شرح أبيات سيبويه

السيرافي، أبو محمد

الصفة المشبهة - تنوين معمولها

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة على محمد نبيه وآله الطيبين الطاهرين. قال أبو محمد يوسف بن أبي سعيد بن عبد الله السيرافي: الصفة المشبهة - تنوين معمولها قال سيبويه في الكتاب باب حسن الوجه قال: ومما جاء منه منونا قول أبي زبيد: وَأقْفَرَ الحِنْوُ إلاّ مِنْ تَواثبِهِ ... ومن فَريستِه جرّا وتَسْحابا (كَأَنَّ أثوابَ تَقّادٍ قُدِرْنَ لهُ ... يعلو بخَمْلتها كهباَء هُدّابا وصف أسدا، والحنو: موضع بعينه في هذا البيت، وتواثبه: وثبة على الناس وغيرهم وفريسته: ما يأخذ من الحيوان، و (جرا) مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره: يجرها جرا، يعني الفريسة، و (تساحبا) مثله، كأنه قال: ويسحبها سحبا. ويجوز أن يكون الفعل المقدر الناصب - جرا) والناصب (تسحابا) في موضع الحال من الهاء التي أضيف التواثب إليها، فيكون موضعه نصبا لأنه في موضع الحال كأنه قال: ومن تواثبه ساحبا. ويجوز أن يكون الفعل خبرا مستأنفا، فلا يكون له موضع من الإعراب، كأنه أخبر

بأنه يجر فريسته ويسحبها. هذان فرع من الكلام المتقدم. ثم وصف شعر الأسد، وشبه لونه بلون ثياب النقاد. والنقاد صاحب الغنم، والنقد غنم صغار، وثياب النقاد غير شديدة الوسخ. وقيل: إنه أراد أن النقاد عليه ثوب قد شمره، وشعر الأسد لا يكثر على قوائمه، فكأنه بمنزلة نقاد قد شمر ثيابه. وقوله (فدرن له) أي جعلن له قدرا، وقدرت عليه. ويقال: قدرت الشيء من التقدير. وجعله لأجل شعره بمنزلة النقاد الذي قد لبس قطيفة، وصير القطيفة أثوابه، وما عليه أثوابه، وجعل خملها ظاهرا. وهداب القطيفة: ما تدلى منها، وحواشيها أيضا اهدابها، والكهباء: التي بين السوداء والبيضاء. والكهبة: سواد يخلطه شيء من بياض. وقوله: يعلو بخملتها، يريد إنه قد لبس القطيفة، وجعل الموضع الذي ليس فيه خمل مما يلي جسده، وجعل الموضع الذي فيه خمل ظاهرا، وإذ جعله ظاهرا فقد علا به. وفي (يعلو) ضمير يعود إلى النقاد، وهو في معنى يعلي خملتها، كقولك: ذهبت به وأذهبته. و (كهباء) حال من الضمير الذي أضيفت الجملة إليه، والضمير يعود إلى الأثواب. ويجوز أن يكون حالا من النون في (قدرن) التي هي ضمير الثياب. ويجوز أن تكون (كهباء) من نعت الأثواب. وكان الأصل فيه قبل النقل أن يكون (أكهب هدابها) لأن الهداب ذكر فلما نقل الضمير المؤنث الذي أضيف إليه الهداب عن موضعه وجعله في تقدير فاعل لأكهب؛ احتاج أن يجعل مكانه اللفظ الذي للمؤنث، لأنه جعل ضمير المؤنث فاعلا فصار كهباء في موضع اكهب. ومثله: مررت

بامرأة احمر غلامها، فإذا نقلت الضمير وجعلته في تقدير فاعل لأحمر قلت: مررت بامرأة حمراء الغلام بالإضافة، وحمراء الغلام بنصب الغلام، فإن لم تدخل الألف واللام قلت: حمراء غلاما بالنصب، أو حمراء غلام بالإضافة. قال ولأبي زبيد: (هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبرةً ... محطوطةٌ جُدِلَتْ شنباءُ أنيابا) وصف امرأة في اول قصيدته فقال: أصبحْتُ قَضَّيْتُ من حسناَء آرَابا ... هَجَرْتُها ورحيقَ الكَأسِ أَحقابا يريد إنه هجرها وهجر شرب الخمر. ثم مضى في ذكرها حتى انتهى إلى قوله: هيفاء مقبلة، والهيف: ضمر البطن، والمجدولة: المفتولة الجسم ليست بمسترخية اللحم، ولم يرد بوصفها بالجدل أنها صلبة الجسم، إنما يراد أن لحمها ليس بمسترخ ولا متدل، هي مستوية الأعضاء كالعنان والنسع المجدول. والمحوطة: قيل في معناها: إنها ليست بكثيرة لحم المتنين، وعندي إنه يراد به أنها ملساء الجلد براقته. وقيل الشنب حدة في الأسنان. وقيل: الشنب برد في الأسنان. وهيفاء، خبر مبتدأ محذوف ومعناه: هي هيفاء، ومقبلة، نصب على الحال، والعامل فيه محذوف تقديره: هيفاء إذا كانت

مقبلة، و (كانت) في هذا الموضع هي كان التامة، وفيها ضمير فاعل يعود إلى المبتدأ المحذوف. ومثله: شربك السويق ملتوتا، فمعناه: شربك السويق إذا كان ملتوتا، وضربك زيدا إذا كان قائما. فإن قال قائل: فإذا جعلت كان، تامة، فهي بمعنى حدث ووقع، والذي مثلت به؛ فاعله لم يحدث في الحال التي أخبرت بها عنه، لأنك إذا قلت: شربك السويق ملتوتا، فمعناه: شربك السويق إذا كان السويق ملتوتا، وضربك زيدا إذا كان زيد قائما. فالسويق وزيد، لم يحدثا في الحال التي أخبرت بها؛ فلم لم تجعل كان - في هذا وأشباهه - ناقصة، وتجعل هذا المنصوب خبرا؟ قيل له: قولنا شربك السويق ملتوتا، وضربك زيدا قائما، معناه: شربك السويق إذا حدث لته، وضربك زيدا إذا حدث قيامه، فاللفظ لزيد والسويق، والمراد الإخبار عن حدوث أحوالهما. فإن قال قائل: قولك: كان أخوك ظريفا، وكان زيد ذاهبا، هو إخبار عن حدوث ذهابه وحدوث ظرفه، فاجعل (كان) تامة في مثل ذا الموضع وفي جميع احوالها؛ قيل له: ليس معنى الكلام الإخبار عن حدوث الظرف والذهاب، وإنما معناه الإخبار عن استحقاق زيد لهذا الوصف فيما مضى من الزمان، ولهذا كان الخبر يجوز أن يكون معرفة ونكرة. ومع هذا إنا لم نعلق وقوع شيء من الأشياء بحدوث الظرف والذهاب، كما فعلنا في قولك: شربك السويق

الصفة المشبهة - إضافة معمولها إلى ضمير صاحبها

ملتوتا، وضربك زيدا قائما، ونحن قد علقنا وقوع الشرب والضرب بحدوث لت السويق وقيام زيد. و (هيفاء) عاملة في إذا المقدرة بعدها، وكذلك عجزاء. وأصل الكلام: هي هيفاء إذا كانت مقبلة، وعجزاء إذا كانت مدبرة. و (جُدلتْ) وصف لمحطوطة، وعجزاء خبر مبتدأ مثل هيفاء، وكذلك شنباء. واصله: شنب أنيابها. وشُنْب جمع أشنب، والناب مذكر ولكنه نقل الفعل إليها فجعله على وصف الواحدة المؤنثة، ونصب (انيابا) شبهه بالمفعول كما تقدم من الباب. الصفة المشبهة - إضافة معمولها إلى ضمير صاحبها قال سيبويه: وقد جاء في الشعر حسنة وجهها، شبهوه بحسنة الوجه، وذلك رديء. قال الشماخ: أَمِنْ دِمنَتَين عرَّجَ الرّكبُ فيهما ... بحقل الرُّخامَى قد عفا طللاهما (أَقامتْ على رَبْعَيهما جارتا صَفا ... كَميْتا الأعالي جَوْنَتا مُصْطلاهما) ويروى: عرس الركب فيهما، ويروى: قد أنى لبلاهما.

الشاهد في البيت على أن الشاعر أضاف (جونتا) إلى (مصطلاهما). وجونتا صفة لـ (جارتا صفا) و (المصطلى) مضاف إلى (الجارتين) والإضافة لا تقع في باب حسن الوجه إلا بعد أن تجعل الذي كان فاعلا مفعولا من طريق اللفظ، وتنقل ضميره المجرور إلى أن يجعل فاعل للصفة التي تجري عليه. فإن لم ينقل الضمير عن موضعه، لم يكن للصفة فاعل، وإذا لم يكن لها فاعل، لم يجز أن يكون السبب إلا فاعلا. ونظير ما ذكرته لك أنك تقول: جاءني امرأتان قائم غلاماهما، الفعل للغلامين، وجعلت اسم الفاعل لـ (المرأتان) وهما من سببهما، (فلذلك جاز أن توصفا بشيء لم تفعلاه من فعل سببهما). وليس يجوز في الغلامين إلا الرفع لأن قائما لابد له من فاعل، وليس فاعل سوى الغلامين فإذا أرادوا أن يجعلوا القيام فعلا للمرأتين من طريق اللفظ؛ والمعنى باق على ما كان عليه، جاءوا إلى الضمير المجرور الذي هو ضمير المرأتين وقد أضيف الغلامان إليه؛ فجعلوه فاعلا للقيام على طريق الاتساع، ونصبوا الغلامين بقائم على طريق التشبيه باسم الفاعل الذي يتعمل في المفعول فقالوا: جاءتني امرأتان قائمتان الغلامين، وغلامين، بغير ألف ولام، كما تقول: جاءتني امرأتان ضاربتان الرجلين، ويجوز فيها الإضافة فتقول: جاءتني امرأتان قائمتا غلامين، وقائمتا الغلامين. والإضافة إنما تسوغ بعد أن يسقل الفعل إلى الأول الموصوف، ويجعل ضميره الذي كان مجرورا فاعلا، ويجعل سبب الموصوف الذي كان فاعلا مفعولا ثم يضاف، فالإضافة داخلة عليه بعد دخول النصب فيه، والنصب لا يجوز فيه إلا بعد أن ينقل الضمير الذي كان يرجع إلى الموصوف فيجعل فاعلا. ونظيره في المسألة التي ذكرتها، إنه لا يجوز أن تقول: جاءتني امرأتان قائمتان غلاميهما، لأن القيام للغلامين، ولا طريق إلى أن تجعل في قائمين ضميرا

للمرأتين وهما لم تفعلا القيام، ولم تنقل ضميرهما المجرور الذي أضيف الغلامان إليه، فتجعله في تقدير فاعل للقيام. وإذا امتنع أن تقول: جاءتني امرأتان قائمتان غلامين أو الغلامين بالنصب؛ امتنع الجر، لأن الجر إنما يدخل على النصب، لأن الفاعل إذا نصب مفعوله، جازت فيه الإضافة إلى المفعول، لأن الإضافة أخف فإذا امتنع من النصب فهو من الجر أبعد. فلذلك لا يجوز: مررت بامرأة حسنة وجهها في ضرورة، لأنك جئت بضميرها بعد أن نقلت الضمير الذي كان (الوجه) مضافا إليه فجعلته فاعلا لـ (حسن)، ثم جئت بضمير آخر فأضفت الوجه إليه. والإضافة لا تكون إلا بعد النقل، وإذا السبب مضافا كان السبب مضافا إلى ضمير الأول، لم يحسن أن يجعل - وهو فاعل في الأصل - مفعولا، ويجري هذا في كلامهم مجرى التكرير للشيء بعد ذكره. الدمنة: الموضع الذي أثر فيه الناس بنزولهم وإقامتهم، والركب: جمع راكب، وهم أصحاب الإبل، والرخامي: شجر بعينه، والحقل: الموضع الذي نبت فيه الرخامى، والحقل: القراح، والتعريج: أن يعطفوا إلى الموضع ويقفوا فيه، وأنى: حان، أي قد حان لهما أن يبليا، والطلل: ما شخص من آثار الدار، وعفا: درس، ومعنى عرس: نزل ليلا في المكان بعد ما سار أكثر الليل. وقوله: أمن دمنتين، يريد: أمن دمنتين؟ و (من) في صلة فعل محذوف كأنه قال: أتحزن أو أتجزع من أجل دمنتين رأيتهما فتذكرت من كان يحل بهما؟! والضمير المجرور في (ربعيهما) يعود إلى الدمنتين، والصفا: الجبل في هذا الموضع، وجارتاه: حجران يجعلان تحت القدر وهما الاثفبتان، وتسند القدر إلى الجبل، فيقوم الجبل مقام حجر ثالث فيكون

تحت القدر، والربع: الدار. يريد: أقامت الاثفيتان اللتان تقربان من الجبل في ربع الدمنة. والذي يوجبه معنى الشعر، إنه ليس يعني أثفيتين اثنتين، لأنه ذكر دمنتين ثم قال: أقامت على ربعيهما، وليس أن في الربعين اثفيتين في كل ربع اثفية؛ وإنما يريد أن في كل ربع من هذين اثفيتين. والأعالي: أعالي الأثافي. يريد: أن أعالي الأثافي أقمن شديدة الحمرة، قد اكماتت من ارتفاع النار إليها، والجون: الأسود، والجونة: السوداء يريد أن أسافل الأثافي قد اسودت من اتقاد النار بينها، وأعاليها قد احمرت من ارتفاع النار إليها. والمصطلى: موضع اتقاد النار، و (كميتا) وصف للجارتين، و (وجونتا) وصف للجارتين أيضا. وقد رد هذا الاستشهاد على سيبويه، وزعم الراد أن الضمير الذي أضيف المصطلى إليه ليس بعائد إلى الموصوف، بل هو عائد إلى غيره، ومثلوا ذلك بداءتني امرأتان حسنتا الغلامين كريمتاهما فالضمير المضاف (كريمتا) إليه هو ضمير الغلامين ليس بضمير المرأتين، وهذا لا يشبه: مررت بامرأة حسنة وجهيها. وعندهم أن الضمير الذي أضيف المصطلى إليه يعود إلى الأعالي. فقيل لهم: ينبغي على ادعائكم أن يقال: كميتا الأعالي جونتا مصطلاها،

الفصل بالظرف بين اسم الفاعل ومعموله

لأن الأعالي جمع. فأجابوا عن هذا بأن قالوا: الأعالي في معنى الاعليين، كما قال الله عز وجل: (فقد صغت قلوبكما) وهو يريد قلبين. وهذا الذي تأولوه يضعف في المعنى، لأن الأعالي هي أعلى هاتين الاثفيتين، والمصطلى: الموضع الذي تصيبه النار من الاثفيتين، والاثفيتان لهما مصطلى وأعال، والأعالي لا مصطلى لها، ومثل هذا أنا نقول: أسفل الاثفيتين، وأعلى الاثفيتين، وأوسط الاثفيتين، وهذه مواضع الاثفيتين يضاف لكل كل واحد منها إليها. ولو قلنا: أوسط الأعلى وأسفل الأعلى وأوسط الاسفل، لم يحسن كحسن ما ذكرنا وأن كان على وجه المجاز. الفصل بالظرف بين اسم الفاعل ومعموله قال سيبويه: هذا باب ما جرى مجرى الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين، في اللفظ لا في المعنى. وذلك قولك: يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدارِ ثم ساق الكلام إلى أن قال: ولا يجوز أن تقول: يا سارق الليلة أهل الدار إلا في شعر، كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور. قال جبار بن جزء ابن ضرار ابن أخي الشماخ:

قالتْ سُلَيْمَى لست بالحادي المُدِلُّ مالَكَ لا تمِلك أَعضادَ الإبلْ رُبَّ ابنِ عمٍ لِسُلَيْمَى مُشْمَعِلُّ أروعَ في السَّفْر وفي الحيَّ غَزلْ (طباخِ ساعاتِ الكرى زادَ الكَسِلْ) الشاهد على إنه أضاف (طباخ) إلى (ساعات) ونصب (الكسل) مثل: يا سارق الليلة أهل الدار. المدل: القوي النشيط. وقوله: لا تملك أعضاد الإبل أي لا تقوى على أن تكون معها، وتسير إلى جنبها تحدوها. والمشمعل: الخفيف فما أخذ فيه من عمل، والأروع: الذكي الحديد الفؤاد. والغزل: الذي يحدث النساء ويضاحكهن ويمزح معهن. والكرى: النعاس، والكسل: الكسلان.

حذف الضمير العائد إلى المبتدأ

حَذْفُ الضمير العائد إلى المبتدأ قال سيبويه: قال أبو النجم: قد أَصبحتْ أُمُّ الخِيارِ تدّعي (عليَّ ذنبا كله لم أَصنعِ) أم الخيار امرأته، وارد بقوله (ذنبا) أي ذنوبا، فجعل الواحد في موضع الجميع. وقوله: كله لم أصنع، يحتمل أمرين: أحدهما: إنه أراد لم يصنع جميعا ولا شيئا منها. والوجه الآخر: إنه صنع بعضها ولم يصنع جميعها، كما تقول لمن يدعي عليك أشياء لم تفعل جميعها: ما فعلت جميع ما ذكرت بل فعلت بعضه. والشاهد منه إنه حذف الضمير العائد إلى المبتدأ الذي هو كله. إعمال صيغة: فعول قال سيبويه: قال الراعي: لياليَ سُعدى لَوْ تَراَءتْ لِراهبٍ ... بدُوَمةَ تَجْرٌ عندهُ وحَجيجُ

حذف عامل المنصوب لدلالة بعض الكلام عليه

(قَلَى دينَهُ واهْتاجَ للشَّوقِ إِنَّها ... على الشَّوقِ إخْوانَ العَزاءِ هَيوجُ) تراءت: تعرضت لأن يراها، ودومة: موضع معروف وهي دومة الجندل، والتجر: جمع تاجر، والحجيج: الحجاج، وقوله: تجر عنده؛ يريد أن الموضع الذي هو فيه ينزله التجار والحجاج، قلى دينه: أبغضه. وأراد أن الراهب من شأنه في دينه أن النساء حرام عليه، فلو رأى هذه المرأة لأبغض الترهب، وأحب مواصلتها، واشتاق إلى الغزل وإلى محادثة النساء واللعب معهن. و (على الشوق) في صلة هيوج، وهيوج: تهيج الشوق عليهم. يقال: هيجته على كذا، إذا بعثته على فعله. يعني أن رؤيتها تدعو من رآها إلى الاشتياق إليها. والشاهد في البيت إنه نصب (إخوان) العزاء بـ (هيوج). وإخوان العزاء: الذين قد تعزوا عن الدنيا وملاذها، وعزفت نفوسهم عنها، فإذا رأوا هذه المرأة ذهب عزاؤهم عن الدنيا واحبوا مواصلتها. حذف عامل المنصوب لدلالة بعض الكلام عليه قال سيبويه بعد ذكره في الباب أشياء من المنصوبات قد حذفت عواملها، لدلالة بعض الكلام عليها: أتته يا فلان أمرا قاصدا. كأنك

قلت: انته وائت أمرا قاصدا. ثم قال: فحذف هذا كحذفهم: ما رأيت كاليوم رجلا. ومثل ذلك قول القطامي كأَنَّ نُسوعَ رَحْلي حينَ ضَمَّتْ ... جوالِبَ غُرَّزا وَمعي جِياعا على وَحْشِيَّةٍ خَذَلَتْ خَلوجٍ ... وكان لها طَلاً طفلٌ فضاعا فَكَرَّتْ تَبْتَغيهِ فَوافَقَتْهُ ... على دَمِه ومَصرَعهِ السَباعا هذا إنشاد سيبويه، والشاهد فيه إنه نصب (الباع) بإضمار: وافقت السباع على مصرعه، وإنما حذفه لدلالة (وافقته) على ما تقدم من البيت. وأنشد غير سيبويه: فكرت عند فيقتها إليه ... فألفت عند مصرعه السباعا النسوع: حبال من أدم، وقوله حين ضمت يريد: حين شدت على حوالب ناقتي، والحوالب: عروق الضرع، والغرز: جمع غارز وهي التي لا لبن لها، ومعي جياعا: أراد بالمعي الأمعاء، ولذلك وصفها بالجمع، وقوله: (على وحشية)

المصدر المعرف بأل - وقوعه حالا

خبر كأن، والوحشية: بقرة، أراد على بقرة وحشية. يقول: كأن نسوع رحلي حين شددت بها راحلتي قد شددتها على بقرة وحيشة، يعني أن راحلته تسرع في سيرها كما تسرع في سيرها كما تسرع البقرة الوحشية في عدوها. ومعنى خذلت: تأخرت عن جماعة البقر، والخلوج: التي اختلج منها ولدها، أخذ منها، فهي تعود تبتغي ولدها فصادفت السباع قد أكلته، وإنما ذكر أنها خذلت وأنها تبتغي ولدها؛ ليعظم أمر عدوها واجتهادها في شدته، لأنها تعدو حتى تدرك ولدها. والطلا ولد الظبية والبقرة، والفيقة اجتماع اللبن. يريد أنه لما اجتمع اللبن؛ طلبت ولدها لترضعه بما اجتمع منه. المصدر المعرف بأل - وقوعه حالا قال سيبويه وهذا ما جاء منه في الألف واللام يريد ما جاء من هذا الباب، يعني باب المصادر التي تقع أحوالا وذلك قولك: أرسلها العراك قال لبيد: رَفَعنَ سُرادِقا في يومِ ريحٍ ... يُصَفَّقُ بينَ مَيْلٍ واعْتِدالِ (فأَورَدَها العِراكَ ولم يَذُدْها ... ولم يُشْفِقْ على نَغَصِ الدِخالِ) وصف حمير وحش تعدو إلى الماء، فقد أثارت غبارا كأنه سرادق، ويصفق:

يردد، كأن الغبار يرتفع مرة في الهواء مستويا، ومرة يميل في جانب، على حسب ما تميله الريح. فأوردها: يعني العير أورد الأتن إلى الماء، والأتن تتبع العير إذا مضت إلى الماء، فإذا وردت تقدم العير، فإذا أدخل قوائمه في الماء اتبعه. فأوردها: يعني العير أورد الأتن العراك، كأنه قال: أوردها عراكا. و (عراكا) في موضع معتركة، والمعتركة التي يزحم بعضها بعضا. يريد أن العير أرسل الأتن مرة واحدة، ولم يطردها عن الماء يخاف القصاص، ولم يذدها: لم يطردها. وأراد أن العير يورد الأتن دفعة وليس كالرعاء الذين يدبرون أمر الإبل، فإذا وردت الماء جعلوها قطعا، وأوردوها قطعة قطعة إلى الماء حتى تروى، ولو أوردوها دفعة واحدة لزاحم بعضها بعضا وهدمت الحوض ولم ترو من الماء. والدخال في شرب الإبل: أن ينظر الذي أورد الإبل الماء إلى الإبل التي وردت أول شيء، فإن كان فيها بعير ضعيف أو عليل أو قليل الصبر عن الماء، سريع العطش، أو بعير كريم يحب أن يؤثره بكثرة الشرب؛ أدخله مع القطعة الثانية من الإبل التي وردت، فيكون هذا البعير قد شرب مرتين: مرة مع الأولى، ومرة مع الثانية. وهذا معنى الدخال: أن يداخل بعير قد شرب مرة أي الإبل التي لم تشرب بعد حتى يشرب معها. والنغص: بصاد غير معجمة على وزن جبل، زعموا إنه لم يشفق على أن ينغصها، والتنغيص: العجلة. وعندي إنه يريد أن بعضها يزحم بعضا حتى لا يقدر أن يتحرك لشدة الازدحام، فهو واقف مزحزم لا يتمكن من الحركة. ويروى: على نغص الدخال، بضاد معجمة على وزن كعب، وهو التحرك وإمالة الرأس نحو الشيء. يريد أنها تميل أعناقها إلى الماء في الدخال بشدة وتعب. وفي (يشفق) ضمير يعود إلى العير.

الإعراب على الموضع

الإعراب على الموضع قال سيبويه: ومما جاء في الشعر من الإجراء على الموضع، قول عقيبة الاسدي. ثم قال بعد إنشاده بيت عقيبة: لأن الباء دخلت على شيء لو لم تدخل عليه لم يخل بالمعنى، ولم يحتج إليها وكان نصبا. يريد أن الباء دخولها كخروجها، وإن الباء لو لم تدخل لكان قوله: فلسنا الجبال بمعنى: فلسنا بالجبال. ثم ذكر بيت لبيد فقال: فإنْ أَنتَ لم تَصْدُقْكَ نَفْسُكَ فانتَسِبْ ... لعلَّكَ تهديك القُرونُ الأوائِلُ (فإنْ لم تَجد من دونِ عدنانَ والدا ... ودُونَ مَعَدٍ فَلْتَزَعْكَ العواذِلُ) يريد أنك أن كنت لست على يقين من الموت والفناء، فانظر إلى من تقدم من آبائك، أبقي منهم أحد؟ فإذا علمت إنه ما بقي منهم أحد، وأنهم قد ماتوا كلهم، فاعلم أنك ميت، فلا تبخل بما في يديك، واسع فيما يبقى لك بفعله ذكر جميل، وثناء حسن في الناس. وإن لم تجد من دون عدنان والدا

إعمال صيغة: فعل

حيا، ووجدتهم كلهم موتى، فاقبل ممن يعذلك ويدعوك إلى فعل الجميل. ويقال: وزع يزع إذا كف. ويجوز في معناه عندي وجه آخر، وهو إنه أراد: فإن لم تجد من دون عدنان والدا ميتا فلتزعك العواذل عن إنفاق مالك، واقبل منها ما تدعوك إليه من البخل والإمساك، لأنك باق كما بقي. والعواذل جمع عاذلة، والعاذلة من النساء إنما كانت تعذلك على الإنفاق لا على الإمساك. والشاهد في البيت إنه نصب (دون معد) وعطفه على موضع (من)، كأنه قال: فإن لم تجد دون عدنان والدا ودون معد. وهو مثل البيت المتقدم. إعمال صيغة: فَعِل قال سيبويه: وقد جاء في (فِعِل) وليس ككثرة ذاك. قال لبيد: حَرْفٌ أَضَرَّ بها السّفارُ كأَنَّها ... بعْد الكَلال مُسَدَّمٌ محجومُ (أَو مِسْحَلٌ شَنِجٌ عِضادةَ سَمْحَجٍ ... بِسَراتها نَدَبٌ له وكُلومُ)

والشاهد إنه نصب (عضادة) بـ (شنج) نصب المفعول به. وصف الناقة، والحرف: الضامر، أضر بها السفار: أنضاها السفر وهزلها، والكلال: التعب والإعياء، والمسدم: الفحل من الإبل الذي قد حبس عن الضراب وهو ينتفخ ويتعظم. وقيل: السدم: غضب معه غم، وإذا فعل به ما يكون سدما فهو مسدم. والمسدم: البعير الهائج الذي لا يرضون فحلته فيربطون على موضع ذكره اهداما، وهي الثياب والخلقان، ويترك يهدر في الإبل لتضبع، فإذا تنوخ ناقة، لم يصل إليها، فيعزلونه ويجيئون بغيره من الفحول التي يرضون نسلها، والمحجوم: المشدود الفم. والمسحل: حمار الوحش، والسمحج: الأتان الطويلة على وجه الأرض، وسراتها: أعلاها، والندب: الأثر، والكلوم: الجراحات. يريد أن هذه الأتان بها آثار من عض الحمار كأنها جراحات. وعضادة: جنب، والشنج المنقبض في الأصل، ويراد به في البيت الملازم، كأنه قال: أو مسحل ملازم جنب أتان سمحج لا يفارقها. يقول: كأن هذه الناقة بعد أن كلت وضمرت بعير مسدم أو مسحل. يشبه الناقة بفحل من الإبل هائج. يريد أنها بعد كلالها عظيمة الجسم قوية النفس كهذا الفحل. (أو مسحل) عطف على مسدم. يريد كأنها فحل إبل أو حمار وحش، يريد أنها تعدو معدو الحمار، وهي نشيطة كنشاطه. وسيبويه يرى أن (فعلا) في الصفات يتعدى كما يتعدى (فاعل)، وعنده أن هذا البيت يشهد بصحة ما يقول، لأن العضادة منصوبة. وزعم مخالفه أن (عضادة سمحج) منصوب على الظرف. والذي يحتج له به أن العضادة ليست من الظروف،

إعمال المصدر المضاف إلى فاعله أو مفعوله

لأنه يريد به جنبها، وأعضاؤها ليست بظروف، ألا ترى إنه لا يجوز أن تقول: هو شنج رجل سمحج! ويقوي هذا أن بعض الرواة يفسره ويقول: شنج عضادة سمحج: هو معاضد لها، كما تقول ملازم لعضديها. ويروى: (سنق عِضادة سمحج)، والسنق: الشبعان. وعلى هذه الرواية (عضادة) تجعل ظرفا. إعمال المصدر المضاف إلى فاعله أو مفعوله قال سيبويه وتقول: عجبت من كسوة زيد أبوه، ومن كسوة زيد أباه، إذا حذفت التنوين. يريد إذا أضفت المصدر إلى الفاعل أو المفعول. قال: ومما جاء لا ينون قول لبيد: أقوى وعُرَّيَ واسِطٌ فَبَرامٌ ... منْ أَهْلِهِ فَصُوائِقٌ فَخِزامُ (عهْدي بها الحَيَّ الجَميعَ وفيهِمُ ... قبل التَّفَرُّقِ مَيْسِرٌ ونِدامُ) واسط وبرام وصوائق وخزام مواضع، وأقوى: أقفر، وعري: خلا ممن كان ينزله. ومعنى قوله: ومما جاء لا ينون يريد أن (عهدي) مصدر مضاف إلى ضمير المتكلم، ولا يجوز أن ينون المصدر وهو على هذا اللفظ، كما كنت

معمول الصفة المشبهة

تفعل في الاسم الظاهر، لأنك تنون الظاهر وتضيفه، والاسم الذي بعده على لفظ واحد، نحو ما ذكره من قولنا: عجبت من كسوة زيد أبوه، بإضافة كسوة إلى زيد. ولو نونت (كسوة) ونصبت (زيد) لم يصر في موضع زيد لفظ غيره. ولو فعلنا مثل هذا في ضمير المتكلم، لجعلنا في موضع الياء التي له (أنا) فكنا نقول: عهد بها أنا الحي الجميع. لأن الضمير المجرور؛ لفظه يخالف لفظ الضمير المرفوع. والظاهر؛ في موضع الرفع والجر والنصب على لفظ واحد. (والميسر: الضرب بالقداح والتقامر على الجزر، والندام: المنادمة). يقول: كنت عهدت هذه الأحياء المجتمعة وهم بخير وحال حسنة، يتنادمون ويقامرون وينحرون ويطعمون الاضياف. وعهدي: مبتدأ، وضمير المتكلم هو في المعنى فاعل، والحي: مفعول المصدر، وميسر: مبتدأ، وندام: معطوف عليه، وفيهم: خبر المبتدأ، والجملة في موضع الحال من الحي؛ وقد سدت الحال مسد الخبر، وهو من قولهم: شربك السويق ملتوتا، وضربك زيدا قائما. معمول الصفة المشبهة قال سيبويه قال النابغة: فإنْ يَهْلَكْ أبو قابوسَ يَهْلَكْ ... رَبيع النَّاس والشهرُ الحَرامُ (وَنُمسكُ بَعْدَهُ بذِنابِ عيشٍ ... أَحَبَّ الظَّهرَ ليسَ لهُ سَنَامُ)

المفعول لأجله

كان النعمان بن المنذر، فوافى النابغة ليلقى النعمان، فخبره عصام ابن شهبر حاجبه إنه عليل، فقال أبياتا من جملتها ما أنشدته. يقول: أن يمت النعمان يذهب خير الدنيا، لأنها كانت تعمر به وبجوده وبعدله ونفعه للناس. والشهر الحرام، يريد إنه من كان في ذمته وفي سلطانه فهو من على نفسه محقوق الدم، ونمسك بعده بذناب عيش أي: نبقى في طرف عيش قد مضى صدره وخيره ومعظمه، وقد بقي منه ذنبه وما لا خير فيه. والاجب: الجمل المقطوع السنام. يريد أن عيشنا قد ذهب معظمه خيره وما كنا فيه من السعة والخصب، فهو كبعير قد جب سنامه. و (نمسك) يجوز فيه أن يجزم ويكون معطوفا على قوله (يهلك) الذي هو جواب الشرط. ويجوز أن يرفع على استقبال خبر يخبر به، أي: ونحن نمسك بعده بذناب عيش. ويجوز أن ينصب على الجواب بالواو. ويجوز أن ينشد: أجب الظهر بإضافة أجب إلى الظهر، ويجوز أن ينشد ينصب الظهر ويكون التنوين سقط من اجب لأنه لا ينصرف والتنوين متنوي. وإنشاد الكتاب على نصب الظهر. المفعول لأجله قال سيبويه في باب ما ينتصب من المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر، وهذا الباب هو باب المفعول له. ثم ذكر وجه النصب حتى انتهى إلى التمثيل فقال: وذلك قولك: أتيتك حذار الشر، وفعلت ذاك مخافة فلان وادخار فلان. قال النابغة الذبياني:

حذف عامل المفعول المطلق

وحلتْ بيوتي في يَفاعٍ مُمَنَّعٍ ... يُخالُ به راعي الحَمُولَةِ طائِرا تَزلُّ الوُعولُ العُصْمُ عن قذفاتِهِ ... وتُضْحي ذُراهُ في السماءِ كوافِرا (حِذاراً على أن لا تُصابَ مَقادَتي ... ولا نِسْوَتي حتى يَمُتْنَ حرائرا) اليفاع: الموضع العالي المشرف، والممنع: الذي يمتنع على من اراده، يريد به جبلا شامخا، والحمولة من الإبل: ما كان يصلح أن يحمل عليه. أراد أن الذي ينظر إلى هذا الجبل يرى الراعي للإبل فوقه كأنه طائر لارتفاعه. والوعول: جمع وعل، وهو الذي يقال له تيس الجبل، والعصم من الوعول: التي في أيديها بياض، الذكر أعصم والانثى عصماء. والذرا: الأعالي الواحدة ذروة، والكوافر: المتغطية بالسحاب. ويقال: قد كفر بالدرع إذا لبسها، وسمي الليل كافرا لأنه ألبس كل شيء. أراد أن أعالي هذا الجبل قد تغطت بالسحاب. والمقادة: القود، وأراد: أن لا ينال إذلالي وقهري ولا تستبعد نسائي. يقول إني أحللت بيوتي في هذا الجبل العالي الممتنع، حذرا من أن أنال بما أكره وتسبى نسائي. والشاهد: نصب (حذارا) على إنه مفعول له، والعامل فيه حلت. حذف عامل المفعول المطلق قال سيبويه في باب ما ينصب فيه المصدر المشبه به على إضمار

الفعل المتروك إظهاره. وذلك قولك: مررت به فإذا له صوت صوتَ حمار أراد أن (صوت حمار) ينتصب يفعل مضمر تقديره: بصوته صوت حمار، ويخرجه صوتا مثل صوت الحمار. وقال النابغة: فَعَدَّ عما تَرى إذْ لا ارْتِجاعَ له ... وانْمِ القُتودَ على عَيْرانَةٍ أجدِ (مَقْذوفَةٍ بدخيس النحضِ بازلُها ... له صَريفٌ صَريفَ القَعْو بالمسَدِ) فعد عما ترى: انصرف عنه، يريد به انصرف عن الدار التي وقفت عليها تتذكر من كان يحل بها، فانك لا ترتجع بحزنك وبكائك عليهم شيئا مما كنت فيه. وانم القتود: ارفعها، يقال نميت الشيء أنميه إذا رفعته، والقتود: الرحل بما عليه، وقيل: القتود: خشب الرحل، والعيرانة: الموثقة الخلق، والمقذوفة: بالحم، أي رميت به؛ للحم الذي كثر في جسدها، والدخسين: اللحم المتدخل. يريد أنها مكتنزة اللحم صلبته. والنحض: اللحم، وبازلها: نابها الذي بزلت به، أي صارت بخروجه بازلا. وبازلها:

عمل اسم الفاعل

مبتدأ، والجملة التي بعده في موضع خبره، والصريف: صوت الناب إذا حك بالناب الذي تحته. والقعو: جانب البكرة، ويقولون خد البكرة. والمسد: الحبل من الليف، وقد يقال المسد لغير الحبل الذي يعمل من الليف. وأراد صريف القعو، أي إذا مد المسد على البكرة صوت القعو، فشبه صوت حك أنياب هذه الناقة بعضها على بعض بصوت تحك قعوا إذا جرت فتصوت. عمل اسم الفاعل قال سيبويه في: باب من اسم الفاعل جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول وفي المعنى. قال النابغة: (واحْكُمْ كحكم فتاةِ الحيَّ إذ نظرَتْ ... إلى حَمَامٍ سِراعٍ وارِدِ الثَّمَدِ) قالت: ألا ليتنا هذا الحمام لنا ... إلى حماتنا ونصفه فقدِ قوله احكم أي كن حكيما، يقال منه: حكم الرجل يحكم حكما إذا صار حكيما، ومثله: ظرف يظرف فهو ظريف. وليس يريد به احكم

إضمار (كان) مع اسمها

حكم القضاء، يريد تثبيت في أمري وافعل ما يفعله الحكماء، حتى تقف على صحة ما اذكره أنا، وما يذكره الذي سعى بي إليك. وفتاة الحي هي الزرقاء التي كانت باليمامة، ويقال: أن الزرقاء اسمها اليمامة، واسم المدينة حجر، وسميت المدينة اليمامة باسم الزرقاء. والثمد: الماء القليل. وقوله: إلى حماتنا أي مع حماتنا. و (قد) بمعنى حسب، ويقال: قدي من كذا، أي: حسبي. وكانت الزرقاء فيما زعموا نظرت إلى قطا يطير بين جبلين فقالت: ليت الحمامَ لِيهْ إلى حمامَتِيَهْ ونصفه قَدِيَهْ تمَّ الحمامُ مايهْ فاتبع القطا إلى أن ورد الماء، فعد فإذا هو ست وستون. يقول النابغة للنعمان: أصب في تأملك أمري حتى تقف على صحة ما ذكرته، كما أصابت هذه الجارية. إضمار (كان) مع اسمها قال سيبويه: ومن ذلك قول العرب: قد مررت بالرجل أن طويلا وأن قصيرا، وامرر بأبيهم أفضل أن زيدا وأن عمرا، ومررت برجل قبل أن زيدا وأن عمرا، لا يكون في هذا إلا النصب، لأنك لا تستطيع أن تحمل الطويل والقصير على غير الأول، ولا زيدا ولا عمرا على غير الأول. المعنى في هذا إنه لا يسوغ أن تجعل الاسم الظاهر بعد إن على وجهين كما تقدم في الباب، في قوله: المرء مجزي بعمله أن خيرا فخير: أن نصبت خيرا فقد جعلت الفاعل مضمرا في الفعل المحذوف الذي يقدر بعد أن. كأنه قال: أن كان عمله خيرا. وإن قدرت الفعل المحذوف

فارغا من ضمير، جعلت هذا الظاهر هو الفاعل، فتقدير: أن كان في عمله خير، فترفع (خير) بكان المضمرة، وتحذف الخبر. وهذان الوجهان سائغان في المواضع التي يسوغ فيها هذا التقدير. وإن كان الفعل المقدر بعد أن لا يكون فاعله إلا مضمرا فيه؛ لم يجز في الظاهر إلا النصب. وهذا شيء يقتضيه معنى الكلام. ونحو ذلك: لا تقربن الأمير أن راضيا وأن غضبان، ولا يسوغ في مثل هذا أن نقول: أن راض وإن غضبان، على تقدير: أن كان فيه راض وإن كان فيه غضبان، وهذا محال. وذكر سيبويه أشياء من هذا المعنى. وقال النابغة الذبياني: عيَّرتَني النسبَ الكريمَ وإنما ... ظَفَرُ المَفاخر أن تُعَدَّ كريما (حَدَبَتْ عليّ بطونُضِنَّةَ طلُّها ... أن ظالما فيهم زإنْ مظلوما) الشاهد في البيت إنه قدر: أن كنت ظالما وأن كنت مظلوما، وهذا الذي أوجبه المعنى، ولا يسوغ: أن ظالم وأن مظلوم، على: أن كان فيهم ظالم وان كان فيهم مظلوم؛ لأنه لا معنى لهذا الكلام. وسبب هذا الشعر أن يزيد بن سنان بن أبي حارثة المري كان يقول:

جواز الابتداء بالنكرة

أن النابغة وأهل بيته من قضاعة ثم من بني عذرة من بني ضنة، فقال النابغة: هؤلاء الذين نسبتني إليهم قوم كرام، ولو كنت منهم لم تكن علي غضاضة، وإنما سعادة الإنسان أن يكون آباؤه كراما، لهم مفاخر وأيام حسنة، ومن أي الكرام كان فقد بلغ ما يريده. وحدبت: عطف وتحننت، وبطون ضنة: قبائلها. يقول: عطفت علي ضنة كلها إن كنت فيهم ظالما وأن كنت مظلوما يريد إنه لو كان منهم لنصروه وتحدبوا عليه. جواز الابتداء بالنكرة قال سيبويه: في باب ما يجري مما كان ظرفا هذا المجرى. قال امرؤ القيس: فبِتُّ أُكابدُ ليلَ التَّما ... مِ والقلبُ من خَشيةٍ مُقْشَعِرّْ (فأَقبلتُ وحفاً على الركبتينِ ... فثوبٌ نسيتُ وثوبٌ أَجُرّْ) يصف حاله مع امرأة التي قد مر ذكرها وهي هر. يريد إنه اجتهد في الوصول، وتسبب في الليل الطويل، وقاسى شدة من خوفه من أهلها. ولهذا قال: والقلب من خشية مقشعر يريد أن قلبه من خشية أهلها والرقباء عليها مقشعر،

تنازع الفعلين، وإعمال ما يحسن معه المعنى

فأقبل يزحف على ركبتيه حتى دخل عليها. ومن روى: فلما دنونُ تسدَّيتُها أي علوتها وركبتها. وقوله: فثوبٌ نسيتُ وثوبٌ أَجُرّْ يريد إنه نسي بعض ثيابه عندها لأنها ذهبت بفؤاده، فلم يدر على أي صورة يخرج من عندها. تنازع الفعلين، وإعمال ما يحسن معه المعنى قال سيبويه في: باب الفاعلين المفعولين اللذين يفعل كل واحد منهما بفاعله مثل الذي فعل به. فأما قول امرئ القيس: (فلو أن أَسْعى لأَدنى معيشةٍ ... كفاني - ولم أَطلبْ - قليلٌ من المالِ) ولكنما أَسعى لمجدٍ مُؤثَّلٍ ... وقد يُدرك المجدَ المؤثَّلَ أَمثالي فإنما رفع لأنه لم يجعل القليل مطلوبا، وإنما كان المطلوب عنده الملك، وجعل القليل كافيا. ولو لم يرد ذلك ونصب لفسد المعنى. الشاهد فيه على أعمال الفعل الأول وهو (كفاني)، لأن قوله (قليل) قد ارتفع بـ (كفاني). ولم يجز أن يعمل الفعل الثاني وهو قوله (ولم أطلب) في (قليل)

في وجوب رفع المصدر

وينصبه به، لأنه لو فعل هذا فسد معنى البيت، وذلك أن (لو) المعنى الذي يشتمل عليه جوابها غير واقع، لأن المعنى الذي بعدها غير واقع، وعلة امتناع وقوع جوابها، هو أن ما بعدها لم يقع. مثال هذا أنك تقول: لو جئتني لأكرمتك، الإكرام غير كائن لأن المجيء غير كائن، فإن المجيء وقع الإكرام. ولو نفيت الجواب فقلت: لو جئتني لم أكرمك لصار معنى الكلام: لو وقع مجيئك انتفت كرامتي لك. فيكون المجيء سببا لامتناع الإكرام، وأنه متى جاء لم تكرمه. فعلة امتناع جوابها، هو امتناع ما بعدها. فإذا قال قائل: أنا لو سعيت لمعيشة خسيسة كفاني قليل من المال؛ لكان الكلام صحيحا، وقد انتفى أن يكفيه قليل من المال لانتفاء طلبه معيشة خسيسة، ولو سعى لمعيشة خسيسة كفاه قليل من المال. ولو ادخل حرف النفي فقال: لو سعيت لمعيشة خسيسة ما كفاني قليل من المال لفسد الكلام. ومثال هذا كأنه قال: لو قنعت بمقدار قوتي كل يوم كفاني مقدار شبعي. (وهذا سديد من الكلام. وكل هاة إنه لا يكفيه مقدار شبعه ولا يقتنع بقوته في كل يوم. ولو قال: لو قنعت بقوتي في كل يوم، لم أطلب مقدار شبعي في كل يوم لناقص. لأنه لو قال: متى طلبت قوتي لم يكفني شبعي) فسد الكلام. ولهذا لم يجز أن يعمل (لم أطلب) في (قليل) لأنه كان تقديره أن يكون: متى سعيت لأدنى معيشة لم اطلب قليلا من المال، ومن سعى لأدنى معيشة طلب القليل. ومثله قولك: لو طلبت الملك طلبت مالا كثيرا، وهذا صحيح. ولو قال: لو طلبت الملك طلبت مالا قليلا؛ فسد الكلام. وقولنا: ولو طلبت الملك لم اطلب مالا كثيرا، فاسد، لأنه يكون بمنزلة من قال: لو طلبت الملك طلبت مالا قليلا. في وجوب رفع المصدر قال سيبويه: هذا باب مالا يكون فيه إلا الرفع، وذلك قولك: صوته صوت حمار، وتلويحه تضميرك السابق، ووجدي بها وجد

ثكلى. وساق الكلام إلى أن ذكر بين مزاحم العقيلي. قال مزاحم: ومن يَرَ جَدوى مثل ما قد رأَيتُها ... تَشُقْهُ وتَجْحدْهُ إليها التّكالِفُ (ووجدي بها وَجْدُ المُضِلَّ بَعيرهُ ... بنخلةَ، لم تَعْطِفْ عليه العواطفُ) كأنه قال: ووجدي بها وجد المضل، كما تقول: شربك شرب الإبل، أي مثل شرب الإبل. وجدوى: اسم امرأة، والتكالف: جمع تكلفة وهو ما يتكلفه الإنسان ويفعله على مشقة، وتشقه: يدعوه حبها إلى أن يشتاق إليها، وتجهده التكالف: تحمله على جهد، ونخلة: موضع معروف بنواحي تهامة موضعان: يقال لأحدهما نخلة اليمانية، والآخر نخلة الشامية، والمضل: الذي أضل بعيره. قال: أضللت بعيري، إذ لم تعرف موضعه الذي ذهب إليه. يقول: لم تعطف من إبله. والعواطف: جمع عاطفة، ويراد بها في البيت الصداقة والرحم والمودة والصحبة وما أشبه هذا، فلذلك جمعه على فواعل، وفواعل من جمع المؤنث. المعنى إنه وجد بمفارقته لها، كما وجد الذي ضل بعيره في هذا الموضع.

قال سيبويه في باب الإضمار في (ليس وكان): ولا يجوز أن تقول: ما زيدا عبد الله ضاربا، وما زيدا أنا قائلا، لأنه لا يستقم في (ما) كما لم تقدم في (كان وليس) ما يعمل فيه الآخر، فإن رفعت الخبر حسن حمله على اللغة التميمية، كأنك لم تذكر (ما) وكأنك قلت: زيدا أنا ضارب. يريد أن لغة أهل الحجاز لا يصلح فيها تقديم خبر (ما) على اسمها، لأنها عاملة كـ (ليس) و (ليس) لا يجوز أن يقدم مفعول خبرها على اسمها، و (ما) هي مشبهة بـ (ليس) في عملها، فإذا كان هذا لا يجوز في (ليس) فهو في (ما) أبعد. وأما بنو تميم فإنهم لا يعلمون (ما) ويجعلون ما بعدها مرفوعا بالابتداء، ويكون الكلام بمنزلة جملة لم يدخل عليها حرف نفي. وقد يجوز قبل دخول (ما): زيدا عمرو ضارب، فكذا يجوز بعد دخولها أن تقول: ما زيدا عمرو ضارب، فيكون (عمرو) رفعا بالابتداء، و (ضارب) خبره، و (زيدا) مفعول ضارب، وقد تقدم. وقال مزاحم العقيلي: (وقالوا تعرفْها المنازل من مِنى ... وما كلَّ منْ وافَى مِنى أنا عارف)

المفعول لأجله

وهذا الإنشاد على مذهب بني تميم، جعل (أنا) مبتدأ و (عارف) خبره و (كل) منصوب بـ (عارف). وأما أهل الحجاز فإنهم يعلمون (ما) في (كل) ويرفعون (كل) بها، ويجعلون قوله: (أنا عارف) جملة في موضع الخبر. ويعود إلى اسم (ما) الضمير المحذوف، يريد: أنا عارفه. وتعرفها بمنزلة أعرفها، والمنازل: منصوب على الظرف. يريد: اعرفها مكانها في المنازل من منى، وما كل من وافى منى أنا عارف: موضعه الذي ينزل فيه وتعرفت بمعنى عرفت. ومثله بيت طريف العنبري: فَتَعرفوني إنني أنا ذاكمُ المفعول لأجله قال سيوبه: هذا باب ما ينصب من المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر، فانتصب لأنه موقوعله، ولأنه تفسير لما قبل لم كان وهذا هو المفعول له. ثم مثل فقال: وذلك قولك: فعلت ذاك حذار الشر، وفعلت ذاك مخافة فلان وادخار فلان. قال حاتم الطائي:

وأَغفِرُ عَوْراَء الكريمِ ادَّخارَهُ ... وأعرِضُ عن شتمِ اللّئيمِ تكرُّما العوراء: الكلمة القبيحة. يقول: إذا بلغتني كلمة قبيحة قالها في رجل كريم؛ غفرت له ما فعل ولم أكافئه عليها، واحتملت لأجل حسبه وكرمه وأبقيت على صداقته، وادخرته ليوم احتاج إليه فيه، لأن الكريم إذا فرط منه قبيح ندم على ما فعل، ومنعه كرمه أن يعود إلى مثله. واعرض عن شتم اللئيم: لا أكافئه على ما صنع لأنه ليس بكفء لي فأقتله. ويقرب منه قول الآخر: لا تَسُبَّنَّني فلسْتَ بِسبي ... أن سِبي من الرجال الكريمُ ونحو منه: فإنّ حراما أن أَسُبَّ مُقاعِساً ... بآبائِي الشُّمَّ الكرامِ الخَضارمِ والشاهد في البيت: إنه نصب (ادخاره) و (تكرما) على إنه مفعول لهما. وقال الحارث بن هشام المخزومي يعتذر من فراره يوم بدر: وعلمتُ أَني أن أقاتلْ واحدا ... أقتَلْ ولم يَضْرُرْ عَدُوّي مَشهَدي

(فصدَفْتُ عنهمْ والأحبة فيهمُ ... طعماً لهم يعقاب يومِ مُفسدِ) الشاهد في البيت إنه نصب (طمعا) لأنه مفعول له، يريد إنه صدف عنهم لطعمه في أن يمكنه أن يقاتلهم بجيش يجمعه في يوم آخر. يقول: علمت أني أن قاتلت بعدها قتل أصحابي وأسروا وبقيت وحدي؛ قتلت قبل أن أقتل من أعدائي أحدا، فانصرف حتى انظر متى يمكنني غزوهم والأخذ بالثأر منهم. وهذا؛ قاله الحارث بن هشام وهو مشرك، وكان مع قريش يوم بدر، ثم أسلم وحسن إسلامه وقتل شهيدا. وقال العجاج: أَمسى بِذات الحاذِ والجُدورِ من الدَّبيلِ ناشِطاً للدُّورِ

يركب كلَّ عاقرٍ جُمهورِ (مخافةً وَزَعلَ المَجْبورِ) والهَوْلَ من تَهَوُّلِ الهُبورِ في (أمسى) ضمير يعود إلى ثور وحش ذكره، والحاذ: ضرب من النبت، والجدر: ضرب منه أيضا وجمعه جدور، وذات الحاذ والجدور: أرض تنبت الحاذ والجدور، والدبل: ناحية معروفة، وذات الحاذ: من جملة الموضع الذي يقال له الدبيل، والناشط: الخارج من ارض إلى أرض، والدور أيضا: موضع معروف. يقول: أمسى خارجا من الدبيل إلى الدور، والعاقر: الرملة التي لا تنبت سيئا، والجمهور: العظيمة المرتفعة. يقول: يركب هذا الثور كل رملة عاقر عظيمة، لمخافته من الرماة، ولزعله. والزعل: النشاط، والمحبور: الفرح. يريد أن نشاطه كنشاط الفرح المسرور. والهبور: جمع هبر، وهو مطمأن في الرمل يهول النازل فيه، والتهول أن يعظم الشيء في عينك حتى يهولك أمره. يريد إنه يركب كل شيء يهول ركوبه من أجل خوفه من الرماة، فإذا ركبه وهو آمن منهم، هان عليه ما يلقى من الشدة. والشاهد فيه إنه نصب (مخافة) لأنه مفعول له. و (زعل المحبور) عطف على (مخافة)، و (الهول) عطف على (كل). كأنه قال: يركب كل عاقر ويركب الهول.

اسم (كان) نكرة وخبرها معرفة - في الضرورة

اسم (كان) نكرة وخبرها معرفة - في الضرورة قال السيبويه في باب كان: وقد يجوز في ضعف من الكلام، حملهم على ذلك إنه فعل بمنزلة ضرب، وأنه قد يعلم إذا ذكرت زيدا وجعلته خبرا إنه صاحب الصفة، على ضعف من الكلام. يريد إنه يجوز أن تجعل الاسم نكرة والخبر معرفة في الشعر. قال حسان بن ثابت: كأنَّ سُلافةً مِن بيت رأس ... يكون مِزاجَها عَسَلُ وماءُ) على أنيابها أو طَعم غَضٍ ... منَ التُّفاح هصره اجتنِاءُ السلافة: أول ما يسيل من ماء العنب وهو أرق ما فيه، وبيت رأس:

موضع بالأردن. ويروى: كأن خبيئة وهي الخمر المصونة المضنون بها. وقوله: (يكون مزاجها عسل وماء) جملة في موضع الوصف لـ (سُلافة) وخبر كأن: في البيت الثاني، وهو قوله: على أنيابها، وهصره: أماله، والاجتناء: أخذ الثمر من الشجر. شبه طعم ريقها بطعم الخمر قد مزجت بعسل وماء، أو بطعم تفاح غض قد اجتني. و (طعم) منصوب معطوف على اسم كأن. والشاهد في البيت إنه جعل (مزاجها) وهو معرفة خبر يكون. وقد حكي عن أبي عثمان إنه كان ينشد: يكون مزاجها عسلاً وماءُ يرفع (مزاجها) بيكون، وينصب (عسلا) لأنه خبر يكون، يرفع (ماء) بإضمار فعل كأنه قال: ومازجها ماء. وله نظائر. وقيل: قد قال بعضهم: يكون مزاجها عسلٌ وماءُ يجعل في (يكون) ضمير الأمر والشأن، ويرفع (مزاجها) بالابتداء، وما بعده خبره، والجملة في موضع خبر يكون. وهذان الوجهان لا يدفع جوازهما ولكن الرواية على ما انشد سيبويه، ولم يقل سيبويه إنه لا يجوز غير ما انشده، ولكنه أنشد البيت على الوصف الذي روته الرواة، وذكر وجه روايتهم. فالذي يحسن جعل النكرة في هذا البيت اسما، أن العسل والماء وما أشبههما من الأجناس تؤدي نكرته عن معرفته في المعنى، كما تقول: فلان يأكل خبزا ويشرب ماء، أو يأكل الخبز ويشرب الماء، يريد إنه يأكل من هذا الجنس ويشرب منه. فلو قال: يكون مزاجها العسل والماء، لكان بمنزلة قوله: عسل وماء. وقد يجوز أن ينشد: يكون مزاجها عسل وماء، يجعل في (يكون ضمير السلافة، و (مزاجها) مبتدأ وما بعده خبره، والجملة في موضع خبر (يكون).

تأنيث الفعل

ويجوز أن يقال: أن في (يكون) ضميرا من السلافة، و (من بيت رأس) خبر يكون، والجملة وصف للسلافة، و (مزاجها عسل وماء) جملة هي وصف ثان. تأنيث الفعل قال سيبويه: ومثل قولهم: من كان أخاك؛ قول العرب: ما جاءت حاجتك؟. يريد إنه مثله، لأن (من) مبتدأ، وفي (كان) ضمير ممن هو اسم كان، و (أخاك) خبر كان. وكذا: ما جاءت حاجتك: (ما) مبتدأ وفي (جاءت) ضمير يعود إلى (ما) و (حاجتك) خبر (جاءت)، و (جاءت) في الكلام بمنزلة صارت. وقال سيبويه: ولكنه أدخل التأنيث على (ما) حيث صارت (الحاجة). يريد أن القياس أن تقول: ما جاء حاجتك، لأن (ما) اسم مذكر مبهم، يقع على كل شيء سوى ما يعقل، وينبغي أن يكون فعله مستعملا على لفظ التذكير والأفراد لأن (ما) مذكر مفرد، وإن كان يقع على أشياء مختلفة: من مذكر ومؤنث واثنين وجماعة. وفي (جاء) ضمير يعود إلى (ما) فكان ينبغي أن يقول: ما جاء حاجتك ولكنهم أنثوا الفعل وإن كان فاعله ضمير مذكر، لأن الخبر مؤنث، والخبر اسم هو الاسم، فلما كان الخبر هو الاسم والخبر مؤنث؛ أنثوا الفعل لأجل خبره، لأن الاسم والخبر لشيء واحد، وألزموا (جاءت) علامة التأنيث لأنه كالمثل، ثم ساق سيبويه كلامه في هذا المعنى حتى انتهى إلى قوله: ومثل قولهم: ما جاءت حاجتك - إذ صارت تقع على مؤنث - قراءة بعض القراء:

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إلا أن قالوا). معنى قوله: تقع على مؤنث، أن (جاءت) تنصب مؤنثا هو (حاجتك) وأنث (تكن) لأجل تأنيث خبرها وهو (فتنتهم)، و (إن قالوا) بمنزلة القول، فهو في تقدير: ولم تكن فتنتهم إلا القول. وقوله: (تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيَّارة) ليس من باب كان ولكنه شاهد على أن الشيء المذكر قد يؤنث إذا كان المذكر بعضا لذلك، وبعض السيارة سيارة فأنث لهذا، كما تقول: تلتقطه السيارة. قال: وربما قالوا في الكلام: ذهبت بعض أصابعه فأنث على (الأصابع). وهذا لا يستعمل إلا في شيء يكون المذكر فيه بعض المؤنث. وقال الأعشى: أَئِنْ كُنْتَ في جُبٍ ثمانينَ قامَةً ... وَرُقَّيتَ أَسبابَ السّماءِ بسُلَّمِ لَيَستدْرِجَنْكَ القَوْلُ حتى تَهِرَّهُ ... وتعلَم أني لستُ عنك بِمحرمِ (وتَشْرَقَ بالقَوْلِ الذي قد أّذّعْتَهُ ... كما شَرِقَتْ صدرُ القَناةِ من الدّمِ)

يخاطب الأعشى بهذا الشعر عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان، وهو من بني تغلب. يقول له: لا تعتصم من هجائي بشيْ. ولا يمكنك دفعه، وإن جعلت في قرر الأرض، وأصعد بك إلى السماء ليلحقك من هجائي ما لا تطيقه. والجب: البئر القديمة، ووصفها بأن طولها ثمانون قامة. وأسباب السماء: المواضع التي يوصل إلى السماء منها، أراد ورقيت إلى أسباب السماء، فحذف حرف الجر، وعدى الفعل إلى الأسباب. ولم يرد: لئن كنت في جب ورقيت أسباب السماء في حالة واحدة؛ وإنما يريد: لئن كنت في جب في حال، ولئن رقيت في حال أخرى ولم يمكنه أن يقول أو رقيت لأجل الشعر. والاستدراج: العمل في إيقاع الإنسان في بلية ما كان يشعر بها، وتهره: تكرهه، وأراد القول. والمحرم: الداخل في الشهر الحرام، وهو الداخل في البلد الحرام، وهو المحرم بالحج: وهو الذي له حرمة وذمام. يقول: لست أمتنع من هجاءك في حال من الأحوال، كما يمتنع الذي يدخل في الشهر الحرام أو البلد الحرام؛ أن يقاتل إنسانا أو يؤذيه. و (تشرق) منصوب معطوف على (تهرة) ومعنى تشرق ينقطع في حلقك، يريد إنه ينقطع كلامك حتى لا تقدر على أن تتكلم؛ بما تسمعه من هجائي لك، كما شرقت صدر القناة. يريد أن الدم إذا وقع على صدر القناة وكثر عليها؛ لم يتجاوز الصدر إلى غيره لأنه يجمد عليه. فأراد أن كلامه يقف في حلقة كما يقف الدم على صدر القناة فلا يذهب. والشاهد إنه أنث (شرقت) والفعل للصدر، لأنه مضاف إلى القناة وهو بعضها.

قال سيبويه: ومثله لجرير: وَلِيتُمْ امرَنا ولَكمْ علينا ... فُضولٌ في الحديثِ وفي القديمِ (إذا بعضُ السّنينَ تَعَرَّقَتْنا ... كَفَى الأيتامَ فَقْدَ أَبي اليَتيمِ) يمدح هشام بن عبد الملك. والفضول: جمع فضل. أي لكم علينا افضال بعد افضال، وقوله تعرقتنا: أذهبت اموالنا، والتعرق: أصله أن يؤخذ ما علي العظم من اللحم، يقال تعرقت اللحم: أخذته عن العظم. وقوله: كفى الأيتام فقد أبي اليتيم؛ أي كفى الأيتام فقد ابيهم، لأنه يقوم للأيتام مقام آبائهم في الكفاية لهم، والحواسة والتيقظ لأحوالهم. وأراد أن يقول: فقد آبائهم فلم يمكنه فقال: أبي اليتيم. والشاهد فيه إنه أنث (تعرقتنا) و (البعض) مذكر، لأن البعض مضاف إلى السنين وهي مؤنثة. وقال جرير: (لما أَتَى خبرُ الزُّبَيْر تَواضَعَتْ ... سورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ)

يريد لما أتى خبر قتل الزبير. وتواضعت: وقعت على الأرض، والخشع: التي قد لطئت بالأرض. والشاهد على إنه أنث (تواضعت) والسور ذكر وهو الفاعل لأنه مضاف إلى المدينة وهو بعضها. وجرير يذكر قتل الزبير، ويردده في هجائه للفرزدق، لأن ابن جرموز قتله في أرض بني مجاشع، فهو ينسبهم إلى إنه غدر به في ارضهم، وانهم لم يدافعوا عنه. ومن الناس من يقول أن السور جمع سورة، ويجعله مما بينه وبين واحده الهاء، والسور على هذا التأويل يصلح فيه التذكير والتأنيث، كما يكون فيما بين جمعه وبين واحده الهاء، نحو برة وبر، وتمرة وتمر. وقال ذو الرمة: (مَشَيْنَ كما اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعاليها مَر الرياحِ النَّواسِمِ) يصف نساء، والنواسم من الرياح: اللواتي: نهب هبوبا لينا ضعيفا مثل التنفس. وأراد أن النساء يتثنين ويملن من جانب إلى جانب كما تميل الرماح إذا أصابتها ريح لينة. وقوله: تسفهت أعاليها: أي استخفت الريح أعالي الرماح فحركتها. والشاهد في البيت إنه أنث (تسفهت) وفاعله (مر). وإنما إنه لأن المر

من شرورات الشعر - حذف الياء

مضاف إلى الرياح وهو منها، كما ذكر في الأبيات المتقدمة. ويروى: تسفهت أعاليها مرضى الرياح. ولا شاهد فيه على الرواية. ويروى: رويدا كما اهتزت. يريد مشين رويدا. وأعالي الرماح: ما قرب من الموضع الذي يركب فيه السنان. من شرورات الشعر - حذف الياء وقال سيبويه في باب ضرورة الشعر. قال الأعشى: (وأَخو الغوانِ متى يَشأْ يَصْر مِنْهُ ... ويَكنَّ أَعداء بُعَيْدَ وِدادِ) الشاهد فيه إنه حذف الياء من الغواني). ويروى: وأَخو النساء. وقوله: متى يشأ يصر منه: يعني أنهن كثيرات الصرم، مودتهن ضعيفة، فمتى يشأ إنسان أن يراهن صوارم رآهن على هذا الوصف. وهذا كقول الناس في الذي يكثر فعل القبيح إذا اخبروا عنه غيره: متى شئت أن يفعل فلان قبيحا فعل، وهو لا يشاء أن يفعل هذا الإنسان قبيحا، ولكن قد صار هذا الكلام عبارة عن هذا المعنى. ويكن أعداء بعد ودهن، والوداد: مصدر وأددت الرجل موادة وودادا، وبعيد: تصغير بعد، ويروى وداد بفتح أوله.

إعمال المصدر المحلى بالـ

إعمال المصدر المحلى بالـ قال سيبويه في باب المصادر قال المرار: (لقد عَلِمَتْ أولَى المغيرة أنني ... لَحِقْتُ فلم أَنْكُلْ عن الضَّرْبِ مِسْمَعا) وجدت في هذا الباب البيت منسوبأ إلى المرار، ورأيته في شعر مالك ابن زعبة الباهلي، وكانت بنو ضبيعة قد أغارت على باهلة، فلحقتهم باهلة وهزمتهم. والمغيرة: الجماعة التي أغارت. أولاها: أولها. يريد أنهم علموا ما صنعت حين لحقتهم وضربت مسمعا بالسيف. ولم أنكل: لم أعجز ولم أخم عنه. والشاهد فيه إنه نصب (مسمعا) بـ (الضرب). من ضرورات الشعر - حذف الياء قال سيبويه وكما قال - يعني كما قال الشاعر وهو مضرس بن ربعي الأسدي: وَفِتِيانٍ شَوَيْتُ لهمْ شِواءً ... سَريعَ الشَّي كُنْتُ به نَجيبا

تمام كان

(فَطِرْتُ بمُنْصُلي في يَعْمَلاتٍ ... دَوامي الأيْدِ يَخْبِطْنَ السَّريحا) النجيح: المنجح، ويقال: عمل نجيح للذي ينجح صاحبه. والضمير الذي في (به) يعود إلى الشيء. يقول: كنت بشيء لهم نجيحا، ويجوز أن يريد: كنت بعملي نجيحا، لأن الذي في البيت هو عمل. والمنصل: السيف، واليعملات: النوق السراع، والسريح: سيور نعال الإبل، ويخبطن السريح: يطأن بأخفافهن الأرض، وفي الأخفاف السريح. والدوامي: التي قد دميت من شدة السير ووطئها على الحجارة. وقوله: طرت بمنصلي: أي أسرعت ومعي سيفي وأقبلت إلى اليعملات، فعرقبت ناقة منها، وأطعمت لحمها لصحبتي، يريد إنه نحر لأصحابه - وهو مسافر - راحلة من رواحله. والشاهد في البيت الثاني على إنه حذف الياء من الأيدي واكتفى بالكسرة. تمام كان قال سيبويه قال عمرو بن شأس: (بني أَسدٍ هل تعلمون بلاَءنا ... إذا كان يومٌ ذو كواكبَ أشنعا) إذا كانت الحوُّ الطَّوالُ كأَنما ... كساها السلاحُ الأرْجوانَ المُضلَّعا

نصب الاسم المعطوف على مجرور بإضمار

يريد هل تعرفون. والبلاء: ما يفعلون، يقال: قد أبليت فلانا جميلا: إذا فعلت بع فعلا جميلا. وأراد أن يذكر بني أسد ما فعل بأهله في مواطن الشدة وحضور البأس. وقوله: يوم ذو كواكب: يريد أن الشمس قد ضعف ضوءها فظهرت الكواكب، كما تبدو الكواكب إذا كسف الشمس، وإذا اشتد الحر وارتفع الغبار حجب الشمس وكان كأنها كاسفة. ومثله للنابغة: تبدو كواكبهُ والشمسُ طالعةُ ... لا النورُ نور لا ليْلُ كإظلامِ والاسنع: الذي قد شهر شره. والحو من الخيل: جمع أحوى، وهو الذي قد اصفرت ارفاغه وجحافله واسود سائره، والارجوان: الأحمر. أراد أنها قد اكتست من الدماء فصارت كأنها محمرة، والمضلع: الذي فيه خطوط عراض من الحمرة. يريد أن الحمرة لم تعمتها، إنما هي خطوط عراض. نصب الاسم المعطوف على مجرور بإضمار فعل يناسب المعنى قال سيبويه: لو قلت: مررت بعبد الله وزيدا كان عربيا، فكيف هذا، لأنه فعل، والمجرور

في موضع المنصوب على فعل لا ينقص المعنى. قوله: فكيف هذا: ذكر سيبويه عذا الفصل بعد قوله: زيدا مررت به، فنصب زيدا بإضمار فعل؛ يفسره: (مررت به) وتقدير الفعل الناصب: لقيت زيدا مررت به، ولا يمكن أن تجر زيدا بإضمار باء، لأن حروف الجر لا تضمر، فلا بد أن يحمل على فعل ينصبه، ووجب فيه إضمار الفعل

لامتناع الجر. واستشهد على قوة هذا بأن العرب تنصب في قولنا: مررت بزيد وعمرا، بإضمار (ولقيت) عمرا، وقد أمكنهم أن يقولوا: مررت بزيد وعمرو فيعطفوا عمرا على زيد، ولا يضمروا فعلا. يقول: إذا كانوا يضمرون في مثل هذا مع إمكان الجر؛ فكيف هذا الذي لا يمكن أن يجر بإضمار حرف، وليس في اللفظ ما يعمل فيه؟! وقال جرير: (جِئني بمثلِ بني بدرٍ لقومِهِمِ ... أَو مِثْلَ أسْرَةِ منظور بن سيّارِ) أو مِثْلَ آل زُهير والقنا قثَدٌ ... والخيلُ في رَهَجٍ منها وإعصارِ يخاطب جرير بهذا الشعر الأخطل، ويفخر عليه بقيس عيلان وقبائلها. يقول له: هل في قومك مثل بني بدر الفراريين؟! وهم من بني عدي من فرارة، أو مثل أسرة منظور بن سيار؟! وهو منظور بن زبان بن سيار بن عمرو بن جابر من بني مازن بن فزارة. وزهير هو زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي. والأسرة: أهل الرجل الادنون. والقصد: المتكسرة، والاعصار: غبار يرتفع في السماء، والرهج والقتام: مثله.

إعمال صيغتي فعال وفعول

إعمال صيغتي فعال وفعول قال سيبويه ومن هذا الباب قول رؤبة كم رامنا من ذي عديد مبزي حتى وقمنا كيده بالرجز برأس دماغ رؤوس العز يريد: كم رامنا من رئيس ذي عدد كثير. والمبزي: الغالب، وقمنا كيده: أبطلنا كيده وأذللناه بالرجز وهو العذاب، برأس حي دماغ رؤوس أهل العز. والرأس: الرئيس. والشاهد فيه إنه نصب (رؤوس) العز بـ (دماغ). قال سيبويه: وأجروه حين بنوه للجمع كما اجري في الواحد ليكون كـ (فواعل) حين أجري مثل (فاعل). يريد أنهم اجروا أسماء الفاعلين في جمعها سوى (فاعل) مجرى (فاعل) حين جمع، يعني أنهم أعلنوها في المفعولين كما اعلموا جمع فاعل. قال طرفة: أسْدُ غاباتٍ إذا ما فُزعوا ... غير أنكاسٍ ولا عوجٍ دُثُرْ (ثم زادوا أنهم في قومِهِمْ ... غُفُرٌ ظُلْمَهُمُ غيرُ فُخُرْ) الغابات: جمع غابة وهي الأجمة. مدح قومه وشبههم بالأسد التي تسكن

الآجام. فإذا تعرض لها شيء قاتلت عن آجامها - حتى تحمي أشبالها - قتالا شديدا. والانكاس جمع نكس وهو من الرجال الرديء الذي لا خير فيه، ومن السهام المنكوس أي المقلوب النصل. والعوج: جمع أعوج، يريد أعوج الخلقة. والدثور وجمعه دثر: المتزمل في ثيابه؛ الملتف من الكسل وضعف البدن والهمة. ثم زادوا على الفضائل التي ذكرتها فيهم أنهم إذا جنى عليهم بعض قومهم وأذنبوا غفروا له ذنبه، مع قدرتهم على الانتقال، ولا يفخرون على قومهم وإن كانوا أفضل منهم. قال سيبويه: وقال أبو طالب بن عبد المطلب في قصيدة يرثي فيها أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: ترى داره لا تبرح الدهَر عندها ... مجعجعةٌ أدْمٌ سِمانٌ وباقرُ إذا أَكِلَتْ يوما أَتى بعدُ مثلُها ... زَواهقُ زُهْمٌ أو مخاضٌ بهازِرُ (ضَروبٌ بنصلِ السيفِ سوقَ سمانها ... إذا عَدِموا زاداً فإنك عاقرُ) الشاهد فيه إنه نصب (سوق سمانها) بـ (ضروب). المعجمة من الإبل: التي قد تركت في الموضع الغليظ الذي لا يظمئن النازل فيه، والجعجاع الأرض الغليظة، والادم جمع آدم، وهو الأبيض من الإبل. والباقر: من البقر؛ كما يقال في الجمال جامل. إذا أكلت: أي أكلها الأضياف والمسترفدون؛ أتى بعد فنائها

نصب الاسم مفعولا معه بعد الواو - بتقدير فعل

مثلها. يريد أنه يدني من موضعه الذي ينزله قطعه من الإبل للنحر والقرى، وكلما فنيت أحضر قطعة أخرى. والزواهق والزهم: السمان، والمخاض: الحوامل، والبهارز: العظيمة الأجسام، الواحدة بهرزة، والسوق: جمع ساق. إذا عدموا: يعني عدم قومك الازواد عقرت أنت الإبل. نصب الاسم مفعولا معه بعد الواو - بتقدير فعل قال سيبويه في باب معنى الواو فيه كمعناها في الباب الأول: وأما الاستفهام فإنما أجازوا فيه النصب لأنهم قد يستعملون الفعل في ذلك الموضع كثيرا، فيقولون: ما كنت؟ وكيف تكون؟ إذا أرادوا معنى (مع). ومن ثم قالوا: أَومانَ قومي والجماعةَ لأنه موضع يدخل الفعل فيه كثيرا، وهذا شبيه بقول صرمة الأنصاري: بدا ليَ أَني لستُ مدركَ ما مضى ... ولا سابقٍ شيئا إذا كان جائيا

فحملوا الكلام على شيء يقع هاهنا كثيرا. يريد حملوا الكلام على توهم أن الباء في (مدرك) لأن الباء تدخل في خبر ليس كثيرا. ذكر سيبويه أول هذا الباب ما يكون مرفوعا وفيه معنى (مع) ولا يجوز فيه النصب، وذلك قولك: أنت وشأنك. (أنت) مبتدأ و (شأنك) معطوف عليه. وهذا لا ينصب لأن ليس في الكلام فعل ظاهر، ولا يتقدر فيه فعل محذوف. فإذا دخل الكلام الاستفهام فقالوا: كيف أنت وزيد جاز أن تنصب، لأن الاستفهام يستعمل فيه الفعل كثيرا، فإذا كان الاستفهام من مواضع الفعل استحازوا حذفه وتقديره، ونصبوا بالفعل المحذوف كما ينصبون به لو ظهر فقالوا: كيف أنت وزيدا. وجعل سيبويه تقدير الفعل في هذا الكلام من أجل إنه يحسن استعماله فيه بمنزلة تقدير الباء في خبر ليس، لأن استعمال الباء يحسن فيه، وعطف المتكلم على خبر ليس وجر المعطوف كأنه قدر في الأول الباء. فهو بمنزلة من قال: بدالي أني لست بمدرك ولا سابق. والبيت في الكتاب منسوب إلى صرمة الانصاري، وهو ينسب إلى زهير بن أبي سلمى. ومعنى بدالي: ظهر لي أني لست مدرك ما فاتني. و (أني) وما أتصل به في موضع رفع، لأنه فاعل (بدا) يعني إنه ظهر له العلم بأنه لا يدرك ما فاته من الأشياء الماضية، ولا يفوته ما قدر عليه من الأشياء الجائية. ويروى. ولا سابقي شيء. لا حجة في هذه الرواية على الوجه الذي أراده سيبويه. وقال الأخوص اليربوعي: سيأتي الذي أحدثتم في أخيكُمُ ... رِفاقا من الآفاق شتى مآبها

في باب الصفة المشبهة

(مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا بشؤم غرابها) الشاهد فيه إنه جر (ولا ناعب) على تقدير أن الباء في (مصلحين) كأنه قال: ليسوا بمصلحين ولا ناعب. والمآب: المرجع، والنعب: صوت الغراب، والناعب: هو الغراب. يقول: سيأتي حديثكم الموسم، وفيه يجتمع الرفاق من كل ناحية، فإذا رجعوا تفرقوا. وهو معنى قوله: شتى مآبها، أي إذا رجعت تفرقت في كل وجه، وانتشر فيهم قبيح صنيعكم، ونقله من يسمعه إلى من لم يسمعه. قوله: ولا ناعب إلا بشوم غرابها هو على طريق المثل، كما تقول: فلان مشؤوم الطائر. يريد إنه مشؤوم في نفسه. في باب الصفة المشبهة قال سيبويه في باب الحسن الوجه: ومن ذلك قولهم: هذا أحمر بين العينين، وجيد وجه الدار، ومما جاء منونا قول زهير: أهوى لها أسفع الخدين مطرِقٌ ... ريشَ القوادمِ لِم تُنْصَبْ له الشَّبَكْ

الشاهد فيه إنه نون (مطرق) ونصب (ريش القوادم). وأراد بالأسفع صقرا، وأهوى لها: انقض عليها ليأخذها، ويقال أهوى وهوى في معنى واحد. ورواه الأصمعي: هوى لها أسفع الخدين والسفعة: شبيه بالسواد يكون في وجهه. ويقال هوى: انقض: وأهوى: أوما. والقوادم: الريشات العشر اللاتي في مقدم الجناح. والمطرق: الذي بعضه على بعض، يقال منه: طارق بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر. وقوله لم تنصب له الشبك: أي لم يصد ولم يذلل، وهو وحشي. يريد إنه ليس بصقر متربب في أيدي الناس قد أرسله صاحبه. وقال العجاج: كمْ قد حَسَرْنا مِن علاةٍ عَنْسَ كَبْداءَ كالقوسِ وأُخرى جَلْسِ دِرفْسَةٍ أَو بازلٍ دِرفْسِ (مُحْتَنكٍ ضَخْمٍ شُؤونَ الرأسِ) حسرنا: أتعبنا وأنصبنا وأسقطنا، والعنس: الناقة الصلبة الشديدة، والعلاة: سندان الحداد، شبه الناقة في صلابتها بسندان الحداد، والكبداء: الضخمة الوسط خلقة، وجعلها كالقوس لأنها قد ضمرت واعوجت، والجلس: الشديدة، ويقال الجسيمة، والدرفسة الغليظة، والبازل: الذي له تسع

سنين وقد دخل في العاشرة، والمحتنك: الذي قد بلغ في السن، والشؤون: جمع شأن وهي قبائل الرأس، عظام الرأس التي يتصل بعضها ببعض. والشاهد: في تنوين (ضخم) ونصب (شؤون) الرأس. قال سيبويه: وكان الألف واللام أولى لأن معناه: حسن وجهه، فكما لا يكون هذا - أعني (وجهه) - إلا معرفة؛ اختاروا في ذلك المعرفة، والأخرى عربية، كما أن التنوين عربي مطرد. فمن ذلك: حديث عهد بالوجع. قال عمرو بن شأس: أَلِكني إلى قومي السلامَ رسالةً ... بآيةِ ما كانوا ضِعافا ولا عُزْلا (ولا سيَّئي زِيٍ إذا ما تَلَبَّسوا ... إلى حاجة يوما مخيسةً بزْلا) الشاهد: في تنكير (زي) وترك إدخال الألف واللام عليه. ألكني: بلغ رسالتي، والالوك: الرسالة. وأراد ألكني فخفف الهمزة، وليس قولهم ألكني من لفظ الالوك، وفيه قلب وليس هذا موضع ذكره. و (رسالة) بدل من (السلام) كأنه قال: الكني إلى قومي رسالة. والآية: العلامة و (ما) جحد، والعزل: جمع أعزل وهو الذي لا سلاح معه، و (سيئي) منصوب معطوف على ما تقدم، وقوله تلبسوا. يريد لبسوا ثيابهم، و (إلى حاجة) في

النصب بفعل محذوف يفسره المذكور

صلة (تلبسوا). ومخيسة: هي المذللة من الإبل والمحبوسة. ونصب (مخيسة) بإضمار فعل كأنه قال: إذا ما تلبسوا وركبوا مخيسة بزلا: ويجوز عندي أن ينصب بـ (تلبسوا) ويكون تقديره: إذا لبسوا يوما مخيسة. يريد أنهم شدوا عليها الرحال وزموها. والذي وقع في شعره: أَلِكْني إلى قومي السلامَ ورحمة ال ... إله، فما كانوا ضعافا ولا عزلا ولا سيئي زِيّ إذا ما تحملوا ... لبعض الهوى يوما مخيَّسة بُزْلا النصب بفعل محذوف يفسره المذكور قال سيبويه في: باب حروف أجريت مجرى حروف الاستفهام، وهي حروف النفي شبهوها بألف الاستفهام. . . وكذلك إذا قلت: ما زيدا أنا ضاربه، إذا لم تجعله اسما معروفا. يريد بقوله: (إذا لم تجعله اسما معروفا) أن (ضاربه) في معنى الانفصال يراد به الفعل، كأنه قال: ضارب إياه. قال هدبة بن الخشرم: أَلا يا لَقَومٍ لِلنوائب والدَّهرِ ... ولِلْمَرءِ يُردي نفسه وهو لا يدري وللأرض كمْ من صالح قد تَوَدَّأَتْ ... عليه، فوارَتْهُ بِلَمّاعَةٍ قَفْرِ

فلا ذا جلالٍ هِبْنَهُ لجِلالِهِ ... ولاذا ضَياعٍ هُنَّ يَتْرُكْنَ للفَقرِ الشاهد في نصب (ذا جلال) بإضمار فعل يفسره (هبنه) كأنه قال: فلا هبن ذا جلال هبنه) و (ذا ضياع) ينتصب بـ (يتركن) لأن (يتركن) لم يشتغل بضمير الاسم المتقدم، والضمير المؤنث في (هبنه) وفي (يتركن) يعود إلى (النوائب) المذكورة في البيت الأول. والضياع: هو أن يترك الإنسان لا يلتفت إليه لفقره ومسكنته. ومعنى يردي: يهلك. يقول: الإنسان يسعى في هلاك نفسه من حيث لا يشعر، و (النوائب) في صلة فعل محذوف، كأنه قال: اعجبوا للنوائب وللأرض كم من صالح قد تودأت عليه: أي استوت عليه. ويروى: تهكمت عليه، أي وقعت عليه. واللماعة: الأرض المنبسطة التي يلمع فيها السراب. يقول: المنايا لا تغفل عن أحد، غنيا كان أو فقيرا. وقال زهير: (لا الدارَ غَيَّرها بُعْدُ الأنيسِ ولا ... بالدارِ لو كَلمتْ ذا حاجةٍ صَمَمُ)

الشاهد في إنه نصب (الدار) بفعل يفسره (غيرها) كأنه قال: لا غير الدار غيرها. يقول لم يغير الدار عما اعرفها به بعد الأنيس عنها، غيرتها الأمطار والأرواح مع بعد الأنيس عنها. ويروى: لا الدارَ غَيَّرها بَعدي الأنيسُ يريد: لم يغير الدار قوم نزلوا فيها بعدي فتتغير عما اعرفه منها، ولا بها صمم لو كلمت. يريد إنه وقف في الموضع الذي لو كانت الدار تسمع لسمعت منه كلامه، فلم تجب ولم تتكلم. وقال جرير: (فلا حسباً فَخَرْتَ بهِ لِتَيْمٍ ... ولا جَدَّا إذا ازدحم الجُدودُ) يهجو جرير بهذا عمر بن لجأ التيمي. والشاهد على أن حسبا) منصوب بإضمار فعل يفسره (فخرت به) كأنه قال: فلا ذكرت حسبا فخرت به. (ولا جدا) معطوف على (حسبا) وهو بمنزلة قولك: أزيدا مررت به؟ تضمر لزيد فعلا يتعدى بغير حرف جر، كأنه قال: أجرت زيدا مررت به؟ والجد: الحظ، والحسب: الكرم وشرف الإنسان في نفسه وأخلاقه. يقول: ما ذكرت لتيم شيئا تفجر به؛ لأنك لم تجد لها شيئا تذكره، ولا كان لها حظ في علو المرتبة والذكر الجميل.

توجيه الإعراب تبعا للمعنى

توجيه الإعراب تبعا للمعنى قال سيبويه في: باب من اسم الفاعل جرى مجرى الفعل المضارع. ولو قلت: هذا ضارب عبد الله وعمرا جاز على إضمار فعل، أي وضرب، وإنما جاز هذا الإضمار لأن معنى الحديث في قولك: هذا ضارب زيد: هذا يضرب زيدا، وأن كان لا يعمل. فحمل على المعنى. كما قال جل وعز: (ولحم طير مما يشتهون وحور عين) لما كان المعنى في الحديث: لهم فيها؛ حمل على شيء لا ينقض الأول في المعنى. وقد قراءة الحسن وقال كعب بن زهير: فلم يجدا إلا مناخ مطية ... تجافي بها زور نبيل وكلكل ومفحصها عنها الحصى بجرانها ... ومثنى نواج لم يخنهن مفصل (وسُمْرٌ ظِماءٌ واترَتْهُنَّ بدما ... مَضتْ جعة من آخر الليل ذُبَّلُ)

أفعال الظن بين الإعمال والإلغاء

وصف كعب قبل هذه الأبيات ذئبا وغرابا كانا يتبعانه في مسيره، ليصيبا مما معه شيئا، أو يرقبا موت راحلته ليأكلا منها شيئا. فذكر أنهما لم ينالا منه شيئا، وأنهما لم يجدا في المناخ الذي أناخ فيه شيئا، وإنما وجدا المناخ نفسه، وهو موضع الاناخة، وفيه أثر بروكها، وأثر الموضع الذي فحصت حصاه، أي نحت حصاه بعنقها حين مدتها فيه. والنواحي: قوائمها، ومثناها: ما ثنته من قوائمها عند بروكها، لم يخنهن مفصل: أي مفاصلها صحاح لم يصبها ظلع. والجران: باطن العنق فإذا بركت نحت الحصى بعنقها حتى تمد عنقها على الأرض. فلا يكون في الموضع الذي تمد عنقها فيه ما يؤذيها. والكلكل: الصدر، والزور أعلاه، وتجافى بها: رفعها من الأرض، والسمر: بعرات القتها في الموضع الذي بركت فيه، وجعلها ظماء لأنها قد عطشت وجاعت فيبس ما تلقيه من بعرها، واترتهن: القتهن شيئا بعد شيء. والهجعة: النومة، والذبل: جمع ذابل وذابلة، و (ذبل) وصف لـ (سمر). والشاهد فيه إنه لم يعطف (وسمر) على (مناخ مطية) ورفع بالابتداء، وأضمر الخبر، ولو نصب لكان جيدا. أفعال الظن بين الإعمال والإلغاء قال سيبويه في باب الأفعال التي تستعمل وتغلى: ومما جاء في الشعر معملا قول أبي ذؤيب:

فإن تزعمني كنت أجهل فيكم ... فإني شريت الحلم بعدك بالجهل الشاهد في أعمال (تزعمني) كما أعمل (حسبت وظننت) والضمير المنصوب هو المفعول الأول، والجملة في موضع المفعول الثاني، وهي قوله (كنت أجهل فيكم) وقول سيبويه: ومما جاء في الشعر معملا ليس يريد به أن هذا الإعمال إنما يكون في ضرورة الشعر؛ بل يريد: ومما جاء في الشعر شاهدا على إعمال الفعل الأول قول أبي ذويب. يقول لهذه المرأة: أن زعمت أني كنت أجهل في اتباعي الهوى والغزل؛ فإني شريت أي اشتريت - بعد الحال التي كنت عرفتها منى - الحلم بالجهل. يريد استبدلت بجهلي حلما. وقال النابغة الجعدي: (عددتَ قُشَيرا إذ عددْتَ فلم أسَأْ ... بذاك ولم ازعمك عن ذاك معزلا) ويروى: عددت قشيرا إذ فخرت. يخاطب النابغة بذاك سوارا القشيري وكان يهاجيه، يقول: عددت فضائل قشير وأيامها ومكارمها فلم يسؤني

النصب في الدعاء - بإضمار فعل يفسره المذكور

ذاك، لأن قشيرا بنو عمي، ولم أدع أنك لست منهم. أراد إنه يهجوه في نفسه وأنه لا يهجو قومه. والشاهد على أعمال (أزمعك) والكاف المفعول الأول، و (معزلا) المفعول الثاني. النصب في الدعاء - بإضمار فعل يفسره المذكور قال سيبويه في باب الأمر والنهي: وتقول: زيدا قطع الله يده ورجله، وزيدا لعنه الله، وزيدا ليقطع الله يده. وقال: ذكرت ابنَ عباس ببابِ ابن عامر ... وما مر من عيشي ذكرت وما فَضَلْ (أميران كانا اخياني كلاهما ... فكلاَّ جزاه اللهُ عني بما فَعَلْ) كان ابن عباس رضي الله عنه أميرا على البصرة من قبل علي كرم الله وجهه، فكان يكرم أبا الأسود فمدحه. يريد: ذكرت ابن عباس وأنا باب ابن عامر. يريد إنه ذكر إحسانه وما عامله به من الجميل. ويحتمل أن يريد بقوله: (أميران) ابن عباس وابن عامر. والشاهد إنه نصب (كلا) بإضمار فعل يفسره (جزاه الله عني) كأنه قال: فجزى الله عني كلا، جزاه عني.

في البدل

في البدل قال سيبويه في: باب من الفعل يبدل فيه الآخر من الأول. وقال النابغة الجعدي: ماذا رأيتِ السَّيْلَحِينَ وبارقا ... أغنيْنَ عن حُجرِ بنِ أم قتالِ ويروى: عن حجر وأم قتال: (مَلَكَ الخَوَرْنَقَ والسديرَ ودانَهُ ... ما بيْنَ حِمْيَرَ أهلِها وأولِ) يخاطب عاذلته على إنفاق ماله والجود به والايساع على سائليه. والسيلحون وبارق والخورنق والسدير: هذه كلها مواضع تقرب من الحيرة، ودانه: إطاعة الناس الذين بلادهم من هذه المواضع. والمعنى إنه ما أغنى عن حجر هذا الملك. ولا دفع عنه الموت ما ملك وجمع فإذا كان الغنى لا يدفع الموت فما وجه إمساكه والضن ببذله. والشاهد فيه إنه أبدل (أهلها) من (حمير). في أعمال اسم الفاعل قال سيبويه في: باب من اسم الفاعل جرى مجرى الفعل المضارع وزعم عيسى أن بعض العرب ينشد هذا البيت لأبي الأسود: فذكرْتُهُ ثمَّ عاتَبْتُهُ ... عِتابا رفيقا وقولاً جميلا

في: الفصل بين المتضايفين

(فأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُستَعبٍ ... ولا ذاكر الله إلا قَليلا) يبب هذا الشعر أن رجلا من بني سليم يقال له نسيب بن حميد، كان يغشى أبا الأسود ويتحدث اليه، ويظهر له محبة شديدة. ثم أن نسيبا قال لأبي الأسود: قد أصبت مستقة اصبهانية: وهي جبة فراء طويلة الكمين، فقال له أبو الأسود: أرسل بها إلي حتى أنظر إليها. فأرسل بها، فأعجبت أبا الأسود، فقال لنسيب بعنيها بفيمتها، فقال: لا بل أكسوكها. فأبى أبو الأسود أن يقبلها إلا شراء. فقال له: أرها لمن يبصرها ثم هات قيمتها. فأراها أبو الأسود فقيل له: هي ثمن مائتي درهم، فذكر ذلك لنسيب، فأبى أن يبيعه، فزاده أبو الأسود حتى بلغ الثمن مائتي درهم وخمسين درهما فأبى نسيب بيعها وقال: خذها إذاً هبة. فيقول: ذكرته ما بيننا من المودة فألفيته، أي وجدته غير مستعتب أي غير راجع بالعتاب عن قبيح ما يفعل. والشاهد إنه حذف التنوين من (ذاكر) لالتقاء الساكنين، لا للإضافة. في: الفصل بين المتضايفين قال سيبويه في: باب جرى مجرى الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين في اللفظ لا في المعنى قال ذو الرمة: (كأن أصوات - من إيغالهن بنا - ... أواخرِ المَيْس أصواتُ الفَراريجِ)

وقوع الجهات ظروفا

الشاهد فيه إنه فصل بين المضاف والمضاف إليه بـ (من وما اتصل بها) أراد: كأن أصوات أواخر الميس. والميس: خشب تعمل منه الرحال، والإيغال: الإبعاد في السير. يقال منه: أوغل يوغل إيغالا. يريد أن رحالهم جدد، وقد طال سيرهم، فبعض الرحال يحك بعضا فيصوت مثل أصوات الفراريج، الضمير المضاف إليه (الإيغال) ضمير رواحلهم. ويروى (أنقاض الفراريج) والأنقاض: التصويت، يقال منه: انقض ينقض أنقاضا. وقوع الجهات ظروفا وقال في وقوع الأسماء ظروفا: ومثل ذا اليمين وذات الشمال: شرقي الدار وغربي الدار. تجعله ظرفا وغير ظرف. وقال جرير: وحبذا نَفَحاتٌ من يَمانية ... تأتيكَ من قَبلِ الرَّيَّانِ أحيانا (هَبَّتْ جَنوبا فَذِكرى ما ذَكرتم ... عِنْدَ الصَّفاةِ التي شَرقَّي حَوْرانا) الشاهد فيه إنه جعل (شرقي حورانا) ظرفا، ولو لم يكن ظرفا لم يكتف بها صلة لـ (التي). والصفاة: الصخرة، وحوران: بلد معروف بالشام. وأراد: ذكرى ذكرتكم، و (ذكرى) مصدر منصوب بـ (ذكرتكم) و (ما) زائدة. أراد

الحذف للإيجاز

هبت الريح جنوبا. و (جنوبا) منصوب على الحال. ويجوز أن يكون الضمير في (هبت) يعود إلى اليمانية. كأنه: هبت اليمانية جنوبا. والنفحات: جمع نفحة وهي الدفعة التي تندفع من الريح. المعنى إنه لما هبت الريح من ناحية من يحبه تذكره وحن إليه. الحذف للإيجاز قال سيبويه في: باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لاتساعهم في الكلام: ومنه قولهم: هذه صلاة الظهر أو العصر أو المغرب إنما يريدون صلاة هذا الوقت، واجتمع القيظ، يريد اجتمع الناس في القيظ. قال الجعدي: (وكيفَ تُواصِلُ مَنْ أصبحَتْ ... حلالتُه كاَبي مَرْحَبِ) الخلالة والمخالة والخلال واحد، أراد أصبحت خلالته كخلالة أبي مرحب، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وفيه الشاهد. وأبو مرحب من بني عمه، وأظنه من بني قشير. يريد أن أبا مرحب قطعه وجفاه في سبب كان احتاج إليه فيه.

النصب على المصدر بإضمار الفعل

النصب على المصدر بإضمار الفعل قال سيبويه في باب له صوت صوت حمار: دَفَعتُ ظِلالَ الموتِ عنهمْ بطعنة ... من المزيداتِ الوئساتِ الأواسيا لها بعدَ استنادِ الكَليم وهَدْئِهِ ... ورنِةِ مَنْ يَبكي إذا كانَ باكِيا (هَديرٌ هديرَ الثّوْرِ يَنْفُضُ رأسَه ... يَذُبُّ بقَرْنَيْهِ الكِلابَ الضواريا) يرثي النابغة في هذه القصيدة وحوحا أخاه لأبيه ويقول: دفعت الموت عن قوم ذكرهم، وقد أظلهم وكاد الموت ينالهم، يقول: طعنت رجلا من أعدائهم الذين يطلبونهم طعننة، كانت سبب انكشافهم وتفرقهم لهولها وعظمها، لها: لهذه الطعنة بعد أن يسند الكليم وهو الجريح، ويهدأ شيئا من الهدوء. والرنة: صوت البكاء يريد أن الطعنة تخرج الدم، لها صوت كصوت هدير الثور من الوحش؛ إذا قاتل كلاب الصيد، والروقان: القرنان، ينفض رأسه، يحركه من جوانبه ليذب الكلاب بقرنيه، ويذب: يدفع بقرنيه عن نفسه الكلاب، والضواري: التي قد ضريت باللحم. والشاهد إنه نصب (هدير الثور) بإضمار فعل، مثلما فعل في قولهم: صوت صوت حمار.

مجيء المصدر على وزن اسم المفعول

مجيء المصدر على وزن اسم المفعول وقال سيبويه في باب ما يكون من المصادر مفعولا: ومثل ذلك: سرح به مسرحا أي تسريحا، فالمسرح والتسريح بمنزلة الضرب والمضرب. قال جرير: (أَلم تَعْلَمْ مُسَرَّحَي القوافي ... فلا عِياً بِهنَّ ولا اجْتِلابا) ويروى: ألم تخبر بمسرحي القوافي. والمسرح بالتشديد من سرح، والمسرح بالتخفيف من سرح و (القوافي) منصوبة بالمصدر الذي هو (المسرح) وأسكن الياء من (القوافي) لأجل الشعر. وقوله: فلا عيا: مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره: فلا أعيى بهن عيا، ولا اجتلبهن اجتلابا. يقول: القوافي متيسرة لي، لا يلحقني في قولها عي، ولا أحتاج أن آخذها واجتلبها من غيري. نصب الاسم على المصدر بفعل مضمر قال سيبويه قال جرير: سَتَطْلُعَ من ذُرَا شُعَبَى قَوافٍ ... على الكِنْدِي تلتهبُ الْتِهابا (أَعَبْدا حَلَّ في شُعَبَي غريباً ... أَلُوما لا أَبا لَكَ واغتِرابا)

باب: متصرف رويد

يهجو جرير بهذا العباس بن يزيد الكندي. وشعبى: واد أو موضع والذرا: الأعالي. يقول: سيأتي شعري وهجري الكندي، ويعلوه سبي له، ويكون ما أهجوه به كالنار. وقوله: (اعبدا) منصوب بإضمار (أتقيم) عبدا أو (أتلبث) وما أشبه ذلك. و (الؤما) منصوب بإضمار (أتلؤم) لؤما و (تغرب) اغترابا. يريد أتجمع لؤما وغربة! باب: متصرف رويد قال سيبويه: هذا باب متصرف رويد، تقول: رويد زيدا، تريد ارود زيدا. قال مالك بن خالد الهذلي: (رويدَ علياً جُدَّ ما ثَديُ أمهمْ ... إلينا ولكنْ بُغضُهُمْ متَمائِنُ) كان علي بن مسعود الازدي أخا عبد مناة بن كنانة من امه، فلما مات عبد مناة وضم علي إلى نفسه ولد أخيه مناة وقام بأمرهم؛ نسبوا إليه. وقوله: جد ما ثدي أمهم: (ما) زائدة، وجد: قطع، ولم يرد:

الرفع حملا على المعنى، والمألوف النصب

قطع وعندي إنه يريد أن هذيلا: هو هذيل بن مدركة، وكنانة: هو كنانة بن خزيمة بن مدركة. فهذيل عم كنانة. يريد أن كنانة قطعوا ما بينهم وبين هذيل من الرحم، وأظهروا عداوتهم. وجد إلينا: أي جد ثدي أمهم عندنا. ومعنى متمائن: متقادم، يقال: قد تماءن بغضهم لنا: أي تقادم، وهو مهموز. يقول: بغضهم لنا قديم. وقد روي: ولكن ودهم متماين: أي ود كذوب ليس بصحيح، والمين: الكذب، يقال منه: مان يميم مينا. وهو على هذا التفسير غي مهموز. الرفع حملا على المعنى، والمألوف النصب قال سيبويه قال أبو الأسود الدؤلي: جَزَى اللهُ ربُّ الناسِ خيرَ جزائِهِ ... أبا ماعزٍ من عاملٍ وصديقِ قَضَى حاجتي بالحق ثم أجازَها ... بصِدقٍ وبعضُ القوم غِيرُ صَدوقِ (إذا جئتُ بوابا به قال مرحباً ... ألا مرحبٌ واديك غيرُ مَضيقِ) ويروى: (إذا ما رآني مقبلا قال مرحبا) ويروى. (مرحب) بالرفع والنصب في الموضعين. أبو ماعز: هو عبد الرحمن بن عبد الله الاسدي، ثم احد بني دودان، وكان عاملا لعبيد الله بن زياد على جندي سابور، وكان

الإضافة غير المحضة

كوفيا على رأي أبي الأسود، فخرج أبو الأسود إليه في حاجة، فلما رآه أبو ماعز رحب وأكرمه وألطفه وأحسن جائزته. والشاهد فيه على رفع (مرحب). (واديك) مبتدأ وخبره (مرحب)، و (غير مضبق) وصف لمرحب وهو كقولك: إلا واسع واديك. ومن روى (ألا مرحبا)، نصبه بإضمار فعل، وجعل (واديك) مبتدأ و (غير مضيق) خبره. ويجوز على نصب (مرحبا) أن يكون (واديك) فاعلا لـ (مرحبا) وتنصب (غير مضيق) وتجعله لمرحب. الإضافة غير المحضة قال سيبويه قال المرار: (سَل الهُمومَ بكل مُعْطي رأسِهِ ... ناحٍ مُخالِطِ صُهْبَةٍ مُتَعَيسِ) أَنِفَ الزَّمامَ كأَنَّ صفْقَ نُيوبِهِ ... صَخَبُ المواتح في عراك المخمِسِ مُغْتالِ أحْبُلِهِ مبينٍ عِتْقُهُ ... في مَنْكِبٍ زَبَنَ المطيَّ عَرَنْدَسِ الشاهد في إنه أضاف (معطي) إلى رأسه) إضافة غير محضة، وهو في تقدير انفصال، واستدل على أن الإضافة غير محضة وإنه على حكم التنكير؛ إنه نعته بنكرة فقال: ناج مخالط صهبة. معنى معطي رأسه: يريد إنه منقاد ليس بصعب، والمتعيس: الذي يضرب الى البياض، والاعيس: الأبيض،

الاسم المرفوع بعد: قلما

أنف الزمام: قيل فيه إنه يأنف من الزمام كأنه غضبان. وقيل فيه: إنه الذي يأذى بالبرة التي يشد فيها الزمام. يقال: قد أنفث الإبل: إذا تأذت بالبرات، والصفق: الصوت، والمواتح: الذين يمدون الدلاء حين تخرج من الآبار، والمخمس: الذي يورد إبله خمسا؛ في ايوم الخامس من اليوم الذي شربت فيه، والعراك: ازدحام الإبل على الماء. شبه وقع صوت أنيابه بعضها على بعض بأصوات المواتح الذين يستقون، فبعضهم يضاغن بعضا، والأحبل: هي الحبال التي تشد على وسطه، فكأنه لما لم يفضل منها شيء قد استهلكها. والعتق: الكرم وجودة الأصل. يقول: إذا رآه الرائي علم إنه كريم. وقوله: في منكب: يريد مع منكب له عظيم يدفع بها المطي إذا زاحمته، والزبن: الدفع، وفي (زبن) ضمير يعود إلى المنكب. يريد منكبه دفع عنه، والعرندس: الشديد. الاسم المرفوع بعد: قلما قال سيبويه قال المرار صرَمْتَ ولم تُصْرَم وأَنتَ صَروم ... وكيفَ تَصابي مَنْ يُقال حَليمُ (وصدَّتْ فأطوَلْتَ الصُّدودَ وقَلَّما ... وِصالٌ على طول الصُّدودِ يَدومُ)

حالة من عطف البيان - إذ لا يجوز البدل

يقول: صرمت هذه المرأة قبل أن تصرمك، يخاطب نفسه. ثم قال: وكيف تصابي من قد كبر وحلم، وأراد: من يقال هو حليم. وصدت هذه المرأة فأطولت أنت الصدود، ومع طول الصدود لا يبقى من المودة والمحبة شيء. والشاهد على إنه أخر الفعل الذي كان ينبغي له أن يقع بعد (قلما وأوقع بعده (وصال) وهو مرفوع بإضمار فعل يفسره (يدوم) هذا الظاهر. حالة من عطف البيان - إذ لا يجوز البدل قال سيبويه قال المرار: (أنا ابنُ التّارِكِ البَكْري بِشْرٍ ... عليه الطيرُ تَرقبُهُ وُقوعا) عَلاهُ بِضَربَةٍ بعثَتْ بِلَيْلِ ... نوائحهُ وأَرْخَصَتِ البُضُوعا عنى بشر بن عمرو بن مرثد وقتله رجل من بني أسد، ففخر المرار بقتله. وبشر: هو من بكر بن وائل. والاخصت البضوعا أي: أرخصت الضربة

حذف الفعل لكثرته في كلامهم

اللحم على الطيور، والبضوع جمع بضعة، وهو مثل مأنة ومؤون. وقد جاء بدرة وبدور. قال الفرزدق: فَيَحبوهُ الأمينُ بها بُدورا ويروى: (البضيعا) مكان (البضوعا). والبضيع: اللحم. وزعم بعض الرواة إنه يريد بالبضوع بضوع نسائه أي نكاحهن. يقول: لما قتلوه سبوا نساءه، فنكحوهن بلا مهر. والبضوع: النكاح. والتفسير الأول أعجب إلي. حذف الفعل لكثرته في كلامهم قال سيبويه قال الحارث بن ضرار النهشلي يرثي يزيد بن نهشل:

سقى جدثا أمسى بدومة ثاويا ... من الدلو والجَوزاء غادِ ورائح (لِيُبْكَ يزيدُ ضارِعٌ لخُصْومةٍ ... ومختبِطٌ مما تُطيحُ الطوائحْ) الشاهد في إنه رفع (ضارع) فعل، كأنه قال بعد قوله: ليبك يزيد: للببكه ضارع. دومة: اسم موضع معروف، والثاوي: المقيم، والضارع: الذي قد ذل وضعف، والمخبط: السائل، وتطيح: تهلك. يقال: طاح الشيء يطيح: هلك، وأطحته أنا. والغادي: الذي يأتي بالغداة، والرائح: الذي يأتي بالعشي. وقوله: من الدلو والجوزاء: أراد المطر الذي يجيء عند سقوط هذين النجمين. وقوله: مما تطيح، و (ما تطيح): مصدر بمنزلة الاطاحة، كما تقول: يعجبني ما صنعت، أي يعجبني صنيعك. وأراد: مختبط من أجل ما قد أصابه من إطاحة الأشياء المطيحة، أي من أجل الأشياء المهلكة. يريد إنه احتاج وسأل من أجل ما نزل به. والطوائح في البيت بمنزلة المطيحات، وهو كما قال عز وجل: (وأرسلنا الرياح لواقح). ويروى: (ليبك يزيد) بفتح حرف المضارعة ونصب (يزيد) ويرتفع (ضارع) بـ (يبك).

الفعل بالظرف بين اسم الفاعل ومعموله

الفعل بالظرف بين اسم الفاعل ومعموله قال سيبويه في باب جرى مجرى الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين، في اللفظ لا في المعنى. قال الاخطل: جَوادٌ إذا ما انحلَ الناسُ مُمْرعٌ ... كريمُ لجوْعات الشتاء قَتْوُلها ثم ذكر الاخطل بعد هذا البيت بيتين، ثم عطف فقال: (وكَرّارُ خَلْفِ المجْحَرين جوادَهُ ... إذا لم يُحام دونَ أنثى حَليلُها) يمدح بهذه القصيدة همام بن مطرف التغلبي، وكان سيد بني تغلب. أمحل الناس: أجدبوا، والمرع: المكان المعشب. يريد إنه للناس؛ بمنزلة البلد الذي فيه عشب، فالانتفاع به عام كالانتفاع بالبلد المعشب. وهم يصفون الجواد بأنه يقتل الجوع، يعنون إنه يزيل جوع الجياع بالإطعام. فإذا أبطل الجوع بالإشباع فهو بمنزلة القاتل له لأنه أبطله، والمجحرون: المتأخرون. يقول: الذين قد تأخروا في الهزيمة، ولحقتهم الخيل فقاربت اخذهم؛ يحميهم هو ويمنع منهم حتى ينجوا. وقوله: (إذا لم يحام دون أنثى حليلها) يريد إنه شجاع يحمي قومه ويمنع منهم إذا بلغ الخوف من الناس اشد مبلغ، حتى يفر الرجل، ويترك زوجته لا يدافع عنها. والخليل الزوج. ويروى (خلف المرهقتين) وهو مثل معنى المجحرين. ويروى: حفاظا إذا لم يَحْمِ أنثى حليلُها يريد: محافظة على حسبه أن يعاب بأنه ترك قومه وانصرف عنهم.

الفصل بين المتضايفين

والشاهد فيه إنه أضاف (كرار) إلى (خلف) وجعل (خلف المجحرين) مفعولا على السعة. الفصل بين المتضايفين قال سيبويه: ومما جاء مفصولا به بينه وبين المجرور قول الأعشى: ولا نقاتلُ بالعِصِي ... ولا نرامي بالحِجارهْ إلا عُلالَةَ أو بُدا ... هَةَ قارحٍ نَهْدِ الجُزارَهْ هذا إنشاد الكتاب، والبيتان في شعره متفرقان، والترتيب على ما وجدته: وهناكَ يكذِبُ ظَنكُمْ ... أن لا اجتماعَ ولا زِيارَهْ ولا بَراَءةَ للبري ... ءِ ولا عطاَء ولا خُفارَهْ (ألا بُداهَةَ أَو عُلا ... لةَ قارحِ نَهْدِ الجُزارَهْ) ثم مضى الأعشى في قوله إلى أن قال: ولا نُقاتلُ بالعِصِي ... ولا نُرامي بالحجارَهْ ولا تكونُ مَطِينا ... عند المباهاةِ البِكارهْ يخاطب شيبان بن شهاب يقول: إذا غزوناكم علمتم أن ظنكم بأننا

لا نغزوكم كذب، وأنا لا نجتمع ولا نزوركم بالخيل والسلاح غازين لكم. ولا براءة للبريء، يقول: من كان بريئا منكم لم تنفعه براءته، لأن الحرب إذا عظمت وتفاهمت لحق شرها البريء؛ كما يلحق غيره. وأراد أننا ننال جماعتكم بما تكرهون، ولا تقبل منكم عطاء ولا خفارة تفتدون بها منا حتى نترك قتالكم. وأراد لا قبول عطاء لكم ولا خفارة، (إلا بداهة) استثناء منقطع. يقول: نحن لا نقبل منكم عطاء ولا خفارة، لكن نزوركم بالخيل. والبداهة: أول جري الفرس، والعلالة: جري بعد جريه الأول. والقارح من الخيل: الذي قد بلغ أقصى أسنانه. ويروى: سابح. والسابح: الذي يدحو بيديه في العدو، والجزارة من الفرس: رأسه وقوائمه، والنهد: العظيم، ولم يرد أن على قوائمه لحما كثيرا؛ وإنما يريد أن عظامه غليظة. والمطي: جمع مطية وهي الراحلة التي يركب مطاها: وهو ظهرها، والمباهاة: المفاخرة والمعاظمة. يريد أنهم يركبون من الإبل إلا البزل والجلة، وكانوا يعيرون من ركب بكرا. وقوله: لا نقاتل بالعصي، يريد أنهم ليسوا برعاء ولا من السفلة الذين لا سلاح معهم، فإذا تقابلوا تراموا بالحجارة وتضاربوا بالعصي. ويروى: ولا نُلاطِمُ بالأكف والشاهد في البيت الثاني، على إنه فصل بين المضاف والمضاف اليه، وكذا مذهب سيبويه، وعنده أن (علاله) مضاف إلى (القارح) و (بداهة) مضاف إلى شيء محذوف. كأنه قال: إلا علالة قارح أو بداهته. ومذهب أبي العباس: أن (علالة) مضاف إلى شيء محذوف. و (بداهة) مضاف إلى (قارح). فعلى ما ذهب إليه أبو العباس لا يكون في البيت فصل

بين المضاف والمضاف إليه، وإنما يكون حذف المضاف إليه من الاسم الأول وهو يراد، كأنه قال: إلا علالة قارح أو بداهة قارح، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه. ولقائل أن يقول: أن قول سيبويه جار على ما يوجبه نظم الكلام، وذلك أن الاسم إذا احتيج إلى تكرير ذكره ذكر بلفظه الظاهر في أول الكلام، ثم أعيد بلفظ الضمير إلى أن تتم الجملة. كقولك: هذا أخو زيد وصديقه وجاره، ولا تقول: هذا أخو زيد وصديق زيد وجار زيد. فنحن إذا قدرنا مضافا إلى الظاهر، وقدرنا الثاني مضافا إلى ضمير الاسم المتقدم؛ فقد أتينا بالشيء على أصله. قال: فإن قال قائل: مذهب أبي العباس أولى؛ لأن البيت على مذهب سيبويه فيه قبح من وجهين: أحدهما إنه فصل بين المضاف والمضاف إليه في الاسم الأول، وحذف المضاف إليه في الثاني. قيل له: قول أبي العباس فيه قبح من جهة إنه حذف المضاف إليه من الاسم الأول والاسم الثاني على ما توجبه العربية. قيل له: أن المضاف إليه قد يحذف في الكلام ولا يكون حذفه ضرورة، نحو: يا رب اغفر لي، ويا غلام أقبل، يريد غلامي. قال الله عز وجل: طلله الأمر من قبل ومن بعد يريد به من قبل كل شيء، ومن بعد كل شيء. فحذف المضاف إليه.

وجوب اتصال الفعل المتأخر بضمير يعود على معموله المتقدم

فإن قال: هذا لا يشبه ما ذكرت؛ لأن المضاف إليه إذا حذف جرى المضاف في اللفظ مجرى الاسم الذي ليس بمضاف، وتغير عن اللفظ الذي كان عليه في حال الإضافة. وقوله (أو بداهة) قد بقي مفتوحا على ما كان عليه في حال الاضافة، غير منون. وهذا لا يكون إلا في الضرورة. قيل له: إنه ولي (بداهة) اللفظ بـ (قارح) لم يغيروه، لأنه قد وليه ما كان يجوز أن يضاف اليه، فجعلوا اللفظ على لفظ إضافة البداهة إلى القارح. والتقدير على خلاف ذلك. وجوب اتصال الفعل المتأخر بضمير يعود على معموله المتقدم قال سيبويه في: باب من الاستفهام يكون الاسم فيه رفعا: أكل يوم قميص تلبسه. فإذا كان وصفا، فأحسنه أن يكون فيه الهاء، لأنه ليس موضع اعمال، ولكنه يجوز كما جاز في الوصل، لأنه موضع ما يكون من الاسم. ذكر سيبويه أن الفعل الذي يقع موقع الوصف؛ أحسنه أن يكون فيه الهاء، لأنه بالمضمر يصير وصفا للأول ويلتبس، ولو لم يكن فيه ضمير من الموصوف؛ لم يصلح أن يكون صفة له، فلذلك كان الأحسن ثبات الهاء. وقوله: لأنه

ليس موضع أعمال يريد أن الاسم المتقدم في أول الكلام، لا يجوز أن يعمل فيه الفعل هو وصف. وقد مثل ذلك سيبويه بأن قال: زيدا أنت رجل تضربه لو حذفت الهاء لم يعمل (تضرب) في (زيد) ولا في (رجل) لأن الفعل الذي هو وصف لا يعمل في الموصوف ولا فيما قبله. وقوله: ولكنه يجوز كما جاز في الوصل يريد إنه يجوز حذف الضمير من الصفة كما يجوز حذف الضمير من صلة (الذي)، إذا قلت: الذي ضربت زيد. فالصفة تابعة للموصوف ولا تعمل فيه، فجاز حذف الضمير من الصفة؛ كما جاز حذفه من الصلة. وقال قيس بن حصين بن زيد الحارثي: (أَكُلَّ عامٍ نَعَمٌ تَحْوونَهُ) يُلقِحُهُ قَوْمٌ وتنْتِجونَهُ أرْبابهُ نَوْكَى فلا يَحْمونَهُ ولا يُلاقونَ طِعاناً دونَهُ هيهاتَ هيهاتَ لما يَرْجُونَهُ الشاهد فيه إنه جعل (تحوونه) وصفا لـ (نعم) و (نعم) مبتدأ و (أكل عام) خبره. وجعل ظرف الزمان خبرا عن النعم، وظروف الزمان لا تكون

أخبارا للجثث لتأويل فيه، وهو إنه يقدر أن الكلام فيه حذف، وأصله: أكل عام أخذ نعم أو تحصيل نعم أو ما أشبه ذلك. يلحقه قوم: أي يحملون الفحولة على النوق، فإذا حملت أغرتم عليها فأخذتموها وهي حوامل، فنتجتموها: أي ولدت عندكم. ويقال: أنتجت الناقة إذا ولدت عندي. والنوكى: جمع أنوك وهو الاحمق، الضعيف العمل والتدبير، فما تحمونه: لا تمنعون من أراد الإغارة عليه. هيهات هيهات لما يرجونه: أي رجوا أن يدوم لهم هذا الفعل في الناس، فمنعناهم منه وحمينا ما ينبغي أن نحميه. وقال زيد الخيل: (أفي كلَّ عامٍ مأتَمٌ تبعَثونَهُ ... على محِمْر ثَوْبتموهُ وما رُضَى) تجدونَ خمْشا بعد خمشٍ كأنها ... على فاجع من خير قومِكُمُ نُعَى الشاهد فيه أن (تبعثونه) وصف لـ (مأتم) والمأتم: الجماعة من النساء. أراد: أفي كل عام اجتماع مأتم. وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وهو مثل البيت الأول في التقدير. والمحمر: البرذون. وقيل: هو السكيت الذي لا خير فيه من الخيل. يريد أنهم يجمعون نساء ليبكين على هذا المحمر. ومعنى ثوبتموه: جعلتموه ثوابا على جميل فعل بكم، وما رضي به ثوابا لقته وحقارته. والخمش: تخديش الوجه. يريد أنهم يخدشون وجوههم على المحمر مرة بعد مرة، كما يفعلون لو فقدوا سيدا من ساداتهم. والفاجع: الهالك الذي يؤذي فقده

إبدال الظاهر من ضمير المتكلم

أهله، ويبين عليهم أثر عدمه. ورضا ونعا. أصلهما رضي ونعي، فقلبت الياء فيهما ألفا، وهذه لغة طائية. وسبب هذا الشعر، أن بجير بن زهير بن أبي سلمى كان في غلمة يجتنون من جنى الأرض، ثم انطلق الغلمة وتركوا ابن زهير، فمر به زيد الخيل فأخذه، ودار طيء متاخمة لدور بني عبد الله بن غطفان، فسأل الغلام: من أنت؟ فقال: أنا بجير بن زهير، فحمله على ناقة ثم أرسل به إلى أبيه، فلما أتى الغلام أباه، اخبره أن زيد الخيل أخذه، فحمله، وخلاه. وكان لكعب بن زهير فرس من كرام الخيل، وكان جسيما، وكان زيد الخيل من أعظم الناس وأجسمهم. كان - زعموا - لا يركب دابة إلا أصابت إبهامه الأرض. فقال زهير: ما ادري ما أثيب به زيدا إلا فرس كعب، فأرسل به إليه وكعب غائب، فجاء كعب فسأل عن الفرس، فقيل: أرسل به أبوك إلى زيد، فقال كعب لأبيه: كأنك أردت أن تقوي زيدا على عطفان! فقال زهير لابنه: هذه أبلي فخذ ثمن وازدد عليه. فلم يرض كعب، واندفع يحرض بني ملقط الطائيين على زيد الخيل، وكان بينهم قتال. وقال كعب قصيدة يذكر فيها ما بين بني ملقط وبين زيد الخيل. فأجابه زيد الخيل بأبيات أولها ما تقدم إنشاده. إبدال الظاهر من ضمير المتكلم قال سيبويه قال عدي بن زيد: (ذَريني أن أمْرَكِ لنْ يُطاعا ... وما ألْفَيْتِني حِلمي مُضاعا)

تكرار الظاهر دون ضميره في كلامهم

الشاهد فيه على إنه أبدل (حلمي) من ضمير المتكلم، كأنه قال: ما ألفيت حلمي. فإن قال قائل: أنتم لا تجيزون الإبدال من ضمير المتكلم، ولا من ضمير المخاطب. قيل له: الذي يمنع منه، أن البدل يكون على طريق التعريف والإيضاح للمبدل منه، كقولك: رأيتك زيدا ورأيتني عمرا. فهذا لا يجوز لأنه ليس يقع إشكال في المتكلم والمخاطب فيحتاج إلى بدل يوضحه، وهذا الضرب من البدل لا يجوز؛ لأن في الإبدال منه فائدة، تقول: أتبعتني ظهري وضربتك يدك. ومثله: أوْعدَني بالسَّجْنِ والأدارِهِمِ (رِجْلي ورِجْلي شَثْنَهُ المَناسِمِ) أبدل (رجلي) من ضمير المتكلم، و (مضاعا) منصوب على الحال. وألفيتني: وجدتني. يقول لعاذلته: ذريني من عذلك على ما افعله، فما وجدتني سفيها مضيع الحلم. والمعنى واضح. تكرار الظاهر دون ضميره في كلامهم قال سيبويه: وتقول: ما زيد ذاهبا ولا محسن زيد، بالرفع أجود، وأن كان يريد الأول، لأنك لو قلت: كان زيد منطلقا زيد، لم يكن

حد الكلام. وكان هاهنا ضعيفا، ولم يكن كقولك: ما زيد منطلقا هو، لأنك قد استغنيت عن إظهاره. قال: وقد يجوز النصب. يريد إنه قد يجوز أن تنصب فتقول: ما زيد ذاهبا ولا محسنا زيد، تجعل الظاهر كالمضمر، وتجعله معطوفا على الخبر عن الأول. كما قال سوادة بن عدي. كذا في الكتاب: سوادة بن عدي. والقصيدة تروى لعدي بن زيد، وتروى لسواد بن زيد بن عدي بن زيد: (لا أرى الموتَ يسبقُ الموتَ شيءٌ ... نَغَّصَ الموتُ ذا الغِنَى والفَقيرا) يُدركُ الآبِدَ الفَرورَ ويُرْدي الطّيرَ في النيقِ يَبتَنِين الوُكُورا

النصب على الحث (الإغراء)

يريد أرى الموت لا يسبقه شيء. وأراد: نغص الموت عيش ذي الغنى وعيش الفقير. والآبد الفرور: الوحشيء، ويردي: يهلك، والنيق: رأس الجبل، والوكور: جمع وكر وهو بيت الطائر. يعني أن الموت يدرك كل حي، ولا يمتنع منه شيء. النصب على الحث (الإغراء) قال سييبويه في: باب ما جرى من الأمر والنهي على الفعل المستعمل إظهاره. قال مسكين الدارمي. وإن ابنَ عم المرءِ فاعْلَمْ جناحُه ... وهل ينهضُ البازي بغير جِناحِ (أخاكَ أَخاكَ أن مَنْ لا أَخا لهُ ... كَساعٍ إلى الهَيْجا بغير سلاحِ) كأنه قال: الزم أخاك. الشاهد فيه على إضمار الفعل الناصب (أخاك) ولو اظهر الفعل لم يكرر معه اللفظ بـ (أخاك) مرتين، لأن التكرار لا يستعمل معه الفعل. الذي أراد: أن هذا يجوز أن يظهر عامله إذا افرد،

نصب الاسم بعد واو (مع) بإضمار فعل الكون

وهو كقولك: الطريق الطريق إذا كررت، يجوز إظهار الفعل مع حذف أحد اللفظين. والمعنى إنه حث على التواصل وأسبابه، واعلم أن من قطع أخاه وصرمه كان بمنزلة من قاتل بغير سلاح. والمعنى واضح. نصب الاسم بعد واو (مع) بإضمار فعل الكون قال سيبويه في باب من أبواب (مع): وقد زعموا أن ناسا يقولون: كيف أنت وزيدا، وما أنت وزيدا. ثم مضى في كلامه حتى انتهى إلى قوله: كأنه قال: كيف تكون أنت وقصعة من ثريد، وما كنت أنت وزيدا. يعني إنه نصب الاسم الذي بعد الواو بإضمار الفعل الذي يكثر وقوعه بعد: (ما) و (كيف) وذلك الفعل (كان) و (يكون) لأنه يكثر في كلامهم: كيف تكون أنت وزيدا، وما كنت أنت وزيدا. فلما كان هذا من المواضع التي يكثر استعمال الفعل فيها، تركوا ذكره ونووه. قال أسامة الهذلي: (وما أنا والسَيْرَ في مَتْلَفٍ ... يُبَرحُ بالذكَرِ الضّابطِ) متلف موضع تلف، يبرح بالبعير الذكر: أي يحمله على ما يكره من

نصب الاسم بإضمار فعل - إذ قبح عطفه على ضمير مجرور

السير ويشق عليه، ويقال: لقي منه برحا بارحا: إذا لقي منه شدة. والضابط الشديد. والشاهد إنه نصب (السير) بتقدير: ما أكون أنا والسير. نصب الاسم بإضمار فعل - إذ قبح عطفه على ضمير مجرور قال سيبويه في: باب يضمرون فيه الفعل، يقبح أن يجري على أوله، وذلك قولك: مالك وزيدا وما شأنك وعمرا. أراد أنهم لما رأوا هذا الاسم الظاهر لا يصلح عطفه على المضمر المجرور، أضمروا له فعلا ينصبه. قال عبد مناف بن ربع الهذلي: (فما لُكُم والفَرْطَ لا تَقربونَه ... وقد خِلْتُهُ أدنَى مَرادٍ لعاقلِ) ويروى: لقافل. الشاهد في البيت على نصب (الفرط). والفرط: اسم موضع. والمراد: المكان الذي يراد فيه أي يذهب ويجاء. ويروى: (أدنى مرد). أي أدنى موضع يرجع إليه القافل. وقد وقع في الكتاب: أدنى مراد أعاقل. والعاقل: الذي يصعد إلى الموضع الذي يحترز فيه، والمعنى فيه ضعف. والقافل ها هنا أجود، يريد الراجع من سفره. ويروى: (أدنى مآب)

في عمل الصفة المشبهة

أي اقرب موضع رجوع. والمعنى فيه: إنه خاطب بني ظفر من بني سليم وكانوا قد غزوا هذيلا، يقول: ما لكم لم تقربوا هذا الموضع! أي لو قربتموه لقتلكم. وقد كان ذكر في هذه القصيدة طائفة من هذيل قتلوا رجلا من بني سليم أمه هذلاية، فلامهم على قتله. وقد يجوز أن يخاطب بذلك القوم الذين قتلوا ابن الهذلية. في عمل الصفة المشبهة قال سيبويه قال عدي بن زيد: ليس يُفني عيشَه أحدٌ ... لا يُلاقي فيه إمعْارا (من حبيبٍ أو أخي ثقةٍ ... أو عدوٍ شاحطٍ دارا) الشاهد فيه إنه نون (شاحط) ونصب (دارا) وهو شاهد على قولك: مررت برجل حسن وجها. والأصل: أوعدوا شاحط داره: أي بعيدة. والشاحط البعيد، والامعار: الفقر والشدة. يقول عدي في عتابه للنعمان: أن الناس لابد أن يلاقوا في أعمارهم وأيامهم الشدة والرخاء، ولكل واحد منهم قسط في الخير والشر، أن كان وليا وإن كان عدوا. إجراء القول مجرى الظن قال سيبويه في باب طننت. قال الكميت: (أَجُهالاً تقولُ بني لُؤَيٍ ... لَعَمْرُ أبيك أَم مُتَجاهلينا)

اللفظ للمفرد والمعنى للجمع

وفي شعره: أَنُواماً تقولُ بني لُؤَيٍ ... لَعَمْرُ أَبيك أَم مُتَناومينا عن الرامي الكِنانَةَ لم يُردِها ... ولكنْ كادَ غيرَ مُكايدينا يريد بذلك أهل اليمن. وبنو لؤي: هم بنو لؤي بن غالب بن مالك بن النضر، وهم قريش. يقول: أتظن أن قريشا تغفل عمن هجا شعراء نزار؟ لأنهم إذا هجوا شعراء مضر والقبائل التي منها هؤلاء الشعراء؛ فقد تعرضوا لسب قريش، فهم بمنزلة الذي رمى رجلا فقيل له: لم رميته؟ فقال: إنما رميت كنانته ولم أرمه. وكان غرضه أن يصيب الرجل. فيقول: من هجا بني كنانة وبني أسد ومن قرب نسبه من قريش؛ فهو يعرض بسب قريش. يحرض الخلفاء عليهم والسلطان. الشاهد فيه على إنه أعمل (تقول) عمل (تظن). (بني لؤي) المفعول الأول و (إجهالا) المفعول الثاني. اللفظ للمفرد والمعنى للجمع قال سيبويه في باب الحسن الوجه: وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى معنى جمع، حتى قال بعضهم في الشعر ما لا

من ضرورات الشعر

يستعمل في الكلام. قال علقمة بن عبدة: تَتَبَّعُ أفياَء الظِلالِ عشيّةً ... على طُرُقِ كأنَّهنَّ سُبوبُ (بها جِيَفٌ الحَسْرَى، فأَما عظامُها ... فبِيضٌ، وأَما جلدُها فصَليبُ) في (تتبع) ضمير يعود إلى ناقته، وقد تقدم ذكرها. يقول: تتبع ناقتي الافياء: وهي جمع فيء وهو ما كانت عليه الشمس فزالت عنه، وكل فيء ظل وليس كل ظل فيئا، لأن الظل الذي يكون بالغداة لا يسمى فيئا. والسبوب: جمع سب وهو ثوب من كنان، وقيل السب: العمامة. شبه الطرق في امتدادها ودقتها بالعمامة الممدودة، أو الثوب الممدود. (بها) أي بهذه الطرق جيف الحسري: وهي جمع حسير، وهي الناقة التي سقطت من الإعياء والكلال. وزعموا أن الصليب: اليابس، وقيل: الصليب كل جلد لم يدبغ. يقول: عظام الإبل التي قد أعيت - وبقيت مكانها حتى ماتت في هذا الطريق - بيض، وجلودها يابسة. ويصف الطريق بالبعد، وأن الإبل تنقطع فيه لطوله وتموت. يذكر الذي مدحه بعد الأرض التي قطعها إليه. من ضرورات الشعر قال سيبويه في: باب ضرورة الشعر: قال الأعشى:

أرى رجُلاً منهم أسِيفاً كأنما ... يَضُم إلى كَشْحَيْهِ كفا مُخَضبا (وما لهُ مِن مَجْدٍ تَليدٍ ولا لهُ ... منَ الريحِ فَضْلُ لا الجَنوبُ ولا الصبا) الاسيف: الحزين الغضبان، ويقال للحزين خاصة الاسيف. ويقال الاسوف: الغضبان، والكشحان: الجانبان. كأنه من شدة غضبه قد قطعت كفه فضم يده إلى جنبيه وهي مقطوعة. يقول: هذا الرجل ينظر إلي نظر غضبان كأني قد قطعت يده. وما له من مجد تليد: أي ليس له مجد قديم. ولا له من الريح فضل: أي ليست له علي مقدرة من جهة من الجهات، كذا رأيته فسر. وهذا جار مجرى قولهم: هبت ريح فلان، إذا علا أمره وعظم شأنه وصارت له دولة، وسكنت عنه ريحه: إذا زال عنه سلطانه ومقدرته. يهجو بذلك عمرو بن المنذر وقومه، وهو من بني عم الأعشى، لأنه ضرب قائد الأعشى في تهمة أتهمه بها. والشاهد فيه إنه حذف صلة الضمة وهي الواو من (لهو). (ولا الجنوب) مجرور لأنه وصف الريح. ويروى: وما عندهُ مجدٌ تَليدٌ وليس على هذه الرواية شاهد.

وقال الاعشى: إلى هَوْذَةَ الوهّابِ أهْديتُ مِدْحتي ... أرَجي نَوالاً فاضِلاً من عطائكا (تَجانَفُ عن جُل اليَمامةِ ناقَتي ... وما قَصدَتْ من أهلها لِسوائكا) هوذة هذا: هو هوذة بن علي الحنفي. وذكر هوذة كما يذكر الغائب، ثم عدل إلى خطابه. وتجانف: تميل وتعدل، وجل اليمامة: يريد جل أهلها، وجلهم: معظمهم. يعني إنه لم يقصد سواه من أهل اليمامة. والضمير في (أهلها) يعود إلى اليمامة، وجعل النيل عن غير هوذة وقصد هوذة فعل الناقة؛ وإنما هو فعل صاحبها. ومعناه واضح. يريد: ما قصدت من أهل اليمامة لغيرك، إنما قصدتك أنت. ويروى: وما عدلَتْ من أهلها لسوائكا وقيل: اللام بمعنى (إلى) أي ما عدلت إلى سوائك. والشاهد فيه إنه أدخل حرف الجر على (سوائك) فجعله من المتمكن، وهو غير متمكن. قال سيبويه في هذا الباب قال خطام المجاشعي: لم يبق من آيٍ بها يُحَلَّيْنْ ... غيرُ حُطامٍ ورمادِ كَنْفَيْنْ

وغيرُ نُؤيٍ وحجاجَيْ نُؤيَيْنْ ... وغيرُ وَدٍ جاذِلٍ أو وَدَّيْنْ (وصالياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ) ذكر ديارا قد ذهب منها أهلها وبقيت آثارهم فيها. والآي جمع آية وهي العلامة. يقول: لم يبق من علامات حلولهم فيها علامة تحلى وتوصف، غير حطام: وهو دق الشجر، يريد به ما بقي على الخيام من الشجر الذي قطعوه وظلوا به. و (رماد) مضاف إلى (كنفين) أي رماد من جانبي الموضع. كذا رأيته، بإضافة (الرماد) إلى (كنفين). ولو روي بالتنوين لم يكن خطأ عندي. والنؤي: حول البيت، تحفر حفيرة حول البيت، ويؤخذ ترابها فيجعل حاجزا له، فجعل الحاجز حول البيت بمنزلة حجاج العين، وهو العظم المشرف حولها. والجاذل: المنتصب، والصاليات: الاثافي، ويؤثفين: يجعلن في موضع الطبخ. ويقال: صلي بالنار إذا احترق. والشاهد فيه إنه أدخل الكاف على الكاف، وجعل الثانية في تقدير (مثل)، حتى صلح أن تدخل عليها الكاف التي هي حرف. ولولا إنه جعل الثانية اسما؛ لما جاز أن يدخل حرف الجر. وإحدى الكافين زائدة من طريق المعنى، كأنها وردت تكريرا وتوكيدا. والذي يريد: وصاليات كما يؤثفين. والصاليات: الأثافي صليت بالنار، وهي الحجارة التي توضع عليها القدر. وقوله: كما يؤثفين: يريد أنها كما نصبت وتركت القدر؛ لم يتغير منها شيء، ولم تنح اثفية منها عن موضعها، هي في الموضع الذي كانت فيه حين طبخوا.

تأنيث الفعل على اللفظ - بكثرة الاستعمال

ويقال: اثفيت الأثافي، إذا اصلحتها لتضع عليها القدر أو المرجل أو ما أشبه ذلك. ويروى: وغيرُ سُفْعٍ كَكَما يؤَثْفَيْن والسفع: التي قد سفعتها النار، أي سودتها وغيرت لونها. يعني الأثافي. تأنيث الفعل على اللفظ - بكثرة الاستعمال قال سيبويه في باب كان: وسمعنا من العرب من يقول ممن يوثق بعربيته: اجتمعت أهل اليمامة، لأنه يقول في كلامه: اجتمعت اليمامة، والمعنى أهل اليمامة. فأنث الفعل وجعله في اللفظ لليمامة؛ فترك اللفظ على ما يكون عليه في سعة الكلام. يريد سيبويه أن العرب قالت: (اجتمعت) فأنثوا لأن الفاعل مؤنث وهو اليمامة، فأنثوا على اللفظ، ومعنى الإخبار هو عن أهل اليمامة. وقال بعضهم - بعد استمرار لفظهم على تأنيث الفعل في (اجتمعت اليمامة) -: اجتمعت أهل اليمامة، فترك علامة التأنيث، وقد جعل الفعل للأهل، وكان ينبغي أن يذكر لأن الفاعل هو الأهل، والأهل مذكر، وهو في المعنى فاعل، فلم يذهبوا بالتأنيث إلى اللفظ ولا إلى المعنى، لأن الأهل مذكر في اللفظ والمعنى. ووجه قولهم: اجتمعت أهل اليمامة؛ أنهم لما اثبتوا التاء في قولهم: اجتمعت اليمامة، وأكثروا استعمال هذا الكلام، ثم أدخلوا الأهل؛ تركوا التاء في قولهم (اجتمعت) ثابتة على ما كانت عليه. قال: ومثله يا طلحة

اقبل، لأن أكثر ما يدعو طلحة بالترخيم، فترك الحاء على حالها. يريد أن العرب لما أكثرت استعمال طلحة مرخما، وهو إذا رخم حذفت التاء وبقيت الحاء مفتوحة، واحتاجوا إلى إدخال تاء التأنيث على المرخم، وجعلوا حركة التاء التي دخلت بعد الحاء كحركة الحاء لأنها وقعت طرفا في مثل الموضع الذي وقعت فيه الحاء؛ ففتحت كما كانت الحاء مفتوحة. جعلوها - بعد دخول التاء على الترخيم لكثرة ما يرخم هذا الاسم - كما جعلوا: (اجتمعت أهل اليمامة) على لفظ التأنيث بعد دخول (الأهل). ثم قال سيبويه: وتقول يا تيم تيم عدي، كما تقول يا طلحة أقبل. يريد أن إدخال (تيم) الثاني بين المضاف إليه، وترك الكلام على ما كان عليه، وفتح (تيم) الثاني كما أن الأول مفتوح - بمنزلة إدخال تاء التأنيث على (يا طلح)، وفتحها كما كانت الحاء مفتوحة. وقال جرير: يا تيمَ تيمَ عدِي لا أبا لَكُمُ ... لا يُلْقِنكُمُ في سَوءةٍ عُمَرُ يريد تيم بن عبد مناة، وهم قوم عمر بن لجأ، وعدي هم اخوة تيم. يقول

اسم (كان) ضمير الشأن

لهم: لا يلقبنكم في مكروه عمر لأجل تعرضه لي، أي امنعوه من هجائي حتى تأمنوا أن ألقيكم في بلية، ونهاهم أن يلقيهم عمر. والإلقاء ليس من فعلهم إنما هو من فعل عمر، لأن معنى هذا وأشباهه معروف، ويراد به أنكم قادرون على كف عمر أن يجلب عليكم ما تكرهون، فإذا تركتم نهيه عن ذلك فكأنكم قد اخترتم ما فعل، وكأنكم أنتم الفعلون بترككم لكفيه فنهاهم أن يفعل عمر، لأجل هذا المعنى. اسم (كان) ضمير الشأن قال سيبويه في: باب الإضمار في ليس وكان: لو قلت: كانت زيد الحمى تأخذ، أو تأخذ الحمى، لم يجز وكان قبيحا. ومثل ذلك في الإضمار قول العجيز السلولي: (إذا متُّ كان الناسُ صِنفان: شامتٌ ... وآخرُ مًثْنٍ بالذي كنتُ أصنعُ) بلى سوفَ تبكيني خصومٌ ومجلسُ ... وشُعْتٌ أهينو حضرة الدارِ رِجُوعُ الشاهد في البيت الأول، إنه جعل في (كان) ضمير الأمر والشأن و (الناس) بعد (كان) مرفوع بالابتداء، و (صنفان) خبره، والجملة في موضع خبر كان، و (شامت) بدل من (صنفان) و (آخر) معطوف عليه. كأنه قال: صنفان: صنف

في معاني الفاء

شامت وصنف مثن. والمعنى أن له أصدقاء وأعداء، فأصدقاؤه يثنون عليه بالجميل الذي كان يفعله، وأعداؤه يشمتون به. ويروى: كان النّاسُ نصفين على إنه خبر كان، و (الناس) اسمها، وليس فيه شاهد على هذا الوجه. ويكون (شامت) مرفوعا لأنه تبعيض، كأنه قال: بعضهم شامت، وبعضهم مثن. ويروى: ومثنٍ بنِيْرَيْ جُلَّ ما كنتُ أصنعُ والنيران: العَلَمان في الثوب، وإنما يريد به إنه يثني بحسن فعله الذي هو في أفعال الناس كالعلم في الثوب. وجل الشيء: معظمه، والشعث: جمع أشعث وه الذي لا يغسل رأسه ولا يسرحه لشقائه والشدة التي هو فيها. و (حضرة الدار) ظرف. في معاني الفاء قال سيبويه في: باب ما تنصب فيه الصفة لأنها حال وقع فيها الاسم: وإذا أردت بالكلام أن تجريه على الاسم كما يجري على النعت؛ لم يجز أن تدخل الفاء، لأنك لو قلت: مررت بزيد أخيك فصاحبك والصاحب زيد لم يجز، وكذلك لو قلت: زيد أخوك فصاحبك ذاهب لم يجز، ولو قلتها بالواو حسنت، كما أنشد كثير من العرب لأمية بن أبي عائذ.

تفسير الفاء التي للعطف: من شأنها أن يكون المعنى الذي اشترك فيه المعطوف والمعطوف عليه؛ حاصلا للمعطوف بعد حصوله للمعطوف عليه بلا مهلة فصل، ويكون حصوله للثاني عقب حصوله للأول. نحو قولك: زيد آتيك فمحدثك، أي يحصل الحديث من قبله بعد إتيانه بلا فصل. ولا يجوز أن يكون الحديث الذي أخبرت به عنه حصل قبل الاتيان، ولا في الحال التي حصل فيها الإتيان. وإذا أردت أن تخبر عن شخص من الأشخاص بخبرين هما حاصلان له في حال واحدة؛ لم يجز أن تعطف أحدهما على الآخر بالفاء، لأنهما حصلا في زمان واحد، والفاء توجب أن زمان أحدهما بعد زمان الآخر، فإن أدخلت الفاء فسد معنى الكلام. وكذلك الصفة أن جئت بالفاء فيها، أوجبت أن المعنى الذي أوجب الوصف الثاني؛ حصل له بعد حصول الصفة الأولى. قال أمية بن أبي عائذ: فأَوْرَدَها مَرصَدا حافظاً ... به ابن الدُّجَى لاطِئاً كالطحالِ مُفِيداً مُعِيداً لأَكْلِ القَني ... صِ ذا فاقةٍ مًلْحِماً للعِيالِ وَيأْوي إلى نِسوةٍ عُطَّلٍ ... وشُعْثٍ أضيعَ مثلِ السَّعالي)

قال سيبويه: لو قلت (فشعثٍ) قبح. وإنما قبح لأن العطل هو أن لا يكون على المرأة حلي؛ حصل لها مع الشعث في وقت واحد، فجاز أن يعطف أحدهما على الآخر، لأن الواو للجمع وليست للتعقيب، ولو عطفت بالفاء لأوجب أن الشعث صل لهن بعد العطل، وهذا يفسد معنى الشعر، لأنه أراد أن يخبر بالصفات التي حصلت لهؤلاء النسوة في حال واحدة. ولو عطف بالفاء لم يكن الشعث مصاحبا للعطل وكانا في الوقت الذي كان فيه. وابن الدجى: الصائد الذي يصيد الوحش، وفي (أوردها) ضمير فاعل يعود إلى العير الوحشي، والضمير المؤنث المنصوب يعود إلى الاتن، والمرصد: الذي يرصد فيه الصائد الوحش، والدجى: جمع دجية وهي بيت الصائد والضمير في قوله (به) يعود إلى المرصد، ولاطئا: لطيء بالأرض كيلا تراه الوحش، كالطحال: يريد، لزوقه بالأرض كلزوق الطحال بالجنب. وقيل في قوله: ابن الدجى: ابن الظلمة، لأنه يكمن للوحش بالليل، والقنيص: الصيد، والمفيد: المكتسب، والمعيد: الذي قد أعاد أكل الصيد مرة، والفاقة: الحاجة، والملحم: الذي يأتي أهله باللحم. ويأوي هذا الصائد إلى نسوة عطل من الحلى، يريد أنهن فقيرات سيئات الأحوال، وشعث: جمع شعثاء، وهي التي لا تسرح رأسها ولا تدهنه ولا تغسله. والمراضيع: جمع مرضع، والسعالي: الغيلان، الواحدة سعلاة. ويروى: له نسوة عاطلاتُ الصدو ... رعوج مراضيع وليس في هذه الرواية شاهد. والعوج: المهازيل.

النصب على الظرفية

والقصيدة تروى على الإطلاق وعلى التقييد، وكلا الأمرين جائز فيها. وهي من المتقارب. أن أطلقت فهي من الضرب الأول، وإن قيدت فهي من الضرب الثاني. النصب على الظرفية قال سيبويه في الظروف: هما خطان جنابتي انفها، يعني الخطين اللذين اكتفا جانبي أنف الظبية. قال الأعشى: (نحن الفوارسُ يومَ الحِنو ضاحيَةً ... جَنْبَيْ فُطَيْمةً لا مِلٌ ولا عُزُلُ) الشاهد على إنه جعل (جنبي فطيمة) ظرفا. وفطيمة هذه فطيمة بنت شراحيل بن عوسجة من بني قيس بن ثعلبة قوم الأعشى، وكان لها ابنان من رجل من قومها يقال له أصرم، فأراد أصرم أن ينزع ابنيها ويرهنهما من

نصب (ويل) بإضمار فعل

يزيد بن مسهر الشيباني. فاستغاثت بقومها، فاجتمعوا وهزموا بني شيبان، ففخر بذلك الأعشى. والحنو: منعطف الوادي ونواحيه، وضاحية: بارزة، والميل: جمع أميل وهو الذي لا سيف معه، مثل أحمر وحمر، واضطر إلى تحريك الزاي فحركها، كما قال طرفة: جَردوا منها وِراداً وشُقرْ و (ميل) خبر ابتداء محذوف كأنه قال: لا نحن ميل ولا نحن عزل. و (ضاحية) منصوب على الحال، والعامل فيه (الفوارس). والفوارس: في معنى المقاتلة. كأنه قال: نحن الجماعة التي قاتلت يوم الحنو بارزة، نحن الدين جاهروا بالقتال. ويجوز أن يكون (ضاحية) وصفا لبقعة، فيكون ظرفا. كأنه قال: نحن المقاتلة في بقعة بارزة. والوجه الأول أحب إلي. نصب (ويل) بإضمار فعل قال سيبويه في: باب من النكرة تجري مجرى ما فيه الألف واللام: واعلم أن بعض العرب يقول: ويلا لك وويلة وعولة،

النصب على المصدر في التوبيخ بإضمار فعل

وتجربة مجرى خيبة. ذكر سيبويه أن بعضهم ينصب (ويلا) لك، وقد قدم في الباب أن هذا الباب؛ الرفع فيه وجه الكلام، ونصبه بإضمار فعل، كأنه: ألزمك الله ويلك، أو أوقع الله الويل، وما أشبه ذلك. وأنشد لجرير: (كسا اللؤمُ تَيْماً خُضْرَةً في جلودِها ... فويلا لِتَيْم من سَرابيلها الخُضْرِ) يهجو جرير بذلك عمر بن لجأ التيمي وقومه، والخضرة: يريد بها سواد الجلد الذي يضرب إلى الخضرة، والسرابيل: القمص. جعل جلودهم مثل القمص عليهم. وأراد أن ألوانهم متغيرة للؤمهم وضعتهم، (ولعله أراد أنهم لا يغتسلون ولا ينظفون أبدانهم، فقد تقادم عليها الوسخ وتضاعف فاسودت). النصب على المصدر في التوبيخ بإضمار فعل قال سيبويه في: باب ما ينتصب من المصادر، كان فيه ألف ولام أو لم يكونا فيه، على إضمار الفعل المتروك إظهاره: وأما ما ينتصب في الاستفهام من هذا الباب فقولك: أقياما يا فلان والناس قعود! أجلوسا والناس يفرون! فلا يريد أن يخبر إنه يجلس، ولا إنه قد جلس، ولكنه

أطريا وأنت قنسري

يخبر إنه في تلك الحال جلوس. على طريق التوبيخ. قال العجاج: أطريا وأنت قنسري والدهر بالإنسان دواري (أراد: أتطرب طربا. على طريق التوبيخ). والقنسري: الكبير المسن، ودواري: أراد بها دوار، وأدخل عليه ياء النسب. والدوار: الذي يدور بالناس ينقلهم من حال إلى حال. نصب المصادر في الدعاء وسمع رفعها قال سيبويه في: باب ما ينتصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره: وقد رفعت الشعراء بعض هذا فجعلوه مبتدأ، وجعلوه ما بعده مبينا عليه. يريد أن بعض المصادر التي تنصب في الدعاء على إضمار الفعل المتروك إظماره، قد سمع فيها الرفع من العرب. قال أبو زبيد الطائي: (أقام وأقْوى ذاتَ يومٍ وخيبةٌ ... لأولِ مَن يَلْقَى وشَرٌّ مُيسرُ) الشاهد فيه على إنه رفع (خيبة) وهو مصدر يدعا به، والمصادر التي يدعا بها تنصب، ورفعه بالابتداء، و (لأول من يلقى) خبره. وصف أسدا

الظرف - جواز رفعه

أقام في مكان، وأقوى: لم يجد شيئا يأكله، والمقوي: الذي لا زاد له. وأراد أن الأسد جائع فهو يثب على أول من يلقاه، والميسر: المعجل الذي لا يحتبس. ويروى: (أغار وأقوى) يريد إنه أغار على قوم حمل عليهم. ويروى: (وغي ميسر). الظرف - جواز رفعه قال سيبويه في الظروف: وقد يكون في (دونها) الرفع. يريد إنه يجوز فيه التمكن. ووقع بعد هذا في الكتاب بيتان، وقيل إنهما ليسا من الكتاب. أحدهما بيت ذي الرمة: أفي مِرْيَةٍ عيناك إذْ أنتَ واقِفٌ ... بحُزْوَى من الأظعانِ أم تَسْتَبينُها فقال أراها يَحْسُرُ الآلُ مرةً ... فتبدو، وأخرى يكتسي الآلَ دونها) يخاطب نفسه ويقول: أتشك عينك في أنها ليست ترى الاظعان التي تسير؟ أم تستبينها: أم تبينها، وحزوى: موضع معروف، والاظعان: الهوادج فيها النساء، و (من الاظعان) متصل بقوله (أفي مرية) والآل: ما يكون في أول النهار قبيل السراب، ويحسر: يذهب، ويكتسي الآل: أي يتغطى بالآل، يريد أن الآل يستره، و (دونها): هو المكان الذي بينه وبين الاظعان، وفي (تبدو) ضمير من الاظعان. يعني أن الآل إذا ذهب رأى الاظعان؛ وإذا حجز الآل بينه وبينها استترت عنه. وقوله (وأخرى): في موضع نصب على الظرف

في إعراب (عمرك الله) وأشباهه

وهو ظرف من الزمان. والمعنى: ومرة أخرى يكتسي الآل دونها، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. في إعراب (عمرك الله) وأشباهه قال سيبويه في: باب من المصادر ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره، ولكنها مصادر وضعت موضعا واحدا لا تتصرف في الكلام. . . (فقعدك) تجري هذا المجرى. يريد أن (قعدك) بمنزلة (عمرك) وأن لم يكن له فعل يعني وأن لم يكن (لقعدك) فعل. يريد أن بعض المصادر قد يترك استعمال الفعل فيه، ويكون بمنزلة ما استعمل فعله. فقعدك الله بمنزلة وصفك الله بالثبات وأنه لا يزول. يريد سألتك بوصفك الله بالثبات، ثم حذفت الفعل والتاء. ولا يستعمل الفعل فيه ولا حرف، وهو مصدر لا يتصرف، أي لا يستعمل في غير هذا الموضع من الكلام، ولا يستعمل إلا مضافا. ثم استشهد على استعمال الفعل من (عمرك الله) بقول ابن أحمر: (عَمَّرْتُكِ اللهَ الجليلَ فإنني ... أَلوي عليكِ لَوَ أن لبَّكِ يهتدي) هل لامَني من صاحبٍ صاحبْتُهُ ... من حاسِرٍ أو دارِعٍ أو مُرْتَدي

يخاطب امرأة يقول لها عمرتك الله، أي سألتك بوصفك الله بالبقاء، هل علمت أن أحدا صاحبي من الناس لامني على فعل فعلته، من أحد حاسر: وهو الذي لا درع عليه، أو دارع: وهو الذي عليه الدرع، والمرتدي: الذي عليه الرداء. يريد أن كل من صاحبي على اختلاف أحوالهم وهيئاتهم وأخلاقهم لم يذمني. قوله: ألوي عليك: أي أعطف عليك، لو أن لبك يهتدي: أي لو أن قلبك يقبل النصيحة. و (هل لامني) هو جواب عمرتك الله. وقال سيبويه في الباب المتقدم: زعم أبو الخطاب أن (سبحان الله) كقولك: براءة الله من السوء. ذكر سيبويه (براءة) مضافة إلى اسم الله، كما يضاف (سبحان) إذا قلت سبحان الله. و (براءة) منونة غير مضافة، كما تترك إضافة سبحان قال الأعشى: (أقولُ لما جاءني فخرُهُ ... سبحانَ مِن علقمةَ الفاخِر) فسبحان في هذا البيت غير مضاف، إلا أن (براءة) منصرف لأنها نكرة وأن كانت منونة، و (سبحان) لا ينصرف لأنه معرفة وفي آخره الألف والنون.

استعمال المصدر الميمي مكان المصدر

الشاهد في البيت على إنه نصب (سبحان) وهو غير مضاف ولم يصرفه. وعلقمة هذا الذي ذكره الأعشى، هو علقمة بن علاثة، وكان علقمة قد فاخر عامر بن الطفيل وهو ابن عمه، وكان الأعشى مع عامر بن الطفيل. يقول الأعشى: لما سمعت أن علقمة يفاخر عامرا، أعظمت هذا. وسبحان تبروا. يريد تبرأت من قبح ما فعل علقمة تبروا، يقول: لم ارض به وأنكرته. استعمال المصدر الميمي مكان المصدر قال سيبويه في باب ما يكون من المصادر مفعولا: وكذلك المعصية بمنزلة العصيان والموجدة بمنزلة الوجدان، لو كان الوجد يتكلم به. يريد أن (المفعلة والمفعلة) في هذه المصادر تجري مجرى المادر التي هي اصل، وربما ترك المصدر الذي هو الأصل على (فعل) واكتفوا بـ (المفعلة). فمن ذلك (الموجدة) مصدر وجدت على فلان إذا غضبت عليه. والوجد في الحزن: وجدت به وجدا إذا حزنت على مفارقته. وقد أتى الوجد في معنى الغضب، وهو عندي معنى قول الهذلي. وتضْمِرُ في القلب وَجْداً وخِيفا وقال ابن أحمر: لَدُنْ غُدْوَةً حتى كَرَرْنَ عَشِيَّةً ... وَقَرَّبْنَ حتى ما يَجِدْنَ مُقَرَّبا

نصب الاسم بعد الأدوات المختصة بالأفعال

(تَدارَكْنَ حيّاً من نُمَيْرِ بنِ عامرٍ ... أسارَى تُسامُ الذُّلَّ قتلا ومَحْرَبا) الشاهد فيه قوله (محربا) وهو مصدر لحربته حربا إذا سلبته ماله. وصف خيلا مضت للحاق قوم حتى يدركوهم، كررن: يعني الخيل؛ واللفظ للخيل والمعنى لفرسانها، وقربن: من التقريب في العدو، التي ما يجدن زيادة على القدر الذي يفعلن من العدو، يعني أنهن قد اخرجن جميع ما عندهن من العدو، ولم يبق عندهن منه بقية. وتداركن لما غزون حيا من نمير، وتسام الذل: تحمل على فعل ما تكرهه على طريق القهر والإذلال، و (قتلا) منصوب بإضمار فعل دل عليه (تسام الذل) كأنه قال بعد قوله: (تسام الذل): تقتل قتلا وتحرب محربا. نصب الاسم بعد الأدوات المختصة بالأفعال قال سيبويه قال النمر بن تولب: (لا تجزعي أن مُتْفِساً أهْلَكْتُهُ ... وإذا هَلْكْتُ فعند ذلك فاجْزَعي) يقول لامرأته: لا تجزعي على ما أنفقته من مالي أجود به وأعطي من سألني، فإني أن بقيت اكتسبت وسعيد في أمر المال حتى أناله، وإنما ينبغي أن تجزعي إذا مت، لأنه لا يكون لك من سيعى سعي.

إعمال (ما) عمل ليس

والشاهد فيه على نصب (منفسا) بإضمار فعل تقديره: أن أهلكت منفسا أهلكته. إعمال (ما) عمل ليس قال سيبويه في باب (ما): فإن قلت ليس زيد إلا ذاهبا، أدخلت ما يوجب كما أدخلت ما ينفي، فلم تقو (ما) في قلب المعنى، كما لم نقو في تقديم الخبر. يعني أن (ما) على مذهب أهل الحجاز تعمل ما دامت على ترتيب الأصل وبقاء معنى النفي، فإن أدخلت (إلا) بين الاسم والخبر؛ بطل معنى النفي فبطل عملها، لأن الخبر يصبح موجبا بدخول (إلا) وأن تقدم الخبر على الاسم بطل العمل؛ لزوال ترتيب الكلام في الأصل، وترتيب الكلام في الأصل أن يكون الاسم قبل الخبر. قال سيبويه: وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق: وما أُعيدَ لهمْ - حتى أتَيْتَهُمُ - ... أزمانُ مَروانَ إذ في وَحْشِها غِرَرُ (فأَصبحوا قد أعادَ اللهُ نعمتَهُمْ ... إذْ هم قريشٌ وإذْ ما مثلَهُمْ بشَرْ)

الشاهد في أعمال (ما) عمل ليس مع تقديم خبرها على اسمها. ومدح الفرزدق بهذا الشعر عمر بن عبد العزيز وكان قد ولي المدينة. يقول: ما أعيد لأهل المدينة ولمن بها من قريش أزمان مثل أزمان مروان - من الخصب والسعة والخير - حتى وليت أنت عليهم، فعاد لهم مثل ما كانوا فيه من الخير حين كان مروان واليا عليهم. وقوله: إذ في وحشها غرر، يريد: وحشها لا يذعرها أحد، فهي في غرة من عيشها. ويقال: هو في غرة من العيش، إذا كان في عيش ليس فيه كدر ولا خوف. فأصبحوا بولايتك عليهم قد أعاد الله نعمتهم. قال سيبويه بعد إنشاد هذا البيت: وهذا لا يكاد يعرف يريد: إعمال (ما) مع تقديم خبرها. وزعم أبو العباس محمد بن يزيد أن (مثلهم) منصوب لا على هذا الوجه، وانه ليس بخبر لـ (ما) وخبر (ما) عنده محذوف. و (مثلهم) منصوب على الحال، والعامل فيه الخبر المحذوف. كأنه قال: وإذ ما في الدنيا مثلهم بشر. وأنكر أبو العباس الوجه الذي ذهب إليه سيبويه من تقديم خبر (ما) مع الأعمال حين اضطر الشاعر، وزعم أن الخبر محذوف. وحذف الخبر أن لم يكن عليه دليل في الكلام، أو في الحال التي المخبر فيها، لم يجز حذفه. كقولك - وقد جرى ذكر رجل فعل فعلا جميلا، وأحسن إحسانا كثيرا -: عمرو. أي هذا الذي ذكرتهم عمرو. أو يكون مثل قولك - والناس يتراءون الهلال -: الهلال، أي هذا الهلال. فإن لم يكن عليه دليل فحذفه قبيح. فيكون أبو العباس قد أنكر حمل البيت على وجه

الظرف - رفعه على الفاعلية

الضرورة في تقديم الخبر، وحمله هو على الضرورة في حذف الخبر. فإن قال قائل: قد استمر حذف خبر المبتدأ في باب من الأبواب وهو قولك: شربك السويق ملتوتا. . . قيل له: هذا الحذف يكون في المصادر، لأن الخبر فيها على وجه واحد يقع، وهو (إذ كان) و (إذا يكون) فصار كحذف العامل في الظروف وهو (مستقر) لأنه على وجه واحد يقع، فهو معلوم مستغنى عن ذكره. وليس كذا حذف الخبر في البيت. وجملته: أن سيبويه ذكر أن الضرورة في تقديم الخبر مع الأعمال. وأبو العباس يقول: الضرورة حذف الخبر. فيحتاج أن ننظر أولى القولين بالصواب، فوجدنا قول سيبويه أولى، لأنه ليس أحتاج في قوله إلى تقدير شيء محذوف من الكلام. وفي قول أبي العباس، الضرورة في حذف الخبر، وينبغي أن يحمل الكلام في صحته على ظاهر لفظه، وأنه لم يحذف منه شيء ما أمكن أن يفعل ذلك، فإن لم يمكن حملنا الكلام على أن فيه محذوفا. وإذا كانت الضرورة في الوجهين جميعا، فالقول: الذي لا يحتاج معه إلى تقدير محذوف. الظرف - رفعه على الفاعلية قال سيبويه: قال ذو الرمة: (وغبراَء يحمي دونها ما وراءها ... ولا يَحْتطِبْها الدهرَ إلا مخاطرُ)

إعراب الاسم بعد (إذا)

الشاهد فيه إنه رفع (دونها) وجعله فاعلا لـ (يحمي) و (غبراء) مجرور بتقدير (رب) كأنه قال: رب أرض غبراء. يريد أنها مجدبة لا شيء فيها، ولا يرى فيها خضرا، و (دونها) هو المكان الذي هو اولها، يحمي: يمنع من السلوك إلى آخرها وقطعها بالسير؛ لشدته وصعوبة السير فيها، ولا يركبها إلا من خاطر بنفسه. وجواب (رب) في بيت آخر وهو: قطعتُ بخلقاءِ الدفوف. . . أي بناقة ملساء الجنبين. إعراب الاسم بعد (إذا) قال سيبويه قال ذو الرمة: أقولُ لها إذْ شمرَ الليلُ واسْوتْ ... بها البيدُ واشتدَّتْ عليها الحرائِرُ (إذا ابْنُ أبي موسى بِلالاً بَلَغْتِهِ ... فقامَ بفأس بين وصْلَيْكِ جازِرُ) الضمير في (لها) يعود إلى ناقته، وشمر الليل: ذهب أكثره، واستوت بها البيد: يريد استوى سيرها في البيد ومضت على قصد، واشتدت على الناقة الحرائر: أي الرياح الحارة، وهي جمع حرور. والبيد: جمع بيداء وهي الأرض القفر، وبلال: هو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري.

دعا على ناقته بالنحر والجزر إذا بلغته ابن أبي موسى. والوصلان تثنيه وصل، والوصل بكسر الواو وإسكان الصاد: ملتقى كل عظمين وهي المفاصل. ومثله قول الشماخ: إذا بَلَّغْتِني وحَمَلْتِ رَحلي ... عَرَابَةَ فأشْرقي بدمِ الوتينِ قال سيبويه قال ذو الرمة: فأنْمِ القُتودَ على عَيْرانةٍ أجُدِ ... مَهْرِيةٍ مَخَطَتْها غِرْسَها العِيدُ نَظارةٍ حين تعلو الشمسُ راكبَها ... طَرْحاً بعَيْنَي لياحٍ فيهِ تَحديدُ) وجدت البيت منسوبا في الكتاب إلى الراعي، ووجدته لذي الرمة. قال سيبويه: وإن شئت نصبته على إضمار فعل آخر، ويكون بدلا من اللفظ بالفعل. يعني أن شئت نصبت المصدر الذي تذكره بعد الفعل، على إضمار غير الفعل الذي لفظت به، ويكون هذا المصدر الملفوظ به كأنه بدل في اللفظ من الفعل الذي نصبه فتقول: سير عليه سيرا، وضرب به ضربا، كأنك قلت بعد ما قلت: سير عليه، وضرب به: يسيرون سيرا ويضربون ضربا

وينطلقون انطلاقا، ولكنه صار المصدر بدلا من اللفظ بالفعل. ثم مضى سيبويه في كلام بعد هذا إلى أن انتهى إلى ما أنشده المقدم ذكره. والذي أنشده هو شاهد على إضمار فعل ناصب للمصدر الذي قد ظهر اللفظ به، وهو قوله: (طرحا) (وجعل ما أضمره بعد قوله: سير عليه (يسيرون سيرا) وضرب به (يضربون ضربا) مثل إضمار (تطرح) قبل قوله (طرحا). نم القتود: ارفعها، والقتود: خشب الرحل. يريد ارفعها على الراحلة، شد الرحل عليها. والعيرانة: الناقة المشبهة بالعير في نشاطها وخفتها في العدو، ومهرية: من إبل مهرة بن حيدان، والعيد: قبيلة من مهرة ينسب كرام الإبل اليها، والغرس: السلا، وهو الجلدة التي تكون على الولد، ومخطتها غرسها: نتجتها هذه القبيلة. فجعل العيد لما كان نتاجها عندهم بمنزلة من استخرج الولد، يريد: مخطت العيد هذه الناقة، استخرجتها من بطن أمها وهي في الغرس. وتفسير قوله: (مخطتها) هو تفسير على ما رأيته صوابا عندي، والذي قال بعض الرواة: مخطتها أشبهتها. نظارة: يريد أنها تنظر نظرا حادا من النشاط وقوة النفس ينتصف النهار وتكون الشمس على رأس راكبها، وتطرح طرفها طرحا، وتنظر بعين لياح: وهو الثور الأبيض. وفي كتاب سيبويه (تحديد) بحاء غير معجمة، وفي شعره (تجديد) بجيم. أي في هذا الثور طرائق من سواد، والجدة الطريقة والجمع جدد. وقوله: فيه تحديد، أي في نظرة تحديد إلى ما ينظر إليه.

جواز حذف عامل الحال

جواز حذف عامل الحال قال سيبويه في: باب ما جرى من الأسماء التي لم تؤخذ من الفعل، مجرى الأسماء التي أخذت من الفعل: فأما قول الله عز وجل (بلى قادرين) فهو على الفعل الذي أظهر كأنه قال: نجمعها قادرين، حدثنا بذلك يونس. ومعنى (فهو على الفعل الذي أظهر): يريد إنه أضمر (نجمعها) قبل (قادرين) لأنه قد ظهر قبل هذا الكلام: (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه) فدل قوله تعالى: (نجمع عظامه) على إضمار (نجمع) قبل (قادرين). قال: قوله - وهو الفرزدق -: ألم تَرَني عاهدْتُ ربي وإنني ... لَبَيْنَ رِتاجٍ قائما ومَقامِ على حَلْفَةٍ لا أشْتمُ الدْهرَ مُسْلِماً ... ولا خارجا مِن فِيَّ زُورُ كَلامِ الشاهد على إنه أضمر الفعل قبل (خارجا) كأنه قال: ولا يخرج خارجا، وهو اسم الفاعل في موضع (خروجا) الذي هو المصدر، وعطف (ولا يخرج) على قوله (ولا اشتم) جوابا للقسم، والقسم الذي هذا جوابه: (عاهدت) كأنه قال: حلفت بعهد الله لا أشتم الدهر مسلما، ولا يخرج من في زور الكلام

الإضافة إلى الظرف الفاصل بين العامل ومعموله

خروجا. و (لا أشتم ولا يخرج) هما جواب القسم فيما يستقبل من الأوقات. وقال سيبويه: ولو حملته على إنه نفى شيئا هو فيه، ولم يرد أن يحمله على (عاهدت) لجاز، وإلى هذا الوجه كان يذهب عيسى. يريد أن قوله (لا أشتم) في موضع الحال، وهو معنى قوله (نفى شيئا هو فيه) أي نفى ما في الحال ولم ينف المستقبل. يريد إنه حلف وهو غير شاتم ولا خارج من فيه زور كلام. وقد أجاز سيبويه الوجهين جميعا، والكلام محتمل لهما. وقد قيل: أن الجواب يجوز أن يكون جوابا لقوله (على حلفة). ويكون تقدير الكلام: ألم ترني عاهدت ربي على أني أحلف لا أشتم ولا يخرج من في قبيح. والرتاج: الباب، يريد باب الكعبة، والمقام: مقام إبراهيم عليه السلام. وكان الفرزدق حلف لا يقول الشعر، وأقبل على قراءة القرآن، ثم رجع عن هذا. الإضافة إلى الظرف الفاصل بين العامل ومعموله قال سيبويه قال الاخطل: عَروُفٌ لإضعاف المَرازِئ مالَه ... إذا عَج منحوتُ الصَّفاة بخَيلُها (وكَرارِ خلفِ المجْحَرِينَ جوادَهُ ... إذا لم يُحامِ دون أنْثَى حليلُها) الشاهد فيه إنه أضاف (كرار) إلى (خلف). والظرف نصب، إذا نصب المفعول على السعة جاز أن يضاف إليه كما يضاف إلى المفعول به. والعروف: الصبور وهو العارف، الإضعاف: مصدر أضعف يضعف من المضعف، ضعف الشيء وأضعفته

المصدر النائب عن فعله - في الدعاء

أنا، والمرازئ: الأمور التي إذا وقعت أوجبت ذهاب المال، واحدها مرزئة. يمدح بذلك همام بن مطرف التغلبي يقول: هو صبور على هد المرازئ ماله. ومعنى عج: صاح وضج، والصفاة: الصخرة، والمنحوت: الذي يؤخذ منه شيء بعد شيء بشدة. يقول: هو يعطي إذا ضج من السؤال الرجل الذي يعطي اليسير بعد شدة، ويكون ما يؤخذ منه بمنزلة ما ينحت من الصفاة، وبخيلها: يريد إنه بخيل النفس، و (كرار) معطوف على الأول، والمرهقون: الذين لحقتهم الخيل. يريد إنه يكر جواده خلفهم حتى يستنفذهم. حفاظا: محافظ على ما يوجبه الكرم في الوقت الذي لا يقاتل الرجل عن امرأته ويفر عنها، وذلك إذا عظم واشتد. المصدر النائب عن فعله - في الدعاء قال سيبويه قال الاخطل: رفَّعْنَ أصْلاً وعُجْنا من نَجائِبنا ... وقد تُحُينَ من ذي حاجةٍ سَفَرُ (إلى امْرئ لا تُعَرينا نوافِلُهُ ... أظْفَرَهُ الله فَلْيَهنَأ له الظَّفَرُ) يمدح بهذا عبد الملك بن مروان، ورفعن: يريد انهم رفععوها في السير فترفعت، أي زادت في السير. وجعل (رفعن) بمعنى ترفعن وارتفعن. والأصل: العشي، وعجنا: عطفنا، وقيل: عجنا: كففنا بعض سيرها، وتحين

إضافة الصفة المشبهة إلى النكرة

السفر، يريد: تحين من صاحب حاجة السفر، أي أنى وقت سفره. وقوله (إلى امرئ لا تعرينا) أي تذهب فواضله عنا في وقت من الأوقات. ورواية الكتاب: (إلى إمام تغتدينا فواضله) والنوافل: ما يعطيه من الأشياء التي لا تلزمه. والفواضل مثل النوافل. إضافة الصفة المشبهة إلى النكرة قال سيبويه في باب الحسن الوجه، قال حميد الارقط: غَيْرانَ مِيفاءٍ على الرُّزونِ حَدَّ الربيعَ أرِنٍ أَرُونِ لا خَطِلِ الرَّجْعِ ولا قَرونِ (لاحقِ بَطْنٍ بِقَرا سَمِينِ) الشاهد فيه إنه قال (لاحق بطن) فجعل البطن نكرة بعد نقل الضمير عنه، ولم يدخل عليه الألف واللام. يصف عير وحش. و (غيران) مجرور نعت لاسم مجرور قد تقدم ذكره، والغيران: من الغيرة على اتنه، والميفاء: المشرف، يقال: أوفى على كذا إذا أشرف عليه. والارن: النشيط، والارون مثله، والارن: النشاط. (لا خطل الرجع) الخطل: الاضطراب. يريد أن قوائمه لا تخطل: أي لا تضرب إذا رجع قوائمه ثم وثب في عدوه. وقيل في القرون: إنه لا يجمع بين خطوتين، ومعناه عندي إنه لا تقع حوافر رجليه مواقع حوافر يديه. والقرا: الظهر، واللاحق: الذي لحق بطنه بظهره،

اسم (ليس) ضمير الشأن

ويريد إنه ضامر البطن لا من هزال وقلة مرعى، لكن لشغله بالأتن وغيرته عليها من الفحول. اسم (ليس) ضمير الشأن قال سيبويه قال حميد الارقط - وكان يهجو الضيف إذا نزل به، وهو من المذكورين بالبخل وبغض الأضياف النازلين. وأراد قوم النزول به، فأراد دفعهم وصرفهم، فقالت له امرأته: يا فلان عندنا جلة هجرية قد قحلت، وما أظنك لو ألقيتها إليهم نالوا منها طائلا فكنت قد قريتهم. فاحتملها فألقاها إليهم وهو يظن أنهم لا يريدون أكلها، وكانوا جياعا فأكبوا عليها إكبابا شديدا. فساءه ما رأى من شدة أكلهم، وقال لهم: أن هاهنا أيتاما فدعوا لهم منها شيئا، فأمسك القوم. فلما كان السحر أيقظهم للرحلة، ثم ساق وهو يقول: ومُرمِلين على الأقْتابِ بَزُّهُمُ ... مَدارِعٌ وعَباءٌ فيه تفنينُ باتوا وجُلَّتُنا الشِهْريزُ بينَهُمُ ... كأنَّ أظفارَهُمْ فيها السّكاكينُ (وأصْبَحوا والنَّوَى عالي مُعَرَّسِهمْ ... وليس كلَّ النَّوى يُلقي المساكينُ) الشاهد فيه إنه نصب (كل) بـ (يلقي) وفي (ليس) ضمير الأمر والشأن، و (المساكين) رفع لأنه فاعل (يلقي) والمرمل: الذي لا زاد معه، والاقتاب: الرحال،

في عمل اسم الفاعل

وبزهم: ما عليهم من الثياب، والمدارع: جمع مدرعة ومدرع وهو سبيح من صوف، والمعرس: الموضع الذي نزلوا فيه. وقوله: والنوى عالي معرسهم، يريد أنهم أكلوا التمر وتركوا النوى في الموضع الذي أكلوا فيه. وقوله: وليس كل النوى يلقي المساكين، يريد أن من كان شديد الجوع محتاجا إلى الطعام وليس معه ما ينفقه؛ فينبغي له أن يأكل التمر مع النوى، ليشبع عن قرب، ولا يأكل تمرا كثيرا. أراد حميد أن يأكل أضيافه التمر بنواه ولا يلقوا منه شيئا. في عمل اسم الفاعل قال سيبويه في باب اسم الفاعل. وقال عمر ابن أبي ربيعة: وكم مِنْ قتيلٍ لا يباءُ به دمٌ ... ومن غَلِقٍ رَهْنٍ إذا لَفَّهُ مِنَى (ومن مالئ عَيْنَيْهِ من شَيِْ غَيْرهِ ... إذا راحَ نحو الجَمْرَةِ البِيضُ كالدُّمَى) ذكر أن ابنة لمروان حجت، فلما أن قضت نسكها، أتت عمر

إجراء القول مجرى الظن

بن أبي ربيعة وقد غفلت نفسها في نساء معها، فحدثها، فلما انصرفت اتبعها، فعادت إليه بعد ذلك فأثبتها فقالت له: لا ترفع الصوت في شعرك، وبعثت إليه بألف دينار فقبلها، ثم اشترى لها ثيابا من ثياب اليمن وطيبا، فأهداه إليها، فردته، فقال: إذن والله انهبه فيكون مشهورا، فقبلته ثم انصرفت، فقال شعرا، فيه ما تقدم إنشاده. قوله: وكم من قتيل لا يباء به دم، يريد قتيل الهوى لا يباء به دم، ولا يقتل قاتله. من غلق، الغلق: الذي قد حصل للمرتهن فلا يرده، وأراد: من رهن غلق فقدم، وجعل (الرهن) بدلا من (غلق). يريد: كم من رهن غلق لا يرد على صاحبه، وعنى به: ما يأخذه المحبوب من قلب المحب بمنزلة الرهن الذي قد استهلك فلا يرد. و (من مالئ عينيه من شيء غيره) يريد من النظر إلى نساءهن لغيره، ليس له فيهن نصيب، والدمى: الصور، الواحدة دمية. إجراء القول مجرى الظن قال سيبويه في: باب ظننت قال عمر بن أبي ربيعة: قال الخليطُ غدا تَصَدعُنا ... أو شَيْعَهُ فمتى تُوَدَّعنا (أما الرَّحيلُ فدونَ بعدِ غدٍ ... فمتى تقولُ الدارَ تَجْمَعُنا)

جعل الاسم بمنزلة الظرف

الخليط: الجيران الذين يخالطون القوم في الموضع الذي هم نزول فيه، والتصدع: التفرق، وشيع الشيء: ما يتلوه. وقوله: (أما الرحيل فدون بعد غد) يريد أنها قالت له بعد أن قالت (غدا أو شيعه): أما الرحيل فدون بعد غد، كأنها قالت: نرحل غدا أو بعد غد، ثم قالت: بل نرحل غدا، وغد قبل (بعد غد) كأنها أرادت أن تعرف كيف حاله إذا دنا رحيلها، وكيف حزنه على فقدها. الشاهد في عمل (أتقول) كعمل (أتظن). جعل الاسم بمنزلة الظرف قال سيبويه: وتقول: ذهب الشتاء وتصرم الشتاء وسمعنا الفصحاء يقولون: انطلقت الصيف، أجراه على جواب متى، لأنه أراد أن يقول: في ذلك الوقت، ولم يرد العدد. يعني أن ما كان واقعا من الظروف لعدد؛ فهو جواب (كم)، وما كان على وقت بعينه؛ فهو جواب (متى). وزعم أن الشتاء والصيف في جواب (متى) بمنزلة يوم الجمعة ويوم الخميس وما أشبه ذلك. قال أبو دؤاد: فنهَضْنا إلى أَشَمَّ كصدر الرّ ... رمح صَعْلٍ في حالبيْهِ اضْطِمارُ قَد قَصَرْنا الشتاَء بعدُ عليهِ ... فهْوَ للذَّوْدِ أن يُقَسَّمْنَ جارُ)

إضافة اسم الفاعل إلى معموله

الشاهد: في إنه جعل الشتاء بمنزلة الوقت المعين، وأجاز بعد إنشاده أن يكون الشتاء والصيف على جواب (كم) وعلى جواب (متى). نهضنا: قمنا إلى فرس أشم كصدر الرمح في ضمره وصلابته، صعل: يريد صغير الرأس، والحالبان: عرقان مكتنفا السرة، قد قصرنا الشتاء: أي قصرناه في الشتاء، حبسناه: أي أضمرناه وصناه، ويجوز أن يريد: قصرنا إبلنا عليه، ثم حذف المفعول ولم يذكره. وقوله (بعد) يريد بعد أن إبلنا عليه في الصيف، يعني أنهم حبسوا غبلهم عليه في الصيف ثم حبسوها في الشتاء ليوفر عليه اللبن. وقوله (بعد) أي بعد الصيف، فحذف المضاف وجعل (بعد) غاية. والذود: جماعة يسيرة من الإبل. يقول: الذود التي جعلناها واقفة لما يحتاج إليه من اللبن، هو جار لها من أن يغار عليها. لأن صاحبه يركبه إذا أغير على الحي. إضافة اسم الفاعل إلى معموله قال سيبويه: وذلك قولك: هما الضاربا زيد والضاربو عمرو. وقال الفرزدق: سَيُبْلغُهُنَّ وَحْيَ القولِ عني ... ويُدِخلُ رأسه تحت القرام أسيد ذو خريطة نهارا ... من التلقطي قرد القمام

تنازع الفعلين

الشاهد: في إنه أضاف (المتلقطي) وأصله المتلقطين، ذهبت النون للإضافة. ذكر نسوة أرسل إليهن رسولا لا يعلم إنه رسوله، ولا يكون مثله رسولا للفرزدق. وأسيد: تصغير اسود، وخريطة: تصغير خريطة. يريد: معه خريطة يتلقط فيها من القمامات التي يلقيها الناس بأفنيتهم، وهي قطع الصوف، والصوف القرد: الذي يتعقد منه كأنه فلكة أو أصغر منها، والقرام: الستر، والوحي: ما يشار به إشارة لا يصرح به لئلا يفطن به. وقوله (نهارا) أراد به: يرسل إليها على يد هذا الأسود الذي يأخذ الصوف والقمامة بالنهار، لأنه لا ينكر أن يدخل البيوت مثله. تنازع الفعلين وقال سيبويه في: باب الفاعلين والمفعولين وقال طفيل الغنوي: وِراداً وحُوا مشرفاً حَجَباتها ... بناتَ حِصانِ قد تُعولِمَ مُنْجِبِ (وكُمْتا مُدَمَّاةَ كأنّ مُتونَها ... جرَى فوقَها واستشعَرَت لونَ مُذْهَبِ) الشاهد فيه على إعمال الثاني وإضمار الفاعل في الأول على شرط التفسير.

رفع (أهل ومرحب) على الخبرية

والوارد: جمع ورد وهو الذي ليست حمرته بشديدة، والحو: جمع أحوى وهو الذي بين الأخضر والأسود والادهم، والحجبات: أطراف عظام الوركين التي تلي الظهر، وتعولم: تعالمه الناس، تعارفوه، عرفه بعضهم من بعض والمدمى: الشديد الحمرة، يقال أحمر مدمى، واستشعرت لون مذهب: جعلته شعارا لها، كأنها لصفاء لونها وحسنه قد لبست لونا مذهبا. رفع (أهل ومرحب) على الخبرية قال سيبويه قال طفيل: وكانَ هُرْتَمُ من سِنانِ خليفةً ... وحِصْنٍ ومن أسماَء لمّا تغيَّبُوا ومن قيسٍ الثاويْ بِرَمّانَ بيتهُ ... ويومَ حَقِيلٍ فادَ آخرُ مُعْجِبُ (وبالسَّهْبِ ميمونُ النَّقيبة قولُه ... لملْتَمِس المعروفِ أهْلٌ ومَرْحَبُ) الشاهد فيه رفع (أهل ومرحب)، ورفعه على تقدير خبر لمبتدأ محذوف، كأنه قال: الذي لك عندنا أهل ومرحب، والذي تستحقه أهل ومرحب، أو ما أشبه ذلك. وهؤلاء جماعة من قوم طفيل هلكوا فرثاهم. ورمان: موضع بعينه،

تذكير خبر المؤنث حملا على المعنى

وأراد ببيته قبره، وحقيل: موضع معروف، وفاد: مات، والسهب: الفضاء، والخليقة: الطبيعة. وقوله: (قوله) مبتدأ، والجملة التي هي (أهل ومرحب مع المبتدأ المحذوف) في موضع خبر (قوله)، يريد إنه إذا جاءه من يسأله شيئا سر به ورحب وأكرمه، لأنه يفرح إذا جاد وأعطى. تذكير خبر المؤنث حملا على المعنى قال سيبويه قال طفيل الغنوي: أم ما تَسائِلُ عن شَمّاَء ما فعلَتْ ... وما تُحاذِرُ من شماء مفعولُ (إذا هيَ أحْوى من الرّبْعِي حاجبُهُ ... واعَيْنُ بالإثْمِدِ الحارِي مكحولُ) الشاهد فيه إنه ذكر (مكحول) وهو للعين، والوجه أن يقول مكحوله. وشماء: اسم امرأة، فيقول: الذي تحاذر من فرقة هذه المرأة وهجرها مفعول، تفعله هي. والأحوى: الظبي الذي عيناه كحلاوان. و (هي) ضمير شماء وأصله: إذ هي مثل ظبي أحوى. والحوة: بين السواد والخضرة، ولم يرد أن الحوة في جسم الظبي وإنما حاجبه. والربعي: الذي ولد في الربيع. وأراد أن هذا الظبي بمنزلة ما نتج في الربيع لقوته، وما نتج في الربيع أقوى مما نتج في الصيف. ويجوز أن يجعل (أحوى) للحاجب، كأنه قال: إذ هي ظبي احوى حاجبه، ويكون (حاجبه) مبتدأ، و (أحوى) خبره، والجملة وصف للظبي بجعل الحوة للحاجب. والعين مبتدأ، و (مكحول) خبر للعين. والاثمد: هذا المعروف بالكحل، والحاري: منسوب إلى الحيرة.

إعمال الأول وإهمال الثاني في تنازع الفعلين

إعمال الأول وإهمال الثاني في تنازع الفعلين قال سيبويه في: باب إهمال أحد اللفظين. قال طفيل الغنوي: تَظَلُّ مَداريها عوازبَ وَسْطَهُ ... إذا أرْسَلْتهُ وكذا غيرَ مُرْسَلٍ (إذا هي لم تَسْتَكْ بِعودِ أراكَةٍ ... تُنُخلَ فاسْتاكَتْ عودُ إسْحِلِ) الشاهد فيه على أعمال الفعل الأول وهو (تنخل) كأنه قال: تنخل عود أسحل فاستاكت به. والمداري: جمع مدري وهو الذي يدخل في الشعر، نحو الإصبع وأطول. والعوازب. البعيدة. يريد أن بعض المداري يبعد من بعض لكثافة شعرها وكثرته إذا أرسلته، يعني إذا نشرت ذوائبها وحلت ضفائرها فهو كثير، وإذا ضفرت ذوائبها وعقصت شعرها فهو كثير. يريد إنه كثير على كل حال. والأراك: شجر تعمل منه المساويك. فأراد أنها إذا

في تكرار الاسم بلفظه الظاهر

أرادت شيئا أحضرت لها أشياء حتى تتخير منها، وارا أنها من نعمتها تتخير بعض الشجر على بعض؛ وتطلب ألين المساويك وأنعمها، وتنخل: تخير. في تكرار الاسم بلفظه الظاهر قال سيبويه قال الفرزدق: (لعمركَ ما مَعْنٌ بِتاركِ حقَّهِ ... ولا مُنْسِئُ معنٌ ولا مُتَيسرُ) أتطلب يا عُورانُ فضْلَ نبيذِهِمْ ... وعنْدَكَ يا عُورانُ زٍِقٌّ موَكَّرُ الشاهد فيه إنه رفع (منسئ) ولم يعطفه على الخبر المتقدم، ولو عطفه لصار المعطوف على الخبر الأول خبرا عن (معن) الأول، وكان (معن) الثاني يرتفع (بمنسئ) وما كان لمعن الأول. فرفعه بالابتداء وجعل (منسئ) خبرا عنه، وجعل الكلام جملة معطوفة على جملة. ويجوز: ولا منسئ معن؛ ويعطفه على الأول، ويجعل (معن) الثاني في موضع ضمير يعود إلى الأول. وإذا أعيد ذكر الاسم بلفظه الظاهر؛ كان الاختيار أن يجعل كالأجنبي الذي ليس بالأول، فلذلك قال: ولا منسئ معن. والمنسئ: المؤخر. يقول: هو لا يؤخر المطالبة بحقه. (ولا متيسر) لا يتيسر على من يقتضيه بل يتعسر. والموكر: المملوء، والمعنى واضح. إعمال الثاني في تنازع الفعلين قال سيبويه في باب إعمال أحد الفعلين: وإنما قبح هذا يريد قبح: مررت ومر بي يزيد، على أعمال الأول لأنهم جعلوا الأقرب

أولى. يريد أنهم جعلوا الفعل الثاني - الذي هو أقرب إلى الاسم - أولى بالعمل فيه من الفعل الذي هو بعيد عنه. وقال الفرزدق: وليس بِعَذْلٍ أن أسُبَّ مقاعِساً ... بآبائَي الشُّم الكِرامِ الخَضارمِ (ولكنَّ نِصْفاً أن سَسَبْتُ وسَّبني ... بنو عبد شمسٍ من مَنافٍ وهاشِمِ) الشاهد فيه إنه أعمل الثاني وهو (سبني) ورفع به (بنو). هجا الفرزدق بهذا بني مقاعس من بني سعد بن زيد مناة، واسم مقاعس: الحارث. يقول: أن هجوتهم أو سببتهم إذا سبوني صاروا كأنهم امفائي. والشم: الذين في انفهم الشمم وهو ارتفاع الأنف وورود الاربنة. والخضارم: جمع خضرم وهو الكثير العطاء، النصف: الإنصاف. يريد ولكن إنصافا. و (لو) وما بعدها في موضع خبر (لكن) كأنه قال: لكن إنصافا مسابتي بني عبد شمس. وقوله: من مناف، يريد: بني عبد شمس بن مناف، و (هاشم) معطوف على (عبد شمس)، وليس بعطف على (عبد مناف)،

في نصب (هنيئا) على المصدر أو الحال

لأن عبد شمس هو عبد شمس بن مناف، وهاشم هو هاشم بن عبد مناف، وهاشم أخو عبد شمس. في نصب (هنيئا) على المصدر أو الحال قال سيبويه في المنصوبات: قال أبو الغطريف الهدادي في وقعة كانت بينهم وبين ابن أحمر: فأَنْكَحْنَ أبكارا وغادَرْنَ نِسْوَةً ... أيامى وقد يحظَى بهِنَّ المعنسُ (هنِيئاً أربابِ البيوتِ بيتُهمْ ... وللْعَزَبِ المسْكينِ ما يَتَلمَّسُ) الشاهد فيه نصب (هيئا) بإضمار فعل، وهو دعاء. كأنه قال: ثبت لهم ما حصل بأيديهم هنيئا، ونصبه على الحال، وهو مما لا يظهر الفعل فيه. وأراد بأرباب البيوت: الذين لهم زوجات، لأنه يقال للمزوجة بيت. وهو كما قال الآخر: أكِبَرٌ غَيَّرَني أَمْ بَيْتُ و (بيتهم) رفع من وجهين: أحدهما أن يرتفع بالفعل المضمر الذي نصب (هنيئا). ويجوز أن يكون (بيوتهم) رفعا بالابتداء و (لأرباب البيوت) خبره. كأنه ابتدأ هذا الكلام بعد مضي الجملة التي منها (هنيئا). وقوله: وللعزب المسكين ما يلتمس، يريد أن العزب مصروف الهمة إلى امرأة يقضي منها حاجته، والذي له زوجة لا يهتم بكلب امرأة، فهو مكفي.

تنكير (سبحان) وتنوينه - ضرورة

تنكير (سبحان) وتنوينه - ضرورة قال سيبويه: وقد جاء (سبحان) منونا مفردا في الشعر وهذا التنوين هو ضرورة. قال زيد بن عمرو بن نفيل: لقد نصحت لأقوام وقلت لهمْ ... أنا النّذيرُ فلا يغْرُرْكُمُ أحَدُ لا تعبُدُنَّ إلها غيرَ خللِقكُمْ ... وإنْ دُعيتُمْ فقولوا دونَهَ حَدَدُ (سُبحانَه ثم سبحانا نعوذُ بهِ ... وقَبْلَنَا سَبَّحَ الجُودِيُّ والجُمُدُ) البيت في الكتاب منسوب إلى أمية، والذي رأيته ما قدمت ذكره، والحدد: المنع. يقول: دون عبادة آخر غير الله عز وجل منع، أي نحن نمتنع أن نعبد غير الله تعالى. وقوله: نعوذ به، أي كلما رأينا إنسانا يعبد غير الله تعالى أو يضل عنه، عذنا نحن بتعظيم الله تعالى وتسبيحه حتى يعصمنا أن نضل كما ضل من عبد غيره. ويروى (سبحانا نعود له) أي تسبيح مرة بعد مرة، والجودي والجمد: جبلان. حذف نون (لكن) قال سيبويه في ضرورة الشعر، قال النجاشي: فقلت له: يا ذئبُ هل لك من أخٍ ... يُواسي بلا من عليكَ ولا بُخْلِ فقال: هداكَ اللهُ للرُّشدِ إنما ... دَعَوْتَ لِما لم يَأتِهِ سَبُعُ قبلي

في المفعول معه

(فلستُ بآتِيهِ ولا أستطيعُهُ ... ولاكِ اسْقِني أن كان ماؤكَ ذا فَضْلِ) الشاهد فيه إنه حذف النون من (لكن) لاجتماع الساكنين، والوجه أن يحرك لالتقاء الساكنين ولا يحذف، ولكنه حذف مضطرا. وكان النجاشي عرض له ذئب في سفره، فحكى إنه دعا الذئب إلى الطعام وقال له: هل لك في أخ - يعني نفسه - بواسيك في طعامه بغير من ولا بخل؟ فقال له الذئب: إنما دعوتني إلى شيء لم تفعله السباع قبلي من مؤاكلة الآدمين، وهذا لا يمكنني فعاله، ولست بآتيه ولا استطيع فعله، ولكن أن كان في مائك الذي معك فضل عما تحتاج إليه فاسقني. في المفعول معه قال سيبويه في باب المفعول معه، قال شقيق ابن جزء بن رياح الباهلي (يرد على جحل بن نضلة الباهلي): أتوعِدُني بقومِكَ يا بْنَ جَحْلٍ ... أشاباتٍ يُخالُونَ العِبادا (بما جَمَّعْتَ مِن حَضّنٍ وعَمْروٍ ... وما حَضنٌ وعَمْروٌ والجيادا)

إذا خَطَرَتْ بنو سعدٍ ورائي ... وذادوا بالقنا عني ذِيادا الشاهد إنه نصب (الجياد) لأنه مفعول معه، والعامل فيه مقدر محذوف تقديره: وما يكون حضن وعمرو والجيادا، معناه مع الجياد. والاشابات: الأخلاط من الناس الذين لا خير فيهم، يخالون: يظنون أنهم عبيد. و (أشابات) منصوب على الذم بإضمار فعل. كما قال: أقارعُ عَوْفٍ لا أحاولُ غيرها ... وجوهَ قُرودٍ تبتغي مَن تُجادِعُ ويجوز أن ينصب على الحال. والأول أحب إلي. وقوله (بما جمعت) في صلة فعل آخر، كأنه بعد البيت الأول قال: أتوعدني بتجميعك حضنا وعمرا. ويجوز أن يكون (ما) بمعنى (من) ويكون بدلا من (قومك)، وأبدل بإعادة العامل. وحضن وعمرو والجياد: قبائل.

الرفع على الاستئناف إيثارا للمعنى

الرفع على الاستئناف إيثارا للمعنى قال سيبويه قال عوج بن حزام الطائي: هل تعرفُ اليومَ رَسَمْ الدارِ والطَّللا ... كما عرفتَ بجَفْنِ الصَّيْقَلِ الخِلَلا رسماً كسَتْهُ الليالي بعد جِدَّتِهِ ... دقُاقِ تُرْبٍ سَفَتْهُ الرّيحُ فانتخلا وكلُّ أسحمَ رجّافٌ له زَجَلٌ ... واهِي العَزالي إذا مل انْهَلَّ أو وَبَلا (دارٌ لمَرْوَةَ إذْ أهلي وأهلُهُمُ ... بالكامِسِية نَرْعَى اللهْوَ والغزَلا) الشاهد فيه إنه رفع (دار)، والذي قبله: (هل تعرف اليوم رسم الدار) فلم يجعله بدلا مما قبله، واستأنف الكلام به فقال (دار) رفع، وجعله خبر ابتداء محذوف. كأنه قال: هو دار لمروة. والكامسية مكان بعينه. ويروى (بالكامسيات) والطلل: ما شخص من آثار الدار، والخلل: جلود تنقش وتلبس جفون السيوف، وربما أذهبت. يشبهون آثار الديار بالخلل التي تكون على جفون السيوف، لأجل النقوش التي فيها والخطوط، وواحدة الخلل خلة. والأسحم: الأسود، وأراد كل سحاب أسحم، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، والرجاف: السحاب الذي يضطرب، والزجل: الصوت، يعني إنه سحاب فيه رعد. والعزالي: جمع عزلاء وهي المزادة، و (واه) غير مشدودة.

النصب على المعنى دون البدل مما قبله

شبه ما يجيء من قطر المطر بمنزلة ما يخرج من فم المزادة، وانهل: انصب، ووبل: جاء وابله، والوابل: المطر الذي يجيء بشدة. نرعى اللهو: نقبل على الاشتغال باللهو والغزل؛ كما تقبل الماشية على المرعى. النصب على المعنى دون البدل مما قبله قال سيبويه في المنصوبات، قال الدبيري: يا رِيها يومَ تُلاقي أسْلَما ... يومَ تُلاقي الشَّيْظَمَ المُقَوَّما عَبْلَ المُشاش وتراه أَهْضَما ... عَبْدَ كرام لم يكُنْ مُكرَّما تحسَبُ في الأذْنَين منه صَمَما ... قد سالمَ الحياتُ منه القَدَما س (الأفْعُوانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَما) ... وذاتَ قَرْنَينِ زَحوفا عِرزما الشاهد فيه إنه نصب (الأفعوان) وما بعده بإضمار فعل، ولم يجعله بدلا من الحيات. قوله ياريها: يريد ياري الإبل، وهذا يقولونه إذا وثقوا بالري، كأنه إذا عرفوا أن الساقي جلد يقوى على الاستقاء لها وإروائها قالوا: ياريها، فنادوه كأنه حاضر، وهو على طريق التعجب من كثرة استقائه وصبره حتى تروى الإبل. و (أسلم) اسم الرجل الذي يرعاها ويستقي لها، والشيظم: الطويل، والمقوم: الذي ليس فيه أنحاء، عبل المشاش: غليظ العظام، والاهضم:

النصب على الدعاء بإضمار فعل

الضامر البطن، وهو عبد قوم كرام ولم يكن مكرما، لأنه يرعى ويقوم بمصلحة الإبل. تحسب في الأذنين منه صمما: يعني إنه إذا كلمته لم يجب في أول ما يكلم؛ لأنه مقبل على شأنه في مصلحة الإبل، مشغول القلب به، فهو لا يسمع حتى يكرر عليه القول. وأراد أن وطأه شديد، إذا وطيئ على أفعى أو حية قتلها، فهي إذا أحست بوطئه تنحت عن طريقه. والشجاع: ضرب من الحيات، والشجاع الشجعم، وذات قرنين: الأفعى القرناء، وهو ضرب من الأفعى يكون له قرن من جلده، زعموا. وليس كالقرون التي تكون لذوات الظلف، والزحوف من الأفاعي: التي إذا مشت كأنها ترجف، والعزوم الكبيرة. النصب على الدعاء بإضمار فعل قال سيبويه: ويدلك على إنه يريد بها الداهية - يريد إنه يدلك أن قول القائل (فاهالفيك) أن الضمير المؤنث يريد به الداهية، كأنه قال فالداهية لفيك - قول عامر بن جوين الطائي: (وداهيةٍ من دواهي المَنو ... نِ يحسبُها الناسُ لا فَالها) دفعْتُ سَنا برقِها إذْ بَدَتْ ... وكنتُ على الجَهْدِ حَمّالَها

النصب على المصدر بإضمار فعل

يريد: ورب داهية عظيمة من دواهي المنون والتلف، يحسبها الناس لا فالها. يريد أن الناس لا يتوجهون لمعرفتها والعلم بدفعها، ولا يصح لهم كيف يصنعون فيها، فهي بمنزلة الحي الذي لا ينطق، فلا يعرف ما يريد، فلا يتوجه لدفعه والتلطف في صرفه. وقوله (لا فالها) في موضع المفعول الثاني لـ (يحسبها) و (من دواهي المنون) نعت لـ (داهية). ولقائل أن يقول: أن الضمير المتصل بـ (يحسبها) هو المفعول الأول؛ وقوله: (من دواهي المنون) في موضع الثاني و (لا فالها) وصف لـ (داهية). والقول الأول أعجب إلي. و (فا) منصوب بـ (لا) كما ينتصب النكرة في النفي و (لها) خبر (لا). واضطر إلى أن استعمل (فا) في غير الاضافة، وهو بمنزلة قول العجاج: خالطَ من سَلمَى خياشمَ وفا ويجوز أن يكون الخبر محذوفا، ويكون (فا) مضافا إلى ضمير الداهية، وتكون اللام مقحمة، ويكون مثل قولهم: لا أبا لك. والخبر محذوف تقديره (لا فالها) أو (فيما يعلمه الناس) أو ما أشبه ذلك. والسنا: ضوء البرق. يريد إنه دفع شرها والتهاب نارها حين أقبلت، وكان هو حمال ثقلها. النصب على المصدر بإضمار فعل قال سيبويه في المنصوبات، قال المغيرة بن حبناء: بَلَوْها فَضْلَ مالكَ يا بْنَ لَيْلَى ... فلم تَكُ عندَ عَثْرتِنا أخانا كأَنّ رِحالنا في الدارِ حُلَّتْ ... إلى غُفْر اللهازِم مِن عُمانا

أعمال اسم الفاعل على نية التنوين

(فكيفَ جَمَعْتَ مسألةً وحِرْصا ... وعند الفقر زَحَّارا أنانا) الشاهد فيه إنه نصب (زحارا انانا) بإضمار فعل. يخاطب المغيرة بذلك أخاه صخرا؛ وأتاه يسأله شيئا فلم يعطه. يقول: بلوناك وعندك فضل مال حين احتجنا إلى من برفدنا ويقوم بشأننا، فلم ننتفع به، ولم تعطنا منه شيئا، كأن رحالنا - لما وافينا إليك وحططناها عن إبلنا - حطت عند رجل من أهل عمان، بعيد النسب منا لا يعرفنا. والعفر: جمع أغفر وهو الأبيض، واللهازم: جمع لهزمة، يريد إنه شيخ أهل عُمان، يريد من الازد. فكيف جمعت هذه الأخلاق المذمومة، تحرص وتسأل وأنت غني، وإن افترقت شكوت وتوجعت ولم تصبر؟! أعمال اسم الفاعل على نية التنوين قال سيبويه قال شريح بن عمران من بني قريظة، ويقال: أن الشعر لمالك بن العجلان الخزرجي: بينَ بَني جَحْجَبَى وبين بني ... زيدٍ وأَنَّى لجاريَ التَّلَفُ

نصب الاسم بعد (إن) على المصدر بإضمار فعل

(الحافظو عورة العشيرةِ لا ... يأتيهُمُ من ورائِهمْ وَكَفُ) الشاهد فيه على إنه حذف النون من (الحافظون) ونصب (عورة العشيرة) ولم يحذفها للإضافة. وجحجبى: بطن من الأنصار، وبنو زيد: بطن منهم أيضا. يريد أن هؤلاء يمنعون من ضيم من يجاورهم ويكون في ذمتهم. (فأنى لمن يجاورني التلف): أي كيف يتلف أو كيف يضيع له مال. لأن من يكون هؤلاء أنصاره لا يقدم أحد على إتلافه أو إتلاف شيء من ماله. و (الحافظو) مرفوع لأنه مدح، وهو مرفوع على خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: هم الحافظو عورة. وعورة العشيرة: الموضع الذي تخاف العشيرة أن تؤتى منه. وأراد أنهم لا يفعلون فعلا تعاب به عشيرتهم. والوكف: الأمر الذي يكسب مأثما أو عيبا أو عارا. نصب الاسم بعد (إن) على المصدر بإضمار فعل قال سيبويه في المنصوبات. وأما قول الشاعر: لقد كَذَبَتْكَ نفسك فاكذِبَنْها ... فإنْ جَزَعا وإنْ إجمال صَبْرِ

قال سيبويه: فهذا محمول على (إما) وليس على الجزاء كقولك: أن حقا وإن كذبا. يريد سيبويه أن (إنْ) في هذا البيت يراد بها (إما) التي تذكر مع حروف العطف، وتكون لأحد الشيئين، فاضطر الشاعر فحذف (ما) فبقي (إنْ) وأصلها عنده أنها مركبة من: أن وما، فلما اضطر حذف أحد الشيئين وهو (ما) فبقيت (إن) وإنشاد الكتاب كما ذكرت لك على أن الخطاب لمذكر. والشعر لدريد: أسركِ أن يكونَ الدَّهرُ وجها ... عليكِ بسْيبِهِ يغدو ويَسْري وأن لا تُرْزئي أهلا ومالا ... يَضُركِ هلكُه ويطولَ عُمْري (فقد كذَبَتْكِ نفسُكِ فاصْدقيها ... فإنْ جَزَعا وإنْ إجمالَ صبرِ) ويروى: فاكذبيها. ويخاطب امرأته يقول لها: أن كنت تظنين أو تحدثك نفسك بأن الدهر يقبل عليك بخيره أبدا، فاصدقيها. وهو معنى قوله: وجها عليك. والسيب: العطاء، يغدو ويسري: يأتيك بالنهار والليل،

العطف بالرفع بالواو بمعنى (مع)

وأنك لا تصابين في أهل ولا مال يضرك ويؤذيك فقده، ويطول عمري معك، ونعيش أبدا، فقد كذبتك نفسك في هذا الذي حدثتك به ومنتك دوامه من السلامة والغنى، فاصدقها أنت عن الأمر وعرفيها كيف تجري حال الناس جميعا، وأنه لا بد من الموت والمصائب حتى تترك هذا التمني. ووجه الرواية: فاكذبيها، أي حدثيها من الأمور بما تهواه، وصدقيها فيما تتمناه، وإن كان ما تحدثينها به كذبا، حتى يصلح أمر دنياك، واعتقدي فيه صحة ما قلت لك، وأنه لابد من الذهاب والفناء. و (جزعا) منصوب على إضمار فعل، كأنه قال: فإما تجزعين جزعا، وأما تجملين صبرا. ويجوز الرفع عادة إنه خبر ابتداء محذوف، كأنه قال: فإما أمرها جزع، وإما أمرها إجمال صبر. العطف بالرفع بالواو بمعنى (مع) قال سيبويه في باب من أبواب (مع): كيف أنت وقصعة من ثريد، وما شأنك وشأن زيد. يريد إنه يقدم اسم يعطف عليه ما بعد الواو، كما تقول: أقائم زيد وعمرو، يعني أن الاسم الذي بعد (كيف) مبتدأ، والذي بعد الواو معطوف عليه و (كيف) خبر عنهما. قال المخبل السعدي: (يا زِبرِقانُ أخا بني خَلَفٍ ... ما أنت - ويبَ أبيكَ - والفَخْرُ) يهجو الزبرقان بن بدر وهو ابن عم المخبل، وكلاهما من بني سعد. وويب بمعنى ويل، وقيل إنهم قالوا ذاك لقبح استعمال الويل عندهم فغيروه. الشاهد فيه إنه عطف (الفخر) على (أنت).

ذكر المفرد وإرادة الجمع

ذكر المفرد وإرادة الجمع قال سيبويه قال المسيب بن زيد مناة أحد بني عبيد، حين غزا حنظلة بن الأعرف الضبابي، فأخذ غلاما من غني، ثم أخذه أحد بني عبيد، فباعه، فخفي شأنه زمانا، ثم ظهرت عليه غني فأخذوه في بيت ختن له من بني جعفر، فقتلوه، فبلغهم أن الأعرف يتبعهم يوعدهم. فقال المسيب: ما لكَ يا أعرفُ تبتغينا وقد تَقَبَّضْتَ على أخينا أن نَكُ عَقَّيْنا فقد بُدينا أو يَكُ مقتولا فقد سُبينا أو تكُ مجدوعا فقد شُرينا أو تكُ مفجوعا فقد دُهينا (في حلقكم عظمٌ وقد شَجينا) الشاهد قوله: (في حلقكم) فوحد وهو يريد (في حلوقكم) فذكر الواحد في موضع الجمع. يقول: مالك تبتغينا تطلب أن توقع بنا مكروها، وقد تقبضت على أخينا: يريد إنه قبض على الغلام الذي أسره، فبقي في يديه حتى استخرجوع. وإن نك عقبنا: يعني فعلنا بك فعلا بعد فعلك بنا؛ فقد بدئنا. يقول بدئنا بمكروه فعقبنا كفاء به. أويك مقتولا: يريد أن يك هذا الرجل الذي هو ختنك قد قتلناه، فقد سبي منا غلام. أوتك مجوعا: بمنزلة من قطع أنفه، لأجل أن ختنك قتل؛ فقد شرينا من سرى يشري

إعمال اسم الفاعل بالـ مجموعا وفيه النون

إذا باع. يريد إنه بيعمنهم الغلام المأخوذ. أو تك مفجوعا بقتل ختنك؛ فقد دهينا بأسر الغلام الذي أخذ منا. وقوله: في حلقكم عظم: هو على طريق المثل، يعني أنهم بمنزلة من قد غص بشيء في حلقه لأجل قتل ختنهم، ونحن قد شجينا بشيء في حلوقنا من أجل الغلام الذي قد سبي منا. إعمال اسم الفاعل بالـ مجموعا وفيه النون قال سيبويه في باب اسم الفاعل قال ابن مقبل: عاد الأذِلّةُ في دار وكان بها ... هُرْت الشقاشِقِ ظلاّمون للجزُر (يا عينُ بكّي حُنَيْفاً رأسَ حَيهِمِ ... الكاسرين القَنا في عَوْرَةِ الدُّبُرِ) الشاهد فيه إنه نصب (القنا) بـ (الكاسرين). والأذلة: جمع ذليل، والهرت: قيل هو جمع هريت، والهريت: الواسع الشدق، وقيل: هو جمع أهرت وهو في معنى هريت. والشقائق: جمع شقيقة، والشقشقة التي يخرجها الفحل من فمه إذا هدر. شبه الرجال الخطباء إذا تكلموا بالحول من الإبل إذا هدرت، والشقائق إنما تكون لفحولة الإبل، وجعلها للرجال على طريق التشبيه. ظلامون للجزر: ينحرونها من غير علة بها، وينحرونها من أجل أضيافهم. وحنيف حي من بني العجلان، ورأس الحي: ساداتهم، وأراد أن حنيفا رأس بني العجلان. والعورة: الموضع الذي يمكن العدو أن يأتي منه،

أعمال صيغة مفعال في حالة الجمع

لأنه لم يحفظ حفظا، أو لا يتمكن من حفظه، ويجوز أن يكون من فيه ليست له قوة على دفع من يقصده، والدبر: مؤخر الصف، وقيل الدبر: مآخير المنهزمين. المعنى أنهم يطعنون بالقنا في عورة دبر أعدائهم. أعمال صيغة مفعال في حالة الجمع قال سيبويه في باب اسم الفاعل. قال ابن مقبل: يأوي إلى مجلسٍ بادٍ مكارهُهُم ... لا مُطْمِعي ظالمً فيهم ولا ظُلُمُ (شُمٌّ مهاوينُ أبدانَ الجزور مخا ... ميص العشياتِ لا مِيلٌ ولا قُزُمُ) يريد أنهم يكرههم عدوهم ويخافهم. لا مطمعي ظالم: يريد أنهم لا يطمعون أحدا في ظلمهم، يريد أن الناس قد عرفوا إنه من ظلمهم انتصفوا منه، فليس يطمع أحد من ظلمهم. ولا ظلم: لا يظلمون أحدا، وظلم: جمع ظلوم. والشم: جمع أشم وهو الوارد الارنبة، مهاوين: جمع مهوان وهو الذي يهين الجزور وينحرها، وأراد أبدان الجزر فاكتفى بالواحدة، ويروى: إبداء

في عمل الصفة المشبهة

الجزور، والبدء المفصل، وقيل: كل مفصل بدء وبدى. والمخاميص الذين ليسوا بعظام البطون، والخور الضعاف، والقزم: الصغار الذين فيهم دمامة ويقال قزم وفزم. وقد أنشد البيت في الكتاب على إنه مرفوع الروي، وقد ذكرت ما فيه. في عمل الصفة المشبهة قال سيبويه في باب الوجه: قال عدي ابن زيد: إنني رُمْتُ الخُطوبَ فتى ... فوجدتُ العيشَ أطوار ليس يُفني عيشه أحدٌ ... لا يٌلاقي فيه إمْعارا (مِن وليٍّ أَو ثقةٍ ... أو عدوٍ شاحطٍ دارا) الشاهد فيه إنه نون (شاحط) ونصب (دارا) وأصله (شاحطة داره) ثم نقل على ما يفعل في باب (حسن الوجه). وقوله: رمت الخطوب: يريد معرفة الخطوب، وهي الأحوال المختلفة. يقول: وجدت عيش الإنسان في طول عمره يختلف، فتارة يستغني، وتارة يفتقر، وتارة يصح، وتارة يمرض، وتارة يصيب، وتارة يخطئ. ليس يفني عيشه: يريد زمان عيشه. والامعار:

الفصل بين المتضايفين بالجار والمجرور

التغيير والافتقار. والشاحط: البعيد. وقوله: من ولي: زعموا إنه في صلة (فوجدت العيش) يريد: وجدت العيش من ولي. والذي عندي إنه في موضع الوصف لـ (أحد) كأنه قال: ليس يفني عيشه أحد من الأولياء ولا الأعداء لا يلاقي ما يكرهه. الفصل بين المتضايفين بالجار والمجرور قال سيبويه في الفصل بين المضاف والمضاف إليه في الشعر: وقالت درنى بنت عبعبة من بني قيس بن ثعلبة. والذي وجدته: وقالت درنى بنت سيار بن صبرة بن حطان بن سيار بن عمرو بن ربيعة: وقد زَعَموا أني جَزِعْتُ عليهما ... وهل جَزَعٌ أن قلتُ وابأ باهما (هما أخو - في الحرب - من لا أخا له ... إذا خافَ يوما نَبْوَةً فدعاهما) الشاهد فيه أنها فصلت بين (أخوا) وبين (من) بقولها (في الحرب). والأصل: هما في الحرب أخوا من لا أخا له. ترثي بذلك أخويها، تعني أنهما يتعطفان في الحرب على من أرهقه الموت، وغشيه أعداؤه، ودعا ناصر فلم يجدهم. تقول: هما يبذلان أنفسهما إذا استغيث بهما في الشدائد. والنبوة: المحنة والبلية

في البدل

تنزل بالإنسان. وقولها: وقد زعموا أني جزعت عليهما، تريد أنهم زعموا أنها جزعت على فقدهما جزعا يقبح مثله، فردت عليهم وقال: إنما قلت: يا بأ باهما، وليس بقبيح. في البدل قال سيبويه في باب من البدل: صرفت وجوهها أولها، ومالي علم بهم أمرهم. يعني أن (أولهما) مجرور لأنه بدل من الضمير المضاف إليه (الوجوه) وكذا (أمرهم) هو بدل من الضمير في (بهم). وقول جرير: طرقَتْ سَواهِمَ قد أضَرَّبها السُّرَى ... نَزَحَتْ بأَذرُعِها تنائفَ زُورا (مشَقَ الهواجرُ لحمَهُنَّ مع السُّرَى ... حتى ذّهَبْن كَلا وصدورا) فإنما هو على: ذهب قدما وذهب أخرا. يريد أن (كلاكلا

وصدورا) ليسا ببدل من (لحمهن) كالذي ذكر في قوله: صرفت وجوهها أولها - وجعل (أولها) بدلا من الضمير الذي أضيفت الوجوه إليه - وإنما انتصب (كلا كلا وصدورا) على الحال. وقال سيبويه: هو بمنزلة قولك ذهب قدما أي متقدما، وذهب أخرا: أي متأخرا. فإن قال قائل: لم يجعل سيبويه (كلاكلا وصدورا) بدلا من (لحمهن) ويكون التقدير: ألهو أجر مع الشرى كلا كلا وصورا، وجعلهما منصوبين على الحال؟ قيل له: نحن إذا جعلناهما بدلا، جعلنا العامل فيها (مشق) وإذا نصبناهما على الحال جعلنا العامل (ذهبن)، وإعمال الفعل الأقرب أولى إذ كان لإعماله وجه جيد. ومع هذا، أن النكرة إذا جعلت بدلا من المعرفة - في بدل الشيء من الشيء وهو بعضه - جعلت مضافة إلى ضمير المبدل منه، كقولك: ضربت زيدا يده، وضربت عمرا ظهره، هذا هو الأكثر، ولا يمتنع أن يبدل البعض وهو غير مضاف، إلا أن الأكثر ما قلت لك، وحمله على الأكثر أولى. ولم يقل سيبويه أن البدل لا يجوز على وجه، إنما جعله من غير جنس البدل وجعله منصوبا على الحال، كأنه قال: حتى ذهبن ناحلات. والجواهر قد تقع أحوالا على تأويل يسوغ فيها. وزعم بعض النحويين أن (كلاكلآ وصدورا) منصوبان على التمييز، وبعض رواة الشعر يجعل (كلاكلآ وصدورا) منصوبين على البدل من (لحمهن). وفي (طرقت) ضمير يعود إلى امرأة ذكرها. يعني أنها طرقتهم وهم مسافرون نياما، فرأوا خيالها، وأراد: طرقت أصحاب إبل سواهم والسواهم:

أسلوب الإغراء والتحذير

جمع ساهم وساهمة وهو المتغير المهزول، والسرى: سير الليل، نزحت بأذرعها: يعني أنها أنفدت طول الفلاة بسيرها كما ينفد ماء البئر بالنزع. والتنائف: جمع تنوفة وهي القفر من الأرض، وقيل أن الزور التي لا يهتدى لها. وعندي إنه أراد بالزور: التي لا يسير فيها: القوم على قصد واحد، يأخذون فيها يمنة ويسرة، ومشق: أذهب لحمهن، والهواجر: جمع هاجرة وهي نصف النهار في الحر، وأراد: مشق سير الهواجر لحمهن مع السرى - وهي سير الليل - حتى نحلت كلا كلهن وصدورهن. والكلاكل والصدور شيء واحد، وإنما جاء بهما لاختلاف اللفظين. سويروى: كواهلا وصورا. والكاهل: أعلى الصدر. أسلوب الإغراء والتحذير قال سيبويه في باب الفعل المستعمل إظهاره: وإن شاء أظهر الفعل فقال: خل الطريق أو تنح عن الطريق. قال جرير:

في إعراب أي

(خَلَّ الطريقَ لِمَنْ يبني المنارَ به ... وابْرزْ بَبرزةَ اضطَرَّك القَدَرُ) يخاطب عمر بن لجأ التيمي يقول: خل طريق المعالي والشرف، واتركه على من يفعل أفعالا مشهورة كأنها الأعلام التي تنصب على الطريق وتبنى من حجارة ليهتدي بها. وبرزة أم عمر بن لجأ يقول: ابرز بها عن جملة الناس، وصر إلى موضع يمكنك أن تكون فيه كما قضي عليك. في إعراب أي قال سيبويه في باب تعليق الفعل: وتقول: قد عرفت أي يوم الجمعة، تنصب على إنه ظرف لا على (عرفت). وإن لم تجعله ظرفا رفعت. أما نصبه فعلى تقدير: في أي الأوقات الجمعة؟ كما تقول: في أي

الأوقات الاجتماع للصلاة. ورفعه جيد، كأنه قال: أي الأيام يوم الجمعة؟ ثم قال سيبويه: وبعض العرب يقول: لقد علمتُ أيَّ حينٍ عُقبَتي أنشده أيضا بالرفع. وهذا بيت شعر قد خلط في الكتاب بالكلام. قال الراجز: أأنتِ يا بُسَيْطَهُ التي التي هيَّبنيكِ في المَقيلِ صُحبتي (لقد علمْتُ أيَّ حينٍ عُقْبَتي) هي التي عند الهجير والتي إذا النجوم في السماء ولَّتِ الشاهد على نصب (أي حين). و (عقبتي) مبتدأ و (أي حين) خبره، وهو منصوب على الظرف. كأنه قال: في أي الأحيان اعتقابي، يريد: ركوب

حذف خبر الأول لدلالة خبر الثاني عليه

عقبته، ورفعه جائز على ما قدمته. والبسيطة الأرض المنبسطة الممتدة، هيبنيك صحبتي: أي هيبوني من ركوبك والسير فيك، والهجير: الهاجرة، وولت النجوم: يعني النجوم التي كانت في أول الليل مرتفعة، وولت: انحطت لتغيب. يعني أن له عقبتين: عقبة بالليل وعقبة بالنهار. حذف خبر الأول لدلالة خبر الثاني عليه قال سيبويه في باب أعمال أحد الفعلين: ومثله قول الفرزدق:

الأخبار بالمعرفة عن النكرة - ضرورة

(إني ضَمِنْتُ لَمِنْ أتاني ما جَنَى ... وأبي، فكان وكنتُ غيرَ غَدورِ) الشاهد فيه على إنه أخبر عن أحدهما، واكتفى بالخبر عنه عن الخبر عن الآخر لاتفاق خبريهما في المعنى، وتقديره: فكان غير غدور وكنت غير غدور. فاكتفى بالخبر عن الثاني عن الخبر عن الأول. و (أبي) معطوف على الضمير الذي هو فاعل (ضمنت)، ولم يؤكد حين عطف عليه، لأنه جعل الذي بينهما عوضا من التوكيد. والمعنى إنه يقول: إني ضمنت لمن أتاني جانبا أن أجيزه، وأمنع منه، وأغرم عنه ما وجب عليه بجنايته. الأخبار بالمعرفة عن النكرة - ضرورة قال سيبويه في باب كان: قال ثروان بن فزارة بن عبد يغوث: فإنكَ لا تُبالي بعدَ حَوْلٍ ... أظَبْيٌ كانَ أمكَ أم حمارُ) فقد لَحِقَ الأَسافِلُ بالأعالي ... وماجَ اللؤمُ واختلط النجارُ

الشاهد فيه إنه جعل النكرة اسم كان والمعرفة خبرها. والذي في الكتاب: أطبي كان أمك أم حمار. والذي في شعره: أظبي كان خالك أم حمار. والنجار: الأصل، وماج اللؤم: كثر أهله، وخالطوا الناس، وصارو أكثر من الأجواد، وتغيرت أخلاق الناس، فصاروا لا يرجع كل قوم منهم إلى نجارهم واصلهم وما كان عليه أوائلهم، واكتسبوا أخلاق اللئام، وذهب السؤدد حتى أنهم - إن بقوا سنة على هذا الوصف - لا يبالي إنسان منهم اهيجينا كان أم غير هجين، ولا يفكر من ولده من الناس.

نصب (ويل) نكرة بإضمار فعل

نصب (ويل) نكرة بإضمار فعل قال سيبويه قال جرير: كسا اللؤم تَيْما خضرة في جلودِها ... فويلا لتيم من سرابيلها الخُضْرِ) الشاهد فيه إنه نصب (فويلا لتيم). والخضرة: يريد بها في هذا الموضع السواد، يعني أن ألوانهم سود. والسرابيل: القمص، جعل جلودهم عليهم بمنزلة القمص السود. ومن الخضرة بمعنى السواد قول اللهيبي: وأنا الأخضرُ مَن يعرفُني ... أخضرُ الجلدةِ من بيتِ العَرَبْ ورفع المصدر على الخبرية - إغناء للمعنى قال سيبويه في باب ما ينتصب من المصادر بإضمار فعل: وقد جاء بعض هذا رفعا يبتدأ ثم يبنى عليه. وزعم يونس أن بعض

العرب - وهو رؤبة بن العجاج - كان ينشد هذا البيت رفعا. قال الزرافة الباهلي: هل في القضية أن استغنم ... وأمِنْتُمُ فأنا البعيدُ الأجنبُ وإذا تكونُ طريهةٌ أدْعَى لها ... وإذا يُحاسُ يُدْعَى جُنْدَبُ هذا لَعَمْرُكُمُ الصَّغارُ بعينِهِ ... لا أم لي أن كان ذاكَ ولا أبُ (عَجَبٌ لتلكَ قضيةً وإقامتي ... فيكُمْ على تلك القضيةِ أعجبُ)

الشاهد فيه إنه رفع (عجب) بالابتداء، وجعل (لتلك) خبره. يقول لهم: هل في القضية العادلة أن أدعى إذا نزلت بكم نازلة حتى أدافع عنكم، فإذا تخلصتم منها وأمنتم وكان لكم خير؛ دعي جندب إليه، وتركت أنا وخيبت؛ ويحاس الحيس: يصلح، والصغار: الهوان والتحقير. وقوله: لا أم لي أن كان ذاك ولا أب، و (ذاك) اسم كان، و (كان) هنا تامة و (ذاك) إشارة إلى الفعل الذي جرت عادتهم أن يفعلوه. يقول: لا أم لي أن حدث مثل ذاك منكم فصبرت عليه. ثم عجب من جعلهم حظه منهم أن يستعان به في الشدة، ويطرح في الرخاء. و (قضية) منصوب على الحال. قال سيبويه في المنصوبات: قال منذر بن درهم الكلبي: وأحدث عهدٍ من أميْنَةَ نظرةٌ ... على جانبِ العلياء إذ أنا واقفُ

رفع الظرف على المجاز اتساعا، لبلاغة المعنى

(يقول حنانٌ ما أتى بك هاهنا ... أذو نَسبٍ أم أنتَ بالحي عارفُ الشاهد فيه إنه رفع (حنان) أي: ما لك عندنا، أو أمرنا حنان، وهو خبر ابتداء محذوف، و (ما) بمنزلة أي شيء، تقديره: أي شيء أتى بك هاهنا؟ أذو نسب، معناه: أأنت ذو نسب في الحي؟ أم أنت عارف بهم فتقصد إليهم؟. رفع الظرف على المجاز اتساعا، لبلاغة المعنى قال سيبويه في ما اتسع من الظروف وجعل اسما: قال الجرنفش بن يزيد بن عبدة الطائي: أيلغْ بني ثُعَلٍ عني مُغَلْغَلةً ... فقد أنى لك من نَيء وإنضاجِ حتى متى أنا بالأغلالِ مُكْتَبَلٌ ... لا مستريحٌ من الدنيا ولا ناجِ (أما النهارُ ففي قَيْدٍ وسلسلة ... والليلُ في جَوفِ منحوتٍ من السَّاجِ) الشاهد فيه إنه جعل النهار في قيد وسلسلة، وهو يريد إنه مقيد في النهار ومسلسل، وهو في الليل في جوف تابوت معمول من الساج.

العطف على خبر ليس

وكان الجرنفش أسرته الديلم، وكانوا يجعلونه بالليل في تابوت ويقيدونه بالنهار، فبعث إلى قومه بهذه الأبيات. والمغلغلة: الرسالة، فقد أتى لك: أي حان لك، ويحتمل أن تكسر الكاف من (لك) كأنه يخاطب القبيلة، ويجوز أن تفتح إذا أراد الحي. أراد إنه قد حان لكم أن تسعوا في أمري حتى تخلصوني مما أنا فيه. وكأن تركهم له في طول هذه المدة بمنزلة ترك اللحم نيئا، وسعيهم في خلاصة بمنزلة إنضاج اللحم. والمكتبل: المغلول. العطف على خبر ليس قال سيبويه: ومثل ذلك قول الأعور الشنسي: هونْ عليك فإنَّ الأمورَ ... بكَف الإلهِ مقاديرها (فليس بآتيك مَنْهِيّها ... ولا قاصرٌ عنك مأموُرها) (منهيها) مضاف إلى ضمير (الأمور) و (مأمورها) مضاف إلى ضمير (الأمور) و (منهيها) رفع لأنه اسم (ليس) و (بآتيك) خبر ليس. وفي قوله: ولا قاصر عنك مأمورها وجوه ثلاثة: أحدها أن ترفع (مأمورها) بالابتداء و (قاصر) مرفوع لأنه خير الابتداء، والجملة معطوفة على الجملة المتقدمة. كما تقول: ليس زيد قائما ولا عمرو منطلق، فتعطف قولك: ولا عمرو منطلق وهو جملة؛ على الجملة المبنية على (ليس)، وليس يتعلق إعراب إحدى الجملتين بإعراب الأخرى. والوجه الثاني أن تنصب (قاصرا) وتعطف (مأمورها) على اسم ليس و (قتصرا) على موضع الباء في قولك (بآتيك). فالعطف في هذا هو عطف اسمين على

اسمين، والعامل في الاسمين الأولين وفي الاسمين المعطوفين عامل واحد وهو (ليس)، كما تقول: ليس زيد قائما ولا عمرو منطلقا. وتقديم الخبر على الاسم في (ليس) سائغ حسن. فإن أنشد هذا بالجر أعني قوله (ولا قاصر عنك مأمورها) فبعض الناس يجيزه وبعضهم يأباه، والذين يجيزونه طائفتان: إحداهما تزعم أن العطف على عاملين جائز، وتقول: هذا مثل قول القائل: زيد في القصر والدار عمرو. فتعطف عمرو على زيد، والدار على القصر. وطائفة تجيزه ولا تجعله من باب العطف على عاملين، وتجعله من نحو قولنا: ليس أمة الله بذاهبة ولا قائم أخوها. تعطف (قائم) على (ذاهبة) وتكون قد أخبرت على أمة الله بأنها ذاهبة، وبأنها قائم أخوها. فتكون قد عطف خبرا على خبر، و (أبوها) رفع بقائم. وإلى هذا الوجه ذهب سيبويه. فقيل: لم أجاز هذا الوجه مع أن اسم ليس في هذا البيت هو (منهيها) والخبر (بآتيك). وإن جررتم فقلتم (ولا قاصر عنك مأمورها) وجعلتم (قاصر) مجرورا على (آتيك) لم يجز؛ لأن التقدير يكون: فليس منهي الأمور بآتيك ولا قاصر عنك مأمور الأمور، ولا يجوز أن تقول: ليس منهي الأمور بقاصر عنك مأمورها، لأن (المأمور) مضاف إلى ضمير الأمور وليس بمضاف إلى ضمير المنهي، ولا يجوز أن يخبر عن الشيء بما ليس من فعله ولا فعل سببه؛ فكيف يجوز أن يجعل (قاصرا) خبرا عن (المنهي) وليس قاصر هو المنهي ولا هو فعل السبب المنهي، إنما هو فعل المأمور الذي هو مضاف إلى ضمير الأمور.

وذكر سيبويه - قبل إنشاده - مسألة فقال: وتقول: ما أبو زينب ذاهبا ولا مقيمة أمها. فرفع (مقيمة)، ولا يجوز أن تنصب (مقيمة) وتعطفه على خبر (ما) وتجعله خبرا عن (الأب) لأن (الأم) مضافة إلى ضمير زينب، وليس (أمها) من سبب (الأب). ثم أتى بالبيت، وهو في ضمير الظاهر، ونظير المسألة، لأن (مأمورها) ليس بمضاف إلى ضمير المنهي، إنما هو مضاف إلى ضمير الاسم الذي أضيف إليه (المنهي) فهو بمنزلة إضافة (الأم) إلى ضمير (زينب) ولم يضف إلى ضمير (الأب)، فكذلك هذا. ولو قلت: فليس بآتيك منهيها ولا قاصر عنك مأمورها، لساغ من طريق اللفظ، ولكن المعنى يبطله والشعر يرده. والمعنى أن منهي الأمور هي التي قد أراد الله عز وجل أن لا تكون فهي لا تكون ولا يمكن أحدا أن ينالها، وجعلها منهية لأنها في تقدير ما قد نهي عن فعله، ومنع من إيقاعه، ومأمورها: ما قال الله تعالى له: كن فكان. فيقول: هون عليك الأمور، ولا تحزن لشيء يفوتك من أمر الدنيا، فما أراد الله تعالى أن يرزقك إياه فهو آتيك، لا يدفعه عنك دافع. وما منعك من أن تناله، لا يمكن أحدا أن ينيلك إياه، فما لحزنك وجه. وقاصر عنك: مقصر عن أن يبلغك ويأتيك. والوجه الثاني من وجهي الجر، وهو وجه أجازه سيبويه في هذا البيت على ضرب من التأويل، وجعل اللفظ بمنهيها كاللفظ بالمأمور، وكأنه حين

قال: فليس بآتيك منهيها قد قال: تأتيك الأمور، ولو قال: ليس بآتيك الأمور لجاز أن يقول: ولا قاصر عنك مأمورها، ويكون (المأمور) مضافا إلى ضمير الأمور. وعند سيبويه وغيره أن المضاف إلى الشيء؛ إذا كان بعضا له جاز أن يجعل الخبر عن بعضه على لفظ الخبر عن جميعه. فمن ذلك قولهم: قد ذهبت بعض أصابعه، جعلوا اللفظ على الخبر عن الأصابع. ومثل هذا فعل في البيت، كأنه لما كان المنهي بعض الأمور، جعل الخبر عن الأمور، وإن كان يريد المنهي. ولو قال: ليست بآتيتك الأمور وهو يريد المنهي لجاز. قال سيبويه قال الجعدي: وتُنْكر يومَ الرَّوْعِ ألوانَ خيلِنا ... من الطَّعْنِ حتى تحسَبَ الجَوْنَ أشْقرا (فليس بمعروفٍ لنَا أن نردَّها ... صِحاحاً ولا مستنكَراً أن تُعَقَّرا) هذا نظير بيت الأعور الشني. والشاهد فيه إنه جعل (مستنكرا) في البيت مثل (قاصر) في بيت الأعور. يجوز فيه الرفع على ما ذكره في بيت الأعور، ويكون الكلام جملتين. والنصب يجوز أيضا، ويكون الكلام جملة واحدة، ويكون (مستنكرا) معطوفا على موضع الباء، و (أن تعقرا) معطوف

اختلاس الحركة في ضرورة الشعر

على (أن نردها). والجر فيه من وجهين: أحدهما العطف على عاملين، والوجه الآخر: أن الضمير المنصوب بـ (نرد) يعود إلى الخيل وليس يعود إلى ارد، كما كان الضمير المضاف إليه (الأمور) يعود إلى (الأمور) ولا يعود إلى المنهي، وجعل من طريق التأويل الخبر عن رد الخيل، وإذا جعلنا تقدير الكلام كأنه قال: فليس بمعروفة لنا الخيل؛ حسن معه (ولا مستنكر عقرها) ويكون الضمير يعود إلى الخيل، فجعل رد الخيل كأنه الخيل. وما قدمت في بيت الأعور يوضح هذا التأويل. وكان أبو العباس المبرد يرد الجر في البيتين، الأعور وبيت الجعدي. اختلاس الحركة في ضرورة الشعر قال سيبويه وقال مالك بن حريم الهمداني: ولا يسأل الضيف الغريب إذا شتا ... بما زخرت قدري به حين ودعا فأن يك غثا أو سينما فإنني ... سأعجل عينيه لنفسه مقنعا

خبر كان جملة اسمية

الشاهد فيه إنه حذف الياء التي هي صلة الضمير المجرور الذي أضيفت إليه النفس. والضيف: الذي ينزل بهم، والغريب: الذي لا يعرفونه، ينزل بهم في الشتاء عند عدم الازواد، فينحرون له ويطبخون. وزخرت القدر: غلت وارتفع ما فيها من شدة الغلي. يعني أن الضيف لا يسأل بعد مفارقته لهم: أي شيء طبخوا في قدرهم؟ لأنهم لا يسترون عنه شيئا من طعام، ولا يستأثرون عليه، فهو يعرف ما أصلحوا كما يعرفونه، فلا يحتاج إلى المسألة عنه. والباء في قوله (بما) في صلة (زخرت) و (ما) استفهام. يريد بأي شيء زخرت؟ فإن يك غثا أو سمينا فإنني سأريه إياه، حتى يشاهده فيقتنع بما رأى عن أن يستخبر. خبر كان جملة اسمية قال سيبويه قال قيس بن ذريح: (تُبَكّي على لُبْنَى وأَنتَ تركْتَها ... وكنتَ عليها بالملا أنت أقدرُ) فإن تكنِ الدنيا بلُبنى تقلبتْ ... فللدهرِ والدنيا بُطونٌ وأظْهُرُ الشاهد فيه إنه جعل (أنت) مرفوعا بالابتداء و (أقدر) خبره، والجملة خبر كان. والملا: اسم موضع، والملا الفضاء المتسع من الأرض. وقوله: فللدهر والدنيا بطون وأظهر، يريد أن الدنيا لا يطلع الإنسان فيها إلا على ظواهر الأمور، ولا يعرف ما في عواقبها وما ستر عنه من أحوالها، وجعل غوامض

أحوال النصب في الأمكنة المختصة

الأمور وعواقبها وما تؤول إليه بمنزلة البطون، وجعل ما انكشف من أحوالها حتى عرف بمنزلة الظهور. أحوال النصب في الأمكنة المختصة قال سيبويه قال عامر بن الطفيل: قالوا لها إنا طرْدنا خيله ... قَلحَ الكلاب وكنتُ غيرَ مطَرَّدِ (فَلا بْغِيَنَّكُمُ قَنا وعُوارضاً ... ولا قْبِلَنَّ الخيلَ لابةَ ضَرْغَدِ) الشاهد فيه إنه نصب (قنا وعوارضا) وهما مكانان بأعيانهما، وجعلهما مفعولين على السعة. وقوله: قالوا لها: يعني لامرأة كان يهواها من بني فزارة يقال لها اسماء، يعني أن بني فزارة ذكروا لها أنهم هزموه وطردوه، وكانت بين بني فزارة وبني عامر وقعة كانت على بني عامر، وقتل فيها جماعة منهم. وقوله (قلح) أراد به عندي السب لهم، وهو منصوب بإضمار فعل والقلح: الصفرة التي تركب الأسنان، وكنت غير مطرد: أي لم تكن عادتي أن اطرد، فلأبغينكم: يريد لأغزونكم في هذين المكانين، ولأقبلن خيلي لابة ضرغد. وضرغد: مكان معروف، ولابته: الحرة التي في. ويروى: فلأبغينكم الملا وعوارضا. وزعموا أن الملا فلاة في بلاد كلب.

الاكتفاء بخير أحد الفعلين الناقصين

الاكتفاء بخير أحد الفعلين الناقصين قال سيبويه قال ابن أحمر: رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ومن أجل الطوى رماني الشاهد فيه إنه جعل (بريئا) الخبر عن أحدهما، واكتفى به عن خبر الآخر، ولم يقل بريئين. ووجدت الشعر في الكتاب منسوبا إلى ابن أحمر، والذي روت الرواة أنه: تنازع ناس من بني باهلة من بني فراص، وناس من بني فرة بن هبيرة بن سلمة بن قشير، حتى صاروا إلى السلطان. فقال بعض القشيريين للسلطان: أن الأزرق بن طرفة - وهو من بني باهلة - لص بن لص، ليغروه به. فقال قصيدة، فيها: رماني بأمرٍ كنتُ منه ووالدي ... بريئاً ومن أجْلِ الطَّوى رماني دعاني لِصا من لصوصٍ وما دعا ... بها والدي فيما مضى رَجُلان وزعم قوم من مفسري الشعر إنه ينبغي أن ينشد: ومن جول الطوى رماني. ومعناه إنه رماني بأمر عاد عليه قبيحه، كما أن الذي يرمى من البئر يعود

النصب على نزع الخافض

ما رمى به عليه. والخبر يدل على صحة قوله: ومن أجل الطوى، لأن الخصومة كانت في بئر. النصب على نزع الخافض قال سيبويه في باب المنصوبات، قال خفاف بن ندية، ويقال: عباس بن مرداس: فقال لي قولَ ذي رأي ومَقْدِرة ... مجربٍ عاقلٍ نَزْهٍ عن الريبِ (أمرتُكَ الخيرَ فافعلْ ما أمِرْتَ به ... فقد جعلتكَ ذا مالٍ وذا نشَبِ)

تمام كان

الشاهد فيه على حذف حرف الجر، وتعدية الفعل إلى (الخير) بنفسه، وأصله أمرتك بالخير. والنزه مخفف، وأصله النزه. وهو كقولك في: كتف. وفي رجل: رجل. والريب: الأفعال التي يرتاب بها، أي تستقبح. وقوله: ذا مال أي ذا إبل وماشية. والنشب: العين والورق والمتاع. تمام كان قال سيبويه في باب كان. قال مقاس العائذي: فدى لبني ذُهْلٍ بن شيبانَ ناقتي ... إذا كان يومٌ ذو كواكبَ أشهبُ) أشاصَتْ بنا كلبٌ شصوصا وواجَهَتْ ... على رافدينا بالجزيرة تغلبُ (كان) في هذا البيت بمعنى حدق ووقع، وهي تامة لا تحتاج إلى خبر. وأراد بقوله: ذو كواكب، أي قد أظلم فبدت كواكبه، وإنما أظلم لأن شمسه كسفت وارتفع الغبار في الحرب، فكسفت الشمس فبدت الكواكب. وجعله أشهب لأجل لون الغبار. وكانت كلب شكت إلى يزيد بن معاوية أن رجلا من بني شيبان - وكان نازلا على بعض المياه - إذا مر به قوم مسافرون

اختلاس الحركة في ضرورة الشعر

منعهم من الماء. فكتب فيه إلى ابن زياد، وجرت بين بني شيبان وبعض حروب جرها هذا الأمر. وقوله: أشاصت بنا كلب، أي رفعت امرنا إلى السلطان. وقوله: وواجهت على رافدينا، الرافدون: المعينون والناصرون، واجهت: أي واجهت من ينصرنا بالعداوة وخذلت الناس عنا. اختلاس الحركة في ضرورة الشعر قال سيبويه في باب ضرورة الشعر قال تليد العبشمي: شَفيْتُ الغَليلَ من سُمَيْرٍ وجَعون ... وأفلَتنا رب الصلاصِلِ عامرُ (وأيْقَنَ أن الخيلَ أن تَلتَبِس به ... يكُنْ لفسيلِ النخل بعده آبرُ) الشاهد في هذا البيت على إنه حذف الواو التي هي صلة الضمير في (بعده). والشعر منسوب في الكتاب إلى حنظلة بن فاتك، وقد أثبت ما عرفته. وسبب هذا الشعر أن طوائف من بني عبد القيس أغارت على الأبناء من سعد فهزمتهم وقتلوا منهم سميرا وجعونة. وقال: (من سمير وجعون) فرخمه في غير النداء. ورب الصلاصل: يجوز أن يكون يريد به إنه صاحب سلاح، والصلصلة: صوت الحديد، وكذا وجدته على هذا اللفظ وعلى هذا الهجاء. والله

أعمال الثاني في تنازع الفعلين - خدمة للمعنى

أعلم بالصواب. وقوله: وأيقن أن الخيل أن تلتبس به، يريد أن أصحاب الخيل أن ادركوه قتلوه، وأخذ أهله نخله وأبروها وأصلحوها وتركوا الطلب بثأره، فضاع دمه. أعمال الثاني في تنازع الفعلين - خدمة للمعنى قال سيبويه في باب أعمال أحد الفعلين: وقال رجل من باهلة: (ولقد أرَى تَغْنى به سَيْفانَةٌ ... تُصبي الحليمَ ومثلها أصباهُ) الشاهد فيه إنه أعمل الفعل الثاني وهو (تغنى) ورفع به (سيفانة). والسيفانة: المشوقة الطويلة: يعني أن الحليم تحمله بحسنها وجمالها على أن يصبو إلى اللهو، ويجب الغزل وملاعبة النساء. ومن كان مثلها من النساء أصبى الحليم. والبيت في الكتاب منسوب إلى رجل من باهلة، وهو فيما ذكر بعض الرواة لوعلة الجرمي. قال وعلة: يا صاحبيَّ ترَفَّقا بمُتَيمٍ ... وقفَ المطيَّ بمنزلٍ أبكاهُ

إعمال الصفة المشبهة - في حالة الجمع

لعِب القِطارُ به وكُلُّ مُرِنَّةٍ ... هَيْفٍ تُغَرْبِلُ تُرْبَه وحَصاهُ ولقد أرَى تَغْنَى به سَيْفانَةٌ ... تُصبي الحليمَ ومثلها أصباهُ والذي في شعره: كانت نَحُلُّ عِراصَهُ مَمْكورةٌ ولا شاهد فيه على هذا الوجه. والممكورة: الممتلئة الأعضاء من الشحم واللحم. إعمال الصفة المشبهة - في حالة الجمع قال سيبويه في باب الحسن الوجه: قال الحارث ابن ظالم المري: (وما قومي بثعلبة بنِ سعد ... ولا بفزارةَ الشّعْرِ الرقابا) وقومي - إن سألت - فهم ْ قريشٌ ... بمكةَ علموا مُضَرَ الضرابا الشاهد فيه إنه نصب (الرقابا) بـ (الشعر) واصله: بفرازة الشعر رقابهم، ثم نقل الضمير إلى الأول. والحارث: هو من بني سعد بن ذبيان. وقال بعض أصحاب النسب: هو مرة بن لؤي بن غالب من قريش، ولدته أمه عند سعد بن ذبيان فنسب إليه. وإنما قال الحارث هذا الشعر لأنه قتل خالد بن جعفر بن كلاب، وهو

إعراب فاهالفيك

في جوار النعمان بن المنذر، وكان خالد والحارث ينتدمان النعمان، فكلم خالد الحارث بكلمة حقدها عليه. ودخل إلى قبة خالد بالليل فقتله وهرب. ولما فعل هذا أتى غطفان، فقالت له غطفان: ليس لك نجاة، جمعت علينا حرب النعمان وحرب بني عامر. فمضى الحارث إلى مكة وأتى عبد الله بن جدعان التيمي وانتسب إلى قريش ليعصموه ويمنعوا منه، وذم بني فزارة بكثرة شعر رقابهم. مثل هذا قول هدبة: فلا تَنْكِحي أن فرَّق الدهرُ بيننا ... أغَمَّ القَنا والوجهِ ليس بأنزعا إعراب فاهالفيك قال سيبويه في باب المنصوبات: قال أبو سدرة الأسدي. تحسبض هَوَّاسٌ وأَقبلَ أنني ... بها مُفْتَدٍ من صاحب لا أغامرهْ (فقلتُ له: فَآهَا لِفيك فإنها ... قلوصُ امرئ قاريك ما أنت حاذِرُهْ)

استعمال (مائتين) كالفاظ العقود - ضرورة

في الكتاب: ابو سدرة الأسدي، وزعم بعضهم إنه هجيمي من بني الهجيم. والشاهد فيه إنه نصب (فاهالفيك) وقال: وأراد فا الداهية، ونصبه باضمار: الزم الله فاهالفيك. والهواس: الأسد، قيل فيه: الهواس المدلاج، وقيل: الهواس يطأ وطئا خفيا حتى لا يشعر به. و (أنني) منصوب بـ (تحسب) وحسب بمعنى واحد. وتقدير الكلام: تحسب هواس أنني مفتد بها من صاحب لا أغامره وأقبل. والضمير المجرور بالباء يعود إلى ناقته، يقول: حسب الأسد أنني أفتدي منه لئلا يأكلني، فإني أترك له ناقتي ولا أغامره ولا أخالطه ولا ألقاه. وقوله: من واحد، أراد مفتد بما يقيني من خوف واحد لا يمكنني أن القاه، فقلت له أي للأسد: فالداهية لفيك، أي وقعت بك الداهية، فإن هذه القلوص قلوص امرئ يجعل قراك ما تحاذره من القتل، بدل لحم القلوص تبتغيه. وقيل في تفسير فاهالفيك: إنه لما غشيه ضربه ضربة واحدة فعض بالتراب فقال له، فاهالفيك، يعني الأرض، وعنى بفيها فم الأرض. استعمال (مائتين) كالفاظ العقود - ضرورة قال سيبويه في باب الحسن الوجه: قال الراجز: أنعتُ عَيْرا من حمير خَنْزَرَهْ (في كل عَيْر مائتانِ كَمَرهْ)

في تقديم معمول خبر (ما دام)

الشاهد فيه إنه أثبت النون في (مائتان) ونصب (كمرة). وخنزرة فيما أرى موضع. والرجز منسوب إلى الأعور بن براء الكلبي، أم زاجر وهما من بني كلاب. أنْعَتُ أعيارا وردْنَ أحمِرَهْ وكلُّ عَيْرٍ مُبْطَنٌ بعشَرَهْ في كل عَيْرٍ أربعون كَمَرَهْ (لا قَيْنَ أمَّ زاجرٍ بالمَزْدَرَهْ) وبعده شعر فاحش. وفي شعره: موضع (مائتان كمرة) أربعون كمرة، والكمرة معروفة، والمزدرة: هي المصدرة، جعل الصاد زايا. والمصدرة: هي الطرق من الماء صادرة، وهي مصادر الناس. في تقديم معمول خبر (ما دام) قال سيبويه: وجميع ما ذكرت من التقديم والتأخير، والإلغاء والاستقرار عربي جيد. يريد تقديم الظرف الذي بعد كان على اسمها، وتأخيره إلى آخر الكلام، والإلغاء أن لا تجعل الظرف خبرا لكان، والاستقرار أن تجعله خبرا لكان. وذكر قول الله عز وجل: ولم يكن له كفوا أحد ثم أنشد قول ابن ميادة: لتَقْرَبِنَّ قَرَباً جُلْذِيّا (ما دام فيهنَّ فَصيلٌ حيّا) فقد دجا الليلُ فهّيا هيّا

النصب على المصدر - بإضمار فعل

الشاهد في تقديم (فيهن) وهو ظرف ملغى، على الاسم. يخاطب ناقته. والقرب: السير في الليلة التي يصبح صبيحتها الماء، والجلذي: السير الشديد، ما دام فيهن: أي في هذه الإبل فصيل حيا. ودجا الليل: أظلم، وهيا هيا: زجر بها وتصويت حتى تسير. النصب على المصدر - بإضمار فعل قال سيبويه في باب ما ينتصب من المصادر على إضمار الفعل: ومن ذلك أيضا قولك: تعسا وتبا وجدعا وجوعا وبوعا. ونحو ذلك قول الشاعر: لعمْري لئنْ أمسَيْتِ يا أمَّ جَحْدَرٍ ... نَأيتِ لقد أبليت في طلب عذرا تفاقدَ قومي إذ يبيعون مهجتي ... بجاريةٍ بَهْراً لهم بعدها بَهْراً) الشاهد فيه إنه نصب (بهرا) بإضمار فعل، ومعنى بهرا له: خيبة له. وقيل: البهر: التعس، كأنه قال: تعسا له، وقيل: بهرا له: دعاء عليه، أي أصابه شر، ومنه قول الشاعر لمن يبغيك شرا: بهرا. وقيل: بهرا له: عجبا له. ومنه قول ابن أبي ربيعة:

إعراب المصدر المحلى بالـ بعد (أما)

ثم قالوا تُحبُّها قلتُ بَهْراً ... عددَ الرملِ والحَصَى والتُرابِ وقال بعضهم: بهرا له، كما تقول: سقيا له. تقول: بهرا له ما أكرمه وما أسمحه! ويقال: بهره إذا غلبه، وبهرا في البيت مصدر ليس له فعل يستعمل في معناه. وأما البهر الذي هو مصدر بهر إذا غلب؛ ففعله مستعمل، يقال: بهر يبهر بهرا. ومنه قول ذي الرمة: وقد بَهَرْتَ فما تَخْفَى على أحدِ. . . وما كان في هذا الباب من المصادر التي لا أفعال لها؛ فإنها بمنزلة المصادر التي أفعالها مستعملة، وكأنه قد ذكر الفعل الذي هذا مصدره، ونصبها بإضمار: ألزمه الله كذا أو ما كان في معناه من الأفعال. وقوله: لئن أمسيت يا أم جحدر نأيت، بعدت عنا، لقد أبليت عذرا في طلبي إياك: أي اجتهدت أن تقرب داري من دارك. تفاقد قومي: أي فقد بعضهم بعضا، إذ يبيعون مهجتي بجارية. دعا عليهم لأنهم منعوه من هذه الجارية، وجعل منعهم إياها بمنزلة تعريضه للموت والتسليم له كما يتسلم المبيع. بعدها: بعدها: أي بعد هذه الفعلة. إعراب المصدر المحلى بالـ بعد (أما) قال سيبويه في باب ما ينتصب من المصادر، لأنه حال صار فيه المذكور: وقد ينصب أهل الحجاز هذا الباب بالألف واللام. يعني قولهم: أما العلم فعالم وأما النبل فنبيل، لأنهم قد يتوهمون في الباب غير

الحال. يريد أن أهل الحجاز ينصبون (علما) في قولهم: أما علما فعالم، على إنه مفعول له. وبنو تميم ينصبونه عل إنه حال، فإذا دخلت عليه الألف واللام نصبه أهل الحجاز؛ لأنه عندهم منصوب على إنه مفعول له، والمفعول له يجوز أن يكون معرفة ونكرة. ويرفعه بنو تميم لأنهم نصبوه قبل دخول الألف واللام على الحال، فإذا دخلت عليه الألف واللام لم يمكنه أن ينصبه على الحال لأنه قد صار معرفة، فرفعوه بالابتداء. ثم مضى في كلامه إلى أن قال: وعلى هذا فأجر جميع هذا الباب. يعني أن جميعه ينتصب إذا دخلت عليه الألف واللام على مذهب أهل الحجاز، ويرتفع على مذهب بني تميم. قال ابن ميادة: ألا لا تَلُطّي الستْرَ يا أمَّ جَحْدَرٍ ... كَفَى بذُرا الأعلام من دوننا سِتْرا ألا ليت شِعْري هل إلى أم جحدرٍ ... سبيلٌ؟ فأما الصبرَ عنها فلا صَبْرا)

النصب بإضمار فعل - حملا على المعنى

الشاهد فيه إنه نصب (الصبر) على مذهب أهل الحجاز، ويرفع على مذهب بني تميم. ويروى: فيا ربّ هل تُدني نَوَى أم جحدرٍ ... ألينا، فأما الصبرَ عنها فلا صَبْرا لا تلطي: أي لا تستري، أي لا تطرحي الستر، يريد ستر الهودج. يقول: لا تطرحيه حتى استمتع بالنظر إليك قبل الفرقة. والأعلام: الجبال، وذراها: أعاليها. يقول: كفى برؤوس الجبال حاتلا بيني وبينك إذا سرت وبعدت، والنوى: البعد. يقول: يا رب هل تدني بعد أم جحدر، يريد هل تقربها حتى تدنو منا. وقوله: ولا صبرا، (صبرا) منصوب، ويحتمل نصبه وجهين: أحدهما: أن ينصب بإضمار فعل، كأنه قال: فلا نصبر صبرا. والوجه الآخر: أن يكون منصوبا بـ (لا) على وجه النفي، كما تقول: لا رجل في الدار. كأنه قال: فلا صبر لنا عنها. النصب بإضمار فعل - حملا على المعنى قال سيبويه في المنصوبات بعد إنشاده: (الأفْعُوانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَما) فإنما نصبت (الافعوان والشجاع) لأنه أراد أن القدم هنا مسالمة، كما أنها مسالمة، فحمل الكلام على إنها مسالمة. يريد إنه نصب (الأفعوان) وما بعده بإضمار فعل محمول على معنى الكلام، وذلك أن (فاعل) إذا كان من اثنين؛ يكون كل واحد منهما فاعلا، وكل واحد منهما مفعولا.

نحو قولنا: ضارب زيد عمرا، فزيد فعل ضربا بعمرو، وعمرو فعل ضربا بزيد. فإن نصبت عمرا ورفعت زيدا، ونصبت زيدا ورفعت عمرا جاز، والمعنى واحد. والمسالمة: مصدر سالم، والفعل من اثنين. فلو قلت: قد سالم الحيات منه القدم - في شعر مرفوع - جاز. والمعنى كمعنى: قد سالم الحيات منه القدما، فلما كان المعنى على هذا؛ استجازوا أن يضمر للقدم فعل يكون فاعله ضميرا يرجع إليها، كأنه قال بعد قوله: قد سالم الحيات منه القدما: سالمت القدم الافعوان والشجاع الشجعما. قال سيبويه: ومثل هذا البيت إنشاد بعض العرب لأوس بن حجر قال: كأنّ بجَنْبَيْهِ خِباَءين من حصى ... إذا غَدَرٌ مَرّا به مُتَصايِفُ (تُواهِقُ رِجلاها يداها، رأْسُهُ ... لها قَتَبٌ خلفَ الحقيبةِ رادِفُ) إنشاد الكتاب: رجلاها يداها، على أن اليدين مضافتان إلى ضمير مؤنث وهو ضمير الأتان، وفي شعره: اليدان مضافتان الى ضمير مذكر وهو ضمير الحمار.

في إعراب (عمرك الله)

والشاهد فيه إنه رفع (يداها) ولم يجعلهما مفعولين لـ (تواهق) وفي شعره (اليدان) منصوبتان بـ (تواهق). وإنشاده: تُواهِقُ رجلاها يديه والمعنى يوجب أن يكون اليدان مضافتين إلى ضمير مذكر وهو ضمير العير، وذلك أن المواهقة هي المسايرة وهي المواغدة، يقدم الأتان بين يديه ثم يسير خلفها، يعني أن يديه تعملان كعمل رجلي الاتان، ورأسه، أي رأس الحمار فوق عجز الأتان كالقتب الذي يكون على ظهر البعير. والحقيبة: كناية عن الكفل فيما زعموا والحقيبة: ما يحمله الإنسان خلفه إذا كان راكبا على عجز المركوب. والرادف: الذي يكون في الموضع الذي فيه الردف. وقوله: كأن بجنبيه خباءين من حصى، يريد إنه يثير الحصى والتراب بحولفره، فيرتفع من جانبيه ويعلو، حتى كأن الحصى المرتفع من وقع حوافره خباءان نصبا من جانبي الحمار. والغدر: المكان الذي فيه جحرة يرابيع، وقرى نمل، أو وجر ضباع. ويقال لكل ثابت في عدو أو خصومة أو غير ذلك: إنه لثبت الغدر، ومرابه: يعني العير والأتن. في إعراب (عمرك الله) قال سيبويه في المنصوبات بعد قوله: عمرك الله، وأنه منصوب بإضمار فعل: لكنهم خزلوا الفعل يريد أنهم حذفوا الفعل الناصب لـ (عمرك) لأنهم جعلوه بدلا من اللفظ به. يريد انهم جعلوا المصدر وهو (عمرك الله) في موضع الفعل فلم يظهروه معه. قال الاحوص الأنصاري: إذ كِدْتُ أنكِرُ من سلمَى فقلتُ لها ... لما التقينا وما بالعهد منْ قِدَمِ

نصب المصدر لتوكيد مضمون الجملة

(عَمرْتُكِ الله إلا ما ذَكرتِ لنا ... هلْ كنتِ جارتَنا أيامَ ذي سَلَمِ) يريد: إذ كدت أنكر أن اعرف المرأة التي اسمها سلمى، وأردت أن اسأل فأقول: من سلمى؟. ثم أقسم عليها أن تخبره: هل كانت جارة لهم بذي سلم؟ وهو موضع. والمعنى واضح. نصب المصدر لتوكيد مضمون الجملة قال سيبويه في باب ما يكون من المصادر توكيدا لنفسه: وذلك قولك: له علي ألف درهم عرفا. ومعنى قوله: توكيدا لنفسه أن قولك: له علي ألف درهم هو اعتراف، فكان (عرفا) توكيدا لما هو اعتراف، فلذلك جعله توكيدا لنفسه. وفرق بينه وبين الباب المتقدم وهو قولك: زيد أخوك حقا، لأن قولك (حقا) هو توكيد لما أخبرت به من اخوة زيد. وظاهر الأخبار بقولك: زيد اخوك، ليس بحق إلا أن يكون المخبر أخبر به عن علم. ويجوز أن يقول القائل ذلك وهو شاك، وقد يجوز أن يخبر ب وهو كذب. فلفظ الخبر بقولك: زيد أخوك يقع على وجوه، والباب المتقدم يقع على وجه واحد. قال الاحوص: يا بيتَ عاتكَةَ الذي أتعزَّلُ ... حَذَرَ العِدَى وبهِ الفُؤاد مُوَكَّلُ

اسم (كان) وخبرها معرفتان

(إني لأمنحُكَ الصدودَ وإنني ... قسماً إليكَ مع الصدودِ لأميلُ) الشاهد فيه إنه جعل (قسما) تأكيدا لقوله: وإنني لأميل، لأن قوله: إنني إليك لأميل، جواب قسم، فجعل (قسما) توكيدا لكلام هو (أقسم)، والقسم الذي هذا جوابه محذوف، كأنه قال: أصبحت أمنحك الصدود، ووالله إني إليك لأميل. وهم يحذفون اليمين وهم يريدونها ويبقون جوابها، ومثله: لتقومن، ومثله: لَتَقرَبنَّ قَرَباً جُلْذِيا هو جواب قسم محذوف. وقوله: أصبحت أمنحك الصدود؛ يريد إنه يظهر هجر هذا البيت ومن فيه وهو محب لهم خوفا من أعدائه. وأتعزل: عنه، وبه الفؤاد موكل: يريد بمحبته الفؤاد موكل. والمعنى واضح. اسم (كان) وخبرها معرفتان قال سيبويه في باب: كان. قال مغلس بن لقيط الاسدي: (وقد عَلِمَ الأعداءُ ما كان داَءها ... بثَهْلانَ إلا الخِزْيُ ممن يقودها) الشاهد فيه إنه نصب (داءها) وجعله خبر كان، ورفع (الخزي) وجعله الاسم وهما معرفتان، يصلح كل واحد أن يكون اسما وأن يكون خبرا. وثهلان: جبل.

إضمار خبر الأول لدلالة خبر الثاني عليه

وسبب هذا الشعر أن حصينا والقعقاع ابني خليد أكلا بكرة لسويد ابن زيد بن عاصم الفقعسي، فطلبهما - بما صنعا - بنو لقيط، وعقر بعض بني لقيط فرسا لخليد. ويجوز أن يريد بقوله (داءها) داء الجماعة التي اجتمعت في خصومته وقتاله، إلا الخزي ممن جمعهم للقتال. ويجوز أن يريد: ما كان داء الخيل التي عقرت إلا الخزي، لأنه فعل فعلا أدى إلى عقرها. ورأيت في شعره (إلا الجري ممن يقودها) يعني إنه جرى فيها جريا مذموما. إضمار خبر الأول لدلالة خبر الثاني عليه قال سيبويه في أعمال أحد الفعلين: قال عمرو بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي: نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف الشاهد فيه إنه حذف خبر الابتداء الأول، فكأنه قال: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض. يخاطب بذلك مالك بن العجلان، وكان عمرو بن امرئ القيس قد حكمته الأوس والخزرج في ثور سميحة حين اقتتلوا بسبب حليف لمالك بن العجلان قتلته الأوس، فلم يرض مالك بن العجلان بحكم عمرو بن امرئ القيس. رفع الاسم بعد (أما) بالابتداء قال سيبويه قال بشر بن أبي خازم الأسدي: ويومُ النَّسارِ ويومُ الجِفار ... كانا عذاباً وكانا غراما

رفع بعض المصادر التي تنصب - إيثارا للمعنى

(فأما تميمٌ تميمُ بنُ مُرٍّ ... فأَلفاهُمُ القومُ رَوْبَى نِياما) الشاهد فيه رفع (تميم) بالابتداء، لأن الفعل شغل عنه بالضمير، و (تميم ابن مر) وصف لـ (تميم). ويوم النسار: يوم اجتمعت فيه الرباب وغطفان وبنو أسد على محاربة تميم وبني عامر، ثم اجتمعوا بعد حول بالجفار. فاقتتلوا فهزمت بنو عامر، وقتل من تميم مقتلة عظيمة، فذكر بشر اليومين وما كان فيهما. والغرام: اللازم من العذاب، والفاهم: وجدهم، والروبى: جمع رائب وهو الخاثر النفس، وقيل: الذي قد نعس. وأراد أنهم كانوا حين لقوهم بمنزلة النيام من كثرة ما وقع بهم من القتل، جعلهم بمنزلة النيام. وقد يجوز أن يريد أنهم تركوا قتلى كأنهم نيام. رفع بعض المصادر التي تنصب - إيثارا للمعنى قال سيبويه في المنصوبات، بعد ذكر مصادر تنصب بإضمار الفعل: وإن شئت رفعت هذا كله فجعلت الآخر هو الأول، فجاز على سعة الكلام. ومثال الذي قولك زيد أكل وعمرو شرب، تجعله لكثرة

أكله كأنه هو أكل. ويقال فيه أيضا: أن فيه حذفا، وكأنه قال: زيد ذز أكل وذو شرب، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقالت الخنساء: تَبكي لحُزنٍ هي العَبْرى وقد عَبِرَتْ ... ودونه من جديد الأرض أستارُ حنين والهةِ ضلت أليفتها ... لها حنينان: إصغار وإكبارُ (تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتى إذا ادكَرَتْ ... فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ) الشاهد في رفع (إقبال وأدبار) وهما مصدران قد أخبر بهما عن الوالهة. والعبرى: الباكية الثكلى، وجديد الأرض: ظاهرها، والأستار: ما جعل على قبره من تراب الأرض، والوالهة: يجوز أن تكون بقرة أو ظبية أو ناقة ضلت أليفتها: أي ضلت فلم تهتد إلى الموضع الذي فيه أليفتها. ويجوز في (أليفتها) الرفع والنصب. فإذا نصب ففي (ضلت) ضمير يعود إلى الواهمة، ويقال: ضللت الشيء: إذا لم تهتد إليه. وإذا رفع فتقديره: ضلت اليفتها عن الموضع الذي هي فيه. ولها ضربان من الحنين: أحدهما أن تخفض صوتها، والآخر أن ترفعه. وترتع: ترعى، (ما رتعت) منصوب على طريق الظرف، حتى إذا ادكرت اليفتها تركت المرعى وأقبلت وأدبرت، لأن الحزن أزعجها.

النصب على الظرفية

النصب على الظرفية قال سيبويه في الظروف: قال ابن هرمة: (أَنَصْبٌ للمنيّةِ تعتريهْم ... رجالي أَم هُمُ دَرَجَ السُّيولِ) ولو كانت تُغاوِرُهُم لضَجَّتْ ... وأَجْلَتْ عن فوارسَ غيرِ مِيلِ ولكن المنّيةَ حبلُ قَدْرٍ ... تَعَلَّقُ بالعزيز وبالذليلِ الشاهد في نصبه (درج السيول) على الظرف. يبكي على من هلك من قومه ويقول: اجعلتهم المنية غرضا لها ترميم! والنصب: ما نصبته لترميه، وتعتريهم: تأتيهم، و (رجالي) مبتدأ و (نصب) خبره، والضمير في (تعتريهم) يعود إلى (رجال) وإنما جاز أن يقدم الضمير على الظاهر؛ لأن تقدير الكلام - إذا تكلم به على أصله ورجع كل شيء إلى الموضع الذي يجب له في الأصل - أن يكون (رجالي) في أول الكلام لأنه مبتدأ. ودرج السيول: المواضع التي تمر عليها السيول، فتنزل من موضع إلى موضع حتى تستقر. يقول: أقومي كانوا غرضا للمنية فأهلكتهم، أو جاءهم سيل فذهب بهم! ولو كانت المنية تقاتلهم لتركتهم وانصرفت. وأجلت: انكشفت، والميل: جمع أميل وهو الذي لا سيف معه، وقيل: هو الذي يميل على ظهر فرسه. في البدل قال سيبويه في البدل: قال حبر بن عبد الرحمن: تربَّعَتْ بَلْوَى إلى رَهائِها حتى إذا ما طارَ من عِفائِها وصارَ كالرَّيْطِ على إقْرائِها تَتْبَعُ صاتَ الهَدْرِ من أثنائها

نصب الاسم بعد الاستفهام بإضمار فعل

جابَتْ عليهِ الحَبرَ من رِدائِها (تذكَّرَتْ تَقْتُدَ بَرْدَ مائِها) وَعَتَكُ البولِ على أنْسائِها الشاهد إنه أبدل (برد مائها) من (تقتد). وتقتد: بلد، وبلوى: موضع، ورهاؤها: المكان المتسع حولها، والرهاء: الأرض المستوية، والعفاء: وبرها، والريط: الملاء البيض، وإقراؤها: ظهورها وأعاليها، والصات: الشديد الصوت. وأراد: تتبع فحلا صات الهدر. وقوله: من أثنائها، يريد: من النسل الذي هو منه، والحبر: المنظر الحسن والجسم التام وجابت عليه: شقته وألبسته إياه كما يجاب الثوب على اللابس، وهذا على طريق المثل. وفي شعره: تَذَّكرَتْ نَهْيا وبَرْدَ مائِها ولا شاهد فيه على هذا الوجه. وعتك البول: يريد به يابسة وما جف من ثلطها وبولها على فخذها وساقيها وأوظفتها. ويروى (وعتك البول) أي بقي وقدم على ساقها، وأراد بـ (أنسائها) موضع (أنسائها) وعبر عن نسأيها وهما اثنان بلفظ الجمع، ومثل هذا يفعل كثيرا. نصب الاسم بعد الاستفهام بإضمار فعل قال سيبويه في باب الاستفهام، قال جرير: (أَثَعْلَبةَ الفَوارسَ أو رِياحا ... عَدَلْتَ بهم طُهيةَ والخِشابا)

نصب (أي) على المصدر

الشاهد فيه إنه نصب (ثعلبة) بإضمار فعل يفسره قوله: (عدلت بهم)، وهذا كما تقول: أزيدا مررت به، وتقديره: أجزت زيدا مررت به. وتقدير البيت: اجهلت ثعلبة الفوارس عدلت بهم طهية، لأنه كان عنده أن جعل بني طهية كثعلبة في الشرف والسؤدد والعزة. والمعادلة بينهم جهل، وثعلبة ورياح قبيلتان من بني يربوع وهم قوم جرير، وطهية من بني مالك بن حنظلة بن مالك، وهم أقرب إلى الفرزدق منهم إلى جرير، يخاطب الفرزدق بذلك، وينكر عليه أن يسوي طهيه والخشاب ببني ثعلبة أو بني رياح. والفوارس نعت لثعلبة. نصب (أي) على المصدر قال سيبويه في المنصوبات: قال رؤبة: لَولا تَوقَّيَّ على الأشرافِ ... ألْحَمْتَني في النَّفْنَفِ النَّفْنافِ في مثل مَهْوَى هُوَّةِ الوَصَّاف ... قَوْلُكَ أقوالا مع التَّحْلافِ (فيها ازْدِهافٌ أيما ازْدِهافِ) ... والله بينَ القَلْبِ والأضعاف الشاهد فيه إنه نصب (أيما ازدهاف) بفعل محذوف دل عليه قوله: فيها ازدهاف. الأشراف: جمع شرف وهو الموضع العالي، ويروى: على الأشراف مصدر: أشرف يشرف، والحمتني: رميت بي وادخلتني، والنفنف: الهواء، والنفناف: وصف مبالغة في البعد وشدة الارتفاع. يخاطب رؤبة أباه العجاج يقول: لولا أني أتوقى مما تريد أن تفعله بي

مجيء المصدر على غير فعله - لتلاقي المعنى

لرماني فعلك في المهالك. وقيل في معناه: لولا أني أتوقى الإثم في مخالفتك، لحملت نفسي على عقوقك. وقيل فيه: لولا أني أتحرج من كسبي الحرام، لحملت نفسي عليه واستغنيت. والهوة كالوهدة، والمهوى: ما بين أعلى الشيء وأسفله. وقوله: في مثل مهوى بدل من قوله: في النفنف النفناف. والوصاف: رجل من أهل البادية تضاف الهوة إليه. وقوله: (قولك) بدل من التاء في (الحمتني) أي أهلكني قولك: إنك لا تعطيني شيئا، وتحلف على ما تقول. والضمير المجرور في (فيها) يعود إلى الأقوال. والازدهاف: العجلة والسرعة. يريد أن إيمانه فيها عجلة، يسارع إلى الحلف بالله عز وجل، والله تعالى بين قلب الإنسان وبين ما يليه من الجوف. يعني إنه لا يخفى عليه ما تضمره لي. مجيء المصدر على غير فعله - لتلاقي المعنى قال سيبويه قال رؤبة: (وقد تطويتُ انْطواءَ الحِضْبِ) بَين قَتادِ رَدْهَةٍ وشِقْبِ بعْد مَديدِ الجِسْمِ مُصْلَهِبَّ الشاهد على إنه أتى بالانطواء وهو مصدر انطوى، وقبله تطويت. والحصب الحية، والقتاد: شجر معروف، والردهة: الماء المستنقع، والشقب: شق في الجبل، والمصلهب: الطويل الذي ليس بثقيل الجسم، يكون ماضيا في أموره. يريد إنه كثر فضول جسمه، واجتمع بعضه إلى بعض، وصار

جواز نصب الخبر لدلالته على الحال

كالحية المنطوية بين القتاد والماء، بعد أن كان ممتد الجسم، وجعل (مديد) بمعنى امتداد. أراد: بعد امتداد جسمي. جواز نصب الخبر لدلالته على الحال قال سيبويه في المنصوبات: البر أرخص ما يكون قفيزان، أي البر أرخص أحواله التي يكون عليها قفيزان، كأنك قلت: البر أرخصه قفيزان. (البر) رفع بالابتداء، و (أرخص ما يكون) مبتدأ ثان و (قفيزان) خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول. وفي (يكون) ضمير يعود إلى (البر)، وارخص ما يكون: بمعنى أرخص أكوانه، وهو بمعنى أرخص أحواله التي يكون مسعرا فيها، حال تسعير بره قفيزين بدرهم، ثم حذف. قال سيبويه بعد ذكره هذا الفصل: ومن ذلك هذا البيت ينشده العرب - وهو لعمرو بن معد يكرب - على أوجه: بعضهم يقول: (الحرْبُ أوَّلُ ما تكون فُتيَّةٌ ... تَسْعَى ببِزَّتها لكل جَهولِ) حتى إذا وَقَدتْ وَشُبَّ ضِرامُها ... عادَتْ عجوزا غيرَ ذاتِ حَليلِ شمْطاَء جَزَّتْ ؤأسَها وتَنَكّرَتْ ... مكروهَةً للشيم والتقبيلِ

النصب على الإغراء والتحذير

أنشده برفع (أول) و (فتية) وجعل (الحرب) مبتدأ و (أول ما تكون) مبتدأ ثان و (فتية) خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، وفي (تكون ضمير يعود إلى الحرب. وهذا الإنشاد مثل المسألة المتقدمة، و (أول) مذكر و (فتية) مؤنثة وهو خبره. وإنما فعل هذا لأن (أول) مضاف إلى (كون الحرب). وكون الحرب هو الحرب. فكأنه قال: أول الحرب فتية، وأول الحرب هو من الحرب، فأخبر عن (أول) بمثل ما يخبر به عن (الحرب). وجعله سيبويه كقولهم: ذهبت بعض أصابعه. (وذكر أيضا أن بعضهم يقول: الحرب أول ما يكون قتية بنصب (أول) ورفع (فتية). يجعل (الحرب) مبتدأ. وينصب (أول) على الظرف). وذكر أيضا أن بعضهم يقول: الحرب أول ما تكون فتية. ويرفع (أول) ونصب (فتية). و (أول) في هذا الوجه مبتدأ، و (فتية) حال سدت مسد الخبر. وهو مثل قولهم: شربك السويق ملتوتا. والبزة: ما عليها من الثياب. يقول: الحرب أول أمرها عين، تدعو الجاهل إلى الدخول فيها، وتستفزه حتى يستحسن المحاربة. ويروى: (تسعى بزينتها) حتى إذا اقتتل القوم وحميت الحرب، كرهها من دخل فيها، ورآها بصورة غير حسنة كأنها عجوز فيها أحد. وقوله: غير ذات حليل: يعني إنه لا يريد أحد ممن دخل فيها شمها وتقبيلها. النصب على الإغراء والتحذير قال سيبويه في المنصوبات: ومما جعل بدلا من اللفظ بالفعل قولهم: الحذر الحذر، والنجاء النجاء، وضربا ضربا. وإنما انتصب هذا على: الزم الحذر، وعليك النجاء. ولكنهم حذفوا هذا لأنه صار بمنزلة (افعل)

عندهم، ودخول (الزم) و (عليك) على (افعل) محال. يقول سيبويه: أن هذه المصادر وغيرها مما يكرر؛ يقول اللفظ الأول من اللفظتين فيما مقام الفعل، فلا يجوز إظهار الفعل معه. قال سيبويه بعد هذا: ومن ثم قالوا: وأنشد بيت عمرو بن معد يكرب: (أُريدُ حِباءهُ ويُريدُ قتْلي ... عذيرَكَ من خليلكَ من مُرادِ) فلو لاقَيْتَني للَقيتَ قِرْنا ... وصَرَّحَ شَحْمُ قلبكَ عن سَوادِ الشاهد فيه إنه نصب (عذيرك) بإضمار فعل لا يجوز إظهاره. وجمع سيبويه في هذا الباب أشياء من المنصوبات لا يجوز إظهار الفعل العامل معها، فابتدأ في أول ذلك بقوله: إياك؛ (إياك) لا يظهر الفعل معها. ثم ذكر: رأسه والحائط وما أشبه من المعطوف نحو: اهلك والليل، وهذا أيضا لا يجوز إظهار الفعل العامل معه. ثم ذكر المكرر نحو: الحذر الحذر وما أشبهه، وهذا مثل ما تقدم لا يظهر الفعل معه، ثم ذكر (عذيرك) والفعل الناصب له لا يظهر معه. ثم ذكر (نعاء) وهو في موضع انع، ولا يظهر معه فعل. وهذا الباب يشتمل على أشياء مختلفة، يجمعها أنها منصوبات بأفعال

لا تظهر. والعذير: بمعنى المعذرة، إلا أن العذير مصدر لا يتصرف تصرف المعذرة، وإنما يلزم موضعا واحدا وهو يجري مجرى المصادر التي لا تتصرف نحو (سبحان) وما أشبهه. ومعنى قوله: عذيرك من خليلك من مراد: يخاطب نفسه ويقول: هات عذرك في صبرك على ما يفعله بك خليلك من مراد. وسبب هذا الشعر أن عمرو بن معد يكرب غزا هو ورجل من مراد يقال له أُبيّ، فغنما أرادا أن يقسما الغنيمة التمس من عمرو أن يعطيه مثل ما يأخذ، وأبى عمرو أن يفعل ذاك، فتوعده أُبيّ، وبلغ إنه يتوعده، فقال هذا الشعر. وقوله: وصرح شحم قلبك عن سواد، يريد إنه زال قلبك عن موضعه وبدت كبدك. وأنشد سيبويه بعد هذا البيت بيت الكميت: (نَعاءِ جُذاماً غَيْرَ مَوْتٍ ولا قَتْلِ ... ولكنْ فِراقلاً للدّعائمِ والأصلِ) الشاهد في (نعاء) وأنه في موضع الفعل، وقد ذكرت هذا. و (غير موت) منصوب لأنه مفعول له. يقول: انعهم لغير موت نزل

بهم ولا قتل، ولكن انعهم لفراقهم أصلحهم ومن هم منسوبون إليه، وانتقالهم بنسبتهم إلى اليمن. ويزعم قوم من أصحاب النسب أن جذاما: هو جذام بن أسد بن خزيمة. و (فراقا) مفعول له أيضا، والدعائم: جمع دعامة وهو ما يمسك الشيء ويقيمه ولا يدعه أن يسقط. يريد أنهم فارقوا من به يقوم أمرهم وأصل نسبتهم. وقال ذو الإصبع العدواني. (عّذيرَ الحَيَّ عَدْوا ... نَ كانوا حيَّةَ الأرضِ) بغى بعضُهُمُ بعضا ... فلم يَرْعَوْا على بعض فقد أضحَوْا أحاديثَ ... بِرَفْعِ القولِ والخَفْضِ أراد: هات عذر الحي فيما فعل بعضهم ببعض، وفي أنهم تعادوا وتباغضوا بعد أن كانوا حية الأرض، أي أشد الناس، وكانوا الذين يخافهم الناس، بمنزلة الحية التي يحذرها كل إنسان. بغى بعضهم بعضا بالعداوة والقتل والإهلاك فلم يرعوا على بعض، يريد لم يبق بعضهم على بعض فلما تمزقوا وذهب أكثرهم صاروا أحاديث للناس، يرفعون الأحاديث بهم ويخفضونها، يريد يعلنونها ويسرونها، يعني أنهم حديث الناس في السر والجهر.

إضمار (كان) مع اسمها

إضمار (كان) مع اسمها قال سيبويه في المنصوبات: قال عبد الله بن همام: (وأَحضَرْتُ عُذري عليه الشهو ... دُ أن عاذرا لي وإنْ تاركا) وقد شَهِدَ الناسُ عندَ الإما ... مِ أني عدوٌ لأعدائكا الشاهد فيه نصب (عاذرا) و (تاركا) وكل واحد منهما خبر لـ (كان) والفعل المضمر: أن كنت عاذرا وإن كنت تاركا. وسبب هذا الشعر أن عبيد الله بن زياد غضب على عبد الله بن همام، فهرب منه ومضى إلى يزيد بن معاوية وأقام عنده حتى آمنه، وكتب له إلى عبيد الله بن زياد. يقول: قد اعتذرت بحضرة يزيد عذرا، شهد على صحته الناس، والأمر إليك في قبوله وتركه، وقد شهدوا أيضا أني أظهر عداوة من عاداك. العطف على خبر (ليس) المقترن بالباء قال سيبويه في باب ما يجري على موضع الاسم الذي قبله: وذلك قولك: ليس زيد بجبان ولا بخيلا، وما زيد بأخيك ولا صاحبك. والوجه فيه الجر، لأنك تريد أن تشرك بين الخبرين. يقول سيبويه: أن العطف على ما عملت فيه الباء، أولى من العطف على موضع الباء، لأنه أقرب إلى المعطوف، والعطف على ما قرب أولى من العطف

على ما بعد. واحتج لقوة العطف على ما عملت فيه بأنه أقرب إلى المعطوف ثم قال: ومما جاء في الشعر من الإجراء على الموضع قول عقيبة الأسدي: (معاويَ إنّنا بشرٌ فأَشجحْ ... فلسنا بالجبالِ ولا الحديدا) الشاهد فيه إنه نصب (الحديد) وعطفه على موضع الباء. ومعنى قوله أسجح: سهل علينا حتى نصبر، فلسنا بجبال ولا حديد فنصبر على ما تفعله بنا. وبلغني عن بعض من تأدب بالنظر في أبيات من الشعر - ودخل على بعض السلاطين الذين لا يميزون من دخل إليهم إلا بحسن الزي والهيئة - إنه أنكر استشهاد سيبويه بهذا البيت وقال: البيت مجرور، ومعه أبيات مجرورة. ولم يعلم أن هذا البيت يروى نصبا مع أبيات منصوبة، ويروى جرا مع أبيات مجرورة. فمن رواه بالنصب روى معه: أقيموها بني حربٍ إليكمْ ... ولا ترموا بها الغرضَ البعيدا ومن رواه بالجر روى معه: أكلُتم أرضَنا فجردتموها ... فهلْ من قائمٍ أو من حصيدِ

وقد وقع في كتاب سيبويه مثل هذا، وذلك أن بعض الأبيات يروى على وجه من الإعراب مع غيره، ويروى على وجه آخر. فمن ذلك ما أنشده سيبويه وهو لرجل من بني دارم: ليَبْكِ أبا بدرٍ حمارٌ وثَلَّةٌ ... وسالِيةٌ راثَتْ عليها وِطابُها (كأنّك لم تذبحْ لأهلكَ نعجةً ... فيصبحَ مُلقى بالفِناءِ إهابها) فهذا مرفوع على ما انشده سيبويه. وقالت امرأة من بني حنيفة: كأنّكَ لم تذبحْ لأهلك نعجةً ... وتُلِقِِ على بابِ الخِباءِ إهابَها ولم تَجبِ البيدَ التّنائِفَ تقتنصْ ... بهاجرةٍ حِسْلانَها وضبابَها فإنْ متَّ أردى الموتُ أبناءِ عامرٍ ... وخَصَّ بني كعبٍ وعمر وكلابَها وأنشد سيبويه بيت قيس بن ذريح: تُبكّي على لُبنى وأنتَ فقدْتَها. . . والبيت الآخر: وقال عروة بن الورد في قصيدة له منصوبة: . . . وأنتَ عليها بالملا كنتَ أقدرا فلا ينبغي أن يذهب إنسان له علم وتحصيل، إلى أن سيبويه غلط في

إعمال الصفة المشبهة بالـ

الإنشاد، وإن وقع شيء مما استشهد به - في الدواوين - على خلاف ما ذكر، فإنما ذلك سمع إنشاده ممن يستشهد بقوله على وجه، لأنشد ما سمع، لأن الذي رواه قوله حجة، فصار بمنزلة شعر يروى على وجهين. إعمال الصفة المشبهة بالـ قال سيبويه في باب حسن الوجه: فِداكَ وَخْمٌ لا يُبالي السّبّا (الحَزْنُ باباً والعَقُورُ كلبا) الشاهد في نصب (بابا) بالحزن و (كلبا) بالعقور وليس فيهما ألف ولام. والوخم: الثقيل. يمدح رجلا، يقول له: فداك من الرجال كل وخم ثقيل، لا يرتاح لفعل المكارم، ولا يهش للجود، ولا يبالي أن يسب ويشهر بخله، ويرى المال أحب إليه من نفسه. والحزن: الصعب الشديد. أراد أن بابه حزن صعب، شديد الدخول فيه. يعني إنه يمتنع من الوصول إليه حتى لا يلتمس معروفه. وأراد أن الوصول إليه ممتنع، وليس يعني نفس الباب، والعقور كلبا: يريد أن من أتاه لقي قبل الوصول إليه ما يكره، من حاجب أو بواب أو صاحب، وجعل له كلبا على طريق الاستعارة كما يكون في البادية. يقول: فداك من الناس رجل هذا وصفه.

النصب على المصدرية بإضمار فعل

النصب على المصدرية بإضمار فعل قال سيبويه في المنصوبات: قال أمية بن أبي الصلت: (سلامَكَ ربَّنا في كل فَجْرٍ ... بَريئا ما تَغَنَّثُك الذُّمومُ) عبادُك يَخْطَأَون وأنت ربٌّ ... بِكَفَّيْكَ المنايا والحُتومُ الشاهد فيه إنه نصب (سلامتك) بإضمار فعل، كأنه قال: نسلمك سلاما، أي نصفك بالسلامة من كل صفة لا تليق بصفاتك، ونبرئك من الأفعال التي يتعلق بها الذم. وتغنثك: تتعلق بك. ويروى: ما تليق بك الذموم ومعنى يخطأون: يأثمون، يقال منه خطئ يخطأ في معنى أخطأ. والحتوم: جمع حتم وهو القضاء بكون الشيء. يريد: إنك إذا قضيت بشيء أن يكون وحتمت أنك تفعله فلا مرد له. نصب (مناط الثريا) وشبهها على الظرفية قال سيبويه في الظروف: قال عبد الرحمن ابن حسان: (وإنَّ بني حرب كما قد علمتُمُ ... مناطَ الثريّا قد تَعلَّتْ نجومُها) وكلُّ بني العاصي سعيدٍ ورهطِهِ ... منازِلُ مَجْدٍ هابَها مَنْ يَرومُها

إظهار (ما) ترجيحا لرفع المعطوف

مدح عبد الرحمن بهذا الشعر معاوية، وذلك إنه لما هاجى عبد الرحمن ابن حسان عبد الرحمن بن الحكم أخا مروان بن الحكم، وتسابا وتشاتما؛ عمد مروان إلى عبد الرحمن بن حسان فجلده ثمانين جلدة لأجل قذفه لعبد الرحمن بن الحكم، فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير الأنصاري وهو بالشام يخبره بما صنع به، فدخل النعمان على معاوية فذكر له ما صنع بابن حسان، فقال له معاوية: إنه قذف، فقال له: إنه قد قال له عبد الرحمن بن الحكم مثل ما قال. فكتب معاوية إلى مروان: ادفع عبد الرحمن بن الحكم إلى عبد الرحمن ابن حسان حتى يجلده ثمانين، وإلا بعثت النعمان بن بشير بعهده إلى المدينة حتى تأخذ له بحقه. فلما أتى الكتاب مروان، دفع أخاه إلى ابن حسان فجلده، فمدح عبد الرحمن بن حسان معاوية. ومعنى تعلت: ارتفعت، ومناط الثريا: الموضع الذي فيه الثريا من الفلك، ويقال: نطت الشيء إذا علقه، والمعنى واضح. إظهار (ما) ترجيحا لرفع المعطوف قال سيبويه في باب المفعول معه: قال زياد الأعجم: (تُكلَّفُني سَةيقَ الكَرْمِ جَرْمٌ ... وما جَرْمٌ وما ذاك السَّويقُ) فما شربوهُ وَهْو لهم حَلالٌ ... ولا غالوا به في يوم سوقِ وسبب هذا الشعر، أن قوما من أهل الشام من جرم لقوا زيادا الأعجم وهم

حذف المضاف - للإيجاز

لا يعرفونه، فاقتحمته أعينهم واحتقروه، واستدلوه على موضع تباع فيه الخمر، فاشتروها، وسخروه في حملها، فقال هذا الشعر. وأراد بسويق الكرم: الخمر، ثم قال: وما جرم وما ذاك السويق، يريد أنهم لم يكونوا يشربون الخمر فيما سلف، لبخلهم، وأنهم كانوا لا يرتاحون إلى شربها وما شربوها في الجاهلية وهي لهم حلال، ولا غالوا بثمنها، لقلة رغبتهم في الدعوات وفي إنفاق المال. حذف المضاف - للإيجاز قال سيبويه في باب من المجاز: قال شقيق بن جزء بن رباح الباهلي: وعادَ عليهِ أن الخيلَ كانتْ ... طرائقَ بيْنَ مُنْقِيةٍ وَرارٍ (كأنّ عذيرَهُمْ بجَنوبِ سِلَّى ... نَعامٌ قاقَ في بلدٍ قِفارِ) الشاهد فيه على حذف المضاف في قوله: كأن عذيرهم عذير نعام. والعذير: الحال، يريد كأن حالهم في هربهم منا وفرارهم، حال نعام يبادر في العدو وهو فزع مذعور. وقوله: كانت طرائق: أي ضروبا، لم تكن كلها قوية تصبر على العدو. والمنقبة: التي فيها نقي وهو الخ، والرار: المخ الرقيق، ومخ المهزول يرق. وأراد: بين منقبة وذات رار فحذف. وسلى: موضع بعينه. ويروى: كأنهم برملِ الخَلَّ قَصْراً ولا شاهد فيه على هذه الرواية. والخل: موضع، وقصرا: عشا، وقاق: صوت وصاح

رفع بعض المصادر - في الدعاء

وذكر عن بعض شيوخنا إنه قال: العذير في هذا البيت: الصوت، وقد ورد عليه، وعاد عليه: يريد: عاد عليه بالنفع والسلامة، وكون بعض هذه الخيل مهزولا ولا يمكن الطلب عليه، ولو كانت سمانا للحقناه. وكانت بنو ضبة غزت باهلة وعليهم حكيم بن قبيصة بن ضرار الضبي، فهزمتهم باهلة، وجرحوا حكيما، وقتلوا عبيدة الضبي. رفع بعض المصادر - في الدعاء قال سيبويه في المنصوبات: قال حسان: (هاجيتُمُ حسانَ عند ذَكائِهِ ... غَيٌّ لمن ولَدَ الحِماسُ طويلُ) أن الهجاَء إليكمُ لَتَعِلَّةٌ ... فَتَحَشّشوا أن الذّليلُ الشاهد فيه إنه رفع (غي) وهو من باب المصادر التي يدعا بها، وهو مبتدأ وخبره (لمن). والذكاء: الكبر: يقال منه ذكى الرجل: إذا أسن. والحماس: أبو لطن من بني الحارث بن كعب. وقوله: أن الهجاء إليكم لتعلة، يريد أن الهجاء قد وجد سببا إليكم وإلى نيل أعراضكم، فتحششوا: تهيئوا لسماعه، واصبروا على ما يرد عليكم منه. النصب على المصدر بإضمار فعل - بدلالة ما قبله قال سيبويه في المنصوبات: قال حريث بن غيلان: إذا رأتني سَقَطَتْ أبصارُها (دَأبَ بِكارٍ شايَحَتْ بِكارُها) من مُقْرَمٍ وانتثَرَتْ أبعارُها

حذف النون استخفافا - والإضافة إلى ما بعده

الشاهد فيه إنه نصب (دأب) بإضمار فعل دل عليه (سقطت) كأنه قال: دأبت. والدأب في هذا الموضع: العادة، وعادة البكار أن تسقط أبصارها من هيبة الفحل العظيم. وفي (رأتني) ضمير يعود إلى (الشعراء) يقول: إذا رأتني الشعراء سقطت أبصارها، يعني أنهم يغضون أبصارهم هيبة له وإجلالا وخوفا. والبيكار: جمع بكر وهو بمنزلة الشاب من الناس، وشايحت: حاذرت وخشيت من فحل مقرم، وهو الفحل العظيم الشديد الذي قد ودع للفحلة. و (من مقرم) في صلة (شايحت). يريد أن البيكار حاذرت من هذا المقرم وانتثر بعرها. حذف النون استخفافا - والإضافة إلى ما بعده قال سيبويه قال أبو ثروان، ويروى للمعلوط ابن بدل: أن الغزالَ الذي يرجونَ غِرته ... جَمْعٌ يضيقُ به العَتْكانِ أو أطَدُ (مُستحِقبو حَلَقِ الماذيّ يَحْفِزُها ... بالمَشْرَفِيّ، وغابٌ فوقه حَصِدُ) العتكان: تثنية اسم موضع، وأكد معطوف عليه، والماذي: الدروع السهلة اللينة، ومستحقبو: أي جعلوا الدروع حقائب لهم شدوها

في نصب المصادر المثناة

وراء ظهورهم، يحفزه: يدفعه. يريد أن دروعهم إذا لبسوا وتقلدوا عليها بالسيوف؛ فالسيوف تدفع الدروع وتحفزها. وفي (تحفزه) ضمير فاعل يعود إلى الجمع، والمشرفي: يريد جماعة السيوف المنسوبة إلى المشارف وهي قرى تعمل فيها السيوف، والغاب: الأجم، واراد بالغاب في البيت: الرماح المجتمعة كأنها أجمة، والحصد: الملتف، وفوقه: يريد فوق الماذي. ويروى في شعره: . . . . . . يحفزه ... ضرب دِراكٌ وغابٌ فوقه حصَدُ في نصب المصادر المثناة قال سيبويه في المنصوبات: قال العجاج: (ضرباً هذاذَيْكَ وطَعْناً وَخْضا) يمضي إلى عاصي العُروق النَّحْضا حتى تَشَظَّوْا خَرزَاً مُنْفضّا ضربا: منصوب بإضمار (نضربهم) ضربا. هذاذيك: أي نهذ اللحم هذا بعد هذ أي نقطعه. والطعن الرخص الذي يخالط الجوف،

رفع المصدر في غير الدعاء

وعاصي العروق: الذي يضرب، يقال للعروق الضوارب: عواص ومستضغبة والنحض اللحم، يريد إنه يجاوز اللحم إلى العروق المستبطنة حتى يفتحها ويقطعها. وتشظوا: تفرقوا، و (خرزا) منصوب على الحال، أي: تشظوا مثل خرز قد انقطع من سلكه فتبدد. والمنفض: المنقطع. الشاهد إنه ثنى (هذاذيك) ونصبهما لأنهما في موضع الحال. رفع المصدر في غير الدعاء قال سيبويه في المنصوبات: قال الملبد بن حرملة من بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان: يشكو إلي جملي طول السرى صبر جميل فكلانا مبتلى وفي شعره: يشكو إليّ فرسي وَقْعَ القَنا الشاهد فيه على رفع (صبر جميل) أي: صبر جميل اصلح من الشكوى. أو تضمر ما يقارب هذا المعنى. في ضرورة الشعر - إظهار التضعيف وقال سيبويه في باب ضرورة الشعر: قال قعنب ابن أم صاحب:

النصب بإضمار فعل، أو نصبه بما فعله - المعنى

(مهلاً أعاذلَ قد جَرَّبْتِ من خُلُقي ... أني أجودُ لأقوام وإنْ ضنِنوا) الشاهد في إظهار التضعيف في (ضننوا) أراد ضنوا فاضطر إلى إظهار التضعيف. و (مهلا) منصوب بإضمار فعل، كأنه قال: أمهلي يا عاذلة ولا تبادري باللوم، ومهلا في موضع إمهالا، يقول: أمهلي. و (أعاذل) نداء. أراد، يا عاذلة قد جربت من خلقي؛ أني أجود على من يبخل علي، ولا التمس منه المكافأة. و (إن ضننوا) شرط محذوف الجواب، كأنه قال: وإن ضنوا لم أضين. النصب بإضمار فعل، أو نصبه بما فعله - المعنى قال سيبويه في المنصوبات: قال العجاج: ينضو الهماليجَ وينضو الزُّفَّفَا ناجٍ طَواهُ الأيْنُ مما وَجَفَا طيَّ الليالي زُلقاً فزُلفا (سماوَةَ الهلالِ حتى احْقَوقَفَا) الشاهد في نصب (سماوة) بإضمار فعل، كأنه قال: جعل الأين الجمل مثل سماوة الهلال. وصف جملا. وقوله: ينضو الهكاليج، يريد إنه يسرع حتى يقدمها ويكون أمامها، والهماليج: التي تسير هماجة، وهو سير سريع مع وطاء

وترفيه للراكب. والزفف: جمع زاف، وهو من زف يزف زفيفا إذا أسرع. والناجي: الذي ينجو أي يسرع، والأين: الإعياء والتعب، ووجف: أسرع أيضا، والوجيف: ضرب من العدو فيه إسراع، والزلف جمع زلفة وهو أن يفعل الفعل شيئا بعد شيء. يريد أن الليالي طوت القمر، أي أخذت من استدارته شيئا بعد شيء؛ تأخذ في كل ليلة جزءا، وسماوة الهلال: اعلاه، واحقوا قف: اعوج. وكان ينبغي أن يقول: طي الليالي سماوة القمر، وعبر عنه بالحال التي يصير إليها إذا طوي. ومثله: والسَّبُّ تَخْريقُ الأديمِ الألْخَنِ وإنما يلخن بالسب. ومثله: والشَّوْقُ شاجٍ للعيون الحُذَّلِ وإنما تحذل من البكاء للشوق. وذكر النحويون أن سيبويه ينصب (سماوة الهلال) بإضمار فعل وأنه أتى بالبيت شاهدا على هذا. ورده عليه أبو عثمان، وأبو العباس، وأبو إسحاق، وليس يدل كلام سيبويه على إنه أراد أن (سماوة الهلال) ينتصب بإضمار فعل. والذي يوجه ظاهر كلامه أن (طي الليالي) منصوب على المصدر وأنه لا ينتصب على الحال لأنه مضاف إلى الليالي وهي معرفة. كأنه قال: ومثله - وهو يريد: ومثل تضميرك السابق - في إنه مصدر مصاف إلى معرفة ولا يكون حالا. وإذا تأملت كلامه لم تجده يدل على أكثر من هذا.

قال سيبويه: وقد يكون على غير الحال أي: وقد يكون المصدر ينتصب على غير الحال: فمها لا يكون حالا ويكون على الفعل المضمر، قول رؤبة: لوَّحَ منه بعد بُدْنٍ وسَنَقْ من بعدِ تَعْداءِ الرّبيعِ في الأنَقْ (تلويحَك الضّامرَ يُطوى للسبَقْ) قودٌ ثَمانٍ مثل امراسِ الأبَقْ الشاهد فيه أن (تلويحك) مصدر مضاف إلى معرفة، لا يصلح أن يكون حالا. ذكر رؤبة عير وحش، ولوح منه: غيره وهزله، بعد بدن: أي بعد سمن، والسنق: الإكثار من الأكل، من بعد تعداء الربيع: من بعد تعدائه، يريد تعداء الحمار في الربيع أي في وقت الربيع، في الانق: أي في مرعى يعجبه لكثرته وحسنه، تلويحك الضامر: أي مثل تلويحك الفرس الضامر؛ وتلويحه إضماره، يطوى: أي يضمر ليسابق به. قود ثمان:

قود: جمع قوداء وهي الأتان الطويلة على الأرض، والامراس: الحبال والأبق: القنب. و (قود) رفع لأنها فاعلة. يريد أن اتنه لوحن منه أي غيرته؛ لغيرته عليهن واهتمامه بحفظهن وسوقهن إلى الماء وطلب المرعى لهن. قال سيبويه: وقد يجوز أن تضمر فعلا آخر كما أضمرت بعد: له صوت. يريد إنه قد يجوز أن ينصب (طي الليالي) بفعل آخر غير (طواه). كأنه قال بعد: طواه الاين مما وجفا: طواه طي الليالي. وقوله: كما أضمرت بعد (له صوت)؛ يريد أن (صوت حمار) بعد قولك (له صوت) منصوب بإضمار فعل، لأنه لا فعل قبله، فأمره في الإضمار واضح. وجعل سيبويه المصادر التي قبلها أفعالها المأخوذة منها نحو: ضربت زيدا ضربا، بمنزلة المصادر التي لا أفعال قبلها في أنها يجوز أن تنصب بإضمار فعل غير الفعل المتقدم لها، فتقول: ضربت زيدا ضربك. يجوز في (ضربك) النصب بالفعل الذي قبله، ويجوز نصبه بإضمار فعل مثل الفعل الذي قبله. ثم قال: يدلك على ذاك أي على جواز إضمار فعل بعد الفعل الذي المصدر الملفوظ به مصدره: أنك إذا أظهرت فعلا، وجئت بمصدر لا يكون مصدرا لذلك الفعل؛ صار بمنزلة: له صوت في احتياجه إلى فعل يضمر له، لأنه ليس بمصدر الفعل المتقدم. يقول: إذا جاز أن تأتي بمصدر ليس

بمصدر الفعل المتقدم، وتنصبه بإضمار فعل مثل الفعل المتقدم. فإن قال لنا قائل: إنما احتجتم إلى إضمار فعل في المصدر المخالف لما قبله، لأنه ليس من لفظ الفعل المتقدم فينتصب به، وإذا كان قبل الفعل نقل هذا المصدر مصدره، لم يجز أن تضمر فعلا. قيل له: إذا جاز أن تأتي بمصدر يخالف الفعل الذي قبله في اللفظ، ويقاربه في المعنى، وتنصبه بإضمار فعل يدل عليه الفعل المتقدم، وساغ هذا لأجل موافقة الفعل للمصدر من طريق المعنى؛ جاز أن تضمر فعلا للمصدر الموافق للفعل الذي قبله لأنه يدل على هذا المصدر من طريق اللفظ، ومن طريق المعنى، فما كان دلالته من وجهين أولى. فإن قال: لسنا ننكر أن يكون الفعل الموافق للمصدر يدل عليه من طريق الفظ ومن طريق المعنى، ولكنا نقول: إنه لا يحتاج إلى إضمار فعل معه، لأنه يجوز أن يعمل في المصدر. وفي المصدر المخالف نحن محتاجون إلى إضمار فعل ينتصب المصدر عنه، لأن الفعل الذي قبله ليس منه. قيل ما: نحن لم نقل إنه واجب أن يضمر للمصدر الموافق فعلا، وإنما قلنا هو جائز: ينتصب بالأول، وأن يضمر له فعل، كما جاز أن يضمر للمخاف، ولا يكون أسوأ حالا من المصدر الذي قبله ما يخالف لفظه. قال سيبويه وذلك قوله: وهو لأبي كبير.

اختيار الرفع على الابتداء - إذ شغل الفعل بضميره

(ما أن يَمسُّ الأرضَ إلا جانبٌ ... منه وحرفُ طِيّض المِحْمَلِ) الشاهد فيه أن (طي المحمل) ينتصب بإضمار فعل، كأنه قال: طوي طيا مثل طي المحمل. ولا ينتصب (طي المحمل) بـ (يمس). والمحمل: أراد به حمالة السيف. وصف صاحبا كان هو في سفر، ويقال أن ذلك الصاحب هو تأبط شرا، وصفه بالتفاف الجسم والضمر، لاشتغاله عن الأكل بالغزو والأسفار. يقول: إذا نام على جنبه لم يمس الأرض إلا منكبه وجانب ساقه. وجعله مثل حمالة السيف في ضمره ودقته. اختيار الرفع على الابتداء - إذ شغل الفعل بضميره قال سيبويه: وإذا قلت: كنت زيد مررت به، فقد صار هذا في موضع (أخاك) ومنع الفعل أن يعمل، وحسبتني عبد الله مررت به. ذكر سيبويه أن الجملة التي في أولها اسم قد شغل الفعل بضميره، إذا وقعت في موضع خبر كان، أو موضع المفعول الثاني لـ (ظننت وحسبت) وكذلك خبر (إن) وخبر الابتداء؛ اختير فيها أن يرفع الاسم بالابتداء، ولا يجري مجرى

الجملة التي تعطف على جملة قبلها. فيختار في الاسم أن ينصب بإضمار فعل، لأن الجملة التي قبله مبنية على فعل. نحو: ضربت زيدا وعمرا كلمته. وجعل الجمل التي تكون في موضع الإخبار بمنزلة الجمل التي لا شيء قبلها، لأنها من تمام الكلام، ولم يجز فيها النصب لأنه لم يتم الكلام الذي قبلها، وليست فيها حروف العطف كما يكون في الجمل المعطوفة. ثم ساق كلامه في هذا المعنى، واحتج لصحة ما ذكر بحجج واضحة، ثم ذكر دخول لام الابتداء في قولهم: قد علمت لعبد الله تضربه ليبين أن الجمل قد تقع في مواقع المفعولات، وتكون في حكم الكلام الذي لم يتقدمه شيء، لأن لام الابتداء لا تدخل إلا على كلام لا يتعلق بما قبله، ويكون بمنزلة ما ليس قبله شيء. ثم قال: (وإن شاء نصب ويريد) وإن شاء نصب في جميع هذا الذي اختير فيه الرفع، فأضمر له فعلا، كما يفعل إذا ابتدأ الكلام فقال: زيدا ضربته. يريد إنه يجوز أن تقول: كنت زيدا مررت به، وحسبتك عمرا لقيته. فكذا يفعل في (أن) فتقول: أني خالدا لقيته. قال المرار الاسدي - كذا وجدته في الكتاب، ورأيت الشعر لعبد الله ابن الزبير الاسدي -: أَبلِغْ يزيدَ ابنَ الخليفة أنني ... لقِيتُ من الظُلْم الأغرَّ المحجلا

(فلو أنها إياك عضَّتْك مثلها ... جررْتُ على ما شئتَ نحرا وكلكلا) وكنت أخاك الحقَّ في كل مَشْهَدٍ ... ألمَّ ولو أغْلَوْا بلحميَ مِرْجَلا الشاهد فيه إنه أتى بجملة في موضع خبر (أن) وخبرها مثل خبر (كنت) ومثل المفعول الثاني في (حسبت) وخبر الابتداء. والاختيار أن يرفع الاسم في أول الجملة كما ذكر فيما تقدم، فأتى به الشاعر منصوبا، ولو رفع لقال: (فلو أنها ا، ت عضتك) فأتى بـ (إياك) ونصبها بإضمار (عضت) وجعل (عضتك) مفسرا للفعل المحذوف العامل في (إياك)، والموضع الذي يقدر فيه المحذوف بعد (إياك) كأنه قال: فلو أنها إياك عضت عضتك. والضمير في (أنها) يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون ضمير الأمر والشأن. والوجه الآخر أن يكون ضمير المظلمة، لأنه قدم قوله: (لقيت من الظلم الأغر المحجلا). ومعنى قوله: (لقيت من الظلم الأغر المحجلا) أي لقيت ظلما واضحا مشهورا، لا يشك أحد إنه ظلم. فلو أنها إياك عضتك مثلها: (مثلها) رفع لأنه فاعل (عضتك)، وأنت الفعل وهو لـ (مثل) لأنه أراد بالمثل مؤنثا، كأنه قال: فلو أنها إياك عضتك بلية مثلها أو محنة أو مظلمة أو ما أشبه ذلك، ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مكانه. ومثله قولك: كلمتك مثل هند. يريد: كلمتك امرأة مثل هند. يقول: لو وقعت بك مثل هذه المظلمة، جررت على ما تريد

صيغة (فواعل) تعمل عمل (فاعلة)

مني من النصرة والمعونة نحري وكلكلي. والتاء من (جررت) مضمونة وهي للمتكلم، والتاء من (شئت) مفتوحة. يقول: كنت أحمل نفسي على ما تحب مني، حتى تبلغ ما تحب، ويزول عنك ما يؤذيك. وفي الكتاب: التاء من (جررت) مفتوحة. والمعنى على ما ذكرت لك. ورأيت أيضا في شعره (حززت) بزايين وبحاء غير معجمة. أي قطعت نحري وكلكلي فيما تحبه وتهواه. وكلا القولين له وجه: (جررت) بجيم وراءين و (حززت) بحاء وزايين. وكنت أخاك: أي أنصرك كنصر الأخ لأخيه. و (الحق) وصف الأخ و (ألم) أي: قرب، و (ألم) وصف لـ (مشهد) ولو أغلوا بلحمي مرجلا: أي لو قطعوا لحمي وطبخوه لما قعدت عن معونتك ونصرتك. صيغة (فواعل) تعمل عمل (فاعلة) قال سيبويه: ومما يجري مجرى فاعل من أسماء الفاعلين (فواعل) اجروها مجرى (فاعلة) حيث كان جمعه، وكسروه عليه. يريد أن جمع (فاعلة) يعمل في المفعول كعمل (فاعلة). ثم قال: فمن ذلك قولهم: هن حواج بيت الله بنصب (بيت) بحواج جمع حاجة. وقال أبو كبير: ولقد سرْيتُ على الظلامِ بمغْشَمٍ ... جَلْدٍ من الفِتيان غيرِ مُثَقَّلِ

حذف الواو من (هو) في ضرورة الشعر

(ممن حَمَلْنَ به وهن عواقِدٌ ... حُبُكَ النطاقِ فعاشَ غيرَ مُهَبَّلِ) الشاهد في نصبه (حبك النطاق) بـ (عواقد) وهو جمع عاقدة. قوله: سريت على الظلام أي في الظلام، والسرى: سير الليل، بمغشم: يعني بفتى مغشم، يغشم الناس: يظلمهم لجرأته وشجاعته، وقيل هو الذي لا يتحرج عن شيء عمله، والمثقل: الكثير اللحم، والحبك: الخيط الذي تشد به المرأة نطاقها. وأراد أن أمه حملت به وهي مشدودة الثياب لم تهيأ للنكاح، فكأنها نكحت وهي لا تريد. وزعموا أنها إذا نكحت مكرهة جاءت بالولد لا يطاق. والنطاق: ما تشد به المرأة وسطها، وقيل: الحبك: الذي تأتزر به المرأة، وقيل: الحبكة: حجزة الإزار. يعني أنها حملت به وهي عاقدة ثيابها للعمل في بيتها وإصلاحه. والمهبل: العظيم الضخم. والضمير في (حملن) ليس يعود إلى مذكور، وهو ضمير النساء، ولم يحتج إلى تقدم ذكرهن لأن المعنى معروف. يريد: من الذين حملت النساء بهم وهن مكرهات. حذف الواو من (هو) في ضرورة الشعر وأنشد أبو الحسن الأخفش في باب ضرورة الشعر: قال العجير السلولي:

فباتَتْ هُمومُ الصَّدرِ شَتّى يَعُدْنَهُ ... كما عِيدَ شِلْوٌ بالعَراءِ قتيلُ (فَبَيْناهُ يَشْري رَحْلَه قالَ فائلٌ ... لِمنْ جملٌ رِخوُ المِلاطِ طويلُ) مُحَلَّى بأطواقٍ عِتاقٍ كأنها ... بقايا لُجَيْنٍ جَرْسُهنّ صليلُ الشاهد فيه إنه حذف الواو من (هو) وهو ضمير منفصل. أراد (فبيناهو) الشلو: العضو المقطوع، ويقال لجسد الإنسان شلو. وصف رجلا ضل منه جمله، وذهبت عنه صحابته، ووصف - قبل وصفه الرجل الذي ضل عنه بعيره - حاله في هوى امرأة يحبها وشدة وجده بها؛ بوجد هذا الرجل الذي ضل بعيره، وفارقه اصحابه، فباتت هموم نفس هذا الرجل شتى متفرقة، يذهب عنه منها شيء، ويجيئه شيء. ويعدنه: يأتينه كما تأتي العوائد إلى المريض وإلى القتيل ينظرنه، والعراء. الفضاء من الأرض. يريد أن الهموم يأتينه كما تأتي النساء إلى قتيل ينظرن إليه. فبينا هو يشري رحل جملة الذي ضل عنه - أي يبيعه - سمع هاتفا ينشد الجمل، يعرفه. ورخو الملاط ورسل الملاط: سهل

المصدر الميمي بدل مصدر الفعل

الجنب أملسه. والأطواق: جمع طوق، عتاق: حسان، واللجين: الفضة، والجرس: الصوت، والصليل: صوت فيه شدة مثل صوت الحديد والفضة وما أشبه ذلك. وقد أنشده أبو الحسن: (رخو الملاط نجيب) بالباء. وانشد أيضا في كتابه في (القوافي) هذا البيت بالباء، وأنشد معه بيتا بالراء وهو قوله (والعاقبات تدور) وأنشد أيضا بيتا منها بالميم وهو قوله: (إذا قام يبتاع القرص ذميم). وجميع الأبيات في القصيدة باللام، وكرهت الإطالة بذكرها. المصدر الميمي بدل مصدر الفعل قال سيبويه في المنصوبات: قال ابن أحمر: لَدُنْ غُدوةً حتى كرَرْنَ عشيةً ... وقَربْنَ حتى ما يَجدنَ مُقرّبا (تدارَكْنَ حيا من نُمير بن عامرٍ ... أسارى تُسام الذلَّ قتلا ومَحْرَبا) الشاهد فيه إنه أتى بـ (المحرب) مصدرا لـ (حربته) في موضع (حربا). وقربن: عدون، يعني حتى لم يبق عندهن تقريب، أي انقضى عدوهن واخرجن جميع ما عندهن من العدو، وقد تداركن قوما من حي بني نمير قد قتل بعضهم وأسر بعضهم وأخذ مال بعضهم. وتداركن: يعني الخيل. اللفظ للخيل والمعنى لفرسانها. إضافة اسم الفاعل إلى معموله قال سيبويه قال الفرزدق: (أتاني على القَعْساءِ عادلَ وَطْبِهِ ... بِرجِلي لئيمٍ واسْتِ عبدٍ يُعادلهْ)

نصب المضارع بإضمار (أن)

فقلت له رُدَّ الحمارَ فإنه ... أبوك لئيمٌ رأسُه وجحافِلُهْ الشاهد في إضافة اسم الفاعل إلى المفعول، يريد: عادلا وطبه، ثم أضاف. يهجو الفرزدق بهذا جرير، يقول: أتاني وهو على أتان قعساء، والقعس: خروج الصدر ودخول الظهر. والوطب: زق اللبن. يعني إنه راعي غنم، قد حلبها في المرعى، وحمل لبنها على أتان حتى يأتي أهله. وراعي الغنم يكون معه حمار يركبه. وراعي الإبل لا يحتاج إلى حمار، لأنه إذا أراد أن يأتي أهله ركب قعودا وجاءهم بما يلتمسون. وقوله: عادل وطبه، يعني إنه يعدل وطبه على الأتان حتى لا تميل في أحد الجانبين، وأراد أن خلقه كخلق العبيد الرعاء، وقوله: فقلت له رد الحمار، وقبله: أتاني على القعساء، وهي أتان؛ وجهه عندي إنه رجع إلى الجنس، لأنه قبل النبيين، يقال: حمار، على لفظ الذكر يراد به الجنس، وإذا علم أنها أنثى قيل: أتان. ويجوز أن يكون أراد حمارا غير الأتان التي كان راكبها، والجحافل من ذوات الحافر بمنزلة الشفاه من الناس. نصب المضارع بإضمار (أن) قال سيبويه: قال عامر بن جوين الطائي: ألم تركَمْ بالجزْع من مَلِكات ... وكم بالصعيد من هجانٍ مُؤبَّلَهْ

(ولم أرَ مثلها خُباسَةَ واحِدٍ ... ونَهْنَهْتُ نفسي بعد ما كِدْتُ أفعلهْ) الشاهد فيه إنه نصب (افعله) بإضمار (أن) أراد: بعد ما كدت (أن أفعله). والجزع: منعطف الوادي، وملكات جمع ملكة، والصعيد: وجه الأرض، والهجان: مرائم الإبل، والمؤبلة: الكثيرة، يقال إبل مؤبلة أي كثيرة. ولم أر مثلها: مثل الغنيمة التي أراد أخذها، ونهنهت نفسي عن أخذ هذه الغنيمة بعد ما كدت أن آخذها. والهاء المنصوبة بـ (أفعله) ضمير المصدر، يريد بعد ما كدت أفعل الفعل، ويجوز أن يكون ضمير الغدر، لأنه أراد أن يغدر، يريد بعد ما كدت أفعل الغدر. وأتى بعروض البيت الأول وهو من الطويل على (فعولن) وبعضهم يرويه: (من ملكانه)، وعلى هذه الرواية تكون العروض (مفاعلن)، وعلى هذا الوزن ينبغي أن يكون. سبب هذا الشعر أن امرأ القيس بن حجر، كان جاور غير واحد من طيء، فمعن جاور، عامر بن جوين، وكان جاره قبل عامر خالد بن أصمع،

إثبات الياء في المضارع المجزوم - ضرورة

فلما صار في جوار عامر بن جوين، ورأى عامر بن جوين كثرة مال امرئ القيس وابليه وكثرة خدمه؛ هم أن يغدر به. فلما هم بذلك، هبط واديا ثم نادى بأعلى صوته: ألا أن عامر بن جوين قد هم بالغدر، فأجابه الصدى. فقال: ما أقبح هاتا. ثم نادى: ألا أن عامر بن جوين قد وفى، فأجابه الصدى، فقال: ما أحسن هاتا. ثم قال هذا الشعر. يريد إنه منع نفسه من أخذ مال امرئ القيس ونسائه بعد ما كاد يفعل. إثبات الياء في المضارع المجزوم - ضرورة قال سيبويه في باب ضرورة الشعر: قال قيس ابن زهير العبسي: (ألمْ يأتيكَ والأنباءُ تَنْمي ... بما لاقتْ لَبونُ بني زِياد) ومَحْبِسَها على القُرَشي تُشْرَى ... بأدراعٍ وأسياف حِدادِ

الشاهد فيه إنه أثبت الياء في (يأتيك) وهو مجزوم. وكأنه بمنزلة من اضطر إلى تحريك الياء بالضم في حال الرفع، فلما جزم حذف الحركة التي كانت على الياء. والأنباء: جمع نبأ وهو الخبر، تنمي: تنشر ويحملها بعض الناس إلى بعض. واللبون: التي لها لبن، وبنو زياد: الربيع بن زياد العبسي واخوته. وفاعل (يأتيك) يجوز أن يكون مضمرا في (يأتيك). يدل عليه قوله: والأنباء تنمي، فكأنه قال: ألم يأتك النبأ والأنباء تنمي؟ وقوله (والأنباء تنمي) جملة، هي اعتراض بين قوله (يأتيك) وبين قوله (بما لاقت) وتقديره: ألم يأتك الخبر بما لاقت لبون بني زياد. وهذا البيت أول الأبيات، فليس يقدر أن الضمير الذي فيه يعود إلى مذكور، والباء وما بعدها في موضع نصب بـ (يأتيك). ويجوز أن يقال: (لبون) فاعل يأتيك. كأنه قال: ألم يأتيك لبون بني زياد؟ يريد: ألم يأتيك خبر لبون بني زياد وما صنع بها. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ويكون في (لاقت) ضمير يعود إلى (اللبون) ويكون (لبون) في نية التقديم كأنه قال: ألم يأتيك خبر لبون بني زياد بما لاقت. ويجوز أن يقال: أن الباء في قوله (بما لاقت) زائدة، وكأنه قال: ألم يأتيك ما لاقت لبون بني زياد؟ ويكون كقوله عز وجل: (وكفى بالله شهيدا). و (محبسها)

النصب على المصدر بإضمار فعل

معطوف على فاعل (يأتيك) واللبون: أراد بها جماعة الإبل التي لها لبن، والقرشي: عبد الله بن جدعان التيمي، وتشرى: تباع ويؤخذ بثمنها دروع وسيوف. وسبب هذا الشعر أن الربيع بن زياد طلب من قيس بن زهير درعا، فبينا هو يخاطبه والدرع مع قيس إذ أخذها الربيع وذهب بها، فلقي قيس أم الربيع وهي فاطمة بنت الخرشب فأسرها، وأراد أن يرتهنها حتى يريد عليه درعه الربيع. فقالت له: يا قيس أين عزب عنك حلمك، أترى بني زياد مصالحيك وقد أخذت أمهم فذهبت بها، وقد قال الناس ما قالوا؟ ويكفيك من شر سماعه. . . فخلى عنها. وأخذ إبل الربيع فحملها إلى مكة وباعها، واشترى من عبد الله بن جدعان بها سلاحا. النصب على المصدر بإضمار فعل قال سيبويه في المنصوبات: قال الشماخ: (أو أعَدْتَني ما لا أحاولُ نَفْعَه ... مواعيدَ عُرقوبٍ أخاه بيَتْرَبِ) الشاهد في نصب (مواعيد) بإضمار فعل. وقولهم: مواعيد عرقوب، هو مثل مقول قبل أن ينظمه الشماخ. وشاهد سيبويه في انهم نصبوه في المثل،

ثم ضم الشماخ إليه بقية البيت. (مواعيد) في بيت الشماخ منصوب (بأوعدتني) يريد: أوعدتني مواعيد مثل مواعيد عرقوب أخاه. وعرقوب هذا هو عرقوب بن صخر من العماليق، وعد رجلا من العرب نخلة يطعمه طلعها، فلما اطلعت أتاه يلتمس ما وعده فقال له: اتركها حتى تصير بلحا فتركها. فلما أبلحت أتاه، فقال: اتركها حتى تصير بسرا. فلما ابسرت أتاه، فقال: اتركها حتى ترطب. فلما أرطبت أتاه، فقال: اتركها حتى تصير تمرا. فلما أتموت عمد إليها عرقوب فجها بالليل. فجاء الرجل ورآها لا شيء فيها، فضربت العرب بعرقوب المثل. و (يترب) موضع على مثال (يرمع) وهو غير يثرب.

إضمار (كان) مع اسمها بعد (أن)

إضمار (كان) مع اسمها بعد (أن) قال سيبويه في المنصوبات: قالت ليلى الاخليلية: أن الخليعَ ورهطَه من عامرٍ ... كالقَلْبِ ألبِسَ جؤجؤاً وحزيما (لا تَقْرَبَنَّ الدهرَ آلَ مطرفٍ ... أن ظالما فيهم وإنْ مظلوما) الشاهد فيه إنه أضمر فعل الشرط بعد (إنْ)، ونصب به (ظالما)، كأنه قال: أن كنت ظالما وإن كنت مظلوما. تمدح بذلك همام بن مطرف، وهو من ولد الخليع. والجؤجؤ؛ الصدر، وأرادت به وسطه. والحزيم: الصدر، وأرادت به ما حول الجؤجؤ تعني

نصب المصدر على الظرفية

أن الخليع وولده من بني عامر بمنزلة القلب في البدن لا يوصل اليه، وحوله ما يحفظه. وأرادت أن آل مطرف لا يقدر عليهم من أراد ظلمهم، ولا ينتصف منهم من ظلموه لعزتهم وقوتهم. نصب المصدر على الظرفية قال سيبويه في المنصوبات: قال حميد بن ثور: (وما هي إلا في إزارٍ وعِلْقَةٍ ... مُغارَ ابنِ همّامٍ على حي خَثْعَما) الشاهد فيه إنه نصب (مغار ابن هشام) على الظرف. والإزار: المئزر، والعلقة الشوذر. يريد أنها كانت في وقت إغارة ابن همام على خشعم. وابن همام: هو عمرو بن همام بن مطرف، من الخلعاء، كانت خشعم قتلت أباه همام بن مطرف، فأتى نجدة بن عامر الحروري، فأظهر له إنه على رأيه، وسأله أن يبعث معه ناسا من اصحابه، فأرسل معه نجدة خيلا. فأغار على خشعم، فأصاب فيهم، وأدرك بثأر أبيه، وصار رأسا في الخوارج. فلما قضى حاجته رجع إلى قومه فنزل فيهم، ثم وضع السيف في النجدية. وقد رد على سيبويه جعله (مغار ابن همام) ظرفا من الزمان، وقيل: إنه لو كان ظرفا ما اتصل به (على حي خثعم) لأن أسماء الزمان والمكان المشتقة من

إضافة اسم الفاعل إلى معموله - بنية التنوين

الفعل؛ لا تتعدى إلى المفعول المنصوب، وإلى المفعول الذي يتعدى بحرف جر. وحجة سيبويه أن المصادر التي جعلها ظروفا مضاف إليها اسم الزمان، ثم يحذف اسم الزمان، فتنوب المصادر عنه. ويروى: وما هي إلا ذاتُ إتبٍ مُفرجٍ إضافة اسم الفاعل إلى معموله - بنية التنوين قال سيبويه في باب اسم الفاعل: قال بشر بن أبي خازم: كأني بين خافِيَتَيْ عُقاب ... أكَفيّها إذا ابتل العِذارُ (تراها من بَبيس الماء شُهْباً ... مُخالطَ دِرّةٍ منها غِرارُ) شبه فرسه بالعقاب في السرعة، والخوافي من ريش جناح الطائر: ما دون الفلية: يقول: كأني بين خوافي جناحي عقاب. يريد كأنه راكب على ظهر العقاب، وإذا كان على ظهرها فهو بين خوافيها (من جناحيها). وإذا ابتل العذار: يريد عذار اللجام من عرق الفرس، واكفيها أضعها مرة نحو اليمين ومرة نحو الشمال وإنما يعني الحبل، من يبيس الماء: ويبيس الماء هو العرق الذي قد جف، وإذا جف العرق عليها ابيض، والدرة: ما يدر من عرقها، والغرار: انقطاع خروج العرق ونقصانه. يعني أنها لا تعرق عرقا كثيرا

في عمل (زعم)

فتضعف، ولا ينقطع العرق منها فلا يخرج، وانقطاعه مذموم، وكذلك كثرته مذمومة. في عمل (زعم) قال سيبويه في باب ظننت: قال أبو ذؤيب: (فإنْ تَزْعُميني كنتُ أجهلُ فيكُمُ ... فإني شَرَيْتُ الحِلْمَ لعدَكِ بالجهلِ) وقال ضحابي: قد غُبنْتَ فخِلْتُني ... غَبَنْتُ، فما أدري أشَكْلُهُمُ شكلي الشاهد فيه إنه جعل (تزعم) بمنزلة (تظن) وعداه إلى ضمير المتكلم، وجعل الجملة التي بعده في موضع المفعول الثاني، ويعود إلى المفعول الأول وهو ضمير المتكلم - من الجملة التي في موضع المفعول الثاني - التاء التي هي الاسم في (كنت). وشريت: في هذا الموضع بمعنى اشتريت. ويروى (فإني اشتريت). يقول لها: أن كنت تزعميني أني كنت جاهلا باتباعك ومحبتك؛ فقد اشتريت الحلم بصبري عنك، وبعت الجهل. وجعل استبداله الصبر والحلم بدل الهوى والغزل بمنزلة استبدال الشيء المشترى بدل الثمن المدفوع عوضا منه.

إضمار (كان) مع اسمها

وقال صحابي قد غبنت في تركك اتباعها، واستبدالك به الصبر عنها. وزعم أن الذي عنده خلاف الذي عندهم وقوله: أشكلهم شكلي أي أطريقتهم طريقتي؟ يريد أنهم كانوا معه في حال طلبه للعب والجهل، ثم تركهم هو وقال: ما ادري، أشكلهم شكلي الآن في تركهم الغزل واللعب؛ أم هم مقيمون على ما كانوا عليه؟. . . إضمار (كان) مع اسمها قال سيبويه في المنصوبات: قال النعمان بن المنذر: فما انتفاؤك منه بعد ما جَزَعَتْ ... هوجُ المطيَّ به أبْراقَ شِمليلا (قد قيل ذلك أن حقا وإن كذبا ... فما اعتذاركَ من شيء إذا قيلا) الشاهد فيه أنه نصب (حقا وكذبا) بفعل محذوف بعد (إن) وحذف الفعل بعدها وهو فعل الشرط. وهوج المطي: اللاتي فيها شبه الهوج من سرعتها ونشاطها إذا سارت، وأبراق جمع برق وبرق: جمع برقة، والبرقة: المكان الذي فيه رمل وحصى. وجزعت: قطعت، وشمليل مكان.

حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه

وسبب هذا الشعر أن الربيع بن زياد العبسي كان نديم النعمان بن المنذر، فوفدت بنو عامر إلى النعمان وأقاموا عنده لبعض حوائجهم، فكان الربيع يقع فيهم ويحقرهم عند الملك، وكان لبيد يومئذ غلاما قد أخذوه معهم. فأخذت بنو عامر لبيدا معهم في بعض الأيام ودخلوا على النعمان. وشرح حديثهم فيه طول. فرجز لبيد بالربيع بن زياد، وقال يخاطب الملك: مهلا أبيْتَ اللعنَ لا تأكُلْ مَعَهْ أن استَهُ من بَرَصٍ مُلمَّعَهْ وإنه يولجُ فيها إصْبَعَهْ يُدْخِلُها حتى يواري أشْجَعَهْ إنما يطلب شيئا ضيَّعَهْ فترك النعمان مؤاكلته وقال له: عد إلى قومك، ولك عندي ما تريد من الحوائج. فمضى الربيع إلى قبته، وتجرد، وأحضر من شاهد بدنه وانه ليس فيه سوء. فأخبروا النعمان بذلك فقال له: قد قيل ذلك. أي أنك أبرص أن كان الذي قيل حقا وإن كان كذبا؛ فما اعتذارك منه وأنت لا يمكنك أن تمنع الناس من الحديث، ولا تضبطه بعد انتشاره. فلا وجه لتعنيك بالاعتذار وهو لا ينفعك. حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قال سيبويه قال النابغة الجعدي: (وكيف تُصاحبُ مَن أصبحتْ ... خِلالته كأبي مرحبِ)

العطف على المحل

وبعض الأخِلاءِ عند البلا ... ءِ والرزءِ أوغُ من ثعلبِ أبو مرحب: الذي يقول لك أهلا ومرحبا إذا لقيك، ليس عنده غير ذلك، وإذا أردت منه شيئا تلتمسه؛ لم تجده. العطف على المحل قال سيبويه في المنصوبات: قال كعب بن جميل: ألا حيَّ نَدْماني عميرَ بنَ عامرٍ ... إذا ما تلاقَيْنا من اليوم أو غدا) صحا القلبُ عن حيَّيْن شتتْ نَواهُما ... بخَيْبَرَ في البلقاءِ فيمن تَمَعْددا الشاهد فيه إنه نصب (أو غدا) وعطفه على موضع (من اليوم) كأنه قال: تلاقينا اليوم أو غدا. وشئت نواهما: يريد أنهم فارقوا قومهم وبعدوا عنهم، وصار بعضهم بالبلقاء من أرض الشام وبعضهم بموضع آخر. وتمعدد الرجل: إذا ذهب في الأرض وأبعد. كما قال معن بن اوس: . . . وإنْ كان مِن ذي وُدَّنا قد تمعددا

النصب بإضمار فعل يقصده المعنى

النصب بإضمار فعل يقصده المعنى قال سيبويه: في المنصوبات، قال كعب بن جعيل: أعنيّ أميرَ المؤمنين بنائل ... أعِنْكَ وأشْهَدْ من لقائِكَ مَشْهَدا أعِنّي بخَوّار العِنان تخالُهُ ... إذا راح يَرْدي بالمدجج أحْرَدا (وأبيضَ مصقولَ السَّطامِ مُهَنَّدا ... وذا حَلَقٍ من نَسْجِ داودَ مُسْرَدا) كذا إنشاد البيت الأخير في كتاب سيبويه. والشاهد فيه إنه نصب (أبيض) بإضمار فعل كأنه قال: وأعطني أبيض. . . والبيت في شعره واقع على غير هذا الإنشاد، وإنشاده: وإني لُمسْتكسِكَ حَوْكاً يمانيا ... وذا حَلَقٍ من نسْجِ داودَ مُؤْبِدا والخوار العنان: الفرس اللين العنان، الذي لا يتعب يد راكبه ولا يؤذيه. والمدجج: الذي قد لبس السلاح، والاحود: الذي يرجم بقوائمه الأرض، كما يفعل البعير الأحرد إذا ضرب بأخفافه الأرض. يريد أنك تحسبه أحرد. والحرد: داء يكون في القوائم، إذا أصاب البعير خبط بيديه. وإنما يفعل الفرس هذا من النشاط والمرح. ويردي بالمدجج: يعدو به، والأبيض: السيف، والمصقول السطام: يريد المصقول الحدين والجانبين،

مجيء الواو بمعنى (مع)

والمهند: المنسوب إلى الهند: وذا حلق: يريد به الدرع، ودرع الحديد مؤنثة، وإنما ذكر على تأويل القميص واللباس. وقد قيل: إنه يذكر وقد قال الشاعر. مقلصا بالدّرعِ ذي التغضنِ والحوك: ما نسج باليمين، يعني به بردا يمانيا. مجيء الواو بمعنى (مع) قال سيبويه في المنصوبات: قال شداد بن معاوية العبسي أبو عنترة: فمَنْ يَكُ سائلا عني فإني ... وجِرْوَةَ لا تَرودُ ولا تُعارُ) مقربَةُ الشتاءِ ولا تراها ... أمام الحيَّ يتبعُها المِهارُ لها بالصيف آصرةٌ وجُلٌّ ... وسِتٌّ من كرائِمها غِزارُ جروة: اسم فرس شداد، لا ترود: لا تذهب وتجيء، يريد: إنها لا تخلى وتترك تذهب تجيء مع الخيل، ولا تعار لمن التمس إعارتها ضنا بها. مقربة الشتاء: يعني أنها تشد عند بيتنا الشتاء لنتولى نحن وأهلنا القيام عليها وخدمتها، ولا يترك فحل ينزو عليها فتلد مهارا، لأنه محتاج إلى ركوبها إذا غزي قومه أو غزا قوما. أراد أن حاجته إليها دائمة. لها بالصيف

النصب على الحال وهو يحتمل التمييز

آصرة: جمع إصار وهو كساء يجمع فيه ما قطع من العشب والحشيش، وجل تغطى به، وست من الإبل أفردت لها لتسقى ألبانها. النصب على الحال وهو يحتمل التمييز قال سيبويه في المنصوبات: قال عمرو بن عمار النهدي، ويروى لامرئ القيس: وغيثٍ من الوْسميّ جُنَّت تِلاعُه ... وابرزَ عن نور كاوشِيةِ الرُّقْمِ عدوتُ عليه من قَرار مَسيلَةٍ ... بأَجْرَدَ كالتمثال معتدلٍ فَعْمِ (طويلٍ متلَّ العُنْق أشْرفَ كاهلا ... أشَقَّ رحيبِ الجوف معتدلِ الجِرْمِ) الشاهد فيه إنه نصب (كاهلا) على الحال. جنت تلاعه: علا نبتها وطال، وأبرز عن نور: يعني ظهر نوره ألوانا، فيه أبيض وأحمر وأصفر، والأوشية: جمع على غير قياس، كأنه جمع وشاء، ووشاء: جمع وشيء، إلا أن وشاء لا أعلم إنه سمع، الرقم: الدارات ونحوها، والقرار: الموضع الذي يستقر فيه الماء وتنبت حوله الرياض،

نصب (أي) على الظرفية

والأجرد فرس، كالتمثال: يريد إنه كصورة مصورة في الحسن معتدل الخلق، فعم: ممتلئ ليس بمتغضن الجلد، والمتل: والكاهل: ما بين كتفيه، والأشق: الطويل، رحيب الجوف: واسعه، وهذا محوود في الخيل، والجرم: الجسد. نصب (أي) على الظرفية قال سيبويه في المنصوبات: قال حريث بن جبلة العذري: (حتى كأنْ لم يكُنْ إلا تذكرُهُ ... والدهرُ ايتما حالٍ دهاريرُ) الشاهد فيه إنه نصب (ايتما حال) على الظرف و (دهارير) مبتدأ، و (أيتما حال) خبره و (يكن) في البيت هي من (كان التامة) كأنه قال: حتى كان الإنسان لم يوجد في الدنيا أو لم يحدث إلا تذكره. وفي (يكن) ضمير المرء، وتقدير الكلام: حتى كأن الإنسان لم يوجد إلا ذكره، يريد أن الإنسان قصير العمر، وما مضى من عمره إذا مات كأنه لم يوجد. ويحكى أن عبيد بن سارية الجرهمي قدم على معاوية - وكان عبيد من المعمرين، قيل إنه عمر ثلاثمائة سنة، وقيل إنه عمر مائتين وعشرين سنة - فسأله معاوية عن أشياء كثيرة حتى قال له: فأخبرني عن أعجب شيء رأيته؟ قال: أعجب شيء رأيته أني نزلت بحي من قضاعة، فخرجوا بجنازة رجل من عذرة يقال له: حريث بن جبلة، فخرجت معهم، حتى إذا وأروه انتبذت

جانبا عن القوم وعيناي تذرفان، ثم تمثلت بأبيات شعر كنت لآويتها قبل ذلك. وهي: يا قلب إنك في أسماء مغرور ... أذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد ... حتى جرت بك إطلاقا محاضير تبغي أمورا فما تدري أعاجلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير فاستقدر الله خيرا وارضين به ... فبينما العسر إذا دارت مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبطا ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور حتى كأن لم يكن إلا تذكره ... والدهر ايتما حال دهارير

عطف الظاهر على الضمير بالرفع

المحاضير: السراع الواحد محضير، والإطلاق: جمع طلق، وهي التي لا تعقل ولا تقيد. قال عبيد بن سارية الجرهمي: فقال رجل إلى جنبي يسمع ما أقول: يا عبد الله، من قائل هذه الأبيات؟ قلت: والذي أحلف به ما أدري، قد رويتها منذ زمان. قال: قائلها هذا الذي دفنا آنفا، وإن هذا ذو قرابته أسر الناس بموته، وإنك الغريب الذي وصف يبكي عليه. فعجبت لما ذكر في شعره والذي صار إليه من قوله، كأنه كان ينظر إلى موضع قبره! فقلت: أن البلاء موكل بالمنطق. وقد أنشد سيبويه بيتا من جملة هذه الأبيات في باب النونين الخلفية والثقلية. عطف الظاهر على الضمير بالرفع قال سيبويه في المنصوبات: قال المخبل السعدي: يا زبرقان أخا بني خلف ... ما أنت - ويب أبيك - والفخر هل أنت إلا في بني خلف ... كالإستكين علاهما البظر

أعمال صيغة المبالغة (فعال) عمل الفعل

الشاهد فيه إنه رفع (الفخر) وعطفه على (أنت). و (ويب) بمعنى ويل، وبنو خلف: قوم الزبرقان، والأسكتان بفتح الهمزة وكسرها: جانبا الفرج. يقول للزبرقان: مثلك لا يفخر، ومن ساد مثل قومك فلا فخر له بسيادتهم. وشبههم إذا اجتمعوا حوله وأطافوا به بالبظر الذي بين الاسكتين. وأراد أن يقول: هل أنت في بني خلف إلا كالاسكتين، تقدم. أعمال صيغة المبالغة (فعال) عمل الفعل قال سيبويه في باب ما يعمل من أسماء الفاعلين: وقال الفلاخ بن حزن التميمي في رده على سوار بن حنان المنقري: فإن تكُ فاتَتْكَ السماءُ فأنني ... بأرفعِ ما حولي من الأرض أطولا وأدنَى فروعا للسماء أعالياً ... وأمنعهُ حوضا إذا الورد أثعلا (أخا الحرب لبّاسا إليها جِلالَها ... ولست بولاّج الخوالف أعقلا) الشاهد فيه على أعمال (لباسا) عمل الفعل. وأثعل الورد: دنا وقرب، وقالوا: تتابع وزاد؟ وقوله: فإنني بأرفع ما حولي من الأرض أطولا، أي: أنا أشرف من جميع من يناسبني، وأكرم

وقوع الفعل المتأخر صفة للاسم قبله

وأعلى ذكرا، و (بأرفع) خبر إني و (أطول) منصوب على الحال. وأراد: أطول من كل شيء، فحذف. يقول: أنا بأرفع الأمكنة التي حولي طائلا كل شيء. و (أدنى) معطوف على (أطول) و (أعاليا) وصف لـ (فروع). وامنعه حوضا: يريد إنه منيع لا يرومه أحد ولا يجترئ أحد على الإقدام على ما يكرهه. وجلال الحرب: الدروع والبيض والسلاح، والخوالف: جمع خالفة وهي عمود من أعمدة البيت، والولاج: الإدخال. يقول: إذا حضر البأس والخوف لم ألج البيت مستترا، با أظهر وأجاهر وأحارب. واعقلا: الذي تضطرب رجلاه من وجع او فزع أو خوف. يريد إنه قوي النفس، ثابت القدم في مواضع الزلل. وقوع الفعل المتأخر صفة للاسم قبله قال سيبويه قال الحارث بن كلدة: ألا أبلغْ معاتبتي وقولي ... بني عَمْروٍ فقد حسن العِتابُ وسَلْ هل كان لي ذَنْبٌ إليهم ... هُم منه فأعتِبَهمْ غِضابُ كتبتُ إليهمُ كتُبا مْراراً ... فلم يرجِعْ إليَّ لهمْ جوابْ (فما أدري أغيّرهمْ تَناءٍ ... وطولُ العهدِ أم مالُ أصابوا) الشاهد إنه رفع (مال) وجعل (أصابوا) وصفا له، ولم يجز أن يعمل فيه (أصابوا) وهو وصف له.

تأنيث الفعل لإضافته إلى مؤنث

يريد: ما أدري أغيرهم بعد حتى تركوا مودتي ومحبتي وتعهدي؟ تناء: أي بعدهم عنا وطول المدة التي لم نجتمع فيها؛ أم مال وقع في أيديهم وحصل لهم، فشغلوا بالسرور به عني. ويرى: أم مالا أصابوا، يعني أم أصابوا مالا، وتكون (أم) منقطعة. ورواية سيبويه أجود وتكون (أم) على روايته متصلة بما قبلها ويجوز أن تكون منقطعة. تأنيث الفعل لإضافته إلى مؤنث قال سيبويه قال الأغلب العجلي: (طولُ الليالي أسرعتْ في نَقْصي) أخَذْنَ بعضي وتركْنَ بعضي حنَيْنَ طولي وحنَيْنَ عَرْضي أقْعَدْنني من بعد طولِ نَهْضي الشاهد فيه إنه قال (أسرعت) وأنث الضمير الذي هو فاعل (أسرعت) ويجب أن يكون مذكرا لأنه ينبغي أن يعود إلى المبتدأ، والمبتدأ مذكر وهو (الطول) وإنما أنت أنث لأنه أضاف الطول إلى الليالي، وليس الطول شيئا غيرها. وهو كما تقدم من الأبيات المتقدمة.

الفصل بالظرف بين المتضايفين

وكان الأغلب قد عمر، أراد أن مضي الدهر عليه قد ذهب ببعض جسمه وبقى بعضه، والنهض: قصد الأشياء التي يريدها وفعلها والمبادرة إليها. ويروى: أن الليالي أسرعت من نقضي ولا شاهد فيه على هذه الرواية. الفصل بالظرف بين المتضايفين قال سيبويه قال عمرو بن قميئة: قد ساَءلَتني بنتُ عمروٍ عن ال ... أرضينَ إذْ تُنكر أعلامها لما رأتْ ساتيدَما استعبَرَتْ ... لله درُّ - اليوم - مَنْ لامَها تذكرَتْ أرضاً بها أهلُها ... أخوالَها فيها وأعمامَها الأعلام: الجبال الواحد علم، ويجوز أن يريد بالأعلام المنار المنصوبة على الطريق ليستدل بها من يسلك الطريق. يريد أنها سألته عن المكان الذي صارت فيه وهي لا تعرفه لما انكرته، واستخبرته عن اسمه. وساتيدما جبل، استعبرت: بكت. والشاهد فيه على إنه فصل بين المضاف وهو (در) وبين المضاف إليه وهو (من لامها) بـ (اليوم). وكان ينبغي: لله در من لامها اليوم.

حذف خبر الثاني بدلالة خبر الأول

والعرب تقول: لله در فلان إذا دعوا له. وقيل: انهم يريدون لله عمله، أي جعل الله عمله في الأشياء الحسنة التي يرضاها. تذكرت بنت عمرو أرضا بها أهلها: (أهلها) مبتدأ و (بها) خبره، والجملة في موضع الوصف لـ (الأرض)، (أخوالها) منصوب بإضمار فعل تقديره (تذكرت أخوالها) فيها: يريد في الأرض التي تذكرتها، و (أعمامها) معطوف على (أخوالها). حذف خبر الثاني بدلالة خبر الأول قال سيبويه قال ضابئ بن الحارث البرجمي: (فمَن يكُ أمسى بالمدينة رحلُهُ ... فإني وقَيارٌ بها لَغريبُ) وما عاجِلاتُ الطير تدني من الفتى ... نجاحا ولا عن رَيْثهِنّ يخيبُ الشاهد فيه إنه رفع (قيار) ولم يعطفه على (إن) وهو على التأخير كأنه قال: فأني لغريب بها وقيار. فعطفه على الموضع.

وقيار اسم جمله. ويروى (وقيارا) يعطف على اسم إن، ويكون (لغريب) خبرا عن أحدهما، واكتفى به عن خبر الآخر. يقول: من كان بيته بالمدينة ومنزله؛ فلست من أهلها ولا لي بها منزل. وكأن عثمان رحمه الله قد أشخصه وحبسه لأجل فرية افتراها على قوم. وحديثه معهم مشهور. وقوله: وما عاجلات الطير، يريد الطير التي تقدم الطيران إذا خرج الإنسان من منزله، فأراد أن يزجر الطير، فما مر في أول ما يسنح فهو عاجلات الطير، وإن أبطأت عنه وانتظرها فقد راثت. والأول محمود والثاني مذموم. يقول: النجح ليس بأن الطير للطيران كما يقول الذين يزجرون الطير، ولا الخيبة في إبطائها. فرد مذهب الأعراب في ذلك. ومثله: تَعَلَّمْ إنه لا طَيْرَ إلا ... على متطيرٍ وهو الثبورُ

أعمال المصدر النائب عن فعله

أعمال المصدر النائب عن فعله قال سيبويه وقال شاعر من همدان: يَمرون بالدهنا خِفافا عِيابُهُم ... ويخرُجْنَ من دارِينَ بُجْرَ الحقائبِ (على حينَ ألْهَى الناسَ جُلُّ أمورِهِمْ ... فنَدْلا زُرَيْقٌ المالَ نَدْلَ الثّعالبِ) الشاهد فيه إنه نصب (المال) بـ (ندلا) وهو مصدر ندل يندل إذا نقل. كأنه قال: اندلى المال ندلا. وزريق: نداء وهي قبياة، كأنه قال: اندلي يا زريق المال كما يندل الثعلب ما يأخذه من الثمرة ويخبأه. والدهنا: موضع، ودارين موضع أيضا، والبجر: جمع أبجر وبجراء وهما العظيما البطن. والحقائب: جمع حقيبة وهو الشيء الذي يجعل فيه الإنسان زاده وما يحتاج إليه، ويكون مشدودا إلى رحله من مؤخره. وقوله: على حين ألهى الناس جل أمورهم؛ يريد حين اشتغل الناس بالفتن والحروب. وقيل: إنه يصف قوما تجارا يحملون المتاع من

استعمال الواحد في موضع الجمع

دارين ويبيعونه، ويمرون بالدهناء بعد ما باعوا متاعهم. وقيل: إنه يصف لصوصا يأتون إلى دارين فيسرقون ويملئون حقائبهم، ثم يفرغونها ويعودون إلى دارين. استعمال الواحد في موضع الجمع قال سيبويه قال الشعر: (كُلوا في بعضِ بطنِكُمُ تَعِفّوا ... فإنّ زمانَكُمْ زمنٌ خَميصُ) الشاهد فيه على إنه استعمل الواحد في موضع الجمع في قوله: بعض بطنكم، يريد بعض بطونكم، لأنه يريد بطن كل واحد منهم. والخميص: في الأصل الجائع، والخمص: الجوع. وأراد بوصفه الزمن بخميص، إنه جائع من فيه، فالصفة للزمن والمعنى لأهله، يقول لهم: اقتصروا على بعض ما يشبعكم، ولا تملئوا بطونكم من الطعام فينفد طعامكم، فإذا نفد طعامكم احتجتم إلى أن تسألوا الناس أن يطعموكم شيئا، وإن قدرتم لأنفسكم جزءا من الطعام ولم تكثروا من الأكل، عففتم عن مسألة الناس. و (تعفوا) مجزوم لأنه جواب الأمر. العطف على المجرور بالنصب - على الموضع قال سيبويه قال العجاج: يا صاحِ ما ذكّركَ الاذْكارا ما لُمْتَ من قاضٍ قضى الأوطارا

إعمال الفعل الأول والإضمار للثاني

كشحاً طوى من بَلَدٍ مُخْتارا (من يأسَةِ اليائسِ أو حِذارا) الشاهد فيه إنه نصب (حذارا) وعطفه على موضع (من) وهو عطف على معنى الكلام المتقدم، كأنه قال: طوى كشحا مختارا يأسة اليائس، أي ليأسة اليائس، وهو مفعول له. والأذكار: جمع ذكر. يقول: ما ذكرك يا صاحبي الأشياء التي ذكرتها، وأراد بالأذكار الأشياء المذكورات، وعنى به إنه ذكر المعاني التي لام فيها، ثم قال: ما لمعت من فعل إنسان قضى أوطاره، وما كانت نفسه تدعوه إليه من الزيارة والإلمام ممن يحب، ثم طوى بعد ذلك كشحه مختارا للفرقة. ويقال للذي فارق: قد طوى كشحه، وأصله أن الذي يولي عن الإنسان الذي يخاطبه أو يكلمه إذا ولى عنه، ثنى كشحه وجنبه وأدبر عنه. وقوله: من يأسة اليائس أو حذارا؛ يريد إنه وإن فارق مختارا للفراق لأجل يأسه ممن قصده، أو حذره على نفسه. ولم يبين لأي الوجهين طوى كشحه، لأجل اليأس أو لأجل الحذر. إعمال الفعل الأول والإضمار للثاني قال سيبويه قال المرار: فردَّ على الفؤاد هوى عميداً ... وسوئل لو يُبينُ لنا السؤالا

(وقد نَغْنَى بها ونرى عُصوراً ... بها يَقْتَدْنَنا الخُرُدَ الخِدالا) الشاهد فيه على أعمال (نرى) ونصب (الخرد الخدالا) بنرى، وهذا على أعمال الفعل الأول. وفي (يقتدننا) ضمير الخرد الخدال، والخرد الخدال في تقدير التقديم، لأن العامل فيها (نرى) كأنه قال: ونرى الخرد الخدال عصورا بها يقتدننا. وفي (رد) ضمير الربع المسؤول عن أهله الذين ارتحلوا عنه، فقال بعد ما سألاه: فرد على الفؤاد هوى عميدا، وهو المعمود الذي عمده الحب، أي: شدخه ورضه، ومن ذلك قولهم: عميد سنام البعير يعمد عمدا إذا انشدخ. كأنه لما وقف على الربع وتذكر من كان يحله، عاوده حزنه على مفارقتهم، وألم قلبه لما تذكرهم. وسوئل الربع عنهم لو يبين لنا السؤالا، أراد: لو يبين لنا جواب السؤال، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقد نغنى بها: أي بهذه الدار، والعصور: جمع عصر، والخرد: جمع خريدة وهي الحية، والخدال: جمع خدلة وهي التي على قصبها لحم وشحم، ويقتدننا ويقدننا بمعنى واحد، أي قد كنا عصورا في هذه الدار نتبع الهوى ويقتادنا الحسان الخرد الخدال. فأما (نرى) فالوجه أن يكون من رؤية القلب، ويكون (الخرد) المفعول الأول و (يقتدننا) في موضع المفعول الثاني. فإن قال قائل: قد أجاز النحويون إعمال الثاني في هذا الشعر - وأن كان

رفع (مكان) على الابتداء

لا يسوغ في الإنشاد - على التقدير فقالوا: لو أعمل الثاني لقال: وقد نغني بها ونرى عصورا بها تقتادنا الخرد الخدال. فإذا أجازوا هذا فـ (نرى) أين مفعولاها؟ وقيل له: يجوز أن يكون المفعول الأول ضمير الأمر والشأن، وحذفه، كأنه قال: ونراه عصورا بها تقتادنا الخرد الخدال، أي نرى الأمر. ومثله مما ذكر سيبويه: (إن بك زيد مأخوذ) على معنى: إنه بك زيد مأخوذ. ويجوز أن يكون (عصورا) المفعول الأول، والجملة التي بعد (عصور) في موضع المفعول الثاني، ويعود إلى (عصور) من الجملة التي هي المفعول - الضمير المتصل بالباء، وكأنه قال: ونعلم عصورا في هذه الدار بها - أي بالعصور - تقتادنا الخرد الخدال. ومعنى (نَغْنَى) نقيم، أي: وقد نقيم بهذه الدار. رفع (مكان) على الابتداء قال سيبويه: في الظروف: قال الشاعر: (وأَنتَ مكانُك من وائلٍ ... مكانُ القُرادِ من اسْتِ الجَمَلْ)

(لبي) مثنى (لب) في لبيك

الشاهد فيه إنه رفع (مكانك) بالابتداء، ورفع (مكان القراد) وجعله خبرا لـ (مكانك) ولم يجعله ظرفا، ولو نصبه لكان جائزا وفيه اتساع. وتقديره: مكانك من وائل مثل مكان القراد من أست الجمل. يعني من أخس قبائل بكر بن وائل وأوضعها، وأنه - في خسة المنزلة وسقوطها وأنه لا يلتفت إليه - مثل القراد الذي يتعلق باست الجمل. (لبي) مثنى (لب) في لبيك قال سيبويه في المنصوبات: (دعوتُ لِما نابني مِسْوَراً ... فَلَبَّى يَدَيْ مِسْوَر) الشاهد فيه أن قوله (لبي) تثنيه لب، وهو شاهد على أن (لبيك) تثنيه، وليس كما زعم يونس أن (لبيك) أصلها لبا، وأن الألف زائدة فيها على (لب) مثل جرا، وأن الألف انقلبت ياء لما اتصلت بالضمير، كما انقلبت الألف في (عليك). ولو كانت الألف لغير التثنية لم تنقلب مع الظاهر، كما أن ألف (على) لا تنقلب في قولك: على زيد مال. وقد انقلبت الألف مع (يدي) - وهو ظاهر - ياء، فعلمنا أن الألف للتثنية. والمعنى أن مسورا معوان حسن الصداقة والمودة، إذا دعاه صديق للمعونة على نائبة نابتة لباه وأظهر سرورا بمعونته، ولم يتثبط عنه. وقوله فلبى: أي لباني لما دعوته. وقوله: فلبي يدي مسور: أي فلبي مسور متى دعاني، أي إذا دعاني أجبنه كما أجابني حين دعوته. وعبر عن مسور بيدي مسور، أي أنا أطيعه وأتصرف تحت مراده وأكون كالشيء الذي يصرفه بيديه.

النصب على الحال بعامل محذوف

النصب على الحال بعامل محذوف قال سيبويه في المنصوبات: قال الشاعر: (ألِحْقْ عذابَكَ بالقومِ الذينَ طَغَوْا ... وعائذاً بكَ أن يَعْلُوا فيُطْغوني) الشاهد فيه إنه نصب (عائذا بك) على الحال والعامل فيه محذوف، كأنه قال: أعوذ بك عائذا، أو أخضع لك عائذا، أو أستجير بك عائذا وما أشبه ذلك. دعا الله عز وجل أن يلحق عذابه بالطاغين، وأن يسلمه منهم، واستعاذ بالله أن يزيد أمر الطغاة فيفسدوا عليه دينه. والواو من قوله (أن يعلوا) هي ضمير الطغاة، وقوله: فيطغوني أي: يدخلوني في طغيانهم، أو يحملوني على الطغيان كرها. وأراد بقوله: أن يعلوا أي: تعلوا أمورهم. قال سيبويه في المنصوبات قال الشاعر: أَفي السَّلم أعيارا جفاءً وغلظةً ... وفي الحرب أمثالَ النساءِ العواركِ)

الشاهد فيه نصب (اعيارا) على الحال بإضمار فعل، و (أمثال النساء العوارك) معطوف على (اعيار) كأنه قال: أتثبتون في السلم أشباه اعيار وأمثال اعيار وما أشبه ذلك، ويجوز أن تضمر: أتعرفون أمثال اعيار. ويدل على هذا الإضمار قوله: (وفي الحرب أمثال النساء العوارك) فجاء بـ (أمثال) في المعطوف والإعراب فيهما واحد. والسلم: الصلح، والعوارك: النساء الحيض. المعنى أنكم جفاة في وقت الصلح لأمنكم، وأنكم لا تخافون عدوا، يعني أنهم يجفون على الناس ويغلظون عليهم في الخطاب، فإذا أقبلت الحرب وبطل السلم ضعفتم ولنتم وذللتم وذللتم من فزعكم، وهذا يدل علي جبنكم ولؤمكم. قال سيبويه في المنصوبات: قال الشاعر: (أفي الولائمٍ أولادا لواحدةٍ ... وفي العِيادة أولادا لِعلاّتِ) الشاهد فيه على نصب (أولادا) بإضمار فعل، كأنه قال: أتثبتون مؤتلفين في الولائم. وقوله (أولادا لواحدة) بمنزلة قوله: مؤتلفين، ونصب (أولادا لعلات) بإضمار فعل، كأنه: أتمضون متفرقين في العيادة. والمعنى أنهم تجتمع جماعتهم إذا دعوا لوليمة، ولا يتخلف منهم أحد، فكأنهم بمنزلة أولاد لامرأة واحدة لا يقع بينهم خلف لأن أمهم واحدة،

الرفع في باب الدعاء - الوجه نصبه

هي تؤلف بينهم وتحفظ جماعتهم، فهم مؤتلفون لا يفارق بعضهم بعضا. وقوله (وفي العيادة أولادا لعلات) العلات: جمع علة وهي الضرة، وأولاد الضرائر متقاطعون، لا يكادون يأتلفون لأجل ما بين أمهاتهم من التباعد، ولا يجتمع بعضهم إلى بعض. يريد أنهم لحرصهم على الولائم، يجتمعون في أسرع وقت، فإذا وجب عليهم حق من عيادة أو غيرها، ثقل عليهم فعله، ففعله الواحد منهم بهد الآخر في أزمنة متفرقة، لا يجتمع اثنان منهم في قضاء حق كما لا يجتمع أولاد العلات. الرفع في باب الدعاء - الوجه نصبه قال سيبويه في المنصوبات: قال الشاعر: (لقد ألَبَ الواشون ألبْا لِبَيْنِهمْ ... فتُرْبُ لأفواهِ الوُشاةِ وجَنْدلُ) الشاهد فيه على رفع (ترب) وهو من باب الدعاء وهو مسموع من العرب، وسيبويه يعمل في هذا على السماع ولا يقيس بعضه على بعض، والقياس في جميعه النصب، لأن الدعاء بالأفعال، والمصادر تقوم مقامها، وتحذف الأفعال بعد أن نصبت المصادر، لأن رفع منها شيء فعلى الابتداء، وفيه معنى الدعاء كما كان في المنصوب. و (ترب) مرفوع بالابتداء، و (جندل) معطوف عليه و (لأفواه الوشاة) خبر الابتداء. وألب يألب: إذا سعى ومشى. أراد: لقد سعى الواشون في الإفساد لبعدهم، أي لأن يفترقا، والبين هاهنا: الفراق، والذي عندي إنه أراد (لبينهما)

الرفع بإضمار فعل دون الإتباع

ولكنه ذكره بلفظ الجمع لأجل الشعر، و (ألبا) مصدر (ألب) وأتى مؤكدا. وقوله: فترب لأفواه الوشاة، يقول: جعل الله الترب والجندل حشو أفواههم عقوبة لهم على كذبهم وسعيهم في الفرقة، والجندل: الحجارة. الرفع بإضمار فعل دون الإتباع قال سيبويه في المنصوبات: أسقى الإلهُ عُدُوات الوادي وجَوْفَه كلَّ مُلِثٍ غادي كلُّ أجشَّ حالكِ السّوادِ) الشاهد فيه على إنه رفع (كل أحبش) ولم يجره على (كل ملث) وصفا ولا بدلا، ورفعه بإضمار فعل دل عليه ما قبله، كأنه لما دعا لهذا الوادي بالسقيا فقال: (أسقى الإله عدوات الوادي وجوفه كل ملث) دل الكلام على إنه بمعنى: سقى الوادي كل ملث، ولما كان المعنيان متقاربين رفع (كل أجش) بإضمار: سقاها كل أحبش. والعدوات: جمع عدوة وهي ناحية الوادي وجانبه، ويقال فيها: عدوة وعدوة، وجوف الوادي أسفله، والملث: السحاب الدائم المطر. أراد: أسقى الإله عدوات الوادي مطر سحاب ملث. والغادي الذي يبدأ مطره من أول النهار، والأجش من السحاب: الذي فيه رعد، والحبشة: صوت فيه غلظ، والحالك: الشديد السواد.

حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه

حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قال سيبويه قال الحطيئة: (وشرُّ المنايا ميّتٌ بين أهله ... كهُلْكِ الفتى قد أسلم الحي حاضُرُهُ) الشاهد فيه على حذف المضاف. وتقدير الكلام: وشر المنايا منية ميت بين أهله. يعني أنه: شر ضروب الموت الموت على الفراش، يقصد إلى أن الشجعان وأصحاب النجدة والبأس كانوا يقتلون ولا يموتون على فرشهم. ومثله: تَسيلُ على حدّ الظُّباتِ نفوسُنا ومثله قول عبد الله بن الزبير بما بلغه قتل مصعب أخيه: لسنا كأولاد أبي العاصي، إنا لا نموت إلا طعنا بالرماح وقعصا بالسيوف. وقوله: كهلك الفتى أي: المنية التي هي شر المنايا كهلك الفتى. فتقدير قوله: (كهلك الفتى) إنه خبر ابتداء محذوف. وقوله: (قد أسلم الحي حاضره) أي: قد أسلم الإنسان الحي الذي قد أشرف على الموت حاضره: الذين حضروه من أهله. ويجوز عندي أن تكون الجملة التي هي قوله: (قد أسلم الحي حاضره) في موضع الحال من (الفتى).

جر الظرف غير المتمكن - لغة

فإن قال قائل: الفعل الماضي لا يكون عند سيبويه حالا، قيل له: إذا دخل عليه (قد) جازت فيه الحال. فإن قال: فليس في الجملة عائد إلى (الفتى) قيل له: (الحي) في موضع الضمير من طريق المعنى، كأنه قال: قد أسلمه أهله، وإنما حسن هذا لأن الكلام تقديره: كهلك الفتى الحي قد أسلمه أهله للموت. فجعل (الحي) مفعول (أسلم) وهو في المعنى الفتى. ومثله قول الله عز وجل: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) معناه: أنا لا نضيع أجره، لأن من أحسن عمله مؤمن. جر الظرف غير المتمكن - لغة قال سيبويه قال رجل من خثعم: (عَزَمْتُ على إقامةِ ذي صَباحٍ ... لشيءٍ ما يُسَوَّدُ مَنْ يَسودُ) الشاهد فيه إنه جر (ذا صباح) وهو ظرف لا يتمكن، والظروف التي لا تتمكن لا تجر ولا ترفع، ولا يجوز مثل هذا إلا في لغة لقوم من خشعم، أو يضطر إليه شاعر. يريد: عزمت على الإقامة إلى وقت الصباح لأني وجدت الرأي والحزم

في عطف الظاهر على المضمر

يوجبان ذلك، ثم قال: لشيء ما يسود من يسود (ما) زائدة، أي لشيء يسود من يسود. يقول: أن الذي يسوده قومه، لا يسودونه إلا الشيء من الخصال الجميلة والأمور المحمودة، رآها قومه فيه فسودوه من أجلها. ولا يجوز أن يسود السيد بغير سبب من أسباب السيادة، وأراد إنه سوده على علم منه وخبرة به. في عطف الظاهر على المضمر قال سيبويه قال جرير: (فإيّاك أنت وعبدَ المسي ... حِ أن تَقْربا قِبلةَ المسجدِ) الشاهد فيه على نثب (عبد المسيح) وعطفه على (إياك) بعد أن أتى بـ (أنت) وجعله توكيدا للضمير في (إياك) وأراد أن يعلمك أن التوكيد إذا أتى جاز أن يقع العطف عليه ويرفع المعطوف؛ وجاز أن تعطف مع مجيء التوكيد على (إياك). و (أن تقربا) مفعول ينتصب بالفعل الذي عمل في (إياك) وأصله أن يدخل عليه حرف الجر، ولكنه حذف منه لطوله. أراد أنهما رجسان لا يقرب مثلهما المساجد، ولم يقصد القبلة بعينها، ولكنه أراد المسجد واحتاج إلى ذكر القبلة للوزن. ويجوز أن يكونا قد أما الناس وصليا بهم، فنهاهما عن القرب من القبلة وهو يريد الإمامة. الرفع على الخبرية - للمعنى قال سيبويه قال الشاعر: اعتادَ قلبُكَ من سَلّمى عوائده ... وهاجَ أهواءك المكنونة الطَّلَلُ

في أعمال المصدر

(رَبْعٌ قَواءٌ أذاعَ المُعصراتُ به ... وكلُّ حيرانَ سارٍ ماؤه خَضِلُ) الشاهد فيه إنه رفع (ربع) على خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: هو ربع قواء اعتاد إياه مرة بعد مرة. وقوله: من سلمى، يريد من أجل حب سلمى، عوائده: جمع عائدة وهو ما يعوده من وجده بها وشوقه إليها. وهاج ما في قلبك - من الأهواء التي كنت تكنها وتسترها - الطلل الذي عرفته لها وعهدتها فيه، يعني أن نظره إلى الطلل ذكره ما كان في قلبه منها. والطلل: ما شخص من آثار الدار، والربع: الموضع الذي نزلوا فيه، والقواء: الخالي، والمعصرات: السحاب التي فيها أعاصير والواحد إعصار، وهي الرياح اللواتي تهب بشدة، وأذاع به: فرقه وطمس أثره. يعني أن الريح والأمطار محت الدار، وعفت رسومها. والحيران: السحاب الذي كأنه متحير لا يقصد إلى جهة لثقله وكثرة مائه، والساري: الذي ينشأ بالليل ويسير، و (سار) من نعت (حيران) و (ماؤه) مبتدأ و (خضل) خبر المبتدأ، والخضل بمعنى المخضل الذي يبل ويندي. في أعمال المصدر قال سيبويه قال الشاعر: (فلولا رجاءُ النصرٍ منكَ ورهبةٌ ... عقابكَ قد صاروا لنا كالمواردِ)

الشاهد فيه على أعمال المصدر كعمل الفعل، و (عقابك) منصوب بـ (رهبة). والموارد: الطرق الواحدة موردة. المعنى: لولا أنهم يرجون أن تنصرهم علينا أن حاربناهم، ولولا أنا نرهب عقابك أن قتلناهم، لقد صاروا لنا أذلاء نطأهم كما يوطأ الطريق. قال سيبويه قال الشاعر: (بضربٍ بالسيوف رؤوس قومٍ ... أزلنا هامَهُنَّ عن المقيلِ) الشاهد فيه على تنوين المصدر، وعمله في المفعول النصب، والمفعول (رؤوس قوم) وقوله: أزلنا هامهن: أي أزلنا هام الرؤوس، فالضمير المجموع المؤنث يعود إلى الرؤوس. والمقيل: يراد به المستقر، يعني أنهم أزالوا الرؤوس عن مستقرها بأن قطعوها. قال سيبويه قال الشاعر: (ضعيفُ النِّكايةِ أعداَءهُ ... يَخالُ الفِرارَ يُراخي الأَجَلْ)

العطف على الموضع

الشاهد فيه على أعمال المصدر الذي هو (النكاية) وفيه الألف واللام. ومعنى يخال: يظن، ويراخي: يباعد. يهجو رجلا بالضعف، والعجز عن مكافأة أعدائه والانتصار منهم إذا ظلموه. ثم ذكر إنه يحسب الفرار يباعد اجله ويحرس نفسه. العطف على الموضع قال سيبويه قال الشاعر: (هل أنت باعثُ دينارٍ لحاجتنا ... أو عبد ربٍ أخا عونِ بنِ مِخراقِ) الشاهد فيه على نصب (عبد رب) وعطفه على موضع (دينار). والأصل: هل أنت باعث دينارا. ويجوز أن تنصب بإضمار فعل، كأنه قال: هل ا، ت باعث دينارا أو تبعث عبد رب. وكلام سيبويه يدل على هذا. الاسم: عبد ربه، ولكنه ترك الإضافة وهو يريدها، واخاعون: وصف لعبد رب. قال سيبويه قال الشاعر: (يَهدي الخميسَ نِجاداً في مطالعها ... إمّا المِصاعَ وإمّا ضربةٌ رُغُبُ)

الشاهد فيه على إنه رفع (ضربة رغب) ولم يعطفها على المصاع. و (المصاع) منصوب بإضمار فعل كأنه قال: إما يماصع المصاع، وإما فعله أو أمره ضربة رغب. الخميس: الجيش، والنجاد: جمع نجد وهو الطريق، والنجد أيضا: المكان المرتفع، والمصاع: القتال، والضربة الرغب: الواسعة. قال الشاعر: لإن قتلتهُ فلم آلُهُ ... وإنْ يَنْجُ منها فجرحٌ رَغيبْ المعنى إنه يمدح رجلا بالنجدة والشجاعة والهداية، وأنه يقود الجيوش فتتبعه وتأتم به، والمطالع: المواضع المرتفعة المشرفة، يعني إنه يتقدمهم، ويشرف على المواضع التي يظنون أن فيها قوما من أعداهم ينفض لهم الطريق. وقوله إما المصاع يقول: إذا غزا فبلغ الحي الذي يريده فهو: إما يقاتلهم، وإما يضرب فيهم بالسيف ضربات واسعة. قال سيبويه قال الشاعر: بادتْ وغيرّ آيَهُنَّ مع البِلَى ... إلا رواكدَ جمهرُهُنّ هَباءُ (ومشجَّجٌ أما سَوءُ قَذالِهِ ... فبدا، وغيَّرَ سارَه المَعْزاءُ) الشاهد فيه على رفع (مشجج) وترك عطفه على (رواكد) كأنه قال: وثم مشجج.

وكلام سيبويه فيه واضح. وفي (بادت) ضمير من ديار تقدم ذكرها. وآيهن: علاماتهن والآثار اللاتي فيهن، الواحدة آية. قال الراجز ووصف منزلا: لم يُبْقِ هذا الدهرُ من آيائِهِ غيرَ أثافيه وأرْمِدائِهِ وفي (غير) ضمير من مطر أو إعصار أو غيرهما مما يعفو الديار ويمحو الآثار. يقول: ما أصاب الديار عفى آثارها والبلى مع ذلك عفاها، والرواكد: الأثافي، الواحدة راكدة، وإنما وصفها بالركود لأنها مقيمة ثابتة لا تبرح، وهي منصوبة على الاستثناء من (آيهن). يريد أن جميع ما في الدار تغير إلا الأثافي، و (جمرهن هباء) جملة في موضع الوصف لـ (رواكد). وقوله: جمهرهن هباء، يعني أن الذي كان جمهرا وقت الإيقاد وإشعال النار هو الآن هباء. والهباء: الذي صار كالتراب المدقق الذي تسفيه الرياح. والضمير الذي في (جمهرهن) يعود إلى الرواكد، والمشجج: الوتد، وإنما سمي مشججا لأنه يضرب رأسه إذا أرادوا إثباته في الأرض، فإذا نقلوا البيت من موضع إلى موضع؛ قلعوا الأوتاد ثم أثبتوها في الموضع الذي يريدونه، وضربوا رؤوس الأوتاد حتى تثبيت. فالوتد في كل موضع يضرب رأسه، إذا كثر ضربهم إياه تكسر وتفرق خشبه، وسواد الرأس: أعلاه ووسطه، وأراد بالقذال: الرأس: يعني أن رأس الوتد ظاهر لم يعله التراب، وأن بقيته قد سفت

في إعمال المصدر

عليها الريح التراب والحصى، والمعزاء: يريد به الحصى الصغار، ويقال للمكان الذي فيه حصى صغار: أمعز، وللأرض التي فيها حصى: معزاء، والسار: السائر حذفت منه الهمزة، وهو مثل هار وهائر وشاك وشائك. في إعمال المصدر قال سيبويه قال الشاعر: (وَرأْيَ عَيْنَيَّ الفتى أخاكا) يعطي جزيلا فعليكَ ذاكا الشاهد فيه نصب (رأي عيني). و (الفتى) مفعول (رأي عيني) و (أخاكا) بدل منه، و (يعطي) في موضع مفعول ثان لـ (رأي عيني) وجزيلا: كثيرا، وتقديره يعطي عطاء جزيلا، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. وقوله: فعليك ذاكا إغراء و (ذا) في موضع نصب، كما تقول: عليك زيدا و (ذا) إشارة إلى الفتى. أي فعليك ذاك الفتى فاقصده، ويجوز أن تكون الإشارة إلى العطاء، أي فعليك ذاك العطاء فافعله. إضافة اسم الفاعل بالـ إلى معموله قال سيبويه قال الراجز: (الفارجي بابِ الأميرِ المبْهَمِ)

العطف بارفع؛ والواو بمعنى (مع)

الشاهد فيه على إضافة (الفارجي) إلى (باب الأمير) كما تقول: الضارب غلام الرجل. ومعنى الفارجي: الفاتحي، والمبهم: الذي لا يتجه لفتحه، ويتعذر - على من رام - الوصول إليه. والمعنى إنه يمدح قومه ويقول: أن أبواب الأمراء لا تغلق في وجوههم، والمراد أنهم يصلون إلى الملوك إذا وفدوا إلى الملوك ولا يحجبون عنهم، لعزهم ومحلهم في نفوس الملوك. العطف بارفع؛ والواو بمعنى (مع) قال سيبويه قال الشاعر (وأنت امرؤٌ من أهلِ نجدٍ وأهلُنا ... تَهامٍ، فما النَّجديُّ والمُتَغَوّرُ) الشاهد فيه على رفع (المتنور). وقوله: فما النجدي والمتغور: (ما) اسم مبتدأ، و (النجدي) خبره و (المتغور) معطوف عليه. ولو نصب (المتغور) في قصيدة منصوبة لجاز. كما نقول: ما أنت وقطعة من ثريد. المعنى: أنت امرؤ مخالف لنا في المكان الذي تسكنه من الأرض، أنت من أهل نجد ونحن من أهل تهامة، والموضعان مختلفان، فنحن لا نتفق، ويبعد ما بيننا كلعد بلادي من بلادك. وقوله: وأهلنا تهام، أفرد (تهام) ولم يقل

إبدال الفعل من الفعل

تهامون لأنه اكتفى بالواحد من الجمع. والمعنى: كيف ننفق ونقيم في مكان وأنا احب المقام عند أهلي ولا أكره أرضهم، وأنت تحب أهلك والمقام فيهم. . . إبدال الفعل من الفعل قال سيبويه قال الراجز: أن عليَّ اللهَ أن تُبايعا (تؤخذّ كَرْهاً أو تَجيءَ طائعا) الشاهد فيه على إبداله (تؤخذ) من (تبايع)، وعطف (تجيء) على (تؤخذ) كأنه قال: أن علي الله أن تؤخذ كرها بالبياع، أو تجيء إليه طائعا. حلف الشاعر بالله على المخاطب، إنه لابد من أن يبايع طوعا أو كرها، وتقدير الكلام: أن عليّ والله أن تبايع. و (أن تبايع) اسم أن و (عليّ) خبر إنّ، والقسم معترض بين الخبر والاسم. ومثله: ألا ربَّ مَنْ قلبي به الله ناصحُ. . . . . . . .

النصب على الحال أو التمييز مع جواز الظرفية

النصب على الحال أو التمييز مع جواز الظرفية قال سيبويه قال الراجز: إذا أكلتُ سمكاً وفَرْضا (ذهبْتُ طولاً وذهبْتُ عَرْضا) الشاهد في نصبه (ذهبت طولا) و (ذهبت) إنه نصبهما على الحال، كأنه قال: ذهبت في جهة طويلا وذهبت في جهة عريضا. والفرض: ضرب من التمر، وأراد أن أكله السمك وهذا الضرب من التمر؛ قد أطاله وأعرضه وأسمنه. النصب خلاف الظاهر - للمعنى قال سيبويه قال الشاعر: (بينا نحن نرقبه أتانا ... معلقَ وَفْضَةٍ وزنادَ راعي) الشاهد في نصبه (وزناد راع) ونصبه على المعنى، لأنه إذا قال: أتانا معلق وفضة فكأنه قال: معلقا وفضة فنصب (وزناد راع) على تقدير: ويعلق زناد راع. ونرقبه: ننتظره، والوفضة: هي جعبة السهام، وأراد بها في البيت شيئا يصنع مثل الخريطة والجعبة، يكون مع الفقراء والرعاة يجعلون فيه أزوادهم. وزعموا أن أهل الصفة - رحمهم الله - كانت معهم وفاض، وفي الحديث: أن

أعمال اسم الفاعل المنون

رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تجعل الصدقة في الاوفاض، قيل: إنه أراد أهل الصفة. وزناد راعي، الزناد: الخشبة التي تقدح بها النار. أعمال اسم الفاعل المنون قال سيبويه ش قال امرؤ القيس: (أني بحبلِكِ واصلٌ حبلي ... وبريشِ نَبْلِكِ رائشٌ نَبْلي) ما لم أجِدْكِ على هُدَى أثرٍ ... يَقْرو مقَصَّكِ قائفٌ قبلي الشاهد فيه على تنوين (واصل) وإعماله عمل الفعل ونصب (حبلي) به، وكذلك (رائش) منون وقد نصب (نبلي). يقول لهذه المرأة التي ذكرها في أول القصيدة: إني متقرب إليك، ومجتهد في أن تعلمي أني أهواك بكل وجه من وجوه التقرب، ومتابع لك على ما تريدين. فإذا مددت سببا إلى أمر تهوينه مددت أنا إليه سببا لمعونتك حتى تبلغي ما تحبين. وبريش نبلك رائش نبلي، يقول: أحتذي في أفعالي على المثال الذي تجري عليه، ما لكم أجدك إذا اتبعك على أمر تمضين فيه هادية، وقد اتبعك إنسان قبلي ممن يهواك. يعني أنها خالت غيره هجرها وقطعها ولم يلتفت اليها. ويقرو: يتبع، والمقص: موضع اتباع أثر الماشي والراكب. يقال: قصصت أثره قصا إذا اتبعه، والقائف، المتتبع. يقال: قاف يقوف إذا تتبع.

إلغاء فعل الظن لتوسطه

إلغاء فعل الظن لتوسطه قال سيبويه قال جرير: (أَبِالأَراجيز يت بْنَ اللُّؤمِ توعِدُني ... وفي الأراديز - خِلْتُ - اللؤْمُ والخَوَرُ) الشاهد في البيت إنه ألغى (خلت) ولم يعلمها لأنها توسطت الجملة، ورفع (اللؤم) بالابتداء وعطف عليه (الخور) و (في الأراجيز) خبر المبتدأ و (خلت) ملغاة من طريق اللفظ وليست بملغاة من طريق المعنى. أراد بهذا الكلام عمر بن لجأ. يقول: أتهددني بأن تهجرني بالأراجيز، وفي الأراجيز خلت لؤم الشعراء وخورهم، وعندهم أن الشعر الفحل هو القصيد، وفحول الشعراء هم أصحاب القصيد، والخور: الضعف.

في أعمال صيغة المبالغة (فعل)

في أعمال صيغة المبالغة (فعل) قال سيبويه قال الشاعر: (حَذِرٌ أموراً لا تَضيرُ وآمنٌ ... ما ليس مُنْجِيَهُ من الأقدارِ) الشاهد فيه إنه أعمل (حذر) وهو على (فعل) عمل الفعل. لا تضير: لا تؤذي ولا تخاف لها عاقبة، وآمن من الأقدار ما ليس ينجيه، يقول: الإنسان لقلة علمه وضعفه في نفسه يحذر ما لا يضيره، ويأمن ما لا ينجو منه. و (حذر) مرفوع على كلام متقدم و (آمن) معطوف عليه و (ما) بمعنى الذي. وقد زعم قوم أن أبا يحيى اللاحقي حكى أن سيبويه سأله عن شاهد في أعمال (فعل) فعمل له البيت. وإذا حكى أبو يحيى مثل هذا عن نفسه، ورضي أن يخبر إنه قليل الأمانة، وأنه أؤتمن على الرواية الصحيحة فخان، لم يكن مثله يقبل قوله ويعترض به على ما قد أثبته سيبويه. وهذا الرج أحب أن يتجمل بأن سيبويه سأله عن شيء، فخبر عن نفسه بأنه فعل ما يبطل الجمال، ويثبت عليه عار الأبد. ومن كانت هذه صورته؛ بعد في النفوس أن يسأله سيبويه عن شيء.

النصب على المعنى بإضمار فعل

النصب على المعنى بإضمار فعل قال سيبويه قال الشاعر: (يذهَبْنَ في نجدٍ وغَوْراً غائرا) الشاهد في نصب (غورا غائرا) بإضمار فعل، كأنه قال: يذهبن في نجد ويسلكن غورا غائرا. تهامة وما يليها، ونجد: هو من نحو فيد إلى الكوفة وإلى البصرة وما يلي ذلك. يعنى بذلك قصائد قد سارت في الغور وتهامة، أو أفعالا يفتخر بها، أو حروبا قد غار ذكرها وأنجد. الجر بـ (حتى) على الغاية قال سيبويه قال الشاعر: (ألقى الصحيفة كي يخففَ رَحْلَه ... والزادَ حتى نعلِهِ ألقاها) الشاهد فيه على جر (نعله) على الغاية، كأنه قال: ألقى الصحيفة والزاد وما معه من المتاع وغيره حتى انتهى الإلقاء إلى نعله. ويكون قوله (ألقاها) تكريرا للفعل على طريق التوكيد. ويجوز نصب (نعله) على أن (حتى) بمنزلة الواو، كأنه قال: ألقى الصحيفة حتى نعله، يريد ونعله، كما تقول: أكلت السمكة حتى رأسها بنصب (رأسها) وتقديره: أكلت

إعمال صيغة المبالغة (فعول)

السمكة ورأسها، ويكون (ألقاها) مكررا توكيدا. ويجوز أن ينصب بإضمار فعل يفسره (ألقاها) كأنه قال: والزاد حتى ألقى نعله ألقاها، كما يقال في الواو وغيرها من حروف العطف. كأنك قلت: وألقى نعله ألقاها. ويجوز رفع (نعله) بالابتداء، ويكون (ألقاها) في موضع الخبر، وتكون الجملة معطوفة على الجملة المتقدمة. والصحيفة: الكتاب. يريد إنه ألقى ما على رحله وكل شيء حتى ألقى زاده ونعله. ويجوز أن يكون فعل ذلك لأنه خشي عطب راحلته فخفف عنها. إعمال صيغة المبالغة (فعول) قال سيبويه قال الشاعر: (بَكَيْتُ أخا الّلأْواءِ يُحْمَدُ يومُه ... كريمٌ رؤوسَ الدارعين ضروبُ) الشاهد في إنه نصب (رؤوس الدارعين) بـ (ضروب). واللأواء: الشدة، وقوله: بكيت أخا اللأواء يريد أنك بكيت رجلا، وهو يعني بكيت عليه وعلى فقده، كان يعطي في أوقات الشدة وعدم الازواد وامتناع الناس من الجود. وأخو الأواء كقولك: أخو الشدة والجهد. يراد به الذي يجود ويعطي في الشدة وجهد الناس. وقوله: يحمد يومه، أي كل يوم له فيه فعل محمود.

الرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف

الرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف قال سيبويه قال الشاعر: (وقائلةٍ: خَوْلانُ فانْكِحْ فتاتَهُمْ ... وأكْرومَةُ الحيَّيْينِ خِلْوٌ كما هيا) الشاهد فيه إنه رفع (حولان) وتقدير الكلام: هذه خولان فانكح فتاتهم. وقد ذكر سيبويه السبب الذي من اجله لم يجز أن يكون قوله (فانكح فتاتهم) في موضع خبر (خولان). وخولان: قبيلة من قبائل اليمن

ومساكنهم بالشام وما والاه، واكرومة الحيين: يريد الفتاة التي هي كريمة الحيين - يريد حيين من خولان - خيلو لم تتزوج بعد، وهي كما هي، كما عهدتها أيما فتزوجها. قال سيبويه قال عدي بن زيد: (أرَوَاحٌ مودعٌ أم بُكورُ ... أنتَ، فانظر لأيّ ذاك تصيرُ)

الشاهد فيه إنه أتى بـ (أنت) وهو مرفوع بالابتداء، وجعل خبره شيئا محذوفا تقديره: أنت الهالك ولا يجوز أن يجعل (فانظر) خبرا لـ (أنت). وقد ذكر سيبويه السبب الذي منع من ذلك.

ويروى: أرواح مودع أم بكور ... لك فاعمد لأي حال تصير وقوله: أرواح مودع؛ الفعل للروح، يقول: لأرواح يودعك، أي يكون آخر الأوقات التي تنتهي حياتك إليها. فالرواح ترد عليه لأنك تفارق أوقات الدنيا بعده؛ أم بكور يودعك. يقول: أنت هالك لا شيك فيه ولا مرية، ولابد من أن تنتهي حياتك إلى وما بينهما، فقرب من أحدهما فهو في حكمه. يعظ عدي بن زيد بهذا النعمان بن المنذر ويقول: أن الموت لابد من نزوله، فاعمل لآخرتك فإنك منته إلى أن تفارق الدنيا وتحصل على عملك. وفي إعراب هذا البيت وجوه تذكر أن شاء الله.

حذف الياء بغير تنوين - ضرورة

حذف الياء بغير تنوين - ضرورة قال سيبويه في ضرورة الشعر، قال الشاعر: كنواحِ ريشِ حمامةٍ نجديةٍ ... ومسحْت بالثَتَيْنِ عَصْفَ الاثمدِ) الشاهد فيه على حذف الياء من (نواحي) وهو جمع ناحية مثل شارية وشوار وجارية وجوار، وحذف الياء في الاضافة، وحذفها في غير الإضافة أسهل. والحمامة: يعني به قمرية أو ما أشبهها من الحمام ذوات الأطواق. ونواح ريشها: أطرافه وجوانبه. وعندي إنه ذكر حمامة نجدية، ونسبها إلى نجد وهو يعني الفاختة لأن الفاختة لا تسكن الغور وتهامة وما والاها، وإنما تسكن في نواحي نجد. والعصف: ورق الزرع، والاثمد: هذا الكحل المعروف، والكحل حجارة تؤخ من معدن من المعادن وليس بشيء ينبت فيكون له ورق، ولم يكن الأثمد من الأشياء التي تكون في بلاد العرب فهم لا يقفون على حقيقته. ومثل ذلك قول أبي نخيلة: بَريّةٌ لم تأكلِ المُرَقَّقَا ولم تَذُقْ من البقولِ الفُستُقا وقوله: ومسحت باللثتين عصف الاثمد، اراد: مسحت اللثتين بعصف الأثمد فقلب، لأن الكلام لا يدخله لبس، وكانت النساء تتزين بأن تسود اللحم

تشديد لام (أفعل) ضرورة

الذي في أصول الأسنان واللثات بالنوءور وهو دخان الشحم أو الاثمد، وكانوا يستحسنون ذلك. شبه سواد لثة هذه المرأة بسواد أطراف ريش الحمامة، وهم لا يقصدون بذلك أن يكون سواد اللثات حالكا، وإنما يريدون أن يضرب إلى السواد. وهذا البيت منسوب إلى خفاف بن ندبة في الكتاب، وزعم قوم إنه لابن المقفع، وليس الأمر كما قالوا، وجميع ما ينسب إلى ابن المقفع مقطوعتان أوثلاث، بعضها في الحماسة. وليس له مقطوعة على هذا الوزن ولا على هذا الروي. فأما نسبته إلى الخفاف فليس من عمل سيبويه؛ وقد ذكرنا ذلك، ولا يمتنع أن يكون لخفاف كما ذكر من نسبه إليه. وأن كان لم يقع في ديوانه. كما ينسب إلى زهير. تشديد لام (أفعل) ضرورة قال سيبويه في ضرورة الشعر: قال رؤبة: ثُمَّتَ جئتُ حيةً أصمّا (ضخماً بحب الخلقَ الأضْخَمّا) الشاهد فيه على إنه شدد الميم من (الأضخم) وهو على أفعل من الأحسن والأكرم، ثم وصل الميم بالألف التي للإطلاق. وهذه الميم لا تشدد إلا في الوقف إذا كانت منتهى الكلمة. والخلق الأضخم: الأكبر الأعظم.

النصب على نزع الخافض

النصب على نزع الخافض قال سيبويه قال الشاعر: (استغفرُ اللهَ ذنباً لستُ مُحصِيهُ ... ربَّ العباد إليه الوجهُ والعملُ) الشاهد فيه على حذف حرف الجر من (ذنب) والأصل: استغفر الله من ذنب، ولكنه حذف الحرف. وقوله: استغفر الله ذنبا، أراد به جميع ذنوبه، فلفظ بالواحد وهو يريد الجمع، ويدل عليه قوله: لست محصية، أي أنا لا أضبط عدد ذنوبي التي اذنبتها، وأنا استغفر الله من جميعها، (رب العباد) وصف الله عز وجل. وقوله: إليه الوجه والعمل، أي إليه التوجه في الدعاء والطلب والمسألة والعبادة، والعمل له، يريد: هو المستحق للطاعة. ضمير الشأن في (ليس) قال سيبويه قال هشام أخو ذي الرمة: (هي الشفاءُ لدائي لو ظفِرْتُ بها ... وليس منها شِفاءُ الداء مبذولُ) الشاهد فيه إنه جعل في (ليس) ضمير الأمر والشأن، والجملة التي بعده في موضع خبره. و (شفاء الداء) مبتدأ و (مبذول) خبره (ومنها) في صلة (مبذول) أصله: وليس شفاء الداء مبذول منها.

اختلاس صلة الضمير الغائب - ضرورة

ويجوز أن يكون (منها) منصوبا بإضمار فعل، كأنه قال: أعني منها، أو أريد منها. والضمير المؤنث يعود إلى المرأة. يقول: هي الشفاء لدائي لو ظفرت برؤيتها والاجتماع معها، وليست تبذل ليس شفاء أستشفي به من نظرة أو سلام أو إيماء. يعني إنه قد قطع طمعه من إنها تنيله شيئا مما يحبه، فبليته عظيمة ومحنته شديدة ليأسه منها. اختلاس صلة الضمير الغائب - ضرورة قال سيبويه في ضرورة الشعر: قال رجل من باهلة: (أَو مُعْبَرُ الظهر يُبْني عن وليتِه ... ما حجَّ رُّبه في الدنيا ولا اعْتَمَرا) الشاهد فيه على اضطرار الشاعر لما حذف صلة ضمير الغائب، وهي الواو التي تتبع الضمير (الهاء) أراد: ربهو، فحذف الواو. والمعبر من الإبل: الذي يترك وبره لا يجز سنين، و (الولية) البرذعة التي تقع على ظهره، وينبي: يرفع. وأراد أن يقول: ينبي وليته، فلم يستقم له فال: عن وليته. وإذا كثف الوبر على سنامه وعظم نبت وليته وارتفعت. وقوله: ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا: يريد أن صاحبه لو كان حج أو اعتمر لاحتاج إلى النظر في إصلاح بعيره والقيام عليه وجز وبره، حتى تقع الولية عليه والرحل وقوعا جيدا متمكنا، فيتمكن الراكب عليه.

قال سيبويه في ضرورة الشعر: قال الشاعر: (بَيْناهُ في دارِ صِدْقٍ قد أقام بها ... حينا يعللُنا وما نُعللُهُ) الشاهد فيه إنه حذف الواو من (هو) الذي هو ضمير المذكر في الانفصال، والواو من نفس الضمير. والأصل: بيننا هو في دار صدق. ودار صدق: هي الدار التي يحمد المقام فيها، ولا يلحق المقيم بها أذى من شيء يكون، ولا عيب يعاب به لجلالتها. والتعليل: أن يتعهدهم بما يحبون في الوقت بعد الوقت، وأنا قوله: ما نعلله، فإنه يحتمل أمرين. أحدهما أن تكون (ما) حرف نفي، كأنه قال: هو يعللنا لغناه وسعة ماله وجوده، ونحن لا نعلله لأنه لا أموال لنا ولا يمكننا تعليله. الوجه الآخر أن تكون (ما) بمعنى الذي، وتكون (نعلله) صلة لها، وموضعها من الإعراب نصب وهي معطوفة على الضمير المتصل بـ (يعللنا). والمعنى؛ أن الرجل الممدوح يعللنا ويعلل ما يجب علينا أن نعلله من أهلنا وأموالنا. يعني إنه يتعهدهم ويتعهد أهلهم وأموالهم وما يحتاجون إليه. (ولا يَنطِقُ الفحشاَء مَنْ كان منهمُ ... إذا جلسوا منّا ولا مِنْ سِوائِنا)

النصب على نزع الخافض

الشاهد فيه على إنه جر (سوائنا) ومكنه وهو غير متمكن. يمدح جماعة من قومه. وقوله: إذا جلسوا منا، أي لا ينطقون بالفحش إذا جلسوا عندنا وفي مجالسنا، ولا ينطقون بالفحش أيضا إذا جلسوا عند قوم غير قومهم. وقد كتبت خبر هذا البيت في موضع آخر. النصب على نزع الخافض قال سيبويه قال الفرزدق: (منا الذي اخْتِيرَ الرجالَ سماحةً ... وَجُوداً إذا هبَّ الرياحُ الزعازعُ) ومنّا الذي قادَ الجيادَ على الَجَا ... بنجرانَ، حتى صبَّحَتْها النزائعُ الشاهد فيه إنه حذف حرف الجر في قوله: منا الذي اختير الرجال سماحة، يريد اختير من الرجال فحذف (من)، و (سماحة وجودا) مصدران يحتملان أمرين: أحدهما أن يكونا منتصبين على طريق التمييز. والوجه الآخر أن يكونا منصبين على الحال، كأنه قال: اختير من الرجال سمحا جوادا. أي اختير في حال سماحته وجوده. والزعازع: جمع زعزع وهي الريح التي تهب بشدة. وعنى بذلك الشتاء، وفيه تقل الألبان، وتعدم الأزواد، ويضن الجواد، فيقول: هو جواد في مثل هذا الوقت الذي يقل الجود فيه. وعندي إنه يعني بهذا المدح أباه غالب بن صعصعة وكان جوادا. والذي

العدول عن العطف، إلى النصب بإضمار فعل - للمعنى

قاد الجياد على الوجا، يقال: إنه عمرو بن حدير من بني نهشل، ويقال: الأضبط بن قريع من بني سعد، ويقال: الأقرع بن حابس. وهذا أشبه بالشعر. والوجا: الحفا، يريد إنه أبعد الغزاة حتى حفيت خيله إلى أن أتى نجران فسبى وغنم. والنزائغ: الخيل الكرام، قيل: التي انتزعت من أيدي الأعداء، وقيل: التي تنزع إلى أوطانها. قال سيبويه قال الشاعر. (نُبئتُ عبدَ اللهِ بالجَوَّ أصبحتْ ... كِراماً مَواليا لِئاماً صَميمُها) الشاهد فيه إنه حذف حرف الجر، وكان الأصل عنده: نبئت عن عبد الله بالجو أنها أصبحت. وجو: قصبة اليمامة، والجو: بطن الوادي وكل بطن واد جوّ. وقوله: أصبحت كراما مواليها، يهزأ بهم، يقول: موالي هذه القبيلة كرام وهم لئام. والصميم: خالص القوم ومن لا يشك في نسبه منهم. العدول عن العطف، إلى النصب بإضمار فعل - للمعنى قال سيبويه في المنصوبات قال الشاعر: (وجَدْنا الصالحين لهم جزاءٌ ... وجنّاتٍ وعيناً سَلْسَبيلا)

الشاهد فيه إنه نصب (جنات) بإضمار فعل تقديره: ووجدنا لهم جنات وعينا سلسبيلا، ويكون الفعل الأول قد دل على الفعل الثاني فحسن حذفه. وعطف ما بعد (جنات) عليها. و (وجدنا) في البيت بمعنى علمنا، وهو يتعدى إلى مفعولين. و (الصالحين) المفعول الأول و (لهم جزاء) مبتدأ وخبر في موضع المفعول الثاني. مثلما تقول: وجدت زيدا له علم، ووجدت أخاك له مال وما أشبهه. وأراد بقوله: وعينا سلسبيلا أي عينا ماؤها سلسبيل، والسلسبيل: السهل النزول. قال سيبويه في المنصوبات: قال ابن أبي ربيعة أو غيره من الحجازيين: (فَواعديه سرحَتَيْ مالكٍ ... أو الربا بينهما أَسْهلا) الشاهد فيه إنه نصب (سهلا) بإضمار فعل، كأنه قال بعد قوله: فواعديه. . . أو الربا بينهما: إيت مكانا أسهل. يجوز أن تعني: مكانا أسهل مما حوله، ويجوز أن تعني: مكانا سهلا، وتجعل (أسهل) في موضع سهل كما أتوا بأوجل في معنى وجل، ولهذا قالوا: أحمق وحمق ولها نظائر. والربا: جمع ربوة، وهو المكان الذي ارتفع عما حوله، وكانت الربا

إيثار النصب مفعولا معه دون العطف للمعنى

بين السرحتين، والسرح: ضرب من ضروب الشجر يعظم ويكبر، الواحدة سرحة. والمعنى أنها قالت لرسوله أو لأمها: واعديه الليلة أن يقصد السرحتين، ويلتمس مكانا سهلا يقرب من ذلك الموضع، لأنهما إذا علوا الربا عرف مكانهما. واتسع فجعل (سرحتي مالك) ظرفا. والتقدير: فواعديه المكان الذي فيه سرحتا مالك. إيثار النصب مفعولا معه دون العطف للمعنى قال سيبويه قال الشاعر: (فكونوا أنتمُ وبني أبيكمْ ... مكانَ الكُلْيتين من الطحالِ) الشاهد فيه إنه نصب (وبني أبيكم) ولم يعطه على الضمير الذي هو فاعل (كونوا) وإنما انتصب لأنه مفعول معه، والناصب له (كونوا). وقوله: مكان الكليتين من الطحال، يقول: اقربوا من بني أبيكم وعاضدوهم، وليكن مكانكم من مكانهم كمكان الكليتين من الطحال.

العطف بالرفع، مع إمكان النصب بفعل محذوف

قال سيبويه قال الشاعر: (وكانَ وإياها كحَرّانَ لم يُفِقْ ... عن الماء إذ لاقاه حتى تَقَدَّدا) الشاهد فيه إنه نصب (وإياها) على إنه مفعول معه، وفي (كان) ضمير هو اسمها. والحران: الشديد العطش، لم يفق: لم يقلع عن شرب الماء لما وصل إليه، حتى تقددا: يريد حتى كاد يتشقق جوفه من كثرة الشرب، وقددت الشيء إذا شققته طولا، وانقد هو إذا انشق. يعني لما رأى هذا المرأة واجتمع معها؛ كان كالعطشان الشديد العطش حين رأى الماء، فلم يقلع عن شربه. يريد إنه لم يبرح من عندها ينظر إليها ويستمتع بها. العطف بالرفع، مع إمكان النصب بفعل محذوف قال سيبويه قال الشاعر: (وكنتَ هناك أنت كريمَ قَيْسٍ ... فما القَيْسيُّ بعدك والفَخارُ) الشاهد فيه إنه رفع (الفخار) وعطفه على (القيسي) ولم يضمر له فعلا فينصبه. والتاء اسم كان و (أنت) توكيد أو فصل و (كريم قيس) خبر كان

إلغاء الظرف والجار والمجرور - بجعل الخبر غيرهما

و (هناك) ظرف والعامل (كريم قيس)، ومن أجاز من أصحابنا أن يعمل (كان) في الظروف أعملها في (هناك). والمعنى أن المكارم التي كانت تفخر بها قيس كانت مجتمعة فيك، فلما فقدومك لم يكن لهم طريق إلى الفخر بإنسان منهم، لأنه لم يكن لواحد منهم خصلة من خصال الكرم التي حويتها. إلغاء الظرف والجار والمجرور - بجعل الخبر غيرهما قال سيبويه: وتقول: أن زيدا لفيها قائما، وإن شئت ألغيت (لفيها) كأنك قلت: أن زيدا لقائم فيها. ويدلك على أن (لفيها) تلغى أنك تقول: أن زيدا لبك مأخوذ. قال أبو زبيد الطائي: أن امرءاً خصّني عمدا مودته ... على التنائي لَعندي غيرُ مكفورِ) أرعَى وأرْوَى وأدناني وأظهرني ... على العدو بنصرٍ غيرِ تعذيرِ ذكر سيبويه في الفصل الذي قبل البيت أن (إن) إذا وقع بعد اسمها ظرف تام يصلح أن يكون خبرا لها، أو حرف جر يجري مجرى الظرف، ومع الظرف اسم فاعل يصلح أن يكون خبرا لها، أو غيره مما يكون خبرا - كنت مخيرا في أن تجعل أيهما شئت الخبر. فإن جعلت الظرف خبرا، نصبت الاسم الذي بعده على الحال، وكان العامل في الظرف محذوفا كما يحذف في قولنا: أن زيدا خلفك. وإن جعلت اسم الفاعل الخبر جعلته عاملا في الظرف

النصب، ولم يحتج إلى إضمار شيء. ومعنى قوله: وإن شئت ألغيت الظرف، أي لم تجعله خبرا. وهذا الذي ذكر من التخيير - بين أن يجعل الظرف خبرا أو الاسم الذي بعده - إنما يصح إذا تقدم الظرف على اسم الفاعل، لأن الظرف لا يعمل في الحال عنده حتى يكون مقدما على الحال، ولا يجوز أن يعمل الظرف في الحال وهي متقدمة عليه. واستشهد قبل إنشاد البيت على أن الظرف قد يجوز أن يلغى ولا يجعل خبرا في مثل هذا الموضع، لأنهم يقولون: أن زيدا بك مأخوذ. و (بك) ظرف ناقص لا يجوز أن يكون خبرا، ولابد أن يكون ملغى. فإذا جاءوا بظرف تام يصلح أن يكون خبرا، جاز أن يلغوه، كما وجب في الناقص أن يكون ملغى، ولا بد من أن يكون خبرا لم يجز أن يقع في موقعه الظرف الناقص الذي لا يكون خبرا. والشاهد في بيت أبي زبيد إنه ألغى (عندي) وجعل (غير مكفور) الخبر. يمدح أبو زبيد بهذا الشعر الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكانت بنو تغلب قد أخذت إبلا لأبي زبيد، فأخذ له الوليد بحقه من بني تغلب وارتجع إبله. يقول: خصني بمودته، وأخذ لي بحقي، ولم يكن بيننا سبب يوجب ذلك. والتنائي: البعد، وزعم إنه لا يكفر إنعامه عليه، وقوله: أرعى، أي جعل لإبله ما ترعاه، وأروى: أرواها من الماء ومن

جواز تذكير الفعل مع المؤنث المجازي

غيره، وأظهرني: جعلني ظاهرا عليهم قاهرا لهم، والتعذير: أن يفعل الشيء ولا يبالغ فيه فإذا بالغ فيه فهو غير معذر. يريد إنه نصره نصرا بالغ فيه ولم يقصر. جواز تذكير الفعل مع المؤنث المجازي قال سيبويه قال أبو زبيد الطائي: وسما بالمطي والذُّبَّل الصُّم ... - مِ لعمياءِ في مفاريطِ بيدِ (مُستَحِنٍ بها الرياحُ فما يَجْ ... - تابُها في الظلام كلُّ هَجودِ) ذكر هذان البيتان في قصيدة يرثي فيها أبو زبيد ابن اخته اللجلاج بن اوس. وسما: علا وارتفع، وفي (سما) ضمير يعود إلى المرثي، والمطي: جمع مطية وهي الراحلة، والذبل: الرماح، والصم: الصلاب، العمياء: يريد لأرض عمياء لا علم فيها ولا منار. يريد إنه سير القوم في فلاة لا يهتدى فيها لجرأته وقوة نفسه. والبيد: جمع بيداء وهي الفلاة الواسعة، ومفاريطها: ما تقطع منها ولم يتصل. يريد أن بين كل فلاتين من هذه الفلوات مكانا ينقطع فيه الأثر فلا يدرى كيف يتوجه فيه. (مستحسن) مجرور، يصلح أن يكون نعتا لـ (عمياء) ويصلح أن يكون نعتا لـ (مفاريط) ويجوز أن يكون نعتا لـ (زبيد) والمستحسنة: التي صوتها كأنه حنين الناقة، والهجود: الكثير النوم، ويجتاب ويجوب: يقطع. يقول: هذه البيد لا يقطعها كل رجل نؤوم. ويروى: يجتازها من الجواز، يريد يجوزها.

ترخيم الاسم بحذف حرفين

ترخيم الاسم بحذف حرفين قال أبو زبيد: (يا اسْمَ صبرا على ما كان من حدَثٍ ... أن الحوادثَ مَلْقِيٌّ ومُنْتَظَرُ) كم من أخٍ لي كعِدْلٍ الموتِ مَهْاِكُهُ ... أودى فكان نصيبي بعده الذِكَرُ يرثي أبو زبيد بهذا الشعر عبيد الله بن عمر بن الخطاب رحمه الله، وقتل بصفين: يقول: الحوادث والمصائب لا نخلو منها، فبعضها قد نزل بنا في هذا الوقت وهو الملقي، وبعضها نتوقعه فيما بقي من أعمارنا وهو المنتظر. ثم قال: كم من أخ لي، يريد إنه قد فارق جماعة من أهل مودته واخوته، كان يموت كل واحد منهم عنده بمنزلة موته وهلاك نفسه. وأودى: هلك، فكان نصيبي منه أن أحزن عليه إذا ذكرته. والذكر: جمع ذكرة. المضاف إلى النكرة قال سيبويه: هذا كل متاع عندك موضوع. جعل (هذا) مبتدأ و (كل) خبره و (موضوع) وصفا لـ (كل) لأن كلا نكرة لأنها مضافة إلى نكرة، وإذا كانت نكرة وصفت بنكرة، ثم ذكر سيبويه أشياء نكرات مضافات إلى ما بعدها هي نظائر لـ (كل).

ثم انتهى إلى إنشاد بيت الشماخ: وكلُّ خليلٍ غيرُ هاضمِ نفسهِ ... لوصْل خليل صارمٌ أو مُعارِزُ) الهضم: الظلم ونقصان الحق. يقال: هضمت الرجل أهضمه هضما إذا ظلمته أو نقصته من حقه، وتهضمته مثله. والمعارز: المجانب المباين، يقال: عارزه يعارزه معازرة، إذا جانبه وباينه. و (كل) رفع بالابتداء و (غير) وصف لكل. والشاهد في البيت إنه جعل (غير) وصفا لـ (كل) و (صارم) خبر (كل) و (كعارز) معطوف عليه. والمعنى أن كل خليل لا يصبر لخليله على أشياء يكرهها، ويحتمل الهضم والنقصان من خليله؛ فإن خلتهما لا تدوم، وسيصرمه خليله أن كان لا يصبر على بعض ما يكرهه من جهته. يريد أن المودة والاخوة والصداقة لا تثبت وتدوم بين نفسين؛ إلا أن يكون كل واحد منهما يتحمل من صاحبه أشياء لا توافقه، ويصبر له عليها. فإذا كان هذا الأمر من شأنهما دامت مودتهما. وهو نحو قوله: فلستَ بِمُسْتَبقٍ أخا لا تَلُمّهُ ... على شَعثٍ، أي الرجالِ المهذبُ

اختلاس صلة الضمير في الشعر - ضرورة

اختلاس صلة الضمير في الشعر - ضرورة قال سيبويه قال الشماخ: أقب كأنَّ مَنْخِرَهُ إذا ما ... أرَنَّ على تَواليهنَّ كِيرُ (له زَجلٌ كأنه صوتُ حادٍ ... إذا طلبَ الوسيقةَ أو زَميرُ) الشاهد في البيت على إنه حذف الواو التي هي صلة الضمير واكتفى بالضمة منها. والاقب: يريد به عير الوحش، والاقب: الضامر البطن، وارن: صوت، وتواليهن: متأخراتهن، وضمير جماعة الإناث يعود إلى الأتن، والكبر: الزق، زق الحداد، شبه صوت تنفسه إذا تنفس بصوت زق الحداد إذا خرج منه الريح. والعير يضم بعض اتنه إلى بعض ويجمعها، وإذا تقدم أمامها اتبعه، والزجل: الصوت، يريد إنه يصوت حتى تجمع له، وكأن صوته صوت حاد والوسيقة: الإبل التي تطرد وتؤخذ من أصحابها، فحاديها يسرع بها لئلا يلحق. والزمير: الزمر. ترخيم (فلان) في غير النداء - ضرورة قال سيبويه: وأما فلان فإنما هو كناية عن اسم سمي به

المحدث عنه خاص غالب، وقد اضطر الشاعر فبناه على حرفين، قال أبو النجم: تُثير أيديها عجاجَ القسطلِ إذا عَصَبَتْ بالعطَنِ المُغربلِ تَدافُعَ الشَّيبِ ولم تِقِتلِ (في لَجَّةٍ أَمسِكْ فلانا عن فُلِ) الشاهد في البيت الأخير إنه جعل (فلا) في موضع فلان في غير النداء، في النداء، فإن اضطر شاعر استعمله في غير النداء. وصف إبلا. والقسطل: الغبار، والعجاج، ما ارتفع من الغبار، وعصبت: اجتمعت، والعطن: مبرك الإبل قرب الماء، وإنما تبرك قرب الماء إذا شربت الشربة الأولى وهي النهل، لتعاد إلى الماء فتشرب مرة أخرى، والشربة الثانية هي العلل. والمغربل: المنخول في هذا الموضع. أراد أن تراب العطن كأنه منخول، والمغربل في موضع غير هذا المنتفخ. وقوله: تدافع الشيب، وهو جمع أشيب يعني الشوخ. يريد أن الإبل تتدافع تدافعا مثل تدافع الشيوخ، لأنهم أصحاب حلم يتدافعون ولا يقتتلون. ويريد إنه ليس بتدافع شديد، لأنها قد شربت الشربة الأولى، فقد سكنت بعض السكون، إنما تدافع لأنها ديدت عن الماء وليس تدافعها لقتال.

قلب ياء المتكلم ألفا

وقيل: إنه أراد بتدافع الشيب أن الذادة يتدافعون، فشبه أصواتهم بأصوات شيوخ يحجزون بين قوم وقع بينهم شر. و (تقتل) أصله تقتتل، فأدغمت التاء الأولى في الثانية، وكسرت القاف لسكونها وسكون التاء الأولى، وكسرت التاء اتباعا لكسرة القاف. واللجة: اختلاط الأصوات، وأراد باللجة اختلاط أصوات الذادة؛ إذا اقتتل منهم اثنان صاح الباقون: أمسك فلانا عن فل أن لا يخاصمه. وقد روي: أمسِكْ فُلانُ عن فُلِ وكلا الوجهين جيد، فإن كان الذي نودي مأمورا بالإمساك في نفسه فينبغي أن يقال: أمسك فلان، لأنه منادى. وإن كان المنادى مأمورا بأن يحجز بين اثنين ويمنع أحدهما من خصومة الآخر؛ فينبغي أن يقال: أمسك فلانا، لأنه مفعول (أمسك) وليس بمنادى والمنادى غيره، وهو الذي أمر بأن يمسك فلانا ويمنعه من خصومة غيره، و (في لجة) في صلة (تدافع). قلب ياء المتكلم ألفا قال سيبويه قال أبو النجم: يا بنْتَ عمي لا تلومي واهْجَعي ألم يكن يبيَضُّ أن لم يَصْلَعِ اهجعي: نامي، وقوله: ألم يكن يبيض: يعني رأسه، يريد إنه لو لم يصلع لبقي شعره أبيض.

في كسر تاء (تفعال) - ورفع اسم (لا) لتكرارها

وهذا البيت معلق بأول القصيدة، لأنه قال: قد أصبحَتْ أمُّ الخِيارِ تدَّعي عليَّ ذنباً كلُّه لم أصْنعِ من أن رأتْ رأسي كرأسِ الأصْلعِ ومضى في شعره حتى انتهى إلى ذكر هذا البيت. وأراد أن أم الخيار غضبت عليه لأجل صلعه فقال لها: لو لم أصلع لشاب رأسي. والشيب عند النساء قريب من الصلع في الكراهية. في كسر تاء (تفعال) - ورفع اسم (لا) لتكرارها قال سيبويه: فمها لم يتغير عن حاله قبل أن يدخل عليه (لا) قول الله تعالى: (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وقال الراعي: أمَّلْتُ خَيْرَكِ هل تأتي مواعدُهُ ... فاليومَ قصَّر عن تِلقائِكِ الأمَلُ) (وما صَرَمْتُكِ حتى قلتِ معلنةَ ... لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جَمَلُ) ويروى: اقصر. يخاطب امرأة، يقول: أملت أن أصل إلى ما كنت تعدينني به، فلما كثر إخلافك لي أقصر أملي، أي كف عن أن يتعلق

وقوع (أيما) مبتدأ

بشيء من جهتك، وتلقائك بمعنى لقائك. وقد أنشد سيبويه هذا البيت في المصادر. وقوله: وما صرمتك حتى قلت معلنة، يريد أنها أعلنت وأظهرت ما في نفسها له من الزهد فيه، وقوله: لا ناقة لي في هذا ولا جمل: يريد أنها قالت: لا أتعلق من هذا الأمر الذي تلتمسه مني بشيء. ويقول الذي يتبرأ من الشيء: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، أي لا التبس منه بشيء قليل ولا كثير، وهو مثل. وقوع (أيما) مبتدأ قال سيبويه: وسألته - يعني الخليل - عن قول الراعي: فأومأْتُ إيماءً خَفياً لِحَبْتَرٍ ... وللهِ عينا حبْتَرٍ أيما فَتى) فقلت له: ألصِقْ بأيَبسِ ساقِها ... فإنْ تَجْبرِ العُرقوبُ لا يَرْقا النَّسا فقال: (أيما) تكون صفة للنكرة، وحالا للمعرفة، وتكون استفهاما مبنيا عليها ومبنية على غيرها. الشاهد في البيت إنه جعل (أيما) مبتدأ وخبرها محذوف، وتقديرها: أيما فتى هو. وكان الراعي قد نزل به رجل من بني أبي بكر بن كلاب، وكانت إبل

زيادة الهاء فيما حذفت تاؤه بالترخيم

الراعي عازبة عنه فأومأ إلى حبتر أن ينحر ناقة الكلابي حتى تقريه منها، ويوسع على من يلتمس منه لحما، ففعل حبتر ما أمره به، فلما أصبح الراعي ووافت إبله، أعطى الكلابي ناقتين كل واحدة منهما خير من ناقته. وقوله: (ولله عينا حبتر) تعجب من فهم حبتر ما أراده وأومأ إليه، وإنما مدح عينيه لأنه رأى بهما إشارة الراعي وفهمها عنه، والأيبس: عظم الساق. وقوله: فإن تجبر العرقوب، يقول: لو جبر العرقوب ولم تقطعه الضربة لم يرقأ النسا، ولم يكن قطع الدم منه. ويريد ألصق حد السيف بعظم الساق، أي اضربه. وقوله: فإن تجبر العرقوب - وهو لم يأمر بقطع العرقوب، إنما أمره بقطع الساق - معناه أن الأمر بقطع العرقوب، والعرقوب أسفل وظيف البعير، وهو منزلة الأمر بقطع الساق، وكل واحد منهما مثل الآخر في هذا المعنى. زيادة الهاء فيما حذفت تاؤه بالترخيم قال سيبويه: واعلم أن الشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف، وذلك لأنهم يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلا منها. حكى سيبويه قبل قوله: واعلم أن الشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء: أن قوما من العرب إذا رخموا ما فيه تاء التأنيث وحذفوها ثم وقفوا؛ أتوا السكت، فبينوا بها حركة الحرف الذي قبل هاء التأنيث، فقالوا في ترخيم طلحة وسلمة إذا وقفوا: يا طلحة يا سلمة، وهذا مذهب لهؤلاء القوم. فربما احتاج شاعر من أهل هذه اللغة إلى حذف الهاء في القافية، فيجعل حرف المد الذي يقع في آخر البيت عوضا من ذكر هاء السكت،

لأنه يبين حركة الحرف الذي قبل الهاء كما بينت الهاء. قال القطامي: (قِفي قبلَ التفرُّق يا ضُباعا ... ولا يكُ موقفٌ منكِ الوَداعا) ضباعة بنت زفر بن الحارث الكلابي. أراد: قفي حتى أودعك واسلم عليك قبل أن نتفرق، وقوله: ولا يك موقف منك الوداعا: هو دعاء بأن لا يكون الوداع له منها في موقف من الموقف، كأنه قال: قفي ودعينا أن عزمت على فرقتنا، ولا كان منك الوداع لنا في موقف. وقد اضطر في البيت إلى جعل النكرة اسم كان، والمعرفة خبرها. وقال سيبويه قال النابغة: (كِليني لِهَمّ يا أميمةَ ناصِب ... وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكبِ) الشاهد في البيت على إدخال (تاء) بعد حذف التاء التي كانت في (أميمة) للترخيم. ويقولون: هي مقحمة أي مدخلة. يريد أنهم لما رخموا حذفوا الهاء فصار (يا أميم) فبقيت الميم مفتوحة، ثم أدخلوا التاء عليها وهم ينوون الترخيم، ولم تكن للتاء حركة تخصها فجعلوا حركتها مثل حركة الحرف الذي قبلها، اتبعوا الحركة فصار (يا أميمة ناصب).

النصب على الشتم بإضمار فعل

ومعنى كليني: وكليني بالهم والحزن، وإنما همي من أجل محبتك، فلو بذلت بعض ما طلبته منك لتجلى همي. فكأنها لما منعته ما يلتمسه، قد وكلته بالهم والناصب: الذي قد تصب له بالمكروه، وقالوا، نصب لي الهم: إذا أتاني وقوله: بطيء الكواكب أي بطيء سير الكواكب. يقول: كأنه من طوله لا تغيب كواكبه. النصب على الشتم بإضمار فعل قال سيبويه في باب ما جرى من الشتم مجرى التعظيم: أتاني زبد العاشق الخبيث. ثم مضى في كلامه: وقال النابغة الذبياني: لَعَمري وما عَمْري عليَّ بهينٍ ... لقد نطقَتْ بُطْلاً عليَّ الاقارعُ (أقارِعُ عَوْفٍ لا أحاولُ غيرها ... وجوهَ قرودٍ تبتغي من تجادِعُ) الشاهد على إنه نصب (وجوه قرود) على الشتم بإضمار فعل، كأنه قال: اشتم وجوه قرود أو اذكر أو ما أشبه ذلك. وأراد بالاقارع بني قريع بن عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم الذين كانوا سعوا به إلى النعمان، وقوله: وما عمري علي بهين يقول: ما قسمي بعمري هين علي فيتم متهم بأني أحلف به كاذبا. والبطل: الباطل،

عطف البيان

ولا أحاول: لا أريد غيرها، المجادعة: المشاتمة والمسافهة. يقول: هم سفهاء يطلبون من يشاتمهم. عطف البيان قال سيبويه في باب ما يرتفع فيه الخبر لأنه مبني على مبتدأ: فأما الرفع فقولك: هذا الرجل منطلق، و (الرجل) صفة لـ (هذا) وهما اسم واحد كأنك قلت: هذا منطلق. قال النابغة: (توهمْتُ آياتٍ لها فعرفْتُها ... لستَّةٍ أعوامٍ وذا العامُ سابعُ) الضمير في (لها) يعود إلى ديار ومنازل ومواضع كان اتبع فيها النابغة، ومواضع صاف فيها. والآيات: العلامات التي عرف بها أنها الديار التي كان حلها. وتوهمت: عرفتها بالتوهم، يريد إنه توهم في أول ما رآها أنها الديار التي كان حلها، ثم استدل عليها بأنها هي بأشياء عرفها فيها. وقوله: لستة أعوام يعني إنه عرفها وقد مضى له من وقت فراقها ست سنين، والعام الذي هو فيه سابع. والشاهد إنه جعل (ذا) مبتدأ و (العام) وصف له و (سابع) خبره الرفع على الخبرية مع جواز نصبه على الحال قال سيبويه في باب ما ينتصب لأنه خبر لمعروف يرتفع على

اسم (إن) نكرة وخبرها معرفة

الابتداء. وقال: وإن شئت ألغيت (فيها) فقلت: فيها عبد الله قائم. قال النابغة: وعيدُ أبي قابوسَ في غير كُنْهِهِ ... أتاني ودوني راكسٌ فالضواجِعُ (فبِتُّ كأني ساورتْني ضئيلةٌ ... من الرّثقْشِ في أنيابها السم ناقِعُ) قوله: في غير كنهه: في غير موضع استحقاق لوعيده، وقيل: في غير كنهه: أي في غير قدره. يريد إنه وعيد على شيء لم أكن فعلته فاستحق هذا القدر من العقاب وقد يجوز أن يريد بقوله: في غير كنهه: أي في غير حقيقته، يعني إنه لم يقع الوعيد منه على أمر قد وقع، ولم يكن الذي بلغه حقا، فوقع وعيده في غير موضع وعيد مستحق. وراكس والضواجع: مواضع، فبت لما بلغني الوعيد كأنني قد دبت علي حية فنهشتني فامتنع مني النوم، وبت بقلق وألم من شدة الخوف الذي نزل بي. والمساورة: المواثبة، والضئيلة: الحية الدقيقة، والحية إذا أسنت ضوءلت وخبئت. والرقش: جمع رقشاء وهي المنقطعة، فيها سواد وبياض، والناقع: الثابت في أنيابها. اسم (إن) نكرة وخبرها معرفة قال سيبويه في باب ما يحسن عليه السكوت من هذه الأحرف

الخمسة: وتقول: أن بعيدا منك زيد، والوجه إذا أردت هذا أن تقول: أن زيدا قريب منك أو بعيد، لأنه اجتمع معرفة ونكرة. وقال امرؤ القيس. (وإن شفاءً عَبرةٌ مُهَراقةٌ ... فهل عند رَسْم دارِس من مُعوَّلِ) قال سيبويه: فهذا احسن لأنهما نكرة. ذكر في الفصل الذي قبل البيت أن النكرة اسم أن والمعرفة الخبر، وذلك قولك: أن بعيدا منك زيدا، واستضعفه لأن الأصل في هذا الباب وفيما أشبهه أن تجعل المعرفة اسم أن والخبر النكرة، وأنشد بيت امرئ القيس، وذكر (شفاء) فيه غير مضاف إلى المتكلم وهو نكرة، وأخبر عنه بنكرة وهو قوله: عبرة مهراقة. وقال: هذا أحسن. يريد أن الذي في البيت أحسن من المسألة المذكورة قبل البيت، لأن الاسمين اللذين بعد (إن) في البيت نكرتان، والنكرتان متشابهتان في جعل أحدهما الاسم والآخر الخبر، وكذلك المعرفتان متساويتان في جعل أحدهما الاسم والآخر الخبر. والمسألة المتقدمة جعل فيها (بعيدا منك) الاسم وهو

الجر بإضمار (رب)

نكرة، وجعل (زيدا) الخبر وهو معرفة وهذا مستقبح. العبرة: الدمعة، والمهراقة: المصوبة. يريد أن شفاءه أن يبكي على الذين خلت منهم منازلهم، ومعول: محمل. تقول: عول على فلان، احمل عليه واعتمد على ما يفعله. وقوله: فهل عند رسم دارس، من بعد أن قدم قبل هذا البيت: (فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها) معناه عند بعض الرواة، أنه أراد بدارس: ذهب بعضه وبقي بعضه. وقال بعضهم: أكذب نفسه في قوله: لم يعف رسمها. الجر بإضمار (رب) قال سيبويه في باب (كم): وليس كل جار يضمر، لأن المجرور داخل في الجار فصارا عندهم بمنزلة حرف واحد، فمن ثم قبح، ولكنهم قد يضرمونه ويحذفونه فيما كثر من كلامهم، لأنهم إلى تخفيف ما أكثروا استعماله أحوج. وقال امرؤ القيس: (ومِثلكِ بِكْراً قد طرقْتُ وثَيباً ... فألهَيْتُها عن ذي تمائمَ مُغْيَلِ)

الترخيم في غير النداء - ضرورة

الشاهد إنه جر (مثلك) بإضمار رب. وطرقتها: أتيتها ليلا، و (بكرا) منصوب على الحال من (مثلك) و (ثيبا) معطوف عليه. ويقال؛ لهي الرجل عن الشيء: إذا انصرف قلبه عنه، وألهيته أنا، والتمائم: العوذ، الواحدة تميمة، وتقديره: ألهيتها عن سبي ذي تمائم. والمغيل: الذي تؤتى أمه وهي ترضعه. يقال فيه: مغيل ومغال، والأم مغل ومغيل. وإنما وصف الصبي بأنه مغيل لأنه هو فيما زعم قد أتى أمه، والمعنى إنه يصف نفسه، بأنه محبب إلى النساء، وأن المرأة التي لها صبي صغير؛ يشغلها الاستمتاع به عنه. الترخيم في غير النداء - ضرورة قال سيبويه: واعلم أن كل شيء جاز في الاسم الذي آخره هاء بعد أن حذفت الهاء منه في شعر أو كلام، يجوز فيما لا هاء فيه بعد أن يحذف منه. فمن ذلك قول امرئ القيس: (لنِعمَ الفتى تَعْشو إلى ضوءِ نارِهِ ... طريفُ بنُ مالٍ ليلةَ الجوعِ والخَضَرْ الشاهد فيه على ترخيم (مالك) في غير النداء. ويروى: (طريف بن مل)

الصفة المشبهة مذكر وفاعلها مؤنث مجازي

وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه. وقوله تعشو: تنظر نظرا ضعيفا، يريد إنه ينظر إلى ناره من بعد، والخصر: البرد. يقول: نعم الفتى هو لمن نزل به في الشتاء عند عدم اللبن وقلة الزاد وشدة البرد. يعني إنه يطعم ويشبع ويدفئ الأضياف. ومدح امرؤ القيس بذلك طريفا، وهو من طيء وكان نزل به امرؤ القيس فأكرمه وأحسن إليه. الصفة المشبهة مذكر وفاعلها مؤنث مجازي قال سيبويه قال مضرس بن ربعي الأسدي: وما وجدَتْ وَجْدي بها أمُّ واحدٍ ... رجا الغُنْمَ في أسلاف خيل تُطاردُهُ (فلاقَى ابنَ أنثى يبتغي مثل ما ابْتَغَى ... من القوم، مسقيَّ السهام حدائِدهُ) فآب به أصحابه يحملونَهُ ... على نَحْرِهِ دامي النّجيعِ وجاسِدُهْ يقول: ما وجدت وجدا مثل وجدي بهذه المرأة؛ امرأة لها ابن واحد، خرج للغزو رجاء أن يغنم غنيمة، فلاقى جيشا فيه ابن امرأة مثل أمه، خرج يبتغي الغنم كما خرج هو، فتلاقيا فقتله الذي لقيه، فرده أصحابه إلى أمه، وعلى نحره دم جاسد وهو الجامد، والنجيع: الدم الطري، والدامي: السائل. تريد أن

إيثار النصب بإضمار فعل - إغناء للمعنى

بعض الدم يسيل، وبعضه ثخين جامد، والسهام: جمع سم، والحدائد: جمع حديدة، وأراد بالحدائد السلاح. والشاهد في البيت الثاني، إنه ذكر (مستقيا) والفعل للحدائد ولم يقل مسقية. وأسلاف الخيل: مقدماتها جمع سلف. والمعنى إنه عظم وجده بفراق هذه المرأة، وجعله كفقد هذه المرأة ابنها - وهي ليس لها ولد غيره - ومفارقتها له حين قتل. إيثار النصب بإضمار فعل - إغناء للمعنى قال سيبويه: ومما ينتصب على إنه عظم الأمر قول عمرو بن شأس: ولم أر ليلى بعد يومِ تعرضتْ ... له بين أبوابِ الطراف من الأدَمْ كلابيّةً وَبْريةً حبتريةً ... نأتْكَ وخانت بالمواعيدِ والذمَمْ أناسا عِدى عُلقْتُ فيهمْ وليتَني ... طَلَبْتُ الهَوَى في رأس ذِي زَلَقٍ أشَمّ)

وجدت هذا الشعر في الكتاب منسوبا إلى عمرو بن شأس ولم أجده في شعره، ولعمرو بن شأس فيها: أرادتْ عَراراً بالهوانِ ومن يُرِدْ ... عَراراً لَعَمْري بالهَوانِ فقد ظَلَمْ والشعر لمضرس بن ربعي الأسدي، والطراف: البيت من الأدم. ويروى: (دون أبواب الطراف) وفي الكتاب: (حبترية) بباء وتاء معجمة بنقطتين، وفي شعره (حنثرية) بنون وثاء منقوطة بثلاث نقط، ونأتك بمعنى نأت عنك. يقال: نأيت ونأيت عنك، ويروى: (خانت بالعهود وبالذمم). وقوله: (علقت الهوى) أي ليتني هويت شيئا سواها في رأس جبل عال يزلق عنه الذي يصعد إليه، فإن الذي ألقى منها أشد من ارتقاء هذا الجبل. وأراد: في رأس جبل ذي زلق، أي يزلق عنه. والأشم: العالي المرتفع. والشاهد فيه إنه نصب (أناسا) بإضمار فعل. وفي شعره: (كلابية) وبرية (حنثرية) بالرفع، والرفع والنصب جائزان فيه، وهذه الأبيات الثلاثة ليست متوالية في شعره. وأول القصيدة: ولم أرَ ليى بعد يومِ تعرضت ... له دونَ أبواب الطرافِ من الأدَمْ تعرُّضَ حوراءِ المدامِعِ ترتعي ... تِلاعا وغُلاّنا سوائَل من ذَمَمْ

ترخيم (لميس) في غير النداء - ضرورة

عشيةَ تبليغِ المودّةِ بيننا ... بأعيُنِنا من غير عِيٍ ولا بَكَمُ عشيةُ يُجزْي طُفنا من كلامنا ... ولم يَغْفَل الراعي الشّفيقُ ولم يَنمْ كلابيةٌ وبريةٌ حنثرية ... نأتكْ وخانت بالمواعيد والذمَمْ ومِنْ شَر مَنْ عهداً أو ذِمةً ... ألاتُ الخِضابِ اللامعاتُ إلى اللمَمْ غدَتْ في أناسٍ مُصْعِدينَ تَيمّموا ... مُصابَ الخريف في بلاد بني جشم إذا ابتسمتْ ماحَ النّدى فوق بارِدٍ ... من الظَّلْمِ براقِ العوارضِ ذي شَيَمْ أناسٌ عِدى عُلقْتُ فيهم وليتَني ... طلبْتُ الهوى في رأسِ ذي زَلَقٍ أشَم ترخيم (لميس) في غير النداء - ضرورة قال سيبويه في الترخيم قال اوس بن حجر: (تنكَّرْتِ منا بعد معرفةٍ لَمِي ... وبعدَ التّصابي والشبابِ المكرَّمِ) الشاهد في ترخيم لميس. تنكرت منا: أي أنكرتنا بعد ما كنت عارفة بنا، وأراد إنه تغير

الوصف بمضاف إضافته لفظية

في عينها غير ما كانت تعرفه، فأنكرته. والتصابي: الميل إلى الصبا واللهو. والمعنى واضح. الوصف بمضاف إضافته لفظية قال سيبويه قال علقمة بن عبدة: وقد أغتدي والطيرُ في وُكُراتها ... وماءُ الندى يجري على كل مذنَبِ (لمُنجَردٍ قيْدٍ الأوابدِ لاحَهُ ... طِرادُ الهوادي كلَّ شأوٍ مُغربٍ) الشاهد فيه إنه جعل (قيد الأوابد) صفة لـ (منجرد) و (قيد) مضاف إلى (الأوابد) ولم يتعرف بالإضافة لأنه في نية الانفصال. والوكر: عش الطائر وموضعه الذي يأوي إليه، والجمع أوكار، وقد جاء الوكرات في معنى الأوكار وواحدها في التقدير وكرة، وليس بمعروف. وأراد بماء الندى الذي يسقط بالليل على الزرع، والمذنب والجمع مذانب: المواضع التي يجري فيها الماء خلال الزرع. والذي عندي إنه أراد به الأبواب التي تقطع الزرع. والمنجرد: الفرس القصير الشعرة، والأوابد: الوحش. يريد أن هذا الفرس إذا جرى في طلب الوحش لحقها فمنعها فارسه من العدو لأنه يطعنها، فكأن الفرس قيدها حتى لحقها فارسه، ولاحه: غيره، لاح هذا الفرس مطاردة هوادي الوحش وهي أوائلها. يريد إنه

ترخيم (حمزة) في غير النداء - ضرورة

إذا طلب الوحش لحق أولها، والشأو: الطلق وهو الوجه من الجري، والمغرب: ذكر إنه الذي يأتي المغرب، وقيل هو البعيد. ترخيم (حمزة) في غير النداء - ضرورة قال سيبويه في الترخيم: قال رؤبة: (أما تَرَيْني اليومَ أمَّ حَمْزِ) قاربتُ بين عَنَقي وجَمْزي وبعد تَقْماص الشباب الإبْزِ فكل بَدْءٍ صالحِ ونِقْزِ لاقٍ حِمامَ الأجَلٍ المُخْتَز العنق والجمز: ضربان من العدو. والتقماص والقموص: الطفر والفز والابز: الوثب وهو مصدر ابز يأبز، والبدء: الرجل الشريف، والنقز: الساقط الرذل من الرجال، والمختز: الذي يصيب، وأصله من قولهم: اختزه بالسهم إذا رماه فأصابه به. والشاهد إنه رخم (حمزة) في غير النداء. في تعريف (ابن لبون) قال سيبويه: قال جرير: وابنُ اللبونِ إذا ما لزَّ في قَرَنٍ ... لم يستطعْ صولَة البُزْلِ القناعيسِ)

في الترخيم)

ابن اللبون من الإبل: الذي قد استوفى سنتين ودخل في الثالثة، والبزل: جمع بازل، وهو من الإبل الذي له تسع سنين، والقناعيس: العظام، الواحد قنعاس، والقرن: الحبل، وولز: شد فيه، والصولة: الحملة عليه ومناله بما يكره. يهجو بذلك عدي بن الرقاع العاملي يقول له: أنت في الشعراء بمنزلة ابن اللبون في الإبل، ضعيف لا يغني شيئا ولا ينتفع به. وأنا بمنزلة الفحل البازل، وابن اللبون لا يستطيع دفع الفحول. في الترخيم) قال سيبويه في باب الترخيم: قال زيادة بن زيد العذري: (عوجي علينا وارْبَعي يا فاطما) ما دونَ أن يُرَى المَطِيُّ قائما الشعر منسوب في الكتاب إلى هدبة بن الخشرم، وهو في شعر زيادة

بن زيد العذري. وفاطمة: هي فاطمة بنت الخشرم أخت هدبة، شبب بها زيادة بن زيد. عوجي علينا يريد عوجي بعيرك: أي أعطفيه إلى جهتنا، واربعي: توقفي علينا. وقوله: ما دون أن يرى البعير قائما، يقول: توقفي علينا، وارفقي في السير حتى نستمتع بالنظر إليك، ولا تقفي كل الوقوف فيشعر الناس بما صنعت لأن الناس سائرون، فإن وقفت بعيرك ولم تسيري علموا أنك إنما وقفت من اجلي. و (ما) في موضع نصب، وهي في المصدر كأنه قال: واربعي الربع الذي هو دون القيام، فهو منصوب بـ (اربعي) ويجوز أن ينتصب بـ (عوجي) كأنه قال: عوجي العوج الذي يكون دون القيام. والوجه الأول أحسن. ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل، كأنه قال: قفي ما دون أن يرى البعير قائما. و (قائما) في موضع الحال، ورأيت: من رؤبة العين. وقال سيبويه في الترخيم: وأما الاسم العام فنحو قول العجاج. (جاريَ لا تستنكري عَذيري) سَعْيِي وإشفاقي على بعيري العذير: الحال. يقول: لا تنكري حالي التي أنا عليها. وذلك أن جارية

مرت به وهو يصلح حلسا له - والحلس: كساء يطرح على ظهر البعير - فقال: لا تنكري أن اصلح الحلس، وظن حين مرت به الجارية أنها قد أنكرت أن يكون مثله يصلح الحلس فقال: لا تنكري هذه الحال، فإن على الإنسان أن يتفقد أموره. و (سعيي) بدل من (عذيري) وهو بدل الشيء من الشيء وهو بعضه. قال سيبويه في الترخيم. قال زهير: (حُذوا حظَّكم يا آلَ عِكْرِمَ واذْكروا ... أواصِرنا والرحْمُ بالغيبِ تُذكَرُ) وإنا وإياكم إلى ما نَيومُكمْ ... لَمِثلانُ، بل أنتم إلى الصلح أفقرُ الشاهد في البيت إنه رخم (عكرمة) وهو غير منادى. وآل عكرمة سليم وهوازن، وسليم: هو سليم بن منصور بن عكرمة، وهوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، وغطفان: هو غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان. وبلغ زهيرا أن هوازن وبني سليم يريدون غزو غطفان، فذكرهم ما بين غطفان وبينهم من الرحم، وأنهم يجتمعون في النسب إلى قيس، يقول: خذوا حظكم من ودنا، واذكروا الرحم التي بيننا وبينكم،

والأواصر: القرابات، الواحدة آصرة، والرحم يجب مراعاتها في الغيب وفي غير الغيب. ثم قال: وإنا وإياكم إلى ما نسومكم من الصلح وترك الحرب لمثلان، ليس واحد منا أولى بطلب صلح صاحبه من الاخر، لأنكم لستم بأكثر عددا ولا عدة، ونحن أشد منكم، فأنتم إلى صلحنا أفقر منا إلى صلحكم. قال سيبويه في الترخيم: قال الأسود بن يعفر: ألا هل لهذا الدهر من مُتَعَلّلِ ... عن الناس مهما شاء بالناس يفعلِ وما أنفكَّ منصبّاً عليّ مُسلَّطاً ... ببؤسي ويغشاني بنابٍ وكَلْكَلِ والفى سِلاحي كامِلا فاستعارهُ ... شَليلي وأبْداني وسيفي ومغْوَلي (وهذا رِدائي عنده يتعيرهُ ... ليَسْلبني عِزّي أمالِ بنِ حنظل) يقول: هل لهذا الدهر شيء يشتغل به ويعمل في إفنائه وفساده سوى الناس! ثم قال: مهما شاء بالناس يفعل، يريد أن الدهر لا تنقص مكارهه وإفساده لأحوال الناس. والبؤسى: البؤس، ويغشاني بناب: أي يأكلني كما تأكل السباع، والكلكل: الصدر. يقول: قد ألقى صدره علي كما يلقي السبع صدره على فريسته. وقوله: وألفى سلاحي كاملا، يقول: وجده

في حركة لام الاستغاثة

كاملا فاستعاره، يريد إنه أخذ منه قوته وشجاعته وحسنه وصبره وجلده وجميع الأحوال الجميلة التي كانت فيه، شيئا بعد شيء، وجعل هذه الأشياء بمنزلة السلاح لأنه يدفع بها عن نفسه كما يدفع بالسلاح. والشليل: الدرع القصيرة، والبدن: الدرع السابغة، والمغول: حديدة تكون في السوط. وهذه الأشياء التي ذكرها منصوبة، فهي بدل من السلاح، كما تقول: رأيت اخوتك زيدا وعمرا وعبد الله. وقوله: وهذا ردائي عنده يستعيره، يريد عند الدهر، والضمير يعود إلى الدهر، والرداء فيما أرى: يعني به نفسه كما كني عن الإنسان في بعض الكلام بالثياب. وقد قيل في قوله تعالى: (وثيابك فطهر) أي نفسك، ويجوز أن يعني بالرداء أفعاله الجميلة التي كان يفعلها، فإن أثرها عليه أحسن من الارتداء. ومثله قوله: . . . . . . إذا هو بالمجدِ ارتدى وتأزَّرا ويجوز أن يعني بالرداء: السيف، كأنه قال: أخذ مني سيفي، يريد به شبابه وقوته، وإذا سلبني شبابي وقوتي عمل في أن بسلبي نفسي. وقوله: آمال بن حنظل يريد يا مالك بن حنظلة، ونادى قومه ليعجلوا، وأراد مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وهو من بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة. والشاهد فيه إنه رخم حنظلة في غير النداء. في حركة لام الاستغاثة قال سيبويه في: باب ما يكون النداء فيه مضافا إلى المنادى بحرف الإضافة: قال مهلهل:

(يا لَبَكْرٍ انشِروا لي كُليْباً ... يا لَبَكْرٍ أين أين الفِرارُ) يريد ببكر بكر بن وائل وهم اخوة تغلب بن وائل، وكان جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان قتل كليبا أخا مهلهل. وحديثهم مشهور، وجرت بينهم حروب طالت، فقال لهم مهلهل - على طريق التهكم بهم والاستعلاء عليهم، وانه قد قدر عليهم واخذ بثأره - انشروا كليبا أخي، أي احيوه حتى أعفيكم من القتل. (يريد أنكم لا تحيونه، وأنا لا أعفيكم من القتل). وهذه اللام لام الاستغاثة، وهو لم يستغث بهم لينصروه لأنه محاربهم. وهذا معنى قول سيبويه: وإنما استغاث بهم لهم. يريد إنه لم يستغث بهم ليغيثوه، إنما استغاث بهم لهم لأجل ما نزل بهم من قتل مهلهل إياهم. وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي: (ألا يا لَقَوْمٍ لِطَيْفِ الخيا ... - لِ أرقَ من نازحٍ ذي دَلالِ) الطيف: ما رآه في المنام كأنه ينظر إلى شخصه، يقال: طاف يطيف طيفا، والخيال: ما تخيل بصورة المرئي، والنازح: البعيد، وأرق: أسهر، ويقال الأرق أن يفتح عينه مرة ويغمضها مرة، والتسهيد: أن لا ينام أصلا. وقيل: تأرق وتسهد واحد. وقوله: من نازح يجوز أن يكون في صلة

في باب النداء

(أرق) كأنه قال: أرق من أجل نازح، ويجوز أن يكون في صلة (طيف) كأنه قال: ألا يا لقوم لطيف الخيال من نازح ذي دلال أرق، يريد أرقني. و (نازح) وصف لمحذوف، كأنه قال: أرق من إنسان نازح ويريد بالنازح امرأة، وإنما ذكر لأنه جعله وصفا لإنسان أو لشخص أو ما أشبه ذلك. و (لطيف) في صلة فعل محذوف، كأنه قال: أعجبوا لطيف الخيال. والدلال: أن يكلف المحب أمورا لا يريد بها أن يظهر بقبوله منه إنه محب. في باب النداء قال سيبويه في باب النداء: قال الطرماح: (يا دارُ أقوتْ بعد أصْرامها ... عاما وما يَعْنيكَ مِن عامها) فإنما ترك التنوين فيه لأنه لم يجعل (أقوت) صفة للدار، يريد أن (دارا) نكرة في الأصل، فإن نادى من الدور بغير عينها نصب ونون، وإن قصد إلى دار بعينها ضمها ضمة بناء، وإذا صارت معرفة بالقصد إليها دون غيرها لم تنعت بنكرة، والأفعال والجمل لا تكون نعوتا للمعارف، إنما تكون نعوتا للنكرات. وبعد قوله (يا دار) قوله (أقوت) فلو أراد أن تكون (أقوت) وصفا للدار لكانت (الدار) نكرة، وكان يقول: يا دارا أقوت، ولكنه أراد أن يناديها بعينها فقال: يا دار ثم تحدث عنها بعد أن

ناداها. وقوله اقوت، معناه خلت من أهلها وصارت قفرا ليس بها شيء، والقواء: القفر من الأرض، والاصرام: جمع صرم والصر: بيوت مجتمعة في مكان واحد. و (عاما) منصوب بـ (أقوت) يريد أنها خلت منهم عاما واحدا، يعني إنه عهدهم في ذلك المكان منذ سنة، ثم قال: وما يعنيك من عامها، أي ما يهمك وما يشغل قلبك من أجل خلوها سنة. والشاهد فيه إنه جعل (دارا) معرفة. قال سيبويه: وتقول: يا أيها الرجل وزيد، ويا أيها الرجل وعبد الله لأن هذا محمول على (يا). يريد إنه معطوف على الاسم المنادى، وليس بمعطوف على الاسم الذي هو صفة للمنادى. يقول: أن قولك (زيد، وعبد الله) عطف على (أن) وليس على (الرجل). وجعله كما قال رؤبة: (يا دارَ عفراءَ ودارَ البَخْدَنِ) بكِ المها من مُطْفِلٍ ومُشْدِنِ الشاهد فيه إنه عطف (دار البخدن) على (دار عفراء) ولا يصلح أن تكون (دار البخدن) مجرورة معطوفة على (عفراء) لأنه يكون التقدير فيه (يا دار دار البخدن) وهو لم يرد أن يجعل لدار البخدن لدار البخدن دارا، إنما أراد أن بنادي دار عفراء، وينادي دار البخدن. وشاهد سيبويه فيه. وعفراء: امرأة، والبخدن يروى على وجهين: البخدن على وزن جعفر،

جواز نعت صفة المنادى بمرفوع مضاف

والبخدن على وزن زبرج. وزعموا أن البخدن: امرأة الرخصة الرطبة، والمها: بقر الوحش، الواحدة مهاة، والمطفل: التي معها طفل، والمشدن التي قد شدن ولدها أي قوي ومشى معها. وعندي إنه عنى بالبخدن عفراء، أضاف الدار إلى اسمها تارة، وإلى صفتها أخرى، والدار دار واحدة. وهذا كما تقول: يا غلام زيد وغلام العاقل، والعاقل هو زيد. ويدل على أن الدار دار واحدة قوله: بك المها، فجعل الخطاب لواحدة، وكذا فعل بعد ذين البيتين. جواز نعت صفة المنادى بمرفوع مضاف قال سيبويه: واعلم أن هذه الصفات التي تكون والمبهمة بمنزلة شيء واحد، إذا وصف بمضاف، أو عطف على شيء منها كان رفعا من قبل إنه مرفوع غير منادى. يريد أن نعت (أي) وما كان في معناها من المبهمة إذا نعت كان بمنزلة مرفوع يقع في غير النداء، فيجري الوصف لنعت (أي) مجرى ما ينعت من النعوت من غير النداء. ومثال هذا أن تقول: جاءني زيد أخوك العاقل. تجعل (أخوك) نعتا لـ (زيد) وتجعل (العاقل) وصفا لـ (أخوك). فكذا إذا قلت: أيها الرجل ذو المال، (ذو المال) مرفوع لأنه وصف لـ (الرجل)، و (الرجل) ليس بمنادى إنما هو وصف منادى، ووصف المنادى لا يجري مجرى المنادى، فلذلك صلح أن ينعت (الرجل) بنعت مرفوع مضاف. قال رؤبة: (يا أيها الجاهلُ ذو التَنَزي) لا تُوعِدَنّي حيّةً بالنَّكْزِ

(ابن) تصف ما قبلها تتبعه في حركته

التنزي: التوثب، والتنكز: قيل هو كنز الحية بنابها أي عضها، وقيل النكز بأنفها، ويقال: نكزة بالعصا مثل وكزه. يقول: أنا لا ارهب وعيد متوعد وإن كان خبيئا داهية، وعنى بالحية الرجل الشجاع. (ابن) تصف ما قبلها تتبعه في حركته قال سيبويه في باب ما يكون الاسم والصفة فيه بمنزلة شيء واحد، فيضم قبل الحرف المرفوع فيه حرف، ويكسر فيه قبل المجرور حرف، ويفتح ذلك الحرف في المنصوب. يريد سيبويه أن يجعل المنادى إذا كان اسما علما - وأضيف بابن إلى اسم علم، نحو: يا زيد بن عمرو - بمنزلة (امرئ) في أن راءه تحرك بحركة مثل حركة همزته، فإن ضممت الهمزة الراء، وإن فتحت الهمزة فتحت الراء، ويفعل مثل ذلك بالكسر، تجعل حركة الراء مثل حركة الهمزة. ويفعل مثل هذا في النداء الذي وصفته لك: تجعل حركة آخر الاسم الأول بمنزلة حركة النون من (ابن) تتبعها. فتقول: يا زيد بن عمرو، ويا خالد ابن جعفر. وكذا يفعل في غير النداء. وإنما فتح لتتبع حركة آخر الاسم حركة آخر النعت. والحركة الأولى حركة بناء، والحركة الثانية إعراب، وهو مثل (امرئ) في أن حركة الهمزة إعراب وحركة الراء بناء. وقال الكذاب الحرمازي:

(يا حَكَمَ بنَ المُنذرِ الجارودْ) سُرادِقُ المجدِ عليكَ ممدودْ الممدوح: الحكم بن المنذر بن الجارود العبدي وكان من السادات. وأراد أن المجد قد امتد في وجهه كامتداد السرادق. وقال العجاج: يا عُمَرَ بنَ مَعْمَرٍ لا مُنْتَظَرْ بعدَ الذي عدا القُروصَ فحزَرْ يخاطب العجاج عمر بن عبد الله معمر التميمي، وكان قد ولي حرب الخوارج بعد أن عظم امرهم واشتد. والقروص: أن يخمض اللبن حموضة يسيرة، والحزور: أن تشتد حموضته، ومثل من أمثالهم في إفراط الأمر: عدا القروض فحزر. يقول: لا منتظر بعد ما جرى من الخوارج، يريد: لا تتوقف عن محاربتهم فقد جاوزوا إلى أشد مما كان يخاف منهم.

جواز عطف المعرفة على مجرور (رب)

جواز عطف المعرفة على مجرور (رب) قال سيبويه في باب (إجراء الصفة فيه على الاسم في بعض المواضع أحسن): وأما رب رجل وأخيه منطلقين، ففيه قبح حتى تقول: وأخ له، فالمنطلقان عندنا مجروران من قبل أن قوله: وأخيه، في موضع نكرة، لأن المعنى إنما هو: وأخ له. ثم ذكر كلاما اتصل بكلامه المتقدم، ومسائل، وامتد كلامه حتى انتهى إلى أن قال: وقال الأعشى: وكم دونَ بيتكَ من صَفْصَفٍ ... ودَكْداكِ رَمْلٍ واعقادِها) ويهماَء بالليل غَطْشَى الفَلاةِ ... يؤرقني صوتُ فيّادها ووضْعِ سقاءٍ وأحقابهِ ... وحَل حُلوسٍ واغمادِها وفي الكتاب بعد الشعر: هذا حجة لقوله: رب رجل وأخيه. والشاهد على قوله (واعقادها) عطفه على المجرور بـ (من) ومن، لا تدخل في هذا الموضع إلا على نكرة، كما أن (رب) لا تدخل إلا على نكرة، فلما ادخل (من) على النكرة عطف على النكرة ما هو مضاف إلى ضمير النكرة، كما فعل في: (رب رجل وأخيه) كأنه قال: من ضفصف، ومن دكداك رمل واعقادها.

جمع (ابن) لغير العاقل على (بنون)

وكذا الشاهد في قوله: (ووضع سقاء وأحقابه) الهاء تعود إلى السقاء. وكذا: (وحل حلوس وأغمادها) يعود الضمير فيه إلى الحلوس. يمدح الأعشى بهذا الشعر سلامة ذا فائش الحميري، يقول له: كم دون بيتك من صفصف قد قطعته وجزته إليك. والصفصف: المستوي من الأرض، الدكداك: الرمل اللين، والعقد وجمعه اعقاد: ما تعقد من الرمل وتراكم بعضه على بعض. ووجه تأنيثه الضمير الذي أضاف الاعقاد اله - والاعقاد هي اعقاد الدكداك، والدكداك واحد - إنه في معنى الدكادك، وهو واحد يراد به الجنس، ولذلك قال: واعقادها. واليهماء: الأرض القفرة، والغطشى: العمياء التي لا يبصر أحد فيها شيئا، وليس فيها علم يستدل به، والغطش: ضعف البصر، والفياد: ذكر البوم، يؤرقني: يمنعني من النوم. ووضع سقاء: على الأرض، إذا ترك ليشرب منه. وأحقابه: شده وراء رحله، يقال: احقبت الشيء إذا شددته وراءك. والحلوس: جمع حلس وهو مثل البرذعة، يكون تحت الرحل. يريد: حلها إذا نزل، وأغمادها: شدها على ظهر راحلته. يقال: اغمد متاعه على ظهر دابته، إذا تركه، ويقال: إغماد الحلوس: إدامتها تحت الرحال. ويقال: إغمادها: إدخال بعضها على بعض. والمعنى الذي قصده الأعشى، إنه وصف ما لقيه من الشدة والعناء والتعب في السير، حتى لقي سلامة ذا فائش. وإنما يقول له مثل هذا ليعظم حال قصده له. جمع (ابن) لغير العاقل على (بنون) قال سيبويه قال النابغة الجعدي:

وصهباَء لا تُخْفي وهْيَ دونَهُ ... تُصَفَّقُ في راووقِها ثم تُقْطَبُ (شَرِبْتُ بها والديّكُ يدعو صباحهُ ... إذا ما بنو نَعْشِ دنَوا فتصوبوا) الشاهد فيه إنه جمع (ابنا) من غير ما يعقل جمع العقلاء المذكورين وقال (بنو) وكان ينبغي أن يقول (بنات) وقد سيبويه وجه قوله. وأراد بالصهباء: الخمر، أراد ورب صهباء، لا تخفي القذى أي لا تستره إذا وقع فيها لأنها صافية، فالقذى يرى فيها إذا وقع، وقوله: وهي دونه، يريد أن القذى إذا حصل في أسفل الإناء رآه الرائي في الموضع الذي هو فيه، والخمر اقرب إلى الرائي من القذى، وهي فيما بين الرائي وبين القذى. يريد أنها يرى ماوراءها. تصفق: تصفى وتدار من إناء إلى اناء. ووقع في الكتاب (شربت به) وإنما هو (شربت بها) يريد شربتها. ومثله: نضربُ بالسيف ونرجو بالفَرَجْ أي نرجو الفرج. وفي شعره (تمززتها) أي شربتها قليلاً قليلا. وقوله يدعو صباحه: أي يدعو في وقت إصباحه، وقوله دنوا: أي مالت بنات نعش إلى جانب السماء.

العدول عن البدل صونا للمعنى

قال سيبويه وقال الأعشى: (فإما تَرَيْ لِمَّتي بُدلَتْ ... فإن الحوادثَ أودَى بها) الشاهد على إنه ذكر (أودى) وفيه ضمير الحوادث. ومثل هذا في الشعر ضرورة. واللمة: الشعر الذي نزل من الرأس إلى ما بين الكتفين. وقوله: إما تري يريد أن تري. ومعنى بدلت: ذهب بعضها بالصلع، وشاب بقيتها. فإن حوادث الدهر أهلكها؛ يعني أن مرور الدهر يغير كل شيء، وأودى: هلك. ويروى: فإن تعهديني ولي لمة. ويروى: فإن الحوادث ألوى بها. ويروى: أزرى بها. والشاهد في جميع هذه الروايات على طريقة واحدة. العدول عن البدل صونا للمعنى قال سيبويه في باب المعرفة من النكرة، والمعرفة من المعرفة: وإن شئت قلت: مررت برجل عبد الله، كأنه قيل لك: من هو؟ أو ظننت ذلك. ومن البدل أيضا: مررت بقوم عبد الله وزيد وخالد والرفع جيد. يريد أن الاسم الذي تجعله بدلا يجوز فيه أن ترفعه

الرفع على الاستئناف دون الاتباع تجديدا للمعنى

بالابتداء، وإنما يحسن في البدل، إذا كان البدل مثله يصلح أن يكون جوابا لـ (من) أو غير (من) ممن يقتضيه المعنى. قال مالك بن خالد الهذلي: يا ميَّ أن تفقدي قوما ولَدْتِهمِ ... أو تُخْلَسيهِمْ فإن الدهرَ خَلاّسُ (عمروٌ وعبدُ مَنافٍ والذي عَهِدَتْ ... ببطنِ عَرْعَرَ أبي الضيم عبّاسُ) تخلسيهم: يؤخذون منك بغتة، فإن الدهر من شأنه أن تؤخذ فيه الشيء بغتة: وعرعر: مكان معروف. والشاهد فيه رفع (عمرو) وما بعده، ولم يجعلهم بدلا من (قوما) و (عباس) بدل من (الذي). ولو أبدلت فسد الكلام، لأننا إذا نصبنا (الذي) وجب أن ننصب الذي هو بدل منه، فكنا نقول: عباسا: وقوله: والذي عهدت، الضمير عندي يرجع إلى مي، وترك لفظ الخطاب وأخبر عنها باللفظ الذي يكون للغائب، أراد. والذي عهدت، فلم يستقم له، فأتى باللفظ الذي للغائب. الرفع على الاستئناف دون الاتباع تجديدا للمعنى قال سيبويه في باب ما ينتصب على المدح والتعظيم: وذلك قولك: الحمد لله

الحميد، والملك لله أهل الملك. ولو ابتدأته ورفعته كان حسنا. قال الأخطل. نفسي فداءُ أميرِ المؤمنين إذا ... أبدى النّواجّذَ يومٌ باسلٌ ذَكَرُ (الخائضُ الغَمْرَ والمَيْمونُ طائرهُ ... خليفةُ الله يُستسقى به المَطَرُ) يمدح بذلك عبد الملك بن مروان. والشاهد فيه إنه رفع (الخائض الغمر) وما بعده، على إنه خبر ابتداء محذوف، او على إنه مبتدأ وخبره محذوف. والنواجذ: أقصى الأضراس، وقال بعضهم: هي التي تلي الأنياب. وإنما تبدو النواجذ إذا اشتد فزع الإنسان. تقلصت شفته فبدت أسنانه وما في فمه. والباسل: الشديد الكريه، والذكر: الذي ليس فيه إلا الجيد والعمل. ووصف اليوم بأنه باسل لأن البسالة تقع فيه. يقول: هو في مثل هذا اليوم

النصب على التمييز

يخوض الغمرات، والميمون طائره: الذي يتبرك به، والمعنى واضح. ويجوز فيه: الخائض بالنصب، ويجوز فيه الجر على الصفة. النصب على التمييز قال سيبويه: في النفي: وإن شئت قلت: لا مثله رجلا، على قولك: لي مثله غلاما. يريد إنه ينتصب على التمييز. وقال ذو الرمة: رجعْتُ إلى عِرفانِها بعد نَبْوَةٍ ... فما زِلْتُ حتى ظَنّني القومُ باكيا (هي الدارُ إذْ مَيٌّ لأهِلكَ جيرةٌ ... لياليَ لا أمثالهنَّ لياليا) يريد إنه وقف بالدار فلم يعرفها في أول وقوفه، ثم تذكرها وتبين أمرها بعد أن بصره عنها وأنكرها، فعرفها. فقوله: حتى ظنني القوم باكيان يقول: وقفت بها واجما حزينا، وأطلت الوقوف حتى ظن أصحابي أنني أبكي. وقوله: هي الدار: أي الدار التي عهدت فيها ميا، والجيزة، المجاورون، وأراد: إذ أهل مي لأهلك جيرة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. يقول: كانوا جيراننا في ليال ليس لها مثل في الليالي و (لياليا) العامل فيه (أمثالهن)، وهذا كما تقول: على التمرة مثلها زبدا، وخبر (لا) محذوف كأنه قال: لا أمثالهن ليالي لنا. (أولاد أحقب) وأشباهه نكرة قال سيبويه في باب: (من المعرفة يكون الاسم الخاص شائعا في الأمة، ليس واحد منها أولى به من الآخر): فإذا أخرجت الألف واللام صار

الاسم نكرة يعني إذا أخرجت من ابن اللبون وابن المخاض وما أشبه ذلك، لأنه صار معرفة بالألف واللام، فإذا نزعتا منه تنكر. ثم انشد. كذا في الأصل. ثم قال: وكذلك كل ابن أفعل إذا كان ليس باسم لشيءز لم يمثله سيبويه بشيء، وهو مثل قولك: مررت بابن أشر، ومررت بابن اخضر. يريد مررت بمهر ابن فرس اشقر، وبطائر ابن طائر أخضر، فأخضر وأشقر ليسا باسمين وهما صفتان. وقال سيبويه: وقال ناس: كل ابن افعل معرفة لأنه لا ينصرف وهو ما مثلت من قولهم: ابن أشقر وابن أخضر، وزعم هؤلاء أن أخضر وأشقر وما أشبههما، إذا أضفت إلى واحد منهما (ابنا) فهو معرفة، لأنه لا ينصرف. وقال سيبويه: وهذا خطأ لأن (أفعل) لا ينصرف وهو نكرة، ألا ترى أنك تقول: أحمر قمد.

يريد أن (أحمر) نكرة، ولو لم يكن نكرة لم يوصف بـ (قمد) وقمد نكرة. قال ذو الرمة: (كأنا على أولادِ أحقَبَ لاحَها ... ورْميُ السَّفا أنفاسها بسِهامِ) جَنوبٌ ذوَتْ عنها التّناهي وأنزلتْ ... بها يوم ذبابِ السبيبِ صيامِ الأحقب: الحمار الوحشي الذي بموضع الحقيبة منه بياض. ويقول: كأنا على حمير وحش. شبه رواحلهم في السرعة بالحمر الوحشية. ويروى: كأنا على أولاد خطباء. . . والخطباء: الأتان، والخطب: الخضرة التي في متنها، لاحها: غيرها وأضمرها والضمير في (لاحها) يعود إلى أولاد أحقب، و (جنوب) مرفوعة فاعلة (لاحها) والسفا: شوك البهكي. وقوله (أنفاسها) يريد به انوافها وموضع أنفاسها ومناخرها، والسهام: هي شوك البهمى. يريد أن الريح اقتلعت السفا فرمت به أنوف الحمير، وإنما يكون ذلك إذا يبس النبت ولم يكن للحمير رطب ترعاه، فتقبل على رعي اليبيس، فإذا رعت البهمى وهي يابسة؛ حملت الريح سفا البهمى فشكته في أنوف الحمير. والتناهي: جمع تنهية وهو موضع ينتهي السيل اليه، ويقف فيه مدة من الزمان، فإذا اشتد الحر جفت التناهي. ومعنى ذوت: جفت، وأنزلت بها أي بالحمير، وفي (أنزلت) ضمير يعود إلى (الجنوب)، يريد أن الجنوب أنزلت بالحمير يوما شديدا. وقيل: أنزلت بها: أي أحلت بها؛ في معنى أحلتها وأنزلتها. جعل اليوم كأنه محل،

العطف بالرفع على محل (لا) النافية للجنس

كما تقول: أحلتها مكانا شديدا. وقيل: السبيب: أذنابها التي تذب بها، وكان ينبغي أن يقول: يوم ذبابة السبائب، يريد يوم تذب الحمير بأذنابها. وقيل: ذباب السيب: الثور الوحشي يذب عن نفسه بذنبه في شدة الحر. و (صيام) نعت لأولاد أحقب. والشاهد فيه أن (صيام) نكرة وهو وصف لـ (أولاد احقب) فلو كان أولاد احقب معرفة كما زعم هؤلاء القوم كان المضاف إليه معرفة، وإذا صار معرفة لم يجز أن يوصف بنكرة. وقد وقع في البيت ضرورة قبيحة، وهو تقديم المعطوف على المعطوف عليه. لأن قوله (ورمي السفا) معطوف على (جنوب) وهذا كما تقول: قام وعبد الله زيد. ومثله: . . . عليكِ ورحمةٌ اللهِ السّلامُ ومثله: جَمَعْتَ وبُخْلاً غِيبَةً ونَمِيمَةً. . . يريد إنه لاحتها الجنوب ورمي السفا. العطف بالرفع على محل (لا) النافية للجنس قال سيبويه في باب: ما جرى على موضع المنفي لا على الحرف الذي عمل في المنفى. فمن ذلك قول ذي الرمة: بلادا بها اهلون ليسوا بأهلنا ... وأخرى من البلدان ليس بها أهلُ

في باب النداء

(بها العين والارآم لا عِدَّ عندهَا ... ولا كَرَعٌ إلا المَغاراتُ والربْلُ) (بلادا) منصوب بشيء متقدم قبل هذا البيت بأبيات. يريد إنه قطع إلى هذا الممدوح بلادا كثيرة، بعضها فيها ناس ليسوا بأهله ولا يعرفهم، وبعضها خال ليس به أحد، وفيه الوحش، والعين: البقر الوحشية، والآرام: الضباء البيض، والعد الماء القديم الذي له مادة، والكرع: الماء الذي يكرع، يشرب من الموضع الذي اجتمع فيه، والمغارات: جمع مغارة وهي مواضع في الجبال شبه الحجرة والبيوت، تتسع وتضيق. وقيل: إنه أراد بالمغارات مكانس الوحش، والربل: كا ينبت في آخر الصيف ببرد الليل وفي أول الشتاء. ويروى: سوى العِيبن والأرآم. . . والشاهد إنه عطف (كرع) على موضع (لا) وهي في موضع ابتداء. في باب النداء قال سيبويه في باب النداء: وأما قولك: يا أيهاذا الرجل،

ترخيم (اثالة) في غير النداء

فإن (ذا) وصف لـ (أي) كما كان الألف واللام وصفا له، لأنه مبهم مثله، فصار له كما صار الألف واللام. يريد أن (أيا) المبهمة يوصف في النداء بما فيه الألف واللام وبالأسماء التي للإشارة، فإذا قلت: يا أيهذا فكأنك قلت: يا أيها الرجل. قال ذو الرمة: (ألا أيُّهذا المنزلُ الدّارسُ الذي ... كأنك لم يَعهدْ بكَ الحي عاهدُ) (ذا) وصف لـ (أي) و (المنزل) وصف لـ (ذا) و (الدارس) وصف لـ (المنزل) و (الذي) وصف لـ (المنزل) أيضا. وقوله: كأنك لم يعهد بك الحي عاهد، هو على لفظ الخطاب، والذي يجب أن يعود إلى (الذي) على لفظ الغيبة، لم يعهد به الحي عاهد. وإنما جاز هذا على الاتساع. وهو مثل قولهم: أنت الذي قمت وأنا الذي قمت، فلما تقدم النداء وهو للمخاطب استجاز معه أن يجعل ضمير المخاطب في موضع ضمير الغائب. ويروى: ألا أيها الرَّبْعُ الذي غير البِلَى ... كأنَّك لم يَعْهَدْ بك الحيَّ عاهدُ ترخيم (اثالة) في غير النداء قال سيبويه في الترخيم: قال ابن أحمر:

النصب المنادى إذ بدا من قبيل الشبيه بالمضاف

وأيةَ ليلةٍ تأتيكَ سَهْواً ... فتصبحَ لا ترى منهمْ خَيالا (أبو حَنَشِ يُؤرّقنا وطَلْقٌ ... وعبّادٌ وآونةً أثالا) ذكر ابن أحمر جماعة من قومه لحقوا بالشام وأقاموا بها. والسهوة: اللينة الساكنة. يقول: إذا أتى أول الليلة بالسكون والطمأنينة، رأيت خيالهم في آخرها فأزعجني تذكرهم، وحزنت على مفارقتهم. وذكر منهم جماعة فقال: أبو حنش يؤرقنا، أي يمنع تذكره من النوم. وذكر سيبويه أن اثالا ترخيم اثالة. والشاهد على ترخيم (اُثل) في غير النداء. وروى الرواة أن اسم الرجل كان اثالا، وأنه غير مرخم ونصبه على إضمار فعل، كأنه: وآونة نتذكر أثالا. النصب المنادى إذ بدا من قبيل الشبيه بالمضاف قال سيبويه في النداء: قال ذو الرمة: أداراً بِحُزْوَى هِجْتِ للعَيْنِ عَبْرَةً ... فماءُ الهوَى يَرْفَضُّ أو يترقْرَقُ) الشاهد فيه إنه نصب (دارا) لأنها منادى منكور. وحزوى مكان بعينه و (بحزوى) وصف لـ (دار) وبرفض: يتفرق

(ابن ماء) وأشباهه نكرة

ويجيء شيئا بعد شيء، ويترقرق: يجري ويسيل. وأراد بماء الهوى: الدموع التي تجري من عين من في قلبه هوى. والمعنى واضح. (ابن ماء) وأشباهه نكرة قال سيبويه قال ذو الرمة: وماءٍ قديمِ العهدِ بالناسِ آجنٍ ... كأنَّ الدَّبا ماَء الغَضا فيه يَبْصٌقُ (وردْتُ اعتسافا والثُرَيّا كأنّها ... على قِمةِ الرأس ابنُ ماءٍ مُحَلَّقُ) الآجن: الماء المتغير، قديم العهد بالناس: لم ينزل عليه أحد لأنه في موضع من الفلاة لا يسلك كثيرا. والدبا: من الجراد الذي لم تنبت أجنحته، والغضا: شجر معروف. و (ماء الغضا) منصوب بـ (يبصق) يقول: كأن الدبا أكل الغضا، ثم يصق في هذا الماء، وبصاقه أسود شبه ما يبصقه الدبا بما يخرج من الغضا، والذي يخرج منه قطران أو شبيه بالقطران. وردت هذه الماء اعتسافا، أي على غير هداية. يقال اعتسف الطريق: إذا ركبه على غير هداية. والجملة التي بعد قوله: (اعتسافا) في موضع الحال من التاء. أي وردت في هذه الحال. و (الثريا) مبتدأة والجملة التي بعدها خبرها. وقمة الرأس: أعلاه، ابن ماء: طائر من طير الماء، ومحلق: مرتفع في الجو يريد إنه ورد هذا الماء والثريا قد توسطت السماء. والشاهد في البيت الثاني على إنه أتى بـ (ابن ماء) نكرة.

في الإضافة غير المحضة

في الإضافة غير المحضة قال سيبويه قال ذو الرمة: ألا خَيَّلَتْ خَرقاءُ بالبين بعدما ... مضى الليلُ إلا خَطَّ أبلقَ جاشِرٍ (سرَتْ تخبطُ الظلماَء مِن جانبي قَسا ... وحُبَّ بها من خابطِ الليلِ زائرِ) خرقاء: امرأة، وخيلت: من التخييل. أراد أنها أرته خيالها في النوم والبين: القطعة من الأرض، وقيل: البين ملتقى كل ارضين، وأراد بالأبلق ضوء الفجر، والجاشر: المضيء، يقال: جثر الصبح إذا أضاء. وأراد بالاستثناء إنه مضى الليل إلا مقدارا منه قد لاح فيه ضوء الفجر، فجعل (إلا خط ابلق) بمنزلة قوله: إلا بقية فيها خط أبلق. وتصحيح لفظه إنه في تقدير استثناء متصل، كأنه قال: مضى الليل إلا بقية خط أبلق، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وسرت: سارت بالليل، يعني خيالها، وحب بها: أصله حبب بها ثم أدغم، يريد ما احبها إلي، وقسا موضع بعينه، وتخبط الظلماء: تأتي على غير هداية، و (خابط) مضاف إلى الليل والليل معرفة، ولم يتعرف خابط بإضافته إلى الليل. و (زائر) نعت لـ (خابط) ولو كان (خابط) معرفة لم ينعت بـ (زائر) وهو نكرة.

في لغة (أكلوني البراغيث)

في لغة (أكلوني البراغيث) قال سيبويه: واعلم أن من العرب من يقول؛ ضربوني قومك، وضرباني أخواك، فشبهوا هذا بالتاء التي يظهرونها في: قالت فلانة. . . وهي قليلة. قال الفرزدق: ستعلمُ يا عمرو بنَ عَفْرا من الذي ... يُلام إذا ما الأمر غَبَّتْ عواقِبُهْ نَهيتُ عَفْرا أن يُعفر أمَّه ... بحَجْر السَّلا إذْ عَفَّرَتْهُ ثعالِبُهْ فلو كنتَ ضَبياً صفحْتُ ولو سرَتْ ... على قدمي حيّاتُهُ وعقارِبُهْ (ولكنْ دِيافي أبوه وأمه ... بحَورانَ يعصِرْنَ السَّليطَ أقاربه) الشاهد فيه إنه قال (يعصرن) فأتى بالحرف الذي يكون ضميرا، علامة للجمع على حد قولهم: أكلوني البراغيث، والفاعل هو (أقاربه) فأتى بعلامة الجمع.

وقوله: غبت عواقبه، أي إذا أتتك مكافأتي بالهجاء بعد وقت. والسلا: الجلدة التي تخرج على الولد من بطن أمه، وعفرته: جرته في التراب حتى يلتزق به، والعفر: التراب، ودياف: قرية بالشام فيها قوم أشباه النبط، وحوران مدينة من مدن الشام؛ والسليط: الزيت. وسبب هذا الشعر أن عمرو بن عفرا قال لعبد الله بن مسلم الباهلي وقد أعطى الفرزدق خلعة؛ وحمله على دابة، وأمر له بألف درهم، فقال له عمرو بن عفرا الضبي: ما يصنع الفرزدق بهذا الذي أعطيته. إنما يكفي الفرزدق ثلاثون درهما: يزني بعشرة، ويأكل بعشرة، ويشرب بعشرة. فهجاه الفرزدق. قال سيبويه: قال الفرزدق: وما زالَ باني العز منا وبَيْتِه ... وفي الناس باني بيت عِزّ وهادِمُهْ (قديما ورثناه على عهدِ تُبَّعٍ ... طويلاً سواريهِ شَديداً دعائِمُهْ) الشاهد فيه على تذكير (طويل) والفاعل له السواري، وكذا قوله (شديد دعائمه) ذكر ولم يقل شديدة. فخر الفرزدق بقومه. يقول: ليس كل الناس يبني عزا مثل ما نبني

(من) اسم نكرة بدليل وصفه بنكرة

نحن، وأراد أن العز حاصل لهم وفيهم؛ منذ الوقت الذي كان تتبع فيه ملكا. والسواري: الأساطين؛ الواحدة سارية، والدعائم: واحدتها دعامة وهو ما يدعم به الشيء أي يسند. يريد أن بيت العز فيهم ثابت عظيم الشأن؛ مثل البيت الذي فيه سوار عوال ودعائم تسنده. وهذا الشعر في قصيدة يهجو بها بني نهشل ورئيسهم يزيد بن مسعود. (من) اسم نكرة بدليل وصفه بنكرة قال سيبويه قال الفرزدق: (إني وإياك إذْ بَلَّغْنَ أرحلَنا ... كم بِواديه بعد المحل ممطورِ) وفي يمينك سيف الله قد نصرتْ ... على العدو، ورزقٌ غيرُ محظورِ الشاهد فيه على إنه جعل (من) اسما نكرة موصوفا بـ (ممطور) وليست له صلة و (إياك) ضمير المخاطب وهو يزيد بن عبد الملك، وكان الفرزدق قد مدحه بهذه القصيدة. والنون في (بلغن) ضمير الرواحل. المعنى: إني إذا سارت الرواحل، وحملت أرحلنا حتى بلغنا إليك، كرجل كان واديه محلا فمطر بعد ذلك، وظهر نباته، وحسنت حاله. يريد أن ما نالوا من خيره بعد الحال التي كانوا فيها؛ كحال من كان محله جدبا غير ممطور، ثم مطر فأخصب.

في الجر على الجوار

و (بعد المحل) منصوب بـ (ممطور) والباء التي في قولك (بواديه) متصلة بـ (ممطور) أيضا. أراد كإنسان ممطور بواديه بهد المحل. وقوله (وإياك) اسم معطوف على الضمير المنصوب بـ (إن)، وهو ضمير: يزيد عبد الملك الممدوح، وليس في بقية البيت ما يعود إلى إياك). والكاف في قولك (كم) وما اتصل بها خبر لضمير المتكلم. وقد جاء مثل هذا. قال الشاعر: فمَنْ يَكُ سائلاً عني فإني ... وجِروةَ لا تَرودُ ولا تُعارُ لم يخبر عن نفسه وأخبر عن حروة. ويقدر في مثل هذا ما يعود إلى الاسم الآخر، كأنه قال: كإنسان مطر بخيرك وجودك. فإن قال قائل: ففي الكلام ضمير محذوف يعود إلى (إياك) وهو قوله: إذ بلغن أرحلنا، معناه: إذ بلغنك أرحلنا؛ قيل له: (إذ) وما اتصل بها لا يصلح أن يكون خبرا لـ (إياك). فإن قال: لست أخبر عن (إياك) بإذ وما اتصل بها؛ ولكني أجعل (إذ) ظرفا منصوبا بـ (كمن) فتكون الكاف وصلتها خبرا عنهما، ويكون العائد إلى (إياك) الضمير المحذوف المنصوب بـ (بلغن) - كان في هذا القول نظر. في الجر على الجوار قال سيبويه في باب الجر: قال الخليل: لا يقولون إلا: هذان جحرا ضب خربان، من قبل أن الضب واحد والجحر جحران، وإنما يغلطون إذا كان الآخر بعدة الأول وكان مذكرا مثله أو مؤنثا فقال: هذه

جحرة ضباب خربة، لأن الضباب مؤنثة والجحرة مؤنثة والعدة واحدة. يقول: هذا الذي تجره العرب على الجوار، إنما تجعله على بعض الأوصاف، وهو أن يكون النعت الذي يجره يوافق الاسم الذي يجاوره في: عدته وفي تذكيره وتأنيثه. فإن اختلفت العدة، أو كان أحدهما مذكرا والآخر مؤنثا، استعملوا الكلام على أصله، ولم يجروه على المجاورة. لا يقولون: هذا وجار ضبع واسع، ر يجرون (واسع) على الجوار للضبع، لأن (واسع) مذكر والضبع مؤنثة. فلو قلت: (هذا وجار ثعلب واسع) لجاز الجر، لأن الثعلب مذكر و (واسع) مذكر، والعدة واحدة. ولو قلت: هذا مكان ثعالب واسع؛ لم يجز الجر لاختلاف العدة. وسيبويه يخالفه، ويجيز الذي منع من جوازه. وقد احتج سيبويه لقوله بما هو بين في الكتاب. ثم انشد للعجاج ما يوضح قوله. قال العجاج: (كأن نسجَ العنكبوتِ المُرْمَلِ) على ذُرَى قُلاّمِهِ المُهَدَّلِ

أخوات (كم) الاستفهامية والخبرية

سُبوبُ كَتّانٍ بأيدي الغُسلِ الشاهد فيه على إنه جر (المرمل) على الجوار وهو مذكر، وأجراه على العنكبوت وهي مؤنثة. وهذا يشهد لصحة ما ذهب إليه سيبويه. ذكر ماء ورده، والمرمل: المنسوج، والفلام: ضرب من النبت، وزعموا إنه الذي يعرف بالقاقلي، والذرى: الأعالي الواحدة ذروة، والمهدل: المدلى. يعني أن العنكبوت قد نسجت على القلام الذي حول هذا الماء، والسبوب: جمع سب وهو ثوب من كتان ابيض. شبه ما نسجت العنكبوت على هذا الماء بثوب رقيق من الكتان، والغسل: جمع غاسل وغاسلة. أخوات (كم) الاستفهامية والخبرية قال سيبويه في باب ما جرى مجرى (كم) في الاستفهام وذلك قولك: كذا وكذا درهما. يريد أن (درهما) ينتصب بـ (كذا وكذا) كما ينتصب بـ (كم) إذا استفهمت. ثم ساق كلامه إلى أن قال: وكذلك كأين رجلا قد رأيت. يعني أن (كأين) ينصب (رجلا) كما ينصب (كم) (رجلا) في الاستفهام وأن لم يكن (كأين) استفهاما، إلا إنه مثله في إنه ينصب ما بعده. و (كأين) في المعنى بمنزلة (كم) وقد جعلها سيبويه بمنزلة (رب) كما جعل (كم)

في الخبر بمنزلة (رب) في أنها تدخل على نكرة وهي نقيضتها: (كم) للتكثير و (رب) للتقليل. ثم قال: إلا أن أكثر العرب يتكلمون بها مع (من) قال الله تعالى: كأين من قرية وقال عمرو بن شأس: ومنُ حجُرٍ قد أمكنَتْكُمْ رِماحُنا ... وقد سار حَوْلاً في مَعدٍ وأوْضَعا (وكائِنْ رَدَدنا عنكمُ من مدججٍ ... يجيء أمامَ الخيلِ يَرْدي مُقنَّعا) ويروى: وكم مِن هُمامٍ قد وَطِئْنا متوجٍ ... يَجيء أمام الخَيلِ. . . المدجج: الشاك في السلاح، والرديان: ضرب من العدو؛ يقال منه: ردى يردي. يريد أن الفرس يعدو بالمدجج الرديان، فجعل الفعل للمدجج وإنما هو لفرسه، والمقنع: الذي عليه مغفر وهو الذي ينسج من زرد يغطى به الرأس والوجه. والمتوج: الذي عليه تاج، والايضاع: سير شديد.

العطف بالرفع، ولو نصب على التعظيم لجاز

يمن عمرو بن شأس على بني أسد بما فعل رهطه من المدافعة عن بني أسد والذب عنهم، وحجر هو أبو امرئ القيس. العطف بالرفع، ولو نصب على التعظيم لجاز قال سيبويه قال مالك بن خالد الخناعي: يا مَيَّ لا يُعجزُ الأيامَ ذو حِيدٍ ... في حومةِ الموتِ رزّام وفراسُ يحمي الصريمةَ، أحْدانُ الرجالِ له ... صيدٌ، ومجترئ بالليل همّاسُ) كذا وقع الإنشاد في كتاب سيبويه، وقد الف صدر بيت إلى عجز بيت آخر، والبيت الأول الذي انشده؛ صدره في صفة وعل، وتمامه في صفة أسد. وصحته: يا ميَّ لن يُعجزَ الأيامَ ذو حِيدٍ ... بمُشْمَخِرّ به الظَيانُ والآسُ وذو حيد: يريد به الوعيل، والحيد مواضع تنشأ في قرنة. ويروى: حيد بفتح الحاء. والرواية الأولى أجود وهي المختارة عند البصريين. ويروى: ذو خدم، والخدم: البياض المستدير في جوانحه، والمشمخر:

الجبل العالي، والظيان: ياسمين البر، والآس: قط من العسل تقع من النحل على الحجارة، فيستدلون بتلك النقط على مواضع النحل. يقول: الآفات التي تقع في الدهر، ولا يسلم منها هذا الوعل الذي في رأس الجبل، له ما يرعاه وما يشربه. وصحة تمامه: يا مَيَّ لن يُعجزَ الأيام مبتركٌ ... في حَوْمَةِ الموتِ رزّامٌ وفرّاسُ أحمى الصّريمَةَ. . . والمبترك: هو الأسد والمبترك: المعتمد، وحومة الموت: الموضع الذي يدور فيه الموت لا يبرح منه، والرزام: المصوت، يقال: رزم الأسد برزم؛ وإذا برك الأسد على فريسته رزم. وفراس: يدق ما يصيده. والصريمة: رملة فيها شجر، أحماها: منع الناس من أن يدخلها شيء من خوفه، وأحدان الرجال: الذين يقول أحدهم: أنا الذي لا نظير له في الشجاعة والبأس. يقول: هذا الأسد يصيد هؤلاء الذين يدلون بالشجاعة. و (احدان) يروى بالرفع والنصب، فمن رفع قال: (أحدان) رفع بالابتداء، و (صيد) خبر الابتداء. ومن نصب جعله مفعول (أحمى) كأنه قال: أحمى الصريمة من احدان الرجال، أي منعهم من الدخول إليها، و (صيد) يرتفع على هذا الوجه بالابتداء و (له) خبره و (مجترئ) يجوز رفعه على إنه خبر ابتداء محذوف، كأنه

إبدال الجزء من الكل

قال: وهو مستمع ووجه آخر، وهو أن يعطف على (رزام وفراس) وهذا الوجه الذي أراده سيبويه. والشاهد على إنه عطف. و (هماس) من الهمس وهو الصوت الخفي. يريد إنه يخفي صوت وطئه ولا يشده حتى لا يسمع فيشعر به. إبدال الجزء من الكل قال سيبويه قال ذو الرمة: (ترى خَلْقَها نِصفْاً قناةً قويموً ... ونِصْفاً نَقاً يرتَجُّ أو يتمرمَرُ) الشاهد على إنه أبدل (نصفا) من (خلقها). وقناة: في معنى منتصبة، فجعلها وصفا. وقويمة: مقومة، ونقا: بمعنى مستدير ضخم أملس، يرتج: يتحرك إذا مس، يتمرمر: أي يترجرج يذهب ويجيء لرطوبته. ويروى: نصف قناة قويمة. على الابتداء والخبر (نصف) مبتدأ و (قناة) خبره، وكذلك (ونصف نقا) وصف امرأة، وجعل نصفها الأعلى مستويا معتدلا لا يخرج بعضه عن

أعربت الصفة حالا؛ لتقدمها على صاحبها

بعض. يريد أن بطنها ضامر فهو بمنزلة القناة وليست بضخمة والنصف الأسفل بمنزلة نقا، وهو يريد عجزها. أعربت الصفة حالا؛ لتقدمها على صاحبها وقال سيبويه في باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يوصف يما بعده، ويبني على ما قاله: وذلك قولك: هذا قائما رجل، وفيها قائما رجل. يعني أن قائما) لا يجوز أن يكون وصفا للاسم المتأخر وهو (رجل)، ولا يجوز أن يكون (قائم) مبتدأ و (هذا) خبره. . . لأنه لا يحسن أن نقوم الصفة مقام الموصوف في كل حال. ولا يجوز أن يكون (رجل) نعتا لـ (قائم)، فلما قبحت هذه الوجوه - وقد جاز عندهم أن يكون (قائم) الذي هو وصف النكرة حالا منها، في الموضع الذي يحسن فيه - فإذا تقدم الوصف وبطل أن يكون نعتا بعد تقدمه؛ ألزموه الحالة التي كانت، فيجوز فيه وهو متأخر. ثم ساق سيبويه كلامه في هذا المعنى حتى انتهى إلى قول ذي الرمة. قال ذو الرمة: فأصبحنَ قد نَكبْنَ حُزْوى وقابلتْ ... من الرملِ ثَبْجاءُ الجماهير عاقرُ (وتَحتَ العوالي في القَنا مستطِلَّةً ... ظباءٌ أعارتْها العيونَ الجآذِرُ) الشاهد نصب (مستظلة) على الحال لما تقدم، ولو تأخر كان نعتا لـ (ظباء). وصف ظعنا سارت، وحزوى: مكام بعينه، نكبن: عدلن عنه،

الفصل بالمجرور بين (كم) الخبرية ومجرورها

والجماهير: جمع جمهور، وهو رمل يشرف ويعظم، والبج: الوسط، والاثج: العظيم البكن، ورملة ثبجاء الجماهير أي جماهيرها عظام. يريد أن الظعن قابلتهم من الرمل (رملة ثبجاء الجماهير)، والعاقر: الرملة التي لا تنبت شيئا، والعوالي عوالي الهوادج، في القنا: يريد القنا الذي يعطف على الهزادج، أو يريد الخشب الذي يجعل كهيئة القبة في الهودج؛ شبه خشبة بالقنا، والجآذر: جمع جؤذر، وهو ولد البقرة الوحشية، شبه النساء بالظباء، وجعل عيونهن كعيون أولاد البقر الوحشية. الفصل بالمجرور بين (كم) الخبرية ومجرورها قال سيبويه في باب كم: قال الفرزدق يمدح خندف وقبائلها: كم فيهِمِ مَلِكٍ أغَرَّ وسُوقَةٍ ... حَكَمٍ بأردية المكارمِ مُحتبي وإذا عَدَدْتَ وجدتَني لنجيبةٍ ... غَرّاَء قد أدَّتْ لِفَحْلٍ مُنجِبِ الشاهد إنه فصل بين (كم) وبين (ملك) بـ (فيهم). وفي شعره: كم في ملك، يريد: كم في حيي وقومي. والأغر: المشهور الظاهر الذي لا يخفى أمره على الناس، والسوقة: من ليس هو بملك، والحكم: الذي يقنع بقوله ويرجح إليه، بأردية المكارم محتبي: أي إذا جلس مع القوم في مجلس واحتبى تكرم وأعطى وجاد، فصار - لأجل فعله للمكارم - بمنزلة من احتبى بثياب المكارم. وأردية المكارم: أفعاله الكريمة التي تظهر منه كظهور ردائه عليه. والمعنى واضح.

الرفع إغناء للمعنى - دون البدل مما قبله

الرفع إغناء للمعنى - دون البدل مما قبله قال سيبويه: وقد يكون: مررت بعبد الله أخوك، كأنه قيل له: من هو؟ أو قيل: من عبد الله؟ فقال: أخوك. وأنشد: (ورِثْتُ أبي أخلاقَهُ عاجَل القِرى ... وعَبْطَ المَهاري كومها وشَنونُها) استشهد به في رفع (كومها وشنونها) ولم يجعلهما بدلا من (المهاري)، والقصيدة مرفوعة، وقد وضع البيت في الكتاب وضعا ليس بصحيح، ولعل الذين نقلوه غيروا إنشاده، فمن تغييره: إنشادهم (كومها وشنونها) والقصيدة بائية وليست بنونية. وهي للفرزدق. قال: رأيتُ بني مروانَ إذ شُقَّت العصا ... وهَرَّ من الحَرْبِ العَوانِ كَليبُها شَفَوا ثائرَ المظلوم واستمسكتْ بهم ... أكُفُّ رجالٍ رَدَّ قَسْراً شَعوبُها ورِثْتَ إلى أخلاقِه عاجلَ القِرَى ... وضَرْبَ عراقيب المَتالي شَبوبُها

(مرو) ترخيم مروان

الممدوح: هشام بن الملك، وقوله: ورثت هو خطاب لهشام. وإنشاده في الكتاب بضم التاء على إنه للمتكلم. يريد: ورثت إلى أخلاق أبيك عاجل القرى ونحر الإبل المهاري، والعبط: نحر لم يهرم منها، نحو الحقاق والثنى والربع. والمتالي: الإبل التي تتلوها أولادها، والشبوب السيف، ويكون (شبوبها) مرفوعا بالمصدر الذي هو (ضرب)، ولا يكون في البيت شاهد على رفع الشيء الذي يجوز أمن يكون بدلا مما قبله، والكوم: العظام الاسمنة، والشنون: التي فيها شيء من سمن. (مرو) ترخيم مروان قال سيبويه في الترخيم. قال الفرزدق: (يا مَرْوَ أن مطيَّتي محبوسةٌ ... ترجو الحِباَء وربها لم يَبْأسِ) وأثبْتَني بصحيفة مختومةٍ ... يُخشَى عليَّ بها حِباءُ النقْرِسِ كان مروان بن الحكم لما جاءه الفرزدق - وهو عامل المدينة - تقدم إليه أن لا يهجو أحدا، فخالفه، فكتب له كتابا إلى بعض عماله، وتقدم إليه بأنه إذا ورد عليه الفرزدق ضربه وحبسه، وختم مروان الصحيفة. فلما أخذها الفرزدق خشي أن يكون فيها ما يكره، فلم يمض إلى الذي كتب له إليه، وقال مروان للفرزدق: قُلْ للفرزدقِ والتفاهةُ كاسْمها ... أن كنتَ تاركَ ما أمرتُكَ فاجْلِسِ

نصب على المدح، ولم يبدل مما قبله

يقول: أن كنت لم تحمل صحيفتي إلى الموضع الذي كتبت لك إليه، وسلمت مما فيها، فلا تجاورني بالحجاز، واذهب إلى نجد. ويقال لمن أتى نجدا: قد جلس. فقال له الفرزدق: يا مَرْوَ أن مطيتي محبوسةٌ. . . يقول: أنا أرجو أن كتبت الكتاب، أن تعطف علي وتحبوني. وقوله: ترجو الحباء يريد: يرجو صاحبها حباءك، لم ييأس منه. نصب على المدح، ولم يبدل مما قبله قال سيبويه وقال الفرزدق: ولولا بنو هندٍ لنالت عقوبتي ... قُدامةَ أوْلَى ذا الفَمِ المتثلمِ ولكنّني استبقيتُ إعراضَ مازنٍ ... وأيامها من مستنبرٍ ومظْلمِ أناساً بثغرٍ لا تَزالُ رماحُهُمْ ... شَوارعَ من غير العشيرةِ في الدَّمِ) كان رجل من بني مازن يسمى ديسما، نهى عن سقي إبل الفرزدق، اولى: وعيد وتهدد، ذا الفم: أراد يا ذا الفم، المتثلم: المتكسر الاسنان، ولكنني استبقيت إعراض مازن: يريد أبقيت عليها لم اهجها، لأنها إعراض قوم كرام، ولهم أيام وآثار بينة، والمستنير: المضيء. وقوله: أناسا بثغر: يريد أن دار بني مازن تلي دار بكر بن وائل، فهم في ثغر بني تميم، يمنعون عنهم بكر بن وائل، والرماح الشوارع: التي ترد إلى الدماء،

النصب على التمييز

يعني تدخل في الأبدان، والشوارع: الدواب الداخلة في الماء، يريد: هم يطعنون أعداء عشيرتهم ولا يقاتلون بني تميم وأهلهم. والشاهد فيه نصب (أناسا) بإضمار فعل. وقد روي (أناس) بالرفع على تقدير: هم أناس. النصب على التمييز قال سيبويه قال عباس بن مرداس: ومارسَ زيدٌ ثم أقْصِدَ مُهرُه ... وحُقَّ في مِثلها أن يمارسا (ومُرةُ يحميهمْ إذا ما تبددوا ... ويطعنهم شَزْرا، فأبرحتَ فارسا) في الكتاب: ومرة يحميهم. وفي شعره: وقرة، وهو قرة بن مالك بن قنفذ، بطن من بني سليم. وقال عباس هذا الشعر يذكر وقعة كانت بينهم وبين بني زبيد: يحميهم: يريد أنه يحمي من تبدد من قومه ويطعن أعداءه شزرا. وأبرحت: أتيت بالبرح وهو العجب، يعني إنه أتى بالعجب في قتاله، قاتل قتالا عجب الناس منه. والشاهد فيه إنه نصب (فارسا) على التمييز. النصب بإضمار فعل دون العطف أو الاستئناف - للمعنى قال سيبويه قال الاخطل:

لقد حَمَلَتْ قيسَ عيلانَ حربُنا ... على مستَقِلٍ للنوائبِ والحربِ (أخاها إذا كانت غِضابا سَمالها ... على كل من ذَلولٍ ومن صَعْبِ) يريد أن قيس بن عيلان حاربت من يخف عليه أمر الحرب، ولا يثقل عليه ما ينزل به من نائبة أو عظيمة. يريد أنها حملت حربها على بني تغلب. يقول: حاربت بني تغلب وهم يستقلون ما ينزل عليهم، وسمالها: ارتفع، والذلول: الجمل المنقاد، والصعب: الذي لا ينقاد، وجعل الأمر الذي ينال بسهولة بمنزلة الذلول، والأمر الذي يصعب بمنزلة الجمل الصعب الذي يؤذي ركوبه. وقد أنشدت هذا الشعر على ما وجدته في الكتاب، وفي شعره ترتيب يخالف هذا. قال: إليكَ أميرَ المؤمنين رحلْتُها ... على الطائرِ الميمون والمنزل الرْحبِ إلى مؤمنٍ تجلو صفيحةُ وجهِهِ ... بلابلَ تَغْشَى من هُمومِ ومن كَرْبِ

الرفع على الحكاية

مُناخِ ذوي الحاجات يستمطرونه ... عطاءً جزيلا من أسارَى ومن نَهْبِ ترى الحلَقَ الماذِي تجري فضولُه ... على مستقلٍ بالنوائب والحْربِ أخوها إذا كانت عُضالا سمالها ... على كل حال من ذَلول ومن صَعْبِ إمام يقودا الخيلَ حتى تقلقلَتْ ... قلائدُ في أعناقِ مُعْمَلَةٍ حُدْبِ فهذا الترتيب يبعد منه إنشاد الكتاب. يريد بالمستقل الممدوح، والمستقل بالشيْ: الذي ينهض به. يريد إنه ينهض بالقيام بما ينوء به وبمحاربة من حاربه. أخوها: يريد أخو النوائب والحرب، والعضال: التي لا يهتدى لدفها والتخلص منها، والمعملة: التي تعمل في السير، يسار بها سيرا متتابعا، حدب: التي قد هزلت وتقوست أصلابها. الرفع على الحكاية قال سيبويه في باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة: وأما قول الأخطل: (ولقد أبيتُ من الفَتاةِ بمَنْزلٍ ... فأبِيتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرومُ)

النصب على التمييز بتعجب مضمر

ويروى: ولقد أكون. . . وقوله: لقد أكون يريد: ولقد كنت، وجعل المستقبل في موضع الماضي. وكذا: ولقد أبيت يريد: ولقد بت. والذي يريد: أن يخبر عن حاله فيما مضى. ومثله لجرير: . . . ولقد يكون على الشباب نضيرا يعني: ولقد كان والفتاة الجارية الحديثة السن، يريد إنه كان في شبابه تحبه الفتيات ويبيت عندهن، بمنزل يعني بمنزلة جميلة، والحرج: المضيق عليه. يقول: أن موضعه لم يكن ضيقا به، ولا هو محروم من جهتها ما يريده. ومذهب سيبويه أن رفع (لا حرج ولا محروم) بمنزلة: . . . فأنا أبن قيسٍ لا بَراحُ ويجعل (لا) بمنزلة (ليس)، ويرفعه بها ويحذف الخبر. وقد شرح الأقوال التي فيه، وحكى ذكر ما يطعن به عليها. النصب على التمييز بتعجب مضمر قال سيبويه قال الاخطل: وقد أراها شَعبُ الحَيَّ مجْتَمِعٌ ... وأنت صَبٌّ بمن عُلقْتَ مُعتَمدُ

في الإضافة غير المحضة (اللفظية)

(أيامَ جُمْلٌ خليلاً لو يَخاف لها ... صَرْماً، لخولِطَ منه العقلُ والجَسدُ) الشاهد فيه إنه نصب (خليلا) بفعل مضمر، وذلك الفعل هو فعل التعجب، كأنه قال: أيام جمل أكرم بها خليلا، والظرف معلق بالبيت. وشعب الحي: اجتماعه، والشعب: الاجتماع، وهو أيضا الافتراق وهو من الأضداد، يريد أنه رآها قبل أن يتفرق قومها وقومه، والمعتمد: الذي عمده الحزن: أثر فيه، فهو عميد ومعمود، لو يخاف لها صرما لفسد عقله وجسمه. وفي شعره: أيام جمل خليل. . . (جمل) مبتدأ و (خليل) خبره، وأضاف (الأيام) إلى جملة الكلام. في الإضافة غير المحضة (اللفظية) قال سيبويه في باب ما جرى عليه صفة ما كان من سببه. قال الاخطل: تَفادى من الحادي الكَميشِ وقَوَّمَتْ ... سوالفَها الركبانُ والحَلَقُ الصفْرُ (حَمَيْنَ العراقيبَ العصا فتركْنَه ... به نَفَسٌ عالٍ مُخالطُهُ بُهرُ)

(ابن مخاض) نكرة

الشاهد فيه إنه أضاف (مخالطه) وأجراه نعتا للأول، وليس بفعل للموصوف إنما فعل سببه، ولم ينصبه على الحال، لأن المخالطة فاعلها البهر و (مخالطه) مرفوع صفة لـ (نفس). والكميش: السريع الجاد في العمل، وفي (تفادى) ضمير يعود إلى الإبل التي ذكرها. ومعنى تفادى: يفتدي بعضها ببعض من أن يضربها السائق، والسوالف: جوانب الأعناق، والركبان: راكبوها، قومت الركبان رؤوسها ومنعتها من أن تميلها يمنة ويسرة، والحلق: يريد بها الحلق التي فيها آنفها وهي البرى. و (الصفر) بدل من (الحلق) أن أراد بالصفر النحاس، يعني الحلق المعمولة من صفر. ويجوز أن يريد أن ألوانها صفر فذكر لونها، وقوله: حمين العراقيب العصا، يعني أنهن سرن سيرا شديدا ففتن السائق فحمين عراقيبهن أن يلحقها فيضربها، وعدا خلفها حتى يلحقها فأخذه البهر، وهو شدة النفس من التعب. (ابن مخاض) نكرة قال سيبويه قال الفرزدق: (وجدْنا نهشلاً فَضَلتْ فُقَيْماً ... كفضل ابنِ المَخاضِ على الفَصيلِ إذا حلّوا لَصافِ بَنَوْا عليها ... بيوتَ اللؤم والذل الطويلِ

العدول عن النصب على الاختصاص لضعف الشهرة

نهشل وفقيم: ابنا دارم، هجاهما الفرزدق وجعلهما في غاية الضعف والحقارة، وأن كان أحدهما فوق الآخر. والفصيل: الذي له سبعة أشهر ونحوها، وابن المخاض: الذي تمت له سنة ودخل في الثانية، وكلاهما ضعيف لا نفع فيه، وجعل نهشلا أفضل من فقيم بقدر ما بين ابن المخاض والفصيل. ولصاف: موضع معروف وهي مؤنثة مبنية، ويجوز أن يعرب، ولا يصرف. الشاهد فيه عانى أن ابن المخاض نكرة، والدليل على إنه نكرة، إنه أدخل عليه الألف واللام وعرفه، ولو كان معرفة كابن عرس وما أشبهه، لم تدخلا عليه، كما لا تقول ابن العرس. العدول عن النصب على الاختصاص لضعف الشهرة قال سيبويه قال لبيد: (نحن بنو أم البنينَ الأربعهْ) ونحن خيرُ عامر بنِ صعصعهْ المطعمون الجفنةَ المُدَعْدَعَهْ والضاربون الهامَ تحت الخَيْضَعَهْ أم البنين: هي امرأة مالك بن جعفر بن كلاب، ولدت له خمسة بنين: معاوية بن مالك ويقال له معود الحكماء، وعامر بن مالك ملاعب الأسنة، وسلمى ابن مالك نزال المضيق، وربيعة بن مالك ربيع المقترين وهو أبو لبيد، وطفيل ابن مالك فارس قرزل. فاحتاج لبيد لأجل الشعر فقال: أم البنين الأربعة وهم خمسة.

(الحكاية) إذا نوديت لا ترخم

الشاهد في رفعه (بنو أم البنين) ولم يجعل هذا من الاختصاص في شيء، لأن هؤلاء لا يعرفون بأنهم بنو أم البنين الأربعة، كما يعرف بنو منقر وبنو دارم ببني منقر وبني دارم. وإنما تنصب الأسماء في الاختصاص إذا شهرت وعرفت. ومن زعم أن هؤلاء قد عرفوا بالفضل، فصار بمنزلة بني منقر، قلنا له: اعمل على أن الأمر على ما ذكرت في أنهم معروفون بالفضل؛ إلا أنهم لم يشهروا بأن يخبر عنهم أنهم بنو أم البنين، ولا يجوز أن ينصب في الاختصاص إلا المشهور. ومع هذا فلو شهروا بأم البنين، لكانوا يشهرون ببني أم البنين الخمسة، وإذا غيره في الشعر عما كان عليه في الكلام، ذهبت شهرته، فلو نصب لم يكن بعده ما يكون خبرا. (الحكاية) إذا نوديت لا ترخم قال سيبويه في باب الترخيم، في باب الأسماء التي كل اسم منها من اسمين: واعلم أن الحكاية لا ترخم، لأنك لا تريد أن ترخم غير منادى، وليس مما يغيره النداء، وذلك نحو: تأبط شرا، وبرق نحره. يعني أن الحكاية إذا نوديت لم ترخم، لأنها إذا نوديت فهي على اللفظ الذي تكون عليه في غير النداء، ولا يحدث فيها تغيير إذا نوديت، وإنما يرخم ما يتغير في النداء عما كان عليه، والذي يتغير في النداء هو الشيء الذي تقصد إليه بعينه فتدعوه، وإذا قصدت واحدا بعينه بنيته فتغير عن حال

الإعراب إلى البناء، فجرأهم هذا التغير على ترخيمه. قال سيبويه: لو رخمت هذا - يعني الحكاية - لرخمت رجلا يسمى: قول عنترة: (يا دارَ عبلةَ بالجِواء تكلّمي) الزم سيبويه من أجاز الترخيم في الحكاية - (إذا كانت الحكاية) بجملة - هي كلمتان، نحو: تأبط شرا، وبرق نحره، فيحذف الكلمة الثانية ويدع الأولى، فيقول: يا تأبط أقبل ويا برق هلم، فإذا سمي بحكاية هي كلمات: (أن يجيز الترخيم) وإن كانت الحكاية نصف بيت أو بيتا تاما، وهذا لا يركبه أحد وتمام البيت: يا دارَ عبلةَ بالجواء تكلمي ... وعِمي صباحا دار عبلةَ واسْلَمي والجواد موضع بعينه يقال له الجواد، وهو الذي عناه عنترة. والجواد ايضا: جمع جو وهو البطن من الأرض الواسع، تكلمي: أخبري عن أهلك والذين كانوا قاطنين بك، ما فعلوا. . . وعمي صباحا: أنعمي واسلمي من الآفات في صباحك. و (صباحا) منصوب على الظرف، و (عمي) محذوف من (انعمي) على طريق التخفيف لكثرة استعماله، وقيل: إنه من وعم يعم مثل وعد يمد، فقوله: عمي مثل عدي، إلا إنه لا يستعمل منه إلا هذا الفعل الذي هو دعاء وهو على لفظ الأمر. وقد حكي عن بعض أصحابنا المتقدمين إنه قتال: هو من قولهم: عمت السماء تعمي، ومعنى عمت: سال مطرها. والقول الأول أعجب

الاسم المكرر خبر ابتداء محذوف - للمعنى

إلي. وقد رأيناهم حذفوا من بعض الأفعال التي يكثر استعمالها ما لا يوجب القياس حذفه، لكثرة الاستعمال. نحو: لم أبل، ولم يك، ولم نرهم استعملوا وعم يعم، ولا عمى يعمي في هذا الباب. الاسم المكرر خبر ابتداء محذوف - للمعنى قال سيبويه في باب الاختصاص، ويقال: - يعني الخليل - في قول الشاعر: (يا هندُ بين خِلْبٍ وكَبِدْ) أنه أراد: أنت هند بين خلب وكبد: يجعلها نكرة، وقد يجوز أن تقول بعد - مقبلا على من تحدثه -: هند هذه بين خلب وكبد. وجعلها نكرة أحب إلي، لأنها إذا كانت نكرة فهي مخاطبة، كأنه قال: أنت هند من الهنود بين خلب وكبد. وقوله: يا هند؛ هو نداء لها وخطاب، وبعد هذا البيت خطاب لها أيضا. وهو إذا جعلها معرفة أخرجها عن أن تكون مخاطبة وحدث غيرها عنها. وبعد هذا البيت ما يشهد لهذا وهو قوله: أسقاكِ غَيْثٌ هزم الرعدِ بَرِدْ من الثريا نبته غير جَحِدْ فكل وَهْدٍ ومِتان يَطرِدْ والخلب: حجاب القلب، أراد أن ذكرها علق بقلبه فكأنها حاصلة بين كبده وقلبه. والهزم: السحاب الذي لرعده صوت شديد. وأراد: أسقاك سحاب هرم الرعد، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. والبرد: الذي فيه برد. وقوله: من الثريا، يريد: من المطر الذي يأتي عند سقوط الثريا، وهو

في تكرار (لا)

نوء الثريا. والجحد: القصير الذي لا يطول. أراد أن النبت الذي يكون عن هذا المطر غير جحد أي غير قصير. والوهد: منخفض من الأرض وجمعه وهاد، والمتان: جمع متن وهو ما علا من الأرض. يعني أن المطر كثر حتى ملأ الوهاد، والمتان يطرد الماء عليه. يريد أن الماء غطى الأرض وهادها ومتانها. في تكرار (لا) قال سيبويه: واعلم إنه ثبيح أن تقول: مررت برجل لا فارس، حتى تقول: لا فارس ولا شجاع. . . وذلك إنه جواب لمن قال - أو لمن تجعله ممن قال - أبرجل شجاع مررت أم بفارس؟. ذكر سيبويه أن النعت والحال والخبر - في هذا الباب - لا يأتي إلا على التكرير لأنه عندهم جواب كلام فيه تكرير، وأن تكلموا به ولم يتقدمه كلام يكون هذا الكلام جوابا له، فهو على تقدير جواب متكلم تكلم به وإن لم يكن ثم متكلم. وهو معنى قول سيبويه: وذلك إنه جواب لمن قال وهو المتكلم - أو لمن تجعله من قال - أي تقدره، كأنه يتكلم بكلام فيه تكرير، فجعلت هذا جوابه. ثم قال سيبويه: وقد يجوز على ضعفه. يريد إنه يجوز أن يأتي بغير تكرير. قال الرقاشي:

تأنيث فاعل المذكر حملا على المعنى

وأنت امرؤ منا خلقتَ لغيرنا ... حياتُك لا نفعٌ وموتُك فاجعُ) وأنت - على ما كان منك - ابنُ حرةٍ ... أبيٌّ، لما يَرضى به الخصمُ مانعُ وفيكِ خِصالٌ صالحاتٌ، يَشينُها ... لك ابنُ أخٍ، عبدُ الخليقة راضعُ المقول فيه هذا الشعر: الحضين بن المنذر. يقول: أنت منا ولا ننتفع بك، إنما ينتفع بك الأباعد، فنحن لا ننتفع بحياتك وأن مت فجعتنا بنفسك، لأن لنا بك جمالا وذكرا، وأنت - على ما فيك من ترك معاملتك لنا بالجميل - كريم تأبى أن تضام وأن ينال منك خصمك ما يرضاه. والخليقة: الطبيعة، وعبد الخليقة يعني أن طبعه في اللؤم والخسة كطبع العبد، والراضع: اللئم. يقول: ابن أخيك يشينك في تقبيح أفعاله حتى يغطي ما فيك من الخصال المحمودة فلا تذكر بها. ويروى: (حياتك لا ترجى) وليست فيه حجة على هذا الإنشاد، والبيت في الكتاب منسوب إلى رجل من بني سلول. والذي فيه عندي قد أثبته. تأنيث فاعل المذكر حملا على المعنى قال سيبويه قال الكميت بن معروف:

التعريف بالنداء

(وما زِلتُ محمولاً عليَّ ضَغينةٌ ... ومضطَلِعَ الأضغان مذ أنا يافعُ) إلى أن مضتْ لي أربعون وجُربَتْ ... طبيعةُ صُلبٍ حين تُبلى الطبائعُ الشاهد فيه إنه ذكر (محمولا) وهو الذي ارتفع به (ضغينة) ولم يقل محمولة. والضغينة ما في قلب الرجل من العداوة والحقد، يقول: ما زلت مذ كنت صبيا يضطغن علي الناس، وأضطغن عليهم، يعني إنه كثير الخصومة والمنازعة، ففي قلب من يخاصمه عليه حقد، وهو مضمر عداوته وخصومته، وفي قلبه على من يخاصمه مثل ذلك. يعني إنه قوي، صبور على ما ينزل به من الأمور التي فيها شدة وقتا وخصومة واليافع: الذي قد قارب البلوغ، ويبلى: يختبر، وأراد بالصلب نفسه: يريد إنه قد جرب وعرفت جلادته وقوته وصبره. التعريف بالنداء قال سيبويه في النداء، قال الحارث بن خالد المخزومي: (يا دار حسّرَها البِلى تحسيرا ... وسَفَتْ عليها الريحُ بعدكِ مورا) دقَّ التُرابِ تُجيلُه: فمخيمٌ ... بِعراصِها، ومسيرٌ تسييرا

في جعل (عسى) مثل (لعل)

الشاهد فيه إنه نادى دارا بينها فصارت معرفة، وبناها على الضم لما قصد قصدها وليست بنكرة. ثم أتى بعدها بقوله: حسرها البلى، والفعل لا ينعت به إلا النكرة. أراد سيبويه أن (حسرها) ليس بنعت لـ (الدار) إنما استأنف خبرا، كأنه بعد أن ناداها أخذ في الإخبار عنها فقال: حسرها البلى. ومعنى حسرها: أزال ما كان فيها من الأطلال، وسفت الرياح على رسومها التراب فدرست معالمها، وأمحى أثرها. والمور: الغبار والتراب. و (دق التراب) منصوب بدل من (مورا) ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل مثل الفعل المتقدم، كأنه قال: سفت عليها دق التراب. تجيله: تذهب به وتجيء، والمخيم: المقيم الذي أتخذ خيمة، وأراد بالمخيم التراب الذي سفته الريح فأقام في الدار، ولم تحمله الريح إلى موضع آخر. والمسير: الذي حملته الريح من موضع إلى آخر. أراد أن بعض التراب الذي أجالته الريح لم يبرح من الدار، وبعضه حملته إلى موضع آخر. في جعل (عسى) مثل (لعل) قال سيبويه في باب الضمير، قال عمران بن حطان: ومن يقصِدْ لأهل الحق منهمْ ... فإني أتقيه بما لأتقاني علي بذاك أن أحميه حقا ... وأرعاه بذاك كما رعاني (ولي نفس أقول لها إذا ما ... تُنازعني لعليّ أو عساني)

تخفيف (كأن) وإضمار اسمها

يقول: من قصد لأهل الحق - الذي يزعم عمران إنه حق - يعني إنه من قصد الخوارج وخالفها، فإني أدافعه وأتقيه وأحاربه، وأرعى حقه كما رعى حقي، ولي نفس إذا ما أنازعها - يقول: إذا نازعتها حتى أحملها على ما هو أصلح لها - سوفتني وقالت: لعلي لأفعل هذا الذي تدعوني إليه أو عساني أفعله. الشاهد فيه إنه جعل (عسى) كـ (لعل)، فنصب بها الاسم فقال: (عساني) كما يقول لعلني. تخفيف (كأن) وإضمار اسمها قال سيبويه في باب إن: قال أرقم بن علباء اليشكري. (فيوماً تُوافينا بوجهٍ مُقسَّمٍ ... كأنْ ظبيةٌ تعطو إلى وارقِ السَّلَمْ) ويوما تريدُ ما لَنا مَعَ مالِها ... فإنْ لم نُنِلْها لم تُنِمْنا ولم تَنَمْ الشاهد فيه على حذف إحدى النونين من (كأن) وحذف اسمها، واسمها ضمير يعود إلى المرأة التي تقدم ذكرها، يريد: كأنها ظبية، فحذف الاسم وخفف. والوجه المقسم: المحسن، والقسام: الحسن، تعطو: تمد يدها إلى

التعريف بالنداء

أغصان الشجر فتميلها وتأكل منها، والسلم: شجر معروف، ووارقه: الذي فيه ورق. وقوله: فيوما توافينا بوجه مقسم، يريد إنه يستمتع بحسنها يوما، وتشغله يوما آخر بطلب ماله، فإن منعها آذته وكلمته بكلام منعه من الروم. التعريف بالنداء قال سيبويه في النداء، قال عمرو بن قعاس المرادي: (ألا يا بيتُ بالعلياء بيتُ ... ولولا حُبُّ اهلكَ ما اتيتُ) ألا يا بيتُ أهلُكَ أوعدَوني ... كأني كلَّ ذنبِهِمِ جنيتُ الشاهد فيه إنه نادى بيتا بعينه، وبناه على الضم، ثم أقبل يحدثه فقال: بالعلياء بيت غيرك، ولولا أني أحب من فيك ما أتيتك. وقوله: كأني كل ذنبهم جنيت: يريد: كأن كل ذنب أذنبته إليهم مذنب أنا فعلته. يقول: غضبهم علي غضب من جنى عليهم كل جناية. وخطابه للبيت والمعنى لمن فيه. الترخيم في غير النداء - ضرورة قال سيبويه في الترخيم، قال المغيرة بن حبناء: (إنّ ابنَ حارِثَ أن أشتَقْ لرؤيته ... أو أمتَدحْهُ، فإنّ الناسَ قد علموا)

أن الأريبَ من الأقوام قد علموا ... والمستنيرُ الذي تُجلى به البُهَمُ في الكتاب (إن ابن حارث) وفي شعره (إن المهلب). والبهم الأمور المستبهمة التي لا يتجه لها، ولا يعلم كيف تدفع. قال سيبويه في الترخيم، قال مالك بن الريب: (عليَّ دماءُ البُدنِ أن لم تفارقي ... أبا حَرْدَب يوما وأصحابَ حردبِ) الشاهد فيه إنه رخم (حردبة) في غير النداء، وأبو حردبة هذا من اللصوص، وكان يقطع الطريق هو ومالك بن الريب وجماعة معها. وفيه يقول الراجز: الله أنجاكِ من القصيمِ من بطنِ فَلْجٍ وبني تميمِ ومن غُوْيثٍ فاتحِ العُكومِ ومن أبي حَردبةَ الأثيمِ ومالكٍ وسيفه المسمومِ

النصب بإضمار فعل - للمعنى

وقوله: (وأصحاب حردب) وهو يريد: وأصحاب أبي حردبة. وقوله: (علي دماء البدن) قسم بإيجاب بدن تنحر بمكة أن لم يفعل ما أقسم عليه. والذي عندي إنه عنى بقوله: (إن لم تفارقي) راحلته، أراد إنه يفارق أصحابه. ويجوز أن يريد إبلا كانوا أخذوها، فأراد مالك أن يأخذها منهم. النصب بإضمار فعل - للمعنى قال سيبويه قال عبد الرحمن بن جهيم أحد بني الحارث بن سعد من بني أسد: يا راكبا إما عرْضتَ فبلغَنْ ... بني عمنا من عبد شمس وهاشم أمِن عَمَلِ الجرافِ أمسِ وظُلْمِهِ ... وعدوانه اعتبْتمُونا براسمِ (أَميري عَداءٍ أن حَبَسنا عليهما ... بَهائمَ مالٍ أوْدَيا بالبَهائِم) الشاهد فيه إنه نصب (أميري عداء) بإضمار فعل، ولم يجزأن يكون (أميري عداء) بدلا من (الجراف) ومن (راسم) لأن الذي عمل في (الجراف) غير الذي عمل في (راسم)، كأنه قال: أعرف أميري عداء، أو أذكر أميري عداء. وكان الجراف ولي صدقات هؤلاء القوم فآذاهم، فشكوا منه، فعزل عنهم وولي راسم مكانه، فعمل كما عمل الجراف أو أعظم، فشكوا منه. والعداء: الظلم والتعدي، واعتبتمونا: أرضيتمونا بأن وليتم علينا راسما. يريد أنهما أميرا ظلم، أن حسبنا عليهما الماشية حتى يأخذا منها الصدقة، تركاها محبوسة ولم يأخذا ما يجب لهما، ولم يتركاها ترعى، فإذا طال حبسها، بذل لهما أصحابها ما يرضيهما حتى يخليا عنها. وقوله: (إما عرضت) يريد أن عرضت، وهي (إن) التي للشرط. يريد أن تعرضت للقاء بني عمنا من عبد شمس وهاشم، فبلغهم عنا ما صنع بنا هؤلاء الولاة علينا. وبنو أسد بنو عم قريش، لأن قريشا هم ولد النضر بن كنانة بن خزيمة، وأسد هو أسد بن خزيمة. فأسد عم النضر، وأولاده بنو عم أولاد النضر. وأراد بقوله: (بني عمنا من عبد شمس) بني أمية هو أمية بن عبد شمس. (أوديا بالبهائم: أهلكاها. في حركة لام الاستغاثة قال سيبويه في النداء، قال ابن ذريح: تكَنّفني الوشاةُ فأزعَجوني ... فيا للناس للواشي المُطاعِ الشاهد فيه على أن اللام الداخلة على (الناس) لام استغاثة وهي مفتوحة، واللام التي بعدها هي اللام التي تدخل على المفعول. وهذه اللام المكسورة هي في صلة فعل مجذوف، كأنه قال: يا للناس اعجبوا للواشي، أي اعجبوا من أجل ما ترونه منه. والوشاة: جمع واش، وهو الساعي في النمائم والإغراء والإفساد بين الناس وتكنفني الوشاة: أتوني من كل ناحية، واستداروا حولي، يسعون فيما بينه وبين التي كان يهواها بالفساد. وقوله: (فيا للناس للواشي المطاع) أراد أنها تطيعهم إذا حملوها على هجره والبعد عنه، وأراد أنهم يكنفونه ويخبرونه بأنها قد صرمته، وقطعت ما بينها وبينه. فإذا أخبروه أنزعج وقلق وشق عليه ما يحدثونه به. في الإضافة غير المحضة وقال سيبويه في باب الصفة، قال ابن ميادة: فارْتَشْنَ حين أردْن أن يَرْمِيننا ... نَبْلاً مقذَّذَةً بغير قِداحِ ونظَرْنَ من حَلَلِ السُّورِ بأعينٍ ... مَرْضَى مُخالِطِها السَّقامُ صِحاحِ الشاهد فيه إنه جعل (مخالطها) صفة لـ (أعين)، والفعل للسقام، فأضاف اسم الفاعل وأجراه صفة للأول والفعل لسبب الموصوف لا للموصوف. وارتشن: اتخذن ريشا لسهامهن، وهذا على طريق المثل، جعل أعينهن إذا نظرت بمنزلة السهام التي يرمى بها، و (نبلا) منصوبة على أحد وجهين: أما أن تكون منصوبة بـ (ارتشن) كأنه جعل ارتشن في موضع رشن، وهو كقولك: ورشن نبلا. والوجه الآخر أن تكون منصوبة بإضمار فعل، كأنه

مجيء (من) بمنزلة (إنسان) وليست موصولة

قال بعد قوله: ارتشن، فرشن نبلا. تقديره: اتخذن ريشا فرشن به نبلا. والمقذذة: السهام التي عليها قذذ. والقذذ: ريش السهم، الواحد قذة، والقداح: السهام التي لم تركب عليها النصال ولم تصلح بعد. يريد أن السهام التي رمين بها وأصلحنها ليست بسهام من خشب؛ إنما هي في أعينهن إذا نظرن بها إلى انسان، وخلل الستور: الفرج التي بينها، والمرضى: العيون التي في طرفها فتور. وجعل ذلك الفتور والضعف الذي في نظرها بمنزلة السقام فيها، وهي صحاح في انفسها، وإنما يفتر النظر من رطوبة الجسم والنعمة والترف. ومثله: أن العيونَ التي في طَرْفِها مرضٌ مجيء (من) بمنزلة (إنسان) وليست موصولة قال سيبويه: وقال الخليل: أن شئت جعلت (من) بمنزلة إنسان وجعلت (ما) بمنزلة شيء نكرتين، ويصير (منطلق) صفة لـ (من) و (مهين) صفة لـ (ما). وزعم أن هذا البيت عنده مثل ذلك. قال كعب بن مالك: نَصروا نبيهمُ بنصرِ وليَّهِ ... فالله - عزَّ - بنصره سمانا (فكفى بنا فَضْلاً على من غيرناِ ... حبُّ النبي محمدٍ أيانا)

العدول بالاسم عن البدل مما قبله إلى الرفع بتقدير مبتدأ

الشاهد فيه إنه جعل (غيرنا) نعتا لـ (من) ولم يجعل (من) موصولة. يعني أن الله عز وجل سماهم الأنصار لأنهم نصروا النبي صلى الله عليه وسلم ونصروا من يتولاه. وقوله: فكفى بنا فضلا على من غيرنا، يريد كفانا فضلا على الناس حب النبي إيانا. و (بنا) في موضع المفعول، و (حب النبي) فاعل (كفى). العدول بالاسم عن البدل مما قبله إلى الرفع بتقدير مبتدأ قال سيبويه قال العجيز السلولي: (فلا تَجْعلي ضَيْفَيَّ ضيفٌ مقربٌ ... وآخر معزولٌ عن البيت جانِبُ) ولا تجعلي لي خادماً لا أحِبُّه ... فتأخذني من ذاك حُمى وصالبُ الشاهد فيه إنه قال: (ضيف مقرب وآخر معزول) ولم يبدل من (ضيفي)، ورفع وقدر الكلام تقدير جملة. كأنه قال: أحدهما ضيف مقرب، والآخر معزول عن البيت جانب. وهذه الجملة في موضع المفعول الثاني لـ (تجعلي) وتجعلي يتعدى إلى مفعولين:

في الإضافة غير المحضة

المفعول منهما (ضيفي) تثنية ضيف، وهو مضاف إلى ضمير المتكلم، والمفعول الثاني في موضعه الجملة. وتجعلي: تصيري، وهو كقولك: قد جعل فلان زيدا أميرا، أي وصفه بالإمرة، وحكم بها له. يريد: لا ترتبي أضيافي فتكرمي بعضهم وتهيني بعضهم، بل اكرمي جماعتهم ولا تحقري واحدا منهم. والجانب يقع على الجنب الذي هو الغريب، والجانب: المتنحي إلى جانب الشيء، وهو معنى ما في البيت عندي. ويقول: لا تجعلي أكرم موضع في البيت لبعضهم، وتجعلي بعضهم مطرحا يجلس ناحية من البيت. ولا يجوز أن ينصب على طريق البدل، لأجل القافية. ولا تجعلي لي خادما لا أحب خدمته، فيأخذني من كراهتي لخدمته حمى، والصالب: الصداع فيما زعم بعض الرواة، وقال بعضهم: الصالب: الحمى مع الصداع، ويعبر عن الحمى الحارة بصالب. ويقال: صلبت عليه الحمى تصلب عليه. (فيأخذني) منصوب، جواب (فلا تجعلي). في الإضافة غير المحضة قال سيبويه:: اعلم أن كل مضاف إلى معرفة وكان للنكرة صفة، فإنه إذا كان موصوفا أو وصفا أو خبرا أو مبتدأ - بمنزلة النكرة المفردة. يريد أن المضاف إضافة غير محضة، هو في تقدير الانفصال نحو أسماء الفاعلين إذا أريد بها الحال أو الاستقبال، ونحو إضافة (حسن الوجه) وما أشبه ذلك بمنزلة نكرة غير مضافة إلى شيء. والنكرة المفردة غير المضافة توصف بنكرة، وتقع صفة لنكرة، وتقع خبرا عن معرفة ونكرة، وتقع مبتدأة.

كقولك: له عندي درهم. والنكرة المضافة التي لم تتعرف تقع في جميع هذه المواقع، قال جرير: (ظَلِلْنا بُمسْتَنَّ الحرورٍ كأننا ... لدى فَرَسٍ مستقبلِ الريح صائمِ) أغر من البُلْقِ العِتاقِ يَشُفه ... أذى البَقّ إلا ما احتمى بالقوائمِ الشاهد فيه على إنه وصف (مستقبل الريح) بـ (صائم) و (مستقبل الريح) مضاف إلى معرفة لم يتعرف بها فهو في حكم نكرة غير مضافة، ولذلك نعت بـ (صائم). ومستن الحرور: الموضع الذي تجري فيه الريح الحارة، والحرور: الريح الحارة، والصائم: الواقف. وأراد أنهم ظلوا نازلين نصف النهار في يوم شديد الحر في فلاة، وأنهم حين نزلوا مدوا ثوبا وشدوه بسيوفهم وقسبهم، وجلسوا تحته يستظلون به، فكلما دخلت الريح فيه تحرك واضطرب. فكأنه فرس قائم، كلما قرصه البق رفع قوائمه ليذب عن نفسه ويطير البق، ويسفه: يؤذيه. شبه تحرك الثياب التي شدوها، ويتحرك الفرس الذاب عن نفسه البق وهو قائم. واحتمى: امتنع، و (أغر) وصف للفرس. وإنما جعله ابلق؛ لأن الثياب التي نصبوها وشدوها هي ألوان، فلذلك جعل الفرس أبلق. قال سيبويه في الباب المتقدم، قال جرير:

(يا رُب غابطنا لو كان يطلبُكُمْ ... لاقَى مباعدةً منكم وحِرمانا) الشاهد فيه على أن (غابطنا) بمنزلة نكرة مفردة، وأن هذه الإضافة لم تعرفه، يريد يا رب غابط لنا. يقول: يا رب إنسان يغبطني على محبتي لك، ويظن أنك تجازينني بها، ولو كان مكاني للاقى كما لاقيته من المباعدة وحرمان ما يلتمسه. والمعنى واضح. وقال أبو محجن: (يا ربَّ مثلكِ في النساء غريرةٍ ... بيضاَء قد متَّعْتُها بطَلاقِ) الشاهد إنه جعل (مثلك) - وهو مضاف إلى معرفة - في معنى نكرة مفردة، وجعله بمنزلة المضاف الذي فيه معنى الانفصال فأدخل عليه (رب). والغريرة: التي هي في غرة من العيش، لم تلق بؤسا ولا شدة في عيشها، قد متعهابطلاق: جعلت تمتيعي لها الطلاق لأني لم ارض خلقها وطريقها، فلم اصبر على قبح فعلها وأن كانت حسنة الوجه.

في تعدد وجوه الإعراب

في تعدد وجوه الإعراب قال سيبويه: ومثل ما يجيء في هذا الباب: على الابتداء، وعلى الصفة، وعلى البدل، وقوله عز وجل: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا، فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة). يريد إنه يرفع على ابتداء محذو، كأن التقدير: إحداهما فئة تقاتل في سبيل الله، وفئة أخرى كافرة. والجملة وصف لـ (فئتين). ثم قال:: ومن الناس من يجر. يريد إنه يجر (فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة) قال: والجر على وجهين: على الصفة، وعلى البدل. يريد أن (فئة) بدل من (فئتين) والصفة كما تقول: مررت برجلين قاعد وقائم. وإنما جعل (فئة) صفة لـ (فئتين) لأن (فئة) موصوفة، فكان اعتماد الصفة في (فئتين) على صفة (فئة). كما تقول: مررت برجلين: رجل صادق ورجل كاذب. وقال كثير عزة: فليتَ قَلوصي عند عزَّةَ قُيدَتْ ... بحبلٍ ضعيفٍ غرَّ منها فضَلتِ وغودِرَ في الحي المقيمين رَحْهُا ... وكان لها باغٍ سوايَ فبلتِ (وكنت كذي رِجلَيْنِ: رِجْلٍ صحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزمانُ فشَلَّتِ)

في إلغاء شبه الجملة

يقول: ليت قلوصي التي رحلت عليها إلى عزة - لما نزلت عندها، وشددت قلوصي بحبل قيدتها به - كان الحبل الذي شددتها به ضعيفا، حتى ينقطع وتذهب وتضل، فلا يكون لي ما اركبه وأعود عليه إلى أهلي، فأبقى مقيما عند عزة، استمتع بها وبحديثها. وغر منها: يريد غر الحبل صاحبه من القلوص، توهم أن الحبل جديد لا ينقطع، فغفل عن القلوص فقطعته وذهبت. وغودر: ترك في الحي المقيمين رحلها وكان للناقة باغ يطلبها سوى كثير، فبلت ذهبت لا توجد. وكنت كذي رجلين: إحداهما قد شلت، فلا يمكنني أن أبرح من عند عزة، لأن قلوصي قد ذهبت، ورجلي قد شلت، فلا يمكنني العود راكبا ولا راجلا. تمنى أن رجله قد شلت لما حصل عندها، وان قلوصه ضلت، حتى تكون إقامته عندها بحجة. وقوله: رمى فيها الزمان: أي أصابها ببلية. في إلغاء شبه الجملة قال سيبويه: ومما جاء في الشعر أيضا مرفوعا يريد ما جاء مثل (في أنيابها السم ناقع) (وعندي البر مكنوز) يريد في

جعل الصفة خبرا وإلغاء الظرف قول ابن مقبل: (لا سافِرُ النَّيَّ مدخولٌ ولا هَبِجٌ ... عاري العِظام عليه الوَدْعُ منظومُ) الني: الشحم، والمدخول: الذي قد دخله سقم، والمهج المورم، وسافر النبي، قد سفر عنه الني، ذهب شحمه، يصف ظبيا. وقد وقع في الإنشاد اضطراب. وفي شعره: كأنها مارِنُ العِرنين مفتصَلُ ... من الظباء عليه الوَدْعُ منظومٌ مقلدٌ قُضُبَ الرَّيْحان ذو جُدَدٍ ... في جَوزِهِ من نِحارِ الأدْمِ توشيمُ مما تَتَبنى عذارَى الحي آنسهُ ... مسحُ الآكُف والباسُ وتوسيمُ

المضاف على نية الانفصال في الإضافة غير المحضة

من بعد ما نَزَّ تُزْجيه موشَّحَةٌ ... أخلى تِياسٌ عليها والبَراعيمُ لا سافِرُ النَّي مدخولٌ ولا هَبِجٌ ... كاسي العظام لطيفُ الكَشْحِ مَهضومُ كأنها: يعني المرأة، ظبي مارن العرنين: لين الأنف، مفصل عن أمه: يريد إنه أخذ وهو صغير فرباه الناس، وعنوا به، وعمل عليه قلائد من ودع يركب في عنقه، وقلدوه: جعلوا له قلائد من الرياحين، والجدد: الطرائق التي في جلده تخالف لونه، والجوز: الوسط، والنجار: يريد به اللون فيما زعموا والادم: الظباء البيض، والتوشيم: خطوط مثل الوشم في اليد، ويروى (توسيم) أي علامة والسيما: العلامة. وتبنى عذارى الحي: جعلنه كالابن لهن يمسحنه ويطعمنه، ونز نزا ونشط، تزجيه: تسوقه، موشحة وهي أمه. يريد إنه مشى مع أمه وهي الظبية. يريد إنه أخذ وربي بعد ما مشى مع أمه. والموشحة: التي في لونها خطوط كالوشاح، وتياس موضع بعينه وقيل جبل، والبراعيم جبل، أخلى لها: أي لم يكن فيه شيء من الوحش ولا غيره يرعى سواها، لا سافر الني: يريد الظبي، وقد تقدم تفسيره، والمهضوم: الاهضم الكشح الضامر الجنب. المضاف على نية الانفصال في الإضافة غير المحضة قال سيبويه: في النداء، قال عبيد:

(يا ذا المُخوفُنا بمقتل شَيْخِه ... حُجْرٍ، تَمَنيَ صاحبِ الأحلامٍ) لا تَبْكِنا سَفَهاً ولا ساداتِنا ... واجعلْ بكاَءك لابنِ أم قَطامِ الشاهد فيه إنه جعل (المخوفنا) وصفا لـ (ذا) وقد عمل في المفعول. ولم يكن لما عمل في المفعول من تمامه بمنزلة النعت المضاف إذا قلت: يا زيد غلام عمرو. جعلوا المفعول لما كان من صلته - كأن الصلة بما يتم الموصول - اسما بمنزلة بعض حروفه، فلم ينصبوه المضاف لما كان نعتا للمنادى. و (ذا) من قوله (يا ذا) اسم إشارة و (المخوفنا) مرفوع وأن كان قد عمل في المفعول، وصار طويلا بنصبه المفعول، وأراد: يا هذا الذي خوفنا بأن يعاقبنا لأجل قتلنا شيخه. وعنى بشيخه أباه، والمنادى: امرؤ القيس بن حجر، وكانت بنو أسد قتلت حجرا أبا امرئ القيس، فتوعدهم امرؤ القيس بأن يقتلهم. وقوله (تمني صاحب الأحلام) يريد تتمنى أن تقتلنا وأنت لا تقدر على قتلنا، وتمنيك يجري ما يراه صاحب الأحلام في منامه. و (تمني) منصوب بإضمار: تتمنى تمنيا مثل تمني صاحب الأحلام، وهو من باب قولهم: شربت شرب الإبل. لا تبكنا أي لا تطلب بدمائنا أن قتلتنا، ولا تندبنا. وهذا على طريق التهكم بامرئ القيس، أي أنت لا تقدر على قتلنا، فاجعل بكاءك على أبيك حجر، وحجر هو ابن أم قطام.

النصب على الحال المؤكدة

النصب على الحال المؤكدة قال سيبويه في باب ما ينتصب لأنه خبر للمعروف: وهو الحق بينا ومعلوما، لأن ذا مما يوضح ويؤكد به الحق، و (بيتا ومعلوما) ينتصبان على الحال، وهذه الحال هي حال مؤكدة. يريد أنها تؤكد معنى الكلام، لأن قولنا (هو الحق) فيه إعلام وتبيين أن الذين أخبرنا عنه بأنه الحق واضح بين معلوم، فقد أكدنا أخبارنا عنه بأنه الحق بقولنا (بيتا ومعلوما) يريد كونه حقا معلوم. والعامل في الحال: فعل يدل عليه معنى الجملة، كأنه قال: أعرفه بينا وأتبينه معلوما وما أشبه ذلك، وإذا قال: هو الحق معناه: أعرف أن الذي أخبرتك به حق ومعلوم ومعروف. وقال سالم بن دارة: (أنا ابنُ دارةَ معروفاً له نسبي ... وهل بدارةَ يا لَلناسِ من عارٍ) من جِذم قيسٍ وأخوالي بنو أسدٍ ... أكارمُ الناسِ زَنْدي منهمُ واري الشاهد في نصب (معروفا) يريد: انتبه لي معروفا نسبي.

ترخيم (مي) في غير النداء

والجذم: الأصل وقوله: زندي منهم واري هو على طريق المثل، والزند الواري: السريع الإخراج للنار. يعني تنه أن أراد تعديد مفاخرهم وأيامهم لم يتعب ووجدها مشهورة واضحة، ووجد شرفهم معروفا عند الناس. ودارة جد سالم، وهو سالم بن مسافع بن سريح بن يربوع بن كعب ابن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان. ويربوع بن كعب هو دارة، وإنما سمي دارة: أن رجلا من بني الصادر بن مرة يقال له كعب قتل ابن عم ليربوع بن كعب يقال له درص، فقتل يربوع كعبا بابن عمه، واخذ بنت كعب ثم أرسلها. فلما أتت قومها نعت أباها كعبا، فقالوا لها: من قتله؟ قالت: علام من بني جشم بن عوف بن بهثة كأن وجهه دارة القمر. فسمي لذلك دارة. ترخيم (مي) في غير النداء قال سيبويه في باب النداء، قال ذو الرمة: (ديارُ مَيْةَ إذْ مَيّ تساعِفنا ... ولا يَرَى مِثلَها عُجْمٌ ولا عَربُ) الشاهد فيه إنه قال (إذمي) فرخم في غير النداء. وحكي إنه كان يسميها مرة ميا ومرة مية. وتساعفنا: تدانينا وتقاربنا وتنيلنا.

جواز ندب الاسم بترك علامة الندبة

جواز ندب الاسم بترك علامة الندبة قال سيبويه في الندبة: وزعم إنه يجوز في الندبة (واغلاميه) يعني إنه يجوز أن اترك علامة الندبة ولا أدخلها على المندوب، وأندبه على اللفظ الذي هو له من قبل الندبة. وقال سيبويه بعد ذلك: ومن قبل إنه قد يجوز أن أقول (واغلامي) فأبين الياء كما أبينها في غير النداء. يعني إنه يجوز فتح الياء التي للمتكلم قبل أن تنادي الاسم المضاف إليك، فإذا ناديته جاز فيه فتح الياء ما كان يجوز فيه من قبل النداء. وكأن الذي يفتحونها إذا وقفوا عليها ألحقوها هاء ليبينوا حركة الياء، فنقول في الوقف: هذا غلاميه وهذا صاحبيه. وقال الله تعالى: (اقرأوا كتابيه). ثم قال سيبويه: بينت الياء في النداء - يعني حركتها - كما بينتها في غير النداء، فإن حركتها جاز فيها الوقف على الهاء (في النداء) كما جاز فيها إذا كانت غير نداء. وقال ابن قيس الرقيات: أن الحوادثَ بالمدينة قد ... وجَعْنَني وقَرَعْنَ مَروتَيهْ ثم مضى في شعره إلى أن قال: كيف الرقادُ وكلما هَجَعَتْ ... عيني ألمَّ خيالُ إخوتَيهْ

إلغاء الظرف، وجعل الحال خبرا

(تبكيهمُ أسماءُ مُعْوِلَةً ... وتقول سلمى: وارزِيّتِيَهْ) الشاهد فيه إنه جعل (رزيتي) في الندبة بمنزلتها في غير الندبة، ووقف على الهاء لأجل بيان حركة الياء، كما نقول في غير الندبة والنداء: عظمت رزيتيه. والحوادث التي كانت بالمدينة وقعة الحرة، وبكى ابن قيس على الذين قتلوا بالمدينة من أهله. إلغاء الظرف، وجعل الحال خبرا قال سيبويه وقال المتنخل الهذلي: (لا دَرَّ دَرّيَ أن أطعَمْتُ نازِلكمْ ... قِرْفَ الحَتي وعندي البر مكنوزُ) الشاهد فيه إنه جعل (مكنوز) خبر (البر)، وجعل (عندي) ظرفا ملغى. وقوله: لا در دري دعاء على نفسه، ويقال: لا در در فلان أي لا رزق حلوبة يدر لبنها، ونازلكم: من نزل بي منكم، والحتي: المقل، وقرفه: قشره وما قرب منه. وكانوا يجعلون من المقل سويقا يؤكل منه.

إعرابه حالا إذا حمل على الضمير - لأن الضمير لا يوصف

وكان المتنخل نزل بقوم فجفوه؛ فقال: لا در دري أن أطعمت نازلكما من نزل منكم سويق المقل وعندي الحنطة. يريد إنه لا يمنع اضيافه أجود ما عنده من الطعام وأطيبه، ولا يفعل بهؤلاء القوم الذين بهم إذا نزلوا به، مثل ما فعلوا به حين نزل بهم، وعرض بهم أنهم قروه سويق المقل، وخبئوا البر فلم يطعموه منه شيئا. إعرابه حالا إذا حمل على الضمير - لأن الضمير لا يوصف قال سيبويه في باب إجراء الصفة على الاسم في بعض المواضع أحسن. وتقول: مررت برجل معه صقر صائد به، أن جعلته وصفا يعني أن جعلت صائدا وصفا لـ (رجل). ثم قال: وإن لم تحمله على الرجل. يريد أن لم تجعله وصفا لـ (رجل) وحملته على الاسم المضمر المعروف، نصبته. أراد بالمضمر ضمير الرجل الذي دخلت عليه (مع) وهو الهاء من (معه) وجعله عليه: أن يجعل حالا منه، لأن المضمر لا يوصف. وجعل هذه المسألة ونظائرها يقع على وجهين: إن شئت أجريت الصفة على الاسم النكرة المتقدم فجعلتها وصفا له، وإن شئت حملتها على الضمير الذي يعود إلى الاسم النكرة فجعلتها حالا منه. ثم ذكر سيبويه مسائل هي نظيرة قوله: مررت برجل معه صقر صائد به صائدا به، حتى انتهى إلى أن قال: وأما قولهم، فهذا لا يكون فيه وصف ولا يكون إلا خبرا فهو باطل. يعني أن قوما من النحويين يزعمون

أن الوجه أن تقول: مررت برجل معه صقر صائدا به، فتنصب (صائدا) على الحال ولا تجعل (صائدا) وصفا لـ (رجل). وقالوا: الوصف يمتنع، لأنا لو قلبنا فقدمنا (صائدا) قبل قولنا (معه صقر) لم يصلح أن نقول: مررت برجل صائد به معه صقر، نقدم الإضمار قبل الذكر. يريدون: إضمار صقر قبل جري ذكره. ويحتج لمذهبهم فيقال: (معه صقر) وصف لـ (رجل) و (صائد به) وصف آخر. والموصوف إذا كانت له صفتان، فليست إحداهما بالتقديم أولى من الأخرى، فنحن أن أجزنا الجر في (صائد) على الوصف لـ (رجل) فالصفتان إذا اجتمعتا، جاز أن تتقدم كل واحدة منهما صاحبتها. فجائز على هذا أن تقدم (صائد) على (معه صقر) وإذا قدمنا فسد الكلام الإضمار قبل الذكر. فأراهم سيبويه إنه قد ثبت في الكلام نظائر لما أنكروا، من ذلك أنهم يقولون: مررت برجل حسن الوجه جميله ولا يقال: مررت برجل جميله حسن الوجه. ومضى في الاحتجاج عليهم إلى أن قال: فأما القلب فباطل. يريد اعتبارهم في الوصف الثاني أن يكون مما يجوز فيه القلب والتقديم على الأول. ثم قال: وسمعناهم يقولون: هذه شاة ذات حمل مثقلة به: فرفعوا (مثقلة) وجعلوه وصفا لـ (شاة)، والضمير المجرور المتصل بالباء يعود إلى

(الحمل) ولا يجوز أن يقال فيه: هذه شاة مثقلة به ذات حمل. وقد سمع منهم الرفع. ثن انشد بيت حسان: (ظننتُمْ بأنْ يَخْفَى الذي قد صنعتُمُ ... وفينا نبي عنده الوحيُ واضِعُهْ) الشاهد فيه أن (واضعه) وصف لـ (نبي) وهو مضاف إلى ضمير (الوحي)، وقوله (عنده الوحي) وصف لـ (نبي) و (واضعه) وصف آخر ولو قدمه فقال: وفينا نبي واضعه عنده الوحي، لم يجز، ولم يجز. وقد أتى وصفا مرفوعا غير معتبر فيه القلب، فدل هذا على صحة ما ذهب إليه وفساد ما ذهب إليه أصحاب القلب. وزعم أبو العباس أن الضمير المضاف إليه (واضع) يعود إلى (الذي) وليس يعود إلى (الوحي)، و (أبو العباس لا يرى أن اعتبار القلب صحيح، وإنما رد الاستشهاد بالبيت لأن عنده؛ أن الضمير لا يجوز أن يعود إلى الوحي) لأن النبي عليه السلام لا يجوز أن يضع الوحي وإنما يضع ما صنع القوم، أي يخبر به وبينه. والمعنى الذي أنكره على سيبويه قد فعل هو مثله، لأنه إذا جاز أن يقال: وضعت فيكم ما صنع القوم - أي أخبرتكم به - جاز أن يقال: وضمت فيكم الوحي على معنى أخبرتكم، وليس يراد الوضع الذي هو ابتداء عمل الكلام؛ وإنما يريد وضع العلم بذلك الشيء في قلوبهم والإخبار عن صحته. وسبب ذلك أن طعمة بن ابيرق سرق درعين في عهد رسول الله صلى

جعل الشتم من طريق المعنى فلم ينصب

الله عليه وسلم فأقبل رجال من الأنصار فعذروه عند النبي صلى الله عليه وسلم وحلفوا له، فسمع، فأنزل الله عز وجل: (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما) وكان ابن ابيرق طرح الدرعين في بيت يهودي ليبرأ منهما ويؤخذ بهما اليهودي. فلما أنزل الله سبحانه هذه الآية، فر من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليه الحد، ولحق بمكة. يقول: ظننتم بأن يخفى سرقكم، وفينا نبي ينزل عليه الوحي، بصحة ما يذكره الصادق، وبطلان ما يقوله الكاذب. جعل الشتم من طريق المعنى فلم ينصب قال سيبويه وأما قول حسان: حاربنَ كعبٍ ألا أحلامَ تزجُرُكُمْ ... عني وأنتم من الجوفِ الجماخيرِ (لا عيبَ بالقوم من طول ومن عِظَمٍ ... جسمُ البِغالِ وأحلامُ العصافير) وقال بعد الإنشاد: فلم يرد أن يجعله شتما. ذكر سيبويه هذا الشعر بعد أبيات انشدها، وذكر فيها أسماء قد نصبت

لا يصح هنا غير النصب بإضمار فعل - للمعنى

على طريق الشتم والتحقير. وأنشد هذا الشعر، ورفع قوله (جسم البغال وأحلام العصافير). وقوله: ولم يرد أن يجعله شتما يريد إنه لم يجعله شتما من طريق اللفظ، وإنما هو شتم من طريق المعنى، وهو اغلظ من كثير من الشتم. يهجو بني الحارث بن كعب، من أجل أن النجاشي الحارثي هجا عبد الرحمن ابن حسان. وحار ترخيم. يقول: أما لكم أحلام تنهاكم عن سبي والتعرض لي. والجوف: جمع أجوف وهو الفارغ الجوف، يريد أنهم فارغون من العقل والحلم. والجماخير: الضعاف المسترخون، الواحد جمخور. وقوله: لا عيب بالقوم من طول ومن عظم، يريد أن أجسامهم لا تعاب، هي عظيمة طويلة، ولكنها كأجسام البغال التي لا حلوم معها. وقوله: وأحلام العصافير، أي أحلامهم حقيرة وأجسامهم عظيمة، ويجوز أن يريد أنهم لا أحلام لهم كما أن العصفور ليس له حلم. لا يصح هنا غير النصب بإضمار فعل - للمعنى قال سيبويه وأما قول جرير: (يا صاحبيَّ دنا الرّواحُ فسيرا ... لا كالعشيةٍ زائراً ومَزُورا) فلا يكون إلا نصبا، من قبل أن العشية ليست بالزائر. ذكر سيبويه هذا البيت بعد ذكره: لا مثله أحد ولا كزيد

ذكر الفعل وضميره يعود على مؤنث - لإرادة معنى المذكر

أحد. وأجاز في (أحد) النصب والرفع أما الرفع فعلى إنه جعل (أحد) صفة لأت (مثل) على الموضع، لأن قوله (لا مثله) في موضع ابتداء فنعته على الموضع. وأما النصب فلأنه تعت لـ (مثل) على لفظه. وقوله: لا كزيد أحد، هذه الكاف حرف، وهي في موضع نعت لـ (شيء) محذوف، كأنه قال: لا شيء كزيد، فحذف المنعوت وأقام النعت مقامه وأتى بـ (أحد) على إنه نعت لذلك المحذوف المقدر. وجاز في نعته الوجهان، كما جاز في قولنا: لا مثله أحد. ثم قال في بيت جرير: لا يكون ألا نصبا. وهذا الذي ذكره واضح. لأنا إذا قلنا: لا مثله أحد، فـ (أحد) هو المثل، كما تقول: لا رجل أضل منك، وكذا قولنا لا كزيد أحد، يريد به، ولا شيء مثل زيد أحد. فـ (أحد) هو الشيء و (الشيء) المثل، ولو قدرنا مثل هذا في قوله (لا كالعشية) لصار: لا كالعشية عشية زائر، فجعلنا (زائر) وصفا لـ (عشية) لم يصلح، لأن العشية ليست بزائر ولا مزور، فهذا مردود من طريق المعنى، ولا يصلح أن يكون (زائرا ومزورا) وصفا لـ (عشية) لا على اللفظ ولا على المعنى، لأنه فاسد أن نتعت العشية بما لا يجوز أن يكون نعتا لها، وإنما نصب (زائرا ومزورا) بإضمار فعل مقدر بعد (لا) كأنه قال: لا أرى كزائر في هذه العشية زائرا. ذكر الفعل وضميره يعود على مؤنث - لإرادة معنى المذكر قال سيبويه في أسماء الفاعلين:

وجارية من نباتِ الملو ... كِ قعقعْتُ بالخيلِ خَلخالَها كَكِرْ فيةِ الغيثِ ذاتِ الصَّبيرِ ... تأتَّى السَّحابَ وتأتالَها فلا مُونةٌ ودَقَتْ ودْقَها ... ولا أرضَ أبقلَ ابقالَها) الشاهد فيه إنه ذكر (ابقل) وفيه ضمير يعود إلى (الأرض) والأرض مؤنثة. أراد: ورب جارية من بنات الملوك قعقعت خلخالها، يعني إنه لما أغار عليهم هربت وعدت، فسمع صوت خلخالها، ولم تكن قبل ذلك تعدو. والقعقعة: الصوت الصلب نحو الحديد وما أشبهه. وقوله: قعقعت بالخيل أي بإرسال الخيل عليهم، والكرفئة السحابة المتراكمة، والصبير: السحاب الأبيض، يعني أنها كالسحابة الكثيفة البيضاء، وكأنه قال: ككرفئة الغيث ذات السحاب الأبيض. يريد أنها من السحاب الأبيض. ويجوز أن تجعل الصبير في معنى اببياض، كأنه قال: ككرفئة الغيث ذات لون الصبير. تأتى السحاب: تقصد إلى جملة السحاب، تسير إلى السحاب برفق وتؤدة.

إبدال الياء من الباء - ضرورة

وتأتال: تصلح السحاب بانضمامها إليها، وتأتال من آل الشيء يؤوله إذا أصلحه وقومه وسواه، ويقال: آل القوم يؤؤلهم: إذا ساسهم وأصلح أمورهم. ونصب (تأتالها) جعله على الجواب بالواو، والمزنة: السحابة البيضاء، وقيل: أنها لا تكون مزنة حتى يكون فيها ماء، وقيل: المزن: السحاب الواحدة مزنة، ولم يشرط فيه أن يكون فيه ماء ولم يوصف بشيء. والودق: المطر يقال: ودقت السماء تدق إذا نزل منها المطر، يقول: فلا مزنة مطرت مثل مطر هذه السحابة التي شبه الجارية بها، ولا أرض أخرجت بقلا مثل الأرض التي أصابها مطر هذه السحابة، ومنهم من يرويه: (ولا أرض ابقلت ابقالها) على تخفيف الهمزة من (ابقالها) وإلقاء حركتها على التاء من (ابقلت) ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وهذه الرواية من إصلاح بعض الرواة، والذي أنشده الرواة هو الموجود في الكتب القديمة. إبدال الياء من الباء - ضرورة قال سيبويه قال ابو كاهل اليشكري: كأنّ رحْلي على شَغْواَء خاذرةٍ ... ظَمْياَء قد بُلَّ من طَلً خوافيها (لها أشاريرُ من لحم تتمرُه ... من الثّعالي، ووخزُ من أرانيها)

ترخيم (معاوية) إلى معاو)

شبه راحلته في سرعتها بعقاب، والشغواء: العقاب، وظمياء: يجوز أن يريد أنها تضرب إلى السواد، ويجوز أن يريد أنها عطشى إلى دم الصيد، والطل: المطر الضعيف، والخوافي: ريش جناحها وإذا بلها الطل أسرعت، لها: للعقاب في وكرها اشارير لحم جففته وبسطته، وتتمره: تقطعه صغارا، واللحم المتمر: المقطع، والوخز: شيء منه ليس بالكثير. ترخيم (معاوية) إلى معاو) قال سيبويه: واعلم أن ما يجعل بمنزلة اسم ليست فيه هاء أقل في كلام العرب، وترك الحرف على ما كان عليه قبل أن تحذف الهاء أكثر. من قبل أن حروف الإعراب في سائر الكلام غيره. يعني أن الترخيم على مذهب من قال: يا حار - فضم الراء - أقل من الترخيم على مذهب من جعل ما قبل الهاء على ما كان عليه قبل الترخيم. وقوله: من قبل أن حروف الإعراب في سائر الكلام غيره، يعني أن الحرف الذي قبل الهاء يكون مفتوحا في كل موضع سوى الترخيم لأن الهاء يكون بعده، فالإعراب يقع عليها في جميع المواضع سوى الترخيم. والضم إنما يدخل في النداء على الحرف الذي يقع عليه الإعراب قبل النداء، والإعراب

لا يقع على ما قبل الهاء. وكان الاجود عنده أن يكون ما قبل الهاء على الحال التي كان عليها قبل الترخيم، كما كان على هذا الوصف في كل موضع سوى الترخيم. ثم قال: وهو على ذلك عربي. يعني أن يجعل الاسم بعد حذف الهاء بمنزلة اسم لم يحذف منه شيء. ثم قال: وقد حملهم ذلك على أن رخموه، حيث جعلوه بمنزلة ما لا هاء فيه. يريد انهم لما جعلوه بعد حذف الهاء بمنزلة اسم لم يحذف منه شيء، رخموه ترخيما آخر، كما يرخمون الاسم الذي لم يحذف منه شيء. وقال العجاج: فقد رأى الراؤون غيرُ البُطلِ (أنك يا معاوِ يا بْنَ الأفضلِ) الشاهد فيه إنه حذف الياء من (معاوية) وكان ترخيمه بحذف الهاء، فلما حذفت الهاء بقي (معاوي) ثم دخله ترخيم آخر فحذفت منه الياء فبقي (معاوِ) بواو مكسورة بعد الألف، هكذا وقع الإنشاد في الكتاب. وفي شعره: فقد (أي الراؤون غيرُ البُطَّلِ أنك يا يزيدُ يا بنَ الآفْحَلِ

إذ زُلول الأقدامُ لم تَزَلْزلِ) البطل: أصحاب الباطل، يريد أنهم رأوا أنك ثبت على الدين ولم تزُل عنه، وقمت به قياما حسنا. والممدوح في القصيدة يزيد. وفيها في موضع آخر: فارتاحَ غمّي واستخفَّ كَسَلي همّي، فما رأيتُ من مُهَلَّلِ دون يزيدِ الخيرِ وابن الأفضلِ فهذا الذي رأيته في ديوانه، وليس هذا لحجة سيبويه، لأنه لم ينقل هذه الشواهد من الدواوين إنما سمعها والعرب بعضهم ينشد شعر بعض، فإذا غير هذا عربي يحتج بقوله؛ صار كأنه هو القائل، وليس يجوز أن يفعل مثل هذا رجل عالم، لأن سيبويه قد لقي من قوله حجة، ولم يأخذ من الصحف، فإذا سمع من يجوز أن يكون عنده حجة في كلامه نقل عنه، وإن لم يرد أهلا لذلك تركه، وقد نكر بعض النحويين إنشاد سيبويه هذا البيت وقال: إنما هو: إنك يا مُعاويَ ابنُ الأفضلِ فأثبت الياء في (معاوي) ولم يحذف منه إلا الهاء، وجعل (ابن الأفضل) وصفه. فيقال له: لو جاءت رواية بما ذكرت، لم يمتنع من قبولها. والذي

يرويه سيبويه إنما تبينه بعد أن فهمه عمن أخذه عنه، ولا ينكر جواز ما قال هذا القائل لو كانت الرواية جاءت به، فإن قال: فأنا أنكره ولا انسب سيبويه إلى تهمة ووضع رواية سيبويه سمع هذا البيت ينشد فظن أن الياء التي هي من حروف (معاوي) منفصلة عنه وأنها الياء من (يا) ولا يمكنكم أن تقولوا أن الذي سمعه سيبويه ينشد قال سيبويه: أنا أريد (يا معاوِ) بلا ياء، وأنادي نداء آخر فأقول: يا بن الأفضل. قيل له: إذا كان سيبويه سمع هذا البيت ينشد، ولفظه يحتمل أمرين: أحدهما ما قاله سيبويه، والآخر ما زعمت، ورأينا لما قلته نظيرا في كلام، ورأينا لما قاله نظيرا، لم نعمد إلى قول سيبويه فنرده، والشعر يحتمله. وأقل الأحوال أن يكونا وجهين في الإنشاد. فإن قال: وأين وجدتم شعرا فيه ترخيم بعد ترخيم؟ قيل له: قد قال سعد بن المتنحر وهو جاهلي: أيا بجي أيا بَجي أدِّ أخي أن أخي لفيكمُ غيرُ دَعِي وولدَتْهُ حُرَّةٌ غيرُ زَني من وُلْدِ عِمْرانَ عمرو بنِ عدي

في تعليل نصب (يا شاعرا) وهو مقصود

أراد يا بجيلة، فرخم ترخيما بعد ترخيم. وهذا الشعر يوضح ما ذهب إليه سيبويه. في تعليل نصب (يا شاعرا) وهو مقصود قال سيبويه في الاختصاص: وسألت الخليل ويونس عن نصب قول الصلتان العبدي: (أيا شاعرا ألا شاعرَ - اليومَ - مثله ... جريرٌ، ولكنْ في كُليبٍ تواضُعُ) فزعما إنه غير منادى إنما انتصب على إضمار يعني أن المنادى محذوف والناصب لـ (شاعرا) محذوف، وقوله: يا قائل الشعر ليس بقصد به إلى واحد بعينه، كأنه قال: يا قائلا الشعر عليك شاعرا لا شاعر اليوم مثله. ويجوز أن تقدر: يا قائل الشعر حسبك بجرير شاعرا. ويجوز أن يكون: شاعرا منادى، ويكون على لفظ المنادى المنكور وإن كان يقصد به قصد واحد بعينه في المعنى. وهو كقول الآخر: يا كَنّةً ما أنتِ غيرُ لئيمةٍ ... بيضاءُ مثلُ الروضةٍ المحِلالِ وهو يقصد في المعنى إلى كنة بعينها. ومثله: يا رَخَماً قاظَ على يَنْخوبِ

ومثله: يا ضَبُعا أكلت آيارَ أحْمِرَةٍ. . . . . . . وقوله (مثله) مرفوع خبر (لا) و (جرير) مرفوع لأنه خبر ابتداء محذوف، كأنه لما قال: أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله، قيل له: من هو هذا الشاعر، فقال: هو جرير. وسبب هذا الشعر أن الفرزدق وجريرا تحاكما إلى خليد عينين، ويعرف بالصلتان، فحكم بينهما بشعر فضل فيه قوم الفرزدق وشرفهم، وفضل فيه شعر جرير ووضع من قومه. فرضي الفرزدق بتفضيل قومه على قوم جرير، وإن حكم لجرير عليه في قول الشعر. ولم يرض جرير بأن يفضل الفرزدق عليه في الشرف. وقال الصلتان في هذا: ألا إنما تَحظَى كُليبٌ بشعرها ... وبالمجد تحظَى دارمٌ والاقارعُ أيا شاعرا ألا شاعرَ - اليومَ - مثله ... جريرٌ، ولكنْ في كُليبٍ تواضعُ

النصب بفعل محذوف - للمعنى

النصب بفعل محذوف - للمعنى قال سيبويه قال جرير: ويُقضَى الأمرُ حين تَغيبُ تَيْمٌ ... ولا يُستأذنون وهمْ شُهودُ (فلا حَسَباً فَخَرْتَ به لِتَيْمٍ ... ولا جَداً إذا ازدحمَ الجدودُ) يهجو بذلك عمر بن لجأ التيمي، وأراد أنهم أقلاء، أذلاء، لا يدخلون في مشاورة، ولا يقف إمضاء الأمور عليهم. والجد: الحظ، يريد أنهم لا جد لهم ولا حظ في رقعة ولا شرف. والشاهد فيه إنه نصب (حسبا) أراد: فلا ذكرت حسبا فخرت به لتيم ولا ذكرت جدا. جواز (ولا أمية) على إرادة المثيل للتعميم قال سيبويه في النفي، قال فضالة بن شريك ابن سلمان الاسدي: (أرَى الحاجاتِ عند أبي خُبَيْبٍ ... نَكِدْنَ ولا أميةَ في البلادِ) سيدْ نيني لهم نَصُّ المَطايا ... وتعليقُ الاداوى بالمَزادِ الشاهد فيه قوله (ولا أمية) وأمية معرفة، وإنما أراد ولا أمثال أمية.

(لعلما) غير عاملة

وسيدنيني لهم: لبني أمية، نص المطايا: رفعها في السير وحملها على الإسراع، والاداوى: جمع اداوة وهي السطيحة، والمزاد: جمع مزادة وهي الرواية. يريد إنه يسير إلى بني أمية، ويقطع البيد والفلوات، ويأخذ معه الماء. وأبو خبيب هو عبد الله بن الزبير، ونكدن: لم ينجحن. (لعلما) غير عاملة قال سيبويه في باب إن، قال دجاجة بن عبد القيس: أتَتْني يمينٌ من اناسٍ لَيُرْكَبَنْ ... عليَّ ودوني هضْبُ غَوْلٍ مَقادمُ (تَحللْ وعالجْ ذاتَ نفسك وانظرنْ ... أبا جُعل، لعلما أنت حالمُ) الشاهد فيه إنه ادخل (ما) على (لعل) وجعلها معها كشيء واحد فبطل عملها. و (أنت) مبتدأ و (حالم) خبره. يريد إنه بلغه أنهم حلفوا ليغرنه. وقوله ليركبن علي: أي ليركبن على قصد مكروهي وفي (يركبن) ضمير يعود إلى (أناس). والهضب: جمع هضبة وهي الجبل، ومقادم: متقدمة، وواحد المقادم: متقدم، وغول موضع بعينه، و (هضب) مرفوع بالابتداء و (مقادم) خبره.

الجر بـ (رب) وهي محذوفة

ويجوز أن يروى: ليركبن على ما سمي فاعله، ويكون (المقادم) فاعله ويكون جمع مقدام ويكون (دوني) خبر هضب. (تحلل) يريد: تحلل من يمينك التي حلفت بها لتعزونا. وعالج ذات نفسك: يريد عالج نفسك، وذات نفسك بمنزلة قوله نفسك. يقول قد اضطرب عقلك، فبادر نفسك بالعلاج، و (أبا جعل) منادى، والحالم: الذي يرى شيئا في نومه. يقول: هذا الذي وقع في نفسك من غزونا وقصدنا، وهو بمنزلة الأحلام. الجر بـ (رب) وهي محذوفة قال سيبويه في باب كم، قال أبو الربيس الثعلبي - وكان من سراق الإبل فيما زعموا - وأخذ ناقة لبعض الموالي: نَجيبةُ قَرْمٍ شادَها ألقَتُّ والنّوى ... بيثْرِبَ حتى نَيُّها متظاهرُ فقلت لها: سيري فما بكِ عِلةٌ ... سنامُك مدمومٌ ونابكِ فاطرُ (فمثِلِكِ أو خيرٍ تركتُ رَذِيّةً ... تُقلبُ عينَها إذا مرَّ طائرُ)

(لا) النافية للجنس

الشاهد فيه جر (مثلك) بـ (رب) وهي محذوفة. وفي الكتاب: فمثلك رهبى. والني: الشحم، والمتظاهر: الذي بعضه فوق بعض، والمدموم: الذي كأنه طلي بالشحم، والناب الفاطر: الذي بدأ خروجه. يعني أنها بازل. والرذية: الناقة التي قد تعبت حتى بقيت حسيرا لا يمكنها المشي، تقلب عينيها إذا مر طائر: لأنها كانت دبرة وقعت الطير على دبرها، فهي تقلب عينيها حتى لا تقع الغربان على مواضع الدبر منها، وحتى يعلم الطير أنها حية فلا يقربها. فإذا ماتت وقعت عليها. والرهبى: المهزولة المعية. (لا) النافية للجنس قال سيبويه في المنفي، قال حاتم بن عبد الله الطائي: وردَّ جازِرُهُمْ حرفا مصرمَةً ... في الرأس مِنها وفي الأصلاب تمليحُ (إذا اللّقاحُ غدتْ مُلقىً أصِرَّتُها ... ولا كَريمَ من الوِلدانَ مصبْوحُ) الشاهد غيره إنه أعمل (لا) في (كريم) وبناها معه. و (مصبوح) مرفوع خبر (لا).

حذف مميز (كم)

واللقاح: جمع لقحة وهي الناقة ذات اللبن، والاصرة: جمع صرار وهو ما يشد على ضرع الناقة لئلا يرضعها فصيلها، يريد أنهم القوا الاصرة، لأنه لم يكن في الإبل ذات لبن فتصر. يصف جهدا وجدبا ذهبت فيه الألبان. والولدان: الصبيان الواحد وليد، والمصبوح: الذي يسقى عند الإصباح. يريد إنه لم يكن عندهم من اللبن ما يسقي هذا الصبي. والجازر: الذي ينحر الناقة ويكشط جلدها ويفصل لحماها. والتمليح: بقية بقيت من شحم، والحرف: الضامر، والمصرمة: التي لم يبق فيها لبن. يريد أن الجازر لم يجد ناقة سمينة، أتى بناقة فيها بقية من شحم من رأسها وصلبها. حذف مميز (كم) قال سيبويه قال الاشهب بن رميلة: (وكم قد فاتني بطلٌ كَمِيُّ ... وياسِرُ شَتْوةٍ سمحٌ هَضومُ) فهل زالَ النهارُ فكان ليلا ... وهل تركتْ مطالعها النجومُ الشاهد فيه إنه حذف الاسم المميز لـ (كم)، وكان في الأصل: كم مرة قد فاتني بطل، وتكون (كم) منصوبة على الظرف من الزمان. و (بطل) فاعل (فاتني) و (كمي) وصفه. والكمي: المتغطي بالسلاح، والياسر الذي يقامر على الجزر، ويطعمها للفقراء والمحتاجين، والهضوم: الذي يهضم ماله

زيادة (لا) الثانية لتأكيد النفي

يتلفه ويفنيه. فهل زال النهار لفقده وموته، وهل غارت النجوم من أجل المصيبة به. يريد أن الدنيا؛ العادة فيها أن تهلك الناس، وهي لا تتغير لفقد من يفقد منها وإن كان كريما. زيادة (لا) الثانية لتأكيد النفي قال سيبويه في النفي: وتقول: لا رجل ولا امرأة يا فتى، إذا كانت (لا) بمنزلتها في (ليس) حين تقول: ليس لك رجل ولا امرأة. يريد بقوله: (إذا كانت لا بمنزلتها في ليس) يريد أنها جاءت مؤكدة للأولى في النفي وليست بعاماة، كما تقول في ليس: ليس زيد قائما ولا عمرو، فـ (لا) لا تعمل في (عمرو) وإنما هي مؤكدة لـ (ليس) في معنى النفي. وكذا فعل في باب النفي في (لا) التي تقع مع حروف العطف. وقال رجل من بني سليم وهو أنس بن العباس: لا نسبَ اليومَ ولا خُلّةً ... اتسعَ الخَرْقُ على الراقعِ وفي بعض النسخ: أتسع الفتق على الراتق. وزعم بعض الرواة أن النعمان بن المنذر بعث جيشا إلى بني سليم لشيء

كان وجد عليهم من أجله، وكان على الجيش رجل يعرف بكافر بن فرتنا، أو عمرو ابن فرتنا، فمر الجيش على غطفان فاستجاشوهم على بني سليم، فهزمت بنو سليم الجيش، وطعن عمرو بن فرتنا واسر، ومتت غطفان إلى بني سليم بالرحم التي بينهم، فقال أو عامر جد العباس بن مرداس قصيدة يقول فيها: أن ما بيننا وبين غطفان قد انقطع بما عملوه. أولهما: أن بغيضا نسَبٌ فاسخٌ ... ليس بموثوقٍ ولا واثقِِ (لا نسبَ اليومَ ولا خُلةً ... اتسع الخَرْقُ على الراتقٍ) لا صُلحَ بيني فاعلموه ولا ... بينَكُمُ ما حملَتْ عاتقي سيفي، وما كنا بِنَجدٍ وما ... قَرْقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشّاهِقِ قوله: نسب فاسخ: أي باطل، لا يجب لهم أن ترعى الرحم التي بيننا وبينهم، لأنهم بدأونا بالحرب، وأعانوا جيش الملك علينا، ولم يرعوا ما بيننا وبينهم من رحم، فنحن أيضا لا نرعى لهم ولا نعطف، ولا نكف لأجل نسب بيننا وبينهم، ولا لأجل خلة وصداقة. وقد تفاقم ما بيننا وبينهم، فلا يرجى صلاحه، فهو كالفتق الواسع في الثوب الذي يتعب من يريد أن يرتقه. وقد اضطر في هذا البيت إلى قطع ألف الوصل (في اتسع). والشاهق: الجبل، والقمر: جمع قمري. وقوله: قمر الواد: أي القمر التي تكون أعشاشها في شجر الوادي تطير على الجبال وتصيح. واضطر إلى حذف

عمل (لا) النافية للجنس مقرونة بهمزة الاستفهام

الياء من (الوادي). كما قال الآخر: . . . دوامي الأيدِ يَخْبِطْنَ السَّريحا وقد أتى هذا البيت في قصيدة عينية. قال شقران مولى سلامان من قضاعة: أن الذي ربَّضْتما أمرَه ... سِراً وقد بَيَّنَ للنّاخِع لكالتي يَحْسَبُها أهلُها ... عذراء بِكْراً وهي في التاسعِ فاركَبْ من الأمرِ قَرادِيدَهُ ... بالحَزْمِ والقٌوَّةِ، أو صانِعِ حتى تَرى الأجْدَعَ مُذْلَوْلِياً ... يلتمسُ الفضلَ إلى الجادعِ كنا نُداريها فقد مُزقَتْ ... واتسع الخَرْقُ على الراقِعِ يقال بين الشيء وتبين وبان بمعنى واحد، والناخع: الذي قتل الأمر علما، والقراديد: جمع قردودة وهو مانتأ من عظام وسط الظهر، والقردودة: قطعة من الأرض فيها غلظ وامتداد. يعني: اركب من الأمور أوثقها واحكمها وتمكن فيها. والمذلولي: المنقاد المتابع الذي لا يتعب. عمل (لا) النافية للجنس مقرونة بهمزة الاستفهام قال سيبويه في النفي: قال خداش بن زهير: (ألا جِفانَ ولا فُرسانَ غاديةً ... إلا تَجَشُّوءُكُمْ عند التنانيرِ)

لم ينصب على الشتم - ليبدو أمرا مألوفا

أنتم مجاهيلُ حَرّامون ثاويَكُمْ ... وفي الحروبِ مقاليعٌ عَواويرُ الثاوي: الذي ينزل بهم يستضيفهم، والمقاليع: الذين لا يستوون على ظهور الخيل، والعوار: الجبان الذي لا خير فيه وجمعه عواوير. هجا خداش بهذا الشعر قوما من بني سهم من قريش، من أجل مسابقة كانت بينهم وبينه. لم ينصب على الشتم - ليبدو أمرا مألوفا قال سيبويه في باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم، قال سماعة النعامي يهجو رجلا من بني نمر قتل ابن عم له، فلم يثأر به: ومَنْ يَرَعينْيْ مالكٍ وجِرانَهُ ... وجَنْبَيهِ يعلمْ إنه عيرُ ثائرِ (حِضَجْرٌ كأمّ التوأمين توكأتْ ... على مِرْفَقَيْها مستهِلَّةَ عاشِرِ) الشاهد فيه إنه رفع (حضجر) وهو يريد الشتم، وجعله مرفوعا خبر

الترخيم مع إبقاء الحركة - على لغة من ينتظر

ابتداء محذوف، كأنه قال: هو حضجر. والحضجر: الضخم البطن، وأم التوأمين: المرأة الحامل بولدين، ومستهلة عاشر: قد رأت هلال الشهر لعاشر من حملها، فبطنها أعظم ما يكون، توكأت على مرفقيها لثقل بطنها، ثقل عليها القعود، وثقل عليها أن تلقي نفسها على ظهرها فتوكأت على مرفقيها. شبه هذا الرجل وعظم بطنه بالحامل العظيمة البطن. يقول: ليست هيئته بهيئة من يطلب ثأرا، ولا يدفع عن نفسه سوءة. و (مستهلة عاشر) منصوب على الحال والعامل فيه (توكأت). الترخيم مع إبقاء الحركة - على لغة من ينتظر قال سيبويه: في الترخيم، قال عمرو بن امرئ القيس الخزرجي: أن بُجَيراً عبدٌ لغيركمُ ... يا مال والحقَّ عنده فقفوا) تُؤتَوْن فيه الوفاَء مُعْتَرِفا ... بالحق فيه لكم فلا تَكِفوا الشاهد فيه ترخيم (مالك) وفي البيت الثاني شاهد لسبيويه في رفع (تؤتون) وقد ذكره في عوامل الأفعال. وسبب هذا الشعر أن مالك بن العلان الخزرجي - وكان سيد

الخزرج في وقته - كان له حليف يسمى أبجر بن سمير، فجلس أبجر يوما من الأيام مع نفر من الاوس من بني عمرو بن عوف، فذر فضائل مالك بن العجلان، وأكثر، حتى غضب القوم، ووثب عليه سمير بن زيد الاوسي فقتله، وجرت الحروب بينهم، ثم رضوا جميعا عمرو بن امرئ القيس. فحكم بأن يؤدى في ابجر بن سمير حليف مالك نصف دية الصريح، وكذا كانت السنة فيهم، (فلم يرض مالك بن العجلان. فقال عمرو بن امرئ القيس هذا الشعر يخاطب به مالك بن العجلان، ويعطفه إلى الرضا بما حكم). فلم يرض مالك، واقتتل القوم. ثم حكموا المنذر بن حرام جد حسان، فحكم بأن يدفع إلى مالك بن العجلان دية الصريح في حليفه، ثم يعود الأمر فيما بعد إلى ما كانوا عليه من أن دية الحليف نصف دية الصريح، فرضي القوم كلهم. و (بجير) يريد به أبجر، وصغره تصغير الترخيم، و (الحق) منصوب بـ (قفوا) كما تقول: زيدا فاضربه. وتؤتون فيه الوفاء: تعطون ما يجب لكم من الدية، معترفا فيه: في ابجر، يريد في قتل ابجر، فلا تكفوا: أي لا تأثموا بطلب ما ليس لكم، والوكف: فعل ما يأثم الإنسان فيه، والوكف أيضا: العيب. قال سيبويه في الترخيم، قال جرير: (ألا أضحَتْ حبالُكُم رِماما ... وأضْحَتْ منكَ شاسِعةً أماما)

من ضرورات الشعر - تحريك ياء (القوافي) بالكسر

الشاهد فيه إنه رخم إمامة في غير النداء على مذهب من قال: يا حار وكان أبو العباس يزعم أن الشاعر إذا اضطر إلى أن يرخم في غير النداء؛ رخم على مذهب من يقول: يا حار بضم الراء، لأنه يجعل الكلمة كأنها غير مرخمة، ويجري عليها ما يجري على الأسماء التي ليست بمرخمة. وهذا الإنشاد يدل على صحة ما ذهب إليه سيبويه. والذي روى أبو العباس: ألا أضحت حِبالكُمُ رِماما ... وما عهدٌ كعهدكِ يا أماما حذفها على الترخيم في النداء: وأقرب الأحوال في هذا أن يكون الإنشادان روايتين، ويكونان بمنزلة بيتين، فيكون كل إنسان يحتج به على اللفظ الذي ورد عليه، ولا ترد كل رواية بالرواية الأخرى. والرمام: جمع رمة وهي القطعة من الحبل، والارمام: الحبل الخلق الذي قد صار قطعا، أراد أن حبل الوصال الذي بينه وبينها قد تقطع فصار رماما. وهو على طريق التشبيه. والشاسعة: البعيدة المحل. من ضرورات الشعر - تحريك ياء (القوافي) بالكسر قال سيبويه قال ابن الرقيات:

في عمل (لكن) - إضمار خبرها

(لا بارَكَ اللهُ في الغَوانِيِ هل ... يُصْبِحْنَ إلا لهنّ مُطلَبُ) الشاهد فيه إنه حرك الياء من (الغواني) بالكسر للضرورة: والغواني: النساء الشواب، يقال: اللواتي قد غنين بحسنهن، ويقال: اللواتي غنين بالأزواج. والمطلب: التطلب. يريد أنهن لا يتركن. ويجوز أن يريد: إلا لهن مطلب أي هن يطلبن من يواصلنه. لا تثبيت مودتهن لأحد، هن سريعات الصرم. ومثله قول نهشل بن حري: وعهدُ الغانياتِ كعهدِ قَيْنٍ ... ونَتْ عنه الجعائلُ مُستذاقِ وقد رأيته في بعض المواضع: (إلا لهن مطلب) بكسر اللام، أي لهن من يطلبهن. وما أحب هذه الرواية لقلة من يرويها. في عمل (لكن) - إضمار خبرها قال سيبويه في باب أن بعد إنشاد البيت الذي فيه: (ولمنَّ زَنجيٌّ عظيمُ المشافرِ) والنصب أجود يعني في (ولكن زنجيا

الترخيم مع إبقاء الحركة

عظيم المشافر) وذكر أن علة هذا أن الشاعر لو أراد الإلغاء وترك الأعمال لخفف. يريد حذف إحدى النونين. قال الأخضر بن هبيرة الضبي: فما أنا يومَ الرَقْمَتَينِ بناكِلٍ ... ولا السيفُ إذ جردتُه بكليلِ (فما كنت ضفاطاً ولكنّ طالبا ... أناخَ قليلا فوقَ ظهرِ سبيلِ) الشاهد فيه إنه أعمل (لكن) ولم يلغها، وأضمر خبر (لكن) كأنه قال: ولكن طالبا منيخا أنا. ويروى: ولكن ثائرا. وقال الأخضر هذا الشعر في شأن ابن له قتلته طهية في حرب جرت بينهم. والناكل: العاجز عن الشيء، والكليل من السيوف: البطيء في ضربته، والضفاط الذي يكري الإبل وغيرها من موضع إلى موضع. والسبيل الطريق. الترخيم مع إبقاء الحركة قال سيبويه في الترخيم، قال البختري الجعدي، والشعر منسوب في الكتاب إلى مجنون بني عامر: (ألا يا ليلَ أن خُيرتِ فينا ... بنفسي فانظري أين الخيارُ)

في نداء النكرة

ولا تستبدلي مني دِنِيّا ... ولا بَرَماً إذا حُب القُتارُ الشاهد على ترخيم (ليلى) وقوله: أن خيرت فينا بنفسي، يريد أن خيرت فينا - بنفسي وبغيري - فانظري أين الخيار، أي أي موضع يقع فيه اختيارك، وعلى من يقع من الناس، ويجوز أن يريد: أن خيرت فينا، فانظري اين الخيار، بنفسي أنت، وتحذف المبتدأ. أو بنفسي أفديك أو ما أشبه ذلك. والدني: الساقط، والبرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، والقتار: دخان اللحم الذي يصلح. أراد: والقتار يحب في الشتاء وفي الجدب عند انقطاع الازواد. في نداء النكرة سيبويه في الترخيم، قال توبة: (لعلك يا تَيسا نزا في مَريرَةٍ ... مُعذبُ ليلى أن تراني أزورها) ولو أن ليلى في السماء لصعدَتْ ... إليها بصيراتُ العيون وعورُها

في البدل

يخاطب توبة بهذا زوج ليلى الاخيلية، وكان قد حلف عليها: لنعذبن أن كلمته، والمريرة: الحبل، جعله كتيس مشدود بجبل. وقوله أن تراني: أي لأن تراني. ويروى: يا كلبا نزا في مريرة. في البدل قال سيبويه في الصفات، قال ابن ميادة: أمِن طللٍ بمدْفَع ذي طَلالِ ... أمح جديدة قِدمُ اللّيالي (بَكَيْتُ وما بُكا رجل حزينٍ ... على رَبْعَينِ مسلوبٍ وبالي) الشاهد فيه إنه جعل (مسلوب وبال) بدلا من (ربعين). وذو طلال. واد بأعلى الثربة، أمح جديدة: أخلقه، والمسلوب: الذي فوضت أخبيته وابتزت عمده، والبالي: الذي ذهب به الدهر فذهبت آثاره. ويروى (وما بكا رجل حنيك). والحنيك: المحتنك القوي الصبور. ويروى (منزع وبالي) وهو الذي انتزع ما فيه، وهو نحو المسلوب.

إدخال لام الاستغاثة لمعنى التعجب

إدخال لام الاستغاثة لمعنى التعجب قال سيبويه في النداء: وأما في التعجب فقول قرّان الاسدي: (أزوارَ ليلى يا لبُرثُنَ منكمُ ... أدَل وأمضى من سليكِ المَقانبِ) تزورونها ولا أزورُ نساَءكم ... ألهفَى لأولادِ النساء الحواطبِ الشاهد فيه إنه ادخل اللام على (برثن) للتعجب. كان قرّان عرقب امرأته - وهي ليلى بنت الشمردل - فطلبه بنو عمها وأهلها فهرب، فبلغه أنهم يتحدثون إليها، فقال في ذلك قرّان هذا الشعر. وسليك المقانب: سليك بن السلكة السعدي. والإماء الحواطب: اللاتي يخرجن لا لتماس الحطب وجمعه وحمله، و (الهفى) يريد يا لهفي، وهي كلمة تقال عند فوت التمكن من الشيء الذي يحزن فوته.

تنوين المنادى - وهو مفرد علم - ضرورة

تنوين المنادى - وهو مفرد علم - ضرورة قال سيبويه في النداء، قال الاحوص الأنصاري: (سلامُ الله يا مطراً عليها ... وليس عليكَ يا مطرُ السَلامُ) فإن يكنِ النكاحُ أحلّ أنثى ... فإن نكاحَها مطرا حرامُ الشاهد فيه إنه نون (مطرا) في النداء لما احتاج إلى تنزينه وترك الضمير فيه. يقول: هذه المرأة، حرام عليك يا مطر تزوجك إياها. وقوله: فإن نكاحها مطرا حرام: (مطرا) منصوب بـ (نكاحها) و (حرام) خبر (إن)، والضمير المؤنق المضاف إليه المصدر في معنى فاعل وإن كان مجرورا بالإضافة. ويجوز

في البدل

أن تقول: فإن نكاحها مطر حرام، ويكون (مطر) فاعلا للمصدر، والضمير المؤنث في معنى مفعول. ومثله: ضربك زيدا قبيح، وضربك زيد قبيح. والمعنى واضح. في البدل قال سيبويه في الصفات، قال النابغة: كفَيْنا بني كعبٍ فلم نَرَ عندَهُمْ ... بذلك إلا ما جَزَى اللهُ جازيا يريد بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ومنهم قبائل كثيرة: بنو جعدة وبنو قشير وبنو عقيل والحريش وغيرهم. ويعني أن قومه بني جعدة كفوا القبائل من كعب ما اهتمهم من الأمور. ثم ذكر أبياتا منها. ثم قال: (وكانت قُشيرٌ شامتا بصديقها ... وآخر مزرِياً وآخر زاريا) الشاهد فيه إنه نصب (شامتا) وجعله خبر (كان) ثم عطف على ما عملت فيه (كان) ولم يجعل الكلام تبغيضا كما ذكر في غيره.

أفرد (الأصم) وفاعله جمع - تشبيها له بما يسلم جمعه

وإنشاد الكتاب (وآخر مزريا وآخر زاريا) وفي شعره (وآخر مزريا عليه وزاريا) وعلى إنشاد الكتاب يجب أن يكون حرف الجر قد حذف من صلة (مزريا) لأن المعنى يقتضيه، و (زاريا) يقتضي حرف الجر. وأراد: وآخر مزريا عليه، وآخر زاريا على غيره. وعلى ما روي في شعره، يكون الحذف إنما هو من صلة (زار). والمعنى أن قشيرا اعتزلتهم، وكان بعضهم يشمت بهم إذ ظن انهم قد وقعوا عليه، وبعضهم يعيب بعضا بترك معونتهم. أفرد (الأصم) وفاعله جمع - تشبيها له بما يسلم جمعه قال سيبويه في الصفات، قال النابغة الجعدي: ولا يَشعرُ الرمحُ الأصم كعوبُه ... بثروةِ رهطِ الأبلخِ المتظلمِ) وأنت تُجيرُ في الدماء كأننا ... بنو أمة سوداء أو نسلُ أعجمِ

زيادة (ما) في الندبة - ضرورة

الشاهد فيه إنه أفرد (الأصم)، و (الكعوب) بعده رفع به. والثروة: العدد والكثرة، والابلخ: المتكبر التائه، والمتظلم الظالم. يقال منه: ظلمت الرجل وتظلمته، وقوله: وأنت تجير في الدماء: أي تجير الذين لنا عندهم دماء. يخاطب بهذا عقيل بن خويلد، وكان قد أجاز بني وائل بن معن بن مالك بن اعصر، ولبني جعدة دماء. يقول: الرمح لا يشعر إذا طعن به وبمن وقع، فوقوعه بالرجل الكثير الأهل ولعشيرة كوقوعه بغيره. فيقال: أن عقيلا لما سمع هذا من النابغة قال له، لكن حامله يا أبا ليلى يشعر. زيادة (ما) في الندبة - ضرورة قال سيبويه في الندبة: تئنُّ حين بَجذبُ المخطوما أنينَ عَبْرَى سُلبَتْ حميما فهي تُبكي حزَنا أليما (وهي تُرثي بأبي وابْنيما) تئن: يعني قوس الصائد، شبه صوت وترها - إذا جذبه - بأنين امرأة عبرى أي ثكلة، والمخطوم: الوتر، وأراد المخطوم القوس، فحذف. فيقول: إذا جذب الوتر صوتت كصوت امرأة فقدت حميمها، فهي تبكي حزنا، أي تحزن. وانتصب (حزنا) لأنه مفعول له و (هي) ضمير العبرى،

إدخال (رب) على (ما) الاسمية

ترثي: تندب وتذكر أباها وابنها و (ما) زائدة. وإنما يريد أنها تقول: بأبي وابني. إدخال (رب) على (ما) الاسمية قال سيبويه في الصفات، قال أمية بن أبي الصلت: رُب ما تَكره النفوسُ من الأم ... رِ له فرْجةٌ كحل العقالِ الشاهد فيه أنه أتى بـ (ما) وهي اسم نكرة، وأدخل عليها (رُب) ووصفها بالجملة التي بعدهاْ وأراد: تكرهه النفوس من الأمر، وتقديره: رب شيء تكرهه النفوس، وحذف الضمير العائد إلى (ما). والضمير في قوله (له فرجة) يعود إلى (ما) أي: لهذا الشيء المكروه فرجة، أي انفراج. وقوله: كحل العقال يريد انفراجا سهلا يسيرا سريعا كما يحل العقال في السهولة والسرعة. والمعنى واضح النصب على الشتم بإضمار فغل قال سيبويه في باب ما ينتصب على الذم، قال ليس الثمالي: يا كلبَ لا تزني بعَوْفٍ ... إنه ذو قدَرِ قبحَ من يزني بعَوْفٍ ... من ذواتِ الخمُرِ

(يزي) ترخيم يزيد

الآكلَ الأسلاَء لا ... يَحفلُ ضوَء القمَرِ الشاهد فيه أنه نصب (الآكل) على الشتم بإضمار فعل. وقوله (يا كلب) يحتمل أمرين: أحدهما أنه يريد تر خيم (كلبة) اسم امرأة، ويجوز أن يخاطب كلبا القبيلة، وهو يريد نساءها، والأسلاء: جمع سلا، وهو الجلدة التي تخرج مع المولود من بطن أمه، وقوله: لا يحفل ضوء القمر، يعني أنه لا يبالي أن يجاهر بفعل القبيح، وما يسقطه. (يزي) ترخيم يزيد قال سيبويه في الترخيم، قال يزيد بن مخرم الحارثي: أردناهُمُ أن ينقموا أو يقاتلوا ... فكلتاهما أعيتهُمُ بِعياءِ وقالوا: تعالَ يا يزي بنَ مخرِمٍ ... فقلت لهم: إني حليفُ صُداء ويروى: فقالوا نسالم يا يزي بن مخرم. الشاهد فيه أنه رخم (يزيد). وقوله إني حليف صداء أي قوم من صداء بينيْ وبينهم عهد لا يمكنني تركهمْ

النصب على الذم بإضمار فغل

وكان يزيد بن مخرم غزا هوْ وابنهْ ومعهما أربعة أنفس من صداء، فأغاروا على بني الراش بن كنده، ثم نذروا بهم، فلحقوهم فقاتلوهمْ واسترجعوا ما كان أخذ منهم. ورجع يزيدْ ومن معه، ثم وقع بقوم من أهل اليمن فأصاب منهم نعماْ وغيره. ثم عارضوا في جمع لهم، وعرضوا عليه أن يستأسر أو يعطيهم يمينا لا يغزوهم أبدا، فقال لهم يزيد: لا، بل تصفحون وتعتدونها نعمة، أو أقاتلكم. فأبوا عليه إلا أن يستأ سر أو يسالمهم آخر الدهر، فقاتلهم فهزمهم. وقوله: فكلتاهما أعيتهم أي لم يدروا ما يصنعون، أيقاتلون أو ينعمون. النصب على الذم بإضمار فغل قال سيبويه في الصفات، قال إمام بن أقزم النميري: وأنا أشك في (أقزم) هل هو بالزاي أو بالراء: ولما أنْ برزْتُ إلى سلاحي ... وبشرَي قلت: ما أنا بالفقيرِ طليقُ اللهُ لم يمننْ عليه ... أبو داودْ وابنُ أبي كثيرِ ولا جزاءُ ولا ابنُ أبي شريفٍ ... ولا مولى الأَمير ولا الأميرُ (ولا الحجاجُ عينيْ بنتِ ماءٍ ... تقلب طرْفها حذرَ الصقُّورِ) الشاهد في نصبه (عيني بنت ماء) على الذم بإضمار فعل.

(لا) بمنزلة ليس

وكان أبان بن مروان على دمشق، فحبس إمام بن أقرم النميري. وكان على شرطه رجل يسمى الحجاج، فطلب إمام إلى يزيد بن هبيرة المحاربي أن يكلم الأمير فيه، وطلب إلى الحجاج، وإلى ابن أبي كثير السلولي، وإلى جزء، وإلى ابن أبي شريف الفزاري فلم يفعلوا، وأفلت من السجن. وأراد بقوله (عيني بنت ماء) أن عينيه تموجان كعيني طائر من طير الماء نظر إلى صقر ففزع منه، فعيناه تدوران. (لا) بمنزلة ليس قال سيبويه في النفي، قال سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة: (مَن صدَ عن نيرانها ... فأنا ابنُ قيسٍ لا براحُ) الشاهد فيه رفع (براح) بعد (لا). ونيران الحرب اشتدادهاْ وعظمها. يقول: من أعرض عن الحربْ وتركهاْ وسئمها، فإني غير سائم لهاْ ولا تارك. والمعنى واضح. ترخيم (حنظلة) في غير النداء قال سيبويه في الترخيم، قال غيلان بن حريث:

الرفع على الاستئناف - للمعنى

(وقد وَسطتُ مالكاً وحنظلا) صيابهاْ والعددَ المجلجلا قوماً إذا دعوتهم لن أُخذلا الشاهد فيه أنه رخم (حنظلة) وليس بمنادى، وهو ترخيم يحتمل أن يكون على مذهب من قال (يا حارِ) وعلى مذهب من قال (يا حارُ). وأراد حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. والصياب: خالص القوم ولبابهم، والمجلجل: الكثير. الرفع على الاستئناف - للمعنى قال سيبويه في الصفات، قال الراجز - وعندي أنه الحذلمي: وساقيينِ مثلِ زيد وجعلْ (سقبان ممشوقان مكنوزا العضلْ) الشاهد فيه أنه رفع (سقبان) وما بعده، ولم يحمله على ساقيين، ورفعهما وجعلهما خبر ابتداء محذوف تقديره: هما سقبان. السقبان: الطويلان، والممشوقان: اللذان لم يكثر لحمهما، ومكنوزا

أقوالهم في (ويكأن)

العضل يريد أن عضلهما ملتف بعضه ببعض، وذلك أشد لأجسامهما. يذكر أنهما يسقيان الإبل. وفي إنشاد الأصمعي: يجبي لها أهيفُ ممسودُ العضلْ مثلُ فضيلٍ أَو جميحٍ أو جعلْ للدَ لو في أيديهمُ سفحُ عجلْ صقبان ممشوقان مأروما الأصل يجبي: يجمع الماء في الحوض، والأهيف: الخميص البطن، والممسود: المفتول يريد أن عضله صلب مفتول. وفضيل وجميحْ وجعل: أستماء رعاء، والسفح: الصب، وعجل: سريع. يريد أنهم يستقون استقاء سريعا، والمأروم: المفتول. وقوله: مأروما الأصل يريد أنهما لا يشربان اللبن عند العشي حتى يسقيا الإبل فيروياها. أقوالهم في (ويكأن) قال سيبويه في باب كم، قال نبيه بن الحجاج السهمي: سألتاني الطلاقَ أن رأتاني ... قلَّ مالي. قد جئتماني بنكرِ

العدول عن العطف على اسم (إن) إغناء للمعنى

(ويكأنْ من يكن له نشبُ يحببَ ... ومن يفتقرْ يعشْ عيشَ ضُرِ) فلعليّ سيكثرُ المالُ عندي ... ويُعرَّى من المغارمِ ظهري ويرَى أعبدُ لناْ واماءُ ... ومناصيفُ من خوادمَ عشرِ الشاهد في قوله (ويكأن) و (وي) كلمة تقال عند استعظام الشيء والتعجب منه، و (كأن) مخففة من كأنّ، والنكر: المنكر، والنشب: المالْ والورقْ وما أشبههما، والمغارم: الديون، والمناصف: الخدم. وذكر أن امرأتيه سألتاه أن يطلقهما لأنه لم يكن عنده مال ينفقه عليهما. وقوله (ويكأن من يكن له نشب يحبب) أي من كان له مال أحبته زوجاته، وقمن بإصلاح طعامه، وتمهيد فراشه، واستعداد ما يحتاج إلى استعماله من الآلة. وإن لم يكن معه شئ تهاون به، فساءت حاله، ولم يصف عيشه. ثم قال: فلعلّي أقضي دينيْ وأستغني، ويصير لي خدمْ وجوار. يعدهماْ ويمنيهما لترضياْ وتصبرا. العدول عن العطف على اسم (إنّ) إغناء للمعنى قال سيبويه في باب إنّ، قال بشر بن أبي خازم: إذا جزَّتْ نواصي آلِ بدْرٍ ... فأدّوهاْ وأسرى في الوَثاقِ

بدل النكرة من المعرفة

(وإلا فاعلموا أناْ وأنتم ... بغاةُ ما بقينا في شقاقِ) الشاهد فيه أنه أتى بعد اسم أنّ (وأنتم) ضمير المرفوع، ولو عطف على الاسم لوجب أن يقول (وإياكمّ) ولكنه بدأه. وسبب هذا الشعر أن قوما من آل بدر الفزاريين جاوروا بني لأم من طيئ، فعمد بنو لأم إلى الفزاريين فجزوا نواصيهم، وقالوا: قد مننا عليكمْ ولم نقتلكم - وبنو فزارة حلفاء بني أسد - فغضبت بنو أسد لأجل ما صنع بالبدريين فقال بشر هذه القصيدة يذكر فيها ما صنع ببني بدر، ويقول للطائيين: فإذ قد جززتم نواصيهم، فاحملوها إلينا، وأطلقوا من أسرتم منهم. وإن لم تفعلوا، فاعلموا أنا نبغيكمْ ونطلبكم، فان أصبنا منكم أحدا طلبتمونا به، فصار كل واحد منا يبغي صاحبه. والشقاق: العداوة. يقول نبقى أبدا متعادين. بدل النكرة من المعرفة قال سيبويه في الصفات، قال بشر بن أبي خازم: فإلى ابنِ أمِّ أناس أرحلُ ناقتي ... عمروٍ، فتبلغُ حاجتي أو تزْحِفُ

النصب على المدح بإضمار فغل

(ملكٍ إذا نزلَ الوفودُ ببابهِ ... عرَفوا غواربَ مُزْبدٍ لا ينزَفُ) الشاهد فيه أنه أبدل (ملك) من (ابن أم أناس) وهو بدل النكرة من المعرفة. يمدح بشر عمرو بن المنذر بن ماء السماء، وأم أناس: بنت عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان، وأم جده عمرو بن المنذر أم أبيه. وقوله: فتبلغ حاجتي أي تبلغ راحلتي إلى الموضع الذي أقصده. يريد فتبلغ الموضع الذي فيه الملك، أو تزحف الراحلة. وأزحفت: إذا بقيت لا يمكنها أن تسيرْ وهلكت، فيتركها صاحبهاْ ويلتمس غيرها. والمزبد: النهر العظيم الجرية، الكثير الماء، الذي يرمي بالزبد. والغوارب: جمع غارب، يريد ما علا من الماء. لا ينزف: لا ينفد ما فيه. النصب على المدح بإضمار فغل قال سيبويه في باب ما ينتصب على المدح. قالت الخرنق: لا يبْعدَنْ قومي الذين همُ ... سمُّ العداةِْ وآفةُ الجزْرِ (النازلين بكل مُعترَكٍ ... والطيبون معاقد الأُزْرِ)

الشاهد فيه أنه نصب (النازلين) على المدح، لأن الاسم الذي قبله مرفوع فاعل (يبعدنّ) وقولها: سم العداة: يعني أنهم يتلفون أعداءهم كإتلاف السم لهم. وآفة الجزر: تريد أنهم ينحرون الإبل لضيفانهم. أرادت أنهم شجعان أجواد يقتلون أعداءهم، وينحرون لضيفانهم، والجزر: جمع جزورْ وهي الناقة، والمعترك: موضع القتل. تعني أنهم ينازلون الأقران في مضيق الحرب، وذلك أشد ما تكون الحرب. والأزر: جمع إزارْ وهو المئزر. وقولها: والطيبون معاقد الأزر، تريد أنهم يحلونها إذا أرادوا النكاح على زوجاتهمْ وإمائهم، ويعقدونها بعد حلها، ولا يعقدون مآزرهم بعد إن أتوا فجوراْ ومالا يجوز لهم فعله. ويقال فلان طيب الإزار إذا كان عفيفاً. وقد روى بعضهم (آفة الجزر) و (معاقد الأزر) بضمتين. وهو على الرواية الأولى من الضرب الخامس من الكامل، وعلى هذه الرواية من الضرب الرابع من الكاملْ وفي القصيدة ما لا يمكن معه أن يكون الضرب على (فعلن) من الضرب الرابع، وذلك أن فيها: . . . . . من التأييهِْ والزَّجرِ وفيها: . . . . . وذوي الغنى منهم بذي الفقرِ

تأنيث فاعل المذكر حملا على المعنى

رثت الخرنق بهذا الشعر جماعة من بني مرثد وهم قومها، قتلوا في قلاب وكان بشر بن عمرو بن مرثد غزا في بني قيس بن ثعلبة، فأصاب في بني عامر بن صعصعة فملأ يديه، ثم عاد فمر ببني أسدْ وهم نزول على قلاب فوثبوا عليه فقتلوه وثلاثة من ولدهْ وجماعة من قومه، وأخذوا ما كان غنم من بني عامر. فرثتهم الخرنق. تأنيث فاعل المذكر حملا على المعنى وقال سيبويه في باب تثنية أسماء الفاعلينْ وجمعها إذا تقدمت، قال أبو ذؤيب: (بعيدُ الغزاةِ فما أنْ يزالُ ... مضطَمراً طرّ تاه طليحا) كسيفِ المراديّ لا ناكلا ... جباناً ولا جيدرِياً قبيحا الشاهد في قوله (مضطمرا طرتاه) ذكر مضطمرا ولم يقل مضطمرةْ والفعل للطرتين. وأراد بالطرتين الجدتين اللتين بين بطنه وظهره في جانبيه، ويقال لمنقطع جنب الظبي طرة، ولونه يخالف لون بطنه، واستعمل الطرتين في الناس استعارة، والطليح: المعيي. وقوله: كسيف المرادي، ومراد من قبائل اليمن، يعني أن سيفه يماني، فلم يمكنه أن يقول: يمان فقال: كسيف المرادي. والجيدرْ والجيدري: القصير، والناكل: العاجز المقصر.

النصب على التمييز

يمدح بهذا الشعر عبد الله بن الزبير، وكان أبو ذؤيب خرج معه غازيا. وأراد أنه يبعد الغزاة، ويصبر على الحرب حتى يهزلْ ويتغير، ويمضي فيما يريده كمضاء السيف. ويروى: يريع الغزاة، أي يرجع الغزاةْ وهو لا يرجع لصبرهْ وإبعاده في بلاد العدو. النصب على التمييز قال سيبويه في التمييز، قال كعب بن جعيل: فمنْ يأتنا أو يعترضْ لطريقنا ... نفُتهْ وإنْ جَدَ النهارَ وأَسْأَدا (ومِرْ فدُنا سبعون ألفَ مدَججِ ... فهل في مَعَدٍّ فوق ذلك مرفدا) الشاهد في نصب (مرفدا) على التمييز، والذي هذا تمييزه (ذلك)، كأنه قال: فهل مرفد في معد فوق ذلك مرفدا. و (ذلك) إشارة إلى المرفد صرحه في قوله: لنا مرفد سبعون ألف مدجج. والمدجج: الشاك في السلاحْ و (في معد) وصف لـ (مرفد) المحذوفْ و (مرفد) المحذوف رفع بالابتداء، و (فوق ذلك) خبره. يقول: من يأتنا ليلحقناْ ويفعل مثل أفعالنا - وليكون مشهورا بفعل المكارمْ والشجاعةْ والقوةْ والعدد - نفته: لا يلحقنا وإن جد في السير النهار كلهْ والليل. وهذا على طريق المثل. يريد أنه إن اجتهد في فعل الأمور التي تكسب

النصب على الاختصاص

الشرف والنباهة، لا يلحق بشرفناْ وأيامنا المشهورة. والإسآد: سير الليل كله، والمرفد: العظيم من الجيش. النصب على الاختصاص قال سيبويه وقال عمرو بن الأهتم: (إنا بني منقَرٍ قومُ ذوو حسَبٍ ... فينا سراةُ بني سعدٍْ وناديها) جرثومة أُنفُ يعتفُّ مُقتِرُها ... عن الخبيثِْ ويعطي الخيرَ مثرِيها الشاهد فيه على النصب (بني منقر) بإضمار فعلْ و (قوم) خبر إنّ. والجرثومة: أصل الشيء ومعظمه، أنف: الذين يأنفون، ويعتفّ: يفتعل من العفة، والمقتر: الفقير. يقول: فقيرنا يعف عن طلب ما لا يليق بالأحرار والكرام أن يطلبوه، ويقنع بالبلغةْ والشيء اليسير من العيش، ولا يأتي أمرا يدنس به حسبه، ولا يكسب كسب سوء. والمثري: الغني، يعطي الخير: يجود بما في يده. ترخيم (فزارة) قال سيبويه في الترخيم، قال عوف بن عطية ابن الخرع التيمي: (كادتْ فزارةُ تشقَى بنا ... فأوْلى فزارةُ أوْلى فزارا)

النصب على الذم بتقدير فعل

ولو أدْرَكتهُمْ أمرَّتْ لهُمْ ... من الشرِ يوماً ممَرّاً مُغاراً الشاهد فيه على ترخيم فزارة على مذهب من قال يا حار. كانت الرّباب قد أوقعت ببني عامر في غزوة غزوهاْ، وهموا بقصد فزارة فقال: كادت فزارة تشقى بنا، أي كادت تقع فيما تكره من إيقاعنا بها فسلمت. ثم تهددهمْ وحذرهم من التعرض لهم، ولو أدركتهم: يعني الخيل - والمعنى لفرسان الخيل - أمرت لهم: يريد أحكمت لهم شرا شديدا. والحبل الممر: هو المفتول فتلا جيدا، والمغار: الجيد، الفتل أيضا. النصب على الذم بتقدير فعل قال سيبويه في النعوت، قال مالك بن خياط العكلي: وكلُّ قوم أطاعوا أمر سيِّدِهم ... إلا نمْيرا أطاعتْ أمرَ غاويها (الظاعنينْ ولمّا يظْعنوا أحداُ ... والقائلين لِمن دار نخليها) لا يهتدي لمكانِ الخيرِ مدْلجُها ... ولا يضلُّ مكانَ اللؤمِ ساريها

في النعت

قوله: الظاعنينْ ولما يظعنوا أحدا، يريد أنهم إذا رحلوا لم يتبعهم حليفْ ولا مولى. يعني أنهم لا يحالفهم أحد، ولا يدخل في جملتهم ليعزيهم لأنهم لا نصرة عندهم. ويجوز أن يريد أنهم إذا ظعنوا من مكانهمْ وكرهوه، لم يستبدلوا به مكانا فيه قوم غيرهم فيزعجوهم عنه، لأنهم لا قدرة لهم على تحويل أحد من مكانه. والقائلين: لمن دار يمكننا أن ننزلها، فأنا نخلي الدار التي نحن فيها. في النعت قال سيبويه في الصفات، قال ابن أحمر: خلدَ الجبيبُ وبادَ حاضرُهُ ... إلا منازلَ كلها قفرُ (وَلهَتْ عليه كلُّ معصفةٍ ... هوجاءُ ليس للبهازَبْرُ) الشاهد أنه جعل (هوجاء) نعتا لـ (كل). والجُبيب موضع بعينه، خلد: أقام. يريد أنه بقيْ وذهب من كان يسكنهْ و (منازل) منصوب على الاستثناءْ و (كلها قفر) وصف لهْ والمعصفة: الريح الشديدة الهبوب، والهوجاء: التي كأنّ بها هوجا في اندفاعهاْ وشدة إسراعهاْ وإثارتها الترابْ وقوله: ولهت عليه يعني أن الرياح حنتْ وصوتت في هبوبها على هذا الموضع الذي هو الجبيب كما تحن الناقة الوالهة التي فقدت ولدها. وقوله: ليس للبهازبر، اللب: العقل، والزبر: إحكام الشيء، مأخوذ من قولهم: زبرت البئر إذا طويتها بالحجارة. يريد أنه لا عقل لها، والريح لا يكون لها عقلْ. وهذا على طريق المثل.

الإعادة بضمير المذكر على المؤنث - حملا على المعنى

الإعادة بضمير المذكر على المؤنث - حملا على المعنى قال سيبويه في باب (نعمْ وبئس) قال حميد الأرقط: هل تعرفُ الدارَ يعفّيها المُورْ والدَجنُ يوماً والعجاجُ المهمورْ (لكلِ ريحٍ فيه ذيلُ مسفورْ) يستدرجُ التربْ وفنُّ معفورْ الشاهد في الشعر على أنه قال: لكل ريح فيه. والضمير يعود إلى الدار - ولم يقل (فيها) - وحمل الكلام على المعنى، لأن الدارْ والربعْ والمنزل عبارات مختلفةْ والمعنى فيها واحد. المور: الغبارْ وما دقّ من التراب، يعفيها: يغطي الآثار التي في الدار، والدجن: السحاب الذي قد غطى السماء - وهو في هذا الموضع المطر - والعجاج: الغبار، والمهمور: المصبوب، كأن الريح صبت الغبار على هذا الربع - وهذا اتساع - والصب إنما يكون في الماءْ وما أشبهه، فجعله في الغبار، والمسفور: المقشور، وذيل الريح: مؤخرها. وأراد: لكل ريح في هذا الربع مكان ذيل مسفور، والريح تقشر التراب الذي على وجه الأرضْ وتحمله من مكان إلى آخر، فالمكان الذي يمر به ذيل الريح هو مؤخرها. مقشور:

خبر الأحوص

أي مقشور ترابه، وفي (يستدرج) ضمير من الذيل، يريد أن ذيل الريح يستدرج التراب يحمله. والفن: الضرب، و (فن) رفع معطوف على (ذيل). زعم أن لكل ريح في هذا الربع مكانا تسفره تقلع ترابه. وفن: مكان آخر تغطيه بتراب تحمله من مكان غيره إليه، فهي تأخذ التراب من مكانْ وتحمله إلى مكان آخر. والمعفور: مأخوذ من العفرْ وهو التراب، ويقال للمغطى بالتراب: معفور. خبر الأحوص قدم الأحوص البصرة، فخطب إلى رجل من بني تميم ابنتهْ وذكر له نسبه. فقال له: هات لي شاهدا واحدا يشهد أنك ابن من حمى الدّبر وأزوّجك، فجاءه بمن يشهد له على ذلك، فزوجه إياها. وشرطت عليه ألا يمنعها من أحد من أهلها، فخرج بها إلى المدينة، وكانت أختها عند رجل من بني تميم قريبا من طريقهم، فقالت له: اعدل بي إلى أختي، ففعل. فذبحت لهمْ وأكرمتهمْ وكانت من أحسن النساء، وكان زوجها من إبله، فقالت امرأة الأحوص له: أقم حتى يأتي، فلما أمسوا راح مع إبله برعائه، وراحت غنمه ورعاؤه، فراح من ذلك أمر كثير. واسم الرجل مطر، فلما رآه الأحوص ازدراهْ واقتحمته عينه، وكان دميما قبيحا. فقالت له زوجته: قم إلى سلفك فسلّم عليه. . . فقال - وأشار إلى أخت زوجته بإصبعه -: (سلامُ اللهِ يا مَطرُ عليها ... وليس عليك يا مطرُ السلامُ)

الرفع على الاستئناف دون الإبدال مما قبله

فإنْ يكُنِ النكاحُ أحلَّ شيئاً ... فإنّ نكاحها مطراً حرامُ الرفع على الاستئناف دون الإبدال مما قبله قال سيبويه قال مهلهل: وسقيتُ تيمَ اللهِ كأساً مرّةً ... كالنار شبَّ سعيرُها بضِرامِ (ولقد خبَطْنَ بيوتَ يشكُرَ خبطةً ... أخوالناْ وهُم بنو الأعمامِ) الشاهد فيه أنه رفع (أخوالنا) على أنه خبر ابتداء محذوف، كأنه قال: هم أخوالنا وهم بنو الأعمام. وقوله: وهم بنو الأعمام، يدل على المبتدأ المحذوف. وتيم الله، أراد تيم الله بن ثعلبة بن عكابة، ويشكر بن صعب بن علي ابن بكر بن وائل. وصف مهلهل ما فعل ببكر بن وائل، والضرام: دقّ الحطب. يريد أنه أوقد لهم نار حرب سريعة الاتقاد. ولقد خبطن: يعني الخيل والمعنى لفرسانها. ويروى: ولقد خبطت بيوت يشكر. ترخيم (حارث) على مذهب من ينتظر قال سيبويه في النداء، قال مهلهل، ويروى للشرحبيل بن مالك أحد بني عصم: (يا حارِ لا تجهلْ على أشياخِنا ... إنا ذَوو السورْاتِْ والأحلامِ)

إقحام (زيد) بين المنادى وما أضيف إليه

نحنُ الحصى عدداً ومنزلنا الذي ... فيه الذُّراْ ومعارفُ الأعلامِ الذي عندي أنه أراد مخاطبة الحارث بن عباد، والسورات: جمع سورةْ وهي ارتفاع الغضب، وأراد أنهم يجدّونْ ويغضبون في موضع الغضب، ويحلمون في موضع الحلم، ويضعون كل شئ موضعه. والحصى: كثرة العدد، والذرا: الأعالي الواحدة ذروة، وأراد بالذرا السادة، والأعلام: الجبال، والأعلام: ما يبنى في الطرق ليهتدى به. يريد أنهم يقتدى بهمْ ويأتمّ بهم الناس. إقحام (زيد) بين المنادىْ وما أضيف إليه قال سيبويه في النداء، قال عبد الله بن رواحة: يا زيدَ زيدَ اليعْملاتِ الذُّبلِ) ... تطاوَلَ الليلُ عليك فاْنزِلِ الشاهد فيه أنه أقحم (زيدا) الثاني بين (زيد) الأول وبين ما أضافه إليه، وزيد الأول مضاف إلى اليعملات، واليعملة: الناقة القوية التي تصبر على السير، والذُّبلِ: جمع ذابلةْ وهي

ترخيم (مالك) في غير النداء

التي ذبلت من شدة السيرْ وطول السُّرى، والمخاطب هو زيد بن أرقم. وأضافه إلى اليعملات لأنه ينزلْ ويحدو لها فتسير، وهو قوي على ضبطهاْ وسوقها، فتطاول الليل عليك: أي فد أخرت النزول إليها حتى ذهب أكثر الليل. ترخيم (مالك) في غير النداء قال سيبويه في الترخيم، قال طرفة: (أسَعْدَ بنَ مالٍ ألمْ تعلموا ... وذو الرأي مهما يقلْ يصدُقِ) الشاهد فيه أنه رخم مالكا في غير النداء. وأراد سعد بن مالك بن ضبيعة وهم قوم طرفة. وذو الرأي: المصيب، مهما يقل: يعني أي شئ يقل - إنه يراه صوابا - يصدق. يريد أنه يصدق رأيه في الإصابة، وأن الأمر يكون كما ظنه. و (مهما) موضعها نصب بـ (يقلّ) وهو فعل الشرط، و (يصدق) جواب الشرط. ياء المتكلم في المنادى قال سيبويه قال عبد الله بن عبد الأعلى القرشي: (فكنتَ إذ كنتَ إلهي وحَدكا ... لم يَكُ شيءٌ يا إلهي قبلكا)

الفصل بين كم الخبرية وبين ما أضيفت إليه

الشاهد فيه أنه أثبت الياء التي للمتكلم، وقد أضاف إليها المنادى، وحذفها حسن جداً. والشاهد في موضعين: في قوله: (إذ كنت إلهي) وفي قوله: (لم يَكُ شيءٌ يا إلهي) يريد أن الله عز وجل قديم، وأن الأشياء سواه محدثة. والمعنى واضح. الفصل بين كم الخبريةْ وبين ما أضيفت إليه قال سيبويه في باب كم، قال الشاعر (كم بجودٍ مقرفٍ نال العلا ... وكريمٍ بخله قد وَضعَهْ) الشاهد فيه أنه فصل بين (كم) التي تقع في الخبرْ وبين ما أضافها إليهْ وهو (مقرفٍ) بـ (جودّ) والمعنى: كم مقرفٍ نال العلا بجود. والمقرف: اللئيم النسبْ والنفس، ويقال للإنسان إذا كان لئيم الأب، غير صحيح النسب: مقرف، وإذا كان النقص من قبل أمه فهو هجين. والكريم يراد به أنه كريم الطرفين في نسبه من قبل أبيهْ وأمه. يقول: كم إنسان لئيم الأصل، وهو جواد في نفسه، رفعه جوده، وصارت له رئاسة في الناس، وتَغطى عيبه لأجل جودهْ وسخائه، وكم كريمٍ في نسبهْ وحسبه، وضعه بخله، فصار شرفه لا يُعبأ به لأجل بخله حذف المنادى وهو مقدر في المعنى قال سيبويه قال الشاعر:

إبدال العين من الياء - ضرورة

(يا لعنةُ اللهِْ والأَقوام كلهِمِ ... والصالحين على سمعانَ من جارِ) الشاهد فيه على أنه حذف المنادى بعد (يا) من اللفظ، وهو مقدر في المعنى، ورفع (لعنة) بالابتداء، و (على سمعانَ) خبره. وتقدير الكلام: يا قوم، لعنة اللهْ والأقوام. و (من جار) في موضع تمييز، كأنه قال: على سمعان جاراً. وهو واضح. إبدال العين من الياء - ضرورة قال سيبويه قال الراجز: ومنهل ليس له حوازِقُ ... ولضَفادي جَمهِ نقانقُ الشاهد فيه على أنه أبدل العين من (ضفادع) ياء، وكان ينبغي أن يقول: ضفادع جمه، فلو قاله لانكسر البيت، فأبدل من العين ياء، والياء تسكن في موضع الجر فاستوى وزن الشعر. والمنهل: مثل المصنع، والحوازِقُ: جمع حازقْ وحازقة، والحَزْق: الحبس. يعني أن هذا المنهل ليست له جوانب تمنع الماء أن ينبسط حوله، ويجوز أن يريد: ليست حروفه تمنع الواردة، بل جوانبه كلها سهلة لمن يريده. والنقانق: جمع نِقْنِقَةْ وهي الصوت، وجمه: معضمهْ وكثرته.

الإبدال من البدل

الإبدال من البدل قال سيبويه قال العجاج: خَوّى على مستوياتٍ خَمْسِ ... (كِرْكرَةٍْ وثَفِناتٍ ملْسِ) الشاهد فيه أنه أبدل (كركرةْ وثفنات) من (خمسّ) و (خمس) بدل من (مستوياتٍ). فكركرةْ وثفنات بدل من بدل. ويجوز أن يكون (خمس) وصفاً لـ (مستويات) ويكون (كركرة) وما بعدها بدلاً من (مستويات). والكركرة: القطعة المستديرة الناتئة في صدر البعير، وكعباه من يديه، وملتقى ساقيهْ وفخذيه. والبعير إذا برك اعتمد على هذه المواضع الخمسة في بروكه، والتخوية: أن يبرك على الأرضْ وهو متجاف، لا يلقي نفسه على الأرض إلقاء شديداً. ووصفها بالملاسة ليُعلم أنها ليست بدَبِرة وليس فيها عيب. جعله خبر ابتداء محذوف - لتجديد المعنى قال سيبويه: قال الراجز: (من يكُ ذا بتٍّ فهذا بتي ... مقِّيطٌ مصيفٌ مشتى) البت: كساء يعمل من الصوف، وجمعه بُتوت، ويقال لبائع البتوت بتات. والشاهد فيه أنه جعل (مقيظ) خبر ابتداء محذوف، كأنه قال: هو مقيظ

اسم (إن) ضمير الشأن محذوف

مصيف مشتّ، ومقيظ مصيف مشتّ خبر بعد خبر، على نحو قولهم: هذا حلو حامض. ويجوز أن يكون (بتي) بدلاً من (هذاّ) ويكون (مقيظ) خبراً لـ (بتي) ثم أتى له بخبر بعد خبر. ويجوز فيه غير ذلك من الإعراب. والمقِّيظ: الذي يصلح للاستعمال في القيظ، وهو أشد ما يكون من الحر. يريد أنه ينصبه في القيظ ليقيه الشمسْ والحَرور، والمصيف الذي يصلح للاستعمال في الصيف إذا بردت الريح بالليل تغطى به، وإذا حميت الشمس بالنهار استظل به، والمشتي الذي يلبس في الشتاء ليقيَ البرد. اسم (إنّ) ضمير الشأن محذوف قال سيبويه في باب الجزاء، قال الراعي: أقولُ وقد زال الحمول صبابةً ... وشوقاً ولم أطمعْ بذلك مطمعا (فلو أنَّ حقَّ اليومَ منكمْ إقامةُ ... وإنْ كان سرحُ قد مضى فتسرّعا) ويروى: وإن كان سِربُ.

الشاهد في البيت الثاني الذي أنشده على أنه حذف اسم (أنّ) وهو ضمير الأمرْ والشأن، وتقديره: فلو أنه حقَّ اليومَ منكم إقامة. والحمول: الإبل التي عليها الهوادج التي فيها النساء، و (صبابة) مصدر منصوب مفعول له، وزالوا: ابتدروا الرحيلْ وزالوا عن الموضع الذي كانوا فيه مقيمين. والذي حكاه - أنه قال - هو البيت الثاني، وما بعد القول - في البيت الأول - ليس بمحكيّ، إنما المحكيّ قوله. فلو أن حق اليوم منكم. . . إلى آخر البيت. وقوله: ولم أطمع مطمعاً؛ يريدْ ولم أطمع في قبولهم مني، ولكنّ ما أجده من الحزن عليهم حملني على الكلام. وحق بمعنى وجبْ وكان حقاً، ويقال: حققتُ الأمرْ وأحققته إذا تحققته. والمعنى: لو حققْتُ إقامتكم بعد أن عرف أنكم قد أجدتم في الرحيل، لكنتم بما تفعلون محسنين إليّ، أو لشكرتم أو ما أشبه ذلك. وحذف جواب (لو). ومعنى قوله: (وإن كان سرح قد مضى فتسرعا) يريد لو عزمتم على الإقامة، وإن كان ثقلكمْ ومتاعكم قد سار قبلكمْ وتسرع. أراد منهم أن يقيمواْ وأن يردوا ما قدموه قدّامهم في المسير. ومن روى (وإن كان سرب) أراد به أن قطعة من نساء الحي كانت قد سارت، ويروى: (وإنّ أحقَّ الناس منكمْ إقامةُ) يريد: إن أحق واجب الناس من فعلكم الإقامة، كما تقول: إن أولى ما تفعلونه الإقامة. يريد إن أحق ما صنعتم الإقامة.

عطف الظاهر على المضمر المرفوع - ضرورة

عطف الظاهر على المضمر المرفوع - ضرورة قال سيبويه: (اعلم أنه قبيح أن تقول: ذهبتُ وعبد الله، أو ذهبتْ وأنا، لأن (أنا) بمنزلة المظهر، ألا ترى أن المظهر لا يشركه إلا أن يجئ في الشعر. قال الراعي: وجدتُ سوامَ الحيِّ عَرَّضَ دونه ... فوارس أبطالُ لطافُ المآزِرِ فلما لحِقْناْ والجيادُ عشيةً ... دَعوْا: يالكَلبٍ، واعْتَزَيْنا لِعامرِ ذكر الراعي هذا الشعرْ وخاطب فيه ابنَ نعاج الكلبي، وكان قاتَلَ بني نمير في فتنة ابن الزبير. وقوله: عرّض دونه: اعترض دونَهْ ومنع من أخذه. وقوله: لطافُ المآزِرِ أي خماص البطون لطاف الأعجاز، والفرسان توصف بالرَّسَح وقيل أيضاً فيه: إنهم يلبسون رقاق الثيابْ وحسانها، فإذا ائتزروا لم تعظم عكا أزرِهِمِ لنعمة ثيابهم ورقتها. وعُكوة الإزار: الموضع الذي يشد

في الاستثناء المنقطع

فيه طرفا الإزار، والعكوة لا تعظم حتى يكون الثوب الذي يؤتزر به جافياً غليظاً. فلما لحِقْنا: يريد لحقناهم بعد إغارتهمْ ونحن على الخيل الجياد، دعوا: يالكَلبٍ، واعتزينا: انتسبنا إلى عامر. وغير: هو غير بن عامر بن صعصعة. في الاستثناء المنقطع قال سيبويه: (وأما بنو تميم فيرفعون هذا كله يجعلون (اتّباع الظن) علمهم، وحسن الظن علمه: والتكلف سلطانه. وينشدون بيت ابن الأيهم التغلبي رفعاً). قال عمرو بن الأيهم التغلبي، ويقال: عمير ابن الأيهم: قاتلَ الله قيسَ عيلانَ قوماً ... ما لهم دونَ غَدْرَةٍ من حِجابِ ليس بينيْ وبين قيسٍ عِتابُ ... غيرُ طعنِ الكُلَىْ وضربِ الرقابِ) الشاهد في البيت الثاني على رفع (غير) وهي مرفوعة على أنها بدل من (عتاب) وهي في موضع قوله (إلا طعنُ الكلى) على أن الطعن بدل من (عتاب) كما تقول: ما جاءني أحد إلا زيدُ، وما جاءني أحد غير زيد. يقول هذا الشاعر: إن قيس عيلان لا يحجبها عن الغدر شيء، يعني أنها لا تستقبحه فتمتنع منه. ثم قال: ليس بينيْ وبين قيسٍ عِتابُ، يريد أن قومه

مجيء (أم) منقطعة

لا يصالحون قيساً، والعتاب يكون للاستصلاحْ وإزالة ما بينهم من الشحناءْ والبغض. مجيء (أم) منقطعة قال سيبويه: (وإن شئت قلت: هل تأتيني أم تحدثني، وهل عندك برُّ أم شعير؛ على كلامين، وكذلك سائر حروف الاستفهام التي ذكرنا، وعلى هذا قالوا: هل تأتينا أم هل تحدثنا). ومعنى قوله: (على كلامين) يريد أن الكلام جملتان: جملة تامة بعد (هل) وجملة بعد (أم)، وليس الفعل الذي بعد (أم) معطوفاً على الفعل الذي بعد (هل) كما قالوا ذلك في الفعل، لأن (أم) إذا عطفت ما بعدها من اسم أو فعل على ما قبلها، إنما تعطف إذا كانت ألف الاستفهام في صدر الكلام، وكانت هي عاطفة على ما بعد الألف، فإن كان في أول الكلام حرف سوى الألف من حروف الاستفهام، لم تكن (أم) عاطفة على ما بعده، فلذلك جعل هذا الكلام جملتين. قال الجحّاف بن حكيم السلمي: (أبا مالكٍ هل لمْتني مذْ حضَضْتَني ... على القتلِ أم هل لامني لك لائمُ) ألم أُفنكُم قتلاًْ وأجدَعْ أنوفكُم ... بفتيانِ قيسٍ والأنوفِ الصّوارِمِ ويروى: أو هل لامني. و (أو) تكون عاطفة على ما بعد (هلّ) وغيرها من حروف الاستفهام، كما تكون عاطفة على ما بعد الألف. فمن قال: (أو هل)

الوصف بـ (غير) وهي بمنزلة (إلا)

جعل الكلام كلاماً واحداً، وأعاد (هل) على طريق التوكيد، ومن قال (أم هل) فإنه استأنف الاستفهام بها، ودخل الكلام معنى الانصراف عن الأول. وأبو مالك هو الأخطل، وكان الأخطل لقي الجحاف بن حكيم عند عبد الملك بن مروان، فقال له: ألا سائلِ الجحّافَ هل هو ثائرُ ... بِقَتْلَى أُصيبَتْ من سُلَيمٍْ وعامرِ فخرج الجحاف مغضباً، وجمع جمعاً لبني تغلب، وأظهر أنه قد ولاه عبد الملك صدقانهم، ثم أغار عليهم بالبِشْر فأثخن فيهم. وحديثه معهم مشهور. فلما اجتمع الجحاف مع الأخطل بعد الوقعة عند عبد الملك، قال له الجحاف: هل لمتني على تفريطي في قتل بني تغلب؟ يريد أنه لم يكن منه تفريط فيُلام. وهذا على طريق الهزء بالأخطل. الوصف بـ (غيرّ) وهي بمنزلة (إلا) قال سيبويه في باب وقوع (إلا) وصفاً بمنزلة (غير) تقول: (لو كان معنا رجل إلا زيدُ لغُلبنا) وأنشد بيت ذي الرمة. ثم قال:

مجيء (ذا) بمعنى (الذي)

(ومثل ذلك: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) يريد أن (غير) في هذا الموضع وصف، و (إلا) لو وقعت فيه في موضع (غير) جاز أن يوصف بها. وكذا قوله جلْ وعز (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم)، قال: (ومثل ذلك في الشعر قول لبيد: وإذا جوزيتَ قَرْضاً فاجْزِهِ ... إنما يَجْزي الفتى غيرُ الجَمَلْ) يريد أن الفتيان الفضلاء العقلاء يكافئون على الجميل، فأما البهائم فلا تكافئ على ذلك، لأنها لا علم لها. يقول: فإن لم تكافئ فأنت مثل الجمل في أنه لا عقل لكْ ولا لب. مجيء (ذا) بمعنى (الذي) قال سيبويه: (أما إجراؤهم (ذا) بمنزلة (الذي) فهو قولهم: ماذا رأيت؟ فتقول: متاعُ حسن). وقال لبيد: (ألا تسألان المرَء ماذا يُحاولُ ... أنَحبُ فيُقْضَى أُمْ ضَلالُ وباطلُ)

إظهار الضمير بعد (كأن) لأنها حرف

أراد: ما الذي يحاول. والشاهد فيه أنه رفع (أنَحبُ) وجعله استفهاماً مفسراً لقوله: ماذا يحاولْ و (ذا يحاول) مرفوع لأنه خبر (ما) ومعناه: أي شيء الذي يحاول. ولو كانت (ذا) مع (ما) كشيء واحد، لكان (ماذا) منصوباً بـ (يحاول)، وكان قوله (أنَحبُ) منصوباً لأنه استفهام مفسر للاستفهام الأول فهو على إعرابه، وكان المعطوف عليه منصوباًْ وهو قوله (أنَحبُ فيُقْضَى أُمْ ضَلالاً وباطلاً). ومعنى يحاول: يزاولْ ويعالج. يقول: عليه نذر في الاجتهاد في طلب الدنياْ والسعي في تحصيلها، فهو يسعى في الوفاء بنذره، أم هذا الفعل منه ضلالْ وباطل. و (نحب) مرفوع خبر ابتداء محذوف، كأنه قال: أهو نحب أم ضلال. إظهار الضمير بعد (كأنّ) لأنها حرف قال سيبويه: (وكذلك: أهو هو، وقال الله عزْ وجل: (كأنه هوْ وأوتينا العلم) فوقع (هو) هنا لأنك لا تقدر على الإضمار (الذي) في فَعَلَ. وقال لبيد: كسفينةِ الهنديِّ طابَقَ دَرْأها ... بسقائفٍ مشبوحةٍ ودِهانِ فالتْامَ طابِقُها القديمُ فأصبَحَتْ ... ما إنْ يُقوِّمُ دَرَْءها رِدْفانِ

فكأنها هي بعد غِبِّ كَلالِها ... أو أسفعُ الخديْنِ شاةُ إرانِ) شبه راحلته بمركب من مراكب الهند. يريد إن إسراعها كإسراع مركب تسيره الريح. وطابق: بمعنى تابع، والدرء: العَوَج. يريد أنه أصلحه مرة بعد مرةْ والسقائف: ألواح السفينة، والمشبوحة: المعرضة، والدهان يريد به الشحم الذي يطلى به المركب، فالتام: يريد به فالتأم فأبدل من الهمزة ألفاً، والطابق: موضع معوج يخرج منها. يريد أنه استوى العَوج الذي كان في هذه السفينة. وأصل الطابق الحَيْد الذي يخرج من الجبل فيبدو، وكذلك ما يخرج من طي البئر في عرضها. فأصبحت السفينة ما يُقوَّم درءُها، يريد أنه لا يعد لها - إذا جنحت - ملاحان يقفان في كَوثلها ويمسكان السُكانْ ويقومانه لسرعتها، وعبّر عن الملاحَين بالردفين لأنهما يقومان في آخر السفينة، يمسكان السكانْ ويقومانه. (فكأنها) يعني راحلتهْ و (هي) يعني هذه السفينة. يقول كأنّ راحلتي هذه

المجازاة بـ (أنى)

السفينة التي وصفتها. وغِبِّ كَلالِها: بعد كلالها، وهو تعبها، وأسفعُ الخديْن: يعني ثوراً. يقول كأنها سفينة أو ثور من ثيران الوحش إذا عدا، والسفعة: شبيه بالسواد يرى في جُدَته، والشاة: الثور الوحشي، والإران: النشاط. المجازاة بـ (أنَّى) قال سيبويه: (وما يُجازى به من الظروف: أيَّ حين، ومتى، وأين، وأنَّى، وحيثما). ثم ذكر أشياء سوى هذه الكلمات، وأنشد أبياتاً حتى انتهى إلى قول لبيد: (فقلتُ ازْدَجِرْ أحناَء طيرِكَْ واعْلَمنْ ... بأنّكَ إن قدمتَ رِجلكَ عاثِرُ فأصبَحْتَ أنَّى تأتِها تلتَبِسْ بها ... كِلا مَرْكَبَيْها تحت رِجليكَ شاجِرُ) يخاطب لبيد بهذا الكلام عمه عامر بن مالك، وكان لبيد قد عتب عليه في شيء عمله به. وازْدَجِرْ أي ازجر، وأحناءَ كل شيء جوابه، ومعنى ازجر طيرك: انظر فيما تعملهْ وتأمل، أأنت مخطئ أم مصيب فيما تصنعه بي، وانظر في أمرك من كل نواحيه، وقلبه ظهراً لبطن. وأراد

الوصف بـ (إلا) بمنزلة (غير)

بقوله: إن قدمتَ رِجلكَ عاثِرُ؛ أنك إن استعجلته فيما تريد أن تعمله - من تقديم غيري عليّ - عاثر، فينبغي أن تتثبتْ ولا تعجل. وقوله: فأصبَحْتَ أنَّى تأتِها، أي من أين أتيت هذه الخطة التي وقعت فيها تلتبس بها، أي تلتبس بمكروهها وشرها. ويروى: تبتئس بها، أي يقربك البأس من أجلها، كلا مركبي الخطة - إن تقدمت أو تأخرت - شاجر، أي مختلف مفرق، والشاجر: الذي قد دخل بعضه في بعضْ وتغير نظامه، وأراد بالمركبين قادمة الرحلْ وآخر تهْ وهذا على طريق المثل. يقول: لا تجد في الأمر الذي تريد أن تعمله مركباً وطيئاً، ولا ترى فيه رأياً صحيحاً، أي موضعك أين ركبت منه آنذاك، وفرّق بين رجليك فلم تثبت عليهْ ولم تطمئن. الوصف بـ (إلا) بمنزلة (غير) قال سيبويه في باب ما يكون فيه (إلاْ وما بعدها) وصفاً بمنزلة (مثلْ وغير). قال لبيد: فقلت ليس بياضُ الرأس عن كِبَرٍ ... لو تعلمينْ وعند العالِم الخَبَرُ لو كان غيري - سليمى اليومَ - غيره ... وقعُ الحوادِثِ إلا الصارمُ الذَكرُ)

و (غيري) اسم كانْ و (سليمى) مناداةْ و (غيّره، وما اتصل به) في موضع خبر كان. وقوله: (إلا الصارم) وصف لـ (غيري). والمعنى أنه لو كان غيره من الأشياء في موضعه، لغيرته الحوادث، إلا السيف فإنه لا يتغير، فأنا مثل السيف في أني لا أتغير. على هذا فُسّر. وقد يجوز أنه لو كان غيره من الأشياء لتغير كتغيري، إلا السيف. وهذا الوجه الثاني رأيت معنى الشعر يحتمله، وليس ببعيد عندي. قال سيبويه: (ولا يجوز أن تقول: ما أتاني إلا زيدُ، وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة (مثل) إنما يجوز ذلك صفةً. ونظير ذلك من كلام العرب (أجمعون) لا يجري في الكلام إلا على اسم، ولا يعمل فيه ناصبْ ولا جارّ ولا رافع). أراد أن (إلا) إذا جعلت وصفاً بمنزلة (غير) لا يحذف الموصوف قبلها كما يحذف في (غير) إنما تكون (إلا) صفة إذا تقدمها موصوف، وشبه هذا بـ (أجمعين) التي تكون توكيداً لشيء تقدمها، ولا يجوز أن يحذف المؤكد معها، وتدخل عليها العوامل، كما تفعل ذلك في غيرها من ألفاظ التوكيد، تقول: جاءني القوم كلُّهم، ورأيت القوم كلُّهم، ومررت بالقوم كلُّهم. فـ (كل) في هذه المواضع توكيد، فإن حذفت المؤكدْ

جواز الرفع بعد (أو) على الاستئناف

وأدخلت العوامل على (كل) جاز، فقلت: جاءني كلهمْ ورأيت كلهمْ ومررت بكلهم، ولا يجوز هذا في (أجمعين)، لا تقول: جاءني أجمعون، ولا رأيت أجمعين، ولا مررت بأجمعين. وجعل سيبويه غيراً مشبهه لـ (كل) في أنها تارة تجري على موصوف قد تقدمها، وتارة تدخل العوامل عليها. وجعل (إلا) بمنزلة (أجمعين) لا يجوز أن تأتي إلا متقدماً عليها ما تكون وصفاً له. وقال حضرميُّ بن عامر بن مجمع: (وكلُّ قرينةٍ قُرِنَتْ بأُخرى ... وإن ضَنَّتْ بها ستَفَرَّقان وكلُّ أخٍ مُفارٍقُه أخوه ... لعَمْرُ أبيك إلا الفرقدانِ) ورأيت البيت في الكتاب منسوباً إلى عمرو بن معد يكرب. المعنى: وكل نفس مقرونة بنفس أخرى ستفارقها، يعني أن كل اثنين يحب كل واحد منهما الآخر، سيقطع عنه، وإن كان ضنيناً به، شديد التمسك بإخائهْ ومودته، لأن هذا شأن الدنياْ وسبيلها. والفرقدان من النجوم معروفان. والشاهد أنه جعل (الفرقدان) وصفاً لـ (كل). جواز الرفع بعد (أو) على الاستئناف قال سيبويه: (وتقول: هو قاتلي أو أفتدي منه. وإن شئت ابتدأته كأنه قال: أو أنا أفتدي منه). قال طرفة بن العبد:

فلو كان مولاي امرءاً هو غيْرُه ... لفرَّجَ كَرْبي أو لأنْظَرني غَدي (ولكنَّ مولاي امرؤُ هو خانقي ... على الشكرْ والتَّسآل أو أنا مفتدي) ذكر طرفة قبل هذين البيتين ابن عم له، عَتَبَ عليه في شيء صنع به. والمولى في هذا البيت ابنُ العم. يقول: لو كان ابن عمي غير هذا لفرّج عني ما أجده من الكرب، وأعانني على ما أريده حتى أبلغ محبتي. وقوله: لأنظرني غدي، أي تأنى في أمريْ وأمهلنيْ ولم يعجل عليّ بالملامة، حتى أصير إلى ما يحب. ويقال: أنظِره غدَه: أي دعه حتى يرجع إلى ما تحب بعد هذا الوقت. ثم قال: (ولكنَّ مولاي امرؤُ هو خانقي)، يقول: ابن عمي هذا يضطرني إلى شكره من غير سبب يوجب الشكر، فلا يترك أن يخنقني على ذلك حتى أفتدي منه بمال أعطيه. وقيل في قوله (أو أنا مفتدي): أي أو أنا هارب منه، تارك معه غيري من بني عمي، افتدي منه بمن تركته في يده. والشاهد في البيت قوله: أو أنا مفتدي، أي بهذه الجملة على طريق الاستئناف. وجعله سيبويه شاهداً على جواز رفع الفعل لو وقع موقع هذه الجملة التي هي مبتدأْ وخبر.

في نصب المضارع بعد (أن)

في نصب المضارع بعد (أنْ) قال سيبويه: (ولو قلت (مُرْهُ يحفِرها) على الابتداء لكان جيداً، وقد جاء رفعه على شيء هو قليل في الكلام على (مره أن يحفِرها) فإذا لم يذكر (أن) جعلوا الفعل بمنزلته في: عسَيْنا نفعل، وهو في الكلام قليل لا يكادون يتكلمون به، فإذا تكلموا به، فالفعل كأنه في موضع اسم منصوب. وقد جاء في الشعر، قال طرفة بن العبد: (ألا أيُّهذا الزاجري أحضرُ الوَغى ... وأن أشهدَ اللذّاتِ هل أنت مُخْلدي) الشاهد فيه أنه حذف (أنْ) من قوله (أن أحضرُ الوَغى) فإن قال قائل: وما الذي أحوج إلى تقدير (أنْ) قيل له: معنى الكلام أحوج إلى هذا، لأن الزاجر لطرفة زجره عن شيء من أفعاله فـ (عن) مقدرةْ و (أنْ) حذفت من الكلام، و (عن) من حروف الجرْ ولا تدخل على الأفعال، وإنما تدخل على الأسماء، و (أنْ والفعل) في تأويل اسم هو مصدر. فأصل الكلام: ألا أيُّهذا الزاجري عن أن أحضرُ الوَغى. يريد عن حضور الوغى، وحذف (عن) فصار (أن أحضرُ الوَغى) ثم حذف (أنّ) ورفع الفعل. وقوم من أهل الكوفة، يرون النصب في هذا الفعل بعد حذف (أنّ) وقد روي: ألا أيها اللاحيَ أن أحضرَ الوغى وهذه الرواية فيها (أن) ثابتة،

في الاستثناء المنقطع

والوغى: الأصوات في الحرب، والوغى: الحرب. يقول: يا أيها الرجل، أنت تلحانيْ وتزجرني حتى لا أحضر الحرب، وتلومني على حضورهاْ وعلى أن أنفق مالي في شرب الخمرْ واللذات، وأنا قد علمت أني ميت، لا يمكنني أن أدفع الموت عن نفسي، فإن كنت أنت يمكنك أن تدفع عني الموت، أطعتك فيما تأمرني به من إمساك مالي، وترك إنفاقي. وإن لم يمكنك هذا فاتركني أصرف مالي فيما أشتهي في أيام حياتيْ وانتفع به. في الاستثناء المنقطع قال سيبويه: (ومن ذلك من المصادر: ما له عليه سلطان إلا التكلف، لأن التكلف ليس من السلطان). ذكر سيبويه باب الاستثناء الذي المستثنى فيه ليس من نوع المستثنى منه، وذكر في أوله أشياء مستثنيات مما تقدم من الأجناسْ والجواهر. ثم قال: (ومن ذلك من المصادر: ما له عليه سلطان إلا التكلف) أي: هذا الضرب من الاستثناء يقع في كل شيء، من الأشخاصْ والمعاني. ثم قال: (ومثل ذلك قوله عزْ وجل: (ما لهم به من علم إلا إتباع الظن) يريد الله تعالى: وما لليهود بما ادّعوا من قتل المسيح - عليه السلام - علم، إنما أدعوا قتله على ظن منهم، والظنْ وإتباعه ليس من العلم في شيء.

مجيء (إلا) بمعنى (لكن)

وقال النابغة: (حلفتُ يميناً غيرَ ذي مَثْنويَّةٍ ... ولا علمَ إلا حسنَ ظنٍ بصاحبِ) مثنوية: استثناء، و (غير) نصب على الحال، والحال من التاء المتصلة بـ (حلفتُ). ولا علم لي بحال ما أذكره، من حال هذا الذي أمدحه - وهو الحارث الجفني - إلا أني أحسن الظن به، وكأني متحقق أنه يفعل ما وقع لي؛ من قصده لغزو أعدائهْ واستباحتهم. وبنو تميم يرفعون فيقولون: (إلا حسنُ ظنٍ بصاحبِ) بالرفع، ويجعلون الباب كالمتصل على ضرب من التأويل قد ذكره سيبويه. مجيء (إلا) بمعنى (لكنْ) قال سيبويه في باب ما لا يكون إلا على معنى لكنْ: (ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ما ضر) أراد: ما زادْ ولكنه نقص، وما نفعْ ولكنه ضر، ولا يجوز في هذا أن يتأول أنه في معنى (ما يكون) من نوع الأول كما تؤول في الباب المتقدم. هذا لا يكون إلا على معنى (ولكنْ). وقال النابغة:

بناء (حين) لإضافتها إلى مبني

(ولا عيبَ فيهم غيرَ أنّ سيوفَهم ... بهنّ فُلولُ من قِراعِ الكتائبِ) يمدح آل جفنة الغسانيين. والفلول: جمع فلٍّ وهو الثَّلم الذي يكون في السيف. والمعنى: أنهم يغزون كثيراً ويضاربون الأقران، فسيوفهم قد تفللت. والقراعْ والمقارعة: المضاربة بالسيوف. وقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم مفللة، هو بمنزلة قوله: ليس فيهم عيب على وجه، لأنه إذا كان تفليل سيوفهم هو عيبهم - وهذا المعنى يمدح به - فلا عيب فيهم على وجه. وهذا يقوله الناس على طريقة المبالغة في المدح، أي قد اختاروا لأنفسهم أشرف الأفعال، فأقل ما فيهم من أسباب الشرف، أجلّ ما يمدح به الناس. ومثله: إذا ما فرَرنا كان أَسْوَا فرارِنا ... خُطانا إلى أَعدائنا فنضاربُ بناء (حين) لإضافتها إلى مبني قال سيبويه في الاستثناء في باب: ما يكون فيه أنّ وأنْ مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء: (وزعموا أن ناساً من العرب ينصبون هذا الذي في موضع الرفع. فقال الخليل: هذا كنصب بعضهم (يومئذ) في كل

موضع، وكذلك (غير أن نطقت) وكما قال النابغة): فأَسبلَ مني عَبْرةُ فردَدْتُها ... على النَّحرِ منها مستهِلُ ودامعُ (على حينَ عاتبْتُ المشيب على الصِّبا ... وقلْتُ: ألمّا تَصْحُ والشيبُ وازعُ) والدامع: الذي يخرج شيئاً بعد شيء. يريد أنه لما عرف الديار التي كان حل بها، وتذكر من كان يهواه فيها، بكىْ وعاوده وجده فعاتب نفسه على صبابتها، وعذلها على بكائها، ثم خاطب نفسه فقال: ألمّا تَصْحُ. . . يوبخ نفسه أو قلبهْ ويقول: قد آن لك أن تصحو، ويزول عنك ما كنت تجده بمن كنت تهواه، والشيب وازع: أي كافُّ عن أمثال هذا الفعل الذي تفعله.

المختار في الاستثناء المنقطع

والشاهد فيه أنه فتح (حينَّ) وبناها على الفتحْ وهي في موضع جر، لأنه إضافة إلى شيء غير متمكنْ وهو الفعل الماضي. المختار في الاستثناء المنقطع قال سيبويه في الاستثناء، في باب ما يختار فيه النصب لأن الآخر ليس من نوع الأول: (وأما بنو تميم فيقولون، لا أحد فيها إلا حمارُ، أرادوا ليس فيها إلا حمارُ ولكنه ذكر (أحدُ) توكيداً. ثم انتهى في كلامه إلى أن قال: (وعلى هذا أنشدت بنو تميم قولَ النابغة: يا دارَ ميَّةَ بالعلياءِ فالسّنَدِ ... عيَّتْ جواباً وما بالرَّبْع من أحدِ (إلا أواريُّ لأي ما أُبَينُها ... والنؤيُ كالحوضِ بالمظلومةِ الجَلَدِ) هذا الإنشاد وقع في الكتاب، ضم إلى نصف البيت الأول نصف الذي بعده. وإنشاده: يا دارَ ميَّةَ بالعلياءِ فالسّنَد ... أقوتْ وطالَ عليها سالفُ الأَبَدِ

وقفتُ فيها أُصيْلاً أُسائلها ... عيتْ جواباًْ وما بالرَّبعِ من أحَدِ وليس تغيير هذا الإنشاد مما يؤثر في الموضع الذي أراده سيبويه من البيت، لأنه أراد أنهم استثنوا الأواريّ من الناس، كأنه قال: وما بالرَّبْع أحد إلا أواريُّ. والاستثناء إنما وقع مرفوعاً على البدل من موضع (مِن) كأنه قال: وما بالرَّبْع أحدُ. وهو مثل قول الله تعالى: (ما لكم من إلهٍ غيرهُ) رفع (غير) على موضع (مِن). والعلياء: الأرض العالية، والسند: سند الجبل، وهو الموضع العالي الذي يصعد منه إلى الجبل. يقال منه: سنَدَ الرجل في الجبل يسنُد سنوداً. وأقوت الدار تقوي إذا خلت من أهلها، سالفُ الأَبَدِ: ما تقدم منه، وأُصيلال لامه بدل من النونْ وأصله أُصيلان، وأُصيلان تصغير أصلان، وأُصلان: جمع أصيل، مثل رغيفْ ورُغفان، والأصيل: العشي. وقوله: عيتْ جواباً: يريد لم ترد علي جواباً لمّا سألتها عن الذين كانوا يحلونها، ما صنعوا،

رفع الفعل إذ لم يكن جوابا

وأين ذهبوا. ثم قال: وما بالربع من أحد: أي ليس به أحد يكلمني. والربع: المنزل، والأواريّ: واحدها آريّ وهو محبس الدابة، وأراد به في هذا البيت: إلا النُّؤْيَ، الذي يحبس الماء عن البيت، وهو حاجز يجعل حول البيت من التراب. واللأي: البطءْ والاحتباس، وأبيِّنُها: أتبينها. يقول: بعد بطءْ وطول نظرْ وفكر عرفتُ الدار. وإنما تنكرتْ عليه لخرابهاْ وتغيرها عن الحال التي يعرفها عليها. وقوله: والنؤيُ كالحوضِ، شبه النؤي الذي حول البيت بالحوض، والمظلومة: الأرض التي أبطأ عنها المطر أعواماً فلم يصبها، ويقال: المظلومة: الأرض التي نُزلت من أول نزولْ ولم تكن نزلت قبل ذلك، والجَلَد: الأرض الصلبة. و (الجَلَد) بدل من (المظلومةّ) و (ما) زائدة، أراد: لأياً أبيِّنُها، و (لأياً) مصدر لا فعل له من لفظه، ويقال الْتأتْ عليه الحاجة: أبطأت، وانتصابه لأنه مصدر جعل في موضع الحال، كأنه قال: فبطئاً عرفتها، والعامل فيه (أبيِّنُها)، وهو نحو من: قتلته صبراًْ وأتيته ركضاً. رفع الفعل إذ لم يكن جواباً قال سيبويه: (واعلم أنك إن شئت قلت: ائتني فأحدثك، ترفع، وزعم الخليل أنك لم ترد أن تجعل الإتيان سبباً لحديثه، ولكنك كأنك قلت: ائتني فأنا ممن يحدثك البتة جئت أو لم تجيء) قال النابغة الذبياني:

ولا زالَ قبرُ بين تُبْنَىْ وجاسمٍ ... عليه من الوَسْمِيّ جَوْدُ ووابِلُ (فيُنْبِتُ حَوذاناً وعَوفاً مُنوِّراً ... سأُتبِعه من خيرِ ما قال قائلُ) رثى النابغة بهذا الشعر النعمان بن الحارث الجفني، وتُبنى وجاسم موضعان. ويروى: (بين بُصرىْ وجاسمٍ). والجَودْ والوابل: ضربان من المطر يجيئان بشدة. والحَوذان والعَوف: ضربان من النبت، والمنور: الذي فيه زهرُهُ ووردهُ. سأُتبع هذا القبر ثناءً حسناً، يعني أنه يثني على صاحب القبر الذي دفن فيه. والشاهد في البيت أنه رفع (فيُنْبِتُ) ولم يجعله جواباً، وأراد: فهو ينبت على كل حالْ والعرب ما زالت تدعو للقبور بأن تمطر، وينبت حولها النبات، ليقصد الناس موضع القبر يرعون فيه، فإذا نظروا إلى القبر، تجدد ذكر صاحبه، وتحدثوا بالمحاسن التي كانت فيه: من شجاعتهْ وجودهْ ووفائه، فكأنه يحيا بهذا الذكر.

حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه

حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه قال سيبويه في باب ما يحذف فيه المستثنى استخفافاً: (وذلك قولك: ليس غير، وليس إلا، كأنه قال: ليس إلا ذاك، وليس غير ذاك، ولكنهم حذفوا ذلك تخفيفاً). ثم ذكر أشياء من الحذف، يستشهد بها على الحذف الذي ذكره في هذا الباب. قال النابغة الذبياني: أتَخْذُلُ ناصريْ وتُعِزُ عَبْساً ... أيرْبوعَ بنَ غيظٍ للمِعَنِّ (كأنك من جِمال بني أُقيْشٍ ... يُقَعْقَعُ خلفَ رْجليه بشَنِّ) الشاهد في البيت الثاني أنه حذف الموصوفْ وأقام الصفة مقامه. والتقدير: كأنك جمل من جمال بني أقيش. يربوع بن غيظ بن مرة هم قوم النابغة، والمعنّ: الذي يتعرض في الأمور التي قد كُفي الكلام فيها. وجمال بني أقيش وحشية لا يكاد ينتفع بها لشدة نفارها، والشن: القربة البالية، تقعقع: تحرك على الأرضْ وفيها حصى حتى يسمع صوتها. وبنو أقيش: بطن من عُكل، وإبلهم ليست بكرام فيضرب بنفارها المثل. وقيل: بنو أقيش فخذ من أشجع، وقيل: بنو أقيش حي من اليمن. وسبب هذا الشعر، أن بني عبس قتلوا رجلاً من بني أسد، فقتلت بنو أسد رجلين من عبس، فأراد عُيينة بن حصن الفزاري أن يُعين

نصب المضارع بعد (أو)

بني عبس، وينقض الحلف الذي بين بني ذبيانْ وبني أسد، فقال له النابغة: أتخذل بني أسدْ وهم حلفاؤناْ وناصروناْ وتعين بني عبس عليهم. وقوله (للمعنِّ) اللام في صلة فعل محذوف، كأنه قال: يا يربوع بن غيظ، أعجبوا للمِعَن، يعني عيينة بن حصن. وقوله: كأنك من جمال بني أقيش، أي أنت سريع الغضبْ والنفور، تنفر مما لا ينبغي أن تنفر منه. نصب المضارع بعد (أو) قال سيبويه في باب (أو): (تقول: لألزَمَنَّك أو تقضيني، ولأضربنك أو تسبقني، والمعنى: لألزمنَّك إلا أنْ تقضينيْ ولأضربنك إلا أن تسبقني. هذا معنى النصب). قال امرؤ القيس: بكَى صاحِبي لما رأى الدربَ دونَه ... وأيقَنَ أنّا لاحقان بقَيْصَرا (فقلتُ له: لا تَبْكِ عينُك إنما ... نحاولُ مُلكاً، أو نموتَ فنُعذَرا) الشاهد فيه على النصب (نموت) بعد (أو). قال سيبويه: (والمعنى إلا أن نموتَ فنُعذَر). صاحب امرئ القيس الذي كان معه فيما زعموا، عمرو بن قميئة من بني

مجيء (حتى) للغاية وللابتداء

قيس بن ثعلبة، وكان امرؤ القيس استصحبه لما مضى إلى ملك الروم يستنجده على بني أسدْ وأراد بالدرب أحد الدروب التي بين أرض الشامْ وبلاد الروم. فيقول: أنّ عمراً لما بكى، قال له: من سعى في طلب المُلك لم يستعظم أن ينزل به مثل هذا، وأن يغرر بنفسهْ ويركب المهالك، فإن أصاب بُغيته فلها سعى، وإن مات عذر في سفرهْ وتغربه، لأنه لم يكن سفره غلا ليحصل له الملك، ولم تكن إرادته به شيئاً من المال. مجيء (حتى) للغايةْ وللابتداء قال سيبويه: (اعلم أنه لا يجوز: سرت حتى أدخلهاْ وتطلع الشمس. هذا محال، لأن طلوع الشمس لا يكون أن يؤديه سيرك، فترفع (تطلعّ) وقد حُلت بينهْ وبين حتى ويحسن أن تقول: حتى تطلع الشمس، وحتى أدخلها، كما يجوز أن تقول: سرت إلى يوم الجمعةْ وحتى أدخلها). وقال امرؤ القيس: ومَجْرٍ كغلانِ الأُنيْعِم بالِغٍ ... ديارَ العَدُوِّ ذي زُهاءٍْ وأركانِ سريتُ بهم حتى يَكِلَّ غَزيُّهم ... وحتى الجيادُ ما يُقَدْنَ بأرسانِ المجر: الجيش الكثير، والغلان: جمع غالّ وهو الوادي الكثير

عطف الفعل بالجزم - ربطا للمعاني

الشجر، والأُنيْعِم: اسم مكان، وقوله: بالغٍ ديار العدو، يعني أنه لا يمكن رده عن الموضع الذي يسير لكثرتهْ وعزهْ وأنه لا يقاومه جيش. وقوله: ذي زهاء: أي هو يَحزر حزراً، فأما عدده فلا يمكن ضبطه. يقول الذي يراه: هو مقدار كذاْ ويقال: هم زُهاء ألف إذا كانوا مقدار ألف. والأركان: النواحي، و (مَجْر) مجرور بـ (رُبَّ)، وقوله: سريت بهم أي سرت بهم ليلاً. ويروى: (مَطَوْتُ بهم) والمطو: المد، يريد أنه مد بهم في السير، والكَلال: الإعياء، والمطيّ: جمع مطيةْ وهو البعير الذي يركب ظهره. ويروى: (حتى يَكِلَّ غزاتهم) وهو جمع غاز. وقوله: وحتى الجياد ما يُقَدْنَ بأرسانِ، يعني أن الخيل كلت، فطرحت أرسانها على أعناقها، وتُركت تمشيْ ولم يحتاجوا إلى قُوْدها، لأنها قد ذهب نشاطهاْ ومرحها، فهي إذا خُلِّيت لم تذهب يميناً ولا شمالاً وسارت معهم. والشاهد في البيت أنه لما جاء بـ (حتى) التي تنصب ما بعدها - وأراد أن يذكر بعدها ما لا يجوز أن يُعطف عليها - جاء بـ (حتى) في الكلام الثاني. وما بعد الأول منصوب لأنه غاية، والجملة الثانية مبتدأْ وخبر، و (حتى) التي هي غاية، لا تدخل على المبتدأْ والخبر (فجاء بـ (حتى) التي ترفع ما بعدها من الأفعالْ وتدخل على المبتدأْ والخبر). عطف الفعل بالجزم - ربطاً للمعاني قال سيبويه في باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي،

لأن فيها معنى الأمرْ والنهي: (وأما قول عمرو بن عمار الطائي: (فقلت له: صَوِّبْْ ولا تَجْهَدَنهُ ... فيُدْنِكَ من أُخرى القَطاةِ فتَزْلَقِ) فهذا على النهي كما قال: لا تمدُدْها فتشقُقْها). هذا البيت في قصيدة تنسب إلى امرئ القيس، وتنسب إلى رجل من طيئ. وقيل: إن قائلها هو: عبد عمرو بن عمار الطائي. والشاهد فيه أنه عطف (فيُدْنِكَ) على (تجهدنهّ) وكذا عطف (فتَزْلَق) ولم يجعل هذين الفعلين منصوبين على الجواب بالفاء، ولو نُصبا لكان نصبهما حسناً، ويكون بمنزلة قول القائل: لا تشتُمْ زيداً فيؤذيك، ولا تسُبَّ عَمراً فيضربَك. فإن قال قائل: قوله (لا تَجْهَدَنهُ) نهي، وقد نهى الغلامَ الراكب للفرس أن يجهده في العدو، وهذا معنى صحيح، والإدناء هو فعل الفرس، فكيف نهى الغلام عنه، وعطف على فعل الغلام ما لا يدخل في النهي؟ قيل: هذا سائغ كثير في الكلام، المعنى أنه نهى الغلام عن فعلٍ

مجيء خبر (عسى) مجردا من (أن)

يؤدي إلى أن يدنيه الفرس من أخرى القطاة. وهذا مثل قولهم: (لا أرَيَنَّكَ هاهنا) أي لا تكن هاهنا فأراك. ومثله للأعشى: لا أعرفَنَّكَ إنْ جَدَتْ عداوتُنا ... والْتُمِسَ النَّصرُ منكم عَوضُ تَحتَمِلُ أي لا تفعل ما نهيتك عنه، فإنك إن فعلته عرفته. ومعنى البيت أنه قال للغلام الذي ركب الفرس، وطلب عليه الوحش لا تجهده، أي لا تستخرج جميع ما عنده من العَدْو، فلا يمكنك أن تثبت على ظهره، ويُدنِك من مؤخره فتقع. والقطاة: مقعد الردف من ظهر الفرس. مجيء خبر (عسى) مجرداً من (أنْ) قال سيبويه: (واعلم أنّ من العرب مَن يقول؛ عسى يفعلُ. يشبهّها بـ (كاد يفعلُ) فـ (يفعل) حينئذ في موضع اسم منصوب). قال المرّار بن سعيد ألأسدي: تخبَّأ معشرُ الشعراءِ مني ... كما اْختبأتْ من القمرِ النُّجومُ (فأما كَيِّسُ فنجاْ ولكنْ ... عسى يَغترُّ بي حَمِقُ لئيمُ) الشاهد في قوله (عسى يَغترُّ) ولم يقل (عسى أن يَغترَّ).

الفعل يرتفع بين الجزمين لوقوعه في موضع الحال

والحَمِق: الأحمق. يقول: إن الشعراء إذا ضموا إليّْ وقيسوا بي، كانوا بمنزلة النجوم إذا ضمت إلى القمر. يريد أنهم يَخْفَوْنْ ويصغر شأنهم إذا حضر المرّار أو ذُكر، فأما الكيِّس منهم فإنه لا يتعرض ليْ ولا يطمع في مساواتي، ومَن طمع في مساواتي منهم أو مقاربتي، فإنه أحمق. الفعل يرتفع بين الجزمين لوقوعه في موضع الحال قال سيبويه في باب ما يرتفع بين الجزمين، وينجزم بينهما: (أما ما يرتفع بينهما فقولك: إنْ تأتني تسألني أُعطِك، وإنْ تأتني تمشي أمشِ معك. وذلك لأنك أردت أن تقول: إنْ تأتني سائلاً يكن ذلك، إنْ تأتني ماشياً أمشِ. وقال زهير): (ومن لا يَزَلْ يَستَحملُ الناسَ نفسَه ... ولا يُغنِها يوماً من الدهر يُسأمِ) (يَستَحملُ) في موضع خبر (يزل) كأنه قال: من لا يزل مستحملاً الناسَ نفسه. ورفع (يَستَحملُ) لأنه في موضع الخبرْ وليس ببدل من فعل الشرط. والشاهد على أن (يَستَحملُ) ليس ببدل من فعل الشرط، وليس يريد أن الفعل في موضع الحال. ويروى: (من لا يزل يسترحل الناس). أي يجعل الناس كالراحلة يحمِّلهم أموره.

يريد: من لا يزل يستحمل الناس، يسألهم حمل أثقاله - والقيام بحوائجه، ولا يتكلف هو أمر نفسه - يسأموه، ويثقل عليهم. قال سيبويه قال الحطيئة: (متى تأتِه تعشو إلى ضَوْءِ نارِه ... تَجدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ موقِدِ) يمدح بذلك بغيضاً وهم من بني سعد بن زيد مناة. وتعشو: تنظر ببصر ضعيف. يريد أنه ابتدأ بالنظر إلى النار على بعد شديد، فقصدها بذلك النظر حتى قَرُبَ منها، فأضاءت له. والشاهد على أنّ (تعشو) في موضع عاشياً، منصوب على الحال. ومعنى البيت واضح. قال سيبويه: (وسألت الخليل عن قوله - يعني قول عُبيد الله بن الحُرّ الجُعْفي -: إذا خَرَجوا من غَمرةٍ رجعوا لها ... بأسيافهِمْْ والطعنِ حتى تَفَرَّجا متى تأتِنا تُلمِمْ بنا في ديارِنا ... تَجِدْ حطباً جَزْلاًْ وناراً تأجَّجا)

مجيء (أم) منقطعة

قال سيبويه: (تُلمِمْ) بدل من الفعل الأول) يعني فعل الشرط. والجزل: غلاظ الحطب. يريد أنهم يوقدون الجزل من الحطب لتقوى نارهم، فينظر إليها الضيفان على بعد فيقصدوها. وقوله: وناراً تأجَّجا، ذكّر للنار تأجج، وفيه ضمير يعود إلى النار، وكان ينبغي أن يقول: تأججت، وإنما ذكّر لأنه في تأويل الشهاب، كأنه قال: وشهاباً تأجج. ويروى: (متى تأتني في منزل قد نزلته) وليس في هذه الرواية شاهد على شيء مما تقدم. والغمرة: الشدة التي وقعوا فيها، فيقول: هم يكشفون الكُرَب بأسيافهم. مجيء (أم) منقطعة قال سيبويه في باب (أم) إذا كانت منقطعة: (ومن ذلك أيضاً، أعندك زيد أم لا؟ كأنه حين قال: أعندك زيد، كان يظن أنه عنده، ثم أدركه مثل ذلك الظن في أنه ليس عنده فقال: أم لا. فزعم الخليل أنّ قول الأخطل: كَذَبَتكَ عينُك أم رأيتَ بواسطِ ... غَلسَ الظّلامِ من الربَّاب خَيالا)

زيادة الباء في خبر ليس

كقوله: إنها لإبل أم شاء، يريد أنّ (أم) في البيت منقطعة مما قبلها، لأنها استفهام بعد مضي جملة هي ابتداءْ وخبر، واستؤنف بها الاستفهام من غير أن يتقدم قبله استفهام. و (أم) المنقطعة هي التي ما بعدها جملة، ولا تكون عاطفة لاسم على اسم قبلها، ولا عاطفة لفعل على فعل قبلها. فإذا جاءت بعد إيجاب لم تكن إلا منقطعة. ولذلك قال سيبويه: كقوله: إنها لإبل - ثم استأنف استفهاماً فقال: - أم شاء، يريد أم هي شاء، فما بعد (أم) مبتدأْ وخبر. وواسط: موضع بنواحي الشام، وقد ذكره الأخطل في شعره في غير هذا الموضع. غلس الظلام: حين اختلط الظلام، الربَّاب: اسم امرأة، والخيال: ما يراه في النوم كأنه شخصها. زيادة الباء في خبر ليس قال سيبويه في الاستثناء في باب ما حُمل على العامل: (وتقول: لستَ بشيءٍ إلا شيئاً لا يُعبأ به) والباء هاهنا بمنزلة (ما)

مجيء (حتى) حرف ابتداء

يريد أن الباء زائدة في خبر ليس كما زيدت في خبر (ما) وأن الباء في موضع نصب، فكأنه قال: لستَ شيئاً إلا شيئاً لا يعبأ به. قال أوس بن حَجَر: (يا بنَيْ لبَيْنَى لستُما بيدٍ ... إلا يداً ليستْ لها عَضُدُ) وفي شعره: أَبني لبَيْنَى لستُموا بيدٍ ... إلا يداً ليستْ لها عَضُدُ أَبني لبَيْنَى لا أُحِبكُمُ ... وَجَدَ الإلهُ بكُمْ كما أَجِدُ الشعر على مخاطبة الجماعة. والشاهد في قوله (إلا يداً) بالنصب، والمستثنى منه مجرور بالباء، والاستثناء من موضع الباء. وبنو لبينى قوم من بني أسد، وأمهم لبينى من بني والبة بن الحارث بن ثعلبة ابن دودان، يقول لهم: أنتم - في ترك لومكم لهم، واطراحكم أمرهم - بمنزلة يد لا عضد لها، فكيف تصنع اليد إذا بانت عن عضدها. وقوله: (وَجَدَ الإلهُ بكُمْ كما أَجِدُ) يقول: أحبكم الله كما أحبكم، وأوس لا يحبهم، فكأنه قال: لا أحبكم الله وأبغَضكم كما أبغِضُكم. مجيء (حتى) حرف ابتداء قال سيبويه في باب (حتى): (ويدلك على حتى أنها حرف من حروف الابتداءْ والخبر، أنك تقول: حتى إنه يفعل ذلك، كما تقول: فإذا

إنه يفعل ذلك). قال: (ومثل ذلك قول حسان بن ثابت): أولادُ جفنةَ حولَ قبرِ أبيهِمِ ... قبرِ ابنِ ماريةَ الكريمِ المُفْضلِ يُغْشَوْنَ حتى لا تَهِرُّ كلابُهُمْ ... لا يَسألون عن السّوادِ المُقْبلِ) يمدح بذلك آل جفنة الغسانيين، وبلادهم الشام، ماريةَ: ذات القرطين، هي أم جفنة بن عمرو مزيقياء، يُغْشَوْنَ: يغشاهم الطالبونْ والسائلونْ ويكثرون عندهم، حتى كلابهم لكثرة ما ترى ممن لا تعرف قد أنست بجميع الناسْ وتركت النباح، لا يسألون عن السواد: أي الأشخاص المقبلة، ويقال للشخص سواد، وأصل ذلك أن الشخص إذا كان في مكان صار له ظل على الأرضْ وذلك الظل سواد، فقيل لكل شخص سواد. والشاهد على أنه رفع (تهرّ) ولم يجعله غاية. قال سيبويه وتقول: (سرت حتى يعلم الله أني كالّ. فالفعل

هاهنا منقطع من الأول، وهو في الوجه الأول الذي ارتفع فيه، متصل كاتصاله به بالفاء، كأنه قال: سيرُ فدخول). أراد سيبويه أن الفعل المرتفع بعد (حتى) يقع على وجهين: أحدهما أن الفعل الواقع بعدها وقعْ ومضى قبل وجوب الإخبار. والوجه الآخر أن الفعل الذي قبل (حتى) قد مضى، والفعل المرفوع بعدها ثابت في حال الإخبار، ويكون الفعل المتقدم سبباً لوقوع الفعل الذي في الحال. وسيبويه يجعل (حتى) في الوجه الأول - الذي الفعل فيه قد مضىْ وانقضى - بمنزلة الفاء، وأن الفعل الذي بعد (حتى) متصل بالفعل الذي قبل (حتى) وقد مضيا جميعاً. والثاني بعد الأول متصل به كاتصال ما بعد الفاء في العطف بما قبلها. وقال علقمة بن عبدة: فأورَدَها ماءً كأنّ جِمامَه ... من الأجْن حِنّاءُ معاً وصَبيبُ تُرادَى على دْمنِ الحِياض فإن تَعَفْ ... فإن المُنَدَى رحلةُ فرُكوبُ) الشاهد فيه أنه عطف ركوباً على (رحلة) بالفاء. وجعل الركوب متصلاً بالرحلة. وهو مثل قولهم: سرت حتى أدخلها، إذا كان السيرْ والدخول قد

نصب المضارع بعد واو المعية

وقعا جميعاً فيما مضى، والدخول متصل بالسير، كأنه قال: سرت فدخلت، وإنما استعمل المستقبل في هذا الموضع على حكاية الحال الماضية، وهي بمعنى: سرت حتى دخلتها. قوله: فأورَدَها: يعني راحلته، والجمام: جمع جُمة، وهو الماء المجتمع في البئر، والواحد جُمّةْ وهو الماء المجتمع. والأجْن: تغير الماءْ واصفراره، والصبيب: شجر يصبغ به، وقيل: إنه تخضب به الرؤوس. شبه لون الماء بلون الحناءْ والصبيب. وتُرادَى: تُراود، أي يعرض عليها الماء مرة بعد مرة، حتى تشرب من هذا الماء المتغير. فإن تعف: أي تأبى نفسها أن تشرب منه - يقال: عِفت أعاف - فإني أجعل مكان التندية أن أشد عليها الرحلْ وأركبهاْ وأسير. والمُندىْ والمُتَنَدَى والتندية واحد، وهو أن تُترك الناقة ترعى حول الماء ساعة ثم تجيءْ وتشرب الماء. ويروى: (تُراد على دْمنِ الحِياض) أي يراد منها أن تشرب من الدمن الذي في الحياض. والدمِنْ: البعرْ والسِّرجين وما أشبه ذلك. وإنما يريد أنها يراد منها أن تشرب ماء الدمن، وهو الماء الذي سفت عليه الريح الدمن فاختلط به. نصب المضارع بعد واو المعية قال سيبويه في الجواب بالواو: (لا تأكل السمكْ وتشرب اللبن، فلو أدخل الفاء هاهنا فسد المعنى).

حذف صلة الموصول

وهذا صحيح لأن الفاء لو دخلت في ذا الموضع، لصار المعنى: أنْ أكلتَ السمك شربت اللبن، وليس بواجب أنه كل من أكل سمكاً شرب لبناً. ويوضحه قول الله تعالى: (لا تفتروا على الله كذباً فيُسحتكم بعذاب) أي إن افتريتم سحتكم، وإنما يريد، لا تجمع بينهما في وقت واحد. وقال الحطيئة: (ألمْ أكُ جارَكُمْْ ويكونَ بيني ... وبينكم المودةُ والإخاءُ) يريد، ألم يجتمع هذان: أن أكون جاراً، وأن تكونوا إخوانيْ وأصحاب مودتي. يخاطب بذلك الزبرقانْ وأهله، وقد كان جاورهم ثم انتقل إلى بني قُريع. حذف صلة الموصول قال سيبويه في باب ما يحذف المستثنى فيه استخفافاً، قال العجاج: دافَعَ عني بنُقَيْر مَوْتَتي (بعد اللَّتيّاْ واللتياْ والتي) إذا علتْها أنفُسُ تَردَتِ

حذف اللام المتصلة بأن الناصبة

يريد أن الله تعالى دفع عنه الموت. ونُقَيْر: موضع بعينه. والعرب تقول: فعل فلان ذلك بعد اللتياْ والتي، أي بعد شدة. وقوله: (إذا علتها أنفس تردت) هذه الجملة التي هي البيت الثالث صلة للتي. الشاهد على أنه حذف الصلة من (اللتيا) الأولى ومن الثانية، فأما (التي) فقد أتى بصلتها. وعنى بقوله: (التي إذا علتْها أنفُسُ) عقبةً من عقاب الموت منكرة، إذا أشرفت عليها نفس سقطتْ وهلكت، وهذا على طريق التشبيه. حذف اللام المتصلة بأن الناصبة قال سيبويه: (لا تفعل كذاْ وكذا أن يصيبك أمر تكرهه، كأنه قال: لأن يصيبك، أو من أجل أن يصيبك. وقال الله تعالى: (أن تَضِلَّ إحداهما) وقال: (إن كان ذا مالْ وبنين) كأنه قال: ألأن كان. . .) يريد حذف اللام في جميع هذا. وقال الأعشى: صدَتْ هُريرةُ عنّا ما تكلمنا ... جهلاً بأُمِّ خُلَيدٍ حبلَ مَنْ تَصِلُ (أإنْ رأت رجلاً أعشى أضرَّ بِهِ ... ريبُ المَنونِْ ودهرُ مفسد خَبِلُ)

إعمال (كأن) مخففة

أراد ألأن رأت. واللام المقدرة متصلة بفعل محذوف، كأنه قال: ألأنْ رأتني على هذه الحال هجرتنيْ وصرمتني. كأنه كان: أعرضَتْ لأن رأت رجلاً على هذه الأوصاف. ولا يجوز أن يتعلق (لأن) التي بعد الحرف الاستفهام بـ (صدّت) لأن ما بعد حرف الاستفهام لا يتصل بما قبله في العمل. وريب المنون: ما يحدث من الضعفْ والكبرْ وأسباب الموت، والخَبِلُ: الذي يفسد العقلْ وهريرة: هي أم خُلَيد. وقوله: (جهلاً بأُمِّ خُلَيدٍ) منصوب مفعول له كأنه قال: صدت عنا لجهلٍ منها بمن ينبغي أن تصله، وبمن ينبغي أن تصرمه. يقول: إنها وضعت صدودها عنا في غير موضعه. إعمال (كأنْ) مخففةً قال سيبويه في باب (أن) بعد إنشاده: (كأنْ وريدَيْه رِشاءُ خُلبِ) (هذه الكاف مضافة إلى (أنْ) - يريد الكاف من (كأن) - فلما اضطررت إلى تخفيفْ ولم تضمر - يريد لم تضمر اسم كأنْ - لم يغير ذلك أن تنصب بها، كما أنك قد تحذف من الفعلْ ولا يتغير). يقول: تخفيفك لها لم يغير عملها، كما أن الفعل إذا حذف منه بعض حروفه لم يغير عن عمله. إعمال (أن) مخففة وإضمار اسمها قال سيبويه: ومثل ذلك قول الأعشى:

وقد غدوتُ إلى الحانوتِ يتبعُني ... شاوٍ مِشُلُّ شَلولُ شُلشُلُ شَوِلُ (في فتيةٍ كسيوف الهندِ قد عَلموا ... أنْ هالكُ كلُّ من يَحفَىْ وينتعلُ) الحانوت: بيت الخمّار، والشاوي: الشوّاء، ومِشُلُّ: مستحثّ، والمِشَل: السريع السَّوق، وقيل: المشل الذي يَشل اللحم في السفّود، والشُلشُلُ: الخفيف فيما أخذ فيه من عمل، والشَوِلُ: مثل الشلشل، وقيل: شَول: عادته ذلك، والشَلولُ: مثل المِشَل. ويروى: نَشول، وهو الذي يأخذ اللحم من القدر، يقال منه: نشَل ينِشُل. يريد أنه غدا إلى بيت الخمارْ ومعه غلام يشويْ ويطبخ. وقوله: في فتية، يريد مع فتية كالسيوف في مضائهم في الأمور، ويحتمل أنه صِباحُ وجوههم، تبرق كالسيوف. قد علموا أنْ هالك: يريد أنه هالك كل إنسان. ومن يحفى هو الفقير، ومن ينتعل هو الغني. يريد: قد علم هؤلاء الفتيان أن الهلاك يعم الناس غنيِّهمْ وفقيرَهم، فهم يبادرون إلى اللذات قبل أن يحال بينهمْ وبينها. والشاهد على تخفيف (أنَّ) وحذف اسمها المضمر، والمضمر هو ضمير الأمرْ والشأن.

وقوع المصدر ظرفا وفتح همزة (أن) بعده

وقوع المصدر ظرفاًْ وفتح همزة (أنّ) بعده قال سيبويه في باب (أنّ): (وذلك قولك: أحقاً أنك ذاهب، والحقَّ أنك ذاهب). كأنه قال: أفي حق ذهابُك. فـ (أنك) مبتدأْ و (حقاً) في موضع خبره. ثم ساق سيبويه الكلام حتى انتهى إلى قوله: ْ وزعم يونس أن العرب تنشد للأسود بن يعفر: (أحقاً بني أبناءِ سلمَى بنِ جَندَلٍ ... تهدُّدُكم إيايَ وسطَ المجالس) (تهدُّدُكم) مبتدأْ و (حقاً) خبره. وأراد: يا بَني أبناء سلمى بن جندل. والمعنى واضح. وكانوا تهددوه بسبب فرس أخذها ابنه الجراح بن الأسود لرجل من بني تيم الله بن ثعلبة يقال له فارس العصماء. وحديثه معهم طويل.

(أن) المفتوحة لا يجازى بها

(أنْ) المفتوحة لا يجازى بها قال سيبويه في باب الجزاء إذا كان القسم في أوله: (وأما قول الفرزدق: وجدْنا بني مروانَ أوتادَ ديننا ... كما الأرضُ أوتادُ عليها جبالُها (وأنتم لهذا الناسِ كالقبلةِ التي ... بها أنْ يَضِلَّ الناسُ يُهدَى ضَلالُها) قال سيبويه بعد إنشاد هذا البيت الثاني: (ولا يكون الآخر إلا رفعاً) يعني يُهدى (لأنّ (أنْ) لا يجازى بها، وإنما هي مع الفعل اسم كأنه قال: لأن يضلّ الناس يُهدى ضَلالها). يريد (أنْ) المفتوحة الخفيفة لبست بجزاء، و (إنْ) المكسورة الخفيفة يجازى بها، ويجزم الفعل الذي يليها لأنه شرط، ويجزم الفعل الثاني لأنه جواب الشرط. وهذه المفتوحة مع الفعل بمنزلة اسم تعمل فيه العوامل. والفعل المتأخر الذي ولِيته (أنْ) لبست (أنْ) تعمل فيه، ولم يدخله شيء من عوامل الأفعال، فهو مرفوع في ذا الموضع كما يرفع في غيره. وإنما أنشد هذا البيت في باب الجزاء، ليُعلم أنه ليس مثله. و (أنْ يَضِلَّ الناسُ) منصوب لأنه مفعول له، والعامل (يُهدَى) كأنه قال: لأن يضل الناس يُهدَى ضَلالُها.

(من) الموصولية

فإن قال قائل: فإذا كان هذا مفعولاً له، فكأنه قال: يُهدَى ضَلال الناس لأن يضلوا. وهم لا يُهدون لأن يضلّوا، وإنما يُهدون لئلا يضلوا.! قيل له: لهذا نظائر. قال الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجلْ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أنْ تضلْ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى). قيل فيه: إن التقدير: لكراهة أن تضل إحداهما. ومثله قول العرب: أعددتُ الخشبة أنْ يميل الحائط فأدعمَه. فأخبر بالعلة التي دعت إلى إعداد الخشبة. مدح الفرزدق بهذا سليمان بن عبد الملك، وجعل الفرزدق بني مروان كالقبلة التي يصلي الناس إليها. يريد أنه من انصرف عن طاعتهم؛ فقد ضل، كضلال من صدفَ وجهه عن القبلة. (مَنْ) الموصولية قال سيبويه في باب الأسماء التي يجازى بها وتكون بمنزلة (الذي). يريد أنّ: (مَنْ وماْ وأيّهم) إذا وصلت واحدة منها بطل الجزاءْ وصارت بمنزلة (الذي). وساق كلامه في هذا المعنى حتى انتهى إلى قول الفرزدق: منا الكواهِلُ والأعناقُ تَقْدُمُها ... والرأسُ مناْ وفيه السمْعُ والبَصَرُ

ولا نُحالف إلا اللهَ مِن أحَدٍ ... غيرَ السُّيوفِ إذا ما اْغرورقَ النظَرُ (ومَن يَميلُ أمالَ السيفُ ذِروتَهُ ... حيث التَقَى من حفا فَيْ رأسهِ الشَّعَرُ) الشاهد فيه أنه جعل (مَن) بمنزلة الذي ووصلها بـ (يميل) كأنه قال: والذي يميل أمال السيف ذورته. وزعموا أن لَبَطَة بن الفرزدق قال - حين ذهب خالد بن عبد الله القسري إلى الشام، واستخلف أسدَ بن عبد الله أخاه على العراق - لأبيه: إنك قد كبرتْ سنك، وقد قعدت عن الرحلةْ والوفادة، وهذا اليماني - يعني أسداً - شديد العصبية، معروف بحب قومه، فإن أتيته فاستنشدك فأنشده أبياتاً - في جملتها هذه الأبيات المتقدمة - تفخر بمضر. فلما خرج قال له لبطة: هذا ما وصيتك. فقال له: اسكت، ما كنت أكبر في صدره من اليوم. وقوله: (اغرورقَ النظَرُ) يريد أنه إذا دهش الإنسان، اضطرب نظره من الفزعْ ولم يتأمل ما ينظر إليه، فكأنّ عينيه قد غرقت بشيء غطّاها. ويروى: مَن يَمل يُمِل المأثور ذروته. أي ذروة رأسه. وذروة

(من) تصلح للمفرد والمثنى والجمع

كل شيء: أعلاه، والمأثور: السيف له أثرْ وهو فِرِنده، وفرند السيف: الماء الذي فيه. (مَنْ) تصلح للمفردْ والمثنىْ والجمع قال سيبويه في باب إجرائهم صلة (مَنّْ) وخبره إذا عنيتَ اثنين أو جماعة كصلة (الذين): (فإذا ألحقت التاء في المؤنث، ألحقت الواوْ والنون في الجمع). يريد أنك إذا قلت: من تقوم نكرمها. إذا أردت بـ (مَن) امرأة. فإذا فعلت هذا في المؤنثْ وجعلت الصلة على معنى (مَن) لا على لفظ (مَن)، وجب إذا أردت الجماعة أن تقول: مَن يقومون اخوتك، ومن يذهبان غلاماك. قال الفرزدق: فقلتُ له لما تَكشَّر ضاحكاً ... وقائِم سيفي من يدي بمكانِ (تَعشَّ فإن عاهدْتَني لا تخونُني ... نكنْ مثلَ من يا ذئبُ يصطحبانِ)

الشاهد في قوله (يصطحبانِ) لأنه ثنى على معنى (مَن). وتَكشَّر: أبدى عن أسنانه. وصف الفرزدق ذئباً أتاهْ وهو في قفر، ووصف حاله معه، وأنه أطعمهْ وألقى إليه ما يأكله. وقوله (تَعشَّ) خطاب للذئب فإن عاهدتني بعد أن تتعشى على أن لا يخون كل واحد منا الآخر، كنا مثل رجلين يصطحبان. و (يصطحبانِ) صلة (مَن) و (يا ذئب) نداء اعترض بين الصلةْ والموصول. وقد ذكر جماعة من العرب أنهم قَرَوا الذئب لما أتاهمْ وهم مسافرون، منهم: الفرزدقْ ومضرِسْ وغيرهما.

رفع جواب الشرط على تقدير التقديم

رفع جواب الشرط على تقدير التقديم قال سيبويه في باب الجزاء: (وتقول: إنْ أتيتني آتيك، أي آتيك إنْ أتيتني). قال زهير: (وإنْ أتاه خليلُ يومَ مسألةٍ ... يقول: لا غائبُ ماليْ ولا حَرِمُ) الشاهد فيه أنه رفع (يقولُ) ولم يجعله للشرط في اللفظ، وجعله في تقدير التقديم، كأنه قال: يقول: لا غائبُ مالي إنْ أتاه خليلُ. يمدح هَرِمَ بن سنان المُرّي. يريد أنه لا يعتل في خليله إذا سأله شيئاً من ماله بعلة حتى يحرمه. يريد أنه لا يقول: مالي غائبُ عني. أو يقول: ليس لي شيء أعطيك منه. وقوله: يوم مسألة، يعني يوم حاجة توجب المسألة. اسم (إنّ) ضمير الشأن مقدر قال سيبويه في باب ما يكون من الأسماء التي يجازى بها بمنزلة الذي: (وتقول: كان مَن يأتِه يعْطه) يريد أن (كان) فيها ضمير، هو

العدول عن الجزم على الجواب - للمعنى

اسمها. ثم قال: (وقد جاء في الشعر: إنّ مّن يأتي آتِه) (يريد (إنه) حذف اسم إنّ وقدره (إنّهّ) وهذا ضمير الأمرْ والشأن) قال الأعشى: (إنّ مَنْ لامَ في بني ابنة حسانَ ... ألمْهُ وأعْصِهِ في الخُطوبِ) إنّ قيساً قيسَ الفعال أبا الأشعث ... أمستْ أصداؤه لِشَعوبِ يمدح الأشعث بن قيس. يريد أنه يحبهم، وأنّ مَن لامه في محبته إياهم، كافأه على لومٍ بلومٍ مثله، ولم يطعه في أمره إياه بترك محبتهم. وشعوب: اسم للمنية. والأصداء: جمع صدى، وزعموا أنه طائر يكون في المقابر يخرج من هام الموتى. وأراد بقوله: أمستْ أصداؤه أمسى جسده - الذي يخرج منه الصدى - للمنية، لأنها غلبت عليه فصار في حزبها، أي في الهَلكَى. العدول عن الجزم على الجواب - للمعنى قال سيبويه في: هذا باب من الجزم. وأما قول الأخطل:

الفصل بالاسم بين حرف الجزاء وفعله

(كُرُّوا إلى حَرَّتَيْكُمْ تَعْمرونَها ... كما تَكُرُّ إلى أوطانها البقرُ) الشاهد فيه أنه رفع (تَعْمرونَهاّ) ولم يجزمه على جواب (كُرُّواّ) وجعل (تَعْمرونَها) في موضع الحال، كأنه قال: كروا عامرين. يريد: ارجعوا إلى الحجازْ وإلى موضعكم فيه، والحِرار التي لكم هناك، فليست الجزيرةْ وما قَرُب منها دياراً لكمْ ولأننا لا ندعكم فيها. وهو على تقدير: كروا عامرين، وليسوا بعامرين في وقت كَرِهم إلى ديارهمْ ومعناه كروا مقدَرين لعمارتها. ومثله قوله عزْ وجل: (فادخلوها خالدين)، أي مقدِّرين الخلود. وقوله: كما تكر إلى أوطانها البقر، يريد كما ترجع بقر الوحش إلى كُنُسها إذا خافت. وقد يجوز أن يريد البقر الإنسية، أي ارجعوا إلى مواضعكم التي كنتم فيها فالزموها، كما ترجع البقر التي تحرث إلى مواضعها التي تأوي إليها. الفصل بالاسم بين حرف الجزاءْ وفعله قال سيبويه في الجزاء: (وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيها ضعيف في الكلام، لأنها ليست كـ (إنْ). يريد أن الفصل بين حروف

الجزاءْ وبين فعل الجزاء بالاسم ضعيف في حروف الجزاء، لا يجوز إلا في الشعر. سوى (إنْ) فإنه يجوز فيها الفصل في الكلام. ثم قال: ومما جاء من الشعر مجزوماً في غير (إنْ) قول عدي بن زيد: وهمُ ما همُ إذا عزَّتِ الخَمْرُ ... وقامت زِقاقهمْ بالحِقاقِ يعقِرون العِشارَ للشَّرْبِْ والذِّمَّةِ ... والفاقدين للأوراقِ (ومتى واغِلُ يَنُبْهُمْ يحيُّوهُ ... وتُعطفْ عليه كأسُ الساقي) الشاهد فيه أنه فصل بين (متى) وهي للشرط، وبين الفعلْ وهو (يَنُبْهُمْ) بـ (واغل) وأصله: متى ينبهم واغل، فقدمه. وإذا تقدم ارتفع بفعل مضمر تقديره: فمتى ينبهم واغل ينبهم، ويكون الذي أظهر تفسيراً للذي أُضمر. مدح نداماه، يقول: أي قوم هم إذا عزَّتِ الخَمْرُ.! يعني أنهم يبذلون أموالهم حتى يشتروها، ولا ينظرون في عزة الأثمان. وقوله: وقامت زِقاقهمْ بالحِقاقِ، يريد أن كل زق بحقّة أو حِقّ من الإبل، والعِشارَ من الإبل: جمع عُشراءْ وهي الناقة التي أتى عليها من حملها عشرة أشهر، والشَّرْب: الذين يشربون، والذمة: الحُرمةْ والعهد، والفاقدون للأوراق: الذين افتقرواْ وفقدوا الدراهم التي تشترى بها الخمرْ وغيرها.

مجيء فعل الشرط ماضيا وجوابه مضارع مجزوم

يريد أنهم ينحرون الجُزُر للذين يشربون معهم، ولمن بينهمْ وبينه ذمة وعهد، وللفقراء المحتاجين. والواغل: الداخل (على القوم في شرابهم من غير أن يُدعى. يقال منه وغَل يغِل. ويَنُبْهُمْ: من باب ينوب: إذا أتى. يريد أن الداخل) عليهم - وهم يشربون - يكرم ويُحَيَّاْ ويسقىْ وإن كانوا لم يدعوه. قال سيبويه في آخر الباب: ومثل الأول - يعني مثل قول عدي (فمتى واغل ينبهم): قول هشام المُرّي: تركنا رِقابَ الناسِ تحتَ سيوفِنا ... لطاعتِنا من رَهبةِ الموتِ خُضَّعا (فمَن نحن نُؤْمِنْهُ يَبِتْْ وهو آمِنُ ... ومن لا نُجِرْهُ يُمْسِ منا مُفزَّعَا) الشاهد فيه أنه فصل بين (مَنّ) وهي للشرط، وبين فعلهاْ وهو مجزوم بقوله (نحن) و (نحن) مرفوع بفعل مقدر بعد (مَن) كأنه قال: فمن نؤمنه نحن نؤمنه. والمعنى واضح. مجيء فعل الشرط ماضياًْ وجوابه مضارع مجزوم قال سيبويه في الجزاء قال الفرزدق: كيف بِبَيتٍ قريبٍ منك مطلبُه ... في ذاك منكَ كنائي الدارِ مهجورِ

عطف المصدر المؤول ولم يجعله معمولا لما قبله

(دَسّتْ رسولاً بأنّ القومَ إنْ قَدَروا ... عليكَ، يَشفوا صدوراً ذاتَ توغيرِ) الشاهد فيه أنه جعل الماضي فعل الشرط، وجعل الجواب بفعل مجزوم. والتوغير: الحَمْي في الصدور، وقوله: (كيف ببيت قريب منك مطلبه)، يريد كيف بنيل بيت، والوصول إليه، يريد أنه يحول بينهْ وبين الوصول إلى هذه المرأة من لا يمكنه مقاومتهْ ولا مدافعته. وقوله: (دَسّتْ رسولاً) يريد: المرأة التي كان يهواها، دست إليه رسولاً بأن لا تأتينا، وأن أهلها إن رأوه قاصداً إليها قتلوه. وقوله: (في ذاك منكَ) أي هو في ذاك منكَ، وأشار بـ (ذاك) إلى القرب. يريد: هو في قربه منك كبيت نائي الدار، أي نائي المحل، مهجور لا يزارْ ولا يقرب منه. والباء من قوله: (كيف بِبَيتٍ) متصلة بشيء محذوف، كأنه قال: كيف تصنع ببيت هذا حاله. عطف المصدر المؤولْ ولم يجعله معمولاً لما قبله قال سيبويه: (وتقول: رأيته شاباً، وإنه يفخر يومئذ كأنك قلت رأيته شاباً وهذه حاله. تقول هذا ابتداء، ولم تحمل إن على (رأيت). يعني لم يعطفه على مفعول (رأيت) (وإن شئت

حملت الكلام على الفعل) أي عطفته على ما عمل فيه الفعل. قال ساعدة بن جُؤَيّة: وما وجدَتْ وجدي بها أمُّ واحدٍ ... على النأي شمطاءُ القذالِ عقيمُ (رأتهُ على فَوْتِ الشّبابِْ وأنها ... تُراجع بَعْلاً مرةًْ وتئيمُ) الشاهد في البيت الثاني، أنه عطف (أنها تُراجع) على (الفوت) والفوت مجرور بـ (على) كأنه قال: رأته على فوت الشبابْ وعلى أنها تراجع بعلاً. يقول: ما وجدت امرأة - لها ولد واحد، وسمعتْ أن ابنها قتلْ وهو ناء عنها غريب - كوجدي بمفارقة هذه المرأة. يريد أن حزنه على مفارقتها، أشد من حزن هذه المرأة حين بلغها أن ولدها قد قتل. وجعلها أم واحد ليعْظم حزنها على فقده، ولو كان لها غيره لكان حزنها أقل، وجعلها عقيماً لا ترجو أن تلد بعده ولداً، وذلك أصعبْ وأعظم، ورأته: أي رأته مولوداً وقد فات شبابها؛ ولدته على كبر، ورأته أيضاً على حالة تراجع فيها التزوج، وتطلق أخرى. يعني أنها لبست ترضى حالها مع الأزواج،

الجملة الشرطية، بعضها متقدم وبعضها متأخر

وإنما كان سرورها بذلك الولد يخفف عنها ما تلقاه من أزواجها، ومن اختلاف أحوالها. الجملة الشرطية، بعضها متقدمْ وبعضها متأخر قال سيبويه في باب الجزاء، قال ذو الرمة: فيا ميَّ هل يُجزَى بكايَ بمثلِهِ ... مِراراً وأنفاسي إليكِ الزوافرُ (وإني متى أُشْرِفْ على الجانب الذي ... به أنتِ من بينِ الجوانبِ ناظرُ) الشاهد فيه أنه جعل الجملة، بعضها متقدمْ وبعضها متأخر يسد مسد الجواب، كأنه قال: وإني ناظر متى أُشْرِفْ، و (ناظر) خبر (إنّ) وهذا يقبح إذا كان الشرط بالمستقبل، ويحسن إذا كان فعل الشرط ماضياً. يقول: هل تجزينني يا مي ببكاي لمفارقتكْ والبعد عنك، فتبكين شوقاً إلي كما أبكي شوقاً إليك. وقوله: متى أُشْرِفْ، يريد متى أشرف على الناحية التي يُقصد منها إلى الموضع الذي ينزله أهلك، أنظر محبة مني للجهة التي يقصد منها إليك. في تكرير (أي) قال سيبويه قال عباس بن مرداس: (فأيّي ماْ وأيُّك كان شراً ... فقِيدَ إلى المقامةِ لا يراها)

المجازاة بـ (إذما)

ولا وَلَدتْ لهمْ أبداً حَصانُ ... وخالفَ ما يريد إذا ابتغاها الشاهد في تكرير اللفظ (أيّ) وإنما يريد: أيّنا كان شراً. والمقامة بفتح الميم: الجماعة من الناس. ويروى: (فقِيدَ إلى المنية لا يراها) يدعو عليه بالعمى. وقوله: (ولا وَلَدتْ لهمْ أبداً حَصانُ) هو دعاء عليهم بانقطاع النسل. وقوله: (وخالفَ ما يريد إذا ابتغاها) يعني أنه إذا قصد الجماع - في الموضع الذي هو موضعه، وهو موضع ابتغاء الولد - أخطأه، وجامعها في الموضع الذي لا يجيء منه الولد، يعني مؤخرها. يهجو عباسُ بذلك خُفافاً. المجازاة بـ (إذما) قال سيبويه في الجزاء، قال عباس بن مرداس: (إذ ما مررْتَ على الرسولِ فقُلْ له ... حقاً عليك إذا اطمأنّ المجلسُ) يا خيرَ من ركب المطيْ ومن مشى ... فوقَ التراب إذا تعَدُّ الأنفسُ

إفراد (أي)

وفي شعره: (إما مررْتَ) والشاهد فيه أنه جعل (إذ ما) بمنزلة (إنْ) والمعنى واضح. إفراد (أي) قال سيبويه قال عباس بن مرداس: (ولقد علمتُ إذا الرجالُ تَناهزوا ... أيِّيْ وأيُّكُمُ أعزُّ وأمنعُ) إني امرؤُ منعَ الإلهُ وأسرتي ... ضيمي، ويحملني فؤادُ أروع تَناهزوا: بدر بعضهم إلى بعض للقتال، وأسرته: رهطه الأدنَوْن، والضيم: القهرْ والذل، الأروع: الذكي الحاد. والشاهد فيه إفراد (أي) لكل واحد من الاسمين. والشعر في الكتاب منسوب إلى خِداش، ورأيته في شعر عباس. إدخال الكاف على الضمير اضطراراً قال سيبويه في باب (ما لا يجوز فيه الإضمار من حروف الجر) بعد ذكره أنهم استغنوا عن أن يدخلوا (حتى) إلى اسم مضمر بقولهم: (دعه إليه) فاستغنوا بإدخال (إلى) على المضمر عن إدخال (حتى) عليه. ثم قال: (كما استغنوا بـ (مثليْ ومثله) عن (كِيْ وكَهُ).

يريد أنهم لا يُدخلون كاف التشبيه على المضمر، استغنوا عن ذلك بإدخال (مثل) كما استغنوا باستعمال (إلى) في المضمر عن استعمال (حتى). ثم قال: (إلا أن الشعراء إذا اضطروا أضمروا في الكاف، فيجرونها على القياس). قال العجاج: نَحَّى الذُّباباتِ شِمالاً كثبا (وأمُّ أوعالٍ كها أو أقربا) ذاتَ اليمين غيرَ ما إنْ يَنْكبا الشاهد فيه أنه اضطر فأدخل الكاف على الضمير. والذبابات مكان بعينه، وأم أوعال هضبة بعينها، والكثب القريب، ويَنْكب: يجور، وفي (نحى) ضمير يعود إلى حمار وحش ذكره. وقوله: (نَحَّى الذُّبابات) يعني أنه مضى في عدوه ناحية من الذُّبابات، فكأنه نحاها عن طريقه، وهي عن شماله في الموضع الذي عدا فيه بالقرب من الموضعْ وليست ببعيدة. وأم أوعال من الموضع الذي عدا فيه (كها) كالذُّبابات منه أو أقرب إليه منها. والضمير الداخل عليه الكاف، هو ضمير الذبابات، والهضبة التي هي أم أوعال هي عن يمينه مثل الذبابات عن شماله. وقوله: (غيرَ ما إنْ يَنْكبا) يقول: هما عن يمين طريقهْ وشماله، ومقدار ما بين كل واحد من الموضعينْ وبين طريقه متقارب، إلا أن يجور في

قولهم (ليتي) ضرورة

عدوه فتصير الذبابات - إنْ مال إليها في العدو - أقرب من أم أوعال، وإنْ مال في العدو إلى أم أوعال، صارت أقرب إليه من الذبابات. و (أم أوعال) رفع بالابتداء، و (كها) خبرها. قولهم (ليتي) ضرورة قال سيبويه في باب الضمير: (وقد قالت الشعراء (ليتي) إذا اضطروا، كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا: الضاربي). يريد أنهم اضطروا إلى حذف النون التي تكون مع الياء التي هي ضمير المتكلم. قال زيد الخيل الطائي: تمنَّى مَزْيَدُ زيداً فلاقى ... أخا ثقةٍ إذا اختلفَ العوالي (كمُنيةِ جابرٍ إذ قال ليتي ... أُصادفُهْ وأفقِدُ بعضَ مالي) مَزْيَد: رجل من بني أسد كان يتمنى أن يلقى زيد الخيل، فلقيه زيد الخيل، فطعنه، فهرب منه، فقال زيد في ذلك شعراً أوله ما أنشدته. وقوله: (أخا ثقةٍ) أي يوثق بشجاعتهْ وصبره، والعوالي: عوالي الرماح، جمع عالية، والعالية من الرمح: ما يلي الموضع الذي يركب فيه السنان. وقوله (كمُنيةِ جابر) يريد أن مزيداً تمنى أن يلقاه كما تمنى جابر، وكلاهما لقي منه ما يكره.

حذف لام الأمر وإبقاء عملها - ضرورة

حذف لام الأمرْ وإبقاء عملها - ضرورة قال سيبويه: (واعلم أن هذه اللام قد يجوز حذفها في الشعر يريد اللام التي تدخل على فعل الأمر وتعمل مضمرة، كأنهم شبهوها بـ (أنْ) إذ عملت مضمرة). قال متمم بن نويرة: وكلُّ امرئٍ يوماًْ وإنْ عاشَ حِقبةً ... له غايةُ يَجري إليهاْ ومُنْتهَى (على مثل أصحابِ البَعوضةِ فاْخُمشي ... - لك الويل - حُرَّ الوجه أو يبكِ مَن بَكَى) الشاهد في قوله (أو يبكِّ) وهو أمر للغائب، والأمر للغائب يكون بالفعل المضارعْ ويدخل عليه اللام، فلما اضطر حذف اللام. وكان أبو العباس يدفع هذا القولْ ويقول: إن قوله (فاْخُمشي) في معنى (فلتخمشي) فعطف (أو يبكِ) على تقدير فلتخمشي، ولم يجزمه بلام محذوفة. وهذا القول لا يُخرج الشاعر عن أن يكون مضطراً، وجعله أبو العباس مضطراً إلى أن يعدل فعل الأمر الذي للمخاطبْ والمبني في تقدير الأمر بالفعل المضارع الذي تدخل عليه اللام. وليس يدفع أن فعل الأمر قد يضطر

في عمل (إذن)

الشاعر إلى حذف اللام منه، وإذا كان هذا سائغاً، لم يمتنع أن نقدر اللام في (يبك من بكى). والبعوضة: مكان بعينه، قتل فيه أخوه مالك بن نويرةْ وجماعة من بني يربوع. يقول لها: على مثل هؤلاء القوم فاخدشي وجهك، وليبك من كان باكياً على مثلهم. ولو عاش حقبة يرونه ودهراً طويلاً، وليس يراد به سنة واحدة، والحقبة: السنةْ وجمعها حِقب واستعمل لفظ الواحد لمعنى الجمع. يقول: كل امرئ يجري إلى غاية ينتهي - مدةَ حياته - إليها، ثم يموت. في عمل (إذن) قال سيبويه في باب (إذاً): (ومن ذلك قولك: إن تأتني إذاً آتك، لأن الفعل معتمد على ما قبل (إذاً). يريد أنّ (إذن) إذا كانت في أول الكلام نصبت الفعل، وإن دخلت في حشو الكلام - والفعل الذي بعدها معلق بما قبله - ألغيت، كهذه المسألة التي ذكر، لأن الشرط إذا أتى فهو محتاج إلى جواب، وجوابه فعل مجزوم أو جملة في أولها الفاء فإذا أدخل (إذاً) على المجزومْ وهو جواب الشرط، لم يَجُز أن تعمل فيه، لأنه معلق بالشرط الذي قبله. ومثله: أن تدخل (إذاً) بين الابتداءْ وخبره، فلا تعمل شيئاً. وقد ذكره سيبويه ثم قال: (وليس هذا كقول ابن عَنَمة:

العطف بالظاهر على المضمر المرفوع

(أُرْدُدْ حمارَكَ لا تُنْزَعْ سَوِيّتهُ ... إذن يُردَ وقَيْدُ العَيْرِ مكروبُ) الشاهد على نصب (يرد) بـ (إذن) وليس الفعل الذي بعد (إذاً) معتمداً على ما قبلها، لأن الكلام الأول قد تمْ واستأنف الكلام بـ (إذاً). وقوله: (أُرْدُدْ حمارَكَ) مَثَل، أي لا تتعرض لنا. والسوية: كساء يحشىْ ويطرح على ظهر الحمار. يقول: إن لم تردده لا تؤخذ منه السوية التي على ظهره. وقوله: لا تُنْزَعْ سَوِيّتهُ، جواب الأمر، كأنه قال: إن تردده لا تُنزع سويته. وقوله (إذن يُردَ) استئناف، كأنه لما قال له: اردد حمارَكَ. قال: لا أفعل. فقال له مجيباً عن كلامه: إذن يرد. والمكروب: الموثق بالكَرَبْ وهو عَقد الحبل بعد عقده، وأراد أنه كان يقطع قوائمه بالسيف فيسقط فلا يتحرك. ويروى: (لا يرتع بروضتنا) أي لا يأكل منها. العطف بالظاهر على المضمر المرفوع قال سيبويه في باب الضمير، وأنه لا يُعطف على الضمير

المرفوع المتصل حتى يؤكد: (وقد جاء في الشعر. قال عمر بن أبي ربيعة: (قلتُ إذْ أقبلتْ وزُهْرُ تهادى ... كنِعاجِ المَلا تعسَّفْنَ رَمْلا) قد تَنَقبْنَ بالحريرْ وأبْدَيْنَ ... عيوناً حورَ المدامعِ نُجلا الشاهد فيه أنه عطف على الضمير في (أقبلتْ) من غير أن يؤكده. والزُهْرُ: جمع زهراءْ وهي البيضاء. وتهادى: تميل في مشيها يميناً وشمالاً، والنِعاج: نِعاج الوحش، والمَلا: الصحراء، وتعسفن رَمْلا: يريد أن هؤلاء النسوة يمشين كمشي نِعاج الوحش إذا وقعت في الرمل، فهن ينقلن قوائمهن نقلاً بطيئاً، وتتحرك أحشاؤهن لتكلفهن نقل قوائمهن. شبه مشي النساء بمشي بقر الوحش التي قد وقعت في رمل متعقد يتعب من مشى فيه. ويروى: قلتُ إذْ أقبلتْ تَهادى رويداً ولا شاهد فيه على هذه الرواية. ويروى: (كنِعاج المهاّ) والمها: بقر الوحش. وأراد: قد تنقبن من حرير. وحورَ المدامع يريد أنهن كحل العيون، بيض الخدود. والنجل: الواسعةْ وهو جمع نجلاء. يقال عين نجلاء أي واسعة.

نصب (غير) على الاستثناء المنقطع

نصب (غير) على الاستثناء المنقطع قال سيبويه قال الفرزدق: فإنْ أكُ محبوساً بغيرِ جَريرةٍ ... فقد أخذوني آمِناً غيرَ خائفِ (وما سجنوني غيرَ أني ابنُ غالبٍ ... وأني من الأثرَين غيرِ الزعانفِ) الشاهد فيه على أنه نصب (غير) على الاستثناء المنقطع. والذي حبسهْ وسجنه خالد بن عبد الله القسري، وكان من قسِل هشام على العراق. وقوله: فقد أخذوني آمِناً: يريد أنه لم يذنب فيَحذر، وأنه أُخذْ وهو آمن من السلطان، ولم يكن عنده أنه يطلب. والأثرَوْن: جمع الأثرَىْ وهو الأغنى، يريد أنه أغنى من غيره. وأراد بالأثرَين الأغنياء من المكارمْ والحسبْ والرفعةْ والشرف. والزعانف: رُذال القومْ والملصَقون بهم. العطف بالجر على الكلام الأول كأن اللام مذكورة فيه قال سيبويه في الجواب بالفاء. قال الفرزدق: فقلتُ لها الحاجاتُ يَطْرَحْنَ بالفتى ... وهَمُّ تعنّاني مُعَنّى ركائِبُهْ (وما زرتُ سلمى أنْ تكونَ حبيبة ... إليّ ولا دَيْنٍ بها أنا طالبُهْ)

ولكِنْ أتينا خِنْدِفِيّا كأنّه ... هلالُ غيومٍ زال عنه سَحائِبُهْ الشاهد فيه أنه جر (دَيْن) على أنه توهم أن اللام مذكورة في قوله: (أنْ تكونَ حبيبةّ) ومعناه: لأن تكونَ حبيبة، فلما كان المعنى معني اللام، عطف على الكلام الأول كأن اللام مذكورة. وسلمى أحد جبلَيْ طيّئ. وسبب هذا الشعر أن الفرزدق نزل بامرأة من العرب من طيئ، فقالت له: ألا أدلك على رجل يعطيْ ولا يُليق شيئاً. فقال: بلى. فدلته على المطلب بن عبد الله بن حَنظب المخزومي. وكان مروان بن الحكم خاله، وبعث به مروان على صدقات طيئ، ومروان عامل معاوية يومئذ على المدينة. فلما أتى الفرزدق المطلبَْ وانتسب له، رحب بهْ وأكرمه، وأعطاه عشرين أو ثلاثين بَكرة، فأعطى الطائية بكرة. وقال هذه القصيدة.

رفع جواب الأمر بدل جزمه

والمُعَنى: المتعب، والركائب: جمع رِكابْ وهي الإبل التي يركبونهاْ ويسار عليها. رفع جواب الأمر بَدل جزمه قال سيبويه قال صفوان بن محرث الكناني: بني أسدٍ أغنُوا سُليماً لديكُمُ ... ستغني تميمُ عنكمُ غَطفانا (وكونوا كمن آسَى أخاه بنفسه ... نموتُ جميعاً أو نعيشُ كِلانا) كذا أنشد سيبويه. والشاهد فيه أنه رفع (نعيشّ) ولم يجعله جواباً لفعل الأمرْ وهو (كونوا). والذي رأيته في شعره: (فنحيا جميعاً أو نموتُ كِلانا) ولا شاهد فيه على هذا الإنشاد. وسبب هذا الشعر أن البرّاض الكِناني قتل عروة الجعفري، فهاجت الحرب بين قيسْ وخِنْدِف. وأسدْ وكنانة أخوان، ابنا خُزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.

إلغاء عمل (ما) لدخول (إن) عليها

يقول لهم: أغنوني اخوتكم. وأغنوا عنهم سُليماً، أي ادفعوا عنهم بني سليم فإن بني تميم ستدفع غطفان. رتب كل قبيلة من خِنْدِف بإزاء كل قبيلة من قيس. فجعل تميماً بازاء غطفانْ وبني أسد بازاء سليم، وكانت قريشْ وكنانة بازاء بني عامر بن صعصعة. وتميم هو تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر. يقول لبني أسد: أنتم اخوتنا، فكونوا مواسين لنا. نعيش جميعاً أي مجتمعين في الحياة، أو نموت كلانا. و (كلانا) توكيد للضمير في (نموت) وإنما استعمل قوله (كلانا) لأنه أراد حيَّيْ كنانةْ وأسد. إلغاء عمل (ما) لدخول (إنْ) عليها قال سيبويه في باب (إنْ) الخفيفة: (فتصرف الكلام إلى الابتداء، كما صرفتها ما إلى الابتداء. وذلك قولك: ما إنْ زيد ذاهب). يريد أنّ (إنْ) هذه الخفيفة إذا دخلت بعد (ما) التي للنفي، لم تعمل (ما) عمل ليس على مذهب أهل الحجاز، لأن (إنْ) كفتها عن العمل. وقوله: (كما صرفتها ما) يعني كما صرفت (ما) إنّ المشددة عن عملها في قولك: إنما زيد قائم. و (ما) صرفت إنّ المشددة عن العمل في (إنما)، و (إنْ) المخففة صرفت (ما) عن العمل. قال فروة بن مُسيك: فإنْ نُهزَمْ فهزّامون قِدماً ... وإنْ نُغْلبْ فغيرُ مُغلبينا

حذف الفاء من جواب الشرط

(فما إنْ طِبّنا جُبنُ ولكنْ ... مناياناْ ودولةُ آخَرينا) الشاهد فيه أنه ألغى عمل (ما) لما دخلت (إنْ) عليها. ويقال: ما طِب فلان كذاْ وكذا، أي ليس هو من شأنه. ويقول الرجل للرجل يعامله: ما طِبي أن أخدعك، يريد ليس من شأني أن أخدعك. يقول: ليس الجبن من شأننا. وقوله: (فإنْ نُهزَمْ فهزّامون قِدماً) يقول: إن انهزمنا في هذه الوقعة فقد هَزمنا الناسَ قبلها مراراً كثيرة. والمُغلب: الذي يُغلب كثيراً. يقول: نحن غير مغلبين. يقول: ليست العادة أن يغلبنا الناس، بل العادة أن نغلبهم، ولكن هذه الوقعة هُزمنا فيها لأنه كانت منايانا قد حضرت، وقُدرت الدولة لغيرنا، فلم يمكنا دفعهم. و (منايانا) مرفوع بإضمار فعل، معناه: ْ ولكن قدرت مناياناْ ودولة قوم آخرين. حذف الفاء من جواب الشرط قال سيبويه في باب الجزاء، قال كعب بن مالك الأنصاري: فإنما هذه الدنياْ وزينتُها ... كالزادِ لابد يوماً أنه فانِ

الرفع على البدل في اللغة التميمية

(من يفعل الحسناتِ اللهُ يشكرُها ... والشرُّ بالشرِ عند الله مِثْلانِ) الشاهد فيه أنه حذف الفاء من جواب الشرط. وكان ينبغي أن يقول: فالله يشكرها. والمعنى أنه مَن فعل خيراً شكره الله عزْ وجلْ وضاعفه، ومَن فعل سوءاً فعل به مثله. ويروى: من يفعلِ الخيرَ فالرحمنُ يشكرُهُ ولا شاهد فيه على هذه الرواية. الرفع على البدل في اللغة التميمية قال سيبويه في الاستثناء، قال: غيلان بن حُريث: تهدَى لزُغْبٍ دارُهُنّ دارُها دَرادِقُ لمّا تطِرْ صغارُها لم يَغْذُها الرِسْلُ ولا أيسارُها (إلا طريُّ اللحمِْ واستجزارُها)

العطف بـ (أو)

الشاهد فيه أنه أبدل (طري اللحم) من (الرِسْل). والرِسْل: اللبن. وهو في تأويل: لم يغذها الطعام إلا طري اللحم. وصف عُقاباً وفراخها، والزغب: فراخ العقابْ وغيرها من الطير. دارهن دارها: لأنهن في وكرها يكن، والدَرادِقُ: الصغار، لما تطر، يقول: لم تقو على الطيران، لم يغذها اللبن لأن العقاب لا لبن لها، ولا أيسارها: يريد أنها لم تأخذ من اللحم الذي يتقامر عليه الأيسار، إنما لحمها مما تصيد من الصحراء، وطري اللحم: يعني به ما تصيده عند حاجتها إلى اللحم، واستجزارُها: أخذها الصيدْ وتقطيعها لحمه. ومثله: (فتركته جَزَرَ السباع) يريد أن السباع تقطّع لحمها. العطف بـ (أو) قال سيبويه: (وتقول: ما أدري هل تأتينا أو تحدثنا، وليت شعري هل تأتينا أو تحدثنا، فـ (هل) هاهنا بمنزلتها في الاستفهام إذا قلت هل تأتينا أو تحدثنا). وإنما يريد أن (أو) يُعطف بها في هذه المواضع، لأنه قد يجوز الاقتصار على الكلام الأول لو قلت: ليتَ شعري هل تأتينا، جاز. وقول سيبويه (فهل هاهنا بمنزلتها في الاستفهام) يريد أنك إذا استفهمت فقلت: هل تأتيني أو تحدثني، عطفت بـ (أو)، وأم لا تكون

عاطفة لما بعدها - من اسم أو فعل - على ما قبلها، وإنما تكون (أم) عاطفة على ما بعد الألف، ولا يكون هذا في (هل). ثم قال سيبويه: (فإنما دخلت (هل) هاهنا، لأنك إنما تقول: أعلمني، كما أردت ذلك حين قلت: هل تأتينا أو تحدثنا). يريد: إنما تأتي بقولك (ليت شعري) وبعده (هل تأتينا) لأنك تريد: ليت علمي بالشيء الذي أستفهم عنه - إذا أردتُ استعلامه بقولي: هل تأتينا أو تحدثنا - واقعُ أو كائنْ وما أشبه ذلك. وهذا كثير في الكلام. ومثله: أعلمُ هل قام زيد، أي أعلم الشيء الذي تعلمه إذا استعلمت بقولك: هل قام زيد. ثم قال سيبويه: (فجرى هذا مجرى قوله عزْ وجل (هل يسمعونكم إذ تدعون، أو ينفعونكم أو يضرون). وقال زهير: (ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى ... من الأَمرِ أو يبدو لهم ما بدا ليا)

يبدو: يظهر. يقول: ليت شعري، هل يرى الناس - من أحوال الدنياْ وتغيرها، وزوال النعم عن الملوك - ما أراه أنا. وأرى: من رؤية القلب. وقوله: ما أرى من الأمر (ما) بمعنى الذي، والعائد إليه ضمير محذوف هو المفعول الأول، تقديره: ما أراه من الأمر. يريد من أمور الدنياْ وأحوالها. والمفعول الثاني في قوله: (هل يرى الناس) محذوف، كأنه قال: هل يرى الناس من الأمور ما أراه منها؟ فاكتفى بالمفعول الثاني في قوله: (ما أرى من الأَمر) عن ذكر المفعول الثاني في الفعل الأول. أو يبدو لهم ما بدا ليا: أي يظهر لهم من معرفة الدنيا ما يظهر لي. وقال مالك بن الريب: (ألا ليت شِعري هل تغيرتِ الرَّحَى ... رَحَى الحَزْنِ أو أضْحَتْ بْفَلجٍ كما هيا) الحَزْن: موضع. ويروى: رَحَى المِثْل. والرَّحَى: موضع عال فيه استدارة، وفَلج: موضع بعينه، والحَزْن: موضع بعينه. والحزن: المكان الغليظ، فأراد الحزن الذي عند فَلج، فلذلك قال: أو أضْحَتْ بْفَلج. وفي (أضْحَتْ) ضمير يعود إلى الرحى.

النصب بعد فاء السببية

النصب بعد فاء السببية قال سيبويه: (وسألته عن قول ابن زهير: (ومن لا يُقدِّمْ رِجْله مطمئنةً ... فيثبتها في مستوَى الأرضِ يَزْلقِ) أكفُّ لساني عن صديقي فإن أُجأْ ... إليه فإني عارقُ كلَّ مَعرَقِ فقال - يعني الخليل -: (النصب في هذا جيد). يريد نصب (يثبتها) على الجواب بالفاء، ويكون معناه: من لا يقدم رجله مثبتاً لها. وقول سيبويه: (لأنه أراد من المعنى ما أراد في قوله: لا تأتينا إلا لم تحدثنا. أي من لا يقدم إلا لم يثبتْ، زلق). معناه: ما تأتينا إلا غير محدث. وقوله: إلا غير محدث مثل معنى: ما تأتينا محدثاً. يريد: من لا يضع رجله إذا مشى في موضع يتأمله قبل أن يضعها يزلق. وهذا على طريق المَثَل. يريد: من لم يتأمل ما يريد أن يفعله قبل أن يفعله، لم يأمن أن يقع في أمر يكون فيه عَطبُه، ومعنى أُجاء: ألجأ، يقال: أجأته إلى كذاْ وكذا أي ألجأته. والعارق: الذي يأخذ اللحم عن العظم بفمه. يقول: أنا أكف لساني

حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه

عن ذكر صديقي بالقبيحْ وهجوه، فإن اضطررت إليه - لشيءٍ فعله بي من القبيح - لم أُبق عليه، وتناهيت في انتقامي منه. حذف الموصوفْ وإقامة الصفة مقامه قال سيبويه في الاستثناء، قال ابن مقبل: (وما الدهرُ إلا تارتان فمنهما: ... أموتُ، وأخرى أبتغي العيشَ أكدَحُ) الشاهد فيه أنه حذف الموصوفْ وأقام الصفة مقامه. والمعنى: فمنهما تارة أموت فيها، وتارة أخرى أبتغي فيها المعاش. وتارتان: مرتان. يريد أن الانسان بين حالتين كلتاهما فيها له أذىْ وعليه مشقة: إما أن يكون جلداً قوياً شاباً فهو يكدحْ ويكد في طلب المعاش، وإما أن يكون شيخاً فانياً لا يمكنه التصرف فهو بمنزلة الميت. و (الدهرُ) مبتدأْ و (تارتان) خبرهْ و (أموت) في موضع رفع لأنه قام صفة مبتدأ. وتقديره: فمنهما تارةُ أموت فيها. و (منهما) خبر المبتدأ. في فتح همزة (أنّ) قال سيبويه في أبواب (إنّ): (وزعم الخليل أن مثل ذلك قوله عزْ وجل: (ألم يعلموا أنه من يحادد اللهَ ورسوله فإنَّ له نار جهنم).

قدم سيبويه قبل هذه الحكاية عن الخليل، أنّ (أنّ) قد تكون بدلاً في قوله تعالى: (أيَعِدُكم إذا مِتّمْ وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون). ذكر أن (أنكم) الثاني بدل من (أنكم) الأول، وذكر مسائل فيها مثل هذا الحكم. ثم قال: وزعم أن مثل ذلك - يريد: مثل مجيء (أنّ) المفتوحة المشددة بعد تقدم (أنّ) المشددة التي هي مثلها - قوله تعالى: (ألم يعلموا أنه من يحادد اللهَ ورسوله فأنّ له نار جهنم). وليس يريد أن قوله تعالى: (فإنّ له نار جهنم) بدل من قوله (إنه من يحادد اللهَ) وإنما يريد أنّ (أنّ) جاءت مفتوحة بعد (أنّ) المفتوحة التي تقدمتها من قبل أن يتم الكلام الذي فيه (أنّ) الأولى. ولا يجوز أن تكون (أنّ) في هذه الآية بدلاً، لأن الفاء فيها، ولا تكون (أنّ) التي بعد الفاء بدلاً من (أنّ) التي قبلها، لأنها لو كانت بدلاً، ما دخلت الفاء عليها. ومع هذا (أنّ) التي تكون بدلاً، يكون اسمها هو اسم (أنّ) التي قبلها، وهنا: (فإنّ له نار جهنم) ليس من هذا في شيء. وإنما أتى به سيبويه لأجل أنّ (أنّ) مفتوحة بعد فتح (أنّ) الأولى من قبل أن يتم الكلام الذي فيه (أنّ) الأولى. و (أنّ) التي بعد الفاء، في موضع رفع بالابتداءْ وخبرها محذوفْ وتقديره: فله أنّ له نار جهنم.

ثم قال سيبويه: (ولو قال (فإنّ) كانت عربية جيدة). يريدْ ولو قال: فإنّ له نار جهنم، بالكسر. وجودة هذا الوجه واضحة، لأن الفاءْ ومل بعدها جواب الشرط، وهو في حكم كلام مستأنف، والفاء في جواب الشرط تدخل على المبتدأْ وخبره، كقولك: إن تأتني فأنت محسن، و (إنّ) المكسورة تدخل في الموضع الذي يدخل فيه الابتداء. وأنشد لابن مقبل: وعِلمي بأَسدامِ المياهِ فلم تَزَلْ ... قلائصُ تُحدَى في طريقٍ طلائحُ (وأني إذا ملتْ رِكابي مُناخَها ... فإني على حظي من الأمرِ جامحُ) الشاهد فيه كسر (إنّ) التي بعد الفاء. واسدام المياه: جمع سُدُمْ وهو الماء المندفن، والطلائح: المُعيية، الواحدة طليح. و (عِلمي) معطوف على شيء قبله، ويجوز أن يكون مبتدأْ وخبره محذوف كأنه قال: وعِلمي بأسدام المياه علم بيِّن لا لبس فيه.

يريد أنه يعرف الفلوات، ومجاهيل الأرض، والمياه المندفنة، لكثرة أسفاره. وقوله: فلم تَزَلْ قلائصُ، يريد قلائصه التي يسير عليها، تحدى: يحدوها هو. و (أني إذا ملت رِكابي) معطوف على ما عملت فيه الباء من قوله (بأسدام المياه) كأنه قال: علمي بأسدام المياهْ وبأني إذا ملت ركابي. والركاب: الإبل، ومُناخها: الموضع الذي أنيخت فيه. يريد أن إبله إذا كرهت المقام في موضع رحلت عنه، وجعل كراهته للمقام في موضع، كأنه كراهة لإبله. يريد أنه يفعل ما عنده أنه صواب. والجامح: الممتنع يريد أنه يمتنع من فعل ما لا يرى أنه صواب. وقد فسرتُ الشعر على ما وجدته في الكتاب. وفي ديوان ابن مقبل: نبا ما نبا عني من الدهر ماجِداً ... أُكارمُ مَن آخيتهْ واُسامحُ وإني إذا ملت ركابي مُناخَها ... ركبتُ ولم تعجِزُ عليّ المنادحُ وإني إذا ضنّ الرَّفودُ برِفده ... لمُخْتبِطُ من تالد المال جازحُ وعاودتُ أسدامَ المياهِ فلم تزَلْ ... قلائصُ تحتي في طريقٍ طلائحُ

رفع الفعل في جواب (إذا)

نبا ما نبا عني من الدهر: يريد أنه ذهب عنه من الدهر ما ذهبْ وهو ماجدْ والمنادحُ: جمع مُنْتدحْ وهو المتسع من الأرض، والرَّفودُ: الذي يعطي الناسْ ويزيدهم، والمُخْتبِطُ: الطالبْ والسائل، وأصله الرجل الذي يخبط الشجر، يضربها ليسقط ورقها فيُعلفه إبله. وتالد المال: قديمه، والجازحُ: القاطع قطعة من المال، يقال: جزحت له من المال جَزحاً أي قطعت، وعاودتُ أسدامَ المياهِ: قصدتها في سفري مرة بعد مرة. واعلمْ أن خلاف الإنشاد إذا وقع في مثل ذا الموقع، لا ينبغي أن ينسبه أحد إلى اضطراب سيبويه، وإنما الرواية تختلف في الإنشاد، ويسمعه سيبويه ينشد على بعض الروايات التي له فيها حجة، فينشده على ما سمعه. ويرويه راوٍ آخر على وجه آخر لا حجة فيه، والرواة المختلفون إنما أخذوه من أفواه العرب الذين يحفظون الأشعار فالتغيير في الإنشاد واقع من جهتهم. والشواهد - في كل رواية صحيحة، لأن العربي الذي غيّر الشعر - وأنشده على وجه دون وجه قوله حجة، ولو كان الشعر له لكان يحتج به. ألا ترى أن الحطيئة راوية زهير، وكثيراً راوية جميل. . . والراويْ والمروي عنه كلاهما حجة. رفع الفعل في جواب (إذا) قال سيبويه في الجزاء. قال كعب بن زهير: (وإذا ما أشاءُ أبعث منها ... مَغربَ الشمسِ ناشطاً مذعوراً)

ذا وشُومٍ كأنَّ جلدَ شَواهُ ... في ديابيجَ أو كسينَ نُمورا الشاهد فيه أنه لم يجزم الفعل بـ (إذا ما) وجعل الفعل بعدها مرفوعاً وهذا هو الوجه. والضمير في (منها) يعود إلى ناقته، والناشط: الثور الوحشي الذي يجيء من بلد إلى بلد. وأراد أنه إذا بعث ناقته للسير، فكأنه بعث ببعثه إياها ثوراً وحشياً قد خرج من أرض إلى أرض لشيء خافه، فهو يعدو أشد العدو. وقوله: مغرب الشمس، يريد أنه يبعث منها في ذلك الوقت. والوشوم: الخطوط التي في قوائم الثور، والشوى: أطرافه، يداهْ ورجلاه. والديابيج: جمع ديباج. شبّه جلد قوائمه بالديباج للخطوط التي فيها، أو كسين نموراً: أي جلد نمور. يعني أن جلد قوائمه يشبه ألوان النمور للنقط التي فيها من السواد. وقال ذو الرمة: (تُصغي إذا شَدَها بالرَّحْلِ جانحةً ... حتى إذا ما استوى في غَرْزها تَثِبُ)

الشاهد فيه أنه لم يجزم الفعل في جواب (إذا) وهو الوجه الجيد. والجزم بـ (إذا) يجوز في ضرورة الشعر. وفي (تصغي) ضمير يعود إلى الراحلة. وتصغي: تُميل رأسها كأنها تستمع. يريد أنها مؤدبة ليست بنفور، ولا تضجر إذا شُدّ الرحل عليها. والكور: الرحلْ والجمع أكوار، والغَرز للناقة بمنزلة الركاب للدابة، والجانحة: المائلة. يعني أنها قد مالت إلى ناحية الراكب. وأراد أن راكبها إذا وضع رجله اليسرى في الغرز، وثبتْ من قبل أن يستوي على ظهرها. عنى بذلك أنها نشيطة حديدة الفؤاد. وقد عيب عليه هذا المعنى. وزعموا أن أعرابياً سمعه ينشد القصيدة، فلما انتهى إلى قوله. (حتى إذا ما استوى في غرزها تثب) قال: سقطْ والله الرجل، وحكَوا أن أبا عمرو بن العلاء قال له: أتُنشدني: ما بالُ عَينيْكَ منها الماء ينسكبُ. . . فأنشده حتى انتهى إلى قوله: (حتى إذا ما استوى في غرزها تثب) فقال أبو عمرو: ما قال عمك الراعي الحسن: وَهْيَ إذا قام في غَرْزها ... كمِثل السفينة أو أوقرُ

رفع جواب الشرط على تقدير التقديم

ولا تُعْجِلِ المرَء قبل الركوبِ ... وَهْيَ بِرِكْبَتِهِ أبصَرُ رفع جواب الشرط على تقدير التقديم قال سيبويه: (ولا يحسن (إنْ تأتِني آتيك) من قبل أنّ (إنْ) هي العاملة). يريد أنك إذا جئت في الشرط بفعل مجزوم، لم يحسن أن تأتي في الجواب بفعل مرفوعْ وتقدره مقدماً على الشرط، كما يُفعل ذلك إذا كان الشرط بفعل ماض. ثم قال: (وقد جاء في الشعر) يعني أنه قد أتى الفعل مرفوعاً بعد الفعل المجزوم في الشرط، ويقدَر فيه التقديم على (إنْ) (قال جرير بن عبد الله البَجَلي). (يا أقرعَ بنَ حابسٍ يا أقرعُ ... إنّك إنْ يُصْرَعْ أخوك تُصْرَعُ) وجدت هذا الشعر في الكتاب منسوباً إلى جرير بن عبد الله البَجَلي، والشعر لغيره من بَجيلة. وقال أبو الخُثارم البجلي في منافرة بَجليةْ وكلب، وتحاكموا إلى الأقرع بن حابس، فقالت بَجلية: نحن اخوة نزارْ ولهم الأحاديث. فقال في ذلك أبو الخُثارم: يا أقرعَ بنَ حابسٍ يا أقرعُ ... إني أخوك فانظرَنْ ما تصنعُ

الإبدال في الاستثناء المنقطع - عند تميم

إنك إنْ تَصْرَعْ أخاك تُصرعوا ... إني أنا الداعي نزاراً فاسمعوا وجعل (تُصرعوا) للجماعة. يريد الأقرعْ وقومه. ولا شاهد فيه على هذا الوجه. ويروى هذا الرجز مجروراً، فمن رواه مجروراً أنشد: يا أقرعَ بنَ حابسٍ يا أقرعُ ... إني أنا الداعي نزاراً فاسمعِ في باذخٍ من عِزّةٍْ ومَفْزَعِ ... وقائمِاً ثُمَّتَ قلْ في المَجمعِ للمرء أرطاةٍ أنا ابنُ الأقرعِ ... ها إنّ ذا يومُ عُلاْ ومَجْمعِ ومنظرٍ لمن رأىْ ومسمعِ الإبدال في الاستثناء المنقطع - عند تميم قال سيبويه في الاستثناء، قال ضِرار بن الأزور: فلو سألتْ عنا جَنوبُ لخُبّرتْ ... عشيَّةَ سالتْ عَقْرَباءُ من الدَمِ (عشيَّة لا تُغني الرماحُ مكانَها ... ولا النَّبْلُ إلا المَشرَ فيُّ المصمِّمُ)

زيادة (لا)

عَقْرَباءُ: موضع بعينه، وجَنوبُ: اسم امرأة. وأراد أنهم اقتتلوا بعَقْرَباءُ حتى سالت الدماء فيها. وقوله: لا تُغني الرماحُ مكانَها، لا تنفع في الموضع الذي هي فيه، أي رماحهم التي كانت معهم لم يقاتلوا بها لمّا تضايقوا، والنبل أسوأ حالاً من الرماح، وإنما يُنتفع بالنبل إذا تباعد ما بينهم مقدار الموضع الذي يقطعه السهم إذا رُمي به، وإذا تقاربوا شيئاً أخذوا الرماح، فإذا ضاق بهم المكان أخذوا السيوف. ومثله قول زهير: يطعَنُهُمْ ما ارتمَوْا حتى إذا اطَّعنوا ... ضاربَ حتى إذا ما ضاربوا اْعتَنَقا المشرفي: سيوف منسوبة إلى المشارف، وهي قرى تُعمل فيها السيوف، والمصمم: الذي يمضي في العظام. زيادة (لا) قال سيبويه في النفي: (وأما قول جرير: (ما بالُ جهلِكَ بعدَ الحِلْمِْ والدينِ ... وقد عَلاكَ مَشيبُ حينَ لا حِينِ) فإنما هي (حينَ حينِ) و (لا) بمنزلة (ما) إذا ألغيت).

جزم جواب (إذا) - ضرورة

جعل سيبويه (لا) زائدة في هذا الموضع. والمعنى أنه علاك مشيب حينَ حينِ نزول المشيب، يعني أنه لم يعجل في غير وقته. ومعناه واضح. جزم جواب (إذا) - ضرورة قال سيبويه في الجزاء: (قال بعض السلويين): (إذا لم تَزَلْ في كلِّ دارٍ عرفتها ... لها واكفُ من دمعِ عينيْكَ يَسْجُمِ) وفي بعض النسخ (تسكب)، كذا رأيته في الكتاب منسوباً إلى بعض السلويين: والشاهد فيه أنه جازى بـ (إذا) وجعل الفعل الذي هو جواب (إذا) مجزوماً. والشعر لجرير. قال جرير: أرى طائراً أشفقتُ من نَعَبانِهِ ... فإن فارقوا غَدْواً فما شئتَ فانْعَبِ إذا لم تزَلْ في كلِ دارٍ عرفتَها ... لها ذارفُ من دمع عينَيْكَ تَذْهَبِ النَّعبْ والنَّعَبان: صوت الطائر. وقوله: أشفقتُ من نَعَبانِه أي من صوته، لأنهم يتشاءمون بصوت الغراب، ويتشاءمون ببعض الطير

حذف (لا) من جواب القسم وهو يريدها

سوى الغربان. يقول له: أخِّر نعبانك إلى أن يرحلوا، فإذا فارقونا فانعب كيف شئت. ثم قال لنفسه: إذا لم تزل في كل دار. وفي (تزل) ضمير، هو الاسم، و (عرفتَها) وصف للدار. يريد عرفتها أنها نزلتها وحلتها. وذارفُ: سائلْ وهو مبتدأ، و (من دمع عينَيْكَ) وصف لـ (ذارفُ) و (لها) خبر (ذارفُ)، والجملة في موضع خبر (لم تزلّ) و (تذهب) جواب، وفاعله يحتمل أن يكون ضمير المخاطب. يريد أنه إذا أدام البكاء في كل دار عهد فيها أحبته؛ ذهبْ وتلف من حزنه عليهمْ وتذكره إياهم، ويحتمل أن يكون ضمير العينين، وأفرد الضميرْ ولم يقل: تذهبا، لأن العبارة بعين واحدة تراد به العينان في كثير من المواضع. حذف (لا) من جواب القسمْ وهو يريدها قال سيبويه في باب الأفعال، في القسم: (وقد يجوز لكْ وهو من كلام العرب أن تحذف (لا) وأنت تريد معناها، وذلك قولك: والله أفعل ذاك أبداً. تريدْ والله لا أفعل) ذاك. قال لقيط بن زُرارة:

العطف على فعل الشرط

ألا مَن رأى العبدَيْن إذْ ذُكرا له ... عديُّ وتيمُ تبتغي من تُحالفُ (فحالفُ فلاْ والله تهبطُ تَلعةً ... من الأرض إلا أنت للذل عارفُ) الشاهد فيه أنه حذف (لا) من جواب اليمينْ وهو يريدها، لأن حكمها باقٍ في الكلام. يريد: فلاْ والله لا تهبطُ تَلعة. وعديُّ وتيمُ ابنا عبد مناة بن أُدّ، وجعلهما بمنزلة العبدين لابتغائهما من يحالفهما. و (عديُّ وتيمُ) مرفوعان على خبر ابتداء، كأنه قال: هما عديْ وتيم. وأفرد (تبتغي) لأنه رجع إلى جملة القبيلة، تبتغي من يعاهدهاْ ويناصرها، ويعينها إن قصدها قوم. والجملة التي بعد (إلا) في موضع الحال. وقوله (فحالف) يريد الحي. فلذلك ذكرو أفرد. العطف على فعل الشرط قال سيبويه في الجواب، قال جحدر بن معاوية العُكْليّْ ويقال هو للخَطيم من الملاص: ولا تمْشِ في الحربِ الضَّراَء ولا تُطِعْ ... ذوي الضَّعفِ عند المأْزِقِ المتحفلِ

وجوب نصب المستثنى المقدم

(ولا تَشْتمِ المولىْ وتبلغْ أذاتَه ... فإنك إنْ تفعلْ تسفهْْ وتَجْهلِ) الشاهد فيه أنه عطف (وتبلغْ) على (تَشْتمّْ) ولم يجعله جواباً. والمولى: ابن العم، والمولى: الحليف. وجوب نصب المستثنى المقدم قال سيبويه في الاستثناء، قال الكميت: (فما ليَ إلا آلَ أحمدَ شِيعةُ ... وما ليَ إلا مَشْعَبَ الحَقِّ مَشْعَبُ) الشاهد فيه أنه نصب (آل أحمد) لمّا قدمه، ولو أخره لكان الوجهُ فيه البدل، وكان يقول: وما ليَ شِيعةُ إلا آلُ أحمد، فجعل (آلُ أحمد) بدلاً من (شِيعةُ) وكان يجوز فيه النصب على الاستثناء، فإذا تقدم لم يكن فيه إلا النصب، لأنه لا يجوز بدل الأول من الثاني، والمتقدم من المتأخر. ومَشْعَبَ الحَقِّ هاهنا بمنزلة شعب الحق. يريد الموضع الذي استقر فيه الحق. وذكر الشعب على طريق المثل.

(لا جرم) معناها وعملها

(لا جرم) معناهاْ وعملها قال سيبويه: (وأما قوله جلْ وعز: (لا جرم أن لهم النار) فإن (جرم) عملت لأنها فعل، ومعناها: لقد حق أن لهم النار، ولقد استحق أن لهم النار). ثم قال: (فـ (جرم) قد عملت في (أن) عملها في قول الفزاري). كذا في الكتاب. والشعر لرجل من بني فزارة، والمطعون رجل من فزارة، وزعموا أن حِصن بن حذيفة الفزاري خرج لبعض شؤونه فلما كان بالحاجز، لقيه عداة من بني عامر بن صعصعة، فاقتتلوا، فهُزمت بنو عامر، وشد كرز العقيلي على حصنْ وهو لا يعرفه، فطعنه فقتله، فتتبعت بنو فزارة بني عامر، فقتلوهم قتلاً ذريعاً. فقال كرز لبني عامر: إني قد طعنت رجلاً منهم مُعْلِماً بسِبٍّ أصفر، فلما دنوت منه وجدت رائحة الطيب، وأرجو أن يكون من عظمائهم. فقال أبو أسماء بن الضريبة أو عطية بن عفيف: يا كُرزُ إنك قد فتكتَ بفارسٍ ... بطلٍ إذا هابَ الكماةُ مجرَّبِ (ولقد طعنْتَ أبا عُيينةَ طعنةً ... جَرَمَتْ فزارةَ بعدها أنْ يغضبوا)

الجزم بـ (إذا) اضطرارا

وفي ظاهر الأمر أنه قد أقوى. ولو روي (بطل) على الرفع لجاز. وأبو عيينة هو حصن. الجزم بـ (إذا) اضطراراً قال سيبويه: (وقد جازوا بـ (إذا) مضطرين في الشعر، شبهوها بـ (إنْ) حيث رأوها لما يستقبل، وأنه لابد لها من جواب. قال ابن الخَطيم). (إذا قَصُرتْ أسيافنا كان وَصْلها ... خُطانا إلى أعدائنا فنضاربِ) وأضربُهم يوم الحَديقة حاسراً ... كأنّ يدي بالسيف مِخراقُ لاعبِ الشاهد فيه أنه جزم (نضاربّ) وعطفه على (كان) وكان، هي جواب (إذا) والماضي يستعمل في الجزاء في موضع المستقبل، فكأنّ التقدير أن (كان) في موضع (يكن) المجزومة، فلذلك عطف عليها فعلاً مجزوماً وهو (نضارب). والمعنى أن أسيافنا إذا لم تنل المضروبين، تقدمواْ وخطوا إلى من نقاتلهم حتى يضربوه.

الإبدال في الاستثناء المنقطع

الإبدال في الاستثناء المنقطع قال سيبويه في الاستثناء قال نزال بن غلاب، ويقال: جِران العَوْد: قد تدع المنزلَ يا لميسُ يعتسّ فيه السَّبُعُ الجَروسُ الذئبُ أو ذو لبدة هَموسُ بسابساً ليس به أنيسُ (إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ) الجَروس: الشديد الأكل. الشاهد فيه أنه رفع (اليعافير) وجعلها بدلاً من (أنيس). والهموس: الذي يطأ وطئاً خفياً، حتى لا يُسمع صوت وطئه، يعني الأسد. واللبدة: الشعر الذي على كتفهْ وأعلى ظهره.

في كسر همزة (إن)

في كسر همزة (إنّ) قال سيبويه قال الشَّمَرْدَلُ بن شُريك اليربوعيّ. (ألم تَرَ إنيْ وابن أسودَ ليلةً ... لنَسْري إلى نارَيْن يعلو سَناهما) إذا هَبطتْ أيدي الرِكابِ قرارةً ... بنا، مدّ عِلباوَيْهِ حتى يراهما الشاهد فيه أنه كسر (إني) لأن اللام في خبرها. ونسري: نسير بالليل، والسنا: ضوء النار، والقرارة: منخفض من الأرضْ والركاب: الإبل، والعِلباوان: عصبان في جانبي العنق. حتى يراهما: يعني النارين. يريد أن رفيقه الذي كان معه، وهو ابن أسود، كان إذا هبطا مكاناً - بعد ما رأيا النارين - يمد عنقه ليرى النار حتى يقصدها. وفي شمره: ألم تَرَ إنيْ وابن أسودَ ليلةً ... سَرَينا إلى نارَيْن. . . تجرد خبر عسى من (أنْ) قال سيبويه في باب من أبواب إنَّ، قال سماعة النعاميّ: إنا وجدنا العَجْرديَّ ابنَ قادر ... نَسيبَ العُمَيْريين شرَّ نسيبِ غَضوباً إذا لم يملأ الجارُ بطنَه ... وعند اهتضام الجار غيرُ غَضوبِ

(عسى الله يُغني عن بِلادِ ابن قادرٍ ... بمنهمرٍ جَوْنِ الرَّباب سَكوبِ) الشاهد فيه أنه أتى بالفعل بعد (عسى) وليست فيه (أن). يهجو سماعة بهذا الشعر رجلاً من بني نمير ثم أحد بني عجرد، وكان يقال له ابن قادر، وكان له نسب في بني عمرو بن جذيمة بن نصر، واهتضام الجار: أن يظلمْ ويُؤذى. يقول: هو يغضب على جاره إذا لم يطعمه، وإن ظلِم جارُه لم يغضب له. والمنهمر: المطر الكثير، والجَوْان الأسود، والرَّباب: جمع ربابةْ وهو سحاب دون سحاب، أي يسير تحت السحاب. والسكوب: الكثير الصب. يقول: عسى الله أن يمطر بلادنا فتخصب فنتحول عن جوار ابن قادر. قال سيبويه: (وأعلم أن من العرب من يقول (عسى يفعل) تشبيهاً بـ (كاد يفعل) فـ (يفعل) حينئذ في موضع الاسم المنصوب في قوله: عسى الغوير أبؤساً). (الغوير) اسم عسىْ و (أبؤساً) مفعوله، وهو مثل اسم كانْ وخبرها،

التصدر - من شروط عمل (إذن)

وإذا جاز أن يقع الاسم الذي هو غير (أنْ والفعل) في موضع مفعول (عسى) وأُجريت مُجرى (كان)، جاز أن يقع في موقع الاسم الفعلُ كما يجوز ذلك في (كان). قال هدبة بن الخشرم: فقلت له: هداك اللهُ مهلاً ... وخيرُ القولِ ذو العَيَج المُصيبُ (عسى الكربُ الذي أمسيتُ فيه ... يكون وراءه فرجُ قريبُ) الشاهد فيه أنه أتى بـ (يكون)، ولم يدخل عليها (أنْ). والعَيَج من القول: ما ينتفع به، وهو مأخوذ من قولهم: ما عِجت بكلامه أي ما انتفعت به، وكذا وجدته: العَيَج بفتح العينْ والياء. وكان هدبة قد هرب من أرض قومه لأن السلطان طلبه لأجل قتله ابن عمه زيادة بن زيد. التصدر - من شروط عمل (إذن) قال سيبويه في باب (إذن): (ولو قلت: والله إذن أفعل. تريد أن تخبر أنك فاعل لم يجز، كما لا يجوز: (والله أذهب إذن) إذا

أخبرت أنك فاعل، فقبح هذا يدلك على أن الكلام معتمد على اليمين). يريد أن القسم إذا جاء في أول الكلام، وجب أن يكون الفعل الذي يأتي بعده جوابه، وتكون (إذن) ملغاة فالفعل الواقع بعد (إذن) جواب، ولا يخلو من أن يكون إيجاباً أو نفياً، والفعل في جواب القسم إذا كان إيجاباً، تدخل عليه النون الثقيلة أو الخفيفة، ويدخل في أوله اللام. فلو كان الفعل في هذه المسألة جواباً لليمين - وأنت تريد إثبات الفعل - لوجب أن تقول: (والله إذن لأفعلنّ) ولا يجوز في جواب القسم أن تقول: (والله أذهبُ) فكذا لا يجوز (والله إذن أفعلُ) وإن أردت أن يكون الجواب منفياً، صلح الكلام فقلت: (والله إذن لا أفعلُ). وتحذف (لا) وأنت تريدها فتقول: (والله إذن أفعلُ). قال كثير: حلفْتُ برب الراقصاتِ إلى مِنى ... يغولُ البلادَ نصّهاْ وذَميلها (لئن عادَ لي عبدُ العزيز بمثلها ... وأمكنني منها إذن لا أُقيلها) الرقص: ضرب من الخبب في العدو. حلف برب الإبل التي يسار عليها

(أم) المنقطعة ومعناها

إلى الحج، وتغول البلاد: تقطعها، والنصْ والذميل: ضربان من العدو. (لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها) أي بمثل المقالة التي كان قالها لي. وكان عبد العزيز وعد كثيّراً عِدَةً، فتأخر كثيّر عنه. فقال: لئن عاد لي عبد العزيز بعدة أخرى، سارعت إليها. ولا أُقيلها: لا أردها. ويروى (لا أفيلها) أي لا أفيل في التأخر عنهْ والتثبط عن تنجز ما وعدني به. وقال يَفيل: إذا ترك الرأي الجيد، وفعل ما لا ينبغي للعقلاء أن يفعلوه. (أم) المنقطعةْ ومعناها قال سيبويه: (ومن ذلك أيضاً (أعندك زيد أم لا) كأنه حيث قال: (أعندك زيد)، كان يظن أنه عنده، ثم أدركه مثل ذلك الظن في أنه ليس عنده فقال: (أم لا). يعني أن المستفهم قد يستفهم عن شيء يظن أنه كائن فيقول: أعندك زيد، فالسائل سألْ وهو يظن أن زيداً قد حصل عند المسؤول، فربما أدركه ظن غير ظنه الأول في أنّ زيداً ليس عند المسؤول فيأتي بـ (أم) ويجعل الذي بعدها جملة، وتكون (أم) هذه منقطعة. يعني أن الكلام الذي بعدها منقطع عن الكلام الأول، ويكون في (أم) معنى الإضراب عن الكلام الأول، وإذا جاءت (أم) على هذا الوجه، جاز أن تأتي بعد جملة فيها استفهام، بعد جملة لا استفهام فيها. وعلى كل وجه يكون الكلام بها في تقدير استفهام مستأنف، وقد أُضرب عن الكلام المتقدم.

قال كثيّر: (أليس أبي بالنَّضْرِ أم ليس والدي ... لكلِّ نجيبٍ من خُزاعةَ أزْهَرا) أراد النضر بن كنانة، وولدُ النضر هم قريش. والشاهد فيه أنه جاء بـ (أم) منقطعةْ وفيها معنى الإضراب. والتقدير: أليس أبي النضر، بل أليس والدي لكل نجيب. والأزهر: الأبيض، وأراد به أنه هو مشهور يضيء بحسنهْ وشرفه. ويروى: أليس أبي بالصِّلتِ أم ليس اخوتي ... لكلِ هجانٍ من بني النَّضْر أزهرا ويقال: إنه إنما قالها لأنه كان يزعم أنه من بني الصلت، والصلت من ولد النضر بن كنانة، وعنى بإخوته قبيصة بن ذئب الخزاعي، وكان أخا عبد الملك ابن مروان من الرضاعة، وكان على فلسطين استعمله عليها عبد الملك. قال سيبويه: (وتقول: (أتضرب زيداً أو تشتم عمراً)، إذا أردت: هل يكون شيء من هذه الأفعال. وإن شئت قلت: (أتضرب زيداً

أو تشتم عمراً) على معنى: أيهما). يريد أنك إذا عطفت بـ (أو) فأنت شاك في وقوع واحد من الأمرين، وإنما تستفهم لتعلم أوقع واحد منهما؟. وإذا عطفت بـ (أم) فأنت مُدَع أن أحدهما كائنْ وإن لم تعرفه بعينه. وهذا الحكم ثابت في الأفعال المعطوف بعضها على بعض كثباته في الأسماء. نحو قولك: أزيد في الدار أم عمرو؟. قال حسان: رُبَّ حِلم أضاعه عدَمُ المالِ ... وجهلٍ غَطا عليه النعيمُ (ما أُبالي أنَبَّ بالحَزْنِ تيسُ ... أم لحاني بظهرِ غيبٍ لئيمُ) يعني أن الفقر قد يذهب بمحاسن الفقيرْ ومكارم أخلاقه، فإن الناس يطرحونه لأجل فقره فلا تُعرف أخلاقه، فإن كان غنياً قصدوهْ وسألوه فعُرفت أخلاقه. وقوله: (وجهلٍ غطا عليه النعيم) يعني أن الغنَى يسترعيب صاحبه لمحبة الناس للمالْ وإكرامهم للغني. والحزن: الغليظ من الأرض، والحَزن مكان بعينه في بلاد بني تميم. يقول: كلام اللئيم لي وعيبه لي، بمنزلة صياح التيس حين يصيح عند النزو. ولحاني: لامني.

في الحال

في الحال قال سيبويه: (وتقول: لأضربَنَّه ذهبَ أو مكثَ كأنه قال: لأضربنه ذاهباً أو ماكثاً، ولأضربنه إن ذهب أو مكث). يعني أن الفعل الماضي قد وقع في هذا الموضع حالاً، وهذا لا يسوغ في كل موضع. وفيه معنى الشرط، كأنه قال: لأضربنه على كل حال. وقال زيادة العذريّ: (إذا ما انتهى علمي تناهيتُ عنده ... أطالَ فأمْلى أو تناهى فأقصرا) الشاهد فيه أنه عطف (تناهى) على الحال، كأنه قال: تناهيت عنده مطيلاً أو متناهياً. و (أطال) وزنه (أفعلَ) (فأملى) معطوف على (أطال)، (فأقصر) معطوف على (تناهى). وقوله: أطال يعني به أن علمه إذا امتد في شيء، واستتبّ له معرفته، ووضح له معناه، تكلم فيه، وأنه إذا لم يعرف سكتْ ولم يتكلم بما لا يعلمه. وقوله: (إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده) يريد أنه إذا بلغ علمي بالأشياء إلى موضع، بلغتُ إليه: ولم أتجاوزه فأتكلم بما لا أعلمه،

نصب المضارع بعد فاء السببية

مطيلاً كان علمي أو متناهياً، وقوله: فأملى أي امتد في الزمان، والمّلاوة: الحين من الدهر، يعني أنه إذا امتد علمه - حالاً حيناً طويلاً - تبعه، وإن تناهى أي انقطع، أقصرْ ولم يتكلم. وقال مَليح بن علاق القعيني يرثي ابنه: (ألا لا أُبالي بعدَ يوم مُطرِفٍ ... حتوفَ المنايا أكثرتْ أو أقَلتِ) لعَمْري لئن أمستْ رِكابُ مطرف ... تعفت، لقد كانت أُهينتْ وذلتِ ويروى: (بعد موت مطرف) يريد مكثرة أو مقلة. والحال حال من الحتوف. يريد أنا لا أبالي بعد موت ابني على من وقعت المنايا، ولا أبالي أكثرت من أخذها أو أقلت. نصب المضارع بعد فاء السببية قال سيبويه: وتقول: (كأنك لم تأتنا فتحدثنا) تقديره:

كأنه لم يكن منك إتيان فحديث. قال رجل من دارم: (كأنك لم تذبح لأهلك نعجةً ... فيصبحَ ملقىً بالفناء إهابُها) إهابُها: جلدها. والشاهد فيه نصب (فيصبحَ) وجعل (فيصبحَ) جواباً للأول، كأنه قال: كأنك لم يكن من شأنك أنك متى ذبحت، ألقيت إهابُها بفنائك. وسبب هذا الشعر، أن أبا بدر اليربوعي قتل، وادّعى الأحوص اليربوعي قتله على بني دارم. وقال: سيأتي الذي أحدثتمُ في صديقكُمْ ... رِفاقاً من الآفاق شتى مآبُها خطاطيفُ ليسوا مصلحين عشيرةً ... ولا ناعباً إلا بشؤمٍ غرابُها فأجابه سويد بن الطويلة: ليبكِ أبا بدرٍ حمارُ وثلةُ ... وساليةُ راثت، عليها وِطابُها

كأنك لم تذبحْ لأهلك نعجةً ... فيصبحَ ملقىً بالفِناء إهابُها يهجو أبا بدرْ ويقول: إنه كان صاحبَ قطيع من غنمْ وفيها حمار. والوِطاب: زِقاق اللبن، راثت: أبطأ عليها اللبن الذي يستخرج زبده فيعمل منه السمن. والسالية: التي تسلأ السمن فتعمله، وقوله: (كأنك لم تذبح لأهلك نعجة) يريد أن أكثر ما يذكر من أمره، وأعلى مراتب أفعاله ذبح نعجة لأهله. ويحكى عن شيخ من بني حنيفة أنه قال: مررت بخباء عظيم فيه عجوز، بين يديها شاب يجود بنفسه، وحولها نسوة، وهي تبكيْ وتقول: أصعْصَعَ مالي لا أراك تجيبنا ... أتسمعُ نجواناك أم ليس تسمعُ فلو كان والي الموت يَقبل فِديةً ... فدتكَ ثمانٍ مشفِقاتُ وأربعُ ثم تلتفت إليهنْ وتقول: أتفعلن؟ فيقلن: اللهم نعم. ثم تقول: كأنك لم تذبحْ لأهلكَ نعجةً ... وتلقِ على باب الخباء إهابَها ولم تَجُبِ البيدَ التنائف تقتنِصْ ... بها جرَةٍ حسْلانَهاْ وضِبابَها

حذف ألف الاستفهام وهي مرادة

فإن متَّ أردَى الموتُ أبناَء عامرٍ ... وخصَّ بني كعبْ وعمروٍ كلابَها وإنما كتبت هذه الأبيات، لئلا يرى إنسان أن سيبويه وقع عليه غلط في رفع البيت الذي استشهد به، وليُعلم أن هذا البيت وقع في أبيات مرفوعة لشاعر، وفي أبيات منصوبة لغيره. حذف ألف الاستفهامْ وهي مرادة قال سيبويه قال عمر بن أبي ربيعة: (لعمرُكَ ما أدريْ وإن كنتُ دارياً ... بسبعٍ رميْنَ الجمرَ أم بثمانِ) هذا إنشاد الكتابْ وإنشاد كل مستشهد. ورأيت في شعره: بدا ليَ مِعصمُ يومَ جَمّرتْ ... وكفُّ خضيبُ زُينتْ ببَنانِ فلما التقينا بالثنيةِ سلمتْ ... ونازَعَني البغلُ اللعينُ عناني فوالله ما أدري - وإني لحاسبُ - ... بسبع رميْنَ الجمرَ أم بثمانِ والشاهد فيه حذف ألف الاستفهام - وهي تراد - وتقديره: أبسبع رميْنَ الجمرَ أم بثمان.

نصب المضارع بعد فاء السببية

يعني أبسبع حصيات رمين أم بثمان حصيات. والجمر: جمع جمرة، والجمار ثلاثْ وهي معروفة بِمنىَ. والمعصم: طرف الذراع مما يلي الكف، وجَمّرتْ: رمت الجمار، والثنية: عند جمرة العقبة. نصب المضارع بعد فاء السببية قال سيبويه في الجواب بالفاء، قال البُرْجُ بن مُسْهر: (ألم تربَعْ فتخبرَكَ الرّسومُ ... على فرتاجِ والعهدُ القديمُ) تحمّلَ أهلهْ وجرَتْ عليه ... رياحُ الصيفِْ والسَّبَطُ المُديمُ الشاهد فيه أنه نصب (فتخبرَك) على جواب الاستفهام. أي لو ربعت لخبرتْكَ الرسوم عن أهلها إذا سألتها. وليس أنها تخبر بالقول، وإنما يريد أن الآثار التي تراها في الرسم تدل على ذهاب الذين كانوا فيه، فكأنها تخبره بالقول. وفرتاج: موضع بعينه، والرسم: ما لم يكن له شخص قائم في الدار، والطلل: ما شخص من الدار، ورياح الصيف: تسفي الرياح التراب على الآثار، وإنما خص الصيف لأن الأرض فيه يابسة لا تمطر، فالريح تثير العجاج لجفاف الأرض. ورياح الشتاء تهبْ والأرض ندية فلا تسفي التراب، والسبط المديم: السحاب الذي مطره دائم.

رفع جواب الشرط على تقدير التقديم

رفع جواب الشرط على تقدير التقديم قال سيبويه قال العُجير السلولي: ومستلحَمٍ قد صكه الخصمُ صَكةً ... قليلِ الموالي نيل ما كان يمنعُ رددْتُ له ما أفرط القولُ بالضحى ... وبالأمس حتى اقتافهْ وهو أضرعُ (وما ذاك أن كان ابنَ عميْ ولا أخي ... ولكنْ متى ما أملكِ الضَرَّ أنفعُ) الشاهد فيه أنه رفع (أنفعُ) في موضع الجواب، وإنما رفعه لأنه قدره قبل الشرط، كأنه قال: ولكن أنفعُ متى ما أملك الضَّر. والمستلحَم. وأصله في الحرب: وهو الذي أحيط به فأُثخن فلم يمكنه أن يبرح. أراد: ورب مستلحم قد صكه خصمه بحجة. وبنو عمهْ وأنصاره أذلاء لم يكن فيهم من يعينه، نيل منه ما كان يمنعه. رددت له ما أفرط القول: يريد أنه قد فرط منه قول غلط فيه، فوقع في أمر من المكروه لا يستطيع دفعه. ويروى: (أفرط القولَ) بالنصب. أراد أنه قدم قولاً خطأ. ورأيته في موضع آخر مرفوعاً، يريد: الذي أفرطه القول، أي قدمه، ويكون الضمير الذي يعود إلى (ما) محذوفاً، تقديره: أفرطه القولُ.

النصب بعد (إلا) على الحال بعامل قبلها

واقتافه: أخذه عنيْ ولَقِنَهُ، يعني أنه لقّنه حجتَه. واقتافه: تتبعه، تقول: قفت الشيء واقتفته إذا اتبعته. وهو أضرع: أي ذليل. وما فعلت ذلك لأنه ابن عميْ ولا أخي، يريد: ْ وما كان نصري له لأنْ كان ابنَ عميْ ولا أخي. وقوله: متى ما أملك الضر، يريد متى ما أملك دفع الضر أنفع، فحذف المضافْ وأقام المضاف إليه مقامه. النصب بعد (إلا) على الحال بعامل قبلها قال سيبويه في الاستثناء: (وتقول: (من لي إلا أبوكَ صديقاً) حين جعلته مثل: ما مررت بأحدٍ إلا أبيك خيراً منه). (أبيك) مجرور لأنه بدل من (أحد) و (خيراً منه) منصوب على الحال، وهي حال من (أبيك) وكأنه: ما مررت إلا بأبيك خيراً من كل أحد. والضمير المجرور يعود إلى (أحد). وقال سيبويه: (ومثله قول الشاعر - وهو الكلحَبَة). واسمه هبيرة بن عبد الله من بني عَرين بن ثعلبة بن يربوع: (أمرتُهُمُ أمري بمنعرَج اللوى ... ولا أمرَ للمَعْصِيِّ إلا مضيعا)

الشاهد فيه أنه نصب (مضيَّعاً) على الحال، ودخلت (مضيَّعاً) على الحال، ودخلت (إلا) على الحال، والاستثناء إنما وقع على بعض الأحوال، والعامل للحال (للمعصي) كما تقول: المال لك ثابتاً، وهو لك خالصاً. وجعل دخولها على الحال بمنزلة دخولها على (غير) في الاستثناء، وبمنزلة دخولها قبل (إلا). و (صديقاً) منصوب في قولك: (من لي إلا أبوك صديقاً) بقوله (لي). و (لي) خبر الابتداءْ وهو (مَن). فجعل (مضيَّعاً) في أن ما قبل (إلا) يعمل فيه بمنزلة (صديقاً) في أن الذي قبل (إلا) يعمل فيه. وعلى مذهب أبي العباس يكون العامل فعلاً محذوفاً و (إلا) في موضعهْ وهو خلاف في أصل الاستثناء. ثم قال سيبويه بعد إنشاده البيت: (وقد يكون أيضاً على قوله (لا أحد فيها إلا زيداً). يريد أن (مضيَّعاً) قد ينتصب أيضاً على غير وجه الحال، على أن تكون مستثنى من (أمر) في قوله: (ولا أمرَ) كما استثني زيد من رجل في قوله: (لا رجل فيها إلا زيداً) وكأنه قال: (ولا أمر للمعصي إلا أمراً مضيعاً، فحذف المنعوتْ وأقام النعت مقامه.

(كأن) المخففة

واللوى: مسترقّ الرملة، ومنعرجه: منعطفة. وقوله: (ولا أمر للمعصي إلا مضيعاً) أي من عُصيْ ولم يُقبل ما يأمر به، ضاع رأيه لأنه لا يُعمل به فيُعرف موقع جودته. قال هذا الشعر في يوم زَرود، وهو يوم فرّت فيه بنو تغلب من بني يربوع. فلما التقوا هزمتهم بنو يربوع. وحديثه مشهور. (كأنْ) المخففة قال سيبويه في باب (إن) قال النابغة الجعدي: وأحضرَهُمْ خصماً شديداً ضريرُه ... بني دارم أهلَ التبولْ ونَهشلا وذو التاج من غسانَ ينصر جاهداً ... ليجعلَ فيها جدَنا هو أسفلا (قُروماً تَسامى عند بابٍ دفاعُهُ ... كأنْ يؤخذُ المرءُ الكريمُ فيُقتلا) الشاهد فيه على أنه جعل (كأنْ) مخففة من كأنّ، أراد: كأنه يؤخذُ المرء الكريم فيقتلا. و (يؤخذ) مرفوع. وقوله (فيُقتلا) منصوب لضرورة الشعر

في الاستثناء المنقطع

كما قال الأعشى: . . . . . . . . ... ويأوي إليها المستجير فيُعصما وفي (أحضَرَهم) ضمير يعود إلى ملك تقدم ذكره، والضمير المنصوب يعود إلى قوم النابغة، وهم بنو عامر بن صعصعة. ويقال: إنه لذو ضرير، إذا كان ذا صبر على الخصومةْ والشرْ والبلاء. والتبول: جمع تَبْلْ وهو التِّرَةْ والذَّحْل، و (نَهشلا) معطوف على (بني دارم) وذو التاج: الملك من ملوك غسان، ينصر خصمنا عليناْ ويعينهم حتى يقضي لهم منا، فيعلواْ ونسفُل. والقروم: جمع قَرْمْ وهو الفحل من الإبل، شبه السادات بالفحول من الإبل، عند بابٍ: يريد باب الملك، وتَسامى: يعلو بعضها على بعضْ ويرتفع. وقوله (دفاعه) يريد الدفع عن الدخول فيهْ والوصول إلى ما وراءه - وهو حضرة الملك - كأخذ الرجلْ وقتله. في الاستثناء المنقطع قال سيبويه في الاستثناء، قال النابغة الجعدي: لولا ابنُ عفانَ الإمامُ لقد ... أغضيتَ من شتمي على رَغْمِ

ودعوتَ لهْفكَ بعد فاقرةٍ ... تبدي محارفُها عن العَظمِ كانتْ فريضةَ ما تقولُ كما ... كان الزِّناءُ فريضةَ الرَّجْمِ (إلا كمُعْرِضٍ المُحَسِّرِ بَكْرَيْهِ ... يسبِّبني على الظلمِ) الشاهد فيه أنه استثنى استثناء منقطعاً، لأن (معرضاً) لم يجر قبله ما يستثنى منه، ولكن هذا الاستثناء بمعنى لكنْ، وليس من الأول في شيء. والكاف زائدة، أراد: إلا معرضاً. وإنشاد البيت الأول في الكتاب على صحة وزن، وهو من العروض الثانية من الكامل، والبيت الثاني يخرج من العروض الأولى من الكامل. وقد أنشد مع البيتين من القصيدة ما يوضح المعنىْ والوزن. وأغضيتَ: أسبلت جفنك على عينك - لما قد أصابك من الغلبةْ والقهر - من أجل شتمي لك، وأنك لا تستطيع أن تقول مثل شعري. والرغم: الإذلال، ودعوتَ لهْفكَ: استغثتْ وتلهفت على ناصر ينصرك فلم تجد. والفاقرة: ما ينزل به فيكسر فقار صلبه، والمَحارف: جمع محراف وهو الميل الذي تقدر به الشَّجَةْ والجرح. يريد أنه كان يهجوه هجاء يجري مجرى ما يكسر فقار صلبه. (كانت فريضة ما تقول): في (كانت) ضمير الفاقرة. يريد: كانت الفاقرة فريضة ما تقول فيّ من القبيح،

أي جزاء ما تقول، كما كان الرجم عقوبة الزنا. وهذا من المقلوب، جعل الزنا عقوبة الرجم، وهذا اتساع لأجل الضرورة، وأنه ليس يقع في الكلام لَبْس. والمعنى أنه يقول لسوار القشيري: لولا الإمام ابن عفان - وأني أخشى عقوبته - لعملت بك الفاقرة، لكنّ معرِضاً يدور الأحياء يشتمني. ومعرض ليس بسوارْ ولا مستثنى منه، فهو استثناء بمعنى لكنْ. وقوله: المحسِّر بَكْرَيْه: يريد يحسرهما: يحملهما على الإعياءْ والكَلال من شدة سيرهْ وطوفه في الناس يكذب عليّ ويُعِين سوّاراً. وبَكْرَيْه: تثنية بكر، والبكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس. وقوله: يسبِّبني على الظلمِ: يحتمل أمرين: أحدهما أنه بمعنى يسبني، فجعله على يسبّب، أراد أنه يشتمهْ وهو ظالم له. ويجوز أن يريد بهذا، أنه إذا ابتدأه بفعل القبيح من غير جناية - وشكاهْ وطاف في الناس يسبه - أنه يهجوهْ ويهجو قومهْ وآباءه، ويشتم من لم يكن له في فعل مُعرض ذنب، فيكون حاملاً له على شتم من لم يكن له في هذا الأمر سبب، وهذا الشتم ظلم. قال سيبويه في باب الاستثناء المنقطع، قال الجعدي: (فتى كمُلتْ خيراته غير أنه ... جوادُ فما يُبْقي من المال باقيا)

إدخال الكاف على الضمير - ضرورة

يرثى بذلك أخاه وَحْوحَاً. والشاهد فيه نصب (غير) على الاستثناء المنقطع، و (غير أنه جواد) ليس بشيء مستثنى من الأول. أراد: ولكنه مع ما ذكرته لك جوادُ لا يبقي من ماله شيئاً. والمعنى واضح. إدخال الكاف على الضمير - ضرورة قال سيبويه في أبواب الضمير. قال رؤبة: تحسَبُه إذا استتبّ دائلا كأنما يُنحي هِجاراً مائلا فلا ترى بعلاًْ ولا حلائلا (كَهُ ولا كَهُنّ إلا حاظلا) الشاهد فيه أنه أدخل الكاف على ضمير، وهذا استجيز للضرورة. والضمير المنصوب بـ (تحسَبُه) يعود إلى عَيْر وحش. واستتب: جدّ في عدوه، والدائل: من الدَألان - بدال غير معجمة - وهو عدو النشيط، يأخذ مرة في شقْ ومرة في شق آخر. والهِجار: حبل يشد به وظيف البعير، وينحي: يُميل، يريد أنه لعدوه في شق كأنه مشدود بهجار. والحلائل: جمع حليلةْ وهي امرأة الرجل، جعل الأنُن حلائل الحمار، والحاظل: المانع. يقول: فلا ترى بعلاً كهذا الحمار، ولا حلائل كهذه الأنُن إلا مانعاً لها من أن يقرب منها غيرهُ من الفحول.

نصب اسم (عسى) بمنزلة (لعل)

نصب اسم (عسى) بمنزلة (لعل) قال سيبويه قال رؤبة: تقول بنتي قد أنَى أناكا ... (يا أبتا علك أو عساكا) وفي شعره: فاستعزِم اللهَْ ودع عساكا الشاهد فيه أنه جعل (عسى) مثل (لعلّ) ونصب بها الاسمْ وهو الكاف. وقوله: (قد أنى أناكا) أي قد حان وقت رحيلك إلى من تلتمس منه مالاً تنفقه. وقولها: (يا أبتا علك) أي لعلك إنْ سافرت أصبت ما تحتاج إليه. ووجه الرواية في قوله: فاستعزم الله أي استخره في العزم على الرحيل والسفر، ودع عساي لا أحظى بشيء إذا سافرت، ويحصل بيدي التعب. نصب المضارع بعد فاء السببية قال سيبويه: (وتقول: ألا ماءَ فأشربَهْ وليته عندنا فيحدثَنا). هذا جواب التمني. وقال أمية بن أبي صلت: (إلا رسولَ لنا منا فيخبرَنا ... ما بُعْدُ غايتِنا من رأس مُجرانا)

بينا يرِببُنا أولادُنا هلكوا ... وبينما نقتني الأولادَ أبلانا قال سيبويه بعد إنشاد البيت: (وهذا لا يكون فيه إلا النصب). يعني البيتْ وما قدم قبله من التمني. لأنه ليس في الكلام فعل فيُعطف الفعل الذي بعد الفاء عليه، وإذا نصبته فهو في تقدير اسم يُعطف على ما قبله. عنى أمية أن يأتيه رسول يخبره إلى أي شيء يصير في الآخرة، إلى جنة أم إلى نار. والغاية: منتهى ما يصيرون إليه، والمُجرى: ابتداء عملهمْ وتكليفهم في الدنيا، وهو مأخوذ من الموضع الذي يبتدئ فيه الفرس الجري إذا سابق، والغاية: منتهى الموضع الذي يعدو إليه. والتربيتْ والتربيةْ والتربيب بمعنى واحد. وقيل: إن في (أبلانا) ضميراً يعود إلى (الدهر، وعندي أن فيه ضميراً يعود إلى) الله عز وجل، والبيت الأول يشير إلى هذا، لأنه مقر بأمر الآخرة.

في اقتران خبر (يوشك) بأن

في اقتران خبر (يوشك) بأن قال سيبويه في باب من أبواب (أنْ) (وتقول يوشك أن يجيءَ، فـ (أنْ) في موضع نصب كأنك قلت: قاربتَ أنْ تفعل. وقد يجوز: يوشك يجيءُ). ففي (يوشك) ضمير هو الفاعل، ويجيء في موضع جاءٍ كأنه قال: يوشك جائياً، إلا أنه لا يُستعمل الاسم في هذا الموضع. ومثله: (عسى يفعل) لا يقع الاسم في موقع الفعل فنقول: عسى فاعلاً. ويجري (عسىْ ويوشك) مجرى (كان) في وقوع الفعل في موضع مفعولها، إلا أن (كان) يقع الاسمْ والفعل جميعاً في موضع خبرها، و (عسىْ ويوشك) ليسا كذلك. وقد جاء عنهم: عسى الغوير أبْؤساً ولا يتجاوز به هذا الموضع. قال أمية بن أبي الصلت: (يوشك مَن فَرَّ من منيّتهِ ... في بعضِ غِرّاتِهِ يوافقها)

من لم يَمُتْ عَبْطةً يمت هَرَماً ... للموتِ كأسُ والمرءُ ذائقها (مَن) فاعل (يوشك)، (يوافقها) في موضع مفعول (يوشك)، و (في بعضِ غِرّاتِهِ) في صلة (يوافقها). أصله: يوافقها في بعض غراته، أي في بعض الأحوال التي هو فيها غافل عن الموت يقع به. ومن لم يمت عبطة: أيْ وهو شاب صحيح. يقال: اعتبط فلان: إذا مات صحيحاً جَلداً أو شاباً. يقول: من لم يمتْ وهو شاب، ماتْ وهو هرم، والموت لابد أن يقع به قال سيبويه في أبواب (إنْْ وأنْ)، قال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: وإذا تذوكرتِ المَواعدُ مرةً ... في مجلسٍ أنتم به فتقنعوا (إني رأيتُ - من المكارم - حسبَكم ... أنْ تلبَسوا حُرَّ الثيابْ وتشبعوا) الشاهد فيه أنه جعل (أنْ تلبَسوا) أحد مفعولي (رأيتّ) و (حسبَكم) المفعول الآخر.

نصب المضارع بعد (أو)

يهجو سعيد بهذا الشعر بني أمية بن عمرو بن سعيد بن العاصيْ واخوته، وكانوا زوجوا أختهم من سليمان بن عبد الملك، وحملوها إليهْ ومضوا إلى الشام إلى سليمان بن عبد الملك، فصحبهم سعيد، وكانوا ضمنوا له أن يقوموا بحوائجه، فلما وردوا الشام قصّروا في أمره، فهجاهم. يقول: إذا ذُكرت المواعيد الصادقة فغطوا وجوهكم، لأنكم وعدتموني بشيء لم تفوا به، وأخلف ظني فيكم، وقد رأيت أن الذي تلتمسون هو أن تنالوا من الطعامْ والكسوة حاجتكم، وأنكم لا ترغبون في فعل المكارم. نصب المضارع بعد (أو) قال سيبويه في الجواب بـ (أو) قال الشاعر: (وكنتُ إذا غمزتُ قناةَ قومٍ ... كسرتُ كعوبَها أو تستقيما) كذا أنشده سيبويه بالنصب، والشعر لزيادٍ الأعجم في أبيات غير منصوبة. قال زياد يهجو المغيرة بن حَبْناء: ألم تر أنني وترتُ قوسي ... لأبقعَ من كلابِ بني تميمِ عَوَى فرميته بسهام موتٍ ... كذاك تردُّدُ الحَمقِ اللئيمِ وكنتُ إذا غمزتُ قناةَ قومٍ ... كسرْتُ كعوبَها أو تستقيمُ

استشهد به سيبويه على (نصب) تستقيما. والمعنى أنه إذا هجا قوماً أبادهم بالهجاءْ وأهلكهم، إلا أن يتركوا سبهْ وهجاءه. وكان يهاجي المغيرةَ بن حبناء. والكعوب: جمع كعبْ وهو الناتئ في أصل كل أنبوب من أنابيب القناة. فإن قال: قائل: أنشد سيبويه هذا البيت منصوباً، قيل له: سمعه ممن يُستشهد به منصوباً. ومع هذا قد وجدنا أبياتاً تنشد على الوقفْ وهي مطلقة، ولو أطلقت لوقع بعضها منصوباً وبعضها مجروراً. ومن ذلك ما أنشده أبو عمرو: سَقياً لعهد خليلٍ كان يأدِمُ لي ... زاديْ ويُذهبُ عن زوجاتي الغَضَبْ كانَ الخليلَ فأمسى قد تخوّنه ... رَيْبُ الزمانِْ وتطعاني به الثقبُ يا صاحِ بلغْ ذوي الحاجات كلهمُ ... أنْ ليس وصلُ إذا انحلتْ عُرا الذنبْ إذا أُنشد بيت واحد من هذه القطعة، أُنشد على حقه من الإعراب، وإن أنشد جميعها أنشد على الوقف، والإنشاد على الوقف مذهب لبعض العرب.

في الاستثناء المنقطع

في الاستثناء المنقطع قال سيبويه في باب الاستثناء المنقطع: (ومثل ذلك قول عِتْر بن دجاجة) وربما وقع في النسخ عَنْز بن دجاجة، والرواية الأولى أشهر، ونسبهُ في شعره دِجاجة بن العِتْر. ويروى لمعاوية بن كاسر المازني: يا ليلتي ما ليلتي بالبلدةِ ... ضُربّتْ عليّ نجوُمها فارتدّتِ والهمُّ مُحتضرُ الوِسادِ كأنه ... خصمُ ينازعُ خُطةً فاشتدَتِ مَن كان أسرَعَ في تَفَرُّقِ فالجٍ ... فلبوُنه جَرِيَتْ معاًْ وأغدَتِ (إلا كنا شرةَ الذي ضيَّعْتمُ ... كالغصنِ في غُلوائِه المتنبّتِ) الشاهد فيه أنه استثنى (ناشرةّ) وقبله ذكر (فالجُ) وفالج رجل بعينه، وناشرة رجل آخر، فهو بمنزلة قولهم: ما جاءني زيدُ إلا عمراً. وأراد بفالج فالج بن ذكوان من بني سليم، وكان يقال: إن فالج بن ذكوان - وهو أبو قبيلة من سليم - هو في أصل نسبه: فالج بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وإنهم فارقوا نسبهم في بني مازنْ وانتسبوا إلى بني سليم، وهم فيهم إلى اليوم. وكذا حال ناشرة، هو ناشرة بن سعد بن

مجيء (غير) مجردة من معنى الاستثناء

مال من بني أسد، ويقال: إنه ناشرة بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. فهاتان قبيلتان، زعم دِجاجة بن العِتْر أنهما كانتا من بني مازن، فانتقلت إحداهما إلى بني سُليم، والأخرى إلى بني أسد، فدعا دِجاجة بن العتر على من كان السبب في انتقالهما من بني مازن. دعا عليه بأن تجرب إبله. ولبونه: ما فيه لبن من إبلهْ وليس يريد باللبون الواحدة؛ وإنما يريد الجماعة. وأغدّت: من الغُدّة، وهو شبه الطاعون يقع بالإبل، وأراد جربتْ وأغدت معاً. وغلواؤه: طولهْ وسرعة نباته. وزعموا أن الكاف زيادة. ويروى: أو مثل ناشرة الذي ضيعتم. وليس فيه شاهد على هذه الرواية. مجيء (غير) مجردة من معنى الاستثناء قال سيبويه في الاستثناء، قال حارثة بن بدر الغُدانيّ: يا كعبُ ما طلعَتْ شمسُ ولا غَرَبَتْ ... إلا تُقرِبُ آجالاً لميعادِ يا كعبُ صبراً على ما كان من حَدَثٍ ... يا كعبُ لم يبقَ منا غيرُ أجلادِ

(إلا بقياتُ أنفاسٍ نحشرجها ... كراحلٍ رائح أو باكر غادي) الشاهد فيه أنه أبدل (بقياتُ) من (غيرّ) ولم يجعل غيراً استثناء، وجعلها بمنزلة اسم؛ ليس فيه معنى الاستثناء، كأنه قال: لم يبق منا شيء سوى الأجلاد إلا بقياتُ أنفاس. ووجدت في الشعر لحسان بن بشر بن عباد: يا بشرُ ما راحَ من قومٍْ ولا بَكروا ... إلاْ وللموتِ في آثارهم حادي يا بشرُ ما طلعَتْ شمسُ ولا غربَتْ ... إلا تقرِبُ آجالاً لميعاد وبعده تمام الشعر. وأراد بالميعاد: الوقت الذي ينتهي إليه أجل الإنسان، وأجلاد الإنسان: جسمه، وهي تجاليده. ونحشرجها: نرددها بين حلوقناْ وصدورنا، وقوله: كراحلٍ رائح أي هذه البقية من الأنفاس، بقي

وجوب نصب المستثنى لتقدمه

من إقامتها عندنا كبقاء من يروح عندنا من آخر يومناْ ويفارقنا، أو كبقاء من يبيت عندنا ليلةً ثم يغدو راحلاً من عندنا. وجوب نصب المستثنى لتقدمه قال سيبويه في الاستثناء، قال حسان: (والناسُ ألبُ علينا فيك ليس لنا ... إلا السيوفَْ وأطرافَ القنا وَزَرُ) ولا يَهِرُّ جنابَ الحربِ مجلسُنا ... ونحن حين تَلظى نارُها سُعُرُ يقال للقوم إذا اجتمعوا على عداوة إنسان: هم ألبُ عليه. يقول: اجتمع الناس على عداوتنا من أجلك، يعني النبيَّ صلى الله عليهْ وسلم. يريد أنهم اجتمعوا على عداوة الأنصار من أجل نصرتهم النبي صلى الله عليهْ وسلم. والوَزَر: الملجأ. يقول: نحن لا نلتجئ في دفعهم عنا إلا بالطعن بالرماح، والضرب بالسيوف. ولا يَهِرُّ: لا يكره، وجنابَ الحرب: ناحيتها، ونحن حين تَلظى نارُها: يريد حين تشتد، وسُعُرُ: يريد أنهم يوقدون الحرب لمن قصدهمْ وعاداهم، ولا يجبنون عنهاْ ويكرهونها. وسُعُرُ: يجوز أن يكون جمع ساعر مثل عائذْ وعُوذْ وشارفْ وشُرُف، ويجوز أن يكون جمع سَعورْ وهو القياس فيه.

إبدال المستثنى من المستثنى منه

إبدال المستثنى من المستثنى منه قال سيبويه، وتقول: (ما رأيت أحداً يقول ذاك إلا زيداً، هذا وجه الكلام). يريد أن وجه الكلام أن تجعل (زيداً) بدلاً من (أحد). ثم قال: (وإن حملته على الإضمار الذي في الفعل فقلت: ما رأيت أحداً يقول ذاك إلا زيدُ، فعربي). يريد أن يجعله بدلاً من الضمير الذي في (يقول) العائد إلى أحد. قال عدي بن زيد: (في ليلةٍ لا تَرَى بها أحداً ... يَحْكي علينا إلا كواكبها) الشاهد فيه أنه أبدل (كواكبها) من الضمير الذي في (يَحْكي) فالضمير في (يَحْكي) يعود إلى (أحد). والشعر في الكتاب منسوب إلى عدي بن زيد، وما رأيته له. وهو منسوب إلى رجل من الأنصار، وأظن أني رأيته منسوباً إلى غير الأنصار. وذكروا أن حاتم بن قبيصة المهلبي قال: لما أُدخلتْ حبابة على يزيد بن الوليد - وأظنه قد قيل أنها أدخلت على يزيد بن عبد الملك - أدخلت متوشحة بمُلاءة أحسبها صفراء معها الدُّف. فقالت: ما أحسنَ الجيدَ من مُليكةَ ... والللباتِ إذ زانَها ترائبها

إبدال المستثنى

يا ليتني ليلةً إذا هجَعَ ... الناسُ ونامَ الكلابُ صاحبُها في ليلةٍ لا ترى بها أحداً ... يَحكي علينا إلا كواكبُها ووقع الإنشاد في الخبر: (لا يُرى بها أحدُ) وعلى هذه الرواية لا شاهد في البيت، لأن (كواكبُها) بدلاً من (أحد). إبدال المستثنى قال سيبويه في الاستثناء، وقال الحارث بن عُباد: والحربُ لا يبقَى ... لجاحِمِها التخيّلُ والمِراحُ (إلا الفتى الصّبارُ في ... النَجَداتِْ والفرسُ الوَقاحُ) الشاهد فيه أنه أبدل (الفتى) من (التخيلْ والمراحّ) ورفعه. جاحم الحرب: أشدهاْ وأحرَها، والتخيل: من الخيلاء وهو التبخترْ وإسبال الإزار، والمِراح: من المرحْ وهو الفرح الشديد، والنجدات: جمع نجدةْ وهي الشدة، والوَقاح: الصلب الحافر. يقول: إذا اشتدت الحرب، ذهب الخيلاءْ والمرح، وكان شغل كل إنسان بنفسهْ وتخليصهاْ والدفع عنها، وفي أوائل الحروب يختال الرجل، وينظر في أعطافهْ ويحب المبادرة، فإذا حميت شغلوا عن هذا.

الإتيان بالضمير على الانفصال ضرورة

ومثله قول عمرو: الحربُ أولُ ما تكون فتيَّةً ... تسعى ببَزَّتِها لكل جَهولِ والشعر في الكتاب منسوب إلى الحارث بن عباد، وهو لسعد بن مالك بن ضُبيعة. الإتيان بالضمير على الانفصال ضرورة قال سيبويه في الضمير، قال ذو الإصبع العَدْوانيّ: لقينا منهمُ جمعاً ... فأوْفى الجمعُ ما كانا (كأنا يوم قرَّى ... إنما نقتلُ إيانا) قتلنا منهمُ كلَّ ... فتى أبيضَ حُسّانا يُرى يَرْفلُ في ... بُرْدَينِ من أبرادِ نَجرانا الشاهد فيه على قوله (نقتلُ إيانا) يريد به نقتل أنفسنا، وجعل الضمير في موضع (أنفسنا) وأتى به على الانفصال، والضمير إذا وصله لم يحسن فصله، إلا أن يُضطر شاعر، فاضطر إلى أن ترك (النفس) وأتى بالضمير، واضطر إلى استعمال الضمير المنفصل مكان المتصل.

بناء (غير) على الفتح لإضافتها إلى مبني

(وقوله: (فأوْفى الجمعُ) أي أوْفى الجمع ما كان عليه أن يعمله. وقرَّى موضع بعينه) وقوله: نقتلُ إيانا: يريد أنَّا بقتلنا إياكم بمنزلة من قتل نفسه. وأبراد نَجران: يريد به أبراد اليمن، ونجران من ناحية اليمن، ونجران: موضع آخر بين البصرةْ والكوفة في البرية. بناء (غير) على الفتح لإضافتها إلى مبني قال سيبويه في الاستثناء، قال أبو قيس بن رِفاعة من الأنصار: ثم ارعوَيْتُ وقد طال الوقوفُ بنا ... فيها فصِرْتُ إلى وَجناَء شِملالِ تُعطيك مشياًْ وإرقالاً ودَأدأةً ... إذا تسربلتِ الآكامُ بالآلِ تَردي الإكامَ إذا صرَّتْ جنادُبها ... منها بصُلبٍ وَقاحِ البطنِ عَمّالِ (لم يمنعِ الشّرْبَ منها غيرَ أنْ نطقتْ ... حمامةُ في غصونٍ ذاتِ أوقالِ) الشاهد فيه أنه بنى (غير) على الفتح لإضافتها إلى اسم غير متمكن، والذي أضيفت إليه (أن والفعل). يصف أنه وقف في دار خلت من أهلها، فلما طال وقوفه ارعوى،

الرفع على الاستثناء دون العطف - للمعنى

أي رجع فصار إلى راحلته. والوجناء: الصلبة، والشملال: السريعة الخفيفة، والإرقالْ والدَأدأة: ضربان من العدو، والآكامُ: جمع أكمَ، وأكَم: جمع أكَمَةْ وهي شبيه الجُبيل. والآل: الذي يكون في أول النهار كأنه السراب، وأراد بالآل في هذا البيت السراب. يريد أنها نشيطة في العدو في وقت الهاجرة. ويريد بـ (تسربلتِ بالآل) أنه علا عليها فصار كالقميص لها. تَردي الإكامَ: يريد أنه ترمي الإكامَ إذا اشتد الحرْ وصَرَّ الجندب بصُلب، يعني خفها، وَقاحِ البطن: شديد البطن صلبه، عَمّال: يعمل في السيرْ ولا يفتر. لم يمنع الشُربَ منها: يريد من الراحلة، يريد لم يمنعها أن تشرب إلا أنها سمعت صوت حمامة فنفرت. يريد أنها حديدة النفس، فيها فزعْ وذعر لحدة نفسها، وذلك محمود فيها. ويروى: (لم يمنع الوِردّ) والمعنى واحد. وقوله: في غصون، أراد أن الحمامة في غصون، والأوقال: جمع وَقلْ وهو شجر المُقل، وقد يجوز أن يريد شجراً نابتاً في موضع فيه مُقل الرفع على الاستثناء دون العطف - للمعنى قال سيبويه في عوامل الأفعال، قال أبو اللحام التغلبي: عَمرْتُ وأكثرتُ التفكرَ خالياً ... وساءلتُ حتى كاد عُمْريَ ينفدُ فأضحتْ أمور الناسِ يَغشَيْنَ عالماً ... بما يُتقى منهاْ وما يتعَمدُ

جديرُ بأن لا أستكينَْ ولا أُرى ... إذا حل أمرُ ساحتي أتبلدُ (على الحَكمِ المأتي يوماً إذا قضى ... قضيَّتَه أن لا يجورَ ويقصدُ) الشاهد فيه في رفع (يقصدُ) وأنه لم يعطفه على (يجور). كأنه قال بعد قوله: عليه أن لا يجور: ْ ويقصدُ، يخبر بأنه يفعله، وهو لفظ الإخبار. ويحتمل أمرين: يحتمل أن يكون بمعنى الأمرْ وهو في لفظ الخبر، ويحتمل أن يخبر به على طريق أنه ينبغي أن يكون بهذا الوصف. زعم أنه طلب العلم بالأشياءْ والوقوف على حقيقتها، واستعمل فكرهْ وسأل العلماء عما لا يعرف حتى يعرف. لا أستكينَ: لا أذلْ ولا أخضع، ولا أتبلد: لا أتحير إذا نزلت بي شدة، من أجل أني لا أعرف جهة الخلاص فيها. على الحَكم: أي المرضيّ بحكمه، المأتيّ: المقصود إليه. ولا يجوز أن يعطف (يقصد) على (يجور) لو كانت القصيدة منصوبة، من جهة المعنى لأن قوله (عليه أن لا يجور) معناه عليه ترك الجَوْر، ولا يجوز أن يقول: عليه ترك القصد. والمعنى واضح.

استعمال (منون) في الوصل ضرورة

استعمال (منون) في الوصل ضرورة قال سيبويه في باب الاستفهام، قال سُمير الضبي: (أتوْا ناري فقلتُ مَنونَ أنتمْ ... فقالوا الجنُّ، قلتُ عِموا ظلاما) فقلتُ: إلى الطعام فقال منهم ... زعيم: نحسُد الإنسَ الطعاما الشاهد فيه أنه أدخل علامة الجمع في (مَن) في وصل الكلام، وهذه العلامة تدخل في الوقفْ ولكنه اضطر. وزعم أنه أتاه الجنْ وهو عند ناره، فسألهم مَن هم، فلما ذكروا أنهم الجن حياهمْ وقال لهم: عموا ظلاماً، لأنهم جن، كما يقول بعض بني آدم لبعض - إذا أصبحوا -: عموا صباحاً، وإنما انتشارهم بالليل. وقوله: (إلى الطعام) في صلة (هلمّ) وحذفها، كأنه قال: هلموا إلى الطعام فقال منهم زعيم - أي رئيس لهمْ ومتكلم عنهم - نحسُد الإنسَ، وأراد بالإنس الإنس ممن يحسدهم على أكل الطعامْ والالتذاذ به، وليس من شأننا أن نأكل ما يأكله الإنس.

استقبال القسم بـ (أن) بمنزلة اللام

استقبال القسم بـ (أنْ) بمنزلة اللام قال سيبويه: (ومثل هذه اللام الأولى (أنْ) إذا قلت: ْ والله أنْ لو فعلتَ لفعلتُ). يريد أنّ أنْ الخفيفة المفتوحة يُستقبل بها القسم، كما يستقبل باللام للقسم كقولك: والله لئن فعلت لأفعلن قال المسيَّب بن عَلَس: لعَمْري لئن جدَتْ عداوةُ بيننا ... لينتحينْ مني على الوَخْمِ مِيسَمُ (فأُقسم أنْ لو التقيناْ وأنتمُ ... لكان لكم يومُ من الشر مظلمُ) الشاهد فيه في قوله (أنْ لو التقينا) جعل (أنْ) تستقبل في القسم. يخاطب المسيَّب بهذا بني عامر بن ذهل بن ثعلبة في شيء صنعوه بحلفائهمْ وأراد بالوخْم عامرَ بن ذهل. ومِيسَم: الحديدة التي تُحمىْ ويوسم بها، لينتحينْ: ليُتعَمَّدَنْْ ويُقصدن بميسمي على الوخم. يعني أنه يهجوه هجاء يكون كالسمة في وجهه، لا يزايله عاره، كما لا يزايله أثر الميسم. وعطف (أنتم) على الضمير الذي هو فاعل (التقى). يقول: لو التقيناْ وتحاربنا لقتلناكم. فكان يومكم مظلماً لأجل ما نصنعه بكم.

إضافة (آية) إلى الفعل

إضافة (آية) إلى الفعل قال سيبويه: (ومما يضاف إلى الفعل أيضاً، قولك: ما رأيته منذ كان عندي، ومنذ جاءني. ومنه أيضاً آية). قال يزيد بن عمرو ابن الصَّعِق: (إلا مَن مبلغُ عني تميماً ... بآيةِ ما تحبون الطعاما) الشاهد فيه أنه أضاف (آية) إلى (تحبون) و (ما) زائدة لغو، كأنه قال: بآية تحبون. ومعنى الآية: العلامة، كأنه قال: بعلامة حبكم للطعام. وبنو تميم يُعيَّرون بشدة المحبة للطعامْ والحرص عليه، لأجل أنّ عمرو بن هند - لما نذر أن يحرق من بني عامر مائة رجل، لأجل قتلهم أخاً له - أخذ منهم تسعةْ وتسعين رجلاً ثم التمس تمام المائة فلم يجد، فأقبل راكب يوضع بعيره، فلما أتى إلى عمرو قال له: من أنت؟ قال: أنا رجل من البراجم قال: وما أتى بك؟ قال: إني رأيت الدخان فأقبلت نحوه. فقال عمرو: (إن الشقيّ وافد البراجم) فذهب مثلاً. ثم عُيّرت تميم بعد هذه القصة بالنهمْ والتماس الطعام في كل موضع. وسبب هذا الشعر أن بني أبي العوف بن عمرو بن كلاب، جاوروا بني

العطف بالجزم - للمعنى

أسيد بن عمرو بن تميم، فأجلوهم عن موضعهم، فقال يزيد شعراً ذكرهم فيه، وفي شعره: ألا أبلغْ لديك بني تميم ... بآيةِ ذكرِهم حُبَّ الطعامِ أجارَتْها أُسيِّدُ ثم عادتْ ... بذات الضَّرعِ منهاْ والسَّنامِ وليس فيه على هذه الرواية شاهد، لإضافة (آية) إلى الاسم. العطف بالجزم - للمعنى قال سيبويه في عوامل الأفعال، قال جحدر العكليْ ويقال هي للخطيم العكلي: ولا تَمشِ في الحربِ الضَّراَء ولا تُطعْ ... ذوي الضعف عند المأزِقِ المتحفلِ (ولا تشتم المولىْ وتبلغْ أذاته ... فإنك إن تفعلْ تسَفهْْ وتجهلِ) الشاهد فيه أنه جزم (تبلغْ) وعطفه على (تشتمّ) ولم ينصبه على الجواب بالواو. والضَّراءَ: أن يستتر الرجل بالشجر، والمأزِق: مضيق الحربْ وموضع اشتدادها، والمتحفل: الذي يجتمع فيه الناس، والمولى: ابن العمْ والحليف. يقول: لا تكن خفياً في الحرب تتوارىْ وتتستر، بل أشهِر نفسك بالمبارزةْ والقتال حتى تذكرْ وتعرف، ولا تكن خاملاً، ولا تطع ذوي

نصب المضارع بعد واو المعية

الضعف الذين يستترون بالانهزامْ والروغان. ولا تشتم بني عمكْ وحلفاءك، فإنك إن فعلت نُسبت إلى السفهْ وجهلت. نصب المضارع بعد واو المعية قال سيبويه في الجواب بالواو، قال حسان: (لا تَنْهَ عن خلقٍْ وتأتيَ مثله ... عارُ عليك إذا فعلتَ عظيمُ) الشاهد في نصب (تأتيَ). يقول: لا تجمع بين النهي عن شيء وفعلك إياه، فإنك إن نهيت عن فعل شيء لقبحه ثم لم تنته أنت، كان أقبح، لأنك تعلم أنك قد عرفت أنه قبيح فنهيت عنهْ وأتيته أنت مع العلم بقبحه، ففعلك أعظم مِن فِعل مَن فَعلهْ وهو لا يعلم بقبحه. و (عظيم) وصف لـ (عار) و (عار) مرفوع خبر ابتداء محذوف، كأنه قال: فعلك إياه عار عظيم عليك. بين (أمّ) و (أو) قال سيبويه في باب (أمْ وأوْ). قالت صفية بنت عبد المطّلب:

الجر بـ (رب) مضمرة

كيف رأيتَ زَبرا ... أأقِطاً أو تمرا (أم حَضْر مياً مُرّا) أرادت الصَّبر الحضرمي، يعني الذي يُحمل من ناحية حضرموت. الجر بـ (رب) مضمرة قال سيبويه في الجواب، قال أبو النجم: (ومَهْمَهٍ تحسَبُه مكسوحا) يُطوِّحُ الهادي به تطويحا الشاهد في البيت أنه جر (مهمه) بـ (ربَّ) وهي مضمرة. والمهمه: القفر من الأرض، والمكسوح: الذي كأنه مكنوس، يقال: كسحتُ البيت إذا كنسته، والمِكسحة: المكنسة. يقول: تحسب هذا المهمه قد كُنس لأنه مُجدب لا شيء فيه من نبت، ولا فيه عَلَم يُهتدَى به. وفي (يطوّح) ضمير في المهمه. يريد أن هذا المهمه يطوح العارف به، يعني أنه يذهب فيهْ ويجيء متحيراً. فتح همزة (أنما) بمنزلة (أنّ) قال سيبويه في باب (إنما) قال عمرو بن الإطنابة الأنصاري: أبلغِ الحارثَ بن ظالمٍ المُوعِدَ ... والناذِرَ النّذورَ عَليّا

(إنما تقتل النيامَ ولا تقتلُ ... يقظانَ ذا سلاحٍ كمِّيا) الشاهد فيه أنه فتح (أنما) وجعلها بمنزلة (أنّ) لو وقعت في هذا الموقع. والكميّ: الذي قد غطاه ما عليه من السلاح. وسبب هذا الشعر أن الحارث بن ظالم المري قتل خالد بن جعفر بن كلاب في جوار النعمان بن المنذر. دخل الحارث على خالدْ وهو نائم، فوضع السيف في بطنه فقتله. فلذلك قال عمرو (إنما تقتل النيام) يريد أنه قتل خالداً وهو نائم. ثم إن الحارث بن ظالم لقي عمرو بن الإطنابة، وعمرو في لأمتهْ وسلاحه، فقال له الحارث أأنت عمرو بن الإطنابة؟ قال: نعم فمن أنت؟ قال: أنا الحارث بن ظالم. . . فنزل إليه عمرو فاستجاره، فأجاره الحارث. ويقال إن عمراً قال له: آمنّي على نفسي فإني أشكرك. فعاتبه الحارث على قوله ما قال، فخلى سبيله. وزعم بعض الرواة أن عمرو بن الإطنابة ذُكر عنده الحارث بن ظالم، فشتمه فنهته امرأتهْ وقالت: ما تريد إلى رجل من العرب لم يَجْرِ بينكْ وبينه شيء قط تشتمه عليه، تريد تشتمه من أجله، فلطمها. فبلغ ذلك الحارث بن ظالم، فركب حتى أتاه بالمدينة في بيته فقال: إني جئت بتجارة، وإني كنت في جوارك، فأخذها بعض قومك فاركب معي. فركب معهْ وعليه السلاح،

رفع جواب الشرط على تقدير التقديم

حتى إذا برزا قال له الحارث بن ظالم: أنائم أنت أم يقظان؟ فزعموا أن عمراً جزَّ ناصيته فوضعها في يد الحارث، فقال له الحارث: قد وهبتك لامرأتك. رفع جواب الشرط على تقدير التقديم قال سيبويه في الجزاء: (وقد يجوز في الشعر: آتي مَنْ يأتِني) يريد أنه يجوز أن يكون الفعل بعد الشرط مجزوماً، ويكون الفعل المتقدم يسد مسد الجواب، ثم يؤخّرْ وهو في نية التقديم. وهذا يحسُن إذا كان فعل الشرط ماضياً. فإذا كانت (إنْ) عاملة لم يجز أن يكون الجواب إلا: بفعل مجزوم، أو بجملة في أولها الفاء. فإن اضطر شاعر كان له أن يجعل الفعل الذي يأتي بعد فعل الشرط مرفوعاًْ وينوي به التقديم. قال أبو ذؤيب: ما حُمِّل البُختِيُّ عامَ غِياره ... عليه الوُسوق بُرُّهاْ وشعيرُها أتى قريةً كانت كثيراً طعامُها ... كرفغ التراب كلُّ شيءٍ يَميرُها (فقيل: تحمَّلْ فوق طَوقِكَ إنها ... مطبَّعَةُ، مَنْ يأتِها لا يَضيرُها) الشاهد فيه أن رفع (يضيرها) ونوى به التقديم، كأنه قال: لا يضيرها مَن يأتِها،

كذا قدّره سيبويه، وأجاز أيضاً في هذا البيتْ وفي نظائره، أن نُقدر الفاء فيه محذوفة منه، ولا يُقدر فيه التقديم. كأنه قال: مَن يأتها فهو لا يضيرها، وحذَف الفاءْ والمبتدأ. فأما هذا الوجه فيوافَقُ عليه - أعني حذف الفاء - وأما تقديره تقديم الفعل، فإن أبا العباس يمنع منهْ ويقول لو قدرتُ الفعل متقدماً لصارت (مَن) فاعلة له، ولو كانت (مَن) فاعلة لخرجت عن أن تكون شرطاًْ وصارت بمعنى الذي، وصار الفعل الذي بعدها مرفوعاً، فكنت تقول: لا يضيرها من يأتيها. والجواب عما قال أبو العباس: أن التقدير في (لا يضيرها) أن يكون مقدماً وفيه ضمير فاعل كأنه قال: لا يضيرها ضير أو لا يضيرها شيء. كما قال الله تعالى (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليَسْجنُنه). وفيه وجه آخرْ وهو عندي جيد، وهو أن يكون الفاعل في (لا يضيرها) (التحمّل) ويكون (تحَّملْ) قد دل على المصدر الذي هو فاعل (يضيرها) ولو قُدر فيها أن فاعلها (التحمل) - على كل حال - صلح، إن قدرتَ الفاء محذوفة، أو قدرتَ فيه التقديم. والغيار: مصدر غارَ أهله يغيرهم إذا مارهم، والميرة: يقال لها الغِيرة، والوُسوق: جمع وَسْقْ والوَسْق ستون صاعاً، و (برُهاْ وشعيرُها) بدل من

في الاستثناء المنقطع

(الوُسوق). أتى البُختيُّ قرية كانت كثيراً طعامها، واللفظ للبختيْ والمعنى لصاحبه، والرفغ: التراب الكثير. كل شيء يَمير هذه القرية، يأتي إليها كل حين من كل ناحية. فقيل لصاحب البُختيّ لتحمل عليه أكثر مما يطيق - إن استوى لك - فإن الطعام الذي في هذه القرية لا يؤثر فيه مقدار ما تأخذه أنت. والمطبّعة: المملوءة. أراد أبو ذؤيب بهذا، أن الذي حمّله خالدَ بن زهير من الأمانة وكَتم سره في أنه يهوى أم عمرو، واستيثاقه منه أنه لا يخونه أعظم مما تحمّله البختي من هذه القرية: وبعد هذه الأبيات: بأثقلَ مما كنتُ حَمَّلتُ خالداً في الاستثناء المنقطع قال سيبويه في الاستثناء: (وإن شئتَ جعلته إنسانها). ذكر هذا بعد ذكره: (ما فيها أحدُ إلا حمارُ) على البدل على مذهب بني تميم. وقال: (أرادوا: ليس فيها إلا حمار، وذكروا (أحداً) توكيداً) أنه ليس فيها إنسان، ولا يجوز أن يكون الحمار مستثنى من الناس. ثم قال بعده: (وإن شئتَ جعلته إنسانها). يريد: جعلتَ الحمار إنسانَ تلك الدار، لأنها قد خلت من أهلها، وصار فيها الوحش بدلاً منهم فكأنهم ناسها، فيكون (أحدُ) واقعاً على الحمير، لأجل أنهم قدِّروا كأنهم ناس تلك الدار.

تقديم الاسم على فعل الشرط، وإعرابه

وقال أبو ذؤيب: (فإنْ تُمْسِ في قبرٍ برَ هوةَ ثاوياً ... أنيسُك أصداءُ القبور تصيحُ) الشاهد فيه أنه جعل الأصداء أنيسَ هذا الرجل المرثي، والأصداء لا يؤنس بها، وهو جمع صدىْ وهو طائر يكون في المفازة، والثاوي: المقيم، ورهوة مكان بعينه. تقديم الاسم على فعل الشرط، وإعرابه قال سيبويه في باب الجزاء، قال كعب ابن جُميل: فإذا قامتْ إلى جاراتها ... لاحتِ السّاق بخلخالٍ زَجلْ وبمَتْنَيْن إذا ما أدبرتْ ... كالعِنانين، ومُرتجٍّ رَهِلْ (صَعدةُ نابتةُ في حائرٍ ... أينما الريحُ تميِّلها تمِلْ) الشاهد فيه أنه أخر فعل الشرطْ وهو مجزوم، وقدّم الاسم قبله، ورفعه بإضمار فعل تفسيره هذا الفعل المتأخر. وهذا لا يجوز إلا في الشعر.

عطف (إياك) كما نعطف الظاهر

وصف امرأة. وقوله لاحت الساق، يريد ساقها لاحتْ وفيها خلخال، والزجِل: المصوِّت، والزجَل: الصوت. وهم يصفون الخلخال في بعض المواضع بالصموت، إذا أرادوا أن الساق ضخمة ممتلئة لحماً، قد ملأت الخلخال فلا يتحرك. ويصفونه مرة بأن له صوتاً، إذا أرادوا أنه يصيب أحدُ الخلخالين الآخر أو غيرَه من الحليّ فيصوّت. وقوله كالعِنانين، يريد أن متنيها أملسان براقان كملاسة السَّيرْ وبريقه. والمرتج كفلها، والرهِل: الذي قد تدلىّ من كثرة شحمهْ ولحمه، والصعدة: القناة، والحائر: المكان الذي يجتمع فيه الماء. شبهه بالقناة في استواء قامتها، وفي تثنيها إذا مشت كما تتئنى القناة إذا ضربتها الريح. عطف (إياك) كما نعطف الظاهر قال سيبويه في باب الضمير، قالت نائحة عدي ابن أخت الحارث بن أبي شَمِر: لعمرُك ما خشيتُ على عديٍّ ... سيوفَ بني مُقيِّدة الحمارِ (ولكني خشيتُ على عديّ ... سيوفَ القوم أو إياك حارِ) قتيلُ ما قتيلُ بني حُذارٍ ... بعيدُ الهمّ جوّاب الصحاري الشاهد فيه أنه عطف (إياكّ) وهو ضمير منفصل كما يعطف بالظاهر. وكان الحارث بن أبي شَمِر بعث ابن أخته عدّياً إلى بني أسد، فقتله يعمر وعُميرة ابنا حُذار،

الإتيان بالضمير منفصلا

وقولها: (سيوفَ بني مُقيِّدة الحمارِ) تريد أن أمهم راعية، تخرج بالغنمْ ومعها حمار تقيده لئلا يعدو. تقول: أنا لم أخش على عدي أن يقتله أولاء. ويروى: (رماح الجن أو إياك حار). تعني أنها لم تكن تخشى عليه أن يقتله أحد من الناسْ ولا يجترئ عليه. ورماح الجن: الطاعون (أو إياك حار) تقول: لم أخش أن تموت إلا بالطاعون، أو بقتلك يا حارث إياه. والحارث هو الملك. تريد أنه لم يكن مثله يُخشى عليه أن يقتله غير ملك، بعيد الهم: تريد أن همته تتناول الأمور البعيدة، لا يبعد عليه شيء مع سعة همته. الإتيان بالضمير منفصلاً قال سيبويه قال عمرو بن معد يكرب: (قد علمتُ سلمىْ وجاراتُها ... ما قطّر الفارسَ إلا أنا) شككتُ بالرمحِ حيازيمَه ... والخيلُ تجري زِيَماً بيننا الشاهد فيه أنه أتى بالضمير المنفصلْ وهو (أنا) حين لم يمكنه أن يأتي به متصلاً، وإنما لم يمكنه أن يصله بالفعل فيقول: (ما قطرت الفارس) لأن المعنى كان يبطل، لأنه يكون نافياً عن نفسه أنه قطر الفارس. والأمر الذي يقع بعد (إلا) هو مثبت مستثنى مما نُفي، فلما احتاج أن يأتي بالضمير بعد (إلا) أتى به منفصلاً لأن موضع انفصال وإنما هو موضع اتصال. الاتصال أن يتصل بالفعلْ ويليه، والانفصال أن يبعد عن الفعلْ ولا يليه.

في باب الاستثناء المنقطع

وقطر الفارس: ألقاه على أحد قطريهْ وهما جانباه والحيازيم: جمع حيزومْ وهو ما حول الصدر، والزِيَم: المتفرقة. يقول: طعنت بالرمح في صدره والخيل تجري بفرسانها تحمل بعضهم على بعض و (زِيَماً) منصوب على الحال. في باب الاستثناء المنقطع قال سيبويه قال عمرو بن معد يكرب: (وخيلٍ قد دلفتُ لها بخَيْلٍ ... تحيَّةُ بينِهمْ ضربُ وجيعُ) الشاهد فيه أنه جعل الضرب بالسيوف تحيةً بينهم. يريد أنهم جعلوا مكان تحية بعضهم بعضاً ضربَ السيوف. ودلفت لها: قصدت إليها وقربت منها ولقيتها. يريد أنه كان يجمع الجيوش فيَلقَى بهم أمثالهم، وعنى أنه كان يرأسهم، لأن الرؤساء يجهوزن الجيوش، ويسيرونهم. العدول عن جزم الفعل إلى رفعه على الاستثناء قال سيبويه في عوامل الأفعال، قال جميل: (ألمْ تَسألِ الرَّبعَ القَواء فينطِقُ ... وهل تُخبرَنكَ اليومَ بيداءُ سَمْلَقُ)

اتصال (لولا) بضمائر الجر

بمختلفِ الأرواحِ بين سُويقةٍ ... وأحدبَ، كادت بعد عهدكَ تُخْلقُ الشاهد فيه على رفع (فينطِقُ) على استثناء خبر، يريد فهو ينطقُ. والقَواء: المكان القفر، البيداء: الصحراء الواسعة، والسملق: التي لا شيء بها من نبتْ ولا غيره، وهي جرداء مستوية. وسويقة موضع بعينه، وأحدب مكان بعينه أيضاً، ومختلفِ الأرواح: الموضع الذي تهب فيه الرياح من كل وجه. كادت هذه المنازل تُخلق بعد أن عهدتها عامرة. اتصال (لولا) بضمائر الجر قال سيبويه في الضمير، قال يزيد بن الحَكم الثقفي: عدوُّكَ يَخشى صولتي إنْ لقيته ... وأنت عدوي ليس ذاك بمستوي (وكم موطنٍ لولاي طِحْتَ كما هوى ... بأجرامه من قلةِ النِيّقُ مُنهوي)

نصب المضارع بعد واو المعية

الشاهد فيه أنه جعل الضمير بعد (لولا) بالياء، وهو ضمير المجرور، والأجرام جسده، والجِرم: الجسدْ وأتى بلفظ الجميع كما قالوا: بعسير ذو ثمانين، والنيق: الجبل الشامخْ وفلته أعلاه، والمنهوي: الساقط، طحت: هلكت. نصب المضارع بعد واو المعية قال سيبويه في عوامل الأفعال، قال ورقاء بن زهير جَديمة العبسيّ: فيا ليت أني قبلَ ضَربةِ خالدٍ ... وقبلَ زهير لم تلدْني تماضرُ (فلا يَدْعُني قومي صريحاً لحُرَّةٍ ... لئن كنتُ مقتولاً وتسلمُ عامرُ) كان خالد بن جعفر بن كلاب قد التقى هوْ وزهير بن جذيمة، فاقتتلا ثم اصطرعا، فوقع زهير تحت خالد، فبَصُر بهما ورقاء بن زهير، فجاء فضرب خالداً فلم يَعمل فيه سيفهْ وجاء رجل من بني عامر فضرب زهيراً - وهو تحت خالد - ضربةً أثخنته، ومات منها بعد ذلك، فنُعيتْ هذه الضربة على بني عبس، وقال ورقاء في هذه الأبيات: رأيتُ زهيراً تحت كلكلِ خالدٍ ... فأقبلتُ أسعى كالعَجولِ أُبادرُ

حذف العائد

فشَلتْ يميني يومَ أضرِب خالداً ... وأحْصَنه مني الحديدُ المُظاهرُ وتماضر أم ورقاء. تمنَّى ورقاء أن لا تكون أمه ولدته لمّا نبا سيفه عن خالد، و (عامر) أراد به القبيلة، و (تسلم) بالتاء، وروَوْه بالنصب على الجواب بالواو. حذف العائد قال سيبويه في عوامل الأفعال، قال الراجز: إني لساقيهاْ وإني لكسِلْ وشاربُ من مائهاْ ومُغتسلْ إنّ الكريمَْ وأبيك يَعتمِلْ (إنْ لم يجدْ يوماً على مَن يَّتكلْ) إبدال المجزوم من المجزوم في جواب الشرط قال سيبويه في باب الجزاء، قال الشاعر: إنْ يبخَلوا أو يجبُنوا ... أو يغدِروا لا يحفِلوا (يغدوا عليك مرجَّلين ... كأنهم لم يفعلوا) كأبي بَراقشَ كلَّ لونٍ ... لونُه يتحوَّلُ

عطف الظاهر على الضمير المجرور

الشاهد فيه أنه أبدل (يغدوا) من قوله (لا يحفِلوا) وليس (يغدو) بدلاً من (يحفلوا) لأنك لو قلت: إن يغدروا لا يغدوا عليك مرجلين لانتقض المعنى، وكان قد نفى عنهم ما يُذمون به. وإنما (يغدو) مقدر في موضع (لا يحفِلوا) كأنه قال: إن يبخلوا أو يجبنوا أو يغدروا يغدوا عليك مرجلين. ومثله قول القائل: زيدُ إنْ يكذبْ لا يستحي يُكابرْ عليه. فـ (يكابرْ) بدل من قوله (لا يستحي) ولو قال (يكابرْ) بعد (لا) لفسد المعنى، ولكنه بدل من (لا وما بعدها). ومعنى لا يحفلوا، لا يبالوا كيف كانت حالهم عند الناس، والمرجّل: المسرَّحُ الرأس المدهونُهُ وإنما يرجل شعره الفارغ القلب، الذي ليس في قلبه همّ. يعنى أنهم إذا بخلوا أو جبنوا أو غدروا لم يحزنوا لشيء من ذلك. وأبو بَراقش: طوير صغير يتحول ألواناً. يريد أنهم يتقلبون في ألوان القبيح، ولا يثبتون على خلق جميل. عطف الظاهر على الضمير المجرور قال سيبويه في باب الضمير، قال الشاعر: (فاليومَ قرَّبْتَ تهجوناْ وتشتِمُنا ... فاذهبْ فما بكْ والأيامِ من عَجَبِ)

إضمار اسم كان

الشاهد فيه أنه عطف (الأيام) على الكاف المجرورة بالباء. وهذا قبيح، يجوز في الشعر. وقربتَ يريد دنوت، ويجوز أن يعني قربت كلامك القبيح، ويجوز أن يريد أنه أسرعَ في سبهمْ وهجوهم كما تقرب الدابة. و (تهجونا) في موضع الحال، و (تشتِمُنا) معطوف عليه، كأنه قال: فاليوم قربت هاجياً وشاتماً، فاذهب: أمر على طريق التهدد، فما بكْ والأيامِ من عَجَبِ، أي أنت يُتوقع منك أفعال قبيحة، ولا نعجب أن يفعل القبيح مثلك، كما أن الأيام يُتوقع أن يرد فيها كل ما نعجب منه. إضمار اسم كان قال سيبويه في أبواب الضمير: قال الشاعر: (إذا ما المرءُ كان أبوه عبسُ ... فحسبُك ما تريدُ إلى الكلامِ) الشاهد فيه أنه أضمر في (كان) اسمها، ورفع (أبوه) بالابتداءْ و (عبس) خبره والجملة في موضع خبر (كان). ويجوز أن يكون (أبوه) رفعا بـ (كانّ) وينصب (عبسا) خبر كان. ويجوز أن يكون مرفوعاً بـ (كان) مقدرة بعد (ما) و (كان) التي هي ظاهرة، تفسيرها. لأن (إذا) يطلب الفعل. وهذا هو الوجه عندي. ويجوز في (كان) غير ما ذكرتهْ ولكن الوجهين اللذين تقدما أجود من غيرهما.

رفع المصدر المؤول (من أن وما بعدها) على الابتداء

يقول: إذا نُسب العربي إلى عبس، فحسبك بنسبته إلى عبس شرفاً ورفعة، ما تريد إلى الكلام، أي ما تطلب بعد شرفهْ وأدبه. رفع المصدر المؤول (من أنّ وما بعدها) على الابتداء قال سيبويه في أبواب (أنّ). قال المفضّل النكري. (أحقا أنّ جيرتنا استقلوا ... فنيتناْ ونيَّتهمْ فربقُ) فدمعي لؤلؤ سلسُ عُراهُ ... يخِرُّ على المهاوي ما يَليقُ الشاهد فيه أنه أتى بقوله (أنّ جيرتنا استقلوا) و (أنّ وما يتصل بها) في تقدير مصدر كأنه قال: أحقاً استقلالُ جيرتنا. و (استقلال) مبتدأْ و (حقاً) في معنى ظرفْ وهو خبر المبتدأ. ومعناه: أفي حقٍ استقلالُ جيرتنا. وزعم قوم أن سيبويه لا يرفع مثل هذا على الابتداء، وإنما يرفعه بالظرف، وأنه فيما سطره سيبويه المنع من الابتداء بـ (أنّ) المفتوحة المشددة. وقد ذهبوا بكلام سيبويه إلى غير وجهه - والذي يمنعه سيبويه أن تكون (أنّ) التي هي مبتدأة في حكم الإعراب - مبتدأة في اللفظ، ولم يمنع أن تكون مبتدأة من طريق الحكم. والدليل على صحة هذا قولهم: إنّ عندي أنّك خارج. فـ (إنّ) قد عملت في (أنّ) كما تعمل في (زيد) من قولك: إنّ خلفك زيداً. ولو كان (عندي) عاملاً في (أنك خارج) لما تخطى عملُ إنّ المكسورة إلى (أنّ). ونحن نستدل على

مجيء (لو) اسما

صحة ما نذهب إليه في قولنا (إنّ زيداً) مبتدأ من قولهم (خلفك زيد) بأنّا إذا جئنا بـ (إنّ) المكسورة قبل الظرف، وصل عملها إلى الاسم كما يصل عملها إليه في قولك (زيد خلفكّ) ولو ارتفع في التأخير بالظرف، لم يصل عمل (إنّ) المكسورة إليه. ومعنى استقلوا: فرغوا من شد متاعهمْ ورحالهم على إبلهم، ثم أثاروا إبلهم ليسيروا، والنيّة: الموضع الذي ينوي المسافرون الرحيل إليه. يقول: هم ينوون الرحيل إلى موضع غير الموضع الذي ننوي نحن الرحيل إليه. وفريق: مفترقة، والنية أنثى، وهي عندي من نحو قولهم: امرأة صديق، وليس على القياسْ وكان ينبغي أن يقول: ْ ونيتناْ ونيتهم فريقان، ولكنه اكتفى بخبر إحداهما عن خبر الأخرىْ ويجوز أن يكون من نحو استعمالهم (عدوّاً) للواحدْ والاثنينْ والجمع، و (صديق) كمثل ذلك. فدمعي لؤلؤ يعني مثل اللؤلؤ في تحدره على خدي، سلسُ عُراهُ: أي سلس يقطع السمط الذي فيه اللؤلؤ، فانحداره سريع، والمهاوي: المواضع التي يقع منها الدمع من الوجه إلى الأرض، ما يليق: ما يثبتْ ولا يستمسك، ويخر: يسقط. مجيء (لو) اسماً قال سيبويه في باب ما ينصرفْ وما لا ينصرف: (وأما (لوْْ وأوْ) فهما ساكنتا الأواخر، لأن ما قبل آخر كل واحدة منهما متحرك فإذا صارت كل واحدة منهما اسماً، فقصتها - في التذكيرْ والتأنيثْ

والانصراف وترك الانصراف كقصة (ليتْ وإنّ) إلا أنك تُلحق واواً أخرى فتثقلْ وذلك لأنه ليس في كلام العرب اسمُ آخره واو قبلها حرف مفتوح). قال أبو زبيد: (ليت شعريْ وأين منيَ ليتُ ... إنّ ليتاً وإنّ لوّاً عناءُ) أيُّ ساعٍ سعى ليقطعَ شِربي ... حين لاحت للشارب الجوزاءُ الشاهد في هذا البيت أنّ (لو) لما جُعلت اسماً زيد عليها واو أخرى، لأنه لا يكون اسم متمكن على حرفين الثاني منهما واو أو ياء أو ألف، فإذا سميتَ بشيء مما ثانيه حرف من هذه الحروف، زدت على الحرف الثاني مثله. وسبب هذا الشعر أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط - لما قدم الكوفة - أخذ الجنينة من ربيع الطائي ودفعها إلى أبي زبيد، ثم عُزل الوليد بسعيد بن العاصي فلما قدم سعيد انتزع الجنينة من أبي زبيدْ وأخرجه منها فقال أبو زبيد: ليت شعري أيُّ ساعٍ سعى في أمري حتى أُخذت الجنينة مني. وجعل أخذ الجنينة منه بمنزلة انقطاع الماء عنه في أشد الأوقات التي يحتاج فيها إلى الماء. وقوله: (وأين منيَ ليتُ) يريدْ وأين مني ما أتمناه، كأنه قال: وأين

بناء ظروف المكان على الضم - كظروف الزمان

مني ما أتمناه بقولي ليتَ. يعني أنه لا يطمع فيه لأنه قد تقضّىْ وفات، فلذلك كان تمنيه عناء، والعناء: التعب، أي لا يحصل منه إلا عناء. (أيُّ ساعٍ) معلق بـ (ليت) قد سد مسد الخبر عند كثير من النحويين، كما تقول: ليت شعري أزيدُ في الدار. وتقديره: ليت شعري أيُّ ساع سعى ليقطع شِربي. وقوله: (وأين منيَ ليت إلى آخر البيت) اعتراض بين (ليت شعريّ) وبين ما تعلق بها من البيت الثاني. (حين لاحت للشارب الجوزاء) يريد حين ارتفعت في آخر الليل، وذلك يكون في شدة الحر، وأراد بالشارب: الذي يشرب الجاشرية، وهي ما يُشرب وقت السحر. ويروى (للصابح) وهو الذي يسقي غيره الصَّبوح، وهو ما يشرب عند الإصباح. بناء ظروف المكان على الضم - كظروف الزمان قال سيبويه: (ومن العرب من يقول: من فوقُ ومن تحتُ يشبهه بقبلُ وبعدُ). وقال أبو النجم: وقد جعلنا في وَضينِ الأحْبُلِ جَوْزَ خفافٍ قلبُه مثقلِ أحزمَ لا قوقٍْ ولا حَزَنبَلِ موثقِ الأعلى أمينِ الأسفلِ (أقبَّ من تحتُ أمينٍ من عَلِ) معاودٍ كرَّةَ أدبرْ أقبلِ

الوضين: نِسعة عريضة تعمل من أدَم مثل الحزام، والأحبل: جمع حبل، والجوز: الوسط، والخفاف: الخفيف، والمثقل: الثقيل الضخم. أراد أنهم شدوا في الوضين وسط بعير خفيف قلبه، أي ذكي حاد، وهو مع خفة قلبه، بدنه ضخم عظيم. وزعم بعض الرواة أنه أراد أنّ هذا البعير خفيف سيره، وقور قلبه، وأن المثقل للقلبْ والخفاف للجسم. وأراد بخفاف الجسم أنه سريع السير، ويكون في الكلام تقديمْ وتأخير، كأنه قال: جَوْزَ خفاف مثقل قلبُه. وجعله كقول امرئ القيس: . . . . فقِلْ في مَقَيلٍ نحسُه متغيِّبِ يريد: متغيبِ نحسُه. والمعنى أنه شد على بعير - أراد أن يسنوَ به - الأداة التي تكون للسّانية، وشد عليه الوضين. والأحزم: البعير العظيم موضع الحزام، ويُستحب من البعير اتساع جوفه، والقوق: الطويل المضطرب، والحزنبل: القصير. يريد أن هذا البعير تام الخلق شديد، ليس بطويل مضطربْ ولا بقصير دميم. وأراد بالأعلى: ظهر البعير أنه شديد، وأمين الأسفل: شديد القوائم، والأقبّ: الضامر الخصر ليس بمسترخيه، وخصره تحت متنهْ وظهره، وإذا

تنوين ظروف المكان وجعلها نكرات

استرخى خصره ضعف. وقوله (أمينٍ من عَلِ) يريد أنه شديد الظهر، وهذا البعير معاود للاستقاء من الآبارْ ولأن يقال له: أدبرْ وأقبل: أدبر عن البئر إذا امتلأت الدلو، وأقبل إليها إذا تفرغت. يريد أنه قد استقي عليه مراراً كثيرة. تنوين ظروف المكانْ وجعلها نكرات قال سيبويه: (وكذلك من أمامٍْ ومن قدّامٍ ومن وراءٍ ومن قبُلٍ ومن دُبُرٍ وزعم أنهن نكرات) وقال أبو النجم: تفلي له الريحُ ولمّا يَفتلِ لمّة قفرٍ كشعاعِ السّنبُلِ (يأتي لها من أيمُنٍْ وأشمُلِ) الشاهد على تنوين أيمنْ وأشملْ وجعلهما نكرتين، وهما جمع يمينْ وشمال. وأراد أن هذه الظروف تكون نكرات في الأصل. وصف راعياً. وقوله: تفلي له الريح، يريد إذا هبت الريح فرقت شعره لشعثه، وأنه ليس بمتلبّد لأنه لا يُدْهنْ ولا يمْشط، فالريح تفرقه، ولا تفرقه الريح حتى تأخذ القمل من رأسه كما تفعل الفالية؛ وإنما تفرقه بهبوبها. والقفر: مخفف من القفرْ وهو الذي جسمه يابس لا يُدهنْ ولا يُغسل. يقال منه: قفر يقفر قفرا، ويقال أيضاً قِفر يقفر إذا لم يجد أدْماً لطعامهْ ولا لحماً. والقفر: قلة لحم الجسم، يقال: رجل قفِرُ وامرأة

علم المصدر

قفِرة إذا كانا قليليْ اللحم. وشَعاع السنبل بفتح الشين: ما تفرق من أطرافه الدِقاق. شبّه انتصاب شعره بانتصاب شوك السنبل، يأتي لها: يريد أن الراعي يأتي الإبل من ميامنهاْ ومياسرهاْ ويدور حولها. عَلم المصدر قال سيبويه: (ومما جاء اسماً المصدر قول الشاعر) وهو النابغة: وعلمت يوم عكاظ حين لقيتني ... تحتَ الغبار فما خططتَ غباري (أنّا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملتُ بَرَّةَ واحتملتَ فجارِ) يخاطب النابغة بهذا زُرْعةَ بن عمرو الكلابي، يعني أنهما تلاقيا بعكاظْ وتفاخرا، فغلبه النابغة. وقوله: تحتَ الغبار، لم يُرد أنهما كانا في غبَرة، وإنما هذا مثل، أي التقينا فتفاخرنا ليعلم فضل الفاضل منا، فكنا بمنزلة فرسين استبقاْ وعّدَوا، فثار من عدْوهما غبار. وقوله فما خططتَ غباري: أي ما شققتَه. يقول تقدمتك في العدوْ وسبقتك، وكنتُ كفرس أثار الغبار في عدوه، وقصّر الفرس الذي يسابقه، فما كان المسبوق منهما يبلغ موقع الغبار الذي أثاره

ترخيم أمثال: عامر ومالك لكثرة الاستعمال

الأول إلا بعد أن يسكن الغبار. وهذا يدل على بُعد ما بينهما، وغبار كل فرس إنما يثور وراءه، فإذا كان الثاني لا يلحق غبار الأول فكيف يدركه. ويروى: فما حططت بحاء غير معجمة، أي لم يرتفع غبارك فوق غباري، يريد أنه لم يدركه فيختلط غبار كل واحد منهما بغبار الآخر. وقوله: احتملنا خطتينا بيننا، يقول: كل واحد منا رجع لخطتهْ وطبعهْ وطريقته التي اختارها، فأخذتُ أنا لنفسي البِرّْ والأفعال الحسنة، وأخذت أنت لنفسك الفجورْ والأفعال القبيحة. وعند سيبويه أن (فجارِ) بمنزلة الفجور، كأنّ (فجارِ) معدول عن الفجْرة. ترخيم أمثال: عامرْ ومالك لكثرة الاستعمال قال سيبويه في باب الترخيم: (وليس الحذف لشيء من هذه الأسماء ألزم منه لحارثْ ومالكْ وعامر، وذلك لأنهم استعملوها كثيراً في الشعر، وأكثروا التسمية بها). قال الذبياني: (قالت بنو عامرٍ خالوا بني أسدٍ ... يا بؤسَ للجهلِ ضرّاراً لأقوامِ) يأبى البلاءُ فما نبغي بهم بَدَلاً ... وما نريدُ خِلاءً بعد إحكامِ

(فصالحونا جميعاً إنْ بدا لكمُ ... ولا تقولوا لنا أمثالها عامِ) البيت الأول أنشد سيبويه عجزه في المنفي، واستشهد به على أن الشاعر إذا اضطر أدخل اللام بين المضافْ والمضاف إليه، وهذا هو الإقحام. واستشهد بالبيت الثالث على ترخيم (عامر). وسبب هذا الشعر أن بني عامر بن صعصعة بعثوا إلى حِصن بن حُذيفة، وعُيينة بن حصن أن اقطعوا ما بينكمْ وبين بني أسد من الحلف، وألحقوهم ببني كنانةْ ونحالفكم، فنحن أقرب إليكم منهم. وذلك أن بني ذبيانْ وبني عامر بن صعصعة كلهم من قيس عيلان، وبني أسد من خندف. فخشي النابغة أن يتم هذا - وكان محباً لبني أسد، كارهاً أن ينقطع ما بينهمْ وبين بني ذبيان - فقال هذا الشعر. وقوله: خالوا، ووزنه فاعِلوا. ومنه خاليت الرجل مُخالاةْ وخِلاء. يقول: هذا الذي التمستموه من قطع الحلف الذي بينناْ وبين بني أسد جهْل، يأبى أن يقطع الحلفَ الذي بينناْ وبينهم ما بلوناه منهم، واختبرناه من نصحهم لنا، ونصرهم إيانا إذا دعوناهم إلى نصرتنا. والخِلاء: مصدر خالي يُخالي إذا تارك. يقول: ما نريد أن نتاركهم وقد أحكمنا ما بيننا وبينهم، فصالحونا جميعاً إن أحببتم. أي ادخلوا معنا في محالفة بني أسد، حتى يقع الصلح

تنوين (أذرعات وعرفات) أعلاما

بين جماعتنا، ولا تقولوا لنا أمثال هذه المقالة يا عامر ابن صعصعة. تنوين (أذرعات وعرفات) أعلاماً قال سيبويه: (وقال في رجل اسمه مسلماتُ أو ضَرَبات: هذا ضَرَباتُ كما ترى ومسلماتُ كما ترى، وكذا المرأة لو سميتها بهذا انصرفت). ثم احتج على ذلك بحجة حتى انتهى إلى قوله: (ألا ترى إلى (عرفات) مصروفة في كتاب الله عز وجل، وهي معرفة، الدليل على ذلك قول العرب: هذه عرفاتُ مباركاً فيها). أراد أنهم نصبوا (مباركاً) على الحال، فلو كانت عرفات نكرة لكان الوجه أن يكون (مباركُ) مرفوعاً نعتاً لعرفات. ثم قال سيبويه: (ويدلك على معرفتها أنك لا تُدخل فيها ألفاً ولاماً). قال: (ومثل ذلك أذرعاتُ،

وجوب حذف الخبر والمبتدأ قسم صريح

سمعنا أكثر العرب يقولون في بيت امرئ القيس بن حُجْر): تنوَّرتها من أذرعاتٍ وأهلها ... بيثربَ، أدنى دارِها نَظرُ عال تنوَّرتها نظرت إلى نارها - التي توقد بالليل - من أذرعات، أي وأنا بأذرعات من أرض الشام وهي مع أهلها بيثرب. وقيل إنه أراد أنه نظر إلى دارها بقلبه. وقوله: أدنى دارِها نَظرُ عال: يريد أن أقرب المواضع التي تدنو من دارها؛ بينه وبين موضعها نظر عال، أي مرتفع، فكيف أراها بعيني، وبيني وبينها بلاد كثيرة، وهذا يقوّي أنه نظر إليها بقلبه. وجوب حذف الخبر والمبتدأ قسَم صريح قال سيبويه في باب ما عمل بعضه في بعض وفيه معنى القسم: (وسمعنا فصحاء العرب يقولون في بيت امرئ القيس): فقلت يمينُ اللهِ أبرحُ قاعداً ... ولو ضَربوا رأسي لديك وأوصالي أراد أنهم رفعوا (يمينُ اللهِ) بالابتداء وحذفوا خبره، وتقديره: يمينُ اللهِ قسمي وهو مثل: لعمرُ الله لأفعلنّ. والمعنى أن هذه المرأة لما وصل إليها امرؤ القيس زجرته، وأرادت أن

صيغة (فعال) في النسبة: نبال

ينصرف، فحلف أنه لا يبرح حتى ينال حاجته ولو ضُرب رأسه وأوصاله. وأوصاله: أعضاؤه الواحد منها وِصْل. والمعنى واضح. صيغة (فعّال) في النسبة: نبّال قال سيبويه في باب من الإضافة لا تُلحِق فيه ياءيْ الإضافة: (وقالوا لذي السيف سيّاف والجمع سيّافة). وقال امرؤ القيس: لِيقتلني والمَشرَفيُّ مُضاجعي ... ومسنونةُ زُرقُ كأنيابِ أغوالِ وليس بذي سيفٍ فيقتلني به ... وليس بذي رمحٍ وليس بنبّالِ أراد وليس بذي نبل. وصف حال امرأة هويَها وهويته، وأن زوجها أراد قتله فقال: كيف يقتلني والمشرفي مضاجعني؟ والمشرفي: سيف منسوب إلى المشارف، قرى تدنو من الريف. والمسنونة: المحددة، وأراد نصال سهام قد جُليت فصفت، وإذا اشتد صفاؤها، ضَربتْ إلى الزرقة، وجعلها كأنياب أغوال تعظيماً لطولها وحدّتها، وأن يبالغ في قوتها،

في: حيهل

والأغوال جمع غول. شبّه نصال السهام التي معه بأنياب الغيلان. يقول: أنا مع سلاحي وهو أعزل ليس بصاحب سيف ولا صاحب رمح وليس معه نبل (فيقتلني به) نصب على الجواب. والشاهد في البيت أنه جعل النبّال في موضع النابل، أراد وليس بصاحب نبل. ويحتمل معنى الشعر عندي أن يعني بقوله: (لِيقتلني والمَشرَفيُّ مُضاجعي ومسنونةُ زُرقُ) أن جماله وحسنه وما عند المرأة من محبتها له، بمنزلة السلاح الذي يقاتل به، وأن زوجها لقبحه ومقت المرأة له - وأنها لا تحبه محبة يسيرة ولا كثيرة - بمنزلة الأعزل الذي لا سلاح معه. فزوجها كاسف البال مهموم لا يمكنه إخراج ما في قلب امرأته من امرئ القيس. ويقوّي هذا المعنى قوله: ليقتلني وقد شعفتُ فؤادَها ... كما شعفَ المهنوءةَ الرجلُ الطالي يعني أن محبتها له قد التبست بقلبها ووصلت إليه، كما يصل القطران الذي تُطلى به الإبل إلى قلوبها، حتى يسعى عليه من شدته. في: حيّهل قال سيبويه: (وأما حَيَّهل التي للأمر فمن شيئين، يدلك على ذلك (حيَّ على الصلاة) قال مزاحم العُقيلي:

في أسماء العلم - مما أصله صفة

بحَيهَلا يُزْجون كلَّ مطيةٍ ... أمامَ المطايا سَيْرُها المُتقاذِفُ الإزجاء: السَّوْق يقال: أزجى يُزجي. يقول: يسوقون المطايا بقولهم (حيّهلا) والمُتقاذِفُ: الذي يتبع بعضه بعضاً، كأنّ كل سير تسيره هذه المطية يقذف بها إلى سير آخر. ومثله قول عمر بن أبي ربيعة: أخو سَفرٍ جوّابُ أرضٍ تقاذفتْ ... به فلواتُ فهو أشعثُ أغبرُ أي رمته فلاة إلى أخرى. و (سيرها) مبتدأ و (المُتقاذِفُ) وصفه و (أمامَ المطايا) خبره. ويروى: بحيَّهَلا عَجْلى الرَّواحَ رمى بها ... أمامَ المطايا. . أي بهذا القول، رمى بهذه الناقة سيرُها قدام الإبل، أي هذا الزجر لها كان سبب تقدمها الإبلَ وإسراعها. و (عجلى) اسمها. أراد: يا عجلى سيري وأسرعي. و (الرواح) منصوب لأنه مصدر في موضع فعل الأمر، يريد: روِّحي رواحاً. في أسماء العلم - مما أصله صفة قال سيبويه في باب تسمية الأرضين: (ومنها ما لا يكون

إلا على التذكير نحو (فلج) وما وقع صفة كـ (واسط) ثم صار بمنزلة زيد وعمرو، وإنما وقع لمعنى). يريد ما كان أصله صفة للموضع، ثم غلبت عليه الصفة حتى جرى مجرى الاسم العلم). قال مسكين الدارمي: ونابغةُ الجعديُّ بالرملِ بيته ... عليه ترابُ من صفيحٍ موضعُ أتى ابنَ جُعيلٍ بالجزيرة يومُهُ ... وقد فارقَ الدنيا وما كان يجمعُ كذا إنشاد الكتاب: (ترابُ من صفيح). وفي شعره: (عليه صفيح من رخام موضعُ) وهي أحب إليّ من رواية الكتاب، لأن قوله: (تراب من صفيح) فيه بُعد. والصفيح: الحجارة، والرخام: الصخور العظام، والموضعُ: المُلقى بعضه فوق بعض. أراد أن قبر النابغة في الرمل، وذكر حال الشعراء المتقدمين، وأنهم فنوا وذهبوا فلم يبق منهم أحد. يصغّر أمر الدنيا ويحقره. والشاهد فيه أنه جعل النابغة - وهو في الأصل صفة - بمنزلة الاسم العلم، ونزع منه الألف واللام. وجعله اسماً كما تجيئه بطلحة وحمزة.

جمع (أولي وذوي) بلا إضافة على (ألون وذوون)

جمع (أولي وذوي) بلا إضافة على (ألون وذوون) وقال سيبويه في باب تغيير الأسماء المبهمة: (وسألته - يعني الخليل - عن رجل سمي بـ (أولي وبذوي) فقال: أقول هذا ذَوُون وهذا أُلون، لأني لم أُضف، وإنما ذهبَت النون في الإضافة). وقال الكميت: صَهٍ لجوابِ ما قلتمْ وأوْكتْ ... أكفكمُ لي ما تنفخونا فلا أعني بذلك أسفليكمْ ... ولكني أُريد به الذّوينا الشاهد فيه أنه لما لم يُضف (ذو) إلى شيء، رد النون التي حذفت منه، وهو جمع سالم، إلا أن استعماله بالإضافة، فتسقط نونه للإضافة، فلما لم يمكن الشاعر أن يضيف ردَ النون. وهذه القصيدة، يذكر فيها الكميت فضل عدنان على قحطان. وقوله: صهِ، أي اسكتوا حتى تسمعوا مني جواب ما قلتم. وأوكت: أي شدت، والوِكاء: ما يشد به القِربة أو الزِق أو غيره. يقول: قد جنيتم بعداوتكم لمعدّ، فاصبروا على ما جره فعلكم. وأصل هذا الكلام مَثل للعرب، وهو قولهم: (يداك أوكتا وفوك نفخ). وذلك أن رجلاً أراد أن يعبر نهراً عظيماً، ولم يجد سفينة يعبر فيها، فأخذ زِقاً ونفخه وشده، فلما توسط النهر انحلّ الزق وخرجت الريح، وغشيه الموت فاستغاث، فقيل له: يداك أوكتا وفوك نفخ. يريدون يداك

في النسبة - إبدال الهمزة واوا

أوكتا الزِق، وفوك نفخ الريح، ثم صار هذا مثلاً لكل من جنى على نفسه لشيء فعله. وقوله: (فلا أعني بذلك أسفليكمْ) يريد: لست أعني بمخاطبتي من ليس له قدر من أهل اليمن والسِّفلة، وإنما أريد ملوكهم كذي يَزَن وذي جّدّن وذي رُعَين وذي الكلاع ومن أشبههم. في النسبة - إبدال الهمزة واواً قال سيبويه في الإضافة إلى كل شيء لامه واو أو ياء قبلها ألف ساكنة غير مهموزة: (وإن أضفتَ إلى شقاوة وغباوة وعِلاوة قلت: شقاوي وعِلاوي وغباوي وذلك لأنهم قد يبدلون مكان الهمزة الواو لثقلها، ولأنها مع الهمزة مشبهة بآخِر حمراء). يريد أن الواو إذا كانت في الواحد في هذا النحو، لم يجز أن تقلبها في النسب همزة، كما فعلتَ في بنات الياء حين قلت في: سِقاية سِقائيّ وفي صَلاية صلائي، لأنهم قد يفرون مما فيه الهمزة ثابتة في الواحد، إلى الواو في النسب، نحو كساويّ ورِداوي، فإذا كان ما فيه الهمزة في الواحد، يقلبون همزته في النسب واواً، وإذا كان ما في واحده الواو، لا تقلب واوه همزة، لأنه قد حصل ما يفرون إليه من الهمزة. قال جرير: إذا هبطنَ سماوياً مواردُهُ ... من نحو دُومَةِ خَبْتٍ قلّ تعريسي

في النسبة - حذف الألف المقصورة

السماوي: طريق السماوة، والسماوة: موضع في البرية التي بين دمشق وأرض العراق، والسماوة: بلاد بحلب، والموارد: الطرق، والتعريس: النزول في آخر الليل، والذي يسير بالليل إذا نزل في آخره فقد عرّس. ودومة خَبْت: موضع، والخبت: موضع فيه انهباط. وفي (هبطن) ضمير من الرواحل. وفي شعره: (إذا عَلوْن سماوياً) يريد إذا علت الإبل طريق السماوة جددْتُ في السير، ولم أطِل التعريس حتى أصل عن قرب. و (موارده) مبتدأ و (من نحو دُومَةِ خَبْت) خبره، والضمير المضاف إليه (الموارد) يعود إلى السماوي. يقول: هذا الطريق السماوي، الطرق المتصلة به من نحو دومة. في النسبة - حذف الألف المقصورة قال سيبويه في الإضافة إلى ما في آخره ألف زائدة لا تنون: (وأما حُبْلى ودِفلتى فالوجه فيه ما قلت لك). يريد أن الوجه في النسب أن تحذف الألف منه، يريد أن ما في آخره ألف التأنيث؛ الوجه فيه حذفها. قال ساعدة بن جؤية: كأنما تقعُ البُصْرِيُّ بينهمُ ... من الطوائف والأعناق بالوَذمِ

صيغة (فاعل) لصاحب الشيء

البُصْرِيّ: أراد به السيوف المنسوبة إلى بُصرى، والطوائف: نواحي البدن وأطرافه، والوَذمِ: السيور التي بين آذان الدلو والعَراقي، وهي الخشبة التي كهيئة الصليب. وواحد الوذم وَذمة. يريد أن السيوف التي تقع في أعناقهم وطوائفهم، كأنها واقعة في سيور الدلو لسرعة مرّها وقطعها. يصف قوماً أُغير عليهم ووقع بهم أعداؤهم. صيغة (فاعل) لصاحب الشيء قال سيبويه في باب من الإضافة لا تلحِق فيه ياءي الإضافة: (وأما ما يكون ذا شيء وليس بصنعة يعالجها فإنه مما يكون فاعلاً) قوله ذا شيء، أي صاحب شيء فهو عنده (وذلك قولك لذي الدرع: دارع، ولذي النبل: نابل، ولذي النشاب: ناشب، ولذي التمر واللبن: تامر ولابن قال الحطيئة): أغَررْتني وزعْمتَ أنكَ ... لابِنُ بالصيف تامِرُ يخاطب بذلك الزِبْرِقان بنَ بدر ويقول له: دعوتني إلى أن أجاورك، وقلت لي: إنّ عندك تمراً ولبناً يكفيني ويكفي عيالي، فلما نزلت عليك أضعتني. وإنما قال: لابِنُ بالصيف تامر، لأنهم مخصبون في الصيف،

ما جاء معدولا على وزن (فعال)

ويكثر فيه الألبان والتمور فإذا كان عادماً للبن والتمر في الصيف، فهو لهما في الشتاء أعدم. ما جاء معدولاً على وزن (فعالِ) قال سيبويه في باب ما جاء معدولاً عن حده من المؤنث. قال الفرزدق: نَعاءِ ابنَ ليلى للسماحة والندَى ... وأيدي شمالٍ بارداتِ الأناملِ ويروى: للسماح وللندى يريد انْعَ ابنَ ليلى لأجل فقد سماحِهِ وجوده. وأيدي شمال: يعني هبوب الشمال في الشتاء، وجعَل ما يمس الناس من برد الشمال يداً للشمال كما يمد يده الذي يريد أن يمس الشيء حتى يباشره بيده. وابن ليلى غالب بن صعصعة أبو الفرزدق وأمه ليلى بنت حابس بن عقال. وقال زهير: ولنِعْمَ حشوُ الدِرعِ أنتَ إذا ... دُعيتْ نَزالِ ولجَّ في الذّعرِ يريد: نعم الرجلُ الذي يلبس الدرع ويحشوها ببدنه، أي يملأها. والمعنى: نعم الشجاعُ أنت إذا تداعى الفرسان للنزول، وإنما يتداعون للنزول إذا اشتدت

الحرب وتضايق الأمر. والذعر: الفزع، ولجَّ فيه: يعني لجَّ القوم في أسباب القتال الذي هو سبب الذعر، يمدح بذلك هرم بن سنان. قال سيبويه في الباب المتقدم: (فهذا معدول عن مؤنث) يعني باب (فعال) أجمع (وإن كانوا لم يستعملوا في كلامهم ذلك المؤنث الذي عُدل عنه (بَدادِ) وأخواتها). ثم قال: (ونحوُ ذا في كلامهم، ألا تراهم قالوا: مَلامح ومَشابه وليالٍ، فجاء جمعه على حد ما لم يستعمل في الكلام). يريد أن الذي عُدِل عنه (فعالِ) لم يستعمل، كما أن واحد (مَلامح ومَشابه) لم يستعمل. وقال المتلمس. كأنّي شاربُ يومَ استبدّوا ... وحثَّ بهم لدَى المَوْماةِ حادي عُقاراً عُتقتْ في الدَنِّ حتى ... كأنّ حَبابَها حَدَقُ الجراد جَمادِلها جَمادِ ولا تقولي ... طَوالَ الدهرِ ما ذُكرتْ: حَمادِ قوله استبدوا: يريد استبدوا برأيهم في عزمهم على الرحيل، من غير أن يشاوروني فيه، ولو شاوروني لم أشِرْ عليهم. والموماة: القفر من الأرض والجمع الموامي، والحَباب: ما يعلو فوق الخمر كأنه حب إذا صُبّت في الإناء أو مُزجت. شبهه بحدق الجراد. ثم دعا عليها فقال (جَمادِ لها). يجوز أن يكون دعا على المرأة التي كان يهواها، حين سارت مع القوم الذين فارقوه. يقول:

منع العلم من الصرف على معنى القبيلة

جَمَدَتْ يدُها فلا أعطت أحداً خيراً. يريد: لا أنالت أحداً خيراً من جهتها كما لم تُنلني أنا من جهتها خيراً. و (جَمادِ) بمعنى اجمُدْ، يريد ادْعُ عليها بجمود الكف، ولا تَحْمَدْها إذا ذُكرت. منع العلم من الصرف على معنى القبيلة قال سيبويه في باب الأحياء والقبائل. قال الأخطل: فإنْ تَبْخلْ سَدُوسُ بدرهَمَيْها ... فإنّ الريحَ طيبةُ قبولُ وإنّ بني أميةَ ألبسوني ... ظِلالَ كرامةٍ ما إنْ تزولُ كان الأخطل أتى سُويدَ بنَ مَنجوفٍ السَّدوسي يسأله في حَمالةٍ لزمته حتى يُعينه، فلم يعطه، وقصد بشرَ بن مروان فأعطاه. وقوله: (فإن الريح طيبة قبول) قيل في تفسيره: إن الأرض واسعة يقصد منها الإنسان حيث شاء، وفي أي جهات الريح شاء أن يسلك سلك. والقَبول: التي تقبل ما دخل فيها. و (القبول) اسم خاص للصَّبا، وعندي أن الذي يعينه الأخطل الوجه الأول. مَوْحَد مَثنَى منعها من الصرف قال سيبويه في باب (فعل): (وقال لي - يعني الخليل - قال لي أبو عمرو: (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورُباع) صفة، كأنك قلت أولي أجنحة اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة. وتصديق قول أبي عمرو قول ساعدة

ابن جؤية) وأنشد بيتين له غير متواليين. قال ساعدة: وعاوَدَني دِيني فبتُّ كأنما ... خِلال ضلوع الصدر شِرْعُ ممدَدُ بأوبِ يَدَيْ صَناجةٍ عند مُدْمِنٍ ... غوِيٍّ إذا ما ينتشي يتغردُ فلو أنه إذ كان ما حُمَّ واقعاً ... بجانب من يَحْفى ومن يتوددُ ولكنما أهلي بوادٍ أنيسُهُ ... ذِئابُ تبغي الناسَ مثنى ومَوْحَدُ الدين في هذا الموضع: ما يعتاده من الهموم، يراجعه مرة بعد مرة، يريد أنه عاوده حزنه على ابنه، والشِرْعُ: الوتر، ويقال فيه: شِرعة. يريد أنه بات وفي صدره دوي، كأن صوته صوت وتر عود، وخلال ضلوع الصدر بينها، والأوب: الرجوع. يريد ترديد هذه الصناحة يدها بالصنج، والباء في معنى مع. يريد أنه خلال ضلوع الصدر وتر، مع أوب يدَيْ صناجة. يقول: كأن في صدري صوت وتر مع صوت صنج. والمدمن: الذي يديم الشرب، والغوي: الجاهل الذي لا يبالي ما صنع، وينتشي: يسكر، ويتغردُ: يتغنى،

المنع من الصرف ما لحقته ألف التأنيث

ويطرب: يمدد صوته. ثم قال: فلو أنه إذ كان ما حُمَّ: أي ما قدِّر أنه يقع بي، واقعاً بجنب قوم يحبونني ويودونني لكان أسهل علي. وحذف جواب (لو). يريد أنه لو وقعت به هذه المصيبة وهو عند أهله لعزَّوه ورفقوا به، ولكنْ أتته المصيبة وهو بين قوم لا يبالون ما نزل به. ثم قال: ولكنما أهلي بوادٍ أنيسُهُ ذِئابُ. يريد أن أهله في بلد لا يجاورهم فيه إلا السباع. تبغى: تطلب الناس اثنين اثنين وواحداً واحدا. المنع من الصرف ما لحقته ألف التأنيث قال سيبويه في باب ما لحقته ألف التأنيث: (وبعض العرب يؤنث (العَلقي) فينزّلها بمنزلة (البُهْمى) يجعل الألف للتأنيث). وقال العجاج: يستنُّ في عَلقى وفي مُكورِ بين تواري الشمسِ والذُّرورِ يصف ثور وحش، ويستنُّ: يعدو فيها ويمضي على وجهه، والعَلقى: ضرب من النبت، والمَكر أيضاً: ضرب منه وجمعه مُكور، وتواري الشمسِ: غروبها، وذرورها: طلوعها. وأراد بين ذرور الشمس وتواريها. يعني أن الثور الوحشي يرعى من أول النهار إلى آخره في العَلقى والمكور. ويروى: فحطّ في عَلقى أي اعتمد على رعي العلقى والمكور. في وصف المؤنث بالمذكر قال سيبويه في باب تسمية المذكر بالمؤنث: (وسمعناهم يقولون: هذه ريحُ حَرور، وهذه ريحُ شمال، وهذه الريح الجَنوب، وهذه

اسم القبيلة - صرفه اسما للحي

ريح سَموم، وهذه ريحُ جَنوب، سمعنا ذلك من فصحاء العرب). قال الأعشى: إذا ازدحمتْ في المكانِ المَضيقِ ... حتَّ التزاحُمُ منها القتيرا لها زَجَلُ كحفيف الحَصادِ ... صادف بالليل ريحاً دَبوراً إذا ازدحمت: يعني الدروع، يريد إذا ازدحم الناس وهي عليهم، حتَّ يحُتُّ: أي قشر. والقتير: رؤوس مسامير الدروع. يريد أن الدروع إذا ازدحمت تكسرت رؤوس مساميرها، و (لها) للدروع زجل وهو صوت، والحفيف: صوت مَرّها، والحصاد: الزرع، وقيل: الحصاد الشجر، وقيل: الحصاد شجر بعينه، والواحدة حَصَادة. يعني أن صوتها - إذا تحركت على لابسها - كصوت الحصاد إذا هبت عليه الدبور. اسم القبيلة - صرفه اسماً للحي وقال سيبويه في باب أسماء القبائل: (وقد يكون تميم اسماً للحي وإن جعلتها اسماً للقبائل فجائز حسن). قال الأعشى: فلسنا بأنكاسٍ ولا عظمُنا وَهَى ... ولا خيلنا عُورُ إذا ما نجيلها

إعراب (وبار) ضرورة

ولسنا إذا عُدَ الحَصَى بأقلةٍ ... وإنَّ معدَ اليومَ مُؤْدٍ ذليلها الأنكاس: الضعفاء الجبناء، مثل السهم النِكس وهو المنكوس الذي جُعل صدره في موضع فذ َذه وجُعل موضع فذ َذه صدره. وإنما يُفعل هذا إذا طال به الزمان وتشعّث وبلي، ووَهَى العظم: إذا تكسّر وانحنى، والعور: زعموا الخائبة، ونجيلها: نرسلها. ويقول: إذا أرسلنا خيلنا في غارة أو غيرها، لم ترجع خائبة. والحصى: العدد الكثير، والأقلة: جمع قليل. يقول: ليس عددنا بقليل. والمؤدي: الذي عليه أداة الحرب وهو مثل المدجج. يقول: فالضعيف من معدّ اليوم قوي. يقول: ذليلها مؤدٍ فكيف يكون حال قويها. . . هكذا وجدت تفسيره. ويجوز في تفسيره وجه آخر، وهو أن يكون من أوْدى يودي إذا هلك. يريد أنّ من تذله معدّ فهو هالك، وذليلها: مَن أذلته. إعراب (وبارٍ) ضرورة قال سيبويه: (فأما ما كان في آخره راء، فإن أهل الحجاز وبني تميم فيه متفقون) يعني أنهم اتفقوا على بنائه على الكسر إذا كان اسماً علماً، وإنما ذكر ما في آخره راء لأن بني تميم يجعلون الأعلام في هذا الباب معرفة لا تنصرف نحو: حذام وقطامَ وأهل الحجاز يبنون، فإذا كان اسمُ من هذه الأعلام في آخره راء، بنوه، ووافقوا أهل الحجاز في البناء.

حمل (سبأ) على القبيلة فمنعه من الصرف

ثم مضى سيبويه في كلامه إلى أن قال: (وقد يجوز أن ترفع وتنصب ما في آخره الراء). يريد أن قوماً يجعلون الراء كغيرها من الحروف. قال الأعشى: وأهل جَوٍّ أتتْ عليهمْ ... فأفسدتْ عيشهُمْ فبَاروا ومرَّ دهرُ على وَبارِ ... فهلكتْ جهرةً وَبارُ جَوٍّ: هي اليمامة، وفي (أتت) ضمير يعود إلى داهية ذكرها، وبَاروا: هلكوا، و (وَبار) زعموا مدينة كانت الجن تسكنها، وقيل (وَبار) موضع بالدهناء، وزعم بعضهم أنها بلاد كانت بها إبل حوشية، ونخل كثير ليس له من ينزِع كَرَبَه ولا يجتني ثمرته، وأن رجلاً وقع إليها، فركب فحلاً من تلك الإبل، وذهب نحو أرض قومه فتبعته الإبل. حمَل (سبأ) على القبيلة فمنعه من الصرف قال سيبويه في باب أسماء القبائل: (وكان أبو عمرو لا يصرف سبأ يجعله اسماً للقبيلة) وقال النابغة الجعدي: يا أيها الناسُ هل ترَوْنَ إلى ... فارسَ بادَتْ وخدُّها رَغِما أمسَوْا عبيداً يرعَوْن شاءكمُ ... كأنما كان مُلكهمْ حُلما أو سبأَ الحاضرين مأرب إذْ ... يَبْنون من دون سيلهِ العَرِما

(حلاق) معدول عن الحالقة

يقول: انظروا إلى فارس، ورغم خدها: أي ذلت وقهرت وذهب مُلكها، كأنه كان مناماً. (أو سبأَ) معطوف على (فارس) كأنه قال: هل ترون إلى فارس وإلى سبأ. ومأرب: موضع باليمن، والعرم: المُسَناة الواحدة عَرِمَة. (حلاقٍ) معدول عن الحالقة قال سيبويه في باب (فعالٍ)، قال عدي ابن ربيعة التغلبي أخو كليب ومهلهل ابنيْ ربيعة - يرثي مهلهلاً، ويذكر مَن هلك من قومه: ظبيةُ من ظباء وَجْرَةَ تعطو ... بيديها في ناضِرِ الأوراقِ ضربَتْ صدرَها إليّ وقالت ... يا عدياً لقلبك المشتاقِ ما ترجّي بالعيش بعد ندامى ... قد تراهُمْ سُقوا بكأس حَلاقِ وجرة: موضع بعينه. شبه المرأة بظبي من ظباء هذا المكان، وتعطو: تتناول بيديها من ورق الشجر، وناضِر: الأخضر الغض، والأوراق: جمع ورق. وقوله: ضربَتْ صدرَها، يريد أنه فعلت هذا لاغتمامها بي وبما نزل بقلبي من ألم المصائب. يريد أنه مشتاق إلى من هلك من قومه. ثم قالت

حركة العين في جمع (فعلة) السالم

له: ما ترجو أن يكون عيشك بعد مفارقة أهلك وقومك، وقد سُقوا بكأس المنية، أي ماتوا. حركة العين في جمع (فعْلة) السالم قال سيبويه: (ومن العرب من يَفتح العين إذا جمع بالتاء فيقول رُكبات وغرَفات). يريد أن جمع (فعْلة) في السلامة يجوز في عينه أن تضم وأن تفتح وأن تسكن قال عمرو بن شأس الأسدي: فلما رأوْنا بادياً رُكباتنا ... على موطنٍ لا نخلطُ الجِدَ بالهَزْلِ تولوْا وأعطوْنا التي يَتقي بها ... الذليلُ، ومنا الخِرْقُ والمنطِق الفصْلُ ويروى: على مأقِط. والمأقط: الموضع يشتد فيه الحرب وهو مهموز، وجمعه مآقط. يقول: لما رآنا الذين نحاربهم قد نزلنا عن خيلنا، وجثونا على رُكبنا، علموا أن القتل قد هان علينا فانهزموا، وبذلوا لنا النزول على حكمنا، وصبروا على ما نسومهم وأقروا عليه، كما يصبر الذليل الذي لا طاقة له بالدفع عن نفسه. والخِرْقُ: الرجل السخي الكريم، والفصل: الذي تفصل به الأمور الملتبسة. يقول: نحن شجعان وخطباء وشعراء.

إدخال نون التوكيد الخفيفة على فعل الأمر

إدخال نون التوكيد الخفيفة على فعل الأمر قال سيبويه في باب الثقيلة والخفيفة: (وأما الخفيفة فقوله عز وجل: (لنسفعاً بالناصية) وقال الأعشى): فإياك والميتاتِ لا تقْرَبنها ... ولا تعبدِ الشيطانَ واللهَ فاعبُدوا الشاهد فيه: إدخال النون الخفيفة على (اعبد) الذي هو فعل أمر. وقوله: فإياك والميتات: يريد به أن الميتة محرَّم أكلها، وإنما ذكر ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم وكان مدَحَه بهذه القصيدة، وذكر فيها ما جاءت به الشريعة، وأراد أن يلحق به ويُسْلم فمنعته قريش. والبيت في شعره: فإياك والميتاتِ لا تقْرَبنها ... ولا تأخذنْ سهماً حديداً لتفصِدا وذا النصُبُ المنصوبُ لا تنسُكَنه ... ولا تعبدِ الشيطانَ واللهَ فاعبُدوا وكان بعضهم يأخذ سهماً يقصد به الناقة فيشرب دمها، وهذا كان يفعل إذا

تقديم (ها) قبل (لعمر الله)

قلّ اللبن، فحرم الله عز وجل عليهم الدم إلا عند الضرورة. والنصُب: حجر كانوا ينصبونه، ويذبحون عنده لآلهتهم. ويقال: نسَك ينسُك إذا ذبح على وجه القربة. والمعنى: لا تذبح ذبيحة تتقرب بها إلى الأصنام، وأراد لا تنسُكنّ عنده، فعدىّ الفعلَ إليه. والمعنى واضح. تقديم (ها) قبل (لعمرُ الله) قال سيبويه في باب ما يكون ما قبل المحلوف به عوضاً من اللفظ بالواو: (وذلك قولك: إي ها الله ذا). ثم تكلم في (ها) وأنها عوض من حرف القسم وفي إثبات الألف بعدها، إلى أن قال: (فأما قولهم: ذا) يريد (ذا) الذي بعد قولك: إي ها الله ذا (فزعم الخليل أنه المحلوف عليه، كأنه قال: إي والله للأمر هذا، فحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم، وقدّم (ها). يريد أن الجملة التي هي جواب القسم (للأمر هذا) و (الأمر) مبتدأ، وخبره (هذا) واللام تدخل على المبتدأ إذا كان جواب القسم، كما تقول: والله لزيد قائم، ولعمرو ذاهب، فحذف المبتدأ مع اللام، وقدّم (ها) قبل القسم وهي في الأصل تكون في جواب القسم كما تقدم. وأنشد سيبويه بيت زهير: تعلمنْ ها لَعَمْرُ الله ذا قسماً ... فاقصِدْ بذرْعك وانظرْ أينَ تنسكُ

الشاهد في تقديم (ها) قبل (لعمرُ الله) وحذف المبتدأ من جواب القسم وأصله: (تعلمّنْ لعمرُ الله للأمرُ هذا). (فالأمر) مبتدأ و (هذا) خبره فحذف المبتدأ، فبقي (تعلمّنْ لعمرُ الله هذا) ثم قدّم (ها) قبل القسم فصار (ها لعمرُ الله). و (تعلمنْ) بمعنى اعلمنْ يقال تعلمْ كذا واعلمْ كذا، ودخلت النون الخفيفة للتأكيد، و (هذا) من قولك (للأمرُ هذا) إشارة إلى خبر وكلام قد تقدم للمتكلم، فإذا فرغ من كلامه قال للمخاطب: تعلمْ والله للأمرُ هذا، أي للأمرُ هذا الذي أخبرتك به. ويجوز أن تكون الإشارة إلى أمر يذكره المتكلم في كلام يتلو كلامَه هذا، كأنه يقول: والله للأمرُ هذا الذي أذكره لك بعد كلامي هذا. وبيت زهير منه، لأنه قال بعده: لئن حَللتَ بجَوٍّ في بني أسدٍ ... في دِين عمروٍ وحالتْ بيننا فدَكُ ليأتينك مني منطِقُ قذَعُ ... باقٍ كما دنس القبطيةَ الوَدَكُ فالإشارة واقعة إلى ما يريد أن يفعله. والمخاطب بهذا الكلام الحارث بن ورقاء الصيداوي وكان قد أغار على غطفان، وأخذ راعيَ زهير يساراً وإبله. وقوله: فاقصد بذرعك، أي قدّر خطوك وانظر أين تضع رجلك. والذرع: قدر الخطو، يتهدده. وانظر أين تنسلك: أين تدخل. يقول: ليس لك موضع تدخله تسلمُ من هجائي. والجَوّ: الوادي، والدين: الطاعة، وعمرو: هو عمرو ابن هند الملك. يقول: لئن اعتصمتَ مني بأنك في طاعة الملك بحيث

في باب نون التوكيد الخفيفة

لا أصل إليك، فليبلغنك هجائي لك. والقذع: القبيح وباق قبحه في الناس، والقبطية: الثياب البيض المقصورة التي تأتي من مصر والشام. في باب نون التوكيد الخفيفة قال سيبويه في باب النون الخفيفة، قال الأعشى: أبا ثابتٍ لا تعْلقنْكَ رماحُنا ... أبا ثابتٍ واقعُدْ وعِرضُك سالمُ أبو ثابت: يزيد بن مسْهر الشيباني، وكان قد وقع بين شيبان وقوم الأعشى شر، فتهدد الأعشى. وقوله: لا تعلقنك رماحنا، يقول: لا تتعرض لقتالنا فتعلقك رماحنا، فجعل النهي؛ عن السبب الذي يؤدي فعله إليه. قال سيبويه: قال النابغة الذبياني: فلتأتينكَ قصائدُ ولَيَرْكباً ... ألفُ إليكَ قوادمَ الأكوارِ الشاهد في إدخال النون في (لتأتينكَ). يخاطب بذلك زُرعة بنَ عمرو الكلابي لأجل شيء وقع بينه وبين النابغة، يقول: ليأتينّك هجوي لك في قصائدي، يريد أن الرواة تحملها وتشيع ذكرها

حتى تبلغه. والأكوار: الرحال، الواحد كور، وقادمة الرحل: العود الذي يكون قدام الرجل إذا جلس على الرحل، والآخرة: العود الذي يكون خلف ظهره، والرجل يجلس بينهما على الرحل. وأراد النابغة أنه يسير إلى زُرعة ألف رجل على الرحال. وكانوا إذا أرادوا الغزو جنبوا الخيل وساروا على الإبل. فإذا أرادوا الإغارة نزلوا عن الإبل وركبوا الخيل. قال الذبياني: لا أعرفنْ رَبرَباً حوراً مدامعُها ... كأن أبكارَها نِعاجُ دُوّارِ ينظرنَ شَزْراً إلى مَن جاء عن عُرُضٍ ... بأوجُهٍ منكِراتِ الرّقِ أحرارِ ويروى: كأنهن نعاجُ حول دُوارِ. الربرب: القطيع من البقر، وأراد به في هذا الموضع جماعة من النساء، والحَوَر: شدة سواد العين في شدة بياض بياضها، مع نقاء الجلد وصفاء اللون. والحُور: جمع حوراء، ودُوّار قيل فيه: مُستدار حيث يدور الوحش حوله، وقيل: دوار نُسُك لهم؛ حَجَرُ يذبحون عنده ويطوفون حوله، وقيل: دوار صنم تدور حوله الجواري. والشزر: النظر في جانب، وعن عُرُض: عن اعتراض، ومنكِراتِ الرّق: أي هن حرائر، فإذا سُبين أنكرن الرق. يخاطب النابغة بهذا بني ذبيان، وكانوا قد أغاروا على بعض أهل الشام

فنهاهم النابغة عن ذلك، فبعث إليهم الحارث الجفني جيشاً، عليه النعمان بن الجُلاح الكلبي، فأغار عليهم وأصاب فيهم. والشاهد فيه إدخال النون في فعل النهي. قال سيبويه وقال النابغة الجعدي: فمن يَكُ لم يثأرْ بأعراضِ قومهِ ... فإني وربِّ الراقصاتِ لأثأرا الشاهد فيه إدخال النون الخفيفة في (لأثأرا) أراد لأثأرنْ، وأبدل من النون الألف، وهي تبدل ألفاً في الوقف. يقول: من كان من الشعراء لم يهجُ الذين هجَوْا قومه، فإني أنا أهجو من هجا قومي. والذين يهجوهم النابغة في هذا الشعر: بنو سعد بن زيد مناة بن تميم. وثأر بأعراضهم: هجا من هجاهم، والراقصات: الإبل التي تسير رقصاً، والرقص: ضرب من الخَبَب. وعنى الإبلَ التي تحمل الحاجَّ وترقص نحو الحرم. و (لأثأرا) جواب القسم، والقسم وجوابه في موضع خبر (إنّ) وقوله: فإني وما بعدها، جواب الشرط. قال سيبويه قال النابغة الجعدي: فأقبِلْ على رهطي ورهطِكَ نبتحِثْ ... مساعِيَنا حتى ترى كيف نفعلا

في (أيادي سبا) وأشباهها

المساعي: جمع مسعى ومسعاة، وهي المكرمة التي في فعلها يقال: فلان كريم المساعي، أي كريم الأفعال فاضلها. يخاطب سوّاراً القشيريّ، وكانا يتهاجيان. يقول: أقبِلْ حتى نعدّد ما في قبيلتي وقبيلتكم من المفاخر، حتى تعلم أينا أكرم وأجل عند الناس، و (ترى) بمعنى تعْلم، من رؤية القلب. والجملة في موضع المفعولين. والشاهد فيه إدخال النون الخفيفة في (تفعلا) لأنه استفهام. في (أيادي سبا) وأشباهها قال سيبويه: (وأما أيادي سبا وبادي بدا، فإنما هي بمنزلة (خمسةَ عشَرَ) تقول: جاءوا أيادي سبا، ومن العرب من يجعله مضافاً وبنوِّن سباً. قال ذو الرمة: عرفتُ لها داراً فأبصرَ صُحبتي ... صحيفةَ وجهي قد تغيَّرَ حالها فقلتُ لنفسي من حَياءٍ ردَدْته ... إليها، وقد بلَّ الجفونَ بِلالها أمِنْ أجلِ دارٍ طيرَ البينُ أهلها ... أيادي سباً بعدي وطال احتيالها

الشاهد فيه أنه أضاف (أيادي) إلى (سبا) ونوّن (سباً) فعُلم أنه مضاف إليه. فإن قال قائل: لِمَ لا يكون غير مضاف، ويكون الاسمان اسماً واحداً، ويكون بمنزلة قولك: هذا معد يكرب ومعد يكرب آخر - فينوّن وهو مجعول مع الاسم الأول اسماً واحداً - قيل له: هذا غلط، ليس هذا من ذاك، لأن (أيادي سبا وخمسةَ عشَرَ) وما أشبههما، جُعل الاسمان فيهما اسماً واحداً، وبُنيا جميعاً في حال التنكير، فالتنوين يمتنع منه وهو نكرة (ومعد يكرب) وما أشبهه أسماء مركبة معربة تُمنع الصرفَ، فإذا زالت العلة التي تمنع الصرف نوّن وجرى بوجوه الإعراب. وصحيفة الوجه: جانبه. يريد أنه عرف لمية داراً، فتغير وجهه لما تنكرها (فقلت لنفسي من حياء رددته) يقول: لما بكيت، وبلّ جفوني الدمع، وتغير وجهي، عاودني الحياء من صاحبي الذي معي وقد رأى ما نزل بي. وقوله: (مِنْ أجلِ دارٍ طيرَ البينُ أهلها) يريد أنهم تفرقوا في كل وجه، تفرقاً لا يرجى معه عَوْد، كما تفرقت سبأ، و (أيادي سبا) في موضع نصب على الحال. وطال احتيالها: أي أحالت من أهلها، أتى عليها حول لم يُنزل بها. والبين: الفرقة والانقطاع. والذي أنشد في الكتاب: فيا لك من دارٍ تحمَّل أهلها وفي شعره كما قدمته.

ترك إضافة أمثال (أمام ودون)

ترك إضافة أمثال (أمام ودون) قال سيبويه في باب ما ينصرف وما لا ينصرف: (وتقول في النصب على حد قولك: من دونٍ ومن أمامٍ: جلست أماماً وخلفاً كما قلت يمنةً وشأمةً). قال ابن أحمر: لقوا أمَّ اللهَيْمِ فجهَّزَتهُمْ ... غشومُ الوِرْدِ نكنيها المَنونا لها رَصَدُ يكون ولا نراه ... أماماً من مُعَرَّسِنا ودونا الشاهد في البيت الثاني على ترك إضافة (أمام ودون). وأمَّ اللهَيْم: الداهية وأراد بها المنية. ذكر من هلك فيما تقدم من الزمان، وأنهم لقوا المنية، فجهَّزَتهُمْ: جعلت جهازهم الفناء. غشومُ الوِرْد: تغشِم مَن وردت عليه، نكنيها المَنونا: يقول: نكني أم اللهيم المنون. وهذا الضمير المنتصب بـ (نكني) يعود إلى أم اللهيم، وأراد نكني المنون بأم اللهيم. لها رصد: لأم اللهيم رصد يرصد الناس من بين أيديهم ومن خلفهم، فهي ترصدهم من حيث لا يرونه؛ لا يرون ما ترصدهم به المنية. و (أماماً) خبر (يكون) و (دوناً) معطوف عليه. وهذا البيت في الكتاب منسوب إلى الجعدي وهو لابن أحمر. (نصارى) بدون ألف ولام - نكرة قال سيبويه في باب من أبواب ما لا ينصرف: (وأما (نصارى) فنكرة وإنما (نصارى) جمع نصران ونصرانة، ولكنه لا يستعمل

في الكلام إلا بياءي الإضافة) يعني أنه لا يلفظ به إلا منسوباً وإن لم يكن النسب إلى شيء. وهو مثل قولك (كرسي) لا يُنطق به إلا بياءي الإضافة، وجمعوه ولم يعتدّوا بياءي النسب فقالوا: نصارى مثل نَدْمان ونَدامى. قال سيبويه: (فالنصارى بمنزلة النصرانيين). يريد أنه كان نكرة قبل دخول الألف واللام كما أن (نصرانيين) نكرة، فإذا دخلت الألف واللام على نصرانيين صار معرفة، وكذا (نصارى) نكرة، فإذا دخلت عليه الألف واللام فهو معرفة. قال النمِر بن توْلب: فعافتِ الماَء واسْتافتْ بمِشفرِها ... ثم استمرَّتْ سِواهُ طرفها سامي صدَتْ كما صدَ عما لا يحِلُّ له ... ساقي نصارَى قبيلَ الفِصحُ صُوّامِ وصف راحلته. قوله: عافت الماء: كرهته، يريد أنها عُرضت على الماء فلم تشربه. واسْتافتْ: شمت، يريد أنها شمت الماء ولم تشربه. وقوله بمِشفرِها - والمشافر لا يُشم بها - يريد أنها لما قدّمت مشفرها إلى الماء شمته. واستمرَّتْ: مضت في ناحيةٍ سِواه. و (سواه) منصوب، يريد به الظرف، وطريقاً غيره، من المكان. والسامي: العالي، يريد أنه لم يذلها السير. وفي

التذكير على اللفظ

(صدت) ضمير من الراحلة، يريد أنها صدت عن الماء ولم تشربه، كما أن الذي يسقي النصارى يمتنع من سقيهم في وقت الصوم. وقيل إنه يعني أن النصارى إذا ناموا لا يشربون شيئاً، يقول: من كان يريد سقيهم بعد النوم امتنع لأنه لا يحل له. والشاهد فيه أنه نعت (نصارى) بـ (صُوَّام) و (صُوَّام) نكرة فلو كان (نصارى) معرفة ما نُعت بنكرة. التذكير على اللفظ قال سيبويه في ما ينصرف وما لا ينصرف (وكذلك جَنوب وشَمال، وقَبول، ودَبور، وسموم، وحَرور، إذا سمّيت رجلاً بشيء منها صرفته لأنها صفات في أكثر كلام العرب). يريد أن الصفات التي تقع للمؤنث على لفظ التذكير هي مذكرة وإن كانت صفات للمؤنث مثل: حائض وطامث ورَغوث وحَلوب، هذه صفات مذكرة وصف بها المؤنث. فإذا سميت رجلاً بشيء منها صرفته لأنها مذكرة وإن كانت صفات للإناث. فالتسمية للرجل بحائض كتسميته بضارب، وتسميته برَغوث كتسميته بشَكور. وجعل قولهم جَنوب وأشباهها صفات مذكرة قد وقعت للريح وهي مؤنثة. فإذا سميتَ رجلاً بشيء منها صرفته كما بينت لك فيما تقدم. قال الأعشى: إذا ازدحَمتْ بالمكانِ المَضيقِ ... حتَّ التزاحُمُ منها القتيرا لها زَجَلُ كحفيف الحصادِ ... صادفَ بالليلِ ريحاً دَبورا

الفصل بين الهمزتين بألف: (آأنت)

الفصل بين الهمزتين بألف: (آأنت) قال سيبويه فيباب الهمز: (ومن العرب ناس يُدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفاً إذا التقتا، وذلك لأنهم كرهوا التقاء همزتين ففصلوا). قال ذو الرمة: أقولُ لدَهناويّةٍ عَوْهَجٍ جَرَتْ ... لنا بين أعلى عُرْفةٍ فالصّرائمِ أيا ظبيةَ الوَعْساءِ بين جُلاجِلِ ... وبين النقا آأنتِ أمْ أمُّ سالمِ دَهناويّة: ظبية منسوبة إلى الدهناء، وعَوْهَج: طويلة العنق، والعُرفة: القطعة من الرمل لها مثل العُرف، وهي قطعة مشرفة من الرمل، والصّرائم: جمع صريمة وهي قطعة من الرمل، وجرت لنا: عرضت لنا سانحة أو بارحة أو نحو ذلك، والوعساء: موضع مرتفع من الرمل، الذكر أوعس والأنثى وعساء، وجُلاجِل: مكان بعينه، والتقا: شبه الرابية من الرمل. وقوله: (آأنتِ أمْ أمُّ سالمِ): (آأنت) مبتدأ، وخبره محذوف، كأنه قال: آأنت أحسنُ أمْ أمُّ سالمِ.

تثنية (فم) برد الواو (فموان)

تثنية (فم) بردّ الواو (فموان) قال سيبويه في باب النسب: (وأما (فم) فقد ذهب من أصله حرفان لأنه كان أصله (فوْه) فأبدلوا مكان الواو ميماً ليشبه الأسماء المفردة من كلامهم، فهذه الميم بمنزلة العين نحو ميم (دم). يريد أنّ (فماً) بعد إبدال الواو منه ميماً، يجري في التصرف مجرى (دم) الذي ميمه أصلية، فمن ترك (دماً) على حاله في الإضافة التي هي النسب، ترك (فماً) على حاله، ومن رد إلى (دم) لام الفعل منه فقال: (دموي) رد إلى (فم) الواوالتي هي عين الفعل التي الميم في موضعها، وجعل الواو في موضع لام الفعل من الفم فقال (فموي). قال الفرزدق: وإنَّ ابنَ إبليسٍ وإبليسَ ألبَنَا ... لهم بعذاب الناس كلَّ غلامِ هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح العاوي أشدَ رجامِ الشاهد في تثنية (فموين) برد الواو، وجعلها في موضع لام الفعل. وألبنا: سقيا اللبن. يريد أن إبليس وابنه سقيا كل غلام من الشعراء هجاء، وكلاماً قبيحاً خبيثاً، وألقيا من فمويهما في فم الفرزدق على كل من هجاه مراجمةً شديدة ومكافئة، والنابح: الذي يتعرض لسبه وهجائه.

في منع أسماء الأرضين من الصرف

وفي شعره: على النابح العاوي أشدَ لجامِ يريد أنه يجعل في فم الذي يسبه ويهاجيه لجاماً يسكته به، معناه أنه يهجوه بما لا يمكنه أن يجيب عنه، فيكون ذلك الهجو بمنزلة اللجام. في منع أسماء الأرضين من الصرف قال سيبويه في باب ما ينصرف وما لا ينصرف. قال الفرزدق: كم من جبانٍ لدى الهيجا دنوتَ به ... إلى القتال ولولا أنت ما صبرا منهن أيامُ صدقٍ قد بُليتَ بها ... أيامُ فارسَ والأيامُ مِن هَجَرا يرثي الفرزدق في هذا الشعر عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي والهيجاء: الحرب. يقول: كم من رجل جبان صبر معك في الحرب لقوة نفسه بك، ولولا أنك أميره ما صبر. وبُليتَ بها: اختبرتْ شجاعتك وتدبيرك وصبرك. وقوله: أيامُ فارسَ أي يوم إصطخر، استشهد به أبوه، وحسن فيه بلاؤه وصبره. ويوم هَجَر يوم أبي فديك الخارجي. رُبيب تصغير (رُبَ) مخففةً قال سيبويه: (ولو حقرتَ (رُبَ) مخففةً) يعني إذا سميتَ بها (لقلت (رُبيب) لأنه من التضعيف، يدلك على ذلك (رُبّ) الثقيلة،

(ضحى وسحر) مذكران بدليل تصغيرهما

وكذلك (بخْ) مخففة، يدلك على ذلك قول العجاج): وجدتنا أعزَّ مَن تنفسا عند الحِفاظ حَسَباً ومِقيَسا في حَسَبٍ بخٍّ وعزٍّ أقعَسَا يمدح قومه، والحِفاظ: المحافظة على الأسباب التي توجب الشرف وجميل الذكر، والمِقيَس: مقايستهم إلى غيرهم من الناس. يقول: إذا قايسَنا مُقايس إلى غيرنا، كنا أعظم منه وأشرف، والبخّ: الذي يُتعجب من عِظمه وشرفه. والأقعس: المنيع الثابت. (ضحى وسحر) مذكران بدليل تصغيرهما قال سيبويه في التصغير: (وكذلك سَحَر تقول: أتانا سُحَيْراً وكذلك ضُحى، تقول: أتانا ضُحَيّا). يريد أن سحر وضحى مذكران. وقال النابغة الجعدي: سبقنَ شماطيطَ من غارةٍ ... لأِلفٍ تكتبَ أو مِقنَبِ كأنَّ الغبار الذي غادرتْ ... ضُحَيّاً دواخِنُ من تنْضُبِ يصف خيلاً سبقن، يريد أنهن أغرن على قوم وسبقن، والشماطيط: الفِرق. يعني أنها لما أغارت تفرقت فِرقاً. وقوله: لألف تكتبَ يعني صار كتيبة وتجمّع، والمقنب: ما بين الثلاثين إلى الأربعين ونحوها. وقوله:

في حذف التنوين من العلم

لِألف أي لأجل ألف فارس. والتنْضُب: شجر إذا أوقد كان له دخان يشبه الغبار يضرب إلى البياض. شبّه الغبار الذي أثارته الخيل بدخان التنضب. في حذف التنوين من العلم قال سيبويه في باب حذف التنوين من الأعلام. قال الفرزدق: ما زلتُ أفتحُ أبواباً وأُغلِقها ... حتى أتيتُ أبا عمرِو بن عمّارِ حتى أتيتُ فتىً مَحْضاً ضريبته ... مُرَّ المَريرةِ حُرّاً وابنَ أحرارِ يمدح أبا عمرو بن العلاء، وعمار جد من أجداده. وقوله: أفتح أبواباً وأغلقها، يريد أنه كشف عن أحوال الناس وفتشهم، فلم ير فيهم مثل أبي عمرو. والضريبة: الطبيعة والخليقة. يريد أنه كريم الطبيعة، لا يخالطها

توكيد المضارع بالنون الخفيفة

لؤم. مرّ المريرة: شديد الأنفة تعاف نفسه أن يفعل أفعالاً ليست بعالية ولا شريفة. توكيد المضارع بالنون الخفيفة قال سيبويه في النون الخفيفة، قالت بنت أبي الحصين من قبيلة مَذحِج: إنّا وباهلةَ بنَ يَعْصُرَ بيننا ... داءُ الضرائر بِغضَةً وتقافي مَن يُثقفنْ منا فليس بآيبٍ ... أبداً، وقتلُ بني قتيبةَ شافي قالت هذه الأبيات في حرب كانت بينهم وبين باهلة وداء الضرائر: البغضاء والشحناء التي لا يرجى صلاحها. و (بغضةَ) منصوب على التمييز، والتقا في: أن يقفو كل واحد منهما صاحبه، من يُثقفن منا يقتلوه، وقتلنا لهم شاف لنا. وفي الشعر: من يثقفو منا فليس بآيبٍ وعلى هذا الإنشاد لا شاهد فيه. بناء (حلاقِ) على الكسر قال سيبويه فيما ينصرف وما لا ينصرف، قال الأخزم بن قارب الطائي ويقال: المُقعَد بن عمرو: ويقول قائلهم ويلحَظُ خلفه ... يا طولَ ذا يوماً أما يتصرَّمُ

إدخال النون الخفيفة على المضارع المجزوم بلم

لحقتْ حَلاقِ بهمْ على أكسائِهِمْ ... ضَرْبَ الرِقابِ ولا يُهِمُّ المَغنمُ الشاهد فيه على أن (حلاقِ) مبنية. وحلاق: هي المنية وهي صفة للفانية، مثل جَداعِ وهي السنة المجدبة معدول عن الجادعة. وصف قوماً يُطلبون من ورائهم، وقد أدركهم الطلب وهم يسرعون الهرب، ويلحظ خلفه: يلتفت إلى من هوفي أثره يطلبه. و (ذا) إشارة. يريد: يا طول هذا يوماً، و (يوماً) منصوب على التمييز كما تقول يا حُسْنَ ذا وجهاً. وأكساؤهم: مآخيرهم، الواحد كَسء ويُضم فيقال: كُسْء. يعني أن المنايا جاءتهم من ورائهم. (ضربَ الرقابِ) منصوب بفعل مضمر، كأنه قال: تُضرب رقابهم ضرباً، ثم حذف الفعل وأقام المصدر مقامه. ذكر أن الذين لحقوهم لم يشتغلوا بالنهب، بل أقبلوا على قتلهم ولا تهمهم غنيمة. إدخال النون الخفيفة على المضارع المجزوم بلم قال سيبويه في النون الخفيفة، قال الدُبيريّ: وحَلبوها وابلاً ودِيَما فأغدَرَتْ منها وِطاباً زُمَّما وقِمَعاً يُكسَى ثمالاً قشْعَما يحسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلما

النسبة إلى (شاء) بـ (شاوي)

شيخاً على كرسيِّهِ مُعَمَّما كذا أنشده سيبويه: (يحسبه الجاهل ما لم يعلما) والذي رأيته. يحسبه الناظر لو تكلما وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه. والشاهد في إنشاد سيبويه، على أنه أدخل النون الخفيفة على الفعل المجزوم بلم. وحلبوها، يعني إبلاً، وجعل ما حُلب منها من اللبن بمنزلة الوابل والدِيّم من المطر، يصف كثرة لبنها، وأغدرت: أبقت، والوِطاب: جمع وَطب وهوزِقّ اللبن، والزُّمَّم: جمع زامّ وهو الممتلئ الشديد الامتلاء، وأصله الرجل الذي يزم بأنفه ويجتمع، فكأنه منتفخ من الكسْر والتعظم شبه الزق به. والثمال: مثل الرِغوة، والقِمع معروف: الذي يُصب فيه اللبن حتى يصل إلى الوطب، والقشعم: الكبير. وأراد أن القمع قد ابيض من رغوة اللبن، فهو بمنزلة الشيخ الأبيض الشعر. يحسبه - يعني الوطب وعليه القمع - شيخاً، فشبهه بشيخ جالس على كرسي لعلوه وانتصابه. النسبة إلى (شاء) بـ (شاويّ) قال سيبويه في النسب، قال يزيد بن عبد المدان: ولستُ بشاويٍّ عليه دَمامةُ ... إذا ما غدا يغدوبقوسٍ وأسهُمِ

أشار إلى المؤنث بـ (تا)

ولكنني أغدو عليَّ مُفاضةُ ... دِلاصُ كأعيانِ الجَرادِ المُنظمِ الشاهد في النسب إلى (شاء) بـ (شاويّ). يقول: لست بصاحب شاء - يغدو معها إلى المرعى ومعه قوس وأسهم، يرمي الذئاب إذا عرضت للغنم - ولكنني أعدو وأنا لابس درعاً مفاضة، وهي الواسعة، والدِلاص: البراقة، وشبّه رؤوس مسامير الدروع بعيون الجواد. والمنظم: الذي يتلو بعضه بعضاً. يقول: أنا أغدو في طلب الفرسان وملاقاة الأعداء، ولست كمن يغدو لرعي غنم. أشار إلى المؤنث بـ (تا) قال سيبويه في التصغير: (وأما (تيّا) فإنما هي تحقير (تا) وقد استعمل ذلك في الكلام. قال الشاعر كعب الغنويّ). وداعٍ دعا يا مَن يُجيبُ إلى الندَى ... فلم يستجبْه عند ذاك َ مُجيبُ فقلتُ ادعُ أخرى وارفعِ الصوتَ دعوةً ... لعلَّ أبا المِغوارِ منكَ قريبُ وحَدَثتماني إنما الموتُ بالقرى ... فكيف وهاتا هَضْبةُ وقليبُ

الشاهد فيه أنه جعل (تا) إشارة إلى المؤنث، وأشار بـ (تا) إلى الهضبة. يرثي كعب بهذا الشعر أخاه. وأراد: رُبّ داعٍ دعا إلى أن يجاد عليه ويُعطى. فلم يستجبه، يريد لم يجبه، عند ذاك: عند دعائه. فقلتُ ادعُ أخرى، يريد دعوةً أخرى، لعل أبا المغوار يسمع. وهذا يقوله القائل على طريق التلهف على فقد من فقده. وقوله: وخبرتماني إنما الموت بالقرى: يقول: قلتما لي إنّ مَن سكن الأمصار والقرى مرض، للوباء الذي يكون في الأمصار، فكيف مات أخي في هذا الموضع وهو برّيّة، وهذه هضبة! أشار إلى هضبة في الموضع الذي مات أخوه فيه. والهضبة: الجبل. وقليب: بئر عظيمة. قال سيبويه وقال عمران بن حِطان: وليس لعيشنا هذا مَهاهُ ... وليست دارُنا هاتا بدارِ لنا إلا لياليَ باقياتٍ ... وبُلغتنا بأيامٍ قِصارِ الشاهد فيه أنه قال (دارنا هاتا) أشار إلى المؤنث بـ (تا). والمهاه: الحُسن والنضارة، والهاء التي بعد الألف أصلية وهي لام الفعل، وهي بمنزلة اللام من جمال.

إدخال النون الخفيفة في جواب (مهما)

وحكي عن الأصمعي أنه قال: (مهاة) وجعله بمنزلة قطاة ونواة وجعلها تاء في الوصل للتأنيث، والمهاة: البلورة. وأراد أن العيش له ماء وصفاء وحُسن مثل حسن البلورة. ويروى: وليست دارُنا الدنيا بدارِ ولا شاهد فيه على هذه الرواية. و (لنا) في صلة البيت الذي قبله، كأنه قال ليست دارنا بدار لنا إلا مدة يسيرة. وبُلغتنا - إلى الوقت الذي هو أجلنا - بأيام قصار. يريد: إنا نبلغه في أيام قصار. إدخال النون الخفيفة في جواب (مهما) قال سيبويه في باب النون الخفيفة والثقيلة، قال الكميت بن معروف: ولا تكثِروا فيها الضجاجَ فإنه ... محا السيفُ ما قال ابنُ دارةَ أجمعا فمهما تشأ منه فزارةُ تعْطِكم ... ومهما تشأ منه فزارةُ تمنعا الشاهد فيه على إدخال النون الخفيفة في (تمنعا). والضجاج: الجلبة والخصومة. وسبب هذا الشعر أن سالم بن دارة الثعلبي من بني ثعلبة، كان هجا فرارة من أجل شيء كان بينه وبين مرة بن واقع، وذكر في شعره زُميلاً الفزاري وهجا أمه، وهي تعرف بأم دينار فحلف زميل ألاّ يغسل رأسه حتى يقتله، فلقيه في طريق لدينة، فقال لزُميل: ممن؟ قال: رجل من بني

جمع (أمة) على (إموان)

عبد المناف، فمن أنت؟ قال: سالم بن دارة. . . فأناخ به، ثم استل سيفه فخرْدَله به حتى قطعه. فقال الكميت لقوم سالم: لا تكثروا الجلبة والضجاج في هذه القصة، فإنه محا قتلُ زميل جميع ما هجا به بني فزارة، وذهب عنهم عار الهجاء بقتل من هجاهم. فمهما تشأ منه فزارةُ تعْطِكم: يريد إنْ شاءَت فزارة أن تعطيكم الدية أو بعضها أعطتكم وإنْ شاءَت أن تمنعكم منعتكم. جمع (أمَة) على (إِموان) قال سيبويه في جمع الرجال والنساء: (وقال بعض العرب: أمَة وإِموان، كما قالوا أخ وإخوان). قال القتال الكلابي: أما الإماءُ فلا يدعونني ولداً ... إذا ترَامى بنو الإْموان بالعارِ وفي شعره: أَنا ابنُ أسماَء أعمامي لها وأَبي ... إذا ترَامى بنو الإموان بالعارِ أما الإماءُ فلا يدعونني ولداً ... إذا تحُدِّثَ عن نقصي وإمراري قال القتال هذا الشعر يعرّض بقوم من بني عمه، ولدَتهم امرأة أخيذة، سُبيت من بعض الأحياء. والنقض: نقضه الأمور، وحَله إياها، وإبطاله لها. وإمراره: إحكامه وتثبيته، يريد انه إذا فعل أمراً أحكمه.

جمع (قليل) على (قليلين) بالتصغير

قال سيبويه: (وقد يقولون الرُعُف كما قالوا: فضب الريحان. قال لَقيط بن زُرارة): إنّ الشواءَ والنشيلَ والرُّغفْ والقيْنةَ الحسناءَ والكأسَ الأُنفْ للضاربين الهامَ والخيلُ قطفْ قال لقيط هذا الشعر في يوم جَبَلة، وقد انهزم عنه أصحابه، فقال هذا ليحرضهم على القتال ويُضَرّيهم، وفي هذا اليوم قتل. والنشيل: اللحم الذي يطبخ في القدور، ويقال: نشلت اللحم، إذا أخذته من القدر، والكأس الأنف: المستأنفة. يريد أنه لا يعطى فضلات الشراب، وإنما يُعدُّ له شراب لم يشرب منه أحد غيره. ويجوز أن يكون يريد بقوله: الكأس الأنف، أنه إذا شرب مع قوم بدءوا به في الشرب، ثم شرب منهم واحد بعد واحد، وإنما يقدمونه لشجاعته وغنائه. والقطف: جمع قطوف وإنما يقطف لأنهم في ملاقاة ومصادمة وليس موضع جري. جمع (قليل) على (قليّلين) بالتصغير قال سيبويه في التصغير، قال قيس بن رفاعة الواقفي: إنْ ترَيْنا قليّلِين كما ذِيدَ ... عن المُجْرِبين ذَوْدُ صِحاحُ

الأصل في (بخ) و (عل)

فلقد ننتدي ويجلسُ فينا ... مجلسُ كالقنيفِ فعْمُ رَداحُ الشاهد فيه على تصغير (قليّلين) صغروا (قليلاً) وجمعوه جمع السلامة. وذِيدَ: نحّيَ، والمُجْرِبون: الذين جَرِبت إبلهم، والذود: القطعة من الإبل، وننتدي: نجلس في النادي، والقنيف زعموا أنه الطيلسان، ويقال استقنف المجلس إذا استدار. يقول: إنْ ترينا أيتها المرأة قليلاً عددنا، وتريْ الناس يتحاموننا ولا يقربوننا - كما أن الصِحاح لا تترك تتقرب إلى الجَرْبى - فإننا مع هذا لنا مجلس يجلس فيه وجوه قومنا وأشرافهم، ويستديرون فيه، ولهم فيه كثرة. والفعم: الكثير، والرداح: الضخم، يقال: امرأة رداح إذا كانت ضخمة العجيزة، والكتيبة الرداح: الكثيرة الجيش. الأصل في (بخ) و (علُ) قال سيبويه في التصغير، تصغير ما كان على حرفين مما ذهبتْ لامه وذكر فيه أن التصغير يرد الكلمة إلى أصلها. استدلّ على أنَّ (بخْ) المخففة أصلها التشديد. واستشهد على هذا بقول العجاج - قلت أنا بيت العجاج -: في حَسَبٍ بخٍّ وعزٍّ أقعسا

ثم قال: (فرده إلى أصله حيث اضطر) يريد أن الشاعر رد إلى أصله - وهو من المضاعف - كما ردّ شاعر آخر ما كان من باب الياء إلى أصله حيث اضطر. قال غَيلان بن حُريث: فهي تنوشُ الحوضَ نوْشاً من عَلا نوْشاً به تقطعُ أجوازَ الفلا تنحي إلى الجدول منها جدولا منتفجَ السَّحْر وشدْقاً أهدَلا الشاهد فيه أنه رد (علُ) إلى أصله، وهومستعمل محذوف اللام. و (هي) ضمير الإبل. تنوشُ: تناول ماء الحوض نوشاً من فوق. يريد أنها عالية الأجسام طوال الأعناق، تحط أعناقها إلى الأرض إذا أرادت الشرب. والجدول: النهر الصغير، وتنحي: تعتمد وتقصد إلى الجدول الذي

جمع (قيس) على (أقياس)

فيه الماء، بفمها الذي هومثل الجدول، فتأخذ جميع ما فيه بفمها. والسَّحْر: ملتقى طرف اللحيين عند الذقن، والمنتفجَ: العظيم، بالجيم المعجمة. يريد أن ذلك الموضع منها عظيم، والأهدل: الواسع الجلد، ويقال للبعير إذا طال مشفره: هَدِل يَهْدَلُ هَدَلاً. وقول سيبويه: (كما رد ما كان من بنات الياء إلى أصله حين اضطرَّ) يريد أنه يرد ما كانت لامه معتلة إلى أصله، وليس الغرض منه بنات الياء خاصة، ولا بنات الواو، وإنما يعني به المعتل. و (علُ) من بنات الواو، وهي من: علا يعلو. جمع (قيس) على (أقياس) قال سيبويه في باب جمع الرجال والنساء، قال زيد الخيل: ألا أبلغِ الأقياسَ قيسَ بنَ نوْفلٍ ... وقيسَ بنَ أُهبانٍ وقيسَ بنَ جابرِ فرُدّوا علينا ما بَقىَ من نسائنا ... وأبنائِنا، واستمتعوا بالأباعرِ الشاهد فيه أنه جمع (قيساً) جمع التكسير في القلة. وقيس بنَ نوْفل وقيس بنَ أُهبان، وقيس بن جابر بدلُ من الأقياس، وهؤلاء كلهم من بني أسد.

جعل الجمع في موضع الواحد

وبَقىَ: بمعنى بقي، وهي لغة طيئ. يقول: ردوا علينا نساءنا وأبنائنا، واستمتعوا بالإبل التي أخذتموها. والمعنى واضح. جعل الجمع في موضع الواحد قال سيبويه في التصغير، قال جرير: قال العواذلُ ما لجهلكَ بعدما ... شاب المَفارقُ واكتسَيْنَ قتيرا الشاهد فيه أنه كنى عن مفرِق رأسه بالمفارق، وجعل الجمع في موضع الواحد. والقتير: الشيب، وأراد بالجهل: الصِبا والغزل وطلب النساء. يعني أن العواذل منعنه من الغزل، ووعظنه وذكرنه وقلن له: إنّ مَن ابيضّ شعره قبح صباه وغزله. جعل الكنية بمنزلة الاسم في حذف التنوين منها قال سيبويه في التنوين، قال يزيد بن سنان بن أبي حارثة المرّيّ: فلم أجبُنْ ولم أنكلْ ولكنْ ... يمَمْتُ بها أبا صخرِ بنِ عمرِو فإنْ يبرأ فلم أنفثْ عليه ... وإنْ يهلكْ فذلك كان قدْري الشاهد فيه أنه حذف التنوين من (صخر) وجعل الكنية مثل الاسم

إدخال نون التوكيد الخفيفة على المضارع

في حذف التنوين منها. يقول: ما جبنت حين طعنته، ولم أنكل: لم أعجز وأتأخر، ويَمَمتُ: قصدت مثل يَمَّمتُ، بها: الطعنة. وكان يزيد بن أبي سنان قتل أبا عمروبن صخر القينيّ وكان سيد بني القين، والذي في الكتاب (أبا صخر بن عمرو) والذي وجدته في الشعر: أبا عمر وبن صخر فإن يبرأ لا يكن برؤه بعلاجي ورُقيتي، لأني لو أردت بقاءه وعافيته لم أطعنه، وإن يهلك أي يمت، فذلك كان تقديري في الطعنة أن تقتله. إدخال نون التوكيد الخفيفة على المضارع قال سيبويه في النون الخفيفة، قال جذيمة الأبرش: ربما أوْفيتُ في عَلمٍ ... ترفعنْ ثوبي شمالاتُ في فتوأنا رابئهمْ ... من كلالِ غزوةٍ ماتوا ليت شعْري ما أصابَهُمُ ... نحن أدْلجْنا وهم باتوا الشاهد فيه أنه أدخل النون في (ترفع). والعلم: الجبل، وشمالاتُ: جمع شمال، وأوْفيتُ: أشرفت، وأراد: أشرفت على علم. والفتوّ: جمع فتى. أنا رابئهمْ: أنا أنظر لهم، وأصعد على

منع (قريش) من الصرف حملا على القبيلة

موضع عال أرقب لهم وأنظر من يأتيهم، والكلال: التعب. والمعنى واضح. منع (قريش) من الصرف حملاً على القبيلة قال سيبويه فيما ينصرف وما لا ينصرف. قال عديُّ بن الرِقاع: غلبَ المساميحَ الوليدُ سماحةً ... وكفى قريشَ المُعضِلاتِ وسادَها الشاهد في البيت على أنه لم يصرف قريش وجعله اسم القبيلة. والممدوح الوليد بن عبد الملك، والمساميح: جمع مسماح وهو الكثير السماحة. والمعضلات: الأمور الشداد الواحدة معضلة. يريد أنه إذا نزلت بهم معضلة وأمر فيه شدة، قام بدفع ما يكرهون عنهم. والمعنى واضح. في (مار جرجس) أضاف الاسم الأول إلى الثاني قال سيبويه فيما ينصرف وما لا ينصرف. قال جرير: لقِيْتمْ بالجزيرةِ آلَ قيسٍ ... فقلتمْ مارَ سَرْجِس لا قِتالا الشاهد فيه أنه أضاف الاسم الأول إلى الثاني، إلا أن (سرجس) لا ينصرف، ففتحه وهو في موضع جر، وهذا على مذهب من أضاف (معدي) إلى (كرب).

جمع (أب) على (أبين)

وأراد: يا مارَ سَرْجِسَ، وحذف حرف النداء. وقوله (لا قِتالا) يحتمل معنيين: أحدهما أن (قتالا) منصوب بـ (لا) وهو منفي. والوجه الآخر أن يكون منصوباً بإضمار الفعل، كأنهم قالوا: لا نقاتل قتالاً. وكانت تغلب تقاتل قيس عيلان، وبينهما وقائع منها وقعة بالجزيرة. ومار سرجس: قسّ كان لهم يحضر معهم الحرب، أو بعض رؤساء النصارى. جمع (أب) على (أبين) قال سيبويه: (وسألته عن (أب) فقال: إن ألحقت فيه النون والزيادة التي قبلها قلت: أبُون وكذلك أخُون، لا تغيّر البناء). يعني لا تغير الاسم عن الحال التي كان عليها، ولا تردّ إليه ما ذهب منه، إلا أن تسمع العرب تغير شيئاً منه. قال زياد بن واصل: فلما تبينَّ أصواتنا ... بكيْنَ وفدَيننا بالأبينا الشاهد فيه أنه جمع الأب على (أبين). يريد أنهن لما عرفن أصواتهم بكين إليهم، حتى يستنقذوهن، وفدّينهم، بآبائهنّ. ويروى: فلما تبينَّ أشباحنا جمع شبح. من الصفات الممنوعة من الصرف (فعَل) قال سيبويه في باب فعَل: (وأما الصفات فنحو قولك: هذا

(أيمن) همزته موصولة

رجل حطَم) وهو الذي يحطم كل شيء. قال الحطَم القيسيّ: قد لفها الليلُ بسَوّاقٍ حطَمْ كذا وجدته في الكتاب. وهذا البيت يُختلف في قائله، ووجدته لأبي زغيبة الأنصاري في شعر قاله يوم أُحُد: أنا أبوزُغبَةَ أعدو بالهرِمْ لن يَمنعَ المَخزاةَ إلا بالألمْ يَحمي الذِمارَ خزرجيُّ من جُشمْ قد لفها الليلُ بسَوّاقٍ حطَمْ (أَيْمُن) همزته موصولة قال سيبويه: (وزعم يونس أن ألف (اَيْم) موصولة وكذا تفعل بها العرب وفتحوا الألف كما فتحوا الألف في (اَلرجل) وكذلك (اَيْمُن). قال نُصيب بن الأسود، ونصيب هذا ليس بنصيب الأسود المرواني: ظلِلتُ بذي دَوْرانَ أنشدُ بَكرَتي ... وما لي عليها من قلوصٍ ولا بَكرِ وما أنشدُ الرُّعيانَ إلا تعلةً ... بواضحةِ الأنيابِ طيبةِ النشرِ

فقال ليَ الرعيانُ لم تلتبسْ بنا ... فقلت: بَلى قد كنتُ منها على ذُكْرِ وقد ذ ُكِرَتْ لي بالكثبيِ مؤالفاً ... قِلاصَ سُليم أو قلاصَ بني وَبرِ فقال فريقُ القومِ لما نشدْتهُمْ ... نعم، وفريق لا يْمنُ اللهِ ما ندري الشاهد فيه على أنه جعل ألف (ايمن) موصولة. ودَوران: موضع، وأنشد: أطلب بكرة ضاعت مني، والبَكرة في الإبل بمنزلة الفتاة في الناس. وقوله: ومالي عليها من قلوصٍ ولا بَكرِ، يعني: وما لي على الأرض من قلوص ولا بكر. وكان الذي يلتمس الغزل وحديث النساء والنظر إليهن، يطوف في الأحياء، ويظهر أنه ضاع له بعير، وأنه يدور يلتمسه حتى لا ينكر عليه طَوْفه. وما أنشد الرعيان: أي ما أسألهم عن بكرتي إلا لأتعلل حتى يمكنني النظر إلى المرأة التي أهواها. وواضحةِ الأنياب: بيضاء الأنياب، والنشر: الريح، والرعيان: جمع راع، لم تلتبسْ بنا: لم تدخل في إبلنا. قد كنتُ منها على ذُكْر: أي قد ذكر أنها في الإبل. والكثيب: موضع بعينه، مؤالفاً: قد آلفت أن تكون مع قلاص بن سليم أوبني وَبر. فقال فريق القوم: طائفة منهم، لما نشدتهم: أي سألتهم عنها. نعم: أي قد عرفنا صحة ما تقول، وهي في الموضع الذي ذكرته،

بناء (مع) على السكون - ضرورة

وقالت طائفة منهم: ما ندري، ما عندنا علم بما ذكرت. ويروى: فقال فريق القوم: لا، وفريقهم: نعم، وفريق قال: ويحك ما ندري وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه. بناء (مع) على السكون - ضرورة قال سيبويه: (وسألت الخليل عن (مَعَكم): و (معَ) لأي شيء نصبتها؟ فقال: لأنها استعملت غير مضاف إليها كـ (جميع) ووقعت نكرة، وذلك قولك: جاءا معاً وذهبا معاً، وقد ذهب معه ومن معَه). يريد أنها أعربت، وهي ظرف مبهم، والظروف المبهمة تبنى، فزعم أنها إنما نصبت وأعربت لأنها قد استعملت مفردة ومضافة. فجعلوها كـ (أمام وقدّام) وما أشبههما من الظروف المعربة، ونظيرها (أيّهم) حين أعربت وهي مبهمة وهي أخت (مَن وما) وإنما أعربت لأنها تستعمل مضافة ومفردة، فصارت أقوى من أخواتها وأقرب إلى الأسماء المتمكنة، فأعربت. ثم قال سيبويه: (قال الشاعر فجعلها كـ (هل) حين اضطر). قال جرير: وريشي منكُم وهوايَ مَعْكُمْ ... وإنْ كانت زيارتكمْ لِماما

إسكان الياء في حالة النصب - ضرورة

الشاهد فيه أنه اسكن العين، وجعلها مبنية على السكون كالظروف المبهمة، نحو (لدُن) وما أشبهها. يمدح جرير بهذا الشعر هشامَ بن عبد الملك. وريشه: ما يستره ويحتاج إليه من لباس، ويمكنه به التصرف. وهواي معكم: أي أنا محب لكم ولمن أحبكم وإن كنت قليل الزيارة لكم. والإلمام: أن تزور وقتاً وتدع الزيارة أوقاتاً. ويروى: (وهواي فيكم) وليس فيه شاهد على هذا. إسكان الياء في حالة النصب - ضرورة قال سيبويه: (وسألت الخليل عن الياءات، لِمَ لمْ تنصب في موضع النصب إذا كان الأول مضافاً، وذلك قولك: رأيت معديْ كربٍ، واحتملوا أياديْ سباً؟ فقال: شبهوا هذه الياءات بألف المثنى، حيث عرَّوْها من الرفع والجر). يعني أنهم شبهوا هذه الياءات التي في (معدي كرب) و (قالي قلا) وما أشبهها لما كانت تسكن في موضع الرفع والجر، ولا يدخلها حركة بألف مثنى. فلما كانت مثل الألف في وجهين من وجوه الإعراب - وهما الرفع والجر جعلوها مثلها في الوجه الثالث وهو النصب. ثم قال: (وقالت الشعراء حين اضطروا). يريد حين اضطروا إلى إسكان الياء في الأسماء التي ليست بمنزلة (معدي كرب) و (أياديْ سبا).

تنوين العلم الموصوف بابن مضافة إلى علم - ضرورة

قال رؤبة: سَوَّى مساحيْهِنَّ تقطيطَ الحققْ تفليلُ ما قارعْنَ من سُمْرِ الطرَقْ الشاهد فيه إسكان الياء من (مساحيْهِنَّ) وهو في موضع نصب لأنه مفعول (سَوَّى)، وفاعل (سَوَّى) تقليل. وأراد بمساحيْهِنَّ: حوافر حُمُر الوحش، وجعل حوافرهن بمنزلة المساحي لأنهن يُثرن بها التراب، والتقطيط: تقليمها، والقط في الأصل: القطع. يعني أن الحجارة التي تعدو فيها قد قططتها كما يُقط القلم، يريد سوّت جوانبها وحروفها. و (تقطيط) مصدر منصوب بإضمار فعل، كأنه قال: قططتها تقطيطاً مثل تقطيط الحُقق، والحقق: جمع حُقة. يريد أن كل حافر من حوافرها مستدير مستو كأنه حقة، والتفليل: تفليل الحجارة الحوافرَ، تكسيرها من جوانبها، كأن الحجارة أخذت من جوانب الحوافر حتى استوت. ويجوز أن تنصب (تقطيط) بسوّى. وهو من باب: تبسمتْ وميضَ البرق. ما قرعن: أي ما قارعنه بحوافرهن. والطرَق: ما تطارق من الحجارة بعضها على بعض. تنوين العلم الموصوف بابن مضافة إلى علم - ضرورة قال سيبويه في حذف التنوين، قالت الفارعة بنت معاوية بن قشير القشيرية:

إبدال الهمزة ألفا

ستسأل أمُّ حَيْدةَ إذ أتتنا ... أتوفي أم معللةُ بعُذْرِ هي ابنتكُمْ وأختكُمُ زعمتمْ ... لثعلبةَ بنِ منقذٍ بنِ جَسْرِ في الكتاب: ابن نوفل، ووجدته: ابن منقذ. والشاهد فيه على إثبات النون في (منقذ) وأنه اضطر إليه فأثبته. يعني أتفي بوعدها أم تعللنا بعذر. يريد أنها تذكر لنا عذراً في تركها للوفاء. والمعنى واضح. إبدال الهمزة ألفاً قال سيبويه في الهمز، قال الفرزدق: نزِع ابنُ بِشرٍ وابنُ عمرو قبلهُ ... وأخو هراةَ لمثلِها يتوقعُ ومضتْ بمَسلمةَ البِغالُ عشيةً ... فأرْعَيْ فزارةُ لا هَناكِ المَرتعُ الشاهد في إبدال الهمزة في (لا هناكِ) ألفاً. وابن بشر هو عبد الملك بن بشر بن مروان، عزل عن البصرة وكان

جمع (كعب) على (كعاب) في الجمع الكثير

أميرَها وابن عمرو هو سعيد بن عمرو بن الحارث بن الحكم بن أبي العاصي، عزل عن الكوفة وسار مسلمة إلى الشام من العراق، وولي عُمر بن هبيرة الفزاري. وقال بعض الرواة: هو محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة. وأخو هراة سعيد بن الحارث بن الحكم. جمع (كعب) على (كِعاب) في الجمع الكثير قال سيبويه في جمع الرجال والنساء، قال معوِّدُ الحُكماء، وهو معاوية بن مالك بن جعفر. رأبْتُ الصَّدْعَ من كعبٍ وكانوا ... من الشنآن قد صاروا كِعابا الشاهد فيه أنه جمع (كعباً) على (كِعاب) في الجمع الكثير، وأنه أجرى أسماء الرجال مُجرى غيرها في التكسير. وسبب هذا الشعر أن لطيمة للنعمان بن المنذر - وهي عِير كان يبعثها كل سنة فيها طرف العراق والمسك والزعفران - أُغير عليها، وكانت تدفع في كل أرض إلى سيد من سادات الموضع الذي تمر فيه حتى يجيزها، ثم تدفع إلى رئيس آخر. وكان من جملة هؤلاء القوم الذين يجيزون اللطيمة هبيرة بن سلمة القشيري، فيجيزها هبيرة من قبائل بني كعب. وكعب: هو كعب بن ربيعة بن كلاب، فأجازها سنة، فاجتمعت عليها بنوعقيل. وعقيل وقشير والحَريش وجعدة، وعبد الله وحبيب الحرشي كلهم من ولد كعب. فجمعت

عدم صرف (ثماني) لتوهم أنه جمع على

بنوقشير ومن انضم إليهم من ولد كعب، واجتمعت بنو عقيل ومن انضم إليهم من قبائل كعب، وأشرفوا على الحرب، فركب إليهم معاوية بن مالك وهم متواقفون - وقد خشي أن يتفانوا - فسألهم أن يكفوا حتى يأتيهم، فقصد النعمانَ فحملها لهم مضعّفة ثم أتاهم فأخبرهم، فانصرفوا عن القتال. ورأبت: أصلحتُ، الشنآن: البُغض، قد صاروا كِعابا: قد تفرقوا واختلفوا وصاروا كأنهم ليسوا بني أب، وكانوا قبل ذاك يداً واحدة. عدم صرف (ثماني) لتوهم أنه جمع على (مفاعل) قال سيبويه في ما ينصرف وما لا ينصرف، قال ابن ميادة: وكأنّ أحْبُلَ رَحلِها وحبالها ... عُلقنَ فوقَ قويرحٍ شَحّاج يحدو ثمانيَ مولعاً بلِقاحِها ... حتى هممْنَ بزَيْغةِ الإرتاج الشاهد فيه أنه لم يصرف (ثماني). وصف ناقة، وذكر أن الحبال التي شدت برحلها كأنها شدت على حمار وحش قارح. شبه ناقته في سرعتها بحمار وحش. وقويرح: الذي قرح عن قرب، ولم يرد أنه صغير الجسم ولا ضعيف القوة. والشَحّاج: المصوِّت، والشحيج صوته، يحدو ثمانيَ أُنن: يسوقها ويجمعها، مولعاً بلِقاحِها: بأن يركبها حتى تحمل، واللقاح حملها، والزيغة: الزوال، والإرتاج: إغلاق الرحم على ماء الفحل. يريد أنه كان يلزمها حتى حملت

بناء (مناع) على الكسر

فهمَّت أن تزيغ عنه، أي لا تدعه يركبها. والأنثى - من غير بني آدم - إذا حملت منعت الفحل. بناء (مناعِ) على الكسر قال سيبويه في باب ما ينصرف وما لا ينصرف. قال راجز من بكر بن وائل: مناعِها من إبلٍ مناعِها أما ترى الموتَ لدى أرباعِها ويروى (على أرياعها). كانت تميم جمعت لبكر بن وائل، والتقوا في يومٍ يقال له يوم الزُّوَيْرين فهزَمت بكر بن وائل تميماً، وأخذوا نَعَماً كثيراً، فقال راجزهم هذا الرجز. والأرباع: جمع رُبَع وهو ولد الناقة. يعني أنهم يقتتلون في آثار الإبل في الموضع الذي يتبعها فيه رِباعها. بناء (بدادِ) على الكسر قال سيبويه: في ما ينصرف وما لا ينصرف، قال عوف بن عطية: هلاّ كررْتَ على ابنِ أمِك مَعْبدٍ ... والعامريُّ يقودُهُ بصِفادِ وذكرتَ من لبنِ المحلقِ شرْبةً ... والخيلُ تعدوبالصَّعيد بَدادِ

منع صرف (حاميم) اسما للسورة حملا على العجمة

الشاهد فيه أنه بنى (بدادِ) على الكسر. يخاطب عوفُ بهذا الشعر لقيط َ بن زرارة الدارميّ، كان أخوه معبَد بن زرارة أسرته بنوعامر في يوم رَحْرَحان، وفر عنه لقيط، فعيّر عوف لقيطاً بتركه أخاه. والعامري: يريد الذي أسر معبداً، والصِفاد: ما شده به، والمحلق: نعَم سِمَته على هيئة الحَلق، والصعيد: وجه الأرض، و (بدادِ) في موضع مصدر معرفة مؤنث، فكأنه في موضع البُدّة وهي في موضع الحال وإن كان معرفة. وهومن نحو: أرسلها العراكَ، وفعلته أجهدَك وطاقتك. منع صرف (حاميم) اسماً للسورة حملاً على العجمة قال سيبويه فيما ينصرف وما لا ينصرف: (وأما (حاميم) فلا ينصرف، جعلته اسماً للسورة أو أضفت إليه، لأنهم أنزلوه بمنزلة اسم أعجمي نحو: قابيل وهابيل). يعني جعلته اسماً للسورة: أي جعلت (حاميم) اسماً لها، كما جعلت هوداً ويوسف وغيرهما أسماءً للسور، فصنعت بها ما تصنع بامرأة سميتها باسمٍ من هذه الأسماء. والإضافة أن تدع الاسم على ما يستحقه من الإعراب قبل أن تضيف إليه، وتقدّر أنك أضفت السورة إليه فتقول: هذه هودُ فتصرف، لأنك قدّرت: هذه سورة هودٍ، وكذا الفعل في جميع السور. قال سيبويه: حاميم أعجمي معرفة، فإن جعلته اسماً لسورة لم

ينصرف، لأنه لو كان عربياً - وعلى هذه العِدة وسميتَ به مؤنثاً - لم تصرفه، فكيف تكون حال الأعجمي؟ وإن قدّرت الإضافة لم تصرف، كما كان لا ينصرف قبل أن تضيف إليه. قال الكميت: وجدْنا لكم في آلِ حاميمَ آيةً ... تأَوَّلها منا تقيُّ ومُعْرِبُ يخاطب أهل بيت النبي صلى الله عليهم ورضي عنهم، يقول: وجدنا لكم آية في القرآن في (آل حاميم) توجب علينا لكم المحبة والود، وهي قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودةَ في القربى) والمُعْرِب: المُبين لما يتكلم به الموضِح لما في نفسه. يقول: التقي، والذي يتأوّل تأويلاً صحيحاً، يعلم ما أوجب الله عز وجل لكم من المودة والمحبة. وقال رؤبة: كما رأيتَ في الكتاب الجيما والقافَ تتلو أسْطراً والميما أو كتباً بُيِّنَّ من حاميما بحيثُ ناصَى المَدفعُ النظيما

حذف نون الوقاية

وفي الكتاب بعد إنشاده: أو كتباً بُيِّنَّ من حاميما قد علمتْ أبناءُ إبراهيما وموضع هذا البيت في القصيدة ببعد من موضع البيت الذي أنشد قبله. شبه آثار ديارٍ - قد درس أكثرها - بحروف باقية في كتاب دارس، فذكر الجيم والقاف والميم، وذكر كتباً فيها حاميم. وناصى: اتصل، والمدفع: مدفع الماء يريد مَسيل الماء، والنظيم: المتصل بما بعده. ويقال لما يصل بين شيئين نظيم. حذف نون الوقاية قال سيبويه في النون الخفيفة والثقيلة، ذكر سيبويه حذف إحدى النونات في قولهم (لتفعلنّ) إذا أراد الجمع، لأنه اجتمعت فيه ثلاث نونات، فحذفوا استثقالاً، ونون الرفع هي المحذوفة. ثم قال: (وقد حذفوها فيما هوأشد من ذا. بلغتنا أن بعض القراء قرأ: أتحاجّوني بنون واحدة وكان يقرأ: فبم تبشرونِ وهي قراءة أهل المدينة وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف). يريد أنهم استثقلوا الجمع بين النون التي هي علامة الرفع وبين النون التي تكون مع ضمير المتكلم، فحذفوا إحداهما، والمحذوفة التي تكون مع الياء، لأن النون الأولى علامة، والثانية ليست بعلامة. فإن قال قائل: فالنون التي هي علامة مبنية على الفتح، والنون التي مع

جمع (سماء) على (سمائي) فعائل

ياء المتكلم مكسورة، وهذه النون الباقية مكسورة، فينبغي أن نجعلها النون التي تستعمل مكسورة، ولا نجعلها النون التي هي مبنية على الفتح ثم كسرت لمّا حذفت النون التي مع الياء. قيل له: لا يُنكر أن تكسر النون التي هي علامة إذا وقعت بعدها الياء، وقد رأيناهم فعلوا مثل هذا في قولهم (ليتي) حين اضطروا، فكسروا تاء (ليت) وهي مبنية على الفتح. وقال عمروبن معد يكرب: تقولُ حليلتي لما رأتهُ ... شَريجاً بين مُبْيَضٍّ وجَوْنِ تراهُ كالثغامِ يُعَلُّ مِسْكاً ... يسوءُ الفالياتِ إذا فليْني الشاهد فيه أنه حذف إحدى النونين، والمحذوفة التي مع الياء، والأولى لا يجوز حذفها لأنها ضمير الفاعلات، والفاعل لا يجوز حذفه. وهذا يبين لك أن النون الثانية هي المحذوفة، فيما ذكرته قبل هذا البيت. والشريج الذي فيه لونان: سواد وبياض، والجون: الأسود، وقوله: لما رأنه: يريد رأت شعر رأسه، والثغام: نبت إذا أخذ في الجفوف أبيض، واختلط بياضه بخضرته فيُشبه الشيب به. جمع (سماء) على (سمائي) فعائل قال سيبويه في باب ما ينصرف وما لا ينصرف، قال أميه بن أبي الصلت: وإنْ يكُ شيءُ خالِداً أومعمَّراً ... تأمَّلْ تَجدْ من فوقه اللهَ عاليا

له ما رأتْ عينُ البصيرِ وفوقه ... سماءُ الإله فوق سِتِّ سمائيا الشاهد فيه أنه جمع (سماء) على (سمائي) على فعائل، وكان ينبغي أن يقول (سمايا) وذلك أن الهمزة الواقعة بعد ألف الجمع عارضة، وقد وقع بعدها حرف علة. وإذا كان الأمر على هذا وجب أن نقلب حرف العلة الذي في آخر الجمع ألفاً، وإذا قلب ألفاً صارت الهمزة بين ألفين، فوجب أن تنقلب ياءً، وعلة هذا مشروحة في التصريف. وهذا الجمع هوجمع كثير، فاضطر الشاعر إلى أنه لم يقلب هذه الياء ألفاً، واضطر إلى فتح هذه الياء المكسور ما قبلها في موضع الجر، وجعلها بمنزلة الأسماء الصحاح. ولم يقل (سماءٍ) مثل: جوارٍ وغواشٍ. والشاهد على هذا المعنى. وفي البيت ضرورة غير ما ذكرنا، ولسنا نحتاج إلى ذكرها في هذا الموضع. و (تجدْ) جواب الشرط و (تأملْ) أمر وقع اعتراضاً بين الشرط

إبدال الهمزة ياء - ضرورة

وجوابه، كأنه قال: تأملْ ما أقول لك، و (تجدْ) بمعنى (تعلمْ). وقوله: (له ما رأت عين البصير) يريد أن له تعالى ما رأته عين البصير بين الأرض والسماء الدنيا، وله السماء السابعة التي هي فوق ست سماوات. والضمير المضاف إليه (فوق) يعود إلى (ما)، يريد: وله فوق ما رأته عين البصير. و (سماء الإله) مبتدأ وخبره. وفي الكتاب، وجميع الكتب التي يستشهد فيها بهذا البيت: سماء الإله فوق سبع سمائيا وفي شعره: فوق سِتِّ سمائيا. والذي في شعره ظاهر، لأنه يريد به: السماء السابعة، وتحتها ست سماوات. ووجه رواية الكتاب، أنه يريد بسماء الإله: العرش، والسماوات السبع تحته. إبدال الهمزة ياء - ضرورة قال سيبويه في الهمز، قال عبد الرحمن بن حسان: فأمّا ذِكرُكَ الخلفاَء منكمْ ... فهمْ منعوا وريدَك من وِداجي ولولاهمْ لكنتَ كعظمِ حوتٍ ... هوىَ في مظلمِ الغمَراتِ داجي وكنتَ أذلَّ من وتدٍ بقاع ... يشججُ رأسَه بالفهْرِ واجي يهجو عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي ويقول له: ذكرتَ

بناء (دراك) على الكسر

أن الخلفاء منكم - يعني من قريش - ولولا أن الخلفاء منكم لودجتك في حلقك، والوريد: عرق في العنق، وودجتك: قطعت وِداجه، ولولا الخلفاء لكنت كعظم سمكة وقع في البحر لا يُشعَر به. والغمرات: جمع غمرة وهي قطع الماء التي بعضها فوق بعض، والداجي: الأسود، والقاع: أرض حرّة طيبة الطين مستوية، والواجي أصله الواجئ، وهو الذي يدقّ، يقال: وجأتُ عنقه دققتها. بناء (دراكِ) على الكسر قال سيبويه فيما ينصرف وما لا ينصرف، قال طفيل بن يزيد المعقلي، حين أغارت كندة على نَعَمِه فلحقهم وهو يقول: (دراكِها من إبلٍ دراكِها) أما ترى الموتَ لَدَى أوراكِها ويروى: قد لحق الموت على أوراكِها وحمل على فحل الإبل فعقره، فاستدارت النعم حوله، ولحقت به بنوالحارث بن كعب فاستنفذوا ماله، وهربت كندة. إدخال النون الخفيفة في غير موضعها - ضرورة قال سيبويه في النون الخفيفة والثقيلة. قال النجاشيّ: فيا راكباً إمّا عرضْتَ فبلغنْ ... بني عامرٍ عني لديك ابنَ صعصعا

بناء (نظار) على الكسر

(نَبَتم نبات الخيزُراني في الثَرَى ... حديثاً متى ما يُدْرِكِ الخيرَ ينفعا) نبتمْ نباتَ العَفْلِ لؤماً ودِقةً ... يُنال ويُعلى بالمواسي فيُجْدَعا الشاهد في إدخاله النون الخفيفة في الفعل الذي هوجواب الشرط. يهجو بني عامر بن صعصعة. وقوله: نبات الخيزراني يريد به الخيزران. وأدخل عليه ياء في النسب. يعني أن الخيزران لا يعلو ولا يسمو ويرتفع، إنما هو يسير ويمتد في الأرض. يعني أنهم لا يعلون ولا يُذكرون بشيء من المفاخر. وقوله: حديثاً أي عن قرب. يريد أنهم ليس لهم قديم. متى ما يدرك الخير ينفعا، يقول: إذا أدرك الخير انتفع به. بناء (نظارِ) على الكسر قال سيبويه فيما ينصرف وما لا ينصرف، قال العجاج: أُتيحَ مَسْحولُ مع الصّبّارِ مَلالةَ المأسورِ للإسارِ يُفني جميع الليلِ بالتزفارِ (نظارِ كي أركبَهُ نظارِ)

إظهار التضعيف - ضرورة

الشاهد في (نظارِ) وهومبني، ووقع في موقع: انظري، وهو بمعنى (انتظري) ومسحول: اسم جمل العجاج. وأتيح: قدِّر عليه أن يكون مع الإبل التي صبرت فلم ترحل. ويجوز عندي أن يكون أراد به: قدِّر أن يكون مع الإبل التي تديم السير وتصبر عليه. وقوله: مَلالةَ المأسور (ملالةَ) ينتصب بإضمار: ملَّ ما هوفيه مثلَ ملالة المأسور للشد والاستيثاق منه. والتزفار: التنفس لألم يجده المتنفس، ويُفني عبرات الشوق بالإدرار؛ يريد: يفني دموعه بالبكاء واللفظ للجَمل والمعنى له. ونظارِ كي أركبه: الهاء تعود إلى مسحول، وهوجمله. إظهار التضعيف - ضرورة قال سيبويه في التضعيف، قال العجاج: فكم حَسَرْنا من عَلاةٍ عَنْسَلِ حَرْفٍ كقوسِ الشوْحَطِ المعطلِ لا تحفِلُ السَّوْطَ ولا قولاً حَلي (تشكو الوَجَى من أظللٍ وأظللِ) الشاهد فيه أنه اضطر إلى إظهار التضعيف في (أظلٍّ). والأظلِّ: باطن خف البعير وهوما يصيب الأرض منه، والعَلاة: الناقة الصلبة، والعنسل: السريعة، وحسرناها: أتعبناها حتى أعيت، والحرف: الصلبة التي كأنها حرف جبل، وقيل: الحرف التي ذهبت لحمها،

جر ياء المنقوص بالفتحة - ضرورة

والشوحط: شجر معروف وشبهها بقوس من القسي التي تعمل من الشوحط. يعني أنه قد اعوجَّت وضمر بطنها فبقيت كأنها قوس معمولة من خشب الشوحط. والمعطل: الذي قد أُخذ منه الوتر وترك، لا تحفِلُ السَّوْط: أي لا تسرع إذا ضربتها بالسوط لأنها قد أعيت ولم يبق عندها بقية من العدوتخرجها إذا أُفزعت، ولا تحفل: لا تبالي به و (حَلِ): زجر من زجر الإبل. يقول: هي لا تبالي بضرب السوط، ولا بزاجر. والوَجَى: أن يرق جلد خفها وينشق ويخرج منه الدم. من أظللٍ وأظلل: أراد من أظلٍّ يدِها ومن أظلٍّ رجلها. جرِ ياء المنقوص بالفتحة - ضرورة قال سيبويه فيما ينصرف وما لا ينصرف، قال الفرزدق: (فلو كان عبدُ الله مولى هجوته ... ولكنّ عبدَ الله مولى مواليا) الشاهد في البيت أنه فتح الياء من (موالي) في موضع الجر، واضطر إلى فتحها وجعلها كالحروف الصحاح. والمولى: الحليف الذي انضم إلى قوم ليعِزّ بعزِّهم، ويمنتع ممن ظلمه بنصرهم ودفعهم عنه. والذين ينضم إليهم الحلفاء هم يكونون أعزّ وأشرف ممن ينضم إليهم، لأنهم إنما انضموا إليهم لقوتهم وعزتهم، والحليف دون الذي انضم إليه، وإنْ حالف محالفُ الحليفَ صار مولى مولىً، فهو دون الحليف الأول. وعبد الله بن أبي إسحق الحضرمي هو مولى الحضرمي، وبنو الحضرمي حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف، فهو مولى مولىً.

في تنوين العلم

وسبب هذا الهجاء أن ابن أبي إسحق عاب شيئاً من شعر الفرزدق، فهجاه، وله معه قصة مشهورة. يقول: أنا لا أهجوه لأنه مولى مولىً، فأنا أرفع نفسي عنه. في تنوين العلم قال سيبويه في تنوين أسماء الأعلام. قال الأغلب العجلي: (جاريةُ من قيسٍ بنِ ثعلبَهْ) قبّاءُ ذاتُ سُرَّةٍ مُقعَّبَهْ ممكورةُ الأعلى رَداحُ الحَجَبَهْ كأنها حِليةً سيفٍ مُذْهبَهْ الشاهد في إثبات تنوين (قيس) وتحريكه لالتقاء الساكنين. وقيس بن ثعلبة بن عُكابة قبيلة عظيمة، والقباء: التي ضمر بطنها، والمقبعة: السّرّة التي قد دخلت في البطن وغمضت، فَعَلا ما حولها، فصار موضعها كأنه قعب. والممكورة: المطوية الخلق. وأراد بالأعلى بطنها وما يليه، والرَّداح الثقيلة الضخمة، والحَجَبة: رأس الوَرِك. أراد أن عجيزتها ثقيلة ضخمة، كأنها حلية سيف في بريقها وحسنها. توكيد جواب القسم بالنون لتقدمه على الشرط قال سيبويه في النون الخفيفة، قالت ليلى الأخيلية: (تُساورُ سَوّاراً إلى المجد والعُلا ... وفي ذِمتي لئن فعلتَ لَيفعلا)

بناء (يسار) على الكسر معدولا عن الميسرة

الشاهد فيه إدخال النون الخفيفة في جواب القسم، وهو قوله (ليفعلا). ويروى: وأقسم حقاً إنْ فعلتَ ليَفعلا وسوّار هوسوّار القشيري، وكان يهاجي النابغة الجعديّ، فقال النابغة: لسوّار شيئاً أغضب ليلى، فهجت النابغة. وقولها تساور: تفاخر وتعاظم، والمساورة: المواثبة، أي تفاخر سواراً وتفاضله، ولئن فعلت ليفعلا: ليفاخرنك ويغلبنك. ويروى: تنافر سواراً تريد أنّ مناقب سوّار وقومه ومفاخرهم كثيرة لا تقعد بهم، ولا يخشون - إنْ فاخرتهم - أن تفضل عليهم. وقولها: وفي ذمتي أي في ذمتي القيام بما أدّعيه لسوّار، وما أضمنه من مفاخرتك ومغالبتك. وليست (في) معلقة بالشرط ولا بجوابه، إنما هي في موضع خبر ابتداء محذوف. بناء (يسارِ) على الكسر معدولاً عن الميسرة قال سيبويه فيما لا ينصرف قال حميد بن ثور: (فقلت امكثي حتى يسارِ لعلنا ... نحجُّ معاً، قالت أعاماً وقابِلهْ!) الشاهد فيه أن (يسارِ) مصدر بمعنى الميسرة، والبيت في شعره مرفوع وإنشاده: فقلت امكثي حتى يسارِ لعلنا ... نحجُّ معاً قالت أعاماً وقابلهْ؟

تأنيث حرفي الكاف والميم

لقد طال ما أكببتُ تحتَ بجادِكمْ ... وما كَسَرَتني كلَّ عام مَغازِلهْ وأول القصيدة: وقالت أغِثنا يا بنَ ثور ألا ترى ... إلى النجْدِ تُحدَى نوقه وجمائلهْ كانت امرأته سألته أن يتركها حتى تمضي إلى الحج، فقال لها: اصبري حتى يصير لي يسارُ وأنفق عليك، ولعلي أخرج أنا وأنت. فقالت له: أعام، تقديره: أوقت حجنا عامُنا هذا وقابِله؟ وقولها: أعام وقابلهْ؛ تريد أن الاستعداد للحج، والخروج إلى مكة، والرجوع، يكون في بعض سنتين، فيكون الاشتغال بأسباب الحج وبالحج، يكون بعض شهور السنة التي هي فيها، وبعض شهور السنة التي بعدها. وهذا التأويل أحب إليّ من أن أجعل الواوفي معنى (أو) وتكون أرادت أن تقول: أعام أوقابله. وقولها: لقد طال ما أكببتُ تحتَ بجادِكمْ، تريد: لقد طال ما أكببتُ على المغزل. والبجاد: بَت يُعمل من الصوف. تريد أنها لزمت القعود في البيت مكبة على المغزل. وما كسرتني المغازل: تريد أنها قوية، وما أضعفها كثرة غزلها. تأنيث حرفي الكاف والميم قال سيبويه قال سيبويه فيما لا ينصرف، قال الراعي:

تذكير (حي) وصرفه

(أشاقتكَ آياتُ أبانَ قديمُها ... كما بُيِّنتْ كافُ تلوحُ وميمُها) الشاهد فيه أنه أنث الكاف والميم. وأبانَ قديمُها: بمعنى تبيّن واستبان، ويقال بان الشيءُ وأبان وبيّن وتبيّن واستبان بمعنى واحد. ويروى: (كما تبيَّنتْ كافُ) بفتح الباء والياء. شبه ما بان من آثار الديار. التي ذهب أهلها منها - بالحروف المكتوبة. وهذا معنى يتداوله الشعراء وهوواضح. تذكير (حي) وصرفه قال سيبويه فيما لا ينصرف، قال الراعي:

إسكان الياء في حالة النصب - ضرورة

فأما مُصاب الغاديات فإننا ... على الهَوْلِ راعوه ولوأن نُقارِعا (بِحَيٍّ نمَيريٍّ عليه مَهابةُ ... جميعٍ إذا كان اللئامُ جنادعا) الشاهد فيه أنه ذكر الحي ووصفه بـ (نميري). والغاديات: السحاب التي تمطر غدوة، ومصابها: مواقع مطرها، وراعوه: يعني أنهم يرعون العشب الذي ينبت بالواضع التي يقع فيها الغيث أين كان من الأرض، والهول: الفزع. يقول: إذا فزعوا أن يردوا مكاناً فيه عشب - خوفاً أن يغار عليهم - فإننا نرعاه ولو أن نقارع، أي ولو أن نقاتل حتى نغلب عليه. وجميع: مجتمِع الشأن، أمره واحد لا يخالف بعضهم بعضاً. والجنادع: جمع الجُندُع وفسروا الجنادع بالأوائل. وأظن أنهم يعنون الأوائل في الهرب. ويجوز عندي أن يعني بالجنادع الأقلاّء، والجنادع: دوابّ صغار تكون في جِحَرة الضِباب واليرابيع وما أشبهها إذا حفرت الجحرة خرجت. المعنى أنهم يكونون بمنزلة الجنادع في الذِلة. ويقال في الشر: ظهرت جنادعه، إذا ظهرت أوائله. إسكان الياء في حالة النصب - ضرورة قال سيبويه فيما لا ينصرف، قال الحطيئة: (يا دارَ هندٍ عفتْ إلا أثافيها ... بين الطوِيِّ فصاراتٍ فواديها)

الاقتصار على ذكر حرف من جملة الكلام

الشاهد في إسكان الياء من (أثا فيها) وهي منصوبة. والأثافيّ: الحجارة التي تنصب عليها القِدر، والطويّ وصارات: مواضع. يعني أنه درستْ معالمها فلم يبق منها إلا الأثافي. الاقتصار على ذكر حرف من جملة الكلام قال سيبويه في باب ما لا ينصرف. وأنشد: (بالخيرِ خيراتٍ وإنْ شرّاً فا) (ولا أريد الشرَّ إلا أنْ تا) بألف بعد الفاء في البيت الأول، وألف بعد تاء في البيت الثاني. والشاهد فيه أنه اقتصر على ذكر حرف من جملة الكلام، وذكر الحرف يدل على بقية الكلمة، وتكون الألف للمد تابعة لفتحة الفاء وفتحة التاء. وأراد بالخير خيراتٍ وإنْ شرّاً فشر، فذكر الفاء وحدها ومدّها، ولا أريد الشر إلا أنْ تشائي أيتها المرأة، فذكر التاء وحدها، ثم أتبعها الألف. وعلى هذا الوجه يكون حرف الروي مختلفاً: يكون في البيت الأول فاء، وفي البيت الثاني تاء، ويكون الشعر من السريع من الضرب الأخير منه (مفعولن). وهذا الشعر يروى لنعيم بن أوس، من ربيعة بن مالك. قال: إنْ شِئْت أشرَفْنا كِلانا فَدَعا اللهَ جَهراً رَبَّه فأسْمَعا

إدخال النون الخفيفة على فعل الدعاء

بالخيرِ خيراتٍ وإنْ شرّاً فأاْ ولا أريد الشرَّ إلا أنْ تأَاْ وعلى هذا الإنشاد يكون الشعر من مشطور الرجز، ويكون بعد الفاء همزة مفتوحة يتبعها ألف، وكذلك بعد التاء، ويكون البيتان المتقدمان روبّهما العين، والبيتان المتأخران رويّهما الهمزة. ووجه هذا الإنشاد، أنه زاد ألفاً بعد فتحة الفاء والتاء ثم همَزَها. وقيل إنه أراد: وإنْ شراً فالشر وأثبت الهمزة التي تكون مع اللام للتعريف وهي مفتوحة، وأتبعها الفاء وجعل ما بعد التاء مثل ذلك - وإن لم يكن بعدها ألف - حتى يستقيم الشعر. وقوله: بالخير خيراتٍ متصل بفعل كأنه قال: دَعا وسأل أن يُجزى - مَن فعل منه ومن امرأته - بفعل الخير خيراتٍ، وإن فعل شراً فشراً يُجزى. إدخال النون الخفيفة على فعل الدعاء قال سيبويه في النون الخفيفة، قال عبد الله بن رواحة الأنصاري: واللهِ لولا اللهُ ما اهْتدَيْنا ولا تصدَقنا ولا صليْنا (فأنِزلنْ سَكينةً علينا) وثبِّتِ الأقدامَ إنْ لاقيْنا ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد هذه الأبيات وهو يحفر الخندق. والشاهد فيه أنه أدخل النون الخفيفة على فعل الدعاء.

حكاية الجملة دون إعمال الفعل في لفظها

والسكينة: ما يجعله الله عز وجل في قلوبهم من الطمأنينة وسكون النفس والثبات إذا لقوا عدوهم، وأنهم إذا لحقتهم المكاره في الدنيا أعطاهم الله أعواض ما يلحقهم في الجنة ما هوأعود عليهم من جميع ملاذ الدنيا ومنافعها. حكاية الجملة دون إعمال الفعل في لفظها قال سيبويه فيما لا ينصرف، قال بِشر: (وجدْنا في كتاب بني تميم ... أحقُّ الخيلِ بالركضِ المُعارُ) ويروى هذا البيت للطرماح. والشاهد فيه أنه حكى الجملة ولم يُعمل (وجدنا) في لفظها. و (أحقُّ الخيل) مبتدأ، و (المعار) خبره، والجملة في موضع نصب بـ (وجدنا). ويحتمل (وجدنا) وجهين: أحدهما أن يكون بمعنى علمنا، وتكون الجملة في موضع المفعول الأول، و (في كتاب بني تميم) المفعول الثاني. والوجه الآخر أن يكون (وجدنا) بمعنى أصبنا، كأنه قال: وجدنا في كتاب بني تميم هذا الكلام، كما تقول: أصبت في كتاب بني تميم هذا اللفظ. والمُعار: الذي أعاره صاحبه، والركض: تحريك الفارس الفرسَ برجله

إثبات الياء في (قريشي) على القياس

ليجدّ في عدوه. ومعنى قوله: (أحقُّ الخيلِ بالركضِ المُعارُ) أي أحقُّ الخيل بالركوب والركض والاستعمال الخيلُ التي استعيرت من أصحابها، حتى يُودِع المستعيرون خيولهم بركوب الخيل المستعارة. وهو نحو قولهم في العَليقة والجَنيبة: إنهما الناقة يرسلها الرجل مع القوم ليمتاروا له عليها، فيُودِعون ركابهم ويحملون بعض ما معهم عليها، ومَن أعيا منهم ركبها، فهي تلقَى شدة. ومثله قول الراجز: أرسلها عَليقةٍ وقد عَلِمْ أنّ العَليقاتِ يُلاقيِنَ الرَّقِمْ وقال الآخر: رِكابه في القوم كالجنائبِ ومثله: . . . . . ... ومن لذةِ الدنيا رُكوبُ العلائقِ يهجوهم بهذا، أي هم يتغنمون عارية الخيل، ويسألون الناس أن يعيروهم ليرفهوا خيلهم. والكرام من شأنهم أن يحيلوا خيلهم، أي يعطوها لمن يغزو عليها وينتفع بها ليُشكروا. إثبات الياء في (قريشي) على القياس قال سيبويه في النسب قال الشاعر:

عدم صرف (معد) حملا على القبيلة

(بكل قرَيْشيٍّ عليه مهابةُ ... سريع إلى داعي الندى والتكرُّمِ) الشاهد فيه أنه أثبت الياء في (قريشي) وهو القياس عند سيبويه. والمهابة: الهيبة، وداعي الندى: الذي يدعو إلى فعل السخاء والجود، والتكرم: إظهار الكرم. يريد أنهم يسرعون إذا دعاهم داعي الجود والكرم. والمعنى واضح. عدم صرف (معدّ) حملاً على القبيلة قال سيبويه فيما لا ينصرف. قال الشاعر: (عَلِم القبائلُ من معدَ وغيرِها ... أنَّ الجواد محمدُ بنُ عُطارِدِ) الشاهد فيه أنه لم يصرف (معد) وجعله اسماً للقبيلة. ومحمد بن عطارد بن محمد بن عطارد بن حاجب بن زُرارة الدارميّ وكان سيداً وآباؤه سادات، والمعنى واضح. جعل (الجنوب) اسماً للريح قال سيبويه فيه أيضاً. قال الشاعر حالت وحيل بها وغيَّر آيَها ... صَرْفُ البِلى تجري به الرِيحانِ

(ريحُ الجَنوبِ مع الشَّمالِ وتارةً ... رِهَمُ الربيعٍ وصائب التهتانِ) الشاهد فيه أنه أضاف (ريحُ الجَنوب) وجعل (الجَنوب) اسماً لهذه الريح التي تجيء من يمين الكعبة. و (الريحان) رفع بـ (تجري) و (ريحُ الجَنوب) بدل من (الريحان). فإن قال قائل: البدل ينبغي أن يكون مثل المبدل منه في العدد، ولا يكون ناقصاً عنه، وأنت إذا جعلت (ريح الجَنوب) بدلاً من (الريحان) ولم تأت ببدل آخر، نقصت العِدّة. ومثله قولك: مررت برجلين زيدٍ، وهذا لا يحسن حتى تقول: زيدٍ وعمرو، فإن نقصت العدة رفعت على خبر ابتداء محذوف فتقول: مررت برجلين زيدُ. أي أحدهما زيد. قيل له: إن قوله: (ريحُ الجَنوبِ مع الشَّمال) في تقدير: ريحُ الجَنوب وريحُ الشمال ولم يمكنه أن يقول: وريح الشمال فقال: مع الشمال. ولو قال قائل: إن (ريح الجَنوب) مرفوعة على خبر ابتداء محذوف - كأنه قال: إحداهما ريح الجنوب - لكان وجهاً، وهوضعيف في المعنى، والأول أحب إليّ. وفي (حالت) ضمير يعود إلى الدار، يريد أن الدار حالت عما كانت عليه - من العمارة، وحلولِ أهلها بها، وآثارهم الحسنة فيها - فدرست معالُمها وانمحت آثارها. وحيل بها: أي غيّرت، يعني أن مرَّ الزمان يُحيلها ويغيرها.

(يا) للنداء أوللتنبيه

والآي: جمع آية وهي العلامة من العلامات التي يعرف بها المكان، وصرف البلى: تصرفه وعمله في إبطال الشيء وإهلاكه، و (تجري) في موضع الحال من (الصرف)، والعامل في موضع الحال (غيَّر) والرِهَم: جمع رِهْمَة وهي المطْرة. والتهتان: المطر الشديد وقعِ القطر، والصائب: النازل من السحاب، يقال منه صاب يصوب. وقوله: (وتارةً رِهَمُ الربيع) يقول: مرة تمحو آثارَ الديار الرياحُ، وتارة الأمطارُ، فقد درست لتعاقب أسباب الدروس عليها. (يا) للنداء أوللتنبيه قال سيبويه وأما (يا) فتنبيه، ألا تراها في النداء وفي الأمر، كأنك تنبه المأمور. قال الشماخ: (ألا يا اسْقِياني قبلَ غارةِ سِنجالِ ... وقبل منايا قد حضرْنَ وآجالِ) وقبل اختلافِ القوم من بين سالبٍ ... وآخرَ مسلوبٍ هَوَى بين أبطالِ الشاهد في البيت الأول على أنه أدخل (يا) على فعل الأمر. سنجال اسم موضع بناحية أذربيجان، أواسم رجل كان في ذلك الموضع. ورثى الشماخ في هذه القصيدة رجلاً من بني ليث بن عبد مناة بن

جمع (ساعة) على (ساع)

كنانة أصيب بأذربيجان، وكان مع سعيد بن العاصي، أومع الأشعث ابن قيس الكندي، ولم يُرد: اسقياني قبل مقتل هذا الرجل، وإنما أراد: اسقياني قبل أن أُقتل كما قتل هذا الرجل. جمع (ساعة) على (ساع) قال سيبويه: (راحُ وراحةُ وراحات، وشامُ وشامةُ وشامات). قال القَطامي: ثبتنا ما مِنَ الحيَّينِ إلا ... يظلُّ ترَى لكوكبه شعاعا (وكنا كالحريق أصاب غاباً ... فيخبوساعةً ويهب ساعا) وقال سيبويه بعد البيت: (فقال: ساعةُ وساعُ). الشاهد في البيت الثاني على أنه جمع (ساعاً) واقعاً على جميع الساعات، وجعله مما بينه وبين واحدِه الهاء؛ مثل الأسماء التي تقدم ذكرها في الباب. أراد القطامي وصف حرب كانت بين قومه بني تغلب، وبين قيس بن عيلان. وقوله (ثبتنا) يريد ثبت كل واحد من الحيين لصاحبه، وقوله: (ما من الحيين) يريد: ما حيُّ من الحيين. و (من الحيين) وصف لـ (حي) وحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. وقال الله تعالى: (وإنْ من أهل الكتاب إلا ليُؤمِننَّ به) محذوف. وكوكب الكتيبة: معظمها، وفي (يظل) ضمير يعود إلى (الحي) المحذوف، وما

جعل الاتباع مصدر (تتبع)

بعده خبره. والغاب: جمع غابة وهي الأجمة. يريد أن بريق السيوف وارتفاعها - إذا حمل بعضهم على بعض - بمنزلة ارتفاع النار في الأجمة. ويجوز أن يعني أن أصوات وقع سيوفهم بمنزلة صوت التهاب النار في الحطب، ويجوز أن يعني حفيفهم إذا حمل بعضهم على بعض. وقوله يخبو: يسكن. جعل الاتباع مصدر (تتبّع) قال سيبويه: (وزعموا أنّ في قراءة ابن مسعود: (وأُنزل الملائكةُ تنزيلا) لأن معنى انزل ونُزّل واحد). وقال الفطاميّ: (وخيرُ الأمر ما استقبلتَ منه ... وليس بأن تتبَّعَه اتباعا) الشاهد فيه على أنه أتى (بالاتباع) الذي هو مصدر (اتبع) فجعله في موضع (التتبّع) الذي هو مصدر (تتبَّع). يقول: خير الأمور ما فكرتَ فيه ونظرت وشاورت قبل فعله، فلم تفعله إلا بعد إحكام الرأي، فإن ركبتَ أمراً ففعلت من غير تأمل ومشاورة، ثم رأيت منه ما تكره، لم يمكنك أن تتلافى ما فرّطت فيه، ولم ينفعك ندمك على أنك فعلته.

جعل (المقيل) في موضع (القيلولة)

جعل (المقيل) في موضع (القيلولة) قال سيبويه: (وقالوا المعصية والمعرفة كقولهم المعجِزة). يريد أن (المَفعِلة) قد جاءت في المصادر. وذكر قبلُ أنه قد يأتي في المصادر من هذا النحو الوجهان، قالوا: مَعذَرَة ومَعذِرَة، ومعتبة ومعتبة. قال: (وربما استغنوا (بمفعِلة) عن غيرها، وذلك قولك: المشِيئة والمحْمِيَة). يريد أنهم يستعملونها في المصدر والاسم بالكسر، ولم يستعملوا فيها الفتح في المصدر، كأنهم جعلوا الكسر الذي يكون للاسم مستعملاً في المصدر، واستغنوا به عن الفتح. وقال الراعي: (بُنِيَتْ مرافقهُنّ فوق مَزِلةٍ ... لا يستطيعُ بها القرادُ مَقيلا) وصف إبلاً بالسِّمَن وملاسة الجلد، وأن مرافقها لم تحُزَّ في جلودها. يقول: موضع المرفق من كل واحد منها ليس به ناكث ولا حاز ولا ضاغط، وجميع هذا مما يؤثر حدّ مرفقها في جنبها، فإذا أصاب جنبَها شيء من ذلك، اجتمع جلدها وتكسر وتغضّن، فصار فيه موضع للقراد لتكسُّره وتثنّيه. فإذا املاس لم يستطع القراد أن يثبت عليه، ولا يجد موضعاً يقيل فيه، إنما يجد شيئاً أملس يزلّ عنه. ومثله لكعب بن زهير:

في معنى (بل)

يمشي القرادُ عليها ثم يُزلِقه ... منها ليانُ وأقرابُ زَهاليلُ الشاهد في البيت أنه جعل المَقبل في موضع القيلولة. في معنى (بل) قال سيبويه: (وأما (بل) فلترك شيء من الكلام وأخذٍ في غيره). قال لبيد: (بل مَن يَرى البرقَ بِتُّ أرقبُه ... يُزْجي حَبيّاً إذا خبا ثقبا) الحبيّ من السحاب: ما ارتفع وعلا، ويقال: حبا الرمل إذا أشرف، ويزجي: يسوق، إذا خبا: سكن لمعانه، وثقب: اتقد. يريد أنه يتقد البرق. وقوله: بِتُّ أرقبُه، يريد أنه بات ينظر أنىّ يمطر سحابُه، وجعل البرق يسوق السحاب، وإنما الريح تزجي السحاب الذي البرق فيه، فيجعل الفعلَ له. جمع (سعد) علماً على (فعول) في الكثرة قال سيبويه قال طرفة: (رأيتُ سُعوداً من شعوبٍ كثيرةٍ ... فلم أر سعداً مثلَ سعدِ بنِ مالكِ)

حذف ياء المتكلم تشبيها بياء (القاضي)

الشاهد في البيت أنه جمع (سعداً) اسم رجل على (فعول) في الكثرة فقال: رأيت سُعوداً. يقول: لم أر فيمن يسمى (سعداً) أكرمَ من سعد بن مالك، وهو سعد بن مالك بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عُكابة بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل. والشعوب: جمع شعب، وهو أكبر من القبيلة. حذف ياء المتكلم تشبيهاً بياء (القاضي) قال سيبويه في باب: (ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف، التي لا تذهب في الوصل). يريد الياءات التي تقع في آخر الكلام، في المواضع التي لا يدخلها التنوين، مثل ياء (غلامي وصاحبي وأكرمني وأعطاني) بحذف الياء من (غلامي) في الوقف، وهي اسم المتكلم، وتحذف النون والياء - التي هي ضمير المتكلم - في النصب، وفي كل موضع تقع الياء فيه وحدها أوالياء والنون. ومثل ذلك سيبويه بقولك: (هذا غلامْ، وأنت تريد (غلامي) وقد أسقانْ، تريد (أسقاني). وقال النابغة الذبياني: (إذا حاوْلتَ في أسدٍ فجوراً ... فإني لستُ منك ولستَ مِنْ) همُ دِرعي التي استلأمْتُ فيها ... إلى يومِ النِّسار وهم مِجَنّْ (وهمْ وردوا الجِفارَ على تميمٍ ... وهمْ أصحابُ يومِ عكاظَ، إنْ)

مد الصوت في قافية الشعر

شهِدتُ لهم مواطنَ صالحاتٍ ... أثبْنهُمُ بِودِّ الصَدرِ مِنْ المخاطب بهذا الشعر عُيينة بن حِصن الفزاري، والذي حَمَل النابغة على مخاطبته بذلك، أنه أراد أن يقطع الحلف الذي بين بني أسد وبني ذبيان، لأن بني أسد قتلوا رجلين من بني عبس، ولم يحب النابغة قطع الحلف، فقال هذه القصيدة. والفجور أراد به نقض ما بين عيينة وبين بني أسد من الأمان والحلف. وقوله: لستُ منك أي لا أدخل معك في قطع الحلف الذي بينك وبينهم، ولا أتابعك عليه، والنسار: موضع كانت فيه وقعة بين غطفان وبني أسد وبين بني تميم. واللأمة: الدرع، واستلأ مْتُ: لبست اللأمة، والمجن: الترس، والجِفار: موضع أيضاً. يقول: بنوأسد لبني ذبيان بمنزلة الدرع والترس للمحارب، يقونهم بأنفسهم، وهذه الأفعال التي فعلوها أثبتت لهم في صدري وداً لا يزول. مد الصوت في قافية الشعر قال سيبويه في باب: (وجوه القوافي في الإنشاد): (وأما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواوما ينوَّن وما لا ينون، لأنهم أرادوا مدّ الصوت. وذلك قولهم):

(قفا نبكِ من ذكرَى حبيبٍ ومنزلي) ... . . . . . أمر صاحبيه بأن يقفا عليه وينتظراه لمّا مر بالدار التي كان من يهواه فيها، حتى يبكيَ على فقده، فيخف ما به من الحزن لفرقته. و (نبك) مجزوم جواب الأمر، أراد من أجل ذكرى حبيب. والشاهد في البيت أنه مد آخره، وألحق بعد كسرة اللام ياء لمد الصوت والترنم. وأنشد سيبويه بعد هذا بيتاً في قصيدة امرئ القيس، ويروى لابن الطثْرية: (فبِتنا تصدُّ الوحشُ عنا كأننا ... قتيلان لم يعلمْ لنا الناسُ مصرعا) الشاهد فيه إدخال الألف في آخر البيت لمد الصوت. والمعنى أنه بات مع المرأة التي كان يهواها، في موضع بعيد من الحي يكون فيه الوحش، فكانت الوحش تنفر منهما، وتصد عن قرب الموضع

الذي هما فيه. وشبّه نفسه وإياها - وهما نائمان - بقتيلين لم يعرف موضعهما، لأنه بات معها في موضع لا يعرفه أحد من الناس غيرهما. قال سيبويه: (واعلم أن المجزوم والساكن يقعان في القوافي، ولولم يفعوا ذلك لضاق عليهم، ولكنهم توسعوا بذلك فإذا وقع واحد منهما في القافية حُرِك). يريد أنه يحرك بالكسر كما تحرِك لالتقاء الساكنين، ثم ساق كلامه في هذا المعنى إلى أن أنشد بيت امرئ القيس: (أغرَّكِ مني أنَّ حبكِ قاتلي ... وأنكِ مهما تأمري القلبَ يفعلِ) يقول لهذه المرأة: أغرَّك - حتى اجترأتِ على تعذيبي وهجري ومخالفتي - أنك تعلمين شدة محبتي لك، وأنك تعتقدين أني أموت إن هجرتني، وأن قلبي لا يطاوعني على أن أصرمك، وأقطع ما بيني وبينك، وأنك تأمرين قلبك بما تحبين فينقاد لك. يريد أنه إذا أرادت هجره طاوعها قلبها وصبرت عنه، وإذا أراد هجرها لم يطاوعه قلبه، فقلبها ينقاد لها، وقلبه لا ينقاد له. و (يفعل) مجزوم لأنه جواب الشرط، ولكن حرّكه بالكسر لأجل القافية. والشاهد عليه. وقال طرفة:

جعل (عل) بمنزلة فوق

(متى تأتِني أصْبَحْكَ كأساً رويَّةً ... وإنْ كنتَ عنها غانياً فاغنَ وازْدَدِ) الشاهد في هذا مثل الشاهد في البيت المتقدم. والصَّبوح: شرب الغداة، والكأس: الإناء المملوء شراباً، والروية: المُرْوية، والغاني المستغني. يقول: إن كنت محتاجاً إلى الشرب سقيتك، وإن كنت مستغنياً فاغن، ويقال غنيَ يَغنَى فهوغانٍ، في معنى استغنى يستغني فهو مستغن. وقوله: فاغن فيه معنى الدعاء، كما تقول: اسلمْ. (وازدد) معطوف عليه وهو مبني على سكون، ولكنه احتاج إلى تحريكه فكسره. جعل (علِ) بمنزلة فوق قال سيبويه في باب عِدّة ما يكون عليه الكلم: (و (عَلُ) معناه الإتيان من فوق. قال امرؤ القيس): (مِكَرٍ مِفرٍ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً ... كجلمود صخرٍ حطهُ السيلُ من عَلِ) الشاهد فيه على أن (علِ) بمنزلة (فوق) كأنه قال: حطهُ السيلُ من فوق.

ورود صيغة (فيعل) للمذكر والمؤنث

وصف فرساً، وذكر أنه يصلح للكر إذا أراد فارسه أن يكُر، وللفر إذا أراد فارسه أن يفِر، ويصلح للإقبال والإدبار إذا أريد منه شيء منهما. وقوله (معاً) أي هو في كل حال من أحواله يصلح لكل فن أخذ من هذه الأشياء، التي وصف أنه فعلها. والجلمود: الصخرة والحجر، وزعموا أن الصخرة إذا كانت في أعلى الجبل، كانت أصلب من الصخرة التي تكون في أسفله، فأراد أن هذا الفرس صلب كصلابة هذه الصخرة. ويجوز أن يريد أنه أملس الجلد لاكتناز لحمه، وصلابة جسمه، فكأنه بمنزلة الصخرة الملساء. ويجوز أن يريد أنه في سرعته يهوي في عدوه كما تهوي الصخرة من رأس الجبل، أراد أنه يسرع في العدو كإسراع هذه الصخرة من النزول من الجبل. ورود صيغة (فيعِل) للمذكر والمؤنث قال سيبويه في باب: تكسير ما كان من الصفات على أربعة أحرف: (وقد جاء شيء من (فَيْعِل) في المذكر والمؤنث سواء، قال الله جل وعز (وأحيينا به بلدةً مَيْتا) وقالوا: ناقة ريِّض. وقال الراعي): (وكأنّ ريِّضَها إذا ياسَرْتها ... كانت معاوِدةَ الرحيلِ ذَلولا)

تسكين المتحرك للضرورة

الريِّض: الناقة التي لم تَمْهَر الرياضة، أي لم تتعلم المشي، هي في أول أمرها وتعليمها، وياسَرْتها: من اليُسر، يريد لم تشادّها، والذلول: المنقادة. وصف إبلاً، وذكر إن التي هي في أول رياضتها منها، بمنزلة التي قد فرغ من رياضتها وذلت وطاوعت وانقادت، فهي بمنزلة ناقة قد شُد عليها الرحل، ورُكبت مرة بعد مرة، وعُودت ذلك، فهي لا تُتعب راكبها. وصف كرم هذه الإبل. تسكين المتحرك للضرورة قال سيبويه قال الأخطل: (إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا ... وإنْ شِهْدَ أجْدَى فضلُه ونوافلُهُ) يمدح بذلك بشر بن مروان بن الحكم، يقول: غيبته عنا وبعده كغيبة الماء الفرات عنا. يعني أن حاجتهم إليه كحاجتهم إلى الماء الفرات، وإنْ حضر أجدى فضله، أي أغناهم بما يتفضل به عليهم، ونوافله: زياداته في العطاء الذي يعطيه. ويروى: إذا غاب عنا غاب عناربيعُنا أي هوبمنزلة الربيع الذي يحيا به الناس. ويروى: أجدى فيضُه وجداولهْ يريد ما يفيض من عطائه، والجداول: الأنهار. شبه اتصال جوده وذهابه في كل وجه بالأنهار التي تتشعب فتذهب في كل وجه.

تشبيه الكاف بالهاء (من أحلامكم)

تشبيه الكاف بالهاء (من أحلامِكِم) قال سيبويه في باب ما تُكسر فيه الهاء من علامات الإضمار: (وقال أناس من بكر بن وائل: (من أحلامِكِمْ) و (بِكِمْ) شبهها بالهاء لأنها عَلم إضمار قد وقعت بعد الكسرة، فأتبع الكسرةَ الكسرةَ حيث كانت حرفَ إضمار، وكان أخف عليهم من أن يضم بعد أن يُكسر. وهذه لغة رديئة جداً، وسمعنا أهل هذه اللغة ينشدون للحطيئة): (وإن قال مولاهمْ - على جُلِّ حادثٍ ... من الدهر: رُدّوا فضلَ أحلامِكِمْ رَدّوا) يمدح بني لأي بن شماس، ومولاهم: ابن عمهم وحليفهم، وجل الشيء: معظمه. يقول: هؤلاء القوم إذا جنى ابن عمهم - أو حليفهم أوجارهم عليهم وخشي عقابهم - سألهم أن يحملوا عنه فأجابوه. ورُدّوا فضلَ أحلامِكِمْ: أي ردوا على جنايتي حلمكم الواسع، فإن أحلامكم واسعة لغفران ذنوب من جنى عليكم. تقييد القافية بحذف الضمير عند الوقف قال سيبويه في باب القوافي، قال ضرار بن الأزور الأسدي: (وأعلمُ علمَ الحق أنْ قد غوَيْتمُ ... بني أسدٍ، فاستأخروا أو تقدمُ)

حذف الياء من آخر الفواصل والقوافي عند الوقف

بني أسدٍ قد ساءني ما صنعتمُ ... وليس لقوم حاربوا الله مَحْرَمْ الشاهد فيه أنه حذف الواوالتي هي وصل - وهي ضمير - حين وقف. والذي عندي في معناه: أن ضراراً قرّع قومه على ما صنعوا في أمر الردة، وكان ضرار في جملة جيش خالد بن الوليد حين نهض لقتال أهل الردة. يقول: من خالف ما أمره الله عز وجل به، لم يَحْرُم دمه وماله، ولم يكن له حرمة في شيء من أمره. حذف الياء من آخر الفواصل والقوافي عند الوقف قال سيبويه في باب ما يحذف في أواخر الأسماء في الوقف من الياءات: (وجميع ما لا يحذف في الكلام وما يُختار فيه أن لا يُحذف في الفواصل والقوافي، فالفواصل قول الله تعالى: (والليلِ إذا يَسْرْ) و (ذلك ما كنا نَبْغْ) و (يوم التنادْ) والأسماء أجدر أن تحذف، إذ كان الحذف فيها في غير الفواصل والقوافي). أراد سيبويه أن الفواصل والقوافي، يُحذف فيها من الياءات ما لا يحذف في غير الفواصل والقوافي، وذلك أن ما فيه الياء من الأفعال نحو (يرمي

ويقضي) لا تحذف منه الياء إلا في آخر آية أو في آخر بيت، فهذا الذي لا يحذف في الكلام. وما يُختار فيه أن لا يحذف هو ما فيه الألف واللام من هذه الأسماء التي في أواخرها الياء نحو (الرامي والغازي) وما أشبههما، لا تحذف منها الياء إلا في آخر آية أوفي آخر بيت. وقوله: (والأسماء أجدر أن تحذف، إذ كان الحذف فيها في غير الفواصل والقوافي). يقول: الأسماء التي فيها الألف واللام أجدر أن تحذف من أواخرها الياءات، إذ كانت الياءات فيها قد تحذف قبل دخول الألف واللام عليها في الوقف، في غير الفواصل والقوافي. نحو (هذا قاض، ومررت برام) والفعل المعتل من هذا الباب، ليس له مكان تحذف فيه الياء في غير الفواصل والقوافي، فكان حذف الياء مما فيه الألف واللام أحسن من حذفها من الفعل. وقال زهير: (وأراكَ تفري ما خلقتَ وبعضُ ... القومِ يخلقُ ثم لا يَفرْ) ويروى: ولأنت تفري. الخلق في هذا الموضع: التقدير للشيء قبل أن يُقطع، وقد يكون الفرْيُ القطعَ، وزعموا أن الفري هوالقطع على جهة الإصلاح، والإفراء: القطع على اي وجه كان. يمدح بذلك هرم بن سنان المُرّيّ، يقول له: أنت إذا قدرت أن

حذف ياء المتكلم مع الكسرة قبلها - ضرورة

تصنع أمراً اوهممت به، مضيت ولم تتوقف، لجرأتك وشجاعتك وجودة رأيك، ولم يحبسك عنه جبن ولا هيبة. وفي كلام الحجاج لأهل العراق وتوعّده لهم: (إني لا أهُمّ إلا مضيت، ولا أخلُق إلا فريت). يريد أنه إذا قدّر امراً، مضى له، ولم يحبسه عن فعله عجز ولا هيبة. ومثله قول الآخر: ماضٍ على الهَمِّ مقدامُ الوغَى بطلُ والشاهد في البيت حذف الياء من (يفري) لأجل القافية. حذف ياء المتكلم مع الكسرة قبلها - ضرورة قال سيبويه في: ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف. ثم أنشد للأعشى من قصيدة بيتين متباعدين، وجمع بينهما في الإنشاد لأجل أن في آخر كل واحد منهما شاهداً على ما ذكر من الحذف. قال الأعشى: وما إنْ أرى الموتَ في صَرْفِهِ ... يغادرُ من شارخٍ أويَفنْ (فهل يمنعني ارتيادي البلادَ ... من حَذَرِ الموتِ أنْ يأتِيَنْ) الشارخ: الصغير السن الحدث، واليفن: الكبير، ويغادر: يترك. يقول: الموت لا يترك أحداً لا صغيراً ولا كبيراً. وصرفه: تصرفه وتقلبه، وارتياده: ذهابه ومجيئه وطوفه في البلاد، يقال منه: راد يرود إذا ذهب وجاء، وارتاد يرتاد. يقول: هل يمنعني تطوّفي في البلاد،

وتنقلي من موضع إلى موضع من حذر الموت، أن يأتيني الموت؟ أخرجه مُخرج الاستفهام، وما كان من ألفاظ الاستفهام في تقرير وتوبيخ، فإنما يأتي بألف الاستفهام، وقد استعمله الأعشى بـ (هل)، و (أن يأتيني) منصوب مفعول (يمنعني). يقول: هل يمنع مني الموتَ أن ينزل بي - طوفي في البلاد. ثم قال: تيممُ قيساً وكم دونه ... من الأرض من مَهْمَةٍ ذي شزَنْ (ومن شانئٍ كاسفٍ وجهُهُ ... إذا ما انتسبْتُ له أنكَرَنْ) يمدح قيس بن معد يكرب الكندي، تيمم: تقصد. وفي (تيمم) ضمير يعود إلى راحلته، وكم دونه: يريدكم دون بلاده من مهمه، والمهمه: الأرض القفر البعيدة الأطراف، والشزن: الغلظ من الأرض، يقال أرض شزنة إذا كانت صعبة المسلك، والشانئُ: المبغض، يقال منه شنأ يشنأ، والكاسف: المتغير العابس، يقال كَسَف وجهُه يكسِف. وقوله: إذا ما انتسبت له أنكرنْ، للعداوة التي بينهما.

إثبات الواوفي الروي المضموم

وأراد الأعشى بما وصفه أن يعدد على قيس ما لقي من الأهوال والشدائد في طريقه حتى وصل إليه. والشاهد في حذف ياء المتكلم والكسرة التي قبلها في (أنكرنْ) وفي (يأتينْ). إثبات الواوفي الروي المضموم قال سيبويه: في باب القوافي: (وقال في الرفع للأعشى: (هريرةَ ودِّعْها وإنْ لام لائمو ... غداةَ غدٍ أم أنت للبَيْن واجمو) يريد أنهم وقفوا على آخر البيت بواوثابتة في اللفظ، فهذا ما وقفوا عليه بحرف مد مما كان منوناً في الكلام. و (هريرة) منصوب بإضمار فعل تفسيره هذا الظاهر، ولم يجز أن يكون نصبه بالظاهر لاشتغال الظاهر بالعمل في ضميرها، واختير فيها النصب بإضمار فعل، لأن معنى الكلام الأمر، والأمر لا يكون إلا بفعل، فاختير في الجملة التي هي أمر أن يكون فعل الأمر مبدوءاً به في اللفظ. وإنْ تأخر واشتغل بضمير الاسم المتقدم، قُدر فعل مثله في أول الكلام، نحو

قولك: اضرب زيداً، وزيداً اضربه. تريد: اضرب زيداً اضربه. والواجم: الحزين الساكت، يريد انه شغله حزنه بفراقها حتى بقي واجماً متحيراً، لا يمكنه أن يودعها لما قد اصابه. و (أم) في هذا الموضع فيها معنى الإضراب. كأنه قال: بل أنت للبين واجم. وقال جرير فيما لا ينون: (أقِلي اللومَ عاذلَ والعِتابا ... وقولي إنْ أصبتُ لقد أصابا) أراد: يا عاذلةُ فرخم. يقول: أقلّي لومي يا عاذلةُ، ودعيني وتأملي ما أفعله فإذا كنتُ مصيباً فصوّبيني، ولا تعذُلي على شيء ما عرفتِهِ ولا تبينتِه، حتى تَخْبُري فتقولي ما تقولينه على علم. وقال جرير: (متى كان الخيامُ بذي طلوح! ... سُقيتِ الغيثَ أيتها الخيامُو) طُلوح موضع في بلاد بني يربوع، والخيام: شبه البيوت تُعمل من الشجر وإنما كانوا يعملونها إذا ارتبعوا، فإذا انقضى ربيعهم، وعادت كل

قبيلة إلى دارها وموضعها تركوا الخيام كما هي، فإذا مرّ بمرتبعهم راكب قد رآهم فيه - وقد كان رأى فيهم من يهواه، فإذا اجتاز بالموضع الذي ارتبعوا فيه بعد رحيلهم، ورأى الخيام وآثارهم - تذكرهم وحنّ إلى لقائهم. فلهذا تُذكر الخيامُ في المواضع التي كان فيها الناس وارتحلوا عنها. وأخبرنا أبو بكر بن مِقْسَم قال: اخبرنا أبوالعباس ثعلب قال: قال لي يعقوب: قال لي ابن الكلبي: بيوت العرب ستة: قبة من آدم، ومظلة من شعر، وخباء من صوف، وبجاد من وبر، وخيمة من شجر، وأقنة من حجَر. وقوله: سُقيتِ الغيث: المعنى أنه دعا لها أن يُمطر الموضع الذي هي فيه حتى يخرج نباته، فإذا صار فيه نبت نزله الناس في وقت الربيع. والشاهد فيه إثبات الواو في آخره في الوقف. قال سيبويه: (وأما ناس كثير من بني تميم، فإنهم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون وما لا ينون لمّا لم يريدوا الترنم، أبدلوا مكان المَدة نوناً ولفظوا بتمام البناء وما هو منه، كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد). قال العجاج: ما هاجَ أحزاناً وشجْواً قد شَجَنْ؟ (من طللٍ كالأتحميِّ أنهجَنْ)

(ما) استفهام يعني: أي شيء هاج عليّ حزني؟ والشجو: الحزن. يقال: شجاني يشجوني شجواً إذا أحزنني، والطلل: كل شخص من آثار الديار، و (من طلل) في صلة (هاج)، والأتحميّ: ضرب من البرود فيه سواد وحمرة، وأنهج: أخلق. (كالأتحميِّ) وصف للطلل، و (أنهج) يصلح أن يكون في موضع الحال بمعنى (مُنهِجاً). فإن قال قائل: الفعل الماضي عند سيبويه لا يكون حالاً، وأبو الحسن يجعله في موضع الحال؟ قيل له: إذا دخل الفعل الماضي (قد) صلح أن يكون للحال، لأن (قد) يكون للتوقع، فإذا قيل: قد كان كذا. . . فهو إخبار عن وقوع الشيء الذي كان يتوقع في الوقت الذي يليه الوقت الذي هو حال، وقد تحذف (قد) من الفعل وهي تراد. ويجوز أن يكون (أنهج) وصفاً للطلل، يريد أن الطلل أنهج كما ينهج الثوب. يقول: أي شيء هاج عليّ حزني حين نظرت إلى الطلل؟ وهو استفهام في معنى التعجب من نظره إلى هذا الطلل. وقال العجاج: (يا صاحِ ما هاجَ العيونَ الذُّرَّفنْ) من طللٍ أمسى تخالُ المُصْحَفنْ

حال الواو والياء في الوقف - رويا أو وصلا

رسومَه والمُذهَبَ المزخرَفنْ الذُّرَّف: جمع ذارفة، وهي التي يذرف دمعها يسيل، ولم يرد أن الطلل هاج العيون التي تبكي ويسيل دمعها، وإنما يريد أن الطلل هاج العيون التي كانت غير باكية فبكت، وإنما صارت ذُرفاً لهَيْج الطلل، فعبر عنها بما صارت إليه حالها. ومثله: والسبُّ تخريقُ الأديمِ الألخَنِ أراد أن السب تخريق الصحيح الذي إذا سُب يصير ألخَن. ومثله للعجاج: والشوقُ شاج للعيون الحُذَّلِ الحُذَّلِ: التي قد فسدت، وإنما شجاها وهي عيون صِحاح، فبكت فحَذلَت. و (المصحف) المفعول الأول، و (رسومته) المفعول الثاني، والمذهب: الجلد الذي عليه ذهب، أو اللوح أو ما أشبه ذلك، والمزخرف: المزين. شبه آثار الديار بمصحف وبجلد منقوش مذهب. حال الواو والياء في الوقف - روياً أو وصلاً قال سيبويه: (وزعم الخليل أن ياء (يقضي) وواو (يغزو) إذا كانت واحدة منهما حرفَ الروي لم تحذف، لأنها ليست بوصل

حرف روي

حينئذ، وهي حرف روي، كما أن القاف في قوله - يريد قول رؤبة -: (وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترَقْ) حرف روي فكما لا تحذف هذه القاف، لا تحذف واحدة منهما. يريد أن الياء والواو، إنما يحذفان في الوقف - في أواخر الأبيات - إذا كانتا وصلاً، فإن كانتا روياً لم يجز حذفهما في الوقف، وجرتا مجرى الحروف الصحاح نحو القاف في (المخترق) وغير ذلك. والسبب في ثباتهما في مثل هذا - وأنه لا يجوز حذفهما - أنهما إذا كانتا روياً، فما قبلهما من الحروف مختلف، فإن أسقطتهما في الوقف اختلف أواخر البيت في القصيدة، فصار آخر كل بيت في القصيدة يخالف ما قبله وما بعده. ومن ذلك قول الشاعر: حلأها عن شربها من الطوي كلُّ غليظِ الرُّكْنِ مضبوحُ شَقِي لكنْ ربيعُ قد سقاها بِسَقي قوْلي لها حَرِ وإن عِشْتِ حَرِي

لو حذف الياء في هذا وأشباهه في الوقف، لصارت أواخر الأبيات مختلفة تخرج عن حد الشعر. والقاتم: هو الأغبر، أراد: ورب بلد قاتم الأعماق، والأعماق: جمع عمق وهو البعد، ويقال: بلد عميق ومتعيق أي بعيد، والخاوي: الخالي، والمخترق: الموضع الذي يُمَرّ فيه. يريد أن الطرق في هذا الموضع خالية، لأنها لا تُسلك. قال سيبويه: (وإذا ثبتت التي بمنزلة التنوين في القوافي) يريد أن الألف التي تبدل من التنوين في المنصوب، تثبت في الوقف في القوافي) (لم تكن التي هي لام أسوأ حالاً). يريد أن الألف التي هي من حروف الكلمة، لا يجوز حذفها في القوافي إذا وقفتَ، كقولك: مولى ويَخشى وملهى. . . وما أشبه ذلك، يقول: إذا كانوا لا يحذفون الألف - التي هي بدل من التنوين في المنصوب - لم يحذفوا الألف التي هي من نفس الكلمة، ثم قال: (ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول: لم يعلم لنا الناس مصرعْ في الوقف (فتحذف الألف لأن هذا لا يكون في الكلام، فهو في

جواز تسكين الروي الموصول بمد

القوافي لا يكون). ثم مضى في كلامه حتى انتهى إلى أن أنشد لرؤبة: (داينْتُ أروَى والديونُ تقْضَى) فمَطلَتْ بعضاً وأدَتْ بعضا وقال بعده: (فكما لا تحذف ألف (بعضا) لا تحذف ألف (تقضى). الشاهد فيه أنه جعل الألف التي هي من الكلمة، بمنزلة الألف التي هي بدل من التنوين. وقال: فكما لا تحذف التي هي بدل من التنوين، كذلك لا تحذف التي هي الكلمة. وأروى: امرأة، وقوله: داينت أروى، يريد أنه أسلفها محبة ووفاء يوجبان عليها المكافأة له ومجازاته، فلم تجازه على جميع ما فعله، فمطلت بعضه وامتنعت من دفعه إليه، وهو يطالبها به، وأعطته بعض ما كان التمس منها. جواز تسكين الروي الموصول بمد قال سيبويه: (وأما الثالث: فأن يُجروا القوافي مجراها

لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعر، جعلوه كالكلام حيث لم يترنموا وتركوا المَدة، لعلمهم أنها في أصل البناء) يريد في أصل بناء البيت، وأن وزنه لا يتم إلا بحرف المد. قال: (وسمعناهم يقولون: أقليّ عاذلَ والعتابْ ... . . . . . وقف على الباء ولم يتبعها ألفاً. وقال الأخطل: (دَعِ المغمَّرَ لا تسألْ بمصرعه ... واسألْ بمصقلةَ البكريِّ ما فَعَلْ) يمدح الأخطل مَصقلة بن هبيرة الشيباني. والمغمر: الضعيف الرأي الذي لم يجرب الأمور، وقيل: إنه عرّض في قوله: المغمَّر بالقعقاع بن شَوْر الذهلي، وقيل: إنه عرّض بمالك بن مسمع. وقوله: لا تسأل بمصرعه، أي لا تسأل عن مصرعه، واسأل عن خبر مصقلة وحاله، فإنه أهل لأن يُعنى بالمسألة عنه.

جمع (فعل) على (أفعال) على غير القياس

جمع (فَعْل) على (أفعال) على غير القياس قال سيبويه في باب الجمع المكسّر: (والقياس في (فَعْل) ما ذكرنا، وأما ما سوى ذلك فلا يُعلم إلا بالسمع، ثم تَطلُب النظائر كما أنك تطلب نظائر الأفعال هاهنا). يريد أن الجمع (فعْل) في القلة (أفعُل) وفي الكثرة (فعول وفِعال) وذكر غير ذلك مما جاء جمع (فعْل) عليه. فإن جاء له شيء خارج عن القياس حملْت على نظيره مما جاء خارجاً عن القياس. ثم قال: (فتجعل نظير الأزناد قول الشاعر) قال الأعشى: (إذا روَّحَ الراعي اللقاحَ مُغرِباً ... وراحتْ على آنافها غبَراتها) أهَنا لها أموالنا عند حقها ... وعزَّتْ بها أعراضُنا لا نفاتها جعل سيبويه نظير (الأزناد) في الخروج عن القياس: الآناف. والقياس فيهما: أزْند وآنف. ويروى: (على آفاقها غبراتها). والمغرِب: الذي يرعى متباعداً عن الحي. يريد أن المغرب يروح إلى الحي ولا يقيم بمكانه، لأنه يخشى على الإبل من شدة البرد لأنها مهازيل،

والمهازيل يخشى عليها أن يؤذيها البرد. والضمير في (آنافها) يعود إلى اللقاح. ومَن روى (آفاقها) أراد آفاق السماء، ولم يجر للسماء ذكر، لأنه معلوم انه يراد به ضمير السماء. ويروى (معجِّلاً) مكان (مغرِباً)، يراد به أنه يعجِّل رواحها. والغَبَرات: جمع غَبّرة، والضمير المضاف إليه (الغبرات) يراد به الأرض. يريد أنه راحت الإبل وعلى آنافها غبرات الأرض، وغنما جعل لها غبرات لأنها مجدبة لم تمطر بعد. ولو كانت مُطرت ما بان لها غبرة. مدح الأعشى بذلك قومه. يقول: إذا أجدب الناس، أهنّا لها: أي للسنة المجدبة أموالنا عند حقها، أي عندما يلزمنا من بذل الأموال، وإعطاء السائل، وقِرى الأضياف. وعزّت بها أعراضنا، أي عزت فيها، في هذه السنة المجدبة أعراضنا. يريد أنهم صانوا أعراضهم في مثل هذه السنة، أن يوصفوا بالبخل وبالتهاون بأمر الأضياف ورد السائل. وقوله: (لا نفاتها) أي لا يفوتنا صيانتها، يريد لا نسبق بذمِّنا قبل أن نَسبق نحن بالعطاء. قال سيبويه: (واعلم أنه قد يجيء في (فعْل) (أفعال) مكان (أفعُل)، قال الأعشى): فإنْ حميرُ أصلحَتْ أمرَها ... وملتْ تسابِيَ أولادِها (وُجِدتَ إذا اصطلحوا خيرَهم ... وزَندُك أثقبُ أزنادِها)

يمدح بهذا الشعر سلامة ذا فائش الحميري. والتسابي: أن يَسبي بعضُهم بعضاً. يقول: إذا اصطلحت حمير فيما بينهما وملت الحرب، فأنت خيرهم في السلم، وأعطاهم للمال. وذكر بعد هذين البيتين حاله وجلده وصبره إذا وقعت بينهم الحروب. وقوله: وزندك أثقب أزنادها: أي أنت أسرعهم عطاء، وأكثرهم نوالاً، وأقلهم مطلاً. ويقال: ثقب الزندُ: إذا خرجت ناره. جعل سرعته بمنزلة سرعة قدح الزند للنار. و (وُجِدْتَ) في هذا الموضع يتعدى إلى مفعولين، والتاء قد قامت مقام المفعول الأول، و (خيرَهم) المفعول الثاني و (زندك) مبتدأ و (أثقب) خبره، والجملة في موضع نصب، وهي معطوفة على المفعول الثاني، كأنه قال: وُجدتَ خيرَهم، ووجدت زندك أثقب أزنادها، والضمير في (أزنادها) يعود إلى القبيلة، يريد بها حِمير قوم الممدوح. قال سيبويه: (وقد يجيء (خمسة كلاب) يريد به خمسةُ من الكلاب، كما تقول: هذا صوت كلاب، أي هذا من هذا الجنس، كما تقول:

هذا حبّ رمّان). يريد أنه بُيّن العدد القليل بالجمع الكثير فقال: هذا يراد به خمسة من هذا الجنس، لم يجيء به لبيان العدد، إنما أراد أن يذكر الجنس الذي منه العدد، ولم يقصد أن يبيّن العدد بجمع، وفائدة الكلام بإبانة العدد بجمع، وبإضافته إلى الجنس الذي منه المعدود، واحدة. وقوله: هذا صوت كِلاب يريد أنه صوت هذا الجنس. والفرق بين قولهم: خمسة أكلب، وخمسة كلاب، أنك إذا قلت: خمسة أكلب، فأكلب بيان للخمسة من أي جنس هي، وجئت بـ (أكلب) وأكلب هي الخمسة. وإذا قلت: خمسة كلاب، فكلاب ليست بتبيين للخمسة، وإنما (الكلاب) لفظ يعم جميع الجنس، وجميع الجنس أكثر من خمسة. قال:: وكما تقول هذا حَبُّ رمان. أراد أن الرمان اسم جنس، وأراد حب هذا الجنس. قال، فإضافة خمسة إلى كلاب بمنزلة إضافة حَبّ إلى رمان، قال الراجز: تقول يا ربّاه يا ربِّ هلِ إن كنتَ من هذا منجِّي أحبُلي إمّا بتطليقٍ وإما بأرْحَلي (ظرفُ عجوزٍ فيه ثنتا حنظلِ) حَكى هذا الشاعر عن امرأة أنها دعت على زوجها، وطلبت الراحة منه.

جمع (فعل) على (أفعل) على غير القياس

وقولها (هلِ) أرادت: هل يُحسن إليّ بتفريق ما بيني وبينه. وقولها: (إن كنت من هذا مُنجي أحبلي) أي بقطع ما بيني وبينه من الوُصلة وعقد التزويج. والأحبل: خمع حبل وهوما بينهما من العقد، و (منجي) خبر (كنت) ولكنه أسكن الياء من أجل الشعر. وقوله: إمّا بتطليقٍ: إما أن يطلق طلاقاً بيناً صريحاً، وإما أن يقول ارحلي، ويريد به الطلاق. تمنت أن تبين عنه بصريح الطلاق أو الكناية عن الطلاق. وقوله: ارحلي وهو يريد الطلاق مثل قولهم: الحقي بأهلك واغرُبي وما أشبه ذلك. وحذف المستفهم عنه بـ (هل) اعتماداً على فهم السامع ما يعني، وحذف جواب الشرط وهو: (إنْ كنتَ) كأنه: إن كنت منجياً لي من هذا الرجل حَييتُ أو عشتُ أو تخلصت وما أشبه ذلك. وشبهت الصَّفن وهو جلد الخصية بجراب، وشبهت الخصيتين بحنظلين في جراب، والحنظل اسم للجنس، الواحدة حنظلة، وأضاف ثنتا إلى الحنظل وهو واقع على جميع الجنس كأنه قال: ثنتان من الحنظل، وفي معنى (حنظلتان) وهومثل ما قدمنا تبيانه. جمع (فعَل) على (أفعُل) على غير القياس قال سيبويه: (وربما كسروا (فعَل) على (أفعُل) كما كسّروا (فعَل) على أفعال، وذلك قولهم: زمن وأزمن). قال ذو الرمة: (أمنزِلتيْ ميٍّ سلامُ عليكما ... هل الأزمُنُ اللائي مضَيْنَ رواجِعُ)

استعمال (أفعلت) في موضع (فعلت)

الألف للنداء أراد يا منزلتي مي. وقد بين سيبويه فيما سلف أنه كان يسميها مرة مية ومرة مياً والمعنى واضح. استعمال (أفعلتُ) في موضع (فعّلتُ) قال سيبويه في المصادر: (فسّقته وزنيتهُ أي سميته بالزنا والفِسق، كما تقول: حيّيته أي استقبلته بحيّاك الله، كقولك: سقيته ورعّيته أي قلت له: سقاك الله ورعاك الله). ثم قال سيبويه: (وقالوا: أسقيته في معنى سقيته، فدخلتْ على فعّلتُ) أي دخلت (أفعلت) على (فعّلت). يريد أنه استعمل (أفعلت) في موضع (فعّلت) إذا أردت أن تقول للإنسان: سقاك اللهَ ورعاك. قال ذوالرمة: وقفتُ على رَبعٍ لميَّةَ ناقتي ... فما زِلتُ أبكي حوله وأخاطبُهْ (وأُسقيه حتى كاد مما أبُثه ... تكلمُني أحجارُهُ وملاعبُهْ) الربع: المنزل، وأبثه: أخبره بما أنا فيه، وأشكو إليه سوء حالي وشدة

مجيء (افعوعل) متعديا

اشتياقي، وأحجاره: الأثافي التي فيه، والحجارة التي يديرونها على الموضع الذي يجعلونه مسجداً، والملاعب: جمع ملعب وهو الموضع يجتمع فيه الصبيان للعب، والمعنى واضح. مجيء (افعوعل) متعدياً قال سيبويه في المصادر، قال حُميد بن ثور: (فلما أتى عامان بعد انفصالِهِ ... عن الضَّرْعِ واحلوْلى دِماثاً يرودُها) يصف بعيراً، ويذكر حاله منذ كان صغيراً إلى أن كبر. والدِماث: جمع دَمِثٍ وهو المكان السهل اللين. ويقال: دَمِث بكسر الميم ودَمَث بفتحها، ويرودها: يذهب فيها ويجيء يرعى، وأراد: يرود فيها، فجعله مفعولاً على السعة. واحلولى بمعنى استحلى، يريد أنه استحلى أن يرعى المرعى الذي في هذه الدماث. قوله (ثلاث شخوص) حملاً على المعنى قال سيبويه في باب العدد، قال عمر بن أبي ربيعة: فقالت لأُختيْها أعينا على فتى ... أتى زائراً. . والأمرُ للأمرِ يُقدَرُ فأقبلتا فارْتاعتا ثم قالتا ... أقلي عليكِ اللومَ فالخطبُ أيسَرُ

يقوم فيمشي بيننا متنكراً ... فلا سِرُّنا يفشو ولا هو يَظهرُ (فكان بصيري دون من كنتُ أتقي ... ثلاثُ شُخوصٍ كاعبان ومُعْصِرُ) ذكر عمر أنه زار جارية، وأنه تلطف حتى وصل إليها، ثم تحدث حتى أصبح فخشيتْ أن يراه الناس إذا خرج من عندها، فأرسلت إلى أختيها، وخرجت هي وهما معه. ومشى في جملتهن حتى جاوز الحي. ويروى (فكان مِجَني) والمجن: التُرس، أي كان ترسي الذي أستتر به من أعدائي أو ممن أخاف أن يراني هؤلاء. وقد جعل (بصيري) - وهو معرفة - خبر كان، وجعل الاسم نكرة، و (كاعبان ومُعْصِرُ) بدل من (ثلاث). ويجوز أن ينشَد (ثلاثَ شخوص) بالنصب، و (كاعبان ومُعْصِرُ) مرتفعة بخبر ابتداء محذوف، فكأنه قال: منها كاعبان، ومنها معصر، وجعل الجملة في موضع الوصف (لثلاث أو لشخوص). ويجوز أن يكون في (كان) ضمير الأمر والشأن، و (بصيري) مبتدأ و (ثلاثُ) خبره، والجملة خبر (كان). والكاعب: التي كعَب ثديها، أي صار له أصل، ومعصر: التي راهقت البلوغ.

جمع (ناكس) صفة للعاقل على (فواعل) ضرورة

جمع (ناكس) صفة للعاقل على (فواعل) ضرورة قال سيبويه في جمع الصفات التي على أربعة أحرف: (وقد اضطر فقال) يعني الفرزدق: ملكُ عليه مهابةُ وبه التقى ... قمرُ التمام وشمسُ كلِّ نهارِ (وإذا الرجالُ رأوْا يزيدَ رأيتهُمْ ... خُضْعَ الرقابِ نواكِسَ الأبصارِ) يمدح يزيد بن المهلب. جعل أباه وأمه بمنزلة القمر والشمس في علو المرتبة والشرف. والخُضْع: جمع أخضع، وهو الذليل الذي قد نَكّس رأسه، والنواكس: التي تنظر إلى الأرض من الخوف والذلة. والشاهد في أنه جمع (ناكساً) وهو صفة ما يعقل على (فواعل). ويروى: (منكّسي الأبصار). مجيء (قد) بمعنى (ربما) قال سيبويه في باب عدة ما يكون عليه الكلم. قال عبيد بن الأبرص:

فصل (ال التعريف) للقافية ثم إعادتها

لا أعرفنكَ بعد الموتِ تندُبُني ... وفي حياتيَ ما زوَّدْتني زادي (قد أتركُ القِرنَ مصفرّاً أنامله ... كأنّ أثوابَه مُجَّت بفِرصادِ) الشاهد على أن (قد) بمنزلة (ربما). يريد: ربما تركت القرن مقتولاً، قد اصفرت أنامله لما خرجت منه الروح. والفرصاد: ماء التوت، يريد أن الدم الذي على ثيابه بمنزلة ماء التوت، ومُجَّت: صُب عليها كما يُصب الماء من الفم، ويقال: الفرصاد: التوت نفسه، وتقديره على هذا القول: كأن أثوابه مجت بماء الفرصاد. فصل (ال التعريف) للقافية ثم إعادتها قال سيبويه في الوقف على أواخر الكلم، قال حكيم بن مُعَيّة: قلتُ لطاهينا المُطَرِي في العَمَلْ لوِّحْ لنا إنّ السَّديفَ لا يُمَلّ (هاتِ لنا من ذا وألحِقنا بِذا الْ) بالشحمِ إنا قد مَللناهُ بَجَلْ فهو يَعيثُ لا يُبالي ما فعلْ

الحمل على المعنى في المعدود

الشاهد فيه أنه فصل الألف واللام اللتين للتعريف من الاسم الذي دخلَتا عليه، وهما عنده بمنزلة (قد) في دخولها على الفعل، فكما يجوز أن تذكر (قد) في الشعر ثم تفصلها من الفعل، كذا يجوز في الشعر أن تفصل الألف واللام. والشاعر في هذا الشعر فصل الألف واللام ثم أعادهما. والطاهي: الطباخ، والمُطَرِي: الذي يجدد طبيخاً بعد طبيخ، لا يقدم إليهم طعاماً كان عمله قبل ذلك الوقت، لوّح لنا، يريد: اطرح على النار شحم السنام، ويقال: لوحته النار إذا غيرته، والسديف: شحم السنام. وقوله: قد مَللناهُ لا يريد به الشحم، يريد به غيره من الطعام مما تقدم ذكره، وقد قال قبله: إنّ السَّديفَ لا يُمَلّ. وبَجَل بمعنى حسْب، أي حسبك ما عملت. فهو يعيث، يريد أنه يفسد اللحم والشحم لكثرة ما عنده، قد وثق بأنه لا ينقطع. الحمل على المعنى في المعدود قال سيبويه في العدد، قال القتال الكلابي واسمه عُبادة بن مجيب ويقال: عبيد: ألا لا تمَسّوها فإني أخافها ... عليكم وقولوا لن يَمَسَّكَ بَيْزَرُ (قبائلنا سبعُ وأنتم ثلاثةُ ... وللسبْعُ خيرُ من ثلاثٍ وأكثرُ) الشاهد فيه أنه قال: (وأنتم ثلاثة)، لأنه في ذكر القبائل، وقد تقدم قبله

في جمع الجمع

(قبائلنا سبعُ) ولم يقل (ثلاث) وإنما قال (ثلاثة) على تأويل الحي، كأنه قال: نحن سبع قبائل وأنتم ثلاثة أحياء، والحي مذكر، وهو واقع على ما تقع عليه القبيلة. والقتال من بني أبي بكر بن كلاب، وقال هذا الشعر لبني جعفر بن كلاب. يقول: نحن أكثر منكم، لأن قبائل كلاب عشر: سبع من أم، وثلاث من أم. وسُبيعة بنت مرة بن صعصعة ولدت لكلاب: عمراً وأبا بكر الوحيد ورُؤاساً وعبد الله والأضبط وكعباً، وولدت ذئبة بنت مرة بن صعصعة، ولدت لكلاب: جعفراً والضِّباب وربيعة بني كلاب. فأراد القتال: نحن سبع قبائل من ولد كلاب من أم، وأنتم ثلاث قبائل من ولد كلاب من أم، فنحن ينصر بعضنا بعضاً لأن أمنا واحدة، وسبع قبائل خير من ثلاث. وقوله: (ألا تمسوها) يقول لبني جعفر: لا تقربوا بني أبي بكر، فإني أخاف عليكم منهم، وقولوا لنا - أي لبني أبي بكر - لن يمسك، لن يعرض لك يا بيزر. والبَزَري لقب بني أبي بكر بن كلاب. فقال (بيزر) من أجل أنهم لقبهم البزري. في جمع الجمع قال سيبويه في باب جمع الجمع، قال أبو عوف، أحد بني مبذول بن تيم بن قيس بن ثعلبة: كيف ترَيْني يا أُميمَ أمضي (أرعى أناضِيَّ هشيمَ الحَمْضِ) أظلُّ أُدني بعضَها من بعضِ

وقع إنشاد هذا البيت مختلفاً في الكتاب، ففي بعض النسخ (أناصٍ) بصاد غير معجمة، وفسِّر على هذه الرواية فقيل: أناصٍ: جمع أنصاء، وأنصاء جمع نَصِي على حذف الزيادة، كأنه جمع نصْي وحَلْي. والنَصِي: ضرب من النبت، ويقال له إذا يبس: الحَلِيّ. وروي بعضهم: (أناضِ) بالتخفيف بضاد معجمة، وهو جمع الأنضاد، والأنضاد: جمع نِضو وهو البعير المهزول. هذا الذي ذكرته هو ما ذكرته الرواة، والمسطور في الكتاب: . . . أناضٍ من جزيزِ الحمضِ بالتخفيف، والجزيز الموضع الغليظ، والحمض من النبت: ما كانت فيه ملوحة، ويريد بالأناضي على هذا التفسير الإبل المهزولة. والذي وجدته في شعره (أرعى أناضِيَّ) بالتشديد، مضاف إلى الهشيم، والهشيم: البالي من النبت، ويكون (الأناضي) جمع الأنضاء، والأنضاء: جمع نِضْو، يريد بها ما جف ويبس من النبات، يريد أنه يرعى النبت اليابس البالي، الذي هو في النبات كالأنضاء في الإبل. وقوله: (أظلُّ أُدني بعضَها من بعضِ) يريد أنه يدني بعض الإبل من بعض، حتى تأكل من ذلك اليبس، وإن لم يُدْنِ بعضَها من بعض لم تأكل، لأن ذلك النبت اليابس مجتمع في مكان، فإن لم تجتمع هي فيه لم تأكل منه شيئاً. و (أميم) ترخيم أميمة، وأراد: كيف ترينني، بنونين، فحذف إحدى النونين، وهذا الحذف يجوز في الشعر، ومثله في الحذف: . . . ... يسوء الفاليات

قطع ألف الوصل - ضرورة

إذا فليْني قطع ألف الوصل - ضرورةً قال سيبويه قال حاجب بن حبيب يرثي سلمى بنت حذيفة بن بدر وكانت تحت مَرْثد بن جُندَب: يا كنةً ما، كنتِ غيرَ لئيمةٍ ... بيضاَء مثلَ الروضةِ المِحلالِ ما إنْ تبِيتينا بصوتٍ صُلبٍ ... فيَبيتَ منه القومُ في بَلبالِ (ولا تبادر بالشتاء وليدَنا ... ألقدرَ تنزلها بغيرِ جِعالِ) الشاهد فيه قطع ألف الوصل من (القِدر). والمحلال: التي يحُل عليها الناس، وجعلها مثل الروضة التي يحُل الناس حولها لينظروا إلى حسنها وبهجتها. و (ما) زائدة، ويجوز أن تكون (ما) اسماً وتكون بمنزلة (أي) كأنه قال: يا كنة أيُّ كَنة أنت كنت غير لئيمة. ويجوز أن تكون (أي) خبر (كنت)، و (غير لئيمة) وصف لـ (كنّة). والصوت الصُلب: الشديد، والبلبال اختلاط الأصوات

إظهار الحركة بهاء السكت عند الوقف

والخصومة والشر. يقول: لا تبيِّتنا هذه الكنة بصياح وجلبة، يعني أنها لا تخاصم ولا تؤذي. (ولا تبادر بالشتاء وليدنا) يريد أنها ليست بشرهة، تنزل القِدر، بغير خرقة تنزلها، ولا تتوقف حتى تنزلها وتأكل منها، فتسبق الوليد إليها. فإن أراد بالوليد الولد الصغير، فإن يعني أنها لا تبادر الوليد بالأكل من القدر تأكل قبله. وإن أراد بالوليد الخادم، فإنه يعني أنها لا تسبق إلى إنزال القدر قبل أن يُنزلها الخادم. والجِعال: ما يُنزل به القدر من خرقة أو غيرها. إظهار الحركة بهاء السكت عند الوقف قال سيبويه: (ومثل ما ذكرنا قول العرب (إنهْ) وهم يريدون (إنّ) ومعناها أجَلْ). ذكر سيبويه قبل هذا الموضع من الباب، أن الهاء التي تدخل لبيان الحركة في الوقف، في غير الأشياء التي حذف منها حروف المد واللين، كقولهم: (ثمَّهْ) إذا وقفوا على الهاء لبيان حركة الميم، و (هَلمَّهْ) إذا وقفوا، يريدون (هلمْ). ومضى على كلامه إلى أن قال: (ومثل ما ذكرنا - يعني مثل ثَمَّهْ - قول العرب: (إنهْ) في الوقف، وهذه (إنَّ) التي بمنزلة (أجَلْ) في الجواب. قال ابن الرقيات: بكرتْ عليّ عواذلي ... يَلحَيْنني وألومُهُنهْ

تشديد حرف الروي والزيادة عليه - للضرورة

(ويقلن شيبُ قد علاك ... وقد كبِرتَ فقلت إنهْ) يلحينني: يلمنني على اللهو والغزل، وألومهن، على لومهن لي، ويقلن لي: قد شبت وقد كبرت، فأقول: نعم. يريد أنه يأتي ما يأتي على علم فيه بأمر نفسه. والمعنى واضح. تشديد حرف الروي والزيادة عليه - للضرورة قال سيبويه: (وجعلوا (سَبْسَب) كأنه مما لا تلحقه الألف في النصب إذا وقفتَ). قد قدم سيبويه في أول الباب أن من العرب من يزيد حرفاً في آخر الاسم إذا وقف، ليُعلم أن الاسم متحرك في الوصل، وأنه لا يجري مجرى ما هوساكن في الوقف والوصل، وإذا زاد حرفاً علم أنه لا يجوز أن يكون ساكناً من أجل سكون الحرف الذي قبله، والوقف بالسكون إنما يكون للمرفوع والمجرور. فأما المنصوب فإنه لا يجوز أن يلحقه حرف للتضعيف، لأنه قد أبدل من تنوينه ألفُ في آخره يوقف عليها، فآخره متحرك في الوقف والوصل فلا يضاعف، فإذا اضطر الشاعر جعله في النصب كأنه مما لا يبدل من تنوينه حرف، مثل الرفع والجر، وكأنه يقول في الوقف: (رأيت سَبْسَبْ) ثم يضاعفه. وقال منظور بن مَرْثَد الأسدي: فسَلِّ هَمَّ الوامقِ المُغْتل ِّ (ببازلٍ وَجناءَ أو عَيهَلِّ)

تمَّتْ إلى صُلبٍ شديدٍ الخَلِّ وعُنقٍ أتلعَ مُتمَهلِّ الشاهد فيه أنه شدد اللام من (عيهلّ) وهي متحركة من أجل القافية، وأنها مطلقة، فقد تحركت، وأتبع حركتها حرف الوقف عليه، وشدده الشاعر للضرورة. والوامق: المحب، والمغتلّ: الذي به غُلة من شدة المحبة، وهو ما يجده في قلبه من ألم الشوق ومنازعة نفسه إلى من يحبه. والبازل: الناقة التي هي في السنة التاسعة، والوجناء: الصلبة، والعيهل: السريعة، والخل عِرق في الظهر أوفي المَنْكِب، والأتلع: الطويل، والمتمهل: المعتدل. يقول: سلِّ هم شوقك بناقة ترحل عليها إلى أرض مَن أنت مشتاق إليه. وقال: (لقد خشِيتُ أن أرى جَدْبَبّا) في عامنا ذا بعد ما أَخصَبّا إذا الدّبا فوق المتون دَبّا وهبت الريحُ به وهّبا تتركُ ما أبقى الدبا سَبْسَبّا أو كالحريق وافق القصْبَبّا

والتبنَ والحلفاءَ فالتهَبّا كأنه السيلُ إذا اسْلَحَبّا الشاهد فيه أنه شدد (جدبّا) وهوفي موضع نصب، وزاد على آخره حرفين للضرورة كما قالوا في القطن (قطننّ) فزادوا نونين. وشدد (أخصبّا) وشدد (سبسبّا) وشدد (القصببّ) وغير بناءه. فالتهبّا: أراد فالتهبا، وهذه ألف الأثنين، والضمير يعود إلى التبن والحلفاء، واسلحب: امتد، والدبا: صغار الجراد، والمتون: جمع متن وهو المكان الذي فيه صلابة وارتفاع، والمور الغبار. يقول: أخشى أن أرى جدباً في العام، وقد كان المطر جاء في أوله ثم انقطع، وجفت الأرض ويبست. وأراد أن الريح هبت قرّة، والغبار إنما يثور إذا كانت الأرض يابسة. والسبسب: الأرض القفر. وأراد: تترك

في حذف نون (لدن)

الريحُ المكان الذي أبقى فيه الدبا شيئاً من النبات أجرد لا شيء فيه، لأنها جففت النبت وقطعته، وحملته من مكان إلى مكان، والحريق إذا وقع في القصب لم يبق منه شيئاً، وكذلك التبن والحلفاء، كأنه السيل. يريد: كأنّ صوت التهاب النار في القصب والحلفاء والتبن - صوت السيل وجريه. واسلحبّ: امتد. في حذف نون (لدن) قال سيبويه: في عِدة ما يكون عليه الكلم. قال غيلان بن حريث: يتبعْنَ شهماً لانَ من ضَريرِهِ من المَهارَى رُدَ في حُجورِهِ يستوعبُ البَوْعَيْن من جَريرِهِ (من لدُ لحْيَيْهِ إلى منحورِهِ) الشاهد فيه على حذف النون من (لدن). يتبعن يعني الإبل، يتبعن جملاً شهماً وهو الحديد النفس، يريد أنه يسير أمامها وهي تسير خلفه، وضريره: شدة نفسه وصبره. يعني أنه لان شيء من شدة نفسه وامتناعه، ولو كانت نفسه على ما كانت من الصعوبة، لشق عليها. والمهارَى: جمع مهريّ ومهريّة، إبل مَهْرةَ بنِ حَيْدان. وقوله: رُد في حجوره يعني أنه رُدِّد في كرم أماته، يريد أنه من نسل إبل كرام. والجرير: الحبل، والبوعان: مقدار باعين في الطول.

الإشمام بالكسر في حاء (حل)

يعني أن طول الحبل الذي هو مقوده، من لحييه - واللحيان: العظمان اللذان عليهما منبت الأضراس من أسفل - إلى موضع نحره مقدار طول باعين. والمنحور: موضع النحر. يعني أن عنقه طويل. الإشمام بالكسر في حاء (حُلّ) قال سيبويه في الإمالة: (أما ما كان من بنات الياء فتمال ألفه لأنها في موضع ياء وبدل منها فتنحونحوها، كما أن بعضهم يقول: (قد رُدّ). يريد أن ما كانت لامه من بنات الياء في الثلاثي، أميلت ألفه، لأنها منقلبة من ياء وبدل منها، فأمالوها لينحوا نحرها. كما أن بعضهم يقول في المضاعف - إذا كان على وزن فعِل نحو رُدَ وشُدَ رُدّ وشُدّ، فينحو بالحرف المضموم نحوالكسرة، ليدل على الكسرة التي كانت في الحرف المدغم. وقال الفرزدق: (وما حُلّ من جَهْلٍ حُبا حُلمائنا ... ولا قائلُ المعروفِ فينا يُعَنفُ) الشاهد فيه أنه جعل الحاء من (حل) بين المضمومة والمكسورة. وصف الفرزدق قومه بالحلم، وأنهم إذا احتبوا لا ينقضون حُبائهم لسفه وطيش يلحقهم، وإن قال قائل فيهم الحق لا يعنف، لمعرفتهم بالحق وأنهم من أهله. والمعنى واضح.

(صعررته) ملحق بالرباعي، ويتعدى

(صعررته) ملحق بالرباعي، ويتعدى قال سيبويه في المصادر: وكذلك فعْللته صعررته لأنهم أرادوا بناء دحرجته). يعني أن صعررته ملحق بالرباعي وهو مما يتعدى، وذكره لأنه كره أن يظن ظان أن هذا الملحق لا يتعدى، فذكر أنه يتعدى، كما يتعدى الذي ألحق به، قال غيلان بن حُريث: تأخذ منه تارة وتمتري به قليلاً دَرُّه لم يُفطرِ (سوداً كحَبِّ الفلفلِ المُصَعْرَرِ) وصف ذنب ناقة فقال: تأخذ من ذنبه تارة، وتمتري: تمسح، والمَرْي: المسح، والرجل يَمري أخلاف الناقة يمسحها، والمَرْي: مسحها لتدُرّ، ومريت الفرس: استخرجت ما عنده من العدو. وأراد به في هذا البيت المسح وحده. وأراد أن الناقة تمسح بذنبها ضرعها وأخلافها. يقول: إنها تدخل ذنبها بين فخديها، وتمسح ضرعها به. وأراد: وتمتري به ضرعاً قليلاً دَرُّه، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. والدَرّ: اللبن، يريد أنها لا لبن لها، لم يُفطَر: لم يحلب. يقال فطرها يفطرها إذا حلبها بأطراف أصابعه. (سوداً) منصوب، بدل من قوله (ضرعاً قليلاً دَرُّه) وهو بدل الشيء

فيما تحذفه قيس وأسد في القوافي

من الشيء وهو بعضه، والسود: أخلاف الضرع، وجعلها كحب الفلفل لأنها سود مجتمعة متشنجة، والمصعور: المجتمع المدور. شبه أطراف أخلافها بحب الفلفل. فيما تحذفه قيس وأسد في القوافي قال سيبويه في القوافي: (وقد دعاهم حذف ياء (يقضي) إلى أن حذف ناس كثير من قيس وأسد الياء والواو اللتين هما علامة المضمر، ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء (يقضي) لأنهما تجيئان لمعنى الأسماء، وليستا حرفين بنيا على ما قبلهما). يريد أن قيساً وأسداً يحذفون في القوافي الواو التي هي ضمير جماعة المذكرين، والياء التي هي ضمير الأنثى المخاطبة، ويُجرونهما مُجرى الحرف الذي هو من نفس الكلمة، نحو ياء (يقضي) وواو (يغزو)، وحذف الذي هو من نفس الكلمة أسهل، لأن الضمير هو اسم، وهوالفاعل، ولا ينكر حذف بعض الكلمة - إذا كانت تفيد ما يدل عليه - كحذف بعض حروف الأسماء في الترخيم. قال ابن مقبل: (لا يُبْعِدِ اللهُ أصحاباً تركتهُمُ ... لم أدْرِ بعد غداةِ الأمسِ ما صَنَعْ)

الشاهد فيه على أنه وقف على حذف الواو التي هي ضمير الجماعة. والمعنى واضح. وقال ابن مقبل في هذه القصيدة أيضاً: (لو ساوفتْنا بسَوْفٍ من تحيتها ... سَوْفَ العَيوفِ لراحَ الرَّكبُ قد قنعْ) ساوفتنا: من السّوْف الذي هو الشم. يريد: لو دنت منا فشممنا ريحها لقنعنا. ويروى: لو ساعفتنا بسوف من تحيتها ... . . . والعَيوف: الناقة التي تشم الماء ولا تشربه. يريد أنه قد رضي منها بمقدار الشم، وأن تمنعه ما سواه. والركب: أصحاب الإبل. يريد أن الركب الذي هو فيه، كان يروح وينصرف منها وقد قنع منها بهذا القدر. يريد أنه إذا نال منها هذا القدر رضي أصحابه ومن معه لأجل رضاه، وسُرّوا بأن ينال وحده هذا منها، والشاهد فيه مثل الشاهد في الأول. وقال ابن مقبل في هذه القصيدة أيضاً:

في جمع التكسير

(طافتْ بأعلاقِهِ جَرْدُ منعَّمةُ ... تدعو العرانين من عمرووما جَمَعْ) الضمير المضاف إليه (الأغلاق) يعود إلى بعير قد تقدم ذكره. وأعلاقه: ما عُلق عليه من صوف مصبوغ يزين به. والجَرْد: الحَشِيّة الخَلق، والعرانين: السادة والرؤساء، وعمرو: قبيلة وهو عمرو بن كلاب فيما أرى، ويجوز أن يريد: بني عمرو بن تميم. وفي الكتاب (خَود يمانية) وفيه (العرانين من بكر) وأظن هذا التغيير وقع في الكتاب بين عمرو وبكر. ويجوز أن يريد (ببكر) بني أبي بكر بن كلاب، ولم يمكنه أن يقول: من بني أبي بكر من كلاب، وهم ينسبون إلى بني أبي بكر من كلاب: بكريّ. وقوله (يمانية) لا يوافق هذا التفسير لأن القبائل التي ذكرتها كلها من نزار. في جمع التكسير قال سيبويه في الجمع المكسر: (وقد يجيء إذا جاوز بناء أدنى العدد على (فِعَلة) نحو جُحر وأجحار وجِحَرة). قال خالد ابن أبي فهر:

أمعجِلَتي تلِيَّتها المنايا ... ولما تلقَ حَيَّ بني الخَليعِ (كِرامُ حين تنكفِتُ الأفاعي ... إلى أجحارهنّ من الصقيعِ) التلية: أصلها البقية. يقول: أمصيبتي المنايا ومعجلتي فيما بقي من عمري، وجعل ما بقي من عمره تلية، بقيةً كالبقية التي تبقى من الدَين ومن الحاجة، كأنّ المنايا تقتضي بقايا الأعمار حتى ينال كلَّ حي الموتُ. وبنو الخليع: من بني عامر بن صعصعة، وتنكفت: تتقبض وتنضم وتستتر. وأراد أنهم كرام في الشتاء وعند انقطاع الأزواد وذهاب الألبان، وفي الشتاء تستتر الأفاعي، والصقيع: الثلج الذي يسقط من السماء. قال سيبويه: (وقالوا: رُكْن وأرْكُن. قال رؤبة). ودَغيَةٍ من خطِلٍ مُغدَوْدِنِ قُربانٍ مَلْكٍ أو شريفِ المَعْدِنِ قامت به شدّاكَ بعد الأوْهَنِ (وزَحْمُ ركنيْكَ شِدادُ الأرْكُنِ)

صيغة (مفعل) للزمان والمكان والمصدر

الدَغيَة: سوء الخلق، والخطِل: الذي كلامه خطأ وفساد، والمغددون: الكثير القول الذي يركب بعض كلامه بعضاً، والقَربان خاصة الملك، والقرابين: خواص الملوك، أو شريف المعدن: يريد شريف النسب والأصل، وشُدّاك: شدّتك، والأوهن في ذا الموضع: بمعنى الوهن وهو الضعف، كذا زعموا، وأجود منه عندي أن يجعل الأوهن بمعنى الضعيف. (يريد: قامت به شدتك، بعد دفع الرجل الضعيف) الذي لا يغني دفعه شيئاً. وزحم ركنيك (زحم) معطوف على (شداك) و (دغية) مجرور بإضمار رب. والممدوح بهذا الشعر بلال بن أبي بردة. يريد: ورب كلام قبيح من رجل كثير الخطأ، له سلطان أوشرف، دفعتَ كلامه وانتصرتَ منه، وقامت به شدتك، وزحمك بجانبيك شداد الرجال، وإنما هذا على طريق المثل وليس ثَم زحم، وإنما أراد المزاحمة بالكلام والحجة، يعني أنه يَغلب بالحجة. صيغة (مُفعَّل) للزمان والمكان والمصدر قال سيبويه في المصادر: (وقال في المكان: هذا مُوَقانا) يريد موضع توقيَتنا، والمُفَعّل يقع للزمان والمكان والمصدر على لفظ واحد. وقال رؤبة:

يا ربِّ إن أخطأتُ أو نسيتُ فأنت لا تنسى ولا تموتُ (إن المُوَقى مثلُ ما وُقيتُ) وقال سيبويه بعد أن أنشده: (يريد التوقية) يعني أن الموقّى في هذا البيت مصدر، وأراد رؤبة أن التوقية التي يعجب منها - ومن حسن صنع الله عز وجل فيها - توقيتي من الحَرورية لما حصلتُ بأيديهم ثم تركوني. وكان رؤبة قد وقع بيد الخوارج ثم خلوا عنه. و (الموقَّى) اسم إنّ و (مثل) خبره، وتقديره: إن التخلص الحسن مثل تخلصي من الخوارج. قال سيبويه في المصادر، قال زيد الخيل الطائي: (أُقاتلُ حتى لا أرىَ لي مُقاتَلاً ... وأنجو إذا لم ينجُ إلا المُكَيَّسُ) الشاهد فيه أنه جعل (مقاتَلاً) مصدراً، أو موضعاً للقتال. والمكيَّس: الذي يصفه الناس بالكَيْس. يريد أنه يقاتل ما وجد موضعاً للقتال وعلم أن قتاله ينفع، فإذا علم أن قتاله لا ينتفع به، وأنه إن قاتل قتل، نجا في الوقت الذي لا ينجو فيه إلا البُصَراءُ بالتخلص من مثل تلك الحال.

مجيء (عريف) بمعنى (عارف)

و (أرى) من رؤية القلب، و (مقاتَلاً) مفعول أول، و (لي) في موضع المفعول الثاني. مجيء (عريف) بمعنى (عارف) قال سيبويه في المصادر، قال طريف بن تميم العنبري: (أوكلما وردتْ عكاظَ قبيلةُ ... بعثوا إليّ عريفَهم يتوسَّمُ) فتعرّفوني إنني أنا ذاكمُ ... شاكٍ سلاحي في الحوادثِ مُعْلِمُ الشاهد فيه أنه جعل (عريفاً) بمعنى عارف. وعكاظ: خلف عرفات، وكانت القبائل تحضرها ووجوه العرب والفرسان، فإذا حضرتها الفرسان تبرقعوا لئلا يُعرفوا، فحضر طريف الموسم، وكان حَمَصيصة ابن الشيباني بعكاظ وبها طريف، فجعل حمصيصة يشدّ النظر إلى طريف. فقال له طريف: لمَ تنظر إليّ؟ قال: لأعرفَك لعلي ألقاك في خيل. قال: فتصنع ماذا؟ قال: أعممك بالسيف. فقال طريف: اللهم ربَّ هذا البيت لا تُحِلِ الحولَ حتى تلقينيه في خيل. فالتقيا بعد ذلك في خيل، فقتله حَمَصيصة. ويتوسم: ينظر في وجهي حتى يعرف سيماي، فتعرّفوني أي اعرفوني أنني أنا ذاكم الذي حدثتم حديثه. (شاك) مقلوب من شائك، أي سلاحي ذو شوكة والحوادث: الحروب التي تحدث، والمُعْلم: الذي

إسكان النون من (هنك) ضرورة

يجعل لنفسه علامة في الحرب يعرف بها، وهذا يفعله الشجعان لتعرف مواقفهم في الحروب ومقاماتهم وما يصنعون. إسكان النون من (هنك) ضرورة قال سيبويه في الوقف على أواخر الكلم، قال الأقيشر الأسدي وكان مر بسكة بني فزارة وهوشارب، فجلس يريق الماء، ومرت به نسوة فقالت امرأة منهن. هذا نشوان قليل الحياء، أما تستحي يا شيخ من شربك الخمر؟ فقال: تقولُ يا شيخُ أما تستحي ... من شربكَ الخمرَ على المَكبَرِ وأنتِ لو باكرتِ مشمولةً ... صهباَء لونَ الفرسِ الأشقرِ (رُحْتِ وفي رجليكِ ما فيهما ... وقد بدا هَنكِ من المئزَرِ) الشاهد فيه أنه أسكن النون من (هَنكِ) وهو مرفوع لأنه فاعل (بدا). وقوله: رُحْتِ وفي رجليكِ ما فيهما: يريد أن فيهما اضطراباً واختلافاً في المشي، والمشمولة: الخمر التي هبت الشِمال عليها وهي في ظروفها، وذاك يحمد فيها. كما قال الشاعر: وقابَلها الريح في دنها ... . . . وأراد: صهباء مثل لون الفرس الأشقر، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

مجيء (الممسى والمصبح) للزمان

مجيء (المُمْسَى والمُصْبَح) للزمان قال سيبويه في المصادر، قال أمية بن أبي الصلت: (الحمد لله مُمْسانا ومُصْبَحَنا ... بالخيرِ صبَّحنا ربي ومسّانا) الشاهد فيه على أنه جعل (المُمْسَى والمُصْبَح) للزمان. أراد: الحمد لله في وقت إصباحنا وفي وقت إمسائنا. وقوله: بالخير صبَّحنا ربي، دعاء، كأنه قال: اللهم صبِّحْنا بخير ومَسِّنا به. والمعنى واضح. جمع (فعْل) على (أفعَل) وبابه أفعال قال سيبويه: (وقالوا قوس وأقوُس) وثوب وأثوُب. قال معروف بن عبد الرحمن: (لكلِّ عيشٍ قد لبِسْتُ أثوُبا) حتى اكتسَى الرأسُ قناعاً أشيبا أبيضَ لا لذّاً ولا محببَّا

في معنى صيغة (تفاعل)

أراد أن (ثوب) جمع على (أفعُل) و (أفعُل) في جمع (فعْل) إذا كانت عينه من حروف العلة قليل، وبابه (أفعال). وأنشد البيت شاهداً لجمعه على أثوب. والمعنى أني عملت في كل زمان ما يصلح له، وليس يراد به لبس الثياب. ومثله قول بيهس الفزاري: البَسْ لكل حالةٍ لبوسَها إما نعيمَها وإما بُوسَها واللذ: الذي يُلتذ به. يريد أن الشيب لا يحبه صاحبه ولا غيره. في معنى صيغة (تفاعل) قال سيبويه في المصادر، قال عمرو بن العاصي في يوم صِفين: (إذا تخازَرْتُ وما بي من خَزَرْ) ثم كسرتُ العينَ من غير عَوَرْ ألفيتني ألوىَ بعيدَ المستمَرّْ ذا صولةٍ في المُصْمَئِلاتِ الكبَرْ ويروى هذا الرجز للنجاشي الحارثي، وأظن أنه يروى لغيرهما أيضاً. يريد أنه يظهر أنه أخزر، والتخازر: أن يقارب بين جفنيه إذا نظر، ليوهم أنه ليس يتأمل ما ينظر إليه. ومثله: (ثم كسرت العين من غير عور). والألوَى: الذي يلتوي على خصمه، لا يكاد خصمه يظفر منه

في جمع التكسير

بشيء، بعيدَ المستمَرّ: أي أمُرّ في الخصومة إلى موضع لا يمر إليه غيري، يريد أنه يفكر فكراً بعيداً، والمصمئلات: الدواهي، والواحدة مصمئلة، والكبر: جمع الكبرىَ، مثل الفضَل والفضْلى. في جمع التكسير قال سيبويه في الجمع المكسر، قال حكيم بن مُعَيّة الرَّبَعي من بني تميم: فيها عياييلُ أسودُ ونمُرْ الذي في شعره: (فيه غياييل). والعيّال: المتبختر، وجمعه عياييل. وصَف قبل البيت قناة نبتت في موضع محفوف بالجبال والشجر فقال: حُفتْ بأطوادٍ جبالٍ وسَمُرْ في أشِب الغِيطان ملتفِ الحَظِرْ (فيها عياييلُ أسودُ ونمُرْ) يريد حُف موضع القناة الذي نبتت فيه بأطواد الجبال، والواحد طود، والسَّمُر: جمع سَمُرَة وهي شجرة عظيمة، والأشِب: الموضع الملتف النبت

الترخيم في غير الأسماء - ضرورة

الذي يتداخل حتى لا يمكن أن يُدخل فيه إلا بشدة، والغيطان: جمع غائط وهو منخفض من الأرض، والحَظِر: الموضع الذي حوله الشجر مثل الحظيرة، فيه: في هذا الموضع، أسُود تَعِيل، تذهب وتجيء فيه وتتبختر. وفي شعره: (أُسُودٍ) مجرورة بإضافة (عياييل) إليه. الترخيم في غير الأسماء - ضرورة قال سيبويه في الوقف على أواخر الكلم، قال أبو نُخيلة: (إذا اعْوَججْنَ قلتُ صاحِبْ قَوِّمِ) بالدو أمثالَ السّفينِ العُوَّمِ الشاهد على حذفه الكسرة من (صاحب) أراد يا صاحبي، وحذف الياء واكتفى بالكسرة - وحذفها جيد - ثم اضطر فحذف الكسرة. وبعض أصحابنا يرويه: إذا اعوججن قلت صاحِ قومِ فراراً من إسكانه للضرورة، وقد فر من قبحِ ما هو قبيح في الشعر، إلى شيء يقرب منه في القبح، وذلك أن الترخيم إذا وقع في شيء ليس فيه تاء التأنيث، كان في الأسماء ولم يكن في الصفات. و (صاحب) صفة لا يحسن فيه الترخيم، ألا ترى أنه لا يَحسُن (يا ضارِ أقبلْ) تريد: يا ضارب، ولا (يا قاعِ) تريد يا قاعد. إذا اعوججن: يريد الإبل في سيرها. قلتُ صاحِبْ قَوِّمِ: يريد قومها على الطريق ولا تتركها تعدل عنه، والدو: الفلاة الواسعة، والعُوّم: جمع

ما لا يجوز حذفه من حروف القافية

عائمة وهي السفينة التي تشق الماء وتدخل فيه، والعَوم: السباحة. شبه الإبل بالسفن، وجعل دخولها في الآل بمنزلة دخول السفن في الماء. ما لا يجوز حذفه من حروف القافية قال سيبويه في القوافي، قال الراعي: (يا عَجَبا للدهر شتى طرائِقهْ ... وللمرء يبلوه بما شاء خالقهْ) وللخلْدِ يُرجى والمنية دونه ... وللأملِ المبسوطِ والموتُ سابقهْ شتى طرائقه: أي متفرقة أموره وأحواله، فيه صحة وسقم، وغنى وفقر، وسعادة وشقاء. والمعنى واضح. قلب التاء طاء في الإدغام قال سيبويه في باب الإدغام: (وقد شبه بعض العرب ممن تُرضى عربيته هذه الحروف الأربعة: الصاد والضاد والطاء والظاء في (فعلتُ) بهن في (افتعل). لأن الفعل بني على التاء فأسكنت لامه كما أسكنت الفاء في (افتعل) وذلك قولهم: خبطه، يريدون: خبطْته). قال علقمة ابن عَبَدة: (وفي كل حيٍّ قد خبط َّ بنعمةٍ ... فحُقَّ لشأسٍ من نداكَ ذَنوبُ) الشاهد على أنه قلب التاء التي هي ضمير المخاطب (طاء) لأجل الطاء التي قبلها.

في الحذف للتخفيف (عالأرض)

وشأس هو أخو علقمة بن عَبَدة، ومدح بهذه القصيدة الحارث بن أبي شَمِر الغساني، وكان شأس في يديه أسيراً. والذَنوب: النصيب، والندى: الجود والسخاء. أي اسْتحق شأس أن تتفضل عليه، كما عممت الأحياء بفضلك. فقال الحارث لما سمع: (فحق لشأس من نداك ذنوب): نعم وأذْنِبة. وقوله: خبطت بنعمة: أصلها الطالب والمجتدي ومن أشبههما يخبط المواضع التي يسير فيها إلى من يرجوه ويأمل معروفه، ثم قيل لكل طالب: خابط ومختبط. ويجوز أن يكون من قولهم: خبطت الشجرة إذا جمعت أغصانها، ثم ضربتها ليسقط ورقها، فتعلفَه الإبلَ، ثم قيل لكل طالب: خابط. وهذا الوجه أحب إلي من الأول. ومثله زهير: وليس مانعَ ذا قربى ولا رَحِمٍ ... يوماً ولا مُعْدِماً من خابطٍ وَرَقا وليس ثم خبط للورق، إنما يريد به أنه لا يمنع معروفه من التمسه. وقوله: قد خبطت بنعمة: أي خبطت لكل حي بنعمة، أي أنعمت عليهم، فكنت كمن خبط لهم الشجر. في الحذف للتخفيف (عالأرض) قال سيبويه في باب ما جاء شاذاً فخففوه على ألسنتهم: (ومن الشاذ قولهم في بني العنبر وبني الحارث: بَلْحارث وبَلْعنبر، وعَلْماءِ بنوفلان). قال الفرزدق:

هلمَّ إلى الإسلامِ والدِّينِ عندنا ... فقد مات عن أرضِ العراق خَبالُها (فما أصبحتْ عالأرضِ نفسُ فقيرةُ ... ولا غيرُها إلا سليمانُ مالها) هذا البيت يقع في بعض النسخ وفي بعضها لا يقع. والشاهد فيه حذف اللام من (على) بعد حذف الألف منه لالتقاء الساكنين، كما فعل في: (بني الحارث وبني العنبر). ورأيت هذا الموضع قد ضبط في الخط، وشددت اللام فكتب (علرض) عين بعدها لام مشددة. وهذا لا يشبه قولهم: علماء بنو فلان وما تقدم ذكره، لأن تشديد اللام يوجب أنه: خفف الهمزة من (الأرض) وطرح حركتها على لام التعريف فصار (عللرض) بلامين متحركتين ثم أدغم اللام من (على) في اللام من الأرض، فليس في هذا الكلام لام محذوفة. وإنما الشاهد يصحّ إذا أُنشد بتحقيق الهمزة (عالأرض) بلام ساكنة، وهي لام التعريف وبعدها همزة (الأرض).

الإبدال للتخفيف

وفي إنشاد الكتاب: (نفس بريئة)، وفي شعره: (فقيرة). ويروى: (فما أصبحت في الأرض. . .) وليس في هذه الرواية شاهد. يمدح الفرزدق بهذا الشعر سليمان بن عبد الملك، ويهجو الحجاج بعد موته. يقول: ذهب عن أرض العراق خبالها، يريد فسادها، لأن الحجاج مات فصلح أمرها. وقوله: (إلا سليمانُ مالها يريد: إنما حفظُ أموال الناس وصلاحُ أمرهم به، والمعنى واضح. الإبدال للتخفيف قال سيبويه في باب الإدغام في حروف طرف اللسان: (وقالوا: في مفتعِل - من صبرتُ - مصطبر، أرادوا التخفيف حين تقاربا). يريد أنهم أبدلوا التاء الزائدة طاء لتكون أخف عليهم. لأن الطاء أخت الصاد في الإطباق، فهي إليها أقرب من التاء. ثم ذكر المواضع التي تبدل فيها التاء طاء، وذكر إبدالها مع الطاء، ثم قال: (وذلك قولك: مظطعن ومظطلم) كما قال زهير: (هو الجوادُ الذي يعطيك نائله ... عفواً، ويُظلم أحياناً فيظطلمُ)

من الثلاثي المزيد (فيعول) للاسم والصفة

الشاهد في إبدال التاء طاء في فيظطلم. يمدح بذلك هرم بن سنان المري، يقول: هو يعطي ماله عفواً بسهولة، لا يمُن به، ولا يمطل سائله، ولا يعطي نزرْاً. ويظلم أحياناً: يطلب منه في غير موضع طلب فيحتمل ذلك لمن يسأله، ولا يرد من سأله في جميع الأوقات التي مثلها يطلب فيه، وفي الأوقات التي مثلها لا يطلب فيه. من الثلاثي المزيد (فيعول) للاسم والصفة قال سيبويه في الأبنية التي فيها زوائد من الثلاثي: (ويكون على (فيعول) في الاسم والصفة، فالاسم نحو قيصوم والحيزوم، والصفة نحو: عيثوم وقيّوم وديموم). قال علقمة بن عَبَدة. إذا تزغم من حافاتها رُبَعُ ... حنتْ شغاميمُ من أوساطها كومُ (يهدي بها أكلفُ الخدّينِ مختبَرُ ... من الجِمال كثيرُ اللحم عيثومُ) وصف إبلاً، وحافاتها: جوانبها، والتزغم في هذا البيت: صوت معه غضب، والتزغم بزاي معجمة: غضب معه كلام، والرُّبَع: ولد الناقة، والشغاميم: الطوال الجسام الواحد شغوم، حنت: حن بعضها إلى بعض، الكوم: العظام الأسنمة جمع أكْوَم وكَوْماء. يريد أنها إذا سمعت صوت الرُّبَع حنت. وقوله: يهدي بها أي يقدمها ويتقدمها

(أفعلان) صفة من الثلاثي

جمل أكلف الخدين، والأكلف: الذي تضرب حمرته إلى سواد، وقيل إنه مستحب، والمختبر: هو المجرَّب الذي عُرفت نجابته من الفحول وعرف ما عنده، وقيل: إن المختبر هو الكثير اللحم والوبر. وزعموا أن الخبير هو الوبر، وقال الشاعر: حتى إذا ما طال من خبيرها والعيثوم: الضخم العظيم الخَلْق، ويقال لأنثى الفيلة عيثوم. (أفعَلان) صفة من الثلاثي قال سيبويه في أبنية الثلاثي: (ويكون على (أفعَلان) وهو قليل، لا نعلمه جاء إلا (أنبَجان) وهو وصف، قالوا: عجين أنبجان وهو المختمِر، و (أرونان) وهو وصف. قال الجعدي). (فظلَّ لنِسوة النعمان منا ... على سَفوانَ يومُ أره ناني) فعدّينا حليلته وجئنا ... بما قد كان جمَّع من هِجانِ سفوان موضع معروف، والأرونان: الشديد، والهِجان: كرام الإبل وخيارها. فعدينا حليلته: يريد عدينا عنها. يريد أنهم انصرفوا عن زوجة النعمان لم يأخذوها، وأخذوا إبله وماله. وقد وقع في الكتاب: (يوم أرونانُ) بالرفع، وكذا يقع هذا البيت في الشواهد والقصيدة مجرورة. وأولها:

(أفعل ويفاعيل) من الثلاثي للاسم والصفة

جلبنا الخيلَ من تثليثَ حتى ... أتين على أُوارةَ فالعَدانِ ويُنشد البيت في القصيدة: (يوم أرونانيْ) وهو منسوب قد خففت ياء النسب منه، أراد (أرونانيُّ) فخفف. ومثله: إني لِمَن أنكرني ابنُ اليَثرِبيْ قتلتُ علباءَ وهندَ الجَمَليْ أراد: اليثربيّ والجمليّ وينبغي ان يكتب بياء، لأنه منسوب وتزول عنه الشبهة. (أفْعل ويفاعيل) من الثلاثي للاسم والصفة قال سيبويه في الأبنية: (ويكون على (أفنعَل) في الاسم والصفة. فالاسم نحو: ألَنحَج وأبَنْبَم، والصفة نحو: ألَنْدَد). قال الطِرِمّاح: كم دونَ إلفِكَ منِ نياطِ تنوفةٍ ... قذَفٍ تظلُّ بها الفرائضُ ترْعَدُ فيها ابنُ بَجْدَتِها يكادُ يذيبه ... وقدُ النهار إذا استدار الصيخَدُ (يوفي على جِذْم الجُذولِ كأنه ... خصْمُ أبرَّ على الخصوم ألَندَدُ) التنوفة: الأرض الواسعة وجمعها تنائف، والنياط: البُعد،

والقَذَف: البعيدة، والفرائص: جمع فريصة وهي لحمة في مرجع الكتف. وأراد أن فرائص من يسلك هذه التنوفة ترعد من الخوف فيها. وقوله: فيها ابن بجدتها، يريد: في هذه التنوفة ابن بجدتها وزعموا أنه يعني بابن بجدتها الحرباء، ويقال للرجل المقيم بالبلد لم يبرح منه قط: ابن بجدته، ويقال للعالم بالأرض ابن بجدتها. والصَّيْخد: الحر الشديد، ويقال: شمس صيخد إذا كانت حارة. يعني أن الحر يكاد يذيب الحرباء، واستدار: يريد علت الشمس، فصار حرها كأنه مستدير على الرؤوس، ويوفي: يشرف، والجِذم: أصل الشجرة، والجذول: جمع جِذْل وهو أيضاً الأصل من أصول الشجرة. أبرَّ على الخصوم: غلبهم، والألندد: الشديد الخصومة. شبه الحرباء - حين ارتفع على أصل الشجرة، ومد رأسه نحو الشمس - بخصم قد غلب خصومه، فرأسه مرتفع لم يطأطئه، لأنه لم يُغلب فيطأطئ رأسه. قال سيبويه في الأبنية: (ويكون على (يَفاعيل): في الاسم نحو: يرابيع ويعاقيب ويعاسيب، والصفة نحو: اليحاميم واليخاضير، وصفوا باليحموم كما وصفوا باليخضور). قال غيْلان بن حُريث: كأنهمْ للناظرِ المُتيرِ (عَيْدانُ شطيْ دجلةَ اليَخضورِ)

وصف ظعُناً تحملت وسارت، وشبه الهوادج على الإبل بالعَيْدان من النخل، الذي قد طال وفات المتناول، كأنهم - يعني القوم الذين ساروا - للإنسان الذي ينظر إليهم، والمُتير: المُتئر بالهمز وبغير الهمز: هوالذي يديم النظر. يقال: أتأر وأتار. و (عيدان) مرفوع خبر (كأن) وشطا دجلة: جانباه، و (اليخضور) مجرور، وظاهره أنه نعت لـ (عيدان) و (عيدان) مرفوع، فكان ينبغي أن يقول: (اليخضورُ) بالرفع، ووجه الجر فيه عندي أنه نعت لشيء محذوف، والتقدير فيه أنه أراد: (عيدان نخل شطي دجلة اليخضور) فحذف (النخل) وأقام المضاف إليه مقامه، ونعَت على لفظ ذلك المحذوف. فإن قال قائل: فالعَيْدان هو النخل، فكيف أضاف العيدان إلى (نخل)؟ قيل له: ليس كل نخل عيداناً، وإنما العيدان بعضه، فهو في تقدير قائل قال: كأنهم أوساط النخل أو صغار النخل أو ما أشبه ذلك. وقال العجاج: كأنّ ريحَ جوفه المَزْبورِ بالخُشْب تحت الهَدَب اليَخضورِ مَثواةُ عطارِين بالعُطورِ وصف كِناس الثور الوحشي. يعني كأن ريح جوف الكِناس،

في مسألة (لاث وشاك) وأمثالهما

والمزبور: المَطويّ بالخشب، و (بالخُشْب) في صلة (المزبور)، يريد المزبور بالخشب، وفي الشعر تضمين. والهدب: ورق الشجر، واليخضور: الأخضر. يريد أنه طُوي أسفلُ الكِناس بالخشب الذي ليس فيه ورق، والورق الأخضر في أعلى الكناس. والمثواة والمثوى: موضع الإقامة، والعطور: جمع عطر. يصف طِيب ريح الكناس الذي هوبيت الثور الوحشي. و (مثواة) رفع خبر كأنّ. في مسألة (لاثٍ وشاكٍ) وأمثالهما قال سيبويه: (وأما الخليل فكان يزعم أن قوله: (جاءٍ وشاءٍ) ونحوهما اللام فيهن مقلوبة. وقال: ألزَموا ذلك هذا واطرد فيه، إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة). يريد أن الخليل يقول: كل ما كان من الأسماء معتل العين، ولامه همزة، وبنيتَ منه (فاعلاً) فإنك تقدم اللام إلى موضع العين، وتجعل العين في موضع اللام. واحتج الخليل بأن قال: قد رأيناهم يَكرهون إعلال العين وقبلها همزة، في بعض الصفات التي لام الفعل منها حرف صحيح، فيقولون - في (لائث) وهو من لاث يلوث، وفي (شائك) وهو من الشوكة، وفعله شاك يَشاك -: (لاثٍ وشاكٍ). فإذا كانوا قد ثقل عليهم في بعض المواضع أن يُعلوا العين مع صحة اللام حتى أخروها، ألزموا ما كانت عين الفعل فيه حرف علة ولامه همزة، تقديم الهمزة في موضع العين، حتى يقل إعلامهم، لأنهم لو أعلوا العين لهمزوها، وإذا همزوها اجتمع

مجيء (فعلاء) اسما

في الكلمة همزتان: همزة العين، والهمزة التي هي لام، ولزم أن تقلب الهمزة الثانية ياء، لئلا يجتمع همزتان في كلمة، فكان عنده أن تقديم اللام - في هذا ونحوه - أسهل من صنعة النحويين: قال العجاج - ووصف امرأة: كأنما عظامُها بَرْدِيُّ سقاه رَيّاً حائرُ رَويُّ بالمأدِ حتى هو يمؤوديُّ في أَيكهِ فلا هو الضحيُّ ولا يلوحُ نبته الشتيُّ (لاثٍ به الأشاءُ والعُبْريُّ) عَنى بعظامها ساقيها وذراعيها، وأراد أنها تشبه أصول البَرْديّ في بياضه ونعمته، والحائر: المكان الذي يجتمع فيه الماء، ويتحير فيه فلا يخرج منه، والمأد: اهتزاز النبت. يريد أن البَرديّ يهتز من نعمته ورِيّه، واليمؤودي مثل المأد، والأيكة: جماعة الشجر المجتمعة بمكان، والضحي: البارز للشمس و (هو) ضمير يعود إلى (البَردي). يقول: البردي نابت في حائر، حوله نخل وشجر يُكنه، فليس يبرز للشمس. ولا يلوح نبت هذا الحائر أي لا يظهر في الشتاء للشمس، لأن الشمس لا تعلوفي أوسط السماء حتى تقع على ما في وسط الحائر. والأشاء: صغار النخل، والعُبري: السِّدر البري، واللائث واللاثي: الذي يحيط به ويدور حوله. مجيء (فعلاء) اسماً قال سيبويه قال زبّان بن سيار الفزاري: (رحلتُ إليكَ من جَنفاَء حتى ... أنختُ فِناَء بيتكَ بالمَطالي)

إدغام (التاء في الضاد) (واللام في الشين)

فإنّ قلائصاً طَوَّحْنَ شهراً ... ضلالاً ما رحلنَ إلى ضلالِ كان زبّان بن سيار أنعمَ على حنظلة بن الطفيل بن مالك، ثم رحل زبان إليه يستثيبه. والمطالي: جمع مَطلاء وهي أرض سهلة. يريد أنه رحل إليه، وأناخ بفناء بيته ليُثيبه. و (إن قلائصاً طوحن شهراً ضلالاً) يعني أنها سارت شهراً حتى وصلت إلى الموضع الذي قصدته. وطوحن: ذهبن وبعُدن في الأرض، والتطويح: بُعد الذهاب. يقول: إن إبلاً طوحت شهراً ضلالاً، يعني أنها بعد سيرها، ووصولها لم يحظ بشيء مما أرادته - فسيرها كان ضلالاً. يقول: إن قلائص سارت شهراً في ضلال ما رحلتا ضلالاً إلى الذي سارت إليه، لأنه كافأه وأثابه، لم تكن قلائصه رحلت ضلالاً، مثلَ قلائص رجل آخر سار شهراً إلى موضع أراده فلم ينل منه شيئاً. إدغام (التاء في الضاد) (واللام في الشين) قال سيبويه في الإدغام، قال القنانيّ: عَمْرُكَ ما زيدُ بنامَ صاحبُهْ ولا مُخالطُ الليان جانبهْ يَرعى النجومَ مشرفاً مناكِبُهْ إذا القمير غابَ عنه حاجبُهْ (ثار، فضجت ضّجّةً ركائبُهْ)

يقول: ما زيد برجل نام صاحبه، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. يريد إن الذي يصاحبه في السفر لا ينام، لأنه قليل النوم متيقظ جَلد لا يكسره السفر، ولا ترخيه سُرى الليل، ولا يلين جانبه من تعب ولا عمل، يرعى النجوم لئلا يضل في سيره. والمشرف: العالي المرتفع، وحاجب قمر: جانبه، والركائب: جمع رِكاب، والركاب: جماعة الإبل التي تركب في الأسفار. يعني أن القمر لما غاب ثار هو، فشد الرحال على الإبل، فضجت: رغت وصاحت. والشاهد فيه إدغام التاء في الضاد. قال سيبويه في الإدغام، قال طريف بن ربيعة العنبري: (تقولُ إذا استهلكْتُ شيئاً للذّةٍ ... فكيْهَةُ هشيءُ بكفيكَ لائقُ) فقلت لها: إن الملامةَ نفعُها ... قليلُ، وليستْ تستطاعُ الخلائقُ

تصحيح عين (تفعلة) اسما

الشاهد فيه على إدغام اللام من (هل) في الشين من (شيء). وفكيهة امرأته، واللائق: اللازم اللازق، والخلائق: الطبائع. يريد أن امرأته لامته على إنفاق ماله في لذاته وقالت: هل شيء من المال ثابت في كفيك. وقوله: (فقلت لها إن الملامة نفعها قليل) يعني أن ملامتها له لا ينتفع بها، لأنه لا يقبل منها ما تقول، ولا يترك إنفاقَ ماله في لذاته. وقوله: وليست تستطاع الخلائق، يريد: وليس يمكن تغيير الخلائق، أي تغيير الطباع. يقول: إنه من كان من طبعه الجود والإنفاق، لا يمكن تغيير خلقه. والمعنى: ليس يستطاع تغيير الخلائق، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. تصحيح عين (تفعِلة) اسماً قال سيبويه: (وكذلك (تفعِلة) منهما) يريد من بنات الواو والياء - يُتَمّ - يعني أنه لا يُعل، ليُفَرّق بين هذا وبين (يَفعِل فعْلا) (ويذلك على أن هذا يجري مجرى ما أوله الهمزة مما ذكرنا قول العرب من: دار يدور تدْوِرَة).

يريد أن ما يبنى اسماً وفي أوله زائدة من زوائد الفعل وعينه معتلة، تصحح عينه ولا تعل، ليفرَّق بين هذا البناء اسماً وبينه فعلاً. وذكر من هذا النوع (تدْوِرَة) وهي (تفعِلة) من: دار يدور، وصححت فيها العين لأجل أنها اسم. قال ابن مقبل: ليتَ اللياليْ يا كبَيشةُ لم تكنْ ... إلا كليْلتِنا بحَزْمِ طِحالِ في ليلةٍ جَرَتِ النحوسُ بغيرِها ... يبكي على أمثالِها أمثالي (بِتنا بتدْوِرَةٍ يضيء وجوهَنا ... دَسَمُ السَّليطِ على فتيلِ ذُبالِ) كبيشة امرأته، وطِحال: أكمة بعينها، وحزمها: ما غلظ من الأرض حولها، في ليلة جرت النحوس بغيرها: أي لم يكن فيها نحس، والتدورة: قطعة من الرمل تستدير، والذبال: الفتل، الواحدة ذُبالة وهي الفتيلة. ودَسَمُ السَّليطِ: أراد به دهن السليط، وهودهن السِّمسِم، وبعضهم يقول: هوالزيت. يريد أنهم أشعلوا في تلك الليلة مصابيحهم بدهن السمسم، يريد أنه بات هو وكبيشة في الموضع، على الوصف الذي ذكر. ويروى: (بدَيِّرة) مكان تدورة.

صيغة (إفعول) للاسم والصفة

صيغة (إفعَوْل) للاسم والصفة قال سيبويه في الأبنية: (ويكون على إفعَوْل). وذكر ما جاء منه اسماً، ثم ذكر الإزموْل في الصفة وقال: (إنما يريدون الذي يَزمُل). قال ابن مقبل: ولو تألفُ مَوْشِيّاً أكارعُه ... من فدْرِ سَوْطى بأدنى دَلها ألفا (عَوْداً أحَمَّ القرا إزْمَوْلَةً وقلاً ... يأتي تراثَ أبيه يتبعُ القذُفا) وصف امرأة ثم قال: ولو تألفُ - وأراد تتألف - هذه المرأة وعْلاً موشياً أكارعه، والموشي: الذي في قوائمه خطوط شِبه الوشي في الثوب، والفدْر: جمع فدور، والفادر والفدور واحد وهو الوعل المسنّ، وسَوطى: موضع بعينه، والدَلْ: الشكل والظرف وحسن الزِيّ وعذوبة الحديث. يقول: لو أرادت أن يدنو إليها الوعل الذي مسكنه في رؤوس الجبال، لدنا منها لما يدعوه إليها من حسنها وملاحتها، وهذا على طريق المبالغة. وهو كقول النابغة:

في قلب الواو همزة

بِتكلمٍ لو تستطيعُ حِوارَه ... لدَنتْ له أرْوَى الجبالِ الصخدِ ثم وصف الوعل فقال: عَوْداً أحم القرا. والعَوْد: الكبير المسن، والأحم الأسود، والقرا: الظهر، والإزْمَوْلَة: الذي يَزْمُل: يمشي في شِق من بغيه ونشاطه، وقيل الإزمولة: الضخم، الوقل: الذي يتوقل في الجبل يصعد فيه. وقوله: يبغي تراث أبيه: يريد أنه يسكن الجبال الذي كان أبوه يسكنها، والتراث: الميراث، والقذف: نواحي رأس الجبل، وهو الموضع الذي إن زلّ عنه هوى في الأرض. في قلب الواو همزة قال سيبويه فيما اعتلت فاؤه: (ولكنّ ناساً من العرب يُجرون الواو - إذا كانت مكسورة - مُجرى المضمومة، فيهمزون الواو المكسورة إذا كانت أولاً. فمن ذلك قولهم: إسادة وإعاء) في وسادة ووعاء. قال ابن مقبل: (إلا الإفادةَ فاستولتْ رَكائِبَنا ... عند الجبابيرِ بالبأساءِ والنعَمِ)

في الأبنية (فعلان)

الشاهد فيه أنه قلب الواو في (الوفادة) همزة، وهي من: وفد يفد. والوفادة: هي الوفود إلى الملوك والجبابرة، والجبابير: الملوك، والبأساء: الشدة، والركائب: جمع ركاب. يريد انهم إذا حضر وفد بني عامر عند الملوك استولت عليهم، وإن كانت للملوك نِعم كانت عليهم، فإن نزلت بالملوك شدة قاموا بها. وفي شعره: أما الوفادةُ فاستولتْ رَكائِبَنا ... عند الجبابيرِ بالبأساءِ والنعَمِ أما العُرامُ فمن يذهبْ يُعارِمُنا ... يَعْضَضْ بإبهامِه من واجمِ الندمِ العُرام: الخصومة والقتال، والواجم: الساكت على غم وحزن، وأراد: من وَجوم الندم، وجعل اسم الفاعل في موضع المصدر، ويجوز أن تقدر الكلام، لا تجعل معه اسم الفاعل في موضع المصدر، ويكون التقدير: يعضض بإبهامه من جريرة واجم الندم. في الأبنية (فعُلان) قال سيبويه في الأبنية: ويكون على (فعُلان) وهو قليل، قالوا: السَّبُعان، وهو اسم المكان. قال ابن مقبل): (ألا يا ديارَ الحيِّ بالسَّبُعان ... أملَّ عليها بالبِلى المَلوانِ) الملوان: الليل والنهار. يريد أن الليل والنهار أكثرا عليها من أسباب البلى والدروس، فكأنهما أملاها من كثرة ما أصاباها به من ذلك. وهو مأخوذ من: أمللتَ الرجلَ إذا أضجرته بحديثك أو بغيره مما يكره كثرته وطوله، يعني أملَ عليها بأسباب البلى.

في إبدال الواو تاء

في إبدال الواو تاءً قال سيبويه فيما اعتلت فاؤه: (وقد دخلت على المفتوح كما دخلت الهمزة عليه، وذلك قولهم (تيقور) وزعم الخليل أنها من الوقار). يريد أن التاء دخلت على ما أوله ولو مفتوحة فجُعلت بدلاً منها، كما أبدلت التاء من الواو المضمومة في: تكلان وتجاه وتخَمة. قال العجاج: (فإنْ يكنْ أمسى البلى تيْقوري) والمرءُ قد يصيرُ للتصييرِ مقرِراً بغيرِ لا تقريرِ يقول: إن كان بِلى جسمي، وضعفُ قوتي، قد صيراني وقوراً قليل الحركة. يريد أنه صار وقوراً لكبره وبلاه وضعفه. وفي (يكن) ضمير الأمر والشأن، و (البلى) اسم (أمسى) و (تيْقوري) خبر (أمسى)، والتصيير: ما يصير إليه الإنسان من حال بعد حال. يريد أن الإنسان يُنقل من حال إلى حال، لا يدوم له شبابه وقوته ونشاطه وقوله: مقرَّراً، يقول: تقرر على حال يجعل عليها، ثم لا يترك عليها حتى يُنقل إلى حال أخرى. وجواب (إن يكن) يأتي بعد هذه الأبيات، ولم أذكره لأني كرهت الإطالة.

تثقيل (فعل) مما عينه واو - ضرورة

تثقيل (فعُل) مما عينه واو - ضرورة قال سيبويه في التصريف: (فأما (فعُل) فإن الواوفيه تسكن لاجتماع الضمتين والواو، فجعلوا الإسكان فيها نظيراً للهمزة في الواو في (أدْؤُر) وذلك قولهم: عَوان وعُوْن، ونَوار ونوْر). يريد أنهم أسكنوا ما كان على (فعُل) مما عينه واو، وجعلوا التخفيف بالإسكان كهمزهم لواو (أدْؤُر وأنؤُر) وحملوا (عُوْن ونوْر) في التخفيف على تخفيفهم في الصحيح، مثل قولهم: رُسْل في رُسُل، وطُنب في طُنب، وعدلوا إلى التخفيف بالإسكان، كما عدلوا إلى التماس التخفيف بقلبهم الواو التي تقع في (أفعُل) عيناً همزةً. ثم مضى سيبويه في كلامه حتى انتهى إلى قوله: (ويجوز تثقيله في الشعر) يعني تثقيل (فعُل) مما عينه واو. قال عدي بن زيد: قد حان لو صحوتَ أن تقصِرُ ... وقد أتى لما عَهِدْتَ عُصُرْ (عن مُبْرِقاتٍ بالبُرِين وتبدو ... بالأكُفِّ اللامعاتِ سُوُرْ)

وزن (فيعل) خاص بالمعتل (سيد)

الشاهد فيه تحريك الواومن (سُوُر) بالضم، وهوجمع سِوار. تصحو: تفيق من طلبك النساء واللهومعهن، وقوله: (عن مُبْرِقات) في صلة (تقصر). يريد: قد حان أن تقصر عن طَلَبة نساءٍ مبرقات بالبُرين، والعصر: الدهر. يقول: قد أتى لما عهدت من أفعالك في شبابك عُصُر، يريد: قد مضى دهر بعد شبابك، فقد حان أن تنصرف عما كنت تفعله. والبُرين: الخلاخيل، وهي شبيهة بالحَلَق التي تجعل في أنوف الإبل، وتكون من صُفْر. والمبرقات: جمع مُبْرقة، وهي التي تُظهر حَلْيَها وتلوح به حتى ينظر إليه الرجال فيميلوا إليها. وقوله: وتبدو بالأكُفِّ اللامعات، يريد بأذرع الأكف اللامعات، لأن السوار إنما يكون في الذراع لا يكون في الكف، وسُوُر: جمع سِوار مثل حمار وحُمر ويقال سُوار بالضم. وقد جاء إسوار في هذا المعنى. والمعنى أنهن يُظهرن حُليَّهن ليراها الرجال. وزن (فَيْعل) خاص بالمعتل (سيِّد) قال سيبويه: (وكان الخليل يقول: سَيِّد: فيْعِل وإن لم يكن (فيْعِل) في غير المعتل، لأنهم قد يختصون المعتل بالبناء لا يختصون به غيره) ثم ذكر (كَيَّنونة) وأنها (فيْعَلولة) وليس له نظير في الصحيح، وكذلك قضاة وزنها فعَلَة، وليس يُجمع (فاعل) إذا كان صحيحاً على (فعَلَة).

وحكى عن بعض النحويين أنها (فيْعَل) مفتوح العين، ولكنهم غيروا الحركة، وقال: (قول الخليل أعجب إليّ، لأنه قد جاء في المعتل بناء لم يجئ في غيره، ولأنهم قد قالوا: هَيَّبان وتيّحان فلم يكسروا) يعني أنه لو كان الأصل عندهم الفتح في (فيْعِل) وعدلوا به عن الفتح إلى الكسر لفعلوا مثل هذا في: هَيَّبان وتيّحان، لأن صدر هذا وأمثاله: هيَّب وتيَّح مثل فيْعَل، فلو كان الأصل في (سيِّد) وأشباهه (فيْعَل) ثم كُسر، لكسر هَيَّبان وتيّحان. ثم حكى أن بعض العرب فتح قول رؤبة: (ما بالُ عَيْني كالشعيب العَيَّنِ) وبعضُ أغراضِ الشجون الشّجنِ دارُ كرَقمِ الكاتبِ المُرَقنِ الشاهد فيه أنه فتح الياء من (العيَّن)، فلو كان هذا البناء أصله،

(اليمي) من حروف (اليوم) لنعته بالشدة

وعدلوه عن الفتح إلى الكسر لم يجز فتح هذا. والشَّعيب: المَزادة تعمل من أديمين، والعيَّن: التي قد أخلق جلدها ورقّ، فهولا يمسك الماء. يريد أن عينه يجري منها الدمع كما يجري من هذه المزادة الخَلَق، التي قد تعينت، والشجون: جمع شَجَن وهو الحاجة. والشُّجن: جمع شاجن وهو مبالغة في الشجون، كأنهم قالوا: شَجَنُ شاجن أي مُهمّ، كما تقول: شُغُل شاغل، ثم جمعوا الشَّجَن على شُجون، والشاجن على الشُّجَّن كما تقول: أشغال شواغل. والأغراض: جمع غرض، وهو ما يقصده الإنسان ويريد فعله، و (بعضُ) رفع بالابتداء و (دار) خبره، كأنه قال: وبعض أغراضي سؤال دار أو مخاطبة دار أو ما أشبه ذلك، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ورَقم الكاتب: خطه وما يستدير منه، والمرقن: الذي يحلق حلقاً. شبه آثار الدار بكتابة كاتب يخط، ويدوّر نحو الميم والواو والهاء. (اليمي) من حروف (اليوم) لنعته بالشدة قال سيبويه في التصريف، قال أبو الأخزر الحِمّني: (مَروانُ مَروانُ أخو اليوم اليَمي) كان متى يعطِفْ عَلوقاً ترْأمِ

جمع (عوار) على (عواور) فحذف ولم يقلب

رِئمانَ أُمٍّ لبةِ التأمّمِ الشاهد فيه على أنه قلب (اليمي) من (اليوم)، وأراد باليمي الشديد، وأخذه من لفظ اليوم، كما تقول: شغل شاغل، وداهية دهياء، يشتقون من حروف الكلمة لفظاً يجعلونه صفة لشدة الشيء المذكور أونباهتِه. يمدح بهذا مروان بن محمد، والعَلوق: التي إذا عُطِفت على ولد غيرها، شمّته بأنفها ولم تدرّ عليه، فإن عطفتْ عليه فدرّت قيل: رئمت تَرأم، فأراد أنه تنقاد له الأمور الصعبة التي لا تنقاد لغيره، ولا يظن أنها تنقاد لأحد، كما أنّ العَلوق لا يُرجى عطفها على ولد. واللبَّة: المرأة المحبة لولدها التي لا تفارقه. يقول: إنه يسهل الأمور، وينقلها إلى ضد ما كانت عليه. جَمَع (عُوّار) على (عواور) فحذف ولم يقلب قال سيبويه في التصريف، قال جَندّل الطهَويّ: غرَّكِ أن تقاربتْ أباعري وأنْ رأيتِ الدهرَ ذا الدوائرِ حنى عظامي وأراهُ ثاغري (وكحَّلَ العينينِ بالعواوِرِ) وفي شعره: وكاحلاً عيني بالعوارِ

إجراء ما عينه ولامه ياءان - مجرى المضاعف من الصحيح

الشاهد فيه أنه حذف الياء من (العواوير) ولم يقلب الواو - التي بعد الألف - همزة كما تقلب في (أوائل) لأن الياء المحذوفة في تقدير ما هو ملفوظ به. خاطب جندل امرأة فقال لها: غرّك - حتى اجترأت على مخالفتي - أني قد كبرت، وتقاربت أباعري. يريد أنه ترك السفر والرحلة إلى الملوك، فإبله مجتمعة لا يفارق بعضها بعضاً وثاغري: كاسر أسناني. والعواوير: جمع عُوّار وهو وجع العين. يريد أن مرّ الزمان أفسد بصره، وحتى عظامه، وقصّر خطوه. إجراء ما عينه ولامه ياءان - مجرى المضاعف من الصحيح قال سيبويه: (وقد قال بعض العرب: حيّوا وعيّوا لما رأوْها في الواحد والاثنين والمؤنث إذا قالوا: حيَّت المرأة بمنزلة المضاعف). وأراد سيبويه أن من العرب من يُجرى ما عينه ولامه ياءان، مُجرى المضاعف من الصحيح نقول: حَيَّ الرجل كما تقول: قد عضّ، وحيّوا كما تقول: عضّوا وحيّا بمنزلة عضّا. وقال عَبيد: (عيّوا بأمرِهِمِ كما ... عيَّت ببيضتها الحمامهْ) وضعَتْ لها عودَيْن من ... ضَعَةٍ وعوداً من ثمامَهْ

ندرة الأبنية على (فعلاء)

يريد أنهم لم يتوجهوا للخلاص مما وقعوا فيه. يقول عبيد هذا لقومه بني أسد، ويسأل بعض الملوك في أمرهم حتى يصفح عنهم وينعم عليهم. وإنما جعلهم كالحمامة لأن فيها خُرْقا، أي هي قليلة الحيلة. ويقال في الأمثال: (هو أخرق من حمامة) وذلك أنها تبيض في شر المواضع وأخوفها على البيض، فإن اشتدت الريح وتحركت الشجر سقط بيضها. والضعة: ضرب من الشجر، والثمام أيضاً شجر. يريد أنها جمعت عيداناً من هذه الشجر، وجعلتها عشاً وباضت فوقها، ولم تمكن العش. ويروى: بَرِمتْ بنو أسد كما ... برمت ببيضتها اليَمامَهْ ولا شاهد فيه على هذا الوجه. ندرة الأبنية على (فعَلاء) قال سيبويه في الأبنية وقال الشاعر: كأنّ حوافرَ النحّام لما ... ترَوَّحَ صُحبتي أُصلاً مَحارُ (على قرَماء عاليهِ شَواهُ ... كأنّ بياضَ غرَّتِهِ خِمارُ)

في قلب الواو ياء

النحام: اسم فرسه - وكان النحام نفق - وتروح صحبتي: من الرواح وهو سير العشيّ، والمحار: الصدف، الواحدة محارة. شبه حوافره بالمحار لملاستها. وقوله: على قرَماء، يجوز أن يريد: لما تروح صحبتي من قرماء، وجعل (على) مكان (من). ويجوز أن يريد: كأن حوافر النحام محار على قرماء. وقوله: عاليه شواه - والشوَى: القوائم - يريد أنه انتفخ بطنه وارتفعت قوائمه فصارت عالية. و (شواه) مبتدأ و (عاليه) خبره، والضمير يعود إليه. ويروى: (عاليةُ شواه). ويؤنث الشوى، ويجعلها جمع شواة. ورأيت بعض من يفسر الشعر ذكر غير هذا، وفسر الشعر على أن الفرس حي، وقال: قوله (عاليهِ شواه) أراد أنه مشمر ليس به قِصر. في قلب الواو ياء قال سيبويه: (وقال الشاعر فيما قلبت الواو فيه ياء من غير الجمع) يريد به قلب لام الفعل - إذا كانت واواً - إلى الياء، في نحو: مغزو ومدعو، يجوز في جميع هذا الباب أن تقلب واوه ياء، فيقال: مغزي ومدعي. قال عبد يغوث بن وقاص الحارثي:

إجراء (حيوا) مجرى (خشوا)

(وقد علمتْ عرسي مليكةُ أنني ... أنا الليثُ مَعدِيّا عليّ وعاديا) الشاهد في قوله: (معدياً) وهو من: عدا يعدو، أراد معدُوّا. (وعرسه: زوجته). وقوله: معدواً عليّ: يريد أن من عدا عليه فهو بمنزلة من عدا على الأسد فهو يهلك من قصده، وإذا قصد هو شيئا أهلكه. إجراء (حَيوا) مجرى (خشوا) قال سيبويه في المعتل العين واللام، قال مودود العنبري: (وكنا حسبْناهُمْ فوارسَ كَهْمَسٍ ... حيُوا بعد ما ماتوا الدهرِ أعْصُرا) الشاهد في قوله (حَيُوا) وأنهم أجروها مجرى (خَشوا) ولم يُدغموا العين في اللام. وكهمس هذا هو كهمس بن طلق الصَّريمي، وكان في جملة الخوارج مع بلال بن مرداس وكانت الخوارج قد أوقعت بأسلم بن زرعة الكلابي،

التخفيف بحذف اللام لامتناع الإدغام

وهم في أربعين رجلاً وهو في ألفي رجل، فقتلت قطعة من أصحابه وانهزم إلى البصرة. قال مودود هذا الشعر في قوم من بني تميم، فيهم شدة، كانت لهم وقعة بسجستان فشبههم في شدتهم بالخوارج الذين كان فيهم كهمس، عاشوا بعدما ماتوا بسنين. التخفيف بحذف اللام لامتناع الإدغام قال سيبويه في الإدغام، قال الفرزدق: (فما سُبق القيسيُّ من ضَعف قوةٍ ... ولكنْ طفَتْ عَلماءٍ غرْلَةُ قنْبرِ)

(أفعول) في الاسم والصفة

كان قنبر سابَقَ رجلاً في السير في السفن، فسبقه القيسي فدخل البصرة، ثم إن الفرزدق أراد أن يخرج من البصرة إلى الحجاج في السفن، فركب في سفينة مع الركاب، وتفرد قنبر في سفينة خفيفة، فطوى الفرزدق وسبقه إلى واسط، فقال الفرزدق هذا البيت. والبيت يدل على أن القيسي كان قاصداً إلى واسط. وقوله: (طفَتْ عَلماء) يريد أن قنبراً بصير بالركوب في السفن، يريد أنه ليس بعربي نشأ في البادية، إنما نشأ مع الملاحين وكان يسبح قبل أن يُختن، فلذلك قال: طفَتْ عَلماءٍ قُلفَة قنْبر. وفي شعره: (لكنْ طفت في الماء) وليس في هذه الرواية شاهد. (أُفعول) في الاسم والصفة قال سيبويه في الأبنية، قال أبو السَّكْب المازني: (إني أرِقْتُ على المِطلي وأشأزني ... برقُ يضيءُ أمامَ البيت أُسكوبُ) المِطلي موضع بعينه، والواحد من المطالي: مِطلاء، ويجوز أن يكون قَصَر المِطلاء. وأشأزني: أقلقني، والأُسكوبُ الذي إذا برق امتد إلى جهة الأرض.

قوله (مؤرنب) على الأصل - والوجه (مرنب)

قوله (مؤرنَب) على الأصل - والوجه (مُرنَب) قال سيبويه قالت ليلى الأخليلية: فلما أحسّا رِزّها وتضوّعا ... وآبتهُما من ذلك المتأوَّبِ (تدلتْ إلى حُصِّ الرؤوس كأنها ... كُراتُ غلامٍ من كساءٍ مؤرنَبِ) وصف قطاة وفراخها، والرِز: الصوت: والتضوع: التحرك، وآبتها: رجعت إليها، إلى الفرخين من الموضع الذي شربت منه الماء، والمتأوَّب: مصدر تأوبت، وليس بمصدر آبت، ولو أتى بمصدر آبت لقال: وآبتها من ذلك المآب، ولكنها أتت بمصدر في معنى المصدر من الفعل المتقدم وهذا كقوله عز وجل: (وتبتل إليه تبتيلا). تريد أن الفرخين تحركا لما سمعا صوت جناحيها، والحُص: التي لا ريش عليها. وشبهت الفراخ بكرات، وهي جمع كرة معمولة من كساء مشبه بجلد الأرنب. قوله (يحامم) دون إشباع - ضرورة قال سيبويه في الإدغام قال أبو الأسود الدؤلي: وكنتَ متى لا ترْعَ سرَّكَ تنتشِرْ ... فوارعُه من مخطئٍ ومصيبِ

(فما كلُّ نصحٍ بمؤتيك نصحَه ... وما كلُّ مؤتٍ نصحَه بلبيبِ) فوارعه: أعاليه. يقول: إن لم تحفظ أنت سرك، وألقيته إلى من لا يحفظه، انتشر وأدى إلى ضررك، فاختر لسرك رجلاً يجمع العقل والنصح لك. قال سيبويه في الإدغام قال صقر بن حكيم بن مُعَيَّة ويروى لغَيْلان بن حُريث: لم يبق منها غيرُ نؤْيٍ طاسمِ (وغيرُ سُفعٍ مُثلٍ يَحلمِمِ) وغيرُ ثاو في الدِيارِ قائمِ الشاهد فيه على أنه لم يشبع حركة الميم الأولى من (يحامم) والإدغام فيها غير ممكن، فاختلس الحركة اختلاساً. والنؤي: الحاجز من التراب يُجعل حول البيت لئلا يدخله السيل والمياه، والطاسم: الدارس، والسُّفع: الأثافيّ الواحدة سَفعاء، سفعتها النار: سودتها، والمُثل: جمع ماثل وماثلة وهو المنتصب. ويقال في الماثل هو اللاطئ بالأرض، وهو من الأضداد، ويحامم: جمع يَحموم

وهوالأسود، وكان ينبغي أن يقول (يَحاميم) ولكنه اضطر إلى حذف الياء. والثاوي: الوتد. ثوى في الدار: أقام بها بعد ارتحال أهلها عنها. وصف دياراً خلت من أهلها وبقيت آثارهم فيها، نحو: الإناء والأثافي والأوتاد. قال سيبويه في الإدغام قال صقر بن حكيم: أحينَ لاحَ الشيبُ من عَمائمي وحينَ وفيْتُ بقولِ الزاعمِ ستينَ أو كنتُ بقولِ العالِمِ وامتاحَ مني حَلباتِ الهاجمِ شأو مُدِلٍّ سابقِ اللهامِمِ جاري الرَّقاقِ واثبِ الجراثمِ الشاهد فيه أنه أخفى حركة الميم من (اللهامم). والحلبات: جمع حلبة، والهاجم: الحالب، والشأو: السَّبْق، والشأو: الطلق، واللهامم: جمع لهموم وهو الغزير، وهومن وصف النوق بالغزْر يقال: ناقة لُهموم، وأراد به أنه غزير في الجري والمسابقة لا يُدرَك ما عنده.

شبه نفسه مع الذين يفاخرونه ويطاولونه بخيل في رهان قد سبقها هو وبرّز عليها. وقوله: (أو كنت) يريد: أو كنت مقارباً للستين، فحذف خبر كان. وامتاح وماح: أخذ مني، جعل ما أخرجه من الجري بمنزلة امتياح الماء وغيره مما يستخرج. وفي الكتاب (حلباتِ) بالنصب و (شأو) بالرفع. وفي شعره (حلباتُ) مرفوعة و (شأو) منصوب. وهو أجود والمعنى عليه، كأنه قال: وأخذتْ حلباتُ الحالب مني شأو مُذكٍّ. يعني أنها استخرجت منه المسابقةَ والفضل في القدم، وفي الكتاب (مدلّ) بلام ودال غير معجمة، وفي شعره (بذال معجمة وكاف) وهو أحب إليّ، والمُذَكّي من الخيل: الذي علت سنه، وجريه أجود من جري الجِذاع والثنِيّ والرُّبَع.

إدغام اللام في التاء - للتخفيف

قال سيبويه قال الشاعر غيْلان بن حُريث: (إني بما قد كلفتني عشيرتي ... من الذَّبِّ عن أحسابها لحقيقُ) الشاهد فيه أنه اختلس حركة الباء التي في (بما) ولم يمكنه أن يدغم الباء في الميم لأنه كان يجتمع ساكنان في حشو الشعر وهذا لا يجوز، ولو كان في غير البيت لجاز أن يدغم، لأن الساكن الذي قبل الباء حرف من حروف المد واللين، يجوز أن يقع بعده الساكن المدغم. والذب: الدفع والمنع. يقول: أنا حقيق بأن تجعلني عشيرتي ذاباً عن أحسابها، ودافعاً عنها مَن ذمها أو هجاها أو عابها، لأني أقوم بما جعلته أولاً ولا أعجز عن نصرها والمحافظة على حسبها ومجدها. إدغام اللام في التاء - للتخفيف قال الشاعر: (فذَرْ ذا ولكنْ هتعين متيّماً ... على ضوء برقٍ آخرَ الليل ناصبِ) الشاهد فيه على إدغامه اللام من (هل) في التاء من (تعين). والرق الناصب: الذي يُرى من بعد، والمتيم: الذي تيمه الهوى،

استعبده. (فذر ذا) يريد ذر ذا الحديث والأمرَ الذي ذكره، ولكن هل تعين متيماً. والمتيم: يعني به المتكلمُ نفسَه، ومعونته له أن يسهر معه أو يحادثه ويسليه، ليخفَّ ما يجده من الوجد بمن يهواه. لأن ذلك البرق لمع من الجهة التي فيها من يحبه فذكره وأرِق، هاج حزنه. آخر ما خرج من هذا التفسير، والحمد لله حمد الشاكرين، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله الطاهرين، وسلم تسليماً كثيراً.

§1/1