شأن الدعاء
الخطابي
شأن الدعاء لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي الحافظ (319 - 388 هـ) تحقيق أحمد يوسف الدّقاق
بسم الله الرحمن الرحيم
شأن الدعاء
جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1404 هـ - 1984 م الطبعة الثالثة 1412 هـ - 1992 م دار الثقافة العربية دمشق - ص. ب: 30756 بيروت - ص. ب: 113/ 6433 المدير المسؤول أحمد يوسف الدقاق
مقدمة التحقيق
مقدمة التحقيق
1 - التمهيد:
1 - التمهيد: الحمد لله الذي جعل من الدعاء عبادة وقربى، وأمر عباده المؤمنين بالتوجه إليه لينالوا عنده منزلة رفيعة وزلفى. فقال -تقدست أسماؤه-: (ادعوني أستجب لكم)، وقال: (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)، وقال أيضاً: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) أحمده حمداً كثيراً يوافي نعمه، ويكافىء مزيده، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة، ومصباح الهدى محمدٍ صلاة دائمة تليق بمنزلته، وتجزيه عنا ما هو أهله وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم الى يوم الدين. أما بعد، فإنه لَمِنْ دواعي سروري أن أقدم للقرّاء الكرام كتاب "شأن الدعاء" للإمام أبي سليمان حَمْد بن محمد بن إبراهيم الخطابي لأول مرة عن أصوله الخطية التي سيأتي ذكرها في هذه المقدمة. 2 - التعريف بالكتاب: كتاب شأن الدعاء يكاد يكون فريداً في بابه، وإن كان مضمونه منتثراً كاللآلىء بين تضاعيف الكتب عند أئمة العلم من المفسرين والمحدثين واللغويين، والكتاب مقسم الى ثلاثة أجزاء: تناول أبو سليمان -رحمه الله- في الجزء الأول منه: الدعاء، ومعناه، ومنزلته في الدين ... ثم بيّن ما للدعاء من أثر طيب في دفع البلاء، ورد
3 - سبب إملاء الخطابي للكتاب:
القضاء، وأظهر الفرق بين مذهب من يرى أن الدعاء لا ينفع فيما جرى به القضاء، وبين مذهب من يرى أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، مغلباً جانب الداعين على التاركين ... بأسلوب رصين وحجة بالغة، وهذا الجزء، في الواقع، يغني عن تساؤلات كثيرة في أمر الدعاء والقضاء، ويبصر المؤمن أنه أبداً يجب أن يكون معلقاً مع الله تعالى بالرجاء والدعاء ... ثم يتناول شرح أسماء الله الحسنى الواردة في الحديث: "إن لله تسعة وتسعين اسماً ... " شرحاً فيه، بالإضافة الى المعنى اللغوي والاشتقاقي، المدلول الفقهي لمعاني أسماء الله تعالى وصفاته، ثم يلحقه بفصل يسميه: لواحق الدعاء ... فيستغرق قسماً من نهاية الجزء الأول وبداية القسم الثاني، ثم يتناول بعد أن يستوفي الدعاء ومعناه وشرح الأسماء والصفات، كتاب الأدعية المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، التى جمعها الإمام ابن خزيمة. ثم يلحق به فصلاً يسميه الخطابي -رحمه الله- من لواحق الدعاء -الذي لم يذكره ابن خزيمة في المأثور من الدعوات التي جمعها- فيغني الكتاب بـ (35) حديثاً من رقم (108 - 143) إضافةً على ما جمعه ابن خزيمة، مشروحة مفسرة بما يفيد المسلم في حياته وأخراه. 3 - سبب إملاء الخطابي للكتاب: الكتاب في الأصل شرح لكتاب الدعوات التي جمعها الإمام ابن خزيمة ولقد كان الدافع لإملاء الكتاب سؤال إخوانه عن الدعاء، ومعناه، وطلبهم أن يفسر لهم ما يُشكل من ألفاظ الأدعية المأثورة، كما قال رحمه الله في المقدمة-: فإنكم سألتم -إخواني أكرمكم الله- عن الدعاء وما معناه؟ وفائدته؟ وما محله من الدين؟ وموضعه من العبادة؟ وما حكمه في باب الاعتقاد؟ وما الذى يجب أن ينوي الداعي بدعائه؟ إلى أن قال: وطلبتم الى ذلك أن أفسر لكم ما يشكل من ألفاظ الأدعية المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي جمعها إمام أهل الحديث، محمد بن إسحق بن خزيمة، إذ أولى ما يدعى به
4 - أهمية الكتاب:
ويستعمل منه ما صحّت به الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فاستجاب الخطابي -رحمه الله- الى رغبة إخوانه، وأملى عليهم هذا الكتاب، ولكنه قبل أن يفجأهم بشرح الأحاديث، قدم لهم ما يجب أن يعرفوه عن الدعاء وآدابه ... الخ ما ذكره في المقدمة. 4 - أهمية الكتاب: تبرز أهمية الكتاب في أمرين اثنين: أ- كونه مجموعة أحاديث جمعها ابن خزيمة في الأدعية المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبحت اليوم في عداد الكتب المفقودة، إذ لم أظفر بنسخة منها مستقلة عن شرح الخطابي، وقد وَهَم من ظن أن منه نسخة في الظاهرية، فالذي في الظاهرية منه نسختان بشرح الخطابي. أما الأولى فلا وَهَم في عنوانها، وهي التي ضمن المجموع 308 حديث. وأما الثانية: فلعل عنوانها: "الثالث من كتاب شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي صنفها الإمام أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة" أوهم بعضهم أن الكتاب لابن خزيمة، وليس كذلك، لأن تتمة الكلام على الوجه نفسه -وإن كان صعب القراءة- "من إملاء الشيخ الإمام أبي سليمان الخطابي رحمه الله"، ثم إنه ليس لابن خزيمة كتاب باسم "شأن الدعاء" بل له كتاب الدعاء، والدعوات كما ذكر في كتابه "التوحيد" ص 7 و163، وص 34. ونقله عنه فضيلة الشيخ الأعظمي. ولكن الذي يترجح عندي أن كتاب "الدعاء" هو غير كتاب الدعوات، وأن كتاب الدعاء هو الذي شرحه أبو سليمان الخطابي وسمّاه: "شأن الدعاء" لأن ابن خزيمة يروي في كتاب "التوحيد" ص 7 وص 163 حديث جويرية: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ... " ويقول ابن خزيمة: خرجته من هذا الباب في كتاب "الدعاء". أما كتاب الدعوات فنرى في كتاب التوحيد
5 - المخطوطات المعتمدة في التحقيق:
ص 34 حديثاً ليس مع الأحاديث التي شرحها الخطابي ضمن أدعية ابن خزيمة. فهذا يدل بداءة أن الكتابين مختلفان ... وربما كان "كتاب الدعوات" فصلاً من صحيحه الذي فقد أكثره -وطَبَعَ القسم الموجود منه العلامة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي- وهذا مألوف عن المحدثين في تآليفهم، إذ نرى من أفرد كتاباً بهذا الاسم كالبخاري والترمذي ... ب- وتبرز الأهمية الثانية لكتاب شأن الدعاء في كون الشارح له أبا سليمان الخطابي، الإمام المجمع على إمامته، وهو الحافظ الثقة، من أئمة القرن الرابع الهجري ومن بقية السلف الصالح، علماً وأدباً. وسنعرف ذلك في ترجمته. 5 - المخطوطات المعتمدة في التحقيق: لقد اجتمع لديّ من مخطوطات الكتاب أربع نسخ وهي: أ- نسخة الظاهرية المرموز لها بالحرف (ظ): وهي ضمن المجموع 308 حديث، وهي نسخة قديمة الخط، يرجع تاريخ نسخها إلى سنة 587 هـ نسخها علي بن محمد بن عثمان المؤذن النيسابوري، وقد ذكر في الصفحة 44/ 2 أنه: فرغ من تسويده في الليلة الخامسة من ذي القعدة من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وقد أصاب الورقة الأولى منها تلف ذهب بقسم من سندها، ومقدمة المصنف، كما هو مبين في راموزها في الصفحة .... كما سقط منها فصل برمته من ص 111 إلى ص 113، وفيها سقط آخر يبدأ ص 138 وينتهي في الصفحة 168 من قوله: "خلاف حكم ... إلى قوله: إن شرخ الشباب .... " وهو سقط فاحش كما ترى استدرك من النسخة المغربية. كما سقط منها ومن بقية النسخ الحديث الأخير رقم (143) مع شرحه واستدرك من النسخة الظاهرية الثانية المرموز لها بـ (ظ 2).
وعلى الرغم من أن النسخة الظاهرية (ظ) مسودة إلا أن خطها مقروء ومضبوط بالشكل الكامل، وخطها نسخي معتاد، ومدادها بني فاتح اللون، وكأنه استحال أصله على مرور الزمن، وقد كتبت فيها الفصول والأسماء الحسنى بالمداد الأحمر، وبشكل بارز، وبخط أكبر تمييزاً لها من بقية الكلام. وعدد أوراق المخطوطة (52) ورقة أي (104) صفحات مفردة من الحجم المتوسط، في كل صفحة 19 سطراً وفي كل سطر من تسع إلى عشر كلمات. ب- النسخة المغربية المرموز لها بالحرف (م): هي نسخة من الخزانة العامة من الرباط في المغرب برقم 1142/ ق، وهي من القطع الكبير، وكتبت بخط مغربي كبير مقروء، خالية من الشكل إلا نادراً، عدد أوراقها (39) تسع وثلاثون ورقة أي 78 صفحة مفردة، في كل صفحة 24 سطراً وفي كل سطر من 10 إلى 13 كلمة. وهي نسخة جيدة قليلة السقط بالنسبة إلى (ظ) إذ سقط من (م) من الصفحة 12 إلى ص 16، وهناك سقط آخر يبدأ من ص 83 وينتهي في الصفحة 86، ولحسن الحظ أن هذا السقط موجود في (ظ) فتممت الواحدة الأخرى، ومما يؤسف له أن النسخة المغربية خالية من أي سند أو سماع أو تاريخ للنسخ، ولا يعرف ناسخها، ولم يُشَرْ فيها إلى أي قراءة أو سماع، فهي تبدأ بـ: "قال الشيخ الإمام الفاضل .... " وتنتهي بـ: "تم كتاب تفسير الأسماء والدعوات بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على محمد نبيه وآله". ج- النسخة التيمورية المرموز لها بالحرف (ت): هي نسخة ناقصةُ الجزْءِ الأولِ بأكمله، فهي تحوي الجزء الثاني والثالث فقط وتبدأ من تفسير: المجيب ... وتنتهي بقوله: "فكيف بالخالق عز وجل"، والنسخة ضمن المجموع 295 حديث في المكتبة التيمورية، وهي نسخة جيدة قديمة الخط ولها في بداية كل جزء (الثاني والثالث) سند، وعليها سماعات، ويرجع تاريخ السماع المدون عليها إلى سنة 479 هـ و480 هـ، وهي مضبوطة بالشكل،
وأوراقها من القطع المتوسط، وعددها 16 ورقة أي 32 صفحة، وفي كل صفحة 32 سطراً وفي كل سطر بين (12) و (14) كلمة. وهي أقدم النسخ المعتمدة في التحقيق. والنسخة التيمورية تبدأ من الصفحة (72)، وتستمر كاملة إلى النهاية، إلا أنه حصل فيها تأخيرُ ورقةٍ من المخطوطة فقدت ترتيبها، وهي الورقة (267) بحسب ترقيم المجموع، وحقها أن تكون برقم (251)، وقد أشرت إلى هذا الخلل في الصفحة (133). د- نسخة الظاهرية الثانية المرموز لها بـ (ظ 2): هي أكثر النسخ خرماً، إذ تبدأ من قوله: "سبوح قدوس .... " إلى نهاية الكتاب، وهي النسخة الوحيدة التي رممت آخر الكتاب، إذ النسخ الثلاث السالفة الذكر سقط منها الحديث الأخير مع شرحه، وقد أشرت إلى هذا أثناء حديثي عن النسخة الظاهرية الأولى. وهي نسخة سيئة الخط، مهملة من النقط والضبط بالشكل إلا ما ندر، وقد أصاب مدادها في بعض المواطن تفشٍ من الماء أو الرطوبة، كما أصابتها الأرضة، وهي من القطع الصغير، قياسها 13 × 18,5 وعدد أوراقها ما عدا ورقة العنوان والسماعات ست ورقات ونصف أي (13) ثلاث عشرة صفحة، في كل صفحة من 28 إلى 32 سطراً وفي كل سطر تقريباً من 13 - 16 كلمة، وقد كُتِبَ على صفحتها الأولى: "الثالث من كتاب شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي صنفها الإمام أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة، من إملاء الشيخ أبي سليمان الخطابي رحمهم الله برواية الشيخ أبي القاسم عبد الوهاب بن محمد بن محمد الخطابي، رواية أبي مُسْلم عمر بن علي الليثي البخاري عن أبي القاسم" وقف الشيخ علي الموصلي.
6 - الحصول على النسخ ودورها في التحقيق:
فهي بهذا السند تلتقي بالنسخة التيمورية، المروية أيضاً من طريق أبي مسلم عمر بن علي الليثي. والنسخة غنية بالسماعات ولكنها صعبة القراءة، وقد جاء في نهايتها ذكر لتاريخها وهو سنة خمسمائة. 6 - الحصول على النسخ ودورها في التحقيق: من الوصف المتقدم للنسخ يتبين لنا أنه لا تغني نسخة عن نسخة، إذ لا يستطيع الباحث أن يتخذ نسخة أُمّاً يعتمد عليها من دون الأخريات. ولقد كان في ظني أن النسخة الظاهرية -يوم نسختها سنة 1970 م- أنها نسخه كاملة، ولكنه فجأني نقصها أثناء المراجعة بعد النسخ، مما دفعني بإلحاح للبحث عن مخطوطات أخرى للكتاب، وبعد البحث والنظر في فهارس المكتبات ظفرت بالنسخة التيمورية، واستقدمت منها نسخة على الميكروفيلم، وكان الأخ خضر العبيدي -حفظه الله- قد جلبها لي معه من القاهرة فجزاه الله عني خيراً. وتأسفت كثيراً عندما وجدتها هي الأخرى ناقصة، وأي نقص؟! إنه الجزء الأول منها برمته، بحسب تقسيمها، ولكنها كانت عوناً كبيراً في المقابلة إلا أنها لا تسدُّ الخلل الذي في النسخة الظاهرية (ظ). وبقي العمل متعثراً إلى أن ظفرت بالنسخة المغربية، وقد حصلت على نسخة منها مصورة من مركز البحث العلمي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، بواسطة الأخ الدكتور أحمد محمد نور سيف، جزاه الله عني خيراً وأثابه وجعل ذلك في صحيفته، وكانت هذه النسخة في الواقع هي البلسم لبقية النسخ. أما النسخة الظاهرية الثانية (ظ 2) فهي ضمن "المجموع الواحد والستون" برقم (2) وقد كتب في المجموع المذكور ما يلي: "الثالث من تفسير الأدعية المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي حقل اسم المؤلف: "محمد بن إسحاق ابن خزيمة، رواية الخطابي". هذا التعريف بالكتاب أوهم بعضهم أن الكتاب لابن خزيمة، وليست الحال كذلك.
7 - دراسة الأسانيد والقراءات والسماعات:
فهذا التعريف بالكتاب أوهمني -كما أوهم غيري- أن الكتاب لابن خزيمة، وسررت جداً لأنني كنت أبحث عن كتاب الدعوات لابن خزيمة الذي شرحه الخطابي، وقوّى عندي هذا الوهم أن فضيلة الدكتور الأعظمي في مقدمته لصحيح ابن خزيمة، عندما سرد مؤلفات ابن خزيمة ص 13، ذكر كتاب الدعاء، وعلّق عليه بالحاشية رقم (5) قائلًا: "وتوجد في الظاهرية مخطوطة لابن خزيمة باسم شأن الدعاء"، ولما حصلت عليها تبين أنها للخطابي، وهذه النسخة مع أنها لا تحوي إلا ما يعادل ربع الكتاب (من ص 154 إلى ص 209) لكنها رممت النسخ الثلاث من آخرها فكان لها -على سقطها الكبير- فضلٌ على تتميم الكتاب. ولا بد لي من التنويه هنا قبل أن أختم القول في هذه الفقرة: أنه يوجد للكتاب مخطوطة خامسة هي مخطوطة فيض الله 1308/ 1 بعنوان "كتاب الدعاء" (من ورقة 1 - 35، 778 هـ) كما ذكره الدكتور فؤاد سزكين، في تاريخ التراث العربي ج 1/ 520. وهي كما ترى أيها القارئ الكريم متأخرة التاريخ، ومن عدد أوراقها تبدو أنها ناقصة بالمقارنة مع النسخ التي اعتمدتها في التحقيق، ومع هذا -كنت جاداً في إحضارها للوقوف عليها، ولكننى مع الأسف لم أستطع الحصول عليها حتى ساعة تقديم الكتاب إلى الطبع. والذي يعزيني في ذلك أنني جمعت للكتاب أربع مخطوطات منها اثنتان غير معروفتين في فهارس المكتبات وهما: النسخة المغربية، والنسخة الظاهرية الثانية (ظ 2). 7 - دراسة الأسانيد والقراءات والسماعات: ذكرت أثناء وصف المخطوطات أن النسخة الظاهرية قد أصاب سندها في الورقة الأولى تلف ذهب ببعض أسماء رجال السند. فسقط اسم الكرابيسي وابن نصر اللبان
الدينوري، وأبو والسين من كلمة (أبو سليمان) -كما سبقت الإشارة إلى ذلك- واستطعت من مراجعة المجموع 308 الذي فيه كتابا "شأن الدعاء" و "الاعتصام بالعزلة" للخطابي، استطعت ترميم اسم نصر اللبان الذي جاء في سند الاعتصام بالعزلة ص 53/أكاملاً على الشكل التالي: وأخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن نصر اللبان الدينوري. ومما يؤسف له أن بعض من نظر في المخطوط، شأن الدعاء، حرف بمداد الحبر الأزرق كلمة: "نصر" إلى "خضر" ظناً منه أنه أصلح؛ فأفسد وحرَّف. وتكرر منه ذلك في عدة مواطن من المجموع وخاصة في كتاب العزلة. وأما أبو الفتح بن أبي الفرج راوي النسخة الظاهرية هو: نصر بن أبي الفرج الغزنوي، وقد جاء في الصفحة 141/ ب من المجموع 308 بخط الناسخ المؤذن النيسابوري ما نصه: وصاحب الكتاب أبو الفتح نصر بن أبي الفرج الغزنوي. هذا الذي ذكره ورد ضمن سماع كتاب أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعانيها، وقال الناسخ النيسابوري: سمع أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعانيها من الشيخ الإمام السيد المفسر أبي محمد سعيد بن إسحق أدام الله توفيقه، ثانياً بقراءة الشيخ الرئيس أبي المؤيد عيسى بن عبد الله الكاتب الطوسي الفقهاء والمشايخ، منهم: أبو زيد بن عبدوس، وطاهر بن ناصر بن عبد الله المحتسب، وأبو الطيب بن أبي سعيد، ومحمد بن يهوذا، وأبو نصر أحمد بن محمود الصرَّام، وأولاً بقراءة نصر بن محمد بن عبد الجليل بن محمد الشروطي الحاكمي الشيخ الرئيس أبو المؤيد عيسى بن عبد الله هذا، والشيخ الرئيس أبو الفتح وأبي (¬1) الفتح الزاهد، وأبو العلاء أحمد بن يعقوب بن أبي بكر الأوشي، وأبو بكر محمد بن عمر الأشهبي، وأحمد بن سبكتاش، وأبو ¬
إسماعيل إبراهيم بن محمد المقري. وصاحب الكتاب أبو الفتح نصر بن أبي الفرج الغزنوي، فصح بسماع هؤلاء ثانياً، وأولئك أولًا في أواخر ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة. من هذا السماع نعلم أن صاحب الكتاب الذي نسخ عنه المؤذن النيسابوري هو أبو الفرج راوي نسخة، شأن الدعاء، وأن سماعه حصل سنة (491 هـ) وهذا السماع متقدم على تاريخ النسخ الذي أتمه النيسابوري سنة (587 هـ) كما هو مذكور في الصفحة 44/ 2. وهو قريب من تاريخ السماع المدون على النسخة التيمورية، إذ نرى عليها سماعين الأول سنة تسع وسبعين وأربعمائة، والثاني سنة ثمانين وأربع مائة. أما السماع الأول فقد جاء فيه ما نصه: قرأت جميعه وسمعه ابنتي كريمة، جعلها الله من الصالحات، والشيوخ أبو المجد عنبسة بن عبد الله بن عنبسة الكفرطابي، وأبو الحسن بن المعروفي الخياط ومنصور ... وأبو الأزهر المبارك بن أحمد البقال وأحمد بن الحسين بن بركة الهروي ومسعود بن سهيل وذلك من شهر شعبان سنة تسع وسبعين وأربعمائة. وعليها سماعان آخران لعدد من العلماء والشيوخ بالتاريخ نفسه سنة (479 هـ) فجعلت هذه السماعات الثلاث العائدة لتاريخ واحد سماعاً أول. أما السماع الثاني جاء فيه ما نصه: سمع جميع هذا الكتاب محمد بن الحسن بن محمد بن مهدي الفارسي الداربجردي ... وسمع معه الشيخ أبو النجم عبد الصمد بن حيدر السرواتي بقراءة الشيخ الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي الدقاق، شرح الله صدره، وبارك في أنفاسه في آخر المحرم من سنة ثمانين وأربعمائة. أما النسخة الظاهرية الثانية (ظ 2) فهي أيضاً تصدرت في صفحة
الغلاف بسماعات غنية، ولكنها صعبة القراءة، ولا يأمن الإنسان فيها العثار، ومع ذلك فإنني بذلت في قراءتها ما في وسعي، وسأذكر هذه السماعات فيما يلي، تاركاً المكان الفارغ للأسماء التي عزّ عليّ قراءتها. وسأثبت راموزها بعد ذلك مع رواميز المخطوطات المعتمدة في التحقيق فلعله ينتفع منها من ينتفع. سماعات النسخة (ظ 2): جاء على صفحة الغلاف ما يلي: سمع جميعه من أوله إلى آخره على سيدنا الشيخ الأجل، الإمام السيد، فخر الإسلام، ركن الشريعة: عماد الدين، شمس الهدى، إمام الأئمة، قدوة الأمة، تاج العالمين، أبي بكر محمد ابن أحمد بن الخير المالكي، أدام الله أيامه، ولده الشيخ الأجل الإمام، شرف الأئمة سيد العلماء أبو محمد عبد الله، والسادة القضاة الصُمُد؛ أبو علي بن الحسن بن عمار الموصلي، وأبو الفضل محمد بن محمد بن محمد بن عطاف الهَمْدَاني الموصلي، وأبو القاسم محمود بن علي بن الحسن بن بكري الهمذاني، والموفق أبو الحسن علي بن أحمد بن الخير بن (محمويه) أو محمود البردي وأبو المعالي عبد الصَمَد بن عبد الملك الدركي الجيلي الحنبلي، وأبو بكر محمد بن أحمد المعروف بكلى الفقهاء، وأبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن حكيم ... المعروف بابن برهان، وأبو صالح بن عبد الملك بن علي بن أحمد الأستهي، وأبو نصر نصير الدين بن ... البغدادي، وأبو سالم عبد الله بن أحمد بن علي ... موسى ... أبو علي الحسن بن محمد بن الفضل الشهرستاني، وأبو الحسن علي بن ... بن الدلال، وأبو القاسم أحمد بن ... البخاري، وعلي بن غالب بن مهلب بن ... وسمع من قبل النصف العلماء السادة الشيخ .... الشيخ الأجل أبي المحامد سعد الدين ... الأنباري وقرأ للجميع عبد الله بن محمد بن أحمد ... قد ... سنة خمسمائة بخلوة ... نفسه.
8 - منهج التحقيق:
8 - منهج التحقيق: بعد أن نسخت الكتاب، قمت بمقابلة النسخ، وأثبت ما يوجد بينها من الاختلاف، وأثبت في النص عند الاختلاف ما ارتاحت نفسي إليه من حيث المعنى، والصحة في العربية، وعند تساوي المعاني أثبت أقربها للفهم، أو أتعمد إثبات ما أجد صحته، ويظنه بعضهم خلاف الأولى دون حجة مرجحة. ثم بدأت بتفصيل الكتاب وترقيمه. وقمت بتخريج الآيات، ورقمت الأحاديث والآثار الواردة، ثم فزعت إلى دواوين السنة، وبدأت بتخريجها منها، ثم إنني لم أكتف بمصدر منها دون مصدر بل كنت باحثاً عن الأحاديث مستقصياً ما أمكن الاستقصاء، فلم أكتف مثلاً بالبخاري ومسلم إن كان الحديث عندهما، بل ربما أذكر إلى جانبهما مسند الإمام أحمد أو النسائي أو الدارمي أو سنن أبي داوود ... إلى آخر ما هنالك من المراجع التي توفرت عندي، مما سيراه القارىء الكريم مثبتاً في التخريج، ويبدو ذلك واضحاً إذا كان للحديث أكثر من طريق في الرواية، ولكنني لم أدخل في تفاصيل الأسانيد، بل كنت أشير إلى الصحابي راوي الحديث، وأعدد الرواة عند تعددهم، فأقول مثلاً في الحديث رقم [24] ص 45: "أخرجه الحاكم من حديث واثلة بن الأسقع، وفي مسلم من حديث أبي هريرة ... "، ثم إنني بعد ذلك أورد ما قاله أئمة الحديث في الحكم على الحديث، إن كان في الحديث مقال، وليس لي من ذلك إلا نقل ما قالوه في الحديث دون أن أتدخل مباشرة في الحكم على الحديث؛ إذ أترك للقارىء الكريم أقوال العلماء بين يديه مثلما تمثلت أمامي. ثم بعد ذلك خرجت ما ورد في الكتاب من الشعر، وعزوت ما استطعت من الأشعار إلى أصحابها، وذلك بعد البحث والتنقير عنها في مظانها المختلفة، بدءاً من الدواوين وانتهاءً بكتب اللغة، ثم خرجت ما ورد
9 - طريقة الإخراج:
من الأمثال في كتب الأمثال، كما نوهت بتراجم بعض الأعلام الذين لا يحسن بالقاريء أن يجهلهم مراعياً في ذلك جانب الاختصار ما أمكنني الاختصار، والاقتصار على القليل منهم. إذ لا أستطيع أن أزعم أنني ترجمت جميع من مرَّ منهم. ثم ألحقت الكتاب بفهارس مفصلة شاملة إكمالاً للفائدة. 9 - طريقة الإخراج: أول ما يلاحظه القارى الكريم في الكتاب تنوع الحواشي. إذ جعلت للحديث رقماً محصوراً بين معقوفين هكذا []، والحواشي الأخرى محصورة بين هلالين هكذا ()، ثم فصلت بينهما في الترتيب، فجعلت الأحاديث تأتي تعليقاتها في الحاشية العليا مفصولة عن حواشي التعليقات الأخرى. ثم إنني جعلت حرف الحواشي مختلفاً، فحرف حواشي الأحاديث أكبر من حواشي التعليقات الأخرى ليسهل تمييزها. أمّا المتن فلا أرى ما يحتاج فيه القارىء إلى تنويه، وجماله ولله الحمد، لا يخفى. هذا ما بذلته من الجهد في هذا الكتاب الجليل، فإن أصبت فذلك الفضل من الله يؤتيه من يشاء، وإن أخطأت فعذري قلة بضاعتي وضعف حيلتي، وأرجو من الله أن يتجاوز عني، ولكن الذي يشفع لي أنني أتوجه بهذا العمل إلى وجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. دمشق في 5/ 6/1983 أحمد يوسف الدقاق
راموز الصفحة الأولى من النسخة الظاهرية (ظ) رقم (1)
راموز الصفحة الأخيرة من النسخة الظاهرية (ظ) رقم (2)
راموز صفحة الغلاف من النسخة التيمورية (ت) رقم (3)
راموز الصفحة الأولى من النسخة التيمورية (ت) رقم (4)
راموز سماعات النسخة التيمورية (ت) رقم (5)
راموز الصفحة الأخيرة من النسخة التيمورية (ت) رقم (6)
راموز الصفحة الأولى من النسخة الظاهرية (ظ 2) رقم (7)
راموز الصفحة الأخيرة من النسخة الظاهرية (ظ 2) رقم (8)
راموز سماعات (ظ 2) رقم (9)
راموز الصفحة الأولى من النسخة المغربية (م) رقم (10)
راموز الصفحة الأخيرة من النسخة المغربية (م) رقم (11)
ترجمة المصنف
ترجمة المُصَنِّف حمد بن محمد الخطابي الحافظ "319 - 388 هـ"
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
تمهيد: أ- القرن الرابع الهجري: بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية إلى الصين شرقاً، وإلى جنوب فرنسا غرباً، بدأ الوهن يدب في أوصال هذه الدولة المترامية الأطراف، وبدأ الأمراء والسلاطين يستقلون عن مركز الخلافة في بغداد، فنشأت دويلات وسلطنات -إن صح هذا التعبير- اقتسمت إرث بني العباس، حتى أصبح الخليفة في بغداد ليس له من السلطة إلا الاسم. ب- لمحة عن الحياة العلمية: في خضم هذا الجو السياسي المضطرب كانت رواسي العلم راسخة كالجبال، وكانت الحياة العلمية كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وبدأت ثمارها تتدلى، وكانت قطوفها دانية، فمهدت السبيل إلى نبوغ الجم الغفير من علماء ذلك العصر، الذين ينوء القرطاس هاهنا عن حصرهم، وكان العلماء يجوبون البلاد الإسلامية طلباً لتحصيل العلم، وسعياً في طلب الحديث والتفسير والفقه واللغة، وبدأت مراكز العلم تتعدد، فبعدما كانت بغداد محجة العلماء، أصبح ينافسها في ذلك أمراء المقاطعات، وسلاطين
الترجمة
البلاد في الشرق والغرب، من غزنويين وبويهيين، وحمدانيين، وإخشيديين، وفاطميين ... ويكفينا أن نضرب مثلاً واحداً على ذلك: الحمدانيين وما حواه بلاطهم من العلماء ومعظمنا يذكر أن سيف الدولة كان يضم في مجلسه جلة من العلماء من أمثال ابن خالويه، وأبي علي الفارسي، وشاعر العصر، المتنبي ... مولده: ولد الإمام أبو سليمان الخطابي في العقد الثاني من القرن الرابع الهجري سنة (319 هـ) في مدينة بُست، قال ياقوت في معجم البلدان: بُست -بالضم- مدينة بين سجستان، وغزنين وهراة وأظنها من أعمال كابُل، وهي من البلاد الحارة المزاج، وهي كثيرة الأنهار والبساتين، سئل عنها بعض الفضلاء فقال: هي كتثنيتها، يعني: بستان. وقد خرج منها جماعة من أعيان الفضلاء، منهم: الخطابي أبو سليمان. وكان من الأئمة الأعيان. وقال في معجم الأدباء: أبو سليمان البستي نسبة إلى بُست من بلاد كابُل. وقال ابن خلكان: "وبُست مدينة من بلاد كابل بين هراة وغزنة" وهي اليوم من بلاد أفغانستان وكابل عاصمتها. رحلته في طلب العلم: كانت الرحلة في طلب العلم ديدن علماء ذلك العصر فهم أبداً يجوبون البلاد شرقاً وغرباً ليسمعوا الحديث من فلان أو يأخذوا الفقه أو اللغة أو التفسير عن فلان ... والخطابي واحد من هؤلاء النفر الكريم من العلماء الذي أدلى دلوه بين الدلاء. قال عنه ياقوت في معجم الأدباء: ورحل في طلب الحديث وطوَّف، وألّف في فنون من العلم وصنف، وأخذ الفقه عن أبي بكر القفال الشاشي، وأبي علي بن أبي هريرة ونظرائهما من فقهاء الشافعية وروى عنه خلق منهم: أحمد بن غفير الهروي، وأبو مسعود الحسن بن محمد الكرابيسي البستي
روى عنه ببست، وأبو بكر محمد بن الحسن المقريء، روى عنه بغزنة، وأبو الحسن علي بن الحسن الفقيه السجزي، روى عنه بسجستان، وأبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الفسوي، روى عنه بفارس، وآخرون. وقد روى عنه الإمام الفقيه أبو حامد الأسفراييني، فقيه العراق، والحاكم أبو عبد الله محمد بن البيِّع النيسابوري، روى عنه بخراسان، وقد حدث عنه أبو عبيد الهروى في كتاب الغريبين. هذه الحياة الزاهرة في طلب العلم، وتحصيله، وشدِّ الرحال إليه، ما بين الحجاز وبغداد وخراسان وما وراء النهر ... تلقي ضوءاً على ما كان يتمتع به الخطابي -رضي الله عنه- من همة عالية في الصبر على مشقات السفر، وتذليل صعابه التي لا تلين إلاّ إلى القليل من البشر، ممن وهبهم الله المقدرة على ذلك. منزلته بين علماء عصره: قال الثعالبي صديق الخطابي في يتيمة الدهر: كان يشبّه في عصرنا بأبي عبيد القاسم بن سلام في عصره علماً وأدباً وزهداً، وورعاً، وتدريساً، وتأليفاً. إلا أنه كان يقول شعراً حسناً، وكان أبو عبيد مفحماً. وقال عنه الإمام أبو المظفر السمعاني: كان -أي الخطابي- من العلم بمكان عظيم، وهو إمام من أئمة السنة، صالح للاقتداء به، والإصدار عنه. وقال العمادي في شذرات الذهب: أبو سليمان كان أحد أوعية العلم في زمانه، حافظاً، فقيهاً، مبرزاً على أقرانه. وقال ابن كثير في البداية والنهاية: الخطابي أحد مشاهير الأعيان والفقهاء المجتهدين المكثرين. فهذه الأقوال والشهادات كلها مجمعة على منزلة الخطابي الرفيعة بين
أهل زمانه، وإن تشبيهه بأبي عبيد القاسم بن سلام (¬1) كاف لندرك ما كان عليه الخطابي من العلم والزهد والورع والتدين ... سيرته: تروي لنا المصادر أن الخطابي -رحمه الله- من أهل الزهد والورع والتدين ... كما أنها تروي لنا أنه كان يتجر في مِلكه الحلال، وينفق على الصلحاء من إخوانه. فهذه إشارة تدل دلالة واضحة على أن الخطابي -رحمه الله- ما كان يمد يده إلى السلطان ليجري عليه جرايته، بل كان ينفق من ماله على إِخوانه؟!. ونحن إذا نظرنا إلى العلماء في عصره، وكيف كانوا يعيشون، رأينا أن معظمهم يعتمد في معاشه إمَّا على أعطيات السلطان، أو يعيش في كنفه أو في بلاطه، أو يؤدب له أولاده؛ فينال من ذلك المال الوفير والجاه العريض. والقليل النادر منهم من يعيش مستقلاً في رزقه معتمداً على تجارته، معتزلًا السلطان، يحيا حياته العلمية خالصة، ويجعل السلطان بحاجة إليه أكثر مما يكون هو بحاجة إلى السلطان. والخطابي واحد من هؤلاء النفر القليل الذين عاشوا حياتهم الخالصة للعلم، يؤلفون الكتب، ويتصدرون للتدريس فيأخذ عنهم طلبة العلم دون أن يكون لهم مطمع في دنياهم الزائلة، محتسبين ذلك عند الله تعالى. ونستدل على ما ذهبنا إليه بمؤلفاته، وبما يرويه في بدايتها مبيّناً سبب تأليفها، ثم إننا لا نرى كتاباً له -من المطبوع- ألفه بطلب من أمير أو استجابة لرغبة وزير أو سلطان، مثلما نجده مسطراً في كثير من الكتب. بل نرى ¬
استجاباته في تأليفها بطلب من إخوانه، أو أحد إخوانه، أو بدافع الغيرة الذاتية على الدين ... فهو في كتابنا هذا "شأن الدعاء" يستجيب في تأليفه لإخوانه الذين سألوه عن الدعاء، ومعناه، ومنزلته في الدين ... فأملى عليهم هذا الكتاب النفيس. وفي كتاب العزلة أيضاً يستجيب لأحد إخوانه فيقول في مقدمته: فهمت قولك -أخي- ألهمك الله الصواب، وأراك المحابَّ، وما قد أذكرتني به من أمر كتاب العزلة، وبعثتني عليه من إتمامه بعد ابتدائه ... وسألت أن ألتقط لك جوامعه .. ثم إنه في مقدمة كتاب غريب الحديث نراه يستجيب لنداء الغيرة على الدين؛ فيندفع في تأليفه بدافع إيماني لصون سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التبديل والتحريف بعد تفشي اللكنة، واللحن، ليبعد عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ... إلى آخر ما نراه مثبتاً في مقدمة كتابه. ومع أن الخطابي كان علماً من أعلام العلم منشوراً، كان يرى نفسه غريباً في بلده "بُست" وإن كان يعيش بين أسرته وأهله وجيرانه، لأنه لا يرى فيها من يشاكله، ويسير بسيرته. يقول من شعر له ذكره الثعالبي في اليتيمة: وَما غُرْبةُ الإنسان في غُمَّةِ النَّوى ... وَلكنها واللهِ في عَدَمِ الشَّكْلِ وإني غريبٌ بين بُستَ وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي ولعل هذا الشعور بالغربة بين أهله وفي بلده، كان دافعاً قوياً عند الخطابي للميل إلى العزلة في آخر حياته في رباط على شاطىء هِنْدَمَنْدَ وهو نهر لمدينة سجستان.
وربما كان لأحداث العصر وغوائله السبب المباشر إلى هذا الميل عند الخطابي -رحمه الله-. يقول في كتاب العزلة ص 8: والعزلة عند الفتنة سنة الأنبياء، وعصمة الأولياء، وسيرة الحكماء والأولياء، فلا أعلم لمن عابها عذراً، لا سيما في هذا الزمان، القليل خيره، البكيء دره، وبالله نستعيذ من شره وريبه. وليس مفهوم العزلة عند الخطابي الهروب من الحياة كما يظنه بعض الناس، ولا الهجران والقطيعة، بل العزلة عنده لون من ألوان العبادة -إن صح هذا التعبير- الذي يجتنب فيه المرء الانغماس في الفتن، أو الخوض فيها، والاحتراق في سعيرها. فلا غرابة إذن عندما نسمع الخطابي يشكو في نثره أو في شعره من أهل زمانه. يروي ياقوت في سند له عن أبي سعد الخليل بن محمد الخطيب قال: كنت مع الخطابي فرأى طائراً على شجرة، فوقف ساعة يستمع ثم أنشأ يقول: يا ليتني كنتُ ذاك الطائرَ الغرِدا ... من البَريَّةِ مُنْحازَاً وَمُنْفَرِدَا في غُصْنِ بانٍ دهته الريحُ تَخْفِضُهُ ... طوراً وتَرفعُهُ أفْنانُهُ صُعُدَا خِلْوَ الهُموم سِوَى حَبٍّ تلمّسُهُ ... في التُّرب أو نُفْيَةٍ يَروي بِهَا كَبدَا ما إنْ يُؤَرِّقُهُ فكرٌ لرزق غدٍ ... ولا عَليه حِسابٌ في المعَاد غدا طُوَباكَ مِنْ طائرٍ طوباك ويحكَ طبْ ... من كانَ مِثلُكَ في الدّنيا فقد سَعِدا إن هذه الأبيات تلقي ضوءاً على ما كان الخطابي -رحمه الله- يعانيه من الضيق بعصره، وهي ذات شفافية، تنمُّ عن حسٍّ مرهف وروح زاهدة بمتع الحياة، ونعيمها، وزخارفها.
توفي الخطابي -رحمة الله عليه- ببست في رباط هنْدَمَنْدَ يوم السبت السادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلائمائة. اسمه والاختلاف فيه: تختلف المصادر في اسم الخطابي وفي ضبطه، فهناك من المصادر من سماه: "أحمد" كما هو في يتيمة الدهر وغيرها. وهناك من سمّاه: "حَمْداً" كما في طبقات الشافعية وغيرها أيضاً. ولكن الذي يثير الانتباه أن من المصادر من سمَّاه: "حمد" بفتح الميم. ونرى ذلك مسطوراً عند ياقوت في معجم الأدباء 4/ 248. حيث يقول: ذكره -أي الخطابي- عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي الهروي في تاريخ هراة، من تصنيفه، وسمَّاه: "حَمَداً". ثم ينقل في الصفحة /250/ عن أبي طاهر السلفي أن اسمه "حَمَد" وفي الصفحة /251/ يقول مثل ذلك أيضاً عن الحاكم، أنه سمّاه: "حَمَداً" في كتاب نيسابور، وأنه: ذكر أبو سعدٍ السمعاني في كتاب مَرْوَ: سئل أبو سليمان عن اسمه فقال: اسمي الذي سمِّيتُ به "حَمَدٌ" لكن الناس كتبوه: "أحمد" فتركته عليه. قال: رثاه أبو بكرٍ عبد الله بن إبراهيم الحنبلي ببستَ في شعرٍ فسمّاهُ: "حَمْداً" فقال: وقد كان حَمْدَاً كاسمه حَمدَ الورى ... شمائل فيها للثناء ممادحُ خلائق ما فيها مَعَابٌ لعائب ... إذَا ذُكِرَتْ يوماً فهُنَّ مدائحُ تغَمَّدَهُ الله الكريم بعَفْوِه ... ورَحمَتِهِ والله عافٍ وصافحُ ولا زَالَ ريحانُ الإلهِ ورُوْحُهُ ... قِرَى رُوحِهِ ما حَنَّ في الأيكِ صادِحُ والذي رأيناه عند ياقوت نراه عند السيوطي في بغية الوعاة 1/ 546 إذ قال: حَمَد بن محمد بن إبرإهيم بن الخطاب أبو سليمان الخطابي، من ولد زيد ابن الخطاب، أخي عمر -رضي الله عنه- قال السِّلفي: ذكر الجم الغفير أن اسمه: "حَمَد" بفتح الحاء وهو الصواب، وقيل اسمه أحمد.
وكذلك في البداية والنهاية ضُبِطَ ضَبْطَ شكل "حَمَد". والتنصيص في البغية على فتح الحاء ليس بمشكل، إنما المشكل أن تضبط الميم بالفتح هكذا: "حَمَد". والذي نراه عند السمعاني في الأنساب: "حَمْد" ضبط شكل وكذلك هو في المشتبه للذهبي 1/ 242. وإنني لم أر مصدراً من المصادر التي ترجمت للخطابي أنها تعرضت لضبط الميم من "حمد" ضبط تنصيص، بل جميعها تضبطها ضبط شكل. سوى حاشية على شذرات الذهب 3/ 127 تقول: "أفاد المتبولي في شرح الجامع الصغير أنه بسكون الميم، لمحرره داود، كما في الهامش". وسوى ما جاء في الشعر الذي رثاه فيه عبد الله بن إبراهيم الحنبلي كما سبق، ولكنه ليس بحجة لأنه قد يكون ضرورة شعرية، لأن الأبيات من البحر الطويل، ولا يجوز أن تفتح ميم حَمْد لأجل الشعر. لأنه لو قال: وقد كانَ حَمَداً ... لانكسر الوزن. بقي قول المتبولي هو السند الوحيد الذي وقفت عليه بالتنصيص. ولكنه الذي تميل إليه النفس، وتطمئن به، وخاصة بعد مراجعة المادة اللغوية في المعاجم، إذ تبين لي أن الاسم "حَمْد" بتسكين الميم هو الصواب. والله أعلم. شيوخه: أخذ الخطابي العلم عن كثير من العلماء منهم: 1 - ابن الأعرابي الذي أخذ عنه العلم بمكة، هو أحمد بن محمد بن زياد بن بشر، أبو سعيد، الإمام الزاهد، شيخ الحرم، (246 - 340 هـ) انظر الأعلام. 2 - أبو بكر بن داسة البصري التمار: محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق المتوفى سنة (346 هـ) راوي السنن عن أبي داود (الشذرات 2/ 373). 3 - أبو العباس الأصم محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان
الأموي مولاهم النيسابوري المعقلي المؤذن الوراق. كان محدث خراسان ومسند العصر المتوفى سنة (346 هـ) بنيسابور في ربيع الآخر وله مائة إلا سنة، وكان حسن الأخلاق كريماً، ينسخ بالأجرة، وعمر دهراً، ورحل إليه خلق كثير، قال الحاكم: ما رأيت الرحالة في بلد أكثر منهم إليه ... (الشذرات 2/ 373)، قال سزكين في تاريخ التراث العربي 1/ 464: كان الراوي الوحيد لكتاب "المبسوط" للشافعي. ولد سنة (247 هـ). 4 - أبو بكر القفال الشاشي: محمد بن علي بن إسماعيل القفال الكبير الشاشي. قال ياقوت: وأخذ الفقه عن أبي بكر القفال الشاشي، وأبي علي بن أبي هريرة ... أما القفال: فقد ترجم له في طبقات الشافعية السبكي فقال: كان إماماً في الحديث، إماماً في الكلام. إماماً في الأصول، إماماً في الفروع، إماماً في الزهد والورع، إماماً في اللغة والشعر، ذاكراً للعلوم محققاً لما يورده، حسن التصرف فيما عنده، فرداً من أفراد الزمان ... قال فيه أبو عاصم العبادي: هو أفصح الأصحاب قلماً، وأثبتهم في دقائق العلوم قدماً، وأسرعهم بياناً، وأثبتهم جناناً، وأعلاهم إسناداً، وأرفعهم عماداً" ... أرخ الحاكم وفاته سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. ومولده فيما ذكره السمعاني سنة إحدى وتسعين ومائتين. 5 - وأما ابن أبي هريرة: قال السبكي عنه في طبقات الشافعية 3/ 256: الإمام الجليل القاضي أبو علي بن أبي هريرة أحد عظماء الأصحاب ورفعائهم، المشهور اسمه، الطائر في الآفاق ذكره. قال فيه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: كان أحد شيوخ الشافعيين، وله مسائل في الفروع محفوظة، وأقواله فيها مسطورة. وفي شذرات الذهب 2/ 370: شيخ الشافعية، واسمه حسن بن حسين البغدادي مات في رجب سنة (345 هـ) قال ابن خلكان: ودرس
ببغداد، وتخرج به خلق كثير، وانتهت إليه إمامة العراقيين. 6 - إسماعيل الصفَّار؛ أبو علي: قال عنه ياقوت في معجم الأدباء 8/ 33: علامة بالنحو واللغة، مذكور بالثقة والأمانة، صحب المبرد صحبة اشتهر بها، وروى عنه وسمع الكثير ... أدركه الدارقطني وقال: هو ثقة، صام أربعة وثمانين رمضان، وكان متعصباً للسنَّة. مات فيما ذكره البغدادي سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، ومولده سنة تسع وأربعين ومائتين. 7 - أبو عمرو بن السمّاك: قال في شذرات الذهب 2/ 366: أبو عمرو بن السماك، عثمان بن أحمد البغدادي الدقّاق: مسند بغداد. مات في ربيع الأول سنة (344 هـ)، وشيّعه خلائق نحو الخمسين ألفاً. 8 - أبو عمر الزاهد (غلام ثعلب) الحافظ العلامة: واسمه محمد بن عبد الواحد المطرز البغدادي اللغوي، قيل: إنه أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة من حفظه وكان ثقة، إماماً، آية في الحفظ والذكاء. توفي سنة (345 هـ) وكان لسعة حفظه تكذبه أدباء وقته، ووثقه المحدثون في الرواية. شذرات الذهب 2/ 370، وتذكرة الحفاظ 3/ 873. هؤلاء الشيوخ -وغيرهم- هم الذين تخرج عليهم أبو سليمان الخطابي -رحمهم الله- فكانوا مناراتٍ مشعةً على مدى الأجيال، وإن المرء ليعجب في هذا الزمان عندما يسمع بأمثال هؤلاء العلماء الأعلام، ولولا ما تركوه لنا من الآثار لحسبنا أن في الكلام مبالغة، ولكنها الحقيقة نظنها من عالم الخيال، لقصر هممنا ولضعف تحصيلنا، فعندما نقرأ أن غلام ثعلب أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة!! أو أن غيره كان يحفظ كذا وكذا مائة ألف
حديث ... أو بيت شعر ... أو يحوي في صدره مسند الإمام أحمد، ويضم إليه كذا وكذا كتاباً. إن المرء ليتطامن مطأطئاً رأسه أمام هؤلاء الجبال من العلم. ثم لا يرى من علماء العصر من يصل إلى مُدِّ أحدهم أو نصيفه!!. تلاميذه: لم تكن تلاميذ الخطابي أقل شأناً من شيوخه، فمعظم تلاميذه أعلام يجري ذكرها، ويفوح شذاها في عالم ثقافتنا الإسلامية، ومؤلفاتهم تغص بها مكتباتنا، ما بين مطبوع ومخطوط. وسأذكر منهم نفراً على سبيل الاختصار خوفاً من الإطالة، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتب التراجم في القرن الرابع والخامس الهجريين. قال الحافظ الذهبي في التذكرة: روى عنه -أي عن الخطابي- الحاكم وأبو حامد الإسفراييني، وأبو نصر محمد بن أحمد البلخي الغزنوي، وأبو مسعود الحسين بن محمد الكرابيسي، وأبو عمر محمد بن عبد الله الرزجاهي وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي، وأبو عبيد الهروي اللغوي، وأبو الحسين عبد الغافر الفارسي، وخلق سواهم. وذكر ياقوت من تلاميذه أيضاً: الحافظ المؤرخ عبد الغفار بن محمد القاري، صاحب السياق لتاريخ نيسابور، وأبو القاسم عبد الوهاب الخطابي، راوي كتابه شأن الدعاء. 1 - أبو عبد الله الحاكم: محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري، الحافظ أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيِّع. صاحب المستدرك. قال السبكي 4/ 156: كان إماماً جليلاً، وحافظاً حفيلًا اتُّفِق على إمامته، وجلالته وعظم قدره ... توفي سنة خمس وأربعمائة (ابن قنفذ 229). 2 - أبو حامد الإسفراييني: أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني، قال عنه في طبقات الشافعية 4/ 61: جبل من جبال العلم منيع، وحبر من أحبار
الأمة رفيع. قال الشيخ أبو إسحاق: انتهت إليه رئاسة الدين والدنيا ببغداد، وقال الخطيب البغدادي: "سمعت من يذكر أنه كان يحضر مجلسه سبعمائة مُتَفَقهٍ، وكان الناس يقولون: "لو رآه الشافعي لفرح به" توفي سنة ست وأربعمائة كما ذكره ابن قنفذ ص 230. 3 - أبو عبيد الهروي: أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الباشاني صاحب الغريبين. قال ياقوت في معجم الأدباء 4/ 260: قرأ على جماعة منهم: أبو سليمان الخطابي، وكان اعتماده وشيخه الذي يفتخر به. مات في رجب سنة إحدى وأربعمائة. 4 - أبو ذر الهروي: هو عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري الهروي، فقيه مالكي، عالم بالحديث، من الحفاظ الثقات، أصله من هراة، نزل مكة ومات بها سنة خمس وثلاثين وأربعمائة (435 هـ) (ابن قنفذ 240 - 241، شذرات الذهب 3/ 245، طبقات الشافعية 4/ 25). مؤلفاته: ذكرها ياقوت في معجم الأدباء 10/ 269 أثناء ترجمته الثانية له فقال: ولأبي سليمان كتب من تأليفه أشهرها وأسيرها كتاب "غريب الحديث"، وهو في غاية الحسن والبلاغة، وله "أعلام السنن" في شرح صحيح البخاري، و"معالم السنن" في شرح سنن أبي داود. وكتاب "إصلاح غلط المحدثين" وكتاب "العزلة" وكتاب "شأن الدعاء" وكتاب "الشجاج" (¬1) وغير ذلك. وذكر له ياقوت أيضاً أثناء ترجمته الأولى للخطابي في 4/ 253: كتاب "العروس" وكتاب "أعلام الحديث" وكتاب "الغنية عن الكلام" وكتاب "شرح ¬
دعوات ابن (¬1) خزيمة" وكتاب "تفسير أسامي الربِّ عز وجل. شرح الأدعية المأثورة". 1 - أما كتاب "شأن الدعاء" فهو كتابنا هذا، وقد ورد اسمه عند ياقوت وغيره متعدداً (¬2) وهو واحد. فورد باسم: تفسير أسامي الربِّ عز وجل، وشرح دعوات ابن خزيمة، وشرح الأسماء الحسنى. ويبدو أن كل مترجم للخطابي أخذ طرفاً من موضوع الكتاب ونعته به. فكتاب "شأن الدعاء" كما سمّاه الخطابي -رحمه الله- يحوي تفسير الأسماء الحسنى، وشرح الدعوات المأثورة التي جمعها ابن خزيمة. ويبدو هذا الاضطراب في التسمية واضحاً عند ياقوت، فذكره في الجزء 4/ 252 باسم "كتاب تفسير أسامي الرب عز وجل. شرح الأدعية المأثورة". ثم عاد فذكره في الصفحة /253/ منه باسم "شرح الدعوات لابن خزيمة" ثم ذكره في الجزء 10/ 269 أيضاً باسم "شأن الدعاء". فهو بهذا يوحي أن للخطابي ثلاثة كتب، والحال أن المسمى واحد كما قدمت أولاً. 2 - كتاب غريب الحديث: هو كما قال ياقوت: "في غاية الحسن والبلاغة ذكر فيه ما لم يذكره أبو عبيد، ولا ابن قتيبة في كتابيهما، وهو كتاب ممتع مفيد". وقد قام مركز البحث العلمي بمكة المكرمة في جامعة أم القرى بطبع ¬
هذا الكتاب في ثلاثة مجلدات، بتحقيق الأستاذ عبد الكريم إبراهيم العزباوي. 3 - معالم السنن في شرح كتاب السنن لأبي داود، طبع الكتاب في حلب 1920 - 1934 م. وطبع في القاهرة بتحقيق الشيخين: أحمد محمد شاكر، وحامد الفقي. 4 - كتاب الاعتصام بالعزلة: طبع في القاهرة سنة 1352 هـ للمرة الأولى بالمطبعة المنيرية باسم "العزلة" والذي ذكرته مسطور على صفحة النسخة الظاهرية. وهو كتاب ممتع في العزلة وأحكامها. ولكن طبعته سقيمة. ويقوم الآن بتحقيق الكتاب الأخ الصديق ياسين السواس. 5 - كتاب إصلاح غلط المحدثين، مطبوع في القاهرة سنة 1936 م، تحدث عنه في كشف الظنون ص 108. 6 - رسالة في إعجاز القرآن: طبعت في القاهرة مع رسالتين أخريين: الأولى لابن الرماني، والثانية لعبد القاهر الجرجاني؛ في دار المعارف. بتحقيق وتعليق: محمد خلف الله أحمد والدكتور محمد زغلول سلام. مؤلفاته التي لا تزال مخطوطة: 1 - أعلام السنن في شرح صحيح البخاري: ما زال هذا الكتاب مخطوطاً. وينقل ابن حجر في الفتح كثيراً عن الخطابي، ولعله ينقل منه. يقول فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي 1/ 309 في معرض حديثه عن صحيح البخاري: وأول شارح للصحيح هو الخطابي، ومنه عدة نسخ مخطوطة. انظر سزكين 1/ 312، وكشف الظنون ص 545. 2 - كتاب الغنية عن الكلام وأهله: ما زال مخطوطاً، وقد نقل عنه ابن تيمية في مجموعة الرسائل الكبرى 1/ 439 كلاماً يدل على أن الكتاب مؤلف في العقيدة يقول ابن تيمية في العقيدة الحموية الكبرى، في معرض حديثه
عن الصفات: وكذلك كلام الناقلين لمذهبهم مثل ما ذكره أبو سليمان الخطابي في رسالته المشهورة في "الغنية عن الكلام وأهله"، قال: فأما ما سألت عنه من الصفات، وما جاء منها في الكتاب والسنة، فإن مذهب السلف إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها .. الخ. 3 - كتاب الجهاد: لم يذكره سزكين ولا بروكلمان. 4 - الشجاج: لم يذكره سزكين ولا بروكلمان، ووقع اسمه في ابن خلكان 2/ 214: "الشحاح" بالحاء المهملة في الحرفين. 5 - علم الحديث: لم يزد بروكلمان وسزكين على قولها: الموصل 84، 35. 6 - كتاب العروس؛ كذا ذكره ياقوت ضمن مؤلفات الخطابي. هذه هي الكتب التي وقفت عليها في مظان ترجمة الإمام الخطابي رحمه تعالى ونفع به. أحمد يوسف الدّقاق
شأن الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم [يقولُ أبو الفتحِ بنُ أبي الفَرَج: أخْبَرَنا الشيخُ الإمامُ الأديبُ أبو محمدٍ سعيد بن إسحق مَتَّعَ المسلمين بطولِ بقائه، قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن ... بن نَصْرٍ اللبانُ الدينوري، قال: أخبرنا الشيخ الذَّكيُّ .. الحسن (¬1) بن محمد بن محمد بن إبراهيم الكَرَابيسي قالَ:] (¬2). قَالَ أبو سليمانَ، حَمْدُ بنُ محمد بن إبراهيمَ الخطابي، رضي الله عنه: الحمدُ لله المُسْتَحمَدِ إلى خَلْقِهِ بلَطيفِ صُنْعِهِ، البَرِّ بعبادهِ، العَاطف عليهمْ بفَضْلِهِ، مَوْئلِ المؤمِنْين ومَوْلاهُمْ، وكَهْفِ الآيِبْينَ به ومَلْجئهم، الذي أمرَ بالدُّعاءِ، وجَعَلَهُ وَسِيلَةَ الرجَاءِ، فَكُل مَنْ خَلَقَهُ يَفزَعُ في حاجتِهِ إليهِ، وُيعَوِّل عندَ الحوادِثِ والكَوارثِ عليه، سبحانَهُ، مِنْ لطيفٍ لم تَخْفَ عليهِ مُضْمَرَاتُ القُلوبِ، فَيُفْصِحُ لهُ ¬
عنها بنطْقٍ بَيَان، ولم تَسْتَتر دوْنَهُ مُضَمَّنَات الغيوبِ، فَيُعبِّرُ لَهُ عنها بحركةٍ لِسانٌ، لكنه أنطَقَ الألسنَ بذِكْرِه، لتَسْتَمِرَّ على وَلَهِ العبودية وَتَظْهَرَ به شَوَاهِد أعْلَام الربُوِبيةِ، أحْمَده حَمْدَ الشاكرينَ، وأُوْمِنُ بهِ إيمانَ العارِفِينَ، وَأسألهُ أنْ يُصَلِّيَ عَلى نَبِيهِ مُحَمدٍ، شَاهِدِ الصدْقِ لِدِينِ الحَق، دَلِيْلِ العِبادِ إلى سَبيلِ الرشادِ، وعَلى آلهِ الطيبينَ وأصحابِهِ المنتَخَبينَ وأنْ يُسَلِّمَ عَلَيْه (*) وعَليهِمْ تَسْلِيماً، وَبَعْدُ: فإنكم سألتم (¬1) -إخْوَانِي، أكْرَمَكم اللهُ- عَنِ الدعَاءِ، وَمَا مَعْنَاهُ؟ وَفَائِدَتُهُ؟ وَمَا مَحَلُّهُ في الدِّيْنِ؟ وَمَوْضِعُهُ مِنَ العِبَادةِ؟ وَمَا حُكْمه (¬2) فِي بَاب الاعْتِقَادِ؟ وَمَا الذِي يَجبُ أنْ يَنْوِي الداعي بدعَائِهِ؟ وَمَا يَصِحُّ أنْ يُدْعَا بِهِ مِنَ الكَلَامِ مما لَا يَصِحُّ مِنْهُ؟ إلَى سائرِ مَا يَتصِلُ بِهِ مِنْ عُلُوْمِهِ وَأحْكَامِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِيْهِ مِنْ سُنَنِهِ، وَآدَابهِ، وَطَلَبْتُمْ إلى ذلك (¬3): أنْ أُفَسِّرَ لكُمْ ما يُشْكِلُ مِنْ ألفاظِ الأدْعِيَةِ المأثورَةِ،- عَن النبِي - صلى الله عليه وسلم - التِي جَمَعَها إمَامُ أهْلِ الحدِيْثِ، محمدُ بنُ إسْحقَ بنِ خُزَيْمَة -رَحِمَهُ اللهُ-[ورضي عنه (¬4)] إذْ كانَ أوْلى مَا يُدْعَا بِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ مِنْهُ مَا صحَّتْ بِهِ الروَايَةُ، عنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَثَبَتَ عَنْهُ بالأسَانِيْدِ الصحِيْحَةِ؟ فَإن الغَلَط يَعْرِض كثِيْراً في الأدْعِيَةِ التي يَخْتَارُهَا النَّاسُ؛ لاخْتِلَاف مَعَارِفِهِم (¬5)، وَتَبَايُنِ ¬
معنى الدعاء
مَذَاهِبِهِمْ في الاعْتِقادَ، والانتِحَالِ. وَبَابُ الدعَاءِ [مَطِيَّة مَظِنة لِلخَطَرِ] (¬1) وَمَا تَحتَ قَدَمِ الدَّاعِي دَحْض (¬2)؛ فَليُحذَرْ فِيهِ الزَّلَلُ، [وَلْيُسْلَك] (¬3) مِنْهُ الجُدَد (¬4) الذِي يُؤْمَنُ مَعَهُ العَثارُ (¬5)، وَمَا التوفيْقُ إلا بالله [عز، وجل] (¬6). وَقَدْ فَعَلْتُ -أكْرَمَكُمُ الله- مِنْ ذَلكَ (¬7) مَا تَيَسَّر لي، وَبَلَغَهُ عِلْمِي، وَتَوَخَّيْتُ فِيْهِ الإيجَازَ (¬8)، والاخْتِصَارَ، نَفَعَنَا الله وإياكمْ. [بِمَنِّهِ] (¬9). معنى الدعاء أصْلُ هَذِهِ الكَلِمَةِ مَصْدَرٌ، مِنْ قولكَ: دَعَوتُ الشيْء، أدعوه، دُعَاءً. أقَامُوا المَصدَرَ مُقَامَ الاسْمِ. تَقُوْلُ: سَمِعْتُ دُعَاءً كَمَا تَقُوْلُ: سَمِعْتُ صَوْتَاً، وكما (¬10) تقُوْلُ: اللهم اسْمَعْ دُعَائي. وَقَدْ يوضع المصدر مَوْضِعَ الاسم. كقولهم: رجل عَدْل، وَهَذَا (¬11) دِرْهَم ضرب الأمير، وَهَذَا ثوب نَسج اليَمَنِ. ¬
وَمَعْنىَ الدعَاءِ: استدعَاء العَبْدِ رَبهُ -عز وجل- العِنَايَةَ واستمداده إياه المَعُوْنَةَ. وَحَقِيْقَته: إظْهَارُ الافْتِقَارِ إلَيهِ، والتبَرُّؤ مِنَ الحَوْلِ وَالقُوة، وَهوَ سِمَةُ العبودية، واسْتِشْعَارُ الذِّلةِ البَشَرِيةِ، وَفيهِ مَعْنَى الثنَاءِ عَلى الله [عزَ وجلَ] (¬1)، وإضَافَةُ الجود، وَالكَرَمِ إليه؛ وَلذَلِكَ [1] قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدعَاءُ هُوَ العِبادة". حَدثَنَا: ابنُ الأعْرَابي، قَالَ: حَدثَنَا: بَكْرُ بن فَرقَدٍ التمِيْمِي قَالَ: حَدثَنَا: أبو دَاود قَالَ: حَدثَنَا شُعْبَة، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ذرٍّ، عَنْ يُسَيْعٍ الحَضْرَمي، عَنِ النعْمَانَ بنِ بَشِيْر: أن النبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَهُ، وَحَدثَنِيْهِ: محمد بن الحسن بْنِ عَاصِمٍ. قَالَ: حَدثَنَا: محمد بنُ ¬
إسْحاقَ بن خُزَيمةَ قَالَ: حَدثَنَا: أبو مُوْسَى، قَالَ: حَدثَنَا: عَبْدُ الرحْمَنِ -[يعني (¬1) -] ابنَ مهدي- قَالَ: حَدثَنَا شُعْبَةُ: عَن مَنْصُور، عَنْ ذر، عن يُسَيعٍ، عَنِ النعْمَانَ بنِ بشير، عَنِ النبِي - صلى الله عليه وسلم -[أنه] (¬2) قَالَ: "إن الدعَاءَ هِيَ العبادة"، وَقَرأ: (وَقَالَ ربكم ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُم) [غافر/ 60]. [قَالَ أبو سُلَيمَانَ:] (¬3) هَكَذَا قَالَ في روَايَةٍ: "إن الدعَاءَ هِيَ العِبَادةُ"، وإنما أنَّثَ عَلَى نيةِ الدعوة، أوِ المَسألَةِ، أوِ الكَلِمَةِ، أوْ نَحْوَهَا، وَقَوْلُهُ: "الدعاء هُوَ العِبَادَةُ" مَعْنَاهُ أنهُ مُعْظَمُ العِبَادَةِ، أوْ أفْضَلُ العِبَادةِ، كَقَوْلهم: الناس بنو (¬4) تَميْمٍ، وَالمَالُ الإبِلُ، يُرِيْدُوْنَ: أنهم أفْضَلُ الناس، أو أكْثرُهُمْ عَدَدَاً أوْ مَا أشبَهَ ذَلِكَ (¬5)، وَإن الإبِلَ أفْضَلُ أنوَاعِ الأموَالِ، وَأنبَلُهَا. وَكَقَولِ النبِي - صلى الله عليه وسلم -: [2] "الحَج عَرَفَةُ". يُرِيْدُ: أن مُعْظَمَ الحَجِّ الوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. ¬
وذلك؛ لأنه إذَا أدرَكَ عَرَفَةَ، فَقَدْ أمِنَ فَوَاتَ الحَج. ومثله في الكلام كثير. وَقَد اخْتَلَفَت مَذَاهِبُ الناسِ فِي الدعَاءِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا مَعْنَى للدعاء وَلَا طَائِلَ لَهُ لأن الأقْدَارَ سَابِقَةٌ والأقْضِيَةُ مُتَقَدمَةٌ، وَالدعَاءُ لَا يَزِيدُ فِيْها، وَتَرْكُهُ لَا يُنقِصُ شَيْئَاً منها وَلاَ فَائِدَةَ في الدعَاءِ والمسألةِ. [3] وَقَد قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدرَ اللهُ المَقَاديْرَ، قَبلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ، بِكَذَا وَكَذَا عَامَاً". [4] ورُويَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم -: أنهُ قَالَ: "جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائن". ¬
[5] ورُوِيَ [عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم -] (¬1): "أرْبَعٌ قَدْ فَرَغَ [الله] (¬2) مِنْهَا: العُمر، والرزْقُ، والخَلْقُ والخُلُقُ]. أو كما قال. وقالت [طائفة] (¬3) أخْرَى: الدعاء وَاجِبٌ. وَهُوَ يَدْفَعُ البَلَاءَ، ويرُدُّ القَضَاءَ. [6] وَاحْتَجوا بِمَا رُوِيَ [عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهُ] (¬4): "لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إلا الدُّعَاء". ¬
[7] وَ [بِمَا رُوِيَ] (¬1): "أن الدعَاءَ، والقَضَاءَ، يَلْتَقِيَانِ فَيَعْتَلِجَانِ (¬2) مَا بينَ السمَاءِ والأرْضِ". وَقالَ آخَرُونَ: "الدعَاءُ وَاجِب، إلا أنه لَا يُسْتَجَابُ مِنْهُ إلا مَا وَافَقَ القَضَاء". وَهَذَا المَذْهَبُ هو الصحيح، وَهُوَ قَوْلُ أهْلِ السنة وَالجَمَاعَةِ، وفيه الجَمْعُ بين الأخْبَارِ المَرْوِيةِ عَلَى اخْتلَافِهَا والتوفيق بينها. فَأمْا مَنْ ذهب إلَى إبْطالِ الدعَاءِ، فَمَذْهَبُهُ فَاسِدٌ؛ وذلك أن الله. سُبْحانَهُ- أمَر بالدعَاءِ، وَحَضَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (ادْعُوني أسْتَجبْ لَكُمْ) [غافر/60] وَقَالَ [عز وجل] (¬3): (ادْعُوا رَبكم تَضَرُّعَاً وَخُفْيَة) [الأعراف/55]. وَقالَ [تعالى] (3): (قُلْ مَا يَعْبأ بِكُم رَبي ¬
لَوْلَا دُعاؤُكم) [الفرقان/77] في آيٍ ذوات (¬1) عدد في القرآن. وَمَنْ أبْطَلَ الدعاء (¬2)، فَقَدْ أنْكَر القُرآنَ، وَرَدَّهُ. وَلَا خَفَاءَ بِفسَادِ قَوْلهِ، وَسُقُوطِ مَذْهَبِهِ. فَإنْ قِيْلَ: فَإذَا كَانَ الأمْر على مَا ذَكَرتمُوهُ مِنْ أن الدعاء: لَا يَدْفَعُ ضَررَاً، وَلَا يَجْلِبُ نَفْعَاً، لَمْ يَكُنْ جَرَى بِهِ القَضَاءُ، فَمَا فَائِدَتُهُ؟ وَمَا مَعْنى الاشْتِغَالِ بهِ؟ فَالجَوَابُ: إن هَذَا مِنْ جُمْلَةِ البَاب الذِي وَقَع التعَبُّدُ فِيْهِ بِظَاهِر مِنَ العِلْم، يَجْرِي مَجْرَى الأمَارَةِ المُبَشِّرَةِ، أوِ المُنْذرَةِ، دون العِلة الموجبة، وَذلِك -والله أعْلَمُ- لِتَكُوْنَ المُعَامَلَةُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى الترَجي، والتعَلُّقِ بالطمَعِ البَاعِثين عَلَى الطلَبِ دون اليَقين الذي يَقَعُ مَعَهُ طُمَأنِيْنَةُ النفْسِ، فَيُقْضَى بِصَاحِبِهِ إلَى ترك العَمَلِ والإخْلَاد (¬3) إلَى دَعَةِ العُطْلَةِ. فَإن العَمَلَ (¬4) الدائرَ بَينَ الظفَرِ، بالمَطْلُوبِ (¬5) وبْينَ مَخَافَةِ فَوتهِ، يُحرك عَلَى السعي لَهُ، وَالدأبِ فِيْهِ، وَاليَقينُ يُسْكِنُ (¬6) النفْسَ، [وُيرِيْحُهَا] (¬7)، كَمَا اليَأسُ [يُبَلِّدُهَا وَيُطْفِئُهَا] (7)، وَقَدْ قَضَى اللهُ -سُبْحَانَهُ- أنْ يَكُونَ العَبْدُ مُمتحَناً، وَمُسْتَعْمَلاً، وَمُعَلَّقَاً بينَ الرجَاءِ، والخَوْفِ اللذَينِ هُمَا مَدْرَجَتَا ¬
العبودية؛ لِيُستَخْرَجَ (¬1) مِنْهُ بِذَلِكَ الوَظَائِفُ المَضْرُوبَةُ عَلَيْهِ، التي هِيَ سِمَةُ كُل عَبْدٍ، وَنصْبَةُ كُل مَربُوب، مُدَبَّرٍ (¬2)، وَعَلَى هَذا بُني الأمْرُ فِي مَعَاني مَا نَعْتَقِدُهُ فِي مَبَادِيءِ الأمُورِ التي هِيَ الأقْدارُ، وَالأقْضِيَةُ، مَعَ التِزَامِنَا الأوَامِرَ التي تُعُبِّدْنَا (¬3) بِهَا، ووُعِدْنا عَلَيْهَا فِي المَعَادِ، الثوابَ وَالعِقَابَ. ولمَاْ عَرَضَ فِي هَذَا مِنَ الإشْكَالِ، مَا سَألَتِ الصحَابَةُ: رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: [8] "أرَأيتَ أعْمَالَنَا هَذِهِ أشيْءٌ قَدْ فُرغَ مِنْه، أمْ أمْرٌ نَسْتَأنفُهُ؟ فَقال: بَلْ هُوَ أمْرٌ قدْ فُرغ مِنْهُ. فَقَالُوا: فَفِيْمَ العَمَلُ إذَاً؟ قَالَ: اعْمَلُوا، فَكُل مُيَسرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ. قَالُوا: فَنَعْمَلُ إذاً". ألَا تَرَاهُ كيْفَ عَلَّقَهُمْ بينَ الأمْرينِ، فَرَهَنَهُمْ (¬4) بِسَابِقِ القَدَرِ المَفرُوْغِ مِنْهُ، ثُم ألزَمَهُم العَمَلَ الذِي هُوَ مَدْرَجَةُ التعَبدِ، لِتَكُونَ تِلْكَ الأفْعَالُ أمائر (¬5) مُبَشِّرَة، وَمُنْذرَة، فَلمْ يُبْطِلِ السبَبَ -الذِي هُوَ ¬
كَالفَرْعِ- بالعِلةِ التي هي لَهُ كَالأصلِ، وَلم يَتْرُك أحَدَ الأمْرَينِ لِلآخَرِ. وَأخْبَرَ مَعَ ذلِكَ أن فَائِدَةَ العَمَلِ هُوَ القَدَرُ المَفْرُوغُ مِنْهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلهِ [- صلى الله عليه وسلم -] (¬1): "فكل ميسرٌ لما خُلِقَ له". يُرِيدُ: أنه مُيَسر فِي أيامِ حَيَاتِهِ لِلْعَمَلِ الذِي سَبَقَ لَهُ القَدَرُ بِهِ قَبلَ وَقْتِ وُجُودهِ، وَكَونهِ، إلا أن الوَاجِبَ. [عَلَيْك هَا هُنَا] (¬2) أنْ تَعْلَمَ فَرْقَ (¬3) مَا بَيْنَ المُيَسرِ، والمُسَخرِ (¬4)، فَتَفَهَّمْ. وَكَذَلِكَ القَولُ فِي بَاب الرزقِ، وَفِي التسَبُّب إليه بِالكَسْبِ، وَهُوَ أمْر مَفْرُوْغ مِنْهُ فِي الأَصْلِ، لا يَزِيدُهُ الطلبُ، وَلَا ينقِصُهُ التركُ. وَنَظيرُ ذلِكَ؛ أمرُ العُمْرِ، وَالأجَلِ المَضْرُوبِ فِيْهِ فِي قَوْلهِ [عز وجل] (¬5): (فَإذَا جَاءَ أجَلُهُم لَا يَسْتَأخِرُوْنَ سَاعَة وَلاَ يَستقدمُونَ) [الأعراف/ 34]. ثُم قدْ جَاءَ فِي الطِبِّ (¬6)، والعِلَاجِ، مَا جَاءَ، وَقَدْ اسْتَعمَلَهُ عَامةُ أهْلِ الدين مِنَ السَّلَفِ، والخَلَفِ، مَعَ عِلْمِهِمْ بأن مَا تَقَدمَ مِنَ الأقْدارِ، والأقْضِيَةِ لَا يَدْفَعُها التعَالُجُ بِالعَقَاقِير (¬7)، وَالأدوِيَةِ. ¬
وإذَا تأملْتَ هَذِه الأمُورَ، عَلِمتَ أن -الله سُبحَانَهُ- قَدْ لَطَفَ بعباده؛ فَعَلَّلَ طِبَاعَهُم البَشَرِيةَ بِوَضْع هَذِهِ الأسْبَابِ؛ لِيأنَسوا (¬1) بِهَا، فَيُخَففُ (¬2) عَنْهم ثِقَلَ الامْتِحانِ التي تَعَبدَهُم بهِ، وَليَتَصَرفُوا بِذَلِكَ بَيْنَ الرجَاءِ، والخَوْفِ، وَليَسْتَخْرِجَ مِنْهُم وَظَيْفَتَيْ الشكْرِ، والصبرِ فِي طَورَيْ السَّرَّاءِ، والضراءِ، والشدةِ، والرخاءِ، وِمْن ورَاءِ ذلِكَ عِلْمُ اللهِ [تَعَالَى] (¬3) فِيْهِمْ، ولله عَاقِبَةُ الأمُوْرِ، وَهُوَ العَلِيْمُ الحكيم، لا مُعَقبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا راد لِقضَائِهِ (لا يُسألُ عَما يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْألون) [الأنبياء/23]. فَإن قِيلَ فَمَا تأوِيلُ قَوْلهِ [سُبْحَانَه] (¬4): (ادعُوني أسْتَجِبْ لَكم) [غافر/60]، وَهُوَ وَعْدٌ مِنَ الله [جل وعز] (4) يَلْزَمَُ الوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يجوْزُ وُقُوْعُ الخُلْفِ فِيْهِ؟ قِيلَ هَذَا مُضْمَرٌ فِيْهِ المَشِيْئَةُ [كَقَوْله: (بل إياهُ تدعُونَ فَيَكشِفُ مَا تَدْعُونَ إليه إنْ شَاءَ)] (4) [الأنعام/ 41]، وَقَدْ يَرِدُ الكَلَامُ بِلَفْظٍ عَام، مُرَادُهُ خَاصٌّ، وَإنما يُسْتَجابُ مِن الدعَاءِ مَا وَافَقَ القَضَاءَ، وَمَعْلُومٌ أنهُ لَا تَظْهرُ لِكُل داع اسْتِجَابَة دعائِهِ؛ فَعَلمتَ أنهُ إنما جَاءَ في نوْعٍ خَاصٍّ مِنْهُ بِصِفةٍ مَعْلوْمَةٍ. وقد قِيْلَ: مَعْنَى الاسْتِجَابَةِ: أن الداعِي يُعَوَّضُ مَن (¬5) دُعَائِهِ عِوَضَاً مَا، فَرُبما كَانَ ذلِكَ [(¬6) إسعافاً بطلبتِهِ الَتى ¬
دَعَا لَهَا، وذلك إذَا وَافَقَ القَضَاءَ. فَإنْ لَمْ يُساعِدْهُ القَضَاء، فإنه يُعْطَى سَكِيْنَة في نَفْسِه، وانشراحاً في صدرِهِ، وصبْرَا يَسْهُلُ معهُ احتمالُ ثِقَلِ الوارداتِ عليه، وعلى كل حالٍ فلا يَعْدَمُ فائدةَ دعائِهِ، وهو نوع من الاستجابةِ. [9] وَقَدْ رَوَى: أبو هُرَيْرَةَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لله، عز وجلَ، يَسْألهُ مَسْألَة إلا أعْطَاهُ إياهُ إما عَجَّلَهَا لَهُ في الدنيا، وإما ادَّخَرَها لَهُ في الآخِرةِ، ما لم يَعْجَلْ، قالوا: وَمَا عَجَلَتُهُ؟ قال: يقولُ: دَعَوْتُ، دَعَوْتُ، فَلَا أرَاهُ يُسْتَجَابُ لِي". قال الشيخ -رضي الله عنه-: وإذا ثبتَ معنى الدعاء، ووجوبُ العملِ بِهِ؛ فإن من شرائِطِ صِحتِهِ، أنْ يكونَ ذلك مِنَ العَبْدِ بإخلاصِ نِيَّتهِ، وإظهارِ فَقْرٍ، وَمَسْكَنَةٍ، وعلى حالِ ضَرْعٍ، وخُشوعٍ، وأنْ يكون على طهارةٍ من الداعي، واستقبالٍ للقِبْلَة، وأنْ يُقَدمَ الثناءَ على الله -عز وجل- والصلاةَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَامَ دُعَائِهِ، ومِنْ سُنتِهِ أن يَرْفَعَ إلى الله -عز وجلَ- يَدَيهِ، باسِطَاً ¬
كفيهِ، غيرَ ساتِرٍ لَهُما بثوبٍ، أو غطاءٍ، ويُكْرَهُ فيهِ الجهْرُ الشديدُ بالصوتِ، وتكْرَهُ الإشارةُ فيهِ بأُصبُعين، وإنما يشيرُ بالسبابَةِ من يَدِهِ اليُمنى فقط. [10] وقد رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يُشيرُ بأصْبُعَينِ، فقال له: "أحِّدْ أحِّدْ". وُيسْتَحبُّ الاقتصارُ على جوامعِ الدعاء، ويُكرَهُ الاعتداءُ فيهِ، وليس معنى الاعتداءِ الإكثارَ منْهُ. [11] فقد رُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنهُ قَال: "إن الله يُحبُّ المُلِحِّينَ في الدعاءِ". وقال: [12] "إذَا دَعَا أحَدُكُمْ، فَلْيَسْتكثِرْ، فإنما يَسألُ رَبَّهُ". وإنما هو مثل ما روي عن سعد: أنه سَمِعَ ابناً لَهُ يقول: ¬
[13] "اللهم إني أسألُكَ الجنةَ، ونعيمَهما، وبَهْجَتَها، وكذا، وكذا، وأعوذُ بكَ مِنَ النارِ وسلاسِلِهَا وأغلالِهَا وكذا وكذا، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنهُ سَيَكُونُ قوم يَعْتَدونَ في الدعاءِ" فإيَّاكَ أنْ تكونَ منهم، فإنكَ إذا سَألْتَهَا، فَأُعْطِيْتَها، أُعْطِيْتَهَا وَمَا فِيها، وإذا تَعَوَّذْتَ من النارِ، فَأُعِذْت مِنْها، أُعِذْتَ مِنْها ومما فِيْها من الشر". ويُكْرَهُ في الدعَاءِ السَجع، وتَكَلفُ صنعةِ الكلامِ لَهُ، ولا يجوزُ أنْ يُدْعا بالمُحال، وأنْ يطلب ما لا مَطْمَعَ فيه، كَمَنْ يدعُو بالخلودِ في الدنيا، وقد علم، أن الله -سبحانهُ- استأثَرَ بالبقاءِ، وكتَبَ الفناءَ على جميعِ خَلْقِهِ. ولا يدعو بمعصيةٍ، ولا بقطيعةِ رَحمٍ، ونحوها من الأمورِ المحظورةِ، وَلْيَتَخيَّرْ لدُعائهِ، والثناءِ على ربهِ، أحسنَ الألفاظِ، وأنبَلَها، وأجمعَها للمعاني، وأبينَها؛ لأنهُ مناجاةُ العبدِ سَيِّدَ الساداتِ الذي ليس لهُ مثل، ولا نظيرٌ، ولو تقدم بعضُ خَدَم ملوكِ أهل الدُنيا إلى صاحِبِه، ورئيسِهِ في حاجةٍ، يرْفَعُها إليهِ، أو معُوْنَةٍ يطلبُها منْهُ، لَتَخَير لهُ محاسِنَ الكلامِ، ولَتَخَلَّصَ إليه بأجودِ ما يقدرُ عليه من البيانِ، ولئن لم يستعملْ هذا المذهبَ في مخاطبَتِهِ إيَّاهُ، ولم يَسْلُك هذهِ الطريقةَ فيها معهُ، أوشَكَ أن ينبوَ سمْعُهُ عن كلامِهِ، وأنْ لا يحظى بطائلٍ من حاجَتِهِ عندَهُ. ¬
فما ظنُّكَ برَبّ العِزةِ -سُبحانَهُ- وبمقامِ عبدِهِ الذَّلِيْلِ بينَ يَدَيْهِ، ومَنْ عَسَى أنْ يبلغَ بجهدِ بَيَانِهِ كُنْهَ الثناءِ عليهِ؟ وهذا رسولُهُ، وصفيُّهُ - صلى الله عليه وسلم - قد أظهرَ العَجْزَ، والانقطاعَ دونَه؛ فقالَ في مناجاتِهِ: [14] "وأعوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثَنَاءً عليكَ أنْتَ، كما أثنيتَ على نفسك". فسبحانَ من جَعَل عَجْزَ العاجِزِينَ عن شُكْرِهِ، والثناء عليه شكراً لهم، كما جَعَل معرفة العارفينَ بأنهم لا يُدْركُونَ كُنْهَ صِفَتِهِ إيماناً لهم، وقد أُولعَ كثيرٌ من العامَّةِ بأدْعِيَةٍ مُنْكَرةٍ اختَرَعُوها، وأسماءٍ سَمَّوْها، ما أنزلَ الله بِها من سُلطانٍ وقد يوجَدُ] (¬1) في أيديهمْ دستورٌ من (¬2) الأسماء، والأدعيةِ يُسَمَّوْنَه: "الألفَ الاسم" (¬3). صَنَعَهَا لهُمْ بعضُ المُتكَلِّفِين مِن أهل الجَهْلِ، والجُرأةِ على الله، عزَّ، وجل (¬4)، أكثرُها زورٌ، وافتراء على اللهِ، عز، وجل (¬5)، فَلْيَجتنبْهَا (¬6) الدَّاعي إلا ما وافقَ منها الصوابَ. إنْ شاء الله، تعالى (¬7). ¬
ومما يُسْمَعُ على ألسنَةِ العامة وكثيرٍ من القُصاصِ، قولُهُم: يا سبحانُ -يا بُرهانُ- يا غُفْرانُ- يا سلطانُ، وما أشْبَهَ ذلك. وهذه الكلماتُ، وإنْ كان يَتَوَجهُ بَعْضُها في العربيةِ على إضْمَارِ النسبةِ بِذِي، فإنهُ مستهْجَن، مهْجورٌ، لأنهُ لا قدوةَ فيهِ، ويغلطُ كثيرٌ منهُمْ في مِثلِ قولهمْ: يا رَبَّ طهَ - ويس، ويا رَبَّ القرآنِ العظيمَ. وأولُ من أنْكَرَ ذلك ابنُ عباسٍ -رَحِمَهُ الله (¬1) - فإنهُ سَمِعَ رَجُلاً، يقولُ عنْدَ الكَعْبَةِ: "يا ربَّ القرآن". فقال: [15] "مَهْ! إنَّ القرآنَ لا رَب لَهُ، إن كُل مربوبٍ مخلوقٌ". فأما أغَاليطُ منْ جَمَح بِهِ اللسانُ، واعتَسَف أوْديَةَ الكلام من الأعرابِ، وَغَيرِهم، الذين لم يُعنَوْا بمعرفةِ الترتيبِ، ولم يقوِّمْهم ثِقافُ التأدِيبِ، كقول بَعْضِهِم في استسقاءِ الغَيْثِ: رَبَّ العبادِ مَا لَنَا وما لَكا قَدْ كُنْتَ تَسْقِيْنَا فَمَا بَدَا لَكَا أنزلْ عَلينا الغيثَ لا أبَا لكا (¬2) وكقولِ القائِلِ من قريشٍ حينَ هَدَمُوا الكَعْبَةَ في الجَاهليةِ، ¬
وأرادوا بناءهُ (¬1) على أساسِ إبراهيمَ -صلواتُ الله عليه (¬2) - فَجَاءَتْ حيةٌ عظيمةٌ، فحملتْ عليهم، فارْتَدَعُوا. فعندَ ذلكَ قال شيخ منهم كبيرٌ (¬3): "اللهم لا تُرَعْ، ما أرَدنَا إلا تَشْييدَ بيتِكَ، وتشريفَهُ" وكقولِ بعْضهم -وإنْ كان مِنَ المذكورينَ في الزهَادِ-: "نعم المرءُ ربُّنَا، لو أطعناهُ لم يَعْصِنا" فإنَها في أخواتِها، ونظائِرِها عجرفية في الكلامِ، وتهورٌ فيه، والله -سبحانَهُ- مُتَعَالٍ عن هذه النعوتِ، وذكرُهُ مُنَزَّهٌ عن مثلِ هذِهِ الأمورِ، وقد رَوَيْنا عَنْ عَونِ بنِ عبد الله، أنهُ كانَ يقولُ: "ليعظِّمْ أحدكُم رَبَّهُ، أن يذكرَ اسمه في كل شيء، حتى يقولَ: أخْزَى اللهُ الكلبَ، وفعل الله بِهِ كذا". وكانَ بعضُ من أدْرَكْنَاهُ (¬4) مِنْ مَشَايخنَا قَلَّ ما يذكر اسم الله -جل وعز- إلا فيما ¬
يَتَّصلُ (¬1) بطاعةٍ، أوَ قُربةٍ، وكانَ يقولُ للرجلِ إذا جزاه خيراً: جُزيتَ خيراً، وقل ما يقولُ: جزاكَ اللهُ خَيراً، إعظاماً للاسم أن يُمتَهَنَ في غيرِ قُرْبَةٍ، أو عِبادةٍ. ومما يجبُ أنْ يُراعَى في الأدعِيَةِ، الإعرابُ الذِي هو عماد الكلامِ، وِبهِ يستقيم المعنى، وِبعَدَمِه يَخْتلُّ، ويَفْسُدُ، وربما انْقلبَ المعنَى باللَّحنِ حتى يصيرَ كالكُفْرِ، إنْ اعتَقَدَهُ صاحبُهُ. كدُعاءِ مَنْ دَعَا، أو قراءَةِ من قرأ: (إياكَ نَعْبُدُ وإياك نستعين) بِتَخْفِيْفِ اليَاءِ من إياك، فإن الأيَا ضياءُ الشمس، فيصيرُ كأنهُ يقولُ شَمْسَكَ نَعْبد. وهذا كفرٌ. وأخبرَني محمد بنُ بحرٍ (¬2) الزُّهَني، قال: حدثَني الشاهُ بنُ الحَسَن قالَ: قالَ: أبو عثمانَ المازني لبعضِ تلامِذَتِهِ: عَلَيْكَ بالنحوِ؛ فإن بني إسرائيل كفَرَت بحرفٍ ثقيلٍ خَفَّفُوهُ، قال ¬
الله -عزّ-وجلَّ- لِعِيْسَى: (إني ولَّدتُكَ) فقالوا: "إني وَلَدتُكَ" فَكَفَرُوْا (¬1). وأخْبَرني (¬2) أحمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ إسماعيلَ، قال: حدثَنَا ابنُ المَرْزُبانِ عَنِ الريَاشِيِّ، قالَ: مرَّ الأصمعيُّ برجلٍ يقول في دُعائِهِ: "يا ذُو الجلالِ والإكرام" فقال: ما اسمكَ؟ قال: ليثٌ. فأنشأ يقول: يُنَادِي رَبَّهُ باللحنِ لَيْثٌ ... لِذَاكَ إذَا دَعَاهُ لا يُجيبُ [قال أبو سليمان] (¬3): وإذْ قَدْ أتَيْنَا بِمَا قَدْ (¬4) وَجَبَ تقديمُهُ من شرائطِ صِحةِ الدُّعاءِ، فَلْنَعْمِد (¬5) لتفسيرِ ما جاءَ مِنهُ مأثُوراً عنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬
وَلْنَبْدَأ بتفسير أسماءِ الله -جلَّ، وعزَّ- التي هي تسعة وتسعون اسماً. قال الله سبحانَهُ: (وللهِ الأسْمَاءُ الحسنى فادْعُوْهُ بِهَا) [الأعراف/ 180]. ثُم قالَ: (وَذَرُوا الذينَ يُلْحِدُوْنَ في أسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف/ 180]. فَكانَ (¬1) دَلالةُ الآيَةِ أن [الغَلَطَ فيها والزيْغَ عَنْها إلحادٌ] (¬2). ونحنُ نَسْألُ الله التوفيق لِصَوابِ القَوْلِ فيها بِرَحْمتِهِ. ¬
(باب تفسير هذه الأسماء)
(باب تفسير هذه الأسماء) (¬1) [16] حَدثَنَا مُكْرَمُ بنُ أحمدَ، قال: حَدثَنَا محمد بنُ إسماعيلَ السُّلَمِي، قالَ: حَدثَنَا إسْحقُ بنُ محمدٍ الفَرويُّ، قالَ: حدثَنَا مالك، عَنْ أبي الزنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله تسعة وتسْعِيْنَ (¬2) اسْمَاً، مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنةَ، إنهُ وِتْرٌ يُحبُّ الوِتْرَ". قال الشيخُ (¬3): "إن لله تسعَة وتسعينَ (2) اسماً" فيهِ إثباتُ هذهِ ¬
الأسماءِ المحصورةِ بهذا (¬1) العددِ، وليس فيه نفيُ ما عَداها (¬2) مِنَ الزيادةِ عَلِيهَا، وإنما وَقَعَ التخْصِيْصُ بالذكْرِ لِهَذهِ الأسماء؛ لأنها أشهر الأسْمَاءِ، وَأبيَنها معانيَ وأظهُرها، وجملةُ قَوْلهِ: "إن لله تسعة وتسعينَ (¬3) اسْماً من أحصاها دخل الجنة" قضيةٌ واحدةٌ لا قضيتانِ، ويكون تمامُ الفائِدَةِ في خَبَرِ "إن" في قولهِ: "مَنْ أحْصَاها دَخَلَ الجنة"، لا في قولهِ.: "تسعةً وتسعينَ اسْمَاً"، وإنما هوَ بمَنْزِلَةِ قَوْلكَ: إن لزيدٍ ألفَ دِرْهَم أعدها لِلصدَقَةِ. وَكَقَوْلكَ: إنَ لعمرٍو مائةَ ثوب مَنْ زارَهُ خَلَعَها عَلَيهِ. وهذا لا يدلُّ عَلَى أنهُ لَيْسَ عِنْدَهُ من الدراهِمِ أكثر مِنْ ألفِ [درهم] (¬4)، وَلَا مِنَ الثيابِ أكثر مِنْ مائةِ ثوبٍ، وإنما دِلَالَتُهُ: أن الذِي أعده زْيدٌ مِنَ الدراهمِ للصدقةِ ألف [درهم] (4)، وأن الذي أرْصَدَه عمروٌ من الثيابِ للخَلْعِ مائة ثوب، والذِي يَدل على صِحةِ هَذا التأويلِ حديث عَبْدِ الله بنِ مسعودٍ، وقد ذَكَرَهُ محمد بن إسحق [بن خزيمة] (4) في المأثورِ: [17] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يدعو: "اللهم إني عَبْدُكَ، ابنُ عَبْدِكَ، ابنُ أمَتِكَ، ناصِيَتيْ بِيَدِكَ، ماضٍ في حُكْمُكَ، عَدْلٌ في قَضَاؤكَ، أسْألكَ بِكل اسمَ هُوَ لك سَميْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أو أنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، ¬
أوْ عَلمْتَهُ أحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أو اسْتَأثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدك .. الخ (¬1) .. ". فَهَذا يَدُلُّكَ على أن لله أسماء لم يُنَزِّلْهَا في كِتَابِهِ، حَجَبَهَا عَنْ خَلْقِهِ، وَلم يُظْهِرْهَا لَهُمْ. وفي قَولهِ [- صلى الله عليه وسلم -] (¬2): "إن لله تسعةً وتسعينَ اسْماً"، دَلِيل على أن أشْهَرَ الأسماءِ، وأعْلَاهَا في الذكْرِ -اللهُ- ولذَلِكَ أُضيفتْ سائِرُ الأسماءِ إليه. وَقَدْ جَاءَ في بعضِ الرِوَايَاتِ: "أن اسمَ اللهِ الأعْظَمَ -اللهُ- " (¬3). ¬
وقَولُهُ: "مَنْ أحْصَاهَا [دخل الجنة] (¬1) ": [في الإحصاء أربعةُ أوجهٍ] (¬2): أحدها (¬3) -وهو أظهرُها- الإحْصَاءُ الذِي هُوَ بِمعنى العدّ، يُريدُ: أنهُ (¬4) يَعُدّهَا لِيَسْتَوْفيَهَا حِفْظاً، فَيَدْعُوَ ربَّهُ بِهَا. كَقُولهِ سُبْحانَهُ: (وَأحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدَاً) [الجن/28]. وَيَدُلُّ على صِحةِ هذا التأويلِ رِوَايةُ سُفْيانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أبي الزنادِ، حدثناه: أحمدُ بنُ إبراهيم بن مالكٍ، قالَ: حَدثَنَا: بِشْرُ بنُ مُوسَى، قالَ: حَدثَنَا: الحُمَيديُّ، قالَ: حَدَّثَنَا: سفيانُ، قالَ: أخبرنا أبو الزنادِ، عن الأعْرجٍ، عن أبي هُريرةَ، قالَ: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله تِسعةً وتسْعِين اسْماً مِائة غيرَ واحدٍ مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الجنة، وهُوَ وِتْرٌ، يُحبُّ الوِتْرَ" (¬5). ¬
والوجه الثاني: أنْ يكون الإحصاء بمعنى الطاقة، كقوله -سبحانه-: (عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوْهُ) [المزمل/ 20]، أي: لن تطيقوه. وكقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [18] "استَقِيْمُوا، ولَنْ تحصوا"، أي: لن تطيقوا كل الاستقامة. والمعنى: أنْ يطيقها، يُحْسِن المراعاة لها، والمحافظة على حدودها في معاملة الرب [سبحانه] (¬1) بها، وذلك مثل أن يقول: يا رحمن، يا رحيم، فيَخْطُرُ بقلبه الرحمة، ويعتقدها صفة لله -جل، وعز-، فيرجو رحمته (¬2)، ولا ييأس من مغفرته. كقوله تعالى (¬3): (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، إن الله يَغْفِرُ الذنوبَ جَميعاً، إنَه هُوَ الغَفور الرَحيمُ) [الزمر/53]. وإذَا قالَ: (السميعُ البَصير) علم أنه لا يَخْفَى على الله خافيةٌ، وأنه بمرْأىً منه ومسمعٍ؛ فيخافُهُ (¬4) في ¬
سرِّه، وعَلنِهِ، ويراقبُهُ في كافةِ أحوالِهِ، وإذَا قَال: (الرزاق) اعْتَقَدَ أنه المتكفل برزْقِهِ، يَسوقُهُ إليهِ فى وقتهِ، فَيَثقُ بوعدِهِ، ويعلمُ أنه لا رازقَ [له] (¬1) غيرُهُ، ولا كافيَ لهُ سِواهُ، وإذَا قالَ: المُنْتَقِم؛ استَشْعَرَ الخوفَ مِن نِقْمَتِهِ، واستجارَ بهِ من سَخَطِهِ، وإذَا قالَ: (الضارُّ النافِعُ)؛ اعتقدَ أن الضرَّ والنفعَ من قِبَل الله -جل، وعز- لا شريكَ لَهُ، وأن أحَداً من الخلقِ، لا يَجْلُبُ إليهِ خَيراً، ولا يصرِفُ عنْه شراً، وأنْ لا حولَ لأحَدٍ، ولا قوةَ إلا بِهِ. وكذلكَ إذَا قالَ: (القابضُ الباسطُ)، و (الخافضُ الرافعُ)، و (المعز المذِل). وعلَى هذا سائرَ هذهِ الأسماءِ. والوجه الثالث (¬2): أن يكونَ الإحصاءُ بمعنى العَقْلِ والمعرفةِ، فيكون معناهُ أن من عَرَفَها وعَقَلَ معانِيَهَا، وآمنَ بها دَخَل الجنةَ، مأخوذٌ من الحصاةِ (¬3)، وهي العَقْلُ. قال طَرَفَةُ (¬4): وإن لِسَانَ المَرْءِ مَا لم تَكُنْ لَهُ ... حَصَاةٌ عَلَى عَوْرَاتِهِ لَدَلِيْلُ ¬
والعربُ تقولُ: فلان ذو حَصَاةٍ، أي: ذو عقلٍ، ومعرفةٍ بالأمور. والوجه الرابع: أن يكونَ معنى الحديثِ أنْ يَقْرأ القُرآنَ حتى يَخْتِمَهُ فَيَسْتَوْفيَ هذه الأسماءَ كُلَّها في أضْعَافِ التِلَاوَةِ. فكأنَّهُ قالَ: مَن حَفِظَ القُرآن وقَرأهُ فَقَد استحق دخول الجَنَةِ، وذهب إلى نحوٍ من هذا أبو عبد الله الزبَيْرِي -[رحمه اللهُ] (¬1) - وقال: تأمَّلْتُ الأسْمَاءَ التي جَاءَتْ في الأخْبَارِ، والآثارِ، فَلما قابَلْتُهَا بما جاءَ في القرآنِ وَجَدْتُها مائة، وثلاثةَ عشر اسْماً، وإنَّما زادَتْ على المبلَغِ المذكورِ في الخبر؛ لأني حَسَبْتُها متكرِّرَة. كقولهِ: القديرُ، والقادرُ، والمقتدرُ، والرَّازقُ، والرَّزَّاقُ، والغفورُ والغافرُ، والغفَّارُ، فَحَذَفْتُ التَّكْرِيرَ، فَوَجَدْتُهَا سَوَاء على ما وَصَفْتُ لَكَ، ثم سَرَدْتُ (¬2) الأسْمَاءَ مِنَ القُرآنِ، سُوْرَةً سُوْرَةً وَتَرَكْتُهَا كَرَاهَةَ التطْوِيل (¬3). وقوله: إنهْ وِتْر يحِب الوِتْرَ. فَإنَّ الوِتْرَ: الفَرْدُ. ومَعْنَى الوِتْرِ في ¬
تفسير هذه الأسماء
صِفَةِ اللهِ -جل، وعَلَا (¬1) - الواحدُ الذي لا شَرِيكَ لَهُ، ولا نظيرَ [له] (¬2)، المتفردُ عنْ خَلْقِهِ، البائنُ منهم بِصِفَاتِهِ: فهو -سبحانه- وِتْرٌ. وَجَميعُ خَلْقِهِ شَفْعٌ، خُلِقُوا أزْوَاجَاً. فَقَالَ (¬3) -سبحانه-: (وَمِنْ كُل شيءٍ خَلَقْنَا زَوْجين) [الذاريات/49]. وقوله [- صلى الله عليه وسلم -] (¬4): "يُحبُّ الوِتْرَ"، مَعْنَاهُ -واللهُ أعلمُ- أنه: فضلَ الوِترَ في العَدَدِ على الشفْعِ في أسمائِهِ؛ لِيَكونَ أدَلَّ على مَعْنَى الوَحْدَانِيةِ في صِفَاتِهِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ معنى قَوْلهِ: "يحبُّ الوِتْرَ" مُنْصَرِفَاً إلى صِفَةِ مَنْ يَعْبدُ اللهَ بالوَحْدَانِيةِ والتَّفَرُّدِ على سبيلِ الإخْلاصِ، لا يَشْفَعُ إليه شيئاً، ولا يُشْرِكُ بِعِبَادَتِهِ أحَداً. تفسير هذه الأسماء 1 - الله (¬5): قَدْ قُلْنَا فيما تَقَدمَ: إنة أشْهَرُ أسْمَاءِ الربِّ [تعالى] (¬6)، وأعْلَاهَا مَحَلاًّ (¬7) في الذكْرِ، والدُّعَاءِ؛ وكذَلِكَ جُعِلَ أمامَ سَائِرِ الأسْماءِ، وَخُصَّتْ بِهِ كَلِمَةُ الإخْلَاصِ، وَوَقَعَتْ بِهِ الشهادةُ؛ ¬
فَصَارَ شِعَارَ الإيمَانِ وَهُوَ اسمٌ مَمنوع، لَمْ يَتسم (¬1) بِهِ أحَد، قَدْ قَبَضَ اللهُ عَنْهُ الألْسُنَ؛ فلم يُدْعَ بِهِ شَيْءٌ سِوَاهُ، وَقَد كادَ يَتَعَاطَاهُ المُشْرِكُونَ اسْمَاً لِبَعْضِ أصْنَامِهِمْ التي كانُوا يَعْبُدُونَهَا، فَصَرَفَهُ الله [تعالى] (¬2) إلَى "اللاَّتِ" صِيَانَة لِهذا الاسمِ، وَذَبَّاً عَنْهُ. واخْتَلَفَ الناسُ. هَلْ هُوَ اسمٌ عَلَمٌ (¬3) مَوْضُوعٌ؟ أو مشتقٌ؟ فَرُوِيَ فِيهِ عن الخليلِ روايتانِ. أحَدُهُما: أنهُ اسم [علَمٌ] (2) ليس بِمُشْتَق، ولا يَجُوزُ حَذْفُ الألِفِ واللاَّمِ مِنْهُ، كما يَجُوزُ مِنَ الرحمن، و (¬4) الرحِيْمِ. ورَوَى عَنْهُ (¬5) سيبويهِ أنهُ اسم مُشْتَق. وكانَ في الأصْلِ إله، مِثَال (¬6) فِعَالٍ. فَأدْخِلَتْ الألِفُ واللاَّمُِ بَدَلاً مِنَ الهَمْزَةِ (¬7). وَقَالَ غيرهُ: أصْلُهُ في الكَلاَمِ "إله" وَهُوَ [مُشْتقٌّ مِنْ "ألِهَ الرجلُ إلَى الرجُلِ يألَهُ إلَيْهِ": إذا فَزِعَ إلَيْهِ مِنْ أمْرٍ نَزَلَ بِهِ فَأَلَهَهُ إلهَةً (¬8). أيْ: أجَارَهُ، وآمَنَهُ، فَسُمِّيَ إلَاهَاً، كَمَا يُسَمَّى الرَّجُلُ إمَامَاً] (¬9) إذَا أمَّ الناسَ فَائتَمُّوا (¬10) بِهِ، وكَمَا يُسَمى الثوبُ رِدَاءً، ¬
وَلِحَافَاً؛ إذَا ارْتُدِيَ بِهِ، والتُحِفَ بِهِ. ثُم إنهُ لما كَانَ اسْمَا لِعَظِيم (ليسَ كَمِثلِهِ شَيْء) [الشورى/ 11] أرَادوا تَفْخِيْمَهُ بالتعريفِ الذي هُوَ الألِفُ واللاَّمُ؛ لأنهمْ أفْرَدوْهُ لِهَذا (¬1) الاسْمِ دونَ غَيْرِهِ. فَقَالُوا: الإلَاهُ. واسْتثقَلُوا الهَمْزَةَ في كلمةٍ يَكْثر اسْتِعْمَالهم إيَّاهَا، وِللْهَمْزَةِ في وَسْطِ الكَلَامِ ضُغْطَةٌ شَدِيْدَةٌ، فَحَذَفُوهَا فَصَارَ الاسمُ كَمَا نزَلَ بِهِ القُرآنُ. وقالَ بَعضُهمْ: [أصْلُهُ: وِلَاهٌ، فانْبَدَلَتِ (¬2) الواوُ هَمْزَةً، فقيل: إلَاهٌ، كَمَا قالُوا: وِسادٌ، وإسَادٌ (¬3). ووِشاحٌ، وإشاحٌ. واشْتُقَّ مِنَ الوَلَهِ؛ لأن قلوبَ العبادِ تَوْلَهُ نَحْوَه. كَقَوْلهِ -سبحانَهُ (¬4) -: (ثُم إذَا مَسكُمُ الضرُّ فَإليهِ تَجْأرُونَ) [النحل/53]. وَكَانَ القِيَاسُ أنْ يُقَالَ: مَألُوهٌ (¬5)، كَمَا قِيْلَ: مَعْبُودٌ، إلا أنهُم خَالَفُوا بِهِ البِنَاءَ؛ لِيَكُونَ اسْماً، عَلَما (¬6) فَقالوا: إلَاهٌ. كَمَا قيلَ (¬7): لِلْمَكتُوبِ كِتَابٌ، وَللمحسوب حِسَابٌ. وَقَالَ بَعْضُهُم: أصْلُه: مِنْ ألِهَ الرجل، يَألَهُ؛ إذَا: تَحير، وَذلِك؛ لأن القُلُوبَ تَألهُ عِنْدَ التفَكرِ ¬
في عَظَمَةِ] (¬1) الله -سبحانَهُ- أيْ: يَتحَيَّرُ، ويَعْجَزُ (¬2) عَنْ بُلُوغِ كُنْهِ جَلالِهِ. [وَحَكَى بَعْضُ أهْل اللغَةِ: ألَهَ، يَأْلَهُ، إلاهَةً. بمعنى: عَبَد، يَعْبُدُ، عِبَادةً. ورُوِيَ عَنِ ابن عباس: أنهُ كَانَ يَقْرأ: (ويَذَرَكَ وإلَاهَتَكَ) (¬3) [الأعراف/ 127] أيْ: عِبَادَتكَ. قَالَ: والتَّألُّهُ: التعَبُّدُ. وأنْشَدَ لِرُؤبةَ (¬4): للهِ درُّ الغانِياتِ المُدَّهِ ... سَبَّحْنَ واسترجَعْنَ مِنْ تألُّهي قال فمعنى الإله: المعبود] (¬5). [وقول (¬6) المُوَحِّدينَ: "لَا إلَهَ إلا اللهُ" معناه: لا معبودَ غيرُ ¬
اللهِ. و"إلا" في هذه الكلمةِ بمعنى: غير، لا بمعنى الاستثناء، لأن الاستثناءَ يَنْقَسمُ إلَى قِسْمين (¬1): إلَى جنْسِ المُسْتثنَى منْهُ، وإلَى غير جنْسِهِ. وَمَنْ تَوَهَّمَ في صفَةِ اللهِ -سُبْحَانَهُ [وتعالى] (¬2) - واحِداً مِنَ الأمْرَيْنِ فَقَدْ أبْطَلَ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ: أن الأصل فيهِ الهاءُ التي هي للكنايةِ (¬3) عن الغائبِ، وذلك؛ لأنهم أثْبَتُوْهُ مَوْجُودَاً في فِطَرِ عُقُولهم، وأشَارُوا إليهِ بحرفِ الكِنايةِ، ثم زيْدَتْ فِيهِ لامُ المِلْكِ. إذْ قَدْ علمُوا: أنَّهُ خَالِقُ ¬
الأشْياءِ، ومالِكُهَا، فَصَارَ "لَهُ"، ثُم زِيْدَتْ فِيهِ الألِفُ واللاَّمُ تَعْظِيْماً، وفخمُوهُ تَوْكِيْدَاً لِهَذا المَعْنَى] (¬1)، وَمِنْهُمْ مَنْ أجْرَاهُ على الأصْلِ بِلَا تَفْخِيْمٍ، كقُوْلِ الشاعِرِ: قَدْ جَاءَ سَيْلٌ كَانَ مِنْ أمْرِ الله ... يَحرِدُ حَرْدَ الجَنةِ المُغِلَّهْ (¬2) فَهذِهِ مَقَالَاتُ أصْحابِ العَرَبِيةِ والنحو فِي هَذا الاسْمِ، وَأعْجَبُ هذِهِ (¬3) الأقَاوِيلِ إلي قولُ مَنْ ذهب إلَى أنهُ اسم عَلَمٌ ولَيس بِمُشْتَقٍ كَسَائِرِ الأسْمَاءِ المشْتَقَةِ. [والدَّلِيْلُ عَلى أنَّ الألفَ واللاَّمَ فِيْ بُنْيَةِ هَذَا الاسْمِ، وَلَمْ تَدْخُلَا لِلتعْرِيْفِ، دُخُولُ حَرْفِ النِدَاءِ عَليْهِ: كَقُولك: يا أللهُ. وَحَرْفُ الندَاءِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الألِفِ واللامِ للتعريفِ. ألَا تَرَى أنك لَا تقُولُ: يا الرحْمنُ! وَلَا يا الرَّحِيمُ! كما تَقُولُ: يا ألله! فَدَلَّ [على] (¬4) أنهُما مِنْ بُنْيَةِ الاسْمِ. والله أعلم] (¬5). 2 - 3 - الرحمن الرحيم: اِخْتَلَفَ النَاسُ فِي تَفْسير: الرَّحْمنِ، ومَعْنَاهُ، وَهَلْ هُوَ مُشتَقٌّ مِنَ الرحْمَةِ، أمْ لَا؟ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ ¬
إلَى أنه غير مُشتَقٍّ، وَاحْتَجَّ بِأنهُ لَوْ كَانَ مُشتَقَّاً مِنَ الرحْمَةِ لاتَّصَلَ بِذِكْرِ المَرحومِ، فَجَازَ أنْ يُقَالَ: اللهُ رَحمان بعِبَاده. كَمَا يُقَالُ: رَحِيْم بِعِبَادِهِ. فَلما لم يَسْتَقِم صِلَتُهُ بِذِكْرِ المَرحُومِ، دلَّ عَلَى أنهُ غير مُشْتَق من الرحْمَةِ. وقَالَ: لو كانَ (¬1) هذا الاسمُ مُشتَقاً مِنَ الرحْمَةِ، لم تنكِرْهُ العَرَب حينَ سَمِعوه! إذْ كَانُوا لَا يُنْكِرْونَ رَحْمَةَ رَبِّهمْ. وَقَدْ حَكَى الله عَنْهمْ الإنكارَ لَه والنُّفُورَ عَنه فِي قَوْلهِ: (وَإذَاِ قِيْلَ لَهُمُ اسْجُدُوا للرحمنِ. قَالُوا: وَمَا الرحْمنُ) الآية [الفرقان/ 60]. وزعمَ بَعْضهُمْ: أنه اسم عبرَانيُّ [وَذهب الجمْهُور مِنَ الناسِ إلَى أنه اسم مُشْتَقٌّ مِنَ الرحْمَةِ مَبْني عَلَى المبالَغَةِ. وَمَعْنَاهُ: ذو الرحْمَةِ. الذِي (¬2) لَا نَظيرَ لَهُ فِيْهَا، وَلذلِكَ لا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ كَمَا يُثنى الرحِيْم وَيُجْمَعُ] (¬3). وَبِنَاءُ فَعْلانَ فِي كَلَامِهِم بِناءُ المُبَالَغَةِ، يُقَالُ لِشَدِيْدِ (¬4) الِامْتِلَاءِ: مَلآن، وَلشَدِيدِ (4) الشبَعِ: شَبْعَان. وَيَدُلُّ عَلَى صِحةِ مَذْهَبِ (¬5) الِاشِتقَاقِ فِي هَذَا الاسْمِ. [19] حديثُ عَبْدِ الرحْمنِ بنِ عَوْفٍ، [رضي الله عنه] (¬6): حَدثَنَاهُ: أحمدُ بنُ عبدِ الحكيمِ (¬7) الكُرَيْزِيُّ، وعبدُ اللهِ بنُ ¬
شَاذَانَ (¬1) الكُرَاني، قَالَا: حَدثَنَا: محمد بنُ يَحْيىَ بنُ المُنْذِرِ القَزازُ، قَالَ: حَدثَنَا: حَجاجُ بنُ مِنهالٍ، قَالَ: حَدثَنَا: حمادُ بن سلمةَ، عَنْ محمد بنِ عمرٍو، عَنْ أبي (¬2) سَلَمةَ: أن أبَاهُ عادَ أبَا الرَّدَّادِ (¬3)، فَقَالَ لَهُ أبو الرَّدَّادِ (3): مَا أحَدٌ مِن قَوْمِي أوْصَل لِي مِنكَ. قَالَ ¬
عَبْدُ الرحْمنِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي عَنْ رَبهِ: "أنا [الرحْمنُ وهيَ الرحمُ، شققتُ لَها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعتهُ ثم أَبُتُّهُ" اللفظ للكريزي. فالرحمن: ذو الرحْمَةِ الشَامِلَةِ التي وسِعَتِ الخَلْقَ في أرْزَاقِهم، وأسْبَابِ مَعَاشِهِم، وَمَصَالِحهِم، وَعَمَّتِ المُؤْمِنَ، والكَافِرَ، والصالِحَ، والطالِحَ] (¬1). وأما الرحِيْمُ: فَخَاصٌّ لِلْمُؤمِنينَ، كَقَوْلهِ [تعالى] (¬2): (وَكانَ بالمُؤْمِنينَ رَحيماً) [الأحزاب/43]، وَقَدْ سَمّى اللهُ -جل، وعز- الرِّزْقَ، والمَعَاشَ في كِتابِهِ: رَحْمَةً، فقال: (أهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبكِ، نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهم مَعِيْشَتَهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا) [الزخرف/32]. وقال: (قُلْ لَوْ أنْتُم تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبي إذَاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ) [الإسراء/ 100]. وكَقَوْلهِ [جل جلاله] (¬3): (وإمَّا تُعْرِضَنّ عَنْهُم ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِن رَبكَ تَرْجُوْهَا، فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسورَاً) [الإسراء/ 28]. والرحِيْمُ، وَزْنُهُ: فَعِيْلٌ، بمعنَى فَاعِلٍ. أيْ: رَاحِمٌ. وَبنَاءُ فَعِيْلٍ أيْضَاً لِلْمُبَالَغَةِ. كَعَاِلم، وَعَلِيْمٍ، وَقَادِرٍ، وَقَدِيْرٍ. وَكَانَ أبو ¬
عُبَيْدَة يَقُولُ: تَقْدِيْرُ هذَيْنِ الاسْمَيْن، تَقْدِيْرُ: نَدْمَانٍ (¬1)، ونَدِيْم، مِنَ المُنَادَمَةِ. [20] [وَجَاءَ في الأثَر: "أنهما اسمانِ رَقِيْقَانِ أحَدُهُمَا أرَقُّ مِن الآخَرِ". وَهَذا مُشْكِل، لأن الرِّقَّةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا في شيءٍ مِن صِفَاتِ الله]-سُبْحَانَهُ- وَمَعْنَى الرقِيْقِ هَا هنَا: اللَّطِيْفُ. يَقُولُ: أحَدُهمَا ألْطَفُ مِنِ الآخَرِ، وَمَعْنَى اللُّطْفِ في هذَا: الغُمُوْضُ دون الصِّغَرِ الذِي هُوَ نعْتٌ فِي الأجْسَامِ. وَيُقَالُ: إن الرحمنَ خَاصٌّ في التسْمِيَةِ، عَامٌّ في المَعْنَى. والرحيم: عَام فِي التسْمِيَةِ، خَاص فِي المَعْنَى. 4 - المَلِكُ (¬2): هُوَ التامُّ (¬3) المِلْكِ، الجَامِعُ لأصْنَافِ ¬
المَمْلُوْكَاتِ (¬1). فَأما (¬2) المَالِكُ، فَهُوَ الخاصُّ المِلْكِ. والمَصدَرُ مِنَ المَلِكِ: المُلْكُ، مضمومةُ المِيْمِ. وَمِنَ المَالِكِ: المِلْك، مكسورتُها. وقد يُسَمى بَعْض المَخْلُوقينَ مَلِكَاً، إذَا اتَّسَعَ مُلْكُهُ. إلا أن الذِي يَسْتَحِقُّ هذَا الاسْمَ: هو اللهُ، -جل، وعز-، لأنهُ مَالِكُ المُلْكِ، وَلَيْسَ ذَلكَ لأحَدٍ غَيْرِهِ، يُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وينْزِعُ المُلْكَ مِمنْ يَشَاء، وُيعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهْوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَدِير. 5 - القُدُّوسُ: [القُدوسُ: [هو] (¬3) الطاهِرُ مِنَ العُيُوبِ، المُنَزهُ عَنِ الأنْدَادِ، والأوْلاَدِ، والقُدْسُ: الطَهَارَةُ. وَمِنْهُ سُميَ بَيْتُ المَقْدِسِ، وَمَعْنَاهُ: بَيْتُ المَكَانِ الذِي يُتَطَهرُ فِيْهِ مِنَ الذنُوبِ. وَقيْلَ لِلْجَنةِ: حَظِيْرةُ القُدْسِ؛ لِطَهَارَتِهَا مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا. والقَدَسُ: السَّطْلُ الكبيرُ؛ لأنهُ يُتَطَهرُ فِيْهِ. وَلم يَأتِ مِنَ الأسْمَاءِ عَلَى فُعولٍ [بِضَمِّ الفَاءِ] (¬4)، إلا قُدُّوْسٌ، وسُبُّوحٌ، وَقَدْ يُقَالُ أيْضَاً: قَدُّوسَ مَفْتوْحةُ (¬5) القَافِ. وَهُوَ القِيَاسُ في الأسْمَاءِ. كَقُولهم: سَفُّود وَكَلُّوب] (¬6) وَنَحْوهُمَا. وَيُقَالُ فِي تَفْسير القُدُّوسِ: إنهُ المُبَارَكُ (¬7). ¬
6 - السَّلَامُ: مَعْناهُ ذو السَّلاَمِ (¬1)، والنِّسْبَةُ في كَلامِهم على ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: أحَدُهَا بِاليَاءِ: كَقَوْلكَ: أسَدِيٌّ وَبَكْرِيٌّ. والثانِي: عَلَى [الجَمْع: كَقُولهم (¬2)]: المَهَالِبةُ، والمسَامِعَةُ، والأزَارِقَة. والوَجْهُ الثالِثُ: بِذِي، وَذاتٍ (¬3)؛ كَقَوْلهم: رجُل مال، أيْ: ذو مَالٍ، وَكَبْشٌ صَاف، أيْ: ذو صوْفٍ، وَامْرأة عَاشِقٌ، أيْ (¬4): ذَات عِشْقٍ. وَنَاقَة ضَامِر، أيْ: ذَاتُ ضُمْرٍ. [فَالسَّلاَم فِي صِفةِ اللهِ -سُبْحَانَهُ- هُوَ اَلذِيْ سلِمَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَبَرِىءَ مِنْ كُل آفَةٍ وَنَقْصٍ يَلْحَقُ المَخْلُوقين. وَقِيْلَ: هُوَ الذِي سلِمَ الخَلْقُ منْ ظُلْمِهِ] (¬5)، وَذهب بعْضُ أهْلِ اللُّغَةِ: إلَى أن السلاَمَ الذِي هُوَ التحيَّةُ، مَعْنَاهُ: السلاَمَةُ. يقال: سَلِمَ الرجُلُ سَلَامَاً وسَلَامَة. كما قيل: رَضَع الصبِيُّ رَضاعاً ورَِضَاعة. قَالَ: ومِنْ هَذا قَوْلُ الله -سُبْحَانَهُ-: (والله يَدْعُوا إلَى دَارِ السلَامِ) [يونس/ 25] أي: [إلى] (¬6) الجنةِ. لأن الصائِرَ إلَيْهَا يَسْلَمُ مِنَ المَوْتِ، وَالأوْصَابِ، والأحْزَانِ. وَعلى هذَا: تُؤُوِّل قَوْلُهُ ¬
تعالى (¬1): (وأمَّا إنْ كَانَ مِنْ أصْحَابِ اليَمن. فَسَلاَمٌ لَكَ مِنْ أصْحَابِ اليَمين) [الواقعة/ 91]. أيْ: نُخْبِرُكَ عَنْهُمْ بِسَلاَمَةٍ. وإلَى نَحْوٍ مِنْ هذَا أشَارَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلهِ -[عز وجل] (¬2) -: (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلدَ ويوْمَ يَمُوْتُ ويوْمَ يُبْعَث حَيَّاً) [مريم/15]. [21] أخْبَرَنِي أحْمدُ بنُ إبْرَاهيمَ بنِ مَالِكٍ قَالَ: حدثنا مُوسى (¬3) بنُ إسْحقَ الأنْصَارِي، عن صَدَقَةَ بْنِ الفَضْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ [سفيان] (¬4) بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: أوْحَشُ مَا تَكُونُ الخَلْقُ فِي ثَلَاَثةِ مَوَاطِنَ: يَوْمَ يُوْلَدُ (¬5)، فَيَرَى نَفْسَهُ خَارِجَاً مما كَانَ فِيْهِ، ويوْمَ يَمُوتُ فَيَرَى قَوْمَاً لم يَكُن عَايَنَهم، ويوْمَ يُبْعَثُ، فَيَرى نَفْسَهُ فِي مَحْشَرٍ عَظِيْم. قَالَ: فَأكْرَمَ الله فِيْها يَحْيىَ، فَخَصَّهُ بالسلَامِ. فَقَالَ: (وسلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ويوْمَ يَمُوْتُ، ويوْمَ يُبْعَثُ حَيَّاً) [مريم/15]. كأنه أشار إلى أن الله -جل، وعز- سلَّم يَحْيىَ مِنْ شَرِّ هذِهِ المَوَاطِنِ الثلاَثةِ، وَأمَّنَهُ (¬6) مِنْ خَوْفهَا (¬7). ¬
فَعَلى هذَا إذَا سلَّم المسْلِم عَلَى المسلِمِ، فَقَالَ: السلام علَيكمْ. فَكَأنه يعلمه بالسلامَةِ مِنْ نَاحِيَتهِ، ويؤمِّنُه مِنْ شَرهِ وَغائِلتِهِ، كأنه يَقول له: أنا سِلمٌ لك، غير حرب، ووليٌّ غير عَدو، والعرَبُ تَقوْل فِيْ التحِيةِ سِلْمٌ، بِمَعْنَى: السلَامِ. وَأنْشَد الفَرَّاء (¬1): وقَفْنَا فَقلْنَا إيهِ سِلْماً فَسَلَّمَتْ ... كما انْكَلَّ بالبرقِ (¬2) الغمام اللوائح وَدليْل هَذَا القول: [22] حَدِيْث النبِي (¬3) - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم مَن سَلِمَ المَسْلِمونَ ¬
مِنْ يَدِهِ وَلسَانِهِ". وَذهب آخَرُوْنَ إلَى أن "السلَامَ" الذِي هو التَّحِيَّة إنما هُوَ اسمٌ مِنْ أسْماء اللهِ -جَل وَعَزَّ (¬1) - فَإذَا قَالَ المؤْمِن لأخِيْهِ "السَّلامُ (¬2) علَيْكُم" فَإنما يُعَوِّذُهُ بِاللهِ، وُيبَرِّكُ عَلِيهِ بِاسْمِهِ. وَدَلِيلُ صِحةِ هذَا التأويلِ. [23] حَدِيْثُ أبِي هُرَيْرَةَ: أخْبَرَنَا (¬3) محمد بنُ هَاشِم قَالَ: أخْبَرَنا الدَّبَريُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدثَنَا بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ (¬4) عَنْ ¬
يَحْيىَ بن أبي كَثير عَنْ أبِي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيرَة قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن السلَامَ اسْمٌ مِنْ أسْمَاءِ الله، فأفْشُوهُ بَينَكُمْ " 7 - المُؤمنُ: أصْلُ الإيمَانِ فِي اللغَةِ: التصْدِيْقُ، فَالمُؤمِنُ: المُصَدِّقُ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ ذَلكِ وُجوْهَاً: أحَدُهَا: أنه يُصَدقُ عِبَادُهُ وَعْدَهُ، وَيَفِي بِمَا ضَمِنهُ (¬1) لَهُمْ من رِزْقٍ في الدنيَا، وثَوابٍ عَلَى أعْمَالِهم الحَسَنَةِ فِي الآخِرَةِ. وَالوجهُ الأخَر: أنهُ يُصَدقُ ظُنُونَ عِبَادهِ المُؤْمِنينَ، وَلَا يخيب آمَالهم. [24] كَقولِ النبِي - صلى الله عليه وسلم - فِيْمَا يَحْكِيْهِ (¬2) عَنْ رَبهِ -جَل وَعَز-: "أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي [بي فَلْيَظن عَبْدِي بي] (¬3) مَا شَاء". وقيْلَ: بَلِ اَلمؤْمِن الموحدُ نفسَهُ بقَوْلهِ: (شَهِدَ الله أنهُ لَا إلَه إلا هو وَالمَلَاِئكَةُ وَأولو العِلمِ قَائِمَاً بِالقِسطِ) [آل عمران/ 18]. [وَقيل: بَل المُؤْمِن الذي آمَنَ عِبَاده المُؤمِنينَ في القِيَامَةِ مِنْ ¬
عَذَابِهِ] (¬1)، وَقِيْلَ: هُوَ الذي آمَنَ خَلْقَهُ مِنْ ظُلْمِهِ. 8 - المُهَيْمِنُ: [هو] (¬2) الشهِيْدُ، وَمِنهُ [قَوْلُ اللهِ] (¬3) -سُبْحَانَهُ-: (مُصَدِّقَا لِمَا بينَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِنَاً عَلَيْهِ) [المائدة/48]. فاللهُ -جَل وَعَز- المُهَيْمِنُ أيْ: الشاهِدُ عَلَى خَلْقِهِ بِمَا (¬4) يَكُونُ مِنْهُمْ مِنْ قَوْلٍ أوْ فِعْلٍ، كَقَوْلهِ: (وَمَا تَكُونُ في شَأنٍ، وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرآنٍ، وَلَا تَعْملُونَ مِنْ عَمَلٍ إلا كُنا عَلَيْكُم شُهُودَا إذْ تُفِيْضُونَ فِيْهِ) [يونس/ 61]. وَقِيلَ: المهيمِنُ، الأمينُ. وأصله (¬5)، مُؤيمن، فَقُلِبَتِ الهَمْزةُ هَاءً لأن الهَاءَ أخفُّ مِنَ الهَمْزَةِ. قَالُوا: وَلَمْ يَأتِ مُفَيْعِل فِي غَير التَّصْغير إلا فِي ثَلَاثَةِ أحْرُفٍ، مُسَيْطِرٌ، وَمُبَيْطِرٌ، وَمُهَيْمِنٌ. وَقِيْلَ: المُهَيْمِنُ: الرقِيْب عَلَى الشيْءِ، والحَافِظُ لَهُْ. وقال بَعْضُ أهْلِ اللغة: الهَيْمَنَةُ: القِيَامُ عَلَى الشيْءِ، والرِّعَايَةُ لَهُ، وَأنشَدَ: ألَا إن خيرَ الناسِ بَعْدَ نَبيِّهِ ... مُهَيْمِنُهُ التَّالِيْهِ فِي العُرْفِ والنُّكْرِ (¬6) ¬
[يُرِيدُ: القَائِمَ على الناسِ بَعْدَهُ وَبالرعَايَةِ لَهُمْ] (¬1). 9 - العَزِيزُ: هُوَ المَنِيعُ الذِي لَا يُغْلَبُ. وَالعَزُّ فِي كَلَامِ العَرَبِ عَلى ثَلَاَثةِ أوْجُهٍ. أحَدُهَا: بِمَعْنَى الغلَبَةِ، ومِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَنْ عزَّ بزَّ (¬2)، أي: مَنْ غَلَب سَلَبَ، يُقَالُ مِنْهُ: عَز يعُزُّ -بضم العين- مِن يعُزُّ. وَمِنْهُ [قوْلُ الله سُبْحَانَهُ] (¬3): (وَعَزَّنِي فِي الخِطَابِ) [ص / 23]. والثاني: بِمَعْنَى الشدةِ والقوةِ. يُقَالُ مِنْهُ: عَز يَعَز -بفتح العين- من "يَعَزُّ" (¬4)، كَقَوْلِ الهُذَلِي (¬5) -يَصِف العُقَابَ-: حَتى انْتَهيْتُ إلى فِرَاشِْ عَزِيْزَةٍ ... سَوداءَ رَوْثة أنفِهَا كَالمِخْصَفِ ¬
جَعَلَهَا عَزِيزَة، لأنهَا مِنْ أقْوَى جَوَارِحِ الطْير. وَالوَجْة الثالِثُ: أنْ يَكُونَ بمَعْنَى نَفَاسَةِ القَدرِ. يقال مِنه: عَز الشيْء يَعِز -بكسر العين- من يَعِزُّ، فَيَتَأوَّلُ مَعْنَى العَزِيْزِ عَلَى هذَا، أنه الذِي لَا يعَادِلُهُ شَيْء، وأنه لَا مِثلَ لَه، وَلَا نَظير. والله أعلم. 10 - الجَبار: [هُوَ الذِي جَبَر الخَلْقَ عَلَى مَا أرَادَ مِنْ أمْرِهِ وَنهْيِهِ يُقَالُ: جَبَرَهُ السلطَان وأجْبَرَهُ بالألِفِ. وَيُقَالُ: هُوَ الذي جَبَر (¬1) مَفَاقِرَ الخَلْقِ وَكَفَاهُم أشبَابَ المَعَاشِ والرزْقِ] (¬2) وَيُقَال: بَلِ الجبار: العَالي فَوْقَ خَلْقِهِ مِن قَوْلهم: تَجَبَّرَ النباتُ: إذا عَلَا وَاكتَهَل. ويقال لِلنخلَةِ التي لَا تَنَالها اليَدُ طُولاً: الجبارَةُ (¬3). وَيُقَالُ: جَبارٌ بيِّنُ الجَبَريةِ، والجَبْروة والجَبَرُوت. 11 - المتكَبر: هُوَ المتعَالِي (¬4) عَنْ صِفَات الخَلْقِ، وَيُقَال: هُوَ الذِي يَتَكَبر عَلَى عُتَاةِ خَلْقِهِ إذَا نَازَعوْهُ العَظَمَةَ، فَيَقْصمُهُمْ وَالتاءُ فِي المتكبر (¬5) تَاءُ التفَرُّدِ والتخْصُّصِ بالكبْرِ، لَا تَاءُ التَّعَاطِي والتَّكَلُّفِ. والكِبرُ لَا يَلِيقُ بِأحَدٍ مِنَ المخْلُوقِيْنَ، وإنما سِمَةُ العَبِيد الخُشُوعُ، والتَّذلُّلُ. ¬
[25] وقد روي: "الكبرياء رداء الله، فمن نازعه رداءه قصمه". وَقِيْلَ: إن المُتَكبر مِنَ الكِبْرِياءِ [الذي هُوَ (¬1) عظَمَة اللهِ، لا مِنَ الكِبْرِ الَّذِي هُوَ مَذْمُومٌ فِي الخَلْقِ. 12 - الخالِقُ: هُوَ المبدِعُ للْخلقِ، والمُخْترِعُ لَهُ عَلَى غَيْر مِثالٍ سَبق. قَال -سُبحَانَهُ-: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غير اللهِ) [فاطر/3]. فَأما (¬2) في نُعُوت الآدميينَ فَمَعْنَى الخَلْقِ: التَّقْدِيْرُ. كَقَوْله -جل وعز-: (أنِّي أخْلُقُ لكُمْ مِنَ الطيْن كَهَيْئةِ الطيْر) [آل عمران/ 49]. وكقولِ زُهيْر (¬3): ولأنْتَ تفْرِيْ ما خلقْتَ وَبَعْـ ... ـضُ القَوْم يخلُق ثُم لَا يَفْري ¬
يَقُوْلُ: إذَا قَدَّرْتَ شَيْئَاً قطَعْتَهُ، وَغَيْرُكَ يُقَدِّرَ مَا لَا يَقْطعُهُ أيْ: يَتَمَنى مَا لَا يَبْلُغُهُ. وَمِنْ هذَا قَوْلُه (¬1) -جلَّ وعزَّ-: (فَتَبَارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخَالِقينَ) [المؤمنون/ 14]. 13 - البَارىءُ: هُوَ الخَالِقُ. يُقَالُ منه: بَرأ اللهُ الخَلْقَ يَبرؤهُم (¬2). والبَرِية: الخَلْقُ -فعيلة بمعنى مفعولة- وَأصْلُهُ الهَمْزُ، إلا أنهُم اصْطَلَحُوا عَلَى تَرْكِ الهَمْزَةِ (¬3) فِيْهِ، ويقالُ: بَلْ أُخِذَتِ البَرِيَّةُ مِن بَرَيْتُ العُودَ: إذا قَطَعتَهُ وَأصْلَحْتَهُ. ويقالُ: بَلْ أخِذَتْ مِنَ البَرَى (¬4): وَهُوَ الترابُ. إلا أن لِهَذهِ اللَّفْظَةِ مِنَ الاخْتِصَاصِ بالحَيَوَانِ مَا ليس لَهَا بِغَيْرِهِ مِنَ الخَلْقِ، وَقَلَّما (¬5) يُسْتَعْمَلُ فِي خَلْقِ السمَواتِ والأرْضِ والجِبَالِ فَيُقالُ: بَرأ اللهُ السمَاءَ كَمَا يُقَالُ: بَرأَ الله ¬
الإنْسان وبرأ النَسَمَ، وَكَانَ يَميْنُ عَلِى بنِ أبِي طَالِبٍ رضي الله عنه التي يَحْلِفُ بِهَا: [26] "لَا والذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وَبَرَأ النسَمةَ". 14 - المصور: هُوَ الذي أنشأ خَلْقَهُ عَلَى صُوَرٍ مُختَلِفَةٍ لِيَتعَارَفُوا بِهَا. فقال (¬1) [الله تعالى] (¬2): (وَصَوَّرَكُمْ فَأحْسنَ صُوَرَكُمْ) [غافر/64]. وقالَ [تعالى] (2): (يا أيّها الإنسانُ ما غَرَّكَ بِرَبكَ الكَرِيْمِ، الذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، في أي صُوْرَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار/7]. ومعنى التَّصَوّرِ: التخْطِيْطُ، والتَّشْكِيْلُ. [27] وَقَد رُوِيَ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ: "أشَدُّ الناس عَذَابَاً يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُوْنَ، يُقَالُ لَهُمْ: أحْيُوا ¬
مَا خَلَقْتُمْ". وَخَلَق الله -جَل (¬1) وتَعَالَى- الإنْسَانَ في أرْحَامِ الأمهَاتِ ثلاث خلقٍ (¬2): جَعَلَهُ عَلَقَة، ثم مُضْغَة، ثم جعَلَها صُوْرَة، وَهُو التشْكِيلُ (¬3) الذي بِهِ يَكُوْنُ ذَا صُوْرَةٍ وَهَيْئَةٍ يُعْرَفُ بِهَا ويتَمَيزُ [بها] (¬4) عَنْ غَيْرهِ بِسِمَاتِهَا (¬5) (فَتَبَارَكَ الله أحْسَنُ الخَالِقينَ) [المؤمنون/14]. 15 - الغَفارُ: [هُوَ الذي] (¬6) يَغْفِرُ ذُنُوْبَ عِبَادهِ مَرة بَعْدَ أخْرَى. كُلَّماْ تَكَررَتِ التوْبَةُ فِيَ الذنْب [مِنَ العَبْد] (6) تَكَررَتِ المَغْفِرَةُ. كَقُوْلهِ -سُبْحَانَهُ-: (وَإني لَغَفَار لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثم اهْتَدَى) [طه/82]. وَأصْلُ الغَفْرِ في اللغَةِ: السِّتْرُ وَالتغْطِيَةُ، وَمُنْهُ قِيْلَ (¬7) لِجُنَّةِ الرأسِ: المِغْفَرُ، وَبِهِ سُميَ زئْبَرُ الثوب غَفْرَاً وَذَلِكَ لأنهُ يسْتر سَدَاهُ؛ فَالغَفارُ (¬8): الستارُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ، والمُسدِلُ (¬9) عَلَيْهِمْ ثَوْبَ عَطْفِهِ ورَأفَتِهِ. وَمَعْنَى الستْر في هَذَا أنهُ لَا (¬10) يَكْشِفُ أمْرَ العَبْدِ لِخَلْقِهِ وَلَا يهْتِكُ سِتْرَهُ بِالعُقُوبةِ التي تَشْهَرُهُ فِي ¬
عيُونِهمْ وَيُقَال: إنَ المَغْفِرَةَ مَأخُوذَة (¬1) مِنَ الغَفْر: وَهُو فِيْمَا حَكَاه بَعْضُ أهْلِ اللغة نَبْتٌ يُدَاوَى بِهِ الجِرَاحُ (¬2)، يُقَالُ إِنهُ إِذَا ذُرَّ عَلَيْهَا دَمَلَهَا وَأبْرَاهَا. 16 - القَهَّارُ (¬3): هُوَ الذِي قَهَرَ الجَبَابِرَةَ مِنْ عُتَاةِ خَلْقِهِ بِالعُقُوَبةِ وَقَهَرَ الخَلْقَ كُلَّهُمْ بِالمَوْتِ. 17 - الوَهَّابُ: هُوَ الذِي يَجُوْدُ بِالعَطَاءِ عنْ ظَهْرِ يَدٍ مِنْ غير استِثَابَةٍ، وَمَعْنَى الهِبَةِ: التمْلِيْكُ بِغير عِوَضٍ يأخُذُهُ الوَاهِبُ مِنَ المَوْهُوبِ لَهُ، فَكُل مَنْ وَهَبَ شَيْئَاً مِنْ عَرَض الدُّنْيَا لِصَاحِبِهِ، فَهْوَ وَاهِبٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ أنْ يُسَمَّى وَهَّاباً إلا منْ تَصَرَّفَتْ مَوَاهِبُهُ فِي أنْوَاعِ العَطَايَا فَكَثُرَتْ نَوَافِلُهُ وَدَامَتْ. وَالمَخلُوقُونَ إنما يَمْلِكُونَ أنْ يَهَبُوا مَالاً، أوْ نَوَالاً في حَالٍ دُوْنَ حَالٍ، وَلَا يَمْلِكُوْنَ أنْ يَهَبُوا شِفَاءً لِسَقِيْم، وَلَا وَلَدَاً لِعَقِيْم، وَلَا هُدَى لِضَلَالٍ، وَلَا عَافِيَة لِذِي بَلَاءٍ، وَالله الوَهابُ -سُبْحَانَهُ- يملِكُ جَميْعَ ذَلِكَ، وَسِعَ الخَلْقَ جُوْدهُ، وَرَحْمَتُهُ، فَدَامَتْ مَوَاهِبُهُ واتصَلَتْ مِنَنُهُ وَعَوَائِدُهُ. ¬
[قَالَ الشيْخُ] (¬1): وَبَلَغَنِي عَنْ أبِي عُمرَ الزاهِد (¬2)، صَاحِبِ أبي العَبَّاسِ، أن بَعْضَ الوُزَرَاءِ أرْسَلَ إلَيهِ يَسْتَعْلِمُهُ (¬3) مَبْلَغ مَا يَحْتَاجُ إَلَيْهِ لِقُوْتهِ فِي كُل سَنَة؛ لِيُجْرِيَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ للرسول: قُل لِصَاحِبِكَ أنَا فِي جرَايَةِ (¬4) مَنْ إذَا غَضِبَ عَلَي، لم يَقْطَعْ جِرَايَتَهُ (¬5) عَني. 18 - الرزْاقُ: هُوَ المُتَكَفلُ بِالرزْقِ، والقَائمُ عَلَى كُل نَفْس بمَا يُقِيْمُهَا مِنْ قُوْتِهَا، وَسِعَ الخَلْقَ كُلَّهُمْ رِزْقُهُ ورَحْمَتُهُ (¬6)، فَلَمْ يَخْتَصَّ (¬7) بذَلِكَ مُؤْمِنَاً دون كَافِرٍ، وَلَا وَليَّا دوْنَ عَدُو، [يَسُوْقُهُ إلَى الضعِيْفِ الذِي لا حَيْلَ لَهُ وَلَا مُتَكَسَّب] (¬8) فِيْهِ كمَا يَسُوْقُهُ إلَى الجَلْدِ القَوِي ذِيْ المِرَّةِ السَّوِي. قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَكَأين مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وإياكم) [العنكبوت/ 60] وَقَالَ [تعالى] (¬9): (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأرْضِ إلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا) [هود/6]. ¬
[28] وكان مِنْ دعاءِ دَاوُدَ، صلواتُ الله عَلَيهِ (¬1): "يا رازِقَ النَّعَّابِ فِي عُشِّهِ" يُرِيْدُ: فَرْخَ الغُرَابِ، وَذَلِك أنه يُقَالُ: إنهُ (¬2) إذَا تَفَقأتْ عَنْهُ البَيْضَةُ خَرَجَ أبيَضَ كالشحْمَةِ، فَإذَا رَآهُ الغُرابُ أنكَرَهُ لِبَيَاضِهِ؛ فَتَرَكَهُ. فَيَسُوْقُ اللهُ -[جَل وعَزَّ] (¬3) - إلَيْهِ البَقَّ (¬4)؛ فَتَقَعُ عَلَيْهِ لِزُهُومَةِ رِيْحهِ فَيَلْقُطُهَا ويعِيْشُ بِهَا إلَى أنْ يَحْمُمَ ريشُهُ فيَسوَّدَ، فَيُعَاوِدُهُ الغُرابُ عنْدَ ذَلِك، وَيَألَفُهُ (¬5) ويُلْقِطُهُ الحَبَّ. فَهَذَا (¬6) مَعْنَى: رِزْقِهِ النَّعَّابَ فِي عُشِّهِ. وَقَدْ يَكُونُ وُصُولُ الرزق بِسَبَب وَبِغير سبَب، وَيَكُونُ ذلِكَ بِطَلَبٍ وبِغير طَلَب، وَقَدْ يَرِثُ الإنْسَانُ مَالاً؛ فَيَدْخلُ فِي ملْكِه مِنْ غير قَصْدٍ إلى تَمَلُّكِهِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الرزْقِ. وكُلُّ ما وَصَل [مِنْهُ إلَيْه] (¬7) مِنْ مُبَاحٍ وَغير مُبَاحٍ فَهْوَ رِزْقُ اللهِ عَلَى مَعْنَىْ أنه قَدْ جَعَلَهُ لَهُ قُوْتاً وَمَعَاشَاً. كَقَوْلهِ -سُبْحَانَه-: (رِزْقاً لِلْعِبَادِ) [ق/11] إثْرَ قَوْلهِ -سُبْحَانهُ (¬8) -: (والنخْلَ باسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيْدٌ) [ق/10]. وَكَقَوْلهِ: (وَفي السمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوعَدُوْنَ) [الذاريات/22] إلا أن ¬
الشَىءَ إذا كانَ مَأذوْناً لَه فِي تناولهِ فَهْوَ حَلَالٌ حُكمَاً، وَمَا كَانَ منه غير مَأذُوْنٍ لَهُ فِيْهِ فَهْوَ حَرَامٌ حُكْمَاً. وَجَميْعُ ذَلِكَ رِزْقٌ عَلَى المَعنَى الذِي بَيَّنَّاه. 19 - الفَتَّاحُ: هُوَ الحَاكِمُ بْينَ عِبَادهِ، يُقَالُ: فتحَ الحَاكِم بينَ الخَصْمين، إذَا فَصَلَ بَيْنَهُما. وَمنْهُ قَوْلُ اللهِ -سُبْحَانَهُ-: (رَبنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحَق، وَأنتَ خيرُ الفَاتِحيْنَ) [الأعراف/89]. مَعْنَاهُ رَبنا احْكُمْ بَيْنَنَا. وَيُقَالُ لِلْحَاكِمِ: الفَاتِحُ. وَقَال (¬1) امْرُؤُ القَيْسَ (¬2): أبَعْدَ الفَاتِحِ الوَهَّابِ عَمْرٍو ... حَليف الجُود وَالحَسَبِ اللُّبَابِ؟ و [قد] (¬3) يكونُ مَعْنَى الفَتاحِ أيْضَاً الذِي يَفْتَح أبْوَابَ الرزْقِ والرحْمة لعِبَاده وَيَفتحُ المنْغلِقَ عَليْهِمْ مِن أمورِهِمْ وَأسْبَابهمْ. وَيفتحِ قُلُوبهُمْ وَعُيُوْنَ بَصَائِرِهِمْ لِيبْصِرُوْا الحَق، وَيَكُوْنُ الفَاتِحَ أيْضَاً بِمَعْنى الناصِر، كَقَوْلهِ -سُبْحَانَهُ-: (إنْ تَسْتَفْتِحوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الفَتْحُ) [الأنفال/19]. قَالَ أهْلُ التفْسيرِ [إن] (3) مَعْنَاهُ: إنْ تَسْتَنْصِرُوْا فَقَدْ جَاءَكُمُ النصْرُ (¬4). ¬
20 - العَلِيْمُ: هُوَ العَاِلمُ بالسَّرَائِرِ والخَفِيَّاتِ التي لَا يُدْرِكُهَا عِلْمُ الخَلْقِ. كَقَوْلهِ [تعالى] (¬1): (إنهُ علِيْم بِذَاتِ الصُّدُوْرِ) [لقمان/23]. وَجَاءَ عَلَى بِنَاءِ فَعِيْلٍ لِلْمُبَالَغَةِ في وَصْفِهِ بِكَمَالِ العِلْمِ، وَلذَلِكَ قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَفَوْق كُل ذِيْ علمٍ عَلِيْم) [يوسف/76]. والآدمِيُّوْنَ -وإنْ كَانُوا يُوْصَفُونَ بِالعِلمِ- فَإن ذَلِكَ يَنْصَرِفُ (¬2) مِنْهُمْ إِلَى نَوْع مِنَ المَعْلُومَاتِ، دون نَوْع، وَقَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي حَالٍ دون حَالٍ، وَقَدْ تَعْتَرِضُهُمْ الآفَاتُ فيَخْلُفُ عِلْمهُمُ الجَهْلُ، ويعْقُبُ ذِكْرَهُمُ النَسْيَانُ، وَقَدْ نَجِدُ الوَاحِدَ مِنْهُمْ عَاَلماً بِالفِقْهِ غير عَاِلم بِالنحْوِ وَعَاِلماً بهما غير عَاِلم بِالحِسَابِ وبالطِّبِّ (¬3) وَنَحْوِهِمَا مِنَ الأمُوْرِ، وَعِلْمُ الله -سُبْحَانَهُ- عِلْمُ حَقِيْقَةٍ، وَكَمَالٍ (قَدْ أحَاطَ بِكُل شَيْء عِلْماً) [الطلاق/12]، (وَأحْصَى كُل شَيْءٍ عَدَدَاً) [الجن/ 28]. 21 - 22 - القَابِضُ البَاسِطُ: قدْ يَحْسُنُ فِي مِثل هذَيْنِ الاسْمين أنْ يُقْرَنَ أحَدُهُمَا في الذكْرِ بالآخَرِ، وَأنْ يُوصَلَ بِهِ بيَكُوْنَ ذَلِكَ أنْبَأ عَنِ القُدْرَةِ، وَأدَلَّ عَلَى الحِكْمَةِ. كَقَوْلهِ [تعالى] (¬4): (وَاللهُ يَقْبِضُ ويبْسُطُ، وَإلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ) [البقرة/245]. وَإذا ذَكَرْتَ القَابِضَ مُفْرَدَاً عَنِ البَاسِطِ كُنْتَ كَأنكَ قَدْ قَصَرْتَ بِالصفَةِ (¬5) عَلَى المَنْعِ والحِرْمَانِ، ¬
وَإذَا أوْصَلْتَ أحَدَهُمَا بِالآخَرِ فَقَدْ جَمَعْتَ [بَيْنَ الصِّفَتين] (¬1) مُنْبِئَاً عَنْ وَجْهِ الحِكْمَةِ فِيْهِمَا -فَالقَابِضُ البَاسِطُ- هُوَ الذِي يُوَسِّعُ الرِّزْقَ وَيُقَترُهُ، وَيَبْسُطُهُ بِجُوْدِهِ وَرَحْمَتِهِ، ويقْبِضُهُ بِحِكْمَتِهِ عَلَى النظَرِ لِعَبْدِهِ كَقَوْلِهِ: (وَلَوْ بَسَطَ الله الرزْقَ لِعِبَاده لَبَغَوْا فِيْ الأرْضِ وَلَكِنْ يُنَزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) [الشورى/27] فَإذَا زَاده لَمْ يَزِده سَرَفَاً وَخَرَقَاً، وَإذَا نَقَصَهُ لَمْ يَنْقُصْهُ عَدَمَاً وَلَا بُخْلا، وَقِيْلَ: القَابِضُ هُوَ الذِي يَقْبِضُ الأرْوَاحَ بِالمَوْتِ الذِي كَتَبَهُ عَلَى العِبَادِ. 23 - 24 - الخَافِضُ الرَّافِعُ: وَكَذَلِكَ القَوْلُ فِيْ هَذَيْنِ الاسْمين يُسْتَحْسَنُ أنْ يُوْصَلَ أحَدُهُمَا فِي الذكْرِ بِالآخَرِ. فَالخَافِضُ: هُوَ الذِي يَخْفِضُ الجَبارِيْنَ وَيُذِل الفَرَاعِنَةَ المُتَكَبرِيْنَ. والرافع: [هو] (¬2) الذِي رَفَع أوْليَاءَهُ بِالطاعَةِ فَيُعْلي مَرَاتِبَهُمْ، وينْصُرُهُمْ عَلَى أعْدَائِهِ وَيَجْعَلُ العَاقِبَةَ لَهُمْ لَا يَعْلُو إلا مَنْ رَفَعَهُ الله، وَلَا يَتَضِعُ إلا مَنْ وَضَعَهُ وَخَفَضَهُ. 25 - 26 - المُعِزُّ: (¬3) المُذِّلُ: و (¬4) وَالقَوْلُ فِي "المُعِزِّ و (4) المُذِّلِ" كَهُوَ فِيْمَا تَقَدمَ مِنْ ذِكْرِ القَابِضِ والبَاسِطِ. يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، لَا مُذِل لِمَنْ أعَز، وَلاَ مُعِز لِمَنْ أذَلهُ. كَقَوْلِهِ: (وَللهِ العِزةُ وَلرَسوْلهِ وَللْمُؤْمِنينَ) [المنافقون/8]، وَقَالَ: (أيَبْتَغُوْنَ عِنْدَهُمُ العِزةَ فَإن العِزةَ لله جَميْعَا) [النساء/139]. أعَزَ بالطاعَةِ أوْليَاءه؛ فَأظْهَرَهُمْ عَلَى ¬
أعْدَائِه (¬1) في الدنيا، وَأحَلَّهُمْ دَار الكَرَامَةِ في العُقْبَى، وَأذَلَّ أهْلَ الكُفْرِ فِي الدنيا؛ بِأنْ ضَرَبهُمْ بالرِّقِّ وبالجِزْيَةِ والصَّغارِ، وَفِي الآخِرَةِ بالعُقُوبَةِ والخُلُوْدِ في النارِ. 27 - السمِيْعُ: بِمَعْنَى السامِعِ، إلا أنهُ أبْلَغُ فِي الصفَةِ، وَبِنَاءُ فَعِيْلٍ: بِنَاءُ المُبَالَغَةِ. كَقَولهمْ: عَلِيْم: مِنْ عَاِلم، وَقدِيْر: مِنْ قَادِرٍ، وَهُوَ الذِي يَسْمَعُ السرَ والنَّجْوَى. سَوَاءٌ عِنْدَهُ الجَهْرُ، والخُفُوتُ، والنطْقُ، والسُّكُوْتُ، وَقدْ يَكُونُ السَّمَاعُ بِمَعْنَى القَبُولِ وَالإجَابَةِ. [29] كَقَوْلِ النبِي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أعُوْذُ بِكَ مِنْ قَوْلٍ لَا يُسْمَع"، أيْ: مِن دُعَاءٍ لَا يُسْتَجَابُ، وَمِنْ هذَا قَوْلُ المُصَلي: [30] "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمدَهُ" مَعْنَاهُ قبِلَ الله حَمْدَ مَنْ حَمدَهُ. ¬
وأنشد أبو زيدٍ لِشُتير بنِ الحَارِثِ الضَّبِّي: دَعَوْتُ اللهَ حَتى خِفْتُ ألا ... يَكُونَ اللهُ يَسْمَعُ مَا أقُوْلُ (¬1) أيْ: لَا يُجيْبُ، وَلَا يَقْبَلُ (¬2). 28 - البصير: هُوَ المُبْصِرُ. فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ. كَقَوْلهمْ، ألِيْمٌ: بِمَعْنَى مُؤْلم، وكَقَوْلِ عَمْرِو بنِ مَعْدِ يْكَرِبَ: أمِنْ رَيْحَانَةَ الداعِي السَّمِيْعُ (¬3) ¬
يُرِيْدَ: المُسْمِعَ. وَيُقَالُ: البَصيرُ: العاِلم بخَفِيَّاتِ الأمُورِ. 29 - الحَكَمُ: الحَكَمُ الحاكِمُ، ومنه المَثَلُ: "في بَيْتهِ يُؤْتى الحَكَمُ" (¬1). وَحَقِيْقتُهُ: هُوَ الذِي سَلِمَ لَهُ الحُكْمُ، ورد إلَيْهِ فِيْهِ (¬2) الأمْرُ. كَقَوْلهِ [تعالى] (¬3): "له الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ) [القصص/ 88] وَقَوْلهِ: (أنْتَ تَحْكُمُ بين عِبَادكَ فِيْمَا كانوا فِيهِ يَخْتَلِفُوْنَ) [الزمر/ 46]. وَقِيْلَ: لِلْحَاكِمِ حَاكِمٌ؛ لِمَنْعِهِ الناس عَنِ التظَالُم، ورَدْعِهِ إيَّاهُمْ. يُقَالُ: حَكمْتُ الرجُلَ عَن الفَسَادِ: إذَا مَنَعْتَهُ مِنْهُ. وَكذَلِكَ: أحْكَمْتَهُ -بالألِفِ- أنْشدَنِي أبُو عُمَرَ قَالَ: أنْشَدَني أبو العَبَّاسِ لِجَريْرٍ (¬4): أبَنِي حَنِيْفَةَ أحْكمُوا سُفَهاءَكُمْ ... إني أخَافُ عَلَيْكمُ أنْ أغْضَبَا وَمِنْ هَذَا قِيْلِ: حَكَمَةُ اللِّجَام، وَذَلِكَ لمنْعِهَا الدابةَ مِنَ التَّمَرُّدِ والذهَابِ في غْير جِهَةِ (¬5) القَصْدِ. ¬
30 - العدل: هُوَ الذِي لَا يَميْلُ بِهِ (¬1) الهَوَى فَيَجُور فِي الحُكْمِ. وَأصْلُهُ المَصْدَرُ. مِنْ قَوْلكَ (¬2): عَدَلَ، يَعْدِلُ، عَدْلاً، فَهْوَ عَادِلٌ. أُقِيْمَ مَقَامَ الاِسْم، وَحَقِيْقَتُهُ ذو العَدْلِ. كقَوْلهِ -سُبْحَانَهُ (¬3) -: (وَأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق/2] وَيُقَالُ: عَدَلْتُ الشَيْءَ أعْدلُهُ عَدْلا: إذَا قَوَّمْتَهُ. وَمِنْهُ الاعْتِدَال في الأمُورِ، وَهُوَ الاسْتِقَامَةُ فِيْها. 31 - اللطِيْفُ: هُوَ البَرُّ بِعِبَاده، الذِي يَلْطُفُ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وُيسَبِّبُ لَهُمْ مَصَالِحَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُوْنَ. كقوله -[سبحانه] (¬4) -: (الله لَطِيْفٌ بِعِبَاده يَرْزقُ مَنْ يَشَاءُ وهُوَ القوي العَزيز] [الشورى/19]. وَحَكَى أبو عُمَرَ (¬5) عَنْ أبِي العَباسِ عَنِ ابنِ الأعْرَابي (¬6) قَالَ: اللَّطِيْفُ، الذِي يُوصِلُ إلَيْكَ أرَبَكَ فِي رِفْقٍ، وَمِنْ هذَا قَوْلُهُم: لَطَفَ اللهُ لَكَ، أيْ: أوْصَلَ إلَيْكَ مَا تُحبُّ فِي رِفْقٍ. وَيُقَالُ: هُوَ الذي لَطُفَ عَنْ أنْ يُدْرَكَ بِالكَيفِيةِ. وَقَدْ يَكُونُ اللطْف بِمَعْنَى الرِّقةِ، والغُمُوضِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الصِّغَرِ فِي نُعُوْتِ الأجْسَامِ، وذلك مما لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِ البارِي -سُبْحَانَهُ-. ¬
32 - الخَبِيْر: هُوَ العَاِلمُ بِكُنه الشىءِ. المُطَّلِعُ عَلى حَقِيْقَتِهِ (¬1). كَقَوْله [تَعَالى]: (فَاسْألْ بِهِ خَبِيْرَاً) [الفرقان/59]. يُقَالُ فُلَانَ بِهَذَا الأمْرِ خَبِيْرٌ؛ وَلَه بِهِ خبْرٌ، وَهُوَ أخْبَرُ بِهِ مِنْ فُلَانٍ؛ أيْ: أعْلَمُ. إلا أن الخُبْرَ فِي صِفَةِ المَخْلُوقينَ إنما يُسْتَعْمَلُ في نَوْعِ العِلْمِ الذِي يَدْخلُة الِاخْتِبَارُ، وُيتَوَصَّلُ إلَيْهِ بالِامْتحَانِ، والاِجْتِهادِ، دون النَّوعِ المَعْلُومِ بِبَدَائِهِ (¬2) العُقولِ. وَعِلْمُ الله -سُبْحَانَهُ- سَوَاءٌ فِيْمَا غَمضَ مِنَ الأشْيَاءِ و [فيما] (¬3) لَطُف، وَفيمَا تَجَلَّى بهِ (¬4) مِنه وَظَهَرَ. وَإنما تختَلِف مَدارِكُ عُلُومِ الآدميِّينَ الذِيْن يَتَوَصَّلُونَ إلَيْها بِمُقدمَاتٍ مِنْ حِسٍّ، وَبِمُعَاناةٍ مِن نَظَرٍ، وَفكْرٍ؛ وَلذَلِكَ قِيْلَ لهم: لَيْسَ الخَبَرُ كَاْلمُعَايَنَةِ، وَتَعَالَى الله عَن هَذِهِ الصفَاتِ عُلُوّاً كَبِيْراً. 33 - الحليم: هُوَ ذو الصفْحِ، والأنَاةِ، الذِي لَا يسْتَفزْه غَضَبٌ وَلَا يَسْتَخِفُّهُ جَهْلُ جَاهِلٍ، وَلَا عِصيَانُ عَاصٍ، وَلَا يَسْتحِق الصَافِحُ مَعَ العَجز اسمَ الحِلْمِ؛ إنما الحلِيمُ هُوَ الصفُوحُ مَعَ القُدْرَةِ. [و] (¬5) المتأني الذِي لَا يَعجَل بِالعقُوَبةِ. وَقَدْ أنعَمَ بَعْض الشْعَراءِ بَيَانَ هذَا المَعْنَى فِي قَوْلهِ (¬6): ¬
لا يُدرِكُ المَجدَ أقوَامٌ وإنْ كَرُمُوا ... حَتى يَذِلُّوا وَإن عَزُّوا لأقوَام وَيُشْتَموا فَتَرى الألْوَانَ مُسْفِرَةً ... لَا صَفْحَ ذُلٍّ وَلَكِنْ صَفْحَ أحْلَامِ ويقال: لم يَصِفِ اللهُ -سُبحَانَهُ- أحَدَاً مِنْ خَلقِهِ بِصِفَةٍ أعَز من الحِلْم، وذلك حينَ وَصَفَ إسمَاعِيلَ بِهِ. وَيُقَالُ: إن أحَدَا لَا يَسْتَحِقُّ اسمَ الصَّلَاحِ حَتى يَكُونَ مَوصُوفَا بِالحِلمِ، وذلك أن إبرَاهِيْمَ -صَلَوَاتُ الله عَلَيهِ (¬1) - دَعَا رَبهُ فَقَالَ: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصالحيْنَ) [الصافات/ 100] فَأجِيْبَ بقَوْلهِ: (فَبَشرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيم) [الصافات/101] فَدَل عَلَى أَن الحِلمَ أعْلَى مآئر (¬2) الصلاَحِ -وَاللهُ أعلَمُ- وَيقَال: حَلُمَ الرَّجُلُ يَحلُمُ حُلْماً، بضم اللاَّمٍ في المَاضِي والمُستَقْبَلِ، وحَلَم في النومِ، بِفتْحِ اللامِ يحلُم حلْماً، اللام في المُستَقْبَل، والحاءُ في المَصَدَرِ مِنه، مَضمُومَتَانِ. 34 - العَظِيمُ: هُوَ ذو العَظَمةِ والجَلَالِ، وَمَعْنَى العِظَم فِي هَذَا منْصَرِفٌ إلَى عِظَمِ الشأنِ، وَجَلَالَةِ القَدْرِ دون العِظَم الذِي هُوَ مِنْ ¬
نُعُوتِ الأجْسَامِ لِمَا يُوجَدُ فِيْها مِنْ زِيَادةِ الأجْزاءِ وَيُقَالُ للرجُلِ السَيدِ: هُوَ عَظِيْمُ قَوْمِهِ. وَقَالَ [الله] (¬1) -سُبْحَانَهُ- حِكايَةً عَنِ الكُفارِ: (وَقَالُوْا: لَوْلَا نُزلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجلٍ مِنَ القَرْيَتَين عَظِيْم) [الزخرف/31]. وَيُقَالُ: أعْظَمْتُ الرَّجُلَ أُعْظِمُهُ (¬2) إعْظَامَاً: إذَا جَلَلْتَهُ، وَأكْبَرتَهُ. وَهُوَ أعلَى مِنْ قَوْلكَ: عَظمْتُهُ تَعْظِيماً. 35 - الغَفُوْرُ: هُوَ الذي تَكْثُرُ منْهُ المَغْفِرَةُ. وَبِنَاءُ فَعُولٍ: بِنَاءُ المبالَغَةِ فِي الكَثرَةِْ. كقُولكَ: صَبُوْرٌ، وَضَرُوْبٌ، وَأكُوْلَ. وَمَا أشْبَهَها مِنَ النعُوتِ. وَقَد تَقَدمَ الكَلَامُ فِي تَفْسير: الغَفارِ، وَمَعْنَى اشْتِقَاقِهِ في اللغَةِ، وَسَبِيلُ الِاسمَيْن مِنْ أسماء الله -جل وعز (¬3) - المذكورينِ عَلَى بِنَاءَيْنِ مُخْتَلِفين- وإنْ كَانَ اشْتِقَاقُهُمَا مِنْ أصْل وَاحِد -أن تطلب لكل واحد منهما فائدة مُسْتَجَدة، وَأنْ لَا يُحمَلَا عَلَى التكْرَارِ. فَيَحْتمِلُ -والله أعْلَمُ- أنْ يَكُوْنَ الغَفارُ، مَعْنَاهُ: السَّتَّارُ لِذُنُوبِ عِبَادهِ فِي الدنيَا بِأنْ لَا يهتِكَهُم وَلَا يُشِيْدهما عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ مَعْنَى الغَفُورِ: مُنْصَرِفَاً إلى مَغْفِرَةِ الذنُوبِ فِي الآخِرَةِ، والتَّجَاوزِ عَنِ العُقوَبةِ فِيْها. 36 - الشكوْر: هُوَ الذِي يَشْكُر اليَسِيرَ مِنَ الطاعَةِ فَيثيْبُ عَلَيْهِ الكَثيرَ مِنَ الثوَابِ، وَيُعطِي الجَزِيلَ مِن النعْمةِ، فَيَرْضَى بِاليَسير مِن الشكْرِ. كقَوْلهِ -سُبحَانَهُ-: (إن رَبنَا لَغَفورَ ¬
شَكورٌ) [فاطر/34]. وَمَعْنَى الشكْرِ المُضَافِ إلَيْهِ: الرِّضَى بِيَسير الطاعَةِ مِنَ العَبْدِ وَالقَبُوْلُ لَهُ. وَإِعْظَامُ الثوَابِ عَلَيْهِ -وَالله أعْلَمُ- وَقَدْ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُوْن مَعْنَى الثنَاءِ عَلَى اللهِ -جل وعز (¬1) - بالشكُوْرِ تَرْغِيْبُ الخَلْقِ فِي الطاعَةِ. قَلَّتْ أو كثُرَتْ لِئَلا يَسْتَقِلُّوا القَلِيْلَ مِنَ العَمَلِ فَلَا (¬2) يَتْرُكُوا اليَسيرَ مِنْ جُمْلَتِهِ إذَا أعْوَزَهُمْ الكثيرُ مِنْهُ. 37 - العَليُّ: هُوَ العَالي القَاهِرُ. فَعِيْلٌ بِمَعْنَى فَاعلٍ، كالقَدِيْرِ وَالقَادرِ والعَلِيْمِ والعَاِلم، وَقَدْ يكُونُ ذَلِكَ مِنَ العُلُوِّ الذِي هُوَ مَصْدَرُ: عَلَا، يَغلُو، فَهوَ عَالٍ. كَقُوْلهِ: (الرحْمنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى) [طه/5]. وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ عَلَاءِ المَجْدِ والشرَفِ. يُقَالُ مِنهُ: عَليَ يَعْلَى عَلَاءً. وَيَكُونُ: الذي عَلَا وجل أنْ تَلْحَقَهُ صِفَاتُ الخَلْقِ (¬3)، أوْ تُكَيِّفَهُ أوْهَامُهُمْ (¬4). 38 - الكبيرُ: هُوَ المَوْصُوفُ بِالجَلَالِ، وَكبَرِ الشأنِ، فَصَغُرَ دون جَلَالِه كلٌّ كبير. وَيُقَالُ: هُوَ الذِي كبُر عَنْ شَبَهِ المَخْلُوقينَ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُ المُصَلي (اللهُ أكْبَرُ) مِنْ هَذَا كَأنه يَقُوْلُ: الله أكْبَرُ مِنْ كُل شَيْء. وَقُدِّمَ هَذَا القَوْلُ أمَامَ أفْعَالِ الصَّلَاةِ تَنْبِيْهَاً ¬
لِلمصلي. كيْ يخطره بِبَالِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ إلَى الصلاةِ فَلَا يَشْغَل خَاطِرَة بِغيرهِ، وَلَا يعلق قَلْبَهُ بِشَيْءٍ سِوَاهُ. إذَا (¬1) كَانَ يَعْلَم أنه أكبَرُ مِما يَشْتَغِل بِهِ. وَكَانَ أبو العَباسِ، محمد بن يزيد النحوِي (¬2) لَا يَرْتَضِي هَذَا القول. ويَقُول: "لَيسَ يَقَعُ هَذَا عَلَى مَحْضِ الرؤيةِ لأنه تبَارَكَ وَتَعَالى: (لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيْءٌ) [الشورى/11] وَمِثلُ هَذَا إنما يَكُونُ فِي الشيْئَين يَكونَانِ مِنْ جِنْس [واحد] (¬3). فَيقَال: هَذَا أكبَر مِنْ هَذا: إذَا شَاركَهُ فِي بَابٍ" (¬4)، وَقَالَ أبو عُبَيدَةَ: الله أكْبَر مَعْنَاه: الله (¬5) كبِيرٌ. وَأنشَدَ لِلفَرَزْدقِ (¬6): إن الذِي سَمَكَ السمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيتَاً دَعَائِمه أعَزُّ وَأطوَلُ [أي: عزيزة طَويلة] (¬7). 39 - الحَفِيظُ: هوَ الحَافِظ. فَعِيلٌ بِمَعْنَى: فَاعِلٍ. كَالقَدِيرِ وَالعَلِيمِ. يَحْفَظ السَمَوَاتِ والأرْضَ وَمَا فِيهِمَا؛ لِتَبْقَى مدةَ بَقَائِهَا؛ فَلَا تَزْول وَلَا تُدْثَر. كَقَوْلهِ -عَز وَجَل (¬8) -: (وَلاَ يَؤودُهُ ¬
حِفْظُهُمَا) [البقرة/255]. وَقَالَ: (وَحِفْظَاً مِنْ كل شَيْطَانٍ مَارِدٍ) [الصافات/ 7] أيْ: حَفِظْنَاهَا حِفظَاً. والله أعْلَمُ. وَهُوَ الذي يَحْفَظُ عَبْدَهُ مِنَ المَهَالِكِ (¬1) والمَعَاطِبِ، وَيَقِيْهِ مَصَارِعَ السْوءِ. كَقَوْلهِ -سُبْحَانَهُ-: (لَهُ مُعَقبَات مِنْ بين يَدَيْهِ وَمِنْ خَلفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللهِ) [الرعد/11] أيْ: بِأمْرِهِ (¬2) وَيَحْفَظُ عَلَى الخَلْقِ أعْمَالَهُمْ، وَيُحصِي عَلَيْهِمْ أقْوَالَهُمْ، وَيَعلَمُ نِيَّاتِهم وَمَا تُكِنُّ صُدورُهُمْ، وَلَا (¬3) تَغِيْبُ عَنْهُ غَائِبَة، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة، وَيَحْفَظُ أؤليَاءَهُ، فَيَعْصِمُهُم عَن مُوَاقَعَةِ الذْنوبِ، وَيَحْرُسُهُمْ عَنْ مُكَايَدَةِ (¬4) الشيطَانِ، لِيَسْلَمُوا مِنْ شَرهِ، وَفِتْنَتِهِ. 40 - المُقِيْتُ: هُوَ المُقْتَدِرُ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَباسٍ -[رَضِيَ الله عَنْهُ] (¬5) - في قَوْلهِ: (وَكَانَ اللهُ عَلَى كُل شَيْءٍ مُقِيْتَاً) [النساء/85] قَالَ: مُقْتَدِرَا. وَقَالَ: ألم تَسْمَعْ قَوْلَ الشاعِرِ: وَذِيْ ضِغْنٍ كَفَفْتُ النفْسَ عَنْهُ ... وَكُنْتُ عَلَى مَسَاءَتِهِ مُقيْتَا (¬6)؟ ¬
والمقِيْتُ أيْضَاً: مُعْطِي القوْتِ. قَالَ الفَرَّاءُ: يُقَال: قَاتَهُ، وَأقَاتَه بِمَعْنى وَاحِدٍ. 41 - الحَسِيْبُ: هو المَكافِىءُ. فعِيْلٌ بِمعْنَى: مُفْعِلٍ، كقَوْلكَ (¬1): ألِيْمٌ بمَعْنَى مُؤْلم. تَقُولُ العَرَبُ: نزَلْتُ بِفُلَانٍ فَأكْرَمَني وَأحْسَبَني، أيْ: أَعْطَانِي مَا كَفَانِي حَتى قُلْتُ: حَسْبِي. وَمِنْهُ قَوْل الشاعِرِ (¬2): وَنُقْفِي وَليْدَ الحَيِّ إنْ كَانَ جَائِعَاً ... وَنُحْسِبُهُ إنْ كَانَ لَيْسَ بِجَائِع وَأخْبَرَنَا ابْنُ الأعْرَابي قَالَ: حَدثَنَا: العَبَّاسُ الدُّورِي عَنْ يَحْيىَ بنِ مَعين قَالَ: قَالَ [شعْبَة] (¬3): سَمِعْتُ سِمَاك بَن حَرْبٍ يَقُولُ ¬
فِي كَلَام لَهُ: "ما أحسَبُوا ضَيفَهُم" (¬1). أي: مَا أكْرَمُوهُ. قُلْتُ (¬2): وَهَذَا راجِعٌ إلَى المَعْنَى الأولِ لأنهم إذَا كفَوهُ المُؤونَةَ وَأحسَبُوا القِيَامَ -عافهُ (¬3) -، فَقَد أكْرَمُوهُ. وَالحَسِيبُ أيْضاً بِمَعنَى المُحَاسِبِ (¬4) كقَولهم: وَزِير، وَنَدِيمٌ: بِمَغنَى مُوَازِرٍ وَمُنَادمٍ. وَمِنهُ قَوْلُ الله (¬5) -سُبْحَانَهُ-: (كفَى بِنَفسِكَ اليوم عَلَيكَ حَسِيبَاً) [الإسراء/ 14] أيْ: مُحَاسِبَاً -والله أعْلَمُ-. 42 - الجَلِيل: هُوَ مِنَ الجَلَالِ، والعظَمَةِ. وَمَعْنَاه: مُنْصَرِفٌ إلى جَلَالِ القُدرَةِ وَعِظَمِ (¬6) الشأنِ فَهُوَ الجَلِيلُ الذي يَصغُرُ لُوْنَهُ كل جَلِيْلٍ، وَيَتضعُ مَعه كُلُّ رَفِيعٍ. 43 - الكَرِيم: قالَ بَعْضُ أهْل اللْغَةِ: الكَريمُ .. الكَثيرُ الخير. والعَربُ تسَمي الشىءَ النافِعَ الذِي يَدوْم نَفْعُه ويسْهُل تَنَاوُلهُ: تَكْرِيماً (¬7). وَلذَلِكَ قيلَ لِلناقَةِ الحُوار (¬8): كريمة، وذلك لِغَزَارَةِ لَبَنِهَا، ¬
وكثرَةِ دَرِّهَا. وَللنخْلَةِ التي لَا يُخْلِفُ حَملُهَا، وَكانَتْ مَعَ ذَلِكَ غيرَ مُرْقِلَةٍ يَصْعُبُ الرُقَى فيهَا: هَذِهِ نَخْلَة كَريمَةٌ. وَقيْلَ لِشَجَرةِ العِنَب: كَرْمَةٌ، بِمَعْنَى: كَريمَة. وَذَلِكَ لِكَثرَةِ خَيْرِها وَقُرْب جَنَاهَا. وَقَدْ يُسَمى الشىءُ الذِي لَهُ قَدْرٌ وَخَطَرٌ: كَرِيمَا، وَمِنْه قوله -سُبحَانَهُ- في قِصَّةِ سلَيمَانَ [عليه السلام] (¬1) وَبَلْقِيسَ: (إني أُلقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ كرِيمٌ) [النمل/29]. جَاءَ في تَفْسِيرهِ: كِتَابٌ جَلِيْل، خطِيرٌ، وَقِيلَ: وَصَفته بِذَلِكَ؛ لأنه كَانَ مَخْتوْمَاً. وَقِيلَ كَانَ حَسَنَ الخَطِّ، وَقِيلَ لأنهَا وَجَدَت فِيْهِ كَلَامَا حَسَنَا. وَقَالَ بَعْضُ الأعْرَابِ، وَبَاعَ ناقَة لَهُ: وَقَدْ تَنْزِعُ الحَاجَاتُ يَا أمَّ مَالِكٍ ... كَرَائِمَ مِنْ رَبٍّ بِهن ضَنينُ وِمِنْ كرَمِ اللهِ -سُبْحَانَهُ-[أنْ يَبْدأ بِالنعْمَةِ قَيْلَ استحْقَاقٍ، ويتَبَرعُ] (¬2) بالإحْسَانِ مِنْ غير استِثابةٍ، وَيَغْفِرُ الذنبَ، وَيَعْفُو (¬3) عَنِ المُسِيءِ، وَيَقُولُ الداعي فِي دُعَائِهِ. يَا كَرِيمَ العَفْوِ، فَقِيلَ: إن مِنْ كَرَمِ عَفْوِهِ، أن العَبْدَ إذَا تَابَ عَنِ السيئَةِ، مَحَاهَا عَنْهُ وَكَتَبَ لَهُ مَكَانَهَا حسَنَة. 44 - الرقيب: قَالَ الزَّجَّاجُ (¬4): الرَّقِيْبُ، الحَافِظُ الذي لا يَغِيْبُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ -سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى (¬5) -: (ما يلفظ ¬
مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْد) [ق/18]. قَالَ الشيْخُ (¬1) أبو سُلَيْمَانَ، وَهُوَ فِي نُعُوتِ الآدميينَ، المُوَكَّلُ بِحِفْظِ الشيْءِ، والمَتَرَصِّدُ لَهُ، المُتَحَرِّزُ عَنِ الغَفْلَةِ فِيْهِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَقَبْتُ الشيْءَ أرْقُبُهُ رِقْبَة. 45 - المُجيْبُ (¬2): هُوَ الذِي يُجيْبُ المُضطرَ إذَا دَعَاهُ، وُيغِيْثُ المَلْهُوفَ إذَا نَادَاهُ. فَقَالَ: (ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر/ 60]، [و] (¬3) قَالَ: (وَإذَا سَألَكَ عِبَادي عَني فَإني قَرِيْبٌ أجِيْبُ دَعْوَةَ ْالداعي إذَا دَعَاني) [البقرة/186] وَيُقَالُ: أجَابَ وَاسْتَجابَ بِمَعْنى وَاحِدٍ. 46 - الوَاسِعُ: الوَاسِعُ [هو] (¬4) الغَنِّي الذي وَسِعَ غِنَاهُ مَفَاقِرَ عباده وَوَسِعَ رِزْقه جَميْعَ خَلْقِهِ. والسَّعَةُ في كَلاَمِ العَرَبِ: الغِنَى. وَيُقَالُ: اللهُ يُعْطِي عَنْ سَعَة، أيْ: عَنْ غِنَى، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الشاعِرِ: رَعَاك ضمَانُ الله يَا أُمَّ مَالكٍ ... وَللهُ عن يُشْقِيْكِ أغْنى وَأوْسَعُ (¬5) ¬
47 - الحكيم: هُوَ المُحْكِمُ لِخَلْقِ الأشْيَاءِ. صُرِفَ عَنْ مُفْعِلٍ إلَى فَعِيْلٍ، كَقَوْلهم: ألِيْمٌ بِمَعْنى: مُؤْلم، وَسَمِيْعٌ بِمَعْنَى: مُسْمِعٍ؛ كَقَوْلهِ -جَلَّ وَعَزَّ-: (آلر، تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيْمِ) [يونس/1] وَقَالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) [هود/ 1]. فَدَلَّ عَلَى أن المرادَ بالحَكِيْمِ هُنَا الذي أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، صُرف عن مُفْعَل إلَى فَعِيْلٍ. وَمَعْنَى الإحْكَامِ لِخَلْقِ الأشْيَاءِ، إِنما يَنْصَرِفُ إلَى إتْقَانِ التَّدْبِيْر فِيْها، وَحُسْن التقْدِيْرِ لَهَاْ. إذْ لَيْسَ كُل الخَلِيْقَةِ مَوْصُوْفَا بِوَثَاقَةِ البِنْيةِ، وَشِدَّةِ الأسْرِ كَالبَقَّةِ، والنمْلَةِ، وَمَا أشْبههَما مِنْ ضِعَافِ الخَلْقِ، إلا أن التدبيرَ فِيْهِمَا، والدِّلَالَةَ بهمَا عَلَى كَوْنِ الصانِع وإثبَاتِهِ، لَيسَ بِدُوْنِ الدِّلَالَةِ عَلَيْهِ بِخَلْقِ السمَواتِ والأرْضِ والجبَالِ وَسَائِرِ مَعَاظِمِ الخَلِيْقَةِ، وَكَذلِكَ. هَذَا في قَوْلهِ -جَلَّ وَعزَّ-: (الذي أحسن كلَّ شيءٍ خَلَقَهُ) [السجدة/7] لَم تَقَعِ (¬1) الإشَارَةُ بِهِ إلَى الحُسْنِ الرَّائِقِ فِي المَنْظَرِ، فَإن هَذَا المَعْنَى مَعْدُوْمٌ فِي القِرْدِ، والخِنْزيْرِ، والدُّبِّ، وَأشْكَالِهَا مِنَ الحَيَوَانِ، وإنما يَنْصَرِفُ المَعْنَى فِيْهِ ¬
إلى حُسنِ التدبير فِي (¬1) إنشَاءِ كل شَىء مِنْ خَلقِهِ على ما أحبَّ أنْ ينشِئَهُ عَلَيهِ وإبرازه عَلى الهَيئَةِ التي أرَادَ أنْ يهيِّئَهُ عَلَيها. كقَوله [تعالى] (¬2): (وخَلَقَ كُل شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرَاً) [الفرقان/2]. 48 - الوَدوْد: هُوَ اسْم مأخُوذ مِنَ الوُد وفيه وَجْهان، أحدهمُا: أنْ يكون فعُوْلاً في محل مَفْعُولٍ. كَما قيل: رَجُل (¬3) هَيُوْبٌ بمعْنى: مَهيْبٍ، وَفرَسٌ ركوبٌ بمعْنَى: مركوب -والله (¬4) سبحانهُ- مودود في قُلوبِ أوليائهِ لما يتعَرَفُونهُ منْ إحسانه إليهم وكثرة عَوَائدِه عندهم، والوجه الآخَر: أنْ يَكون الوَدودُ بمعنى: الوادّ، أيْ: أنهُ يوَدُّ عباده الصالِحين بمعنى أنْ يَرْضَى عَنهُم ويتقبل أعمَالهُم، وقد يكون معناه أنْ يُوَدِّدَهُم إلى خَلقه؛ كقوله -جل وعَزَّ (¬5) -: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهمُ الرحمنُ وُدَّاً) [مريم/96]. 49 - المجيد: المجيد [هو] (¬6) الوَاسع الكرم، وأصل المجد في كَلامهمْ: السَّعَةُ. يُقالُ: رَجُل مَاجِدٌ إذا كان سخِيَّاً واسِعَ العَطَاء، وفي بعْضِ الأمْثالِ: "في كلِّ شجر نارٌ واستَمْجدَ المَرْخُ ¬
والعَفَارُ" (¬1) أيْ: استَكْثرَا مِنهَا. وَقيلَ (¬2) فِي تفسير قوْلهِ -[جل وعز] (¬3) -: (ق، وَالقُرآنِ المَجِيدِ) [ق/ 1] إن مَعْنَاهُ: الكَرِيمُ، وَقيلَ: الشرِيفُ. 50 - البَاعِث: هُوَ الذي يَبْعَثُ الخَلْقَ بَعْدَ المَوتِ، أيْ: يحييهِم فَيَحْشُرُهُم لِلحِسَابِ لِيَجْزِيَ (¬4) الذين أسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا، وَيَجْزيَ الذين أحْسَنوا بِالحُسنَى. وَيُقالُ: هُوَ الذي يَبْعَثُ عِبَاده عِنْدَ السَّقطَةِ وَيَنعَشُهُم بَعْدَ الصَّرْعَةِ. 51 - الشهِيْدُ: هُوَ الذي لَا يَغِيْبُ عَنْهُ شيءٌ. يُقَالُ: شَاهِدٌ وَشهيدٌ كعَاِلم، وَعَلِيم. أي: كأنهُ الحَاضِرُ الشاهِدُ الذِي لَا يعْزبُ عَنْه شَيءٌ. وَقَدْ قَالَ -سُبحَانَهُ (¬5) -: (فَمَنْ شَهِدَ منكُم الشهْرَ ¬
فَلْيَصُمْهُ) [البقرة/185]. أيْ: مَنْ حَضر مِنْكُم فِي الشهْرِ [فليصمه] (¬1)، وَيكُونُ الشهِيْدُ، بِمَعْنَى: العَلِيْم. كَقُولهِ: (شَهِدَ الله أنهُ لَا إلهَ إلا هُو) [آل عمران/18] قيْلَ: مَعْنَاهُ: عَلِمَ اللهُ. وَقَالَ أبو العباسِ أحْمدُ بْن يحْيىَ مَعْنَاهُ: بَيَّن الله أنهُ لا إلهَ إلا هُو، وَهوَ أيْضُاً الشاهِدُ للمظلوم الذِي لَا شَاهِدَ لَهُ وَلَا نَاصِرَ عَلَى الظاِلم المتعَدِّيْ الذي لَا مَانِعَ لَهُ في الدُّنْيَا؛ لِيَنْتَصِفَ (¬2) لَهُ مِنْهُ. 52 - الحَق: هُوَ المُتَحَقِّقُ كَوْنُهُ وَوُجُوْدُهُ وكُلُّ شَيْءٍ صَحَّ وجُودُهُ وَكوْنُهُ فَهُوَ حَقٌّ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ -سُبْحَانَهُ (¬3) -: (الحآقةُ. مَا الحآقةُ) [الحاقة/ 1 - 2] مَعْنَاهُ: -والله أعلم- الكَائِنَةُ حَقَّاً لَا شَكَّ في كَوْنِهَا، وَلَا مَدْفَعَ لِوُقُوعِهَا، وَيُقالُ: الجَنةُ حَقٌّ والنارُ حَقٌّ والسَّاعَة حَق. يُرَادُ ان هَذِهِ الأشْيَاءَ كَائِنَة لَا مَحَالَةَ. والعَرَبُ تَقُولُ: [إن] (¬4) فُلَانَاً الرجُلُ حَق الرجُلِ. والشجَاعُ حَق الشُّجَاعِ، وحاقَّ الشجَاعِ، وَحَاقَّةَ الشجَاعِ، إذَا أثْبَتُوا لَهُ الشجَاعَةَ وَحَقِيقَتَهَا، وَقَدْ تَكونُ الحَق أيْضَاً بِمَعْنَىْ الوَاجِبِ؛ كَقَولِ أبِي محمد الأنْصَارِي: "إن الوِتْرَ حَقٌّ" (¬5). فَقَالَ عُبَادةُ بنُ الصَّامِتِ: كَذَبَ أبو محمد، ¬
يُرِيْدُ (¬1): أن الوتْرَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِن الأوْلَ في شَيْءٍ. 53 - الوَكيْلُ: قَالَ الفَرَّاءُ: الوَكِيْلُ: الكَافي، وَيُقَالُ مَعْنَاهُ: أنَّهُ الكَفِيلُ (¬2) بِأرْزَاقِ العِبَادِ، والقَائِمُ عَلَيْهِم بِمَصَالِحَهِمْ، وَحَقِيْقَتُهُ أنهُ الذي يَسْتَقِل بِالأمْرِ المَوكُوْلِ إلَيْهِ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ المُسْلِمِيْنَ: (حَسْبُنَا اللهَ ونعْمَ الوَكِيلُ) [آل عمران/173] أيْ: نِعْمَ الكَفِيْلُ بِأمُوْرِنَا وَالقَائِمُ بِهَا. 54 - القَوِي: القَوِيُّ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى القَادرِ. وَمَنْ قَوِيَ عَلَى شَيْءٍ فقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وًيكُوْنُ مَعْنَاهُ: التام القُوةِ الذي لَا يَسْتوْليْ عَلَيهِ العَجْز فِي حَالٍ مِن الأحْوَالِ. وَالمَخْلُوْقُ وإنْ وُصِفَ بِالقُوةِ فَإن قُوته مُتَنَاهِيَة. وعَنْ بَعْضِ الأمُورِ قَاصِرَة. 55 - المَتِين: وَالمَتِين: الشدِيْدُ القَوي (¬3) الذي لَا تَنْقَطِعُ قُوتُهُ، وَلاَ تَلْحَقُهُ في أفْعَالِهِ مَشَقة وَلَا يَمَسه لُغُوبٌ. وَقَد رَوَاهُ (¬4) بَعْضُهُمْ: ¬
المبين مَكَانَ المَتين. وَمَعْنَاهُ: البَيِّن (¬1) أمْرُهُ فِي الوَحْدَانِيةِ، وأنه لَا شَرِيكَ لَه، يُقَالُ: بانَ الشيْءُ وَأبَانَ، وَبين، واسْتَبَانَ. بمَعْنَىً وَاحِدٍ، والمَحفوظ هُوَ الأولُ؛ كقَوْلهِ -جَلَّ وَعَزَّ (¬2) -: (إن الله هَوَ الرزاق ذوْ القوةِ المُتينُ) [الذاريات/58]. 56 - الوَلي: هُوَ الناصِرُ. يَنْصُرُ عِبَادهَ المُؤْمِنينَ. كقوْلهِ -سبْحَانَه-: (الله وَلِي الذِيْن آمَنوا يخرجهم مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النور) [البقرة/257]، وَكقَوْلهِ [تعالى] (¬3): (ذلِكَ بِأن الله مَوْلَى الذينَ آمَنوا، وَأن الكَافِرِيْنَ لاَ مَوْلَى لهمْ) [محمد/11] المَعْنىَ (¬4): لَا نَاصِرَ لهم. -والله أعْلَمُ-. والوَلِي (¬5) أيضَاً المتوَلي لِلأمْرِ والقَائِم بِهِ. كَوَلِيِّ اليَتيْمِ، وَوَلي المَرأةِ فِي عَقْدِ النكَاحِ عَلَيْهَا، وَأصْلُهُ مِنَ الوَلْي؛ وَهوَ القُرْبُ. 57 - الحَمِيدُ: هو (¬6) المَحْمُود الذِي اسْتَحَق الحَمْدَ بِفَعَالِهِ، وَهوَ فَعِيْل بِمَعْنَى مَفْعولٍ، وَهوَ الذِي يُحمَدُ في السَّراء (¬7) والضَّرَّاءِ، وَفي الشِّدةَ والرَّخَاءِ، لأنه حَكِيْم لَا يَجْرِي (¬8) في أفْعَالِهِ الغَلَط، وَلاَ يعترِضُهُ الخطأ؛ فهو محمودٌ عَلى كل حَالٍ. ¬
58 - المُحْصِي: هوَ الذي أحْصَى كل شَيْءٍ بِعِلْمِهِ؛ فَلَا يَفُوته مِنْهَا دقِيْقٌ وَلَا يُعْجِزة جَلِيْلٌ، وَلَا يُشْغِلُهُ شَيْءٌ مِنهَا عَما سِوَاهُ. أحْصَى حَرَكَاتِ الخَلقِ، وَأنفَاسَهم ومَا عَمِلوه مِنْ حَسَنَةٍ، واجْترَحُوْهُ مِنْ سَيئةٍ. كقَوْلهِ [تعالى] (¬1): (مَا لِهَذَا الكِتَابِ لَا يُغَادر صَغِيْرَةً وَلَا كَبيْرَة إلا أحْصَاهَا) [الكهف/49]. وَقَالَ -[عز وجل] (¬2) -: (أَحْصَاهُ الله، وَنَسَوْهُ) [المجادلة/ 6]. 59 - 60 - المبدي المُعِيْدُ: المبدِيء الذِي أبْدَأ الأشْيَاءَ، أيْ: ابتَدَأهَا مختَرِعَاً فَأوْجَدَهَا (¬3) عَنْ عَدَمٍ. يقال: بَدَأ وَأبدأ (¬4)؛ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. والمعيد: [هو] (¬5) الذي يُعِيْدُ الخلْقَ بَعْدَ الحَيَاةِ إلَى المَمَاتِ ثم يعيدهم بَعْدَ المَوتِ إلَى الحَيَاة كَقَوْلهِ: (وَكُنتمْ أمْوَاتَاً فَأحياكمْ ثم يُميتكُم ثم يُحيِيْكمْ ثُم إلَيه تُرجَعُونَ) [البقرة/28]، وَكَقَوْلهِ [تعالى] (¬6): (إنه هُوَ يُبْدِىء وَيُعِيْدُ) (¬7) [البروج/13]. 61 - 62 - المُحْيي المميت: المُحْيِيْ (¬8) هو الذِي يُحيي النُّطْفةَ الميِّتَةَ ¬
فَيُخْرج مِنْها النسَمَةَ الحَيةَ وَيُحْيي الأجْسَامَ البَالِيَةَ بِإعَادة الأرْوَاح إلَيهَا عِنْدَ البَعْثِ وَيُحْيي القُلُوبَ بِنُوْرِ المَعْرِفَةِ، وَيُحْيي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِإنْزَالِ (¬1) الغَيْثِ، وإنْبَاتِ الرزْقِ. [و] (¬2) المُمِيْتُ: هُوَ الذِي يميت الأحْيَاءَ وُيوْهِن بِالمَوْت قوةَ الأصِحاءِ الأقْوَياءِ (يُحيِي وَيميْتُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيْر) [الحديد/2]. تَمَدّحَ سُبْحَانَهُ بِالإمَاتَةِ كَمَا تَمَدَّحَ بِالإحْيَاءِ لِيُعْلَمَ أن مَصْدَرَ الخَيْر وَالشرِ وَالنفْعِ وَالضر مِنْ قِبَلِهِ وَأنه لَا شَريكَ لَهُ في الملكِ اسْتَأثَرَ بِالبَقَاءِ وَكَتَبَ عَلَى خَلْقِهِ الفَنَاءَ. 63 - الحَيُّ: [و] (¬3) الحي مِنْ صِفَةِ الله -تَعَالَى (¬4) - هو الذِي لم يَزَلْ مَوْجوْدَاً، وَبالحَيَاةِ مَوْصوْفَاً، لم تحْدث لَهُ الحَيَاة بَعْدَ مَوْتٍ، وَلَا يَعْتَرِضه المَوت بَعْدَ الحَيَاةِ. وسَائر الأحْيَاءِ يَعْتَوِرهمْ المَوْت أو العَدَمُ فِي (¬5) أحَدِ طَرَفَيْ الحَيَاةِ (¬6) أو فِيْهِمَا مَعَاً (¬7) و (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكَ إلا وَجهَهُ) [القصص/ 88]. 64 - القَيومُ: هو القَاِئم الدَّائِم بِلا زَوَالٍ، وَوَزْنهُ (¬8)، ¬
فَيْعُولٌ. مِن القِيَامِ وَهُوَ نَعْتُ المُبَالَغَةِ فِي (¬1) القِيَام عَلَى الشىءِ وَيُقَالُ: هُوَ القَيِّمُ عَلَى كُل (¬2) شَيْء بِالرعَايَةِ لَهُ [و] (¬3) يُقَالُ قُمْتُ بِالشىءِ (¬4) إذَا وَليْتَهُ بِالرِّعَايَةِ وَالمَصْلَحَةِ. 65 - الوَاجِدُ: هُوَ الغَني الذِي لَا يَفْتَقِرُ، والوُجْدُ وَالجِدَةُ: الغِنَى، يُقَالُ: رَجُلٌ وَاجِدٌ؛ أي: غَنيٌّ وَمِنْهُ: [31] قَوْلُ النبِي - صلى الله عليه وسلم -: "ليُّ الوَاجِدِ ظُلْمٌ" يُرِيْدُ: مَطْلُ الغَني ظُلم. وَيَكُوْنُ الوَاجِدُ أيْضَاً مِنَ الوُجُود، وَهُوَ الذي لَا يَؤوده طَلَبٌ وَلَا يَحُوْلُ بَيْنَهُ وبْينَ المَطْلُوبِ هَرَب. فَالخَلْقُ كُلُّهُمْ فِي قَبْضَتِهِ (¬5) يَتَقَلَّبُونَ وَعَلى مَشِيْئَتِهِ يَتَصَرَّفُوْنَ. ¬
66 - المَاجِدُ: [و] (¬1) قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسير "المَجِيْدِ" وَبَيَّنَّا مَعْنَى المَجدِ واشْتِقَاقَهُ وَأن أصْلَهُ فٍى الكَلَامِ: السَّعَةُ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُوْنَ إنمَا أُعِيْدَ هَذَا (¬2) الِاسْمُ ثَانِياً، وَخُوْلفَ بَيْنَهُ في البِنَاءِ وَبينَ المَجِيْدِ؛ لِيُؤكَّدَ (¬3) بِهِ مَعْنَى الوَاجدِ الذي هُوَ الغني، فيدلُّ بِهِ عَلَى السَّعَةِ والكَثرَةِ في الوُجْدِ، وَليَأَتَلِفَ الاسْمَانِ (¬4) أيْضَاً ويتَقَارَبَا في اللَّفْظِ؛ فإنهُ قَدْ جَرَتْ عَادةُ العَرَبِ بِاسْتِحْسَانِ هَذَا النَمَطِ مِنَ الكلَامِ وَهُوَ مِنْ بَابِ مُظَاهَرَةِ البَيَانِ. 67 - الوَاحِد (¬5): هُوَ الفَرْدُ الذِي لم يَزَلْ وَحْدَهُ؛ [و] (¬6) لم يَكنْ مَعَهُ آخَرُ. وَقيْلَ هُوَ المُنقَطِعُ القَرِيْنِ، المَعْدُوْمُ الشرِيْكِ، والنظير، وَلَيْسَ كَسَائِرِ الآحَادِ مِنَ الأجْسام المُؤلَّفَةِ؛ إذْ كل شَيْءٍ سِوَاهُ يُدَعْى وَاحِدَاً فَهوَ وَاحِدٌ مِنْ جِهَةٍ غير وَاحِدٍ مِنْ جِهَاتٍ. وَالله -سُبْحَانَهَ- الوَاحِدُ الذِي لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيْءٌ، وَالوَاحِدُ لَا يُثَنَّى مِنْ لَفْظِهِ وَلَا يُقَال وَاحِدَانِ (¬7). 68 - الأحَدُ: قَالَ النَحْوِيُّوْنَ: أصْلُهُ فِي الكَلاَمِ: الوَحَدُ ¬
[و] (¬1) يُقالُ: وَحُدَ الشيءُ يَوْحَدُ فَهُوَ وَحَدٌ. كَمَا يُقَالُ: حَسُنَ [الشيءُ] (¬2) يَحْسُنُ فَهُوَ حَسَن. ثُم أبْدَلُوا عَنِ الوَاوِ الهَمزَةَ. وَالفَرْقُ بَيْنَ الوَاحِدِ، وَالأحَدِ [أن الواحد] (¬3) هُوَ المُنْفَرِدُ [بالذَّاتِ لا يضامُّهُ آخر، والأحد: هو المنفرد] (3) بِالمَغنَى لَا يُشَارِكُهُ فِيْهِ أحَدٌ (¬4) ولذَلِكَ قيل لِلْمُتَنَاهِي فِي العلْمِ والمَعرِفَةِ هُوَ أحَدُ الأحَدَينِ. وَمما يَفْتَرِقانِ بِهِ فِي مَعَانِي الكلَام: أن الوَاحِدَ فِي جِنْس المعْدُوْدِ، وَقَدْ يُفْتَتَحُ بِهِ العَدَدُ. والأحَدُ يَنقَطِعُ مَعَهُ العَدَدُ. وإنَّ الأحَدَ يَصلُحُ فِي الكَلَامِ فِي مَوْضِعِ الجُحُودِ. وَالوَاحِدُ فِي مَوْضِع الإثبَاتِ. تَقُوْلُ: لَمْ يَأتِني مِنَ القَوْمِ أحَدٌ. وجَاءَنِي مِنْهُم وَاحِدٌ. وَلَا يُقَال: جَاءني مِنْهم أحَدٌ. فَأما الوَحِيْد فَإنما يُوصَفُ بِهِ، في غَالِبِ العُرْفِ، المنفَرِدُ عَنْ أصْحَابِهِ (¬5)، المنقطِعُ عَنْهُم [(¬6) وإطلَاقُهُ فِي صِفَةِ الله -سُبْحَانَهُ- لَيسَ بالبيِّن عِندي (¬7) صَوابُهُ. وَلَا أستَحْسِنُ التسْميةَ بِعَبدِ الوَحِيْدِ كَمَا أسْتَحْسِنُهَا بِعَبْدِ الوَاحِدِ، وَبعَبْدِ الأحَدِ. وَأرَى كَثِيرَاً مِنَ العَامةِ قَد ¬
تَسَمَّوْا بِهِ. فَإنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِ اللهِ -عَزوجل (¬1) -: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيْدَا) [المدثر/11] وَادَّعَى أنهُ مِنْ صِفَةِ الله -جل وعز (¬2) - قِيْل: بَلْ هُوَ مِن صِفَةِ المَخْلُوقِ. والآيَة إنما نزلت (¬3) في الوَليْدِ بنْ المُغِيْرَةِ المَخْزُومِي، وَالمَعْنَى: ذَرْني وَمَنْ خَلَقتُهُ وَحِيْدَا فَرْداً فقِيْرَا، لا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ، ثُم جَعَلْتُ لهُ مَالا مَمدُوْدَاً وَبَنِيْن شُهُودَا وَقدْ رُوِيَ أن الوَليْدَ كَانَ يسمَّى الوَحِيْدَ في قُرَيْشٍ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُهُ وَحْدِيْ. أيْ (¬4): فَإني أتَوَلى عَذَابَهُ يَوْمَ القِيامة وحْدِي كَمَا تَفَرّدْتُ بخَلْقِيْ إياهُ وَحْدِيْ. وَالأوّلُ: أصْوَبُ القَوْلَيْن -والله أعلم- قَالَ أبو سُلَيْمَانَ [رحمه الله] (¬5) وَقَدْ يَقَع الغَلَطُ كَثِيْرَاً في بَاب التسْمِيَةِ. وَأعْرِفُ رَجُلا مِنَ الفُقَهَاءِ كَانَ سَمى وَلَدَهُ: عَبْدَ المُطلِبَ. فَهو يُدْعَى بِهِ إلَى اليَوْمِ، وذلك أنهُ سَمِعَ بِعَبْدِ المُطلِب، جَدِّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَرَى في التسْمِيَةِ بِهِ (¬6) عَلَى التقْلِيْدِ وَلَمَ يَشْعُرْ أن جَدَّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إنمَا دُعيَ بِهِ لأن هَاشِمَاً أبَاهُ كَان تَزَوجَ أُمَّهُ بالمَدِيْنَةِ، وَهِيَ امْرَاة مِن بَني النَّجَّار، فَوَلَدَتْ لَهُ هَذَا الغُلامَ، وَسَمَّاهُ شَيْبَةَ. وَمَاتَ عَنْهُ وَهُوَ طَفْل فَخَرَجَ عَمه المُطلِب بن عَبْدِ مَنَافٍ أخُو هَاشم فِي طَلَبِهِ إلَى المَدِيْنَةِ فَحَمَلَهُ إلَى مَكةَ فَدَخَلَهَا، وَقَدْ أرْدَفَهُ خَلْفَهُ، فَقِيْلَ لَهُ: مَنْ هَذَا الغُلامُ؟ ¬
فَقَالَ: هَذَا عَبْدِي، وَذَلِكَ لأنهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ كَسَاهُ، وَلَا نَظَّفَهُ، فَيَزُوْلَ عَنْهُ شَعَثُ السَّفَرِ؛ فَاسْتَحْيَا أنْ يَقُوْلَ: ابْنُ أخِي. فَدُعِي بِعَبْدِ الُمطلِبِ بَاقِي عُمْرِهِ. عَلَى أنهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَذَاهِبِ أهْلِ الجَاهِلِيَّةِ فِي هَذَا، فَقَدْ تَسَمَّوْا: بِعَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدِ الدَّارِ، وَنَحْوِهِمَا مِنَ الأسَامِي. 69 - الصَّمَدُ: هو السَّيِّدُ، الَّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ (¬1) في الأمُوْرِ، وَيُقْصَدُ فِي الحَوَائِجِ والنوَازِلِ، وَأصْلُ الصَّمْدِ: القَصدُ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ: اِصْمِد صَمْدَ فُلَان. أيْ: اِقْصِدْ قصْدَهُ، وَجَاءَ فِي التفْسير: أن الصَّمَدَ [الذي قَدِ انْتَهَى سُؤدَدُهُ. وَقيْلَ: الصَّمَدُ] (¬2): الدَائِمُ. وَقِيْلَ: البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الخلق. وَأصَحُّ هذِهِ الوُجُوْهِ مَا شَهِدَ لَهُ مَعْنَى الاشْتِقَاقِ. والله أعْلَمُ (¬3). 70 - القَادِرُ: هُوَ من القُدْرَةِ عَلَى الشَّيْءِ. يُقَالُ: قَدَرَ يَقْدِرُ قُدْرَةً فَهُو قَادِرٌ وَقَدِيْرٌ، كَقَوْلهِ [تَعَالى]: (وَكَانَ اللهُ عَلَى كُل شَيْء قَدِيراً) [الأحزاب/27] وَوَصَفَ الله نَفْسَهُ بِأنهُ قَادر عَلَى كُل شَيْء، أرَاده: لَا يَعْتَرِضهُ عَجْزٌ وَلَا فُتوْرٌ، وَقَدْ يَكُوْنُ القَادرُ بِمَعْنَى المُقَدِّرِ لِلشيْءِ، يُقَال: قَدرْت الشيْءَ وقَدَرْتُه بِمَعْنَى وَاحِد كَقَوْلهِ: (فقَدَرْنا فَنِعْمَ القَادروْنَ) [المرسلات/23] أيْ: نِعْم المُقَدِّرُوْنَ. وَعَلَى هَذَا يتَأوَّلُ قَوْلُه -سبْحَانَه-: (فَظَن أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [الأنبياء/87] أيْ: لَنْ نقَدِّرَ عَلَيْهِ الخَطِيئَةَ (¬4) أو العُقُوبة إذْ لَا يَجُهْزُ عَلَى نَبِي اللهِ ¬
أنْ يَظُن عَدَمَ قُدْرَةِ الله -جل وعز- عَلَيْهِ فٍى حَالٍ مِنَ الأحْوالِ. 71 - المُقْتَدرُ: هُوَ التامُّ القُدْرَةِ الذِي لا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شيْءٌ وَلَا يَحْتَجِزُ عَنْهُ بِمَنَعَةٍ وَقُوة، وَوزْنُهُ مُفْتَعِلٌ مِنَ القُدْرَةِ إلا أن الاقْتِدَار أبْلَغُ وَاعَم لأنهُ يَقْتَضِيْ الإطْلاَقَ. وَالقُدْرَةُ قَدْ يَدْخُلُهَا نَوْعٌ مِنَ التضْمِيْن بالمَقْدُوْرِ عَلَيْهِ، قَالَ الله- سُبْحَانَهُ (¬1) -: (عِنْدَ مَلِيْكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر/55] أيْ: قَادِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ. 72 - 73 - [32] المُقَدِّمُ المؤخِّرُ: هُوَ المُنْزِلُ الأشْيَاءَ مَنَازِلَهَا يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا وُيؤَخرُ مَا شَاء] (¬2)، قَدَّمَ المَقَادِيْرَ قَبْلَ أنْ خَلَقَ الخَلْقَ وَقَدَّمَ مَنْ أحَبَّ مِنْ أوْليَائِهِ عَلَى غَيْرِهِم مِنْ عَبِيْدِهِ وَرَفَع الخَلْقَ بَعْضَهُمْ ¬
فَوْقَ بَعْضٍ درَجَاتٍ وَقَدَّمَ مَنْ شَاءَ بالتوْفيْقِ إلَى مَقَامَاتِ (¬1) السابِقينَ، وَأخَّرَ مَنْ شَاءَ عنْ مَرَاتِبِهِمْ، وَثَبَّطَهُمْ عَنْهَا، وَأخَّرَ الشَيْءَ عَنْ (¬2) حين تَوَقُّعِهِ لِعِلْمِهِ بِمَا في عَوَاقِبِهِ مِنَ الحِكْمَةِ لَا مُقَدمَ لِمَا أخرَ وَلاَ مُؤَخَرَ لِمَا قَدَّمَ. وَالجَمْعُ بينَ هَذَيْنِ الاسْمين أحْسَنُ مِنَ التَّفْرِقَةِ كَمَا قُلْنَاهُ في بَعْضِ مَا تَقَدمَ مِنَ الأسْمَاءِ. 74 - الأولُ: هُوَ السَّابِقُ لِلأشْيَاءِ كُلِّها، الكَائِنُ [الذي] (¬3) لَمْ يَزَلْ قَبْلَ وُجُودِ الخَلْقِ فَاسْتَحَق الأوّليَّةَ إذْ كَانَ مَوْجُوْدَاً وَلَا شيْءَ قَبْلَهُ وَلَا مَعَهُ وَكَانَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: [33] "أنْتَ الأولُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأنْتَ الآخِرُ فَلِيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ". ¬
75 - الآخِرُ: هُوَ البَاقِيْ بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ، وَلَيْسَ مَعْنَى الآخِرِ مَا لَهُ الانْتِهاءُ. كَما لَيْسَ مَعْنَى الأولِ مَا لَهُ الِابْتِداءُ؛ فَهُوَ الأولُ وَالآخِرُ (¬1) وَلَيْسَ لِكَوْنهِ أوَّلٌ وَلَا آخِرٌ. 76 - الظَّاهِرُ: هُوَ الظَّاهِرُ بِحُججِهِ البَاهِرةِ، وَبَرَاهِيْنِهِ (¬2) النَّيِّرَةِ وَبِشوَاهِدِ أعْلَامِهِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ رُبُوِبيَّتِهِ، وَصِحَّةِ وَحْدَانيتِهِ وَيَكونُ الظَّاهِرُ فَوْقَ كُل شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ، وَقَدْ يَكُوْنُ الظهُوْرُ بمَعْنَى العُلُوِّ، وَيَكُوْنُ بِمَعْنَى الغَلَبَةِ. [34] وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ في دُعَائِهِ: "أنْتَ (¬3) الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأنتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دونكَ شَيْءٌ". 77 - البَاطِنُ: هُوَ المُحْتَجِبُ عَنْ أبصَارِ الخَلْقِ، وَهُوَ الذِي لَا يَسْتَوْلِيْ عَلَيْهِ تَوَهُّمُ الكَيْفِيَّةِ، وَقَدْ يَكُوْنُ مَعْنَى الظُّهُورِ وَالبُطُوْنِ احْتِجَابُهُ عَنْ أبْصَارِ الناظِريْنَ، وَتَجَلِّيه لِبَصَائِرِ المُتَفَكرِيْنَ. ويكونُ مَعْنَاهُ: العَاِلمُ بِمَا ظَهَرَ مِنَ الأمُوْرِ وَالمُطَّلِعُ عَلَى مَا بَطَنَ مِنَ الغُيُوْبِ. ¬
78 - الوالي (¬1): هُوَ المَالِكُ لِلأشْيَاءِ، وَالمتولي لَهَا، والمُتَصَرِّفَةُ (¬2) مَشِيْئتهُ فِيْهَا، يُصَرِّفُهَا كَيْفَ شَاءَ، يَنْفُذُ فِيْها أمْرُهُ، وَيَجْرِيْ عَلَيْهَا حُكمُهُ، وَقَدْ يَكُونُ الوَالِي بِمَعْنَى المُنْعِمِ، عَوْداً عَلَى بَدْءٍ، وَمِنْ هَذَا (¬3) قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ (¬4): لِني وَليَة تُمْرِعْ جَنَابيْ فَإنني ... لِوَسْميِّ مَا أوْلَيْتَني منك شاكرُ [وأصله من الوَلْي الذي يلي الوسمي] (¬5) وهُوَ أوَّلُ مَطرِ يَسِمُ وَجْهَ الأرضِ. 79 - المتعالي: هو المتنَزِّهُ عَنِ صِفَاتِ المَخْلُوقينَ، تَعَالَى أن يُوْصَفَ بِهَا، وَارْتَفعَ عَنْ مُسَاوَاتِهم في شَيْءٍ مِنْهَا، وَقَدْ يَكُوْنُ بِمَعْنَى العَالِي فَوْقَ خَلْقِهِ. 80 - البَرَّ: هو العَطوفُ عَلَى عِبَادهِ، المُحْسِنُ إلَيْهِم، عَمَّ بِبِرِّهِ جَميْعَ خَلْقِهِ، فَلَمْ يَبْخَلْ عَلَيْهِم بِرِزْقِهِ، وَهُوَ البَرُّ بِأوْليَائه، إذْ خَصَّهُمْ ¬
بِوِلاَيتهِ وَاصْطَفَاهُم لِعِبَادَتِهِ، وَهُوَ البَّرُ بِالمُحْسِنِ فِي مُضَاعَفَةِ الثَّواب لَهُ وَالبَرُّ بِالمُسِيْءِ فِي الصَّفْحِ، وَالتجَاوُزِ عَنْهُ. وَفِي صِفَاتِ المَخْلُوْقينَ: رَجُلٌ بَرٌّ وَبَارٌّ إذَا كَانَ ذَا خير وَنَفْعٍ، وَرَجُل بَرٌّ بِأبَويهِ وَهُوَ ضِدُّ العَاقِّ. 81 - التَّوَّابُ: هُوَ الذي يَتُوْبُ عَلَى [عبدِهِ، ويقْبَلُ توبته] (¬1) كُلَّمَا تَكرَّرَتْ التَوبةُ تكَرَّرَ القَبُوْلُ وَهُوَ حَرْفٌ يَكُوْنُ لَازِمَاً وَيَكُوْنُ مُتَعَدِّيَا. يُقَالُ: تَابَ الله عَلَى العَبْدِ: بِمَعْنَى وَفَّقَهُ لِلتوْبَةِ. فَتَابَ (¬2) العَبْدُ كَقوْلهِ [تعالى] (¬3): (ثُم تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبوا) [التوبة/118] وَمَعْنَى التوبةِ: عَوْدُ العَبْدِ إلَى الطاعَةِ بَعْدَ المَعْصِيَةِ. 82 - المنتَقِمُ: هُوَ الذِي يُبَالِغُ فِي العُقُوَبةِ لِمَن شَاءَ كَقَوْلهِ [تعالى] (3): (فَلَما آسَفُوْنَا انْتَقَمْنَا مِنهِم فَأغْرَقْنَاهُم أجْمَعينَ) [الزخرف/55]. والاِنْتِقَامُ: افْتِعَالٌ مِنْ نقَم يَنْقُمُ إذَا بَلَغَتْ بِهِ الكَرَاهَةُ حَدَّ (¬4) السَخَط. 83 - العَفُو: وَزْنُهُ فَعُولٌ مِن العَفْوِ، وَهُوَ بِنَاءُ المُبَالَغَةِ. والعَفْوُ: [الصَّفْحُ عن الذنوبِ، وترك مُجَازَاةِ المُسِيءِ وقيل: إن العَفْوَ] (¬5) ¬
مَأخوْذٌ مِنْ عَفَتِ الريْح الأثَرَ إذا درَسَتْهُ (¬1) فَكَانَ العَافِي عَنِ الذنْبِ يَمْحُوهُ بِصَفْحِهِ عَنْهُ. 84 - الرَّؤُوْف: هُوَ الرحِيْمُ العَاطِفُ (¬2) بِرَأفَتِهِ عَلَى عِبَاده، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرأفَةُ أبلَغُ الرَّحْمَةِ وَأرَقُّهَا. وَيُقَالُ: إن الرافَةَ أخَصُّ، وَالرَّحْمَةَ أعَمُّ، وَقَدْ تَكُونُ الرحْمَةُ فِي الكَرَاهَةِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَلَا تَكادُ الرَّأفَةُ تَكُونُ فِي الكَرَاهَةِ؛ فَهَذَا مَوْضِعُ الفَرْقِ بَيْنَهُما. 85 - مَالِكُ المُلْكِ: مَعْنَاهُ أن المُلْكَ بِيَدِهِ يُؤْتيْهِ مَنْ يَشَاءُ كَقَوْلهِ [تعالى] (¬3): (قُلِ اللهم مَالِكَ المُلْكِ، تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاء وَتَنْزِعُ الملك ممنْ تَشَاءُ [وتعز من تشاء] (3)) [آل عمران/26]. وَقَدْ يَكُوْنُ مَعْنَاهُ: مَالِكَ المُلُوْكِ، كَمَا (¬4) يقَالُ: رَبُّ الأرْبَابِ. وَسَيِّدُ السَّادَاتِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَارِثُ المُلْكِ يَوْمَ لَا يَدَّعِي المُلْكَ مُدَّعٍ وَلَا يُنَازِعُهُ مُنَازِعٌ. كَقَوْلهِ [تعالى] (¬5): (المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرحْمنِ) [الفرقان/26]. 86 - ذو الجَلاَلِ والإكرَامِ: الجَلَالُ: مَصْدَرُ الجَلِيْلِ. يُقَال: جَلِيْلٌ بَيِّنُ الجَلَالَةِ وَالجَلَالِ. والإكرام: مَصْدَرُ أكْرَمَ يُكْرِمُ إكْرَامَاً وَالمَعْنَى: أن الله -جَلَّ وَعَزَّ- مُسْتَحِقٌّ أنْ يُجَلَّ وَيُكْرَمَ فَلَا يُحْجَدَ، وَلَا يُكْفَرَ بِهِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ المَعْنَى أنهُ يُكْرِمُ أهْلَ وَلَايَتهِ، ويرْفَعُ ¬
دَرَجَاتِهم بالتوفيْقِ لِطَاعَتِهِ فِي الدنيا، وَيُجلُّهُمْ بِأنْ يَتَقَبَّلَ أعْمَالَهُمْ ويرْفَعَ في الجنَانِ درَجَاتِهم، وَقَدْ يَحْتَمِلُ [أن يَكُوْنَ] (¬1) أحَدُ الأمْرَيْنِ، وَهُوَ الجلَالُ، مُضَافَاً إلَى اللهِ -سُبْحَانهُ (¬2) - بِمَعْنَى الصِّفَةِ لَهُ، والآخَرُ مُضَافَاً إلَى العَبْدِ بِمَعْنَى الفِعْلِ مِنْهُ، كَقَوْلهِ -سُبْحَانَهُ: (هُوَ أهْلُ التقْوَى وَأهْلُ المَغْفِرَةِ) [المدثر/56] [فَانْصَرَفَ أحَدُ الأمْرَيْنِ وَهُوَ المَغْفِرَةُ إلَى الله سُبْحَانَه] (¬3) والآخَرُ إلَى العِبَادِ (¬4) وَهُوَ التَّقْوى. والله أعْلَمُ. 87 - المُقْسِطُ: هُوَ العَادِلُ في حُكْمِهِ وَلَا يَحيْفُ وَلَا يَجُورُ. يُقَالُ: أقْسَطَ فَهُوَ مُقْسِطٌ، إذَا عَمَلَ في الحُكْمِ، كَقَوْلهِ [تعالى] (¬5): (وَأقْسِطُوْا إن اللهَ يحبُّ المُقْسِطينَ) [الحَجرات/9] وَقَسَطَ فَهُوَ قَاسِطٌ؛ إذَا جَارَ، كَقَوْلهِ [تعالى] (5): (وَأمَّا القَاسِطُوْنَ فَكَانُوا لِجَهَنمَ حَطَبَاً) [الجن/ 15]. 88 - الجَامِعُ: هُوَ الذِي يَجْمَعُ الخَلَائِقَ لِيَوْم لَا رَيْبَ فِيْهِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الأرْوَاحِ الأبْدَانَ، وَبَعْدَ تَبَدُّدِ الأوْصَالِ، والأقْرَانِ لِيَجْزِيَ الذِيْنَ أسَاؤُوْا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الذِيْن أحْسَنُوا بِالحُسْنَى. وَيُقَالُ: الجَامِعُ هُوَ الذي جَمَعَ الفَضَائِلَ وَحَوَى المآثِرَ والمَكَارِمَ. 89 - الغَنيُّ: هُوَ الذِي اسْتَغْنَى عَن الخَلْقِ وَعَنْ نُصْرَتِهمْ ¬
وَتَأيِيْدِهِم لِمُلْكِهِ فليْسَتُ بِهِ حَاجَة إلَيْهم، وَهُمْ إلَيْهِ فُقَرَاءُ. مُحْتَاجُونَ كَمَا وَصَفَ نفْسَه [تعالى] (¬1) فَقَالَ [عز من قَائل] (¬2): (وَاللهُ الغَنيُّ وَأنْتُم الفُقَراءُ) [محمد/ 38]. 90 - المُغْنيْ: هُوَ الذِي جَبَرَ مَفَاقِرَ الخَلْقِ وَسَاقَ إلَيْهِمْ أرْزَاقَهُمْ وَأغْنَاهُمْ (¬3) عَمَّنْ سِوَاهُ، كَقَوْلهِ [تعالى] (2): (وأنهُ هُوَ أغْنَى وَأقْنَى) [النجم/48]. وَيَكُوْنُ المُغْني بِمَعْنَى الكَافي مِنَ الغَنَاءِ، مَمْدُوْدَاً مَفْتُوْحَةَ الغين، وَهْوُ الكِفَايَة. 91 - المَانعُ: هُوَ النَّاصِرُ الذي يَمنعُ أوْليَاءَهُ، أي (¬4): يَحُوْطُهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمُ وَيُقَالُ: فُلَان فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، أيْ: في جَمَاعةٍ تَمْنَعُهُ وَتَحُوْطُهُ. ويكُونُ المَانِعُ مِنَ المَنْعِ، وَالحِرْمَانُ لَمنْ لَا يَسْتَحِقُّ العَطَاءَ. [35] كَقَوْلهِ [- صلى الله عليه وسلم -] (¬5): "لَا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا ¬
مَنَعْتَ" فَهوَ -سبْحَانَهُ- يَمْلِكُ المَنْعَ وَالعَطَاءَ، وَلَيْسَ مَنْعُهُ الشيْءَ بُخْلاً (¬1) بِهِ، لَكِن مَنْعَهُ حِكْمَةٌ، وَعَطَاؤه جُودٌ وَرَحْمَةٌ. 92 - 93 - الضَّارُ النَّافِعُ: وَهَذَانِ الِاسْمَانِ (¬2) مما يَحْسنُ القِران في الذكْرِ بَيْنَهُما لأن فِي اجْتِمَاعِهِمَا وَصْفَاً لَه بِالقُدْرَةِ عَلَى نَفْع مَنْ شَاءَ، وَضَرِّ مَنْ شَاءَ، وذلك أن مَنْ لم يَكُنْ عَلَى النفْعِ وَالضَّرِّ قَادراً لم يَكنْ مَرْجُواً وَلَا مخوْفَا. وفيه إثْبَاتٌ أن الَخْيرَ والشَّرَ مِنْ قِبَلِ الله -جَل وعَز (¬3) - وَقَدْ يَكون مَعْنَاهُ أيْضَاً: أنه يَقْلِبُ الضارَّ بِلَطِيْفِ ¬
حِكْمَتِهِ مَنَافِعَ؛ فَيَشْفِي بِالسُم القَاتِلِ إذَا شَاءَ، كَمَا يُميْتُ بِهِ إذَا شاءَ؛ ليُعلمَ أن الأسْبَابَ إنمَا تَنْفَعُ وَتَضُرُّ إذا اتصَلَتْ المَشِيْئَةُ بِهَا. 94 - النُّورُ: هُوَ الذِي بِنُورِهِ يُبْصِرُ ذو العَمَايَةِ وَبهدَايتهِ يَرْشُدُ (¬1) ذو الغَوَايَةِ وَعَلَى مِثل هَذَا يُتَأوَّلُ، قَوْلُه [جَل وَعَزَّ] (¬2): (اللهُ نُوْرُ السمَوَاتِ والأرْضِ) [النور/35] أي: مِنْهُ نوْرُ السَّمَواتِ وَالأرْضِ. وَلَا يَجُوزُ أنْ يتَوَهَّمَ أنْ الله -تَعَالَى (¬3) - نُوْرٌ مِنَ الأنْوَار، وأنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ فِيْهِ -سُبْحَانَهُ-؛ فَإنَّ النورَ تُضَادُّهْ الظُلْمَةُ، وَتُعَاقِبُهُ فَتُزِيْلُهُ (¬4)، وَتَعَالَى الله (¬5) أنْ يَكُونَ لَهُ ضدٌّ أو ندٌّ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: ذو النورِ، إلا أنهُ لَا يصِح أنْ يَكُونَ النورُ صِفَةَ ذاتٍ لَهُ، كَمَا يَصِح ذَلِكَ مِن اسْمِ السلاَمِ، إذَا قُلْنَاهُ (¬6)، إنهُ ذو السلَامَ. وإنَّما يَكُوْنُ ذَلِكَ صِفَةَ فِعْل عَلَى مَعْنَى إضَافَةِ الفِعْلِ إلَيه إذْ هُو خَالِق النُّورِ وَمُوْجِدُهُ (¬7). 95 - الهَادي: هُوَ الذِي مَن بِهُدَاهُ عَلَى مَنْ أرَادَ مِنْ عِبَاده، فَخَصَّهُ بهدَايَتهِ، وَأكْرَمَهُ بِنُورِ تَوْحِيْدِهِ، كَقوْلهِ [تعالى] (¬8): (وَيَهْدِي ¬
مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْم) [يونس/25] وَهُو الذِي هَدَى سَائِرَ الخَلْقِ مِنَ الحَيْوَانِ إلَى مَصَالِحهَا وَألْهَمهَا كَيْفَ تَطْلُبُ (¬1) الرزْقَ، وَكَيْفَ تَتَّقِي المَضَارَّ، وَالمَهَالِكَ، كَقُوْلهِ [تعالى] (¬2): (الذي أعْطَى كُل شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُم هَدَى) [طه/50]. 96 - البدِيْعُ: هُوَ الذِي خَلَقَ الخَلْقَ، وَفَطَرَهُ مُبْدِعَاً (¬3) لَهُ مُخْتَرِعَاً، لَا عَلَى مِثَالٍ سَبَقَ (¬4)، وَوزْنُهُ فَعِيْلٌ بِمَعْنَى مُفْعِل، كقَوْلكَ (¬5): ألِيْمٌ بِمَعْنَى مُؤْلم. 97 - البَاقِيْ: هُوَ الذِي لاَ تَعْترِضُ عَلَيهِ عَوَارِضُ الزوَالِ وَهُوَ الذِي بَقَاؤه غيرُ مُتَنَاهٍ، وَلَا مَحْدُوْدٍ، وَلَيْسَتْ صِفَةُ بَقَائِهِ وَدوَامِهِ كَبَقَاءِ الجَنةِ والنارِ وَدوَامِهِمَا؛ وَذَلِكَ أن بَقَاءَهُ أزَليٌّ أبَدِيٌّ (¬6) وَبَقَاءُ الجَنةِ وَالنارِ أبَدِيٌّ غير أزَليٍّ، وَمَعْنَى الأزَلِ: مَا لَمَْ يَزَلْ. وَمَعْنَى الأبَدِ: مَا لَا يَزَالُ، وَالجَنةُ والنَارُ مَخْلوقَتَانِ كائِنَتَانِ بَعْدَ أنْ لَم تَكُونَا، فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الأمْرَيْنِ. والله أعْلَمُ. 98 - الوَارِثُ: هُوَ البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ، والمُسْتَرِدُّ أمْلَاكَهُمْ وَمَوارِثَهُم (¬7) بَعْدَ مَوْتِهم، وَلَمْ يَزَلِ الله باقياً مَالِكَاً لأصُولِ الأشْيَاءِ ¬
كُلها، يُوَرِّثُها مَنْ يشاءُ وَيَسْتَخْلِفُ فِيها مَنْ أحَبَّ. [قَالَ أبُو سُلَيمَانَ -رحمه الله-] (¬1) وَأخْبَرَني أبو عُمَرَ عَنْ أبي العَباسِ قَالَ: قَالَ أبو عَمرِو بنُ العَلَاءِ: أوَّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الجَاهِلِيةِ فِي الزهْدِ قَوْل يَزِيْدَ بن خَذَّاق (¬2): هَوِّنْ عَلَيْكَ وَلَا تُولَعْ بِإشفَاقِ ... فَإنما مَالُنَا لِلْوَارِثِ البَاقي [في أبْيَاتٍ أنْشَدَنَاهَا] (¬3). 99 - الرَّشِيْدُ: هُو الذِي أرْشَدَ الخَلْقَ إلَى مَصَالِحهِمْ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى: مُفْعِلٍ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الحَكِيْمِ فِي الرُّشدِ لاِسْتِقَامَةِ تَدْبِيْرِهِ، وإصَابَتِهِ فِي أفْعَالِهِ. 100 - الصَّبُوْرُ: هُوَ الذِي لَا يُعَاجِلُ العُصَاةَ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ بَلْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلَى أجَلٍ مُسَمَّى وَيُمْهِلُهُم لِوَقْتٍ مَعْلُوْم. فَمَعْنَى ¬
الصبورِ فِي صِفَةِ الله -[سبْحَانَهُ] (¬1) - قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الحَلِيم إلا أن الفَرْقَ بَين الأمْرَيْنِ: أنهم لَا يَأمَنُونَ العُقُوْبَةَ فِي صِفَةِ الصبورِ، كمَا يَسْلَمُونَ مِنْهَا فِي صِفَةَ الحَلِيْمِ، -والله أعْلَمُ-[بالصواب] (¬2). قَالَ [الشيْخُ] (¬3) أبُو سُلَيْمَانَ -[رَحِمَهُ اللهُ] (3) - فَهَذَا تَفْسيرُ الأسْمَاء التِسْعَة والتِّسْعينَ التي رَوَاهاْ محمد بْنُ إسْحقَ [بن خزيمة] (¬4) -رَحِمَهُ اللهُ- فِي المأثوْرِ مِنْ طَرِيْقِ شُعَيْبِ بْنِ أبِي حَمْزَة عَنْ أبي الزِّنَادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ. حَدثَنِيْهِ غيرُ وَاحِدٍ مِنْ أصْحَابِنَا مِنْهُم. مُحَمدُ بْنُ الحُسين بْنِ عاصِم. قَالَ: حَدثَنَا مُحَمدُ بْنُ إسْحقَ قَالَ: حَدثَنَا إبْرَاهِيْمُ بْنُ يَعْقُوبَ الجَوْزَجَاني قَالَ: حَدثَني صفْوَانُ بْنُ صَالِح قَالَ: حَدثَنَا الوَليْدُ بْنُ مُسْلِم قَال: حَدثَنَا شُعَيْبٌ، وَحَدثَنِيْهُ أحْمَدُ بنُ إبْرَاهِيْمَ بْن مَالِكٍ، قَالَ: حَدثَنَا الحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدثَنَا صفْوَانُ بْنُ صَالِح مِثلَه سَوَاء. [36] وَقَدْ رَويتُ هَذِهِ الأسْمَاءَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيْرِيْنَ عَنْ أبي ¬
هُرَيْرَةَ بِزِيَادَاتٍ لَيْسَتْ في خَبَر الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ (¬1) أخْبَرَنَا (¬2) ابْنُ الأعْرَابي، قَالَ: حَدثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيْعِ النهْدِيُّ، قَالَ: حَدثَنَا خَالِدُ (¬3) بْنُ مَخْلَدٍ القَطَوانيُّ، قَالَ: حَدثَنَا عَبْدُ العَزِيْز بْنُ الحُصين، قَالَ: حَدثَنَا أيُّوْبُ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ عَنْ أبِي هُرَيْرَة عَنِ النبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إن للهِ تِسْعَة وَتسْعينَ اسْمَاً مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنةَ فَذَكَرَهَا، وَعَدَّ مِنْها: الرَّبُّ -[الحنان] (¬4) المَنّانُ - البَاديِءُ (¬5) - الكَافي- الدَّائِمُ- المَوْلَى- النَّصير- الجَمِيْلُ- الصادِق- المُحِيْطُ (5) - المُبينُ- القَرِيْبُ- الفَاطِر- العَلامُ- المَلِيْكُ- الأكْرَم- المُدَبِّرُ- الوِتْرُ- ذو المَعَارِجِ-[ذُو الطَّوْلِ] (¬6) - ذُو الفَضْلِ. إلا أن رِوَايَةَ عَبْدِ العَزِيْزِ بْنِ الحُصين لَيْس بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيثِ. قَالَ مُحَمد بْنُ إسْمَاعِيْلَ [البخاري] (¬7): عَبْدُ العَزِيْزِ بْنُ الحصين بن التَرجمانِ: لَيْسَ بِالقَوِي عِنْدَهمْ، غيرَ أن أكْثر هَذِهِ الأسْمَاءِ مَذْكوْرَة في القُرْآنِ. فأمَّا الرَبُّ: فَقَدْ رُويَ عَنْ غير وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ التَّفْسير ¬
في قَوْلهِ [تعالى] (¬1): (الحَمْدُ لله رب العَاَلمْينَ) [الفاتحة/1] أن مَعْنَى الرب: السيد. وهَذَا يَسْتَقيمُ إذَا جعَلْنَا (¬2) العَاَلمْينَ مَعْنَاهُ: المُمَيزِيْنَ، دون الجَمَادِ، لأنهُ لَا يَصْلُحُ أنْ يُقالَ: سَيدُ الشجَرِ والجَبَلِ (¬3) وَنَحْوَها، كَمَا يُقَالُ: سَيدُ الناسِ، وَمِنْ هَذا قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (اِرْجِعْ إلَى رَبكَ فَاسْألْهُ مَا بَالُ النسْوَةِ) [يوسف/ 50]. أيْ: إلَى سَيدِكَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشاعِرِ (¬4): بِقَتْلِ بَني مَالِكٍ رَبَّهُمْ ... ألا كُلُّ شيْءٍ سِوَاهُ جللْ يُرِيْدُ سَيدَهُمْ. وَقِيْلَ: إن الرب: المَالِكُ، وَعَلَى هَذَا تَسْتَقِيْمُ الإضَافَةُ عَلَى العُمُوْمِ. وَذهب كَثِيْرٌ مِنْهُمْ إلَى أن اسْمَ العَاْلَمِ يَقَعُ عَلَى جَميْع المُكَونَاتِ. وَاحْتَجُّوا بقَوْلهِ -سُبْحَانَهُ-: (قَالَ فِرْعَوْنُ، وَمَا رَب العاَلمْينَ قَالَ رب السموَاتِ والأرْض وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنْتُم مُوْقِنِين) [الشعراء/ 23 - 24]. وَأمَّا المنَّانُ: فَهُوَ كَثيرُ العَطَاءِ. وَالمَنُّ: العَطَاءُ لِمَن لاَ ¬
تَسْتَثِيْبُهُ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أوْ أمْسِكْ بِغير حِسَابٍ) [ص/39]. وَأما البَادي فَمَعْنَاهُ (¬1): مَعْنَى المبدِي؛ وَهُوَ مَذْكُوْرٌ فِي خَبَرِ أبِي الزِّنَادِ (¬2) يقال: بَدَأ وَأبْدَأ بِمَعْنَى وَاحِدٍ؛ وَهُوَ الذِي ابْتَدَأ الأشْيَاءَ مُخْتَرِعَاً لَهَا مِنْ (¬3) غَيْر أصْلٍ. وَأما الكَافي: فَهُوَ الذي يَكْفِي عِبَادَهُ المُهِم، وَيَدْفَعُ عنهم (¬4) المُلِمَّ؛ وَهُوَ الذِي يُكْتَفَى بِمَعُوْنَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَيُسْتَغنَى بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ. وأما الدَّائِمُ: فَهُوَ المَوْجُودُ لَمْ يَزَلْ، المَوْصُوْفُ بِالبَقَاءِ الذِي (¬5) لَا يَسْتَوْلي عَلَيْهِ الفَنَاءُ. [المولى] (¬6): وَالموْلَى: الناصِرُ: وَالمُعينُ (¬7)، وَكَذلِكَ النصِيْرُ؛ فَعِيْلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَمَا تَقُوْلُ: قَدِيْر وَقَادر، وَعَلِيْم وَعَاِلمٌ. كَقَوْلهِ تَعَالَى: (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكمْ فَنِعْمَ المَوْلى ونعْمَ النصِير) [الحج/78]. ¬
وَالجَمِيْلُ: [هُوَ المُجْمِلُ المُحْسِنُ؛ فَعِيْل بِمَعْنَى مُفْعِلٍ. وَقَدْ يَكُوْن] (¬1) الجَمِيْلُ مَعْنَاهُ: ذو النُّورِ وَالبَهْجَةِ. [37] وَقَدْ رُوِيَ فِي الحَدِيْثِ: "إن الله جَميْلٌ يُحبُّ الجَمال". وَالصادقُ: هُوَ الذِي يَصْدُقُ قَوْلُهُ، ويصْدُقُ وَعْدُهُ. كقَوْلهِ [تعالى] (¬2): (وَمَنْ أصْدَقُ من اللهِ قِيْلا) [النساء/122] وَقَوْلُه [تعالى] (¬3): (الحمدُ لله الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ) [الزمر/74]. [و] (¬4) المُحِيْطُ: هُوَ الذي أحَاطَتْ قُدْرَتُهُ بِجَمِيْع خَلْقِهِ، وَهُوَ الذي أحَاطَ بِكُل شَيْءٍ عِلْمَا، وَأحْصَى كُل شَيْءٍ عَدَدَاً. [و] (4) المُبِيْنُ: هُو البَيِّن أمْرُهُ فِي الوَحْدانيةِ، وَإنه لَا شَرِيْك لَهُ. يُقَالُ: بَانَ الشَيْءُ، وَأبانَ، وَاسْتَبَانَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. [و] (4) القَرِيْبُ: مَعْنَاهُ: أنهُ قريب بعلْمِهِ مِنْ خَلْقِهِ، ¬
قَريبٌ ممنْ يَدْعُوْهُ بِالإجَابَةِ كَقَوْلهِ [تعالى] (¬1): (وَإذَا سَألَكَ عِبَادي عَنيْ فَإني قَرِيْبٌ، أُجِيْبُ دَعْوَةَ الداعِي إذَا دَعَانِي) [البقرة/186]. وَالفَاطِرُ: هُوَ الذِي فَطَرَ الخَلْقَ: أيْ: ابْتَدَأ خَلْقَهُمْ كَقَوْلهِ [تعالى] (¬2): (قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أولَ مَرةٍ) [الإسراء/ 51] وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: فَطَرَ نَابُ البَعِيْرِ، وَهُوَ أولُ مَا يَطْلُعُ. [38] وَأخْبَرني الحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرحِيْمِ، قَالَ: حَدثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدَانَ، قَالَ: قَالَ أبُو رَوْقٍ عَنْ ابْنِ عَباسٍ: (لَمْ أكُنْ أعْلَمُ مَعْنَى "فَاطِر السَموَاتِ والأرض" حَتى اخْتَصَمَ أعْرَابِيَّانِ فِي بِئرٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أنَا فَطَرْتُهَا). يُرِيْدُ أنَا الذي اسْتَحْدَثْتُ حَفرَهَا. [و] (¬3) العلاَّمُ: بِمَنْزِلَةِ العَلِيْمِ، وَبِنَاءُ فَعَّالٍ بِنَاءُ التكْثير. وَقَدْ تَقَدمَ تَفْسيرُ العَلِيْمِ. [و] (3) المَلِيْكُ: هُوَ المَالِكُ، وَبِنَاءُ فَعِيْلٍ لِلْمُبَالَغَةِ في الوَصْفِ، و [قد] (¬4) يَكُوْنُ المَلِيْكُ بِمَعْنَى المَلِكِ كَقَوْلهِ [عز وجل] (¬5): (عِنْدَ مَلِيْكٍ مُقْتَدِر) [القمر/55]. وَالأكرَمُ: هُوَ أكْرَمُ الأكْرَمينَ لاَ يُوَازِيْهِ كريم، وَلَا ¬
يُعَادِلُه فيه نَظِيرٌ. وَقَدْ يَكُوْنُ الأكْرَمُ بِمَعْنَى الكَرِيْمِ كَما جَاءَ: الأعَزُّ، وَالِأطْوَلُ، بِمَعْنَى العَزِيْزِ وَالطويلِ، وَقَدْ تَقَدمَ تَفْسيرُ الكَرِيْمِ فِيْمَا مَضى. وَالمُدبر: هُوَ العَاِلم (¬1) بِأدْبَارِ الأمُوْرِ وَعَوَاقِبِهَا، وَمُقَدِّرُ المَقَادِيْرِ وَمُجْرِيها إلَى غَايَاتِهَا. يُدَبِّرُ الأمُوْرَ بِحِكْمَتِهِ، وَيُصَرِّفُهَا (¬2) عَلَى مَشِيئتهِ. وَالوِتْرُ: هُوَ الفَرْدُ الذِي لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلَا نَظيرُ. وذو المَعَارج: المَعَارِجُ: الدَّرَجُ، وَاحدُهَا مَعْرَجٌ، وَهُوَ المَصْعَد. يُقَالُ: عَرَجَ يَعْرُجُ عُرُوجَاً بِمَعْنَى: صَعِدَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (يُدَبِّرُ [الأمْرَ] مِنَ السمَاءِ إلَى الأرْضِ ثُم يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ ألفَ سَنَةٍ مما تَعُدُّوْنَ) [السجدة/5]. وَهُوَ الذِي يُصعَدُ إلَيْهِ بِأعْمَالِ العِبَادِ، وإلَيْهِ يُصْعَد بِأرْوَاحِ المُؤْمِنينَ. [39] عَلَى مَا جَاءَ فِي الحَدِيْثِ. مِنْ عُرُوْجِ الأرْوَاحِ في المَعَارِجِ، وَهِيَ الطرَائِقُ التي [يُصْعَدُ بِالدَّرَجِ فِيْها] (¬3). وذو الطول [وذو الفضل] (¬4): مَعْنَاهُ أهْلُ الطَّوْلِ ¬
وَالفَضْلِ. وذْو: حَرْفُ النِّسْبَةِ. كَقَوْلهِ (¬1) [تَعَالى] (¬2): (ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامَ) [الرحمن/ 27]. قَالَ أبو سُلَيْمانَ -[رَحِمَهُ اللهُ] (¬3) -: وَمما يَدْعُو بِهِ الناسُ، خَاصُّهُمْ وَعَامُّهُمْ، وَإنْ لم تَثبُتْ بِهِ الروَايَةُ عَنْ رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - قولهم: [الحنَّان والمنَّانُ] (¬4). قوله: الحنان: معناه: ذو الرحْمَةِ والعَطْفِ، والحَنَانُ -[مخففٌ] (¬5) -: الرحمة. قال طرفة (¬6): أبَا مُنْذِرٍ أفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بعضَنا ... حَنانَيْك بعضُ الشرِّ أهْوَنُ مِنْ بَعْضِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُم: (الدَّيَّان): وَهُوَ المُجَازِيْ. يُقَالُ: دِنْتُ الرجُلَ (¬7)؛ إذَا جَزَيْتَهُ، أدِيْنُهُ. والدِّيْنُ: الجَزَاءُ. وَمِنْهُ المَثلُ: (كمَا تَدِيْنُ تُدَان) (¬8) والدَّيَّانُ أيْضَاً: الحَاكِمُ. وَيُقَالُ: مَنْ دَيَّانُ أرْضِكُمْ؟ أيْ: مَنْ الحَاكِمُ بِهَا؟. ¬
[40] وَقَالَ أعْشَى بَنِي مَازِنٍْ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حينَ قَدِمَ عليه: يَا سَيدَ الناس ودَيَّانَ العرب ومما جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الحكامِ فِي تَغْلِيْظِ الأيمَانِ وَتَوْكِيْدِهَا، إذَا حَلَّفُوا الرجُلَ لِخَصْمِهِ، أنْ يَقُوْلُوا: باللهِ الطالِبِ الغَالِبِ المهْلِكِ المدرك (¬1) فِي نَظَائِرِهَا، وَلَيْسَ يَسْتَحِق شَيْءٌ مِنْ هَذِه الأمُوْرِ أنْ يُطْلَقَ في بَاب صِفَاتِ الله -جَل وَعَز- وَأسْمَائِهِ، وإنمَا اسْتَحْسَنُوا ذِكرَهَا فِي الأيمَانِ لِيَقَعَ الرَّدْعُ بِهَا فَتَكُونَ أدنى (¬2) لِلْحَالِفِ أنْ لاَ يَسْتَحِل حَق أخِيْهِ بِيَمِيْن كَاذِبَةٍ لأنه إذَا تُوُعِّدَ بِالطالِبِ والغَالِبِ، استشْعَرَ الخَوْفَ، وَارْتَدَع عَنِ الظلْمِ، إذْ كَانَ يَعْلَمُ أن الله [تعالى] (¬3) سَيُطَالِبُهُ بِحَق أخِيْهِ، وأنه سَيَغْلِبُهُ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْهُ، وَيَقْهَرُهُ عَلَيْهِ. وَإذَا قَالَ: المُهْلِكُ المُدْرِكُ، عَلِمَ أنهُ يُدْرِكهُ إذَا طَلَبَهُ، وَيهلِكهُ إذَا عَاقَبَهُ. وَإنما إضَافَةُ هَذِهِ الأفْعَالِ إلَيْهِ عَلَى مَعْنَى المُجَازَاةِ مِنْهُ لِهَذَا الظاِلم عَلَى مَا يَرْتَكِبُهُ مِنَ الإثمِ، وَعَلَى مَا يَستبِيْحهُ مِنْ حق أخِيْهِ المُسْلِمِ. وَلَو جَازَ أنْ يُعَد ذلِكَ في أسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، لَجَازَ أنْ ¬
يُعَدُّ في أسْمَائِهِ: المُخْزِي، والمضِلُّ؛ لأنهُ (¬1) قَال: (وَأن الله مُخْزِي الكَافِرِيْنَ) [التوبة/2]. وَقَال كَذَلِكَ: (يُضِل اللهُ (¬2) مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِيْ مَنْ يَشَاءُ) [المدثر/31] فَإذَا لَمْ يَصِح أنْ يُدْخَلَ مِثلُ هَذَا فِي صِفَاتِهِ؛ لأنه كَلَامٌ لَم يُرْصَدْ (¬3) لِلْمَدْحِ وَالثنَاءِ بِهِ عَلَيْهِ، لم يَصِح كَذَلِكَ (¬4) أنْ يُعَدَّ مِنْهَا سَائِرُ مَا تَقَدمَ ذِكْرُهُ -والله أعلم-. [قَالَ الشيْخُ] (¬5): ومما (¬6) جَاءَ فِي الحَدِيْثِ مما لَا يُؤْمَنُ وُقوعُ الغَلَطِ فِيهِ: [41] قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَسُبَّنَّ (¬7) أحَدُكمُ الدَّهْرَ، فَإن الله هُوَ ¬
الدَّهْرُ" إذْ لَسْتُ أُبْعِدُ أنْ يَظُن بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ أنَّ الدَّهْرَ مِنْ أسْمَاءِ الله -سُبْحَانَهُ (¬1) -. وَذَلِكَ مَا (¬2) لَا يَجُوزُ، وَلَا يَسُوْغُ تَوَهمُهُ بِحَالٍ. وإنما مَعْنَى هَذَا الكَلَامِ أن أهْلَ الجَاهِلِيَّةِ كَانَ منْ عَادَاتِهم، إذَا أصَابَ الوَاحِدَ مِنْهُمْ مَكْرُوْهٌ، أو نَالَهُ ضَرَرٌ، أوْ نَزَلَتْ بِهِ مُصيْبَةٌ أنْ يُضِيْفَهَا [إلَى الدَّهْرِ] (¬3)؛ فَيَقُوْلُ: (يَا خَيْبَةَ الدَّهْر) [ويا سوءة الدهر] (¬4) وَنَحْوَهَا مِنَ الكَلَامِ، يَسُبُّونَ الدَّهْرَ عَلَى أنهُ الفَاعِلُ لِهَذَهِ الأمُوْرِ وَلَا يَرَوْنَهَا صَادِرَة مِنْ قِبَلِ اللهِ -[جَل وَعَز] (¬5) - وَكَائِنَة بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، فَنَهَاهُم عَنْ هَذَا القَوْلِ وَأعْلَمَهُمْ أن جَميْعَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الله -سُبحَانهُ- وَأنَّ مَصْدَرَهَا مِنْ قِبَلِه وَأنكمْ مَهْمَا سبَبْتُمْ فَاعِلَهَا كَانَ مَرْجِعُ السَّبِّ إلَى اللهِ -سُبْحَانَهُ-[وتعالى] (¬6) وَكَانَ أبو بَكْرِ بْنُ دَاودَ الأصْبَهَاني لَا يَرَى أنْ يُرْوَى هَذَا الحَدِيْثُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَكَانَ يَزْعُمُ أنهُ إنما اخْتَصَرَهُ بَعضُ الرُوَاةِ ثِمنْ (¬7) لَا بَصَرَ لَهُ بِمَعَانِي الكَلَامِ. وَكَانَ يَرْويهِ مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ المُسَيِّبِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ بِزِيَادةِ ألفاظٍ (¬8) مُحْتَمِلَةٍ لِلْتأويلِ (¬9)، وَقَدْ حدثناه أحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيْمَ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوْسَى، قَالَ: حَدثَنَا الحُمَيْدِيُّ، قَالَ: ¬
حَدثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدثَنَا الزهْرِي عَنْ سَعِيْدِ بْنِ المُسَيبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: [42] قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم (¬1) -: "قَالَ الله تَعَالَى: يُؤْذِيْني ابْنُ آدم، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأنَا الدهرُ، بِيَدِي الأمْرُ، أقَلبُ الليْلَ وَالنهارَ"، كَانَ أبو بَكْرٍ يَرْويهِ وَأنَا الدهْرَ، مَفْتُوْحَةَ الراءِ، مَنْصوباً عَلَى الظرْفِ أيْ: أنَا طُولَ الدهْرِ، بِيَدِي اْلأمْرُ، اقلِّبُ الليْلَ والنهَارَ. وَكَانَ يَقُولُ: لو كانَ مَضْمُومَاً لانقلَبَ الدهرُ اسْمَاً مِنْ أسْمَاءِ الله -جلَّ وعزَّ وَعَلا (¬2) -. قُلْتُ (¬3): وَوَجهُ الحَدِيْثِ وَمَعنَاهُ مَا ذَكَرْتُهُ أولاً [والله أعلَمُ] (¬4) وَهَاهُنَا حَرْفٌ يُروَى عَنْ مُجَاهِدٍ، أنَا مُرتَابٌ بصحته (¬5) أبَدَاً- وَهُوَ مَا يُروَى عَنْهُ (¬6) مِنْ قَوْلهِ: [43] "لَا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ جَاءَ رَمَضَانُ، وذَهَبَ رَمَضَانُ فَلَعَلَّهُ ¬
اسْم مِنْ أسْمَاءِ الله" (¬1). حَدثنا ابْنُ السَّماكِ، قَالَ: حَدثَنَا يَحْيىَ بْنُ أبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدثَنَا عَبْدُ الوَهابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ حُمَيْدٍ الأعْرَج عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ذلكَ. وَهَذَا شَيْءٌ لا أعْرِفُ لَهْ وَجْهَاً بِحَالٍ، وأنَا أرْغَبُ عَنْهُ وَلَا أقُولُ بِهِ. ¬
فصل
فصل (*) [قَالَ أبو سليمانَ -رضي الله عنه-] (¬1): وَمِنْ عِلْمِ هَذَا البَابِ، أعني: الأسْمَاءَ والصفَاتِ، ومما يَدْخل في أحْكامِهِ [وَيَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ شَرَائِط] (¬2) أنه لَا يُتَجَاوَز فِيْها التوْقيْفُ وَلَا يُسْتَعْمَل فِيْهَا القِيَاسُ؛ فيلحق بالشيْءِ نَظِيْرُهُ في ظَاهِرِ وَضْعِ اللغة وَمتَعَارَفِ الكَلَامِ، فَالجَوَادُ: لَا يَجُوْز أنْ يُقَاس عَلَيْهِ: السَّخِى وَإنْ كَانَا متَقَارِبين في ظَاهِرِ الكَلَامِ. وَذَلِكَ أن السخِى، لَمْ يَرِدْ بِهِ (¬3) التوْقِيفُ كَما وَرَدَ بالجَوَادِ، ثم إن السخَاوَةَ مَوضوْعَة في بَابِ الرخاوة واللين، يقال: أرْضٌ سَخِية وَسَخَاوِية إذَا كانَ فِيْهَا لين وَرَخَاوَةٌ وَكَذَلِكَ لا يُقَاسُ عَلَيْهِ السَّمْحُ لِمَا يَدْخلُ السَّمَاحَةَ مِنْ معْنَى ¬
اللِّين والسُّهُوْلَةِ. وأما (¬1) الجُوْدُ فَإنما هُوَ سَعَةُ العَطَاءِ مِنْ قَوْلكَ: جَادَ السحَابُ إذَا أمطَرَ فَأغْزَرَ، وَمَطَرٌ جَوْدٌ، و (¬2) فرَسٌ جَوَادٌ؛ إذَا: بَذَلَ مَما فِي وُسْعِهِ مِنَ الجَرْيِ. وَقَدْ جَاءَ في الأسْمَاءِ: "القَوِيُّ" وَلَا (¬3) يُقَاسُ عَلَيْهِ الجلْدُ وإنْ كانَا يَتَقَارَبَانِ في نعُوْتِ الآدميينَ، لأن بَابَ التجلُّدِ يَدْخُلُهُ التْكَلُّفُ والاجْتِهادُ وَلَا يُقَاسُ عَلَى "القَادِرِ" المطُيقُ وَلَا المُسْتَطِيْعُ لأن الطاقَةَ والاسْتِطَاعَةَ إنما تُطلَقَانِ عَلَى مَعْنَى قوةِ البُنيَةِ، وَتَرْكيْبِ الخِلْقَةِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى "الرحِيمِ" الرَّقِيقُ، وإنْ كانَتِ الرَّحْمَةُ في نُعُوتِ الآدميينَ نَوْعَاً مِنْ رِقَّةِ القَلْبِ، وَضَعْفِهِ عَنِ احْتِمَالِ القَسْوَةِ. وَفِي صفَاتِ اللهِ -سبْحَانَهُ (¬4) -: "الحَلِيمُ" وَ "الصَّبُوْرُ" فَلَا يَجُوْزُ أنْ يُقَاس عَلَيْهَا الوَقُوْرُ والرَّزِينُ. وَفِي أسمَائِهِ "العَلِيْمُ" وَمِنْ صِفَتِهِ العِلْم؛ فَلَا يَجُوزُ قياسه (¬5) عليه أن يسمى "عارفاً" لما تقتضيه المعرفة من تقديمِ الأسبابِ التي بِهَا يُتَوَصَّلُ (¬6) إلَى عِلْمِ الشيْءِ. وَكَذَلِكَ لَا يُوْصَفُ بِالعَاقِلِ. وَهَذَا ¬
البَابُ يَجبُ أنْ يُراعَى، وَلَا يُغْفَلَ، فَإن عَائِدَتَهُ عَظِيْمَة، وَالجَهْلُ بِهِ ضَارٌّ [وباللهِ التوْفيْق] (¬1). [وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيراً] (¬2). ¬
بسم الله الرحمن الرحيم [قَالَ الشيخ] (¬1): فَهَذَا (¬2) مَا حَضَرَنِي في تَفْسير الأسماء وَمَعَانِيهَا، وَنَحْنُ نُتْبِعُهُ (¬3) الآنَ: تَفْسِيرَ الدَّعَوَاتِ المأثوْرَةِ فَصْلاً فَصْلاً عَلى نَظْمِ الكِتَابِ وَتَرْتِيْبِهِ، بِعَوْنِ الله وَتَوْفيْقِهِ، [إن شاء الله، وهو المستعان] (¬4). ¬
من باب ما يقول إذا أصبح
مِنْ بَابِ مَا يَقُوْلُ إذَا أصبَحَ [44] [قال] (¬1): إذَا أصْبَحْتَ فَقُلْ: "الحَمْد لله الذِي أحْيَانَا بَعْدَمَا أمَاتَنَا وَإلَيْهِ النُّشُوْرُ" قَالَ الشيْخُ (¬2): مَعْنَى قَوْلهِ (¬3) [- صلى الله عليه وسلم -] (¬4): "أحْيَانَا بَعْدَمَا أمَاتَنَا" مَعَ إحَاطَةِ العِلْمِ مِنا أن الحَيَاةَ في حَالَتَيْ اليَقَظَةِ وَالنوْمِ قَائمةٌ غيرُ زَائلةٍ، هُوَ أنهُ جَعَلَ النوْمَ الذِي يَكوْن مَعَهُ زَوَالُ العَقلِ، وَسُكْوُنُ الحَرَكَاتِ بِمَنْزلَةِ المَوْتِ الذِي يَكُوْنُ بِهِ عَدَمُهَا وَبُطلَانُهَا، وَهَذَا (¬5) عَلَى سَبِيْل التشْبِيْهِ، والتمْثِيْلِ لَا عَلَى وَجْهِ التحقيقِ. وَقَالَ بَعْضُ أهْلِ اللغة أصْلُ المَوْتِ فِي الكَلَامِ السُّكُوْنُ ¬
يُقَالُ: مَاتَتِ الريْحُ إذَا رَكَدَتْ، وَأنْشَدَ (¬1): يَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَمُوْتُ .. الريْحُ فَأسْكُنُ اليَوْمَ وَأسْتَرِيْحُ ثُمَ عَقبَهُ (¬2) بِقَوْلهِ [- صلى الله عليه وسلم -] (¬3): "وَإلَيْهِ النشُورُ" لِيَدُلَّ بِإعَادَةِ اليَقَظَةِ بَعْدَ النوْمِ عَلى إثْبَاتِ البَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ. وَالنشُوْرُ مَصْدَرٌ، يُقَالُ: أنشَرَ الله المَيْتَ [إنشاراً: إذا أحياه، فَنَشَرَ الميتُ] (¬4) نُشُوْرَا، فَهُوَ نَاشِرٌ بِلَفْظِ فَاعِلٍ. قَالَ الأعْشَى (¬5): حَتى تَقُوْلَ (¬6) الناسُ مما رَأوْا ... يَا عَجَبَا لِلْمَيتِ الناشِرِ [45] [وقوله] (¬7): [وَأصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، وَكَلِمَةِ الإخْلَاصِ، وَعَلَى ديْنِ نَبِينَا محمد - صلى الله عليه وسلم -: مَعْنَى الفِطْرَةِ: ابْتِدَاءُ ¬
الخِلْقَةِ، وَهِي إشارة إلى كَلِمةِ التوْحِيْد حِيْنَ أخذَ اللهُ العَهْدُ مِنْ ذريةِ آدمَ، [فقال] (¬1): (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى] [الأعراف/172] وَقَدْ تَكُوْنُ الفِطْرَةُ بِمَعْنَى السُّنةِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ [- صلى الله عليه وسلم -] (1): [46] "عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ فَذَكَر السِّوَاكَ وَالمَضْمَضَةَ وَأخوَاتِها" (¬2)] (¬3). [47] وَقَوْلُه [- صلى الله عليه وسلم -] (¬4): "نَسْألكَ مِنْ خير هَذَا اليَوْمِ وَخير مَا ¬
قَبْلَهُ وَخير مَا بَعْدَه وَنَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذَا اليَوْمِ وَشَرِّ مَا قَبْلَهُ وَشَرِّ مَا بَعْدَهُ". قَدْ (¬1) يُسألُ عَنْ هَذَا فَيُقَالُ: مَا مَعْنَى اسْتِعَاذَتِهِ مِنْ سُوْءِ (¬2) زَمَانٍ قَدْ مَضَى وَقْتُهُ وَتَقضَّى (¬3) حكْمُهُ؟ وَالمَعْنَى: أنهُ طَلَبَ عَفْوَ اللهِ عَنْ ذَنْب كَانَ [قد] (¬4) قَارَفهُ في أمْسِهِ. وَالوَقْتُ -وإنْ كَانَ قَدْ مَضَى- فَإن تَبِعَتَهُ بَاقِيَةٌ. وَمَعْنَى مَسْألَتِهِ خَيْرَ مَا قَبْلَهُ: قبُولُ الحَسَنَةِ التي كَانَ قَدمَهَا في أمْسِهِ. والزمَانُ -وَإنْ كَانَ فَائِتَاً- فَإن الحَسَنَةَ التي عَمِلَهَا فِيْهِ مَوْجُوْدة وَبَرَكَتُهَا مَرْجُوَّةٌ (¬5) وَالخَيْرُ وَالشرُّ لَا يَتَعَلَّقَانِ بِأعْيَانِ الأيامِ، وإنما أُضِيْفَا إلَيْها عَلَى مَعْنَى أنهَا أوْقَاتٌ وَظُرُوْفٌ لَهُمَا يُوْجَدَانِ فِيهَا بِكَسْبِ الفَاعِلِيْنَ لَهُمَا (¬6). [48] وَقَوْلُهُ: "وَأعُوْذُ بِكَ مِنَ الكَسَل وَالهَرَمِ، وسُوءِ الكبَرِ"؛ ¬
الكَسَلُ: خَصْلَةٌ ذَمِيْمَةٌ تَصُدُّ عَنِ الحُقُوْقِ، وتحرِمُ صَاحِبَها خيرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَهُوَ عَدَمُ انْبِعَاثِ النفْسِ لِلْخير، وَقِلَّةُ الرَّغْبَةِ فِيْهِ مَعَ وُجُودِ الاِسْتِطَاعَةِ لَهُ. وَالعَجْزُ: عَدَمُ القوةِ والاسْتِطَاعَةِ لَهُ (¬1)، والعَاجِزُ مَعْذُوْرٌ، وَالكَسْلَانُ غَيْرُ مَعْذُوْرٍ. [49] وَأخْبَرَنِي (¬2) أبو محمد [أحْمَدُ بْنُ محمدٍ] (¬3) الكُرَانيُّ، قَالَ: ¬
حَدثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُسَيِّب (¬1)، قَالَ: حَدثَنَا زَكَرَيا بْنُ يحيىَ المِنْقَرِي، قَالَ: حَدثَنَا الأصْمَعِي، قَالَ: قَالَ الأحْنَفُ بْنُ قَيْس: "إياكَ وَالكَسَلَ والضَّجَرَ؛ فَإنكَ إنْ كسِلْتَ. لَمْ تَطْلُبْ حَقَّاً وَإنْ ضجِرْتَ لَمْ تُؤَدِّ حَقَّاً". وَأما سُوْءُ الكِبَرِ فَإنما اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنْ آفَاتِ (¬2) طُولِ العُمْرِ، وَمَا يَجْلِبُهُ الكِبَرُ مِنَ الخَرَفِ، وَذهَابِ العَقْلِ وَضَعْفِ القُوَى. [50] وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النبِي - صلى الله عليه وسلم - أنهُ قَالَ: "مَا أنْزَلَ الله ¬
[من] دَاءٍ إلا جَعَلَ لَهُ دوَاء إلا الهَرَمَ"، فَجَعَلَ الهَرَمَ [دَاءَ مَنْ لَا دوَاءَ لَهُ] (¬1). [51] [قَالَ أبو سُلَيْمَانَ] (¬2): وَأخْبَرَني (¬3) إبْرَاهِيْم بْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ العَنْبَرِي، قَالَ: حَدثني ابْنُ أبِي قُمَاشٍ، قَالَ: حَدثَنَا ابْن عَائِشَةَ، قَالَ: حَدثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ لَمْ يَكُن لاِبْنِ آدمَ إلا السَلاَمَةُ والصحةُ لَكَانَ كَفِى بهما دَاءً قَاضِياً" قَالَ ابن (¬4) عَائِشَة: فحدثتُ بِهِ (¬5) أبي فَقَالَ: يَا بُني مَاَ عَلِمْتُ أن في هَذَا خَبَراً، وَإنما كُنْتُ أعْرِفُ فِيْهِ قَوْلَ حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ (¬6): أرَى بَصَرِي قدْ رَابَني بَعْدَ صِحَّةٍ ... وَحَسْبُكَ داءَ أنْ تَصِحَّ وَتَسْلَمَا ¬
وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُم: مِنْ سُوْءِ الكِبْرِ، سَاكنَةُ البَاءِ. مِنْ كِبْرِ النَّخْوَة. والصَّوَابُ هُوَ الأوَّلُ (¬1). [52] وَقَوْلُهُ: "أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَشَرِّ الشيْطَانِ وَشِرْكِهِ" يُرْوَى هَذَا عَلَى وَجْهين. أحَدُهُمَا: الشِرْكُ، بِكَسْرِ الشْين وَسُكْونِ الرَّاءِ، وَمَعْنَاهُ: مَا يَدْعُو إلَيْهِ الشيْطَانُ وُيوَسْوِسُ بِهِ مِن الإشْرَاكِ بِاللهِ -سُبْحَانَهُ-. وَالوَجْهُ الآخَرُ: وَشَرَكِهِ، بِفَتْحِ الشْين والرَّاءِ، يُرِيْدُ: حَبَائِلَ الشيْطَانِ وَمَصَايده. ¬
[53] [وقوله] (¬1): "وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ" يَحْتَمِلُ وَجْهين مُخْتَلِفَيْ المَحَلَّيْن. أحَدُهُمَا: إني مُقِيْمٌ عَلَى مَا عَاهَدْتُكَ عَلَيْهِ مِنَ الإيمَانِ بِكَ والاعْتِقَادِ لِوَحْدَانِيتِكَ لَا أزُوْلُ عَنْهُ مَا اسْتَطَعْتُ، وإنما اسْتثنَى بِقَوْلهِ: مَا اسْتَطَعْتُ مَوْضِعَ القَدَرِ السَّابِقِ في أمره (¬2)، يَقُولُ: إنْ كَانَ قَدْ تَقَدمَ القَدَرُ فِي أمْرِي، وَجَرَى القَضَاءُ بِأني انْقُضُ العَهْدَ يَوْمَاً مَا، وَأزوْلُ عَنْهُ فَإني (¬3) أفْزَعُ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى التنَصُّلِ، والاعْتِذَارِ بِعَدَمِ الاسْتِطَاعَةِ لِدَفْعِ مَا قَضيْتَهُ عَلَيَّ وَالامْتِنَاعِ مِنْ وُقوْعِهِ بِي (¬4). والوَجْهُ الآخَرُ: أنْ يَكُوْنَ مَعْنَاه: إني متمسكٌ بِمَا عَهِدْتهُ (¬5) إليَّ مِنْ أمْرِكَ، وَنَهْيِكَ، ومُبْلٍ العُذْرَ (¬6) فِي الوَفَاءِ بِهِ قَدْرَ الوُسْعِ، ¬
والاسْتِطَاعَةِ، وإنْ كُنْتُ لاَ أبْلُغُ كُنْهَ الوَاجِبِ مِنْ حَقكَ وَلاَ أفي بِمَا يَلْزَمُني مِنْ مَوَاجِبِ (¬1) طَاعَتِكَ. وَنَظيرُ هَذَا. [18 مِكرر] قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "استقِيْمُوا وَلَنْ تُحْصُوا" أيْ: لَنْ تُطِيْقُوا (¬2) كُلَّ الاسْتِقَامَةِ. أيْ: فَاجْتَهِدُوا وَأبْلُوا العُذْرَ فيما تُطِيْقُوْنَ مِنْهَا. [54] وَقَوْلُهُ [- صلى الله عليه وسلم -] (¬3): "أبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأبوء بِذَنْبِيْ" مَعْنَاهُ: التِزَامُ المِنَّةِ بِحَق النعْمَةِ والاعْتِرَافُ بالتقْصير في شُكْرِهَا وَاحْتِمَال اللاَّئِمَةِ فِيْهِ، وَأصْلُهُ مِنْ قَوْلكَ: بُؤْتُ بِكَذَا، إذَا احْتَمَلْتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الله (¬4) -سبْحَانَهُ-: (فَبَاؤُوْا بِغَضَب مِنَ اللهِ) [آل عمران/112] قَالَ [بَعْضُ] (¬5) أهْلِ التفْسير، [مَعْنَاهُ] (5): احْتَمَلُوْهُ وَرَجَعُوْا بِهِ. [55] وَقَوْلُهُ (¬6): "اللهم احْفَظْني مِنْ بين يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَميْنيِ وَعَن شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وأعُوْذُ بِعَظَمتِكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ ¬
تَحْتي" أقْسَامُ الجِهَاتِ سِتة وَكُلهَا سُبُل لِلآفَاتِ، وَطُرُق لَهَا لَا يُؤمَنُ وُرُوْدُها مِنْهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غير وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ التفْسير فِي قَوْلِهِ -جَل وعز-: (ثم لآتِيَنهُم مِنْ بِين أيْدِيْهم [ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف/17] قالوا: "من بين أيديهم"] (¬1): الدنيا. "وَمِنْ خَلْفِهِمْ": الآخِرة. "وَعَنْ أيْمَانِهم": الحَسَنَاتُ. "وَعَن شَمَائِلهِم": السيئَات. وَالمَعْنَى: أنه يُزَيِّنُ: لَهُمْ الدنيا، وَيُثَبِّطُهُم عَنِ الآخِرَةِ، وَيَصُدُّهُم عَنِ الحَسَنَاتِ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى السيئَاتِ. وأما جِهَةُ فَوْق: فَمِنْهَا يَنْزِلُ البَلاَءُ، والعَذَابُ والصَّوَاعِقُ. وَمِنْ تَحْتُ: تَقَعُ الزلَازِلُ (¬2) وَالخَسْفُ، وَقَدْ يَكُوْنُ مَعْنَاهُ: أنْ يُستَدْرَجَ، فَيُؤْتَى مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ؛ فَيُغْتَالُ، وَيَهْلِكُ. [56] وَأخْبَرَنِي أبو عُمَرَ (¬3) عَنْ أبي العَباسِ أحْمَدَ بْن يَحْيىَ، قَالَ: العَرَبُ تَقُوْلَُ: "اللهم وَاقِيَةً كَوَاقِيَةِ الوَليْدِ". قَالَ: وَذَلِكَ أن الصَّبِيَّ قَدْ يَتَعَرَّضُ لِلآفَاتِ فَيَقِيْهِ الله، وَيَحْفَظُهُ مِنْ غَيْر حَذَرٍ وَلَا اتِّقَاءٍ. ¬
[57] وَحدَّثَني فِي إسْنَادٍ لَهُ أن بَعْضَ الأنبِيَاءِ -صَلَوات الله عَلَيهم- كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللهم احفَظْني حِفْظَ الصبي" وَهَذَا قَدْ يَكُوْنُ مِنَ الوَجهِ الذِي ذَكَرنَاهُ، وَهُوَ مَا يَحْدُثُ عَلَيْهِ فِي الدْنيَا مِنْ آفَاتِهَا. وَقَد يُتَأوَّلُ (¬1) أيضَاً عَلَى مَعْنَى طَلَبِ العِصمَةِ وَأنْ يُحْفَظَ مِنَ الذنُوْبِ كَمَا حُفِظَ الصبي؛ فَلَم يُكْتَبْ عَلَيهِ ذَنْبٌ. والاغْتِيَالُ: أنْ يُؤْتى المَرْءُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ وَأنْ يُدْهَى بمَكرُوهٍ لم يَرْتَقِبْهُ، وَيُقَالُ: قُتِلَ فُلَانٌ غِيْلَةً إذَا ظُفِرَ بِهِ في حَالِ غِرَّةٍ، وأوَانِ غَفلَةٍ فَقُتِلَ. وَأصْلُ هَذَا مِنَ الغُوْلِ، الذي (¬2) يُقَالُ: إنهَا تَغُولُ الناسَ، وَتَضِلْهُم، وَيُقَالُ: الخَمْر غُولُ العَقْلِ؛ وَذَلِكَ أنهَا تُذْهِبُ العَقْلَ، وَمِنْ هَذَا قولُهُم: غَالَتْ فُلَانَاً غَائِلَة إذَا أصَابَتْهُ دَاهِيَةٌ قَالَ ذو الرُّمَّةِ (¬3): فأيقَنَ (¬4) قَلْبِي أنني لَاحِقٌ أبي ... وَغَائِلَتيْ غُوْلُ الرّجَالِ الأوَائِلِ يُرِيدُ المَوْتَ. [58] و (¬5) قوله: "اللْهُم عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللهم عَافِنَي فِي ¬
بَصَرِي. لَا إلهَ إلا أنْتَ" قَدْ (¬1) تَكُوْنُ العَافِيَةُ فِي السَّمْعِ وَالبَصَرِ بِأنْ يَسْلَمَا مِنَ الآفَاتِ، كَالصَّمَم (¬2) وَالعَمَى، وَالرَّمَدِ والأوْجَاعِ، [وتَكُونُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ مما يَسُوءُ السَّامِعَ لَهُ والنَّاظِرَ إلَيْه، وَقَدْ] (¬3) تَكُونُ بَمَعْنَى العِصْمَةِ مِنَ المآثِمِ فَلَا يَنْظُرُ بِعَيْنِهِ (¬4) إلَى محظُوْرٍ وَلَا يُصْغِي بِأذُنِهِ (4) إلَى مَكْرُوْهٍ. [59] وَقَوْلُهُ: "لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ". لَبَّيْكَ: كَلِمةٌ ¬
مَعْنَاهَا سُرْعَةُ الإجَابَةِ، وإظْهَارُ الطاعَةِ. وَقَالَ النحَويُّونَ: أصلُهُ مَأخُوْذ مِنْ لَبَّ الرجُل بِالمَكانِ، وَألَبَّ بِهِ، إذَا لَزِمَه وَأقَامَ بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشاعِرِ (¬1): لَبَّ بأرْضٍ ما تَخَطَّاهَا الغَنَمْ (¬2) أيْ: أقَامَ بِهَا. وَأخْبَرَنِي ابْنُ مَالِك، قَالَ: أخْبَرَنَا محمد بنُ إبراهِيْم بن سَعِيْدٍ العَبْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَائِشَة يَقُوْلُ: دَعَا أعرَابيٌّ غُلَامَاً لَهُ فَأبْطَأ فِي الإجَابَةِ، ثُم قَالَ: لَبَّيْكَ. فَقَالَ: لبَّ ¬
عَمودٌ (¬1) جَنْبَيْك. دَعَا عَلَيْهِ بِأنْ يُضْربَ عَلَى جَنْبَيْهِ فَيَلْزَمَهما (¬2) العَمُوْدُ (¬3) بِالضرْبِ، قَالُوا: وَكَانَ الأصْلُ فِي لَبَّى لَبَّبَ (¬4) فَأبْدَلُوا مِنْ إحْدَى البَاءَاتِ ياءً طَلَبَاً لِلخِفَّةِ كَما قَالُوا: تَقضَّى [البَازِي] (5) [الطائر] (¬5) مِنْ تقضَّضَ. وتظني مِنْ تَظَنَّنَ (¬6). كَقوْلِ النابِغَةِ: قَوافٍ كالسَّلامِ إذَا اسْتَمَرَّتْ ... فَلَيْسَ يَرُدُّ مَذْهَبَهَا التَّظَنِّي قَالُوا: وَمَعْنَى التَّثْنِيَةِ (4) فِيْهِ: التَّوْكِيْدُ، كَأنه قَالَ: إلْبَابَاً بِبَابِكَ بَعْدَ إلْبَاب، وَلُزُوْمَاً لِطَاعَتِكَ بَعْدَ لُزُوْم، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَسَعْدَيْك، مَعْنَاهُ: إسعَادَاً بَعْدَ إسْعَادٍ وَطَاعَةً لَكَ بَعْدَ طَاعَةٍ. كَمَا قَالُوا: حَنَانَيْكَ، أيْ: تَحَنُّنَاً بَعْدَ تَحَنُّنٍ. وهذَا ذَيْكَ، أيْ: هَذَّاً بعد هَذٍّ (¬7) وَأصْلُ الهَذِّ: الإسْرَاعُ. [60] وَقَوْلُهُ: "اللهم مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ أوْ حَلَفْتُ مِن حَلْفٍ أو ¬
نَذرْتُ مِنْ نَذْرٍ فَمَشِيْئَتَكَ بينَ يَديْ ذَلِكَ كُلِّه". الصوابُ: أن تَنْصِبَ المَشِيْئَةَ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ، كَأنهُ قَالَ: فَإني أقَدِّمُ مَشِيْئَتَكَ فِي ذَلِكَ [كله] (¬1) وَأنوِيْ الاسْتثنَاءَ فِيْهِ طَرْحَاً لِلْحَنَثِ عَني عِنْدُ وقُوْعِ الخُلْفِ. وَفِيْهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذهب مَذْهَبَ المَكِّيينَ في جَوَازِ الاسْتثنَاءِ مُنْفَصِلاً عَنِ اليَمين. ومما يَحْتَجُّوْنَ بِهِ فِي ذَلِكَ. [61] حَدِيْثُ ابْنِ عَباس قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَالله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشَاً، وَالله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشَاً، وَالله لأغْزُوَنَّ قُرَيْشَاً". ثُم سَكَتَ سَاعَة ثُم قَالَ: "إنْ شَاءَ اللهُ". أخْبَرنَاهُ ابْنُ الأعْرَابي. قَالَ: حَدثَنَا الحَسَنُ (¬2) بُنْ مُكْرَم، قَالَ: حَدثَنَا الحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَذثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْب عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَباسٍ. وَمَنْ رَوَاهُ، بِضَمِّ المَشِيْئَةِ كَانَ مَعْنَاه الاعْتِذَارُ بِسَابِقِ الأقْدَارِ العَائِقَةِ عَنِ الوَفَاءِ بِمَا ألزَمَهُ نَفْسَهُ مِنْهَا وَفِيْهِ طَرَفٌ مِن مَذْهَبِ الجَبْرِ، وَالأولُ ¬
أحْسَنُ وَأصْوَبُ. وَالله [تَعَالى] (¬1) أعْلَمُ. [62] وَقُوْلُه: "اللهم مَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلَاةٍ فَعَلى مَنْ صَلَّيْتَ، وَمَا لَعَنْتُ [من لَعنة] (¬2) فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ". [و] (¬3) الوَجْهُ أنْ تَرْفَعَ التاءَ مِنْ "صَلَّيْتُ" وَمِنْ "لَعَنْتُ " في الأولِ وَأنْ تَنْصِبَهَا مِنْهُما (¬4) فِي الآخِرِ، والمَعْنَى كَأنهُ يَقُوْلُ: اللهم اصْرِفْ صَلاَتِي وَدُعَائِي إلَى مَنْ أحْقَقْتَهُ لِصَلَاتِكَ، وَرَحْمَتِكَ، وَاجْعَلْ لَعْنِي (¬5) عَلَى مَنِ اسْتَحَقَّ اللَّعْنَ عِنْدَكَ، واسْتَوْجَبَ الطَّرْدَ والإيْعَادَ (¬6) فِي حُكْمِكَ، وَلَا تُؤَاخِذْنيْ بِالخَطَأِ مِني فِي وَضْعِهِمَا غَيْرَ مَوْضِعِهِمَا، وَإحْلَالِهمَا فِي غير مَحَلِّهِمَا. وهُوَ (¬7) إنما يصحُّ عَلَى هَذَا التأوْيل إذَا كَانَ قَدْ سبقَتْ منْهُ صَلَاةٌ، أوْ بَدَرَ مِنْهُ لَعْنٌ لِغير المُسْتَحِقيْن (¬8)، وقَدْ يَحْتَمِلُ أنْ يَكوْنَ إنما دَعَا بِالتوفيقِ وَاشْتَرَطَ في مَسْألَتِهِ العِصْمةَ؛ لأنْ لَا يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ ثَنَاءٌ إلا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الثنَاءَ مِنْ أوْليَائِهِ، وَلَا ذَمٌّ إلا لِمَنْ يَسْتَحِقهُ (¬9) مِنْ ¬
أعْدَائهِ، كَأنهُ يَقُوْلُ: اللهم احْفَظْني (¬1) حَتى لَا أوَالِيَ إلا أوْليَاءَكَ، وَلَا أعَاديَ إلا أعْدَاءَكَ. فَالوَجْهُ (¬2) الأول إنما يَنْصَرِفُ إلَى المَاضِي، و [الوجه] (¬3) الآخَرُ إلَى المُسْتَقْبَلِ. وَالله أعْلَمُ. [63] وَقَوْلهُ: "اللهم إني أسْألُكَ الرِضَى بَعْدَ [نُزُوْل] (¬4) القَضَاءِ، وبرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ" إنما سَألَ الرضَى بَعْد نزُولِ القَضَاءِ بِه لأن الرِّضَى قَبْل ذَلِكَ دَعْوَى مِنَ العَبْد، وَإنما يَتَحَققُ ذَلِكَ عِنْدَ وُقوْعِ القَضَاءِ بِهِ (¬5)، وَوُرُوْدِ كَرَاهَتِه عَلَيْهِ، سَألَ الله [تعالى] (¬6) التثبيت لَهُ، وَتَوْطين النفسِ عَلَيْهِ. وبَرْدُ العَيْشِ: خَفْضهُ، وَنِعْمَتُهُ. وَأصْلُ البَرْدِ فِي الكَلَامِ: السُّهُوْلَة. وَمِنهُ: ¬
[64] قَوْل النبِي - صلى الله عليه وسلم -: [(¬1) "الصَّوْم في الشتَاءِ الغَنِيْمَة البَارِدة" أيْ: السَّهْلَةُ. وَقَالَ بَعْضُهمْ: إنمَا قِيْلَ لَهَُ: الغَنِيْمَةُ البَارِدَةُ؛ لأنْهُ لم يُشهَدْ فِيْهِ (¬2) حَرُّ قِتَالٍ. وَقيْلَ: لأن حَرَّةَ (¬3) العَطَشِ لَا تَنَالُ ¬
الصَّائِمَ فِيْه. قَالَ الشاعِرُ (¬1): قَلِيْلَةُ لَحْمِ الناظِرَيْنِ يَزِيْنُهَا ... شَبَابٌ وَمَخْفُوْضٌ مِنَ العَيْشِ بَارِدُ أيْ: نَاعِمٌ سَهْلٌ. [65] وَقَوْلُهُ عِنْدَ سَمَاعِ الأذَانِ: "اللهم رب هَذِه الدّعْوَةِ التامةِ وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمدَاً الوَسِيْلَةَ وَالفَضِيْلَةَ، وَابْعَثهُ المَقَامَ المَحْموْدَ الذي (¬2) وَعَدْتَهُ". [66] قَالَ: وَقَالَ [النبِيُّ] (¬3)، - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلى عَلَيَّ صَلاَة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرَاً". ¬
قَالَ [الشَيْخُ] (¬1) أبو سُلَيْمَانَ: إنما وَصَفَ هَذِهِ الدعْوَةَ بِالتمَامِ لأنهَا ذِكرُ الله [تعالى] (1) يُدْعَا بِهَا إلَى طَاعَةِ الله، وَعِبَادَتِهِ، وَهَذهِ (¬2) الأمُورُ هِيَ (¬3) التي تَسْتَحِقْ صِفَةَ الكَمَالِ، وَالتمَامِ وَمَا سِوَاهَا مِنْ أمُوْرِ الدنْيَا فَإنهَا بِعَرْضِ النقْضِ وَالفَسَادِ، وَكَانَتْ دَعَوَاتُهُمْ فِي الجَاهِلِيةِ إنما هِيَ دَعْوَى القَبَائِلِ، كقَوْلهم: يا لَبَكْرٍ (¬4) ويَا آلَ خِنْدِفَ، أوْ دَعْوَةَ نَعِيٍّ [وَنُدْبَةٍ] (¬5)، كقَوْلهِم عِنْدَ مَوْتِ الرجُلِ الشرِيْفِ مِنْهُمْ: يَا نَعَاءِ فُلَانَا، ويا فُلَانَاهُ، أوْ دَعْوَةً إلَى طَعَامٍ وَنَحْوِه. وَكُل هَذِهِ الأمُوْرِ لَا تَخْلُو مِنْ آفَةٍ (¬6) أوْ نَقْصٍ يَدْخُلُها، وَدَعْوَةُ الأذَانِ إنما شُرِعَتْ فِي الإسْلَام لإقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ -جل وعز (¬7) - فَوَصَفها بالتَّمامِ تَحْرِيْضَاً علَيْهَا، وَتَرْغِيْبَاً فِيْها، وَصَرْفاً لِلْوُجُوْهِ إلَيْهَا. وَالله أعلَمُ. وَنَظيرُ هَذَا [67] قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "أعُوْذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ كُلِّهَا مِنْ شرِّ ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
مَا خَلَقَ، وَذَرَأ، وبرأ" فَوَصَفَهَا بالتَّمامِ؛ إذْ لَا يَجُوْزُ [أنْ يَكُونَ] (¬1) في شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ عَيْبٌ، أوْ نَقْصٌ، كَمَا يَكُوْن ذَلِكَ فِي كَلَامِ الآدميين. وَقِيْلَ فِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أن كُل كَلِمَةٍ كَانَتْ عَلَى حَرْفين؛ فَإنهَا عِنْدَهم نَاقِصَة، وَالتامةُ مِنْهَا مَا كَانَ أقَلُّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أحْرُفٍ، وَقَدْ أخْبَرَ الله -سُبْحَانَهُ- أنهُ إذَا أرَادَ أمْرَاً قال له: (كُنْ فَيكوُن) [يس/82]. وَكَلِمَةُ (كُنْ) نَاقِصَةٌ فِي الهِجَاءِ: فَنَفَى - صلى الله عليه وسلم (¬2) - النقْصَ عَنْ كَلِمَاتِ الله قَطْعَاً لِلأوْهَامِ. ¬
نسخة الشيخ: قال أبو سليمان أحمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله] (¬1): واعلمْ أن حُكْمَ كَلامِهِ. ْ [(¬2) خلافُ حُكْمِ كلامِ بني آدمَ، وإن نَقْصَ الهِجَاءِ [في الكِتابةِ] (¬3) لا يسلُبُهُ صفةَ الكمالِ والتمام، وقيل: إن معنى التمامِ فيها أنها تنفعُ المتعوذَ بها، وتشفيهِ، وَتحفظُة [من الآفات] (¬4)، وتكفيهِ. وكان أحمد بن حنبل -رحمه الله- يستدلُّ بهِ على أن القرآنَ غيرُ مخلوقٍ، قال (¬5): وذلك لأنهُ ما مِنْ مخلوقٍ إلا وفيهِ نقصٌ. وأما الوَسِيْلَةُ: فَقَد [68] رُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: "هي درجةٌ ¬
في الجنَّةِ لا يَنالُها عبدٌ غِيْرِي". وقيلَ في "المقام المحمود": إنه الشفاعةُ. وأمَّا قَوْلُهُ [66 مكرر]- صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صلى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليهِ عَشْراً" فإن هذهِ فَضِيلةٌ عظيمةٌ، ومرتبة في الاختصاص والاصطفاء جليلة، وهو مشبهٌ في عُرْفِ أهل الدنيا وعاداتهم بالرَّجلِ يكونُ لهُ الحميمُ والصَّديقُ، قَدْ غابَ عنهُ، فيذكُرُهُ بَعْضُ مَنْ يحضرُهُ بالجميلِ مِنَ القولِ فيردُّ عليهِ صاحبهُ جَميلاً، ويُضاعِفُ الثَّناءَ عليهِ مجازاةً لهُ ونيابةً في الشكْر عَنْهُ" (¬1). ¬
بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخُ الحافظُ أبو مُسلمٍ عمرُ بن عليٍّ اللَّيثي البخاري بقراءتي عليه، قلتُ: أخْبَرَكُمْ الشيخُ أبو القاسِمِ عبدُ الوَهَّابِ بن محمدِ بنِ مُحَمدٍ الخطابيُّ قراءةً عليه، قَال: قَالَ أبو سليمانَ الخطابي] (¬1): [69] [و] (¬2) قولُهُ: عندَ دُخُولِ الخَلَاءِ: "اللَّهُمَ إني أعوذُ بِكَ مِنَ الخبثِ والخَبائِثِ"، الخُبُثُ -مضمومةَ الباءِ- جمع الخبيثِ. والخبائث: جمعُ الخبيثةِ، يريدُ: [بِهِ] (¬3) ذكرَان (3) الشياطِين وإنَاثَهُمْ. وعَامَّة أصحابِ الحديثِ يَقُولونَ: الخبثُ -سَاكنَةُ الباءِ- وَضَمُّهَا أصْوَبُ عَلى ما فَسَّرنَاهُ. وَرَوَاة أبو عُبَيْدٍ: "مِنَ الخُبْثِ" -سَاكِنَةَ ¬
الباءِ- وَقَالَ: مَعْنَاهُ ذو الخُبْثِ (¬1). [70] قَوْلُهُ عنْدَ خُرُوجِهِ (¬2) منَ الخَلَاء: "غُفْرَانكَ [رَبَّنَا وَإلَيْكَ المَصِيْرُ] (¬3) ". [الغُفْرَانُ: مَصْدَرٌ كالمَغْفِرَةِ، وَنَصَبَهُ على إضْمَارِ الطلَب وَالمسْألَةِ، كَأنهُ يَقُولُ: اللهم إني أسْألكَ غُفْرَانَك. كَمَا يقُولُ: "عفْوَكَ يا رَبُّ وَرَحْمَتَكَ" أيْ: هبْ لِي عفوَك ورحمتَك. والمَعْنَى في تَعْقيبِهِ الخُرُوجَ مِنَ الخَلَاء بِهَذَا الدُّعَاءِ يحتَمِلُ وَجْهين: أحَدُهُما: أنه إنما اسْتَغْفَرَ لِترْكِه ذِكْر اللهِ -سُبْحَانَهُ- مدة لُبْثِهِ عَلَى الخَلَاءِ. وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَهْجُرُ ذِكْرَ اللهِ إلا عِنْدَ الحاجَة والخلَاءِ". فَكَأنَهُ رَأى هجرانَ الذكْرِ في تِلك الحالِ تَقْصِيراً، وعدَّهُ عَلَى نَفْسِهِ ذنْبَاً فَتَدَارَكَهُ بالاسْتِغْفارِ. وَقِيْلَ: مَعْنَاهُ: التوبَة مٍنْ تقْصِيْرِه في شُكْرِ النِّعْمَةِ التي أنْعَمَ بِهَا اللهُ عَلَيه؛ فَأطْعَمَهُ، ثم هضَمَهُ، ثم سَهَّلَ خُروجَ الأذى مِنْهُ؛ فَرأى شُكْرَهُ قاصِرَاً عنْ بُلوغِ حُقُوقِ هذِه النِّعْمَةِ (¬4)؛ فَفَزِغ إلَى الاسْتِغْفَارِ] (¬5) [مِنْهُ] (¬6) وَكَان ¬
الحَسَنُ البَصْرِيُّ يقولُ إذَا بَالَ: "يا لَها نِعْمَةً، تَدْخُل لَذَّةً، وتخرجُ سُرّحَاً". وأخْبَرَنِي أبو محمد الكُرَّانيُّ، قَالَ: حَدثَنَا عبدُ اللهِ بنُ شَبِيْب، قَالَ: حَدَّثَنَا زكرِيّا بُن يَحْيَى المِنْقَرِي، قَالَ: حَدثَنَا الأصمعيُّ، قَال: دَخَلَ ابنُ السمَّاكِ (¬1) عَلَى هارونَ، فَقَالَ لَهُ: "عِظْني" فَقَالَ: " [يا] (¬2) أميرَ المؤمنينَ، أرَأيْتَ (¬3) إنْ مُنِعتَ شَرْبَةَ ماءٍ عنَدَ العَطَشِ أكنْتَ تَفْدِيْهَا بِنِصْفِ مُلْكِكَ؟ قَالَ (¬4): نَعَمْ، فَقَالَ: أرأيتَ إنْ مُنِعْتَ خُرُوجَهَا عندَ الحاجَةِ، أكُنْتَ تَفْديهِ (¬5) بالشَّطْرِ الآخَرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فما فرحُكَ بِشيءٍ قيمتُهُ شَرْبةٌ وبولةٌ (¬6)؟! ". [71] [و] (¬7) قولُهُ: عندَ الفَراغ مِنْ وضوئهِ: "سبحانَكَ اللهم ¬
وبحمدِكَ". قَالَ النَّحوُّيون: "سُبْحَانَ" مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلك: سَبَّحْتُ الله تَسْبِيحَاً وَسُبْحَانَاً، أيْ: نَزَّهْتُهُ تَنْزِيْهَاً وَ [بَرأتُهُ] (¬1) تَبْرِئَةً. وَمِنْهُ قَوْلُ الأعْشَى (¬2): أقولُ لَما جَاءَنِي فَخْرُهُ ... سُبْحانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ يُرِيدُ: التَعَجُّبَ (¬3) مِنْ فَخْرِهِ، والتبرُّؤَ. مِنْهُ. وَيُقَالُ: إن التسْبِيحَ مأخُوذ مِنْ قَوْلكَ: سَبَحَ الرَّجُلُ في الأرْضِ، إذَا: ذهب فِيْهَا. وَمِنْهُ قِيْلَ للفَرَسِ -إذَا كَان جيّد الرَّكْضِ-: سابحٌ. وأما دُخُولُ الوَاوِ في قَوْله: "وَبِحَمْدِكَ" (¬4) فَإن الحَسَنَ بنَ خَلاَّدٍ أخْبَرَنِي، قَالَ: سَألْتُ عَنْهُ الزَّجَّاجَ؛ فَقَالَ: سَألْتُ عَما سَألْتَنيِ [عَنْهُ] (¬5) أبَا العَباسِ، مُحَمَّدَ بنَ يَزِيدَ، فَقَالَ: سَألْتُ أبَا عُثمان المازِنيَّ عَما سَألْتَني [عَنْهُ] (5)، فَقَالَ: المَعْنَى: سَبَّحْتُكَ اللهم بِجَمِيع ¬
آلائِكَ، وَبِحَمْدكَ سَبَّحْتُكَ قالَ: وَمَعْنَى سُبْحَانَك: سَبَّحْتُك. قَال أبو سُلَيْمانَ يُرِيدُ بِقَوْلِه: "وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ" أي: وَبِمَعُونَتِكَ التي هِيَ نِعْمَةٌ تُوجبُ عليَّ حَمْدَاً (¬1) سَبَّحْتُك، لَا بحَولِي وَقُوَّتِي. وَسَمِعْتُ أبَا عُمَرَ (¬2) يَقُولُ: سُئِلَ أبُو العَباسِ أحْمَدُ بنُ يَحْيىَ عَنْ قوْلِهِ: "وَبِحَمْدِكَ" فَقَالَ: أرادَ: "سَبَّحْتُكَ بِحَمْدِكَ" كَأنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أنَّ الوَاوَ صِلَةٌ. [72] [وَ] (¬3) قوْلُهُ: "اللهم اجْعَلْ فِي قَلْبي نُوْرَاً وَاجْعَلْ في لِسَانِي نُورَاً واجْعَلْ فِي سَمْعِي نُوْرَاً، واجْعَلْ فِي بَصَرِي نُوْرَاً، واجْعَلْ [مِن] (¬4) خَلْفِي نُوْرَا، ومِنْ أمَامِي نُوْرَا، واجْعلْ مِن فَوْقِي نُوْراً، وَمنْ تَحْتي نُوْرَاً". معنى النُّورِ في هَذا: ضِيَاءُ الحَق وَبَيَانُهُ، كَأنهُ يَقُولُ: اللهم اسْتَعْملْ هذِهِ الأعْضَاء مني في الحَقِّ، واجْعَلْ تَصَرُّفِي وَتَقَلُّبِي فِي هذه ¬
الجِهَاتِ على سَبِيْلِ الحَقِّ. وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلهِ بَعْدَ رَكعَتَيْ السُّنةِ (¬1): [73] "اللهم اجْعَلْ نُوْرَا في قَلْبِي، وَنُوْرَا فِي سَمْعِي، وَنُوْرَاً ¬
فِي بَصَرِي، وَنُوْرَاً في شَعْري، وَنوْرَاً في بَشَرِي، وَنُوْرَاً فِي لَحْمِي، وَنُوْرَاً فِي دمِي، وَنُوْرَاً فِي عِظَامِي". وَإنما ذَلِكَ لأن القَلْبَ أميرُ البَدَنِ، وَهُوَ الذِي يَسْتَعْمِلُ سَائِرَ الأعْضَاءِ، وَهِيَ (¬1) عَلَى إرَادَتِهِ تَتَصَرَّفُ، فَإذَا استَنَارَ القَلْبُ انْبَثَّ نُورُهُ فِي سَائِرِ البَدَنِ (¬2)، وَفَاضَ عَلَى جَميعِ أجْزَائِهِ. وَقَدْ يَكُونُ أيْضَاً مَعْنَى النورِ: فِي اللَّحْمِ، والدَّمِ، والعِظَامِ، والشعْرِ، والبَشَرِ مُنْصَرِفَاً إلى القُوتِ الذِي بِهِ يَغْتَذِي البَدَنُ وَمِنْه تَسْتَمِدُّ هذِهِ الأعْضَاءُ (¬3) قُوَاهَا. سَألَ الله بِأنْ (¬4) ¬
يجعَلَ رِزْقَهُ طَيِّبَاً، فَإن أكْلَ الحَلَالِ يَصلُحُ عَلَيْهِ القَلْبُ وَتَحْسُنُ مَعَهُ الأخْلَاقُ، وَأكْلُ الحَرَام يَفْسُدُ عَلَيْهِ القَلْبُ وَتَخْبُثُ مَعَهُ الأخْلَاقُ. وَقَدْ ضَرَبَ اللُهُ -سُبْحَانَهُ- مَثلَ الحَق والبَاطِلِ بالنورِ والظُّلُمَاتِ، كَقَوْلهِ -سُبْحَانَهُ (¬1) -: (اللهُ وليُّ الذينَ آمَنُوا يخرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النورِ والذِينَ كَفَرُوا أوْليَاؤُهُمُ الطاغُوتُ يُخْرِجُونَهمْ مِنَ النورِ إلى الظُّلمَاتِ) [البقرة/257] وذلك أن أمْرَ الضلاَلَةِ (¬2) والبَاطِلِ مُظْلِمٌ غيرُ بَيّن، وَأمْرُ [الهُدَى و] (¬3) الحَق بيّن واضِحٌ كبيانِ النورِ. [74] [و] (¬4) قوله: [- صلى الله عليه وسلم -] (¬5): "أسْالكَ يا قاضِيَ الأمورِ ويا شَافِيَ الصُّدورِ كَما تُجيرُ بين البحورِ أنْ تُجيرني من عذابِ السَّعيرِ وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبورِ و [من] (¬6) فِتْنَةِ القُبورِ". أصلُ الثبورِ: الهلاكُ، [يقال] (6): ثُبِرَ الرجلُ فهو مثبورٌ، إذا: أصابَهُ الهلاكُ. ومن هذا [قولُ الله تعالى] (¬7): (وإني أَظُنُّكَ ¬
يا فرعونُ مثبوراً) [الإسراء/ 102] أيْ: [أظنك] (¬1) مُهْلَكاً. وقالَ الفرَّاءُ في قولهِ: "مَثْبُوْرَاً" أيْ: ملعوناً ممنوعاً من الخير. يُقَالُ: مَا ثَبَرَكَ عنْ هذا الأمرِ؟ أيْ: مَا مَنَعَكَ [منه] (¬2) ومَا صَدَّك عنه؟ ودعوةُ الثُّبورِ: دعوةُ أهلِ النارِ، يدعونَ عَلَى أنْفُسِهِمْ بالهَلَاكِ وبالموتِ (¬3)، ليتخلَّصُوا مِنَ العذابِ. باللهِ نَستَعِيذُ مِنْ عَذَابِهِ وسَخَطِهِ. وفتنةُ القبورِ؛ مَعْنَاهَا: مسألةُ القَبْرِ، [75] [و] (¬4) رويَ عن النبِي - صلى الله عليه وسلم - أنهُ ذَكَرَ فتنةَ القبرِ فَقَالَ: "بي تُفْتَنُونَ وَعَني تُسْألونَ" يريد قولَ الملكِ: "مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَنْ نَبيُّكَ؟ " ومعنى الفتنةِ: الامتحانُ. وأخْبَرَنِي أبو عُمَرَ عن أبي العبَّاسِ، قَالَ: أصلُ الفِتْنَة مِنْ قَوْلكَ: فتنت الذَّهبَ، إذَا أدْخَلْتَهُ [في] (¬5) النارِ؛ تَمتحِنُهُ؛ لتعرفَ جيِّدَهُ مِنْ رَدِيئهِ. ¬
[76] [و] (¬1) قولُهُ: "اللهم اجعَلْنَا هُداة مُهْتَدِينَ غير ضَاليْنَ وَلَا مُضلِّينَ، حَرْبَاً لأعْدَائِكَ، سِلْماً لأوْليَائِكَ". الحرب: المحارب. والسِلم: المُساِلمُ، أُقيمَ الاسمُ فيهِ مقامَ الفِعلِ. يقالُ: رجلٌ حربٌ وقومٌ حربٌ، ورجلٌ سلمٌ، وقومٌ سِلمٌ الواحدُ والجمعُ فيه سواءٌ ومثلهُ رَجُلٌ عدوٌّ، وقومٌ عدو، كقولهِ [تَعَالى]: (وَهُمْ لَكُمْ عدو) [الكهف/ 50] ويُقَالُ: هُوَ لَكَ صَدِيْقٌ، وَهُمْ صَدِيْقٌ. وَحَكَى أبو حاتِم: أنَّ عَجُوْزَاً مِن الأعْراب أقْبَلَتْ مِنَ السُّوقِ، وكانَ الطريقُ غاصَّاً بأصْحابِ أبي زَيْدٍ النحويِّ فَقَالَت (¬2): تَنَحَّ للعَجُوزِ عَنْ طَرِيْقِهَا إذْ أقْبَلَتْ جَاثِيَة مِنْ سُوْقِهَا دَعْهَا فَمَا النَّحويُّ مِنْ صَدِيْقِها تريدُ: مِنْ أصدقَائِهَا. [77] [و] (¬3) قوله: "اللهم ذَا الحبل الشديد، والأمر الرشيد، ¬
أسألكَ الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود" الحبل: السبب الذي يتمسك به، والحبل: العهد؛ ومنه قوله [تعالى] (¬1): (واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميْعَاً) [آل عمران/103] قَالَ الأعْشَى (¬2): وإذَا تُجَوِّزُها حبالُ (¬3) قَبيلةٍ ... أخَذَتْ من الأخْرَى إلَيْكَ حِبَالَهَا وقيلَ: حبلُ اللهِ: القرآنُ. وفيهِ عهدُهُ، وأمرُهُ، ونهيُهُ. ووصفَ الحبلَ بالشدةِ لأن من تعلَّقَ بِهِ أمِنَ انبِتَاتَهُ وانقِطَاعَهُ. [78] [و] (¬4) قولُهُ: "سُبْحَانَ مَن (¬5) تعطفَ العِزَّ وقالَ بهِ، سُبْحانَ الذِي لَبسَ المجدَ وتكرَّمَ بهِ". تَعَطَّفَ مَأخُوذ مِنَ العِطافِ، وهوَ الرِّدَاءُ. وإنما هُوَ مَثَلٌ كَما جاءَ: "أن الكبرياءَ رداءُ الله" (¬6) ومعناهُ: الاختصاص بالعزِّ والاتصافُ بهِ لا يفارقُهُ بمنزلةِ الرِّدَاءِ للابِسِهِ الذي اتَّخذَهُ زينة ولباساً، لا يَضَعُهُ ولا يُفَارِقُهُ. ومعنى "قالَ بِهِ": حَكَمَ بِهِ فينفذُ حكمُهُ، ولا يُرَدُّ أمرُهُ. يقالُ مِنْهُ: قَالَ الرجل، واقتالَ، إذَا: تَحَكَّمَ فمضَى حُكْمُهُ، ومِنْهُ سُمِّي "القَيْلُ" وهوَ المَلِكُ. وأنشَدَ أبو العبَّاسِ عن ابن الأعرابي (¬7): ¬
نحنُ ضَربْنَاهُ عَلَى نِطابِهِ ... قُلْنَا بِهِ قُلْنَا بِهِ قُلْنَا بِهِ قال أبو العباس: مَعْنَاهُ: حَكَمْنَا بِهِ. وقال علقمة بن عبدة (¬1): فَلَوْ أن مَيْتَاً يُفتدَى لفَدَيْتهُ (¬2) ... بِمَا اقْتَالَ مِنْ حُكْمٍ عَلَيَّ طبيبُ ¬
وقوله: "لَبِس المجدَ" مثله (¬1)، والقولُ فيه كَما قَلنا في "تعطَّف" سواءٌ. [79] [و] (¬2) قوله: "والخيرُ كُلُّهُ في يَدِكَ والشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ" ¬
معنى هذا الكلام الإرشادُ إلى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى (¬1) والمدحِ لهُ بأنْ تضافَ إليهِ محاسِنُ الأمُورِ (¬2) دوْنَ مساوِئهَا ولم يَقَعِ القَصْدُ إلَى إثْبَاتِ شيْءٍ وإدخالهِ له (¬3) تحتَ قُدْرَتِهِ ونفي ضدِّهِ عَنْهَا، فإنَّ الخيرَ والشرَّ صادرانِ عَنْ خَلْقِهِ (¬4)، وقدرَتهِ، لا موجدَ لشيءٍ منَ الخَلْقِ غَيْرُهُ. وَقَد تُضَافُ محاسنُ الأمورِ ومحامدُ الأفعالِ إلى الله تعالى (¬5) عند الثناءِ عليهِ دونَ مساوِئهَا ومذامِّهَا كقولِهِ [تَعالى] (¬6): (وإذا مَرِضْتُ فَهُو يَشْفِيْن) [الشعراء/ 80] [وكقوله تعالى] (¬7): (وَقَدْ أحسَن بي إذْ أخْرَجَني مِنَ السِّجنِ) [يوسف/100] ولم يُضِفْ سببَ وقوعِهِ في السِّجن إليهِ. وكما تضافُ مَعَاظِمُ الخليقَةِ إِليهِ عندَ الثَّناءِ والدُّعاءِ فيُقَالُ: "يا رب السمواتِ والأرضِين" كما يُقالُ: "يا رب الأنبياءِ والمرسلين" ولا يَحْسُنُ أن يقال: يا ربّ الكلاب، ويا ربَّ القِرَدةِ والخنازيرِ، ونحوها مِن سَفَلِ الحيوانِ، وحشراتِ الأرْضِ، وإنْ كانتْ إضافةُ جميعِ المكوَّناتِ إليهِ من جِهَةِ الخلقِ (¬8) لَهَا، والقدرَةِ عَلَيْها شامِلَة لجميعِ أصْنافِهَا. وسُئِلَ الخَليْلُ عَنْ قَوْلهِ: "والشَّرُّ ليْسَ إلَيْكَ" فقالَ: معناهُ: ¬
ليسَ مما يُتَقَرّبُ بهِ إليكَ؛ كَأنهُ يذهبُ إلى مثلِ قَوْلِ القائِلِ لِرَئيسِهِ: أنَا منكَ وإليكَ، أيْ: عِدادي مِنْكَ (¬1)، ومَيْلي وانْقِطَاعِي إِلَيكَ، في نحوِ هذا مِنَ الكَلامِ. [80] (¬2) [و] (¬3) قولهُ [- صلى الله عليه وسلم -] (¬4) في الركوع [والسجودِ] (4): "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَب الملائِكَةِ والرُّوحِ". السُّبُّوحُ: المُنَزهُ عنْ كُل عَيْب. [جاءَ] (¬5) بِلَفْظِ: فُعُّول مِنْ قولكَ: سبَّحتُ اللهَ؛ أيْ: نَزهْتُهُ. وَقَدْ [81] رُوِيَ عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنّهُ سُئِلَ عن تَفْسِير قَوْلهِ: "سُبْحانَ اللهِ" فقال: "إنْكافُ الله منْ كُل سوءٍ"؛ أيْ: تنزيهُهُ. والقُدُّوسُ: قَدْ فَسَّرْنَاهُ في الأسْماءِ. والرُّوح: فيه قولان: أحدُهُما: أنه جبريلُ -صلواتُ الله عليهِ (¬6) - خُصَّ بالذِّكر ¬
تفضيلاً لهُ على سائرِ الملائِكةِ، ويُقالُ: إن الرُّوح خلْق منَ المَلاِئكةِ يُشَبَّهونَ في الصُّوَر بالإنسِ وليسوا بإنس (¬1). [82] [و] (¬2) قولُهُ: "سَمِعَ الله لمنْ حَمدَهُ، اللهمّ رَبَّنَا لك (¬3) الحمدُ ملءَ اِلسمواتِ وَمِلْء الأرضِ. وملءَ ما شئتَ منْ شَيْءٍ بَعْدَهُ". قَدْ يَحتَمِلُ أن يكونَ قَوْلُهُ: "سَمِعَ الله لمن حمده" دعاءً منَ الإمامِ للمأمُومِين لأنهم يقولونَ: "ربَّنا لكَ الحمدُ" (¬4) وهذا عَلَى مَذْهَبِ من يقولُ: إن المأمومَ لا يقولُ: "سَمِعَ الله لمن حمِدَهُ" وعلى مذهبِ أكثر العلماءِ يجمعُ الإمامُ والمأمومُ بْين الكَلِمتينِ فَتَشيْعُ الدَّعْوَةُ من كُلٍّ من الطائِفتينِ لِنَفْسِهِ، ولأصْحابِهِ. ومعنى سَمِعَ: استجابَ. فأمَّا (¬5) قولُهُ: "مِلءَ السمواتِ وملءَ الأرضِ" فإن هذا كلامُ تمثيلٍ وتقريب، والكلامُ لا يُقَدَّرُ بالمكاييلِ ولا تُحشَى بِهِ الظروفُ، ولا تسعُهُ الأوْعِيَةُ وإنما المرادُ بِهِ (¬6) تكثير العددِ. حتى لو يُقَدَّرُ أنْ تكونَ تِلْكَ الكلماتُ أجساماً تملأُ الأماكنَ لَبَلَغَتْ منْ كَثْرَتِهَا ما يملأُ (¬7) السمواتِ والأرضينَ. ¬
وَقَدْ يحتملُ أيْضَاً (¬1) أنْ يكونَ المرادُ بِهِ (¬2) أجرُها وثوابُها. ويحتملُ أنْ يرادَ بهِ التعظيمُ لها والتفخيمُ لِشَأنِهَا؛ كَمَا يقولُ القائلُ: تكلَّمَ فلان اليومَ بكلمةٍ كأنها جبلٌ، وحلفَ بيمينٍ كالسمواتِ والأرضين؛ وكَما يُقالُ: هذه كلمةٌ تملأُ طِباقَ الأرضِ، أيْ: أنها تسيرُ وتنتشرُ في الأرضِ، كما قَالُوا كلمة تملأُ الفَمَ وتملأ السَّمْعَ، ونحوَها من الكَلَام. والمِلءُ -بكسر الميم- الاسم. والمَلء: المصدرُ من قولكَ ملأتُ (¬3) الإِناءَ مَلْئَاً. [83] [و] قولُهُ: "وأعوذ بكَ مِنْ فتنةِ المسيحِ الدّجَّالِ" عوامِ الناس يولَعُونَ -بكسر الميم- من المَسيْح، وتثقيل السين -لِيَكون ذلِكَ عندَهُم فَرقَاً بينَ عِيسى [عليه السلام] (¬4) وبينَ مَسِيْحِ الضَّلاَلَةِ (3). والاختيارُ في كل واحدٍ [منهما: فتحُ الميم] (¬5) وتخفيفُ السين. وإنما سُمِّيَ الدَّجَالُ مَسِيْحاً لأنَهُ مَمْسُوحُ (3) إِحدَى العَيْنين. وَسُمِّيَ عيسى -[صلواتُ الله عليه] (¬6) - مَسِيْحاً لأنهُ [كان] (¬7) إذا مَسَحَ ذَا عَاهَةٍ بَرَأ. فَهُوَ في نعْتِ عِيْسى [عليه السلام] (7) فَعيلٌ ¬
بمعنى فاعلٍ. وفي نَعْتِ الدَّجَّالِ فعيلٌ بمعنى مفعولٍ. [84] [و] (¬1) قَوْلُهُ: "اللهم أنتَ السَّلامُ" إِلى قَوْلهِ: "وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجدُّ". قَدْ (¬2) فَسَّرْنَا السَّلامَ [في الأسماء] (1)، وَذَكَرْنَا أن مَعْنَاهُ: ذو السلامِ. وَأشْبَعْنَا بَيَانَهُ هُناكَ (¬3) فَأغْنى ذلك عنِ إِعادتِهِ. وَأما قولُهُ: "وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ"، فَإن الجَدَّ يُفسَّرُ عَلَى وَجْهين، أحَدُهُما: الغِنَى، وَمِنْهُ [85] قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - في الفُقَرَاءِ: "أنَهم يَدْخُلونَ الجَنَّةَ وَإذَا ¬
أصْحابُ الجَدِّ محبُوسُونَ" يريدُ أن أصحابَ الأموالِ محبوسُوْنَ لِلمُحَاسَبَةِ. والجدّ (¬1) أيضاً بمعنى البَخْتِ، يُقالُ: لِفُلانٍ جَدٌّ في هَذا الأمرِ، أيْ: حظٌّ. يَقُولُ: إن المالَ والغِنَى والبَخْتَ لا يَنْفَعُ أحَدَاً إنما النفْعُ والضرُّ من قِبَلِ الله -سبحانَهُ-. وأما قولُ الله -جل وعز-: (وأنهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) [الجن/3]، فَمَعْنَاهُ: الجَلالُ والعَظَمَةُ. وقَوْلُهُ: "مِنْكَ الجَدُّ" مِنْ -هَا هُنَا- بمَعْنَى البدلِ، كَقَوْلهِ -عز وجل-: (وَلَو نَشَاءُ لَجَعْلَنَا منكُمْ مَلَائِكَة في الأرضِ يَخلُفُونَ) [الزخرف/ 60] أيْ: بدلَكُمْ. [86] [و] (¬2) قوله: "أعُوذُ بِرِضَاكَ منْ سَخَطِكَ، وأعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ نِقْمَتِكَ (¬3)، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ". ¬
قلتُ (¬1): الرِّضَى: ضدُّ السّخْطِ، والنقْمَةُ: ضِدُّ العَفْو. فلِذَلِكَ قابلَ الضد بالضدِّ [في موضِع اللغة] (¬2)، فَلَما انتهى إلى ذكرِ ما لا ضِدَّ لَهُ وَلَا نِدَّ -سبحانَهُ- أظْهَرَ العَجْزَ. والانْقِطاعَ، وفَزِعَ منهُ إليهِ، واستعاذَ بهِ مِنْهُ، واسْتَجَارَ بفَضْلِهِ مِنْ عَدْلِهِ. وفيهِ دَلِيْلٌ عَلَى أن النفْعَ والضُرَّ والَخْيرَ والشر مصدَرُهُما جَميْعا مِنْ قِبَل الله -عَز وجل-. [87] [و] (¬3) قوله: "سبحانَ اللهِ عَدَدَ خلقِهِ، ورِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، ومدادَ كلماتِهِ" المداد: مصدر كالمدد، يقالُ: مددْتُ الشيءَ أمدّهُ مَدَدَاً ومِدَادَاً قال الشاعر (¬4): رَأوْا بارقاتٍ بالأكفّ كأنها ... مَصَابِيْحُ سُرْجٍ أُوقدتْ بمدادِ أيْ: بِزَيْتٍ يَمُدُّها. وَرَوَى سَلَمَةُ عن الفَرّاءِ، قَالَ: قَالَ الحارثي: يَجْمَعُونَ المُدَّ: مِدادَاً. وأنشدني (¬5): ¬
مَايَرْنَ في البحرِ بخير سِعْرِ ... وخير مُدٍّ من مِدادِ البحرِ فعَلى هذا يكونُ معناهُ المِكْيَالُ، والمعيارُ. وَكَلِمات الله -سُبْحَانَهُ- لا ينتهي إلى أمدٍ، ولا تُحَدُّ، ولا تُحصَى بعَدَدٍ، ولكنهُ ضَرَبَ بهما (¬1) المثلَ ليدلَّ على الكثرةِ والوُفُورِ، ونَصَبَ "العَدَدَ، والمِدادَ" على المصْدَرِ. و"زنةُ العرشِ": ثِقْلُهُ ورَزَانَتُهُ. والعَرْشُ: خلْقٌ عظيمٌ للهِ -عز وجل (¬2) - لا يَعْلَمُ قَدرَ عِظَمِهِ ورزانَةَ ثِقْلِهِ أحدٌ غيرُ اللهِ -[سبحانَهُ] (¬3) - وهو مَخُلوقٌ، ومحدودٌ؛ ألا تَرَاهُ يقولُ: (وتَرى الملائِكَةَ حافينَ مِن حَوْلِ العَرْشِ)؟ [الزمر/75] وهوَ محمولٌ عَلَى كواهِلِ الملائكَةِ، واللهُ -سُبحانَهُ- حامِلٌ حملتَهُ، لا حاجةَ بِهِ إلى العَرْش، وَلَيْسَ بِمكانٍ لَهُ، ولا هُوَ مُتَمَكَنٌ فيهِ وَلَا مُعْتَمِدٌ عليهِ لأن هَذَا كلهُ من صفاتِ الحدَثِ (¬4)، لكنهُ بائِنٌ منْهُ ومنْ جميع خلْقِهِ، وإنما جاءَ في التنْزِيلِ: (الرحْمنُ على العَرْشِ اسْتَوى) [طه/5] فنحنُ نؤمنُ بما أُنزِلَ، ونقولُ كما قالَ، وَلَا نُكيِّفُهُ، ولا نَحُدُّهُ، وَلا نَتَأوَّلُهُ. كما فَعَلَهُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ، وَهَذا بابٌ من العلمِ الذِي يَجبُ عَلَيْنَا الإيمانُ بِظَاهِرِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا الكَشْفُ عنْ باطِنِه. [88] [و] (¬5) قَوْلُهُ: [- صلى الله عليه وسلم -] (¬6): "أفْضَلُ الكَلَامِ أربعٌ هُنَّ مِنَ ¬
القرْآنِ وَلَسْنَ (¬1) بِقُرآنٍ "سبحانَ الله" و "الحمدُ لله" و "لَا إله إلا اللهُ" و "اللهُ أكبَرُ". يريد بِقَوْلهِ: "هُنَّ مِن القرآنِ" أن (¬2) هذهِ الكلماتِ موجودةٌ في القرآنِ وَلَيْسَتْ بقُرآنٍ مِنْ جِهَةِ النظْمِ، فيكونَ آية متلوَّةً. [وهذا يدل على أن إعجازَ القرآنِ إنما هوَ في لفظِهِ ونظمِهِ مَعَاً لَا في لفظِهِ فحسب] (¬3). [89] [و] (¬4) قوله: "لَا حَوْلَ وَلَا قوةَ إلاَّ باللهِ كَنْزٌ من كُنُوزِ الجَنةِ". معنى الكَنْزِ في هذا: الأجْرُ الذي يحوزُهُ (¬5) قائِلُهُ، والثَّوابُ الذِي يُدَّخَرُ لَهُ (¬6) ومعنى كَلِمَةِ "لا حَوْلَ وَلَا قوةَ إلا بالله" إظهارُ ¬
الفَقْرِ إلى الله -جَل وَعز- وَطَلَبُ المَعُونَةِ مِنْهُ عَلَى كُلّ مَا يُزاوِلُهُ مِنَ الأمُورِ، وَهُوَ حَقِيْقَةُ العُبُودِيَّةِ. وَقَالَ ابنُ الأنبارِي: الحَوْلُ مَعْنَاهُ في كَلَام العَرَبِ: الحِيْلَةُ، يُقَالُ: ما للرجُلِ حَوْلٌ، وَمَالَهُ، احْتِيَالٌ، وَمَالَهُ مَحَالَةٌ، وَمَالَهُ مِحَالٌ؛ بمعنى واحد. يريد: أنهُ لا حيلَة لَهُ في دفِعِ شرٍّ، ولا قوَّةَ لَهُ في درْكِ خير إلا باللهِ، ومعناهُ: التَّبَرُّؤُ من حَوْلِ نفْسِهِ وَقُوتهِ، والانْقِطَاع إلى الله [عز وجل] (¬1) في جميعِ الأمورِ. وقالَ أبو الهَيْثَم الرَّازِي قولُهُ: "لا حَوْلَ" أصلُه من حَال الشيءُ إذَا تَحَرك، يقولُ: لا حَرَكَةَ ولا اسْتِطَاعَةَ إلا بالله. وَقَدْ رُوِيَ عن ابن مَسْعُودٍ أنهُ قالَ في تَفْسِيْرِهِ: "لَا حَوْلَ عنْ مَعْصِيَةِ الله إلا بِعِصْمَةِ اللهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ الله إلا بِعَوْنِ اللهِ". قال أبو سليمانَ: وهذا (¬2) أحسنُ ما جاءَ فِيْهِ. [90] [و] (¬3) قوله: "أسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم ¬
الخوف"، العَيْلة: الفقر، يقال منه: عال الرجل يعيل عَيْلَة، إذا: "افتقر، وعال يَعُول، إذا: جارَ. وأعَالَ يُعيلُ [إعالة] (¬1)، إذا: كَثُرَ عِيَالُهُ. [91] [و] (1) قوله: "اللهم عَائِذٌ بِكَ مِن شَرِّ مَا أعْطَيْتَنَا وَمِنْ (¬2) شرِّ مَا مَنَعْتَنَا". قالَ أبو سليمانَ: من رَواهُ "عائذٌ" بضمِّ الذالِ -كان معناهُ: أنا عائذ بكَ (¬3)، وأضْمَرَ (3) الاسمَ. ومن رواه: "عائذاً بكَ" -مفتوحة الذال- كانَ معناهُ: المصدَرَ. كأنهُ يقولُ: "أعوذُ بكَ عِيَاذَاً" وقَدْ جاءَ مِنَ المصادرِ على وزْنِ فاعلٍ "العافِيَةُ" وفَلَجَ الرجلُ "فالِجَاً" وما بَالَيْتُ بِهِ "بَالِيَةً وبالَةً". [92] [و] (1) قَوْلُهُ: "ألحِقْنَا بالصّالِحينَ غَير خَزَايَا ولَا مفتُونْينَ" ¬
خزايا: جمعُ خَزْيَانَ. [و] (¬1) أصلُ الخِزْي [الذلُ] (¬2) الذِي يُسْتَحْيَا مِن مِثلِهِ لِمَا يُخافُ مِنَ الفَضِيْحَةِ [فِيهِ. يُقَالُ] (¬3): خَزِيَ الرجُلُ يخزَى خَزيَاً، إذَا: هَانَ وذَلَّ. وخَزِيَ خِزَايَةً، إذَا: اسْتَحْيَا. [93] [و] (¬4) قوله: "اللهم أعِنِّي ولا تُعِنْ عَلَيَّ، وامْكرْ لي وَلَا تَمْكُرْ عليَّ" معناهُ: أن يُنفِذَ مكرَهُ وحِيْلَتَهُ في عَدُوِّهِ، وَلَا يَنفَذُ مَكْرُ عدوِّهِ وحِيلتُهُ فِيه. وقد يكونُ معنى المَكْرِ: الاسْتدرَاجُ في الطَاعَاتِ؛ فَيُتَوَهَّمُ أنها مَقْبُولَة مِنْهُ وهيَ مَرْدُوْدَةٌ عَلَيْهِ، ويحسَبُ أنهُ مُحسن وهوَ مُسيءٌ. كَقَوْلهِ -سبحانَهُ-: (وهُمْ يَحْسبُونَ أنهم يُحْسِنُونَ صُنْعَاً) [الكهف/104] [وكقوله -تعالى-] (¬5): (وَبَدَا لَهُم مِنَ الله ما لَم يَكُونوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر/47]. ¬
[94] ورُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّهُ (¬1) قالَ: "إِذَا رَأيْتَ الله يُعطي العَبْدَ ما يُحبُ، وهوَ مُقيمٌ عَلَى مَعاصِيهِ، فإِنَّما ذَلِكَ مِنْهُ اسْتدرَاجٌ"، ثُمّ تَرْجَم بهذِه الآيةِ: (فَلَما نَسُوا مَا ذُكَرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أوتُوا أخَذْنَاهُم بَغْتَة فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام/ 44]. حَدَّثَنَاهُ ابنُ الأعْرابِي، قَالَ: أنْبَأنا أبو إسماعِيْلَ الترمِذِي (¬2)، قَالَ: أنبأنا أبو صالح [هو] (¬3) كاتبُ اللَّيْثِ، قَالَ: حَدَّثنِي حَرْمَلَةُ بنُ عِمْرانَ عَنْ [عقبة] (¬4) بن مُسْلم عن عُقْبَةَ بن عامِرٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [95] [و] (¬5) قولُهُ: "رَبَ اجْعَلْنِي [لك] (¬6) شَكّارَاً، لَك ¬
ذَكَّارَا، مخبِتَاً لَكَ أوَّاهَاً، رب تَقَبَّلْ تَوْبَتي، واغْسِلْ حَوْبَتي، واسْلُلْ سَخِيْمَةَ قَلْبِي". المخبتُ: الخاشع، ويقالُ: المخلصُ في خُشوعِهِ. والأوَّاه: الموقِنُ. ويُقَالُ: البَكاءُ. ورُوِيَ في قَوْلِهِ -[سبحانَه] (¬1) -: (إن إبراهيمَ لَحَلِيْمٌ أوّاهٌ مُنِيبٌ) [هود/75]: أنه كانَ إما ذَكَرَ النارَ [ضَجّ وتأوّهَ] (¬2). والحَوبةُ: كُل ما يُتَحوَّبُ مِنْهُ، أيْ: يُتَحَرَّجُ مِنْ فِعْلِهِ؛ والاسمُ مِنْهُ (¬3): الحُوبُ والحابُ، يقالُ: حابَ الرجُلُ يحوبُ، قالَ الشاعرُ: وإنَّ مُهَاجِرَيْنِ تكنَّفاهُ ... غَداةَ ئِذٍ لَقَدْ ظَلَمَا وَحَابَا (¬4) والسَّخِيْمَةُ: غِلُّ القلبِ ونَغَلُهُ. [96] [و] (¬5) قولُهُ: (اللهم عافِنِي في سَمْعِي وَبَصَرِي مَا ¬
أبْقَيْتَني، واجعلهُ الوارثَ مِنِّي" مَعْنَى الوارِثِ -هَا هُنا- الباقِي، وحقيقَةُ الوارِثِ أنَّهُ هو (¬1) الذِي يَرثُ مُلْكَ الماضِي. سأل اللهَ أنْ يُبْقِيَ لَهُ قوةَ هاتَين الحاسَّتَيْن إِذَا أَدْرَكَهُ الكِبَرُ، وَضَعُفَ مِنْهُ سائِرُ القُوى؛ لِيَكُونَا وارِثَي سائِرَ الأعْضَاءِ والباقِيَين بَعْدَهَا. وقِيْلَ: إنَهُ (¬2) دَعَا بِذَلِكَ لِلأعْقَابِ والأوْلَادِ (¬3). وَقَوْلُهُ: "واجْعَلْهُ الوَارِثَ مِني" بلفظ الواحد، وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَهُ السَّمْعَ والبَصَرَ، وَهُمَا اثْنَانِ؛ فَإِنَهُ رَدَّ الفِعْلَ إِلَى واحدٍ منْهُما كَقَوْلِ الشَّاعِرِ (¬4): إنَّ شَرْخَ الشَّبَاب] (¬5) والشَّعَرَ الأسْـ ... ـوَدَ مَا لَمْ يُعَاصَ كانَ جُنُونَا وَلَم يَقُلْ: مَا لَمْ يُعَاصَيَا؛ لأنَهُ أرَادَ: مَا لَم يُعَاصَ كُلُّ واحِدٍ منهُما. وَفِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أن كُلَّ شَيْئَيْن تقارَبَا في مَعْنَيَيْهِمَا، فَإن الدّلَالَةَ عَلَى أحَدهِمَا دِلَالة عَلَى الآخَرِ (¬6). [97] [و] (¬7) قَوْلُه: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَألْحقْنِي بِالرَّفِيْقِ الأعْلَى". ¬
الرَّفِيْقُ: الخَلِيْطُ المُرْفِقُ، فَعِيْلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ. كَقَوْلهم: ألِيْمٌ بِمَعْنَى مُؤْلم، يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَللجَمَاعَةِ: رَفِيْقٌ. كَما يُقَالُ (¬1) لِلْوَاحِدِ وللجَمَاعَةِ (¬2): صَدِيْقٌ. يُرِيْدُ المَلَائِكَةَ المُقَربينَ، وَهُمْ المَلأ الأعْلَى. كَقَوْلِهِ [تعالى] (¬3): (لَا يَسَّمَّعُونَ إلَى المَلأ الأعْلَى) [الصافات/8] يُرِيْدُ المَلَائِكَةَ. وَالله أعْلَمُ. [98] [و] (3) قوْلُهُ: "يَا كَائِنُ قَبْلَ أنْ يَكُوْنَ شَيْءٌ، وَالمُكَوِّنَ لِكُل شَيْءٍ، وَالكَائِنُ بَعْدَمَا لَا يَكُوْنُ شَيْءٌ" الوَجْهُ (¬4) فِي حَركَةِ الأولِ ضمُّ النُّونِ لأنهُ نِدَاءٌ مُفْرَدٌ، وَفي الثانِي نَصْبُهَا لأنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَوْضِعِ المُنَادي. كَقَوْلِه -جَل وعزَ (¬5) -: (يَا جِبَالُ أوِّبي مَعَه، والطير) [سبأ/ 10] [و] (¬6) كَمَا قَالَ الشاعِرُ (¬7): ¬
ألَا يَا زَيْدُ والضَّحَّاكَ سِيْرَا ... فَقَدْ جَاوَزْتُمَا خَمَرَ الطَّرِيقِ فَعَطَفَ عَلَى مَوْضعِ المُنَادَى. [قوله] (¬1): "والكَائِنُ بَعْدَمَا لَا يَكُوْنُ شَيْءٌ" مَضْمُومُ النوْنِ عَلَى اسْتِئْنَافِ النِدَاءِ؛ إِذَا طَالَ الكَلَامُ قُطِعَ، وَاسْتُؤْنِفَ مَا بَعْدَهُ، وَكأنه أضمر (¬2) فِيْهِ أنتَ. [99] [و] (¬3) قَوْلُهُ: "اللهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاء الثَّلْجِ وَاِلبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبي مِنِ الخَطَايَا كَمَا نَقيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنس، وَبَاعِدْ بَيْني وَبين خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بين المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ" [قَالَ أَبو سُلَيْمَانَ] (¬4): مَعْنَى ذِكْرِهِ (¬5) الثَّلجِ وَالبَرَدِ تَوْكِيْدٌ لِلتَّطْهير، وَمبَالَغَةٌ فِيْه، وَذَلِكَ أن الثَّلْجَ وَالبَرَدَ مَاءَانِ مَفْطُوْرانِ عَلَى خلْقَتهِمَا، لَمْ تَمترِسْهُمَا الأيْدِي، وَلَم (¬6) تَخُضْهُمَا الأرْجُل كَسَائِرِ المِيَاهِ التي قَدْ ¬
خَالَطَتْ تُرْبَةَ الأرْض، وَجَرَتْ (¬1) فِي الأنْهَارِ وَالحِيَاضِ وَنَحْوِهَا (¬2)؛ فَكَانَا أحَقَّ بِكَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَكَذَلِكَ هَذَا المَعْنَى في قَوْلِهِ: "كَما يُنَقَّى الثَّوبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ" إشْبَاعٌ فِي بَيَانِ (¬3) التطهير، وَتَوْكِيْدٌ لَهُ. والله -سبْحَانَه (¬4) - مُسْتَغْن عَنْ (¬5) أنْ يُضْرَبَ لَهُ الأمْثَالُ، وَأنْ يُظَاهَرَ لَهُ البَيَانُ مِن طَرِيْقِ التشبِيْهِ، والتمْثيْلِ، وَلَكِنهُ عَادةُ الكَلَامِ، وَبِهِ يَحْسُن البَيَانُ، وَيَقْرُبُ الشيْءُ مِن الأفْهَامِ. [والله أعْلَمُ] (¬6). [100] [و] (¬7) قَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ إنيِ أعُوذُ بِك مِنْ طَمَع يَهْدِي إلَى طَبعٍ". قَالَ أبو عُبَيْدٍ: الطَبَعُ: الدَّنَسُ، وَالعَيْبُ، وَكُلُّ شْين فِي دِيْنٍ أو دُنْيَا فَهُو طَبَعٌ (¬8)، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُل طَبَعٌ (8)، وَأنْشَدَ الأعْشَى (¬9): ¬
لَهُ أَكَالِيلُ بِاليَاقُوْتِ فَصَّلَهَا ... صَوَّاغُها لَا تَرَى عَيْباً وَلَا طَبَعَا [101] قَوْلُهُ (¬1): "وأعُوذُ بكَ منَ الغَرقِ والحَرَقِ" (¬2) والحَرَقُ (¬3) -مفتُوحةُ الرَّاءِ-. [102] [و] (¬4) قَوْلُهُ: "اللهم إني أعُوْذُ بك مِنْ جَارِ السَّوْءِ فِي دَارِ المُقَامَةِ" فَإن جَارَ البَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ. سَأل (¬5) سَائِل عَنْ هَذَا فقَالَ: مَا مَعْنَى هذَا الشَّرْط؟ وَمَا وَجْهُ التَخْصِيْصِ فِيْهِ؟ وَالمَعْنَى (¬6) -والله أعْلَمُ- أن حُكْمَ الشَيْءِ الخَاصِّ النَّادِرِ خِلافُ حُكْمِ الشَّيْء العَامِّ الدَّائِمِ. وَاليَسِيْرُ منَ الأذَى وَالمَشَقَّةِ مُحْتَمَلٌ فَلَمْ يَسْتَعِذْ بالله مِنْه لأن في احْتِمَالِهِ، والصَّبْرِ عَلَيْهِ أجْرَاً وَمَثُوْبَةً وَقَدْ أُمِرْنَا بالصَّبْرِ والرِّضَى فِي ¬
المَكْرُوْهِ ما احْتَمَلَهُ الإنْسَانُ، واسْتَقَلَّ بِهِ، فَأما الكَثيرُ الدَّائِمُ منْهُ فَغيرُ مُحْتَمَلٍ وَلَا مُسْتَطَاع وَإذَا ابْتُلِيَ بِهِ الإِنْسَانُ افْتُتِنَ فِي دِيْنِهِ، وَخِيْفَ عَلَيْهِ الوُقُوعُ في المأثَمِ، فاسْتَعَاذَ باللهِ منْهُ، وَفَزِعَ إِلَيْهِ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ. وَجِوَارُ (¬1) البَوادي جِوَارُ نُجْعَةٍ وَمُقَامُهُمْ فِيْها مُقَامُ قُلْعَةٍ؛ لأنهُم إِنما يبْتَغُونَ (¬2) مَوَاقِعَ الغَيْثِ، فَإذَا نَفِدَتْ تِلْكَ المِيَاهُ انَتَقَلُوا، وَتبَايَنَتْ بهمُ المَحَالُّ. وجِوَارُ المَقَامِ فِي البُلْدَان جِوَاز يَتَّصِلُ مَدَى العُمْرِ، وَيَدُوْمُ وَلا يَنْقَطِعُ، وَيُقَالُ: هَذِهِ دَارُ مَقَامٍ، وَدَارُ مَقَامَةٍ، وَنَظيرُ هَذَا (¬3). [103] قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "أعُوْذُ بكَ مِنَ الصَّمَمِ، وَالبكَمِ، والجنونِ، وَالجُذَامِ، وَالبَرَصِ، وَسَيِّىَءِ الأسْقَامِ" فَيُقَالُ كَيْفَ لَمْ يَسْتَعِذْ مِنَ الحُمَّى، والصُّداعِ، والرَّمَدِ ونحوِها مِن العِلَل والأمْرَاض؟ وَالجَوَاب (¬4) في هَذَا كَالأولِ أوْ قَرِيْبٌ مِنْهُ، وَذَلِكَ أن هَذِهِ الأمُورَ آفَاتٌ (¬5) وَعَاهَات تُفْسِدُ الخِلْقَةَ، وَتُغَيرُ الصُّورَةَ، وتُورِثُ ¬
الشَّيْنَ، وَتؤَثِّرُ فِي العَقْلِ، وَالمِحْنَة بِها تَعْظم، وَالبَلاَءُ فِيْهاْ يَجْهَدُ ويشْتدُّ. [104] وَقَدْ كَانَ [النبي] (¬1) - صلى الله عليه وسلم - "يَسْتَعِيْذُ باللهِ مِن جَهْدِ البَلَاءِ". فَأما الحُمَّى والصُّدَاع والرَّمَدُ وَنَحْوُهَا مِنَ الَأوْجَاع (¬2) فإنها [-وإن كانت أعراضاً مؤلمة-] (¬3) تَزوْل وَلَا تَدُوْم وَفِيْهَا أجْر وَتَكْفيرٌ للذنوْبِ، فَلَم يَصْرِفْ (¬4) الاسْتِعَاذَةَ إلَيْهَا لِخفَّة الأمْرِ فِيْها (¬5)، وَإمْكَانِ الصَّبْرِ عَلَيْها. [105] [و] (¬6) قَوْله: "اللهم إني" (¬7) أعُوذ بِكِ مِن الذِّلَةِ ¬
وَالمَسْكَنَةِ، وَأعُوْذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ". مَعْنَى اسْتِعَاذَتِهِ مِنَ الفَقْرِ وَالمَسْكَنَةِ، إنما هُوَ فَقْرُ النفْسِ وَمَا يَعْتَرِيْهَا مِنَ الحِرْصِ وَالجَشَعِ، وَلَم يُرِدْ بِهِ (¬1) قِلَّةَ المَالِ، وَعَدَمَ اليَسَارِ، فَقَدْ كَانَ مَعْلُوماً مِنْ أمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - أنه كَان يُؤْثِرُ الِإقْلَالَ مِن الدنيا وَيَكْرَهُ الاسْتِكْثَارَ مِنْ حُطَامِ أعرَاضِهَا (¬2). وقال بَعْضُ العُلَمَاءِ قَدْ جَاءَ فِي الحَدِيْثِ مَدْحُ الفَقْرِ، وَذَمُّهُ، والاسْتعَاذَةُ مِنْهُ، وَإنما المَذْمُوْمُ مِنَ الفَقْرِ أنْ يَكْرَهَهُ خَوْفَاً مِنَ الذُّلِ والصَّغارِ وانْحِطَاطِ القَدْر عِنْدَ الناس، فَأما مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ لأجْل مَا يَخَافُ مِنْ فِتْنَتِهِ. فَلَيْسَ بِمَذْمُوم؛ لأن سُوء احْتِمَالِ الفَقْرِ رُبما دَعَا إلى التقْصير في إِقَامَةِ الفَرَائِضِ، والذَّهَابِ عَن الحُقُوقِ الوَاجِبَةِ. [106] [و] (¬3) قَوْلُهُ: "وَاجْعَلْني فِي النِّدَاءِ الأعلَى" وَقَدْ يُرْوَى: " [في] (¬4) النَّدِي الأعْلَى". النِّدَاءُ مصدَرُ نَادَيْتُهُ نِدَاءً، وَمَعْنَاهُ أنْ يُنَادَى لِلْتَّنْويهِ بِهِ. والرَّفْعِ منْهُ، وَقَد يَحْتَمِلُ [أنْ] (¬5) يَكُونَ أرَادَ ¬
بِـ "النَدَاءِ الأعْلَى" نَدَاءَ أهْلِ الجَنَة أهْلَ النارِ كَقَوْلِهِ [تَعَالى] (¬1): (وَنَادى أصْحَابُ الجنَّةِ أصْحَابَ النَّارِ أنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا ربُّنَا حَقَّاً) [الأعراف/44] والندَاءُ الأسْفَلُ: نِدَاءُ أهْلِ النَارِ أهْل الجَنَّةِ: (أن أفِيْضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أوْ ممَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) [الأعراف/50]. وَلهَذَا قِيْل: لِيَوْمِ القِيَامَةِ: "يُوْمُ التنَادي" (¬2) وَقِيْلَ إنَّما سُميَ يَوْمَ التَّنَادي (2)، لأن كُل وَاحِدٍ يُدْعَى باسْمِهِ فَيُعْطَى كِتَابَهُ. وَأمَّا النَّدِيُّ: فَأصْلُهُ المَجْلِسُ الذي قَدِ اجْتَمَعَ فِيْهِ أهْلُهُ. يُقَالُ مِنْهُ نَدَوْتُ القَوْمَ أنْدُوْهُم نَدْواً: إذا جَمَعْتَهُمْ. وَمِنْهُ سُمِّيَتْ (¬3) "دَارُ النَّدْوَة" وَيُقَالُ: فُلَانٌ في نَدِيِّ قَوْمِهِ وَنَاديْهمْ. وَقَالَ حَاتِمٌ الطائِيُّ (¬4): وَدُعِيْتُ فِي أُولَى الندِيِّ وَلَمْ ... يُنْظَرْ إليَّ بأعيُن خُزْرِ فَالنَّدِيُّ الأعْلَى: هُمُ المَلَائِكَةُ -صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِم (¬5) - وَيُقَالُ (5): لَا يَكُوْنُ النَّدِيُّ إلا الجَمَاعَةَ مِنْ أهْلِ النَدَى وَالكَرَمَ. [107] [و] (¬6) قَوْلُهُ: "مَا مِنْ مُسْلِم يَبِيْتُ طَاهِرَاً عَلَى ذِكْرِ الله ¬
[تعالى] (¬1) فَيَتَعَارَّ من اللَّيْلِ يَسْألُ الله خَيْرَاً مِنْ أمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إلا أعْطَاهُ". يَتَعَارَّ: مَعْنَاهُ: يَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمِهِ. قَالُوا: وَلا يَكَادُ يَكُوْنُ ذَلِكَ إلا مَعَ صَوْتٍ أوْ كَلاَمٍ وَيُقَالُ (¬2): إنهُ مَأخُوذ مِنْ عِرارِ الظَّلِيْمِ. وَهُوَ صَوْتُهُ. [45 مكرر] [قَوْلُهُ: (أصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، وَكَلِمَةِ الإخْلاَصِ، وَعَلَى دِيْنِ نَبِيِّنَا محمد - صلى الله عليه وسلم -" (¬3). مَعْنَى الفِطْرَةِ ابْتِدَاءُ الخِلقَةِ، وَهِيَ إشَارَة إلَى كلِمَةِ التوحِيْدِ حينَ أخَذَ الله العَهْدَ مِن ذُرِّيَّةِ آدم فَقَالَ: (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) [الأعراف/172]. وَقَدْ تَكونُ الفِطرَةُ بِمَعْنَى السُّنةِ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ: "عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ فَذَكَرَ السِّوَاكَ وَالمَضمَضَةَ وَأخَواتها"] (¬4). ¬
[آخر كتاب شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أجمعين، التي جمعها محمد بن إسحاق بن خزيمة وفرغ من تسويده في الليلة الخامسة من ذي القعدة من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة علي بن محمد بن عثمان المؤذن النيسابوري حامداً لله تعالى ومصلياً على رسوله محمد وعلى آله وسلم] (¬1). ¬
ومن لواحق الدعاء الذي لم يذكر في المأثور
بسم الله الرحمن الرحيم (¬1) ومن لواحق الدعاء الذي لم يذكر في (¬2) المأثور [108] قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ الخُرُوْجِ إلَى السَّفَر: "اللهم بِكَ ابتَسَرْتُ، وَإلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ". مَعْنَى ابْتَسَرْتُ: ابتَدَأتُ سَفَرِيْ، وَكُلُّ شَيْءٍ أخَذْتَهُ غَضَّاً فَقَدْ بَسَرْتهُ، وابْتَسَرْتَهُ، وَيُقَالُ: بَسَرْتُ النبَاتَ أبسُرُهُ بَسْرَاً: إذَا رَعَيْتَهُ غَضَّاً، وهَذَا هُوَ الصحِيح فِي الروَايَةِ. والعَوَامُّ تَرْويه: "اللهم بِكَ انْتَشرْتُ" وَهُوَ صحِيْحٌ فِي المَعْنَى أيْضَاً، إلا أن الرِّوَايَةَ مَا ذَكَرْتُهُ لَك أوَّلاً، وَقَدْ فسَّرْنَاهُ فِي غَرِيْبِْ الحَدِيْثِ (¬3). ¬
[109] [و] (¬1) قَوْلُهُ - قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا انْصَرَف مِنَ السَّفَرِ: "ثَوْبَاً (¬2) لِرَبِّنَا أوْبَاً لَا يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْبَاً" الثَّوْبُ (¬3): مَصْدَرُ ثَابَ يَثُوْبُ [ثوباً] (¬4)، وَنَصَبَهُ عَلَى المَصْدَرِ كَأنهُ قَالَ: أثوْبُ ثَوْبَاً، وَقَوْلُهُ أوْبَاً مَصْدَرُ آبَ يَؤُوْبُ إذَا رَجَعَ وَمعْنَاهُ (¬5): الرُّجُوعُ عَنِ الذَّنبِ. كَقَوْلهِ -سُبْحَانَهُ-: (فإنَّهُ كَان لِلأوَّابْينَ غَفُوْرَاً) [الإسراء/25]. وَكَقَوْلهِ: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا داوُد ذا الَأيْدِ إنهُ أوَّابٌ) [ص/17]. [قَالُوا] (¬6) الأوَّابُ: الكَثيرُ الرُّجُوْع إلَى الله [عَز وَجل] (¬7). ¬
والحُوْبُ -بِضَمِّ الحاءِ- المأثمُ، والحَوب (¬1) -بفتحها- مَصْدَرُ حَابَ يَحُوْبُ: إذَا أثِمَ. [110] [و] (¬2) قَوْله: [- صلى الله عليه وسلم -] (¬3) إذَا سَافَرَ: "اللهم إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبةِ المُنْقَلَبِ وَالحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ (¬4) وَسُوْءِ المَنْظرِ في الأهْلِ وَالمَالِ". وَعْثاءُ السَّفَرِ: شِدةُ النَّصَبِ وَالمَشَقَّةُ، وَأصْلُهُ مِنَ الوَعْثِ وَهُوَ الدَّهَسُ، وَالمَشْيُ (¬5) يَشْتَدُّ فِيْهِ عَلَى صَاحِبِهِ فَصَارَ مَثلاً لِكُل مَا يَشُقُّ عَلَى فَاعِلِهِ. وَقَوْلُهُ: "كَآبة المُنْقَلَبِ" يَعْنِي أنْ يَنْقَلِبَ مِنْ سَفَرِهِ إلَى أهْلِهِ بأمْر يَكْتَئِبُ مِنْهُ. مِثْلَ أنْ يُصِيبَهُ فِي طَريْقِهِ مَرَضٌ أوْ يَنَالَهُ خُسْرَانَ أو يَقْدَمَ عَلَى أهْلِهِ فَيَجِدَهُمْ مَرْضَى، أَوْ يَكُونَ قَدْ هَلَكَ بَعْضُهُمْ إلَى مَا يُشْبِه ذلِكَ مِنَ الأمُوْرِ التي يكْتَئِبُ لَهَا الإنْسَانُ. قَوْلُهُ (¬6): الحَوْرُْ بَعْدَ الكَونِ [هكذا يُروى] (¬7) بِالنونِ؛ وَمَعْنَاهُ، ¬
النُّقْصَانُ بَعْدَ الزَيَادةِ، وذلك أنْ يَكُوْنَ الإنْسَانُ عَلَى حَالَةٍ جَميْلَةٍ، فَيَحُورَ عَنْ ذلِكَ؛ أيْ: يَرْجِعُ. وَأخْبَرَنِي عَبْدُ الرحْمنِ بنُ الأسَدِ عَنِ (¬1) الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: سُئِلَ مَعْمَر عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ (¬2): هُوَ الكُنْتيُّ، وَمَعْنَى الكُنْتي أنْ يَكُونَ الإنْسَانُ قَدْ بَلَغَ حَالَةً مِنَ النقْصِ لَا يَزَاَلُ يُخْبِرُ الرَّاهِنَ مِنْهَا بِالمَاضِي فَيَقُولُ (¬3): كُنْتُ مُوسِراً فَأهَبُ، وَكُنْتُ شَابَّاً فَأغْزُو، وَنَحْوَ هَذَا مِن الأمْرِ (¬4). وَأنْشَدَ أبو زيدٍ (¬5): إذَا مَا كُنْتَ مُلْتَمِسَاً صَدِيْقَاً ... فَلَا تَظْفَرْ بِكُنْتيٍّ كَبيرِ وَقَدْ جَاءَ فِي غير هَذَا الحَدِيْثِ. الكَوْرُ، وَهُوَ مَأخُوْذ مِنْ كَوْرِ العِمَامَةِ. يَقُولُ: قَدْ تَغَيَّرَ وَانْتَقَضَ كَما يُنْقَضُ (¬6) كَوْرُ العِمَامَةِ. [111] [و] (¬7) قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ دُخُوْلِ الخَلَاءِ: ["اللهم إني ¬
أعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِس الخَبِيْثِ [المخبث] (¬1) الشيْطَانِ الرَّجِيْم". الرِّجْسُ النَّجِسُ، زَعَمَ الفَرَاءُ أنهُمْ إذَا بَدَؤُوا بالنجس وَلم يَذْكُرُوا الرِّجْسَ فَتَحُوا النُّونَ والجَيْمَ، وإذَا بَدَؤوا بِالرجْسِ ثُم أتْبَعُوهُ (¬2) النِّجْسَ كَسَرُوا النُّونَ. وَقَوْلُهُ: "الخَبيْث المُخْبِث" الخَبيْثُ (¬3) هُوَ ذُوْ الخُبْثِ فِي نَفْسِهِ، وَالمُخْبِثُ: هُوَ الذِي أصْحَابُهُ وَأَعْوَانُهُ خُبَثَاءُ. كَقَوْلهمْ (¬4): قَوِيٌّ مُقْوٍ، وَضَعِيْفُ (¬5) مُضْعِف، وَنَحْوَهُمَا (¬6). [112] [و] (¬7) قَوْلُهُ [- صلى الله عليه وسلم -] (¬8) إذَا اسْتَفْتَح الصَّلاَةَ: "أعُوْذُ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرجِيْمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنفْثِهِ " (¬9) فَقِيْلَ: يَا رَسُولَ الله مَا هَمْزُهُ وَنَفْثُهُ وَنَفْخُهُ؟ قَالَ: "أَمَّا هَمْزُهُ فالمُوتة، وَأَما نَفْثُهُ ¬
فَالشعْرُ؛ وَأما نَفْخُهُ فَالكِبْرُ". قَالَ أبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا (¬1) تَفْسير مِنَ النبِي - صلى الله عليه وسلم - وَلتَفْسِيْرِه تَفْسير؛ فالمُوْتَةُ: الجنوْنُ، وَإنَّمَا سَمَّاهُ هَمْزَاً؛ لأنهُ جَعَلَهُ من النَخْسِ وَالهَمْزِ (¬2) وَكُلَّ شيْءٍ دَفَعْتَهُ فَقَدْ هَمَزْتهُ، فَأما (¬3) الشعْرُ فَإنما سَمَّاهُ نَفْثَاً لأنهُ كَالشَّيْءِ. يَنْفُثهُ الإنْسَانُ مِنْ فِيْهِ مِثلُ الرقْيَةِ وَنَحْوَهَا. وَأما الكِبْرُ. فَإنَّما سُمِّيَ (¬4) نَفْخَا لِمَا يُوَسوس إلَيْهِ الشيطان في نَفْسِهِ فَيُعَظِّمُهَا عِنْدَهُ وَيَحْقِرُ الناسَ في عَيْنهِ حَتى يَدْخُلَهُ لِذَلِكَ الكِبرُ وَالنَّخْوَةُ (¬5). [113] [و] (¬6) قَوْله [- صلى الله عليه وسلم -] (¬7) - إذَا عَوَّذَ الحَسَنَ والحُسينَ: "أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ [شرّ] كُل (¬8) شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُل عين لَامَّةٍ". الهَامَّةُ يَعْني: الوَاحِدَةَ مِنْ هَوَامِّ الأرْضِ، وَهِيَ دوَابُّهَا المُؤْذِيَةُ، كَالحَيَّةِ، وَالعَقْرَبِ ونَحْوِهما. وَقَوْلُهُ: "لَامَّةٌ" وَلَمْ يَقُل ¬
مُلِمَّة، وَأصلُها (¬1) مِنْ ألمَمْتُ إْلمَامَاً فَأنَا مُلِمُّ. يُقَالُ: ذَلِكَ الشيْءُ (¬2) يَأتِيْهِ ويُلِمُّ بِهِ، وذلك لأنهُ (¬3) لَمْ يُرِد طَرِيْقَ الفِعْلِ، وَلَكِنْ أرَادَ أنهَا ذَاتُ لَمَمٍ. كَقَوْلِ النابِغَةِ (¬4): كِلِيْنِيْ لهمٍّ يَا أُمَيْة نَاصِبِ أيْ (¬5): ذِيْ نَصَبٍ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الله -سُبْحَانَهُ (¬6) -: (وَأرْسَلْنَا الريَاحَ لَوَاقِحَ) [الحجر/ 22] وَاحِدَتُها: لاَقِحٌ؛ يَعْني أنهَا ذَاتُ لَقحٍ وَلَو كَانَ عَلَى مَذْهَبِ الفِعْلِ لَقَالَ (¬7): مُلْقِحٌ؛ لأنهَا تُلْقِحُ (¬8) السَّحَابَ وَالشَّجَرَ (¬9). وَأمَّا قَوْلُهُ: "كلِمَاتُ الله التامَّةُ" فَقَدْ فسَّرْنَاهُ فِيْمَا تَقَدمَ، وَبَيَّنَّا مَعْنَى التمَامِ فِيْهَا؛ فَأغْنَى ذلِكَ عَنْ إعَادَتِهِ هَا هُنَا (¬10). [114] [و] (¬11) قَوْلُهُ: "إنه (¬12) - صلى الله عليه وسلم - كَان يَتَعَوَّذُ مِنْ [خمس] (¬13) العَيْمَةِ ¬
وَالغَيْمَةِ وَالأيمَةِ وَالكَزْمِ وَالقَرَمِ". العَيْمَةُ: شَهْوَةُ اللَّبَن حَتى لَا يُصْبَرَ عَنْهُ، يُقَالُ: عَامَ الرجُلُ يَعِيْمُ عَيْمَاً، ورَجُلٌ عَيْمَانُ. وَالغَيْمَةُ: أَنْ يَكُوْنَ الإنْسَانُ شَدِيْدَ العَطَشِ، كَثيرَ الاسْتِسْقَاءِ لِلْمَاءِ. وَالأيمَةُ: طُوْلُ التَّعَزُّبِ، مِنْ قَوْلِكِ رَجُلٌ: أيْمٌ، وَامْرأة أيْمٌ. إذَا كَانَا عَزْبَيْن. وَأخْبَرَنِي أبو عُمَر (¬1) عَنْ أبِي العَباسِ، أحْمَدِ بْنِ يَحْيىَ (¬2)، قَالَ: العَرَبُ تَقُوْلُ في الدُّعَاءِ عَلَى الإنْسَانِ: مَا لَهُ! عَامَ وغامَ وَآمَ، فمعنى (¬3): عَامَ: أنْ تهلِكَ إبلُهُ وَمَاشِيَتُهُ؛ فَلَا يَجدُ لَبَنَاً يَحْلِبُهُ. وَمَعْنَى غَامَ: أنْ يَشْتَدَّ عَطَشُهُ فَلَا (¬4) يَجدُ مَاء يَشْرَبُهُ. وَمَعْنَى (¬5) آمَ: أنْ تَطُوْلَ أيمَتُهُ؛ فَلَا يَجدُ نِكَاحَاً. وَأما القَرَمُ: فَهُوَ فِي اللَّحْمِ كَالعَيْمَةِ في اللَّبَنِ؛ يُقَالُ: قَرِمْتُ إِلَى اللَّحْمِ فَأنَا قَرِمٌ إلَيْهِ. وَأما الكَزْمُ: فَشِدَّةُ الأكْلِ، [مِنْ قَوْلِكَ] (¬6): كَزَمَ الرجُلُ الشيْءَ بِفيه يَكْزِمُهُ كَزْمَاً؛ إذَا كَسَرَهُ، المَصْدَرُ سَاكِنُ الزاي، وَالاِسم بِفَتْحِهَا. وَيُقَالُ: كَزَمَ، وَأزَمَ، وَبَزَمَ، وَكَدَمَ، وَعَذَمَ، كُلُّهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. ¬
[115] [و] (¬1) قَولُهُ -[صلى الله عليه وسلم] (1) - إذَا نَزَلَ مِنْ (¬2) سَفَرِهِ أرْضَاً: "يَا أرْض، رَبِّيْ وَرَبّكِ الله أعُوْذُ بالله مِنْ شَرِّكِ، وَشَر مَا فِيْكِ، وَشَر مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ من أسَدٍ، وَأسْوَدَ، وَمِنْ سَاكِنِ البَلَدِ، وَمِنْ (¬3) وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ". يَعْني بِالأسْوَد: الحَيَّة، وَسَاكِنِ البَلَدِ: الجِنَّ (¬4)؛ وَذَلِكَ أنَّهمْ سُكانُ الأرْضِ. وَالعَرَبُ تُسَمَّي الأرْضَ المُسْتَوِيةَ: بَلَدَاً، وَإنْ لَمْ تَكُنْ مَسْكُوْنَةً وَلاَ ذَاتَ أبْنِيَةٍ. قَالَ الشَاعِر (¬5): وَبَلَدٍ لَيْسَ بِهِ أنِيْسُ ... إلا اليَعَافيرُ وَإلاَّ العِيْسُ ¬
وَقَالَ النابِغَةُ (¬1): هَا إنَّ تا (¬2) عِذْرَةٌ إنْ لَم تَكُنْ نَفَعَتْ ... فَإن صَاحِبَهَا قَدْ تَاهَ فِي البَلَد يُرِيْدُ مَتَائِهَ الأرْضِ وَمَجَاهِلَهَا. وَالوَالِدُ (¬3): إبْلِيْسُ، وَمَا وَلَدَ: نَسْلُهُ وَذرِّيَتُهُ. [116] [و] (¬4) قَوْلُهُ -[صلى الله عليه وسلم] (¬5) -: (اللهم إني أعوْذُ بِك مِنَ ¬
الضِّبَنَةِ فِي السفَرِ (¬1)، وَكَآبة الشطةِ، وَسُوْءِ المُنْقَلَبِ". الضِّبنَة: عِيَالُ الرَّجُلِ [وَمنْ يَلْزَمُهُ فِي نَفَقَتِهِ] (¬2). وَسُمُّوْا ضِبْنَةً؛ لأنَّهُم فِي ضِبْنِ مَنْ يَعُولُهُمْ. وَالضِّبْنُ: مَا بين الكَشْحِ وَالإبِطِ؛ تَعَوَّذ بِاللهِ مِنْ كثرَةِ العِيَالِ، وَخَصَّ بِهِ (¬3) حَالَ السَّفَرِ، لأنهُ مَظِنةُ الإقْوَاءِ (¬4). وَفِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ: وَهُو (¬5) أنْ يَكُوْنَ إنما تعَوَّذَ مِن صُحْبَةِ مَنْ لَا غَنَاءَ (¬6) فِيْهِ، وَلَا كِفَايةَ، وَإنما هُوَ كَلٌّ، وَعِيَالٌ عَلَيْهِ. وَالشِّطَّةُ: بُعْدُ المَسَافَةِ. يُقَالُ: شَطَّ المَكَانُ: إذَا بَعُدَ يَشُطُ ويَشِطُ. وَيُقَالُ: شَطَّتْ بِهِ النَّوَى إذَا بَعُدَتْ. [117] [و] (¬7) قَوْله -[صلى الله عليه وسلم] (¬8) - حين قَنَتَ فِي صَلَاةِ الفجرِ فَقَالَ: "اللهم قَاتِلْ كَفَرَةَ أهْلِ الكِتَابِ، وَاجْعَلْ قلُوبَهُم كَقُلُوْبِ نِساءٍ كَوَافِرَ". ¬
المعنى (¬1): كقُلُوبهِنَّ في الاخْتِلَافِ، وَقِلَّةِ الائْتِلَافِ، وَأرَاهُ عَنَى الضَّرَائِرَ مِنْهُنَّ لأن ذَلِكَ أشَدُّ لِاخْتِلَافهِنَّ وَمُنَافَسَةِ بَعْضِهِنَ بَعْضَاً. وَفي الكَوَافِرِ وَجْهَانِ؛ أحَدُهُما: الكُفْرُ بِاللهِ -جَل وعَز (¬2) - وَذَلِكَ أشَد لاخْتِلَافِهِنَّ. قَال اللهُ [تَعَالَى] (¬3): (وَألقَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلَى يوْمِ القِيَامةِ) [المائدة/64]. وَالقَوْلُ الآخَرُ: أنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ مِنْ كُفْرَانِ النَّعَمِ وَهُنَّ مِنْ أقَلِّ الناسِ شُكْرَاً لِلْعَوَارِفِ وَكَذَلِكَ (¬4) [118] قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشيرَ". وَفِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ؛ وَهُوَ أن الكَوَافِرَ يُرَعْنَ أبَدَاً بالصَّبَاحِ والبَيَاتِ فِيْ عُقْرِ دَارِهِن فَقُلُوْبُهُنّ تجب (¬5) أبداً. [119] [و] (¬6) قَوْلُهُ (¬7) -حِيْنَ اسْتَأذَنَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنَ ¬
اليَهُوْدِ فَقَالُوا: "السَّامُ عَلَيْكُِم أبَا القَاسِمِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ [رضي الله عنها] (¬1): عَلَيْكُمُ السَّامُ واللَّعْنَةُ والأفْنُ والذَّامُ". السَّامُ: فَسَّرَهُ أبُو عُبَيْد فَقالَ: هُوَ الموْتُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُو السَّآم مَمْدُوْدٌ مَهْمُوزٌ؛ أيْ: تَسْأمُوْنَ ديْنَكُمْ. مَصْدَرُ سَئِمَ سَآمَةٌ وَسَآمَاً، والأفْنُ: النَّقْصُ. والذَّامُ: العَيْبُ. وَمِثْلُهُ الذَّانُ. [120] [و] (¬2) قَوْلُهُ: [كَانَ رَسُولُ اللُهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ] (¬3): "إذا هَاجَتِ الرِّيْح اللهم اجْعَلْهَا رِيَاحَاً وَلَا تَجْعَلْهَا رِيْحَاً". مَعْنَى ذلِكَ -والله أعْلَم- أن الريَاحَ إذَا كَثُرَتْ جَلَبَتِ السَّحَابَ وَكَثر المَطَرُ (¬4) فزكَتِ الزُرُوْعُ والثِمَارُ وِإذَا لَمْ تَكْثر وَكَانَتْ رِيْحَاً (¬5) وَاحِدَة؛ فَإنها تَكُوْنُ عَقِيماً وربما كَانتْ عَذَابَاً. وَالعَرَبُ تَقُوْلُ: لَا تَلْقَحُ السَّحابُ إلا مِنْ رَياحٍ. وَقَالَ الأصْمَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الأعْرَابِ: إذا كَثُرَتْ المُؤتَفِكَاتُ زَكَتِ الأرْضُ. [121] وَقدْ رُوِيَ مَعْنَى مَا ذكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَباسٍ، حدثناه ¬
الأصَمُّ، قَالَ: حَدثَنَا الرَّبِيْعُ، قَالَ: أخْبَرَنَا الشَافِعِي، قالَ: أخْبرَنَا مَنْ لَا أتَّهمُ، قَالَ: أخْبَرَنَا العَلاَءُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي كِتَابِ الله -يَعْني آيةَ الرَّحْمَةِ- (وَأرْسَلْنا الرِّيَاحَ لَواقِحَ) [الحجر/22] وَقالَ: (وَهُو الذِيْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَاً بينَ يَدِيْ رَحْمَتِهِ) [الأعراف/57]. وَقَالَ (¬1) -يَعْني فِي آيَةِ العَذَابِ-: (وَفِي عَادٍ إذْ أرْسَلْنَا عَلَيْهِم الرِّيحَ العَقِيْمَ) [اَلذاريات/ 41]. وَقَالَ: (إنا أرْسَلْنَا عَلَيْهِم رِيْحَاً صَرْصَرَاً) [القمر/19]. [122] [و] (¬2) قَوْلُهُ: "اللهم عَلَى الآكام والظِّرَابِ" الأكَامُ: جَمْعُ الأكمَةِ، وَالظِّرَابُ: "الهِضَاب جَمْعُ الظِّرْبِ (¬3). قَالَ الشاعِرُ (¬4): إنَّ جَنْبِي عَنِ الفِراشِ لَنَابي ... كَتَجَافِي الأسَرِّ فَوْقَ الظِّرَابِ [123] [و] (1) قَوْلُهُ: "اللهم اشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلَى مُضَرَ، ¬
وَاجْعَلْهَا [عليهم] (¬1) سِنينَ كَسِنيِّ يوسُفَ" مَعْنَى الوَطْأةِ: العُقوبَةُ وَالمَشَقَّةُ (¬2)، وَأرِيْدَ بِهِ (¬3) هَا هُنا: ضِيْقُ المَعِيْشَةِ وَهُو (¬4) مَأخوذٌ [مِنْ وَطءِ الدَّابَّةِ الشيْءَ] (¬5)، وَرَكْضِهَا إياهُ برِجْلِهَا، وَقَدْ يُوْصَفُ بَعْض السَّلَاطِين بِثِقَلِ الوَطْأةِ. يُرَادُ: سُوْءُ السِّيْرَةِ، والعُنْفُ في السيَاسَةِ. قَالَ (¬6) الشَّاعِرُ (¬7): ووَطئْتَنَا وَطْئاً عَلَى حَنَقٍ ... وَطْءَ المُقَيَّدِ يَابِسَ (¬8) الهَرْمِ (¬9) وَسِنيُّ يُوسُفَ: هِيَ المَجَاعَةُ التي ذَكَرَهَا الله فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] (¬10): (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سنينَ دَأبَاً) الآية [يوسف/47]. [124] [و] (1) قوْلهُ لِعَلِيٍّ: "سَلِ الله الهدَى وَأنتَ تعْنِي ¬
بِهُدَاكَ هِدَايَةَ الطرِيْقِ وَسَلِ الله السَّدَادَ وَأنْتَ تَعْنِي بِذَلِكَ سدَادَ السَّهْمِ" مَعْنَى هَذَا الكَلَامِ: أن الرامِي لا يَرْمِي إلا بِالسَّهْمِ الذي قَدْ سُوِّيَ قِدْحُهُ وَأصْلَحَ رِيْشَهُ وَفُوْقَهُ، حَتَى يَعْتَدِلَ وَيَتَسَدَّدَ، وَإنهُ مَهْمَا قَصُر عَنْ شَيْءٍ [من هذا] (¬1) لَمْ يَتَسَدَّدْ رَمْيُهُ وَلَمْ يَمْضِ (¬2) نحْوَ الغَرَضِ سَهْمُهُ. فَأمَرَ الدَّاعي إذَا سَألَ الله السَّدَادَ أنْ يُخْطِرَ بِبَالِهِ (¬3) صِفَةَ هَذَا السَّهْمِ المُسَدَّدِ، وَ [أن] (¬4) يُحْضِرَهَا لِذِكْرِهِ؛ لِيَكُوْنَ مَا يَسْألُ الله -جَل وَعَز- منه عَلَى شَكْلِهِ وَمِثالِهِ؛ وَكَذلِكَ هَذَا المَعْنَى في طَلَبِ الهُدَى، جَعَلَ هِدَايَةَ الطَرِيْقِ مَثَلاً لهُ، إذْ كَانَتْ (¬5) الهُدَاةُ لا يَجُورُوْنَ عَنِ القَصْدِ، وَلَا يَعْدِلُوْنَ عَنِ المَحَجَّةِ، إنما يَرْكَبُوْنَ الجَادَّةَ فَيَلْزَمُوْن (¬6) نَهْجَهَا [و] (¬7) يَقُوْلُ: فَلْيَكُنْ مَا تَؤُمُّهُ مِنَ الهُدَى، وَتَسْلُكُهُ مِنْ سَبِيْلِهِ كَذَلِكَ. [125] [و] (7) قَوْلُهُ: "أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ وَضَلَعِ الدَيْن" [الهَمُّ: لِمَا يستقبلُ، والحَزَنُ: لِمَا مَضَى] (¬8) وَضَلَعُ الدَّيْنِ: ¬
ثِقلُهُ، وَغِلَظُهُ؛ وَالضَّلِيْعُ: الغَلِيْظُ (¬1) مِنْ كُل شَيْءٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أكَلَ الرَّجُلُ حَتى تَضَلَّعَ. [126] [و] (¬2) قَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ (¬3) إنِّي أعُوْذُ بِكَ من فقر مُرِبٍّ أو مُلِبٍّ". المُلِبُّ: المُقْعَدُ (¬4) المُلْزَقُ بِالأرْضِ. يُقَالُ: أرَبَّ بِالمَكَانِ، وَألَبَّ بِهِ؛ إذَا أقَامَ، وَهَذَا كَقَوْلِ النَّاسِ قَدْ لَزِقَ فُلَانٌ بالتُّرَابِ (¬5) إذا افْتَقَرَ، قُلْتُ (¬6): وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ. [127] لِقَوْلِهِ: "اللَّهُمّ أحْيِنيْ مِسْكِيْنَاً، وأَمِتْني مِسْكِيْنَاً، وَاحْشُرْني في زُمْرَةِ المَسَاكين" وَمَعْنَىَ المَسْكَنَةِ، هَا هُنَا (¬7)، التوَاضُع، وَالإخْبَاتُ، وَإنما سَألَ الله أنْ لَا يَجْعلهُ مِنَ الجَبَّارِيْنَ المتكَبِّرِيْنَ، وَأنْ ¬
لاَ يحشُرَهُ في زُمْرَتِهمْ، وَقَال بَعْضُهُمْ: المَسْكَنَةُ حَرْفٌ مَأخُوْذٌ مِنَ السُّكُوْنِ، يُقَالُ: تَمَسْكَنَ الرَّجُلُ: إذَا لَانَ، وَخَشَع. قَالَ: والميْمُ فِيْهِ زِيَادةٌ (¬1)، وَهَذَا كَمَا قِيْلَ (¬2): تمَدْرَعَ الرجُلُ، وَأصْلُهُ: تَدَرَّعَ من الدُّرَّاعة (¬3). قُلْتُ (¬4): وَتَعَوُّذُهُ مِنَ الفَقْرِ فِي سَائِرِ الأخْبَارِ إنمَا هُوَ فَقْرُ النفْسِ، وَقَدْ يَكُوْنُ إنمَا تَعَوَّذَ مِنْ سُوْءِ احْتِمَالِ الفَقْرِ، وَقِلَّةِ الرِّضَا بِهِ. [128] [و] (¬5) قَوْلُهُ: "اللهم إني أسْألُكَ غِنَايَ، وَغِنَى مَوْلَايَ" المَوْلَى: الوَلي هَا هُنا (¬6). وَكُلُّ وَليٍّ لِلإنْسَانِ فَهُوَ مَوْلَاهُ، مِثلُ الأب والأخِ وَابْنِ الأخِ، وَالعَمِّ وَابْنِ العَمِّ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنَ العَصَبَةِ ¬
كلِّهِم؛ وَمِنْهْ قَوْل الله -سبحَانَهُ (¬1) -: (وَإني خِفْتُ المَوَاليَ مِنْ ورَائي) [مريم/5] ومما يُبَيِّن لَكَ أن (¬2) المَوْلَى كلُّ وَليٍّ [129] قَوْلُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيمَا امْرأةٍ نُكِحَتْ بِغير إذْنِ مَوَالِيهَا فنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" أَرَادَ بِالموَالي: الأوْليَاءَ. [130] [و] (¬3) قَوْلُهُ لِعَائِشَةَ [رضي الله عنها] (¬4): وَسَمِعَها تدْعُو عَلى سَارِقٍ سَرَقَهَا: "لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ بِدُعَائِكِ عَلَيْهِ" قالَ الأصْمَعِي: يُريْدُ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ بِدُعَائِكِ. ويقال (¬5): اللهم سَبِّخْ عَني الحُمَّى؛ أَيْ: سُلَّهَا وَخَفِّفْهَا. وَمِنْ هَذَا قِيْلَ لِقطعِ القُطْنِ إذَا نُدِفَ: سَبَائِخُ. ¬
وَقَالَ (¬1) أعْرَابيٌّ فِي كَلَامِهِ: الحَمْدُ للهِ عَلَى تَسْبِيخِ العُرُوْقِ، وَإسَاغَةِ الرِّيقِ. [131] نَهيُهُ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُقَال: "بالرِّفَاءِ وَالبَنين"، قَالَ الأصْمَعِي: مَعْنَاهُ: الاتِّفَاقُ، وَحُسْنُ الاجْتِمَاع، وَمِنْهُِ أُخِذَ رَفْؤُ الثوْبِ لأنهُ يُرْفَأ فَيُضَم بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، ويكوْنُ الرِّفَاءُ (¬2) مِنَ الهُدُوْءِ والسُّكُوْنِ أيْضَاً. قَالَ أبو خِراش (¬3): رَفَوْني وَقَالُوا يَا خُويلِدُ لَم تُرَعْ ... فَقُلْتُ وَأنْكَرْتُ الوُجُوْهَ: هُمُ هُمُ (¬4) [132] [و] (¬5) قَوْلُهُ: "عَطَسَ عِنْدَ النبِي [- صلى الله عليه وسلم -] (¬6) رَجُلَانَ ¬
فَشَمَّتَ أحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّت الآخرَ" قَوْلُهُ: شَمَّتَ، مَعْنَاهُ: دَعَا له، [133] كَقَوْلهِ: "يَرْحَمُكُم اللهُ، أوْ يَهْدِيْكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ". [أخْبَرَني عُمَرُ بْنُ أحْمَدَ المتوْثيُّ، قَالَ: سَمِعْثُ أبَا مُسْلِمٍ الكَجِّي (¬1) يَقُوْل: سَمِعْتُ أبَا زيدٍ، (¬2) يَقُوْلُ: شمَّتَ، وَسَمَّتَ: لُغَتَانِ، والشيْن أعْلَى فِي كَلَامِهِمْ. [134] [و] (¬3) قَوْلُهُ -[- صلى الله عليه وسلم -] (¬4) -: "إنهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِيْ حَتى أسْتَغْفِرَ اللهَ كَذَا [و] (¬5) كَذَا مَرَّةً" [و] (5) قَال أبو عُبَيْدَةَ (¬6): يَعْنِي ¬
ومن دعائه [- صلى الله عليه وسلم -] في الاستسقاء:
أنه يَتَغَشَّى القَلْبَ مَا يُلْبِسُهُ، وَقَالَ غيرُ أبي عُبَيْدةَ (¬1): كَأنهُ يَعني (¬2) مِنَ السَّهْوِ. وَقَالَ (¬3) الأصْمَعِيُّ: غِيْنَتِ الَسمَاءُ غَيْنَاً، قَالَ (¬4): وَهوَ إطْبَاقُ الغَيْم السماء (¬5). قلْتُ (¬6): وَلَيْسَ هَذَا عَلَى أنه كَانَ يَغْشَىِ قَلْبَهُ شَكٌّ بَعْدَ المَعْرِفَةِ، أوْ رَيْبٌ بَعْدَ اليَقين، وَإنما ذلِكَ لأنه -[- صلى الله عليه وسلم -] (¬7) -: كَانَ لَا يَزَالُ فِي مَزِيْدٍ مِنَ الذِّكْرِ، وَالقرْبَةِ، وَدَوَامِ المُرَاقبَةِ. فَإذَا سَهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا فِي بَعْضِ الأحْوَالِ، وَغَلَب عَلَيْهِ النسْيَانُ لِمَا فِيْهِ مِنَ الطبْعِ البَشَرِي عَدَّهُ عَلَى نَفْسِهِ ذَنْبَاً، وَفَزِعَ إلَى التوبةُ والاسْتِغْفَارِ. وَمِنْ دُعَائِهِ [- صلى الله عليه وسلم -] في الاستسقاء (¬8): [135] "اللهُم ضَاحَتْ بِلَادُنَا، وَاغْبَرَّت أرْضنَا، وَهَامَتْ ¬
دوَابُّنَا، اللهم ارْحَمْ بَهَائِمَنَا الحَائِمَةَ (¬1)، وَالأنْعَامَ السَّائِمَةَ، وَالأطْفَالَ المُحْثَلَة" (¬2). [و] (¬3) قَوْلُه: "ضَاحَتْ بِلَادُنَا" [إنما هُوَ "فَاعَلَتْ"] (¬4)، مِنْ ضَحَى المَكَانُ، وَضَحِيَ -لُغتان- إذَا بَرَزَ لِلشَّمْسِ يَضْحَى. [وَضَحِيَ الرجلُ يَضْحَى؛ إذَا أصَابَهُ حَرُّ الشمْسِ] (¬5)؛ قَالَ الله [تعالى] (¬6): (وَأنَّكَ لَا تَظْمأُ فِيْهَا وَلاَ تَضْحَى) [طه/119] وَقَوْلُه: "هَامَتْ دوَابُّنَا" أيْ: عَطِشتْ، وَالهَيْمَانُ: العَطْشَانُ، وَالحَائِمَةُ: هِيَ التي تَنْتَابُ أمَاكِنَ المَاءِ فَتَحُوْمُ عَلَيْهِ؛ أيْ: تَطُوْفُ، وَلَا تَرِدُ. يُرِيْدُ: أنها لَا تَجدُ مَاءً ترِدُهُ. وَالأطْفَالُ المُحْثَلَةُ: هُمُ الذِيْنَ انْقَطَعَ رَضَاعُهُمْ والحَثْلُ: سُوْءُ الرَّضَاع. قَالَ ذو الرمة (¬7): ¬
عوَاء فَصِيْلٍ آخِر اللَّيْلِ مُحْثَلِ [136] [و] (¬1) قَوْلُهُ: إِذَا مُطِرَ: "اللَّهُمْ سَيْبَاً هَنِيْئَاً". [هكذا] (¬2) قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ في رِوَايَتِهِ: وَرُبما (¬3) رُوِيَ لَنَا صَيْبَاً، وَهُوَ أجْوَدُ. و (¬4) السَّيْبُ: العطاء -بِفَتْحِ السين- وَالسِّيْبُ: مَجْرَى المَاءِ -بِكَسْرهَا-، يُقَالُ: سَابَ المَاءُ سُيُوْبَاً: إِذَا جَرَى. فَأمَّا (¬5) الصَّيْبُ فَأصلُهُ: الصَوْبُ، يُقَالُ: صَابَ المَطَرُ يَصُوْبُ صَوْبَاً؛ إذَا نَزَلَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الله -سُبْحَانَهُ (¬6) -: (أوْ كَصَيِّب مِنَ السمَاءِ) [البقرة/ 19]. وَوَزْنُهُ (¬7) فَيْعِلٌ، مِنْ صَابَ يَصُوْبُ: إذَا نَزَلَ. ¬
[137] [و] (¬1) قوْلُهُ: "تَعَوَّذُوا بالله مِنَ (¬2) الأعْمَيين، وَمِنْ قِتْرَةَ وَمَا وَلَد". يُرِيْدُ بِالأعْمَيين: السَّيْلَ وَالحَرِيْقَ. وَقيل (¬3) لَهُمَا الأعْمَيَانِ، لأنهُ (¬4) لَا هِدَايَةَ لَهُمَا، إنما يَتَعَسَّفَانِ بِمنزِلَةِ العُمْيَانِ. وَيرْوَى أيْضَاً: الأيْهمَين وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. وَمِنْ هَذَا قِيْلَ لِلْمَفَازَة (¬5) التي لَا يُهْتَدَى فِيْهَا لِلْطرِيْق (¬6) اليَهْمَاءُ. وَقتْرَةُ: اِسْمُ إبْليْسَ، وَيُقَالُ: كُنْيَتُهُ أبُو قِتْرَةَ. وَابْنُ قُتْرَةَ حَيَّةٌ خَبِيثةٌ. [138] [و] (¬7) قَوْلُهُ: [- صلى الله عليه وسلم -] (¬8) فِي الاسْتِسْقَاءِ: "اللهُم اسْقِنَا ¬
غَيْثَاً مُغِيْثَاً، وَحَيَاً رَبِيْعَاً، وَجَدَاً طَبَقَاً [غدقاً] (¬1)، مُغْدِقاً مُونقَاً هَامِياً (¬2)، هَنِيْئَاً مَرِيئَاً مَرِيْعَاً مُرْبعَاً (¬3) مُرْتِعَاً وَابِلًا سَابِلًا مُسْبِلًا مُجَلِّلاً دِيَمَاً. دِرَراً نَافِعَاً غيرَ ضَارٍّ [و] (¬4) عَاجِلًا غيرَ رَائِثٍ، تُحْييَ بهِ البِلَادَ، وَتُغِيثُ بِهِ العِبَادَ، وَتَجْعَلُهُ بَلَاغَاً لِلْحَاضِرِ مِنَّا وَالبَادِ [اللهم أَنزِلْ عَلَيْنا فِي أرْضِنَا زينَتَهَا وَأنْزِلْ عَلَيْنَا في أرْضِنَا سُكْنَهَا] (¬5). الغَيْثُ: هو المُحْييِ بإذْنِ اللْهِ، وَكَذَلِكَ الحَيَا، مَقْصُوْرٌ، هُوَ الذِي تَحْيَا بِهِ الأرْضُ، والمال. يقال: فيه إحياء الناس (¬6). وَالجَدَا: المطرُ العامُ، وهو مقصورٌ وَمِنْهُ أُخِذَ جَدَى العَطِيَّةِ وَالجَدْوَى. وَالطَّبَقُ ¬
الذي يُطَبِّقُ وَجْهَ الأرْضِ، وَالمُغْدِقُ (¬1) وَالغَدَق: الكَثير القَطْرِ. وَالمُونقُ: المُعْجِبُ، يُقَالُ: آنَقَني الشيْءُ، أيْ: أعْجَبَنيْ. والمَرِيْعُ: ذو المَرَاعَةِ وَالخِصْبِ، يقالُ: أمْرَعَ الوَادِيْ: إذَا أنْبَت، فَإنْ قَدمتَ العينَ فَقُلْتَ (¬2): أمْعَرَ الوَادي كَانَ ضِدَّ ذَلِكَ. وَيُقَالُ (¬3): أمْعَرَ (¬4) الرَّجُلُ (4): إذَا ذهبَ مَالُهُ، وَمَتَاعُهُ، وَفِي الحَدِيْثِ: [139] "مَا أمْعَرَ حَاجٌّ قَطُّ" أيْ: مَا افْتَقَر. وَالمرْتِعُ إذَا رويتَهُ بالتَّاءِ، كَانَ [من] (¬5) رَتَعَتِ الإبِلُ إذَا رَعَتْ؛ يُرِيْدُ أنهُ يُنْبِتُ لَهَا مَا تَرْتَعُ فِيْهِ، وإنْ رَويتَهُ بِالبَاءَ كَانَ منْ قَوْلكَ: رَبَعْتُ بِالمَكانِ إذَا أقَمْتَ بِهِ؛ يريد: أن هَذَا المطرَ يُرْبِعُهُمْ؛ أيْ: يَحْبِسُهُمْ وَيُغْنِيْهِمْ عَنِ الارْتيَادِ وَالنُّجْعَةِ، ويكُونُ المُرْبِعُ أيْضَاً بمعْنَى: المُنْبِت لِلْربِيْعِ. وَالوَابِلُ: المَطَرُ الشدِيْدُ الضخمُ القَطْرِ، وَمِنْهُ يَكُوْنُ السَّيْلُ. والدِّيْمَةُ: ¬
المَطَرُ يَدُوْمُ مَعَ سُكُونٍ، وَالجَوْدُ الذِي يُرْوِيْ كُل شَيْءٍ. وَالسَّابِلُ: مِنَ السَّبَلِ، وَهُوَ المَطَرُ. يُقَالُ: سَبَلٌ سَابِلٌ. وَالمُجَلِّلُ (¬1): الذِي يُجَلِّلُ الأرْضَ بِمَائِهِ أوْ بِنَبَاتِهِ، كَأنهُ يَكْسُوْهَا ذَلِكَ. وَدرَرٌ: جَمْعُ دِرّةٍ، والرَّائِثُ: البَطِيْءُ، يُقَالُ: رَاثَ عَلَيْنَا؛ أيْ: أبْطَأ. وَزِيْنةُ الأرْضِ: النبَاتُ، كَقَوْلهِ -[جَلَّ وَعَزَّ] (¬2) -: (حَتى إذَا أخذَت الأرْضُ زُخْزفَهَا وَازَّيَّنَتْ) [يونس/ 24]. وَسُكْنُهَا: قُوْتُهَا، وَهُوَ مَأخُوْذٌ مِنْ سَكَنْت المَكَانَ. أسْكُنُهُ سُكُوْنَاً. وَإنما قِيْلَ لَهُ: سُكْنٌ، لأنَّهُ المَكَانُ الذي (¬3) يُسْكَنُ بِهِ. وهُوَ مِثْلُ قَولهمْ: نُزْلُ العَسْكَرِ؛ لأن النُّزُوْلَ إنما يَكُوْنُ بِهِ لأهْلِ العَسْكَرِ. [140] قَوْلُهُ -[- صلى الله عليه وسلم -] (¬4) -: "اللهم لا تُطِعْ فِيْنَا تَاجِرَاً (¬5) وَلَا مُسَافِرَاً" مَعْنَاهُ لَا تَسْتَجِبْ فِيْنَا دُعَاءَهُمَا في إمْسَاكِ المَطَرِ؛ فَإنَّ التاجِرَ يُرِيْدُ الغَلَاءَ، وَالمُسَافِرَ يَكْرَهُ المَطَرَ لِئَلاَّ (¬6) يَحْبِسَهُ عنِ السَّير (¬7). ¬
رُوِيَ (¬1) عَن قَتَادةَ أنهُ قَالَ: "لَوْ أطَاع الله الناسَ في الناسِ لَمِْ يَكُنْ نَاسٌ" يُرِيْدُ: أن الناسَ يَدْعُونَ اللهَ أن يَرْزُقَهُمْ الذكْرَانَ مِنَ الوَلَدِ، وَلَوْ رُزِقُوا كلُّهُمُ الذكُوْرَ لَمْ تَبْقَ أُنثى، وَانْقَطَعَ النسْلُ. [141] قَوْلُهُ: [- صلى الله عليه وسلم -] (¬2): "أكثرُ دُعَائي وَدُعَاءُ الأنْبِيَاءِ قَبْلي، بِعَرَفَاتَ، لَا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْد، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيْر" مَعْنَاهُ: أكْثرُ مَا أفْتَتِحُ بِهِ دُعَائي (¬3) وَأقَدِّمُهُ أمَامَهُ مِن ثَنَائي عَلَى الله -عَز وَجَل (¬4) - وَذَلِكَ أن الدَّاعِي يَفْتَتِحُ (¬5) دُعَاءَهُ بِالثَّناءِ عَلَى اللْه -سُبْحَانَهُ- وَيُقَدِّمُهُ أمَامَ مَسْألَتهِ، فَسَمَّى الثَّنَاءَ دُعَاءً؛ إذْ كَانَ مُقَدِّمَةً لَهُ وَذَريعَةً إلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي تَسْمِيَةِ الشيْءِ بِاسْمَ سَبَبِهِ. وَحَدَّثَني أحْمَدُ بْنُ المُظَفَّرِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الكِيْلاَنيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَاَ الحُسينُ بْنُ الحَسَنِ المُرْوَزِيُّ، فَالَ: سَألْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ [هَذَا؛ فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ثَنَاءٌ] (¬6)، وَلَيْسَ بِدُعَاءٍ!. ¬
[142] فَقَالَ: أمَا (¬1) بَلَغَكَ حَدِيْثُ منْصُوْرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الحَارِتِ: "يَقُوْلُ الله -سُبْحَانَهُ: إذَا شَعَلَ عَبْدِي ثَنَاؤهُ عَلَيَّ عَنْ مَسْألَتِي أعْطَيْتُهُ أفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلينَ" فَقُلْتُ: حَدَّثَني عَبْدُ الرحْمنِ بْنُ مَهْدِي، عَنْ سُفْيَانَ الثَّورِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَحَدَّثَني أنتَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الحَارِثِ فَقَالَ: هَذَا تَفْسِيْرُهُ. ثُم قَالَ: أمَا بَلَغَكَ مَا قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أبي الصَّلْتِ حينَ أتى ابْنَ جُدْعَانَ يَطْلُبُ فَضْلَهُ وَنَائِلَهُ، فَقَالَ: أأطلُبُ حَاجَتي أمْ قَدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُكَ إن شِيْمَتَكَ الحَيَاءُ إذَا أثْنَى عَلَيْكَ المَرْءُ يَوْمَاً ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ (¬2) ثُم قَالَ: يَا حُسَيْنُ هَذَا مخلُوْق يُكْتَفَى بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ دُوْنَ مَسْألَتِهِ فَكَيْفَ بِالخَالِقِ -جَل وَعز-؟!!. [143] [قوله: عِنْدَ رَفْعِ المَائِدَةِ: "الحمدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيراً طيِّبَاً ¬
مبَارَكاً فيه غير مَكفيٍّ ولا مودَّع ولا مُسْتَغْنىً عنْهُ رَبَّنَا". مَعنى قوله "غير مَكْفيٍّ ولامُودَّعٍ ولا مُستغْنَى عنه ربنا: إن الله تعالى هوَ المطعِمُ والكافي، وهوَ غيرُ مطعَم وَلا مَكْفِيٍّ، كَما قَالَ -عَز وَجَل-: (وهوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ) [الأنعام/14] وقولُهُ "غيرَ مودَّع" أيْ: غيرُ متروكٍ الطلبُ إلَيْهِ والرَّغْبَةُ مما عِنْدَهُ، ومنْهُ قولُة -سُبْحَانَهُ-: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) أيْ: ما تركَكَ وَلَا أهَانَكَ، ومعنى المتروكِ: المُسْتَغْنى عَنْهُ] (¬1). كمل (¬2) معاني الدعواتِ وتفسيرُها مِنْ قِبَل الشيخ أبي سُلَيْمانَ ¬
أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطابيُّ، رَضِي الله عَنهُ، وَالحَمدُ لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً. وصلى الله على محمد وآله أفْضَلَ الصَلَواتِ وأزْكَاهَا بمنِّه وَفضلِهِ. والصلاة على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
المصادر المعتمدة في التحقيق
المصادر المعتمدة في التحقيق (أ) - "إحياء علوم الدين" للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة (505 هـ) ومعه "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار" للحافظ العراقي أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين المتوفى سنة (806 هـ) المكتبة التجارية الكبرى. - "أدب الكاتب" لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي المروزي الدينوري (213 - 276 هـ) الطبعة الثالثة في 1377 هـ 1958 م. - أساس البلاغة للإمام جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة (538 هـ) الطبعة الأولى الجديدة بطريقة (الفوتوأفست) سنة 1372 هـ 1953 م. - "الأسماء والصفات" للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفى سنة (458 هـ) طبع دار إحياء التراث العربي بيروت. - "اشتقاق أسماء الله الحسنى" للزجاجي أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق المتوفى سنة 377 هـ مخطوطة عارف حكمت. - "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" للإمام شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني المعروف بابن حجر (773 - 852 هـ) تحقيق الدكتور طه محمد الزيني، الطبعة الأولى، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية: - "إصلاح المنطق" لابن السكيت، يعقوب بن إسحق المتوفى سنة (244 هـ) طبع بدار المعارف 1375 هـ- 1956 م. - "الأصمعيات" اختيار أبي سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي (122 - 216 هـ) طبع دار المعارف سنة 1964 م. - "الأضداد" لابن السكيت ضمن ثلاثة كتب في الأضداد، (للأصمعي، وللسجستاني ... ) نشرها الدكتور أوغست هفنر بيروت، دار الكتب العلمية.
(ب)
- الأضداد في كلام العرب لأبي الطيب اللغوي. - الأعلام لخير الدين زركلي الطبعة الثالثة. - "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني المتوفى (356 هـ) طبعة دار الثقافة بيروت. - "أمالي ابن الشجري" هبة الله بن علي المتوفى (542 هـ) طبعة حيدرآباد بالهند 1349 هـ. - "الأمالي" لأبي علي القالي، إسماعيل بن القاسم (288 - 356 هـ) الطبعة الثالثة طبع مصطفى إسماعيل يوسف بن دياب 1373 هـ-1953 م. - "الإنصاف في مسائل الخلاف" لابن الأنباري، أبي البركات كمال الدين، عبد الرحمن بن محمد (513 - 577 هـ) تحقيق محي الدين عبد الحميد، الطبعة الرابعة (1380 هـ- 1961 م). (ب) - "البيان والتبيين" لأبي عثمان، عمرو بن بحر الجاحظ (150 - 255 هـ) لجنة التأليف والترجمة والنشر (1367 هـ-1948 م). (ت) - "تاج العروس من جواهر القاموس" للإمام محب الدين أبي الفيض السيد محمد المرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي. منشورات مكتبة الحياة، بيروت عن الطبعة الأولى المصرية (1306 هـ). - "تاريخ بغداد" للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى (463 هـ) النسخة التي صورتها دار الكتاب العربي، بيروت. - "تاريخ الرسل والملوك" لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 - 310 هـ) طبع دار المعارت بمصر 1968 م. - "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" لابن حجر العسقلاني، أحمد بن على (773 - 852 هـ) تحقيق: علي البجاوي ومراجعة محمد علي النجار، طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة. - "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" للإمام الحافظ أبي العُلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المبارك فوري (1283 - 1353 هـ). - "تفسير أسماء الله الحسنى" إملاء أبي إسحق إبراهيم بن السري الزجاج (241 - 311 هـ) بتحقيق أحمد يوسف الدقاق، طبع دار المأمون للتراث، الطبعة الثالثة. - "تفسير البحر المحيط" لأبي حيان، أثير الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن علي
(ج)
الأندلسي الغرناطي (654 - 754 هـ) الناشر مكتبة ومطابع النصر الحديثة- الرياض. - "تفسير البيضاوي"، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، لناصر الدين أبي سعيد، عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي المتوفى (685 هـ)، دار الجيل، بيروت. - "تفسير القرآن العظيم" للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء، إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة (774 هـ) الطبعة الثانية 1373 هـ-1954م، المكتبة التجارية الكبرى. - "التكملة والذيل والصلة" على صحاح الجوهري، للحسن بن محمد بن الحسن الصغاني المتوفى سنة (650 هـ) بتحقيق عبد العليم الطحاوي، ومراجعة عبد الحميد حسن، طبع في القاهرة، مطبعة دار الكتب سنة (1970 م). - "التلخيص" لأبي هلال العسكري المتوفى سنة (395 هـ) طبع المجمع بدمشق (1390 هـ-1970 م). - "تهذيب الأسماء والصفات" للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (631 - 676 هـ) منشورات مكتبة الأسدي، المطبعة المنيرية. - "تهذيب تاريخ ابن عساكر" هذبه ورتبه الشيخ عبد القادر بدران المتوفى سنة (1346 هـ) طبع دار المسيرة، بيروت، الطبعة الثانية (1399 هـ-1979 م). - "تهذيب اللغة" لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (282 - 370 هـ) تحقيق عبد السلام هارون ومراجعة محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة (1384 هـ-1964 م). - "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للإمام الحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المِزي (654 - 742 هـ) طبعة دار المأمون للتراث، صدرت في ثلاثة مجلدات، وهي نسخة كاملة مصورة عن أصلها المخطوط، قدم له: عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق، الطبعة الأولى (1402 هـ-1982 م). (ج) - "الجامع لأحكام القرآن" لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المتوفى سنة (671 هـ)، مطبعة دار الكتب، الطبعة الثانية (1372 هـ-1952 م). - "جامع الأصول في أحاديث الرسول" للإمام مجد الدين أبي السعادات، المبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري (544 - 606 هـ) تحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الأولى (1389 هـ-1969 م). - "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة
(ح)
(310 هـ)، الطبعة الثالثة (1388 هـ-1968 م)، مصطفى البابي الحلبي. - "جمهرة الأمثال" للشيخ الأديب أبي هلال العسكري، الحسن بن عبد الله، المتوفى سنة (395 هـ) بتحقيق أبي الفضل إبراهيم، والدكتور عبد المجيد قطامش. الطبعة الأولى (1384 هـ-1964 م) طبع المؤسسة العربية الحديثة. - "جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، دار صادر، بيروت. - "جمهرة اللغة" لابن دريد -أبي بكر- محمد بن الحسن الأزدي المتوفى سنة (321 هـ)، الطبعة المصورة عن الطبعة الأولى. (ح) - "حاشية الصبان على شرح الأشموني" ومعه شواهد العيني، طبع عيسى البابي الحلبي. - "الحجة في علل القراءات السبع" لأبي علي الحسن بن أحمد الفارسي المتوفى سنة (395 هـ) طبع دار الكاتب العربي للطباعة والنشر (1385 هـ-1960 م) الجزء الأول فقط، وتقوم الآن دار المأمون للتراث بطبع الكتاب محققاً. - "الحماسة" لأبي عبادة البحتري، الوليد بن عبيد المتوفى سنة (284 هـ) تحقيق كمال مصطفى، الطبعة التجارية الأولى، سنة 1929 م. - "الحيوان" لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (150 - 255 هـ) الطبعة الثانية، بتحقيق عبد السلام هارون، طبع مصطفى البابي الحلبي. (خ) - "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب" للعلامة عبد القادر بن عمر البغدادي (1030 - 1093 هـ) الطبعة المصورة عن بولاق. (د) - "الدرر اللوامع على همع الهوامع" لأحمد بن الأمين الشنقيطي. الطبعة الأولى سنة (1328 هـ) طبعة الخانجي. - "الدرر المنثور في التفسير بالمأثور" للإمام جلال الدين السيوطي (849 - 911 هـ) طبع دار الثقافة بيروت. - "ديوان الأخطل" غياث بن غوث التغلبي، صنعة السكري بتحقيق الدكتور قباوة، دار الأصمعي في حلب. - "ديوان الأعشى" ميمون بن قيس تحقيق الدكتور محمد حسين، طبع مكتبة الآداب. - "ديوان امرئ القيس" بتحقيق أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثالثة، دار المعارف.
(ر)
- "ديوان جران العود". - "ديوان حسان بن ثابث" رضي الله عنه تحقيق الدكتور وليد عرفات، طبع دار صادر، بيروت. - "ديوان الخنساء" تماضر بنت عمر بن الشريد السلمي. طبع دار الأندلس بيروت الطبعة السادسة. - "ديوان ذي الرمة" غيلان بن عقبة المتوفى سنة (117 هـ) شرح الإمام أبي نصر بن حاتم الباهلي، تحقيق الدكتور عبد القدوس أبو صالح، طبع المجمع بدمشق (1392 هـ-1972 م). - "ديوان رؤبة بن العجاج" (65 - 145 هـ) ضمن مجموع أشعار العرب بتحقيق وليم بن الورد طبعة مصورة عن طبعة ليدن. دار الآفاق الجديدة بيروت 1979 م. - "ديوان عمرو بن أحمر الباهلي" جمعه وحققه الدكتور حسين عطوان طبع المجمع بدمشق. - "ديوان النابغة الذبياني" صنعة ابن السكيت (186 - 244 هـ) بتحقيق الدكتور شكري فيصل، طبع دار الفكر بدمشق. - "ديوان الهذليين" النسخة المصورة عن نسخة دار الكتب، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة (1384 هـ-1965 م). (ر) - "رياض الصالحين" للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (631 - 676 هـ) الطبعة المحققة عن أصولها الخطية، بتحقيق عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق ومراجعة شعيب الأرناؤوط. طبع دار المأمون للتراث بدمشق، الطبعة الرابعة. (ز) - "زاد المسير في علم التفسير" للإمام أبي الفرج عبد الرحمن الجوزي القرشي البغدادي (508 - 596 هـ) طبع المكتب الإسلامي - الطبعة الأولى (1384 هـ-1964 م) دمشق. (س) - "سرح العيون" شرح رسالة ابن زيدون. - "سفر السعادة وسفير الإفادة" للسخاوي، علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني المتوفى سنة (643 هـ) مخطوطة عارف حكمت، بالمدينة المنورة.
(ش)
- "سمط اللآلىء في شرح أمالي القالي" للوزير أبي عبيد البكري الأونبي، تحقيق العلامة عبد العزيز الميمني، طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر (1354 هـ-1936م). - "سنن الدارمي" للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي المتوفى سنة (255 هـ) طبع بعناية محمد أحمد دهمان. ْ- "سنن أبي داود" سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (202 - 275 هـ) إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس الطبعة الأولى (1388 هـ-1969 م). - "سنن الترمذي" لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (209 - 279 هـ) بتحقيق أحمد محمد شاكر ورفاقه من بعده. محمد فؤاد عبد الباقي: إبراهيم عطوة عوض. - "سنن النسائي" بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي، الناشر حسن جعنا، عن الطبعة التجارية الكبرى بمصر. - "سنن ابن ماجه" الإمام الحافظ أبي عبيد الله محمد بن يزيد القزويني (207 - 275 هـ) بتحقيق فؤاد عبد الباقي، طبع عيسى البابي الحلبي وشركاه. - "السيرة النبوية" لابن كثير الإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير (701 - 774 هـ) بتحقيق مصطفى عبد الواحد، طبع دار المعرفة (1395 هـ-1976 م) بيروت. (ش) - "شذور الذهب" للإمام أبي محمد عبيد الله بن يوسف المعروف بابن هشام الأنصاري (708 - 761 هـ) بتحقيق محيي الدين عبد الحميد الطبعة التاسعة (1382 هـ-1963 م). - "شرح أبيات مغنى اللبيب" للعلامة الشيخ عبد القادر بن عمر البغدادي (1030 - 1093 هـ) بتحقيق عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق، صدر عن دار المأمون للتراث بدمشق في ثماني مجلدات، الطبعة الأولى ما بين الأعوام (1393 هـ-1973 م) و (1401 هـ-1981 م). - "شرح أشعار الهذليين" صنعة أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري بتحقيق عبد الستار فراج ومراجعة محمود محمد شاكر. - "شرح التصريح على التوضيح" للشيخ خالد الأزهري طبع عيسى البابي الحلبي. - "شرح ديوان الحماسة" للإمام أبي زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي المتوفى سنة (502 هـ) بتحقيق محي الدين عبد الحميد. - "شرح ديوان الحماسة" لأبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي المتوفى سنة (421 هـ) نشره أحمد أمين وعبد السلام هارون. الطبعة الثانية مطبعة لجنة التأليف
(ص)
وللترجمة والنشر (1387 هـ-1967 م). - "شرح ديوان الحطيئة" لابن السكيت والسكري والسجستاني. بتحقيق نعمان أمين طه الطبعة الأولى (1378 هـ-1958 م) البابي الحلبي. - "شرح ديوان زهير بن أبي سلمى" صنعة الإمام أبي العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني "ثعلب" نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب سنة (1363 هـ-1944 م) الناشر الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة (1384 هـ-1964 م). - "شرح الشافية" لابن الحاجب رضي الدين الاستراباذي المتوفى سنة (688 هـ) مع شرح شواهدها لعبد القادر البغدادي، بتحقيق محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محيي الدين عبد الحميد، مطبعة حجازي بالقاهرة. - "شرح المفصل" لابن يعيش النحوي المتوفى سنة (643 هـ) الطبعة المنيرية. - "شرح المفضليات" لأبي محمد القاسم بن محمد بن بشار الأنباري بعناية كارلوس يعقوب لايل بيروت (1920 م) طبعة مكتبة المثنى. - "شرح مقامات الحريري" للإمام أبي العباس أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي الطبعة الثانية ببولاق سنة (1300 هـ). - "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، تحقيق أحمد محمد شاكر، طبع دار المعارف بمصر (1966 م). - "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، للإمام ابن مالك محمد بن عبد الله الطائي النحوي، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. الناشر مكتبة دار العروبة بالقاهرة. (ص) - "الصاحبي" لابن فارس المتوفى سنة (395 هـ) السلفية (1328 هـ-1910 م). - "الصحاح" لإسماعيل بن حماد الجوهري بتحقيق أحمد عبد الغفور عطار. دار الكتاب العربي بمصر، طبعة السيد حسن شربتلي مكة المكرمة (1376 هـ-1956 م). - "صحيح الجامع الصغير" بتحقيق محمد ناصر الدين الألباني، منشورات المكتب الإسلامي الطبعة الأولى (1388 هـ-1969 م). - "صحيح ابن خزيمة" لإمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (223 - 311 هـ) بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، منشورات المكتب الإسلامي. - "صحيح مسلم" ابن الحجاج القشيري النيسابوري (206 - 261 هـ) بتحقيق فؤاد عبد
(ع)
الباقى، طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه الطبعة الأولى (1374 هـ-1955 م). (ع) - "العقد الفريد" لابن عبد ربه أحمد بن محمد المتوفى سنة (328 هـ) بتحقيق العريان، الطبعة الثانية (1372 هـ-1953 م). - "عمل اليوم والليلة" لأبي بكر بن السني تحقيق عبد القادر أحمد عطا، طبع مكتبة الكليات الأزهرية، أول طبعة مخصصة (1389 هـ-1969م). - "عيون الأخبار" لابن قتيبة، أبي محمد عبد الله بن مسلم (213 - 276 هـ) نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب. (غ) - "غريب الحديث" لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي (319 - 388 هـ) طبعة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة بتحقيق الأستاذ العزباوي. - "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (224 هـ) طبعة حيدرآباد الدكن بالهند، (1384 هـ-1964 م). - "غريب القرآن" لابن قتيبة (213 - 276 هـ). (ف) - "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري، جار الله محمود بن عمر المتوفى سنة (538 هـ) تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، عيسى البابي الحلبي وشركاه. - "الفاخر" للمفضل بن سلمة المتوفى سنة (291 هـ) تحقيق عبد العليم الطحاوي، مراجعة محمد علي النجار، طبع وزارة الثقافة بمصر (1380 هـ-1960 م). - "فتح الباري شرح صحيح البخاري" للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ) بتحقيق سماحة الشيخ العلامة الجليل عبد العزيز بن عبد الله بن باز، بإشراف محمد فؤاد عبد الباقي، ومحب الدين الخطيب، المكتبة السلفية. - "الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير" لجلال الدين السيوطي، مزجهما، ورتبهما الشيخ يوسف النبهاني، طبع دار الكتاب العربي، بيروت. - "الفتوحات الإلهية على الأذكار النووية" للإمام محمد بن علان الصديقي الشافعي
(ق)
المكي المتوفى سنة (1057 هـ) طبع دار الفكر بيروت (1398 هـ-1978 م). - "فصل المقال" في شرح كتاب الأمثال، لأبي عبيد البكري، صاحب السمط، طبع دار الآفاق ومؤسسة الرسالة (1391 هـ-1971 م). - "فضل الله الصمد في شرح الأدب المفرد" للمحدث الجليل فضل الجيلاني طبع السلفية بالقاهرة (1378 هـ). - "فيض القدير" شرح الجامع الصغير للعلامة المحدث محمد عبد الرؤوف المناوي الطبعة التجارية الأولى (1357 هـ-1938 م). (ق) - "القاموس المحيط" لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، المتوفى سنة (817 هـ) الطبعة الثانية بالمطبعة الحسينية المصرية سنة (1344 هـ). (ك) - "الكامل" للمبرد أبي العباس محمد بن يزيد المتوفى سنة (285 هـ) الطبعة الأولى (1355 هـ-1936 م)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي. - "الكتاب" لسيبويه أبي بشر عمرو بن قنبر المتوفى سنة (194 هـ) طبعة بولاق. - "كتاب الأمثال" لأبي عبيد القاسم بن سلام الإمام الحافظ (157 - 224 هـ)، طبعة مركز البحث العلمي بمكة المكرمة بتحقيق الدكتور عبد المجيد قطامش. - "كتاب الصناعتين" لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري بتحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى (1371 هـ-1952 م) عيسى البابي الحلبي. - "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس"، للمفسر المحدث الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي المتوفى سنة (1162 هـ) طبع دار إحياء التراث العربي بيروت. - "كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال" للعلامة علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري المتوفى سنة (975 هـ)، نشر مكتبة التراث الإسلامي حلب. (ل) - "اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي،
(م)
الطبعة الثانية (1395 هـ-1975 م) الناشر دار المعرفة، بيروت. - "لسان العرب" لابن منظور أبي الفضل، جمال الدين محمد بن مكرم المصري، طبع بيروت (1376 هـ-1956 م) دار صادر. - "لسان الميزان" للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (773 - 852 هـ) طبعة مصورة عن طبعة حيدرآباد الدكن المطبوعة سنة (1329 هـ). (م) - "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى التميمي المتوفى سنة (210 هـ) بتحقيق الدكتور فؤاد سزكين الطبعة الأولى (1374 هـ-1954م). الخانجي. - "مجمع الأمثال" للمهداني أبي الفضل أحمد بن محمد المتوفى سنة (518 هـ) الطبعة الثانية (1379 هـ-1959 م) مطبعة السعادة. - "مجمع الزوائد" لعلي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة (807 هـ) طبع القدسي سنة (1352 هـ). - "المجموع شرح مهذب الشيرازي" للإمام أبي زكريا محي الدين بن شرف النووي (631 - 676 هـ) بتحقيق محمد نجيب المطيعي. المكتبة العالمية بالفجالة. - "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها" لأبي الفتح عثمان بن جني بتحقيق علي النجدي ناصف، والدكتور عبد الحليم النجار، والدكتور عبد الفتاح الشلبي، طبع القاهرة سنة (1386 هـ). - "مختار الشعر الجاهلي" للأعلم الشنتمري بتحقيق مصطفى القاطع. طبع مصطفى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الثانية (1368 هـ-1948 م). - "مختصر لقط المنافع" مخطوط في 12 ورقة لابن الجوزي مصورة من دار المأمون للتراث عن مكتبات حلب. - "المساعد على تسهيل الفوائد" شرح الإمام الجليل بهاء الدين بن عقيل على كتاب التسهيل لابن مالك، تحقيق الدكتور محمد كامل بركات طبع مركز البحث العلمي بمكة المكرمة، جامعة أم القرى. - "المستدرك" لأبي عبيد الله الحاكم المتوفى سنة (405 هـ) طبع الهند سنة (1340 هـ). - "المستقصى في أمثال العرب" لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة (538 هـ) الطبعة الثانية (1397 هـ-1977 م) المصورة عن النسخة الهندية، دار الكتب العلمية بيروت.
- "مسند الإمام أحمد" بن حنبل المتوفى سنة (241 هـ) الطبعة المصورة عن الطبعة الميمنية بمصر سنة (1306 هـ) تصوير المكتب الإسلامي ودار صادر بيروت. - "مسند الحميدي" الإمام الحافظ الكبير أبي بكر عبد الله بن الزبير المتوفى سنة (219 هـ) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلمي، عالم الكتب بيروت ومكتبة المتنبي القاهرة. - "المشتبه في الرجال: أسمائهم، وأنسابهم" لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي المتوفى سنة (748 هـ)، تحقيق علي محمد البجاوي، طبع عيسى البابي الحلبي وشركاه. - "المصنف" لابن أبي شيبة طبعة الهند. - "المصنف" لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (126 - 211 هـ) بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، من منشورات المجلس العلمي الطبعة الأولى (1390 هـ-1970 م). - "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" للحافظ ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني (773 - 852 هـ) بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت. - "المعاني الكبير" لابن قتيبة، أبي محمد عبد الله بن مسلم المتوفى سنة (276 هـ) طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن، الهند، سنة (1368 هـ-1949 م). - "معجم الأدباء، إرشاد الأريب الى معرفة الأديب" لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي المتوفى سنة (626 هـ) طبعة دار المأمون بمصر (1355 هـ-1936 م). - "المفضليات" اختيار المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر بن سالم الضبي الكوفي اللغوي تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون الطبعه الثالثة، دار المعارف (1964 م). - "مقاييس اللغة" لابن فارس، أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا المتوفى سنة (395 هـ) الطبعة الأولى بالقاهرة (1366 هـ) عيسى البابي الحلبي بتحقيق عبد السلام هارون. - "المقتضب" لمحمد بن يزيد المبرد (210 - 285 هـ) طبع لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة سنة (1386 هـ). - "المنصف في التصريف" لابن جني المتوفى سنة (395 هـ) طبع البابي الحلبي الطبعة الأولى (1373 هـ-1954 م). - "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (735 - 807 هـ) طبع المطبعة السلفية. - "الموطأ" للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي.
(ن)
(ن) - "نزهة الألباء في طبقات الأدباء" لأبي البركات كمال الدين، عبد الرحمن بن محمد الأنباري (513 - 577 هـ) طبعة دار النهضة. - "النهاية في غريب الحديث" لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (544 - 606 هـ) طبع البابي الحلبي. (هـ) - "همع الهوامع" للسيوطي جلال الدين المتوفى سنة (911 هـ) الطبعة الأولى (1327 هـ) مطبعة السعادة. (و) - "الوافي بالوفيات" لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي الطبعة الثانية (1394 هـ 1974 م) * * * * * *