافت أن ينشز عنها أو يعرض أو يطلق: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء:128] تقول: نصطلح على أني أسقط حقي من القسم، وأسقط حقي من الوطء، وأرغب في البقاء في عصمتك حتى أبقى مع ولدي، فلها ذلك.

شرح أخصر المختصرات [69]

شرح أخصر المختصرات [69] الظهار من عادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام، ورتب العقوبة على من فعله، وقد أمر الله بالابتعاد عنه، ووصفه بأنه زور ومنكر، وأوجب الكفارة على من ظاهر من زوجته، فعلى المسلم أن يبتعد عنه وعن جميع العادات الجاهلية. ومن الأمور التي بينت الشريعة أحكامها: اللعان، وهو أن يقذف الزوج زوجته بالزنا وهي منكرة لا تقر، فيتلاعنان، والكاذب منهما معرض لعذاب الله، وقد بين الفقهاء أحكام اللعان وشروطه وما يتعلق بذلك.

الظهار

الظهار قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: والظهار محرمٌ، وهو أن يشبه زوجته أو بعضها بمن تحرم عليه أو بعضها، أو برجل مطلقًا، لا بشعر وسن وظفر وريقٍ ونحوها. وإن قالته لزوجها فليس بظهار، وعليها كفارته بوطئها مطاوعةً. ويصح ممن يصح طلاقه. ويحرم عليهما وطءٌ ودواعيه قبل كفارته، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. ويكفر كافرٌ بمالٍ وعبدٌ بالصوم، وشرط في رقبة كفارة ونذر عتق مطلق إسلامٌ، وسلامةٌ من عيب مضر بالعمل ضررًا بينًا. ولا يجزئ التكفير إلا بما يجزئ فطرةً، ويجزئ من البر مد لكل مسكينٍ ومن غيره مدان. فصل: ويجوز اللعان بين زوجين بالغين عاقلين لإسقاط الحد، فمن قذف زوجته بالزنا لفظًا وكذبته فله لعانها بأن يقول أربعًا: أشهد بالله إني لصادقٌ فيما رميتها به من الزنا. وفي الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تقول هي أربعًا: أشهد بالله إنه لكاذبٌ فيما رماني به من الزنا. وفي الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فإذا تم سقط الحد، وثبتت الفرقة المؤبدة، وينتفي الولد بنفيه. ومن أتت زوجته بولدٍ بعد نصف سنةٍ منذ أمكن اجتماعه بها، أو لدون أربع سنين منذ أبانها ولو ابن عشرٍ، لحقه نسبه، ولا يُحكم ببلوغه مع شك فيه. ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها، فولدت لدون نصف سنةٍ لحقه، والبيع باطلٌ] .

معنى الظهار

معنى الظهار من عادات أهل الجاهلية ألفاظ يتكلمون بها، يعبرون بها عن تحريم الزوجة أو تحريم الأمة أو ما أشبه ذلك، ولما جاء الإسلام نهى عن تلك الألفاظ وتلك الكلمات الجاهلية، ومن ذلك الظهار، والظهار مشتق من الظهر؛ لأن الأصل فيه تشبيه الزوجة بظهر الأم، وذلك لأن الظهر في الدابة هو الذي يركب، فشبه ركوب الزوجة بركوب الدابة في ظهرها، وشبهها بظهر الأم. وقد كان أهل الجاهلية يحرمون نكاح المحارم التي جاء الشرع بتحريمهن كنكاح الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت، لكنهم كانوا يبيحون نكاح زوجة الأب، فإذا مات الأب ينكحها أحد أبنائه من غيرها، وكذلك كانوا يبيحون الجمع بين الأختين، ويبيحون أكثر من أربع، فقد يجمع الرجل بين خمس وعشر وثمان ونحو ذلك، فلما جاء الإسلام قصرهم بالنكاح على أربع، وحرم المحرمات التي يحرم نكاحهن إما لرضاع أو لقرابة أو لمصاهرة، وأبطل تلك العادات الجاهلية، والتي منها مسألة الظهار. أنزل الله تعالى في حكم الظهار أول سورة المجادلة. وسبب نزولها أن صحابياً -اسمه أوس بن الصامت - غضب على امرأة له يقال لها: خولة، ويصغرون اسمها فيقولون خويلة، فلما غضب عليها قال: أنت علي كظهر أمي. وكان لها أولاد منه، ويشق عليها أن تفارق أولادها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله، وتظهر الشكاية إلى الله، وتقول: إني تزوجته ونثرت له ما في بطني، ولي منه صبية صغار، إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن تركتهم عنده ضاعوا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بينه وبينها: (ما أظنكِ إلا قد حرمتِ عليه) ؛ وذلك لأن الظهار في الجاهلية فراق وتحريم؛ لأنه شبهها بمن هي محرمة عليه إلى الأبد، وهي الأم، فكان في ذلك تحريماً ظاهراً. فأخذت تردد وتقول: إلى الله المشتكى، أشكوا إلى الله ضعفي، وكأنها تسأل الله تعالى أن ينزل فيها ما يكون سبباً لرجوعها إلى زوجها، ويجعل لها فرجاً ومخرجاً، فبينما هي جالسة عنده نزلت سورة المجادلة، تقول عائشة رضي الله عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات! لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله، وإني لفي جانب الحجرة، ويخفى عليَّ بعض كلامها، قال الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] ، فهذا خبر من الله تعالى أنه سمع شكواها وسمع تحاورها مع النبي صلى الله عليه وسلم.

الدليل على تحريم الظهار

الدليل على تحريم الظهار ذكر الله حكم هذا العمل الذي هو تشبيه الزوجة بظهر الأم، وهو أن يقول لزوجته: أنت علي كظهر أمي. ويسمي هذا الفعل ظهاراً. ثم إن العلماء رحمهم الله أخذوا من هذه الآيات أحكام الظهار، وأنه محرم، والدليل على تحريمه قوله في الآية الثانية: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة:2] فإذا قال: أنتِ علي كأمي، أو أنت علي كظهر أمي، فإنه كاذب، فليست أمه، وليست مثل أمه، ولا يقال: إن لها حكم أمه، فأمه في الحقيقة هي التي ولدته، وأما هذه فإنها لم تلده، وقال تعالى في سورة الأحزاب: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب:4] أي: ليست أزواجكم أمهات إذا ظاهرتم منهن، فلا تكون الزوجة أماً، ولا تكون شبيهة بالأم، وإنما هي امرأة أجنبية، عقد عليها هذا الرجل، وأصبحت زوجة له حلالاً له، بخلاف أمه، فإنها محرمة عليه تحريماً مؤبداً، ولا تحل له بحال، والله تعالى أحل نكاح الزوجات، فعلى هذا بين الله تعالى أنها ليست أماً، ولو شبهها بالأم، ثم أخبر بأنه منكر {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:2] والزور: هو الكذب، والمنكر: ضد المعروف، يعني: أنهم يتكلمون بهذه الكلمة وهي كلمة منكرة، ولأجل ذلك يعدون الظهار من المنكرات ومن الكذب، ويعده بعضهم من كبائر الذنوب؛ لأن عليه الكفارة، وكل ذنب يحتاج إلى كفارة فإنه من كبائر الذنوب، فدل على أنه من المحرمات، وقد نص العلماء على ذلك.

حكم التشبيه بغير ظهر الأم

حكم التشبيه بغير ظهر الأم كان أهل الجاهلية إنما يحرمون بظهر الأم، لكن الحكم أعم من ذلك، فمن شبه ببطن أمه فالبطن كالظهر، فإذا قال لزوجته: أنت علي كبطن أمي، أو كفرج أمي، أو كيد أمي، أو كرأس أمي. وقصد بذلك تحريمها، فإنه يكون مظاهراً، وأما إذا قال: أنت علي كأمي، أو أنت مني كأمي. وقصد بذلك المودة، فلا يكون ذلك تحريماً. وهكذا لو دعاها: يا أمي! ويريد بذلك الشفقة، يعني: أنه يشفق عليها كما يشفق على أمه ويرحمها ويودها كما يود أمه، فإن ذلك مما يكون من أسباب المودة ولا يكون ظهاراً، وهكذا لو ناداها بقوله: يا أمي! لا يكون هذا ظهاراً، إلا إذا عرف من قصده أنه يحرمها عليه، فيشبهها بأمه التي يحرم عليه نكاحها، فيكون بذلك مظاهراً.

حكم تشبيه الزوجة بغير الأم من المحارم وبالرجال

حكم تشبيه الزوجة بغير الأم من المحارم وبالرجال وألحق العلماء غير الأم من المحارم بها، أي: كل امرأة تحرم عليه بنسب أو سبب مباشر تحريماً مؤبداً، فإنه إذا شبه زوجته بها صدق عليه أنه مظاهر، وأن عليه كفارة الظهار، وهكذا -أيضاً- لو شبه بعض زوجته بمن تحرم عليه، فلو قال -مثلاً-: وطؤك علي كأمي، أو فرجك علي كفرج أمي، أو بطنك أو ظهرك أو رأسك أو يدك أو رجلك كأمي، أو كبطن أمي، أو كرجل أمي أو كرأس أمي، صدق عليه أنه مظاهر. وهكذا غير الأم، إذا قال: أنت علي كظهر أختي، أو كبطن أختي، أو كأختي، أو كظهر عمتي أو خالتي أو ابنتي، أياً كان من أقاربه، فإن هذا يكون ظهاراً. وهكذا -أيضاً- إذا شبهها برجل، إذا قال: أنت علي كأبي، أو كابني، أو كظهر ابني أو ظهر أخي، أو شبهها برجل أجنبي، فقال: أنت علي كزيد أو كسعد، وهو لا يحل له نكاح رجل، فإذا شبهها برجل صدق عليه أنه مظاهر.

حكم تشبيه الزوجة بما ينفصل كالشعر والظفر من محارمه

حكم تشبيه الزوجة بما ينفصل كالشعر والظفر من محارمه وأما إذا شبهها بشيء منفصل فلا يسمى مظاهراً، إذا قال: أنت علي كشعر أمي. والشعر نعلم أنه قد ينفصل، وأنه لا يسمى منكوحاً ولا يتلذذ به، وكذلك السن، إذا قال: أنت علي كسن أو كأسنان أمي، والأسنان -أيضاً- تنفصل وتنقلع، فلا يكون ذلك ظهاراً، وكذلك الظفر والريق واللعاب وما أشبهه، وهكذا الثياب، مثل: أنت علي كثياب أمي أو كثياب أختي، أو كريقها، أو كلعابها، أو أظفارها أو نحو ذلك، لا يصير هذا ظهاراً. وهكذا لو شبه أجزاءً من زوجته تنفصل بمن تحرم عليه، فإذا قال: سنك أو شعرك علي كظهر أمي. فلا يكون مظاهراً.

حكم ظهار المرأة من زوجها

حكم ظهار المرأة من زوجها الظهار في الأصل يكون من الرجل، ولكن هل يكون من المرأة إذا قالته؟ في ذلك خلاف، يقول المؤلف هاهنا: وإن قالته لزوجها فليس بظهار، ومع ذلك عليها كفارته إذا وطئها مطاوعة. لذكر عن امرأة من أولاد الصحابة اسمها عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، قيل لها: إن مصعب بن الزبير يريد أن يتزوجك. فقالت: هو علي كظهر أبي. ثم قدر بعد ذلك أن تزوجها، ولما تزوجها وكانت قد ظاهرت أعتقت عبداً، كفارة لتلك الكلمة، وكأنها سألت من أفتاها بأن هذا وإن لم يكن ظهاراً فإن فيه كفارة الظهار؛ وذلك لأنه شبيه بظهار الرجل. ولا شك أنه محرم، فكما أن ظهار الرجل من امرأته محرم فكذلك المرأة، وإذا حرمت زوجها فلا يجوز لها أن تمنعه من نفسها؛ لأن الحق له بالزوجية، فإذا قالت: أنت علي كأبي أو كأخي أو كابني، أو كظهر ابني أو نحو ذلك، ثم طلبها لنفسه ليستمتع بها، فلا تمنع نفسها. ومن العلماء من يقول: عليها كفارة يمين كسائر المحرمات، فإن كل من حرم شيئاً من المباحات فإنما عليه كفارة يمين، حتى إذا كان للإنسان أمة ينكحها ثم حرمها لم تحرم، ولكن عليه كفارة يمين، واستدل بآية التحريم وهي قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] قيل في سبب نزولها: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على زينب وتسقيه عسلاً، فحسدتها بعض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهما حفصة وعائشة فأرادتا أن يمتنع من شربه، فدخل على إحداهما فقالت: أكلت مغافير! قال: إنما شربت عسلاً عند زينب. فقالت: جرست نحله العرفط. يعني: أكلت نحله من شجر العرفط الذي له رائحة، ثم دخل على الأخرى فقالت مثل ذلك، فعند ذلك قال: هو علي حرام، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:1] . وقيل: إن سبب نزولها تحريم أمته مارية القبطية، لما وطئها في بيت إحدى زوجاته فأنكرت عليه ذلك، وقالت: في بيتي وعلى فراشي! فقال: (إذاً هي علي حرام) فأنزل الله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] تحلة الأيمان: يعني كفارة الأيمان، فجعل في هذا اليمين كفارة، فإذا قال: هذه الأمة علي حرام، فعليه كفارة يمين، هذا هو الصحيح. وكذلك إذا قال: هذا الطعام أو هذا الشراب علي حرام. لا يكون حراماً، وإنما يكون فيه كفارة يمين، بخلاف تحريم الزوجة الذي يسمى ظهاراً، إذا حرم زوجته ولم يشبهها بأمه أو بغيرها، بل قال: أنت علي حرام، ففعليه كفارة الظهار؛ لأن هذا شبيه بما إذا قال: نكاحكِ علي محرم كنكاح أمي أو أختي أو ابنتي. فيكون بذلك مظاهراً، وهكذا إذا قال: أنتِ علي حرام. عليه كفارة الظهار، هذا هو القول الصحيح.

ممن يصح الظهار

ممن يصح الظهار ممن يصح الظهار؟ يصح من الزوج العاقل المكلف، الذي يعرف حكمه الذي يترتب عليه، وقد تقدم في كتاب الطلاق أن الطلاق لا يصح إلا من زوج ولو مميزاً، ولابد أن يكون ممن يعقله، فكذلك الظهار يصح ممن يصح طلاقه، وهو الزوج، فلا يظاهر غير زوجته. ولا يحرم زوجة الرجل عليه غيره، فلو قال الوالد لولده: زوجتك عليك حرام، أو زوجتك عليك كظهر أمك. فهل يكون هذا ظهاراً؟ لا يكون ظهاراً؛ لأنه ليس من الزوج، ولو قال الأب لابنه أو الابن لأبيه: زوْجتَك عليك حرام كظهر أمك. لم يكن هذا مظاهراً؛ لأنه لا يملك تطليق زوجة ابنه ولا زوجة أبيه.

ما يحرم على المظاهر قبل الكفارة

ما يحرم على المظاهر قبل الكفارة إذا ظاهر من امرأته فهل يطؤها؟ لا يطؤها حتى يكفر، وكذلك لا يجوز له أن يقبلها، ولا أن يباشرها، ولا يضمها، ولا غير ذلك حتى يكفر، والدليل قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3] والتماس: هو الوطء ومقدمات الوطء، فلا يقربها حتى يفعل ما أمره الله به، وقد ذكر الله عقب أمره بالعتق، وعقب أمره بالصيام (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) ، والصيام تطول مدته، فإذا اختار أن يصوم شهرين متتابعين ففي هذه الحال يتجنبها إلى أن ينتهي من الصيام. وهكذا -أيضاً- إذا اختار الإطعام، فلا يقربها حتى يطعم ستين مسكيناً، ولو لم يذكر المسيس في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة:4] فلم يذكر (من قبل أن يتماسا) ولكنه مراد، فإذا كان الصيام مع طول مدته ذكر فيه (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) ، فكذلك الإطعام لقلة زمنه، ولأنه قد يطعمهم في يوم واحد أو يومين. هذا معنى قول المصنف: يحرم وطء ودواعيه عليهما قبل الكفارة.

كفارة الظهار

كفارة الظهار الكفارة نص الله تعالى عليها في سورة المجادلة، وهي على الترتيب. عتق رقبة؛ فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، على هذا الترتيب، فمن قدر على الرقبة لم يجزئه الصيام، ولو صام فإنه لا يكفيه؛ لأن الله بدء بذكر الرقبة، فإذا لم يجد ثمن الرقبة، أو لم يجد الرقبة -كما في هذه الأزمنة- انتقل إلى الصيام، وإذا كان يطيق الصيام فلا يجزئه الإطعام؛ لأن الله قال: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ} [المجادلة:4] ، ولابد أن يكون الصيام شهرين متتابعين، فاشترط التتابع في كفارة الظهارة، وفي كفارة القتل كما في سورة النساء، وجاء -أيضاً- في كفارة الوطء في نهار رمضان، كما في الحديث الصحيح. فكفارة الظهار على النحو التالي: أولاً: الكفارة بالعتق، ثم الكفارة بالصيام، ثم الكفارة بالإطعام.

كفارة الكافر والمملوك إذا ظاهرا

كفارة الكافر والمملوك إذا ظاهرا الكافر لا يكفر بالصيام؛ لأن الصيام عبادة، والعبادة لا تصح من كافر، بل يكفر الكافر الذمي بالعتق، وإذا لم يجد كفر بإطعام ستين مسكيناً، أما الصيام فإنه عبادة بدنية تختص بالمؤمنين، يحتسبون فيها الأجر، ولا أجر للكافر في الصيام. أما العبد المملوك إذا ظاهر من امرأته فمعلوم أنه لا يملك عتقاً، ولا يملك إطعاماً، فليس أمامه كفارة إلا الصيام، فيكفر العبد بالصيام.

شروط الرقبة في كفارة الظهار

شروط الرقبة في كفارة الظهار ماذا يشترط في رقبة كفارة الظهار، وكفارة اليمين، وكفارة الوطء في نهار رمضان، وكفارة قتل الخطأ؟ أما نذر العتق فيكون على ما نذر، كأن يقول: لله علي أن أعتق عبداً. وأطلق، ولم يقل: عبداً كبيراً ولا صغيراً ولا ذكراً ولا أنثى، فهذا نذر عتق مطلق، أما ما عداه فيشترط في ذلك ما يلي. الشرط الأول: الإيمان، ذكر الله تعالى الإيمان في آية القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] فلا يجزئ إعتاق الكافر، فالإيمان ذكر في آية عتق كفارة القتل، وقيس عليه كفارة الظهار وكفارة اليمين وكفارة الوطء في نهار رمضان؛ وذلك لأن العتق قربة وعبادة فيه أجر، ولا يطلب إلا عتق المؤمنين، أما العبد الكافر فإعتاقه تمكين له من الكفر، وإعانة له على بقائه على هذا الكفر، فلا جرم اشترط أن يكون العتيق مؤمناً، قال الله: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] . الشرط الثاني في العتيق: السلامة من كل عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً، فلابد أن يكون العبد الذي يعتق في الكفارة سالماً من العيوب، فلا يعتق العبد الأعور، ولا الأعمى، ولا الأعرج؛ لأنه ناقص القيمة، وكذلك الأصم والأبكم والأقطع والمعاق والمقعد وما أشبه ذلك، ممن فيه ضرر، وذكروا من أمثلته: إذا كان مقطوع الإبهام؛ لأنه لا يستطع أن يعمل بأربع أصابع، وهكذا لو قطعت منه السبابة، فعمله يكون ناقصاً، وهكذا لو قطعت الوسطى، أما إذا قطع الخنصر فقد لا يؤثر، فيستطيع أن يكتب وأن يعمل، بخلاف ما إذا قطع الإبهام فكيف يكتب أو يمسك أو نحو ذلك؟ أو قطعت السبابة يصعب عليه أن يمسك القلم مثلاً، أو قطعت الوسطى يصعب عليه أن يمسك القلم أو الشيء بإصبعين. أما إذا قطع الخنصر والبنصر معاً فيكون هذا نقصاً ظاهراً، وقد يصعب عليه أن يعمل بثلاثة أصابع. وكذلك العيوب التي تخل بالعمل، فإذا كانت يده مشلولة، أو فيه عيب خَلقي، فمثل هذا لا يجزئ إعتاقه عن الكفارة، فلابد أن يكون سليماً من العيوب التي تضر بالعمل ضرراً بيناً.

شروط صيام الكفارة

شروط صيام الكفارة يشترط في الصيام التوالي والتتابع (شهرين متتابعين) ، فإن صام بالشهر الهلالي اكتفى بشهرين هلاليين ولو كانا ناقصين، أو كان أحدهما ناقصاً -يعني: تسعة وعشرين يوماً-؛ وذلك لأنه يصدق عليه أنه شهر. وإن ابتدأ من نصف الشهر أو وسطه فإنه يصوم ستين يوماً بالعدد، فإن الشهرين لا يزيدان عن ستين يوماً.

شروط الإطعام في الكفارة

شروط الإطعام في الكفارة وإطعام ستين مسكيناً يكون بأن يعطي كل واحد منهم ما يكفيه وجبة واحدة كغداء أو عشاء، وقد ذكر الله تعالى الإطعام في كفارة اليمين في قوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:89] أي: من الطعام الوسط، فلا يكلف نفسه الطعام الثمين الغالي، ولا يجزئ الرخيص الدنيء، بل ينظر الإنسان إلى أكثر ما يطعم أهله، فأحياناً قد يشتري لأهله في بعض المناسبات أنواعاً من اللحوم، كالسمك، أو لحم حمام أو نحو ذلك، أو لحوم شياه أو لحوم ضأن ونحو ذلك، وأحياناً لا يطعمهم إلا الخبز فقط بدون لحم، وبدون فاكهة لبعض الأسباب، فينظر إلى أكثر ما يطعم أهله، فإذا قال: أكثر ما أطعم أهلي وأوسط ما أطعمهم الأرز ولحم دجاج وشيء من الفاكهة. نقول: أخرج هذا في كفارة اليمين، وفي كفارة الظهار، وما أشبهها؛ لأن الله قال: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:89] . ومن العلماء من يقول: لابد أن يملكهم، فيعطي كل مسكين ما يكفيه يومه ذلك كغداء أو عشاء، يسلمه له، حتى يتصرف فيه ذلك المسكين. ومنهم من يقول: يكفي أن يدعوهم ليأكلوا في بيته حتى يشبعوا، فإذا شبعوا صدق عليه أنه أطعمهم. وقد ذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه في آخر حياته -بعد أن تجاوز عمره المائة- صعب عليه الصيام، فكان إذا دخل رمضان يجمع ثلاثين مسكيناً فيعشيهم أول ليلة حتى يشبعوا، ويكتفي بذلك عن الصيام، وأخذ ذلك من قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] فجعل طعام المسكين قائماً مقام الصيام، فكذلك تكون الكفارة، ومعنى هذا: أنه لو جمع ستين مسكيناً، وجعل لهم طعاماً من جنس طعام أهله، من خبز ولحم، أو أرز ولحم معتاد، أو غير ذلك من الأطعمة فإنه يكفي إذا أكلوا حتى شبعوا. وكذلك إذا ملكهم، وتمليكهم أن يسلم لكل واحد منهم ما يكفيه، والفقهاء يشترطون أن يملكهم، والمصنف يقول: ولا يجزئ التكفير -يعني: بالإطعام- إلا بما يجزئ فطرة، وقد تقدم اختيار الحنابلة أن زكاة الفطر تكون من خمسة: من البر والشعير والتمر والزبيب والأقط؛ لأنها هي المعتاد أكلها في ذلك الزمان، ولكن الصحيح أنها تجزئ من غالب قوت البلد، فكذلك الكفارة تكون من غالب قوت البلد، ففي بلدنا هذا الغالب هو الأرز، وأغلب الناس وأوسطهم يأكلون مع الأرز شيئاً من لحم الدجاج أو من لحم الإبل أو من لحم الغنم كإدام له، وغالباً يأكلون معه شيئاً من الفاكهة التي يتفكه بها كتفاح أو موز أو برتقال أو نحو ذلك من الفواكه، فإذا كان هذا هو غالب قوت أهله فإنه يطعم المساكين من مثل هذا. والذين اشترطوا أن يملكهم قالوا: يعطيهم طعاماً غير مطبوخ، فيجزئ من البر لكل مسكين مد، ومن غيره لكل مسكين مدان. وقوله: (ومن غيره) يعم بقية أنواع الطعام، فمعنى ذلك أنه لو أطعم المساكين من الزبيب فلابد من مدين، أو من التمر فلابد من مدين، مع تفاوت القيمة، ومعلوم أن المدين من الزبيب قد تكون قيمتهما عشرين ريالاً، والمدان من التمر السائد المعتاد قد تكون قيمتهما ثلاثة ريالات أو أربعة، ومع ذلك جعلوه سواء، وقد اختار مشايخنا أنه يطعم نصف صاع من الجميع، فيكفيه أن يملكهم نصف صاع من البر، أو نصف صاع من الأرز، أو نصف صاع من التمر أو من الزبيب أو من الذرة أو ما أشبه ذلك، إذا كان هو القوت السائد.

باب اللعان

باب اللعان اللعان: شهادات بين الزوجين مختومة بلعن أو غضب، مؤكدة من كل من الزوجين. وسوف يأتينا إن شاء الله في كتاب الحدود حد القذف، وهو أن يرمي الإنسان غيره بالزنا أو باللواط أو نحو ذلك، فإذا رماه فإن عليه حد القذف، واستثني من ذلك إذا رمى زوجته فإن عليه اللعان، وأما إذا رمت هي زوجها فإن عليها حد القذف، ولا لعان. نزل في اللعان آيات من سورة النور، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6-9] هكذا جاءت هذه الآيات.

سبب نزول آية القذف

سبب نزول آية القذف وسبب نزولها: أنه لما نزلت آيات القذف وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور:4-5] سأل بعض الصحابة عنها وقالوا: إذا رأى أحدنا امرأته تزني، فكيف يفعل؟ إذا ذهب يأتي بأربعة شهداء فإن هذا الزاني سوف يهرب، ولن يتمكن من إمساكه، فكيف يفعل؟ فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. ثم وقع أن عويمر العجلاني اتهم امرأته، فسأل أحد أقاربه فقال: أرأيت لو أن أحدنا وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ ثم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فكره المسائل وعابها، ولكن جاء بعد ذلك عويمر وقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به. أي: إنه تحقق أن امرأته زنت، ولكن لم يكن عنده شهود، ولا يستطيع أن يحضر شهوداً يجمعهم إذا كان ذلك في وسط ليل أو نحو ذلك. وحدث -أيضاً- أن رجلاً آخر من الصحابة وهو هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في سورة التوبة، قذف امرأته -أيضاً- برجل يقال له: شريك بن سحماء، دخل بيته فرأى وسمع وتحقق، عند ذلك أصبح وقال: إني وجدت مع امرأتي رجلاً قد فعل بها. فنزلت الآيات المذكورة في بيان هذا الحكم، وبين الله تعالى حكم ما إذا قذف الرجل امرأته، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [النور:6] يعني: لا يستطيع أن يأتي بشهداء، ليس له شهداء إلا نفسه، يعني: أنه هو الذي رأى وعاين وشاهد، فأمره الله تعالى بهذه الأوامر. ثم إن عويمراً جاء هو وامرأته، فشهد عليها أربع شهادات، وأتى بالخامسة، ثم إنها شهدت -أيضاً- أربع شهادات أنه كاذب وليس بصادق، وختمت بالغضب، ولما تمت الشهادتان منها ومنه طلقها، وقال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت سنة بين المتلاعنين التفرقة بينهما. وهكذا -أيضاً- جاء هلال وامرأته، ولما جاء ابتدأ فشهد على نفسه أربعة شهادات أنه صادق، ولما كانت الخامسة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل رجل يده على فمه، وقال: (إنها الموجبة) ولكنه أقدم ولعن نفسه إن كان كاذباً عليها، ثم قربت المرأة، وشهدت أربع شهادات أنه كاذب عليها، وبعد ذلك أمر أن يضع إنسان يده على فمها حتى لا تأتي بالخامسة، وقال: (إنها الموجبة) فتلكأت قليلاً، ثم أقدمت وقالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فشهدت ودعت على نفسها بالغضب، وكانت حاملاً فتبرأ من حملها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنظروها، فإن جاءت به خدلج الساقين فهو لـ هلال، وإن جاءت به كذا وكذا فهو لـ شريك) ، فجاءت به على الوصف المكروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن) أي: أن الذي منعه من إقامة الحد عليها أنها أتت بهذه الأيمان التي درأت عنها ذلك الحد الذي هو العقوبة عليها.

شروط المتلاعنين

شروط المتلاعنين سمي اللعان بهذا الاسم لقوله: {أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [النور:7] . ولا يكون اللعان إلا بين الزوجين، ولابد أن يكونا بالغين عاقلين، فإذا كان الزوجان أو أحدهما دون البلوغ، أو كان أحدهما مجنوناً أو ناقص العقل، فلا يكون هناك لعان؛ وذلك لأن الصغير لا يبالي، وليس هناك ما يحجزه عن الشهادة كاذباً؛ لأنه غير مكلف، والمجنون ليس معه عقل يحجزه عن الكذب أو عن الشهادة على الكذب، وكذلك ليس هناك ما يحجز المرأة الصغيرة عن أن تمكن من نفسها لعدم تكليفها، فإذا لم يكونا كذلك فلا لعان.

من لم يلاعن أقيم عليه الحد

من لم يلاعن أقيم عليه الحد وإذا لم يلاعن فعليه الحد؛ وذلك لأن هلالاً لما جاء وقال: إني وجدت مع امرأتي رجلاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة أو حد في ظهرك) يعني: قبل نزول الآية، وبعد نزول آية المحصنات، والبينة: هي أربعة شهود، أو حد في ظهرك، أي: تعاقب بالحد الذي هو ثمانون جلدة، فتعجب وقال: يا رسول الله! إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلاً فاجراً قد تفخذها، يذهب فيجمع أربعة شهود! فكرر عليه (البينة أو حد في ظهرك) . فدل على أنه إذا لم يأت بالبينة فإنه ينتقل إلى الملاعنة، فإذا امتنع من الملاعنة، وطالبت المرأة بحد القذف، فإنه يقام عليه حد القذف، وأما إذا شهد عليها، وكمل الشهادة باللعن، ولم تكمل هي الشهادة، أو لم تدعُ على نفسها بالغضب، فإنه يقام عليها الحد الذي هو الرجم، والدليل قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور:8] وهذا يدل على أنها إذا لم تأت بهذه الشهادات فلا يدرأ عنها العذاب، بل على الإمام إقامة الحد عليها.

شروط اللعان

شروط اللعان يقول المصنف: القذف لابد أن يكون لفظاً، بأن يقول: إن امرأتي قد زنت. سواء سمى الزاني فلاناً أو لم يسمه، فلو أشار إشارة ولو كانت إشارة مفهومة فلا يكون لعاناً. ويشترط أن تكذبه، أما إذا صدقته واعترفت بأنها قد زنت فلا لعان، بل يقام الحد عليها. ويبدأ الزوج بالشهادة، فيقول الزوج: أشهد بالله إني لصادق فيما رميتها به من الزنا. يكرر ذلك أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: وأن لعنة الله عليَّ إن كنت من الكاذبين. هذه شهادة الزوج. ثم إذا أنكرت الزوجة، وادعت أنه كذب عليها، فإنها تحضر وتشهد، فتقول: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: وأن غضب الله عليَّ إن كان من الصادقين. لا يقبل إلا بلفظ الشهادة (أشهد) ، إذا لم يأت بها فلا تكون شهادة؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور:6] وقال: {أَنْ تَشْهَدَ} [النور:8] فلو لم يأتِ بلفظ الشهادة، بل قال: إن هذه امرأتي زنت، إنها زانية، إنها زانية، وكرر ذلك أربعاً، لا يكون بذلك آتياً بما يدرأ عنه الحد، حتى يصرح بقوله: أشهد بالله. والله تعالى يقول: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور:6] ويقول: {أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} [النور:8] والشهادة تكون بالله، وسميت شهادة لأنها تدل على المشاهدة التي هي مشاهدة الشيء الظاهر، ورؤيته بالعين. ثم الرجل يدعو على نفسه باللعن إن كان من الكاذبين، واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، ولا شك أنه والحال هذه يكون وعيداً شديداً، إذا دعا على نفسه وهو كاذب بهذا اللعن فقد عرض نفسه للعقوبة. المرأة اختير لها الغضب، {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:9] وغضب الله تعالى هو ما تشدد عقوبته، فإن الله تعالى إذا غضب فقد يعاقب من غضب عليه عاجلاً، وقد يؤخر عقوبته آجلاً -يعني في الدار الآخرة- هذا هو الصحيح في اختيار الغضب، والغضب أشد من اللعن؛ لأنه يسبب دخول النار والعياذ بالله، واللعن والغضب كلاهما يسبب العذاب. وبدئ بالرجل لأنه أقوى جانباً؛ وذلك لأنه غالباً ليس بمتهم، ولا غرض له في أن يلاعن امرأته؛ لأنه إذا أبغضها فلا حاجة له إلى أن يقذف وبإمكانه أن يطلقها ويخلي سبيلها، فلا حاجة له إلى أن يلاعن وهو كاذب، فالقرائن تدل على صدقه، كما في قصة هلال، حيث إن امرأته ولدت مولوداً شبيهاً بذلك الرجل الذي قذفت به، فدلت القرائن على أنه أقرب إلى الحق وإلى الصدق، وكذلك في قصة امرأة هلال أنها تلكأت عند اليمين الخامسة، أو عند الغضب، وكادت أن تعترف، ومع ذلك أقدمت، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن) أي: لولا الأيمان لأقام عليها الحد، فدل ذلك على أن جانب الرجل أقوى من جانبها.

الموعظة قبل اللعان

الموعظة قبل اللعان قبل البدء في الملاعنة على القاضي أن يعظهما جميعاً ويذكرهما كما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذكرهما وخوفهما، وقال لهما: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟) . وكذلك -أيضاً- خوفهما وأخبرهما أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، عذاب الدنيا في حق الزوج هو أن يجلد ثمانين جلدة إذا تبين أنه كذب عليها، وعذاب الزوجة هو الرجم بالحجارة حتى تموت، ومع ذلك فإنه أهون من عذاب الآخرة، سيما إذا تابت وندمت واعترفت وأقيم عليها الحد، فهو أهون من عذاب الآخرة الذي هو النار وبئس القرار، فعليه أن يخوفهما ويذكرهما. فإذا تمت الملاعنة سقط الحد، فلا يقام عليه الحد الذي هو الجلد؛ لأنه أتى بما يسقطه وهو هذه الشهادات، وكذلك -أيضاً- يسقط الحد عنها؛ لأنها أتت بما يسقطه، وهو هذه الشهادات. بعد ذلك تتم الفرقة بينهما، وتكون فرقة مؤبدة، بحيث لو أنه بعد ذلك ندم، وقال: إني كذبت عليها، ردوها علي. لا تعاد إليه إلى آخر الحياة، وتحرم عليه تحريماً مؤبداً، وتكون كإحدى محارمه، ولا تحل له أبداً بعد تمام هذه الملاعنة، وهكذا -أيضاً- لو كذبت نفسها بعد ذلك يقام عليها الحد. فالحاصل: أن القاضي يفرق بينهما فرقة مؤبدة.

من أحكام اللعان

من أحكام اللعان إذا كان في بطنها حمل، وتبرأ منه، وقال: ليس لي، وليس ابناً لي. فإنه لا يلحقه، بل يُلحق بالزوجة، ويُنسب لأمه، يقال: ابن فلانة. ولا ينسب لأب لا للزاني ولا للزوج. أما إذا اعترف به وقال: إنه ابني، وإنها علقت به مني قبل أن تزني. فإنه يلحق به؛ لأنه اعترف بأنه ابنه فيلحق به وينسب إلى أبيه، والشرع يتشوف إلى صلة الأنساب. وأما إذا لم يكن القذف صريحاً فلا يكون هناك حد ولا لعان، تذكرون قصة رجل قال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود -وهو يعرض بنفيه-. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألك إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: حمر. قال: أليس فيها أورق؟ -يعني: أسود- قال: بلى. قال: فمن أين جاءها؟ قال: لعله نزعه عرق. فقال: وهذا لعله نزعه عرق) ، فلا لعان والحال هذه.

أقل مدة الحمل وأكثرها

أقل مدة الحمل وأكثرها يقول المصنف: ومن أتت زوجته بعد نصف سنة منذ أن كان جماعه بها، أو لدون أربع سنين منذ أبانها، ولو ابن عشر، لحقه نسبه. قدر الفقهاء أن أقل مدة الحمل نصف سنة، فإذا تزوج امرأة ودخل بها، وبعد أن دخل بها ولدت بعد ستة أشهر، ولدت في الشهر السابع بعد دخوله عليها، فهذا الولد يلحق به؛ لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، والغالب أن أكثر النساء تلد لتسعة أشهر، ولكن لما كان أقل مدة الحمل ستة أشهر دُرئ عنها الحد. فلو أنكره وقال: إنه ليس مني. فلا يقبل إنكاره، إلا إذا كان هناك قرائن بينة، وفي هذه الأزمنة يمكن أن يعرض على الأطباء الذين يقدرون عمر الجنين، فإذا عرض عليهم وقالوا بعدما دخل عليها بشهر: هذا الحمل له -مثلاً- عشرون أسبوعاً أو خمسة عشر أسبوعاً، تبين أنه ليس منه، فله في هذه الحالة أن ينتفي منه، وإذا لم ينتف منه فإنه يلحق به. ذكر أن امرأة ولدت بعدما تزوجها رجل بستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها، فقال له بعض الصحابة: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر، واستدل بقول الله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15] أي: مدة حمله ومدة فصاله ورضاعه، وقال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:14] فصاله: يعني رضاعه في عامين، فإذا أسقطنا العامين وهي أربعة وعشرون شهراً من الثلاثين فكم يبقى؟ يبقى ستة أشهر، فهي مدة الحمل، فالرضاع والفصال سنتان أربعة وعشرون شهراً، والبقية مدة الحمل، هذا أقل مدة الحمل. أما إذا طلق رجل امرأة، ولما طلقها ادعت أنها حامل، ولم تتزوج، ومضى عليها سنة وسنتان ولم تلد إلا في السنة الثالثة أو في السنة الرابعة قبل تمام أربع سنين منذ طلقها، وادعت أنه منه، لزم الإقرار به واستلحاقه؛ لأن الحمل قد يبقى في الرحم سنتين أو ثلاث سنين، وأكثر ما وجد أن الحمل يبقى في بطن أمه أربع سنين، ولكن الغالب أنه يكون مريضاً، وأنه في حالة مرضه لا يتغذى ولا ينمو بدنه وجسده؛ فلذلك تزيد مدة الحمل، فإذا ولدته لأقل من أربع سنين منذ أبانها لحقه. ولو كان الزوج صغيراً كابن عشر فإنه يلحقه نسبه؛ لأن ابن عشر قد يكون منه انتشار، ويكون منه شهوة، ويحصل منه الإنزال، وقد قدر العلماء أن أقل ما يحصل البلوغ لابن عشر، فإذا دخل بزوجة وهو ابن عشر سنين، وعلقت بحمل لحقه ذلك الحمل. ولكن اختلفوا: هل يحكم ببلوغه مع الشك فيه؟ قالوا: لا يحكم بالبلوغ إلا بعد اليقين، وبلوغ الرجل يكون باحتلامه أو بالإنبات -كما تقدم في باب الحجر- أو بتمام خمس عشرة سنة، لكن إذا دخل بامرأة وحملت وهو ابن عشر تبين بذلك أنه قد بلغ؛ لأن الحمل لا يكون إلا من إنزال، فلابد أنه أنزل في الرحم، وحصل من ذلك الإنزال علوق ذلك المولود، فأما إذا شك في هذا المولود هل هو من هذا الصبي أو من غيره فلا يحكم ببلوغه مع الشك.

حكم بيع الأمة إذا ولدت لدون نصف سنة

حكم بيع الأمة إذا ولدت لدون نصف سنة يقول المصنف: ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها فولدت في دون نصف سنة لحقه، والبيع باطل. صورة ذلك: إذا وطأ أمة مملوكة له، ولما وطئها باعها قبل أن يستبرئها، واعترف بأنه قد وطئها، وأنه باعها ولا يدري هل هي حامل أم لا، ولكن أقر بأنها كانت أمته، وبأنه قد وطئها، وبأنه لما باعها لم يستبرئها بحيضة، ففي هذه الحال إذا ولدت مولوداً يمكن أن يكون منه، فإنه يلزمه أن يلحقه، ويكون البيع باطلاً. وعليه أن يقر به إذا كانت ولادته لأقل من ستة أشهر منذ باعها؛ لأنه اعترف بأنه قد وطئها قبل البيع، والآن ولدت مولوداً كامل الخلقة في خمسة أشهر وثمانية وعشرين يوماً، فهذا المولود لابد أنه موجود في رحمها قبل بيعه لها، فعليه أن يقر به، وإذا أقر به لحقه نسبه، وحينئذ ترجع إليه؛ لأنها تصير أم ولد، وأم الولد لا يجوز بيعها، -وأم الولد هي المملوكة التي يطؤها سيدها فتلد له أولاداً- فإذا اعترف بأنه وطئها، وولدت بعد بيعه لها في أقل من ستة أشهر، فالولد منه يقيناً، وهو موجود في الرحم قبل أن يبيعها، فترجع إليه وتبقى أم ولده، ويبطل البيع. أما إذا ولدت بعد الستة الأشهر من البيع، يعني: باعها وبعدما باعها بنحو ستة أشهر وخمسة أيام جاءت بولد، نقول: إنه للمشتري الذي اشتراها؛ لأنه هو الذي وطئها بعدما تملكها، فإنه يمكن أنه لما اشتراها استبرأها بحيضة، والحيضة قد تكون يوماً أو يومين، ولما استبرأها وطئها، وبعدما وطئها علقت منه، ولما علقت منه مضى على شرائه لها ستة أشهر وخمسة أيام، يومان هما الاستبراء ونحوه، فتكون بذلك قد علقت منه، والولد له، ولا تعود إلى الأول.

الأسئلة

الأسئلة

من ارتكب حدا فهل تكفيه التوبة؟

من ارتكب حداً فهل تكفيه التوبة؟ Q كثير من البلدان لا يحكم فيها بالشرع في الحدود مثل القتل أو قطع يد السارق أو حد اللعان أو غيره، فهل تكفي التوبة؟ A إذا ارتكب الإنسان ذنباً، واعترف بذنبه فيما بينه وبين الله فإنه يستر نفسه، فإذا زنى فإنه يستر نفسه ويتوب، وتكفي التوبة، وكذلك حقوق الله تعالى يكفي فيها الندم والتوبة وأن يستر نفسه. وأما حقوق الآدميين فلابد فيها من الصلح، فإذا قتل إنساناً فلأوليائه أن يقتصوا ولو لم يكن هناك حاكم، فيقتلوا ذلك القاتل؛ لأن النفس بالنفس، ولهم أن يصطلحوا معه على دية ولو أكثر مما يقدر، وأما حد القذف فلهم أن يصطلحوا معه على أن يرضيهم، ويكفيه أن يندم على ما فعل، ويستر نفسه.

النصيحة لمن يتلفظ بالطلاق أو الظهار

النصيحة لمن يتلفظ بالطلاق أو الظهار Q بماذا تنصحون من يكون على لسانه كلمة الظهار دائماً؟ A ننصحه بالتوبة وترك هذه الكلمة، فكلمة الطلاق وكلمة الظهار تجري على ألسن الكثير، وكثيراً ما تسمعون من يقول: علي الطلاق أن أفعل كذا، أو امرأتي علي مثل أمي، أو مثل فرج أمي وما أشبه ذلك، فعليه أن يتوب، ويمسك لسانه، والتوبة تمحو الذنب.

شرح أخصر المختصرات [70]

شرح أخصر المختصرات [70] من رحمة الله بعباده وحكمته التي قد لا يستوعبها البشر: أن شرع أنظمة وتعاليم يجب على الناس الالتزام بها وتطبيقها على نسائهم، ومن ذلك أن فرض الله العدة على الزوجة إذا طلقت طلاقاً رجعياً أو بائناً، أو توفي عنها زوجها، وأمر من اشترى أمه أن يستبرئها قبل الوطء، وما ذاك إلا لأجل أن لا تختلط الأنساب وتنتهك الحقوق الزوجية وتهدر.

العدد والاستبراء والإحداد

العدد والاستبراء والإحداد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب العِدَد: لا عدة في فرقة حي قبل وطء وخلوة. وشرط لوطء كونها يوطأ مثلها، وكونه يلحق به الولد، ولخلوة مطاوعته وعلمه بها ولو مع مانع، وتلزم لوفاة مطلقًا. والمعتدات ست: الحامل: وعدتها مطلقًا إلى وضع كل حمل تصير به أمة أم ولد. وشرط لحوقه للزوج، وأقل مدته ستة أشهر، وغالبها تسعة، وأكثرها أربع سنين، ويباح إلقاء نطفة قبل أربعين يومًا بدواء مباح. الثانية: المتوفى عنها بلا حمل، فتعتد حرة أربعة أشهر وعشر ليال بعشرة أيام، وأمة نصفها، ومبعضة بالحساب، وتعتد من أبانها في مرض موته الأطول من عدة وفاة أو طلاق إن ورثت، وإلا عدة طلاق. الثالثة: ذات الحيض المفارقة في الحياة، فتعتد حرة ومبعضة بثلاث حيضات، وأمة بحيضتين. الرابعة: المفارقة في الحياة، ولم تحض لصغر أو إياس، فتعتد حرة بثلاثة أشهر، وأمة بشهرين، ومبعضة بالحساب. الخامسة: من ارتفع حيضها ولم تعلم ما رفعه، فتعتد للحمل غالب مدته ثم تعتد كآيسة، وإن علمت ما رفعه فلا تزال حتى يعود فتعتد به، أو تصير آيسةً فتعتد عدتها. وعدة بالغة لم تحض ومستحاضة مبتدأة أو ناسية كآيسة. السادسة: امرأة المفقود تتربص -ولو أمةً- أربع سنين إن انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك، وتسعين منذ ولد إن كان ظاهرها السلامة، ثم تعتد للوفاة، وإن طلق غائب أو مات، فابتداء العدة من الفرقة. وعدة من وطئت بشبهة أو زنًا كمطلقة إلا أمةً غير مزوجة فتستبرأ بحيضة. وإن وطئت معتدة بشبهة، أو زنًا، أو نكاح فاسد أتمت عدة الأول، ولا يحتسب منها مقامها عند ثان، ثم اعتدت لثان. ويحرم إحداد على ميت غير زوج فوق ثلاث، ويجب على زوجة ميت، ويباح لبائن. وهو ترك زينة وطيب، وكل ما يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها. ويحرم -بلا حاجة- تحولها من مسكن وجبت فيه، ولها الخروج لحاجتها نهارًا. ومن ملك أمةً يوطء مثلها من أي شخص كان، حرم عليه وطؤها ومقدماته قبل استبراء حامل بوضع، ومن تحيض بحيضة، وآيسة وصغيرة بشهر] .

حكمة مشروعية العدد ونحوها

حكمة مشروعية العدد ونحوها يتعلق هذا الفصل بالعدة والإحداد والاستبراء؛ والحكمة في ذلك: عدم اختلاط الأنساب، وذلك أن الرحم إذا كان مشغولاً بحمل لم يجز لغير الزوج أو السيد وطء تلك المرأة التي انشغل رحمها بحمل، فإن ذلك فيه شيء من اختلاط الأنساب، وهكذا لو علقت بحمل ثم طلقت وتزوجت، أو توفي عنها وتزوجت، فإنه لا يدري: هل الولد للأول أو للثاني، وقد يتنازعانه، فكل منهما يدعي أنه منه، وقد يكون ذلك سبباً في أن الولد يتعقد ولا يدري هل هو ولد هذا أو ولد هذا! هذا هو السبب. ولأجل ذلك حرم وطء الحامل، وقد ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره) ، وهذا على وجه الاستعارة، يعني: فلا يطأ امرأة غيره إذا كانت حاملاً، فإنه يسقي ذلك الولد من مائه الذي هو المني، وإذا فعل ووطئ المرأة الحامل فربما ينسب الولد إليه وهو ليس ولداً له، فذكروا أيضاً أن وطء الحامل يزيد في بصر الحمل أو في قوته أو نحو ذلك، فيكون الولد مشتركاً فيه هذا وهذا. هذه هي الحكمة من هذا الباب الذي هو العدد. وكان أهل الجاهلية لا يبالون باختلاط الأنساب، وفي الحديث الذي في البخاري عن عائشة: أنها ذكرت أن النكاح في الجاهلية على عدة أقسام، وذكرت منها: قسم الزواني اللاتي ينصبن الأعلام على بيوتهن، وهن العاهرات، وكل من رأى هذا العلم عرف أنه على امرأة بغي. وقسم آخر هو الاستبضاع، وهو أن الرجل يرسل امرأته إلى رجل شريف، ويقول لها: اذهبي استبضعي منه. أي: مكنيه من نفسك حتى تعلقي بولد، ليكون ولداً لنا، ويكون فيه صفات ذلك الشريف من شجاعة أو كرم أو بسالة أو قوة، فيكون هذا فيه أيضاً اشتراك في هذا الولد. وذكرت أيضاً قسم الاشتراك، وهو: أن يتفق خمسة أو عشرة في الدخول على المرأة، وكل منهم يطؤها، وإذا علقت بالحمل ووضعت حملها أرسلت إليهم، وقالت: قد علمتم ما حصل منكم، وقد وجد هذا الولد، ثم إنها تختار واحداً منهم وتعلقه به فتقول: هو لك يا فلان! ولا يستطيع أن يرد ذلك، فيتبناه. ولما جاء الإسلام حدد الزواج المباح الذي هو وطء الزوجة بنكاح صحيح، أو وطء الأمة بملك يمين، وما عدا ذلك فإنه محرم، ويحرم على المطلقة أو المتوفى عنها أن تتزوج حتى تستبرئ رحمها، وذلك بشرع هذه العدة. وجعل العدة أكثر من مدة الاستبراء كما سيأتي في هذه الأقسام، وكل ذلك من مصالح العباد، وفيه فوائد عظيمة تدل على أن الإسلام راعى الزوجية، وأنه جاء بالمصالح ودرء المفاسد.

الأدلة القرآنية على العدد

الأدلة القرآنية على العدد في هذا الفصل ذكر العدد، ونعلم أن العدد قد بينها القرآن بياناً مجملاً، فذكر الله عدة الحامل في قوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] ، وعدة المطلقة في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] ، وعدة الآيسة والصغيرة في قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق:4] يعني: بلغت سن الإياس {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] يعني: وكذلك اللائي لم يحضن، فذكر عدة هؤلاء. وكذلك عدة المتوفى عنها ليست حاملاً بقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] . والمطلقة التي لم يدخل بها ذكرت في قول الله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] .

عدة غير المدخول بها

عدة غير المدخول بها بدأ بغير المدخول بها، فقال: (لا عدة في فرقة حي قبل وطء وخلوة) .

عدة المتوفى عنها قبل الدخول

عدة المتوفى عنها قبل الدخول (فرقة حي) مفهومه: أن الفرقة بالموت لها عدة، ولكنها تسمى إحداداً، وصورة ذلك: إذا تزوج رجل بامرأة، ومات قبل أن يدخل بها، ففي هذه الحال عليها الإحداد؛ لأنها زوجة، وداخلة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:234] ، ولأنها ترث، ولأنها تعطى المهر، ودليل ذلك حديث عن رجل من أشجع: (أنه سئل ابن مسعود عن امرأة مات زوجها قبل أن يدخل بها، وقبل أن يفرض لها. فقال أقول فيها برأيي، فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، لها مهر مثل نسائها، لا وكس ولا شطط -يعني: لا زيادة ولا نقص- وعليها العدة -يعني: مع الإحداد- ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منا يقال لها: بروع بنت واشق بمثل ما قضيت) ففرح ابن مسعود لما وافق حكمه حكم النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا مات إنسان قبل أن يدخل بزوجته فإنها زوجة ترث منه، كما لو ماتت قبل أن يدخل بها فإنه يرث منها، وإذا لم يكن قد أعطاها مهراً فإنه يدفع لها مهر أمثالها لا وكس ولا شطط، يعني: لا تقصير -وهو الوكس- ولا شطط -وهو الزيادة- بل مهر المثل، وعليها العدة التي معها إحداد، هذا حكم من مات عنها زوجها وهي قد عقد عليها ولم يدخل بها.

عدة المطلقة قبل الدخول

عدة المطلقة قبل الدخول وأما إذا فارقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة، ولكن لها نصف الصداق، ولا يلزمها إحداد ولا عدة إذا طلقها؛ لصراحة الآية: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] ، دل ذلك على أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها. ولكن إذا كان قد فرض لها صداقاً فلها نصفه، إلا إذا سمحت أو سمح الزوج وأكمل لها المهر، وإذا لم يفرض لها صداقاً فلها المتعة؛ لقوله تعالى: (فَمَتِّعُوهُنَّ) أي: أعطوهن متاعاً، {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:49] .

معنى الدخول الموجب للعدة وشرطه

معنى الدخول الموجب للعدة وشرطه وأما إذا كان بعد الوطء أو بعد الخلوة فإنها تعتد، وماذا يشترط للوطء الذي يوجب العدة؟ كونها يوطأ مثلها، والتي يوطأ مثلها هي بنت تسع، فإذا كانت أقل من تسع سنين فالأصل أنه لا يوطأ مثلها، وأنه ليس لها شهوة، وأنها لا تعلق بحمل، فمثلها إذا طلقت فلا عدة عليها. شرط ثانٍ: كونه يلحق به الولد، متى يُلحق به الولد؟ إذا كان الزوج ابن عشر، والذي دون العشر عادة أنه لا يطأ، وإن وطئ فلا يحصل منه الإنزال، وإن أنزل فلا يخلق من إنزاله الولد. أما إذا كان يولد لمثله فإنه يلحق به الولد سواء كان ابن عشر أو أكثر، فإن الوطء يوجب العدة، يعني: إذا كانت بنت تسع، وكان هو ابن عشر ووطئها ثم فارقها، فعليها العدة، وأما إذا كان أقل من عشر أو هي أقل من تسع ووطئها فلا عدة عليها. ماذا يشترط للخلوة؟ مطاوعته، يعني: أن يكون مطاوعاً في تلك الخلوة، ويكون عالماً أنها عنده وأنها معه ولو مع وجود مانع. عرفوا الخلوة بتعريفين أو بثلاثة: إسدال الحجاب، وإغلاق الباب، وكشف النقاب. فإذا خلا بها، ليس معهما أحد، وأغلق الباب، أو كان -مثلاً- في بيت شعر وأسدل الحجاب بينه وبين الناس، وكشفت له وجهها، ولم يكن هناك ما يمنعه من أن يطأها، فإنه إذا طلقها فعليها العدة، وتستحق المهر كاملاً. ويحدث أن كثيراً من الذين يتزوجون يخلو أحدهم بامرأته ولكن في غير المنزل، فيركبها معه في سيارته، ويدخل بها الأسواق، أو يظهر بها في المنتزهات أو الحدائق أو الاستراحات أو خارج البلد، ويقول: لم أغلق باباً. نقول: بلى؛ إنك أغلقت باب السيارة، ولو كان باب السيارة غير ساتر، ولكن هذا دليل الخلوة، وإنك خلوت بها في مكان قد لا يراكما أحد، فإذا طلقت فإنها تستحق الصداق كله، فيجب الصداق كله بعد هذه الخلوة. فإذا قال: إني ما جامعتها! نقول: إن هذه الخلوة تعتبر مالكة بها للصداق، وعليها أن تعتد عدة الطلاق لهذه الخلوة. فإذا قال: إني خلوت بها في مكان خاص، ولكنها كانت حائضاً، ولم أستمتع بها. ف A الخلوة تسبب ثبوت الصداق كله ولو مع وجود مانع. وكذا لو خلا بها وهما صائمان، فإنها تلزمها العدة، ويلزمه الصداق، وإذا قال: أنا خلوت بها ولكن كنت صائماً أو كانت صائمة، أو كانت حائضاً، فعليها العدة بعد الطلاق، وعليه كمال الصداق.

أنواع المعتدات وأحكامها

أنواع المعتدات وأحكامها

تجب العدة للوفاة مطلقا

تجب العدة للوفاة مطلقاً قوله: (وتلزم لوفاة مطلقاً) العدة تلزم للوفاة مطلقاً، سواء خلا بها أو لم يخلو، لحديث بروع بنت واشق الذي رواه معقل بن سنان الأشجعي، فإنه صريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض لها صداق مثلها لا وكس ولا شطط، وجعل عليها العدة، وذلك لأنها زوجة، فتدخل في قوله تعالى: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:234] ، فإنه يعم الزوج الذي قد دخل والذي لم يدخل، فكل من مات عن زوجة دخل بها أو لم يدخل فإنها تعتد وتحد.

عدة الحامل

عدة الحامل والمعتدات ستة أنواع، بدأ بالحامل للنص عليها، وعدتها مطلقاً وضع كل الحمل الذي تصير به الأمَة أم ولد، ويشترط لحوقه بالزوج، وأقل مدته ستة أشهر، وغالبها تسعة أشهر، وأكثرها أربع سنين، قال الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] فمتى وضعت الحمل انتهت عدتها، وإن كان في بطنها توأمان فلا تنتهي العدة إلا بوضع الأخير. فإن أسقطت سقطاً قد تبين فيه خلق الإنسان انتهت عدتها، وأكثر ما تتبين فيه أربعة أشهر، وقد تتبين خلقة الإنسان في ثلاثة أشهر، وهذا هو الذي تصير به الأمة أم ولد، فالأمة إذا وطئها سيدها، ثم حملت منه وأسقطت، وكان ذلك السقط قد تبينت فيه مفاصله، كأن تبين رأسه، وإن لم تتشقق عيناه، ولم ينشق فمه، وتبينت يداه وإن لم تتشقق أصابعه، وإن كانت اليدان ملتصقتين في جنبه، وتبينت القدمان ولو كانتا لا تزالان ملتصقتين، فإذا تبين فيه هذا الخلق فإن الأمة تصير أم ولد، ولا يجوز له أن يبيعها، بل يستمتع بها بقية حياته، وإذا مات عتقت من كل ماله، فإذا أسقطت المتوفى عنها سقطاً قد تبين فيه خلق الإنسان فإنها تنقضي عدتها، وبطريق الأولى إذا وضعت حملاً لمدة كاملة فإنها تكون قد انتهت عدتها، وسواء طالت المدة أو قصرت. فلو وضعت بعد أن مات بساعة أو نصف ساعة انتهت عدتها، وجاز لها أن تتزوج، ولو قبل أن يدفن زوجها، ولو كان على سرير التغسيل أو سرير حمله إلى القبر، فالله تعالى يقول: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] . وهكذا لو طالت مدته: فلو مات زوجها والحمل نطفة فإنها تعتد حتى يوضع، ولو بقي سنة، فتبقى في الإحداد والعدة، حتى تضع جميع الحمل. روي عن بعض السلف أنه قال: إنها تعتد أبعد الأجلين، وأبعد الأجلين أقصاهما، إما العدة بالأشهر وإما العدة بالحمل، فمعنى ذلك أنه لو مات وهي في الشهر التاسع فعدتها أربعة أشهر وعشر، وإن مات وهي في الشهر الأول فعدتها التسعة الأشهر كلها. ولكن الصحيح: أنها تنتهي عدتها بوضع الحمل، سواء طالت مدته أو قصرت. واشترط لحوقه بذلك الزوج، فإذا تبين أنه لا يلحق به فلا تنقضي عدتها منه، فلو قدر أنه تزوجها وكانت حاملاً من غيره، ومات وهو لا يعلم، ثم إنه توفي وهي حامل، ووضعت حملها بعد ثلاثة أشهر أو شهرين، فهل نلحق ذلك الولد به؟ لا يلحق به؛ لأنه تبين أنه من غيره. وهكذا لو وضعته دون أقل مدة الحمل، وأقل مدة يوضع فيه الحمل كاملاً ستة أشهر؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15] ، ثم قال في آية أخرى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:14] ، أليس العامان أربعة وعشرين شهراً؟ كم بقي من الثلاثين؟ ستة أشهر، فتكون هي مدة الحمل، هكذا استنبط ابن عباس وغيره. وغالب مدة الحمل تسعة أشهر، فغالب النساء يلدن لتسعة أشهر، وقد يلدن لأكثر من تسعة، وأكثر مدة الحمل أربع سنين، والغالب أن التي يزيد حملها على تسعة يمتد إلى سنة أو سنتين أو ثلاث، وسبب ذلك مرض الجنين، بحيث إنه إذا مرض لا يتغذى، وإذا لم يتغذ فإنه يبقى ولا يموت جسده، إلى أن ترجع إليه صحته، ثم بعد ذلك يواصل التغذي، ولأجل ذلك إذا لم يتغذ الجنين فإن الدم يخرج كأنه حيض، ولكن ذكروا أن أكثر مدة الحمل أربع سنين، وذكر بعض العلماء أنه قد يزيد، وتبقى خمساً أو ستاً أو ربما إلى عشر والدم يخرج منها، ولكنها تعرف أن فيها حملاً، وذلك الحمل لا ينمو. وبكل حال: الأصل والغالب والمعتاد تسعة أشهر أو قريباً منها.

حكم الإجهاض

حكم الإجهاض (ويباح إلقاء نطفة قبل أربعين يوماً بدواء مباح) إذا علمت أنها حملت، أو علم الزوج وكان لا يريد الحمل، جاز لهما الإسقاط قبل تمام الأربعين يوماً بدواء مباح، لا بدواء محرم كعمل السحرة ونحوهم، ويجوز لها أن تذهب إلى طبيبة تعطيها دواءً يسقط ذلك الحمل الذي لا يزال نطفة؛ لأنه في الأربعين اليوم الأولى لا يزال نطفة، لم يبدأ في طور التخليق، فيجوز إسقاطه، ولكن بدواء مباح. وأما بعد الأربعين فإنه قد بدأ في طور التخليق، أي: بدأ في الأربعين الثانية وكان علقة، الله تعالى ذكر الأطوار في قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون:14] فإذا أصبح علقة بدأ في طور التخليق فلا يجوز إلقاؤه إلا لضرورة، إذا عرف -مثلاً- أنه سيضر بأمه، وأنها لا تتحمل وأنه يمكن موتها إلى آخر ذلك من الأذى.

عدة المتوفى عنها وليست حاملا

عدة المتوفى عنها وليست حاملاً الثانية من المعتدات: المتوفى عنها وليست حاملاً، فتعتد الحرة أربعة أشهر وعشر ليال لعشرة أيام، وتعتد الأمة نصفها، أي: شهرين وخمسة أيام، وتعتد المبعضة بالحساب، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] (يتربصن) يعني: ينتظرن، ولا يتزوجن هذه المدة كلها. فهذا حكم الحرة، والأمة معلوم أنها تعتد على النصف من الحرة، فإذا كانت الأمة مزوجة من حر أو من عبد فمات زوجها فإنها تعتد نصف هذه المدة شهرين وخمسة أيام، والمبعضة تعتد بالحساب إذا كان نصفها حراً ونصفها مملوكاً فإنها تعتد شهرين وخمسة أيام، ونصف ذلك أي: شهراً ويومين ونصف، فتكون عدتها بالحساب، تأخذ من الشهرين والخمسة الأيام الباقية نسبة ما فيها من الحرية، فإن كان نصفها حراً أخذت من الشهرين والخمسة الأيام نصفها، وإن كان فيها ربع حراً أخذت ربع الشهرين والخمسة الأيام، وإن كان ثلثها حر أخذت ثلث الشهرين والخمسة الأيام، وإن كان ثلثاها أخذت ثلثي الشهرين والخمسة الأيام، هذا معنى (بالحساب) . الحكمة في ذلك: أولاً: استبراء الرحم، وذلك لأنه قد يكون فيها حمل ولكن لا يتبين ويتحقق إلا بعد أربعة أشهر. ثانياً: أن المدة التي يمكن أن تصبر فيها عن الزواج أربعة أشهر، وجعلت العشرة الأيام احتياطاً؛ لأن بعض الأشهر قد يكون ناقصاً. وإذا تحقق بأنها ليس في رحمها حمل فإن هذه المدة تعبد، وقيل: إن هذا لتعرف حق الزوج؛ ولأجل ذلك تحد عليه خاصة، فدل ذلك على أن من الحكمة معرفتهن لحقوق الأزواج، مما يحملها على الاعتراف بحقه وأدائه، وكذلك حرصها على القيام بخدمته في حياته وما أشبه ذلك.

عدة المطلقة في مرض الموت

عدة المطلقة في مرض الموت وإذا أبانها في مرض موته كأن خاف من الموت وطلقها ثلاثاً، أو كانت مطلقة باثنتين وقد بقي لها واحدة، وطلقها الثالثة وهو مريض، أليس ذلك يدل على أنه متهم بقصد حرمانها من الإرث؟ في هذه الحال ترث ولو كانت قد بانت، ولو طالت مدة مرضه بعدما أبانها، وحاضت ثلاث حيض قبل موته، ثم مات بعدما اعتدت وانتهت عدتها بالأشهر، ففي هذه الحال ترث منه، معاملة له بنقيض قصده. فهي إذاً ترث، وإذا ورثت وجبت عليها العدة، وإذا أبانها بمرض موته فإنها تعتد الأطول من عدة وفاة أو طلاق إن ورثت، وإن لم ترث فعدة طلاق، فلو طلقها ومات بعد طلاقها وقد بانت منه، كأن مات بعد طلاقها بثلاثة أشهر، وقد حاضت ثلاث حيض، ففي هذه الحال ترث منه وتعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر؛ لأنها الأطول. فأما إذا أبانها وانتهت العدة فإنها ترث منه؛ وذلك لأنه معروف أنه أراد بذلك حرمانها. أما إذا حكم بأنها لا ترث فليس عليها إلا عدة الطلاق، وإذا عرف أنه لم يكن متهماً بقصد الحرمان فليس عليها إلا عدة الطلاق ولا ميراث لها.

عدة ذات الحيض

عدة ذات الحيض الثالثة من المعتدات: ذات الحيض المفارقة في الحياة، فعدة الحرة والمبعضة ثلاث حيضات، وعدة الأمة حيضتان، قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] . اختلف العلماء في القروء ما هي، فقيل: إنها الأطهار، أي: تعتد ثلاثة أطهار، إذا طلقها وهي طاهر فهذا الطهر تعتده، ثم إذا حاضت ثم طهرت فهذا الطهر الثاني، ثم إذا حاضت ثم طهرت فهذا الطهر الثالث، فإذا تم الطهر الثالث وجاءتها العادة انتهت عدتها، هذا قول أن الأطهار تسمى قروءاً، واستدلوا بقول الأعشى يمدح أحد الملوك أو أحد الغزاة بكثرة الغزو وإضاعة نسائه، فيقول: وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة عزاً وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا الذي ضاع من قروء نسائه هي الأطهار؛ لأنه فاته طهر هذه الزوجة ولم يطأها فيه، وفاته طهر الثانية ولم يجامعها فيه؛ لأنه كان في غزو، فسمى الأطهار قروءاً. القول الثاني: أن القرء هو الحيض، وهذا هو الذي اختاره الإمام أحمد؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ذلك في قوله لـ فاطمة بنت قيس: (دعي الصلاة أيام أقرائك) يعني: أيام حيضك. فعلى هذا إذا طلقت وهي ممن يحيض فعدتها ثلاثة قروء، أي: ثلاث حيض إذا كانت حرة، وهكذا لو كانت مبعضة فعدتها ثلاثة قروء، ولو كان الرقيق منها العشر أو الربع، وأما الأمة التي لم تبعض فعدتها قرءان أي: حيضتان. قد يقال: لماذا تعتد بثلاثة قروء مع أن القرء الواحد والحيضة الواحدة يعلم بها براءة الرحم، وسلامتها من انعقاد الرحم على حمل، فما الفائدة في حبسها ثلاثة أشهر أو ثلاث حيض؟ الحكمة في ذلك: تمكين الزوج من مراجعتها؛ لقول الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] ، وتقدم ذلك في الرجعة، وأنه لو راجعها وقد طهرت من الحيضة الثالثة ولكن لم تغتسل صحت الرجعة، إذا كان الطلاق واحدة أو اثنتين، هكذا يتمكن الزوج من الرجعة في هذه المدة. وإذا قلت: فالبائن التي طلقت ثلاثاً أو آخر ثلاث، وليس لزوجها عليها رجعة، لماذا تعتد ثلاثة أشهر أو ثلاث حيض؟ ف A إن ذلك لأجل أن يجري الطلاق على وتيرة واحدة، لا يكون فرق بين من طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، تكون العدة واحدة وهي ثلاثة قروء؛ ولعموم الآية: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] فالآية عامة لكل مطلقة في الحياة.

عدة الآيسة والصغيرة

عدة الآيسة والصغيرة الرابعة من المعتدات: المفارقة في الحياة ولم تحض لصغر أو إياس، قد تعتد الحرة بثلاثة أشهر، والأمة بشهرين، والمبعضة بالحساب، قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] ، وكثيراً من النساء إذا تمت خمسين سنة توقف الحمل والحيض، فلا تحمل ولا تحيض بعد الخمسين، وبعضهن يتوقف الحيض عنها في عمر خمس وأربعين، وبعضهن قد تحيض ولو في خمس وخمسين أو في ثمانية وخمسين، وقد وجد من تحيض وعمرها ثمان وخمسون، وأما إذا تجاوزت الستون فالعادة أنها لا تحيض، فإنه يتوقف عنها الحيض. فالحاصل: أن هذا دليل على أن الحيض هو المعتبر في النساء، فإذا أيست من الحيض، وعرفت أنه لا يعود، في هذه الحال إذا طلقت كانت عدتها ثلاثة أشهر. وهكذا الصغيرة التي طلقت قبل أن تحيض، يعني: قد يتزوجها وعمرها عشر أو اثنتا عشرة أو أربع عشرة سنة ويطؤها، ولم يسبق أن حاضت، قد يتأخر الحيض عن بعض الفتيات إلى الخامسة عشرة، وربما إلى سبع عشرة، فإذا طلقت وهي لم تحض فإن عدتها كعدة الآيسة ثلاثة أشهر، فإن حاضت في الثلاثة الأشهر انتقلت إلى عدة الحيض. لو طلقها -مثلاً- وعمرها أربع عشرة، ولما طلقها مكثت شهرين ما حاضت فيهما وما جاءها الحيض، ولكن حاضت في الشهر الثالث، ففي هذه الحال عدتها الأقراء، فتمكث ثلاث حيض بعد الشهرين التي ما حاضت فيهما. والأمة عدتها شهران، والمبعضة بالحساب، والمبعضة: هي التي بعضها حر وبعضها مملوك، فإذا كان نصفها حراً فإنها تعتد شهرين بالرق، ونصف شهر بنصف حريتها، تأخذ من الشهر الثالث مثل النسبة التي فيها من الحرية.

عدة من ارتفع حيضها

عدة من ارتفع حيضها الخامسة من المعتدات: (من ارتفع حيضها ولم تعلم ما رفعه، فتعتد للحمل غالب مدته، ثم تعتد كآيسة، وإن علمت ما رفعه فلا تزال حتى يعود فتعتد به، أو تصير آيسة فتعتد عدتها وعدة بالغة لم تحض، ومستحاضة مبتدأة أو ناسية كعدة آيسة) . قد يرتفع حيض بعض النساء، فإن كانت لا تدري ما رفعه، كأن توقف حيضها وهي تحيض بسبب خفي لا تدري ما هو، ففي هذه الحال عدتها سنة: تسعة أشهر مدة أغلب الحمل، وثلاثة أشهر عدة الآيسة. أما إذا علمت ما الذي رفع هذا الحيض فإنها لا تزال في العدة، ذكر عن بعض الصحابة أنه طلق امرأة له، وكانت ترضع ابنة له، ثم ارتفع حيضها بسبب الرضاع ولم تحض، ومكثت معها ابنتها سنتين أو سنة وستة أشهر، مرض ذلك الزوج، وقال: الآن قد طلقتها من سنة وتسعة أشهر، ولو مت لورثت مني، فذهب وانتزع ابنته منها، ولما أُخذت البنت رجعت إليها الحيضة، ولكنه مات قبل أن تعتد عدة ذات الأقراء، فورثت منه. ففي هذه الحال إذا علمت أنها لا تحيض ما دامت ترضع، فإنها تبقى في العدة إلى أن يرجع إليها الحيض بعد فطام الولد؛ لأن العادة أنها إذا كانت ترضع ينقلب الدم لبناً وترضعه الطفل، فلا تحيض ما دامت ترضع، هذا أغلب النساء، وبعضهن لقوة شبابها وبنيتها تحيض ولو كانت ترضع، سيما إذا كانت لا ترضع ولدها إلا شيئاً قليلاً، اعتماداً في إرضاعه على اللبن الصناعي، أما النساء قبل خمسين سنة أو نحوها فإن الولد إنما يرتضع لبن أمه مدة سنتين، وفي هاتين السنتين لا تحيض. فإذا طُلقت وهي في النفاس، ثم طهرت، ثم اشتغلت في إرضاع الطفل وتوقف عنها الحيض لمدة سنتين فإنها تكون في العدة، بحيث إنه لو مات ورثت منه، أو ماتت ورث منها؛ لأنها لا تزال محبوسة لأجله؛ ولأنها علمت أن عدتها في الأقراء، وعلمت ما رفع الحيض عنها، فتبقى في العدة إلى أن يرجع إليها الحيض فتعتد به ولو طالت المدة. وهكذا لو ارتفع حيضها بمرض، وهكذا لو تعاطت دواءً يوقف الحيض، فإنها علمت أنه يرتفع الدم، وبعض النساء تعرف أنها إذا أخذت هذا الدواء توقف الحيض عنها سنة أو نصف سنة، ثم يعود إليها، فإذا علمت ما رفعه فلا تعتد حتى يرجع الحيض فتعتد به، فقال: (إذا علمت ما رفعه فلا تزال حتى يعود فتعتد به) . فإن بلغت سن الإياس والحيض ما عاد إليها فعدتها كآيسة، فلو قدر -مثلاً- أن هذا الدواء أو هذا المرض استمر معها ولم يعد إليها الحيض، وبلغت سن الخمسين أو الخمسة والأربعين وأيست، وعلمت أن الحيض لا يعود إليها لكبر سنها، ففي هذه الحال تعتد بالأشهر ثلاثة أشهر.

عدة المستحاضة والمبتدأة والناسية والبالغة بغير حيض

عدة المستحاضة والمبتدأة والناسية والبالغة بغير حيض يقول: (وعدة بالغةٍ لم تحض ومستحاضةٍ مبتدأةٍ أو ناسيةٍ كآيسةٍ) . يعني: لو بلغت المرأة بنبات الشعر حول الفرج، أو بخمس عشرة سنة، ولكن ما حاضت، وطلقت، فماذا تكون عدتها؟ بالأشهر كالآيسة، وهكذا عدة المستحاضة المبتدأة، مثالها: امرأة ابتدأها الدم لأول مرة وعمرها خمسة عشر، واستمر عليها شهراً أو شهرين أو سنة أو سنوات ولم يتوقف، ولم تعرف لها عادة، وطلقت، فعدتها كالآيسة ثلاثة أشهر. وهكذا إذا استحيضت وكانت لها عادة ولكن نسيت عادتها، واختلط عليها الأمر، فاختلط دم الحيض بدم الاستحاضة، إذا طلقت فعدتها ثلاثة أشهر كعدة الآيسة.

عدة امرأة المفقود

عدة امرأة المفقود السادسة والأخيرة من المعتدات: امرأة المفقود، وهو الذي غاب ولم يعلم خبره، ولم تعلم حياته ولا موته، في هذه الحال تتربص ولو كانت أمة أربع سنين، إذا انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك، أي: إذا كان يغلب على الظن الموت. وذكروا أمثلة -كما تقدم في الفرائض- بمن فُقد في معركة حصلت بين المسلمين والكفار، فما وجد مع الأحياء، ولا وجد مع الأموات، ولا وجد مع الأسرى، ولا يدرى هل هو حي أم ميت، ولكن الغالب أنه قد مات، فيمكن أنه في مكان خفي قتل في هذه المعركة، فلا يقسم ماله إلا بعد أربع سنين من هذه المعركة، ولا تتزوج امرأته ولا تعتد إلا بعد أربع سنين. وهكذا لو خرج في الليل من أهله ولم يدر أين هو، وانقطع خبره، قد يقال: إنه اختطف، وقد يقال: إنه اغتيل، خرج في الليل على أنه يعود بعد ساعة وانقطع خبره، فتتربص مدة أربع سنين، يمكن أنه يعود، ولكن الغالب أنه مات. وقد وقعت قصة في عهد عمر رضي الله عنه أن رجلاً خرج من أهله ليلاً ولم يرجع، فانتظرته امرأته، فبعد أربع سنين وقد تزوجت زوجته جاء إلى أهله، فسألوه: أين كنت؟ فقال: استهوتني الجن -أي: اختطفتني- فكنت عندهم كأسير، ثم إنه غزاهم جن مسلمون وتغلبوا عليهم، ووجدوني في الأسرى فقالوا: أنت مسلم، لا يحل لنا إمساكك، فإن شئت أن تبقى معنا، وإن شئت أن نردك إلى أهلك. فقلت: ردوني، فأصبحت في طرف المدينة. فخيره عمر بين زوجته وبين ماله، فاختار ماله، والزوجة قد تزوجت. هذه القصة ذكرها صاحب "منار السبيل في شرح الدليل". أما إذا كان الغالب عليه السلامة فإن امرأته تتربص تمام تسعين سنة منذ ولد، ينظر كم عمره عندما فقد، فإذا كان عمره خمسين سنة فلا يقسم ماله، ولا تتزوج امرأته إلا بعد أربعين سنة حتى تتم التسعون، فتتزوج امرأته بعد إحداد. وكذلك لو فُقد وعمره ثمانون تتربص عشر سنوات. ولو فُقد وعمره عشرون سنة، فعلى كلامهم أنها تنتظر سبعين سنة، ولا شك أن في هذا ضرراً عليها، فلا تتزوج ولا تقسم تركته؛ لأجل ذلك قالوا: إن الحاكم له الاجتهاد، كما لو فقد وعمره تسعون فللحاكم أن يجتهد، والغالب في هذه الأزمنة العثور عليه، وذلك بفضل المواصلات، ولوجود الهواتف والإذاعات ونحوها، وإمكان البحث عنه والتنقيب، ومعرفة أين هو، ولو كان قد يخفي نفسه.

متى تبدأ عدة المرأة إذا طلقها أو مات وهو غائب

متى تبدأ عدة المرأة إذا طلقها أو مات وهو غائب يقول: إذا طلق الغائب أو مات متى تبدأ العدة؟ من وقت الفرقة، أي من وقت الطلاق أو الموت، فلو مات في بلاد بعيدة، ووصل خبره إلى امرأته بعد أن مضى أربعة أشهر وعشر فلا عدة عليها؛ لأنها انتهت، ما جاءها الخبر إلا بعدما مضى على موته هذه المدة، فإن جاءها الخبر بعد ثلاثة أشهر بقي لها شهر وعشرة أيام، وإن جاءها الخبر بعد عشرة أيام فتعتد أربعة أشهر. وهكذا المطلقة، كثير من الرجال يطلق امرأته ولا يأتي الخبر إلا بعد العدة، يطلقها وهو في بلاد، ويكتب ورقة الطلاق -مثلاً- في شهر محرم، ولا يصل إليها الخبر إلا في شهر ربيع الثاني، وتكون قد حاضت ثلاث حيض، أو مر بها ثلاثة أشهر إذا كانت آيسة، فهل تعتد بعد ذلك؟ لا عدة عليها. جاءتها ورقة الطلاق مكتوب فيها أن الطلاق وقع في شهر محرم، حاضت في محرم وفي صفر وفي ربيع الأول وطهرت، ففلا عدة عليها، ولها أن تتزوج، وابتداء العدة يكون من الفرقة.

عدة الموطوءة بشبهة أو زنا

عدة الموطوءة بشبهة أو زنا من وطئت بشبهة أو الزانية إذا وطئت فإنها إذا أرادت التوبة والزواج فلابد من مضي ثلاثة قروء كالمطلقة، وذلك حرصاً على استبراء الرحم. وهكذا لو وطئت بشبهة، كرجل عقد على امرأة بعقد فاسد -يعني: بدون ولي- ودخل بها، ثم فرق بينهما أو طلقها، فعدتها ثلاثة قروء إذا كانت تحيض؛ لأن هذا وطء بشبهة، وهكذا لو وجد امرأة على فراشه فاعتقدها أمته أو زوجته ووطئها، وتبين أنها ليست زوجته، فهذا وطء شبهة، فتعتد له ثلاثة قروء. يستثنى من ذلك الأمة، إذا وطئت بشبهة أو وطئت بزنا، فإن كانت مزوجة فإنه لا يحل لزوجها أن يطأها إلا بعد حيضتين، وإن كانت غير مزوجة فليس عليها إلا حيضة واحدة تسمى الاستبراء، وإن كانت حرة مزوجة ووجدها رجل على فراشه فوطئها، فهي تظنه زوجها، وهو يظنها امرأته، وتبين أنها غير امرأته، ففي هذه الحال لا يحل لزوجها وطؤها إلا بعد أن يمضي عليها ثلاث حيض، حرصاً على استبراء الرحم، ولو كانت الحيضة الواحدة يعلم بها براءة الرحم، ولكن من باب الاحتياط. وإذا وطئت معتدة لشبهة أو زنا أو نكاح فاسد أتمت عدة الأول، ولا يحتسب مقامها عند الثاني، ثم اعتدت للثاني، ثم جدد لها العقد إن كان زواجاً فاسداً. صورة ذلك: إذا طلق امرأة عدتها ثلاثة قروء، وبعد ما مر قرءان وبقي لها قرء وطئها رجل بشبهة أو بزنا، أو عقد عليها وهي في العدة، فهذا يعتبر عقداً ونكاحاً باطلاً، ثم دخل بها، ومكثت عنده شهراً أو شهرين أو سنة، ثم تبين الأمر، فماذا نفعل؟ نفرق بينهما، فإذا فرقنا بينهما قلنا لها: أكملي عدة الأول الذي بقي له حيضة. فإذا قالت: أنا قد حضت عشر مرات عند هذا الثاني. نقول: لا يحسب مقامك عند الثاني، وعليها أن تكمل الحيضة التي بقيت للأول، ثم بعد ذلك تعتد لهذا الثاني الذي نكاحه فاسد أو باطل ثلاثة قروء، ثم إن شاءت رجعت على الثاني بعقد جديد. وهكذا لو وطئت بشبهة، وقد بقي من عدتها حيضة، أو وطئت بزنا وقد بقي من عدتها حيضة، فإننا نأمرها بأن تكمل الحيضة التي للأول، ثم تكمل للثاني -الذي هو وطء شبهة أو وطء زنا- ثلاث حيض، ثم تتزوج إن شاءت بعد التوبة إذا كانت زانية.

أحكام الإحداد

أحكام الإحداد

تعريف الإحداد وحكمه

تعريف الإحداد وحكمه انتهى ما يتعلق بالعدد، وبقي الإحداد، وتعريفه: هو ترك المرأة للزينة، وكل شيء يدعو إلى النظر إليها، ويرغب في نكاحها، وهو مما جاءت به السنة وإن لم يذكر في القرآن، فقد جاءت السنة بإحداد المرأة إذا مات زوجها، فلا تحد على أبيها، ولا على ابنها، ولا أخيها أكثر من ثلاثة أيام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) فخص الزوج لأنه هو الذي تحد عليه أربعة أشهر وعشراً. فيجب أن تحد على الزوج إذا مات وهي في ذمته، وأما إذا طلقت طلاقاً بائناً، وقيل: إن عدتها ثلاثة قروء، فهل تحد لفراق هذا الزوج، مع أنه فراق في حياة؟ يجوز الإحداد، ولكن ليس بواجب، بخلاف الإحداد على الزوج فإنه واجب. كان أهل الجاهلية إذا مات الزوج فإن زوجته تدخل في حشٍ صغير، ثم تنقطع عن الزينة، ولا تغتسل ولا تمشط شعرها طوال سنة، ولا تغير ثيابها طوال السنة، ويكون مقامها في هذا الحش الصغير الذي هو في غاية شدة الضيق، وفي غاية شدة الحر، وإذا انتهت السنة خرجت وأخذت بعرة ورمت بها، كأنها تقول: إن هذه المدة خفيفة علي كما أن هذه البعرة خفيف عليَّ رميها، ثم بعد ذلك تراجع الزينة.

ما يحرم على المرأة في الحداد وما يباح لها

ما يحرم على المرأة في الحداد وما يباح لها فلما جاء الإسلام جعل لها عدة أربعة أشهر وعشراً تترك فيها الزينة، وأباح لها أن تغير ثيابها، وأن تغسلها، وأن تغتسل، وأن تتنظف، وأن تخرج لحاجتها وما أشبه ذلك، إلا أنه حرم عليها الزينة التي تجلب النظر إليها، وحرم عليها استعمال الطيب، وكل شيء يدعو إلى جماعها، أو يرغب في النظر إليها، فلا تتطيب بطيب له ريح، أو له لون حسن كزعفران أو ورس أو عصفر أو نحو ذلك. وكذلك أدهان الطيب كماء الورد ودهن العود وما أشبه ذلك، وكذلك لا تلبس لباس الشهرة كاللباس الذي تلبسه في الحفلات، وإنما تلبس ثيابها التي تشتغل بها في بيتها، ولا تقتصر على لباس لون معين، يعتاد بعض النساء الإحداد في الثوب الأسود، وهذا ليس شرطاً، بل تعتد في ثياب عادتها، لا فرق بين أسود وأحمر وأخضر وأزرق، ولا تكتحل الكحل الذي للزينة، وأما إذا احتاجت إلى الكحل للعلاج فلها ذلك، ولكن قالوا: تكتحل بالليل وتمسح بالنهار إذا كان يكسبها زينة في عينيها. ولا تلبس الحلي؛ لأنه من جملة ما يلفت النظر إليها، فلا تلبس الخواتيم في الأصابع، ولا تلبس الأسورة في الذراع وهي ما تسمى بالروائش، ولا ما في العضد، وهو ما يسمى بالمعاضد، ولا ما في الأذن مما يسمى بالأقراط، والقرط: هو الذي يعلق في الأذن، ولا ما في الرقبة، وهو ما يسمى بالقلائد، وقد يسمى الآن الرشائش وأشباه ذلك مما تتحلى به من ذهب أو من فضة؛ لأن ذلك يلفت الأنظار إليها، ويدعو إلى وطئها، فلا تتجمل بشيء من ذلك. وهكذا ورد في الحديث أنها لا تلبس ثياب زينة إلا ثوب عصب، والعصب: هي ثياب منسوجة كانت تأتي من اليمن، يكون فيها خطوط مستطيلة ليست للزينة. وأبيح لها إذا اغتسلت من الحيض أن تتتبع أثر الدم الذي لوث بدنها كالفخذين ونحوه، فتأخذ قطعة من قسط أو أظفار، والقسط: هو نوع من الطيب، وكذا الأظفار، يسحق ويخلط بعضه ببعض، ثم تجعله في قطنة، ثم تتبع أثر الدم حتى يزيل ذلك الأثر والوسخ عنها. ولها أن تغتسل متى شاءت، ولكن لا تغتسل بما فيه طيب كالصابون الممسك ونحوه، ولها أن تغتسل بغيره مثل الصابون التايت ونحوه. ولها أن تصعد في بيتها ما شاءت، أو تخرج إلى ملاحق البيت، يعتقد بعض النساء أنه لا تبرح البيت، وأنها لا تنظر إلى القمر، وأنها لا تمشي في مشارف الدار وما أشبه ذلك مما لا أصل له، فليس عليها شيء من ذلك، كل ذلك مما يروجه بعض الناس بدون دليل. ولها أن تصلي كما يصلي غيرها، يقول بعض الناس: إنها لا تصلي إلا بعد صلاة الإمام. ولا أصل لذلك، ويقول بعضهم: إنها لا تغتسل إلا في كل أسبوع. وهذا ليس بصحيح، بل تغتسل متى احتاجت إلى ذلك. ثم عليها أن تبقى في محلها الذي مات وهي فيه، ولا يجوز لها أن تتحول من مسكن وجبت عليها العدة وهي فيه إلا لضرورة وحاجة، كما إذا كان البيت مستأجراً وانتهت مدة الإيجار، وليس عندها ما تدفعه كأجرة، أو أخرجها أهله، أو كذلك لم يكن عندها من يؤنسها واحتاجت أن تنتقل عند أهلها لتؤنس، أو خافت من الوحشة في هذا البيت، ففي هذه الحال يجوز أن تتحول، وإلا فلا تتحول. وإذا كانت -مثلاً في هذه الأزمنة- معلمة أو طالبة أو ممرضة -أعني: موظفة- فهل تترك وظيفتها؟ وهل تترك الدراسة؟ لا تتركها، ويجوز لها والحال هذه أن تذهب، ولكن تكون متحجبة متسترة من حال خروجها من بيتها، وتركب في سيارة إن كان مكاناً بعيداً إلى باب المدرسة، ثم تتستر أيضاً إذا خرجت من المدرسة أو من المستشفى أو نحو ذلك. ويجوز لها وهي في هذه الحال أن تخرج للحاجة، فلو استدعاها القاضي لأجل شهادة مثلاً، أو لحصر إرث، أو لأن توكل على نصيبها من التركة، ولم تقدر على أن توكل فإنها تحضر. وهكذا لو مرضت، فلها أن تذهب إلى الطبيب أو الطبيبة للعلاج، وكذلك لو احتاجت إلى شراء شيء ولم يكن عندها من يشتري لها من البقالة، فلها أن تخرج لذلك. ولكن خصوا الخروج نهاراً، ولا تخرج ليلاً؛ لأن الليل مظنة الوحشة ونحوه. ولها أن تخرج في أول الليل، ولكن ترجع قبل النوم. ذكر أن نساء الصحابة الذين استشهدوا في غزوة أحد كن يجتمعن عند إحداهن في النهار من باب التأنيس، خمس أو ست يجتمعن في بيت فلانة، من باب أن بعضهن يؤنس بعضاً حتى تزول عنهن الوحشة، فإذا جاء الليل وجاء وقت النوم رجعت كل واحدة إلى منزلها.

أحكام الاستبراء

أحكام الاستبراء ولندخل في موضوع الاستبراء. يقول رحمه الله: (ومن ملك أمة يوطأ مثلها من أي شخصٍ كان، حرم عليه وطؤها ومقدماته قبل استبراء حامل بوضع، ومن تحيض بحيضة، وآيسة وصغيرة بشهر) . هذا هو الاستبراء، وهو خاص بالأمة، والأمة معلوم أن سيدها يطؤها، ولكن حرام عليه إذا كان وطئها أن يبيعها قبل أن يستبرئها، لماذا؟ قد تكون حاملاً منه، وإذا حملت منه أصبحت أم ولد، وأم الولد لا يجوز أن يبيعها، ففي هذه الحال عليه أن يتركها إلى أن تحيض حيضة، ويعلم بذلك براءة رحمها، ثم بعد ذلك يبيعها. والمشتري يستبرئها، ولا يحل له أن يطأها قبل أن يستبرئها مرة أخرى، ولو قال له البائع: قد استبرأتها، وإنها بريئة، ليس في رحمها نطفة، فلابد أن يستبرئها المشتري، فتستبرأ مرتين من باب الاحتياط. وشرط ذلك: أن تكون كبيرة، يعني: أن يوطأ مثلها، أما إذا كانت صغيرة كبنت ثمان أو ثمان ونصف فمثل هذه لا تحيض عادة، وأيضاً لا يوطأ مثلها، ولا تحبل مثلها، فيجوز للمشتري أن يباشرها، وأن يقبلها، وما أشبه ذلك. ولو كان البائع امرأة فهل يستبرئها المشتري؟ يقول: هذه اشتريتها من امرأة، وهل المرأة تطأ المرأة؟ وهل يكون بها حمل مع أن الذي ملكها امرأة؟ A نعم، لابد أن يستبرئها. وإذا كان الذي باعها ممن تحرم عليه، يعني: لا يحل له وطؤها لسبب، كأن تكون قد أرضعته فلا يحل له وطؤها مع أنه يملكها، ففي هذه الحال لو قال: أنا لا أطؤها؛ لأنها قد أرضعتني أو هي أختي من الرضاعة، ولكني ملكتها بالإرث من أبي، واعلم أنها لم توطأ عندي، فما وطأتها أنا ولا وطأها أحد غيري. فعلى المشتري أن يستبرئها، فلا يطؤها قبل الاستبراء، ولا يقبلها، ولا يضمها، ولا يباشرها قبل الاستبراء. وكيفية الاستبراء: ورد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في سبي أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) فإن كانت حاملاً فبوضع جنين الحمل، وإن لم تكن حاملاً فبحيضة واحدة، وإذا كانت آيسة أو صغيرة فتستبرأ بشهر، وإذا كانت صغيرة ولو كانت قد قاربت البلوغ كأن تكون بنت عشر أو بنت ثلاث عشرة، ولكنها ما حاضت، فاستبراؤها يكون بشهر، وكذلك الآيسة التي بلغت الستين أو خمساً وخمسين وأيست من الحيض، فاستبراؤها يكون بشهر. وبهذا ينتهي ما يتعلق بالعدة والاستبراء والإحداد. والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

العدة مسألة تعبدية

العدة مسألة تعبدية Q إذا كانت عدة الموطوءة بشبهة كعدة المطلقة، وذلك لاستبراء الرحم، فإذا قرر الطب الحديث أن المرأة غير حامل فهل تنتفي العدة؟ وجزاكم الله خيراً. A العدة هاهنا تعبدية، ولو تأكدنا أنها بريئة الرحم، حتى ولو كانت مطلقة، ولو كانت بائنة، إذا طلقها ثلاثاً أو آخر ثلاث، وعلم بأنها ليس في رحمها حمل وعمرها مثلاً ستون، فإنها تعتد، وليس ذلك لأجل الاستبراء.

خروج المرأة في مدة الحداد بسبب الخوف

خروج المرأة في مدة الحداد بسبب الخوف Q إذا كانت المعتدة تخاف النوم في البيت وحدها، هل يجوز لها أن تنام في بيت أهلها؟ A إذا كان هناك عدة طلاق رجعي فتقدم أنها تبقى في بيت زوجها، وتكون عدتها ثلاث حيض، ولكن لها أن تذهب إلى أهلها إذا كانت المعتدة عدة وفاة، وشق عليها أن تبقى وحيدة في البيت.

حكمة التنصيف للأمة في العدة

حكمة التنصيف للأمة في العدة Q إذا علمنا أن الحكمة من العدة استبراء الرحم، فلماذا كانت عدة الأمة على النصف من عدة الحرة؟ A تنصيف الأمة وتنصيف العبد أجري على العموم، ولو كان لأجل استبراء الرحم، فإن فيه شيئاً من التعبد، قد عرفنا -مثلاً- أن الرحم تعرف براءته بحيضة واحدة، ومع ذلك فالمتوفى عنها تعتد أربعة أشهر وعشراً إذا كانت حرة، وإذا كانت أمة تعتد شهرين وخمسة أيام، فدل ذلك على أنه تعبد.

حكم شرب الشاي والقهوة المزعفرة لمن عليها حداد

حكم شرب الشاي والقهوة المزعفرة لمن عليها حداد Q هل يجوز للمرأة التي عليها حداد أن تشرب الشاي والقهوة التي فيها شيء من الزعفران؟ A لعل ذلك جائز، والمنهي عنه هو التطيب، فأما الشرب فإنه لا يظهر أثره ولا تظهر رائحته.

طريقة حساب عدة المبعضة

طريقة حساب عدة المبعضة Q ما هي طريقة حساب عدة المبعضة؟ A المبعضة تأخذ من الشهر الثالث بقدر نسبتها، فإذا قلنا مثلاً: المطلقة وهي آيسة عدتها ثلاثة أشهر، وإذا كانت أمة اعتدت شهرين، فحيث إن نصفها مملوك رقيق ونصفها الآخر حر فتأخذ نصف الشهر الثالث، فإن كان ربعها مملوكاً زادت ربع الشهر الثالث، وإن كان سدسها حراً اعتدت سدس الشهر الثالث، وهكذا.

حكم وطء الأمة المشتركة

حكم وطء الأمة المشتركة Q الأمة إذا اعتق نصفها أو ربعها فهل يحق لمولى النصف أو الربع وطؤها؟ A لا يجوز وطء الأمة المشتركة، لو كانت الأمة مملوكة بين اثنين لكل منهم نصفها، لم يحل لأحد منهم أن يطأها، وإذا أعتق بعض منها فليس لمالك النصف أن يطأها، لكن لها أن تتزوج، وزوجها يطؤها باسم الزوجية لا بملك اليمين.

تبدأ المعتدة عدتها من وقت الطلاق أو الموت

تبدأ المعتدة عدتها من وقت الطلاق أو الموت Q متى تبدأ المعتدة عدة وفاة أو عدة طلاق في عدتها؟ أهو منذ بلوغها النبأ أم منذ يوم الطلاق أو الوفاة؟ A هذا مر بنا في نفس الكتاب، أنها تبدأ من وقت الطلاق ومن وقت الوفاة، بحيث إنه لو لم يبلغها خبر الوفاة إلا بعد أربعة أشهر وعشرة أيام فلا عدة ولا إحداد، وكذلك خبر الطلاق، فلو طلقت وما وصلها الخبر إلا بعد ثلاث حيض فلها أن تتزوج.

حكم استبراء المطلقة طلاقا بائنا بحيضة واحدة

حكم استبراء المطلقة طلاقاً بائناً بحيضة واحدة Q ألا تستبرأ المطلقة طلاقاً بائناً بحيضة واحدة؟ A يُجرى الطلاق مجرىً واحداً، سواء طلقت واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، يكون مجراه واحداً لعموم الآية، وهي قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] ولو كان لا رجعة لزوجها عليها كالغائب.

حكم من أسر زوجها في الحرب

حكم من أسر زوجها في الحرب Q من فُقد أو أسر في حرب الخليج فماذا تفعل زوجته الآن؟ A إذا كان معروفاً أنه أسير عند العدو، ولكن قبضوا عليه ومنعوه من التفلت، ففي هذه الحال لها أن ترفع أمرها إلى القاضي ليحكم بفسخها، وإذا فسخت فإنها تعتد عن الفسخ، وتكون بالاستبراء.

عدة الوفاة تعبدية

عدة الوفاة تعبدية Q هل عدة الوفاة عبادة تحتاج إلى نية؟ فإن كان كذلك فما حكم خادمة في المملكة توفي زوجها في بلادها، ولم تعرف عن ذلك إلا بعد مدة؟ A صحيح أنها شرعت لأجل أن تعرف قدر الزوج وحقوقه، ولكن إذا مضت المدة التي بعد موته ولم تعلم به سقطت العدة، وسقط ما معها من الإحداد.

حكم كتابة (ص) عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

حكم كتابة (ص) عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم Q أريد أن أكتب عن المشايخ في الدروس كثيراً من كلامهم، ولكن عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أكتب الرمز (ص) وذلك لتدوين ما يقوله المشايخ، فهل هذا جائز؟ A وفقك الله، ورزقناً جميعاً الحب فيه والبغض فيه، أنت قيد الكتابة كما تستطيع، وإذا انتهيت من الكتابة فلك أن تعود إلى الرمز وتكتبه صلاة وتسليماً صريحاً؛ ليكتب لك الأجر.

حكم من طلق امرأة في السوق ظنها زوجته

حكم من طلق امرأة في السوق ظنها زوجته Q إذا قال لزوجته: أنت طالق إن خرجتِ. ثم ذهب هو إلى السوق فرأى امرأة وظن أنها زوجته، فطلقها، فهل يقع الطلاق؟ A نرى كما ذكر في المتن أنها لا تطلق؛ لأنه ظنها امرأته وليست امرأة، وظن أنها خرجت بدون إذنه، فلم يقع الطلاق؛ لأنها ما خرجت، ولا عرضت عليه.

حكم الحلف بالطلاق لأجل الاحتشام والتستر

حكم الحلف بالطلاق لأجل الاحتشام والتستر Q امرأة قال لها زوجها: أنت طالق إذا رآك رجل في أحد الأعراس. ثم في ذلك العرس فُتح الباب فجأة، وكان هناك أحد الرجال، ولا تدري هل رآها ذلك الرجل أم لا، فهل تطلق؟ A نرى أن هذا منع لها عن رؤية الرجال والنظر إليهم، فإذا كان يقصد بذلك حضها على التستر والاحتشام، ومنعها عن النظر إلى الرجال، سواء في الأفراح أو في غيرها كفاه كفارة يمين.

حكم الزواج بنية الطلاق

حكم الزواج بنية الطلاق Q ما رأيكم في الزواج بنية الطلاق؟ A يختار أكثر العلماء أنه جائز إذا تمت الشروط، ولم يكن هناك تحديد مدة، بمعنى أنه يقول: أتزوجها زواجاً كاملاً بشهود، وبرضاها، وأعطيها صداق أمثالها، ولا أحدد مدة، ولكن إذا بدا لي طلقتها، أو إذا لم تناسب، أو إذا فارقت المدينة هذه، فلا مانع من ذلك لتمام شروطه.

وقوع الطلاق البدعي

وقوع الطلاق البدعي Q ذكرتم من قبل أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يوقع الطلاق البدعي، وحديث ابن عمر في مسلم: قد وقع فيه الطلاق، آملاً منكم بسط القول في هذا، وجزاكم الله خيراً؟ A هكذا يرى ابن القيم، ويوافقه أيضاً ابن باز وغيره من المشايخ، أن الطلاق البدعي لا يصح، ولكن الجمهور على أنه يقع، والأدلة كثيرة في ذلك، والأحاديث التي هي روايات حديث ابن عمر تجدونها قد بسطها الألباني رحمه الله في كتابه الذي هو تعليق على منار السبيل، وتخريج أحاديثه، فإنه أتى بالألفاظ كلها التي تدل على أنه طلاق صحيح، وأنه وقع الطلاق في الحين.

حكم من قال لزوجته: إن كنت خرجت إلى السوق فأنت طالق.

حكم من قال لزوجته: إن كنت خرجت إلى السوق فأنت طالق. فكذبت عليه Q هذا سؤال عبر الإنترنت من أمريكا الشمالية، تقول: خرجت إلى السوق بدون إذن زوجي، فلما رجع قال: إن كنتِ خرجت إلى السوق فأنت طالق. فقلت: إنما خرجت لأوصل الولد إلى المسجد. فسكت ولم يطلق، فماذا تفعل هذه الزوجة؟ هل تخبر زوجها، وهل تطلق؟ وجزاكم الله خيراً. A نرى أن عليها أن تبين له أنها خرجت حتى يكون ذلك صدقاً، وكذلك عليه أن يراجعها إذا كان قد قصد الطلاق وعزم عليه، أو يكفر عن يمينه إذا لم يكن عزم على الطلاق وإنما أراد التهديد.

حكم شراء الكتب لمن عليه دين

حكم شراء الكتب لمن عليه دين Q ما حكم شراء الكتب العلمية وأنا علي دين؟ هل أشتري الكتب أم أسدد أهل الدين مع أنهم ليسوا متشددين في طلب دينهم؟ وجزاكم الله خيراً. A نرى أنك تسدد الدين، إلا إذا استأذنتهم ورخصوا لك في أن تؤخر الوفاء.

حكم من نادى زوجته بلفظ الأم أو الأخت

حكم من نادى زوجته بلفظ الأم أو الأخت Q في بلدي عادة وهي: أن الزوج ينادي زوجته بلفظ أمي أو أختي بلغة غير العربية، ولا يقصد بذلك الطلاق، وإنما جرت العادة هكذا، هل يجوز ذلك؟ A لا يكون طلاقاً إذا نوى ذلك، ولا يكون ظهاراً، وإنما يريد أنها في المودة وفي الأخوة والصداقة بمنزلة الأم والأخت.

حكم من طلق زوجته ثلاثا في حالة عصبية

حكم من طلق زوجته ثلاثاً في حالة عصبية Q رجل طلق زوجته في حالة عصبية، ورمى عليها الطلاق بالثلاث، فهل يحصل الطلاق في هذه الظروف؟ وكيف يراجعها؟ A أرى أنه إذا كان الغضب ليس شديداً، ويمكنه أن يملك نفسه وأعصابه فالطلاق واقع، وأما إذا اشتد الغضب بحيث إنه لا يملك أعصابه، ولا يقدر أن يتصرف في نفسه، ففي هذه الحال يقع الطلاق، وتبين منه زوجته.

حكم امرأة أسلمت وتريد الزواج ولا ولي لها مسلم

حكم امرأة أسلمت وتريد الزواج ولا ولي لها مسلم Q المرأة التي أسلمت وأهلها غير مسلمين، هل لها أن توكل ولياً ليزوجها بحضور الشهود؟ وكذلك لو رغبت غير المسلمة -الكتابية- من الزواج بالمسلم، هل لها أن تزوج نفسها من دون ولي؟ ومن يكون وليها إذا كان أهلها غير مسلمين، خصوصاً في البلاد التي لا يوجد فيها حكم شرعي؟ A لا تزوج نفسها، فإن كان في الدولة أو البلد رئيس دولة مسلمة، أو مدير دعوة أو ما أشبه ذلك زوجها، ففي الحديث: (السلطان ولي من لا ولي له) ، وإذا تعذر بأن لا يوجد -مثلاً- قاضٍ، ولا أمير مسلم، ولا رئيس دعوة، ولا رئيس مركز دعوة، ولا غير ذلك، فإنها توكل واحداً من المسلمين يتولى العقد عليها.

حكم طلاق المسحور

حكم طلاق المسحور Q تزوجت زوجة صالحة قائمة بحقوقي، إلا أنني أصبت بعد الزواج أو في أيام الخطوبة بمرض، كثير من الرقاة قالوا: إنه سحر. حيث إنني في مشاكل معها دائماً، وقد نشزت عند أهلها شهرين، ثم ثمانية أشهر، والآن لها سنتين ونصف تقريباً ولها أربعة أطفال مني، وقد صدر مني عدة طلقات في مجالس مختلفة، وهي عند أهلها؛ علماً بأن أهلها لم يطالبونني بالطلاق، لكنهم حرموني زوجتي طوال هذه الفترة، هل طلاقي يقع؛ وخاصة أني مريض، ثم أثبت الطلاق في صك، وأثبت القاضي طلقتين، لكن الصك فيه نظر، حيث إن تاريخ الطلقة الأولى غير صحيح، فما رأيكم؛ علماً بأني أرغب عودة زوجتي وأطفالي؟ A عليك أن تتعالج بالرقية الشرعية، فإنها إذا كانت من صادق بطل هذا العمل الشيطاني، وعاد إليك فكرك وعقلك، وأما هذا الطلاق فإن كان وقع وأنت مغلوب على أمرك في حالة لا تعقل فيها، ولا تفكر، ولا تدري ما تقول، فإنه لا يقع ولا يحسب، وأنت معذور في ذلك. وأما إذا وقع وأنت تفكر وتعرف، ولو كان معك شيء من التألم فإنه يحسب. ثم إذا طلقتها وانقضت عدتها، ثم طلقتها ثانية بعد انقضاء العدة، فالطلاق الذي بعد انقضاء العدة لا يقع، وحيث ذكرت أنك حررت صكاً فالعمل على ما في الصك، راجع القاضي الذي أصدره، واطلب منه أن يفتيك بما فيه.

حكم التفريق بين رجل يبيع مخدرات وبين زوجته

حكم التفريق بين رجل يبيع مخدرات وبين زوجته Q رجل متزوج، وقد سجن بسبب ترويجه للمخدرات، وقبل سجنه للمرة الثالثة حذره أهل الزوجة بالتفريق بينهما، فهل يحق لهم ذلك؟ أرجو التفصيل وجزاكم الله خيراً. A يحق لهم ذلك، إذا اشتهر أنه يعمل هذا العمل المحرم، وإذا سجن فإن سجنه يؤذي زوجته، فيقال له: عليك أن تتوب من هذا، أو أن تطلق، إن عدت إلى هذا الترويج طلبنا من الحاكم أن يفرق بينك وبين امرأتك.

نصيحة لمن يريد فراق زوجته بعلة أنه لا يحبها

نصيحة لمن يريد فراق زوجته بعلة أنه لا يحبها Q أنا متزوج منذ ثلاث سنين تقريباً على فتاة ذات خلق ودين ولله الحمد، ولكن منذ أن تزوجت لم أحس بطعم للحياة الزوجية، وهذه الأيام أفكر في فراقها، إذ إنني أرى أن السبب في ذلك عدم المحبة، فبماذا تنصحونني؟ وجزاكم الله خيراً. A لابد أن هناك أسباباً تمنعك من الالتذاذ بهذه الحياة، إما أن يكون هناك من حسدك، فالحاسد والعائن قد يؤذي من يحسده، وإما أن يكون هناك قلق في الحياة بحيث إن هناك ما يضايقك في أمور حياتك، فعليك أن تعالج نفسك بالرقية، أو بكثرة الدعاء والاستعاذة من الشيطان ووساوسه.

حكم لبس بدلة الخطوبة

حكم لبس بدلة الخطوبة Q ما رأي فضيلتكم فيمن يلبس بدلة الخطوبة؟ وهل لها أصل في الشرع؟ A لا أصل لهذه لا للرجل ولا للمرأة، يلبس الإنسان اللباس المعتاد، سواء لباس الثياب أو الخواتيم أو ما أشبه ذلك، أما أن يكون للخطوبة لباس متميز أو دبلة أو نحو ذلك فلا أصل لذلك.

حكم الحلف بالطلاق

حكم الحلف بالطلاق Q إذا حلف بالطلاق، فهل تلزمه الكفارة فوراً، أم تسقط الكفارة إذا برت المرأة بحلف زوجها عليها؟ A إذا حلف بالطلاق ذكرنا أنه إذا كان قصده اليمين، والحض أو المنع فعليه كفارة اليمين، وإذا تبين للمرأة أنه قاصد الطلاق فإن لها أن تمتنع منه وتقول: إنك قد حلفت حلفاً مؤكداً عازماً على الطلاق، فلا أرجع إليك إلا بفتوى، وعليه أن يراجع الإفتاء.

حكم من تزوج بنية الطلاق

حكم من تزوج بنية الطلاق Q عندي رغبة في الزواج من امرأة زواجاً صحيحاً بجميع شروطه، لكنني لا أرغب بقاءها معي، وإنما لفترة غير محددة، وكذلك لا أرغب الإنجاب منها بعمل حبوب وغيره من موانع الحمل، حيث إنني متزوج ولدي أولاد وبنات، ولكن مجرد إعفاف نفسي زيادة، ما حكم هذا العمل؟ وجزاكم الله خيراً. A لابد أن تخبرها بأنك لا تريد بقاءها، وإنما تريد أن تلتذ بها ساعة أو يوماً أو شهراً أو سنة وما أشبه ذلك، وأنك لا تريد الإنجاب منها، فإذا أخبرتها ورغبت فلك ذلك، وإلا فلا يجوز أن تقدم على هذا الزواج الذي فيه مخادعة لها.

حكم التوكيل في الزواج بنية الطلاق

حكم التوكيل في الزواج بنية الطلاق Q رجل تزوج من خارج البلاد زواجاً بنية الطلاق، وكان والد البنت غير موجود في وقت العقد، فعقد له ابن خالة البنت، حيث قال: إن والد البنت قد وكله بتزويجها، وأكدت البنت ذلك بنفسها بتوكيل ابن خالتها، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ وجزاكم الله خيراً. A أولاً: النكاح الذي بنية الطلاق فيه خلاف، أجازه بعض العلماء كالشيخ ابن باز، وذكر أن العلماء الأولين أباحوه، وذكر أنه ليس شبيهاً بنكاح المتعة، ولكن بعض المشايخ نهوا عن ذلك، وألف فيه الشيخ صالح بن منصور رسالة، وقدم له الشيخ صالح آل حيدان، وذكر له مفاسد، فلذلك نرى أنه مكروه، لكن إذا كان في بلاد غريبة، وخاف أن يقع في الزنا فله أن يتزوج، ولكن زواجاً صحيحاً، لا يحدد فيه المدة، ولابد أن تتم فيه الشروط، وأن يدفع الصداق كاملاً صداق المثل، وما أشبه ذلك. كذلك -أيضاً- نقول: هذا السؤال إذا كانت المرأة صادقة في أن أباها غائب، وأن هذا الوكيل عنده وكالة على تزويجها فالعقد صحيح إن شاء الله.

حكم من وطئ بعد طلاق ولم ينو الرجعة

حكم من وطئ بعد طلاق ولم ينو الرجعة Q رجل اشترط على زوجته إن خرجت من البيت فإنها طالق، وقد خرجت الزوجة من بيتها بأمر من والدها، فهل يقع هذا الطلاق؟ وإن كان يقع هذا الطلاق فما الحكم إذا جامعها زوجها جهلاً منه أن الطلاق قد وقع؟ وجزاكم الله خيراً. A ذكرنا أن مثل هذا في الغالب يكون يميناً، إذا قال: إن خرجت فأنتِ طالق. يقصد منعها من الخروج، ولا رغبة له في الفراق، ففي هذه الحال عليه كفارة يمين، ولا يقع الطلاق، وأما إذا كان عازماً على الطلاق، ويدري أن آخر عهد له بها خروجها، فإن الطلاق يقع، ولكن يكون رجعياً، أي: طلقة واحدة. وبكل حال: إن كان لم يطلقها إلا هذه المرة، ووطئها بعدما خرجت فالوطء كما سمعنا يكون رجعة، ويكون وقع بها طلقة، وإن لم ينوِ الطلاق وإنما نوى اليمين فعليه كفارة يمين، وهذا هو الأغلب.

حكم ضرب الزوجة الناشز بسبب تقصير الزوج

حكم ضرب الزوجة الناشز بسبب تقصير الزوج Q هل يمنع الزوج من ضرب زوجته الناشز إذا كان النشوز بسبب تقصير الزوج في حقوقها؟ وجزاكم الله خيراً. A لا يجوز له أن يضربها إذا كان هو المقصر، فإن المرأة إذا قصر زوجها في نفقة أو عشرة أو في حسن معاملة، أو أساء إليها وسبها، وقصر في حقها، فلا تلام إذا خرجت ولم تستطع التحمل والصبر، وفي هذه الحال لا يجوز له أن يضربها، فإن ذلك ظلم لها.

طلاق الحاكم يعتبر فسخا

طلاق الحاكم يعتبر فسخاً Q هل يطلق القاضي الزوجة إذا حلف الزوج ألا يجامع زوجته أكثر من أربعة أشهر؟ وهل يكون طلاق القاضي باللفظ؟ A هذا في حالة الإيلاء، فإذا مضت أربعة أشهر وهو قد حلف ألا يطأها، أو ترك وطأها بدون حلف، ورفعت أمرها إلى القاضي، فالقاضي يحضره ويقول: إما أن تطأها وتكفر عن يمينك، ويكون هذا هو الفيء، {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:226] ، وإما أن تطلق، فتصرح بلفظ الطلاق، فإذا امتنع وقال: لا أطأ ولا أطلق. فللحاكم أن يهدده ويقول: إن لم تطلق طلقنا عليك، فيطلق عليه الحاكم، ولا يملك الحاكم إلا التفريق بينهما، وتفريق الحاكم لا يسمى طلاقاً ولكنه يسمى فسخاً، بحيث إذا فسخ الحاكم لا يقدر الزوج على إرجاعها إلا برضاها وبعقد جديد.

الفرق بين المتعة والزواج بنية الطلاق

الفرق بين المتعة والزواج بنية الطلاق Q ما ذكرتم -يا شيخ حفظكم الله- من إخبارها بالزوج لمدة سنة أو شهر أليس شبيهاً بالمتعة؟ A المتعة يحدد فيها الزمان، فيشترطه ويقول: زوجتك ابنتي شهراً أو شهرين أو سنة. فهذه هي المتعة، وأما إذا لم يحدد، وإنما في نفسه وفي قلبه أنه سوف يجربها، أو أنه سوف يعف نفسه بها في هذه السنة أو السنوات الدراسية، وأعطاها مهرها كاملاً، وأثبتها في هويته، وكذلك -أيضاً- اعترف بأولادها ولم يضر بها بمنعها من الإنجاب، وكذلك التزم بالإنفاق عليها، فهذا زواج صحيح.

حكم الفسخ إذا كرهت الزوجة زوجها

حكم الفسخ إذا كرهت الزوجة زوجها Q إذا غاب الزوج وترك زوجته في بلاده، فهل يجوز للزوجة فسخ النكاح؛ لأن ذلك كثير في بلادنا يفسخون النكاح في هذه المسألة؟ وجزاكم الله خيراً. A الواجب ألا يفسخ إلا بعذر، وليس كل من كرهت زوجها تكون صادقة، ويكون قولها صحيحاً، فيرجع إلى القضاء الشرعي، فإن كان هناك عيب في الزوج، أو إضرار، أو كان -مثلاً- فيه عيب خَلقي أو خُلقي، أو ترك الإنفاق عليها، فللقاضي أن يتدخل ويفسخ النكاح، وإلا فلا.

تجديد العقد لمن كان لا يصلي ثم تاب

تجديد العقد لمن كان لا يصلي ثم تاب Q أنا شاب متزوج، وكنت لا أصلي، ومنَّ الله علي بالهداية، هل عقدي الأول باطل؟ أفتونا مأجورين. A إذا كان الزوجان سواء في أنهما لا يصليان ثم هداهما الله فالعقد صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أنكحة الكفار لما أسلموا، وأما إذا كان أحدهما لا يصلي فالراجح أنه لابد إذا تاب من تجديد العقد، ولو تجديداً سفرياً، بأن يأتي إلى والدها ويقول: جدد لي العقد (شفهياً) فيحضر شاهدين ويقول: أشهدا أنني زوجت هذا ابنتي فلانة، وهو يقول: اشهدوا أني قد قبلتها. وتبقى على زوجيتها.

حكم من طالبت زوجها بالطلاق بسبب أنه تزوج عليها

حكم من طالبت زوجها بالطلاق بسبب أنه تزوج عليها Q هل يجوز للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا تزوج عليها لعدم وجود الصبر عندها؟ وجزاكم الله خيراً. A لا يجوز لها ذلك، وورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها، ولتنكح ولها حظها) أو كما قال، فعليها أن تتحمل وتصبر، وفي الحديث: (أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) فعليها أن تتحمل وتصبر، سيما إذا كان الزوج عادلاً قائماً بما يجب عليه.

حكم اتفاق الزوجين على الطلاق بمصطلح آخر غير لفظ الطلاق

حكم اتفاق الزوجين على الطلاق بمصطلح آخر غير لفظ الطلاق Q هل إذا اتفق الرجل وزوجته على أنه إذا قال لها: أنتِ طالق. أي بلفظ: قومي أو اقعدي، أو غير ذلك، هل يقع الطلاق بهذه النية أو لابد من اللفظ؟ A الأصل أنه لابد من اللفظ، ولكن إذا اصطلحا على كلمة عبرا بها عن الطلاق وقع، فإذا كان اصطلح على أن يقول: فاخرجي. وأن هذا عنده طلاق، طلقت بقوله: اخرجي أو اذهبي، أو لستِ لي بامرأة، أو قومي عني، أو فارقيني فهذه كنايات فمع النية يقع بها الطلاق، ومع عدم النية لا يقع.

حكم القراءة على أنها رقية شرعية

حكم القراءة على أنها رقية شرعية Q توجد امرأة كلما حملت وأنجبت ذكراً مات بعد الولادة، فقيل لها: إذا حملتِ واصلي القراءة عند شيخ حتى تضعي، ما رأي فضيلتكم في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً. A القراءة لا بأس بها والرقية الشرعية، فيمكن أن هناك بعض الشياطين -شياطين الجن أو نحوهم- أو أن هناك من أصابه بعين، فالرقية علاج شرعي.

شرح أخصر المختصرات [71]

شرح أخصر المختصرات [71] الرضاع من المسائل الشرعية الشائكة، وقد جاء الشرع ببيانه أتم بيان وأوضحه، فبين ما يحرم من الرضاع وما لا يحرم، وما هو مقدار الرضاع المحرم، وكيفية الرضعة المحتسبة من الرضاع، وغير ذلك من مسائل الرضاع.

أحكام الرضاع

أحكام الرضاع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب على رضيعٍ وفرعه وإن نزل فقط. ولا حرمة إلا بخمس رضعاتٍ في الحولين، وتثبت بسعوطٍ، ووجورٍ، ولبن ميتةٍ، وموطوءةٍ بشبهةٍ، ومشوبٍ. وكل امرأةٍ تحرم عليه بنتها كأمه وجدته وربيبته إذا أرضعت طفلةً حرمتها عليه. وكل رجلٍ تحرم عليه بنته كأخيه وأبيه وربيبه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلةً حرمتها عليه. ومن قال: إن زوجته أخته من الرضاع بطل نكاحه. ولا مهر قبل دخولٍ إن صدقته، ويجب نصفه إن كذبته، وكله بعد دخولٍ مطلقًا، وإن قالت هي ذلك وكذبها فهي زوجته حكمًا. ومن شك في رضاعٍ أو عدده بنى على اليقين. ويثبت بإخبار مرضعةٍ مرضيةٍ وبشهادة عدلٍ مطلقًا] .

الأدلة على وجود حرمة الرضاع

الأدلة على وجود حرمة الرضاع الرضاع قد جاء ذكره في القرآن، قال الله تعالى في المحرمات: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] نص الله على تحريم اثنتين: الأم من الرضاعة، ويدخل فيها الجدة أم الأم، والجدة أم الأب، فكل منهن تكون أماً من الرضاعة، والأخت من الرضاعة يدخل فيها الأخت بنت الأب من الرضاعة، وكذلك بنت الأم، فكلاهما تدخل في اسم الأخت. ثم جاء الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا شرح هذا الحديث ابن رجب عند شرح الأربعين النووية، وأضاف إليها ثمانية أحاديث من جملتها هذا الحديث؛ لأنه مجمل يدخل تحته صور كثيرة (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .

الفرق بين قرابة الرضاع وقرابة النسب

الفرق بين قرابة الرضاع وقرابة النسب قرابة الرجل قسمان: النسب والصهر، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان:54] ، أخبر بأنه خلق الإنسان من الماء، وأخبر بأنه جعله قسمين أو نوعين، أي: جعل القرابة نوعين: قرابة نسب، وقرابة صهر، فالنسب هم الآباء والأجداد والإخوة والأخوات، وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات، وكذلك -أيضاً- الأخوال وأبناؤهم والخالات، والأعمام والعمات وأولادهم، وأعمام الآباء يسمون أنساباً، يعني: أقارب ينتسب إليهم، وينتمي إليهم، فيقول: أنا ابن فلان ومن آل فلان. وأما الصهر: فهو القرابة من النكاح كأبي الزوجة وأبيه -أبوها وجدها- وأجدادها، وكذلك إخوتها وأخواتها وأعمامها، هؤلاء أصهار، والصهر: القريب من النكاح. والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما خص النسب: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أي: من القرابة بالولادة، جاء في رواية أخرى: (الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) وهو نص على أن القرابة الحقيقية هي الولادة، ولكن قرابة الرضاعة لها نوع قرابة، فجعلها مثل النسب، ولكن القريب من الرضاعة قرابته قرابة محرمية، ليس مثل قرابة الولادة، فمثلاً: القريب من الولادة تجب نفقته عليه إذا احتاج إلى ذلك، أما القريب من الرضاعة فليس كأخيك من الولادة إذا افتقر أنفقت عليه حتى تسد خلته، وإذا مات الأخ من الولادة وليس له أولاد ولا أب فإنك ترث منه، وليس كذلك الأخ من الرضاعة. وهكذا -أيضاً- القرابة من الولادة عليهم عقل الدية، فإذا قتل أحدهم إنساناً خطأً ألزمنا قرابته أن يدفعوا الدية، ويسمون بالعاقلة، وليس كذلك القرابة من الرضاعة، فلا يدفعون الدية مع العاقلة، وإنما القرابة من الرضاعة تسبب المحرمية، وتسبب منع النكاح، وتسبب جواز السفر بها، يعني: أختك من الرضاعة حرام عليك نكاحها، وهي محرم لك، فيجوز أن تكشف لك، وتسافر بها كمحارمك ولو مكاناً بعيداً، فلها نوع حق. ومع ذلك إذا افتقرت لا تجب عليك نفقتها، ولا ترث منها إذا ماتت، ولا تعقل -يعني: تدفع من الدية- إذا قتل أحد إخوتك من الرضاعة، وإنما حق هذه القرابة زيارة واستزارة، واستضافة، وإجابة دعوة، وإكرام، وهدية، وقبول هدية، وما أشبه ذلك؛ لأن لها هذه القرابة.

المحرمية المترتبة على الرضاع تكون في حق الرضيع وفروعه فقط

المحرمية المترتبة على الرضاع تكون في حق الرضيع وفروعه فقط سبب هذه القرابة: الرضاعة، الطفل في حال صغره يتغذى على هذا اللبن، وينبت عليه لحمه وعظمه، فلما نبت على هذه الرضاعة من هذه المرأة كانت هذه المرأة كأنها أنبتت لحمه من لبنها، فصار لبنها سبباً في نباته وتغذيته، فأصبح لها حكم الأمومة، وأصبحت كأنها أم له في هذه المحرمية، فكان لها حق الاحترام، وكان لها حق الأمومة، وحرم عليه نكاحها، وألحقت بمحارمه من النسب، وألحق بها -أيضاً- أقاربها الذين هم إخوتها وأخواتها ونحوهم. يقول هاهنا: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب على رضيعٍ وفروعه وإن نزل) . المحرمية تكون على الرضيع لا على أصوله، ولا على حواشيه، فأنت إذا رضعت من امرأة تصير هي أمك، فإخوتك أجانب لها، ولهم أن يتزوجوها، وأن يتزوجوا من بناتها وأخواتها، أما أنت فلا تتزوجها ولا تتزوج من بناتها، وأولادك مثلك؛ لأنهم أولاد ابنها، ويصيرون محارم لها، وبناتها -أيضاً- محارم لأولادك. كذلك أبوك وأجدادك أجانب منها، فالمحرمية تتعلق بالرضيع، فهو الذي يكون ابناً لها، وكذلك أقاربها، فأختها خالته من الرضاعة؛ لأنها أخت أمه، وأمها وجدتها كجدتك من النسب، كذلك خالتها تصير كخالة أمك، وتصير محرماً لك، ألست محرماً لخالة أمك؟ خالة أمك من الولادة تكشف لك، وعمة أمك من الولادة تكشف لك، فهكذا -أيضاً- خالة أمك من الرضاع، وعمة أمك من الرضاع، وزوجها الذي رضعت منها وهي في ذمته هو الذي تسبب في وجود هذا اللبن، فيكون أباك من الرضاع، وكذلك إخوته أعمامك من الرضاع. وتذكرون قصة أفلح أخي أبي القعيس عندما استأذن على عائشة فامتنعت من الإذن له، وقالت: إن أبا القعيس ليس هو أرضعني، وإنما أرضعتني امرأة أبي القعيس، فقال لها: أرضعتك امرأة أخي أي: بلبن أخي، اللبن لـ أبي قعيس، فهو الذي تسبب في وجوده. امرأة أبي القعيس أرضعت عائشة، فأصبحت المرأة أم عائشة، وأصبح أبو القعيس أبا عائشة، وأصبح أخوه الذي اسمه أفلح عمها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وسألته قال: (ائذني له؛ فإنه عمك من الرضاعة) . هذا دليل على أن أقارب المرضعة وأقارب زوجها يكونون محارم للرضيع، وبناتها أخواته، وكذلك بنات بناتها وإن بعدن، كذلك أخواتها خالاته، جداته عماتها، وزوجها أبوه، وأخوات زوجها عماته، وكذلك إخوانه أعمامه، وأعمامه أجداده، وعماته جداته، وخالاته كذلك وهكذا: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .

اشتراط خمس رضعات لثبوت حرمة الرضاع

اشتراط خمس رضعات لثبوت حرمة الرضاع اختلفوا في مقدار الرضاع المحرم، يقول هنا: (ولا حرمة إلا بخمس رضعات) هذا هو المذهب، واستدل على ذلك بحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم المصة والمصتان، ولا الإملاجة والإملاجتان) ، وذكرت عائشة وقالت: (كان مما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ ذلك بخمس رضعات، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهي مما يُقرأ) ، لكن هذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه، فيدل على أن الذي يحرم خمس رضعات، هذا هو المذهب. والمالكية يقولون: يحرم قليله وكثيره، ولو مصة واحدة، وأخذوا ذلك من إطلاق الآية والحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فجعلوا الحكم عاماً في رضعة واحدة أو أكثر، فإذا حصل الرضاع ولو مصة واحدة حرم. ويرد عليهم بحديث عائشة الذي ذكرنا: (لا تحرم الرضعة والرضعتان، ولا المصة والمصتان، ولا الإملاجة والإملاجتان) وهذا دليل على أن القليل ما يحرم. وذهب الأحناف إلى أنه لا يحرم إلا عشر رضعات، قالوا: لأنه هو الذي يصدق عليه أنه نبت به الجسم، ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم) (أنبت اللحم) يعني: مع التغذية نبت عليه لحم الطفل، (وأنشز العظم) أنشزه: رفعه، والإنشاز: هو الرفع والظهور، ومنه قوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [البقرة:259] ، فيقولون: أربع رضعات، خمس رضعات، سبع رضعات، هذه قليلة لا يمكن أن اللحم ينبت بها، فلا بد من رضعات ينبت بها اللحم، فجعلوا أقل ذلك عشراً، هذا قول الأحناف. والمشهور -أيضاً- عن الشافعية كالحنابلة خمس رضعات، وحيث جاء الحديث الذي ذكرت عائشة فإنه يعتبر، وهو الأقرب، وعليه العمل، أي: خمس رضعات.

كيفية الرضعة التي تحسب من الخمس الرضعات

كيفية الرضعة التي تحسب من الخمس الرضعات واختلفوا في ماهية الرضعة، ما المراد بالرضعة التي جاء فيها هذا الحديث: خمس رضعات؟! من العلماء من يقول: الرضعة هي المصة، يعني: مجرد ما يمص، واستدلوا بقوله: (لا تحرم المصة والمصتان) ، الطفل إذا أمسك الثدي فإنه يمص مصة ثم يبتلع، ثم يمص ثم يبتلع، وهكذا، ولكن نقول: إن هذه المصة قد لا تحصل بها التغذية. القول الثاني: أن الرضعة هي الإمساك والإطلاق. يعني: إمساك الثدي، فإذا تركه حسبت رضعة ولو بعد نصف ساعة، أو بعد لحظة، فإذا امتص منه ثم تركه حسبت رضعة سواء طال إمساكه أو قصر، وهذا هو القول الأقرب. وذهب آخرون إلى أن الرضعة هي الشبع، ويختار هذا القول ابن بسام في تيسير العلام، يقول: قياساً على الأكلة والوجبة، والإنسان إذا قال: أكلت عند فلان أكلة. فمعناه: أكل حتى شبع، ويقولون: فلان يأكل كل يوم أكلتين، أو كل يوم ثلاث أكلات، فالأكلة هي الأكل حتى الشبع، فقاس عليها أن الرضعة هي الشبع أو الري، سواء كان صغيراً أو كبيراً، فإذا ارتضع حتى روي سواء بإمساكة واحدة أو بخمس إمساكات، ما دام أنه يمتص، ثم يطلقه للتنفس، ثم يمسكه ويمتص، ثم يطلقه للتنفس، ثم يمسك إلى أن يروى، وإذا فرغ ما في الثدي نقلته إلى الثدي الآخر، فإذا روي صدق عليها أنها رضعة. والعمل والفتوى على القول الوسط: أن الرضعة هي الإمساكة، سواء طال الإمساك أو قصر، وهذا هو الأقرب؛ لكن استثنوا من ذلك إذا نزعت الثدي من فمه، أما إذا تركه هو من نفسه فإنا نحسبها رضعة، فإذا امتص منه فنزعته فإنها هي التي تسببت، فلا بد أن تتركه إلى أن يتركه من نفسه، سواء كان قد روي، أو تركه للتنفس، أو تركه ليرتاح قليلاً ثم يرجع إليه، فإنها تعتبر رضعة إذا تركه اختياراً، فتكون خمس رضعات، قد تكون مجتمعة وقد تكون متفرقة. ويحدث أن كثيراً من النساء ترضع طفلاً، ولكن تشك في عدد الرضعات، إذا شكت فالعمل على اليقين كما يأتي.

لا يحرم الرضاع إلا إذا كان في الحولين

لا يحرم الرضاع إلا إذا كان في الحولين أما قوله: في الحولين. أي: في مدة الرضاع، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233] ، فيدل على أن الرضاع هو الذي يكون قبل الفطام، إذا تم الصبي حولين فطم عادة، ولا يجوز إرضاعه بعد الحولين، والعادة أنه يأكل ويتغذى. لكن أجاز بعض العلماء من الحنفية الزيادة على الحولين، وبعض الأطفال يكون نضو الخلقة، ضعيف البنية، ومع ذلك يتم الحولين وهو لا يتغذى ولا يقبل الطعام، فأباحوا له الزيادة نصف سنة، ولكن لما جاء الحديث بأن الرضاعة قبل الفطام اقتصر على الحولين، فلا يحرم إلا إذا كان الرضاع في الحولين؛ لأنه هو الذي تحصل به التغذية، وفي حديث عن عائشة (دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وعندها رجل، فكأنه أنكره، قالت: أخي من الرضاع. قال صلى الله عليه وسلم: انظرن من إخوانكن! فإنما الرضاعة من المجاعة) يعني: تأكدي من الأخ، فليس كل من يدعي أنه أخ يكون أخاً من الرضاع، إنما الرضاعة من المجاعة، الرضاعة التي تحرم هي التي ترفع الجوع؛ وذلك لأن الرضيع يكون جائعاً، فإذا ارتضع فذلك الرضاع يشبعه فيكون غذاءً له، ويدفع الجوع عنه.

رضاع الكبير لا يحرم

رضاع الكبير لا يحرم إنما الرضاعة من المجاعة، ومعلوم أن الرضاعة بعد ذلك لا تكون رافعاً للجوع، وهذا هو الصحيح الذي عليه العمل: أن رضاع الكبير لا يحرم، أي: بعد الفطام، وما كان بعد الحولين ولو تغذى به، ولو كثر فلا يحرم. وجاء حديث عن امرأة أبي حذيفة (اشتكت للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن سالماً إنما نعده ولداً، وإنه قد بلغ مبلغ الرجال، وإني أرى أبا حذيفة يكره أو يسوءه دخوله علي فقال: أرضعيه تحرمي عليه) مع أنه رجل ذو لحية! فأرضعته خمس رضعات، فكان يدخل عليها كأنه أحد أولادها مع أنه كبير. فمن العلماء من أخذ بهذا الحديث مطلقاً وقال: يحرم رضاع الكبير كما يحرم رضاع الصغير؛ لهذا الحديث. ومنهم من قال: إنه خاص بـ سهلة امرأة أبي حذيفة، فهو من الخصوصيات للعلة التي ذكرت بأنه كان مولى وخادماً لهم، مع أنه ليس مملوكاً ولكنه مولى، فيحمل على الخصوص، فلا يعارض الأحاديث الأخرى كحديث: (إنما الرضاعة من المجاعة) ، ورضاع الكبير لا يقطع الجوع، فالرضاع إنما يحرم إذا أنبت اللحم وأنشز العظم، ورضاع الكبير لا ينبت اللحم ولا ينشز العظم، ولا يحصل به الشبع، فلا يكون محرماً، فيكون من خصائص سهلة امرأة أبي حذيفة. وعائشة رضي الله عنها عملت بهذا الحديث، فكانت إذا أرادت أن يدخل عليها رجل من التلاميذ الذين يقرءون عليها أو يستفيدون أمرت أختها أو بنت أخيها أن ترضعه حتى يكون ابن أختها أو نحو ذلك، أما بقية أمهات المؤمنين فامتنعن من ذلك، وقلن: إن قصة سالم خصوصية. ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه: إذا وجد امرأة ابتليت بما ابتليت به سهلة، واضطرت إلى أن يدخل عليها بعض الرجال، فإنها إذا أرضعته حرمت عليه، وصار محرماً لها، وأما سائر الناس فلا يحرم، فيكون خاصاً بمن كان مثل سهلة. وهذا قول جمع بين الأحاديث.

الرضاع بالسعوط والوجور ولبن الميتة واللبن المشوب

الرضاع بالسعوط والوجور ولبن الميتة واللبن المشوب كيفية الرضاع! الأصل أنها الامتصاص: أن يمسك الثدي بشفتيه، ثم يمص، وإذا ولد الطفل ألهمه الله أن يمص؛ ليكون ذلك المص كغذاء له إلهاماً من الله، فالأصل أن الرضاع: هو الامتصاص بالفم، فإذا انصب اللبن في فمه ابتلعه. وألحقوا به غيره، فألحقوا به السعوط، فلو جعلت اللبن في إناء، وأدخلت قصبة في أنفه، وصببت مع تلك القصبة إلى أن وصل إلى حلقه وابتلعه فهذا يسمى سعوطاً، وبه يصدق عليها أنها أرضعته؛ لأن هذا اللبن وصل إلى جوفه ولو من غير الفم، يعني: دخل من المنخر أو المنخرين، فيكون غذاءً يتغذى به، فهذا هو السعوط. والوجور: إذا جعلت اللبن في إناء صغير، وذلك الإناء قد يكون له ثعبة ينصب منها اللبن، فجعلت الثعبة في شقه، وصبت من تلك الثعبة ذلك اللبن، أصغت الإناء الذي فيه الثعبة حتى انصب من الثعبة في جوفه، هذا يسمى الوجور. ولبن الميتة: لو قدر أن امرأة ميتة وكان فيها لبن، وارتضعه الطفل، فارتضع منها خمس رضعات، صدق عليه أنه ارتضع من لبنها؛ وذلك لأنه يغذي، ولو كانت قد ماتت. ولبن الموطوءة بشبهة: امرأة وجدها رجل على فراشه وظنها امرأته فوطئها وحملت منه وولدت، فذلك الولد ينسب إلى ذلك الواطئ لأنه يعترف بأنه منه، وإن كان محرماً عليه وطؤها وليست زوجة له، ولكن لم يكن متعمداً؛ ولبنها يحرم؛ لأنه لبن امرأة جاء عن حمل، وتكون أماً لمن أرضعته، وصاحب اللبن الذي وطئها يكون هو أبا ذلك الطفل الذي ترضعه. ويحرم المشوب المخلوط، الشوب: هو خلط اللبن بماء، تذكرون، يقول بعض الشعراء يفتخر بالعلم: هذا الفخار لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالاً يعني: أن الافتخار والشرف يكون بالعلم لا بهذا اللبن الذي يشاب بالماء. والقعب: هو ما يصب فيه اللبن يحتقن في السقاء ونحوه، فإذا كان اللبن مشوباً بماء، ثم امتصه هذا الطفل خمس مرات صدق عليه أنه قد رضع من لبن هذه المرأة، فمثلاً إذا حلبته في هذا الكأس، ولما حلبته كان قليلاً فصبت عليه ماءً، ثم شربه ذلك الطفل، أليس قد تغذى بلبنها؟ لا شك أنه تغذى غذاءً كافياً، يعني: شبع أو ارتوى منه. وكذلك لو صبته في الرضاعة التي يرضع منها الأطفال اليوم، وغالب النساء اليوم لا ترضع ولدها، إنما تأخذ له من اللبن الصناعي، ثم إذا صبته في الإناء صبت عليه ماءً، وحركته، ثم صبته في تلك القارورة التي لها مثل الحلمة، ثم ترضعه للطفل، فلو أن امرأة حلبت من لبنها في تلك القارورة، وارتضع الطفل من الحلمة كما يرتضع من الثدي، صدق عليه أنه ارتضع من لبنها إذا تم خمس رضعات.

ما يتفرع على الرضاع من المحارم

ما يتفرع على الرضاع من المحارم يقول: (وكل امرأةٍ تحرم عليه بنتها كأمه وجدته وربيبته إذا أرضعت طفلةً حرمتها عليه) . لأنها تكون أخته، أو تكون خالته، أو تكون بنت ربيبة، وبنت الربيبة ربيبة. أمك إذا أرضعت طفلة فتلك الطفلة أختك من الأم، وكذلك زوجة أبيك، إذا أرضعت الطفلة فإنها تكون أختك من الأب، لأنها ارتضعت من زوجة أبيك بلبن أبيك، فبنتها تكون أختك من الرضاعة، يعني: رضعت من زوجة أبيك، فهي أختك من الأب. جدتك -أم الأم- أليس بناتها من الولادة خالاتك؟ وكذلك بناتها من الرضاعة خالاتك أيضاً أرضعتهن جدتك وجدتك أم الأب أليس بناتها حراماً عليك لأنهن عماتك، وبناتها من الرضاعة كذلك أخوات أبيك من الرضاعة، فهن عماتك. ربيبتك التي هي بنت زوجتك، أليست حراماً عليك؟ يقول تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:23] ، وإذا كانت ربيبتك بنت زوجتك محرمة عليك، فكذلك بنتها؛ لأنها تقول: أمي ربيبتك، جدتي زوجتك، فأنا محرم. هذه بنت الربيبة، وكذلك ولد زوجتك من غيرك أليس ربيباً؟ فكذلك بنته محرم لك، تكشف لك بنت ربيبك؛ لأنها تقول: جدتي أم أبي زوجتك. فتكون محرماً لك، هذه بنت الربيب. وبنت أمك من الرضاع تكون أختك، وبنت زوجة أبيك تكون أختك، وبنت جدتك أم الأب تكون عمتك، وجدتك أم الأم بنتها خالتك، وربيبتك بنتها بنت ربيبتك، وبنت ربيبك -أيضاً- محرم لك، هذه من الفروع المحارم. يقول: (وكل رجل تحرم عليه بنته كأخيه وأبيه وربيبه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلة حرمتها عليه) . صورنا بنت الربيب، والآن نصور بنت الأخ: أليست بنت أخيك تكشف لك، أنت عمها وهي بنت أخيك من الولادة؟ كذلك بنته من الرضاعة، لو كان لأخيك أربع نسوة، ثم إن واحدة أرضعت طفلة رضعة، والثانية أرضعتها رضعة، والثالثة أرضعتها رضعة، والرابعة أرضعتها رضعتين، فهذه الطفلة ليست بنتاً لواحدة من الزوجات، وكل واحدة منهن لا تقول: إني أمها؛ لأنها ما أرضعتها إلا رضعة أو رضعتين، ولكن الزوج يكون أباها؛ لأنها رضعت من لبنه خمس رضعات، من هذه واحدة، ومن هذه ثنتين، وهكذا، فرضعت من لبنه خمس رضعات فتكون بنته من الرضاع. فكذلك تكون بنتاً لإخوته، إذا أرضعت امرأتك طفلة فإن إخوتك محارم لتلك الطفلة، وإذا كان الرضاع محرماً، فكل واحدة تقول لأخيك: أنت عمي، أنا رضعت من لبن أخيك؛ لقصة عائشة مع أفلح، ذكرنا أن أفلح أخا أبي القعيس قال لـ عائشة: (أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي) ، فهذا مثال الأخ، وكذلك الأب والجد. بنات أبي أبيك عماتك من النسب، وبناته من الرضاع كذلك عماتك من الرضاع، إذا أرضعت امرأة أبيك طفلاً أو طفلة فهو أخوك أو أختك، وامرأة جدك، أليس بناتها عماتك؟ فكذلك بنات امرأة جدك أخوات أبيك وعماتك، فبناتها من الرضاع كذلك عماتك من الرضاع. ربيبك الذي هو ابن زوجتك ابنته -أيضاً- محرم لك؛ لأنها تقول: جدتي زوجتك.

إذا ادعى الزوج أن زوجته أخته من الرضاع

إذا ادعى الزوج أن زوجته أخته من الرضاع يقول: (ومن قال: إن زوجته أخته من الرضاع بطل نكاحه) إذا اعترف بامرأة وقال: هذه أختي من الرضاع. فلا يحل له نكاحها، وكذلك إذا كان قد تزوجها بطل النكاح؛ وذلك لأنه أقر على نفسه بأنها لا تحل له، واعترف بأنها أخته من الرضاع، أما لو قال: أنتِ أختي. ويريد بذلك أخوة الصداقة والمودة والمحبة فلا يبطل النكاح، وكثيراً ما يقول الإنسان لزوجته: يا أمي يا أختي يا بنتي. يريد بذلك في المودة، فلا يبطل نكاحه، وأما إذا قال: هذه أختي من الرضاع بطل نكاحه. فإذا كان ذلك قبل الدخول، وقالت: صدق، أنا أخته من الرضاع بطل النكاح، هل لها مهر؟ ليس لها مهر؛ لأنه يقر بأنها محرمة عليه، وهي كذلك تقر بذلك، والعقد قد بطل، فلا تستحق عليه صداقاً. أما إذا قالت: ليس كذلك، ولا قرابة بيننا، وأنت كاذب، ولست أختك. في هذه الحال يفرق بينهما؛ لأنه اعترف بأنها لا تحل له، ولكن تطالبه بنصف الصداق قبل الدخول؛ لأنها تعترف بأنها حلال له، والعقد قد حصل، فتكون فرقته كأنها طلاق، والله تعالى يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] ، فلها نصفه. أما إذا كان قد دخل بها، وسواء خلا بها ووطئها أم لا، ففي هذه الحال تستحق الصداق كله، وإذا كانت قد كذبته أنه أخوها، وقالت: لست أختك، ولا قرابة بيننا. وإذا قالت: أنا لا أحل لك، أنا أختك من الرضاعة. وكذبها، فهل نفرق بينهما؟ لا يفرق بينهما؛ وما ذاك إلا لأننا لا نقبل قولها عليه، فيمكن أنها أخطأت، وقولها هذا كأنها تريد فراقه، والفرقة من قبل الرجل لا من قبل المرأة، فتبقى الزوجية بينهما، لكن إن أتت ببينة تشهد بأنه رضع من أمها أو رضعت من أمه، فإنه يفرق بينهما بموجب البينة.

الشك في الرضاع

الشك في الرضاع قال: (ومن شك في رضاع أو شك في عدده بنى على اليقين) : لأن الأصل الإباحة، والأصل عدم الرضاعة، وصورة ذلك: إذا قالت المرأة: أنا في شك هل أرضعت هذا الطفل أو ما أرضعته. وتوقفت عن الجزم، ففي هذه الحال لا محرمية، فلا يقال بشيء مشكوك فيه. وإذا ادعت فقالت: نعم، أنا أرضعته، ولكني نسيت مع طول الزمان، فلا أدري أرضعته رضعة أو رضعتين أو ثلاث رضعات أو عشر رضعات، أتذكر أنني أرضعته، ولكني أشك في عدد الرضعات. ولم يكن هناك علامات ولا قرائن يعرف بها عدد الرضعات، ففي هذه الحال لا محرمية. ثم يفرقون بين رضاع الصغير والكبير، والعادة أن الصغير الذي في الأربعين أو في الشهرين الأولين رضاعه قليل، ونفسه قصير، ففي المجلس الواحد يمكن أن ترضعه خمس مرات أو أكثر، فإذا قالت: نعم، أنا أرضعته جلسة أو جلستين، استغرق ساعة أو ساعتين وهو في الشهر الأول، كلما بكى أرضعته؛ ففي هذه الحال يغلب على الظن أنه محرم، فنحتاط ونقول: محرم؛ لأن الطفل يرضع عدة رضعات في الجلسة الواحدة إذا كان في الشهر الأول أو نحوه. وأما إذا كان في السنة الأولى كأن يكون ابن خمسة أشهر أو أكبر منها فالعادة أنه يطيل الامتصاص، وإذا أمسك الثدي فإنه لا يتركه حتى يشبع أو حتى يفرغ ما في الثدي من اللبن، فإذا قالت: أنا أرضعته جلستين وعمره ستة أشهر. فالأصل أنها رضعتان لا أكثر، ويمكن أنها أربع رضعات، كل جلسة ترضعه من هذا الثدي، وإذا انتهى ما فيه نقلته إلى الثاني، فتكون أربع رضعات في الجلستين، والأربع أيضاً لا تحرم. وكذلك كثير من النساء تقول: إني أرضعه ولكن لمناسبات، ويحصل هذا عند أهل البوادي، تقول: إن أمه تذهب لرعي الغنم أو لحلب غنمها ونحو ذلك، وتتركه يبكي وأرق عليه، فألقمه ثديي، وإذا ألقمته ارتضع منه إلى أن يسكت أو إلى أن ينام، أو حتى ترجع أمه عدة مرات، ففي هذه الحال يغلب على الظن أنه محرم؛ وذلك لأن عادة الطفل أنه إذا بكى إنما يسكت إذا التقم الثدي، فيحكم بالرضاع إذا كانت ترضعه كلما ذهبت أمه أو نحو ذلك، فيحمل قولها على أنها قد أرضعته، ويحكم بأنها أمه من الرضاع. وإذا لم يكن فيها لبن، إنما يمسك الثدي لأجل أن يسكت وهي كبيرة في عمر ستين أو سبعين سنة، فمعلوم أنه لا يؤثر إمساكه، فهو كما يمسك المصاصة، وإنما تمسكه حتى يمتص لأجل أن يسكت، فيمتص منه فلا يؤثر، لكن وجد أن كثيراً من كبار السن درت وهي بنت ثمانين على طفل، وهذا وقع كثيراً؛ فمثلاً: ماتت أم هذا الطفل وهو في الشهر الأول، ولم يكن هناك من يرضعه، لا عمة ولا خالة ولا غير ذلك، وكان هناك جدة أبيه أو نحو ذلك، فمن رقتها به وشفقتها عليه تدر عليه بإذن الله من آثار الرقة، ففي هذه الحال يحرم لبنها؛ لأنه اعتبر زاده. وأما إذا كانت بكراً فإنه لا يحرم، يعني: لو أن شابة ما تزوجت، وعمرها في العشرين أو نحوه فدرت على طفل، فهل يحرم؟ لا يحرم؛ لأن هذا اللبن لم يتولد من حمل، وليس لها زوج، فالغالب أنه ليس لبناً صريحاً، وأنه لا يحصل به التغذية، فلا يكون محرماً.

ما يثبت به حكم الرضاع

ما يثبت به حكم الرضاع وإذا ارتضع اثنان من امرأة أجنبية ليست أماً لواحد منهما فإنهما يكونان أخوين من الرضاعة، ودليل ذلك: قصة عقبة بن عامر، يقول: إني تزوجت أم يحيى بن أبي إهاب، فجاءتنا أمة سوداء، وقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج. فتوقف في ذلك عقبة وقال: لا أعرف أنك أرضعتني. فأصرت وقالت: بلى، قد أرضعتك وأرضعتها. بمعنى أنها لا تحل له لأنها أخته، وإن لم يكن رضعت من أمه ولا رضع من أمها، ولكن رضعا جميعاً من امرأة أخرى. وتذكرون في القصة أن عقبة كان بمكة، ثم إنه رحل إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، يقول: فسألته فأعرض عني، فسألته وقلت: إنها كاذبة. فقال: (كيف وقد ادعت أنها أرضعتكما! دعها عنك) فطلقها وفارقها عقبة، وتزوجت غيره. فيقولون: يثبت بإخبار مرضعة مرضية، وبشهادة عدل مطلقاً رجل أو امرأة؛ لقصة عقبة هذه، فإن امرأة واحدة تقبل شهادتها، سواء كانت هي المرضعة أو غيرها، وإذا جاءت امرأة وقالت: أشهد أن هذا الطفل أو هذا الشاب قد رضع من لبن فلانة امرأة سمتها. أو جاء رجل وقال: أشهد أن هذا الطفل أو هذا الشاب قد رضع من لبن فلانة، فإنه يقبل قوله، أي: يثبت الرضاع بشهادة امرأة واحدة، أو بشهادة رجل واحد، أو بشهادة المرضعة نفسها؛ وذلك لأنه لا يعلم إلا من قبلها، فيترتب على ردها عدم ثبوت الرضاع. والأصل أن الرضاع غالباً يكون خفياً، وليس هناك شهود، ولا يوجد رجال يقولون: نشهد أنا رأينا هذه المرأة ترضع هذا الولد، والغالب أنه شيء يختص بالنساء، وذكروا في الشهادات أن النساء تقبل شهادتهن في الأشياء التي لا يطلع عليها الرجال غالباً، فإذا جاءت المرضعة وأخبرت بأنها قد أرضعت هذا الطفل قبل قولها، أو جاءت امرأة وقالت: إنها قد أرضعت هذا أو هذه قبل قولها، أو شهد بذلك شاهد واحد. ومسائل الرضاع مسائل كثيرة توسع فيها العلماء، ولكن المؤلف اقتصر على أهمها.

شرح أخصر المختصرات [72]

شرح أخصر المختصرات [72] يجب على الزوج أن ينفق على زوجته، والنفقة تشمل الطعام والشراب والكسوة والسكن، وهي تختلف باختلاف حال الزوج، فيجب على الموسر ما لا يجب على المعسر، وكذلك باختلاف حال الزوجة فيجب للموسرة ما لا يجب للمعسرة. ومن أحكام النفقات: ثبوتها في الذمة وسقوطها، وجواز الفسخ عند تقصير الزوج وإعساره من عدمه، وقد بين الفقهاء كل هذه الأحكام.

نفقة الزوجة

نفقة الزوجة وعلى زوجٍ نفقة زوجته من مأكولٍ ومشروبٍ وكسوةٍ وسكنى بالمعروف، فيفرض لموسرةٍ مع موسرٍ عند تنازعٍ من أرفع خبز البلد وأدمه عادة الموسرين، وما يلبس مثلها وينام عليه. ولفقيرةٍ مع فقيرٍ كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه وما يلبس مثلها وينام ويجلس عليه. ولمتوسطةٍ مع متوسطٍ، وموسرةٍ مع فقيرٍ وعكسها ما بين ذلك، لا القيمة إلا برضاهما، وعليه مؤنة نظافتها لا دواء وأجرة طبيبٍ، وثمن طيبٍ. وتجب لرجعيةٍ وبائنٍ حاملٍ، لا متوفى عنها. ومن حبست أو نشزت أو صامت نفلًا، أو لكفارةٍ، أو قضاء رمضان ووقته متسعٌ، أو حجت نفلًا بلا إذنه أو سافرت لحاجتها بإذنه، سقطت. ولها الكسوة كل عامٍ مرةً في أوله. ومتى لم ينفق تبق في ذمته. وإن أنفقت من ماله في غيبته فبان ميتًا رجع عليها وارثٌ. ومن تسلم من يلزمه تسلمها، أو بذلته هي أو وليها، وجبت نفقتها ولو مع صغره ومرضه وعنته وجبه. ولها منع نفسها قبل دخولٍ لقبض مهرٍ حال ولها النفقة. وإن أعسر بنفقة معسرٍ أو بعضها لا بما في ذمته، أو غاب وتعذرت باستدانةٍ أو غيرها فلها الفسخ بحاكمٍ، وترجع بما استدانته لها أو لولدها الصغير مطلقًا] . النفقات: هي الإنفاق على الزوجات، والإنفاق على الأقارب، ولكن الأصل الذي يكون فيه الخلاف وهو من الواجبات: نفقة الزوجة، بمعنى إعطائها من النفقة ما يكفيها. دليل ذلك قول الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] الضمير يرجع إلى الوالدات في قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة:233] ثم قال بعد ذلك: ((وعلى المولود له)) المولود له هو الزوج، عليه رزقهن، أي: رزق الزوجات حتى ولو لم تكن مرضعة، وأما إذا طلقت فإن عليه أجرة إرضاعها لطفلها؛ لأن الله ذكر في سورة الطلاق أجرتهن، قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] ، فإذا كانت مطلقة وأرضعت الولد، فعلى الزوج نفقة زوجته من مأكول ومشروب، وكسوة وسكنى بالمعروف؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] المعروف: هو الشيء المعتاد الذي هو متعارف عليه بين الناس، أو الذي هو مناسب لحالة الزوج، أو مناسب لحالة الزوجة.

ضابط نفقة الموسر والمعسر

ضابط نفقة الموسر والمعسر ثم يقول: (فيفرض لموسرةٍ مع موسرٍ عند تنازع من أعلى خبز البلد وأدمه -كعادة الموسرين- وما يلبس مثلها، وينام ويجلس عليه) . يعني: إذا كان موسراً وعنده ثروة، وهي -أيضاً- من الموسرين، وأهلها نشئوا في ثروة، وهي نشأت في ثروة، فنفقتها في هذه الحال من أرفع ما ينفقه أهل اليسار، ومن أفضل الأطعمة سواء الخبز أو الأرز، وكذا أعلى أنواع الأطعمة وأنفسها؛ وذلك لأنها نشأت على ذلك، وهو أيضاً نشأ على ذلك، فيعطيها ما اعتادته، ولا يضره ذلك، ولا يخل باقتصاده، فعادة الموسرين التوسع في النفقة، وإن كان بعضهم يكون توسعه إسرافاً، وفي هذه الأزمنة الموسرون غالباً يكون أكلهم ثلاث أكلات: أكلة في الصباح في أوله، وأكلة بعد الظهر، وأكلة في الليل، هذه عادتهم، وإن كانت عادة المتوسطين أكلتين صباحاً ومساءً، لكن إذا كان أهل اليسار على هذا فإنه كذلك. ثم الأكلات أيضاً تختلف، فأكلات الموسرين تختلف عن أكلات الفقراء، فأهل اليسار يأكلون أفضل الأطعمة من الأرز ومن أعلى أنواعه، ومن أحسن أنواع اللحوم، وكذلك الأُدم والفواكه والخضار وما أشبه ذلك من الأنواع التي يتفكه بها، هذه عادة الموسرين، فيوفر لزوجته ما كانت اعتادته، حسب نفقة الموسرين. وكذلك المشروبات، إذا كان هناك مشروبات مباحة فإنه يوفرها، من المياه والعصائر والألبان وما أشبهها. وكذلك الكسوة: أعلى أنواع الكسوة وأنفسها كعادة الموسرين. وكذلك فرش الدار التي يجلس عليها، أحسن أنواع الفرش. وكذلك فراش النوم، أحسن أنواع فرش النوم، وهكذا هذه عادة الموسرات تحت الموسر. الفقيرة مع الفقير كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه، وما يلبس مثلها وينام ويجلس عليه، وذلك لأنها نشأت في فقر، وهو نشأ في فقر، فلا يكلف أن ينفق عليها مثل نفقة الموسرين، فيشتري من أرخص أنواع الطعام بقدر الكفاية وبقدر القوت، وبقدر سد الجوع، ولا يتوسع في المأكولات الأخرى، فلا يتوسع في الخضار ولا في الفواكه ولا في اللحوم، وإذا كان عادة فقراء أهل بلده أنهم يأكلون من اللحوم فله أن يطعمها كل أسبوع من أرخص أنواع اللحم كلحم إبل أو نحوه، فإذا شق ذلك عليه اقتصر على ما يسد الجوع، ويقتصر على أكلتين غداء وعشاء. كفايتها من أدنى -يعني: أرخص- خبز البلد وأدمه، وإذا كان الفقراء يأتدمون بالزيت ائتدم به، أو بالخل، أو بالشحم المذاب، أو بالسمن المذاب، أو باللحم ولو لحماً يسيراً رخيصاً، فهو أدم من أرخص الأدم. واللباس كذلك -أيضاً- يشتري لها من الرخيص، إذا كانت الغنية ثوبها مثلاً يكلف خمسمائة، والفقيرة تجد كسوة بخمسين ريالاً أو أقل أو نحو ذلك، فيعطيها ما يلبس مثلها. الفرش يشتري فراشاً متواضعاً ولو خلقاً؛ لأنه لا يقدر على رفيع الثمن. كذلك فراش النوم، ولو مستعملاً. وهكذا أدوات المنزل من الأدوات المستعملة: كالقدور والصحون والأباريق وما أشبهها، يشتري ولو مستعملاً؛ لأنه لا يقدر على ما هو رفيع.

ضابط نفقة المتوسط مع المتوسطة والموسرة مع الفقير والعكس

ضابط نفقة المتوسط مع المتوسطة والموسرة مع الفقير والعكس يقول: (ولمتوسطةٍ مع متوسطٍ، وموسرةٍ مع فقيرٍ وعكسها) أي: فقيرة مع موسر (ما بين ذلك) . يمكن أن تنحصر الحالات في تسع؛ الأولى: موسرة تحت موسر، الثانية: موسرة تحت متوسط، الثالثة: موسرة تحت فقير، الرابعة: فقيرة تحت موسر، الخامسة: فقيرة تحت متوسط، السادسة: فقيرة تحت فقير، السابعة: متوسطة تحت موسر، الثامنة: متوسطة تحت متوسط، التاسعة: متوسطة تحت فقير. فتكون الحالات ثلاث: الموسرة تحت الموسر من أرفع الأطعمة، والفقيرة تحت الفقير من أدناها، والبقية من الوسط. لكن الفقيرة تحت الموسر يندب له أن يكون مثل الموسرين، وأن يتوسع كما يتوسعون؛ وذلك لأنه يجد ويقدر على أن يوسع؛ لأنه ذو مال؛ فيوسع وسعته على أولاده، ولو كانت الزوجة نشأت في بيت فقر وفي فاقة، قد يقول: كيف أوسع عليها؟ أنقلها من عيشة ضيقة إلى عيشة رفيعة؟! نقول: إنك قد ضممتها إليك وأنت ذو مال، ولا ينقصك ولا يضرك أن تتوسع في هذه النفقة، فعليك أن تنفق نفقة الموسرين على زوجتك وعلى نفسك وأولادك. وأما الموسرة تحت الفقير، فهي تقول: أريد أن أتوسع، أنا نشأت في سعة، وأهلي عندهم سعة وفضل وأموال، تغذينا على أحسن الأغذية وأرفعها، فكيف أنتقل من حالة السعة إلى حالة الضيق؟ A إنك رضيتِ بهذا الزوج الفقير، ونفقته على قدر حالته، فلا يكلف نفقة الأغنياء ولا نفقة المتوسطين؛ لأن ذلك يعجزه؛ والله تعالى يقول: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] ، ويقول تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] ، فإذا رضيت المرأة التي نشأت في بيت سعة أن تختار هذا الفقير؛ لكونه ابن عم أو ابن خال، أو -مثلاً- أخو زوج أختها؛ أو بينهما قرابة، ورضيت وقالت: أرضى به ولو كان فقيراً. فهل تكلفه نفقة الأغنياء؟ لا تكلفه؛ لأن النفقة معتبرة بحالة الزوج. لكن الفقهاء كأنهم يقولون: إنه يصعب على المرأة الغنية أن تصبر على نفقة الفقراء، فلذلك قالوا: المتوسطة مع المتوسط، والموسرة مع فقير، والفقيرة مع موسر عليهم نفقة المتوسطين. وبكل حال فالراجح اعتبار النفقة بحالة الزوج، سواء كان معسراً أو موسراً.

إذا طلبت المرأة نفقتها نقودا

إذا طلبت المرأة نفقتها نقوداً هل يعطيها القيمة؟ إذا قالت: لا تشتر لي طعاماً ولا كسوة، أعطنيها دراهم أو نقوداً. فهل عليه ذلك؟ ليس عليه ذلك إلا بتراضيهما، فإذا تراضيا على دفع القيمة فلا بأس، قد تقول: أنا ينفق علي أهلي، يعطوني دائماً طعاماً، ويعطوني لحوماً ونحو ذلك؛ لأنهم أهل سعة، آخذ منهم الأرز واللحوم وما أشبهها، فلا تشتري شيئاً، ولكن أعطني نفقتي دراهم. لا يلزمه ذلك إلا إذا تراضيا على ذلك.

النفقة والصرفيات التي تجب على الزوج من غير الطعام والشراب والكسوة

النفقة والصرفيات التي تجب على الزوج من غير الطعام والشراب والكسوة هل عليه شيء غير الطعام والشراب والكسوة؟ عليه نظافتها؛ لأنها بحاجة إلى أن تتجمل له، فلا بد أن يشتري لها ما تتجمل به له، فتدهن رأسها -مثلاً- أو تمشطه، فلا بد أن يأتي لها بما تدهن به رأسها حتى لا يكون شعثاً، وكذلك -أيضاً- نظافة بدنها، إذا كانت تحتاج إلى المنظفات القديمة أو الموجودة الآن مثل الصابون والشامبو وما أشبه ذلك، هذه لو لم تتنظف لكانت قذرة ونفر منها، فلذلك لا بد أن يأتي لها بالأشياء التي تتنظف بها، فتنظف ثيابها، وبدنها، وشعرها وما أشبه ذلك. ولها أن تطلب منه الطيب الذي تتجمل به، وطيب النساء: ما ظهر لونه وخفي ريحه، وكذلك ما يحتاجه بيتها كما هو معتاد من أدوات الدار فهي عليه. هل عليه علاجها إذا مرضت؟

علاج الزوجة وطيبها

علاج الزوجة وطيبها ذكروا أنه إذا مرضت فلا يلزمه ثمن الدواء، ولا يلزمه أجرة الطبيب، ولكن الصحيح أنه يرجع في ذلك إلى العرف والعادة، فالناس في هذه الأزمنة العرف عندهم أن الرجل يعالج زوجته، ولا يترك علاجها على أهلها؛ لأنها زوجته تخدمه، وهي فراشه وأم أولاده، وهي المربية لأولاده، فكيف يتركها مريضة تعاني من هذه الأمراض؟ لا يهنأ ولا ترتاح نفسه بتركها على الفراش، فالعرف على أنه يعالجها، ويدفع أجرة الطبيب، ويشتري الأدوية من ماله. وأما ثمن الطيب إذا طلبت طيباً فالصحيح أنه يرجع إلى العرف، وما ذاك إلا أن عرف الناس وعادتهم أنه يشتري لها من الطيب ما يناسبها، وطيب النساء مثل الكركم والعصفر والزعفران والورس التي تصفر به خديها أو ذراعيها وما أشبه ذلك، وكذلك الدهان لرأسها، فهذا العرف على أنه عليه.

نفقة المرأة المطلقة

نفقة المرأة المطلقة المرأة المطلقة هل لها نفقة؟ إذا كانت رجعية فلها نفقة؛ لأن الرجعية ما زالت زوجاً، إذا طلقها واحدة واحتبست ثلاثة قروء عليه نفقتها، وعليه سكناها؛ لأن الله تعالى يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1] ، فإذا كانت عنده في بيته فمن أين تأكل؟ ينفق عليها، فإذا انتهت عدتها ولم يراجعها فعند ذلك بانت منه، فله أن يخرجها ويقول: انتهت عدتك، اذهبي إلى أهلك. أما قبل أن تنتهي العدة فإنها في عصمته، وعليه نفقتها؛ لأنها في حكم الزوجة، بحيث إنه لو مات ورثت منه، أو ماتت ورث منها.

نفقة الحامل المطلقة

نفقة الحامل المطلقة كذلك البائن إذا كانت حاملاً، وهي التي طلقها ثلاثاً، لا تحل له إلا بعد زوج، لكن إذا كانت حاملاً، ففي هذه الحال ينفق عليها، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] فالنفقة عليها للحمل، أما هي فليس لها، فلو أنه ترك النفقة عليها شهراً أو شهرين فهل لها مطالبته، وتقول: إنك تركت النفقة علي شهرين، فأعطني بدلها؟ نقول: ليس لك نفقة، النفقة للحمل، ونفقة الحمل نفقة الأقارب، والأقارب لا تضمن نفقتهم إذا فات الزمان، وأما المرأة فإن نفقتها لا تفوت بفوات الوقت. لو أن إنساناً ترك النفقة على زوجته خمسة أشهر وهي في بيته، ثم إنها أنفق عليها أبوها، أو تصدق عليها جيرانها وهي في هذه الحال ثم جاء زوجها، فتطالبه بنفقة خمسة أشهر، وعليه أن يعوضها؛ لأن نفقة الزوجة معاوضة، وأما نفقة الأقارب فإنها إحسان.

نفقة المتوفى عنها

نفقة المتوفى عنها المتوفى عنها هل لها نفقة؟ ليس لها نفقة، ولو كانت حاملاً، فينفق عليها من نصيبها من الإرث، أو ينفق عليها من قسم الحمل الذي في بطنها؛ لأنه يرث.

ما تسقط به نفقة الزوجة

ما تسقط به نفقة الزوجة لما ذكر نفقة الزوجة، وأنها بقدر العسر أو اليسر؛ لقول الله تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] ذكر متى تسقط نفقة الزوجة على زوجها؟ وقد عرفنا أن نفقة الزوجة معاوضة؛ لأنها مقابل بذلها لنفسها، فهي لما بذلت نفسها له للاستمتاع استحقت على ذلك النفقة التي هي القوت والغذاء، فإذا فعلت شيئاً من الأسباب يحول بينه وبين الاستمتاع به سقطت نفقتها في تلك المدة.

إذا حبست المرأة لسبب من الأسباب

إذا حبست المرأة لسبب من الأسباب فأولاً: إذا حبست لسبب من الأسباب في السجن، وهو لا يقدر على أن يدخل عليها، ولا على أن يجامعها؛ لأنها في داخل سجن، ففي هذه الحال تسقط نفقتها؛ لعدم تمكنه منها.

إذا نشزت المرأة

إذا نشزت المرأة ثانياً: إذا نشزت، والنشوز هو العصيان، فإذا نشزت ومنعت نفسها، سواء بقيت في بيته ولكن امتنعت من فراشه ومن تمكينه من نفسها، أو خرجت إلى أهلها أو إلى بيت استقلت فيه، فامتناعها حال بينه وبين الاستمتاع بها، والنفقة إنما هي معاوضة لأجل تمكينه من الاستمتاع بها، وهاهنا قد نشزت، ففي هذه الحال لا نفقة لها.

إذا صامت نفلا أو نذرا أو كفارة

إذا صامت نفلاً أو نذراً أو كفارة ثالثاً: إذا صامت نفلاً، فلا يلزمه نفقتها نهاراً؛ لأنها منعت نفسها في النهار، أما في الليل فإنها إذا أفطرت بذلت له نفسها، فكأنهم يقولون: يعطيها نفقة الليل دون نفقة النهار، هذا إذا صامت بدون إذنه تطوعاً. لكن نرى أن هذا مما يتسامح فيه، وأنه شيء يسير، وأنها في النهار لا تحتاج إلى نفقة؛ لأنها قد صامت، فلا تحتاج إلى أكل وغيره، وهي قد بذلت نفسها له طوال الليل، وأعطاها فطوراً وعشاءً وسحوراً، فلا ينبغي أن يحسب صيامها إلا إذا خرجت من منزله، فأما ما دامت في منزله وتطوعت فصامت يوم إثنين أو يوم خميس، أو أيام بيض، أو تطوعاً، فلا حاجة إلى أن يحرمها من النفقة، هي تقول: أنا لا أريد نفقة لأني صائمة، إنما النفقة والأكل في الليل، وهي في الليل قد تحللت من الصيام. وكذلك ذكروا أمراً رابعاً: إذا صامت عن كفارة يمين أو نذر نذرته، والتزمت أنها تصوم ذلك النذر الذي كفرته.

إذا صامت قضاء رمضان ووقته متسع

إذا صامت قضاء رمضان ووقته متسع خامساً: ألحقوا به إذا صامت قضاء رمضان ووقته متسع، يعني: إذا كان عليها أيام من رمضان ووقته متسع فصامته مثلاً في شوال أو ذي القعدة، أما إذا ضاق الوقت بأن دخل عليها شعبان، ففي هذه الحال تصوم ولو لم يأذن لها، وتلزمه النفقة. ورد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه) ، وذكروا أنه إذا صامت بدون إذنه تطوعاً فإن له أن يفطرها، وله أن يطلب منها التمكين، وعليها أن تمكنه من وطئها؛ لأنه حق له عليها. وإن كان هذا مما يتسامح فيه، وأن الأصل أن الصيام يكون في النهار، والرجل يكون منشغلاً بعمله، وكذلك المرأة منشغلة بتربية أولادها وإصلاحهم وما أشبه ذلك، فيكون هذا مما يتسامح فيه.

إذا حجت نفلا بدون إذن الزوج

إذا حجت نفلاً بدون إذن الزوج سادساً: الحج، إذا حجت نفلاً بلا إذنه. الحج كان قديماً يستغرق وقتاً، من هذه البلاد كان يستغرق شهرين أو قريباً من الشهرين، ففي هذا أنها منعت نفسها من زوجها شهرين، وهذا ليس بلازم لها؛ لأنه حج تطوع، فيرون في هذه الحال أنه يسقط الإنفاق عنه، إلا إذا كان قد رخص لها في أن تحج مع أبويها، أو تحج مع أحد إخوتها وأخواتها لتريهم المناسك، أو لتخدمهم لأنهم بحاجة إليها، فرخص لها زوجها فحجت، ففي هذه الحال إن لم ينفق عليها رفقتها فعلى زوجها الإنفاق؛ لأنه أذن لها بالغيبة، أما إذا التزم الذين حجوا معها أن ينفقوا عليها فليس على الزوج نفقة، وكذلك إذا كان قد رخص لها أن تحج معهم، وطلبت منه نفقة، فإنها تلزمه نفقتها؛ لأنه أذن لها.

إذا سافرت المرأة لحاجتها

إذا سافرت المرأة لحاجتها سابعاً: إذا سافرت لحاجتها بإذنه فلا نفقة لها؛ لأن الحاجة لها، فتسقط نفقتها بالسفر؛ لأنها حالت بينه وبين نفسها، حتى لو كان السفر بإذنه، كأن سافرت خمسة أيام أو شهراً لأجل أن تزور أقاربها، أو تخدم أبويها، أو تمرض أحد أبويها أو إخوتها، أو سافرت لحاجة تخصها، ففي هذه الحال حالت بين زوجها وبين نفسها، وسقطت نفقتها. الناس في هذه الأزمنة في سعة من العيش، فهم يتغاضون عن مثل ذلك.

نفقة الزوجة على عادة أهل البلد

نفقة الزوجة على عادة أهل البلد وكل ما تقدم يتعلق بالنفقة التي هي الأكل والشرب؛ لأنه ضروري، والناس فيه على ما اعتادوا، فبعضهم يكتفون بالأكل مرة واحدة في اليوم والليلة، وهذا في بعض البلاد سيما الفقراء والضعفاء ونحوهم، وفي بعضها يأكلون كل يوم أكلتين: أكلة في النهار، وأكلة في الليل، وكأن هذا هو المعتاد غداء وعشاء، هذا هو الذي كان معروفاً في القرون الماضية بين المسلمين وغيرهم: أكلتان كل يوم. جاءت هذه الأزمنة المتأخرة فصاروا يأكلون ثلاث أكلات: أكلة في الصباح، وأكلة في وسط النهار قريباً من بعد الظهر، وأكلة في الليل. فالنفقة تكون على عرف أهل كل بلد، فإذا كانوا يأكلون أكلتين وفر لها الأكلتين، وإذا كانوا يأكلون ثلاثاً وفر لها الثلاث، والأصل والعادة أنه يوليها مفاتح خزائنه التي فيها الطعام والشراب، وهي في هذه الحال تأخذ لنفسها ما تريد، ولكن الشيء الذي لا يكون متوفراً عليها أن تطلبه مثل اللحم، وقديماً كانوا يشترونه يومياً قبل وجود آلات الثلاجات، وكذلك الفواكه والخضار يشترونها يومياً، فإذا كان في بلاد ليس فيها ثلاجات ونحوها فإنه يلزمه أن يؤمن ذلك لها كل يوم، وإلا فكل أسبوع كما في هذه البلاد ونحوها. وإذا اعتادت على أكل لحم من نوع خاص كسمك أو طير كدجاج أو حمام أو نحو ذلك، فإن عليه أن يوفره إذا كان قادراً؛ لأن هذا مما اعتاده أهل البلد.

الكسوة الواجبة هي مرة أو كل سنة

الكسوة الواجبة هي مرة أو كل سنة ذكر بعد ذلك الكسوة، يقول: (ولها الكسوة كل عام مرة في أوله) . هكذا كان في الأزمنة المتقدمة، إذا دخلت السنة اشترى لها كسوة، يشتري لها مثلاً قميصاً وسراويل، وخماراً وعباءةً، ورداءً وجلباباً، فيشتري مرة واحدة، ويكفيها سنة، هذه كانت عادتهم، وكذلك أيضاً كانت عادة الرجال، نحن قبل خمسين أو ستين سنة يبقى الثوب والقميص علينا سنة أو عشرة أشهر، ولا نغسله إلا بالماء في كل أسبوع أو كل أسبوعين، وإذا غسله أحدنا يبقى ليس عليه إلا إزار إلى أن يجف الثوب ثم يلبسه، وهكذا أيضاً كانت النساء ليس عندها إلا ثوب واحد، إذا انتهت السنة وإذا هو قد بلي، وإذا تشقق في أثناء السنة تخيطه، وترقع وسطه إذا احتاج إلى رقعة، ترقعه من ثياب السنة الماضية. وتلك الثياب أيضاً ثياب تنسج في البلاد العربية، لا يستوردونها من البلاد البعيدة، وهي أيضاً رخيصة، كانوا يبيعونه بالذراع الذي هو أربعة وخمسون سنتيمتراً، الذراع بنصف الريال، أو الذراعان بريال ونصف، وبعض الأقمشة يقدر أن المتر بريال، وقد يكون بأقل في بعض الأقمشة، فتكون كسوتها تكلفها عشرة ريالات، وربما خمسة ريالات في بعض الأقمشة، وتكفيها سنة، وإذا كانت مترفهة اشترت كسوتين، كل كسوة بعشرة ريالات، هذه كانت عادة النساء قبل خمسين أو ستين سنة، قبل وجود هذا التوسع. ولما فتح الله على الناس هذه الأموال، وكذلك انفتح باب الواردات توسعوا، حتى من قبل سنين في بعض البلاد التي فيها توسع، ونحن نحكي حال القرى الذين هم في قلة من العيش، وأما المدن الكبيرة كمكة والرياض ونحوها فإن عند كثير منهم توسعاً. حتى قبل أربعين أو خمس وأربعين سنة يذكر لنا أحد المشايخ أن كثيراً من النساء عندها ثياب كان لها منذ سنة وسنتين وثلاث سنوات، وكل سنة تشتري زيادة، حتى إن الثوب يكلف في ذلك الوقت خمسمائة ريال، بينما الفقراء يكفيهم عشرة ريالات للثوب، فهؤلاء الذين يتوسعون يصل الثوب إلى خمسمائة، وفي هذه الأزمنة -كما تسمعون- كثير من النساء كسوتها تكلفها ألفاً، وربما ألفين، وربما ثلاثة آلاف، المتر الذي كانوا يشترونه بعشرة أصبح الآن يباع بخمسمائة أو بأربعمائة، لا شك أن هذا التوسع لأجل أن الناس توسعوا في الأموال، وصاروا يحرصون على أن يقتنوا أرفع الأقمشة وأعلاها وأغلاها. والنساء يتفاخرن في ذلك، الآن المرأة إذا دخلت لتشتري قماشاً رأت القماش الغالي ولو كان رديئاً، والباعة يزيدون عليها، تأتي إلى أحدهم فيقول: هذا المتر بمائة، وهذا المتر بمائتين، وهذا بثلاثمائة، مع أنها كلها سواء، فتقول: أريد من الذي قيمته ثلاثمائة، ولو حدها بخمسمائة أو بستمائة لاشترت مما هو رفيع، ولا شك أن هذا من العبث، وأنه من إضاعة الأموال. وهذه الإضاعة -أيضاً- وقع بها من قديم كثيرون، ذكر ابن القيم في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" يتكلم عن الحب الذي يُبتلى به كثير من الناس أو من النساء، يذكر أن رجلاً عشق امرأة لما رأى عليها ثوباً أعجبه نوع القماش، فصار كلما رأى في السوق ثوباً مفصلاً من ذلك النوع الذي رآه على معشوقته اشتراه، حتى لما توفي وإذا عنده أكثر من مائتي ثوب! يدل على أن الناس يشترون ما يناسبهم وما يهوونه. فإذا كان في هذه الأزمنة فالكسوة على قدر المناسبة، والناس في هذه الأزمنة توسعوا في بعض الكسوة، فالمرأة تفرض على زوجها كسوة في كل مناسبة، ففي كل عيد تطلب كسوة جديدة، كذلك أيضاً في أيام المناسبات كحفلات زواج إخوتها أو أخواتها، تطلب أيضاً كسوة جديدة في كل مناسبة، وإذا قيل لها: عندك كسوة تم شراؤها قريباً. تقول: إن هذه قد استعملت، أو رئيت يوماً أو نصف يوم. فتفرض عليه أن يجدد لها كسوة في كل مناسبة، والرجال يتسامحون معهن في ذلك، وكان الأولى المنع والامتناع؛ لأن هذا من الإسراف؛ ولأنه من إيتاء السفهاء، والله تعالى يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:5] أي: لا تسلطوهم على أموالكم فيفسدونها، فإذا كانت المرأة تشتري الكسوة بألف أو بألفين أو بثلاثة آلاف اعتبر ذلك من السفه والإفساد. ويقال كذلك أيضاً فيما تحتاجه من الحلي والزينة ونحوها، مثاله: إذا طلبت شراء ساعة يدوية فإنه قد يتنازل معها، وتوجد ساعة -مثلاً- بمائتين، وساعة بألفين، وساعة بعشرة آلاف، فكثير من النساء تشتري أعلى ما تجد، ولو كانت المكانة واحدة، ولو كان الاستعمال واحداً، يخيل إليها أن زيادة الثمن يدل على الحسن والجمال، ويدل على القوة والمناعة وما أشبه ذلك. وقد أخبرني الكثير من الذين يستوردون الساعات أنها كلها سواء، يعني: أدواتها، وآلاتها الداخلية، لا فرق بين التي قيمتها مائتان والتي قيمتها عشرة آلاف إلا في الاسم والمورد، تؤخذ من الذي يصنعها سواء في اليابان أو في الصين أو في أمريكا، الأدوات واحدة لا تختلف، ومع ذلك الذي يوردها يكتب عليها اسم أنها ساعة كذا وكذا، فإذا خيل إليهم أنها من نوع كذا وكذا ظنوا أن لها مكانة. الذين يشترون الساعة التي بمائتين، والذين يشترون الساعة التي بألفين أو بخمسة آلاف أو بعشرة، يجدون أن الاستعمال واحد، وأنه لا فرق بين هذه وهذه، قد تكون هذه أسرع خراباً من هذه، فلذلك نقول: الواجب الأخذ على أيدي السفهاء.

بقاء نفقة الزوجة في ذمة الزوج إذا لم ينفق عليها

بقاء نفقة الزوجة في ذمة الزوج إذا لم ينفق عليها كذلك عاد إلى النفقة فقال: (ومتى لم ينفق تبق في ذمته) . وذلك لأن النفقة -كما قلنا- معاوضة، فإذا امتنع من النفقة عليها فلها أن تطالبه بنفقة ما مضى، ولا تسقط نفقة الزوجة بمضي زمان، سواء كان تركه النفقة لغيبة أو لتساهل، تركها مثلاً في بيته ولم ينفق عليها، فأخذت تتكفف الناس وتسأل من آل فلان أو فلان، أو عرف حالتها بعض جيرانها أو بعض أهلها فأعطاها ما يسد خلتها مدة شهر أو أشهر، فلها أن تطالب زوجها فتقول: أنت تركت الإنفاق علي هذا الشهر أو هذه السنة، إما لكونك غائباً، وإما لكونك حاضراً ولكنك متساهل، وأنا أنفقت على نفسي من مالي، أو أنفق علي أبي، أو تصدق علي جيراني أو أقاربي، فالآن أطالبك بنفقة هذا الشهر ولو كان قد مضى، ولو عدة أشهر، ولو عدة سنوات. فللزوجة مطالبته بنفقة ما مضى، وإذا لم ينفق بقيت النفقة ديناً في ذمته، فإن أسقطت ذلك عنه وإلا ألزم بغرامته؛ لأن النفقة على الزوجة معاوضة كما ذكرنا.

إذا غاب الزوج وأنفقت من ماله حال غيبته ثم تبين أنه قد مات

إذا غاب الزوج وأنفقت من ماله حال غيبته ثم تبين أنه قد مات إذا غاب وأنفقت من ماله في غيبته فبان ميتاً رجع عليها وارث، وذلك لأنها تستحق النفقة في حياته مقابل ما بذلت له نفسها، فغاب مثلاً شهراً أو سنة وهي في بيته تنفق على نفسها من ماله، ثم تبين أنه مات قبل سنة أو قبل ثمانية أشهر، إذا لم يتسامح معها الورثة طالبوها بنفقة ما مضى، ولا يطالبونها بالنفقة على أولاده؛ لأن لهم حقاً، ويمكن أيضاً أن يسقطوا ما أنفقته على نفسها أو على أولادها من إرثهم. وقد يقولون: أنتِ لك حق في التركة، وهو الثمن، وأولادك لهم حق في التركة، ونحن الأولاد الكبار لنا حق، فعلينا أن نطالبك بما أخذت، ثم نقتسمها، فيطالبونها مثلاً وترد عليهم خمسة آلاف أو عشرة آلاف مثلاً يجعلونها في التركة ويقسمونها، ثم يعطونها نصيبها من التركة، فيعطون كل واحد من أطفالها نصيبه أو يعطونه لوليهم؛ وذلك لأنه بعد موته ينتقل المال إلى الورثة.

إذا سلمت المرأة نفسها لزوجها وجبت نفقتها

إذا سلمت المرأة نفسها لزوجها وجبت نفقتها يقول: (ومن تسلم من يلزمه تسلمها، أو بذلته هي أو وليها، وجبت نفقتها ولو مع صغره ومرضه وعنته وجبه) . إذا عقد الرجل على امرأة، ولما تم العقد قالت له: خذني إليك، أنا بذلت لك نفسي، وليس عنده مانع لكنه لم يتسلمها، بل تركها شهراً أو سنة وهي تبذل نفسها، ففي هذه الحال إذا طالبته بنفقة السنة لزمه أن يدفعها، وكذلك لو لم يستلمها لزمه أن ينفق عليها. هي تقول: خذني إليك، أنا قد أعددت نفسي، ليس هناك مانع. وهو يقول: لم أتأهب ولم أستعد. في هذه الحال يلزمه نفقتها ولو كانت عند أهلها؛ لأنها استعدت لبذل نفسها ولتسليم نفسها له. وكذلك إذا تسلم من يلزمه تسلمها ابتدأت النفقة، بذلت نفسها وقالت: خذني. فيلزمه النفقة ولو لم يأخذها، أو بذلها له أبوها أو أخوها الذي هو الولي، يقولون له: خذ امرأتك، لا عذر لك، قد عقدت عليها وأصبحت في ذمتك، فخذ زوجتك. لكنه يعتذر بأنه غير مستعد أو لم يتأهب، فيطالبونه فيقولون: زوجتك قد بذلت نفسها، فخذها وأعطنا نفقتها، أنفق عليها ولو كانت عندنا؛ لأنها بذلت لك نفسها؛ فتجب عليه نفقتها ولو كانت عند أهلها. لو كان صغيراً وعُقد له على امرأة، وطلب أهل المرأة أن يأخذها وهي ممن يوطأ مثلها كابنة تسع، وهو يمكن أن يطأ كابن عشر، ففي هذه الحال أيضاً تلزمه نفقتها، أو يلزم وليه أن يعطيها. لو كان الزوج مريضاً وبذلت نفسها أو بذلها وليها وجبت نفقتها، وكذا لو كان عنيناً أو مجبوباً، العنين: هو الذي لا ينتشر ذكره، ولا يكون له شهوة، ولكنه عقد على امرأة، ومع ذلك بذلت له نفسها، وكذلك المجبوب -الذي هو مقطوع الذكر- إذا عُقد له على امرأة يلزمه أن ينفق عليها إذا بذلت له نفسها.

إذا منعت المرأة نفسها قبل الدخول لأجل المهر وجبت نفقتها

إذا منعت المرأة نفسها قبل الدخول لأجل المهر وجبت نفقتها يقول: (ولها منع نفسها قبل دخولٍ لقبض مهرٍ حال ومع ذلك لها النفقة) . فإذا جاءها وقال: اذهبي معي. فقالت: أنا مستعدة أن أذهب، ولكن أعطني بقية المهر، بقي عندك ألف أو عشرون ألفاً، فلا أذهب معك إلا بعد أن تعطيني بقية الصداق الذي هو حال غير مؤجل، فهل يحق لها هذا الامتناع؟ يحق لها؛ لأنها منعت نفسها بحق؛ ولأن هذا شيء يفوت؛ ولأن الاستمتاع بها لا يمكن تعويضه، ففي هذه الحال يلزمه أن يعطيها صداقها، وإذا لم يعطها فلها أن تمتنع. فإذا امتنعت وبقيت عند أهلها، امتناع بحق، وفي هذه الحال هل لها نفقة؟ نعم، لها نفقة؛ لأن امتناعها بحق. لو قال: كيف أنفق عليها ولم أتسلمها؟ كيف أنفق عليها ولم أتمكن من الاستمتاع بها؟ فنقول: إنك أنت الذي أخللت بالشرط، وهو إعطاؤها حقها، أعطها صداقها كاملاً؛ لأن هذا هو الذي عقد لك عليها بموجبه، فنحن نطالبك بالنفقة، ونطالبك بالصداق، فإذا دفعت الصداق سلمنا لك المرأة.

الحالات التي يجوز للمرأة فيها طلب الفسخ

الحالات التي يجوز للمرأة فيها طلب الفسخ متى يجوز لها طلب الفسخ؟ في حالات: الحالة الأولى: إذا كان معسراً لا يقدر على نفقة المعسرين، وقد تقدم أن المعسر إنما عليه من أرخص الأطعمة، وتعرفون أن الفقراء يشترون أرخص الخبز؛ لأن قصدهم بذلك سد الجوع، ولا يشترون اللحوم ولا الفواكه وما أشبه ذلك، ولا يشترون الأشربة التي يتفكهون بها، إنما يشترون شيئاً يسدون به جوعهم، فإذا قدر أن هذا الرجل لا يقدر حتى على شراء القوت الضروري الذي هو من يابس الخبز، فهل تصبر على هذا الجوع؟ في هذه الحال أعسر بنفقة المعسرين، فلها أن تطلب الفسخ، فتذهب إلى الحاكم وتقول: لا أصبر عليه، ليس عنده ما يقوتني، أموت جوعاً! ثانياً: كذلك لو كان لا يجد القوت إلا يوماً وراء يوم، في هذه الحال أيضاً لها طلب الفسخ، يشتغل وشغله إنما يحصل به قوت يوم، والثاني لا يحصله، أو يحصل قوت نفس اليوم، ففي هذه الحال إذا أعسر ببعضها فلها طلب الفسخ. لكن إذا أعسر بشيء في ذمته لها بعد أن سلمت نفسها ففي هذه الحال لا تطلب الفسخ، وذلك إذا قالت: خذني، ولو كان الصداق لم تسلمه لي، فسلمت نفسها وذهبت معه، والصداق دين في ذمته مع أنه دين حال، وبعدما مضى عليها شهر أو سنة طالبته بالصداق، فقالت: أعطني الصداق وإلا ذهبت إلى أهلي، هل لها ذلك؟ ليس لها ذلك؛ لأنها طاوعت بتسليم نفسها، فيبقى صداقها في ذمته إلى أن يجده: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7] . ثالثاً: إذا غاب، وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة ونحوها، كأن غاب غيبة طويلة ولم يرسل لها نفقة، عجز عن إرسال النفقة، ولم تقدر على أن تستدين في ذمته، ولم يكن له أقارب ينفقون عليها، فهل تصبر على الجوع؟ ليس عليها ذلك، ولها أن تطلب الفسخ، وكذلك إذا أعسر بالكسوة، أو غاب وتعذرت الكسوة وقتها، ولم تجد من يكسوها، ولم يكن عندها أهل له ولا أقارب يكسونها.

كيفية الفسخ

كيفية الفسخ كيفية الفسخ: أن ترفع إلى الحاكم، والحاكم -قاضي البلد- ينظر في المسألة، فإذا اتضح له أنه ليس لها أحد ينفق عليها، وأن زوجها لم يترك لها نفقة، وأنه عاجز عن النفقة، أو أن زوجها غائب ولا يدرى متى يقدم، ولم يرسل لها، ولم يكن له أقارب ينفقون عليها وعلى أولاده، فالحاكم يخول في أن يفسخ، فيقول: بناءً على غيبة فلان، وتعذر إنفاق زوجته من ماله، وبناءً على الضرر الذي يلحقها حكمت بفسخ نكاحه منها، وأن لها بعد العدة أن تتزوج من شاءت. ففي هذه الحال له ذلك. وإذا فسخ فهل عليها عدة؟ عليها الاستبراء، إذا حاضت حيضة ولو كان معلوماً أنه قد طال غيبته، فبعد حيضة واحدة لها أن تتزوج. إذا غاب زوجها واستدانت في ذمتها للنفقة عليها وعلى أولادها الأطفال، ثم رجع الزوج، ففي هذه الحال تطالبه بوفاء هذا الدين، وتقول: علي لفلان مائة أنفقتها علي وعلى أولادي، وعلي لفلان مائتان، وعلي لفلان ألف؛ بسبب أنك ما تركت لنا نفقة، فنحن اضطررنا إلى الاستدانة، لها ذلك، ولها أن تطالبه بالتعويض، فيوفي الديون التي عليها. انتهى ما يتعلق بالنفقة على الزوجة.

شرح أخصر المختصرات [73]

شرح أخصر المختصرات [73] شرع الله التوارث بين الأقارب، فيرث الأخ أخاه ويرث أباه وابنه وهكذا، وكما يرث القريب قريبه فيغنم تركته، فكذلك عليه أن يشارك في الإنفاق عليه إذا افتقر، وذلك بشروط وأحكام فصلها الفقهاء وبينوها، وكل ذلك مما ينبغي على كل مسلم معرفته.

الأقارب الذين تجب النفقة عليهم

الأقارب الذين تجب النفقة عليهم قال المصنف رحمه الله: [فصل: وتجب عليه بمعروف لكل من أبويه وإن علوا، وولده وإن سفل، ولو حجبه معسر. ولكل من يرثه بفرض أو تعصيب لا برحم، سوى عمودي نسبه، مع فقر من تجب عليه وعجزه عن كسب، إذا كانت فاضلة عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته كفطرة، لا من رأس مال وثمن ملك وآلة صنعة] .

الأصول الذين تجب عليهم النفقة

الأصول الذين تجب عليهم النفقة هذا الفصل يتعلق بالنفقة على الأقارب. والأقارب هم الأصول والفروع والحواشي وذوو الأرحام، ولا يدخل فيهم الأقارب من الرضاع. فأما الذين تلزمه نفقتهم فأصوله وفروعه، سواء كانوا وارثين أو غير وارثين، وذلك إذا افتقروا واستغنى، ومنهم الأبوان، فحق على ولدهما أن ينفق عليهما، وإذا كان لهم عدة أولاد وزعت النفقة على الأولاد، إلا إذا كانوا فقراء استقل بها من كان غنياً. إذا كان أبواه بحاجة إلى النفقة الضرورية -النفقة بالمعروف- فينفق عليهما، ولا يقول: إن أولادكم كثير؛ لأنهم قد يقولون: أولادنا فقراء مثلنا، فنحن بحاجة، أنفق علينا. لا شك أن هذا من حق الوالدين، والله تعالى أمر بالإحسان إليهما: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:83] فهل من الإحسان أن يتركهما جائعين؟! لا شك أن إنفاقه عليهما يعتبر من الإحسان. كذلك الأجداد والجدات لهم حق الولادة، فإذا كان جدك موجوداً وأبوك موجوداً، ولكن أبوك فقير وأنت غني، فعليك أن تنفق على جدك كما تنفق على أبيك، وكذلك الجدات سواء من قبل الأب أو من قبل الأم وكذا الجد أبو الأم، ولو كان من ذوي الأرحام، والجدة أم الأم ولو كانت من ذوي الأرحام، فتجب عليك نفقتهم إذا كنت قادراً وكانوا محتاجين. وإذا كان أولادهم موجودين فالنفقة على الأولاد لا على أولاد الأولاد، إذا كان مثلاً جدك فقيراً، وأبوك غنياً، وكنت أنت غنياً، من الذي ينفق على جدك؟ ينفق عليه ولده لأنه أقرب؛ ولأنه هو الذي يرثه، فينفق عليه ولده، ولا يقول: أنفق علي يا ولد الولد. أنت تقول: هناك من هو مثلي في الغنى، وأقرب لك مني. فينفق عليه ولده، فإن كان ولده فقيراً وأولاده كلهم فقراء طالب ولد الولد. فالحاصل: أنه تجب عليه النفقة بالمعروف -يعني: بالمعتاد- لا إسراف ولا تقتير، وينفق على أبويه نفقة كفاف، فليس لهما أن يطالباه بالتوسع، فلا يقولان له: أنت في سعة، وأنت في ثروة، وعندك أموال طائلة، فنريد أن توسع علينا، نريد أن تسكننا في مساكن عالية، ونريد أن تفرش المساكن بفرش عالية، ونريد أن ترفهنا بالأمتعة الحسنة، ونريد أن تشتري لنا الكسوة الغالية، وأن تعطينا من أنواع اللحوم والفواكه والخضار وما أشبه ذلك، ليس لهما مطالبتك إلا بالنفقة بالمعروف، أي: النفقة المعتادة ليست الزائدة، هذه نفقة أبويه، جده أبو أبيه، وجده أبو أمه، وكذلك أجداده وإن بعدوا، أمه، وجدته أم الأم، أو أم الأب، وجدتها، وجدة أبيه، وإن علت الجدات، كل هؤلاء يسمون أصولاً، يلزمه أن ينفق عليهم إذا لم يكن هناك أقرب منه.

الفروع الذين تجب عليهم النفقة

الفروع الذين تجب عليهم النفقة ثانياً: الفروع. الفروع: هم الأولاد ذكوراً وإناثاً، وأولاد الأولاد، وأولاد أولاد الأولاد ذكوراً وإناثاً، ولو كانوا أجانب، إذا افتقروا ولم يكن لهم من ينفق عليهم فإنه ينفق عليهم، فمثلاً: بنت بنتك قد تكون أجنبية، أبوها الذي هو زوج بنتك فقير، وأمها التي هي بنتك فقيرة، وأنت غني، فعليك أن تعطيها نفقة الفقراء، أي: تعطيها كفافاً تنفق عليها بالمعروف. كذلك ابن بنتك أجنبي، إذا افتقر وكان أبوه وأمه وأقاربه الذين يرثونه فقراء فعليك نفقته، وبطريق الأولى ابن ابنك وبنت ابنك الذين ينتسبون إليك، ولو كانوا بعيداً، ولو كان ابن ابن ابن ابن، أو كذلك بنت ابن ابن ابن، أو بنت بنت بنت ابن، أو بنت بنت بنت بنت، يعني: الفروع كلهم وإن كثروا يسمون فروعاً لك، بمنزلة فروع الشجرة، فأنت تعرف مثلاً أن ساق الشجرة له فروع، فهؤلاء الفروع هم أولادك ذكوراً وإناثاً، وأولادهم، وأولاد أولادهم، وساق الشجرة لها عروق ممتدة في الأرض، هؤلاء هم أصولك الذين هم آباؤك وأجدادك ذكوراً وإناثاً، فمثل هؤلاء تلزم نفقتهم على من كان غنياً. قد تقول مثلاً: أنا لا أرث من ابن ابني، إذا مات فإنه يرثه ابني الذي هو أبوه المباشر، وأنا جده، فكيف أنفق عليه وأنا لا أرث منه، وأنا محجوب بمن هو أقرب مني؟ A إن الذي حجبك فقير، صحيح أنه أقرب إليه، وأنت جده، وأبوه موجود، ولكن أباه فقير وهو فقير. وكذلك أيضاً الأصول: إذا كان جدُك فقيراً وأبوك أيضاً فقيراً، لو مات جدك لم ترث منه، وميراثه لأبيك، يحجبك أبوك، وإنما أنت الغني، وأبوك فقير وجدك فقير، وابنك فقير، وابن ابنك فقير، فتنفق على جدك مع أنك محجوب، وتنفق على ابن ابنك مع أنك محجوب، حجبك معسر. هذا بالنسبة إلى الأبوين والفروع، يعني: الأصول والفروع.

الحواشي الذين لهم الحق في النفقة

الحواشي الذين لهم الحق في النفقة أما الحواشي فهم: الإخوة وبنوهم، والأخوات، والأعمام وبنوهم، هؤلاء الحواشي: أعمام الأب، أعمام الجد، أبناء العم وما أشبههم، هؤلاء -أيضاً- يعتبرون من الأقارب، لهم حق عليك، الدليل قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:26] وقول الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى} [البقرة:83] فلهم حق عليك: حق الصلة، وحق القرابة، وحق الهدية، والزيارة والاستزارة والإكرام والاحترام والبر ونحو ذلك. لكن بالنسبة إلى النفقة: متى تجب عليك نفقة أقاربك كإخوتك وأخواتك وأعمامك وبنوهم؟ تجب على من ترثه بفرض أو بتعصيب، إذا كنت ترث هذا الإنسان الفقير لو مات، فإنه عليك نفقته إذا افتقر، فإذا كنت لا ترثه فليس عليك نفقته ولو كان فقيراً، ولو كان الذي حجبه فقيراً، وإذا كان لك أخوان من الأب، وهما شقيقان، وهما فقيران، فأنت لا ترث واحداً منهما، إذا مات هذا ورثه أخوه الشقيق، وأنت لا ترث منه، فلا تجب عليك نفقة واحد منهما؛ وذلك لأنه لا يحصل التوارث، فلو مات واحد منهما فإنك ترث الآخر، فعليك نفقته؛ لأنك أصبحت وارثاً، والذي حجبك قد توفي.

شروط وجوب النفقة على الأقارب

شروط وجوب النفقة على الأقارب فالحاصل أن النفقة على ذوي القرابة إنما تجب إذا كان وارثاً، استدلوا بقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة:233] ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] (على الوارث مثل ذلك) أي: مثل ما على المولود له، الذي عليه النفقة. الذي ترثه مثلاً بالفرض كالأخ من الأم، إذا افتقر وأنت من جملة الذين يرثونه، فإنك تنفق عليه، فإنه إذا مات لا ترث منه إلا السدس، ولكن أنت من جملة الورثة، فإن كان له أولاد ذكور أو إناث حجبوك، فلا يلزمك أن تنفق عليه؛ لأنك لست بوارث. وكذلك مثلاً: الأم ترث ولدها، ولا ترث منه إلا السدس إذا كان له أولاد، أو له جمع من الإخوة، فإذا افتقر ولدها أنفقت عليه؛ وذلك لأنها ترثه لأنه من الفروع؛ ولأنها أحد الأبوين. أما بالنسبة إلى الذين يرثون بفرض فكالأخت، فإنها إذا مات أخوها ترث منه النصف فرضاً، فإذا افتقر أخوها وهي غنية فعليها أن تنفق عليه؛ لأنها من جملة ورثته. وإذا كانت لا ترث منه إلا شيئاً يسيراً، كأن كان له بنتان ترثان الثلثين، وله زوجة، وله أم، وله أخت شقيقة غنية، هو فقير، وبنتاه كذلك، وأمه فقيرة، وزوجته فقيرة، وأخته غنية، أخته ترث منه بالتعصيب، ولكن إنما ترث واحداً من أربعة وعشرين سهماً، في هذه الحال عليها أن تنفق عليه إذا افتقر، ولو كانت لا ترث منه إلا شيئاً يسيراً. فالحاصل: أن كل من ترث منه بفرض أو تعصيب إذا افتقر من أقاربك كإخوة وأخوات وعم وأعمام وبني عم وبني أخ وبنات أخ ونحو ذلك، فإنك تنفق عليهم؛ لأنك من جملة الورثة. أما إذا كنت ترثه بالرحم فالميراث بالرحم فيه خلاف، فلذلك لا يلزمك الإنفاق عليه، كالخال وابن الأخت، فإذا افتقر ابن أختك وأنت خاله لم تلزمك النفقة عليه؛ لأن الميراث ليس متفقاً عليه، وكذلك إذا افتقر خالك أو خالتك أو ابن خالك لا يلزمك النفقة عليهم؛ لأنك لا ترثهم. أما عمودي النسب الأصول والفروع فإنهم بلا شك يتوارثون، والنفقة تجب عليك ولو كنت غير وارث، كأن كنت محجوباً بمن هو أقرب منك، فيستثنى عمودا النسب. الشرط: أن يكون ذلك الذي تنفق عليه فقيراً، أي: ليس عنده القوت الضروري. وشرط آخر: عجزه عن التكسب، فإذا كان ابن عمك الذي ترثه قوياً، وصحيح البدن، وعاقلاً، وفارغاً، تأمره وتقول: تكسب، اشتغل يا ابن عمي، لا تكن عالة علي وعلى الناس، أنت تقدر على أن تشتغل وتتكسب وتحترف، فالحرف كثيرة، فهذا لا تجب النفقة عليه، أما إذا كان عاجزاً لمرض أو عاهة أو إعاقة أو كبر سن، ففي هذه الحال تجب نفقته على أقاربه الذين هم أغنياء وبينهم توارث. متى تجب عليك نفقتهم؟ إذا فضل عن قوتك ما يقوتهم، أي: إذا كانت نفقتهم فاضلة عن قوت نفسك، وعن قوت زوجتك ورقيقك المملوك يومك وليلتك، قياساً على زكاة الفطر، وقد تقدم في زكاة الفطر أنك تبدأ بنفسك، ثم بعد ذلك بزوجتك، ثم برقيقك، ثم بعد ذلك بأبويك وأولادك، ثم بعد ذلك بأقاربك الذين هم فقراء كإخوة وأخوات وأعمام وعمات ونحوهم، فيكون ترتيبهم في هذا على ترتيب الميراث. إذا قلت مثلاً: أنا ما عندي إلا قوت إنسان زائد على قوتي وقوت عيالي، فمن أعطيه؟ ف A تعطيه الوالدة، فإن كان عندك قوت اثنين زائداً على قوت نفسك، وعلى قوت من تحت يدك من أولادك ونحوهم أعطيته الأبوين، إذا كان عندك قوت ثلاثة فأعطه أخاك الشقيق أو أختك، وهكذا كالفطرة. إذا لم يكن عندك شيء زائد إلا رأس مالك الذي تتجر به، كأن تقول: رأس مالي ألف، أشتري به كل يوم بضاعة وأبيعها وأربح فيها ثلاثين ريالاً، أقوت بها نفسي وأولادي، فهل نلزمك أن تعطيه من الألف الذي هو رأس مالك الذي تتجر به؟ لا يلزمك؛ لأنه إذا نزعنا منه كل يوم ثلاثين، بقيت بدون رأس مال، فحينئذ تتضرر، ويتضرر من تحت يدك؛ لأنك تتجر في هذا المقدار من المال، فلا يؤخذ من رأس المال. إذا لم يكن عندك إلا بيتك فهل يلزمك نفقة أقاربك؛ فيقولون: بع البيت وأنفق علينا، فإننا بحاجة؟ أو عندك سيارتك التي تتنقل عليها، فهل يلزمك الشرع أن تبيع سيارتك وتنفق على أعمامك، وعلى أولاد أعمامك، وعلى أجدادك، وعلى أولاد بناتك؟ لا يلزمونك بذلك؛ لأن في هذا ضرراً عليك. فإذا لم يكن عندك إلا آلة الصنعة فلا يلزمك أن تبيعها لأنك تعمل بها، فمثلاً: الحداد عنده آلة الحدادة، لا يلزمه أن يبيعها، النجار عنده آلة النجارة، والحلاق عنده آلة الحلاقة، والحجام عنده آلة الحجامة، والبناء عنده آلة البناء وأشباه ذلك، فلا يلزمه القاضي أن يبيع آلة صنعته لأجل الإنفاق على أقاربه، بل يكون فقيراً كما أن أولئك الذين معه يعتبرون فقراء.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية العدل في النفقة بين الزوجات إذا كان لإحداهن أولاد

كيفية العدل في النفقة بين الزوجات إذا كان لإحداهن أولاد Q إذا كان عند رجل أكثر من امرأة، وإحداهن عندها أطفال، والأخريات ليس عندهن أطفال، هل يقال: بأنه لا بد من أن يعطي لجميع النساء مبلغاً واحداً من المال، أم أن المرأة التي عندها أولاد تستحق أكثر؟ وجزاكم الله خيراً. A يعطي الزوجات قدر حاجتهن، ويعطي الأولاد قدر حاجتهم، الأولاد نفقتهم نفقة أقارب، والزوجات نفقتهن نفقة معاوضة، فيسوي بين الزوجات في النفقة التي تخصهن، وأما الأولاد فيعطي أم أولاده نفقة أولادها، والتي ليس لها أولاد لا تطالبه ولا تقول: أعطوني مثل فلانة. يقول: ما أعطيتها شيئاً، إنما أعطيت أولادي.

حكم التحاكم إلى المحاكم الأوروبية عند الخلاف الزوجي

حكم التحاكم إلى المحاكم الأوروبية عند الخلاف الزوجي Q وهذه سائلة من بريطانيا تقول: إنه في حالة حصول خلاف بين الزوج والزوجة فإن المحاكم الأوروبية تحكم أن يلحق الأبناء بالأم، فهل يجوز التحاكم إلى المحاكم الأوروبية في حال حصول خلاف بين الزوجين؟ وجزاكم الله خيراً. A شرعاً لا يجوز، الأولاد يتبعون آباءهم، والنفقة على أبيهم لا على أمهم، ولكن إذا طلبت أن تحضن أولادها، وأبرأت الزوج من نفقتهم فلها ذلك.

معايير قبول الزوج

معايير قبول الزوج Q معايير قبول الزوج هي الرضا بالخلق والدين؟ فما هو الضابط الشرعي أو المقياس بالنسبة للدين؟ هل هو الصلاة فقط أو الاستقامة على دين الله عموماً؟ A لا شك أن المقياس هو الاستقامة، ليس مجرد الصلاة، فلا بد من الأعمال المفروضة، ولا بد من ترك المحرمات، ولا بد من ترك ما يحذر من الأعمال كالشركيات وما أشبهها.

وجوب النفقة على جميع الأبناء إذا كان لهم أم

وجوب النفقة على جميع الأبناء إذا كان لهم أم Q إذا كان هناك أم لها عدد من الأبناء، وتوفي زوجها، فعلى من تجب نفقتها من الأبناء؛ علماً بأن جميع أبنائها كبار في السن، وقادرون على النفقة عليها؟ وجزاكم الله خيراً. A توزع عليهم إذا تشاحوا، وإن تبرع أحدهم وقال: أنا أقوم بنفقة والدتي، فله أجر، وإذا تشاحوا قسمت النفقة على كل واحد منهم قسطه، إن كانوا ثلاثة تقاسموها أثلاثاً، أو كل واحد منهم ينفق عليها شهراً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [74]

شرح أخصر المختصرات [74] أوجب الله النفقة على الزوجة والولد، وأمر بالإحسان إليهما، وإذا اختلف الزوجان وبينهما طفل فافترقا فإن الشرع لم يترك الطفل معرضاً للضياع؛ بل أوجب حضانته ورعايته، وجعل لذلك قانوناً معروفاً في تقديم الأحق بالحضانة، حتى لا يضيع الطفل ويترك.

بقية أحكام النفقة على الأقارب

بقية أحكام النفقة على الأقارب قال رحمه الله تعالى: [وتسقط بمضي زمن ما لم يفرضها حاكم أو تستدن بإذنه، وإن امتنع من وجبت عليه رجع عليه مُنفقٌ بنية الرجُوع، وهي على كُل بقدر إرثه، وإن كان أبٌ انفرد بها. وتجبُ عليه لرقيقه ولو آبقًا وناشزًا، ولا يُكلفُهُ مشقاً كثيرًا، ويُريحُهُ وقت قائلةٍ ونومٍ ولصلاة فرضٍ، وعليه علفُ بهائمه وسقيُها. وإن عجز أُجبر على بيعٍ أو إجارةٍ، أو ذبح مأكُولٍ، وحرُم تحميلُها مُشقاً ولعنُها وحلبُها ما يضُر بولدها، وضربُ وجهٍ ووسمٍ فيه، ويجُوزُ في غيره لغرضٍ صحيحٍ. فصل وتجبُ الحضانةُ لحفظ صغيرٍ ومجنُونٍ ومعتُوهٍ. والأحق بها أُمٌ، ثُم أُمهاتُها القُربى فالقُربى، ثُم أبٌ، ثُم أُمهاتُهُ كذلك، ثُم جد، ثُم أُمهاتُهُ كذلك، ثُم أُختٌ لأبوين، ثُم لأم، ثُم لأبٍ، ثُم خالةٌ، ثُم عمةٌ، ثُم بنتُ أخٍ وأُختٍ، ثُم بنتُ عم وعمةٍ، ثُم بنتُ عم أبٍ وعمته على ما فُصل، ثُم لباقي العصبة الأقرب فالأقرب، وشُرِط كونُهُ محرمًا لأنثى، ثُم لذي رحمٍ، ثُم لحاكمٍ. ولا تثبت لمن فيه رق، ولا لكافرٍ على مُسلمٍ، ولا لفاسقٍ، ولا لمُزوجةٍ بأجنبي من محضُونٍ من حين عقدٍ. وإن أراد أحدُ أبويه نقلة إلى بلدٍ آمنٍ، وطريقه مسافةُ قصرٍ فأكثر ليسكُنهُ، فأبٌ أحق، أو إلى قريبٍ للسكنى فأُم، ولحاجةٍ مع بُعدٍ أو لا فمُقيمٌ. وإذا بلغ صبي سبع سنين عاقلاً خُير بين أبويه. ولا يُقر محضُونٌ بيد من لا يصُونُهُ ويُصلحُهُ. وتكُونُ بنتُ سبعٍ عند أبٍ، أو من يقُومُ مقامهُ إلى زفافٍ] .

متى تسقط النفقة على الأقارب بمضي الزمان

متى تسقط النفقة على الأقارب بمضي الزمان النفقة: هي تأمين القوت والغذاء لمن تجب عليه نفقته، وقد عرفنا أن نفقة الأقارب إنما هي سد الحاجة والفاقة، وليست معاوضة؛ ولهذا تسقط بمضي الزمان، بمعنى أنه إذا لم ينفق في مدة مضت فليس للمنفق عليه مطالبته، مثال ذلك: إذا وجبت عليه النفقة لأبويه، ولم ينفق لغيبة أو لانشغال، ومضى عليهما شهر وهو لم ينفق عليهما، وقد أنفق عليهما بعيد أو سألا، ثم جاء ابنهما، فليس لهما مطالبته بنفقة ما مضى. وكذلك لو غاب عن أولاده، وأنفقوا على أنفسهم، أو أنفق عليهم متبرع، فإذا جاء بعد شهر أو بعد شهرين فليس لهم مطالبته بنفقة ما مضى. وكذلك نفقة الإخوة لأب أو لأبوين أو لأم، إذا ترك الإنفاق عليهم، إما لسوء معاملة، وإما لغيبة، ثم جاء بعد شهر أو شهرين، قد يقول أخوه: أعطني نفقة الشهرين الماضية، فإني اقترضت، أو سألت الناس، أو تكلفت واحترفت. فليس له أن يطالبه بنفقة الشهر الماضي أو الأشهر الماضية؛ لأن النفقة إنما هي سد فاقة، وقد حصل. وذكروا من ذلك نفقة المرأة الحامل إذا طلقها ثلاثاً؛ فإن النفقة تسقط بمضي زمان؛ لأن النفقة لأجل الحمل، فإذا قالت: تركت الإنفاق علي، والله يقول: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] وأنت تركت الإنفاق علي خمسة أشهر أو عشرة أشهر، أعطني نفقة الماضي. لا تطالبه بذلك؛ لأنها نفقة قريب، وهي تسقط بمضي الزمان. وكذلك نفقة بقية الأقارب تسقط بمضي الزمان.

الرجوع على القريب في النفقة إذا أنفق الأجنبي بنية الرجوع

الرجوع على القريب في النفقة إذا أنفق الأجنبي بنية الرجوع يقول هنا: (وإن امتنع من وجبت عليه رجع عليه مُنفقٌ بنية الرجُوع) . صورة ذلك: إذا امتنع الوالد من النفقة على أولاده؛ إما لإعسار؛ وإما لغيبة؛ وإما لسخط على أولاده، وقال: لا أنفق عليكم، موتوا جوعاً. ثم إن أحد الجيران أخذ ينفق عليهم ويحسب، أنفقت عليهم في شهرٍ كذا ألفاً، وفي الشهر الذي بعده ثمانمائة، وفي الشهر الذي بعده خمسمائة، ففي هذه الحال يطالبه، يقول: رأيتهم كادوا يموتون جوعاً، فرفقت بهم وأنفقت عليهم، وحسبت ما صرفته عليهم، صرفت عليهم كذا وكذا في خبز، وكذا وكذا في أرز، وكذا وكذا مثلاً في قهوة، وكذا وكذا في شاي، وكذا في كسوة، وكذا في لحم، الجميع ألف أو ألفان، فيطالبه، ويلزم الأب بأن يعطيه؛ لأنه أنفق بنية الرجوع، أي: ناوياً أن يرجع على والدهم. وهكذا غير الوالد، لو أن إنساناً تجب نفقته على أخيه الشقيق، ثم إن الأخ الشقيق الذي هو غني تغيب لمدة شهر، وكان هناك جار له أخذ ينفق عليه ويحسب: أنفقت الأسبوع الأول مائة، الأسبوع الثاني مائتين، الأسبوع الثالث مائة وخمسين، أخذ يحسب عليه، ولما جاء الأخ الذي هو غني قال جاره: أنا أنفقت على أخيك، وهذه أرقام الحساب الذي أنفقته، فأعطني لأني نويت الرجوع. فيلزم الأخ أن يعطيه؛ لأنه ناب عنه ناوياً الرجوع. أما إذا نوى التبرع، قال: هذا ضعيف، وليس عنده أحد الآن، وأخوه قد تغيب عنه، أو أخوه حسده وغضب عليه وقطع النفقة عنه، من أين يأكل؟ ومن أين يشرب؟ فرحمه إنسان وتبرع وأنفق عليه وصرف عليه ألفاً أو ألفين، فهل له أن يطالب بها؟ ليس له ذلك؛ لأنه متبرع، نوى بالإنفاق عليه الأجر والرحمة به حتى لا يتضرر.

كيفية توزيع النفقة على الأقارب

كيفية توزيع النفقة على الأقارب وإذا وجبت النفقة على اثنين أو على ثلاثة أو أربعة فإنها توزع عليهم إن كانت درجتهم سواء، يدفعونها شهرياً أو سنوياً، فمثلاً: إذا كان الوالد فقيراً، وله أولاد خمسة كلهم أغنياء، والنفقة التي يحتاجها الوالد شهرياً ألف، فإنه يوزعها عليهم: كل واحد عليه مائتان، يدفعونها لأبيهم شهرياً. وإذا قال أحدهم: أنا أشتري بها لهم حاجات فله ذلك، كما إذا قال: أنا أشتري لهم بهذه المائتين قهوة، أو أشتري فاكهة، أو أشتري لحماً؛ لأنه مما يحتاجون إلى ذلك، فإن كان إرثهم متفاوتاً كابن وبنت، وكلهم أغنياء، والأب أو الأم فقير، فإنا نجعل على الابن ثلثي النفقة، وعلى البنت الثلث؛ لأن ميراثهم هكذا، وكذا إذا كانوا ورثة متفاوتين، فإذا كان إنسان فقيراً، وله أختان شقيقتان غنيتان، وله -أيضاً- أختان من الأم غنيتان، معلوم أن الأختين الشقيتين ترثان الثلثين، فعليهما الثلثان من النفقة، والأختان من الأم ترثان الثلث، فعليهما ثلث النفقة فتقدر النفقة، وتدفع هاتان الثلثين، وهاتان الثلث. فإن كانت هذه الأخت لها أختان شقيقتان، وأخت من الأم، وأم، وكلهم أغنياء، قسمنا نفقة هذه الأخت الفقيرة، فنجد أن على أمها السدس، وأختها من الأم السدس، وأختها الشقيقة الثلث، وأختها الشقيقة الأخرى الثلث، فتقوم أثلاثاً: على الأم والأخت، للأم الثلث، وعلى كل واحدة من الأختين الشقيقتين الثلث. فإذا كان هناك امرأة ولها أخت شقيقة، وأخت من الأب، وأخت من الأم، وأم، فإنا نوزعها عليهن فنقول: الشقيقة ترث النصف، فعليها نصف النفقة، والأخت من الأب ترث السدس، فعليها سدس النفقة، والأخت من الأم عليها سدس النفقة، والأم عليها سدس النفقة، أي: بقدر ميراثهن. يقول: (وهي على كُل بقدر إرثه، وإن كان أبٌ انفرد بها) . أي: لو كان هناك رجل فقير، وله أب غني، وأم غنية، وزوجة غنية، فنفقته كلها على الوالد؛ لقول الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة:233] فإذا كان مأموراً بالإنفاق على زوجاته فكذلك على أولاده، فينفرد بالنفقة على أولاده، وهذا هو المعتاد: أن الوالد يجمع المال لينفقه على أولاده، فينفرد بنفقة الفقير منهم، ولو كان منهم أغنياء، فالولد الفقير يطلب النفقة من أبيه ولا يطلبها من أخيه، وإذا كان له أخ غني، وأب غني، فإن نفقته على الوالد، هذا هو المعتاد.

نفقة الرقيق وما يلزم السيد فيها

نفقة الرقيق وما يلزم السيد فيها انتهى ما يتعلق بالنفقة على الأقارب مع الاختصار، بقي ذكر النفقة على الرقيق الذي هو العبد المملوك، وقد ذكر المؤلف أنها تجب عليه لرقيقه؛ وذلك لأنه مملوك له؛ ولأنه يقول: أنفق علي واستخدمني، وإلا فبعني أو أعتقني. تجب عليه النفقة للرقيق، ولو آبقاً وناشزاً، والنشوز يكون من الأمة، إذا كان له أمة يملكها، ولكنها إذا أراد جماعها امتنعت، اعتبرت ناشزاً، فهل ينفق عليها؟ نعم؛ لأنها ملكه، أما الزوجة إذا نشزت سقطت نفقتها؛ لأن نفقتها معاوضة، وأما الأمة فإن نفقتها لأجل الملك، فينفق عليها ولو كانت ناشزاً. وينفق على العبد ولو أبق أي: هرب: لأنه لم يخرج عن ملكه، هذا بالنسبة للنفقة، وهي على المعتاد، ولكن يتأكد عليه أن يسويه بنفسه. تذكرون حديث أبي ذر الذي في الصحيح، ذكر أنه عير عبداً بأمه فقال له: يا ابن السوداء! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعيرته بأمه! إنهم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) يعني: قوله (إخوانكم خولكم) الخول: الخدم، جعلهم الله تحت أيديكم مماليك، والمملوك لا يستطيع أن يخرج من سلطة سيده، فهو مستولٍ عليه، مملوكة عليه منافعه، فلذلك لا يستطيع أن يتخلص، فتجب نفقته على سيده كما أنه يستخدمه. وإنما له أن يستخدمه فيما يطيقه. يقول في هذا الحديث: (جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تطعمون، واكسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم) ، فلذلك امتثل أبو ذر ذلك، فرآه بعض الصحابة وعليه حلة، وعلى عبده حلة مثلها، فتعجبوا: كيف تساويه بنفسك؟ فأخبر بهذا الحديث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أطعموهم مما تطعمون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) ، فكان يسكوه مثل كسوته. كذلك أيضاً ورد في الحديث: (إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه -أي: فليأكل- فإنه ولي حره وعلاجه، فإن لم يفعل فليناوله لقمة أو لقمتين) ، العادة أن الخادم هو الذي يصلح الطعام لسيده، فإذا جاء به وقد ولي حره وعلاجه، فإن من الإنصاف أن يجلسه، يقول: اجلس وكل معي، ولو كان ذلك الطعام خاصاً، ومعروف أنه قد يصطفي لنفسه طعاماً خاصاً من أشرف الأطعمة وأحسنها، وعادة أنهم يجعلون للمماليك طعاماً يناسبهم؛ وهو من أدنى الطعام، فأحلى الخبز وأفضله وأحسنه يكون للسيد، وما دونه يكون للعبد، كذلك مثلاً إذا كان هناك لحم، فاللحم الحسن والثمين يكون للسيد، واللحم الهزيل أو رديء اللحم أو ما فيه عصب أو نحوه يعطيه المملوك، يقول: وإن لم تجلسه معك فناوله لقمة أو لقمتين من هذا الطعام الشهي. هذا بالنسبة إلى قوته وغذائه من الطعام والشراب والكسوة وما أشبه ذلك. قال: (ولا يُكلفُهُ مشقاً كثيرًا) . يعني: من الأعمال، فلا يكلفه عملاً يشق عليه، فإذا كان مثلاً يشتغل في حرث فلا يشغله مثلاً عشرين ساعة أو خمس عشرة ساعة، فإن ذلك يشق عليه، وكذلك إذا كان يشتغل في ماشية يرعى ويسقي ويحلب ويريح، فلا يكلفه أيضاً عملاً شاقاً، وهكذا إذا كان يشتغل في تجارة فلا يكلفه أكثر من طاقته، كأن يشغله خمس عشرة ساعة أو اثني عشرة ساعة في الدكان، أو إذا كان في حرفة أن يشتغل معه في صنعة كورشة أو مصنع أو نجارة أو ما أشبه ذلك، يشتغل معه بقدر ما يستطيع، وهو ما يكلفه مشقاً كثيراً، بل بقدر ما يستطيع الذي ليس فيه مشقة. وذكر أيضاً أنه يريحه وقت القيلولة قبل الظهر مثلاً بساعة، عندما تشتد حرارة الشمس، هذا وقت القيلولة، وذلك إذا كان يشتغل في حرث أو في بناء، أو يشتغل مثلاً في مصنع، أو نحو ذلك، وكذلك وقت النوم في كل ليلة ثمان ساعات أو سبع ساعات مثلاً، هذا وقت النوم في الليل. (ولصلاة فرض) يلزمه أن يرخص له أن يذهب إلى المسجد لأداء الفريضة ولأداء سننها. وأما الجمعة فلا تجب عليه إذا كان المسجد بعيداً؛ لأنهم قديماً كانت المساجد التي تصلى فيها الجمع قليلة، وكانوا يأتون إليها من مسيرة ساعتين أو أكثر، فيفوت على السيد شيء كثير، لأنه يوم الجمعة قد يغيب نحو خمس ساعات لأداء صلاة الجمعة، أو عشر ساعات أحياناً، ففي هذه الحال تسقط عنه الجمعة، أما إذا كانت المساجد قريبة فليس له منعه. كذلك أيضاً صلاة العيد، إذا كانت قريبة فليس له منعه، وإذا كانت بعيدة وذهابه إليها يغيبه عن عمله مثلاً خمس ساعات أو أربع ساعات، فهو معذور في أنه تسقط عنه الجمعة والعيد. هذا ما يتعلق بنفقة الرقيق.

نفقة البهائم

نفقة البهائم بعد ذلك بنفقة البهائم. البهائم يراد بها الأنعام التي ملكها الله تعالى للإنسان، ولا شك أنها لا تشتكي ولا تتكلم، وإن كانت قد تثغو أو ترغو من باب الاشتكاء إذا أحست بألم أو ما أشبه ذلك، ولكن هي بهيمة، ملكها الله تعالى الإنسان، فعليه أن يحسن إليها إذا كان قادراً على النفقة عليها، وإلا باعها أو ذبحها إذا كانت مأكولة. فنفقتها هي علفها، أي: إحضار ما تأكله حتى تشبع، فإن كانت ترعى أرسلها ترعى النبات من المرعى، ويرسل معها من يحفظها كالراعي، أو يرسلها وإذا جاء الليل أو شبعت رجعت إلى أهلها، أي: فقد يتركها بدون راع وهي ترجع بنفسها، ويحصل ذلك في الإبل كثيراً، وكذلك أيضاً البقر، فإنها ترتع ثم تجيء إلى أماكن أهلها، فحينئذ يكتفي بإرسالها لترعى بنفسها، فأما إذا لم يرسلها فإن عليه أن يؤمن لها علفها، وذلك في كل ما يملكه من الإبل والبقر والغنم والخيل والحُمُر. وكذلك أيضاً الطيور كالدجاج والحمام، إذا كان في ملكه، فكل شيء من الطيور أو من البهائم فإنه إذا أمسكه وجب عليه أن ينفق عليه، فيعلفها ويسقيها حتى لا تموت جوعاً وهي في ملكه. فإذا لم يجد فإن عليه أن يذبحها ويعطيها من يأكلها أو يأكلها هو، أي أنه إذا عجز عن النفقة فإنه يجبر على البيع، يقال: أنت عجزت عن النفقة على عبدك، أو على فرسك! ويلزمك أن تبيعه، فلا تتركها تلاقي الموت فإنها تحس بالألم كما أنك تحس بالألم، فكر في نفسك إذا جعت ألست تبيع ما تملك؟ فكذلك هذه الشاة أو هذه البقرة تحس بالجوع، فلا تتركها تلاقي الجوع وتكابده، بل بعها لمن هو قادر على الإنفاق عليها، أو أجرها، أجر الجمل لمن يركبه ويعطف عليه، أو أجر الثور لمن ينضح عليه كما كانوا ينضحون عليه قديماً، أعني: يسقون عليه النخل، أو كذلك أجر الشاة لمن يحلبها. أو اذبحها حتى تريحها إذا كانت مأكولة، وكل لحمها أو تصدق به. وتكلموا أيضاً بالنسبة إلى المملوك ذكراً وأنثى إذا طلب النكاح، لأنه آدمي يحس بالشهوة، ويتضرر ببقاء هذه الشهوة، كما أن الحر يشتاق إلى النكاح، ويتضرر بهذه الشهوة وحبسها إذا غلبت عليه قوة الشبق والغلمة فنقول: إذا طلب العبد الزواج فعليك أن تزوجه، فإما أن تشتري له أمَة تزوجه، وإما أن تزوجه أمة لغيرك، ولو كان أولادها يكونون لصاحبها، وإما أن تزوجه حرة، فيكون أولادها أحراراً، ولا تتركه يتألم من هذه الشهوة. وإما أن تعتقه، وإما أن تبيعه، فإن بقاءه وهو عزب يتألم من الشهوة ضرر عليه. كذلك الأمة إذا طلبت النكاح عليه أن يعفها، إما أن يطأها، وإما أن يزوجها بعبد، أو يزوجها بحر، أو يزوجها بمملوك له أو بمملوك لغيره، أو يعتقها أو يبيعها، فكذلك هذه البهائم يجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبحها إن كانت مأكولة. تكلموا أيضاً على الحمل عليها، فقد كانت الإبل والحمر هي وسائل الحمل، ينقلون عليها الأحمال قبل وجود السيارات، فيقولون: إذا حملها حملاً فلا يجوز أن يحملها فوق طاقتها، فإن ذلك مما يضرها، إذا كانت حمولتها مائة كيلو جرام فلا يحمل عليها مائتي كيلو جرام؛ لأنه لا شك أن ذلك يضرها. وكذلك أيضاً ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب الدابة في وجهها؛ فإن ذلك يؤذيها، فلا يجوز ضربها في الوجه، وكذلك أيضاً: (مر على حمار وقد كُوي بين عينيه فقال: لعن الله من فعل هذا) ، وأما وسمها في خدها أو في عنقها، أو وسم الغنم في أذنها، أو وسم الإبل في وركها أو فخذها فلا بأس بذلك للعلامة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسم إبل الصدقة كعلامة لها، ويجوز في غيره لغرض صحيح يعني: في غير الوجه. كذلك كانوا مرة في سفر، وامرأة راكبة على ناقة، فكأن الناقة استعصت عليها فلعنتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروها أن تضع عنها رحلها وتتركها؛ فإنها ناقة ملعونة) فتركتها، فكانت ناقة تمشي من أحسن الإبل، لم يتعرضوا لها، فإن صاحبتها لما لعنتها عوقبت بحرمانها منها. إذا كانت بهيمة الأنعام لها أولاد فلا يجوز أن يحلبوا منها ما يضر بأولادها، فإن أولادها أقدم، ولد البقرة يستحق أن يرتضع حتى يشبع، وما زاد فلهم أن يحلبوه، وكذلك ولد النعجة أو ولد العنز أحق بلبن أمه، وإنما يحلبون ما يزيد، وهكذا ولد الناقة، فلا يجوز أن يأخذوا من لبنها ما يضر بأولادها.

أحكام الحضانة

أحكام الحضانة انتهينا مما يتعلق بالنفقة، وننتقل إلى الحضانة التي هي كفالة الأطفال، بمعنى تربيتهم وتنشئتهم وتنظفيهم وإصلاح أحوالهم.

درجات الأمهات في الأحقية بالحضانة

درجات الأمهات في الأحقية بالحضانة ومعلوم أن الطفل إذا ولد لو ترك لهلك، فلا بد ممن يحضنه في حالة صغره لأنه يحتاج إلى من يحمله، وإلى من يؤكله، وإلى من يغسله، وإلى من ينومه، وإلى من ينظفه، من الذي ينظف ثيابه إذا اتسخت، وينظف جلده، وينظف بدنه إذا اتسخ بالأوساخ والأقذار والإفرازات النجسة ونحوها؟ وكذلك من يصلح فراشه، ويصلح مهاده، ويصلح حالته؟ لا بد من كفيل يكفله، فإذا كانت الأم موجودة فإنها هي التي تحضنه، وتصبر على المشقة التي تلاقيها في هذه الحضانة، فلذلك كانت الأم أولى بحضانة طفلها أو بحضانة أطفالها، وإذا طلبت الأجرة فالأجرة على الأب؛ لأنهم أولاده، كما أنه لو استأجر لهم مرضعاً دفع الأجرة، ولو استأجر لهم حاضنة دفع الأجرة، فكذلك إذا كانت الأم مثلاً مطلقة وحضنت أولادها، فنفقتهم على أبيهم، وكذلك أيضاً عليه أجرة حضانتها. والصغير والمعتوه لا بد لهم ممن يتولى أمرهم؛ لأن المجنون لا يعرف مصلحة نفسه، فقد يقع في مهالك، وقد يتردى من شاهق أو نحو ذلك فيموت، وكذلك المعتوه الذي هو ناقص العقل، فلا بد من الحضانة لمثل هؤلاء. ذكر أن الأمهات أحق بالحضانة؛ لأنهن أصبر على التعب والمشقة، فالأم التي ولدت الطفل هي أولى أن تتولى حضانته، حتى ولو كانت مطلقة، إذا كانت طلقت ومعها طفل عمره سنة أو أقل أو أكثر فلا بد من حضانتها له، فيكون معها. قد تسخط على زوجها لأنه طلقها، ثم ترمي إليه بالطفل ذكراً أو أنثى، وتقول: هذا ولدك، أنت الذي تتولاه، أنت الذي تغسل نجاسته، وأنت الذي ترضعه، وأنت الذي تنظفه، من باب السخط، ومعلوم أنها تحبه لأنه ولدها، ولكن من باب إظهار الشنآن والعداوة بينها وبين أبيه، ففي هذه الحال تسقط حضانتها، ويتولى الحضانة من يليها. إذا كانت الأم تبرأت من الحضانة فتليها الجدة، واختلفوا أي الجدتين أولى: أم الأم أو أم الأب، وكأن الفقهاء يقدمون أم الأم، ويختار بعض العلماء أم الأب؛ لأنها أقرب نسباً؛ ولأن الجميع يدلين بالأمومة، فكل واحدة تقول: أنا أم، والأولى أيضاً إذا حصل تشاح أن ينظر أيهن أقدر، وأيهن أقوى، وأيهن أشد، فتقدم، سواء كانت أم الأم أو أم الأب، تقدم التي هي أكثر فراغاً وأحسن تربية، أو ما أشبه ذلك. وتقدم القربى قبل البعدى، إذا كانت جدته أم الأم، وجدته أم أم الأم، فالقريبة أولى، وكذلك أم الأب وأم أم الأب أو أم الجد. فإذا امتنعت الأم أو عدمت الجدات فالأب بعد ذلك أولى، والأب كيف يربيه؟ إذا كانت عنده زوجة فإنه يضعه عند زوجته لتربيه، أو يستأجر خادمة، وإذا كان عنده خادمة مملوكة فهي تقوم بتربية هذا الطفل، وإلا استأجر خادمة تقوم على كفالته وحضانته. ذكروا بعد الأب أمهاته، والصحيح: أن أم الأم وأم الأب في درجة واحدة، يقدمان على الأب. وذكر بعد ذلك الجد، ثم أمهاته، يعني: أنه إذا كان الجد موجوداً فالذي يتولى الحضانة هو الجد، يستأجر له، أو تحضن له مملوكته، ثم بعد الجد أمهاته، وأم الجد قد تكون بعيدة، وقد تكون كبيرة. بعد الجد والأب تتنقل الحضانة للإخوة، وتقدم الأنثى، فالأخت الشقيقة أولى من الأخت لأم ومن الأخت لأب، وكان الفقهاء يقدمون كل من يدلي بالأم، فلذلك قالوا: إذا كان له أختان: أخت من الأم وأخت من الأب، وكلاهما تطلبه، فإنهم يقدمون الأخت من الأم، مع أنها من ذوي الأرحام، وليست من النسب، ولعل الأقرب تقديم الأخت من الأب؛ لأنها أشفق، ويمكن أن يقال: تقدم أشبهن أو أفرغهن، يعني: التي عندها فراغ تكون هي الأولى. إذا لم يكن له أخوات انتقلت إلى إخوته، وقيل: تنتقل إلى إخوة أو أخوات الأب والأم، والخالة أخت الأم يختار كثير من العلماء تقديمها، ويستدلون بقصة ابنة حمزة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة في عمرة القضاء تبعتهم بنت حمزة بن عبد المطلب تقول: يا عم يا عم! لأنها قد تمت سبع سنين أو قاربتها، فأخذ بيدها علي وأركبها مع فاطمة، وقال: دونك بنت عمك. فلما قدموا المدينة تنازعوا فيها أيهم يحضنها؟! فطلبها زيد بن حارثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهما أخوين، يعني: آخى بين حمزة وبين زيد، وقال: بنت أخي. وطلبها علي وقال: بنت عمي. وطلبها جعفر وقال: بنت عمي، وخالتها تحتي -خالتها التي هي أسماء بنت عميس - فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: (الخالة بمنزلة الأم) هذا تقديم للخالة، مع أنه يوجد لها عمة التي هي صفية أم الزبير، وهي عمتها أخت حمزة، ومع ذلك قدم الخالة، فهذا هو السبب في قولهم: ثم خالة ثم عمة، ولعله ينظر أيهما أقوى، وأيهما أنصح، وأيهما أعرف بالتربية. بعد ذلك -بعد ألا يوجد عمة ولا خالة- ينتقل إلى بنت الأخ، بنت أخيه الشقيق تكون أولى بالحضانة من بنت أخيها، ثم تنتقل إلى بنت الأخت، يعني: إذا لم يكن هناك بنت أخ حضنتها بنت أختها، ولو كانت من ذوي الأرحام. ثم بعد ذلك تنتقل إلى بنت العم وبنت العمة، وبنت العمة أيضاً من ذوي الأرحام، ولكن لها قرابة، ثم بعد ذلك بنت عم الأب وبنت عمته مع بعدها، على ما فصل. إذا لم يوجد هؤلاء كلهم فهي لباقي العصبة الأقرب فالأقرب، الإخوة مثلاً، ثم بنو الإخوة، والأعمام، وبنو الأعمام الأقرب فالأقرب. هذه أحقية الحضانة.

شروط الحضانة

شروط الحضانة ماذا يشترط؟ يشترط في الحاضن للأنثى: أن يكون محرماً لها، مثاله: إذا كان قد تزوج أمها، وماتت أمها، فإنه يكون أولى؛ لأنه محرم لها؛ لأنها ربيبته، فيكون له محرمية. كذلك يشترط أن يكون الذي يتولى الحضانة. كذلك يشترط: أن يكون حسن التربية، بعيداً عن الإفساد وأماكن الفساد، فإذا كان مثلاً مهملاً فلا حق له في التربية، وإذا كانت الأم أو الحاضنة من غيرها عاصية فلا حق لها في التربية، وكذلك إذا كان بيتها مليئاً بالملاهي، أو مليئاً بآلات الأغاني والصور الخليعة، والأفلام الفاتنة وما أشبهها، بحيث إن الطفل ذكراً أو أنثى إذا نشأ وتربى في هذا البيت فسد خلقه ودينه عاجلاً أو آجلاً، فليس له حق في هذه الحضانة؛ لأنها قد تكون سبباً لانحرافه وفساد أخلاقه، فلا يمكن من الحضانة إلا إذا عرف أنه صالح ومصلح. وكذلك إذا كانت الأم متزوجة بأجنبي سقطت حضانتها. روي أن رجلاً طلق امرأة ولها ابن، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أنت أحق به ما لم تنكحي) يعني: ما لم تتزوجي، فما دمتِ لم تتزوجي فأنت أحق بولدك، وهذا إذا لم تتزوج بقريب، أما إذا تزوجت بقريب له كعمه -عم الطفل أخو أبيه- أو كذلك ابن عمه، أو ابن خاله أو نحوهم، فإن هذا القريب قد يوافق ويقول: أريد أن آخذ أجره حتى يبقى تحت كفالة أمه، وأنا الذي أنفق عليه؛ لكونه يتيماً فأحظى بكفالة اليتيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) فإذا كان زوج الأم موافقاً على كفالته وحضانته فإنه يبقى. كثير من النساء في هذه الأزمنة إذا طلقت وعندها ولد أو عندها أولاد صغار تترك الزواج، وتقول: أخشى أن يؤخذ أولادي، فأبوهم قد يهددها، ويقول: إذا تزوجتِ أخذتهم، فإنه يسقط حقك؛ فتترك الزواج، مع أنها قد تكون بحاجة إلى من يتزوجها وينفق عليها ويحضنها، فتترك الزواج وتبقى مدة تقول: أجلس على أولادي حتى أربيهم. نحن نقول: إن الأب لا يجوز له أن يضارها، قال الله تعالى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة:233] فلا يجوز أن يهددها، ويقول: إذا تزوجتِ أخذت ولدي أو أولادي. معلوم شفقتها ورقة قلبها ومحبتها لأولادها، سيما إذا كانوا أطفالاً، فهي تتمنى أن يبقوا معها ولو أن تستدين، ولو أن تتكفف، ولو أن تطلب من الناس أن يتصدقوا ويعطوها ما تنفقه على أولادها، تصبر وتتحمل المئونة والمشقة حتى يبقى معها أولادها. نقول: حرام على الوالد أن يفرق بينهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته) . فيتركها تتزوج، ويأذن لها ويقول: لا حرج عليكِ، تزوجي، وأنا أترك أولادك. فإذا تقدم إليها من يطلب زواجها شرطت عليه: أن أولادها يبقون معها، إما أن ينفق عليهم الزوج الجديد محتسباً، وإما أن ينفق عليهم أبوهم، بأن يرسل إليهم نفقتهم وهي عند ذلك الزوج الجديد، إلى أن تنتهي مدة الحضانة. فنقول: تتزوج ويأتيها رزقها، وإذا تقدم إليها من يطلب زواجها تتزوج، وأولادها لا يضيعون إن شاء الله، وأبوهم حرام عليه أن يهددها عند زواجها بأخذ أولادها، بل يتركهم تحتها حتى تتم مدة الحضانة. يقول: ثم بعد ذلك تنتقل إلى ذوي الأرحام، إذا لم يكن هناك عصبة، أو تبرءوا وامتنعوا من الحضانة فيحضن الخال، وكذلك ابن الخال ونحوهم، ثم بعد ذلك الحاكم، ومعلوم أنه ليس هو الحاكم الذي يتولى الحضانة، ولكن يستأجر لهذا الطفل، ويدفع الأجرة من بيت المال، وهناك في هذه الدولة وفي كثير من الدول أماكن حضانة لمن ليس له والد أو نحوه، يتولاها أناس يشفقون على هؤلاء الأطفال الذين ليس لهم أولياء.

لا تثبت الحضانة للرقيق

لا تثبت الحضانة للرقيق يقول بعد ذلك: (ولا تثبت لمن فيه رق) . يعني: أن الرقيق الذي هو المملوك لا حضانة له؛ وذلك لأنه مملوكة عليه منافعه، فسيده يستخدمه، فكيف مع ذلك يكون حاضناً ذكراً أم أنثى؟ لكن لو استئجر بإذن سيده، يعني: استؤجرت هذه الأمة على أنها تحضن هذا الطفل وأذن سيدها، والأجرة لسيدها فهو على مصلحة، فإذا كانت هذه الأمة مأمونة وموثوقة وعارفة بالحضانة واستؤجرت، أو سمح سيدها أ، تقوم بحضانة هذا الطفل، أو احتسب وقال: احضنيه وأنا أنفق عليه، حتى أحظى بأجر كفالة اليتيم جاز ذلك.

لا حضانة لكافر على مسلم

لا حضانة لكافر على مسلم قال: (ولا حضانة لكافر على مسلم) . لماذا؟ لأنه إذا حضنه لقنه الكفر، ولو كان عمه أو ابن عمه، إذا قال: هذا ابن أخي، نقول: إن أباه مسلم، وأنت كافر، فلا حضانة لك، لأن الله تعالى يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] ، ويقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73] فلا ولاية ولا حضانة لكافر. وهكذا الفاسق؛ لأنه يربيه به على الفسق، إذا كان هذا الولي أخاه أو عمه أو ابن عمه، ولكن كان لا يصلي أو يزني، أو مليئاً بأجهزة الأغاني وما أشبهها، أو الصور الخليعة ونحو ذلك، أو كثير السهر على المعازف وآلات اللهو وما أشبه ذلك، فإن الطفل إذا تربى في هذا المنزل استحسن ذلك ونشأ عليه، فيكون ذلك سبباً في فساد أخلاقه، فلا جرم لا حق لهذا الفاسق في هذه الحضانة.

لا حضانة لمزوجة بأجنبي

لا حضانة لمزوجة بأجنبي صرح بما ذكرنا من زواج المرأة فقال: (ولا لمزوجة بأجنبي من محضون من حين عقد) . قوله: (أجنبي من محضون) أي: أما إذا تزوجت بعمه أو ابن عمه أو بأحد إخوة أبيه، أو أقاربه، والتزم ذلك المتزوج أن تبقى حاضنة ولدها، فإنها تبقى، وتكون لها الحضانة، وأما إذا اختارت أن تتزوج بأجنبي بعيد، ليس له قرابة من هذا المحضون سقطت حضانتها، إلا إذا وافق على بقاء طفلها معها، وقال: أنا أحتسب الأجر، فتبقى حضانتها. وليس للأب -والحال هذه- أن ينتزع الولد ويقول: سقطت حضانتك، أنت تزوجت بأجنبي، إذا لم يكن فيه محظور، فإذا كان ذلك الزوج عبداً صالحاً محباً للخير، مواظباً على الصلاة، وليس في بيته آلات لهو، فليس لأبي الطفل أن ينزعه وهو ابن سنتين أو ثلاث سنين ويحرم أمه منه، لا شك أن ذلك ضرر على الطفل وضرر على أمه.

من تئول إليه حضانة الطفل إذا انتقل الأبوان أو أحدهما إلى بلد آخر

من تئول إليه حضانة الطفل إذا انتقل الأبوان أو أحدهما إلى بلد آخر يقول بعد ذلك: (وإن أراد أحد أبويه نقله إلى بلد آمن) (أو نُقْلَةً) . يعني: أراد أحد أبويه الانتقال إلى بلد آمن، وطريقه مسافة قصر فأكثر ليسكنه، فالأب أحق، مثال ذلك: إذا أراد الأبوان أن ينتقلا من هذا البلد، الأم مثلاً تنتقل إلى الجنوب -إلى الأفلاج مثلاً- والأب ينتقل إلى المجمعة أو إلى الزلفي شمالاً، والطريق من هنا ومن هنا ليس فيه مخافة، يكون الأب أحق بأن يصحبه، لماذا؟ لئلا يضيع نسبه، لأن نسبه يعرف بأبيه، فيكون أبوه أحق به؛ لأنه ينسب إليه يقال: ابن فلان، ولا يقال: ابن فلانة، فالأب أحق به، وإذا كان أحدهما سوف يبقى والطريق مخوفاً، فالذي يبقى هو أحق، فإذا كان الطريق مخوفاً فيه قطاع، إذا سلكه يمكن أن يأتي عليهم قطاع الطريق ويقتلوهم أو يقاتلوهم، والأم سوف تبقى والأب يريد أن يرحل، فليس له أن يستصحب الولد مخافة أن يقضى عليه وأن يقتل، الأم سوف تبقى فهي أحق. وإذا كانت النقلة إلى مكان أقل من مسافة قصر فالأم أحق به، فإذا كان الأب يريد أن ينتقل إلى الخرج مثلاً، والأم تريد أن تنتقل إلى صلبوخ مثلاً أو إلى ضرماء، فهذه مسافة قريبة، فأيهما يكون الولد معه؟ الأم أحق إذا كانت النقلة للسكنى، الأب يريد أن يسكن مثلاً في الخرج، والأم تريد أن تسكن في ضرماء وكلاهما للسكنى فالأم أحق، أما إذا كان السفر لحاجة ثم يرجع والحاجة بعيدة فالأولى به المقيم، فلو ذهبت الأم للحج والأب مقيم فإن الأب أحق، وكذلك العكس لو حج أبوه وقال: أريده معي، وعمره سنتان أو ثلاث والأم مقيمة فإنها أولى به.

متى يخير الولد بين أبويه

متى يخير الولد بين أبويه بعد ذلك يقول: (وإذا بلغ صبي سبع سنين عاقلاً خير بين أبويه) . بشرط أن يكون عاقلاً، يعني: قد تم عقله وتمت إدراكاته وفهمه، ففي هذه الحال يخيّر بين أبويه: اختر أباك أو اختر أمك، والصحيح أنه إذا اختار أحدهما فإن نفقته على من اختار، إن اختار أمه فهي التي تنفق عليه، وإن اختار أباه فهو الذي ينفق عليه، فإذا تردد ولم يختر واحداً منهما، فالأم أولى، والأب قد يكون أولى به إذا كان في البلد. قال بعض العلماء: يكون في النهار عند أبيه، وفي الليل عند أمه، الأب يربيه ويعلمه ويدرسه ويقرئه، وكذلك يؤدبه ويعلمه الآداب والأخلاق، كيف يدخل على الرجال وكيف يسلم، وكيف يرد السلام، وكيف يخدم أهله، وكيف يحترم من هو أكبر منه وأشباه ذلك، هذه التربية عادة تكون من الأب، وكذلك أيضاً يحتاج إلى تعليمه العلم بالدراسة ونحوها، والغالب أن الأب هو الذي يتولى ذلك. ويصح أن يتنقل، إذا كان عند أمه مثلاً شهراً، ثم ضجر فذهب إلى أبيه وأقام عنده شهراً، هذا إذا كان في بلد، ثم له أيضاً أن يعود إلى أمه أو ما أشبه ذلك.

لا يقر المحضون بيد من لا يحفظه ويصلحه

لا يقر المحضون بيد من لا يحفظه ويصلحه قال: (ولا يقر محضون بيد من لا يصونه ويصلحه) ؛ لأنه ذريعة إلى إفساده، فإذا كانت الأم تربيه وتعلمه وتلقنه التلقين الحسن، وتدخله المكتب لتعليمه أو مدارس التحفيظ أو نحو ذلك، وأما الأب فإنه منشغل بتجارته أو بحرفته أو بوظيفته وليس متفرغاً للتربية، فالأم أولى؛ لأن صلاحه عندها. وكذلك العكس: إذا كانت الأم لا تعرف شيئاً من التربية، ولا تعرف شيئاً من التنشئة، وليس لها خبرة بالتعليم ولا بالعلم، أو ليس عندها من يرشدها يقول: علميه أو أدخليه المكتب، أو أدخليه دار التحفيظ أو ما أشبه ذلك، والأب يعرف ذلك، فالأب أولى. وكذلك أيضاً ينظر في مكانها الذي تسكنه، فإذا كان أحد البيتين سالماً من الملاهي فإنه أولى، وإن كان كلاهما فيه ملاهٍ نظر أخفهما، فيكون الطفل فيه، وإذا كان كلا الأبوين منشغل كما في هذه الأزمنة، الأم مثلاً موظفة والأب موظف، نظر أيهما أفرغ أو أقدر على التربية فيكون عنده. هذا إذا لم يختر وكانوا سواء، أما إذا اختار وفضل أباه أو فضل أمه فإنه يكون عند من اختاره، هذا بالنسبة للذكر. أما بالنسبة للأنثى فالبنت إذا بلغت سبع سنين تكون عند أبيها، فإن فقد الأب فمن يقوم مقامه كأخيها أو جدها أبي الأب أو نحو ذلك، تبقى عنده إلى تزويجها وتسليمها لزوجها، لماذا؟ لأنها بعد تمام السبع دخلت مرحلة الكبر، يعني: قاربت أن تكون امرأة وأن تمتد إليها الأنظار، فلأجل ذلك تكون عند الأب؛ لأنه أتم وأكمل غيرة عليها، يعني: هذا في العادة والأغلب، فأما إذا وجد أن الأب ليس كذلك انتقلت إلى من تكون عنده ممن يصلحها ويصونها.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين الخادمة والأمة

الفرق بين الخادمة والأمة Q ما الفرق بين الخادمة التي يستأجرها الكثير من الناس في زماننا هذا وبين الأمة؟ إذ إن بعض الناس يظنون أنهما سواء؟ A الخادمة أجيرة يستأجرها، وليست مملوكة له، وإذا انتهت مدة الإجارة ذهبت إلى أهلها، فهي حرة تملك نفسها، وأولياؤها أهلها، وأما الأمة فإنها مملوكة يمكلها السيد بحيث إنها لا تملك نفسها، ولا تتصرف لنفسها، وليس لها ملك، لو أجرها تخدم عند أناس فالأجرة له، وهكذا، فليسا سواء.

حكم تولية النصارى على تربية أبناء المسلمين

حكم تولية النصارى على تربية أبناء المسلمين Q نحن في بلادنا نعيش بين النصارى، وفي يوم من الأيام مات رجل وزوجته وتركا ابناً، فوكل أحد المحسنين نصرانية، واحتضنت الطفل، وكبر وأصبح رجلاً متمسكاً بالدين ومستقيماً، وحتى الآن ما زال يناديها بأمه، فما حكم هذا وجزاكم الله خيراً؟ A الأصل أنه لا يجوز أن يولى النصارى على تربية المسلمين، وعلى تربية أطفال المسلمين؛ لأنهم يحاولون أن يربوهم على دينهم الذي هو النصرانية، وأن يبعدوهم عن الإسلام وعن مجتمعه، فعلى هذا نقول: إذا مات في بلد فيه نصارى فإن المسلمين يتولونه ولو لم يكونوا موكلين، يتولونه حتى لا يتولاه الكفار الذين يبعدونه عن الدين. ويذكر أن في بعض البلاد التي فيها مسلمون ونصارى أن النصارى يأتون إلى أولاد المسلمين الفقراء ويقولون: نحن نكفيكم مئونتهم، فيأخذون مثلاً مائة أو ألفاً من الأطفال الذين في الرابعة والخامسة على أنهم يعلمونهم وينفقون عليهم، ثم يرسلونهم إلى أمريكا أو إلى بريطانيا أو إلى البلاد الكفرية، ثم بعد ذلك يربونهم على دين الكفر، يخرج أولئك الأطفال بعيداً عن آبائهم، نسوا آباءهم، ونسوا دينهم، ونسوا عقيدتهم، وهذا ما يقصده هؤلاء النصارى.

حكم من رضع خمس رضعات من أربع زوجات لرجل واحد

حكم من رضع خمس رضعات من أربع زوجات لرجل واحد Q رجل له أربع نساء، ورضع منهم طفل خمس رضعات، من كل واحدة رضعة وإحداهن رضعتان، فهل هو محرم لهن أم لا، وكذلك من رضع من إحداهن فقط خمس رضعات هل يكون ابناً ومحرماً لباقي النساء وجزاكم الله خيراً؟ A يكون ابناً لزوجهن، لأنه رضع من زوجاته خمس رضعات، فيقول: أنت أبي من الرضاعة، وأولادك من الأربع إخواني؛ لأنهم أولاد أبي من الرضاع، وأما أولادهن من غير هذا الرجل فليسوا محارم، وإذا كانت هذه لها ولدان من غير الزوج فليسوا إخوة لهذا الرضيع، وهذه لها ولد من غير الزوج فليس أخاً لهذا الرضيع، وهذه لها ثلاثة، وهذه لها اثنان ونحو ذلك، فأولادهن من غير الزوج ليسوا إخوة لهذا الرضيع؛ لأنه لا يقول: أنت محرم لي لأنك زوجة أبي، وأولادك منه إخوة لي لأنهم أولاد أبي، وأولادك من غيره ليسوا إخوة لي.

ضابط الفسق الذي تسقط به الحضانة

ضابط الفسق الذي تسقط به الحضانة Q ما هو ضابط الفسق الذي تسقط به الحضانة؟ فإنه قبل سنين كان الشخص تسقط عدالته ببعض المعاصي لغلبة الصلاح، فنرجو البيان وجزاكم الله خيراً؟ A الفاسق: هو العاصي الذي يفعل المعاصي، إما أن يفعل الكبائر، وإما أن يصر على الصغائر، وفي هذه الأزمنة ينظر في البيوت، فنقول مثلاً: الذي ملأ بيته بآلات اللهو هذا فاسق يفسد من تربى في بيته، الذي لا يصلي هذا فاسق، من كان تحت ولايته فإنه يكون مثله أو ما أشبه ذلك، الذي يسمع الأغاني أو يشرب الخمور أو يتعاطى المخدرات هذا يعتبر فاسقاً، فلا ولاية له ولا حضانة؛ لأن من تربى في حجره فسد عادة، وهكذا كل المعاصي، الضابط أنه الذي لا تقبل شهادته لأجل ما يخرم دينه.

امرأة الأب من الرضاع تحرم على الابن وفروعه

امرأة الأب من الرضاع تحرم على الابن وفروعه Q امرأة الأب من الرضاع هل تحرم على الابن من الرضاع وفروعه؟ A نعم، إذا كان مثلاً لهذا الزوج زوجتان أرضعته إحداهما خمس رضعات، أصبحت هذه أمه، ولها أولاد من هذا الزوج وأولاد من غيره، فأولادها جميعاً إخوتك من الرضاعة، ولزوجها أولاده من المرأة الأخرى، فأولاده من المرأة الأخرى أيضاً إخوتك من الرضاعة، والمرأة الأخرى لها أولاد من غيره فهذه المرأة الثانية محرم لك؛ لأنها زوجة أبيك من الرضاعة، ولكن بناتها من غيره أجنبيات.

حكم استخدام الخدم الكافرين في تربية أبناء المسلمين

حكم استخدام الخدم الكافرين في تربية أبناء المسلمين Q هل يجوز استخدام الخدم الغير مسلمين لتربية المسلمين، مثل الخدم في المنازل إذا كانوا كفاراً؟ A الأصل أنه لا يجوز إذا خشي أنهم يربونهم تربية سيئة، معلوم أنه قد يكون هناك ضرورة كما في هذه الأزمنة، استخدام الخادمات من كثير من البلاد التي فيها كفار كالفلبين وسرلانكا وتايلاند ونحوها، فتأتي كافرات؛ لأن ولاة أمورهن وسلطتهم هناك للكفار، فهم يؤثرون الكافرة ويقدمونها، ويسهلون أمرها، فإذا قدمت عليك فإياك أن تكل إليها تربية الأولاد وتلقينهم وتعليمهم! بل إنما تكل إليها تنظيفهم وغسل ثيابهم وما أشبه ذلك.

حكم من ولي مال يتيم وأخذ منه دينا

حكم من ولي مال يتيم وأخذ منه ديناً Q أنا ولي على أخي اليتيم، ودخل في ذمتي كثير من ماله، لأنني آخذ منه إذا احتجت وأسجله في ورقة بنية إرجاعه، فهل يجوز ذلك؟ A يجوز ذلك إذا كان هذا المال مرصداً في الصندوق، فلا بأس أن تقترض منه، ومع ذلك ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (من كان عنده مال يتيم فليتجر به؛ لئلا تأكله الزكاة) عليك أن تحاول أن تعطيه من يتجر به أو تتجر به أنت حتى يكون فيه ربح تنفق من هذا الربح وتخرج الزكاة منه.

حكم تولية الحضانة لفاسق لا يوجد غيره

حكم تولية الحضانة لفاسق لا يوجد غيره Q إذا كانت الحضانة لفاسق وكان غنياً وليس له بعد الله إلا هذا الفاسق، فهل له ذلك؟ A نعم تلزمه النفقة عليه، وأما الحضانة التي هي التربية فإن وجدت امرأة من قرابته صالحة فهي أولى، وإذا لم يوجد إلا هذا الفاسق فلا بأس أنه يتربى عنده تحت حضانة زوجته أو ابنته، مع الحرص على تخفيف المنكر والمعصية بحسب القدرة.

حكم وسم الدابة في خدها

حكم وسم الدابة في خدها Q أشكل علي ذكركم أنه لا يجوز وسم الدابة بوجهها، ثم ذكرتم وسمها في خدها، فهل هذا جائز؟ A جائز، ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حماراً قد كوي بين عينيه، فقال: (لعن الله من فعل هذا) ، وأما خد البعير يعني: قرب الأذن أو تحت الأذن أو خلف الأذن فيجوز وسمه لأجل العلامة، كما يجوز وسمه في الرقبة، وكذلك وسم الغنم في أذنها، هذا قد فعل في العهد النبوي.

حكم وضع المجنون في دار الرعاية

حكم وضع المجنون في دار الرعاية Q هل وضع المجنون في دار الرعاية يعد تهرباً من المسئولية، وهل فيه إثم؟ A إذا لم يكن له ولي أو أولياؤه عاجزون، وأدخل في دار الرعاية، فإنه لا إثم في ذلك، ودار الرعاية فيها أناس مأمونون حريصون على التربية الحسنة، وعلى مراعاة أولئك المجانين ونحوهم.

حكم إجابة دعوة الكافر إلى بيته

حكم إجابة دعوة الكافر إلى بيته Q نحن نعيش في خارج بلاد الإسلام، وفي بعض الأوقات يدعو أبناء الجيران الكفار أبناءنا إلى منازلهم، فهل يحل أن يجيبوا دعوتهم أم لا، وجزاكم الله خيراً؟ A الأصل أنه لا يجوز، لكن إذا أمنت المفسدة فلا بأس، إذا كان أولئك الأبناء الذين يدعونهم جيرانهم قد عقلوا الإسلام وعرفوه، وأمنوا أن يكون هناك منكر أو أكل حرام، أو شرب خمر، أو ما أشبه ذلك، وكان هناك مصلحة كمبادلة منفعة أو نحو ذلك فهو جائز.

حكم الزواج بزوجة العم

حكم الزواج بزوجة العم Q ما حكم من تزوج بزوجة عمه بعد وفاته، وجزاكم الله خيراً؟ A يجوز الزواج بزوجة أخيك، وزوجة أخيك أقرب من زوجة عمك، وتحل لك زوجة أخيك، عمك هو أخو أبيك، وخالك أخو أمك، فهم أبعد من أخيك الذي هو من أبويك.

أكثر مدة الحيض

أكثر مدة الحيض Q ذكر ابن حزم الإجماع على أن أكثر الحيض سبعة عشر يوماً، فهل هذا صحيح؟ A المشهور أن أكثره خمسة عشر يوماً، وأما ابن حزم فيمكن أنه رأى في بلاده من تحيض سبعة عشر، ولكن ذلك نادر.

وجوب الزكاة على الذهب والفضة وما يماثلهما

وجوب الزكاة على الذهب والفضة وما يماثلهما Q هل الذهب الأبيض عليه زكاة؟ A كل الحلي عليه زكاة، الذهب الأبيض، والذهب الأحمر، والفضة، وكذلك أيضاً إذا كانت هذه الجواهر من غير الذهب، يعني: كالعقيق واللؤلؤ، وما أشبه ذلك فإنها تزكى.

شرح أخصر المختصرات [75]

شرح أخصر المختصرات [75] من الجنايات الواردة في بني آدم القتل، وهو ثلاثة أنواع: قتل العمد، وشبه العمد، وقتل الخطأ. وكل له حكمه، وتقتل الجماعة بالواحد، ويقتل المكره إذا أكره على القتل هو ومن أكرهه أو أمره.

أحكام الجنايات

أحكام الجنايات قال رحمه الله تعالى: [كتاب الجنايات. القتل: عمدٌ, وشبه عمدٍ, وخطأٌ. فالعمد يختصّ القود به، وهو أن يقصد من يعلمه آدميًّا معصومًا، فيقتله بما يغلب على الظّنّ موته به، كجرحه بما له نفوذٌ في البدن، وضربه بحجرٍ كبيرٍ. وشبه العمد أن يقصد جنايةً لا تقتل غالبًا. ولم يجرحه بها، كضرب سوط أو عصا. والخطأ أن يفعل ما له فعله كرمي صيدٍ ونحوه، فيصيب آدميًّا. وعمد صبيٍّ ومجنونٍ خطأٌ، ويقتل عددٌ بواحدٍ، ومع عفوٍ يجب ديةٌ واحدةٌ. ومن أكره مكلفاً على قتل معين أو على أن يكره عليه ففعل فعلى كل القود أو الدية، وإن أمر به غير مكلف أو من يجهل تحريمه، أو سلطان ظلماً من جهل ظلمه فيه لزم الآمر] . كتاب الجنايات هو القسم الرابع والأخير من أقسام الفقه؛ حيث إن الفقهاء قسموه إلى أربعة أقسام، فبدؤوا بقسم العبادات لأنه حق الله على عباده، ثم بعد ذلك بقسم المعاملات؛ لأن الإنسان بحاجة إلى تحصيل الحلال من المال لقوته وغذائه، ثم بقسم عقد النكاح وما يستلزمه؛ لأنه بعد تحصيله للقوت والغذاء يشتاق إلى النكاح، ثم بعد ذلك بقسم الجنايات؛ لأن الغالب أن من تمت عليه النعمة يتعدى ضرره إلى غيره بالقتل، أو بما دون القتل من الجنايات. والجناية: هي التعدي، يقال: جنى على غيره أي: تعدى بقتل، أو نهب، أو جرح، أو قدح، أو غير ذلك. ولا شك أنه من المحرمات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) ، فالله تعالى جعل المؤمنين إخوة، وحرم الاعتداء من بعضهم على بعض، وأمر المسلم بأن يذب عن عرض أخيه المسلم، وأمره بأن ينصره بقوله: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. فقيل: يا رسول الله! أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم) ، فإذا كنت مأموراً أن تنصره فإنك منهي عن أن تضره. وأشد الضرر الاعتداء على بدنه بقتل أو جرح أو بقطع طرف أو غير ذلك، وهو أعظم الاعتداء، ولذلك ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) يعني: أول ما يقضى بينهم من الاعتداءات في الدماء، أي: في القتل أو الجراح أو نحو ذلك. فإن من أعظم الاعتداءات أن يعتدي على مسلم بإراقة دمه.

تحريم القتل في القرآن

تحريم القتل في القرآن جاء في القرآن تحريم القتل في مواضع، كقوله تعالى في سورة الأنعام: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الأنعام:151] يعني: إذا كانت مستحقة القتل. وقال تعالى في سورة الإسراء: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً} [الإسراء:33] أي: لا يزيد ويقتل أكثر من القاتل، بل لا يقتل إلا نفساً واحدة.

حكم توبة القاتل

حكم توبة القاتل كون القتل ظلماً ذنباً كبيراً اختلف في توبة القاتل: فروي عن ابن عباس أنه قال: ليس له توبة؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] ، وعيد شديد لمن يقتل مؤمناً متعمداً، ولا يدخل النسخ في هذا؛ لأنه من الأخبار، والنسخ إنما يدخل في الأوامر لا في الأخبار، فلذلك قال: إنه لا توبة له، ولابد أن يعذب ويخلد في النار تحقيقاً لهذه الآية. القول الثاني: له توبة، والدليل أنه ذكر الله تعالى كبائر الذنوب في قوله في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:68-70] ، فأخبر بأنه يقبل توبتهم، وإذاكان الله تعالى يقبل توبة المشرك فالقاتل من باب الأولى؛ لأن القتل دون الشرك، فهذا دليل من يقول: إنها تقبل توبته.

الجواب على آية النساء المخلدة للقاتل في النار

الجواب على آية النساء المخلدة للقاتل في النار ذكر ابن القيم أن القاتل تتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله؛ لأن القاتل تعدى حرمات الله، وهذا الحق يسقط بالتوبة الصادقة. الثاني: حق للأولياء؛ لأن القاتل قتل أباهم أو قتل ابنهم أو قتل موليهم، وهذا الحق يسقط بالعفو، أو يسقط بالقصاص، أو يسقط بأخذ الدية. الحق الثالث: هو حق المقتول الذي قطع عليه حياته، يعني: أماته واعتدى عليه، فله حق على ذلك القاتل، فإذا كان القاتل قد تاب توبة نصوحاً فإن الله تعالى يتحمل حقه ويعطيه من فضله ويعفو عن ذلك القاتل. وقد استدل أيضاً بقول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر:53-54] ، فأمرهم بأن ينيبوا، أي: يتوبون ولو كانت ذنوبهم كثيرة، وأخبر بأنه يغفر الذنوب جميعاً، يعني: لمن تاب. وإذا كان كذلك فكيف الجواب عن آية النساء التي أخبر تعالى فيها بأن من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً؟! قال بعض العلماء: هذا في حق المستحل الذي يقتل مستحلاً ويعتقد أنه حلال؛ فإن من استحل ما حرم الله فقد كفر، إذا استحل شيئاً قد حرمه الله معلوم تحريمه بالضرورة فإنه يعتبر ضالاً أو كافراً، كذلك أيضاً قال بعضهم: إن هذا الوعيد معلق، يعني: كأن الجزاء ليس دائماً. يقول ابن جرير: المختار أن قوله: (فجزاؤه) معلق بشرط. يعني: إن جازاه. فجزاؤه جهنم إن جازاه، وإلا فإن الله تعالى قد يعفو ويصفح، ولا يجازيه بهذا الجزاء الكبير، سيما إذا ندم وتاب، وقالوا: إنه يمدح بالعفو عن الذنب ونحوه، ولا يمدح بترك الخير، يقول الشاعر العربي: وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي فالوعد: هو الوعد بالخير. والإيعاد: هو التوعد بالشر. يقول: إذا توعدته أخلفت وعيدي، وإذا وعدته فلا أخلف وعدي. وعلى كل حال فإن هذا دليل على عظم الذنب الذي هو إراقة دم مسلم بغير حق، أما إذا كان بحق فإنه جائز؛ لأن في القرآن: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الأنعام:151] .

متى يحل دم المرء المسلم؟

متى يحل دم المرء المسلم؟ ولإباحة قتله ثلاث حالات، هي المذكورة في حديث ابن مسعود المشهور، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) ، فهذا دليل على أن الذي يفعل واحدا ًمن هذا يحل دمه. فالثيب الزاني هو الذي زنى وهو محصن، فهذا يقتل حداً ولا يكفر بقتله، ولهذا يصلى عليه ويكفن ويدفن في مقابر المسلمين، والنفس بالنفس أي: قتل القاتل؛ فإنه من جملة ما أمر الله به، بل قد جاء ما يدل على وجوبه عند طلب أولياء القتيل، واستدل بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] (كتب) يعني: فرض عليكم. ولكن هذا فيما إذا طلب الأولياء القصاص، ولهذا قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] أي أن من طلب القتل طلب قصاص فله، فإذا عفا فأجره على الله. ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة ظن بعض الأعراب أن حرمتها قد زالت، فقتل بعضهم بالثأر الجاهلي، فقتلت هذيل رجلاً بثأر قديم، وقالوا: زالت حرمة مكة. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وخطب وأخبر بحرمة مكة، ثم قال: (فمن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل، وإما أن يدى، فإن أراد الثانية فخذوا على يديه) ، فإذا قتل له قتيل فلا يقتل إلا القاتل، أو يأخذ الدية إذا لم يعف مطلقاً، فإذا قال: أريد ما نحن عليه في الجاهلية إذ بعض القبائل التي لها عز ومكانة لا يقتلون بالمقتول واحداً منهم، بل يقتلون أكثر من واحد، وكم قتل المهلهل بأخيه كليب حتى كاد أن يفني بكر بن وائل، ولما أرسل بعض بني بكر ابناً له إلى المهلهل وقال: اقتله وتنتهي هذه الحرب قام وقتله وقال: هذا بشسع نعل كليب. يعني أنه ليس فداء لـ كليب، وإنما هو بشسع نعل كليب، فغضب أبوه وأنشأ قصيدة طويلة، وهي التي يقول فيها: قربا مربط النعامة مني إن قتل الرجال بالشسع غالي قربا مربط النعامة مني لقحت حرب وائل عن عيالي يقول فيها: (قربا مربط النعامة مني) في خمسين بيتاً، وحميت الحرب بينهم حتى أنهكت كلاً من القبيلتين بكر وتغلب، والواقع أنهم يجتمعون في وائل، فبكر هو ابن وائل وتغلب أيضاً ابن وائل، فقتل خلقاً كثيراً في أخيه كليب، فجاء الإسلام وقرر أنه لا يقتل إلا واحد، فالنفس بالنفس في هذه الآية: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] ، وكذلك في الحديث: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس) أي: لا زيادة، فلا يقتل اثنان في واحد، ولا يقتل غير القاتل ولو كان القاتل، وضيعاً فلا يقولون: نقتل به شريفاً، قتيلنا من الأشراف فلا نقتل إلا من له مكانة. فالله تعالى جعلهم على حد سواء لا فضل لهذا على هذا، (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) هكذا جاء الحديث. فالنفس بالنفس، فلا يقتل إلا من قتله، فأخبر صلى الله عليه وسلم بأنه: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه) يعني: المرتد؛ لقوله: (من بدل دينه فاقتلوه) (التارك لدينه المفارق للجماعة) ، فأما بقية المسلمين فلا يجوز استحلال دم امرئ مسلم بغير حق، ففي الحديث: (لا يحل إراقة قدر محجمة دم إلا بحقه) . ذكروا أن القصاص واجب عند اليهود، والعفو إلى دية أو نحوه واجب عند النصارى، وجاء في هذه الشريعة أنه ليس بواجب ولكن مخير، إن شاء قتل، وإن شاء عفا مطلقاً، وإن شاء عفا إلى الدية؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] يعني: عفي له إلى الدية: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] والعفو مطلقاً أفضل كما سيأتي. والحاصل أن هذا القصاص يتعلق بالاعتداء الذي هو في النفس أو فيما دون النفس، وجاء الإسلام بشرعيته، ثم إن الدول التي تحكم بالقوانين أبطلت هذا الحكم، يقول قائلهم: إذا قتل منا واحد نقص شعبنا، فكيف نقتل الثاني فإنه ينقص شعبنا أكثر؟! ولكن ما علموا أن ترك قتله سبب لكثرة القتل، كان العرب يقولون: (القتل أنفى للقتل) أي: قتل القاتل أقل لوقوع القتل، فجاء في القرآن قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179] ، فالقصاص سبب للحياة كيف؟ الذي يريد أن يقتل أو يهم بالقتل يأتيه التفكير ويقول: إذا قتلته قتلت، فما فائدتي من هذا القتل كوني أني أقتله؟ هذا لا يفيدني، ولو أني شفيت غيظي في هذه اللحظة فسوف يقتلونني غداً أو بعد غد. فيقلع ويترك القتل، فيكون خوفه من القتل سبب تركه للقتل، فهذا معنى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179] ، وقول العرب: (القتل أنفى للقتل) يعني: أقل للقتل. فالدول التي لا تحكم بهذا القصاص يكثر فيها القتل، يقتل إنسان واحداً وعدداً ويقول: لا ضرر علي، سوف يدخلونني في السجن مدة طويلة أو قصيرة ثم بعد ذلك يخلى سبيلي. فيقدم على القتل، وكثر القتل في كثير من الدول، وصار قتل الرجل كأنه قتل نعجة، لا يحصل عليه تبعات، مع ما ورد من الإثم الكبير في قتل مسلم بغير حق، أو قتل أية نفس عدواناً، بذلك نعرف أن الشريعة ما جاءت إلا بالأحكام الشرعية التي تناسب المقام، والتي فيها الخير والمصلحة.

أقسام القتل

أقسام القتل يقول: [القتل عمد، وشبه عمد، وخطأ] يعني: ثلاثة أقسام. وذهب بعض العلماء إلى أنه قسمان؛ لأن الله تعالى ما ذكر إلا قسمين في سورة النساء: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92] ، ثم قال في الآية التي بعدها: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء:93] لم يذكر إلا قتل خطأ وقتل عمد، فلا يكون هناك شبه عمد، لكن جاء دليله من السنة، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن القتل شبه العمد قتيل السوط والعصا فيه الدية مغلظة) ، فجعله لا قصاص فيه، ولكن تغلظ فيه الدية، وأثبت أنه قسيم للعمد والخطأ، وأنه واسطة بينهما، فلا يلحق بالعمد فيكون فيه القصاص، ولا يلحق بالخطأ الذي يكون فيه الدية المخففة، بل يكون فيه الدية المغلظة. وذكر بعد ذلك العمد، وأن العمد هو الذي يختص القود به، والقود هو القصاص، أي: قتل القاتل. ولماذا سمي قوداً؟ لأنه يقاد إلى المقتل، يربطون في رقبته حبلاً ثم يقودونه إلى المكان الذي يقتل فيه إذا استعصى، فسموه قوداً، ثم أطلقوا الفعل عليه فقالوا: استقاد فلان من فلان. حتى أطلقوه أيضاً على القصاص في الجراح وفي الأطراف، وسمو الجميع قوداً (أقدني) أي: اقتص لي. فيختص القود به.

قتل العمد

قتل العمد تعريفه: [أن يقصد من يعلمه آدمياً معصوماً فقتله بما يغلب على الظن موته به كجرحه بما له نفوذ في البدن، وضربه بحجر كبير] . أولاً: أن يتحقق كونه آدمياً، أما إذا ظن أنه حيوان كصيد مثلاً أو هدف أو نحو ذلك ورماه لأجل أن يجرب إصابته ولم يتعمد فهذا خطأ، إذا قتله بهذه الصفة فإنه قتل خطأ. ثانياً: أن يعرف أنه معصوم، فإذا ظنه حربياً كيهودي أو شيوعي مباح دمه ففي هذه الحال إذا رماه وقتله فلا قصاص، يقول: ما ظننت أنه مسلم معصوم، ظننته أنه من المحاربين الذين يحاربوننا ويقتلون المسلمين فرميته لأريح الناس من شره. وتبين بعد ذلك أنه من المسلمين، وأنه معصوم الدم والمال، فمثل هذا لا قصاص فيه، ولكن يسمى قتل خطأ، فعليه الدية والكفارة. وإذا ضربه بما يغلب على الظن أنه يموت به فإنه يسمى عمداً، بخلاف ما إذا ضربه بيده، أو ضربه بعصا خفيفة، أو رماه بحجر صغير ما تعمد قتله، فهذا يسمى قتل شبه العمد لا قصاص فيه، أما إذا كان يغلب على الظن أنه يموت به كما لو رماه بالرصاص فهذا يعلم عادة أنه يموت به، وكذلك إذا شدخ رأسه بحجر، كاليهودي الذي رض رأس جارية بين حجرين، فهذا يعلم أنه يموت به، أو رماه بذلك الحجر الكبير فضربه على خده أو نحو ذلك، أو ضربه في بطنه فقطّع أمعاءه، وكذلك لو طعنه بحربة أو بسكين في بطنه، أو طعنه على قلبه أو على كبده ونفذت السكين أو السيف أو شيء له نفوذ، أي: دخول في البدن، حتى ولو طعنه بمخيط؛ لأنه قد يصل إلى القلب أو إلى الكبد أو إلى الأمعاء أو نحو ذلك، فيصعب علاجه. وكذلك أيضاً لو ألقاه في بحر أو في بئر وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يخرج، أو ألقاه في نار تشتعل، ألقاه فيها مكتوفاً -مثلاً- ويعلم أنه لا يستطيع أن يتخلص وأنها تحرقه، أو خنقه، أي: كتم نفسه إلى أن مات بالكتم، أو عمل له عملاً شيطانياً كسحر أو نحوه، أو جعل سماً في طعامه يقصد بذلك قتله، والأنواع كثيرة، إذا تعمد قتله بسبب يقتل غالباً مثل هذه الأسباب اعتبر متعمداً. وحل قتله قصاصاً، هذا هو القتل العمد.

قتل شبه العمد

قتل شبه العمد تعريف شبه العمد: أن يقصد جناية لا تقتل غالباً ولم يجرحه بها، كأن يضربه بسوط أو بعصا صغيرة لا يقتل مثلها. جاء في قصة الهذليتين أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل، ثم إن إحداهما رمت الأخرى بحجر، وفي رواية: بعمود فسطاط، فقتلتها وما في بطنها، فقرر النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرةٍ عبدٍ أو أمة، وقرر بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، وورثها زوجها وولدها، وفي القصة أن والد القاتلة قال: (كيف ندي من لا أكل ولا شرب ولا استهل، فمثل ذلك يطل) ، فالحاصل أن هذه المرأة ضربتها بعمود فسطاط، أي: عمود صغير يرفع به طرف الخيمة، ثم لما رمت هذه ما ظنت أنها تموت، وفي بعض الروايات أنها رمتها بحجر، ولعلها رمتها مرة بحجر صغير فأخطأها، أو ضرب مثلاً غير مقتل، فالحاصل أن هذا اعتبر قتل خطأ. وشبه العمد الذي لا قصاص فيه تعريفه: أن يتعمد الضرب ولا يريد القتل، يتعمد ضربه أي: يتعمد أن يضربه بما لا يقتل غالباً. يتعمد الضرب ولا يريد القتل، وليس له نية في أن يقتله، ولكن وقع أنه مات بهذه الضربة، سواءٌ مات بالحال أو مات بعد حين، فمثلاً ضربه بعصا، والعصا لا تقتل غالباً، ولكن تسمم أثرها وتأثر به فمات ذلك المظلوم، فهذا كله شبه عمد. أما إذا جرح كأن ضربه بحجر فشق جلده ولو كان الحجر صغيراً، ولما شق جلده خرج منه دم وتأثر مثلاً وتسمم الجرح ومات بسببه فهذا عمد.

قتل الخطأ

قتل الخطأ أما الخطأ فهو أن يفعل ما له فعله، كأن يرمي صيداً ونحوه فيصيب آدمياً، ويدخل فيه التسبب، فإذا حفر حفرة في الطريق وسقط فيها إنسان ومات فإنه متسبب، فالحافر إذا لم يجعل عليها حاجزاً يمنع أن يسقط فيها فجاء إنسان غافل أو ضرير فسقط فيها، وكذلك لو ضيق الطريق بحجارة أخذت جزءاً من الطريق فجاء إنسان فاصطدم به، سواءٌ أكان يمشي أم يقود سيارة ولم يعلم هذا المكان، ولم يعلم بهذه الحجارة اعتبر الواضع متسبباً، فيكون قتل خطأ، وهكذا لو ربط دابة بطريق، أو أوقف سيارة بطريق ضيق فجاء من اصطدم فيها، وكذلك لو أخذ جزءاً من الطريق، كالذين يجعلون عتبات مدخلهم في الطريق تأخذ من الطريق متراً مثلاً أو نحوه، من اصطدم فيها اعتبر أهل ذلك المكان متسببين، فيكون ذلك قتل خطأ. وهكذا لو أن إنساناً وضع سماً لكلب أو لسبع فأكله إنسان لم يعلم به، فهذا الذي وضعه يعتبر متسبباً؛ لأن عليه أن يحفظه، ولا يدعه في متناول أحد من الناس صغيراً أو كبيراً. وهكذا أيضاً خطأ الأطباء، فالطبيب الذي ليس حاذقاً في الطب إذا أجرى عملية ومات ذلك الذي أجرى له اعتبر متسبباً فعليه الدية، وهكذا الذي يعطي دواءً وهو ليس من أهل المعرفة، أعطى إنساناً دواء، وكان ذلك الدواء لا يناسبه، فأكله فتضرر ومات بسببه، اعتبر أيضاً متسبباً، وورد في بعض الأحاديث: (من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن) ، وذلك لأنه تجرأ والناس أحسنوا به الظن، وجلس للناس وقال: أنا أعالج. فجاؤوا إليه وقالوا: نحن بنا مرض كذا وكذا. فإذا أعطاه دواء وهو ليس مناسباً له فهو ليس من أهل المعرفة، فصدق عليه أنه متسبب في الموت، وأمثلة الخطأ كثيرة تقاس على مثل هذا. ومن الخطأ أيضاً عمد الصبي أو المجنون، الصبي الذي دون التمييز لو أخذ سكيناً وجاء إلى إنسان نائم وطعنه فلا قصاص عليه، ولكن الدية على العاقلة الأقارب، وذلك لأنه لم يكن متسبباً عن عقل، وكذلك أيضاً لو قاد سيارة واصطدم بإنسان اعتبر أيضاً خطأ، والدية على عاقلته، ونعرف أيضاً أن أخطاء السيارات كلها تعتبر من الخطأ، فالذي يقود سيارته ثم يصطدم بإنسان أو يصطدم بسيارة أخرى، أو يحدث منه انقلاب فكل هذا من الخطأ لا من العمد. والمجنون الذي ليس معه عاقل يحبسه ويمنعه عن الاعتداء، فهذا المجنون لو أنه قتل إنساناً فلا قصاص عليه؛ لأنه ليس معه عاقل، ومعلوم أن أولياءه عليهم أن يحفظوه ويأخذوا على يده ويمنعوه من الاعتداء حتى لا يتعدى على مسلم؛ لأنه ليس معه معرفة بآثار هذه الأمور وعواقبها.

قتل الجماعة بواحد

قتل الجماعة بواحد يقول: [ويقتل عدد بواحد] . إذا اجتمع عدد وتساعدوا على قتل واحد فإن القصاص عليهم جميعاً، فإذا كانوا كلهم عزموا واتفقوا على قتله، أو كان فعل كل واحد منهم يصلح أن يكون قاتلاً فإنهم يقتلون كلهم، فلو اجتمع أربعة على قتل إنسان، فأحدهم قال: أنا أمسك يديه. والآخر قال: أنا أمسك رجليه. والآخر قال: أنا أمسك أذنيه. والآخر خنقه مثلاً أو برك على صدره، أو طعنه، وكانوا أربعة يُقتلون إذا اتفقوا على قتله. وردت قصة أن غلاماً كان عند امرأة كأنه ابن زوجها، ثم إن زوجها غاب، واتفقت مع خمسة أو سبعة على أن يأتوها لفعل الفاحشة، فلما جاؤوا إليها قالوا: نخشى من هذا الولد -ولد زوجها- أن يدل علينا. فاتفقوا على غمه إلى أن مات، ثم ألقوه في بئر، ولما فقدته أخذت تبكي وتنادي وتدعو من يدلها عليه، ثم بعد ذلك وجد الذباب يخرج من تلك البئر، فأخرج وإذا فيه أثر الغم والقتل، فاتهم واحد من هؤلاء فقبض عليه، وكأنه رؤيت عليه علامة، فدل على الباقين فاعترفوا، فأمر عمر رضي الله عنه بأن يقتلوا كلهم، واشتهر عنه أنه قال: (لو تمالأ على قتله أهل صنعاء كلهم لقتلتهم به) سبعة قتلوا بواحد، والقصة في مصنف عبد الرزاق، ويذكر الفقهاء في كتبهم قول عمر: (لو تمالأ على قتله أهل صنعاء كلهم لقتلتهم به) . وسبب ذلك أنهم تساعدوا على قتله، وكل منهم مريد قتله، ولو أسقطنا القتل عنهم لتجرأ كثير من الناس، فإذا أراد أحد أن يقتل أحداً تساعد مع آخر وقال: هلم فلنقتله الاثنان حتى لا يكون علينا قصاص، هلم فلنجتمع ثلاثة أو أربعة حتى لا يكون علينا قصاص. فتبطل حقوق المسلمين، وتهدر كثير من دماء المسلمين، فلا جرم أن يقتل العدد بالواحد إذا كان كل منهم عازما ًعلى قتله، أو فعل به فعلاً يصلح أن يكون قتلاً ويصدق عليه أنه قتله، فيقتلون به ولو كانوا كثيراً، ولو قيل: لا يقتل إلا واحد لقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] ، {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:178] فحينئذٍ نقتل واحداً ونترك ثلاثة أو سبعة، مع أن كلهم قتله! وهذا الواحد الذي قتلناه مشترك مع غيره، فلذلك يتحتم قتل الجميع ولو كثروا. أما إذا عفا الأولياء عنهم ففي هذه الحال إذا طلبوا الدية ليس لهم إلا دية واحدة؛ لأن القتيل واحد فلا تتعدد الدية، لكن يجوز لهم أن يقتلوا بعضهم ويتركوا بعضهم، فلو قالوا: نقتل منهم ثلاثة ونصفح عن ثلاثة أو عن أربعة جاز ذلك، أو قالوا: هذا سوف نقتله، وهذا يشتري نفسه وينقذها بمائة ألف، أو بألف ألف، أو بألفي ألف يجوز ذلك، فيجوز أن يقتلوا واحداً دون الآخر.

مسألة الإكراه على قتل الغير

مسألة الإكراه على قتل الغير يقول: [ومن أكره مكلفاً على قتل معين أو على أن يكره عليه ففعل فعلى الكل القود أو الدية] هذا إذا كان قادراً، إذا قال: اقتل زيداً وإلا قتلتك. فهذا الذي قال: (اقتل) عنده قدرة وتمكن، يقول زيد: أنا مظلوم. فيقول هذا: أنا مكره على قتلك، إن لم أقتلك قتلوني. فكيف تقتل إنساناً تعرف أنه مظلوم لأجل أن تحيي نفسك؟! ليس لك ذلك، ففي هذه الحال القاتل المباشر والآمر الذي أكره كلاهما قاتلان، فعليهما القود، وإذا طلبت الدية فعليهما دية واحدة يقتسمانها بينهما. كذلك لو قال: مر فلاناً يقتل زيداً، وإن لم تأمره فإني سوف أقتلك. فيكون عندنا الآن ثلاثة: هذا الظالم، وهذا المأمور الأول، والمأمور الثاني، والآمر سلطان أو أمير أو قوي عنده قوة يعرف المأمورون أنه إذا لم يقتلوه قتلوا، ففي هذه الحال يقتل الجميع، يقتل الآمر الأول والآمر الثاني والمأمور؛ لأن كلاً منهم فدى نفسه، قال: أفدي نفسي ولو كنت أعلم أنه مظلوم. وقد يقول قائل: إني إذا لم أقتله قتله غيري، ثم قتلت أنا، فزيد هذا المظلوم لا بد أنه سوف يقتل، وقد أمروني أنا وإذا لم أمتثل قتلت، وإذا لم أقتله قتلوه فأرسلوا من يقتله، فكونه لا يقتل إلا واحد وهو زيد أولى من أن يقتلونني ويقتلونه مرة أخرى. هذا قد يكون عذراً لبعض الناس أنه يقول: إني سوف أقتل ثم يقتل زيد، فلا نجمع بين قتلين. والجواب أن نقول: ليس لك أن تقدم على قتله وأنت تعرف أنه مظلوم، إذا أقدمت عليه فإنك قاتل، بل عليك أن تتنصل، ولو قُتِلت فإنك مظلوم أيضاً وتكون شهيداً، وكذا إذا لم تقتل ولكن تضررت، بأن سلب مالك، أو أدخلت السجن، أو فصلت من عمل، أو شردت ونفيت، فتحتسب ذلك ولا تقدم على قتل مسلم وأنت تعرف أنه مظلوم ولا قصاص عليه ولا سبب. يقول: [وإن أمر به غير مكلف أو من يجهل تحريمه، أو سلطان ظلماً من جهل ظلمه فيه لزم الآمر] . إذا كان الإنسان العاقل أمر غير مكلف أن يقتل، أمر صبياً وأعطاه سلاحاً، أو أمر المجنون وأعطاه سلاحاً وقال: اقتل هذا الإنسان فالقصاص على الآمر؛ لأن هذا غير مكلف، مرفوع عنه القلم، كذلك إذا كان المأمور جاهلاً بالحكم لا يدري هل القتل حرام أو حلال، أو لا يدري هل هذا المقتول مستحق أو غير مستحق، ويظن أن هذا الآمر لا يأمر إلا بقتل من يستحق القتل، فهو يقول: أمرني فلان وهو رئيس، وما أظنه يكون ظالماً، أعتقد أنه لا يأمر إلا بحق، فامتثلت أمره اعتماداً على أنه رئيس وأنه ذو سلطة وأنه مأمون، فمكنني وأمرني بقتله، وأنا أجهل أن هذا معصوم، ولا أدري أن قتله محرم. وهكذا إذا كان السلطان ظالماً أمر جاهلاً ظلمه، فالمأمور يقول: ما كنت أظن أن هذا السلطان ظالم، أظن أنه عادل، فإذا كان عادلاً فلا يأمر إلا بما هو جائز، فالقصاص في هذه الحال على الآمر؛ لأن غير المكلف مرفوع عنه القلم، والذي يجهل تحريم القتل أو تحريم قتل هذا المسلم معذور بجهله، والسلطان الظالم إذا أمر من لا يدري أنه ظالم فإنه معذور.

شرح أخصر المختصرات [76]

شرح أخصر المختصرات [76] القصاص من محاسن الشريعة، وفيه فوائد ومصالح عديدة، فقد قال الله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، وقد ذكر الفقهاء شروطه وشروط استيفائه وكيفيته.

شروط القصاص

شروط القصاص قال المصنف رحمه الله: [فصل: وللقصاص أربعة شروطٍ: تكليف قاتلٍ، وعصمة مقتولٍ، ومكافأته لقاتلٍ بدينٍ وحرّيّةٍ، وعدم الولادة. ولاستيفائه ثلاثةٌ: تكليف مستحقٍّ له، واتّفاقهم عليه، وأن يؤمن في استيفائه تعدّيه إلى غير جانٍ. ويحبس لقدوم غائبٍ وبلوغٍ وإفاقةٍ. ويجب استيفاؤه بحضرة سلطانٍ أو نائبه، وبآلة ماضيةٍ، وفي النّفس بضرب العنق بسيفٍ] . ذكر المصنف شروط القصاص، أي: القصاص في النفس، وكذلك القصاص فيما دون النفس، وهذه الشروط هي: الشرط الأول: تكليف القاتل. الشرط الثاني: عصمة المقتول. الشرط الثالث: المكافأة، مكافأته لقاتل ديناً وحرية. الشرط الرابع: عدم الولادة، هذه شروط وجوب القصاص.

التكليف

التكليف إذا كان القاتل غير مكلف فلا قصاص، كما تقدم أن المجنون والصبي لا يقتص منهما لفقد التكليف. والمكلف هو الحر البالغ العاقل.

عصمة المقتول

عصمة المقتول الشرط الثاني: أن يكون المقتول معصوماً، فإذا كان المقتول حربياً فلا قصاص، وذلك لأن الحربي مباح الدم، وهكذا أيضاً لو قتل قاتلاً، فلو أن زيداً قتل من هذه القبيلة رجلاً، وقبل أن يترافعوا جاء رجل من نفس القبيلة وقتل زيداً فزيد هذا ليس بمعصوم، وذلك لأنه يعتبر قاتلاً، وفي الحديث: (النفس بالنفس) ، وهكذا أيضاً لو كان زانياً محصناً وجاء إنسان وقتله، وقال: قتلته لأنه زنى. وكان اعترف بأنه زنى وهو محصن، فهذا ليس بمعصوم فلا يقتل قاتله.

المكافأة

المكافأة الشرط الثالث: المكافأة، أي: المساواة بين القاتل والمقتول في الحرية والدين، فإذا لم يكونا متساويين ولا متكافئين فلا قصاص، مثال عدم المكافأة في الدين: الذمي الذي ليس بمسلم، ثبت في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر) حتى ولو كان ذلك الكافر معاهداً دخل بلاد المسلمين بعهد، وحتى لو كان ذلك الكافر من أهل الذمة ويدفع الجزية، فلا قصاص بقتله لعدم المساواة في الدين، فهو ليس كفؤاً للمسلم، ولكن فيه الدية، والدليل قوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) يعني: معاهدين {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] . وهكذا المكافأة بالحرية، فإذا كان القاتل حراً والمقتول عبداً فلا قصاص؛ لأن العبد تدفع قيمته، فيطالب سيده بقيمته، ويدفع ثمنه، ولا شك أنه يترتب على قتله إثم؛ لأنه قد يكون له أولياء أحراراً، فقد يكون أبوه حراً أو أمه، أو له إخوة أو أولاد أحرار، وهذا القاتل فجعهم بولدهم، فيقول والده: هذا قتل ولدي. وتقول أمه: إنه قتل ولدي، وهذا يقول: إنه قتل أبي. وهذا يقول: إنه قتل أخي. لكن يقال لهم: إنكم لم تفقدوا شيئاً؛ لأنه ليس بحر، فلا يقدر على أن ينفق عليكم، ولا أن ينفعكم، إنما الذي فقده هو سيده، فتدفع قيمته للسيد.

عدم الولادة

عدم الولادة الشرط الرابع: عدم الولادة، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقتل والد بولده) ، وذلك لأن الولد فرع للوالد، فلا يقتص منه ولو كان القتل عمداً، ولكن عليه الدية مغلظة، وقد وقع في عهد عمر رضي الله عنه قصة رجل من بني مدلج اسمه قتادة، كانت له أمة مملوكة فتسراها، فولدت له ولدين، فنشأ هذان الولدان مع أبيهما وظهرت فيهم الشهامة، فصارا يرعيان الغنم لأبيهما ويحفظانها، وقتادة هذا كانت له امرأة، فكانت تكره تلك الأمة، فتقول له: أرسلها ترعى الغنم. فيقول أولادها: لا نسمح لأمنا أن ترعى ونحن موجودان، بل نقوم بالرعاية كما هي ونكفي أمنا. فتحير الأب، فالأولاد منعوا أمهم، والزوجة تلزم زوجها أن يرسلها ترعى ليكون ذلك إذلالاً لها، فغضب على ولديه لقولهما: لا تذهب أمنا. ونحن نقوم بالرعي مقامها، فقتل واحداً منهما، ولما قتله وصل الأمر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء إليه وهو في برية، وقال: لولا أن الوالد لا يقتل بولده لقتلتك، ولكن ادفع مائة من الإبل لأخيه لأنه حر. فلم يقتله، وذلك لأنه أبوه، فدل على أن الوالد لا يقتل بولده.

شروط استيفاء القصاص

شروط استيفاء القصاص شروط الاستيفاء ثلاثة، يبوبون عليها بـ (باب استيفاء القصاص) ، وهي: الشرط الأول: تكليف المستحق. الشرط الثاني: اتفاقهم. الشرط الثالث: أن يؤمن في استيفائه تعديه إلى غير جان. هذه شروطه. والتكليف هو البلوغ والعقل، فإذا كان للميت المقتول ورثة قاصرون فلا يستوفى القصاص حتى يكلفوا، أي: حتى يبلغوا ويعقلوا، وذلك أنهم ربما يطلبون الدية إذا كلفوا، فلا يقتص من القاتل حتى يكون الورثة مكلفين، والمستحقون له أولاد المقتول أو ورثته. الشرط الثاني: أن يتفقوا على طلب القصاص. فلو كان أولاده عشرة وله زوجتان مثلاً، فطلبت إحدى الزوجتين الدية، أو طلبت الدية إحدى البنات مع أنها لا تستحق إلا شيئاً يسيراً فإنه لا قصاص؛ لأن القصاص لا يتجزأ، بل يدفع القاتل الدية، وفي هذه الأزمنة يحدث الصلح على الدم، فهناك -مثلاً- قتيل له أولاد بلغوا، وله أبوان، وله زوجة أجنبية ليست من القبيلة، فأهل القاتل ذهبوا إلى الزوجة وقالوا: لا فائدة لك في القصاص، اطلبي الدية حتى يسقط القصاص، ونحن نعطيك مائة ألف أو مائة وخمسين ألفاً، مع أن نصيبها من الدية إنما هو خمسة آلاف أو نحوها، فلما طلبت الدية سقط القصاص، مع أن أولاد الميت وأبويه يريدون القصاص، فإذا طلب الدية واحد من الورثة ولو كانوا عشرين فليس للبقية مخالفته، فيلزمون بأخذ الدية ولو كانت الدية قليلة. الشرط الثالث: أمن الحيف. أي: أمن التعدي في استيفائه، مثاله: إذا كان القاتل امرأة حاملاً، فهل تقتل وهي حامل؟ الحمل ليس له ذنب، فيجب أن يتركوها إلى أن تضع، وبعد ذلك تقتل؛ حتى لا يتعدى القصاص إلى غير الجاني، وذلك لأن تعديه يعتبر ظلماً. وإذا ولدت ولم يوجد لولدها من يحضنه فإنها تترك إلى أن تفطمه -مثلاً- ثم يقام عليها الحد.

الحكم إذا كان للمقتول ولد لم يبلغ الحلم

الحكم إذا كان للمقتول ولد لم يبلغ الحلم قد يكون للقتيل طفل رضيع ابن سنة أو نصف سنة، فإذا رفع الأمر إلى المحاكم قالوا: لا قصاص حتى يبلغ هذا الطفل، فربما يطلب الدية. فيتوقف القصاص، ثم في هذه الحال ماذا يفعل بهذا القاتل؟ يسجن حتى يبلغ الصغير، أو يقدم الغائب، أو يفيق المجنون، ولو طالت المدة، ومعلوم أنه إذا كان الطفل له نصف سنة فسوف يحبس هذا القاتل خمس عشر سنة إلا أشهراً، ولا شك أن حبسه إهانة له، وذلك لأنه تعدى على مسلم، فيحبس ولا يمكن من الخروج. وأجاز بعض العلماء إخراجه بكفيل، ولكن الكفالة لا تكون إلا بالحقوق المالية لا في الحقوق البدنية، وذلك لأنه قد يهرب ولا يدرى أين هو، فإذا بلغ الصغير أحضر الكفيل، فهل نقتلك يا كفيل؟ أنت لست القاتل، فلا يقال: أحضر إلينا القاتل وإلا قتلناك؟ لا يجوز أن يقتل الكفيل وهو ليس المعتدي، فلذلك لا تجوز الكفالة إلا لمن عليه حق مالي، كمن عليه دين وأخرج بالكفالة وهرب ذلك المدين، فإنه يحضر الكفيل ويغرم الدين، فأما كفالة من عليه حق بدني فلا يجوز. إذاً يبقى هذا القاتل في السجن، وإن كان أحد الأولياء غائباً يسجن إلى أن يحضر ذلك الغائب ولو طالت المدة، فإن كان ولد المقتول صغيراً يسجن إلى أن يبلغ الصغير، وإن كان مجنوناً يسجن إلى أن يفيق ذلك المجنون، إلا إذا قرر الأطباء أنه لا شفاء له، وأنه يغلب على الظن أن يبقى على جنونه، ففي هذه الحال يعدل إلى الدية نظراً لحق هذا المجنون، لكن إذا قال أحد إخوته الأصحاء: نحن نعطيه نصيبه من الدية التي ستؤخذ من هذا القاتل، فقد يكون نصيبه منها عشرة آلاف أو عشرين ألفاً نحن نضمنها له، ونريد أن ننتقم من هذا القاتل، نريد أن نقتله، فلا يبقى ونحن ننظر إليه فلهم ذلك.

حضور السلطان أو نائبه عند القصاص

حضور السلطان أو نائبه عند القصاص الاستيفاء يكون بحضرة السلطان أو نائبه، ويمكن لولي القتيل أن يقتله هو، فيعطى سيفاً مثلاً أو بندقاً ويقال: هذا قاتل أبيك أو أخيك اقتله إذا كان يحسن ذلك، ولكن لابد أن يكون السلطان كالقاضي أو وكيله حاضراً استيفاء القصاص حتى لا يستوفى على غير صفة مألوفة.

آلة القصاص وكيفيته

آلة القصاص وكيفيته يقول: [وبآلة ماضية] . القصاص يكون بآلة ماضية، أي: آلة حادة. فإذا كانت سيفاً فيكون سيفاً حاداً، وإذا كان خنجراً يؤمر بأن يقطع رأسه ويكون أيضاً حاداً وإذا كانت بندقاً ليرميه يكون معروفاً بالإصابة. وأكثر العلماء على أن القصاص لا يكون إلا بالسيف بضرب العنق، وقد ورد حديث في السنن: (لا قود إلا بالسيف) أي: لا قصاص إلا بالسيف. هكذا جاء الحديث، والحديث فيه مقال، ولكن كأنهم يقولون: نختار العمل به ولو كان ضعيفاً؛ لأنه أرفق بالقاتل، ولأنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) ، فيكون القتل بالشيء الذي يريح القاتل بحيث لا يتعذب، فلا يجوز تعذيبه. ولو قال الولي: إن هذا مثَّل بأخي أو بابني فطعنه عشرين طعنة، فأنا أريد أن أطعنه هنا وهنا وهنا حتى أشفي غيظي؛ لأنه طعن أخي أو ابني فهل يمكن؟ الحديث يقول: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) ، فلا يمكّن من ذلك على المختار، وذهب بعض العلماء إلى أنه يمكن، وأنه يقتل بمثل ما قتل به، واستدلوا بآيات من القرآن في سورة البقرة: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] ، والمثلية تقتضي المساواة، وفي آخر سورة النحل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126] ، والمثلية تكون بالمساواة، وفي سورة الشورى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] ، ونحو ذلك من الآيات، فإنها دالة على أن من أراد أن يعاقب فله أن يأخذ الثأر من ذلك المعتدي عليه وأن يفعل به كما فعل. ومن الأدلة أيضاً قصة تلك الجارية من الأنصار التي وجدت قد رض رأسها بين حجرين، وعثروا عليها وفيها رمق وبقية حياة، فسألوها: من فعل بك هذا؟ فلان فلان؟ حتى سموا يهودياً، فأشارت برأسها أن: نعم. فأحضر ذلك اليهودي وضيق عليه فاعترف، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين، فوضع رأسه على حجر وشدخ بالحجر الثاني كما قتل الجارية، وفي هذا أيضاً دليل على أن الذكر يقتل بالأنثى، فهذا دليل من يقول: إنه يقتل بمثل ما قتل به. ويجيبون عن الحديث: (لا قود إلا بالسيف) بأنه ضعيف، وأما حديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) فالمراد: إذا كان القتال قتالاً مباحاً، كقتال المشركين، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى المسلمين عن التمثيل، ويقول: (لا تغدروا ولا تمثلوا) أي: لا تمثلوا بالقتلى. والتمثيل هو أنهم إذا قتلوا قتيلاً قطعوا أنفه، وفقئوا عينه، وشرموا شدقه، وبقروا بطنه، وأخرجوا قلبه، يمثلون به بعد أن يقتل، ولا فائدة في هذا التمثيل، فنهى عن التمثيل، فهذا معنى: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) . ثم هؤلاء الذين قالوا: يقتل بمثل ما قتل به اختلفوا إذا قتله بفعل محرم، فكيف يقتل؟ فقيل: يحرص على المماثلة. وممن قال ذلك واختاره ابن حزم صاحب (المحلى) ، فيقول مثلاً: لو قتله بفعل اللواط الذي هو محرم، مثل بعض الفسقة قد يغصب صبياً ثم يلوط به فيموت تحته بهذا الفعل، فكيف يقتل هذا اللوطي؟ اختار ابن حزم أنه يدخل في دبره وتد أو خشبة حتى يموت بذلك حرصاً على المماثلة، هكذا قال، وإذا قتله بسقيه خمراً فجرعه خمراً إلى أن مات -والخمر محرم- قال: يسقى ماءً إلى أن يمتلئ بطنه وتتشقق أمعاؤه، فيموت بذلك كما مات صاحبه بالخمر. وهذه تقديرات، ولكن الأولى العمل بالقول الأول الذي هو إحسان القتل؛ لعموم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) . والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

دية العبد

دية العبد Q ما هي دية العبد؟ A ديته قيمته، بمعنى أنه سلعة يباع ويشترى، فتقدر قيمته وتدفع لسيده.

حكم حوادث القتل بالسيارات

حكم حوادث القتل بالسيارات Q ما حكم القتل بسبب حوادث السيارات؟ A حوادث السيارات كلها تلحق بالخطأ، ليس فيها قصاص، ولكن فيها الدية، فإذا حصل منه تهور وسرعة جنونية ومخاطرات كالذين يخاطرون أو يفحطون هؤلاء لا شك أنهم متسببون، فتغلظ عليهم الدية، وكأنه شبه عمد.

حكم من قتل دفاعا عن نفسه

حكم من قتل دفاعاً عن نفسه Q ما الحكم في الدفاع عن النفس، مثل الذي يقتل رجلاً مسلماً لأنه اعتدى عليه وكان يريد إيذاءه، فدافع عن نفسه فقتله؟ وماذا عليه؟ A هذا لا حرج عليه، ولا قصاص عليه إذا قتله دفاعاً عن نفسه، ويسمى قتل الصائل الذي يصول على إنسان، وتقدم في الغصب أن من صال على مال إنسان أو على محارمه فله أن يدفعه بالتي هي أحسن.

حكم عدم التنازل عن القصاص إلا بأموال طائلة جدا

حكم عدم التنازل عن القصاص إلا بأموال طائلة جداً Q في قبيلتنا أمر، وهو أن أولياء القتيل لا يتنازلون عن القصاص إلا بأربعة أو خمسة ملايين ريال، فتقوم قراباتهم بجمع المال من القبيلة، فهل يحق لهم المطالبة بهذه الأموال الطائلة؟ A يحق لهم ذلك؛ لأن أهل الميت مات ميتهم، فيستحقون قتل قاتله، وأهل القاتل يشترون ولدهم، فيقولون: نشتريه. فيقولون: إن لم تدفعوا هذا قتلناه، فاختاروا إما أن تدفعوا أربعة ملايين أو نقتله، فإننا نستحق قتله.

من سقط من عمارة على سيارة فمات

من سقط من عمارة على سيارة فمات Q لو سقط رجل من عمارة على سيارة في المواقف فهل على صاحب السيارة الدية؟ A الصحيح أنه ليس عليه دية إذا كان إيقافها في الأماكن المعتادة من غير تضييق، ذلك لأن هذا خاطر حيث صعد على سطح هذه العمارة، وقد لا تكون محجاة، فخاطر بفعله هذا، وورد أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن ينام الرجل على سطح ليس عليه حجار، يعني: ليس على أطرافه حواجز.

حكم من له خزان ماء فسقط فيه طفل ومات

حكم من له خزان ماء فسقط فيه طفل ومات Q يقول: أحد الجيران بنى بيته ولم يجعل له أبواباً، وفيه خزان مليء بالماء، فأتى أطفال من الشارع إلى هذا البيت، فسقط طفل عمره خمس سنوات في الخزان فمات، فهل على صاحب البيت شيء؟ A نرى أن على صاحب الخزان الدية حيث تركه مكشوفاً وترك الأبواب مفتوحة، والأطفال لابد أنهم يخرجون ويذهبون، والطفل الذي في الرابعة أو في الخامسة ليس معه ما يحبسه، ولا يدري أن هذا الماء يقتل، فهذا صاحب الخزان فرط فعليه الدية.

من قتل شخصين وطلب أولياء أحدهما الدية والآخرون القصاص

من قتل شخصين وطلب أولياء أحدهما الدية والآخرون القصاص Q لو أن شخصاً قتل رجلين، وأهل الرجل الأول طلبوا الدية، وأهل الرجل الثاني طلبوا القصاص، فما الحكم؟ A يجوز ذلك، لكن القاتل واحداً، فيقول: أنا ليس عندي إلا نفسي، فاقتلوني أو اعفوا عني. فإذا قال أولياء القتيل الأول: نحن نعدل إلى الدية. وقال الآخرون: نحن نريد القصاص فقد يقول: من أين لي الدية إذا قتلت؟ ففي هذه الحال يجتمعون بطلب القصاص وتسقط الدية.

الشفاعة في إسقاط القصاص

الشفاعة في إسقاط القصاص Q يقول: هل الشفاعة في إسقاط القصاص مندوب إليها ويؤجر المسلم عليها؟ وهل يليق طلب الشفاعة لأصحاب الاعتداء على المحارم أو ترويج المخدارت قبل أن يصل الأمر للقاضي؟ A نرى أنه إذا كان مظلوماً أو معتدى عليه فإن الشفاعة فيه مندوبة، فكثيراً ما نسمع أن هذا الرجل دخل في بيت فلان ليفجر بأهله، ثم إن صاحب البيت وجده فلم يجد بداً من أن يقتله؛ لأن هذا الظالم معه سلاح، فيقول صاحب البيت: لو لم أقتله لقتلني، فأنا قتلته دفاعاً، وقتلته لكف اعتدائه. ولكن القاضي لا يقبل منه، ويقول: هلم بشهود. فيقول: ما معي شهود. وأهل القتيل يقولون: إنه خدعه وأدخله بيته وقتله لعداوة بينهما أو نحو ذلك. فلا يكون هناك بينات، ففي هذه الحال إذا عرف أن هذا القتيل من أهل الظلم، وأنه كثيراً ما يتسور وكثيراً ما يدخل البيوت، وليس له دين يحجزه فتجوز الشفاعة في ذلك القاتل؛ لأنه قتله لكف شره.

قتل من لا يصلي

قتل من لا يصلي Q من قتل شخصاً لا يشهد الصلاة مع الجماعة هل عليه قصاص؟ A للقاضي أن يأمر بالقصاص، وذلك لأن أولياءه قد يقولون: أنه يصلي وحده. أو: إنه معذور يصلي في البيت، أو في مقر عمله، أو ما أشبه ذلك. أما إذا عرف أنه لا يصلي أصلاً، وأنه دعي إلى الصلاة فقال: لا أصلي ولو قتلتموني، وثبت عند القاضي أنه معاند في ترك الصلاة فنرى -والحال هذه- أنه يحكم بكفره وبقتله.

من أمره السلطان بالقتل ظلما

من أمره السلطان بالقتل ظلماً Q لماذا يقتل المكره على القتل إن قتل ولا يقتل الرجل الذي أمره السلطان بالقتل ظلماً؟ A ذلك لأن هذا المكره كأنه فدى نفسه، وإذا فدى نفسه فإنه يقتل، وأما إذا كان السلطان ظالماً وأنت لا تدري أنه ظالم، وأمرك بقتل إنسان، ففي هذه الحال أنت معذور.

الفرق بين القتل حدا وقصاصا وتعزيرا

الفرق بين القتل حداً وقصاصاً وتعزيراً Q نسمع كثيراً عن القتل حداً، والقتل قصاصاً، والقتل تعزيراً، فما هو الفرق بينها؟ A القتل حداً مثل رجم الزاني، فيعتبر حداً من حدود الله، والقتل ردة مثل قتل الكافر الذي ارتد لحديث: (من بدل دينه فاقتلوه) والقتل قصاصاً مثل قتل القاتل، والقتل تعزيراً يختص بالحاكم وولي الأمر إذا رأى أن هذا كثير الفساد فقتله لكف شره تعزيراً.

ضمان الطبيب في قتله للمريض خطأ

ضمان الطبيب في قتله للمريض خطأ Q جاء في (الزاد) أن الطبيب إذا تعدت يده موضع العلاج فإنه يضمن ولو كان خطأ، فهل إذا مات المريض في هذه الحالة يعد فعل الطبيب قتل خطأ؟ A يعد خطأ، والطبيب لا يجوز له أن يتطبب إلا وهو عالم، ولكن قد يخطئ ولو كان عارفاً بالطب، وإذا أخطأ بأن شدد في الجرح، أو أخطأ في وصف الدواء أو ما أشبه ذلك فإنه متسبب، فيكون عليه الدية ولا قصاص.

قتل المسلم للكافر الحربي مع ترتب مفسدة

قتل المسلم للكافر الحربي مع ترتب مفسدة Q إذا قتل مسلم حربياً فإن الحربيين يثأرون بقتل المسلم القاتل أو بقتل غيره من المسلمين، بل بقتل جماعة من المسلمين عموماً، وهذا ما يحصل في هذه الأيام، فما حكم هذا القتل المفضي إلى زيادة المفسدة على إخوانه المسلمين؟ A يحصل هذا في بعض البلاد التي تحكمها دولة كافرة فيها سكان مسلمون، كما في (فلسطين) و (سرلانكا) وغيرها، يحكمها ويستولي عليها الكفار، فإذا قال ذلك المسلم: أنا سوف أقتل هذا الكافر لأنه كافر. فأقدم على قتله وعلمت الدولة، فإنها لا تقتصر على قتل واحد، فتقتل أهل البيت كلهم، ففي هذه الحال تدرأ هذه الأمور إلى أن يجعل الله للمسلمين فرجاً.

أقسام الكفار

أقسام الكفار Q إذا دخل الحربي بلاد المسلمين بعقد دخول من ولي أمر المسلمين هل يثبت له حكم المعاهد وينتفي عنه وصف الحربي؟ A يكون مستأمناً؛ لأن الكفار أربعة أقسام: الأول: الحربي الذي هو في بلاده محارب، وهو حلال الدم والمال. الثاني: المستأمن الذي هو حربي، ولكن دخل في أمان، كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة:6] ، فلا يجوز قتله. الثالث: المعاهد الذي بين دولته وبين المسلمين عهد كسائر الدول الآن، كأمريكا وفرنسا ونحوهم. والرابع: الذمي الذي يدفع الجزية.

حكم من قتل رجلا اقتحم بيته

حكم من قتل رجلاً اقتحم بيته Q إذا دخل علي رجل في بيتي فقتلته هل علي إثم؟ A لا شك أنك مأمور أن تدفع عن نفسك ولو بقتله، ولكن إذا كنت لا تقدر عليه فالأولى أن تهرب حتى لا تقتل به بعد ذلك، أو تحرص على أن تنجي نفسك، أو تهدده رجاء أنه يهرب.

الفرق بين الجهل بالحكم والجهل بما يترتب على الحكم

الفرق بين الجهل بالحكم والجهل بما يترتب على الحكم Q هل هناك فرق بين الجهل بالحكم والجهل بما يترتب على الحكم، كما لو كان لا يعلم أن القتل حرام، ولكنه لو علم أنه سيقتل لم يقدم على القتل؟ A نرى أنه لا فرق، فكونه يقول: أنا أعلم أن القتل حرام، ولكن ما علمت أنني إذا قتلته قتلت. فإذا كنت تعلم أنه حرام فأقدمت على قتله فنقتلك قصاصاً ولو كنت لا تدري أن القاتل يقتل؛ لأنك متعمد لقتله.

استئذان المرضع زوجها في إرضاع غير ولده

استئذان المرضع زوجها في إرضاع غير ولده Q ينتشر عند العامة القول بأن من أرضعت طفلاً بدون علم زوجها فإنها زانية، ولا يترتب على هذا الرضاع أحكامه، فما رأيكم في هذا؟ وهل يجب على الزوجة استئذان زوجها في إرضاع وليد غيره؟ A ليس كذلك، فإذا رأت طفلاً بحاجة إلى أن ترضعه فلا حاجة إلى أن تستأذن زوجها، سيما إذا كان هناك ضرورة، ولا يقال: إنها زانية. ولا يقال: إن عليها الاستئذان.

جواز قتل الكافر الحربي في الجهاد

جواز قتل الكافر الحربي في الجهاد Q الحربي لا قصاص على قاتله، وفي عصرنا هذا لو قتل أحد المسلمين كافراً فهل على قاتله قصاص، ولماذا؟ A لا شك أنه إذا قتل في دار الحرب فلا قصاص، بل فيه أجر، فالذين يقتلون الشيوعيين في الشيشان معلوم أنهم يقتلون حربيين، فلا قصاص عليهم، ولهم أجر، وكذلك الذين يقاتلون في كشمير ويقتلون الهندوس، والهندوس كفار وحربيون أيضاً، ولهم أجر في قتلهم، فإذا كان هناك حرب قائمة بين المسلمين والكفار فمعلوم أن المسلمين يقتلون من قدروا عليه، والكفار يقتلون من قدروا عليه، والله ينصر من يشاء، فإذا جاء مسلمون من سائر بلاد الهند أو باكستان ودخلوا في حدود كشمير فلهم أن يقتلوا من رأوه من المحاربين الذين يحاربون المسلمين، سواء من الهندوس أو من البوذيين أو من السيخ أو من غيرهم.

حكم من قتل قاتل قريبه بغير إذن الحاكم

حكم من قتل قاتل قريبه بغير إذن الحاكم Q لو أن أحد الأولياء قتل القاتل أثناء فترة الانتظار قبل القصاص خشية أن يتنازل أحد الأولياء، فهل يقتل هذا الولي أم لا؟ A الصحيح أنه لا قصاص عليه، وذلك لأنه قتل من هو قاتل، وإذا قتله فيتكفل بدية الصغار الذين إذا بلغوا قد يطلبونه بها، ويقول: إذا طلبوا الدية فإني سأدفعها أنا. فله ذلك.

اشتراك الجماعة في قتل واحد

اشتراك الجماعة في قتل واحد Q ثلاثة أشخاص اعتدوا على شخص، وقتله واحد منهم، فهل يقتص من الثلاثة أم من القاتل فقط؟ A إذا كان الثلاثة كلهم متساعدون، فهذا ممسك وهذا ضارب فعليهم القصاص، وإذا كان اثنان ابتعدا عندما بدأ في القتل وتوقفا وأقدم واحد فقتل فالقصاص عليه.

حكم الصيد بالرمي بالبنادق

حكم الصيد بالرمي بالبنادق Q ما الحكم إذا أطلق شخص النار على حيوان فسقط جزء منه وهرب ذلك الحيوان مثل الضب مثلاً، فبعض الإخوة يطلقون النار على الضب ويدخل في بيته، فهل على من أطلق النار إثم أم لا؟ A نرى أنهم يحرصون على إمساك ذلك الحيوان إن كان مأكولاً ويذبحونه، فإن لم يقدروا عليه إلا برميه فلهم رميه، ولكن إذا كان أمامهم بشر ويخافون أنهم إذا رموا أصابوا أحداً من البشر فلا يرمونه، بل يتركونه إلى أن يموت، أو إلى أن يتوقف. ولا شك أنهم إذا لم يتمكنوا من إمساك هذا الحيوان كالضب أو الظبي مثلاً إذا صعد في جبل أو دخل في جحر ولم يقدروا على إمساكه وإلا بالرمي فليس عليهم إثم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [77]

شرح أخصر المختصرات [77] للقود أحكام شرعية كثيرة، وهو نوعان: قود في النفس، وقود فيما دون النفس كالأطراف والجروح، ولا يجب القود إلا بشروط، وإلا وجبت الدية، وهي أنواع، وقد بينها العلماء بأدلتها.

أحكام الجنايات

أحكام الجنايات قال رحمه الله تعالى: [فصل: ويجب بعمدٍ القود أو الدّية, فيخيّر وليٌّ, والعفو مجّانًا أفضل. ومتى اختار الدّية أو عفا مطلقًا أو هلك جان تعيّنت الدّية، ومن وكل ثم عفا ولم يعلم وكيل حتى اقتص فلا شيء عليهما، وإن وجب لقن قود أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه له، وإن مات فلسيده، والقود فيما دون النفس كالقود فيها، وهو نوعان: أحدهما في الطّرف, فيؤخذ كلٌّ من عين وأنف وأذن وسنّ ونحوهما بمثله بشرط مماثلة, وأمن من حيف، واستواء في صحّة وكمال. الثّاني: في الجروح, بشرط انتهائها إلى عظم كموضحة وجرح عضد وساق ونحوهما. وتضمن سراية جناية لا قود, ولا يقتصّ عن طرف وجرح, ولا يطلب لهما ديةٌ قبل البرء. فصل: ودية العمد على الجاني, وغيرها على عاقلته، ومن قيّد حرًّا مكلّفًا أو غلّه أو غصب صغيرًا فتلف بحيّة أو صاعقة فالدّية, لا إن مات بمرض أو فجأةً. وإن أدّب امرأته بنشوز، أو معلّمٌ صبيّه, أو سلطانٌ رعيّته بلا إسراف فلا ضمان بتلف من ذلك، وإن أمر مكلفاً أن ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك به لم يضمن، ولو ماتت حامل أو حملها من ريح طعام ونحوه ضمن ربه إن علم ذلك عادة. فصل: ودية الحر المسلم مائة بعير، أو ألف مثقال ذهباً، أو اثنا عشر ألف درهم فضة، أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة، فيخير من عليه دية بينها، ويجب في عمد وشبهه من إبل ربع بنت مخاض وربع بنت لبون وربع حقه وربع جذعة، وفي خطأ أخماساً، ثمانون من المذكورة وعشرون ابن المخاض، ومن بقر نصف مسنات ونصف أتبعة، ومن غنم نصف ثنايا ونصف أجذعة، وتعتبر السلامة لا القيمة، ودية أنثى نصف دية رجل من أهل ديتها، وجراحها تساوي جراحه فيما دون ثلث ديته، ودية كتابي حر نصف دية مسلم، ومجوسي ووثني ثمانمائة درهم، ودية رقيق قيمته، وجرحه إن كان مقدراً من الحر فهو مقدر منه منسوباً إلى قيمته، وإلا فما نقصه بعد برء، ودية جنين حرّ غرّةٌ موروثةٌ عنه قيمتها عشر دية أمّه , وقنّ عشر عشر قيمتها، وتقدر حرة أمة، وإن جنى رقيق خطأ أو عمداً واختير المال، أو أتلف مالاً بغير إذن سيده خير بين فدائه بأرش جناية، أو تسليمه لوليها] . تكلم المؤلف أولاً على ما يجب بقتل العمد، ثم بعد ذلك على من تجب عليه الدية، ثم بعد ذلك على مقادير الدية. يقول: [ويجب بعمدٍ القود أو الدية، فيخير ولي] . قد ذكرنا قصة الهذلي الذي قتل بمكة في سنة ثمان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل وإما أن يدى) إما أن يقتل القاتل وإما أن يطلب الدية.

تعريف الدية والقود

تعريف الدية والقود الدية أصلها: (ودية) ؛ لأنها من (وداه) أي: فداه. وتسمى الدية عقلاً، وذلك لأنهم يأتون بالإبل فيعقلونها في فناء ولي القتيل. وأما القود فهو القصاص، ولماذا سمي قوداً؟ لأن القاتل يقاد إلى المقتل بنسعة، أي بحبل. وفي الحديث أن اليهود قتلوا عبد الله بن سهل الأنصاري، قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: (تحلفون على رجل منهم فيقاد بنسعته) يعني: بحبله الذي يربط في عنقه، ويقاد إلى المقتل. فيخيّر الولي فيقال: لك الخيار: إما أن تقتل هذا القاتل، وإما أن تطلب الدية. وإذا اختار الصلح على أكثر من الدية فله ذلك، فإذا قال ولي القتيل: أنا أطلب كذا وكذا. أكثر من الدية فله ذلك، ولو عشر ديات، فبعضهم يطلب ثلاثة ملايين ريال سعودي أو أربعة أو خمسة، فيدفعها أهل القاتل كأنهم يشترون القاتل؛ حيث إن الولي يقول: أنا سوف أقتله إلا إن دفعتم هذا المبلغ، ولا أعفو عنه إلا بهذا المبلغ. ففي هذه الحالة إذا فدوه فإن ذلك جائز، كأنه يشتري نفسه، أو أن أولياءه يشترونه ويخلصونه من القتل، فيخير الولي ويقال: لك أن تقتل، ولك أن تطلب الدية. وقد تقدم أنه إذا كان في أولياء القتيل صغير فإنه ينتظر إلى أن يبلغ، فإذا بلغ فإن طلب الدية فليس للأولياء إلا الدية، ولو كان أكثرهم يريدون القصاص، وأما إذا اتفقوا كلهم على طلب القود فلهم ذلك، وهكذا أيضاً إذا طلبوا أكثر من الدية.

العفو عن القصاص والدية أفضل من أخذها

العفو عن القصاص والدية أفضل من أخذها يقول: [والعفو مجاناً أفضل] . قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40] ، والعفو مجاناً أن يقول: لا أريد دية ولا أريد قصاصاً، وأترك ذلك لله تعالى وأتصدق على هذا القاتل، وأحرره وأعتقه من القتل. فَيَمُنَّ عليه، فيكون في ذلك قد أحسن إليه حيث خلصه أو منّ عليه.

تعين الدية

تعين الدية قال: [ومن اختار الدية أو عفا مطلقاً أو هلك جانٍ تعينت الدية] . العفو مطلقاً إذا قال: قد عفوت ولم يقل: عن كذا وكذا، فينصرف العفو إلى أكبر المطالب وهو القصاص، وإذا قال: عفوت عن القصاص لا تسقط الدية؛ لأن عفوه يكون عن القصاص الذي هو المطلب الأكبر، وعليه يدل القرآن في قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] يعني: عفي لذلك القاتل من أخيه الذي هو ولي المقتول {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] ، ومعنى ذلك أن الولي أو الأولياء إذا قالوا: قد عفونا سقط القصاص وبقيت الدية، فهذا المعفو عنه عليه أن يحرص على الأداء، فيؤدي الدية بالمعروف، يقول تعالى في هذه الآية: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] ، والاتباع من الأولياء، والأداء من القاتل أو من أولياء القاتل، والمعنى: إذا عفا أولياء القتيل عن القصاص فإن عليهم أن يتبعوا ذلك القاتل بالمعروف، فلا يشددون عليه، ولا يزيدون عليه زيادة تجحف بماله أو تعجزه وتعجز أسرته، وإذا قسّطوا الدية فلا يطلبوها قبل حلولها، وما أشبه ذلك. قال تعالى: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] يعني: أيها القاتل أو أسرته! أدوا إلى ولي القتيل الدية بإحسان بدون مماطلة. فالآية في العفو عن القصاص وبقاء الدية، فهذا معنى إذا عفا مطلقاً، فإذا قال: أريد الدية، أو قال: عفوت انصرف العفو إلى القصاص وبقيت الدية. قوله: [أو هلك جان] أي: إن هلك القاتل تعينت الدية.

التوكيل في القصاص

التوكيل في القصاص يقول: [ومن وكل ثم عفا ولم يعلم وكيل حتى اقتص فلا شيء عليهما] . صورة ذلك إذا قال: وكلتك -يا زيد- أن تقتل هذا القاتل الذي قتل ابني أو قتل أخي. فالوكيل طلب من القاضي تمكينه، فمكنه القاضي وقتل، وكان القتل يوم الجمعة مثلاً، والولي ذهب إلى جهة أخرى وأشهدهم وقال: إني قد عفوت. وكان العفو يوم الخميس، ولم يعلم الوكيل بذلك العفو حتى استقاد وقتل القاتل، ففي هذه الحال هل يطالب الوكيل ويقال: إنك تسرعت؟ لا يطالب بذلك؛ لأن معه وكالة شرعية، ويقول: إنه قد وكلني، وإني نفذت الأمر بموجب الوكالة، فكيف أكون متسرعاً؟ لأنه ما منعني ولم يحدد لي وقتاً، ولو قال: لا تقتله إلا في يوم الأحد لتأنيت، ولكنه أطلق وقال: اقتله. فأنا ذهبت إلى القاضي ومكنني من قتله يوم الجمعة، فنفذت فيه الحكم الذي حكم به القاضي، وهو أن عليه القصاص. فلا شيء على الوكيل. وكذلك الولي الذي هو الموكل لا شيء عليه، وذلك لأنه عفا ويظن أن العفو سيدرك القاتل فلم يدركه.

القود للعبد المملوك

القود للعبد المملوك قال المؤلف: [وإن وجب لقن قود أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه له، وإن مات فلسيده] . القن هو العبد المملوك، والمعنى: لو أن هذا العبد اعتدى عليه إنسان فقطع إصبعه، فهل لسيده أن يسقط القصاص؟ العبد يغضب ويقول: هذا الذي قطع إصبعي، أو فقأ عيني، أو قلع سني، أو جرحني موضحة ولا تطيب نفسي حتى آخذ منه بالثأر. فقال سيده: أنت مملوكي، وأنت عبدي، وأنا أملك الإسقاط، فأريد أن أسقط عنه؛ لأنه صديق لي أو نحو ذلك. والعبد يأبى ويمتنع ويقول: أنا الذي تألمت، وأنا الذي أحسست بفقد هذا العضو ولو كان أنملة، فلا تطيب نفسي إلا أن آخذ بالثأر وأقتص لنفسي. وكذلك لو كان القتيل ابناً لهذا العبد، كرجل عنده عبد مملوك، والعبد له ابن مملوك أيضاً، فعند ذلك الرجل رجل وابنه كلاهما مملوكان، فاعتدى إنسان على الولد وقتله، ففي هذه الحال عرفنا أنه ليس فيه القصاص، وإنما فيه الدية أو القيمة، فإن كان هذا العبد له ابن حر ليس بمملوك وقتله إنسان، وليس له ولي إلا هذا العبد، فالعبد يقول: ابني حر ليس بمملوك، فاعتدي عليه، وفجعوني بابني وقتلوا ابني وتركوني وحيداً، كيف أهدأ؟! كيف أستقر؟! لا أستقر حتى أقتل ذلك القاتل الذي اعتدى على ابني، فهل لسيده أن يمنعه؟ الابن ليس مملوكاً للسيد، ولكنه ولد لذلك العبد، فليس عليه رق، ففي هذه الحال الطلب يكون للعبد، فله أن يطالب بالقصاص بأن يقتل ذلك القاتل أو يقطع منه العضو الذي قطع، فلو كان ما قتله ولكنه قطع يده أو جدع أنفه أو قطع أذنه أو قلع أسنانه فإن عليه الدية أو القصاص، فأبوه يقول: أريد أن أقتص منه، فأقلع أسنانه كما قلع أسنان ابني، حتى ولو كنت أنا عبداً، فلي أن أقطع يده أو أقطع أذنه أو أفقأ عينه؛ فله ذلك.

قذف المملوك

قذف المملوك وكذلك تعزير قذف، فالعبد إذا قُذف فالذي قذفه عليه التعزير، وليس عليه الحد، بخلاف الحر، فإنه إذا قُذف فإن على من قذفه الحد ثمانين جلدة؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:4] ، فهذا يقول: إنه قذفني ورماني بأني زنيت، وهو كاذب، فأريد إقامة الحد عليه نقول: ليس لك حد ولكن لك التعزير، فطالب بأن يعزر، فيجلد عشرين جلدة أو خمسين، أو يحبس، أو ما أشبه ذلك، فالحق للعبد في مطالبته أو في إسقاطه، فلو أسقطه وقال سيده: لا أرضى، أريد مالاً فليس له إلزام العبد، ولو قال: أنت -يا عبدي- قطع هذا إصبعك، وهذا القطع نقص في قيمتك ونقص في عملك، فلا تتسامح عن هذا الذي قطع إصبعك هل يلزمه سيده أن لا يسمح؟ لا يلزم، فلو قال العبد: أنا سمحت عن إصبعي، أو عن يدي، أو عن عيني، أو عن أسناني لا يلزمه سيده بأخذ عوض، حتى ولو نقصت قيمته، لكن لو مات العبد قبل أن يسقط وقبل أن يطالب وقبل أن يأخذ أرشاً وقبل أن يقتص فالسيد يقوم مقامه، فيأتي إلى ذلك الجاني ويقول: أنت قطعت يد عبدي ونقصت قيمته قدر النصف. أو: جدعت أنفه، والأنف فيه الدية كاملة، فأعطني الدية. أو: عفوت عنك عن بعضها. فإذا مات فإن المطالبة تكون للسيد.

القود فيما دون النفس

القود فيما دون النفس يقول: [والقود فيما دون النفس كالقود فيها] . القود هو القصاص، فإذا عرفنا الشروط التي في استيفاء القصاص في النفس فتلك الشروط هاهنا معتبرة، فمنها أن يكون المستحق مكلفاً، فإذا قطع أحد يد صبي أو إصبعه، والصبي عمره خمس سنين أو عشر سنين، ففي هذه الحال إذا طلب القصاص بعد ما يكلف تقطع يد الجاني؛ لأنه تعدى على ذلك المجني عليه ولو كان صغيراً، ولكن متى؟ إذا بلغ وأصر على طلب القصاص. وكذلك يشترط ما اشترط هناك من عدم الحيف وعدم التعدي، فلابد إذا كان القصاص في اليد ألا يقتص مع خوف الحيف، أو خوف التسمم، بل يتركونها إلى زمن معتدل يؤمن فيه أن يتسمم الجرح أو ما أشبه ذلك.

القود في الأطراف

القود في الأطراف القصاص فيما دون النفس نوعان: أحدهما الأطراف، والثاني: الجراح. فالأطراف فيها القصاص، قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة:45] ، فهذه فيها قصاص، وتسمى الأطراف، فمن قطع إصبعاً وكان القاطع فيه إصبع تماثلها وطلب المقطوع القصاص فإنه يقتص له، وكذلك من قطع الكف، وكذلك من قطع اليد من الذارع أو من العضد، وكذلك من قطع من الرجل إصبعاً قطعت إصبعه، ومن قطع القدم كلها قطعت قدمه إذا طلب المجني عليه ذلك، وكذلك من قطعها من الركبة قطعت رجله من الركبة إذا طلب الجاني ذلك، أو قطعها من الفخذ فكذلك أيضاً، وهكذا إذا فقأ عيناً صحيحة فقئت عينه التي تماثلها، أما إذا لم تكن مماثلة لها فلا، وكذلك لو جدع أنفه فله أن يطلب القصاص في الأنف، وكذلك الأذن إذا استوعبت قطعاً، وكذلك إذا كسر السن أو قلعه فإن القصاص فيه؛ وأشباه ذلك من أجزاء البدن، فمن قطع شفة قطعت مماثلتها، وكذلك من قطع جفناً أو قطع حاجباً قطع منه ما يماثله، وهكذا أيضاً من قطع عضواً مماثلاً، كمن قطع ذكراً، أو قطع الأنثيين -الخصيتين-، أو قطع الإلية أو نحو ذلك، فكل هذه فيها القصاص. وتشترط المماثلة، فلا يؤخذ إصبع اليمنى بإصبع اليسرى لو كان المجني عليه قطعت إصبعه اليسرى، وكذلك أيضاً لا يؤخذ الإبهام بالسبابة، فلا يقول: هو قطع سبابتي وأنا لا أرضى إلا أن أقطع إبهامه. فهذا ليس بمماثلة، وليس قصاصاً، فالقصاص لابد فيه من المماثلة، فهذا شرط المماثلة. ولو كان الجاني أعور العين، كأن كانت عينه اليمنى غائرة، ثم جنى على إنسان ففقأ عينه اليمنى، فهل على المجني عليه أن يقول: آخذ عينه اليسرى؟ ليس له ذلك لعدم المماثلة، وهاهنا يرجع إلى الدية، وكذلك لو كان الجاني مقطوع اليد اليمنى، قد قطعت يده اليمنى من قديم، واعتدى عليك وقطع يدك اليمنى، فهل تقول: أقطع يده اليسرى؟ فليس له إلا يد واحدة، فلا تقل آخذ اليد باليد. ليس لك ذلك، ولكن هاهنا تعدل إلى الدية لعدم المماثلة، فلابد من المماثلة، وكذلك لو قطع شفته العليا فقال: أقطع شفته السفلى لأنها أقوى منفعة. ليس له ذلك، وهكذا لو قطع رجله اليسرى فقال: أقطع رجله اليمنى. ليس له ذلك، بل لابد من المماثلة. وكذلك أيضاً الأمن من الحيف، والحيف هو الجور، فإذا قطع اليد من نصف الذراع ففي هذه الحال لا يمكن القصاص، ولكن يمكن قطعها من المفصل، لأنا إذا مكناه من قطع نصف الذراع فقد يكسر الذارع كله، وقد يأخذ زيادة على ما أخذ منه، فيكون بذلك حيف، فلابد من أمن الحيف -الذي هو الجور- حتى لا يأخذ زائداً عما يستحقه. ومن الحيف أيضاً الخوف من التسمم، فإذا قال -مثلاً-: إذا قطعت يد الجاني -مثلاً- أو رجله في الشتاء خيف أن يتسمم، وأن الجرح يتآكل وتحصل الوفاة. ففي هذه الحال ينتظر إلى أن يؤمن عليه من الحيف أو من التعدي أو نحو ذلك. وهناك شروط أخرى، مثل الاستواء في الصحة والكمال، فإذا قال: أنا ما فقأت إلا عيناً فيها بياض، وعيني سليمة ليس فيها بياض. أو: عينه التي فقئت ناقصة البصر لا يبصر بها إلى قليلاً، فكيف تفقئون عيني التي هي عين سليمة؟ في هذه الحال يعدل إلى الدية، وذلك لعدم المساواة، وكذلك أيضاً لو أن إنساناً صحيح اليدين قطع يد إنسان مشلولة، أو فيها عيب، ناقصة الأصابع أو مختلة أو نحو ذلك، فهذا المجني عليه يقول: أريد أن أقطع يده. يقال: يدك ناقصة منفعتها، وأما يده فإنها كاملة، فكيف تأخذ يداً كاملة ليد ناقصة فيها عيب؟! لابد من الاستواء في الصحة وفي الكمال.

القود في الجراح

القود في الجراح النوع الثاني من القصاص: الجراح فيما دون النفس، ويراد بها الشجاج، واصطلحوا على أن الضربة المدمية في الرأس أو في الوجه يسمونها شجة، وإذا كانت في الذراع أو في العضد أو في الكتف أو في الظهر أو في الفخذ لا تسمى شجة، بل يقال: جرح. ففي الجروح قصاص، بشرط انتهائها إلى عظم كالموضحة، وجرح العضد وجرح الساق ونحوهما إذا انتهى إلى عظم ففيه القصاص، وأما إذا جرحه برأسه ولم يصل الجرح إلى عظم الرأس فقال المجني عليه: مكنوني أضربه كما ضربني وأجرحه كما جرحني فلا يمكن، وذلك مخافة الحيف، فربما إذا ضرب أن تصل الضربة إلى العظم، أو تزيد شجة هذا على شجة هذا، فيخاف من الحيف، والقصاص مماثلة ليس فيها جور. والموضحة هي التي تنتهي إلى عظم، ضربة في الرأس تصل إلى العظم ولا تكسره، ولكن تقرع في العظم، وديتها خمس من الإبل، فلو قال المجني عليه: أنا ما أريد إبلاً ولا غنماً ولا مالاً، ولكن أريد أن أشفي غيظي، أريد أن أجرحه كما جرحني يمكّن، ولكن كيف يقتص؟ هل يقتص بالضرب. ويقول: إنه ضربني بحجر خرق الدم واللحم ووصل إلى العظم فأضربه بحجر مثله؟ لا يمكن من ذلك، ولكن يمكن من القصاص بسكين أو نحوها يحزه إلى أن يصل إلى العظم، فيحرك طرف السكين إلى أن يصل إلى العظم ويتوقف؛ لقول الله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45] . وكذلك جرح العظم والساق، فلو طعنه في عضده، أو ضربه بحجر محدد أو سكين، فوصلت الضربة إلى عظم العضد أو عظم الساق أو عظم الظهر وقرعت في العظم فقال المجني عليه: لا أقنع إلا بالقصاص يمكّن، فيعطى سكيناً ويقال: اضرب وحز في العضد إلى أن تصل إلى العظم ولا تزد. ولو قال: إنه ضربني بحجر فأضربه بحجر لا يمكّن؛ لأنه قد يكسر العضد، فقد يضربه ضربة شديدة فيأخذ أكثر مما يستحق.

ضمان السراية في القصاص

ضمان السراية في القصاص يقول: [وتضمن سرية جناية لا قود] . السراية جناية تضمن، والجناية ظلم، فسرايتها تضمن، وأما القود فإنه بحق فلا تضمن سرايته، فمثلاً لو أن إنساناً قطع يد رجل، فالذي قطعت يده قال: هذا جنى علي وقطع يدي، أريد القود. فمكن من القود فقطعت يد الجاني، ثم قدر أن الجاني تسمم جرحه ومات بسبب هذا القصاص هل تدفع ديته؟ لا تدفع؛ لأن قطع يده بحق قصاصاً، ولو كان الأمر بالعكس فالمجني عليه تسممت يده ثم مات، والمجني عليه حر مسلم، ومات بسبب هذه الجناية فعلى الجاني الدية، ولو قال الجاني: كيف أدفع ديته وهو قد قطع يدي قصاصاً وقد أخذ بالثأر وأخذ حقه كاملاً؟ ف A إنه مات بسبب جنايتك، فأنت السبب، فعليك تتمة الدية، وليس هناك قصاص في النفس، ولكن عليه تتمة الدية، فعليه نصف الدية لأنه قد قطع يده، وديته فيها نصف الدية، فعليه نصف الدية الأخرى أو على عاقلته. وعرفنا الفرق بين الجناية والقود، والسراية: هي تآكل الجرح إلى أن يحصل أكثر مما حصل، فلو أن الجاني قطع إصبعاً كالخنصر أو الإبهام، والمجني عليه قال: أقطع إصبعه مثلما قطع إصبعي. فاقتص منه، وبعد ذلك جرح الجناية تسمم، ولما تسمم تآكلت اليد فقطعت اليد كلها بسبب تآكلها، فيقول الجاني: أنتم أخذتم حقكم، أنتم قطعتم إصبعي مثل ما قطعت إصبعه! فيقال: بقي أيضاً عليك آثار هذه السراية، فجنايتك تآكلت، فعليك بقية ثمن اليد، فادفع بقية ثمن اليد. ولو قال المجني عليه: إن يدي تآكلت وقطعت بسبب جنايته، وأنا ما قطعت منه إلا إصبعاً، فأريد أن أقطع اليد كلها كما أن يدي قطعت فليس له إلا الدية على المشهور، وذلك لأن قطع يده بالتآكل قطع لحماية نفسه، وليس الجاني هو الذي قطعها، أما لو كان الأمر بالعكس، فالمجني عليه قطعت إصبعه وسلمت يده، والجاني قطعت إصبعه قصاصاً، ولما قطعت تآكل الجرح فمات. ففي الأثر: (الحق قَتَلَه) ، ما مات إلا بسبب مباح، فالله تعالى مكن أهل القتيل وأباح لهم أن يقتلوا أو يقتصوا، وهاهنا قد اقتصوا الذي لهم، وكون هذه القود حصل منه الموت ليس بسبب المجني عليه، وإنما هو بسبب القصاص، فالحق قتله، سواءٌ أكان هذا في النفس أم فيما دون النفس، فهذا هو الفرق.

وجوب انتظار البرء قبل القصاص أو الدية في الجراح

وجوب انتظار البرء قبل القصاص أو الدية في الجراح يقول: [ولا يقتص عن طرف وجرح، ولا يطلب لهما دية قبل البرء] . أي: قبل تمام البرء. روي أن رجلاً طعن رجلاً في ركبته بقرن تيس أو نحوه، ولما طعنه في ركبته وصل إلى عظم الركبة أو تحتها، فجاء ذلك المجني عليه وقال: يا رسول الله! أقدني -أي: مكني أن أقتاد منه فأطعنه بقرن كما طعنني- فقال: (اصبر حتى تبرأ، فصبر أياماً ثم جاء وقال: أقدني. فردد عليه وهو يأكل: اصبر حتى تبرأ، ولكنه استعجل، فمكنه وضرب ذلك بالقرن في ركبته إلى أن وصل إلى العظم) ، فالجاني برئ جرحه بسهولة، والمجني عليه تسمم فعابت رجله وعرج وصار فيه عرج، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: عرجت يا رسول الله. فقال: (قد نصحتك) يعني: نهيتك عن الاقتياد حتى تبرأ ولكن امتنعت. فأخذوا أنه لا يقتص إلا بعد البرء مخافة التسمم، أو مخافة التآكل، أو مخافة حدوث عيب أو ما أشبه ذلك. فلو كان الجرح -مثلاً- في سن قلعه الجاني، والسن مكانه قد يتأثر، فالمجني عليه قال: أريد قلع سنه كما قلع سني نقول له: انتظر حتى يبرأ أثر قلع السن. ولكنه ما صبر وقال: أريد أن أقلع سنه، فمكنه الشرع وقلع سن الجاني، ثم إن المجني عليه تآكل مكان سنه فاحتيج إلى قلع الأسنان السفلى كلها، فإنا نقول للمجني عليه: أنت استعجلت، فلو تركت الأمر حتى تبرأ ويعلم ما تتأثر به أسنانك لكان أولى لك. ففي هذه الحال هو الذي استعجل ولا شيء له، فلذلك قالوا: لا يطلب لهما دية إلا بعد البرء. وقوله: [لهما] الضمير يرجع على الطرف والجرح، فالطرف مثل اليد والعين، والجرح مثل الموضحة التي هي الجرح في العضد والساق، أو الموضحة في الرأس أو في الوجه، فلا يطلب لهما دية قبل البرء، ولا يقتص لهما قبل البرء مخافة أن يتأثر ذلك الجرح ويحصل الضرر عليه.

من يتحمل الدية؟

من يتحمل الدية؟ قال: [فصل: ودية العمد على الجاني، وغيرها على عاقلته] . عرفنا أن القتل ثلاثة أنواع: عمد وشبه عمد وخطأ، فدية العمد على الجاني يتحملها، وأما الخطأ وشبه العمد فعلى العاقلة، وهم قرابة ذلك القاتل، فتحمل الدية عنه، وذلك لأنه غير متعمد وليس بآثم، وإنما حصل هذا عن غير قصد، فمن حقه على أقاربه تحمل هذه الدية، فغير العمد على عاقلته، وذكر المؤلف بعد ذلك صوراً لوجوب الدية.

التسبب في القتل

التسبب في القتل قال: [ومن قيد حراً مكلفاً] يعني: ربط رجليه وربط يديه وأصبح متحسراً لا يقدر على التخلص، فجاءته حية فنهشته فمات، أو جاءه أسد فافترسه، أو حيوان غيره جاءه فافترسه أو أصابه، أو نزلت عليه صاعقة، فهذا الجاني اعتدى على حر مسلم وقيده وأوثقه، ولا شك أنه أخطأ، وعليه الدية، فقد يقول: كيف أدفع الدية والذي قتله غيري؟! الذي قتله هذا السبع أو هذه الصاعقة أو هذه الحية، ما أنا الذي قتلته! A أنت الذي تسببت حيث قيدته فلم يقدر على أن يهرب من السبع، ولا أن يتخلص من الحية، ولا أن يهرب من مكان الصاعقة، فعليك ديته؛ لأنك ربطته بهذا الرباط الذي قيده حتى لم يستطع التخلص، فالدية على هذا المقيِّد. والمكلف هو البالغ العاقل، قال: [حراً مكلفاً] ، وإذا كان مملوكاً فعليه قيمته لسيده. قال: [أو غله] الغلُّ هو أن تربط الأيدي في الرقبة، قال تعالى: {إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر:71] ، وقال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:64] يعني: ربطت في أعناقهم. فإذا ربط يديه وعلقهما في رقبته سواء من الخلف أو من الأمام فقد تحسر، فلا يستطيع أن يحرك يديه، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه حية أو نحوها. وكذلك إذا غصب صغيراً في الخامسة أو السادسة من عمره، أي: أخذه من أهله وأخفاه، ففي هذه الحال أيضاً يكون عليه الدية إذا لدغته حية أو أكله سبع أو مات بالبرد أو بالشمس أو نحو ذلك، فإن هذا الغاصب الذي اعتدى عليه يدفع الدية، أما إذا مات بمرض أو مات فجأة ففي هذه الحال يقال: لا دية عليه؛ لأنه مات بالمرض، ويقول: كان قبل أن أوثقه مريضاً بمرض كذا وكذا، وموته بسبب مرضه ليس بسببي. وكذلك موت فجأة، لكن قد يقال: إن موته فجأة بسبب الحسرة، بمعنى أنك لما أوثقته وتحسر اشتدت عليه هذه الآلام وهذه الأمراض النفسية، فأدت إلى موته موت حسرة أو موت فجأة، فأنت السبب، فعليه دية.

تأديب الزوجة أو الأطفال لا ضمان فيه إن كان بلا إسراف

تأديب الزوجة أو الأطفال لا ضمان فيه إن كان بلا إسراف يقول: [وإن أدب امرأته لنشوز] . المرأة إذا نشزت جاز لزوجها ضربها؛ لقوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] . فأولاً: يعظها، وثانياً: يهجرها في المضاجع، وثالثاً: يضربها ضرباً غير مبرح، فلو قدر أنه ضربها وذلك الضرب نتج عنه موت، أو نتج عنه تعطل عضو من الأعضاء فلا ضمان عليه؛ لأنه ضرب مأذون فيه، ويقول: أنا ما ضربتها إلا ضرباً معتاداً، وحصل أنها ماتت، أو حصل أن تعيبت يدها، أو ذهب بصرها أو سمعها، أو جرح جلدها أو نحو ذلك، فأنا ضربتها ضرباً مأذوناً فيه غير مبرح، فلا ضمان. قال: [أو معلم صبيَّه] . معلم الصبيان العادة أنه مباح له الضرب، ويعلم بذلك آباؤهم، فهم يقولون: أدبهم واضربهم الضرب الذي يرتدعون به. فقدر أنه صفع أحدهم في خده فذهب سمعه، أو انفجرت الأذن وانشقت الطبلة، فهو مباح له أن يضربه، فلا ضمان عليه، أو أراد ضربه بعصا فانحرف الطفل فوقعت الضربة على عينه فانفقأت لا ضمان على ذلك المعلم؛ لأنه مأذون له فيه، وهذا إذا كان الضرب بلا إسراف ولا شدة. قال: [أو سلطان رعيته] . السلطان له أن يؤدب الرعية، فقد يظهر من بعض الرعية شيء من العصيان وشيء من المخالفة وشيء من الأضرار، سواءٌ أكانت تلك الأضرار على نفس السلطان أم على بعض الرعية، فإن هؤلاء يسببون ضعف الأمن واشتداد الخوف ونحو ذلك، فإن ظفر بواحد منهم، وأمر الجلاد فجلده فقال: اجلده وشدد عليه فقدر أنه مات تحت الجلد ففي هذه الحال لا ضمان؛ لأن هذا ضرب مأذون فيه، ويشترط ألا يكون هناك إسراف، وقد فسر المفسرون قول الله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] فقالوا: ضرباً غير مبرح. أي: ليس بشديد، وإنما هو ضرب تأديب لا ضرب قتل.

أمر المكلف بأمر هلك به

أمر المكلف بأمر هلك به يقول: [ومن أمر مكلفاً أن ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك به لم يضمن] . لأن هذا المكلف عاقل وعارف، وتعاطى هذا الشيء الذي فيه خطر، فإذا أمرته وقلت له: انزل في هذه البئر للحفر أو أخرج منها هذا الدلو الذي سقط فيها، أو هذه الميتة التي سقطت فيها انزل فأخرجها. ثم إنه ربط نفسه بحبل أو تمسك بحبل لينزل فيها، وقدر أنه تفلت أو انقطع الحبل وسقط فيها ومات لا ضمان على الآمر؛ لأن هذا مختار قد رضي بذلك، فلا ضمان عليه. وكذلك لو قال: أريد أن تصعد هذه النخلة لصرم التمر منها فصعد باختياره والنخلة طويلة، ولما وصل إلى أعلاها قدر أنه سقط ومات، فهل يضمن صاحب النخلة أو الذي أمره بالصعود؟ لا يضمن؛ لأن هذا هو الذي خاطر بنفسه.

الموت من ريح طعام ونحوه

الموت من ريح طعام ونحوه يقول: [ولو ماتت حامل أو حملها من ريح طعام أو نحوه ضمنه ربه إن علم ذلك عادة] . هذا قد يكون قليلاً، كون الحامل تموت بسبب ريح طعام يمكن أن الحمل قد يتأثر ببعض الروائح فيموت في الرحم، فإذا قدر عادة أنه يموت الجنين في الرحم بسبب ريح طعام كريهة، كما لو اشترى شيئاً من اللحوم ولكنها أنتنت، ولما شمها إنسان رجل أو امرأة فمن آثار هذه الرائحة حصل عليه ضرر أو مرض أو موت بسبب الرائحة الشديدة الكريهة، فصاحب هذا الطعام أو صاحب هذا اللحم فرط وتسبب، فيضمنه إذا كان العادة في ذلك أنه يؤثر، فأما إذا كانت العادة أن الروائح ولو كانت كريهة لا تؤثر ولا يحصل على الذي يشمها موت ولا ضرر فإنه لا يكون هناك ضمان.

مقادير الديات

مقادير الديات

دية الحر المسلم

دية الحر المسلم هذا الفصل يتعلق بالدية، أي: مقادير الدية. قال: [فصل: دية الحر المسلم مائة بعير] . اشترطوا أن يكون حراً، فالعبد ديته ثمنه، والكافر إذا كان معاهداً أو ذمياً ديته نصف دية المسلم. يقول: [دية الحر المسلم مائة بعير] كلمة (بعير) اسم للواحد من الإبل يدخل فيه الذكر والأنثى، فيقال للناقة: بعير. ويقال للجمل: بعير. سواءٌ أكان صغيراً أم كبيراً، وإذا أرادوا التمييز قالوا: ناقة وجمل. فالجمل الذكر والناقة الأنثى، وأما كلمة (بعير) فإنها تصلح للذكور والإناث. قال: [أو ألف مثقال ذهباً] يعني: ألف دينار من الذهب، والدينار هو أربعة أسباع الجنية المعروف عندنا. قال: [أو اثنا عشر ألف درهم] ، والدراهم قطع من الفضة، والمائتان مقدارها من الريال الفضي السعودي ستة وخمسون، وهو النصاب كما هو معروف، فنصاب الفضة ستة وخمسون من الريالات السعودية، ومن الدراهم القديمة مائتان، فمقدار الدية اثنا عشر ألف درهم فضة. قال: [أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة] أصول الدية خمسة، فمن الإبل مائة بعير، ومن البقر مائتان، ومن الغنم ألفان، ومن الذهب ألف مثقال، ومن الفضة اثنا عشر ألف درهم، واختلف العلماء هل هذه الخمسة كلها أصول أو الأصل واحد والبقية قيم؟ والراجح أن الأصل هو الإبل وأن البقية قيم؛ وذلك لأن العرب كانوا يدفعون الدية مائة من الإبل، واستقر الأمر على ذلك في العهد النبوي، فكانت الدية مائة من الإبل، ولما قتل اليهود عبد الله بن سهل ولم يجدوا من يدفع الدية دفع الدية رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من إبل الصدقة، وكان ذلك معروفاً عندهم، وفي قصة القرشي الذي قتله رجل من العرب لما كان راعياً عنده، فقالت قريش: إما أن يحلف منكم خمسون أنكم ما قتلتموه أو تدفعوا لنا مائة من الإبل. فاستعدوا للحلف، وكانت امرأة من قريش ولدها من هذه القبيلة، فقالت: اسمحوا لولدي أن لا يحلف. وفدى نفسه فجاء ببعيرين، وقال: إنكم طلبت مائة من الإبل أو خمسين رجلاً يحلفون، ونصيب كل واحد بعيران، فهذان بعيران عني خذوهما. فأخذوهما، والبقية حلفوا وهم تسعة وأربعون، يقول ابن عباس: فما تم الحول وفي التسعة والأربعين عين تطرف. يعني: ماتوا بسبب أنهم حلفوا وهم كاذبون. فالحاصل أن الدية من الإبل هي الأصل، فعلى هذا إذا ارتفع سعر الإبل رفعت الدية، وإذا رخصت الإبل نقص من قدرها، فتقدر بالإبل، ولا تقدر بالبقر ولا بالغنم، والدية الآن في هذه البلاد مائة ألف ريال من النقود؛ لأنهم قدروا أن كل بعير يساوي ألفاً، فجعلوها مائة ألف ريال، وكانت في أول الأمر في أول عهد الملك عبد العزيز ثمانمائة ريال فرنسي، ثم رأوا أنها قليلة مع رخص الإبل في ذلك الوقت، فزيدت إلى ألف، ثم زيدت إلى عشرة آلاف، ثم زيدت إلى ستة عشر ألفاً، ثم زيدت إلى أربعة وعشرين، ثم إلى أربعين، ولما ارتفع سعر الإبل رأى العلماء أنها لا تنقص عن مائة ألف، ومعروف الآن أن الغنم تقاس بالإبل، فهناك الآن من الغنم واحدة تباع بخمسمائة وبأربعمائة وبثلاثمائة، وهناك كثير من الإبل تباع الواحدة بألف أو بثمانمائة أو بألف وخمسمائة، فلو قيل -مثلاً-: ألفان من الغنم فالألفان قد تساوي خمسمائة من الإبل أو ألفاً من الإبل إذا كانت قيمة البعير ألف ريال وقيمة الشاتين ألف ريال، فصارت تساوي ألفاً من الإبل، فعرف بذلك أن الإبل هي الأصل، وإذا ارتفع سعرها ارتفع سعر الدية، وإذا انخفض نقص من الدية. يقول: [ويجب في عمد وشبهه من الإبل ربع بنت مخاض وربع بنت لبون وربع حقة وربع جذعة] . هكذا جاء في بعض الأحاديث في دية العمد مغلظة ودية شبه العمد مغلظة تكون أرباعاً: خمس وعشرون بنت مخاض، وهي التي تم لها سنة، وخمس وعشرون بنت لبون، وهي التي تم لها سنتان، سميت بذلك لأن أمها ذات لبن، قد ولدت بعدها، وخمس وعشرون حقة، وهي ما تم لها ثلاث سنين، وخمس وعشرون جذعة، وهي التي تم لها أربع سنين، وكذلك أيضاً شبه العمد يكون أرباعاً، وأما دية الخطأ فإنها تكون أخماساً: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون ابن مخاض من الذكور، هذه دية الخطأ، وهي التي تكون مخففة، والعلماء الآن جعلوا الزيادة في دية العمد وشبهه الربع، فقالوا: دية الخطأ مائة من الإبل، ودية العمد مائة وخمس وعشرون من الإبل، فتكون مائة وخمسة وعشرين ألف ريال لتكون أخماساً. وإذا اختار أن يدفع الدية من البقر دفع نصفاً مسنات ونصفاً أتبعة، أي: نصف البقر، فيدفع مائة بقرة مسنة، والمسنة هي التي لها سنتان، ومائة تبيع أو تبيعة، والتبيع هو الذي له سنة، وأما من الغنم إذا اختار أن يدفع من الغنم فيدفع ألفي شاة، فنصف منها ثنايا ونصف أجذعة، والغنم يدخل فيه الضأن والمعز، فيدفع من الضأن نصفاً ومن المعز نصفاً، ويكون ربع المعز ثنايا، والثنية هي التي لها سنة، ويدفع الربع الثاني من الجذع، وهي التي لها نصف سنة، وكأنهم أطلقوا وهم يريدون أن تكون من الضأن؛ لأن الجذع من الضأن يضحى به، والجذع هو الذي له ستة أشهر، فكأنهم يقولون: تكون الألفان من الغنم كلها ضأناً، نصفها ثنية تم لها سنة، ونصفها جذعة تم لها نصف سنة. وتعتبر السلامة ولا تعبر القيمة، فلا يدفع من الإبل ولا من الغنم ولا من البقر المعيب، بل تكون سالمة من العيوب التي لا تجزئ معها في الأضحية، ومعلوم أنه لا يضحى بالعوراء ولا بالعرجاء ولا بالمريضة، ولا بالحتماء التي ذهبت ثنايها من أصلها، ولا بالجرداء التي نشف ضرعها، ولا بالهزيلة التي لا مخ فيها، فكذلك لا تدفع التي فيها هذه العيوب في الدية. ولا تعتبر القيمة، فلو كان بعضها رخيصاً وبعضها غالياً فيلزم أهل الدية أن يأخذوها ولو تفاوتت قيمتها، فهذه دية الرجل الحر المسلم.

دية المرأة المسلمة الحرة

دية المرأة المسلمة الحرة دية الأنثى نصف دية الرجل من أهل دينها، فالمسلمة نصف دية المسلم، والذمية نصف دية ذمي، والمجوسية نصف دية مجوسي، وأما جراح المرأة فإنها تساوي جراح الرجل فيما دون ثلث الدية، وإذا بلغت ثلث الدية أو أكثر فهي على النصف، وذكروا أن ربيعة بن عبد الرحمن سأل سعيد بن المسيب: كم دية الإصبع من المرأة؟ قال: عشر من الإبل. قال: فكم في إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل. قال: فكم في ثلاثة أصابع؟ قال: ثلاثون من الإبل. قال: فكم في أربعة أصابع؟ قال: عشرون من الإبل. فقال: لما عظمت مصيبتها نقص قدرها؟! فقال سعيد: هكذا جاء الشرع، فإن دية المرأة على النصف من دية الرجل. فدية المرأة خمسون من الإبل، فلو أعطيناها في أربعة أصابع أربعين لكانت مقاربة لديتها الكاملة، فلذلك لا يكون لها إلا نصف الدية، كما لو قطعت يدها، فيد الرجل فيها خمسون من الإبل أو خمسون ألف ريال، ويد المرأة فيها خمسة وعشرون ألف ريال نصف ما في دية يد الرجل، فدية المرأة على النصف من دية الرجل، إلا أن الجراح مثل الرجل حتى تصل إلى ثلث الدية.

دية الكتابي الحر

دية الكتابي الحر الكتابي الحر الذي له ذمة وله عهد ويؤدي الجزية خاضعاً للمسلمين ديته نصف دية المسلم، فدية الحر من أهل الكتاب الذميين نصف الحر من المسلمين خمسون من الإبل، وهي خمسون ألفاً بالريال، ودية المرأة من أهل الذمة -أي: من اليهود والنصارى الذين لهم ذمة- خمسة وعشرون ألف ريال نصف دية الرجل.

دية المجوسي

دية المجوسي المجوسي الذي لا دين له، وكذلك الوثني دية الواحد منهما ثمانمائة درهم، ودية المرأة أربعمائة درهم، وانظر الفرق! فالفرق كبير، فدية الكتابي ستة آلاف درهم، والمرأة إذا كانت كتابية ديتها ثلاثة آلاف درهم، وأما الوثني إذا كان له عهد أو المجوسي فديته أقل من الألف، ثمانمائة فقط، أي أنه أقل من المرأة، فالمرأة من أهل الكتاب ديتها ثلاثة آلاف، ودية المجوسي ثمانمائة، فدية المجوسي والوثني أقل من نصف سدس دية الرجل الحر المسلم، تقريباً ثلثا نصف السدس من دية الرجل الحر المسلم، أو تكون مثلاً ثلثي سدس دية الحر الكتابي.

دية الرقيق وأرشه

دية الرقيق وأرشه قال: [ودية رقيق قيمته] . الرقيق المملوك ليس له دية إنما له ثمن؛ لأنه سلعة يباع ويشترى، فإذا جني عليه أو قتل فديته قيمته، فينظر كم يساوي لما كان حياً؟ يساوي ألفاً، أو يساوي عشرة آلاف، أو يساوي خمسين ألفاً، فتدفع ديته بالقيمة التي يساويها، سواءٌ أكانت مثل دية الحر أم أكثر أم أقل؛ لأنه فَّوته على سيده، ولأنه مال متقوم. قال: [وجرحه إن كان مقدراً من الحر فهو مقدر منه منسوباً إلى قيمته، وإلا فما نقصه بعد برء] . يقولون: كل ما كان مقدراً من الحر يكون مقدراً من العبد بالنسبة، فإذا قطعت يد العبد ففيها نصف قيمته، كما أن يد الحر فيها نصف ديته، وإذا فقئت عين العبد ففيها نصف قيمته ولو لم ينقص إلا قليلاً؛ لأن هذا مقدر من الحر، فإذا قدرنا هذا العبد بعشرين ألفاً، ولما فقئت عينه صار يساوي ثمانية عشر ألفاً فما نقصت العين إلا ألفين، ولكن العين فيها نصف الدية من الحر، فعلى ذلك الجاني نصف قيمة العبد، أي: عشرة آلاف. هذا معنى قوله: [وجرحه إن كان مقدراً من الحر فهو مقدر منه منسوباً إلى قيمته، وإلا فما نقصه بعد برء] ، فينظر في ذلك إلى الجرح، وينظر كم أنقصه، فيقال -مثلاً-: إنه شجه في وجهه، وجرحه في وجهه، والجرح الذي لا يصل إلى العظم ليس بمقدر، فقدروا قيمة العبد قبل أن يجرح بعشرين ألفاً، وقدروا قيمته لما كان فيه هذا الجرح، فهذا الجرح أنقصه ألفاً، فيقال: ادفع -أيها الجاني- ألفاً، وليس لك يا -سيد- إلا هذا المقدار، ويكون ذلك بعدما يبرأ الجرح.

دية الجنين الحر

دية الجنين الحر قال: [ودية جنين حر غرة موروثة عنه] . الجنين هو الحمل، والغرة هي العبد أو الأمة، هكذا في قصة الهذليتين لما قتلت امرأة لرجل من هذيل ضرتها، ضربتها بحجر فماتت هي وحملها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في حملها بغرة عبد أو أمة، وقضى بديتها على عاقلة القاتلة، فقال ذلك المجني عليه: كيف ندي من لا أكل ولا شرب ولا استهل، فمثل ذلك يطل؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما هذا من إخوان الكهنة) من أجل سجعه الذي سجع، وألزمه بأن يدفع دية الجنين، مع أنه مات قبل أن يخرج إلى الدنيا، فما أكل ولا شرب ولا استهل صارخاً، قال: فمثل ذلك يطل. يعني: يهدر من الدية. فهذه الغرة تورث عنه، فيقدر أنه حي، وأنها أخذت قيمة له، فيرثها من يرثه، وإذا جنى رجل على امرأة فضرب بطنها فأسقطت جنيناً قد تبين فيه خلق الإنسان ألزمنا ذلك الجاني بهذه الغرة، وتكون موروثة بين أبيه وأمه كميراث، وقيمتها عشر دية أمه، ودية المرأة عندنا خمسون ألفاً، فعشرها خمسة آلاف ريال، فالآن يحكمون في دية الجنين على الجاني في الإسقاط بخمسة آلاف، فإذا اعتدى إنسان على امرأة وضربها حتى أسقطت فإن عليه عشر ديتها، أي: خمسة آلاف ريال سعودي.

دية الجنين القن

دية الجنين القن إذا كان الحمل قناً، كما إذا وجدت أمة مملوكة، ولما كانت حاملاً ضربها رجل أو ضربتها امرأة وأسقطت وأجهضت فما دية ذلك الإجهاض؟ ديته عشر قيمة الأمة، فنقدر كم تساوي هذه الأمة، فنقول: تساوي عشرة آلاف. فهذا الجنين فيه ألف، أي: عشر القيمة. [وتقدر الحرة أمة] . إذا قدر -مثلاً- أنه ليس هناك إلا حرة ولم يكن لها قيمة فتقدر هذه الحرة بأنها أمة حتى ينظر في قيمة الجنين.

جناية الرقيق

جناية الرقيق يقول: [وإن جنى رقيق خطأ أو عمداً واختير المال أو أتلف مالاً بغير إذن سيده خير سيده بين فدائه بأرش جناية أو تسليمه لوليها] . الرقيق المملوك قد يجني، فلو أن هذا العبد المملوك تعدى على إنسان وجرحه في رأسه، أو فقأ عينه، أو قطع يده، أو قلع أسنانه، فجنايته قد تكون خطأً وقد تكون عمداً، فالجناية تتعلق برقبته، فالمجني عليه الذي فقئت عينه يقول: هذا الذي جنى علي أنت سيده، وأنا لي حق فيه. فإذا قال ذلك المجني عليه الذي فقئت عينه: أريد القصاص، أريد أن أفقأ عين هذا العبد كما فقأ عيني. له ذلك؛ لعموم قوله: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة:45] ، أما إذا قال: لا حاجة لي بفقء عينه أو بقطع أنفه، ولكن أريد المال، فهذا قد اعتدى على عيني، أو قطع شفتي، أو قلع أسناني، أو قطع إصبعي، وأنا بحاجة إلى المال. فاختار المال فأنت -يا سيد- لك الخيار، إما أن تدفعه إليهم وتقول: خذوه عبداً لكم بهذه الجناية، أو تدفع هذه الدية وتسلمها إلى أولياء المجني عليه، وذلك لأن هذه الجناية تعلقت برقبته. وهكذا لو أتلف مالاً بغير إذن سيده، فلو أنه -مثلاً- حطم سيارة، أو عقر جملاً، أو قطع شجرة، أو هدم جداراً بغير إذن سيده فأصحاب هذه السيارة أو هذا المال قالوا: يا سيد! هذا عبدك هو الذي كسر سيارتنا، فأعطنا قيمتها. فنظرنا وإذا السيارة لا يصلحها إلا عشرون ألفاً، والعبد قيمته ثلاثة آلاف، فيقول: لا أعطيكم أي شيء، ولكن خذوا العبد لكم، هذا العبد هو الذي جنى عليكم، لا أدفع لكم أكثر من قيمته. فلهم أن يأخذوه ملكاً، أما إذا كانت قيمة إصلاح السيارة خمسة آلاف والعبد قيمته عشرة آلاف فقال: أنا أفديه فله ذلك، فيدفع الخمسة الآلاف فداء له، ويبقى العبد مملوكاً له، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من بلغ ولم يصم جاهلا بوجوب الصوم

حكم من بلغ ولم يصم جاهلاً بوجوب الصوم Q بلغت سن الثانية عشرة من عمري، وظهرت علي علامات البلوغ من الاحتلام ونبوت شعر العانة وغير ذلك، وبقيت إلى بلغ عمري أربع عشرة سنة ولا أعلم أحكام ذلك حتى حضرت الدروس العلمية، ولم أصم في تلك السنتين، فماذا علي؟ A بالنسبة لصلاة يعفى عنها، وأما بالنسبة للصيام فلابد من القضاء، فإن الصلاة كثيرة، فهي صلاة سنتين، ولو كلف بقضائها لشق عليه، ولكن يكثر من النوافل، وأما الصيام فصيام شهرين، فيصومها ولو متفرقة أيامهما، ويكفر بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً عن التأخير.

تعين الدية بموت الجاني

تعين الدية بموت الجاني Q إذا اختار أولياء الدم القصاص ثم مات الجاني هل تتعين الدية؟ A مذكور في المتن أنه إذا مات الجاني تعينت الدية، حتى ولو كانوا قد قالوا: لا نريد إلا القصاص. لكن فات الأوان.

سراية الجناية في القصاص

سراية الجناية في القصاص Q إذا قرر الطبيب الجنائي عدم سراية الجناية في حال القصاص، ثم وقع أن سرت الجناية، فعلى من الضمان؟ A الصحيح أنه إذا أسقط حقه وقال: أريد القصاص فقيل له: اصبر حتى يبرأ جرحك فتعجل وقال: أريد أن أقتص فاقتص، ثم سرت الجناية فقد سقط حقه قياساً على ما ذكر في قصة الرجل الذي طعن بقرن في ركبته، وأما إذا ظهر البرء ثم اقتص وسرت الجناية فإن الجاني يضمن.

حكم المعلم لو ضرب التلميذ فكسر أنفه

حكم المعلم لو ضرب التلميذ فكسر أنفه Q نهى النبي صلى الله لعيه وسلم عن الضرب في الوجه، فلو ضرب المؤدب تلميذه في وجهه من غير إسراف فانكسر أنف الولد، فهل يضمن لأنه فعل ما ليس مأذوناً له شرعاً؟ A الصحيح أنه إذا ضربه في الوجه فقد عصى، قال النبي صلى الله لعيه وسلم: (إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه) ، والمؤدب لا يضرب في الوجه؛ لأن في الوجه الحواس، فيه العينان، وفيه الأنف، وفيه الشفتان، وفيه الفم، فلا يضرب في الوجه، ولأن آثار الضرب في الوجه تكون شيناً، فإذا تعمد وضرب في الوجه فإنه يضمن، وأما إذا لم يتعمد بأن أومأ بيده والطفل هو الذي تحرك حتى قابل تلك الضربة بوجهه ففي هذه الحال لا يضمن.

حكم اللقطة في محطة القطار

حكم اللقطة في محطة القطار Q يقول: وجدت مبلغاً من المال في محطة القطار، فهل أسلمه لجهة خاصة كالشرطة مثلاً، وماذا أفعل بهذا المبلغ؟ A عليك أن تعرفه إذا كان كثيراً بأن تعلن عنه، ولا تذكر أوصافه، فإذا جاءك من يصفه ادفعه إليه، وإذا أيست من أنه سوف يعرف، أو عجزت عن التعريف والإنشاد له فيستحب أن تتصدق به.

حكم قتل السيد عبده

حكم قتل السيد عبده Q ماذا لو قتل السيد عبده، فممن تكون المطالبة والمنازلة للدية وغير ذلك؟ A على السيد أو على ورثته، إلا إذا أعتقه فإنها تتعلق برقبته.

إذا طلبت زوجة المقتول الدية وأولياؤه يريدون القصاص

إذا طلبت زوجة المقتول الدية وأولياؤه يريدون القصاص Q إذا اتفق الورثة كلهم بما فيهم الأب والأم والإخوة على قتل الجاني، وطلبت الزوجة الدية هل يؤخذ بقولها، علماً أن الزوجة قد تكون من قبيلة القاتل فتقف مع أهلها، وهذا مما يسبب فتناً كثيرة؟ A صحيح أن هذا يقع كثيراً، ولذلك ذهب بعض العلماء المتقدمين إلى أن الزوجة إذا كانت أجنبية فلا يعتبر طلبها للدية، وإذا طلبت أعطيت بقدر الدية، هكذا قالوا، وذلك لأن القصاص حق للأولياء، وهي أجنبية لا يهمها قتل ذلك الجاني أو لم يقتل، إنما تريد المال، وقد ذكرنا بعض القصص، فأولياء القاتل ذهبوا إلى المرأة الأجنبية، وكان حظها من الدية -مثلاً- اثني عشر ألفاً وخمسمائة، فأعطوها مائة ألف أو خمسين ألفاً، وقالوا: اطلبي الدية. فلما طلبت الدية سقط القصاص، وتضرر وتألم أولياء القتيل.

الحكومة فيما لا يمكن القصاص فيه من الأطراف

الحكومة فيما لا يمكن القصاص فيه من الأطراف Q إذا قطعت يده من وسط الذراع، واختار أن تقطع يد الجاني من أصل الكف هل له أرش زائد؟ A نعم. فاليد تطلق على اليد كلها إلى المنكب، وهذا لما قطعت يده من نصف الذراع قلنا له: لا تقطع إلا الكف، لأنه مفصل، فقطع الكف من الجاني وقال: أنا قد قطع نصف ذراعي. فهذا النصف الذي قطع فيه حكومة، فيعطيه الحاكم قيمة نصف الذراع.

معنى السراية

معنى السراية Q ما معنى كلمة: (السراية) ؟ A السراية: هي تأثر الجرح إلى أن يحصل منه إما موت وإما تآكل. فيقال -مثلاً-: قطع الإصبع فتسمم الكف، فسرى ذلك التأثر والتسمم فأبطل حركة الأربعة الأصابع فقطعت، فسرى من إصبع إلى أربعة أصابع، وقد يسري أيضاً إلى النفس، فالسراية هي تعدي أثر الجرح أو أثر الجناية أو أثر القود.

القود من الجاني إن كان مصابا بمرض السكر

القود من الجاني إن كان مصاباً بمرض السكر Q إذا كان الجاني مصاباً بمرض السكر هل يسقط عنه القصاص مماثلة؟ A الظاهر أنه لا يسقط إلا بإسقاط المجني عليه؛ لأنه يريد حقه من القصاص، والسكر يمكن أن يعالج حتى لا يتأثر.

حكم من يريد إنقاذ رجل فاختنق بسببه ومات

حكم من يريد إنقاذ رجل فاختنق بسببه ومات Q رجل سقط في حفرة، ثم جاء أناس لإنقاذه فربطوه بحبل، ولما أخذوا يسحبونه ليخرجوه من الحفرة خنق بهذا الحبل فمات، فهل يضمنونه؟ A الظاهر أنهم يضمنون إذا جعلوا الحبل في عنقه فمات، وأما إذا ربطوا الحبل بيديه أو ربطوه بفخذيه أو في صدره فالغالب أنه لا يموت بذلك، فلا يضمنون.

حكم تزويج الأب لولده

حكم تزويج الأب لولده Q ذكر أن على السيد تزويج عبده إذا طلب ذلك، وتزويجه عليه واجب، فما حكم تزويج الرجل ولده الحر؟ A يلزمه إذا كان قادراً، ولكن الحر يقدر أن يتكسب، فيقول: يا ولدي! أنا عاجز، وليس عندي مال أكفيك، ولكن تَكَسَّب واشتغل واحترف حتى تجمع مالاً لتزوج نفسك. وأما العبد فإنه مملوك لا يقدر أن يتكسب لنفسه، فهو يقول لسيده: إما أن تزوجني، وإما أن تعتقني، وإما أن تبيعني، ولا تتركني عزباً؛ لأني لا أقدر أن أتكسب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [78]

شرح أخصر المختصرات [78] جاءت هذه الشريعة بالعدل، ومما يبين ذلك القصاص والديات في النفوس والأطراف، وهي في ذلك حكيمة رحيمة، ومما يبين ذلك مشروعية تعاون العاقلة مع الجاني خطأً دون الجاني عمداً.

دية الأطراف

دية الأطراف قال رحمه الله تعالى: [فصل: ومن أتلف ما في الإنسان منه واحد كأنف ففيه دية نفسه، أو اثنان أو أكثر فكذلك، وفي أحد ذلك نسبته منها، وفي الظفر بعيران، وتجب كاملةً في كل حاسة، وكذا كلام وعقل ومنفعة أكل ومشي ونكاح، ومن وطء زوجة يوطأ مثلها لمثله فخرق ما بين مخرج بول ومني، أو ما بين السبيلين فهدر، وإلا فجائفة إن استمسك بول، وإلا فالدية. وفي كل من شعر رأس وحاجبين وأهداب عينين ولحية الدية، وحاجب نصفها وهدب ربعها، وشارب حكومة، وما عاد سقط ما فيه. وفي عين الأعور دية كاملة، وإن قلعها صحيح أقيد بشرطه، وعليه أيضاً نصف الدية. وإن قلع ما يماثل صحيحته من صحيح عمداً فدية كاملة، وإلا قطع كغيره. وفي الموضحة خمس من الإبل، والهاشمة عشر، والمنقلة خمسة عشر، والمأمومة ثلث الدية كالجائفة والدامغة، وفي الخارصة والبازلة والباضعة والمتلاحمة والسمحاق حكومة. فصل: وعاقلة جانٍ ذكور عصبته نسباً وولاءً، ولا عقل على فقير وغير مكلف ومخالف دين جانٍ، ولا تحمل عمداً ولا عبداً، ولا صلحاً ولا اعترافاً، ولا ما دون ثلث الدية. ومن قتل نفساً محرمةً غير عمد، أو شارك فيه فعليه الكفارة، وهي ككفارة ظهار إلا أنه لا إطعام فيها، ويكفر عبد بالصوم. والقسامة أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم. وإذا أتمت شروطها بدئ بأيمان ذكور عصبته الوارثين، فيحلفون خمسين يميناً كل بقدر إرثه ويجبر كسر، فإن نكلوا، أو كان الكل نساءً حلفها مدعًى عليه وبرئ] .

دية ما في الإنسان منه واحد

دية ما في الإنسان منه واحد إذا قتل الجاني نفساً فالدية -كما تقدم- مائة من الإبل، وتصح أن تكون الدية من البقر أو من الغنم أو من الذهب أو من الفضة، والأطراف فيها دية، وذلك لأن ذهابها خلل على الإنسان، وهذه الأطراف والحواس التي في الإنسان ما كان منها واحداً ففيه الدية كاملة، سواءٌ أكانت منفعته كثيرة أم قليلة، والذي في الإنسان منه واحد ثلاثة: الأنف، فإذا قطعت الأنف من أصله ففيه الدية، واللسان، فإذا قطع من أصله بحيث تعطل الكلام ففيه الدية كاملة، والذكر، فإذا قطع من أصله ففيه الدية كاملة. أما إذا قطع بعض ذلك ففيه نسبته، فإذا قطع نصف اللسان أو نصف الذكر أو مقدم الأنف فإن فيه نصف الدية أو بقدر ما قطع منه، وذلك لأن هذه فيها منافع، ومنافعها ظاهرة وإن كانت تتفاوت، فالأنف منفعته في الجمال، نصبه الله تعالى في مقدم وجه الإنسان زيادة في الجمال، فإذا قطع فإن فيه القصاص، قال الله تعال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ} [المائدة:45] ، فجعل في الأنف قصاصاً. وأما اللسان فلا شك أن منفعته عظيمة، وأجل منفعته النطق، وأكثر الحروف إنما هي من حركة اللسان، ومن منفعته أيضاً الذوق، فإنك إذا وضعت على لسانك حامضاً أو حالياً أو مراً فبه تعرف الطعم، فالطعوم غالباً إنما تميزها بلسانك، ولو وضعتها في يدك لم تعرف هل هذا الشيء مالح أو حامض أو حالٍ أو مر حتى تضعه في لسانك، فاللسان فيه هذه الفائدة التي هي الذوق، وكذلك أيضاً اللسان يحرك الأكل في الفم، فهو يجمع الأكل ويفرقه، فله فوائد عظيمة ولو أنه شيء خفي لا يبرز وينطبق عليه الفم، ففائدته عظيمة، فلذلك فيه الدية. والذكر أيضاً فيه فائدة الاستمتاع ونحوه، فهذه ثلاثة أشياء ليس بالبدن منها إلا واحد من كل واحد، لكن قالوا: إن الأنف يحتوي على هذه الثلاثة الأطراف: المنخران والحاجز بينهما، فلو أن إنساناً قطع أحد المنخرين وترك المنخر الآخر وترك الحاجز فعليه ثلث الدية، فإذا قطع المنخرين وترك الحاجز فعليه الثلثان، وإذا قطع الحاجز وترك المنخرين فعليه الثلث، فالأنف يكتمل على هذا الحاجز وعلى طرفي الأنف اللذين هما طرفا المنخرين، ففي كل جزء ثلث الدية، وفي الجميع الدية كاملة إذا قطع الأنف بحاجزه ومنخريه.

دية ما في الإنسان منه اثنان

دية ما في الإنسان منه اثنان وأما الذي في الإنسان منه اثنان فالعينان، جعلهما الله تعالى اثنتين لحكمة، فإن إحداهما قد تمرض أو قد تذهب فيبصر بالأخرى، فيكون البصر كاملاً، فإذا فقأ إحدى عينيه ففيها نصف الدية، وإن فقأ العينين ففيهما الدية كاملة، وكذلك الأذنان، وقد تقول: الإذن ليست هي التي يسمع بها، ولكن الذي يسمع به هو الصماخ الداخل في الرأس! ولكن هذه الأذن الظاهرة تتلقى الصوت، ولذلك جعلها الله تعالى متوجهة نحو الصوت، فيقرع الصوت فيها ويدخل في الصماخ فيحصل السماع، مع أنها لو قطعت قد يبقى السماع يدخل في الأصمخة، ولكن لها فائدة في زيادة السمع، ومع ذلك هي زينة ظاهرة، ولهذا النساء يعلقن فيها شيئاً من الحلي وهو ما يسمى بالقرط، فإذا قطعت الأذنان ففيهما الدية كاملة، وفي الواحدة نصف الدية. ومما في الإنسان اثنان الشفتان، ففي الواحدة نصف الدية وفي الثنتين كامل الدية، هذا قول الجمهور، وقال بعضهم: إن الشفة السفلى أكثر فائدة. فجعل بعضهم فيها ثلثي الدية، وذلك لأنها تلقف الطعام وتلقف الشراب، ومع ذلك فمنفعتهما لا تتم إلا باجتماعهما، وفيهما مخرج بعض الحروف كالباء والميم، وكذلك بانضمامهما عند الكلام ينطق بالواو، ففيهما إعانة على الكلام، ومصلحتها ظاهرة، ففيهما الدية. وهكذا اليدان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، والرجلان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، والثديان من المرأة فيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وفي الرجل ثندؤتان مكان الثديين، فإذا قطعتا ففيهما الدية، كذلك أيضاً في الإنسان الإليتان، ومنفعتهما ظاهرة، يجلس عليهما، ويرتفق بهما، ففيهما الدية، وكذلك في الرجل الأنثيان -الخصيتان- فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، وأشباه ذلك.

دية الأعضاء الباطنة

دية الأعضاء الباطنة اختلف في الأعظاء الباطنة هل فيها الدية؟ فالأولون ما تصوروا ذلك، ولكن في هذه الأزمنة قد يتصور، ذكر لنا بعض الإخوان أن قوماً خطفوا طفلة عمرها سبع سنين، وذهبوا بها إلى إحدى المستشفيات وقالوا: هذه ابنتنا. وأحدهم قد مرضت كليتاه، فيه فشل كلوي، فشقوا بطن هذه الطفلة وأخرجوا منها كلية وجعلوها في ذلك المريض، وفقدها أهلها ولم يدروا أين هي، وبعد خمسة أيام أو ستة أيام جيء بها وألقيت عند باب أهلها، ولا تدري ماذا فعل بها، فذهبوا إلى أحد المستشفيات وكشفوا عليها فقالوا: إنها قد أخذت منها كليتها! فنقول: الكليتان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية، والرئتان فيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية إذا أخذت، وكذلك لو أخذ الطحال أو القلب أو الكبد وإن كان قد لا يعيش، ولكن قد يجعلون فيه شيئاً من عضو حيوان يعيش به مدة، فعلى هذا نقول: إن هذه أيضاً معتبر فيها القصاص، ومعتبرة فيها الدية، فمن اعتدى على أحد وقهره حتى أخذ منه كلية أو نحو ذلك فإن فيها القصاص أو فيها نصف الدية إذا أخذ إحدى الكليتين، ولو أن العلماء الأولين لم يذكروا ذلك؛ لأنهم ما تصوروا هذه العمليات الجديدة. يقول: [أو اثنان] يعني: أو كان في البدن منه اثنان ففيهما الدية، [أو أكثر] إذا كان في الإنسان أكثر من اثنين كالثلاثة -وهي المنخران والحاجز بينهما- فالثلاثة فيها الدية، والأربعة في الإنسان مثل الأجفان فهي أربعة، ففي كل عين جفنان، ففي أحدها ربع الدية، إذا قطع أحد الأجفان الأربعة ففيه ربع الدية، وإن قطع الأربعة كلها فعليه الدية كاملة؛ لأن في الإنسان هذه الأربعة.

دية الأصابع

دية الأصابع هناك ما في الإنسان منه عشرة كأصابع اليدين، فإذا قطع الأصابع العشرة فعليه الدية، وإذا قطع أصابع يد الخمسة فعليه نصف الدية، وإذا قطع واحداً فعليه عشر الدية، أي: عشر من الإبل، والأصابع متساوية، هكذا كان الصحابة يحكمون، وورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (في الإصبع عشر من الإبل) ، وكان بعضهم يفوتون بينها بقدر منفعتها، وذلك أن الإبهام منفعته أكثر من منفعة الخنصر؛ لأنه قد يقوم مقام الأربعة الأصابع كلها، فإذا قطع صعب عليه أن يمسك شيئاً بإصبعيه، أما إذا كان موجوداً فإنه يحمل شيئاً بإصبعيه ويمسك الأشياء الدقيقة مثل الإبرة أو المسمار الدقيق بهذين الإصبعين، ولا يقدر أن يمسكه بالسبابة والتي تليها، فعرف أن الإبهام منفعته كبيرة وليست كمنفعة بقية الأصابع، ومع ذلك جاء الشرع بالتسوية، وأن كل إصبع فيه عشر الدية. وهكذا أصابع الرجلين منفعتهما التمكن من المشي، يعتمد عليهما ويرتفع عليهما إذا أراد أن يرتفع، ففيهما أيضاً منفعة، فإذا قطعت أصابع الرجلين ففيها الدية، وإذا قطع واحد منها -ولو الخنصر- ففيه عشر الدية، وذلك لأنه يصدق عليه أنه إصبع، أما إذا قطع بعض الإصبع ففيه نسبته، ومعلوم أن الأصابع الأربعة كل واحد فيه ثلاث أنامل، ففي كل أنملة ثلث عشر الدية، وفي أنملتين ثلثا عشر الدية، والإبهام ليس فيه إلا أنملتان، ففي الأنملة خمس من الإبل، وفي الأنملتين عشر، سواء إبهام اليد أو إبهام الرجل، ليس فيه إلا أنملتان، ففي كل واحدة نصف عشر الدية، فهذه الأعضاء التي تتعدد في الإنسان.

دية الأسنان

دية الأسنان هناك الأسنان، ومجموع الأسنان إذا كملت اثنان وثلاثون سناً، ستة عشر من فوق، وستة عشر من تحت، وهناك نوع من الناس يقال له: الكوسج. تنقص أسنانه، ولا يكون فيه إلا ثمانية وعشرون سناً. وهذه الأسنان منفعتها ظاهرة، وهي تقطيع الأكل ومضغه حتى يصلح ليبتلع، فمنفعتها ظاهرة، فإذا قلعت الأسنان كلها ففيها الدية، وإن قلع الفك الأعلى فنصف الدية، وكذا الفك الأسفل، أما الواحد منها فورد أن في كل سن خمساً من الإبل، وهي اثنان وثلاثون، فإذا كان في كل واحد خمس فإنه إذا قطع سن أخذ خمساً، فإن قلع ثانياً فيه خمس، فيكون المجموع مائة وستون من الإبل، فهذه دية اثنين وثلاثين، ولكن الغالب أنها لا تقلع إلا مفرقة، والله تعالى ذكر فيها القصاص في قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة:45] ، وجاء في الحديث أن امرأة من الأنصار يقال لها: الربيع أخت أنس بن النضر كسرت سن جارية من الأنصار، فأراد أهل تلك الجارية القصاص، فرفعوا الأمر إلى النبي صلى الله لعيه وسلم فحكم بالقصاص، فلم يرض أخوها وقال: أتكسر ثنية الربيع؟! فقال صلى الله لعيه وسلم: (يا أنس! كتاب الله القصاص) ، فقال: والله لا تكسر ثنية الربيع. فرضي القوم بالأرش، أي: بالدية. وقوله: (كتاب الله القصاص) دليل على أن السن تكسر بالسن، أو تقلع بها إذا قلعت. فعرفنا ما في الإنسان منه اثنان، أو أكثر من اثنين إلى عشرة إلى اثنين وثلاثين وهي الأسنان، وفي أحد ذلك نسبته من الدية، فإذا كانت عشرة ففي الواحد عشر الدية، وإذا كانت ثلاثة كالمنخرين والحاجز ففي كل واحد ثلث الدية، وإذا كانت أربعة -وهي الأجفان- ففي كل واحد ربع الدية.

دية الأظفار

دية الأظفار قال: [وفي الظفر بعيران] يعني: إذا لم ينبت. إذا قلع الظفر وبقيت الأنملة -سواء ظفر الإبهام أو ظفر خنصر أو غيرهما- لم يعد ينبت ظفرها فديته بعيران، ولا شك أن منفعة هذه الأظافر ظاهرة، يحك بها جلده، ويقبض بها الشيء الدقيق كشوكة في جسده أو نحو ذلك، ففيها منفعة. والسنة تقليمها؛ لأنها إذا طالت تشوه الخلقة، ولكن لابد أن يبقى من رؤوسها ما ينتفع به، فلأجل ذلك فيها منفعة، فإذا قلع الظفر وعرف أنه لا يعود ولا ينبت مرة أخرى ففيه بعيران. فالإصبع فيها عشرة، والظفر فيه بعيران، وأنملة الإبهام فيها خمس من الإبل، والأنملة من السبابة فيها ثلاثة أبعرة وثلث، ثلث العشر، وظفرها فيه بعيران.

تعدد الدية

تعدد الدية يقول: [تجب كاملة في كل حاسة] . أي: كما أنها تجب في الأطراف فإنها أيضاً تجب في المنافع، وذلك لأن منفعتها عظيمة، فإذا أذهب حاسة من الحواس فعليه الدية كاملة، وقد يذهب منه حاستين أو أكثر فتتعدد الدية، ذكر أن رجلاً في عهد عمر رضي الله عنه ضرب رجلاً ضرباً شديداً حتى ذهب سمعه وبصره وعقله ونكاحه، فبقيت العينان لا يبصر بهما، ولا يسمع ولو كانت الأذنان موجودتين، ولو كانت العينان مفتوحتين، وذهب عقله، وذهب نكاحه فلم يعد يستطيع أن ينكح، فقضى له عمر بأربع ديات، ولما حدث بذلك الحسن البصري قال بعض الحاضرين: ما أسعده وما أكثر ما أخذ! فقال الحسن رحمه الله: لا والله! بل ما أشقاه وما أتعسه! ماذا يستفيد من حياته لا سمع ولا بصر ولا عقل ولا نكاح؟ ماذا يستفيد من هذه الحياة؟ حياته بؤس عليه، ولو مات لكان أريح له، فعرف بذلك أن هذه المنافع منافع كاملة، ففي كل واحدة الدية كاملة ولو كانت الآلة باقية، فقد يذهب ماء العينين وتبقى العين مفتوحة ولا يبصر، فإذا ضربه إنسان ضرباً شديداً في رأسه فذهب ماء عينيه. فأصبح لا يبصر فعليه الدية، وهكذا لو ضربه برأسه ضرباً أذهب سمعه بأن أصم أذنيه أو تشققت الطبلات في داخل الأذن والأصمخة فإنه يكون عليه الدية، وهكذا حاسة الشم الذي هو إدراك الروائح، هذه أيضاً منفعتها عظيمة، فإذا ضربه ففقد حاسة الشم فعليه الدية، وذلك لأن فيها منفعة، يعرف الرائحة الطيبة والرائحة المنتنة فيتجنب ما يضره، فإذا فقدها تضرر. وهكذا منفعة الكلام، فلو أنه ضربه فتعطل الكلام، فاللسان باقٍ والشفتان باقيتان، ولكن لا يستطيع أن يتكلم، ولا يستطيع أن ينطق ولو بحرف، فهذه أيضاً منفعة كبيرة، فمنفعة الكلام فيها أيضاً الدية. وكذلك منفعة النكاح إذا فقدها فيها الدية، وما ذاك إلا لأنه أذهب عنه منفعة مقصودة في هذه الحياة. ذكروا أنه لو أتلف منفعة الطعم -الذوق- ففيها الدية، وهي منفعة كبيرة، فلو تعطل فمه فلا يميز بين الحلو والحامض والمر، والأطعمة كلها لا يميزها، ولا يعرف أي طعم هذا فهذه أيضاً منفعة عظيمة زالت ففيها الدية، والحواس ذكروا أنها خمس: حاسة السمع، وحاسة البصر، وحاسة الشم، وحاسة الذوق، وحاسة اللمس، وهي التي يقولون: إنها تدرك بها الحقائق، فالإنسان يدرك الموجودات بهذه الحواس الخمس، فإذا ذهبت واحدة منها ففيها دية، فحاسة اللمس فيها الدية إذا صارت يداه لا يحس فيهما بشيء، إذا وضع يده على شيء لا يدري هل هو بارد أو حار، ولا يدري هل مس تراباً أو حجراً أو زجاجاً أو لحماً أو نحو ذلك، فهذه أيضاًَ حاسة مقصودة. وألحقوا بذلك ما لو تغير مظهر الإنسان، إذا كان الإنسان -مثلاً- وجهه أبيض أو أحمر فانقلب أسود من آثار هذا الضرب، فهذا الجاني أفقده لونه، فيكون عليه دية لأنه غيّر لون بشرته. يقول: [وكذا كلام] يعني: إذا لم يقدر على الكلام، [وعقل] إذا فقد العقل، [ومنفعة أكل] يعني: تعطل الأكل، بحيث إنه -مثلاً- صار لا يأكل إلا بمغذٍ، أو يدخل الأكل من بطنه فتعطل الأكل، [ومنفعة مشي] إذا ضربه فأقعد، أو صار معاقاً لا يمشي على رجليه. ولو كانت الرجلان موجودتين، [ونكاح] بحيث لا يستطيع أن يجامع، بطلت منفعة النكاح، فهذه كل واحدة منها فيها دية.

إفساد فرج المرأة بوطء مباح

إفساد فرج المرأة بوطء مباح يقول: [ومن وطئ زوجة يوطأ مثلها لمثله فخرق ما بين مخرج بول ومني، أو ما بين السبيلين فهدر، وإلا فجائفة] . إذا تزوج بنتا ومثلها يوطأ، أي: قد بلغت مبلغ النساء وقاربت، ولكن لعبالة ذكره فتق ما بين مخرج البول والمني أو مخرج البول والحيض فهذا هدر؛ لأنه مباح له، ولأنه ما تزوجها إلا ليطأها، والبول يخرج من المرأة من ثقب في أعلى الفرج شبية بالإحليل الذي يخرج منه البول للرجل، وأما الحيض فإنه يخرج من فتحة الفرج التي هي مسلك الذكر، فإذا فتق ما بين مخرج الحيض والبول فهذا هدر، وكذلك لو فتق ما بين السبيلين -أي: ما بين الفرج والدبر- فهو هدر أيضاً إذا كانت يوطأ مثلها لمثله. وأما إذا كان لا يوطأ مثلها لصغرها أو لكبره هو ولعبالة ذكره، وتزوجها وزفها أهلها إليه فوطئها، لكن لا يوطأ مثلها لصغرها أو لأنها لا تتحمل، فإذا حصل هذا الضرر ففيها جائفة، والجائفة هي الطعنة التي تصل إلى الجوف أياً كانت، إذا طعنه -مثلاً- في بطنه طعنة وصلت إلى أمعائه فهذه جائفة، وديتها ثلث الدية، أي: ثلاث وثلاثون وثلث من الإبل، أو نحوها، فتعتبر هذه الجائفة، وإذا فتقها وصار البول لا يستمسك فإن فيها الدية، وكذلك لو أن إنساناً ضرب رجلاً في أسفل بطنه -أي: فوق المثانة- فانفجرت المثانة وصار البول لا يستمسك، فهذا الذي اعتدى عليه دية كاملة؛ لأنه أفسد منفعة عظيمة. وكذلك لو ضربه في أسفل ظهره فلم يستمسك الغائط، وبقي لا يقدر على أن يمسك الغائط فعليه أيضاً دية كاملة، وذلك لعظم هذه المنفعة التي فوتها، وهذا إذا عرف أنه لا يمكن علاجه، وأنه يبقى هكذا بقية حياته.

دية الشعر

دية الشعر يقول بعد ذلك: [وفي كل من شعر رأس وحاجبين وأهداب عينين ولحية الدية كاملة] . هذه الشعور أنبتها الله تعالى زينة، فإذا أذهبها فعليه الدية كاملة، وأسهلها شعر الحاجبين، فلو أن إنساناً سلخ الحاجب بالموسى فقطع الحاجب ومنابته، وبقي مكانه ليس فيه شعر فقد أذهب هذه المنفعة، والحاجب أولاً جمال، وثانياً فيه حماية للعين وما يتساقط من الغبار أو من الشعر حتى لا تتأذى العينان، فإذا أزال هذا الشعر ولم يعد فعليه الدية كاملة، وكذلك أهداب العينين، فلو أنه سلخ رأس الحاجب ولم يعد ينبت الهدب فعليه الدية كاملة، في كل جفن إذا سلخ هدبه ربع الدية، وفي عين واحدة إذا سلخ منها الجفنين ولم يعد ينبت نصف الدية، وفي العين الأخرى أيضاً نصف الدية، وهذه الأهداب منفعتها عظيمة، ولهذا توجد حتى في بهيمة الأنعام، فجعل الله تعالى في مشافر العينين منها هذه الأهداب حماية للعين مما يسقط فيها؛ لأن العين جوهر لطيف تحتاج إلى حماية وإلى حرص، وجعل الله الحاجبين لحفظ العينين من الأتربة والغبار ونحو ذلك، ولو أزيل هذا الشعر لنقصت، ولصارت عرضة لما يقع فيها من شعر وغبار وتراب وما أشبه ذلك. وكذلك شعر اللحية، فاللحية زينة للرجل، خص الله تعالى بها الرجل وميزه بها عن المرأة، فهذه اللحية زينة وجمال، فلو أن إنساناً سلخ جلدتها أو كواها حتى صارت لا تنبت فعليه الدية كاملة، إذا أذهب جمالها وأذهب زينتها فعليه الدية، حتى ولو كانت خفيفة لم ينبت منها إلا شعرات في أسفل الذقن فسلخت وأزيل مكانها ولم تعد تنبت فعليه الدية، وإذا أذهب بعضها فعليه الدية بالنسبة، واللحية اسم للشعر النابت على اللحيين وعلى الذقن، واللحيان هما منبت الأسنان السفلى، فلو أنه سلخ الخد الأيمن أو كواه وتعطل نباته فلا شك أنه يكون قد شوه المنظر، فعليه ثلث الدية، وإذا سلخ الخدين فعليه ثلثا دية، وإذا سلخ اللحية كلها أو كواها فعليه الدية كاملة. وبذلك يعرف فضل الإسلام، حيث إن الإسلام حافظ على منافع الإنسان وعلى أعضائه، وجعل في كل منها دية حتى لا يتعدى أحد على أحد، مع أننا في هذه الأزمنة ابتلينا بمن يعادي اللحية ويستهين بأمرها ويواظب دائماً على إزالتها، فلو علم أنها شرف، وأنها زينة وجمال، وأن الشرع جعل فيها الدية كاملة لعرف قدرها. وكذلك شعر الرأس هو أيضاً جمال، أنبته الله تعالى زينة، فهو يقي من حر الشمس أو نحوه، فإذا سلخ الرأس أو كواه ولم يعد ينبت فإن فيه الدية، فهذه أربعة شعور: شعر الرأس، وشعر الحاجبين، وشعر الأهداب، وشعر اللحية، كل واحد منها فيه الدية كاملة. قال: [وفي بعضها النسبة] ، ففي حاجب واحد نصف الدية، وفي هدب جفن واحد ربع الدية، وكذلك إذا سلخ أو كوى نصف الرأس ففيه نصف الدية، فإن كوى ثلثه فثلث الدية، وهكذا. أما الشارب فلم يجعلوا فيه دية، وإنما جعلوا فيه حكومة، وذلك لأنه مأمور بقصه ومأمور بحفه، والحكومة أن يقدر كأنه فيه الشارب كم قيمته لو كان مملوكاً وكم قيمته إذا سلخ شاربه ولم يعد ينبت، فينظر الفرق، فتكون فيه تلك النسبة. قال: [وما عاد سقط ما فيه] . لو أنه -مثلاً- كوى الحاجبين ودفعت الدية، وبعد ذلك عولج الحاجب فنبت سقط ما فيه، وإنما يكون عليه عقوبة تلك الجناية التي هي كيه أو سلخه أو ما أشبه ذلك.

دية عين الأعور

دية عين الأعور قال: [وفي عين الأعور دية كاملة] . الأعور الذي ليس له إلا عين واحدة، فهذه العين يكتب بها ويمشي بها ويقرأ بها ويرى بها البعيد، قد انحصر بصره في هذه العين، فجاءه إنسان ففقأ هذه العين فأذهب بصره، فيقول: أنت أذهبت بصري، أنا بعد إصابة هذه العين صرت أعمى، وقبلها كنت بصيراً كما أنك تبصر! فإذا قال ذلك المعتدي: أنا ما فقأت إلا عيناً واحدة نقول: إنك أذهبت البصر، فعليك دية كاملة. ولو أن إنساناً له عينان فقأ عين الأعور، ولما فقأها قال ذلك الأعور: أنا أريد القصاص وأريد الدية. ففي هذه الحال تقلع عين الصحيح المماثلة لها، وعليه مع ذلك نصف الدية؛ لأنه أذهب بصره، فإذا كانت عين الأعور هي العين اليمنى وفقأها إنسان له عينان فقال الأعور: أريد القصاص تفقأ عين الصحيح اليمنى، ومع ذلك يدفع نصف الدية؛ لأن العين التي فقأها فيها الدية كاملة؛ لأنها قائمة مقام عينين.

حكم الأعور إن فقع عين آخر

حكم الأعور إن فقع عين آخر يقول: [وإن قلع ما يماثل صحيحته من صحيح عمداً فدية كاملة، وإلا قطع كغيره] . صورة ذلك: الأعور اعتدى على إنسان بصير، فالأعور عينه اليمنى صحيحة، فاعتدى على إنسان وفقأ عينه اليمنى عمداً، ففي هذه الحال الصحيح يقول: أريد أن أفقأ عينه اليمنى لأنه فقأ عيني اليمنى. فيقال: إذا فقأت عينه اليمنى صار أعمى، فما له إلا هذه العين، ولكن هو يفدي نفسه بدية كاملة، وذلك لأنك إذا فقأت عينه أذهبت بصره، فيكون لذلك الصحيح دية كاملة، مع أنه ما فقأ منه إلا عيناً؛ لأنه يريد القصاص ويقول: أريد أن أفقأ عينه كما فقأ عيني. فنقول له: إنه ليس له إلا عين واحدة، وأنت قد بقي لك عين، فإن فقأت عينه فإنك تدفع له نصف الدية، وإلا فهو يدفع لك الدية كاملة فداءً لعينه. أما بقية الحواس فإن فيها نصف الدية أو فيها القصاص، فإذا كان إنسان ليس له إلا أذن واحدة، ثم إنه قطع أذن إنسان صحيح نقول: ليس فيها إلا نصف الدية، أو فيها القصاص. وكذلك إنسان ليس له إلا أذن جاءه رجل وقطعها، وأصبح ليس له أذنان، فماذا يجب عليه؟ إما القصاص بأذن واحدة وإما نصف الدية، وكذلك إنسان مقطوعة إحدى يديه، ثم إنه جاءه إنسان فقطع اليد الأخرى، فليس عليه إلا نصف الدية، أو القصاص بأن يقطع اليد التي تماثل يده، فالمعتدي يقول: أنا قطعت يده اليسرى اقطعوا يدي اليسرى، فإذا قال ذلك الأشل: بل أقطع يديك لأنك حسرتني، فأنا الآن ليس لي يدان. يقول: لست أنا الذي قطعت الأولى، قطعها غيري، ويمكن أنك اقتصصت، ويمكن أنك أخذت دية، ويمكن أنك سارق قطعت يدك، فأنا ما قطعت منك إلا يداً واحدة، فاقطعوا يدي التي تماثلها.

أحكام الشجاج

أحكام الشجاج انتهى المؤلف مما يتعلق بالأطراف، وبقيت أحكام الشجاج، والشجاج هي الضربات التي في الرأس أو في الوجه، فالضربة في الرأس أو في الوجه تسمى شجاً، والضربة التي في العنق أو في العضد أو في الصدر أو في البطن تسمى جرحاً.

ما فيه حكومة

ما فيه حكومة ذكروا أن الشجاج عشر، منها خمس ليس فيها إلا حكومة، ومنها خمس فيها شيء مقدر. فالخمس التي فيها حكومة أولها: الحارصة. وذكرها هنا بلفظ (الخارصة) ، والصواب: الحارصة، وهي التي تحرص الجلد ولا تشقه، فهذه ليس فيها إلا حكومة. الثانية: البازلة. وهي التي تشق الجلد ولا تدمي، لا يخرج دم من جلده إلا أنه انشق الجلد. الثالثة: الباضعة التي تشق الجلد وتدميه. وتسمى أيضاً: الدامية، وهي التي يخرج منها دم. الرابعة: المتلاحمة التي تغور في اللحم ولا تصل إلى العظم، فهي متلاحمة. الخامسة: السمحاق التي تقرب من العظم، ولا يبقى بينه وبين العظم إلا قشرة رقيقة تسمى السمحاق. فهذه خمس -حارصة، وبازلة، وباضعة، ومتلاحمة، وسمحاق- ليس فيها إلا الحكومة، بأن يقال: لو كان هذا الإنسان عبداً مملوكاً فكم تنقصه هذه الشجة؟ فإذا قالوا: تنقصه. ربعه عشره. نصف عشره فإن فيها تلك النسبة من دية الإنسان الحر ذكراً أم أنثى.

ما فيه دية

ما فيه دية أما الخمس التي فيها دية فهي الموضحة، والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة، والدامغة، فهذه فيها مقدر. والموضحة: هي التي تصل إلى العظم حتى يتضح العظم، فتقرع في العظم، فهذه فيها خمس من الإبل. والهاشمة: هي التي تهشم العظم ولا تكسره، وعلامة ذلك أن المقدرين للشجاج يأخذون رأس المخيط ثم ينظر فيه، فإذا كان رأس المخيط لا يتوقف فهي موضحة، فإذا كان يتوقف في بعض دل على أنها كسرت العظم، ففيها عشر من الإبل، وتسمى الهاشمة. الثالثة: المنقلة، وفيها خمس عشرة من الإبل، وهي التي تخرق العظم، بحيث إن الميل يدخل في ذلك الخرق، فقد تمايزت العظام وانتقلت من هنا ومن هنا من شدة الضربة. الرابعة: المأمومة، وهي التي تصل إلى أم الدماغ، فهذه فيها ثلث الدية، ثلاثٌ وثلاثون من الإبل. الخامسة: الدامغة، وهي التي تخرق جلدة الدماغ، فإذا وصلت إلى أم الدماغ ولم تخرق فهي مأمومة، وإذا وصلت إليها وشقت الجلد فإنها تسمى دامغة، فهذه فيها ثلث الدية مثل المأمومة. أما الجائفة فهي التي تصل إلى الجوف من أي مكان، فإذا طعنه -مثلاً- في صدره ووصلت الطعنة إلى الجوف فهي جائفة، أو طعنه في بطنه بسكين ووصلت إلى الأمعاء فهي جائفة، وإن رماه -مثلاً- بسهم فدخل من الأمام وخرج من الخلف فهي جائفتان: جائفة من قدّامه وجائفة من خلفه، حتى ولو لم تشق الأمعاء، فيصدق عليه أنه خرق جوفه من أمامه ومن الخلف.

العقل والعاقلة

العقل والعاقلة تقدمت دية أعضاء الإنسان، وعرفنا ما يجب فيها، وإذا كانت عمداً فقد تقدم أن المتعمد لا يستحق أن يساعد، بل تكون عليه كلها، وإذا كان القتل أو نحوه خطأ أو شبه عمد فتتحمله العاقلة. يقول المؤلف: [وعاقلة جانٍ ذكور عصبته نسباً وولاء] . الذكور فقط من العصبة، إخوانه وبنو إخوته، وأعمامه وبنو عمه، وأعمام أبيه وبنوهم وبنو بنيهم، وأعمام جده وبنوهم وبنو بنيهم، وذكر بعضهم أن العاقلة إلى الجد الخامس أو السادس، ويسمون عاقلة لأنهم يدفعون الدية، والدية تسمى عقلاً، ولماذا سميت بهذا؟ لأنهم يأتون بالإبل بعقلها، والعقال هو الحبل الذي تربط به يد البعير أو رجله إذا برك. عقل وانعقل أي: ربط حتى لا يثور، فهؤلاء هم عاقلة الرجل من النسب كالقرابة، وكذا ولاء العتاقة، إذا كان له عبيد قد أعتقهم أو أعتقهم جده وكانوا من الأسرة أو القبيلة صدق عليهم الولاء وأنهم عاقلة، فيحملون معه دية الخطأ وشبه العمد، وتقسم على قدر عددهم، وتقسط على ثلاث سنين لئلا تجحف بهم، ففي كل سنة ثلثها، فإذا كان مجموع العاقلة ثلاثين رجلاً قسمت الثلاثين على كل واحد ثلاث من الإبل أو ثلاثة آلاف، في كل سنة يدفع ألفاً، أو يدفع واحدة من الإبل، حتى تدفع الدية كاملة، والجاني لا يكلف، وذلك لأنه غير متعمد، فلا يدفع معهم، وبعض العلماء قال: يدفع كواحد، فإذا كانوا ثلاثين فكل واحد يدفع ألفاً في كل سنة، ففي كل سنة يدفعون ثلاثة وثلاثين ألفاً، فهو واحد منهم. وبعض العلماء يقولون: عليه أن يدفع ربع الدية إذا كان القتل شبه عمد، ويفعل ذلك بعض القبائل؛ لأنهم يرون أن بعض الذين تركبهم الدية يكون معهم شيء من التساهل، سيما حوادث السيارات بسبب السرعة الشديدة، أو أنه يتهور فيسابق غيره ويفعل ما يسمى بالتفحيط أو ما أشبهه، فهؤلاء يستحقون أن لا يساعدوا، أو أن يحملوا بعض الدية أو أكثرها، أو لا تحمل عنهم، وهكذا أيضاً إذا كان يقود السيارة وهو سكران، فلا يستحق أن يحمل عنه؛ لأنه متهور ومخاطر، فالدية تكون في ماله، ولو لبث في سجنه إلا أن يفديه أبوه، أما عاقلته فيرى بعض القضاة أنهم لا يحملون؛ لأنهم يساعدونه على هذه المخاطرة، فيتجرأ دائماً ويقول: إذا حصل حادث فأنا سالم ولا أدفع شيئاً، ويدفع عني أقاربي. وعلى كل حال فإن دفع العاقلة من باب التعاون مع الأقارب فيدفعونها بحكم الحاكم، ويقدرها عليهم على قدر عددهم.

حكم العقل على الفقير وغير المكلف

حكم العقل على الفقير وغير المكلف قال: [ولا عقل على فقير] إذا كان أحدهم فقيراً تحل له الصدقة والزكاة يقول: أنا من أين أدفع؟ ليس معي شيء أدفعه فتسقط عنه ويحملها البقية، وكذلك غير المكلف لا عقل عليه، فمن كان دون سن التكليف لا يدفع ولو كان له مال، فقد يموت إنسان وله أطفال، ويخلف أموالاً كثيرة، فيكون نصيب هذا الطفل -مثلاً- مليون ريال، ونصيب هذا مليونين، ونصيب هذا كذا، فهل نقول: نأخذ من أموالهم ولو كانوا يتامى؟ الصحيح أنه لا يؤخذ من أموالهم، وذلك لفقد سن التكليف، وكذلك المجنون، فبعض المجانين وناقصي العقول عندهم أموال طائلة ورثوها أو نحو ذلك، فلا يدفع ولا يحمل؛ لأنه أهل أن يتصدق عليه، وكذلك المخالف في الدين، إذا كان مخالفاً لدين الجاني فلا يدفع، فإذا كان الجاني أقاربه أو نصفهم نصارى فلا يكلفون أن يدفعوا؛ لأنهم لا يتوارثون، فكذلك لا يعقلون، وهكذا بالعكس، فلو كان الجاني نصرانياً وعاقلته مسلمون فلا يدفعون له؛ لأنهم لا يتوارثون. وأما إذا كانت المخالفة بالنحلة، كأن يكون هذا من أهل السنة وهذا من الرافضة فهل يدفعون عنه إذا تشيع وصار رافضياً ثم جنى وصار عليه حادث، فتحمل دية أو ديتين أو ديات؟ في هذه الحال الصحيح أنهم لا يحملون عنه، وذلك لأنهم ليسوا على دينه، فمذهب أهل السنة مباعد ومباين لمذهب الرافضة.

عدم العقل في العمد

عدم العقل في العمد يقول المؤلف: [ولا تحمل العاقلة عمداً] . إذا كان القتل عمداً لا يستحق أن يخفف عنه، بل يتحمله هو في ماله، ولو أن يسجن، والواقع في هذه الأزمنة أنه يتحمل كثيراً من ذلك أقاربه ويدفعون عنه، ويقولون: إنا نشتري ولدنا حتى لا يقتل قصاصاً. فإذا وجب القصاص عليه قال أولياء القاتل: نحن نشتريه بمليون. فيمتنع، فيقولون: بمليونين. وربما وصلوا إلى خمسة أو ستة ملايين، فهل لهم أن يساعدوه؟ نرى أنهم لا يساعدونه؛ لأن هذا متهور متعمد، ولأنه ربما يعود فيقتل ثانية وثالثة ورابعة، بحجة أني أنتقم لنفسي من هذا الذي يعيبني أو يسخر بي، والدية ولو كانت كثيرة يحملها المسلمون عني. فلا يستحق أن يساعد، لكن قبيلته يقولون: هذا ابننا وليس له إلا نحن. فيدفعون تلك الدية الطائلة عدة ملايين.

عدم العقل في جناية العبد

عدم العقل في جناية العبد قال: [ولا تحمل عمداً، ولا عبداً] لأن العبد متقوم مثل السلعة، فإذا قتلت مملوكاً عبداً فليس هناك قصاص، ولكن عليك قيمته، فيقدر كم يساوي فتدفع القيمة، يدفعها الجاني ولا تساعده القبيلة، ولا تدفع العاقلة.

عدم العقل في الصلح

عدم العقل في الصلح قال: [ولا صلحاً] لو أن إنساناً قال لقبيلته: إني قتلت من هؤلاء قتيلاً، وقد اصطلحت معهم على خمسمائة ألف، فادفعوها فإنهم يقولون: لا ندفعها، فما ندفع إلا القضية التي يحكم فيها القاضي، فأما إذا اصطلحتم فقد تكون حيلة، فقد يكون قتله خطأ ثم يقول لأوليائه: أنا أقول: إنه عمد حتى اصطلح مع قبيلتي، أو أقول: إنه خطأ، وإن علي الدية كلها، ولكن اصطلح معكم على ثلث الدية أو ثلثيها أو ثلاثة أرباعها صلحاً وليس حكماً شرعياً. ففي هذه الحال العاقلة لا تحمل الصلح؛ لأنه قد يكون حيلة، فيقول: أحتال حتى آخذ من أسرتي وقبيلتي.

عدم العقل للاعتراف ولا فيما دون ثلث الدية

عدم العقل للاعتراف ولا فيما دون ثلث الدية قال: [لا اعترافاً] . لو جاء إلى قبيلته واعترف وقال: أنا قتلت رجلاً خطأ يقال له: هل هناك أحد يشهد عليك؟ وهل أحد طالبك؟ كيف تعترف من نفسك وتقول: إنك قتلته؟ فقد تكون هذه حيلة، فلا تدفعها. قال: [ولا ما دون ثلث الدية] يعني: فربع الدية لا تدفعه، بل يتحمله نفس الجاني.

كفارة قتل الخطأ وشبه العمد

كفارة قتل الخطأ وشبه العمد قال رحمه الله: [ومن قتل نفساً محرمة غير عمد] يعني: خطأ أو شبه عمد [أو شارك فيه] أي: في قتله خطأ أو شبه عمد [فعليه الكفارة، وهي ككفارة الظهار إلا أنه لا إطعام فيها] ، قال الله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] إلى قوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء:92] ، فهذه كفارة قتل الخطأ. يقول: [إلا أنه لا إطعام فيها] ، وذلك لأن الله ما ذكر في آية النساء إلا العتق، فمن لم يجد فالصيام، ولم يقل: فمن لم يستطع فإطعام. فما ذكر الإطعام، فيقال للقاتل خطأ: عليك كفارة توبة من الله، ولا تبرأ ذمتك إلا بهذه الكفارة. فإذا قال: أنا لا أستطيع الصيام، أنا كبير. أو: أنا مريض. أو: أنا مشغول. أو: أنا عامل نقول: يبقى الصيام في ذمتك، فلك أن تتحرى أيام الشتاء الخفيفة فتصوم فيها شهرين متتابعين إذا لم تقدر على العتق أو لم يوجد العتق كما في هذه الأزمنة، أما العبد المملوك فإنه يكفر بالصيام؛ لأنه ليس له مال، فيصوم شهرين متتابعين.

القسامة

القسامة عرف المؤلف القسامة بقوله: [أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم] . هذه القسامة التي يحلفون فيها خمسين يميناً، لها شروط: أولاً: أن يوجد قتيل مسلم أو ذمي. الثاني: أن لا يعرف قاتله. الثالث: أن يتهم به قبيلة أو يتهم به أهل قرية. الرابع: أن يكون هناك قرائن تدل على التهمة، كعداوات فيما بينهم، ومشاحنات وخصومات فيما بينهم، فتقوى التهمة أنهم الذين قتلوا هذا القتيل وليس هناك بينة. قال: [وإذا أتمت شروطها بدئ بأيمان ذكور عصبته الوارثين، فيحلفون خمسين يميناً كل بقدر إرثه، ويجبر الكسر، فإن نكلوا أو كان الكل نساء حلفها مدعى عليه وبرئ] . عرفنا هذه الشروط، فالشرط الأول: أن يحصل القتل الذي هو إراقة الدم. الشرط الثاني: أن يكون مسلماً أو ذمياً معصوماً، ليس حربياً ونحوه. الشرط الثالث: أن يكون لا يعلم قاتله. الشرط الرابع: أن تقوى التهمة التي بينهم وبين هؤلاء المتهمين. ففي قصة عبد الله بن سهل الأنصاري الذي قتل في خيبر أنه جاء إليه محيصة فوجده يتشحط بدمه، فقال: أنتم قتلتموه أيها اليهود، فقالوا: ما قتلناه. فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم محيصة وحويصة ابنا مسعود وعبد الرحمن بن سهل أخو عبد الله بن سهل الذي هو القتيل، فذكروا له القتيل، فقال صلى الله عليه وسلم: (تحلفون خمسين يميناً على رجل منهم فيدفع برمته. فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف عليه؟! فقال: تبرئكم يهود بخمسين يميناً، فقالوا: قوم كفار لا نقبل أيمانهم. فدفع ديته من بيت المال) . وهكذا قصة القرشي الذي استأجره بعض الأعراب راعياً، ولما فقد عقالاً واحداً من إبله قتله، رماه بفرسن بعير فأصابه فتردى ومات، وقبل أن يموت مر عليه رجل فأوصاه أن يخبر أبا طالب، فأخبر أبا طالب أن الذي قتله كفيله الذي استأجره، فأحضروا ذلك الكفيل وقالوا: أنت قتلته، فإما أن تعطينا مائة من الإبل وإما أن يحلف منكم خمسون. فحلف منهم ثمانية وأربعون، يقول ابن عباس: فما دارت السنة وفيهم عين تطرف. ولذلك يقولون: إن اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع. أي: إذا تجرأوا وحلفوا وهم كاذبون لم يؤمن أن يسلط الله عليهم مصائب فيموتوا. فالحاصل أنه إذا اتهمت قبيلة بأنهم قتلوا هذا الإنسان، وقامت القرائن، وعرف أن بينهم تهمة وأن بينهم عداوات وإحناً وبغضاء، وأن قرائن التهمة تقوي أنهم هم الذين قتلوه، فيجوز -والحال هذه- أن يحلف الوارثون، فيقولون: نحلف أن هؤلاء قتلوه، أو أن هذا وحده قتله. فإذا حلفوا قتل الذي حلفوا عليه. ويذكر المؤلف أن الوارثين هم العصبة الذكور، تقسم الخمسون يميناً عليهم، فإن كانوا اثنين حلف هذا خمساً وعشرين يميناً وهذا خمساً وعشرين يميناً، فإن كانوا ثلاثة حلف كل واحد منهم سبع عشرة يميناً حتى ينجبر الكسر. وإذا كانوا -مثلاً- خمسة حلف كل واحد عشر مرات، وإن كانوا عشرة حلف كل واحد خمسة أيمان حتى تتم خمسين يميناً، فإذا حلفوا على شخص معين أن هذا هو عين القاتل ثبت عليه القتل فيقتل، إلا أن يطلبوا الدية أو يعفو الأولياء. والحالف هم الذكور، فلا تحلف الإناث، والذكور الحالفون هم العصبة، فلا يحلف ذوو الأرحام مثلاً أو الزوج ونحوهم، ولا بد أن يكونوا وارثين للدم كأولاد الميت أو إخوته الذين يرثونه أو أبوه، وإخوته إذا كانوا يشتركون في الميراث، أي: الذين يرثون، كل بقدر إرثه، فالذي يرث النصف يحلف نصف الخمسين، والذي يرث الثلث يحلف قدرها، فإن نكلوا وقالوا: لا نحلف، هذا غيب ونحن لا ندري، فلا نحلف ونحن لا ندري. فنكلوا عن الحلف، أو كان الورثة كلهم نساء: لا يوجد إلا بناته وزوجاته وأخواته، ولم يكن له ورثة ذكور؛ رجعت اليمين على أولياء الجاني، أو على الجاني نفسه، فيحلف الجاني المتهم: إنني بريء، وإنني ما قتلته ولا أعلم قاتله. وإذا حلف برئ، ولم يكن لهم شيء عليه. والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكمة التسوية بين الدامغة والجائفة

حكمة التسوية بين الدامغة والجائفة Q لماذا سوي بين الدامغة والمأمومة فاستويا في ثلث الدية مع أن الدامغة أشد من المأمومة؟ A لأن كلاً منهما على خطر، فالدامغة شقت جلدة الدماغ، والمأمومة وصلت إلى أم الدماغ، فقاربت ذلك ولم تصل إليه، فجاء التقدير بأن كل واحدة فيها ثلث الدية.

محلات الحلاقة ومطالبتها بدية اللحى التي تحلقها

محلات الحلاقة ومطالبتها بدية اللحى التي تحلقها Q هل تعد محلات الحلاقة التي تحلق لحى المسلمين متعدية؟ وهل تطالب بالدية؟ A لا. وذلك لأنهم لا يكرهون أحداً، إنما هذا هو الذي يأتيهم، بل يدفع لهم أجرة، يأتيهم ويقول: احلقوا لحيتي وأعطيكم عشرة، احلق وأعطيك أجرتك. فيدفع كل يوم أجرة أو كل يومين أو كل أسبوع، فهم ما يحلقون لأحدٍ قهراً.

تعدد الديات

تعدد الديات Q لو تعدى رجل على آخر ففقأ عينيه وجدع أنفه وقطع لسانه، فهل عليه ثلاثة ديات؟ A نعم. تتعدد الدية بتعدد إذهاب المنافع، إذا جدع أنفه وقطع ذكره وقطع لسانه عليه ثلاث ديات، وإذا فقأ عينيه وقطع أذنيه وقطع شفتيه عليه ثلاث ديات.

حكم الطبيب إذا فرط حتى أضر بالمريض

حكم الطبيب إذا فرط حتى أضر بالمريض Q ما مقدار الدية اللازمة على طبيب جراح فرط وأهمل في عملية في الدماغ، فأدى ذلك إلى عدم مقدرة المريض على فهم ما يقرأ أو يسمع، وإذا تكلم المريض تكلم بكلام غير مفهوم ولا مترابط؟ A معلوم أنه لا يجوز أن يتطبب وهو ليس بعالم بالطب، سواء الجراح أو المعالج بالأدوية أو ما أشبه ذلك، وورد في الحديث: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن) ، فإذا قدر أنه عمل عملية ومات ذلك الذي عملها له، وعرف أنه تجرأ عليها وليس من أهل المعرفة فعليه الدية، ولا يقال: عليه القصاص. وما ذاك إلا أنه ما تعمد، وهكذا لو عالج العين وليس معروفاً بذلك ففقأها، فعليه نصف الدية، وهكذا بقية العمليات.

حكم من رمى رجل المجني عليه فشلت

حكم من رمى رجل المجني عليه فشلت Q ما مقدار الدية على جانٍ أطلق رصاصة على مسلم فأدى إلى قطع عصب هام أدى إلى شلل الرجل اليمنى؟ A عليه نصف الدية؛ لأنها إذا شلت فلا ينتفع بها وبقيت صورة، فقد أذهب منفعة الرجل فعليه نصف الدية.

القود في حالة إعادة اليد المجني عليها بقطع

القود في حالة إعادة اليد المجني عليها بقطع Q لقد توصل الطب الحديث -والحمد لله- الآن في بعض الأحيان إلى تدارك للأمر سريعاً وإرجاع العضو المقطوع كاليد مثلاً، فهل تسقط الدية؟ A قد تقطع اليد حتى تنفصل، ثم بعد ذلك يعيدونها، بمعنى أنهم يخيطون كل عضو في عضو وكل عرق في عرق إلى أن تعود، ولكن معلوم أيضاً أنها لا تعود كما كانت، فيكون فيها إما شلل وشيء من النقص، فيكون فيها نسبة ما نقص من حركاتها.

العاقلة

العاقلة Q ما معنى العاقلة التي تحمل الدية؛ لأن عندنا معناها تكليف القبيلة كلها في الدية، وقد تكون القبيلة عشر عشائر أو خمساً، وكم يكون على الجاني وعصبته، وإذا امتنع أحد العاقلة عن الدفع فهل يلزم؟ A الأصل أن العاقلة هم الأسرة القريبة، ويمكن أن يقال: إلى الجد الخامس أو إلى الجد العاشر إذا كانوا قليلين، وأما أن تحمل القبيلة التي عددها -مثلاً- ألف رجل أو خمسة آلاف فلا يلزمون بذلك، ولكن في هذه الأزمنة يتحملون دية العمد التي قد تكون مثلاً: أربعة ملايين أو خمسة ملايين، فيقسمونها على القبيلة ولو كانوا ألف بيت أو ألفين، فيقولون: نحن اشترينا ابننا وولدنا، وهو منسوب إلينا جميعاً. فيلزمونهم، وهذا الإلزام ليس شرعياً، وإنما هو اختياري.

حكم من حلق لحية آخر تعديا عليه

حكم من حلق لحية آخر تعدياً عليه Q من تعدى على رجل وحلق لحيته مع أنها تنبت فكيف تكون الدية؟ A في هذا حكومة، فليس دية وإنما فيه حكومة، فإذا كانت تعود وتنبت ولكن بتشويه فعليه قيمة تشويه خلقته وما أشبه ذلك، وقد كانوا يعزرون بحلق اللحية، حتى في أول عهد الملك عبد العزيز، كان إذا جنى إنسان فخرج عن الطاعة أو سرق أو غش أو حصل منه سخرية أو نحو ذلك يعاقبونه بحلق لحيته، وإذا حلقت خجل أن يمشي، وخجل أن يظهر للناس، فيخجل أن يراه الناس وهو حليق.

إثم من لعن دابته أو سيارته

إثم من لعن دابته أو سيارته Q ذكر في الحديث أن من لعن دابته فلا يملكها، كما في قصة المرأة التي لعنت دابتها، لكن من لعن سيارته أو متاعه فهل له نفس الحكم؟ A قالوا: إن هذا تعزير منه لتلك المرأة، والظاهر أنها رجعت إليها تلك الناقة أو إلى أولادها أو نحو ذلك، إنما قال: لا تصحبنا ناقة ملعونة. أو: خذوا ما عليها واتركوها، أما في هذه الأزمنة فلو لعن سيارته أو لعن شاته -مثلاً- أو بقرته أو منزله فلا يخرج من ملكه، ولكن يعتبر آثماً.

دفع العاقلة لدية القتل الخطأ بالسيارة

دفع العاقلة لدية القتل الخطأ بالسيارة Q إذا اعترف الجاني بالقتل الخطأ، وكانت القرائن تؤيد اعترافه كما في كثير من حوادث السير، فهل تتحمل العاقلة الدية أم لا؟ A إذا قامت القرائن على أنه هو الذي فعل ذلك واعترف يدخل الأمر إلى القاضي، فإذا حكم بأنه هو الذي قتل وأن القتل خطأ بموجب اعترافه وبموجب دعوى المدعي الذي ادعى عليه. ففي هذه الحالة يحكم عليه، وتدفعها العاقلة.

التعدي بقطع العضو الزائد

التعدي بقطع العضو الزائد Q لو كان مع الرجل عضو زائد وقطع فما الحكم؟ A اختلف في قطعه، والصحيح أنه يجوز لو كان في يده ستة أصابع، وكان الإصبع الزائد يؤذيه لغسله مثلاً أو نحو ذلك، أو لكونه يتدلى، أو كانت الزيادة في رجله، وهذه الإصبع الزائدة في رجله قد تؤذيه إذا لبس خفاً أو لبس جورباً، وفي هذه الأزمنة العمليات تزيله، ولا حرج في ذلك. ومن اعتدى عليه فقطعه ففيه حكومة؛ لأنه ليس فيه شيء مقدر، فيرجع فيه إلى الحاكم.

تعيين مصرف الوقف

تعيين مصرف الوقف Q شخص توفي وترك أرضاً لأولاده وهم ابن وثلاث بنات، ووصى أن تكون سبيلاً، فما هي القسمة الصحيحة للإرث؟ A إذا وقفها فإن عين الجهة التي تصرف فيها غلتها تعينت، كأن يقول: أجرة هذه الأرض، أو ثمر هذا النخل تفطير للصوام -مثلاً- أو عمارة لهذا المسجد أو لإنارته، أو في سقايته وإصلاح مياهه تعين، وما فضل منه فإنه يصرف في جهة تماثلها. وأما إذا لم يعين وقال: وقف فإن على الوكيل أن ينظر أفضل الجهات، كصدقة على أقاربه، أو إعطاء الفقراء من ذويه ومن ورثته، فإذا استغنوا صرف ما بقي في أعمال البر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [79]

شرح أخصر المختصرات [79] لقد جعل الله عز وجل لهذه الأمة حدوداً وقوانين شرعية يتحاكمون إليها، حفظاً للأعراض والنسل والنسب، ولا سلامة للمجتمع من الرذيلة والفاحشة والمحرمات إلا إذا وجد في قلوبهم واعظ الله، وهو التقوى الرادعة عن المعاصي، ثم إقامة الحدود الشرعية، ومنها جلد الزاني البكر، ورجم المحصن، وجلد القاذف، وتعزير العاصي، وبهذا يكون المجتمع آمناً من الآفات والأمراض الجنسية.

الحدود وأثرها في الحفاظ على المجتمع

الحدود وأثرها في الحفاظ على المجتمع قال رحمه الله تعالى: [كتاب الحدود لا تجب إلا على مكلف ملتزم عالم بالتحريم، وعلى إمام أو نائبه إقامتها. ويضرب رجل قائمًا بسوط لا خلق ولا جديد، ويكون عليه قميص وقميصان، ولا يبدي ضارب إبطه. ويسن تفريقه على الأعضاء، ويجب اتقاء وجه ورأس وفرج ومقتل. وامرأة كرجل، لكن تضرب جالسةً، وتشد عليها ثيابها، وتمسك يداها، ولا يحفر لمرجوم، ومن مات وعليه حد سقط. فيرجم زان محصن حتى يموت، وغيره يجلد مائةً ويغرب عامًا، ورقيق خمسين ولا يغرب، ومبعض بحسابه فيهما. والمحصن من وطئ زوجته بنكاح صحيح في قبلها ولو مرةً. وشروطه ثلاثة: تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي لآدمي ولو دبرًا، وانتفاء الشبهة، وثبوته بشهادة أربعة رجال عدول في مجلس واحد بزناً واحد مع وصفه أو إقراره أربع مرات مع ذكر حقيقة الوطء بلا رجوع. والقاذف محصنًا يجلد حر ثمانين، ورقيق نصفها، ومبعض بحسابه. والمحصن هنا: الحر المسلم العاقل العفيف. وشرط كون مثله يطأ أو يوطأ لا بلوغه. ويعزر بنحو: يا كافر يا ملعون يا أعور يا أعرج. ويجب التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، ومرجعه إلى اجتهاد الإمام] . الحدود: هي العقوبات على المعاصي، وتطلق الحدود على الأحكام التي حددها الله وبينها، مثل قوله تعالى بعد آيات الصيام: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] ، وبعد آيات الطلاق: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة:229] ، فحدود الله هنا أحكامه التي بينها ونهى عن قربها، أي: فعل شيء مما نهى الله عنه في الصيام أو في الاعتكاف ونحوه، وكذلك الاعتداء في النكاح والطلاق وما أشبه ذلك: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] ، فهكذا أصل الحدود، وتلك حدود الله، فيذكر الله تعالى الحدود بعد الأوامر والنواهي، وكذلك بعد الأحكام، كقوله بعد أحكام المواريث: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} [النساء:13] . ولكن اصطلح الفقهاء على تخصيص الحدود بالعقوبات؛ لأن أصل الحد هو الحاجز بين الشيئين، فتقول مثلاً لجارك: هذا القطع حد بيني وبينك، بين ملكي وملكك فهذا الجدار حد بين أهل فلان وأهل فلان، ثم إن الفقهاء استعملوا الحدود للعقوبات، يقولون: الحد عقوبة على ذنب لتمنع من الوقوع في مثلها. أي: أن هذا الحد يشرع فيه عقوبة على ذلك الذنب الذي ارتكبه ذلك المجرم، فيحد -أي: يعاقب- حتى يرتدع هو ويرتدع أمثاله، ولا يعودون إلى ذلك الذنب مرة أخرى، هذا هو الأصل في شرعية هذه العقوبات. ولا شك أن إقامتها تطهير للبلاد، وتعطيلها نشر للفساد، ورد في بعض الأحاديث: (لحد يقام في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحاً) بمعنى أنه إذا أقيم الحد كان ذلك زجراً للناس عن هذا الذنب وعن الاعتداء عليه، فيكون بذلك تطهيراً للبلاد عن هذه المعاصي وتطهيراً للبلاد عن هذه المحرمات، وذلك مما يسبب رحمة الله لهم، حيث إنهم تابوا وأقلعوا عن الذنوب وابتعدوا عن هذه المحرمات، ولكن إذا أصروا واستمروا ولم يكن هناك عقوبات فإن المعاصي تكثر، ويكون من آثارها حرمان الله تعالى فضله، وحجزه عنهم رحمته، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة. فيعلم بذلك أن الله تعالى ذكر هذه الحدود لتكون زواجر عن الآثام وعن الحرمات، وقد تقدم حد منها، وهو القصاص، وأنه شرع لأجل أن يتوقف المعتدي فلا يتعدى حده، بل يتوقف ولا يقدم، ولذلك قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:179] يعني أن سبب شرعيته حتى يقل القتل، حتى إذا هم بقتل مسلم وتذكر أنه سوف يقتل عند ذلك ينزجر ويترك الاعتداء، فكذلك بقية العقوبات، فمثلاً عقوبة الزنا جعل الله تعالى فيها حد الجلد أو الرجم، وذلك لأنها محرمة، ولما يترتب عليها من المفاسد، فإذا هم بأن يزني وتذكر أنه سوف يرجم أو سوف يجلد ويغرب أو يحبس ويطال حبسه ترك هذا المحرم؛ لأنه يترتب عليه فضيحته، وسيترتب عليه أذى له، فينزجر ويتوب عن هذا الفعل. كذلك أيضاً إذا همّ بأن يسرق وعرف بأنه سوف تقطع يده إذا سرق، ففكر وقال: ما قيمة هذه السرقة مقابل هذا المال الذي سوف آخذه؟ أين يقاس بيدي التي فيها نصف الدية؟ فيتراجع ويترك السرقة، وهكذا إذا هم بأن يشرب الخمر، وعرف بأنه إذا شربها فإنه لابد سيعاقب ويجلد ويشهر بأمره، فيقول: ما نتيجة هذه الشربة التي هي لذة لحظات ثم لا أستفيد منها إلا الخجل والفشل والألم الذي هو هذا الجلد الذي يعود علي بالضرر؟! فيرجع إلى نفسه ويعلم أنه لا حاجة له في هذا الشيء الذي لذته يسيرة وعقوبته شنيعة، هذا هو السبب، فهذه عقوبات دنيوية تزجر كثيراً من الناس. مع أن الله تعالى قد توعد بعقوبات أخروية أشد وأشد، والعقوبات في الآخرة أشد، وهي حرمانهم من ثواب الله وجنته، ودخولهم النار أو تعرضهم لسخط الله، فيفكر أيضاً إذا كان معه إيمان وعقل أنه لا مقاومة ولا مقاربة بين هذه اللذة العاجلة وبين حرمان ثواب الله ورضاه أو الحصول على غضبه وعذابه في الآخرة، فيعرف أن هذه اللذة وقتها يسير وعاقبتها سيئة. ولذلك ينزجر عنها العاقل إذا تذكر عقوبتها وتذكر أن مسرته هذه يعقبها مساءة شديدة وإساءة دائمة، حتى يقول بعضهم: مسرة أحقاب تلقيت بعدها مساءة يوم إنها شبه أنصاب فكيف بأن تلقى مسرة ساعة وراء تقضيها مساءة أحقاب يعني: لو أنك عشت في سرور مدة كبيرة وأحقاباً طويلة ثم لقيت بعدها مساءة يوم أو مساءة ساعة نسيت ما كنت فيه من تلك المسرات، وذهبت كأنها ليست شيئاً، فكيف إذا كانت المسرة ساعة أو يوماً أو أياما ًقليلة؟! فإن الدنيا كلها قليلة، وحياتك منها قليلة، ولهذا الكفار إذا قيل لهم: كم لبثتم يقولون: لبثنا يوماً أو بعض يوم، مع أنهم لبثوا عشرات السنين، ولكن نسوا ما كانوا فيه من لذة الدنيا وشهوتها، ورد أيضاً في الحديث أنه: (يجاء بأنعم الناس في الدنيا -من أهل الكفر أو من أهل المعاصي- فيغمس في النار غمسة، فيقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط، هل مرت بك نعيم قط؟ فيقول: لا، ما رأيت خيراً قط، وما مر بي نعيم قط. ويجاء بأبأس الناس في الدنيا من أهل الجنة، فيغمس في الجنة غمسة، فيقال: يا ابن آدم! هل رأيت بؤساً قط، هل مرت بك شدة قط؟ فيقول: لا يارب) ، أهل النار إذا غمسوا فيها مرة نسوا ما كانوا في الدنيا من ملذاتهم وشهواتهم وسكرهم ومكرهم ولهوهم وسهوهم وخمرهم وزمرهم وزناهم وفواحشهم التي يتلذذون بها في الدنيا ويرفهون به عن أنفسهم ساعة واحدة أو أقل، إذا غمسوا في العذاب نسوا ذلك كله كأنه لم يكن. ويقول بعض الشعراء: تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعار تبقى عواقب سوء من مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار يعني: اللذة التي في الدنيا هي لذة زنا ولواط، ولذة فاحشة وسكر، ولذة غناء، ولذة كبر، ولذة رفاهية، ولذة تمتع في المحرمات وما أشبهها. وترفيه -كما يقولون- وتسلية وما أشبه ذلك هل تدوم؟ تبقى معه ساعة أو سويعات أو نحو ذلك ثم كأنه لم يتمتع بتلك الملذات، ولكن يبقى عليه الإثم الذي يعاقب عليه في الآخرة، ويبقى عليه التعرض للعذاب، وتبقى عليه التبعات، فكيف -مع ذلك- يقدم وهو يعلم أنه سيستمر العذاب على ذلك، فلا خير في لذة من بعدها النار. وحيث إن الكثير من الناس يقدمون القريب على البعيد والحاضر على الغائب، وينظرون إلى ما أمام أعينهم، ويغفلون عما وعدوا به، ويتناسون وعيد الله تعالى على هذه المعاصي والمحرمات، فتحملهم تلك المناظر البراقة وتلك الشهوات، والنفس الأمارة بالسوء على أن يندفعوا لفعل هذه المحرمات ويقعوا فيها، ولا يفكرون في العواقب، ثم بعد ذلك ينتبهون، فما ينتبهون إلا وقد وقعوا، ثم ربما يعودون مرة ثانية وثالثة ومراراً. لما كان كذلك شرع الله تعالى هذه العقوبات الدنيوية لتكون زاجرة لهؤلاء الذين إيمانهم ضعيف، وناهية لهم عن الوقوع في هذه الآثام والمحرمات، فمن كان معه إيمان ويقين زجره إيمانه ولو لم يكن معه أحد يراقبه، ومن ضعف إيمانه اندفع بشهوته إلى أن يفعل الآثام وأنواع الإجرام.

وصايا في تقوية الإيمان الزاجر عن المعاصي

وصايا في تقوية الإيمان الزاجر عن المعاصي أولاً: على المسلم أن يجدد إيمانه وعقيدته، فيؤمن بأن الله تعالى هو ربه وخالقه، والرب هو المعبود، ويؤمن كذلك بأن الله تعالى تعبده، أي: أمره ونهاه، فأصبح عبداً لله سبحانه وتعالى، والعبد عليه أن يطيع ربه وخالقه. ثانياً: أن يعلم أن الله حرم هذا وأباح هذا، فيفعل ما هو مباح أو ما هو واجب يتقرب به، ويبتعد عما هو محرم وإثم كبير فيتركه خوفاً من الله. ثالثاً: ليعلم أنه إذا أطاع الله وفعل ما أمر به فإن الله تعالى يثيبه في دنياه وأخراه، ويعطيه أجراً كبيراً، وأنه إذا عصى الله تعالى ووقع في هذه الآثام فإنه قد توعده بأنه يعاقبه ويعذبه في دنياه وأخراه. فمن كان معه هذا الإيمان زجره عن المعاصي ولو كانت الدوافع إليها شديدة، وزجره عن الزنا والخنا وما أشبه ذلك ولو كانت متيسرة أسبابه. فنضرب مثلاً بنبي الله يوسف عليه السلام، كونه شاباً في غاية الشباب، وجميلاً في غاية الجمال، وكونه في بيت سيده الذي ملكه ظلماً، وكون امرأة ذلك السيد من أجمل النساء، وكونها غلقت الأبواب ودعته إلى نفسها، كما قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] ، ولكن ما الذي حجزه مع الدافع القوي؟ حجزه برهان ربه، حجزه الإيمان، حجزه إيمانه وخوفه من الله {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] اعترف بأن الله تعالى هو ربه، وأنه أحسن مثواه، وأنه توعد على ذلك بالعقوبة، فلاشك أن هذا أثر الإيمان القوي، يكون زاجراً لمن كان معه هذا الإيمان القوي. لذلك ذكر ابن رجب أن رجلاً خلا بامرأة في ليلة وراودها عن نفسها وقال: ما يرانا إلا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها؟ فذكرته أن الله تعالى هو يراهما، وهو الذي كوكبها، أي: خلقها وسيرها، لا تخفى عليه خافية: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218-219] . وأن آخر خلا بامرأة في منزل وهم بها، فأظهرت له المطاوعة، وقال لها: أغلقي الأبواب. فقال بعد ذلك: هل أغلقت جميع الأبواب؟ قالت: بقي باب واحد، الذي بيننا وبين الله. فارتعد وخاف وخرج. وكذلك وردت قصة في الصحيحين قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، فأحدهم توسل بعفته، أنه كانت له ابنة عم يحبها حباً شديداً كأشد ما يحب الرجال النساء، وأنه أرادها على نفسها فامتنعت، حتى ألمت بها في سنة من السنين حاجة شديدة، فجاءت إليه تقترض منه أو تستجدي، فامتنع حتى تمكنه من نفسها ويبذل لها مائة دينار، يقول: فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فقام عنها خوفاً من الله وترك المال الذي أعطاها. فهؤلاء الذين يقعون في فواحش الزنا واللواط ومقدمات ذلك ليس معهم إيمان يزجرهم، ولكن لديهم نفوس ضعيفة وشهوات ضعيفة تدفعهم إلى فعل هذه الفواحش، فلو لم يكن هناك عقوبات جلد ورجم وتغريب وحبس ونحو ذلك لانتشر هؤلاء وانتشرت الفواحش، وإذا انتشرت فماذا تكون الحالة؟ لا شك أنها تحصل المنكرات، وأن الله تعالى ينزل عليهم العقوبات والأمراض التي لم تكن في أسلافهم من قبل، كما ورد ذلك في بعض الأحاديث: (ما فشت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) ، فهذا هو الواقع، لذلك ذكر العلماء هذه الحدود والعقوبات.

أحكام الحدود

أحكام الحدود

من تجب عليه إقامة الحدود

من تجب عليه إقامة الحدود يقول: [لا تجب إلا على مكلف ملتزم عالم بالتحريم] . فهذه شروط من تجب عليه، والمكلف: هو البالغ العاقل، فإذا وقع في الزنا أو اللواط صغير دون البلوغ فمثل هذا غير مكلف؛ لعدم العقل التام الذي يزجره، وكذلك لو وقع فيه مجنون مسلوب العقل أو ضعيف العقل أو ضعيف المعرفة فمثل هذا أيضاً ليس معه ما يزجره، ليس معه من العقل ما يزجره ويدفعه إلى فعل هذه الجريمة أو إلى تركها، فهو ضعيف العقل أو مسلوبه، فمثل هذا أيضاً لا يقام عليه الحد. وأما الملتزم فيخرج الكفار الذين ليسوا بملتزمين، ويدخل الملتزم منهم مثل الذمي، أهل الذمة من اليهود والنصارى والمجوس إذا كانوا يؤدون الجزية يلزم الإمام أخذهم بحكم الإسلام في النفس والمال والعرض، وإقامة الحدود عليهم بما يعتقدون تحريمه دون ما يعتقدون حله، ولذلك رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهوديين اللذين زنيا في عهده، مع أنهما ليسا بمسلمين، ولكن كانا ملتزمين، أي: خاضعين للعهد والذمة، فهؤلاء تقام عليهم الحدود، وأما الذين ليسوا تحت ولاية المسلمين أو الحربيون فلا ولاية للمسلمين عليهم، ولا تقام عليهم الحدود؛ لأن ذنبهم أكبر. الشرط الثالث: كونه عالماً بالتحريم، أي: يعرف أن هذا الذنب حرام، فأما لو أسلم وبقي في بلاد ليس فيها علم وفعل الزنا ونحوه فإنه لا يقام عليه الحد؛ لأنه جاهل لم يصل إليه العلم، ولا درى أن الله تعالى حرم هذا الذنب، فلا بد أن يكون معه علم بأن هذا محرم.

من يقوم بتطبيق الحدود

من يقوم بتطبيق الحدود يقول: [وعلى إمام أو نائبه إقامتها] . الذي يتولى إقامة الحد هو الإمام، كأمير البلد أو وكيله، وهكذا أيضاً القاضي إذا كان مفوضاً، ويجوز أن يوكل الأمراء نواباً لهم، فيقول الأمير: أنت -أيها الوكيل في البلدة الفلانية- عليك أن تقيم الحدود، وأنت -أيها القاضي- قد فوضناك في إثبات الحدود وإقامتها. والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل رجلاً يقال له: أنيس الأسلمي، قال: (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ، وكله في الاعتراف وإثبات الحد، ثم وكله في إقامة الحد، فاعترفت فرجمها. وقصة ذلك أن رجلين جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال أحدهما: إن ابني كان عسيفاً عند هذا -يعني أجيراً- فزنى بامرأته، فافتديت ابني بمائة شاة وليدة، ثم سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ، ففيه دليل على إثبات الحدود، ثم بعد ذلك إقامتها.

كيفية تطبيق الجلد وما يشترط فيه

كيفية تطبيق الجلد وما يشترط فيه الحدود إما القتل في القصاص، أو قطع اليد قصاصاً، أو الرجم -وهو أشدها- في الزنا، أو الجلد في الزنا والتغريب فيه، وقطع اليد في السرقة، والجلد في القذف وفي السكر، والقتل وما معه في قطع الطريق، هذه هي الحدود وما أشبهها، ويكون هناك باب أيضاً في التعزير، وهي العقوبات في حد لا يصل إلى الذنب الذي فيه عقوبة مقدرة، فهذا الكتاب فيه باب الرجم، وفيه باب الجلد، وفيه باب التغريب، وفيه باب حد المسكر، وحد القذف، وقطع اليد في السرقة، وحد قطاع الطريق، وحد البغاة، وحد المرتد، وهذه الحدود كلها تحت هذا الكتاب. وإذا ثبت الحد الذي هو الجلد فإنه [يضرب رجل قائماً بسوط لا خلق ولا جديد، ويكون عليه قميص أو قميصان، ولا يبدي ضارب إبطه] هكذا ذكروا، فالرجل إذا جلد في الزنا أو في الخمر أو جلد في القذف فإنه يضرب وهو قائم، ومن العلماء من أجاز أن يضرب وهو مضطجع على بطنه، ولكن كأنهم اختاروا أن يضرب وهو قائم. والآلة التي يضرب بها تكون من عصا، ولا تكون قوية شديدة تشق جلده أو تعطل عليه بعض المنافع، ولا تكون خلقة لا تؤثر فيه، بل تكون وسطاً، روي أنه صلى الله عليه وسلم أراد جلد رجل، فجيء بسوط جديد فقال: (دون هذا) ، فجيء بسوط رديء فقال: (فوق هذا) ، يعني أنه لا يشدد عليه بالسوط الجديد الذي قد يؤدي إلى قتله، وكذلك لا يضرب بالسوط الرديء الذي لا يؤثر فيه، بل يكون السوط وسطاً، والسياط قديماً تؤخذ من العصي كجريد النخل، فإذا كان متيناً يؤثر عليه، وإذا كان دقيقاً كرأس العسيب ونحوه لا يؤثر، وأما إذا كان متوسطاً فإنه الذي يؤثر ولا يضره، أي: لا يمته. وتعمل السياط اليوم من السيور، أي: سيور الجلد ونحوه، وكذلك من الحبال أو من الخيوط يعملون سوطاً يفتلون بعضه في بعض، ثم بعد ذلك يجلدون به ذلك المجرم؛ لأنه الذي يكون ليناً بحيث يلتوي على جلده وظهره أو على فخذيه أو ما أشبه ذلك. [ولا يجرد] يعني: لا تخلع ملابسه حتى يبدو جلده، ولكن يكون عليه قميص أو قميصان من هذه الثياب العادية من القطن ونحوه؛ لأنها لا تمنع وصول الألم إلى جلده. [ويمنع أن يكون عليه عباءة غليظة] وكذلك ثوب غليظ، كما يسمى بالكوت ونحوه؛ لأن هذا قد لا يوصل الضرب والألم إلى جلده. ثم الضرب يكون وسطاً ليس شديداً ولا ضعيفاً، وحددوه بأنه إذا رفع يده لا يرى إبطه، فالضارب يضرب ولا يرفع يده كثيراً، بل يرفعها ثم يجلد، ولكن يتفاوت الضرب وتتفاوت العقوبات، فمثل الزنا يشدد عليه، قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:2] يعني: لا ترحموه؛ فإن ذنبه كبير. ومعنى ذلك أنكم تشددون عليه، فلا ترحمونه، (ولا تأخذكم بهما رأفة) لا تأخذكم بالزاني رأفة فتخففوا عنه الجلد. ونرى بعض الجلادين لا يحرك إلا كفه، فمثل هذا لا يؤثر، وبعضهم يشدد فيرفع يده كلها على نحو مترين ثم يضرب بقوة، وهذا شديد أيضاً قد يشق الجلد، فالجلد في الزنا يكون شديداً ولكن ليس إلى الشدة في النهاية. {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:2] . وأما الجلد في القذف فهو دون الجلد في الزنا، وكأنه أخفها، فالجلد في القذف أخف حدود الجلد، وأما الجلد في السكر فيكون وسطاً بين جلد القذف وبين جلد الزنا. يقول: [ويسن تفريقه على الأعضاء] . إذا كان قائماً يضرب ظهره وكتفيه وعضديه، ويضرب أسفل ظهره، ويضرب فخذيه وساقيه، ويضرب طولاً وعرضاً، وكذلك أيضاً يضرب فخذيه من الأمام والخلف، وساقيه من الأمام والخلف، وإليتيه من الخلف، وظهره كله وكتفيه، يفرقها على الأعضاء. قال: [ويجب اتقاء وجه ورأس وفرج ومقتل] . وذلك لأن هذه قد يؤثر فيها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه) يعني: لا يضرب الوجه. ولأن الوجه فيه الحواس، فيخاف أن يقضي على سمعه وبصره ولسانه وفمه وعلى أنفه، فيظهر أثر ذلك، ويفوّت عليه بعض الحواس، فلا يجوز الضرب في الوجه، وكذلك الرأس، ولو ضرب الرأس فقد يسبب موتاً، سيما إذا كان الضرب شديداً، وكذلك لا يضرب الفرج والقبل، أما الدبر فإنه يضرب الإليتين، فلا يضرب الفرج الذي هو القبل من رجل أو امرأة. ويتجنب المقاتل، فلا يضرب رقيق البدن، وكذلك البطن مثلاً، فلو ضرب بسوط شديد لأتلفها أو شق جلد البطن أو نحو ذلك، وكذلك القلب لو ضربه فوق قلبه أو مقابل كليتيه لعطلهما، فلذلك لا يضربه في المقاتل. قال: [وامرأة كرجل] . يعني: إذا وجب عليها الجلد فإنها تجلد كما يجلد الرجل في الزنا، والقذف، والسكر، لكن تضرب جالسة؛ لئلا تتكشف، وتشد عليها ثيابها، وتمسك يداها، أي: تربط يداها؛ فإنها لو ضربت وهي قائمة لأوشك أن بعض الجلدات تكشف الثوب عن بعض جسدها فتتعرى، بخلاف ما إذا كانت جالسة، فإذا كانت جالسة يكون الجلد على الظهر والعضدين وأسفل الظهر، وتضرب أيضاً من الأمام على الساقين، أو تضرب من الجانب الأيمن على الحقوين والفخذ ونحو ذلك، ويفرق الضرب والجلد عليها. وتشد عليها ثيابها لئلا تتكشف، أي: تشد من الأسفل ثيابها إن كانت قميصاً أو نحوه، ويشد الخمار على رأسها ووجهها، وأكمامها تربط حتى لا تتكشف ولا ينحسر شيء من ثيابها، وتمسك يداها بخيط إلى رقبتها حتى لا تمد يديها. قال: [ولا يحفر لمرجوم] . إذا أريد أن يرجم فإنه لا يحفر له قبر، بل يترك على وجه الأرض ثم يرجم، ويرى بعض العلماء أنه يوثق، يعني: تربط رجلاه حتى لا يهرب. قال: [ومن مات وعليه حد سقط] . يعني: ثبت الحد عليه، وقبل أن يقام عليه الحد مات، فلا يقام على أولاده؛ لأنهم ما أذنبوا، ولا على أحد من ورثته، وهل يجلد بعد أن مات؟! لا، سقط عنه الحد. وأما لو مات تحت السياط فلا دية له، فإذا أقيم عليه الحد ومات بسبب الجلدات التي يجلد بها فليس هناك دية على الجلاد؛ لأنه حق، ورد في عبارة الفقهاء أنهم ينقلون ذلك عن بعض الصحابة: (من مات بحد فالحق قتله) .

كيفية تطبيق الرجم

كيفية تطبيق الرجم أما الرجم فلابد أن يكون الزاني محصناً، فإذا زنى وهو محصن فإنه يرجم حتى يموت، والرجم قذفه بالحجارة، تكون الحجارة ملء الكف أو أصغر، ويكون الزاني واقفاً أو جالساً، ويقيد حتى لا يهرب على الصحيح، ثم الذين يرجمونه يرجمونه في كل مكان؛ لأنه سوف يرجم إلى أن يموت، فلو أصاب الحجر رأسه فلا إثم في ذلك، كما في قصة الغامدية، ابتدءوا برجمها في رأسها، ولما رجمها خالد بن الوليد وأصاب الرأس فنزف الدم عليه سبها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم) يعني: لا تسبها، وقال لـ عمر: (وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟!) ، ولذلك صلى عليها. والرجم يكون مع كل جهة، فيصيب الحجر الوجه والرأس، ويصيب القلب والبطن، ويصيب الجنب، ويصيب الكلية، ويصيب الفرج، يرجمونه إلى أن يموت، فإذا مات تحت الحجارة كان ذلك هو حده وعقوبته. والرجم كان موجوداً في شريعة اليهود، ولما زنى منهم اثنان عند ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبروه بما عندهم، فأخبروه بغير الصحيح، وكان عبد الله بن سلام يعرف أن الرجم موجود في التوراة، فجيء بالتوراة فنشروها، يقول بعضهم: فوضع أصابع يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال ابن سلام: ارفع يدك، فإذا آية الرجم تلوح، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم. ثم اعتذروا وقالوا: إن الزنا كثر فينا، وكثر في أشرافنا، فزنى أحد أقارب بعض الملوك فتركوه ولم يقيموا عليه الحد، ثم زنى أحد الضعفاء والفقراء، فأرادوا أن يرجموه، فقال قومه: لا يرجم حتى يرجم فلان، فاصطلحوا على عقوبة يقيمونها على الصغير والكبير، والشريف والوضيع وهي التحميم، أي: يحممون وجهه بسواد ويركبوهما -الزاني والزانية- على حمار مقلوبين، ويطوفون بهما في الناس قائلين: إن هذا قد فعل كذا وكذا فلما ظهر أنهما يرجمان قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم! إني أحييت سنة قد أماتوها) ، وروي أنه وجد في القرآن آية كانت من المنسوخ، فذكروا عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (إن مما أنزل الله آية الرجم، قرأناها وسمعناها، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان فيقولوا: لا نجد الرجم في القرآن، فيضلوا بترك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، فالرجم مشروع وعقوبة شرعية.

شروط الرجم بالزنا

شروط الرجم بالزنا شروطه: الإحصان، وثبوت الزنا، فيرجم حتى يموت، وأما غير المحصن فيجلد مائة ويغرب عاماً، يجلد مائة جلدة، ويغرب سنة، وغير المحصن هو البكر، وأول ما نزل في حد الزنا قول الله تعالى في سورة النساء: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء:15-16] ، فكانوا في أول الإسلام يحبسون الزاني والزانية، ويطيلون حبسه لقوله تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) . بعد ذلك نزلت الآيات في أول سورة النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2] إلخ الآيات، ونزلت أيضاً آية الرجم التي نسخت، وروى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ، فهذا حديث صحيح عند مسلم وغيره، وفي هذا الحديث أن الزاني إذا كان محصناً يجمع له بين العقوبتين، أولاً: يجلد مائة جلدة عملاً بقوله تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2] ؛ فإن الآية عامة للمحصن ولغيره فيجلد المحض مائة جلدة ثم بعد ذلك يرجم. وروي عن علي رضي الله عنه أنه زنت امرأة في عهده يقال لها: شراحة، ولما زنت وثبت زناها جلدها في يوم الخميس، ثم رجمها في يوم الجمعة وقال: (جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، هكذا جمع بينهما، والحديث فيه الجمع: (الثيب بالثيب جلد مائة والرجم) ، لكن المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الرجم في قصة ماعز الأسلمي حين زنى واعترف، وكان قد تزوج، فاقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على رجمه، وجاءت بعده المرأة التي زنى بها يقال لها: الغامدية فاعترفت، ولم يجلدها، بل أمر بها فرجمت. وهناك قصة أخرى لامرأة من جهينة، وهذه أيضاً قد وقعت في الزنا فاقتصر على رجمها، وقصة اليهوديين اقتصر على رجمهما ولم يأمر بالجلد قبل الرجم، فهذه القصص تفيد أنه لا حاجة إلى أن يجمع بين الحدين، بل يقتصر على الرجم والرجم كافٍ، وذلك لأنه يأتي على الحياة، وقالوا: إنه لما تلذذ جسده كله بتلك الشهوة المحرمة ناسب أن يعذب وأن يتألم جسده كله بهذه العقوبة، فهذا الجسد الذي تلذذ بلذة محرمة يعاقب بعقوبة شديدة تعمه كله وهو الرجم، ولأنه قد أنعم الله عليه، حيث قد تزوج ودخل بزوجته، فعدل عن الحلال إلى الحرام، فكانت عقوبته أشد. ويعم ذلك ما لو كان قد طلق، فإذا زنى بعد أن تزوج ودخل بامرأته وطلق امرأته -أي: ليست عنده امرأة- صدق عليه أنه محصن، فعند ذلك يرجم، وأما غيره وهو البكر الذي لم يسبق له زواج فعقوبته الجلد، يجلد مائة ويغرب سنة، والتغريب أن يبعد عن وطنه وأن ينفى إلى بلد بعيد، والحكمة في ذلك أن يفقد من كان يعرفه، ويبتعد عن الأماكن التي فيها فساد؛ لأنه قد يكون في بلده يعرف بيوت الدعارة ويعرف مجتمعات فاسدة ويعرف أمكنة الخنا ونحو ذلك، فمن عقوبته أن يغرب إلى بلد لا يعرف فيها شيئاً، ولا يتمكن فيها من أن يتصل بأحد من أهل الفساد والشرك، ويبتعد عن بلده التي عرف فيها أشراراً، فلعله إذا رجع لا يعود إلى ذلك. لكن في هذه الأزمنة قد تكون الغربة سبباً في زيادة شره؛ لأنه قد يغرب إلى بلد أشد فساداً، فكثير من البلاد إسلامية أو غير إسلامية الزنا فيها أكثر من بعض، وإذا غرب إليها فإنه قد يعجبه ذلك، ويسر به ويقول: الآن تمكنت مما أريد، والنساء فيها كثير، والمرأة تبذل نفسها بدون إكراه. فيكون تغريبه زيادة في إفساده، فلذلك يرى بعض المشايخ أن بدل النفي السجن، فيدخل في السجن لمدة سنة، ويكون بذلك قد تاب إذا سجن وضيق عليه، فلعله يتأثر ويبتعد عن الأماكن التي فيها الفساد. والحاصل أن هذه العقوبة تكون زاجرة عن هذا الذنب الكبير، والذين عطلوها انتشرت فيهم الفواحش، في بعض البلاد التي هي بلاد إسلامية أو فيها إسلام عطلت فيها هذه الحدود، فلا يسمع فيها بجلد على زنا، وكذلك بسجن عليه ولا برجم، بل توجد فيها الإباحية، حيث يزعمون أنه إذا بذلت المرأة نفسها باختيارها وبدون غصب أو نحوه فهو حق لها، وقد بذلته باختيارها فكيف مع ذلك تعاقب؟! والذي فعل بها ما غصبها فلا عقوبة عليه؛ لأنها بذلت ما تملكه، فيعطلون هذا، بل يمنعون أباها من التصرف فيها ومن منعها، فإذا كانت تفعل ذلك باختيارها لا يقدر أبوها ولا ولي أمرها على منعها، فلا شك أنه بهذا تنتشر هذه الفواحش، فالمرأة معها شهوة، ولأنها ضعيفة الإرادة، ولأن إيمانها ضعيف فليس معها ما يزجرها، فإذا سمح لها ووجدت من يفجر بها مع كثرة الأشرار والفجار تعظم المصيبة ويكثر الفساد، فلذلك انتشرت الفواحش في تلك الدول التي أباحت للمرأة بذل نفسها. أما إقامة الحدود في البلاد التي تطبق شرع الله فإن الفواحش فيها أقل، وإن كان الشر كثيراً.

إقامة الحد على المملوك

إقامة الحد على المملوك لما ذكر الجلد والتغريب ذكر أن الرقيق المملوك عقوبته خمسون جلدة ذكراً أم أنثى، وأخذ ذلك من القرآن الكريم في سورة النساء، فذكر الله تعالى الإماء في قوله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ} [النساء:25] والمراد الإماء، إذا أتين بفاحشة -يعني: بزنا- فعقوبتهن نصف عقوبة المحصنة، والعقوبة التي في القرآن للمحصنات مائة جلدة، ونصفها خمسون جلدة، فإذا زنت الأمة فإنها تجلد خمسين جلدة، ولا تغرب، ولا يغرب الرقيق ذكراً أم أنثى؛ لأن تغريبه يفوت منفعته وخدمته لسيده، والسيد ما أذنب. والصحابة بعضهم فهموا من قول الله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ} [النساء:25] أن المراد بإحصانهم الزواج، فقالوا: يا رسول الله! إذا زنت الأمة ولم تحصن -أي: ما عقوبتها-؟ فقال: (إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بحبل من شعر) ، وفي حديث آخر: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرب) يعني: لا يوبخها بهذا ولا يعيبها ويعيرها؛ لأن الزنا في الإماء كثير، وأما في الحرائر فإنه عيب، وفي قصة مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء في قريش كان من جملتهن: هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، بايعهن وقرأ عليهن الآية في آخر سورة الممتحنة: {عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ} [الممتحنة:12] ، فلما قال: (وَلا يَزْنِينَ) قالت هند: يا رسول الله! وهل تزني الحرة؟ استغراباً واستنكاراً؛ لأن الزنا إنما يكون في الإماء المماليك. وقد ذكروا أن ابن أبي المنافق كان له أمتان، فكان يكرههما على الزنا ويقول: اذهبي فابغي لنا، والبغاء هو الزنا، والبغي هي الزانية، يكلفها ويكرهها أن تذهب وتزني وتأخذ أجرة وتأتي بها إلى سيدها، فأنزل الله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} [النور:33] ، والبغاء هو الزنا، أي: لا تكرهوهن على فعل فاحشة الزنا إذا أردن تحصناً وتحفظاً {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:33] ، فإذا أكرهت -سواءٌ أكرهت على الزنا أم أكرهها سيدها على أن تزني- فلا ذنب عليها، والذنب على سيدها. فالحاصل أن الرقيق ذكراً أو أنثى حده خمسون جلدة، وليس عليه تغريب، وأما المبعض فبحسابه، إذا كان -مثلاً- نصفه حر ونصفه رقيق فيجلد لكونه رقيقاً خمسين جلدة، ويجلد نصفه خمساً وعشرين جلدة، فيكون جلد الذي نصفه حر خمس وسبعون جلدة، والتغريب يغرب ثلاثة أشهر؛ لأنه سقط عنه التغريب كله بسبب كونه رقيقاً، ولما كان نصفه رقيقاً أخذنا نصف النصف فغربناه ربع السنة، هذا ما نقول، فكل مبعض بحسابه فيهما. ومن المراد بالمحصن في قوله: [فيرجم زان محصن] ؟ المحصن من وطئ زوجته بنكاح صحيح في قبلها ولو مرة. فمن تزوج زواجاً صحيحاً كامل الشروط، ودخل بامرأته وتمكن منها ووطئها في نكاح صحيح ولو مرة واحدة صدق عليه أنه محصن، وأنه هو الذي يرجم.

ما يشترط به وقوع الرجم على الزاني المحصن

ما يشترط به وقوع الرجم على الزاني المحصن

تغييب الحشفة في فرج أصلي محرم لآدمي

تغييب الحشفة في فرج أصلي محرم لآدمي يشترط للرجم ثلاثة شروط: قال: [تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي لآدمي ولو دبراً] . يعني: سواء وطئ في الدبر الذي هو فاحشة اللواط، وطئ ذكراً أو أنثى، أو في القبل الذي هو الفرج، ويكفي تغييب رأس الذكر، أي: إلى حد الختان؛ لأن في الحديث: (إذا التقى الختانان) تغييب الحشفة إلى حد الختان، وذكر الحشفة الأصلية يخرج ما إذا كان له ذكر زائد فإنه لا حكم له. قوله: [في فرج أصلي] . لا في فرج غير أصلي، فلو كان هناك -مثلاً- ما يسمى بالخنثى، وكان له فرج غير أصلي أو مشكوكاً فيه فلا يعطى هذا الحكم. وقوله: [بآدمي] . كأنهم أرادوا أن ينبهوا على أن من وطئ البهيمة فلا يحد؛ لأن الزنا الحقيقي هو وطء آدمي، يعني: ذكراً أم أنثى. وقوله: [ولو دبراً] . صرحوا بأنه إذا وطئ في الدبر فإنه يعتبر زانياً، وقد اختلف في حد فاحشة اللواط الذي هو فعل قوم لوط الذين عاقبهم الله تعالى عليه، يقول الله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} [الأعراف:80-81] ، وفي آية أخرى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:165] ، اشتهر هذا الفعل في قوم لوط، فنسب هذا الفعل إليهم، ولوط عليه السلام بريء منهم، ثم صارت هذه الفاحشة تسمى اللواط، وفاعلها يقال له: هذا لوطي. والفعل يقال فيه: لاط فلان، أو لاط به. ويلوط به، أخذاً من هذه الكلمة، وهي الوطء في الدبر، وحيث إنه مستقبح طبعاً، وأن المفعول به ليس له شهوة في دبره تحمله على أن يبذل نفسه، ولكن قد يكون مكرهاً يكره على هذه الفاحشة، أو يبذل له أجرة على أن يمكن من نفسه، وقد ذكر بعض العلماء أنه إذا قيل له: إما أن تمكننا من نفسك وإلا قتلناك أنه يفضل القتل، يقول ابن القيم: وذلك لأن نطفة اللوطي مسمومة، يعني أنه إذا فُعل فيه فإنه يألف ذلك، وقد يطلب من يفعل فيه والعياذ بالله، فلذلك يفضل أنه يقتل، يقول: اقتلوني ولا أمكنكم من أن تفعلوا فيّ. ومع ذلك قد انتشرت هذه الفاحشة في كثير من الدول، وهي الفعل في الصبيان وفي الذكور والعياذ بالله، وأصبحت كأنها مألوفة لا تستنكر، وقد وجدت في عهد الصحابة في عهد أبي بكر، كتب خالد لـ أبي بكر: إنا قد وجدنا رجلاً يُنكح كما تنكح المرأة. فعند ذلك جمع الصحابة فاختلفوا، ثم اتفقوا على أنه يحرق، وذلك لعظم ذنبه، كأنهم قالوا: إن هذا ذنب كبير، فنرى من بشاعته أنه يحرق هذا اللوطي ولو كان هو المفعول به. وقال بعض الصحابة: إنه يلقى من شاهق ثم يتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، فإن الله تعالى قال: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82-83] أي: من فعل كفعلهم فليس عقوبتهم بعيدة منه، وإذا ألقي من شاهق فقد لا يموت، فبعد ذلك يرجم؛ لأن الله قلب عليهم ديارهم ثم بعد ذلك رجمهم. والقول الثالث أنه يقتل، واستدلوا بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) ، والقتل يقتضي قتله بالسيف أو نحو ذلك، وذلك زجراً لمن يفعل ذلك، وقضاءً على هذا الفعل الشنيع. واختيار المؤلف هنا أنه مثل الزنا، أي أن حده مثل حد الزنا، فإن كان محصناً -يعني: قد تزوج- سواء الفاعل أو المفعول به فإنه يرجم، وإن كان لم يتزوج سواء فاعلاً أو مفعولاً به فإنه يجلد ويغرب، ولذلك قال: [ولو دبراً] يعني: ولو كان الفعل في دبر، أي: دبر آدمي. وأما إتيان البهيمة فلم يذكروا ذلك؛ لأن الحديث الذي ورد فيه يظهر أنه فتيا من بعض الصحابة: (من وطئ بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) ، فيظهر أنه فتوى من بعض الصحابة.

انتفاء الشبهة

انتفاء الشبهة الشرط الثاني: انتفاء الشبهة. فمن قال: أنا وطئتها لأني قد كنت طلقتها ثم راجعتها، وظننت أن المراجعة تامة، فقيل له: إنك لم تراجعها إلا بعد العدة فلا رجعة لك فهذا له شبهة، وكذلك لو قال: أنا وطئتها أظنها زوجتي، أو أظنها أمتي، وجدتها في بيتي فوطئتها، فيكون هذا أيضاً عذراً له، وهكذا وطء الشبهة.

ثبوت الزنا بالبينة أو الإقرار

ثبوت الزنا بالبينة أو الإقرار الشرط الثالث: ثبوت الزنا، ويثبت بالبينة والإقرار، فالبينة لابد أن يكونوا أربعة شهداء؛ لقول الله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء:15] ، ولقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:4] ، ولقوله في آية الإفك: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:13] ، فاختص الزنا بأنه لابد من أربعة شهداء يشهدون عليه، وهؤلاء يكونون رجالاً، فلا تقبل شهادة النساء، ولابد من العدالة، فلو كان فيهم فاسق أو مقدوح في عدالته لم تقبل شهادته، ولابد أن يشهدوا جميعاً في مجلس واحد، فلو جاء اثنان في مجلس واثنان في مجلس لم يثبت بذلك الزنا، فلابد أن يجتمعوا في مجلس واحد، ولابد أن يشهدوا في زناً واحد، فلو قال هذان: زنى يوم السبت. وقال الآخران: زنى يوم الأحد. فشهدا بزناً متكرر فلا يثبت. وكذلك لابد من وصفه، بأن يقولوا: رأيناه بأعيننا يزني بهذه المرأة أو بفلانة زناً صحيحاً. وبعض العلماء قالوا: لابد أن يشهد الأربعة بأنهم رأوا فرجه في فرجها، أو ذكره في قبلها. ولكن يظهر أن هذا ليس بشرط، ولكن إذا تأكدوا أنه يزني بها ولم يروا الفرجين اكتفي بذلك؛ لأنه عادة لا يتمكن من رؤية الفرجين، قد يكونان ملتحفين مثلاً أو نحو ذلك، فعلى كل حال إذا قالوا: نتأكد ونوقن بأنه قد زنى بها، وأنه قد أولج فرجه في فرجها وإن لم نر الفرجين. وتحققوا في ذلك قبلت شهادتهم، فلا حاجة إلى ما شدد به الفقهاء في ذلك، فإن مع تشديدهم لم يتمكن من إقامة الحد بهذه الشهادة، وذكر عن شيخ الإسلام أنه يقول: لم يقع رجم منذ عهد الصحابة إلى عهدنا هذا بشهود على ما ذكره الفقهاء؛ لأنه لا يتصور أنهم يكشفون عن الفرجين، يعني: طوال هذه القرون ما ثبت الزنا بأربعة شهود يصفونه فيقولون: رأينا قبله في قبلها، أو رأينا فرجه في فرجها. ولا يمكن، فلذلك يكتفى بالعلم، والشهود الذين شهدوا على اليهودي قالوا: نعم. رأينا فرجه في فرجها، ولكن يظهر أن ذلك مجرد يقين، أي: علمنا وتيقنا أنه أولج في فرجها، وأنه زنى بها زناً صريحاً، فهذا الذي يثبت به أولاً. وأما الإقرار فهو أن يعترف به أربع مرات مع حقيقة الزنا وحقيقة الوطء، وهكذا قرر النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً لما جاء معترفاً، فقال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو لمست؟) ، يعني: فعلت مقدمات، فقال: (لا، فقال: أتدري ما حقيقة الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً) يعني: أولج فيها يعني جماعاً كاملاً، فهذا هو حقيقة أن يعترف بحقيقة الزنا. واشترطوا أن يبقى مقراً بهذا الزنا حتى يفرغ من رجمه أو يفرغ من جلده، فإن تراجع فإنه يدرأ عنه، هذا قول، وذلك لأنهم ذكروا أنهم لما بدءوا برجم ماعز وكانوا لم يقيدوه يقول جابر: كنت فيمن رجمه، فلما أذلقته الحجارة هرب، فلحقناه حتى أدركناه بالحرة، فرجمناه حتى مات، وذكروا أنه لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه هرب، قال: (هلا تركتموه؟!) يعني لما هرب، فيخاف أن ذلك منه تراجع، واعتذر بعض العلماء بأن معنى قوله: (هلا تركتموه) يعني: حتى تتأكدوا أو تأتوا به إلينا. والصحيح أنه إذا ثبت باختياره وإقراره ودون إكراه، واعترف على نفسه فإنه -والحال هذه- يقام عليه الحد، ولو قال: إني ندمت، أو كذبت أو تراجعت أو ما أشبه ذلك لا يقبل تراجعه، وكذلك أيضاً الشهود، فلو قال أحد منهم بعدما تمت الشهادة وكتبت: إني رجعت أو: إني أخطأت بالشهادة عليه إذا كان قد تلفظ بالشهادة.

شروط القذف الذي يقام عليه الحد

شروط القذف الذي يقام عليه الحد

أن يكون المقذوف محصنا

أن يكون المقذوف محصناً انتهى ما يتعلق بالزنا، ثم ذكر بعده حد القذف، والقاذف: هو الذي يقذف محصناً. قال: [فيجلد حر ثمانين ورقيق نصفها، ومبعض بحسابه] . قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:4] شرع حد القذف حماية للأعراض؛ لأن بعض الناس قد يظلم أحداً فيعيبه فيقول: إن فلاناً زنى مع أنه لم يكن زانياً، وقد عرف أنه لم يكن من أهل ذلك، فهذا الذي قذف محصناً وعابه وألحق به عاراً، أو ألحق به عيباً لا شك أنه قد ارتكب في حقه إثماً وأنه قد ظلمه، فهذا الذي قذف يقول: إن هذا قد نشر عني سمعة سيئة، وألفق بي تهمة شنيعة، فأريد أن أنتقم منه، وأريد أن آخذ بثأري منه، والشرع أنصفه وجعل في هذا القذف حداً، وهو الجلد إذا رمى محصناً أو محصنة بزناً صريح، فإنه إذا لم يكن عنده بينة فعليه الحد، يقال: أنت قذفت فلاناً فائت بأربعة شهداء وإلا فالحد عليك. فمن قذف محصناً حده ثمانون إذا كان حراً، ونصفها إذا كان مملوكاً، ومبعض بحسابه، فإذا كان نصفه حراً فإنه يجلد أربعين لكونه رقيقاً، ويجلد عشرين لكون نصفه حراً، ومن المراد بالمحصن؟ المحصن هنا: الحر المسلم العاقل العفيف، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور:4] فكذلك الرجال، أما إذا قذف عبداً فقال: هذا العبد زانٍ أو زنى فلان فإنه -والحال هذه- لا حد على القاذف؛ لأن العبد والأمة لا يلحقهما عار كما يلحق الحر، ولأن الزنا معروف وقوعه كثيراً في الإماء والمماليك ونحوهم.

أن يكون المقذوف مسلما

أن يكون المقذوف مسلماً كذلك لابد أن يكون مسلماً، فإذا قذف كافراً ولو ذمياً فلا حد على القاذف؛ لأن الكافر وإن لحقه عار لكن ليس كالعار الذي يلحق المسلم.

أن يكون المقذوف عاقلا

أن يكون المقذوف عاقلاً ثالثاً: أن يكون عاقلاً. فإذا قذف مجنوناً فالمجنون مرفوع عنه القلم، فلا يلحقه العار، سواء قال: إنه فعل. أو: إنه فعل به. فإذا كان مجنوناً ناقص العقل لم يكن معه من العقل ما يحجزه عن فعل هذه الجريمة -أي: الزنا- ونحوها.

أن يكون المقذوف عفيفا

أن يكون المقذوف عفيفاً الرابع: أن يكون عفيفاً. والعفيف: هو الذي ليس متهماً بفعل الفاحشة، بل هو من الذين يعرف أنهم بعيدون عن هذا المنكر. والفقهاء ذكروا أمثلة لهذا القذف، ولكن الصحيح أنه إذا كان اللفظ صريحاً فإنه يكون قذفاً، وإذا كانت اللفظة تستعمل لغير الزنا أو اللواط فاعلاً أو مفعولاً وإنما تستعمل لغيره فلا يكون قذفاً، فإذا قالوا مثلاً: زنيت يا فلان أنت زانٍ، زنيتي، رأيتك تزنين، زنى فرجك زنى دبرك أو قبلك أو: زنى بك فلان أو نحو ذلك، وكذلك أيضاً العبارات التي تستعمل لذلك وقد تكون أيضاً كنايات مثل النيك، كقول: يا منيوك. أو: يا منيوكة أو ما أشبه ذلك، وهناك عبارات ليست صريحة، مثل كلمة (معفوج) أو نحوها، وكلمة (لوطي) قد يراد بها أنه على ملة لوط إذا قال ذلك، أما إذا قال: إنه -كما يعبرون- مخنث. أو: إنه متخنث. والتخنث هو التشبه بالنساء في ترقيق الكلام ونحوه، ولكن قد تستعمل صريحاً في أنه يفعل به إذا قالوا: مخنث أو تخنث أو نحو ذلك، وهكذا كثير من العبارات، وقديماً يعبرون عنه بقولهم: (مأبون) يعنون المفعول به، أو مأبون بمعنى: أنه يفعل به وما أشبه ذلك. فالحاصل أنه إذا كان المجتمع يفهم من تلك الكلمة التي رماه بها أنه يريد بذلك الزنا، أو أنه فاعل أو مفعول به، وكانت تلك الكلمة صريحة واضحة فإنها تقبل منه ويعاقب بموجبها، ويقال: قد رميته بفعل الفاحشة فعليك الحد. ثم حد القذف حد للمقذوف لا يقام إلا بمطالبته، فلو سمح وقال: هذا رماني وقذفني وأنا أتنازل عنه فإنه يسقط عنه الحد، وإذا مات قبل أن يتنازل فهل لورثته أن يطالبوا ويقولوا: هذا قذف أبانا، أو قذف ابننا، فنريد أن نقيم عليه الحد؟ يقولون: إنهم لا حق لهم؛ لأنه لا يدرى هل سمح أم لم يسمح، ولو لم يكن هناك بينة على أنه أسقط ذلك، ويشترط في حد القذف كون مثله يطأ أو يوطأ، ويشترط كونه يتمكن من الوطء، أما لو -مثلاً- قذف طفلاً عمره ثماني أو سبع سنوات بأنه زنى فمثل هذا يعلم أنه كاذب؛ لأنه لا يتصور منه، لكن إذا قذف به وقال: إنه فعل به فلان فهذا قد يتصور أنه يفعل به ولو كان عمره سبع أو ثماني سنوات، ولكن مع ذلك حيث إنه لم يكلف فإنه ليس عليه عقوبة، وذكروا أنه إذا بلغ وكلف فله المطالبة، فإذا قال: إن هذا رماني بأني مفعول بي أو وفعل بي قبل خمس سنين أو قبل عشر سنين، وعليه عندي بينة يشهد عليه فلان وفلان، وقد كذب علي فأريد إقامة الحد عليه ليجلد ثمانين جلدة ففي هذه الحال إذا طالب بذلك بعد تكليفه وكان هناك بينة ثبتت العقوبة والحد على ذلك القاذف. وأما إذا لم يكن القذف صريحاً بالزنا فإن فيه التعزير، فإذا قال -مثلاً-: يا كافر. أو: هذا كفر وليس حقاً يعزر القائل، وكذلك إذا قال: يا معلون وليس مستحقاً لذلك، وطالب ذلك الذي لعن يستحق ذلك التعزير، وأما إذا قال: يا أعور يا أعرج يريد بذلك عيبه فهذا أيضاً فيه التعزير إن طلب ذلك؛ لأنه قد يقول: هو ليس بصادق.

حكم التعزير في كل معصية وحده

حكم التعزير في كل معصية وحده يقول: [ويجب التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، ومرجعه إلى اجتهاد الإمام] . التعزير ذكرنا أنه عقوبة غير مقدرة على ذنب لم تحدد فيه تلك العقوبة، فمثلاً: سرقة دون النصاب فيها التعزير، وزناً ليس فيه إيلاج بل تقبيل أو خلوة إذا وجد خالياً مع امرأة، أو اختطف امرأة ولم يتمكن من أن يزني بها، أو -مثلاً- وجد مع امرأة في فراش أو في لحاف، والمرأة أجنبية ولم يثبت عليه حد الزنا، وشهد عليه بذلك، وكذلك أيضاً المعاصي كترك الصلاة يعزر ويعاقب عليه، والفطر في نهار رمضان بغير عذر أو ما أشبه ذلك. وقد يجمع عليه بحدين أو بعقوبتين ويتداخلان، فالحاصل أن التعزير هو العقوبة على ذنب لم يقدر فيه، وذكر الفقهاء أن التعزير لا يزاد على عشر جلدات، واستدلوا بحديث أبي بردة بن نيار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزاد على عشر جلدات إلا في حد من حدود الله) ، فقالوا: لا يزاد المعزر على عشر جلدات، والصحيح أنه تجوز الزيادة، وعليها العمل. وعلى هذا كيف الجواب على الحديث؟ قالوا: الحديث في التأديب، فإذا أدب الرجل ولده يجلده عشراً ولا يزيد، أو أدب المعلم صبيته يجلدهم ولا يزيد، أو أدب الرجل امرأته على النشوز لقوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] فلا يزيد على عشر جلدات. فأما إذا كانت العقوبة على معصية ليس فيها حد، كخلوة -مثلاً- بامرأة أجنبية، أو دخول في بيت لأجل فاحشة، أو لأجل سرقة ولم يتمكن، أو قذف بغير الزنا أو ما أشبه ذلك فإنهم يعزرون بحسب ما يختارون والله أعلم، وصلى الله على محمد.

شرح أخصر المختصرات [80]

شرح أخصر المختصرات [80] حرم الله سبحانه وتعالى على عباده الخمر؛ لأنها تذهب العقول وتفسدها، وتغير الطبائع، فيترتب عليها من المفاسد وارتكاب المحرمات الشيء الكثير، ورتب الشارع على شرب الخمر حد الجلد، وذلك إذا ثبت شربه بالشهادة أو الاعتراف، ويجلد شارب الخمر على ما يراه الإمام، إن شاء أربعين وإن شاء ثمانين.

مراحل تحريم الخمر

مراحل تحريم الخمر قال رحمه الله تعالى: [فصل: وكل شراب مسكر يحرم مطلقاً، إلا لدفع لقمة غص بها مع خوف تلف، ويقدم عليه بول. فإذا شربه أو احتقن به مسلم مكلف مختاراً عالماً أن كثيره يسكر حد حر ثمانين وقن نصفها. ويثبت بإقراره مرةً كقذف، أو شهادة عدلين. وحرم عصير ونحوه إذا غلى أو أتى عليه ثلاثة أيام. فصل: ويقطع السارق بثمانية شروط: السرقة، وهي أخذ مال معصوم خفيةً، وكون سارق مكلفاً مختاراً عالماً بمسروق وتحريمه، وكون مسروق مالاً محترماً، وكونه نصاباً وهو ثلاثة دراهم فضةً أو ربع مثقال ذهباً أو ما قيمة أحدهما، وإخراجه من حرز مثله، وحرز كل مال ما حفظ به عادةً، وانتفاء الشبهه، وثبوتها بشهادة عدلين يصفانها، أو إقرار مرتين مع وصف ودوام عليه، ومطالبة مسروق منه، أو وكيله أو وليه. فإذا وجب قطعت يده اليمنى من مفصل كفه وحسمت، فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه وحسمت، فإن عاد حبس حتى يتوب. ومن سرق تمراً أو ماشيةً من غير حرز غرم قيمته مرتين ولا قطع، ومن لم يجد ما يشتريه أو يشتري به زمن مجاعة غلاء لم يقطع بسرقة. فصل: وقطاع الطريق أنواع: فمن منهم قتل مكافئاً أو غيره كولد وأخذ المال قتل ثم صلب مكافئ حتى يشتهر. ومن قتل فقط قتل حتماً ولا صلب. ومن أخذ المال فقط قطعت يده اليمنى، ثم رجله اليسرى في مقام واحد، وحسمتا وخلي. وإن أخاف السبيل فقط نفي وشرد، وشرط ثبوت ذلك ببينة أو إقرار مرتين، وحرز ونصاب. ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقط عنه حق الله تعالى وأخذ بحق آدمي. ومن وجب عليه حد لله فتاب قبل ثبوته سقط. ومن أريد ماله أو نفسه أو حرمته ولم يندفع المريد إلا بالقتل أبيح ولا ضمان. والبغاة ذوو شوكة يخرجون على الإمام بتأويل سائغ فيلزمه مراسلتهم وإزالة ما يدعونه من شبهة ومظلمة، فإن فاءوا وإلا قاتلهم قادر] . من جملة الحدود حد الخمر، أي: حد شرب المسكر. والخمر هي كل ما أسكر، والإسكار هو إزالة العقل بالذي إذا شربه يزول معرفته ويهذي في كلامه، ولا يعرف ما يقول فيتصرف تصرفاً سيئاً، فحرم هذا لأنه يزيل العقل، ويلحق الذي يتعاطاه بالمجانين أو أقل حالة من البهائم. وكانت الخمر مشهوراً شربها عند العرب قبل الإسلام، بل قد يفتخرون بها، كما في قول حسان في جاهليته: ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً لا ينهنهنا اللقاء فلما جاء الإسلام لم تحرم دفعة واحدة؛ لأنهم منهمكون فيها، بل حرمت على مراتب، حرمت على مرات شيئاً فشيئاً، فأول ما نزل فيها قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] ، قال العلماء أو بعضهم: إن هذه الآية هي التي حرمت بها الخمر؛ لأنه ذكر أن فيها إثماً كبيراً، وإثمها أكبر من نفعها، فيدل على أنها محرمة، والله تعالى قد حرم الإثم في قوله تعالى في سورة الأعراف وهي مكية: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف:33] ، فتكون هذه الآية دالة على تحريمها. ولكن لم يحرمها الناس لهذه الآية، حيث ذكر أن فيها منافع للناس، إما في التجارة فيها، وإما بالتلذذ بشربها، ولما نزلت تاب كثير وتركوها، وقدر بعد ذلك أن قوماً شربوها من الصحابة، وحصل منهم قتال حتى ضرب بعضهم صاحبه بلحي جمل وشجه، وصلى بعضهم وقرأ في الصلاة: (قل يا أيها الكافرون، أعبد ما تعبدون، أنتم تعبدون ما أعبد) وخلط في قراءته، عند ذلك نزلت آية في سورة النساء: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43] ، نهاهم أن يصلوا في حالة السكر، وذلك لما يترتب على الصلاة في حالة السكر من الهذيان ومن الكلام السيء، فتاب ناس وتركوها تركاً كلياً، وبقي آخرون يشربونها في الأوقات الطويلة، يشربها بعد الفجر فيصحو قبل أن يدخل وقت الظهر، ويشربها بعد العشاء فيصحو قبل دخول وقت الفجر.

العشرة الأوجه الواردة في الآيات في تحريم الخمر

العشرة الأوجه الواردة في الآيات في تحريم الخمر ولما عرفوا آثارها السيئة نزل تحريمها بعد ذلك بالآيات التي في سورة المائدة، وأخذوا تحريمها من الآيات من عشرة أوجه: الوجه الأول: أن الله قرنها بالأصنام فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ} [المائدة:90] التي هي الأصنام. الوجه الثاني: قوله تعالى: (رِجْسٌ) ، والرجس هو النجس. الوجه الثالث: قوله تعالى: (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ، والشيطان لا يدعو إلا إلى الحرام وإلى الآثام. الوجه الرابع: قوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوهُ) والاجتناب هو الابتعاد، فهو أبلغ من قول: اتركوه. الوجه الخامس: قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي: يتوقف فلاحكم على تركها. الوجه السادس قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ} [المائدة:91] ، فالعداوة بينكم يوقعها الشيطان بسبب هذا الخمر. الوجه السابع قوله تعالى: {الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:91] . الوجه الثامن قوله تعالى: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المائدة:91] أي: إن مجالسها مجالس باطل تصد عن ذكر الله. الوجه التاسع: قوله تعالى: {وَعَنْ الصَّلاةِ} [المائدة:91] أي أنها تشغل عن الصلاة. الوجه العاشر قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:91] فقالوا: انتهينا انتهينا. فحرمت الخمر بهذه الآية، ووردت الأدلة في عقوبة شاربها، وأن من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة، مع أن خمر الآخرة ليست مثل خمر الدنيا؛ لقول الله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} [الصافات:47] ، وقوله: {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ} [الواقعة:18-19] مما يدل على أنها منزهة عما يكون في خمر الدنيا. كذلك ورد في الحديث أن الذي يشربها ويموت وهو يشربها يسقيه الله من طينة الخبال، وهي عصارة أهل النار.

حد شارب الخمر

حد شارب الخمر ثم ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما حد لها حداً محدداً، ولكن إذا جيء بشارب الخمر يقول: اضربوه، فمنهم من يضربه بيده، ومنهم من يضربه بنعل، ومنهم يضربه بعصا نحو الأربعين، هكذا كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بسكران، وكذلك أيضاً في عهد أبي بكر يضرب نحو الأربعين، ولما كان في عهد عمر كثر الذين يتعاطون شرب الخمر، ولم تردعهم أربعون جلدة، وتهاونوا بها، فاستشار عمر رضي الله عنه الصحابة فقالوا: إنه إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفتري ثمانون جلدة. والافتراء هو الكذب والقذف، فأمر عمر أن يجلد ثمانين، فصار يجلد هكذا، ولو أن ذلك لم يحدد في العهد النبوي؛ لأن هذا من باب التشديد عليه. فأكثر الفقهاء على أن حده ثمانون؛ لأن عمر أفتى بذلك ووافقه عليه الصحابة، وذهب بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الحد أربعون، وأن الزيادة تعزير تستعمل عند الحاجة، أي: متى تهافت الناس على ذلك وكثر الذين يتعاطونه وتهاونوا بالأربعين زيد إلى الثمانين، وإن لم تردعهم الثمانون وكثروا وتهاونوا بهذه العقوبة زيد إلى المائة، أو إلى مائة وعشرين؛ لتكون الزيادة تستعمل وقت الحاجة عندما يكثرون، ويتمكنون من الشرب، فعند ذلك يجلد إلى ثمانين، ويجلد إلى مائة، ويجلد إلى مائة وعشرين، ولو احتيج إلى الزيادة زيد لأجل أن يرتدع الناس. ثم ورد حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شرب أحد الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن عاد الرابعة فاقتلوه) ، هذا الحديث رواه بعض العلماء، وقال بعضهم: إنه منسوخ. وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل شرب الرابعة فلم يقتله، فجزموا بأنه منسوخ، والترمذي لما خرجه قال في آخر كتابه: إنه لم يجد من يعمل به. يعني: لم يكن عليه عمل، ولكن الحديث روي من طرق جمعها الشيخ أحمد محمد شاكر الذي حقق أول المسند، وحقق أول تفسير الطبري، فإنه عندما روى الحديث في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص خرجه وذكر الشواهد عليه، حتى بلغ أحد عشر حديثاً، واستدل به على أنه متواتر. ثم إنه أفرد هذا القدر وطبعه في رسالة مستقلة في قتل الشارب بعد الرابعة، وقال: إنه لا عذر لأحد في ترك العمل به، وكون النبي صلى الله عليه وسلم ما قتله بعد الرابعة قد يكون لعذر، وقد يكون ذلك الذي جلده ثلاث مرات أو أربع لم يكن متهاوناً، ولم يكن من المتساهلين، ولعل له عذراً، وهو واحد وقصتة واحدة، ولا يبطل لأجل هذه القصة العمل بأحد عشر حديثاً مروياً من عدة طرق يقوي بعضها بعضاً بمجموعها يكون كالمتواتر، فلا عذر لأحد من المفتين والعلماء أن يتركوا العمل بهذا الحديث، سيما في الأزمنة المتأخرة التي تساهل الناس فيها بشرب الخمر وصاروا لا يبالون، ويجلد أحدهم ثم يعود، ويذكر الآن أن بعضهم جلد عشر مرات، وربما عشرين، ومع ذلك يخلى سبيله، أو يسجن أياماً ثم يخلى سبيله. وحيث إن عندنا هذا الحديث الذي أمر فيه بقتله نقول: إن ترك العمل به تهاون وتساهل، حيث وجد سببه، فلا عذر لأحد أن يفتي إذا أفتى بعدم قتله مع وجود الأحاديث، ولو قتل واحد لارتدع الكثيرون، فإنه إذا كان الحد شديداً صار بذلك رادعاً لأولئك الكثير الذين يتعاطون شرب الخمر بالعشرات وبالمئات وبالألوف يومياً أو أسبوعياً ولا يبالون.

خلاف العلماء في المسكر مم يكون؟

خلاف العلماء في المسكر مم يكون؟ يقول: [وكل شراب مسكر يحرم مطلقاً] بشرط أن يكون مسكراً، وذهب الحنفية إلى أن الخمر تختص بعصير العنب، وقالوا: إنه الخمر المعروف. وأما بقية ما يعصر من المأكولات ونحوها فلا يسمى خمراً، ولا يحرم عندهم إلا إذا بلغ حد الإسكار، وخالفهم بذلك الجمهور الذين يرون أنه خمر من أي شيء صنع، وذكر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (إن الخمر من خمسة -يعني: في العهد النبوي- يقول: إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وإن من العسل خمراً، وإن من الشعير خمراً، وإن من الذرة خمراً) يعني: ما عصر من هذه وبلغ حد الإسكار فإنه يسمى خمراً، فلا يجوز شربه ولو كان قليلاً. ودليل ذلك أيضاً الحديث الذي يمكن أنه متواتر ولفظه: (كل مسكر حرام) ، (كل مسكر خمر) ، وقصة أبي موسى لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الأشربة في اليمن، منها ما يسمى (البتع) ، ومنها ما يسمى: (المزر) ، وذكر لـ عمر شراب يسمى الطلاء يشرب في مصر، فكلها ألحقوها بالخمر، ولما سأل أبو موسى النبي صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال: (أمسكر هو؟ قال: نعم، قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام) ، فيحرم شرب المسكر، واستثنوا من ذلك إذا كان [لدفع لقمة غص بها مع خوف تلف] ولم يجد ما يدفعها إلا بكأس خمر [ويقدم عليه بول] ، فإذا وجد بولاً ووجد خمراً فأيهما يدفع به هذه الغصة؟ يدفعه بالبول، فإذا لم يجد إلا الخمر دفعها به وعفي عنه، هكذا يمثلون، مع أن هذا نادر، نادر أن لا يجد إلا خمراً؛ لأنه يجد المياه، ويجد الألبان، ويجد العصيرات المباحة يدفع بها هذه اللقمة التي غص بها، وإنما ذكروا ذلك تقديراً، فلو قدر أنه ما وجد إلا خمراً فله أن يشرب منه جرعة يدفع تلك الغصة.

شروط حد الخمر

شروط حد الخمر يقول: [فإذا شربه أو احتقن به مسلم مكلف مختاراً عالماً أن كثيره يسكر حد حر ثمانين وقن نصفها] . الاحتقان كونه يحتقن بها مع أنفه مثلاً أو مع شدقه، يعني: أدخل طرف أو حافة المحقن في شدقه وصبها. ولو أدخلها مع دبره صدق عليه أنه أدخلها إلى جوفه، ويشترط لإقامة الحد عليه شروط: الشرط الأول: أن يكون مسلماً. وذلك لأن أهل الذمة يستبيحون شرب الخمر، أي: اليهود والنصارى، كما في قول الأخطل: ولكني سأشربها ثمولاً وأسجد عند منبلج الصباح يفتخر بأنه سيشربها. الشرط الثاني: أن يكون مكلفاً والمكلف: هو البالغ العاقل، فإذا كان صغيراً لا يعرف أو كان مجنوناً لا يعقل فلا حد عليه؛ لأنه غير مكلف. الشرط الثالث: أن يكون مختاراً. ويخرج به إذا أكره على شربها وهدد وقيل: إن لم تشربها قتلناك، أو: إن لم تشربها ضربناك ضرباً مبرحاً لا تتحمله. فإن تهاون وشربها مختاراً حد. الشرط الرابع: العلم، أن يكون عالماً بالتحريم، فإذا كان جاهلاً لا يدري أنها محرمة فلا حد عليه، وكذلك كونه عالماً أنها تسكر، أو أن الكثير منه يسكر ولو كان القليل لا يسكر، فإذا تمت هذه الشروط أقيم عليه الحد إن كان حراً ثمانون جلدة، وإن كان قناً أربعون جلدة، هكذا يجب عليه.

ما يثبت به حد الخمر

ما يثبت به حد الخمر الجلد يكون جلداً وسطاً، ليس شديداً وليس خفيفاً وسهلاً، بل يكون جلداً متوسطاً، ذكروا أنه فوق جلد القذف ودون جلد الزنا، ثم لا بد من ثبوت الشرب، وبأي شيء يثبت؟ بإقراره مرة، أو بشهادة عدلين، فإذا أقر بأنه شرب الخمر التي تسكر ثبت عليه الجلد، وإذا شهد عليه شاهدان بأنه قد اعترف فقالا: نشهد أنه اعترف عندنا أنه شرب الخمر أقيم عليه الحد. وذكروا أيضاً أن القذف يثبت بإقراره، فإذا قال: أنا الذي قذفت فلاناً، أنا الذي قلت: إنه زانٍ، أو: إن فلانة زانية. إذا شهد على اعترافه عدلان فإنه يحد. وكذلك إذا شهد عدلان على شربه وقالا: رأيناه يشرب فإنه يحد.

مم يكون الخمر؟

مم يكون الخمر؟ كذلك يقول: [وحرم عصير ونحوه إذا غلى أو أتى عليه ثلاثة أيام] . العصير هو عصير العنب، أو -كذلك- عصير التمر ويسمى النبيذ، فيطرح التمر في الماء إلى أن يكتسب حلاوة، أو يحرك في الماء إلى أن يكسبه حلاوة، وكذلك أيضاً الزبيب إذا خمر في الماء إلى أن يذوب، فإذا غلى ورمى بالزبد فإنه يقرب من الإسكار، وكذلك إذا أتى عليه ثلاثة أيام، ذكرت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في سقاء، يطرح في ذلك السقاء تمر ويصب عليه ماء، فيشرب منه ثلاثة أيام أو يومين ونصف، وإذا بقي بعد ذلك شيء منه أمر أن يشرب أو يراق، يخشى أنه ينعقد ويبلغ حد الإسكار، ففيه دليل على إباحة النبيذ، وكان قد نهى بعضهم عن الانتباذ في بعض الأسقية، ثم رخص لهم أن ينتبذوا فيما شاءوا، ولا يشربوا مسكراً، ففي الحديث: (نهى عن النبيذ في الحنتم والمزفت والنقير والدباء) ، والدباء هو نوع من القرع رأسه دقيق، إذا يبس فإنهم يأخذون جرمه فيجعلون فيه دهناً يحفظون فيه الدهن أو العصير، وحيث إن رأسه دقيق يسرع إليه التغير، فنهى عن النبيذ فيه، وكذلك الحنتم، ويسمى (الزير) الذي يصنع من الطين ونحوه أو الجرار، وكذلك الذي هو مبني بقار أو زفت يسرع إليه التغير، ولكن إذا تحقق أنه لا يتغير جاز الانتباذ فيه.

أحكام السرقة

أحكام السرقة

شروط قطع يد السارق

شروط قطع يد السارق تقدم من الحدود حد الزنا وحد القذف والتعزير وحد الخمر، وبقي الآن حد السرقة وحد قطاع الطريق، وحد البغاة، وحد المرتد. زذكر أن السارق يقطع بثمانية شروط، والسارق: هو الذي يأخذ المال المحترم من حرزه على وجه الخفية. فهو الذي يسمى سارقاً، فإذا أخذ من المال المنشور، كما إذا كان إنسان -مثلاً- نشر بضاعته، وجاء إنسان -مثلاً- تحرى غفلته وأخذ منه شيئاً وهو لا يدري فهذا ليس بسارق، يسمى مختلساً، وكذلك الذي ينهب المال ويهرب به يسمى منتهباً، وكذلك الذي يأخذه قهراً يسمى مغتصباً، فلا يقطع المختلس والمنتهب والمغتصب، وذلك لأن القطع إنما جاء في حق السارق، وغيره يعزرون التعزير الذي يردعهم. وأما السارق فيقطع بثمانية شروط: الشرط الأول: أخذ مال معصوم خفي. فيخرج مال الحربي، إذا أخذ مال حربي فلا يسمى سارقاً، ولا قطع عليه؛ لأن الحربي حلال قتله وحلال ماله، ويدخل في مال المعصوم المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن؛ لأنهم معصومة دماؤهم وكذلك أموالهم. ولابد أن يكون الأخذ خفية، ويمكن أن يعد هذا شرطاً تاسعاً، أن يكون أخذه خفية، أما أخذه علانية فلا يسمى سرقة. الشرط الثالث: أن يكون السارق مكلفاً مختاراً عالماً بمسروق وتحريمه، فإذا كان صغيراً أو مجنوناً أو مكرهاً على السرقة، أو جاهلاً بتحريم السرقة، أو جاهلاً بأن هذا المال معصوم، أو معتقداً أنه يجوز ولم يعلم أنه محرم فلا يقطع. الشرط الرابع: كون المسروق مالاً محترماً. ويخرج به ما إذا سرق أشرطة غناء، أو طبول محرمة، أو أجهزة الدش التي ليست محترمة، أو سرق دخاناً لأنه ليس بمال، أو سرق خمراً، أو سرق مخدرات فلا يقطع؛ لأن هذا ليس بمال محترم. الشرط الخامس: أن يكون المسروق نصاباً، وهو ثلاثة دراهم فضة، وربع مثقال ذهباً أو قيمته، فهو ربع دينار أو ثلاثة دراهم، كالدراهم القديمة التي هي من الفضة، ثم مقداره في هذه الأزمنة بهذا النحو، ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) يعني أنه لا يفكر، والبيضة هي الترس الذي يجعل على الرأس في حالة القتال من حديد أو من صفر أو من نحاس تقي من وقع السلاح، وتسمى أيضاً المجن، وورد (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم) ، وروي أن رجلاً سرق أترجة، والأترجة التي هي شبيهة بالليمون إلا أنها كبيرة، وكانت قيمتها ثلاثة دراهم، فقطع. ثم مقدار الذهب في هذه الأزمنة ربع مثقال -أي: ربع دينار- يقارب السبع من الجنيه السعودي، أي: سبع الجنيه، فإذا كان الجنيه -مثلاً- بسبعمائة فبسرق مائة يقطع. ومعلوم أيضاً أن الدراهم الفضة قد لا تكون موجودة في هذه الأزمنة، ولكن قيمتها معروفة، فنصاب المال الزكوي من الفضة مائتان من الدراهم، ومقدارها بالريال الفضي السعودي ستة وخمسون ريالاً، فإذا نظرنا في مائتين وقسمناها على ستة وخمسين إذا هي نحو الربع، يدل على أن الدرهم قريب من ربع الريال السعودي، فإذا سرق مثلاً أرباع الريال السعودي، فإن ذلك يقوم مقام ثلاثة دراهم، وصدق عليه أنه سرق نصاباً فيقطع. وحيث إن الريال الفضي غير متوفر يرجع إلى قيمته، ويمكن أن تكون قيمة الريال عشرة ريالات ورقاً، فعلى هذا يكون النصاب من الدراهم الورقية نحو ثلاثين، فإذا سرق ثلاثين ريالاً من الأوراق صدق عليه أنه سرق نصاباً فيقطع، وكذلك لو سرق سلعة قيمتها هذا. الشرط السادس: إخراجه من حرز مثله. وحرز كل مال ما يحفظ فيه عادة، فإذا كسر الباب ودخل، وأخذ قدراً -مثلاً- مما يوجد في الأسوار ونحوه قطع، أو كيساً لأنه أخذه من حرزه، وهكذا -مثلاً- إذا كسر باب الغرفة وأخذ منها أقمشة تدخر وتجعل في داخل الأسوار صدق عليه أنه أخذ من حرز، كذلك أيضاً لو كسر الصناديق وأخذ من الجواهر أو من الحلي أو من النقود صدق عليه أنه أخذ من الحرز. أما إذا وجد هذا المال ملقىً عند الباب، إنسان جعل عند بابه في الطريق أكياساً من الطعام مثلاً، أو ثياباً وأقمشة، فالذي يأخذ منه لا يسمى سارقاً؛ لأنه أخذ من غير حرز، فلا قطع عليه. الشرط السابع: انتفاء الشبهة فإذا قال: أنا شريك في هذا المال وكان له شراكة فلا قطع، لأنه يدعي أنه أخذ شيئاًَ يملكه، وكذلك لو كان المال صدقات مجموعة في بيت وقال: أنا من الفقراء الذين تحل لهم هذه الصدقات، ما أخذت إلا من شيء يحل لي أو كان المال -مثلاً- غنيمة وهو من جملة الغانمين، وقال: أنا لي حق فيه فلا يقطع. الشرط الثامن: ثبوت السرقة بشهادة عدلين. شهد عدلان بأنا رأيناه قد خرج من هذا الباب يحمل هذا الكيس، أو يحمل هذا الثوب، أو يحمل هذا القماش، أو رأيناه خرج من هذا الباب وجاء صاحب البيت وقبض عليه وفتشه فوجد معه هذه الأموال، وعرفنا أنه أخذها ثبتت السرقة، وكذلك الإقرار، إذا اعترف وأقر بأنه أخذ من هذا المال كذا وكذا سرقة، أقر مرتين، ودام على ذلك الإقرار ولم ينكر صدق عليه أنه يعتبر سارقاً. الشرط التاسع: مطالبة صاحب المال أو وكيله أو وليه، فصاحب المال المسروق إذا لم يطالب فيمكن أنه أباحه له، قال: هذا أخذ منا ونحن قد سمحنا عنه؛ لأنه قريب لنا أو صديق أو نحو ذلك. ففي هذه الحال يعفى عنه ولا يقطع، وكذلك لو لم يطالب المالك ولكن وكل، أو كان المالك صغيراً، أو محجوراً عليه فطالب به وليه، هذه هي الشروط، فإذا تمت الشروط وجب قطع يده، فيبدأ بقطع يده اليمنى، وتقطع من مفصل الكف، أي: المفصل الذي بين الكف وبين الذراع، وإذا قطعت حسمت، يغلون زيتاً، فإذا غلا ذلك الزيت وقطعوا يده غمسوا رأسها في ذلك الزيت، لتتوقف العروق وتنسد عروق الدم؛ لأنهم إذا لم يغمسوها استمر خروج الدم وأدى ذلك إلى موته، فيغمسونها بعد ذلك ويعالجونها إلى أن يطيب الجرح، ويبقى ليس له إلا يد، فتقطع من مفصل كفه وتحسم، فإذا عاد فسرق مرة ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه وحسمت، ولا تقطع يده اليسرى، ولا تقطع رجله اليمنى، بل تقطع الرجل اليسرى، حتى لا يكون مشلول الجانب، وتحسم أيضاً رجله إذا قطعت، ويكون القطع من مفصل الكعب، فتقطع القدم. فإذا عاد وقدر أنه سرق وقد قطعت يد ورجل فهل يقطع مرة ثالثة؟ الصحيح أنه لا يقطع، وإن كان روي عن بعض السلف أنه قطع ثلاث مرات، أي: يد ثم رجل ثم يد، بل يحبس حتى يتوب أو يموت، وذلك لأنه يعتبر مفسداً. ومن سرق تمراً من غير حرز غرم قيمته مرتين، ولا قطع عليه، وكذلك من سرق ماشية، لمن جاء إلى غنم قد باتت في غير حرز وأخذ منها شاة، أو جاء إلى إبل ترعى وأخذ منها جملاً فإنه يغرم قيمته مرتين، سواء ذبحه أو باعه، ولا قطع؛ لأنه أخذه من غير حرز، هكذا ورد عن بعض السلف أنه يغرم ولا يقطع. ولا يقطع في زمن المجاعة، إذا اشتد به الجوع ولم يجد ما يشتري به طعاماً، أو ما وجد شيئاً يشتريه، ما وجد خبزاً، ولا وجد تمراً، ولا وجد أرزاً، واحتاج ودخل في بيت وأخذ منه خبزاً ولو أكثر من النصاب فإنه معذور، ولهذا أسقط عمر رضي الله عنه القطع في سنة مجاعة حصلت تسمى (عام الرمادة) ، وهي مجاعة اشتدت فسواء لم يجد طعاماً يشتريه أو لم يجد قيمته في زمن مجاعة أو كان ارتفع سعره فلا يقطع والحال هذه؛ لأنه معذور.

أحكام قطاع الطريق

أحكام قطاع الطريق قطاع الطريق هم الذين يقفون في الطرق، ويقتلون من مر بهم أو ينهبونه أو ما أشبه ذلك، يقفون في بعض الطرق التي هي قليلة السالكين لا يأتيها إلا أناس قليل، فإذا جاء إنسان ليس معه أحد أوقفوه وأكرهوه على أن يأخذوا ما معه من المال، فإن دافعهم قتلوه وأخذوا المال، فإن كانوا جماعة قاتلوهم إلى أن يأخذوا ما معهم من المال، وقد يكون أيضاً قصدهم سيئاً وهو الزنا بمن معهم من النساء، بأن يكرهوه على أن يخلي بينهم وبين النساء ليزنوا بهن، يحدث هذا أيضاً كثيراً، فإما أن يقتلوا الرجل، وإما أن يوثقوه رباطاً ويتمكنوا من المرأة أو من النساء، فيعتبرون قطاعاً، ونزل فيهم قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ} [المائدة:33] . وذهب بعض العلماء -كالمالكية- إلى أن الإمام مخيّر؛ لأن الآية فيها لفظ (أو) ، فإما أن يقتل، وإما أن يأسر ويوثق ويسجن، وإما أن يقطع، وإما أن ينفي: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ} [المائدة:33] ، فدل ذلك على أنه مخيّر؛ لأن لفظة (أو) للتخيير، كما في قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] . وذهب الإمام أحمد إلى أن العقوبة على قدر الذنب، وروي ذلك عن ابن عباس. يقول: [من منهم قتل مكافئاً أو غيره كولد وأخذ المال قتل ثم صلب مكافئاً حتى يشتهر] . قوله: [مكافئاً] يعني: إذا كان حر قتل حراً. يعني: حر مسلم قتل حراً مسلماً. أما إذا قال: أنا ما قتلت إلا عبداً ففي هذه الحال يغرم قيمة العبد، وكذلك إذا قال: أنا ما قتلت مسلماً إنما قتلت كافراً، هذا الذي قتلته ليس بمسلم. نقول: إنه معاهد وقتلك له يعتبر اعتداء، ولكن حيث إنه جاء الحديث: (لا يقتل مسلم بكافر) فإنه -والحال هذه- لا يقتل، ولكن يعزر ويسجن ونحو ذلك. فالحاصل أنه إذا كان قتل مسلماً حراً أو قتل ابنه -مثلاً- ولو كان صغيراً أو قتل امرأته أو نحو ذلك فإنه إذا قتل وأخذ المال يجمع له بين العقوبتين، فيقتل ثم يصلب، يصلب على سارية أو على خشبة في السوق يومين أو ثلاثة أيام وهو مصلوب بعدما يقتل حتى يشتهر أمره وحتى يعرفوه. ومنهم من ينصب الرأس، فإذا كان -مثلاً- في حر شديد ويخشى أنه ينتن يكتفون بصلب الرأس ويدفنون الجثة، فهذا حكم الذي جمع بين الأمرين: القتل وأخذ المال. الثاني: إذا قتل فقط ولم يأخذ المال، فإنه يقتل حتماً، ولا صلب عليه، وذلك لأنه اقتصر على القتل، فيقتل ويدفن بعد قتله، وهل يدخل في العفو؟ لو قال ولي المقتول: أنا أسمح عنه ولا أريد قتله هل يسقط القتل؟ لا يسقط، وذلك لأنه حد من حدود الله، أخاف الطريق وتعدى على المسلمين، فالحد لله تعالى، وبذلك أخبر الله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ} [المائدة:33] يعني: عقوبتهم. فلا يسقط بعفو صاحب المال أو صاحب الدم. ويقولون: من أخذ المال فقط -أي: أكرههم وأخذ المال بدون قتل- ففي هذه الحال تقطع يده اليمنى. ثم رجله اليسرى في مقام واحد وتحسمان ويخلى سبيله، يقطع منه رجل من جانب ويد من جانب، اليد اليمنى والرجل اليسرى، كما يقطع السارق إذا سرق في المرة الثانية، وتحسم، ولا يسجن بل يخلى سبيله. وكانوا إذا قطعوا السارق أو قاطع الطريق يعلقون يده في عنقه حتى يعرف الناس أنه سارق أو أنه محارب، ولكن في هذه الأزمنة قد يتمكن الأطباء أن يزرعوا يده وأن يعيدوها في مكانها، وكذلك رجله بعملية، يقاربون العروق بعضها إلى بعض، ويخيطون بعضها في بعض حتى يسري فيها الدم وتعود فيها الحياة، ولذلك في هذه الأزمنة لا يمكن من أخذ يده ورجله، بل تدفن، أو تقطع قطعاً متكاثرة، فتقطع الأصابع قطعاً، وتقطع الكف، وتشقق اليد والرجل ونحو ذلك حتى لا يتمكن من أخذها وإعادتها. الرابع: إذا أخاف الطريق فإنه ينفى ويشرد؛ لقوله تعالى: {أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ} [المائدة:33] ، فهذا هو الرابع، فالأول قتل وأخذ المال، والثاني قتل فقط، والثالث أخذ المال فقط، والرابع أخاف السبيل، وأخاف الطريق، بحيث صار الناس يفزعون من سلوك هذا الطريق، فقبض عليه فينفى من الأرض، لكن في هذه الأزمنة قد لا يكون النفي مفيداً لسهولة المواصلات ولقرب الأماكن، فيفتي بعض العلماء بالسجن، يقول: إنه يدخل السجن ويضيق عليه. هذه حالاته الأربع.

ما يثبت به قطع الطريق

ما يثبت به قطع الطريق يقول: [وشرط ثبوت ذلك ببينة أو إقرار مرتين، وحرز ونصاب] فإذا أنكر وقال: أنا ما قطعت الطريق فلا بد من بينة، فيشهد شاهدان فيقولان: نشهد أن هذا من الذين وقفوا في طريق آل فلان، وأنه باشر وقتل، وأنه باشر أخذ المال، وكذلك غيره، ولم يذكر الفقهاء ما إذا أكره الرجل على الزنا أو على اللواط، وذلك لأنهم اكتفوا بما تقدم في الزنا أو في اللواط، وقالوا: إذا كان قصده من الوقوف في الطريق فعل الفاحشة بالمرأة أو بالصبي فعل اللواط ففي هذه الحال يحكم عليه بحد الزنا، أو بحد اللواط، فالحد الذي وجب عليه الرجم أو الجلد أو الإحراق أو ما أشبه ذلك، فالحاصل أنه لا بد أن يكون هناك بينة يشهدون بأن هذا قطع الطريق وفعل كذا، أو اعترافه بأن يعترف مرتين فيقول: أنا من الذين قطعوا الطريق وقتلوا وأخافوا ونحو ذلك.

حكم من تاب قبل القدرة عليه

حكم من تاب قبل القدرة عليه يقول: [ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقط عنه حق الله تعالى وأخذ بحق الآدمي] لقول الله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة:34] يعني: جاء قبل أن تقبض عليه السلطة وسلم نفسه وقال: أنا تائب، وهذه توبتي، فيسقط عنه حق الله تعالى، فإذا كان -مثلاً- قد قتل وقال ولي المقتول: أريد القصاص، أو قد قتل وأخذ المال، فقال صاحب المال: أنا أريد حقي من المال، وقال صاحب الدم: أنا أريد حقي من القصاص يقام عليه حق دفع المال، فيغرم دفع المال ولا يقطع، ويقتل قصاصاً ولا يصلب؛ لأن الصلب حق لله، وهذا قد تاب فيقتل حقاً لآدمي ولا يصلب. كذلك المال حق لآدمي طالب بالمال وقال: إنه أخذ من أبي كذا وكذا فيطالب بحق دفع المال ولا يقطع، فلو أنه أخذ المال ولم يقتل ثم تاب قبل أن يقدر عليه فلا تقطع يده ورجله؛ لأن هذا حق لله، ولكن حق الآدمي إذا طالبا به يدفع، فلو قال الآدمي: أنا عفوت عنه سقط حقه إذا عفا عنه لأنه حق لآدمي، فإن طالب به فإنه يثبت، فيثبت حق آدمي مثلاً لو قال: إنه قطع يدي، إنه شجني، إنه فقأ عيني، أريد القصاص فيمكن من القصاص، وأما إذا قال: إنه قتل أبي وأخذ مالنا فأطالب بقتله وبالصلب ورد المال. أو: عفوت عن المال ولكن أريد أن يقتل ويصلب، فالصلب حق لله، وقطع اليد والرجل حق لله، والنفي حق لله، ورد المال حق للآدميين، والقصاص في النفس أو فيما دون النفس حق للآدمي، فهذه يطالب بها. قال: [ومن وجب عليه حد لله وتاب قبل ثبوته سقط] ، يعني: مثل السكر حد لله تعالى إذا تاب سقط عنه، ومثل النهب والتعزير وأشباهه هذه حقوق لله تعالى.

دفع الصائل وأحكامه

دفع الصائل وأحكامه ذكر بعد ذلك دفع الصائل فقال: [من أريد ماله أو نفسه أو حرمته] يعني: جاءه قطاع طريق وقالوا: سلم لنا نفسك لنقتلك فهل يسلم لهم نفسه؟ يقاتل ولو قتلهم، أو: سلم لنا مالك وإلإ قتلناك فهل يسلم لهم؟ يقاتل ولو قتل أو قتل، أو: سلم لنا امرأتك لنزني بها، لا يسلم، ولكن يقاتل ولو قتل، فإذا قتلهم دفاعاً كأن دافعهم لكن لم يندفعوا إلا بالقتل فلا غرامة عليه ولا قصاص؛ لأنه يقول: قاتلتهم أو قتلهم دفاعاً عن نفسي، فأنا مظلوم وأنا معتدىً علي، ففي هذه الحال لا غرامة عليه فيما قتل، فلو أنه قطع يد هذا، أو أنه فقأ عين هذا، أو أنه قطع رجل هذا، ثم بعد ذلك تخلص منهم فطالبوه فلا حرج عليه. وفي الحديث: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) معناه أنه يقاتل حتى يقتل ولا يستسلم، ولا يسلم لهم نفسه بأن يفجروا به مثلاً بفعل الفاحشة، ولا يسلم لهم امرأته، ولا يسلم لهم ماله، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن جاءني باغ وقال: أعطني مالك؟ قال: لا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: أنت شهيد) ، فلا ضمان عليه. فهذا ما يتعلق بالبغاة ويتعلق بالقطاع ويتعلق بدفع الصائل.

أحكام البغاة الخارجين على الإمام

أحكام البغاة الخارجين على الإمام بعد ذلك ذكر البغاة، والبغاة هم الذين يخرجون على الإمام إذا كان لهم شوكة وعندهم قوة، ولهم نوع من التأويل، كأن ينكرون على الإمام فيقولون: إن هذا الإمام أو نحوه كافر لأنه فعل كذا، ولأنه فعل كذا وكذا، فهؤلاء بغاة يخرجون على الإمام ولهم تأويل سائغ، أي: شبهه، فماذا يفعل؟ يبدأ بمراسلتهم، فإذا كان لهم شبهة أزالها، فيزيل ما يدعونه من شبهة، وإذا ادعوا مظلمة أزالها، وإذا ادعوا شبهة أزالها، فإن فاءوا وإلا قاتلهم، يقاتلهم إذا كان قادراً على قتالهم، كما فعل علي مع الخوارج، فهذا حكم البغاة الذين هم ملحقون بقطاع الطريق، وفيهم كلام طويل مذكور في كتب الفقه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

شرح أخصر المختصرات [81]

شرح أخصر المختصرات [81] في الشرع حكم وأسرار يحاول الفقهاء كشفها حيث يمكن ذلك، ولعل من ذلك الرابط في الفقه بين إزهاق روح الآدمي في حد، وإزهاق روح الحيوان لأكل، فالآدمي قد تزهق روحه في نحو حد الردة، ولذلك جعل الشارع أحكاماً خاصة بالمرتد، وذلك يتعلق بتعريفه وما يحكم به عليه وحده، حتى لا يتخذ الناس هذا الدين لعباً وهزواً، ولا تتمكن النفوس الضعيفة من الطعن في دين الله. وأباح الله عز وجل إزهاق روح بعض الحيوان لأكله، فيباح منها أكل ما كان طاهراً لا يفترس بنابه كأسد أو فهد، ومن الطيور ما كان طاهراً ولا يصيد بمخلبه كالعقاب والصقر، كما أباح من سائر الأطعمة كل طاهر غير مضر.

أحكام المرتد

أحكام المرتد قال رحمه الله تعالى: [فصل: والمرتد من كفر طوعاً ولو مميزاً بعد إسلامه، فمتى ادعى النبوة، أو سب الله أو رسوله، أو جحده، أو صفة من صفاته، أو كتاباً أو رسولاً أو ملكاً، أو إحدى العبادات الخمس، أو حكماً ظاهراً مجمعاً عليه كفر، فيستتاب ثلاثة أيام، فإن لم يتب قتل، ولا تقبل ظاهراً ممن سب الله أو رسوله، أو تكررت ردته، ولا منافق، وساحر، وتجب التوبة من كل ذنب، وهي إقلاع وندم وعزم أن لا يعود، مع رد مظلمة لاستحلال من نحو غيبة وقذف. فصل: وكل طعام طاهر لا مضرة فيه حلال وأصله الحل، وحرم نجس كدم وميتة، ومضر كسم، ومن حيوان بر ما يفترس بنابه كأسد ونمر وفهد وثعلب وابن آوى لا ضبع، ومن طير ما يصيد بمخلب كعقاب وصقر، وما يأكل الجيف كنسر ورخم، وما تستخبثه العرب ذوو اليسار كوطواط وقنفذ ونيص، وما تولد من مأكول وغيره كبغل، ويباح حيوان البحر كله سوى ضفدع وتمساح وحية، ومن اضطر أكل وجوباً من محرم غير سم ما يسد رمقه، ويلزم مسلماً ضيافة مسلم مسافر في قرية لا مصر يوماً وليلة قدر كفايته، وتسن ثلاثة أيام. فصل: لا يباح حيوان يعيش في البر -غير جراد- إلا بذكاة، وشروطها أربعة: كون ذابحٍ عاقلاً مميزاً ولو كتابياً، والآلة، وهي كل محدد غير سن وظفر، وقطع حلقوم ومري. وسن قطع الودجين، وما عجز عنه كواقع في بئر ومتوحش ومترد يكفي جرحه حيث كان، فإن أعانه غيره ككون رأسه في الماء ونحوه لم يحل. وقول: (باسم الله) عند تحريك يده، وتسقط سهواً لا جهلاً، وذكاة جنين خرج ميتاً ونحوه بذكاة أمه، وكرهت بآلة كالة، وحدها بحضرة مذكىً، وسلخ وكسر عنق قبل زهوق، ونفخ لحم ببيع، وسن توجيهه إلى القبلة على شقه الأيسر، ورفق به، وتكبير] .

الأدلة الواردة في تحريم الارتداد

الأدلة الواردة في تحريم الارتداد بقي من كتاب الحدود باب حكم المرتد الذي في الفصل الأول، أما الفصل الثاني فيتعلق بالأطعمة وما يباح منها وما لا يباح، والفصل الثالث يتعلق بكيفية ذكاة الحيوان الذي يذكى وشروطها. نقول: المرتد: هو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه إذا كفر طوعاً واختياراً بشرط أن يكون مميزاً وأن يكون سليماً عاقلاً، فإذا أكره على الردة فإنه لا يحكم بردته، قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] . ذكر أن عمار بن ياسر رضي الله عنه عذبه الكفار عذاباً شديداً، وحملوه، وقالوا: لا نخلي سبيلك إلا إذا كفرت بمحمد وسببت دينه فاضطر إلى أن يسبه حتى يتخلص من شرهم وأذاهم، فجاء بعد ما خلوا سبيله باكياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت هذه الآية: ((مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ)) ، فعذر الله تعالى المكره ورفع عنه الإثم، ثم قال بعد ذلك: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ} [النحل:106] يعني: إذا تكلم بالكفر طوعاً واختياراً فعليه الغضب الشديد من الله تعالى، أما إذا كان مجنوناً فإنه مرفوع عنه القلم، فلو تكلم بالكفر فلا يؤاخذ، وكذلك إذا كان طفلاً لا يميز كابن أربع أو خمس أو نحو ذلك، فلو تكلم بكلمة كفر فإنه لا يعاتب لعدم تكليفه، فيكون بهذا الكلام مرتداً، قال الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة:217] يعني: إذا ارتد طائعاً مختاراً ومات على كفره حبط عمله وذكر الله أن الشرك يحبط الأعمال في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] ، وفي قول الله تعالى في سورة الأنعام: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] ، فالشرك والكفر والردة تحبط الأعمال، وتوجب لصاحبها الخلود في النار.

حد المرتد

حد المرتد قد ورد حد المرتد في الحديث، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ، وحده القتل، وذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ظهر في زمنه أناس غلوا فيه وقالوا له: أنت الرب، أنت الإله. ولما خرج سجدوا له، فاستتابهم فأصروا، ثم إنه حفر أخاديد وألقاهم فيها وأحرقهم، ولما ذكر ذلك لـ ابن عباس قال: لو كنت أنا لم أحرقهم، ولقتلتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه) ، فبلغ ذلك علياً فقال: ويح ابن عباس! بمعنى أن ابن عباس رضي الله عنه كان عنده علم، ولكن علياً حملته شدة الغضب على إحراقهم؛ لأنهم اعتقدوا فيه وقالوا: أنت إلهنا وذلك كفر، وقد ذكر العلماء الكلمات التي يكون بها مرتداً، والأسباب التي تخرج من الإسلام، ولو راجعت كتب الفقهاء لوجدت فيها الكثير، حتى ذكر بعضهم أكثر من مائة خصلة إذا فعلها كفر.

بعض الأمثلة التي يكون صاحبها مرتدا

بعض الأمثلة التي يكون صاحبها مرتداً

ادعاء النبوة وسب الله والرسول

ادعاء النبوة وسب الله والرسول يقول: [فمتى ادعى النبوة] ، فمن ادعى النبوة فإنه كافر مرتد. [أو سب الله أو سب رسوله] صلى الله عليه وسلم فإنه يعتبر مرتداً، أو جحد وأنكر وجود الله كالدهريين كفر أيضاً، أو جحد صفة من الصفات الثابتة كفر أيضاً، فإذا جحد -مثلاً- صفة السمع التي أثبتها الله، وصفة الوجه، وصفة العلم، وصفة القدرة أنكرها إنكاراً كلياً صدق عليه أنه ارتد، أو جحد كتاباً من كتبه فقال: هذا القرآن مفترى ليس هو كلام الله، وليس هو منزل، وإنما افتراه محمد، كقول المشركين الذين قالوا: {إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ} [الفرقان:4] ، {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] أساطير الأولين أي: ما سطروه وما كتبوه وكقولهم: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل:103] ، وكقولهم: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] ، أو جحد رسالة محمد، أو جحد رسالة موسى، أو إبراهيم، أو عيسى، أو أحد الأنبياء وقال: إنه كذاب، حتى الذين قالوا: إن سليمان كافر ليس بنبي يكفرون بذلك، أو جحد ملكاً من الملائكة الذين سموا في القرآن كجبريل وميكائيل ومالك خازن النار ونحوهم من الملائكة الذين ذكرهم وارد في القرآن.

إذا جحد شيئا من أحكام الدين والعبادات

إذا جحد شيئاً من أحكام الدين والعبادات قال: [أو جحد إحدى العبادات الخمس] : إذا أنكر الشهادة وقال: لا فائدة فيها، أو لا أقر بـ (لا إله إلا الله) ، أو جعل مع الله آلهة أخرى، أو استباح الشرك -أي نوع من الشرك- كالسجود للأصنام، أو دعاء الأموات مع الله تعالى، أو تعظيم المخلوق كتعظيم الخالق، وكذلك إذا جحد وجوب الصلاة وقال: إن هذه الصلاة فكرة من محمد ما أمر بها، أو قال: لا فائدة، فيها أنها شاغلة عن الأعمال الدنيوية فلا فائدة فيها حتى ولو كان يصلي اعتبر كافراً. أو جحد وجوب الزكاة المفروضة وادعى أنها تفليس وأنها ظلم، وأن الذي يأخذها من أهل الأموال إنما هي ضرائب لهم. أو جحد وجوب الصوم وقال: إنه تكليف شاق، فماذا يفيد كونهم يظمئون أنفسهم ويجيعون أنفسهم؟! يكون بذلك كافراً مرتداً. أو جحد وجوب الحج، حتى ولو حج اعتبر بذلك مرتداًً. أو شرعية الجهاد وقال: إن هذا خطأ، حيث يكلف الإنسان أن يتعرض لقتل نفسه ويتعرض لأن يقتل، أو جحد أيضاً إباحة النكاح، أو حرم النكاح الحلال، أو حرم الطلاق وقال: لا يباح أنه يطلق، وكذلك الذين حرموا تعدد الزوجات وقالوا: إن هذا ظلم للمرأة أن يتزوج عليها. أو أباحوا للمرأة أن تتزوج اثنين يجتمعان في وطئها، أو كذلك من أباح نكاح ذوات المحارم كالبنات والأخوات. وكذلك لو جحد حكماً ظاهراً مجمعاً عليه، كما إذا أباح الزنا وقال: إن الشرع أخطأ حيث حرمه إذا بذلت المرأة نفسها باختيارها، فتحريمه غلط، فهو لا بأس به، أو أباح الخمر وقال: إنها شراب طيب، كيف يحرمها الشرع؟! لقد أخطأ في تحريمها حتى ولو كان لا يشربها، أو أباح الربا وقال: إنما البيع مثل الربا لا فرق بينهما، فلماذا حرم هذا وأحل هذا؟! أو أباح أو حرم شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة تحليله أو تحريمه، فلو حرم مثلاً أكل الخبز التي هي إنتاج طيب، أو أباح أكل الرشوة، أو أباح قتل المسلم بغير حق، أو ما أشبه ذلك كفر، وذكرنا أن بعضهم أوصلها إلى مائة من الخصال التي يكفر بها.

الاستهزاء بشيء من أحكام الدين

الاستهزاء بشيء من أحكام الدين يكثر الاستهتار بأحكام الإسلام، وذلك أن كثيراً من ضعاف الإيمان يضحكون من المؤمنين ويسخرون منهم، وهذه السخرية لا شك أنها ذنب كبير قد يوقع في الكفر والردة، وفي القرآن قصة الساخرين الذين حكم الله تعالى بردتهم في غزوة تبوك يوم قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم والقراء الذين معه- أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء. وكذبوا، فليسوا أرغب بطوناً، ليس همهم بطونهم ولا همهم فروجهم. وحدث قبل أربعين سنة أو ثلاث وأربعين أن اليهود نشروا صورة كاريكاتير في صحفهم، ثم التقطها أيضاً أتباع لهم من أهل مصر ونشروها، حيث صوروا صورة ديك وكتبوا تحته بخط عريض بالعامية معناه: (هذا محمد أفندي المتزوج تسعاً) هكذا تجرءوا هذه الجرأة! صوروا النبي صلى الله عليه وسلم في صورة ديك، وادعوا أنه ليس له هم إلا فرجه، وأنه من أجل شهوته تزوج تسعاً، والتقطها بعض المصريين ونشروها كأنهم مقرون لها، ثم رد عليهم أحد علماء مصر واستبشع قولهم، وكتب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة رداً عليهم على هذه المقالة، ورداً على جمال في قوله بالاشتراكية في تلك السنوات، حيث أمم كثيراً من الأموال وانتزعها وقال: إن الناس شركاء، وعنوان رسالة الشيخ رحمه الله: (ردة عن الإسلام واشتراكية الحرام!) ، فتكلم على تلك الصورة والذين أقروها من المصريين، واستبشع مقالتهم، وجعل هذا ردة عن الإسلام، ثم تكلم أيضاً عن الاشتراكية، فمثل هذه الكلمة تعتبر ردة. ونقول: إن كثيراً من الناس يتهاونون في مثل هذه الكلمات، وقد عدت من أسباب الارتداد والعياذ بالله! قال الله تعالى في سورة البقرة: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:212] فالسخرية من الذين آمنوا تعتبر كفراً؛ لأنهم إذا سخروا منهم فكأنهم يسخرون من دينهم الذي يفتخرون به، وقال تعالى في قصة الذين قالوا مقولتهم في غزوة تبوك: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا} [التوبة:65-66] ، فكفرهم بهذا الأمر {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66] أي: دل على أنهم كانوا آمنوا، وأن هذه الكلمة ارتدوا بها وأصبحوا كافرين. وقال تعالى أيضاً في سورة التوبة: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79] ، هكذا عادة الكفار أنهم يسخرون من المؤمنين، كما قال الله تعالى في قصة نوح لهود: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:38] يعن: أنهم يسخرون من نوح وصناعته للسفينة، ولكن هكذا قال لهم، فأنت -مثلاً- إذا جاءك من يسخر بك فقل: ((إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ)) ، فالذين مثلاً يسخرون من اللحية ويقومون بمعاداة اللحى وصاروا يسخرون من الذين يربونها فيلمزونهم بأنها كأنها ذنب تيس وكأنها مكنسة بلدية، هذا سخرية من السنة، فقل لهم: ((إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)) ؛ لأن هذا استهزاء بالسنة، والسنة النبوية هي التي جاءت بهذا الأمر، ولا شك أن هذا سخرية بالشرع والشريعة، فيلحق بالمرتدين والعياذ بالله، وقد سماهم الله تعالى المجرمين، كما في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] إلى آخر السورة. يعني أنهم يتنقصونهم ويقولون: هؤلاء مساكين، أضاعوا حياتهم في تعلم هذه الأبواب، تعلم صلاة، وتعلم طهارة، وتعلم صيام، وفاتهم السبق والتقدم، فالناس وصلوا إلى الأفلاك العليا، ووصلوا إلى القمر، وصنعوا الذرة ونحو ذلك، وأما هؤلاء فإنهم أضاعوا أعمارهم يتعلمون باب التيمم، وباب الحيض وباب إزالة النجاسة وباب كذا وكذا، فلا يستفيدون إلا هذه العلوم التي نقصت أعمارهم وضيعت عليهم تقدمهم، أليس هذا سخرية؟ نعم إنه سخرية بعلوم الشريعة، وإنهم وإن تعلموا ما يقولون فإنه قد فاتهم الخير الكثير.

تنقص أهل الأعمال الصالحة والدين

تنقص أهل الأعمال الصالحة والدين وكذلك أيضاً الذين يتنقصون أهل الأعمال الصالحة أهل الذكر والتسبيح وقراءة القرآن وعمارة المساجد والاعتكاف فيها، فيقولون: هؤلاء رجعيون! هؤلاء متأخرون! هؤلاء متخلفون! لا شك أن هذا أيضاً يعتبر كفراً ابتلي به كثير من الناس، يقول فيهم بعض المعاصرين: خفافيش هذا الوقت كان لها ضرر وأوباشها بين الورى شرها ظهر يعيبون أهل الدين من جهلهم بهم كما عابت الكفار من جاء من مضر يقولون رجعيون لما تمسكوا بنص من الوحيين كان له أثر وإعفاؤهم تلك اللحى لجمالها وترك سواد حين كان به غرر وحملهم تلك العصي لأنها لديهم حماقات ومسواك مطهر يعيبونهم حتى بالسواك، مع أنهم جعلوا بدل السواك السني السجائر والعياذ بالله، فيفخرون بالسجائر، فلو أشعل أحدهم سجارته أخذ يتمايل ويفتخر، وإذا رأى من أمسك سواكاً وأخذ يدلك به جعل يتنقصه ويعيبه، فمثل هؤلاء يعتبرون مرتدين إذا كانوا يستبيحون مثل هذا. وبذلك تعرف أن أمر الردة أمر خطير، وأنه يدخل فيه كل من يستهزئ بشيء من الشريعة، وأنهم سوف يعذبون في الآخرة، اقرأ قول الله تعالى في سورة: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) قال الله تعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:108-110] اتخذتموهم سخرياً لما كانوا يدعون ويتعبدون وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ، {إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} [المؤمنون:111] ، فيحذر المسلم أن يقع في الردة وهو لا يشعر، فيستعمل مثل هذه الكلمات التي خطرها كبير، فيقع في تنقص الدين، أو تنقص المؤمنين لأجل إيمانهم ولأجل عقيدتهم ولأجل علومهم الشرعية، فيهلك ويحبط عمله وهو لا يشعر، يتساهل بكلمة يقولها وقد يقولها مازحاً، وقد يقولها ضاحكاً ولا يعلم أنها تتلفه، وأنها تهلك عليه أمر دينه ودنياه، وأنه أهل لذلك أن يقام عليه حد الردة. يقول: إذا فعل ذلك الكفر [فيستتاب ثلاثة أيام فإن لم يتب قتل] . لا شك أنه إذا عرض عليه القتل وقيل له: إنا سنقتلك فسيظهر التوبة والندم خوفاً من القتل، ولكن إذا عرف بأن توبته توبة الكذابين فلا يقبل منه. وذكر أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: عسى الغوير أبؤساً. وهذا مثل قديم مضروب، يعني: ماذا عندك من الأخبار؟ فقال: رجل ارتد بعد إيمانه فقتلناه، فقال عمر رضي الله عنه: (هلا استتبتموه ثلاثة أيام ومنعتم عنه الطعام والشراب لعله أن يتوب؟! اللهم! إني أبرأ إليك مما فعلوا) ، فأخذوا من هذا أنه لا بد أن يستتاب، فيحبس ويجوع ويضيق عليه ويقال: إن لم تتب قتلناك، فإذا أصر ثلاثة أيام وهو يهدد وقال: لا أتوب ولا أتغير ولا أتبدل فإنه -والحال هذه- يقتل، وإذا قتل فإنه يقتل كافراً، وحينئذ لا يرثه أقاربه المسلمون، ولا يورث، وماله يكون فيئاً لبيت المال، ولا يصلى عليه إذا قتل على ذلك، ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يدفن بعيداً، ويوارى إذا لم يجد من يواريه.

الذين لا تقبل توبتهم

الذين لا تقبل توبتهم

من سب الله ورسوله

من سب الله ورسوله يقول: [ولا تقبل ظاهراً -يعني: التوبة- ممن سب الله أو رسوله] ؛ لأن السب هذا فيه دليل على أنها عقيدة في قلبه، فحينئذ لا تقبل توبته ولو قال: إني أتوب، وذلك لأن هذا دليل على أن قلبه مطمئن بالكفر؛ لأنه هكذا شأنه، كالمنافقين الذين قال الله تعالى عنهم: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:11] . ذكر أن يهودياً في الشام في حدود سنة عشرين وسبعمائة أخذ يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إنه كذاب، وإنه مفترٍ، وإنه وإنه فلما ظهر من أمره هذا السب المعلن غضب عليه العلماء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب كتابه المشهور: (الصارم المسلول على شاتم الرسول) وأورد فيه الأدلة فأطال وبسط فيه الكلام، وخلاصة كلامه أنه لا تقبل توبة مثل هذا ولو ادعى توبة، وإن كان من المعاهدين، ومن أهل الجزية الذميين فإنه ينتقض بذلك عهده، وإنه لتظاهره بهذا السب يجب قتله، وأورد أدلة كثيرة في أول الكتاب، فذكر قصة رجل كان عنده جارية مملوكة، ولكنها كانت كافرة، وكان قد تسراها فولدت له ولدين، فكانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك قتلها، فلما قتلها ذكر ذلك لـ عمر بن الخطاب فمدحه على قتلها لأنها تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك كثير.

من تكررت ردته

من تكررت ردته يقول: [أو تكررت ردته] . أي: لا تقبل توبة من تكررت ردته، وذلك لأن تكررها يدل على امتلاء قلبه بالكفر، فإذا تكلم -مثلاً بالكفر- ثم بعد ذلك استتيب فتاب، ثم ذكر عنه وثبت عنه أنه تكلم بكلمة كفر أو سخرية، ثم استتيب فتاب، ثم عاد مرة ثالثة عرف بذلك أنه مرتد، وأن قلبه مليء بالنفاق والكفر، فلا يقبل منه الرجوع، ولا تقبل منه التوبة.

المنافق لا تقبل توبته

المنافق لا تقبل توبته ولا تقبل توبة المنافق، ويسمى الزنديق الذي يقول بلسانه ما ليس في قلبه، إذا عرف بأنه يميل مع الكفار وأنه كما قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة:14] ، وأنهم يتربصون بالمؤمنين الدوائر: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:141] ، فمثل هؤلاء ظاهرهم مع المؤمنين، وباطنهم مع الكفار، فمثل هؤلاء زنادقة لا تقبل توبتهم، وكذلك إذا استمروا على ذلك فالعادة أن دياناتهم وأعمالهم لا تتغير، سيما إذا طعن أحدهم في السن. ذكر أن أحد الزنادقة أحضر عند المهدي وقرره، فثبت عنده أنه زنديق فأمر بقتله، فقال ذلك المنافق والزنديق: هب أنك قتلتني، كيف تصنع بأربعة آلاف حديث كذبتها على نبيكم؟! فقال: تعيش لها نقادها يعني أن الله تعالى حفظ دينه، وهناك من ينتقدها، ويبينها، ومن يحذر منها. وأحضر إليه رجل أديب ولكنه متهم أيضاً بالزندقة، فاستتابه فأظهر التوبة، ولما عفا عنه تذكر أبياتاً له فرده وقتله بسببها، وهي قوله: وإن من أدبته في الصبى كالزرع يسقى الماء في غرسه والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه إذا ارعوى عاد إلى جهله كذي الضنا عاد إلى نكسه فقال: أنت شيخ -يعني: كبير- فلا تترك أخلاقك، وقد اعترفت على نفسك. فقوله: (والشيخ لا يترك أخلاقه) يعني: كبير السن (حتى يوارى في ثرى رمسه) يعني: حتى يدفن، (إذا ارعوى عاد إلى جهله كذي الضنا) : يعني: المرض (عاد إلى نكسه) ، فقتله على زندقتة في هذه الأبيات.

الساحر لا تقبل توبته

الساحر لا تقبل توبته ولا تقبل توبة الساحر، وذلك لأنه يخفي عمله، ولأنه ورد أن قتله حد، وحد الساحر ضربة بالسيف، والصحابة قتلوا بدون استتابة، ففي حديث بجالة قال: (جاءنا كتاب عمر أن: اقتلوا كل ساحر وساحرة فقتلنا ثلاث سواحر) ، وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت، وكذلك صح عن جندب، فهكذا هؤلاء لا تقبل توبتهم، فمن سب الله أو رسوله، أو تكررت ردته، أو ثبت نفاقه، أو عمل سحراً يقتل، ويمكن أن يقبل من بعضهم إذا ثبت رجوعه عن ذلك العمل ولم يعد إليه.

التوبة وشروطها

التوبة وشروطها والتوبة واجبة من كل ذنب، ولكن من مثل هذا الأمور التي هي أمور ردة واجبة متحتمة وشروطها: الإقلاع، والندم، والعزم على أن لا يعود، ورد المظالم إلى أهلها. والإقلاع يعني: ترك ذلك الذنب، سواء أكان كفراً أم معصية، فالذي يقول بلسانه: أنا تائب، ولكنه مصر ومستمر على هذا الذنب لا يقبل منه. وكذلك الذي لا يندم، يتمدح ويقول: أنا الذي قتلت فلاناً! أنا قد زنيت كذا وكذا أنا الذي سببت فلاناً! أنا الذي سخرت من كذا وكذا يتمدح بأفعاله ولا يتأسف عليها، وهكذا الذي يحدث نفسه أنه سوف يعود إلى الذنب، سوف يعود إليه إذا تسنى له، لا تقبل توبته. ويشترط إذا كانت التوبة من حقوق آدميين أن يردها إليهم، فإن كان قتلاً مكن من نفسه وقال: أنا الذي قتلت ابنكم، وإن كان ضرباً قال: أنا الذي ضربت أو أنا الذي قطعت يده أو إصبعه، وإن كان مالاً قال: هذا مالكم الذي سرقته أو الذي نهبته أو جحدته، يرد المظالم. فإذا كان الذنب غيبة أو قذفاً فهل يستحلهم فيقول: أنا يا فلان اغتبتك فاجعلني في حل؟ لا يشترط ذلك، ولكن يمدحه في الأماكن الذي كان يغتابه فيها، ولا يشترط أن يقول: أبحني أو أحلني، بل يمدحه ويثني عليه، ويستغفر الله من ذلك الذنب، وهكذا إذا كان الذنب قذفاً، والقذف: الرمي بفعل فاحشة فلا يحتاج أن يأتي إليه ويقول: اجعلني في حل فإني قد رميتك وقلت: إنك زان أو إنك لوطي. لا يشترط ذلك.

أحكام الأطعمة

أحكام الأطعمة

كل طعام ظاهر لا مضرة فيه فهو حلال

كل طعام ظاهر لا مضرة فيه فهو حلال ذكرنا أن الفصل الذي بعده يتعلق بالأطعمة، وبعض العلماء يذكرون الأطعمة مع المعاملات، أي: مع البيع والشراء والإجارة؛ لأنه فيها بيان ما هو مأكول وما ليس بمأكول، ولكن ذكروها ها هنا لأن أكثر ما ذكروه من المباحات هو الحيوانات التي تحتاج إلى ذبح، ولذلك ذكروا بعده الذكاة، وذكروا بعده الصيد، فكأنهم لما ذكروا القصاص والحدود قالوا: هذا ما يتعلق بالآدمي فكيف ما يتعلق بالحيوان؟! فقالوا: إن هناك ما يقتل من الحيوانات كالكلاب الضارية والسباع ونحوها، فإنها تقتل في الحرم والإحرام، ورد أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها فقال: (خمس من الفواسق تقتل في الحل والحرم: وذكر منها الكلب العقور) ، فعند ذلك قالوا: نحتاج إلى أن نعرف ما يقتل من هذا الحيوان، وما يؤكل، وما ليس بمأكول، فذكروا بعد ذلك الأطعمة، فكل طعام طاهر لا مضرة فيه حلال، وأصله الحل من النباتات والثمار والحيوانات وما أشبه ذلك، والأطعمة يأكل الإنسان منها ما يناسبه، وتأكل الحيوانات من يناسبها من النباتات، قال الله تعالى: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} [طه:54] يعني: من هذا النبات وقد يكون بعض النبات يناسب الإنسان أن يأكل منه كبعض أوراق الزرع أو ما أشبهه، وثمره الذي هو السنبل، وثمر النخل الذي هو التمر، وثمر العنب الذي هو الزبيب، وثمر التين والتوت، وثمر الرمان، وأشباه ذلك من الثمار التي هي من الطيبات، فطعام طاهر طيب مغذٍ ليس فيه مضرة مباح وحلال. وأما إذا كان فيه مضرة ولو كان يأكله بعض الناس فإنه يكون حراماً، فهناك مثلاً ما يسمى بالحشيش، فإنه يأكله كثير من الناس، ولكنه محرم لأنه مضر، وهناك ما يصنع من عصير العنب حتى يسكر وهو الخمر، فهذا ولو شربه كثيرون لكنه حرام، ولو قالوا: إنه شراب طيب لكنه مضر بالعقل فيكون حراماً، وهناك -مثلاً- ما يسمى بالقات يأكله كثيرون، ولكنه مضر فيه مضرة، ولو كثر الذين يأكلونه فيكون حراما، ً ولا عبرة بمن يستحلونه فيدعون أنه مأكول وأن فيه وفيه، لا عبرة بهم، فإنهم كالبهائم التي تستحلي ما هو مر في ذوق الإنسان وتستجيز ما فيه مضرة. والذين يشربون الدخان يعرفون بأنه مضر ويعترفون بذلك، ومع ذلك يستمرون فيه فلا عبرة بهم، والذين يشربون الخمر قد يعترفون بأنها حرام، ولكن مع ذلك يصرون على شربها، وكذلك الذين يأكلون الحشيش، وهو نوع من النباتات مضر، ظهر في حدود القرن السادس وانتشر الأكل منه، وأفتى العلماء بتحريمه، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخمر بمنزلة الأبوال والحشيش بمنزلة العذرة، والعذرة: الغائط الذي يخرج من الإنسان، تنفيراً منه، ومع ذلك يكثر الذين يأكلونه، وكذلك الذين يستبيحون أكل هذا النبات الخبيث القات، وثمر آخر يقال له: (الجيرو) ، قد يكون أخف ضرراً من القات، ولكن لا منفعة فيه، قد يكون ثمنه رفيعاً، ونبات آخر رائحته قبيحة يسمونه: (البردقان) ، وليس هو البرتقال حيث هو من الطيبات، ولكن البردقان نبات رائحته خبيثة، وكذلك ما يسمى بالشمة التي يمضغونها، هؤلاء لا شك أنهم استحسنوا القبيح فلا عبرة بهم، ولو ادعوا أن هذا من الطيبات فإنه من الخبائث، فلا يغتر بكثرة من يتعاطى أو من يمدحه، وفيما يظهر أن الشيخ الحكمي رحمه الله أول من نظم منظومته لما سئل عن القات، فنظم فيه منظومة تائية في تحريمه وبيان آفاته، وذكر من مضاره أنه يضيع الصلاة، يقول في منظومته: إن جاءه الظهر فالوسطى يضيعها أو مغرب فعشاء قط لن يأتي وإن أتاها فمع سهو ووسوسة يعني: يأتيها وهو غير عاقل. ورد عليه بعض علماء اليمن يقال له: ابن المهدي رداً ضعيفاً، ثم جاءه ذلك الرد فرد عليه أيضاً نظماً، في منظومة طويلة استفتحها بالتاء: الحمد لله في كل البريات وبدء كل شئوني واختتاماتي ثم الصلاة على ختم النبوات محمد من أتانا بالكرامات فما يدل على تمكنه رحمه الله.

كل نجس ومضر فهو حرام

كل نجس ومضر فهو حرام يقول: [وحرم نجس] . كل شيء نجس فهو محرم، كالدم، فهو نجس لأن الله تعالى حرمه، والميتة نجسة، فيحرم أكلها إلا ما ذكره الله في قوله: {فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:173] ، ولحم الخنزير نجس، ومثله أيضاً المحرم من الحيوانات، وكل ما هو مضر مثل السم، ويذكر في اللغة أنه مثلث السين: (السُّم والسِّم والسَّم) ، فكل ما يقتل إذا أكل أو إذا شرب فهو من السموم. وكذلك ما هو مضر من الحيوانات البرية، فيحرم منها ما يفترس بنابه كالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آوى وابن عرس، فهذه تفترس ولها ناب، ورد أنه صلى الله عليه وسلم: (نهى عن كل ذي ناب من السباع) التي لها ناب تفترس به وتعدو على الناس، واستثني الضبع، وحرمه أكثر العلماء، وأباحه الإمام أحمد؛ لأنه ورد فيه حديث، ولكن الأقرب أنه حرام، وذلك لأنه ذو ناب ولأنه يفترس، ولأنه يأكل الجيف، فيكون بذلك أقرب إلى كونه محرماً. وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير) والمخلب: هو أصابعه المحددة، والطيور بعضها أصابعه محددة يفترس بها، ويأخذ صيده بها، وقد يمسك الشيء الثقيل بمخالبه ويرتفع به، فيصيد بمخلبه، كعقاب وصقر وغراب وباز وباشق، وما أشبهها هذه أيضاً محرمة؛ لأنها لها مخلب تفترس به. وكذلك كل ما يأكل الجيف: كالكلاب والسنانير -القطط- ومن الطير: النسور والرخم وما أشبهها مما يأكل الجيف؛ لأن الجيف محرمة، وما أكلها فهو محرم، وكذلك كل ما تستخبثه العرب ذوو اليسار، أي: العرب الذي هم أهل يسار وسعة من الرزق، بخلاف الضعفاء والفقراء ونحوهم، فإنهم قد يأكلون الخبائث، وقد تأتي إلى بعضهم فتقول لهم: ماذا تأكلون من الدواب؟ فيقولون: نأكل كل ما دب ودرج إلا أم حبين. وهي دابة كهيئة الخنفساء، يأكلون كل ما دب ودرج، فيأكلون الفئران، والخنافس، والحشرات التي يمكن أن يصيدوها، والزنابير والفراش وما أشبه ذلك، ولا شك أن هذه مستخبثة، وهناك طير يقال له: (الوطواط) أيضاً محرم؛ لأنه مستخبث، والقنفذ وهو الذي عليه شوك، على جلده، والنيص، وهو مثل القنفذ إلا أنه أكبر منه، وشوكه طويل قد اكتسى لجلده، فإذا جاءه أحد فإنه ينفض جلده وتطير الشوكة نحو عشرة أمتار لتصل إلى الذي يريد أن يرميه.

ما تولد من مأكول اللحم وغيره فهو حرام

ما تولد من مأكول اللحم وغيره فهو حرام قال: [وما تولد من مأكول وغيره كبغل] ، لأنه يتولد من الحمار والخيل فيكون محرماً، فهذه هي المحرمات من الحيوانات، وذكروا أن مما حرم في الحديث الحمر الأهلية لأنها مستخبثة ولو كانت من بهيمة الأنعام، ومما حرم أيضاً ما يتغذى بالنجاسة كالجلالة من الإبل أو البقر أو الغنم، وهي التي تأكل العذرة إلحاقاً لها بالمستخبث إذا كان أكثر طعامها من هذه النجاسات، تتبع العذرة وتأكلها، فتكون بذلك تأكل النجاسة، يقولون: لا يشرب لبنها، ولا يؤكل لحمها حتى تحبس أربعين يوماً -كما ذكر ذلك بعضهم- وتطعم حلالاً حتى يطيب لحمها وكذا يحبس غيرها، وهكذا أيضاً الدجاج الذي يأكل العذرة فإنه لا يحل حتى يطيب لحمه بأن يحبس -قيل: ثلاثة أيام وقيل: عشرة- ويطعم حلالاً.

جواز أكل حيوانات البحر إلا ما استثني من الضفدع والتمساح والحية

جواز أكل حيوانات البحر إلا ما استثني من الضفدع والتمساح والحية يقول: [ويباح حيوان البحر كله سوى ضفدع وتمساح وحية] . الضفدع تخرج في البر، تخرج على الساحل ولها نقيق، فتكون ليست من حيوانات البحر، فحيوان البحر هو الذي لا يعيش إلا في البحر، والتمساح لا يعيش إلا في البحر، ولكن قيل: إنه سام أو مضر، وحية البحر مثل حية البر وإن لم يكن فيها سم، وبقية حيوان البحر تكون حلالاً.

ما يجوز أكله عند الاضطرار

ما يجوز أكله عند الاضطرار قال: [ومن اضطر أكل وجوباً من محرم غير سم ما يسد رمقه] . إذا اضطر ووجد ميتة أو وجد غير مباح كأسد ميت أو ثعلب أو قط أو غراب فله أن يأكل منه ما يسد رمقه، يأكل ما ليس بضار، أما الشيء الضار كالسم فليس له أكله لأنه يقتل.

أحكام الضيافة

أحكام الضيافة ثم بعد ذلك ذكر الضيافة، قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات:24] ، أخبر الله تعالى بأن إبراهيم كان يكرم الضيف، كل من نزل به أكرمه، وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته، قالوا: وما جائزته؟ قال: يومه وليليته، ثم قال: والضيافة ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يأوي عنده حتى يحرجه) . وقديماً كان المسافرون يأتون على أرجلهم وليس مع أحدهم متاع، فيمر بقرية فينزل عند بعض المنازل أو بعض أهل البيوت، وإذا نزل علق متاعه أو نعليه وصار بذلك ضيفاً، وصاحب المنزل يطعمه غداءً وعشاءً كعادة أهل البلد، يطعمه مما يأكله هو وأهله، هذا هو الإكرام، (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، والضيافة في الأصل يوم وليلة، وإذا زاد فإنها ثلاثة أيام، فإن زاد على الثلاثة فله أن يعتذر منه ويقول: قد انتهت مدة الضيافة فانتقل عني، كذلك يقول: لا يحل للضيف أن يأوي عند صاحب البيت حتى يحرجه ويشق عليه، بل يكون خفيفاً ولا يضجر صاحب البيت. ويلزم المسلم ضيافة المسلم المسافر، وخصه بقوله: [في قرية لا مصر] ، فالضيافة تكون في القرى، وذلك لأنه إذا نزل في قرية قد لا يجد مكاناً يأوي إليه، فيحتاج إلى أن ينزل مقابل صاحب بيت ينيخ راحلته، فيعرف صاحب البيت أنه قد وافاه، فعليه أن يضيفه ويكرمه ولا يكن كمن قال فيهم تعالى: {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف:77] يعني: يكرموهما، أما في المصر أو في المدن الكبار فلا يلزم ذلك؛ لأنه في الاستطاعة، في إمكانه أن يجد المطاعم والفنادق، فيأكل في الفندق ويكرم نفسه، أو يأكل في المطعم، وسيجد ما يسد حاجته، ولا يحتاج إلى أن يضيف، إلا إذا كان له قريب أو صديق واستضافه فله أن يستضيفه، وأن ينزل عنده، بخلاف القرى فإنها لا توجد فيها المطاعم وما أشبهها، وغالباً يخجل أن ينزل أمام أهل قرية وينصب قدره ويوقد ناره ويخبز والناس ينظرون إليه، يخجل من ذلك، لأجل ذلك يضيف عند أحدهم، فيضيفونه يوماً وليلة قدر كفايته، والسنة ثلاثة أيام.

أحكام الذبح

أحكام الذبح الفصل الذي بعده يتعلق بالذكاة. يقول: [لا يباح حيوان يعيش في البر -غير جراد- إلا بذكاة] . أي: لا يباح بغير ذكاة حيوان يعيش في البر غير جراد ونحوه. والذكاة: هي الذبح بالسكين ونحوها، والجراد يباح أكله، كما في حديث ابن عمر: (أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالجراد والحوت) يعني: السمك لا يحتاج إلى ذكاة (وأما الدمان: فالكبد والطحال) ، فأما غير ذلك من الحيوانات فلا بد من الذكاة، قال الله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة:3] أي: هذه المحرمات من قوله تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} [المائدة:3] هذه كلها محرمة إلا ما ذكيتم، زالمنخنقة: التي تختنق بحبل، فإن أدركوها قبل أن تموت وذكوها -ذبحوها- فهي حلال، والموقوذة: التي ترمى بحجارة، فإذا ماتت قبل أن يذبحوها فهي حرام، فإن أدركوها حية وذبحوها وتحركت عند الذبح فهي حلال، والمتردية: التي تسقط من رأس جبل، فإذا ماتت قبل أن تصل إلى الأرض حرمت، فإن أدركوها وهي حية وذكوها فهي حلال، والنطيحة: التي تنطحها شاة أو بقرة وتموت من النطح، فإن أدركوها وذكوها فهي حلال، وأكيلة السبع: التي ينهشها السبع -الذئب أو الأسد أو النمر- فيجدونها قد نهشها، فإن أدركوها حية وذبحوها فهي مذكاة.

شروط التذكية الشرعية

شروط التذكية الشرعية وشروط الذكاة أربعة: أهلية المذكي، والآلة، وقطع الحلقوم والمري، وذكر اسم الله.

كون الذابح عاقلا مميزا

كون الذابح عاقلاً مميزاً الشرط الأول: كون الذابح عاقلاً مميزاً، فإذا كان الذابح صبياً لا يميز فلا تحل ذبيحته، أما إذا كان مميزاً -أي: أكبر من سبع سنين- يعقل حلت ذبيحته، وإذا كان مجنوناً فإن ذبحه يكون بغير نية فلا تحل ذبيحته، وتحل ذبيحة الكتابي؛ لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] ، فسر طعامهم بأنه ذبحهم، وذلك لأن من شرعهم أن يذبحوا ذبحاً شرعياً فيذبحوا بالسكين، وكذلك يذكرون اسم الله عند الذبح، فإذا ذبحوا ذبحاً شرعياً حل ذبحهم. أما في هذه الأزمنة فالغالب أنهم لا يذبحون ذبحاً شرعياً لأمور: أولاً: أنهم أو كلهم لا يذكرون اسم الله. ثانياً: أنهم لا يذبحون، وإنما يسلطون عليها آلات تقطعها من الخلف، يقتلون -مثلاً- البقر أو الغنم، فيصفونها ثم يغمزون هذا المسمار فيأتي عليها من رءوسها فيقطعها من الخلف فتسقط الرءوس، لكن يقول بعضهم: إذا كان مسمى وأتى السكين على الحلق قبل أن تموت فإنها تباح، أما لو قطع -مثلاً- العنق من فوق ولم يقطع الحلقوم ولا المريء ولم يقطع الودجين فإنه لا يسمى ذابحاً، وكثير منهم يقطعون عظم الرقبة ويبقى الرأس متدلياً، ولا يقطعون الحلقوم حتى تموت فيكون ذلك ذبحاً شرعياً. كذلك الطيور عندما يذبحونها يعلقونها -مثلاً- بأرجلها، ثم تمر على ماء يغلي فتنغمس فيه، وإذا انغمست كشط جلدها، والغالب أنها تموت، فإذا خرجت من هذا الماء الحار مرت على سكينة لتقطع رءوسها، وأحياناً لحركتها لا تقطع إلا المنقار، وأحياناً لا تقطع الرأس بل تضرب المنقار فتتعدى وتسقط وهي حية -أي: ما قطع رأسها- في الكرتون، ثم تمر بعد ذلك على كماشة تأخذ الريش الذي عليها حتى تسلخها، ثم بعد ذلك تمر على آلة تقطع الرجل وتسقط، ولا شك أن مثل هؤلاء ما ذبحوا حتى ولو كانوا مسلمين، فلا يحل ذبحهم والحال هذه، أما إذا تحقق أنهم يذبحون بسكين حادة، وأنهم يصفون الدم فإنه يباح. والحكمة من الذكاة خروج هذا الدم؛ لأن بقاء الدم في هذا الطير أو في هذا الحيوان يفسد لحمه، ولكن كثيراً من أهل المصانع يتركون الدم فيها لأنه يزيد في الوزن، فيزيد في الوزن -مثلاً- ولو جراماً أو جرامين؛ لأنهم يجهزون -مثلاً- مائة ألف من هذا الحيوان يومياً، وهذه الزيادة التي هي جرام تزيد في الثمن، فيأخذون عليها ثمناً، فلأجل ذلك يحاولون أن لا يقطعوا الرأس إلا بعد أن تموت ويبقى الدم فيها، فنقول: إن ذبحهم -والحال هذه- أقرب إلى أنه محرم، فمن التنزه أن لا تؤكل ذبائحهم، وهذه اللحوم المستوردة قد كتب فيها شيخنا عبد الله بن حميد رحمه الله رسالة مطبوعة بعنوان (اللحوم المستوردة) ورجح فيها أن لحومهم غالباً ليست مذبوحة ذباحاً شرعياً.

كون الآلة المستخدمة حادة

كون الآلة المستخدمة حادة الشرط الثاني: الآلة. وهي: كل محدد يقطع غير سن وظفر، كما في حديث رافع بن خديج قالوا: (يا رسول الله! إنا لاقوا العدو غداً، وليس معنا مدى - المدية: السكين - فهل نذبح بالقصب؟ قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، غير السن والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة) ، الحبشة الذين هم نصارى كانوا يذبحون بأظفارهم، فنهى عن الذبح بالظفر، ولو طيراً لا تذبحه بظفرك؛ فإن هذا تشبه بهم، وكذلك لا يذبح بسنه ولو عصفوراً، فإن ذلك أيضاً عظم، وكذلك أيضاً لا يذبح بعظم ولو لم يجد إلا عظماً لا يذبح به، أما إذا وجد حديدة محددة، أو وجد حجراً له طرف حاد، أو وجد عوداً له حد وذبح به فإنه يجزي، أو -كذلك- وجد زجاجة محددة أو ما أشبه ذلك، فكل محدد يقطع الجلد واللحم تصح التذكية به، غير السن والظفر.

قطع الحلقوم والمريء

قطع الحلقوم والمريء الشرط الثالث: قطع الحلقوم والمريء، والحلقوم: مجرى النفس، والمريء: مجرى الطعام، والسكين لا بد أنه يقطع بها هذا الحلقوم الغليظ الذي يدخل معه النفس وهذا المريء الذي يدخل منه الطعام، يقطعه بالسكين ونحوها. قال: [وسن قطع الودجين] بالطعن في جانبي العنق، وهما اللذان يخرج منهما الدم الكثير؛ لأن الحكمة في هذه الذكاة لأجل خروج الدم الذي هو محرم ويفسد اللحم. قال: [وما عجز عنه كواقع في بئر ومتوحش ومترد يكفي جرحه حيث كان] ، وفي حديث رافع يقول: (ند بعير - هرب بعير - فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لهذه الدواب أوابد كأوابد الوحش، فما ند منها فاصنعوا به هكذا) ، فإذا هرب -مثلاً- ورموه بسهم فمات بسبب السهم فإنه حلال، سواء من الصيد أو من بهيمة الأنعام؛ لأن هذا السهم جرحه، ولا بد أنه خرج من هذا الجرح دم، فيكون بذلك صار حلالاً، وكذلك لو وقع في بئر، فإذا وقع جمل في بئر ولم يقدروا على إخراجه وعرفوا أنه سيموت، ينزلون عليه ويذبحونه، إن قدروا على أن يذبحوه في أصل الرقبة أو في أصل الرأس، فإذا لم يجدوا طعنوه في جنبه، أو طعنوه في فخذه حتى يموت بسبب سكين، والعادة أنه يخرج منه الدم، فيكون ذلك مبيحاً له مع ذكر اسم الله تعالى، وكذلك المتوحش، لو توحش تيس وهرب فرموه، فإنه إذا رموه وأصابوه بهذا السهم ومات بسببه إذا ذكروا اسم الله عليه حل أكله، والمتردي: الذي يسقط من جبل أو من سطح، إذا لم يجدوا إلا أن يجرحوه في الطريق، فإذا جرحوه في أي مكان يكفي جرحه حيث كان، في ظهره أو في فخذه أو غير ذلك. فإن أعانه غيره فلا يحل، كما إذا كان رأسه في الماء وعرف أنه مات بسبب الغرق، فهذا البعير إذا انغمس رأسه في الماء ولم يستطع أن يخرجه، ولما وصلوا إليه وجدوه قد مات، ولو جرحوه فعادة لا يخرج منه الدم؛ لأنه قد مات، وإذا مات فإن الدم يتسرب في اللحم فلا يخرج، فلأجل ذلك إذا سقط البعير في البئر وانغمس رأسه في الماء، وجاءوا إليه وقد مات وطعنوه فإنه لا يحل؛ لأن الموت حصل بسبب انغماس رأسه في الماء، وكذلك كل ما كان موته بسبب مباح وغير مباح.

التسمية

التسمية الشرط الرابع: التسمية. أن يقول: (باسم الله) عند تحريك يده، ويسن التكبير، أن يقول: (باسم الله والله أكبر) ، قال: [وتسقط سهواً لا جهلاً] . لو نسي التسمية وسها بسبب العجلة ونحوها سقطت التسمية وحلت الذبيحة، وأما إذا كان تركها جهلاً فلا تحل ذبيحته، ويذكر بعض الإخوان أنهم يأتون إلى بعض الذين يعملون في بيع الدواجن في بعض الأماكن، وأن أولئك الذين يذبحون من سرعتهم يذبح أحدهم وهو يتكلم ولا يذكر اسم الله، وغالبهم من المتعاقدين يقول: إنه قال لأحدهم: كيف تذبح ولا تسمي؟! فقال: أنا أسمي في قلبي. يعني: أنه تكفيه التسمية في القلب فأنكر عليه وقال: لا بد من التسمية، فإذاً أنا لا أشتري منك وأنت لا تذكر اسم الله، يأخذ بالدجاجة ويقطع رأسها وهو يتكلم، ويضعها بمكان يصب فيه الدم، ثم يأخذ الثانية ويذبح بسرعة ولا يذكر اسم الله، فالواجب أنه يسمي عند كل واحدة يذبحها من دجاج أو حمام أو نحو ذلك. كذلك الذين يذبحون الإبل ونحوها يذكر أيضاً أنهم يستأجرون عمالاً من أفارقة أو نحوهم، وهؤلاء أيضاً لا يذبحون الذبح الشرعي، يأخذون خشبة ثم يضربون بها البعير أو الثور في رأسه ضربات إلى أن يسقط، ثم بعد ذلك يشرعون في الذبح، وغالباً أنهم لا يعرفون التسمية، وإنما همهم أن يذبحوها بسرعة وأن يسلخوها ويرسلوها إلى صاحب اللحم الذي يبيعها لحماً، ولا يهمهم إلا أنهم يستأجرون عمالاً لأجل أن يريحوهم من هذا الذبح ومن هذا السلخ وما أشبه ذلك. فالحاصل أنه لا بد أن يكون الذابح أهلاً، وأن يكونوا ممن يذبح ذبحاً شرعياً، وأن يكون ممن يذكرون اسم الله، وأنه إذا لم يذكر اسم الله تجاهلاً لا يحل، أما إذا ترك التسمية لعجلة أو نحو ذلك تهون، فإن ذلك يبيح ذكاته.

أحكام أخرى في الذبح

أحكام أخرى في الذبح بعد ذلك يقول: [وذكاة جنين خرج ميتاً أو نحوه بذكاة أمه] .

ذكاة الجنين

ذكاة الجنين هكذا جاء في الحديث: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) ، فإذا ذبحت الشاة الحامل، ولما ذبحوها وسلخوها وشقوا بطنها أخرجوا منها جنيناً صغيراً أو كبيراً ففي هذه الحال يجوز أكله ولا يحتاج إلى أن يذبح؛ لأنه تابع لأمه، فهو كجزء منها، وكذلك ولد البقرة أو الفرس، وولد الناقة إذا أخرج بعد أن ذبحت وقد مات، إما إذا أخرج حياً فإنه يذبح كما يذبح الحي.

كراهية الذبح بآلة كالة

كراهية الذبح بآلة كالة يقول: [وكرمت بآلة كالة] . يكره الذبح بالآلة الكالة، وهي السكين التي ليست محددة، كأن تكون مثلمة، فلا يجوز الذبح بها، وذلك لأنه يعذب ذلك الحيوان من شدة حزه، وربما يبقى يقطع عشر دقائق أو ربع ساعة وهو يحز قبل أن يقطع الجلد، ثم يقطع اللحم، ثم يقطع الحلقوم، ثم يقطع المري، فيبقى مدة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) ، والشفرة: هي السكين، تسمى شفرة وسكيناً ومدية، فينبغي أن تكون حادة حتى تقطع سريعاً، وحتى لا يعذب ذلك الحيوان إذا كانت الآلة التي يذبح بها كالة أي: متثلمة أو غير محددة. ويكره أن يحدها بحضرة المذكى، فلا يحدها على حجر، أو على سكين، أو على حديدة والحيوان ينظر، بل يحدها بعيداً عنه؛ لأن الحيوان قد يكون له فطنة ومعرفة، فمثلاً: نقل في بعض الكتب يقول رجل: كنت أمسكت شاة أريد أن أذبحها، ولما عزمت على ذبحها جاءني رجل وأراد أن يكلمني، فألقيت السكين وأخذت أكلم الرجل، فقبضت الشاة السكين بفمها وذهبت بها، وحفرت بيدها بأصل الجدار، وألقت السكين ودفنتها في أصل الجدار، فقال: ألا تعجب ألا تعجب! يقول: فحلفت أني لا أذبح ذبيحة بعدها. فهذه البهائم قد يكون لها شيء من الذكاء، فيكره أن يحدها والحيوان ينظر، ويكره أن يسلخها قبل زهوق الروح، وإذا ذبحها تركها حتى يخرج الدم، فإذا خرج الدم وزهقت الروح وسكنت عن الحركة وعلم موتها ابتدأ في سلخها، وسلخ الجلد: إزالته عن اللحم، ولا يكسر العنق أيضاً قبل زهوق الروح، والعادة أنهم يقطعون الحلقوم، ثم يقطعون المريء، ثم يقطعون الودجين، ثم يتركونه حتى يخرج الدم كله، ولا يكسرون العنق؛ لأن كسر العنق فيه تعذيب، وربما تموت بكسر عنقها ويتوقف الدم الباقي في العروق، فلا يكسر عنقها قبل زهوق الروح، أي: قبل أن تخرج الروح ويخرج الدم كله.

كراهية نفخ اللحم

كراهية نفخ اللحم قال: [ونقخ لحم بيع] . أي: يكره نفخ اللحم للبيع، فبعض القصابين إذا أرادوا أن يذبحوا شاة أو نحوها ينفخونها حتى ينتفخ اللحم، وبعضهم يسقونها ملحاً حتى تنتفخ، فإذا جاء المشتري ورأى اللحم كثيراً ظن أنه لحم وإنما هو نفخ، فيكره نفخه إذا كان لأجل البيع.

سنة توجيه الذبيحة إلى القبلة

سنة توجيه الذبيحة إلى القبلة ويسن عند الذبح توجيه الذبيحة إلى القبلة؛ لأن القبلة هي أشرف الجهات، وليس ذلك شرطاً، فلو ذبحها لغير القبلة في الشمال أو الجنوب أو الشرق أجزأت، وكذلك أيضاً يسن أن تكون البقر والغنم على جنبها الأيسر موجهة إلى القبلة، وأما الإبل فتنحر قائمة، هذا إذا كانت مما يكون من المناسك، فتكون قائمة ومعقولة يدها اليسرى، ويمسك رأسها ويلويه إلى جنبها، ثم يطعنها في الوحدة التي بين أصل العنق والنحر، فإذا سقطت ابتدأ في سلخها لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] ، وكذلك يرفق بها، فلا يؤلمها ألماً شديداً كالذي ذكرنا قبل ذبحها، يضربونها إلى أن تسقط، وقد يضربونها مع جنبها إلى أن تسقط، وهذا تعذيب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) ، فلا بد أنهم يرفقون به.

التكبير مع التسمية

التكبير مع التسمية ويسن التكبير، والتكبير مع التسمية أن يقول: (باسم الله والله أكبر) ، وإذا كانت الذبيحة مما يتقرب بها إلى الله فإنه مع ذلك يدعو بقوله: اللهم! تقبل مني نسكي. اللهم! هذا منك ولك. أو ما أشبه ذلك.

الأسئلة

الأسئلة

سبب عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين

سبب عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين Q كيف يقتل المنافق مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين في عهده وهو يعلم أنهم منافقون؟ A النبي صلى الله عليه وسلم لا يحكم بعلمه، ولم يكن هناك بينات تدل على أن فلاناً منهم وفلاناً، فكره أن يحكم بعلمه وأن يقتلهم بموجب ما يعلم منهم، وأيضاً خشي أن يقول الناس: إن محمداً يقتل أصحابه؛ لأنهم يظهرون الإسلام للناس، وأيضاً لهم عشائر وقبائل يغضبون لأجلهم، فلأجل ذلك كره أن يعاملهم بعلمه.

لزوم إقامة الحجة على المستهزئ بالصالحين

لزوم إقامة الحجة على المستهزئ بالصالحين Q الحالات التي ذكرت وهي تخرج الإنسان من الملة -خاصة الاستهزاء بالدين والسنة وبالملتزمين- قل من ينجو منها في عصرنا هذا -وللأسف- من عامة الناس ومن غيرهم، فهذا عن جهلهم، فهل يخرجون من الملة؟ A يعلمون وينصحون، وذلك لأنهم يفعلون ذلك عن تساهل، وهذه الكلمات التي تصدر منهم يفعلونها عن تساهل، ولو علموا خطرها لتركوا إن كانوا ذوي علم، فإذا أصروا على ذلك واستمروا عرف بذلك أنهم مرتدون فيعاملون معاملة المرتد.

التكذيب بكون المرأة خلقت من ضلع أعوج

التكذيب بكون المرأة خلقت من ضلع أعوج Q نشر في إحدى الجرائد قبل فترة ليست بالبعيدة قول شاعرة تقول في شعرها: ملعون يا سيدتي من قال فيك: إنك خرجت من ضلع أعوج. فهل تكفر بذلك؟ A لا شك أن هذا طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: (إن المرأة خلقت من ضلع أعوج) نعوذ بالله! وهذا -بغير شك- إذا تحقق فإنها تكون مرتدة، وتعامل معاملة المرتد، فتستتاب فإن تابت وإلا قتلت.

بيان معنى قوله تعالى: (لا إكراه في الدين)

بيان معنى قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) Q في قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] استدل بعض الملحدين بهذه الآية قائلاً: صرح الله في هذه الآية على أنه لا إجبار في الإسلام، فلماذا يأتي حكم المرتد بالقتل؟ A قيل إن الآية منسوخة، وإذا لم تكن منسوخة فإنها في أهل الذمة، أي: أهل الكتاب، لا نكرههم على ديننا، بل إذا اختاروا العهد عاهدناهم، وإذا اختاروا الذمة أبقيناهم على ذمتهم، وإذا اختاروا الجزية أبقيناهم ولا نكرههم، وذلك لأن هذا قد يكون سبباً بعد ذلك في دخولهم الإسلام، فأما الكفار والمشركون فإنهم يخيرون بين الإسلام أو القتل.

لا يشترط الاستحلال في سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم

لا يشترط الاستحلال في سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم Q الذي يسب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما رأيكم فيمن يقول: إنه ليس بكافر، ولا بد أن يكون مستحلاً؟ A لا شك أنه كافر، وأما كونه مستحلاً أو غير مستحل فهذا شيء خفي، ونحن نعامله بالظاهر، ثبت أن عمر رضي الله عنه قال: (إن الوحي انقطع، وإنما نأخذكم بالظاهر، فمن أظهر لنا خيراً أحببناه، ومن أظهر لنا شراً كرهناه وأبعدناه) ، ونحن نأخذهم بالظاهر، حتى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) .

حكم من يسب الله إغاظة للملتزمين

حكم من يسب الله إغاظة للملتزمين Q أحياناً أكون أمشي في الشارع في بلدي، فعندما يرى بعض الأشخاص أني مسلم وملتزم يسبون الله بصوت مرتفع حتى يسمعوني، فهل أضرب الشاتم إن استطعت، أم ماذا أفعل؟ A لا شك أن هذا كفر، ومثل هؤلاء ليسوا بمسلمين، الذين يسبون الله أمام المسلمين حتى يثيروا غضب المسلم، فإن كان لك ولاية، أو كان هناك من لهم قوة فإن عليكم أن تنفذوا الحكم فيهم بقتلهم أو بقتالهم، وإلا فالتحذير منهم، وإلا فالرد عليهم.

وجوب التسمية عند ذبح كل دجاجة

وجوب التسمية عند ذبح كل دجاجة Q هل يجوز لمؤسسة تبيع الدجاج أن تكتفي بالتسمية على أول دجاجة وبقية الدجاج لا يذكرون اسم الله عليها؟ A لا يجوز، فلا بد من التسمية عند كل واحدة ولو كانت مائة ألف، فالأصل أنهم يذبحون كل واحدة وحدها بالسكين، والتسمية سهلة ليس فيها مشقة، وكذلك أيضاً إذا كانت تذبح بسكين الآلة التي يعلقون فيها الدجاج حيث إن هناك أشرطة وخطاطيف يعلقون بها الدجاج أو الطير في أرجلها، ثم هذه الخطاطيف تمر على هذا الماء فتنغمس فيه هذه الدجاجة أو هذا الطير وهو حار فيسلخ جلدها، ثم بعد ذلك تمر على سكين فتقطع رأسها، فإن كانت قد ماتت بهذا الماء الحار حرمت، وإن كانت خرجت حية فلا بد من التسمية عند قطع رأسها بتلك السكين وإلا فلا تحل.

حكم أكل النيص والقنفذ

حكم أكل النيص والقنفذ Q تختلف الأعراف من بلد إلى بلد، فعند بعض الناس لا يستقذرون القنفذ، وبعضهم لا يستقذرون النيص، فهل يجوز أكله عندهم؟ A لا شك أن هناك مذاهب، وأوسعها مذهب المالكية، فإنهم يرون إباحة أكل السباع أو كثير من السباع وكثير من الطير ولو كانت مما نهي عن قتله أو أمر بقتله، أو كان له ناب من السباع أو له مخلب من الطير، والمذاهب تختلف، ولكن إذا ترجح لك أن هذا محرم لثبوت الحديث فيه فلا تعمل بأي مذهب يخالف ذلك. والنيص فيه خلاف، قالوا: إنه لا يأكل إلا عروق الشجر، ولا يأكل الجيف ونحوها. فلذلك أباحه بعضهم، ولكن العرب تستخبثه.

حكم أكل خنزير وكلب البحر

حكم أكل خنزير وكلب البحر Q ما حكم أكل خنزير البحر وكلب البحر؟ A ذكر المصنف أن دواب البحر كلها حلال إلا ما استثني من الضفدع والتمساح والحية، لكن قال بعضهم قولاً آخر، قال: كل ما له شبيه في البر وهو محرم فإنه يحرم من البحر. ومعلوم أن هذا الشبه إنما هو في الخلقة، فلو كان يشبه كلب البر أو -مثلاً- خنزير البر فالأصل أنه لا يعيش إلا في البحر، وأنه يتغذى بدواب البحر كما يتغذى السمك، فيكون حلالاً.

حكم أكل الدجاج الذي يتغذى بالدم المجمد

حكم أكل الدجاج الذي يتغذى بالدم المجمد Q بعض الدجاج يتغذى على الدم المجمد، أي: دم الدجاج المذبوح، يأخذونه ويعالجونه حتى يكون طعاماً، فهل يجوز أكل هذا الدجاج؟ A لا يجوز؛ لأنه إذا تغذى على الدم فالدم محرم ولو كان الدم مستحيلاً، هذا هو الصحيح، وهناك من يقول: إن النجاسة إذا استحالت طهرت ولكن ليس ذلك ممكناً أو متأتياً في كل شيء، فالأصل أن كل شيء محرم لا تجوز التغذية به.

قاعدة (آكل اللحم لا يؤكل)

قاعدة (آكل اللحم لا يؤكل) Q ما صحة هذه القاعدة: (آكل اللحم لا يؤكل) ؟ A كأنهم يقولون: ما يأكل اللحم فلا يؤكل، وهذه يمكن أنها تكون قاعدة، لكن يستثنى منها الضبع، فالذين أباحوا الضبع يبيحون أكلها مع أنها تتغذى باللحوم، بل تأكل الجيف، وأما البقية فيقولون: كل ما يأكل الجيف فإنه محرم.

حكم استخدام الحبوب المفترة والمخدرة

حكم استخدام الحبوب المفترة والمخدرة Q ما حكم الحبوب التي يستعملها بعض المرضى النفسيين التي تؤكل ويكون فيها نسبة من التفتير والتخدير والخمور؟ A إذا كانت علاجاً ودواءً لبعض الأمراض أو الأمراض النفسية فلا بأس، ولو حصل بها تخدير ونحو ذلك؛ فإن ذلك مما يستعان به في تخفيف تلك الآلام النفسية، وأما إذا لم يكن فيها فائدة فإنها محرمة.

حكم من يستهزئ بالدين من أهل اللحى

حكم من يستهزئ بالدين من أهل اللحى Q شخص أعفى لحيته ولكنه يفعل المنكرات، ويتكلم بكلام يستهزئ فيه بشيء من السنة وغيرها من الدين، فهل يجوز لي أن آمره بحلق لحيته لكي لا يعرض السنة للاستهزاء؟ A كثيرون ولو كانوا يؤثرون بعض السنة كإعفاء اللحية يظهر منهم شيء كثير من السخرية ببعض تعاليم الدين، وذلك دليل على ضعف الإيمان وعلى شك داخل قلوبهم، فمن عرف أحداً منهم فينصحه ويأتي بمن ينصحه ويبين له خطأه، فإذا أصر واستمر على ذلك فإنه يجب البراءة منه ومن أمثاله. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح أخصر المختصرات [82]

شرح أخصر المختصرات [82] أباح الله للإنسان أن ينتفع بما سخر له، ومن ذلك الصيد، فهو مباح للمسلم لكن بشروط وضوابط يجب عليه مراعاتها ومعرفتها قبل الاصطياد.

أحكام الصيد

أحكام الصيد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الصيد مباح، وشروطه أربعة: كون صائد من أهل ذكاة، والآلة، وهي آلة ذكاة، أو جارح معلم وهو أن يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل، وإرسالها قاصداً، فلو استرسل جارح بنفسه فقتل صيداً لم يحل، والتسمية عند رمي أو إرسال ولا تسقط بحال، وسن تكبير معها. ومن أعتق صيداً، أو أرسل بعيراً أو غيره لم يزل ملكه عنه.

تعريف الصيد

تعريف الصيد بعد أن ذكر المؤلف الأطعمة وما يباح من الحيوانات كبهيمة الأنعام ذكر الصيد. والصيد: مصدر صاد يصيد صيداً، ويسمى المصيد صيداً، وهو اقتناص حيوان مباح متوحش طبعاً غير مقدور عليه. والاقتناص هو الذهاب في طلبه، وهذا الحيوان المباح متوحش بطبعه، كالظباء، والوعول، وحمر الوحش، والأوبار، والأرانب، وكذلك من الطير كالحبارى، والحجل، والحمام وما أشبه ذلك من الحلال، فاقتناصه طلبه إلى أن يصيده، فتارة يصيده بالرمي، وتارة يصيده بالكلاب، أو الصقر، وتارة يصيده بالشبكة التي ينصبونها له، ونحوها كالقفص، فإذا صاده وأدركه حياً فإنه يذبحه كما يذبح بهيمة الأنعام، فإذا أمسك الأرنب أو الضب أو اليربوع وهو حي فلابد أن يذبحه إذا قدر عليه حياً، كما يذبح السخلة والعجل والفصيل، فيذبحه بسكين حاد أو يذبحه بما يحل الذبح به، ويذكر اسم الله عليه. وإذا مات بالرمي وقد ذكر اسم الله عليه فإنه يباح أكله، وكذلك إذا قتله الكلب أو ذبحه الطير كالصقر ونحوه، فإذا أدركه وقد مات فإنه يباح إذا كان قد ذكر اسم الله عند إرسال الجارح، قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة:4] .

انقسام الحيوانات إلى مستأنس ووحشي

انقسام الحيوانات إلى مستأنس ووحشي جعل الله هذه الحيوانات قسمين: قسماً مستأنساً لا يهرب من الناس، كالإبل والبقر والغنم والحمر الأهلية والخيل، وقسماً متوحشاً يهرب من الإنسان، وهذا القسم المتوحش الذي يهرب من الإنسان منه ما هو حلال كالظبي والوعل وحمار الوحش وبقر الوحش وغنمها، والأرنب والوبر والضب وما أشبهها. ومنه ما هو محرم كالذئب والأسد والنمر والثعلب، وقد يكون مستأنساً محرماً كالقط وما أشبهه، فهذه محرمة، وتقدم أن الذي يأكل الجيف فإنه حرام، ويدخل في ذلك الثعالب والقطط، وابن آوى الذي يفترس الدجاج، وابن عرس وهو يفترس ويأكل الجيف.

شروط إباحة الصيد

شروط إباحة الصيد ما أباحه الله كالظباء ونحوها، إنما يباح إذا تمت شروط أربعة:

أهلية الصائد

أهلية الصائد الشرط الأول: كون الصائد من أهل الذكاة، فإذا كان الذي صادها مسلماً أو من أهل الكتاب المتمسكين، فإنه يكون من أهل الذكاة، ولا يصح صيد المشركين ومنهم الرافضة، ولا صيد القبوريين الذين يعبدون أهل القبور ومنهم المتصوفة، ولا صيد البوذيين وذبائحهم، ولا صيد السيخ، ولا الهندوس، ولا القاديانيين، ولا الدهريين الشيوعيين، لا يباح صيدهم ولو سموا وذبحوه؛ لأنهم ليسوا من أهل الذكاة.

الآلة الجارحة وذكر علامة الحيوان المعلم

الآلة الجارحة وذكر علامة الحيوان المعلم الشرط الثاني: الآلة، وهي مثل آلة الذكاة، فلابد أن يذبحه بما يخرج معه الدم إذا قدر على الصيد وهو حي، فيذبحه بالسكين أو بحجر حاد، أو يذبحه بقصب أو عود حاد، والمراد أن يذبحه بآلةٍ حادةٍ تجرح وتقطع الجلد، ولا يذبحه بالظفر، ولا بالعظم ولا بالسن ولو كان عصفوراً كما تقدم في الذكاة. وإذا رميت طيراً كحمامة أو سماني أو الغرانيق البيض أو الحبارى أو الحجل أو ما أشبهها، فإنها لا تباح إذا أدركتها حية إلا بعد ذبحها بالسكين أو نحوها من الحلق، يعني: من أصل العنق أو من أصل الرأس، فإذا ذبحتها وخرج دمها وماتت بسبب الذبح حل أكلها مع الشروط الآتية. والجارح إما أن يكون من الطيور وإما من الكلاب، فمن الطيور الصقر والبازي والشاهين والباشق، فهذه الجوارح من الطيور تقنص الصيد، وتقبل التعليم، فإذا أرسلت إلى الصيد كالحبارى أو الحمام أو الأرنب، فإنها تنزل عليه وتضربه بمخالبها، وتمزق الجلد وتمزق الريش وتقطعه، فيسقط ذلك الطائر كالحبارى ونحوه، وإذا سقط فقد يموت في حينه قبل أن يأتي إليه الصياد فيكون حلالاً إذا تمت الشروط، وقد يدركه حياً فلابد من ذبحه بالسكين ونحوها، وفي هذه الحال يباح ما صاده بهذا الجارح. ومن الجوارح الكلب المعلم، وكذا الفهد المعلم، فإنه يصيد الظباء لصاحبه، فإن أدركه حياً فليذبحه، وإن أدركه ميتاً وقد جرحه الكلب فإنه حلال إذا كان قد ذكر اسم الله عند إرسال ذلك الجارح. ما علامة كون الجارح معلماً؟ أن يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل، هذه علامات المعلم؛ لأن الله تعالى قال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4] فإذا أكل فإنما أمسك لنفسه. وقد يسمون الصقر أو الكلب باسم، فيناديه باسمه، ويرسله بكلمات يفهمها الكلب أو الفهد، فإذا أرسل استرسل، أي: ذهب مسرعاً يسعى خلف ذلك الصيد إلى أن يدركه، هذا معنى: إذا أرسل استرسل. وإذا زجر انزجر، والزجر الكف، فإذا زجره كف وتوقف، وقد يكون الزجر التحريض، فلو قدر أن الكلب رأى أرنباً وسار وراءها وصاحبه لم يشعر، ولما رآه زجره وزاد في سيره، وذكر اسم الله عليه، فإذا أمسك ولم يأكل فإنه يحل ما صاده حتى ولو لم يذبحه. وقد اختلف العلماء فيما إذا قتل الصيد بثقله ولم يجرح، فإن الكلب قد يمسك الأرنب ثم يتحامل عليها ويضمها وتموت، أو يعض أضلاعها فتموت دون أن يخرج شيء من دمها ودون أن يجرحها، فيأتي صاحبه وقد ماتت، فهل تباح أم لا تباح؟ كثير من العلماء يقولون: هو حلال مما أمسك؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4] ولأن صاحبه قد أرسله وسمى عند إرساله، فيباح أكله ولو قتله، وذهب آخرون أنه لا يباح إلا إذا أدرك حياً أو جرحه ذلك الجارح؛ ولذلك سمي جارحاً في قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ} [المائدة:4] ، وهذا لم يجرحه، ولم يخرج دمه، فيكون ميتة أو شبيهاً بها. وقد تكلم على هذه المسألة الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية في أول سورة المائدة: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4] فكأنه يميل إلى عدم الحل؛ وذلك لأنه مات حتف أنفه دون تذكية ودون جرح أو نحو ذلك، هذا الذي يظهر من كلامه، وذهب آخرون وهو المشهور إلى أنه يحل لظاهر الآية: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:4] .

القصد في إرسال الجارح

القصد في إرسال الجارح الشرط الثالث: إرسالها قاصداً، فإذا استرسل الجارح بنفسه فقتل لم يحل؛ لأنه أمسك على نفسه، ولأنه استرسل بنفسه فلا يحل ما صاده. فإذا استرسل بنفسه وأمسك، فإن أدركته حياً فذكيته فحلال، وإن لم تدركه إلا بعد أن قتله فلا يحل، فلو أرسلت الكلب وأمسك عليك ولكنه أكل من الصيد، فلا يحل؛ لأنه يخاف أنه أمسكه على نفسه، هكذا جاء في الحديث: (فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه) . ويستثنى من ذلك الجارح من الطير كالشاهين والصقر والباشق، فهذا يصعب تعليمه، فالكلب يمكن أن يعلم بالضرب، وأما الصقر فكيف يضرب؟ وكيف يعلم بالضرب؟ فالعادة أنه يأكل، وأكله قليل بالنسبة لأكل الكلب، فإذا أكل فإن الصيد لا يحرم، بل يجوز أكل ما بقي ولو أكل نصف الأرنب أو نصف الحبارى، وما ذاك إلا لأنه يصعب تعليمه.

التسمية

التسمية الشرط الرابع: التسمية عند الرمي أو عند الإرسال، ولا تسقط بحال، وقد تقدم في الذكاة أنها تسقط بالنسيان لا بالجهل، وأما في الصيد فلا تسقط، قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة:4] ، هكذا اشترط (اذكروا اسم الله عليه) ، فلابد من التسمية عند إرسال الصقر أو عند إرسال الكلب، وكذلك عند الرمي، فإذا سدد السهم ليرمي أرنباً أو ليرمي حمامةً فليقل: باسم الله، ولا تسقط بحال، ويسن التكبير فيقول: باسم الله، والله أكبر. هذه هي شروط حل الصيد، الشرط الأول: أن يكون الصائد من أهل الذكاة، وهو مسلم أو كتابي متمسك، الشرط الثاني: الآلة التي يصاد بها، كالسهام والحيوان الجارح، الشرط الثالث: إرسال الجارح قصداً، الشرط الرابع: التسمية عند الرمي وعند الإرسال.

حكم إعتاق الصيد والحيوان المستأنس

حكم إعتاق الصيد والحيوان المستأنس من أعتق صيداً هل يخرج من ملكه؟ لو أن إنساناً صاد ظبياً وبقي عنده، ثم إنه أعتقه وأرسله، فلا يخرج من ملكه؛ لأنه ملكه بإمساكه، فيبقى في ملكه، ولكن إذا أرسله وذهب مع الظباء، وصار متوحشاً يهرب من الناس كما تهرب الظباء، ففي هذه الحال من صاده ملكه ولو كان قد ملكه فلان ولو عرفه، فمثلاً: لو صاد غزالاً ثم وسمها، وقطع طرف إذنها ثم أرسلها، وبقيت مع الغزلان، ترتع معها وترجع معها -أي: مع الصيد المتوحش- ثم وجدها إنسان ورماها أو صادها بحبال ملكها؛ وذلك لأن صاحبها لما أعتقها لا يريدها ولا يرغب في اقتنائها فتذهب عليه. وأما البعير أو الكبش ونحوه إذا تركه صاحبه وأرسله وأهمله فهل يخرج من ملكه؟ لا يخرج من ملكه؛ لأنه ملكه أصلاً بالشراء أو ملكه بالاستيلاد؛ فإذا ملكه قال: لا حاجة لي فيه، وتركه يرتع مع الإبل ويذهب معها ويشرب معها، أو قال لا حاجة لي في هذا الحصان أو في هذا الثور أو هذه البقرة أو هذا الكبش، وتركه يذهب ويجيء ويشرب الماء ويأكل من الشجر، فلا يزول ملكه عنه، بل يبقى تحت ملكه، ولو كانت ناقة ونتجت فنتاجها لصاحبها الذي تركها.

شرح أخصر المختصرات [83]

شرح أخصر المختصرات [83] من الأحكام الشرعية حكم اليمين وحكم النذر، واليمين لا تنعقد إلا إذا كانت بالله أو بصفة من صفاته، وأما ما يترتب عليها من البر والحنث والكفارة وغيرها فقد بينها الفقهاء. وأما النذر فمكروه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل، وفي باب النذر أحكام وتقسيمات مختلفة كما هو مبين عند العلماء.

كتاب الأيمان

كتاب الأيمان ذكر المؤلف بعد الصيد كتاب الأيمان، ومناسبته أن الأيمان يحتاج إليها في الشهادات وفي القضاء، ويحتاج إليها أيضاً في إثبات الحدود كحد الزنا وحد القذف وحد الشرب، فيحلف المتهم مثلاً ويبرأ؛ ولذلك ذكروها هنا.

معنى اليمين

معنى اليمين قال المصنف رحمه الله: [باب الأيمان: تحرم بغير الله، أو صفة من صفاته، أو القرآن، فمن حلف وحنث وجبت عليه الكفارة. ولوجوبها أربعة شروط: قصد عقد اليمين، وكونها على مستقبل، فلا تنعقد على ماضٍ كاذباً عالماً به وهي الغموس، ولا ظاناً صدق نفسه فيبين بخلافه، ولا على فعل مستحيل، وكون حالفٍ مختاراً، وحنثه بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله غير مكره أو جاهل أو ناس. ويسن حنثٌ ويكره برٌ إذا كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب، وعكسه بعكسه. ويجب إن كانت على فعل محرم، أو ترك واجب، وعكسه بعكسه. فصل: وإن حرم أمته أو حلالاً غير زوجة لم يحرم، وعليه كفارة يمين إن فعله. وتجب فوراً بحنث، ويخير فيها بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم كسوةً تصح بها صلاة فرض، أو عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز كفطرة صام ثلاثة أيام متتابعة. ومبنى يمين على العرف، ويرجع فيها إلى نية حالف ليس ظالماً -إن احتملها لفظه- كنيته ببناء وسقف السماء. فصل: النذر مكروه، ولا يصح إلا من مكلف، والمنعقد ستة أنواع: المطلق: كلله علي نذر إن فعلت كذا. ولا نية، فكفارة يمين إن فعله. الثاني: نذر لجاج وغضب، وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه، كإن كلمتك فعلي كذا، فيخير بين فعله وكفارة يمين. الثالث: نذر مباح، كلله علي أن ألبس ثوبي، فيخير أيضاً. الرابع: نذر مكروه كطلاق ونحوه فالتكفير أولى. الخامس: نذر معصية، كشرب خمر، فيحرم الوفاء، ويجب التكفير. السادس: نذر تبرر، كصلاة وصيام واعتكاف بقصد التقرب مطلقاً، أو معلقاً بشرط، كإن شفى الله مريضي فلله علي كذا، فيلزم الوفاء به. ومن نذر الصدقة بكل ماله أجزأه ثلثه، أو صوم شهر ونحوه لزمه التتابع، لا إن نذر أياماً معدودةً. وسن الوفاء بالوعد، وحرم بلا استثناء] . الأيمان جمع يمين، ويقال له: القسم، قال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام:109] أي: اجتهاداً في أيمانهم. ولماذا سميت يميناً؟ لأن المتحالفين يتقابلان بيديهما، كل واحد يمد يمينه ويمسك يد الآخر اليمنى ويقول: أحلف بالله إنني ما قتلت أباك، أو ليس عندي لك أو ما أشبه ذلك، فلما كانت تقبض باليد اليمنى سموا الحلف نفسه يميناً، هذا سبب التسمية، ومعنى حلف أي: أقسم، وسمي قسماً لأنه يصير قِسماً أو قسيماً له.

حكم الحلف بغير الله

حكم الحلف بغير الله الحلف هو الحلف بالله أو بصفة من صفاته أو بالقرآن، أما الحلف بغير الله فحرام، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، فيحرم الحلف بغير الله، وقال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ، فلا يجوز الحلف بالأب، فلا يقول: بأبي، ولا يحلف بنفسه، فلا يقول: بحياتي، ولا بحياتك يا فلان، أو بحياتك يا فلانة، ولا يحلف بشرفه فلا يقول: بشرفي، أو بنسبي، أو بأبي، أو بأبوي، أو بتربة أبوي، أو بقبر والدي، فإن هذا شرك، لماذا؟ لأنه تعظيم للمحلوف به، ولا يجوز تعظيم غير الله، فالتعظيم الذي في الحلف لا يكون إلا لله، (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . يجوز الحلف بصفات الله كأن يحلف بيمين الله، أو بوجه الله، أو بعزة الله، أو بعلم الله، أو بكلام الله، ويجوز الحلف بالقرآن لأنه كلام الله، فإذا قال: وكلام الله أو والقرآن الكريم انعقدت يمينه. يقول: من حلف وحنث وجبت عليه الكفارة، والحنث مخالفة ما حلف عليه، والحنث حرام إلا إذا كفره، قال الله تعالى: {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة:46] ويسمى الحنث فجوراً، فمن حلف وهو كاذب سمي فاجراً، فمن حلف وحنث فقد ارتكب ذنباً وعليه كفارة تمحو ذلك الذنب الذي حلف عليه.

شروط وجوب الكفارة

شروط وجوب الكفارة ذكر أهل العلم لوجوب الكفارة أربعة شروط:

الشرط الأول: قصد عقد اليمين

الشرط الأول: قصد عقد اليمين الشرط الأول: قصد عقد اليمين، قال الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة:225] وفي آية أخرى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ} [المائدة:89] ، فأما لغو اليمين فإنه يعفى عنه، وذلك مثل ما يجري على الألسن من غير عقد يمين في أدنى الكلام، يقول: لا والله، بلى والله، ولم يعقد على ذلك قلبه ولا قصده، أو حلف يعتقد صدق نفسه، فهذا لغو، لا كفارة فيه، (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) . أما إذا كان قاصداً عازماً على اليمين فإنه يكفر، فلو قال مثلاً: والله لا أركب مع فلان وهو عازم، فركب معه فعليه كفارة اليمين، والله لا أكلم فلاناً، وجبت عليه الكفارة إذا كلمه، والله لا أدخل هذا البيت، ثم دخله وجبت عليه الكفارة، والله لا آكل من هذا الطعام، وجبت عليه الكفارة إن أكل، وكذلك في الإثبات إذا قال: والله لأضربن فلاناً، والله لأسافرن هذا اليوم وأشباه ذلك، فإذا لم يفعل فعليه الكفارة، هذا الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن تكون اليمين على مستقبل

الشرط الثاني: أن تكون اليمين على مستقبل الشرط الثاني: كون اليمين على فعل مستقبل، فإذا قال مثلاً: والله لا أدخل هذا البيت، ولا ألبس هذا الثوب، ولا أشتري هذا الطعام، فإذا فعل فإنه يكفر؛ لأن هذه أمور مستقبلة، أو يقول: والله لأسافرن اليوم، أو أسافر غداً، في هذه الحال عليه كفارة إذا حنث، ولا كفارة حتى يحنث.

حكم اليمين الكاذبة والحلف على مستحيل

حكم اليمين الكاذبة والحلف على مستحيل لا تنعقد اليمين على أمرٍ ماض، وهو كاذب عالم بكذبه، وهي اليمين الغموس، وقد جاء في الحديث: (من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم -يعني: يأخذ بها ما لا يحل له - لقي الله وهو عليه غضبان) ، وفي حديث آخر قيل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: (وإن كان قضيباً من أراك) أي: عود سواك، فهذه هي اليمين الغموس، ومثلها أيضاً إذا حلف كاذباً وهو يعلم كذب نفسه، فهو يحلف أنه ما قتل فلاناً وهو الذي قتله، أو حلف أنه ما أخذ ماله وهو يعرف أنه أخذه، أو حلف أنه ما دخل بيته أو ما ركب سيارته أو ما أخذها أو ما رآها وهو كاذب في ذلك، فهذه هي اليمين الغموس. لماذا سميت غموساً؟ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، وفي هذا الحديث: (لقي الله وهو عليه غضبان) ، أما لو حلف وهو يظن صدق نفسه فتبين بخلافه فلا كفارة، فإذا حلف: إن هذا كتابي، ويظن صدق نفسه لأنه يشبه أو حلف: إن هذا أخي، وهو يظن أنه أخوه وكان شبيهاً به، أو حلف: إن هذا متاعي أو إن هذا كيس فلان، وهو يعتقد أنه متاعه أو كيسه فتبين خلافه، فإنه والحالة هذه يعتقد صدق نفسه فلا كفارة عليه. كذلك إذا حلف على فعل مستحيل فلا كفارة عليه؛ لأنه يعرف كذب نفسه، فإذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز، وليس فيه ماء، ففي هذه الحال لا يحنث؛ لأنه يعلم أنه مستحيل، وذكروا من المستحيل ما تستحيل قدرة الإنسان عليه، فلو حلف مثلاً أن يقلب هذا الإناء ذهباً أو يقلب هذا الماء لبناً، فهذا مستحيل، فلا تكون عليه الكفارة؛ لأنه يعلم أنه لا يقدر.

الشرط الثالث: الإكراه في اليمين

الشرط الثالث: الإكراه في اليمين الشرط الثالث: أن يكون الحالف مختاراً، فيخرج المكره على الحلف، كأن يكرهه إنسان ويقول: أنت الذي أخذت هذا المال وسوف أقتلك إن لم تحلف، فيحلف ليتخلص من القتل ظلماً، أو أنت الذي شربت هذا الماء وهو لم يشربه ولكنه يخشى من التعذيب، فيحلف، وهكذا كل ما فيه إكراه لا تنعقد يمينه؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] . ولذلك ذكروا أن المكره لا إثم عليه، فلو أكره على شرب الخمر فلا يحد، أو أكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها، أو أكره على بيع ماله أو بذله فإنه لا ينعقد البيع لعدم اختياره، وكذلك لو أكره على دخول دار وكان قد حلف على ألا يدخل هذه الدار، فأمسكه قوم وأوثقوه وغلوه ودخلوا به، فإنه لا يحنث، أو حلف ألا يأكل من هذا الطعام ثم أكرهوه وقالوا: إن لم تأكل ضربناك أو قتلناك. فأكل لأجل التخلص، ففي هذه الحالة لا يحنث.

الشرط الرابع: الحنث في اليمين

الشرط الرابع: الحنث في اليمين الشرط الرابع: الحنث، وهو أن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله، كأن حلف ألا يأكل من هذا الطعام وأكل أو حلف ألا يلبس هذا الثوب ولبسه، أو حلف ألا يركب هذه السيارة وركبها، أو حلف ألا يكلم فلاناً وكلمه، هذا هو الحنث. وكذلك لو حلف على الترك ولم يترك، كأن حلف أنه لن يسافر هذا اليوم وسافر، أو حلف ألا يصلي في هذا المسجد شهراً وصلى فيه، ففي هذه الحال يحكم بحنثه، إلا إذا فعل ذلك مكرهاً، فحلف ألا يلبس ذلك الثوب وأكره وهدد حتى لبسه، أو حلف ألا يأكل من الطعام، وأكره وهدد حتى أكل منه، فإنه لا يحنث. وكذلك إذا كان جاهلاً كأ، حلف ألا يلبس الثوب ولبس ثوباً يعتقد أنه غيره، وتبين أنه هو، ففي هذه الحال لا يحنث؛ لأنه لم يتعمد، وهكذا لو حلف ألا يكلم فلاناً، ثم نسي فكلمه فلا شيء عليه، هذه هي شروط وجوب الكفارة.

أحوال الحنث في اليمين

أحوال الحنث في اليمين قوله: (يسن الحنث، ويكره البر إذا كان على فعل مكروه وترك مندوب، وعكسه بعكسه) : ورد في حديث أبي موسى أنه جاء في غزوة تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يحمله ويحمل قومه، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما عندي ما أحملكم، ووالله لا أحملكم، ثم جاءته إبل من إبل الصدقة، فأرسل إليهم خمس ذود غر الذرى، فقالوا: استغفلنا رسول الله يمينه، فقد حلف ألا يحملنا، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) وكذلك قال لـ عبد الرحمن بن سمرة: (إذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيراً منها، فكفر عن يمينك وأئت الذي هو خير) ، فإذا حلف أحد أنه لا يكلم فلاناً من غير سبب فهذا حرام، فيكفر ويكلمه، أو حلف ألا يقبل هدية فلان، فيكفر ويقبل هذه الهدية؛ لأن قبول الهدية مستحب. حلف ألا يقبل دعوة فلان، وإجابة الدعوة من المستحبات أو من الواجبات، فعليه أن يكفر عن يمينه ويجيب تلك الدعوة، أو حلف ألا يصل فلاناً وكان له قرابة، أو لا يهدي إليه أو لا يستضيفه، فيكفر عن ذلك ويفعل، فإن فعل ذلك خير، روي أن رجلاً كان له دين، فطلبوا منه أن يسقط من دينه، فحلف وقال: والله لا أسقط منه شيئاً، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (حلف ألا يفعل خيراً!) يعني: حلف ألا يتنازل عن شيء من ماله، والأولى أن يسقط عن هذا الغريم المدين الفقير، وأن يكفر عن يمينه، وهكذا إذا حلف ألا يتصدق في هذا الشهر، فالصدقة خير، فعليه أن يحنث وأن يتصدق ويكفر، وهكذا في سائر المستحبات. ويكره بره بيمينه إذا كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب، ففعل المكروه كأن يحلف مثلاً أن يسب فلاناً لأنه قد سبه، فالأولى أن يكفر ولا يفعل، وإذا قيل له: إن فلاناً اغتابك، فقال: والله لأغتابنه. فعليه أن يكفر ولا يغتاب لأن هذا فعل محرم، وإذا قيل: إنه مثلاً ضرب ولده ولدك، فقلت: والله لأضربن ولده، فالأولى أن تعفو وتصفح. وأما إذا كان فعل خير فإن عليه أن يفي به ويكره حنثه، فإذا قال: والله لأتصدقن في هذا اليوم، فلا يترك الصدقة ولو بشيء قليل، أو قال: والله لأقرأن في هذا اليوم جزءاً من القرآن، أو إذا كان مدخناً فقال: والله لا أدخن في هذا اليوم، أو كان يسمع الغناء فحلف ألا يسمعه في هذا اليوم؛ فعليه أن يوفي بيمينه، ويكره الحنث. هذا معنى قوله: (وعكسه بعكسه) ، فإذا حلف أن يفعل خيراً أو يترك شراً فعليه أن يوفي بما حلف، ففعل الخير كأن يحلف أن يتصدق، أو يقرأ في هذا اليوم جزءاً، أو يصلي في هذه الليلة ساعة، أو يزور في هذا اليوم مريضاً أو يتبع فيه جنازة، فهذا فعل خير، لا تحنث وأوف بيمينك. وكذلك الترك، إذا حلف وقال مثلاً: والله لا أشرب الدخان هذا اليوم، أو لا أسمع الغناء هذا اليوم، أو لا أنظر إلى الصور هذا اليوم، فأوف بيمينك ولا تحنث، فإنك حلفت على خير.

ما جاء في التحريم

ما جاء في التحريم إذا حرم أمته، وقال: والله لا أطأ هذه الأمة، أو حرم طعاماً، فقال: هذا الطعام علي حرام، أو هذا الثوب علي حرام، أو هذا الماء علي حرام، أو هذه القهوة علي حرام، أو هذا الخبز علي حرام، أو خبز فلان علي حرام لا آكل منه، أو طعام فلان علي حرام لا آكله، هل يصير حراماً؟ لا يصير حراماً ولكن عليه الكفارة، والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:1-2] سبب نزول هذه الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على زينب وتسقيه عسلاً، فغارت عائشة وحفصة، فاتفقتا على أن كل واحدة منهما تقول له: هل أكلت مغافير؟ وهو شيء ينضحه بعض شجر العضاة، له رائحة، فقال: (إنما شربت عسلاً عند زينب) فقالت: جرست نحله العرفط، أي: أكلت نحله من العرفط، وله رائحة، فعند ذلك قال: (هو علي حرام) أي: هذا العسل، فعند ذلك نزلت الآية: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:2] ، وبين الله التحلة وهي الكفارة. وكذلك روي أيضاً: أنه حرم أمة له وهي مارية، وكانت سرية له، وهي أم إبراهيم، غارت بعض نسائه وقالت: كيف تباشرها في بيتي وعلى فراشي؟ فقال: (هي علي حرام) فنزلت الآية: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ} [التحريم:1] ، وكفر عن يمينه عند ذلك، وحلت له. وكذلك الرجل إذا حرم أمته، فإن عليه كفارة يمين، أو حرم شيئاً حلالاً غير الزوجة -أما الزوجة فتحريمها ظهار كما تقدم في الظهار- فإذا حرم هذا الشراب، أو هذا اللبن أو لبن هذه الشاة، أو لبن هذه البقرة، أو هذا الإدام أو خبز هذا الخباز أو ذبح هذا الجزار، ثم احتاج، فيكفر عن يمينه، وإذا كفر حل له ذلك وأكل منه.

كفارة اليمين وصفتها

كفارة اليمين وصفتها متى تجب الكفارة؟ إذا حنث، فإذا فعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله فإنه والحال هذه يكفر، فإذا لبس الثوب الذي حلف ألا يلبسه فإنه يكفر، أو حلف أن يبيت الليلة في هذا المنزل، ولم يبت فيه فعليه الكفارة، حيث إنه حنث. وهل تجب الكفارة فوراً أم على التراخي؟ تجب على الفور، فيبادر ويخرجها فوراً. وما هي الكفارة؟ ذكر الله تعالى الكفارة في سورة المائدة: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:89] يعني: يخير بين هذه الثلاث، فيقال له: لك الخيار: أعتق رقبة، أو أطعم عشرة مساكين، أو اكسهم. الإطعام يكون من أوسط ما يطعم أهله، لا من الخيار ولا من الأدنى، فإذا كان أحياناً يشتري لأهله السمك والفواكه ولحم الضأن ورقيق الخبز والأرز، وأحياناً يطعمهم من الخبز اليابس، وأحياناً إدامهم من التمر أو نحوه، وأغلب الأحوال يطعمهم الرز والخبز واللحم العادي كلحم الإبل أو لحم الدجاج، فنقول: الوسط هو ما تطعم به أهلك من الطعام الذي ليس من الجيد وليس من الرديء، هذا بالنسبة للإطعام. أما بالنسبة للكسوة، فإنه لابد أن يعطي كل واحد كسوة تجزئه في صلاة الفريضة، فيستر عورته بسراويل من السرة إلى الركبة أو إلى ما تحت الركبة، ويستر ظهره برداء كرداء المحرم، ويكفي القميص الذي له أكمام، ولو لم يجعل معه عمامة ولا سراويل، بل قميص يستر البدن كله، يستر المنكبين ويستر البطن والظهر، ويستر العجز ويستر الفخذين والركبتين، فيكفي ولو كان ثوباً واحداً. العتق: أن يعتق رقبة سليمة من كل عيب يضر بالعمل -كما تقدم في كفارة الظهار- ولابد أن تكون رقبة مؤمنة. إذا عجز عن العتق وعن الكسوة وعن الإطعام انتقل إلى الصيام، فيصوم ثلاثة أيام متتابعة، وعلامة عجزه ألا يجد إلا قوت ليلته التي يقوت بها أهله، وتقدم في زكاة الفطر أنه تسقط الفطرة عن إنسان ليس عنده إلا قوت نفسه وقوت عياله في يوم العيد وفي ليلة العيد، هذا معنى قوله: (فإن عجز كفطرة) أي: كما يعجز في إخراج الفطرة، فيصوم ثلاثة أيام متتابعة، وقرأ ابن مسعود هذه الآية: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) وتحمل على أنها تفسير.

النية في اليمين

النية في اليمين تكلم الفقهاء وأطالوا على النية في اليمين، فقالوا: مبنى اليمين على العرف، وهو الشيء المتعارف بين الناس، نذكر لذلك أمثلة: عندنا في المملكة لو حلف شخص ألا يلبس ثوباً، فالثوب عندنا هو الذي له أكمام وله جيب، وأما في اللغة فإن العمامة تسمى ثوباً، والعباءة تسمى ثوباً، وكذا الرداء والإزار، فنقول: أنت لا تعرف إلا الثوب الذي له جيب وأكمام، فلا تلبسه في هذه الليلة، ولك أن تلبس رداءً أو إزاراً أو سراويل، فإن لبست الثوب الذي له أكمام فكفر؛ لأنك حلفت عليه. وكذلك إذا حلف أن يذبح لفلان شاة، والشاة عند الناس في هذه المملكة النعجة الأنثى من الضأن، وإن كان العرب يسمون الذكر من الضأن شاة والعنز شاة، فالشاة عند العرب الواحدة من الغنم ذكراً كانت أم أنثى، فإذا حلف أن يذبح شاة، نقول له: أنت لا تعرف الشاة إلا أنها النعجة الأنثى من الضأن، هذا هو العرف، فعليك أن تذبحها. وإذا حلف أن يذبح في هذا الشهر بعيراً، والبعير عند العامة في هذه المملكة هو الجمل، لا يعرفون الجمل إلا أنه البعير، والبعير عند العرب يدخل فيه الناقة، فالناقة بعير لأنها تركب، والجمل بعير، وإذا أرادوا أن يفرقوا بينهما قالوا: ناقة وجمل، وإذا قال رجلٌ عند العرب: عندي بعير، قالوا: ناقة أم جمل؟ فيسمون الناقة بعيراً، ولكن الناس في هذه المملكة لا يعرفون البعير إلا أنه الجمل، فإذا حلف أن يذبح بعيراً لم تبر يمينه إلا إذا ذبح جملاً، هذا معنى قوله: (مبنى اليمين على العرف) . فإن كان العرف غير موجود في هذه اليمين رجع إلى نية الحالف الذي ليس بظالم، وذلك لأنه قد يحلف على شيء وقد تكون نيته أنه يؤكد الشيء، فمثلاً: أنت طالبته بدين، فحلف أن يعطيك حقك يوم الجمعة، ثم قضاك يوم الأربعاء، هل يحنث؟ لا يحنث؛ لأنه ما أراد إلا أن يعجل حقك لك، فقد عجله قبل موعده فلا يحنث والحالة هذه، فنيته بهذه اليمين نية صادقة وهي التعجيل. أما إذا كان ظالماً فلا تنفعه هذه النية، والظالم هو الذي يحلف بنية يتأول فيها، فإذا قال: والله ما لك عندي شيء، وتأول وقال: عنيت بشيء مأكولاً، فلا تنفعه نيته؛ لأن كلمة شيء تدخل فيها النقود وتدخل فيها الأكسية وما أشبه ذلك، فهذه نية الظالم. قوله: (إن احتملها لفظه) أي: فإذا قال مثلاً: والله لا أبيت تحت السماء هذه الليلة، وقال: نيتي بالسماء السقف؛ لأن الله تعالى قال: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج:15] يعني إلى السقف، نيته محتملة، أو قال: والله لا أبيت تحت بناء وأراد بالبناء المنزل المبني، فنيته محتملة، فالحاصل أنه يرجع في نيته إلى العرف ثم إلى ما هيج اليمين، ثم إلى حقيقة الشيء. وتكلموا هنا أيضاً على الحقيقة وقالوا: إن الحقيقة حقيقة شرعية وحقيقة عرفية، فالحقيقة الشرعية كالصلاة، فالصلاة حقيقة لهذه العبادة التي فيها ركوع وسجود، ولكن أصلها في اللغة الدعاء {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103] أي: ادعُ لهم، فإذا حلف مثلاً: لا أصلي في هذا المسجد هذا اليوم، ثم دخل ودعا فيه، لا يحنث لأنه أراد بالصلاة الصلاة الشرعية.

تعريف النذر وحكمه

تعريف النذر وحكمه الفصل الذي بعده يتعلق بالنذر، وتوسع في النذر أكثر من غيره، والنذر هو أن يلزم الإنسان نفسه ما ليس بواجب في أصل الشرع، كأن يقول مثلاً: لله علي أن أصوم في هذا الشهر خمسة أيام، فهذا يسمى نذراً. وأما إذا قال: لله علي أن أصلي في هذا اليوم خمس صلوات ظهراً وعصراً ومغرباً وعشاء وفجراً، فلا يسمى هذا نذراً؛ لأن الله قد أوجبها ولم يوجبها الإنسان على نفسه، فالنذر هو الذي يوجبه الإنسان على نفسه، فمثلاً إذا قال: والله لأخرجن زكاتي هذا العام فلا يسمى هذا نذراً؛ لأن زكاته واجبة عليه، أما إذا قال: والله لأتصدقن في هذا الشهر بألف من غير الزكاة، فهذا نذر؛ لأنه زائد عن الزكاة. النذر مكروه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) ، يعني: أن النذر لا يغير شيئاً من الحقائق، ولا يغير شيئاً من قدر الله، خلافاً لما يعتقده بعض العامة من أن النذر يصير سبباً في إجابة الدعاء، أو سبباً في شفاء المريض، أو سبباً في كثرة الرزق، أو سبباً في حصول الخير؛ فيعقد نذوراً، فيقول مثلاً: لله علي إن نجحت في الاختبار أن أتصدق بمائة، ويظن أن الله لا ينجحه إلا إذا تصدق. أو يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أذبح شاة وأن أتصدق بلحمها، ويظن أن الله لا يشفي مريضه إلا إذا نذر أن يتصدق، أو يقول مثلاً: لله عليَّ إن ربحت في هذه التجارة أن أتصدق بنصف الربح، ويظن أن الله لا يربح تجارته إلا إذا كان سيتصدق، وهذا خطأ؛ لأن الله تعالى قدر المقادير، وإذا أردت أن تتصدق بنصف الربح أو بربعه أو أن تذبح هذه الشاة فافعل ذلك من دون أن تلزم نفسك، ومن دون أن تعلق بهذا الأمر المستقبل، فإنه لا يأتي بخير، ولا يقدر شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل، كأن هذا البخيل لم يكن ليتصدق إلا إذا نجح أو إذا ربح أو إذا شفي أو ما أشبه ذلك.

أنواع النذر

أنواع النذر النذر المنعقد ستة أنواع: الأول: النذر المطلق الذي لم يعلق، كأن يقول: لله علي نذر إن فعلت كذا. وليس له نية، فهذا كفارته كفارة يمين إن فعله، فلو قال: لله علي نذر إن ضربت فلاناً أو إن اغتبت فلاناً، فعليه كفارة يمين إن فعله، أو: لله علي نذر إن سافرت في هذا اليوم أو إن ركبت هذه السيارة، ولم يذكر مقدار النذر، فهذا نذر مطلق، فعليه كفارة يمين إذا فعله. الثاني: نذر لجاج وغضب، وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه، كأن يقول: إن كلمتك فعلي كذا، فيخير بين فعله وكفارة يمين، هذا نذر اللجاج والغضب، لأنه يصير بين اثنين عند الغضب والخصومات ورفع الأصوات، فيقول أحدهما: إن كلمتك فأنا يهودي، أو إن كلمتك أقتل ولدي أو أخرج من مالي، أو أخرج نصف مالي. يكون هذا بسبب الغضب. أو يعقد فعلاً كأن يقول مثلاً: إن لم أقتل شاتك فأنا ابن زنا، أو أنا لست بمسلم أو ما أشبه ذلك، يسمى هذا نذر اللجاج والغضب، ففيه الكفارة إلا إن فعله. واختلف فيما إذا قصد فعلاً كبيراً كأن يقول مثلاً: إن لم أضرب ولد فلان فعلي صيام شهرين أو صيام سنة، ولم يقصد إلا أن يلزم نفسه، والصحيح أن عليه كفارة يمين إلا إذا وفى بنذره. هذا نذر لجاج وغضب، يعلقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه، فالمنع منه كأن يقول مثلاً: إن أكرمت فلاناً، أو إن أدخلته بيتي، أوإن زرته في بيته؛ فعلي أن أخرج من مالي أو أن أصوم سنة، أو أن أحج ماشياً، ويقصد بذلك منع نفسه، ولا يقصد التصدق بماله كله، ففي هذه الحال متى ما حنث فعليه كفارة يمين. والحمل عليه كأن يقول: إن لم أضرب فلاناً أو لم أضرب ولده، أو إن لم أذبح بعيره أو أعقر فرسه فعلي صيام شهر أو شهرين أو أن أخرج من مالي، أو يقول: أنا لست ابن أبي أو ما أشبه ذلك، كل هذا فيه كفارة يمين. القسم الثالث: النذر المباح، إذا قال: لله علي أن ألبس ثوباً من كذا أو نحو ذلك، فهذا مباح، وإن لم يفعله فعليه كفارة، ويخير بين فعله وبين الكفارة. إذا قال مثلاً: لله علي ألا ألبس ثوباً إلا ثوباً جديداً، أو ألا ألبس ثوباً بأقل من مائة أو بأقل من مائتين، لله علي ألا ألبس حذاء إلا من خرازة فلان، أو إلا ما قيمته مائة أو مائتان، لله علي ألا آكل إلا لحم سمك من نوع كذا وكذا، أو ألا آكل إلا من لحم الدجاج الذي نوعه كذا وكذا، أو لله علي ألا آكل إلا خبزاً مرققاً وما أشبه ذلك، فهذا نذر مباح، إذا لم يفعله فعليه الكفارة، وإن فعله بر في نذره. الرابع: النذر المكروه كالطلاق ونحوه، فالتكفير فيه أولى، فإذا قال: لله علي ألا أكلم فلاناً، الأولى له أن يكلمه ويكفر، وإذا قال: لله علي ألا أكرم فلاناً، فالأولى أن يكرمه ويكفر، فإن إكرامه خير، وكذلك لو قيل له: إن فلاناً اغتابك، فقال: لله علي أن أغتابه كما اغتابني، فعليه أن يكفر ولا يغتابه، وكذلك كل فعل فيه إسراف أو إفساد فلو قال: لله علي ألا ألبس ثوباً إلا بمائتين أو بخمسمائة، ففي هذا شيء من الإسراف وهو مكروه، أو أن يفعل شيئاً مكروهاً كغيبة أو نميمة فيترك ذلك ويكفر عن يمينه، أو كذلك: لله علي أن أطلق امرأتي في هذا الشهر، فعليه أن يكفر ولا يطلق. الخامس: نذر المعصية، وفعله محرم، وعليه كفارة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين) فإذا نذر وقال: الله علي أن أشرب الخمر في هذا الشهر أو في هذا اليوم، أو أن أزني بفلانة، أو أن ألوط بفلان، هذا محرم، أو علي أن أشتري في هذا الأسبوع أشرطة الغناء أو أفلام الصور. فلا يجوز له الوفاء، بل يجب عليه الكفارة. السادس: نذر التبرر، يعني: نذر فعل فيه طاعة وبر، ولا شك أن البر مأمور به، قال صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) فكما أن نذر المعصية يحرم الوفاء به، فنذر الطاعة يجب الوفاء به، وقد مر في كتاب التوحيد باب: من الشرك النذر لغير الله، وسبب ذلك أن المشركين والقبوريين ينذرون للأموات وللسادة، ويرجون بالنذر لهم حصول خير، فيقول أحدهم: إن شفيت من هذا المرض فعلي أن أسرج قبر السيد الفلاني أسبوعاً أو يومين، فيجعل عليه سراجاً طوال الليل، أو يقول: إن ربحت في هذه التجارة فعلي أن أذبح شاة عند قبر السيد البدوي مثلاً، أو إن ولد لي ذكر فعلي أن أهريق على قبر السيد فلان زيتاً أو سمناً تكريماً للسيد، فهذا نذر معصية، والدليل على أنه نذر معصية ما جاء في هذا الحديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ، وهذا تعظيم لهذا القبر ولهذا الميت، والتعظيم لا يصلح إلا لله، ففي هذه الحال يكفر عن نذره، ولا يفعل هذا الشيء الذي هو من الشرك. وكذلك إذا نذر الاعتكاف عنده، فإذا قال: إن شفيت من هذا المرض أو شفي ابني، أو قدم غائبي أو ربحت تجارتي؛ فعلي أن أعتكف عند قبر فلان يومين أو ثلاثة أو أن أصلي عند قبره صلاتين أو ثلاث صلوات، أو أقرأ عند قبره جزءاً أو جزئين، فهذا يعتبر شركاً؛ لأنه تعظيم لهذا الميت، والميت لا يجوز تعظيمه التعظيم الذي لا يصلح إلا لله، والاعتكاف عبادة لله، فإذا نذر الإنسان أن يعتكف لله لزمه الوفاء؛ لأنه نذر طاعة، وقد ثبت في الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: أوفِ بنذرك) ، فمن نذر نذر تبرر كصلاة وصيام واعتكاف لقصد التقرب مطلقاً أو معلقاً بشرط فإن عليه الوفاء بذلك. المطلق: مثاله أن يقول: لله علي أن أصوم في هذا الشهر ثلاثة أيام، أو لله علي أن أصوم في هذه السنة من كل شهر ثلاثة أيام، أو لله علي أن أتصدق في هذا الشهر بمائة ريال أو في هذا الأسبوع بخمسين ريالاً، أو كل يوم من هذا الأسبوع بخمسة ريالات، أو لله علي أن أصلي في هذه الليلة عشر ركعات، هذا نذر عبادة مطلق، فيجب عليه أن يوفي به؛ لهذا الحديث. أما إذا كان معلقاً بشرط فلا يلزمه الوفاء إلا إذا وجد الشرط، كأن يقول: لله عليَّ إن شفى الله مريضي أن أتصدق بمائة، أما إذا قال: فلله علي أن أذبح شاة عند القبر الفلاني، فلا يجوز الوفاء به وعليه كفارة يمين. علق النذر على شفاء المريض: إن شفى الله مريضي، أو إن قدم غائبي، أو إن ربحت في تجارتي، أو إن سلمت من كيد فلان، فلله علي أن أصوم كذا، أو أن أتصدق بكذا، أو أعتكف كذا، أو أقرأ كذا أو ما أشبه ذلك، فإن كان النذر فيه شيء من الضرر فلا يوفي به، بسبب ذلك الضرر. وقد جاء في قصة أبي إسرائيل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه قائماً في الشمس فسأل عنه، فقالوا: إنه نذر ألا يقعد ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال للناس: مروه أن يتكلم، وأن يجلس، وأن يستظل، ويتم صومه) لأن هذا تعذيب للنفس، والاستظلال فيه راحة للنفس، وكونه يقف في الشمس ولا يقعد فيه تعذيب للنفس. وكذلك أخت عقبة نذرت أن تحج من المدينة إلى مكة ماشية حافية على قدميها غير منتعلة، فكونها تمشي عشرة أيام على قدميها حافية فيه مشقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأخيها: (إن الله لا يفعل بتعذيب أختك نفسها شيئاً -يعني: أن الله غني عن تعذيبها نفسها- مرها أن تمشي وتركب) أي: تركب إذا تعبت، وتمشي إذا قدرت، ولو ركبت المسافة كلها ما كان عليها إلا كفارة يمين فالحاصل أن نذر التبرر كأن يقول: لله علي أن أصلي في هذه الليلة عشر ركعات، أو أن أصوم في هذا الشهر ثلاثة أيام، أو أن أعتكف في هذا الشهر ثلاثة أيام بقصد التقرب؛ فعليه الوفاء، أو يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بكذا، أو إن ربحت تجارتي، أو إن نجح أولادي، أو إن قدم غائبي فلله علي أن أتصدق بكذا أو أن أصوم كذا، فإن هذا نذر طاعة.

من نذر الصدقة بكل ماله أجزأه ثلثه

من نذر الصدقة بكل ماله أجزأه ثلثه وقوله: (ومن نذر الصدقة بكل ماله أجزأه ثلثه) وذلك لقصة سعد لما قال: (أأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قال: فالشطر؟ قال: لا، قال: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير) ، فإذا نذر أن يتصدق بجميع ماله كفاه الثلث وليس عليه كفارة. ودليل ذلك أيضاً قصة كعب لما قال: إن من توبتي أن أنخلع من جميع مالي -يعني: أخرج منه- فقال له: (لا تفعل) فقال: إني إمسك سهمي الذي في خيبر، فهذا يدل على أنه يجوز أن يمسك بعضه ولو أنه نذر أن يتصدق به كله. ومن نذر أن يصوم شهراً فقال: لله علي أن أصوم في هذه السنة شهراً، فكيف يصوم؟ يصوم شهراً هلالياً من الهلال إلى الهلال حتى ولو كان ذلك الشهر تسعة وعشرين يوماً، فلابد من التتابع، أما لو قال: لله علي أن أصوم ثلاثين يوماً، ففي هذه الحال يجوز له أن يفرق فيحسب ثلاثين يوماً ولو أن يصوم يوماً بعد يوم.

الوفاء بالوعد

الوفاء بالوعد يقول: (وسن الوفاء بالوعد) إذا وعد الإنسان فإنه يتأكد في حقه الوفاء بوعده، والوفاء بالوعد من صفات المؤمنين، وخلف الوعد من صفات المنافقين، ويحرم الخلف بالوعد بلا استثناء، أما إذا قال: سآتيك إن شاء الله، ثم لم يأته فلا يأثم أو قال: سأوفيك إن شاء الله ولم يوفه فلا يأثم، بخلاف ما إذا جزم فقال: لأوفينك أو لآتينك في هذا اليوم فلم يأته فإنه يأثم، والله أعلم.

شرح أخصر المختصرات [84]

شرح أخصر المختصرات [84] لقد جبل ابن آدم على حب الأثرة، وفطرت النفوس على الحرص، وهذا قد يدفع إلى ظلم الآخرين والتعدي على حقوقهم بغياً وعدواناً، ولذا كان الناس بحاجة ماسة إلى قاضٍ يؤدي الحقوق إلى أهلها. وقد اهتم العلماء ببيان ما يجب على القاضي وما يحرم، وبيان كيفية القضاء وآدابه وأحكامه، وكذلك بينوا شروط الدعوى وآدابها وأحكامها.

القضاء

القضاء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب القضاء: وهو فرض كفايةٍ كالإمامة، فينصب الإمام بكل إقليمٍ قاضيًا، ويختار أفضل من يجد علمًا وورعًا، ويأمره بالتقوى وتحري العدل، وتفيد ولاية حكمٍ عامة فصل الخصومات، وأخذ الحق ودفعه إلى ربه، والنظر في مال يتيمٍ ومجنونٍ وسفيهٍ وغائبٍ، ووقف عمله ليجري على شرطه وغير ذلك. ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل، وخاصاً في أحدهما أو فيهما. وشرط كون قاضٍ بالغًا، عاقلًا، ذكرًا، حراً، مسلمًا، عدلًا، سميعًا، بصيرًا، متكلمًا، مجتهدًا ولو في مذهب إمامه. وإن حكم اثنان بينهما رجلاً يصلح للقضاء نفذ حكمه في كل ما ينفذ فيه حكم من ولاه إمام أو نائبه. وسن كونه قوياً بلا عنف، ليناً بلا ضعف، حليماً متأنياً، فطناً عفيفاً، وعليه العدل بين المتحاكمين في لفظه ولحظه، ومجلسه ودخول عليه. وحرم القضاء وهو غضبان كثيرًا، أو حاقنٌ، أو في شدة جوعٍ أو عطشٍ، أو همٍّ، أو مللٍ، أو كسلٍ، أو نعاسٍ، أو بردٍ مؤلمٍ، أو حرٍ مزعج، وقبول رشوةٍ وهديةٍ من غير من كان يهاديه قبل ولايته، ولا حكومة له. ولا ينفذ حكمه على عدوه، ولا لنفسه، ولا لمن لا تقبل شهادته له. ومن استعداه على خصمٍ في البلد بما تتبعه الهمة لزمه إحضاره، إلا غير برزةٍ فتوكّل كمريضٍ ونحوه، وإن وجبت يمينٌ أرسل من يحلفها. فصل: وشرط كون مدعٍ ومنكرٍ جائزي التصرف، وتحرير الدعوى، وعلم مدعًى به إلا فيما نصححه مجهولًا كوصيةٍ. فإن ادعى عقدًا ذكر شروطه، أو إرثًا ذكر سببه، أو محلى بأحد النقدين قومه بالآخر، أو بهما فبأيهما شاء. وإذا حررها، فإن أقر الخصم حكم عليه بسؤال مدعٍ، وإن أنكر ولا بينة فقوله بيمينه، فإن نكل حكم عليه بسؤال مدعٍ في مالٍ وما يقصد به. ويستحلف في كل حق آدمي سوى نكاحٍ ورجعةٍ ونسبٍ ونحوها، لا في حق الله كحد وعبادةٍ. واليمين المشروعة لا تنعقد بالله وحده أو بصفته. ويحكم بالبينة بعد التحليف. وشرط في بينة عدالةٌ ظاهرًا، وفي غير [عقد] نكاحٍ باطنًا أيضًا. وفي مزك معرفة جرحٍ وتعديلٍ، ومعرفة حاكم خبرته الباطنة، وتقدم بينة جرح. فمتى جهل حاكم حال بينة طلب التزكية مطلقاً، ولا يقبل فيها وفي جرح ونحوهما إلا رجلان، ومن ادعى على غائب مسافة قصر، أو مستتر في البلد، أو ميت، أو غير مكلف وله بينة سمعت وحكم بها في غير حق الله تعالى، ولا تسمع على غيرهم حتى يحضر أو يمتنع، ولو رفع إليه حكم لا يلزمه نقضه لينفذه لزمه تنفيذه، ويقبل كتاب قاض إلى قاض في كل حق آدمي، وفيما حكم به لينفذه، لا فيما ثبت عنده ليحكم به إلا في مسافة قصر] .

أهمية القضاء

أهمية القضاء ذكر الفقهاء القضاء في آخر كتاب الفقه، وذكروا الشهادة والإقرار؛ لأنها التي يعتمد عليها القاضي؛ ولأن الغالب أن الإنسان إذا تمت عليه النعمة، بأن حصل على المال، وحصل على النكاح، فلا يؤمن أن يتعدى على غيره، وأن يغلبه الطمع في حق الغائب؛ ولذا تكثر الخصومات والمرافعات، فتجد عند القضاة عدة قضايا؛ وذلك من آثار الاعتداء، ومن آثار الطمع، ومن آثار الظلم، ولو أن كلاً اقتصر على حقه لاستراح القضاة ونحوهم، وهكذا لو أن الإنسان تورع عن الشيء المشتبه وتركه ولم يطالب به عندما يكون الحق الذي يدعيه ليس شيئاً واضحاً؛ إذاً لقلت الخصومات ولقلت القضايا. ولما كانت الخصومات واقعية، وكانت المرافعات والمنازعات منتشرة في كل البلاد غالباً، وكان هناك اعتداءات ومظالم وأخذ للحقوق بغير حق؛ احتيج إلى نصب القضاة ليحكموا بين الناس. وقد كان من الأنبياء قضاة، مثل: داود، قال الله تعالى في سورة ص: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26] (بين الناس بالحق) يعني: عندما يتخاصمون، جعله الله خليفة في الأرض وأمره أن يحكم بين الناس. وكذلك أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالحكم حتى بين اليهود، وخيره في ذلك القضاء: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42] ثم قال: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} [المائدة:49] فأمره الله أن يحكم بينهم بالعدل أي: بالقسط، وأمر الله الحكام عموماً بالعدل في قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58] وفي سورة النحل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل:90] أي: بالمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه وأخذ المظلمة من الظالم، والانتصار للمظلوم ونصره على من ظلمه. ونصر الظالم بنصيحته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تمنعه وتحجزه عن الظلم، فذلك نصرك إياه) أي: تأخذ على يديه وتمنعه من أن يأخذ ما لا يستحقه، وتمنعه من الاعتداء عليه، وتخبره بأن ما أخذه من حق مسلم وهو لا يستحقه فإنه يؤخذ من حسناته يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن المظالم حتى ينتصر للشاة الجماء من الشاة القرناء) ، تؤدى المظالم حتى أن الشاة من الغنم إذا كانت جماء ليس لها قرون، ونطحتها التي لها قرون؛ فلابد أن الله تعالى يأخذ حق هذه من هذه، وإذا كان هذا بين البهائم مع أنها لا تكليف عليها، فبطريق الأولى الإنسان المكلف الذي هو بالغ وعاقل، ومع ذلك من الناس من يأخذ حق غيره فيعتدي على ما ليس له ويظلم الناس؛ ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى:42] السبيل، يعني: الحجة عليهم، فمنهم من يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، والذي يحملهم على هذا البغي ضعف إيمانهم؛ ولو كانوا مؤمنين حقاً لحجزهم إيمانهم عن الاعتداء على حق مسلم بغير حق، وقد يحملهم على البغي السرف وحب المال والطمع في الاستكثار، ولا شك أن هذا مما يحمل كثيراً من الناس على أن يعتدي على حق أخيه فيأخذه بغير حق، فيكون بذلك ظالماً ومسيئاً في أخذ ما لا يستحقه.

الورع عن حقوق الناس

الورع عن حقوق الناس ومما يحمل على البغي قلة الورع، والورع: هو التوقف عن الشيء المشتبه، وقد كان السلف رحمهم الله يحملهم الورع والخوف على ترك الاعتداء وترك الشيء المشتبه، بل إذا كان هناك شيء مشتبه يخشون أن فيه حراماً أو أنه قريب من الحرام تركوه كله، وقد كتب الإمام أحمد رحمه الله رسالة صغيرة مطبوعة، إذا قرأتها تعرف ما كان عليه الإمام أحمد وغيره من أهل زمانه من شدة التورع عن أخذ ما ليس بحق له. فإذا عرف الإنسان أن هذا حق مسلم، فعليه أن يتجنبه، ولا يأخذ ما لا يستحقه ظلماً، فإنه ولابد سينتقم منه وسيؤخذ منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من يأتي يوم القيامة بأعمال كثيرة ويأتي وقد ظلم هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئات المظلومين فطرحت عليه، ثم قذف في النار) . لابد أن يؤخذ للمظلوم من الظالم حتى ولو دخل الجنة، وقد ورد في الحديث: (إنهم إذا نزلوا من الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض في مظالم كانت بينهم، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة) أي: لا يدخلون الجنة وبينهم أحقاد، وبينهم مظالم، وبينهم شحناء وعداوات، بل يدخلون الجنة بعدما تصفى قلوبهم، قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] أي: ما كان بينهم في الدنيا من الأحقاد، لا يدخلون الجنة إلا وقد صفت منها قلوبهم، وسلموا من الظلم. ولذلك نقول: إن على المسلم أن يتورع عن حق إخوانه، فإن الاعتداء عليهم حرام، وفي خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) أي: محرم بعضكم على بعض أن يعتدي أحد على أحد، وفي حديث آخر قال: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه) ، ولكن هناك من لا يبالي في الاعتداء على حق أخيه، فيضربه بغير حق، أو يقتله ظلماً، أو ينتهبه، أو يختلس منه، أو يستولي على شيء من حقه فيأخذه ظلماً وعدواناً، وهذا بلا شك من الظلم، وإذا كان كذلك فلابد أن يؤديه في الدنيا، فإن لم يؤده طوعاً أداه كرهاً وذلك إذا حكم عليه الحاكم بأنه ظالم، وأن عنده من الحقوق لإخوانه كذا وكذا، فيحكم عليه بدفع تلك المظلمة وإعطائها لمستحقها كرهاً ولو بحبس أو بجلد حتى يؤدي الحقوق لمستحقيها؛ ولهذا نصب القضاة والحكام ونحوهم.

حكم تنصيب القضاة وصفاتهم

حكم تنصيب القضاة وصفاتهم نصب القضاة فرض كفاية، أي: يكفي في البلد قاض واحد إذا كان يقوم بفصل الخصومات، وإن عجز ضم إليه ثانياً وربما ثالثاً أو أكثر من ذلك ولو عشرة أو عشرين إذا كانت البلد مترامية الأطراف. وهكذا أيضاً إذا كثرت الخصومات وكثرت المنازعات، فإن على ولي الأمر أن ينصب في كل قطر قاضياً، وهذا فرض كفاية كالإمامة التي هي الخلافة، فنصب ملك يتولى أمور المسلمين من أمور الكفاية، والإمام الذي هو الملك مسئول عن نصب القضاة، فعليه أن ينصب في كل إقليم قاضياً، أي: في كل قطر وفي كل جهة ينصب قاضياً إذا كان كافياً، فإن لم يكف زيد بقدر الكفاية. (ويختار أفضل من يجد علماً وورعاً) : وذلك لأن القاضي يتولى أمور الناس ويسمع أقوالهم، فلابد أن يكون عالماً، أما إذا كان جاهلاً فإنه لا يعرف الحكم، ولا يدري ما يحكم به، فيكون بذلك غير قائم بما أوجب الله، والعالم هو: العالم بكتاب الله تعالى وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وبالأحكام وبالآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في أمور القضاء وما إلى ذلك. وكذلك يتصف بالورع، فيكون تاركاً للمشتبهات، بحيث إنه يتورع عن أن يظلم أحداً، وإذا لم يكن ورعاً خشي أن يميل مع هذا لصداقته، ومع هذا لقرابته، ومع هذا لمعاملته، فيظلم الناس بغير موجب، ويظلم الناس للناس، يعني: يظلم هذا لأجل هذا ولا مصلحة له هو إذا لم يكن ورعاً، فلابد أن يكون من أهل الورع حتى يحمله ورعه على أن يحكم بالعدل. (ويوصيه الوالي بالتقوى وتحري العدل) ، والتقوى كلمة جامعة يدخل فيها فعل الأوامر وترك الزواجر، فعل الخيرات وترك المنكرات، وهي مشتقة من التوقي، وهو أن يجعل بينه وبين الحرام وقاية، فيقول: عليك بتقوى الله، أي: الخوف منه ومن عقوبته، ويقول أيضاً كما في الحديث: (اتق دعوة المظلوم) ، هكذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً، يعني: توقها فلا تظلم أحداً لنفسك ولا لغيرك، قاله لـ معاذ عندما أرسله إلى اليمن داعياً وجابياً وقاضياً وهادياً، أرسله بأربع وظائف، فأرسله للدعوة إلى الله، فقال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله) ، وأرسله جابياً الزكاة أي: جامعاً للزكوات ونحوها قال له: (إياك وكرائم أموالهم) ، وأرسله قاضياً وسأله: (كيف تقضي؟ قال: بكتاب الله) إلى آخره، وأرسله هادياً يعني: معلماً؛ وذلك لأنه من أعلم الصحابة، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل) ، فلذلك أوصاه بالتقوى. وكذلك يوصي الوالي القاضي أن يعدل بين الخصوم، ولا يظلم أحداً، قال الله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58] .

الولاية العامة والخاصة للقاضي

الولاية العامة والخاصة للقاضي يقول: (تفيد ولاية حكم العامة فصل الحكومة وأخذ الحق ودفعه إلى ربه، والنظر في مال يتيم ومجنون وسفيه وغائب، ووقف عمله ليجري على شرطه وغير ذلك) . الولاية إما أن تكون عامة وإما أن تكون خاصة، والولاية العامة كأن يقول: وليتك الولاية الفلانية ولاية عامة، بحيث أنه يوليه جميع أعمالها، والولاية الخاصة كأن يقول: وليتك فصل الخصومات، أو يقول: وليتك أخذ الحقوق من بعضهم لبعض، أو يقول: وليتك ولاية الأموال التي ليس لها مالك أو ما أشبه ذلك، فهذه تكون ولاية خاصة. وفي هذه الأزمنة الغالب أن هناك ولايات خاصة حيث إن الحكومة تجعل لكل عمل والياً، فالقاضي يتولى فصل الخصومات، يقول: عندك يا هذا كذا، وعليك يا هذا كذا، والأمير يتولى التنفيذ، فيقول: يا فلان! سلم، ويا فلان خذ حقك، فيلزم هذا بأخذ وهذا بدفع، وهذا الذي يسمى منفذاً، وهناك ولايات أخرى، فمثلاً: الأوقاف لها ولاية، وهي الجهة التي تتولى الأوقاف، وتنفذ شروط الواقفين، وهناك ولاة يتولون على الأموال التي ليس لها مالك أو أموال السفهاء ينظرون فيها ويحفظونها، هذا إذا كان هناك عدة ولايات. وإذا لم يتمكن الإمام أن يجعل لكل جهة والياً فإنه يولي القاضي ولاية عامة، فيقول: عليك أيها القاضي فصل الخصومات وعليك بعد ذلك التنفيذ، ألزم هذا بأن يدفع ما عنده حتى يأخذ الحق صاحبه ومستحقه، ولك أن تنظر في أموال القاصرين في هذه البلد من مجانين ويتامى وسفهاء وأموال غاب أهلها، فلا تترك هذه الأموال فيعبث بها السفهاء فتضيع وتفسد. والذي يتولى النظر فيها القاضي، وله أن يوكل، فيقول: وكلت فلاناً على مال اليتيم الفلاني، وأنت على مال السفيه، وأنت على مال الغائب احفظ مال هذا الغائب كما تحفظ مالك، واتجر فيه كما تتجر في مالك؛ لأن القاضي قد يقول: أنا منشغل والأعمال كثيرة، فكيف أتولى هذا بنفسي؟! فيوكل من يراه كفؤاً يقوم مقامه ولو لم يأمره الإمام الذي هو الخليفة، لأجل ألا تضيع الأموال. كذلك إذا كان في البلد أوقاف مثل عقارات أو نخيل، أو بهائم موقوفة كخيل أو نحوها، من الذي يتولى النظر فيها؟ القاضي، لكن إذا جعل هناك -كما في هذه المملكة- من يتولاها كوزارة الأوقاف أو نحوها فإنهم يتولونها ولا يلزم القاضي أن ينظر فيها؛ لأن الأوقاف قد يشرط أصحابها شروطاً، فيقولون مثلاً إذا كانت الأوقاف كتباً: لا تمنع ممن يستفيد، والوكيل عليها فلان، وبعده فلان، وبعده الصالح من الذرية، وهكذا أيضاً إذا كان الوقف عقاراً، أو شجراً، أو دواب، كل ذلك في حاجة إلى أن يتولاه من يقيمة ومن ينظر فيه. (ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل وخاصاً في أحدهما أو خاصاً فيهما) : مثال عموم النظر في عموم العمل أن يقول الملك لإنسان: وليتك عموم النظر في عموم عملي، أي: ما تحت ولايتي، ولو اتسعت الولاية فله أن يقول: هذه المملكة الواسعة، وقد وليتك عموم النظر، فلك أن تفصل، ولك أن توظف، ولك أن توقف، ولك أن تنفذ، ولك أن تعمر، ولك أن تنقل، لك عموم النظر، فهذا الذي ولاه عموم النظر له أن يوظف من يراه صالحاً، وله أن يعزل من يريد عن قضاء، أو عن إمامة، أو عن خطابة، أو عن تدريس، أو عن وعظ ودعوة، أو ما أشبه ذلك من العمل في جميع المملكة، هذا عموم النظر في عموم العمل، فيقول: وليتك عموم النظر في منطقة الأحساء، فهذا الذي ولاه عموم النظر له في هذه المنطقة أن يوظف وأن يعزل، وأن يغير، وأن ينقل، وأن يعمر مساجد، ويعمر مدراس، فيعين فيها من يريد في هذه المنطقة وحدها، وكذلك له أن يغير بعض الأشياء التي تحتاج إلى تغيير، فإذا كان هناك أوقاف تعطلت فله أن يبيعها وينقلها إلى جهة أخرى، وله أن يقضي، وله أن ينقل، وله أن يعلم، وله أن يوكل من يعلم، يعني: عموم النظر في هذه المنطقة في خاص دون العمل. وله أن يوليه عموم العمل في خاص منهما، بأن يقول: وليتك القضاء في جميع المملكة، هذا خاص في عمل عام، عرفنا أن العمل هو المملكة، وأن النظر هو جهة من جهاتها، فقال: وليتك جميع المملكة في النظر في القضاة، أو النظر في الأئمة، أو النظر في الخطباء، أو النظر في المعلمين، أو النظر في الدعاة، في خصوص النظر في عموم العمل، ففي هذه الحال يتصرف فيما حدد له، هذا معنى: خاص بأحدهما، ومثال الخاص مثلاً: إذا قال: لك النظر في القضاة في منطقة القصيم، فهذا خاص في خاص، أما عام في عام: لك النظر في المملكة كلها في جميع ما تأمر به، هذا عام في عام، أما إذا كان نظراً في عموم، فمثل ما ذكرنا، وهو: النظر في المملكة في جميع الأحوال، وأما نظر في خاص، أي: في منطقة، وأما خاص في عام، مثل أن يقول: لك النظر في هذه المنطقة في جميع ما تأمر به. فالحاصل: أنه يجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل أو خاصاً في أحدهما أو فيهما.

شروط القاضي

شروط القاضي قال رحمه الله: (يشترط كون القاضي بالغاً عاقلاً ذكراً حراً مسلماً عدلاً سميعاً بصيراً متكلماً مجتهداً ولو في مذهب إمامه) . يعني: أنه إذا كان صغيراً دون البلوغ فإنه قد ينخدع؛ وذلك لأنه لم يتكامل عقله، ولم تتكامل معرفته، فلابد أن يكون قد بلغ، ويجوز إذا كان قد بلغ، وذكروا أن معاذاً ولاه النبي صلى الله عليه وسلم اليمن وعمره نحو العشرين أو ثمانية عشر، وكذلك كثير من الذين تولوا في عهد الصحابة وغيرهم تولوا القضاء وهم صغار؛ وذلك لأن الذي ولاهم عرف فيهم الكفاءة فولاهم وقاموا بالعمل كما ينبغي. الشرط الثاني: أن يكون عاقلاً، وضده المجنون، فاقد العقل، فكيف يعرف أن يتصرف؟ وكيف يعرف ما يحكم به؟ الشرط الثالث: الذكورية، لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فارس ولوا ابنة ملكهم، فقال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) المرأة كما ورد في الحديث ناقصة عقل ودين، فلا تتولى مثل هذا، وأيضاً فإن المرأة وظيفتها الاستحياء والاحتشام والتستر، والقاضي يلزمه أن يكون بارزاً للناس، يتوافد إليه الخصوم، فيجلسون إليه ويدلون بحججهم، فلا يكون القاضي امرأة؛ لأنه يلزم من ذلك أن تبرز للناس وذلك ينافي أنوثتها. الشرط الرابع: الحرية؛ لأن المملوك مستولى عليه، بمعنى: أنه مملوك لسيده ومنافعه له، فلا يمكن أن يتولى، لكن لو أذن له سيده وكان كفؤاً عالماً عاقلاً بالغاً مسلماً عدلاً، وفرغه للقضاء، وكان أهلاً؛ فإنه يصلح، وتكون أجرته ومرتبه لسيده. الشرط الخامس: الإسلام، فلا يجوز أن يولى القضاء كافراً ولو كان عالماً عارفاً بالأحكام؛ لأنه يحكم للمسلمين، حتى وإن كان قد يحكم لغيرهم إذا كانوا معهم، فلا يكون إلا من المسلمين. الشرط السادس: العدالة، أن يكون عدلاً، يخرج بهذا المتظاهر بالمعصية، فإنه لا يصلح أن يتولى القضاء أياً كانت تلك المعصية، سواء كان يشرب الخمر، أو يشرب الدخان، أو يحلق لحيته، أو يسمع الغناء، أو يترك الصلاة، أو يتأخر عن صلاة الجماعة، أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضاً إذا كان يتعامل بالربا، أو يأخذ الرشوة، فكل ذلك يقدح في عدالته، فلا يجوز أن يتولى مثل هذا قضاء المسلمين. الشرط السابع: أن يكون سميعاً، فالأصم لا يدري ما الناس يقولون؛ وذلك لأنه لابد أن يسمع كلام هذا الخصم ثم كلام الخصم الثاني، فإذا كان أصم فكيف يسمع؟ الشرط الثامن: البصر، حتى يعرف سيما هذا وسيما هذا؛ لأنه إذا كان ضريراً لبس عليه، وقد يأتيه إنسان على أنه فلان وليس هو، والصحيح: أنه يجوز أن يكون القاضي ضريراً؛ لأن العادة أن الضرير يكون معه فطنة وفهم ومعرفة بأصوات الناس، فهو يميز بين الصادق والكاذب، وكذلك يعرف الأصوات ويميز بين صوت فلان وفلان. الشرط التاسع: أن يكون متكلماً، فلا يصح أن يكون أخرس لا ينطق، كيف يعرف الناس حكمه إذا كان أخرس؟ ليس كل الناس يعرف إشارات الأخرس، إذا أشار بكذا وبكذا بأصابعه لم يفهمه كل أحد، إذاً: لابد أن يكون متكلماً. الشرط العاشر والأخير: أن يكون مجتهداً ولو في مذهب إمامه. الاجتهاد قسمان: اجتهاد مطلق، واجتهاد مقيد، فالاجتهاد المطلق هو الذي يقدر أن يعرف الحكم الذي هو الصواب بدليله، فيستطيع أن يعرف الأدلة ويستخرجها من أصولها، وذكر المتأخرون أن الاجتهاد المطلق قد انقطع بعد انتهاء عصر الأئمة الأربعة، وأن من بعدهم لابد أن يرجع إلى أقوالهم، ولكن الصحيح أنه لم ينقطع، وأن الإنسان إذا أعطاه الله قدرة وملكة فإن له أن يجتهد، ويأخذ القول الصواب سواء كان عند هذا الإمام أو عند هذا، وقد ذكروا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان مجتهداً؛ ولذلك خالف الأئمة الأربعة في عدة مسائل، مما يدل على أن الله أعطاه ملكة يقدر بها على معرفة الصواب ولو خالفه من خالفه. وكذلك في عهد السيوطي في القرن التاسع وأول القرن العاشر ادعى أنه بلغ رتبة الاجتهاد المطلق، ولما ادعى ذلك أنكر عليه أهل زمانه، وأشد من أنكر عليه السخاوي، وقالوا: كيف تدعي الاجتهاد والاجتهاد قد انقطع؟ ولكن مؤلفاته فيها شيء كثير من الاختيارات، والغالب أنه لم يأخذ كل شيء عن مذهب الشافعي؛ لأنه شافعي المذهب، فهذا هو الاجتهاد المطلق. وأما الاجتهاد المقيد فهو: أن يجتهد في مذهب الإمام الذي يقلده، إذا كان في المذهب عدة روايات كمذهب الإمام أحمد، ففي مذهب الإمام أحمد روايتان وثلاث روايات وأربع روايات، ففي هذه الحال إذا كان مجتهداً مقيداً فمعناه أنه يعرف الراجح من هذه الروايات، إذا نزلت به نازلة يستطيع أن يخرج دليلها وأن يخرج القول فيها من كتب العلماء الذي هو تبع لهم، من كتب الحنابلة إن كان حنبلياً، أو من كتب الشافعية إن كان شافعياً، يستطيع أن يخرجها. وأما المقلد الذي هو غير مجتهد فإذا حصلت عليه قضية لا يعرف دليلها ولا يعرف الحكم، فيحتاج أن يسأل فيقول: يا فلان! عرضت علي قضية كذا وكذا، أخبرني كيف أقضي، كلما جاءته قضية توقف فيها حتى يسأل زملاءه أو أهل بلده، فهذا لا يسمى عالماً؛ لأنه يأخذ العلم عن غيره، ويأخذ القضاء عن غيره. هذه شروط القاضي، وهي عشرة، وفي واحد منها خلاف، وهو اشتراط البصر.

نفوذ حكم المحكم

نفوذ حكم المحكم يقول: (إن حكم اثنان بينهما رجلاً يصلح للقضاء نفذ حكمه في كل ما ينفذ فيه حكم من ولاه إمام أو نائبه) . اثنان بينهما خصومة ونزاع، وطال ذلك النزاع، وكل يدعي أن الصواب معه، فاتفقا على رجل وأتيا إليه وقالا: نرى فيك الأهلية، وقد رضينا حكمك، دعنا نعرض عليك قضيتنا، هذه دعواي كذا وكذا، والثاني يقول: وأنا دعواي كذا وكذا. فإذا سمع دعوى كل واحد منهما قال: أنتما حكمتماني، أنت يا فلان عندك كذا لصاحبك فأعطه حقه، هل ينفذ؟ ينفذ لأنهما حكماه ورضيا بحكمه واقتنعا به وقالا: قد جعلناك حكماً بيننا، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:35] يعني: إذا طال النزاع بين الزوجين فللقاضي أو لأهلهما أن يبعثوا حكمين، يختار هؤلاء حكماً، ويختار هؤلاء حكماً، ثم يقول الحكمان: ماذا عندك يازوج؟ ماذا عندك يازوجة؟ فإذا سمعا منهما عند ذلك يحكمان، فيقولان: الحكم لك يا فلان والحكم عليك يا فلان، مثلاً: عليك أن تقنعي بدون حقك، وعلى وليك أن يدفع كذا أو ما أشبه ذلك، فالله تعالى أباح أن يحكم حكمان في هذا الأمر. وكذلك قال تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:95] فأمر أن يحكم في الصيد حكمان. اثنان بينهما خصومة، فاختارا رجلاً اسمه سعيد، فقالا: يا سعيد قد جعلناك حكماً بيننا؛ لأنك تصلح للقضاء، ولأنك من أهل المعرفة، ومن أهل العلم، احكم بيننا، فينفذ حكمه في كل شيء ينفذ فيه حكم من ولاه الإمام أو نائبه، يعني: في فصل الخصومات وفي قطع المنازعات.

آداب القاضي

آداب القاضي ما هي صفات القاضي التي ينبغي أن يتحلى بها من الأخلاق؟ قال: (يسن كونه قوياً بلا عنف، ليناً بلا ضعف، حليماً، متأنياً، فطناً، عفيفاً) ، هذه مما يشترط في صفات القاضي؛ لأنه إذا كان ضعيف الجانب، ليس له هيبة، وليس له سلطة؛ طمع فيه الظالم، ولبس عليه، بخلاف ما إذا كان مهيباً، ولكن لا تكون هيبته قوة شديدة بحيث يهابه صاحب الحق، ولا يقدر على أن ينطق بحق؛ لأن بعض القضاة يظهر شدة ويظهر قوة ويظهر اعتزازاً، فإذا رآه المظلوم أيس من حقه وقال: هذا متعجرف، وهذا متكبر، كيف آخذ حقي منه؟ هذا شديد لقوة كلامه ولصرامته، فلا يطمع في أخذ شيء من حقه، فيكون بذلك ظالماً، فلابد أن تكون قوته ليس فيها عنف وبطش. وأن يكون ليناً ليس معه ضعف، فيكون لين الجانب، سهل الأخلاق، مسفر الوجه، طليقه، يتواضع مع الصغير والكبير، ولكن بحيث لا يطمع فيه أهل الظلم، فيغتنم دينه ويخدعه ويصرفه عن طريق الحق، لابد أن يكون ليناً ولكن لا يكون مع اللين ضعف شديد. وأن يكون حليماً، فلا يعجل، وإذا تكلم عليه أحد لم يغضب ولم يشتد في كلامه، بل يغلبه الحلم. وأن يكون متأنياً، والتأني هو التريث في الأمور وعدم العجلة، حتى يعرف الحق ويحكم به بعد أن يتضح دليله، بخلاف الذي يحكم بسرعة فإنه قد ينتقض حكمه؛ لأنه لا يكون عارفاً، فالعارف يتأنى في الأمور، ولا يتسرع، ولا يحكم إلا بعد ما يتتبع القضية من هذا ومن هذا. ويسن أن يكون فطناً، أي: ذكياً، وإذا كان بليداً فإنه قد يعتقد الظالم محقاً ويحكم له، ولا يتفطن لحيلة، فإن الناس معهم حيل ومعهم أفكار قد يصرفون بها القاضي، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون ألحن من حجته من بعض فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها) وهذا أيضاً يدل على أنه يستحب للقاضي نصيحة الخصوم وتوبيخهم حتى يقنعوا، وحتى يرجع الظالم عن ظلمه، وحتى ينصرفوا وهم راضون عن القاضي. وأن يكون عفيفاً، والعفيف هو الورع المتعفف عما لا يحل، والعفة تكون عن الحرام وتكون عن المشتبهات، فإذا كان يتعامل بالمشتبهات في بيعه أو في شرائه أو في تصرفه دخل عليه الخلل ودخل عليه العيب، ورمي بأنه يتجرأ على حقوق الناس، وبأنه يأخذ ما لا يحل، فيكون ذلك طعناً فيه فلا تقبل أحكامه ولا نصائحه.

وجوب العدل بين المتخاصمين

وجوب العدل بين المتخاصمين قال: (وعليه العدل بين المتحاكمين في لفظه ولحظه ومجلسه ودخول عليه) العدل هو المساواة، والمتحاكمان هما المتخاصمان، عليه أن يعدل بينهما أي: أن يسوي بينهما في لفظه، فلا يلين في الكلام مع أحدهما والآخر يشدد عليه، بل يكلمهما سواء، فيعدل بينهما، أما كونه يلين مع واحد أو يساره فيتكلم معه سراً فإن هذا فيه حيد، فعليه أن يعدل بينهما في كلامه، ولا يكلم أحدهما سراً والآخر لا يسمع، فإن هذا يكون مطعناً عليه. وكذلك في لحظه، أي: نظره، فإذا كان ينظر إلى واحد من المتخاصمين اتهمه الآخر، ويقول: كونه دائماً كان يحدق النظر إلى خصمي يدل على أنه مال معه، وأنه ظلمني بهذا الميل، فيكون ذلك سبباً في الطعن عليه، فلابد أن يلحظهما سواء. وكذلك مجلسه، ورد في الشرع أن الخصمين يجلسان أمام القاضي، ولو كان أحدهما أميراً أو ثرياً أو كبيراً، يجلسان سواء بين يدي القاضي ولا يرفع مجلس أحدهما عن الآخر، بل يجلسهما سواء، فإن كانا على كرسيين سوى بينهما، وإن كانا على الأرض سوى بينهما، ولا يجلس أحدهما على فراش أحسن من الثاني، ولا أحدهما على الأرض والآخر على الفراش، بل يسوي بينهما في مجلسه. كذلك يسوي بينهما في الدخول عليه، فيدخلان عليه سواء؛ لأنه لو دخل واحد وحجب الآخر اتهمه ذلك المحجوب، ويقول: دخل عليه وحده وأسر إليه وكلمه، وأنا حجبني ومنعني، وما أدخلني إلا بعد مدة، فلابد أن يدخلا عليه سواء، وذلك من العدل.

متى يحرم القضاء؟

متى يحرم القضاء؟ يقول: (وحرم القضاء وهو غضبان كثيراً) في حديث أبي بكرة لما تولى ابنه القضاء كتب إليه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان) ؛ لأنه إذا كان غضبان كثيراً فقد لا يتصور المسألة، وقد يحمله غضبه على أن يميل مع أحدهما، فإذا غضب من أحدهما أجل القضية، وصرفهما إلى أن يذهب عنه غضبه، فيحكم بينهما في حالة هو فيها مقتنع بالحكم، قد ذهب عنه الغضب الشديد. ولا يحكم وهو محتقن البول؛ لأنه يكون متكدر البال غير متأنٍ ولا متأمل لما يقول، وكذا إذا كان في شدة الجوع، فإذا كان جائعاً جوعاً شديداً فإنه في تلك الحالة لا يكون مطمئناً، ولا يكون متثبتاً؛ لأنه مع شدة ألم الجوع، وكذلك العطش؛ لا يكون متأنياً؛ يتمنى أن تنفصل القضية ليذهب ليأكل أو ليشرب. أو في هم، فإذا جاءه هم وغم شديد فإنه لا يفكر في القضية، فلا يجلس للقضاء وهو مهموم. وكذلك إذا كان في ملل، أي: تعب شديد بحيث إنه من آثاره لا يقبل على القضية. وكذلك الكسل، وهو التثاقل في الأمور وعدم النشاط فيها. وكذلك النعاس، فإذا كان في حالة نعاس، وهو بحاجة إلى أن يريح نفسه، فإذا قضى في تلك الحالة قد يكون القضاء غير محكم. وهكذا إذا كان هناك برد شديد مؤلم أو حر شديد، بحيث إنه لا يطمئن في مجلسه لشدة الحر الذي يزعجه أو لشدة البرد الذي يزعجه.

حرمة الهدية للقاضي

حرمة الهدية للقاضي قال: (وحرم عليه قبول رشوة) : النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي، والرشوة هو المال الذي يعطيه أحد الخصمين حتى يميل معه، يقول أحد الخصمين: إن عندي لك هدية، عندي لك كذا، ويسميها هدية وهي رشوة، ففي هذه الحالة يميل معه، أو يقصد ذلك الراشي أن يميل معه، وفي الحديث: (لعن الله الراشي والمرتشي) . وكذلك لا يقبل الهدية إلا ممن كان يهاديه قبل ولايته، وليس له قضية، فلا يقبل الهدايا من أحد مخافة أن يكون له دعوى، فإذا خاف أن له دعوى لا يقبل هديته بل يردها عليه، وإذا قبلها فقد يتهم، ويقال: حكم لفلان لأنه يهدي إليه، ومال معه لأنه أعطاه كذا، فيتهم وإن لم يكن ذلك قصداً، والذي يقبل هديته يشترط ألا يكون له خصومة ودعوى، فإذا كان له دعوى فلا، ولا يقبلها إلا إذا كان ممن يهادونه قبل أن يتولى، إذا كان يهدي إليك وتهدي إليه قبل أن تتولى، فأهدى إليك كعادته، فلا بأس أن تقبل تلك الهدية؛ لأن العادة أنهم يتهادون من قبل عملاً بحديث: (تهادوا تحابوا) . ومنع القاضي أن يتجر في الأسواق؛ لأن الناس قد يتساهلون معه بالبيع أو بالشراء طمعاً أن يميل معهم.

لا يقضي القاضي على عدوه ولا قريبه

لا يقضي القاضي على عدوه ولا قريبه قال رحمه الله: (ولا ينفذ حكمه على عدوه) لأنه يتهم، يقول: حكم عليّ لأني قد عاديته، ولأني قد خاصمته. إذا كان له عدو فلا يحكم له، بل يحيل القضية إلى غيره، يقول: أحيل القضية إلى فلان من القضاة، أما أن يحكم على عدوه فإنه متهم. ولا يحكم لنفسه ولا لجميع أولاده وآبائه وأجداده وجداته وبناته، فإذا كانت القضية لولده مع خصم آخر أحالها على غيره من القضاة وقال: انظروا في دعوى ولدي فلان، أو والدي فلان؛ لأني لا أحكم له مخافة أن أتهم بأني تساهلت مع أبي أو مع ابني. وهكذا كل من لا تقبل شهادته له من الأصول والفروع كالأب والجد والأم والجدة وإن عليا، وكذلك أيضاً الابن والبنت وابن الابن وبنت الابن وبنت البنت وابن البنت ونحوهم، فهؤلاء لا تقبل شهادته لهم، وكذلك لا يشهدون له، وكذلك أيضاً لا يحكم لهم مخافة أن يتهم ويقال: حكم لقريبه.

إحضار الخصم

إحضار الخصم قال: (ومن استعداه على خصم في البلد بما تتبعه الهمة لزمه إحضاره إلا غير برزة) يظهر أن (إلا) زائدة، والصواب (لزمه إحضاره غير برزة فتوكل كالمريض) ، وهنا كتبها بزرة، والصواب: برزة، أي: إلا المرأة التي ليست برزة، وهي التي تستحي ولا تبرز للناس، فغير البرزة توكل، أما البرزة التي معها جرأة تخرج وتكلم وتحتج فإنه يلزمها أن تحضر. والاستعداء الشكاية، فإذا جاء إلى القاضي رجل وقال: إن فلاناً خصمي، أريد أن تحضره، وهو موجود في البلد، وقد ظلمني بكذا وكذا، فإذا كانت المظلمة مالاً له قيمة وله قدر تتبعه همة الناس يلزم القاضي إحضار ذلك الخصم، وفي هذه الأزمنة يكون الاستعداء للشرط، أو أمراء البلد، فهم الذين يستعديهم المظلوم، ويقول: إن فلاناً ظلمني، فإذا كان كذلك فإن على القاضي أن يرسل من يحضره فيقال له: يا فلان أجب القاضي فإن فلاناً قد اشتكاك، احضر وإن لم تحضر فإننا سنعاقبك، فيلزمه أن يحضر إذا كان المال مما تتبعه الهمة. أما غير البرزة فلا يحضرها بل توكل، يعني: المرأة التي تستحي من الناس -غير برزة- توكل؛ لأنها تستحي أن تحضر، وكذلك المريض، إذا قال: إن فلاناً مريض وعليه لي حق قدره كذا وكذا مما تتبعه الهمة، فإنه في هذه الحال يوكل؛ لأنه يشق عليه الحضور. وكذلك أيضاً: من كان بعيداً، أي: خارج البلد فإنه يوكل؛ لأن عليه مشقة في الحضور. وإذا وجبت اليمين على غير البرزة، أو على الغائب، أو على المريض فلا يحلف الوكيل؛ لأن الحلف يتعلق بالذمة، بل يرسل القاضي من يحلفهما، فيرسل إلى المرأة التي ليست برزة: احلفي على كذا وكذا، ويرسل إلى المريض: احلف على كذا وكذا، فيحكم بعد ذلك بما يوجب ذلك.

الدعاوى

الدعاوى هذا الفصل يتعلق بالدعوى، والدعوى: هي القضية التي تكون فيها الدعوى، ويشترط في المدعي والمدعى عليه أن يكونا جائزي التصرف. وجائز التصرف: هو الحر البالغ الرشيد، فإذا كان المدعي صبياً لم تسمع دعواه، ويتولى أمره وليه، وكذلك إذا كان مجنوناً أو كان عبداً فإنه يتولى أمرهم وليهم. ادعى رجل أن هذا الصبي ظلمني، وأنه أخذ حقاً لي ونحو ذلك، أو هذا المجنون، أو هذا العبد، ففي هذه الحال لا تسمع دعواه عليهم، لكن الدعوى تكون على أوليائهم، أما العبد فيمكن أن تسمع الدعوى عليه؛ لأنه قد يظلم، وقد يعتدى، وقد يظلم هو بضرب أو بنهب، أو نحو ذلك، ولكن الخصم سيده، فيحضر سيده، وإذا وجبت اليمين فالذي يحلف هو العبد.

تحرير الدعوى

تحرير الدعوى يشترط تحرير الدعوى، وتحريرها يعني: تشخيصها، أما إذا قال: لي عليه حق، أو لي عليه مظلمة، فلا بد أن يبين ذلك، فلا يقول مثلاًً: عنده لي أرض، أو عنده لي عقار؟ فلا بد أن يحرر ذلك وأن يبينه وأن يذكر أوصافه، فيقول: إني أملك الأرض الفلانية، وإنه اعتدى عليّ وأخذ منها نصفها، أو ربعها، وتقع في البلدة الفلانية، أو أدعي عليه أنه أخذ من غنمي شاة، وصفتها كذا وكذا، من ضأن أو من معز، وأنه انتهبها أو ذبحها، أو أدعي عليه أن عنده لي ديناً قدره من الدراهم كذا، أو من الدنانير كذا وكذا، وأنه بخسني حقي، أو أدعي عليه أنه ضرب ابني ضربة بكذا وكذا، أو قلع سناً منه، أو فقأ عيناً منه، أو قطع إصبعاً من يده اليمنى أو اليسرى، أو ما أشبه ذلك، فهذه دعوى محررة، بخلاف ما إذا قال: لي حق ولم يبين، أو دين ولم يذكر مقداره، أو مظلمة ولم يسمها، أو عقار ولم يحرره، فلا بد من تحرير الدعوى. ويشترط علم مدعى به إلا فيما نصححه مجهولاً كوصية، والمدعى به هو الحق، فيقول: أدعي عليه مائة ريال، أدعي عليه شاة أدعي عليه كذا دراهم قيمة ثوب، أدعي عليه أنه ضربني أو ضرب ابني، فلا بد من علم المدعى به وتحديده، ويتسامح إذا كان الشيء مما يصحح وهو مجهول، فإذا قال: إنه أخذ مني من البقالة مالاً لا أذكر عدده، ولكن هو أخذه مني في عدة أيام. وفي هذه الحال يسمع منه، ويكون العدد عند الآخذ أو عند المأخوذ منه أو يصطلحان، وكذلك إذا قال: إن أبي أوصى لي بوصية وجحدها، أوصى أن يعطوني من المال وصية، ولا أدري هل هي الثلث أو الربع أو العشر أو مائة أو ألف؟ أوصى لي وصية ثم جحدني الوصية، والوصية تصح بالمجهول كشيء أو مال أو جزء أو سهم كما تقدم. يقول: (فإن ادعى عقداً ذكر شروطه) : هذا من التحرير، إذا قال مثلاً: إني اشتريت منه سيارة فلا بد من ذكر شروط البيع، هل السيارة ملك لك؟ هل كانت السيارة معلومة؟ هل باعك ما لا يملك؟ هل الثمن معلوم أو مجهول؟ هل هي موجودة عنده أو ليس بموجودة؟ لا بد من ذكر شروطه. وكذلك لو ادعى نكاحاً قال: أدعي عليه أنه زوجني ابنته أو أخته، لا بد أن تذكر الشروط فتقول: هي أخته، وهو وليها، وأنا دفعت له المهر، وهو أوجب، وأنا قبلت، وإننا أشهدنا فلاناً، أو عقد لنا فلان الذي هو مأذون، وتمت الشروط، ففي هذه الحال تقبل الدعوى؛ لأنها أصبحت محررة. كذلك إذا ادعى إرثاً وذكر سببه فقال: إن عندهم لي ميراثاً، وأنا وارث من جملة الورثة، فيقال له: اذكر السبب، لأي سبب ترث، بنسب أو بنكاح أو بولاء، هل الميت أخوك، أو أخوك لأم، أو الميتة أمك، أو زوجتك؟ اذكر السبب. قال: (أو محلى بأحد النقدين قومه بالآخر، أو بهما فبأيهما شاء) إذا ادعى مثلاً سيفاً محلى، أو خنجراً محلى كقوله: عنده لي سيف محلى بذهب، أو خنجر محلى بذهب، ففي هذه الحال كيف يقوم ذلك السيف المحلى بأحد النقدين: يقوم بالدراهم، أو يقوم بالدنانير، إن كان محلى بالذهب لا يقوم بالذهب؛ لئلا يقوم ذهب بذهب فيكون متفاوتاً، بل يقوم بالدراهم (الفضة) ، وإذا ادعى أنه محلى بفضة، وقال: أريده محلى بفضة، وادعى صاحبه أنه قد فات مني، أو بعته، أو نحو ذلك، فإنه يقوم بالنقد الآخر، فالمحلى بالذهب يقوم بالفضة، والمحلى بالفضة يقوم بالذهب. أو يقوم بهما، فإذا قال مثلاً: محلى بذهب وفضة ما قال: محلى بأحدهما، بل محلى بهما، أي فيه ذهب وفضة، ففي هذه الحال يقومونه بأيهما شاء. إذا حرر الدعوى ووصفها وصفاً دقيقاً ففي هذه الحال إما أن يقر الخصم أو يجحد، فإذا أقر الخصم حكم عليه الحاكم بسؤال المدعي، إذا قال: أنا أدعي عليه بدين، والدين الذي لي قدره ألف ريال قيمة مبيع، أو قيمة متلف، سأل القاضي: ماذا تقول في دعوى خصمك؟ فإذا قال: صدق، عندي له كذا وكذا، وقال المدعي الثاني: احكم عليه أن يدفعه، حكم عليه بسؤال المدعي. هذا في حالة الإقرار، أما إذا أنكر فقال: كذب، ليس عندي له شيء، ولا أعرفه، ولا اشتريت منه، ولا اشترى مني، ولا تعاملنا، ولا بيننا معرفة، ولا بيننا دعوى، ماذا يفعل؟ تعرفون الحديث الذي في الأربعين النووية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر) ، وفي رواية البخاري: (أنه قضى باليمين على المدعى عليه) ، المدعى عليه هو المنكر.

الفرق بين المدعي والمدعى عليه

الفرق بين المدعي والمدعى عليه المدعي: هو الذي يطالب وإذا ترك لم يسكت. والمدعى عليه هو المطلوب منه، ويعرفونهما: بأن المدعي من إذا سكت ترك، والمدعى عليه إذا سكت لم يترك، المدعي هو الذي يطالب، والمدعى عليه هو المطلوب، الذي إذا سكت لم يترك هو المدعى عليه، والذي إذا سكت ترك هو المدعي. ويعرفونهم أيضاً: بأن المدعي هو الخارج، والمدعى عليه الداخل، فيقولون: البينة على الخارج واليمين على الداخل (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر) . ثم إن البينة هي الشهود، ولكن يقول ابن القيم رحمه الله: إن البينة اسم لكل ما يبين الحق كالقرائن والشهود والاعترافات والظواهر والشهرة وانتشار الخبر، فهذه تسمى بينات، وليست خاصة بشاهدين، وقد تكلم على ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه المطبوع الذي سماه: الطرق الحكمية فيما يتعلق بالقضاء يقول: فإذا أنكر وليس للمدعي بينة قبل قول المنكر بيمينه، فيحلف إنه ليس عندي له ما يدعيه، وإني لا أطالب بمال ولا بحق أو مظلمة ونحو ذلك، فإذا حلف برئت ذمته. أما إذا نكل وقال: لا أحلف، أخشى من الكذب، وأخشى من عقوبة الفجور، قيل له: إما أن تحلف وإلا حكمنا عليك، فيحكم عليه بسؤال المدعي، بأن يقول: احكم عليه. والحكم بالبينة أو باليمين يكون في الأموال ونحوها، وأما الفروج ونحوها فلا يحكم فيها باليمين، بل لا بد من البينة. ومن العلماء من يقول: إذا نكل المدعى عليه حلف المدعي لحديث ورد في ذلك وهو مذكور في البلوغ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق) ، أي: فإذا كان المدعي ليس معه بينة، وامتنع المدعى عليه من الحلف، فيقال للمدعي: حيث إن صاحبك قد امتنع فاحلف أنت أن عنده لك مائة أو ألف ريال قيمة كذا وكذا حتى نلزمه، فتكون عندنا قرينة، فقرينة امتناع المدعى عليه تدل على أنه ظالم، وقرينة أن هذا حلف تدل على أنه صادق.

مواضع الاستحلاف

مواضع الاستحلاف يقول: (ويستحلف في كل حق آدمي سوى نكاح ورجعة ونسب ونحوها) : حقوق الآدميين إما أن تكون مالاً مثل ثمن مبيع يقول: عنده لي قيمة سيارة أو قيمة بعير وجحده، أو مثلاً عنده لي وديعة قد خان فيها أو ما أشبه ذلك من حقوق الآدميين، أو تدعي المرأة على زوجها أنه ما أعطاها صداقها، أو يدعي عليها أنها ما أعطته عوض الخلع، أو تدعي عليه أنه ما أنفق عليها مدة كذا وكذا. فهذه من حقوق الآدميين، ومنها القذف، فإذا ادعى عليك أنك قذفته فهذا حق آدمي، فلك أن تحلف أنه كاذب عليك، وإذا لم تحلف حلف هو أنه صادق، وأشباه ذلك من حقوق الآدميين. أما النكاح فلا يستحلف فيه، فإذا ادعى عليك أنك زوجته ابنتك فلا يقبل حلفه، ولا يلزمك اليمين إذا أنكرت، فإن لم يكن عنده شهود على النكاح فلا يحلف المدعي ولا المدعى عليه، وكذلك الرجعة، إذا ادعى أنه طلق امرأته ثم قال: إني راجعتها، هل نقول: احلف؟ لا نقول، ولكن نقول: ائت بشاهدين أنك راجعتها في العدة. وكذلك النسب: إذا ادعى وقال: إنني وارثه لأني ابن عمه، هل نحلفه؟ لا نحلفه؛ وذلك لأنه لا يعلم إلا من قبله. أما حقوق الله تعالى فلا يحلف فيها، وكذلك العبادات، فإذا اتهم بالزنا وثبت عليه الحد فأنكر، ولم يكن هناك بينة فلا نقول: احلف أنك ما زنيت، أو ما شربت الخمر أو نحو ذلك، وهكذا العبادات إذا ادعي عليه أنه ما زكى، أو أنه ما صلى صلاة كذا، فلا حاجة إلى التحليف؛ لأن هذا شيء خفي بينه وبين الله تعالى. وكيفية اليمين التي يحلف بها المدعى عليه هي اليمين المشروعة، أن يحلف بالله وحده، أو بصفة من صفاته، كوجه الله، أو عزة الله، أو يحلف مثلاً بكلام الله، أو بالقرآن. ويحكم بالبينة بعد التحليف، إذا حلف المدعى عليه حكم بيمينه وقيل للمدعي: لا شيء لك أيها المدعي؛ لأنك ما أتيت ببينة، فإذا أتى بالبينة وقال: هؤلاء شهودي ولم يكن هناك ما يقدح فيهم، حكم بموجب البينة التي هي الشهود، وإن كان المدعي عليه قد حلف. ولو قدر أن المدعى عليه حلف، والمدعي يقول: ما عندي شهود، ولكن أريد يمينه، فحلف المدعى عليه أن ما عندي له شيء، ولا يطالبني، ولا اشتريت منه، ولا عندي له أمانة ولا وديعة، ولا ضربته، ولا ضربت ولده. وقدر بعد ذلك أنه وجد بينة عادلة، وأحضرها عند القاضي فلا نقول: الدعوى قد انقضت لما حلف بل نحكم بالبينة التي وجدت بعد أن انتهت الدعوى، ونقول: تبين أن يمينك كاذبة، وعليك أن تستغفر الله عن ذلك الحلف الفاجر، وهي اليمين الغموس، وقد حكمنا عليك لما جاء بالبينة الذين هم شهود عدول، فيحكم بالبينة ولو بعد أن يحلف المدعى عليه.

شروط البينة

شروط البينة ماذا يشترط في البينة؟ يشترط في الشهود أن يكونوا عدولاً في الظاهر يعني: معروفين أنهم يصلون ويصومون، وأنهم من أهل الصدق، ومن أهل الورع، وليسوا فسقة ولا كفرة ولا غير ذلك. (وفي غير عقد النكاح باطناً أيضاًَ) : عقد النكاح يكفي فيه شاهدان عدلان عدالة ظاهرة، وليس للمأذون أن يفتش ويقول: أخبروني بباطن أمرهم، فقد يكونون غير صادقين ولا صالحين، نقول: يحكم بالظاهر أنهما عدلان؛ لأن في الحديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) ، وفي رواية: (لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) ، فشهود عقد النكاح يكفي فيهم العدالة الظاهرة. وأما شهود القضايا التي عند القاضي فلا بد أن يكونوا عدولاً ظاهراً وباطناً، وإذا جهلهم القاضي طلب من يزكيهم فيقول: يا فلان! هل تعرف هذا الشاهد؟ يقول: نعم أعرفه، وأزكيه فهو عدل. ويشترط في المزكي معرفة الجرح والتعديل، فإذا قال المدعى عليه: هؤلاء مطعون فيهم. فيقال: أحضر من يطعن فيهم، فإذا حضر الشهود وقالوا: نعم هذا نعرف أنه قد شهد زوراً، وهذا نعرف أنه لا يصلي مع الجماعة، وهذا نعرف أنه قد أطلق لسانه بالقذف والسب ونحو ذلك، فهؤلاء جرحوا فلا تقبل شهادتهم. وإذا قال القاضي لصاحب البينة: ائتنا بمن يعدلهم، فالمعدل يقول: نعم أعرف هذا الشاهد أنه عدل يصلي ويصوم، ولا يتعامل بالربا، ولا يشهد زوراً، ولا يكذب في كلامه وما أشبه ذلك، هكذا يكون المزكي، ولا بد أن الحاكم يعرف خبرته الباطنة، وإذا كان القاضي يعرفهما باطناً وظاهراً حكم بمعرفته، ولا حاجة إلى طلب المزكي، إذا قال: يا قاضي هؤلاء شهودي فلان وفلان هل تعرفهم؟ يقول القاضي: نعم أعرفهم، هل تعرفهم باطناً وظاهراً؟ فإذا قال: نعم أعرف باطنهم وظاهرهم، فإنه يحكم بهم، ولا حاجة إلى مزكين.

تقديم بينة جرح على تعديل

تقديم بينة جرح على تعديل يقول: (وتقدم بينة جرح) : إذا قال القاضي: لا أعرفهما ائت بمن يزكيهما، وقال المدعى عليه: عندي فيهما جرح، يقول: ائت بمن يجرحهما، فالمدعي جاء باثنين يزكون، والمدعى عليه جاء باثنين يجرحون، هذا يقول: إنهما فاسقان، وإنهما كاذبان، وإنهما من شهود الزور. وهؤلاء يقولون: إنهما عدلان ظاهران، يصليان ويصومان، ويؤمنان بالله واليوم الآخر، فالقاضي يقدم بينة الجرح؛ لأن الغالب أن الجارح يعلم شيئاً يخفى على المعدل، فلأجل ذلك يحكم القاضي بأن هذا غير مقبول؛ لأنه قد جرحه هؤلاء، وبينوا ما فيه من الجرح، فلا يقبل دعواه.

تزكية الشهود

تزكية الشهود لما تكلموا على القضاء عرفوا أن القاضي قد يحتاج إلى بينة، والبينة هم الشهود الذين يتبين الحق بشهادتهم، فإذا عرف الحاكم هؤلاء الشهود فلا حاجة أن يطلب من يزكيهم؛ لأن معرفته يقينية، فعندئذ تكون شهادته أو تزكيته كافية، أما إذا جهل البينة فإنه يطلب من يزكيهم. ولا يقبل في التزكية ولا في الجرح ونحوهما إلا رجلان، وإذا جاء رجلان فكل واحد منهما يزكي الاثنين، فإن قال أحدهما: أنا لا أزكي إلا واحداً، وقال الثاني: أنا لا أزكي إلا واحداً، لم يكتف بذلك، وإذا جاء شاهدان يزكيان كل واحد من الاثنين، يقول كل واحد منهما: أنا أعرف هذا وأزكيه، وأعرف هذا وأزكيه، وقال الثاني: أنا أعرفهما جميعاً وأزكيهما، هاهنا حصل أن كل واحد جاء اثنان ليزكياه. أما إذا قال واحد: أنا أزكي هذا، وقال الثاني: أنا أزكي هذا، صار كل واحد، ما زكاه إلا واحد فلا بد حينئذ أن يطلب اثنين آخرين، أو واحداً يزكي الاثنين، فلو جاء بثلاثة وواحد قال: أنا أزكي واحداً، والآخر قال: أنا أزكي واحداً، والآخر قال: أنا أزكي الاثنين قبلت التزكية؛ لأن هذا الذي زكى الاثنين حصل بتزكيته تزكية الاثنين، وكل واحد من الاثنين زكى واحداً، فحصل بذلك أن كل واحد منهما زكاه اثنان. وكذلك في الجرح، إذا جرحهما الخصم وقال: هؤلاء مطعون فيهما، فيقال: أثبت الطعن فلا بد أن يأتي بمن يطعن فيهما من المطاعن التي ذكروها في كتاب الشهادات وهي كثيرة كما سيأتي إن شاء الله، فلا بد أن كل واحد يجرحه اثنان، فيقول مثلاً: هذا لا يصلي مع الجماعة، أو هذا يسمع الأغاني، أو هذا يشرب الدخان أو الخمر، أو يتعاطى مخدرات فيكون ذلك طعناً فيه، فلا تقبل شهادته.

الدعوى على الغائب

الدعوى على الغائب من ادعى على غائب هل تسمع بينته؟ يقولون: تسمع إذا كان الغائب بعيداً في مسافة قصر يعني: لا يأتي إلا بعد يومين، أو بعد أربعة أيام يومين ذهاباً ويومين إياباً، مثل إنسان قال: أدعي على زيد، وزيد يقيم مثلاً في القصيم، وفي ذلك الوقت هذه المسافة لا تقطع إلا في أربعة أيام، أو خمسة أيام، ففي هذه الحال يقول: عندي شهود يشهدون أنه هو الذي ضربني، أو هو الذي عنده أمانه وجحدها، وعندي شهود. فالقاضي يأخذ الشهود ويكتب شهادتهم؛ لأن صاحب الحق قد يقول: إذا لم تقبل شهادتهم وتكتبها الآن فسوف يذهبون؛ لأنهم ليسوا من البلد فاغتنم القاضي حضورهم ليكتب شهادتهم. وإذا حضر الخصم بعد ذلك سأله: هل أنت معترف أو منكر؟ إذا كنت منكراً فهنا شاهدان وهما فلان وفلان، هل تطعن فيهما؟ فإذا طعن فيهما وأتى بالجرح قبل جرحه، وقيل لصاحب الحق: ائت بغيرهما، فإذا أتى بغيرهما ولم يكن فيهما طعن حكم له، هذا إذا كان بعيداً مسافة قصر. وهكذا لو ادعى على مستخف، فالمدعى عليه الذي عنده الحق هو موجود في هذا البلد ولكن لا ندري أين هو! إن كان في بيته فإنه يغلق بيته، وقد يكون عند صاحب له في طرف البلد ولم نقدر على إحضاره، والشهود يقولون: اكتب شهادتنا وإلا فسوف نسافر، فالقاضي يطلبهما ويكتب شهادتهما حتى يؤتى بالمدعى عليه. وهكذا لو كانت الدعوى على ميت، قال: إن فلاناً الذي مات هو الذي اصطدم بجداري، أو هو الذي عمل هذا الحادث حتى مات معه ابني، ولكنه أيضاً مات، والبينة حاضرون، فالقاضي يكتب شهادتهم حتى يأتي ولي الميت ويدافع عنه؛ وذلك حتى لا تفوت الشهادة فالشهود قد يموتون، وقد يتفرقون، وقد يسافرون، فيكتب شهادتهم. وكذلك لو كان المدعى عليه غير مكلف، ادعى أحد على هذا المجنون، أو على هذا الصبي أنه قتل، أو سرق، أو انتهب، أو أفسد ولم يكن له ولي الآن، لأن وليه غائب، فتقبل الشهادة وتكتب، ويسمع القاضي الشهادة ويحكم بموجبها. قال: (إلا في حقوق الله تعالى) : حقوق الله مثل حد الزنا والخمر، وقطع الطريق، وترك الصلاة وما أشبه ذلك، فهذه لا تسمع وهو غائب حتى يحضر؛ لأنها مبنية على المسامحة، وأما حقوق الآدمي فإنها مبنية على المشاحة والمضايقة. ولا تسمع على غائب حتى يحضر أو يمتنع، كإنسان موجود في البلد ادعيت عليه دعوى وهو حاضر، وعندك بينة، فلا تسمع بينتك حتى يحضر أو يرسلون إليه فيمتنع ويقول: لا أحضر ولا أعترف، فحينئذ يسمع القاضي البينة ويحكم بها إذا كان الحق لآدمي. ثم في هذه الأزمنة قد يقال: إن الحالة قد تغيرت بالنسبة لمسافة القصر، كانت مسافة القصر مثلاً نحو خمسه وثمانين كيلو، ولكن في هذه الأزمنة تقطع هذه المسافة في ساعة أو في أقل من ساعة، ففي إمكان القاضي أن يقول: هذا الرجل قريب، ما بينك وبينه إلا ساعتان، ساعة ذهاب وساعة إياب، اذهب إليه بخطابي هذا، واطلب منه الحضور، فإذا امتنع بعد ذلك اشهدنا عليه، فأما أني أسمع دعواك وهو قريب في القصيم، وفي إمكانك أن تحضره فلا. ففي يوم أو في نصف يوم، فليس هناك مسافة طويلة، أحضره حتى تسمع الدعوى وهو حاضر، وحتى تسمع البينة فيرد أو يكافح أو يجاوب. وهكذا أيضاًَ تغيرت الحال بوجود المكالمات الهاتفية، فإن في الإمكان أن القاضي يتصل به إذا حضرت البينة وحضر المدعي، فهذا المدعى عليه يرفع السماعة ويكلمه القاضي فيقول: فلان ادعى أنك ظلمته، أو أنك جحدت أمانته، أو أنك هدمت جداره، أو قلعت شجرته، أو نحو ذلك، وأحضر بينة وهم فلان وفلان، فهل تطعن فيهما أو تقر بذلك؟ فإن لم تطعن فإننا سوف نحكم عليك. فيتصل به ويخبره بالدعوى ويخبره بالشهود، ويطلب منه أن يطعن إن كان عنده مطعن، فإذا لم يكن عنده مطعن فإنه يحكم عليه. فإذا قال: عندي مطعن طلب منه الحضور، حتى ولو كان خارج المملكة فيمكن أن يكلمه ولو كان في الشام أو في العراق أو في اليمن يقول: إنه حضر فلان وادعى عليك بكذا، فهل تعترف بهذا الحق أولا تعترف؟ فإذا قال: أعترف حكم عليه، وإذا قال: لا أعترف، قال: قد أحضر شهوداً وهم فلان وفلان، هل تطعن فيهم؟ فإذا قال: لا أطعن، حكم عليه، فإذا قال: إني أطعن فيهم سمع منه طعنه وجرحه، فإذا قال: أمهلوا القضية حتى أحضر أمكنه أن يمهله وأن يؤخر القضية لتقارب الأماكن.

نقض القاضي لحكم قاض آخر

نقض القاضي لحكم قاض آخر يقول: (ولو رفع إليه حكم لا يلزمه نقضه لينفذه لزمه تنفيذه) . كان التنفيذ عند القاضي، وفي هذه الأزمنة يكون التنفيذ عند المحافظ وعند الأمير فهو الذي ينفذ قضاء القضاة الذين في محافظته، ولكن لو رفعت إليه قضية من قاض آخر، والمدعى عليه في محافظته، فإنه ينفذه. أو عادتهم في هذه الأزمنة أن الدعوى تكون في بلد المدعى عليه، فإذا كان المدعي من أهل الرياض والمدعى عليه من أهل مكة، فإن المدعي يذهب إلى قاضي مكة ويقول له: إني أدعي على فلان وهو موجود الآن، فيحضر ويشهد عليه الشهود، فإذا لم يطعن فيهم حكم قاضي مكة عليه بالإلزام، وإذا حكم رفع الحكم إلى أمير مكة، والأمير هو الذي ينفذ، فيلزمه ويقول: حكم عليك القاضي بكذا فسلم ما حكم به عليك فيلزمه بذلك. لكن لو أن الدعوى كانت في المدينة وفيها المدعي والمدعى عليه، وحكم قاضي المدينة، وأخرج بذلك صكاً، ثم إن المدعى عليه انتقل إلى مكة، فجاء المدعي بالصك وقال: يا أمير مكة! فلان حكم عليه قاضي المدينة بهذا الحكم، وهو الآن يقيم بمكة، فإن أمير مكة يلزمه وينفذ حكم القاضي ويقول: أخرج ما عندك وادفع ما حكم به عليك وإلا عاقبناك، فالتنفيذ يكون على الأمراء والمحافظين. وقديماً كان التنفيذ على القاضي، فهو يلزم ويقول: إني قد حكمت على فلان بكذا؛ يا فلان! سلم الحق الذي عندك. ثم قد يكون المحكوم عليه غائباً، فإذا حكم القاضي بالحكم وأعطى الصك لصاحب الحق وقال: إني حكمت بموجب بينتك، ولكن المحكوم عليه انتقل إلى مكة مثلاً، أو إلى الأحساء، اذهب بصكي هذا إلى قاضي الأحساء وقل: إن فلاناً عنده لي حق، وقد حكم به القاضي، وهذا صك الحكم وهو موجود عندكم، فالقاضي يأمره وينفذ حكم القاضي. لكن لو أن القاضي الثاني قرأ الحكم ورأى فيه خللاً، أو خطأً وغلطاً، أو جاء المدعى عليه وبين أن القاضي الأول قد أخطأ، وقال: إنه حكم ببينة غير مقبولة، أو إن البينة لهم مصلحة، فإن القاضي الثاني ينقض الحكم الأول ويقول: لا أحكم به؛ وذلك لأنه رأى أنه غير صالح وأن عليه مطعناً. وفي هذه الأزمنة إذا حكم القاضي بحكم فإن المحكوم عليه يطلب إمهالاً حتى يعترض عليه، ويسمونه: لائحة الاعتراض، فيخرج لائحة اعتراض فيقول: أعترض على الحكم بكذا، وأعترض عليه بكذا وكذا، وأعترض عليه بكذا وكذا، فإذا اعترض عليه بهذه الاعتراضات نظر فيها القاضي مرة أخرى، فإن كانت مناسبة نقض حكمه الأول، وإن لم تكن مناسبة أجاب عنها وقال: الصواب كذا والصواب كذا. وفي هذه الأزمنة أيضاً: شكلت الحكومة هيئة التمييز، وهي التي تنظر في الحكم بعد القضاء، فإذا لم يقنع المحكوم عليه فيرفع قضيته إلى هذه الهيئة، وغالباً أن كل دعوى يطلب أهلها تمييزها فإنها تميز، وكثرت على الهيئة المرافعات، لعله يأتيهم في كل يوم مئات القضايا وألوف القضايا، وغالباً أنهم لا يقرءون تلك القضايا، وإنما ينظرون إلى مقدمة القضية ثم يكتبون موافقة. والأولى في كل قضية أن عليهم النظر في دعوى المدعي، وفي اعتراضات هذا المعترض، ولا يكتفون بقراءة الدعوى والإجابة الأولى، هذا هو الواجب؛ لأنهم يحكمون، ولأنهم يعتبرون قد حكموا، فإذا لم يقرءوا القضية ولم يقرءوا الاعتراضات فليس لهم أن يحكموا، ولا أن يوافقوا، ولهم أن يردوها ويقولون: نحن منشغلون، أو لم نتفرغ لقراءتها، أو يشكل لها لجنة، أو ما أشبه ذلك.

كتاب القاضي إلى قاض آخر

كتاب القاضي إلى قاض آخر ذكر الفقهاء كتاب القاضي إلى القاضي، هل يقبل أم لا؟ إذا كتب القاضي الذي في نجران إلى القاضي الذي في عرعر، وبينهما مسافة طويلة: إنني قد حضر عندي فلان، وقد كتبت دعواه، وهو يدعي على فلان كذا وكذا، وحيث إنه مقيم عندكم فإن عليك أن تحضره، وأن تستفسره، وتسأله، فيقبله قاضي عرعر إذا كان في حق آدمي وينفذه، أو قاض في خارج المملكة. وهكذا أيضاً إذا كتب القاضي إلى قاض آخر دعوىً حكم بها: إنني حكمت على فلان الموجود عندكم بكذا وكذا، فنفذوا الحكم، فينفذ في حقوق الآدميين ولا ينفذ في حقوق الله تعالى التي منها الرجم والجلد ونحوها. وكانوا يشترطون في كتاب القاضي أن يُشهد عليه شاهدين، فيقرأه على شاهدين فيشهدان فيقول: إن هذا كتابي الذي وجهته إلى فلان، خذا هذا الكتاب واذهبا به إليه واقرآه عليه وقولا: إنا نشهد أن هذا كتاب قاضي نجران، كتبه ونحن حاضران وأشهدنا عليه، فشهدنا بما فيه، فلك أن تنقضه ولك أن تنفذه. ولا يقبلونه إذا كان كتاباً عادياً، ولكن في هذه الأزمنة أصبحت الكتب مظرفة، وأصبحت محفوظة ومسجلة، وإذا كتبها القاضي فإنه يسجلها ويجعلها في ظرف، ويسلمها لناقل البريد، وناقل البريد يحفظها حتى يسلمها للقاضي الثاني، وإذا سلمها فالقاضي الثاني يفتح الظرف، ويجد فيه ختم ذلك القاضي وختم محكمته، ففي هذه الحال يجزم بأنه كتاب فلان، ولا حاجة إلى أن يقرأه الأول على شاهدين، والشاهدان يقرآنه على الثاني؛ لثقة الثاني بأنه كتابه. وكذلك أيضاً وجد في هذه الأزمنة المكالمات، فإن القاضي قد يكلم القاضي ولو كان بعيداً، فيرفع السماعة ويقول: إنه ثبت عندي أن لفلان كذا وكذا، والشهود كذا، وفلان يقيم عندك، فعليك أن تنفذه أو عليك أن تحضره. وأيضاً جاء هذا الذي يسمى بالفاكس، وصار في الإمكان إرسال ذلك الصك بواسطة هذا الفاكس في لحظات فيصل إلى القاضي الثاني ويقرأه كما هو، فينظر فيه، فإن شاء حكم، وإن شاء رده أو نقضه، فهذا حيث وجدت هذه الأجهزة ونحوها، أما إذا كان في بلدة ليس فيها الهاتف، أو ليس فيها الفاكس، أو ليس فيها البريد المنتظم، ففي هذه الحال نرى أنه يعمل بكتاب القاضي إلى القاضي بالشروط التي ذكرها الفقهاء. يقبل كتاب القاضي إلى القاضي فيما حكم به الأول لينفذه الثاني، فيقول: حكمت على فلان بكذا، وفلان موجود عندكم، فخذوا الحق منه، والقاضي الثاني ينفذه، وكذلك المحافظ والأمير ينفذه، أما إذا قال: ثبت عندي ببينة كذا وكذا، فهذه البينة ثبتت عندي، والأمر إليك فاحكم بهذا الذي ثبت عندي، فهل يحكم به؟ يقولون: لا يحكم الثاني بما ثبت عند الأول إلا إذا كان بينهما مسافة قصر، وقد عرفنا أن مسافة القصر تختلف باختلاف الأزمنة، وأنه أيضاً قد وجدت المكالمات ووجدت المكاتبات وما أشبهها.

الأسئلة

الأسئلة

التوكل على الله في الزواج

التوكل على الله في الزواج Q حبذا لو ألقيت كلمة عن فضل الزواج خاصة في زماننا هذا الذي كثر فيه المغريات، وكيف نجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله أن يعينهم -وذكر- الناكح يريد العفاف) وبين حديث: (اعقلها وتوكل) ، حيث إن الكثير يريد الزواج، ولكن راتبه قليل، وبعض الشباب يثبط عن الزواج بحجة قلة الراتب والله يحفظكم؟ A الحديث وعد من النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك وعد الله تعالى فقال: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32] ، هكذا: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ) فوعدهم الله بالغنى، فنقول: إذا كان عندك مقدرة على الزواج ولو أن تقترض، أو أن تطلب من يساعدك؛ فثق بأن الله سيوفقك ويعينك.

الخروج على المرأة إن كانت ولي أمر المسلمين

الخروج على المرأة إن كانت ولي أمر المسلمين Q إذا كان ولي الأمر امرأة فهل يجوز الخروج عليها؟ A إذا تولت المرأة ولاية عامة فالأصل أنها لا تولى؛ لأن المرأة وظيفتها التستر، فإذا قدر أن هناك دولة يولون المرأة ولاية عامة أو نحوها فنقول: لا يجوز السمع والطاعة لها، بل يحرصون على أن يفصلوها ويولوا رجلاً.

الهدية للقاضي بعد انتهاء الحكم

الهدية للقاضي بعد انتهاء الحكم Q هل تجوز الهدية للقاضي بعد انتهاء الحكم بين الخصمين؟ A نرى أنه لا يجوز أن يقبل ذلك، ولو بعد انتهاء الدعوى إذا لم يكن الذي أهدى إليه يهدي إليه من قبل، أما إذا كانوا يتهادون من قبل فلا بأس.

اشتراط الاجتهاد في القاضي في هذه الأزمنة

اشتراط الاجتهاد في القاضي في هذه الأزمنة Q كثير من البلاد لا يوجد فيها مجتهدون، فهل يبقى هذا الشرط في القضاء أم لا؟ A البلاد المهملة التي لا يوجد فيها من يحكم بالعدل، ولا يوجد فيها شهود، أو لا يوجد فيها من يزكي، أو لا يوجد فيها من يحكم بالعدل؛ فإنهم يصطلحون فيما بينهم.

حكم الكلب المعلم إذا أرسل إلى فريسة فصاد غيرها

حكم الكلب المعلم إذا أرسل إلى فريسة فصاد غيرها Q لو أرسل صياد كلبه المعلم على فريسة فصاد غيرها فما الحكم؟ A يجوز ذلك إذا سمى عند إرساله، لو أرسله على واحدة ثم صاد اثنتين وكان قد سمى حل أكله.

شرح أخصر المختصرات [85]

شرح أخصر المختصرات [85] من الأمور المهمة في الفقه القسمة بين الشركاء، والأشياء المشتركة بين الشركاء تختلف، فمنها ما تضره القسمة ومنها ما لا تضره القسمة، ولكل منهما أحكام وضوابط.

القسمة

القسمة قال رحمه الله تعالى: [فصل: والقسمة نوعان: قسمة تراض وهي فيما لا ينقسم إلا بضرر أو رد عوض كحمام ودور صغار، وشرط لها رضا كل الشركاء، وحكمها كبيع، ومن دعا شريكه فيها وفي شركه نحو عبد وسيف وفرس إلى بيع أو إجارة أجبر، فإن أبى بيع أو أجر عليهما وقسم ثمن أو أجرة. الثاني: قسمة إجبار وهي ما لا ضرر فيها ولا رد عوض، كمكيل وموزون من جنس واحد ودور كبار، فيجبر شريك أو وليه عليها، ويقسم حاكم على غائب بطلب شريك أو وليه، وهذه إفراز، وشرط كون قاسم مسلماً عدلاً عارفاً بالقسمة ما لم يرضوا بغيره، ويكفي واحد ومع تقويم الاثنان، وتعدل السهام بالأجزاء إن تساوت وإلا بالقيمة أو الرد إن اقتضت، ثم يقرع، وتلزم القسمة بها، وإن خير أحدهما الآخر صحت ولزمت برضاهما وتفرقهما] . القسمة: هي إفراز نصيب الشريك عن نصيب شريكه، فالقاضي قد يحكم بقسمة المال المشترك بين اثنين؛ لأن الشريكين قد يكون بينهما خصومات ومنازعات كما قال الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24] ، وقوله تعالى: {رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} [الزمر:29] أي: يكثر بينهم المشاكسة والمجادلة ونحو ذلك، فيطلبون القسمة فيترافعون إلى القاضي ليحكم بينهم فعند ذلك يقول: اقتسموا.

أنواع القسمة

أنواع القسمة القسمة نوعان: قسمة التراضي وقسمة الإجبار، فقسمة التراضي تكون في الشيء الذي لا ينقسم إلا بضرر أو برد عوض كحمام ودور صغار، فهذه تقسم قسمة التراضي، فإذا كان بينهما دار صغيرة مساحتها مثلاً ثمانية أمتار طولاً وسبعة أمتار عرضاً، وهي مشتركة بين اثنين، وقالا: نريد أن نقتسمها، فيقول القاضي: إذا اقتسمتم يكون لك يا هذا أربعة في سبعة ماذا تنتفع بها؟ تكون ضيقة ولا تنتفع بها، وإذا قال: أنا راض اقسموا لي، هل ترضى أنت أيها الآخر أن يكون هذا قسمك؟ إذا أردت أن تبيع، هل أحد يشتري منك هذه الدار التي عرضها ثلاثة أذرع؟ إذا أردت أن تؤجر هل أحد يستأجرها وهي بهذه المسافة؟ فقسمها يفسدها ويتضرر أهلها، لكن لو رضي كل من الطرفين، فإن القاضي يقسمه، فيأتي بواحد يقسم بينهما فيبني حاجزاً بينهما فيقول: لك يا هذا كذا، ولك يا هذا كذا، هل رضيتما؟ قالا: رضينا. وقوله: (الحمام) هو المكان الذي يغتسل فيه تحت الأرض قديماً، كانوا في البلاد الباردة كالشام ومصر والعراق وبعض البلاد يحفرون حماماً نحو خمسة أمتار في الأرض، ويجعلون دورين، الدور الأسفل يكون فيه الماء، وينزل فيه الذي يريد الاستحمام يعني: الاغتسال والنظافة، وقد يكون الحمام صغيراً عرضه مثلاً أربعة أذرع وطوله خمسة أذرع، وإذا قسم فإنه يختل، ولا ينتفع بنصفه، فلا يقسم إلا إذا تراضوا، وقد يكون هذا الحمام، أو هذه الدور، أو هذا الدكان بين ثلاثة أو أربعة، فالدكان الذي عرضه متران، وطوله أربعة أمتار، وهو مشترك بين اثنين يطلبان القسمة، فلا يقسمه إلا إذا تراضيا، فيشترط رضا كل الشركاء، فإنه كبيع ومعناه: أن لكل منهما الخيار كأنه يقول: بعتك نصيبي في هذا القسم، والثاني يقول: بعتك نصيبي في هذا القسم، فإذا رجع أحدهما في مجلس الخيار فله ذلك؛ لأن حكمها كالبيع.

دعوة الشريك للبيع أو الإجارة

دعوة الشريك للبيع أو الإجارة يقول: (ومن دعا شريكه فيها، أو في شركة نحو عبد وسيف وفرس إلى بيع أو إجارة أجبر) : إذا قال: أنا شريك لك في هذا الدكان الذي عرضه متران، ولكن أنا أريد البيع، إما أن تبيعني أو أبيعك وإلا بعنا نصيبنا جميعاً، فإنه يجبر، إذا قال: أنا شريك في هذا الدكان، أنا شريك في هذا العبد، أو في هذه الفرس، أو في هذا السيف، فالعبد لا يمكن قسمه، والسيف لا يمكن قسمه، والفرس لا يمكن قسمها، وإنما هذه الأشياء تباع، فإذا طلب أحدهما البيع فإن له ذلك، والقاضي أو الأمير يجبر من امتنع؛ لأن الآخر متضرر بالشركة حيث يقول: إنه ينتفع بها وأنا لا أنتفع، أو إنها معطلة، أو إنها مؤجرة بأجرة زهيدة أو نحو ذلك، فأنا أريد بيع نصيبي، أو أريد تأجير نصيبي بأجرة أكثر من ذلك. فالحاكم يجبر بقية الشركاء على بيع أو إجارة، وإذا أبى أحدهما وقال: أنا لا أبيع نصيبي في هذا العبد، ولا في هذا الجمل، ولا في هذا الدكان، أجبره الحاكم أو القاضي أن يبيعه أو يؤجره، ويقسم الثمن أو يقسم الأجرة بينهما، يقول له: إما أن تبيع نصيبك مع نصيب صاحبك، أو تشتري نصيب صاحبك فإذا لم توافق فإننا سنبيعه، فإذا قال: بع نصف شريكي، قد يقول: نصف شريكك إذا كان متراً فلن نجد أحداً يشتريه، وكذلك إذا كان نصيبه نصف هذا السيف، فمن الذي يشتري نصف السيف؟ ماذا يريد بنصف السيف أو نصف الفرس؟ فيجبره على أن يبيع أو يجبره على أن يؤجر، أو يبيعه الحاكم ويقسم الثمن عليهما، ويلزمهما بذلك، أو يؤجره ويقسم الأجرة بينهما، هذا ما يتعلق بقسمة التراضي. النوع الثاني: قسمة الإجبار: وهي ما لا ضرر فيه ولا رد عوض كمكيل وموزون من جنس واحد ودور كبار، فيجبر على القسمة، فإذا قال: اشتريت وفلان كيساً من البر، والآن أريد نصيبي، والأول يقول: أنا لا أقسمه، ولكني سوف أبيعه، فإنه يجبر من امتنع فيقسم الكيس بالصاع أو بالكيلو ويعطى كل واحد منهما نصيبه ليتصرف فيه، وكذلك لو كان كيس تمر مثلاً، أو شيئاً يوزن كحديد، أو قطن، أو صوف، ففي هذه الأحوال كلها يجبر من امتنع؛ لأنه ليس ببيع وإنما يسمى إفرازاً. وهكذا لو كان بينهما أرض واسعة مساحتها مثلاً مائة متر في مائة وطلب أحدهما القسمة فيجبر من امتنع منها، ولو كانوا ثلاثة وقال أحدهم: إنا إذا قسمناها نقصت قيمتها، ف A أصحابك طلبوا قسمتهم، يريدون أن يعمروا، وأنت إذا أخذت نصيبك، فإن شئت فبع، وإن شئت فأجر، وإن شئت فاعمر، فيجبره الحاكم، ويقسمها بينهم، ويعطي كل واحد نصيبه، هذا إذا كان ليس فيها ضرر ولا رد عوض. فإن كان فيها رد عوض فلا بد من التراضي كما تقدم في قسمة التراضي، وصورة ذلك: إذا كان بيت طوله عشرون متراً وعرضه عشرون متراً -أي: أنه نحو أربعمائة متر- وهو بين اثنين، ولكن يختلف القسم الجنوبي عن القسم الشمالي، فالقسم الشمالي على طريق واسع، وعلى مكان معروف، وقريب من المرافق ومن الخدمات، وأما القسم الجنوبي فليس على مرفق، وليس حوله ولا أمامه إلا طريق ضيق، ففي هذه الحال إذا قسمناه نصفين فكل واحد منهما يقول: أنا أريد القسم الشمالي، ففي هذه الحال نقول: من كان له القسم الشمالي يدفع للآخر عشرة آلاف ريال، هذا فيه رد عوض، فهل هذه قسمة إجبار أو قسمة تراض؟ قسمة تراض؛ لأن فيها رد عوض، فليس كل منهم يرضى بهذه القسمة فيقول: قنعت. أما إذا كانت الأرض في صحراء، وليس حولها بناء، وهي أرض واسعة قدرها مائتا متر في مائتين، وهذه عندها مرافق وخدمات وهذه كذلك، وهي بين أربعة مثلاً، ففي هذه الحال إذا طلبوا القسمة جاز ذلك، وأجبروا على ذلك، وليس فيها رد عوض، فإذا قسمناها على أربعة فكل واحد له مائة في مائة، فهذه قسمة إجبار لا ضرر فيها ولا رد عوض. والشيء الذي يكال كالأكياس أو يوزن كالحديد والقطن، ويكون من جنس واحد ليس بينه تفاوت يعني: هذا بر كله، وهذا رز كله، والدور الكبار، والأراضي الواسعة، فالقسمة فيها قسمة إجبار، يجبر الشريك أو يجبر وليه إذا كانت الشراكة لولي يتيم، أو لولي مجنون، على القسمة ويقسم الحاكم على غائب، فإذا كان أحدهم غائباً وطلب الشركاء الحاضرون أو طلب أولياؤهم القسمة، يقسم الحاكم عليهم. وهذه القسمة تسمى إفرازاً وليست كالأولى، فالأولى بيع وهذه إفراز، وليس فيها خيار، ولكن إذا اتفقت الرغبات فإنهم يقرعون بينهم، وكل يأخذ ما يصيبه بالقرعة.

شروط القاسم

شروط القاسم القاسم الذي يتولى القسم يشترط فيه شروط: أن يكون مسلماً: فلا يتولى القسم من كان كافراً، وأهل الشراكة مسلمون. وأن يكون عدلاً: فلا يكون فاسقاً؛ لأنه قد يظلم أحدهما، ويعطيه أكثر أو يعطيه أقل. وأن يكون عارفاً بالقسمة، أي: قد جرب وعرف أنه من أهل المعرفة وأهل الفطنة، ما لم يتراضوا بغيره، فلو قالوا: نرضى بك يا فلان! قسمت بينهم وإن كنت لست من أهل التجربة، ولكن قد رضوا بك فقسمت بينهم وتراضوا، فتنفذ القسمة. وهل يشترط العدد؟ يكفي قاسم واحد، لكن إذا كان هناك تقدير فلا بد من اثنين أي: إذا كان هناك رد عوض، فمثلاً: إذا قسمنا الدار وكانت تختلف، وقلنا: لا بد أن نزيد صاحب هذا القسم الشرقي عن هذا الغربي؛ لأن الغربي أرغب، فنأتي باثنين، ويقال: قدرا: فيقولان: نقدر هذا القسم الغربي بثلاثمائة ألف، ونقدر الشرقي بمائتين، فيكون هذا ثلاثة أخماس، والآخر خمسان، فالذي يأخذ الغربي يلتزم بدفع نصف الخمس للآخر خمسمائة مثلاً، أو خمسين ألفاً أو نحو ذلك يعني: نصف الخمس حتى تتساوى، والتقدير لا بد فيه من اثنين لأنه فرق بين تقدير هذا وهذا، فيقولان: هذا خمسان وهذا ثلاثة، الفرق بينهما كذا، فالذي يأخذ الثلاثة أخماس يدفع نصف الخمس.

قسمة التعديل

قسمة التعديل يقول: (وتعدل السهام بالأجزاء إن تساوت) : تعدل بالأجزاء أي: بالأمتار، فإذا كانت الأرض واسعة، بحيث قسناها وإذا هي أربعمائة متر، أو أربعة آلاف متر، أو أربعون ألف متر، فهذه تقسم بالأجزاء، فيقال: لك يا هذا مائة متر، وأنت يا هذا مائة، وأنت يا هذا مائة، وأنت يا هذا مائة، أو لك يا هذا مائتان، ولك يا هذا مائتان؛ لأنها مستوية، ولا فرق بين أجزائها، والربوة في هذه مثل الربوة في هذه. فتقدر السهام بالأجزاء، والأجزاء هي السهام يعني: هذا مائتان وهذا مائتان إذا تساوت، فأما إذا لم تتساو فإنها تقدر بالقيمة، فإذا قسمنا البيت نصفين شرقياً وغربياً، وكان بينهما تفاوت فنقدره بالقيمة: كم يساوي الشرقي؟ فإذا قالوا: الشرقي يساوي أربعمائة ألف قلنا: وكم يساوي الغربي؟ يقولون: يساوي ستمائة ألف فهذا يسمى التقدير بالقيمة، فتقدر القيمة، ويأخذ كل منهما ما يناسبه، قد يكون لأحدهما مثلاً الثلثان، فإذا قدرنا أن هذا بستمائة وهذا بمائتين فالذي له الثلث يأخذ الذي بستمائة، ويرد على الآخر؛ لأن المجموع مثلاً ثمانمائة، فإذا قدرنا هذا بأربعمائة وهذا بستمائة، فيرد أيضاً الزائد، صاحب الثلثين يأخذ نصيبه، ويرد الزائد على صاحب الثلث. وكذلك إذا قدرت بالرد، فإذا وزعوها أقرع بينهم، فمن أصابته قرعة كذا فإنه يرضى بما أصاب، وتلزم القسمة بالقرعة، أما إذا لم يقترعوا وتراضوا فيما بينهم وقالوا: نحن نقسم الأرض، نحن إخوان والأرض بيننا، فنقسمها ولك الخيار يا أخي، فإذا خير أحدهما صاحبه فلا يحتاج إلى قرعة، وحينئذ إذا رضيا وتفرقا فإنها تلزم، ولو طلبا بعد ذلك أن يعيدا القسمة لم يلزم.

شرح أخصر المختصرات [86]

شرح أخصر المختصرات [86] مما ينبغي معرفته من الفقه باب الشهادات؛ فإن الشهادات مهمة لإثبات الحقوق وإقامة العدل، وللشهود شروط وصفات يجب تحققها حتى تقبل شهادتهم وتترتب عليها آثارها.

الشهادات

الشهادات قال المصنف رحمه الله: [كتاب الشهادات: تحملها في حق الله فرض كفاية، وأداؤها فرض عين مع القدرة بلا ضرر، وحرم أخذ أجرة وجعل عليها لا أجرة مركوب لمتأذ بمشي، وأن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع أو استفاضة عن عدد يقع به العلم فيما يتعذر علمه غالباً بغيرها كنسب وموت ونكاح وطلاق ووقف ومصرفه، واعتبر ذكر شروط مشهود به، ويجب إشهاد في نكاح ويسن في غيره. وشرط في شاهد: إسلام وبلوغ وعقل ونطق، لكن تقبل من أخرس بخطه، وممن يفيق حال إفاقته، وعدالة ويعتبر لها شيئان: الأول: الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض برواتبها، واجتناب المحارم بألا يأتي كبيرة، ولا يدمن على صغيرة، الثاني: استعمال المروءة بفعل ما يزينه ويجمله وترك ما يدنسه ويشينه. ولا تقبل شهادة بعض عمودي نسبه لبعض، ولا أحد الزوجين للآخر، ولا من يجر بها إلى نفسه نفعاً أو يدفع بها عنها ضرراً، ولا عدو على عدوه في غير نكاح، ومن سره مساءة أحد أو غمه فرحه فهو عدوه، ومن لا تقبل له تقبل عليه] . قوله: (كتاب الشهادات) . يعني: الشهود، ويعم ذلك تحمل الشهادة ويعم أداءها. قال: (تحملها في حق الله فرض كفاية، وأداؤها فرض عين مع القدرة بلا ضرر) . التحمل: أن يدعوك فيقول: اذهب اشهد معي على فلان أنه اعترف بأن عنده لي كذا وكذا هل تذهب معه؟ هذا فرض كفاية ولا يلزمك، ولك أن تقول: الشهود كثير، لك أن تشهد غيري، اذهب إلى فلان واذهب إلى فلان، فهم أقدر مني، وهم أفرغ مني أو نحو ذلك، هذا هو التحمل. فإذا لم يجد ألزم من تعين عليه، فإذا لم يجدك إلا أنت فإن عليك أن تذهب معه حتى تحمل الشهادة، سواء كانت شهادة على بيع، أو على نكاح، أو على إثبات دين، أو على إقرار مدين، أو على إقرار لحق في ذمة، أو أي شيء مما يحتاج إلى الإشهاد. أما أداء الشهادة فإنه فرض عين مع القدرة بلا ضرر، فإذا تحملت الشهادة، وشهدت على فلان وفلان أنهما اعترفا بأن عندهما ديناً، أو عندهما حقاً، أو أنهما باعا، أو وقفا، أو تنازلا بكذا، ثم احتيج إلى إثبات شهادتك عند القاضي ودعوك فهل تمتنع؟ لا تمتنع عن أداء الشهادة، وذلك فرض عين، قال الله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة:282] قال العلماء: إذا دعوا للتحمل فإن لهم أن يمتنعوا؛ لأن في الإمكان أن يجد غيرهم، وأما إذا دعوا للأداء عند الحاكم فلا يمتنعون، بل ولا يحل لهم الكتمان قال الله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283] . فإذا كتم الشهادة وهو يعلم أنه يضيع حقاً فإنه آثم قلبه، ولكن مع ذلك إذا قال: أنا علي ضرر الآن، أمهلوني فإني الآن منشغل، أو أنا ناعس اتركوني أنام، أو جائع اتركوني أطعم، أو مرهق اتركوني أستريح، أو نحو ذلك فهل يلزمونه؟ لا يلزمونه؛ لأنه في هذه الحال عاجز وعليه ضرر، قال الله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282] أي: لا تضروه، لا تضروا الكاتب وتتعبوه، ولا تضروا الشهيد وتتعبوه وترهقوه، بل ارفقوا به فإنه محسن، سيما إذا كانت الشهادة على شيء يمكن تداركه، ويمكن أن يؤجل يوماً أو أياماً، فلا يلزم أن يؤدى في حينه.

حكم أخذ الأجرة على الشهادة

حكم أخذ الأجرة على الشهادة يقول: (وحرم أخذ أجرة وجعل عليها) . وذلك لأنها تكون حينئذ شهادة لغير الله، والله تعالى يقول: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق:2] يعني: اجعلوا شهادتكم لله، ولا تأخذ على شهادتك أجراً، فالذي يقول: أنا ما أشهد لك إلا إذا أعطيتني أجرة مائة أو ألفاً، فإذا طلب أجرة فلا يعطى؛ لأن هذا طعن فيه فلا يكون مقبول الشهادة، ولا يجوز للمشهود له أن يعطيه ويقول: اشهد لي وأعطيك على الشهادة مائة أو ألف ريال، وهذا هو الجعل. أما إذا قال: أنا سوف أستأجر للحضور سيارة أجرة، اتصل بك وأنت مثلاً في طرف البلد وقال: يا فلان احضر أنا الآن عند القاضي، وأنت شاهد لي فإذا قلت: أنا سوف أحضر ولكن أعطني أجرة سيارة الأجرة فإني سوف أركب سيارة أجرة وأدفع مثلاً عشرين ريالاً، فلك أن تطلب ما دفعته؛ لأنه ليس لك مصلحة من هذه الشهادة، والمصلحة هي له فهو الذي كلفك، فعليه أن يدفع أجرة مركوب؛ لأنك تتأذى بالمشي الذي يشق عليك، إذا كنت مثلاً في طرف البلد، والبلاد الآن واسعة، وقد يكون بينك وبين المحكمة مثلاً أربعون كيلو ويشق عليك أن تقطعها ماشياً، بخلاف ما إذا كان بينك وبينه أربعون متراً أو مائة متر فإنك تأتي ماشياً ولا تتأذى بالمشي.

حرمة الشهادة إلا بعلم

حرمة الشهادة إلا بعلم يقول: (يحرم أن يشهد إلا بما علم) . لا يجوز الشهادة إلا بعد التثبت قال الله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ} [يوسف:81] ، فلا بد أن يشهد عن علم، وبأي شيء يحصل العلم؟ بالرؤية، أو السماع، أو الاستفاضة عن عدد يقع بهم العلم بما يتعذر علمه غالباً بغيرها، كنسب وموت ونكاح وطلاق ووقف ومصرفه. مثال الرؤية أن يقول: نعم أنا رأيته عندما ضرب فلاناً، أنا رأيته عندما انتهب مالاً، أو اغتصب كيساً، أو نحو ذلك، أنا رأيته رأي العين، أنا رأيته عندما طعنه بسكين، أنا رأيته يسوق سيارة واصطدم بشجرته أو بجداره فهدمه، فيشهد بما علم. كذلك السماع يقول: أنا سمعته يقول: بعني بدين فقال: بعتك بألف ديناً إلى شهر أو إلى شهرين وشهدته عندما أخذ السلعة وحملها، أو سمعته وهو يعترف أن عندي لفلان ألف ريال، أو عندي لفلان مائة دينار، أو ألف درهم، أو نحو ذلك، سمعت ذلك سماعاً يقينياً، فيشهد بالسماع. إذا لم يسمع ولم ير ولكن استفاض عن عدد كثير من الناس يعلم بهم ما يتعذر علمه كما لو قال: أنا أشهد أن هذا ولد هذا، فيقال: هل رأيته عندما ولد على فراشه؟ فيقول: ما رأيته، ولكن أنا عرفته وعمره عشر سنين وهو يمشي معه ويقول: هذا ولدي، والناس يقرونه، ويدعوه ويقول: هذا أبي وأنا أشهد أن هذا ولده، أو أن هذا أبوه، أو أشهد أن هذا أخوه، فيقال: هل رأيته عندما ولد؟ فيقول: لا ما سمعته ولا رأيته، ولكن بالاستفاضة عن الناس، فكلهم يقولون: فلان بن فلان، وفلان أبو فلان. وكذلك الشهادة بالوفاة: هل تشهد أنه توفي؟ أنا ما رأيته عندما خرجت روحه، ولكن كثير من أهل البلد أخبروني أنه توفي، ولكني لم أحضر روحه عندما خرجت، فأشهد بالاستفاضة، سمعت من فلان وفلان وفلان وكلهم شيعوه، وعزوا أهله، وصلوا عليه، وهم أعداد كثيرة، أشهد بذلك. وكذلك أيضاً إذا شهد بأن هذه زوجة فلان، أو شهد بأن فلاناً قد زوج ابنته فلانة لفلان، فيقال: هل حضرت العقد؟ فيقول: ما حضرته، ولكن انتشر الخير بين الناس، ورأيتهم يهنئون هذا، ويبركون له، ورأيتهم حضروا احتفاله بالزفاف، واشتهر بينهم أنه أخذ زوجته، وأنه دخل بها، أشهد بذلك وإن لم أحضر، فله أن يشهد بالاستفاضة. وكذلك الطلاق: إذا قال: أشهد أنه طلق، فيقال: هل سمعته عندما طلق؟ فيقول: ما سمعته ولكن انتشر الخبر، وقد ذكره فلان لفلان وهم عشرة أو عشرون وكلهم يقولون: إن فلاناً طلق زوجته، وانتشر الخبر في البلد، فأنا أشهد بالانتشار. وكذلك الوقف: هل سمعته عندما أوقف هذه الدار وقال: هذه الدار وقف؟ فيقول: لا. ما سمعته، ولكن انتشر ذلك بين الناس، وكلهم يقول إنه أوقف هذه الدار أو هذا البستان، أو المزرعة، أو النخلة وكلهم يقول: هذه وقف، أوقفها فلان. فيشهد وإن لم يحضره عندما أوقفها ولا سمعه، ولكن انتشر الوقف في البلد، وكل الناس يعرفون أن هذا الوقف مصرفه في كذا وكذا.

شروط المشهود به، وحكم الإشهاد

شروط المشهود به، وحكم الإشهاد يقول: (واعتبر ذكر شروط مشهود به) المشهود به هو المال أو أي حق من الحقوق، فلابد أن يذكر شروطه، فيقول مثلاً: إني أشهد على البيع، وأن البيع حصل على الرضا، وأنه حصل من مالك، وأنه بثمن معلوم، وأن الرؤية معلومة، وأن المبيع مقدور على تسليمه، فيذكر شروط مشهود به. وكذلك أيضاً شروط النكاح، يقول مثلاً: أشهد بتمام الشروط، أشهد أن هذا أوجب، وأن هذا قبل، وأنهما متراضيان، وأن المهر معروف، وأن الموانع منتفية، فالمشهود عليه لابد أن تذكر شروطه. وما حكم الإشهاد على النكاح؟ حكم الإشهاد عليه واجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) ، فلابد في عقد النكاح من شاهدين اثنين، هذا مذهب الجمهور، وذهب المالكية إلى أنه يكفي الإعلان، فلو عقد بدون شاهدين تم النكاح، والجمهور على وجوب الإشهاد. وما حكم الإشهاد على البيع؟ قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة:282] وقال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] فهل يكون الإشهاد واجباً؟ هل كل من باع كأساً يشهد، حتى ولو باع قلماً يشهد عليه؟ قد يكون البيع ديناً، ويثق بصاحبه ولا يشهد. إذاً: الإشهاد على البيع ليس بواجب، ولكنه مسنون مخافة الإنكار.

شروط الشاهد

شروط الشاهد يشترط في الشاهد: إسلام وبلوغ وعقل ونطق، لابد من هذه الشروط. الشرط الأول: الإسلام: لقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282] والكافر لا يرضى، فلا تقبل شهادته. الشرط الثاني: البلوغ؛ لأن الصغير ليس له ما يحجزه عن الكذب. الشرط الثالث: العقل، فاقد العقل لا معرفة له وهو المجنون. الشرط الرابع: النطق، أي: الكلام حتى يؤدي ما يشهد به؛ لأنه إذا كان أخرس لم يعرف ما شهد به، لكن تقبل من أخرس بخطه إذا كان يعرف الخط، فبعض فاقدي الكلام يكتبون الحروف كتابة واضحة، ففي هذه الحال إذا أدى الشهادة بخطه قبلت، وأما الإشارة فليس كل واحد يفهمها. وإذا كان مجنوناً ولكنه يصرع أحياناً، فإذا أدى شهادته في حالة إفاقته قبلت، وإذا كان يصرع دائماً فأدى الشهادة وهو مصروع فلا تقبل منه. الشرط الخامس: العدالة، فلابد من العدالة، وضدها الفسوق، والعدل هو الذي أدى حقوق الله تعالى وحقوق العباد، وتجنب القوادح في دينه وفي عقله وفي معاملاته ونحو ذلك، فيشترط للعدالة شيئان: الأول: الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض بنوافلها، واجتناب المحارم، فلا يأتي كبيرة، ولا يدمن على صغيرة، وذكروا أنه إذا كان لا يحافظ على الرواتب فذلك قدح فيه، فمثلاً: إذا قال صاحب الحق: إنه يصلي، فقال المشهود عليه: نعم، ولكنه لا يصلي الرواتب، لا الراتبة التي قبل الظهر، ولا التي بعدها، ولا التي بعد المغرب، ولا راتبة العشاء، ولا قبل الفجر، وكذلك لا يحافظ على الأذكار، فيخرج ساعة ما يسلم ولا يأتي بالأذكار بعد الصلوات، ولا يتقدم إلى المساجد، وإنما يأتي إذا أذن؛ فهذا لا تقبل شهادته؛ وذلك لأن فعله هذا يدل على خفة في دينه، وخفيف الدين قد تخف عليه الشهادة، فيشهد وهو غير متثبت. والفرائض يدخل فيها الزكاة والصيام والحج والدعوة إلى الله، والنصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، فإذا عثر على أنه يفرط في شيء من هذا فإنه يقدح فيه، فإذا قال المعترض: إن هذا قاطع رحم. لم تقبل شهادته، إنه عاق لأبويه، إنه هجر إخوته؛ فلا تقبل شهادته، وإذا قال: إنه غشاش في معاملاته، إنه يتعامل بالربا، إنه يأخذ الرشوة. والوقوع في أي من الكبائر أو الإصرار على الصغائر، ترد به شهادته، فإذا قال: إنه يحلق لحيته، فقال: حلق اللحية من الصغائر، فنقول: الإصرار عليها من الكبائر، فهذا أصر على حلق اللحية فلا تقبل شهادته، وإذا قالوا: إنه يسبل ثيابه، فالإسبال قد يقال: إنه صغيرة، ولكن الإدمان عليه كبيرة فلا تقبل شهادته، وإذا قال: إنه يشرب الدخان فلا تقبل شهادته، أو يشرب الخمر أو يتعاطى المخدرات، أو يسمع الغناء، أو ينظر إلى الصور الفاتنة، فضلاً عن كونه يزني أو يفعل فاحشة اللواط أو متهم بذلك، أو يلاحق النساء المتبرجات، ويغازل، ويعاكس، وما أشبه ذلك؛ فهذه كلها من الكبائر، فلا تقبل شهادة من يفعل ذلك. فالكبائر التي أوصلها الذهبي إلى سبعين كبيرة في كتاب الكبائر، إذا أصر على واحدة منها أو فعلها اعتبر قادحاً في شهادته. الشيء الثاني: استعمال المروءة: أن يفعل ما يجمله ويزينه، ويترك ما يدنسه ويشينه، هكذا ذكروا، فالأشياء التي تجمله يحافظ عليها، من اللباس الحسن، والكلام الحسن، وكذلك صحبته للأخيار، ومجالسته لهم، فإذا كان جلساؤه أهل الفساد لم تقبل شهادته، وهكذا أيضاً إذا كان بذيء اللسان، بأن كان يسب، ويشتم، ويقبح، ويلعن، ويغتاب، وينم، ويفشي الأسرار، ويتنكر لأهل الخير، ويتعاطى أشياء تقدح في عدالته، وتقدح في شرفه، فإنه لا تقبل شهادته، وعدوا من ذلك أشياء، فإذا كان الناس في البلد لا يمشون إلا وقد ستروا رءوسهم، وهو يمشي حاسر الرأس عد ذلك قادحاً في عدالته، أو كان يرفع ثوبه إذا مشى حتى يبدي شيئاً من فخذه، ولا يبالي بنظر الناس إلى فخذه أو إلى شيء من عورته عد ذلك قادحاً، وكذلك إذا كان يأكل في السوق والناس ينظرون إليه؛ عد ذلك قادحاً في عدالته، وإذا كان يضطجع أمام الجلوس الذي جلسوا أو يمد رجليه أمامهم عد ذلك قادحاً في عدالته، وأفعال المروءة كثيرة تجدونها في كتب الأخلاق، والمؤلف أجملها بقوله: يفعل ما يجمله ويزينه، ويترك ما يدنسه ويشينه. ومثل له في الحاشية بالمتمسخر والرقاص والمضحك واللاعب بألعاب تخل بالمروءة، وملاعب القردة، وصاحب صنعة يكون فيها سخرية، ويوجد في الشروح أمثلة كثيرة للقوادح.

من تقبل شهادة المرء له ومن لا تقبل

من تقبل شهادة المرء له ومن لا تقبل ولا تقبل شهادة بعض عمودي النسب لبعض، مثل الأب والأجداد، فهؤلاء أصول، والأبناء وأبناؤهم، هؤلاء فروع، فلا تقبل شهادته لأبيه ولا لجده، ولا لجد أبيه، ولا لجدته ولو كانت جدة لأم أو جداً لأم، وكذلك لا تقبل شهادته لابنه ولا لابن ابنه أو لبنته أو لابن بنته أو لبنت ابنه أو لبنت بنته أو نحوهم من عمودي النسب. (ولا أحد الزوجين للآخر) يعني: لا تقبل شهادة المرأة لزوجها، ولا شهادة الزوج لزوجته؛ وذلك لأن كلاً منهما ينتفع بمال الآخر (ولا من يجر بالشهادة إلى نفسه نفعاً) : كأن كان شريكاً للمشهود له، أو كان وارثاً فشهد على إرث وهو من جملة الوارثين فهو يشهد لنفسه، فلا تقبل؛ لأنه يجر لنفسه منفعة. وكذلك من يدفع بالشهادة مضرة، فإذا شهد مثلاً أن هذا ما قذف، وهو قد قذف، ويريد بذلك أن يدفع الضرر عن نفسه؛ لأنه إذا كان قاذفاً ثبت عليه الحد، فهو يريد ألا يجلد. ولا تقبل شهادة عدوه إلا في نكاح، فإذا شهد على عقد النكاح فلا بأس، فإذا قال المشهود عليه: إن هذا عدوي، وإنه قد هجرني، وإنه قد ضربني، وإنه قد أخذ مني كذا وكذا، وبيني وبينه عداوة، فهو يفرح بما يضرني، فلا أقبل شهادته، وأتى ببينة تشهد أن بينهما عداوة، وأنهما متقاطعان ومتهاجران من زمن كذا وكذا، فلا تقبل. ومتى يعرف أنه عدو؟ من كان يسره مساءة أحد ويغمه فرحه فهو عدو له، مثلا ً: أخبر أن فلاناً رزق ولداً، فقال: لا بورك له فيه، أو قيل له: إنه ربح في تجارته فقال: لا هنأه الله؛ فهذا يدل على أنه عدو له، أو قيل: إن فلاناً مرض ولده فقال: عسى أن يموت، أو قال: عسى أن يمرض أولاده كلهم، دل ذلك على أنه عدو له، فهذا لا تقبل شهادته لأنه عدو له. والشاهد الذي لا تقبل شهادته له تقبل عليه، فإذا شهد ابنك أنك بعت على فلان، أو أنك سامحت وأسقطت دينك الذي عليه، أو شهد أنك وهبت من مالك كذا وكذا، فهي شهادته عليك، فتقبل شهادته عليه، ولا تقبل شهادته له، وكذلك بقية من ذكر، والله أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الشهادة لإنسان إحسانا للظن به

حكم الشهادة لإنسان إحساناً للظن به Q هذا أحد الإخوة في الشبكة وهو من الكويت يقول: ما حكم من يشهد لشخص لمجرد أنه في نظره صادق أو لمجرد أنه أخ يحتمل أنه صادق؟ A لا تجوز، لا يشهد إلا بما علم: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف:81] فكونه يقول: هذا لا يكذب فأنا أشهد له، لا يجوز، واستثنوا من ذلك الشهادات التي لا يترتب عليها ضرر على أحد كشهادة عقد النكاح، أو كالشهود الذين يشهدون في حجج الاستحكام؛ لأنهم يعرفون أن هذا هو صاحب هذا البيت ومالكه.

التسامح في شروط العدالة

التسامح في شروط العدالة Q يقول: في هذه القيود بالشهادة لاسيما العدالة يصعب الوصول إلى الشهود، فما هو الحل؟ A لا يصعب، أهل الخير فيهم بركة وفيهم خير، وأهل الشر الذين يتساهلون في ذلك لا تقبل شهادتهم ويطلب غيرهم، ولكن إذا كان أهل البلد كلهم على حالة واحدة حالقي اللحى مثلاً فيمكن أن يتسامح في ذلك إن لم يجدوا غيرهم.

حكم من شهد بما لا يعلم

حكم من شهد بما لا يعلم Q طلب مني أحد أقاربي الشهادة، وشهدت وأنا لا أدري ما هذه الشهادة، ولم يسألني الذي كتب شهادتي إلا بما في الأوراق وكانوا يقولون لي: إذا قال لك كذا فقل: نعم، يقول: فما هو الحل، وأنا لا أدري على أي شيء شهدت؟ A لابد أن تسأل قريبك عن أي شيء أشهد، فإذا كنت لا تعلم شيئاً عن هذه المعاملات أو هذه المبايعة فليس لك أن تشهد إلا بعلم، ولكن إذا كنت تعرف عمك أو قريبك هذا وتعرف أحواله، وتعرف معاملاته وتعرف أولاده، فالشهادة قد تكون على إثبات أن هؤلاء أولاده، وأن هذه زوجته وأنت تعرفه، ففي مثل هذا يتسامحون فيه.

هل تسقط عدالة من يأكل في المطعم؟

هل تسقط عدالة من يأكل في المطعم؟ Q هل تسقط عدالة من يأكل في المطعم أمام الناس؟ A قد لا تسقط إذا كان يأكل في المطاعم، فهذا من الضرورة، لكن إذا خرج بخبزة وجلس على الرصيف ليأكل، والناس ينظرون إليه، فهذا يقدح في عدالته، وأما المطاعم فالناس مضطرون إليها في كثير من الدول وفي كثير من المدن.

التحاكم إلى مشايخ القبائل مع فسق بعضهم

التحاكم إلى مشايخ القبائل مع فسق بعضهم Q ما حكم التحاكم إلى مشايخ القبائل مع أنهم ليسوا أهلاً للقضاء، بل قد يكون بعضهم من الفساق، فما هو الحل، وجزاكم الله خيراً؟ A لا يجوز التحاكم إليهم، والعادة أنهم يجعلون أنفسهم كمصلحين في نظرهم ولكن يلزمونهم، فيقولون: عليك يا هذا ذبيحة أو عليك ذبيحتان أو خمس أو نحو ذلك، ثم يكون هذا إلزاماً مع أنه يوجد عندهم قضاة، فلا يتعذرون، فما رفع إلى القاضي دعوى وقال: لا أعرفها اذهبوا إلى أمرائكم ورؤسائكم، ما وقع هذا.

حكم شهادة الزور على مسلم في محاكم الكفار

حكم شهادة الزور على مسلم في محاكم الكفار Q هذا سائل من سويسرا يقول: ما حكم المسلم الذي يشهد زوراً ضد مسلم في المحاكم الأوروبية، وحسب اليمين عندهم؟ A لا شك أنه يتحمل الإثم إذا شهد ضد إنسان كذباً، لكن إن كان يشهد بحق فله ذلك سواء للمسلم أو عليه، إذا دعي للشهادة وكان المدعى عليه مسلماً فليشهد بما عرف، فإذا كان ذلك المسلم ظالماً وجاحداً ومنكراً فلا شك أنه لا يجوز إقراره على ذلك، فيشهد عليه بالحق ولو كان خصمه كافراً، اشهد بما علمت.

قدح عدالة من يضرب بالدف

قدح عدالة من يضرب بالدف Q الرجل الذي يضرب الدف أحياناً، هل فيه شرط العدالة، وجزاكم الله خيرا؟ A المغنون وأهل الدفوف وأهل الطبول الذين يستعملون ذلك في كثير من المناسبات وفي كثير من الأوقات، يستقبل من يزوره بذلك، أو يجلس بين زملائه أو بين أضيافه ويفعل ذلك، فلا شك أن هذا قادح في عدالته.

حد ما تعم به البلوى في ترك القدح به

حد ما تعم به البلوى في ترك القدح به Q وهذا سائل من الكويت يقول: ما وجه من يقول من الفقهاء: إن ما يقدح في العدالة إذا عمت به البلوى يتسامح به في هذه الشهادة، ما حد ما تعم به البلوى وجزاكم الله خيراً؟ A هو الشيء الذي لابد منه من الأمور التي لا يمكن التخلص منها، فإذا كان أهل البلد قد انتشر بينهم مثلاً شرب الدخان، فيقولون: هذا عمت به البلوى، أو انتشر بينهم التصوير، ولا يمكن لأحد أن يسلم من حمل الصورة، فيقولون: هذا مما عمت به البلوى، أو انتشر بينهم سماع الغناء، ولا يسلم أحد ولا يسلم بيت من ذلك فيقولون: هذا عمت به البلوى، لكن إذا كان بالإمكان التخلص من هذا، فإنه يعتبر قادحاً سواء الغناء والدخان وحلق اللحى ونحو ذلك، ولكن قد يقولون: إن بعض البلاد لا يمكن أهلها التخلص منها.

من طلب من شريكه البيع مع تضرر شريكه بذلك

من طلب من شريكه البيع مع تضرر شريكه بذلك Q توفي جدي وترك بيتاً، فسكنه والدي وعمي، كل واحد منهما في جهة منه، ثم أراد عمي أن يبيع البيت؛ لأنه بحاجة إلى المال، وله بيت آخر يسكنه، وامتنع والدي من البيع؛ لأنه ليس لنا بيت آخر نسكنه ولا من المال ما نشتري به بيتاً أو نستأجر، علماً بأننا إذا بعنا البيت فإن نصيبنا من المال لا يكفي لشراء بيت آخر، فما هو الحل، وجزاكم الله خيراً؟ A حاولوا أنكم تشترونه من عمكم، ولو أن تشتروا نصيبه بثمن مؤجل، وإذا كان البيت واسعاً تطلبون القسم؛ لأن هناك قسمة إجبار، فاطلبوا قسمته بينكم نصفين وهو يتصرف بقسمه، وتسكنون في نصفكم، فإذا كان البيت مساحته عشرون في عشرين أو عشرون في عشرة فيمكن قسمه.

حكم الهدية للكافر

حكم الهدية للكافر Q يقول في الشبكة: نذرت أن أعطي طبيباً هدية إذا أجرى عملية لوالدي، والحمد لله تم ذلك، ولكن تبين لي أن الطبيب نصراني، فهل أوفي بنذري أم لا، وجزاكم الله خيراً؟ A لا تعطيه هدية إذا كان نصرانياً، ويكفيه أن تعطيه أجرته إذا كان عالجه بأجرة، وإن كان عاملاً للحكومة فالحكومة تدفع له مرتبه كاملاً، فلا حاجة أن تهدي له.

تكفي كفارة واحدة لمن تعددت أيمانه التي حنث فيها

تكفي كفارة واحدة لمن تعددت أيمانه التي حنث فيها Q مشكلتي أني سابقاً أجهل باب الإيلاء، فمثلاً: أحلف بالله ألا آتي زوجتي -أي: لا أجامعها- في هذه الليلة أو في هذا الأسبوع، وأحياناً أستثني وأحياناً أضمر في قلبي بدون نطق، وبعض الأحيان أقول: لن آتيها هذه الليلة بدون قسم وهكذا، فما الحل فيما سبق، مع العلم أني إذا أتيتها أكفر، وإذا كنت مستثنياً لا أكفر، وجزاكم الله خيراً؟ A تكفيك كفارة واحدة ولو تعددت الأيمان، وهي إطعام عشرة مساكين، وما كفرت عنه فلا يحتاج إلى تكفير مرة ثانية، ولو بقي عليك عشرة أيمان أو عشرون يميناً فيكفيها كفارة واحدة.

حكم قسمة الكفار

حكم قسمة الكفار Q إذا تراضى اثنان بقسمة كافر، فهل تبطل القسمة؟ A إذا كان هناك ما يبطلها فإنها تبطل، إذا عرف مثلاً أن الكافر الذي قسم بينهما لم يكن من أهل المعرفة، أو جار في قسمته أو نحو ذلك، أما إذا لم يجدوا إلا هذا القاسم وكان كافراً أو فاسقاً، وكانت قسمته مناسبة فلا تبطل.

شرح أخصر المختصرات [87]

شرح أخصر المختصرات [87] إذا كانت الدعاوى لا تثبت إلا بشهادة أو إقرار ونحو ذلك فإن الشهادة تختلف في عدد الشهود من دعوى إلى دعوى، فما يشترط لثبوت الحدود مثلاً غير ما يشترط لثبوت الأموال. وقد يتعذر حضور الشاهد الأصلي فيحمل الشهادة غيره، ولهذه أيضاً شروط، وقد بين الفقهاء أحكام ذلك وما يترتب عليه.

عدد الشهود في الدعاوى المختلفة

عدد الشهود في الدعاوى المختلفة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وشرط في الزنا أربعة رجال يشهدون به أو أنه أقر به أربعاً. وفي دعوى فقر ممن عرف بغنى ثلاثة. وفي قود وإعسار وموجب تعزير، أو حد ونكاح ونحوه مما ليس مالاً، ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال غالباً رجلان. وفي مال وما يقصد به رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي. وفي داء ودابة وموضحة ونحوهما قول اثنين، ومع عذر واحد. وما لا يطلع عليه الرجال غالباً كعيوب نساء تحت ثياب، ورضاع، واستهلال، وجراحة ونحوها في حمام وعرس: امرأة عدل أو رجل عدل. فصل: وتقبل الشهادة على الشهادة في كل ما يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي. وشُرِط تعذر شهود أصل بموت، أو مرض، أو غيبة مسافة قصر، أو خوف من سلطان أو غيره، ودوام عدالتهما، واسترعاء أصل لفرع أو لغيره، وهو يسمع فيقول: أشهد أني أشهد أن فلان بن فلان أشهدني على نفسه أو أقر عندي بكذا ونحوه، أو يسمعه يشهد عند حاكم، أو يعزوها إلى سبب كبيع وقرض، وتأدية فرع بصفة تحمله وتعيينه لأصل، وثبوت عدالة الجميع. وإن رجع شهود مال قبل حكم لم يحكم وبعده لم ينقض وضمنوا. وإن بان خطأ مفت أو قاض في إتلاف لمخالفة قاطع ضمنا] .

عدد الشهود في الزنا

عدد الشهود في الزنا لما ذكر المؤلف الشهادات ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل، وما يتعلق بها؛ تكلم بعد ذلك في عدد الشهود في الدعاوي التي يختلف فيها الحكم، فذكر أن عدد الشهود في الزنا أربعة، ودليل ذلك: قول الله تعالى في سورة النساء: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء:15] وقوله تعالى في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:4] ، إلى قوله تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ} [النور:13] فدل على اشتراط أربعة، ولابد أن يكونوا رجالاً، فلا تقبل شهادة النساء ولو كثرن في هذا؛ وذلك لأنه شيء يتعلق بالرجال، ويطلع عليه الرجال؛ فاشترط أن يكونوا رجالاً، وتقدم قول المؤلف: ثبوته بشهادة أربعة رجال عدول في مجلس واحد بزناً واحد مع وصفه، يعني: لابد أن يكونوا في مجلس واحد، ولابد أن يكونوا عدولاً، ولابد أن يشهدوا بزناً واحد، ولابد أن يصفوه وصفاً شاملاً؛ وبذلك يثبت الحد الذي هو الزنا. يقول العلماء: لابد أن يشهدوا به شهادة واضحة بأن يروا فرجه في فرجها، وقد ذكرنا في كتاب الحدود أن هذا قد يكون متعذراً، يعني: رؤية الفرجين، ولكن إذا تحققوا أنه وقع بها وأنه أولج فيها، ورأوا علامات ظاهرة تدل على الزنا؛ فإنهم يشهدون وتقبل شهادتهم، وإذا شهد أربعة على رجل بأنه زنى قبلت شهادتهم على الصحيح ولو جاءوا متفرقين، وهكذا أيضاً لو شهد اثنان في يوم السبت أنه زنى، ثم شهد يوم الأحد آخران أنه زنى، فاجتمع أربعة عدول ثقات، ففي هذه الحالة تقبل شهادتهم، ويقام عليه الحد، هذا ما يتعلق بما يثبت به حد الزنا. وكذلك إذا شهدوا أنه أقر عندهم أربع مرات، فهذا أيضاً مما يقام به الحد، يقولون: نشهد أنه اعترف عندنا أربع مرات أنه زنى بفلانة، ففي هذه الحال تقبل شهادتهم، والصحيح أنه إذا أنكر يدان، فإذا قال: إنهم كذبوا علي. وكانوا عدولاً فإنه يدان، ويقام عليه الحد بموجب شهادتهم على اعترافه، ولا يقبل إنكاره ولا يقبل رجوعه ولو قال: رجعت عن الإقرار بعد أن شهد عليه أربعة؛ فالصحيح أنه لا يقبل. هناك من يقول: إذا رجع يقبل رجوعه ولا يقام عليه الحد، واستدلوا بما وقع في رجم ماعز فإنه لما أذلقته الحجارة هرب، وروي أنهم ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هلا تركتموه) ، ولكن لما لم يعنفهم ولم يضمنهم؛ دل على أنه مستحق للرجم ولو هرب.

عدد الشهود في دعوى الفقر

عدد الشهود في دعوى الفقر يقول: (وفي دعوى فقر لمن عرف بغنى ثلاثة) ، دليل ذلك حديث قبيصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا قبيصة! لا تحل المسألة إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله حلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة -يعني: فقر- حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه فيقولون: نشهد بالله لقد أصابت فلاناً فاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش) ، فإذا كان إنسان معروفاً بالغنى ثم ادعى أنه افتقر، فلا تقبل دعواه، ولا تحل له المسألة إلا إذا شهد له ثلاثة من ذوي الحجا من قومه -يعني: من أقاربه العارفين به - فيقولون: نشهد بأنه افتقر بعد أن كان غنياً، وأصابه فقر وفاقة. فحلت له المسألة وإلا فلا تحل له.

ما يكفي فيه شهادة رجلين

ما يكفي فيه شهادة رجلين مما يقبل فيه رجلان: القود يعني: القصاص بالنفس، وما دون النفس. فالقود يقبل فيه شاهدان رجلان يقولان: نشهد بأن هذا الذي قتل فلاناً، أو نشهد بأنه هو الذي قطع يده أو فقأ عينه أو جدع أنفه أو قطع إصبعه أو قلع سنه؛ لأن هذا قود، فهذا يقبل فيه شاهدان. وكذلك الإعسار، إذا قالا: نشهد أنه معسر، إذا لم يكن معروفاً بالغنى فيشهد اثنان على إعساره. وكذلك ما يوجب التعزير أو يوجب الحد، مثال الذي يوجب التعزير: سرقة مال يسير دون نصاب السرقة، وكذلك قذف بغير الزنا، إذا قذفه بغير الزنا ولو بالكفر أو بالبدعة فإنه إذا جاء شاهدان فقالا: نشهد أن هذا كفر فلاناً، أو أنه رماه بأنه يشرب الخمر أو أنه قد سرق فشاهدان يكفيان في عقوبة التعزير، فلو شهد عليه اثنان أنه سرق تحت النصاب عزر، ولو شهدا أنه ضم امرأة أجنبية أو قبلها وهي لا تحل له أو نحو ذلك ففيه التعزير، ويقبل فيه شاهدان. وكذلك عقد النكاح يكفي فيه شاهدان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) . وكذلك عقد المبايعة والإجارة ونحو ذلك. يقول: (ما ليس بمال ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال غالباً يقبل فيه رجلان) . فيقبل رجلان في القصاص وفي الحدود وفي العقوبات وما أشبه ذلك مما يطلعون عليه، وكذلك في إثبات النسب إذا قال: إن هذا ابني، فقيل: ائت بشاهدين، فجاء بشاهدين؛ ثبت نسبه. وكذلك الطلاق، قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق:2] فهذه كلها يقبل فيها رجلان، ولا يقبل فيها النساء، فلا تقبل شهادتهن في إثبات الحدود، وتكون مرجحة فإذا شهد نساء أن هذا دخل بيت فلان وسرق منه، فلا يقام عليه حد القطع، ولكن يعزر، وكذلك لو شهد النساء أن هذا شرب خمراً أو أن هذه شربت خمراً فلا يقام الحد ولكن يقام التعزير.

ما يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين

ما يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين متى تقبل شهادة رجل وامرأتين؟ في المال وما يقصد به المال، فيقبل رجل وامرأتان في البيع كما قال الله تعالى: {َاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282] فهذا في المبايعات؛ لأنها مال، يقول الشهود: نشهد أنه باع هذه الدار على فلان، نشهد أنه أقر بدين قدره ألف أو عشرون ألفاً، نشهد أنه أوصى له بمال، نشهد أنه وهبه هذه الشاة مثلاً، نشهد أنه كساه هذا الثوب. فالمال وما يقصد به المال تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال، والذي يقصد به المال هو ما يستفاد منه مالياً كما لو قالوا: نشهد أنه أسكنه هذه الدار مجاناً، أو منحه هذه البقرة ليشرب من لبنها أو ما أشبه ذلك، فهذه تقبل فيها شهادة رجل وامرأتين. وإذا لم يكن هناك إلا رجل فتقبل شهادته مع اليمين، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالشاهد واليمين، فإذا جاء المدعي بالشاهد وقال: لا أعرف شاهداً آخر، عند ذلك قال: عليك اليمين، احلف مع شاهدك ونحكم لك، فإذا حلف ومعه شاهد حكم له، هذا في المال أو ما يقصد به المال. وأما شهادة زنا، أو شهادة سرقة، أو شهادة سكر، أو شهادة قذف، أو شهادة نكاح أو طلاق؛ فلا تقبل فيها النساء، ولا تكفي فيها اليمين.

ما يقبل فيه شهادة الواحد

ما يقبل فيه شهادة الواحد متى تقبل شهادة واحد؟ ذكر أنه يقبل قول طبيب واحد مجرب إذا أثبت أن هذا مريض أو أن هذه الدابة مريضة، ففي الأمراض تقبل شهادة الطبيب، وكذلك في الدواب إذا قال: هذه الدابة معيبة، وكان معروفاً بالخبرة فإنها تقبل شهادته. وكذلك الموضحة - وهي الشجة التي تصل إلى العظم-إذا شهد المقدر أنها وصلت إلى العظم، فتقبل شهادته ولو كان وحده، فإن تيسر اثنان يقولان: نشهد أنها موضحة وصلت إلى العظم فهو أفضل، فإن لم يتيسر قبل واحد مع العذر.

شهادة النساء

شهادة النساء تقبل شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال غالباً من أمور النساء الخفية، وإنما يطلع عليها النساء، مثل العيوب الخفية التي تحت الثياب، فإذا شهد النساء مثلاً أنها بكر أو أنها ثيب فهذا لا يطلع عليه الرجال، أو أن فيها عيباً كعفل أو قرن أو فتق وغيرها مما يذكر من عيوب النساء التي ترد بها في النكاح، وتقدم في كتاب النكاح ذكر العيوب كالرتق والعفل والقرن ونحو ذلك، فهذه لا يطلع عليها إلا النساء، فإذا شهدت امرأة ثقة بمثل هذا فإنه يقبل. وكذلك الرضاع، فهذا أيضاً لا يطلع عليه الرجال، ودليله: قصة عقبة بن عامر لما تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء فقالت: إني قد أرضعت عقبة والذي تزوج بها، فأنكر ذلك عقبة وقال: أنا ما أعرف ذلك، فعند ذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (كيف وقد قيل؟ خلها عنك) ففارقها عقبة وتزوجت غيره، فهذا دليل على أنها تقبل شهادة المرأة الواحدة في الرضاع؛ لأنه لا يعرف إلا من قبلها. وكذلك الشهادة في الاستهلال، وفسر الاستهلال بالصياح، فإن الولد إذا خرج من بطن أمه واستهل -أي: صاح- يكون حياً وإن لم يصح يكون ميتاً؛ وذلك لأنه إذا خرج حياً واستهل وصرخ دل ذلك على أنه حي فيورث، وإذا ولد ميتاً فلا يورث، فإذا قالت المرأة الواحدة: أشهد أنه استهل، يعني: صاح عندما ولد، قبلت شهادتها وحدها. وكذلك الجروح الخفية في المرأة، إذا قالت امرأة: اطلعت على جرح في هذه المرأة تحت الثياب، وقد يكون هذا في الحمامات، فهناك حمامات خاصة للنساء في بعض البلاد الباردة، وحمامات أخرى للرجال يغتسلون فيها، والغالب في ذلك الزمان أنها تكون مظلمة، لم يكن هناك كهرباء، ولا يستخدمون فيها السرج؛ وذلك لأنها ليس لها منافذ، فالنساء قد يقع بينهن في الحمام شيء من المشاجرات والمخاصمات والضرب ونحو ذلك، فإذا شهدت امرأة واحدة أنها رأت جرحاً في هذه المرأة تحت الثوب، وأنه بسبب فلانة قبلت شهادتها. يقول: وكذلك الجراحات التي في العرس، فإذا كان النساء في حفل زواج، فقد يحصل بينهن شيء من الاختلاف ومن المضاربة في ذلك الحفل، فتحصل جراحات وما أشبه ذلك، فإذا شهدت بذلك امرأة واحدة عدل موثوقة قبلت شهادتها، وكذلك بطريق الأولى الرجل.

الشهادة على الشهادة

الشهادة على الشهادة هذا الفصل يتعلق بالشهادة على الشهادة، ويبوبون له: باب الشهادة على الشهادة، والمراد تحمل الفرع للشهادة عن الأصل، إذا كان إنسان عنده شهادة، وخاف أنه يموت، وجاء إلى إنسان وقال: اشهد على شهادتي أني أعرف أن هذا ملك لفلان، أو أعرف أن هذا الرجل يرث فلاناً، وأنه أقرب من يرثه، أو أشهد أن هذه البئر حفرها فلان، اشهد على شهادتي، فهذه تسمى الشهادة على الشهادة. فتقبل فيما يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي، وقد تقدم أنه يقبل كتاب قاضٍ إلى قاضٍ في كل حق آدمي، وفي كل ما حكم به لينفذه، وكذلك الشهادة على الشهادة في حقوق الآدميين، وأما في حقوق الله فلا، فإذا قال: أشهد أن فلاناً زنى، اشهد على شهادتي، وأشهد أن فلاناً سرق ما بلغ النصاب ووجب عليه قطع يد، أشهد أن فلاناً شرب الخمر، فاشهد على شهادتي، فلا يشهد على الشهادة إلا في حقوق الآدميين؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحاة والمضايقة، وأما حقوق الله تعالى فإنها مبنية على المسامحة.

شروط الشهادة على الشهادة

شروط الشهادة على الشهادة ما هي كيفية تحميل الشهادة؟ ومتى يشهد الفرع على شهادة الأصل؟ يشترط لتحميل الشهادة -أولاً- أن يتعذر شهود الأصل، فإذا كان شهود الأصل موجودين فلا حاجة إلى الفرع، فنأتي بالأصل، ونحضرهم عند القاضي فيقولون: نعم، نشهد أن فلاناً باع كذا واشترى كذا، نشهد أنه غرس أو أنه حفر أو أنه بنى هذا المكان، أو أنه باع، أو أنه اشترى، أو أنه صنع كذا، نشهد بذلك. فإذا تعذر شهود الأصل احتيج إلى شهود الفرع. متى يتعذر شهود الأصل؟ يتعذر بالموت، الشاهد الأول مات، فنأتي بالفرع ونقول له: أليس فلان أشهدك قبل أن يموت على أن هذا ملك لفلان؟ فيقول: نعم، وحملني شهادته. وكذلك إذا كان مريضاً، فالمريض إذا كان عنده شهادة ثم قال لك: إني لا أقدر على الذهاب إلى القاضي، ولكن اشهد عني وانقل شهادتي بأني أشهد أن هذا لفلان وأن هذا لفلان، فإنه يقبل. وكذلك إذا كانت غيبة طويلة، ويمثلون بالغيبة مسافة قصر وهي في ذلك الزمان غيبة طويلة، مثلاً من الرياض إلى الخرج أو إلى قرى سدير، هذه مسافة طويلة في ذلك الوقت، فكانوا يحتاجون للشهادة على الشهادة، فيقول: أنا لا أقدر أن أرسل رسالة إلى القاضي ولكن احمل شهادتي إليه، اشهد أني أشهد أن فلاناً باع كذا أو اشترى كذا أو ما أشبه ذلك، فحينئذ تقبل شهادة الفرع. وقد ذكرنا أن الزمان قد تغير في مسألة القرب والبعد، ففي هذه الأزمنة صار ذلك البعيد قريباً، كان مسيرة خمسة أيام فأصبح مسيرة ساعتين أو ثلاث ساعات، فلا يكون هناك مشقة، فيقال لصاحب الحق: أحضر شاهدك، إذا كان مثلاً في القصيم أحضره، فالقصيم قريبة، وأربع ساعات أو عشر ساعات لا يضرك أن تذهب وتأتي به. وفي هذه الأزمنة يكون هنا الاستخلاف، والاستخلاف عند القضاة أن يكتب القاضي إلى القاضي الآخر فيقول: استخلفتك في سماع شهادة فلان، فالمدعي يقول: شهودي بعيدون في مكة أو في نجران، ولا أقدر أن أقدمهم؛ لأن علي تكلفة عندما آتي بهم، أدفع أجرة إركابهم ونحو ذلك، ولكن أيها القاضي أعطني استخلافاً لقاضي نجران أو لقاضي مكة، فيكتب قاضي الرياض إلى قاضي مكة: استخلفتك لتثبت الشهادة التي عند فلان لصالح فلان وترسلها إلينا، فإذا أرسلها فإنه يجعلها في ظرف مختوم، ويختم عليها، ويكتبها في أوراق رسمية؛ فيجزم القاضي الأول أن هذا ختم فلان، وأن هذا إثباته، ففي هذه الحال أصبحت المسافة البعيدة قريبة، فلا حاجة حينئذ إلى التحمل. فالحاصل أنه إذا مات شهود الأصل أو مرضوا أو اختفوا أو غابوا غيبة طويلة ولا يدرى أين هم، أو خافوا إذا خرجوا من السلطان، أو خافوا من غريم، يقول: أنا إذا ذهبت إلى المحكمة فإن السلطان يطلبني؛ لأن علي له تبعة أو لأن فلاناً سيمسكني لأن عندي له ديناً، فيمسكني ويطلبني وأنا لا أقدر على سداده يختفي، ففي هذه الحال تقبل شهادة الفرع، فيوكل ويقول: اشهد على شهادتي. ويشترط ثانياً: دوام عدالتهما، يعني: عدالة الأصل والفرع، فيقول الشاهد الأصل: اشهد على شهادتي، ثم نسأل: هل تعرف ياقاضي شاهد الأصل؟ فقال: نعم، أعرفه وأعرف عدالته، وشاهد الفرع هذا هل تعرفه؟ قال: نعم، فإذا قال: لا أعرف الفرع ولا أعرف الأصل، فكيف نفعل؟ يكلف صاحب الحق المدعي أن يزكي شاهدي الأصل والفرع. ويشترط ثالثاً: الاسترعاء، يعني: التحميل، وهو استرعاء الأصل للفرع أو استرعاؤه لغيره وهو يسمع، كأن يقول: اشهد بأني أشهد أن فلان بن فلان أشهدني على نفسه أو أقر عندي بكذا ونحوه. وكذلك إذا قال: اشهد على شهادتي فإن عندي شهادة أن فلاناً باع كذا، أو اشترى كذا، أو ابتاع كذا، أو أوقف كذا، أو أجر كذا، أو حفر، أو غرس، أو عمر، أنا أشهد على هذا، وأنا أخشى من الموت، فاشهد على شهادتي، فهذا يسمى استرعاء. كذلك إذا سمعته يحمل غيرك، فأنت مثلاً اسمك إبراهيم، سمعت صاحب الأصل يقول: يا سعيد! اشهد على شهادتي، فإني أشهد أن البيت الفلاني وقف، أو أن البئر الفلاني وقف على المسجد أو أن هذه الأرض الفلانية وقف للمقبرة، فيشهد سعيداً، فأنت يا إبراهيم تقول: نعم، أشهد أني سمعته يقول: يا سعيد احمل شهادتي واشهد أني أشهد بكذا وكذا، هذا هو الاسترعاء، تقول: أشهد أني أشهد أن فلان بن فلان أشهدني على نفسه، أو أقر عندي بدين، أو أقر بالقبض، أو أقر بالبيع، أو أقر بوقف أو نحو ذلك. وهكذا إذا سمعته يشهد عند الحاكم، فيقول: ياحاكم! عندي شهادة، ولكن الحاكم مثلاً تغافل ولم يكتب شهادته، فشهدت أنت بشهادته، وكذلك إذا سمعته يعزوها إلى سبب كبيع وقرض، يقول: نعم، أنا أشهد أن فلاناً استقرض من فلان ألف ريال، ثم مات الشاهد الأول وأنكر المقترض، وأنت سمعت ذلك الشاهد، ففي هذه الحال لك أن تشهد وتقول: إني سمعت فلاناً يشهد بهذا القرض ويعترف به، في هذه الحال لك أن تشهد، فإذا قلت مثلاً: إن فلاناً أشهدني على نفسه، أو أقر عندي بكذا ونحوه، أو سمعته يشهد عند الحاكم، أو سمعته يعزوها إلى سبب، قال مثلاً: عندي دين لفلان ثمن البيت، أو ثمن الأرض، أو ثمن البستان، أو ثمن الطعام، عندي بيت، عندي دين، أقرضني زيد، فإذا سمعته فلك أن تشهد على شهادته. يقول: (وتأدية فرع بصفة تحمله) ، هذا أيضاً من الشروط، كيف تؤدي وأنت الفرع؟ تؤدي بصفة التحمل، أنت تحملت عن إنسان متحمل، وذلك أنه حملك الشهادة، فأد بصفة ما حملك ولا تزد ولا تغير، فتقول مثلاً: أشهدني على البيع ولم يشهدني على قيمة الثمن، ولكن أشهدني أن فلاناً باع هذه الدار على فلان دون أن يشهدني على قدر الثمن، فتشهد بصفة التحمل. ومن الشروط أيضاً: تعيينه الأصل، أي: أن يسمي أصله، فإذا كان الأصل الشاهد اسمه إبراهيم، والفرع اسمه سعيد، فهو يقول: أنا سعيد، أشهد على شهادة إبراهيم، ويسميه حتى يعرف، وهذا معناه تعيينه لأصل بحيث يتعين، فلا يقول: سمعت رجلاً أو سمعت واحداً من أهل هذه البلد أو أشهدني إنسان لا أعرفه بكذا وكذا، فلابد من تعيين الأصل. ومن الشروط: ثبوت عدالة الجميع. فالشروط هي: الأول: تعذر شهود الأصل، الشرط الثاني: دوام العدالة، فإذا كان عدلاً وقتاً ثم صار غير عدل بطلت. الشرط الثالث: الاسترعاء والتحميل، أن يقول: اشهد أن أشهد أن عند فلان كذا وكذا. الشرط الرابع: تأدية الفرع بصفة ما تحمله. الشرط الخامس: تعيين الأصل، أن يقول: أشهد بشهادة فلان. الشرط السادس: ثبوت عدالة الجميع عند القاضي، فلابد أن يتثبت.

حكم رجوع الشهود

حكم رجوع الشهود يقول: (إذا رجع شهود مال قبل الحكم لم يحكم، وبعده لم ينقض، ويضمنون) ، وكذلك أيضاً دية ما فات بسببهم، فإذا قالوا مثلاً: يا قاضي! نحن شهدنا أن فلاناً عنده دين لفلان، والآن تراجعنا، لا ندري يمكن أنه فلان ويمكن أنه غيره، ففي هذه الحال لا شك أنه لا يحكم الحاكم، فالشاهدان قد تراجع كل منهما عن شهادته. وأما بعد الحكم فالحكم لا ينقض؛ وذلك لأنه بني على بينة، ولكن هذا الشاهد الذي بني على شهادته يغرم ما حصل بشهادته، كيف يغرم؟ إذا قالوا مثلاً: نشهد أن هذا هو القاتل الذي قتل فلاناً، ثم إن ذلك الشخص قتل ثم ندموا وقالوا: كذبنا ليس هو القاتل، القاتل ولا نعرفه، أو القاتل غيره، فما الحل؟ يقتلون إلا أن يقبل أولياء المقتول الدية؛ لأنهم تسببوا في قتل هذا الإنسان، وإذا شهدوا عليه في قطع يد، وقالوا: نشهد أن هذا هو الذي قطع يد زيد، وقطعت يده قصاصاً، وبعد ذلك تراجعوا وقالوا: ندمنا، نحن لا ندري، أو ليس هو ولكنه غيره، فيضمنون اليد؛ لأنهم السبب في قطعها؛ ولأن تراجعهم وقع بعدما تم الحكم. وهكذا أيضاً إذا كان المشهود به مالاً، إذا شهد شاهدان أن فلاناً عنده ألف لزيد، وألزمه الحاكم ودفعها، ولما دفعها تراجع الشاهدان وقالا: رجعنا، هل الحاكم ينقض الحكم فيقول: يا فلان! رد الألف فإنها ليست لك، شهودك كانوا شهود زور وقد تراجعوا؟ ليس له نقضه، وليس له رده؛ ولكن يضمنان، فالشاهدان هما السبب، فيغرمان هذا المال، فالحاكم يبني حكمه على شهادتهما. كان شريح يقول لبعض من يوصيهم: القضاء جمرة، فإياك أن تمسها إلا بعودين، والعودان هما الشاهدان، يعني: قدر هذه القضية جمرة، فلو مسستها بيدك أحرقتك، ولكن لو قبضتها بعودين ورفعتها ما أحسست بذلك، فالشاهدان هما العودان.

ضمان المفتي والقاضي إذا بان خطؤهما لمخالفة نص قاطع

ضمان المفتي والقاضي إذا بان خطؤهما لمخالفة نص قاطع بعد ذلك ذكر المؤلف الخطأ في الفتوى أو في القضاء، يقول: (إذا بان خطأ المفتي أو خطأ القاضي في إتلاف لمخالفة قاطع ضمنا) : المفتي هو الذي يتحمل الفتوى بشيء من العلم الذي عنده، لكن كان القضاة هم الذين يفتون، وفي هذه الأزمنة نصب المفتي ونصب القاضي، فإذا أخطأ المفتي فإنه يضمن، أخطأ مثلاً وأفتى بحل هذا النكاح وتبين خطؤه، وكان الرجل قد دخل بالمرأة وأزال بكارتها، فالمفتي هو الذي يضمن؛ لأن هذا ليس بنكاح صحيح. قوله: بإتلاف يعني: إتلاف شيء بسبب فتواه، لمخالفة قاطع: أي: لمخالفة شيء ضروري قطعي الثبوت.

شرح أخصر المختصرات [88]

شرح أخصر المختصرات [88] الإقرار سيد الأدلة، وهو مقدم على غيره، وله أحكام كثيرة بينها أهل العلم، والقضاة من أعلم الناس بها لحاجتهم إليها في فصل الخصومات بين الناس، وإيصال الحقوق إلى ذويها.

الإقرار

الإقرار قال المصنف رحمه الله: [كتاب الإقرار: يصح من مكلف مختار بلفظ أو كتابة، أو إشارة من أخرس، لا على الغير إلا من وكيل وولي ووارث. ويصح من مريض مرض الموت لا لوارث إلا ببينة أو إجازة، ولو صار عند الموت أجنبياً. ويصح لأجنبي ولو صار عند الموت وارثاً. وإعطاء كإقرار. وإن أقرت أو وليها بنكاح لم يدعه اثنان قبل. ويقبل إقرار صبي له عشر أنه بلغ باحتلام. ومن ادعي عليه بشيء فقال: "نعم" أو "بلى" ونحوهما أو "اتزنه" أو"خذه" فقد أقر، لا "خذ" أو "اتزن" ونحوه. ولا يضر الإنشاء فيه. وله علي ألف لا يلزمني، أو ثمن خمر ونحوه يلزمه الألف. وله أو كان علي ألف قضيته أو برئت منه فقوله. وإن ثبت ببينة أو عزاه لسبب فلا. وإن أقر وأنكر سبب الحق، ثم ادعى الدفع ببينة لم يقبل. ومن أقر بقبض أو إقباض أو هبة ونحوها، ثم أنكر، ولم يجحد إقراره ولا بينة، وسأل إحلاف خصمه لزمه. ومن باع أو وهب أو أعتق، ثم أقر بذلك لغيره لم يقبل، ويغرمه لمقر له. وإن قال: لم يكن ملكي، ثم ملكته بعد، قبل ببينة ما لم يكذبها بنحو قبضت ثمن ملكي. ولا يقبل رجوع مقر إلا في حد لله. وإن قال: له علي شيء، أو كذا، أو مال عظيم ونحوه، وأبى تفسيره، حبس حتى يفسره، ويقبل بأقل مال، وبكلب مباح، لا بصبية أو خمر أو قشر جوزة ونحوه. وله تمر في جراب أو سكين في قراب، أو فص في خاتم، ونحو ذلك يلزمه الأول. وإقرار بشجر ليس إقراراً بأرضه، وبأمة ليس إقراراً بحملها، وببستان يشمل أشجاره. وإن ادعى أحدهما صحة العقد، والآخر فساده فقول مدعي الصحة. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب] . آخر الكتاب هو الإقرار، وهو أحد ما يحكم به الحكام؛ لأن القاضي يحكم بالشهود ويحكم بالإقرار، يعني: الاعتراف، أي: يعترف إنسان بشيء، ويقولون: لا عذر لمقر، ذكر أن شريحاً القاضي كان يجلس للقضاء، فجاءه رجلان فقال أحدهما: إني تزوجت امرأة وإنها شرطت دارها، فقال: الشرط أوثق، فقالا: احكم بيننا، قال: قد فعلت، فقال: على من حكمت؟ قال: على ابن أمك، يعني: عليك أنت؛ لأنك اعترفت بأنها شرطت والشرط أوثق، فأنت لما اعترفت بهذا الشرط ألزمناك بموجبه.

من يصح إقراره

من يصح إقراره قال: (يصح إقرار من مكلف مختار بلفظ أو كتابة أو إشارة من أخرس) : الإقرار هو الاعتراف، لابد أن يكون المقر مكلفاً، المكلف هو البالغ العاقل، فلا يقبل إقرار الصبي واعترافه؛ لأنه غير مكلف، ولا إقرار المجنون؛ لأنه فاقد للعقل فلا يقبل إقراره، وكذلك لا يعمل بإقرار المكره، فإذا أكره وقيل: اعترف وإلا ضربناك، في هذه الحال إذا اعترف فإنه لا يلزم بهذا الاعتراف؛ ولذلك إذا أنكر بعد ذلك فإنه لا يقام عليه حد أو نحو ذلك، لكن إذا ثبت أن إقراره بدون إكراه فلا يقبل رجوعه. وكثير من المتهمين يقبض عليهم الجنود، ويدخلونهم السجن، وقد يضربونهم ثم يعترف أحدهم بأنه القاتل، أو بأنه السارق، أو بأنه القاطع، أو بأنه المتهم بكذا والفاعل كذا، ثم إذا حضر عند القاضي وقد وقع عند الشرطة أنكر، فالقاضي لا يؤاخذه؛ لأنه يقول: إنني ما أقررت إلا تحت الجلد، ما أقررت إلا بعدما ضربوني وآلموني ألماً شديداً، فلم أستطع أن أتحمل فاعترفت للتخلص من ضربهم، فإن كان صادقاً فإنه لا يقبل اعترافه ولا يؤاخذ به، إلا إذا ذكر الشرط أنه اعترف باختياره ثم جاء من لقنه وقال له: أنكر حتى لا تؤاخذ، فأنكر عند القاضي، وقد كان اعترف طائعاً مختاراً، فلا يقبل إنكاره. والإقرار يكون بالكلام، أي: بالتلفظ، يقول: أقر وأعترف بأن عندي لزيد ديناً أو ألفاً، أو أقر وأعترف بأني بعته بيتي بكذا وكذا، أو أقر وأعترف بأني الذي قطعت يده أو قتلت ابنه، أو الذي قلعت شجرته. أو بكتابة، فإذا كتب على نفسه بخط يده، وكان هناك من يشهد أن هذا خط يده وتوقيعه، فإن ذلك يقبل منه. وكذلك إذا كان أخرس لا يتكلم، ولكن إشاراته مفهومه، يشير بيده كذا وكذا فيفهمه الحاضرون، فإذا اعترف على نفسه فإنه يؤخذ على إقراره. وأما إذا شهد على غيره وأقر على غيره فإنه لا يقبل، وكل أحد إذا أقر على غيره لا يقبل إقراره إلا الوكيل والولي والوارث. فالإنسان الذي يقر على نفسه يقول: عندي دين، أما أن يقول: عند أخي أو عند أبي فهذه شهادة، ولا تكون إقراراً، لكن تقبل من الوكيل إذا قال: أنا وكيل لهؤلاء الأيتام، أقر بأني بعت ملكهم بكذا، بعت عقارهم أو بعت غنمهم بكذا؛ لأني موكل من قبل القاضي، فيقبل إقراره. وكذلك ولي المرأة في النكاح إذا اعترف وقال: أقر بأني قد عقدت لها؛ لأني ولي أمرها، أنا أخوها، أو ابن أخيها وقد رضيت وعقدت لها. وكذلك الوارث: إذا مات إنسان وخلف ورثة، واعترفوا وقالوا: نقر ونعترف بأن مورثنا مدين بكذا، عنده لفلان مائة أو ألف، أو أنه الذي وهب كذا، أو وقف كذا، أو ما أشبه ذلك، فيقبل إقرار الورثة. هل يصح إقرار المريض؟ يصح ولو كان مريضاً مرض الموت، فيصح إقراره على نفسه، لكن لا يصح إقراره لوارث إلا ببينة أو إجازة؛ وذلك لأنه متهم بإضرار الورثة، فإذا اعترف عند الموت وقال: أعترف بأن بيتي هذا لزوجتي، ويريد بذلك أن يضر زوجته الثانية، أو يضر أولاده الآخرين؛ فلا يقبل إقراره، أو قال: أعترف بأني قد وهبت ابني الأرضية الفلانية أو السيارة الفلانية وأنكر ذلك بقية أولاده فلا يقبل؛ لأنه متهم بإضرارهم، والوالد عليه أن يسوي بين أولاده، فإذا أقر لوارث فلا يصح إلا ببينة أو إجازة. البينة أن يقول شاهدان: نشهد أنه قد أقر عندنا قبل المرض بأن البيت الفلاني ليس له، وإنما هو لزوجته أو لولده الأكبر أو ما أشبه ذلك. وكذلك إجازة الهبة أو الوقف أو نحو ذلك، إذا قال في مرض موته: قد أجزت عطيتي لفلان، أو هو وقف لكذا وكذا، أو أجزت لفلان أن يسكن في البيت كذا وكذا، لأنه كان قد طلبني وتوقفت، ولكن الآن قد أجزت، فلا تقبل للوارث حتى لو صار عند الموت أجنبياً، مثلاً: أقر به له لأنه عمه، وقبل الموت ولد له ولد فحجب العم، وأصبح العم أجنبياً، وتصح له الوصية ولكن العبرة أنه في حالة الوصية كان متهماً. ويصح الإقرار لأجنبي ولو صار عند الموت وارثاً، وصورة ذلك أن يقول: أقر على نفسي أن ابن عمي فلاناً يطالبني بألف أو عندي له خمسة آلاف، أو أنه أعارني البيت الفلاني، وليس بملك لي، ففي مثل هذه الحال يقبل؛ لأنه في حالة الإقرار ليس بمتهم، وليس بوارث، ولا يريد أن يورثه، لكن لو قدر أن ابن عمه هذا أصبح وارثاً له؛ بأن مات ابنه الذي كان حاجباً له، وورث ابن العم، فيقبل إقراره ولو كان عند الموت وارثاً.

العطية كالإقرار

العطية كالإقرار يقول: (وإعطاء كإقرار) ، العطية كالإقرار لا تصح في مرض الموت، فلا يصح في مرض الموت أن يوصي بأكثر من الثلث، ولا يصح في مرض الموت أن يقول مثلاً: أعطيت زوجتي كذا، أعطيت ولدي الأكبر كذا، أعطيت بنتي كذا؛ لأن المال قد تعلقت به حقوق الورثة الباقين، فلهم حق، فإذا أعطاهم أعطى الآخرين، فلا تصح الوصية في مرض الموت إلا لأجنبي.

الإقرار بنكاح لم يدعه اثنان

الإقرار بنكاح لم يدعه اثنان قال: (وإن أقرت أو وليها بنكاح لم يدعه اثنان قبل) أي: إذا اعترفت وقالت: نعم، أنا أقر أني زوجة فلان، ولم يدع زوجيتها إلا واحد، بأن قال: أنت زوجتي، فقالت: نعم، أقر بأني زوجتك، صح أما إذا جاء اثنان وكل واحد منهم يقول: هذه زوجتي هذه زوجتي، فأقرت لأحدهما لم يصح؛ وذلك لأن كل واحد منهما يدعي الزوجية، فلا يصح، ولكن في هذه الحال تفسخ من زوجها، وتزوج بمن شاءت.

إقرار الصبي

إقرار الصبي متى يقبل إقرار الصبي؟ إذا بلغ بالاحتلام، وقد يحتلم وهو ابن عشر، فإذا كان محتلماً -يعني: بالغاً- ففي هذه الحال يقبل ما أقر به، إذا قال مثلاً: نعم، أنا الذي فقأت عين فلان، أنا الذي جرحته، أنا الذي صدمت سيارته، قبل إقراره؛ لأنه ليس بسفيه؛ ولأنه يعتبر مكلفاً.

تأثير الألفاظ في الإقرار

تأثير الألفاظ في الإقرار قال: (من ادعي عليه بشيء فقال: نعم، أو بلى، أو نحوهما، أو اتزنه، أو خذه، فقد أقر) إذا قال له: عندك لي ألف، قال: نعم، أو قال: أليس لي عندك ألف؟ فقال: بلى، هل يؤاخذ؟ نعم يؤاخذ بهذا الإقرار ويلزم به. وكذلك لو قال مثلاً: عندك لي عشرة آصع بر، أو عشرة كيلو لحم، فقال: خذه أو اتزنه أو اكتله، فمعنى ذلك: أنه عنده، ويقول: خذه، أي: قرب مكيالاً أو قرب ميزاناً وخذه، فهذا يعتبر إقراراً، فإذا أنكر بعد ذلك لم يقبل منه. لكن لو قال: خذ أو اتزن، فإن هذا لا يكون إقراراً بهذا المقدار، أي: لو قال: عندك لي عشرة آصع، فقال: خذ، فقد يقول: ما أردت بخذ إلا صاعاً واحداً، أو قال: اتزن، ثم قال: ما أردت بالاتزان إلا كيلو واحداً، فلا يكون إقراراً بكيل الجميع. قال: (ولا يضر الإنشاء فيه) الإنشاء هو الابتداء، أن يبتدئ ويقول: أنا عندي لفلان كذا، هذا إنشاء، يعني: ابتداء الكلام. (وإذا قال: له علي ألف لا يلزمني، أو) له علي ألف (ثمن خمر) ، أو ثمن خنازير، (يلزمه الألف) ، أي: يطالب بالإلف؛ وذلك لأن إقراره بالألف اعتراف، ثم قوله بأن هذا ثمن خمر هذه دعوى، والمدعي لا تقبل دعواه إلا ببينة، فإذا أتى ببينة أن هذا ثمن خمر سقطت عنه؛ لأن الخمر لا قيمة لها. وأما قوله: لا يلزمني، فإن هذه دعوى، كيف تقول عندك لي ألف ثم تقول: لا يلزمني؟ ما السبب؟ إذا كانت عندك فإنها تلزمك؛ لكن إذا قال: له علي ألف قد قضيته أو كان علي ألف قضيته، أو ألف وبرئت منه، أو أبرأني، أو أسقطه عني، فإنه يقبل قوله بيمينه. أنت الآن اعترفت بهذا الألف، وأنكر هو أنه قد قضي أو أنه أبرأك منه، فاحلف على هذا. لكن إذا ثبت ببينة أو عزاه لسبب فلا يقبل إلا ببينة، إذا قال مثلاً: نعم، عندي له ألف وثبت ببينة، وشهدت الشهود أن الألف ثابت، ثم ادعى بعد ذلك أنه قد قضاه؛ فلا يقبل منه إلا ببينة على القضاء، وكذلك إذا قال: عندي له ألف قرضاً أو عندي له ألف بقية ثمن سيارة أو ثمن دار، فعيَّن الثمن أو ذكر السبب بأنه قرض أو أجرة دار أو نحو ذلك؛ فلا يقبل قوله بالإسقاط وبالقضاء إلا ببينة.

من أنكر سبب الحق ثم ادعى الدفع ببينة

من أنكر سبب الحق ثم ادعى الدفع ببينة يقول: (وإن أنكر سبب الحق ثم ادعى الدفع ببينة لم يقبل) ، إنكار سبب الحق كأن يقول: ما شريت منك، ولا استأجرت منك، ولا اقترضت منك أبداً، وبعد ذلك ثبت الشراء، ولما ثبت الشراء قال: صحيح أنني قد اشتريت منك، لكن عندي بينة أنني قد قضيتك، وأحضر من يشهدون بالقضاء وبالوفاء، ففي هذه الحال لا تقبل؛ لأنه أنكر الأصل. يقولون: لا يقبل قوله حتى ولو أتى ببينة، ويوجد قول ثانٍ ولعله أقرب وهو: أنها تقبل إذا ادعى النسيان، إذا قال: أنا نسيت أني اشتريت منك سيارة، أو نسيت أني اشتريت منك الطعام، ولكن تذكرت الآن، وعندي بينة أنني قضيتك، وهي بينة عادلة، فجاء بالبينة بأنه قد قضاه، ففي هذه الحال تقبل البينة، والقول الأول يقول: تكذب البينة؛ لأنه جاحد يقول: ما اشتريت منه، ولا استأجرت منه، ولا أعرفه، ولا اقترضت منه، ولا شيء عندي له أبداً. ثم ثبت ذلك الدين، ثم ادعى وقال: إني قد قضيته. وكان ذلك بعد أن أنكر، فيقولون: لا يقبل قوله ولو بالبينة؛ لأنه يكذب البينة، ولكن إذا ادعى النسيان فالصحيح أنه يقبل منه ببينة.

حكم من أقر بقبض ثم أنكر ولم يجحد إقراره

حكم من أقر بقبض ثم أنكر ولم يجحد إقراره قال: (ومن أقر بقبض أو إقباض ببينة أو هبة ونحوها، ثم أنكر ولم يجحد إقراره ولا بينة وسأل إحلاف خصمه لزمه) : صورة ذلك أن يقول: أنا أعترف بأني اقترضت منك ألفاً أو وهبتك ألفاً أو أقبضتك الهبة، أعترف بأني قد وهبتك مثلاً شاة وأنك استلمتها، أو وهبتك مائة وسلمتها لك، أو أعترف أنك أقبضتني مثلاً ألفاً، أو قبضت منك ألفاً أو نحو ذلك، أو وهبتني كذا ولكني ما قبضت، أو قبضت ولكني ما أثبتك على شيء من ذلك. ثم أنكر ولم يجحد إقراره، أي: أنكر بعد ذلك أن يكون مديناً بألف أو بنصف ألف، لكن ما جحد إقراره، فهو معترف بأنه قبض أو أقبض أو وهب، وما وجد بينة، ولكن قال: احلف يا خصم أني ما أقبضتك الألف، احلف أنك أقبضتني الألف، احلف أنك وهبتني أو أني وهبت لك. فيحلف الخصم.

حكم من باع أو أعتق ثم أقر به لغيره

حكم من باع أو أعتق ثم أقر به لغيره يقول: (ومن باع أو وهب أو أعتق ثم أقر بذلك لغيره لم يقبل، ويغرمه لمقر له) : صورة ذلك أن يبيع شاة ويستلم ثمنها أو يهب كيساً أو يعتق عبداً على أن هذه كلها ملكه، وبعد ذلك اعترف وقال: أعترف الآن أن العبد الذي أعتقته ليس لي، ولكنه لابن أخي، أو لأخي أو لابن عمي، فهل يقبل منه؟ لا يقبل منه، بمعنى: أنه لا يرجع العبد عبداً، بل يبقى على حريته. وكذلك أيضاً: هل تسترد الهبة التي وهبها ثم ادعى أنها شاة لابن عمه أو لجاره؟ لا ترد. وكذلك لا يرد البيع، إذا قال: أنا بعتك ولكني ما ذكرت لك أن البيت ليس لي، إنما هو لجاري، وبعته ظناً أنه سيجيز البيع، والآن أريد أن أرده. فلا يرد؛ لأنه قد لزم. وفي هذه الأحوال يلزمه الغرامة لمن أقر له، فإذا قال: العبد لجاري، يقال: اغرمه لأنك أعتقته واعترفت بأنه ليس لك، أو قال مثلاً: الشاة التي وهبتك ليست لي وإنما لزيد، فيقال: اغرمها لزيد، والهبة لا ترد.

حكم من قال: لم يكن ملكي ثم ملكته بعد

حكم من قال: لم يكن ملكي ثم ملكته بعد يقول: (وإن قال: لم يكن ملكي ثم ملكته بعد، قبل ببينة ما لم يكذبها بنحو: قبضت ثمن ملكي) ، إذا قال: هذا الكيس وهذه الشاة وهذا العبد الذي بعته أو وهبته أو أعتقته لم يكن في ملكي ثم ملكته بعدما أعتقته، حيث وهبه لي صاحبه، أو ملكت الشاة أو ملكت الكيس بعد الهبة وبعد التصرف؛ فإنه يقبل ببينة، فالبينة إذا شهدت بأنه ملكه قبل منه، ففي هذه الحال يمضي البيع وتمضي الهبة. لكن إذا كذب البينة بقوله: قبضت ثمن ملكي، فإن هذا دليل أنها ملكه قبل البيع، فقوله: إني ملكتها بعد البيع يكذب نفسه، أي: إذا قال: بعتك الكيس، ثم قال: أعترف أني قبضت ثمن الكيس الذي هو ملكي، ثم ادعى بعد ذلك أن الكيس ليس ملكه، ولكن صاحبه قد باعه منه أو وهبه بعد ذلك، فإذا قال: إني قبضت ثمن ملكي، فهو يكذب البينة.

رجوع المقر عن إقراره

رجوع المقر عن إقراره قال: (ولا يقبل رجوع المقر إلا في حد لله) ، فمن أقر إقراراً كاملاً بشيء عليه، سواء أقر بدين أو أقر بعتق أو أقر أنه تصدق بكذا أو أقر بأنه وقف كذا وكذا، ثم قال: رجعت، ندمت، تراجعت، لا أريد وقف الدار، أو لا أريد الهبة، ولا أريد البيع، فهل يقبل رجوعه؟ لا يقبل؛ لأنه قد تعلق به حق آدمي، أما إذا كان حقاً لله فإنه يقبل. وحق الله تعالى مثل: حد الزنا، فإذا قال: إني قد زنيت، ثم قال: رجعت عن إقراري، وكذلك حد السرقة، وحد شرب الخمر. حد السرقة فيه حق للآدمي الذي سُرق، فإذا رده وقال: إني ما سرقته ولكنه أعطانيه، أو سرقه غيري، أو وجدته ملقى في الطريق؛ فتراجع عن السرقة، فيسقط عنه القطع، لكن يلزمه رد المال. أما حد الشرب فحق لله تعالى، فإذا اعترف وقال: إني شربت وسكرت، ثم تراجع وقال: ما سكرت؛ قُبِل رجوعه؛ لأنه حق لله تعالى. وحد القذف حق لآدمي، فإذا اعترف وقال: إني أعترف بأني رميت فلاناً بأنه زانٍ أو رميت فلانة بأنها زانية، ثم تراجع بعد ذلك، فهذا حق آدمي، فإذا قال المقذوف: أنا لا أتسامح، فإنه قد قذفني، واعترف بهذا عند القاضي، واعترف بهذا عند الشهود، والآن تراجع وينكر، وأنا لا أسامحه، بل أطالب بحقي في هذا، فإنه يجلد حد القذف.

الإقرار بالمجمل

الإقرار بالمجمل إذا أقر إنسان بشيء مجمل، فقال: له علي شيء، فكلمة (شيء) مجملة يدخل فيها الكبير والصغير، يدخل فيها مثلاً: له علي سيارات، له علي إبرة أو ملعقة أو سكين ونحو ذلك، فماذا نفعل إذا قال: له علي شيء؟ يقولون: يحبس حتى يفسره، فنقول: أخبرنا بذلك الشيء الذي أقررت به، لأنه لا يعرف إلا من قبلك أنت، فأنت اعترفت بأن له عندك شيئاً، هذا الشيء ما هو؟ فإذا فسره بشيء يقبل أن يكون شيئاً قبل منه ولو كان شيئاً يسيراً، فإذا قال مثلاً: نعم، له علي حد قذف، يعني: قد قذفته، أو إني قد اغتبته؛ قبل منه لأن هذا شيئاً، أو قال: إني اقترضت منه درهماً واحداً أو هللة، أو وهبته شيئاً ولم أعطه هذه الهبة قبل منه. وكذا إذا قال: له علي كذا - كاف وذال وألف- ثم سكت، فيقال: ما هو الذي عليك؟ أخبرنا به. ويحبس إذا لم يعترف. وإذا قال: له علي مال عظيم ونحوه، فقد يستعظم الشيء الكثير، فينظر في حالته، فعند الفقراء مثلاً عشرة دراهم مال عظيم، والأثرياء المال العظيم عندهم الذي يكون ألفاً أو خمسة آلاف أو مائة ألف، فإذا كان من الضعفاء والفقراء وقال: له علي مال عظيم، وفسره بعشرة أو عشرين؛ قبل ذلك منه وبرئ بدفعها، وإذا أبى أن يفسر هذا المجمل حبس حتى يفسره، فإذا فسره بأقل مال قبل منه، وإذا قال مثلاً: هذا المال الذي عندي هو ثوب مستعمل أو نعل مستعملة أو قلنسوة، أو فسره بشيء يستعمل كقدر يطبخ فيه أو صحن يأكل فيه، أو سكين يذبح بها أو نحو ذلك من أقل مال؛ فإنه يقبل ولو قال: إنه عظيم. وإذا قال: له علي مال عظيم. ثم فسره وقال: عندي له كلب صيد، أو كلب ماشية، أو كلب حرث، أي: كلب مباح قبل منه؛ وذلك لأنه قد يطلق عليه أنه مال، أو أنه شيء يمتلك، وإن كان لا يجوز بيعه، فيقبل تفسيره بكلب أو بجلد ميتة؛ لأنه قد ينتفع به. وإذا فسره بصبية، بأن قال: عندي له مال، ويعني: طفلة، فالطفلة (الصبية الحرة) لا تسمى مالاً فلا يقبل، أما إذا قال: عندي بعض أهله أو عندي أحد منهم أو عندي منهم، ثم فسره بطفلة أو بطفل يقبل. وإذا قال مثلاً: له علي شيء ثم فسره بخمر، هل يقبل؟ الخمر ليس بمال، فلا يقبل، وإذا فسره بقشر جوزة لم يقبل أيضاً، فالشيء التافه مثل قشرة برتقالة أو قشرة موزة لا يتمول ولا يملك في العادة وليس له قيمة، وقد يكون له قيمة في بعض الأحيان حيث يتخذ علفاً لبعض الدواب، لكن هذا ليس دائماً. وكذلك لو قال: عندي شيء. ثم فسره بنوى التمر (حبات التمر) ، وقد كانت تتخذ علفاً للنواضح، حيث كانوا يطبخونها ويعلفونها للنواضح، والنواضح السواني التي يسنى عليها، ففي هذه الحال قد يقبل إذا كان شيئاً مما يتمول.

الإقرار بشيء ليس إقرارا بملابسه

الإقرار بشيء ليس إقراراً بملابسه إذا قال: عندي له تمر في جراب. ما الذي يلزمه؟ التمر فقط، والجراب يمكن أنه عارية، وأن صاحب التمر قال: أعطني جراباً أو: دع عندك هذا التمر، فأعطاه، وقال: عندي له تمر في جراب، أو مثلاً: بر في كيس، أو سكين في قراب، القراب هو الغلاف الذي تدخل فيه السكين، فيمكن أنه قال: هذه سكين احفظها عندك، فحفظها في قراب، وكذلك السيف في قراب، أو فص في خاتم، فإنه يلزمه الأول الذي هو التمر والسكين والفص، ويمكن أنه أخذ الفص وألصقه في خاتم له، فلا يكون الخاتم تابعاً له. وإذا أقر بشجر فهل تتبعه الأرض؟ إذا قال: هذه الشجرات أو هذه النخلات ليست لي، وإنما هي لزيد، فماذا يستحق زيد؟ يقلعها، يمكن أنه غرسها حتى تعيش ثم إذا عاشت وعلقت يريد زيد أن يقلعها ويغرسها في بستانه، فإذا أقر بالشجر لم يلزمه الإقرار بالأرض. وكذلك لو قال: وليست لي هذه الأمة الحامل، ولكنها لزيد، فهل يتبعها حملها مثلاً؟ قد لا يتبعها إذا كان قد زوجها صاحبها، واشترط أن الحمل لا يملك، أو كان قد باعها واشترط ألا يتبعها حملها. أما إذا قال: هذا البستان كله لزيد، فاعترف بأنه كله لزيد، لزمه أن يدفعه كله بما فيه من الشجر: كشجر العنب والتوت والرمان والنخل وما أشبه ذلك في هذا البستان، فكله يتبعه، فيدفع لمن أقر له به.

اختلاف دعوى صحة العقد وفساده

اختلاف دعوى صحة العقد وفساده يقول: (إن ادعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده قبل قول مدعي الصحة بيمينه) ، وذلك لأن الأصل في العقود الصحة. مثال ذلك: شريكان في أرض، فقال أحدهما: إني بعته وهو مجهول، فقال الآخر: بل اشتريناه وهو معلوم، وبعناه وهو معلوم. أو قال أحدهما: اشترينا هذا البيت بعدما رأيناه وبعدما علمناه، وقال الآخر: ما رأيناه ولا علمناه، وإنما اشتريناه وهو مغلق فالعقد فاسد ولا نريده؛ فالقول قول مدعي الصحة؛ لأنه هو الأصل، والله تعالى أعلم بالصواب. إلى هنا انتهى شرح هذا الكتاب، وكنا قد قرأنا منه في السنوات الماضية، وقد اجتهد أحد الإخوة وفرغ ما قرأناه إلى أن وقف على النكاح، ولعله أن يفرغ الباقي، ثم يصحح وينشر، وصلى الله وسلم على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

إتيان المدعى عليه بشهود لجرح شهود المدعي

إتيان المدعى عليه بشهود لجرح شهود المدعي Q هل يصح أن يأتي المدعى عليه بجرح لشهود المدعي؟ A إذا كان الجرح قادحاً في عدالتهم قبل جرحه، وتقدم بينة الجارح على بينة المعدل.

الشدة على المجرمين

الشدة على المجرمين Q بعض المجرمين أصحاب حيل وخداع، فلا ينفع معهم إلا الشدة في إظهار الحق، أما اللين فلا ينفع معهم، فما حكم ذلك جزاكم الله خيراً؟ A إذا قويت التهمة، وكان هناك قرائن قوية تدل على أن هذا متهم، فلا بأس أن يهدد وأن يجلد وأن يضرب إلى أن تظهر براءته أو يحصل الاعتراف، فإذا اتهم أنه سارق، وقد كان جرب عليه سرقة أو ظهرت أمارات تدل على أنه هو الذي سرق، ففي هذه الحال يعاقب بما يحصل به الإقرار أو تظهر براءته.

لباس الشهرة للنساء

لباس الشهرة للنساء Q هل يحرم لباس الشهرة على النساء؟ A إذا كانت تخرج إلى الأسواق ويراها الناس الأجانب، فلا يجوز لها لبس شيء يلفت الأنظار، أما إذا كانت في بيتها وأمام زوجها فلا مانع أن تلبس ما شاءت.

بيع مزرعة نخل فيها نخلة موقوفة

بيع مزرعة نخل فيها نخلة موقوفة Q أوقفت ثمر نخلة لعمي المتوفى وهي في مزرعتي الكبيرة، وذلك براً به، فهل يجوز بيع المزرعة وفيها تلك النخلة؟ وإذا كان لا يجوز فما علي لأني لا أعرف الحكم، وجزاكم الله خيراً؟ A إن بعتها فاشترط على المشتري أن هذه النخلة موقوفة ليست لي وليست لك، عليك أن تسقيها وتخرج ثمرتها للصائمين مثلاً أو للمساكين ليكون أجرها لفلان، فإذا قال: لا أريد أن أشتري المزرعة وفيها وقف، خلصنا منها، فلك أن تنقلها بإذن القاضي إلى نخل في بستان آخر.

تعارض القرينة مع الشهود

تعارض القرينة مع الشهود Q هل تقبل القرينة؟ وإذا تعارضت القرينة مع الشهود فأيهما يقدم، وجزاكم الله خيراً؟ A لا يعمل بالقرينة وحدها، ولكن إذا قويت القرائن شدت بيمين المدعي وما أشبه ذلك، وإذا ما كان هناك مدع كما في الحقوق العامة التي تسند إلى المدعي العام، فهناك يتأكدون ويعملون بالقرائن لعله أن يكون هناك إقرار، ولو أن يعذبوا ذلك المتهم إلى أن تظهر براءته أو تتحقق تهمته.

حكم تضييع الأمانة

حكم تضييع الأمانة Q هل تضييع الأمانة من الكبائر، وجزاكم الله خيراً؟ A لا شك أنه من صفات المنافقين؛ لقوله: (وإذا اؤتمن خان) ، فالمنافق هو الذي يضيع الأمانات أو يخون فيها بمعنى: أنه يكتمها، أو لا يحتفظ بها كما يحتفظ بماله، والواجب إذا كان عندك أمانة ووديعة أن تحفظها كما تحفظ مالك، فإذا فرطت فإنك تغرم.

حكم من رفع من الركوع قبل الإمام ثم رجع إلى الركوع

حكم من رفع من الركوع قبل الإمام ثم رجع إلى الركوع Q في صلاة العشاء رفعت من الركوع قبل الإمام؛ لأني سمعت من المأمومين من قال: سمع الله لمن حمده، فرجعت إلى الركوع وزدت ركعة بعد سلام الإمام شكاً مني في صحة الركوع، فهل هذا صحيح؟ A إذا كنت رفعت بعدما رجعت كفاك ذلك، فمثلاً: رفعت قبل الإمام ولما رأيت أن الإمام ما رفع وأن المأمومين ما رفعوا رجعت ثم رفعت معهم أجزأك ذلك، وهكذا مثلاً لو أنك رفعت قبل أن يرفعوا ثم رفعوا ثم عدت فركعت ورفعت معهم أجزأك ذلك ولا يلزمك أن تعيد ركعة، وأما إذا رفعت قبلهم، ثم رفعوا وما رجعت، فالاحتياط أن تأتي بركعة.

نصيحة لطلاب العلم

نصيحة لطلاب العلم Q ما نصيحتكم حفظكم الله لطلبة العلم بعد نهاية هذه الدورة، وجزاكم الله خيراً؟ A ننصح طلبة العلم بالمواصلة، وألا ينقطعوا عن التعلم، ووسائل العلم كثيرة، فيتعلمون من الكتب التي أولاها العلماء عناية كاملة، ويجدون فيها إن شاء الله بغيتهم، لاسيما كتب العقيدة، ومثل كتب التوحيد التي اجتهد فيها المؤلفون كأئمة الدعوة رحمهم الله، وكذلك يتعلمون بواسطة الأشرطة التي تحتوي على علم كثير من علماء موثوق بهم. كذلك أيضاً مذاكرة العلوم التي تعلموها، بتردادها وتكرارها حتى تثبت؛ لأن الإنسان إذا تناسى شيئاً فقد يذهب من ذاكرته، بخلاف ما إذا راجعه وتذكره، وكذلك أيضاً التطبيق بأن يعملوا بما تعلموه، فيقولون: نحن استفدنا فوائد، فمن واجبنا أن نعمل بها؛ حتى نعرف أننا انتفعنا بما تعلمنا، ولابد أن لهم إخوة وجيراناً وأصحاباً جهلاء فعليهم أن يعلموهم، فيشغلون مجالسهم بالعلم، فإذا جلسوا مجلساً عادياً قالوا: نحب أن نسمعكم هذا الشريط أو نحوه، نحب أن نسمعكم هذا الباب، نقرؤه عليكم، فإذا قرءوه بينوا لهم ما يعرفون، أو مثلاً: يتساءلون فيما بينهم، يا فلان! إذا وقعت بك مسألة كذا فكيف تتخلص؟ وكيف تعمل؟ وبذلك إن شاء الله يكونون عاملين موفقين.

نصيحة للوالدين في تربية الأولاد

نصيحة للوالدين في تربية الأولاد Q هذه سائلة تقول: إنها أم لخمسة أولاد، تقول: وبيتي ولله الحمد خالٍ من المنكرات، ولكن أولادي يأتون إلي بمنكر القول والفعل من خارج البيت، وزوجي في البيت لا تسمع له همساً، يقول: ليس علي إلا طلب الرزق، وأنت عليك التربية، فأرجو توجيه النصيحة لي وله، وهل علي إثم إذا طلبت منه الطلاق لضعف بدني، وعدم استطاعتي تحمل المسئولية، وجزاكم الله خيراً؟ A لا شك أن الأب عليه مسئولية كبيرة، فإنه هو المسئول والمخاطب بالتربية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع) والخطاب للرجال، وإن كانت النساء يدخلن في ذلك، فعليه تربية أبنائه التربية الصالحة؛ بتعليمهم القرآن، وحثهم على أن يتعلموا في المدارس الخيرية لتحفيظ القرآن في المساجد، وكذلك الأخذ بأيديهم إذا كانوا ذكوراً إلى المسجد، وتعليمهم الوضوء، وتعليمهم الصلاة، وكذلك تعليمهم الآداب والأخلاق التي يتعاملون بها مع غيرهم، وحثهم على الصحبة الصالحة، وتحذيرهم ممن يفسدهم من الخلطاء الفاسدين ونحوهم، والمسئولية عليكما جميعاً، ولا شك أن صلاح الأولاد أول من ينتفع به الآباء، فإذا صلحوا كان ذلك قرة عين لأبويهم، فنوصيهم بالحرص على إصلاح أولادهم ذكوراً وإناثاً ليكونوا قرة عين لهم.

الحرص على إبراء الذمة من الديون

الحرص على إبراء الذمة من الديون Q هذا سائل من الشبكة يقول: أطالب شخصاً بمليوني ريال، وهو هارب، وعليه حكم شرعي مميز، وعلي مطالبة من آخرين في حدود المليون، فهل يجوز ربط سدادهم حتى أتحصل على حقي المثبت، مع العلم أن أموالهم في ذمة المدين الهارب، وجزاكم الله خيراً؟ A إذا كانت الديون التي عندك ثابتة في ذمتك، فننصحك أن تسعى في قضائها إذا قدرت على ذلك، ولا تحبسهم حتى تحصل على دينك الذي عند فلان، فقد يكون ذلك مماطلاً، وقد يكون فقيراً عاجزاً، ثم قد لا يعثر عليه، فأنت تحرص على إبراء ذمتك، ولك أن تطالب ذلك الذي عنده المال إلى أن تحصل عليه. وختاماً نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين، أن يرزقهم الله العلم النافع والعمل الصالح، وأن يوفقهم لاتباع العلم بالعمل، حتى ينتفعوا بما تعلموا، ويكون حجة لهم لا حجة عليهم، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1