شرحا أبي العلاء والخطيب التبريزي على ديوان أبي تمام دراسة نحوية صرفية

إيهاب سلامة

جامعة القاهرة كلية دار العلوم قسم النحو والصرف والعروض شرحا أبي العلاء والخطيب التبريزي على ديوان أبي تمام دراسة نحوية صرفية رسالة لنيل درجة الماجستير إعداد الطالب / إيهاب عبد الحميد عبد الصادق سلامة تحت إشراف الأستاذ الدكتور / محمد جمال صقر أستاذ النحو والصرف والعروض المساعد

المقدمة

المقدمة الحمد لله وحده لاشريك له، حمدًا توجبه سوابغ نعمه، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد: فقد شُغِف الباحث بالنحو حبا منذ فترة طويلة، وتمنى أن يكون له إسهام في دراساته ولو بقدر بسيط، وتعَمَّق هذا الحب خلال سنوات الدراسة. وفي السنة التمهيدية أضاف أستاذنا د. محمد الطويل إلى هذا الحب حبًا آخر، هو حب البحث عن مناهج العلماء، فقد أشار في محاضراته إلى قلة الدراسات في هذا الجانب، وإلى إغفال الدارسين له؛ فعقد الباحث العزم أن يكون موضوعه جامعا بين جانبين: جانب الدراسة النحوية، وجانب الحديث عن المنهج. وزاد من تحمس الباحث لهذا العزم والجمع بين الدراسة النحوية والحديث عن المنهج عدة أمور: ـ الأول: ما قرأه الباحث لشيخنا الجليل محمود محمد شاكر في كتابه ((رسالة في الطريق إلى ثقافتنا)) من لوم وتقريع شديدين للباحث الذي لم ((يجد من وقته ساعات للتأمل والأناة والصبر للبحث عن هذا المنهج الغريب غير المألوف الذي وجده أمامه مطبقا في كتاب كامل (يقصد كتابه المتنبي) وأحس به كل منهم إحساسا خفيا دعاه إلى المعارضة أو الثناء. وهذا خذلان كبير غفر الله لنا ولهم وتجاوز عن سيئاتنا وسيئاتهم)) (¬1). فكان هذا اللوم والتقريع لافتين انتباه الباحث لأهمية البحث عن مناهج العلماء، خاصة إذا علمنا أنه ليس من وكد العالم ((أن يبدأ أول كل شيء فيُفيض في شرح منهجه في القراءة والكتابة = وإلا يفعل، كان مقصرا تقصيرا لا يُقبل منه بل يرد عليه = ثم يكتب بعد ذلك ما يكتب ليقول للناس: هذا هو منهجي، وها أنذا قد طبقته. هذا سخف مريض غير معقول، بل عكسه هو الصحيح المعقول)) (¬2). ¬

(¬1) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا: ص 17، مكتبة الأسرة 1997م (¬2) السابق: 20

ـ الثاني: ما أبانه علماؤنا من أن ((الكشف عن المناهج لدى مفكري الإسلام يعتبر بالإضافة إلى قيمته التاريخية أفضل مدخل للتراث الإسلامي في جملته؛ فهو الذي يوضح الخطوات القياسية أو الاستقرائية التي اتبعها المفكرون والعلماء المسلمون في مختلف أوجه النشاط التي مارسوها سواء كانت نظرية أم تجريبية)) (¬1). ـ الثالث: أن هناك علاقة بين أقوال العلماء ومناهجهم، فـ ((في نظم كل كلام وفي ألفاظه، ولابد، أثر ظاهر أو وسم خفي من نفس قائله، وما تنطوي عليه من دفين العواطف والنوازع والأهواء من خير وشر أو صدق وكذب = ومن عقل قائله، وما يكمن فيه من جنين الفكر، من نظر دقيق، ومعان جلية أو خفية، وبراعة صادقة، ومهارة مموهة، ومقاصد مرضية أو مستكرهة)) (¬2). وكانت الخطوة التالية: مَن من العلماء يمكن أن يختاره الباحث لدراسة أقواله النحوية ومنهجه؟ وكان شغف د. الطويل بأبي العلاء دافعا آخر لاختياره للدراسة، وزاد من اقتناع الباحث بهذا الاختيار ((قلة الإشارة إلى جهده في الدرس اللغوي فيما كتب عنه هنا وهناك)) (¬3) على الرغم من أن حظ أبي العلاء من الدراسة عظيما؛ فأثار ما أثار من جدل ومناقشة في الشرق والغرب، وأخذ العلماء والباحثون ـ منذ القدم وحتى اليوم ـ في الكتابة فيه وعنه. وكان من قدر الله أن اطلع الباحث على مقال بمجلة فصول بعنوان ((خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام)) للأستاذ الهادي الجطلاوي، فعلم الباحث أن الديوان له شروح كثيرة جمعها التبريزي في شرح واحد منها شرح لأبي العلاء؛ فعزم الباحث على اختيار هذا الشرح ليكون منطلقا لدراسة أقوال أبي العلاء النحوية ودراسة منهجه. ¬

(¬1) د. حامد طاهر: الفلسفة الإسلامية مدخل وقضايا، ص 37، دار الثقافة العربية (¬2) محمود محمد شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا: 15 (¬3) د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء، ص 5

ولكن الباحث وجد أن أقوال أبي العلاء متداخلة مع أقوال التبريزي، ولم يكن هناك تمايز واضح تماما بين كلام كل منهما بالرغم ما قام به محقق الديوان من جهد مشكور لإبانة هذا التمايز؛ فقرر الباحث أن يضم شرح التبريزي إلى شرح أبي العلاء في هذه الدراسة. وقد يتبادر إلى الذهن أنه قد يكون شرح التبريزي مخالفا في أقواله ومنهجه لشرح أبي العلاء وهذا أمر غير صحيح، لأن التبريزي ـ كما عرف عنه ـ كان ناقلا وملخصا لشروح السابقين، وهو ((خير من يمثل هذا الأسلوب)) (¬1). وقد عرف بين العلماء بأنه ((إمام المنهج الانتخابي التهذيبي التكميلي)) (¬2). ولكن هذا طبعا لا ينفي عنه إمامته في اللغة والنحو. ومما يسوغ هذا الضم أيضا وطمأن الباحث إلى أن أقوال ومنهج كلا الرجلين متشابهة إلى حد كبير ما ثبت أن التبريزي تَلْمَذَ لأبي العلاء، وكان أبو العلاء بمثابة الأستاذ له. وعلى ما سبق فقد جاءت الرسالة في بابين رئيسيين، يسبقهما تمهيد وتتبعهما خاتمة. أما التمهيد فيشمل مقدمة عن الديوان وقيمته، وتراجم أبي تمام وأبي العلاء والتبريزي. والباب الأول: الدراسة النحوية والصرفية لشرح أبي العلاء والتبريزي، والباب الثاني: دراسة منهج أبي العلاء والتبريزي في شرحهما. والخاتمة تلخص أهم النتائج. ويحب الباحث أن ينوه بأمرين: ¬

(¬1) د. سليمان الشطي: المعلقات وعيون العصور، ص 71، سلسلة عالم المعرفة، ع 380 سبتمبر 2011، الكويت (¬2) د. أحمد جمال العمري: شروح الشعر الجاهلي الجزء الثاني: مناهج الشراح،271، دار المعارف ط1، 1981م

الأول: إن الكلام عن المنهج، أومناهج علماء اللغة لا يستأثر به باحث في مجال لغوي معين عن باحث آخر، فالمتخصص في الدراسات النحوية ليس بأولى بالكتابة في هذا الموضوع من المتخصص في الدراسات البلاغية أوالمتخصص في اللغة، أوالعكس، بل هو ـ كما يعتقد الباحث ـ متاح للجميع بلا تثريب. كما أن الدعوى برفض الدراسات البينية، والاقتصار على الدراسات المتخصصة أمر يجده الباحث فيه نوع تعنت، وإغلاق لأبواب اجتهاد جديدة، فالأمر فيه سعة. ولم نجد عند علمائنا الأقدمين هذا الفصل الحاد بين علوم اللسان العربي، فـ ((كتاب)) سيبويه مثلا ساهم في الدراسات الأدبية إسهاما ملحوظا، ((ويكفي دلالة على دوره في تنمية البحث الفني في لغة الأدب رجوع عبد القاهر الجرجاني إلى الأصول التي سنها سيبويه، والأمثلة التي أوردها في كثير من قضايا اللغة الأدبية، نضيف إلى ذلك مؤلفات لغوية أخرى مثل الخصائص لابن جني والصاحبي لابن فارس وفقه اللغة للثعالبي، كما نضيف ذلك الفرع من الدراسات اللغوية حول القرآن (...) وبإمكاننا الزعم بأن الأفكار التي أثيرت في تلك البيئة من بيئات البحث كانت وراء كثير من الانتقالات في تاريخ البحث في لغة الأدب)) (¬1). كما نجد في كثير من كتب أصول الفقه ((بدءا من ((رسالة)) الشافعي ومرورا بأمهات كتب الأصول مثل ((المعتمد)) لأبي الحسين البصري، و ((المستصفى)) للغزالي، و ((المحصول)) للرازي وغيرها، [أنَّ] هذه المؤلفات تضم في ثناياها ـ بخاصة في مقدماتها ـ كثيرا من المباحث الدائرة حول اللغة في مختلف صور استخدامها، وحول كثير من مستويات بحثها، بخاصة ما يتصل بالصيغة والتركيب والدلالة)) (¬2). ¬

(¬1) د. عبد الحكيم راضي: النقد اللغوي في التراث العربي، ص 80، مقال بمجلة فصول ع تراثنا النقدي ج 2/ 1986م (¬2) السابق: 80

الثاني: الكتابة في المنهج عند أبي العلاء والتبريزي استلزمت تتبع بعض الأمور البعيدة بعض الشيء عن مجال النحو والصرف، وهذا أمر فرضه الحديث عن المنهج، ولا دخل للباحث فيه. منهج البحث: اعتمد الباحث على المنهج الوصفي الإحصائي التحليلي. - الدراسات السابقة: في جانب المنهج لم يقف الباحث على دراسة تتناول هذا الأمر إلا: 1ـ دراسة للدكتور أحمد جمال العمري، بعنوان: شروح الشعر الجاهلي: الجزء الثاني، مناهج الشراح، تناول فيه في بضع صفحات منهج التبريزي عامة في شروحه. 2ـ مقال بمجلة فصول، مجلة النقد الأدبي بعنوان: ((خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام))، للهادي الجطلاوي. أما الدراسات عن أبي العلاء التي تتناول جهده في الدرس اللغوي فهي قليلة، وما وقف الباحث عليه من هذه الدراسات هو: 1ـ فصل بعنوان: من ملامح الإبداع النحوي، عند أبي العلاء، في كتاب: مشكلات نحوية، د. محمد عبد المجيد الطويل. 2ـ الفكر اللغوي عند أبي العلاء المعري في ضوء علم اللغة الحديث، د. جمال محمد طلبة. 3ـ المسائل النحوية والصرفية في شرح أبي العلاء المعري على ديوان ابن أبي حصينة، رسالة ماجستير، للباحث هاني محمد عبد الرازق القزاز. أما التبريزي فلم أقف على أية دراسات عنه. والله أسأل أن أكون قد وفقت فيما تناولت وقدمت ، الباحث: إيهاب عبد الحميد عبد الصادق سلامة ****

التمهيد

التمهيد ويشمل أربعة مباحث: - المبحث الأول: نبذة عن شعر أبي تمام وديوانه وشراحه. - المبحث الثاني: ترجمة أبي تمام. - المبحث الثالث: ترجمة أبي العلاء. - المبحث الرابع: ترجمة التبريزي.

المبحث الأول: نبذة عن شعر أبي تمام وديوانه وشراحه

المبحث الأول: نبذة عن شعر أبي تمام وديوانه وشراحه أبوتمام عَلَمٌ من أعلام الشعر العربي؛ يُعَدُّ بحقٍ ((أستاذ الطبقة الثالثة من الشعراء الحضريين المولَّدين بعد بشار وأبي نواس)) (¬1). سُلِّمَتْ له الزعامة في عصره، ولم يزاحمه فيها أحد في عصره مزاحمة جدية، فقد انفرد بالزعامة ((حتى اعترف له خصومه بذلك)) (¬2). شغل النقاد والأدباء والشعراء واللغويين والبلاغيين، شغل كل الطوائف بشعره، فقد ((فاجأهم بما لم يتوقعوا؛ فبالغ في التعمق في المعاني، والغوص على الفكرة، وأكثر من صور البديع إلى درجة الإسراف، وتجنب عمود الشعر العربي الذي كان القدوة التي تقتدى بها، وخرج على قواعد اللغة العربية، ونحوها وصرفها؛ مما كان سببا في إهمال الكثير من شعره)) (¬3). وأبوتمام ـ بنهجه هذا ـ كان من الطائفة التي ((لا تسلك مسلك الشعراء قبلها)) (¬4)، بل كان من الطائفة التي ((تميل إلى التجديد في عصره)) (¬5)، والتي ((بعدت كثيرا عن الصياغة التي جرى الشعراء عليها في الجاهلية والإسلام)) (¬6). ¬

(¬1) الشعراء وإنشاد الشعر: على الجندي، ص 42 [دار المعارف]. (¬2) الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام: د. عبد الفتاح لاشين، ص 218، [دار المعارف] (¬3) الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام: د. عبد الفتاح لاشين، ص 3 (¬4) تاريخ النقد الأدبي عند العرب: طه أحمد إبراهيم، ص 98، [دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان]. (¬5) تاريخ النقد الأدبي عند العرب: طه أحمد إبراهيم، ص96 (¬6) انقسم الشعراء في عصر أبي تمام قسمين: قسم يحتذي القدماء، ولا يجدد إلا بمقدار ما يتلاءم مع الروح العربية؛ فظلوا على المنهج القديم، والصياغة القديمة، ومن هؤلاء: مروان ابن أبي حفصة، وأشجع السلمي، وعلي بن الجهم ... وقسم مال إلى التجديد، كبشار، وأبي نواس، ويعد أبوتمام وابن المعتز من الشعراء الذين بعدوا كثيرا عن الصياغة التي جرى الشعراء عليها في الجاهلية والإسلام. ينظر: تاريخ النقد الأدبي عند العرب: طه أحمد إبراهيم، ص97

وكان السبب في تلك النزعة التجديدية عند أبي تمام ما وجده في الشعراء قبله من جمود وثبات؛ فقد ((حبس الشعراء أنفسهم ـ قبله ـ في تفاصيل الصور والمعاني من وصف للدمن والأثافي والوحوش، ومحوالرياح للآثار (...) فضيقوا على أنفسهم حتى لم يعد أمامهم مجال للتجديد غير التجويد الفني؛ وحتى جاء شعرهم أدل على المهارة في الصياغة منه على أصالة الطبع والعمق في الإنسانية)) (¬1). وفي هذا ـ بلا شك ـ ما يفسر ((نزعة أبي تمام للتجديد في الصياغة، واتخاذه من البديع مذهبا، بما يجر إليه مذهب كهذا من التكلف والإحالة والإسراف والإغراب في المعاني المألوفة)) (¬2). وأبو تمام بصنعته تلك ملأ قلوب النقاد والأدباء، وشحن صدورهم بتساؤلات عديدة، ((وكان مذهبه ذلك مثارا لحركة أدبية نقدية كبيرة، وهكذا شأن الجديد في كل عصر، وفي كل علم وفن أن يثير الجدال، وأن يقسم الناس إلى معسكرين: معسكر ينصره، وآخر يخذله)) (¬3). وكان الزمخشري المتوفى سنة 537هـ ((يرى الاحتجاج بأقوال المولدين، والقياس عليها، مستشهدًا في تفسيره بأبيات لأبي تمام؛ لأنه ـ في رأيه ـ ممن يوثق بقوله. وقد تبعه في هذا الرأي العلامة الرضي فقد استشهد بشعر أبي تمام في عدة مواضع من شرحه لكافية ابن الحاجب، كما جرى على هذا المذهب الشهاب الخفاجي في شرح درة الغواص؛ فقد استشهد بشعر المتنبي. وقد روى عن الزمخشري لما سئل في هذا أنه قال: ((أجعل ما يقوله أبوتمام بمنزلة ما يرويه))، وهويشير بهذا القول إلى أن العلماء لا يترددون في الأخذ بما جاء في حماسة أبي تمام من أشعار، وهي رواية هذا الشاعر وحده، أو هو المسئول عن صحتها، فلماذا لا نجعل ما ينظمه من شعر ¬

(¬1) النقد المنهجي عند العرب ومنهج البحث في الأدب واللغة: د. محمد مندور، ص79، [مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007] (¬2) النقد المنهجي عند العرب ومنهج البحث في الأدب واللغة: د. محمد مندور، ص80 (¬3) الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام: د. عبد الفتاح لاشين، ص 41

على قدم المساواة مع ما يرويه في الحماسة، ولكن البَطْلَيَوْسِيُّ (¬1) يقف من هذا الرأي موقفًا معتدلا؛ فيرى أن البيت الذي سكت عنه علماء اللغة حين تناولوا شعره ولم ينكروه عليه، يلحق بما يصلح للاستشهاد به من كلام العرب)) (¬2). ولقد توافر على ديوان أبي تمام عدد من الشراح، حاولوا فض مغاليق شعره، وتوضيح معانيه، وهم: [1] أبوبكر الصُّوليّ (¬3)، وهومن أكثر الناس تعصبا لأبي تمام؛ ((فعد مذهبه قمة المذاهب الفنية، وسخر كل جهده للدفاع عن مذهبه))، وهوأقرب الشراح عهدًا بأبي تمام، وأول الذين وصلت إلينا شروحهم على ديوانه (¬4). [2] الآمِدِيّ (¬5). وهومتهم بالتعصب على أبي تمام، وكتابه الموازنة يشهد بذلك. [3] المَرْزُوقِيّ (¬6). ¬

(¬1) - هو: البطليوسي أبومحمد عبد الله بن محمد بن السَّيِّد، العَلاَّمَةُ، النَّحْوِيّ، اللُّغَوِيّ، صاحب التصانيف. أقرأ الآداب، وشَرَحَ ((المُوَطَّأ))، وَلَهُ كِتَاب ((الاقتضَاب فِي شرح أَدب الكُتَّاب))، وَكِتَاب ((الأَسبَاب الموجبَة لاخْتِلاَف الأَئِمَّة))، مَاتَ فِي رَجَب، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. [سير أعلام النبلاء: 19/ 533] (¬2) د. إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة، ص 13، [مكتبة الأنجلوالمصرية، ط7] (¬3) هو: محمد بن يحيي بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول تكين البغدادي الشطرنجي، ولد ببغداد، ونشأ بها، يقال إن مولده سنة 255هـ، وأما وفاته فقيل: إنها سنة 335هـ، له تآليف كثيرة طبع منها كتاب: ((أدب الكاتب)) و ((الأوراق))،و ((أخبار أبي تمام)). وقد جمع دواوين عدة شعراء، كان السابق فيها إلى الترتيب على الحرف، ومن بين هذه الدواوين ديوان أبي تمام. (ينظر: ديوان أبي تمام بشرح التبريزي 1/ 18، الأغاني 10/ 43، معجم الأدباء 19/ 109). (¬4) مقدمة ديوان أبي تمام: 1/ 18، والخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام: د. عبد الفتاح لاشين، ص 56 (¬5) هو: الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي، أبوالقاسم (ت 370هـ). عالم بالأدب، راوية، من الكتاب، له شعر. أصله من آمد، ومولده ووفاته بالبصرة. من كتبه: ((المؤتلف والمختلف)) في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم، و ((الموازنة بين البحتري وأبي تمام)) و ((معاني شعر البحتري)) .. ، وكانت وفاته سنة 370هـ، [ينظر: انباه الرواة على أنباه النحاة: 1/ 320] (¬6) هو: أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي أبوعلي النحوي، أحد علماء اللغة في وقته في الأدب والنحو، من أهل أصبهان، أحد أئمة اللسان، كان غاية في الذكاء والفطنة، حسن التصنيف، وإقامة الحجج، وتصانيفه لا مزيد عليها في الجودة. مات في ذي الحجة سنة 421هـ، وكان قد قرأ سيبويه على أبي علي الفارسيّ وتتلمذ له، بعد أن كان رأسًا بنفسه، وله من الكتب: كتاب شرح الحماسة، وشرح المفضليات، وشرح الفصيح، وشرح أشعار هُذَيل، وكتاب الأزمنة. قال الصاحب بن عبّاد: فاز بالعلم من أصبهان ثلاثة: حائك وحلاّج وإسكاف: فالحائك هوالمرزوقي والحلاج أبومنصور بن ماشذه والإسكاف أبوعبد الله الخطيب بالرّيّ صاحب التصانيف. من تصانيفه: ((شرح الحماسة))، وهوالغاية في بابه و ((شرح الفصيح)) و ((مفردات متعددة في النحو))، ينظر: [انباه الرواه: 1/ 106، لجمال الدين أبي الحسن على ابن يوسف القفطي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم] و [بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: 1/ 365]، و [معجم الأدباء: ياقوت الحموي، 2/ 189].

[4] الخَارَزَنْجِي (¬1). [5] أبوالعلاء (¬2). ثم جاء التبريزي (ت512هـ) وقد قرأ ديوان أبي تمام علي يد ((الشيخ أبي القاسم الفضل بن محمد القصباني، الذي قرأه على عبد الكريم السكري، عن الآمدي، عن السجستاني، عن أبي سعيد السكري، عن أبي تمام؛ فروايته إذن تنتهي إلى ¬

(¬1) هوأحمد بن محمد الخارزنجي البُشْتِيّ، أبوحامد: أديب خراسان في عصره. ذكره الحافظ أبوعبد الله بن البيع في تاريخ نيسابور، فقال: ((إمام أهل الأدب بخراسان في عصره بلا مدافعه، ولما حج بعد الثلاثين والثلاثمائة شهد له أبوعمر الزاهد ومشايخ العراق بالتقدمة))، توفي (348هـ = 959م) من كتبه ((تكملة كتاب العين)) و ((شرح أبيات أدب الكاتب)) نسبته إلى بشت من نواحي نيسابور، ومثلها خارزنج. ترجم له صاحب البغية فقال: ... قال ابن السمعاني: إمام أهل الأدب بخراسان بلا مدافعة. [ينظر بغية الوعاة: 1/ 388، وانباه الرواه: 1/ 107، ومقدمة ديوان أبي تمام: 1/ 24]. وأهمية شرح الخارزنجي أنه يعتبر من شروح أبي تمام المتقدمة، فضلا عن أن الخارزنجي عالم فاضل، مشهود له بالعلم والدراية. (¬2) سنفرد له وللتبريزي ترجمتين خاصتين في المباحث التالي.

أبي سعيد السكري عن أبي تمام، وهذه أسانيد كلها موثوق بها)) (¬1)، ثم قام التبريزي بجمع شروح الديوان في شرح واحد، فكان يشرح البيت، وإذا نقل شرحا من شروح العلماء السابقين كان يضع قبل الشرح رمزا خاصا لمن نقل عنه: [ع] لأبي العلاء، [ص] للصولي، [ق] للمرزوقي، [خ] للخارزنجي (¬2). وقد اختار الباحث شرحي أبي العلاء والتبريزي لدراسته لسببين: • الأول: أن شرحي أبي العلاء والتبريزي هما أغزر الشروح مادة علمية وأكثرها (¬3). • الثاني: تداخل أقوال التبريزي مع أقوال أبي العلاء، فقد عرف عنه أنه كان ناقلا عن غيره (¬4). ¬

(¬1) ينظر مقدمة المحقق على ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 27، 28]، والفضل بن محمد بن علي القصباني البصري، (ت 444 هـ =1052 م): عالم باللغة والأدب، من أهل البصرة، ضرير، له كتاب في ((النحو)) و ((حواشي الصحاح)) و ((الآمالي)) [بغية الوعاة: 2/ 246]، وأبوحاتم السجستاني سهل بن محمد بن عثمان، الإمام العلامة، البصري، المقرئ، النحوي، اللغوي، صاحب التصانيف. [سير أعلام النبلاء، 12/ 268ـ 269] (¬2) نحب أن نشير هنا أن الباحث اعتمد في بحثه على نسخة ديوان أبي تمام التي طبعتها ((دار المعارف)) والتي خرجت في أربعة مجلدات: المجلد الأول في طبعته الخامسة (بدون تاريخ)، المجلد الثاني في طبعته الخامسة (ط 2006).،المجلد الثالث في طبعته الرابعة (بدون تاريخ)، المجلد الرابع في طبعته الأولى (بدون تاريخ). (¬3) بلغ عدد الأبيات التي شرحها أبوالعلاء: 830، والصولي: 521، والمرزوقي: 279، والخارزنجي: 191، [ينظر هذا الإحصاء بمجلة فصول، مجلة النقد الأدبي ((العنوان: تراثنا النقدي الجزء الأول مقال: خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام))، للهادي الجطلاوي 1/ 137] (¬4) قام المحقق د. محمد عبده عزام بدور كبير ومشكور في تحقيق الكتاب وتنظيمه ومقابلة مخطوطاته؛ مما يسر لي كثيرا من مسائل البحث.

المبحث الثاني: ترجمة أبي تمام

المبحث الثاني: ترجمة أبي تمام (1) اسمه ولقبه ومولده: هو حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس الطائي، من حوران، من قرية جاسم (¬1)، وفي الأغاني: ((من نفس طيئ صليبة، مولده ومنشؤه منبج، بقرية منها يقال لها جاسم)) (¬2). ولد أبوتمام في سنة 188هـ، أو190هـ، في أيام الرشيد، ((وكان أولا حدثا يسقي الماء بمصر (¬3)، ثم جالس الأدباء، وأخذ عنهم، وكان يتوقد ذكاء، وسحَّت قريحته بالنظم البديع)) (¬4). أسلم وكان نصرانيا، مدح الخلفاء والكبراء، وكان أسمر طوالا، فصيحا، عذب العبارة مع تمتة قليلة، يوصف بطيب الأخلاق، والظرف والسماحة. وكان ابن وهب قد اعتنى بأبي تمام، وولاه بريد الموصل، فأقام بها أكثر من سنة. وأبوتمام ((يعد رأس الطبقة الثالثة من الشعراء المحدثين)) (¬5). ومن الألقاب التي أطلقت عليه ((الطائي الكبير)) (¬6)، ((المُوَلَّد)) (¬7). (2) مكانته وشعره: ¬

(¬1) سير أعلام النبلاء: الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي [11/ 63 ـ64]، (تحقيق شعيب الأرنؤوط، وصالح السمر ـ مؤسسة الرسالة، ط1 1982). (¬2) الأغاني: لأبي الفرج الأصفهاني [16/ 383]، (تحقيق: مصطفى السقا، 1961، دار الكتب) (¬3) رد الأستاذ مصطفى صادق الرافعي هذا الخبر، وقرر أن الشاعر العظيم لم ينشأ بمصر، وأنه ولد وتأدب في الشام، ثم قدم إلى مصر (210هـ) شاعرًا ناشئا يتكسب بأدبه؛ فأقام بها بين خمس سنين وست، وخرج منها في سنة 215هـ أوحواليها. (وحي القلم: [3/ 342، 343، 346]، مكتبة الأسرة 2003). (¬4) سير أعلام النبلاء: [11/ 64]. (¬5) قصص العرب: محمد أحمد جاد المولى وآخرون [1/ 408]، (سلسة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة رقم 176، 2009). (¬6) الخصائص: لأبي الفتح عثمان بن جني [1/ 15 الهامش 2] (تحقيق محمد علي النجار، سلسة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، رقم 146، 2006)، والبحتري هوالطائي الصغير. (¬7) الخصائص: [2/ 480]، وكفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب: ضياء الدين بن الأثير، ص 113، (تحقيق د. النبوي عبد الواحد شعلان، ط 1، الزهراء للإعلام العربي، 1994).

يعد أبوتمام رأس الطبقة الثالثة من الشعراء المحدثين، وإليه انتهت معاني المتقدمين والمتأخرين، فهو ((شاعر مطبوع، لطيف الفطنة، دقيق المعاني، غواص على ما يستصعب منها، ويعسر متناوله على غيره)) (¬1)؛ فـ ((شعره في الذروة)) (¬2). وكان أبوتمام ((كثير الاختراع والتوليد عند جمهور من علماء الشعر خلافا للقاسم ابن مَهْرُويه)) (¬3)، ((لاقطا للمعاني الجميلة)) (¬4). وقد فضَّلَ أبا تمام من الرؤساء والكبراء والشعراء من لا يشق الطاعنون عليه غباره، ولا يدركون ـ وإن جدوا ـ آثاره، وما رأى الناس بعده ـ إلى حيث انتهوا ـ نظيرا ولا شكلا (¬5). واحتج بشعره بعض أئمة النحو واللغة، قال ابن جني: ((... ولا يستنكر ذكر هذا الرجل (أبي تمام) ــ وإن كان مولدًا ــ في أثناء ما نحن عليه من هذا الموضع وغموضه، ولطف متسربه؛ فإن المعاني يتناهبها المتقدمون. وقد كان أبوالعباس (¬6) ـ وهوكثير التعقب لجلة الناس ـ احتج بشيء من شعر حبيب بن أوس الطائي في كتابه الاشتقاق؛ لما كان غرضه فيه معناه دون لفظه، فأنشد فيه له: لَورَأَينا التَّوكيدَ خُطَّةَ عَجزٍ ... ما شَفَعنا الأَذانَ بِالتَّثويبِ [بحر الخفيف] وإياك والحنبلية؛ فإنها خلق ذميم، ومطعم على علاته وخيم)) (¬7). ¬

(¬1) الأغاني: [16/ 383]. (¬2) سير أعلام النبلاء: [11/ 64]. (¬3) كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب: 131 ــ132. (¬4) أورد صاحب الأغاني قوله: ((مر أبوتمام بمخنث يقول لآخر: جئتك أمس، فاحتجبت عني، فقال له: السماء إذا احتجبت بالغيم رجي خيرها؛ فتبينت في وجه أبي تمام أنه قد أخذ المعنى ليضمنه في شعره؛ فما لبثنا إلا أياما حتى أنشدت قوله: ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا ... إن السماء ترجى حين تحتجب)) [16/ 693]. (¬5) الأغاني: [16/ 384]. (¬6) يريد المبرد محمد بن يزيد، الإمام في اللغة والنحووالأخبار، وكانت وفاته سنة 285هـ. (¬7) الخصائص: [1/ 24].

وقد كان البحتري يرفع من شأن أبي تمام، ويقدمه على نفسه ويقول: ((ما أكلت الخبز إلا به، وإني تابع له)) (¬1). وكان الصولي من المتيمين بأبي تمام؛ فقال فيه: ((كان واحد عصره في ديباجة لفظه، وفصاحة شعره)) (¬2). وقال: ((إن أبا تمام أشعر أهل زمانه)) (¬3). وقال: ((إن أبا تمام اخترم، وما استمتع بخاطره، ولا نزح ركي فكره، حتى انقطع رشاء عمره)) (¬4). وقال له ذات مرة: ((يا أبا تمام، أمراء الكلام رعية لإحسانك)) (¬5). وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الشاعر الأموي المشهور بعد استماعه لقصيدة لأبي تمام: ((كمل والله، لئن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني، واطراد المراد، واتساق الكلام، فإن صاحبكم هذا أشعر الناس)) (¬6). وذكر كارل بروكلمان أن ((أبا الفرج الأصفهاني سماه أمير الشعراء، وأشاد أحمد زكي أبوشادي في كتابه: ((فوق العباب)) بقوة شاعريته، وأبدى أسفه لعدم بذل العناية الواجبة في الكشف عن نواحي عبقريته)) (¬7). وكان ابن خلدون يشير إلى أهمية شعر أبي تمام لمن يروم تعلم اللسان العربي (¬8). وثار جدل في أمره وأمر المتنبي أيهما أشعر، فـ ((الأذكياء على أن المتنبي أشعر، والشيخ أثير الدين مذهبه أن أبا تمام أشعر؛ فلوعُمِّر عمر المتنبي، وتأخر زمانه حتي يرى أقوال من تقدمه كان أشعر من المتنبي؛ لأن المتنبي تقدمه فحول ¬

(¬1) سير أعلام النبلاء: [11/ 65]. (¬2) سير أعلام النبلاء: [11/ 68]. (¬3) الأغاني: [16/ 384]. (¬4) الأغاني: [16/ 384]. (¬5) الأغاني: [16/ 384]. (¬6) الأغاني: [16/ 385]. (¬7) تاريخ الآداب العربية: [2/ 73 ـ 74]، (ترجمة د. عبد الحليم النجار، دار المعارف). (¬8) المقدمة: لعبد الرحمن بن خلدون [3/ 1169]، (تحقيق د. علي عبد الواحد وافي، مكتبة الأسرة 2006)

(3) مذهبه في الشعر

الشعراء، مثل: أبي تمام، والبحتري، وابن الرومي، وابن المعتز، وأمثالهم؛ فأخذ محاسنهم، ورأى أنموذج جيدهم؛ فنسج على ذلك المنوال)) (¬1). (3) مذهبه في الشعر: يقر كثير من الأدباء والشعراء أن أبا تمام كان صاحب ((مذهب)) في الشعر (¬2)، وأنه قد كانت له ((فلسفة حسنة، ومذهب ليس على مذاهب الشعراء)) (¬3)، قال ابن خلدون: ((وأول من أحكم الطريقة حبيب بن أوس والبحتري، فقد كانا مولعين بالصنعة، ويأتون منها بالعجب)) (¬4)، وتتمثل بعض جوانب هذا المذهب وتلك الصنعة في ((أن أبا تمام أخذ نفسه باستعمال البديع، وأكثر منه؛ فجاء بالنادر والمستكره، وهذا معلوم من مذاهبه في أشعاره)) (¬5). وأكثر أبوتمام من صور البديع إلى درجة الإسراف؛ ويروى أن يعقوب الكندي لما رأى كد أبي تمام ذهنه في تحلية شعره بالمعاني والبديع قال فيه: ((هذا رجل يموت قبل حينه؛ لأنه حمل على كيانه بالفكر)) (¬6). وأنكر الجرجاني في أسرار البلاغة، والمرزباني في الموشح على أبي تمام كثرة استعمال الغريب المصدود عنه من الكلمات وأسماء الأمكنة (¬7)، ونقل ((ابن قتيبة (في عيون الأخبار 2/ 165) أن أبا تمام هجا يوسف السراج المصري باستعمال الغريب ¬

(¬1) الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي [11/ 298]، (تحقيق إبراهيم شبوح، ط1 بيروت 2004 (¬2) الأغاني: [14/ 51]، (تحقيق: أحمد زكي صفوت)، وقال الأصفهاني أيضا: ((وله مذهب في المطابق، وهو كالسابق إليه جميع الشعراء، وإن كانوا قد فتحوه قبله، وقالوا القليل منه؛ فإن له فضل الإكثار فيه، والسلوك في جميع طرقه)) [16/ 383]. (¬3) ديوان أبي تمام: [1/ 157]، الهامش (وهذا قول الآمدي فيه). (¬4) المقدمة: [3/ 1174 ـ1175]. (¬5) ديوان أبي تمام: [2/ 90]، الهامش (والكلام هنا لابن المستوفي). (¬6) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [2/ 73]. (¬7) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [2/ 73].

(4) مؤلفاته

في غير موضعه، حتى إن زهيرا لونبش عنه المقابر لصرخ بالعويل والنحيب، وأن كلامه أقرب إلى تفسير بُقْرَاط الطبيب منه إلى الشعر؛ (...) وأبوتمام بلغ به نبو الذوق أن وصف حبيبته بصفات لم يجتمع أمثالها في موطن لولا صفات في كتاب الباه)) (¬1). ونرى أن ما اتُّهم به أبوتمام، وأخذه عليه النقاد من استعماله للبديع، واستعماله الغريب المصدود عنه من الكلمات والأسماء والأمكنة كان فيه الخير الكثير للغة؛ فقد اضطر الشارحون للديوان إلى تجنيد كل ثقافتهم، لا أقول اللغوية فقط بل الفقهية والفلسفية والتاريخية والجغرافية والصوتية والنباتية والبلاغية لشرح شعر أبي تمام؛ ففازت اللغة بشروح قيمة مفيدة وممتعة، والمتأمل في الشروح اللغوية للديوان يخرج بمادة صرفية ونحوية ودلالية قيمة. (4) مؤلفاته: حينما انتشرت نزعة التجديد في الشعر على عهد العباسيين؛ تغير ذوق الأدباء؛ فلم يعد أحد يطيق الصبر على قراءة القصائد الطوال، بل اكتفوا بتذوق القطع المختارة؛ فظهرت اختيارات كثيرة لتلبية هذه الرغبة، مرتبة على معاني الشعر، وأقدم هذه الاختيارات ما جمعه أبو تمام. واقتصر اختياره على شعراء الجاهلية وصدر الإسلام (¬2). وهذه الاختيارات ـ المعروفة الآن بكتاب الحماسة ـ هي ((السبب الأساسي في مجد أبي تمام وشهرته، حتى قال شارحه التبريزي: إن أبا تمام في حماسته أشعر منه في شعره)) (¬3). وجمع منافس أبي تمام البحتري (المتوفي 284هـ) مختارت سميت أيضا الحماسة ((ولم تنل حماسة البحتري هذه من الذيوع والنجاح ما نالته حماسة أبي تمام)) (¬4). ويذكر الذهبي أن له أيضا كتاب ((فحول الشعراء)) (¬5). ¬

(¬1) هذا الاقتباس بتخريجه نقلا عن كارل بروكلمان: [2/ 73]. (¬2) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [2/ 77]. (¬3) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [2/ 71 ـ 72]. (¬4) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [1/ 81]. (¬5) سير أعلام النبلاء: [11/ 68].

(5) وفاته

(5) وفاته: تشير بعض المصادر إلى أن أبا تمام مات وهولم يتجاوز الأربعين بعد (¬1)، ونقل الذهبي أنه قيل: عاش نيفا وأربعين سنة (¬2). ومات في ((جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وقال مخلد الموصلي: مات في المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وأما نفطوية وغيره: موته بسامراء في سنة ثمان وعشرين ومائتين)) (¬3). وأضاف بروكلمان: سنة 229هـ أو236هـ (¬4). ********* ¬

(¬1) تاريخ الآداب العربية: كارل بروكلمان، [2/ 73]. (¬2) سير أعلام النبلاء: [11/ 67]. (¬3) سير أعلام النبلاء: [11/ 67]. (¬4) تاريخ الآداب العربية: [2/ 72].

المبحث الثالث: ترجمة أبي العلاء.

المبحث الثالث: ترجمة أبي العلاء. (1) اسمه ومولده ومنشؤه: هو: ((الشيخ العلامة، شيخ الآداب، أبوالعلاء، أحمد بن عبد الله بن سليمان ثم التَّنُوخي (¬1)، المعري الأعمى، اللغوي، الشاعر، صاحب التصانيف السائرة)) (¬2). ولد بمعرة النعمان من أعمال حلب سنة ((ثلاث وستين وثلاثمائة)) (¬3). وبيت أبي العلاء من بني سليمان بن داود بن المطهر، سليل الساطع، ((وهوبيت علم وفضل ورياسة)) (¬4)، وفيهم يقول ابن العديم مؤرخ حلب: ((وأكثر قضاة المعرة وفضلائها وشعرائها وأدبائها من بني سليمان)) (¬5). في هذا البيت الكريم الماجد، ولد أبو العلاء، ومن تلك السلالة المعرقة في الفضل والعزة والعلم والأدب تلقى ميراثه. كان عجبا في الذكاء المفرط والحافظة، لا يكاد ينسى شيئا مما يمر بسمعه (¬6)، وقال الشعر في حداثته. ولما كبر أبوالعلاء، ووصل إلى سن الطلب، أخذ العربية عن قوم من بلده، كبني الكوثر، أو من يجري مجراهم من أصحاب ابن خالويه وطبقته، وقيد اللغة عن أصحاب ابن خالويه أيضا. وطمحت نفسه إلى الاستكثار من ذلك؛ فرحل إلى ¬

(¬1) تنوخ قبيلة عربية، يتصل نسبها بيعرب بن قحطان جد العرب العاربة، ويشهد المؤرخون لتنوخ بأنها كانت من أكثر العرب مناقب وحسبا. ينظر: أبوالعلاء المعري: د. عائشة عبد الرحمن، ص 8 (سلسلة أعلام العرب، رقم 38). (¬2) سير أعلام النبلاء: [18/ 23 ـ 24]. (¬3) 973م ينظر: سير أعلام النبلاء:18/ 24، معجم الأدباء أوإرشاد الأريب لمعرفة الأديب: ياقوت الحموي [1/ 397] (ط1، دار الكتب العلمية، 1991م)، إنباه الرواة على أنباه النحاة: جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي، [4/ 28 ـ 29 ـ 30] (تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، ط1، دار الفكر العربي، 1986). (¬4) الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي: [7/ 96]. (¬5) نقلا عن: أبوالعلاء المعري: د. عائشة عبد الرحمن: ص10 (¬6) إنباه الرواة على أنباه النحاة: [1/ 87]، الوافي بالوفيات: [7/ 95].

(2) مكانته وفضله

طرابلس الشام، وكانت بها خزائن الكتب قد وقفها ذوواليسار من أهلها (¬1)، ثم رحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، أقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى بلده؛ فأقام ولزم منزله إلى أن مات (¬2). (2) مكانته وفضله: كان غزير الفضل، شائع الذكر، وافر العلم، غاية في الفهم، عالما باللغة، حاذقا بالنحو، جيد الشعر، جزل الكلام، شهرته تغني عن صفته، وفضله ينطق بسجيته (¬3)، قال الإمام الذهبي: ((ولو تكسب بالمديح؛ لحصَّلَ مالا ودنيا؛ فإن نظمه في الذروة، يعد مع المتنبي والبحتري)) (¬4). وقال الباخرزي [في دمية القصر]: ((أبوالعلاء ضرير ما له ضريب، ومكفوف في قميص الفضل ملفوف، ومحجوب خصمه الألد محجوج، قد طال في ظل الإسلام آناؤه، ولكن ربما رشح بالإلحاد إناؤه، وعندنا خبر بصره، والله العالم ببصيرته والمطلع على سريرته)) (¬5). ولما عاد إلى المعرة في سنة أربعمائة لازم منزله، وشرع في التصنيف، وأخذ عنه الناس، وسار إليه الطلبة من الآفاق (...) وكاتبه العلماء والوزراء والفضلاء، وأهل الأقدار، واختاروا عليه التصنيفات؛ ففعل، وكان نادرة زمانه (¬6). كان يملي تصانيفه على الطلبة من صدره، وقال فيه تلميذه التبريزي: ((أفضل من قرأت عليه أبوالعلاء)) (¬7). (3) ثقافته وعلمه: ¬

(¬1) إنباه الرواة على أنباه النحاة: [1/ 84]. (¬2) معجم الأدباء: [1/ 405]. (¬3) معجم الأدباء: [1/ 405]. (¬4) سير أعلام النبلاء: [18/ 25]. (¬5) نقلا عن سير أعلام النبلاء: [18/ 27]. (¬6) إنباه الرواة على أنباه النحاة: [1/ 86]. (¬7) سير أعلام النبلاء: [18/ 27ـ 33].

(أ) إجادته للغة

(أ) إجادته للغة: كان أبوالعلاء عالما باللغة حافظا لها، أخذ اللغة عن أبيه، وعن قوم من بلده، كبني الكوثر، أو من يجري مجراهم من أصحاب ابن خالويه وطبقته، وكان عنده من الطلبة من يطالع له التصانيف الأدبية، لغة وشعرا وغير ذلك (¬1)؛ وكان نتيجة كل هذا أن كان إليه ((المنتهى في حفظ اللغات)) (¬2)، قال عنه ياقوت: ((كان عالما باللغة، حاذقا بالنحو)) (¬3)، وقال صاحب الوافي بالوفيات: ((كان اطلاعه على اللغة وشواهدها أمرا باهرا)) (¬4). وأورد صاحب إنباه الرواه أن الخطيب التبريزي قرأ نسخة من كتاب ((إصلاح المنطق)) على أبي العلاء، وطالبه بسنده متصلا؛ فقال أبوالعلاء: ((إن أردت الدراية فخذ عني ولا تتعد، وإن قصدت الرواية فعليك بما عند غيري))، ويعلق صاحب الإنباه على هذا بقوله: ((وهذا القول من أبي العلاء يُشعر أنه قد وجد من نفسه قوة على تصحيح اللغة، كما وجدها ابن السكيت مصنف الإصلاح، وربما أحس من نفسه أوفر من ذلك؛ لأن ابن السكيت لم يصادف اللغة منقحة مؤلفة، قد تداولها العلماء قبله، وصنفوا فيها وأكثروا، كما وجدها أبوالعلاء في زمانه)) (¬5) وقد بلغ من مكانة أبي العلاء في اللغة أنه كان يصحح بعض الأخطاء التي وقع فيها بعض الأعلام؛ يروي صاحب ((التنبيه)) على الأمالي أن أبا على القالي أنشد: وَإِذا دَعَت قمريّةٌ شجنًا لها ... [بحر الكامل] فقال صاحب ((التنبيه)): ¬

(¬1) إنباه الرواة على أنباه النحاة: [1/ 87]. (¬2) سير أعلام النبلاء: [18/ 25]. (¬3) معجم الأدباء: [1/ 397]. (¬4) الوافي بالوفيات: [7/ 96]. (¬5) إنباه الرواة على أنباه النحاة: [1/ 104].

(ب) ثقافته الموسوعية

((.. وكذلك أنشده أبوتمام ـ رحمه الله ـ في اختياراته، وأخبرني غير واحد عن أبي العلاء ـ رحمه الله ـ أنه كان يرد هذه الرواية ويقول: إنها تصحيف وكان ينشده: وإذا دعت قمرية شجِبًا لها بكسر الجيم والباء بعدها؛ يعني: فرخها الهالك، وهوالهديل، وأخلق بهذا القول أن يكون صحيحا؛ والحق أحق أن يتبع)) (¬1). ومما ورد في نقده لكبار علماء اللغة نقده للخليل نفسه، حيث قال: ((وفي كتاب ((العين)) أن: ((النعمان)) الدم، وأن الشقائق مضافة إليه، وليس بشيء)) (¬2). (ب) ثقافته الموسوعية: إذا حاولنا أن نتتبع ثقافة أبي العلاء بشيء من الإجمال من خلال دراسة الباحث لشرحه على الديوان نفسه فإننا يمكن أن نقول: كان أبوالعلاء يعلم أي الأساليب النحوية والصيغ صرفية شائع في كلام العرب، وأيها غير شائع، وأي التعبيرات ورد في اللغة والشعر، وأيها لم يرد. وبالنسبة للألفاظ كان يعلم: • ما أصله عربي أوغير عربي. • المبتذل منها وغير المبتذل. • أيها أخذ منه فعل أم لا، وأيها نطق به أم لا. • المذكر منها والمؤنث وما يغلب عليه التذكير والتأنيث. • الفصيح من غير الفصيح. • الألفاظ المصاحبة لألفاظ معينة دون غيرها، أو المصاحبة لسياق معين دون غيره. ونضرب لذلك أمثلة: ¬

(¬1) التنبيه على أمالي أبي علي القالي: لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري، [ص87]، الجزء الثاني من الأمالي، (الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة،183). (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 264ب9].

[1] قوله: ((وأفصح الكلام أن يقال: أرتجَ البابَ، إذا أغلقه، وقد حكى: رَتَجَ، بغير همز؛ وإذا صح أنهم قالوا: رتَجَ؛ فمُرْتَتِجٌ منه؛ لأنهم قلما يستعملون في أفعَل مُفتَعِلا)) (¬1). [2] ونحوقوله: ((قال أبوالعلاء عند شرح أبي تمام: وَأَنَّ غَيرَكَ كانَ استَنزَلَ الكَذَجا [بحر البسيط] ؛أي استنزل أهل الكذج، وهذا على حذف المضاف وهوشائع في كلامهم كثير)) (¬2). [3] ونحوقوله: ((يقال: ظن أن سيكون، وظن بأن سيكون، وحذف الباء أكثر)) (¬3). [4] ونحوقوله: ((وأشبه الأمر بالطائي أن يريد بـ: (الحلائب) جمع حَلْبة من الخيل، جمعها على (فعائل)، كأن الواحدة حَلِيبة؛ إلا أن ذلك غير مشهور)) (¬4). [5] ((والخُبَّاث: جمع خابث، والمستعمل: خبيث)) (¬5). [6] ونحوقوله: ((.. تَسحبنَا: استطالتنا؛ كأنه من السَّحْب، والتَّسحُّب كلمة مبتذلة)) (¬6). [7] ونحوقوله: ((وبعض الناس يدعي أن أول من قال: (حَمِيَ الوطيس) النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وما أحسب هذا إلا وهمًا؛ لأن الوطيس قد كثر في الشعر القديم)) (¬7). [8] ونحوقوله: (((قرطستُ عشرا): مأخوذ من قرطس الرامي في الهدف إذا أصاب القرطاس، وهذه الكلمة كالمولدة، فأما القرطاس فقد تكلموا به قديما، ويقال إن أصله غير عربي)) (¬8). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 254]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 330]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 396]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 236]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 317]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 320]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 265]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 165].

[9] ونحوقوله: ((لا يوجد في الشعر القديم (إِمراته)؛ إلا أن القياس يطلق ذلك، وهذه اللفظة نادرة)) (¬1). [10] ونحوقوله: (((الفأل): قد استعمله مذكرا، وقد ادعى بعض الناس أنه مؤنث، والتذكير أشهر)) (¬2). [11] ونحوقوله: ((أكثر ما يستعمل في (الوقف) أحبسته فهومُحبَس، وقد حكى حبستُه، ولولم يقع له حبست في استعمال قديم لجاز على الاستعارة)) (¬3). [12] ونحوقوله: (((دلوث): مثل دلاث، وهي الجريئة على السير، وقلما يقولون في صفة الناقة دَلُوث، وإنما يقولون دلاث)) (¬4). [13] ونحوقوله: (((والسدس): جمع سَديس، ولا يستعمل ذلك في الخيل، ولكن في الإبل)) (¬5). [14] ونحوقوله: قال أبوتمام: لا يَطرُدُ الهَمَّ إِلّا الهَمُّ مِن رَجُلٍ ... مُقَلقِلٍ لِبَناتِ القَفرَةِ النُّعُبِ [بحر البسيط] ((الهم الأول ما يجده الرجل في صدره مما يوجب رحيله، والهم الثاني: الهمة، وأصلهما واحد، إلا أنهم استعملوا الأول فيما يكره، واستعملوا الثاني فيما يحمد)) (¬6). - كما كان أبو العلاء عالما بلهجات العرب واللغات المحيطة بهم: ويمكن أن نعطي أمثلة، فنقول: [1] قال أبوتمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 327]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 50]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 257]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 325]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 227]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 111]. وينظر أيضا المواطن التالية: [1/ 314]، [1/ 326]، [1/ 347]، [1/ 350]، [1/ 370]، [1/ 54]، [1/ 75]، [1/ 94]، [2/ 170]، [2/ 176]، [2/ 240]، [2/ 26]، [2/ 295]، [2/ 329]، [2/ 383]، [3/ 14]، [3/ 43]، [3/ 59]، [3/ 68]، [4/ 353].

عَطايا هِيَ الأَنواءُ إِلّا عَلامَةً ... دَعَت تِلكَ أَنواءً وَتِلكَ مَواهِبا [بحر الطويل] قال أبوالعلاء: ((بعض المتأدبين ينشد هذا البيت (دُعَت) على معنى: دُعِيَتْ؛ يذهب إلى أنها لغة طائية، وما يجب أن يكون الشاعر قال إلا دَعَت، بفتح الدال)) (¬1). [2] ونحوقوله: ((وسكن الهاء في (مهْراق) على لغة من قال أَهْرقتُ، ومن قال: هَرَقتُ يقول: مُهَرَاق)) (¬2). [3] ونحوقوله: (((وَلِعَ) ولَعًا، وهولغة في أُولِعَ والاختيار أُولِعَ)) (¬3). [4] ونحوقوله: قال أبوتمام: مِن عَهدِ إِسكَندَرٍ أَوقَبلَ ذَلِكَ قَد ... شابَت نَواصي اللَيالي وَهيَ لَم تَشِبِ [بحر البسيط] قال أبوالعلاء: ((وبعض الناس ينشد: (من عَهْد إسكندرا)؛ فيثبت في آخره ألفا، وذلك من كلام النبط (¬4)؛ لأنهم يزيدون الألف إذا نقلوا الاسم من كلام غيرهم؛ فيقولون: خمرا، يريدون الخمر، وعمرا يريدون عمرو)) (¬5). - كما كان ملما بثقافة تاريخية واسعة، سواء: ما تعلق منها بالسيرة النبوية (¬6)، أوأيام العرب (¬7)، أوغيرهما (¬8). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 143]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 131]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 244]. (¬4) قامت مملكة الأنباط في شمال الحجاز، وتنسب إلى شعب من شعوب العرب، ولقد اتخذ الأنباط اللغة الآرامية لغة للكتابة النبطية، والخط النبطي على هذا النحوخط آرامي (...) والخط النبطي قريب من الخط الكوفي القديم، الأمر الذي دعا كثيرًا من العلماء إلى القول بأن هذا الخط مشتق من النبطي. ينظر: تاريخ العرب قبل الإسلام: د. السيد عبد العزيز سالم، ص 157ـ158 [الهيئة العامة لقصور الثقافة، ذاكرة الكتابة ط2، 2000]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 49]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 201]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [2/ 277]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 10]، [2/ 263].

(4) رواية أبي العلاء للقراءات والحديث

- كان على علم بثقافة فقهية وكلامية، وما يتعلق بالفرق المختلفة، وما يتعلق بالفلك وغيره (¬1). - كان خبيرا بعادات العرب، وحياتهم (¬2)، وأمثالهم (¬3)، وطبيعتهم (¬4)، وحيواناتهم (¬5)، ونباتاتهم (¬6)، هذا بالإضافة إلى عادات غيرهم وقصصهم (¬7) , كما كان عالما بالأنساب (¬8)، وأسماء المواضع (¬9)، والحصون (¬10)، والقبائل (¬11). (4) رواية أبي العلاء للقراءات والحديث: نشير هنا إلى علاقة أبي العلاء بالقراءات القرآنية والحديث لارتباط ذلك ـ من بعض الجوانب ـ بالمنهج الذي سلكه أبوالعلاء في شرحه لديوان أبي تمام، وهنا نذكر أن الإمام الذهبي قال: ((قال السلفي: وفي الجملة فكان من أهل الفضل الوافر ـ أي: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 30]، [1/ 31]، [1/ 393]، [1/ 44]، [1/ 52]، [2/ 320]، [3/ 242] (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 106]، [1/ 257]، [1/ 96]، [2/ 237]، [2/ 310]، [2/ 313]، [2/ 315]، [2/ 457]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 391]، [2/ 333]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 162]، [2/ 370]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 402]، [2/ 323]، [2/ 349]، [2/ 433]، [3/ 28]، [3/ 84]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 313] [2/ 361]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 72]، [3/ 321]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 210]، [1/ 173]، [1/ 390]، [1/ 395]، [1/ 73]، [2/ 205]، [2/ 354]، [3/ 302]. (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 330]، [1/ 10]، [1/ 26]، [1/ 51]. (¬10) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 166]. (¬11) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 391].

أبو العلاء ـ، والأدب الباهر، والمعرفة بالنسب، وأيام العرب، قرأ القرآن بروايات، وسمع الحديث على ثقات)) (¬1) , وقال فيه أيضا: ((سمع جزءا من يحيى بن مسعر، رواه عن أبي عروبة الحراني)) (¬2). ومما يشهد لذلك أن أبا العلاء أشار إلى بعض القراءات أثناء شرحه إشارات توحي بمدى علمه بها، وتمكنه منها. ومثال ذلك قوله عند قول أبي تمام: ثانيهِ في كَبِدِ السَماءِ وَلَم يَكُن ... لاثنَينِ ثانٍ إِذ هُما في الغارِ [بحر الكامل] ((... ((لاِثنَينِ ثانٍ)): ردىء عند البصريين؛ لأنه جاء بالمنصوب في لفظ المخفوض، وذلك عند الفراء لغة للعرب، وإن رويت ((ثانِيَ)) بفتح الياء من غير تنوين فهوضرورة أيضا. وإن أثبت التنوين، وألقيت عليه حركة الهمزة في ((إِذْ)) ـ وهومذهب وَرْش في القراءة ـ فلا ضرورة فيه)) (¬3). وقال أيضا عند قول أبي تمام: قَمَرٌ تَبَسَّمَ عَن جُمانٍ نابِتٍ ... فَظَلِلتُ اَرمُقُهُ بِعَينِ الباهِتِ [بحر الكامل] ((... وقوله: ((باهت)) الأفصح عندهم بُهِتَ، وقد حكي ((بَهَتَ))، وقرأ بعضهم: {فبَهِتَ الذي كفر} (¬4))) (¬5). وأشارت بعض المصادر الأخرى إلى أن الخطيب التبريزي قد قرأ على أبي العلاء كتاب ((غريب الحديث)) سنة خمس وثمانين وثلاثمائة الذي قام بتهذيبه (¬6). وقد استشهد أبوالعلاء ببعض الأحاديث النبوية أثناء شرحه (¬7). ¬

(¬1) سير أعلام النبلاء: [18/ 33]. (¬2) سير أعلام النبلاء: [18/ 25]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 207ب45].] (¬4) جاء في معجم القراءات القرآنية عن هذه القراءة 1/ 198 هامش 1: ((نسبها في اللسان لأبي الحسن الأخفش)).د. أحمد مختار عمر، عبد العال سالم مكرم، ط2، مطبوعات جامعة الكويت (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [4/ 177]، ويُنْظَرُ أيضا: [3/ 344] (¬6) إنباه الرواه: [1/ 104]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 321]، [2/ 312]، واستشهد أبوالعلاء في بعض الأحيان بما نقل عن بعض التابعين، قال: ((وفي حديث الحسن البصري ـ رضي الله عنه ـ إن الله جعل الصومَ مضمارا لعباده)) (2/ 181).

(5) إلمام أبي العلاء بشعر أبي تمام

ونقصد من إثبات علاقة أبي العلاء بعلم الحديث والقراءات أن نوضح أن أبا العلاء قد تأثر بمنهج المحدثين وعلماء القراءات في توثيق الرواية عند شرحه لديوان أبي تمام، وهذا ما سنوضحه في الباب التالي، إن شاء الله. (5) إلمام أبي العلاء بشعر أبي تمام: المتأمل في شرح أبي العلاء لشعر أبي تمام يلحظ لأي مدى كان أبوالعلاء متمكنا من شعره، هذا التمكن الذي ظهر في أقوال لأبي العلاء، مثل: ((وهذا أشبه بمذهب الطائي من الوجه الذي تقدم ذكره)) (¬1)، وقوله: ((وهذا أشبه بمذهب الطائي من الوجه الأول)) (¬2)،وقوله: ((وهويشبه مذهب أبي تمام في الصنعة)) (¬3). وأبوالعلاء يعترف لأبي تمام بالتبحر في رواية الشعر، وهذا ما يظهر في ثنايا كلامه عنه أثناء شرحه يقول: ((... إلا أن المعروف من كلام العرب تأيَّيْتُ، ولم يجئ في أشعارهم أيَّيْت؛ ويجوز أن يكون أبوتمام سمعها في شعر قديم؛ لأنه كان مستبحرًا في الرواية)) (¬4). وتتمثل جوانب تمكن أبي العلاء من شعر أبي تمام في الجوانب التالية: (أ) وقوفه على الخصائص الأسلوبية لشعره: خصائصه في تركيب جملته، خصائصه في البنى اللفظية، خصائصه في تركيب لغته الشعرية. وفيما يلي بعض الأمثلة: [1] قال أبوالعلاء عند شرح قول أبي تمام: إِن يَكُن رَثَّ مِن أُناسٍ بِهِم كا ... نَ يُداوى شَوقي وَيَسلُسُ ريقي [بحر الخفيف] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [2/ 193]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [3/ 83]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 299]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 299 ـ 300].

((ولم يأت لـ (إنْ) في هذا البيت جواب؛ ولم تجر عادة الطائي بذلك)) (¬1) [2] ونحوقوله: ((... وإن صح أن الطائي قال: (أسايله) بالهاء، فله معنى صحيح، يستحسن على مذهب الطائي)) (¬2). [3] ونحوقوله: ((... ومن روى (دَواء) بالدال فقد صَحَّف؛ لأن مذهب الطائي في الصناعة طريق معروف)) (¬3). [4] ونحوقوله: ((يقال: جاورتهم جوارا، والجوارـ بضم الجيم ـ اسم، والأحسن على مذهب الطائي أن تخفف همزة جؤار، وتجعل واوا)) (¬4). [5] ونحوقوله: ((الأشبه بصناعة الطائي أن يكون (فتى) منونا)) (¬5). [6] ونحوقوله: قال عند شرح قوله: عالي الهَوى مِمّا تُعَذِّبُ مُهجَتي ... أُروِيَّةُ الشَّعفِ الَّتي لَم تُسهِلِ [بحر الكامل] ((وبعضهم يروي (مما ترقص هامتي) ... وهذه الرواية أشبه بمذهب الطائي؛ لأنه يؤثر الاستعارة)) (¬6). [7] ونحوقوله: ((ومذهب الطائي أن يستعمل اللفظة على معنى الاستعارة)) (¬7). [8] ونحوقوله: ((قوله (مضيء المقاتل): الوجه أن يحمل على مذهب الطائي ويجعل من المستعار)) (¬8). (ب) وقوفه على ما تفرد به الطائي من استعارات وأوصاف، نحو: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 431]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 22]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 37]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 174]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 192]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 34]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 407]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 86].

[1] ((استعار (السمن) للأحساب، وهي استعارة قديمة. وقابل سِمَن الحسب بهزال الأعمار، ولم يستعمل ذلك في العمر قبل الطائي، إلا أن يكون شيئا غير مشهور)) (¬1). [2] ونحوقوله: ((فأما الدهر فطويل، ما علم أن أحدا قبل الطائي وصفه بالعرض)) (¬2). [3] ونحوقوله: ((... وطرف قُلقُل؛ أي: طرف يتردد إلى المسلَّم (...).وأصل (القلقل) الكثير الحركة، ولم يستعر ذلك قبل الطائي)) (¬3). [4] ونحوقوله: ((استعار (الشُّمَّ) في صفة السحاب، وما يُعرف ذلك لأحد قبله)) (¬4). [5] ونحوقوله: ((فَرِكَتْه من فرك النساء، وهوبغضهن لأزواجهن، وما أخرج الفِرْك من الحيوان إلى غيره من الشعراء أحد قبل الطائي)) (¬5). [6] ونحوقوله: ((الخرقاء: التي لا تحسن العمل من النساء؛ فاستعار هذه الكلمة للراح، ولعلها ما وصفت بالخرق من قبل الطائي)) (¬6). [7] ونحوقوله: ((تقول العرب: حية الوادي، وحية الجبل، فأما حية الليل؛ فيجوز ألا يكون أحد استعملها قبل الطائي)) (¬7). (ج) وقوفه على الألفاظ والمعاني التي تكثر في شعره: [1] ((قد تردد في شعر الطائي وشعر غيره حمدُ الجنوب؛ لأنها تجئ بالمطر، ويذمون الشمال؛ لأنها تهب في الشتاء)) (¬8). [2] وقوله: ((وقد كثر في شعره (الأُلى) بمعنى الأُول)) (¬9). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 177]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 72]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 58]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 389]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 172]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 29]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 168]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 45]، [3/ 61]. (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 263].

(6) تلاميذه ومؤلفاته

(د) إلمامه بالروايات المختلفة للبيت: قال في بيت أبي تمام: لَقَد كانَ يَنسى عَهدَ ظَمياءَ بِاللِّوى ... وَلَكِن أَمَلَّتهُ عَلَيهِ الحَمائِمُ [بحر الطويل] ((قوله: (لقد كاد ينسى) هي الرواية الكثيرة)) (¬1). وفي نهاية هذه الجزئية المتعلقة بمدى إلمام أبي العلاء بشعر أبي تمام، يحب على الباحث أن يسجل ملحوظة مهمة، وهي: إن المتأمل في الجزئية السابقة يستنتج أن أبا العلاء كان على وعي تام بأن هناك خصائص أسلوبية تفرد بها أبوتمام، ميزته عن غيره من الشعراء، وهذا ما دعت إليه وأقرته النظرية الأسلوبية Stylistics (¬2) ، وقريب من المقولة التي قالها الناقد الفرنسي جورج بيفون: ((إن الأسلوب هوالرجل)) بمعنى ((أن بصمته هي التي تميزه عن غيره من البشر في الحياة، وعن غيره من الكتاب والأدباء إذا كان من أهل الحرفة)) (¬3)، ونكاد نميز رائحة منهج إحصائي في كلام أبي العلاء (¬4)، وهوأحد المبادئ التي يعتمدها علم الأسلوب (¬5). وغاية ما يرمي إليه الباحث هنا أن يقول: إن تراثنا به كثير من اللآلئ التي تحتاج من يزيح عنها ركام النسيان، ويقدمها للآخرين في ثوب قشيب. (6) تلاميذه ومؤلفاته: لا نتوقع أن يكون رجل بقامة أبي العلاء من العلم والفضل ولا يكون له من التلاميذ وطلاب العلم من يأخذون عنه هذا العلم وهذا الفضل، فقد كان صُوَّة من صوى العلم، وعلم من أعلام اللغة. ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 176]. (¬2) ينظر: موسوعة النظريات الأدبية: د. نبيل راغب، ص 33 وما بعدها (الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، ط1، 2003). (¬3) موسوعة النظريات الأدبية: د. نبيل راغب، ص 33 (¬4) يراجع مثال رقم 1 من أ، وجميع أمثلة ب، ج مما سبق (¬5) ينظر: علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته: د. صلاح فضل، ص 242 وما بعدها (دار الشروق، ط1، 1998) وموسوعة النظريات الأدبية: ص 35

وتحدثنا المصادر أنه بعد سفره إلى بغداد التي ((دخل مكاتبها وقرأ ما فيها من الأدب واللغة والفلسفة والحكمة، وعرف العلماء وحضر مجالسهم ومناظراتهم، واشترك في المجامع العلمية والأدبية الخاصة والعامة، فكان يحضر المجمع الفلسفي الخاص الذي كان يعقد يوم الجمعة بدار عبد السلام البصري)) (¬1). في هذه الرحلة تعرض أبو العلاء للإهانة البالغة، ولاقى من خبث حاقديه وشانئيه الكثير (¬2)؛ فقرر عند عودته ملازمة داره وعدم الخروج منها، ولكن تلامذته احتالوا لكسر هذه العزلة و ((تسببوا إليه حتى دخلوا عليه)) (¬3)؛ فلم تلبث دار أبي العلاء ((أن استحالت إلى مدرسة يؤمها الطلاب الكثيرون من أبعد الأقطار الإسلامية وأنآها (...) كلهم يطلب عنده العلم والأدب، ويلتمس منه المعرفة والفقه بأصول اللغة)) (¬4). ومن أشهر تلامذته: 1ـ على بن المحسن بن على التنوخي القاضي. 2ـ أبو زكريا التبريزي. 3ـ الإمام أبو المكارم عبد الوارث بن محمد الأبهر. 4ـ الفقيه أبو تمام غالب بن عيسى الأنصاري الأندلسي. 5ـ الخليل عبد الجبار القزويني. 6ـ أبو طاهر محمد بن أحمد الأنباري. 7ـ نصر بن صدقة القابسي النحوي. أما مؤلفاته فقد نقل د. عبد المجيد دياب عن القفطي والذهبي أن ((أكثر كتب أبي العلاء هذه عدمت، وإنما يوجد منها ما خرج عن المعرة قبل هجم الكفار، وقتل من ¬

(¬1) د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 50ـ 51، المكتبة الثقافية 405، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م (¬2) يراجع المصدر السابق ص 52/ 53 (¬3) السابق: 64 (¬4) السابق: 66

(7) وفاته

قتل من أهلها)) (¬1). وقد جمع د. دياب من مصادر مختلفة المؤلفات التي أملاها أبو العلاء، والتي بلغت 89 كتابا، وقدمها في ثبت، ومن أهمها: 1. رسالة الغفران والملائكة. 2. الصاهل والشاحج. 3. كتاب إسعاف الصديق، يتعلق بكتاب الزجاجي المعروف بـ ((الجمل)). 4. كتاب التصريف، ذكره ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة واللغويين. 5. كتاب تعليق الجليس، وهو مما يتصل بكتاب ((الجمل))، للزجاجي. 6. كتاب تفسير أمثلة سيبويه وغريبها. 7. شرح كتاب سيبويه. لم يتمه. 8. ظهير العضدي، كتاب في النحو يتصل بالكتاب المعروف بـ ((العضدي)). 9. كتاب عون الجمل، يتصل بكتاب الزجاجي. 10. كتاب غريب ما في جامع الأوزان والقوافي. (7) وفاته: عندما عاد أبوالعلاء من بغداد إلى بلده معرة النعمان أقام بها إلى حين وفاته في الثاني من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين (¬2)،وعاش ستا وثمانين سنة (¬3). المبحث الرابع: ترجمة التبريزي (1) مولده ومنشؤه وطلبه العلم: هو: أبوزكريا يحيي بن علي بن محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن بسطام الشيباني، الخطيب، التبريزي، أحد الأعلام (¬4). وذكر ياقوت في معجم الأدباء: ((أبوزكريا بن الخطيب التبريزي، وربما يقال له الخطيب وهو وهم)) (¬5). ¬

(¬1) السابق: 84 (¬2) معجم الأدباء: [1/ 397]. وهوالموافق: 1057م كما ذكر كارل بروكلمان في: تاريخ الأدب العربي 1/ 79 (¬3) سير أعلام النبلاء: [18/ 39]. (¬4) سير أعلام النبلاء: [19/ 269]، إنباه الرواة: [4/ 28]، ومعجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية: [13/ 214]، (مكتبة المثني لبنان). (¬5) معجم الأدباء: [5/ 628]، وأكد هذا أيضا السيوطي في ((بغية الوعاة)) [2/ 338].

(2) رحلته إلي أبي العلاء

ولد سنة إحدى وعشرين وأربعمائة (421هـ ــ1030م) (¬1)، بتبريز، ونشأ ببغداد. سافر في طلب العلم إلى الأقطار، وقرأ على: عبد القاهر الجرجاني، والحسين بن الحسين بن سهيل البيضاوي؛ وبالبصرة على الفضل بن محمد بن علي ابن الفضل القصباني، وببغداد على الحسن بن محمد بن على بن رجاء بن الدهان، وسمع بها الحديث، وكتب الأدب على هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي، ومحمد بن محمد بن المظفر بن عبد الله بن السراج، وعبد الكريم بن محمد بن عبد الله السناري وأبي الطيب الطبري، وأبي القاسم التنوخي، وأبي محمد الجوهري وغيرهم. وسمع الحديث من الفقيه سُليم بن أيوب الرازي، وأبي بكر الخطيب (البغدادي)، وقيل إنه دخل مصر وأخذ عن ابن بابشاذ النحوي (¬2) وغيره اللغة ثم رجع إلى بغداد (¬3). (2) رحلته إلي أبي العلاء: لازم التبريزي أبا العلاء المعري بالمعرة وأقام عنده سنين (¬4)، وقرأ عليه كثيرا من مصنفاته (¬5). ويروي القفطي أن ((سبب خروجه إلى أبي العلاء أنه حصلت له نسخة لكتاب الأزهري في عدة مجلدات لطاف؛ وأراد تحقيق ما فيها وأخذها عن عالم باللغة؛ فَدُلَّ على أبي العلاء، فجعلها في مخلاة، وحملها على كتفه بتبريز إلى المعرة، ولم يكن له ما يستأجر به مركوبا؛ فنفذ العرق من ظهره إليها. وقيل: إنها ببعض ¬

(¬1) بغية الوعاة: [2/ 338]، معجم المؤلفين: [13/ 214]. (¬2) الوافي بالوفيات: [28/ 228]. (¬3) معجم الأدباء: [5/ 629]. (¬4) معجم الأدباء: [1/ 410]. (¬5) الوافي بالوفيات: [28/ 228]. ومن الكتب التي قرأها التبريزي على أبي العلاء كتاب ((غريب الحديث لأبي عبيد))، وعن أبي العلاء أيضا حكى وصنف: ((تهذيب غريب الحديث)) [ينظر: أبوالعلاء المعري، د. عائشة عبد الرحمن، ص 224، سلسلة أعلام العرب]

(3) علمه وفضله

الوقوف البغدادية، وأن الجاهل بخبرها إذا رآها يظن أنها غريقة، وليس الذي بها إلا عرق يحيي بن علي)) (¬1). وقد شرح التبريزي ديوان سقط الزند لأبي العلاء. (3) علمه وفضله: كان التبريزي ((أحد الأئمة في النحو واللغة والأدب، حجة صدوقا ثبتًا)) (¬2)، كانت له ((معرفة تامة بالأدب والنحو واللغة)) (¬3)، فهو ((أديب، نحوي، لغوي، عروضي)) (¬4). وصفه الإمام الذهبي بقوله: ((إمام اللغة (...) أحد الأعلام)) (¬5)، وقال عنه الصفدي: ((كان إماما في اللغة، حجة في النقل، إماما في النحو، صدوقا ثبتا، انتهت إليه الرئاسة في فنه، وشاع ذكره في الأقطار، وروى كثيرا من شعره ومروياته ومصنفاته، ويسيرا من الحديث، وروى عنه أبو بكر الخطيب وهو من شيوخه)) (¬6). وعندما عاد إلى بغداد ((تصدر بها، وروى بها عنه الجم الغفير، وتأدب به عالم كثير)) (¬7). كتب بخطه كثيرا من كتب الأدب ودواوين الأشعار، و ((ولي تدريس الأدب بالنظامية وخزانة الكتب بها؛ وتخرج به خلق كثير)) (¬8). ومما يشهد لإمامة التبريزي في اللغة والنحو ما جاء في شرحه على ديوان أبي تمام، حيث يشير هذا الشرح إلى ثقافة موسوعية تتمثل في معرفته بـ: - أي الألفاظ مستعمل، وأيها غير مستعمل، وأيها كثير الاستعمال، وأيها قليل. ¬

(¬1) إنباه الرواه: [4/ 28 ـ 29]. (¬2) بغية الوعاة: [2/ 388]، معجم الأدباء: [5/ 628]. (¬3) إنباه الرواه: [4/ 28]. (¬4) معجم المؤلفين: [13/ 214]. (¬5) سير أعلام النبلاء: [19/ 269]. (¬6) الوافي بالوفيات: [28/ 229]، وينظر: بغية الوعاة: [2/ 338]، سير أعلام النبلاء: [19/ 270] (¬7) إنباه الرواه: [4/ 29]. (¬8) الوافي بالوفيات: [28/ 228 ـ 229].

- والألفاظ التي تأتي مصاحبة للفظة معينة أو لحقل دلالي معين، أو لسياق معين، والألفاظ التي لها فعل مستعمل والتي ليس لها. - والألفاظ التي لها أصل عربي والتي ليست عربية الأصل. - وأي الأوزان الصرفية قليل الاستعمال وأيها كثير. فمن أمثلة المستعمل وغير المستعمل ما يلي: [1] ((يقال: رثَّ الشيء وأرَثَّ وأرَثَّ أكثر)) (¬1). [2] ونحوقوله: ((أصل (الوادي) من قولهم: وَدَى، إذا سالَ، ثم أهملوا هذه الكلمة فلم يستعملوها إلا في وَدَى البائل)) (¬2). [3] ونحوقوله: ((قولهم: (أدهم فيه كُمْتَةٌ) لم يستعملوا مثله؛ لأنهم لم يقولوا أدهم كميت)) (¬3). [4] ونحوقوله: (((الأروع) الذي يروعك من جماله، ولا يقولون: امرأة روعاء، وقالوا: مهرة روعاء، وكذلك الناقة، ولم يقولوا للذكر أروع)) (¬4). [5] ونحوقوله: (((الكذج): كلمة لم تستعملها العرب، ولا استعملت الكاف والذال والجيم فيما يعرف من الثلاثي)) (¬5). [6] ونحوقوله: (((ولوع): بناه على ولَع يَوْلَعُ، والمستعمل في الأكثر أولع بالشيء، والرجل مولع، ولكن وَلِعَ جائزة، ولا يقولون الرجل والع بكذا؛ لأنهم استغنوا بالمولع)) (¬6). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 303]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 184]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 236]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 231 ـ 232]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 28]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 155].

[7] ونحوقوله: ((يتفق في كلام العرب أشياء تستعمل في موضع دون موضع، من ذلك أنه يكثر في كلامهم: تغلب ابنة وائل، ولا يقولون: نمير ابن عامر، ولا كلاب ابنة ربيعة، ولو قيل ذلك لجاز)) (¬1). ومن أمثلة الألفاظ التي تأتي مصاحبة للفظ أولحقل دلالي أوسياق معين: [1] ((والذنابى مثل الذَّنب، وأكثر ما يستعمل في الطير، وقد استعمل في غيرها)) (¬2). [2] ونحوقوله: ((العيس: جمع أعيس، وعيساء، وهي الإبل التي يعلو بياضها شقرة، وقلما يخرجونها إلى غير ذلك)) (¬3). [3] ونحوقوله: ((ولا يستعمل (الرِّفَدُ) في معنى (الرِّفْد)، كأنها جمع رِفْدة، وإنما تستعمل الرِّفَد في الجماعات من الناس، وما يترافد من القول)) (¬4). [4] ونحو قوله: ((أصل اللَّبُوس اللِّباس، واللَّبُوس واللِّبس واحد، إلا أنهم كثر استعمالهم اللَّبُوس في الدروع)) (¬5). [5] ونحو قوله: ((الوخد من سير الإبل، وقلما يستعمل في غيرها)) (¬6). [6] ونحو قوله: ((حثاثا: أي نوما قليلا، ولا تستعمل إلا في النفي)) (¬7). [7] ونحو قوله: ((أصل أحد أن يستعمل في النفي؛ فيقال: ما جاءني أحد، ولا رأيت أحدا، ولا مررت بأحد. ويقبح أن نقول: جاءني أحد، والعرب خصت النفي بأشياء لم تستعملها في غيره)) (¬8). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 100]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 380]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 12]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 442]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 22]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 112]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 314]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 340].

[8] ونحوقوله: ((لُمَة محذوفة اللام، ولا يستعمل منها فعل)) (¬1). ومن أمثلة الأوزان القليلة الاستعمال أوالكثيرة: [1] ((ولما بنى الفعل من القلنسوة قال: قَلْنَس؛ فأثبت النون، و (فَعْنَل) بناء قليل)) (¬2). [2] ونحوقوله: (((التنائف) جمع تنوفة وهي القفر من الأرض، ولم يستعملوها إلا بالزيادة، ولم يقولوا: التَّنْفَ)) (¬3). [3] ونحوقوله: (((بِهرام) عندهم المريخ، وبعض الناس يقوله بفتح الباء، ولا يخرجه إلى أمثلة العرب؛ لأن فَعْلالا في المضاعف قليل جدا)) (¬4). [4] ونحوقوله: ((.. ولفظ (المُؤْيِد) جاء على غير ما يجب في الأكثر؛ لأنه أُخذ من الأَيْد، فهذا المثال يعتل في مُفْعِل إلا حروفا جاءت نوادر، مثل قولهم: امرأة مُغْيِل؛ إذا أرضعت الغَيْلَ)) (¬5). [5] ونحوقوله: ((وأكثر ما تستعمل العرب (الوساوس) بغير الياء)) (¬6). [6] ونحوقوله: ((وأكثر ما تستعمل الأمانيّ مشددة)) (¬7). [7] ونحوقوله: ((والهمز أكثر في كلام العرب)) (¬8). ومن الأمثلة على معرفته بأصل الألفاظ: [1] ((يقال: مَنجنيق، ومِنجنيق، بفتح الميم وكسرها، وليست هذه الكلمة بالعربية في الأصل)) (¬9). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 96]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 235]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 174]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 71]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 57]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 255]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 60]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 460]. (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 441].

[2] ونحوقوله: (((الكَذَجات) جمع الكَذَج، وليست هذه الكلمة بالعربية)) (¬1). [3] ونحوقوله: ((يقال: عيش خُرَّم؛ أي: واسع، ويجوز أن تكون الكلمة غير عربية في الأصل)) (¬2). إلمامه بالقراءات القرآنية، والبيئات اللغوية المختلفة: من ذلك قوله: ((الأجود في الوصل أن تحذف الألف من (أنا) وقد جاء إثباتها، وكان محمد بن يزيد يتشدد في إجازته، وغيره يجعله من الضرورات، وقد روي إثباتها عند نافع المدني)) (¬3). وقوله: ((يقال: عَقِدُ الرمل، وعَقَدَهُ، وهوما يُعْقَدُ منه، والذين يسكنون نجدا ونحوها يقولون: عَقْد الرمل)) (¬4). وقوفه على طرائق العرب في التعبير ومذاهب الشعراء في صنعتهم: من ذلك قوله: قال أبوتمام: يا رُبَّ يَومٍ تَلوحُ غُرَّتُهُ ... ساطِعِ صُبحِ المَعروفِ مُنصَدِعِه [بحر المنسرح] ((وصفَ اليومَ بأنه ((ساطع صبح معروفه)) على طريقة العرب في قولهم: ليل نائم)) (¬5). ومنه قوله: قال أبوالعلاء عند قول أبي العلاء: مَتى ما تَسْتَمْحِها السَّيْرَ تُترِع ... لَنا سَجلَ الذَّمِيلِ إِلى العَراقي [بحر الوافر] ـ ((استعار (الاستماحة) وهي طلب العطاء، واستعار للذميل سَجْلا، والعرب تكثر استعارة السجل والدلو)) (¬6). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 138]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 330]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 67]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 423]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 345]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 425].

(4) إلمام التبريزي بشعر أبي تمام

ومن ذلك قوله: ((الشعراء تجترئ على زيادة الباء مع (أن) وغيرها، إلا أنها مع غيرها أقل)) (¬1). ـ وكقوله: ((و (الحيازم): أراد الحيازيم، فحذف الياء، وإنما الواحد حيزوم، وحذف هذه الياء في الجمع يجترئ عليه الشعراء كثيرا)) (¬2). ـ وكقوله: ((الرسيس: ما يجده الإنسان في قلبه من حزن أوهوى ... وهذا المعنى يتردد في أشعار المتقدمين والمحدثين)) (¬3). ـ وكقوله: ((والخوامس: من الإبل التي ترد الخِمْس، وهي أن ترد يوما وترعى ثلاثة ثم ترد في اليوم الخامس، وتردد الخِمْس والخوامس في أشعارهم كثير، وقلما يذكرون السدس والسبع وغيرها من الأظماء)) (¬4). ـ وكقوله في قول أبي تمام: وَمَن قامَرَ الأَيّامَ عَن ثَمراتِها ... فَأَحجِ بِها أَن تَنجَلي وَلَها القَمرُ [بحر الطويل] ((وقال: (أن تنجلي)؛فسكن الياء على معنى الضرورة، وقد كثر مجيء ذلك في الشعر)) (¬5). (4) إلمام التبريزي بشعر أبي تمام: كان التبريزي متمكنا من شعر أبي تمام كأستاذه، واقفا على خصائصه الأسلوبية، ويشهد لذلك التالي: ـ قال عند شرح قوله: مَضَوا لَم يُخزِ قائِلَهُم خُمولٌ ... وَلَم يُجدِب فَعالَهُمُ جُدُوبُ [بحر الوافر] ((وإن رويت (جُدُوب) بالضم، فهوأشبه بصنعة أبي تمام؛ لأنه يريد جمع: جَدْب)) (¬6). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 188]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 177ـ 178]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 262]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 254]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 570]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 559].

ـ وقال: ((... واستعار (الضرب) للعرف؛ ولم يستعمل ذلك قبل الطائي)) (¬1). ـ وقال عند قوله: جَرى حاتِمٌ في حَلبَةٍ مِنهُ لَوجَرى ... بِها القَطرُ شَأوًا قيلَ أَيُّهُما القَطرُ [بحر الطويل] ((والرواية المعروفة: (بها القطر شأوا واحدا جمس القطر)؛ وهوأشبه بكلام الطائي)) (¬2). ـ قال عند قوله: أَإِلى بَني عَبدِ الكَريمِ تَشاوَسَت ... عَيناكَ وَيلَكَ خِلفَ مَن تَتَفَوَّقُ [بحر الكامل] ((ومن روى: (خَلْفَ) بفتح الخاء؛ فهوبعيد من مذهب الطائي، وله مذهب في القياس)) (¬3). وهذه الأمثلة تذكرنا بما سبق أن قلناه من أن علماءنا كانوا يدركون أن لكل شاعر سماته وخصائصه الأسلوبية على مستوى بناء الجملة والبنية الصرفية (¬4). وبالإضافة إلى الثقافة اللغوية عند التبريزي، نجد جوانب أخرى لثقافته، تتمثل في: ـ ثقافته التاريخية كثقافته بالسيرة النبوية والوقائع الحربية وتراجم العرب وشعرائها (¬5). - وقوفه على عادات العرب (¬6)، وأنسابهم (¬7)، وأمثالهم، وأيامهم، نباتاتهم، حيواناتهم، وأصنامهم، وأسلحتهم. (¬8). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 292]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 574]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 396] وينظر أيضا: [3/ 162]، [3/ 197]. (¬4) ينظر ما قيل في ترجمة أبي العلاء، ص 22 (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 362]، [1/ 394]، [1/ 74]، [2/ 139]، [2/ 15]، [2/ 126]، [2/ 356]، [2/ 388]، [3/ 190]، [3/ 259]، [3/ 300]، [4/ 349]، [4/ 558]، [4/ 585]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 319]، [1/ 374]، [2/ 210]، [2/ 238]، [2/ 24]، [2/ 309]، [2/ 41]، [3/ 114]، [3/ 194]، [3/ 241]، [3/ 263]، [3/ 51]، [4/ 376]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي [1/ 395]، [2/ 19]، [3/ 192]، [3/ 169]، [3/ 193]، [3/ 215]، [3/ 47]، [3/ 47]، [4/ 109]، [4/ 577]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي أمثلة على ما سبق المواضع التالية: [3/ 301]ـ[4/ 427]، [2/ 343]، [2/ 264]، [3/ 133]ـ[2/ 314]، [4/ 577]، [2/ 245]، [3/ 229]ـ[2/ 149]ـ[2/ 146]، [2/ 14].

(5) مؤلفاته

- ثقافته بلغات غير العرب (¬1)، وثقافته بالفرق (¬2)، وثقافته الكلامية (¬3)، والفقهية (¬4)، والطبية (¬5)، والبحرية (¬6)، والفلكية (¬7)، والجغرافية (المواضع والقبائل) (¬8)، وثقافته بأنواع الثياب (¬9)، ووقوفه على قصص العوام (¬10). (5) مؤلفاته: صنف التبريزي: شرح القصائد العشر، الملخص في تفسير القرآن والإعراب في أربعة مجلدات، شرح اللمع لابن جني، الكافي في العروض والقوافي، مقاتل الفرسان، ثلاثة شروح على الحماسة، شرح شعر أبي تمام، شرح شعر المتنبي، شرح الدريدية، شرح سقط الزند، شرح المفضليات، شرح السبع المعلقات، تهذيب ¬

(¬1) جاء في ديوان أبي تمام [2/ 132]: ((قومَس: بلد، وهي بالفارسية، كُومش)) (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 56]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 55 ـ 56]، [2/ 317]، [4/ 373]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 35]، [2/ 443]، [3/ 140]، [3/ 226] (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 106، 107]، [3/ 241]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 433]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 403]، [4/ 121]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 412]، [2/ 168]، [2/ 234]، [2/ 435]، [2/ 436]، [2/ 440]، [2/ 98]، [3/ 242]، [3/ 304]، [3/ 310]، [4/ 330]، [4/ 362 ـ363]، [4/ 372]، ... [4/ 558]. (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 62]، [2/ 347]، [2/ 442]. (¬10) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 319]، [3/ 359].

(6) تلامذة التبريزي

الإصلاح لابن السكيت، هذب غريب المصنف، وغريب الحديث لأبي عبيد (¬1). وأيضا ((مقدمة في النحو)) عزيزة الوجود، حسنة المقصد، فيها أسرار الصنعة (¬2). وشرح كتاب: ((نهاية الوصول إلى علم الأصول لابن الساعاتي)) (¬3). (6) تلامذة التبريزي: أخذ عن التبريزي مجموعة من العلماء، وأئمة اللغة من أهمهم: [1] موهوب بن أحمد بن محمد بن الحسن بن الجواليقي أبومنصور بن أبي طاهر: إمام في اللغة والنحووالأدب، وهومن مفاخر بغداد، قرأ الأدب على أبي زكريا يحيي بن علي الخطيب التبريزي، ولازمه وتلمذ له حتى برع في فنه (¬4). [2] محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي أبوالفضل: حافظ متقن، له حظ كامل من اللغة (¬5). [3] أحمد بن عبد السيد بن علي النحوي البغدادي أبوالفضل: يعرف بابن الأشقر، قرأ على أبي زكريا ولازمه حتى حصَّل معرفة الأدب (¬6). (7) وفاته: توفي التبريزي فجأة ببغداد، يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة (¬7) سنة اثنتين وخمسمائة هجرية (502هـ = 1109م)، وعمره إحدى وثمانون سنة. ¬

(¬1) هذه المصنفات مجموع ما ذكر في: سير أعلام النبلاء: [19/ 270]، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: [2/ 338]، الوافي بالوفيات: [28/ 228]، إنباه الرواة: [4/ 28ـ29]، معجم المؤلفين: [13/ 214]. (¬2) ذكر هذا المصنف في إنباه الرواة: [4/ 30]. (¬3) ذكر هذا المصنف في: الموسوعة الثقافية: ص 268 (دار المعرفة بإشراف د. حسين سعيد 1972). (¬4) إنباه الرواة: [3/ 335]. (¬5) إنباه الرواة: [3/ 222]. (¬6) إنباه الرواة: [1/ 122]. (¬7) سير أعلام النبلاء: [19/ 270]، معجم المؤلفين: [13/ 214]، إنباه الرواة: [4/ 30]، وفي بعض المصادر جمادى الأولى، ينظر: الوافي بالوفيات [28/ 229]، بغية الوعاة: [2/ 338].

الباب الأول شرحا أبي العلاء والتبريزي دراسة نحوية صرفية

الباب الأول شرحا أبي العلاء والتبريزي دراسة نحوية صرفية ويشمل الفصول الآتية: - الفصل الأول الأصول النحوية عند أبي العلاء والتبريزي. - الفصل الثاني الدراسة الصرفية والنحوية لشرحي أبي العلاء والتبريزي. - الفصل الثالث: نظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي

الفصل الأول الأصول النحوية عند أبي العلاء والتبريزي

الفصل الأول الأصول النحوية عند أبي العلاء والتبريزي ويشمل التالي: • تمهيد: النحو عند أبي العلاء والتبريزي. ـ المبحث الأول: نبذة مختصرة عن المدارس النحوية ومناهجها، والأصول النحوية. ـ المبحث الثاني: الأصول النحوية عند أبي العلاء. ـ المبحث الثالث: الأصول النحوية عند التبريزي. ـ المبحث الرابع: الأصول بين أبي العلاء والتبريزي.

تمهيد: النحو عند أبي العلاء والتبريزي

تمهيد: النحو عند أبي العلاء والتبريزي أولا النحو عند أبي العلاء: كان لأبي العلاء قدم راسخة في اللغة والنحو، فعلى مستوى اللغة كان عالما بـ ((أصولها وأسرارها، تفرد بأشياء لم يسبق إليها لغوي من القدامى، وأمسك من اللغة بنصيب كبير)) (¬1). ولا يُعرف ((عالم من علماء اللغة العربية منذ العصور الأولى لتدوينها أتى بمثل ما أتى به أبو العلاء، فقد أحاط بمادة اللغة وصرفها في جميع شئونه وأغراضه الفنية، واستعملها أحسن استعمال، فيما أملى من كتبه العلمية والأدبية والدينية: شعرًا ونثرًا)) (¬2)، وصفه تلميذه التبريزي بقوله: ((ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري)) (¬3). هذا التمكن دفع د. طه حسين أن يقول عنه: ((ما أعرف أحدًا وعى اللغة العربية كما وعاها أبو العلاء، وما أعرف أن أحدًا صرف هذه اللغة في أغراضه وحاجاته الفنيه كما صرفها أبو العلاء)) (¬4). وعندما جلس للتدريس في داره استحالت إلى ((مدرسة يؤمها الطلاب الكثيرون من أبعد الأقطار الإسلامية (...) كلهم يطلب عنده العلم والأدب، ويلتمس منه المعرفة والفقة بأصول اللغة)) (¬5). ¬

(¬1) د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 5، بدون بيانات أخرى. (¬2) د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 3، المكتبة الثقافية 405، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م (¬3) د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 5 (¬4) نقلا عن د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 156 (¬5) د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 65/ 66

أما على مستوى النحو فقد كان ((نحويًّا ذا رأي، وعروضيا صاحب حس مرهف، وصرفيا مجيدًا لعلم الصرف)) (¬1). وصفه ابن القارح في رسالته بأنه ((أعلم بالنحو من سيبويه وباللغة والعروض من الخليل)) (¬2). وعلاقة أبي العلاء بالنحو تبدأ منذ النشأة الأولى إذ ((تلقى علوم اللغة والنحو بمعرة النعمان، على أبيه، وعلى أبي بكر بن مسعود النحوي، وجماعة من أصحاب ابن خالوية. وكان الذي ظهر من ذكائه ونجابته، قد أغرى أباه بأن يمضي به إلى حلب ـ وفيها أخواله ـ حيث تلقى النحو على محمد بن عبد الله بن سعد النحوي)) (¬3). فأقارب أبي العلاء هم ((بنو كوثر الأدباء النحويون وهم من أصحاب ابن خالويه الإمام النحوي ومن طبقته)) (¬4). وكان الزجاجي من أئمة النحاة وقصد الشام ((وترك مدرسة وتلاميذ يدرسون كتاب ((الجمل)) فدرسه أبو العلاء)) (¬5). وكذلك كان بالشام كتاب في النحو مختصر يسمى ((الكافي)) ألفه الشيخ أحمد بن محمد المرادي ((نقل تلاميذه كتابه إلى الشام فكان مما يدرس بها، ولقيه أبو العلاء وقرأه أيضًا)) (¬6). وعندما استوى علم أبي العلاء بالنحو على سوقه وجلس للتدريس، وضع شروحًا ومؤلفات كثيرة في النحو منها (¬7): 11. كتاب إسعاف الصديق، يتعلق بكتاب الزجاجي المعروف بـ ((الجمل)). 12. كتاب التصريف، ذكره ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة واللغويين. 13. كتاب تعليق الجليس، وهو مما يتصل بكتاب ((الجمل))، للزجاجي. ¬

(¬1) د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 5 (¬2) نقلا عن د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 5 (¬3) أبو العلاء المعري: د. عائشة عبد الرحمن، ص 36 (¬4) د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص23 (¬5) د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 32 (¬6) د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، ص 32 (¬7) ينظر المصدر السابق، ص 82 وما بعدها.

14. كتاب تفسير أمثلة سيبويه وغريبها. 15. جامع الأوزان، وهو كتاب يعم الأوزان الخمسة عشر التي ذكرها الخليل بجميع ضروبها، ويذكر قوافي كل ضرب من ذلك وبه تسعة آلاف بيت. 16. كتاب الحقير النافع، مختصر في النحو مقداره خمس كراريس. 17. شرح كتاب سيبويه. لم يتمه. 18. ظهير العضدي، كتاب في النحو يتصل بالكتاب المعروف بـ ((العضدي)). 19. كتاب عون الجمل، يتصل بكتاب الزجاجي. 20. كتاب غريب ما في جامع الأوزان والقوافي. 21. مثقال النظم في العروض، جزء ذكره ياقوت والسيوطي وابن العديم. 22. المختصر الفتحي، يتصل بكتاب محمد بن سعدان الكوفي النحوي. وعلى الرغم من كل هذه المؤلفات والشروح النحوية إلا أنه من ((اللافت للنظر أن كل كتب أبي العلاء التي وصلتنا ليست نحوية، ولا تمت إلى النحو بسبب، فهي كتب أدبية ورسائل شخصية، باستثناء رسالة الملائكة فقد حشد فيها كثيرًا من قضايا الصرف. ومع أن هذه الرسائل كما قلت أدبية وبعضها رسائل شخصية، إلا أن أبا العلاء ((شحن)) هذه الرسائل بنظرات نفاذة وآراء نحوية غاية في البراعة. وإنك لتعجب كيف أدار هذه الحوارات النحوية في كتب ليست نحوية. ولا تتحمل قضايا النحو ودقائقه، ولكنه نجح في تقديمها من خلال نادرة تروى أو طرفة تحكي وبأسلوب رائق جذاب)) (¬1). وإذا تركنا الحديث عن مكانة أبي العلاء النحوية واللغوية واتجهنا إلى الحديث عن تأثره بغيره من النحاة نجد بعض الباحثين يحدثنا أنه كانت ((في حلب آثار مدرسة ¬

(¬1) د. محمد عبد المجيد الطويل: مشكلات نحوية، ص177، ط1، 2002، مكتبة زهراء الشرق.

نحوية عظيمة أسسها ابن خالويه سنة 370هـ، وابن جني سنة 392هـ وقد تأثر أبو العلاء بهذه المدرسة في البحث، وإن لم يلقَ أحدًا من أئمتها)) (¬1). أما ابن خالويه فقد أحبه أبو العلاء ومدحه، وفي هذا يقول د. الطويل: ((نقد أبو العلاء سيبويه، ونقد لغته وشواهده وخالفه في بعض الآراء (...) هذا ولم نجد أبا العلاء مدح أحدًا من النحاة إلا ابن خالويه، فقد ذكره مرتين وتأسف عليه)) (¬2). أما تأثره بابن جني فهو أمر واضح جلي، ويمكن أن نحصر هذا التأثر في النقاط التالية: (أ) الاحتفاء بالقياس: كان احتفاء ابن جني بالقياس عظيما، ((وكان مثل أستاذه يعنى بالقياس عناية شديدة، حتى ليمكن أن يقال إن كتابه الخصائص إنما هو مجموعة كبيرة من الأقيسة السديدة)) (¬3). وهو في خصائصه يحدثنا ((أن مسألة واحدة من القياس أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون الناس)) (¬4). ويقول أيضًا في باب ((تعارض السماع والقياس)): ((إذا تعارضا نطقت بالمسموع على ما جاء عليه، ولم تقسه في غيره؛ وذلك نحو قول الله تعالى: چ ? ? ? چ، فهذا ليس بقياس؛ لكنه لا بد من قبوله؛ لأنك إنما تنطق بلغتهم، وتحتذي في جميع ذلك أمثلتهم. ثم إنك من بعد لا تقيس عليه غيره)) (¬5). ولا نستطيع أن نغفل أنه صاحب المقولة الشهيرة ((أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب)) (¬6). ¬

(¬1) أ/ إبراهيم مصطفى: أبو العلاء وعلم النحو، ص 365، المهرجان الألفي، نقلا عن: د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء المعري ص36 (¬2) د. محمد عبد المجيد الطويل: مشكلات نحوية، ص177 (¬3) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 276 (¬4) الخصائص: 2/ 88 (¬5) الخصائص: 1/ 117 (¬6) الخصائص: 1/ 357

ونجد هذا الاحتفاء بالقياس واضحًا عند أبي العلاء، فهو يقيس ما لم يستعمل على ما استعمل من كلام العرب، وفي ذلك يقول: ((... ولا أمنع أن يجيء الفعل على ((فَعْلَن)) وإن كان المتقدمون لم يذكروه؛ لأن الاسم إذا جاء على ذلك، وجب أن يجيء عليه الفعل، إذا كان الاسم أصلا، والفرع متفرع منه، وقد قالوا: ناقة رَعْشن، وهي من الارتعاش وامرأة خلبن وهي من الخلابة)) (¬1). وقال: ((القياس لا ينكسر)) (¬2). وورد في شرحه على ديوان أبي تمام قوله: ((.. ((أغاض)): قليلة في الاستعمال؛ وإنما يقال: غاض الماءُ وغاضه غيره، ويجوز أن يكون الطائي سمع أغاض في شعر قديم، وإن لم يكن قد سُمِع فالقياس يطلقه)) (¬3). فالبناء على المطرد هو عماد القياس عند أبي العلاء؛ لذلك أباح المعري ((توليد ألفاظ جديدة لم تعرفها العربية استجابة لضرورة التعبير)) (¬4). (ب) عدم التقيد بمذهب معين: الوجه الثاني من وجوه تأثر أبي العلاء بابن جني عدم التقيد بمذهب معين، فابن جني ((كان يقيم مذهبه النحوي والصرفي على الانتخاب من المذهبين البصري والكوفي وما انثبق عنهما من المذهب البغدادي عند أوائل البغداديين)) (¬5). فهو ((بغدادي من طراز آخر، طراز أستاذه أبي علي الفارسي والزجاجي، طراز كان ينزع إلى البصريين، وهو الطراز الذي عم وساد منذ النصف الثاني من القرن ¬

(¬1) رسالة الملائكة: ص236،تحقيق محمد سليم الجندي، دار صادر بيروت،1412هـ، 1992م (¬2) الفصول والغايات: 245 (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 46ب9]. (¬4) د. جمال محمد طلبة: الفكر اللغوي عند أبي العلاء في ضوء علم اللغة الحديث، ص 89 (¬5) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية 272

الرابع الهجري، وكان هو وأستاذه من أهم الأسباب في شيوعه، إذ كانا ينتخبان من المذهبين البصري والكوفي مع نزعة شديدة إلى البصريين)) (¬1). وقد حذا أبو العلاء حذو ابن جني، فلم ينص على انتمائه لمذهب معين، أو اتباعه لنحوي ما، بل إن القارئ ((لتراثه يعجب من كثرة نقده للنحاة، وشدة مناقشته لهم، كما أنه لا يفرق في نقده هذا ومناقشته تلك بين نحاة البصرة والكوفة)) (¬2). كما أننا نلمح ((اجتهاده في كثير من المسائل، واعتداده برأيه في الكثير من القضايا التي يعرض لها وإن كانت مخالفة لرأي كثير من النحاة. وهذا أحد مظاهر الإبداع النحوي عنه)) (¬3). وسنزيد الأمر وضوحا بالتفصيل عند حديثنا عن المذهب النحوي عند أبي العلاء في هذا الفصل. (ج) دورانه مع الدليل: كان كلا الرجلين من المجتهدين، يجتهد كل واحد منهما ما وسعه الاجتهاد. فابن جني من الذين يؤمنون بـ ((فتح الأبواب على مصاريعها للاجتهاد ومخالفة البصريين والكوفيين بقدر ما يؤديها النظر وتسعفهما الحجة)) (¬4). وعلى نهجه سار أبو العلاء، فلم يكن يخالف عن هوى لمجرد المخالفة، بل مخالفته تستند إلى دليل. يقول أبو العلاء: ((ولا أمنع أن يخالف الأول مخالف إذا أقام الحجة وأبان الدليل)) (¬5). (د) التأثر بالمنهج الاعتزالي: ¬

(¬1) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية 268 (¬2) د. محمد عبد المجيد الطويل: مشكلات نحوية، ص164 (¬3) د. محمد عبد المجيد الطويل: مشكلات نحوية، ص164 (¬4) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية 268 (¬5) رسالة الملائكة: ص255

المعتزلة من الفرق الإسلامية التي اعتمدت على العقل اعتمادًا كبيرًا، ولا يجادل أحد في ذلك ولا يماري، وحتي عندما انقسمت إلى مدرستين: مدرسة البصرة، ومدرسة بغداد ظل ((الاعتماد على العقل في تفسير النصوص الشرعية قاسمًا مشتركًا بين المدرستين)) (¬1). بل إنهم في بعض الأحيان ((اعتبروا العقل قبل الشرع)) (¬2). وساند العقلَ عندهم في تأويل القرآن والحديث المروي ((اللغةُ))،فقد حظيت اللغة ((بجانب عظيم من اهتمام المعتزلة، وأخضعوها إلى حد كبير لمنهجهم العقلي)) (¬3). وأبو الفتح عثمان ابن جني أحد الذين اعتنقوا الفكر الاعتزالي، ومثل كثيرًا من آرائه (¬4). وهنا نتساءل: هل تأثر أبو العلاء بهذا الفكر الاعتزالي الذي نقل إليه من خلال آراء ابن جني؟ والإجابة بالإثبات، من جانبين: جانب تاريخي، وجانب عملي. أما الجانب التاريخي، فأبو العلاء لم يقم برحلة خارج بلدته إلا إلى بغداد، التى كانت ((في القرن الرابع الهجري موئل العلم، ومثابة العلماء، وملتقى الكتاب والشعراء والأدباء، فيها غنيت ساحات الخلفاء والملوك والرؤساء بفنون المناظرة والمساجلة والجدل، وعمرت المكتبات بألوف الكتب المؤلفة والمترجمة، المطولة ¬

(¬1) الموسوعة الإسلامية العامة: المعتزلة، د. السيد محمد الشاهد، ص 1319، وزارة الأوقاف، القاهرة 1424هـ، 2003م (¬2) موقف المعتزلة من تفسير القرآن والأحاديث المروية، د. مصطفى الصاوي الجويني، مقال بمجلة العربي ع 122، ص138 (¬3) المصدر السابق، ص 140 (¬4) د. محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي، ص64، ط1، دار الشروق 1991م، ومن الآراء التي تأثر بها ابن جني ما نقله السيوطي في المزهر1/ 10 في قوله: ((وقال ابن جني في الخصائص ـ وكان هو وشيخه أبو على الفارسي مُعْتَزِلِيَّيْن: باب القول على أصل اللغة، إلهام هي أم اصطلاح؟ هذا موضع مُحْوِج إلى فضل تأمُّل، غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة، إنما هو تواضع واصطلاح، لا وحي ولا توقيف)).

والمختصرة؛ وغصت دور العلماء وحلقات الدروس بطلاب العلم والمعرفة من شتى الجهات)) (¬1). ونجد أبا العلاء يمدح الشريف المرتَضى ـ المعروف بالاعتزال ـ وأخاه في ديوانه سقط الزند (¬2) فيقول: رُزِقا العَلاءَ فأهْلُ نَجدٍ كُلّما ... نَطَقا الفَصاحَةَ مثلُ أهلِ دِياف ساوَى الرّضيُّ المُرْتَضى وتَقاسَما ... خِطَطَ العُلى بتَناصُفٍ وتَصاف [بحر الكامل] أما من الجانب العملي، فمن خلال دراسة الباحث لشرح أبي العلاء ثبت أن أبا العلاء تأثر بالمنهج العقلي واللغوي للمعتزلة عند تفسير النصوص اللغوية. فالجانب العقلي عند أبي العلاء تمثل في الاعتماد على ((القرائن)) بنوعيها اللغوي وغير اللغوي (¬3). وهو المنهج الذي نلمح شبهًا مماثلا له عند أحد أعلام المعتزلة الجاحظ (255هـ) في بعض أقواله، التي منها: ((وقال آخرون في قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? چ [الإنسان:18] قالوا: أخطأ من وصل بعض هذه الكلمة ببعض. قالوا: وإنما هي: سل سبيلا إليها يا محمد. فإن كان قالوا فأين معنى تسمى، وعلى أي شيء وقع قوله تسمى فتسمى ماذا، وما ذلك الشيء؟)) (¬4). أما الجانب اللغوي فنجد منهج المعتزلة في تفسير الكلام واضحا في قول المرتَضى (¬5): ((وليس يجب أن يستبعد حملُ الكلام على بعض ما يحتمله إذا كان له ¬

(¬1) مقدمة أمالي المرتضي، غرر الفوائد ودرر القلائد، للشريف المرتضي علي بن الحسين الموسوي العلوي، ص 3، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، 1954 م دار إحياء الكتب العربية (¬2) سقط الزند: ص 35، دار صادر بيروت، 1957م (¬3) ينظر الباب الثاني، الفصل الأول: منهج أبي العلاء، القرائن. (¬4) الحيوان: 1/ 344، تحقيق عبد السلام هارون، طبعة الحلبي، ط2 (¬5) الشريف المرتَضى (355 ـ 436هـ، 966 ـ1044م) أحد الأئمة في علم الكلام والأدب والشعر، يقول بالاعتزال. مولده ووفاته ببغداد.، الأعلام للزركلي:4/ 278

شاهد من اللغة وكلام العرب؛ لأن الواجب على من يتعاطى تفسير غريب الكلام والشعر أن يذكر كل ما يحتمله الكلام من وجوه المعاني)) (¬1). وهذا عين ما كان يفعله أبو العلاء، فقد اعتمد على الخصائص النحوية والصرفية للغة، واعتمد على الشعر والقرآن في تفسير ديوان أبي تمام، وعند تأويله للبيت أو للفظة يذكر كل المعاني الممكنة في حالة عدم وجود قرينة تمنع من إيرادها (¬2). ولا ينبغي أن نغفل ونحن في معرض الحديث عن علاقة أبي العلاء بالنحو دعوته إلى إصلاحه، تلك الدعوة التي تتمثل في ((ثورته العارمة على مبدأ التأويل والتقدير فلم يكن هناك ما يغيظه أكثر مما كان يقرؤه ويسمعه من تأويلات النحاة وتكلفاتهم، وتخريجهم بعض الأبيات على غير حقيقتها للاستشهاد بها على آرائهم الخاصة. وكثير من نقده ينصب على هذه الجوانب من نحو النحاة. وقد سدد المعري معظم سهامه إلى نحاة البصرة الذين أكثروا من التأويل والتقدير، وتعسفوا غاية التعسف في تخريج كثير من الشواهد لتستقيم مع أصول مذهبهم)) (¬3). وأبو العلاء في دعوته الإصلاحية كان يراعي المقاصد الحديثة التي تَجِدُّ في عصره، حتى وإن خالفت آراء متقدمي النحاة، نلمح هذا عند قول أبي تمام: غَدَوتُ بِهِم أَمَدَّ ذَوِيَّ ظِلًّا ... وَأَكثَرَ مَن وَرائي ماءَ وادِ [بحر الوافر] ((كان أبوالفتح عثمان بن جني يذهب إلى أن ((أكثر)) في هذا البيت غير مضاف إلى ((من))، ويجعل موضع ((من)) نصبا بفعل مُضمر، وإنما فر من أن يضيف ((أكثر)) إلى ((من))؛ لأن موضوع النحويين المتقدمين أن ((أفعل)) لا يُضاف إلا إلى ما هو بعضه، كقولك فلان أفضلُ الناس، وحسن ذلك لأنه بعضهم، ولوقيل العقاب أشد الناس لاستحال؛ لأن العُقاب ليست من الناس، ولهذا أحالوا قول من يقول: فلان أفضل إخوته؛ لأنه ليس منهم، إنما ينبغي أن يقال: فلان أفضل بني أبيه، وهذا ¬

(¬1) أمالي المرتضي، غرر الفوائد ودرر القلائد، ص 18/ 19 (¬2) ينظر الباب الثاني: الفصل الأول. (¬3) د. أحمد مختار عمر: البحث اللغوي عند العرب، ص 146

ثانيا النحو عند التبريزي

قول مُتقدم، وقد أجاز المتأخرون فلان أفضل إخوته، أى: أفضل الإخوة الذين هومنهم، والإضافة يتسع فيها جدًّا، وإلى قول من أجازه أذهب)) (¬1). ونختم كلامنا عن علاقة أبي العلاء بالنحو بالحديث عن بعض مظاهر الإبداع النحوي عنده. هذا الإبداع الذي تمثل فيما سماه د. محمد الطويل بـ ((الأدوار المسرحية))، فالقارئ مثلا ((لرسالة الصاهل والشاحج يعجب كثيرا لهذه الأدوار المسرحية التي أدارها أبو العلاء عن أبواب النحو بصورة لم تعرفها العربية قبله ولا بعده)) (¬2). ومن خلال هذه الأدوار المسرحية ربط بين ((الواقع))، وبين ((النحو)). ويمكن أن نذكر مثالا لذلك قوله في رسالة الصاهل والشاحج، يقول: ((وينبغي للحازم في الشدائد أن يكون مثل الهمزة، يخالق النفر بما يريدون، ويسكت على ضمائر النفس فإنه لا يقضي المأربة باللسان. وليس في الحروف حرف أكثر مسامحة من الهمزة، ألا تراها إذا كانت ساكنة في مثل رأس وبؤس وذئب، فبلغت ما تستحقه من الهمز فهي كالحروف الصحاح، ويجوز أن تقول في القوافي: ((رئم)) مع سهم، و ((سؤل)) مع جُمل، فإذا اتفق لها أن تصاحب في القوافي حروف اللين صارت ألفا في شام، وياء في ريم، وواوا في بوس وسول، فجرت مع: رام، وجول، وهيم، وهي في ذلك غير جارة للعيب، بل قد أدت حق الحروف الصحيحة في حسن العشرة وتكلفت لحروف اللين ما ليس هو لها أصلا في الحقيقة)) (¬3). وما أجمل هذه الطريقة في توصيل المعلومات النحوية للناشئة بطريقة شائقة تثبت المعلومات في الأذهان. ... ثانيا النحو عند التبريزي: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 371، 372ب9]. (¬2) مشكلات نحوية: ص 167 (¬3) رسالة الصاهل والشاحج:496 تحقيق: د. عائشة عبد الرحمن، ط2، دار المعارف 1984م

تحامل كثيرون على التبريزي واتهمه بعض الباحثين أنه بلا مذهب نحوي معين. فها هو الدكتور فخر الدين قباوة لم يجد بين يديه ما يعين على تحديد مذهبه، ويرى أن هذا راجع إليه ((فهو في مصنفاته لم يبد ما يشجع على الجزم في مثل هذا الموضوع؛ لأنه كان ينقل أقوال أسلافه وأحكامهم برمتها؛ فتطغى شخصياتهم المذهبية على شخصيته، ولا تبقى لها حدود متميزة واضحة المعالم. ولما كانت تلك الأقوال منقولة عن علماء مختلفي النزعات والمذاهب فقد لبث التبريزي في مصنفاته متنقلا بين وجهات من النظر متعددة، ولهذا نراه أحيانا مع مذهب البصريين وحينا مع مذهب الكوفيين، وآونة مع مدرسة بغداد، وطورا مع جميع المذاهب)) (¬1). هذا الاعتراض من قبل د. فخر الدين قباوة ويؤيده في هذا د. سليمان الشطي، ود. أحمد جمال العمري اعتراض يقبل المناقشة، وأرى فيه تحاملا على التبريزي. فعدم تحديد مذهب نحوي معين أمر ليس التبريزي بدعا فيه دون غيره، فقد سبقه أستاذه أبو العلاء في ذلك، وسبقهما ابن جني كما أثبتنا من قبل. كما أن النص السابق يخلط كثيرا من الأوراق ببعضها؛ فمن المعروف أن المدرسة البغدادية تقوم على الانتخاب من المدرسة البصرية والكوفية ولم تكن المدرسة البغدادية مدرسة مستقلة. وفوق كل هذا نجد للتبريزي في ثنايا شرحه ما يدل على قبوله لآراء معينة ودفعه لآراء أخرى، ومثال ذلك قول التبريزي عند قول أبي تمام: وَبَيَّتَّ البَياتَ بِعَقدِ جَأشٍ ... أَشَدَّ قُوًى مِنَ الحَجَرِ الصَّلودِ [بحر الوافر] ((... ومن روى: ((أَمَرَّ قوًى)): فالمعنى أشدَّ إمرارًا؛ أي: فتلا، و ((أَشَدّ قُوًى)) أجود الروايتين؛ لأن المعروف أمررت الحبل بالهمز، وهم يجتنبون أن يبنى فعل ¬

(¬1) شرح القصائد التسع المشهورات: 2/ 681، نقلا عن: د. سليمان الشطي: المعلقات وعيون العصور، ص105، عالم المعرفة، ع 380، سبتمبر 2011م، الكويت.

التعجب على ((أَفْعَلَ)) في التفضيل، إلا في أشياء مسموعة. وقد ذهب بعضهم إلى أن ذلك قياس مطرد في كل فعل ماض على ((أفعل))؛ والأخذ بالسماع أحسن)) (¬1). بل إننا في بعض الأحيان نجده يخالف الجمهور في بعض الآراء، من ذلك مثلا القول بمصدرية ((لو)) فقد ((أثبت مصدريتها الفراء، والفارسي والتبريزي، وأبو البقاء، وابن مالك، ومنعه الجمهور)) (¬2). ووقوف الباحث على مفهوم جديد للبنية الصرفية عنده لم يجده عند غيره (¬3). ومخالفته لأستاذه أبي العلاء في تفضيل السماع على القياس. ولم يكتف د. سليمان الشطي باتهام التبريزي بعدم المذهبية، بل رماه بالسرقة، فقال: ((نعم، يحمد له دوره وهدفه وأن المنهج الذي رسمه واستطاع تحقيق أهم جوانبه مقبول وجيد والنتيجة وافية بالغرض، ولكن الاعتراض ينصب على الكيفية التي حقق بها هدفه، فمن حقه في مجال التعليم الاستعانة بالجهود السابقة ليقدمها إلى المتعلمين، ولكن لم يقل أحد إن الاستفادة من معلومات الآخرين تعني النقل المباشر بالعبارات نفسها والألفاظ ذاتها من دون إشارة تذكر. فالفرق واضح بين الاستعانة المشروعة بكل الجهود والسرقة الواضحة المكشوفة أو على الأقل التصرف في مؤلفات الآخرين)) (¬4). وهذا كلام مردود، ويكفينا للرد عليه قول الإمام الذهبي ـ إمام الجرح والتعديل بلا منازع عند علماء الحديث فضلا عن أنه من أكابر المؤرخين ـ فيه بأنه ((إمام اللغة))، ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 38ب27]، وينظر أيضا الأصول النحوية عند التبريزي: السماع. (¬2) السيوطي: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 1/ 279، تحقيق وشرح د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية 1975م، الكويت (¬3) ينظر ص 163 (¬4) المعلقات وعيون العصور، ص103

وقول ياقوت والسيوطي عنه: ((أحد الأئمة في النحو واللغة والأدب، حجة صدوقًا ثبتًا)) (¬1). ثم، هل نقل عبارات العلماء كما هي نوع من السرقة؟! وهل كان التبريزي ينقل بدون أن ينسب الكلام؟! أظن أن في هذا الكلام شطط كبير، ولا أبلغ في الرد عليه من قول د. محمد عبده عزام محقق ديوان أبي تمام بشرح التبريزي إذ يقول: ((ومهما يكن الرأي في الخطيب التبريزي، فإنه بهذا الشرح قد قدم للمتأدبين عملا جليلا خالدا؛ إذ جمع شعر أبي تمام من أوله إلى آخره، ثم نظر في شروح شراحه، ثم اختار من هذه الشروح، وضمها كتابه، ناسبا كل قول لقائله غالبا، فجاء حاويا لآراء هؤلاء الشراح جميعا)) (¬2). ثم هل كانت التبريزي ينقل كل ما يقع تحت يديه أم كان يختار؟ فإذا كانت الإجابة الواضحه أنه كان يختار، فعلى أي أساس كان يختار؟! لابد أنه كان يختار ما يوافق عليه، ويوافق مذهبه. **** ¬

(¬1) تراجع ترجمة التبريزي، الجزئية 3 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: 1/ 27

المبحث الأول نبذة مختصرة عن المدارس النحوية ومناهجها والأصول النحوية

المبحث الأول نبذة مختصرة عن المدارس النحوية ومناهجها والأصول النحوية سنحاول في السطور التالية تقديم نبذة مختصرة عن المدارس النحوية المختلفة، وسنخص بالذكر هنا المدرسة البصرية، والكوفية، والبغدادية. ولاشك أن كلامنا عن هذه المدارس هو من نافلة القول، وهو من الكلام المعاد المكرر؛ ولكن تلك نبذة لابد منها لتكون منطلقًا لمناقشة الأصول النحوية عند أبي العلاء والتبريزي. المدرسة البصرية: قبل البدء في تجلية ملامح مدارسنا النحوية نقرر أن علماءنا ((الأقدمين اتبعوا المنهج الوصفي في استنباط القواعد النحوية، وذلك من خلال استقرائهم لغة العرب من مصادرها الأصلية: قرآنا، حديثا، شعرا، نثرا)) (¬1)، واستنباط القواعد هذا قائم على الاستدلال؛ أي أننا ((نستدل من الأثر الأنظمةَ النحوية وتفصيلاتها القائمة في اللغة على هذه الأنظمة؛ أي أنه يتم توظيف الآثار للوقوف على الأنظمة اللغوية التي وراءها)) (¬2). وعند حديثنا عن المدارس النحوية لابد أن نبدأ بـ ((مدرسة البصرة))، وحُقَّ لها أن يُبدأَ بها، فـ ((هي التي وضعت أصول نحونا وقواعده، ومكنت له من هذه الحياة المتصلة التي لا يزال يحياها إلى اليوم، وكل مدرسة سواها فإنما هي فرع لها، وثمرة تالية من ثمارها)) (¬3). فإلى هذه المدرسة يرجع الفضل في وضع علم النحو، وتوطيد أركانه، وتعهده بالعناية حتى استوى على سوقه، وتحددت معالمه التي عرف بها عبر هذه القرون الطويلة. ¬

(¬1) د. نادية رمضان النجار: اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، ص 164 [دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر]. (¬2) د. محمد عبد العزيز عبد الدايم: الاستدلال النحوي، نحونظرية معاصرة لأصول النحوالعربي، ص 19 [2008، وبدون بيانات أخرى]. (¬3) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 5 [دار المعارف، ط 9].

ولقد تشدد شيوخ هذه المدرسة في ((الاطراد في القواعد)) تشددا جعلهم ((يطرحون الشاذ، ولا يعولون عليه في قليل أو كثير، وكلما اصطدموا به خطأوه أوأولوه)) (¬1)، وأما من حيث الاستقراء ((فقد اشترطوا صحة المادة التي يشتقون منها قواعدهم، ومن أجل ذلك رحلوا إلى أعماق نجد وبوادي الحجاز وتهامة؛ يجمعون تلك المادة من ينابيعها الصافية التي لم تفسدها الحضارة، وبعبارة أخرى رحلوا إلى القبائل المتبدية المحتفظة بملكة اللغة وسليقتها الصحيحة، وهي قبائل تميم وقيس وأسد وطيئ، وبعض عشائر كنانة)) (¬2)، فقد ((كانت لغة البدو هي القدوة المثلى والنموذج الرفيع)) (¬3). وفكرتهم في ذلك ((أن الانعزال في كبد الصحراء وعدم الاتصال بالأجناس الأجنبية يحفظ للغة نقاوتها، ويصونها من أي مؤثر خارجي، وأن الاختلاط يفسد اللغة، وينحرف بالألسنة)) (¬4)، فهم يرون في ((الاختلاط بغير العرب سبيلا لفساد القول، واختلاط اللسان، وموردا لكثير من الألفاظ والأساليب، وطرق التعبير التي لا تعرفها العربية)) (¬5). فقد رأوا أن ((الحضر قد فسد بالاختلاط، بل كانوا لا يأخذون عن البدوي إلا إذا لم يفسده الحضر، فكانوا لا يأخذون عن الأعرابي إذا فهم القول الملحون)) (¬6). ¬

(¬1) المدارس النحوية: ص18، ويقول د. شوقي ضيف في موضع آخر: ((على أنه ينبغي أن نعرف أن المدرسة البصرية حين نَحَّتِ الشواذ عن قواعدها لم تحذفها ولم تسقطها، بل أثبتتها، أوعلى الأقل أثبتت جمهورها، نافذة في كثير منها إلى التأويل))، [المدارس النحوية: ص 162] (¬2) المدارس النحوية: ص 18 ـ 19 (¬3) يوهان فك: العربية، دراسة في اللغة واللهجات والأساليب، ترجمة د. رمضان عبد التواب، 93، [ط1، 1980، الخانجي]. (¬4) د. أحمد مختار عمر: البحث اللغوي عند العرب، ص 34 [عالم الكتب، ط 6، 1988]. (¬5) د. شعبان صلاح: مواقف النحاة من القراءات القرآنية، ص 33، [دار غريب، 2005]. (¬6) أحمد أمين: ضحى الإسلام، 314، [الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1997م]. وقد دفع هذا الحرص أيضًا إلى ظهور ما سماه د. رمضان عبد التواب في ترجمته لكتاب ((العربية)) ليوهان فك بمبدإ ((تنقية اللغة)) الذي تبناه الأصمعي واحتضنه ابن قتيبة بشدة، هذا الاحتضان جعل البطليوسي ينحى باللائمة على ابن قتيبة؛ لأنه لم ((يعن بمذاهب الثقات الآخرين من علماء اللغة، ولوعلى سبيل العرض فحسب)). وكان لمبدأ تنقية اللغة هذا ((أثر في التربية اللغوية للمجتمع العربي، أن صارت عربية البدوتعد القدوة المثلى، والمثل الأعلى من جميع الوجوه))، بل إن هذا المبدأ ((احتذاه الشعر الرفيع في جميع العصور كما هوالأعم الأغلب)). [يُنْظَرُ: يوهان فك: العربية، 99، 109].

وقد عبر ابن جني عن هذه الفكرة أيضا قائلا: ((باب في ترك الأخذ عن أهل المدر كما أخذ عن أهل الوبر: ... ولوعلم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم، ولم يعترض شيء من الفساد للغتهم؛ لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر. كذلك لوفشا في أهل الوبر ما شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها، وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها؛ لوجب رفض لغتها، وترك تلقي ما يرد عنها)) (¬1). وجملة القول أن أبرز سمات هذا المذهب تتجلى في ((الدقة والحيطة؛ فقد اشتهر نحاة البصرة بانتقاء الأساليب الفصيحة، والشواهد الصحيحة؛ لقد سمعوا عن العرب كثيرا؛ ولكنهم لم يقبلوا كل ما سمعوا، ولم يعتمدوا كل ما روي لهم، ولم تقم قواعدهم على الرواية العابرة، أوالبيت النادر، أوالقولة النابية. إنهم أرادوا أن يضعوا أسس علم، وأرادوا لهذه الأسس أن تكون قوية؛ فلا بد من أن تكون متواترة، أوقريبة من التواتر؛ حتى ترسخ قواعدها فلا تزلزل، وحتى يقوى أساسها فلا يلين)) (¬2) وقد اعتمدت مدرسة البصرة على القياس؛ إذ ((اقتصر البصريون على جواز القياس على المشهور الشائع، وأبوا القياس على القليل أوالنادر، في حين أن الكوفيين قد أجازوا القياس على الشاهد الواحد أوالشاهدين)) (¬3). ولقد توسع البصريون في القياس والتعليل؛ إذ ((طلبوا لكل قاعدة علة، ولم يكتفوا بالعلة التي هي مدار الحكم؛ فقد ¬

(¬1) الخصائص: [2/ 5]، [سلسلة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، تحقيق: محمد على النجار] (¬2) د. مصطفى عبد العزيز السنجرجي: المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، ص 17، [دار الفيصلية، مكة المكرمة، ط1، 1986م]. (¬3) د. إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة، ص9 [مكتبة الأنجلو، ط7، 1994م].

المدرسة الكوفية

التمسوا عللا وراءها. وقانون القياس عام، وظلاله مهيمنة على كل القواعد إلى أقصى حد، بحيث يصبح ما يخرج عليها شاذا، وبحيث تفتح الأبواب على مصاريعها؛ ليقاس على القاعدة ما لم يسمع عن العرب، ويحمل عليها حملا، فهي المعيار المحكم السديد)) (¬1). إن القياس الذي اعتمد عليه البصريون هوالذي ((يعتمد في وضع القاعدة النحوية على الاستعمال الغالب، واعتداد ما سواه لهجات)) (¬2). وتنفرد مدرسة البصرة بـ ((الاعتماد على الأفكار الفلسفية في درسها)) (¬3)، والقدرة الفائقة على ((الاستدلال بالبراهين العقلية، والأقيسة المنطقية، والعلل الفلسفية)) (¬4). ويتمثل هذا ـ في بعض الجوانب ـ فيما يعرف بنظرية العامل، والتي يرجع الفضل في تثبيت أصولها، ومد فروعها، وإحكامها إحكاما ـ على مر العصور ـ إلى الخليل بن أحمد، ((فقد أرسى قواعدها العامة، ذاهبا إلى أنه لابد مع كل رفع لكلمة أونصب أوخفض أوجزم من عامل يعمل في الأسماء والأفعال المعربة، ومثلهما الأسماء المبنية)) (¬5). ***** المدرسة الكوفية: ¬

(¬1) المدارس النحوية: ص20 (¬2) د. عبد الهادي الفضلي: مراكز الدراسات النحوية، ص30، [مكتبة المنار، الأردن، ط1، 1986م]. (¬3) د. نادية رمضان النجار: اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، ص145 (¬4) د. مصطفى عبد العزيز السنجرجي: المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، 18 (¬5) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص.38

المدرسة البغدادية

أجمع القدماء على أن ((نحوالكوفيين يشكل مذهبا مستقلا)) (¬1)، وتتمثل أركان هذا المذهب وقواعده في ((ثلاثة طوابع كبيرة تشيع فيها هي: طابع الاتساع في الرواية، بحيث تفتح جميع الدروب والمسالك للأشعار واللغات الشاذة، وطابع الاتساع في القياس بحيث يقاس على الشاذ والنادر دون تقيد بندرته وشذوذه، ثم طابع المخالفة في بعض المصطلحات النحوية، وما يتصل بها من العوامل)) (¬2). لقد توسع الكوفيون في السماع؛ ((فسمعوا من القبائل التي أخذ عنها البصريون، كما سمعوا قبائل أخرى رفض البصريون الأخذ عنها، كالأعراب الذين عاشوا في قرى سواد بغداد، مثل أعراب الحطمية وغيرهم، وكذلك قبلوا جميع ما رُوِي من الشعر، وما أُثِر من كلام العرب، وعولوا على ذلك كله في الاستشهاد، ووضع القواعد، وعلى ذلك كان من الطبيعي أن تكثر عندهم الشواهد النادرة، والقواعد المخالفة لما عرفه جمهور النحويين)) (¬3). كما نجد أن الكوفيين كانوا ((أقل استعمالا لأساليب علم الكلام من حيث الاعتداد بالعقل والاستناد إلى البراهين المنطقية والعلل الفلسفية)) (¬4). ***** المدرسة البغدادية: اتبع نحاة بغداد في القرن الرابع الهجري نهجا جديدا في دراساتهم ومصنفاتهم النحوية، يقوم على ((الانتخاب من آراء المدرستين البصرية والكوفية، مع فتح الأبواب للاجتهاد، والخلوص إلى الآراء المبتكرة)) (¬5)، فكان نحاة المذهب البغدادي ((يُعْنَوْنَ بالتعمق في دراسة هذين المذهبين، ويحاولون من خلال ذلك أن ينفذوا إلى كثير من الآراء التي تعلوها سمة من الجدة، والابتكار، ونستطيع أن نتبين ذلك في ¬

(¬1) المدارس النحوية: ص155 (¬2) المدارس النحوية: ص38 (¬3) د. مصطفى عبد العزيز السنجرجي: المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة،41 (¬4) د. مصطفى عبد العزيز السنجرجي: المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة،41 (¬5) المدارس النحوية: ص 7

الأصول النحوية

آراء ابن كيسان المتوفى سنة 299هـ، وابن شقير المتوفى سنة 315هـ، وابن الخياط المتوفى سنة 320هـ)) (¬1). لقد كان أصحاب هذا المذهب ((يتمسكون بالرأي الذي يستريحون إليه، ويغلب على ظنهم صحته، سواء أكان موافقا لرأي البصريين أم الكوفيين؛ فلا تعصب لأحد الفريقين على الآخر، وأحيانا نرى لهم آراء جديدة وصلوا إليها باجتهادهم)) (¬2). وكان ((لازدهار الفلسفة، وعناية البغداديين بها أثر واضح في الدراسات النحوية، ومن ثم رأينا من النحويين من أكثر من استعمال الأساليب الفلسفية في كلامه كأبي الحسن الرماني الذي كان يؤيد المعتزلة، وتأثر بفلسفتهم في دراساته النحوية)) (¬3). وحاول بعض الباحثين المعاصرين ((أن ينفي وجود المدرسة البغدادية؛ معتمدا على من ينظمون أفرادها في البصريين والكوفيين، وأن علمين من أعلام جيلها الثاني يَنْسُبَان أنفسهما في البصريين، وهما أبوعلي الفارسي وتلميذه ابن جني؛ إذ يعبران في تصانيفهما عنهم كثيرا بكلمة أصحابنا، وينتصران في أغلب الأمر للآراء البصرية، وكثيرا ما يطلق ابن جني على الكوفيين اسم البغداديين؛ وكأنهم مدرسة واحدة)) (¬4). ****** الأصول النحوية: ¬

(¬1) السنجرجي: المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، ص 73 (¬2) السنجرجي: المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة: 74 (¬3) السنجرجي: المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة: 75 (¬4) المدارس النحوية: ص 245

ومن تتمة القول في بداية هذا الفصل أن نقدم تعريفا موجزا للأصول النحوية التي اعتمدت عليها المدارس النحوية المختلفة. وبداية نقرر أن القدماء اختلفوا في أصول النحو، فـ ((ابن جني حصرها في ثلاثة أصول: السماع، القياس، الإجماع. في حين حصرها ابن الأنباري في: السماع، القياس، استصحاب الحال، مسقطا الإجماع. أما السيوطي فقد جمع المذهبين السابقين؛ فحصرها في السماع، القياس، الإجماع، استصحاب الحال)) (¬1). [أ] السماع: عرف السيوطي السماع بقوله: ((هوما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته؛ فشمل كلام الله تعالي وهوالقرآن وكلام نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكلام العرب قبل بعثه وفي زمانه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين، نظما ونثرا من مسلم أوكافر)) (¬2). ويتضح من تعريف السيوطي أن السماع يعتمد على ثلاث ركائز: ((الأولى: القرآن الكريم، وحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقيد صحته، إسنادا ومتنا، وكلام العرب الموثوق في لغتهم، شعرا ونثرا، والثانية: تحديد زماني، لا يتجاوز نهاية القرن الثاني الهجري في الحواضر، ونهاية القرن الرابع الهجري في البوادي، وتحديد مكاني: لا يتعدى قبائل الحجاز ونجد وتهامة، وبالجملة كل قبائل وسط شبه الجزيرة، التي تبعد عن التخوم لأهل البلاد الأخرى من فرس، وروم، وأحباش، الثالثة: فصاحة الراوي الذي يعد أهم تلك الركائز؛ لكونه أهم وسيلة لنقل اللغة وحفظها)) (¬3). ¬

(¬1) د. نادية رمضان النجار: اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، ص 153 (¬2) السيوطي: الاقتراح، في علم أصول النحو، ص 74، قرأه وعلق عليه د. محمود سليمان ياقوت، [دار المعرفة الجامعية، 2006]. (¬3) د. نادية رمضان النجار: اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، ص 154

ونختم كلامنا بتلك الإشارة التي أشار إليها السيوطي بأن ((كلا من الإجماع والقياس لا بد له من مستند من السماع كما هما في الفقه كذلك)) (¬1). ******* [ب] القياس: أورد ابن الأنباري جملة من تعاريف العلماء للقياس فقال: ((هوعبارة عن تقدير الفرع بحكم الأصل، وقيل: هوحمل فرع على أصل بعلة، وإجراء حكم الأصل على الفرع، وقيل: هوإلحاق الفرع بالأصل بجامع، وقيل: هواعتبار الشيء بالشيء بجامع، وهذه الحدود كلها متقاربة)) (¬2)، وقال د. إبراهيم أنيس: ((هواستنباط مجهول من معلوم، فإذا اشتق اللغوي صيغة من مادة من مواد اللغة على نسق صيغة مألوفة في مادة أخرى، سمي عمله هذا قياسا، فالقياس اللغوي هومقارنة كلمات بكلمات، أوصيغ بصيغ، أواستعمال باستعمال؛ رغبة في التوسع اللغوي، وحرصًا على اطراد الظواهر اللغوية)) (¬3). ومن العلماء من يقسم مفهوم القياس إلى قسمين: ((مفهوم استقرائي: والمقصود به اطراد الظاهرة في الكلام أوالنصوص، بحيث يتخذ من هذه الظاهرة وأمثالها قواعد يقاس عليها في الاستعمال، وما يخالف تلك القواعد يعد شاذا، لا يقاس عليه، ثانيهما: يمكن أن نطلق عليه قياس العلة، وفيه يقدر للفرع حكم الأصل، أوحمل فرع على أصل بعلة، أوإلحاق الفرع بالأصل بجامع، أواعتبار الشيء بالشيء بجامع .... وهذا القياس هوالذي بني عليه النحو، فمن أنكره فقد أنكر النحو؛ لكون النحوكله قياس)) (¬4). ¬

(¬1) السيوطي: الاقتراح، ص 14 (¬2) الإغراب في جدل الإعراب، ولمع الأدلة في أصول النحو: ص 93، [قدم لهما وعني بتحقيقهما: سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية، 1957م]. (¬3) من أسرار اللغة: ص 8 (¬4) د. نادية رمضان النجار: اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، ص 155

وربما جاز لنا أن نعلق بأن القياس الاستقرائي قياس عملي، والثاني قياس العلة قياس علمي. وللقياس وظائف تتمثل في: ((استنباط القاعدة، تعليل ظاهرة، رفض ظاهرة)) (¬1). ******* [ج] الإجماع: عرف الجرجاني الإجماع في الاصطلاح بأنه: ((اتفاق المجتهدين من أمة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ في عصر على أمر ديني، والعزم التام على أمر من جماعة أهل الحل والعقد)) (¬2). ونص المعجم الفلسفي على أن الإجماع ((اتفاق الخاصة أوالعامة على أمر من الأمور، واعتبار ذلك دليلا على صحته، ويقصره فقهاء الإسلام على اتفاق المجتهدين من المسلمين في عصر معين على أمر ديني، ويعد أصلا من أصول التشريع)) (¬3) من خلال ما سبق نقرر أن الإجماع عند النحاة يعني: ((إجماع أهل العربية على أن هذا الحكم كذا، كإجماعهم على أن علة تقدير الحركات في ((المقصور)): التعذر، وفي ((المنقوص)) الاستثقال)) (¬4). والإجماع عند علماء الأصول نوعان: ((الإجماع الصريح، والإجماع السكوتي)) (¬5)، وقد تأثر النحاة ((بهذين القسمين في استنباطهم قواعد نحوية جديدة، ¬

(¬1) د. نادية رمضان النجار: اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، ص 156 (¬2) التعريفات: ص24 (إجماع)، [تحقيق: إبراهيم الإبياري، دار الريان للثراث] (¬3) مجمع اللغة العربية: ص3، (إجماع ـ consensus) . (¬4) د. نادية رمضان النجار: اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، ص 157 (¬5) د. عبد العزيز رمضان سمك: أصول الفقه الإسلامي، ص 124، [دار النهضة العربية، ط1، 2003].

كما أضافوا أنواعا تختص بها لغة العرب، تتمثل في: إجماع الرواة، إجماع العرب، إجماع النحاة)) (¬1). ***** [د] الاستصحاب: عرفه ابن جني، بأنه: ((إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول؛ ما لم يَدْعُ داع إلى الترك والتحول)) (¬2)، وقال الجرجاني: هو ((عبارة عن إبقاء ما كان على ما كان عليه؛ لانعدام المُغَيِّر، وهوالحكم الذي يثبت في الزمان الثاني بناء على الزمان الأول)) (¬3). ******* ¬

(¬1) اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين: 158 (¬2) الخصائص: 2/ 457 (¬3) التعريفات: ص34 (الاستصحاب).

المبحث الثاني الأصول النحوية عند أبي العلاء

المبحث الثاني الأصول النحوية عند أبي العلاء السماع: إذا لجأنا إلى تعريف السيوطي للسماع لتحديده عند أبي العلاء نجد أن السماع كان مصدرا مهما لشرح الديوان، ونجد أن أبا العلاء كان يعتمد في سماعه على القرآن الكريم، وقراءاته، والأحاديث النبوية، والشعر، والأمثال المنقولة عن العرب، وأقوال التابعين، والأدباء (¬1). ولا يقف المسموع عند أبي العلاء عند حد معين، بل يمتد حتى يشمل المسموع في عصره (¬2) من اللغة العالية، أواللغة الفصيحة (¬3)، وكان يستخدم هذا المسموع في قياس أساليب أبي تمام عليه (¬4). وكان ينقل هذا المسموع عن أهل اللغة الثقات (¬5). وكان أبوالعلاء واسع الإحاطة بهذا المسموع، بالغا أقصى مدى يمكن أن يبلغه إنسان في إحاطته للغة ما. ونستشف حدود هذه الإحاطة الواسعة، ومدى وقوفه على المسموع، من خلال عباراته المتناثرة التي نجدها مبثوثة في تضاعيف الديوان (¬6). ومن العجيب أن اللغة كانت تُسَجَّل في ذهن أبي العلاء بطريقة ((شبه إحصائية))، تظهر في استخدامه لعبارات مثل: [1] ((أكثر ما يستعمل ..)) (¬7).، [2] ((معظم الكلام ..)) (¬8). ¬

(¬1) يراجع العنصر الثاني من عناصر المنهج عند أبي العلاء. (¬2) من 363هـ إلى 449هـ (¬3) بل كان المسموع عند أبي العلاء يشمل ((لغة العامة))، ولكنه طبعا لا يستخدمه في شرح أوقياس، بل كان يذكره للاستئناس به يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 344ب2]، وتراجع جزئية اللغة عند أبي العلاء. (¬4) سوف يُوضح هذا الأمر في جزئية القياس اللغوي عند أبي العلاء. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 73 ـ 74 ب25]. (¬6) تُنْظَرُ جزئية: ((علم أبي العلاء وفضله)) في ترجمته في أول البحث، وجزئية: ((توظيف اللغة الراقية وخصائصها)) من منهجه في الباب الثاني. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 43]، [1/ 132]، [3/ 67ب13]، [2/ 320ب5] (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 35ب62].

[3] ((قلما يقولون ..)) (¬1). [4] ((قلما يستعمل ...)) (¬2). [5] ((غير مستعمل ...)) (¬3). [6] ((لا يكادون يقولون ...)) (¬4). [7] ((لا يكاد يستعمل ...)) (¬5). [8] ((مفقود في أكثر كلامهم ...)) (¬6). [9] ((قلما يصرفون ...)) (¬7). [10] ((لا يُعْرَف ...)) (¬8). [11] ((لم يقولوا ...)) (¬9). ويظهر هذا أيضا في تحديده لنوع الكلمة تذكيرا وتأنيثا، ولأي طرف يميل نوع الكلمة (¬10). وإذا تتبعنا خصائص هذا المسموع عند أبي العلاء، نجد أن: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 383ب26]، [1/ 329ب1]، [1/ 325ب12]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 247ب27]، [3/ 177ب3]، [2/ 254ب3]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 138ب37]، [1/ 151]، [1/ 409،410 ب10] (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 247ب27]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 247ب27]، [2/ 447ب2]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 259]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 15ب12]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 63]، [1/ 42]، [1/ 149]، [1/ 292 ـ 293ب7] (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 33]. (¬10) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 85]، [1/ 54]، [1/ 324ب6].

1) هذا المسموع متطور على المستوى الدلالي والصرفي والنحوي، وإن كان على المستوى الدلالي أوضح وأسرع. ومثال التطور النحوي عنده قوله عند قول أبي تمام: اُنظُر وَإِيّاكَ الهَوى لا تُمكِنَن ... سُلطانَهُ مِن مُقلَةٍ شَوساءِ [بحر الكامل] ((كان النحويون المتقدمون يرون أن ((إياك)) ينبغي أن تستعمل مع الواو مثل قولهم: إياك وزيدا، وينكرون مجيئها على غير ذلك إلا أن تستعمل بـ ((أن))؛ كقولك: إياك أن تقوم، وإياك أن تذهب، والواوعندهم مرادة، كأنه قال: إياك وأن تذهب، ولكن الواو حذفت كحذف الباء مع ((أَنْ)) في مواضع كثيرة، وكذلك تُحذف معها حروف الخفض، يقال: نهيتك أن تفعل؛ أي عن أن تفعل، وأمرتك أن تفعل، والمراد بأن تفعل ...)) (¬1). وإذا كانت الحال كذلك عند أبي العلاء؛ فيصبح ((تحديد فترة للاحتجاج اللغوي)) أمرا فيه نظر؛ إذ كيف يحتج بأمر يظن أنه ثابت، وهوفي الأصل متطور غير ثابت. 2) المسموع عنده درجات: ((لغة عالية)) (¬2)، ((جيدة)) (¬3)، وفصيحة، ورديئة غير مقبولة. 3) ومنه كلام قديم وحديث (¬4)، ومنه مشهور معروف، وغير مشهور وغير معروف (¬5). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام: [1/ 13ب9]، أما الأمثلة على التطور الدلالي في كثيرة، وقد عالجها البحث في العنصر السابع من عناصر المنهج عند أبي العلاء: الاهتمام بالجوانب الدلالية للكلمة المشروحة. وقد أشار التبريزي إلى هذا التطور على المستوى النحوي، [يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 7]، وهي إشارة متعلقة بالفعل المتعدي واللازم]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 305ب29]، [2/ 397ب10]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 280ب15]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 42]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 409 ـ 410ب10].

القياس

وقد قام المسموع عنده بعدة وظائف هي: [أ] ((إقرار استخدام لغوي عند أبي تمام)) (¬1)، ((أومخالفته له)) (¬2). [ب] ((بيان الاتساع والمجاز الذي وقع في هذا المسموع نفسه)) (¬3). [ج] ((توضيح استعارية أبي تمام لبعض هذا المسموع من عدمه)) (¬4). [د] ((الرد على آراء لغوية غير صحيحة))، ومن أمثلة ذلك: ـ ((و ((أعزال)) جمع، وواحده غير مستعمل؛ لأن المعروف رجل أعزل)) (¬5). ـ ((وبعض الناس يدعي أن أول من قال: ((حَمِيَ الوطيس)) النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما أحسب هذا إلا وهمًا؛ لأن الوطيس قد كثر في الشعر القديم)) (¬6). [هـ] ((بيان الألفاظ المولدة من غيرها)) (¬7). [و] ((كثرة تردد لفظة في فترة زمنية محددة)) (¬8). [ز] ((الاستخدامات الخاصة ببعض القبائل)) (¬9). [ح] ((توضيح عروبة لفظة أوأعجميتها)) (¬10). هذا بالإضافة إلى الاستعمال الأساسي، وهوشرح الألفاظ الغامضة عند أبي تمام. القياس: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 248ب3]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 183ب15]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 299ب22]، [1/ 337ب33]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 36ب62]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 138ب37]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 265ب17]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 165ب2]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 255ب5]. (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 266ب21]. (¬10) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 170ب19]، [3/ 16ب34].

من يتتبع شرح أبي العلاء يجد أن ((القياس)) أمر واضح وجَلِيٌّ عنده حاضر في ذهنه، يلجأ إليه في توضيح بعض المسائل الصرفية والنحوية، والعروضية، واللغوية عند أبي تمام، ومن ذلك قوله عند قول أبي تمام: لا ذوالحُقودِ اللُقَّحِ اللاتي تَرى ... كَشحَ الصَديقِ وَلا العِداتِ الحُيَّلِ [بحر الكامل] ((و ((الحُيَّل)) جمع حائل؛ وهي التي لم تحمل، و ((الحُوَّل)) بالواو أجود؛ لأنه من ذوات الواو؛ فتظهر في جمعه، كما يقال: صائم وصُوَّم، قائم وقُوَّم؛ وقد قلبت إلى الياء استثقالا للتشديد مع الواو، كما قالوا: صُيَّم في جمع صائم، ونُيَّم في جمع نائم، وهما من الصوم والنوم)) (¬1). ـ قال أبوتمام: الحَسَنُ بنُ وَهبٍ ... كَالغَيثِ في انسِكابِه في الشَّرخِ مِن حِجاهُ ... وَالشَّرخِ مِن شَبابِه [بحر: مجزوء الرجز] ((هذا الوزن لم يذكره الخليل فيما ذكر، وإذا حمل على قياس ما قال فأشبه الأشياء به أن يكون من المنسرح)) (¬2). ـ قال أبوتمام: نَعاءِ إِلى كُلِّ حَيٍّ نَعاءِ ... فَتى العَرَبِ احتَلَّ رَبعَ الفَناءِ [بحر المتقارب] ((العامة يثبتون الياء في بيت الطائي، كأنهم يعتقدون الإضافة، وذلك رديء جدا في القياس؛ لأن قولك ((حَذَار)) وما جرى مجراها لا تضاف إلا أن تخرج عن بابها؛ لأنها واقعة موقع الأمر إذ كان المفعول يقع بعدها، قال الفرزدق: نَعاءِ ابنَ لَيلى للسَّماحة والنَّدى ... وأضياف ليلٍ مُقفَعِلِّي الأَنامِلِ (¬3) [بحر الطويل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 39ب24]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 108]. (¬3) الرواية التي وردت لهذا البيت في ديوان الفرزدق: نَعاءِ اِبنَ لَيلى لِلسَّماحة والنَّدى ... وَأَيدي شَمالٍ بارِداتِ الأَنامِلِ [بحر الطويل] وورد هذا الشاهد في معجم شواهد النحو الشعرية برقم 2206، ص 561، وضعه ضمن باب: أسماء الأفعال والأصوات، وقال صاحب المعجم: ((الشاهد للفرزدق في ديوانه 2/ 65، وابن السيرافي ص 604،وهو بلا نسبة في سيبويه والشنتمري 2/ 37،والإنصاف 278،وما بنته العرب على فعال ص 8))

وابن ليلى منصوب بنعاء)) (¬1). ـ ((وبعض المولدين يظن الدجى واحدًا مثل هدى، وإنما هومثل: زُبْيَة وزبى)) (¬2). وأبوالعلاء لم يكن يقتصر على مصطلح القياس تحديدا في قياساته التي يستعملها، بل نجد عنده بعض الأقوال التي تساوي في معناها المقصود من القياس مثل: ((الخروج مخرج)) (¬3)، ((المناسبة)) (¬4)، ((الحمل على الغير)) (¬5)، ((الشائع في الكلام)) (¬6)، ((كما يقال)) (¬7)، ((ذلك مثل قولهم)) (¬8)، ((جاريا مجرى)) (¬9)، ((سائغ في الكلام)) (¬10)، ((على حد قولهم)) (¬11). وقبل الاسترسال في الحديث عن القياس عند أبي العلاء يجب أن نقف على مدلول القياس عنده، وهذا يقتضي بداية أن ننبه على أن القياس في تراثنا النحوي كان ذا مدلولين يختلفان تمام الاختلاف، ((أما أولهما فيرتكز على مدى اطراد الظاهرة في النصوص اللغوية مروية أو مسموعة، واعتبار ما يطرد من هذه الظواهر قواعد ينبغي الالتزام بها وتقويم ما يشذ من نصوص اللغة عنها (...) وأما المدلول الثاني للقياس ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 6ب1]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54ب27]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 537ب4]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 465ب24]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 63]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 458ب5]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 39]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 9ب2]. (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 437ب34]، [1/ 93]. (¬10) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 449ب1]. (¬11) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 288 ـ 289].

فهو أنه عملية شكلية يتم فيها إلحاق أمر ما بآخر لما بينهما من شبه أو علة، فيعطي الملحق حكم ما ألحق به. ومن ثم فإن لهذه العملية أطرافا أربعة: المقيس، والمقيس عليه، والجامع بينهما، والحكم)) (¬1). ويتضح من النصوص التي تجمعت لدى الباحث أن مدلول القياس الذي يستند إليه أبو العلاء هو المدلول الثاني الشكلي، ومن هذه النصوص: أـ قال أبوتمام: يَومٌ أَفاضَ جَوًى أَغاضَ تَعَزِّيًا ... خاضَ الهَوى بَحرَي حِجاهُ المُزبِدِ [بحر الكامل] ((... ((أغاض)): قليلة في الاستعمال؛ وإنما يقال: غاض الماءُ وغاضه غيره، ويجوز أن يكون الطائي سمع أغاض في شعر قديم، وإن لم يكن قد سُمِع فالقياس يطلقه)) (¬2). ب ـ قال أبوتمام: يَحميهِ لألاؤُهُ أَولَوذَعِيَّتُهُ ... مِن أَن يُذالَ بِمَن أَومِمَّنِ الرَّجُلُ [بحر البسيط] ((اللألاء: النور، والرواية ((تحميه)) بالتأنيث، والقياس يوجب أنه ((لألاء)) مثل زلزال، من لألأ الشيء، وتلألأ، وإذا قيل إنه مثل الزلزال فما يمتنع من كسر أوله مثل: القلقال والسلسال؛ مصدر قلقل، وسلسل، وذلك مطرد في هذا الباب، وإذا قيل إن: ((اللألاء)) مؤنثة؛ وجب أن يكون اشتقاقها من ((اللأل))، كما قال: دُرَّةٌ مِن عَقائِلِ البَحرِ بِكرٌ ... لَم تَنَلها مَثاقِبُ اللَّأَّال [بحر الخفيف] (¬3) فكأنها مبنية من اللأل ثم زيدت عليها الألف التي للتأنيث وبعدها الهمزة، وقولهم: ((اللَّأَّال)) كلمة شاذة، واشتقاق اللؤلؤ مثل اشتقاق اللألاء)) (¬4). ¬

(¬1) د. علي أبو المكارم: أصول التفكير النحوي، ص 27، دار غريب ط1، 2006م (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 46ب9]. (¬3) البيت لـ ((عبيد الله بن قيس الرقيات))، ينظر ديوانه، ص 112، [تحقيق وشرح: محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 15ب30].

في النصين السابقين أ / ب نجد هاتين العبارتين المهمتين: ((وإن لم يكن قد سُمِع فالقياس يطلقه))، ((والقياس يوجب)). فالعبارة الأولى تدل على أن أبا العلاء لا ((يُشِذُّ)) صيغة ((أغاض))، أي أنه لا يأخذ بالمدلول الأول للقياس الذي كان ((موجودا حتى أوائل القرن الرابع الهجري)) (¬1). أما عبارة ((والقياس يوجب)) تدل على مدى السلطة التي يتمتع بها القياس وأن لديه من القوانين الذاتية ما يحقق بها هذه السلطة وهو بهذا الفهم لابد أن يكون مدلوله المدلول الثاني. وتفضيل أبي العلاء للقياس كمنهج في التعامل مع اللغة لابد أن يكون نابعا من موقف فكري التزم به، فليس المنهج ((مجموعة من القواعد الكلية والأسس العامة فحسب، بل هو قبل كل شيء موقف فكري محدد تجاه الأشياء والعلاقات ولا سبيل إلى استكناه حقيقة هذا الموقف أو استكشاف آماده إلا بربطه بالمؤثرات المختلفة فيه وعلى رأسها المؤثرات الفكرية المتصلة به)) (¬2). وبقليل من الاستقراء فيما تجمع لدى الباحث من أقوال أبي العلاء في شرحه للديوان، نجد أن القياس عنده ((يبنى على المطرد))، ونلمح ذلك في النصوص التالية: ـ قال أبوتمام برواية أبي العلاء لهذا البيت: تَؤُمُّ شِهابَ الأزد حَفصًا وَرَهطُهُ ... بَنوالحَربِ لا يَنبو ثَراهُم وَلا يُكدي [بحر الطويل] ((... وذكر ابن السكيت أن ((الأسْد)) بالسين أجود، وغيره يقولها بالزاي، ويجب أن يكون الأصل بالسين؛ لأن الدال إذا وقعت قبلها السين الساكنة؛ فبعض العرب يحولها إلى الزاي، وكذلك الصاد، وكذلك قالوا في المثل: ((لم يُحْرَمُ مَنْ فُزْدَ له)) إذا سكنوا صاد فُصِدَ على لغة ربيعة)) (¬3). ـ قال أبوتمام: ¬

(¬1) د. علي أبو المكارم: أصول التفكير النحوي، ص 57 (¬2) د. علي أبو المكارم: أصول التفكير النحوي، ص 10 (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 120ب7].

أَطَلَّ عَلى كُلَى الآفاقِ حَتّى ... كَأَنَّ الأَرضَ في عَينَيهِ دارُ [بحر الوافر] ((.. ومن روى ((كلا الآفاق)) بكسر الكاف، وهو يريد ((كل الآفاق)) فروايته خطأ؛ لأن ((كِلا)) يستعمل للاثنين لا للجمع، ولم يأت في المسموع: كلا القوم، وكلا الأصحاب، وإنما يقال: كلا الرجلين، وكلا الفرسين، ونحوذلك)) (¬1). ـ قال أبوالعلاء في استطراد لغوي عند قول أبي تمام: ذَهَبَت بِمُذهَبِهِ السَّماحَةُ فَالتَوَت ... فيهِ الظُّنونُ أَمَذهَبٌ أَم مُذهَبُ [بحر الكامل] ((... وإذا ضُمَّت الميم فالمعنى: ذهبت بثيابه المُذهبة؛ أي: يخلعها، وقد ادعى قوم أن الذهب يسمى ((مُذهبًا))؛ وفسروا على ذلك قول الأخطل: لَبّاسُ أَردِيَةِ المُلوكِ كأنما ... عُلَّت ترائبه بماء المُذهب [بحر الكامل] قالوا أراد الذهب، والقياس يوجب أن المراد بماء الشيء المذهب ..)) (¬2). ـ ((الإقراب: أكثر ما يستعمل في الإناث، يقال: فرس مقربة؛ تُشَدُّ قريبا من بيت مالكها؛ لأنه يخاف أن ينزوعليها فحل لئيم. وربما استعمل ذلك في الذكور، وقياس كلامهم يوجب أن كل فرس يجوز أن يوصف بقرب؛ لأن من شأنهم أن يقربوه)) (¬3). ونلاحظ هذا الاطراد في القياس على مستوى الدلالة في بعض أقواله: ـ ((أصل الوشيج: كل ما وشج بعضه في بعض؛ اتصل؛ ثم يقال لكل ما اتصل وشيج)) (¬4). ـ ((يقال نَطِفَ البعير؛ إذا هجمت الغدة على قلبه؛ ثم قيل لكل فساد نَطَف)) (¬5). ـ ((الجنى: اسم عام يقع على كل ما اجْتُنِي ...)) (¬6). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 155ب12]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 129ب5]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 409 ب7]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 99]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 361ب9]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 123ب32].

ـ ((وأنف كل شيء أوله)) (¬1). ـ ((... وبعض الناس يقول: إنما ((الفرس)) مركوض، وليس هذا القول بشيء لأن كل من ضرب برجله الأرض أوغيرها فهو راكض)) (¬2). ـ ((وكل صوت دقيق يقال له صريف)) (¬3). وأبوالعلاء يفضل أن يكون القياس مطردًا وبعيدًا عن القليل والشاذ: قال أبوتمام: وَثَناياكِ إِنَّها إِغريضُ ... وَلِآلٍ تومٌ وَبَرقٌ وَميضُ [بحر الخفيف] ((ويقال للؤلؤة العظيمة ((تُؤْمَة))، والجمع تُؤَم، وهذا أجود من أن تجعل توم جمع: تُؤَام على تخفيف الهمزة؛ لأن ذلك قليل)) (¬4). وقد لعب القياس دورًا مهما مع أبي العلاء في شرح ديوان أبي تمام، فقد كان يلجأ إليه لـ ((إقرار استعمال لغوي أوأسلوبي لأبي تمام؛ من خلال قياسه على المستعمل في اللغة)): ـ قال أبوتمام: وَإِنَّ المَعالي يَستَرِمُّ بَناؤُها ... وَشيكًا كَما قَد تَستَرِمُّ المَنازِلُ [بحر الطويل] ((... ويَستَرِمُّ: يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون في معنى ((صار كذلك))؛ كما يقال: استنسر البُغَاث؛ أي: صار كالنسر، والآخر: أن يكون في معنى طالب الشيء؛ فيكون قوله: ((يَستَرِمُّ بناؤها)): أن يطلب أن يُرَم؛ أي يصلح؛ كما يقال: استعطاني فلان؛ أي: طلب عطائي، واستفهمني؛ أي: طلب إفهامي)) (¬5). ـ قال أبوتمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 250ب26]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 10ب19]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 386ب43]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 287ب1]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 129ب55].

مِن كُلِّ مُشتَهَرٍ في كُلِّ مُعتَرَكٍ ... لَم يُعرَفِ المُشتَري فيهِ وَلا زُحَلُ [بحر البسيط] ((من روى ((مُشتَهَرٍ)) على ما لم يسم فاعله، فهومقيس على قولهم: فلان مشهور، وقد شُهِر في الناس، كما يقال: كُتِبَ الكتاب واكتتب، وقضب الغصن واقتضب)) (¬1). ـ قال أبوتمام: أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ ... وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ [بحر البسيط] ((الجد ها هنا الحظ، وبنوالإسلام: الذين يدخلون فيه (...) ومن كلامهم إذا أكثر الرجل من الشيء وألفه أن يقولوا: هوأبوكذا وأمه وابنه)) (¬2). ـ قال أبوتمام: مِن مَتاعِ المُلكِ الَّذي يُمتِعُ العَينَ بِهِ ثُمَّ مِن رَقيقِ الرَّقيقِ [بحر الخفيف] ((... قصد الطائي بقوله: ((من رقيق الرقيق))؛ أي: من أحسنهم صورة، وأعلاهم قيمة، كما تقول: فلان كريم الكرام؛ أي: هوأعظم كرما)) (¬3). ـ قال أبوتمام: سَيلٌ طَما لَولَم يَذُدهُ ذائِدٌ ... لَتَبَطَّحَت أولاهُ بِالبَطحاءِ [بحر الكامل] ((... وقوله: ((لَتَبَطَّحَت))؛ أي: لانبسطت، ويحتمل أن يكون قوله: ((تبطحت))؛ أي: حَلَّت بالأبطح، كما يقال: تَبَصَّر؛ إذا أتي البصرة، أوأقام بها أوانتسب إلى أهلها)) (¬4). ـ قال أبوتمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 14ب29]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 47ب14]، وورد في هامش نفس الصفحة: ((كما يقال: هوأبوالأضياف، وأم العيال، وابن الهيجاء، وأخورغائب)). (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 439ب41]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 11ب3].

بِنتُ الفَضاءِ مَتى تَخِد بِكَ لا تَدَع ... في الصَّدرِ مِنكَ عَلى الفَلاةِ غَليلا [بحر الكامل] ((يعني الناقة؛ أي: أنها معاودة للسير في الفضاء من الأرض على مذهب قولهم: ابن قفر، وابن ليل، وهوكثير في كلامهم)) (¬1). ـ قال أبوتمام: وَقَرِّب أَنتَ تِلكَ فَإِنَّ هَمًّا ... عَراني بِاشتِجارٍ وَارتِفاقِ [بحر الوافر] ((خاطب المرأة ثم انصرف عنها إلى مخاطبة رجل يأمر بتقريب العيس للسير، وهم يفعلون ذلك كثيرا؛ يتركون خطاب الأول المذكر إلى المؤنث، وخطاب المؤنث إلى المذكر، ومنه الآية: چ ? ? ? ?? ? ?? ? ? ? ? ? چ [يوسف: 29])) (¬2). وفي أحيان كثيرة يستخدم أبوالعلاء القياس لتوضيح بعض الأمور: صرفية أونحوية أكثر دقة عند أبي تمام: ـ قال أبوتمام: هَدَأَت عَلى تَأميلِ أَحمَدَ هِمَّتي ... وَأَطافَ تَقليدي بِهِ وَقِياسي بِالمُجتَبى وَالمُصطَفى وَالمُستَرى ... لِلحَمدِ وَالحالي بِهِ وَالكاسي [بحر الكامل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 68ب16]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 424ب3]، ولمزيد من المواضع في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [1/ 11ب4]، [1/ 13ب9 هام]، [1/ 164، 165ب28]، [1/ 166ب35]، [1/ 171ـ 172ب52]، [1/ 212ب36]، [1/ 249ب30]، [1/ 267ب9]، [1/ 320ب27]، [1/ 364]، [1/ 366ب34]، [1/ 367ب38]، [1/ 43]، [1/ 68]، [1/ 9ب2]، [2/ 248ب18]، [2/ 256ب7]، [2/ 278ب12]، [2/ 295ب3]، [2/ 313ب15]، [3/ 100ب8]، [3/ 104ب28]، [3/ 248ب3]، [4/ 16ب16]، [4/ 202ب3]، [4/ 449ب1]

((... جاء بالباء في قوله: ((بالمجتبى))؛ لأنه بدل من الهاء في قوله ((به))، وإذا كان الحرف متصلا بالضمير ثم أبدل منه وجب أن يعاد الحرف مع الاسم؛ كقولك: مررنا بهم بالقوم الصالحين، ونزلنا عليهم؛ على خيار الناس)) (¬1). ـ قال أبوتمام: بِالقائِمِ الثامِنِ المُستَخلَفِ اطَّأَدَت ... قَواعِدُ المُلكِ مُمتَدًّا لَها الطِّوَلُ [بحر البسيط] ((ينبغي أن يكون اشتقاق ((اطأدت)) من ((الطود))، بني على ((افتَعَلت)) من ذلك، فقيل: ((اطَّادَت)) ثم همزت للضرورة؛ لأن تاء ((الافتعال)) إذا كان قبلها طاء قلبت إليها، وليس في كلامهم ((الطَّاد)) بالهمز، وإنما قالوا: وطد، ولوبُنى ((افتعل)) من وطد لقيل: ((اتَّطَدَ)))) (¬2). ـ قال أبوتمام: وَلَم أَرَ نَفعًا عِندَ مَن لَيسَ ضائِرًا ... وَلَم أَرَ ضَرًّا عِندَ مَن لَيسَ يَنفَعُ يَقولُ فَيُسمِعُ وَيَمشي فَيُسرِعُ ... وَيَضرِبُ في ذاتِ الإِلَهِ فَيوجِعُ [بحر الطويل] ((هذا البيت (¬3) من عجيب ما جاء في شعر الطائي؛ لأنه أتبع العينَ الواو في غير قافية (¬4)، وإنما آنسه بذلك أن العين في آخر النصف الأول وفي آخر النصف الثاني، ولا ريب أنه كان يتبع العين واوا في ((يسمعو))، وقد يمكنون الحركة حتى تصير حرفا ساكنا، مثل ما حكي أن بعض العرب يقول: قام زيدو، فيثبت الواو، ومررت بزيدي، فيثبت الياء، وذلك رديء مرفوض (...) فأدخل الياء بعد الكاف التي للمؤنث. فإن ادُّعي أن تلك لغة، فجائز أن يكون كذلك، وإلا فإن الكسرة مُكِّنت حتى صارت ياء، وبعض من يتكلم في العروض يذكر هذا البيت، ويجعله على أنه جاء بالعين متحركة ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 247ب16]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 8ب14]. (¬3) المراد البيت الثاني من البيتين عاليه. (¬4) يقصد كلمة (يسمع) التي أثبتها التبريزي في روايته بدون واو.

وليس بعدها واو ويجب أن يكون الطائي لم يفعل ذلك؛ لأنه معدوم في شعر العرب، والغريزة له منكرة؛ لأنه يجمع بين أربعة أحرف متحركة في وزن (¬1) لم يستعمل ذلك فيه)))) (¬2). ـ قال أبوتمام: يَظَلُّ سَراةُ القَومِ مَثنًى وَمَوحَدًا ... نَشاوى بِعَينَيها كَأَنَّهُمُ شَربُ [بحر الطويل] ((((سراة القوم)) خيارهم وأماثلهم؛ أخذ من سراة الجبل والفرس وهي أعلاهما، وهذا أوجه من أن يقال سراة جمع سريِّ؛ لأن ((فَعيلا))، لا يُجْمَع على ((فَعَلة)))) (¬3). ـ قال أبوتمام: أُصُلٌ كَبُردِ العَصبِ نيطَ إِلى ضُحًى ... عَبِقٍ بِرَيحانِ الرِياضِ مُطَيَّبِ [بحر الكامل] ((.. ((أُصُل)): جاء به موحدا، وقيل: ((أُصُل)): جمع أصيل، مثل رَغِيف ورُغُف، فمن نطق به على التوحيد فلا كلام فيه، ومن جعله جمع أصيلٍ: أجراه مجْرى الجموع التي تحمل على الجنس فتوحد)) (¬4). ـ قال أبوتمام: وَيَومٍ أَمامَ المُلكِ دَحضٍ وَقَفتَهُ ... وَلَوخَرَّ فيهِ الدينُ لَانهالَ كاثِبُه [بحر الطويل] ((... من روى ((لانهد كاتبه)) جاز [أن] يكون من الكاثبة، وهي موضع يد الفارس بالرمح من ظهر الفرس، من قول النابغة: لَهُنَّ عَلَيهِم عادَةٌ قَد عَرَفنَها ... إِذا عُرِّضَ الخَطِّيُّ فَوقَ الكَواثِبِ [بحر الطويل] وتستعمل الكاثبة في الإنسان، وهي الكتد أونحوه، ولا يعرف إلا بالهاء، فإذا كانت اللفظة يراد بها ذلك؛ فيجوز أن يكون حذف الهاء لمكان الإضافة؛ لأنهم يجرؤون ¬

(¬1) بحر الطويل. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 326ب23، 24]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 180 ـ 181ب8]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 93ب3].

على حذفها مع المضاف، كما قالوا: إلاح الرجل، يريدون إلاحته، وقام ولاها؛ أي: ولاتها)) (¬1). ـ قال أبوتمام: كَم أَسيرٍ مِن سِرِّهِم وَقَتيلٍ ... رادِعِ الثَّوبِ مِن دَمٍ كَالخَلوقِ [بحر الخفيف] ((... ((الرادع)): أصله، الذي يَتَلطخ بالطيب ... فيجوز أن يكون قوله: ((رادع)) في معنى الملون، كأن قال: رادع ثوبه، ويكون ((رادع)) جاريا مجرى ((لابن)) و ((تامر))؛ لأن الثوب في الحقيقة هوالمردوع)) (¬2). ـ قال أبوتمام: لَقَد أَخَذَت مِن دارِ ماوِيَّةَ الحُقبُ ... أَنُحلُ المَغاني لِلبِلى هِيَ أَم نَهبُ [بحر الطويل] ((.. الحُقْب: الدهر، واختلفوا في تفسيره، فقالوا ثلاثون سنة، وقالوا ثمانون ... والصحيح أن الحقب برهة طويلة لا حد لها، وأُنِّثَ على معنى البرهة والمدة؛ لأن تذكير الحُقب غير حقيقي، وهذا أوجه من أن يقال الحقب جمع حِقبة؛ إذا أراد بها السنة؛ لأن ((فِعْلَة)) قلما تجمع على ((فُعْل)))) (¬3). ـ قال أبوتمام: ضَمِنَت لَهُ أَعجاسُها وَتَكَفَّلَت ... أَوتارُها أَن تُنقَضَ الأَوتارُ [بحر الكامل] ((والأحسن أن يكون أعجاس جمع: عِجْس بكسر العين أوعُجس بالضم؛ لأن (فَعْلا) لا يجمع على أفْعَال كثيرا)) (¬4). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ما سَرَّني بِخِداجِها مِن حُجَّةٍ ... ما بَينَ أَندَلُسٍ إِلى صَنعاءِ [بحر الكامل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 230 ـ 231]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 437ب34]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 177ب1]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179ب50].

((... يقال: أخدجت الناقة إذا ألقت ولدها ناقصَ الخَلْق، وإن كانت شهورها تامة، وخدجت إذا ألقته لغير تمام، وقال قوم: خدجت وأخدجت سواء؛ وهذا القول أشبه بكلامهم؛ لأن فَعَلَ وأفعل يشتركان كثيرا ... و ((الأندلس)) بناء مستنكر إن فتحت الدال وإن ضمت، وإذا حملت على قياس التصريف، وأجريت مجرى غيرها من العربي فوزنها ((فَعْلَلُلُ))، وهذا بناء مستنكر، ليس في كلامهم مثل ((سَفْرَجَل)) ولا ((سَفْرَجُل))، فإن ادعى مدع أنها ((فَنْعَلُل)) فقد خرج من حكم التصريف؛ لأن الهمزة إذا كان بعدها ثلاثة أحرف من الأصول لم تكن إلا زائدة)) (¬1). ومجمل القول إن أبا العلاء كان يُجِلُّ القياس، ويقدره، ويجعله في مكانة متساوية مع السماع إن لم تفقها وتتجاورها. ... انحرافات أبي تمام اللغوية والأسلوبية بين القياس والسماع عند أبي العلاء: ورد عن الخليل بن أحمد قوله: ((الشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنى شاءوا، ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من: إطلاق المعنى وتقييده، ومن تصريف اللفظ وتعقيده، ومد المقصور، وقصر الممدود، والجمع بين لغاته، والتفريق بين صفاته، واستخراج ما كلت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه، فيقربون البعيد، ويبعدون القريب، ويحتج بهم، ولا يحتج عليهم)) (¬2). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 16ـ 17ب16]، ولمزيد من المواضع في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [1/ 114]، [1/ 13ب9]، [1/ 20ـ 21]، [1/ 230ب34]، [1/ 232 233ب43]، [1/ 248ب29]، [1/ 260ب1]، [1/ 288 289ب30]، [1/ 330ب6]، [1/ 367ب38]، [1/ 43]، [1/ 435ب30]، [1/ 54]، [1/ 76]، [1/ 78]، [2/ 223ب1]، [2/ 255ب4]، [2/ 266ب18]، [2/ 279ب16]، [2/ 291ب15]، [2/ 362ب10]، [2/ 85ب18]، [3/ 103ب25]، [3/ 176ب2، 3]، [3/ 313ب13]، [3/ 80ب 9]، [4/ 74ب3]. (¬2) حازم القرطاجني: منهاج البلغاء، 143ـ 144، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي.

ويبدو أن مضمون هذا المقولة كان مسيطرًا تماما على أبي العلاء؛ فنجد من أقواله ما يفيد إمرة الشعراء للكلام وتصرفهم فيه وما يفيد أيضا أن للشعر خصائصه العامة، وصنعته المستقلة (¬1)، وأن لكل شاعر خصائص أسلوبية معينة (¬2). وانطلاقا من هذا الكلام نقول: إن أبا العلاء كان لا يخطِّئ أبا تمام في ((انحرافاته)) أو ((عدولاته)) أو ((خروجاته)) الأسلوبية. ودائما يحاول أن يلتمس له مخرجا من السماع (¬3) فإن لم يجد فمن القياس؛ فإن لم يجد فاستعارة (¬4) يحملها عليها؛ ¬

(¬1) يُنْظَر [3/ 40ب27]، [4/ 564ب5]، وقال أبوالعلاء في بعض المواضع: ((ويقال إنه كان مع أبي تمام غلام يقال له: علاثة، فيجوز مثل ذلك. وقد يحتمل أن يفتعل الشاعر أسماء لغير موجودين؛ فيستعين بها في القافية وحشوالبيت)). [1/ 311ب1]، وقال أيضا عند قول أبي تمام: وَظِلالِهِنَّ المُشرِقاتِ بِخُرَّدٍ ... بيضٍ كَواعِبَ غامِضاتِ الأَكعُبِ [بحر الكامل] ((جعل الظِّلال مشرقات؛ وإنما الإشراق للشموس، وهذا من صنعة الشعر؛ لأنه وصف الظلال بما توصف به الشموس)) [1/ 94ب4]. (¬2) قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: إِحدى بَني بَكرِ بنِ عَبدِ مَناهِ ... بَينَ الكَثيبِ الفَردِ فَالأَمواهِ [بحر الكامل] ((ولوقال قائل: إنه سماهم بني عبد مناه بهاء أصلية؛ أخذه من: ناه ينوه؛ إذا انتشر ذكره؛ لكان ذلك وجها قويا، وهوأحسن ما يحمل عليه البيت؛ لأن الشعراء يسمح لهم بتغيير الأسماء إلى ما قاربها، كقولهم في ثابت ثَبات، وفي جَمْش جَمُوش)) [3/ 344ـ 345ب1]. تراجع جزئية: قرينة أسلوب الشاعر، وقرينة صنعة الشعر. (¬3) حتى ولوكان هذا السماع مجرد اتباع شاعر آخر في لفظة واحدة: قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: بدور قُيولٌ لَم تَزَل كُلُّ حَلبَةٍ ... تَمَزَّقُ مِنهُم عَن أَغَرَّ مُحَنَّبِ [بحر الطويل] ((ويروى: ((ذَوونَ قُيولٌ))، وهوجمع قولك: ذومَرْحَب، وذوجَدَن، وذويَزَن، وذلك في حمير كثير، وهم الأذواء، وقلما يقولون الذَّوون، وإنما تبع الطائي في ذلك الكُمَيت؛ لأنه قال: وَمَا أعنِي بِذلك أَسفَليكُم ... وَلَكِنِّي عَنيْتُ بِهِ الذَّوينَا [بحر الوافر] )) [ديوان أبي تمام:1/ 154، ب25]، وينظر أيضا في نفس الجزئية: [1/ 256ب47]، [3/ 59ب1]، كما تراجع جزئية: السماع عند أبي العلاء. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 227ب15]، [2/ 257ب8].

فإن لم يجد سماعا أوقياسا أواستعارة صمت (¬1) أوقال: ((ولعل الطائي سمعه في كلام قديم))؛ فلم يكن أبوالعلاء يخطئه أويعيب عليه إلا نادرا جدا (¬2). ـ قال أبوتمام: هُما أَظلَما حالَيَّ ثُمَّتَ أَجلَيا ... ظَلامَيهِما عَن وَجهِ أَمرَدَ أَشيَبِ [بحر الطويل] ((جعل (أظلم) هاهنا متعديا، وذلك قليل في الاستعمال، وهوفي القياس جائز)) (¬3). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: إِذا كانَتِ الأَنفاسُ جَمرًا لَدى الوَغى وَضاقَت ثِيابُ القَومِ وَهيَ فَضافِضُ [بحر الطويل] ((فَضَافِض: جمع فَضْفاض وهوالواسع، وإنما المستعمل ثوب فَضفاض؛ فجاء هذا على فَضْفَض، ومثله كثير)) (¬4). ـ قال أبوتمام: صَلَتانٌ أَعداؤُهُ حَيثُ حَلّوا ... في حَديثٍ مِن عَزمِهِ مُستَفاضِ [بحر الخفيف] ((... وأهل اللغة يزعمون أن الصواب أن يقال: حديث مستفيض؛ والقياس لا يمنع أن يقال: مستفاض)) (¬5). ـ قال أبوتمام: إِمراتُهُ نَفَذَت عَلَيهِ أُمورُها ... حَتّى ظَنَنّا أَنَّهُ إِمراتُها [بحر الكامل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 25ب47]، [1/ 48]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 286ب17]، [3/ 103ب23]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 150]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 299ب18]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 311ب11].

((لا يوجد في الشعر القديم (إِمراته)؛إلا أن القياس يطلق ذلك، وهذه اللفظة نادرة)) (¬1). ـ قال أبوتمام: مُبتَلُّ مَتنٍ وَصَهوَتَينِ إِلى ... حَوافِرٍ صُلَّبٍ لَهُ مُلُس [بحر المنسرح] ((.. وضم ((مُلُس)) والصواب تسكينها فيما كان جمع ((أفعل)) أو ((فعلاء))، مثل: حُمْر وصُفْر، والتحريك جائز)) (¬2). ـ قال أبوتمام برواية أبي العلاء: شامَت بُروقَكَ آمالي بِمِصرَ وَلَو ... أَصبَحْت بِالطوسِ لَم أسْتَبعِدِ الطوسا [بحر البسيط] ((.. فأما ((الطوس)) فلم تجر العادة بدخول الألف واللام عليها، وإن كان دخولها جائزا)) (¬3). ومن أمثلة إقراره بتبحره في اللغة وعدم تخطئته: قال أبوتمام: نُسائِلُها أَيَّ المَواطِنِ حَلَّتِ ... وَأَيَّ دِيارٍ أَوطَنَتها وَأَيَّتِ [بحر الطويل] قال أبوالعلاء: ((... وكان الذي سأل عن هذا البيت أبا نصر أحمد بن يوسف، فقال: إنما أراد (أيَّتْ) في معنى (تَأيَّت) من التَّأيي، وهذا قول حسن، وهويشبه مذهب أبي تمام في الصنعة، إلا أن المعروف من كلام العرب تأيَّيْتُ، ولم يجئ في أشعارهم أيَّيْتُ، ويجوز أن يكون أبوتمام سمعها في شعر قديم؛ لأنه كان مستبحرا في الرواية)) (¬4). ***** ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 327ب7]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 236ب6]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 261ب26]؛ وينظر أيضا المواضع الآتية: [1/ 159]، [2/ 315، ب25]، [2/ 240، ب14]، [2/ 236، ب7]، [4/ 467، ب3]، [3/ 124، ب35]، [4/ 38، ب2ـ 5]، [1/ 50]، [2/ 61، ب5]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 299ب1].

القياس الأسلوبي عند أبي العلاء: من الأمور اللافتة للنظر في شرح أبي العلاء أنه كان يقوم بنوع من القياس يمكن أن يسمى ((القياس الأسلوبي))؛ بمعنى: أن أبا العلاء كان يحتفظ في ذهنه بالخصائص الأسلوبية لشعر أبي تمام، ويقيس عليها أي خروج له أتى به مخالفا هذه الخصائص، أوأية رواية لا تكون منسجمة مع هذه الخصائص. ويكفى تدليلا على ذلك نقل العبارات التي تشير إلى هذا القياس: - ((.. والأحسن على مذهب الطائي ..)) (¬1). - ((.. ويجب أن يكون الطائي قال ...)) (¬2). - ((.. وهذا أشبه بمذهب الطائي من الوجه الذي تقدم ذكره ...)) (¬3). - ((.. ولورويت ... لكان ذلك مشابها لصنعة الطائي)) (¬4). - ((.. وقد كثر في شعره ..)) (¬5). - ((.. ومن عرف مذهب الطائي لم يعدل عن هذه الرواية ..)) (¬6). - ((.. الأشبه بصناعة الطائي أن يكون ...)) (¬7). - ((.. قد تردد في شعر الطائي وشعر غيره ..)) (¬8). - ((.. فله معنى يستحسن على مذهب الطائي ..)) (¬9). - ((.. وقد جاء بمثل ذلك في غير هذه المواضع)) (¬10). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 174ب36]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 51ب20]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام: [2/ 192ب7]، [3/ 83ب7]، [2/ 415ب18]، [2/ 372ب43]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 177ب44]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 263ب3]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 117]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 192ب42]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 45ب48]. (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 22ب3]. (¬10) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 214ب1].

- ((.. وله عادة بذلك)) (¬1). - ((.. إذا حمل ذلك على ما يعرف من مذهب الطائي ...)) (¬2). - ((.. وهذا أشبه بمذهب الطائي؛ لأنه يؤثر الاستعارة ...)) (¬3). - ((... فقد لزم مذهب الطائي في العارية ...)) (¬4). - ((.. الوجه أن يحمل على مذهب الطائي، ويجعل من المستعار)) (¬5). - ((... ولم تجرِ عادة الطائي بذلك)) (¬6). كل هذه الأقوال كانت من الممكن ـ إذا وجدت من يدرسها ـ أن تكون بذورا جيدة لما عُرِف حديثا بـ ((علم الأسلوب)) أو ((الأسلوبية))، والتي تركز في دراستها على لغة ((الأديب كما يمثلها إنتاجه الأدبي، وذلك بإخضاعها لمناهج من التحليل، بهدف الوصول إلى معايير موضوعية تساعد الناقد على التفسير من خلال ثلاثة توجهات في التحليل اللغوي للنص .... أما التوجه الثالث فهو توجه إحصائي، ويسعى إلى رصد درجة تكرار ظاهرة لغوية معينة في أسلوب شخص معين رصدا علميا دقيقا، ينأى عن الملاحظة العابرة، ويرفض تجزئة الإحساس الصادر عن التقاط الظواهر، هنا تتقصى النظرية الأسلوبية تطبيق علم الإحصاء، واستخدام الجداول الإحصائية والأرقام)) (¬7). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 277ب10]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 40ب27]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 34ب7]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 84ب22]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 86ب26]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 431ب6]. (¬7) موسوعة النظريات الأدبية: د. نبيل راغب، ص 34، 35، 36 وما بعدها (الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، ط1، 2003).

الإجماع عند أبي العلاء

وفي ختام هذه الجزئية نقول: إذا كانت من وظائف القياس ((استنباط قاعدة أوتعليل ظاهرة، أورفض ظاهرة)) (¬1)، فإننا نضيف أن من وظائفه أيضا إثبات أسلوب شاعر أو نفيه. ****** الإجماع عند أبي العلاء: لم يتجمع لدى الباحث قدر من المعلومات يستطيع بوضوح من خلالها أن يتبين وجهة نظر أبي العلاء في الإجماع. وقد وقف البحث على نصين لأبي العلاء أحدهما يفهم منه ضمنا وعي أبي العلاء بهذا المصطلح، وآخر ينص صراحة على على هذا ((المصطلح)). أما الموضع الأول، فيقول أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لَم تَطلُعِ الشَّمسُ فيهِ يَومَ ذاكَ عَلى ... بانٍ بِأَهلٍ وَلَم تَغرُب عَلى عَزَبِ [بحر البسيط] ((أهل اللغة يختارون بنى فلان على أهله، ويكرهون: بنى بها، وأصل ذلك أنهم كانوا إذا أعرسوا بنوا القباب على العرائس، والمتعارف في كلامهم بنى على المرأة القبة، ولايمنع القياس دخول الباء في هذا الموضع)) (¬2). أما الموضع الثاني الذي ورد فيه مصطلح ((الإجماع)) صراحة فهو: يقول أبوالعلاء عند قول أبي تمام: أَنا أَفدي ساجي الجُفونِ يُسَمّى ... وَيُكَنّى بِبَعضِ عَبدِ الحَميدِ [بحر الخفيف] ((.. وقوله: ((وَيُكَنّى)) إنما يعني الاسم الآخر من أسماء الكنية؛ فقد يجوز أن يُكنى بهذه الأسماء التي تقدم ذكرها، وغيرها مما يُستغنى عن الإتيان به، وقال في أبيات أخرى: الحُسنُ وَالطيبُ إِذا استُجمِعا ... عَبدانِ عِندي لِأَبي عَبدِ [بحر السريع] ¬

(¬1) اللغة وأنظمتها: د. نادية رمضان، ص 156. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 55ـ 56ب31].

نظرية العامل عند أبي العلاء

وهذا إجماع من أهل اللغة ....)) (¬1). نظرية العامل عند أبي العلاء: وقف البحث على بعض النصوص لأبي العلاء التي تفيد قبوله لنظرية العامل، بل واستخدامها في شرح الديوان، ومن ذلك قول أبي العلاء عند قوله: ما رَبعُ مَيَّةَ مَعمورًا يُطيفُ بِهِ ... غَيلانُ أَبهى رُبًى مِن رَبعِها الخَرِبِ [بحر البسيط] ((... ونصب ((معمورا)) على الحال، والعامل في ((معمورا)) فعل مضمر ... والنحويون يجعلون المضمر في نحوهذا ((كان)) التي في معنى ((وقع))؛ ليخلص لهم معنى الحال، وإذا كان الأمر على ذلك جاز أن يُضمر كل ما هوفي معنى الوقوع. فإن زعم زاعم أن العامل في ((معمور)) قوله ((يُطيفُ)) فلا يمتنع ذلك، ولكن الوجه الأول أجود لما وقع في الوجه الثاني من التقديم والتأخير)) (¬2). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: يَهني الرَّعِيَّةَ أَنَّ اللهَ مُقتَدِرًا ... أَعطاهُمُ بِأَبي إِسحاقَ ما سَأَلوا [بحر البسيط] ((خفف الهمزة في ((يهني)) على لغة من قال: هناك في الماضي، ونصب ((مقتدرا)) على الحال، والعامل أعطى)) (¬3). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: هَذا إِلى قِدَمِ الذِّمامِ بِكَ الَّذي ... لَوأَنَّهُ وَلَدٌ لَكانَ وَصيفا [بحر الكامل] ((... ((هذا)) في موضع نصب على بفعل مضمر؛ كأنه قال: أذكر هذا الشيء أوأعُدُّهُ، أو نحوذلك من المضمرات)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 184ـ 185ب4]، والنص غير واضح، وفيه شيء من الغموض، غير أن جملة ((وهذا إجماع من أهل اللغة)) واضحة في الدلالة على مراد الباحث. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 57]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 9ب16]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 385ب39]، وينظر أيضا الموضعان التاليان: [3/ 164ب26]، [3/ 309ب4].

المذهب النحوي لأبي العلاء

المذهب النحوي لأبي العلاء: إن كان لابد للباحث أن يحدد لأبي العلاء مذهبا نحويا، فإن الباحث يرجح أن أبا العلاء كان يميل إلى المذهب ((البغدادي)) وهذا الترجيح يقوم على الأدلة التالية: 1ـ أن أبا العلاء لم يخرج من بلدته ((معرة النعمان من أعمال حلب)) إلا إلى طرابلس الشام، ثم رحل إلى بغداد سنة 398هـ، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى بلده، ولزمها إلى أن مات؛ أي أن الرحلة العلمية الوحيدة التي قام بها أبوالعلاء كانت إلى بغداد. 2ـ أن أبا العلاء إذا تناول مسألة نحوية أوصرفية، وعرض فيها آراء المذهب النحوية فإن أبا العلاء يذكر رأي البصريين، ثم رأي الكوفيين، ولا ينتصر لرأي منهما، ولا ينبه على أنه ضمن فريق من الفريقين. وندلل على ذلك بالآتي: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: قَدكَ اتَّئِب أَربَيتَ في الغُلواءِ ... كَم تَعذِلونَ وَأَنتُمُ سُجَرائي [بحر الكامل] ((((قَدْك)) في معنى حسبك، وهي كلمة تستعمل مع المضمرات كثيرا، ولا يعرف استعمالها مع الظاهر، وإذا جاءت مع المضمر فإنما يخاطب بها المواجه، ويعني بها المتكلم نفسه، فيقال: ((قَدْكَ يا رجل، وقدني)) .... وعند النحويين أن النون دخلت ها هنا لتبقى الدال على سكونها، وربما قالوا: ((قَدِي))، والفراء يجيز ذلك في غير الضرورة، وسيبويه يجعله من الضرورات ... فياء ((قدني)) عنده مثل ياء ((قدي))، وحذفت النون لإقامة الوزن)) (¬1). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: فَيا غالِبًا لا غالِبٌ لِرَزِيَّةٍ ... بَلِ المَوتُ لاشَكَّ الَّذي هُوغالِبُ [بحر الطويل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 20ب1].

((قوله: ((يا غالِبا)) نداء للذي يرثيه واسمه غالب، وتنوين العَلَم المُنادى محسوب من الضرورات، والنحويون فيه مختلفون، بعضهم يختار النصب، وبعضهم يختار الرفع ...)) (¬1). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: مُسِفِّهِ ثَرِّهِ مُسَحسِحِهِ ... وابِلِهِ مُستَهِلِّهِ بَرِدِه وَهَل يُساميكَ في العُلى مَلِكٌ ... صَدرُكَ أَولى بِالرُّحبِ مِن بَلَدِه [بحر المنسرح] ((... و ((مُسَحسِح)): كثير الصب، وبعض الناس يذهب إلى أن ((مسحسحا)) مأخوذ من السح، وأصحاب القياس من أهل البصرة يزعمون أن ((سحسح)) من غير لفظ ((سَحَّ)). ووزن ((مُسَحسِح)) على رأي سيبويه، ((مُفَعْلِل))، وعلى رأي غيره من أصحاب النظر ((مُفَعْفِل))، وعلى ما ثبت في كتاب العين ((مُفَعْفِع)))) (¬2). 3ـ أن أبا العلاء كان يعتمد على السماع والقياس بنفس الدرجة: قال أبوالعلاء: ((أهل اللغة يختارون بنى فلان على أهله، ويكرهون: بنى بها، وأصل ذلك أنهم كانوا إذا أعرسوا بنوا القباب على العرائس، والمتعارف في كلامهم بنى على المرأة القبة، ولايمنع القياس دخول الباء في هذا الموضع)) (¬3). وهذا هوما تتبعه المدرسة البغدادية التي اتبع نحاتها ((منهجا جديدا في دراساتهم ومصنفاتهم النحوية يقوم على الانتخاب من آراء المدرستين البصرية والكوفية جميعًا)) (¬4). فأبو العلاء لم يكتف بالسماع كما تقول المدرسة الكوفية، بل أطلق القياس كما تقول المدرسة البصرية. ******* ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 40ب1]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 439ب44، 45]، ولمزيد من المواضع ينظرأيضا: [2/ 193ب8] [1/ 306] [4/ 38ب5] [1/ 372ـ 373] [2/ 207] [1/ 180ب8] [1/ 439ب45]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 55ـ 56ب31]. (¬4) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص245

المبحث الثالث: الأصول النحوية عند التبريزي

المبحث الثالث: الأصول النحوية عند التبريزي أولا السماع: أول ما يلفت نظر الباحث أن التبريزي كان مولعا باستخدام كلمة ((يُقَال)) التي كانت تتكرر مع كل بيت يشرحه من ديوان أبي تمام، بل أحيانا تتكرر في شرح البيت الواحد مرتين وثلاث مرات. فهويشرح البيت ثم يؤيده بما ((يُقَال)) في القرآن أوقراءاته أوفي الشعر (¬1) أوالأمثال أوالكلام المتمثل في اللغة الفصيحة القديمة أوالحديثة، بل كانت كلمة ((يُقَال)) تتناول وتطول اللغة العامية عند العوام (¬2). ¬

(¬1) كان يحلو للتبريزي أن يسمي الشعر قبل الإسلام ((الشعر القديم)) [يُنْظَرُ 4/ 39ب6، 2/ 32 ـ 33 ب2]، و ((الشعر الأول)) [يُنْظَرُ 2/ 455ب2]. (¬2) تراجع جزئية: ((اللغة عند التبريزي))،ونشير إلى أن التبريزي اضطر إلى اللجوء إلى لغة العوام لتوضيح بعض أبيات أبي تمام التي استخدم فيها أبوتمام نفسه كلمات عامية، ومثال ذلك: قال التبريزي عند قول أبي تمام: لَم يُسَوَّد وَجهُ الوِصالِ بِوَسمٍ ال ... حُبِّ حَتّى تَكَشخَنَ العُشّاقُ [بحر الخفيف] ((تَكَشخَنَ: كلمة عامية لا تعرفها العرب، وإذا حملت على القياس فالصواب ((تكشخ))؛ لأنك إذا بنيتَ ((تَفَعَّل)) من سكران فالوجه أن تقول ((تَسَكَّر)) وأما مثل ((تَسَكْرن)) من السكران، و ((تعطشن)) من العطشان ـ فمعدوم قليل)) [ينظر:4/ 405 ـ 406ب6]. وفي بعض الأحيان نجد التبريزي يقبل ما يستخدم فيها ويجيزه، ومثال ذلك قوله عند بيت أبي تمام: مِن كُلِّ ضاحِكَةِ التَّرائِبِ أُرهِفَت ... إِرهافَ خوطِ البانَةِ المَيّاسِ [بحر الكامل] ((في النسخ ((ضاحكة الترائب))، وراية أبي العلاء: ((ضاحكة الشمائل)) ... والنحويون يذهبون إلى أن ((شِمالا)) يكون واحدًا وجمعا، والعامة يقولون: ((فلان حسن الشمائل))؛ يريدون به ((حسن الخلق والقد))، والاشتقاق يجيز ذلك)). [2/ 243ب5].

وهنا نشير إلى أن الفترة الزمنية التي تتحرك فيها كلمة ((يُقَال)) تشمل الفترة الزمنية قبل الإسلام وبعده حتى عصره. وكان التبريزي لا يجد حرجا أن تكون اللغة حتى عصره، وعلى كافة مستوياتها الفصيحة موضع استخدام عنده (¬1). وتردد هذه الكلمة اللافت للنظر عند التبريزي يدل دلالة واضحة على تقيد التبريزي بـ ((السماع))، والاعتماد عليه بشدة في شرح الديوان. بل إننا نجد في أقواله ما يشير صراحة وضمنا لتفضيله ((السماع)) على ((القياس))، وهو بذلك يكون مخالفا لأستاذه أبي العلاء: ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: وَبَيَّتَّ البَياتَ بِعَقدِ جَأشٍ ... أَشَدَّ قُوًى مِنَ الحَجَرِ الصَّلودِ [بحر الوافر] ((... ومن روى: ((أَمَرَّ قوًى)): فالمعنى أشدَّ إمرارًا؛ أي: فتلا، و ((أَشَدّ قُوًى)) أجود الروايتين؛ لأن المعروف أمررت الحبل بالهمز، وهم يجتنبون أن يبنى فعل التعجب على ((أَفْعَلَ)) في التفضيل، إلا في أشياء مسموعة. وقد ذهب بعضهم إلى أن ذلك قياس مطرد في كل فعل ماض على ((أفعل))؛ والأخذ بالسماع أحسن)) (¬2). ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: ما خالِدٌ لي دونَ أَيّوبٍ وَلا ... عَبدُ العَزيزِ وَلَستُ دونَ وَليدِ [بحر الكامل] ((و ((وليد)): يعني به الوليد بن عبد الملك، فحذف الألف واللام وهوجائز. وقد استعمل ذلك الطائي كثيرا في مواضع، وهوجائز، إلا أن تركه أحسن)) (¬3). ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: يَقولُ مَن تَقرَعُ أَسماعَهُ ... كَم تَرَكَ الأَوَّلُ لِلآخِرِ [بحر السريع] ¬

(¬1) وهومسبوق في هذا بفكر أستاذه أبي العلاء. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 38ب27]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام: [1/ 395ب39].

((جعل ((مَنْ)) في معنى الجمع؛ لأنها عامة، تقع على الواحد، والاثنين، والمذكر، والمؤنث والجمع ... ولولا ذلك لم يحسُن أن يقول ((أسماعه))؛ لأنه لا يجمع سمع الإنسان الواحد، وإن كان جائزا، فليس بحسن)) (¬1). وكان السماع عنده هوالذي مهد الطريق لـ ((تحديد المستعمل)) في اللغة من ((غير المستعمل))، وأيها ((أكثر استعمالا وترددا في النثر والشعر))، وما هو من ((كلام العرب))، وما هومن غيره، وما بناه أبوتمام على هذا المسموع، وما لم يبنه، ومثال ذلك قوله: ـ ((التنائف: جمع ((تَنُوفة))؛ وهي القفر من الأرض. ولم يستعملوها إلا بالزيادة، ولم يقولوا ((التُّنُف)))) (¬2). ـ ((والهَفْواء: فعلاء؛ من قولهم: هفا، يهفو. وهي كلمة قليلة في الاستعمال)) (¬3). ـ ((يقال غدا الشيء وأغداه، جائز في القياس، وهومفقود في المسموع)) (¬4). ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: وَلِذاكَ كانوا لا يُرأَّسُ مِنهُمُ ... مَن لَم يُجَرَّب حَزمُهُ مُرؤوسا [بحر الكامل] ((هذا البيت مبني على قولهم: فلان قد آل وإيل عليه؛ أي: ساس وسيس)) (¬5). ومن نافلة القول أن نثبت أن هذا الاطلاع الواسع على المسموع مكنه من شرح الديوان: ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: إِن رُمتَ تَصديقَ ذاكَ يا أَعوَرُ الدََّجالُ فَالحَظهُمُ وَلا تَذُبِ [بحر المنسرح] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 161ب6]. وينظر أيضا المواضع التالية: [4/ 399ب27]، [4/ 456ب26]، [4/ 290ب2]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 174ب2]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 356 ـ 357]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 205ب19]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 270ب32]، وينظر أيضا [4/ 549ب20]

((جعل ((أعور)) معرفة بالنداء، ثم نعته بالدجال، وبعض العرب يستوحش من هذه البنية، واستعمالها في كلامهم قليل، لا يكاد يوجد: يا غلامُ العاقلُ، أقبل)) (¬1). وشمل المسموع عنده ((القراءات القرآنية)). وقد وظفها في شرحه لبعض أبيات الديوان، ومن ذلك قوله عند قول أبي تمام: وَلَئِن أَرَدتَ لَأَعذِرَنَّكَ مُحمَلا ... وَالعَجزُ عِندي عُذرُ غَيرِ المُعذِرِ [بحر الكامل] ((يقال: أعذر فهومعذِر؛ إذا بلغ العُذر. وقرأ بعضهم: {وَجَاءَ الْمُعَْذِرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ} (¬2) [التوبة:90])) (¬3). ـ قال عند قول أبي تمام كَم حاجَةٍ صارَت رَكوبًا بِهِ ... وَلَم تَكُن مِن قَبلِهِ بِالرَّكوبْ [بحر السريع] ((أصل ((الركوب)) فيما يركب من الحيوان وقد قرئ: {رَكُوبهم} (¬4) و {رَكُوبتهم} (¬5))) (¬6). ـ قال عند قول أبي تمام: وَإِذا مَشَت تَرَكَت بِصَدرِكَ ضِعفَ ما ... بِحُلِيِّها مِن كَثرَةِ الوَسواسِ [بحر الكامل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 306ب8]، ومن الأمور المهمة التي يستنبطها الباحث من كلام التبريزي هنا أنه سمى هذا التركيب: ((يا (أداة نداء) + منادى صفة مشبهة + نعت)) بنية، وأن استخدام هذه البنية قليل. (¬2) جاء في معجم القراءات القرآنية عن هذه القراءة 3/ 35: ((القارئ: الكسائي، عاصم، الشنبوذي، ابن عباس، زيد بن على، الأعرج، أبوصالح، عيسى بن هلال، قتيبة، مجاهد، شعبة، يعقوب، الضحاك، المصدر: النشر 2/ 280، الكشاف: 2/ 270)). (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 456ب27]. (¬4) جاء في معجم القراءات القرآنية عن هذه القراءة 5/ 221: ((القارئ: الحسن، المطوعي، أبوالبرهم، الأعمش، ابن السميفع، المصدر: إتحاف فضلاء البشر 367، الكشاف: 2/ 330)) (¬5) جاء في معجم القراءات القرآنية عن هذه القراءة 5/ 222: ((القارئ: عائشة، عروة، هشام بن عروة، أبي بن كعب، المصدر: الكشاف: 3/ 330 ....)). (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 48ب11].

((الحُلِيّ ـ بضم الحاء وكسر اللام ـ جمع ((حَلْي))، وقد قرئ بهما جميعا (¬1) في قوله تعالى: چ ? ? ? ? چ [الأعراف: 148])) (¬2). والمسموع عند التبريزي أمر قابل للتطور على المستوى الدلالي والنحوي، ومثال ذلك: ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: أَخلَبَت بَعدَهُ بُروقٌ مِنَ الله وَجَفَّت غُدرٌ مِنَ التَّشبيبِ [بحر الخفيف] ((وأخلب البرق غير مستعمل في الكلام القديم)) (¬3). ـ قال عند قول أبي تمام: حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُّجى رَغِبَت ... عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَمسَ لَم تَغِبِ [بحر البسيط] ((والدجية: الظلمة، وقال قومٌ: لايقال دُجية إلا لليل مع غيم، فأما المحدثون فيعبرون بالدجى عن الليل، ولا يفرقون بين المقمر وغيره)) (¬4). ـ وقال عند قول أبي تمام: يا مُوضِعَ الشَّدَنِيَّةِ الوَجناءِ ... وَمُصارِعَ الإِدلاجِ وَالإِسراءِ [بحر الكامل] ((يقال: وضع البعير، يضع، وضعا؛ إذا سار ذلك الضرب من السير، وأوضعه صاحبه؛ إذا حمله على الوضع. ثم استغنوا عن المفعول فقالوا: أخب فلان وأوضع)) (¬5). ¬

(¬1) ينظر: معجم القراءات القرآنية: 2/ 403 (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 245ب8]. وباستخدام التبريزي للقراءات القرآنية ينضم إلى فريق المحايدين والقابلين للقراءات القرآنية. [ينظر: مواقف النحاة من القراءات القرآنية: د. شعبان صلاح،112، دار غريب، 2005]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 118ب6]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 53 ـ 54ب27]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 7ب1]،وينظر أيضا: اللغة عند التبريزي في هذا البحث

ثانيا القياس عند التبريزي

والمسموع عنده منقول عن ((أصحاب اللغة)) و ((أصحاب المعاني)) و ((أصحاب النقل)): ـ قال التبريزي: ((وأصحاب النقل يرون تصغير الضحى ضُحي)) (¬1). ـ وقال: ((أصحاب اللغة يختلفون في تفسير السميدع، إلا أنه مدح لا اختلاف فيه)) (¬2). ـ وقال: ((القَسِمَة ـ عن الأصمعي ـ: مجاري الدمع. وقال أبوعبيدة: القَسِمَة: أعلى الوجه، وقال الفراء: القَسِمَة: الوجه)) (¬3). ******** ثانيا القياس عند التبريزي: أول ما نلمح من أمر القياس عند التبريزي أنه يرادف مصطلح ((الاشتقاق))، وهذا ما نستشفه من أقوال التبريزي التالية: ـ ((أكثر ما يفسرون ((البَلِيل)) ـ إذا كان من صفة الريح بالباردة، والاشتقاق يدل على أن البليل التي فيها شيء من المطر)) (¬4). ـ ((وفاقع من صفات الأصفر ... والاشتقاق لا يمنع أن يوصف الأبيض بالفاقع، إلا أنهم لم يستعملوه)) (¬5). ـ ((.. والأرسال: جمع رَسَل، فقال قوم هواسم للإبل .... والاشتقاق يوجب أن الأرسال التي يتبع بعضها بعضا في الإبل وغيرها)) (¬6). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54ب28]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 352ب27]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 34ب7]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 165ب31]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 581ب7]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 254ب43]. وذكر التبريزي أن القياس لغة هو ((ضد التقليد))، [2/ 247ب15]، كما أننا نلمح عبارات أخرى تدل على القياس، مثل قول التبريزي: ((جار مجرى)) [1/ 305]، و ((وهوكقولهم)) [3/ 146]، و ((وهوعلى مذهب قولهم)) [4/ 133]، ((من قولهم)) [1/ 14]، ((ومثل ذلك يتردد في الكلام)) [1/ 14] هذا بالإضافة لكلمته الشهيرة ((يقال)).

وقد لعب القياس مع التبريزي دورا مهما في الشرح، إذ نجد مواضع عديدة استخدمه فيها كوسيلة للشرح والإبانة عن المعنى: ـ قال عند قول أبي تمام: فَكَم لي مِن هَواءٍ فيكِ صافٍ ... غَذِيٍّ جَوُّهُ وَهَوًى وَبِيِّ [بحر الوافر] ((... ومن روى ((عَذِيٍّ)) بالعين غير معجمة؛ فإنه يأخذه من الأرض العَذِية، وهي الأرض طيبة التراب. إلا أن التشديد في ((العَذِيِّ)) و ((العَذِيِّة)) غير مستعمل، والقياس يجيزه؛ ((فَعِلا)) و ((فَعِيلا)) يشتركان كثيرا، كقولهم: سَقِمٌ وسَقِيم، وجَرِحٌ وجَريح)) (¬1). ـ قال عند قول أبي تمام: تُعطيكَ مَنطِقَها فَتَعلَمُ أَنَّهُ ... لِجَنى عُذوبَتِهِ يَمُرُّ بِثَغرِها [بحر الكامل] ((استعمل ((المنطق)) في معنى النطق على المجاز، ولوحمل على القياس لوجب أن يكون المنطق موضع النطق؛ أي: الفم)) (¬2). ونلمح في النص السابق ثَمَّ موضع التقاءٍ يجتمع فيه القياس والاشتقاق، هو معنى القياس على المشتق؛ فحمل منطق على القياس مثلا، يعني حمله على ما ينبغي أن يكون عليه اشتقاق اسم المكان من مادته. ـ وقال: ((يقال: أغث الحديثُ؛ إذا صار غثا، والقياس لا يمنع أن يقال: غث يَغث)) (¬3). ـ قال عند قول أبي تمام: كَأَنَّ عَلَيها الدَّمعَ ضَربَةَ لازِبٍ ... إِذا ما حَمامُ الأَيكِ في الأَيكِ غَنَّتِ [بحر الطويل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 335ب5]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 212ب4]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 366ب35].

((الأيك: الشجر الملتف، وأكثر ما يقولون غنى الحمام، والتأنيث جائز في كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء، مثل: نخل ونخلة، وتمر وتمرة)) (¬1). ـ قال عند قول أبي تمام: وَإِن بَكَرَت في ظُعنِهِم وَحُدوجِهِم ... زَيانِبُ مِن أَحبابِنا وَعَواتِكُ [بحر الطويل] ((الزيانب: جمع زينب، هكذا يوجب القياس، فأما الشعر القديم فقلما يوجد فيه الزيانب)) (¬2). وقد لعب القياس عند التبريزي دورا في بيان مدى خروج أبي تمام على المألوف، أواستخدامه لأساليب رديئة: ـ قال عند قول أبي تمام: سَقاهُم كَما أَسقاهُمُ في لَظى الوَغى ... بِبيضِ صَفيحِ الهِندِ وَالسُّمُرِ الذُّبلِ [بحر الطويل] ((وحرك ((السُّمْر)).، والقياس تسكينها، ولكنه شبه الجمع بالواحد؛ فثقل الميم، كما يقال: الثُّكُل والثُّكْل و ((الذُّبل)) جمع ((ذَبُول))؛ لأن ((فعُولا)) بابه أن يجمع على ((فُعْل))، وجمع ((فاعل)) على هذا المثال قليل؛ فكان حمله على ((فَعُول)) أوجب)) (¬3). وجاء في شرح شافية ابن الحاجب لركن الدين الاستراباذي تعليقا على قول ابن الحاجب في جموع التكسير عند قوله: ((وما زيادته مدة ثالثة في الاسم)) قوله: ((وإن كانت تلك المدة واوا، نحو: فَعُول، يجمع على: فُعُل بضم الفاء والعين غالبا كـ ((صَبُور وصُبُر)))) (¬4). وقد يدخل كلام التبريزي هنا في أن ((فعُولا)) بابه أن يجمع على ((فُعْل)) بسكون العين في الاستثناء الذي وضعه ركن الدين. ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 301ب9]. وتنظر أيضا المواضع التالية: [1/ 235ب6]، [3/ 313ب12]، [3/ 236ب19]، [4/ 523ب22]، [4/ 358ب3]، [4/ 373ب9]، [4/ 18ب20]، [1/ 54]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 457ب3]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 521ب14]. (¬4) شرح شافية ابن الحاجب: حسن بن محمد بن شرفشاه الحسيني الأستراباذي، ركن الدين، 1/ 451، تحقيق: د. عبد المقصود محمد عبد المقصود، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، ط1، 1425 هـ/2004م

ـ قال عند قول أبي تمام: غَيثٌ حَوى كَرَمَ الطَّبائِعِ دَهرَهُ ... وَالغَيثُ يَكرُمُ مَرَّةً وَيَلومُ [بحر الكامل] ((عادة العرب إذا خففوا الهمزة في مثل: ((يلؤُم)) أن يلقوا الحركة على اللام، ويحذفوا الهمزة؛ فيقولوا: ((يَلُم)) وفي ((يسأم)) ((يَسَم))، وفي: ينئِم ((يَنِم))، وبعضهم يقولون: يلوم، ويسام وينيم الليث؛ وذلك رديء، قليل في كلامهم)) (¬1). وإذا كان القياس لعب دورا في كشف الأساليب الرديئة عند أبي تمام فقد لعب دورا في بيان ((موافقته للأساليب اللغوية)): ـ قال عند قول أبي تمام: وَيَجزيكَ بِالحُسنى إِذا كُنتَ مُحسِنًا ... وَيَغتَفِرُ العُظمى إِذا النَّعلُ زَلَّتِ [بحر الطويل] ((هذا مثل يضرب لمن قعد به الدهر وأصابته رزية، وليس ثم نعل، وإنما هوجار مجرى قولهم: ((استقدمت راحلته، وخفت نعامته)))) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: وَلَيسَ امرُؤٌ يَهديكَ غَيرَ مُذَكَّرٍ ... إِلى كَرَمٍ إِلّا امرُؤٌ ضَلَّ ضُلُّهُ [بحر الطويل] ((يقال: ضَلَّ ضُلَّ الرجل، وضل ضلاله؛ إذا بولغ في وصفه بالضلال، وهو كقولهم: ((جُنَّ جنونه، وجاع جوعه)))) (¬3). القياس الأسلوبي لشعر أبي تمام: قام التبريزي بما أسميناه عند أبي العلاء بالقياس الأسلوبي، بمعنى أنه اتخذ من الخصائص الأسلوبية لأبي تمام خلفية يقيس عليها استخداما لغويا له، أوـ من خلالها ـ يرد رواية لا تنسجم مع تلك الخصائص. ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 291ب21]، ولمزيد من المواضع تنظر المواضع التالية: [2/ 57ب45]، [4/ 422ب5]، [4/ 577ب45]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 305ب26]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 146ب2].

ـ قال عند قول أبي تمام: أَإِلى بَني عَبدِ الكَريمِ تَشاوَسَت ... عَيناكَ وَيلَكَ خِلفَ مَن تَتَفَوَّقُ [بحر الكامل] ((استعار ((الخِلْف)) و ((والتفوق)) في هذا الموضع، يقول: هؤلاء رؤساء جِلة؛ فقد أخطأت في تعرضك لهم، كما تقول للرجل إذا سمعته يطعن في قوم: إِثْلَةَ من تَنْحِت، وورقَ أيِّ غُصْنٍ تَحُتُّ. ومن روى ((خَلْف)) بفتح الخاء، فهوبعيد من مذهب الطائي، وله مذهب في القياس)) (¬1). ـ قال عند قول أبي تمام: فَزِعوا إِلى الحَلَقِ المُضاعَفِ وَارتَدوا ... فيها حَديدًا في الشُّؤونِ حَديدا [بحر الكامل] ((هومثل قوله: ((لظننتُ عودك عودا)))) (¬2). ... خروجات أبي تمام الأسلوبية بين القياس والسماع: نناقش هنا موقف التبريزي من ((الانحرافات الأسلوبية)). وقد سبق أن ناقشنا جزئيةً مماثلة عند أبي العلاء. وبداية نقول: إن التبريزي يعطي لأبي تمام الحق في ((التصرف في اللغة)) مثله في ذلك مثل بقية الشعراء، وهو بذلك يوافق أستاذه أبا العلاء: فَما أَبقَيتَ لِلسَّيفِ اليَماني ... شَجًا فيهِم وَلا الرُّمحِ الرُّدَيني [بحر الوافر] ((خفف ياء ((الرديني)) للضرورة، وذلك في القافية كثير. وهم (أي الشعراء) يحذفون الأصول في الفواصل، فما بال الفروع؟)) (¬3). وهويقبل منه ((انحرافه اللغوي)) طالما أن للكلام ((مَسَاغًا)): ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 396ب18]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 416ب30]، وينظر أيضا المواضع التالية: [2/ 38ب27]، [3/ 291ب21]، [1/ 9]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 299ب13 ـ 14].

كَم قَد دَعَت لَكَ بِالإِخلاصِ مِن مَرَةٍ ... فيهِم وَفَدّاكَ بِالآباءِ مِن رَجُلِ [بحر البسيط] ((.. إذا عَدِمَت ((المرأة)) الألف واللام فالأحسن أن يلزمها ألف الوصل ... ولم يحفل الطائي بذلك إذ كان سائغا في الكلام)) (¬1). وكان التبريزي يحاول أن يلتمس ((تبريرا)) لانحرافات أبي تمام الأسلوبية: إما من سماع، أوتأييد بقولٍ لأحد العلماء، أوتوجيه بلاغي: ـ قال عند قول أبي تمام: عَنَّت فَأَعرَضَ عَن تَعريضِها أَرَبي ... يا هَذِهِ عُذُري في هَذِهِ النُّكَبِ [بحر البسيط] ((قوله: ((في هذه النُّكَب)) يروي بضم النون وفتح الكاف؛ كأنه جمع نُكْبة مثل ظُلْمَة وظُلَم، ولم يذكروا ((نُكْبة)) بضم النون، وإنما المعروف: ((أصابتهم نكبة))، بفتح النون؛ فإن كان الطائي قد سمعه في شعر؛ فيجوز أن يكون من باب ((نَوْبة ونُوَب، ودَوْلة ودُوَل)))) (¬2). ـ وقال: قَسَمَ الزَّمانُ رُبوعَها بَينَ الصَّبا ... وَقَبولِها وَدَبورِها أَثلاثا [بحر الكامل] ((قيل في ((القَبول)) إنها الصَّبا، وقال النَّضْر بن شُمَيل: القَبُول: ريح بين الصَّبَا والجَنُوب، وقال ابن الأعرابي: القَبُول: كل ريح لينة طيبة المس تقبلها النفس؛ فليس للرد على أبي تمام وجه)) (¬3). ـ وقال: فَما أَبقَيتَ لِلسَيفِ اليَماني ... شَجاً فيهِم وَلا الرُمحِ الرُدَيني وَقائِعُ أَشرَقَت مِنهُنَّ جَمعٌ ... إِلى خَيفَي مِنًى فَالمَوقِفَينِ [بحر الوافر] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 96ب32]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 545ب1]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 321ب2].

((وثنى ((الخَيْف)) وهوما ارتفع من المسيل، وانحدر عن الجبل؛ لأنه أراد إقامة الوزن، وذلك جائز على معنى الاتساع؛ وإنما يجئ في الشعر القديم خيفُ مِنًى)) (¬1). فإذا لم يجد ((مبررا)) فإن يكتفي بذكر ((الانحراف الأسلوبي)) بدون تعليق منه: ـ قال عند قول أبي تمام: نَقولُ إِن قُلتُمُ لا لا مُسَلَّمَةً ... لِأَمرِكُم وَنَعَم إِن قُلتُم نَعَما [بحر البسيط] ((... ((لا))، ((نعم)) يُحكيان، وهما ينوبان عن جملتين .... والغالب عليها ألا يدركهما إعراب، وقد أعرب الطائي ((نعم)) في هذا البيت .. ونصب الطائيُّ ((نعم)) في القافية؛ لأنه أخرجها من بابها، وجعلها مفعولة للقول)) (¬2). ـ وقال: سَقاهُم كَما أَسقاهُمُ في لَظى الوَغى ... بِبيضِ صَفيحِ الهِندِ وَالسُّمُرِ الذُّبلِ [بحر الطويل] ((.. وحرك ((السُّمْر))، والقياس تسكينها، ولكنه شبه الجمع بالواحد؛ فثقَّل الميم، كما يقال: الثُّكُل والثُّكْل و ((الذُّبل)) جمع ((ذَبُول))؛ لأن ((فَعُولا)) بابه أن يجمع على ((فُعُل))، وجمع ((فاعل)) على هذا المثال قليل؛ فكان حمله على ((فَعُول)) أوجب)) (¬3). وكان لا ينتقد أبا تمام إلا نادرا: ـ قال: أَيُّ كَريمٍ يَرضى بِشَتمِ بَني ... عَبدِ الكَريمِ الجَحاجِحِ النُّجُبِ [بحر المنسرح] ((الجَحَاجِح: جمع جَحْجَاح، وهوالسيد، يقال في جمعه: جَحَاجِحة، والقياس أن تُثْبِت فيه الياء)) (¬4). ـ وقال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 299ب13 ـ 14]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 174ب48]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 521ب14]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 305ب4].

الشَّرقُ غَربٌ حينَ تَلحَظُ قَصدَهُ ... وَمَخالِفُ اليَمَنِ القَصِيِّ شَآمُ [بحر الكامل] ((... وقد تردد مجيء ((الشآم)) في شعر الطائي على ((فَعال))، وقد جاء ذلك في الشعر القديم إلا أنه شاذ)) (¬1). **** الإجماع، ونظرية العامل عند التبريزي: نجد في لمحة سريعة ما يفيد وعي التبريزي بـ ((الإجماع))، وإن لم يستخدم هذا الاصطلاح صراحة: ـ قال: شَتّانَ بَينَهُما في كُلِّ نازِلَةٍ ... نَهجُ القَضاءِ مُبينٌ فيهِما جَدَدُ [بحر البسيط] ((وأهل اللغة يحكون أن الاختيار ((شتان زيدٌ وعمرو))، ويكرهون: ((شتان ما بينهما))، وإذا كرهوا: ((شتان ما بينهما)) فهم ((لشتان بينها)) أكره)) (¬2). ـ وقال: ((... وواحدُ ((الشمائل: شمال))، والنحويون يذهبون إلى أن ((شِمالا)) يكون واحدًا وجمعًا)) (¬3). ونلمح وجود وعي للتبريزي بـ ((نظرية العامل)) في بعض المواقع القليلة: وَأَينَ بِوَجهِ الحَزمِ عَنهُ وَإِنَّما ... مَرائي الأُمورِ المُشكِلاتِ تَجارِبُه [بحر الطويل] ((يقول أين يُعدَل عنه بوجه الحزم؟ وتضمر الفعل، أي كيف يبهم عليه وجه الرأي)) (¬4). وقال: لَمّا استَحَرَّ الوَداعُ المَحضُ وَانصَرَمَت ... أَواخِرُ الصَّبرِ إِلّا كاظِمًا وَجِما [بحر البسيط] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 154ب24]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 16ب25]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 243ب5]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 227ب26].

((... و ((وجَمَ)) على هذا الوجه منصوب بوقوع الفعل عليه، والذي عَمِلَ فيه اسم الفاعل، وهوكاظم)) (¬1). ... المذهب النحوي للتبريزي: باستقراء شرح التبريزي يمكن أن نقول: إنه كأستاذه لم يكن ينتمي للمدرسة ((البصرية)) أو ((الكوفية))، ودليل ذلك أنه عند مناقشته لقضية ((نحوية)) أو ((صرفية)) يصدرها بقوله: ((والنحويون)) أو ((وأصحاب النحو)): ـ ((والنحويون يذهبون إلى أن ((شِمالا)) يكون واحدًا وجمعًا)) (¬2). ـ ((وأصحاب النحو يختلفون في اشتقاق ((الإنسان)))) (¬3). وفي بعض الأحيان عند بسطه لقضية نحوية أوصرفية يذكر رأي البصريين ورأي الكوفيين، ولا يرجح رأيا على رأي: ـ قال عند قول أبي تمام: نِعَمٌ إِذا رُعِيَت بِشُكرٍ لَم تَزَل ... نِعَمًا وَإِن لَم تُرعَ فَهيَ مَصائِبُ [بحر الكامل] ((قياس النحويين البصريين يُوجِب ألا تهمز ((المصايب))، وأن يقال: ((مصاوِب)) بالواو؛ لأنها من صاب يصوب، وقد حكي بعضُ العلماء ((مَصَاوب)) و ((مصايب)) بالواووالياء. وقال قوم يقال: صاب السهم يصيب، وإذا أخذ من ذلك جاز أن يكون من قولهم مصايب بالياء، ويكون من باب ((مَعايش))، إلا أن الكوفيين يسهلون الهمز في مثل هذا الموضع على التشبيه، ويجعلون الأصلي كالزائد، ويُشبهونه بـ ((صحايف))، وقد قالوا: مزادة ومزايد، والمزادة الغالب عليها أن تكون من الزاد، والزادُ من ذوات الواولقولهم: زودتُ الرجل، وقالوا: مزود؛ لأنه يكون فيه الزاد، فإن كانت ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 167ب6]، وينظر أيضا الموضع التالي: [4/ 400ب31]، وقد تكون كلمة ((يقال)) الكثيرة الانتشار عند التبريزي نوعا من الإجماع. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 243ب5]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 246ب9ـ 10].

المبحث الرابع: الأصول النحوية بين أبي العلاء والتبريزي

المزادة من الزاد فهي من ذوات الواووقد جُمِعَت بالياء، وقد يمكن أن يدعي لها أنها من زاد يزيد، كأنها زيادة على الزاد الذي يؤكل؛ لأن أكثر ما يُستَعمل الزادُ في المأكول)) (¬1). المبحث الرابع: الأصول النحوية بين أبي العلاء والتبريزي اعتمد أبو العلاء والتبريزي على السماع والقياس بدرجة كبيرة في شرح الديوان. وكان الاعتماد على السماع له النصيب الأكبر في هذا الشرح، خاصة عند التبريزي. ودائرة السماع التي تحرك فيها الرجلان واسعة ممتدة من العصر الجاهلي حتي عصرهما. واللغة عندهما ـ كما سنبين في الباب التالي ـ تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ((اللغة العالية (¬2)، أولغة أهل العلم))، والقسم الثاني: ((اللغة العامية)). وكان القسم الأول هوالذي تحركت فيه ((دائرة السماع)) عندهما ذهابا وإيابا، من العصر الجاهلي إلى عصرهما، بداية القرن السادس الهجري. ولم يحدد أبوالعلاء ولا التبريزي ((فترة زمنية محددة بشكل مؤكد وحاسم)) (¬3) يردان إليها ((سماعهما))، أو ((قياسهما))، بل اللغة على طول هذا الامتداد الزمني هي لغة ((مقبولة)). إذن فكرة ((تحديد زمان ومكان معينين للاحتجاج اللغوي)) لم تكن مؤكدة تماما عند أبي العلاء والتبريزي؛ إذ نجد لديهما استشهادات لغوية شعرية لشعراء بعد عام ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 175ب6]. وينظر أيضا في نفس هذه الجزئية: [4/ 455ب26]، [4/ 341ب2]. (¬2) استخدم هذا المصطلح كل من أبي العلاء والتبريزي، ينظر: [2/ 297ب10].، و [4/ 582ب10]، ولاشك أن التبريزي قد أخذ هذا المصطلح من أستاذه أبي العلاء. ومن اللافت للنظر أنهما لم يحددا لمن تنسب هذه اللغة. (¬3) هذا على مستوى شرحهما على ديوان أبي تمام.

150هـ. ولكنها كانت استشهادات قليلة (¬1)، فمعظم الاستشهادات الشعرية لشعراء كانوا قبل عام 150هـ. لقد لقيت فكرة تحديد نُطُق معينة للاحتجاج ((احترامًا كبيرا تمثَّل في الاعتراف بها، والأخذ في تحديد طبقات الشعراء وغيرهم بها، كما تمثل في التزام علماء اللغة بها إلى درجة كبيرة من حيث تجنب الاحتجاج بكلام المولدين)) (¬2). وكان من تبعات هذا التحديد الزماني والمكاني أن ((حُرِم النحو من صور رفيعة من التركيب اللغوي كانت دراستها أجدى على العربية ولاشك من تلك الآراء والنوادر التي شُغلوا بالتقاطها. وكان جل قيمتها أن تمثل شواذ أواستثناءات وتفريعات تضفي على القواعد النحوية بظلال كثيفة من الاضطراب والتهويش)) (¬3). أما جانب اللغة فقد كان الأمر أفدح؛ إذ إن اللغويين ((أخذوا بتلك المعايير بصورة شبه كاملة أيضا؛ إذ أعرضوا عن نتاج مئات ومئات من الشعراء والناثرين ذوي الحس العربي الأصيل؛ فحرموا اللغة من ثروة من الإضافات في المفردات والتعبيرات لا يمكن جمعها الآن إلا بجهود كثيرة متضافرة قد لا تتيسر)) (¬4). ¬

(¬1) مثل شعر أبي نواس، توفي 198 هـ، والبحتري توفي 284 هـ[1/ 408]، وعبد الله ابن طاهر توفي 230 هـ[2/ 17]، ومسلم بن الوليد صريع الغواني توفي 208 هـ[2/ 37]، وأبودلف العِجْليّ توفي 221هـ أو230هـ[2/ 98]، المتنبي توفي 354 هـ[2/ 322]. بل نجد أن التبريزي يستشهد بشعر بعض المحدثين دون أن يذكر اسمه. قال عند قول أبي تمام [2/ 15]: إِن تَنفَلِت وَأُنوفُ المَوتِ راغِمَةٌ ... فَاذَهب فَأَنتَ طَليقُ الرَّكضِ يا لُبَدُ [بحر البسيط] ((شبهه بلبد، وهوآخر نسور لقمان، ... وقال بعض المحدَثين يخاطب رجلا شبهه بلبد في طول عمره: يا نسر لقمان كم تعيش وكم ... تسحب ذيل الحياة يا لبد)) كما أن كلمة ((يقال)) كثيرة الدوران على لسان التبريزي لم تربط بفترة زمنية محددة. (¬2) الاحتجاج بالشعر في اللغة، الواقع ودلالته: د. محمد حسن حسن جبل،85 [دار الفكر العربي]. (¬3) الاحتجاج بالشعر في اللغة، الواقع ودلالته: د. محمد حسن حسن جبل، ص 87. (¬4) الاحتجاج بالشعر في اللغة، الواقع ودلالته: د. محمد حسن حسن جبل، ص87.

إن ((الوقوف عند مفردات وتراكيب وعبارات لغوية بعينها ورفض الزيادة عليها كَمًّا، ورفض ما قد تتطور إليه دلالة بعضها أمرٌ مخالف لطبيعة اللغة ووظيفتها في الامتزاج بخواطر العقل وسبحاته وأفكاره، وفي بلورتها والتعبير عنها. بالإضافة إلى ما في هذا الرفض من خسارة تتمثل في حرمان اللغة من صياغات جديدة ومن التعبير عن معانٍ جديدة)) (¬1). إن أبا العلاء والتبريزي يريدان الإشارة ـ ولوعلى استحياء ـ لفتح زمن الاحتجاج اللغوي، فهذا هوالأولى لطبيعة اللغة. ولا ننسى هنا أن نشير إلى أن التبريزي أقر استخدام المحدثين للغة، سواء كانوا شعراء أم ناثرين، دون نكير (¬2). أما القياس فقد كان له دور إيجابي عندهما؛ فقد كان طريقهما لتبرير كثير من خروجات أبي تمام الأسلوبية. وهما بذلك يشيران إلى دور مهم يمكن أن يلعبه القياس في إثراء اللغة بتراكيب جديدة من ابتكار الشعراء. ***** ¬

(¬1) الاحتجاج بالشعر في اللغة، الواقع ودلالته: د. محمد حسن حسن جبل، ص 87 ـ 88. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 53 ـ 54ب27]، [3/ 161ب8]، [2/ 455ب2]

الفصل الثاني الدراسة الصرفية والنحوية لشرحي أبي العلاء والتبريزي

الفصل الثاني الدراسة الصرفية والنحوية لشرحي أبي العلاء والتبريزي ويضم المباحث التالية: - المبحث الأول: الدراسة الصرفية لشرح أبي العلاء. - المبحث الثاني: الدراسة الصرفية لشرح التبريزي. - المبحث الثالث: دراسة المادة النحوية في شرح أبي العلاء. - المبحث الرابع: دراسة المادة النحوية في شرح التبريزي. - المبحث الخامس: الموازنة بين المادة الصرفية والنحوية عند أبي العلاء والتبريزي.

المبحث الأول الدراسة الصرفية لشرح أبي العلاء

المبحث الأول الدراسة الصرفية لشرح أبي العلاء تناثرت آراء صرفية متعددة لأبي العلاء في ثنايا شرحه على ديوان أبي تمام، ولدراسة هذه الآراء توجَّب على الباحث جمعُها وتصنيفها ومعالجة كل تصنيف على حدة. وقد قسم الباحث هذه الآراء الصرفية إلى مجموعتين رئيسيتين: (1) الأولى: تتعلق بكل ما قاله عن الاشتقاق، وما قاله متعلقا بالبنى والأوزان. (2) الثانية: كل ما كان متعلقا بالحرف صوتا وإعلالا وإبدلا وغيره. ـ المجموعة الأولى: دراسة الآراء الصرفية المتعلقة بالاشتقاق (¬1) والبنى الصرفية عند أبي العلاء: • التعمق في اللغة وفوائده: إن أول انطباع يتولد لدى الباحث بعد جمعه للآراء الصرفية المتناثرة لأبي العلاء هو أن لغويينا القدماء ـ ومنهم أبوالعلاء ـ وقفوا أمام كل لفظة من ألفاظ اللغة دراسة وفهما وتحليلا ومعرفة لأصلها الذي اشتقت منه، وأنهم لم يألوا جهدا، ولم يدخروا وسعا في هذه الدراسة (¬2). ونشعر أنه من خلال تعمق أبي العلاء واللغويين في اللغة، ودراستهم لألفاظها ((ترسبت)) في أذهانهم ((الأبنية)) المختلفة التي يمكن أن تأتي فيها هذه الألفاظ. وأن كل لفظة يمكن أن تُرد إلى ((بناء)) معلوم ومحدد في ذواكرهم. ¬

(¬1) جاء في المعجم الوسيط: ((الاشتقاق في علوم العربية: صوغ كلمة من أخرى على حسب قوانين الصرف)) [مادة شق ص 509، ط 3، مجمع اللغة العربية]. وفي التعريفات للجرجاني: ((الاشتقاق: نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معني وتركيبا ومغايرتها في الصيغة)) [ص 43]. وفي معجم مصطلحات النحووالصرف والعروض والقافية: ((الاشتقاق Derivation : يراد به أخذ لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة)). [د. محمد إبراهيم عبادة، ص 174، دار المعارف]. (¬2) ينظر على سبيل المثال الديوان: [1/ 372 ـ 373 ب 10]، [1/ 149].

وقد قامت هذه ((المعرفةُ السابقةُ بالبنى الموجودة في اللغة عند أبي العلاء)) بعدة وظائف، منها التالي: 1ـ معرفة الألفاظ ذوات ((البنى المستنكرة)): قال أبوالعلاء: ((.. و ((الأَنْدَلُس)) بناء مستنكر إن فتحت الدال وإن ضمت. وإذا حملت على قياس التصريف، وأجريت مجرى غيرها من العربي فوزنها ((فَعْلَلُل)) (¬1) ، وهذا بناء مستنكر، ليس في كلامهم مثل: سَفْرَجَل ولا سَفْرَجُل)) (¬2). 2ـ من خلال معرفة أبي العلاء بهذه ((الأبنية)) ومعرفة ((المستعمل)) منها و ((غير المستعمل)) قام بتوجيه ((البنى)) التي قد تبدو شاذة وغريبة عند أبي تمام. قال أبوالعلاءعند قول أبي تمام: بِالقائِمِ الثامِنِ المُستَخلَفِ اِطَّأَدَت قَواعِدُ المُلكِ مُمتَدًّا لَها الطِّوَلُ [بحر البسيط] ((ينبغي أن يكون اشتقاق ((اطّأَدَتْ)) من ((الطَّوْد))، بني على ((افتَعَلت)) من ذلك، فقيل: ((اطَّأدَت)) ثم همزت للضرورة؛ لأن تاء ((الافتعال)) إذا كان قبلها طاء قلبت إليها، وليس في كلامهم ((الطَّاد)) بالهمز، وإنما قالوا: وطد، ولوبُنى ((افتعل)) من وَطَدَ لقيل: ((اتَّطَدَ)) ... ولوبُنِى ((افتعل)) من الطادي لقيل ((اطَّدَى))، ويجوز أن يكون الطائي سمع ((اطأد)) في شعر قديم فاستعمله)) (¬3). 3ـ وكانت أيضا بمثابة ((قواعد محكمة)) تُوجِبُ أن يكون أيُّ اشتقاق للفظةٍ محكوما ومقيدا بما هوموجود ومسموع من البنى والأوزان الصرفية التي سمعت عن العرب، كما أنها كانت وسيلة لمعرفة العربي من الألفاظ من غير العربي. ¬

(¬1) ينظر أبنية الخماسي المجرد، من معجم الأبنية العربية: جمع وترتيب د. أحمد محمد عبد الدايم، ص 121، [مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 2002]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 17ب16]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 8 ـ 9ب14].

ـ قال أبوالعلاء: ((والإسكندر اسم ليس بعربي، ولو وافق ألفاظ العرب لوجب أن يكون اشتقاقه من ((سين وكاف ودال وراء)). وتكون الهمزة في أوله والنون زائدتين، ويجعل من باب ((احرنجم)) على المقاربة)) (¬1). ـ دراسة اشتقاق الكلمة وسيلة لفهم معناها: في مواضع كثيرة من شرح أبي العلاء كان ينبه على اشتقاق الكلمة التي يشرحها. وكان هذا الأمر ـ بلا جدال ـ وسيلة من الوسائل التي يتخذها لتوضيح ((معنى الكلمة))، والوقوف على ((دلالتها الدقيقة)). ـ قال عند قول أبي تمام: وَإِذ طَيرُ الحَوادِثِ في رُباها ... سَواكِنُ وَهيَ غَنّاءُ المَرادِ [بحر الوافر] ((... وسواكن من السكون، لا من السكنى التي هي الإقامة في الموضع)) (¬2). ـ قال عند قول أبي تمام: لَن يَعدَمَ المَجدَ مَن كانَت أَوائِلُهُ ... مِن آلِ كِسرى البَهاليلُ المَراجيحُ [بحر البسيط] ((البهاليل: جمع بهلول (...) والاشتقاق يدل على أن البهلول الذي أبهل وشأنه، لا يعترض عليه)) (¬3). وقد نبه العلامة ابن جني إلى أهمية البحث الاشتقاقي للكلمة للوقوف على المعنى الدقيق لها، فقد عقد بابا أسماه ((باب في تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية))، قال فيه: ((نعم, وقد يعرض هذا التداخل في صنعة الشاعر فيرى أو يُرِي أنه قد جنَّس وليس في الحقيقة تجنيسًا وذلك كقول القطامي: . ... مستحقبين فؤادًا ما له فاد [بحر البسيط] ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 49] (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 370ب4]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 341ب7]. وينظر أيضا: [2/ 255ب2 اشتقاق كلمة الفردوس]، [2/ 5ب3 اشتقاق كلمة الديدن]، [4/ 165ب2]، [2/ 364ب17]، [2/ 276ب7].

ففؤاد من لفظ ((ف أد))، وفادٍ من تركيب ((ف د ى)) , لكنهما لما تقاربا هذا التقارب دَنَوَا من التجنيس. وعليه قول الحِمْصِيّ [عبد السلام بن رغبان المعروف بديك الجن]: وتسويف العِدات من السوافي [بحر الوافر] فظاهر هذا يكاد لا يشك أكثر الناس أنه مجنس, وليس هو كذلك، وذلك أن تركيب تسويف من: س وف، وتركيب السوافي من س ف ي، لكن لما وجد في كل واحد من الكلمتين سين وفاء وواو, جرى في بادي السمع مجرى الجنس الواحد)) (¬1). ومن الباحثين المعاصرين من أشار إلى نفس هذه الفكرة فقال: ((إن العودة إلى الجذر الأصلي root للكلمة قد يساعد إلى حد كبير في الكشف عن معالمها ومعرفة الجذر تتصل اتصالا وثيقا بالاشتقاق وطرقه في اللغة)) (¬2). والمعجميون ((يجعلون حروف هذا الجذر مدخلا Entry form إلى شرح معاني ودلالات الكلمات التي ترجع إلى جذر أو أصل واحد ثابت، هو في الحقيقة يشكل البنية الأساسية)) (¬3). إذن كان البحث عن اشتقاق الكلمة وسيلة للوقوف على معناها (¬4) (¬5). ¬

(¬1) الخصائص 2/ 46 ـ 47 (¬2) د. حلمي خليل: الكلمة دراسة لغوية معجمية، ص 67 (¬3) السابق 67 (¬4) اختط هذا الأسلوب ـ أي أسلوب البحث عن اشتقاق الكلمة كوسيلة لفهم دلالتها ـ د. أحمد مختار عمر في كتابه ((أسماء الله الحسنى: دراسة في البنية والدلالة)).ينظر: أسماء الله الحسنى، دراسة في البنية والدلالة، د. أحمد مختار عمر، ص 83 ـ85، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة2000 (¬5) ونلمح نفس هذه الفكرة عند التبريزي، إذ نجده ـ من خلال الوقوف على اشتقاق الكلمة ـ يحدد المعنى الدقيق لها. قال التبريزي عند قول أبي تمام: في لَيالٍ تَكادُ تُبقي بِخَدِّ الشَّمسِ مِن ريحِها البَليلِ شُحوبا [بحر الخفيف]. ((أكثر ما يفسرون ((البليل)) إذا كان من صفة الريح بالباردة. والاشتقاق يدل على أن البليل التي فيها شيء من المطر)). [1/ 165ب31]. ومن المواضع المماثلة عند التبريزي: [3/ 304ب27]، [4/ 554ب7]، [4/ 569ب9]، [1/ 158 ـ 159ب7].

وإذا كان البحث في اشتقاق الكلمة يحدد معناها، فإنه من جهة أخرى يمكن للمعنى أن يحدد الأصل الذي اشتقت منه الكلمة. قال أبوالعلاء: ((غَيْلانُ بنُ عقبة هوذو الرُّمَّة، واشتقاق غيلان يجوز أن يكون من ((الغَيْل))، وهوالساعد الريان الممتلئ ... وأن يكون من ((الغِيل)) وهوالشجر الملتف، فأما إذا أخذ من ((الغَيْل)) فهو فعلان، وإن أخذ من ((الغِيْل)) جاز أن يكون من ذوات الواو؛ لأن ((الغِيل)) إذا أريد به الشجر الملتف فالغالب عليه أن يكون من غال يغول؛ إذا هلك)) (¬1). ... ـ اشتقاق الفعل من الاسم الجامد: المشتق: هو ((ما أخذ من غيره، ودل على ذات مع ملاحظة صفة، كعالم وظريف)) (¬2). ونقل السيوطي عن شرح التسهيل: ((الاشتقاق أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنى وصيغة أصلية، وهيئة تركيب لها؛ ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة لأجلها اختلفا حروفا وهيئة)) (¬3). ويُقِرُّ الصرفيون أن الاشتقاق يكون من ((أسماء الأجناس المعنوية كفهم من الفهم، ونصر من النصر)) (¬4). و ((ندر الاشتقاق من أسماء الأجناس المحسوسة؛ كأورقت الأشجار، وأسبعت الأرض: من الورق والسبُع. وكعقْربت الصُّدغَ، وفلفلت الطعام ونرجست الدواء: من العقرب، والنرجس والفلفل)) (¬5). قال السيوطي: ((اشتقاق العرب من الجواهر قليل جدا، والأكثر من المصادر)) (¬6). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 56 ـ 57]. (¬2) شذا العرف في فن الصرف: الشيخ أحمد الحملاوي، ص 68، [المكتبة الثقافية، بيروت لبنان] (¬3) المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 1/ 346، [تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم وآخرون، مكتبة دار التراث ط3]. (¬4) شذا العرف في فن الصرف: 68 (¬5) شذا العرف في فن الصرف: 68 (¬6) المزهر في علوم اللغة وأنواعها:1/ 350،ت: محمد أبوالفضل إبراهيم وآخرون، مكتبة دار التراث ط3

هذه هي حال معظم الصرفيين من الاشتقاق من الاسم الجامد إلا أننا نجد أبا العلاء (¬1) يقر هذا الأمر بلا غضاضة، وبلا نكير. قال عند قول أبي تمام: حَضرَمتُ دَهري وَأَشكالي لَكُم وَبِكُم ... حَتّى بَقيتُ كَأَنّي لَستُ مِن أُدَدِ [بحر البسيط] ((.. ((حضرمتُ دهري))؛ أي: جعلته بحضرموت. فكأنه اجترأ على بنية هذه الكلمة لما كانت العرب تقول: رجل حضرمي؛ إذا نسبوه إلى حضرموت؛ فبني الفعل على ذلك، وهذا كما يقال: ((مَضَّرتُ فلانا))؛ إذا نسبته إلى مُضَر، و ((قيَّسته))؛ إذا نسبته إلى قيس)) (¬2). ـ قال عند قول أبي تمام: جَلَّيتَ وَالمَوتُ مُبدٍ حُرَّ صَفحَتِهِ ... وَقَد تَفَرعَنَ في أَوصالِهِ الأَجَلُ [بحر البسيط] ¬

(¬1) ويشارك التبريزي أبا العلاء في عدم إنكاره على هذا النوع من الاشتقاق، حيث قال في أحد المواضع يشرح بيت أبي تمام يمدح فيه المأمون: نيطَت قَلائِدُ عَزمِهِ بِمُحَبِّرٍ ... مُتَكَوِّفٍ مُتَدَمشِقٍ مُتَبَغدِدِ [بحر الكامل]. ((وصف نفسه (أي أبوتمام) بـ ((مُتَكَوِّفٍ)) يَمُتُّ إلى المأمون بأنه شيعي؛ لأن المأمون أظهر التشيع في أول أمره، وأهل الكوفة ينسبون إلى أنهم شيعة. وقال: ((مُتَدَمشِقٍ))؛ لأنه من أهل جاسم. وقال: ((مُتَبَغدِدِ))؛ أي هوظريف)). [2/ 55ـ56ب43]. وقال في موضع آخر: ((قُلْنِست: من القلنسوة، ويقال: قَلْنَسْتُه وقَلْسَيْتُه، ولوقال: قَلَّسْتُه بالتشديد لكان وجها)). [3/ 264ب25] ومما أشار إليه التبريزي أيضا إمكانية اشتقاق الفعل من الحرف. قال عند قول أبي تمام: يا مَنزِلاً أَعطى الحَوادِثَ حُكمَها ... لا مَطلَ في عِدَةٍ وَلا تَسويفا [بحر الكامل]. ((يقال: سَوَّف الرجل؛ إذا مطله .. وأصل ذلك أن يقول: سوف أفعل .. فهذا يدل على أن اشتقاق ((التسويف)) من ((سوف)) التي تدخل على الفعل المضارع؛ فتخلصه للاستقبال)). [2/ 376ب2]. وشاركه الزمخشري في ذلك فقال: ((سَوَّف الأمر؛ إذا قال: سوف أفعل)). [أساس البلاغة: مادة سوف، ص 467]. وجاء في المعجم الوسيط: ((فَأَفَأَ: أكثر من ترديد حرف الفاء في كلامه؛ فهو فَافأٌ، وفأفاء)). [مادة: فأفأ، 2/ 696]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 337ب7].

((تفرعن كلمة ليست بالعربية المحضة، وذلك أنهم لما كانوا يسمون الجبابرة الفراعنة، تشبيها بفرعون موسى؛ حملت الكلمة على ذلك؛ فقيل: تفرعن؛ أي: صار كأنه من الفراعنة)) (¬1). ويوافق أبا العلاء في إمكانية الاشتقاق من أسماء الأعيان ابنُ جني إذ يقول في بعض أقواله: ((وكأن ذوات الخمسة وإن لم يكن فيها فِعل؛ فإن دخول التحقير والتكسير فيها كالعوض من منع الفعلية فيها، ألا ترى أنك تقول في تحقير سفرجل: سُفَيْرج، وفي تكسيره سَفارج، فجرى هذان مجرى قولك: يُسَفْرجُ سفرجة، فهو مُسَفْرِج، وإن كان هذا لا يقال فإنه لو اشتق منه فعل لكانت هذه طريقته)) (¬2). بل إنه يشير إلى جواز الاشتقاق من الحرف كـ ((اشتقاق قوَّف من القاف، وكوَّف من الكاف ودوَّل من الدال)) (¬3). وهذا الاشتقاق وافق عليه مجمع اللغة العربية لاحقا؛ إذ قرر ((يشتق الفعل من الاسم الجامد المعرب الثلاثي على وزن ((فعَّل)) بالتشديد متعديا، ولازمه ((تَفَعَّل)). ويشتق الفعل من الاسم الجامد المعرب غير الثلاثي على وزن ((فَعْلل))، ولازمه ((تَفَعْلل)))) (¬4). وفي بحث قيم للأستاذ محمد خليفة التونسي بعنوان: ((الاشتقاق من الكلمات العربية والمعربة))، ناقش فيه موضوع الاشتقاق من الاسم الجامد، وذكر أمثلة لهذا الاشتقاق مثل: بَسْتَر، بلور، جبس (...) يجيب عن سؤال مهم، وهو: ما الذي يحذف عند اشتقاق الفعل من الاسم الجامد؟ ويجيب قائلا: ((إذا رجعنا إلى حروف الزيادة في الكلمات العربية الأصل ومشتقاتها وجدنا أن هذه الحروف عشرة وإذا رجعنا إلى أصول الكلمات في اللغات ((العروبية السامية)) جميعها ومنها لغتنا العربية ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 16ب34]. قال الزمخشري: ((ولعتو الفراعنة اشتقوا تفرعن فلان؛ إذا عتا وتجبر)). الكشاف: 1/ 129 [مكتبة مصر، تحقيق: يوسف الحمادي] (¬2) المنصف لكتاب التصريف، تحقيق: أبراهيم مصطفى وعبد أمين 1/ 33، ط1، 1954م وزارة المعارف العمومية، القاهرة، وينظر أيضا: المدارس النحوية، ص226 (¬3) المدارس النحوية: 226 (¬4) د. شوقي ضيف: محاضرات مجمعية، ص 152، [مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1998].

وجدناها ثلاثية الأصول (ولوأن ذلك تم في طور متأخر)، ووجدنا أن العناية فيها تنصب على الحروف الساكنة، وهي التي تراعى في كتابة هذه اللغات جميعا دون الحروف اللينة أوحروف المد (وهي ألف، وواو، وياء)، أوأن العناية بالأولى أشد من العناية بالثانية على الأقل، وهذا عينه ما يحدث في الاشتقاق من الكلمات المعربة، أي حذف الحروف اللينة والإبقاء ما أمكن على ما عداها)) (¬1). وإذا كان مجمع اللغة أقر هذا الاشتقاق إلا أنه لا ينبغي أن يجترئ ((على هذا الصوغ والتكثر منه إلا الأديب الطلعة الذي يسبق عصره في ارتياد المجاهيل لاستخراج صيغ غير مستعملة يجيد وضعها في الموضع المناسب من شعره أو نثره، فتجري على الألسن وتستحسنها الطباع)) (¬2). ـ بعض معان لصيغ صرفية ذكرها أبوالعلاء: أثناء شرح أبي العلاء للديوان ذكر عرضا بعض معان لصيغ صرفية، نلخصها فيما يلي: (1) تَفَاعَلَ: من معاني هذا الوزن التي ذكرها: ((إظهار الإنسان شيئا ليس من خلقه ولا غريزته)). قال: ((التفاعل يقع من الإنسان إذا أظهر شيئا ليس من خلقه ولا غريزته. يقال: ((تَكَارَمَ)) الإنسان؛ إذا فعل فعلا يوهم أنه كريم. وكذلك قوله: ((تَطَاوَلَ)) أي: أظهر أنه من أهل الطَّوْل؛ أي: الفضل)) (¬3). ¬

(¬1) أضواء على لغتنا السمحة: محمد خليفة التونسي، ص 138، كتاب العربي، الكتاب التاسع 1985م، الكويت (¬2) شعر أبي تمام دراسة نحوية: د. شعبان صلاح، ص 125 [دار الثقافة العربية ط1 1991م] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 100ب8]، ومن المعاني التي ذكرها التبريزي لصيغة ((تَفَاعَل)) موافقا أبا العلاء: التشريك بين اثنين فأكثر، فيكون كل منها فاعلا في اللفظ مفعولا في المعنى. قال التبريزي: ((يقال: تواضخَ الرجلان؛ إذا فعل كلُّ واحد منهما مثل فعل الآخر)). [3/ 215ب20]. وقال في موضع آخر: ((وإذا كانت المفاعلة من اثنين جاء كل واحد منها على فعيل، فقعيدك الذي يقاعدك وأنت أيضا قعيده، وكذلك المنادمان كل واحد منها نديم الآخر ومثله كثير)). [2/ 248ب18]

واسم الفاعل من هذه الصيغة يتضمن أيضا نفس الدلالة. قال عند قول أبي تمام: تَعَفَّينَ مِن زادِ العُفاةِ إِذا انتَحى ... عَلى الحَيِّ صَرفُ الأَزمَةِ المُتَماحِلُ [بحر الطويل] ((... المتماحل الطويل، وليس هومن المحل الذي هو ((جَدْب))؛ لأنهم لم يستعملوا هذا اللفظ في المحل؛ ولأن الغالب على هذا البناء أن يكون لمتظاهر بشيء ليس من أهله، كالمتغافل والمتكارم)) (¬1). وصاغ ابن الحاجب نفس المعنى الذي ذكره أبو العلاء وهو في معرض حديثه عن معاني صيغة تفاعل بقوله أنه: ((يدل على أن الفاعل أظهر أن أصله حاصل له وهو منتفٍ، نحو: تجاهل، وتغافل)) (¬2). (2) تَفَعَّل: من معاني هذا الوزن التي ذكرها أبوالعلاء: • الإتيان بالفعل. • الوصول إلى المكان أوالإقامة فيه أوالانتساب إلى أهله. قال: ((.. يقال: ((تَكَلَّم))؛ إذا أتى بالكلام، و ((تَعَمَّم))؛ إذا لبس العمامة)) (¬3). وقال: ((... ويحتمل أن يكون قوله: ((تَبَطَّحت))؛ أي: حلت بالأبطح، كما يقال: ((تَبَصَّر))؛ إذا أتي البصرة، أوأقام بها أوانتسب إلى أهلها)) (¬4). وجمع ابن الحاحب معاني صيغة تَفَعَّل، وذكر من بينها المعاني التي قالها أبو العلاء فقال: ((تفعل لمطاوعة فَعَّل، نحو: كسرته فتكسر، وللتكلف، نحو: تشجع، ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 114ب5] (¬2) الشافية في علم التصريف: ص20، تحقيق: حسن أحمد العثمان، المكتبة المكية، ط1 1415هـ /1995م ومن المعاني الأخرى التي ذكرها لصيغة تفاعل: ((مشاركة أمرين فصاعدا في أصله نحو تشاركا، وبمعنى فعل، نحو: توانيت، ومطاوع فاعل، نحو: باعدته فتباعد)). (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 100ب8] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 11]

وتحلم، وللاتخاذ، نحو: توسد، وللتجنب، نحو: تأثم، وتحرج، وللعمل المتكرر في مهلة، نحو: يجرعته، ومنه تفهم، وبمعنى استفعل، نحو: تكبر وتعظم)) (¬1). (3) أَفْعَل: من معانيها التي ذكرها: التمكين، الإلجاء والإحواج، الدخول في شيء مكانا كان أوزمانا. قال: ((يقال: أطلبت الرجل؛ إذا بَلَّغْتُه مطلبه، وأطلبته؛ إذا أحوجته إلى أن يطلب)) (¬2). وقال: ((يقال أسهلنا؛ إذا وقعنا في السهل، وأوعثنا؛ إذا وقعنا في الوعث، وهي أرص تسُوخ فيها القدم)) (¬3). (4) اِسْتَفْعَلَ: من المعاني التي ذكرها: الصيرورة والتحول والطلب. قال: ((يقال: استنسر البُغَاثُ؛ أي: صار كالنسر ... ويقال: استعطاني فلان؛ أي: طلب عطائي، واستفهمني؛ أي: طلب إفهامي)) (¬4). ¬

(¬1) الشافية في علم التصريف: ص20/ 21 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 278ب21] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 320ـ321ب29]. ومن المواضع التي ذكرها التبريزي لصيغة أفعل بمعنى ((الدخول في الشيء مكانا أوزمانا)) قوله: ((يقال: أعرق الرجل إذا أتى العراق، وأشأم إذا أتى الشام)). [3/ 195ب5]. ومن المعاني التي أضافها التبريزي معنى التعدية، قال: ((مُحْلِفة: من قولك حلفت يمينا وأحلفت الرجل اليمين إذا كلفته إياها)). [2/ 78ـ79] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 129] وقد وافق التبريزي أبا العلاء في معاني صيغة استفعل، فمن المواضع التي تدل على الطلب والسؤال عنده المواضع التالية: ـ ((المستميت: الذي كأنه يطلب الموت)). [3/ 213ب7] ـ ((يقال: استنصرت فلانا غلامه؛ أي: سألته أن ينصرني إياه؛ أي: يأمره بنصرتي، وكذلك: استنصرته ماله؛ أي: سألته أن يمدني به، ويكون فيه لسؤال الإنصار، دون النصر والنصرة)). [2/ 145ب22].ومن المواضع التي تدل على الصيرورة. قال: ((المستشعرون: الذين يتعاطون الشعر، كقولهم: استتيست الشاة، واستنوق الجمل)). [2/ 300ب24]

(5) الافتعال: الافتعال من الوزن افتعل، ومن معانيه: حدوث الفعل بين شيئين أوأكثر. قال: ((... ولوقيل: ((اصطك الحجر والخشبة))؛ لم يجز الاقتصار على الاسم الأول؛ لأن الافتعال إنما يكون في هذا الباب من اثنين فما زاد)) (¬1). (6) فُعُلَّة: من الأبنية التي ذكرها دالة على الكثرة: قال ((الغُضُبَّة: الكثير الغضب)) (¬2). وهذا الوزن من ((أوزان صيغ المبالغة غير القياسية، ومن أمثلته أيضا كُذُبَّة)) (¬3). (7) فَاعِل (¬4): قال أبوالعلاء: ((وقد يجوز أن يقال: ((خَابِث)) على غير الفعل؛ أي ذو خبث، كما يقال: ((تامر)) و ((لابن)))) (¬5). وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: كَم أَسيرٍ مِن سِرِّهِم وَقَتيلٍ ... رادِعِ الثَّوبِ مِن دَمٍ كَالخَلوقِ [بحر الخفيف] ((يجوز أن يكون قوله ((رادع الثوب)) في معنى الملوَّن؛ كأنه قال: رادعٌ ثوبه. ويكون رادع جاريا مجرى ((لابن)) و ((تامر))؛لأن الثوب في الحقيقة هوالمردوع)) (¬6). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 248ب29] (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 347ب15]. (¬3) د. إميل بديع يعقوب: معجم الأوزان الصرفية، ص194، ط1 عالم الكتب، بيروت 1993م (¬4) هذه الصيغة من صيغ النسب؛ فالنسب في العربية على صيغ متعددة، من أشهرها: ((النسب بإلحاق الياء المشددة في آخر الاسم))، و ((فَعَّال))، و ((فَاعِل)). يراجع: معاني الأبنية في العربية: د. فاضل صالح السامرائي، ص153، [ط2، 1428هـ 2007م، دار عمار للنشر والتوزيع، الأردن]. وجاء في النحوالوافي عن هذه الصيغة أيضا: ((فَاعِل من أوزان الصفة المشبهة من الفعل الثلاثي على فَعُل، مثل: طَهُر فهوطاهر)). [3/ 288،ط 10،دار المعارف]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 317ب17]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 437ب34]. قال التبريزي: ((وقولهم: جادع؛ أي: ذوجَدْع، كما يقال: تامِرٌ ولابن؛ أي: ذوتَمْر ولبن)). [4/ 588ب31]، وقال في موضع آخر: ((كاسيا؛ أي: ذا كسوة، كما يقال: تامر؛ أي: ذوتمر)). [3/ 212ب3]

وتكون هذه الصيغة ((لما كان صاحب شيء من غير مزاولة وكثرة معالجة، فالذي صنعته النَّبْل يقال له: نبَّال، وصاحبُ النبل من غير صنعة ((نَابِل))، وتقول لمن صنعته اللبن والتمر؛ أي: يبيعهما لبَّان وتمَّار، وتقول لصاحب اللبن والتمر من غير صنعة أومزاولة لابنٌ وتامر)) (¬1). قال سيبويه: ((وأما ما يكون ذا شيء وليس بصنعة يعالجها فإنه مما يكون فاعلا، وذلك قولك لذي الدرع: دارع، ولذي النبل: نابل، ولذي النُّشاب: ناشب، ولذي التمر تامر، ولذي اللبن: لابن)) (¬2). ـ أوزان ترد بمعاني أوزان أخرى في بعض الأحيان: - فَعُول في معنى مَفْعُولة: قال ((... رغُوث أي مرضعة، وهي فَعُول في معنى مَفْعُولة)) (¬3). - فَعِيل في معنى فَاعِل: قال عند قول أبي تمام يمدح أبا سعيد محمد بن يوسف الثَّغري: في مَكَرٍّ لِلرَّوعِ كُنتَ أَكيلا ... لِلمَنايا في ظِلِّهِ وَشَريبا [بحر الخفيف] ((الأكيل والشريب هاهنا ((فعيل)) بمعنى ((فاعل))، كما تقول: فلان جليس فلان، ومُجَالِسه، وصديقه، ومُصَادقه)) (¬4). وإنما كانت أكيل وشريب بمعنى فاعل من حيث كان الممدوح غالبا ظافرا؛ إذ لو كانا بمعنى مُفاعل؛ لكان الممدوح غالبا مرة ومغلوبا مرة، وظافرا مرة ومظفورا به مرة؛ فلم يستقم فيه المدح. وقال: ((مكيث في معنى ماكث)) (¬5). - فَعِيل في معنى مفْعول: ¬

(¬1) معاني الأبنية في العربية: د. فاضل صالح السامرائي، ص153 (¬2) الكتاب: 3/ 381، [تحقيق وشرح د. عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 324ب6]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 164ب28]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 323ب1].

((وحبيب الثاني في معنى محبوب)) (¬1).و ((... ورفيض في معنى مرفوض)) (¬2). وصيغة فعيل مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، بـ ((.شرط أن يكون بمعنى مفعول، وذلك فيما عرف به الموصوف نحو: هذا رجل قتيل، وهذه امرأة قتيل)) (¬3). ومن علماء اللغة من أبدى على صيغة فعيل بمعنى مفعول بعض الملحوظات الدلالية المهمة الطريفة، فقال: ((فعيل بمعنى مفعول يختلف عن ((مفعول)) في ثلاثة أمور: 1ـ الدلالة على أن الوصف قد وقع على صاحبه على وجه الثبوت أوقريب من الثبوت؛ فأصبح فيه كأنه خِلْقة وطبيعة؛ فيكون فعيل على هذا أبلغ من مفعول في الوصف، فكحيل أبلغ من مكحول، ودهين أبلغ من مدهون، وحميد أبلغ من محمود؛ لأنه أثبت. 2ـ لا يطلق وصف فعيل إلا إذا اتصف به صاحبه فلا يقال: أسير؛ إلا إذا أُسِر، ولا جريح؛ إلا إذا جرح، في حين أن مفعولا قد يطلق على ما اتصف به صاحبه أولم يتصف بمعنى أنه سيتصف به، فقد تطلق مأسور على مَن لم يؤسر بمعنى أنه ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 171 ـ 172]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 292ب26]. ووردت بعض المواضع عند التبريزي التي يذكر فيها هذا التبادل في المعنى بين فعيل ومفعول. ـ قال عند قول أبي تمام: إِذا نَزَلَ النَّزيعُ بِهِم قَرَوهُ ... رِياضَ الريفِ مِن أُنُفٍ جَميمِ [بحر الوافر]. ((النزيع مثل الغريب، وهوفعيل في معنى مفعول)). [3/ 163ب19] ـ وقال التبريزي معلقا على كلمة ((شَجِي)): ((والاختيار شَجِي بتخفيف الياء، وقد جاء التشديد، وذلك على وجهين: أحدهما أن يكون مأخوذا من شجاه يشجوه إذا أحزنه، وشاقه فيكون فَعيلا في معنى مفعول)). [3/ 228ب31] (¬3) د. إميل بديع يعقوب: معجم الأوزان الصرفية، ص217

سيؤسر، ومقتول على من لم يقتل؛ بمعنى أنه سيقتل، ونحوه قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? چ (¬1)؛ أي: ستُثْبر وهكذا. 3ـ أن الوصف بفعيل أشد من مفعول، كما في جريح ومجروح، وكسير ومكسور)) (¬2). - فَعِيل في معنى مُفْعَل: قال: ((... ولا يمتنع أن يكون ((فَعِيلا)) في معنى ((مُفْعَل))، مثل: أسلمته؛ فهومُسْلَم وسَلِيم، وأعتقته؛ فهومُعْتَق، وعَتِيق)) (¬3). - فَعِيل بمعنى مُفَاعِل: قال عند قول أبي تمام: نَعاءِ نَعاءِ شَقيقَ النَّدى ... إِلَيهِ نَعِيًّا قَليلَ الجَداءِ [بحر المتقارب]. ((شقيق الندى لأنه شق نسبه منه فهوأخوه. وفعيل هاهنا في معنى مُفاعل، كأنه شقيق ومُشاقٍّ، كما يقال جليس ومُجالس، وقعيد ومقاعد)) (¬4). وقال أبوالعلاء: ((سُجَرَائِي؛ أي: أصدقائي، واحدهم سجير، ويحتمل أن يكون مأخوذا من السجر الذي هوحنين الإبل ... كأن كل واحد منها يساجر الآخر؛ فصار ((المُفَاعِل)) ((فَعِيلا))، كما يقال: نادم؛ فهومُنَادِم ونَديم)) (¬5). - فَعْل (وزن مصدر) في معنى فَاعِل: قال أبوالعلاء: ((طريق لَحْب؛ أي: واضح، وهوفي معنى لاحب)) (¬6). والتبادل بين اسم الفاعل والمصدر أمر أشار إليه اللغويون. قال الزمخشري في تفسير كلمة ((غَوْرا)) في قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? چ [الملك:30]، قال: ((غورا ¬

(¬1) الإسراء: 102. (¬2) معاني الأبنية: ص 55، وينظر أيضا هذا الموضع عند التبريزي [3/ 228ب31] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 467ب3]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 10ب5]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 22] (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 365].

أي: غائرا ذاهبا في الأرض)) (¬1).وقال عند قوله تعالى:چ ? ? چ [الحاقة: 5]: ((... وقيل: الطاغية مصدرٌ كالعافية؛ أي: بطغيانهم)) (¬2). وقال في قوله تعالى:چ ? ? ? ? ? ? چ [الحاقة: 8]: ((من بقية، أومن نفس باقية، أومن بقاء؛ كالطاغية بمعنى الطغيان)) (¬3). - فوَاعِل في معنى مفعولات: قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: فَما زِلنَ يَستَشرينَ حَتّى كَأَنَّما ... عَلى أُفُقِ الدُّنيا سُيوفٌ رَوامِضُ [بحر الطويل] ((فكأن روامض في معنى مفعولات. كما قالوا: عيشة راضية في معنى مرضية)) (¬4). ـ أوزان صرفية متساوية في المعنى: - فَعَل وأَفْعَل: أشار أبوالعلاء في بعض المواضع إلى أن الصيغتين السابقتين تشتركان في المعنى كثيرا. قال: ((... وقال قوم: خَدَجت وأخْدَجَت سواء، وهذا القول أشبه بكلامهم؛ لأن فعل وأفعل يشتركان كثيرا)) (¬5). وقال: ((أغاض: قليلة في الاستعمال، وإنما يقال: غاض الماءُ (...) ويجوز أن يكون الطائي سمع أغاض في شعر قديم، وإن لم يكن قد سمع فالقياس يطلقه)) (¬6). ¬

(¬1) الكشاف: 4/ 439، [شرحه وضبطه يوسف الحمادي، الناشر: مكتبة مصر]. (¬2) الكشاف: 4/ 453 (¬3) الكشاف: 4/ 454 (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 298ب14]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 17ب16]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 46ب9]. ويؤكد التبريزي نفس هذه الحقيقة في مواضع من شرحه فيقول: ((عصفت الريحُ وأعصفت بمعنى)) [3/ 280]،و ((نَكِر وأنْكر: واحد))، [3/ 272ب3]

واستضافة بعض الأوزان الصرفية لمعاني أوزان أخرى، أو القول بتساوي بعض الأوزان الصرفية في دلالتها أمر أشار إليه التبريزي (¬1)، كما أشار إليه ابن الحاجب وأبو منصور الثعالبي، فقال ابن الحاجب على سبيل المثال: ((استفعل بمعنى فَعَل)) (¬2) و ((تفاعل بمعنى فَعَل)) (¬3)، ((تَفَعَّلَ بمعنى استفعل)) (¬4). وقال الثعالبي: ((تَفَعَّل بمعنى فَعَّل، نحو: تخلصه إذا خلصه)) (¬5). وقال: ((افتعل يكون بمعنى فعل، نحو: اشتوى، أي شوى)) (¬6). ويمكن أن نجمع ونلخص ما قاله العلماء الأربعة في الجدول التالي: م ... الوزن ... الوزن الذي يساويه في المعنى ... القائل 1 ... فَعُول ... مَفْعُولة ... أبو العلاء 2 ... فَعِيل ... فَاعِل ... أبو العلاء 3 ... فَعِيل ... مفعول ... أبو العلاء 4 ... فَعِيل ... مُفْعَل ... أبو العلاء 5 ... فَعِيل ... مُفاعل ... أبو العلاء 6 ... فَعْل (وزن مصدر) ... فَاعِل ... أبو العلاء 7 ... فَواعِل ... مفعولات ... أبو العلاء 8 ... فَعَل ... مُفْعَل ... التبريزي 9 ... فَعَل ... مفعول ... التبريزي 10 ... فِعْل ... مفعول ... التبريزي ¬

(¬1) ينظر معاني الأوزان الصرفية عند التبريزي في المبحث التالي. (¬2) الشافية: 21 (¬3) الشافية: 20 (¬4) الشافية: 20/ 21 (¬5) فقه اللغة وسر العربية: فصل في أبنية الأفعال، ص 364، وأشار أيضا أن صيغة الأمر من تَفَعَّل تساوي افْعَل. (¬6) السابق: ص 365

11 ... مُفْتَعل (من المضعف) ... فاعِل أو مفعول ... التبريزي 12 ... تفاعل ... فَعَل ... ابن الحاجب 13 ... تَفَعَّل ... استفعل ... ابن الحاجب 14 ... تَفَعَّل ... فَعَّل ... الثعالبي 15 ... افتعل ... فَعَلَ ... الثعالبي 16 ... استفعل ... فَعَل ... ابن الحاجب وأهم ما يمكن أن نقرأه ونستشفه من هذا الجدول السابق وكلام أبي العلاء قبله أننا أمام ما يمكن أن نسميه بـ ((التداخل الدلالي لمعاني الصيغ الصرفية))، هذا التداخل الدلالي يأخذ بأيدينا إلى الأمور التالية: 1ـ هذا التداخل الدلالي يدل على أن الدلالة ((ناتجة عن تواضع اجتماعي، وهذا التواضع عرضة للتغيير والتطوير؛ ولذا جاز تغير الدلالة لتغير المواضعة وفق ما تمليه الظروف المستجدة في حياة الجماعة اللغوية)) (¬1). 2ـ ويدل أيضا ((أنه مهما اتسع مخزون اللغة اللفظي فهي قاصرة عن الوفاء بمطالب التعبير اللغوي في مجال الأفكار المجردة والصور والظلال)) (¬2). 3ـ إمكانية تطوير معاني الأوزان الصرفية لاستيعاب ألفاظ الحضارة، على أن يكون هذا للعلماء المتخصصين. 4ـ هذا التداخل الدلالي أيضا يعني أنه في الإمكان ظهور دلالات جديدة للأوزان الصرفية. وهذا أمر بدهي ومنطقي: فدلالات الأوزان الصرفية مأخوذة من دلالات الألفاظ التي يمثلها هذا الوزن، وبما أن دلالات الألفاظ متطورة (¬3) لأسباب كثيرة؛ فهذا ¬

(¬1) مقال بعنوان ((مقدمة لدراسة التطور الدلالي في العربية الفصحى في العصر الحديث))، بقلم: د. أحمد محمد قدور، مجلة عالم الفكر، ص41، عدد مارس 1986م (¬2) السابق: 41 (¬3) من الأسباب التى تؤدي إلى التطور الدلالي التطور الاجتماعي الذي ((يؤدي في غالب الأحيان إلى تطور لغوي؛ فتموت ألفاظ، وتبعث أخرى، وتتبدل معاني بعض الألفاظ، وقد يقترن التطور بظهور مفردات لغوية جديدة دلالة واشتقاقا))، ينظر المقال السابق: ص30

يعني بالضرورة أن دلالات الأوزان الصرفية متطوره، وهذا يعني بدوره دينامية التطور الدلالي للأوزان الصرفية، مما يعنى أيضا أن البحث يجب أن يكون مستمرا للوقوف على الدلالات الجديدة لهذه الأوزان. والدليل على صحة ما ذهبنا إليه من تطور دلالة البنية الصرفية ما قام به أحد الباحثين المعاصرين الأستاذ محمد خليفة التونسي من تتبع دلالة بنية ((تَفَاعَل)) ووقوفه على بعض الدلالات التي لم تذكرها كتب الصرف، ومنها (¬1): - أولا التفاعل من واحد: • تكلف الفعل عن اعتقاد به، مثل: تتباهى الفتاة بجمالها، وتتفاخر بنسبها، وتتواجه بثرائها، وتتعاظم بثقافتها، وتتفاصح في كلامها، وتتعالى في معاملتها، وتتمايل في سيرها. • المشابهة، مثل: تكالب على الشهوات؛ أي أشبه الكلب في الحرص عليها، وتذاءبت الريح؛ أي أشبهت الذئب في إقباله من جهة مرة، ومن غيرها أخرى. • حدوث الفعل متتابعا، مثل: تماوج صوت أم كلثوم، وتقاطر المطر، وتناقص الماء بالتبخر، وترادف الرزق، ويتهالك على الدروس، ويتحامل على خصمه، وتقادم العهد، وتنامى الطفل، وتهاوى البناء، وتراجع في سعيه، وتراخت الحملة، وتسارعت الحركة، وتواتر الحديث، وترامى إلينا الخبر، وتمادى الضلال. • الدخول في شيء، أو الميل إليه، مثل: تيامن الطريق، وتياسر في سعيه، وتباشر بالصباح، وتفاءل بالوجوه الحسان، وتشاءم بنعيق البوم، وتكاسل في عمله، وتساهل في حقه. ¬

(¬1) مقال ((وزن تفاعل ودلالته))، بقلم: محمد خليفة التونسي، ص 147، مجلة العربي ع 247، الكويت.

• طلب الفعل، مثل: تقاضاه الدين؛ أي طلب منه قضاءه، تحاكم الشاعر إلى الناقد؛ أي طلب حكمه، ذهب إلى الطبيب ليتداوى؛ أي يطلب الدواء. • مطاوعة فعل سابق من أي وزن؛ أي التأثر به، مثل: نثرت الحب فتناثر؛ أي انتثر. • القيام بالفعل ابتداء؛ أي دون تأثر بفعل سابق، فهو كالفعل الثلاثي، مثل: تنازل عن حقه؛ أي نزل، وتساءل عن أخيه؛ أي سأل، وتجارأ عليه؛ أي جرأ، وتجاسر عليه؛ أي جسر، وتجاوز الحد؛ أي جاز، وتوانى في العمل؛ أي وني. • اعتقاد صفة الشيء، مثل: أعطيته في الكتاب دينارا فتقاله؛ أي عده قليلا، وتعاظمت الذنب؛ أي عددته عظيما. - ثانيا: تفاعل من اثنين أوجمع: • مجرد التشارك أو الاشتراك في الفعل، مثل: تنادم الرجلان، وتصاحبا، وتجالسا. • التبادل، مثل: تآمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر؛ أي: تبادلوا ذلك، فأمر بعضهم بعضا بالمعروف ونهاه عن المنكر، وتتجاذب الكواكب والنجوم، وتعامد الخطان، يتقارضان الثناء، تعارفا بعد أن كانا متناكرين، تقابض المتبايعان ثم تفارقا. • المغالبة في الفعل وهي تشمل التشارك والتبادل بين طرف وآخر مع رغبة كل طرف أن يغلب الآخر، مثل: تفاخر الشاعران، ثم تهاجيا، تبارى الفريقان في الكرة، تتسابق الخيل، يتساقى المتحاربون الموت. ***

ـ علاقات بين صيغ صرفية: - فَعَّال يقل في أفعل: أوضح أبوالعلاء أن أخذ صيغة ((فَعَّال)) من وزن الفعل ((أَفْعَل)) قليلة. قال: ((فَعَّال يقل في أفعل، إلا أنهم قالوا: جبار، وهوعندهم من أجبرته على الأمر؛ إذا أكرهته عليه. وقالوا رجل دراك بالذُّحُول. وهومن أَدْرك، إلا أن هذه الأشياء تحمل على حذف الزوائد)) (¬1). وأيد هذا السيوطي فقال: ((قال في ديوان الأدب: قليل أن يأتي فَعَّال من أفْعل يُفْعِل , ومنه: الدرّاك؛ للكثير الإدراك. وقال ابن خالويه في كتاب ليس: ليس في كلامهم فَعَّال من أفعل، إلاّ جبَّار من أجْبَر، ودرّاك من أدرك، وسآر من أسأر.)) (¬2). - قلما يستعملون في أَفْعَل مُفْتَعِلا: قال أبوالعلاء: ((وأفصح الكلام أن يقال: أرتج الباب؛ إذا أغلقه، وقد حُكي ((رَتَج)) بغير همز، وإذا صح أنهم قالوا: رتج فمُرْتَتِجٌ منه؛ لأنهم قلما يستعملون في أفعل مفتعلا)) (¬3). - أوزان متقاربة: من الجائز زيادة الياء في ((فِعْلل)) لتصبح ((فِعْليل))، وفي ((فِنْعِل))؛ لتصبح ((فِنْعيل))؛ لتقارب هذه الصيغ. قال: ((الحِنْدِيس مثل الحِنْدس (¬4)؛ وزيادة الياء في مثل هذه المواضع جائزة؛ لأن فِعْللا وفِعْليلا متقاربان، وكذلك فِنْعِل وفِنْعِيل)) (¬5). ـ الشرح من خلال الوزن: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 315ب25]. (¬2) المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 2/ 77، [ (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: 2/ 254 (¬4) الحندس: الليل الشديد الظلمة، [المعجم الوسيط]، أما الحنديس: ـ بمعونة الحاسب الآلي ـ فلم ترد هذه الكلمة بالمعاجم العربية، ووردت في بعض كتب الأدب، والتراجم، مثل: [يتيمة الدهر: 1/ 6]، [خريدة القصر وجريدة العصر 2/ 126]، [وفيات الأعيان: 3/ 405] (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 266ب18].

من الأمور الطريفة التي كان يقوم بها أبوالعلاء توضيح معنى الكلمة من خلال ذكر وزنها؛ أي أنه يذكر الكلمة ثم يذكر وزنها، معتبرا هذا الذكر نوعا من الشرح، ومثال ذلك: - و ((أصدت: ((أَفْعَلت)) من الصدى)) (¬1). - ((المناغاة: ((المُفاعَلة))، من قولهم: ما سمعت له نُغْيةً؛ أي: كلمة. ويستعمل ذلك في تكليم الصبي الذي لم يفصح)) (¬2). - ((العرمرم: الجيش العظيم، وهو ((فَعَلْعَل)) من العُرام والعرامة)) (¬3). - ((ادَّريت ... يجوز أن تكون في معنى ((افْتَعَل))؛ من دريته؛ إذا ختلته)) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 302ب13]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 361ب9]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 170ب19]. لم يذكر صاحب كتاب شذا العرف في فن الصرف وزن ((فَعَلْعَل)) ضمن الأوزان التي أوردها في فصل: ((معاني صيغ الزوائد)) إلا أنه قال في هذا الفصل: ((ثم إن باقي الصيغ تدل على قوة المعنى، زيادة على أصله، فمثلا اعشوشب المكان: يدل على زيادة عُشبه أكثر من عشب، واخشوشن يدل على قوة الخشونة أكثر من خشن، واحمارَّ يدل على قوة اللون، أكثر من حمر واحمر)). [ص45] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 74ب3]، وينظر أيضا: [1/ 149ـ150 ب11]، [1/ 219ب4]. ونثبت هنا أيضا أن التبريزي سار على هذا النهج نفسه مثلما فعل أستاذه أبو العلاء، فكان يذكر في مواضع وزن الكلمة كشرح لها، ومثال هذا المواضع التالية: ـ ((الينبوع: النهر الكثير الماء، وهويَفْعُول من النبع)) [3/ 330] ... ـ ((المتزع المفتعل من وَزَعْت الرجل إذا كففته)) [4/ 139ب2] ... ـ ((وإن رويت جَدُوب بفتح الجيم، فهوفَعُول من جدبته؛ إذا عبته)) [4/ 559ب26] ـ ((دَيْدنُه: عادته، وهوفَيْعَل من الددن)) [4/ 528ب12] ... ـ ((مُنْجَمِش منفعل من التجميش)) [4/ 225ب1] ... ـ ((ولايمتنع أن يكون الفيوم فَيْعُولا من الفوم، كما أن العيُّوق من العوق)) [4/ 427ب12] ... ـ ((المستقل: الناهض، وإنما هومستفعل من قلة الجبل)) [3/ 287ب2] ... ـ ((رَيْقَه أوله، وهوفَيْعَل من راق)) [1/ 113]

وشرح الكلمة من خلال وزنها يساهم في توضيح معنى الكلمة من خلال أمرين هما: [أ] بيان أصول الكلمة، وبالتالي توضيح الأصل أوالجذر اللغوي الذي أُُخذت منه الكلمة. وقد مر بنا أن البحث في اشتقاق الكلمة يساهم في توضيح معناها. ونقل السيوطي عن أبي حيان قوله: ((فإن قلت مَا فائدة وزن الكلمة بالفعل؟ قلت: فَائِدَته التَّوَصل إِلَى معرفَة الزائد من الأصلي على سبيل الاختصار فإِن قَولك وزن اسْتِخْرَاج استفعال أخصر من أَن تَقول الألف وَالسين وَالتاء والألف فِي اسْتِخْرَاج زَوَائِد)) (¬1). [ب] أن هذا يضيف إلى معنى الكلمة المعجمي أوالسياقي ((المعنى الصرفيَّ)). فمعنى كلمة ((قَاتَل)) ـ من غير وجودها في سياق ما ـ تساوي المعنى المعجمي لكلمة ((قتل)) بالإضافة إلى المعنى الصرفي للوزن ((فَاعَل)) الذي يفيد التشارك بين اثنين فأكثر. قال ابن جني: ((إذا كانت الألفاظ أدلة المعاني؛ ثم زيد فيها شيء؛ أوجبت القسمة له زيادة المعنى به)) (¬2). ـ المصادر: سيستقل هذا الجزء من البحث بالحديث عن المادة الصرفية المتعلقة بالمصادر والتي أوردها أبوالعلاء في شرحه على الديوان. - إقامة المصدر مقام الاسم: الاسم ((كلمة تدل بذاتها على شيء محسوس أوشيء غير محسوس يعرف بالعقل. وهوفي الحالتين لا يقترن بزمن)) (¬3). أما المصدر الصريح الأصلي فهو ((الاسم الذي يدل ـ في الغالب ـ على الحدث المجرد؛ أى أن المصدر يدل على أمر معنوي محض، لا صلة له بزمان ولا بمكان ¬

(¬1) همع الهوامع: 3/ 452 (¬2) الخصائص: 3/ 268. (¬3) النحوالوافي: 1/ 26.

ولا بذات ولا بعلمية ولا بتذكير أوتأنيث، ولا بإفراد أوتثنية، أوجمع أوغيره، إلا أن يكون دالا على مرة أوهيئة)) (¬1). من خلال التعريفين السابقين نقول إن الاسم أعم في مدلوله من المصدر؛ فكل مصدر اسم، وليس كل اسم مصدرا. وقد أشار أبوالعلاء إلى أن المصادر قد تحل محل الاسم؛ فقال تعليقا على بيت أبي تمام: وَلا تُمكِنِ الإِخلاقَ مِنها فَإِنَّما ... يَلَذُّ لِباسُ البُردِ وَهُوجَديدُ [بحر الطويل] ((استعمل ((اللِّباس)) في معنى المصدر، والمعروف أن ((اللِّباس)) هو ((الملبوس))، يُقال: عليه لِبَاسٌ حسن. وقد يستعيرون الأسماء فيقيمونها مقام المصادر)) (¬2) (¬3). ¬

(¬1) النحوالوافي: 3/ 207 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 400ب4]، ينظر أيضا: [2/ 367ب26]. ومما أشار إليه أبوالعلاء أيضا أن الاسم والمصدر قد يتوافقان لفظا، قال: ((وأُبُوَّة جمع أب، وقد وافق لفظ المصدر، من قولهم أب بين الأبوة)). [1/ 392] (¬3) وأشار التبريزي في مواضع من شرحه إلى نفس هذه الجزئية، فأشار إلى إمكانية ((إقامة المصدر مقام الاسم، وإقامة الاسم مقام المصدر))، وأشار في أحد المواضع إلى أن إقامة المصدر مقام الاسم ((قياس مطرد))، ومن هذه المواضع الإشارت التالية: ـ قال: ((الضفر: فتل ليس يبلغ في القوة المُغار، ويسمى الحبل المضفور ضفرًا، سموه بالمصدر))، [1/ 332ب14] ـ قال عند قول أبي تمام: مَجدٌ تَهَدَّمَ حَتّى صارَ مُحكَمُهُ ... نَقضًا تُرَمُّ بِهِ الآطامُ وَالدورُ ساحاتُ سوءٍ بِحَمدِ اللهِ مَيِّتَةٌ ... فيها العُلا حَيَّةٌ فيها الزَّنابيرُ [بحر البسيط]. ((استعمل نقضًا وهومصدر في موضع الاسم، وإنما جرت العادة في نحوهذا أن يقال: النَّقَض وهوما نُقض؛ فتحرك الحرف الأوسط في كل ذلك، ولكن استعمال المصدر في موضع الاسم قياس مطرد))، [4/ 373ب9]، وينظر أيضا الموضع التالي: [3/ 155ب32] ـ وقال: ((صِيان الشيء وصوانه: ما صِينَ به، وهومن ذوات الواو، وإنما قلبت ياء في صيان لانكسار ما قبلها، وكأنَّ الصيان في الحقيقة مصدر سُمِّي به الشيء)). [3/ 294ب1] وأشار التبريزي أيضا إلى إقامة المصدر مقام اسم الفاعل، فقال: ((استغنوا بالمصادر عن اسم الفاعل؛ إذ كانت المصادر قد تكون نعوتا)). [3/ 313ب12]، بل نجد عند التبريزي التصريح بإقامة الفعل مقام الاسم، فقال: ((.. وقد جاوزوا في ذلك إقامة الاسم مقامَ الاسم، فأقاموا الفعل مقامه إذ كان الاسم قد يوصف بالفعل))، [4/ 341ب2]

ومن المنطقي ألا يكون هذا الإحلال مقبولا أو منطقيا إلا إذا كان الاسم دالاـ في هذه المواضع التي يقع فيها الإحلال ـ على شيء محسوس، أومعنى غير مصدري. ولكن لماذا يلجأ الأديب أو الشاعر لإقامة المصدر مقام الاسم؟ يمكن أن نفسر ذلك بأن هذا التبادل فيه كسر لرتابة اللغة وخروج عن الأنماط اللغوية المألوفة، وهذا فيه لفت للانتباه وإثارة الذهن ودفعه لإعمال العقل للوصول إلى المعنى. كما أن التعبير بـ ((المصدر)) فيه خروج بالتعبير من الخصوصية المقيدة بالمكان أو الزمان إلى العمومية المطلقة، ولا شك في أنه بهذه العمومية تخلد الفكرة المعبر عنها للسماح لها بالانتقال عبر الزمان والمكان؛ لكون المصدر غير مرتبط بزمان أو مكان. أو على حد تعبير ابن جني ((المصدر كل اسم دل على حدث وزمان مجهول)) (¬1). - تثنية المصدر: سبق أن أوضحنا أن المصدر بدلالته على المعنى المجرد لا صلة له بتثنية أوغيرها، إلا أن أبا العلاء يُقر إمكانية تثنيته، ويقر أيضا في نفس المقام أن ذلك قليل، قال عند قول أبي تمام: يُجاهِدُ الشَّوقَ طَورًا ثُمَّ يَجذِبُهُ ... جِهادُهُ لِلقَوافي في أَبي دُلَفا [بحر البسيط] ((... هذا البيت مختلف في روايته، فأكثر النسخ يوجد فيها: ((مُجاهَديه القوافي))؛ فكأنه ثَنَّى المصدر على هذه الرواية. وتثنيته قليلة، فكأنه جَاهَد مُجاهدًا؛ ثم جعل النوع مختلفا باختلاف السر والجهر؛ فثنى لذلك)) (¬2). ¬

(¬1) اللمع في العربية: ص 44، ت: سميح أبو مغلي، دار مجدلاوي للنشر، عمان 1988م (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 362ب10].

وتعليل النحاة لعدم تثنية المصدر ولا جمعه لأنه ((اسم جنس، ويقع بلفظه على القليل والكثير، فجرى لذلك مجرى الماء والزيت والتراب)) (¬1). وإشارة أبي العلاء لقلة تثنية المصدر في النص السابق يقصد بها المصدر المؤكد لعامله (¬2). والمصدر إذا كان مؤكدا لفعله كان هو المطلق حقا، فلا وجه لتثنيته أو جمعه، ((ولكنه حين يكون مبينا لنوعه أو عدده لم يكن هو المطلق، بل يكون مقيدا بنوعه أو عدده، وهذا يدل على أن لهذا المصدر أكثر من نوع وأكثر من مرة، فكلا هذين المصدرين ـ إذن ـ قد خرج من الاطلاق والشمول إلى التقييد والتحديد، وتنوعه وتعدده يجعلانه قابلا للتثنية والجمع)) (¬3). - جمع المصدر المؤكد لعامله المذكور: المصدر المؤكد لعامله المذكور في الجملة تأكيدًا محضًا ((لا يجوز ـ في الرأي الشائع ـ تثنيته ولا جمعه، ما دام المراد منه في كل حالة هوالمعنى المجرد، دون تقييده بشيء يزيد عليه؛ أي: ما دام المصدر مُبْهمًا)) (¬4). وسبب امتناع التثنية والجمع أن المصدر المؤكد مقصود به ((معنى الجنس لا الإفراد فهو يدل بنفسه على القليل والكثير؛ فيستغنى بهذه الدلالة عن الدلالة العددية في المفرد والتثنية، والجمع؛ لأن دلالته تتضمنها، ومثل المصدر المؤكد ما ينوب عنه)) (¬5). إلا أن أبا العلاء يصرح بإمكانية ((جمع المصدر)) إذا دل على أنواع مختلفة. ـ قال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) ابن جني: اللمع في العربية: ص 45 (¬2) جاء في شرح ابن عقيل: ((لا يجوز تثنية المصدر المؤكد لعامله ولا جمعه، بل يجب إفراده، وأما غير المؤكد ـ وهوالمبين للعدد والنوع ـ فذكر المصنف أنه يجوز تثنيته وجمعه .. وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياسا، بل يقتصر فيه على السماع)). ص126 ـ 127 (¬3) المصدر هل يثنى ويجمع؟ ومتى؟، مقال أ/ محمد خليفة التونسي، مجلة العربي، ع219، ص 108 (¬4) النحوالوافي: 2/ 211 (¬5) النحوالوافي: 2/ 211

لَئِن جَحَدتُكَ ما لاقَيتُ فيكَ فَقَد ... صَحَّت شُهودُ تَباريحي وَتَعذيبي [بحر البسيط] ((.. والتباريح: جمع تبريح، كما قالوا التكاليف في جمع التكليف، والتباشير في جمع التبشير، وأصل المصادر ألا تجمع، وربما استحسنوا فيها ذلك إذا اختلفت الأنواع)) (¬1). فتعليل جواز جمع المصدر في بيت أبي تمام اختلاف الأنواع؛ أي: تبريح مختلف عن تبريح، وتبشير مختلف عن تبشير، ولعل لهذا غرضا بلاغيا، بل إن له لغرضا بلاغيا حقا؛ فقد دل على مبلغ ما تحمل فيه؛ إذ تعاورته واختلفت عليه أنواع التباريح؛ فمن خفيف إلى ثقيل، ومن ضعيف إلى قوي، ومن قصير إلى طويل. - مصادر الأفعال وسيلة لتحديد معناها: أشار أبوالعلاء إلى أن المصادر قد تكون وسيلة لتحديد معنى الفعل. وقد تكون أيضا وسيلة من الوسائل التي تتخذها اللغة ((لأمن اللبس)). قال: ((إنهم يفرقون بالمصادر بين الأفعال التي أصلها واحد في الاشتقاق؛ فيقولون: ((خَفَّ الشيء خِفَّة))؛ إذا كان خفيف الزنة، و ((خَفَّ خُفُوفًا))؛ إذا ارتحلوا)) (¬2). ـ الجموع: كان من عادة أبي العلاء أن يذكر مفردات الجموع التي تقابله، وكان هذا ولا شك يسهم كثيرا في توضيح المعنى. قال عند قول أبي تمام: ضَمِنَت لَهُ أَعجاسُها وَتَكَفَّلَت ... أَوتارُها أَن تُنقَضَ الأَوتارُ [بحر الكامل] ((الأوتار الأولى: جمع وَتَر القوس. والأوتار الثانية: جمع وَتْر من الذَّحْل. وهوتجنيس التساوي والتوافق)) (¬3). ومن خلال دراسة الجموع عند أبي العلاء نخرج ببعض الحقائق التالية: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 158ب3]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 240ب3]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179ب50].

ـ الكلمة التي على وزن ((أَفْعَل)) ومؤنثه ((فَعْلاء)) تجمع على ((فُعل))، بتحريك العين أوتسكينها، ((إلا أن التسكين في جمع أفعل وفعلاء هوالوجه المختار)) (¬1) عند أبي العلاء. ـ تحذف ((الياء)) من وزن ((فعاليل)) لطول الكلمة وضعف الحرف. قال أبوالعلاء: ((قيل للفقير صُعْلُوك، والقياس أن يقال في جمعه: صعاليك ويجوز صعالك؛ بحذف الياء)) (¬2). - الجمع قد يبنى على النسب: أشار أبوالعلاء إلى أن هناك جموعا قد تبنى على النسب؛ بمعنى أن تكون الكلمة، ثم يؤتى بالمفرد منسوبا إليها، ثم يؤتى بالجمع بحذف ياء النسب. قال عند قول أبي تمام: بِزُهرٍ وَالحُذاقِ وَآلِ بُردٍ ... وَرَت في كُلِّ صالِحَةٍ زِنادي [بحر الوافر] ((وقال الحُذاق؛ لأنه بناه على النسب. يقال: رجل حُذَاقِي؛ فيُشبه بقولهم رُوميّ وزَنْجِي، ثم يقال للجمع: الزَّنْج والرُّوم؛ فتحذف الياء)) (¬3). ويؤخذ من النص السابق أن ياء النسب يمكن أن تستخدم في ((تمييز الواحد من الجمع))، وهذا ما صدق عليه بعض العلماء فقال: ((وكما أشركوا بين هاء التأنيث وياء النسب في المبالغة أشركوا بينهما في تمييز الواحد من الجمع فحبشي وحبش، وزنجي وزنج، وتركي وترك بمنزلة تمرة وتمر ونخلة ونخل)) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 240ب14]. وقال في موضع آخر: ((وضم مُلُس؛ والصواب تسكينها فيما كان أفعل أوفعلاء، مثل: حُمْر صُفْر، والتحريك جائز)) [2/ 236]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 463ب19]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 371ب7]. (¬4) شرح الكافية الشافية: محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين 4/ 1960، المحقق: عبد المنعم أحمد هريدي، الناشر: جامعة أم القرى ط1

- فَعِيل لا يجمع على فَعَلَة. قال: ((... وهذا أوجه من أن يقال سراةٌ جمع سري؛ لأن فعيلا لا يجمع على فَعَلَة)) (¬1). - فِعْلَة قلما تجمع على فُعْل. قال عند قول أبي تمام: لَقَد أَخَذَت مِن دارِ ماوِيَّةَ الحُقبُ ... أَنُحلُ المَغاني لِلبِلى هِيَ أَم نَهبُ [بحر الطويل] ((وأنث على معنى البرهة والمدة؛ لأن تذكير الحُقْب غير حقيقي، وهذا أوجه من أن يقال الحقب جمع حقبة؛ إذا أريد بها السنة؛ لأن فِعْلة قلما تجمع على فُعْل)) (¬2). - فَعْل لا يجمع على أَفْعال كثيرا. قال: ((والأحسن أن يكون أعجاس جمع عِجْس بكسر العين، أوعُجْس بالضم؛ لأن ((فَعْلا)) لا يجمع على أفعال كثيرا)) (¬3). - ربما جمعوا فُعْلَة على فِعَال. قال: ((وربما جمعوا ((فُعْلَة)) على ((فِعَال))، كما قالوا: نُقْرة ونِقَار، وجُفْرة وجِفَار)) (¬4). - جمع ((فَعْلَة)) على ((فَعَائِل)) غير مشهور. قال: ((وأشبه الأمر بالطائي أن يريد بالحلائب جمع: حَلْبة من الخيل، جمعها على فعائل؛ كأن الواحدة حليبة، إلا أن ذلك غير مشهور)) (¬5). - قد يقتضي القياس أن يكون الجمع على وزن معين ولكن المستعمل غيره. وقد يوجد الجمع وليس له مفرد مستخدم. قال: ((أصبية جمع صَبيّ على القياس، والمستعمل صِبْية)) (¬6). وقال: ((وأعزال جمعٌ، وواحده غير مستعمل)) (¬7). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 180ـ 181ب8]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 177ب1]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179ب49، 50]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 124ب35]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 236ب7]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 560ب20]. (¬7) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 138ب36].

- من المصطلحات التي تطلق على جمع القلة مصطلح ((أدنى العدد)). قال: ((وجمع ذَنُوب في أدنى العدد ((أَذْنِبَة)) على رأي من ذكره)) (¬1). وقد تردد هذا المصطلح عند سيبويه في عدة مواضع منها، قال في إحداها: ((واعلم أن لأدنى العدد أبنية هي مختصَّة به، وهي له في الأصل، وربَّما شركه فيه الأكثر، كما أنَّ الأدنى ربَّما شرك الأكثر. فأبنية أدنى العدد ((أَفْعُلٌ))؛ نحو: أكلبٍ وأكعبٍ. و ((أَفْعَال))؛ نحو: أجمالٍ وأعدالٍ وأحمالٍ، و ((أَفْعِلَة)) نحو: أجربةٍ وأنصبةٍ وأغربةٍ. و ((فِعْلَة))؛ نحو: غلمةٍ وصبيةٍ وفتيةٍ وإخوةٍ وولدةٍ. فتلك أربعة أبنية، فما خلا هذا فهوفي الأصل للأكثر)) (¬2). وينبغي التنبيه على أن عدم تحديد المصطلحات العلمية يؤدي إلى لبس شديد، وضياع المعاني من القارئ، ولعل من أبرز الصعوبات التي تواجه الباحثين في النحو العربي ((استخدام المصطلحات وتحديد مدلولاتها، ومدى ما أصابها من تطور عبر الزمان والمكان جميعا)) (¬3). • التذكير والتأنيث عند أبي العلاء: الألفاظ من حيث التذكير والتأنيث كما أشار أبوالعلاء تنقسم إلى أربعة أقسام: (أ) قسم يذكر. (ب) قسم يؤنث. (ج) قسم يذكر ويؤنث ولكن الغالب عليه التذكير. (د) قسم يذكر ويؤنث ولكن الغالب عليه التأنيث (¬4). ومن أمثلة القسم الأول عنده: ((السيفانة: الضامرة البطن، والذكر: السيفان)) (¬5). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 85]. (¬2) الكتاب: 3/ 490 (¬3) د. على أبو المكارم: أصول التفكير النحوي، ص 8 (¬4) وهما اللذان لا تقع فيهما ـ في الغالب ـ علامة تدل على التأنيث. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 352ب6].

ومن أمثلة القسم الثاني عنده: ((الدلو: من النجوم مؤنثة، مثل الدلو المعروفة)) (¬1). ومن أمثلة القسم الثالث عنده الغالب عليه التذكير: • ((العاتق يذكر ويؤنث والأكثر التذكير)) (¬2). • ((السلطان المعروف فيه التذكير، وقد حكي تأنيثه)) (¬3). ومن أمثلة القسم الرابع عنده الغالب عليه التأنيث: • ((الذراع: مؤنثة في معظم كلامهم، وذكر الفراء أن تذكير الذراع لغة عُكلية، واستشهد على أن التذكير جائز بقولهم في اسم البلد أَذْرِعات؛ لأن أذرعات جمع ((أَذْرِعة))، وأذرعة جمع ((ذِراع)) في حال التذكير. مثل: حمار وأحمرة، ولوجُمِع مؤنثا لقيل: ((أَذْرُع))؛ فوجب أن يقال في الجمع أَذْرُعات بضم الراء)) (¬4). • ((كداء: موضع بمكة، والغالب على كداء التأنيث)) (¬5). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 353ب12]. وفي كلام للتبريزي قال: ((الغالب على الدلوالتأنيث، وربما ذكر)). [4/ 35 ب61] (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 365ب29]. (¬3) قال الفراء: ((السلطان: أنثى وذكر، والتأنيث عند الفصحاء أكثر، والعرب تقول: قضت به عليك السلطان، وقد أخذت فلانا السلطان))، ينظر: المذكر والمؤنث، تحقيق: رمضان عبد التواب، 74، ط2 مكتبة دار التراث. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 35ب62] (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 11ب1]. ومن الأمثلة التي ذكرها التبريزي على هذاالقسم: ((أصل القَلْتِ نقرة في صخرة يجتمع فيها ماء السماء، والغالب عليها التأنيث)). [1/ 425ب7] و ((ذَكَّر الضحى والمعروف تأنيثها)). [1/ 94] وأيضا: [1/ 434] ... ومن القواعد التي ذكرها التبريزي في هذا الباب ـ ويؤيد التقسيم الذي أوردناه ـ: ((والتأنيث جائز في كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء؛ مثل: نخل ونخلة، وتمر وتمرة، إلا أن بعض جموع هذا النوع يغلب عليه التذكير، وبعضها يغلب عليه التأنيث، والوجهان جائزان)). [1/ 301ب9]، وقال أيضا في موضع آخر: ((سحاب جمع سحابة؛ فيجوز أن يذكر ويؤنث كما يجوز ذلك في الجموع التي ليس بينها وبين واحدها إلا الهاء)). [4/ 575ب33]

والتقسيم السابق الذي لفت أبو العلاء النظر إليه يدل على أن ((ظاهرة التذكير والتأنيث لا تجري في اللغة العربية على قياس مطرد، وأن المعول عليه في ذلك هو السماع)) (¬1)، كما أنه دليل على عدم وجود ((صلة عقلية منطقية بين الاسم وما يدل عليه من تذكير أو تأنيث)) (¬2). وأن هذا ((هو السر في أن كثيرا من الكلمات التي تسمى بالمؤنثات السماعية في اللغة العربية ـ وهي التي تخلو من علامات التأنيث ـ قد روي لنا فيها التذكير كذلك، وينسب ذلك في بعض الأحيان إلى القبائل العربية)) (¬3). **** ـ القول في عبدون وحمدون: ـ قال عند قول أبي تمام يهجو فيها شخص يسمى عبدون: أَعَبدونُ قَد صِرتَ أُحدوثَةً ... يُدَوَّنُ سائِرُ أَخبارِها [بحر المتقارب] ((مذهب بعض الناس في ((عَبْدون)) و ((حَمْدون)) وما كان مثلهما أنهما أسماء محرفة عن العربية، فهي جارية مَجْرى الأعجم لا تنصرف في المعرفة وتنصرف في النكرة، فينبغي أن يُنْشَد على هذا ((أعبدون)) بضم النون لأنه منادى علم، ومن ذهب إلى أن ((عبدون)) جمع عبد سُمي به، فيجب أن يُنْشِد أعبدون بفتح النون؛ لأنه اسم عَلَم والواو للجمع، والذي حكاه النحويون في مثل هذا النحووجهان: أحدها أن تقول إذا ¬

(¬1) أبو الحسن أحمد بن فارس: المذكر والمؤنث، ص40، تحقيق رمضان عبد التواب، ط1 القاهرة 1969م (¬2) أبو الحسن أحمد بن فارس: المذكر والمؤنث،30، هذا بالإضافة إلى الدليل الذي ذكره د. رمضان عبد التواب ص31 في المقدمة من أن ((من اللغات ما يعد بعض الكلمات مؤنثا، وهي مذكرة في لغات أخرى، والعكس بالعكس: فمثلا تعد اللغة العربية: ((الخمر)) و ((السن)) و ((السوق)) كلمات مؤنثة، على حين تعدها اللغة الألمانية مذكرة، فهي فيها: der Wein و der Zahn و der Markt)) . (¬3) أبو الحسن أحمد بن فارس: المذكر والمؤنث، 32

سميت الرجل بجمع عبد جاءني عبدون كما تقول جاءني الزيدون، وتقول في النصب والخفض، لقيتُ عبدين ومررت بعبدين فتجعله تاليا وتُجرى نون الجمع، والآخر أن تجعله بياء في كل وجه وتعرب النون بوجوه الإعراب، فتقول هذا عبدين ورأيت عبدينا ومررتُ بعبدين، وقد أجاز بعض المتأخرين أن تُقر الواوعلى كل حال، ويلزمه على هذا الوجه أن يعرب النون، إلى هذا المذهب يميل من زعم أن زيتونًا جمع زيت وأنه على فَعْلون)) (¬1). يلخص أبو العلاء موقف العلماء من ((عبدون)) وما شابهها كالتالي: - قسم من العلماء ذهب أنها أسماء محرفة عن العربية. - وقسم ذهب أنها جمع ((عبد)) سمي به. ويلخص الموقف الإعرابي بأنه: - من العلماء من أعربها إعراب جمع المذكر السالم. - ومنهم من ألزمها الياء والنون، وأجرى العلامة الإعرابية على النون. - ومنهم من ألزمها الواو والنون، ويلزم من قال بهذا الرأي ـ كما قال أبو العلاء ـ أن يعرب النون. والباحث يرجح أن عبدون وما شابهها محرفة عن العربية، ودليل الترجيح أن معظم الأعلام التي ختمت بـ ((ون)) معظمها أعلام ((أندلسيين))، وقد قام الباحث بالرجوع إلى فهرس الأعلام الذي قام به د. شوقي ضيف لكتاب ((المُغرب في حُلى المغرب)) (¬2)، والفهرس الذي صنعه الأستاذ إحسان عباس لكتاب ((نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)) (¬3)، وفهرس د. أحمد مختار العبادي على كتاب ((نُفاضة الجراب في عُلالة الاغتراب)) (¬4) واستخرج منه الأعلام التالية (¬5): ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 369ب1]. (¬2) دار المعارف، ط4 (¬3) دار صادر بيروت، 1988م (¬4) للسان الدين بن الخطيب، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة. (¬5) مع استبعاد كلمتي: ابن، وأبو.

أردون ... حنون ... زرهون ... ضيفون ... غلبون أرغون ... حيون ... زنون ... طولون ... فتحون الفكون ... خزرون ... زيتون ... عبدون ... فحلون بدرون ... خلدون ... زيدون ... عزون ... فرحون تحقون ... خلصون ... سحنون ... عفيون ... فركون حزمون ... خيرون ... سعدون ... علون ... لاطون حسون ... دحون ... سمنون ... عمرون ... دمعون حفصون ... ذنون ... شبطون ... عيشون ... ميمون حمدون ... زرقون ... شلبون ... غزلون ... وهبون ومن أسماء الأعلام الأندلسية العربية أيضا التي تنتهي بالواو فقط: أبو خدو (¬1)، أبو حمو (¬2). وأيضا: نقشابو (لقب مغن) (¬3)، رحو (¬4)، برميخو (¬5) ومن أعلام النساء: قسمونة، ومن أعلام الأماكن: برشلونة، بلكونة، ركونة، شذونة، طرسونة ... تلك الأعلام السابقة ظهرت على أرض الأندلس، ومن الطبيعي أن يحدث تأثر بالبيئة اللغوية الموجودة سلفا في هذا المكان التي تسيطر عليه اللغة الأسبانية التي تتميز بانتهاء عشرات الكلمات فيها بالمقطع الصوتي: [أوو / O/] ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر (¬6): ¬

(¬1) نفح الطيب: 6/ 486، ونفاضة الجراب 73 (¬2) نفاضة الجراب: 25 (¬3) نفح الطيب: 5/ 341، واسمه: محمد بن سعيد الصنهاجي. (¬4) نفاضة الجراب: 261 (¬5) نفاضة الجراب: 12، واسمه: محمد السادس، الغالب بالله أبو سعيد. (¬6) اعتمد الباحث في اختيار هذه الكلمات على: The New Lexicon Webester s Dictionary of the English language ، الملحق ES-1 [Spanish-English Dictionary]

اتفاف ... acuerdo ... كامل / مطلق ... absoluto ... بَقَّال ... abacero تقدم ... adelanto ... منهمك ... absorto ... تحت ... abajo خلال ... adentro ... معتدل ... abestemio ... كئيب ... abatido صفة ... adjetivo ... جد ... abuelo ... يفتح ... abierto مزين ... adorno ... ينهي ... acabado ... خليج ... abismo بالغ ... adulto ... فرصة ... acaso ... محام ... abogado مطار ... aeropuerto ... دخول ... acceso ... أسلاف ... abolengo مشهور ... afamado ... يؤكد ... acento ... سماد ... abono حزين ... afligido ... نشيط ... activo ... إخفاق ... aborto يمسك ... agarro ... فعل / حدث ... acto ... معطف ... abrigo ومن أسماء الأعلام الأسبانية: [Pedro Antonio de Alarcon ، أحد أشهر الروائيين الأسبان]، [Leopoldo Alas ناقد وروائي]، [Mateo Aleman روائي]، [Pedro Calderon de la Baraca كاتب مسرحي] (¬1). والعرب تُزيد ((النون في بعض الصفات فقيل: غضبان وفرحان وجوعان، وفي مثل: سعدون، خلدون، حسنون، شقرون، شيخون، وفي بعض المصادر مثل غفران، شكران، قرآن، وفي آخر بعض جموع التكسير، مثل ذؤبان، جرذان، بل زادوها في آخر بعض الأفعال، مثل: سلطن، برهن، حلقن، شيطن)) (¬2). فليس من المستبعد أن يكون ختام الأعلام: عبدون، عمرون، فتحون وغيرها من التأثير الصوتي الموجود في اللغة الأسبانية، ولاسيما إذا علمنا أن احتكاك العرب بالأراضي الأندلسية بدأ تاريخيا عام 92هـ أيام الخلافة الأموية وقائدها موسى بن نصير ومولاه طارق بن زياد، مع الأخذ في الاعتبار أن أبا تمام توفي عام 231هـ، أي أن الاحتكاك قبله امتد لأكثر من 130عاما. ¬

(¬1) ينظر: Lexicon Universal Encyclopedia , vol 21 , index (¬2) أ/ محمد خليفة التونسي: الأنانية والأثرة، ص 163، مقال بمجلة العربي الكويتية، ع 291، فبراير 1983م

وعليه فإن الباحث يرجح أن هذه الأعلام أسماء أعجمية تعامل معاملة الممنوع من الصرف. **** ـ اجتراء الشعراء على بنية الكلمة: يثبت أبوالعلاء في أكثر من موضع الحقَّ المتاح للشعراء في انتهاك بنية الكلمة حذفا لبعض الحروف أوتخفيفا، مؤكدا ذلك في مواضع متعددة. قال عند قول الطائي: يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت ... مِنكَ المُنى حُفَّلا مَعسولَةَ الحَلَبِ [بحر البسيط] ((وعمورية اسم أعجمي، واستعمله في هذا البيت بتشديد الميم والياء، وقد روي عنه في قصيدة أخرى بتخفيف الحرفين، والشعراء يجترئون على تغيير الأسماء الأعجمية أكثر من اجترائهم على تغيير الأسماء العربية)) (¬1). ـ قال عند قول أبي تمام: حَضرَمتُ دَهري وَأَشكالي لَكُم وَبِكُم ... حَتّى بَقيتُ كَأَنّي لَستُ مِن أُدَدِ [بحر البسيط] ((.. ((حضرمتُ دهري))؛ أي: جعلته بحضرموت. فكأنه اجترأ على بنية هذه الكلمة لما كانت العرب تقول: رجل حضرمي؛ إذا نسبوه إلى حضرموت)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: أَيُّها الغَيثُ حَيَّهَلَّا بِمَغداكَ وَعِندَ السُرى وَحينَ تَؤوبُ [بحر الخفيف] (((أيها الغيث حَيَّهَلَّا): شدد حَيَّهَلَّا، ولا تعرف إلا مخففة اللام (...) ويجوز أن يكون سمعها مشددة في شيء من شعر العرب)) (¬3). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 46]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 337ب7]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 292]، وينظر أيضا: [2/ 263ب3].وقد اتفق التبريزي هو وأبو العلاء في إثبات هذا الحق، فيقول عند قول أبي تمام: أَما وَأَبيها لَورَأَتني لَأَيقَنَت ... بِطولِ جَوًى يَنفَضُّ مِنهُ الحَيازِمُ [بحر الطويل]. ((الحيازم:: أراد الحيازيم؛ فحذف الياء، وإنما الواحد حيزوم، وحذف هذه الياء في الجمع يجترئ عليه الشعراء كثيرا))، [3/ 177ب6] ـ وقال: ((والأكثر في السُّمر تسكين الميم، وقلما يستعملون تحريكها في الجمع إذا كان لـ ((أفعل، وفعلاء))، مثل: أحمر وحمراء، يقولون: حُمْرٌ في المذكر والمؤنث، فيلزمون الإسكان، إلا أن يضطر شاعر، فيقول: السُّمُر في جمع أسمر، والورق في جمع أورق .. فأما العُشْب والعُشُب، فإنهم يجترئون في مثل هذا على الحركة والسكون)). [1/ 61]، وينظر أيضا الموضعين التاليين: [2/ 255ب4]، [3/ 283ب5]

ويعترف أيضا بأن الشعراء قد يخرجون بالكلمة إلى وضع استعمالي جديد. قال عند قول أبي تمام: إِنَّ الأَميرَ بَلاكَ في أَحوالِهِ ... فَرَآكَ أَهزَعَهُ غَداةَ نِضالِهِ [بحر الكامل] ((الأهزع: آخر سهم يبقى في الكنانة، وأكثر ما يستعمل في النفي مع التنكير (...) وقد أخرجه الطائي إلى الإيجاب، وأراد التعريف بالإضافة)) (¬1). • ملحوظات صرفية على بنية الكلمة عند أبي العلاء: 1ـ التناسق اللفظي قد يكون له تأثيره على ضبط الكلمة وإعرابها وبنيتها: ودليل ذلك قوله عند قول أبي تمام: بِمُختَبِلٍ ساجٍ مِنَ الطَّرفِ أَحوَرٍ ... وَمُقتَبَلٍ صافٍ مِنَ الثَّغرِ أَشنَبِ [بحر الطويل] ((يُختار فتح الباء من ((بِمُختَبِلٍ))؛ ليكون موازيًا لفتحها في ((مُقتَبَلٍ)) ...)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: جَديرٌ بِأَن يَستَحيِيَ اللهَ بادِيًا ... بِهِ ثُمَّ يَستَحيي النَّدى وَيُراقِبُه [بحر الطويل] ((... ورفعه ((يستحيي)) أوكدُ لرفع ((يُراقبه))؛ لأن المرفوع يكون تابعا لمثله)) (¬3). وتأثير التناسق اللفظي على بنية الكلمة أمر التفت إليه كثير من علماء اللغة، قال الثعالبي: ((فصل في الحمل على اللفظ والمعنى للمجاورة: العرب تفعل ذلك ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 59ب1]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 148ب8]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 227ب22].

فتقول: هذا حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. والخرب نعت الحُجر لا نعت الضبِّ، ولكن الجوار عمل عليه كما قال امرؤ القيس: كأن ثبيرًا في عَرانين وَبلِهِ ... كبيرُ أناسٍ في بِجاد مُزَمَّلِ [بحر الطويل] فالمُزَمَّل: نعت الشيخ لا نعت البِجاد وحقه الرفع ولكن خفضه للجوار (...) وفي القرآن: چ ? ٹ ٹ چ [يونس 71]، لا يقال: أجْمَعت الشُّركاء وإنما يقال: جَمَعت شركائي وأجمَعتُ أمري وإنما قال ذلك للمجاورة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارجِعْنَ مأزورات غيرَ مَأجورات)) (¬1) وأصلها مَوزورات من الوزر، ولكن أجراها مجرى المَأجورات للمجاورة بينهما، وكقوله: بالغدايا والعشايا ولا يقال: الغدايا إذا أفردت عن العشايا لأنها الغدوات والعامة تقول: جاء البرد والأكسية والأكسية لا تجيء؛ ولكن للجوار حقٌّ في الكلام)) (¬2). ومن إشارات النحاة أن الفعل المضارع المعتل الآخر بالياء يرفع بضمة مقدرة عليها ويجزم بحذفها. والأغلب أن تكون هذه الياء مذكورة ((ومن الجائز حذفها لغير جازم، قصدا للتخفيف، أو مراعاة الفواصل، ونحوها، تبعا لبعض القبائل العربية، بشرط أمن اللبس بين هذا النوع الجائز من الحذف والنوع الآخر الواجب الذي سببه الجزم)) (¬3). 2ـ العرب تُثني الشيء وتجمعه لأنها تضيف إليه ما يقرب منه: ـ قال عند قول أبي تمام: وَبِشُعلَةٍ نَبذٍ كَأَنَّ قَليلَها ... في صَهوَتَيهِ بَدءُ شَيبِ المَفرِقِ [بحر الكامل] ¬

(¬1) قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة: ((2742: ارجعن مأزورات غير مأجورات، ضعيف)). [6/ 243] (¬2) فقه اللغة وسر العربية: لأبي منصور الثعالبي، ص 326، [تحقيق: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الذخائر 168] (¬3) النحو الوفي: 1/ 186

((.. والصهوة: مَقْعد الفارس وثناها في هذا البيت؛ لأنه قصد الجانبين، والعرب تفعل ذلك يثنون الشيء، ويجمعونه؛ لأنهم يضيفون إليه ما يقرب منه؛ فيقولون صهوة الفرس وصهواته)) (¬1). 3 ـ الاسم الذي يأتي في صيغة النسب قد يطلق ويراد به الاسم المنسوب إليه: يعرف العلماء النسب بأنه ((إلحاق ياء مشددة في آخر الاسم لتدل على نسبته إلى المجرد عنها)) (¬2). فـ ((إذا أريد إضافة شيء إلى بلد أوقبيلة أونحوذلك جعل آخره ياء مشددة مكسورا ما قبلها، فيقال في النسب إلى دمشق: دمشقي، وإلى تميم: تميمي)) (¬3). فكلمة دمشقي تدل على شيء منسوب إلى دمشق وهي لا تساوي في الدلالة كلمة دمشق؛ أي: إن صيغة النسب لا تساوي في الدلالة الاسم المنسوب إليه. غير أن أبا العلاء يُجَوِّزُ أن تكون ((صيغة النسب)) مساوية في الدلالة للاسم المنسوب إليه؛ أي: من الممكن أن يصبحا في دلالتها شيئا واحدا. ـ قال عند قول أبي تمام: عَشِيَّةَ صَدَّ البابَكِيُّ عَنِ القَنا ... صُدودَ المُقالي لا صُدودَ المُجامِلِ [بحر الطويل] ((إذا كان أراد بـ ((البابكي)) صاحبا من أصحاب بابك فلا كلام فيه، وإن كان أراد بابك نفسه، فمثل ذلك قليل إلا أنه جائز كأنه نسبه إلى اسمه، وهذا في النعوت موجود، فأما في الأسماء الأعلام فقليل، ولا يمتنع في القياس أن يقال هذا الفرزدقيُّ ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 411ب9]. وردد التبريزي نفس التعليق، قال: ((يجوز أن يجمع الشيء ويضاف إلى ما حوله، كما يقال: ركبت أصلاب الناقة؛ لأنه يجعل كل فقارةٍ صلبا؛ أولأنه يضيف إلى الصلب ما دنا منه، قال المُثقِّب: يُصيخُ لِلنَّبأَةِ أَسماعَهُ ... إِصاخَةَ النّاشِدِ لِلمُنشِدِ [بحر السريع])) [2/ 162ب6] (¬2) حاشية الصبان: 4/ 249 (¬3) شرح ابن عقيل: 283

ـ المجموعة الثانية: دراسة آراء أبي العلاء الصرفية المتعلقة بالحرف صوتا وإعلالا وإبدلا وغيره

والجريريُّ، يراد هذا الذي يُسمى الفرزدق أوجرير؛ فينسب إلى اسمه، وقد حكوا في شعر الصَّلَتان: أنا الصلتاني، وهومن طريقة القياس جائز، لا خُلف فيه)) (¬1). 4 ـ عرفات تصرف ولا تصرف (¬2). ********* ـ المجموعة الثانية: دراسة آراء أبي العلاء الصرفية المتعلقة بالحرف (¬3) صوتًا وإعلالا وإبدلا وغيره: سندرس هنا المادة الصرفية التى قالها أبوالعلاء والمتعلقة بالحرف. ونبدأ بوقفة صوتية عند أبي العلاء. ـ وقفة صوتية عند أبي العلاء: من الأمور التى تعرض لها علماء اللغة المحدثون بالشرح والإيضاح ((قوانين التغييرات التركيبية للأصوات)). واتفقوا على أن أهم هذه القوانين قانونان، هما: قانون المماثلة، وقانون المخالفة. أما قانون المماثلة Assimilation فيشير إلى ((تأثر الأصوات اللغوية بعضها ببعض عند النطق بها في الكلمات والجمل؛ فتتغير مخارج بعض الأصوات أوصفاتها، لكي تتفق في المخرج أوالصفة مع الأصوات الأخرى المحيطة بها في الكلام؛ فيحدث عند ذلك نوع من التوافق والانسجام بين الأصوات المتنافرة في المخارج أوفي الصفات (...) فإذا التقى في الكلام صوتان من مخرج واحد أو من مخرجين متقاربين، وكان أحدهما مجهورا والآخر مهموسا مثلا حدث بينهما شد وجذب، كل واحد منهما يحاول أن يجذب الآخر ناحيته ويجعله يتماثل معه في صفاته كلها أوفي بعضها)) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 83ب19]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 12ب1]. (¬3) المقصود الحرف البنائي أوالهجائي. (¬4) التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه: د. رمضان عبد التواب، ص 22.

وقد أشار أبوالعلاء في إحدى مواضع الشرح إلى ما يمكن وضعه تحت قانون المماثلة السابق. قال عند قول أبي تمام: تَؤُمُّ شِهابَ الحَربِ حَفصًا وَرَهطُهُ ... بَنوالحَربِ لا يَنبوثَراهُم وَلا يُكدي [بحر الطويل] ((... ((تؤم شهاب الأزد)) (¬1)، وذكر ابن السكيت أن الأُسْد بالسين أجود، وغيره يقولها بالزاي، ويجب أن يكون الأصل بالسين؛ لأن الدال إذا وقعت قبلها السين الساكنة فبعض العرب يحولها إلى الزاي، وكذلك الصاد، وكذلك قالوا في المثل: لم يُحْرَمْ مَنْ فُزْدَ له؛ إذا سكنوا صاد ((فُصِدَ)) على لغة ربيعة)) (¬2). وإشارة أبي العلاء السابقة تقع عند علماء الأصوات تحت قانون المماثلة، وتحديدا ما يسميه علماء الأصوات ((التأثر المُدبِر الجزئي في حالة الاتصال))؛ ((أي: تأثير حرف لاحق على حرف سابق عليه تأثيرا جزئيا)) (¬3). قال علماء الأصوات: ((في اللهجات العربية القديمة تتحول الصاد قبل الدال إلى زاي. مثل: ((يَزْدُق)) في ((يصدق)))) (¬4). وإشارة أبي العلاء السابقة تدل على وجود قوانين صوتية تحكم تجاور الأحرف داخل بنية الكلمة. وقانون المماثلة الصوتي يقدم تفسيرا علميا مقبولا يمكن من خلاله تفسير إبدال بعض الحروف بغيرها في بعض الكلمات، فمثلا: ((اتصل، اصطبر، اضطرب، ¬

(¬1) هذه رواية أبي العلاء للبيت. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 120ب7] (¬3) التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه: د. رمضان عبد التواب، ص34. ولا يقتصر التأثير على الحروف فيما بينها ((بل نراها بين الحركات، وأحيانا بين الحركات والصوامت))، ينظر: اللغة العبرية، تطبيقات في المنهج المقارن: د. محمد صالح توفيق، ص27، [دار الهاني للطباعة، 2004] (¬4) التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه: د. رمضان عبد التواب، ص34، ومما تجدر الإشارة إليه أن د. رمضان عبد التواب قال: ((ولم يعين اللغويون القبيلة التي ينتمي إليها هذا الإبدال)).

يمَّحي))، يمكن تفسيرها بالمماثلة التأخرية التي يتأثر فيها المتقدم بالمتأخر، و ((ازداد، ادهن، ادكر، اظلم، فزد)) يمكن تفسيرها بالمماثلة التقدمية التي يتأثر فيها المتأخر بالمتقدم. ولا ينبغي أن نهمل الجانب الصوتي في المباحث الصرفية؛ لأنها ((مبنية في أساسها على ما يقرره علم الأصوات من حقائق وما يرسمه من حدود، وكل دراسة صرفية تهمل هذا النهج الذي نشير إليه لابد أن يكون مصيرها الإخفاق والفشل، كما هو الحال في كثير من مباحث الصرف في اللغة)) (¬1). ومن يتأمل بعمق صنيع النحاة يجد أن ((النحو لا يفتأ يستخدم معطيات الصوتيات والصرف المختلفة في عرض الأغلب الأعم من تحليلاته وفي الرمز لعلاقاته وأبوابه)) (¬2). ـ حذف حرف من الكلمة لضعفه ولطول الكلمة: ألمح أبوالعلاء إلى جواز حذف حرف من الكلمة بسبب ضعفه وبسبب طول الكلمة. قال عند قول أبي العلاء: إِلَيكَ سَرى بِالمَدحِ قَومٌ كَأَنَّهُم ... عَلى المَيسِ حَيّاتُ اللِصابِ النَضانِضُ [بحر الطويل] ((ونَضانِض: جمع ((نَضْناض))، وهوالكثير الحركة من الحيات، والقياس يوجب أن يقال: ((نَضَانِيض)) بالياء؛ ولكنه حذف لضعف الحرف؛ ولأن الاسم طويل يمكن أن يخفف منه)) (¬3). والحروف الضعيفة هي: ((الياء والواووالألف)) وكان ((الخليل يسمِّيها الحُروف الضَّعيفةَ الهوائيَّة)) (¬4). و ((سمِّيت ضعيفةً لانتقالها من حال إِلى حال عند التصرُّف باعتلال)) (¬5). ¬

(¬1) د. كمال بشر: علم اللغة العام، الأصوات، ص 185، دار المعارف، 1980 (¬2) د. تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها، ص 86 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 297ب11].ويرتبط بهذه الجزئية قول أبي العلاء في موضع آخر: ((والرِّحَب جمع رَحْبَة، ورَحَبَة، والأصل أن يقال: رحاب بالألف؛ فحذفت لأنها حرف لين، كما قالوا: ثِلل في جمع ثَلَّة والأصل ثِلال)). [1/ 51] (¬4) لسان العرب: لابن منظور، ص 4788، أول باب الواو، [ترتيب طبعة دار المعارف، تحقيق: عبد الله علي الكبير وآخرين]. (¬5) لسان العرب: لابن منظور، ص 4788

وإذا رجعنا إلى ((أصول الكلمات العروبية السامية جميعا ومنها لغتنا العربية ... وجدنا أن العناية فيها تنصب على الحروف الساكنة، وهي التي تراعى في كتابة هذه اللغات جميعا دون الحروف اللينة أوحروف المد وهي: ألف، وواو، وياء)) (¬1). ـ حكم التصريف: من المصطلحات التي ذكرها أبوالعلاء أثناء شرحه مصطلح ((حكم التصريف)). ومن خلال سياق الكلام الذي ورد فيه هذا المصطلح يجوز أن يكون المقصود به عنده: ((القوانين والقواعد المتعلقة بأصلية حرف في كلمة أوزيادته))، أوهي: ((قوانين متعلقة بالحرف داخل بنية الكلمة)).قال عند تحليله الصرفي لكلمة ((أندلس)): ((فإن ادعى مدعٍ أنها ((فَنْعَلِل))؛ فقد خرج عن حكم التصريف؛ لأن الهمزة إذا كان بعدها ثلاثة أحرف من الأصول لم تكن إلا زائدة. وعند سيبويه أنها إذا كان بعدها أربعة أحرف فهي من الأصل، كهمزة إصطبل)) (¬2). ـ ارتباط وزن الكلمة بالحروف الأصلية والزائدة والمرتبطة بدورها بمعنى الكلمة وزن الكلمة يتحدد بمعرفة الحروف الأصلية والزائدة. وتحديد الأصلي والزائد من حروف الكلمة مرتبط بمعنى الكلمة. فعند مناقشته لكلمة ((مُتَاع))، قال أبو العلاء: ((الـ ((مُتَاع)) من قولهم: أتاع الرجل؛ إذا قَاء. فهذا يدل على أن الميم في المُتاع زائدة، وأن وزنه ((مُفْعَل)). ويجوز أن يكون على ((فُعَال)): يكون من مَتَع النهار)) (¬3). وقال في موضع آخر: ((ارجحنَّت: في معنى ثقلت. ووزن ((ارجحنَّ)) عند سيبويه ((افعلَلَّ))، وقال غيره: وزنه ((افْعَلَنَّ)) كأنه عنده من الرجحان ومن رجح)) (¬4). ¬

(¬1) أضواء على لغتنا السمحة: محمد خليفة التونسي، ص138 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 17ب16]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 339ب19]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 306ب31]. وينظر أيضا: [1/ 56ـ57]

والنصان السابقان يشيران إلى أهمية تصريفات الكلمة في معرفة الحرف الأصلي والزائد. وهذا ما أثبته النحاة؛ إذ قالوا: ((الحرف الذي يلزم تصاريف الكلمة هوالحرف الأصلي، والذي يسقط في بعض تصاريف الكلمة هوالزائد، نحو: ضارب ومضروب)) (¬1). ـ الإعلال والإبدال: الإعلال: ((هوتغيير حرف العلة للتخفيف، ويجمعه القلب، والحذف، والإسكان. وحروفه الألف، والواو، والياء.)) (¬2). أوهو: ((تغيير حرف العلة للتخفيف، بقلبه، أوإسكانه أوحذفه. فأنواعه ثلاثة: القلب والإسكان والحذف)) (¬3). أما الإبدال: ((فهوجعل مطلق حرف مكان آخر (...) فكل إعلال يقال له إبدال ولا عكس)) (¬4). فالإعلال مختص بحروف العلة والهمزة؛ لأنها تقاربها بكثرة التغيير (¬5). ومن اللغويين من حصر حروف الإبدال في قوله ((طال يوم أنجدته)) (¬6). - إبدال الياء من الواو استثقالا للتشديد مع الواو: أشار أبوالعلاء إلى أن الياء قد تبدل من الواو، معللا ذلك الإبدال بـ ((استثقال التشديد مع الواو)). قال: ((الحُيَّل جمع حائل، وهي التي لم تَحْمل. والحُوَّل بالواوأجود؛ لأنه من ذوات الواو؛ فتظهر في جمعه، كما يقال: صائم وصُوَّم، وقائم وقُوَّم. وقد قلبت إلى الياء استثقالا للتشديد مع الواو، كما قالوا: صُيَّم في جمع صائم، ونُُيَّم في جمع نائم)) (¬7). - إبدال الياء من حرف مضعف لخفتها وفرارا من التقاء ساكنين: ¬

(¬1) شرح ابن عقيل: ص296، [الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1994م] (¬2) شرح شافية ابن الحاجب: 3/ 66 ـ 67 (¬3) شذا العرف في فن الصرف: ص 135 (¬4) شذا العرف في فن الصرف: ص 135 (¬5) شذا العرف في فن الصرف: ص 135 (¬6) الأمالي لأبي على القالي، 2/ 186 (¬7) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 39ب24].

يمكن للياء أن تبدل من حرف مضعف في كلمة لخفة الياء , وفرارا من التقاء ساكنين. قال عند قول أبي تمام: بِأَحاظي الجُدودِ لا بَل بِوَشكِ الجِدِّ لا بَل بِسُؤدَدِ الأَجدادِ [بحر الخفيف] ((الأحاظي جمع ((حظ)) على غير قياس؛ كأنهم جمعوا ((حَظًّا)) على ((أَحُظّ))، وجمعوا ((أَحُظًّا)) على ((أَحَاظ))، ثم أبدلوا الياء من الحرف المضعف؛ لأنها أخف، وفروا مع ذلك من جمع بين ساكنين)) (¬1). - إبدال الياء من اللام: يرى أبوالعلاء إمكانية إبدال الياء من اللام، فقال عند قول أبي تمام: مُعاوِدَ الكِبرِ وَالسُّمُوعَلى ... أَعيادِهِ باذِخًا عَلى جُمَعِهْ [بحر المنسرح] ((... كان في بعض النسخ: ((مُعَاوِدَ الكِبْر والتَّدَلِّي))، فإن صح ذلك فإنه أراد ((التَّدلُّل))؛ فأبدل من اللام الياءَ؛ لأن ذلك يُفْعَل في ((التَّفَعُّلِ))؛ إذا كان من ذوات التضعيف، نحو: تَظَنَّيْتُ، وتَقَضَّى البازي)) (¬2). وأصل ((تظني وتقضي)): ((تظنن، وتقضض))، وقلب الحرف الأخير استثقالا لتوالي ثلاثة أمثال (¬3). - قلب الهمزة من الواو في أول الكلمة: يمكن للهمزة أن تقلب للواو أول الكلمة بشرطين: [أ] أن تكون مضمومة. [ب] كونها في أول الاسم. قال أبوالعلاء: ((أُسامة (...) يحمل على أن الهمزة فيه واوقلبت ((لضمتها، وكونها في أول الاسم؛ فكأنه وسامة)))) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 367ب38]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 348ب23]. (¬3) شرح شافية ابن الحاجب: محمد بن الحسن الرضي الإستراباذي، نجم الدين 1/ 113، ت: محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محيى الدين عبد الحميد،: دار الكتب العلمية بيروت 1395 هـ - 1975 م (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 81]. ومن المواضع التي تبدل فيها الهمزة من الواوجوازا أن تكون مضمومة ضما لازما غير مشددة. [شذا العرف: 138]

وقد علل ابن عصفور هذا القلب والإبدال بقوله: ((وإنَّما فعلتَ ذلك، لثقل الضَّمَّة والكسرة في الواو. وذلك أنَّ الضَّمَّة بمنزلة الواو، والكسرة بمنزلة الياء. فإذا كانت الواو مضمومة فكأنه قد اجتمع واوان. وإذا كانت مكسورة فكأنه قد اجتمع لك ياء وواو. فكما أنَّ اجتماع الواوين، والياء والواو، مستثقل فكذلك اجتماع الواو والضمَّة، والواو والكسرة.)) (¬1). - قلب الهمزة المزيدة للتأنيث ياء بين بين (¬2): قبل أن نذكر نص أبي العلاء الذي يدل على العنوان السابق نمهد بقولنا: إن الصرفيين عند دراستهم لمواضع قلب الهمزة ياء يقولون: إبدال الواو والياء من الهمزة يتحقق في ناحيتين: ((الناحية الأولى: الجمع الذي على وزن: مفاعل وما شابهه، بشرط أن تكون الهمزة عارضة بعد ألف تكسيره، وأن تكون لام مفرده إما همزة أصلية، وإما حرف علة أصليا؛ واوا أو ياء)) (¬3). و ((الناحية الثانية اجتماع همزتين في كلمة واحدة)) (¬4). ونص أبي العلاء الذي معنا يفهم منه وجود موضع آخر تقلب فيه الهمزة ياء، وقبل ذكر الموضع نقدم نص كلام أبي العلاء أولا، قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: أَنتَ الَّذي لا تُعذَلُ الدُنيا إِذا ... النائِباتُ صَفَحنَ عَن حَوبائِهِ ¬

(¬1) الممتع الكبير في التصريف: علي بن مؤمن بن محمد، الحَضْرَمي الإشبيلي ص 222، مكتبة لبنان ط 1 1996م (¬2) جاء في معجم مصطلحات النحووالصرف والعروض والقافية: ((بين بين Betwixt and between يراد أن تجعل الهمزة من مخرج الهمزة ومخرج الحرف الذي منه حركة الهمزة، فإذا كانت مفتوحة جعلناها متوسطة في إخراجها بين الهمزة والألف؛ لأن الفتحة من الألف، وإذا كانت مضمومة جعلناها متوسطة بين الهمزة والواو، وإذا كانت مكسورة جعلناها بين الياء والهمزة)). [معجم مصطلحات النحووالصرف والعروض والقافية باللغتين العربية والإنجليزية: د. محمد إيراهيم عبادة، ص 61، دار المعارف] (¬3) النحو الوافي: 4/ 766 ـ 767 (¬4) النحو الوافي: 4/ 770

وَإِذا رَأَيتَ أَسى امرِئ أَوصَبرَهُ يَومًا فَقَد عايَنتَ صورَةَ رائِهِ [بحر الكامل] ((هذا شيء استعمله الطائي وغيره (¬1)، فأما مذهب سيبويه في ذلك فإذا حمل عليه كان (¬2) كالعيب؛ لأنه (أي سيبويه) لا يجعل ((همزة حوبائه)) وما كان مثلها إذا خففت في هذا الموضع ياء خالصة ولكن يكون بين بين، وياء رايه ياء خالصه لا يجوز قلبها إلى الهمزة في هذا الموضع فيقع الاختلاف في الرَّوِي، فأما غير سيبويه فلا يبعد في مذهبه أن يجعل همزة حوبائه ومثلها إذا خفف ياء وهو مذهب ضعيف)) (¬3). من خلال النص السابق يفهم التالي: تقلب الهمزة ياء بين بين إذا كانت: 1 ـ همزة بعد ألف تأنيث ممدودة. ¬

(¬1) المقصود أن أبا تمام لم يقلب الهمزة في كلمتي ((حوبائه)) و ((رائه)) ياء. (¬2)؛ أي: عدم القلب. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 38]. وردد التبريزي هذا الكلام نفسه عند مناقشته لكلمة ((صحائف))، فقال: ((وإذا قلت صحائف فالهمز واجب، ويجوز أن تُجْعل الهمرة بين بين، والذي دل عليه كلام سيبويه أنه لا يجوز أن تجعلها ياء خالصة، وقد حكي غير ذلك أبوعلى الجرمي؛ فزعم أنهم يقولون عجايز بياء خالصة، وكذلك الحكم في كل ما كان على فعائل)). [1/ 40ـ41]. وورد أيضا مصطلح ((الياء الخالصة)) عند التبريزي في موضع آخر حين قال: ((الريم: الظبي الأبيض الخالص البياض، وأصله الهمز، ويجوز أن تُجْعل الهمزة ياء خالصة فيقال: ريم، وقالوا في الجمع أرآم بالهمز، ولم يقولوا أريام)). [1/ 76ـ 77]، كما نراه يستخدم مصطلح ((همزة البين بين))، فقال عند قول أبي تمام: تَاللهِ نَدري أَالإِسلامُ يَشكُرُها ... مِن وَقعَةٍ أَم بَنوالعَبّاسِ أَم أُدَدُ [بحر البسيط] ((... ((أَالإسلام)): أدخل همزة الاستفهام على ألف الوصل، التي مع لام التعريف؛ وإذا فعلوا ذلك مَدُّوا مَدَّة تقوم مقام الحرف؛ ليفرقوا بين الاستفهام والخبر، فإن خلصت المدة صار جمعًا بين ساكنين في حشوالبيت، وذلك عند البصريين غير جائز. وقد حكي قطع همزة الوصل في مثل هذا الموضع، وهوقليل، وأحسن من ذلك أن تُجْعَلَ بين بين: لا مدة ساكنة، ولا همزة مخففة)). [2/ 19ب40]

2 ـ مكسورة. 3 ـ وسط الكلمة. 4 ـ تحتل مكان الروي في آخر البيت. وينبه أبو العلاء إلى أن قلب الهمزة إلى ياء بين بين، أي: ((بين مخرج الهمزة ومخرج الحرف الذي من حركتها)) (¬1). وهو يقبل هذا المذهب، أي مذهب سيبويه، ويضعف المذهب القائل إن الياء خالصة. ولعل قلب الهمزة في هذا الموضع ياء بين بين وليست خالصة هو الذي منع الصرفيين من ذكر هذا الموضع ضمن المواضع التي تقلب فيها الهمزة ياء صريحة. ـ الممدود والمقصور: ترددت أقوال لأبي العلاء عن الممدود والمقصور، يمكن باستقرائها أن نستخلص منها بعض الملحوظات: ـ أن أبا العلاء يوافق النحاة على ((أن الكلمة تُقْصر وهي ممدودة)) (¬2). ـ أن الاسم الممدود المؤنث قد لا يكون له مذكر مستعمل. قال: ((صنعاء اسم قديم (...) ويجوز أن تكون كلمة موضوعة لم يستعمل منها مذكر، ويحتمل أن يكون أصلها أن تجري على أفعل وترك استعماله، كما قالوا: درع حصداء، ولم يقولوا: حديد أحصد)) (¬3). ـ من الكلمات ما يمد ويقصر في منثور الكلام. قال: ((والهيجاء اسم مشتق من الهَيْج، ويمد ويقصر)) (¬4). ـ قد يكون الاسم بمعنى معين ممدودا، وبمعنى آخر مقصورا. قال: ((الصفاء من المودة ممدودا، والصفا من الأرض مقصور)) (¬5). ¬

(¬1) المعجم الوسيط مادة خ ف ف. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 155ب12]. ولم يقيد أبوالعلاء هذا الأمر بالشعر. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 26]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 10]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 11ب6]. والصفاة: الحجر العريض الأملس. والجمع: صفا. [المعجم الوسيط: 1/ 537]

ـ يرى أبوالعلاء إمكانية مد المقصور، موافقًا في ذلك الكوفيين ومخالفا البصريين، إذ ((ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز مدُّ المقصور في ضرورة الشعر، وإليه ذهب أبوالحسن الأخفش من البصريين، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز)) (¬1). والكوفيون إذ يبيحون مد المقصور يقيدون ذلك بضرورة الشعر كما يفهم من كلام أبي بركات الأنباري في النص السابق. ونفهم من كلام أبي العلاء أنه لا يُقصِر مد المقصور على ضرورة الشعر فقط بل يجوز أن يقع في النثر أيضا، إلا أن ترك المد ((أحسن)) في كليهما، ومد المقصور في الشعر أسوغ منه في الكلام المنثور. قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: هَذا أَمينَ اللهِ آخِرُ مَصدَرٍ ... شَجِيَ الظَّماءُ بِهِ وَأَوَّلُ مَورِدِ [بحر الكامل] ((... مد الظماء، وهو مهموز مقصور، وذلك جائز، إلا أن ترك المد أحسن، وهوفي الشعر أسوغ منه في الكلام المنثور)) (¬2). بل إن أبا العلاء يشير إلى أن القياس يسمح بذلك. قال عند قول أبي تمام: أَمُحَمَّدُ بن سَعيدٍ ادَّخِرِ الأُسى ... فيها رُواءُ الحُرِّ يَومَ ظِمائِهِ [بحر الكامل] ((ومد الظماء وهومهموز مقصور (...) وقد فعل ذلك في غير هذا الموضع، والقياس يطلق ذلك، وما هوأشد منه)) (¬3). ودعما لأبي العلاء يقول أ/ عباس حسن: ((والأحسن الأخذ بالرأي الذي يبيحه في الضرورة الشعرية ونحوها؛ لأن الشعر وملحقاته محل التيسير. بشرط ألا يؤدي المد إلى خفاء المعنى أولبسه؛ فيصح: غناء في غنى ـ نهاء في نهى ـ بلاء في ¬

(¬1) الإنصاف في مسائل الخلاف: لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري، 2/ 259، مسألة 109، [دار الطلائع، 2009]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 54 ـ 55 ب41]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 37].

بلى (...) ولا يصح هذا في نوع النثر الذي لا يلحق بالشعر في الضرورة، دون النوع الآخر الذي يلحق به)) (¬1). ومما نحب أن نلفت الانتباه إليه أن الشائع في أكثر الكتب النحوية أن الضرورة خاصة بالشعر وحده. لكن بعض المحققين لا يرون هذا التحديد الضيق. ومن هؤلاء ابن بَرِّيٍّ (¬2) الذي يرى أن الضرورة ليست مقصورة على الشعر وحده، بل تشمل السجع والفواصل أيضا. يقول: ((اعلم أن للسجع ضرورة الشعر، وأن له وزنًا يضاهي ضرورة الوزن الشعري في الزيادة والنقصان والإبدال وغير ذلك)) (¬3). ـ تخفيف الهمزة عند أبي العلاء: من المصطلحات التي تتردد عند النحاة مصطلح ((التخفيف)). وهذا المصطلح يطلق عندهم وقد يراد به: 1ـ جعل الحرف ((المشدد)): غير مُشدَّد. قال ابن عقيل: ((إذا خففت ((إنَّ)) فالأكثر في كلام العرب إهمالها)) (¬4). 2ـ أوتسكين حرف متحرك. قال صاحب النحوالوافي في باب الممنوع من الصرف: ((فليس من المعدول ((فَخْذ)) بسكون الخاء تخفيف ((فَخِذ)) بكسرها)) (¬5). 3ـ حذف حرف. قال أبوالبركات الأنباري: ((الجزم حذف، والحذف تخفيف)) (¬6). ¬

(¬1) النحوالوافي: [4/ 612]. (¬2) الإمام، العلاَّمَة، نَحْوِي وَقته، أَبُومحمد عَبْدُ اللهِ بنُ بَرِّيِّ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ بَرِّيٍّ المَقْدِسِيُّ، ثم المِصْرِيُّ، النحوي، الشَّافِعِيُّ. ولد سَنَةَ تِسعٍ وتسعين وَأَرْبَعِ مائَةٍ. َتَصدّر بِجَامِع مِصْر لِلْعربيَّة، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، كَانَ عَالِمًا بـ ((كِتَاب سِيْبَوَيْه)) وَعلله، قيّمًا بِاللُّغَةِ وَشوَاهدهَا، وَكَانَ ثِقَةً، دَيِّنًا. مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. [تهذيب سير أعلام النبلاء رقم الترجمة:5263، ط مؤسسة الرسالة، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين]. (¬3) نقلا عن النحوالوافي: 4/ 371، هامش رقم: 2 (¬4) شرح ابن عقيل: 86 (¬5) النحو الوافي: 4/ 222 (¬6) الإنصاف في مسائل الخلاف: 2/ 123، ومن المواضع التي استخدم فيها التبريزي مصطلح التخفيف بمعنى حذف الهمزة الموضع التالي: [1/ 350ب18]

4ـ جعل الهمزة الساكنة المضموم ما قبلها واوا، والمفتوح ما قبلها ألفا، والمكسور ما قبلها ياء (¬1). تلك بعض المعاني التي يطلقها النحاة على مصطلح التخفيف، وهي معان على سبيل المثال لا الحصر (¬2). وقد استعمل أبوالعلاء التخفيف في شرحه بمعناه الأول (¬3) والثاني (¬4) والرابع. ¬

(¬1) يراجع الخصائص لابن جني في المواضع التالية: 3/ 10، 3/ 142، 3/ 149، وقد صرح التبريزي بأن تخفيف الهمزة كثير عن العرب حتى يظن السامع أنه الأصل، ونقل عن بعضهم أن العرب لا تهمز الهمزة الساكنة إلا بني تميم، قال: ((وإنما كثر تخفيف الهمز؛ فظن السامعُ أنه الأصل؛ لأن العرب تؤثر التخفيف، وزعم بعض العلماء باللغة أن العرب لا تهمز الهمزة الساكنة مثل: راس وذِيب إلا بني تميم، ويحكى هذا القول عن الكسائي))، [2/ 408ب6] (¬2) وقد حصر د. أحمد عفيفي أنواعا أخرى مختلفة للتخفيف منها: الاسم أخف من الفعل، والفعل أثقل من الاسم / خفة الاسم وثقل الصفة / خفة الفتح عن الكسر والضم، وخفة الكسر عن الضم / المذكر أخف من المؤنث / المهموس أخف من المجهور / النكرة أخف من المعرفة / اختلاف الحروف أخف عليهم من موقع واحد / الإفراد أخف من التثنية والجمع / والتثنية أخف من الجمع / التنوين علامة الخفة / التضعيف يثقل على ألسنتهم، واختلاف الحروف أخف عليهم / التقاء الحاءين أخف في الكلام من التقاء العينين / أجاز النحاة حذف العائد في جملة الصلة للخفة نظرا لطولها / اتفاق كثير من النحاة على أن الأدوات تستخدم في اللغة بدلا من أفعال حذفت، ونابت هذه الأدوات مكانها (...) ولكن لكثرة دورانها في الكلام حذفت الأفعال تخفيفا وحلت هذه الأدوات محلها ... وقد وثق د. أحمد كل موضع من هذا المواضع من مصادرها الأصلية، ينظر: ((ظاهرة التخفيف في النحو العربي))، ص 31 وما بعدها، الناشر: الدار المصرية اللبنانية، ط1، 1996م (¬3) قال أبوالعلاء: ((طَيْبة مخففة طَيِّبَة)). [1/ 12ب6]، واستخدم التبريزي هذا المصطلح بهذا المعنى، ووضعه مقابل ((التثقيل)). [3/ 216ب25] (¬4) ينظر ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 537ب9].

ويُفْهم من المادة التي جمعها الباحث أن تخفيف الهمزة قد يكون وسيلة لإثراء المعنى، قال عند قول أبي تمام: وَاستَيقَنوا إِذ جاشَ بَحرُكَ وَارتَقى ... ذاكَ الزَّئيرُ وَعَزَّ ذاكَ الزارُ [بحر الكامل] ((الزار: جمع زارة، وهي الأجمة، وهذا تجنيس متقارب، وقد يُحتمل أن يقال: أصل ((الزأرة)) بالهمز، ويجعل من الزئير)) (¬1). فكلمة: زارة ـ بدون تخفيف للهمزة ـ الأجمة: الشجر الكثير الملتف، وإذا قلنا إنها من زئير الأسد اختلف معنى البيت، وقد برع أبو العلاء كما سنبين في الباب التالي في استغلال البنية لتقديم معان مختلفة للبيت. والتخفيف جائز عنده في مواضع ولا يجوز في مواضع. ـ قال: ((سُؤْر الشيء بقيته، وأصله الهمز، والتخفيف جائز)) (¬2). ـ قال: ((أصل ((استخذا)) الهمز، يقال: استخذأت له إذا ذللت، والتخفيف في هذا وما يجري مجراه جائز)) (¬3). وأبوالعلاء لم يُطْلِعْنا على مواضع ((جواز تخفيف الهمزة وعدمه)). ولكن من خلال ما ذكره يمكن أن نضع حدًّا لهذا الجواز، فنقول استنباطا: يجوز تخفيف الهمزة في حالتين: أـ عدم وجود لفظ مشابه حروفا وضبطا للفظ الذي خُفِّفت همزته. ب ـ وإذا خُفِّف اللفظ وظهر له مشابه له وجب وجود قرينة تمنع التباس المعنى بين اللفظين، وقد تكون هذه القرينة سياقية أوعروضية أوصرفية. ومثال ذلك التالي: قال عند قول أبي تمام: لَمّا حَلَلتَ الثَّغرَ أَصبَحَ عالِيًا ... لِلرومِ مِن ذاكَ الجِوارِ جُوارُ [بحر الكامل] ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 174ب37]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 351]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 27].

((يقال جاورتهم جِوارًا، والجُوار بضم الجيم اسم، والأحسن على مذهب الطائي: أن تُخفف همزة ((جُؤَار)) وتُجْعل واوا؛ لأن الجُؤَار بالهمزة ليس من لفظ الجِوار، الذي هومجاورة؛ فإذا خففتَ الهمزة وضممت جيم الجِوار، الذي هواسم للمجاورة؛ فالتجنيس كامل، وإن كسرت الجيم فهومخالف بالحركة لا غير)) (¬1). ـ قال عند قول أبي تمام: وَمَقدودَةٍ رُؤدٍ تَكادُ تَقُدُّها ... إِصابَتُها بِالعَينِ مِن حَسَنِ القَدِّ [بحر الطويل] ((... والجيد: ((رُؤْد)) بالهمزة، بالهمز، وهي المُتثنِّية، و ((الرُّد)) بغير همز: الطَّوَّافة في بيوت جاراتها، وكان يكون ذمًّا، إلا أن تُخَفَّف الهمزة)) (¬2). وقال: لَمّا قَرا الناسُ ذاكَ الفَتحَ قُلتُ لَهُم ... وَقائِعٌ حَدِّثوا عَنها وَلا حَرَجا [بحر البسيط] ((أراد قرأ الناس، من قراءة الكتاب؛ فخفف الهمزة، ولايحسن أن يحمل على غير هذه اللفظة [؛ لقرينة السياق] من قِرَى الضيف، ولا من قرا الشيء؛ إذا تتبعه)) (¬3). ـ قال عند قول أبي تمام: وَثَناياكِ إِنَّها إِغريضُ ... وَلِآلٍ تومٌ وَبَرقٌ وَميضُ [بحر الخفيف] ((... يقال للؤلؤة العظيمة تُؤْمَة والجمعُ تُؤَم. وهذا الوجه أجود من أن تُجعَل ((تُومُ)) جمع تُؤَام على تخفيف الهمزة؛ لأن ذلك قليل)) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 174ب36]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 61ب5]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 331ب7]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 287ب1]. ومن المواضع التي ذكرها التبريزي مؤيدا فيها أبا العلاء ودالة على أن تخفيف الهمزة لا يجوز في حالة عدم أمن اللبس، قوله عند قول أبي تمام: نَزرا كَما اِستَكرَهتَ عائِرَ نَفحَةٍ ... مِن فارَةِ المِسكِ الَّتي لَم تُفتَقِ [بحر الكامل]. ((و ((فارة المسك)) ادعى قوم أنها لا تهمز؛ لأنها غيرُ مشبهةٍ بالفأرة من الحيوان))، [2/ 408] ومن أمثلة عدم جواز الهمز لقرينة عروضية عند التبريزي قوله عند قول أبي تمام: ما في وُقوفِكَ ساعَةً مِن باسِ ... نَقضي ذِمامَ الأَربُعِ الأَدراسِ [بحر الكامل]. ((أصل البأس الهمز، ولا يجوز همزه هاهنا؛ لأنه يصير عيبًا في القافية، كما أنه إذا كان في قوافٍ ليس فيها لين لزم تحقيق الهمزة، كما قال الراجز: قد خَطَبَ النومُ إلىَّ نفسي هَمْسًا وأخْفى من نَجِيِّ الهمْسِ وما بأن أطلبهُ من بأس ...)) [2/ 242ب1] ومن المواضع التي أجاز فيها الهمز استنادًا إلى المعنى: [3/ 77ب3] و [2/ 314ب21]، [4/ 578ب47]، [4/ 590ب42]، [4/ 581ب4]

ورد الكلمة لأصل مهموز أوغير مهموز مرتبط بالمعنى، فكلمة ((هَدَّى)) قد يكون أصلها هَدَى أوهَدَأ حسب المعنى والسياق. كما أن الجمع يرد الكلمة لأصلها المهموز (¬1). ـ من أنواع الهمزات همزة التعجب (¬2): الهمزة: ((حرف من حروف المعاني، وهي أنواع: همزة المضارعة، همزة الوصل، همزة القطع، الهمزة المنقلبة، همزة التعدية.، حرف النداء، همزة التسوية، همزة الاستفهام ...)) (¬3). ولم يذكر المصدر السابق من ضمنها ما أسماه أبوالعلاء بهمزة التعجب. قال: ((وأصل همزة التعجب أن تدخل على الأفعال الثلاثية التي لا زيادة فيها، مثل: ضرب وعلم وكَرُم، ودخولها على ما في أوله الهمزة قليل، إلا أنه قد جاء وكثر)) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 123ب30]. وينظر أيضا: [2/ 186ب8]، [1/ 279ب9]، [4/ 537ب6]، [4/ 214ب4]، [2/ 212ب11] (¬2) قد تأتي الهمزة وتفيد التعجب، نحوقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان 45]، ولكنها هنا في الأصل همزة استفهام خرجت عن معنى الاستفهام الحقيقي [طلب الفهم والسؤال عن مجهول] إلى معنى بلاغي. [المعجم الوافي: 17] (¬3) المعجم الوافي لأدوات النحو العربي: ص 14، وما بعدها (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 114].

فأبوالعلاء يحدد من ضمن أنواع الهمزات همزة التعجب، وهذا المصطلح لم يتردد كثيرا في المراجع النحوية. ـ قطع ألف الوصل في الأسماء: قال عند قول أبي تمام: إِمراتُهُ نَفَذَت عَلَيهِ أُمورُها ... حَتّى ظَنَنّا أَنَّهُ إِمراتُها [بحر الكامل]. ((تُقطع ألف الوصل في ((امراة))، وذلك قليل إلا أنه قد جاء في مثل قول الأنصاري: إِذا جاوَزَ الإِثنَينِ سِرٌّ فَإِنَّهُ ... بِنَشرٍ وَتَكثيرِ الحَديثِ قَمين (¬1) [بحر الطويل])) (¬2). ... ¬

(¬1) البيت للشاعر قيس بن الخطيم، وهو: قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي، أبويزيد، توفي 2 ق هـ، شاعر الأوس، وأحد صناديدها، في الجاهلية. وله في وقعة " بعاث " التي كانت بين الأوس والخزرج، قبل الهجرة، أشعار كثيرة. أدرك الإسلام وتريث في قبوله، فقتل قبل أن يدخل فيه. شعره جيد، وفي الأدباء من يفضله على شعر حسان. [الأعلام للزركلي: 5/ 205] (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 327].

المبحث الثاني: الدراسة الصرفية لشرح التبريزي

المبحث الثاني: الدراسة الصرفية لشرح التبريزي قام الباحث بتقسيم المادة الصرفية عند أبي العلاء إلى مجموعتين رئيسيتين: - الأولى: كل ما قاله عن الاشتقاق، وما قاله متعلقا بالبنى والأوزان. - الثانية: كل ما كان متعلقا بالحرف صوتا وإعلالا وإبدلا وغيره. وسنقسم المادة الصرفية عند التبريزي تقسيما قريبا من التقسيم السابق. وسنحاول من خلال هذا التقسيم مناقشة المادة الصرفية عنده، على أن يكون التركيز على المادة الصرفية التي لم يأت لها ذكر عند أبي العلاء في شرحه هنا أوالتي توسع فيها التبريزي قليلا. ـ المجموعة الأولى: دراسة المادة الصرفية المتعلقة بالبنى الصرفية عند التبريزي: ـ مفهوم البنية عند التبريزي: من الأمور اللافتة للنظر عند التبريزي مفهوم البنية. وهو مفهوم يستحق أن نقف عنده دراسة وتحليلا. وبداية وقبل الشروع في هذا التحليل نقف على المعنى اللغوي الذي تذكره المعاجم اللغوية لكلمة ((بنية)). ((البُِنية)) ـ بكسر الباء وضمها ـ ((البِناء))، وتجمع على ((بُِنى))، بضم الباء وكسرها. قال الزمخشري: ((بناؤك من أحسن الأبنية، وبنيت بُِنْيَةً عجيبةً. ورأيتُ البُِنى فما رأيت أعجب منها)) (¬1). وفي مختار الصحاح: ((البُنَى بالضم مقصور ((البناء))، يقال: بُنْيَة وبُنًى، وبِنية وبِنًى)) (¬2). أما المعجم الوسيط فيذكر أيضا مع المعنى السابق أن البنية معناها: ((الصيغة)). قال: ((البِنْية ما بُنِي، ج: بِنًى ... ومنه بنية الكلمة؛ أي: صيغتها)) (¬3). ¬

(¬1) أساس البلاغة: مادة بنى ص 65 (¬2) مادة بنى، ص 66 (¬3) المعجم الوسيط: 1/ 74

وقد ورد مصطلح البنية عند أبي العلاء والتبريزي. أما عند أبي العلاء فالمقصود بها ((حروف الكلمة وضبطها)) (¬1)؛ أي: صيغتها. ويوافقه في ذلك المحدثون من علماء اللغة، إذ قرروا أن النظام الصوتي ((يتألف في كل لغة من عدد محدود من الأصوات، بحيث تكون مجتمعة كتلا صوتية تترابط أجزاؤها بعلاقات ووشائج معينة تنشأ من تجاور الأصوات ومواقعها وكونها في هذا الموقع أو ذاك، أو في هذا المقطع أو ذاك، ومن ثم فإن مجموعة العلاقات هذه هي التي تشكل البنية الأساسية لما نسميه الكلمة)) (¬2). أما مفهوم البنية عند التبريزي فهو أوسع من ذلك، فهو يشمل أيضا ((التراكيب))، أي: تجاور كلمتين أوأكثر. قال التبريزي عند قول أبي تمام: إِن رُمتَ تَصديقَ ذاكَ يا أَعوَرُ الد ... دَجالُ فَالحَظهُمُ وَلا تَذُبِ [بحر المنسرح] ((جعل ((أعور)) معرفة بالنداء، ثم نعته بالدجال، وبعض العرب يستوحش من هذه البنية، واستعمالها في كلامهم قليل، لا يكاد يوجد: يا غلامُ العاقلُ، أقبل)) (¬3). ومن الأمور المهمة التي يستنبطها الباحث من كلام التبريزي هنا أنه سمى هذا التركيب: ((يا (أداة نداء) + منادى + نعت مشتق)) بنية، وأن استخدام هذه البنية قليل. وهذا يعنى الآتي: 1ـ أن مفهوم البنية عنده لا يقتصر على لفظٍ مفرد، بل يتسع ليشمل ((تركيبا))، وبالطبع من الممكن أن يشمل هذا ((التركيب)) جملة. 2ـ وأن هناك من البنى ما هو ((قليل الاستعمال مستوحش))، ومنها ((كثير الاستخدام مقبول)). 3ـ وأن هذا ((الاستيحاش)) ـ أوعدم الأنس ـ أمر نفسي ذهني. 4ـ وأن هناك من البنى العربية ما هو كثير الاستعمال، ومنها ما قليل الاستعمال. ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 337ب7]. (¬2) د. حلمي خليل: الكلمة دراسة لغوية معجمية، ص35 (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 306ب8]، وينظر أيضا: 3/ 236ب19

5ـ وأن مصطلح البنية ليس مصطلحا حديثا، بل هو قديم، وأقدم من استخدمه قبل التبريزي على وجه التقريب هو المبرد المتوفى عام 285هـ في كتابه المقتضب عند حديثه عن الهمزة حيث قال: ((وَلم يجز أَن تَجْتَمِع همزتان فِي كلمة سوى مَا نذكرهُ فِي التقاءِ الْعَينَيْنِ اللَّتَيْنِ بِنْية الأُولى مِنْهُمَا السّكُون)) (¬1). ـ الأبنية الصرفية عند التبريزي: سبق أن أوضحنا ـ عند حديثنا عن المادة الصرفية عند أبي العلاء ـ أن ألفاظ اللغة عند اللغويين تنتظمها ((أبنية)) محددة ومعلومة عندهم. وتلك الأبنية تكونت وتحددت لديهم بعد استقراء وإنعام للنظر طويلين لهذه الألفاظ. وهذه هي نفس الحقيقة التي نستشفها ونستنتجها بشكل أوضح مما هي عليه عند أبي العلاء من مواضع كثيرة من شرح التبريزي: ـ قال: ((بَهرام: عندهم المريخ، وبعض الناس يقوله بفتح الباء، ولا يخرجه إلى أمثلة العرب؛ لأن ((فَعلالا)) في المضاعف قليل جدا، ومن الناس من يكسر الباء ليخرج إلى باب ضِرْغام وسِرْداح)) (¬2). ـ وقال: ((عَقَرْقُس: على وزن سَفَرْجُل بضم الجيم، وهواسم موضع أجنبي، وهو يشابه في الوزن قولهم كنَهْبُل لضرب من الشجر، وفيه اختلاف، فقوم يجعلون نونه زائدة، وقوم يجعلونه بناء من الأُصُول، وكلا الوجهين يحتمله القياس، ولوأن عقرقُس اسم عربي لم يحكم على أحد قافيه بالزيادة في مذهب أصحاب التصريف)) (¬3). وبدراسة المواضع التي تحدث فيها التبريزي عن البني الصرفية يمكن أن نخرج ببعض الحقائق والملحوظات التالية: - أولى هذه الحقائق أن هذه الأبنية ((متفق عليها))؛ بمعنى: أن قبول اللغويين لبنية معينة ليس ناتجا عن علة معينة، أولسبب معين، وإنما قبولهم لبنية ¬

(¬1) 1/ 155، تحقيق محمد عبد الخالق عظيمة، الناشر عالم الكتب، بيروت (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 71 ـ 72ب12]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 236 ـ 237ب19]. وينظر أيضا: [1/ 235ب6]

معينة يكون بسبب الاتفاق الذي وقع في اللغة حول هذه البنية. فقد توجد أكثر من بنية يمكن أن تكون مقبولة، ولكن اللغة قبلت بعضها ولم تقبل الأخرى (¬1). قال التبريزي: ((وليس في كلام العرب مثل ((دَمَقْس)) في الرباعي (...) [و] تركهم أن يبنوا مثل دمقس إنما هو اتفاق وقع في اللغة، لا أن اجتنابهم ذلك لعلة)) (¬2). ـ وقال: ((فِعُّل بكسر الفاء وضم العين مثال لم ينطق به)) (¬3). ويؤكد ما ذهبنا إليه تلك المناظرة التي أوردها السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر بين ابن ولاد وبين ابن النحاس وفيها ((قال ابن النحاس لأبي العباس: كيف تبني مثال افعلوت من رميت، فقال له أبو العباس: ارمييت، فخطأه أبو جعفر وقال: ليس في كلام العرب افعلوت ولا افعليت؛ فقال أبو العباس: إنما سألتني أن أمثل لك بناء ففعلت)) (¬4). - هذه الأبنية المستقرة والمعلومة والمحددة عند اللغويين كانت بمثابة ((المعيار والقرينة)) الذين يعرف بهما ما يوافق الأسماءَ العربية من الأسماء الأعجمية (¬5). ـ قال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) وهناك بنى موجودة ولكنها غير مستعملة، جاء في المزهر: ((يُفْعُول قال سيبويه: وليس في الكلام يُفْعول فأما قولهم يُسروع فإنهم ضموا الياء لضمة الراء كما قالوا: الأسود بن يُعفُر فضموا الياء لضمة الفاء. قال ابن قتيبة: ويقوي هذا أنه ليس في كلام العرب يُفْعُل))، المزهر للسيوطي، 2/ 50. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 61 ـ 63]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 422ب5]. (¬4) الأشباه والنظائر، 3/ 162، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. (¬5) تلك الأبنية المستقرة هي التي سماها ابن سنان الخفاجي في كتابه: سر الفصاحة ((العرف العربي الصحيح))، فمن شروط الفصاحة في اللفظة عنده ((أن تكون الكلمة جارية على العرف العربي الصحيح غير شاذة ويدخل في هذا القسم كل ما ينكره أهل اللغة ويرده علماء النحو من التصرف الفاسد في الكلمة))، ينظر: سر الفصاحة، لأبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي، دار الكتب العلمية، ط 1 1402هـ

يَقولُ في قُومَسٍ صَحبي وَقَد أَخَذَت ... مِنّا السُّرى وَخُطا المَهرِيَّةِ القودِ [بحر البسيط]. ((قُومَسٍ: اسم أعجمي، يوافق من العربية لفظ القَمْس، من قولهم: قَمَسَ في الماء؛ إذا غاص)) (¬1). ـ وقال: ((يقال مَنْجَنيق ومِنْجَنِيق، بفتح الميم وكسرها، وليست هذه الكلمة بالعربية في الأصل، وإذا جمعتها العرب قالوا: مجانيق؛ فحذفوا النون)) (¬2). ـ وقال: ((ودمشق اسم أعجمي، وافقت حروفه حروف الدِّمَشْقة، وهي السرعة في السير، يقال: ناقة دمشق؛ أي: سريعة (...) وأدخلوا الهاء عليها في شذوذ؛ فقالوا: دِمَشْقَة)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: بِصاغِرَةِ القُصوى وَطِمَّينِ وَاقتَرى ... بِلادَ قَرَنطاووسَ وابِلُكَ السَّكْبُ [بحر الطويل] ((... ويروى ((بصارخة))، وهي موافقة للأسماء العربية)) (¬4). - كما كانت معرفته بالأبنية وسيلة لمعرفة الأصل العربي للكلمات التي يُدعى عدم عربيتها: قال: ((وأصحاب التفسير يزعمون أن [مشكاة] أصلها حبشي، فأما لفطها فيدل على أنها مِفْعَلة من شكوت)) (¬5). - تلك الأبنية المستقرة تحدد الطريقة التي يمكن أن يكون عليها اسم أعجمي لورغبنا في النطق به. ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 132ب1]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 441ب50]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 553ب6]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 190ب35]. وينظر: [4/ 427]، [2/ 415ب19] (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 250ب24].

ـ قال: ((وليس في كلام العرب مثل دَمَقْس في الرباعي، وهواسم أعجمي، والقياس إذا نطقت به العرب أن يكسر أوله؛ ليخرجوه إلى بناء هو لهم، مثل قولهم: أرض دِمَثْرة؛ أي: سهلة، وناقة دِرَفْسة؛ أي: ضخمة شديدة)) (¬1). ـ وقال: ((وبعض النحويين يحكي أن من العرب من يقول: حَضْرَمُوت؛ ليجعلوا بناءه كبناء عَضْرفُوت وحذرفُوت)) (¬2). - هذه الأبنية التي ترسخت وثبتت عند اللغويين تولدت عنها قوانين وقواعد تظلل تلك الأبنية، وتوجب أن تكون كل الكلمات المشتقة ـ إذا رغبنا في اشتقاقات جديدة ـ تحت طوع هذه القواعد، وفي دائرتها ولا تخرج عليها. ـ قال: ((ويَرَمْرَم (¬3) (...) إذا حمل هذا الاسم علي موجب الاشتقاق فهو من اليَرَم بُني على فَعَلْعَل)) (¬4). ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام: لَم يُسَوَّد وَجهُ الوِصالِ بِوَسمٍ ال ... حُبِّ حَتّى تَكَشخَنَ العُشّاقُ [بحر الخفيف] ((.. ((تَكَشخَنَ)) كلمة عامية لا تعرفها العرب، وإذا حُمِلَت على القياس فالصواب: تَكشَّخَ؛ لأنك إذا بنيتَ ((تَفَعَّل)) من سَكْران فالوجهُ أن تقولَ: تَسَكَّرَ، وأما مثل تسكرن من السكران وتَعطَّشن من العطشان فمعدوم قليل، وهذا الكلام على أن تفتح الكاف من الكَشْخان، فإن كانت مكسورة قوي ثبات النون في الفعل؛ لأن فِعْلان يحكم على نونه بالزيادة إذ كان فَعْلال قليلا في الكلام، وليس فِعْلال كذلك)) (¬5). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 61 ـ 62]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 153ب22].وينظر أيضا: 3/ 319ب19 (¬3) اسم جبل. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 117ب21]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 405 ـ 406 ب6]، وحكم التبريزي على كلمة ((تكشخن)) بأنها عامية أمر فيه نظر للأسباب الآتية: 1ـ أنى لأبي تمام أن يستخدم لفظة عامية، وهو فحل من فحول اللغة. 2ـ يمكن لكلمات من الفصحى أن تدخل العامية؛ فيُعتقد بعاميتها وهي ليست كذلك، مثل: ((خش، نش، دبق، زنق، حاش، شاف، عشم، ساب، نشف)) [ينظر: أضواء على لغتنا السمحة، ص18 وما بعدها]. 3ـ وجود ألفاظ مشابهة في الفصحى، مثل: عكنن، وشعنن [ينظر: أضواء على لغتنا السمحة، ص 86] وقياسا عليها نقول: ((كشخن))، وكما قال ابن جني: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب، ولكن يبدو أن التبريزي متأثر بمذهب الكوفيين في تفضيل السماع وعلى الرغم من هذا فإن لجوء التبريزي إلى اللغة العامية لتفسير نص شعري عند أبي تمام أمر يشي بأهمية هذه اللغة أو هذا المستوي اللغوي في الدراسة اللغوية، وقد حاول د. تمام حسان أن يدرس التنغيم في العامية حتى يصل إلى أسس يستطيع بها أن يدرس الفصحى، فقال: إن التنغيم في اللغة العربية الفصحى غير مسجل ولا مدروس وبالتالي تخضع دراستنا له في الوقت الحاضر لضرورة الاعتماد على العادات النطقية في اللهجات العامية. اللغة العربية مبناها ومعناها، ص 288، وينطر أيضا: د. حلمي خليل: الكلمة، ص 47 وينظر موضع مهم يتحدث فيه التبريزي عن كلمة: ألك، 2/ 459ب7

- وهذه الأبنية منها ما هو خاص بالاسم، ومنها ما هو خاص بالفعل، ومنها ما هوقليل نادر ومنها ما هوشائع حاضر. ـ قال: ((الفِرِنْد: رونق الشيء، وأصله فارسيٌّ معرب، وحُكي بالفاء والباء فِرِنْد وبرند، وإذا كان أعجميًّا فلا اشتقاق له وبناؤه بناء قليل؛ لأن النون إن جُعلت أصلا فهو ((فِعِلٌّ))، وإنما يجيء هذا البناء بتشديد اللام، وتضعيف الآخر كما قالوا: فَرَسٌ ضِبِرٌّ وطِمِرٌّ، وغيث حِمِرٌّ يقشرُ الأرض، فأمّا مثل: الدِّمِقْس فليس في كلامهم)) (¬1). ـ وقال: ((ولما بنى الفعل من القلنسوة قال: قَلْنَس، فأثبت النون، و ((فَعْنل)) بناء قليل)) (¬2). - وأيضا هناك قانون صوتي يمنع تجمع أحرف معينة عند تكوين بنية الكلمة، كأن تجتمع الحروف ((الكاف، والذال، والجيم)) في كلمة، أوتجتمع بالكلمة أحرف من حروف الحلق. ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 246ب14]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 235ب6].

ـ قال عند قول أبي تمام: راحٌ إِذا ما الراحُ كُنَّ مَطِيَّها ... كانَت مَطايا الشَوقِ في الأَحشاءِ [بحر الكامل]. ((و ((الكذج)): كلمة لم تستعملها العرب، ولا استعملت الكاف والذال والجيم فيما يعرف من الثلاثي)) (¬1). ـ وقال: ((ولهيعة مشتق من اللهع، وهوالتَّشَدُّق في الكلام ... وقليل في كلامهم أن تجيء الهاء بعد العين؛ لأنهما حرفا حلق)) (¬2). وقد تنبه الخليل من قبل أبي العلاء والتبريزي بوجود هذه القوانين الصوتية مستندًا في ذلك على ((ثقافته اللغوية وخبرته الصوتية في معرفة التجمعات الصوتية المسموح بها وغير المسموح بها في اللغة العربية)) (¬3)؛ لذلك نجده في كتابه العين ينبه على وجود أبنية مستعمله وأخرى مهملة، وهذا الإهمال بسبب ((عدم استعمال العرب له أو لأن القوانين الصوتية تأباه)) (¬4). - وفي بعض المواضع أشار التبريزي إشارات يُفْهَمُ منها أن معظم الألفاظ تتخذ من مكوناتها الداخلية ما تحتاط به من التباس معناها بمعنى لفظة أخرى مشابهة لها. ـ قال عند قول أبي تمام: راحٌ إِذا ما الراحُ كُنَّ مَطِيَّها ... كانَت مَطايا الشَوقِ في الأَحشاءِ [بحر الكامل]. ((... الراح الأولى الخمر، وهي من ذوات الياء، لقولهم: ((رِياح)) في معنى ((راح))، ومنها اشتقاق ((الأريحيّ والأريحية)) ... وكأنهم إذا استعملوا الشيء بالواووالياء؛ فرقوا بإبدال إحداهما من الأخرى؛ ليكون ذلك أقل للبس؛ لأنهم لوقالوا: ((رجل أروحي))؛ ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 28ب31]. وينظر أيضا: 3/ 138ب38 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 347ب2]. (¬3) د. حلمي خليل: الكلمة دراسة معجمية لغوية، ص 25 (¬4) د. محمد عبد الحفيظ العريان: المعاجم العربية المجنسة، ص58، الناشر: دار المسلم 1984م

لالتبس بالنسب إلى أروح، إذا قلت: ((هذا أروح من هذا، وهذا ظليم أروح))؛فيؤثرون الفرق في كثير من الكلام؛ إذا وجدوا سبيلا إليه)) (¬1). ـ وقال: ((وأصحاب النقل يرون أن تصغير الضحى ضُحَيّ، فإذا قيل لهم: لِمَ لَمْ تُظْهِروا الهاء في مصغر الثلاثي، كما قالوا: رُحَيَّة، وقُدَيْمة؟ قالوا: أرادوا أن يفرقوا بين تصغير ضحى، وتصغير ضحوة، وقد يجوز مثل ذلك)) (¬2). ـ وقال: ((الطلل: ما شخص من آثار الديار. وكذلك قالوا: تطاللتُ إذا تطاولت، وقال بعضهم: تطاللتُ إذا كنت جالسا، وتطاولت: إذا كنت قائما)) (¬3). ـ وقال: ((العنق يذكر ويؤنث، وقال قوم: إذا حركت النون، فالوجه التأنيث، وإن أسكنت فالوجه التذكير)) (¬4). ـ قال: ((الأجود أن يستعمل الأمهات بالهاء فيمن يعقل، والأمات فيما لا يعقل)) (¬5). ونصوص التبريزي السابقة تشير إلى أن اللغة تتخذ من الوسائل ما تأمن به اللبس فـ ((ما دامت المباني الصرفية تعبر عن معانٍ صرفية أو تتخذ قرائن لفظية على معانٍ نحوية , فِلا بُدَّ أن يكون أمن اللبس بين المبنى والمبنى غاية كبرى تحرص عليها اللغة في صياغتها للمباني الصرفية , ولا بُدَّ لضمان أمن اللبس على المستوى الصرفي أن تقوم القيم الخلافية بدور التفريق بين المباني من ناحية الشكل ليكون هناك فارق بين المعنى الصرفي وأخيه , أو بين الباب النحوي وأخيه)) (¬6). - ومما أشار إليه أن البنية الخماسية الأصول لا مذهب لها في الاشتقاق: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 27ـ 28ب9] ولمزيد من المواضع في هذه الجزئية كشواهد هامة على استغلال البنية الصرفية كوسيلة لأمن اللبس، تُنْظَرُ المواضع الآتية: [4/ 155ب2]، [1/ 166ب34]، [2/ 19ب40]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 185ب7]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 532ب14]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 6ب8]. وينظر أيضا: 4/ 155ب2 (¬6) د. تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها، ص 146

قال: ((صَهْصَلِق: شديد الصوت، والصادان في صهصلق أصليتان، وأصحاب الاشتقاق يذهبون إلى أن الخماسي الذي كل حروفه أصول لا مذهب له في الاشتقاق؛ لأن الفعل لا يتصرف منه)) (¬1). والذي عليه العلماء أن الأصول الخماسية مخصوصة بالأسماء، ولا يشتق منها فعل، وتعليل ذلك أن ((أنَّ الفعل مُعَرَّض للزوائد من أوله وآخره؛ كقولهم: دحرجتُه فتدحرَجَ، فلو بنيتَ من الخماسيّ لكان تقديره: سَفَرْجَلتُهُ فتسَفَرْجلَ؛ وهو ثقيل كما ترى. كما أن الضمائر تلحق بالأفعال، وتصير معها بمنزلة الشيء الواحد، نحو: ضربنا وضربتم؛ فإذا جاء الخماسيّ فعلاً، ولحقته الضمائر، أفرط في الطول؛ فكان تقديره: سَفَرْجَلْتُم؛ وهو ثقيل)) (¬2). - الألفة وكثرة الاستعمال تؤثر على بنية الكلمة وحروفها: من لطيف إشارات التبريزي إلى أن ((الألفة)) و ((وكثرة الاستعمال)) تؤثر على بنية الكلمة وحروفها: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 239ب12]. ونقل السيوطي في المزهر عن ابن فارس رأيه بأن مثل ((صهصلق)) من الألفاظ منحوت من كلمتين، فـ ((صهصلق)) مكونة من: صهل وصلق. يقول السيوطي: ((وهذا مَذْهَبُنا فى أن الأَشياء الزائدةَ على ثلاثة أحرف فأكثرُها منحوتٌ، مثل قول العرب للرَّجل الشديدِ ضِبَطرٌ من ضَبَط وضَبَر، وفي قولهمْ: صَهْصَلِق إنه من صَهَل وصَلَق وفي الصِّلْدِم إِنه من الصَّلْد والصَّدْم، قال: وقد ذكرنا ذلك بوجوهه في كتابِ مقاييس اللُّغة. انتهى كلام ابن فارس)). [المزهر: 1/ 482] وهذا مذهبه فيما زاد على ثلاثة، ولا سيما ما زاد على أربعة. (¬2) عبد الرزاق بن فراج الصاعدي: تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم، 1/ 136، الناشر: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ط1 1422هـ

ـ قال: ((الديمة: من ذوات الواوفي الأصل، إلا أنهم ألفوا الياء حتى قالوا: دَيَّمَ المطر، وقالوا: كثيب مُدَيَّم؛ إذا سقته الديمة، وحُكِي دام المطر يديم، فيجوز أن يكون له أصل في الياء)) (¬1). ـ وقال: ((وقولهم: هذا شر من هذا وخير من هذا، هومن باب أفعل، لأن أصله أشر من هذا وأخير من هذا، إلا أن الهمزة قد حُذِفَت لكثرة الاستعمال)) (¬2). والتغيير الذى يصيب بنية الكلمة بسبب ((الألفة)) و ((كثرة الاستعمال)) سماه العلماء المعاصرون بـ ((بِلى الألفاظ)) وقرروا أن ((كثرة الاستعمال تبلي الألفاظ، وتجعلها عرضة لقص أطرافها، تماما كما تبلى العملات المعدنية والورقية، التي تتبادلها أيدي البشر)) (¬3). - البنية التي قد يتغير معناها تصبح عرضة لدخول حروف عليها: قال عند قول أبي تمام: نَزَلَت مُقَدِّمَةُ المَصيفِ حَميدَةً ... وَيَدُ الشِّتاءِ جَديدَةٌ لا تُكفَرُ [بحر الكامل]. ((أصحاب اللغة يقولون مقدمة الجيش بكسر الدال، والقياس لا يمتنع فتحها. وقال: جديدة، والمعروف أن يقال: مِلْحفةٌ جديد، وكذلك في جميع الإناث؛ لأنه من جَدَدْتُ؛ أي: قطعت، فيقال: جُبَّة جديد، كما يقال: لحية دهين، وقال بعضهم دَهينة، وكأن جديدًا لما كثر صار في معنى الطري؛ فذهب عنه معنى المجدود؛ أي: المقطوع؛ فَحَسُنَ أن تدخل عليه الهاء، تقول: جاء الربيع محمودا، وصنيعة الشتاء ظاهرة مشكورة لا تكفر)) (¬4). - قد يختلف علماء اللغة في أصول بعض الأبنية: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 87ب31]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 428ب11]. (¬3) د. رمضان عبد التواب: التطور اللغوي، ص 95 (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 191ب2].

ألمح التبريزي إلى اختلاف علماء اللغة في أصولية بعض الأحرف في بعض البنى، قال: ((ومُسَحْسِح: كثير الصب. وبعض الناس يذهب إلى أن مسحسحا، مأخوذ من السح، وأصحاب القياس من أهل البصرة يزعمون أن سحسح من غير لفظ سح. ووزن مسحسح على رأي سيبويه ((مُفَعْلِل))، وعلى رأي غيره من أصحاب النظر ((مُفَعْفِل))، وعلى ما ثبت في كتاب العين ((مُفَعْفِع)))) (¬1). ـ وقال: ((ووزن مروراة على رأي سيبويه: فَعَوْعَلَة، وألفها أصلية، ووزنها على رأي محمد بن يزيد: فَعَلْعَلة)) (¬2). ـ وقال: ((يقال أسدٌ دِلْهاث، ودُلاهِث؛ أي: جريء. ومن زعم أن الهاء في ((هِبْلَع)) زائدة، جاز أن يدعى أنها في دلهاث كذلك، وأنه من الدلاث)) (¬3). - الأسماء الثنائية الحروف يحكم بأصلية حرفيها وحذف حرف ثالث: قال عند قول أبي تمام: حَلَبتُ صَرفَ النَّوى صَرفَ الأَسى وَحَدًا ... بِالبَثِّ في دَولَةِ الإِغرامِ وَالدَّدَنِ [بحر البسيط]. ((الددن: اللهووالباطل، جاء به على أصله، وأكثر ما يستعمل بحذف النون، ويُحْكم على أن الدالين من الأصل)) (¬4). وقال: ((التصغير لا يقع إلا على ثلاثي، فيجب أن يُردَّ الثنائي إلى الأصل)) (¬5). والتبريزي في الاقتباسين السابقين ينحاز إلى الفريق القائل بأن أقل أصول اللغة ثلاثة أصول. والحق القول أن القول بثنائية الأصول (¬6) أو ثلاثيتها مجال أخذ ورد بين العلماء. والرأي الذي ((يرجع كل جذور لغتنا الثلاثية إلى جذور ثنائية لا يخلو من وجاهة وله ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 439ب44، 45]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 47ب13]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 315ب13]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 337ب5]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 424ب4]. (¬6) النظرية الثنائية هي ((التي تعتبر أن الأصول في العربية تعود إلى جذر ثنائي، وأن الجذر الثلاثي يرجع إلى ثنائي أيضا، والمعنى العام للمادة يرتبط بأصلين من أصولها، نحو: قط، وقطب، وقطف، وقطع، وقطم، وقطل، وجميعها تتضمن معنى القطع ... ولهذه النظرية رواد في العصر الحديث تحدثوا عنها مفصلين، ومن أشهر هؤلاء الرواد: نولدكه، أحمد فارس الشدياق، جرجي زيدان، الأب أنستاس الكرملي، عبد الله العلايلي))، ينظر: الزوائد في الصيغ في اللغة العربية في الأسماء، د. زين كامل الخويسكي، ص4،دار المعرفة الجامعية ط2 وهذه النظرية ((ترى عكس ما ذهب إليه النحاة والصرفيون القدماء))، ينظر: في التطور اللغوي، د. عبد الصبور شاهين، ص103، مكتبة الشباب، 1989م.

أمثلة كثيرة تؤيده، وإن كان لا يطرد لنا في كل جذر ثلاثي، أو يسهل علينا تحقيق ذلك فيه)) (¬1). ووجاهة هذا الرأي تتمثل في أن البحث في اللغات السامية يشير إلى أن بعضا من كلمات اللغة ثنائي الأصل، يقول المستشرق برجشتراسر في كتابه التطور النحوي 1/ 33: ((وذكر الزمخشري أن التاء في الأخت والبنت أبدلت من الواو؛ وذلك أنه ظن أن مادتهما أخو وبنو، وأن التاء أصلية لام الفعل، قامت مقام الواو، ونحن نعرف أن الأخ والابن من الأسماء القديمة جدا التي مادتها مركبة من حرفين فقط لا من ثلاثة أحرف، وإن التاء وإن لم يسبقها فتحة هي تاء التأنيث، فهي في غير العربية، وخصوصا في الأكادية والعبرية كثيرا ما لا فتحة قبلها)) (¬2). وكثير من ((علمائنا العرب القدامى ومعاجمنا العربية لم تنص صراحة على القول بالأصول الثنائية كنظرية، إلا أن صنيعها في التطبيق يشير إلى ذلك ضمنا؛ إذ تبين مِن تَتَبُّع كلامهم، ومن النظر في معاجمنا الأصيلة وجود علاقة بين فحوى المعنى ¬

(¬1) مقال بعنوان ((من تطور الكلمات ومعانيها))، بقلم أ/ محمد خليفة التونسي، مجلة العربي ع232، ص 125 (¬2) نقلا عن مقدمة د. رمضان عبد التواب لكتاب أبي الحسن أحمد بن فارس: المذكر والمؤنث، ص 33

العام للأصول الثنائية، وبين الثلاثي المتفرع عن هذه الأصول، مما يدل على أن الثنائية ترددت في أذهانهم كنظرية، ولمسناها في أقوالهم كتطبيق. وقد جمع ((أمين فاخر)) بتتبع وجهد فائق أمثلة كثيرة لذلك في كتابه: ((ثنائية الألفاظ في المعاجم العربية، وعلاقتها بالأصول الثنائية)) في دراسة معجمية إحصائية تؤكد ما ذهبنا إليه. وهذه أمثلة قليلة تمثل غيضا من فيض، مما جاء في كتبهم وقواميسهم: فمادة ((عم)) أصل ثنائي يدل على العلو والارتفاع. وفي العين للخليل بن أحمد: العميم: الطويل من النبات، وبه قال ابن فارس (المقاييس4/ 5)، والجوهري (الصحاج2/ 163))) (¬1). ومهما يكن من اطراد هذا الرأي أو تخلفه ((ففيه جانب من صواب وفائدة، وإن خذلتنا التفصيلات أحيانا)) (¬2). - الأسماء الأعجمية قد توافق في بنيتها بنى الأسماء العربية: الأسماء الأعجمية التي تدخل العربية تنقسم إلى قسمين: [1] قسم يوافق أبنية الكلمات العربية: فمن الكلمات الأعجمية ما يوافق البنى العربية، مثال ذلك: ـ الشَّاه يقابل: الشاه، الجاه، الباه ـ الفُرْزَان: الفُرسَان، الذُّكران. ـ الرُّخُّ (¬3): يقابل المُخُّ، الدُّفُّ. ـ قال التبريزي: ((الشِّطْرَنْج اسم أعجمي، وكذلك: الشاه، والفرزان والرخ، والبيدق)) (¬4). ¬

(¬1) مقال بعنوان ((أصول اللغة العربية بين الثنائية والثلاثية))، بقلم د. توفيق محمد شاهين، مجلة الأزهر رجب 1399هـ يونيه 1979م، ص 1327 (¬2) ((من تطور الكلمات ومعانيها))، أ/ محمد خليفة التونسي، مجلة العربي ع232، ص 125 (¬3) الرخ، والشاه، الفرزان من أسماء قطع الشِطرنج. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 399ب27].

ـ وقال: ((عسقلان: إن كانت عربية فاشتقاقها من العساقيل)) (¬1). فإن كانت البنية العربية تتميز عن البنى الأعجمية لم يشك التبريزي هاهنا. ـ قال عند قول أبي تمام: لَيسَ تُغنى شَيئًا وَلَوكُنتَ قارونَ الغِنى وَاشتَرَيتَ دَربَ النورَه [بحر الخفيف]. ((النُّورة: قيل إن هذه اللفظة ليست عربية في الأصل، واشتقاقها يشابه اشتقاق العربي)) (¬2). [2] قسم لا يوافق الأبنية العربية: قال: ((الياقوت: كلمة قد استعملتها العرب فهي كلمة أعجمية في الأصل، وليس لها اشتقاق في كلامهم؛ لأنهم لم يحكوا اليقت)) (¬3). وبناء على ما سبق نقرر أن اللفظ الأعجمي قد يوافق في بنيته بنية اللفظ العربي. - انتقال الصفات إلى الأسماء: الاسم كلمة تدل بذاتها على شيء محسوس أوشيء غير محسوس يعرف بالعقل، وهوفي الحالتين لا يقترن بزمن (¬4). أما الصفة: فهي ما دلت على معنى وذات، وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول، وأفعل التفضيل والصفة المشبهة (¬5). ومن خلال التعريفين نجد أن الصفة تفترق عن الاسم بدلالتها على صفة الشيء. وقد أشار التبريزي إلى إمكانية انتقال الصفة إلى الاسم فقال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 268ب27]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 365ب5]. وينظر أيضا المواضع التالية: [1/ 330ب3]، [2/ 54ب40]، [4/ 330ب11] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 106]. (¬4) النحوالوافي: 1/ 26 (¬5) شرح ابن عقيل، ص 188

بِحَوافِرٍ حُفرٍ وَصُلبٍ صُلَّبٍ ... وَأَشاعِرٍ شُعرٍ وَخَلقٍ أَخلَقِ [بحر الكامل]. ((والأشاعر جمع أشعر، وهوما ينبت عليه الشعر مما يُقارب الحافر (...) وأصل الأشاعر في الصفات ثم نقل إلى الأسماء؛ فجمع على أفاعل)) (¬1). - إيقاع الصفة على كل الشيء: صرح التبريزي أن الصفة تكون لجزء معين من الشيء وقد تطلق على كل الشيء. قال: ((وليل أدعج؛ إذا وصف بشدة السواد، والأصل أن يقال: أدعج العين، ولكن أوقعوا الصفة على كل الشيء، كما تقع على بعضه، يقولون رجل أزرق، وإنما الزرقة للعين)) (¬2). وإيقاع بعض الشيء على كل الشيء من سنن العرب في كلامها، قال الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها: ((باب اقتصارهم على ذكر بعض الشيء وهم يريدونه كلُّه: من سنن العرب الاقتصارُ على ذكر بعض الشيء وهم يريدونه كلُّه, فيقولون: قعد على صَدْر راحلته ومضى (...) وذكروا في هذا الباب قوله جلّ ثناؤه: چ ? ? ? ? ? ? ?? چ [النور: 30])) (¬3). - اللغة تميل نحوالسهولة والتيسير: قال التبريزي في أحد مواضع شرحه: ((وأصل الدجية أن يكون بالواو؛ لأنه من دجا يدجو، ولكنهم آثروا الياء لخفتها)) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 410ب8]. وجاء في شرح شافية ابن الحاجب 1/ 467: ((اعلم أن أَفْعَل إذا كان اسما كيف تصرَّفَت حركاته من أَفْعل وإفْعَل وأفعُل: يجمع على أفاعل نحو جمع أَجْدَل وأَحْوَص ـ علما ـ وإصبع، على: أجادِل وأحاوِص وأصابع)). (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 64]. (¬3) ص 193، الناشر: محمد علي بيضون ط1 1418هـ-1997م (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54].

وقال: ((وهَرَقْتَ تستعمل في المياه، وما جرى مجراها في السيلان، والأصل أرقت؛ فأبدلت الهاء من الهمزة، إلا أن الذي يقول هرقت يقول في اسم الفاعل والمفعول ((مُهَرِيق)) و ((مُهَرَاق))، واستثقلوا الهمزة أن تُثبَت في مُريق ومُراق فلم يقولوا ((مُؤَرِيق)) ولا ((مُؤَراق)) لثقل الهمزة، وأثبتوا الهاء لخفتها)) (¬1). في إشارة التبريزي إقرار لحقيقة اتجاه اللغة إلى السهولة والتيسير، فاللغة تميل ((في تطورها نحوالسهولة والتيسير؛ فتحاول التخلص من الأصوات العسيرة، وتستبدل بها أصواتا أخرى، لا تتطلب مجهودا عضليا كبيرا)) (¬2). كما يدل النص الأول على أن الياء أخف نطقا من الواو. - المضعف الثلاثي يجب فيه إدغام الفاء والعين إذا كان مكسور العين في المضارع: قال: ((اليَقَق: الأبيض، يقال: يَقَق، ويقِق، وإذا كسرت القاف فهومن الشواذ؛ لأن حق مثل هذا أن يدغم، إذا كُسِر؛ فيقال: يَقُّ. وقد حكى سيبويه: قوم ضَفِفوا الحال)) (¬3). ـ من معاني الأوزان الصرفية عند التبريزي: تعرض التبريزي أثناء شرحه لعددٍ من معاني الأوزن الصرفية، وفي التالي بعض هذه الأوزان وبعض معانيها التي ذكرها التبريزي. [1] الفُعَالة: تدل على ما يسقط عن الشيء أويبقى منه. قال: ((الحُشاشة بقية النفس ... والفُعالة تجيء فيما يسقط عن الشيء أويبقى منه، فالذي يسقط نحوالحُلاقة والجُزَارة، والذي يبقى نحوالغُدارة والصُّبابة)) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 62ب46]. (¬2) التطور اللغوي: د. رمضان عبد التواب، 47 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 470ب1]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 253ب1].

وإشارة التبريزي هنا أن ((الفُعَالة)) تجيء فيما يسقط عن الشيء أو يبقى منه تقر قياسية هذا الوزن، وإمكانية استغلاله وطرده، وهو بهذا يسبق الأستاذ أحمد محمد الحوفي في المطالبة بقياسية هذا الوزن في بحث قيم له بعنوان ((وزن فُعالة الدال على نفايات الأشياء وبقاياها ومتناثراتها)) تقدم به للجنة الأصول بالمجمع سنة 1978م. وقد قدم الأستاذ الحوفي عددًا كبيرا من الألفاظ التي جاءت على هذا الوزن بعد مسح دقيق للسان العرب وأساس البلاغة والقاموس المحيط وتاج العروس، واستخرج منها واحدا وسبعين لفظا، منها على سبيل المثال (¬1): • الثُّمالة: البقية من الطعام والشراب في البطن. • الجُفافة: ما ينتثر من الحشيش والقت ونحوه. • الحُتامة: ما يبقى على المائدة من طعام أو ما سقط منه إذا أكل. • الحُسافة: ما تناثر من التمر الفاسد، أو سُحالة الذهب والفضة. • السُّباطة: الكناسة تطرح بأفنية البيوت. • الشُّفافة: بقية الماء في الإناء. • العُفافة: بقية اللبن في الضرع بعد أن امتص أكثره. • القُرامة: ما يلتزق من الخبز بالتنور. • الهُتامة: ما تكسر من الشيء. وفي نهاية البحث قدم الدكتور الحوفي اقتراح لكلمات مقيسة لتأدية المعنى نفسه، منها: • الجُزارة: ما تبقى بعد الذبح والسلخ والجزر. • الجُلادة: ما يتخلف من تجليد الكتب. • الحُصادة: ما يتبقى في الحقل بعد الحصاد. • الطُّباعة: بقية الورق والحبر بعد الطبع. • العُجانة: البقية بعد عجن العجين (¬2). ¬

(¬1) ينظر د. أحمد محمد الحوفي: لغويات جديدة، ص 112 وما بعدها، دار المعارف، بدون تاريخ (¬2) د. أحمد محمد الحوفي: لغويات جديدة، ص116 , 117

[2] انْفَعَل (¬1): تدل على المطاوعة. قال: ((منجمش منفعل من التجميش، وقال بعضهم الجمش قرص خفيف ... واستعمله هنا على فعله فانفعل)) (¬2). [3] فاعَل: من معانيها أنها تدل على المشاركة. قال: ((ناوَشَ من المناوشة، وهي أول القتال، واشتقاقها من نُشْتُ الشيء إذا تناولته، كأن كل واحدٍ ينوشُ الآخر، وهوفعل لا يقع إلا من اثنين مثل المضاربة والمقاتلة)) (¬3). ـ أوزان تستضيف معاني أوزان أخرى: - فَعَل بمعنى مُفْعَل: قال التبريزي عند قول أبي تمام: أَرَجٌ أَقامَ مِنَ الأَحِبَّةِ في الثَّرى ... وَصَرًى أريقَت بِالدُّموعِ الذُرَّفِ [بحر الكامل] ((صَرًى يعني به الخمر، وهوفَعَل بمعنى مُفْعَل)) (¬4). - فَعَل دالة على مفعول: وردت في اللغة ((صيغ تدل على مفعول، منها: فَعَل بفتح الفاء والعين، كالقَنَص والسَّلَبَ والكَرَع، فالسلب بمعنى المسلوب، والنفض بمعنى المنفوض، والخَبَط: الورق المخبوط)) (¬5). ويؤيد هذا قول التبريزي: ((رَفَد بفتح الراء والفاء ما رُفِدَ، كما أن القَبَض ما قُبِضَ والنَّقَض ما نُقِض)) (¬6). - فِعْل بمعنى مفعول: ¬

(¬1) هذه الوزن من أوزان الأفعال المزيدة لا يكون إلا لازما ولا يكون إلا في الأفعال العلاجية. ينظر شذا العرف 43 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 225ب1]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 457ب2]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 394ب3]. (¬5) معاني الأبنية في العربية: د. فاضل صالح السامرائي، ص 58، [دار عمار، ط2، 2007م، الأردن] (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 442ب59].

من الصيغ التي تنوب عن مفعول الوزن فِعْل. قال التبريزي: ((القِطر النُّحاس، وربما قيل: القِطر الرصاص، وإنما اشتقاقه من قَطَر يَقْطُرُ، كأنه من قولهم قطرته فهوقِطْر، كما يقال: ذَبحتُ والمفعولُ ذِبْح وطحنتُ والمفعول طِحْن)) (¬1). ونلاحظ أن طِحْنًا بمعنى مطحون، ورِعْيًا بمعنى مرعي، وطِرحًا بمعنى مطروح ((هذه في الحقيقة أسماء تدل على المفعول لا صفات، فالطحن: هوالدقيق (...) ومن الصفات قولهم: شيء بِدع؛ أي: مبتدع، وقولهم: رجل نِكْل للذي يُنكِّل به أعداؤه. وقد يفيد الدلالة على القدر كقولهم (هذا شِبْعه) أي: قدر ما يشبعه، وهو ملء هذا؛ أي: قدر ما يملؤه)) (¬2). - كل مُفْتَعل من المضاعف، يحتمل أن يجعل لفاعل ومفعول: قال عند قول أبي تمام: أَصغى إِلى البَينِ مُغتَرًّا فَلا جَرَما ... أَنَّ النَّوى أَسأَرَت في قَلبِهِ لَمَما [بحر البسيط] ((ولفظ مغتر يحتمل أن يكون فاعلا ومفعولا، وكذلك كل مُفْتَعل من المضاعف يحتمل أن يجعل لفاعل ومفعول)) (¬3). ... ـ الجموع عند التبريزي: من الأمور المثيرة للاهتمام أن التبريزي كان مهتما جدًا بذكر مفرد الجموع التي كانت تقابله، فلا يكاد يمر ((جمع)) ذكره أبوتمام حتى يكون أول شيء يفعله مع هذا الجمع ذكر مفرده. والذي يمكن أن يقال تعليلا لهذا الاهتمام أن في ذكر المفرد نوع تحديد للمعنى، فقد تكون الكلمة جمعًا ولها مفردان مختلفان في المعنى؛ فيؤدي عدم التنبيه إلى لبس في المعنى، أوقد يكون في ذكر مفردي الجمع إثراء لمعني البيت. ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 569ب8]. (¬2) معاني الأبنية في العربية: د. فاضل صالح السامرائي، ص 58 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 165ب1]

والتبريزي أثناء معالجته للجموع عند أبي تمام كان يقدم لنا بعض الحقائق الصرفية، سنحاول أن نجملها في النقاط التالية: [1] في الجموع قد يدخل الباب على الباب: في بعض الأحيان يكون قياس الكلمة أن تجمع على وزن معين، فنجدها مجموعة على وزن آخر. قال التبريزي: عند قول أبي تمام: خَلائِقٌ فيهِ غَضَّةٌ جُدُدٌ ... لَيسَت بِمَنهوكَةٍ وَلا لُبُسِ [بحر المنسرح]. ((لُبُس جمع لَبِيس، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول فليس بابه أن يجمع على ((فُعُل))، ولكنه قد يدخل البابُ على الباب، كما قالوا: قتيل وقُتلاء، وأسير وأسراء، وإنما القياس قَتْلى وأسرى)) (¬1). [2] فَعْل ليس بابه أن يجمع على أفعال: قال التبريزي: ((وفَعْل ليس بابه أن يجمع على أفعال، ولكنه قد جاء في مواضع، مثل: زَنْد وأزناد، وفَرْخ وأفراخ)) (¬2). وقال: ((وأشخاص جمع شخص، وليس باب فَعْل أن يجمع على أفعال، وربما جاء كالنادر)) (¬3). وهذا هو مذهب الجمهور حيث ذهبوا إلى أن جمع فعل على أفعال لا ينقاس عليه. وذهب الفراء إلى أنه قياسي فيما فاؤه همزة مثل: ألف وآلاف، وفي فَعْل صحيح العين معتل الفاء بالواو، مثل: وهم وأوهام (¬4). [3] فَعُول بابه أن يجمع على فُعُل: قال: ((.. والذُّبل جمع ذَبُول؛ لأن فعولا بابه أن يجمع على فُعُل)) (¬5). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 240ب16]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 21ب51]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 120]. (¬4) د. عبد الحميد السيد طلب: تهذيب النحو، 5/ 79، مكتبة دار العلوم، مطبعة الإرشاد. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 521ب14].

[4] ما كان وصفا على أفعل فبابه أن يجمع على فُعْل. مثل: ((أحمر حُمْر)) (¬1). ويجوز في الشعر فقط ضم عين ((فُعْل)) في الجمع بشرط أن يكون صحيح اللام والعين غير مضعف، مثل: نجلاء، نُجُل (¬2). [5] قلما يجيء فَعيل مجموعا على فُعُول. قال: ((... وحكى النحويون قوم ظروف في جمع ظريف، وهومن شواذ الجمع (...) وقلما جاء فعيل مجموعا على فُعُول، وقد حكى في عسيب النخلة عُسُوب)) (¬3). [6] الجمع الذي ليس بينه وبين واحده إلا الهاء جاز فيه التأنيث والتذكير: قال: ((.. الفلا جمع فلاة، وهي القفر من الأرض، وإذا كان الجمع بينه وبين واحده هاء التأنيث جاز فيه التذكير والتأنيث، مثل: أرطاة وأرطى، وسِدرة، وسِدر)) (¬4). [7] الكلمة التي آخرها ((ات)) يُرَجَّحُ كونها جمعا بقرينة إجراء تائها مجرى تاء الجمع: قال عند قول أبي تمام: بِلادٌ أَفقَدَتنيها هَناتٌ ... يُشَيِّبُ كَرُّها مَن لا يَشيبُ [بحر الوافر]. ((يقال: أصابتهم هَنات وهنوات [؛ أى: خُطوب]، وقد يحتمل أن تكون هناة واحدة، إلا أن الذي يقوي أنها جمع إجراؤهم تاءها مجرى تاء الجمع (¬5)، قال البُرْجُ ابن مِسْهر (¬6): فَنِعْمَ الحيُّ كَلْبٌ غير أَنّا ... رَأَيْنا في جِوَارِهم هَنَاتِ ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 411ب8]. (¬2) د. عبد الحميد السيد طلب: تهذيب النحو، 5/ 84 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 38ـ 39]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 222ب13]. (¬5)؛ أي: تنصب وتكون علامة النصب الكسرة. (¬6) جاء في الأعلام للزركلي: ((البرج بن مسهر بن جلاس بن الأرت الطائي توفي، نحو30 ق هـ، شاعر، من معمري الجاهلية. كانت إقامته في ديار طيئ بنجد. اختار أبوتمام (في الحماسة) أبياتا من شعره.)). [الأعلام: 2/ 47]

ونِعْمَ الحيُّ كَلْبٌ غيرَ أَنَّا ... رُزِئْنا مِنْ بنين ومن بَنَاتِ [بحر الوافر])) (¬1). [8] الجمع يُظْهِر أصل الكلمة. قال عند قول أبي تمام: الوارِدينَ حِياضَ المَوتِ مُتأَقَةً ... ثُبًا ثُبًا وَكَراديسًا كَراديسا [بحر البسيط]. ((ثُبًى جمع ثُبةٍ، وهي الجماعة من الناس ليست بالكثير، ويقال في جمعها ثُبَات وثُبُون وقالوا: ثُبًا؛ فدل ذلك على أن أصلها ثُبْيَة أوثُبْوَة)) (¬2). [9] من الجموع ما يدل على الواحد والجمع، ومنها ما هو قليل الاستعمال، ومنها ما يوجبه القياس ولكنه غير مستعمل أونادر الاستعمال. ـ قال: ((والنحويون يذهبون إلى أن شمالا يكون واحدا وجمعا)) (¬3). ـ قال: ((طيور جمع طير، وطير جمع طائر، وقلما يقولون طيور، إلا أنه قد جاء، وربما استعملوا الطير في معنى الواحد)) (¬4). ـ قال: ((الأرية واحدة الأري وهوالعسل، وقلما تستعمل هذه الكلمة مُوحَّدة)) (¬5). ـ قال: ((والزيانب جمع زينب، هكذا يوجب القياس، فأما الشعر القديم فقلما يوجد فيه الزيانب)) (¬6). [10] الاسم الذي وزنه فِعْلة يجمع بحذف الهاء: قال: ((ريمة القياس أن يجمع على رِيم، مثل: سِدْرة وسِدر، وكلام سيبويه يدل على أن مثل هذه الأشياء يجوز أن تجمع على حذف الهاء)) (¬7). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 556ب13]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 360ب21]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 243ب5]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 267ب39]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 235ب12]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 457ب2ـ3]. (¬7) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 184ب4].

[11] جواز مجيء الجمع في موضع مفرده حملا على الجنْس: قال عند قول أبي تمام: فَأُقسِمُ لَوسَأَلتِ دُجاهُ عَنّي ... لَقَد أَنباكِ عَن وَجدٍ عَظيمِ [بحر الوافر] ((هكذا يروى على توحيد ((الدُّجى)) والمعروف أنها جمع ((دُجْية)) ولكن المحدثين يستعملونها في معنى الواحد، وذلك جائز يحمل على معنى الجنس)) (¬1). [12] أقل الجمع: قال التبريزي عند قول أبي تمام: وَطولُ مُقامِ المَرءِ في الحَيِّ مُخلِقٌ ... لِديباجَتَيهِ فَاغتَرِب تَتَجَدَّدِ [بحر الطويل] ((الديباجتان الخدان (...) ويجوز أن يكون الطائي عنى الخدين؛ لأنهما في معنى الوجه، وقد يحتمل أن يكون جعل الديباجتين مثلا، ولم يرد الخدين، ولكنهما جريا مجرى البُرْدَيْن والثَّوْبَيْن؛ فيكون الواحد والجمع في معنى الواحد؛ لأنه إذا قيل فلان مُخْلق البُرْد أوالبُرْدَين، فالمعنى، أنه مخلق الثياب)) (¬2). يفهم من هذا الشرح أن أقل الجمع عند التبريزي هو ((اثنان)) فإن كان ما فهم الباحث سليما فإن كلام التبريزي يحمل على ((أقل الجمع اللغوي)) لا ((النحوي)) إذ إن ((أقل الجمع النحوي ـ لا اللغوي ـ ثلاثة من مفرده)) (¬3). جاء في المزهر: ((وقال الجُوَينِي: الظاهرُ أن التثنية وُضِعَ لفظُها بعد الجمع لِمَسِيس الحاجة إلى الجمع كثيرًا؛ ولهذا لم يُوجد في سائر اللغات تثنية، والجمع موجود في كل لغة؛ وَمِنْ ثمَّ قال بعضهم: أقلُّ الجمع اثنان، كأَن الواضع قال: الشيءُ إما واحدٌ وإما كثير لا غيرُ، فجعل الاثنين في حدِّ الكثرة)) (¬4). فالمشهور عند النحاة ((أن أقل الجمع ثلاثة)) (¬5). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 161ب8]. وينظر أيضا [2/ 119ب4] (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 22ب7]. (¬3) النحوالوافي: 4/ 552، هامش 3 (¬4) المزهر: السيوطي، 1/ 46 (¬5) شرح الرضي لكافية ابن الحاجب: ا/90، [تحقيق: د. حسن بن محمد بن إبراهيم الحفظي، طباعة إدارة الثقافة والنشر بجامعة محمد بن سعود، المملكة العربية السعودية]

[13] بعض الكلمات التي بها حرف زائد إذا جُمِعَت جمع تكسير حذف الحرف الزائد، وقد يعوض عن الحرف الزائد أولا يعوض. قال: ((الغضنفر: من صفات الأسد، والنون فيه زائدة، ولوجمع جمع التكسير، لقيل: ((غضافير))، على مذهب من يُعِّوض، و ((غضافر)) على من أبى العِوَضَ، وكذلك في التصغير غُضَيْفِر، وغُضَيْفِير)) (¬1). [14] اشتراك فاعل وفعيل في الواحد: قال التبريزي: ((يشترك فاعل وفعيل في الواحد، كما يقولون علماء جمع عالم، وحقيقته أنه جمعُ عليم، مثل كبير وكبراء)) (¬2). ـ علاقات بين صيغ صرفية: - صيغ متعاقبة: من الصيغ التي أشار التبريزي إلى تعاقبها صيغتا ((فَعيل)) و ((فُعَال)). قال: ((الطُّوال العُراض: يريدون الطويل العريض، وفَعِيل وفُعال يتعاقبان)) (¬3). والمراد بالتعاقب هنا أن إحدى هاتين الصيغتين تخلف الأخرى وتؤدي نفس المعنى، ويؤكد هذا ابن جني إذ يقول: ((فَعِيل وفُعَال كثيرا ما يصطحبان)) (¬4). ويعلق على قول المازني: ((فَعِيل، وفُعَال أختان في باب فعُلت)) بقوله: ((هما لعمري كذلك، إلا أن فعيلا هو الأصل , وإنما يُخرَج به إلى فُعَال إذا أريد المبالغة وطُوَال وعُرَاض أشد مبالغة من طويل, وعريض وفَعِيل وفُعَال كلاهما من أبنية المبالغة، فإذا أرادوا الزيادة في المبالغة ضعّفوا العين فقالوا: كُرّام، وحسان، ووضاء، وهم يريدون: كريما، وحسنا، ووضيئا)) (¬5). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 45]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 22]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 313ب15]. (¬4) المنصف: 1/ 239 (¬5) المنصف: 1: 241

- الفَعَالة والفُعولَة يشتركان في المصادر كثيرا: قال: ((يقال ثوب خَلَق بيِّن الخُلُوقَة والخَلاقة؛ والفَعَالة والفُعولَة يشتركان في المصادر كثيرا، كقولك: وَحْف بين الوَحافة والوُحُوفة (¬1)، وعبل بين العَبالة والعُبُولة (¬2) في حروف ليست بمحصاة)) (¬3). - فَعِل وفَعيل يشتركان كثيرا: قال التبريزي عند قول أبي تمام: فَكَم لي مِن هَواءٍ فيكِ صافٍ ... غَذِيٍّ جَوُّهُ وَهَوًى وَبِيِّ [بحر الوافر] ((... ومن روي ((عَذِيٍّ)) بالعين غير معجمة، فإنه يأخذه من الأرض العَذِيَّة والعَذَاة، وهي الأرض الطيبة التراب، إلا أن التشديد في ((العَذِي)) و ((العَذِية)) غير مستعمل، والقياس يجيزة؛ لأن ((فَعِلا)) و ((فَعِيلا)) يشتركان كثيرا)) (¬4). ـ المصادر عند التبريزي: أورد التبريزي مجموعة ملحوظات على المصادر منها: [1] قد يتحول المصدر إلى اسم: قال التبريزي: ((الزَّغْف: من صفات الدروع، يقال: دِرْع زغف، قيل: إنها الواسعة، وقيل: اللينة، وكأن هذا الاسم مصدر في الأصل)) (¬5). وقال عند قول أبي تمام: أَظُنُّ دُموعَها سَنَنَ الفَريدِ ... وَهى سِلكاهُ مِن نَحرٍ وَجيدِ [بحر الوافر] ((السنن: التسابق، وهومصدر في الأصل)) (¬6). ¬

(¬1) جاء في المعجم الوسيط: ((وَحِف النباتُ والشَّعرُ، يَوْحَفُ وَحَفًا؛ غَزُرَ وأَثَّتْ أصولُه واسودَّ. و ((وَحُفَ)) النبات والشعر، يَوْحُفُ وَحافَة ووُحُوفَة: وَحِفَ)). [مادة: وحف، 2/ 1060] (¬2) جاء في المعجم الوسيط: ((عَبِل عبْلا: غَلُظَ وضَخُمَ وابيضَ)). [مادة: عبل، 2/ 602] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 450ب18]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 353ب5]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 131ب10]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 32ب1].

وانتقال الكلمة من المصدرية إلى الاسمية له في اللغة شواهد متعددة (¬1)، ويلاحظ على تلك الألفاظ المنتقلة أنها لا تتخلى تماما عن مصدريتها؛ إذ نجد لهذه المصدرية بعض التأثير على الكلمة المنقولة، من هذا التأثير: - عدم تثنية الكلمة أو جمعها، وإطلاقها على المفرد والجمع، مثل: ـ قال ابن منظور: (([قال] الجوْهَري: آذَانُ حَشْرٌ لا يُثَنَّى وَلا يُجْمَع لأَنه مَصْدَر في الأصل)) (¬2). ـ وجاء في المصباح المنير: ((الحيوانُ كل ذي روح ناطقًا كان أَو غير ناطق مأخوذ من الحياة يستوي فيه الواحد والجمع لأنه مَصدر في الأصل)) (¬3). وجاء فيه أيضا: ((الضيف معروف، ويطلق بلفظ واحد على الواحد وغيره؛ لأنه مصدر في الأصل)) (¬4). - استواء التذكير والتأنيث، مثل: (([قال] الجَوهري: رجلٌ ضَنىً وضَنٍ مثلُ حَرىً وحَرٍ. يُقَالُ: تَرَكْته ضَنىً وضَنِيًا، فَإِذَا قُلْتَ ضَنىً اسْتَوى فِيهِ المُذَكَّر والمُؤنَّث وَالجَمعُ لأَنه مَصْدَرٌ فِي الأَصل)) (¬5). - صرف الكلمة الممنوعة من الصرف، مثل: ((وإسْحَاقُ: علم أعجمي، ويُصْرَفُ إن نُظِر إلى أنه مَصْدَر في الأصْلِ.)) (¬6). ¬

(¬1) ينظر على سبيل المثال الجزء الأول من كتاب: معجم ديوان الأدب: أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم ابن الحسين الفارابي، ص: 107/ 108/110/ 112/113/ 116/ 117/ 122/ 125/ 129/ 131/ 132/ 162/ 219/ 222/ 223/ 277، ت: دكتور أحمد مختار عمر، مراجعة: دكتور إبراهيم أنيس، طبعة: مؤسسة دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة، 1424 هـ، 2003م (¬2) لسان العرب:4/ 192 (¬3) 1/ 160 (¬4) 2/ 366 (¬5) لسان العرب: 14/ 486 (¬6) القاموس المحيط: 1/ 893

ويلاحظ أيضا على الكلمات المنقولة من المصدرية إلى الاسمية أن المعاني المنقول إليها معاني محسوسة في معظمها، مثل: ـ والسَّطْرُ: الخَطُّ، وهو في الأَصْلِ مَصْدَرٌ، وهو الكِتَابَةُ (¬1). ـ والكَنْز: واحِدُ الكُنوز، وهو في الأَصْل مَصْدرٌ (¬2). ـ الطَّرْد: مَا يُرْسل من البضاعة وَغَيرهَا فِي الْبَرِيد وَنَحْوه من نَاحيَة إِلَى أُخْرَى وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر ثمَّ أطلق على المطرود (¬3). ـ الشَّقُّ: وَاحِدُ الشُّقوق وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ (¬4). [2] المصدر يقع على القليل والكثير وعلى الواحد والجمع: قال التبريزي: ((المصدر يقع على القليل والكثير، فإذا دخلت الهاء كان للمرة الواحدة، كقولك: الضرب، يجوز أن تعني به ما قل وما كثر؛ فإذا قلت الضربة فهي واحدة)) (¬5). وقال التبريزي: ((الوَحْش: يجوز أن تقع على الواحد وعلى الجمع؛ لأنه في مذهب المصدر)) (¬6). ويقع المصدر على القليل والكثير لأنه ((في دلالته الأساسية الأولى خالٍ من التقييد، بخلافه إذا دل على المرة أو الهيئة؛ فإنه يكون في ((المرة)) مقيدًا ـ مع الحدث ـ بالدلالة على أن هذا الحدث مرة واحدة، وفي ((الهيئة)) يكون مع الحدث مقيدًا بوصف خاص)) (¬7). ¬

(¬1) معجم ديوان الأدب: 1/ 108 (¬2) السابق 1/ 113 (¬3) المعجم الوسيط: 2/ 554 (¬4) لسان العرب: 10/ 181 (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 180ب19]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 101ب2]. (¬7) النحو الوافي: 3/ 225

[3] إذا تشابه اسم ومصدره في نفس الحروف فلابد من التفريق بينهما بتغيير ضبط الكلمة أمنا للبس: قال التبريزي عند قول أبي تمام: إِلَيكَ جَزَعنا مَغرِبَ الشَّمسِ كُلَّما ... هَبَطنا مَلا صَلَّت عَلَيكَ سَباسِبُه [بحر الطويل] ((جزعنا أصله من جَزَعتُ الوادي إذا قطعته إلى الجانب الآخر، ومنه قيل جِزع الوادي. وهذا كثير في المصادر والاسم، تقول: جَزَعتُ جَزْعًا، وطحنت طَحْنًا، وذبحت ذَبْحًا؛ فيكون المصدر مفتوحًا ويكسر الاسم من ذلك؛ فتقول: الجِزْع والذِّبْح والطِّحْن)) (¬1). [4] المصدر وسيلة للتفرقة بين المعاني المختلفة للفعل الواحد. قال: ((والوجيب: صوت حركة القلب، فرقوا بين وَجَب القلبُ ووجَبَ الحَائِطُ بالمصدر)) (¬2). [5] قد يقوم المصدر مقام اسم الفاعل: قال عند قول أبي تمام: تَقي جَمَحاتي لَستُ طَوعَ مُؤَنِّبي ... وَلَيسَ جَنيبي إِن عَذَلتِ بِمُصحِبي [بحر الطويل] ((وقوله: ((لستُ طوع مؤنبي))؛ أي: لستُ مُطِيعَه، فجعل مصدر ((طاع يطوع)) قائما مقام اسم الفاعل، كما يقال: رجلٌ زَوْرٌ؛ أي: زائر)) (¬3). - زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [/2213ب15]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 166ب34]. وقد أشار إلى نفس هذه الملحوظة من قبل أبوالعلاء، فقد أشار إلى أن المصادر قد تكون وسيلة لتحديد معنى الفعل. وقد تكون أيضا وسيلة من الوسائل التي تتخذها اللغة ((لأمن اللبس)). قال: ((إنهم يفرقون بالمصادر بين الأفعال التي أصلها واحد في الاشتقاق؛ فيقولون: ((خَفَّ الشيء خِفَّة))؛ إذا كان خفيف الزنة، و ((خَفَّ خُفُوفًا))؛ إذا ارتحلوا)) [1/ 240ب3]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 146].

من الأمور التي اتفق عليها اللغويون أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وفي هذا يقول العلامة ابن جني: ((إذا كانت الألفاظ أدلة المعاني، ثم زيد فيها شيء؛ أوجبت القسمة له زيادة المعنى به)) (¬1). وقد أشار التبريزي إلى هذا قائلا: ((حُسَّان مثل حَسَن؛ إلا أنه أشد مبالغة منه)) (¬2). وجاء في شرح شافية ابن الحاجب: ((يجيء فُعَال ـ بضم الفاء وتخفيف العين ـ مبالغة فعيل في هذا الباب كثيرًا، لكنه غير مطرد، نحو: طويل، وطُوال، وشجيع وشُجاع، ويقل في غير هذا الباب كعجيب وعُجَاب، فإن شددت العين كان أبلغ كطُوَّال)) (¬3). - لا يشترط أن يتفق القياس والسماع، فقد يجيز القياس لفظا مفقودا في المسموع قال التبريزي: ((يقال غدا الشيء، وأغداه غيره، جائز على القياس، وهومفقود في المسموع)) (¬4). وقال: ((أصل الغث من قولهم: ((لحم غث))؛ إذا لم يكن سمينًا، و ((حديث غث))؛ إذا لم يكن عليه طلاوة، فاستعار ((الغثاثة)) هاهنا في الأشياء كلها، وإنما المعروف أن يستعمل في الحديث، يقال: أغث الحديثُ إذا صار غثا، والقياس لا يمنع أن يقال غث يَغِث)) (¬5). وكثير من أعلام اللغة يقرون ((بعربية)) ما يأتي على ((القياس)) من ألفاظ اللغة، فقد عقد ابن جني بابا في خصائصه سماه ((باب في أن ما قيس على كلام العرب فهومن كلام العرب))، ومن نفيس ما قاله في هذا الباب قوله: ((ليس كل ما ¬

(¬1) الخصائص: 3/ 268 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 185] (¬3) شرح شافية ابن الحاجب: تأليف الشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي النحوي، 1/ 148،ت: محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، 1982م (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 205ب19]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 366ب35].

يجوز في القياس يخرج به سماع، فإذا حذا إنسان على مُثُلهم، وأمَّ مذهبهم لم يجب عليه أن يورد في ذلك سماعًا، ولا أن يرويه رواية)) (¬1). ويقول أبوالبركات الأنباري في ((لمع الأدلة في أصول النحو)) في مطلع الفصل الحادي عشر الذي عنونه بـ ((في الرد على من أنكر القياس)) ما نصه: ((اعلم أن إنكار القياس في النحولا يتحقق؛ لأن النحوكله قياس، ولهذا قيل في حده: النحوعلم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، فمن أنكر القياس؛ فقد أنكر النحو، ولا نعلم أحدًا من العلماء أنكره لثبوته بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة)) (¬2). وقد رأى مجمع اللغة الأخذ ((بعربية)) ما يأتي على ((القياس)) من ألفاظ اللغة استنادا ((على ما قاله ابن جني وعلى أدلته في كثير من المسائل الأخرى)) (¬3). - تسكين الفتحة عند العرب مرفوض، بل التسكين للضمة والكسرة: ذكر التبريزي في أحد المواضع أن تسكين العرب للحرف المفتوح مرفوض وإنما التسكين للضمة والكسرة. ـ قال عند قول أبي تمام: أَذكَرتَنا المَلِكَ المُضَلَّلَ في الهَوى ... وَالأَعشَيَينِ وَطَرفَةً وَلَبيدا [بحر الكامل] ((وأكثر الرواية: ((وطَرْفَة))؛ يعني طرفة بن العبد، والرواة كالأصمعي وغيره يقولون: طَرَفَة؛ بتحريك الراء .. ولا ينبغي أن يُحمل على أن الطائي سَكَّنَ الراء؛ إذ كان ذلك مستنكرا؛ لأنهم لا يقولون في شَجَرَة شَجْرة، ولا في حَجَر حَجْر؛ لأن تسكين الفتحة عندهم مرفوض، وإنما يسكنون الضمة والكسرة؛ فيقولون في عَضُد: عَضْد، وفي نمِر: نَمْر)) (¬4). **** ¬

(¬1) الخصائص: 1/ 362 (¬2) رسالتان لابن الأنباري، الإغراب في جدل الإعراب، ولمع الأدلة في أصول النحو: لأبي البركات الأنباري، ص 95، [تحقيق سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية، 1957م] (¬3) النحوالوافي: 3/ 189، الهامش. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 407ب6].

ـ المجموعة الثانية: دراسة كل ما هومتعلق بالحرف صوتا وإعلالا وإبدلا وغيره

ـ المجموعة الثانية: دراسة كل ما هومتعلق بالحرف صوتا وإعلالا وإبدلا وغيره سنبدأ هنا بدراسة المادة الصرفية عند التبريزي والمتعلقة بالحرف، وسنبدأ بمواضع الإعلال والإبدال. - المادة الصرفية المتعلقة بالإعلال والإبدال عند التبريزي: • إبدال الهمزة من الهاء، والهاء من الهمزة: قال التبريزي: ((هيهات يوقف عليها بالهاء إذا فتحتها؛ وإذا كسرتها يوقف عليها بالتاء، ويجوز هيهاتًا، وتبدل الهمزة من الهاء، فيقال: أيهات، ويقال: أيها)) (¬1). وقال: ((هرقت تستعمل في المياه وما جرى مجراها في السيلان، والأصل: أرقت؛ فأبدلت الهاء من الهمزة)) (¬2). • قلب الواوياء: من المواضع التي أشار إليها التبريزي، وتقلب فيها الواوياءً المواضع التالية: قال ((الدنيا: هي ((الفُعْلَى)) من الدنو، وإذا كانت ((الفُعْلَى)) أُنثى ((الأفعل))، وكانت من ذوات الواوقلبت إلى الياء؛ تقول هذا الأشهى وهذه الشُّهيا، وكذلك هذا الأعلى، وهذه العُليا، وقالوا: القُصْيا والقصوى، فاستعملوها بالواووالياء، ومجيئها بالواويُحْسب من الشذوذ، لأن عادة مثلها أن تقلب)) (¬3). وقال التبريزي: ((ويجب أن تكون ((مَلِيٌّ)) من ذوات الواو؛ لأنه يقال: مضت مُلاوة من الدهر، فهومن هذا، ولكن الواووقعت طرفا وقبلها ياء؛ فقلبت إلى الياء، كما قالوا: عَلِيٌّ وهومن العلو)) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 65]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 62]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 124ب35]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 449ب14].

وقد ذكر النحاة من مواضع قلب الواوياء ((أن تجتمع هي والياء في كلمة واحدة بشرط ألا يفصل بينهما فاصل، وأن يكون السابق منهما أصيلا؛ أي: غير منقلب عن غيره، وساكنا سكونا أصليا غير عارض. فإذا تحققت هذه الشروط وجب قلب الواوياء، وإدغامها في الياء، سواء أكانت الياء هي السابقة؛ نحو: سيد وميت وأصلهما، سيود، ميوت كما سبق" أم كانت الواوهي السابقة؛ نحو: طيّ، وليّ، وأصلهما: طوي، ولوي؛ بدليل: طويت ولويت (...) فالواوفي الأمثلة السالفة قلبت ياء، وأدغمت في الياء)) (¬1). • إبدال التاء بالدال والياء بالنون: ألمح التبريزي إلى أنه في بعض الكلمات يمكن أن تبدل التاء بالدال والياء بالنون، فقال عند قول أبي تمام: تَصَدَّت وَحَبلُ البَينِ مُستَحصِدٌ شَزرُ ... وَقَد سَهَّلَ التَوديعُ ما وَعَّرَ الهَجرُ [بحر الطويل] ((تصدت: تعرضت، وكأنه مأخوذ من صَدِّ الجَبَل، وهوناحيته؛ فيكون الأصل على هذا الوجه تَصَدَّدت؛ فأبدلت من إحدى الدالات تاءٌ كما قالوا: تَظَنَّيْتُ في معنى تَظَنَّنْْتُ)) (¬2). • جواز قلب الهمزة واوا إذا فُتِحت وقبلها ضمة: قال: ((لَبُؤَة يجوز أن تجعل همزتها واوا؛ لأنها مفتوحة وقبلها ضمة؛ فنقول: لَبُوة)) (¬3). • القِسِيّ لم يحكَ فيها الضم: قال ((القِسي جمع قَوْس على القلب، وكل ما كان على هذا النحومثل: دُلِيّ وثُدِيّ جاز ضَمُّ أوله وكسره إلا القسي؛ فإنه لم يُحْكَ بالضم)) (¬4). • من مواضع الإعلال بالنقل: ¬

(¬1) النحوالوافي: 4/ 779 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 561ب1]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 353ب31]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 561ب34].

قال عند قول أبي تمام: أَسائِلَ نَصرٍ لا تَسَلهُ فَإِنَّهُ ... أَحَنُّ إِلى الإِرفادِ مِنكَ إِلى الرَّفدِ [بحر الطويل]. ((لا تسله: يجوز أن يكون من سأل يسأل، فألقى حركةَ الهمزة على السين وحذفها (أي: حذف الهمزة))) (¬1). - من المواضع التي يَصِحُّ فيها الحرف المعتل (الواو والياء): ذكر التبريزي بعض الموضع التي يصح فيها حرف العلة، منها التالي: قال: ((إذا بنوا ((اِفْتَعَل)) في معنى ((تفاعل)) صح فيه الحرف المعتل؛ فيقولون: اعتَوَر القومُ المكانَ، مثل: تعاوروه، واجتوروا مثل تجاورُوا؛ وكذلك ازدوج النَّوْر، مثل تزاوج؛ أي: كان أزواجا. وإذا بنوا افتعل من المعتل، ولم يكن في معنى تفاعل؛ فإنه يجيء معتلا، كقولك: اقتات الطعام، ولا يجوز اقتوت؛ كذلك اعتاد الأمر، ولا يقال اعتود)) (¬2). وقال عند قول أبي تمام: أَحسِن بِأَيّامِ العَقيقِ وَأَطيِبِ ... وَالعَيشِ في أَظلالِهِنَّ المُعجِبِ [بحر الكامل]. ((.. وقال: أطْيِب، فصحح الياء؛ لأن التعجب شأنه ذلك، يظهر فيه التضعيف، ويصح المعتل، إذا بنيته بناء الأمر، فأما إذا بنيته على ((ما أفْعَلَه))؛ فإنه يصح مُعْتله، ولا يظهر مُضَعَّفَه، تقول: ما أقوله للحق، وما أعزه، وما أشده؛ فتدغم. فإذا صرت إلى لفظ ((أفعِلْ به))، قلتُ: أقوِلْ به، وأعزز، ولم يقولوا: أعزَّ بفلان ألبتَّة)) (¬3). ـ وقال: ((صِيان الشيء وصوانه: ما صِينَ به، وهومن ذوات الواو، وإنما قلبت ياء في صيان لانكسار ما قبلها، وكأنَّ الصيان في الحقيقة مصدر سُمِّي به الشيء؛ لأن المصادر تنقلب فيها الواوياء؛ إذا كان ما قبلها مكسورا (...). وإذا لم يعتل الفعل ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 66ب17]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 158ب23]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 92].

صحت الواو في المصدر، كقولك: عاودتُه عِوادًا ولاوذتُ به لِوَذًا؛ فأما: الخِوان الذي يُؤكل عليه، والحِوار إذا أريد به ولدُ الناقة، في لغة من كسر الحاء، فإن الواوتثبت فيهن مع كسرة ما قبلها؛ لأنهن غير جوار على فِعْل)) (¬1). - التصرف في الحرف وسيلة لتوضيح خبرية الجملة من إنشائيتها: قد يكون التصرف في الحرف وسيلة للتفرقة بين خيرية الجملة وإنشائيتها، ودليل ذلك قال عند قول أبي تمام: تَاللهِ نَدري أَالإِسلامُ يَشكُرُها ... مِن وَقعَةٍ أَم بَنوالعَبّاسِ أَم أُدَدُ [بحر البسيط] ((... ((أَالإسلام)): أدخل همزة الاستفهام على ألف الوصل، التي مع لام التعريف؛ وإذا فعلوا ذلك مَدُّوا مَدَّة تقوم مقام الحرف؛ ليفرقوا بين الاستفهام والخبر)) (¬2). وفي هذا دليل على أن اللغة تتحاشى الإفساد المعنوي واللبس وتتمسك بأوضح ((خصائصها؛ وهو: التبيين؛ وأساسه الضوابط السليمة المتميزة التي لا تداخل فيها ولا اختلاط)) (¬3). - حذف ألف أنا: قال: ((الأجود في الوصل أن تحذف الألف من ((أنا)) وقد جاء إثباتها، وكان محمد بن يزيد يتشدد في إجازته، وغيره يجعله من الضرورات، وقد رُوِي إثباتها عن نافع المدني)) (¬4). والذي عليه الجماعة من القراء أن ألف ((أنا)) تحذف وَصْلاً وتثبت وقْفًا، وكان نافع يُثْبت ألف ((أنا)) وَصْلاً ((قبلَ همزةٍ مضمومةٍ أو مكسورة أو مفتوحة)) (¬5). ... ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 294ب1]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 19ب40]. (¬3) النحو الوافي: 2/ 161 (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 67ب26]. (¬5) السمين الحلبي: الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، 7/ 491، ت: د. أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق

- عادة العرب في تخفيف الهمزة: يوضح التبريزي طريقة العرب في تخفيف الهمزة فيقول: ((عادة العرب إذا خففوا الهمزة في مثل ((يلؤُم)) أن يلقوا الحركة على اللام، ويحذفوا الهمزة؛ فيقولوا: ((يَلُم)) وفي ((يسْأم)): يَسَم، وفي ((يَنْئِم)): يَنِم. وبعضهم يقول: يَلُوم، ويسام ويَنِيم الليث، وذلك رديء، قليل في كلامهم)) (¬1). وقال عند قول أبي تمام: فَكَّت أَكُفُّ المَوتِ غُلَّ قَصائِدي ... عَنهُ وَضَيغَمُها عَلَيهِ يَزيرُ [بحر الكامل] ((قوله: ((يَزِيرُ)) يُقال: زأرَ الأسدُ ويزأَر، فقوله: ((يَزِيرُ)) على لغة من قال يَزئِر، والمستعمل في كلام العرب أنهم إذا ألقوا حركة الهمزة على ما قبلها طرحوها من الكلمة، والقياس أن يقولوا إذا خففوا الهمزة في يَزْئِر يزر، وإذا خففوا من يزأرُ قالوا يَزَرُ، كما قال كُثَيِّر: لا أَنزُرُ النائِلَ الخَليلَ إِذا ... ما اعتَلَّ نَزرُ الظؤورِ لَم تَرِمِ [بحر المنسرح] يريد لم تَرأم، والقياسُ يدلُّ على جواز قولهم يَزِيرُ في يزئر، وذلك أنهم لما ألقوا حركة الهمزة على الزاي بقيت ساكنة فجعلوها ياءً، كما جعلوها كذلك في بِئْر وذِئْبٍ، وقد حكوا: أمرٌ مثير، في معنى: مُثْئِر)) (¬2). **** ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 291ب21]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 258ب3].

المبحث الثالث: دراسة المادة النحوية في شرح أبي العلاء.

المبحث الثالث: دراسة المادة النحوية في شرح أبي العلاء. سيتركز الحديث في دراستنا للآراء النحوية عند أبي العلاء الموجودة في شرحه على ديوان أبي تمام في النقاط التالية: [أ] دراسة المادة النحوبة المتعلقة بالمنصوبات: • المتعدي واللازم عند أبي العلاء: ونظفر لأبي العلاء في هذا الباب بالمادة التالية: (1) الأفعال التي تتعدى بحرف الجر يمكن أن يفْصِل بينها وبين حرف الجر فاصل: ـ قال عند قول أبي تمام: وَماذا عَلَيها لَوأَشارَت فَوَدَّعَت ... إِلَينا بِأَطرافِ البَنانِ وَأَومَتِ [بحر الطويل] ((فرق بين ((أشارت)) و ((إلينا)) بقوله: ((فودعت))؛ وذلك جائز)) (¬1). (2) هناك أفعال تتعدى بحرف الجر تارة وبدونه تارة أخرى: قال: ((وأكثر ما اسْتُعْمِلَتْ ((نظرت)) مع ((إلى))، وقد تستعمل متعدية بغير حرف الخفض، يقال: نظرت الرجل، في معنى: نظرت إليه، قال ابن قيس: ظاهِراتُ الجَمالِ وَالسَّر ويَنظُرنَ كَما يَنظُرُ الأَراكَ الظِّباءُ [بحر الخفيف])) (¬2). وقد أوضح الأستاذ عباس حسن أن المفعولات التي تأتي مع هذا النوع من الأفعال ـ في حالة عدم وجود الحرف ـ هي: ((مفعولات للفعل الموجود، وإن هذا الفعل نصبها مباشرة؛ فلا حاجة إلى اعتبارها منصوبة على نزع الخافض ـ كما يرى بعض النحاة دون بعض ـ لما في هذا العدول عن الإعراب الواضح، المساير لظواهر الألفاظ ومعانيها، إلى الإغراب والتعقيد من غير داعٍ)) (¬3). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 300ب2]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 132]، وينظر موضعا آخر لأبي العلاء: [1/ 68]. وقال التبريزي في أحد المواضع: ((يقال: اكتحلت الإثمدَ على حذف الباء)) [4/ 338ب11]، ومن المواضع المماثلة عند التبريزي: [2/ 170ب16]. (¬3) النحوالوافي: 2/ 163، الهامش

(3) الإشارة إلى قياسية التضمين في تحويل الفعل اللازم إلى متعد والعكس: ـ قال عند قول أبي تمام: هُما أَظلَما حالَيَّ ثُمَّتَ أَجلَيا ... ظَلامَيهِما عَن وَجهِ أَمرَدَ أَشيَبِ [بحر الطويل] ((جعل (أظلم) هاهنا متعديا، وذلك قليل في الاستعمال، وهوفي القياس جائز)) (¬1). والتضمين ((هو أن تُشرب لفظا معنى لفظ، وإذا كان فعلا أو مصدرا أعطي حكمه، فعُدي بما يعدى إليه)) (¬2). • ((أن المخففة)) من الثقيلة: أشار أبوالعلاء إلى جواز نصب ((ما)) بعد ((أَنْ)) المخففة من الثقيلة. وقد أشار النحاة إلى أنه ((إذا خُفِّفَت أَنْ المفتوحة بقيت على ما كان لها من العمل، لكن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا، وخبرها لا يكون إلا جملة)) (¬3). ولكن أبا العلاء أجاز نصب الاسم الواقع بعدها، قال عند قول أبي تمام: وَضَرَبتَ أَمثالَ الذَّليلِ وَقَد تَرى ... أَن غَيرُ ذاكَ النقضُ وَالإِمرارُ [بحر الكامل] ((... أراد ((أنَّ)) المشددة فخفَّف، فإذا خففت، فالأجودُ أن ترفع ما بعدها، والنصب جائز)) (¬4). وقول أبي العلاء أنَّ ((أنْ ترفع ما بعدها وهو الأجود)) هو ترجيح لمذهب سيبويه والكوفيين، الذي يقول ((إنها لا تعمل شيئا لا في ظاهر ولا في مضمر، وتكون حرفا ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 150]. (¬2) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 275 وأشار د. شوقي إلى أن أول من كشف هذا التضمين وأوضحه في أمثلة كثيرة ابن جني. (¬3) شرح ابن عقيل: ص 87 (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 172ب30].

[ب] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجرورات

مصدريا مهملا كسائر الحروف المصدرية)) (¬1). وهو بهذا يخالف الجمهور الذي يقول: ((إنها تعمل جوازا في مضمر لا ظاهر)) (¬2). [ب] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجرورات: • الإضافة عند أبي العلاء: أشار أبوالعلاء في مواضع من شرحه إلى بعض أحكام الإضافة، وهو في بعضها يقر ما يقره النحاة، ونلمح منه خروجا على بعضها في البعض الآخر، ومن أمثلة الاتفاق: [1] إضافة بعض الشيء إلى كله: ـ قال عند قول أبي تمام: لُعابُ الأَفاعي القاتِلاتِ لُعابُهُ ... وَأَريُ الجَنى اشتارَتهُ أَيدٍ عَواسِلُ [بحر الطويل] ((الجنى: اسم عام يقع على كل ما اجتني؛ فجائز أن يسمى الأرْي (¬3) جنى؛ لأنه يجنى من مواضع النحل، ولعموم الجَنَى في اللفظ حَسُنَت إضافة الأري إليه؛ لأن بعض الشيء يضاف إلى كله)) (¬4). والنحاة قيدوا هذه القاعدة النحوية بأن تكون الإضافة محضةً على معنى ((مِن))، وذلك بأن يكون ((المضاف إليه جنسا عامًا يشمل المضاف، ويصح إطلاق اسمه على المضاف، وإن شئت فقل: أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، مع صلاحية المضاف لأن يكون مبتدأ خبره المضاف إليه من غير فساد للمعنى)) (¬5). ¬

(¬1) السيوطي: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 2/ 184ـ 185 (¬2) السيوطي: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 185 (¬3) الأَرْيُ: العسل، والندى يسقط على الشجر، وما التصق بجوانب القدر من الطعام , [المعجم الوسيط، مادة: أري] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 123ب32]. (¬5) النحوالوافي: 3/ 18

[2] الإضافة المحضة تفيد التعريف أوالتخصيص للمضاف والإضافة غير المحضة ليس لها تأثير على المضاف: نص النحاة على نوعين من الإضافة: النوع الأول: الإضافة المحضة أوالمعنوية، ((وهي التي تكون خالصة من تقدير الانفصال)) (¬1)، أوهي ((ما كان فيها الاتصال بين الطرفين قويا، وليست على نية الانفصال لأصالتها ولأن المضاف ـ في الغالب ـ خال من ضمير مستتر يفصل بينهما)) (¬2). والثانية: الإضافة غير المحضة، أواللفظية؛ لأنها في تقدير الانفصال)) (¬3). أشار أبوالعلاء في مَوْضِعَين إلى تأثير المضاف إليه على المضاف من حيث التعريف والتخصيص. وأشار إلى قاعدة مهمة تحكم تأثير المضاف إليه على المضاف فقال: ((وإنما يحسن الانفصال إذا كان المضاف إليه يمكن فكه من الأول وإضافته إلى المضمر، مثل أن يقال مررت برجل كريم الأب؛ فكريم نكرة؛ لأنه يحسن أن تقول مررت برجل كريم أبوه)) (¬4). ـ وقال عند قول أبي تمام: أَدنَيتُ رَحلي إِلى مُدنٍ مَكارِمَهُ ... إِلَيَّ يَهتَبِلُ اللَّذ حَيثُ أَهتَبِلُ [بحر البسيط] ((يجوز ((مُدْني مكارِمهِ)) على الإضافة، و ((مُدْنٍ مكارمه)) بالتنوين، وإذا أضيف فهونكرة؛ لأن إضافته غير محضة)) (¬5). ¬

(¬1) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ابن هشام، 3/ 87 هامش المحقق، [تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا بيروت] (¬2) النحوالوافي: 3/ 3 (¬3) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ابن هشام، 3/ 92 هامش المحقق. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 69ـ 70ب8]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 18ب42]. ويؤكد التبريزي نفس كلام أبي العلاء السابق إذ قال عند قول أبي تمام: عَهدي بِمَغناكَ حُسّانَ المَعالِمِ مِن ... حُسّانَةِ الوَردِ وَالبَردِيِّ وَالعَنَمِ [بحر البسيط]. ((ويحتمل حُسَّانة الورد: أن تكون معرفة ونكرة، فإذا كانت معرفةً فالإضافة على غير انفصال، وإذا كانت نكرة فالإضافة منفصلة في التقدير، كأنه قال: من حُسَّان وردها وبَرْدِيُّها وعنمها، فهي في الوجه الأول مضافة إلى ما هي مشبهة به، وليس لها ولا في خلقتها، وهي في الوجه الثاني مضافة إلى ما هوبعضها إلا أنها إضافة غير محضة، كما تقول مررت بامرأة حسنة الوجه واليد والساق، والمعنى بامرأة حسن وجهها ويدها وساقها وهذه الأشياء من جسدها)). [3/ 185ب 5]

[3] موافقة أبي العلاء لمَن أجاز إضافة أفعل إلى ما هو ليس ببعضه؛ لأن الإضافة يتسع فيها جدا: ـ قال عند قول أبي تمام: غَدَوتُ بِهِم أَمَدَّ ذَوِيَّ ظِلًّا ... وَأَكثَرَ مَن وَرائي ماءَ وادِ [بحر الوافر] ((كان أبوالفتح عثمان بن جني يذهب إلى أن ((أكثر)) في هذا البيت غير مضاف إلى ((من))، ويجعل موضع ((من)) نصبا بفعل مُضمر، وإنما فر من أن يضيف ((أكثر)) إلى ((من))؛ لأن موضوع النحويين المتقدمين أن ((أفعل)) لا يُضاف إلا إلى ما هوبعضه، كقولك فلان أفضلُ الناس، وحسن ذلك لأنه بعضهم، ولوقيل العقاب أشد الناس لاستحال؛ لأن العُقاب ليست من الناس، ولهذا أحالوا قول من يقول: فلان أفضل إخوته؛ لأنه ليس منهم، إنما ينبغي أن يقال: فلان أفضل بني أبيه، وهذا قول مُتقدم، وقد أجاز المتأخرون فلان أفضل إخوته، أى: أفضل الإخوة الذين هومنهم، والإضافة يتسع فيها جدًّا، وإلى قول من أجازه أذهب)) (¬1). وإجازة المتأخرين ((فلان أفضل إخوته)) ـ كما قال الأشموني المتوفى 900هـ ـ مشروطة ومقننة بألا يكون منوي بها معنى ((من))، أما ((المنوي فيه معنى ((من))، فإنه لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه، فلذلك يجوز: يوسف أحسن إخوته، إن قصد الأحسن من بينهم، أو قصد حسنهم، ويمتنع إن قصد أحسن ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 371، 372ب9]. ومثل هذا القول شاهد مهم لمراعاة المعري المقاصد الحديثة.

منهم)) (¬1). ويزيد الأستاذ عباس حسن الصورة وضوحا فيقرر أنه ((إذا لم تكن الدلالة على التفضيل باقية، أو كانت عامة يقصد منها الزيادة على المضاف إليه وعلى غيره فإن المضاف إليه لا يكون مفضولا، ولا يشترط في المضاف حينئذ أن يكون بعضًا منه؛ فقد يكون بعضًا أو لا يكون؛ ومثال ما ليس بعضا: يوسف أفضل إخوته. تريد: أنه فاضل فيهم، ولا تريد التفضيل، ولا أنه يزيد عليهم في الفضل)) (¬2). [4] جواز حذف الهاء من الكلمة إذا أضيفت: من لطيف إشارات أبي العلاء إشارته إلى إمكانية حذف الهاء من الكلمة؛ لأن العرب يجترئون على ذلك. وَيَومٍ أَمامَ المُلكِ دَحضٍ وَقَفتَهُ ... وَلَوخَرَّ فيهِ الدينُ لَانهالَ كاثِبُه [بحر الطويل] ((.. وتستعمل ((الكاثبة)) في الإنسان، وهي الكَتد أونحوه، ولا يعرف إلا بالهاء، فإن كانت اللفظة يراد بها ذلك؛ فيجوز أن يكون حذف الهاء لمكان الإضافة؛ لأنهم يجرؤون على حذفها مع المضاف، كما قالوا: إلاحُ الرجل، يريدون إلاحته، وقام وُلاها؛ أي: وُلاتها)) (¬3). والنص السابق يثير بعض الملحوظات: 1ـ أن أبا العلاء يسمى تاء التأنيث المربوطة في ((كاثبة، وإلاحة (¬4)، وولاة)) هاءًا، وهو أمر لا نسلم فيه لأبي العلاء؛ إذ ((لا توجد علاقة صوتية بين التاء والهاء، وإنما تطور المسألة أن التاء سقطت حين الوقف على المؤنث؛ فبقي المقطع السابق ¬

(¬1) شرح الأشمونى لألفية ابن مالك: 2/ 306 (¬2) النحو الوافي: 3/ 423 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 230ـ 231ب35]. (¬4) جاء في تهذيب اللغة للأزهري 5/ 161: ((كل من لمع بشيء فقد ألاح ولوَّح به. الحراني عن ابن السكيت: يُقال ألاح من ذلك الأمرِ؛ إذا أشفق منه، يُليحُ إلاحة)).

عليها مفتوحا ذا حركة قصيرة، وهذا النوع من المقاطع تكرهه العربية في أواخر الكلمات؛ فتتجنبه بإغلاق المقطع، عن طريق امتداد النفس بهاء السكت)) (¬1). 2ـ بناء على النقطة السابقة يمكن تفسير حذف التاء المربوطة من كلمة ((كاثبة)) الموجودة في قافية البيت السابق تفسيرا صوتيا كما يلي: عند الوقوف على الكلمة سقطت التاء؛ فبقي المقطع السابق عليها مفتوحا ذا حركة قصيرة تكرهه اللغة العربية في أواخر الكلمات؛ فتتجنبه بإغلاق المقطع بهاء السكت الساكنه، ثم دخلت عليها هاء ضمير الغَيبة الساكن؛ فالتقى ساكنان فحذف أحدهما تخلصا من التقاء ساكنين. ... ومن المواضع التي نلمح فيها اختلافا التالي: ـ أوجه إعرابية في المضاف إليه: يرى النحويون أن الإضافة إذا كانت على معنى ((مِنْ)) جاز في المضاف إليه أوجه أخرى؛ فيجوز ((أن يعرب بدلا أوعطف بيان، وتزول بوجودهما الإضافة، وتكون حركة آخره تابعة لحركة المتبوع الذي كان مضافا في الأصل، كما يجوز أيضاـ إن كان نكرة ـ نصبه على الحال أوالتمييز، بعد الاستغناء عن الإضافة)) (¬2). فالنحويون يقيدون جواز إعراب المضاف إليه بدلا أوعطف بيان: أن تكون على معنى ((مِنْ)). ومن الضوابط التي وضعها النحاة لهذه الإضافة ((ضابط مؤلف من شقين: الأول: أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، والثاني: أن يكون المضاف إليه صالحا للإخبار به عن المضاف)) (¬3). ¬

(¬1) المذكر والمؤنث لابن فارس، تحقيق د. رمضان عبد التواب، ص 33 (¬2) النحوالوافي: 3/ 18، ولابد من الإشارة إلى أن لكل صورة إعرابية من الصور الصحيحة السالفة معنى غير الآخر؛ لأن المعنى الذي يؤديه البدل أوعطف البيان يغاير ما يؤديه الحال أوالتمييز. [النحوالوافي 3/ 19] (¬3) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ابن هشام، 3/ 85 هامش المحقق.

[ج] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالتوابع

ولكن يبدوأن الأمر أوسع من ذلك عند أبي العلاء، فهولا يتقيد بأن تكون الإضافة بمعنى ((مِنْ)) لإعراب المضاف إليه بدلا أوعطف بيان. ـ قال عند قول أبي تمام: وَما اللَّيثُ كُلُّ اللَّيثِ إِلّا ابنُ عَثرَةٍ ... يَعيشُ فُواقَ ناقَةٍ وَهوراهِبُه [بحر الطويل] ((والرواة مجمعون على إضافة ((فُوَاق)) (¬1) إلى ناقة مع بيان الزحاف، ولو رواه راو ((فواقًا ناقة))؛ فنصب الفواق ونونه لجاز في العربية)) (¬2). ولا يجوز أن تكون ((فواقًا ناقة)) على معنى من؛ إذ إن الفواق فترة زمنية، ولا تكون جزءا من الناقة (¬3). [ج] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالتوابع: • البدل عند أبي العلاء: مما أوضحه أبوالعلاء في باب البدل أن الحرف إذا كان متصلا بالضمير ثم أبدل منه وجب أن يعاد مع الحرف. قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: بِالمُجتَبى وَالمُصطَفى وَالمُستَرى ... لِلحَمدِ وَالحالي بِهِ وَالكاسي [بحر الكامل] ((جاء بالباء في قوله: ((بِالمُجتَبى))؛ لأنه بدل من الهاء في قوله ((به))، وإذا كان الحرف متصلا بالضمير ثم أبدل منه وجب أن يُعادَ الحرف مع الاسم، كقولك: مررنا بهم بالقوم الصالحين، ونزلنا عليهم على خيار الناس)) (¬4). ¬

(¬1) الفُواق: الفَوَاق. والفَواق: الوقت بين الحَلْبتين. [المعجم الوسيط 2/ 732 مادة ف وق] (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 230ب34]. وينظر أيضا: [1/ 192ب42] (¬3) ويوافق التبريزي أبا العلاء في هذه القاعدة في أحد مواضع شرحه، فيقول عند قول أبي تمام هَل يَرجِعنَ غَيرَ جانِبٍ فَرَسًا ... ذوسَبَبٍ في رَبيعَةِ الفَرَسِ [بحر المنسرح]. ((الوجه في ربيعة أن يضاف إلى الفرس، ولا يمتنع أن يجعل الفرسُ لربيعة كالنعت؛ أي: ربيعة صاحب الفرس)). [2/ 234ب2]، وينظر أيضا: [2/ 244ب7] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 247ب16].

ونلاحظ هنا أن أبا العلاء يوجب هذه الإعادة في الوقت الذي يضعه نحاة آخرون في نطاق الجواز، معللين ذلك بـ ((المجاراة للمبدل منه)) (¬1). • مادة النعت عند أبي العلاء: (1) المصادر التي يُنْعَتُ بها تجيء على حذف المضاف: قال: ((المصادر التي ينعت بها [إنما تجيء] على حذف المضاف، كقولك: رجلٌ فطر؛ أي: ذوفطر، وصومٌ؛ أي: ذو صوم)) (¬2). ويؤيد النحاة أبا العلاء في قوله السابق بقولهم في هذا الأمر: ((تقول: رأيت في المحكمة قاضيًا عدلا، وشهودًا صدْقًا، ونظامًا رِضًا، وجموعًا زَوْرًا بين المتقاضين (...) تريد: قاضيًا عادْلا، وشهودًا صادقين، ونظامًا مرضيًّا، وجموعًا زائرة بين المتقاضين (...) فالمعنى على تأويل المصدر باسم مشتق كالسابق، ويصح أن يكون على تقدير مضاف محذوف هو النعت، ثم حُذف وحلّ المصدر محله، وأعرب نعْتًا مكانه. والأصل: قاضيًا صاحبَ عدل ـ شهودًا أصحاب صدق ـ نظامًا داعيَ رضا ـ جموعًا أصحاب زَوْر)) (¬3). (2) التوابع فضلات يصح الاستغناء عنها إلا النعت: يقر النحاة ((أن التوابع الأربعة فضلات يصح الاستغناء عنها؛ إذ ليس واحد منها يؤدي في جملته معنى أساسيا تتوقف عليه فائدتها الأصلية إلا النعت؛ فإنه قد يتمم ـ أحيانا ـ الفائدة الأساسية)) (¬4). ويتم النعت ((الفائدة الأساسية بالاشتراك مع الخبر، مع أن الأصل في الخبر أن يتمم هذه الفائدة وحده. لكنه في بعض الأحيان لا يتممها إلا بمساعدة لفظ آخر كالنعت)) (¬5). ¬

(¬1) النحوالوافي: 3/ 681 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 313ب13]. (¬3) النحوالوافي: 3/ 461 (¬4) النحوالوافي: 3/ 437، الهامش (¬5) النحوالوافي: 3/ 440

والنعت لا يصح الاستغناء عنه كما أثبتنا إلا في حالة ما إذا حذف وفهم بدلالة قرينة السياق أو غيرها، كما يؤيد هذا قول أبي العلاء تعليقا على قول أبي تمام: وَالفَتى مَن تَعَرَّقَتهُ اللَّيالي ... وَالفَيافي كَالحَيَّةِ النَّضناضِ [بحر الخفيف] ((والفتى: كلام محمول على حذف، كأنه قال: الفتى المحمود؛ لأن الفتي قد يكون مقيما لا يبرح موضعه، ولم تزل العرب تصف الإنسان بالتطوح والاغتراب)) (¬1). وقد ذهب الأستاذ عباس حسن إلى قياسية حذف النعت المرتبط بقرينة، فقال: ((قد يحذف النعت أحيانًا حذفًا قياسيًا إذ كان معلومًا بقرينة تدل عليه بعد حذفه؛ كقوله تعالى: چ گ گ گ ? ? ? ? ... ? ? ? ? ں ں ? ? ... ? ? ? چ [الكهف 79]، والأصل: كل سفينة صالحة؛ بقرينة قوله: چ ? ? چ؛ فهي تدل على أنها قبل هذا خالية من العيب، أي: صالحة للانتفاع بها، وبقرينة أخرى؛ هي: أن الملك الغاصب لا يغتصب ما لا نفع فيه)) (¬2). ولكن ننبه على أنه بالرغم من جواز حذف النعت وقياسيته مع وجود القرينة إلا أنه يقل هذا الحذف؛ ((لأنه جيء به فِي الأَصل لفائدة إِزالة الاشتراك أَو العُمُوم فَحَذفهُ عكس المقصُود)) (¬3). ... • المحال الإعرابية للجملة عند أبي العلاء: لقد لاحظنا عند أبي العلاء ((بوجه خاص نضجا لغويا كبيرا؛ إذ كان مسيطرا على المادة مالكا لناصيتها، حتى إننا وقعنا على شبه عظيم بينه وبين ابن هشام في مُغني اللبيب، برغم تأخره في الزمن، واختصاصه في المادة. ولعل من أبرز ما نذكره في هذا المقام أن أبا العلاء لم يتقيد في مباشرته النحوية لشعر أبي تمام بالتقسيم الثنائي النظري للجملة المركبة عند العرب؛ فهم يرون أن من الجمل ما له محل من الإعراب، ومنها ما ليس له محل من الإعراب. غير أننا لا نجد لهذا التقسيم صدي ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 310ب10]. (¬2) النحو الوافي: 3/ 492 (¬3) همع الهوامع: 3/ 158

في عمله؛ فجميع الجمل عنده ذات محل من الإعراب، على أساس أن كل جملة إنما يؤتى بها في الحقيقة لتؤدي وظيفة مهمة في الكلام البشري. وهذا ـ والحق يقال ـ تعديل في مفهوم الجملة المركبة لم يشهده النحوالعربي إلا حديثا)) (¬1). ومن الأمثلة على المحال الإعرابية عند أبي العلاء: قال عند قول أبي تمام: أُسائِلُكُم ما بالُهُ حَكَمَ البِلى ... عَلَيهِ وَإِلّا فَاترُكوني أُسائِلُه [بحر الطويل] ((وقوله: أُسائله موضوع موضع الحال)) (¬2). وقال عند قول أبي تمام: لُعابُ الأَفاعي القاتِلاتِ لُعابُهُ ... وَأَريُ الجَنى اشتارَتهُ أَيدٍ عَواسِلُ [بحر الطويل] ¬

(¬1) خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام: الهادي الجطلاوي، 149، هذا ولم أقف في شرح أبي العلاء على ديوان أبي تمام على ما يؤيد كلام الأستاذ الهادي الجطلاوي، ولعل هذه النتيجة توصل إليها بعد استقراء لمؤلفات وشروحات أبي العلاء. ولكن نستطيع القول في هذه المسألة إن ابن هشام في كتابه ((مغني اللبيب)) في باب: ((الجمل التي لها محل من الإعراب)) ـ ص: 536 وما بعدها ـ قال: ((وهي أيضا سبع: الجملة الأولى الواقعة خبرا وموضعها رفع، الجملة الثانية الواقعة حالا وموضعها نصب، الجملة الثالثة الواقعة مفعولا ومحلها النصب، الجملة الرابعة المضاف اليها ومحلها الجر، والجملة الخامسة الواقعة بعد الفاء أوإذا جوابا لشرط جازم، الجملة السادسة التابعة لمفرد وهي ثلاثة أنواع أحدها المنعوت بها، الجملة السابعة التابعة لجملة لها محل ويقع ذلك في بابي النسق والبدل خاصة))، ثم علق على هذه المواضع قائلا: ((هذا الذي ذكرته ـ من انحصار الجمل التي لها محل في سبع ـ جارٍ على ما قرّروا، والحق أنها تسع، والذي أهملوه: الجملة المستثناة، والجملة المسند إليها. أما الأولى فنحو: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)} [الغاشية 22ـ 23] ... وأما الثانية: فنحو: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)} [يس 10] ...)). (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 21ب3].

[د] ملحوظات نحوية عند أبي العلاء

((واشتارته: في موضع النصب على الحال، كأنه قال: وأرى الجنى مشتارة له أيد عواسل، والعواسل التي تأخذ العسل)) (¬1). وقال عند قوله: وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتِّبَةً ... ما كانَ مُنقَلِبًا أَو غَيرَ مُنقَلِبِ [بحر البسيط] ((الوجه أن يروى مرتبة بكسر التاء، ويكون قوله: ما كان منقلبا في موضع بدل من مرتبة)) (¬2). **** [د] ملحوظات نحوية عند أبي العلاء: 1ـ جواز الإضمار قبل الذكر؛ إذا دلَّ المعنى على ذلك (¬3). وجواز الحذف بدلالة السياق (¬4). 2ـ أجاز أبوالعلاء أن ((يوضع ((كل)) في موضع ((كلا)))) (¬5). 3ـ جواز حذف المبتدأ في جملة صلة الموصول: بِأَبي وَإِن حَسُنَت لَهُ بِأَبي ... مَن لَيسَ يَعرِفُ غَيرَ ما أَرَبي [بحر الكامل] ((يجوز أن تكون ما في معنى الذي ويكون: ((هو)) مقدر، كأنه قال: غير الذي هو أربي)) (¬6). 4 ـ يقر أبوالعلاء بوقوع التطور النحوي: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 123ب32]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 44ب8]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 225ب7]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 309ب4]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 211 ـ 212ب35]. ومن إشارات العلماء في هذا المقام أن ((كلا لفظة مفردة، وهي بمنزلة كل في المعنى)). [ينظر: المعجم الوافي في أدوات النحوالعربي: د. على توفيق الحمد، يوسف جميل، ص 25،دار الأمل، ط2، 1414هـ، 1993م] (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 164ب1].

ـ قال عند قول أبي تمام: اُنظُر وَإِيّاكَ الهَوى لا تُمكِنَن ... سُلطانَهُ مِن مُقلَةٍ شَوساءِ [بحر الكامل] ((كان النحويون المتقدمون يرون أن ((إياك)) ينبغي أن تُسْتعمل مع الواومثل قولهم: إياكَ وزيدًا، وينكرون مجيئها على غير ذلك إلا أن تُستعمل بـ ((أن)) كقولك: إياك أن تقومَ، وإياك أن تذهبَ، والواوعندهم مُرادة، كأنه قال: إياك وأن تذهب، ولكن الواوحُذفت كحذف الباء مع ((أن)) في مواضع كثيرة، وكذلك تُحذف معها حروف الخفض، يُقال نهيتُكَ أن تفعل؛ أي: عن أن تفعل، وأمرتُك أن تفعل، والمراد بأن تفعل)) (¬1). 5ـ التعبير بالمفرد عن المثنى كثير في العربية، وكذلك التعبير بالمفرد عن الجمع: أـ قال عند قول أبي تمام: إِذا كانَتِ النُعمى سَلوبًا مِن امرِئٍ ... غَدَت مِن خَليجَي كَفِّهِ وَهيَ مُتبَعُ [بحر الطويل] ((إنما أراد من ((خليجي كفيه))؛ فدل عليهما بالكف الواحدة، ومثل هذا كثير)) (¬2). ب ـ قال عند قول أبي تمام: إِنَّ الأَسِنَّةَ وَالماذِيَّ مُذ كَثُرا ... فَلا الصَّياصي لَها قَدرٌ وَلا اليَلَبُ [بحر البسيط] ((وقوله: مذ كثرا، جعل الأسنة والماذيَّ كالاثنين، وإن كان كل واحد منهما يقع على جمع، وهومثل قول الأسود بن يعفر (¬3): إن المنيّةَ والحتُوفَ كلاهما ... يُوفي المخارمَ يرقبان سوادي [بحر الكامل] ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 13ب9].، وينظر أيضًا: [1/ 7ب1]، ويقر التبريزي بوقوع التطور في البنية الصرفية، فيقول: ((وسِيُّ: تُخَفَّفُ وتُثَقَّل، والتثقيل الأصل)). [3/ 216ب24 ـ 25] (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 329ب30]. (¬3) هو: الأسود بن يعفر النهشلي الدارمي التميمي، أبونهشل، وأبوالجراح [نحو22 ق هـ = نحو600 م]، شاعر جاهلي، كان فصيحًا جوادا. [الأعلام:1/ 330] والبيت ذكره د. حنا جميل حداد في ((معجم شواهد النحوالشعرية))، ص:359، وقال: ((مصادره: الشاهد للأسود بن يعفر في ديوانه ص26،والسيوطي 188،والسمط 174،وهوبلا نسبة في مجاز القرآن 2/ 38))

فجعل الحتوف كالواحد)) (¬1). والاقتباسان السابقان يُوقفاننا على ملمح طريف في اللغة العربية ألا وهو: من المألوف أن تعبر اللغة بالمفرد عن المفرد، وبالمثنى عن المثنى، وبالجمع عن الجمع، ومن غير المألوف أن نعبر بالمفرد عن المثنى، وبالمفرد عن الجمع، وبالمثنى عن المفرد، وبالمثنى عن الجمع، وبالجمع عن المفرد وبالجمع عن المثنى. ويمكن أن نعبر عما سبق بصورة أوضح من خلال الجدول التالي: م ... الأسلوب المألوف ... الأسلوب غير المألوف ... مثال 1 ... التعبير بالمفرد عن مفرد ... التعبير بمفرد عن مثنى ... الاقتباس الأول لأبي العلاء 2 ... التعبير بمفرد عن جمع ... ٹ ٹ چ ? ? ? چ [غافر: 67]، أي أطفالا (¬2). 3 ... التعبير بالمثنى عن مثنى ... التعبير بالمثنى عن مفرد ... ٹ ٹ چ ? ? ? ? ... ? ہ چ [ق: 24]، وهو خطاب لمالك خازن جهنم (¬3). 4 ... التعبير بالمثنى عن جمع ... ٹ ٹ چ ں ں ? ? ? چ [الحج: 19] 5 ... التعبير بالجمع عن الجمع ... التعبير بالجمع عن المفرد ... ٹ ٹ چ ? ? ? ژ ژ چ [التوبة: 17]، وإنما أراد المسجد الحرام 6 ... التعبير بالجمع عن المثنى ... ٹ ٹ چ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ چ [البقرة: 87] (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 256ب47]. (¬2) أبو منصور الثعالبي: فقه اللغة وسر العربية، ص 329 (¬3) السابق: ص 329 (¬4) ومن أتى من الرسل بعد موسى عيسى ونبينا عليهم جميعا أفضل صلاة أزكى سلام.

ولاشك أن أي خروج عن الأسلوب المألوف أمر له دلالته، منها على سبيل المثال: إعمال العقل وإثارة الذهن للتأمل والتنقيب، وإبراز أهمية المعنى أو القضية المعبر عنها هذا الأسلوب، وعامة فإن ((الخروج على النسق له وظائف في الشعر وفي غيره من الفنون، فهو يقاوم ذلك الخدر الناشئ من التكرار المنتظر؛ فيثير الانتباه واليقظة، ودعم الجانب الفكري في مواجهة الجانب الحسي، ويجعل العمل الفني أقدر على التعبير)) (¬1). وقديما قال سيبويه عن الشعراء: ((وليس شيء يضطَرون إليه إلا وهمْ يحاوِلون به وجها.)) (¬2). 6ـ جواز أن تقع ((مَنْ)) على ما لا يعقل إذا خُلِطَ الإنسُ بغيرهم: قال عند قول أبي تمام: وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً ... بَينَ الخَميسَينِ لا في السَّبعَةِ الشُّهُبِ [بحر البسيط]. ((جاء في التنزيل قوله تعالى: چ ? ? ? ... ? ? ?? ? ? ٹ ... ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ... ? ?? ? ? ? ?? چ [النور45] لما خلط الإنس بغيرهم جاز أن يوقع مَنْ على ما لا يعقل)) (¬3). وقد عقد الثعالبي فصلا في كتابه ((فقه اللغة وأسرار العربية)) سماه: ((فصل في إجراء ما لا يعقل ولا يفهم من الحيوان مُجرى بني آدم)) قال فيه: ((ذلك من سنن العرب كما تقول: أكلوني البراغيث وكما قال عزّ وجلّ: چ ? ? ? ... ? ? ? ? ? ں ں ? ? چ [النمل: 18]، وكما قال سبحانه وتعالى: چ ? ? ? ... ? ? ?? ? ? ٹ ... ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ... ? ?? ? ? ? ?? چ [النور45]، ويقال: إنه قال ذلك تغليبا لمن يمشي على رجلين وهم ¬

(¬1) د. علي يونس: نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي، 172 (¬2) الكتاب: 1/ 32 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 42ب3].

بنوآدم، ومن سنن العرب تغليب ما يعقل كما يُغَلَّب المذكّر على المؤنَّث إذا اجتمعا)) (¬1). 7 ـ أشار أبوالعلاء إلى كلمات لها استعمالات نحوية خاصة: ـ كلمة خَلاق: قال: ((يقال ما له من خلاق؛ أي: نصيب في الخير، ولا يكادون يستعملون هذه الكلمة إلا في النفي)) (¬2). ـ كلمة ((قد)): قال أبوالعلاء: (([قيل] لا يعرف في كلام فصيح: قَدْهُ ولا قَدْها، ولا قَدْ زيدٍ. وقد زعم قومٌ أنها إذا اسْتُعْملت مع الظاهر خفضته، وقيل يجوز خفضه ونصبه. والصحيح إنها تستعمل مع الكاف والنون والياء، بهذه الأحرف جاء السماع من العرب)) (¬3). 8 ـ لدن تضاف إلى الجملة إذا وقعت على الحين (¬4). 9 ـ يرى أبوالعلاء مع فريق من النحاة جواز حذف المنادى (¬5). 10 ـ العرب كثر في ألفاظهم حذف ((لا)) في القسم، كقولهم: والله أدخل المدينة راكبًا (¬6). 11ـ حذف المضاف ـ عند العرب ـ ((شائع في كلامهم كثير)) (¬7). 12 ـ إدخال النفي على ((كاد)) يخرجها إلى معنى الإيجاب: ¬

(¬1) ص 327 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 447ب2]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 20ـ 21ب1]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 240ب3]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 402ب3]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 103ب23]. وأيد التبريزي هذا الكلام في موضعين له: [1/ 440ب52]، [3/ 218ب3] (¬7) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 330ب6].

قال أبوالعلاء: ((وإذا أُدْخِل النفي على كاد أخرجها إلى معنى الإيجاب في معظم كلامهم، كقوله تعالى: چ ? چ چ چ چ چ [البقرة 71]؛ أي: قد فعلوا بعد إبطاء، وكذلك يقال: ما كاد فلان يعطينا شيئا؛ أي: قد أعطانا بعد تعذر، ولها معنى آخر [؛ أي: كاد مع النفي] إلا أنه قليل التردد، تقول: ما كاد يقوم أخوك؛ أي: لم يقم ولم يقارب، وعلى هذا حمل المفسرون الآية: چ ? ? ? ? ... ? ? چ [النور 40]؛ أي: لم يرها ولم يكد، ومثل هذا قلما يستعمل)) (¬1). 13ـ حَذَارِ وما جرى مجراها لا تضاف إلا أن تخرج عن بابها (¬2). 14ـ طيئ تستعمل ذوفي معنى الذي وتُلْزمُها الواوفي الرفع والنصب والخفض (¬3). 15ـ من علامات جملة الحال: أشار أبوالعلاء إلى أن جملة الحال يصح وضع كلمة ((الذي)) قبلها، وتكون ((الذي)) وما بعدها في موضع صفة لما قبلها (¬4). **** ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 177ب3]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 6ب1]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 226ب21]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 257ب51ـ52].

المبحث الرابع: دراسة المادة النحوية في شرح التبريزي.

المبحث الرابع: دراسة المادة النحوية في شرح التبريزي. سيتركز الحديث في دراستنا للآراء النحوية عند التبريزي الموجودة في شرحه على ديوان أبي تمام في النقاط التالية: [أ] دراسة المادة النحوبة المتعلقة بالمنصوبات: • المتعدي واللازم عند التبريزي: من إشارات التبريزي في هذا الباب: (1) إمكانية إشراب ((اسم)) معنى ((فعل))؛ فينصب اسمًا تاليا عليه: ـ قال عند قول أبي تمام: وَلَقَد أَراكِ فَهَل أَراكِ بِغِبطَةٍ وَالعَيشُ غَضٌّ وَالزَّمانُ غُلامُ أَعوامَ وَصلٍ كانَ يُنسي طولَها ذِكرُ النَّوى فَكَأَنَّها أَيّامُ [بحر الكامل] ((أعوامَ: منصوب بـ ((غَضٌّ)) وما في ((غلام)) من معنى الفعل)) (¬1). وقول التبريزي هذا تأييد لما يسميه العلماء بـ ((التضمين))، ويراد به ((في النحوأن نعد الفعل مشتملا ومحتويا ودالا على معنى فعل آخر لسبب بلاغي، وبذلك يأخذ الفعل الأول حكم الفعل الثاني من حيث التعدي واللزوم والاستعمال في الجملة)) (¬2). وأورد أبوالبقاء في كتابه ((الكليات)) تعريفات مختلفة لمصطلح التضمين، منها: ((وقال بعضهم: التضمين إيقاع لفظ موقع غيره لتضمنه لمعناه، وهونوع من المجاز، ولا اختصاص للتضمين بالفعل، بل يجري في الاسم أيضا)) (¬3). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 151ب6]، ويُنْظَرُ أيضا: [3/ 167ب6] (¬2) ينظر: معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض والقافية: د. محمد إبراهيم عبادة، ص 192، [مادة: التضمين overrunning] (¬3) الكليات، معجم في المصطلحات والفروق اللغوية: لأبي البقاء الكفوي، ص 266، [تحقيق: د. عدنان درويش، محمد المصري، ط2، 1419هـ، 1998، مؤسسة الرسالة للطباعة]

ومن المواضع الأخرى التي أظهر فيها التبريزي التضمين قوله عند قول أبي تمام: إِذا خُراسانُ عَن صِنَّبرِها كَشَرَت ... كانَت قَتادًا لَنا أَنيابُها العُصُلُ [بحر البسيط] ((وقوله: كانت قتادا؛ أي: مثل القتاد، وأنيابها: مرفوعة بـ ((قتاد))، كما يقال: كان فلان قتادًا جانبه، فقتاد قد ناب مناب الفعل)) (¬1). ـ قال عند قول أبي تمام: أَيُّها الغَيثُ حَيِّ أَهلا بِمَغداكَ وَعِندَ السُّرى وَحينَ تَؤوبُ [بحر الخفيف] ((ومن روى ((حَيَّ أهلا)) فهذه كلمة مرفوضة إلا أن يجعل ((حيَّ)) في معنى هلُمَّ، وينصب ((أهلا)) بفعل مضمر)) (¬2). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 527ب8]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 293ب7]. ولم ينفرد التبريزي بإشاراته عن التضمين بل سبقه أبوالعلاء ببعض الإشارات منها: ـ ((ويقبح: زعمتُ زيدٌ مُنطلق، إلا أن تجعل زعمت في معنى قلت)). [1/ 43ب6] ـ وقال عند قول أبي تمام: غَزوَةٌ مُتبِعٌ وَلَوكانَ رَأيٌ ... لَم تَفَرَّد بِهِ لَكانَت سَلوبا [بحر الخفيف]. ((ويجوز رفع ((رأي)) على أن يكون ((كان)) في معنى وقع، ونصبه على أن يكون في ((كان)) ضمير)). [1/ 170ب45] ـ وقال عند قول أبي تمام: وَأَرادوكَ بِالبَياتِ وَمَن هَ ... ذا يُرادي مُتالِعًا وَعَسيبا [بحر الخفيف] ((ومن جعل ((ذا)) زائدة في قوله: ماذا فعلت؟ لم يبعد أن يجعل هذا زائدة في بيت الطائي. ولم يُرِدْ إلا أن يجعل ((هذا)) في معنى الذي)). [1/ 167 ـ 168ب 37] = ويجوز ـ كما أشارأبوالعلاء ـ تضمين الفعل الماضي زمن الفعل المضارع لوجود قرينة السياق. قال عند قول أبي تمام: مَتى تُنِخ تَرحَل بِتَفضيلِهِ ... أَوغابَ يَومًا حَضَرَت بِالمَغيبْ [بحر السريع]. ((قال: أوغاب، فجاء بالفعل الماضي، وهذا جائز على تقدير الفعل المضارع؛ لأنك إذا قلت: إن قُمْت قمتُ؛ فالمعنى: إن تقم أقم)). [4/ 50ب16]

بناء على ما سبق نؤيد إقرار مجمع اللغة لأمر التضمين؛ إذ أقر ((أنه قياسي لا سماعي، بشروط ثلاثة: تحقق المناسبة بين الفعلين، وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس، ملاءمة التضمين للذوق العربي)) (¬1). (2) الفعل الذي يكثر استعماله غير متعد يحسن تعديته بالهمز: قال التبريزي عند قول أبي تمام: تَوانى وَشيكُ النُجعِ عَنهُ وَوُكِّلَت ... بِهِ عَزَماتٌ أَوقَفَتهُ عَلى رِجلِ [بحر الطويل]. ((وقد كثر مجيء وقف غير متعدٍ؛ فحسن عند ذلك تعديته بالهمز)) (¬2). (3) ومما أوضحه التبريزي: قياسية التعدي بالتضعيف (¬3) وبتضمين الفعل معنى فعل متعد (¬4). • أخوات إن: لعل لا يدخل في خبرها أَنْ: قال: ((عند النحويين أنَّ ((لعل)) يجب ألا تدخل ((أنْ)) في خبرها؛ فيقال: لعلك تقومُ، ويكرهون: لعلك أن تقومَ، إلا في الشعر كما قال مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَة (¬5): لعلَّكَ يوماً أن تُلِمَّ مُلّمَةٌ ... عليك من اللَّائي يدعنك أجدَعا (¬6) [بحر الطويل] ¬

(¬1) النحوالوافي: 2/ 594 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 523ب22]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 291ب18]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 68]، [1/ 282 ـ 283ب4]. (¬5) هو: مُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَة بن جمرة بن شداد اليربوعي التميمي، أبونهشل توفي نحو30 هـ، شاعر فحل، صحابي، من أشراف قومه، اشتهر في الجاهلية والاسلام. [الأعلام للزركلي:5/ 274] (¬6) البيت من الشواهد الشعرية التي ذكرها معجم شواهد النحوالشعرية، ص 474، شاهد رقم: 1605 وقال: ((مصادره: السيوطي 190، واللسان ـ علل ـ 13/ 502، والكامل 1/ 114، 260، والخزانة 2/ 433، وهولعنترة في شروح سقط الزند ص 557، وبلا نسبة في المقتضب3/ 74، والمفصل 164)).

وإنما كرهوا مجيء ((أن)) في هذا الموضع؛ لأنه مكان يقع فيه اسم الفاعل والفعل المضارع، وأن وما بعدها في تأويل المصدرفكأنه قال: لعلك إلمامُ مُلِمَّة، وجاز ذلك على حذف المضاف كأنه قال لعلك صاحبُ إلمامِ ملمة، وكذلك جميع هذا الباب إنما يُحمل على الحذف لدلالة المعنى على الغرض)) (¬1). • التمييز: إذا كان المميِّز ليس من نفس المميَّز جاز أن يقع واحدًا وجمعًا، قال التبريزي عند قول أبي تمام: السَّيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ ... في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَّعِبِ [بحر البسيط]. ((أصدق أنباءً)) كلام قد دخله ترجيح، وهو من مواطن التمييز وإذا كان المميِّز ليس من نفس المميَّز جاز أن يقع واحدًا وجمعًا، مثل قوله: ((أصدق أنباءً))، ولوكان في غير الشعر لجاز أن يقال: نبأً، وكذلك أخوك أخدم للناس عبدًا، ألا ترى أن العبد غيرُالأخ؟ فإن قلت أخوك أعظم الناس رأسًا امتنع أن يكون الجمعُ في موضع المميِّز الواحد)) (¬2). • النداء: قال التبريزي: ((العرب تنادي الأشياء التي لا تعقل وتخاطبها، ولا تنظر ألها أجساد أم لا، وينادون الظبية والناقة وهما لا تعقلان، ثم يجاوزون الأجساد إلى الأعراض؛ فيقولون: يا لهف فلانٍ، ما أشدك، وما أعظمك)) (¬3). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [/ب]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 40ب1]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 10ب1]. وذكر أبوالعلاء كلامًا مشابهًا فقال: ((أصل النداء أن يكون لمن تخاطبه، ويراجع القول، ثم اتسعوا فيه حتى خاطبوا الديار وغيرها من الجوامد، فكأنه خاطب يوم وقعة عمورية لجلاله عنده)). [1/ 46]

[ب] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجرورات

[ب] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجرورات: • الإضافة عند التبريزي: جاءت عند التبريزي الحقائق التالية عن الإضافة: [1] إمكانية أن يكون المضاف توكيدا للمضاف إليه: قال عند قول أبي تمام: غَرَضا نَكبَتَينِ ما فَتَلا رَأيًا فَخافا عَلَيهِ نَكثَ انتِقاضِ [بحر الخفيف] ((النكث: النقض، وأضافه إلى الانتقاض توكيدا لاختلاف اللفظين)) (¬1). ويقول النحاة: ((ومن النادر أن تكون إضافة المؤكَّد إلى المؤكِّد في غير أسماء الزمان المبهمة)) (¬2). [2] حذف المضاف: أشار التبريزي إلى حذف المضاف، وعلل ذلك بـ ((علم السامع)) (¬3). قال: ((والأقحوان يوصف بأنه ينبت بين الرمال، وقد كثر تشبيه الشعراء الثغور بنور الأقاحي، فربما جاءوا بذكر النور، وربما استغنوا عنه لعلم السامع بما يريدون؛ لأن الغرض إنما هوالنور)) (¬4). [3] عند تقدير حرف الجر في الإضافة المحضة يجب أن يراعى الحرف المناسب للمعنى من الأحرف الثلاثة ((من، في، اللام)): قال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 310ب8]. (¬2) النحوالوافي: 3/ 45 (¬3) من الشروط التي وضعت لحذف المضاف الشروط التالية: ـ وجود قرينة تدل على لفظه نصًّا أولفظ آخر بمعناه، بحيث لا يؤدي حذفه إلى لبس أوتغيير في المعنى. ـ أن يقوم المضاف إليه مقام المضاف المحذوف، ويحل محله في الإعراب في الغالب. ـ أن يكون المضاف إليه من الأشياء التي تصلح لأن تحل محل المضاف المحذوف في إعرابه، [النحوالوافي: 3/ 157ـ161] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 244ب7].

طلَبت رَبيعَ رَبيعَةَ المُهمي لَها ... فَوَرَدنَ ظِلَّ رَبيعَةَ المَمدودا [بحر الكامل] ((والأحسن أن تكون الإضافة هاهنا على معنى ((من))؛ لأنها إذا كانت بمعنى اللام جاز أن يتوهم السامع أنه ربيع لربيعة دون غيرها من القبائل)) (¬1). • حروف الجر عند التبريزي: من الحقائق اللغوية التي ذكرها التبريزي عن حروف الجر ـ التبادلُ الذي يقع بين معانيها، فحروف الخفض ـ كما يذكر اسمها التبريزي ـ يقوم بعضها مقام بعض، قال: ((وحروف الخفض يقوم بعضها مقام البعض)) (¬2). وقال في موضع آخر: ((وهم يتسعون في حروف الخفض؛ فيضعون بعضها موضع بعض)) (¬3). ويذكر في شرحه ما يدل على أن: (1) ـ ((إلى بمعنى اللام)) (¬4). (2) ـ ((من بمعنى الباء)) (¬5). (3) ((الباء توضع موضع في؛ تقول: فلان بالبصرة، كما تقول فيها)) (¬6). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 411ـ 412ب16]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 119ب18]، وهذه العبارة ذكرها أبوالعلاء بنصها تقريبا فقال: ((وحروف الخفض ينوب بعضها مناب بعض كثيرا، وشائع في الكلام أن تقول: في هذا البساط نقشٌ حسن، وعلى هذا البساط)). [2/ 458ب5] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 230ب47]. ونحب أن نشير هنا أن المشهور من حروف الجر عشرون و ((أن كل حرف من هذه العشرين قد يتعدد معناه، وقد يشاركه غيره في بعض هذه المعاني؛ أي: أن المعنى الواحد قد يؤديه حرفان أوأكثر. وللمتكلم أن يختار من الحروف المشتركة في تأدية المعنى الواحد أوغير المشتركة، ما يشاء مما يناسب السياق. غير أن الحروف المشتركة في تأدية المعنى الواحد قد تتفاوت في هذه المهمة، فبعضها أقوى على إظهاره من غيرها)). [النحوالوافي: 2/ 455] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 119ب18]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 90ب12 ـ 13]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 241ب19]. ومما أشار إليه أبوالعلاء في هذا المقام إمكانية أن تجعل ((الباء)) بمعنى ((من)). [3/ 164ب26]، ومن المعاني التي ذكرها لحرف الجر ((الباء)): الجزاء والمكافأة، قال: ((الباء لمعنى الجزاء والمكافأة، كما تقول للرجل: خذ هذا الدرهم بما خدمتني؛ أي: من أجل خدمتك إياي)). [1/ 118]، وقال في موضع آخر: ((أهل اللغة يختارون بنى فلان على أهله، ويكرهون بنى بها، وأصل ذلك عندهم أنهم كانوا إذا أعرسوا بنوا القباب على العرائس، والمتعارف في كلامهم بنى على المرأة القبة، ولا يمنع القياس دخول الباء في هذه المواضع، ويكون المعنى: بنى بأهله؛ أي من أجلهم، كما يقال للرجل: خذ هذا بما فعلت في الدهر الأول؛ أي من أجله)). [1/ 55ـ 56]

ومما هو جدير بالذكر هنا أن ابن هشام كان يحذر من أن هناك أمورا اشتهرت بين المعربين منها ((قولهم: ((ينوب بعض حروف الجر عن بعض)) وهذا أيضا مما يتداولونه ويستدلون به، وتصحيحه بإدخال قد على قولهم: ((ينوب))، وحينئذ يتعذر استدلالهم به؛ إذ كل موضع ادعوا فيه ذلك يقال لهم فيه: لا نسلم أن هذا مما وقعت فيه النيابة، ولو صح قولهم لجاز أن يقال: مررت في زيد، ودخلت من عمرو، وكتبت إلى القلم. على أن البصريين ومن تابعهم يرون في الأماكن التي ادعيت فيها النيابة أن الحرف باق على معناه، وأن العامل ضمن معنى عامل يتعدى بذلك الحرف؛ لأن التجوز في الفعل أسهل منه في الحرف)) (¬1). ونرى أن في هذا مشقة في التضمين والتأويل، فإنه ((لا مانع في المجال الشعري من التجوز في الحرف على أساس أن وجود حرف بديل عن حرف آخر في السياق قد يؤدي إلى حضور معنيين: المعنى المفهوم من وجود الحرف المذكور، والمعنى المتخيل بافتراض الحرف المقصود)) (¬2). ويشير أيضا التبريزي إلى: (1) التبادل بين حرف الجر ((إلى)) والظرفين ((مع))، و ((عند)): ـ قال عند قول أبي تمام: نِعمَةُ اللهِ فيكَ لا أَسأَلُ اللهَ إِلَيها نُعمى سِوى أَن تَدوما [بحر الخفيف] ¬

(¬1) مغني اللبيب: 6/ 561 ـ 562، تحقيق وشرح د. عبد اللطيف محمد الخطيب، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، السلسلة التراثية. (¬2) د. فتح الله أحمد سليمان: الأسلوبية، مدخل نظري ودراسة تطبيقية، ص114

((إليها أي معها، كما قال سبحانه:چ ? ? ? ?? چ [آل عمران 52]؛ أي: مع الله)) (¬1). وذكر ((إلى)) بدلا من ((مع)) يبرز معنى الارتباط والمصاحبة بين المبدل والمبدل منه. ـ وقال: ((وهم يتسعون في حروف الخفض؛ فيضعون بعضها موضع بعض، قال الراعي (¬2): ثَقالٌ إِذا رادَ النِساءُ خَريدَةٌ ... صَناعٌ فَقَد سادَت إِلَيَّ الغَوانِيا [بحر الطويل] أي: سادت عندى)) (¬3). والمعنى الظاهر من البيت أن الغواني صرن ملاصقات له؛ فهي جزء منه، والآخر المتخيل يوحي بالامتلاك والاستئثار. (2) زيادة الباء إذا كان في أول الكلام نفي أو شيء يشابه النفي، وزيادة الشعراء لها إذا كان بعدها أَنْ: ـ قال عند قول أبي تمام: مَلَأَ المَلا عُصبًا فَكادَ بِأَن يُرى ... لا خَلفَ فيهِ وَلا لَهُ قُدّامُ [بحر الكامل] ((والشعراء يجترئون على إدخال الباء الخافضة إذا كان بعدها ((أن))؛ فيقولون: ظننتُ بأن أقومَ، وحسبتُ بأن أَفْعَل، قال الشاعر: ظَنَنتُم بِأَن يَخفى الَّذي قَد صَنَعتُمُ ... وَفيكُم نَبِيٌّ عِندَهُ الحُكمُ واضِعُه (¬4) [بحر الطويل])) (¬5). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 230ب47]. (¬2) هو: ((الرَّاعِي أَبُوجَندَلٍ عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ النُّمَيْرِيُّ مِنْ كِبَارِ الشُّعَرَاءِ لُقِّبَ بِالرَّاعِي؛ لِكَثْرَةِ مَا يَصِفُ الإِبِلَ فِي شِعْرِهِ.)). [سير أعلام النبلاء: 4/ 597] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 230ب47]. (¬4) البيت لحسان بن ثابت، وهوفي ديوانه، ص 286، [تحقيق د. سيد حنفي حسنين، سلسلة الذخائر 171، الهيئة العامة لقصور الثقافة]، والبيت ذُكِر في ((معجم شواهد النحوالشعرية))، د. حنا جميل حداد، وقال: ((مصادره: سيبويه وشرح الشنتمري لشواهد الكتاب 1/ 242، والانتصار 109، [دار العلوم للطباعة والنشر 1404هـ، 1984م، الرياض، المملكة العربية السعودية] (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 155ب31]، وينظر أيضا: [4/ 303ب6]، ومن المواضع التي ذكرها أبوالعلاء وتزاد فيها ((الباء)) زيادتها مع ((حسب))، قال: ((الباء: تزاد مع حسب في الابتداء، ومنه قول الأول: بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فهم غني مُضِرْ)) [1/ 232 ـ 233ب43] ... .

[ج] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالتوابع

وقال: ((ما صادفته حاضرًا، وما صادفته بحاضرٍ؛ فيدخلون الباء إذا كان في أول الكلام نَفْي أوشيء يشابه النفي)) (¬1). [ج] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالتوابع: • البدل عند التبريزي: (1) دخول حرف الجر على البدل: ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: فَرَماهُ بِالأَفشينِ بِالنَّجمِ الَّذي ... صَدَعَ الدُّجى صَدعَ الرِّداءِ البالي [بحر الكامل] (¬2) ((جاء بالباء في قوله ((بالنجم))؛ لأنه جعله واقعا موقع البدل، وإذا كان المبدل منه مخفوضا، جاز أن يجيء البدل وقد حُذِف منه حرفُ الخفض، ويحتمل أن يعاد معه، فمما حذف قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ??ے چ [البقرة 217] فلم يُعِدْ حرف الخفض مع ((القتال))، ومما أُعيد فيه الخافض قوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ [الأعراف 75]، أعاد اللام مع ((مَن)) وهما بدل من قوله: چ ? ? چ)). وقد قرر النحاة أن البدل في الأغلب على نية تكرار العامل، وليس على تكراره حقيقة (¬3). والسبب في ((منع التكرار الحقيقي ـ لا الخيالي ـ أنه يؤدي إلى تأثير العامل ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 396ب44]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 134ـ 135ب21]. ونجد لأبي العلاء نفس الإشارة عند أبيات أبي تمام: صَبَّحتُهُ بِسُلافَةٍ صَبَّحتُها ... بِسُلافَةِ الخُلَطاءِ وَالنُّدَماءِ بِمُدامَةٍ تَغدوالمُنى لِكُؤوسِها ... خَوَلا عَلى السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ [بحر الكامل] ((وقوله: ((بِمُدامَةٍ)) بدل من قوله في البيت الأول ((بِسُلافة))؛ لأن البدل قد يُرَدُّ معه العاملُ، فيقال: مررت بأخيك بالرجلِ الصالح)). [1/ 27ب8] (¬3) جاء في حاشية الصبان على شرح الأشموني: ((وعزا الدماميني القول بأن البدل على نية تكرار العامل إلى الأخفش والرماني والفارسي وأكثر المتأخرين وعزا القول بأن عامله العامل في متبوعه إلى سيبويه والمبرد والسيرافي والزمخشري وابن الحاجب ومال إليه)). [2/ 102، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، المكتبة التوفيقية]

المتكرر في البدل تأثيرا جديدًا يزحزحه عن البدلية، ويدخله في عداد معمولات أخرى لا تصلح بدلا)) (¬1). ويترتب على هذا التغيير الإعرابي تغيير معنوي معروف. ويستثني من الحكم السالف صورة يصح فيها الأمران؛ ((إما تكرار العامل تكرارًا لفظيا، وإعادة التلفظ به مرة ثانية، وإما الاكتفاء بتخيل وجوده قبل البدل والاقتصار على ملاحظته في النية والتقدير)) (¬2). وهذه الصورة الجائزة هي التي ذكرها التبريزي هنا، أي الصورة التي يكون فيها العامل حرفا من حروف الجر)) (¬3). (2) البدل بالمصدر المؤول: ومن الأمور المهمة التي أوضحها التبريزي إمكانية وقوع البدلية في المصدر المؤول، قال التبريزي عند قول أبي تمام: إِيّاكَ وَالغيلَ أَن تُطيفَ بِهِ ... إِنِّي أَخشى عَلَيكَ مِن سَبُعِه [بحر المنسرح] ((... ((أَنْ)) بدلٌ من قوله: ((والغيل)) كأنه قال إياك وأن تُطيفَ به)) (¬4). ولابد أن يحمل قول التبريزي: ((أَنْ بدلٌ من قوله: والغيل)) على المصدرية أي: أن مع ما بعدها في تأويل المصدر؛ كأنه قال: ((إياك والغيل إطافتك)) (¬5). ¬

(¬1) النحوالوافي: 3/ 678 (¬2) النحوالوافي: [3/ 679]. (¬3) ينظر الخلاف حول إعراب حرف الجر المكرر، وإعراب الاسم المجرور بعده النحوالوافي 3/ 679 (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 344ب6]. (¬5) ونجد عند أبي العلاء مثالا لهذا الأمر، وهوقوله عند قول أبي تمام: بَلى لَقَد سَلَفَت في جاهِلِيَّتِهِم ... لِلحَقِّ ـ لَيسَ كَحَقّي نُصرَةٌ ـ عَجَبُ أَن تَعلَقَ الدَّلوبِالدَّلوالغَريبَةِ أَو ... يُلابِسَ الطُّنُبَ المُستَحصِدَ الطُّنُبُ [بحر البسيط] ((وقوله: ((أن تعلق)) يجوز أن يكون ((أن)) وصلتها في موضع خفض على البدل من الحق)). [1/ 257ب51ـ 52]

ومن جميل إشارات العلماء أن التعبير بالمصدر المؤول بدلا من المصدر الصريح له فوائد عدة، منها: ((أن التعبير بالمصدر صريحا يدل على الحدث مجردا وليس في صيغته ما يدل على مضى ولا استقبال، فجاءوا بلفظ الفعل المشتق منه مع ((أن)) ليجتمع لهم الإخبار عن الحدث مع الدلالة على الزمان ويعنى ذلك القول بواضح العبارة أن التحويل من المصدر الصريح إلى المصدر المؤول إنما كان ليفيد إلى جانب الحدث الدلالة على الزمان)) (¬1). • النعت: (1) نعت الواحد بالجمع: قال عند قول أبي تمام: غَلَّ المَرَوراةَ الصَّحاصِحَ عَزمُهُ ... بِالعيسِ إِن قَصَدَت وَإِن لَم تَقصِدِ [بحر الكامل] ((وإن رُوِيتِ ((المروراةَ)) بهاء في الخط منصوبة، فهو وجه حسن، ويكون قد نعت الواحد بالجمع، وذلك شائع، كثير في الأشياء التي تحتمل القسمة، تقول: هذه أرض مرت (¬2) وإن شئت قلت: أمرات، لأن الأرض تقع على القليل والكثير، وكذلك مكان قفر، وإن شئت قلت: قفار؛ لأن المكان قد يضيق ويتسع فيكون أمكنة كثيرة)) (¬3). وكلمة التبريزي ((وذلك شائع، كثير في الأشياء)) يفهم منها أن نعت الواحد بالجمع يكون فيه المنعوت غير عاقل، وكلمته ((التي تحتمل القسمة)) تشير إلى أن هذا المنعوت من جموع التكسير، وهذا يتفق مع ما قرره النحاة من أنه يستثنى من المطابقة الحتمية بين النعت والمنعوت عدة أمور، منها ((أن يكون المنعوت جمع مذكر غير عاقل (¬4)؛ فيجوز في نعتها الحقيقي أن يكون مفرداً مؤنثاً، وجمع مؤنث ¬

(¬1) المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة: د. طه محمد الجندي، ص 70، الناشر دار الثقافة العربية (¬2) المَرْتُ: مفازة لا نبات فيها. ويقال: ومكان مرتٌ: قفر لا نبات فيه. المعجم الوسيط، مادة مرت 2/ 894 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 48ب13]. (¬4) قال أ / عباس حسن: ((المراد هنا بجمع المذكر لغير العاقل ما يشمل: جمع التكسير للمذكر غير العاقل، أي: جمع التكسير الذي يكون مفرده مذكراً غير عاقل؛ مثل: كُتب ... وما يشمل أيضًا: الملحق بجمع المذكر السالم مما يكون مفرده مذكرًا غير عاقل أيضًا، مثل: أَرَضُون))، النحو الوافي: 3/ 446

[د] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجزومات

سالماً، وجمع تكسير للمؤنث، كما يجوز أن يكون جمع تكسير للمذكر، إن لاحظنا في المنعوت مفرده المذكر غير العاقل، نحو: اقتنيت الكتب الغالية، أو: اقتنيت الكتب الغاليات، أو الغوالي. ومثل: اقتنيت الكتب الأحاسن، جمع الأحسن)) (¬1). [د] دراسة المادة النحوية المتعلقة بالمجزومات: حذف الهمزة جزمًا: قال عند قول أبي تمام: إِن تُرزَ في طَرَفَي نَهارٍ واحِدٍ ... رُزأينِ هاجا لَوعَةً وَبَلابِلا [بحر الكامل] ((خفف الهمزة في ((إن ترزأ))؛ فلما صارت ألفا حذفها جزما)) (¬2). [هـ] ملحوظات نحوية: 1ـ كلمات لها استعمالات نحوية خاصة: ـ كلمة حثاثًا: أي نومًا قليلا، ولا تستعمل إلا في النفي (¬3). ـ كلمة لعمري: ((كلمة تستعمل في القسم، وهي رفعٌ بالابتداء والخبرُ محذوف، وهي من العَمْر الذي هو حياة، ويقال عَمْرٌ وعُمْر في غير القسم، فإذا قيل لَعمْري لم تستعمل إلا بفتح العين، وبعضُ العرب يقلب فيقول: ((وعَمْلي)))) (¬4). ـ كلمة حرام: يقال رجل حرامٌ؛ أي: محرم، وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث (¬5). ¬

(¬1) النحو الوافي: 3/ 446 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 116ب16]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 314ب9]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 170ب2]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 278ب3].

ـ كلمة بد: ((بُدٌّ: إنما يستعمل في النفي، دون الإثبات إلا إذا كان تابعًا لنفي؛ فيجوز استعماله في الإثبات)) (¬1). ـ كلمة قد: أشار النحاة إلى أنه لا يفصل بين قد والفعل إلا القسم (¬2). وقد أجاز التبريزي الفصل للضرورة: أَلا اِشكُروا اللهَ ذا الجَلالِ فَقَد ... ـ بِالصُّنعِ في أَصرَمٍ ـ تَغَمَّدَكُم [بحر المنسرح] ((فرق بين قد وبين الفعل الماضي بغير القسم للضرورة)) (¬3). 2 ـ مجيء الذي والتي بلا صلة على شذوذ: قال: ((أصل التي والذي في كلامهم أن يكونا اسمين ناقصين لا يتمان إلا بصلة، وشذ قولهم في المثل: فعله بعد اللتيا والتي؛ أي: بعد المشقة والجهد، ولايكادون يفردون: اللتيا من التي ...)) (¬4). 3 ـ كراهية أهل اللغة لـ ((شتان ما بينهما)): شَتّانَ بَينَهُما في كُلِّ نازِلَةٍ ... نَهجُ القَضاءِ مُبينٌ فيهِما جَدَدُ [بحر البسيط] ((وأهل اللغة يحكون أن الاختيار ((شتان زيدٌ وعمرو))، ويكرهون: ((شتان ما بينهما))، وإذا كرهوا: ((شتان ما بينهما)) فهم: ((لشتان بينهما)) أكره)) (¬5). 4 ـ الشعراء تجترئ على زيادة الباء مع أن وغيرها، إلا أنها مع غيرها أقل، مثل أن تقول: ظننتُ بأن تفعل كذا، وإنما الكلامُ: ظننتُ أن تفعل)) (¬6). 5ـ نقل التبريزي مذهب الأخفش في أنه يجوز في البناء الماضي أن يقع موضع الحال متعريا من قد (¬7). المصطلحات النحوية عند أبي العلاء والتبريزي: • استقرار المصطلح النحوي عند أبي العلاء والتبريزي: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 91ب31]. (¬2) المعجم الوافي لأدوات النحوالعربي: 230 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 271]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 308ب44]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 16ب25]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 188ب2]. (¬7) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 49ب17].

وردت عند أبي العلاء والتبريزي مصطلحات نحوية كثيرة تشهد على أن هذا ((العلم في عصرهما كان علما متطورا مكتملا؛ فكلاهما تحدث عن الجملة الفعلية والجملة الاسمية، وعن عناصرهما الأصلية: الفعل، والفاعل، والمفعول، والمبتدإ، والخبر، وعن العناصر المتممة: كالحال، والبدل، والإضافة، والنداء، والندبة وصيغتي التعجب والتفضيل. وكانت لأبي العلاء عناية أكبر بالجملة، فتكلم عن الجملة الشرطية بجزأيها: جملة الشرط، وجملة الجزاء، وعن الجملة الواقعة مضافا إليه، والجملة الحالية، والواقعة بدلا، والواقعة خبرا، والواقعة صفة)) (¬1). غير أننا ((لاحظنا عندهما جميعا أن بعض المصطلحات لم تكتسب بعد اسمها النهائي، الذي نعرفه اليوم)) (¬2). وهذا أمر وارد؛ لأن ((بعض الألفاظ التي استحدثها قدماء علمائنا من أهل العلم، في كل فن منه، لم تكن يومئذ قد استقرت معانيها على الوجه الذي انتهى إلينا، وألفناه نحن في كتب من بعدهم من العلماء والأدباء، وهذا أمر معروف مقرر بلا ريب فيه)) (¬3). وقدم الأستاذ الهادي الجطلاوي الثبت التالي لهذه المصطلحات (¬4): م ... المصطلح ... المصطلح عند ابن هشام ... الشارح ... الشاهد كما ذكره الهادي للجطلاوي 1 ... اسم ما لم يسم فاعله ... نائب الفاعل ... ع ... ب2ق8ج1ص116 (¬5) 2 ... ـ المنصوب بوقوع الفعل عليه ... المفعول به ... ع ... ب2ق1ج2ص8 (¬6) ¬

(¬1) خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام: الهادي الجطلاوي، ص 149، مقال بمجلة فصول، المجلد السادس، 1985،بعنوان: تراثنا النقدي، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب (¬2) خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام: الهادي الجطلاوي، ص 149 (¬3) قضية الشعر الجاهلي: أبوفهر محمود محمد شاكر، ص23،الناشر مطبعة المدني بمصر، ط1، 1418هـ، 1997 (¬4) خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام: الهادي الجطلاوي، 150 (¬5) ولمزيد من الشواهد في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتية: [1/ 399ب54]، [1/ 166]، [1/ 161ب16]، [2/ 54ب39]، [3/ 14ب29]، [2/ 314ب18]، [2/ 228ب18] (¬6) ولمزيد من الشواهد في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتية: [1/ 8ب2]، [1/ 53]

ـ المفعول الصحيح 3 ... عمدة الكلام، اعتماد الكلام، الابتداء ... المبتدأ ... ع ... ب25ق111ج3ص11 ... ب6ق3ج1ص43 4 ... الوصف ـ الصفة ... النعت ... ع/ز ... ب31ق111ج3ص16 5 ... الغاية ... الظرفية ... ع ... ب14ق34ج1ص349 6 ... الاسم المتوصل به إلى أن تكون الجملة صفة ... الاسم الموصول ... ع ... ب52ق18ج1ص257 7 ... حروف الخفض ... حروف الجر ... ع/ز ... ب47ق144ج3ص230 8 ... المفعول له ... المفعول لأجله ... ع ... ب17ق192ج4ص82 (¬1) 9 ... النصب على المصدر ... المفعول المطلق ... ز ... ب6ق51ج2ص (¬2) 10 ... النصب على التفسير ... التمييز ... ع/ز ... ب2ق477ج4ص545 (¬3) ولقد فات الأستاذ الهادي الجطلاوي هذين المصطلحين وهما: م ... المصطلح ... المصطلح المستقر ... الشارح ... موضعه 1 ... المستثنى الذي ليس من جنس الأول ... الاستثناء المنقطع ... ع ... 1/ 356ب29 2 ... الجمع القليل والكثير ... جمع القلة والكثرة ... ز ... 2/ 252ب34 ونلاحظ على هذا الجدول: أـ اختيار الأستاذ الجطلاوي لابن هشام لكي يمثل مرحلة استقرار المصطلح اختيار موفق؛ حيث إنه من علماء القرن الثامن الهجري وكانت وفاته سنة 761هـ، كما أنه أحد الأفذاذ الذين أتوا بعد نضوج المدارس النحوية المختلفة، البصرية والكوفية ¬

(¬1) ولمزيد من الشواهد في نفس هذه الجزئية يُنْظَرُ: [1/ 316ب15] (¬2) ولمزيد من الشواهد في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتية: [4/ 546ب2]، [2/ 81ب5]، [2/ 244ب6]، [1/ 432ب21]، [2/ 148ب4] (¬3) ولمزيد من الشواهد في نفس هذه الجزئية يُنْظَرُ: [4/ 546ب2]، [1/ 234ب2]

والبغدادية والأندلسية (¬1). كما أن كتابه المغني في الواقع ((موسوعة كبرى لعرض آراء النحاة السابقين له في مختلف الأصقاع العربية)) (¬2). كما أنه في هذا الكتاب وضع كثيرا من ((الضوابط النحوية)) (¬3). ب ـ إذا تتبعنا المصطلحات التي أوردها الأستاذ الهادي الجطلاوي تاريخيا فيمكن أن نقول: إن مصطلح نائب الفاعل الذي استقر عند ابن هشام من ابتكار ابن مالك من علماء القرن السابع الهجري، الذي ينتمي إلى المدرسة الأندلسية (¬4)، يقول الأستاذ عبد السلام هارون: ((نائب الفاعل: قد يظن أن هذا المصطلح النحوي قديم أصيل وإنما هو مصطلح طارئ ابتدعه نحوي متأخر هو محمد بن عبد الله بن عبد الله ابن مالك صاحب الألفية؛ أي في القرن السابع الهجري؛ إذ كانت حياته بين سنتي 600/ 672، قال أبو حيان: لم أر مثل هذه الترجمة إلا لابن مالك، وقال الشيخ الخضري في حاشيته علي الألفية: هذه الترجمة مصطلح المصنف، وهي أولى وأخصر من قول الجمهور: المفعول الذي لم يسم فاعله؛ لأنه لا يشمل غير المفعول مما ينوب كالظرف، ولأنه ـ أي قول الجمهور ـ يشمل المفعول الثاني في نحو أعطي زيد دينارا، فالتسمية القديمة إذن غير جامعة لأنها تخرج الظروف وغير مانعة لأنها تدخل المفعول الثاني)) (¬5). ¬

(¬1) شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 351 (¬2) شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 354 (¬3) شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 354 (¬4) شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 288/ 309 (¬5) كناشة النوادر: ص 46، دار الطلائع، ط2

وأما مصطلح النعت فمن العلماء من يرى أنه من اصطلاحات الكوفيين، قال أبو حيان: ((والتعبير به [أي النعت] اصطلاح الكوفيين وربما قاله البصريون والأكثر عندهم الوصف والصف)) (¬1). ومن الباحثين من يرى أنه بالرغم من أن ((اصطلاح النعت قد انتشر على أيدي الكوفيين، فليس لهم فضل اختراعه، فهم في ذلك متبعون لا مبتدعون، كما زعم الدكتور شوقي ضيف بأن الفراء هو أول من اصطلح على تسمية النعت باسمه)) (¬2). وبعض النحويين يرى أن بين النعت والصفة كمصطلحين خصوصا وعموما، فـ ((النعت يكون بالحلية نحو: طويل وقصير، والصفة تكون بالأفعال نحو ضارب وخارج، وعلى هذا يقال للبارئ سبحانه موصوف، ولا يقال له منعوت وعلى الأول هو موصوف ومنعوت)) (¬3). أما المفاعيل: المفعول به، المفعول المطلق، المفعول لأجله، فقد ذكر أبو حيان في شرح التسهيل أن ((انقسام المفعول إلي مفعول مطلق ومفعول به وله وفيه ومعه هو مذهب البصريين وأما الكوفيون فزعموا أن الفعل إنما له مفعول واحد وهو المفعول به وباقيها عندهم ليس شيء منها مفعولا وإنما مشبه بالمفعول)) (¬4). وعليه فإن المفاعيل السابقة بأسمائها المستقرة حاليا هي مصطلحات بصرية. ويطلق الفراء مصطلح التفسير على التمييز، وانتشر استخدام هذا المصطلح بعد ذلك، ومصطلح التفسير بمعنى التمييز فمن ابتكارات الخليل (¬5). ¬

(¬1) السيوطي: همع الهوامع، 3/ 117، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬2) عوض حمد القوزي: المصطلح النحوي، نشأته وتطوره حتى أواخر القرن الثالث الهجري، ص 166، الناشر: عمادة شئون المكتبات، جامعة الرياض، ط1، 1981م (¬3) ابن يعيش: شرح المفصل، 2/ 232، ت: د. إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت (¬4) همع الهوامع: 2/ 5 (¬5) عوض حمد القوزي: المصطلح النحوي، ص 165

وحروف الخفض مصطلح تردد عند أعلام مدرسة الكوفة، قال الإمام أحمد ابن يحيي أبو العباس ثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة (¬1): ((الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف؛ لأن الكاف تكون اسما)) (¬2). أما مصطلح حروف الجر فقد تردد عند سيبوبه في أكثر من موضع منها قوله: ((هذا باب ما لا يجوز فيه الإضمارُ من حروف الجر)) (¬3). ج ـ أن المصطلحات غير المستقرة هي مصطلحات ((طويلة)) نسبيا بالمقارنة بالمصطلحات عند ابن هشام، المتوفي في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري وطول المصطلح سمة اتصف بها نحاتنا الأقدمون، وعلى رأسهم سيبويه (¬4)، فقد شاع ((في كثير من تآليف ذلك العصر المبكر نحوية وغير نحوية إطالة تراجم الأبواب أوعناوينها تحقيقا لأغراض محددة هي: 1ـ تحقيق الإعلام بمضمون الباب في ترجمته أوعنوانه. 2ـ تحقيق بيان المناسبة بين ترجمة الباب أوعنوانه، وبين المعلومات الواردة فيه. 3ـ الدلالة على مطابقة العنوان لما يرد تحته)) (¬5). غير أنه ـ وهذه هي طبيعة المصطلحات ـ في المراحل اللاحقة بدأ المصطلحات في اختصار نفسها، ليسهل حفظها وترددها. ¬

(¬1) معجم الأدباء: 2/ 536 (¬2) تفسير القرطبي: 9/ 182 (¬3) الكتاب: 2/ 383، وبقية المواضع: 3/ 79، 3/ 147، 3/ 154، 3/ 220، 3/ 268، 3/ 496 (¬4) لاحظ هذا عدد من العلماء منهم: الشيخ عبد الخالق عضيمة في دراسته لأسلوب الكتاب ص 96، والأستاذ: علي النجدي ناصف، في كتابه: سيبويه إمام النحاة، ص 159، [يُنْظَرُ: الفرار من الإبهام، إيثار الوضوح وأثره في صياغة المصطحات النحوية: د. خالد فهمي، ص 509 ـ 510، بحث ضمن كتاب المؤتمر الثالث للعربية والدراسات النحوية، دار العلوم، 2005 م، بعنوان: العربية بين نحوي الجملة ونحوالنص] (¬5) إيثار الوضوح وأثره في صياغة المصطحات النحوية: د. خالد فهمي، ص 511

د ـ الاستقرار للمصطلح النحوي ((مرحلة تالية لمرحلة شهدت مدارسات وخصومات شديدة ومناظرات في هذا العلم لم تهدأ حتى استقر النحو، ورست حدوده ومصطلحاته بالشكل الذي وصل إلينا)) (¬1). هـ ـ ينبغي لدارسي كتب النحو القديمة من تحرير المصطلحات النحوية المستخدمة من قبل العلماء في هذه المؤلفات حتى يسهل فهم عباراتهم. **** ¬

(¬1) عوض حمد القوزي: المصطلح النحوي، ص 156

المبحث الخامس: الموازنة بين المادة الصرفية والنحوية عند أبي العلاء والتبريزي

المبحث الخامس: الموازنة بين المادة الصرفية والنحوية عند أبي العلاء والتبريزي وستتمثل تلك الموازنة في الملحوظات التالية: · الملحوظة الأولى: أول ما يسترعي الانتباه هذا الاتفاق الكبير بين أبي العلاء والتبريزي، فكثيرا ما نجد الرجلين متفقين في كثير من المسائل النحوية، بل نكاد نجد التبريزي يردد جملا بعينها في المسألة النحوية قيد الشرح رددها أبوالعلاء من قبل، مثال ذلك: أبوالعلاء ... التبريزي ((وحروف الخفض ينوب بعضها مناب بعض كثيرا، وشائع في الكلام أن تقول: في هذا البساط نقشٌ حسن، وعلى هذا البساط)). [2/ 458ب5] ... قال: ((وحروف الخفض يقوم بعضها مقام البعض)). [3/ 119ب18] وقال في موضع آخر: ((وهم يتسعون في حروف الخفض؛ فيضعون بعضها موضع بعض)). [3/ 230ب47] ((والعرب تفعل ذلك يثنون الشيء، ويجمعونه؛ لأنهم يضيفون إليه ما يقرب منه؛ فيقولون صهوة الفرس وصهواته)). [2/ 411ب9] ... ((يجوز أن يجمع الشيء ويضاف إلى ما حوله، كما يقال: ركبت أصلاب الناقة؛ لأنه يجعل كل فقارةٍ صلبا؛ أولأنه يضيف إلى الصلب ما دنا منه)) [2/ 162ب6] قال: ((إنهم يفرقون بالمصادر بين الأفعال التي أصلها واحد في الاشتقاق)). [1/ 240ب3] ... قال: ((والوجيب: صوت حركة القلب، فرقوا بين وَجَب القلبُ ووجَبَ الحَائِطُ بالمصدر)). [1/ 166ب34]. · الملحوظة الثانية: نجد التبريزي في كثير من الحالات ـ عند تعرضه لمسألة نحوية ـ يكتفي بعرض آراء النحاة، ولا يتدخل ـ في الغالب ـ بترجيح مسألة على أخرى، مثال ذلك مناقشته للكلمات مثل: عبدون، حمدون: أَعَبدونُ قَد صِرتَ أُحدوثَةً ... يُدَوَّنُ سائِرُ أَخبارِها [بحر المتقارب] ((مذهب بعض الناس في ((عَبْدون)) و ((حَمْدون)) وما كان مثلهما أنها أسماء محرفة عن العربية، (...)، والذي حكاه النحويون في مثل هذا النحو وجهان: أحدها أن

تقول إذا سميت الرجل بجمع عبد جاءني عبدون كما تقول جاءني الزيدون، وتقول في النصب والخفض، لقيتُ عبدين ومررت بعبدين فتجعله تاليا وتُجرى نون الجمع، والآخر أن تجعله بياء في كل وجه وتعرب النون بوجوه الإعراب، (...)، وقد أجاز بعض المتأخرين أن تُقر الواوعلى كل حال، ويلزمه على هذا الوجه أن يعرب النون، إلى هذا المذهب يميل من زعم أن زيتونًا جمع زيت وأنه على فَعْلون)) (¬1). فنجد في هذا المثل ذكر المادة المختلفة دون ترجيح أوتفضيل، ومثل ذلك كثير عند أبي العلاء والتبريزي. تعليل الملحوظة الأولى والثانية: يمكن أن نعلل لهاتين الملحوظتين بأن نقول إن التبريزي كان ((إمام المنهج الانتخابي التهذيبي التكميلي)) (¬2). أي ذلك المنهج الذي ((يعتمد على جمع وتحصيل الشروح السابقة، ثم الانتخاب منها، والتنسيق بين العناصر المنتخبة مما يكمل شرحًا من مجموعها يفي بغرضها، ويغني عن جميعها؛ لاشتماله على جميع العناصر التفسرية المتاحة التي يتطلبها القوم)) (¬3). ذلك المنهج ((الذي لا يظهر فيه مجهود عالم واحد، بل ينطق بمجهودات علماء كثيرين، متعددي المناهج، مختلفي العصور، متنوعي التخصصات والاهتمامات [ذلك] المنهج الإزدواجي المزجي، الذي يجمع بين التزام الملتزمين وإبداع المبدعين، ويظهر فيه عنصر النقل للتراث الموروث، وعنصر النقل لاجتهاد المجتهدين، [ذلك] المنهج التحصيلي، الذي يدل على تخصص صاحبه، وإنما يدل على سعة ثقافته، وكثرة اطلاعه وجمعه، ثم انتخابه وتنسيقه، [ذلك] المنهج الذي يجمع من ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 369ب1]. (¬2) شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري، الجزء الثاني: مناهج الشراح، 271، [دار المعارف، ط 1، 1981م] وفي هامش هذه الصفحة أن الدكتور فخر الدين قباوة سمى هذا المنهج: ((المنهج التكاملي)). (¬3) شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري، 271

· الملحوظة الثالثة

كل علم بطرف، ومن كل فن بلمحة، ومن كل تخصص بنبذة، ويوفق بين الجميع توفيقا تاما، وينسق بين أجزاء الشرح بانسجام يشعر بالتكامل والترابط. [ذلك] المنهج الذي يحقق ويوثق ويصحح ما توصل إليه العلماء السابقون بعضهم من بعض، ويمحص ويميز ويقارن ويفاضل بين الآراء جميعًا)) (¬1). ذلك المنهج ((حصري نقلي مزجي استقرائي انتخابي تهذيبي تنسيقي توفيقي تكميلي تحقيقي، لا يظهر فيه شخصية صاحبه إنما الذي صنيعه، جمعه، سرده، استحسانه، انتخابه، انتقاؤه، ويظهر كذلك سعة صدره، وطول جلده وصبره)) (¬2). إن صورة الشارح في هذا المنهج ((تكاد تكون غائبة، فلا يظهر في شرحه لون تخصصه، ولا نوع اهتمامه، ولا مذهبه العلمي ولا أسلوبه ولا تفكيره)) (¬3). لقد كان أحد ((الجَمَّاعين المكمِّلين المهذِّبين المحقِّقين المصفِّين لحصيلة التراث التفسيري الذي وضع في الشعر الجاهلي ... لذلك لم يظهر في شروحهم إلا نتاج السابقين، فلا استقلالية في التعبير، ولا تفرد في التفكير، ولا عبقرية في الفهم؛ لأن عملهم إعادة من أجل الإفادة، وتكرار لأفكار العلماء الكبار)) (¬4). ... · الملحوظة الثالثة: إن الاتفاق بين التبريزي وأبي العلاء، وكون التبريزي إمام ((المنهج الانتخابي التهذيبي التكميلي)) لا يمنع من مخالفته لأبي العلاء في بعض المواضع. وفي الحقيقة أن المواضع التي خالف فيها التبريزي أبا العلاء قليلة، وهذا الخلاف في تلك المسائل يعود إلى اختلافهما في سيطرة أصل من الأصول النحوية ¬

(¬1) شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري، 271 (¬2) شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري 273 (¬3) شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري 274 (¬4) شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري 274، وقد ناقشنا هذه الآراء ص 52

التي يعتمدان عليها، فأبوالعلاء يميل إلى ((اطراد القياس)) (¬1)، أما التبريزي فيميل إلى ((الاقتصار على السماع))، فهويفضل السماع على القياس. قال التبريزي: ((وهم يجتنبون أن يبنى فعل التعجب على ((أَفْعَلَ)) في التفضيل، إلا في أشياء مسموعة. وقد ذهب بعضهم إلى أن ذلك قياس مطرد في كل فعل ماض على ((أفعل))؛ والأخذ بالسماع أحسن)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: ما خالِدٌ لي دونَ أَيّوبٍ وَلا ... عَبدُ العَزيزِ وَلَست دونَ وَليدِ [بحر الكامل] ((.. و ((وليد)): يعنى به الوليد بن عبد الملك؛ فحذف الألف واللام، وهوجائز، وقد استعمل ذلك الطائي كثيرًا في مواضع، وهوجائز إلا أن تركه أحسن)) (¬3). وكمثال على هذا الاختلاف أن أبا العلاء ـ في أمر مد المقصور ـ لا يَقْصُرُ مد المقصور على ضرورة الشعر فقط بل يجيزه في النثر أيضا. قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: هَذا أَمينَ اللَهِ آخِرُ مَصدَرٍ ... شَجِيَ الظِّماءُ بِهِ وَأَوَّلُ مَورِدِ [بحر الكامل] ((... مد الظماء، وهومهموز مقصور، وذلك جائز، إلا أن ترك المد أحسن، وهوفي الشعر أسوغ منه في الكلام المنثور)) (¬4). بل إن أبا العلاء يشير إلى أن القياس يسمح بذلك. قال عند قول أبي تمام: أَمُحَمَّدَ بنَ سَعيدٍ ادَّخِرِ الأُسى ... فيها رُواءُ الحُرِّ يَومَ ظمائِهِ [بحر الكامل] ¬

(¬1) أكد هذه الحقيقة د. جمال محمد طلبة في كتابه: ((الفكر اللغوي عند أبي العلاء المعري في ضوء علم اللغة الحديث))، ص: 81، [الكتاب بدون بيانات] (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 38ب27]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 395ب39]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 54 ـ 55 ب41].

((ومد الظماء وهومهموز مقصور ... وقد فعل ذلك في غير هذا الموضع، والقياس يطلق ذلك، وما هوأشد منه)) (¬1). وعلى العكس من ذلك نجد التبريزي يقول عند قول أبي تمام: قَد كِدتُ أَن أَنسى ظِماءَ جَوانِحي ... مِن بُعدِ شُقَّةِ مَورِدي عَن مَصدَري [بحر الكامل] ((والأشبه أن يكون مد الظماء؛ لأنه تكرر في شعره ممدودًا؛ وذلك رديء؛ لأنه قليل في المستعمل)) (¬2). **** ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 37]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 456ب26].

الفصل الثالث نظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي

الفصل الثالث نظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي ويشمل المباحث التالية: • المبحث الأول: التعريف بعلم النص. • المبحث الثاني: وسائل التماسك النصي. • المبحث الثالث: نظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي.

المبحث الأول: التعريف بعلم النص

المبحث الأول: التعريف بعلم النص علم النص ـ كما يقول David Crystal ـ هو: ((الدراسة اللغوية لبنية النصوص)) (¬1). ويذكر Nils أن ((علم لغة النص يعني ـ في العادة ـ الدراسة للأدوات اللغوية للتماسك النصي، الشكلي والدلالي)) (¬2). فعلم النص من العلوم التي لا تتوقف ((عند كلمات النص وتحليلها في مستويات الدرس اللغوي: من أصوات وصرف ونحو ودلالة فحسب، وإنما يحاول النفوذ إلى ما وراء النص الجاهز من عوامل معرفية ونفسية واجتماعية، ومن عمليات عقلية كان النص حصيلة لتفاعلها جميعا)) (¬3)؛ أي أن النظرة التحليلية للنص ـ في ضوء علم لغة النص ـ تكون داخلية، بدراسة تفاعل الجوانب الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية وترابطها، وخارجية: بدراسة العوامل المعرفية والنفسية والاجتماعية، وعمليات عقلية كان النص حصلية لتفاعلها، وبالطبع الربط بين الداخل والخارج. وعلم لغة النص بهذا ((لا ينغلق على نفسه في محاولته معالجة النصوص، وإنما يأخذ في حسابه دائما مكتسبات العلوم الأخرى التي تهتم بالاتصال الإنساني: كعلم النفس، وعلم الاجتماع، والأنثربولوجيا، وعلم النفس المعرفي)) (¬4). وإذا فالمعايير المستعملة في دراسة النص وتقويمه تعتمد على ((عوامل أربعة: لغوية ونفسية واجتماعية وذهنية)) (¬5). وعلماء النص ينطلقون بعلمهم من ((النص))؛ ولذلك يهتمون بتعريفه، ويضعون معايير لا غنى عنها له. ومن التعريفات الجامعة ((ذلك التعريف الذي نقله ¬

(¬1) نقلا عن: علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 35، [دار قباء، 2000] (¬2) نقلا عن: علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 35 (¬3) مدخل إلى علم لغة النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص 7، [الهيئة العامة المصرية للكتاب، سلسلة الألف كتاب الثاني، ط2، 1999] (¬4) مدخل إلى علم لغة النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص 7 (¬5) مدخل إلى علم لغة النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص 11

كل من د. سعد مصلوح، ود. سعيد بحيرى عن روبرت ديبوجراند أنه: حدث تواصلي، يلزم كونه نصا أن تتوافر له سبعة معايير للنصية مجتمعة، ويزول عنه هذا الوصف إذا تخلف واحد من هذه المعايير: 1ـ السبك Cohesion أوالتماسك النحوي. 2ـ الحبك Coherence، أوالتماسك الدلالي، وترجمها د. تمام حسان بالالتحام. 3ـ القصد Intentionality، أي: هدف النص. 4ـ القبول أوالمقبولية Acceptability ، وتتعلق بموقف المتلقى من قبول النص. 5ـ الإخبارية أوالإعلام Informativity ؛ أي: توقع المعلومات الواردة فيه أوعدمه. 6ـ المقامية Situationality ، وتتعلق بمناسبة النص للموقف. 7ـ التناص Intertextuality)) (¬1) . ومما يتصل بمصطلح علم النص، مصطلح ((تحليل الخطاب Discourse analysis)) ويقصد به: ((دراسة الطريقة التي تُمَكِّنُ مستخدمي اللغة أن يفهموا كلام الآخرين، وما يقصد هؤلاء الآخرون أن ينقلوه. بل إن الدائرة لتتسع لتشمل دراسة طريقة مستخدمي اللغة لفهم ما يقرءونه من نصوص، وطريقة فهم الدلالات الباطنية لكلام المتكلمين، ومعرفة ما هومتماسك من النصوص مما هومفكك، وكيفية المشاركة بنجاح في هذا النشاط المعقد المسمى ((الحوار والمحادثة)))) (¬2). ومن المصطلحات التي أبرزها G.Yule وناقشها والتي تساهم في تحليل الخطاب وفهمه المصطلحات التالية: • السبك Cohesion. • الحبك Coherence . ¬

(¬1) علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 33 (¬2) The study of language : G.Yule , p 104 , Cambridge University 1995 وترجمة النص السابق للباحث.

• الخلفية المعرفية Background knowledge (¬1) . والعلماء المؤسسون لهذا العلم يطمحون إلى ((آلية بحث علمية تضيء النص في تجسده اللغوي، بحيث تنفتح أمام الذات القارئة، الذات الجماعية في مرحلة تاريخية معينة)) (¬2). ويرى الباحث أن معطيات هذا العلم ومبادئه موجودة عند علمائنا القدماء، وما هذا العلم بمصطلحاته إلا صورة منظمة لفتات متناثر لآراء علمائنا في موضوع التماسك النصي. وهذا ما سيؤيده الكلام التالي. ... ¬

(¬1) وأشار أيضا إلى المصطلحات التالية: ((أحداث الكلام Speech events))،((والتفاعل الحِواري Conversational interaction))،((مبدأ التعاون The cooperative principle)). ينظر: The study of language : G.Yule , p105 (¬2) مدخل إلى علم لغة النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص 8

المبحث الثاني: وسائل التماسك النصي

المبحث الثاني: وسائل التماسك النصي تعددت الوسائل التي ذكرها العلماء للتماسك النصي، فهي حسب نظرية روبرت ديبوجراند وولفجانج دريسلر تتلخص في: السبك أوالتضام، الحبك، أوالتماسك الدلالي أوالتقارن، القصد أوالقصدية، أي: هدف النص، القبول أوالمقبولية أوالتقبلية، وتتعلق بموقف المتلقى من قبول النص، الإخبارية أو الإعلام؛ أي: توقع المعلومات الواردة فيه أوعدمه، المقامية، وتتعلق بمناسبة النص للموقف، التناص (¬1). وأشار G.Yule إلى السبك والحبك وإلى الخلفية المعرفية Background knowledge . وأشار David Crystal إلى ((أن أدوات التماسك تتلخص في: 1ـ العطف، 2ـ المرجعية بأنواعها القبلية والبعدية، 3ـ الإبدال، 4ـ الحذف، 5ـ التكرار، 6ـ أدوات معجمية)) (¬2). وقد ذكر د. محمد العبد من هذه الأدوات: ((الإسناد إلى متقدم، الارتباط السببي، التخصيص، الارتباط الزمني، المقابلة، السؤال والإجابة، الإضراب وغيرها من الأدوات)) (¬3). ويضيف د. محمد حماسة عبد اللطيف بعضا آخر من أدوات التماسك منها: ((الموقع الإعرابي، الحالة الإعرابية، العلامة الإعرابية ... وهذه مع وسائل أخرى .. وكل ما يؤدي إلى الوضوح وعدم اللبس يؤدي بالضرورة إلى التماسك والترابط)) (¬4). ... ¬

(¬1) مدخل إلى علم لغة النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص 11 ـ 12. (¬2) نقلا عن: علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، هامش ص 118 (¬3) نقلا عن: علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، هامش ص 119 (¬4) بناء الجملة العربية، ص 78 ـ 98، [دار غريب للطباعة والنشر، ط1، 2002]

المبحث الثالث: نظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي

المبحث الثالث: نظرات نصية في شرح أبي العلاء والتبريزي الدراسة التحليلية لشرح أبي العلاء والتبريزي تُظْهر اهتمام هذين العلمين بالتماسك النصي، أوـ كما عبر د. حماسة ـ الاهتمام بـ ((كل ما يؤدي إلى الوضوح وعدم اللبس)) والذي ((يؤدي بالضرورة إلى التماسك والترابط)). ويمكن مناقشة هذا الاهتمام عندهما في ضوء مصطلحات علم النص بالطريقة التالية: • القصد Intentionality ، (أي: هدف النص) والمقامية Situationality ، (مناسبة النص للموقف): تحت هذين المصطلحين يمكن أن نضع ما قام به التبريزي ـ في الغالب ـ من ذكر غرض القصيدة في بدايتها، وفيمن قيلت فيه هذه القصيدة، والموقف الداعي لها. وقد سبق أن أوضحنا أن ((غياب الموضوع عن القصيدة هوـ فيما يبدوـ أبرز الأسباب التي تتسبب في غياب الدلالة عنها؛ إذ إن وضوح الموضوع (أوالغرض) الذي تتحدث عنه القصيدة هوالشفرة الرئيسية لتتبع المسارات الدلالية، وإن زرعت ببعض المتاريس التعبيرية التي تعوق مهمة القراءة والفهم (...) وعلى امتداد مسيرة الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وحتى زمن الحداثة الشعرية العربية المعاصرة، كان الموضوع أوالغرض الشعري حاضرا في القصيدة جنبا إلى جنب مع شكلها)) (¬1). إن تحديد هدف النص ومناسبته يساهمان في ((توالي الأفكار))، وهذا التوالي ليس ((عبودية في ذاته، فهوإذعان للعقل العام، وبدءا من اللحظة التي لا تسلسل فيها الأفكار يحكم على الروح بأنها غير عقلانية)) (¬2). وسنبين فيما بعد أن هذا الاهتمام بتحديد الموقف والمناسبة أمر اهتم به مفسروالقرآن الكريم، بمباحثهم المتعلقة بأسباب النزول. • التناص Intertextuality : ¬

(¬1) د. عبد الرحمن محمد القعود: الإبهام في شعر الحداثة، ص 177ـ 178 (¬2) بناء لغة الشعر: جون كوين، ترجمة د. أحمد درويش، ص 190 ـ 191، [مكتبة الزهراء]

المقصود بهذا المصطلح ((الاستشهاد بالنص؛ أي: الطرق التي يستعملها الناس في الانتفاع بالنصوص المشهورة، أوفي الإحالة إليها)) (¬1). فموضوع هذا المصطلح ((العوامل التي تجعل استغلال أحد النصوص معتمدًا على معرفة نص سابق أوأكثر من النصوص التي تعرف عليها مستقبل النص في الماضي)) (¬2). فقد يحتاج مستقبلوالنص ـ لكي يفهموه ـ إلى ((قدر من الألفة مع نصوص سابقة)) (¬3). ومصطلح التناص مصطلح عام يشمل ((الأشكال التي يتخذها التفاعل بين النصوص. المعارضات الشعرية، والسرقات الشعرية، والاقتباس، والتضمين)) (¬4). أهمية التناص عندهما: من أكثر الأمور التي اهتم بها أبوالعلاء والتبريزي في باب التماسك النصي ((التناص))، فقد بلغت إشارات أبي العلاء للتناص أكثر من تسعة عشر موضعا (¬5)، وعند التبريزي أكثر من سبعين موضعا (¬6). وتأكيد أبي العلاء والتبريزي على إبراز النصوص المتناصة مع شعر أبي تمام في أكثر من موضع دليل على أن ((كل نص هو امتصاص وتحويل لنص آخر)) (¬7)، وأن النص ـ كما يقول رولان بارت ـ ((منسوج تماما من عدد من الاقتباسات ومن المراجع ¬

(¬1) مدخل إلى علم النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص238 (¬2) مدخل إلى علم النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص35 (¬3) مدخل إلى علم النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص36 (¬4) مدخل إلى علم النص: د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، ص238 (¬5) من هذه المواضع عند أبي العلاء: [3/ 56ب9]، [1/ 338ـ 339ب36]، [1/ 348ب11]، [4/ 80ب9]، [2/ 37ب22]، [1/ 192 193ب43]، [1/ 384ب2]، [3/ 61ب2]، [1/ 15ب12] (¬6) من هذه المواضع عند التبريزي: [1/ 223ب14]، [1/ 243ب15]، [4/ 587ب30]، [3/ 91ب16]، [3/ 352ب2]، [1/ 184ب17]، [2/ 182ب61]، [2/ 17ب28]، [2/ 146ب34]، [1/ 318، 319ب23]، [2/ 134ب3]، [4/ 134ب31] (¬7) د. محمد خير البقاعي: آفاق التناصية، 98

ومن الأصداء))، وأن ((أي نص يقع في نقطة التقاء عدد من النصوص، الذي هو في الوقت نفسه إعادة قراءة لها، وتثبيت لها وتكثيف لها وانتقال منها ولها)) (¬1). كما أنها أكدت أصالة شعره، فـ ((أكثر المبدعين أصالة من كان تركيبه الفني ذا طبيعة تراكمية على معنى أن الروافد السابقة قد وجدت فيه مصبا صالحا لاستقبالها، ومن الحقائق التي يجب أن نعترف بها أنه لا وجود لمبدع يخلص لنفسه)) (¬2). هذا التناص فيه نوع من التكرار، وهذا التكرار في الأبيات ـ على حد قول أبي العلاء ـ ((بعضه شرح لبعض)) (¬3). والتناص عندهما يسهم في توضيح المعنى، ويمكن الاستناد إليه في فهم المعنى (¬4). وقد أطلق أبوالعلاء على هذا التناص مصطلح ((التَّعَلُّق)) (¬5)، ((البناء)) (¬6). وتابعه التبريزي في ذلك. أشكال التناص عندهما: [أ] باعتبار نوع النص المتناص معه: · تناص مع الآيات القرآنية: مِن كُلِّ سابِغَةِ الشَبابِ إِذا بَدَت ... تَرَكَت عَميدَ القَريَتَينِ عَميدا [بحر الكامل] قال أبوالعلاء: ((عميد القريتين: رئيسهما. وعميد: من قولك عمده الحب إذا ذهب بقلبه، وإنما بنى الطائي هذا الكلام على الآية، وهي قوله عز وجل چ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? چ [الزخرف: 31])) (¬7). ¬

(¬1) السابق: 17ـ 18، 69 (¬2) د. محمد عبد المطلب: قراءات أسلوبية في الشعر الحديث، ص 162 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 223ب14]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 217ب1]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 346ب9، 10]، [1/ 143]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 263ب5] (¬7) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 409ب9]، ومن مواضع الأخري للتناص مع الآيات القرآنية عند أبي العلاء: [2/ 157ب16]، [2/ 156ب15]

ومثال ما ذكره التبريزي تناصا مع القرآن قوله عند قول أبي تمام: أَذكَرتَني أَمرَ داوُدٍ وَكُنتُ فَتًى ... مُصَرَّفَ القَلبِ في الأَهواءِ وَالفِكَرِ [بحر البسيط] ((هذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى لما ضرب المثل لداود عليه السلام: چ? ? ? ? ? ... ? ? ں ں ? چ [ص: 23])) (¬1). · تناص مع أحاديث نبوية: مثال ذلك قول أبي العلاء عند قول أبي تمام: وبَلاقِعًا حتى كأنَّ قطينها ... حَلَفُوا يمينا أخلقتك غموسا [بحر الكامل] ((هذا المعنى مبني على الحديث المروي، وهوقولهم: ((الأيمان الكاذبة تترك الديار بلاقعَ)) (¬2) ...)) (¬3). · تناص مع أبيات شعرية: قال أبوتمام: بِمَجامِعِ الثَّغرَينِ ما يَنفَكُّ مِن ... جَيشٍ أَزَبَّ وَغارَةٍ شَعواءِ [بحر الكامل] قال أبوالعلاء ((شبه الجيش بالأزب، وهوكثير الشعر، وإنما يريد كثرة الرماح، وهذا مأخوذ من قول الأول: فلوأنا شَهدناكم نصرنا ... بذي لجَبٍ أزب من العوالي [بحر الوافر])) (¬4). · تناص مع الأمثال: ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 437ب2]، وينظر أيضا: [3/ 30ب40 الهامش].و، [3/ 7ب9]، [3/ 204ب11]، [2/ 379ب12]. (¬2) - لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ، ولكن ورد في السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني: ((ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع))، وقال معلقا بتعليق طويل: ((أخرجه البيهقي في ((السنن الكبرى 10/ 35)) من طريق المقرئ عن أبي حنيفة عن يحيى بن أبي كثير عن مجاهد وعكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه ...)). السلسلة الصحيحة 2/ 669، ح:978، [مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1415هـ، 1995] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 263ب5]، وفي مثل هذه الجزئية للتبريزي: [4/ 549ب20]، [4/ 497ب21]، [4/ 106]. . (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 15ب12].

لا تُغضِبَنَّكَ مُنهِضاتي إِنَّها ... مَذخورَةٌ لَكَ في السِّقاءِ الأَوفَرِ [بحر الكامل] قال التبريزي: ((... وقوله: ((مذخورة لك في السقاء الأوفر)) هذا مثل تستعمله العرب، يقولون للرجل إذا فعل شيئا: حقنته في السقاء الأوفر (¬1) أي: إنك قد وضعته في موضعه واحتفظته)) (¬2). · تناص مع أقوال مستعملة: وَلِذاكَ كانوا لا يُرأَّسُ مِنهُمُ ... مَن لَم يُجَرَّب حَزمُهُ مرؤوسا [بحر الكامل] قال التبريزي: ((هذا البيت مبني على قولهم فلان قد آل وإيل عليه؛ أي: ساس وسيس)) (¬3). [ب] باعتبار الاتجاه التاريخي للتناص: · تناص قبلي: أي تناص مع شعر شاعر سابق على أبي تمام، ومثال ذلك: قال أبوتمام: لا تُذيلَن صَغيرَ هَمِّكَ وَانظُر ... كَم بِذي الأَثلِ دَوحَةً مِن قَضيبِ [بحر الخفيف] قال أبوالعلاء: ((.. والمعنى: لا تذيلن صغير همك؛ أي: لا تهمل نظرك فيه، فإن كان خيرا فإنه يتثمر وتعظم المنفعة به، وإن كان مما يحذر فإنه لا يؤمن أن يغلب ويتفاقم. وهذا المعنى قصده ((نَهْشَل بن حَرِّيّ (¬4) في قوله: ¬

(¬1) ينطر مجمع الأمثال للميداني، 2/ 231، رقم: 3598 [تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة السنة المحمدية،1374هـ ـ 1955م] (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 455ب24]، وينظر أيضا في نفس الجزئية: [1/ 305ب26].، [4/ 561ب34]، [1/ 81]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 270ب32]، وينظر أيضا: [3/ 99ب6]، [3/ 326ب20]، [3/ 219ب2]، [3/ 158ب53]، [2/ 182ب61]. (¬4) ((نهشل بن حري، توفي نحو45 هـ، 665 م، شاعر مخضرم. أدرك الجاهلية، وعاش في الاسلام. أسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم وصحب عليا في حروبه. وكان معه في وقعة ((صفين)) فقتل فيها أخ له اسمه ((مالك)) فرثاه بمراث كثيرة. وبقي إلى أيام معاوية. قال الجمحي: " نهشل بن حري، شاعر شريف مشهور)). الأعلام للزركلي: 8/ 49، ومن الشعراء الذي تناص معهم أيضا غير السابق أبوتمام: الفَرَزْدَقُ أَبُوفِرَاسٍ هَمَّامُ بنُ غَالِبٍ التَّمِيْمِيُّ [توفي 110هـ، ينظر الديوان: 1/ 224ب16]، والشمَّاخ بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني الذبياني الغطفاني [توفي 22 هـ]، والنابغة زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبوأمامة [توفي 18 ق هـ، ينظر الديوان 1/ 385]، وأبوقيس بن الأسلت صيفي بن عامر الاسلت بن جشم بن وائل الاوسي الانصاري [توفي 1هـ، ينظر الديوان 2/ 330]

قالَ الأَقارِبُ لا تَغرُركَ كَثرَتُنا وَأَغنِ شَأنَكَ عَنّا أَيُّها الرَّجُلُ عَلَّ بَنِيَّ يَشُدُّ اللَهُ أَزرَهُمُ وَالنَّبعُ يَنبُتُ عيدانًا فَيَكتَهِلُ [بحر البسيط])) (¬1). · تناص داخلي: أي تناص في شعر أبي تمام نفسه: ما عَهِدنا كَذا نَحيبَ المَشوقِ ... كَيفَ وَالدَّمعُ آيَةُ المَعشوقِ [بحر الخفيف] قال أبوالعلاء: ((أنكر على نفسه النحيب، ثم قال كيف؟ وكأنه مريد للقاء؛ أي: فكيف لا أنتحب والمعشوق قد بكى؟ وهذا يناسب لقوله: سَرَت تَستَجيرُ الدَمعَ خَوفَ نَوى غَدِ .... ِ [بحر الطويل] · تناص بعدي: أي أخذ شاعر بعد أبي تمام لمعنى بيته، مثال ذلك: بِمَجامِعِ الثَّغرَينِ ما يَنفَكُّ مِن ... جَيشٍ أَزَبَّ وَغارَةٍ شَعواءِ [بحر الكامل] قال أبوالعلاء ((شبه الجيش بالأزب، وهوكثير الشعر .. وقد شرح أبوالطيب هذا المعنى في قوله: صَدَمتَهُم بِخَميسٍ أَنتَ غُرَّتُهُ ... وَسَمهَرِيَّتُهُ في وَجهِهِ غَمَمُ (¬2) [بحر البسيط])) (¬3). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 120ب14]. ومثال التناص الداخلي عند التبريزي ما ذكره في الموضع 2/ 238ب24 (¬2) البيت في ديوان المتنبي، ص 423، [دار صادر، بيروت]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 15ب12] وفي نفس هذه الجزئية قول التبريزي عند قول أبي تمام: وَقَد تَألَفُ العَينُ الدُجى وَهوقَيدُها ... وَيُرجى شِفاءُ السَّمِّ وَالسَّمُّ قاتِلُ [بحر الطويل]. ((ويشبهه قول المتنبى: وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى ... عَدُوًّا لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ [بحر الطويل].)) [3/ 128ب51].

وقال التبريزي عند قول أبي تمام: وَإِنَّ المَدحَ في الأَقوامِ ما لَم ... يُشَيَّع بِالجَزاءِ هُوالهِجاءُ [بحر الوافر] ((أخذه ابن الرومي فقال: إذا ما المدح سار بلا ثواب ... من الممدوح فهولهُ هجاءُ [بحر الوافر])) (¬1). [ج] باعتبار المعنى: · تناص عكسي أوضدي: أى أن أبا تمام عكس المعنى مع شاعر آخر، ومثال ذلك: تَرى قَسَماتِنا تَسوَدُّ فيها ... وَما أَخلاقُنا فيها بِسودِ [بحر الوافر] قال التبريزي: ((هذا المعنى عكس ما قاله الضبي (¬2): كأنَّ دَنانِيرًا علَى قَسماتِهم ... وَإن كانَ قَد شَفَّ الوُجُوهَ لِقاءُ [بحر الطويل])) (¬3). · تناص توافقي: أي وافق فيه أبوتمام غيره. مثال ذلك قول التبريزي عند قول أبي تمام: وَكانَ بِهِ سَواء حينَ تَهمِي ... عَزالِيهِ الظَّواهِرُ وَالغُيوبُ [بحر الوافر] ((الظواهر جمع ظاهرة، وهي ما ارتفع من الأرض، والغيوب جمع غيب، وهوما كان منخفضا يوارى ما فيه ويغيبه، والمعنى أن المطر استوت فيه الوهاد والربى، وهو نحو قول عَبِيد .... فَمَن بِنَجوَتِهِ كَمَن بِمَحفِلِهِ ... وَالمُستَكِنُّ كَمَن يَمشي بِقِرواحِ [بحر البسيط])) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 441]. (¬2) محرز بن المكعبر الضبي: شاعر جاهلي، من بني ربيعة بن كعب الأعلام للزركلي:5/ 284 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 34ب7]،وينظر أيضا قوله: [1/ 387، 388ب9]، [2/ 332ب42] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 555ب12].، وينظر أيضا: [1/ 270ب15]، [4/ 553ب4]، [3/ 319ب22]، [3/ 160ب7]، [2/ 62ب7]، [2/ 37ب19]، [4/ 520ب6]، [4/ 451ب7]، [4/ 450ب6]، [1/ 387ب8].

• الخلفية المعرفية Background knowledge : من وسائل التماسك النصي إبراز الخلفية المعرفية للنص لكي يستطيع القارئ متابعته، وهذا ما كان يقوم به أبوالعلاء والتبريزي. ففي اللحظة التي يغمض فيها النص بسبب عدم وضوح الخلفية المعرفية يتدخلان للإيضاح: ومثال ذلك: ـ قال أبوتمام: أَجَل أَيُّها الرَّبعُ الَّذي خَفَّ آهِلُه ... لَقَد أَدرَكَت فيكَ النَّوى ما تُحاوِلُه [بحر الطويل] قال أبوالعلاء: ((هذا لايمكن أن يكون إلا على كلام متقدم؛ لأن ((أجل)) في معنى نعم، ولا معنى لقولك هذه الكلمة إلا وقد سبقها كلام من غيرك، فكأنه ادعى أن الربع كلمه وشكا إليه؛ فقال له: أجل أيها الربع)) (¬1). ـ قال أبوتمام: نَورُ العَرارَةِ نَورُهُ وَنَسيمُهُ ... نَشرُ الخُزامى في اخضِرارِ الآسِ [بحر الكامل] قال أبوالعلاء ((وإنما ذكر الآس؛ لأنه يوصف بدوام الخضرة)) (¬2). ـ قال أبوتمام: لَوأَنَّ أَسبابَ العَفافِ بِلا تُقًى ... نَفَعَت لَقَد نَفَعَت إِذًا إِبليسا [بحر الكامل] ((لأنه كان يتعبد مع الملائكة، إلا أنه لم يتق فصارت عاقبة أمره إلى ما كان)) (¬3). • الإعلامية أوالإخبارية أوالإعلام Informativity : ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 21ب1]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 249ب21]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 272ب40].

المقصود بالإعلامية ((مدى ما يجده مستقبلوالنص في عرضه من جدة وعدم توقع)) (¬1). فموضوع هذا المصطلح ((مدى التوقع الذي تحظى به وقائع النص المعروض في مقابل عدم التوقع أوالمعلوم في مقابل المجهول)) (¬2). فكلما بعد النص عن المألوف سواء على مستوى التعبير أومستوى التراكيب حقق قدرا أعلى من الإعلامية. ومن العجيب أن أبا العلاء والتبريزي كانا على وعي بما سماه النصيون الإعلامية. وتظهر الإعلامية عندهما على أشكال، منها: ـ بيان تردد المعنى عند أبي تمام وعند غيره من الشعراء (¬3). ـ بيان الانتقال الاستعاري فقط بدون التنبيه على التفرد: مثل قول التبريزي عند قول أبي تمام: عاقَدتُ جودَ أَبي سَعيدٍ إِنَّهُ ... بَدُنَ الرَّجاءُ بِهِ وَكانَ نَحيفا [بحر الكامل] ((استعار البدن للرجاء؛ وإنما هو للناس)) (¬4). ومثل: إِلى مَلِكٍ لَم يُلقِ كَلكَلَ بَأسِهِ ... عَلى مَلِكٍ إِلّا وَلِلذُلِّ جانِبُه [بحر الطويل] قال التبريزي: ((كلكل بأسه: أي: صدره، استعاره للبأس، وأصله للحيوان)) (¬5). ـ بيان الانفرادات التي انفرد بها أبوتمام على مستوى الاستعارة أوعلى مستوى المعنى: مثال ذلك: ¬

(¬1) مدخل إلى علم لغة النص: د. إلهام أبوغزالة، ص 184 (¬2) مدخل إلى علم لغة النص: د. إلهام أبوغزالة، ص 33 (¬3) تُنْظَرُ المواضع الآتية: [2/ 296ب2]، [4/ 226ب5]، [3/ 226ب21]، [2/ 245ب2]، [2/ 248ب17]، [2/ 262ب1]، [1/ 314ب10]، [4/ 29ب37]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 381ب17]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 224ب17] ولمزيد من المواضع في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [3/ 255ب33]، [3/ 197ب19]، [2/ 121ب16]، [2/ 452ب1]، [1/ 134]، [1/ 261ب6] [1/ 268ب11]

عُرفٌ غَدا ضَربًا نَحيفًا عِندَهُ ... شُكرُ الرِّجالِ وَإِنَّهُ لَجَسيمُ [بحر الكامل] قال التبريزي: ((استعار الضرب للعُرف، ولم يستعمل ذلك قبل الطائي)) (¬1). • من وسائل التماسك التي أبرزها أبوالعلاء والتبريزي: [1] الضمير: يلعب الضمير دورا مهما في النص اللغوي؛ إذ يسهم في ((الخفة)) ودفع ((الإلباس)) (¬2) من ناحية، ومن ناحية ثانية ((يعمل على تلاحم الناتج الدلالي عندما يتردد الدال مشيرا إلى شيء سابق في السياق، سواء أكانت الإشارة إلى سابق ملفوظ أومفهوم، أوقائم على التضمين أوالالتزام)) (¬3). فبالضمائر ((تتحول الصياغة إلى سبيكة متلاحمة العناصر نتيجة لعوامل الربط الظاهرة والمستترة، المنفصلة والمتصلة، والتي تعمل على تعليق ذهن المتلقي وشغله بما يواجهه من ضمائر)) (¬4). والبحث عن ((حركة الضمائر على سطح النص)) من مفاتيح النص الشعري، ومن ((الوسائل الإجرائية أو المفاتيح التي قد تفيد في بعض النصوص)) (¬5). وقد عقد ابن هشام بابا في كتابه ((مغني اللبيب)) سماه: ((روابط الجملة بما هي خبر عنه))، وذكر عشرة أنواع لهذه الروابط ((أحدها الضمير وهوالأصل ولهذا يربط به مذكورا كزيد ضربته ومحذوفا مرفوعا نحو:چ ? ? ? چ [طه 63])) (¬6) ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 292ب27] ولمزيد من المواضع في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [2/ 27ب29]، [3/ 224ب8]، [3/ 58ب4]، [1/ 136]، [2/ 243ب3]، [4/ 546ب3]. (¬2) الخصائص: 2/ 193 (¬3) قراءات أسلوبية في الشعر الحديث: د. محمد عبد المطلب، ص 143، [الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995] (¬4) قراءات أسلوبية في الشعر الحديث: د. محمد عبد المطلب، ص 143 ـ 144 (¬5) د. محمد حماسة عبد اللطيف: الإبداع الموازي، التحليل النصي للشعر، ص177 (¬6) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: ص 647، [دار الفكر، بيروت، ط6، تحقيق: د. مازن المبارك ومحمد على حمد الله، 1985م]

وكان من ديدن أبي العلاء والتبريزي توضيح المرجعية التي تعود إليها الضمائر، إذا أحسا أن القارئ سيتردد في هذا. قال التبريزي عند قول أبي تمام: سَقَتهُ ذُعافًا عادَةُ الدَّهرِ فيهِمُ ... وَسَمُّ اللَّيالي فَوقَ سَمِّ الأَساوِدِ [بحر الطويل] ((الهاء في سقته للربع)) (¬1). وقال عند قول أبي تمام: إِذا تَباعَدَتِ الدُُّنيا فَمَطلَبُها ... إِذا تَوَرَّدتَهُ مِن شِعبِهِ كَثَبُ [بحر البسيط] ((.. والهاء في شعبه للممدوح)) (¬2). وقال عند قول أبي تمام:: سَبَقَت خُطا الأَيّامِ عُمرَيّاتُها ... وَمَضَت فَصارَت مُسنَدًا لِلمُسنَدِ [بحر الكامل] ((عُمرَيّاتُها: قديماتها، والهاء في عُمرَيّاتُها راجعة على مساعي الممدوح)) (¬3). وقال عند قول أبي تمام: أَنهَبتَ أَرواحَهُ الأَرماحَ إِذ شُرِعَت ... فَما تُرَدُّ لِرَيبِ الدَهرِ عَنهُ يَدُ [بحر البسيط] ((الهاء في أرواحه: راجعة إلى المنهزم)) (¬4). [2] الإشارية: من روابط الجملة بما هي خبر عنه ـ كما قال ابن هشام ـ اسم الإشارة. والإشارة يمكن أن تحقق ((دورا مماثلا لدور الضمائر (...) ومن ثم لاحظنا أن الضمائر واسم الإشارة لهما ذكر كثير في القرآن المكي خاصة)) (¬5). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 69ب4]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 245ب20]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 50ب24]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 17ب29]. (¬5) علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 144

وقد اعتبر د. تمام حسان أسماء الإشارة والأسماء الموصولة قسمين من أقسام الضمائر التي ((تلعب دورا هاما جدا في علاقة الربط؛ فعودها إلى مرجع يغني عن تكرار لفظ ما رجعت إليه ومن هنا يؤدي إلى تماسك أطراف الجملة)) (¬1). واعتمد أبوالعلاء على هذا النوع من الربط عند قول أبي تمام: مَتى يُرعي لِقَولِكَ أَويُنيبُ وَخِدناهُ الكَآبَةُ وَالنَحيبُ وَما أَبقى عَلى إِدمانِ هَذا وَلا هاتا العُيونُ وَلا القُلوبُ [بحر الوافر] ((أشار بـ ((هذا)) إلى النحيب، وبـ ((هاتا)) إلى الكآبة)) (¬2). [3] المبتدأ وخبره: تحدث علماؤنا الأقدمون ـ في باب المبتدإ والخبر ـ عن نوع من التماسك بينهما. و ((نجد سيبويه ـ على سبيل المثال ـ قد تحدث عن التماسك لكن على مستوى الجملة؛ فيتحدث عن قوة التماسك بين المبتدأ والمبني عليه؛ و ((أن المبني عليه هوهو)) أوكما قال المبرد: ((فالخبر هوالابتداء في المعنى)))) (¬3). وكانت من وسائل الشرح عند التبريزي أن يذكر العلاقات النحوية بين أجزاء الجملة ومنها علاقات الابتداء والخبرية، ولا يذكر شيئا آخر معتبرا هذا توضيحا وبالتالي تماسكا. قال عند قول أبي تمام: وَأَنتَ وَقَد مَجَّت خُراسانُ داءَها وَقَد نَغِلَت أَطرافُها نَغَلَ الجِلدِ ¬

(¬1) اللغة العربية معناها ومبناها: ص 113، ومن الجدير بالذكر أن الضمير Pronoun في اللغة الإنجليزية أحد أجزاء الكلام Parts of Speech ، وهو أقسام عدة، منها: - Personal pronoun : I , you , he , she ... - Demonstrative pronoun أسماء الأشارة: this , these , that , those , - Relative pronoun الأسماء الموصولة: who , whom , which , ... . - The Fact of English , Dr. Hesham Hasan , p.196 ينظر: ... - The lexicon Webster Dictionary : this , who , these , (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 552ب2]. (¬3) علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 142

وَأَوباشُها خُزرٌ إِلى العَرَبِ الأُلى لِكَيما يَكونَ الحُرُّ مِن خَوَلِ العَبدِ لَيالِيَ باتَ العِزُّ في غَيرِ بَيتِهِ وَعُظِّمَ وَغدُ القَومِ في الزَّمَنِ الوَغدِ وَما قَصَدوا إِذ يَسحَبونَ عَلى المُنى بُرودَهُمُ إِلّا إِلى وارِثِ البُردِ وَراموا دَمَ الإِسلامِ لا مِن جَهالَةٍ وَلا خَطَإٍ بَل حاوَلوهُ عَلى عَمدِ فَمَجّوا بِهِ سَمُّا وَصابًا وَلَونَأَت سُيوفُكَ عَنهُم كانَ أَحلى مِنَ الشَهدِ ضَمَمتَ إِلى قَحطانَ عَدنانَ كُلَّها وَلَم يَجِدوا إِذ ذاكَ مِن ذاكَ مِن بُدِّ [بحر الطويل] ((أنت: مبتدأ وخبره: ((ضَمَمتَ إِلى قَحطانَ عَدنانَ كُلَّها)))) (¬1). [4] المفعولية: الفعل ((قال)) يكون ((بمعنى النطق والتلفظ؛ فينصب مفعولا به واحد، نحو: چ ? ? چ [هود 69]، [أو يكون] جملة سدت مسد المفعول به، اسمية كانت، نحو قول الرسول: ((الدين المعاملة))، أو فعلية، نحو: قال أعرابي: ((تصفوالنفوس بسماع الأحاديث الراقية)) ...)) (¬2). وسد الجملة مسد المفعول به مع الفعل قال فيه نوع تماسك أبرزه التبريزي في قول أبي تمام: وَغابِطٍ في نَداكَ قُلتُ لَهُ وَرُبَّ قَولٍ قَوَّمتُ مِن ضَلَعِه نَعَتُّ سَيفًا أَغفَلتُ قائِمَهُ وَظَبيَ قُفٍّ سَهَوتُ عَن تَلَعِه [بحر المنسرح] ((وهذا البيت في موضع مفعول قلت)) (¬3). [5] البدلية: البدل في العربية ((يقوم بوظيفة التماسك النصي)) (¬4). وقد أشار النحاة إلى أن الغرض الأصيل للبدل هو ((في الغالب تقرير الحكم السابق وتقويته بتعيين المراد، وإيضاحه، ورفع الاحتمال عنه؛ لأن هذا الحكم ينسب ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 121ب17]. (¬2) المعجم الوافي في أدوات النحوالعربي: ص 226 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 349ب25] ويُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتي: [2/ 351ب4] (¬4) علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 117

أولا للمتبوع فيكون ذكر المتبوع تمهيدا للتابع الذي سيجيء، وتوجيها للنفس لاستقباله بشوق ولهفة. فإذا استقبلته وعرفته استقبلت معه الحكم وعرفته أيضا؛ فكأن الحكم قد ذكر مرتين؛ وفي هذا تقوية للحكم وتوكيد، ولأجل تحقيق هذا الغرض لا يصح أن يتحد لفظ البدل والمبدل منه إلا إذا أفاد الثاني زيادة بيان وإيضاح)) (¬1). ومما أشار إليه النحاة أيضا ((أن البدل في حكم تكرير العامل)) (¬2). والتكرار ((له أثره الواضح في النص والتواصل، وذلك راجع إلى عملية التخزين والاسترجاع التي تدور في ذهن المرسل والمستقبل للمفاهيم والأحداث التي يدور حولها الخطاب النصي)) (¬3). وهذا ما لجأ إليه أبوتمام وأبرزه التبريزي عند قوله: وَالمَركَبُ المُنجي فَمَن يَعدِل بِهِ يَركَب جَموحًا غَيرَ ذاتِ لِجامِ يَتبَع هَواهُ وَلا لَقاحَ لِرَهطِهِ بَسلٌ وَلَيسَت أَرضُهُ بِحَرامِ [بحر الكامل] ((قوله: يتبع هواه، بدل من قوله: يركب جموحا، وهذا بدل الفعل من الفعل، وهو مناسب لبدل التبيين؛ لأن معنى قوله: ((يتبع هواه)) جائز أن يشتمل عليه قوله ((يركب جموحا))، مثل هذه الآية:چ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ... ? ? چ [الفرقان 68، 69]؛فجعلچ ٹچ بدلا من چ ٹچ)) (¬4). ـ وقوله: ما خَطبُهُ ما دَهاهُ ما غالَهُ ... ما نالَهُ في الحِسانِ مِن خُرُدِه السالِباتِ امرَءًا عَزيمَتَهُ بِالسِّحرِ وَالنافِثاتِ في عُقَدِه [بحر المنسرح] ¬

(¬1) النحوالوافي: 3/ 665 (¬2) النحوالوافي: 3/ 665، هامش 1 (¬3) التماسك النصي ودور المعاني النحوية فيه: د. محمد البدري عبد العظيم كامل، ص 174 [رسالة دكتوراه، كلية دار العلوم، 2007] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 207ب34].

((السالبات: بدل من خرده)) (¬1). [6] لما الظرفية: من وسائل التماسك التي أبرزها التبريزي ((لَمَّا)) الظرفية الزمانية، والتي من خواصها أنها ((بمعنى حين، مبنية على السكون في محل نصب، وتسمى أحيانا حرف وجود لوجود، وسماها بعضهم حرف وجوب لوجوب؛ ولذا فهي تحتاج إلى متعلق وإلى جملتين في الغالب، وأن يكون فعل كل منهما ماضيا)) (¬2). قال أبوتمام: فَلَمّا تَراءَت عَفاريتُهُ سَنا كَوكَبٍ جاهِلِيِّ السَّناءِ وَقَد سَدَّ مَندوحَةَ القاصِعاءِ مِنهُم وَأَمسَكَ بِالنافِقاءِ طَوى أَمرَهُم عَنوَةً في يَدَيهِ طَيَّ السِّجِلِّ وَطَيَّ الرِّداءِ [بحر المتقارب] ((طوى في أول البيت متصل بـ ((لَمّا تَراءَت)) لأن ((لما)) تفتقر إلى فعلين)) (¬3). • التماسك الدلالي بلا رابط: أحيانا يظهر التماسك الدلالي بين بيتين أوأكثر، بحيث تتوقف دلالة بيت سابق على دلالة بيت لاحق أوالعكس؛ فقد يكون ((البيت لشدة تماسكه دلاليا بالذي يليه، خاليين من الروابط اللفظية؛ لكي تربطهما الدلالة)) (¬4). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 424ب3]، وتُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتية: [1/ 414،415ب25]، [3/ 44ب44]، [3/ 274ب13] (¬2) المعجم الوافي في أدوات النحوالعربي: د. علي توفيق الحمد، ويوسف جميل الزغبي، ص 286 (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 19ب21]، ومما يتصل بأدوات التماسك أيضا بالإضافة إلى ما سبق ((متعلق حرف الجر)) وذلك أنَّ تعلُّقَ حرفِ الجر بالفعل أوما يشبهه هوارتباطه به ارتباطًا معنويًا؛ ليكون من متمِّماتِ ذلك العاملِ وقيوده، تُنْظَرُ المواضع الآتية في هذه الجزئية: [2/ 189ب24]، [2/ 106ب25]، [2/ 44ب3]، [2/ 45، 46ب7]، [2/ 34ب6] (¬4) علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق: د. صبحي إبراهيم الفقي، ص 141

وهذا ما يمكن أن نسميه بالتماسك السياقي الذي عبر عنه عبد القاهر الجرجاني بقوله: ((أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب، حتى يُعلَّق بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض، وتجعل هذه بسبب من تلك)) (¬1). وقد صرح التبريزي بأهمية توالي الأبيات في إيضاح بعضها بعضا فقال: ((.. ومثل هذا كثير يتفق في الشعر، يكون البيت يحتمل وجوها، فإذا سمع البيت الذي يليه قصره على واحد من تلك الوجوه)) (¬2). وكثيرا ما نقرأ عند التبريزي العبارات التالية: ((والبيت الذي بعده يوضحه)) (¬3)، وقوله: ((وأتبع ذلك بقوله ـ البيت التالي ـ)) (¬4)، وقوله: ((ويقوى هذا البيت الذي بعده)) (¬5)، وقوله: ((والبيت الذي بعده يدل عليه)) (¬6)، وقوله: ((وهذا تفسير قوله ـ الأبيات التالية ـ)) (¬7)، وقوله: ((وقد بين الطائي غرضه بقوله ..)) (¬8). ومثال ذلك: أَلحَقنَ بِالجُمَّيزِ أَصلَكَ صاغِرًا وَالشيحُ يَضحَكُ مِنكَ وَالقَيصومُ طَبَقاتُ شَحمِكَ لَيسَ يَخفى أَنَّها لَم يَبنِها آءٌ وَلا تَنّومُ يا شارِبًا لَبَنَ اللِّقاحِ تَعَزِّيًا الصبرُ مَن يَقنيهِ وَالحالومُ وَالمُدَّعي صورانَ مَنزِلَ جَدِّهِ قُل لي لِمَن أَهَناسُ وَالفَيّومُ [بحر الكامل] ¬

(¬1) دلائل الإعجاز ص 55 (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 417]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 97، 98]، [4/ 33ب56] (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 196ب5]. (¬5) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 357ب5]. (¬6) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 338ب9]. (¬7) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 107ب39]. (¬8) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 158ب3].

قال التبريزي: ((هذه الأبيات كلها كالشرح للبيت الذي فيه ذكر الجميز)) (¬1). ـ قال أبوتمام: غَرَّبَتهُ العُلى عَلى كَثرَةِ النا سِ فَأَضحى في الأَقرَبينَ جَنيبا فَليَطُل عُمرُهُ فَلَوماتَ في مَر ومُقيمًا بِها لَماتَ غَريبا [بحر الخفيف] ((تفسير لقوله: ((فَأَضحى في الأَقرَبينَ جَنيبا)))) (¬2). ... ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 427ب10، 11، 12]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 162ب18]، وينظر أيضا:، [2/ 149ب10].

الباب الثاني منهجا أبي العلاء والتبريزي في شرح ديوان أبي تمام

الباب الثاني منهجا أبي العلاء والتبريزي في شرح ديوان أبي تمام ويشتمل على: · تمهيد: أهمية الحديث عن المنهج والوقوف على مناهج العلماء. · تحرير مصطلح ((منهج)) المستخدم في هذا الباب. · الفصل الأول: منهج أبي العلاء في شرح ديوان أبي تمام. · الفصل الثاني: منهج التبريزي في شرح ديوان أبي تمام. · الفصل الثالث: مقارنة بين منهجي أبي العلاء والتبريزي.

تمهيد: أهمية الحديث عن المنهج والوقوف على مناهج العلماء.

تمهيد: أهمية الحديث عن المنهج والوقوف على مناهج العلماء. إن الحديث عن مناهج العلماء والمفكرين في كتاباتهم وأقوالهم ليس من باب العبث الفكري، ولا من قبيل الثقافة الذهنية المجردة، بل هو حديث من الأهمية بمكان. وهو أمر يجب أن يتجه إليه الباحثون في مختلف الفنون؛ إذ أن ((الكشف عن هذه المناهج لدى مفكري الإسلام تعتبر في رأينا ـ بالإضافة إلى قيمته التاريخية ـ أفضل مدخل للتراث الإسلامي في جملته. فهو الذي يوضح الخطوات القياسية أو الاستقرائية التي اتبعها المفكرون والعلماء المسلمون في مختلف أوجه النشاط التي مارسوها)) (¬1). وقد أقر علماؤنا ونصوا على أن هناك ((مناهج خفية)) سن لنا ((آباؤنا وأسلافنا طرقها)) (¬2)؛ يجب التنقيب عنها وتجليتها. وقد يكون من أوجه القصور التي يمكن أن توجه لنا ـ نحن الباحثين ـ عدم الوقوف على مناهج العلماء والمفكرين. فها هو الشيخ محمود شاكر يحدثنا عن تجربته التي قاساها وعانى لايَها في سبيل تحديد منهج يتذوق به الكلام العربي، وكيف أنه قام بتطبيق هذا المنهج على كتابه ((المتنبي)) الذي كان مفاجأة مثيرة لجمهرة الأدباء والقارئين، وذلك لأنه ـ كما يقول ـ ((مكتوب على منهج وجدوه فريدا متميزًا، مباينا مدبه كل المباينة لجميع المناهج الأدبية المختلفة المألوفة)) (¬3). ثم نجده يُنْحي باللوم، ويشد بالنكير على هؤلاء الذين لم يجدوا من وقتهم ((ساعات للتأمل والأناة والصبر، للبحث عن هذا المنهج الغريب غير المألوف الذي وجدوه ¬

(¬1) د. حامد طاهر: الفلسفة الإسلامية مدخل وقضايا، ص37، بدون بيانات أخرى. (¬2) محمود محمد شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص15، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1997م. (¬3) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص17

أمامهم مطبقا في كتاب كامل، وأحس به كل منهم إحساسا خفيا دعاه إلى المعارضة أو الثناء. وهذا خذلان كبير، غفر الله لنا ولهم، وتجاوز عن سيئاتنا وسيئاتهم)) (¬1). وعدم الالتفات إلى هذا المنهج، وعدم الوقوف عليه جعله يقول في موضع آخر: ((فهذا، كما ترى، منهج متشعب مطبق على أصناف الكلام العربي، قراءة له أو بيانا عنه. وببديهة العقل لم يكن من عملي، ولا هو من عمل أي كاتب مبين عن نفسه، أن يبدأ أول كل شيء فيفيض في شرح منهجه في القراءة والكتابة = وإلا يفعل، كان مقصرا تقصيرا لا يُقبل منه بل يُرد عليه = ثم يكتب بعد ذلك ما يكتب ليقول للناس: هذا هو منهجي، وهاأنذا قد طبقته. هذا سخف مريض غير معقول، بل عكسه هو الصحيح المعقول، وهو أن يكتب مطبقا منهجه، وعلى القارئ والناقد أن يستشف هذا المنهج ويتبينه، محاولا استقصاء وجوهه الظاهرة والخفية، مما يجده مطبقا فيما كتب الكاتب)) (¬2). إن البحث عن مناهج العلماء المختلفة والوقوف عليها يقودنا إلى نفس الثمرة التي يسعى إليها الفيلسوف المنهجي ((الذي يتجاوز حدود التخصص المعين، ويستقرئ المناهج المختلفة للعلوم محاولا الاتجاه نحو التعميم، حتى يقدم لنا صورة إجمالية للمناهج التي يسلكها العقل الإنساني، للكشف عن حقيقة العلوم)) (¬3). كما أن الوقوف على مناهج العلماء والمقارنة بينها يمكن من الحصول على منهج ((متفق عليه)) لتفسير النصوص الأدبية منها وغير الأدبية، والوقوف على فهم سليم لها. **** ¬

(¬1) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص 17 (¬2) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص 20, 21 (¬3) د. عبد اللطيف محمد العبد، دراسات في الفلسفة الإسلامية ص191، مكتبة النهضة الإسلامية، 1979م

تحرير مصطلح ((منهج)) المستخدم في هذا الباب

تحرير مصطلح ((منهج)) المستخدم في هذا الباب المقصود بكلمة ((منهج)) في هذا البحث هوالمعنى العام، بدون التقيد بوصف معين لهذا المنهج (¬1). والمعنى العام لكلمة ((منهج)) هو: ((الخطوات المحددة لفعل شيء ما))، أوهو: ((مجموعة الخطوات المنظمة لفعل شيء ما)). وهذا هوالمعنى اللغوي الذي ذكر في المعاجم اللغوية العربية والإنجليزية الحديثة، والمعنى العام الذي ذكر في المعاجم الفلسفية المتخصصة. [1] جاء في ((أساس البلاغة)): ((نَهَجْتُ الطريقَ: بيَّنتُه، وانتهجتُه: استبنتُه، ونهج الطريقُ وأنهج: وضح)) (¬2). [2] وجاء في مختار الصحاح: ((المنهج والمنهاج: الطريق الواضح، ونهج الطريق: أبانه)) (¬3). [3] وجاء في المعجم الوسيط: ((... المنهاج (= المنهج) الخطة المرسومة [محدثة]، ومنه: منهاج الدراسة، ومنهاج التعليم ونحوهما)) (¬4). [4] وجاء في المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية: ((المنهج بوجه عام وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة)) (¬5). ¬

(¬1) ورد في ((المعجم الفلسفي)) الصادر عن مجمع اللغة العربية تحت كلمة ((منهج Method)) أنواعٌ مختلفة من المناهج، وهي: ((المنهج العلمي Methode Scientifique)) ، و ((المنهج التاريخي Historical Method)) ، ((المنهج التركيبي Reconstructive (Methode))) ، و ((المنهج الذاتي (Subjective (Methode))، و ((المنهج الكمي Methode quantative)) ، و ((المنهج المقارن Comparative Method)) ، وكل منهج من هذه المناهج له تعريف يختلف عن الآخر [المعجم الفلسفي، ص 195، مجمع اللغة العربية، ط القاهرة 1983]. (¬2) الزمخشري، مادة (ن. هـ. ج): ص 998، (ط دار الشعب، 1960). (¬3) مادة (ن. هـ. ج): ص 681، عني بترتيبه: السيد محمود خاطر. (¬4) مادة (ن. هـ. ج): [2/ 995]، (ط3 مجمع اللغة العربية). (¬5) المعجم الفلسفي: ص 195.

[5] وفي معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: ((المنهج بوجه عام وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة)) (¬1). [6] وجاء في معجم OXFORD : معنى ((منهج (method) : 1) النظام. 2) طريقة فعل شيء ما)) (¬2). [7] وجاء في معجم WEBSTER : معنى ((منهج (method) : 1) طريقة لفعل أي شيء (بطريقة منظمة). 2) نظام متبع عند تنفيذ الأشياء والأفكار)) (¬3). [8] وجاء في معجم A DICTIONARY OF PHILOSOPHY : ((المنهج ـ بمعناه العام ـ وسيلة ما لتحقيق هدف ما، أوهوطريقة محددة لتنظيم النشاط)) (¬4). وبذلك نتبين أن المقصود بالمنهج في هذا البحث هو: الطريقة المتبعة لفعل أوتوضيح شيء ما. وأن المنهج ليس سوى ((خطوات منظمة يتبعها الباحث في معالجة الموضوعات التي يقوم بدراستها إلى أن يصل إلى نتيجة معينة)) (¬5)؛ وأن ما سيقوم به الباحث خلال الصفحات التالية هوتوضيح منهج أبي العلاء والتبريزي؛ أي: طريقتهما المتبعة في شرح ديوان أبي تمام. ******* ¬

(¬1) مجدي وهبة، كامل المهندس، ص 393، مكتبة لبنان، بيروت ط2، 1984م (¬2) S.Hornby :p 533 (Oxford University Press) (¬3) WEBSTER S NEW WORLD DICTIONARY: David B.Guralnik , p 471 (¬4) M.Rosenthal and P.Yudin : p 289(First printing 1967) ، والنص المترجم عاليه ـ والترجمة للباحث ـ هو: Method , in its most general meaning , is a means of achieving an aim , a definite way of ordering activity . (¬5) د. عبد اللطيف محمد العبد: دراسات في الفلسفة الإسلامية، ص 190، مكتبة النهضة الإسلامية، 1979م

الفصل الأول منهج أبي العلاء في شرح ديوان أبي تمام

الفصل الأول منهج أبي العلاء في شرح ديوان أبي تمام ويشتمل على العناصر الآتية: ـ العنصر الأول من عناصر المنهج: ((توثيق الرواية)). ـ العنصر الثاني: توظيف قرينة السياق. ـ العنصر الثالث: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره. ـ العنصر الرابع: توظيف خصائص الصنعة الشعرية ـ العنصر الخامس: تأويل البيت كل التأويلات الممكنة في غياب القرينة المحددة لمعنى معين. ـ العنصر السادس: الاهتمام بالجوانب الدلالية للكلمة المشروحة. ـ العنصر السابع: الشرح بالإعراب. ـ العنصر الثامن: دعم الشرح وتأييده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشعر والأمثال العربية وأقوال الأدباء.

ـ العنصر الأول من عناصر المنهج ((توثيق الرواية))

الفصل الأول منهج أبي العلاء في شرح ديوان أبي تمام عناصر منهج أبي العلاء في شرح ديوان أبي تمام: المنهج عند أبي العلاء يتلخص في جملة من العناصر الآتية: ـ العنصر الأول من عناصر المنهج ((توثيق الرواية)): ختم الله شرائعه بشريعة الإسلام على يد خاتم رسله محمد ـ صلى الله عليه وسلم. وقد أحب المسلمون نبيهم وأحبوا سنته، وحرصوا على رواية هذه السنة وتطبيقها. ومع اتساع الفتوحات، ودخول الناس في دين الله أفواجًا كثر الحاقدون على الشريعة الغراء، وكثر دس الأحاديث المكذوبة والموضوعة في السنة المطهرة؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور ((علماء الحديث)) الذين ((اجتهدوا في التوثق من صحة كل حديث وكل حرف رواه الرواه، ونقدوا أحوالهم ورواياتهم، واحتاطوا أشد الاحتياط في النقل، فكانوا يحكمون بضعف الحديث لأقل شبهة في سيرة الناقل الشخصية)) (¬1). وكان نتيجة هذا التمحيص والتدقيق في مرويات الحديث النبوي ظهور علم من أجل علوم المسلمين ألا وهو علم الحديث، حرر فيه علماؤه ((القواعد لقبول الحديث، وهي قواعد هذا الفن، وحققوها بأقصى ما في الوسع الإنساني، احتياطا لدينهم، فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها دقة)) (¬2). وكان تأثير قواعد علماء الحديث على غيرهم من علماء الفنون الأخرى تأثيرا عظيما، جعل الشيخ أحمد شاكر يقول في مقدمة شرحه الباعث الحثيث: ((وقلدهم فيها العلماء في أكثر الفنون النقلية؛ فقلدهم علماء اللغة، وعلماء الأدب، وعلماء التاريخ وغيرهم؛ فاجتهدوا في رواية كل نقل في علومهم بإسناده، كما تراه في كتب ¬

(¬1) أحمد محمد شاكر: الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ص7، مكتبة التراث، ط3، 1979م (¬2) السابق: 7

المتقدمين السابقين، وطبقوا قواعد هذا العلم عند إرادة التوثق من صحة النقل في أي شيء يرجع فيه إلى النقل)) (¬1). وما تأثير منهج المحدثين على أبي العلاء وتلميذه التبريزي ببعيد، فأبو العلاء توفي في منتصف القرن الخامس الهجري تقريبا (449هـ) والتبريزي في بداية القرن السادس (512هـ) وهي فترة متأخرة عن بدايات الكتابة في الحديث النبوي التي بدأت على يد الإمام الشافعي (204هـ) في كتابه الرسالة، ثم جمع الترمذي (279هـ) بعض بحوث هذا العلم في خاتمة جامعه، ثم وضع كتاب مستقل في علم أصول الحديث على يد القاضي أبو محمد الرامهرمزي المتوفى 360هـ (¬2). وإذا ضممنا إلى ما سبق ما أثبتناه في ترجمة أبي العلاء والتبريزي من سماعهما للحديث وروايتهما له تأكد لدينا هذا التأثر. ويزداد تأكدنا من تأثرهما بمنهج المحدثين من خلال شرحهما، فأولى الخطوات التي قام بها أبوالعلاء في شرحه هي ((توثيق الرواية))، الذي يتمثل في ذكر أبي العلاء للروايات المختلفة للبيت قيد الشرح، والتنبيه على الضعيف منها (¬3)، والاعتماد في الرواية على الثقات والمقابلة بين المرويات، فلم يكن أبوالعلاء يكتفي بشرح البيت فقط، بل يقوم بذكر هذه الروايات المختلفة، ويحاول أن يجمع بين هذه الروايات في الشرح طالما أن المعنى العام والسياق يسمحان بذلك. ويمكن أن نقسم هذه الروايات إلى الأقسام الآتية: 1) رواية فردية: أي ذكر رواية أخرى للفظة واحدة في البيت. ¬

(¬1) الباعث الحثيث: ص7 (¬2) د. أحمد عمر هاشم: قواعد أصول الحديث، ص7، بدون بيانات أخري، 1988م (¬3) قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: مُر دَهرَهُ بِالكَفِّ عَن جَنَباتِهِ ... فَالدَّهرُ يَفعَلُ صاغِرًا ما تامُرُه [بحر الكامل] ((من روى: ((مُرْ دهره بالبُعْد)) أو ((بالسحق)) فهي رواية ضعيفة)) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 212].

2) رواية ثنائية: أي ذكر روايتين لأحد ألفاظ البيت، أولفظتين فيه. 3) رواية ثلاثية: أي ذكر ثلاث روايات لأحد ألفاظ البيت أوللفظين، أوثلاثة ألفاظ. 4) رواية رباعية: أي ذكر أربع روايات للفظة أوعدة ألفاظ. 5) رواية مختلفة لمعظم ألفاظ البيت. وذكر أبي العلاء للروايات المختلفة للأبيات التي يشرحها في أي شرح يشرحه أمر ملحوظ، حتى يمكن اعتبار هذا صفة في شروحه، فـ ((أبو العلاء أكثر الشراح ذكرا لرواية أخرى، وأكثرهم كذلك احتيالا على وجه آخر في تخريج المعنى)) (¬1). وما كان لأبي العلاء أن يكون ملما بهذه الروايات المختلفة إلا إذا كان على علم ومعرفة بنسخ ديوان أبي تمام المختلفة، وهذا ما نراه في شرحه على الديوان (¬2). ¬

(¬1) د. عبد المجيد دياب: أبو العلاء الزاهد المفترى عليه، ص 158 (¬2) من ذلك مثلا قول أبي العلاء عند قول أبي تمام: وَلَعَمري أَن لَوأَصَختُ لَأَقدَمتُ لِحَتفي ضَغينَةَ الحُسّادِ [بحر الخفيف] ((هذا البيت يروى على وجوه، ولا شك أن بعضها تصحيف، ومن أجود الروايات: ((لأقدمت لحتفي صينية الحساد))، وكذلك هو في كثير من النسخ)) يُنْظَرُ الديوان: [1/ 364]. وفي موضع آخر يقول عند قول أبي تمام: وَغابِطٍ في نَداكَ قُلتُ لَهُ ... وَرُبَّ قَولٍ قَوَّمتُ مِن ضَلَعِه [بحر المنسرح] ((يقع في بعض النسخ ((من ظَلَعه))، والأجود ((الظَّلْع)) بسكون اللام، وقد حكي ((الظَّلَع)) بالتحريك، وأحسب الظاء خطأ من الكاتب))، يُنْظَرُ ديوان أبي تمام: [2/ 348]. وفي موضع ثالث يقول عند قول أبي تمام: وَأَلبَسَهُم عَصبَ الرَبيعِ وَوَشيَهُ ... وَيُمنَتَهُ نَبتُ النَّدى المُتَلاحِكُ [بحر الطويل] ((في النسخ ((أَلْبَسَهم))، والأشبه ((ألبسه)) ...)) [2/ 457]. وقال في موضع رابع عند قول أبي تمام: فَبَنوأُمَيَّةٍ الفَرَزدَقُ صِنوُهُم ... نَسَبًا وَكانَ وِدادُهُم في الأَخطَلِ [بحر الكامل] ((وفي بعض النسخ ((وبنوأمية والفرزدق)) بواو ...)) [3/ 52].

ونذكر هنا الإحصاء الآتي (¬1): العدد الإجمالي لأبيات ديوان أبي تمام ... عدد الأبيات التي شرحها أبوالعلاء ... عدد الروايات الفردية ... عدد الروايات الثنائية ... عدد الروايات الثلاثية ... عدد الروايات الرباعية ... البيت بأكمله 7496 إذن المجموع الكلي للروايات: (158) رواية؛ أي إن أبا العلاء قام بتوثيق ما يقرب من خُمْسِ ديوان أبي تمام. ومن الواضح أن أبا العلاء ـ في ذكره لهذه الروايات وجمعه بينها في شرحه ـ متأثر بالجو العلمي الذي خلقته البيئة الإسلامية في عصره عامة وأسلوب القراء وأهل الحديث النبوي خاصة، الذين كانوا يحرصون على توثيق الرواية عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذكر كل الروايات المتعلقة بالحديث الواحد، أوكل القراءات المتعلقة بالآية الواحدة، والذين يحرصون أيضا على الجمع بين الروايات بدلا من إهمالها. ولم يقتصر الأمر مع أبي العلاء على مجرد توثيق الرواية، بل تعداه إلى توثيق ترتيب القصائد في الديوان، وكان يعتمد في ذلك على العلماء الثقات الموثوق برأيهم. يقول أبوالعلاء عند بداية قصيدة لأبي تمام أولها: كانَت صُروفُ الزَمانِ مِن فَرَقِكْ ... وَاِكتَنَّ أَهلُ الإِعدامِ في وَرَقِكْ [بحر المنسرح] ((وهذه القصيدة أثبتت في القافيات؛ ورأي العلماء المتقدمين الذين يوثق بهم أن تجعل في الكافيات، وإنما صيرها على (القاف) قوم متأخرون في زمان الصولي وطبقته)) (¬2). ¬

(¬1) العدد الإجمالي لأبيات أبي تمام، وعدد الأبيات التي شرحها أبوالعلاء مأخوذ من مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي (العنوان: تراثنا النقدي الجزء الأول مقال: خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام، للهادي الجطلاوي) [1/ 137]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 404].

ـ العنصر الثاني من عناصر المنهج توظيف قرينة السياق

وتعدى الأمر إلى توثيق من يعتمد عليهم عند شرح الألفاظ، قال أبوالعلاء: ((شُبَانة: اسم لم يذكر أهل اللغة الموثوق بهم له اشتقاقا)) (¬1). وما قام به أبو العلاء في شرحه أمر استقر عليه علماء المناهج، إذ قرروا أنه ((من الضروري للباحث في التاريخ أن يتحرى نصوص هذه الأصول، ويتثبت من حرفية ألفاظها وعباراتها المخطوط منها والمطبوع، قبل أن يستخدم المعلومات الواردة بها)) (¬2). ***** ـ العنصر الثاني من عناصر المنهج توظيف قرينة (¬3) السياق: الاحتفاء بالقرائن أمر اعتنى به العلماء على اختلاف مشاربهم، من فقهاء، ومفسرين، وأصوليين، وبلاغيين، ونحويين. فنجد الفقهاء مثلا يقررون قاعدة ((إذا قويت القرائن قدمت على الأصل))، بمعنى ((أن القرائن التي تحتف بالأحكام قد تقوى؛ فتقدم على الأصل)) (¬4). ونجد من بين المفسرين من يقول: ((إن القرآن يفسر بعضه بعضا، وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ، موافقته لما سبق له من القول، واتفاقه مع جملة المعنى، وائتلاف مع القصد الذي جاء له الكتاب بجملته)) (¬5). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 74]. (¬2) د. حسن عثمان: منهج البحث التاريخي، ص105، دار المعارف، ط7، 1996م (¬3) في تعريفات الجرجاني ص 223: ((القرينة في الاصطلاح أمر يشير إلى المطلوب، وهي إما حالية أو معنوية أو لفظية)). (¬4) الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: القواعد والأصول الجامعة، ص 113، ط1، 1413هـ / 1993م، مكتبة ابن تيمية، القاهرة (¬5) تفسير المنار: 1/ 20

وعند الأصوليين نجد الشافعي في رسالته عند حديثه عن الاجتهاد وأدلته ما يستفاد منه اهتمامه بالقرائن القرائن العقلية وإيضاحه أن الله ((نصب لنا من العلامات والدلائل ما يعين على معرفة ما خفي)) (¬1). وللبلاغيين كلام طويل عن القرائن يؤكدون فيه أنه ((ليس للسامع أن يفهم المعنى المجازي ويعدل عن الحقيقة إلا إذا تبين له أن القائل قد نصب قرينة تصرف اللفظ عن أصله)) (¬2). ومن النحويين الأفذاذ من وضع نظرية للقرائن وقام بتقسيمها إلى القرائن المادية، والقرائن العقلية، وقرائن التعليق، وقسم هذه الأخيرة إلى: مقالية (معنوية / لفظية)، وحالية (¬3). ويمثل أبو العلاء النموذج الأدبي الذي اعتمد على القرائن في شرحه، فقد اعتمد على قرينة السياق؛ وقد كانت الوسيلة الأنجع لبيان ما غمَض من شعر أبي تمام؛ فقد استخدم هذه القرينة في ستة ومائتين موضعًا (206)، من مجموع ثلاثين وثمانمائة بيتا (830) شرحها أبوالعلاء (؛ أي: بنسبة 25 ? تقريبا). ويمكن أن نُصَنِّفَ القرائن المستخدمة في تلك المواضع إلى نوعين من قرينة السياق: 1) مجموعة مواضع يمكن أن نضعها تحت عنوان: ((قرينة السياق اللغوي Linguistic Context)) ، أو ((قرينة السياق الداخلي للحدث اللغوي Verbal Context)) . ¬

(¬1) سلسلة تقريب التراث، الرسالة، إعداد ودراسة د. محمد نبيل غنايم، ص 278، ط1، 1988م، مركز الأهرام للترجمة والنشر. (¬2) د. محمد رجب البيومي: خطوات التفسير البياني، 2/ 148 سلسلة مجمع البحوث الإسلامية، السنة التاسعة والعشرون ـ الكتاب الأول 1419/ 1998م (¬3) د. تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها، ص 190، دار الثقافة، طبعة 1994م، الدار البيضاء المغرب.

2) ومجموعة المواضع الأخرى تحت عنوان ((سياق الحال))، أو ((السياق الاجتماعي)) أو ((السياق الثقافي))، أو ((السياق غير اللغوي))، أو ((السياق المقامي Context of Situation)) (¬1) . ويمكن أن نضع تحت قرينة السياق اللغوي مجموعة من القرائن الفرعية التي قام البحث باستخلاصها وتصنيفها وهي: 1) القرينة النحوية. 2) القرينة الصرفية. ¬

(¬1) ينظر في هذا التقسيم الثنائي للسياق: ((الكلمة: دراسة لغوية معجمية، د. حلمي خليل، ص161 [دار المعرفة الجامعية ـ الإسكندرية، ط2، 1993]))، ((التحليل الدلالي: إجراءاته ومناهجه، د. كريم زكي حسام الدين، 1/ 95 ـ96 [دار غريب، ط1، 2000]))، ((اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، د. نادية رمضان النجار، ص 205 وما بعدها [دار الوفاء، الإسكندرية، ط1])). وينبغي أن نشير إلى أن د. تمام حسان قد أشار إلى أصناف من القرائن، وهي: 1ـ القرائن اللفظية: البنية، الإعراب، الربط، الرتبة، المطابقة، التضام. 2ـ القرائن المعنوية: التي هي أصول الوظائف النحوية. 3ـ القرائن الحالية: كأنواع الانفعالات، وتقطيبات الوجه، وطريقة الأداء الصوتي والإشارات 4ـ القرائن الخارجية: وهي ما يسمونه Context of Situation أوالظروف التي صاحبت إنتاج النص، ومنها أسباب نزول الآيات القرآنية، وذكر الظروف التي قيلت من أجلها القصيدة = (ينظر مقال: اللغة والنقد الأدبي، د. تمام حسان [مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، المجلد الرابع، العدد الأول، 1983 بعنوان: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب] ص 127). وقدم د. أحمد مختار عمر تقسيما آخر للسياق (نقلا عن K.Ammer) ذا أربع شعب: 1) ... السياق اللغوي Linguistic Context . 2) ... السياق العاطفي Emotional Context . 3) ... سياق الموقف Situation Context . 4) ... السياق الثقافي Cultural Context . (ينظر: علم الدلالة، ص 69، عالم الكتب، ط5، 1998).

3) القرينة العروضية. 4) القرينة الصوتية. 5) قرينة استعمال الشاعر. 6) قرينة الصنعة الشعرية. 7) قرينة الاستعمال اللغوي. 8) قرينة التناص. 9) القرينة البلاغية. ويمكن أن نضع تحت قرينة سياق الحال القرائن الفرعية الآتية: 1) القرينة الشرعية. 2) القرينة الثقافية. 3) القرينة الطبيعية. 4) القرينة العقلية. قرينة السياق اللغوي عند أبي العلاء: استخدم أبوالعلاء قرينة السياق في شرحه، وقد بلغ عدد المرات التي استخدم فيها هذه القرينة ـ بدون تصريح أوإشارة إلى أية نواح صرفية أونحوية أوعروضية ـ أربعين موضعا. في بعض هذه المواضع كان يذكر المعنى مباشرة بدون ذكره القرينة: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: تَحَيَّرَ في آرامِها الحُسنُ فَاغتَدَت ... قَرارَةَ مَن يُصبي وَنُجعَةَ مَن يَصبو [بحر الطويل] ((معنى ((تَحَيَّرَ)) في هذا الموضع أقام)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: جَمُّ التَّواضُعِ وَالدُّنيا بِسُؤدُدِهِ ... تَكادُ تَهتَزُّ مِن أَطرافِها صَلَفا [بحر البسيط] ((((الصلف)): قلة الخير، وهوهاهنا التيه)) (¬2). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 179 ب4]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 364 ب17].

ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام عند رثائه خالد بن يزيد الشيباني: أَلَم يَكُ أَقتَلَهُم لِلأُسودِ ... صَبرًا وَأَوهَبَهُم لِلظِّباءِ [بحر المتقارب] ((قولهم ((صبرا))؛ أي: يصابرهم في الحرب حتى يقتلهم، وليس هو من قولهم قتل فلان صبرا، إذا قدم فضُربت عنقه في غير الحرب)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: وَالفَتى مَن تَعَرَّقَتهُ اللَّيالي ... وَالفَيافي كَالحَيَّةِ النَّضناضِ [بحر الخفيف] ((قوله ((والفتي)): كلام محمول على حذف، كأنه قال: الفتي المحمود)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: كُلوا الصَّبرَ غَضًّا وَاشرَبوهُ فَإِنَّكُم ... أَثَرتُم بَعيرَ الظُّلمِ وَالظُّلمُ بارِكُ [بحر الطويل] ((أراد ((بالصبر)): عصارة شجرة مُرَّةً)) (¬3). وفي بعض الأحيان ينص أبوالعلاء على استخدامه للسياق اللغوي الذي يسميه ((الغرض))، و ((المعنى)). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لي عَبرَةٌ في الخَدِّ سا ... ئِرَةٌ وَبَيتٌ سائِرُ [بحر: مجزوء الكامل] ((يعني بـ ((بيت)) هاهنا أبياتا كثيرة؛ لأنه شائع في الجنس، (...) وقد يمكن أن يعني بـ ((بيت سائر)) بيتا واحدا على منهاج الكلام، ولكن الشاعر لم يرد ذلك، ,إنما يرجع إلى الغرض لا ظاهر اللفظ)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 16ب16]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 310ب10]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 460ب8]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 202ب3]. وفي الكليات للكفوي 1/ 339: ((الجنس: هو عبارَة عَن لفظ يتَنَاوَل كثيرا؛ ولا تتمّ ماهيته بفرد من هذا الكثير، (...) والجنس يدل على الكثرَة تضمنا، بمعنى أَنه مَفْهُوم كلي لا يمْنَع شركَة الكثير فيه، لا بمعنى أَن الكثرَة جُزْء مَفْهُومه)).

ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام يمدح الواثق: أَحذاكَها صَنَعُ اللِسانِ يَمُدُّهُ ... جَفرٌ إِذا نَضَبَ الكَلامُ مَعينُ [بحر الكامل] ((... ((والجفر)) بئر واسعة الفم، يقول بعضهم إنها تكون غير مطوية، وهي مع ذلك قليلة الماء، وقد ذكرها هاهنا في معنى يدل على الغزارة)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ ... نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَونَثرٌ مِنَ الخُطَبِ [بحر البسيط] ((والأبين في غرض الشاعر أن يكون ((فتح الفتوح)) منصوبا مبينا لقوله ما حل بالأوثان (¬2))) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام يمدح المعتصم بالله ويذكر حريق عمورية وفتحها: ما رَبعُ مَيَّةَ مَعمورًا يُطيفُ بِهِ ... غَيلانُ أَبهى رُبًى مِن رَبعِها الخَرِبِ [بحر البسيط] ((وفي بيت الطائي حذف يدل عليه المعنى (...) فكأن المعنى: ((ما ربع مية في نفس غيلان أبهى من هذا الربع الخَرِب في أعين المسلمين)))) (¬4). وهناك الكثير من تلك القرينة السياقية الخالصة (¬5). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 331ب44]. (¬2) يقصد قول أبي تمام في البيت السابق: لَوبَيَّنَت قَطُّ أَمراً قَبلَ مَوقِعِهِ ... لَم تُخفِ ما حَلَّ بِالأَوثانِ وَالصُلُبِ (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 45ـ46ب12]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 57ب32]. (¬5) لمزيد من المواضع ينظر المواضع الآتية من ديوان أبي تمام: [1/ 100]، [1/ 111 ـ 112، ب 8]، [1/ 123]، [1/ 15، ب12]، [1/ 155، ب30]، [1/ 163، ب22]، [1/ 165، ب30]، [1/ 167، ب37 هام]، [1/ 206 ـ 207، ب25]، [1/ 289، ب30]، [1/ 365، ب31]، [1/ 381 ـ 382، ب48]، [1/ 50، ب21]، [1/ 70، ب60]، [1/ 75، ب2]، [2/ 155، ب11]، [2/ 167، ب5]، [2/ 167، ب7]، [2/ 177، ب44]، [2/ 223، ب1]، [2/ 236، ب7]، [2/ 237، ب8]، [2/ 265، ب14]، [2/ 266]، [2/ 280، ب20]، [2/ 319، ب3]، [2/ 341، ب1، 2]، [2/ 361، ب8]، [3/ 11، ب25]، [3/ 114، ب4]، [3/ 21، ب1 هام]، [3/ 248، ب3]، [3/ 309، ب4]، [3/ 38، ب22]، [3/ 97 ب35] [4/ 22، ب29]، [4/ 26، ب40]، [4/ 29، ب37]، [4/ 83 ب19]

• مواضع استخدام القرينة النحوية: اعتمد أبوالعلاء على القرينة النحوية كقرينة سياق لغوي، وكان عدد مرات اعتماده على هذه القرينة اثنتي عشرة مرة. ومن ذلك قول أبي العلاء عند قول أبي تمام: أَطَلَّ عَلى كُلَى الآفاقِ حَتّى ... كَأَنَّ الأَرضَ في عَينَيهِ دارُ [بحر الوافر] ((... ومن روى ((كِلا الآفاقِ))، بكسر الكاف، وهويريد كل الآفاق فروايته خطأ؛ لأن ((كلا)) يستعمل للاثنين لا للجمع، ولم يأت في المسموع كلا القوم، ولا كلا الأصحاب، وإنما يقال: كلا الرجلين، وكلا الفرسين)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: تَرى حَبلَهُ غَرثانَ مِن كُلِّ غَدرَةٍ ... إِذا نُصِبَت تَحتَ الحِبالِ الحَبائِلُ [بحر الطويل] ((... ومن أنشد ((عُرْيَان)) فهو جدير بالتصحيف؛ لأن ((الغَرْث)) أحسن في الاستعارة هاهنا من ((العري))؛ ولأن ((عريانًا)) يجب أن يصرف إذ كان لا مانع له من الصرف)) (¬2). وفي النص السابق إشارة مهمة إلى كيفية استغلال العلامة الإعرابية في رد الرواية المصحفة، وبذلك يقدم أبو العلاء استخداما آخر للعلامة الإعرابية، غير كونها كاشفة عن المعاني ومميزة بينها، ألا وهو إمكانية استخدامها كأداة للحفاظ على النص من التحريف. ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 155ب12]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 126ب44].

وَكَأَنَّما آثارُها مِن مُزنَةٍ ... بِالميثِ وَالوَهَداتِ وَالأَخيافِ [بحر الكامل] ((... ومن روى ((مُزْنِه)) على الجمع فهي رواية ضعيفة؛ لأن قوله ((آثارها)) تشهد بتوحيد ((مُزْنَةٍ)))) (¬1). اعتمد أبو العلاء هنا على إحدى القرائن اللفظية وهي الربط بالضمير العائد الذي تبدو فيه المطابقة على متأخر لفظا. **** • مواضع استخدام القرينة الصرفية: وقد استخدمها أبوالعلاء في اثني عشر موضعا، ومن ذلك: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لَقَد أَخَذَت مِن دارِ ماوِيَّةَ الحُقبُ ... أَنُحلُ المَغاني لِلبِلى هِيَ أَم نَهبُ [بحر الطويل] ((الحُقْب: الدهر، واختلفوا في تفسيره، فقالوا ثلاثون سنة، وقالوا ثمانون (...) والصحيح أن الحقب برهة طويلة لا حد لها، وأُنِّثَ على معنى البرهة والمدة؛ لأن تذكير الحُقب غير حقيقي، وهذا أوجه من أن يقال الحقب جمع حِقبة؛ إذا أراد بها السنة؛ لأن ((فِعْلَة)) قلما تجمع على ((فُعْل)))) (¬2). والقرينة الصرفية التي لجأ أبو العلاء هنا يمكن أن نسميها بقرينة الاستعمال الصرفي؛ فهو لم يلجأ لقرينة صرفية من داخل بنية الكلمة لتحديد معناها بل لجأ للاستعمال الصرفي لتحديد المعنى المناسب والأوجه. ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: خَفَّت دُموعُكَ في إِثرِ الحَبيبِ لَدُن ... خَفَّت مِنَ الكُثُبِ القُضبانُ وَالكُثُبُ [بحر البسيط] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 329ب16]. ولمزيد من المواضع ينظر ديوان أبي تمام: [1/ 144]، [1/ 150، ب13]، [1/ 30]، [1/ 57]، [2/ 175، ب39]، [2/ 240، ب14]، [3/ 51 ـ 52، ب20]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 177ب1].

((.. أصل ((الخفوف)) من قولهم: خَفَّ القوم؛ إذا تحركوا، وهوراجع إلى الخفة التي هي ضد الثقل، إلا أنهم يفرقون بالمصادر بين الأفعال التي أصلها واحد في الاشتقاق؛ فيقولون: خَفَّ الشيء خِفَّةً، إذا كان خفيف الزِّنَة، وخَفَّ القوم خفوفا إذا ارتحلوا، وخف في حاجته؛ إذا أسرع)) (¬1). وعبارة أبو العلاء ((يفرقون بالمصادر بين ....))، إشارة إلى أسلوب اللغويين في شرح معاني الألفاظ، حيث درجوا على ذكر مصدر الفعل بعد الفعل ليكون هذا وسيلة لتحديد لمعناه، ورفع الالتباس عنه إذا اشترك معه فعل آخر في أصل الاشتقاق مثلما أشار أبو العلاء هنا. ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ضَمِنَت لَهُ أَعجاسُها وَتَكَفَّلَت ... أَوتارُها أَن تُنقَضَ الأَوتارُ [بحر الكامل] ((... و ((الأعجاس)): جمع عَجْس، وهوحيث يقبض الرامي من القوس، يقال: عَجْسٌ، وعِجْس، وعُجْس، والأحسن أن يكون أعجاس جمع عِجْس بكسر العين أوعُجْس بالضم؛ لأن ((فَعْلا)) لا يجمع على أفعال كثيرا)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ما سَرَّني بِخِداجِها مِن حُجَّةٍ ... ما بَينَ أَندَلُسٍ إِلى صَنعاءِ [بحر الكامل] ((... يقال: أخدجت الناقة إذا ألقت ولدها ناقصَ الخَلْق، وإن كانت شهورها تامة، وخدجت إذا ألقته لغير تمام، وقال قوم: خدجت وأخدجت سواء؛ وهذا القول أشبه بكلامهم؛ لأن فَعَلَ وأفعل يشتركان كثيرا. و ((الأندلس)) بناء مستنكر إن فتحت الدال وإن ضمت، وإذا حملت على قياس التصريف، وأجريت مجرى غيرها من العربي فوزنها ((فَعْلَلُلُ))،وهذا بناء مستنكر، ليس في كلامهم مثل ((سَفْرَجَل)) ولا ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 240ب3]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179ب50].

((سَفْرَجُل))، فإن ادعى مدع أنها ((فَنْعَلُل)) فقد خرج من حكم التصريف؛ لأن الهمزة إذا كان بعدها ثلاثة أحرف من الأصول لم تكن إلا زائدة)) (¬1). لكن في العربية ((فَيْعَلُول)) لا يمتنع أن تختلس مدته هكذا ((فَيْعَلُل))؛ فتكون أندلس معربة على هذا الوجه، ولا يدعي أحد أنها غير عربية. ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: إِذا غازَلَ الرَوضُ الغَزالَةَ نُشِّرَت ... زَرابِيُّ في أَكنافِهِم وَدَرانِكُ [بحر الطويل] ((... ((الزرابي)) جاء ذكرها في القرآن، وهي الطنافس ونحوها، وأجدر بأن تكون عربية الأصل)) (¬2). وحكم أبي العلاء بجدارة لفظة طنافس بأن تكون عربية الأصل لابد أن يكون ناتجا عن قياس ذهني قام به لألفاظ مشابهة في اللغة العربية، وإلا ما ساغ له أن يطلق هذا الحكم وهنا يبرز أهمية التعمق في دراسة اللغة التي تحدثنا عنها في الباب الأول. **** • مواضع استخدام القرينة العروضية: وقد استخدم أبوالعلاء هذه القرينة في أربعة عشر موضعا، ومن ذلك: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: جَديرٌ بِأَن يَستَحيِيَ اللَهَ بادِيًا ... بِهِ ثُمَّ يَستَحيي النَّدى وَيُراقِبُه [بحر الطويل] ((و ((يستحيي)) الثانية رفعها لمكان القافية؛ ولأنه لا يمكن فيها غير ذلك، ولوجعلها في موضع نصب لكان قد أسكن الياء في موضع التحريك وذلك ردىء، والكوفيون ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 17ب15]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 458ب5]. ولمزيد من المواضع ينظر ديوان أبي تمام: [1/ 148]، [1/ 180 ـ 181، ب8]، [2/ 266، ب18]، [2/ 339، ب19]، [2/ 362 ـ363، ب11، 12]، [3/ 15، ب30].

يرون أن الناصب إذا لم يصحب الفعل فرفعه جائز، ورفعه يستحيي أوكد لرفع ((يراقبه))؛ لأن المرفوع يكون تابعا لمثله)) (¬1). هذا الاقتباس أعمل فيه أبو العلاء ثلاثة قرائن: قرينة صوتية، ونحوية، وعروضية. أـ فأما القرينة الصوتية فعدم ظهور الضمة على آخر ((يستحيي)) لـ ((الثقل)) الذي يُعنى ((به في النحو مانع من موانع ظهور الحركة الإعرابية على آخر الكلمة وذلك في الكلمات التي آخرها ياء لازمة مكسور ما قبلها، إذ لا تظهر الضمة ولا الكسرة على هذه الياء نظرا لثقل النطق بهما)) (¬2). مما يفسح المجال لاحتمال وضع الفتحة. ب ـ والقرينة النحوية تتمثل في العلامة الإعرابية، فعدم وجود الفتحة نفسها على الياء الثانية، مع إمكانية ظهورها يؤكد أن الكلمة في حالة رفع. ج ـ وأما القرينة العروضية فهي ((مكان القافية)) التي أوجبت ((رفع يسحيي)) كما قال أبو العلاء. والنص السابق أيضا يعطينا لمحة من أبي العلاء عن سلطان القافية في البيت الشعري وأنها مع الوزن لهما ((دور فعال في صياغة الجملة)) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: أَوما تَراها ما تَراها هِزَّةً ... تَشأى العُيونَ تَعَجرُفًا وَذَميلا [بحر الكامل] ((.. ومن روى ((تَشأى العُيونَ أولقًا))؛ صار في البيت زحافٌ يكره، وهوالذي يسمى الوقص (¬4))) (¬5). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 226ـ227ب22]. (¬2) د. محمد عبادة: معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض والقافية، ص 64 مصطلح: الثقل The difficult (¬3) د. محمد حماسة عبد اللطيف: الجملة في الشعر العربي، ص 93، مكتبة الخانجي، ط1، 1990م، القاهرة (¬4) وقال التبريزي عن بحر القصيدة: الكامل، والقافية متواتر. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 69ب17].

عبارة أبي العلاء ((زحاف يكره)) عبارة مهمة، فكأنه بها ينزه أبا تمام الشاعر الفحل أن يأتي بمثل هذا الزحاف النادر، وكأنه من طرف خفي يريد أن يقول إن ((استمتاع القارئ أو السامع بالعمل الشعري وتقديره إياه، أن يشعر من خلاله بقدرة الشاعر على تشكيل مادته وتوجيهها وجهة معينة تبعا لإرادته، فالإبداع الشعري صورة من صور الإرادة الإنسانية وقدرتها على التأثير. والنسق نظام، ولابد من إرادة وراء كل نظام، والشعور بإرادة الشاعر وقدرته من أسباب المتعة التي يبعثها النسق الشعري في نفس المتلقي)) (¬1). وجدير بالذكر أن الخليل وآخرون من العروضيين قاموا بتصنيف الزحافات إلى حسن وصالح وقبيح. وقد اتفقوا على استقباح الزحافات المزدوجة ((وذلك لخروجها الحاد على النسق)) (¬2). أما الزحافات المفردة فـ ((أكثرها ـ في تصنيفاتهم ـ إما حسن وإما صالح، وقليل منها وصف القبح)) (¬3) مثل الوقص كما قال أبو العلاء. وننبه أن الحكم على الزحاف ((لا يكون مطلقا، فثمة عوامل تؤثر في وضوحه أو خفائه (...) [وأنه] قد يكون مقبولا إذا أحسسنا أنه يقوم بوظيفة تعبيرية)) (¬4). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: صَمّاءُ سَمُّ العِدى في جَنبِها ضَرَبٌ ... وَشُربُ كاسِ الرَدى في فَمِّها شُهُدُ [بحر البسيط] ((... إن رويت ((في فَمِها))، بالتخفيف، صار في البيت زحاف، وقلما يستعمل الشعراء مَثْلَه، وهوعندهم جائز، وإن شددت الميم بَطَلَ الزحاف؛ إلا أن التخفيف أجزل في اللفظ (¬5))) (¬6). ¬

(¬1) د. على يونس: نطرة جديدة في موسيقى الشعر، ص 192، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م (¬2) د. على يونس: نطرة جديدة في موسيقى الشعر، ص 192 (¬3) السابق: ص 192 (¬4) السابق: ص 197 (¬5) وقال التبريزي عن بحر القصيدة: البسيط، والقافية متراكب. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 76ب10].

ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: اِجعَلي في الكَرى لِعَيني نَصيبا ... كَي تَنالَ المَكروهَ وَالمَحبوبا [بحر البسيط] ((يجب أن يكون الطائي لم يقل في النصف الأول ((نصيبًا))؛ لأنه إن جعله على حكم المصرع فقد أوطأ، والأشبه أن يكون قال ((اجعلي في الكرى لعيني حظا)) أونحو ذلك، والتقفية والتصريع إنما يلجأ لهما في أوائل ما كثر من الأبيات في العدد، فأما فيما جرى هذا المجرى، فترك التصريع فيه أعرف (¬1))) (¬2). والثقة التي نلمحها هنا في كلام أبي العلاء من أن أبا تمام يجب ألا يكون قد قال هذا ثقة نابعة من أنه شاعر قال فيه الصولي: ((كان واحد عصره في ديباجة لفظه، وفصاحة شعره)) (¬3). وقال: ((إن أبا تمام أشعر أهل زمانه)) (¬4). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: يَقولُ فَيُسمِعُ وَيَمشي فَيُسرِعُ ... وَيَضرِبُ في ذاتِ الإِلَهِ فَيوجِعُ [بحر الطويل] ((هذا البيت من عجيب ما جاء في شعر الطائي؛ لأنه أتبع العينَ الواو في غير قافية (¬5)، وإنما آنسه بذلك أن العين في آخر النصف الأول وفي آخر النصف الثاني، ¬

(¬1) قال التبريزي عن بحر القصيدة أول الخفيف، وعدد أبيات هذه القصيدة ستة أبيات، وقد نقل المحقق كلام ابن المستوفي على ما ذكره أبوالعلاء هنا، فقال ابن المستوفي: هذا الذي أتى به أبوتمام لا يكون إيطاءً، لكنه قبيح. والإيطاء هو: إعادة كلمة الروي لفظا ومعنى دون فصل بينهما بسبعة أبيات فأكثر، ولم يقصد بالتكرار التلذذ كلفظ الجلالة أواسم المحبوب، أوأعيدت بمعنى آخر لم يكن ذلك إيطاء، وكذلك إن جاءت نكرة مرة ومعرفة أخرى، (من علم العروض والقافية: د. محمد بدوي المختون، ص 189، دار الثقافة العربية). (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 160ب1]. (¬3) سير أعلام النبلاء: [11/ 68]. (¬4) الأغاني: [16/ 384]. (¬5) يقصد كلمة (يسمع) التي أثبتها التبريزي في روايته بدون واو.

ولا ريب أنه كان يتبع العين واوا في ((يسمعو))، وقد يمكنون الحركة حتى تصير حرفا ساكنا، مثل ما حكي أن بعض العرب يقول: قام زيدو، فيثبت الواو، ومررت بزيدي، فيثبت الياء، وذلك ردىء مرفوض (...) ويجب أن يكون الطائي لم يفعل ذلك؛ لأنه معدوم في شعر العرب، والغريزة له منكرة؛ لأنه يجمع بين أربعة أحرف متحركة في وزن (¬1) لم يستعمل ذلك فيه)) (¬2). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: خُذها فَما نالَها بِنَقصٍ ... مَوتُ جَريرٍ وَلا البَعيثِ [بحر: مجزوء البسيط] ((وذكر ((البعيث)) للقافية)) (¬3). • مواضع استخدام القرينة الصوتية: واستخدم هذه القرينة في موضعين: قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: تَؤُمُّ شِهابَ الحَربِ حَفصًا وَرَهطُهُ ... بَنوالحَربِ لا يَنبوثَراهُم وَلا يُكدي [بحر الطويل] ((... ((تؤم شهاب الأزد)) (¬4)، وذكر ابن السكيت أن الأُسْد بالسين أجود، وغيره يقولها بالزاي، ويجب أن يكون الأصل بالسين؛ لأن الدال إذا وقعت قبلها السين ¬

(¬1) بحر الطويل. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 326ب24]. ومما يلاحظ هنا أن إثبات الياء والواو في أواخر الكلم والتي رفضها أبو العلاء من مرويات سيبويه عن أبي الخطاب، قال سيبويه4/ 167: ((وزعم أبو الخطَّاب أنَّ أزْدَ السَّراةِ يقولون: هذا زيدو، وهذا عمرو، ومررتُ بزيدي، وبعمري؛ جعلوه قياسًا واحدًا؛ فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف))، وقد نعتذر عن أبي العلاء بأن نقول إن هذا الكلام لم يبلغ أبا العلاء، خاصة أنه في ثبت كتبه شرح للكتاب لم يتمه. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 328ب27]. ولمزيد من الأمثلة على هذه القرينة تنظر المواضع الآتية من ديوان أبي تمام: [1/ 20 ـ 21، ب1]، [1/ 340 ـ 341، ب3]، [1/ 402 ـ 403، ب9]، [2/ 204، ب29]، [2/ 212، ب12]، [2/ 274، ب1]، [2/ 282، ب27]، [3/ 14، ب28]. (¬4) هذه رواية أبي العلاء للبيت.

الساكنة فبعض العرب يحولها إلى الزاي، وكذلك الصاد، وكذلك قالوا في المثل: لم يُحْرَمْ مَنْ فُزْدَ له؛ إذا سكنوا صاد ((فُصِدَ)) على لغة ربيعة)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: مُحَمَّدُ يا ابنِ الهَيثَمِ بنِ شُبانَةٍ ... أَبي كُلِّ دَفّاعٍ عَنِ المَجدِ ذائِدِ [بحر الطويل] ((((شُبَانَة)) اسم لم يذكر أهل اللغة الموثوق بهم له اشتقاقا؛ لأن الشين حرف مُمَات)) (¬2). ويفهم من النص السابق أن لفظ ((شُبانة)) الذي يبدأ بحرف الشين وما يليه من حروف مُمات. والذي يفهم من تلك اللفظة ((ممات)) عنده أنها تعني: اللفظ الذي ليس له أصل تسمح القوانين الصوتية للحروف اللغوية بتكوينه، وهو بهذا يخالف مفهوم هذا المصطلح عند اللغويين. فكلمة ((ممات)) هي مصطلح لغوي يساوي في معناه عند قدامى اللغويين المصطلحات: المنكر والمتروك والمجهول ولغة مرغوب عنها. وعبر عنها اللغويون المعاصرون بمصطلح: انقراض الكلمات، والمهجور Obsolete أو Archaic ، وعرف السيوطي المتروك بقوله: ((ما كان قديما من اللغات، ثم ترك واستعمل غيره)) (¬3). • مواضع استخدام قرينة خصائص الشاعر الأسلوبية: كان أبوالعلاء يلجأ إلى قرينة سياق لغوية يمكن أن نسميها ((قرينة خصائص الشاعر الأسلوبية))، أو ((قرينة مذهب الشاعر))، فقد اعتمد أبوالعلاء على الخصائص الأسلوبية للشاعر والتي كان ملمًّا بها إلماما تاما في إيضاح معاني بعض الأبيات. وقد استخدم هذه القرينة في أربعة وعشرين موضعا، وفيما يلي أهمها: أـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: مُوَضَّحٌ لَيسَ بِذي رُجلَةٍ ... أَشأَمَ وَالأَرجُلُ مِنها بَسوس [بحر السريع] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 120ب7] (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 73ـ74ب25]. (¬3) المزهر: 1/ 214

((قوله: ((بسوس))، أراد به مشئوم مثل البسوس، التي كانت لأجلها الحرب، فحذف الألف واللام، وله عادة بذلك، كما قال: ((ما بين أندلس إلى صنعاء))، و ((وجد فرزدق بنوار)))) (¬1). ب ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: قَد نَبَذوا الحَجَفَ المَحبوكَ مِن زُؤُدٍ ... وَصَيَّروا هامَهُم بَل صُيِّرَت حَجَفا [بحر البسيط] ((يروى: ((قد نَبَذُوا)) على التخفيف والزحاف، و ((نَبَّذُوا)) بتشديد الباء، والتخفيف أشبه بمذهب الطائي)) (¬2). ج ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: أَكرِم بِنِعمَتِهِ عَلَيَّ وَنِعمَتي ... مِنها عَلى عافٍ جَدايَ وَمُرمِلِ [بحر الكامل] ((ومن روى: ((عافي جَدايَ)) على إضافة ((العافي))، فلا يجوز أن يروى إلا ((مُرْمِلي)) بالياء إذا حُمل ذلك على ما يعرف من مذهب الطائي)) (¬3). د ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: مَلَكَتهُ الصَّبا الوَلوعُ فَأَلفَتـ ... ـهُ قَعودَ البِلى وَسُؤرَ الخُطوبِ [بحر الخفيف] ((و ((وَسُؤرَ الخُطوبِ)) بقيتها، ومن عرف مذهب الطائي لم يَعْدِل عن هذه الرواية)) (¬4). هـ ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: شَجًا في الحَشى تَردادُهُ لَيسَ يَفتُرُ ... بِهِ صُمنَ آمالي وَإِنّي لَمُفطِرُ [بحر الطويل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 277ب10]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 372ب43]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 40ب27]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 117ب2].

((.. يبين في كلام الطائي أنه كان يختار إظهار علامة الجمع في الفعل، مثل قوله: ((صُمنَ آمالي))، ولوقال: ((صام آمالي)) لاستقام الوزن، وقد جاء بمثل ذلك في غير هذا الموضع، وهوعلى منهاج قول الفرزدق: ((يَعْصِرن السليط أقاربه)))) (¬1). وـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: عالي الهَوى مِمّا تُعَذِّبُ مُهجَتي ... أُروِيَّةُ الشَّعفِ الَّتي لَم تُسهِلِ [بحر الكامل] ((.. وبعضهم يروى: ((مما ترقص هامتي))؛ أي: تلعب بعقلي حتى تُرَقِّص مني الهامة، وهذه الرواية أشبه بمذهب الطائي؛ لأنه يُؤْثِر الاستعارة)) (¬2). ز ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: بِكُلِّ فَتى ضَربٍ يُعَرِّضُ لِلقَنا ... مُحَيًّا مُحَلًّى حَليُهُ الطَّعنُ وَالضَّربُ [بحر الطويل] ((الأشبه بصناعة الطائي أن يكون ((فتى)) منونا)) (¬3). وتستوقفنا عبارات مهمة في نصوص أبي العلاء السابقة، وهي: ((وله عادة بذلك))، ((ومن عرف مذهب الطائي))، ((يبين في كلام الطائي أنه يختار))، ((والتخفيف أشبه بمذهب الطائي)) ... كل هذه العبارات وغيرها تدل على وقوف أبي العلاء على تكرار بعض السمات اللغوية عند أبي تمام، منها على سبيل المثال: ((إظهار علامة الجمع في الفعل)). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 214ب1]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 34ب7]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 192ب42]. وبقية مواضع هذه القرينة في ديوان أبي تمام هي كما يلي: [1/ 143]، [1/ 167، ب36]، [1/ 299، ب1]، [1/ 48، ب18]، [2/ 174، ب36]، [2/ 183، ب5]، [2/ 192 ـ 193، ب7]، [2/ 263، ب3]، [2/ 407، ب4]، [2/ 417 ـ 418، ب23]، [3/ 21 ـ 22، ب3]، [3/ 51، ب14]، [3/ 61، ب1]، [3/ 82 ـ 83، ب18]، [4/ 123، ب9]، [4/ 563 ـ 564، ب5]، وينبغي أن نشير أن هذه المواضع وغيرها تدل على أن علماءنا كانوا على وعي تام بأن لكل شاعر خصائصه الأسلوبية التي تميزه عن غيره.

والسمات اللغوية ((حين تحظى بنسبة عالية من التكرار، وحين ترتبط بسياقات معينة على نحو له دلالة تصبح خواصًا أسلوبية Stylistic Markers)) (¬1) . ومن الطريف أن الخصائص الأسلوبية التي وقف عندها أبو العلاء مقسمة إلى ثلاثة مستويات: · خصائص أسلوبية على المستوى الصرفي، مثل الاقتباس أ، ب. · خصائص أسلوبية على المستوى النحوي، مثل الاقتباس هـ. · خصائص أسلوبية على المستوى الدلالي، مثل الاقتباس و. **** • مواضع استخدام قرينة الخصائص الأسلوبية للغة الشعر عامة: وقد اعتمد عليها أبوالعلاء في سبعة مواضع، من أهمها: ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: هَذا أَمينَ اللَهِ آخِرُ مَصدَرٍ ... شَجِيَ الظَّماءُ بِهِ وَأَوَّلُ مَورِدِ [بحر الكامل] ((مَدَّ ((الظَّمَاء)) وهومهموز مقصور، وذلك جائز، إلا أن ترك المد أحسن، وهوفي الشعر أسوغ منه في الكلام المنثور)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: حَتّى إِذا ضَرَبَ الخَريفُ رِواقَهُ ... سافَت بَريرَ أَراكَةٍ وَكَباثا [بحر الكامل] ((و ((سافت)): شَمَّت .. والأشبه أن يكون سَفَّت؛ لأن الشعراء كذا يذكرون)) (¬3). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) د. سعيد بحيري: من أوجه التوافق والتخالف بين البحث اللغوي والبحث الأسلوبي، ص25، مقال بمجلة الدراسات الشرقية، ع 15، يوليو 1995م (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 54ـ55ب41]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 313ب5]. وينظر الشاهد الخامس في القرينة العروضية، والمواضع الأتية من ديوان أبي تمام: [1/ 367، ب38]، [2/ 266، ب19]، [2/ 54 ـ 55، ب41]، [2/ 69 ـ 70، ب8].

فَما صُقِلَ السَّيفُ اليَماني لِمَشهَدٍ ... كَما صُقِلَت بِالأَمسِ تِلكَ العَوارِضُ [بحر الطويل] ((... و ((العوارض)) جمع عارض، وهوالناب والضرس الذي يليه، يريد أن ثغرها واضح، والأجود ألا يجعله صُقِلَ بالبشام وعيدان السواك .. إلا أن قوله ((بالأمس)) يدل على أنه أراد السواك، والأحسن في حكم الشعر أن يَدَّعي صقالها بالفطرة لا بالتصنع)) (¬1). الشعر ـ كما رسم صورته أبو العلاء في النصوص السابقة ـ تسوغ فيه بعض الأمور لا تسوغ في النثر، ويتعارف الشعراء فيما بينهم على بعض الأمور فيه، كما أن له ((حكمًا)). والحكم ـ بمعنى القضاء ـ لا يصدر إلا عن قواعد ومبادئ. والشعر ولا ريب يصطنع من الوسائل اللغوية التي تجعله ((كلاما غير الكلام العادي، أو لغة داخل اللغة، أو ـ إن شئنا الدقة والاختصار معا ـ تجعله شعرا)) (¬2). كما أنه يقوم على المجاز الذي يقوم بدوره على ((مفارقة التركيب للمألوف في الاستعمال في اللغة غير الفنية بكسر قوانين الاختيار بين الكلمات)) (¬3). **** • مواضع استخدام قرينة الاستعمال اللغوي: التمييز بين مستويين من ((السمات اللغوية)) أمر واضح وجلي في أقوال أبي العلاء، تبرزه بوضوح وجلاء تعليقاته المتناثرة هنا وهناك، ويمثل المستوى الأول منها ((السمات النمطية)) التي يمثلها الاستعمال اللغوي العام، والمستوى الثاني ((السمات الفردية المتغيرة)) التي يمثلها استخدام أبي تمام. ومن الباحثين المعاصرين من أقر وأكد وجود مثل هذين المستويين، إذ يقول: ((وإذا نظرنا إلى السمات اللغوية في لغة ما على أنها مجموعة من الثوابت Constants والمتغيرات Variables كانت السمات الثوابت هي القواعد العامة التي ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 295ب4]. (¬2) د. محمد حماسة عبد اللطيف: الجملة في الشعر العربي، ص 6 (¬3) د. محمد حماسة عبد اللطيف: النحو والدلالة، 96 ـ 98

تشكل النظام الأساسي للغة، مثل تركيب الجملة الاسمية والجملة الفعلية، والمضاف والمضاف إليه والصفة والموصوف. أما المتغيرات فتمثل السمات التي يمكن للمنشئ أن يتعامل معها بقسط أوفر من الحرية ومن أبرزها المفردات)) (¬1). ومن القرائن التي اعتمد عليها أبوالعلاء قرينة ((الاستعمال اللغوي))، فقد وظفه ـ بمستواه الأول ـ في شرح الأبيات، واستخدمه كقرينة يستدل بها على المعاني في الأبيات. وقد استخدم هذه القرينة في خمسة وعشرين موضعا، منها: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: وَوَاللهِ ما آتيكَ إِلّا فَريضَةً ... وَآتي جَميعَ الناسِ إِلّا تَنَفُّلا [بحر الطويل] ((في هذا الكلام حذف، وتمام اللفظ أن يكون: ((وما آتي جميع الناس)) أو ((ولا آتي جميع الناس))، وحذف مثل هذا قليل؛ لأن الجملة الأولى قد حال بينها وبين الجملة الثانية حرف الاستثناء وما بعده، والكلام محمول على ((ما)) ولوأن ((لا)) موضوعة موضعها لكان ذلك أسوغ؛ لأن العرب كثر في ألفاظهم حذف ((لا)) في القسم، كقولهم: والله أدخل المدينة إلا راكبا)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: هَل أَورَقَ المَجدَ إِلّا في بَني أُدَدٍ ... أَواجتُنِي مِنهُ لَولا طَيِّئٌٌ ثَمَرُ [بحر البسيط] ((إذا كان آخر الفعل الماضي ياء وقبلها كسرة؛ فطيئ تقلبها ألفا؛ فيقولون: ((اجتُنَى)) في ((اجتُنِيَ))، و ((اقتُدَى)) في ((اقتُدِي))، ومن العرب من يسكن الياء هاهنا، ولم يستعمل (؛ أي: الطائي) اللغة الطائية)) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: وَثَناياكِ إِنَّها إِغريضُ ... وَلِآلٍ تومٌ وَبَرقٌ وَميضُ [بحر الخفيف] ¬

(¬1) د. سعد مصلوح: الأسلوب، دراسة لغوية إحصائية، ص 54، عالم الكتب، ط3، 1992م (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 103ب23]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 190ب27].

((... ويقال للؤلؤة العظيمة تُؤْمة، والجمع: تُؤَم، وهذا الوجه أجود (¬1) من أن تجعل ((تُوم))، جمع تؤام على تخفيف الهمزة؛ لأن ذلك قليل)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: إِذا ما رَأَتهُ العيسُ ظَلَّت كَأَنَّما ... عَلَيها مِنَ الوِردِ اليَمامِيِّ نافِضُ [بحر الطويل] ((... ويقوي رواية من روى ((اليمامي)) بميمين، أن ((اليمانيَّ)) بتشديد الياء ليس باللغة العالية)) (¬3). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: باسِطًا بِالنَّدى سَحائِبَ كَفٍّ ... بِنَداها أَمسى حَبيبٌ حَبيبا [بحر الخفيف] ((.. ويجوز أن يكون ((حبيبا)) الثاني، هو ((حبيب)) الأول، كما تقول: بك صار فلان فلانا؛ أي: عرف واشْتُهِرَ وصار له موضع، ويكون من نحوقولهم: أنتَ أنتَ وعمرٌو عمرو)) (¬4). ويمكن أن ندرج تحت قرينة الاستعمال قرينتين فرعيتين هما: 1) قرينة المصاحبة اللفظية. 2) قرينة الألفاظ المولدة. أما قرينة المصاحبة اللفظية فقد استخدمها أبوالعلاء في موضعين، وفي أحد هذين الموضعين سمى أبوالعلاء هذه المصاحبة باسم: ((المحالفة))، والموضعان هما: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لَولَم تَكُن مِن نَبعَةٍ نَجدِيَّةٍ ... عَلوِيَّةٍ لَظَنَنتُ عودَكَ عودا [بحر الكامل] ¬

(¬1) أي: أن تكون كلمة توم التي في البيت تخفيف تُؤَم جمع كلمة تُؤْمة بمعنى اللؤلؤة، وهذا أفضل من أن تكون كلمة توم جمع تُؤام (بمعنى الصدف) على تخفيف الهمزة. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 278ب1]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 297ب10]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 171ـ172ب52].

((.. قوله: ((لظننت عودك عودا))، أصل العودين واحد، وإنما فرق بينهما كثرة الاستعمال؛ لأنهم يريدون هذا عود طيب؛ فيحذفون ((طيبا))؛ فصار ذلك كالاسم المُحالف لهذا اللفظ، فكأنه قال: لظننت عُودَك قُطْرًا أوألُوَّة أويَلَنْجوجا، أوغير ذلك من أسماء العود)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: إِذ لا نُعَطِّلُ مِنها مَنظَرًا أَنِقًا ... وَمَربَعًا بِمَها اللَّذاتِ مَأنوسا [بحر البسيط] ((... ولما كانت ((المها)) تستعمل في الدر والأسنان وبقر الوحش والبلور والنساء وغير ذلك مما يحسن ويصفوـ استحسن أن يقول: ((بِمَها اللَّذاتِ))؛ لِيَخُصَّ بها الإنس)) (¬2). إما بالنسبة لقرينة الألفاظ المولدة فقد استخدمها في موضعين أيضا هما: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لَئِن نَقِموا حوشِيَّةً فيكَ دونَها ... لَقَد عَلِموا عَن أَيِّ عِلقٍ تُناضِلُ [بحر الطويل] ((الرواية ((حُوشيَّة))، من قولهم: إبل حُوش؛ أي: متبرزة لا تربع إلى الإنس (...) ومن روى: ((حَشْويَّة))، فهومن قولهم: فلان حَشْوي؛ أي: يأخذ بأخلاق الحَشومن الناس، وهم الذين لا يعتد بهم، وهذه الكلمة مولدة، ويجب أن تكون الرواية الصحيحة ((حوشية)) لا غير)) (¬3). والمُوَلَّد في اصطلاح العلماء هو ((لفظ استخرجه المولدون من اللغة الأصلية مع شيء من التصرف وليس مستعملا في كلام الأعراب (...) ويقال لهذا أيضا: المستحدث والعامي)) (¬4). والألفاظ المولدة التي استحدثها ((المولدون)) في العربية لا ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 413ـ414ب22]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 256ب6]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 120ب12]. (¬4) التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 1671، مادة المولد Creation , Invention , Mongrel , Mulatto ، وينظر أيضا المعجم الوسيط 2/ 1099، ولد.

يحتج بها (¬1). وقد ربط السيوطي الألفاظ المولدة بـ ((العامة))، وجعلها من فعلهم، فقال: ((في أمالي ثعلب: سئل عن التغيير، فقال: هو كل شيء مولد، وهذا ضابط حسن يقتضي أن كل لفظ كان عربي الأصل ثم غيرته العامة بهمز أو تركه أو تسكين أو تحريك أو نحو ذلك مولد، وهذا يجتمع منه شيء كثير)) (¬2). وإشارة أبي العلاء أن كلمة ((حشوية)) مولدة، بمعنى: محدثة، أو عامية، أو محرفة عن بنية أخرى إشارة إلى ((تاريخ الكلمة)) ـ إن صح التعبير ـ وإشارة إلى أهمية هذا التاريخ في خدمة النص الشعري وغيره من النصوص، على الأقل في مجال رد الروايات المصحفة والمحرفة التي تأتي في كلمة ما، في نص ما. ومن هنا أيضا تبرز أهمية المعجم التاريخي للغة العربية الذي يمكن الاعتماد عليه في الكشف عن صحة كثير من النصوص الأدبية والدينية وغيرهما. ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: جَمَعتُ شَعاعَ الرَّأيِ ثُمَّ وَسَمتُهُ ... بِحَزمٍ لَهُ في كُلِّ مُظلِمَةٍ فَجرُ [بحر الطويل] ((... ((شَعَاع الرأي)): بفتح الشين هي الرواية الصحيحة؛ أي: متفرقة .. ويدلك على أنه ((شَعَاع)) قوله: ((جَمَعَتْ))، ومن روى ((شُعَاع)) بالضم فهومعنى صحيح؛ إلا أنني أظنه وُلِّدَ بعد موت الطائي)) (¬3). • مواضع استخدام قرينة التناص: التناص أو التناصية Intertextuality / éL?intertextualit ـ كمصطلح أدبي حديث ـ يشير إلى ((علاقة الوجود المشترك بين نصين أو عدة نصوص بطريقة ¬

(¬1) المزهر: 1/ 242 (¬2) المزهر: 1/ 248 (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 568ب6]. وبقية المواضع التي استخدم فيها قرينة الاستعمال هي: [1/ 118]، [1/ 142]، [1/ 159]، [1/ 224 ـ 225، ب18]، [1/ 226، ب21]، [1/ 330، ب6]، [1/ 344 ـ 345، ب2 هام]، [1/ 9، ب2]، [1/ 93]، [1/ 95]، [2/ 225، ب4]، [2/ 295، ب4]، [2/ 313، ب15]، [2/ 315، ب25]، [2/ 378،ب5]، [2/ 466، ب29]، [3/ 176 ـ 177، ب2، 3]، [3/ 224، ب8]، [3/ 33، ب5]، [3/ 78، ب11]، [4/ 12، ب8].

الاستشهاد أو السرقة أو الإلماع)) (¬1). أو هي: ((الاستشهاد بالنص؛ أي: الطرق التي يستعملها الناس في الانتفاع بالنصوص المشهورة، أوفي الإحالة إليها)) (¬2). وقد لعب التناص دورا مهما مع أبي العلاء سواءً في شروحاته أو إبداعه الشعري الخاص به. فعلى مستوى شروحاته فقد استخدم التناص كقرينة لتوضيح بعض معان عند أبيات أبي تمام، منها: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لَهُ خُلُقٌ نَهى القُرآنُ عَنهُ ... وَذاكَ عَطاؤُهُ السَّرَفُ البِدارُ [بحر الوافر] ((من روى ((السَّرَفُ البِذَارُ)) بالذال معجمةً فهومُصَحِّف، وإنما يتعلق بقوله تعالى: چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ [الإسراء، 26]، وليس في الآية ذكر السرف لفظا، وإنما فيها نَهْيٌ عنه في المعنى. و ((البذار)) ليس مصدر ((بَذّر))، وإنما بنى الطائي المعنى على الآية الأخرى، وهي قوله تعالى:چ? ? ? ? ? ? چ [النساء، 6]؛ فدلَّ ذلك على الدال غير المعجمة، وبين اللفظين في القوة تفاوت، وبون بعيد)) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: وَلَم يَكُ مِنكَ إِضرارٌ وَلَكِن ... تَمادَت في سَجِيَّتِها البِحارُ [بحر الوافر] ¬

(¬1) د. محمد خير البقاعي: آفاق التناصية المفهوم والمنظور، ص 118، الهيئة المصرية العامة للكتاب / دراسات أدبية 1998م (¬2) د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد: مدخل إلى علم النص، ص238، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 1999 (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 156ب15].

((((ولم يك ذاك إضرارا)) الأحسن أن يروى ((إضرارا)) بالضاد؛ لأنه لما بنى المعنى على الآية (¬1)، وكان المُسْرفُ المُبادِرُ في أكل مال اليتيم مُضرًّا به؛ حسُنَ أن يذكر الإضرار بعد السرف والبدار)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: بُدُورُ قُيولٌ لَم تَزَل كُلُّ حَلبَةٍ ... تَمَزَّقُ مِنهُم عَن أَغَرَّ مُحَنَّبِ [بحر الطويل] ((ويروى: ((ذَوونَ قُيولٌ))، وهوجمع قولك: ذومَرْحَب، وذوجَدَن، وذويَزَن، وذلك في حمير كثير، وهم الأذواء، وقلما يقولون الذَّوون، وإنما تبع الطائي في ذلك الكُمَيت؛ لأنه قال: وَمَا أعنِي بِذلك أَسفَليكُم ... وَلَكِنِّي عَنيْتُ بِهِ الذَّوينَا [بحر الوافر])) (¬3). أما على مستوى إبداعه الشعري الخاص به نجد التناص حاضرا عنده فيما عبر عنه د. يوسف نوفل بـ ((البناء على الحكاية))، وهي تسمية ((تنصب ـ في الأساس ـ على لون من ألوان التناص، كما فهمه القدماء)) (¬4). **** • مواضع استخدام القرينة البلاغية: ولها موضعان أحدهما: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام يمدح أبا دُلَف القاسم بن عيسى العِجلي: وَلَوكانَ يَفنى الشَّعرُ أَفناهُ ما قَرَت ... حِياضُكَ مِنهُ في العُصورِ الذَّواهِبِ [بحر الطويل] ¬

(¬1) يقصد قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6] (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 157ب16]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 154ب25]. (¬4) د. يوسف نوفل: طائر الشعر، ص 16، الهيئة العامة لقصور الثقافة، كتابات نقدية ط1، 2010م، 187

((((ما قَرَت حِياضُكَ)) ما جمعت، يقال: قَرَى الماء في الحوض يقريه؛ إذا جمعه، والمعنى: أنك رجل ملك شريف الآباء، قد مُدِح أجدادك بشعر كثير، فلوكان الشعر يفنى لفني من أجل ما مدحتم به في الدهر القديم، فهذا هوالوجه، وقيل: إنما أراد أن أبا دُلَف كان شاعرا، وقد يحتمل هذا، ولكن الأول أجود وأبلغ في المدح)) (¬1). ***** قرينة السياق غير اللغوي أو سياق الحال عند أبي العلاء: استخدم أبوالعلاء هذه القرينة في مواضع قليلة بلغت ثلاثة عشر موضعا، ويمكن أن نميز من هذه القرائن، ما يأتي: • القرينة الشرعية: وقد استخدمها في موضعين هما: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام في مدح مالك بن طوق التغلبي: بِكرًا تُوَرِّثُ في الحَياةِ وَتَنثَني ... في السِّلمِ وَهيَ كَثيرَةُ الأَسلابِ [بحر الكامل] ((.. ((بِكر)): يعني القصيدة؛ فكأنه جَعَلها بنتًا للشاعر، فهي تُورثه وهي حية لم تَمُتْ، أي يأخذ الجائزة عليها، والأجود كسر الراء في ((تُورِّث))؛ لأن معنى الميراث يصح على ذلك لأبيها، وإن فُتِحت الراء جُعِل الميراث لها؛ ولا معنى لذلك؛ لأنه لم تجر العادة بأن يرث الإنسان إلا وهوحي)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: بِسُنَّةِ السَّيفِ وَالخَطِّيِّ مِن دَمِهِ ... لا سُنَّةِ الدينِ وَالإِسلامِ مُختَضِبِ [بحر البسيط] ((.. أي خُضِبَ شَعْرُه بسُنَّة السيف؛ أي: بما سنه وحكم به، لا بسنة الإسلام؛ لأن الصحابة والتابعين كانوا يرون السنة أن يخضبوا شعورهم بالحناء والكَتَم .. ويكرهون الخضاب بالسواد ويؤثرون الحمرة)) (¬3). **** ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 214ب42].وينظر أيضا: [1/ 224ب16]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 90ب39]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 52ب24].

• القرينة التاريخية: ومن أمثلتها: قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام يمدح أبا الحسين محمد بن الهيثم بن شُبانَة: بِهِ أَسلَمَ المَعروفُ بِالشامِ بَعدَما ... ثَوى مُنذُ أَودى خالِدٌ وَهومُرتَدُّ [بحر الطويل] ((يعني خالد بن يحيي البرمكي؛ لأنه كان فارسيا؛ فتقرب إلى الممدوح بذكره؛ لأن الممدوح أيضا من فارس، وهذا أشبه من أن يعنى خالد بن يزيد، أوخالد بن عبد الله القسري، أوخالد بن يزيد بن معاوية)) (¬1). ***** • القرينة العرفية: وقد استخدمت في ثمانية مواضع، منها: [1] قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام في مدح المعتصم والأفشين: أَما وَأَبيهِ وَهومَن لا أَبا لَهُ ... يُعَدُّ لَقَد أَمسى مُضيءَ المَقاتِلِ [بحر الطويل] ((أقسم بأبي المنهزم على معنى الهُزْء والعكس؛ لأن أصل هذا القسم إنما هولمن يُكرم أبوه)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: وَلِلكَذَجاتِ كُنتَ لِغَيرِ بُخلٍ ... عَقيمَ الوَعدِ مِنتاجَ الوَعيدِ [بحر الكامل] ((جعله: عقيم الوَعْد، ولا وعد هناك؛ إذ كان يستعمل في الخير، ولوكان هناك وعد لكان البيت ذمًّا للممدوح؛ لأن الرجل يعاب بإخلاف الوعد)) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 52ب24]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 86ب26]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 37ب22].

أَلقى إِلَيكَ عُرى الأَمرِ الإِمامُ فَقَد ... شُدَّ العِناجُ مِنَ السُّلطانِ وَالكَرَبُ [بحر البسيط] ((... ((والسلطان)) هاهنا مراد به العز والقوة، من قولهم لفلان سلطان في بلد كذا، ولا يجوز أن يُحمل على أن السلطان آدميٌّ؛ لأنه يخرج إلى لفظ لا يليق بالسلاطين (¬1))) (¬2) • القرينة الطبيعية: ولها موضعان: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: أَنكِد بِأَريِ النَّوالِ ما لَم ... يَحلُ مِنَ العُشبِ وَاللَّوِيثِ [بحر: مجزوء البسيط] ((.. ومن روى: ((وَالجُثوثِ))؛ فإن المعنى يَخْلُصُ لعسلِ النحل؛ لأن الجَثَّ ما يكون في موضع النحل من الشمع الذي لا عسل فيه وما يموت من النحل ويجتمع من أوساخها)) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: نَورُ العَرارَةِ نَورُهُ وَنَسيمُهُ ... نَشرُ الخُزامى في اخضِرارِ الآسِ [بحر الكامل] ((.. وإنما ذكر الآس؛ لأنه يُوصَف بدوام الخضرة)) (¬4). • القرينة العقلية: قال عند قول أبي تمام: حَذّاءُ تَملَأُ كُلَّ أُذنٍ حِكمَةً ... وَبَلاغَةً وَتُدِرُّ كُلَّ وَريدِ [بحر الكامل] ¬

(¬1) والعِنَاج: حبل يُشَدُّ في أسفل الدلوثم يوصل بِعَرَاقيها وكَرَبها. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 251ب34]. وبقية المواضع لهذه القرينة في ديوان أبي تمام: [2/ 153، ب5]، [2/ 180 ـ 181، ب54]، [2/ 270 ـ 271، ب34]، [2/ 95، ب31]، [3/ 457، ب4]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 327ب24]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 249ب21].

((قوله: ((تَملَأُ كُلَّ أُذنٍ حِكمَةً)) يعني كل أذن سمعتها؛ إذ كان لا يمكن أن تمر بآذان الخلق كلهم)) (¬1). **** وظائف أخرى لقرينة السياق عند أبي العلاء: لم يستخدم أبوالعلاء قرينة السياق في تحديد معني البيت الشعري عند أبي تمام فقط بل كان يستخدمها لبيان أمور أخرى منها: أرد الروايات المصحفة غير الصحيحة. ب ترجيح رواية على رواية. ت ترجيح معنى على معنى آخر. أـ رد الروايات المصحفة (¬2): استخدم أبوالعلاء القرينة في رد الروايات المصحفة فيما يقرب من اثني عشر موضعا، منها ما يأتي: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ضَعُفَت جَوارِحُ مَن أَذاقَتهُ النَّوى ... طَعمَ الفِراقِ فَذَمَّ طَعمَ العَلقَمِ [بحر الكامل] ((ويقع في النسخ: ((ضعفت جَوَانحُ))،والصواب: ((جَوَارح))، والتفسير يدل عليه)) (¬3). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: غَصَبَتها نَحيبَها عَزَماتٌ ... غَصَبَتني تَصَبُّري وَاغتِماضي [بحر الخفيف] ((الرواية الصحيحة ((نَجِيَّهَا)) ... ومن روى: ((نحيبها))؛ فهي رواية ضعيفة؛ لأن أول القصيدة يدل على خلافة)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 398ب50]. (¬2) جاء في كتاب التعريفات للجرجاني: التصحيف: أن يُقرأ الشيء على خلاف ما أراد كاتبه، أوعلى ما اصطلحوا عليه. [82، دار الريان للتراث، تحقيق: إبراهيم الإبياري]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 249ب5]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 309ب3].ونلفت الانتباه إلى أن رواية البيت هنا هي رواية التبريزي وليست رواية أبي العلاء.

ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: صَدَفَت لُهَيّا قَلبِيَ المُستَهتَرِ ... فَبَقيتُ نَهبَ صَبابَةٍ وَتَذَكُّرِ [بحر الكامل] ((.. ومن روى: ((صَدَّعتِ لَهْبَى قلبي))؛ فروايته تصحيف، ويدل على ذلك أن جاء في البيت الثاني بما يدل على أنه يخبر عن غائب)) (¬1). ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: أَصفَرُ مِنه كَأَنَّهُ مُحَّةُ الـ ... بَيضَةِ صافٍ كَأَنَّهُ عَجسُ [بحر المنسرح] ((والرواية الصحيحة: ((أصفر منها))؛ أضمر قبل الذكر؛ لأن المعنى دالٌٍّ على ذلك)) (¬2). **** ب ـ ترجيح رواية على رواية: في حالة تعدد الرواية أوالروايات للبيت الواحد، وفي حالة غياب القرينة الفاصلة المحددة التي تحدد الرواية المقصودة، كان أبوالعلاء يجتهد في ترجيح الرواية المرادة بناء على القرينة التي لديه، مع استبعاد الرواية الأخرى. وقد لجأ أبوالعلاء إلى الترجيح في أحد عشر موضعا، منها ما يلي: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: وَمَجهولَةِ الأَعلامِ طامِسَةِ الصُّوى ... إِذا اعتَسَفَتها العيسُ بِالرَّكبِ ضَلَّتِ [بحر الطويل] ((وقوله: ((إِذا اعتَسَفَتها العيسُ)) هذه الرواية أثبت من الرواية الأخرى التي هي ((الريح))؛ لأن قوله: ((الركب)) يشهد بأنه قال ((العِيس)))) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 449ب1]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 225ب7]. وبقية المواضع في ديوان أبي تمام كما يلي: [1/ 364]، [1/ 42]، [1/ 68]، [1/ 7، ب1 (هامش 3)]، [2/ 257، ب11]، [2/ 264، ب10]، [2/ 348، ب24]، [3/ 38، ب23، 24]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 302ب12].

رِيمٌ أَبَت أَن يَريمَ الحُزنُ لي جَلَدًا ... وَالعَينُ عَينٌ بِماءِ الشَّوقِ تَبتَدِرُ [بحر البسيط] ((.. ومن روى: ((خلدا)) بالخاء؛ فالخلد: الصدر، ومعناه: أبت أن يفارق الحُزْنُ صدري، وهذه الرواية هي الجيدة)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: مُزَمجِرُ المَنْكِبَينِ صَهصَلِقٌ ... يُطرِقُ أَزلُ الزَّمانِ مِن صَخَبِه [بحر المنسرح] ((ويروى: ((مُجْرَمِّزُ المنكبَين))؛ أي: مجمعهما، اجرمَّز الرجل؛ إذا اجتمع في جلسته .. والرواية الأولى هي الوجه)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: هَبَّت لِأَحبابِنا رِياحٌ ... غَيرُ سَواهٍ وَلا ديوثِ [بحر: مجزوء البسيط] (([يروى: ((رُيُوث))] و ((ريوث)) من الرَّيْث وهوالإبطاء ... و ((دُيُوث)) جمع: دَيْث، وهواللين ... والرواية الجيدة ((رُيُوث)) بالراء)) (¬3). ج ـ ترجيح معنى على معنى: كان أبوالعلاء يقدم كل المعاني المحتملة للبيت؛ ولكنه كان يرجح معنى على معنى في وجود قرينة، ولكنه في نفس الوقت لا يستبعد المعنى الآخر، واستخدم القرينة لترجيح معنى على آخر في سبعة مواضع، منها: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لَوتَجافى إِبليسُ عَن لَحظِ عَينَي ... ها تَقَرّا عِبادَةً إِبليسُ [بحر الخفيف] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 184ب4]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 267ب8]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 323ب2]. وبقية مواضع ترجيح الرواية في ديوان أبي تمام هي: [1/ 194 ـ 195، ب49]، [1/ 311 ـ 312،ب1]، [1/ 313،ب5]، [1/ 44 ـ 45]، [1/ 92]، [2/ 173، ب33]، [2/ 69 ـ 70، ب8]

ـ العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره

((.. ((تَقَرّا)): يحتمل وجهين: أن يكون من تَقَرّى الشيء؛ إذا تتبعه، فهذا غير مهموز، والآخر أن يكون من تقرا القرآن؛ إذا طلب حفظه، وتشبه بالقراء، فهذا أصله الهمز، وحمله على هذا الوجه أليق)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: وَلَرُبَّما استَبكَتهُ نَكبَةُ حادِثٍ ... نَكَأَت بِباطِنِ صَفحَتَيهِ نُدوبا [بحر الكامل] ((و [أشكته] (¬2) .. أحوجته إلى الشكية، وقد يكون في معنى أزالت شكيته، وهذه الكلمة تذكر في الأضداد، والبيت يحتمل المعنيين إذا لم يُشْفَع بالبيت الثاني، وحمله على إزالة الشكاية أحسن في حكم الشعر؛ لأن المراد أنه يصبر على النكبات؛ فيعقب صبره خيرا ونجحا، وهذا المعنى يتردد في شعر الطائي وغيره)) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ماذا عَسَيتَ وَمِن أَمامِكَ حَيَّةٌ ... تَقِصُ الأُسودَ وَمِن وَرائِكَ عيسى [بحر الكامل] ((.. وهذا البيت يدل على أن ((عيسى))، مراد به اسم هذا الرجل، وكونه في معنى المسيح معنى صحيح، وهوأبلغ في المدح)) (¬4). ... ـ العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره: كان أبوالعلاء يوظف خصائص البيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان، وكانت خصائص تلك البيئة المستقرة نسبيا والموجودة في عصره بمثابة المعيار الذي يلجأ إليه في شرح الديوان؛ بمعنى أن تلك الخصائص كانت ((المعيار)) ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 214ب4]. (¬2) هذه رواية أبي العلاء، أما رواية التبريزي: استبكته، كما هومثبت في البيت. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 563ـ564ب5]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 271ب35].، وبقية هذه المواضع في ديوان أبي تمام: [2/ 238، ب9]، [2/ 329، ب31]، [2/ 424، ب4]، [3/ 41، ب32]، [3/ 49، ب2].

أو ((المستوى)) الثابت الذي يلجأ إليه، ويسجل على هديه في شرحه مدى اقتراب أبي تمام أوابتعاده عنه. وقبل المضي في توضيح الكلام السابق يرى الباحث أنه من الواجب تقديم تصور أبي العلاء للغة الذي اعتمد عليه في شرحه. اللغة عند أبي العلاء: يحاول البحث هنا استجلاء طبيعة اللغة عند أبي العلاء، وذلك من خلال دراسة النصوص المتفرقة التي جمعها الباحث من خلال دراسته للديوان. من خلال تلك النصوص نقول: إن نظرة أبي العلاء للغة كانت تنقسم إلى قسمين: • قسم أطلق عليه ((لغة العامة)) (¬1). • وقسم أطلق عليه ((لغة أهل العلم وأهل اللغة))، أولغة ((الطبقة الراقية)) (¬2). أما القسم الأول الذي يمثل لغة العامة فقد قال عنه يوهان فك: ((هي لهجة دارجة بين سواد الشعب العريض)) (¬3)، لهجة ((تتفاهم بها الطبقات الوسطى والدنيا من سكان المدن منذ نشوئها في عصر الفتوحات الإسلامية الأولى وقد أخذت هذه العربية المولدة تكتسب مناطق جديدة بسبب التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية)) (¬4) ومن أمثلة هذا القسم قول أبي العلاء: ¬

(¬1) تلك اللغة سماها يوهان فك في كتابه ((العربية، دراسة في اللغة واللهجات والأساليب)): ((اللهجة الدارجة))، ص93، و ((العربية المولدة)) (ص 109)، [ترجمة د. رمضان عبد التواب، ط1، 1980، الخانجي]، وسماها الجاحظ: ((لغة المولدين والبلديين)). [ضحى الإسلام: أحمد أمين، 1/ 313 ـ 314، (ط مكتبة الأسرة 1997 م)]، ونستأنس هنا بإشارة الأستاذ أحمد أمين عن هذه اللغة حيث قال: ((إنها لغة لها ألفاظ غير منتقاة، وتتسامح في الإعراب، وتميل إلى إسكان أواخر الكلمات)). (¬2) كما سماها يوهان فك: ص 109 (¬3) العربية، دراسات في اللغة واللهجات والأساليب:: ص 93 (¬4) العربية، دراسات في اللغة واللهجات والأساليب:: ص 109

ـ ((وطَيْبَة: اسم من أسماء النساء أيضا مخفف من طَيّبة. فأما قول العامة: الطِّيبة في مصدر الشيء الطيِّب؛ فأهل اللغة ينكرون ذلك، ويختارون حذف الهاء؛ فيقولون: هذا شيء طيب بين الطيب)) (¬1). وأبوالعلاء يقر أن للغة العامة استعمالها الخاص، وأنها لغة لها ألفاظها الخاصة، ولها ألفاظ مشتركة بينها وبين لغة أهل العلم واللغة، ولكنها ذات دلالات خاصة عندها، ولها أيضا أساليبها. يقول أبوالعلاء: ((جاء بـ (الإشلاء) في معنى الإغراء، وكذلك تستعمله العامة، يقولون: أشليت الكلب إذا أغريته)) (¬2). ـ ويقول: ((.العامة يقولون دابة أشعل (...) وأهل العلم يذكرون ذلك في الذنب خاصة)) (¬3). ـ ويقول: ((والعامة يسمون ضربا من النبت إذا أصاب الجسد أذي به قراصا؛ كأنهم أخذوه من القرص باليد)) (¬4). ـ ويقول: ((قال أبوتمام: لَوكانَ كَلَّفَها عُبَيدٌ حاجَةً ... يَوماً لَأُنسِيَ شَدقَمًا وَجَديلا [بحر الكامل] ((هذا البيت يختلف في روايته، وكان الناس ينشدون في أول الأمر (لزنَّى شدقما وجديلا)؛ فاستضعفوا هذه الكلمة؛ لأنها عامية فغيرت بغيرها)) (¬5). ـ ويقول: ((قال أبوتمام: ذَهَبَت بِمَذهَبِهِ السَّماحَةُ فَالتَوَت ... فيهِ الظُّنونُ أَمَذهَبٌ أَم مُذهَبُ [بحر الكامل] وقوله: (أمذهب أم مذهب) من قول العامة: بفلان مذهب إذا كان يلج في الشيء ويغرى به)) (¬6). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 12]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 344]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 411]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 452]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 70]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 129].

ـ ويقول: ((والمعروف في الحدائق أن تستعمل في النخل والكرم، ولا يمتنع أن يعني بالحدائق التي هي معروفة عند العامة)) (¬1). ـ ويقول: ((وبعض أصحاب اللغة يزعم أن الصلف الذي تضعه العامة موضع التيه كلمة مولدة)) (¬2). ـ ويقول: ((قال أبوتمام: نَعاءِ إِلى كُلِّ حَيٍّ نَعاءِ ... فَتى العَرَبِ احتَلَّ رَبعَ الفَناءِ [بحر المتقارب] العامة يثبتون الياء في بيت الطائي، كأنهم يعتقدون الإضافة، وذلك ردىء جدا في القياس)) (¬3). أما لغة أهل العلم فهي تلك اللغة التي وصفها يوهان فك فقال إنها: ((لغة الطبقة الراقية (...) احتفظت بالتصريف الإعرابي، وبقواعد الإعراب والتصريف احتفاظا تاما، ولم تزل من حيث بناؤها الحقيقي ـ على الرغم من السمات المولدة ـ تعد من اللغة الفصحى)) (¬4). أما لغة أهل العلم، أوأهل اللغة، أولغة الطبقة الراقية فإنها ((كلام)): 1. منه الفصيح ومنه غير الفصيح. 2. ومنه القديم (الذي انتهى استعمال بعضه)، ومنه الحديث المولد. 3. ومنه الجيد، ومنه غير الجيد. ودليل ذلك قول أبي العلاء: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 24]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 364]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 6]. (¬4) العربية، دراسات في اللغة واللهجات والأساليب: ص 109

ـ ((يقال: هَمَرَ كلامه همرا، إذا جاء بكلام كثير، وأفصح الكلام أن يقال: أرْتَجَ الباب إذا أغلقه)) (¬1). ـ وقوله: ((وقال: (كم تعذلون)؛ فخرج من خطاب الواحد إلى خطاب الجميع، ومثله كثير في القرآن والكلام القديم)) (¬2). ـ وقوله عند قول أبي تمام: وَمِثلُ قُوى حَبلِ تِلكَ الذِّراعِ كانَ لِزازًا لِذاكَ الرِّشاءِ [بحر الكامل] ((وحبل الذراع: أعظم عروقه، وهوكلام قديم ليس مما استعاره الطائي)) (¬3). وهذا الكلام يتكون من لغات، وهذه اللغات عنده على درجات: منها العالي، ومنها الجيد، ومنها القبيح، ومنها الردىء المرفوض، ومن ذلك: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: إِذا ظُلُماتُ الرَّأيِ أُسدِلَ ثَوبُها ... تَطَلَّعَ فيها فَجرُهُ فَتَجَلَّتِ [بحر الطويل] ((المعروف (سُدِل) وهي اللغة العالية، ويجوز أسدل)) (¬4). ـ وقال عند بيت أبي تمام: إِذا ما رَأَتهُ العيسُ ظَلَّت كَأَنَّما ... عَلَيها مِنَ الوِردِ اليَمامِيِّ نافِضُ [بحر الطويل] ((ويقوي رواية من روى (اليماميّ) بميمين أن (اليماني) بتشديد الياء ليس باللغة العالية)) (¬5). ولم يورط أبو العلاء نفسه في تحديد لمن هذه اللغة، ونأى بها عن التناقض الذي وقع فيه علماء اللغة قبله، فلا هو جعلها لغة قريش ولا لغة بني سعد مثلا (¬6). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 254]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 22]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 36]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 305]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 297]. (¬6) د. علي أبو المكارم: أصول التفكير النحوي، ص 60

ـ وقال عند بيت أبي تمام: لَهُ زِئبِرٌ يُدفي مِنَ الذَّمِّ كُلَّما ... تَجَلبَبَهُ في مَحفِلٍ مُتَجَلبِبُ [بحر الطويل] (((له زئبر)؛ أي للشكر، وخفف الهمزة (يدفي)، وهي لغة جيدة)) (¬1). ـ وقال: ((و (اللَّذْ) لغة في الذي، وقد جاءت في (الذي) لغات أجودها (الذي) بإثبات الياء)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عن بعض العرب: ((... وقد يمكنون الحركة حتى تصير حرفا ساكنا مثل ما حكي أن بعض العرب يقول: قام زيدو؛ فيثبت الواو، ومررت بزيدي؛ فيثبت الياء، وذلك ردىء مرفوض)) (¬3). ومن اللغات ما هوأكثر استخداما من غيرها، يقول: ((يقال: ينعت الشجرة، وأينعت، وهذا على يَنِعَتْ، فإن أخذ من أينع فجائز، والحمل على اللغة الأخرى أكثر)) (¬4). واللغة عند أبي العلاء تعني فيما اصطلح عليه اللهجة: من ذلك قوله: ـ ((خفف الهمزة في (يَهْنِي) على لغة من قال: (هَنَاك) في الماضي)) (¬5). ـ وقال: ((وسكن الهاء في (مُهْراق) على لغة من قال: أَهْرقْتُ)) (¬6). ـ وقوله: ((إذا كان آخر الفعل الماضي ياء وقبلها كسرة فطيئ تقلبها ألفا، فيقولون: اجتُنَى في اُجتُنِيَ ... ومن العرب مَنْ يسكن الياء ها هنا؛ ولم يستعمل اللغة الطائية)) (¬7). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 280]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 18]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 326]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 403]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 9]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 131]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 190].

والألفاظ التي تتكون منها تلك اللغات منها ما قد انتهى استعماله في عصر أبي العلاء، قال: ((و (الدرانك): واحدها دُرْنُوك. ويقال: إن أصله غير عربي، إلا أنهم قد استعملوه قديما)) (¬1). ومنها ما وصل إلى مرحلة الابتذال، قال: (((تسحبنا): استطالتنا، كأنه من السَّحب، والتَّسحب كلمة مبتذلة)) (¬2). كما أنه يقر بتطور البنية الصرفية لبعض ألفاظها، يقول: ((أصل (اليافوخ): الهمز، والجمع يآفيخ)) (¬3). وألفاظها متفاوتة في الفصاحة، قال: ((ومضاض على قولهم مضَّني، وأمضني عندهم أفصح)) (¬4). ومما ينبغي الإشارة إليه أن أبا العلاء المتوفي سنة 449هـ كان يلجأ إلي لغة العامة أحيانا في توضيح شرح ديوان أبي تمام (¬5). ويمكن إجمالا أن نلخص تصوره للغة كالتالي: ? لغة أهل العلم واللغة / لغة الطبقة الراقية ومن خلال حديثنا التالي سنجد أن تلك ((اللغة العالية)) تتمتع بالآتي: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 458]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 320]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 123]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 315]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 129].

· لها خصائص ثابتة نسبيا على المستوى الصرفي. · لها خصائص ثابتة نسبيا على المستوى النحوي. · لها خصائص على مستوى الاستعمال الكلامي للألفاظ، ومصاحبة ألفاظ لألفاظ، وشيوع ألفاظ وقلة شيوعها على حساب ألفاظ ودلالات أخرى. · خصائص عامة بعيدة عن الخصائص النحوية والصرفية والاستعمالات الخاصة بألفاظها (¬1). ولا أدل على لجوء أبي العلاء للغة الطبقة الراقية بكل خصائصها التي أثبتناها سابقا من كثرة ترديده لكلمة ((يقال)) ومشتقاتها عند شرحه لألفاظ الديوان، وقد أحصى البحث ما يقرب من مائتين وواحد وثلاثين موضعا (231) ذكر فيه أبوالعلاء هذا اللفظ صراحة، منها على سبيل المثال: ـ قال أبوالعلاء: ((.. يقال: ناقة وَسَاع إذا كانت واسعة الخطو)) (¬2). ـ وقال: ((... ويقال: ضيف مُدَفَّع إذا تدافعه الناس فلم يضيفوه)) (¬3). ـ وقال: ((يقال: ظن أنْ سيكون، وظن بأن سيكون، وحذف الباء أكثر)) (¬4). ¬

(¬1) ومن أمثلة تلك الخصائص العامة ـ على سبيل المثال ـ أسلوب ((الالتفات))، وهو مصطلح من مصطلحات علم البيان، وقد درج علماء البلاغة على تعريفه بأنه ((تعقيب الكلام بجملة مستقلة متلاقية له في المعنى على طريق المثل أو الدعاء ونحوهما من المدح والذم والتأكيد والالتماس، كقوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} [الإسراء: 81]، ومنها أن تذكر معنى فيتوهم أن السامع اختلج في قلبه شيء فتلتفت إلى كلام يزيل اختلاجه ثم ترجع إلى مقصودك))، ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي، 1/ 251 والالتفات عند علماء البلاغة ((إنما يستعمل في الكلام للتفنن والانتقال من أسلوب إلى أسلوب تطرية لنشاط السامع، وهو تعريف جميل؛ لأن النفس تسأم الكلام الجاري على نسق رتيب))، ينظر: إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين الدرويش، 1/ 243، دار ابن كثير للطباعة والنشر، دمشق. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 334]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 334]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 396].

ـ وقال: ((يقال: نَفِهَت المطية إذا أعيت)) (¬1). ـ وقال: ((يقال: نهشته الحية ونهسته، وقيل: النهس بمقدم الفم، والنَّهشُ أكثر منه)) (¬2). **** بعد الانتهاء من استجلاء نظرة أبي العلاء للغة نعود لعنصرنا الثالث من عناصر المنهج عنده وهو: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان: ونبدأ بأولى تلك الخصائص: [أ] توظيف السمات الصرفية: وأول هذه السمات والخصائص التي كان يعتمد عليها أبوالعلاء السمات الصرفية، حيث قام أبوالعلاء بتوظيف السمات الصرفية الثابتة للغة الراقية؛ أي أنه عول على الفصيح الراقي منها في شرح الديوان، وبيان مدى خروج أبي تمام على هذه السمات أوالاتفاق معها، وقد أحصى البحث أكثر من ستة وثلاثين موضعا استخدم فيها أبوالعلاء السمات الصرفية في الشرح، وفيما يلي أهمها: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: أَيُّها الغَيثُ حَيَّهَلَّا بِمَغداكَ وَعِندَ السُّرى وَحينَ تَؤوبُ [بحر الخفيف] ((((أيها الغيث حَيَّهَلاَّ)): شدد حَيَّهَلَّا، ولا تعرف إلا مخففة اللام)) (¬3). ـ وقال: ((والحِنْدِيس مثل الحِنْدس، وزيادة الياء في مثل هذه المواضع جائزة؛ لأن ((فِعْللا وفِعْليلا)) متقاربان، وكذلك: فِنْعِل وفِنْعيل)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 537]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 244]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 292].وحَيَّهَلْ: مركبة من ((حيَّ)) ومن ((هل)) التي تفيد الحث والاستعجال، واستعمالها منفردة قليل، والجمع بينهما يفيد المبالغة والاستعجال في طلب الإقبال. المعجم الوافي لأدوات النحو العربي، ص 151 (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 266].

ـ وقال: ((والأحسن أن يكون أعجاس جمع: عِجْس بكسر العين أوعُجس بالضم؛ لأن (فَعْلا) لا يجمع على أفْعَال كثيرا)) (¬1). ـ وقال: ((ويقال للؤلؤة العظيمة (تُؤْمَة)، والجمع تُؤَم، وهذا أجود من أن تجعل توم جمع: تُؤَام على تخفيف الهمزة؛ لأن ذلك قليل)) (¬2). ـ وقال: ((ومضَّاض على قولهم: مَضَّني، وأمضَّني عندهم أفصح، وفَعَّال يَقِِلُّ في أفعل، إلا أنهم قالوا جبار وهوعندهم من أجبرته على الأمر إذا أكرهته عليه، إلا أن هذه الأشياء تحمل على حذف الزوائد)) (¬3). ـ وقال: ((وأصل همزة التعجب أن تدخل على الأفعال الثلاثية التي لا زيادة فيها، مثل: ضرب، وعلم، وكَرُمَ، ودخولها على ما في أوله الهمزة قليل، إلا أنه جاء وكثر ... ولا يستعملون عطوت إلا في معنى تناولت، وأفعل التي للتعجب تجري مجرى أفعل التفضيل)) (¬4). ـ وقال: ((... وقال قوم خَدجَتْ وأخْدَجَتْ سواء؛ وهذا القول أشبه بكلامهم؛ لأن فَعَلَ وأفْعَلَ يشتركان كثيرا)) (¬5). ... [ب] توظيف الخصائص النحوية للغة الراقية: اعتمد أبوالعلاء على الخصائص النحوية في شرحه للديوان، وقد أحصى البحث خمسة وعشرين موضعا وظف فيها أبوالعلاء هذه السمة، ومنها ما يلي: ـ قال أبوتمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 287]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 315]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 114]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 17]. ولمزيد من الأمثلة يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي المواضع التالية: [1/ 183]، [1/ 226]، [1/ 230]، [1/ 63]، [1/ 8]، [2/ 123]، [2/ 236]، [2/ 254]، [2/ 403]، [3/ 120]، [3/ 16]، [4/ 164]، [4/ 6]، [4/ 38ب5]

وَتَعَلَّم بِأَنَّهُ ما لِأَنوائِكَ إِن لَم تُرَوِّها مِن خَلاقِ [بحر الخفيف] ـ قال أبوالعلاء: ((... يقال ما له خلاق: أي نصيب في الخير، ولا يكادون يستعملون هذه الكلمة إلا في النفي)) (¬1). ـ وقال: ((أكثر ما يستعمل (زَعَمَ) مع أَنَّ)) (¬2). ـ وقال: ((ومن روى (كلا الآفاق) بكسر الكاف، وهويريد كل الآفاق فروايته خطأ؛ لأن: كِلا يستعمل للاثنين لا للجمع، ولم يأت في المسموع كلا القوم، وكلا الأصحاب، وإنما يقال: كلا الرجلين، وكلا الفرسين، ونحوذلك)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: هُما أَظلَما حالَيَّ ثُمَّتَ أَجلَيا ... ظَلامَيهِما عَن وَجهِ أَمرَدَ أَشيَبِ [بحر الطويل] ((جعل (أظلم) هاهنا متعديا، وذلك قليل في الاستعمال، وهوفي القياس جائز)) (¬4). ـ وقال: ((يقال: ظَنَّ أن سيكون، وظن بأن سيكون، وحذف الباء أكثر)) (¬5). ـ وقال عند قول تمام: سُعُمٌ حَثَّ رَكبَهُنَّ أَمانٍ ... فيكَ تَترى حَثَّ القِداحِ المُفيضُ [بحر الخفيف] ((.. وأضاف الحث إلى القداح؛ لأن المصدر يجوز أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول)) (¬6). ـ وقال عند قول تمام: غَدَت مُغتَدى الغَضبى وَأَوصَت خَيالَها ... بِحَرّانَ نِضوالعيسِ نِضوالخَرائِد [بحر الطويل] ِ ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 447]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 43]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 155]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 150]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 396]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 291].

((من روى: (نِضْوالعيش) بالشين أراد أن عيشه قد أنضاه فهوشاك له؛ وأصل النضو: البعير الذي قد أنضاه السفر، يريد أن العيش قد أنضاه لصعوبته، وأن الخرائد قد فعلن به مثل ذلك، ويكون (نضوالعيش) معرفة؛ لأن انفصال الإضافة هنا لا يكثر، وإنما يحسن الانفصال إذا كان المضاف إليه يمكن فكه من الأول وإضافته إلى المضمر)) (¬1). ـ وقال: ((كان النحويون المتقدمون يرون أن (إِيَّاك) ينبغي أن تستعمل مع الواومثل قولهم: إِيَّاك وزيدا، وينكرون مجيئها على غير ذلك، إلا أن تستعمل بـ (أن)، كقولك: إياك أن تقوم، وإياك أن تذهب، ولكن الواوحذفت كحذف الباء مع (أن) في مواضع كثيرة، وكذلك تحذف معها حروف الخفض، يقال: نهيتك أن تفعل؛ أي: عن أن تفعل، وأمرتك أن تفعل؛ والمراد: بأن تفعل، فإذا عُدِمَتْ قبح عندهم الحذف إلا في ضرورة الشعر)) (¬2). ونلمح في هذا الاقتباس إشارة مهمة من أبي العلاء على أن التطور اللغوي قد يقع في قواعد اللغة. ـ تعليق على توظيف الخصائص الصرفية والنحوية: من خلال الاقتباسات السابقة يتبين أن أبا العلاء اعتمد على الخصائص الصرفية والنحوية التي أسماها د. سعد مصلوح بـ ((السمات الثابتة Constant)) والتي من خلالها أوضح انحرافات أبي تمام، ويمكن أن نلخص هذه السمات كما وردت في الاقتباسات السابقة كالتالي: السمات الصرفية الثابتة نسبيا ... السمات النحوية الثابتة نسبيا ـ فِعْلل وفِعْليل متقاربان وكذلك فِنْعِل وفِنعيل. ... ـ كلمة ((خَلاق)) لا تستعمل إلا في النفي. ـ فَعْل لا يجمع على أفعال كثيرا. ... ـ لفظ ((كلا)) يستعمل للاثنين لا للجمع. ـ فَعَّال يقل في أفعل. ... ـ المصدر يجوز أن يضاف للفاعل وإلى المفعول. ـ يحسن انفصال الإضافة إذا كان المضاف إليه يمكن فكه من الأول وإضافته إلى المضمر. ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 69ـ70]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 13].

ـ أصل همزة التعجب أن تدخل على الأفعال الثلاثية التي لا زيادة فيها. ... ـ فَعَل وأفعل يشتركان كثيرا. والجدول السابق يشير إلى الملحوظتين التاليتين: أـ وجود تمايز واضح عند أبي العلاء بين قواعد اللغة واستعمال الشاعر، وهذا التمايز يذكرنا بما اصطلح عليه اللغويون المحدثون من تفرقة بين اللغة والكلام، أو القدرة والأداء. ب ـ إذا قمنا بتأصيل نظري لقواعد علم الأسلوب في تراثنا العربي فإننا يمكن أن نعتبر أبا العلاء بحق رائدا من رواد علم الأسلوب العربي. [ج] الاعتماد على سمات الاستعمال اللغوي (أوالكلامي) للألفاظ، والألفاظ المصاحبة، والألفاظ والدلالات الأكثر أو الأقل شيوعا: كان أبوالعلاء يعتمد على المستعمل من الألفاظ في اللغة (أوالكلام)، وينبه على غير المستعمل منها، ويوضح أي الألفاظ أكثر شيوعا في الاستعمال، وأيها أقل، كما يوضح الألفاظ التي تأتي في العادة مصاحبة لألفاظ أومعان أوأشياء أخرى. وقد أحصى البحث أكثر من ثمانية وتسعين موضعا استخدم فيها أبوالعلاء الاستعمال اللغوي، والمصاحبة والشيوع. وهذه المواضع مقسمة كما يلي: • أربعة وأربعون موضعا للاستعمال اللغوي. • ثلاثة وثلاثون موضعا للمصاحبة. • واحد وعشرون موضعا للشيوع أوالقلة في الألفاظ أو الدلالات. ـ توظيف الاستعمال اللغوي: أـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: إِذا كانَتِ الأَنفاسُ جَمرًا لَدى الوَغى وَضاقَت ثِيابُ القَومِ وَهيَ فَضافِضُ [بحر الوافر]

((فَضَافِض: جمع فَضْفاض وهوالواسع، وإنما المستعمل ثوب فَضفاض؛ فجاء هذا على فَضْفَض، ومثله كثير)) (¬1). ب ـ وقال: ((الوسنان: الناعس، واستعاره هاهنا للهوى، ولم يستعمل ذلك من قبل الطائي)) (¬2). ج ـ وقال: ((الإقراب: أكثر ما يستعمل في الإناث، يقال: فَرَس مُقْرَبَة؛ أي: تُشَد قريبا من بيت مالكها ... وربما استعمل ذلك في الذكور)) (¬3). د ـ وقال: ((((أغاض)): قليلة في الاستعمال؛ وإنما يقال: غاض الماءُ وغاضه غيره، ويجوز أن يكون الطائي سمع أغاض في شعر قديم، وإن لم يكن قد سُمِع فالقياس يطلقه)) (¬4). وعبارة أبي العلاء السابقة: ((القياس يطلقه)) عبارة أصولية مهمة في تصور تفكير أبي العلاء، وهو ينحى هنا منحى ابن جني الذي أجل القياس أيما إجلال. ـ وقال: ((والصامت من المال ما كان من فضة أوذهب، ويجوز أن يعني به كل ما لا ينطق، إلا أن أعرف ما يستعمل في الذهب والورق)) (¬5). ـ وقال: ((و ((السُّدْس)):جمع سَديس، ولا يستعمل ذلك في الخيل ولكن في الإبل)) (¬6). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 299].، الجمع: فضافض لم تذكره المعاجم العربية، مع ورده في كتب الأدب والسير، [ينظر: الأغاني 3/ 151، سيرة ابن هشام 4/ 217] وهذا يدل من ناحية أن المعاجم العربية لم تستوعب كل ألفاظ اللغة ويدل من ناحية أخرى على مدى سعة ثقافة أبي العلاء. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 243]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 409]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 46]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 321]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 227]. يضيق المقام عن ذكر كل المواضع التي نص فيها أبوالعلاء على الاستعمال، لذلك نحيل إلى المواضع التاليةُ من ديوان أبي تمام: [1/ 100]، [1/ 129]، [1/ 136]، [1/ 145]، [1/ 148]، [1/ 224]، [1/ 225] [1/ 24]، [1/ 268]، [1/ 326]، [1/ 344]، [1/ 366]، [1/ 398] [1/ 400]، [1/ 409]، [1/ 413 ـ 414]، [1/ 57]، [1/ 85]، [2/ 170]، [2/ 193]، [2/ 236]، [2/ 270]، [2/ 278]، [2/ 310]، [2/ 329] [2/ 361]، [2/ 364]، [2/ 37]، [3/ 138]، [3/ 248]، [3/ 337]، [4/ 568]

ونصوص أبي العلاء السابقة تثير الملحوظات التالية: 1ـ لجوء أبي العلاء إلى الاستعمال اللغوي يبرز أهميته في توضيح المعنى الأساسي للكلمة، وإمكانية استغلاله للوقوف على مخالفات الشعراء. واتكاؤه على فكرة الاستعمال اللغوي في حد ذاتها يذكرنا بقول اللغوي المعاصر فيرث الذي يرى ((أن الكلمة ليست بذات معنى مستقل قائم بذاته وأن وجودها ومعناها شيئا نسيبا يمكن ملاحظة كل منهما في سياق غيرهما من الكلمات والمعاني أو عن طريق التقابل بينهما)) (¬1). 2ـ لم يكن أبو العلاء بدعا بين العلماء في استناده إلى الاستعمال اللغوي للوصول لمأربه وبغيته، بل نجده مسبوقا بغيره من علماء البلاغة، فها هو ابن سنان الخفاجي (المتوفى: 466هـ) يضع شروطا للفصاحة من بينها ((أن لا تكون الكلمة قد عبر بها عن أمر آخر يكره ذكره فإذا أوردت وهي غير مقصود بها ذلك المعنى قبحت)) (¬2). 3ـ نلاحظ ثالثا أنه لم يخطئ أبا تمام في استعمالاته التي انفرد بها، وهو بهذا ليس من هؤلاء العلماء التقليديين ((الذين جعلوا القواعد ((الرسمية)) وحدها أساس الحكم بالصواب والخطأ [والذين] أهملوا في الوقت نفسه النظر إلى الاستعمال الواقعي وقيمة هذا الاستعمال)) (¬3). ـ التنبيه على المصاحبة: اعتمد أبوالعلاء في شرحه على خاصية المصاحبة؛ أي: الألفاظ التي تأتي مصاحبة لألفاظ أومعان أوأشياء أخرى، فقد كان حريصا في شرحه على إبراز هذه المصاحبة. ولعل هذا الاستخدام والبيان قريب من نظرية ((الرصف Collocational Theory)) التي أشار إليها د. أحمد مختار عمر في كتابه ((علم الدلالة))،تلك النظرية التي تعتبر امتدادا لنظرية السياق أوتطورا عنها. ¬

(¬1) د. حلمي خليل: الكلمة دراسة لغوية معجمية، ص 95 (¬2) سر الفصاحة: 85، دار الكتب العلمية ط 1، 1402هـ، 1982م (¬3) د. كمال بشر، مقال بعنوان: العربية المعاصرة، مجلة المجلة يونيه 1966م

وقد نقل د. أحمد مختار عمر تعريف المصاحبة أوالرصف عن Ullmann قائلا: ((هوالارتباط الاعتيادي لكلمة ما في لغة ما بكلمات أخرى معينة))، أو: ((استعمال وحدتين معجميتين منفصلتين، استعمالهما عادة مرتبطتين الواحدة بالأخرى)) (¬1). وفيما يلي أمثلة على ذلك: ـ ((((الذَّرَابة)) الحدة، وقلما يقولون رجل ذَرِب حتى يقولوا ذرب اللسان)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: أولِعنَ بِالمُردِ الغَطارِفِ بُدَّنا ... غيدًا أَلِفنَهُمُ لِدانًا غيدا [بحر الكامل] ((إذا رويت ((لُدَّنًا)) فهوجمع لادنة، وذلك لفظ لا يستعمل، وإنما يقال: غَضٌّ لَدْن، وشباب لدن، وهوالناعم المنعطف ... وإذا رويت ((بُدّنا لُدْنا)) فهوأعرف؛ لأن قولهم: امرأة بادن، كلام معروف)) (¬3). ـ وقال: ((... و ((الوَخْد)) و ((الوَسْجُ)) ضربان من السير، وأكثر ما يستعملان في الإبل والنعام، وقد يستعاران لغيرهما)) (¬4). ـ وقال أبوالعلاء عند قوله: نَدَّ عَنكَ العَزاءُ فيهِ وَقادَ الدَّمعَ مِن مُقلَتَيكَ قَودَ الجَنيبِ [بحر الخفيف] ((استعار: ((نَدَّ)) للعزاء، وإنما هو للإبل ونحوها)) (¬5). ـ وقال: ((.والبلاء يستعمل في الفعل الحسن وفي القبيح، وفي الاختبار)) (¬6). ـ وقال: ((والفأل أكثر ما يستعمل في الخير، وربما استعمل في الشر كالمستعار)) (¬7). ¬

(¬1) علم الدلالة: ص 74 (عالم الكتب ط 5). (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 260]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 409 ـ 410]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 337]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 117]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 32]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 78].

ـ وقال: ((... ولم تجر العادة بأن يقال: كَسَفَ الكوكب، إنما المعروف: كَسَفت الشمسُ وخسف القمر)) (¬1). ـ وقال: ((.ولما كانت ((المها)) تستعمل في الدر والأسنان وبقر الوحش والبلور والنساء وغير ذلك مما يحسن ويصفو؛ استحسن أن يقول: ((مها اللذات)) ليخص بها الإنس)) (¬2). ـ وقال: قوله: ((أدهم فيه كمتة)) لم يستعملوا مثله؛ لأنهم لم يقولوا: أدهم كميت)) (¬3). ولم ينفرد أبو العلاء بالإشارة إلى المصاحبة اللفظية هذه، بل نجد قبله الثعالبي يشير إليها ويعتبرها من ((خصائص من كلام العرب)) يقول: ((وهاج الفحل والشر والحرب والفتنة، ولايقال: هاج لما يؤدي إلى الخير (...) ومن ذلك قوله تعالى: چ ں ں چ؛ أي مثلنا بهم، ولا يقال: جُعِلُوا أحاديث إلا في الشر، ويقال: نفشت الغنم ليلا، وهملت نهارا)) (¬4). ـ توظيف الشائع والأقل شيوعا من الألفاظ والدلالات: كان أبوالعلاء يعتمد على الشائع والأقل شيوعا من الألفاظ، وكان ينبه على هذا، ومن أمثلة ذلك: ـ ((... وغارة شعواء؛ أي: متفرقة، وقلما يصرفون منه الفعل، ولا يقولون للذكر أشعى)) (¬5). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 326]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 256]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 236].، وينظر أيضا [4/ 154ب2]. ومن المواضع التي أوضح فيها التبريزي خاصية المصاحبة مشاركا في ذلك أبا العلاء قوله: ((واشتقاق تماضر من قولهم: عيش مَضِر؛ أي ناعم: وأكثر ما يستعمل في الإتباع، يقال: خذه خضرًا مضرًا؛ أي بحسنه ونضارته)). [1/ 158 ـ 159 ب7] (¬4) فقه اللغة وسر العربية: ص 374 (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 15].

ـ ويقول: ((المتعارف بين الناس ((الإسكندر)) بالألف واللام، فحذفهما منه (؛ أي: أبوتمام)، وقد فعل ذلك في غير موضع، كقوله: ((ما بين أندلس إلى صنعاء)) .. ولم تجر العادة أن يستعمل ((الفرزدق ولا الأندلس)) إلا بالألف واللام)) (¬1). ـ ويقول: ((... وإذا أُدخْل النفي على ((كاد)) أخرجها إلى معنى الإيجاب في معظم كلامهم، كقوله تعالى: چ ? چ چ چ چ چ [البقرة 71]؛ أي: قد فعلوا بعد إبطاء .. ولها معنى آخر إلا أنه قليل التردد، وإنما يكون كاللغز؛ لأن المعروف سواه، تقول: ما كاد يقوم أخوك؛ أي: لم يقم، ولم يقارب .. ومثل هذا قلما يستعمل)) (¬2). ـ ويقول: ((... وقد يقال: ثوب فُضُل إذا لم يكن على اللابس غيره، فإن ثبت أنه قال: فاضلا وهويريد الفضل فهي كلمة لا تعرف في كلام المتقدمين، وإنما المعروف تفضلت المرأة إذا كانت فُضُلا)) (¬3). ـ ويقول: ((... و ((العيرانة)): الناقة التي تشبه العير الوحشي في صلابتها، .. ودلوث: مثل دلاث، وهي الجريئة على السير، وقلما يقولون في صفة الناقة دَلُوث، وإنما يقولون: دلاث)) (¬4). ـ ويقول: ((المَرَطى: ضرب من العدوسهل، وقلما يُستعمل في الإبل)) (¬5). ـ ويقول: ((وشحب كلمة قليلة، وإنما الكلام شاحب؛ أي: متغير)) (¬6). ـ ويقول: ((والفَلَج: أراد به تلفج الأسنان، وقلما يقولون: ثغر أفلج، وإنما يقولون: مفلج)) (¬7). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 48]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 177]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 149]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 325]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 247]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 329].

ـ ويقول: ((.. ويقال: ((ظبية عوهج))؛ إذا كانت طويلة العنق، وقلما يستعملونه في صفة المذكر)) (¬1). ومن أمثلة توظيفه للخصائص الدلالية للغة الراقية، وإيضاح مدى اقتراب أوابتعاد أبي تمام عنها، التالي: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: مَن مُبلِغٌ أَفناءَ يَعرُبَ كُلَّها ... أَنّي ابتَنَيتُ الجارَ قَبلَ المَنزِلِ [بحر الكامل] ((جعل الجار يبتنى كما تبتنى الدار، وهذا مجانس لقوله تعالى: چ ? ? ?? ? ? ? ? چ [آل عمران: 54]، لأنه جعل جزاءهم على المكر مكرا، وكذلك الجار لما كان حالا إلى الدار؛ جاز أن يستعار له ما هولها في الحقيقة، وذلك مثل قولهم للرجل إذا رأوه يخيط ثوبه وقد انهدم له بيتٌ: خياطة بيتك أوجب من خياطة ثوبك، والبيت لم تجر العادة باستعمال الخياطة فيه، ومثل هذا كثير، يستعار ما هوللشيء المقارب غيره؛ فينقل إلى ما قاربه)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لا يَأسَفونَ إِذا هُمُ سَمِنَت لَهُم ... أَحسابُهُم أَن تُهزَلَ الأَعمارُ [بحر الكامل] ((استعار ((السمن)) للأحساب، وهي استعارة قديمة،.وقابل سِمَن الحسب بهُزال الأعمار، ولم يستعمل ذلك في العمر قبل الطائي إلا أن يكون شيئا غير مشهور)) (¬3). ـ وقال: ((وقوله: ((رَضِيْعَي لبان))،يستعمل في الإنس، وكأن اللِّبان مصدر لابنه لبانا؛ إذا رضع من لبن أمه، وربما أخرج إلى غير الإنس على التوسع والمجاز)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 324]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 49]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 177]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 11].

ـ وقال: ((و ((المعاقل)): جمع مَعْقِل، وأصل ذلك في الجبل، يقال: قد عَقَلَ الوعلُ إذا حصل في موضع عالٍ لا يوصل إليه فيه، ثم قيل لكل حصن مَعْقِل، ثم كثر ذلك حتى قيل فلان مَعْقِلي؛ أي: الذي أمتنع به، وكذلك سيف فلان معقله؛ أي: يقوم له مقام المعقل)) (¬1). ـ وقال: ((.. ((أشباه))؛ أي: كفاه .. وقال قوم: يقال أشبى الرجل إذا وُلد له أولاد أذكياء، وهومأخوذ من الشبا؛ أي: الحد، وقد استعملوا أشبى في غير هذا المعنى، قالوا أشبى عليه إذا أشفق)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: بِيَومٍ كَطولِ الدَهرِ في عَرضِ مِثلِهِ ... وَوَجدِيَ مِن هَذا وَهَذاكَ أَطوَلُ [بحر الطويل] ((.. لما جعل للدهر طولا وصله بالعرض على معنى الاستعارة، ولا حقيقة بأن يوصف الدهر بذلك، وإنما هو طويل لا غير، فأما العرض فإنما هوعلى الأماكن وما جرى مجراها، فأما الدهر فطويل، ما عُلِم أن أحدا قبل الطائي وصفه بالعرض، ولكنه لما تقدم ذكر الطول استجاز أن يجيء بضده)) (¬3). ويمكن من خلال مبدأ ((الإعلامية Informativity)) الذي يقول به علم النص أن نعلل اهتمام أبي العلاء بالتنبيه على استعمال أبي تمام لألفاظ شائعة أو ألفاظ أقل شيوعا، فإبرازه لدرجة الإعلامية في ألفاظه وتراكيبه إشارة درجة فحولة الشاعر ومدى شاعريته. [د] الاعتماد على الخصائص الأسلوبية العامة للغة العربية: اعتمد أبوالعلاء على الخصائص الأسلوبية العامة التي تحفل بها اللغة، وبيان مدى اتفاق أبي تمام معها أوابتعاده عنها ومثال ذلك: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 28]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 183]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 72].

وَقَرِّب أَنتَ تِلكَ فَإِنَّ هَمًّا ... عَراني بِاشتِجارٍ وَارتِفاقِ [بحر الوافر] ((خاطب المرأة ثم انصرف عنها إلى مخاطبة رجل يأمر بتقريب العيس للسير، وهم يفعلون ذلك كثيرا، يتركون خطاب الأول المذكر إلى المؤنث، وخطاب المؤنث إلى المذكر، ومنه الآية: چ ? ? ? ?? ? ?? ? ? ? ? ? چ [يوسف:29])) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: قَدكَ اتَّئِب أَربَيتَ في الغُلواءِ ... كَم تَعذِلونَ وَأَنتُمُ سُجَرائي [بحر الكامل] ((.. وقال: ((كم تعذلون))؛ فخرج من خطاب الواحد خطاب الجميع، ومثله كثير في القرآن والكلام القديم، ومنه قوله: چ ? ? ? ? ? چ [الطلاق: 1])) (¬2). ـ وقال: ((من كلامهم إذا أكثر الرجل من الشيء وألفه أن يقولوا هو أبو كذا وأمه وابنه، كما يقال: هوأبوالأضياف، وأم العيال وابن الهيجاء وأخو رغائب)) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: بِنتُ الفَضاءِ مَتى تَخِد بِكَ لا تَدَع ... في الصَّدرِ مِنكَ عَلى الفَلاةِ غَليلا [بحر الكامل] ((يعني الناقة؛ أي أنها معاودة للسير في الفضاء من الأرض على مذهب قولهم: ابن قفر وابن ليل، وهو كثير في كلامهم)) (¬4). ـ وقال: ((((الراقصات)): الإبل، والرقص ضرب من السير، وقد كثر في كلامهم القسم بالراقصات إلى منى)) (¬5). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 424]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 22]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 47]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 68]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 43].

ـ العنصر الرابع من عناصر المنهج عند أبي العلاء: توظيف خصائص الصنعة الشعرية

ـ العنصر الرابع من عناصر المنهج عند أبي العلاء: توظيف خصائص الصنعة الشعرية: من الأمور التي اعتمدها أبوالعلاء عند شرحه لديوان أبي تمام الاتكاء على توظيف الصنعة الشعرية وخصائصها. والصنعة أو الصناعة كمصطلح عام يقصد به ((كل علم مَارسه الرجل سواء كان استدلاليا أو غيره حتى صار كالحرفة له، وقيل: كل عمل لا يسمى صناعة حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه)) (¬1)، وقد ((تفسر بملكة يقتدر بها على استعمال مصنوعات ما لنحو غرض من الأغراض صادرًا عن البصيرة بحسب الإمكان)) (¬2). والشعر أيضا ((صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم، كسائر أصناف العلم)) (¬3). والمراد بصنعة الشعر تحديدا ((معرفة الشاعر بالأصول والقواعد التي تجعل الشعر حسناً (...) وغاية هذه الصناعة تجويده وتحسينه، قال قدامة: إن للشعر صناعة وإن كان جاريًا على سبيل سائر الصناعات مقصودًا فيه وفيما يحاك ويؤلف منه إلى غاية التجويد)) (¬4). وقد كان أبوالعلاء جِدَّ خبير بخصائص تلك الصنعة وما يميزها، ومدى اتفاقه أواختلافه معها. وقد أحصى البحث اثنين وعشرين موضعًا وظف فيها أبوالعلاء خصائص الصنعة الشعرية، وفيما يلي أهمها: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) الكفوي: الكليات، معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، ص 544، مادة: صناعة، تحقيق د. عدنان درويش، محمد المصري، مؤسسة الرسالة. (¬2) محمد على التهانوي: موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، 2/ 1097، مادة: صناعة، تحقيق: د. على دحروج وآخرون، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1996م (¬3) محمد بن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء 1/ 5،ت: محمود محمد شاكر، دار المدني (¬4) مقال بعنوان: معايير صنعة الشعر، د. أحمد نتوف، مجلة التراث العربي، دمشق العدد 108 السنة السابعة والعشرون - كانون الأول 2008 - ذو الحجة 1428هـ

ما في النُّجومِ سِوى تَعِلَّةِ باطِلٍ ... قَدُمَت وَأُسِّسَ إِفكُها تَأسيسا [بحر الكامل] ((.. كان الشعراء في القديم إذا جاءوا بالفعل جاءوا بمصدره في القافية .. ثم كثرت الصناعة، وتشدد فيها القالة حتى صاروا يعيبون ذلك، فأما أبوالطيب فقلما يجيء به، ولا ريب أنه كان يتعمد تركه، وإخلاء الكلام من مثله أحسنُ وأقوى؛ لأنه يجيء بعدما استغنى الكلام، وعُلِمَ الغرض، وإنما يتوصل به إلى تقويم القافية، وصلاح الوزن)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: صَمّاءُ سَمُّ العِدى في جَنبِها ضَرَبٌ ... وَشُربُ كاسِ الرَّدى في فَمِّها شُهُدُ [بحر البسيط] ((إن رويت: ((في فمها)) بالتخفيف صار في البيت زحاف، وقلما يستعمل الشعراء مثله، وهوعندهم جائز، وإن شددت الميم بَطَلَ الزحاف، إلا أن التخفيف أجزل في اللفظ)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: هَذا أَمينَ اللَهِ آخِرُ مَصدَرٍ ... شَجِيَ الظَّماءُ بِهِ وَأَوَّلُ مَورِدِ [بحر الكامل] ((مد ((الظماء)) وهومهموز مقصور؛ وذلك جائز، إلا أن ترك المد أحسن، وهوفي الشعر أسوغ منه في الكلام المنثور)) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: إِذا تَذَكَّرتُكَ ذَكَّرتَني ... قَد ذَلَّ مَن لَيسَ لَهُ ناصِرُ [بحر السريع] ((هذا من التضمين (¬4) الذي يعرفه المحدثون. كانوا أول الأمر يسمونه ((استزادة))، وهذا المصراع في شعر قديم ينشده النحويون ... وقد كانت الشعراء في القديم يأخذ أحدهم ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 266ـ267]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 76]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 54ـ 55]. (¬4) يشير إلى النصف الثاني من البيت: (قَد ذَلَّ مَن لَيسَ لَهُ ناصِرُ).

ـ العنصر الخامس من عناصر المنهج: تأويل البيت كل التأويلات الممكنة في غياب القرينة المحددة لمعنى معين

البيت المشهور من شعر غيره فيزيده في شعر نفسه على المعنى الذي يسمى التضمين)) (¬1). وعبارات أبي العلاء: ((وقد كانت الشعراء في القديم))، ((وهو في الشعر أسوغ)) و ((وقلما يستعمل الشعراء)) ... توحي بأن القصيدة ـ في نظر لغويينا القدامى ـ كانت ((بناء تدخل في تكوينه عناصر نمطية مختلفة ومتكررة، ولكنها نمطية لا تجعل بالضرورة من أبنية القصائد المختلفة صيغة شعرية ذات معنى واحد)) (¬2). ـ العنصر الخامس من عناصر المنهج: تأويل البيت كل التأويلات الممكنة في غياب القرينة المحددة لمعنى معين: كان أبوالعلاء يقدم للبيت كل المعاني (¬3) الممكنة، وذلك في غياب القرائن (¬4) المحددة لمعنى محدد أوالمرجحة لمعنى على معنى؛ إذ إن ((تعدد المعنى يكشف عن عدم كفاية القرائن)) (¬5). ففي حالة غيابها كان يذكر كل المعاني الممكنة (¬6). وكان يعتمد في إثراء معنى البيت على الأمور الآتية: أـ توظيف المعاني المعجمية المختلفة للفظة الواحدة في تأويل البيت: فالكلمة التي لها أكثر من معنى معجمي كان أبوالعلاء يوظفها في إثراء معنى البيت طالما أن المعنى أوالسياق يسمحان بذلك. وقد وظف هذا الأسلوب في عشرين موضعا منها: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 352 ـ 353]. (¬2) د. إبراهيم عبد الرحمن: من أصول الشعر العربي القديم، ص 25، مجلة فصول، ع تراثنا الشعري، مارس 1984م (¬3) كان أبوالعلاء يسمى هذه المعاني: تأويلا، أوتأوُّلا، ينظر: 4/ 152. (¬4) تراجع جزئية توظيف القرائن، والتي ذكرنا منها: قرينة السياق، وقرينة الاستعمال اللغوي، وقرينة الخصائص الأسلوبية للشاعر ... . (¬5) البيان في روائع القرآن: د. تمام حسان، 1/ 164، [مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002]. (¬6) بلغ عدد الأبيات التي قدم لها أبوالعلاء أكثر من تأويل 175 بيتا.

1 ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام يمدح أبا عبد الله أحمد بن أبي دواد، ويعتذر إليه: عامي وَعامُ العيسِ بَينَ وَديقَةٍ ... مَسجورَةٍ وَتَنوفَةٍ صَيخودِ [بحر الكامل] ((((الوديقة)): شدة الحر، ودنوالشمس من الأرض، و ((مسجورة))؛ أي: مملوءة بالسراب، ويجوز أن يعنى بمسجورة: من سجر التنور، يصفها بشدة الهجير .. و. ((صيخود)) يجوز أن يعني به صلابة الأرض، من قولهم: صخرة صيخود؛ ويجوز أن يعني به شدة الحر، من قولهم: صَخَدته الهاجرة إذا آلمت دماغه)) (¬1). 2 ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: بِأَبي هَوًى وَدَّعتُهُ ... تاهَت بِصُحبَتِهِ الرِّفاقُ [بحر: مجزوء الكامل] ((... وقوله ((تاهت)) يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون من التيه الذي هوتكبر وإعجاب؛ كأنها لحقها تيه لما صحبها، والآخر أن يكون من تاهَ في الأرض إذا حار وضل؛ أي: أنهم يحارون لحسنه ونوره)) (¬2). 3 ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ذَريني وَأَهوالَ الزَّمانِ أُفانِها ... فَأَهوالُهُ العُظمى تَليها رَغائِبُه [بحر الطويل] ((.. إذا رويت: ((أُفانها)) بالفاء، فهويحتمل وجهين: أحدهما أن تكون المفاعلة من الفناء؛ والآخر أن يكون من الفِناء؛ أي: تنزل بفنائي وأنزل بفنائها)) (¬3). 4 ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: مِن كُلِّ قَرمٍ يَرى الإِقدامَ مَأدُبَةً ... إِذا خَدا مُعلِمًا بِالسِّيفِ أَووَسَجا [بحر البسيط] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 389ب12]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 239ب2]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 219ب4].

((.. ((يَرى الإِقدامَ مَأدُبَةً)): يحتمل أن يكون من المأدبة التي هي تأديب؛ أي: يرى إقدامه من الأدب الذي ينبغي أن يستعمل، ويجوز أن يكون من المأدبة إلى الطعام، فهويسيرٌ عليه)))) (¬1). والنصوص الأربعة السابقة تشير إلى: أـ أهمية التقيد بدلالات اللغة وألفاظها في التفسير، ورفض أي تفسير يأتي بدلالة جديدة للفظ لم تأت مرتبطة بهذا اللفظ، ولذلك قال علماء تفسير القرآن إنه من الأهمية ((فهم حقائق الألفاظ المفردة التي أودعها القرآن بحيث يحقق المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة)) (¬2). وأنه مما أوقع كثيرا من الفرق الإسلامية في البدع ((حمل ألفاظ القرآن على معان اعتقدوها لتأييدها به)) (¬3). ب ـ تأثر أبي العلاء بأقوال المعتزلة من أنه من ((الواجب على من يتعاطى تفسير غريب الكلام والشعر أن يذكر كل ما يحتمله الكلام من وجوه المعاني)) (¬4). ج ـ كلام أبي العلاء يؤكد أن ((الكلام إذا فقد دلالته اللغوية فليس له أي اعتبار)) (¬5). وأصبح مَن شاء يقول ما شاء فيما شاء (¬6). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 337ب33]. وينظر أيضا المواضع التالية من ديوان أبي تمام: [1/ 302، ب13]، [1/ 369، ب1]، [2/ 174، ب39]، [2/ 210، ب3، هام]، [2/ 352، ب6]، [2/ 371، ب42]، [2/ 416، ب20]، [2/ 420، ب33]، [2/ 85، ب17]، [3/ 163 ـ164، ب26، هام]، [3/ 35، ب13]، [3/ 38، ب23 ـ 24]، [3/ 39، ب26]، [3/ 44، ب44]، [3/ 50، ب11]، [4/ 90، ب7]، [4/ 93، ب9] (¬2) السيد محمد رشيد رضا: تفسير المنار، 1/ 19، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990، مع التنبيه على أنه من الخطورة ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ ((التفسير بمجرد دلالة اللغة العربية من غير مراعاة المتكلم بالقرآن وهو الله عز وجل والمنزل عليه والمخاطب به)). ينظر: تفسير المنار 1/ 9، وقد نبه علماء الأصول أيضا على أنه من الشروط التي يجب أن يتحلى بها المجتهد في الدين إتقان اللغة العربية. ينظر: الاجتهاد والتقليد في الإسلام، د. طه جابر فياض العلواني، ص52، دار الأنصار القاهرة ط1، 1979م (¬3) تفسير المنار 1/ 9 (¬4) أمالي المرتضي، غرر الفوائد ودرر القلائد، ص 18 ـ 19 (¬5) د. محمد رجب البيومي: خطوات التفسير البياني، 2/ 140، سلسلة مجمع البحوث الإسلامية، السنة التاسعة والعشرون ـ الكتاب الأول 1419/ 1998م (¬6) ينظر مثلا تفسير المتصوفة لقوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن 19]، وما يقوله محيي الدين بن عربي في التفسير المنسوب إليه. خطوات التفسير البياني، 2/ 140

د ـ يقدم أبو العلاء دائما في شرحه ما نسميه بالمعنى الحقيقي الذي ينطلق منه المعنى المجازي، ومن المعروف وجود علاقة جامعة بين المعنيين، ولابد ((أن يكون الانتقال إلى المجاز ذا قرينة دالة، وهذا لا ينازع أحد في قبوله)) (¬1). ولكن كل مجاز يبتعد عن الحقيقة بدون قرينة أو علاقة ((مجاز سقيم لا يعتد به)) (¬2). والتأويل عن طريق المجاز الشاطح بدون التقيد بالقرائن أو العلائق المتصلة بالمعنى الحقيقي السليم مطية أصحاب الأهواء، وهو ((المركب الذلول لمن يدعون الاجتهاد الديني أو الابتكار الأدبي دون هدى منير)) (¬3). **** ب ـ استغلال البنية الصرفية: كان أبوالعلاء يستغل البنية الصرفية وضبطها (¬4) في إثراء المعني، ومثال ذلك: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: أَن سَوفَ تُهدى إِلى أثآرِهِ بُهُمًا ... يُمسي الرَّدى مُسرِيًا فيها وَمُدَّلِجا [بحر البسيط] ((.. ((الأثآر)) جمع ثأر، والمعنى أن هذا المقتول قد علم أنك ستُهْدِي إلى القوم الذين قتلوه جيشا يطلب ثأره , ويجوز أن يكون ((تُهْدِي)) من الهدية، و ((تَهْدِي)) بفتح التاء، من هديتُ القوم إذا تقدمتهم)) (¬5). ¬

(¬1) خطوات التفسير البياني، 2/ 142 (¬2) خطوات التفسير البياني، 2/ 134 (¬3) خطوات التفسير البياني، 2/ 143 (¬4) في بعض الأحيان كان تغيير التشكيل يؤدي إلى تغيير الوظيفة النحوية، فإذا سمح السياق بتلك الوظيفة الجديدة أجازها أبوالعلاء، وإن لم يسمح لم يجزه، واتخذه كقرينة لرد الرواية أوالمعني، أوعلى الأقل الترجيح، ينظر: 2/ 54، ب 39 (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 150ب2]، وينظر أيضا: [1/ 338ب36].

ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: نُحِرَت رِكابُ القَومِ حَتّى يَغبُروا ... رَجْلَى لَقَد عَنُفوا عَلَيَّ وَلاموا [بحر الكامل] ((.. دعا عليهم بأن تنحر ركابهم حتى يغبروا، وإن شئتَ جعلت ((رَجْلَى)) جمع رجلان فلم تُنَوِّن. وكذلك ينشده الناس، يقال: رَجْلان ورَجْلى، كما يقال: سَكران وسَكْرى (...) ولونونت فَجُعِلَت جمع راجل ورَجْل، مثل: صاحِب وصَحْب كان ذلك حسنا)) (¬1). ومما يتصل بهذه الجزئية استغلال أبي العلاء كون الكلمة جمعا للفظتين مختلفتين في المعنى، ويوظف معنى كل لفظة في إثراء معنى البيت الإجمالي، طالما أن معنى البيت يسمح بذلك، ومثال ذلك ما يلي: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: قَد بورِكَت تِلكَ البُطونُ وَقُدِّسَت ... تِلكَ الظُهورُ بِقُربِهِ تَقديسا [بحر الكامل] ((يجب أن يعني: بـ ((الظهور)) هاهنا جمع ((ظَهر))، من الأرض وهوما ظهرَ منها، و ((البطون)) جمع بطن، وإذا كانت الأرض غير مسكونة فظهورها ما ارتفع منها وبطونها ما كان واديا أو وهدا، وإذا كانت مسكونة فظهورها ما ظهر من جدرانها وبطونها ما بطن من الدور والبيوت. وقد يحتمل أن يعني بـ ((الظهور)) جمع ظَهْر الرجل، و ((البطون)) جمع بطن المرأة، يريد أن أهل هذه المحلَّة قوم طاهرون مُباركون، والأول أحسن وأشبه بالغرض)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: وَغَدَت بُطونُ مِنى مُنىً مِن سَيبِهِ ... وَغَدَت حَرًىمِنهُ ظُهورُ حِراءِ [بحر الكامل] ¬

(¬1) وينظر أيضا المواضع الأربعة الآتية: [1/ 114]، [1/ 120]، [1/ 22]، [4/ 74]. . (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 256ب14].

((.. إن ضممت الميم من ((مُنًى)) فهوجمع: مُنْية، والمعنى يصح على ذلك، وإن رويته: ((مَنًى)) فهو حسن، من قولهم: أصابه مَنًى؛ أي: مقدار؛ أي: غدت بطون مِنًى مقدرة لسيبه؛ أي: عطائه، ويحتمل أن يكون من قولهم: دارى بِمَنَى داره؛ أي: بحذائها)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: رَأَوا مِنهُ لَيثًا فَابذَعَرَّت حُماتُهُم ... وَقَد حَكَمَت فيهِ حُماةُ العَوامِلِ [بحر الطويل] ((و ((حُماتُهُم)): جمع حام، أي الذي يحميهم، و ((حُماةُ العَوامِلِ)) يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون جمع حام مثل الأول، كأنه جعل العوامل تحمى، والآخر أن يكون جمع: حُمَة، يراد بها: السَّمُّ وسورته، وهذا أشبه بمذهب الطائي من الوجه الأول، والوقف في هذا القول على التاء؛ لأنها مثل تاء ثُبات، والوقف في الوجه الأول على الهاء؛ لأنها مثل قضاة، إلا على رأي من قال رحمت ونعمت في الوقف على رحمة ونعمة)) (¬2). ويبدو أن أبا العلاء هنا متأثر بشدة بما قاله ابن جني في ((باب في تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية)) حيث أوضح في هذا الباب خطورة تداخل أصول الكلمات وأثر ذلك على المعنى، وأعطى مثالا على ذلك من أقوال أبي تمام نفسه فقال: ((وعليه قال الطائي الكبير: أَلَحدٌ حَوى حَيَّةَ المُلحِدينَ ... وَلَدنُ ثَرىً حالَ دونَ الثَّراءِ [بحر المتقارب] (...) فجاء به مجيء التجنيس , وليس على الحقيقة تجنيسًا صحيحًا. وذلك أن التجنيس عندهم أن يتفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان؛ كالعقل والمعقل والعقلة والعقيلة ومعقلة. وعلى ذلك وضع أهل اللغة كتب الأجناس. وليس الثرى من لفظ ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 11ب4]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 82 ـ83ب18]. وينظر أيضا المواضع الآتية: [1/ 129]، [1/ 303، ب17]، [1/ 367، ب38]، [1/ 381 ـ382، ب48]، [1/ 60 ـ61]، [2/ 314، ب18]، [2/ 412، ب11]، [2/ 463، ب20]، [3/ 123 ـ124، ب35].

الثراء على الحقيقة , وذلك أن الثرى ـ وهو الندى ـ من تركيب: ث ر ي؛ لقولهم: التقى الثريان. وأما الثراء ـ لكثرة المال ـ فمن تركيب: ث ر و؛ لأنه من الثروة، ومنه الثريّا؛ لأنها من الثروة لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها, فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحل. ومنه قولهم: ثَرَوْنا بني فلان, نثروهم ثروة , إذا كنا أكثر منهم. فاللفظان ـ كما ترى ـ مختلفان, فلا تجنيس إذًا إلّا للظاهر)) (¬1). إلا أن هذا كان عنده على سبيل التنبيه، أما أبو العلاء فقد استغل هذا الأمر لإثراء معنى البيت. **** ج ـ توجيه ألفاظ البيت إعرابيا بكل الأوجه الممكنة: عمل أبو العلاء على توجيه ألفاظ الأبيات التي يشرحها أعرابيا بكل الأوجه الممكنة إن تيسر له ذلك، مكتفيا به وسيلة للشرح، ولاشك أنه في ذلك يوافق النحويين والبلاغيين أيضا على أن النحو ((العامل الأساسي في تأدية أصل المعنى)) (¬2). وإذا كان الإعراب على أواخر ألفاظ اللغة ((لإبانة معانيها)) (¬3)، وليكون ((فارقا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين والمعنيين المختلفين)) (¬4)، فإن كل توجيه إعرابي لابد أن يحمل معه معنى يختلف عن الآخر، وفي هذا ولاشك إثراء لمعنى البيت. وقد استغل أبوالعلاء الإمكانات النحوية والأوجه الإعرابية المختلفة والممكنة في إثراء معنى البيت، وقد استغل هذه الإمكانات في 29 موضعا، نذكر منها على سبيل المثال التالي: ¬

(¬1) الخصائص: 2/ 49 (¬2) د. محمد عبد المطلب: البلاغة والأسلوبية، ص 296 (¬3) شرح المفصل لابن يعيش: 1/ 55، تحقيق: إميل بديع يعقوب، ط1، 2001، دار الكتب العلمية / بيروت (¬4) ابن قتيبة: تأويل مشكل القرآن، ص14، ط2، دار التراث 1973م

ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام يمدح الحسن بن رجاء ويطلب منه فرسا: وَمِثلُهُ ذو العُنُقِ السَّبطِ قَد ... أَمطَيتَهُ وَالكَفَلِ المَرمَريس [بحر السريع] ((يجوز رفع مثله على الابتداء، وخفضه على معنى رب)) (¬1). والتوجيه الإعرابي لكلمة ((مثله)) يضعنا أمام المعنيين التاليين مع الأخذ في الاعتبار أن البيت السابق جاء في سياق مدح وطلب بعض العطايا: أـ رفع ((مثله)) على الابتداء يجعل ((قد أمطيته)) خبرا جملة فعلية، يضعنا أمام جملة اسمية تفيد الثبوت والتحقق، والخبر الجملة الفعلية المؤكدة بـ ((قد)) يفيد التوكيد على تحقق معناه للمبتدإ، وفي هذا قمة المدح للممدوح. ب ـ أما الجر فموجبه ((رب)) وهي للقليل، وإن كان كذلك فقد وصف الشاعر الممدوح بقلة العطاء. ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ذَريني مِنكِ سافِحَةَ المَآقي ... وَمِن سَرَعانِ عَبرَتِكِ المُراقِ [بحر الوافر] ((.. ونصب ((سافِحَةَ المَآقي)) على وجهين: أحدهما أن يكون على النداء، والآخر أن يكون على الحال؛ لأن ((سافحة)) لا تتعرف بالإضافة إلى ما فيه الألف واللام، وكلا الوجهين: النداء والحال، يحتمل فيه ((المآقي)) أمرين: إن شئت كانت في تأويل الفاعل، كأنه قال: يا سافحة مآقيها، أوأراد: ذريني منك سافحة مآقيك، وإن شئت كانت في تأويل المفعول، كأن المخاطبة من النساء سفحتها؛ لأنه يجوز أن يقال: سفح الباكي ماءَ عينه، وسَفَحَ عينه على تقدير حذف المضاف)) (¬2). ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 280]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 423ب1]. وبقية مواضع هذه الجزئية ـ في ديوان أبي تمام ـ هي كما يلي: [1/ 117]، [1/ 161، ب16]، [1/ 167 ـ 168، ب37]، [1/ 170، ب45]، [1/ 192، ب42]، [1/ 230،ب34]، [1/ 234، ب2]، [1/ 318،319، ب23]، [1/ 346، 347، ب8]، [1/ 45، 46]، [1/ 57]، [1/ 78]، [1/ 8، ب2]، [1/ 85، ب25]، [2/ 240،ب15]، [2/ 280، ب20]، [2/ 308، ب1]، [2/ 385،ب39]، [2/ 69، 70، ب8]، [3/ 163،164، ب26]، [3/ 181، ب25]، [3/ 56، ب10]، [3/ 67، ب12]، [3/ 9، ب16]، [4/ 5، ب1]، [4/ 82، ب17].

وهذا الشرح بالإعراب يذكرنا بقول عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز: ((إذ كان قد علم أن الألفاظ مغلقة على معانيها حتي يكون الإعراب هو الذي يفتحها، وأن الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها، وأنه المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يُعْرض عليه، والمقياس الذي لا يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه)) (¬1). د ـ إعمال الرويات المختلفة: كثرت في الشعر العربي تعدد الرواية لأبيات أو ألفاظ في القصائد المروية لكبار الشعراء، ويلاحظ أن ((تغيير الرواية أو التصحيف أو التحريف في الشعر القديم لا يعد من مسؤولية الشاعر؛ لأن الشاعر قال كلمته على الوجه الذي أنشأها به ومضى، ولكنها مسؤولية الرواة)) (¬2). وتعدد الرواية في الشعر القديم ((يدور في معظمه حول استخدام لفظ مرادف بدلا من آخر، بحيث لا يُحدث تغيرا في العلاقات النحوية، وهذا إذا كان اللفظان متوازنين صيغة، ومتقاربين دلالة، ومتفقين علاقة)) (¬3). وكانت كثير من أبيات أبي تمام تروي بروايات متعددة (¬4)، وكان من منهج أبي العلاء إعمال كل الروايات المختلفة للبيت وعدم رَدِّ أية رواية ما لم توجد أية قرينةٍ ترد الرواية الأخرى، من سياق أو زحاف (¬5) أوغيرهما. وبطبيعة الحال قد تكون الرواية الأخرى لفظة مختلفة ذات معنى مختلف، وإعمال هذه المعاني يثري معنى البيت بدرجة عظيمة، وقد أحصى البحث سبعة وثلاثين موضعا أعمل فيها أبوالعلاء الروايات المختلفة، وفيما يلي أمثلة: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) الدلائل: 28 (قراءة وتعليق: محمود محمد شاكر ط3، 1992 مطبعة المدني). (¬2) د. محمد حماسة عبد اللطيف: الجملة في الشعر العربي، ص 97 (¬3) السابق: 94 (¬4) يُراجَع عنصر توثيق الرواية. (¬5) ينظر: الجملة في الشعر العربي، ص 94

وَأَكثَرُ حالاتِ اِبنِ آدَمَ خِلقَةٌ ... يَضِلُّ إِذا فَكَّرتَ في كُنهِها الفِكرُ [بحر الطويل] ((المعنى يصح على ((خِلقة)) و ((خِلْفة))، فإذا رويت بالقاف فالمعنى أن حالات ابن آدم طبعه وخِلقتُه التي جُبِل عليها يَضِلُّ المعقولُ في كنهها؛ أي: في معناها، وإذا رويت ((خِلفة)) بالفاء فالمعنى أن حالات ابن آدم مختلفة)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لا يَجوزُ الأُمورَ صَفحًا وَلا يُر ... قِلُ إِلّا عَلى سَواءِ الطَريقِ [بحر الخفيف] ((... و ((صفحًا)): من قولهم أضرب عن كذا صفحا: إذا لم ينظر فيه، يريد أنه يتدبَّر الأشياء، ولا يتركها إغفالا، ومن روى ((يُرْقِل)) بالقاف فهو من إرقال السير ... ومن روى ((يَرْفُل)) فهومن رفَلَ في ثوبه: إذا جرَّ ذيله)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: فِدًى لَهُ مُقشَعِرٌّ حينَ تَسأَلُهُ ... خَوفَ السُّؤالِ كَأَن في جِلدِهِ وَبَرُ [بحر البسيط] ((.. إذا رويت: ((وَبَرُ))؛ فالمعنى أنَّ هذا المذموم كأنه ذو وَبَرُ. وإن رويت ((الإبَرُ))؛ فالمعنى أن يقشعرّ؛ فيقوم شعره كأنه الإبر ..)) (¬3). والجمع بين الروايات المختلفة منهج إسلامي أصيل، أخذ به الفقهاء والمُحَدِّثُون عند تعاملهم مع الحديث النبوي؛ فقرروا أن ((المنهج الصحيح في النظر أن يجمع بين ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 86ب3]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 444ب66]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 189ب20]. بقية المواضع في ديوان أبي تمام كما يلي [1/ 149]، [1/ 173، ب55]، [1/ 230 ـ 231، ب35]، [1/ 259، ب59]، [1/ 320، ب27]، [1/ 325، ب11]، [1/ 327، ب24]، [1/ 362، ب26]، [1/ 395، ب38]، [1/ 399، ب54]، [1/ 75]، [1/ 92]، [2/ 155، ب12]، [2/ 157، ب16]، [2/ 175، ب41]، [2/ 177 هام]، [2/ 207، ب45]، [2/ 256، ب6]، [2/ 266، ب18]، [2/ 274، ب1]، [2/ 309، ب3]، [2/ 315، ب26]، [2/ 329، ب31]، [2/ 364، ب16]، [2/ 424، ب4]، [3/ 14، ب29]، [3/ 176، ب3]، [3/ 21 ـ 22، ب3]، [3/ 309، ب4]، [3/ 34، ب9]، [3/ 5، ب1]، [3/ 57، ب11]، [3/ 84، ب22]، [4/ 164، ب1]، [4/ 90 ـ 91، ب10].

هذه الروايات، وذلك بحسن توجيهها في الموضوع الذي وردت فيه ـ بلا تعسف ـ ودون أن يهمل رواية منها، فالجمع بينها مقدم؛ لأن إعمال النص الصحيح خير من إهماله)) (¬1). بل كان إعمال القراءات القرآنية المختفلة للآية الواحد مسلك المذاهب الفقهية أوعلى الأقل بعضها (¬2). وأبوالعلاء بحكم نشأته في بيت علم لم يكن بعيدا عن التأثر بهذا المنهج (¬3). هـ ـ وكان أبوالعلاء يميل ألا تكون المعاني المتأولة بعيدة عن الاستعمال اللغوي: ومثال ذلك التالي: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: وَلِهَت فَأَظلَمَ كُلُّ شَيءٍ دونَها ... وَأَنارَ مِنها كُلُّ شَيءٍ مُظلِمِ [بحر الكامل] ¬

(¬1) أسباب ورود الحديث، تحليل وتأسيس: د. محمد رأفت سعيد، ص 37 (كتاب الأمة ـ وزارة الشئون الإسلامية، قطر 1994)، وينظر أيضا: كيف نتعامل مع السنة: د. يوسف القرضاوي، ص 133 وما بعدها، (دار الشروق، ط3، 2005). (¬2) ونقدم هنا بعض الأمثلة على الجمع بين القراءات القرآنية: 1ـ أن الحنفية يشترطون التتابع في صوم كفارة اليمين، عملا بقراءة ابن مسعود: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَات} [المائدة:89]، ولم يشترط غيرهم ذلك؛ لأنه لا يعتد بهذه القراءة. 2ـ أن الحنفية يرون عدم قطع اليد اليسرى للسارق عند السرقة الثالثة لفوات المحل؛ عملا بقراءة ابن مسعود: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُما} [المائدة:38]، والرواية الثابتة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}. 3ـ أن الحنفية يوجبون النفقة في قرابة ذي الرحم دون سواها لقراءة ابن مسعود: {وعلى الْوَارِثِ ذي الرحم مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:228]، والآية الثابتة: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك}.ينظر: مباحث في أصول الفقه: د. نادية محمد شريف العمري، ص 25 (ط1، 1990، دار هجر). (¬3) تراجع ترجمة أبي العلاء، وجزئية: علاقة أبي العلاء بالقراءات وبالحديث النبوي، وما قاله الإمام الذهبي إمام الجرح والتعديل، ص 21.

ـ العنصر السادس من عناصر المنهج: الاهتمام بالجوانب الدلالية للكلمة المشروحة

((.. يريد أنه لما أصابها الوَلَهُ اشتد عليه ذلك؛ فأظلم كل شيء بينها وبينه، وهذا كلام مستعمل، يقال: فلان قال كذا وفعل كذا؛ فاسودَّت الدنيا في عيني، ويقال: كان كذا من فلان؛ فاسودَّ ما بيني وبينه، وقد يؤدي لفظ الطائي معنى آخر، وهوأن الأشياء أظلمت دونها؛ أي: غيرها)) (¬1). وـ تأويل البيت بما يناسب السياق الغير لغوي: كان أبوالعلاء في تأويله للأبيات يراعي السياق غير اللغوي (سياق الحال)، ويحاول أن يأتي بتأويله منسجما مع هذا السياق، ومثال ذلك: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: يَتَساقَونَ في الوَغى كَأسَ مَوتٍ ... وَهيَ مَوصولَةٌ بِكَأسِ رَحيقِ [بحر الخفيف] ((هذا يحتمل غير وجه، من ذلك أن المسلمين الذين يقاتلون الكفار يدخلون الجنة؛ فيسقون من الرحيق المختوم، ولا يمتنع أن يريد سبي نسائهم، وتمتع الذين يقاتلونهم بهن؛ فيجعل الريق مثل الرحيق، وقد يمكن أن يكون الطائي علم أن الممدوح يستعمل الشراب؛ فقال هذه المقالة؛ أي: إنه إذا تفرغ عن قتال الأعداء رجع إلى حالة السلم)) (¬2). ـ العنصر السادس من عناصر المنهج: الاهتمام بالجوانب الدلالية للكلمة المشروحة: كان أبوالعلاء يهتم بالكلمة دلاليا، ويسعى لتوضيح الجوانب الدلالية للكلمة ويتجلى هذا الاهتمام الدلالي في الاهتمام بتتبع التطور الدلالي للفظة وتحديد استعمالها، وما يصاحبها من ألفاظ أخرى. ـ الاهتمام بتتبع التطور الدلالي للفظة: اهتم أبوالعلاء بتتبع التطور الدلالي للفظة، والمواضع والنصوص التي جمعها البحث تثبت أنه كان على علم بهذا التطور وبمظاهره التي تتمثل في ثلاثة مظاهر وهي: تخصيص الدلالة، تعميم الدلالة، تغيير مجال استعمال الكلمة. ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 248]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 434].

أي أن معنى الكلمة يحدث فيه تضييق أواتساع أوانتقال. فهناك تضييق عند الخروج من معنى عام إلى خاص، وهناك اتساع عكس ما سبق؛ أي: عند الخروج من معنى خاص إلى معنى عام، وهناك انتقال عندما يتعادل المعنيان، أوإذا كانا لا يختلفان من جهة العموم والخصوص، كما في ((حالة انتقال الكلمة من المحل إلى الحال، أومن السبب إلى المسبب ... ولسنا في حاجة إلى القول بأن الاتساع والتضييق ينشآن من الانتقال في أغلب الأحيان، وأن انتقال المعنى يتضمن طرائق شتى، يطلق عليها النحاة (¬1) أسماء اصطلاحية)) (¬2)، و ((من هذه الأسماء الاصطلاحية: المجاز المرسل والاستعارة)) (¬3). ويظهر التطور الدلالي عند أبي العلاء في مظهرين فقط: الاتساع والانتقال. فأما عن المظهر الأول للتطور الدلالي ـ الاتساع الدلالي ـ فيظهر نظريا في قول أبي العلاء: ((المعاني تحدثُ في الأسماء لأغراض تقع لم تكن قديمة)) (¬4). وتظهر تطبيقا في الأمثلة التالية: ـ مَعْقِل: ((أصل ذلك في الجبل، يقال: قد عَقَلَ الوعْلُ؛ إذا حصل في موضع عال لا يوصل إليه فيه، ثم قيل لكل حصن معقل، ثم كثر الكلام حتى قيل: فلان معقلي؛ أى: الذي أمتنع به، وكذلك سيف فلان معقله؛ أي: يقوم له مقام المعقل)) (¬5). ¬

(¬1) هكذا نقلها د. رمضان عبد التواب في كتابه التطور اللغوي، عن كتاب اللغة لفندريس، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص. (¬2) اللغة لفندريس، 256، نقلا عن التطور اللغوي، مظاهره وعلله وقوانينه: د. رمضان عبد التواب، ص 114 ـ 115 (ط الأولى، مكتبة الخانجي) (¬3) التطور اللغوي، مظاهره وعلله وقوانينه: د. رمضان عبد التواب، ص 114 ـ 115، وينظر أيضا: دور الكلمة في اللغة: ستيفن أولمان، ترجمة: د. كمال بشر، ص 162 ـ 163، (بدون تاريخ للطبعة ـ مكتبة الشباب). (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 26، ب 40]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 28].

ـ وقال: الإياب: ((أصل الإياب أن يجيء الرجل مع الليل، وكثر ذلك حتى قيل للغائب إذا قدم قد آب)) (¬1). ـ وقال: اللِّبان: ((مصدر لابنه يُلابِنُه لِبانًا؛ إذا رضع من لَبن أمه، وربما أخرج إلى غير الإنس على التوسع والمجاز)) (¬2). ـ وقال: اغلولب: ((أصل اغلولب في غلظ العنق، ثم استعمل في غيره؛ فقالوا: نخل مغلولب؛ أي: غلاظ، ونبت مغلولب؛ أي: كثر واتصل بعضه ببعض)) (¬3). ـ وقال: الصعبة: ((يراد بالصعبة: كل أمر مستصعب، وأصل ذلك في الإبل، ثم استعمل في جميع الأشياء)) (¬4). ـ وقال: تَشَاجَرَ: ((تشاجرت الخطوب؛ أي: لقي بعضها بعضًا وتشابكت، ومن ذلك تشاجرت الرماح؛ إذا دخل بعضها في بعض عند الطعان ومنه اشتقاق الشجر لاشتباك الأغصان، ثم كثر ذلك حتي قيل شجره بالرمح؛ إذا طعنه)) (¬5). ـ وقال: الوشيج: ((أصل الوشيج كل ما وشج بعضه في بعض؛ أي: اتصل، وأكثر ما يستعمل ذلك في أصول الرماح، ثم يقال لكل ما اتصل وشيج)) (¬6). ـ وقال: الفَرْج: ((الفرج موضع المخافة، كأنهم يريدون أن المكان قد حفظ إلا ذلك الموضع، وهومأخوذ من فرج الدُّرَّاعة والقميص)) (¬7). ـ وقال: المعين: ((الماء الذي يجري على وجه الأرض، وقد كثر ذلك حتى صار الناس يسمون الماء الذي يستقي من الآبار معينا؛ لأنه ينبع من الأرض؛ ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 293]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 11]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 104]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 270]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 38]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 99]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 15].

فيفرقون بينه وبين المختزن من ماء المطر وغيره)) (¬1). ومما يتعلق بهذا المظهر أيضا تنبيه أبي العلاء المتكرر على الأصل الدلالي المأخوذ منه الكلمة، وقد أحصى البحث 38 موضعًا، نص فيه أبوالعلاء على الأصل الدلالي، وفيما يلي بعضها: ـ وقال: الخداج: ((النقصان، وأصله في الولد أن يخرج ناقصًا)) (¬2). ـ وقال: الفينان: ((الشعر الطويل، وكأنه أخذ من الفنن وهوالغصن المتشعب)) (¬3). ـ وقال: الخبت: ((موضع بعينه، وأصل الخبت كل موضع اطمأن، وهومع ذلك سهل)) (¬4). ـ وقال: التوجين: ((أصل التوجين تليين الشيء ودَقُّهُ، ومنه قيل لمدقة القَصَّار الميجنة)) (¬5). ـ وقال: النياط: ((يستعملون النياط في معنى البُعْد، وأصل النياط من ناطَ الشيءَ بالشيء؛ إذا علقه به)) (¬6). ـ وقال: الترهات: ((الأمور المشكلة، وأصله في الطرق المتشعبة عن الطريق الأعظم)) (¬7). ـ وقال: سَوْرَة الغضب: ((حدته، وأصله من سار يسور؛ إذا وثب)) (¬8). ـ وقال: أضغاث الأحلام: ((هوالمختلط منها المشتبه، وأصله من الضغث، وهو أن يقبض الرجل ملء كفه من النَّبْت؛ فيكون منه ضروب مختلقة)) (¬9). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 331]، ولمزيد من الأمثلة: [الرُّمَّة: 3/ 27]، [الصعود:1/ 158]، [الرقيق:2/ 439]، [المريرة:1/ 227]، [الخول:1/ 27]، [قَوَّسَ:2/ 179]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 16]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 324]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 282]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 175]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 225]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 151]. (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 250]. (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 320]، وموضع بقية الأمثلة: [الزَّبْي:3/ 35]، [المتلدد:2/ 420]، [السَّجْر:1/ 22]، [المرمريس:2/ 280]، [النَّعي:4/ 5]، [المتون:1/ 379]، [مُعنقة:1/ 336]، [الحدب:1/ 145]، [السورة:1/ 115]، [الانحتات:2/ 281]، [الإيعاث:1/ 320]، [الذنوب:1/ 85]، [خمر مشمولة:3/ 56]، [النمنمة:2/ 373]، [عتبة:4/ 302]، [البهاليل:1/ 341]، [المناقب:1/ 233]، [المجتبى:2/ 247]، [أشبى الرجل:1/ 183]، [الرادع:2/ 437]، [الارتجال:2/ 279]، [الوطفاء:1/ 24]، [الحصداء:3/ 103]، [القعود:1/ 116]، [الرذية:2/ 223]، [اللزاز:4/ 36]، [فتق:2/ 445].

أما المظهر الثاني من مظاهر التطور الدلالي ـ وهومظهر الانتقال ـ فيتمثل في تنبيه أبي العلاء على استعارات أبي تمام سواء التي تفرد بها أوالتي اتفق فيها مع غيره من الشعراء. والانتقال الدلالي ـ كما سبق وأن أشرت ـ يتضمن طرائق شتى يطلق عليها النحاة أسماء اصطلاحية: المجاز المرسل والاستعارة. فالمجاز هو: ((اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما ... والمجاز إما مرسل، أواستعارة؛ لأن العلاقة المصححة له إما أن تكون مشابهة المنقول إليه بالمنقول عنه في شيء، وإما أن تكون غيرها، فإن كان الأول يسمى المجاز: استعارة)) (¬1). وهوأيضًا: ((ما جاوز وتعدى عن محله الموضوع له إلى غيره لمناسبة بينهما، وإما من حيث الصورة، أومن حيث المعنى اللازم المشهور، أومن حيث القرب والمجاورة)) (¬2). وباعتبار أن المجاز المرسل والاستعارة نوعان من التطور الدلالي نجد أن أبا العلاء كان متنبها لهذا الأمر ومنبِّها عليه في مواضع كثيرة في شرحه قولا وتطبيقا، أما القول فقوله: ((.. يستعار ما هوللشيء المقارب غيره؛ فينقل إلى ما قاربه)) (¬3). أما التطبيق فيظهر في ستة وخمسين موضعا، منها اثنا عشر موضعا نص أبوالعلاء فيها على تفرد أبي تمام بهذه الاستعارات، وفيما يلي أمثلة لبعض الانفرادات الاستعارية عند أبي تمام: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: مَنَعَ الزِّيارَةَ وَالوِصالَ سَحائِبٌ ... شُمُّ الغَوارِبِ جَأبَةُ الأَكتافِ [بحر الكامل] ¬

(¬1) التعريفات: الجرجاني، ص 257 ـ 258، دار الريان. للتراث، تحقيق: إبراهيم الإبياري (¬2) التعريفات: الجرجاني، ص 258 ـ 259 (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 49 ب2].

((.. استعار: ((الشمَّ)) في صفة السحاب، وما يعرف ذلك لأحد قبله)) (¬1). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لا يَأسَفونَ إِذا هُمُ سَمِنَت لَهُم ... أَحسابُهُم أَن تُهزَلَ الأَعمارُ [بحر الكامل] ((.. قابل سِمَنَ الحسب بهزال الأعمار، ولم يستعمل ذلك في العمر قبل الطائي، إلا أن يكون شيئا غير مشهور)) (¬2). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: فَإِذا نِعمَةُ امرِئٍ فَرِكَتهُ ... فَاهتَصِرها إِلَيكَ وَلهى عَروبا [بحر الخفيف] ((.. ((فَرِكَتهُ)): من فَرْك النساء، وهوبغضهن لأزواجهن، وما أَخرج الفِرْك من الحيوان إلى غيره أحد قبل الطائي)) (¬3). ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: لا يُسعِدُ المُشتاقَ وَسنانُ الهَوى ... يَبِسُ المَدامِعِ بارِدُ الأَنفاسِ [بحر الكامل] ((الوسنان: الناعس واستعاره هاهنا للهوى، ولم يستعمل ذلك من قبل الطائي)) (¬4) .. تعليل اهتمام أبي العلاء بالتنبيه على التطور الدلالي للكلمات المشروحة: بعد أن أوضحنا اهتمام أبي العلاء (¬5) بالتطور الدلالي للألفاظ المشروحة، قد يثور سؤال: لماذا كان اهتمام أبي العلاء بهذا التطور؟ وللإجابة عن هذا السؤال نمهد بالحقائق اللغوية الآتية: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 389]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 176 ـ 177]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبيس تمام بشرح التبريزي: [1/ 172]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 243].وبقية المواضع التي تفرد فيها أبوتمام ينظر ديوان أبي تمام: [1/ 136]، [1/ 268]، [1/ 29]، [2/ 227]، [2/ 243]، [2/ 438]، [2/ 438]، [3/ 223]، [3/ 49]، [3/ 58]. أما المواضع التي اشترك فبها أبوتمام مع بقية الشعراء: [1/ 118]، [1/ 264ـ 265]، [1/ 394]، [2/ 155]، [2/ 223]، [2/ 229]، [2/ 231]، [2/ 361]، [2/ 379]، [2/ 380]، [2/ 381]، [2/ 421]، [3/ 108]، [3/ 14]، [3/ 38]، [4/ 28]، [4/ 34 ـ 35]. (¬5) وسيأتي فيما بعد أن التبريزي كان يهتم بهذا التطور الدلالي للألفاظ بصورة أشد من أبي العلاء.

1ـ أن المفردات لا تستقر على حال، وذلك لأن ((الحياة تشجع على تغير المفردات؛ لأنها تضاعف الأسباب التي تؤثر في الكلمات، فالعلاقات الاجتماعية والصناعات، والعُدد المتنوعة تعمل على تغير المفردات، وتقصي الكلمات القديمة، أوتحور معناها، وتتطلب خلق كلمات جديدة)) (¬1). 2ـ إن كل جماعة لغوية تترابط لغويا، وتتحول إلى جماعة ثقافية متميزة تصوغ بين الحين والآخر مدلولات جديدة للكلمات بحكم استخدامها للأشياء ومرورها بتجارب مختلفة، ولهذا كانت المدلولات سابقة لدوالها (¬2). 3ـ اللغة ليست هامدة أوساكنة بحال من الأحوال، بالرغم من أن تقدمها قد يبدو بطيئا في بعض الأحايين، فالأصوات والتراكيب والعناصر النحوية وصيغ الكلمات ومعانيها معرضة كلها للتغير والتطور (¬3). 4ـ تزداد سرعة التطور اللغوي بازدياد انتشار اللغة بين غير أهليها، وبازدياد عدد الذين يتكلمونها وتنوعهم (¬4). 5ـ لغة الشعر ((تنحو إلى استعمال كلمات قديمة؛ لأن الشعر يمتد تاريخيا في ثقافات متنوعة، ويعتمد على التعلم، وعلى شعر سابق)) (¬5). 6 ـ تتميز اللغة ((بأنها تستطيع أن تضفي على نفسها شكلا من أشكال عدة من خلال تعدد وظائفها: البلاغية، القانونية، الطقوسية، العاطفية ... ومن الطبيعي أن الانتقال من المفاهيم إلى الرؤيا يؤسس إزاحة ما داخل اللغة، وكلما اتسعت تلك الإزاحة اقترب النص خطوة أخرى من الشعرية)) (¬6). ومن الطبيعي أن ((الإزاحة اللغوية، بمعنى الخروج على العرف اللغوي للوظيفة الإبلاغية للغة، لا بد وأن يتبعها نوع من الغموض يتسع كلما اتسعت مساحة تلك ¬

(¬1) التطور اللغوي: د. رمضان عبد التواب، ص 11، 12. (¬2) التحليل الدلالي، إجراءاته ومناهجه: د. كريم زكي حسام الدين،1/ 11 (¬3) دور الكلمة في اللغة: د. كمال بشر، ص 153 (¬4) التطور اللغوي: د. رمضان عبد التواب، ص 12. (¬5) مقال بعنوان: ((مقدمة لدراسة التطور الدلالي في العربية الفصحى في العصر الحديث))، بقلم: أحمد محمد قدور، مجلة عالم الفكر، مارس 1986 ص 44، الكويت (¬6) د. عبد العزيز موافي: الرؤية والعبارة، مدخل إلى فهم الشعر، ص 301 مكتبة الإسرة، 2010، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

الإزاحة)) (¬1). إذا علمنا هذه الحقائق، وأضفنا إليها حقيقة أن الفاصل الزمني بين أبي تمام وبين أبي العلاء هو مائتان وثمانية عشر عاما (218) (¬2) أدركنا مدى التطور اللغوي الذي قد يصيب ألفاظ اللغة، ومدى سوء الفهم الذي قد يقع فيه قارئ ديوان أبي تمام بعد هذه الفترة التاريخية الكبيرة؛ لذلك وحرصا من أبي العلاء على الفهم الصحيح للديوان كان يقوم بالتحديد الدلالي للألفاظ المشروحة، وتتبع هذا التطور. وقد أحسن أبوالعلاء صنعا لأهل عصره، ومن أتى بعده لفهم الديوان. ولم يفتأ تلميذه التبريزي أن اقتفي أثره في هذا الأمر. وقد نبه علماء التفسير على أهمية مراعاة التطور الدلالي للألفاظ بمرور الزمن؛ ((فإن كثيرا من الألفاظ كانت تستعمل في زمن التنزيل لمعان ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن قريب أو بعيد (...) فعلى المدقق أن يفسر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله)) (¬3). ¬

(¬1) د. عبد العزيز موافي: الرؤية والعبارة، مدخل إلى فهم الشعر، ص 302 (¬2) توفي أبوتمام سنة 231هـ، وتوفي أبوالعلاء سنة 449هـ، ينظر ص 12، 27 (¬3) تفسير المنار، 1/ 20، وقد نبه علماء الشريعة أيضا على أهمية الأساس اللغوي في فهم النصوص الشرعية، فهو: ((الأساس الأول في النص، وهوأساس عام لكل نص في كل لغة، فلا يتوقع فهم لمن لا يعرف لغة ما لنص مكتوب بها، فإذا أضفنا إلى ذلك ما تتميز به اللغة العربية من أساليب متعددة منها الحقيقة والمجاز، وما طرأ على المفردات اللغوية على سعتها من تغير في الدلالات، وما تتسع له اللغة من الاشتقاق، عرفنا كيف يخطئ في الفهم، ويقع في التناقض، من يجهل هذه الجوانب اللغوية في التعامل مع النصوص الواردة بها))، أسباب ورود الحديث، تحليل وتأسيس: د. محمد رأفت سعيد، ص 34.

وننتقل الآن إلى العنصر التالي (¬1). ¬

(¬1) وقبل أن ننتقل بالحديث إلى جزئية أخرى من البحث نحب أن نشير إلى ما يمكن تسميته بالإثراء الدلالي عند أبي العلاء: فأبوالعلاء لم يكن يتتبع فقط الأصل الدلالي والتطور اللغوي، بل يقترح أيضا استعمالات دلالية جديدة، إثراء للمعاني والألفاظ. ندلل على ما نقول بما يلي: ـ يقول أبوالعلاء: ((والدهاريس: تستعمل في الدواهي، ويجوز أن تنقل الدهاريس إلى صفات الإبل والناس؛ لأنه يراد صفتها بالصبر والجرأة على السير، كما يقال للرجل إذا نُعِت بالفطنة والنكارة إنه داهية)) [2/ 256 ب7] ـ وقال أيضا: ((الإقراب: أكثر ما يستعمل في الإناث، يقال: فرس مقربة؛ تُشَدُّ قريبا من بيت مالكها؛ لأنه يخاف أن ينزوعليها فحل لئيم. وربما استعمل ذلك في الذكور، وقياس كلامهم يوجب أن كل فرس يجوز أن يوصف بمقرب؛ لأن من شأنهم أن يقربوه)). [2/ 409 ب7]. ـ وقال: ((الصامت: من المال ما كان من فضة أوذهب، ويجوز أن يعني به كل ما لا ينطق، إلا أن أعرف ما يستعمل في الذهب والورق)) [1/ 321]. ـ وقال: ((والقبيلة عندهم من أب واحد، والقبيل: الجماعة من الناس، ويجوز أن يكونوا من آباء متفرقين، وإذا جُعِل الكلام على الاستعارة جاز أن يوضع كل واحد منها في موضع الآخر)) [3/ 71 ب23]. والمتأمل في هذه النصوص يجد فيها دعوة للإثراء الدلالي، بل يكاد الباحث أن يقول إن فيها بذورا وإرهاصاتٍ لما يعرف حديثا بنظرية التحليل التكويني Componential Analysis [وهي نظرية تهدف إلى التحليل التكويني أوالمكوناتي للكلمة بوصفها وسيلة أوتقنية إلى تحديد البنية الداخلية للكلمة والمتمثلة في العناصر أوالمكونات الدلالية Semantic components المميزة للكلمة، والتي يمكن استنباطها من وجودها في عدة سياقات، (ينظر: علم الدلالة: د. أحمد مختار عمر، ص: 114، وما بعدها. والتحليل الدلالي.: د. كريم زكي حسام الدين 1/ 103 وما بعدها).]، وتزداد هذه الإرهاصات وضوحا إذا ضممنا لها النصوص التي تضم تعميمات دلالية قالها أبوالعلاء: · ... أنف كل شيء أوله [2/ 250]. · ... سَرَعان كل شيء أوله [2/ 423]. · ... كل من ضرب برجله الأرض أوغيرها فهوراكض [3/ 10]. · ... كل صوت دقيق يقال له صريف [2/ 386]. · ... وقد يمكن أن يسمى كل مقام معرسا [1/ 24]. وإذا أضفنا إلى ما سبق حرص أبي العلاء على إبراز الفروق الدلالية الدقيقة بين الكلمات تزداد هذه البذور وضوحا، ومن ذلك: · ... شزرا: من قولهم: نظر إليه شزرا؛ إذا أحدَّ إليه بمؤخرة عينه، وهونظر الغضبان [1/ 380] · ... الظهور: جمع ظهر من الأرض وهوما ظهر منها، والبطون جمع بطن، وإذا كانت الأرض غير مسكونة فظهورها ما ارتفع منها وبطونها ما كان واديا أووهدا، وإذا كانت مسكونة فظهورها ما ظهر من جدرانها، وبطونها ما بطن من الدور والبيوت [2/ 265]. · ... الوَكَّاف: من المطر الذي يدوم، إلا أنه يس بشديد كالوبل [3/ 13].

ـ العنصر السابع من عناصر المنهج عند أبي العلاء: الشرح بالإعراب

ـ العنصر السابع من عناصر المنهج عند أبي العلاء: الشرح بالإعراب: الاعتماد على الإعراب كوسيلة من وسائل الشرح والإبانة عن المعنى أمر اعتمد عليه أبو العلاء، وهو بالطبع لم ينفرد به، فقد اهتم مفسرو القرآن بإعرابه اهتماما بالغا، ((والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا، مختلفة ترتيبا وحدا)) (¬1). واستعانوا بالنحو ((في توضيح الآيات في كتبهم المفسرة)) (¬2). إيمانا منهم بقيمته البيانية، يقول العُكْبَري: ((وأقوم طريق يُسلك في الوقوف على معناه، ويتوصل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه معرفة إعرابه)) (¬3). وقد اعتمد أبوالعلاء في بعض مواضع الديوان (¬4) على الإعراب فقط كوسيلة للشرح؛ بمعنى أن أبا العلاء كان يكتفي فقط في شرح البيت بذكر الوظائف النحوية لألفاظ البيت، من ابتداء، أوخبرية، أوفاعلية، أومفعولية ... ومن ذلك: ـ قال أبوالعلاء عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) العُكْبَري: التبان في إعراب القرآن، ص2 تحقيق علي محمد البجاوي ج، ط عيسى البابي الحلبي (¬2) العُكْبَري: التبان في إعراب القرآن، مقدمة المحقق علي محمد البجاوي ج (¬3) السابق، ص 1 (¬4) تسعة مواضع تقريبا.

هَذا إِلى قِدَمِ الذِّمامِ بِكَ الَّذي ... لَوأَنَّهُ وَلَدٌ لَكانَ وَصيفا [بحر الكامل] ((((هذا)):في موضع نصب بفعل مضمر؛ كأنه قال: أذكر هذا الشيء أوأعُدُّه، أونحوذلك من المضمرات، ويجوز أن يكون في موضع رفع، ويكون المعنى: هذا الذي أذكره إلى قِدَم الذمام أومعه، فيكون ((هذا)) مبتدأ، والخبر قوله ((إلي قدم الزمام)))) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: يَقولونَ إِنَّ اللَّيثَ لَيثُ خَفِيَّةٍ ... نَواجِذُهُ مَطرورَةٌ وَمَخالِبُه [بحر الطويل] ((... والأجود أن يكون ((لَيثُ خَفِيَّةٍ)) مرفوعًا على خبر ((إنَّ))، ويكون على تقدير قولهم: الرجل فلان؛ أي: الرجل الذي حقه أن يُذْكَر ويُوصف، والمعني: الليث الذي يُرهَب صولته لَيثُ خَفِيَّةٍ، فإنْ نصب ((لَيثَ خَفِيَّةٍ)) على البدل ضَعُف المعنى؛ لأن الغرض يصير أنه أخبر عن ليث خفية بأن نواجذه مطرورة ومخالبه، وهذا معلوم لا يفتقر إلى الإخبار عنه، إلا أنه على ضعفه قد يحتمل أن يقال)) (¬2). وأبوالعلاء في هذين الموضعين وغيرهما يشير من طرف خفي إلى النحو كأداة للتفسير والإبانة عن ((المعنى الدلالي)) (¬3)، حيث إنه ((يساعد على تفسير لغة المتكلم)) (¬4)، ويساعد على ((كشف العلاقات بين الكلمات، وترابطها داخل التركيب)) (¬5). فللنحو ((طاقة مبدعة في إضاءة النص وتفسيره)) (¬6). ******** ¬

(¬1) ديوان أبي تمام: [2/ 385 ـ 386ب39]. (¬2) ديوان أبي تمام: [1/ 229ب33]، وتنظر بقية المواضع التالية: [3/ 16]، [2/ 294]، [1/ 346 ـ 347]، [4/ 82]، [1/ 38]، [1/ 85]، [2/ 201]. (¬3) اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين: د. نادية رمضان النجار، ص 152، [دار الوفاء] (¬4) اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين: د. نادية رمضان النجار، ص 151 (¬5) اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين: د. نادية رمضان النجار، ص 151. (¬6) النحووالدلالة: د. محمد حماسة عبد اللطيف، ص 28، [ط2، دار الشروق 200].

ـ العنصر الثامن من عناصر المنهج عند أبي العلاء: دعم الشرح وتأييده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشعر والأمثال العربية وأقوال الأدباء

ـ العنصر الثامن من عناصر المنهج عند أبي العلاء: دعم الشرح وتأييده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشعر والأمثال العربية وأقوال الأدباء: من الأمور التي كان يستند إليها أبوالعلاء في شرحه الاعتماد على القرآن الكريم والأحاديث النبوية والشعر والأمثال العربية، وأقوال الأدباء. فقد استند إلى كل هذا عند شرحه لأبيات أبي تمام، وأدلة على صحة ما وصل إليه من المعاني التي يرمي إليها أبوتمام، والتي يقصدها. وكان للشعر نصيب كبير في دعم الشرح عنده، ولم يقتصر في استشهاداته الشعرية على شعراء عصر معين بل تنوعت استشهاداته من شعراء من العصر الجاهلي (¬1)، والأموي (¬2)، والعباسي (¬3). أما بقية الاستشهادات، فتتمثل في: · ستة مواضع للآيات القرآنية. وثلاثة مواضع لقراءاته. مثال ذلك قول أبي العلاء عند قول أبي تمام: قَد حَلَّ في صَخرَةٍ صَمّاءَ مُعنِقَةٍ ... فَانحِت بِرَأيِكَ في أَوعارِها دَرَجا [بحر البسيط] ¬

(¬1) مثل امرئ القيس، وتأبط شرا، الأفوه الأودي، أحيحة بن الجلاح، دريد بن الصمة، وزيد الخيل، وضمرة بن ضمرة)). وإشارة أبي العلاء لشعر هؤلاء الشعراء ((الجاهليين)) وغيرهم دليل على أهمية هذا الشعر في تفسير النصوص، ومدى ما يتمتع به من قدرة بيانية صادقة، وليس كما يدعي المستشرقون وأذنابهم ـ من بني جلدتنا ـ من أن الشعر الجاهلي ((معظمه منحول))، لا يمت بصلة إلى العصر الجاهلي. [ينظر هنا كلام قيم قاله العلامة ((محمود محمد شاكر)) في مقدمة كتاب: ((الظاهرة القرآنية مشكلات الحضارة)): لمالك بن نبي، ترجمة د. عبد الصبور شاهين، ص42وما بعدها، الهيئة العامة لقصور الثقافة، آفاق عربية 72ـ73، ط4، 2003] وقد استند كثير من مفسري القرآن إلى الشعر الجاهلي كوسيلة لتفسير الآيات القرآنية، حتى عدت تلك التفاسير مصدرا من مصادر الأدب الجاهلي. ويأتي على رأس هذه التفاسير تفسير: ((جامع البيان في تفسير القرآن))، لشيخ المفسرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (¬2) مثل يزيد بن الطثرية، عبيد الله بن قيس الرقيات، الطرماح، قيس بن الملوح، أبو وجزة، ذوالرمة. (¬3) مثل أبي نواس، البحتري.

((وانحت بكسر الحاء أفصح من فتحها، وقد حكي الفتح، وقرأ الحسن البصري رحمه الله: چ تَنْحَتُون چ [الشعراء 149])) (¬1). · وسبعة مواضع للحديث النبوي. مثال ذلك قوله عند قول أبي العلاء: خَوَّلتَهُ عَيشًا أَغَنَّ وَجامِلاً ... دَثرًا وَمالاً صامِتًا وَأَثاثا [بحر الكامل] ((والدَّثْرُ الكثير، وجمعه دثور، وفي الحديث: ذهب أهل الدثور بالأجور)) (¬2). · وثمانية مواضع للأمثال العربية. ومن أمثلة دعم الشرح بالأمثال قوله عند قول أبي تمام: فَما قِدحاكَ لِلباري وَلَيسَت ... مُتونُ صَفاكَ مِن نُهَزِ المُرادى [بحر الوافر] ((... ويحتمل أن يريد بقوله: ((فَما قِدحاكَ لِلباري))؛ أي: أنك لا تترك قدحك لمن يبريه؛ فيفسده بالبَرْي الزائد على الحد، كما قالوا في المثل: ((هومُغْرًى بنحت أثلته))؛ إذ كان ينقصه ويعيبه)) (¬3). وقوله عند قول أبي تمام: وَنَحنُ نُزَجّيهِ عَلى الكُرهِ وَالرِّضا ... وَأَنفُ الفَتى مِن وَجهِهِ وَهوأَجدَعُ [بحر الطويل] ((... نُزَجّيهِ: نحمله ونسوقه على أن يسير. يقول: نحن على سخط راضون به؛ لأنه لا بد منه، وإن كنا نبغضه، فمثله مثل الأنف الأجدع، يعلم الفتى أنه قبيح، وقد ثبت أنه من وجهه، وهذا مثل قديم، يقولون: منك أنفك وإن كان أجدع، ومنك عيصك وإن كان أشِبا)) (¬4). ¬

(¬1) ينظر ديوان أبي تمام: [1/ 336ب29] وينظر أيضا: [3/ 344]، [4/ 177ب1] (¬2) ينظر ديوان أبي تمام: [1/ 321ب30] وينظر أيضا: [1/ 183ب15]، [2/ 409ب7]، [3/ 138ب37]، [2/ 312ب12]، [1/ 292ـ 293ب7]، [2/ 265ب17] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 379]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 423]. وينظر أيضا: [3/ 117ب12]، [2/ 423ب2]، [1/ 11ب3]، [1/ 131ـ 132]، [2/ 324ب15]، [2/ 175ب40]، [1/ 379ب41]، [1/ 391ـ 392ب24].

· موضع لقول أحد التابعين. قال عند قول أبي تمام: غادَرتَ أَرضَهُمُ بِخَيلِكَ في الوَغى ... وَكَأَنَّ أَمنَعَها لَها مِضمارُ [بحر الكامل] ((المضمار: الغاية التي تُجْرى إليها الخيل، وفي حديث الحسن البصري رضي الله عنه: إن الله جعل الصوم مضمارا لعباده)) (¬1). · موضع لقول أحد الأدباء: قال عند قول أبي تمام: أَلَهفي إِذا ما ارتَدى لِلرَّدى ... أَلَهفي إِذا ما احتَبى لِلحِباءِ [بحر المتقارب] ((ارتدى افتعل من الرداء وهو السيف في هذا الموضع، وفي كلام لبعضهم: العرب أفضل الناس، العمائم تيجانها، والسيوف أرديتها، والحُبى حِيطانها)) (¬2). ****** ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 181ب54]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 29ب37].

الفصل الثاني منهج التبريزي في شرح ديوان أبي تمام

الفصل الثاني منهج التبريزي في شرح ديوان أبي تمام ويشتمل على: 1) توثيق الرواية. 2) توظيف القرائن. 3) توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان. 4) الاعتماد على الاستعمال اللغوي (أوالكلامي) للألفاظ. 5) الاهتمام الدلالي بالكلمة. 6) الحرص على ذكر غرض القصيدة وسبب قولها قبل الشروع في شرحها. 7) الحرص على ذكر بحر ووزن القصيدة ولقب القافية. 8) دعم الشرح بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبالأبيات الشعرية، والأمثال.

1) العنصر الأول من عناصر المنهج: توثيق الرواية

سنقوم بإذن الله في هذا الفصل بعرض منهج التبريزي في شرح ديوان أبي تمام، الذي يوافق في معظمه مع منهج أبي العلاء. 1) العنصر الأول من عناصر المنهج: توثيق الرواية: كان التبريزي يهتم بتوثيق الرواية على نهج أستاذه، ويتمثل ذلك في رواية الروايات المختلفة للبيت قيد الشرح، وذكر الروايات الفردية أوالثنائية أوالثلاثية أوالرباعية للبيت الذي يشرحه، وفيما يلي هذا الإحصاء الذي قام به البحث (¬1). الأبيات التي شرحها التبريزي ... الرواية الأحادية ... الرواية الثنائية ... الرواية الثلاثية ... الرواية الرباعية ... الرواية سداسية 2288 ... 196 بالإضافة إلى 7 أبيات لمعظم ألفاظ البيت. ... بيتا ... أبيات ... بيتا ... 1 المجموع الكلي للأبيات ذات الروايات المختلفة: 266 ونلاحظ أن: • التبريزي في بعض الأبيات يقدم رواية أخرى فقط بدون أي شرح آخر (¬2). • وكان التبريزي في بعض الأحيان يقدم الرواية الأخرى بقوله: ((والرواية الصحيحة)) (¬3). • وفي بعض المواضع يقول: ((والرواية المعروفة ....)) (¬4). ¬

(¬1) العدد الإجمالي للأبيات التي شرحها التبريزي ينظر فيه مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي (العنوان: تراثنا النقدي الجزء الأول مقال: خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام، للهادي الجطلاوي) [1/ 137]. (¬2) ينظر على سبيل المثال ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 124]، [3/ 182]، [3/ 285]، [3/ 312]، [3/ 313]، [3/ 347]، [3/ 64]، [4/ 34]، [4/ 45]، [4/ 452]، [4/ 475]، [4/ 82]، [4/ 97] (¬3) ينظر ديوان أبي تمام بشرح التبريزي:2/ 384 ب32 (¬4) قال التبريزي عند قول أبي تمام: فَتىً دَخَرَ الدُّنيا أُناسٌ وَلَم يَزَل ... لَها باذِلاً فَانظُر لِمَن بَقِيَ الذُّخرُ [بحر الطويل] ((الرواية المعروفة: ((لم يزل لها داحرا)) والذي غيرها بـ ((باذل)) إنما كره لفظ ((داحر))، وذلك يدل على سُخْف رأي وجهل)). يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [4/ 574ب29]، وينظر أيضا: [4/ 330ب11] و [1/ 251ب35].

وفي ثنايا شرح التبريزي نقرأ ما يفيد إحاطته بكل نسخ ديوان أبي تمام التي كانت متاحة لديه. قال عند قول أبي تمام: سَهمُ الخَليفَةِ في الهَيجا إِذا سُعِرَت ... بِالبيضِ وَالتَفَّتِ الأَحقابُ وَالغُرُضُ [بحر البسيط] ((في النسخ كلها: ((سهم الخليفة))،وفي ((ذكرى حبيب)) لأبي العلاء: شهم الخليفة)) (¬1). ونلاحظ مدى التثبت الذي كان يتحراه التبريزي في شرحه للديوان عند قوله: ((وسمعت بعض من يتقن هذا الديوان من رؤساء الكُتَّاب ينشد ...)) (¬2). والتبريزي كان حريصا أشد الحرص أن يأخذ رواية عن ((الرواة المتقنين))، و ((أصحاب النقل)) (¬3). وهويعلم ما ((يجوز أن يكون مفترى على العرب)) من غيره (¬4)، وما قد ((حُكِيَ)) على وجه مخصوص (¬5). وكان يستند في روايته للغة والشعر على فحول اللغويين، مثل: الأصمعي، أبي عبيدة، والفراء، والنضر بن شميل، وابن الأعرابي (¬6). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 285ب7]، وقال في موضع آخر عند قول أبي تمام: إِن زارَ مَيدانًا مَضى سابِقًا ... أَونادِيًا قامَ إِلَيهِ الجُلوس [بحر السريع] ((لإعجابهم به، وفي نسخة: إن زار ميدانا سبى أهله)) [2/ 278]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 51] (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54] (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 91، ب 12 ـ 13]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 27، ب 42]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: 2/ 34ب7، 1/ 312ب2

2) العنصر الثاني من عناصر المنهج: توظيف القرائن

ونزعة التبريزي إلى التثبت تظهر في رفضه كل أمر لا يقوم عليه دليل، قال التبريزي: ((.. وكان الزجاج يذهب إلى أن الإستبرق سُمِّي بالفعل الماضي من البرق؛ إذا بني على استفعل، وهذه دعوى لا تثبت)) (¬1). ******* 2) العنصر الثاني من عناصر المنهج: توظيف القرائن: من الأمور التي اتكأ عليها التبريزي لتوضيح معاني أبيات أبي تمام ((القرائن))، فقد كانت مصباحًا يهديه إلى تلك المعاني، وقائدًا يقوده إليها. وقد استغل هذه القرائن في مائة وخمسين موضعًا تقريبا. ويمكن أن نصنف هذه المواضع إلى نوعين من القرائن: 1) قرائن ((السياق اللغوي Linguistic Context)) ، أو ((قرائن السياق الداخلي للحدث اللغوي Verbal Context)) . 2) قرائن ((السياق غير اللغوي of Situation Context)) . وتحت قرينة السياق اللغوي يمكن أن نضع مجموعة من القرائن الفرعية التي استخدمها التبريزي في شرحه: (1) القرينة اللفظية. (2) القرينة المعجمية. (3) القرينة النحوية. (4) القرينة الصرفية. (5) القرينة العروضية. (6) قرينة الاستعمال اللغوي. (7) قرينة خصائص الشاعر الأسلوبية. (8) قرينة خصائص الصنعة الشعرية. وتحت قرائن السياق غير اللغوي يمكن أن نضع ما يلي: (1) القرينة الجغرافية. ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 415 ب19].

(2) القرينة التاريخية. (3) القرينة العرفية. [أ] قرائن السياق اللغوي: كانت قرائن السياق اللغوي تُكَأَةً تعينه على الشرح، وهوـ في كثير من المواضع ـ لا يشير إلى استخدامها، ولكننا نفهمها ضمنًا. قال أبوتمام يمدح سليمان بن وهب: لَم أَزَل بارِدَ الجَوانِحِ مُذ خَضـ ... خَضتُ دَلوي في ماءِ ذاكَ القَليبِ [بحر الخفيف] ((... وجعل الدلومثلا للرجاء، وأراد ((ماء القليب)): جود الممدوح)) (¬1). وقد يشير التبريزي إلى القرينة التي أوضحت ـ أورجحت، أورفضت ـ عند شرح المعنى، وهوفي أغلب الأحيان لا يذكر اسم هذه القرينة. 1ـ القرينة اللفظية. ـ نرى ذلك مثلاعند قول أبي تمام: صاغَهُمُ ذوالجَلالِ مِن جَوهَرِ المَجـ ... دِ وَصاغَ الأَنامَ مِن عَرَضِه [بحر المنسرح] ((هذا مأخوذ من الجوهر والعرض اللذين وضعهما المتكلمون؛ لأن ((الجوهر)) عندهم أثبت من العرض، وقد يجوز أن يجعل الجوهر هاهنا من الجواهر التي هي در وياقوت، ونحوذلك، وهوأبلغ من الوجه الأول، إلا أن مجيء ((العرض)) يُحْوِج إلى التأويل المتقدم)) (¬2). ـ ومن ذلك قوله: إِمليسُهُ إِمليدُهُ لَوعُلِّقَت ... في صَهوَتَيهِ العَينُ لَم تَتَعَلَّقِ يُرقى وَما هُوبِالسَّليمِ وَيَغتَدي ... دونَ السِّلاحِ سِلاحَ أَروَعَ مُملِقِ [بحر الكامل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 124ب30]، ولمزيد من المواضع في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [1/ 12ب7]، [2/ 370ب36]، [2/ 102ب4]، [4/ 18ب19]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 317ب5].

((مجيء ((يُرقى)) في أول هذا البيت يدل على أنه أراد بـ ((العين)) في البيت الأول: التي تصيب الإنسان، ومثل هذا كثير يتفق في الشعر، يكون البيت يحتمل وجوهًا، فإذا سُمِع البيت الذي يليه؛ قصره على واحد من تلك الوجوه)) (¬1). ـ وقال: فَامدُد عِناني بِوَأى ضِلعُهُ ... تَثبُتُ وَالعُذرَةُ مِنهُ تَنوس [بحر السريع] ((أي احملني على فرس هذا صفته، ... و ((ضلعه تثبت))؛ أي: متمكنة مساندة في خلقه، ... وعند أبي عبد الله: ((ضلعه تُذْرع))؛ أي: طويل الضلع؛ تذرع لطولها ذرعًا، ولا تشبر، والأول هوالوجه لذكره النَّوْس مع الثبات)) (¬2). 2ـ القرينة النحوية. ـ ومثال ذلك: يَقولُ مَن تَقرَعُ أَسماعَهُ ... كَم تَرَكَ الأَوَّلُ لِلآخِرِ [بحر السريع] ((جعل ((مَنْ)) في معنى الجمع؛ لأنها عامَّة، تقع على الواحد والاثنين، والمذكر، والمؤنث، والجمع (...) ولولا ذلك لم يَحْسُن أن يقول ((أسماعه))؛ لأنه يجمع سمع الإنسان الواحد، وإن كان ذلك جائزًا؛ فليس بحسن، كما لا يحسن أن تقول: ضربت أعناقه، ولا شججت رءوسه، وإنما يجوز ذلك أن يجمع الشيء، ويضاف إليه ما حوله، كما يقال: ركبت أصلاب الناقة؛ لأنه يجعل كل فقارة صلبا)) (¬3). 3ـ القرينة الصرفية. ـ قال عند قول أبي تمام: وَلِلكَذَجِ العُليا سَمَت بِكَ هِمَّةٌ ... طَموحٌ يَروحُ النَّصرُ فيها وَيَغتَدي [بحر الطويل] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 416ـ 417ب20، 21]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 276ب7]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 161ب6].

((... ((الكذج)): كلمة لم تستعملها العرب، ولا استعملت الكاف والذال والجيم فيما يعرف من الثلاثي)))) (¬1). ـ وقال: سَقاهُم كَما أَسقاهُمُ في لَظى الوَغى ... بِبيضِ صَفيحِ الهِندِ وَالسُّمُرِ الذُّبلِ [بحر الطويل] ((... و ((الذُّبل)) جمع ((ذَبُول))؛ لأن ((فَعُولا)) بابه أن يجمع على ((فُعُل))، وجمع ((فاعل)) على هذا المثال قليل؛ فكان حمله على ((فَعُول)) أوجب)) (¬2). ـ وقال: صافي الأَديمِ كَأَنَّما أَلبَستَهُ ... مِن سُندُسٍ بُردًا وَمِن إِستَبرَقِ [بحر الكامل] ((ولو كان ((السندس)) عربيًّا لكان اشتقاقه من ((السَّدُوس)) وهو: الطيلسان الأخضر)) (¬3). 4ـ القرينة العروضية. ـ قال عند قول أبي تمام: قَتَلَتهُ سِرًّا ثُمَّ قالَت جَهرَةً ... قَولَ الفَرَزدَقِ لا بِظَبيٍ أَعفَرِ [بحر الكامل] ((اكتفى بعجز بيت الفرزدق، لأنه لم يقدر أن يزيد على ذلك من أجل إقامة الوزن، والبيت مشهور، قد روي في شعر الفرزدق، وروي لغيره: أَقولُ لَهُ لَمّا أَتاني نَعِيُّهُ ... بِهِ لا بِظَبيٍ بِالصَّريمَةِ أَعفَرا [بحر الطويل])) (¬4). ـ وكما قال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 28ب31]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 521ب14]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 416ب19]، ويُنْظَرُ أيضًا الموضعان الآتيان: [1/ 61ـ 62]، [4/ 422ب5]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 451ب7].

مَن يَسأَلِ اللهَ أَن يُبقي سَراتَكُمُ ... فَإِنَّما سالَهُ أَن يُبقِيَ الكَرَما [بحر البسيط] ((... وإن همزت ((يسأل)) فإنه أحسن، وإن تخالفت اللغتان، وإن لم تهمزها فجائز، والاختيار الهمز؛ لأنه أصح للوزن)) (¬1). ـ وأيضًا: فَما أَبقَيتَ لِلسَّيفِ اليَماني ... شَجًا فيهِم وَلا الرُّمحِ الرُّدَيني وَقائِعُ أَشرَقَت مِنهُنَّ جَمعٌ ... إِلى خَيفَي مِنًى فَالمَوقِفَينِ [بحر الوافر] ((وثنى ((الخَيْف)) وهوما ارتفع من المسيل، وانحدر عن الجبل، لأنه أراد إقامة الوزن، ذلك جائز على معنى الاتساع، وإنما يجيء في الشعر القديم ((خيف منى))،و ((الخيف من منى)) على التوحيد، إلا أن التثنية والجمع في مثل هذه الأشياء جائزان)) (¬2). 5ـ قرينة الاستعمال اللغوي. ـ قال عند قول أبي تمام: يَنبوعُها خَضِلٌ وَحَليُ قَريضِها ... حَليُ الهَدِيِّ وَنَسجُها مَوضونُ [بحر الكامل] ((... و ((الخضل)): الذي قد ابتل، ويجوز أن يكون الطائي لم يقله على هذا النظم؛ لأن الينبوع لا يحسن أن يوصف بـ ((خَضِل))، ولكن لوقال: ((غَدِق)) لكان أشبه؛ إذ كانوا يقولون: ((خضلَ ثوبُه))؛ إذا أصابه قطر فبله.)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: قَومٌ غَدا طارِفُ المَديحِ لَهُم ... وَوَسمُهُم لائِحٌ عَلى تُلُدِه [بحر المنسرح] ((و ((وسم)) ـ بالسين غير معجمة ـ؛ أي: علامة بالميسم، وهوأشبه من ((الوشم)) بالشين في هذا البيت؛ لأن الوشم يُستَعمل في الأكف والأذرع)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 175ب52]. (¬2) يُنْظَرُ شرح التبريزي: [3/ 299ب14]، ولمزيد من المواضع تُنْظَرُ المواضع الآتية: [1/ 427ب8]، [1/ 429 ـ 430ب12]، [4/ 362ب8]، [4/ 570ب11]، [2/ 98ب2]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 330ب42]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 432ب20].

ـ وقال عند قول أبي تمام: وَبَيَّنَ اللهُ هَذا مِن بَرِيَّتِهِ ... في قَولِهِ خُلِقَ الإِنسانُ مِن عَجَلِ [بحر البسيط] ((... واختلف المفسرون في قوله تعالى: چ ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ? ? چ [الأنبياء: 37]، فقال قوم: هوعلى القلب، كأنه قال: خُلِقت العجلة من الإنسان، وقال بعضهم إنما المعنى: أنه يكثر العجلة؛ فهو مائل في جانبها؛ فكأنه خلق منها، ومثل ذلك يتردد في الكلام، تقول للصبي الذي يحب اللعب ويكثره: ما أنت إلا مخلوق من لعب ...)) (¬1). 6ـ قرينة خصائص الشاعر الأسلوبية: ـ وقال عند قول أبي تمام: فَتًى دَخَرَ الدُّنيا أُناسٌ وَلَم يَزَل ... لَها باذِلًا فَانظُر لِمَن بَقِيَ الذُّخرُ [بحر الطويل] ((الرواية المعروفة: ((لم يزل لها داحرا))، والذي غيرها بـ: ((باذل)) إنما كره لفظ ((داحر))، وذلك يدل على سُخْف رأي وجهل، وفي قوله: ((داحر)) ضرب من الصناعة التي كان يتبعها الطائي؛ لأن ((داحرا)) تصحيف ((داخر)))) (¬2). ـ قال عند قول أبي تمام: مَضَوا لَم يُخزِ قائِلَهُم خُمولٌ ... وَلَم يُجدِب فَعالَهُمُ جُدوبُ [بحر الخفيف] ((((يُجْدِب)): يَعِيبُ، وإن رويت: ((جَدُوبُ)) بفتح الجيم فهو: ((فَعُول))، من ((جَدَبْتُه))؛ إذا عبته، وإن رويتَ: ((جُدُوب)) ـ بالضم ـ فهوأشبه بصنعة أبي تمام؛ لأنه يريد جمع جدب)) (¬3). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 90ب12، 13] ولمزيد من المواضع في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [4/ 374ب1]، [1/ 428ب10]، [1/ 414 ـ 415ب25] (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 574ب30]. ونلفت الانتباه أن هذه هي رواية البيت كما رواها التبريزي. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 559ب26].

ـ ومنه قوله عند قول أبي تمام: تُثَفّى الحَربُ مِنهُ حينَ تَغلي ... مَراجِلُها بِشَيطانٍ رَجيمِ [بحر الوافر] ((... ((تُثَفّى)) من الأثافي .. ومن قال ((أَثَّفَتْ)) فوزن ((أُثْفية)) عنده ((فُعْلية)). وهاتان الروايتان أولى بصنعة الطائي، من رواية من روى: ((تصلى الحرب منه)).)) (¬1). ـ ومنه قوله عند قول أبي تمام: أَإِلى بَني عَبدِ الكَريمِ تَشاوَسَت ... عَيناكَ وَيلَكَ خِلفَ مَن تَتَفَوَّقُ [بحر الكامل] ((.ومن روى ((خِلْف)) ـ بفتح الخاء ـ فهوبعيد من مذهب الطائي، وله مذهب في القياس)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: جَرى حاتِمٌ في حَلبَةٍ مِنهُ لَوجَرى ... بِها القَطرُ شَأوًا قيلَ أَيُّهُما القَطرُ [بحر الطويل] ((والرواية المعروفة: ((بها القطر شأوا واحدا جمس القطر))؛وهوأشبه بكلام الطائي)))) (¬3). ـ ومنه قوله عند قول أبي تمام: قَد كِدتُ أَن أَنسى ظِماءَ جَوانِحي ... مِن بُعدِ شُقَّةِ مَورِدي عَن مَصدَري [بحر الكامل] ((والأشبه أن يكون مد ((الظماء))؛ لأنه تكرر في شعره ممدودا، وذلك رديء؛ لأنه قليل في المستعمل)) (¬4). والتبريزي في اعتماده على أسلوب الشاعر كقرينة لبيان النص يسلك مسلك أستاذه الذي أشرنا إليه من قبل. ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 162ب17]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 396ب18]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 574ب29] ولمزيد من المواضع في نفس هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [2/ 38ب27]، [1/ 407ب6]، [3/ 325ب13]، [4/ 470ب1]، [1/ 395ب39]، [2/ 288ب6]، [2/ 17ب29]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 455ب26].

ولعل في منهجهما هذا إشارة إلى أن الوزن والقافية لا يمثلان أي عبء على الشاعر المتمكن من لغته وأنه رغم وجود هذين القيدين يمكن أن يكون له أسلوب. وهما في هذا يتفقان مع النقاد العرب الذين ((انتهوا إلى أن أعلى مراتب البراعة السيطرة على القيد المضروب، وفك الحصار المفروض، حتى لا أثر لهما في المنجز من اللغة)) (¬1). ولعل في منهجهما هذا أيضا رد قديم على أصحاب ((قصيدة النثر)) و ((النثيرة)) الذين يرون ((في انبناء البيت على الانتظام رتابة مملة كما عدوا القافية قيدا شكليا يحول عمل الشاعر إلى جري وراء الموافقة الصوتية على حساب المعنى))، والذين يدعون ـ كما يقول أحد دعاتهم أدونيس ـ أن ((الشعر هو الكلام الموزون المقفى، عبارة تشوه الشعر، فهي العلامة والشاهد على المحدودية والانغلاق، وهي إلى ذلك معيار يناقض الطبيعة الشعرية العربية ذاتها)) (¬2). 7ـ قرينة خصائص الصنعة الشعرية. قال أبوتمام: مِن كُلِّ ريمٍ لَم تَرُم سوءًا وَلَم ... تَخلِط صِبى أَيّامِها بِتَصابي [بحر الكامل] ((.. وتخفيف الريم في هذا الموضع أجود في صناعة الشعر؛ لأنه يصير مجانسا لـ ((تَرُمْ)))) (¬3). [ب] قرائن السياق غير اللغوي: أما قرائن السياق غير اللغوي فقد تنوعت بين القرائن التاريخية، الجغرافية، والعرفية وغيرها. أما القرينة التاريخية فتظهر عند قوله على بيت أبي تمام: ¬

(¬1) حمادي صمود: الشعر وصفة الشعر في التراث، ص 78، مقال بمجلة فصول ع تراثنا النقدي ج1/ ديسمبر 1985م (¬2) السابق ص 76 (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 76 ـ 77ب4] ويُنْظَرُ أيضًا الموضعان الآتيان: [4/ 450ب6]، [1/ 9].

وَلَو عَلِمَ الشَيخانِ أُدٌّ وَيَعرُبٌ ... لَسُرَّت إِذَن تِلكَ العِظامُ الرَّمائِمُ [بحر الطويل] ((وليس بحسن أن يُجعل ((أُدٌّ)) في هذا البيت أبا تميم بن مُرّ بن أُد بن طابخة بن إلياس بن مضر؛ لأن أُد بن طابخة لم يكن أبا لكل العرب، ولأن القول أعم في المدح)) (¬1). أما الجغرافية فتظهر عند قول أبي تمام: حَطَطتَ بِها يَومَ العَروبَةِ عِزَّهُ ... وَكانَ مُقيمًا بَينَ نَسرٍ وَفَرقَدِ [بحر الطويل] ((واستعماله ((نَسرا)) و ((فرقدا)) بغير ألف ولام: أحسن من قوله ((كوَجْدِ فرزدق))، ومن قوله: ((ما بين أندلُس إلى صنعاء))؛ لأن ((الفرزدق)) و ((الأندلس)) لا يعرف غيرهما، مما له هذا الاسم، والنسر والفرقد: معهما غيرهما؛ فيحسن فيهما التنكير؛ لأجل الاشتراك)) (¬2). والعرفية فنلحظها عند قول أبي تمام: وَإِن خَفَرَت أَموالَ قَومٍ أَكُفُّهُم ... مِنَ النَّيلِ وَالجَدوى فَكَفّاهُ مَقطَعُ [بحر الطويل] ((يقول إذا كانت يد الرجل كالخفير لماله؛ تحفظه من السؤال؛ فكفاه مقطع؛ أي يُقطع فيهما الطريق على المال؛ لأن العادة جارية بأن المال يؤخذ في قطع الطريق)) (¬3). وهذه القرائن السياقية غير اللغوية لهي دليل واضح على ثقافة التبريزي الواسعة التي تحيط بمعظم جوانب الثقافة العربية. ¬

(¬1) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 182ب29]، وينظر أيضا: [2/ 32ـ33ب2]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 26ب24]، وينظر أيضا: [1/ 26ب6] (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 330ب32]. وينظر أيضا: [3/ 277ب28]، [1/ 208ب28]، [3/ 346ب6]، [2/ 349ب27]، [4/ 44ب7]، [2/ 179ب51].

3) العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان

3) العنصر الثالث من عناصر المنهج: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان: على نهج أستاذه كان التبريزي يستخدم خصائص البيئة اللغوية المستقرة في عصره لشرح الديوان، فهي عنده أيضًا كانت بمثابة المعيار الثابت الذي يحتكم إليه ـ عند شرحه ـ لبيان اقتراب أوابتعاد الديوان من هذا المعيار. وقبل تقديم هذا الاقتراب أوالابتعاد يجب أن نقدم تصور التبريزي للغة. * اللغة عند التبريزي: من خلال تتبع شرح التبريزي نستطيع أن نرسم صورة للغة عنده، وهي كالتالي: تنقسم اللغة عنده إلى قسمين: لغة العامة، ولغة أهل العلم. أما لغة العامة فهي تتسم بـ: • أن لها كيانها الخاص وأساليبها الخاصة بها وألفاظًا مصطلحًا عليها داخلها. ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: أَخَرِستَ إِذ عايَنتَني حَتّى إِذا ... ما غِبتَ عَن بَصَري ظَلِلتَ تَشَدَّقُ [بحر الكامل] ((هذا معنى يتردد في كلام الخاص والعام، يقول: إذا رآني سكتَ فلم ينطق، وإذا غبت تشدق بالقول)) (¬1). ـ وقال التبريزي: ((العامة يقولون: نظر إليهم الزمن إذا فعل بهم فِعْلا قبيحًا، وقد استعملوا ذلك في العصر القديم ... وإنما هواصطلاح من العامة؛ لأن النظر إلى الإنسان ممن فوقه جائز أن يجلب إليه خيرا أوشرا)) (¬2). ـ وقال: ((والعامة إذا قالوا للرجل هوابن الطريق؛ نسبوه إلى أنه وُجِدَ منبوذًا)) (¬3). ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 395ب12]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 471ب2]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 179 ب51].

رَأى الرومُ صُبحًا أَنَّها هِيَ إِذ رَأَوا ... غَداةَ التَقى الزَّحفانِ أَنَّهُما هُما [بحر الطويل] ((.. ((أنهما هي)) يعني المنية، وهذا كلام يستعمله العامة كثيرا، إذا أشرف على الرجل منهم أمر قال: هي هي؛ أي: هذه القصة هي المنية التي تُنْتَظر)) (¬1). ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام: لَم يُسَوَّد وَجهُ الوِصالِ بِوَسمٍ الحُبِّ حَتّى تَكَشخَنَ العُشّاقُ [بحر الخفيف] ((.. ((تَكَشخَنَ)) كلمة عامية لا تعرفها العرب، وإذا حُمِلَت على القياس فالصواب: تَكشَّخَ)) (¬2). ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام: كَساكِ مِنَ الأَنوارِ أَصفَرُ فاقِعٌ ... وَأَبيَضُ ناصِعٌ وَأَحمَرُ ساطِعُ [بحر الطويل] ((والاشتقاق لا يمنع أن يوصف الأبيض بالفاقع؛ إلا أنهم لم يستعملوه (...) وأهل البصرة يقولون: حَمَامٌ فَقِيع، وهي كلمة عامية، وقد طعن فيها بعض أهل العلم)) (¬3). ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام: لَبَّيتَ صَوتًا زِبَطرِيًّا هَرَقتَ لَهُ ... كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ [بحر البسيط] ((.. ((زِبَطرِيّ)): منسوب إلى زبطرة .. ، والعامة يقولون: زَبَطْرة؛ بفتح الزاي، وليس في كلام العرب مثل: دَمَقْس في الرباعي ..)) (¬4). ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 241 ب39]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 405 ـ 406 ب6]، وفي هذا البيت دليل على استعمال أبي تمام للغة العامية في بعض أبياته، ونلاحظ أن التبريزي لجأ إلى اللغة العامية لتفسير أبيات أبي تمام، حيث لا يكون معنى البيت واضحا إلا إذا لجأ إلى هذه اللغة. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 581 ـ 582ب7]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 61ـ 62].

لَجادَ بِها مِن غَيرِ كُفرٍ بِرَبِّهِ ... وَآساهُمُ مِن صَومِهِ وَصَلاتِهِ [بحر الطويل] ((الصواب ((وآساهم))؛ لأنه من تصييره إياهم أسوته؛ أي: مثله، إلا أن العامة يقولون: واساه، وقد استعملوا مثل ذلك في مواضع كثيرة، مثل: آكله، وآخاه)) (¬1). وقد توجد ألفاظ مشتركة بينها وبين لغة أهل العلم، ولكنها ذات دلالة مختلفة؛ أي تستقل لغة العامة بدلالة مستقلة عن لغة أهل العلم، قال التبريزي: ((والشمائل أكثر ما تستعمل العرب في معنى الخلائق ... والعامة يقولون: فلان حسن الشمائل يريدون به حُسْن الخلق والقد، والاشتقاق يجيز ذلك)) (¬2). ... أما اللغة التي تقابل اللغة العامية ـ وهي التي اعتمد عليها وعلى خصائصها وسماتها في شرح الديوان ـ فهي اللغة التي سماها التبريزي لغة ((أهل العلم)) (¬3)، و ((أصحاب اللغة)) (¬4)، و ((أهل اللغة)) (¬5)، و ((كلام العرب)) (¬6). وهذه اللغة تتميز بما يلي: 1ـ أنها لغة اصطلاحية: قال التبريزي: ((وأصل الهبوط: الانحدار، وجرى الاصطلاح على أن يقولوا: نزلنا أرض كذا، وهبطنا؛ إذا حلوها، وإن كانت مرتفعة)) (¬7). 2ـ أنها لغة تتكون من عدة لغات، ودليل ذلك: ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 309 ـ 310]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [2/ 243ب5]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [3/ 216 ب23]، [4/ 582 ب7]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 352 ـ 353 ب27]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 184 ب17]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 358 ب3]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 223 ـ 224ب15].

أَسقى طُلولَهُمُ أَجَشُّ هَزيمُ ... وَغَدَت عَلَيهِم نَضرَةٌ وَنَعيمُ [بحر الكامل] ((يقال: سقى، وأسقى، قال قوم هما بمعنى واحد (...) وأنشدوا قول لبيد: سَقى قَومي بَني مَجدٍ وَأَسقى ... نُمَيرًا وَالقَبائِلَ مِن هِلالِ [بحر الوافر] فجمع بين اللغتين)) (¬1). ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام: إِذا سيلَ سُدَّ العُذرُ عَن صُلبِ مالِهِ ... وَإِن هَمَّ لَم تُسدَر عَلَيهِ المَسالِكُ [بحر الطويل] ((قوله: ((سِيل)) .. على لغة من قال سِلْتُ أسال)) (¬2). ـ وقال: ((وأما الباه: فلغة في الباءة، وهوالنكاح ... ويقال إن فيها أربع لغات: الباءة، والباهة، والباء، والباه)) (¬3). 3ـ ومن هذه اللغات ما يتميز ببعض الخصائص: مثل قول التبريزي: ((يقال: عَقِدُ الرملِ وعَقَدَهُ، وهوما يُعْقَد منه، والذين يسكنون نجدًا ونحوها يقولون: عَقْد الرمل)) (¬4). 4ـ ومن هذه اللغات الفصيح والرديء: ـ قال التبريزي عند قول أبي تمام: لِمْ لَم أَمُت حُزُنًا لِمَ لَم أَمُت أَسَفًا ... لِمْ لَم أَمُت جَزَعًا لِمْ لَم أَمُت كَمَدا [بحر البسيط] ((سَكَّنَ الميم في ((لم))، وحكي ذلك عن العرب واللغة الفصيحة غيرها)) (¬5). ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 289ب1]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 460ب11]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 346ب6]، وينظر أيضا: [1/ 62]، [3/ 175ب52] (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 423ب1]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 187].

أَخَذتَها لَبْوَةَ العِرّيسِ مُلبِدَةً ... في الغابِ وَالنَّجمُ أَدنى مِن مَناكِحِها [بحر البسيط] ((يقال: ((لَبُؤَة)) على مثال سَبُعَة؛ فهذه اللغة الفصيحة)) (¬1). ـ وقال: ((يقال: جاء القوم بأجمُعِهم؛ بضم الميم، وهوأفصح عندهم من أجمَعِهم بالفتح؛ لأن أجمع مقصور على التوكيد)) (¬2). ـ وقال: ((وهَلَك بفتح اللام اللغة الفصيحة، وحكى بعضهم: هَلِكَ)) (¬3). ـ وقال التبريزي عند قول أبي تمام: صَدَّعتَ جِريَتَهُم في عُصبَةٍ قُلُلٍ ... قَد صَرَّحَ الماءُ عَنها وَانجَلى الزَّبَدُ [بحر البسيط] ((و ((قُلُل)): جمع قليل، وربما قالوا: قُلَل، فإن صَحَّ ذلك؛ فإنهم فتحوا للتضعيف (...)؛ وهي لغة رديئة)) (¬4). 5ـ ومن اللغات الفصيحة ما هو اللغة العالية: قال التبريزي عند قول أبي تمام: أَيُرضِخُنا رَضخَ النَّوى وَهومُصمِتٌ ... وَيَأكُلُنا أَكلَ الدَّبا وَهوجائِعُ [بحر الطويل] ((يقال: رضخ النوى؛ إذا دَقَّه ليعلفه الإبل، ويقال بالحاء أيضا، والحاء عندهم هي اللغة العالية)) (¬5). 6 ـ وأنها لغة متطورة بدليل قول التبريزي عند قول أبي تمام: قَلتًا مِنَ الريقِ ناقِعَ الذَّوبِ إِلا أَنَّ بَردَ الأَكبادِ في جَمَدِه [بحر المنسرح] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 353 ـ 354ب31]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 301ب21]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 455ب2]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 13ـ14ب13]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 582ب10]، ولاشك أن أبا العلاء هوصاحب هذا المصطلح.

((الهاء في ((جمده)) لا تعود إلى الريق، بل يعود إلى: القلْت، الذي هوكناية عن الفم. وسقط قول العائب: ما معنى جَمَد الريق؟، إذا كان الجمد كناية عن الأسنان. وهذا ظاهرٌ حَسَنٌ، وليس لأحد أن يقول: الجُمُود يستعمل فيما كان سائلا قبل؛ لأنهم توسعوا في استعماله واستعمال الذوب، ألا تراهم يقولون فيمن لا يبكي عند الرزايا: هوجماد الحاجبين)) (¬1). وبدليل استخدامه للفظة ((المحدثين))، ولم يقل العامة: ـ قال عند قول أبي تمام: حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُّجى رَغِبَت ... عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَّمسَ لَم تَغِبِ [بحر البسيط] ((والدجية: الظلمة، وقال قومٌ: لايقال دُجية إلا لليل مع غيم، فأما المحدثون فيعبرون بالدجى عن الليل، ولا يفرقون بين المقمر وغيره)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: فَأُقسِمُ لَوسَأَلتِ دُجاهُ عَنّي ... لَقَد أَنباكِ عَن وَجدٍ عَظيمِ [بحر الوافر] ((هكذا يروى على توحيد ((الدجى))، والمعروف أنها جمع دجية، ولكن المحدثين يستعملونها في معنى الواحد، وذلك جائز على معنى الجنس)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: ما يُبالونَ إِذا ما أَفضَلوا ... ما بَقِي مِن مالِهِم أَوما هَلَك [بحر الرمل] ((إن كان استعمل لغة طيئ فهي ((بقا))، في لفظ الألف على وزن ((رحا))، وإن كان استعمل اللغة الأخرى، وهي أضعف اللغتين، فقد ألفتها العامة، وكثرت في أشعار المحدثين، وهي في الشعر الأول قليلة)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 426ب7]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 53 ـ 54ب27]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 161ب8]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 455ب2].

هذا هو تصور التبريزي للغة، فهي في تصوره: عامية، وفصيحة. واللغة الفصيحة تتكون من ((لغات))، منها الرديء (¬1) ومنها الفصيح، وأن من اللغات الفصيحة ((اللغات العالية))، وأنها متطورة. وهنا نود إيراد ملحوظتين: 1ـ أن التبريزي اعتمد على اللغة العامية لتفسير بعض أبيات أبي تمام الذي لجأ هو نفسه إليها. 2ـ التبريزي اتخذ من اللغة الفصحى معيارا أساسيا في شرح الديوان، معتمدا على خصائصها وسماتها، وبيان مدى اقتراب أبي تمام من هذا المعيار، أوابتعاده عنه. وبعد أن قدمنا تصور التبريزي للغة، سنحاول في الصفحات التالية عرض العنصر الثاني من عناصر المنهج عند التبريزي وهو: توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان، وسنوضح كيف استغل خصائص اللغة الفصحى، وكيف استخدمها كمعيار ثابت أوضح من خلاله مدى اقتراب أبي تمام منه أوابتعاده، وهو في ذلك يحذو حذو أستاذه أبي العلاء. • توظيف خصائص اللغة الراقية في شرح الديوان: اعتمد التبريزي على خصائص اللغة الراقية في شرحه للديوان، وتتمثل تلك الخصائص التي اعتمد عليها في: الخصائص الصرفية، والخصائص النحوية، وتوظيف الاستعمال اللغوي، هذا بالإضافة إلى توظيفه لخصائص البيئة الأدبية التي استقر عليها الشعراء. وقبل أن نشرع في توضيح هذه الخصائص نشير إلى ما يدل على اعتماد التبريزي على خصائص اللغة الراقية، وهوتكراره لكلمة ((يقال)) ومشتقاتها: ((يقولون، وهومن قولهم، قيل)). وتكاد هذه اللفظة تذكر مع كل بيت يشرحه التبريزي، بل قد تذكر في البيت الواحد ثلاث مرات. ـ قال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) مصطلح الرديء عند التبريزي يعني: قليل الاستعمال، [4/ 456].

وَرَأيُكَ مِثلُ رَأيِ السَّيفِ صَحَّت ... مَشورَةُ حَدِّهِ عِندَ المِصاعِ [بحر الوافر] ((يقال مَشُورة ومَشْوَرة، وهومن قولهم: شار الأمرَ يشوره إذا عرضه)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: أيُّ ندى بين الثرى والجبوب ... وسؤددٍ لدنٍ ورأي صليب [بحر الرجز] ((الجبوب: يقال إنها الأرض الغليظة، وقيل: الطين اليابس، وقيل: هي ظاهر الأرض)) (¬2). [أ] توظيف الخصائص الصرفية: وظف التبريزي الخصائص الصرفية عند شرحه لبعض أبيات الديوان، وقد أخذ هذا التوظيف أشكالا متعددة: · توظيفها لبيان مدي اقتراب أبي تمام من هذه الخصائص الصرفية. ـ قال عند قول أبي تمام: أَحسِن بِأَيّامِ العَقيقِ وَأَطيِبِ ... وَالعَيشِ في أَظلالِهِنَّ المُعجِبِ [بحر الكامل] ((وقال: ((أطيب))؛ فصحح الياءَ؛ لأن التعجب شأنه ذلك، يظهر فيه التضعيف، ويصح المعتلُّ، إذا بنيته على ((ما أَفْعَله))؛ فإنه يصح مُعتله، ولا يظهر مضعفه، تقول: ما أقولَهُ للحق، وما أعزَّهُ، وما أشدَّه؛ فتدغم، فإذا صرت إلى لفظ ((أفعل به))، قلت: أقْوِلْ به وأعزز، ولم يقولوا: أعزَّ بفلان ألبتة)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: لَمّا أَطالَ ارتِجالَ العَذلِ قُلتُ لَهُ ... ألحَزمُ يَثني خُطوبَ الدَهرِ لا الخُطَبُ [بحر البسيط] ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 340ب29]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 47ب1]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 92].

((قطع ألف الوصل في أول النصف الثاني من البيت؛ إذ كان ما قبله موضع وقف؛ لأنه قال: ((قلت له))، ثم ابتدأ بأول الكلام المحكيِّ)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: كَأَنَّ السَحابَ الغُرَّ غَيَّبنَ تَحتَها ... حَبيبًا فَما تَرقا لَهُنَّ مَدامِعُ [بحر الطويل] ((يقول: أكثرت عليها السحاب من أمطارها حتى كأنها دُفِنَ فيها حبيبٌ، فهي تبكي عليه، يعني الرياض، وخفف الهمزة في ((ترقأ)) وهوجائز بلا خلاف)) (¬2). · ويُوظف التبريزي الخصائص الصرفية بصورة أخرى، حيث يقوم من خلالها من الوقوف على مدى ابتعاد أبي تمام عنها: ـ قال عند قول أبي تمام: خَلائِقٌ فيهِ غَضَّةٌ جُدُدٌ ... لَيسَت بِمَنهوكَةٍ وَلا لُبُسِ [بحر المنسرح] ((... و ((لُبُس)) جمع لَبِيس، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول؛ فليس بابه أن يجمع على فُعُل، ولكنه قد يدخل الباب على الباب، كما قالوا، ((قتيل وقُتَلاء، وأسير وأسراء))، وإنما القياس: قَتْلى، وأسرى)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: أَما وَأَبيها لَورَأَتني لَأَيقَنَت ... بِطولِ جَوًى يَنفَضُّ مِنهُ الحَيازِمُ [بحر الطويل] ((... والحيازم: أراد الحيازيم؛ فحذف الياء، وإنما الواحد ((حيزوم))، وحذف هذه الياء في الجمع يجترئ عليه الشعراء كثيرًا، كما قالوا: عصافر، ومصابح في جمع عصفور، ومصباح)) (¬4). ـ وقال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 242ب12]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 580 ـ 581 ب4]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 240ب16]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 177ـ 178ب6].

الشَرقُ غَربٌ حينَ تَلحَظُ قَصدَهُ ... وَمَخالِفُ اليَمَنِ القَصِيِّ شَآمُ [بحر الكامل] ((... وقد تردد مجيء ((الشآم)) في شعر الطائي على ((فَعال))، وقد جاء ذلك في الشعر القديم إلا أنه شاذ)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: لَم يُسَوَّد وَجهُ الوِصالِ بِوَسم الحُبِّ حَتّى تَكَشخَنَ العُشّاقُ [بحر الخفيف] ((.. ((تكشخن)): كلمة عامية لا تعرفها العرب، وإذا حُمِلتْ على القياس، فالصواب ((تَكشَّخَ))؛ لأنك إذا بنيت ((تَفَعَّل)) من سكران فالوجه أن تقول: ((تَسَكَّر))، وأما مثل: تَسَكْرن من السَّكران، وتَعَطْشَن من العَطْشان فمعدوم قليل)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: آثارُ أَموالِكَ الأَدثارِ قَد خَلُقَت ... وَخَلَّفَت نِعَمًا آثارُها جُدُدُ [بحر البسيط] ((الأدثار: يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون جمع ((دثْر)) من المال؛ وهوالكثير، والمعروف في جمعه: ((دُثُور)) و ((فَعْل)) ليس بابه أن يجمع على ((أَفْعَال))، ولكنه قد جاء في مواضع، مثل: ((زَنْد وأَزْنَاد، وفرخ وأفراخ، ....)) والآخر: أن يكون من قولهم ((أثر داثر، وربع داثر؛ أي: طامس))؛فيجمع على أفعال)) (¬3). · وقد وظف الخصائص الصرفية لبيان عربية لفظةٍ أوأعجميتها: ((الياقوت: كلمة قد استعملتها العرب، فهي كلمة أعجمية في الأصل، وليس لها اشتقاق في كلامهم؛ لأنهم لم يحكوا ((أليقْتُ)))) (¬4). · وقد وظف الخصائص الصرفية في تفضيل رواية لبيت على رواية أخرى: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 154ب24]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 405ب6]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 21ب51]، ولمزيد من المواضع في هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [2/ 191ب2]، [4/ 521ب14]، [4/ 523ب22] (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 106].

قال التبريزي عند قول أبي تمام: وَبَيَّتَّ البَياتَ بِعَقدِ جَأشٍ ... أَشَدَّ قُوًى مِنَ الحَجَرِ الصَّلودِ [بحر الوافر] ((... ومن روى: ((أَمَرَّ قوًى)): فالمعنى أشدَّ إمرارًا؛ أي: فتلا، و ((أَشَدَّ قُوًى)) أجود الروايتين؛ لأن المعروف أمررت الحبل بالهمز، وهم يجتنبون أن يبنى فعل التعجب على أَفْعَلَ في التفضيل، إلا في أشياء مسموعة)) (¬1). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 38ب27]. ونضيف في ختام هذه الجزئية أن التبريزي كان يتطرق للخصائص الصرفية لمجرد الاستطراد فقط، وليس لهدف معين: ـ قال عند قول أبي تمام: أَمُقرانُ يا ابنَ بَناتِ العُلوجِ ... وَنَسلَ اليَهودِ شِرارِ البَشَر [بحر المتقارب] ((اليهود تستعمل بألف ولام، وبغيرها، ولم تجئ هذه اللفظة في القرآن إلا بالألف واللام)) [4/ 376ب1] ـ وقال عند قول أبي تمام: إِن كانَ وَجهُكَ لي تَترى مَحاسِنُهُ ... فَإِنَّ فِعلَكَ بي تَترى مَساويهِ [بحر البسيط] ((... ((تترى)) يجوز فيها التنوين وتركه، فإذا لم تنون فألفها للتأنيث، وإن نونت فألفها للإلحاق، والتاء في أولها بدل من الواو، كأنهم قالوا: وَتْرَى؛ ثم قلبوا الواوتاء و ((مساويه)): أصلها الهمز؛ لأنه من ساءَ يسوء، والتخفيف مطرد)) [4/ 292ب2] ـ وقال عند قول أبي تمام: أَلِكني إِلى حَيِّ الأَراقِمِ إِنَّهُ ... مِنَ الطائِرِ الأَحشاءِ تُهدى المَآلِكُ [بحر الطويل] ((و ((ألكني)) إذا قيل إنها من المالُكة؛ فهي كلمة شاذة؛ لأنك لوبنيت الفعل من ((المالُكة)) على ثلاث؛ لقلت: ألك، فإن قلتَ في المضارع: يالِك؛ وجب أن تقول إذا أمرت: اِيلِكَ، وإن بنيتَه على يَالُكُ؛ وجب أن نقول: ولُك، مثل: اُُومر من أمر يأمر، وإن بني الماضي على ألِك؛ وجب أن يقال: ايلَك، في وزن ايذَن، وإذا بُني الفعل على ((أفعل))؛ فالوجه أن يقال: آلِكني، مثل: آذِنِّي، وقد ادعى بعض أهل العلم أن أصل أَلِكني: آلكني؛ فحذفت المدة لكثرة الاستعمال، وقال قومٌ: الأصل أن يقال: مَلْأكة، ومَالَكة كما يقال: جذب وجبذ؛ وإنما ألْإِكْنِي في معنى أَلِكْني؛ فنقلت كسرةُ الهمزة إلى اللام وحذفت، وذلك كثير موجود، وهذا أقيس من الوجه الأول)) [2/ 459ب7] ولمزيد من المواضع في هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [1/ 353ب31]، [1/ 61 ـ 62]، [2/ 460ب10].

[ب] توظيف الخصائص النحوية: استغل التبريزي الخصائص النحوية أيضا في شرحه لبعض أبيات الديوان، مبينًا مدى اقتراب أبي تمام من هذه الخصائص أوابتعاده عنها. ومن أمثلة المواضع التي ابتعد فيها أبوتمام عن الخصائص النحوية، التالي: ـ قال عند قول أبي تمام: لازالَ جودُكَ يَخشى البخلُ صَولَتَهُ ... وَزالَ عودُكَ تَسقي رَوضَهُ الدِيَمُ [بحر البسيط] ((إذا صحت هذه الرواية؛ فقد حذف ((لا)) في قوله: ((وزَال عودك))؛ لأنه أراد: ((ولا زال عودك))؛ وحذفها في هذا الموضع قليل، وإنما كثر في القسم، كما جاء في الآية: چ ? ? ? ? ?چ [يوسف: 85]؛ أي: لا تفتأ، ومثله كثير، فأما في مثل بيت الطائي فحذفها مفقود؛ لأنه يؤدي إلى اللبس)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: نَقولُ إِن قُلتُمُ لا لا مُسَلَّمَةً ... لِأَمرِكُم وَنَعَم إِن قُلتُم نَعَما [بحر البسيط] ((((لا))، ((نعم)) يُحكيان، وهما ينوبان عن جملتين (...) والغالب عليها ألا يدركهما إعراب، وقد أعرب الطائي ((نعم)) في هذا البيت (...) ونصب الطائيُّ ((نعم)) في القافية؛ لأنه أخرجها من بابها، وجعلها مفعولة للقول)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: مَلَكَ الكِلالُ رِقابَها وَأُنوفَها ... فَنُعوبُها دينٌ لَها وَسُعومُها [بحر الكامل] ((وكون الفاء في قوله: ((فنعوبها)) واوا أحسن، وعليه يصح المعنى، ولعل الطائي قاله كذلك)) (¬3). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 247ب2]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 174ب48]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 277ب29].

ـ وقال عند قول أبي تمام: بِكَ عادَ النِّضالُ دونَ المَساعي ... وَاهتَدَينَ النِّبالُ لِلأَغراضِ [بحر الخفيف] ((... وقوله ((واهتدين النبال)): قد مر القول في أنه يردد مثل هذا الفعل الذي يتقدم فيه الضمير قبل الذكر، وهوعربي إلا أنه قليل)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: ما كُنتُ أَحسِبُ أَنَّ الدَهرَ يُمهِلُني ... حَتّى أَرى أَحَدًا يَهجوهُ لا أَحَدُ [بحر البسيط] ((أصل أحد أن يستعمل في النفي، فيقال: ((ما جاءني أحد، ولا رأيت أحدًا، ولا مررت بأحدٍ))، ويقبح أن نقول: ((جاءني أحدٌ)) ... ولكن العرب خصت النفي بأشياء لم تستعملها في غيره، كقولهم: ((ما بالدار دَيَّار)) ... إلا أن الشعراء ربما أخرجت ((أحدًا)) إلى غير هذا النوع، وذلك من الضرورات)) (¬2). · ومن المواضع التي اقترب فيها الطائي من الخصائص النحوية: ـ قال عند قول أبي تمام: ما خالِدٌ لي دونَ أَيّوبٍ وَلا ... عَبدُ العَزيزِ وَلَستُ دونَ وَليدِ [بحر الكامل] ((و ((وليد)): يعنى به الوليد بن عبد الملك؛ فحذف الألف واللام، وهوجائز، وقد استعمل ذلك الطائي كثيرًا في مواضع، وهوجائز إلا أن تركه أحسن)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: أُمنِيَّةٌ ما صادَفوا شَيطانَها ... فيها بِعِفريتٍ وَلا بِمَريدِ [بحر الكامل] ((.. يقال: ما صادفته حاضرًا، وما صادفته بحاضر؛ فيدخلون الباء إذا كان في أول الكلام نفي أوشيء يشابه النفي)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 313ب17]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 340ب2]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 395ب39]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 396ب44].وتُنْظَرُ أيضا المواضع الآتية: [1/ 91ب31]، [1/ 440ب52]، [2/ 161ب6].

4 ـ العنصر الرابع من عناصر المنهج: الاعتماد على الاستعمال اللغوي (أوالكلامي) للألفاظ.

· ومن المواضع التي استغل فيها الخصائص النحوية لتوضيح المعنى التالي: ـ قال عند قول أبي تمام: طَبَلَت رَبيعَ رَبيعَةَ المُهمى لَها ... فَوَرَدنَ ظِلَّ رَبيعَةَ المَمدودا [بحر الكامل] ((... والأحسن أن تكون الإضافة هاهنا على معنى ((من))؛ لأنها إذا كانت بمعنى ((اللام)) جاز أن يتوهم السامع أنه ربيع لربيعة، دون غيرها من القبائل)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: يَغشَونَ أَسفَحَهُم مَذانِبَ طَعنَةٍ ... سَيحٍ وَأَشنَعَ ضَربَةٍ أُخدودا [بحر الكامل] ((... وتخفض ((سيح)) بجعله صفة للطعنة، وإن شئت نصبته على تقدير ((يسيح سيحا))، والأحسن خفض ((ضربة))؛ لأنه عطفه على قوله ((أسفحهم))؛ فوجب أن يكون على تقدير قولك: ((وأشنعهم ضربة))، ولا يكون ذلك إلا في المعنى، والنصب جائز، ولكن هذا الوجه أبين وأحسن، وإنما قبح النصب لأجل حذف المضاف، كما قبح في قولك: ((مررت بأشرف القوم وأحسن وجها))، وأنت تريد: ((وأحسنهم وجها)))) (¬2). ****** 4 ـ العنصر الرابع من عناصر المنهج: الاعتماد على الاستعمال اللغوي (أوالكلامي) للألفاظ. توظيف الاستعمال اللغوي للغة الراقية: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 411 ـ 412ب16]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 417ب32].

من الأمور المهمة التي كان يعتمد عليها التبريزي في شرح الديوان توظيفه لما يمكن أن نسميه بـ ((المسموع اللغوي)) أو ((الاستعمال اللغوي)) الذي كان يقبله ويسلم به دون مناقشة (¬1). ومن خلال هذا التوظيف لـ ((المسموع اللغوي)) استطاع التبريزي أن يتمكن من عدة أمور، منها: [1] بيان الانحرافات الاستعمالية التي خرج بها أبوتمام على الاستعمال المتعارف عليه [2] رد بعض الروايات للديوان. [3] بيان معنى البيت قيد الشرح، وإبراز كثير من الجوانب بلاغية فيه. وقبل توضيح ما سطرناه آنفا نحب أن نثبت الأمور التالية: [أ] أن مصطلح ((الاستعمال اللغوي)) تردد ذكره عند التبريزي صراحة في مواضع عدة من شرحه، بأشكال وألفاظ متعددة: [1] فتارة يستخدم لفظ ((استعمل)) بأشكال متعددة: ((يُسْتَعمل))، ((اسْتُعمل))، ((المستعمل))، ((استعملوا))، ((يستعملون))، ((الاستعمال)) (¬2). [2] وتارة يستخدم للتعبير عن نفس المصطلح قوله: ((وقد حكيت)) (¬3)، ((وأهل اللغة يحكون)) (¬4). ¬

(¬1) وما إكثار التبريزي لكلمة ((يقال)) إلا دليل على ما نقول. (¬2) وهذا اللفظ هوالأكثر استخداما، وعدد المواضع التي ورد فيها هذا اللفظ في ديوان أبي تمام 59 موضعا، وهي: [1/ 184، ب18]، [1/ 205، ب19]، [1/ 337، ب32]، [1/ 366، ب35]، [1/ 374،ب18]، [1/ 380 ب45]، [1/ 411،ب15]، [1/ 427، ب8]، [1/ 430 431،ب14]، [1/ 432، ب30]، [1/ 442، ب59]، [1/ 62]، [2/ 10، 11، ب3]، [2/ 144،ب13]، [2/ 169، ب12]، [2/ 231، ب27]، [2/ 243، ب5]، [2/ 255، ب4]، [2/ 26،ب24]، [2/ 35، ب10]، [2/ 59، ب1]، [2/ 6، ب8]، [2/ 96، ب2]، [2/ 99،ب3]، [3/ 191، ب44]، [3/ 195، ب1]، [3/ 212، ب3]، [3/ 236، ب19]، [3/ 237،ب23]، [3/ 239، ب27]، [3/ 266،ب34]، [3/ 266،ب39]، [3/ 276، ب25]، [3/ 280 ب6]، [3/ 287، ب2]، [3/ 313، ب12]، [3/ 348، ب17]، [3/ 76، ب3]، [4/ 137، ب1]، [4/ 155،ب2]، [4/ 170،ب2]، [4/ 212،ب4]، [4/ 225،ب1]، [4/ 26]، [4/ 306،6]، [4/ 346، ب9] [4/ 357،ب5]، [4/ 358،ب3]، [4/ 374،ب1]، [4/ 39،ب6]، [4/ 456،ب26]، [4/ 527،ب8] [4/ 545،ب2]، [4/ 556،ب13]، [4/ 575، ب33]، [4/ 581، ب7]، [4/ 69، ب24]، [4/ 8، ب2] (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 166ب34]، [4/ 27ب42]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 16ب25].

[3] وتارة يستخدم كلمة: ((والعادة))،أو ((لأن العادة)) (¬1)،أو ((جرت العادة)) (¬2). [4] وتارة يستخدم عبارة: ((وهذا كما نقول في الكلام)) (¬3). [5] وتارة يستخدم كلمة: ((تردد ذكر)) (¬4)، ((تردد الكلام)) (¬5). [6] وتارة يستخدم عبارة: ((والأكثر في كلامهم)) (¬6)، ((وكثر ذلك حتى قالوا)) (¬7). [7] وتارة يستخدم عبارة: ((ولم يزل القائل يستعير)) (¬8). [8] وتارة يستخدم لفظتا: ((معروف)) (¬9) ((وغير معروف)) (¬10). [9] وتارة يستخدم عبارة: ((ولم يذكروا)) (¬11). [10] وتارة يستخدم لفظة: ((الغالب)) (¬12) [11] وتارة يستخدم عبارة: ((ومن كلام العرب)) (¬13). [12] وتارة يستخدم عبارة: ((قليل في كلامهم)) (¬14). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 212]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 317ب4]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 348 ـ 349ب8]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 426ب9]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 90ب13س]. (¬6) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 476]. (¬7) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 427ب8]، [4/ 427ب12]. . (¬8) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 121ب3]. (¬9) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 161ب8]، [4/ 578ب47]. (¬10) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 569ب8]. (¬11) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 545ب1]. (¬12) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 425ب7]. (¬13) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 154ب2]. (¬14) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 347ب2].

[ب] أن التبريزي كان على وعي بالتطور الدلالي للألفاظ المستعملة، فهوعلى وعي بأن اللفظة كانت تستخدم في معنى معين في وقت من الأوقات ثم حدث لها تطور دلالي بعد ذلك، وفيما يلي أمثلة: ـ قال: ((.. أصل ((الوادي)) من قولهم: ((وَدَى)) إذا سال، ثم أهملوا هذه الكلمة؛ فلم يستعملوها إلا في ودى البائل)) (¬1). ـ وقال: ((.. أصل: ((الترشيح)) تربية الوحشية ولدها، وتعليمها إياه المشي؛ ثم يستعمل ذلك في كل شيء)) (¬2). ـ وقال: ((.. ((الخُوط)): الغصن، وجمعه: خيطان، وكثُر ذلك حتى قالوا: رجل خُوط؛ إذا كان شابا قويا)) (¬3). [ج] أن من المسموع عند التبريزي ما هورديء، والسبب قلة الاستعمال: ـ قال عند قول أبي تمام: قَد كِدتُ أَن أَنسى ظَماءَ جَوانِحي ... مِن بُعدِ شُقَّةِ مَورِدي عَن مَصدَري [بحر الكامل] ((والأشبه أن يكون مد ((الظماء))؛ لأنه تكرر في شعره ممدودا، وذلك رديء؛ لأنه قليل في المستعمل)) (¬4). ـ وقال: ((الإصاخة: إمالة الأذن للسمع، وقد حكيت بالسين، وهي رديئة)). وظيفة الاستعمال اللغوي عند التبريزي: (أ) الوظيفة الأولى: بيان الانحرافات الاستعمالية عند أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 184ب18]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 374ب18]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 427ب8]، وتُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتية: [3/ 287ب2]، [3/ 276ب25] (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 455ب26].

توافق علماء اللغة في عصرنا الحديث على أن النظام اللغوي ينقسم إلى مستويين: مستوى اللغة Language ، ويقصد به بنية اللغة الأساسية، أو ((هي النظام المرتَّب للكلام المستخدم من قِبَل البشر كوسيلة اتصال فيما بينهم)) (¬1). ومستوى الكلام Speech ، ويعني اللغة في حالة التفاعل الفعلي بها أو ((فعل أو حدث الكلام)) (¬2). وينقسم المستوى الثاني إلى قسمين آخرين ((أولهما: الاستخدام العادي للغة، وثانيهما: الاستخدام الأدبي لها، وهذا المستوى الثاني هو مجال البحث الأسلوبي باعتبار أن الفرق بين الاستخدام العادي للغة والاستخدام الأدبي لها يكمن في أن هناك انحرافا في المستوى الثاني عن النمط العادي)) (¬3). والانحراف ـ هنا ـ يعني ((الخروج على ما هو مألوف في الاستعمال اللغوي مما يشكل في النهاية ما يسمى الخاصية الأسلوبية)) (¬4). والمألوف من الاستعمال اللغوي هو المستوى المثالي أو العادي الذي أقامه النحاة واللغويون، وهو ((يعتمد النحوَ التقعيديَّ في تشكيل عناصره، كما يعتمد اللغة في تنسيق هذه العناصر. وثمرة الترابط بين ما يقول به النحاة وما يقول به اللغويون ظهورُ مثالية اللغة في استخدامها المألوف، وهي مثالية افتراضية أكثر منها تطبيقية واقعية)) (¬5). ¬

(¬1) 554 P. Language : THE NEW LEXICON WEBSTER S DICTIONARY (¬2) 954 P. Speech : THE NEW LEXICON WEBSTER S DICTIONARY (¬3) د. فتح الله أحمد سليمان: الأسلوبية، مدخل نظري ودراسة تطبيقية، ص 10، الدار الفنية، رى. (¬4) السابق: ص10 (¬5) د. محمد عبد المطلب: البلاغة والأسلوبية، ص 268، سلسلة أدبيات، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، ط1، 1994م

وقد جعل البلاغيون هذا المستوى ((الخلفية الوهمية وراء الصياغة الفنية، التي يمكن أن يقيسوا إليها عملية العدول في هذه الصياغة)) (¬1). والانحراف الأدبي الذي يتميز به النص الشعري بشكل عام على ضربين: ((الأول: انحراف بلاغي، يأتي من خارج النص (استعاري أو كنائي)، الثاني: انحراف دلالي، يأتي من داخل النص، إعادة شحن الدال بدلالة جديدة)) (¬2). وقد استخدم التبريزي الاستعمال اللغوي الثابت عنده وفي عصره كمعيار ينطلق منه لتوضيح الانحرافات التي كان يخرج أبوتمام بها بعيدا عن هذا الاستعمال، وأهم هذه المواضع التي استخدم فيها ((الاستعمال)) لبيان تلك الانحرافات التالي: قال عند قول أبي تمام: كُلُّ شَيءٍ غَثٌّ إِذا عادَ وَالمَعروفُ غَثٌّ ما كانَ غَيرَ مُعادِ [بحر الخفيف] ((.. أصل الغث من قولهم: ((لحم غث))؛ إذا لم يكن سمينًا، و ((حديث غث))؛ إذا لم يكن عليه طلاوة، فاستعار ((الغثاثة)) هاهنا في الأشياء كلها، وإنما المعروف أن يستعمل في الحديث)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: فَطَحطَحتُ سَدّاً سَدُّ ياجوجَ دونَهُ ... مِنَ الهَمِّ لَم يُفرَغ عَلى زُبرِهِ قِطرُ [بحر الطويل] ((وجمع ((زُبْرةً)) على ((زُبْر))، وذلك جمع غير معروف، وإنما يقال: ((زُبْرة وزُبَر))، وكذلك جاء القرآن)) (¬4). ـ وقال: ((الأَرْية واحدة الأرْي، وهوالعسل، وقلما تستعمل هذه الكلمة موحدة)) (¬5). ـ وقال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) السابق: ص 269 (¬2) عبد العزيز موافي: الرؤية والعبارة، مدخل إلى فهم الشعر، ص262 (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 366ب35]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 569ب8]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 235ب12].

فَكَّت أَكُفُّ المَوتِ غُلَّ قَصائِدي ... عَنهُ وَضَيغَمُها عَلَيهِ يَزيرُ [بحر الكامل] ((قوله ((يَزِير)) يقال: زأر الأسد، يزئر، ويزأَر، فقوله: ((يَزِيرُ)) على لغة من قال: يزئر، والمستعمل في كلام العرب أنهم إذا ألقوا حركة الهمزة على ما قبلها طرحوها من الكلمة، والقياس أن يقولوا إذا خففوا الهمزة يزئر: ((يَزِرُ))، وإذا خففوا من يزأر قالوا: ((يزَرُ)))) (¬1). ـ وقال: في صَدرِهِ مِن هُمومٍ يَعتَلِجنَ بِهِ ... وَساوِسٌ فُرَّكٌ لِلخُرَّدِ العُرُبِ [بحر البسيط] ((... ((الفُرَّك)): جمع ((فَرُوك))، من قولهم: ((فركت المرأة زوجها))؛ إذا أبغضته، وكأنه هاهنا مستعار موضوع في غير موضعه)) (¬2). ـ وقال: جَثَمَت طُيورُ المَوتِ في أَوكارِها ... فَتَرَكنَ طَيرَ العَقلِ غَيرَ جُثومِ [بحر الكامل] ((... طيور جمع طير، وطير جمع طائر، وقلما يقولون طيور، إلا أنه قد جاء، وربما استعملوا الطير في معنى الواحد)) (¬3). ـ وقال: وَلوعٍ بِسوءِ الظَّنِّ لا يَعرِفُ الوَفا ... يَبيتُ عَلى سَلمٍ وَيَغدوعَلى حَربِ [بحر الطويل] ((((ولوع)): بناه على وَلِعَ يَوْلَعُ، والمستعمل في الأكثر: ((أُولِع بالشيء)) و ((الرجل مولع))،ولكن ((ولع)) جائزة، ولا يقولون: ((الرجل وَلِع بكذا))؛ لأنهم استغنوا بالمولع، ولكن ولع جائزة)) (¬4). ـ وقال: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 358ب3]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 546ب3]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 266ب39]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 155ب2].

استَنبَتَ القَلبُ مِن لَوعاتِهِ شَجَرًا ... مِنَ الهُمومِ فَأَجنَتهُ الوَساويسا [بحر البسيط] ((وأكثر ما تستعمل العرب ((الوساويس)) بغير الياء، ويجوز أن يكون الطائي سمعه في الشعر القديم، أواجترأ على المجيء به لعلمه أن مثله كثير)) (¬1). ـ وقال: لَئِن كانَ أَمسى في عَقَرقُسَ أَجدَعا ... لَمِن قَبلُ ما أَمسى بِمَيمَذَ أَخرَما [بحر الطويل] ((((مَيمَذَ)) اسم أعجمي، وليس يوافق شيئا من أسماء العربية؛ لأن الممذ ليس بمستعمل؛ فيكون من باب كوكب، ولا ((اليَمَذُ)) بمعروف؛ فيجعل من باب ((مَفْعَل)))) (¬2). (ب) الوظيفة الثانية: رد بعض روايات الديوان أوترجيح عدم قولها: ـ قال عند قول أبي تمام: صَلَتانُ يَبسُطُ إِن رَدى أَوإِن عَدا ... في الأَرضِ باعًا مِنهُ لَيسَ بِضَيِّقِ [بحر الكامل] ((... وإن رواه راو ((صَلْتان)) ـ بسكون اللام ـ فهو ((فَعْلان)) من ((الصَّلْت))، والاشتقاق واحد، إلا أن ((فَعْلان)) من هذا غير معروف)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: يَنبوعُها خَضِلٌ وَحَليُ قَريضِها ... حَليُ الهَدِيِّ وَنَسجُها مَوضونُ [بحر الكامل] ((.. الينبوع: النهر الكثير الماء، وهو ((يَفْعُول)) من النبع، و ((الخضل)): الذي قد ابتل، ويجوز أن يكون الطائي لم يقله على هذا النظم؛ لأن الينبوع لا يحسن أن يوصف بـ ((خَضِل))، ولكن لوقال: ((غَدِق)) لكان أشبه؛ إذ كانوا يقولون: ((خضلَ ثوبُه))؛ إذا أصابه قطر فبله ..)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 255ب4]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 336 ـ 237ب19]، ولمزيد من المواضع في هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [1/ 443ب59]، [4/ 455ب26]، [2/ 16ب25]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 412ب13]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 330ب42].

(ج) الوظيفة الثالثة: استغلال الاستعمال اللغوي لبيان معنى البيت قيد الشرح، وما يحيط به من ظلال بلاغية: استغل التبريزي في بعض الأحيان ((الاستعمال اللغوي)) ليوضح بعض الجوانب الدلالية والبلاغية للبيت قيد الشرح، ومثال ذلك ما يلي: ـ قال أبوتمام يمدح خالد بن يزيد بن مَزْيَد الشيباني: جَعَلَ الدَّجى جَمَلًا وَوَدَّعَ راضِيًا ... بِالهونِ يَتَّخِذُ القُعودَ قَعودا [بحر الكامل] ((... والقعود: ما يقتعد من الإبل؛ أي: ما يركب، ولا يستعمل ذلك إلا فيما كان فتيَّ السن، قريب العهد بالركوب)) (¬1). والمتأمل في معنى البيت السابق يجد أن توضيح التبريزي لكيفية استعمال ((قَعُود)) أضاف معنى بلاغيا لطيفا إلى البيت، وهوشدة هوان من تركه الممدوح. ـ وقال عند قول أبي تمام: أَصغى إِلى البَينِ مُغتَرًّا فَلا جَرَما ... أَنَّ النَّوى أَسأَرَت في قَلبِهِ لَمَما [بحر البسيط] ((.. والناس يضعون ((لا جرم)) في موضع الشماتة واستحقاق المصاب للمصيبة؛ فيقولون: كان فلان رجل سوءٍ، لا جرم أن الله أهلكه)) (¬2). ـ وقال: نِعمَ الفَتى اِبنُ الأَعمَشِ الغَثُّ الذَّفِر ... لَولا الحِلاقُ وَالجُنونُ وَالبَخَر [بحر الرجز] ((.. ((الذفر)) بالذال المعجمة أوجه؛ لأنهم يستعملون ((الذفر)) في حدة الرائحة من طيبٍ أونتن، ويقولون: ((ذَفِرٌ))، ولا يستعملون ((دفر)) بالدال المعجمة إلا بسكون الفاء)) (¬3). ـ قال أبوتمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 411ب15]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 166ب1]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 374ب1].

5) العنصر الخامس من عناصر المنهج: الاهتمام الدلالي بالكلمة

إِلَيكَ وَيلُكَ عَمَّن كانَ مُمتَلِئًا ... وَيلًا عَلَيكَ وَوَيحًا غَيرَ مُنقَضِبِ [بحر البسيط] ((.. ((ويح)) كلمة تقال عند الترحم، وقيل: بل ((ويح)) قريبة من الويل، إلا أنها أقل جفاء منها، وقال بعضهم: ((ويح)) كلمة فيها استعتاب، يقال للرجل: ويحك، أما تفيق، ويحك، أما تصنع كذا؟!)) (¬1). ومن أمثلة ظلال المعاني، قال التبريزي عند قول أبي تمام: يا طالِبًا مَسعاتَهُم لِيَنالَها ... هَيهاتَ مِنكَ غُبارُ ذاكَ المَوكِبِ [بحر الكامل] ((أصل السعي المشيُ في الحاجة، ثم اخْتصت هذه الكلمة فجعلت المسعاة المكرمة التي يسعى لها، وأصل الكلمة أن تقع على الصغير والكبير ... ولكن الكلمة غلب عليها إرادة المدح، كما غلب على قولهم الساعي أن المراد به الذي يأخذ الصدقة من العرب)) (¬2). وقد يدخل التبريزي ـ من خلال الاستعمال اللغوي ـ في بعض الاستطرادات اللغوية البعيدة عن البيت وشرحه، ولكنها لا تخلومن فائدة للقارئ (¬3). ***** 5) العنصر الخامس من عناصر المنهج: الاهتمام الدلالي بالكلمة: من الأمور اللافتة للنظر أن التبريزي كان يهتم بدلالة الكلمة اهتماما شديدا ويتمثل هذا الاهتمام في: ـ الاهتمام بالأصل الدلالي للكلمة وتتبع التطور الدلالي لها: كان يهتم بالإبانة عن أصل الدلالي للكلمة، وكان هذا من مقتضيات شرح الديوان، وتوضيح معاني أبي تمام الذي كان كثير الاستعارات. ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 545 ـ 546ب2]، واستغل التبريزي الاستعمال في ضبط بنية الكلمة، يُنْظَرُ: [2/ 103ب11 رتك النعام]، [4/ 545ب1 نكب]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 98ـ 99]. (¬3) تُنْظَرُ أيضًا المواضع الآتية: [2/ 317، ب4]، [2/ 63، ب9]، [2/ 96، ب2]، [3/ 157، ب48]، [3/ 26، ب34]، [3/ 266، ب39]، [4/ 361، ب4].

كان التبريزي يوضح الأصل الدلالي للفظة، ثم يوضح ((الانتقالة الدلالية)) التي حدثت لها على يد أبي تمام أوعلى يد البيئة اللغوية. وكان تارة يعبر عن هذا الانتقال الدلالي باستخدامه للكلمات: ((وأصل ذلك في ...))، وكان تارة أخرى يعبر عن هذا الانتقال بمصطلح ((الاستعارة))، على أساس أن الاستعارة ((في الجملة أن يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي معروفٌ تدل الشواهد على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر أوغير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلا غير لازمٍ؛ فيكون هناك كالعارية)) (¬1). وفيما يلي أمثلة توضح تعبيره عن الانتقال الدلالي بمصطلح ((وأصل ذلك ..)): ـ قال أبوتمام: أَغَرُّ يَداهُ فُرصَتا كُلِّ طالِبٍ ... وَجَدواهُ وَقفٌ في سَبيلِ المَحامِدِ [بحر الطويل] ((.. ((الفرصة)): الشيء الذي يغتنمه الإنسان، وهولا يتفق له في كل وقت، وأصل ذلك في قسمة الماء، يقال: أخذوا فرصتهم من السقي؛ إذا أخذوا حظهم منه)) (¬2). ـ قال أبوتمام: مُتَهَلِّلا في الرَّوعِ مُنهَلًّا إِذا ... ما زَنَّدَ اللَّحِزُ الشَّحيحُ وَصَرَّدا [بحر الكامل] ((... و ((زند الرجل))؛ إذا ضيق على نفسه وبَخِل، وأصل ((التزنيد)) في حياء الناقة، يقال: زندها؛ إذا جمع حياءها بِزَنْد)) (¬3). ـ قال أبوتمام: مَذِلَت وَلَم تَكتُم جَفاءَكَ تَكْتُمُ ... إِنَّ الَّذي يَمِقُ المَذولَ لَمُغرَمُ [بحر الكامل] ¬

(¬1) عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 30، قرأه وعلق عليه: أبوفهر محمود محمد شاكر، مطبعة مدني. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 72ب13]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 104ب13].

((يقال: ((مَذِل بسره))؛ إذا أفشاه، ولم يحفظه .... وأصل ((المذل)) السخاء؛ أي: أنه يسخو بسره)) (¬1). ـ قال أبوتمام: هَدَمَت مَساعيهِ المَساعي وَابتَنَت ... خِطَطَ المَكارِمِ في عِراضِ الفَرقَدِ [بحر الكامل] ((أصل ((الخط)): ما كان كل واحد منهم يَخُط عليه؛ إذا أرادوا أن يعمروا موضعًا، وهوما يكفيه لداره، ثم صارت عبارة عن البناء)) (¬2). ـ قال أبوتمام: فَالرَّبعُ قَد عَزَّني عَلى جَلَدي ... ما مَحَّ مِن سَهلِهِ وَمِن جَلَدِه [بحر المنسرح] ((مح الربع: إذا خَلُقَ، وأصل ذلك في الثوب)) (¬3). ـ قال أبوتمام: سَأوطِئُ أَهلَ العَسكَرِ الآنَ عَسكَرًا ... مِنَ الذُلِّ مَحّاءً لِتِلكَ المَعالِمِ [بحر الطويل] ((.. ((العسكر)) موضوع اللغة فيه أنه الجماعة الذين يجتمعون للحرب، قصر على هذا الوجه، إلا أن يخرج منه على معنى الاستعارة ... وإنما أجاز الطائي أن يقول: ((أهل العسكر)) على سبيل الاتساع)) (¬4). ـ قال أبوتمام: مَضى ما كانَ قَبلُ مِنَ الدَّعارَه ... فَبانَ وَأُطفِئَت تِلكَ الحَرارَه [بحر الوافر] ((أصل ((الدعارة)): الفساد في العود والنخر، يقال: عودٌ دَعِرٌ كثيرُ الدخان، ومنه قالوا: رجلٌ داعِرٌ ودُعَر)) (¬5). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 214ب10]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 50ب23]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 428ب10]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 220ب3]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 367ب1].

ـ قال أبوتمام: ثُمَّ انصَرَفتُ إِلى نَفسي لِأَظأَرَها ... عَلى سِواكُم فَلَم تَهشَش إِلى أَحَدِ [بحر البسيط] ((.. يقال: ((ظأرتُ)) الرجل على الشيء؛ إذا عطفته عليه، وأصل ذلك: عطف الناقة على ولد غيرها، ثم استعير في جميع الأشياء)) (¬1). ـ قال أبوتمام: أَقبَلتَهُ فَخمَةً جَأواءَ لَستَ تَرى ... في نَظمِ فُرسانِها أَمتًا وَلا عِوَجا [بحر البسيط] ((((فخمة)): كتيبة كبيرة، وأصل الفخامة في بني آدم عظم الجسم، وكثرة اللحم)) (¬2). ـ قال أبوتمام: أَبَلِّهِمُ ريقًا وَكَفًّا لِسائِلٍ ... وَأَنضَرِهِم وَعدًا إِذا صَوَّحَ الوَعدُ [بحر الطويل] ((((صوح))؛ أي: يَبِسَ، ولم يكن له منفعة، أُخذ من ((تصويح الروض))، وهو يُبْسه والتواؤه)) (¬3). ـ قال أبوتمام: وَلَوتَراهُم وَإِيّانا وَمَوقِفَنا ... في مَأتَمِ البَينِ لِاِستِهلالِنا زَجَلُ [بحر البسيط] ((أصل ((المأتم)): النساء يجتمعن في فرح أوحزن، والمراد هنا معنى الحزن)) (¬4). ـ قال أبوتمام: لَمّا استَحَرَّ الوَداعُ المَحضُ وَانصَرَمَت ... أَواخِرُ الصَّبرِ إِلّا كاظِمًا وَجِما [بحر البسيط] ((((الكاظم)) الذى يكظم غيظه؛ أي يستُر عليه، وأصل الكظم: التضييق والخنق)) (¬5). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 337ب9]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 333ب19]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 91ب28]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 6ب6]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 167ب6].

ـ قال أبوتمام: ذوناظِرٍ حَدِبٍ وَسَمعٍ عائِرٍ ... نَحوالطَّريدِ الصارِخِ المَجهودِ [بحر الكامل] ((((عائر)) منتشر في كل جهة، وأصله من قولهم: ((فرسٌ عائر)) وهوالذي يذهب في الأرض كيف يشاء، يمينًا وشمالا، وخلفا وقداما)) (¬1). ـ قال أبوتمام: عَودٌ تُساجِلُهُ أَيّامُهُ فَبِها ... مِن مَسِّهِ وَبِهِ مِن مَسِّها جُلَبُ [بحر البسيط] ((.. ((الجُلَبُ)): جمع جُلْبَة، وهوالأثر في ظهر البعير وغيره من أثر حمل أونحوه، وأصل ذلك من قولهم: ((أجلبَ الجُرح وجلب)) إذا علته قشرة للبرء)) (¬2). ومن أمثلة التعبير عن الانتقال الدلالي بمصطلح ((الاستعارة)) ما يأتي، قال أبوتمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 145ب24]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 248ب28]، ولمزيد من الألفاظ التي ردها التبريزي لأصلها الدلالي تُنْظَرُ المواضع الآتية: [تخدد1/ 111، ب]، [اسحنكك1/ 120، ب32]، [السدك1/ 122]، [اللحي1/ 124]، [يفتق1/ 128]، [الورق1/ 181، ب10]، [اللقح1/ 191، ب38]، [البري1/ 222، ب13]، [جزع1/ 223 ـ 224، ب15]، [المرثعن1/ 279، ب10]، [المرتاد1/ 309، ب1]، [الممتاح1/ 309، ب2]، [السبائب1/ 317، ب19]، [نزع1/ 396، ب45]، [التثقيف1/ 397، ب49]، [علل السرى1/ 411، ب13]، [القود1/ 433، ب22]، [الأفد1/ 434، ب26]، [السلسال1/ 63، ب]، [الصيد1/ 89]، [السعي1/ 98]، [اللهام2/ 10، ب3]، [أنجم2/ 103 ـ 104، ب12]، [الدلح2/ 114، ب19]، [التجعد2/ 121، ب16]، [الكنود2/ 134، ب4]، [العشار2/ 164، ب57]، [الوغ2/ 17 ـ18، ب31]، [فصوص2/ 234، ب1]، [السواد2/ 250، ب7]، [الكفل2/ 251، ب28]، [الارتكاض2/ 288، ب3]، [المحرم2/ 300، ب26]، [العرامة2/ 355]، [الروادف2/ 379،ب12]، [الغريف2/ 39، ب28]، [العلوق2/ 446]، [العاتق2/ 453، ب9]، [التدرأ2/ 462، ب18]، [دحل3/ 139، ب38]، [جف القلم3/ 158، ب53]، [النئيم3/ 276، ب25]، [القرم3/ 280، ب8]، [الثعبان3/ 312، ب1]، [الفري3/ 359،ب40]، [ساور4/ 107، ب1]، [شذب4/ 116، ب19]، [الشقيق4/ 137، ب6]، [الدمى4/ 142، ب6]، [المنطق4/ 212، ب4]، [الدجال4/ 307، ب8]، [هياج4/ 328،ب1]، [العطف4/ 359، ب3]، [الرمة4/ 460، ب4]، [الفولف4/ 473، ب7]، [الركوب4/ 48،ب11]، [فضى4/ 554، ب10]، [تصدت4/ 567، ب1]، [أرأم4/ 571، ب17]، [شرع4/ 583].

قَرُبَ الحَيا وَانهَلَّ ذاكَ البارِقُ ... وَالحاجَةُ العُشَراءُ بَعدَكَ فارِقُ [بحر الكامل] ((.. استعار العشراء من النوق للحاجة التي قد دنا قضاؤها)) (¬1). ـ قال أبوتمام: فَتَصَلّى مُحَمَّدُ بنُ مُعاذٍ ... جَمرَةَ الحَربِ وَامتَرى الشُّؤبوبا [بحر الخفيف] ((((الشؤبوب)) سحابة دقيقة العرض، شديدة الوقع، ثم استعير ذلك في الحروب)) (¬2). ـ قال أبوتمام: لَهُ وَقعَةٌ كانَت سَدًى فَأَنَرتَها ... بِأُخرى وَخَيرُ النَّصرِ ما كانَ مُلحَما [بحر الطويل] ((((السدى)) ضد اللُّحمة، وهذا مستعار من: سدى الثوب ونيره ولحمته)) (¬3). ـ قال أبوتمام: أُقاتِلُ الهَمَّ بِإيجافِهِ ... فَإِنَّ حَربَ الهَمِّ حَربٌ ضَروس [بحر السريع] ((.. يقال: ((حرب ضروس))؛ استعير لها ذلك من الناقة السيئة الخلق، يقال: ((ضرست الناقة حالبها))؛ إذا عضته، وهي ضروس)) (¬4). ـ قال أبوتمام: وَتَحتَ ذاكَ قَضاءٌ حَزُّ شَفرَتِهِ ... كَما يَعَضُّ بِأَعلى الغارِبِ القَتَبُ [بحر البسيط] ((استعار حز الشفرة للقضاء، وقد استعملوا نحوا من ذلك في الشفرة، فقالوا في المثل: لم أجد لشفرتي مَحَزًّا)) (¬5). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 452ب1]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 169ب42]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 240ب26]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 277ب8]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 249ب32]، وقد أحصى البحث تسعة وثلاثين موضعا ـ غير ما سبق ذكر فيها التبريزي لفظ الاستعارة، وهي: [يطم 1/ 104]، [التلاع 1/ 164، ب27]، [اللفح 1/ 191، ب38]، [الكلكل1/ 224،ب17]، [استحقب1/ 239، ب1]، [لع1/ 296، ب2]، [العرين1/ 331، ب9]، [الخلف1/ 332، ب13]، [الإسناد1/ 363، ب23]، [عور الكلام1/ 363، ب25]، [الغث1/ 366، ب35]، [أرث1/ 378، ب39]، [1/ 420، ب40]، [العقد1/ 442 ـ443، ب60]، [المعروف1/ 442، ب57]، [الولوغ2/ 17 ـ 18، ب31]، [الوخد2/ 17، ب29]، [الكفر2/ 180، ب53]، [عتاق2/ 232، ب33]، [غازل2/ 280، ب18]، [جناح السمو2/ 288، ب6]، [النحيض2/ 289، ب9]، [اللجلجة2/ 291،ب16]، [الرعب2/ 368 ـ 369، ب31]، [الأخلاف2/ 457، ب3]، [أطرق2/ 68، ب2]، [الفيء3/ 140، ب50]، [مثعنجر3/ 155، ب30]، [الهدف3/ 197، ب19]، [الأديم3/ 198، ب21]، [العلوق3/ 274، ب16]، [مطر ضرب3/ 292، ب27]، [الخمس3/ 35، ب15]، [يجم الجد3/ 37، ب21]، [النار4/ 121، ب3]، [فرق4/ 393، ب2]، [الخلف4/ 396، ب18]، [البله4/ 398، ب25]، [اليد4/ 520، ب9]، [بعاع4/ 575، ب33]

ومن المواضع التي كان يتبع فيها التطور الدلالي للكلمة المواضع التالية: ـ قال عند قول أبي تمام: وَهَل يُبالي إِقضاضَ مَضجَعِهِ ... مَن راحَةُ المَكرُماتِ في تَعَبِه [بحر المنسرح] ((.. ((إقضاض مضجعه)) من قولهم: ((أقض مضجعه))، وأصل ذلك أن يكون فيه ((القضة))، وهي: الحصى، فيمنع المضطجع من النوم، ثم قيل لكل ساهر: قد أقض مضجعه عليه، ولوكان على فرش وطيء)) (¬1). ـ وقال: أَقَرمَ بَكرٍ تُباهي أَيُّها الحَفَضُ ... وَنَجمَها أَيُّهَذا الهالِكُ الحَرَضُ [بحر البسيط] ((... ويقال للجمل الذي يُحمل عليه متاع ((حَفَضُ)) ... ثم سموا المتاع حفضا)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: فَانهَض وَإِن خِلتَ الشِّتاءَ مُصَمِّمًا ... حَزنَ الخَليفَةِ جامِحًا في المِسحَلِ [بحر الكامل] ((.. أصل ((التصميم)) أن يُصِيب السيف غير مفصل؛ فيقطع، وإنما أخذ من صميم الشيء وهوخالصه وأشده، ومن ذلك قالوا للشدة صمة، ثم قيل لكل جاد في أمر مصمم)) (¬3). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 273ب28]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 283ب1]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 45ب47].

ومن الأمور التي أشار إليها اللغويون ـ وتعد سببا في التطور الدلالي للفظة ـ ((كثرة الاستعمال))، وكثرة دوران اللفظة في الحديث؛ فإننا ((نلاحظ أن معنى الكلمة يزيد تعرضا للتغير كلما زاد استعمالها، وكثر ورودها في نصوص مختلفة؛ لأن الذهن في الواقع يُوجَّه في كل مرة في اتجاهات جديدة، وذلك يوحي إليها بخلق معان جديدة؛ ومن هنا ينتج ما يسمى بـ ((التأقلم))، ويجب أن يفهم من هذا الاسم قدرة الكلمات على اتخاذ دلالات متنوعة؛ تبعا للاستعمالات المختلفة التي تستعمل فيها، وعلى البقاء في اللغة مع هذه الدلالات)) (¬1). وقد كان التبريزي ـ في أحيان كثيرة ـ يشير إلى التطور الدلالي للكلمة قيد الشرح، وينص صراحة على أن السبب هو ((كثرة الاستعمال)) مستخدما نفس المصطلح، وإليك الأمثلة: ـ قال أبوتمام: لَحظَ الأَسيرِ حَلَقاتِ كَبلِهِ ... حَتّى كَأَنّي جِئتُهُ بِعَزلِهِ [بحر الرجز] ((... أصل ((الأسر)) أن يشد الرجل بالقد، ثم كثر ذلك حتى سمي ((الأخيذ)) أسيرا، وإن لم يشدد بالقد)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: مَقاماتُنا وَقفٌ عَلى الحِلمِ وَالحِجى ... فَأَمرَدُنا كَهلٌ وَأَشيَبُنا حَبرُ [بحر الطويل] ((.. ((المقامات)) جمع مقامة، ولا يمتنع أن يكون جمع مقام، وأصل ذلك: الموضع الذي يقومُ فيه القائم لخطبة أوفصل أمر، ثم كثر ذلك حتى سموا العشيرة مقامة؛ لأنهم يُقامُ فيهم)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) د. رمضان عبد التواب: التطور اللغوي، مظاهره وعلله وقوانينه، ص 113. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 532ب16]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 573ب22].

لي مِن أَبي جَعفَرٍ آخِيَّةٌ سَبَبٌ ... إِن تَبقَ يُطلَب إِلى مَعروفِيَ السَّبَبُ [بحر البسيط] ((أصل ((الآخية)) أن يدفن حبل في التراب، ثم تخرج منه عروة؛ فيشد فيها الفرس ثم كثر ذلك حتى قالوا: ((لي عنده آخية))؛أي شيء أعتمد عليه من ود أوخدمة)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: شِدادَ الأَسرِ سالِمَةَ النَواحي ... مِنَ الإِقواءِ فيها وَالسِنادِ [بحر الوافر] ((أصل ((الأسر)) في شد الشيء بالقد؛ ولذلك سُمِّي الأسير أسيرا؛ لأنهم يربطونه بالقد، ثم كثر ذلك حتى قالوا: هو شديد الأسر؛ أي: الخلق)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: لَهُم سَلَفٌ سُمرُ العَوالي وَسامِرٌ ... وَفيهِم جَمالٌ لا يَغيضُ وَجامِلُ [بحر الطويل] ((.. ((السامر)): القوم الذين يتحدثون بالليل في القمر، وقيل: إن السمر ظل القمر، ثم كثر ذلك حتى سُمي الحديث في الليل سَمَرًا)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: سَلِسَ اللُّبانَةِ وَالرَّجاءِ بِبابِهِ ... كَثَبَ المُنى مُمتَدَّ ظِلِّ المَطلَبِ [بحر الكامل] ((... وكأن أصل ((اللبانة)) أن يطلب الرجلُ من الآخر لبنا، ثم كثر ذلك حتى سميت كل حاجة لبانة)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 243ب14]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 380ـ 381ب46]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 114ب6]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 102]، وقد جاء في معجم أساس البلاغة مادة لبن 844: ((لَبَنْت القومَ: سقيتهم اللبن))، والانتقال الدلالي للفظة لبانة من معنى ((طلب الرجل من الآخر لبنا)) إلى ((كل حاجة لبانة)) قد يبدو بعيدا، ولكن هذا قد يدخل ضمن ((تغير مجال الاستعمال الدلالي))، فمن الأمور التي شغل بها اللغويون أنفسهم تحديد مفهوم التغير الدلالي، وثمة تقسيمات عديدة في هذا الأمر منها ((التقسيم المنطقي القائم على وجود خمسة مظاهر: تعميم الدلالة وتخصيصها، ورقيها وانحطاطها، وتغير مجال الاستعمال))، ينظر: د. محمد حسن عبد العزيز: المعجم التاريخي للغة العربية، ص 387

ـ وقال عند قول أبي تمام: لَورَأَينا التَّوكيدَ خُطَّةَ عَجزٍ ... ما شَفَعنا الأذانَ بِالتَّثويبِ [بحر الخفيف] ((.. ((التثويب)): الدعاء الثاني، من قولهم: ((ثَوَّبَ الرجلُ بأصحابه؛ إذا دعاهم مرة بعد مرة، وأصله من ((يثوب))؛ إذا رجع، وقال قوم: أصل التثويب من الثوب ... ثم كثر ذلك حتى سُمي كل دعاء تثويبا)) (¬1). وكان التبريزي ينبه على استخدام المحدثين، وتطور اللغة عندهم: قال أبوتمام: فَأُقسِمُ لَوسَأَلتِ دُجاهُ عَنّي ... لَقَد أَنباكِ عَن وَجدٍ عَظيمِ [بحر الوافر] ((هكذا يروى على توحيد ((الدجى))، والمعروف أنها جمع ((دُجْية))، ولكن المحدثين يستعملونها في المعنى الواحد، وذلك جائز على معنى الجنس)) (¬2). وقد سبق أن ذكرنا أن ((مظاهر التطور الدلالي ثلاثة: تخصيص الدلالة، وتعميم الدلالة، وتغيير مجال استعمال الكلمة؛ أي: أن معنى الكلمة يحدث فيه تضييق أواتساع أوانتقال، فهناك تضييق عند الخروج من معنى عام إلى معنى خاص، وهناك اتساع في الحالة العكسية، أي عند الخروج من معنى خاص إلى معنى عام ... وهناك انتقال عندما يتعادل المعنيان، أوإذا كانا لا يختلفان من جهة العموم والخصوص، كما في حالة انتقال الكلمة من المحل إلى الحال، أومن السبب إلى المسبب، أومن العلامة الدالة إلى الشيء المدلول عليه ... ولسنا في حاجة إلى القول بأن الاتساع والتضييق ينشآن من الانتقال في الأغلب الأحيان، وأن انتقال المعنى ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 126ب38]. وتوجد خمسة مواضع أخرى ـ غير المواضع السابقة ـ ذكر فيها التبريزي مصطلح ((الكثرة))، وهي: [الفند1/ 440، ب52]، [الغانية1/ 408، ب8]، [الشأو1/ 183]، [اليمن4/ 140، ب5]، [الإشواء4/ 40، ب1]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 161ب8].

يتضمن طرائق شتى، يطلق عليها النحاة أسماء اصطلاحية، ومن هذه الأسماء الاصطلاحية: المجاز المرسل والاستعارة وغير ذلك)) (¬1). وكان التبريزي على وعي بمظاهر التطور الدلالي هذه؛ فنجد عنده ((النقل الدلالي)) باستخدام لفظ ((نقل)): ـ قال عند قول أبي تمام: بِكَ عادَ النِّضالُ دونَ المَساعي ... وَاهتَدَينَ النِّبالُ لِلأَغراضِ [بحر الخفيف] ((... أصل ((النضال)) في الرمي ... ثم نقل ذلك إلى الحرب والتفاخر)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: نَأَت بِهِ الدارُ عَن أَقارِبِهِ ... فَأُلقِيَ الحَبلُ فَوقَ غارِبِهِ [بحر المنسرح] ((يقال في المثل: ((ألقى حَبْلَه على غاربه))؛ إذا ترك يفعل ما يشاء ويذهب حيث أراد، وأصل ذلك في البعير، يجعل الحبلُ على غاربه، ويُخَلَّى في الرعي، ثم نقل ذلك إلى الآدميين)) (¬3). _ وقال عند قول أبي تمام: فَلَمّا تَراءَت عَفاريتُهُ ... سَنا كَوكَبٍ جاهِلِيِّ السَّناءِ [بحر المتقارب] ((.. ((عفاريت)): جمع ((عفريت))، وهوالخبيث المنكر، وأصله أن يستعمل في الجن، ثم نقل إلى الإنس)) (¬4). ـ وقال عند قول أبي تمام: تَجِد صِلًّا تَخالُ بِكُلِّ عُضو ... لَهُ مِن شِدَّةِ الحَرَكاتِ قَلبا [بحر الوافر] ((أصل ((الصل)) في الحية الذكر، ثم نقل إلى وصف الرجل على معنى المدح)) (¬5). ¬

(¬1) التطور اللغوي: ص 114 ـ 115. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 313ب17]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 151ب1]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 17ب19]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 303ب4].

ـ وقال عند قول أبي تمام: مِنَ القِلاصِ اللَّواتي في حَقائِبِها ... بِضاعَةٌ غَيرُ مُزجاةٍ مِنَ الكَلِمِ [بحر البسيط] ((... أصل ((الإزجاء)): السوق، يقال: ((أزجيت الناقة))؛ إذا سقتها، و ((فلان يزجي مطيته ويزجيها))؛ وكأن ذلك يكون بعد كلالها وإعيائها، ثم نقل ذلك إلى البضائع؛ فقيل: ((بضاعة مزجاة)) ...)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: وَوَفَيتُ إِنَّ مِنَ الوَفاءِ تِجارَةً ... وَشَكَرتُ إِنَّ الشُكرَ حَرثٌ مُطعِمُ [بحر الكامل] ((... أصل ((الحرث)): العمل في الأرض للزراعة، ثم سمي ((الكسب)) حرثا، وكذلك الزرع)) (¬2). ونلمح عند التبريزي ما يفيد بأن الدلالة يمكن أن ((تُخَصَّصَ))؛ أي يتم معها ((تضييق المعنى))، وأنه كان على وعي بذلك: ـ وقال عند قول أبي تمام: لَهُم نَسَبٌ كَالفَجرِ ما فيهِ مَسلَكٌ ... خَفِيٌّ وَلا وادٍ عَنودٌ وَلا شِعبُ [بحر الطويل] ((... أصل ((الوادي)) من قولهم: ((وَدَى))؛ إذا سال؛ ثم أهملوا هذه الكلمة؛ فلم يستعملوها إلا في ((ودى البائل)) ..)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 186ب12]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 202ب60]، ولمزيد من المواضع في هذه الجزئية تُنْظَرُ المواضع الآتية: [السدى1/ 234ـ 235]، [الوغى1/ 59]، [ينع2/ 347ب19]، [عين1/ 323ب3]. وقد يكون من قبيل النقل الدلالي قول التبريزي: ((... وهومن قولهم ....))، و ((... وهومأخوذ من ...)). يُنْظَرُ [1/ 375ب23،ب30]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 184ب18].

لِيَهنِئ تَنوخًا أَنَّهُم خَيرُ أُسرَةٍ ... إِذا أُحصِيَت أولى البُيوتِ وَعُدَّتِ [بحر الطويل] ((أصل ((البيت)): ما بني من مدر أوشعر أوأدم، وهذا اسم عام، ثم قالوا: ((فلان من أهل بيت))؛ يريدون به الشرف؛ فهذا تخصيص وقع بلفظ العموم، كما يقال: فلان إنسان؛ يريدون به المدح، وقد علم أن بني آدم كلهم يقع عليهم هذا الاسم)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: نُبُوالمَقيلِ بِهِ وَالمَبيتِ أَقعَصَهُ وَاختِلافُ الهَواءِ [بحر المتقارب] ((... ((المقيل)): الموضع الذي يقيل فيه الإنسان؛ أي: ينام في وقت الهاجرة، وسمي ما شرب في ذلك ((قَيْلا))، وكان أصل ((القيل)): الإقامة في الموضع ثم خُصَّ به شيء دون شيء ...)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: وَلَوعَضَلتَ عَنِ الأَكفاءِ أَيِّمَها ... وَلَم يَكُن لَكَ في أَطهارِها أَرَبُ كانَت بَناتِ نُصَيبٍ حينَ ضَنَّ بِها ... عَنِ المَوالي وَلَم تَحفِل بِها العَرَبُ [بحر البسيط] ((... ((الأيم)) التي لا زوج لها، ويقال: ((تأيم الرجل))؛ إذا لم يتزوج، وقد كثر استعمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته، وفي المرأة إذا مات زوجها، والشعر القديم يدل على أن ذلك بالموت، وبترك التزويج من غير موت)) (¬3). ونلمح عنده من النصوص ما يفيد فهمه ووعيه بـ ((تعميم الدلالة)): ـ وقال عند قول أبي تمام: بيضٌ وَسُمرٌ إِذا ما غَمرَةٌ زَخَرَت ... لِلمَوتِ خُضتَ بِها الأَرواحَ وَالمُهَجا [بحر البسيط] ((.. أصل ((الغمرة)) في الماء الكثير، ثم استعملت لكل أمر شديد)) (¬4). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 307ب38]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 20ب27]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 253ب42]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 334ب21].

ـ ((.. ((الدجية)) الظلمة، وقال قوم: لا يقال ((دجية)) إلا لليل مع غيم، فأما المحدثون فيعبرون بالدجى عن الليل، ولا يفرقون بين المقمر وغيره)) (¬1). ـ وقال عند قول أبي تمام: مَنَعتَ إِلّا مِنَ الأَكفاءِ ناكِحَها ... وَكانَ مِنكَ عَلَيها العَطفُ وَالحَدَبُ [بحر البسيط] ((يقال: ((حَدِبَ الرجلُ على ولده أوجاره، يحدب حَدَبًا))؛ إذا أشفق عليه وعطف، وأصل ذلك أن المرأة إذا أشفقت على ولدها حَنَتْ ظهرها مكبة عليها؛ فكأنها أصابها الحدب)) (¬2). ـ وقال عند قول أبي تمام: فَإِن تَكُ أَحيانًا شَديدَ شَكيمَةٍ ... فَإِنَّكَ تَمحوها بِما فيكَ مِن شَكمِ [بحر الطويل] ((... أصل ((الشكيمة)): حديدة اللجام التي تُجْعل في فم الفرس؛ فيقال: ((يلوك الشكيمة))، ثم اتسع في ذلك؛ فقيل: فلان شديد الشكيمة؛ إذا كان شديد النفس)) (¬3). ـ وقال عند قول أبي تمام: بِغُربَةٍ كَاغتِرابِ الجودِ إِن بَرَقَت ... بِأَوبَةٍ وَدَقَت بِالخُلفِ وَالكَذِبِ [بحر البسيط] ((((الودق)):دنوالسحاب من الأرض، ثم سُمِّي الغيث ((ودقًا))،على معنى الاتساع)) (¬4). ـ وقال عند قول أبي تمام: كَيوسُفَ لَمّا أَن رَأى أَمرَ رَبِّهِ ... وَقَد هَمَّ أَن يَعرَورِيَ الذَّنبَ أَحجَما [بحر الطويل] ((... ((يعرورى)) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون من ((عروت الأمر))؛ إذا أتيته، والآخر: أن يكون من قولهم: ((اعروريتُ الدابة))؛ إذا ركبتها عُريا، إلا أن هذه الكلمة وقع فيها اتساع، فقالوا: ((اعرورى المفازة))؛ إذا ركبها)) (¬5). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 54]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 253ب40]. (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 496ب17]. (¬4) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 550ب23]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [3/ 240ب31]، ولمزيد من المواضع ة تُنْظَرُ المواضع الآتية: [2/ 430]، [1/ 406]، [1/ 94]، [1/ 374ب18]، [3/ 319،320ب22]، [1/ 426].

ويدخل في جزئية تتبع التطور الدلالي عند التبريزي اهتمامه بتوضيح أصل الكلمة غير العربي: قال أبوتمام: أَرى أَلِفاتٍ قَد كُتِبنَ عَلى راسي ... بِأَقلامِ شَيبٍ في مَهارِقِ أَنقاسِ [بحر الطويل] ((((المهارق)): جمع ((مُهْرق))، وهوالقرطاس، وأصله فارسي معرب، وقد تكلموا به قديما)) (¬1). وقد سبق في موضع متقدم من هذا البحث تعليل اهتمام أبي العلاء بتتبع التطور الدلالي للألفاظ، وهو نفس التعليل الذي يمكن أن يقال عن اهتمام التبريزي لهذا التطور الدلالي. ولعل في تتبع كل من أبي العلاء والتبريزي للتطور الدلالي للكلمة تنبيه يجب أن يهتم به كل من يتصدى لشرح النصوص القديمة. وقبل أن نترك هذا المقام نحب أن نقول: إن عدد الألفاظ التي ذكر التبريزي لها أصلا دلاليا في شرحه لديوان أبي تمام وشروحاته الأخرى يصلح أن يكون لبنة متواضعة من لبنات المعجم التاريخي الذي يسعى مجمع اللغة لإنجازه، هذا المعجم الذي ((سيحدث ثورة في الدراسات التاريخية واللغوية، وسيكشف للباحثين عن كنوز مدفونة وعن معارف لم تكن متاحة من قبل)) (¬2) (¬3). ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 597ب1]. (¬2) د. محمد حسن عبد العزيز: المعجم التاريخي للغة العربية وثائق ونماذج، ص 42، دار السلام للطباعة والنشر، ط1، 2008م، القاهرة (¬3) وقبل أن نترك هذا المقان أيضا نحب أن نعرض بعض القضايا الدلالية التي أثارها التبريزي في شرحه وهي كالتالي:

¬

[1] التعميم الدلالي: أشار التبريزي في مواضع عديدة من شرحه إلى بعض ((التعميمات الدلالية))، فهو لا يفتأ يذكر ذلك، إذا سنحت الفرصة لهذا، وفيما يلي أمثلة على هذه التعميمات: ـ قال: ((أصل ((الفُرَّاط)): القوم الذين يتقدمون ((الوُرَّاد))، وكل متقدم فارط)) [1/ 275ب38]. وقال: ((العُرضة: كل شيء جعلته وقاية للشيء)) [3/ 253ب23]. وقال: ((والعرب تسمي كل عود لين خيزرانًا)) [3/ 396ب11]. وقال: ((((الخبل)): فساد الأعضاء، ثم يستعار ذلك في كل فساد)) [3/ 227ب29].وقال: ((.. كيماء كل شيء: جوهره)) [3/ 254ب28]. وقال: ((سرعان كل شيء: أوله)) [3/ 235ب14].وقال: ((كل شيء بلغت مشقته، وأخذ بصعوبة، فهومجهود)) [2/ 53ب37]. وقال: ((ريعان كل شيء أوله)) [4/ 530ب3]. وقال: ((ويقال للذي ينقش الدينار واشٍ، وكذلك لكل ناقش شيئا)) [1/ 25ـ 26]. وقال: ((كل صوت منخفض فهو وسوسة ووسوس)) [4/ 546ب3]، [2/ 245ب8].وقال: ((أصل ((الفرس)) دق العنق، ثم جعل كل قتلٍ فَرْسًا)) [2/ 241ب18].وقال: ((((السكن)) يقع على المذكر والمؤنث؛ لأنه يجري مجرى المصادر، وإن وقع على جمعٍ فجائز، وفي الكتاب العزيز: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل:80]، وكل ما سُكِنَ إليه يجوز أن يقال له ذلك)) [4/ 211ب1]. وقال: ((وقد يجوز أن يسمي كل ما يلبس لَبُوسًا)) [4/ 23ب31].وقال: ((قيل لكل من نهض بشيء قد استقل به)) [3/ 287ب2]. وقال: ((بيضة كل شيء معظمه)) [1/ 246ب23]. وقال: ((كل كثير عندهم خضرم)) [1/ 392ب27]. ولقد أشار البحث في موضع سابق إلى أن هذه التعميمات الدلالية قد تحمل في باطنها ما يعرف عند علماء الدلالة بـ ((نظرية التحليل التكويني)). وقد تكون هذه التعميمات طريقا يمكن أن نسلكها لمواجهة طوفان الألفاظ الأجنبية التي تدخل لغتنا كل يوم، وتساعدنا على وضع مسميات عربية لها. [2] أمن اللبس: اهتم التبريزي بوضوح المعنى اهتمامًا بالغا، وتجلى هذا الاهتمام في اهتمامه بـ ((أمن اللبس)). وقد استغل التبريزي هذا المصطلح كقرينة لتوضيح وجود خلل في بيت أبي تمام التالي: لازالَ جودُكَ يَخشى صَولَتَهُ ... وَزالَ عودُكَ تَسقي رَوضَهُ الدِيَمُ [بحر البسيط] ((.. إذا صحت هذه الرواية فقد حذف ((لا)) في قوله: ((وَزالَ عودُكَ))؛ لأنه أراد ((ولا زال عودك))، وحذفها في هذا الموضع قليل، وإنما كثر في القسم، كما جاء في الآية: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ

¬

تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85]؛ أي: ((لا تفتأ))، ومثله كثير، فأما في مثل بيت الطائي فحذفها مفقود؛ لأنه يؤدي إلى اللبس)) [3/ 247ب2]، ويُنْظَرُ أيضًا الموضع الآتي: [2/ 57ـ58ب46]. وقد أشار التبريزي إلى أن اللغة قد توظف بعض الوسائل لتفادي هذا ((اللبس))، منها ((المبادلة بين الواو والياء)) قال أبوتمام: راحٌ إِذا ما الراحُ كُنَّ مَطِيَّها ... كانَت مَطايا الشَوقِ في الأَحشاءِ [بحر الكامل] ((... الراح الأولى الخمر، وهي من ذوات الياء، لقولهم: ((رِياح)) في معنى ((راح))، ومنها اشتقاق ((الأريحيّ والأريحية)) ... وكأنهم إذا استعملوا الشيء بالواووالياء؛ فرقوا بإبدال إحداهما من الأخرى؛ ليكون ذلك أقل للبس؛ لأنهم لو قالوا: ((رجل أروحي))؛ لالتبس بالنسب إلى أروح، إذا قلت: ((هذا أروح من هذا، وهذا ظليم أروح))؛ فيؤثرون الفرق في كثير من الكلام؛ إذا وجدوا سبيلا إليه)).يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 27ـ 28ب9] وتُنْظَرُ أيضا المواضع الآتية: [4/ 155ب2]، [1/ 166ب34]، [2/ 19ب40]. [3] طرائق متنوعة في تسمية الأشياء: ذكر التبريزي ـ في معرض شرحه للديوان ـ بعض طرق لتسمية الأشياء، لعل من المفيد إثباتها هنا: (أ) تسمية الشيء باسم ما جاوره: ((... ((الثغب)) ـ بتحريك الغين وتسكينها ـ مثل الغدير، وقد ذكر في الأضداد؛ لأن الماء نفسه يسمى ((ثَغَبًا))، والموضع الذي هوفيه يقال له: ((ثغب))؛ وليس هذا من التضاد، وإنما من تسمية الشيء باسم ما جاوره)) [2/ 71ب10]. ((... ((الهواء)) المكان الخالي، والناس يعبرون به عن النسيم والريح والحر والبرد، وإنما يُعنى به الأشياء التي تحدث في الهواء، أي ما بين السماء والأرض، وذلك شائع في كثير من الكلام، يسمى الشيء باسم ما ضُمِّنَه وقَرُبَ منه)) [4/ 20ب27]. (ب) وصف الشيء بحالته الأولى: ((... ((العَصِيم)) بقية عَرق الإبل إذا جف، ويجوز أن يعني به هاهنا ((العرق)) وإن لم يجف؛ لأن الشيء قد يوصف بحالته الأولى بعد انتقاله إلى الحالة الثانية، فإذا رأيت رجلا كهلا أوشيخًا تعرفه وليدًا؛ فجائز أن تقول: ((هذا الطفل الذي رأيته يوم كذا))،وهوفي تلك الحال مُسِن كبير)).يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 534ب7]، ويُنْظَرُ أيضًا ـ في نفس هذه الجزئية ـ الموضعان الآتيان: [ابن الغزال1/ 427ب8]، [الطائر2/ 357ب28]، [3/ 358] (ج) تسمية الشيء باسم بعضه، وتسمية البعض باسم الشيء:

¬

((... ولا يمتنع أن يسمى الشجر باسم الثمر، والثمر باسم الشجر، كما يقال زيتون وتين؛ فيقع ذلك على الثمر والشجر)) [4/ 472ب6]. (د) أخذ الشيء اسم الشيء للتشابه في الشكل: ((... وأصل ((السلسال)) الماء الصافي السهل الدخول في الحلق، ويجب أن يكون أصله من الماء الذي يجري مستطيلا على وجه الأرض، كأنه مأخوذ من سلسة البرق، وسلسلة الحديد)) [1/ 63ب47]، ويُنْظَرُ أيضًا: [3/ 47ب1]. (هـ) استعارة اسم لآخر إذا كانا متقاربين: ((... ((البشرة)) باطن الجلد في القول الغالب، والأدمة ظاهره، وقال قوم: ((البشرة)) لما ظهر، وهذان القولان متقاربان؛ لأنه يجوز أن يستعار أحد الاسمين للآخر من أجل المقاربة)) [3/ 198ب21]. (و) التسمية بالمصدر: ـ قال: ((... ((الضفر)): فتلٌ ليس يبلغ في القوة ((المغار))، ويسمى الحبل المضفور ((ضَفْرًا))، سموه بالمصدر)) [1/ 332ب14]. ـ وقال: ((. ((صِيان الشيء وصوانه)): ما صين به، وهومن ذوات الواو، وإنما قلبت ياء في ((صيان))؛ لانكسار ما قبلها، وكأن الصيان في الحقيقة مصدر سُمِّي به الشيء)) [3/ 294ب1]. ـ وقال: ((... سموا الدية ((عقلا))؛ لأنهم كانوا يؤدونها من الإبل؛ فيعلقونها عند بيت القتيل، أوبفناء القوم الذين يقبلون الدية، ثم سمي الشيء باسم المصدر)) [3/ 292ب25]. [4] التنبيه على الألفاظ الحادثة في الإسلام والمولدة والمهملة والمفقودة في السماع: يقر التبريزي في ثنايا شرحه بوجود ألفاظ حادثة في الإسلام، وأخرى مولدة، وأخرى مهملة وأخرى مفقودة من المسموع اللغوي: ـ قال عند قول أبي تمام: ((يقال للمدينة التي حولها قرى وضياع ((كورة))، وهي كلمة مستعملة في الإسلام، ويجب ألا يكون اسمها عربيا)) [4/ 346ب9]. ـ وقال عند قول أبي تمام: حَمراءُ في صُفرَةٍ عُلَّت بِغالِيَةٍ ... كَأَنَّما قُطِفَت مِن خَدِّ مُهديها [بحر البسيط] ((قوله ((عُلَّت بِغالِيَةٍ)):الغالية ضرب من الطيب، ويقال: إن هذا الاسم حَدَث في الإسلام)) [4/ 288ب2].

¬

ـ وقال عند قول أبي تمام: ((... ((مُنْجَمِش)) [منفعل]، من ((التجميش))، وبعضُ أهل اللغة يزعم أن التجميش كلمة مولدة، وقال بعضهم: ((الجمش)) قرص خفيف، والمستعمل ((جَمَّشْتُه)) بالتشديد)) [4/ 225ب1]. ـ وقال عند قول أبي تمام: رَضوى وَقُدسَ وَيَذبُلاً وَعَمايَةً ... وَيَرمرَماً وَمُتالِعاً وَمُواسِلا [بحر الكامل] ((قد تردد ذكر هذه الجبال في شعر الطائي، إلا ((يرمرمًا))، فلم يذكره قبل ذكره في هذا البيت، وإذا حُمِل هذا الاسم على موجب الاشتقاق؛ فهومن اليرم؛ بني على ((فَعَلْعَل))، و ((اليرم)) كلمة ((مهملة))، ويجوز أن تكون فيما فقد من المسموع)) [4/ 117ب21]. [5] قبول استخدام المحدثين للغة: قال أبوتمام: فَأُقسِمُ لَوسَأَلتِ دُجاهُ عَنّي ... لَقَد أَنباكِ عَن وَجدٍ عَظيمِ [بحر الوافر] ((هكذا يروى على توحيد ((الدجى))، والمعروف أنها جمع دجية، ولكن المحدثين يستعملونها في معنى الواحد، وذلك جائز على معنى الجنس، كما قال: ((مثل الفراخ نُتِفت حواصله))، فأما القياس فهوالجمع)) [3/ 161ب8]. [6] التدرج الدلالي: أشار التبريزي إلى بعض الألفاظ التي تشير إلى تدرج دلالي بتغير حروف فيها: ((... ((شوازب)): ضوامر، ((الشواسب)) ـ بالسين ـ أشد ضمرًا من الشوازب، ثم ((الشواسف)) أشد منها)) [4/ 16ب17]. [7] الترادف: يقف التبريزي من الترادف موقفًا كالذي يقفه بعض المحدثين من علماء اللغة، فنحن لا نجد التبريزي يتخذ موقفا صارما منه، سواء بالإنكار أوالتأييد، بل نجد عنده ما يسمى بـ ((الترادف الكامل Perfect Synonymy)) [وهوتطابق اللفظين تمام المطابقة، يُنْظَرُ: د. أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص 220 عالم الكتب ط 5، 1998]،أو ((التماثل Sameness)) ، ونجد أيضا عنده ما يسمى بـ ((شبه الترادف Quasi Synonymy)) أو ((التقارب Contiguity)) [وذلك حين يتقارب اللفظان تقاربا شديدا؛ لدرجة يصعب معها ـ بالنسبة لغير المتخصص ـ التفريق بينهما. . يُنْظَرُ: د. أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص 220ـ 221] وأمثلة الترادف الكامل، قال عند قول أبي تمام:

6) العنصر السادس من عناصر المنهج: الحرص على ذكر غرض القصيدة وسبب قولها قبل الشروع في شرحها

6) العنصر السادس من عناصر المنهج: الحرص على ذكر غرض القصيدة وسبب قولها قبل الشروع في شرحها: كان التبريزي حريصًا على ذكر غرض القصيدة قبل البدء في شرحها، فكانت عادته أن يذكر غرض القصيدة من مدح، أورثاء، أوهجاء. وهذا النص ـ أوالذكر ـ لغرض القصيدة من الأهمية بمكان، فهو من الأدوات الرئيسية لفهم القصيدة، وقد أشار إلى هذا بعض النقاد المعاصرين فقالوا: ((... [إن] غياب الموضوع عن القصيدة هوـ فيما يبدوـ أبرز الأسباب التي تتسبب في غياب الدلالة عنها؛ إذ إن وضوح الموضوع (أوالغرض) الذي تتحدث عنه القصيدة هوالشفرة الرئيسية لتتبع المسارات الدلالية، وإن زرعت ببعض المتاريس التعبيرية التي تعوق مهمة القراءة والفهم. وعلى امتداد مسيرة الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وحتى زمن الحداثة الشعرية العربية المعاصرة، كان الموضوع أوالغرض الشعري حاضرا في القصيدة جنبا إلى جنب مع شكلها، وكان حضورا واضحًا متحددًا في ذاته من ناحية، ¬

صَرِّد وَنَكِّد وَزَنِّد أَنتَ مَعذورُ ... أُسدُ الشَرى لَيسَ تُنميها الخَنازيرُ [بحر البسيط] ((... التزنيد، والتنكيد، والتصريد: قطع الشرب)) [4/ 372ب1]. ـ وقال عند قول أبي تمام: يا مَوتُ حَسبُكَ إِذ أَقصَدتَ مُهجَتَهُ ... أَولا فَدونَكَ لا حَسَبٌ وَلابَجَلُ [بحر البسيط] ((.. الكلمتان (حسب ـ بجل) في معنى واحد، وكررهما لاختلاف اللفظين)) [4/ 124ب12]. وقال: ((الشك والريب واحد)) [1/ 41]. ومن أمثلة شبه الترادف: قال: ((العزاء والصبر والتسلي والقناعة متقاربة في المعنى)) [4/ 394ب9]. وقال: ((و ((السدى)) و ((الندى)) متقاربان، وربما فرق أصحاب النقل بينهما، وقال بعضهم: ((الندى ما لم يكن فوق الأرض))، و ((السدى: ما وقع على التراب)) [1/ 234ب3]. [8] التعليل الدلالي: كان التبريزي في مواضع كثيرة يعلل لتسمية الأشياء، ولماذا سميت بأسمائها. ـ ((يقال: ((سنة عارمة))؛ أي: شديدة، وقيل: إنما سميت عارمة من قولهم: ((عَرَمْت العظم))؛ إذا عرقت ما عليه من اللحم)) [2/ 74ب27].

وحضورا يشكل سياقا تُفْهم أفكار القصيدة ومعانيها في ضوئه من ناحية أخرى؛ أي أن الحضور الموضوعي في القصيدة كان ينهض بوظيفتين مزدوجتين: إحداهما ذاتية، هي وضوح الفكرة العامة للقصيدة، والأخرى سياقية هي تحديد مفردات المعنى الشعري. ونستطيع القول ـ بعبارة أخرى ـ إن هذا الحضور الموضوعي يعني ـ في أحد وجوهه ـ ملمحًا من ملامح تماسك النص، وتماسك عناصره اللغوية والدلالية؛ أي يعني وضوحه، أوإن هذا التماسك أحد مؤشرات وضوحه وأسبابه في الوقت نفسه)) (¬1). ولقد اعتبر د. تمام حسان ذكر الظروف التي قيلت فيها القصيدة من القرائن الخارجية التي تعين على فهم النص، وعدم الوقوع في ((لبس)) عند فهمه، فقال عند سرده لأنواع القرائن: ((... القرائن الخارجية، وهي ما يسمونه context of situation ، أوالظروف التي صاحبت إنتاج النص، ومنها أسباب نزول الآيات القرآنية، وذكر الظروف التي قيلت من أجلها الخطبة أوالقصيدة)) (¬2). وقد استعان التبريزي بالغرض الشعري في بعض المواضع لتفسير بعض أبيات أبي تمام، واستخدامه كقرينة لتوضيح المعنى، ومنها: [1] قال أبوتمام يمدح أبا المغيث الرافقي، ويعتذر إليه: سَأَجهَدُ عَزمي وَالمَطايا فَإِنَّني ... أَرى العَفولا يُمتاحُ إِلّا مِنَ الجَهدِ [بحر الطويل] ((((العفو)): السير السهل، ويجوز أن يكون من ((العفو)) في معنى الكثير وقد علم أن الطائي يعتذر في هذه القصيدة؛ فيجوز أن يريد بـ ((العفو)) غفران الذنب س)) (¬3). [2] قال أبوتمام يهجوعَياشَ بن لَهِيعة بعد موته: فيمَن يَشُنُّ الشِّعرُ غاراتِهِ ... بَعدَكَ أَوأَمثالَهُ السائِرَه [بحر السريع] ¬

(¬1) د. عبد الرحمن محمد القعود: الإبهام في شعر الحداثة، ص 177ـ 178 [سلسلة عالم المعرفة ع 279، مارس 2002، الكويت]. (¬2) مقال: اللغة والنقد الأدبي، د. تمام حسان، مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، المجلد الرابع، العدد الأول، 1983 بعنوان: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، ص 127 (¬3) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [2/ 112ب11].

7) العنصر السابع من عناصر المنهج: الحرص على ذكر بحر ووزن القصيدة ولقب القافية

((... هذا البيت يشهد للمذموم بأنه كان رئيسًا؛ لأن الطائي جعله أهلا للهجاء، وليس المدح، وليس المدح بأدل على الرياسة من الهجو؛ لأن صاحب ذلك لا يكون إلا ذا شرف وموضع)) (¬1). ***** 7) العنصر السابع من عناصر المنهج: الحرص على ذكر بحر ووزن القصيدة ولقب القافية: حرص التبريزي على ذكر بحر القصيدة ولقب قافيتها (¬2). وذكر الوزن في بداية القصيدة له أهميته، فقد يكون الوزن مرتبطا بمعنى القصيدة، فـ ((الوزن ليس عنصرا مستقلا عن القصيدة، يضاف إلى محتواها من الخارج، لكنه جزء لا ينفصل من سياق المعنى)) (¬3)، و ((التفاعل الحادث بين الوزن والعناصر الشعرية الأخرى هوالذي يكسب هذه القصيدة أوتلك أهمية أوهيبة وجلالا)) (¬4). وقد يكون لذكر البحر غرض تعليمي، وقد يكون حاجزا لمن يريد أن يعبث بألفاظ القصيدة، أوهاديا لمن يرويها على وجود خلل ما بها. 8) العنصر الثامن من عناصر المنهج: دعم الشرح بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبالأبيات الشعرية، والأمثال: اشترك كلٌّ من أبي العلاء والتبريزي في دعم شرحهما للديوان بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية (¬5)، والأبيات الشعرية والأمثال. وكان الدور الأكبر في الشرح ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 362ب6]. (¬2) وقد اتبع سنة التبريزي هذه في ذكر بحر القصيدة من علمائنا المحققين في عصرنا الحديث الشيخ العلامة أبوفهر، محمود محمد شاكر، ثم اتبعه كبار المحققين من بعده. (¬3) يُنْظَرُ: جون كوين: بناء لغة الشعر ص45، ترجمة د. أحمد درويش [مكتبة الزهراء].ود. حماسة عبد اللطيف: بناء الجملة في الشعر العربي، ص39، [مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1990] (¬4) د. محمد حماسة عبد اللطيف: الإبداع الموازي، ص 71. [دار غريب، ط 1، 2001]. (¬5) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي: [1/ 50]، [1/ 441ب54]، [4/ 99ب2]، [1/ 66]، [4/ 8ب2]، [3/ 37ب21]، [1/ 331]، [1/ 148]، [1/ 301]، [4/ 336]، [4/ 561].

مسنودًا إلى الشعر، ثم الأمثال (¬1)، ونادرا ما كان الاستشهاد بآيات القرآن (¬2) والأحاديث النبوية. وكان أبوالعلاء أكثر الرجلين استشهادا بالشعر. وقد تنوعت عصور الشعراء المُسْتَشْهَد بهم عندهما. والثبت التالي يوضح الشعراء الذين جاء ذكرهم في هذه الاستشهادات: م ... الاسم ... وفاته ... العصر التاريخي ... الفترة الزمنية لحياته قبل نهاية عصر الاحتجاج (150هـ) أو بعدها ... عدد مرات الاستشهاد في الديوان 1 ... ابن أحمر ... ... ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 2 ... أبو قيس بن الأسلت ... 1هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 3 ... ابن الخَرِع عوف بن عطية ... ... ... جاهلي/إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 4 ... ابن الرومي ... 281هـ ... عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 5 ... عبيد الله بن قيس الرقيات ... 85هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 6 ... تميم بن أُبَيِّ بن مُقْبل ... 37هـ ... جاهلي/إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 7 ... أبو حية النميري ... 183هـ ... أموي/عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 8 ... أبو دهبل وهب بن زمعة ... 63هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 9 ... أبو دواد الرؤاسي ... ... ... إسلامي/فارسي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 10 ... أبو ذؤيب الهُذلي ... 27هـ ... جاهلي/إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 11 ... أبو زبيد الطائي ... 62هـ ... جاهلي/إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 12 ... أبو سلمى المزني ... ... ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 13 ... أبو شاس ... ... ... عباسي ... ... ... مرة واحدة 14 ... أبو الشيص محمد بن علي ... 196هـ ... عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 15 ... أبو النجم ... 130هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 388 ب11]. (¬2) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [4/ 456 ب27]، [2/ 245]، [4/ 48]، [2/ 67ب26]. وقد لاقى الشعر اهتماما كبيرا من اللغويين، واعتبروه الدعامة الأولى لهم، حتى لقد تخصصت كلمة الشاهد فيما بعد وأصبحت مقصورة على الشعر فقط؛ لذلك نجد كتب الشواهد لا تحوي غير الشعر ولاتهتم بما عداه. ينظر: البحث اللغوي عند العرب، د. أحمد مختار عمر، 39

16 ... أبو نُخَيلة ... 145هـ ... عباسي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 17 ... أبو نواس ... 198هـ ... عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 18 ... أبو وجزة ... 130هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 19 ... أحيحة بن الجُلاح ... 29ق هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 20 ... الأخطل ... 90هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 21 ... الأسود بن يعفر ... 22ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 22 ... ذو الإصبع العدواني ... 22ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 23 ... أعشى باهلة ... ... ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 24 ... الأعشى ميمون بن قيس ... 7هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 25 ... الأغلب العِجْلي ... 21هـ ... جاهلي/إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 26 ... الأفوه الأودي ... 50ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 27 ... امرؤ القيس ... 80ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 28 ... أوس بن حُجْر التميمي ... 2 ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 29 ... البحترى ... 284هـ ... عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 30 ... البرج بن مِسْهر ... 30ق. م ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 31 ... بشار بن برد ... 167هـ ... عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 32 ... بشر بن أبي خازم ... 22ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 33 ... البعيث المُجَاشعي ... 134هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 34 ... تأبط شرا ... 80ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... 4مرات 35 ... توبة بن الحمير ... 85هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة 36 ... جران العود ... ... ... جاهلي/إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 37 ... جرير ... 110هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 38 ... جميل بثينة ... 82هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 39 ... الحطيئة ... 45هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 40 ... حميد بن ثور ... 30؟ هـ ... مخضرم ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 41 ... خداش بن زهير ... ... ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 42 ... دِعْبِل الخُزاعي ... 246هـ ... عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 43 ... ديك الجن ... 235هـ ... عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 44 ... ذو الرمة غيلان بن عقبة ... 117هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 45 ... الراعي النميري ... 90هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 46 ... رؤبة بن العجاج ... 145هـ ... مخضرم ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 47 ... الرياحي ... 68هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة واحدة

48 ... زهير بن أبي سلمى ... 13ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 49 ... زيد الخيل ... 9هـ ... جاهلي/إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 50 ... الشَّمَّاخ ... 22هـ ... إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 51 ... الشنفرى ... 70ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 52 ... طرفة بن العبد ... 60ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 53 ... الطِّرِمَّاح ... 125هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 54 ... طفيل الغنوي ... 13ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 55 ... عامر بن الطفيل ... 11هـ ... إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 56 ... عَبِيد بن الأبرص ... 25ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 57 ... العجاج ... 90هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 58 ... علقمة بن عَبْدة ... 20هـ ... إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 59 ... عمر بن أبي ربيعة ... 93هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 60 ... عمرو بن كلثوم ... 40ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 61 ... عنترة بن شداد ... 22ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 62 ... الفرزدق ... 110هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 63 ... الفِنْد الزماني ... 70ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 64 ... القطامي ... 130 هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 65 ... قيس بن الخطيم ... 2 ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 66 ... كثير عزة ... 105هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 67 ... كعب بن زهير ... 26 هـ ... إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرتان 68 ... كعب بن مامة ... ... ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 69 ... الكميت ... 126 هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 70 ... لبيد بن ربيعة ... 41هـ ... جاهلي/إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 71 ... المتنبي ... 354هـ ... عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 72 ... متمم بن نويرة ... 30هـ ... إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 73 ... المُرَقِّش الأَكْبَر ... 75ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 74 ... مسلم بن الوليد الأنصاري ... 208هـ ... عباسي ... بعد نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 75 ... مهلهل بن ربيعة ... ... ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 76 ... النَّابغَة الذُّبْيَاني ... 18ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة 77 ... النَّابِغَة الجَعْدي ... 50 هـ ... أموي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 78 ... النمر بن تَوْلَب ... 14 هـ ... إسلامي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرات 79 ... الحارث بن حلزة ... 54ق. هـ ... جاهلي ... قبل نهاية عصر الاحتجاج ... مرة

ونلحظ على هذا الجدول التالي: 1ـ عدد الأبيات المستشهد بها لشعراء معروفين في الشرح 521 بيتا تقريبا، وهي نسبة كبيرة تقرب من خُمْس الأبيات التي شرحها أبو العلاء والتبريزي، وتشير إلى أهمية الشعر في تفسير النصوص العربية، وأنه من الأهمية بمكان الرجوع إليه في تحديد معاني الألفاظ والقواعد النحوية، يقول أبو حاتم الرازي: ((ثم إن للغة العرب ديوانًا ليس لسائر لغات الأمم، وهو الشعر الذي قد قيدوا به المعاني الغربية والألفاظ الشاردة؛ فإذا أحْوِجوا إلى معرفة معنى حرف مستصعب ولفظ نادر التمسوه في الشعر الذي هو ديوان لهم، مُتفق عليه، مَرْضي بحُكمه، مجتمع على صحة معانيه وإحكام أصوله، محتج به على ما اخْتُلِفَ فيه من معاني الألفاظ وأصول اللغة)) (¬1). 2ـ أن عدد الشعراء المستشهد بهم قبل عام 150هـ؛ أي قبل عصر الاحتجاج ثمانية وستون شاعرا، وعدد الشعراء بعد هذا التاريخ عشرة شعراء فقط، وهذا يدل على قبول أبي العلاء والتبريزي لمبدأ نقاء اللغة الذي حدده اللغويون، قال الأصمعي: ختم الشعر بابن هرمة، وقال أبو عبيدة: افتتح الشعر بامرئ القيس، وختم بابن هرمة (¬2). ولكن هذا القيد ليس لازما إن وجد من الشعراء المتميزون، من أمثال: ابن الرومي، أبو حية النميري، أبو الشيص محمد بن علي، أبو نواس، البحترى، بشار بن برد، دِعْبِل الخُزاعي، ديك الجن، المتنبي، مسلم بن الوليد الأنصاري. وقد اتبع الزمخشري هذه السنة، فقد كان يستدل ((بنصوص الشعر والنثر الشائع منها وغير الشائع، القديم منها والمعاصر له)) (¬3). ¬

(¬1) كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية العربية، 94 تحقيق حسين بن فيض الله الهمداني، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء. (¬2) د. أحمد مختار عمر: البحث اللغوي عند العرب، 43 (¬3) الكشاف: 1/ 5، مقدمة المحقق يوسف الحمادي، وينظر أيضا د. إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة، ص 13

3ـ وقد وظفت هذه الاستشهادات: لبيان معنى لفظة، أولبيان بعض الجوانب النحوية أوالصرفية أوعروضية، أوالتنبيه على تناص أوسرقة شعرية (¬1)، أوتوضيح مسألة بلاغية، أوبيان استعمال لغوي، أولتوضيح جوانب تاريخية أوجغرافية. ومن أمثلة هذه الاستشهادات الشعرية: قال أبو العلاء عند قول أبي تمام: عَجائِبًا زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً ... عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ [بحر البسيط] ((أكثر ما يستعمل زعم مع أنَّ، كما قال الحارث اليشكري: زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَن ضَرَبَ العَيرَ مَوالٍ لَنا وَأَنّا الوَلاءُ [بحر الخفيف])) (¬2). قال أبو العلاء عند قول أبي تمام: مُتَدَسِّمُ الثَوبَينِ يَنظُرُ زادَهُ ... نَظَرٌ يُحَدِّقُهُ وَخَدٌّ صُلَّبُ [بحر الكامل] ((وأكثر ما استعملت نظرت مع إلى، وقد تستعمل متعدية بغير حرف خفض، يقال: نظرت الرجل في معنى نظرت إليه، قال ابن قيس الرقيات: ظاهِراتُ الجَمالِ وَالسَّروِ يَنظُرنَ كَما يَنظُرُ الأَراكَ الظِّباءُ [بحر الخفيف])) (¬3). وقال التبريزي عند قول أبي تمام: وَالجَعفَرِيّونَ استَقَلَّت ظُعنُهُم ... عَن قَومِهِم وَهُمُ نُجومُ كِلابِ [بحر الكامل] ((الظعن: الإبل بما تحمل من النساء (...) ويقال للنَّعْش ظَعَن؛ لأن الميت يظعن فيه، قال طُفيل الغنوي: حَتّى يُقالَ وَقَد عوليتُ في حَرَجٍ ... أَينَ ابنُ عَوفٍ أَبو قُرّانَ مَجعولُ [بحر البسيط])) (¬4). ¬

(¬1) ينظر على سبيل المثال يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 7]، [1/ 28]، [1/ 35]، [1/ 65]، [1/ 416 ب30]، [4/ 378 ب2]، [4/ 455 ب24]. (¬2) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 43ب6]. (¬3) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 132ب10]. (¬4) ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [1/ 86ب26].

ومن أمثلة استشهاد التبريزي بالمثل في الشرح: إِذا ما اِمتَطَينا العيسَ نَحوَكَ لَم نَخَف ... عِثارًا وَلَم نَخشَ اللُتَيّا وَلا الَّتي [بحر الطويل] ((أصل ((التي)) و ((الذي)) في كلامهم أن يكونا اسمين ناقصين لا يتمان إلا بصلة؛ وشذ قولهم في المثل: ((فعله بعد اللتيا والتي))؛ أي بعد المشقة والجهد)) (¬1). ****** ¬

(¬1) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي بقية مواضع استشهاد التبريزي للأمثال العربية: [1/ 308ب44]، [2/ 15ب21]، [1/ 319ب26]، [1/ 81]، [1/ 388ب11]، [4/ 530ب2]، [1/ 384ب1]، [2/ 146ب34]، [4/ 577ب44]، [2/ 332ب42]، [3/ 188ب32]، [1/ 113 ـ 114]، [4/ 170ب2]، [2/ 40ـ 41ب39]، [1/ 249]، [4/ 455ب24]، [4/ 561ب34]، [4/ 145ب13]، [2/ 94ب30]، [4/ 151ب1]، [2/ 332ب42]، [4/ 585ب23]، [4/ 24ب34]، [4/ 53]، [2/ 332ب42]، [3/ 39ب23]

الفصل الثالث: منهجا أبي العلاء والتبريزي: العلاقات الداخلية والخارجية

الفصل الثالث: منهجا أبي العلاء والتبريزي: العلاقات الداخلية والخارجية ويشمل المباحث الآتية: ـ المبحث الأول: مقارنة بين منهجي أبي العلاء والتبريزي. ـ المبحث الثاني: أوجه التشابه بين منهجي أبي العلاء والتبريزي ومنهج مفسري القرآن الكريم. ـ المبحث الثالث: بين منهج أبي العلاء والتبريزي والمناهج الأدبية المعاصرة.

ـ المبحث الأول: مقارنة بين منهجي أبي العلاء والتبريزي.

ـ المبحث الأول: مقارنة بين منهجي أبي العلاء والتبريزي. اتفق التبريزي مع أبي العلاء في عناصر المنهج التالية: [1] توثيق الرواية. [2] توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصره في شرح الديوان: [3] الاعتماد على الخصائص الأسلوبية العامة للغة والاستعمال اللغوي أوالكلامي. [4] توظيف خصائص الصنعة الشعرية. [5] توظيف قرينة السياق اللغوي وغير اللغوي. [6] الاهتمام بالجوانب الدلالية للكلمة. [7] دعم الشرح بالآيات القرآنية، والقراءات والأحاديث النبوية، والأمثال العربية. وتفرد أبوالعلاء عن التبريزي بالعنصرين التاليين: [1] تأويل البيت كل التأويلات الممكنة في غياب القرينة المحددة لمعنى معين. [2] الشرح بالإعراب. وتفرد التبريزي بالعناصر التالية: [1] ذكر غرض القصيدة، وسبب قولها قبل الشروع في شرحها. [2] ذكر بحر القصيدة ولقب القافية. [3] ذكر مفرد الجموع، وجموع المفرد، والمذكر والمؤنث، وكون اللفظة من الأضداد أم لا.

ونلاحظ على هذا المنهج عدة ملحوظات: الملحوظة الأولى: يمكن تقسيم عناصر المنهج عندهما إلى مجموعتين عناصر متعلقة بالنحو ... عناصر بعيدة عن النحو والتصريف والتصريف والعروض ـ توثيق الرواية. ـ الشرح بالإعراب. ... ـ غرض القصيدة. ـ القرائن النحوية والصرفية ... ـ توظيف خصائص الصنعة الشعرية ... ـ ذكر البحر .... ويمكن أن نقرأ هذا التقسيم بأنه لايكفي للوقوف على معنى النص الاقتصار على الجوانب النحوية والصرفية والعروضية فقط، بل لابد مع تلك العناصر عناصر أخرى. وهذا يتفق مع ما توصل إليه أحد الباحثين د. عبد الحكيم راضي من ((عدم كفاية كل من النحو والغريب والتصريف للحكم على لغة الشعر)) (¬1). ويصدق على ما سبق قول علمين من أعلام ثقافتنا، أما الأول فقدامة بن جعفر إذ يقول: ((العلم بالشعر ينقسم أقسامًا، فقسم ينسب إلى علم عروضه ووزنه، وقسم ينسب إلى علم قوافيه ومقاطعه، وقسم ينسب إلى علم غريبه ولغته، وقسم ينسب إلى علم معانيه والمقصد به، وقسم ينسب إلى علم جيده ورديئه. وقد عني الناس بوضع الكتب في القسم الأول وما يليه إلى الرابع (...) ولم أجد أحدًا وضع في نقد الشعر وتخليص جيده من رديئه كتابًا، وكان الكلام عندي في هذا القسم أولى بالشعر من سائر الأقسام المعدودة، لأن علم الغريب والنحو وأغراض المعاني محتاج إليه في أصل الكلام العام للشعر والنثر)) (¬2). ومعنى ما ذهب إليه قدامة أن المعرفة ¬

(¬1) النقد اللغوي في التراث العربي: ص 86، مجلة فصول، تراثنا النقدي ج2 (¬2) أبو الفرج قدامة بن جعفر: نقد الشعر، ص61، تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان

((بالغريب والنحو والمعاني لازمة لكل من الشعر والكلام العادي وأنها كافية في هذا الأخير، لكنها غير كافية بالنسبة للشعر؛ إذ يبقى هناك معرفة الجودة والرداءة)) (¬1). أما القول الثاني فقول ابن خلدون حيث يرى ((أن استفادة المعاني على الإطلاق من تراكيب الكلام على الإطلاق يتوقف على معرفة الدلالات الوضعية مفردة ومركبة، والقوانين اللسانية في ذلك هي علوم النحو والتصريف والبيان)) (¬2). فهو لم يفرد النحو ولا التصريف بمسئولية الإبانة عن المعنى بل أشرك معهما البيان. الملحوظة الثانية: أن المنهجين يكمل بعضهما بعضا، والهدف في النهاية الوصول إلى المعنى الصحيح للبيت، فإن كان أبوالعلاء أغفل ذكر غرض القصيدة وبحرها، فإن التبريزي كان حريصا أشد الحرص على هذين الأمرين، لأهميتها في فهم النص (¬3). الملحوظة الثالثة: العدد الإجمالي لأبيات أبي تمام: 7496 بيتًا، شرح منها أبوالعلاء 830 بيتًا؛ أي: بنسبة 11% من أبيات الديوان، أما التبريزي فقد شرح ¬

(¬1) د. عبد الحكيم راضي: النقد اللغوي في التراث العربي: ص 87، مجلة فصول، تراثنا النقدي ج2 (¬2) المقدمة: 3/ 961، تحقيق د. علي عبد الواحد وافي، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب. (¬3) وقد سبق أن أوضح البحث في موضع سابق (ص 175) أنه على امتداد مسيرة الشعر العربي منذ العصر الجاهلي حتى زمن الحداثة الشعرية العربية المعاصرة، كان الموضوع أوالغرض الشعري حاضرا في القصيدة جنبا إلى جنب مع شكلها، وكان حضورا واضحًا متحددًا في ذاته من ناحية، وحضورا يشكل سياقا تُفْهم أفكار القصيدة ومعانيها في ضوئه من ناحية أخرى؛ أي إن الحضور الموضوعي في القصيدة كان ينهض بوظيفتين مزدوجتين: إحداهما ذاتية، هي وضوح الفكرة العامة للقصيدة، والأخرى سياقية هي تحديد مفردات المعنى الشعري. ينظر: د. عبد الرحمن محمد القعود: الإبهام في شعر الحداثة، ص 177ـ 178

2288 بيتًا، تتضمن 830 بيتا التي شرحها أبوالعلاء؛ أي أن الأبيات التي انفرد بها التبريزي شارحا 1458 بيتا؛ أي بنسبة 19.5%. ونلاحظ أن أبا العلاء لم يطبق منهجه إلا على هذا العدد القليل من أبيات أبي تمام 830 بيتًا، ويبدو أنه لم يقصد بشرحه لديوان أبي تمام إلا الأبيات المشكلة التي تحتمل أكثر من تأويل؛ لذلك لا نجد هذا العنصرـ عنصر تأويل البيت كل التأويلات الممكنة ـ عند التبريزي؛ وكأن التبريزي ترك هذه الأبيات لأبي العلاء، الأغزر علما، والأكثر إحاطة باللغة لتوضيح هذه الأبيات والوقوف على معانيها، وتقديم التأويلات الممكنة لها. أما الأبيات التي شرحها التبريزي فلم يصادف فيها هذا الغموض، أوما هومعقد؛ لذلك غاب هذا العنصر عنه. الملحوظة الرابعة: لقد سار التبريزي على منهج أستاذه في شرح الديوان، فقد وضع أبوالعلاء الأساس، وقام التبريزي بالبناء على هذا الأساس وتطويره، ومد أركانه وجنباته. لقد ارتكز أبوالعلاء على ((المسموع اللغوي)) أوعلى ((الاستعمال اللغوي)) كأداة لشرح الأبيات التي شرحها؛ ثم توسع التبريزي كثيرا في الاستناد إلى ((المسموع اللغوي)) أو ((الاستعمال اللغوي))؛ فقد كان هوالأساس في الشرح (¬1). ¬

(¬1) يراجع العنصر الثالث من عناصر المنهج عند التبريزي (ص 130)، وتراجع عبارات التبريزي في الاستعمال اللغوي: فهويستخدم لفظ ((استعمل)) بأشكال متعددة: ((يُسْتَعمل))، ((اُسْتُعمل))، ((المستعمل))، ((استعملوا))، ((يستعملون))، ((الاستعمال))، وتارة يستخدم للتعبير عن نفس المصطلح قوله: ((وقد حكيت))، ((وأهل اللغة يحكون))، ((والعادة))،أو ((لأن العادة))،أو ((جرت العادة)).، ((وهذا كما نقول في الكلام))، وتارة يستخدم كلمة: ((تردد ذكر))، ((تردد الكلام))، ((والأكثر في كلامهم))، ((وكثر ذلك حتى قالوا))، ((ولم يزل القائل يستعير))، ((معروف))، ((وغير معروف))، ((ولم يذكروا))، ((الغالب))، وتارة يستخدم عبارة: ((ومن كلام العرب))، وتارة يستخدم عبارة: ((قليل في كلامهم)).

وقد استغل التبريزي هذا العنصر ووظفه بحيث يظهر الانحرافات الاستعمالية عند أبي تمام، ورد بعض روايات الديوان؛ لأنها لا تناسبه، أوترجيح عدم قولها، كما استخدمه لإبراز ما وراء الكلمة من ظلال بلاغية. ولا شك أن اتفاق أبي العلاء والتبريزي على ((المسموع اللغوي)) ـ كأداة للشرح ـ أمر له دلالته ((المهمة))، وهي: ((أن التفسير للنصوص العربية يجب أن يكون في حدود المستعمل عند أهل العربية))، بمعنى أن المفسر للنص العربي لا يجوز أن يأتي بتفسير للنص العربي ليس معروفا عند العرب (¬1). أما العنصر المهم الثاني الذي اهتم به التبريزي اهتماما بالغا مقتديا بأستاذه أبي العلاء فهوعنصر ((الاهتمام الدلالي بالكلمة))، هذا الاهتمام الذي يظهر في بيان الأصل الدلالي المأخوذ منه الكلمة، وتتبع التطور الدلالي للكلمة، والاهتمام بالمعنى السياقي. وهذه كلها أمور مهمة جدا في تفسير النص، والوقوف على المعنى الصحيح، أوالتأويل المناسب له، وقد أشار البحث في موضعين آخرين أسباب اهتمام أبي العلاء والتبريزي بتتبع التطور الدلالي للكلمة. ******** ¬

(¬1) وهذا هوالمنهج الذي اعتمد عليه مفسروالقرآن بالمأثور، ومنهم مثلا الإمام ((الطبري))، حيث إن منهجه في التفسير يستند إلى ((الرجوع إلى اللغة ولسان العرب، وإلى الشعر العربي)). [ينظر: مدخل إلى علم التفسير، د. محمد بلتاجي، ص 111، مكتبة الشباب، 2000].

ـ المبحث الثاني: أوجه التشابه بين منهجي أبي العلاء والتبريزي وبين منهج مفسري القرآن الكريم.

ـ المبحث الثاني: أوجه التشابه بين منهجي أبي العلاء والتبريزي وبين منهج مفسري القرآن الكريم. تعددت مناهج تفسير القرآن الكريم واتجاهاتُه، ما بين تفسير بالمأثور وتفسير بالرأي وتفسير إشاري. ومن هذه التفاسير ما هو مقبول، ومنها ما هو غير مقبول، وقد وضع علماءُ أهل السنة والجماعة شروطا وقواعد ومنهجا يكون بها التفسير ((مقبولا)). ويبدوتأثُّرُ أبي العلاء (ت449 هـ)، والتبريزي (ت 512هـ) بمنهج مفسري القرآن ((المقبولين)) في كثير من عناصر المنهج عندهما. وقبل الشروع في إظهار هذا التشابه يجب النص على أن علماء التفسير بدورهم متأثرون بعلماء أصول الفقه أصحاب قصب السبق في وضع آليات لفهم النصوص العربية وفقهها، فقد، ((دخلت مناهج تفسير النصوص، طور التدوين والتسجيل، منذ القرن الثاني الهجري على يد الإمام الشافعي، والذي يرجع إليه الفضل في تأصيل هذه القواعد، وضبطها في نسق فكري خاص، كان أساسًا ونبراسًا لكل الجهود التي عنيت فيما بعد بمناهج التفسير، وقوانين الاستنباط من النصوص)) (¬1). والقواعد التي أصلها علماء الأصول ((لا تقتصر أهميتها على فهم النصوص الشرعية فحسب، بل تتعداها إلى فهم جميع النصوص العربية)) (¬2). ولم يؤثر علماء الأصول فقط على المفسرين بل على النحاة واللغويين ونقاد الشعر أيضا، فها هو ابن جني العظيم نجد في كتاباته ((ما يدل في وضوح على أنه تأثر في وضع أصول التصريف والنحو بأصول الفقهاء والمتكلمين جميعا)) (¬3). وعند نقاد الشعر القدماء نجد النقد الذي يفرق بين ((اللغة العادية ولغة الأدب)) وهو بهذا ((يجاري منطلقات علم الأصول)) (¬4). ¬

(¬1) د. محمد قاسم المنسي: في التفسير الفقهي، ص 43، مكتبة الشباب، 1997م (¬2) د. عبد العزيز رمضان سمك: أصول الفقه الإسلامي، ص 193، دار النهضة العربية (¬3) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص 268 (¬4) د. عبد الحكيم راضي: النقد اللغوي في التراث العربي، ص 85، مجلة فصول ع تراثنا النقدي ج2، 1986م، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ونلخص أوجه التشابه بين منهجي أبي العلاء والتبريزي والمفسرين في العناصر التالية: 1) وجه التشابه الأول: الاهتمام بأسباب نزول الآيات القرآنية، وهو يقابل اهتمام التبريزي بذكر غرض القصيدة (¬1): اهتم مفسرو القرآن من أهل السنة والجماعة بمعرفة أسباب نزول الآيات القرآنية؛ وذلك لأهمية هذا الأمر في الوقوف على معنى الآية، قال السيوطي: ((... قال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن. وقال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب)) (¬2).وقال الواحدي عن أسباب النزول إنها ((أولى ما تصرف العناية إليها لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان شئونها)) (¬3). ومن نفيس ما قيل في أسباب النزول قول الشاطبي: ((معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران: أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن، فضلا عن معرفة مقاصد كلام العرب، إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب، من جهة نفس الخطاب، أوالمخاطِب، أوالمخاطَب، أوالجميع ... الوجه الثاني: وهوأن الجهل بأسباب التنزيل ¬

(¬1) أما وجه التشابه بين المنهجين في ((توثيق الرواية)) فهوفي حق القرآن الكريم وقراءاته الصحيحة أمر مفروغ منه؛ إذ إنه ((قطعي الثبوت))؛ تكفل الله بحفظه. (¬2) الإتقان في علوم القرآن، ص 40، [دار مصر للطباعة، مكتبة مصر]، وقد اعتبر د. تمام حسان أسباب النزول من ((القرائن الخارجية)) التي تحمي من اللبس، [ينظر مقال: اللغة والنقد الأدبي، د. تمام حسان [مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، المجلد الرابع، العدد الأول، 1983 بعنوان: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب] ص 127). (¬3) أسباب النزول: ص 16، [دار الريان للتراث، تحقيق د. السيد الجميلي].

موقع في الشبه والإشكالات، ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع)) (¬1). ولأهمية هذه المعرفة فقد عُنِي ((سلف الأمة وخلفها عناية خاصة مما أفرد له بالتأليف جماعة سخرهم الله لحفظ أسباب نزول آياته كما حفظ كتابه، ومن هؤلاء: على بن المديني، شيخ البخاري والواحدي، والجعبري وابن حجر، والسيوطي وغيرهم)) (¬2). وقد كان التبريزي حريصًا على ذكر غرض القصيدة قبل البدء في شرحها، فهويَنُصُّ على ـ أويذكر ـ غرض القصيدة من مدح، أورثاء، أوهجاء. وهذا النص ـ أوالذكر ـ لغرض القصيدة من الأهمية بمكان، فهومن الأدوات الرئيسية لفهم القصيدة، فـ ((عندما يتقدم بنا العصر تتطور الحاجة إلى فهم النص لأسباب أخرى لا علاقة لها بفهم المفرادت أو التراكيب، لكنها متعلقة بغياب أمر آخر له أهميته ونعني به الوسط الذي قيلت فيه القصيدة، حين تتجه مسمياتها إلى بيئة معينة أو مقصد آخر خفي على السامع أو القارئ. (...) فإدراك المناسبة أمر مهم لفهم إشارات النص وتلمس مقاصده، وإلا لأصبح الفهم عقيما وأحيانا بعيدا كل البعد من مراد الشاعر أو هدف القصيدة، وهذا هو أحد مبررات قيام الشرح بجانب القصيدة حينما يتقادم العهد فيخفى أصل المناسبة أو دلالتها، وهي من ضرورات كل عصر لفهم شعره، لذلك كان الاهتمام بها ممتدا عبر العصور)) (¬3). **** 2) وجه التشابه الثاني: الاعتماد على ((لغة العرب))، وهو يقابل عند أبي العلاء والتبريزي العنصرين: ((توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصرهما في شرح الديوان))، و ((الاعتماد على الخصائص الأسلوبية العامة للغة والاستعمال ¬

(¬1) الموافقات: 3/ 294ـ 294، [مكتبة الأسرة 2006، الهيئة المصرية العامة للكتاب]. (¬2) القرآن: د. عبد الفتاح أبوسنة، ص 78، [دار الشروق، ط1، 1995م]. (¬3) د. سليمان الشطي: المعلقات وعيون العصور، ص 43

اللغوي (أوالكلامي) للألفاظ والألفاظ المصاحبة والألفاظ الأكثر شيوعا))، و ((دعم الشرح بالأبيات الشعرية)): وضع علماء أهل السنة والجماعة قواعد ومناهج لتفسير القرآن، بها يكون التفسير ((مقبولا))، منها: أن يكون ((موافقا للغة العرب))؛ وذلك لأن القرآن ((نزل بلسان العرب على الجملة، فطلبُ فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)} [يوسف:2] إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي، وبلسان العرب)) (¬1). فلابد لقبول التفسير أن يكون مستندا إلى ((دليل شرعي أو لغوي)) (¬2). وحتى التفسير بالرأي يُقبل إذا كان معتمدا على ((ما نقل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، وأن يكون عارفا بقوانين اللغة، خبيرا بأساليبها)) (¬3). أما التفسير الذي يجب الابتعاد عنه فهو التفسير القائم على ((التهجم والجرأة على تعيين مراد الله تعالى مع الجهل بقوانين اللغة والشريعة)) (¬4). والرفض للتفسير المذهبي؛ لأنه رأي طائفي، ((ينتمي إلى مذهب خاص، ويتبنى وجهة نظر معينة لطائفة معينة، وهو بهذا ينحرف باللفظ عن معناه الأصلي في اللغة والشرع إلى معانٍ أخري بعضها بعيد، وبعضها غير ظاهر أصلا)) (¬5). ¬

(¬1) الموافقات: الشاطبي، ص 2/ 54، وقال الشاطبي أيضا في كتابه ((الاعتصام)) تحت عنوان ((في مأخذ أهل البدع بالاستدلال)): ((... ومنها ـ أي من المآخذ على أهل البدع ـ تخرصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيين، مع الغرو [كذا] عن علم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله، فيفتاتون على الشريعة بما فهموا)). الاعتصام، [1/ 206]، مكتبة الأسرة 2009، تعليق: محمد رشيد رضا. (¬2) دراسات في التفسير: د. محمد نبيل غنايم، ص 38، [دار الهداية، ط2، 1992م]. (¬3) دراسات في التفسير: د. محمد نبيل غنايم، ص 39 (¬4) دراسات في التفسير: د. محمد نبيل غنايم، ص 39 (¬5) دراسات في التفسير: د. محمد نبيل غنايم، ص 40.

ومن الشروط التي وضعت لآداب مفسر القرآن: ((أن يكون ملما بالعلوم التي تعينه على أداء مهمته والقيام بالتفسير بالصورة الصحيحة، وقد أحصى العلماء هذه العلوم في خمسة عشر علما، أحدهما: اللغة ... ، الثاني: النحو .. ، الثالث: التصريف .. ، الرابع: الاشتقاق ...)) (¬1). وبناء على ما سبق ((ينبغي على العاقل ألا يقف موقف القائل في كتاب الله إلا إذا زود نفسه بزاد عظيم مما نص العلماء الفاقهون على أنه يجب أن يتزود به من يعرض لهذا الأمر الخطير من علم كاف باللغة، وأساليب البيان)) (¬2). وبسبب اهتمام المفسرين بالشعر الجاهلي وسيلة مهمة لشرح كتاب الله عدت كتب التفسير مصدرا من مصادر هذا الشعر. فمع اتساع الدولة الإسلامية ((استحدثت علوم كثيرة كالتفسير والحديث والفقه واللغة والنحووالبلاغة، وهذه كلها تحتاج إلى الأدب،؛ لهذا لا يخلو كتاب ألف في أحد هذه العلوم من آثار أدبية جاهلية؛ إذ أن جميع هذه العلوم تعتمد في تقرير أسسها ومبادئها على كلام العرب القدامى الفصيح، وبسبب ذلك دون كثير من الأدب الجاهلي في ثنايا هذه العلوم)) (¬3) وهكذا تبدوأهمية الأساس اللغوي كمنطلق للتفسير، وهذا هو نفس المنطلق الذي انطلق منه أبوالعلاء، وتبعه تلميذه التبريزي، وقد عرضنا عند الحديث عن منهجيهما مدى احتفائهما بالاستعمال اللغوي أوالمسموع اللغوي، وخاصة عند التبريزي، الذي كان يردد في كل بيت يشرحه لفظة ((يقال))،وكلمة ((المستعمل)). وهذا التأكيد على الأساس اللغوي كمنطلق للتفسير أمر له اعتباره في تفسير النص، وأنه لا بد أن يكون الركيزة الأولى لتفسير أية نص، وأنه لا مجال بحق لـ ((شطحات الذهن)) في هذا الأمر، والمنهج الأدبي الذي يتعامل مع النص الأدبي ولا يكون من إجراءاته الاعتماد على ((اللغة)) هومنهج ـ لا شك ـ ناقص. ¬

(¬1) السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ص 552 ـ 553. (¬2) مدخل إلى علم التفسير: د. محمد بلتاجي، ص 160، [مكتبة الشباب، 2000]. (¬3) في تاريخ الأدب الجاهلي: د. علي الجندي، ص 144 [دار المعارف، ط2]

بقي أن نثبت في ختام هذه الجزئية أن المعتزلة ـ وهم أصحاب المنهج العقلي في الإسلام ـ اعتمدوا في فهمهم للنصوص على اللغة أيضا كأداة للتأويل فقد حظيت عندهم ((بجانب عظيم من الاهتمام)) (¬1). **** 3) وجه التشابه الثالث: تأويل الآية كل التأويلات الممكنة باستغلال ((المعاني المعجمية، أوالصرفية))، والجمع بين ((القراءات))، وهذا يتفق مع منهج أبي العلاء في تأويل البيت كل التأويلات الممكنة في غياب القرينة المحددة لمعنى معين، والجمع بين الروايات المختلفة للبيت المشروح: نص العلماء على أنه إذا وجدت لفظة في كتاب الله ـ ولها أكثر من معنى ـ فإن تفسير اللفظة بأحد هذه المعاني يعد ((مقبولا))، قال السيوطي: ((والخلاف بين السلف في التفسير قليلٌ، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد؛ وذلك صنفان؛ أحدهما: أن يعبر واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنًى في المسمى غير المعنى الآخر، مع اتحاد المسمى، كتفسيرهم {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] بعض بالقرآن، وبعض بالإسلام (...) الثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه (...) وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما في تنوع التفسير ـ تارة لتنوع الأسماء والصفات، وتارة لذكر بعض أنواع المسمى ـ هوالغالب في تفسير سلف الأمة الذي يظن أنه مختلف. ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين، إما لكونه ((مشتركا في اللغة))، كلفظ ((القسورة))، الذي يراد به الرامي، ويراد به الأسد، ولفظ: ((عسعس))، الذي يراد به إقبال الليل وإدباره، وإما لكونه متواطئا في الأصل؛ لكن المراد به أحد النوعين أوأحد الشخصين، كالضمائر في قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ¬

(¬1) موقف المعتزلة من تفسير القرآن والأحاديث المروية، د. مصطفى الصاوي الجويني، مقال بمجلة العربي ع 122، ص138

(8)} [النجم: 8]، وكلفظ الفجر والشفع والوتر وأشباه ذلك؛ فمثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك)) (¬1). والاعتداد بـ ((القراءات القرآنية)) أمر مقبول، وإهمالها أمر مرفوض. فقد أجمع المسلمون على ((الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة (أئمة القراءات السبعة)، مما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات؛ فاستمر الإجماع على الصواب، وحصل ما وعد به من حفظ الكتاب، وعلى هذا الأئمة المتقدمون، والفضلاء المحققون، كالقاصي أبي بكر بن الطيب والطبري وغيرهما. قال ابن عطية: ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة، وبها يصلى؛ لأنها ثبتت بالإجماع)) (¬2). وذهب جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى أن الأمة يحرم عليها إهمال شيء من السبعة (¬3). وقد صنع المحدثون نفس الشيء في الحديث النبوي؛ فقد أوضح العلماء أنه لا ينبغي للمسلم ((أن يأخذ السنة من حديث واحد، دون أن يضم إليه ما ورد في موضوعه مما يؤيده أويعارضه، أويوضح إجماله، أويخصص عمومه أويقيد إطلاقه)) (¬4)، فهذا هوالمنهج الصحيح مع الأحاديث النبوية الصيحة ((أن يجمع بين هذه الروايات، وذلك بحسن توجيهها في الموضوع الذي وردت فيه ـ بلا تعسف ـ ودون أن يهمل رواية منها؛ فالجمع مقدم؛ لأن إعمال النص الصحيح خير من إهماله)) (¬5). وعلى هذا النهج سار أبوالعلاء، فلم يكن يهمل شيئا من روايات أبي تمام التي استوثق من صحتها، والتي وردت إليه من ((العلماء الثقات)) و ((النسخ المختلفة)) ¬

(¬1) الإتقان في علوم القرآن، ص 548. (¬2) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 1/ 40، [دار الريان للتراث]. (¬3) القرآن: د. عبد الفتاح أبوسنة، ص 61. (¬4) كيف نتعامل مع السنة؟: د. يوسف القرضاوي، ص 132، [دار الشروق ط3، 2005]. (¬5) أسباب ورود الحديث، تحليل وتأسيس: د. محمد رأفت سعيد، ص 37.

التي اطلع عليها للديوان. وكان التبريزي في بعض الأحيان يكتفي في شرح البيت بذكر الرواية المختلفة فقط للبيت. ويتفق أبو العلاء والتبريزي بجوار اتفاقهما مع مفسري أهل السنة في تفسير اللفظ كل التفسيرات الممكنة مع المعتزلة، فقد كانوا يرون ـ كما يمثل رأيهم المرتضي: ((حملَ الكلام على بعض ما يحتمله إذا كان له شاهد من اللغة وكلام العرب؛ لأن الواجب على من يتعاطى تفسير غريب الكلام والشعر أن يذكر كل ما يحتمله الكلام من وجوه المعاني)) (¬1). وهذا عين ما كان يفعله أبو العلاء. **** 4) وجه التشابه الرابع: لجوء المفسرين ـ في أحيان كثيرة ـ للقرائن السياقية لفهم النص، وسبق أن أوضحنا أن أبا العلاء والتبريزي سارا على هذا النهج: لجأ المفسرون في أحيان كثيرة إلى ((السياق)) لتفسير النص القرآني، وما اهتمامهم الشديد بأسباب النزول إلا دليل على هذا، وقد مر بنا قول ابن دقيق العيد أن: ((بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن))، وقول ابن تيمية: ((معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب)) (¬2). ولايعدو بنا الصواب إن قلنا إن القرآن الكريم نفسه، يوظف القرائن في فهم آياته، فـ ((القرآن ـ وهوأسمى نص عربي ـ يرصد من القرائن الحالية التي تتمثل في أسباب النزول، ومن القرائن المقالية التي تتمثل في تراكيب النص، وفي الآيات التي تفسر آيات أخرى، ما يحول بين اللبس وسياق الكريم)) (¬3). ¬

(¬1) أمالي المرتضي، غرر الفوائد ودرر القلائد، ص 18/ 19 (¬2) الإتقان في علوم القرآن: ص 40. (¬3) ينظر مقال: اللغة والنقد الأدبي، د. تمام حسان [مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، المجلد الرابع، العدد الأول، 1983 بعنوان: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب] ص 122). وأضاف د. تمام ـ في نفس المصدر ـ ((وفي دراسة هذه الظاهرة (ظاهرة وجود قرائن) في القرآن وجدت عشرات الأمثلة لتراكيب من قبيل ما قدمنا منذ قليل، وقد رصد القرآن لها من القرائن ما أزال عنها اللبس)).

ولا نحتاج إلى مزيد كلام لإثبات تأثر أبي العلاء والتبريزي بهذا النهج في ((استخدام القرائن)) فقد وَظَّف أبوالعلاء عددا كبيرا من قرائن ((السياق اللغوي))، مثل: القرائن النحوية والصرفية والعروضية والصوتية، والصنعة الشعرية، وقرينة الاستعمال اللغوي والتناص والبلاغية. كما وظف عددا من ((قرائن سياق الحال))، مثل: القرائن الشرعية، والثقافية، والطبيعية. ولم يتخلف التبريزي عن نهج أستاذه في هذه الجزئية؛ فسار على نهجه؛ واستعان بها في شرح الأبيات. وفي الوقت الذي كانت القرائن تعين كلا من أبي العلاء والتبريزي في تحديد معاني الأبيات المشروحة عند أبي تمام ـ كان غيابها بمثابة ((الضوء الأخضر)) ـ إن صح التعبير ـ لتقديم أكثر من ((تأويل للنص المشروح))، إذ إن ((تعدد المعنى يكشف عن عدم كفاية القرائن)) (¬1). ولم تكن وظيفة القرائن عند أبي العلاء مقصورة فقط على كشف المعنى، بل استخدمت أيضا: لرد رواية، أو ترجيح رواية على رواية، أو لرد الروايات المصحفة. ***** 5) وجه التشابه الخامس: اهتمام المفسرين بالجوانب الدلالية للآية أوالكلمة وخاصة في تطورها الدلالي، وكذلك اهتم أبوالعلاء والتبريزي: اهتم مفسرو القرآن بالجوانب الدلالية للآية أوالكلمة قيد التفسير؛ ولا غرو في هذا الاهتمام، فما كان التفسير أصلا إلا لبيان معاني الكلام (¬2). وقد نبه كثير من الجهابذة والمحققين من علماء الأمة على أهمية التطور الدلالي للألفاظ، ومدى الخطورة التي يمكن أن تقع إذا نزلت ((الألفاظ الشرعية على ¬

(¬1) البيان في روائع القرآن: د. تمام حسان، 1/ 164 (¬2) وقد سبقهم في هذا أيضا علماء الأصول، فكتبهم مترعة بالمباحث الدلالية التي تتحدث عن العام وأقسامه، والمطلق والمشترك، ودلالة العام بين القطعية والظنية، وصيغ العموم ...

المصطلحات المستحدثة على مر العصور)) (¬1)؛ إذ ((إن هناك ألفاظا كثيرة بدلت في مجالات شتى يصعب حصرها. ثم لا يزال هذا التبدل يتسع، مع تغير الزمن وتبدل المكان، وتطور الإنسان، إلى أن تصبح الشقة بعيدة بين المدلول الشرعي الأصلي للفظ، والمدلول العرفي أوالاصطلاحي الحادث المتأخر، وهنا ينشأ الغلط وسوء الفهم غير المقصود، كما ينشأ الانحراف والتحريف المتعمد)) (¬2) (¬3). وقد ذكر السيوطي مجموعة من العلوم الواجبة لإتقان القرآن، منها: [1] في معرفة الوقف والابتداء. قال السيوطي: ((قال ابن الأنباري: من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء فيه، وقال النِّكْزاوي: باب الوقف عظيم القدر، جليل الخطر؛ لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل)) (¬4). [2] في معرفة إعرابه. يقول السيوطي ((ومن فوائد هذا النوع معرفة المعنى؛ لأن الإعراب يميز المعاني، ويوقف على أغراض المتكلمين (...) وعلى الناظر في كتاب الله تعالى الكاشف عن أسراره النظر في الكلمة وصيغتها ومحلها)) (¬5). [3] معرفة الحقيقة والمجاز. [4] في فواصل الآي. [5] في مفردات القرآن. وهذه العلوم لا تخدم إلا الإبانة عن النواحي الدلالية للكلمة منفردة، أو في سياقها. وقد مر بنا كيف كان اهتمام أبي العلاء والتبريزي بالكلمة دلاليا، وما يتعلق ¬

(¬1) كيف نتعامل مع السنة النبوية؟:د. يوسف القرضاوي، ص198، [دار الشروق ط3، 2005] (¬2) كيف نتعامل مع السنة النبوية؟: د. يوسف القرضاوي، ص198. (¬3) ومن العلماء الذي تناولوا هذا الأمر بالحديث الإمام الغزالي في كتابه ((إحياء علوم الدين)) يُنْظَرُ: إحياء علوم الدين: 1/ 32، باب ((بيان ما بدل من ألفاظ العلوم))، [دار المعرفة ـ بيروت] (¬4) الإتقان في علوم القرآن: ص 113. (¬5) الإتقان في علوم القرآن: ص 269

بها من تخصيص للدلالة أوتعميم أوتغيير للدلالة، وكيف كان الإعراب نفسه وسيلة للشرح. *****

ـ المبحث الثالث: بين منهج أبي العلاء والتبريزي والمناهج الأدبية المعاصرة.

ـ المبحث الثالث: بين منهج أبي العلاء والتبريزي والمناهج الأدبية المعاصرة. بعد الانتهاء من عرض أوجه التشابه بين منهج أبي العلاء والتبريزي ومنهج مفسري القرآن، يمكن للباحث أن يقرر في اطمئنان أن منهج أبي العلاء والتبريزي هوـ في معظمه ـ منهجٌ لمفسري القرآن من أهل السنة والجماعة المستند بدوره على منهج علماء الأصول. ولاجدال أن عقلية فذة مثل عقلية أبي العلاء في سعة ثقافتها واطلاعها على العربية حين تعتمد هذا ((المنهج)) طريقا لتفسير النص؛ فإن هذا تصريح ضمني بمدى سلامة هذا المنهج وأصالته. ويزداد الوثوق بهذا المنهج حينما يأتي التبريزي ـ وهوأيضا علم من أعلام اللغة ـ ويسير على نفس الطريق. ومنهجا أبي العلاء والتبريزي يقدمان ما يمكن أن نسميه ((فهما مبدئيا للنص))، وليس من المعقول أن تنطلق دلالات النص الأدبي أو قراءاته من لا شيء، بل لا بد من أساس تنطلق منه، وفهم مبدئي سليم تصدر عنه، حتى تكون الدلالات والقراءات المقدمة والمقترحة مقبولة، فالذي يبني بناء لا يمكن أن يصعد للأدوار العليا قبل أن يصنع الأدوار السفلى، والمقدمات الصحيحة تأتي بنتائج صحيحة، وما فشل المناهج الأدبية الحديثة من بنيوية وتفكيكية في تفسير النص الأدبي إلا دليل على صحة ما نرمي إليه. لقد وضع مفسرو القرآن ((منهجا)) لتفسير النص القرآني، ثم أتي أبوالعلاء والتبريزي وأعطى كل منهما إمكانية تطبيق هذا المنهج على ((نص أدبي)). وهما بهذا الصنيع يكونان قد سلكا طريقا ـ لهما ولغيرهما ـ يلتمسون فيه ((تفسيرا منهجيا)) للنص الأدبي. إن الارتباط أوالتشابه الوثيق بين منهجهما ومنهج مفسري القرآن يجعل الباحث مطمئنا لهذا ((المنهج))؛ فالنفس تطمئن لكل ما هو مرتبط بـ ((النص القرآني))، ويطمئن إلى أن المفسرين والأصوليين ـ من أهل السنة والجماعة ـ لابد أن ينهجوا من الطرق أقومها، ومن السبل أوضحها لتفسير النص القرآني.

والباحث يدعوالأدباء والنقاد إلى وضع نظرية عربية نقدية لتفسير النصوص الأدبية، يكون منهج أبي العلاء والتبريزي لبنة فيها، تلك اللبنة التي تستند بدورها على منهج محكم لتفسير النص القرآني (¬1). إن الدرسات اللغوية المتعلقة بالنص القرآني ((تشكل ـ إلى جانب المؤلفات البلاغية المعروفة ـ أساسا صالحا لدراسات عربية متجددة في الأسلوب؛ وبذلك تلعب دورا لعله يفوق بكثير ذلك الدور الذي لعبته البلاغة اليونانية القديمة بالنسبة للدرس الأسلوبي الحديث عند الأوربيية)) (¬2). والباحث إذ يدعو إلى هذا المنهج يدعو من جهة أخرى إلى طرح المناهج الأدبية الدخيلة علينا (¬3)، المنبتة الصلة بالبيئة العربية، والقادمة إلينا من الغرب. إن الكثير من تلك المناهج والنظريات الأدبية منبت الصلة بتراثنا الثقافي العربي، ذا خلفية أيديولوجية وفلسفية غريبة عنا، وهذا ما يؤكده الباحثون الذين يؤكدون على ¬

(¬1) بين يدي الباحث كتاب بعنوان ((موسوعة النظريات الأدبية))، يحتوي على سبعين نظرية أدبية، للدكتور: نبيل راغب، ليس من بينها للأسف الشديد حديث واحد عن نظرية أدبية نقدية عربية. (¬2) مقال بعنوان: ((النقد اللغوي في التراث العربي)): د. عبد الحكيم راضي، ص 88 [مجلة فصول مجلة النقد الأدبي، تراثنا النقدي ج2، 1986م]. (¬3) ونضيف إلى المناهج الأدبية أيضا ((الأعمال الأدبية)) التي لا تتفق مع عاداتنا وثقافتنا. فقد كانت تلك الأعمال إحدى الطرق لإبعاد المسلمين عن دينهم، وبهذه الأعمال صيغت عقول وأفكار كثير من الأدباء والمفكرين، ((منسلخة تماما عن الدين، إن لم تكن ساخرة مستخفة مستهزئة)). [ينظر: واقعنا المعاصر: محمد قطب، ص 288، دار الشروق ط2، 2006]. وفي مقال بجريدة الأهرام 7مايو2002، ص 11، بعنوان ((حرب باردة جديدة)) للأستاذ فهمي هويدي، قال فيه: ((ليست مصادفة أن تلجأ وزارة الدفاع الأمريكية إلى إنشاء مكتب ((للتأثير الاستراتيجي)) (...) ومن يطالع كتاب ((الحرب الباردة الثقافية)) لمؤلفه الأمريكي فرانسيس سوندر يكشف أن ذلك المكتب كان النواة التي بدأت بها المخابرات المركزية، ويدهش للكيفية التي مورست بها تلك الحرب في مجالات الإعلام والفنون والآداب، واستخدمت لأجلها أسماء كبيرة، وإصدارات محترمة ومؤسسات قامت بأدوار مهمة في حياتنا العقلية والثقافية)).

ارتباط النقد الأدبي في القرون الثلاثة الأخيرة ـ على الأقل ـ بالفكر الفلسفي الذي يتذبذب ((بين الوهم والحقيقة، واليقين والشك، وجاءت التفسيرات المختلفة لمعنى النص انعكاسا لتناقضات الفلسفة حول الحقيقة والوجود والذات)) (¬1)، إننا دائمًا نجد تلك الوشائج القوية ((بين تطورات الفكر العلمي ـ الفلسفي وتطورات الدراسات الأدبية واللغوية)) (¬2) في الغرب. وخير مثال على تلك المناهج الأدبية التي جثمت على صدورنا ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمان، وكان لها من الآثار السلبية ما لا يعلمه إلا الله ما يعرف بـ ((البنيوية)) (¬3)، و ((التفكيكية)) (¬4). ¬

(¬1) المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك: د. عبد العزيز حمودة، ص 96، [سلسلة عالم المعرفة، ع 232، يناير1998م، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت]. (¬2) المرايا المحدبة: د. عبد العزيز حمودة، ص 99، وينظر أيضا الصفحات التالية: 61، 113، 164 (¬3) البنيوية ـ كواحدة من أكثر التيارات العقلية أهمية وانتشارا ـ تقوم على دراسة البني أوالنماذج الكامنة في السلوك الاجتماعي، والثقافة، وتركيب المادة الفيزيائية. إنها تقدم ((منهجية)) معقولة ومنطقية لدراسة كثير من العلوم والمجالات المختلفة، مثل: البيولوجيا والجيولوجيا والأنثربولوجيا، وعلم اللغة، والنقد الأدبي. إن البنيوية التي تقوم على أساس نظرية الاتصال وتدرس العلاقات بين الأشكال بدلا من دراسة طبيعة هذه الأشكال نفسها: عاملة على إيجاد ((لغة)) في العلامات والرموز داخل تلك الأشياء. وبتحليل الشيء قيد البحث ـ سواء أكانت رواية أم أنظمة اتصال أم نظم سياسية ـ فإن البنيوية تحاول الكشف عن ((أطر)) الاتصال الموحَّدة من خلال تركيب ثنائي للعلاقات، تلك العلاقات التي تكتسب معانيها من داخلها ـ وليس من طبيعتها الخارجية ـ من خلال موضع كل علامة من الأخري. ينظر: LEXICON UNIVERSAL ENCYCLOPEDIA, vol18 , p303 ,(structuralism) (¬4) شاع هذا المصطلح في النظرية الأدبية، وفي النقد الأدبي والفني منذ أواخر الستينيات في القرن العشرين، وبالتحديد بعد أن نشر الفيلسوف المعاصر جاك دريدا كتابه المشهور الأول: ((في علم نظم الكتابة)). وهومنهج يستخدم ((الشك)) بهدف هدم أنواع ((اليقين)) الفلسفية والعلمية والدينية، وهدم ـ أوتفكيك ـ كل أنواع ((الوحدة)) الاجتماعية أوالسياسية، أوالثقافية. [مصطلحات الفكر الحديث: سامي خشبة، 1/ 226ـ 227، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006].

إن المعتنق لهاتين النظريتين النقديتين يجد نفسه في نهاية الأمر أمام مأزقين خطيرين: أما المأزق الأول: فهومأزق ((عَقَدي))، يتمثل في ((أَنْسَنَة الدين))؛ أي ((إرجاع الدين إلى الإنسان وإحلال الأساطير محل الدين)) (¬1). وقد قام البعض بالفعل بهذه ((الأنسنة))؛ أي ((أنسنة الدين، وتطبيق المبادئ النقدية الوافدة على النصوص المقدسة)) (¬2). بل تعدى الأمر لما أخطر من ذلك؛ فالقول بما يسمى عند التفكيكيين بـ ((موت المؤلف)) قاد إلى ((رفض وجود الله ذاته وثالوثه: العقل والعلم والقانون)) (¬3). أما المأزق الثاني: هومأزق ((فهم النص)). لقد اكتشف البنيويون أنفسهم في نهاية المطاف ((بعد كل الرفض لكل المدارس السابقة، وبعد دعاوى علمية النقد، أن البديل البنيوي، وهوالنموذج اللغوي، فشل في تحقيق الدلالة أوالمعنى. لقد انشغلوا ـ في حقيقة الأمر ـ بآلية الدلالة، ونسوا ماهية الدلالة. انهمكوا في تحديد الأنساق والأنظمة وكيف تعمل، وتجاهلوا الـ ((ماذا يعني النص؟)))) (¬4). لقد تحولت البنيوية إلى ((تدريب لغوي يتوقف عند تحديد العلاقات بين العلامات، والبنى المكون للنص، وكيف تعمل، دون كثير اهتمام بالمعنى)) (¬5). ومما يقره أيضا د. عبد العزيز حمودة: ¬

(¬1) المرايا المحدبة: د. عبد العزيز حمودة، ص 35 (¬2) المرايا المحدبة: د. عبد العزيز حمودة، ص 64 (¬3) المرايا المحدبة: د. عبد العزيز حمودة، ص 105، وينظر أيضا: التأويل العبثي للوحي والنبوة والدين: د. محمد عمارة، ص 23هدية مجلة الأزهر، جمادى الآخرة 1432هـ (¬4) المرايا المحدبة: د. عبد العزيز حمودة، ص9 (¬5) المرايا المحدبة: د. عبد العزيز حمودة، ص207

((قد تمثل فشل البنيوية الجوهري في نهاية المطاف في قدرتها المكتسبة الجديدة على تحقيق تحليل لغوي بنائي للنص مع فشل كامل في تحقيق معنى النص)) (¬1). أما التفكيكية فهي تقوم على ((غياب المركز الثابت للنص، إذ لا توجد نقطة ارتكاز ثابتة يمكن الانطلاق منها لتقديم تفسير معتمد، أوقراءة موثوق بها، أوحتى عدد من التفسيرات والقراءات للنص، بل إن ما هو مركزي، أوجوهري في قراءة ما يصبح هامشيا في قراءة أوقراءات أخرى، وبالتالي فإن ما هو هامشي في قراءة ما يصبح مركزيا أومركزا في قراءة أوقراءات أخرى، ويستتبع ذلك بالطبع ما أسماه التفكيكيون ((اللعب الحر Free play)) للغة. وحيث إنه لا يوجد مركز ثابت ولا قراءة معتمدة أوموثوق بها أو قراءة مفضلة، وإن الوحدات اللغوية المكونة للنص في حالة لعب حر، إذن لا توجد قراءة نقدية واحدة بل إن كل قراءة نقدية هي في حقيقة الأمر فشل الناقد في قراءة النص، وحتى تفسح المجال لمحاولة من جديد، بصورة لا نهائية. وهكذا يستبدل بالمفهوم التقليدي لتعدد قراءات النص الواحد حسب قدرته على الإيحاء عن طريق الرمز، مفهوم لا نهائية القراءات)) (¬2). إن الأخذ بالمنهج التفكيكي أدي إلى فتح ((أبواب الجحيم: أبواب الشك وفوضى النقد)) (¬3). هذه الفوضى هي ما يؤكدها أحد كبار نقاد الأدب المعاصرين، إذ يقول على استحياء، وفي عبارة رقيقة: ((... ومع كثرة من غمرتهم دوامة التفكيك لدينا، واستخدموا بعض تقنياته، فإن البحث العميق قد انتهى إلى ضيق هامشه في الثقافة العربية إلى حد كبير)) (¬4). ¬

(¬1) المرايا المحدبة: د. عبد العزيز حمودة، ص181 (¬2) المرايا المحدبة: د. عبد العزيز حمودة، ص56 (¬3) المرايا المحدبة: د. عبد العزيز حمودة، ص37، وينظر أيضا: ص164 (¬4) مقال بعنوان: ((المشهد النقدي اليوم))،للدكتور صلاح فضل، جريدة الأهرام، 1 يوليو2002

بعد هذه الكلمات السريعة أعود فأقول: لابد من الرجوع لتراثنا، نتمسك به، ونذب عنه، ونأخذ منه ما ينير الطريق. ***

الخاتمة

الخاتمة

أخيرا وبعد معايشة الموضوع، توصل البحث للنتائج التالية: 1) مذهب أبي تمام في الغريب والبديع كان فيه خير للغة؛ إذ اضطر الشارحون إلى توظيف ثقافتهم كلها لشرح ديوانه؛ مما عاد بالفائدة عليها. 2) احتجاج بعض اللغويين بشعر أبي تمام، مثل: الزمخشري، والرضي، والمبرد. 3) كان لأبي العلاء المنتهى في حفظ اللغات وتصحيحها، وحذق النحو. 4) كان أبو العلاء على علم بالأساليب الشائعة في اللغة وغير الشائعة، وبالألفاظ ذات الأصول العربية وغير العربية، والمبتذل وغير المبتذل، وما نُطِق به وما لم ينطق به، كما كان على علم باللغات المحيطة بالعرب، مثل اللغة النبطية. 5) قرأ أبو العلاء القرآن بروايات، وسمع الحديث على ثقات. 6) أبو العلاء رائد من رواد علم الأسلوب العربي. 7) ينبغي لمن يتصدى لشرح شعر شاعر أن يكون مُلِمًّا بالخصائص الأسلوبية لهذا الشاعر. 8) التبريزي علَمٌ من أعلام اللغة، وإمام من أئمة العربية رغم تحامل المتحاملين عليه. 9) القياس الذي يتردد عند أبي العلاء يتردد بمعنى أنه عملية شكلية يتم فيها إلحاق أمر ما بآخر لما بينهما من شبه أو علة، فيعطي الملحق حكم ما ألحق به. 10) عدم تقيد أبي العلاء والتبريزي بمذهب نحوي معين. 11) لجوء التبريزي عند شرح الديوان للغة على كافة مستوياتها وفي جميع أطوارها: فصيحة وعامية، نثرا وشعرا، قديمة وحديثة. 12) قيام الأصول النحوية من سماع وقياس بدور مهم في الشرح. 13) اتساع دائرة السماع عندهما لما بعد 150 هـ.

14) اللغة عند أبي العلاء والتبريزي مستويات، منها اللغة العالية، ولم ينسباها إلى قبيلة معينة. 15) وقوف لغويينا القدامى أمام كل لفظة في اللغة تحليلا ودراسة. 16) دراسة اشتقاق الكلمة وسيلة لفهم معناها. 17) تجويز أبي العلاء والتبريزي لصياغة الفعل من الاسم الجامد. 18) دلالات الأوزان الصرفية متطورة ومتداخلة أحيانا، ويجب السعي دوما للوقوف على معانيها. 19) ذكر الوزن وسيلة من وسائل الشرح. 20) قد يقوم المصدر مقام الاسم. 21) إمكانية تثنية المصدر المؤكد لعامله وجمعه لغرض بلاغي. 22) الجمع قد يبنى على النسب. 23) عدم تحديد المصطلحات النحوية يمثل مشكلة في فهم الكتب التراثية. 24) ظاهرة التذكير والتأنيث لا تجري في اللغة على قياس مطرد، وأن المعول عليه فيها هو السماع. 25) عبدون وحمدون أسماء أعجمية لتأثرها بالبيئة الأندلسية واللغة الأسبانية. 26) التناسق اللفظي قد يكون له تأثيره على ضبط الكلمة وإعرابها وبنيتها. 27) العرب تثني الشيء وتجمعه؛ لأنها تضيف إليه ما يقرب منه. 28) أهمية قانون المماثلة الصوتي في تفسير بعض الأمور الصرفية في مثل: اتصل، اصطبر. 29) حذف حرف من الكلمة لضعفه ولطول الكلمة. 30) الإبدال والإعلال من وسائل اللغة للتخفيف والهروب من استثقال التشديد والتقاء ساكنين. 31) استخدام التبريزي لمصطلح همزة البين بين عند شرح قول أبي تمام: تَاللهِ نَدري أَالإِسلامُ يَشكُرُها ... مِن وَقعَةٍ أَم بَنو العَبّاسِ أَم أُدَدُ 32) تجويز أبي العلاء مد المقصور في الشعر والنثر.

33) يجوز تخفيف الهمزة إذا لم توجد لفظة مشابهة حروفا وضبطا للفظ الذي خففت همزته، وإن وجد لفظ مشابه وجب وجود قرينة تمنع اللبس. 34) من أنواع الهمزات همزة التعجب. 35) مصطلح البنية عند التبريزي يشمل التراكيب التي تتكون من كلمتين أو أكثر، وأن مصطلح البنية قديم، وأقدم من استخدمه على وجه التقريب المبرد 285هـ. 36) أشار التبريزي إلى أن أبنية اللغة ((متفق عليها))؛ بمعنى: أن قبول اللغويين لبنية معينة ليس ناتجا عن علة معينة، أولسبب معين، وإنما قبولهم لبنية معينة يكون بسبب الاتفاق الذي وقع في اللغة حول هذه البنية. 37) أشار أبوالعلاء إلى أن البنى الصرفية تكونت وتحددت لدي علماء اللغة بعد استقراء وإنعام للنظر طويلين لهذه الألفاظ، وأن منها ما هو مستنكر، ومنها ما هو مستعمل وغير مستعمل. 38) الأبنية المستقرة تحدد الطريقة التي يمكن أن يكون عليها اسم أعجمي لو رغبنا في النطق به. 39) الأبنية المستقرة والمعلومة والمحددة عند اللغويين كانت بمثابة ((المعيار والقرينة)) التى يعرف بها ما يوافق الأسماءَ العربية من الأسماء الأعجمية. 40) وجود قانون صوتي يمنع تجمع أحرف معينة عند تكوين بنية الكلمة، كأن تجتمع الكاف والذال والجيم في كلمة، أوتجتمع أحرف من حروف الحلق. 41) معظم الألفاظ تتخذ من مكوناتها الداخلية ما تحتاط به من التباس معناها بمعنى لفظة أخرى مشابهة لها. 42) اللغة العامية قد تكون مفيدة أحيانا في دراسة الفصحى. 43) البنية الخماسية لا مذهب لها في الاشتقاق. 44) الألفة وكثرة الاستعمال تؤثران على بنية الكلمة وحروفها. 45) الأسماء ثنائية الحروف عند التبريزي يحكم بأصلية حرفيها وحذف حرف ثالث.

46) الأسماء الأعجمية قد توافق في بنيتها بنى الأسماء العربية. 47) انتقال الكلمة من المصدرية إلى الاسمية له في اللغة شواهد عديدة، ولا تتخلى الكلمة عند الانتقال عن مصدريتها تماما. 48) الأفعال التي تتعدي بحرف الجر يمكن أن يفصل بينها وبين حرف الجر فاصل. 49) قياسية التضمين في تحويل الفعل اللازم إلى متعد والعكس. 50) جواز إضافة بعض الشيء إلى كله. 51) موافقة أبي العلاء لمن أجاز إضافة أفعل إلى ما هو ليس ببعضه؛ لأن الإضافة يتسع فيها جدا. 52) كل الجمل لها محال إعرابية عند أبي العلاء. 53) التتبع التاريخي للمصطلحات النحوية أمر له فوائده الجمة، ولابد للباحث في كتب التراث من الإلمام بهذه المصطلحات. 54) اللغة في بعض الأحيان تكسر المألوف لإثارة الذهن. 55) جواز أن تقع من على ما لا يعقل؛ إذا خلط الإنس بغيرهم. 56) إمكانية إشراب اسم معنى فعل؛ فينصب اسما تاليا عليه. 57) اهتمام أبي العلاء والتبريزي بإبراز وسائل التماسك النصي، ومن أهمها التناص الذي أخذ عندهما أشكالا مختلفة. 58) الاهتمام بمناهج العلماء في كتبهم أمر من الأهمية بمكان. 59) كان لأبي العلاء والتبريزي في شرحهما للديوان منهج متكامل يتمثل في العناصر التالية: • توثيق الرواية. • توظيف قرينة السياق. • توظيف الخصائص والسمات الأساسية للبيئة اللغوية الفصيحة المستقرة في عصرهما. • توظيف خصائص الصنعة الشعرية.

• تأويل البيت كل التأويلات الممكنة في غياب القرينة المحددة لمعنى معين. • الاهتمام بالجوانب الدلالية للكلمة. • ذكر غرض القصيدة، وسبب قولها قبل الشروع في شرحها. • ذكر بحر القصيدة ولقب القافية. • ذكر مفرد الجموع، وجموع المفرد، والمذكر والمؤنث، وكون اللفظة من الأضداد أم لا. 60) أثبت البحثُ أوجه التشابه التي بين هذا المنهج وبين المنهج الذي اعتمده مفسروالقرآن. 61) خطورة تبني المذاهب الأدبية الحديثة مثل: البنيوية والتفكيكية، والتي لا تناسب ثقافتنا ولا معتقداتنا. 62) ينبغي لمن يتصدى لتفسير النصوص العربية أن يكون ملمًّا بلغة العرب، واسع العلم بها، عالمًا بطرائق استعمال ألفاطها وأساليبها. 63) أشار البحث إلى أن كثيرا من العلوم اللغوية والاتجاهات الأدبية والتي أُخذت من الغرب لها بذور وإرهاصات في تراثنا القديم، مثال ذلك: علم الأسلوب، علم النص، نظرية التحليل التكويني. ****

قائمة المراجع

قائمة المراجع أولا ـ المراجع العربية 1) آفاق التناصية المفهوم والمنظور، د. محمد خير البقاعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب / دراسات أدبية 1998م 2) الإبداع الموازي، محمد حماسة عبد اللطيف، [دار غريب، ط 1، 2001]. 3) الإبهام في شعر الحداثة، د. عبد الرحمن محمد القعود، [سلسلة عالم المعرفة ع 279، مارس 2002، الكويت] 4) أبوالعلاء المعري، د. عائشة عبد الرحمن، سلسلة أعلام العرب، رقم 38 5) أبو العلاء المعري، الزاهد المفترى عليه، د. عبد المجيد دياب، المكتبة الثقافية 405، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م 6) الإتقان في علوم القرآن، مكتبة مصر، دار مصر للطباعة. 7) الاجتهاد والتقليد في الإسلام، د. طه جابر فياض العلواني، دار الأنصار القاهرة ط1، 1979م 8) الاحتجاج بالشعر في اللغة، الواقع ودلالته، د. محمد حسن حسن جبل، [دار الفكر العربي] 9) إحياء علوم الدين، دار المعرفة ـ بيروت 10) أساس البلاغة، الزمخشري، ط دار الشعب، 1960 11) أسباب النزول، الواحدي النيسابوري، [دار الريان للتراث، تحقيق د. السيد الجميلي]. 12) أسباب ورود الحديث، تحليل وتأسيس، د. محمد رأفت سعيد، كتاب الأمة ـ وزارة الشئون الإسلامية، قطر 1994 13) الاستدلال النحوي، نحونظرية معاصرة لأصول النحوالعربي، د. محمد عبد العزيز عبد الدايم، 2008، وبدون بيانات أخرى. 14) أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، قرأه وعلق عليه: أبوفهر محمود محمد شاكر، مطبعة مدني. 15) الأسلوب، دراسة لغوية إحصائية، د. سعد مصلوح، عالم الكتب، ط3، 1992م 16) الأسلوبية، مدخل نظري ودراسة تطبيقية، د. فتح الله أحمد سليمان، الدار الفنية، بدون بيانات أخرى. 17) أسماء الله الحسنى، دراسة في البنية والدلالة، د. أحمد مختار عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة2000 18) الأشباه والنظائر في النحو: السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 19) أصول التفكير النحوي، د. علي أبو المكارم: دار غريب ط1، 2006م 20) أصول الفقه الإسلامي، د. عبد العزيز رمضان سمك، [دار النهضة العربية، ط1، 2003]. 21) أضواء على لغتنا السمحة، محمد خليف التونسي، كتاب العربي، الكتاب التاسع 1985م، الكويت. 22) الاعتصام، الشاطبي، تحقيق: السيد محمد رشيد رضا، مكتبة الأسرة، 2009 23) إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين الدرويش، دار ابن كثير للطباعة والنشر، دمشق. 24) الأعلام: الزركلي، ط15، دار العلم للملايين 2002 25) الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، تحقيق: مصطفى السقا، 1961، دار الكتب المصرية.

26) الإغراب في جدل الإعراب، ولمع الأدلة في أصول النحو، قدم لهما وعني بتحقيقهما: سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية، 1957م 27) الاقتراح، في علم أصول النحو، السيوطي، قرأه وعلق عليه د. محمود سليمان ياقوت، [دار المعرفة الجامعية، 2006]. 28) أمالي المرتضي، غرر الفوائد ودرر القلائد، للشريف المرتضي علي بن الحسين الموسوي العلوي تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، 1954 م دار إحياء الكتب العربية 29) امرؤ القيس، د. الطاهر أحمد مكي، حياته وشعره، وما بعدها، ط5، دار المعارف 1985م 30) إنباه الرواة على أنباه النحاة، جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، ط1، دار الفكر العربي، 1986 31) الإنصاف في مسائل الخلاف: أبي البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري، [دار الطلائع، 2009]. 32) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ابن هشام، [تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت]. 33) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، أحمد محمد شاكر، مكتبة التراث، ط3، 1979م 34) البحث اللغوي عند العرب، د. أحمد مختار عمر، [عالم الكتب، ط 6، 1988]. 35) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، جلال ال الدين السيوطي، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، ط2، دار الفكر، 1979م 36) البلاغة والأسلوبية د. محمد عبد المطلب، سلسلة أدبيات، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، ط1، 1994م 37) بناء الجملة العربية، [دار غريب للطباعة والنشر، ط1، 2002] 38) بناء لغة الشعر، جون كوين، ترجمة د. أحمد درويش، [مكتبة الزهراء] 39) البيان في روائع القرآن: د. تمام حسان، [مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002]. 40) تاريخ الآداب العربية، كارل بروكلمان، ترجمة د. عبد الحليم النجار، دار المعارف 41) تاريخ الإسلام، ووفيات المشاهير والأعلام، للذهبي، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط1، 2003 42) تاريخ العرب قبل الإسلام، د. السيد عبد العزيز سالم، الهيئة العامة لقصور الثقافة، ذاكرة الكتابة ط2، 2000. 43) تاريخ النقد الأدبي عند العرب، طه أحمد إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان. 44) التأويل العبثي للوحي والنبوة والدين، د. محمد عمارة، [هدية مجلة الأزهر، جمادى الآخرة 1432هـ] 45) تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، ط2، دار التراث 1973م 46) تجريد الأغاني، ابن واصل الحموي، القسم الثاني، تحقيق: طه حسين، إبراهيم الإبياري، سلسلة الذخائر 22، الهيئة العامة لقصور الثقافة 1998 47) التحليل الدلالي: إجراءاته ومناهجه، د. كريم زكي حسام الدين، دار غريب، ط1، 2000 48) تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم، عبد الرزاق بن فراج الصاعدي، الناشر: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ط1 1422هـ

49) التطور اللغوي، مظاهره وعلله وقوانينه: د. رمضان عبد التواب، ط 1، مكتبة الخانجي. 50) التعريفات، الجرجاني، دار الريان. للتراث، تحقيق: إبراهيم الإبياري. 51) تفسير المنار، السيد محمد رشيد رضا، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1990، 52) التماسك النصي ودور المعاني النحوية فيه، د. محمد البدري عبد العظيم كامل، [رسالة دكتوراه، كلية دار العلوم، 2007] 53) التنبيه على أمالي أبي علي القالي، لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري، الجزء الثاني من الأمالي، [الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة،183] 54) تهذيب سير أعلام النبلاء، ط مؤسسة الرسالة، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون. 55) تهذيب النحو: د. عبد الحميد السيد طلب، مكتبة دار العلوم، مطبعة الإرشاد. 56) تيارات الفكر الإسلامي، د. محمد عمارة، ط1، دار الشروق 1991م 57) الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، [ط2، القاهرة، مطبعة دار الكتب، 1966] 58) الجملة في الشعر العربي، د. محمد حماسة عبد اللطيف، مكتبة الخانجي ط1، 1990م، القاهرة 59) حاشية الصبان على شرح الأشموني، [تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، المكتبة التوفيقية] 60) الحيوان لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، طبعة الحلبي ط2 61) الخصائص، لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق محمد علي النجار، سلسة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، رقم 146، 2006 62) الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام، د. عبد الفتاح لاشين، دار المعارف. 63) خطوات التفسير البياني، د. محمد رجب البيومي، سلسلة مجمع البحوث الإسلامية، السنة التاسعة والعشرون ـ الكتاب الأول 1419/ 1998م 64) دراسات في التفسير: د. محمد نبيل غنايم، [دار الهداية، ط2، 1992م] 65) دراسات في الفلسفة الإسلامية، د. عبد اللطيف محمد العبد، مكتبة النهضة الإسلامية، 1979م 66) دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، قراءة وتعليق: محمود محمد شاكر ط3، 1992 مطبعة المدني. 67) دور الكلمة في اللغة، ستيفن أولمان، ترجمة، د. كمال بشر، [بدون تاريخ للطبعة ـ مكتبة الشباب]. 68) ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، [المجلد الأول ط5، المجلد الثاني ط5 ـ 2006، المجلد الثالث ط4، المجلد الرابع ط1ـ 1965]، دار المعارف. 69) ديوان حسان بن ثابت، تحقيق د. سيد حنفي حسنين، سلسلة الذخائر 171، الهيئة العامة لقصور الثقافة. 70) ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات، تحقيق وشرح: محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت 71) ديوان المتنبي، [دار صادر، بيروت]. 72) الرؤية والعبارة، مدخل إلى فهم الشعر د. عبد العزيز موافي، مكتبة الإسرة، 2010، الهيئة المصرية العامة للكتاب. 73) الرسالة، للشافعي، إعداد ودراسة د. محمد نبيل غنايم، سلسلة تقريب التراث،، ط1، 1988م، مركز الأهرام للترجمة والنشر. 74) رسالة الصاهل والشاحج: لأبي العلاء، تحقيق: د. عائشة عبد الرحمن، ط2، دار المعارف 1984م

75) رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، محمود محمد شاكر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1997م. 76) رسالة الملائكة: ص 236، تحقيق محمد سليم الجندي، دار صادر بيروت، 1412هـ، 1992م 77) رسالتان لابن الأنباري، الإغراب في جدل الإعراب، ولمع الأدلة في أصول النحو: لأبي البركات الأنباري، [تحقيق سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية، 1957م] 78) الزوائد في الصيغ في اللغة العربية في الأسماء، د. زين كامل الخويسكي، ص4، دار المعرفة الجامعية ط2 79) سقط الزند: دار صادر بيروت، 1957م 80) السلسلة الصحيحة، الألباني، [مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1415هـ، 1995] 81) السلسلة الضعيفة، الألباني، [مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1415هـ، 1995] 82) سير أعلام النبلاء، الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وصالح السمر ـ مؤسسة الرسالة، ط1، 1982 83) شذا العرف في فن الصرف، الشيخ أحمد الحملاوي، [المكتبة الثقافية، بيروت لبنان]. 84) شرح ابن عقيل، [الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1994م] 85) شرح الرضي لكافية ابن الحاجب، [تحقيق: د. حسن بن محمد بن إبراهيم الحفظي، طباعة إدارة الثقافة والنشر بجامعة محمد بن سعود، المملكة العربية السعودية] 86) شرح شافية ابن الحاجب، تأليف الشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الاستراباذي النحوي، [تحقيق: محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، 1982م] 87) شرح شافية ابن الحاجب: حسن بن محمد بن شرفشاه الحسيني الأستراباذي، ركن الدين، تحقيق: د. عبد المقصود محمد عبد المقصود، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، ط1، 1425 هـ/2004م 88) شروح الشعر الجاهلي: د. أحمد جمال العمري، الجزء الثاني: مناهج الشراح، [دار المعارف، ط 1، 1981م] 89) شعر أبي تمام دراسة نحوية: د. شعبان صلاح، ص 125، [دار الثقافة العربية، ط1، 1991م]. 90) الشعراء وإنشاد الشعر، على الجندي، دار المعارف. 91) ضحى الإسلام، أحمد أمين، [الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1997م] 92) طائر الشعر، د. يوسف نوفل، الهيئة العامة لقصور الثقافة، كتابات نقدية ط1، 2010م، 187 93) طبقات فحول الشعراء، محمد بن سلام الجمحي، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني 94) ظاهرة التخفيف في النحو العربي، د. أحمد عفيفي، الدار المصرية اللبنانية، ط1، 1996م 95) الظاهرة القرآنية مشكلات الحضارة، مالك بن نبي، ترجمة د. عبد الصبور شاهين، الهيئة العامة لقصور الثقافة، آفاق عربية، ط4، 2003

96) العربية بين نحوالجملة ونحوالنص، الجزء الثاني، كتاب المؤتمر الثالث للعربية والدراسات النحوية، 1413هـ، 2005م، كلية دار العلوم، قسم النحووالصرف والعروض، جامعة القاهرة. 97) العربية، دراسة في اللغة واللهجات والأساليب، يوهان فك:، ترجمة د. رمضان عبد التواب، [ط1، 1980، الخانجي] 98) العلامة الإعرابية في الجملة بين القديم والحديث، محمد حماسة عبد اللطيف، دار غريب 2001م. 99) علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته، د. صلاح فضل، دار الشروق، ط1، 1998 100) علم الدلالة، د. أحمد مختار عمر، عالم الكتب، ط5، 1998 101) علم اللغة العام، الأصوات، د. كمال بشر، دار المعارف، 1980 102) علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، د. صبحي إبراهيم الفقي، دار قباء، 2000 103) فقه اللغة وسر العربية: لأبي منصور الثعالبي، [تحقيق: مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الذخائر 168] 104) الفكر اللغوي عند أبي العلاء المعري في ضوء علم اللغة الحديث، د. جمال محمد طلبة في كتابه، [الكتاب بدون بيانات] 105) الفلسفة الإسلامية مدخل وقضايا، د. حامد طاهر، بدون بيانات أخرى. 106) في تاريخ الأدب الجاهلي: د. علي الجندي [دار المعارف، ط2] 107) في التطور اللغوي، د. عبد الصبور شاهين، مكتبة الشباب، 1989م 108) في التفسير الفقهي، د. محمد قاسم المنسي، مكتبة الشباب، 1997م 109) قراءات أسلوبية في الشعر الحديث، د. محمد عبد المطلب، [الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995] 110) القرآن: د. عبد الفتاح أبوسنة، [دار الشروق، ط1، 1995م]. 111) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، [دار الريان للتراث]. 112) قصص العرب، محمد أحمد جاد المولى وآخرون، سلسة الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة رقم 176، 2009 113) قضية الشعر الجاهلي: أبوفهر محمود محمد شاكر، [الناشر مطبعة المدني بمصر، ط1، 1418هـ، 1997] 114) القواعد والأصول الجامعة، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ط1، 1413هـ / 1993م، مكتبة ابن تيمية، القاهرة 115) الكتاب، [تحقيق وشرح د. عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة]. 116) كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية العربية لأبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي، تحقيق حسين بن فيض الله الهمداني، مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء 117) الكشاف، [شرحه وضبطه يوسف الحمادي، الناشر: مكتبة مصر]. 118) كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب، ضياء الدين بن الأثير، تحقيق د. النبوي عبد الواحد شعلان، ط 1، الزهراء للإعلام العربي، 1994 119) الكلمة: دراسة لغوية معجمية، د. حلمي خليل، دار المعرفة الجامعية ـ الإسكندرية، ط2، 1993 120) الكليات، معجم في المصطلحات والفروق اللغوية: لأبي البقاء الكفوي، [تحقيق: د. عدنان درويش ـ محمد المصري، ط2، 1419هـ، 1998، مؤسسة الرسالة للطباعة] 121) كيف نتعامل مع السنة؟: د. يوسف القرضاوي، دار الشروق ط3، 2005

122) لسان العرب، لابن منظور، [ترتيب طبعة دار المعارف، تحقيق: عبد الله علي الكبير وآخرون]. 123) اللغة العبرية، تطبيقات في المنهج المقارن، د. محمد صالح توفيق، [دار الهاني للطباعة، 2004] 124) اللغة العربية معناها ومبناها، د. تمام حسان، دار الثقافة، طبعة 1994م، الدار البيضاء المغرب 125) اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، د. نادية رمضان النجار، دار الوفاء، الإسكندرية، ط1 126) لغويات جديدة، د. أحمد محمد الحوفي، دار المعارف، بدون تاريخ. 127) اللمع في العربية ابن جني، ت: سميح أبو مغلي، دار مجدلاوي للنشر، عمان 1988م 128) محاضرات مجمعية، د. شوقي ضيف، [مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1998] 129) مختار الصحاح، عني بترتيبه: السيد محمود خاطر 130) المدارس النحوية، د. شوقي ضيف، [دار المعارف، ط 9]. 131) مدخل إلى علم التفسير، د. محمد بلتاجي، [مكتبة الشباب، 2000]. 132) المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، د. رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، ط3، 1996م 133) مدخل إلى علم لغة النص، د. إلهام أبوغزالة، على خليل حمد، [الهيئة العامة المصرية للكتاب، سلسلة الألف كتاب الثاني، ط2، 1999] 134) المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، د. مصطفى عبد العزيز السنجرجي، [دار الفيصلية، مكة المكرمة، ط1، 1986م]. 135) المذكر والمؤنث، أبو الحسن أحمد بن فارس، تحقيق رمضان عبد التواب، ط1 القاهرة 1969م 136) المذكر والمؤنث، للفراء، تحقيق: رمضان عبد التواب، 74، ط2 مكتبة دار التراث. 137) مراكز الدراسات النحوية، د. عبد الهادي الفضلي، [مكتبة المنار، الأردن، ط1، 1986م]. 138) المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، د. عبد العزيز حمودة، [سلسلة عالم المعرفة، ع 232، يناير1998م، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت] 139) المزهر في علوم اللغة وأنواعها، [تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم وآخرون، مكتبة دار التراث ط3]. 140) مشكلات نحوية: د. محمد عبد المجيد الطويل، ط1، 2002، مكتبة زهراء الشرق. 141) المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة، د. طه محمد الجندي، [الناشر دار الثقافة العربية] 142) المصطلح النحوي، نشأته وتطوره حتى أواخر القرن الثالث الهجري، عوض حمد القوزي، الناشر: عمادة شئون المكتبات، جامعة الرياض، ط1، 1981م 143) مصطلحات الفكر الحديث، سامي خشبة، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006 144) المعاجم العربية المجنسة، د. محمد عبد الحفيظ العريان، الناشر: دار المسلم 1984م 145) معاني الأبنية في العربية، د. فاضل صالح السامرائي، [ط2، 1428هـ 2007م، دار عمار للنشر والتوزيع، الأردن] 146) معجم الأدباء أوإرشاد الأريب لمعرفة الأديب، ياقوت الحموي، ط1، دار الكتب العلمية، 1991م

147) معجم الأوزان الصرفية، د. إميل بديع يعقوب، ط1 عالم الكتب، بيروت 1993م 148) المعجم التاريخي للغة العربية وثائق ونماذج، د. محمد حسن عبد العزيز، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، ط1، 2008م 149) معجم شواهد النحوالشعرية، د. حنا جميل حداد، دار العلوم للطباعة والنشر 1404هـ، 1984م، الرياض، المملكة العربية السعودية 150) المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، ط القاهرة 1983 151) معجم القراءات القرآنية، د. أحمد مختار عمر، عبد العال سالم مكرم، ط2، مطبوعات جامعة الكويت 152) معجم المؤلفين، تراجم مصنفي الكتب العربية، عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة. 153) معجم مصطلحات النحووالصرف والعروض والقافية باللغتين العربية والإنجليزية، د. محمد إيراهيم عبادة، دار المعارف] 154) المعجم الوافي في أدوات النحوالعربي، د. على توفيق الحمد، يوسف جميل، دار الأمل، ط2، 1414هـ، 1993م 155) المعجم الوسيط، ط3، مجمع اللغة العربية. 156) المعلقات وعيون العصور، د. سليمان الشطي، عالم المعرفة، ع 380، سبتمبر 2011م، الكويت. 157) المُغرب في حُلى المغرب، المقري، ت: د. شوقي ضيف، دار المعارف، ط4 158) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، دار الفكر، بيروت، ط6، تحقيق: د. مازن المبارك ومحمد على حمد الله، 1985م] 159) المقتضب، محمد بن يزيد العباس، المبرد، المحقق: محمد عبد الخالق عظيمة، الناشر: عالم الكتب، بيروت 160) المقدمة، عبد الرحمن بن خلدون، تحقيق د. علي عبد الواحد وافي، مكتبة الأسرة 2006 161) الممتع الكبير في التصريف، علي بن مؤمن بن محمد، الحَضْرَمي الإشبيلي، أبو الحسن المعروف بابن عصفور الناشر: مكتبة لبنان، الطبعة: الأولى 1996 162) من أسرار اللغة، د. إبراهيم أنيس، [مكتبة الأنجلو، ط7، 1994م]. 163) من علم العروض والقافية، د. محمد بدوي المختون، دار الثقافة العربية 164) منهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجني:، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي. 165) منهج البحث التاريخي، د. حسن عثمان، دار المعارف، ط7، 1996م 166) الموافقات، [مكتبة الأسرة 2006، الهيئة المصرية العامة للكتاب]. 167) مواقف النحاة من القراءات القرآنية، د. شعبان صلاح،112، دار غريب، 2005 168) الموسوعة الإسلامية العامة: وزارة الأوقاف، القاهرة 1424هـ، 2003م 169) الموسوعة الثقافية، دار المعرفة بإشراف د. حسين سعيد، ط دار الشعب. 170) موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، محمد على التهانوي، تحقيق: د. على دحروج وآخرون، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1996م 171) موسوعة النظريات الأدبية، د. نبيل راغب، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، ط1، 2003 172) نظرة جديدة في موسيقى الشعر، د على يونس، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1993م. 173) النحوالوافي، الأستاذ عباس حسن، دار المعارف. 174) نظرية اللغة في النقد الأدبي، د. عبد الحكيم راضي، ط 1، 2003، المجلس الأعلى للثقافة

ثانيا المراجع الأجنبية

175) نفاضة الجراب في علالة الاغتراب: لسان الدين بن الخطيب، ت: د. أحمد مختار العبادي، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر. 176) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقري، ت: إحسان عباس، دار صادر بيروت، 1988م 177) نقد الشعر، أبو الفرج قدامة بن جعفر، تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان 178) النقد المنهجي عند العرب ومنهج البحث في الأدب واللغة، د. محمد مندور، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007 179) همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، السيوطي، تحقيق وشرح د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية 1975م، الكويت 180) واقعنا المعاصر، محمد قطب، دار الشروق ط2، 2006 181) الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق إبراهيم شبوح، ط1 بيروت 2004 182) وحي القلم: مصطفى صادق الرافعي، مكتبة الأسرة 2003 ثانيا المراجع الأجنبية 1 - A dictionary of philosophy , M.Rosenthal and P.Yudin , (First printing 1967) 2 - Oxford Advanced learner, s Dictionary of Current English , S.Hornby , (Oxford University Press) 3 - LEXICON UNIVERSAL ENCYCLOPEDIA , by Lexicon Publications, Inc , 1984 4 - The study of language : G.Yule , Cambridge University 1995 5 - WEBSTER S NEW WORLD DICTIONARY , David B.Guralnik. ثالثا: المجلات والدوريات 1) جريدة الأهرام، 1 يوليو2002 2) مجلة الأزهر الأعداد الصادرة في: رجب 1399هـ يونيه 1979م / جمادى الآخرة 1432هـ 3) مجلة التراث العربي، دمشق العدد 108 السنة السابعة والعشرون - كانون الأول 2008 - ذو الحجة 1428 4) مجلة الدراسات الشرقية: ع 15، يوليو 1995م. 5) مجلة عالم الفكر، مارس 1986 6) مجلة العربي الكويتية، الأعداد: 122/ 232 / 247 7) مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي: ·، المجلد الرابع، العدد الأول، 1983 بعنوان: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب. · المجلد السادس، العدد الأول، 1985م، بعنوان: تراثنا النقدي، الجزء الأول · المجلد السادس، العدد الثابي، 1986م، بعنوان: تراثنا النقدي، الجزء الثاني

ملخص الرسالة

ملخص الرسالة هذه الرسالة بعنوان: ((شرحا أبي العلاء والخطيب التبريزي على ديوان أبي تمام، دراسة نحوية صرفية)). وهي مقسمة إلى: مقدمة وتمهيد وبابين وخاتمة. أما المقدمة فتناولت أسباب اختيار الموضوع وأهميته والدراسات السابقة. ويتناول التمهيد الحديث عن ديوان أبي تمام وقيمته الأدبية وشراحه، وتراجم مختصرة عن أبي تمام وأبي العلاء والتبريزي. أما الباب الأول فعنوانه: ((الدراسة النحوية والصرفية لشرح أبي العلاء والتبريزي)). تناول الباحث في المبحث الأول الأصول النحوية عندهما. والمبحث الثاني دراسة الآراء الصرفية والنحوية عندهما. أما المبحث الأخير فتناول وسائل التماسك النصي التي أبرزها أبوالعلاء والتبريزي عند شرحهما للديوان. أما الباب الثاني فعنوانه: ((منهج أبي العلاء والتبريزي في شرح الديوان))، تناول فيه الباحث منهج أبي العلاء والتبريزي في شرح الديوان، وأوجه التشابه بين منهجيهما ومنهج مفسري القرآن، ثم الختام بأهم التتائج التي توصل إليها الباحث. ****

The thesis, summary ، The explication of ,al-Ma،ari and ,al-Tabrizi on Abu Tammam, s divan , a syntactical and morphological study , is the adress of this thsis . It is divided into : an introduction , a preface , two sections and concluding section . The introduction gives information about : The causes of choosing the thsis , its importance and the previous studies concerning this thsis . The preface offers information about Abu Tammam, s divan , its literary value and its commentators . It also contains short biographies about Abu Tammam , ,al-Ma،ari and ,al-Tabrizi . The first section has the adress : the morphological and syntactical study of ,al-Ma،ari and ,al-Tabrizi , s explication . It also includes the means of textual cohesiveness which were exposed by ,al-Ma،ari and ,al-Tabrizi during their explication . On the other hand , the scond section has the adress ، The method of ,al-Ma،ari and ,al-Tabrizi in their explication on Abu Tammam, s divan . It includes the method of ,al-Ma،ari and ,al-Tabrizi in their explication and aspects of agreement between their method and the method of the Quran, s commentators Finally , this thsis is concluded by the more important results which were discovered by the researcher. **** Cairo university Faculty of Dar Al-oloom ،The explication of ,al-Ma،ari and ,al-Tabrizi on Abu Tammam, s divan , a syntactical and morphological study , A thesis of master,s degree Preparing by : Ehab Abd Al-Hameed Abd Al-Sadek Salama Under the auspices of professor : Mohammad Gamal Sakr The assistant professor of syntax , morphology and prosody.

§1/1