سيرة الصحابي الجليل مصعب بن عمير - رضي الله عنه -

عدنان الجابري

سيرة الصحابي الجليل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ويليه آداب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إعداد عدنان بن سليمان بن مسعد الجابري تعليقات فضيلة الشيخ الدكتور/ حسين بن نفاع الجابري أستاذ التربية المساعد بالجامعة الإسلامية بالمدينة راجعه ودققه فضيلة الدكتور/ عبدالحق بن حمادي الهواس أستاذ اللغة العربية المشارك بالمعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة عدنان سليمان الجابري , 1434 هـ

فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر الجابري , عدنان سليمان سيرة الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه .... / عدنان سليمان الجابري.- المدينة المنورة , 1434هـ 108 ص؛ 17×24سم ردمك: 0_3610_01_603_978 1 - مصعب بن عمير بن هاشم , ت 3 هـ 2 - الصحابة والتابعون أ. العنوان ديوي 9‚239 ... 10592/ 1434 رقم الإيداع: 10592/ 1434 ردمك: 0_3610_01_603_978

سيرة الصحابي الجليل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إعداد عدنان بن سليمان بن مسعد الجابري تعليقات فضيلة الشيخ الدكتور/ حسين بن نفاع الجابري أستاذ التربية المساعد بالجامعة الإسلامية بالمدينة راجعه ودققه فضيلة الدكتور/ عبدالحق بن حمادي الهواس أستاذ اللغة العربية المشارك بالمعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة

المقدمة

المقدمة الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد: فإن الله سبحانه وتعالى قد أرسل إلينا خير رسله وخاتمهم , وتكفل لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بالنصر والتمكين , والغلبة لهذا الدين , فبعد المحن والعذاب بمكة , هيأ الله جل وعلا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - خيرة الخلق بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام , وهم صحابته الكرام - رضي الله عنهم - , فقد آزروا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونصروه , وضحوا بأنفسهم وأموالهم وأهليهم في سبيل هذا الدين والدفاع عنه , ولذا أثنى الله عليهم في كتابه حيث قال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} (¬1) , وقد قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا أصحابي , فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (¬2). ومن بين هؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم - مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , الذي ضحى بالترف والدلال ورغد العيش , ولاقى من العذاب والتنكيل ما أثّر في جسده , وذلك في سبيل هذا الدين العظيم , وقد أثبتت مواقفه البطولية إخلاصه وصدق إيمانه , وحبه العظيم لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - , وتفانيه في الدعوة إلى الله - عز وجل- إذ أسلم على يديه خلق كثير من الصحابة - رضي الله عنهم - حين أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة؛ لذلك جاء ¬

(¬1) سورة الفتح: آية (29). (¬2) البخاري: صحيح البخاري , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو كنت متخذا خليلا» , 5/ 8 , رقم (3673).

هذا الكتاب ليبين لنا سيرته - رضي الله عنه - بشيء من التفصيل , إذ لم يقف المؤلف - بعد بحث طويل- على مؤلَّف يحوي سيرته - رضي الله عنه - كاملة , فقام بحصر شامل لما ورد عنه من أحاديث وآثار , ثم أعاد تنسيقها ليكوّن منها سيرة متكاملة لحياة هذا الصحابي الجليل - رضي الله عنه -. وأصل هذا الكتاب بحث علمي تكميلي لنيل درجة الماجستير في التربية الإسلامية من قسم التربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة , حصل الباحث فيه على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى , وكان بعنوان: (أسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وتطبيقاته التربوية) , فحرص المؤلف كثيراً على إفراد سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - من هذا البحث في كتاب مستقل , وقد كان لهذا الكتاب مزيد عناية , من خلال الإضافة والتعديل والتثبت , فضلاً عن إعادة هيكلة الفصول والمواضيع الفرعية. وقد قام فضيلة شيخنا الدكتور / حسين بن نفاع الجابري (أستاذ التربية المساعد بالجامعة الإسلامية بالمدينة) , بإضافات جميلة على هذا الكتاب , وذلك من خلال التعليقات الدينية والتربوية , كما زاد الكتاب جمالاً مراجعة وتدقيق فضيلة الدكتور / عبدالحق بن حمادي الهواس (أستاذ اللغة العربية بالمعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة) , فجزاهما الله خيراً , وأجزل لهم المثوبة والعطاء , وجزى الله خيراً كل من شارك في إعداد هذا الكتاب.

هذا ما يسر الله عليه وأعان , فما كان فيه من نقص وخطأ فمن نفسي , وما كان فيه من صواب فمن الله وحده. والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص والتوفيق , وأن يملأ قلوبنا بمحبته - سبحانه وتعالى - ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومحبة صحابته - رضي الله عنهم - , وأن يكتب لهذا الكتاب النفع والفائدة. وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين ,,, المؤلف 14/ 9/1434هـ ... gmail.com@Oboiodo

الفصل الأول: حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - قبل الإسلام

الفصل الأول: حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - قبل الإسلام: المبحث الأول: ولادته ونسبه - رضي الله عنه -: من خلال الاطلاع والقراءة في كتب التاريخ والتراجم , لم يقف المؤلف -حسب جهده - على تاريخ يحدد مولد مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , ولكن بالنظر إلى وفاته - رضي الله عنه - , قيل إن عمره كان أربعين سنة , أو أكثر قليلاً (¬1) , وكان ذلك في غزوة أحد السنة الثالثة من الهجرة عام 625م (¬2) , فنستطيع معرفة ولادته - رضي الله عنه - , في أنه ولد بعد مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربع عشرة سنة , أو أكثر قليلاً؛ أي عام 585م تقريباً (¬3). ¬

(¬1) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 5/ 175. (¬2) الزركلي: الأعلام , 7/ 248. (¬3) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد عام 571م. صفي الرحمن المباركفوري: الرحيق المختوم , ص45.

المبحث الثاني: أسرته - رضي الله عنه -

وأما نسبه فهو: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي (¬1) بن كلاب العبدري (¬2) القرشي (¬3) , يكنى أبا عبدالله (¬4) , وأبا محمد (¬5) , وكان يلقب (مصعب الخير) (¬6). المبحث الثاني: أسرته - رضي الله عنه -: فأمه هي: خناس بنت مالك بن المطرف بن وهيب بن عمرو بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر (¬7). لها مواقف مع ابنها مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يأتي ذكرها في ثنايا الموضوع -إن شاء الله-. ¬

(¬1) ابن هشام: السيرة النبوية , 2/ 61. ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 5/ 175. ابن عبدالبر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب , 4/ 1473. (¬2) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 5/ 175. الحافظ الذهبي: سير أعلام النبلاء , 1/ 145. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة , 6/ 98. (¬3) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 5/ 175. الحافظ الذهبي: سير أعلام النبلاء , 1/ 145. (¬4) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 5/ 175. (¬5) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 116. (¬6) المصدر السابق , 3/ 85. (¬7) مصعب بن عبد الله الزبيري: نسب قريش , ص254.

المطلب الأول: إخوته - رضي الله عنه -

وأما أبوه عمير بن هاشم فلم أقف على شيء له , إلا أنه كان مع زوجته في رعاية مصعب - رضي الله عنه - والحرص عليه , ويتضح ذلك في الآثار الواردة التي يأتي ذكرها -إن شاء الله-. المطلب الأول: إخوته - رضي الله عنه -: وكان لمصعب بن عمير - رضي الله عنه - إخوة , وهم: 1 - أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة - رضي الله عنه - وهو أخوه لأمه (¬1). 2 - أبو الروم بن عمير - رضي الله عنه - أخوه لأبيه (¬2) واسمه منصور بن عمير (¬3). 3 - أبو عزيز شقيقه لأبويه (¬4) واسمه زرارة بن عمير (¬5). 4 - يزيد بن عمير , وقيل زيد بن عمير (¬6). فأما أبو هاشم - رضي الله عنه - فهو: أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي , خال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-، وأخو أبي حذيفة لأبيه، قيل: اسمه شيبة، وقيل: هشيم، وقيل: مهشم , وقيل: خالد , وقيل: ¬

(¬1) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 6/ 311. (¬2) المصدر السابق, 6/ 209. (¬3) المصدر السابق , 5/ 260. (¬4) ابن عساكر: تاريخ دمشق , 67/ 291. (¬5) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة ,2/ 464. (¬6) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة ,5/ 468.

اسمه كنيته. وكان فاضلاً، وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - إذا ذكره قال: ذاك الرجل الصالح. أسلم يوم الفتح، وسكن الشام، وتوفي في خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - , وقيل: ذهبت عينه يوم اليرموك، ومات في زمن معاوية - رضي الله عنه - (¬1). عن سمرة بن سهم قال: نزلت على أبي هاشم بن عتبة , وهو طعين فأتاه معاوية يعوده , فبكى أبو هاشم , فقال معاوية: ما يبكيك؟ أي خال أَوَجَعٌ يشئزك؟ (¬2) أم على الدنيا فقد ذهب صفوها؟ قال: على كُلٍّ لا , ولكنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلي عهداً وددت أني كنت تبعتُه , قال: «إنك لعلك تدرك أموالاً تقسم بين أقوام, وإنما يكفيك من ذلك خادم ومركب في سبيل الله» فأدركت فجمعت (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه أقبل حتى نزل دمشق , فنزل على أبي كلثوم الدوسي فتذاكروا الصلاة الوسطى , فقال: اختلفنا كما اختلفتم , ونحن بفناء بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس, فقال: أنا أعلم لكم ذلك , فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان جريئا عليه فاستأذن, فدخل عليه , ثم خرج إلينا فأخبرنا أنها صلاة العصر (¬4). وأما أبو الروم بن عمير - رضي الله عنه - فاسمه منصور وأمه رومية , وكان قديم الإسلام ¬

(¬1) ابن عبدالبر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب , 4/ 1767. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة , 7/ 346 - 347. (¬2) يقلقك. ابن منظور: لسان العرب , 5/ 361. (¬3) ابن ماجه , سنن ابن ماجه , كتاب الزهد , باب الزهد في الدنيا , 2/ 1374 , رقم (4103) , حسنه الألباني. (¬4) الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد , كتاب الصلاة , باب في الصلاة الوسطى , 1/ 309 , رقم (1718) , قال الهيثمي: رجاله موثَّقون.

بمكة وليس له عقب , وأما هجرته إلى الحبشة فقد اختلف فيه , فمنهم من قال: ليس أبو الروم من مهاجرة الحبشة (¬1) , وذكر ابن إسحاق أن أبا الروم ممن هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية (¬2) -والله أعلم- , شهد أحداً - رضي الله عنه - , وبعد مقتل أخيه مصعب بن عمير - رضي الله عنه - دفع إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لواء المهاجرين إلى آخر النهار (¬3) , بل ولم يزل في يديه حتى دخل به المدينة (¬4) , وكان من الذين نزلوا في قبر مصعب بن عمير - رضي الله عنه - (¬5) , وقتل أبو الروم - رضي الله عنه - يوم اليرموك (¬6). وأما أبو عزيز زرارة بن عمير فكان ممن شهد بدراً كافراً وأُسر يومئذٍ , فعن أبي عزيز، قال: كنت في الأسارى يوم بدر، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «استوصوا بالأسارى خيرا» فإن كان ليقدم إليهم الطعام، فما يقع بيد أحدهم كسرة إلا رمى بها إلي، ويأكلون التمر يؤثروني، فكنت أستحيي، فآخذ الكسرة فأرمي بها إليه، فيرمي بها إلي. وقد اختُلف في إسلامه , فذكره خليفة بن خياط في الصحابة , وقال ابن الكلبي والزبير: قتل أبو عزيز يوم أحد كافراً , وقال أبو نعيم: ذكره المتأخر يعني ابن منده , ولا أعرف له إسلاما، ولم يعده ابن إسحاق فيمن قتل من المشركين يوم أحد , -والله أعلم-. وقد كان أبو عزيز صاحب لواء المشركين يوم أحد (¬7). وله ¬

(¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى ,4/ 91. (¬2) ابن اسحاق: سيرة ابن سحاق , ص224. (¬3) ابن عساكر: تاريخ دمشق , 60/ 346. (¬4) ابن سعد: الطبقات الكبرى ,3/ 89. (¬5) المصدر السابق ,3/ 90. (¬6) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 6/ 109. (¬7) المصدر السابق , 6/ 209.

المطلب الثاني: أخواته - رضي الله عنه -

موقف مع أخيه مصعب بن عمير - رضي الله عنه - حين أُسر يوم بدر ,يأتي ذكره في غزوة بدرٍ -إن شاء الله-. وأما يزيد بن عمير , فقد ذكره ابن هشام أن قزمان قتله يوم أحد (¬1) , ومنهم من قال أن الذي قُتل هو أبو عزيز كما ذُكر سابقاً , وقد ذكر بعض المفسرين عبيد بن عمير , ولعل المقصود به يزيد بن عمير, وذلك في تفسير قوله تعالى: ... {... لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (¬2) , (أو إخوانهم) يعني مصعب بن عمير - رضي الله عنه - قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد (¬3) , -والله تعالى أعلم-. المطلب الثاني: أخواته - رضي الله عنه -: وكان لمصعب بن عمير - رضي الله عنه - أخوات , وهن: 1 - أم أبان بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس رضي الله عنها, وهذه أخته لأمه (¬4). ¬

(¬1) ابن هشام: السيرة النبوية , 2/ 128. (¬2) سورة المجادلة: آية (22). (¬3) البغوي: تفسير البغوي , 5/ 50. ... ابن كثير: تفسير القرآن العظيم , 8/ 54. ... الشنقيطي: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن , 7/ 557. علي بن محمد النيسابوري: أسباب نزول القرآن , ص415. (¬4) محمد بن حبيب البغدادي: المحبر , ص400.

2 - أم شيبة بنت عمير (¬1). 3 - أم جميل بنت عمير , واسمها هند (¬2). فأما أم أبان بنت عتبة -رضي الله عنها- فقد كانت بالشام مع زوجها أبان بن سعيد بن العاص فقتل عنها بأجنادين (¬3)، فعادت إلى المدينة فخطبها عمر، وعلي، والزبير، وطلحة - رضي الله عنهم -. فاختارت طلحة - رضي الله عنه - فتزوجها فولدت له يعقوب , وإسحاق. ولا تعرف لها رواية (¬4). وفي هذا أنه لا بأس بخطبة المرأة مالم تركن إلى الأول لحديث: «ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب» (¬5). وأما أم شيبة بنت عمير فقد تزوجها الحجاج بن علاط السلمي - رضي الله عنه - أسلم عام خيبر وشهدها , وله من الأبناء: نصر بن الحجاج الذي كان من أجمل الناس وجها , وله معرِّض بن الحجاج (¬6) , واستأذن الحجاج - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إتيان مكة ليأخذ مالاً له هناك عند زوجته أم شيبة بنت عمير، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ¬

(¬1) ابن عساكر: تاريخ دمشق , 12/ 107. (¬2) خليفة بن خياط الشيباني: طبقات خليفة بن خياط , ص45. (¬3) أجنادين: موضع معروف بالشام من نواحي فلسطين , كانت به وقعة بين المسلمين والروم, قَتَل فيها المسلمون من الروم خلقا، واستشهد من المسلمين طائفة ,وكانت في سنة ثلاث عشرة من الهجرة. الحموي: معجم البلدان,1/ 103 - 104. (¬4) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 6/ 299. ابن سعد: الطبقات الكبرى ,5/ 126 - 127. (¬5) البخاري: صحيح البخاري , كتاب النكاح , باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع , 7/ 19 , رقم (5142). (¬6) البلاذري: جمل من أنساب الأشراف , 13/ 318 - 319.

ذلك، فقدم مكة , وأهلها لا يعلمون بخبر خيبر ولا بإسلامه، فقال لقريش متقربا إليها: إن محمداً قد أسِر ونُكب أصحابه، فلما بلغ العباس ذلك اشتد عليه وغمَّه , فخرج حتى لقي الحجاج في خلوة , فسأله عن الخبر، فقال: اكتم علي فداك أبي وأمي جميع ما أقول لك ثلاثا حتى آخذ مالي عند زوجتي , ثم أظهر الأمر إني قد أسلمت , فَسُرِّيَ عنهُ، فلما مضت ثلاثة أيام وخرج الحجاج يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، غدا الْعَبَّاس فوقف على باب أم شيبة , فقال: أين الحجاج؟ قالت: خرج يبتاع مما غنم أهل خيبر من محمد وأصحابه، فقال: ذاك والله الباطل، لقد خلص ماله، وإنك لا تحلين له حتى تتبعي دينه، فقالت: صدقت والثواقب (¬1). وهذا من قسم الجاهلية وقد أبطل الإسلام هذا , فلا يحل لأحد أن يحلف إلا بالله -عز وجل- كما في الحديث: «من كان حالفا، فليحلف بالله أو ليصمت» (¬2). وأما أم جميل بنت عمير فاسمها هند , وقد تزوجها عثمان بن طلحة - رضي الله عنه - , وهو الذي دفع إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة , وقد ولدت له شيبة ووهباً (¬3). ¬

(¬1) المصدر السابق , 4/ 18. والثواقب: الشهب المضيئة. الرازي: مختار الصحاح , ص49. (¬2) البخاري: صحيح البخاري , كتاب الشهادات , باب كيف يستحلف , 3/ 180 , رقم (2679). (¬3) مصعب بن عبد الله الزبيري: نسب قريش , ص253.

المبحث الثالث: نشأته وشبابه - رضي الله عنه -

المبحث الثالث: نشأته وشبابه - رضي الله عنه -: لقد كان - رضي الله عنه - فتى مكة شباباً وجمالاً وسبيباً (¬1) , وكان أبواه يحبانه, وكانت أمه مليئة كثيرة المال , وكان يلبس الحضرمي من النعال (¬2) , وتكسوه أمه أحسن ما يكون من الثياب , وكان أعطر أهل مكة يدهن بالعبير , ويذيل يمنة اليمن (¬3). وقد كان - رضي الله عنه - رقيق البَشَرة حسن اللِّمَّة ليس بالقصير ولا بالطويل (¬4) , وكان يذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقول: «ما رأيت بمكة أحداً أحسن لِمّةً ولا أرق حُلةً , ولا أنعم نعمةً من مصعب بن عمير» (¬5). فلقد كان - رضي الله عنه - منعماً مدللاً من قبل أبويه , فيأكل أفضل الطعام , ويلبس أحسن الثياب , وكانت أمه شديدة الكَلَفِ به , فلا يبيت إلا وتضع قَعْب الحَيْس عند رأسه فإذا استيقظ أكل منه (¬6) , فعن عمر - رضي الله عنه - قال: نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مصعب بن ¬

(¬1) أي الخصلة من الشَعر. ابن منظور: لسان العرب , 1/ 459. (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 86. والحضرمي من النعال هو: النعل المنسوبة إلى حضرموت المتخذة بها. ابن ... منظور: لسان العرب , 12/ 137. (¬3) ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 5/ 175. يذيل يمنة اليمن أي يلبسها ويتزر بها فيسدل ويطيل ذيلها , وإنما هو من زي أهل الترف. الخطابي: غريب الحديث, 2/ 291. مجد الدين الشيباني: النهاية في غريب الحديث والأثر , 2/ 291. (¬4) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 90. واللِّمَّة من الشعر ما ألمَّ بالمنكبين. ابن منظور: لسان العرب , 5/ 288. (¬5) الحاكم: المستدرك على الصحيحين ,كتاب الهجرة ... , باب ذكر مناقب مصعب الخير ... , 3/ 221 , رقم 4904. وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 116. (¬6) عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام , 4/ 52. والقعب: القدح الضخم، الغليظ الجافي. والحيس: تمر وأقط يعجنان بالسمن. ابن منظور: لسان العرب , 1/ 683 - 199.

المبحث الرابع: زواجه - رضي الله عنه -

عمير - رضي الله عنه - مقبلاً، عليه إهاب (¬1) كبش قد تنطَّق به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انظروا إلى هذا الذي نوَّر الله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حُلّة شراها أو شُريت بمائتي درهم، فدعاه حبُّ الله وحب رسوله إلى ما ترون» (¬2). المبحث الرابع: زواجه - رضي الله عنه -: تزوج مصعب بن عمير - رضي الله عنه - حمنة بنت جحش بن رياب بن يعمر -رضي الله عنها- (¬3) وهي أخت زينب بنت جحش زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4) , وأمهما أميمة بنت عبدالمطلب بن هاشم (¬5) عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أنجب مصعب - رضي الله عنه - من حمنة -رضي الله عنها- بنتاً سماها زينب ¬

(¬1) الإهاب: الجلد. محمد الحسيني: تاج العروس من جواهر القاموس , 2/ 40. (¬2) الألباني: ضعيف الترغيب والترهيب , كتاب اللباس والزينة , باب الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعا ... , 2/ 21 , رقم 1270 , ضعيف. وفي لفظ آخر عن عمر - رضي الله عنه - قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تنطق به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «انظروا إلى هذا الرجل الذي نور الله قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذوانه بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون». أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء , 1/ 108. وحسن إسناده العراقي في كتابه: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار , ص 1657. (¬3) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 8/ 241. (¬4) المصدر السابق , 8/ 241. ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة , 5/ 93. أحمد بن عبدالله الطبري: الرياض النضرة في مناقب العشرة , 4/ 259. (¬5) ابن سعد: الطبقات الكبرى ,8/ 191.

-رضي الله عنها- ولم ينجب سواها. فلما كبرت ابنته زينب -رضي الله عنها- زوجها بعبدالله بن عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة - رضي الله عنه - , وأنجبت منه محمداً , ومصعباً , وقريبة وعاتكة (¬1). فلما مات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - تقدم طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - لحمنة بنت جحش -رضي الله عنها- فتزوجها , وأنجب منها محمداً الملقب بـ: السجاد , وعمران (¬2). وقد شاركت حمنة بنت جحش -رضي الله عنها- في غزوة أحد , ولها موقف مؤثر حين سمعت بمقتل زوجها , يأتي ذكرها في تلك الغزوة -إن شاء الله تعالى-. ¬

(¬1) ابن سعد: الجزء المتمم لطبقات ابن سعد , 2/ 169. (¬2) ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة , 8/ 163. مصعب بن عبد الله الزبيري: نسب قريش ,ص19. ابن الجوزي: تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير , ص230. ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب , 4/ 1813.

الفصل الثاني: حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - بعد الإسلام

الفصل الثاني: حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - بعد الإسلام: المبحث الأول: إسلامه - رضي الله عنه -: عندما بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وبدأ الدعوة إلى الله آمن به كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين , فآمنت به زوجته خديجة -رضي الله عنها- , ثم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - , ثم زيد بن حارثة - رضي الله عنه - (¬1) , فكان هؤلاء قد آمنوا به قبل أن يدخل دار الأرقم - رضي الله عنه - , ولما اشتد أذى كفار قريش دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - يعبد اللَّه تعالى فيها سرّا من قومه، ودخل معه جماعة حتى تكامل المسلمون أربعين رجلاً (¬2) , وكانت هذه الدار في الصفا، بعيدة عن أعين كفار قريش ومجالسهم، فاختارها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا , وذلك في السنة الخامسة من البعثة، فيتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة؛ وليؤدي المسلمون عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهم في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام , ولا يعلم به ¬

(¬1) ابن اسحاق: سيرة ابن سحاق , ص139. البيهقي: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة , 2/ 165. أحمد بن علي المقريزي: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع, 9/ 95. (¬2) محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد , 2/ 319.

الطغاة من أصحاب السطوة والنقمة (¬1). ولقد كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يعيش بين أفراد قبيلته على دينهم, وعلى ما كان عليه آباؤه وأجداده , فتلك الجاهلية العمياء قادتهم إلى عبادة الأصنام وشرب الخمور , وحضور مجالس المعازف والغناء , وغيرها من العبادات الباطلة , مع ما يصحب ذلك من سوء في الأخلاق , ودناءة في النفوس , وخرافة في الأفكار التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي. ولكن مصعباً - رضي الله عنه - بعقله البصير ورؤيته الثاقبة , استطاع أن يميز بين ما هو عليه وما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدين الحق الذي رأى فيه من التعاليم الإسلامية السمحة التي توافق العقل ولا تعارض الفطرة الإنسانية. فعزم - رضي الله عنه - بنفسه من غير أن يدعوه أحد على الدخول في هذا الدين , فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - فأسلم وصدّق به وخرج فكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه , فكان يختلف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراً (¬2). وقد كتم إسلامه - رضي الله عنه - كغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - , ولأنه يعرف أنه أتى بدين يخالف دين قومه فسوف يلاقي من العذاب والأذى ما لاقاه الصحابة - رضي الله عنهم - , وكان اختلافه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم ليختفي عن أنظار المترصدين من كفار قريش , ويشارك بقية الصحابة - رضي الله عنهم - في عبادة الله وحده , ويتلقى العلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فأخذ ينهل من معين الوحيين حتى أصبح من أعلم الصحابة - رضي الله عنهم - في ¬

(¬1) صفي الرحمن المباركفوري: الرحيق المختوم , ص80. (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 117. ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب ,4/ 1474. ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة ,5/ 175.

المبحث الثاني: عذابه وابتلاؤه وصبره - رضي الله عنه -

ذلك الوقت؛ لذلك أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مع من أسلم من الأنصار ليقرأ عليهم القرآن ويعلمهم أمور دينهم , وذلك في هجرته الأولى إلى المدينة. المبحث الثاني: عذابه وابتلاؤه وصبره - رضي الله عنه -: ومما كان ظاهراً في مكة , الترصد لأتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - , لذلك بصر عثمان بن طلحة بمصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو يصلي , فأخبر أمه وقومه لتبدأ مرحلة جديدة من العذاب والنكال , فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى (¬1). وقد خرجت أمه حين علمت بإسلامه ناشرةً شعرها , وقالت: لا ألبس خِماراً، ولا أستظلُّ، ولا أدَّهنُ ولا آكلُ طعاماً، ولا أشرب شراباً حتى تدع ما أنت عليه، فقال أخوه أبو عزيز بن عمير: يا أمه دعيني وإياه فإنه غلام عاف ولو أصابه بعض الجوع لترك ما هو عليه , ثم أخذه وحبسه (¬2). ولقد مر بمصعب - رضي الله عنه - ألوانٌ من العذاب كغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - بل أشد؛ وذلك لفارق ما كان عليه في الجاهلية وما وقع عليه بعد إسلامه , فالأم التي كان لا يشغل بالها إلا ابنها من فرط حبها له, أصبحت معولاً هداماً لذلك الجسم المنعم , فلا تتردد في تعذيبه , وحرمانه مما كان عليه سابقاً , بل كانت تعين قومه ¬

(¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى ,3/ 117. ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب ,4/ 1474. ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة ,5/ 175. (¬2) البلاذري: جمل من أنساب الأشراف ,9/ 406. وغلام عاف أي: وافر اللحم. الخطابي: غريب الحديث , 2/ 293.

عليه , حتى " أصابه من الشدة ما غَيَّر لونه وأذهب لحمه، ونهكت جسمه حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، وعليه فروة قد رفعها، فيبكي لما كان يعرف من نعمته، وحلفت أمه حين أسلم وهاجر ألا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بظل حتى يرجع إليها، فكانت تقف للشمس حتى تسقط مغشيا عليها، وكان بنوها يحشون فاهها بشجار، وهو عود , فيصبون فيه الحساء لئلا تموت " (¬1). ولذا تغيرت حياة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وتبدلت أحواله في ملبسه ومأكله وشأنه كله , فقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إنا لجلوس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، وما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة، ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟» قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنتم اليوم خير منكم يومئذ» (¬2). وعن عروة بن الزبير عن أبيه - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً بقُباء ومعه نفر، فقام مصعب بن عمير - رضي الله عنه - عليه بردة ما تكاد تواريه، ونكَس القوم، فجاء فسلم , فردوا عليه، فقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - خيراً وأثنى عليه، ثم قال: «لقد رأيت هذا عند أبويه بمكة يكرمانه وينعمانه، وما فتى من فتيان قريش مثله , ثم خرج من ذلك ¬

(¬1) عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام , 4/ 52. (¬2) الترمذي: سنن الترمذي , كتاب أبواب صفة القيامة والرقائق والورع , باب حديث علي في ذكر مصعب بن عمير ... , 4/ 647 , رقم 2476 , هذا حديث حسن غريب.

ابتغاءَ مرضاة الله ونصرة رسوله، أما أنه لا يأتي عليكم إلا كذا وكذا حتى يُفتح عليكم فارس والروم، فيغدو أحدكم في حلة ويروح في حلة، ويُغدى عليكم بقصعة , ويُراح عليكم بقصعة». قالوا: يا رسول الله، نحن اليوم خير أو ذلك اليوم؟ قال: «بل أنتم اليوم خيرٌ منكم ذلك اليوم أما لو تعلمون من الدنيا ما أعلم لاستراحت أنفسكم منها» (¬1). وفي لفظ , أقبل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ذات يوم والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس في أصحابه - رضي الله عنهم - عليه قطعة نمرة قد وصلها بإهاب قد ودنه , فلما رآه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - نكسوا رؤوسهم رحمة له ليس عندهم ما يغيرون عنه , فسلم فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحسن عليه الثناء , وقال: «الحمد لله ليقلب الدنيا بأهلها , لقد رأيت هذا (يعني مصعباً) وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه نعيما منه , ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير في حب الله ورسوله» (¬2). ¬

(¬1) الحاكم: المستدرك على الصحيحين , كتاب الإيمان , باب ذكر مصعب بن عمير العبدري - رضي الله عنه - , 3/ 728 , رقم 6640. حكم عليه السيوطي في الفتح الكبير في ضم الزيادة الى الجامع الصغير بالإرسال, 3/ 40. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 9/ 347 , رقم 4356. (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 86. وفي لفظ آخر , عن عروة بن الزبير، قال: أقبل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - عليه قطيفة نمرة، وقد وصل إليها إهاباً، فلما رآه أصحابه نكسوا رحمة له، وليس عندهم ما يعودون عليه، فسلَّم فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه السلام، وقال خيرا، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الحمد لله تبارك وتعالى لِتَقَلُّبِ الدنيا بأهلها، رأيت هذا بمكة ما من فتى من قريش أنعم عند أبويه يكرمانه وينعمانه، ثم أخرجه من ذلك حب الله وحب رسوله، ونصر الله ونصر رسوله ...». المعافى بن عمران الموصلي: كتاب الزهد , ص300 , وقال: اسناده ضعيف. وقطعة نمرة: أُخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض. وإهاب قد ودنه أي: جلد بله بماء ليخضع ويلين. ابن منظور: لسان العرب , 5/ 236 - 13/ 445.

وأما في حصار الشعب فقد بلغ الجهد منه - رضي الله عنه - مبلغه , فلم يعد يقدر على المشي مع ما أصاب جسده من ضعف بعد ما كان مرفهاً مدللاً ,فقد قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: كان مصعب بن عمير أترف غلام بمكة بين أبويه، فلما أصابه ما أصابنا لم يقو على ذلك، ولقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية، ولقد رأيته يتقطع به، فما يستطيع أن يمشي، فنعرض له القِسِيَّ (¬1)، ثم نحمله على عواتقنا (¬2). ومنه يتبين مدى الابتلاء الذي تعرض له مصعب بن عمير - رضي الله عنه - بعد إسلامه ويتمثل فيما يأتي: 1 - الأذى المادي: إذ قُطعت عنه جميع الموارد المالية التي كان يحصل عليها لا سيما من قبل أمه , حتى أصبح لا يجد ما يلبس إلا فروة لا تكاد تواريه. 2 - الأذى الجسدي: فقد ذبل جسمه وتغيّر لونه وأصابه من الجوع ما لا يستطيع الوقوف معه. 3 - الأذى النفسي: إذ كان يرى أمه وهي تنشر شعرها وتخرج ويراها وهي تقف في الشمس نكاية به حتى يرجع عن دينه. مما يبين بجلاء نجاح التربية النبوية في غرس المبادئ والثبات عليها في نفوس الصحابة - رضي الله عنهم - , وهو ما نحتاجه اليوم في تربيتنا للأجيال على مبادئ الكتاب والسنة والصبر على ما يواجهونه من مصاعب في سبيل ذلك. ¬

(¬1) القِسِيّ: بكسر القاف والسين وتشديد الياء جمع قوس. النووي: تحرير ألفاظ التنبيه , ص188. (¬2) اسماعيل محمد الأصبهاني: سير السلف الصالحين , ص659. الحافظ الذهبي: سير أعلام النبلاء , 1/ 148.

الفصل الثالث: هجرته إلى الحبشة , ثم المدينة - رضي الله عنه -

الفصل الثالث: هجرته إلى الحبشة , ثم المدينة - رضي الله عنه -: المبحث الأول: هجرته إلى الحبشة - رضي الله عنه -: لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه - رضي الله عنهم - وما يصيبهم من البلاء والشدة، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم من قومهم، وأنه ليس في قومهم من يمنعهم كما منعه عمه أبو طالب، أمرهم بالهجرة إلى أرض الحبشة، وقال لهم: «إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده , فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه» (¬1)، فهاجر رجال من أصحابه إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفروا إلى الله عز وجل بدينهم، واستخفى آخرون بإسلامهم (¬2) , وكان ذلك في السنة الخامسة من البعثة النبوية (¬3). وقد خرج مصعب بن عمير - رضي الله عنه - مع من خرج من الصحابة إلى الحبشة (¬4) , ¬

(¬1) البيهقي: السنن الكبرى , كتاب السير , باب الإذن في الهجرة , 9/ 16 , رقم 17734 , صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة , 7/ 577 , رقم 3190. (¬2) ابن اسحاق: سيرة ابن اسحاق , ص 174. ابن هشام: السيرة النبوية , 1/ 321. ابن كثير: السيرة النبوية , 2/ 4. (¬3) المصدر السابق , 2/ 3. صفي الرحمن المباركفوري: الرحيق المختوم , ص 81. (¬4) ابن اسحاق: سيرة ابن اسحاق , ص 174. ابن هشام: السيرة النبوية , 1/ 322. ابن كثير , السيرة النبوية , 2/ 5.

وكان معه أخوه منصور بن عمير (¬1). فعن ليلى بنت أبي حثمة -رضي الله عنها- , قالت: لما اجتمعوا على الخروج جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن مصعب بن عمير قد حبسته أمه , وهو يريد الخروج الليلة فإذا رقدوا» , قال عامر بن ربيعة: فنحن ننتظره , ولا نغلق بابا دونه , فلما هدأت الرِّجْلُ جاءنا مصعب بن عمير فبات عندنا , وظل يومه حتى إذا كان الليل خرج متسللا ووعدناه فلحقه فيه , وأدركناه فاصطحبناه قال: وهم يمشون على أقدامهم , وأنا على بعير لنا , وكان مصعب بن عمير رقيق البَشَرِ ليس بصاحب رِجْلِهِ , ولقد رأيت رجليه تقطران دما من الرقة , فرأيت عامرا خلع حذاءه فأعطاه حتى انتهينا إلى السفينة فنجد سفينة قد حملت ذُرَةً وفرَّغت ما فيها جاءت من مَوْرٍ (¬2) فتكارينا (¬3) إلى مَوْرٍ , ثم تكارينا من مَوْرٍ إلى الحبشة , ولقد كنت أرى عامر بن ربيعة يَرِقُّ على مصعب بن عمير رِقَّةً ما يرقُّها على ولده وما معه دينار ولا درهم , وكان معنا خمسة عشر دينارا (¬4). ويتبين من هذا النص ما يأتي: 1 - عِظم ما لاقاه مصعب وسائر الصحابة - رضي الله عنهم - من صنوف الابتلاءات. 2 - التعاون الكبير بين الصحابة - رضي الله عنهم - ووقوف بعضهم إلى جنب بعض في مثل هذه الظروف الصعبة , وأعظم ما اتصفوا به هو: خلق الإيثار. ¬

(¬1) ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب ,4/ 1475. (¬2) مور: قيل: هو اسم موضع، سمي به لِمَوْرِ الماء فيه: أي جريانه. مجد الدين الشيباني: النهاية في غريب الحديث والأثر , 4/ 372. (¬3) تكارينا: أي استأجرنا. أحمد مختار: معجم اللغة العربية المعاصرة , 3/ 1927. (¬4) أبو بكر بن أبي عاصم: الآحاد والمثاني , باب ليلى بنت أبي حثمة , 6/ 237 , رقم 3469.

3 - التخطيط الدقيق لأي عمل يراد القيام به , فالتخطيط أساس من أسس النجاح. ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا، فرجع متغيِّر الحال قد حرج - يعني غَلُظَ - فكفَّت أمه عنه من العذل (¬1) , وقد شهد - رضي الله عنه - مع الصحابة الهجرتين إلى الحبشة , فعن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: كان مصعب بن عمير لي خدنا وصاحبا منذ يوم أسلم إلى أن قتل رحمه الله بأحدٍ , خرج معنا إلى الهجرتين جميعا بأرض الحبشة , وكان رفيقي من بين القوم، فلم أرَ رجلا قط كان أحسن خلقا، ولا أقل خلافا منه (¬2). ¬

(¬1) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 116. والعذل: الملامة. إسماعيل بن حماد الجوهري: الصحاح , 5/ 1762. (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 117.

المبحث الثاني: هجرته الأولى إلى المدينة - رضي الله عنه -

المبحث الثاني: هجرته الأولى إلى المدينة - رضي الله عنه -: رجع مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إلى مكة وأصبح الأمر أكثر استقرارا , ثم أتى ذلك الموسم الذي لقي فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - نفر من الأنصار , وكانوا رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا (¬1) , فعرض عليهم الإسلام فآمنوا به وصدقوه (¬2) , ثم جاء العام الذي بعده فوافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعوه على بيعة النساء (¬3) , فعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، أنه قال: إني من النقباء (¬4) الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: «بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل النفس التي حرم الله، ولا ننتهب، ولا نعصي، بالجنة إن فعلنا ذلك، فإن غشينا من ذلك شيئا، كان قضاء ذلك إلى الله» (¬5). فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , وأمره أن يقرئهم القرآن , ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، فكان مصعب يسمى المقرئ بالمدينة، وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس أبي أمامة، وكان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض (¬6). ¬

(¬1) ابن هشام: السيرة النبوية , 1/ 428. (¬2) المصدر السابق , 1/ 429 , (¬3) المصدر السابق , 1/ 431. (¬4) جمع نقيب والنقيب: العريف، وهو شاهد القوم وضمينهم. إسماعيل بن حماد الجوهري: الصحاح , 1/ 227. (¬5) البخاري: صحيح البخاري , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , باب وفود الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... , 5/ 55 ,رقم 3893. (¬6) ابن هشام: السيرة النبوية , 1/ 434.

فكان - رضي الله عنه - أول من قدم على الأنصار في المدينة , يقول البراء - رضي الله عنه -: «أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، ثم قدم علينا عمار بن ياسر، وبلال - رضي الله عنهم -» (¬1) , وفي رواية أخرى عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: «أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم , وكانا يقرئان الناس ...» (¬2). فهو أول من هاجر إلى المدينة - رضي الله عنه - للإقامة بها ولتعليم من أسلم من أهلها بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - , فله الأوّليّة في الهجرة إلى المدينة من هذه الجهة (¬3). وعن الأعمش، قال: سمعت شقيق بن سلمة، قال: حدثنا خباب، قال: «هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبتغي وجه الله، ووجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير ...» (¬4) , فقد هاجروا بإذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمره , والمراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة، إذ لم يكن معه - صلى الله عليه وسلم - إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة (¬5). وعن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير، وهو أول من جمع بها أول يوم جمعة قبل أن يقدم ¬

(¬1) البخاري: صحيح البخاري , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ,باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - , 5/ 65 , رقم 3924. (¬2) المصدر السابق , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - , 5/ 66 , رقم 3925. (¬3) ابن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري , 7/ 261. (¬4) البخاري: صحيح البخاري , كتاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - , 5/ 63 , رقم 3914. (¬5) محمود بن أحمد العيني: عمدة القاري شرح صحيح البخاري , 23/ 56.

المبحث الثالث: تعليمه - رضي الله عنه - لأهل المدينة ونشر الإسلام فيها

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم (¬1). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة قبل أن يهاجر , ولم يستطع أن يجمع بمكة , فكتب إلى مصعب بن عمير: أما بعد فانظر اليوم الذى تجهر فيه اليهود بالزبور , فاجمعوا نساءكم وأبناءكم , فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة , فتقربوا إلى الله بركعتين , قال فهو أول من جمع حتى قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة , فجمع عند الزوال من الظهر , وأظهر ذلك " (¬2) , وكان ذلك في دار سعد بن خيثمة , وهم اثنا عشر رجلاً , وما ذبح لهم يومئذٍ إلا شاة (¬3). المبحث الثالث: تعليمه - رضي الله عنه - لأهل المدينة ونشر الإسلام فيها: لما نزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة رضي الله عنهما , بدأ مباشرة بتعليم أهل المدينة مبادئ الإسلام وقد ظهرت النتائج مبهرة في وقت يسير , وذلك بعد توفيق الله -جل وعلا- يعود إلى أمور تميّز بها مصعب - رضي الله عنه - منها: 1 - العلم الغزير الذي كان يحمله مصعب - رضي الله عنه -. 2 - قوة الحجة وبلاغة العرض. 3 - السكينة والوقار وعدم التسرع والطيش. ¬

(¬1) محمد بن عبدالرحمن المخلِّص: المخلصيات , 1/ 172 , رقم 166 , قال ابن صاعد: وهذا حديثٌ غريبٌ. (¬2) الألباني: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل , 3/ 68 , إسناده حسن. (¬3) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 88.

4 - معرفة الفوارق الفردية بين المدعوين ومخاطبة كل واحد بما يليق به. 5 - الاستدلال بالآيات القرآنية وأثره الكبير في نفوس الناس. وهذا ما ينبغي أن تربى عليه الأجيال , وتقام له الدورات العلمية لاكتساب مثل هذه المواصفات التي تؤتي ثمارها يانعة -بإذن الله تعالى-. ومما يبين هذا ما رواه ابن إسحاق إذ قال: حدّثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة - رضي الله عنه - خرج بمصعب بن عمير - رضي الله عنه -، يريد به دار بني عبد الأشهل , ودار بني ظفر (¬1)، وكان سعد بن معاذ سيّد الأوس ابن خالة أسعد بن زرارة رضي الله عنهما، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر فجلسا فيه، واجتمع إليهما رجال ممّن أسلم، وسعد بن معاذ وأُسيد بن حضير رضي الله عنهما يومئذ سيّدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير رضي الله عنهما: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفّها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة منّي حيث قد علمت كفيتك ذلك، فهو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما. قال: فأخذ أسيد بن حضير - رضي الله عنه - حربته، ثم أقبل إليهما. فلما رآه أسعد بن زرارة - رضي الله عنه - قال لمصعب بن عمير - رضي الله عنه -: هذا سيّد قومه فاصدق الله فيه, قال مصعب - رضي الله عنه -: إن يجلس أكلّمه. قال: فوقف عليهما متشتّما، قال: ما جاء بكما إلينا تسفّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة, فقال له مصعب - رضي الله عنه -: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته , وإن كرهته كفّ عنك ما تكره , فقال: أنصفت. ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلّمه مصعب - رضي الله عنه - بالإسلام وقرأ عليه القرآن, فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام ¬

(¬1) دارهما شرقي البقيع. السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى , 1/ 153.

قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهّله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطّهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق , ثم تصلّي. فقام فاغتسل وطهّر ثوبيه وتشهّد بشهادة الحق، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتّبعكما لم يتخلّف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن: سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد - رضي الله عنه - وقومه، وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ - رضي الله عنه - مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف على النادي قال له سعد - رضي الله عنه -: ما فعلت؟ قال: كلّمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا , وقد نهيتهما , فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدّثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك. قال: فقام سعد - رضي الله عنه - مغضبا مبادرا تخوّفا للذي ذكر له من أمر بني حارثة. فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً. ثم خرج إليهما، فلما رآهما مطمئنّين عرف سعد - رضي الله عنه - أن أسيداً - رضي الله عنه - إنما أراد أن يسمع منهما. فوقف عليهما متشتّما، ثم قال لأسعد بن زرارة - رضي الله عنه -: يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا منّي، أتغشانا في دارنا بما نكره؟ وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير رضي الله عنهما: أي مصعب: جاءك والله سيّد مَن وراءه من قومه , إن يتبعك لا يتخلّف عنك منهم اثنان , قال: فقال له مصعب - رضي الله عنه -: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره , قال سعد - رضي الله عنه -: أنصفت , ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام , وقرأ عليه القرآن , قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطّهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين. ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه

أسيد بن حضير - رضي الله عنه -، فلما رآه قومه مقبلا قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم , فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيّدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة , قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله , قال: فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة، حاشا الأصيرم , وهو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد , ولم يسجد لله سجدة، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه من أهل الجنة , قال ابن إسحاق: ورجع سعد ومصعب رضي الله عنهما إلى منزل أسعد بن زرارة - رضي الله عنه -، فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ومسلمات إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف ... " (¬1). وفي رواية , بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الأنصار مصعب بن عمير - رضي الله عنه - أخا بني عبد الدار , فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة - رضي الله عنه - , فجعل يدعو الناس ويفشو الإسلام ويكثر أهله , وهم في ذلك مستخفون بدعائهم , ثم إن أسعد بن زرارة ¬

(¬1) ابن هشام: السيرة النبوية , 1/ 435. الحافظ الذهبي: سير أعلام النبلاء , 1/ 244. البيهقي: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة , 2/ 438. ابن كثير: السيرة النبوية , 2/ 181. محمد بن يوسف الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد , 2/ 198. سليمان موسى الحميري: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء , 1/ 261. محمد بن محمد اليعمري: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير , 1/ 186.

أقبل هو ومصعب بن عمير رضي الله عنهما حتى أتيا بئر مري (¬1) أو قريبا منها, فجلسوا هنالك وبعثوا إلى رهط من أهل الأرض فأتوهم مستخفين , فبينما مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يحدثهم ويقص عليهم القرآن , أُخبر بهم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فأتاهم في الأرمة ومعه الرمح حتى وقف عليه , فقال: علام يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب , يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم , لا أراكما بعد هذا بشيء من جوارنا , فرجعوا , ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مري أو قريبا منها فأُخبر بهم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - الثانية فواعدهم بوعيد دون الوعيد الأول فلما رأى أسعد - رضي الله عنه - منه لينا قال يا ابن خالة اسمع من قوله فإن سمعت منه منكرا فاردده يا هذا منه , وإن سمعت خيرا فأجب الله , فقال: ماذا يقول فقرأ عليهم مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} (¬2) , فقال سعد - رضي الله عنه -: وما أسمع إلا ما أعرف فرجع وقد هداه الله تعالى , ولم يظهر أمر الإسلام حتى رجع. فرجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر إسلامه , وقال فيه من شك من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فليأتنا بأهدى منه نأخذ به , فوالله لقد جاء أمر لَتُحَزَّنَّ فيه الرقاب فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد - رضي الله عنه - ودعائه إلا من لا يذكر فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرها , ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير - رضي الله عنه - واشتدوا على أسعد بن زرارة - رضي الله عنه - , فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ رضي الله عنهما فلم يزل يدعو ويهدي الله على يديه , حتى قَلَّ دارٌ من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة وأسلم أشرافهم وأسلم عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - , وكسرت أصنامهم فكان المسلمون أعز ¬

(¬1) الصحيح أن اسمها بئر مرق في دار بني ظفر بالقرب من مسجد الإجابة. السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى , 4/ 23. (¬2) سورة الزخرف: آية (1 - 3).

المبحث الرابع: خروجه - رضي الله عنه - إلى مكة

أهلها وصلح أمرهم , ورجع مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يدعى المقرئ (¬1) , وهو أول من سُمي بذلك - رضي الله عنه - (¬2). المبحث الرابع: خروجه - رضي الله عنه - إلى مكة: مكث مصعب بن عمير - رضي الله عنه - سنة كاملة يدعو أهل المدينة ويعلمهم حتى أسلم على يديه خلق كثير , ثم خرج من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقبة الثانية مِن حَاجِّ الأوس والخزرج , وكان أسعد بن زرارة - رضي الله عنه - معه في سفره ذلك, فقدم مكة فجاء منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولاً ولم يقْرَب منزله, فجعل يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأنصار وسرعتهم إلى الإسلام واستبطاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فسُرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكل ما أخبره. وبلغ أمه أنه قد قَدِمَ - رضي الله عنه - فأرسلت إليه: يا عاق , أتقدم بلدا أنا فيه لا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت لأبدأَ بأحدٍ قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم ذهب إلى أمه , فقالت: إنك لعلى ما أنت عليه من الصَّبْأَةِ بعدُ! (¬3) قال: أنا على دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. قالت: ما شكَرْتَ ما رَثَيْتُكَ (¬4) , مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب , فقال: أفرُّ بديني أن ¬

(¬1) الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ,باب ابتداء أمر الأنصار , 6/ 41,رقم 9876 ,مرسل وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات. الطبراني: المعجم الكبير , 20/ 362. الذهبي: تاريخ الإسلام , 1/ 653. (¬2) ابن الجزري: غاية النهاية في طبقات القراء , 2/ 299. (¬3) الصبأة: الخارج من دين إلى آخر. عياض بن موسى السبتي: مشارق الأنوار على صحاح الآثار ,2/ 37. (¬4) من رَثَى لَهُ إذا رَقّ وتَوَجَّعَ. ابن منظور: لسان العرب , 14/ 309.

تفتنوني. فأرادت حبسه , فقال: لئن أنتِ حبستنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي , قالت: فاذهب لشأنك , وجعلت تبكي , فقال مصعب - رضي الله عنه -: يا أماه إني لكِ ناصحٌ عليك شفيقٌ , فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله , قالت: والثوَاقِب (¬1) لا أدخل في دينك فيُزرى برأيي , ويضعَّفَ عقلي , ولكني أدعُكَ وما أنت عليه , وأُقيمُ على ديني (¬2). وفي هذا يظهر حرص مصعب - رضي الله عنه - على هداية أمه ودعوتها للإسلام بأسلوب كله شفقة ورحمة , ولكن الهداية بيد لله حيث يقول -جل وعلا-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)} (¬3) , وإن دعوة الإنسان والديه للإسلام من أعظم البر الذي يقدم لهما. كما يظهر ثبات مصعب - رضي الله عنه - على دينه وعدم تنازله عنه رغم التهديدات والصعوبات التي واجهته. ¬

(¬1) الثواقب: الشهب المضيئة. الرازي: مختار الصحاح , ص49. (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 88 .. ... أحمد بن يحيى البلاذري: جمل من أنساب الأشراف , 9/ 407 - 408. ... ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك , 3/ 194. (¬3) سورة القصص: آية (56).

المبحث الخامس: هجرته الثانية إلى المدينة - رضي الله عنه -

المبحث الخامس: هجرته الثانية إلى المدينة - رضي الله عنه -: ثم أقام مصعب بن عمير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر , وقَدِمَ قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مهاجرًا لهِلال شهر ربيعٍ الأول , قبل مقدَمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باثنتي عشرة ليلةً (¬1). وبعد هجرته - رضي الله عنه - إلى المدينة آخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - (¬2). ¬

(¬1) ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك , 3/ 194. (¬2) ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب ,2/ 425. ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة ,2/ 121. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة , 2/ 200.

الفصل الرابع: غزوة بدر الكبرى , وغزوة أحد

الفصل الرابع: غزوة بدر الكبرى , وغزوة أحد: المبحث الأول: مصعب - رضي الله عنه - وغزوة بدر: لما جاءت غزوة بدر الكبرى كان الصحابة - رضي الله عنهم - يتعاقبون الإبل، الاثنين، والثلاثة، والأربعة , وكان مصعب بن عمير، وسويبِط بن حرملة، ومسعود بن ربيع - رضي الله عنهم - , على جمل لمصعب - رضي الله عنه - (¬1) , وعندما وصل المسلمون إلى أرض المعركة صفّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه قبل أن تنزل قريش، وطلعت قريش , ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفهم , ودفع رايته - صلى الله عليه وسلم - إلى مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، فتقدم بها إلى موضعها الذي يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَن يضعها فيه (¬2) , وقد كان لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ الأعظم مع ثلاثة: فلواء المهاجرين مع مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر - رضي الله عنه -، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ - رضي الله عنه - (¬3). ثم لما انتهت المعركة , وقد قتل المسلمون من الكفار سبعين , وأسروا سبعين (¬4) , كان من بين الأسرى النضر بن الحارث , وقد أسره المقداد - رضي الله عنه - يومئذٍ، فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بدرٍ- وكان بالأثيل (¬5) - عرض عليه الأسرى فنظر ¬

(¬1) الواقدي: المغازي , 1/ 24. (¬2) المصدر السابق , 1/ 56. (¬3) المصدر السابق , 1/ 58. (¬4) المصدر السابق , 1/ 144. (¬5) موضع بين بدر والصفراء. السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى , 4/ 8.

إلى النضر بن الحارث فأبَدّهُ البصر، فقال لرجلٍ إلى جنبه: محمد والله قاتلي، لقد نظر إلي بعينين فيهما الموت! فقال لرجل إلى جنبه: والله ما هذا منك إلا رعبٌ. فقال النضر لمصعب بن عمير - رضي الله عنه -: يا مصعب، أنت أقرب مَنْ هاهنا بي رحماً , كلّم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي، هو والله قاتلي إن لم تفعل. قال مصعب - رضي الله عنه -: إنك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا، وتقول في نبيه كذا وكذا. قال: يا مصعب فليجعلني كأحد أصحابي، إن قُتِلُوا قُتِلت، وإن مَنّ عليهم مَنّ عليّ. قال مصعب - رضي الله عنه -: إنك كنت تعذب أصحابه. قال: أَمَا والله، لو أسَرَتْك قريش ما قُتِلْتَ أبدًا وأنا حَيّ. قال مصعب - رضي الله عنه -: والله إني لأراك صادقاً، ولكن لست مثلك قطع الإسلام العهود (¬1)!. وكان من بين الأسرى كذلك " أبو عزيز بن عمير، أسره أبو اليسر - رضي الله عنه - ثم اُقْتُرِعَ عليه فصار لمُحرِزِ بن نضلة - رضي الله عنه -، وأبو عزيز أخوه مصعب بن عمير - رضي الله عنه - لأمه وأبيه. فقال مصعب لمُحْرِزٍ رضي الله عنهما: اُشدُدْ يديك به، فإن له أُمّاً بمكة كثيرة المال. فقال له أبو عزيز: هذه وصاتُك بي يا أخي؟ فقال مصعب - رضي الله عنه -: إنه أخي دونك! فبَعَثَتْ أُمّهُ فيه بأربعةِ آلافٍ، وذلك بعد أن سألت أغلى ما تُفَادِي به قريش، فقيل لها أربعةُ آلافٍ" (¬2). ¬

(¬1) الواقدي: المغازي , 1/ 106. (¬2) المصدر السابق , 1/ 140.

المبحث الثاني: مصعب - رضي الله عنه - وغزوة أحد

المبحث الثاني: مصعب - رضي الله عنه - وغزوة أحد: بعدما انتهت غزوة بدر وانتصر فيها المسلمون انتصارا عظيما , وقُتل من صناديد الكفر من قُتل بدأت المجابهة الحقيقية مع كفار قريش , فجاءت غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة (¬1) , فخرجت قريش بجيوشها ونسائها , وكان منهن خناس بنت مالك أم مصعب - رضي الله عنه - ومعها ابنها أبو عزيز بن عمير (¬2) , ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه - رضي الله عنهم - بعد ما أخذ برأيهم في الخروج إلى كفار قريش (¬3) , ومعهم بعض النسوة كان منهن حمنة بنت جحش -رضي الله عنها- زوجة مصعب - رضي الله عنه - فقد كانت تسقي العطشى وتداوي الجرحى (¬4). وعندما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض المعركة دفع اللواء إلى مصعب بن عمير - رضي الله عنه - (¬5) , كما كان معه يوم بدرٍ , " ولم يختلف أهل السير أن راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر , ويوم أحد كانت بيد مصعب بن عمير - رضي الله عنه - " (¬6) , وذلك عندما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي على رجليه يسوي تلك الصفوف، ويُبَوّئُ أصحابه للقتال , يقول: تقدم يا فلان! وتأخر يا فلان! حتى إنه ليرى منكب الرجل خارجاً فيُؤخّره، ¬

(¬1) ابن اسحاق: سيرة ابن إسحاق , ص321. ابن هشام: السيرة النبوية , 2/ 60. (¬2) المصدر السابق , 2/ 62. الواقدي: المغازي , 1/ 203. محمد بن محمد اليعمري: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير , 2/ 7. (¬3) ابن اسحاق: سيرة ابن إسحاق , ص 324. ابن هشام: السيرة النبوية , 2/ 63. ... الواقدي: المغازي , 1/ 214. (¬4) المصدر السابق , 1/ 249 - 250. ... ابن سعد: الطبقات الكبرى ,8/ 191. (¬5) ابن اسحاق: سيرة ابن إسحاق , ص329. ابن هشام: السيرة النبوية , 2/ 66. الواقدي: المغازي , 1/ 221. (¬6) ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب ,4/ 1475.

فهو يقوّمهم كأنما يقوم بهم القِدَاحَ، حتى إذا استوت الصفوف سأل: من يحمل لواء المشركين؟ قيل: بنو عبد الدار. قال: نحن أحق بالوفاء منهم , أين مصعب بن عمير؟ قال: ها أنا ذا! قال: خذ اللواء , فأخذه مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، فتقدم به بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ثم قاتل وأبلى بلاءً حسناً - رضي الله عنه - لإعلاء كلمة الله والدفاع عن دينه وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - , فعن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: أقبل أُبَيُّ بن خلف يوم أحد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريده، فاعترض رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخلوا سبيله، فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترقوة أُبَيٍّ من فُرجةٍ بين سابغة الدرع (¬2) والبيضة (¬3)، فطعنه بحربته فسقط أُبيّ عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فكسر ضلعا من أضلاعه، فأتاه أصحابه , وهو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أعجزك؟ إنما هو خدش! فذكر لهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بل أنا أقتل أُبَيًّا» ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين. فمات أُبَيُّ إلى النار، فسحقا لأصحاب السعير قبل أن يقدم مكة فأنزل الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (¬4) (¬5). ¬

(¬1) الواقدي: المغازي , 1/ 221. (¬2) ودرع سابغة أي: تامة وافرة طويلة واسعة. محمد الحسيني: تاج العروس من جواهر القاموس , 22/ 499. (¬3) والبيضة من السلاح, سميت بذلك لأنها على شكل بيضة النعام. ابن منظور: لسان العرب, 7/ 125 .. (¬4) سورة الأنفال: آية (17). (¬5) الحاكم: المستدرك على الصحيحين ,كتاب التفسير , باب تفسير سورة الأنفال , 2/ 357 , رقم 3263 , هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه , ووافقه الذهبي.

المطلب الأول: وفاته - رضي الله عنه -

المطلب الأول: وفاته - رضي الله عنه -: وما زال مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يقاتل دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه لواؤه حتى قُتل، فكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعن محمد بن شرحبيل قال: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد , فلما جال المسلمون ثبت به مصعب - رضي الله عنه - , فأقبل ابن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها , ومصعب يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (¬1) , وأخذ اللواء بيده اليسرى , وَحَنا عليه فضربها فقطعها , فَحَنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره , وهو يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} , ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب - رضي الله عنه - , وسقط اللواء (¬2). وقد قال ابن سعد , وقال عبد الله بن الفضل: قتل مصعب , وأخذ اللواء مَلَك في صورته فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له في آخر النهار: تقدم يا مصعب , فالتفت إليه الملك , وقال: لست بمصعب فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مَلَك أُيِّد به (¬3). فرجع ابن قميئة إلى قريش , فقال: قد قتلت محمداً، فلما قُتل مصعب - رضي الله عنه - أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - اللواء (¬4) , وقيل أعطاه أبو الروم بن عمير - رضي الله عنه - (¬5). ¬

(¬1) سورة آل عمران: آية (144). (¬2) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 89. (¬3) الواقدي , المغازي , 1/ 234. (¬4) ابن اسحاق: سيرة ابن إسحاق , ص 329. ... ابن هشام: السيرة النبوية , 2/ 73. (¬5) انظر ص 7.

المطلب الثاني: وقفات الوداع

المطلب الثاني: وقفات الوداع: فلما انتهت المعركة نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرضها , وأخذ يتفقد أصحابه - رضي الله عنهم - , حتى وقف على مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , فدعا له , وأخبر أنه ومن معه من الصحابة - رضي الله عنهم - شهداء عند الله , فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من أحد, مر على مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعا له، ثم قرأ هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)} (¬1) , ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه» " (¬2). وكذلك قال عنه - صلى الله عليه وسلم - في نفس الموقف: «لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حُلّة ولا أحسن لِمّة منك , ثم أنت شعث الرأس في بردة». ثم أمر - صلى الله عليه وسلم - بقبره - رضي الله عنه - , فنزل في قبره أخوه أبو الروم بن عمير وعامر بن ربيعة وسويبط بن سعد بن حرملة. وقد استشهد مصعبٌ - رضي الله عنه - على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئاً (¬3). وجاء في بعض التفاسير في قول الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ ¬

(¬1) سورة الأحزاب: آية (23). (¬2) الحاكم: المستدرك على الصحيحين , كتاب التفسير , باب من قراءات النبي - صلى الله عليه وسلم - ... , 2/ 271 , رقم 2977 , هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة , 11/ 365 , رقم 5221. (¬3) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 90.

الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} (¬1) , أنها نزلت في مصعب بن عمير - رضي الله عنه - (¬2). وعن سعد، عن أبيه، قال: أُتي عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - يوماً بطعامه، فقال: «قتل مصعب بن عمير , وكان خيراً مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ...» (¬3). قال خبابٌ عن مصعب رضي الله عنهما «... قتل يوم أحد، وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه , وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فَأَمَرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه، شيئا من إذخر ...» (¬4). ثم جاءت حمنة بنت جحش -رضي الله عنها- , فنعوا لها أخاها عبدالله وخالها حمزة بن عبدالمطلب -رضي الله عنهما- فصبرت واسترجعت , ثم نعوا لها زوجها مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , فما استطاعت أن تملك نفسها , فقد روت حمنة بنت جحش -رضي الله عنها-، أنها قيل لها: قتل أخوك , قالت: رحمه الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، فقيل لها: قتل خالك حمزة , فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقيل لها: قتل زوجك، قالت: واحزناه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن للزوج من المرأة لشعبةً ما هي لشيءٍ» (¬5). ¬

(¬1) سورة النازعات: آية (40 - 41). (¬2) الماوردي: تفسير الماوردي النكت والعيون , 6/ 200. ... السمعاني: تفسير القرآن , 6/ 153. ... القرطبي: الجامع لأحكام القرآن , 19/ 208. (¬3) البخاري: صحيح البخاري , كتاب الجنائز , باب الكفن من جميع المال ,2/ 77 , رقم 1274. (¬4) المصدر السابق , كتاب مناقب الأنصار , باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة , 5/ 56 , رقم 3897. (¬5) الحاكم: المستدرك على الصحيحين , كتاب معرفة الصحابة - رضي الله عنهم - ... , باب ذكر أم حبيبة واسمها حمنة بنت جحش -رضي الله عنها- ,4/ 68 , رقم 6906. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة , 7/ 223 , برقم 3233.

هكذا كانت سيرة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - , ذلكم الذي ضحى بماله وجسده ووقته وحياته كلها في سبيل الله, فقد قدم للإسلام كل ما يملك, وذلك بالدعوة إليه من خلال منهجٍ نبوي نهله من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين , ورضي الله عن مصعب بن عمير وعن الصحابة أجمعين , وحشرنا معهم في جنات النعيم , بجوار نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ,,,

قائمة المصادر

قائمة المصادر 1) القرآن الكريم. 2) الأصبهاني , اسماعيل محمد: سير السلف الصالحين , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1425هـ. 3) الأصبهاني ,أبو نعيم أحمد بن عبد الله: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ,السعادة , مصر , د. ط , 1394هـ. 4) الألباني , محمد ناصر الدين: ضعيف الترغيب والترهيب , مكتبة المعارف , الرياض , ط1 , 1421هـ. 5) الألباني , محمد ناصر الدين: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل , إشراف: زهير الشاويش , المكتب الإسلامي , بيروت , ط2 , 1405هـ. 6) الألباني , محمد ناصر الدين: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة , دار المعارف , الرياض , ط1 , 1412هـ. 7) البخاري , محمد اسماعيل: صحيح البخاري , المحقق/محمد زهير الناصر , دار طوق النجاة , بيروت , ط1 , 1422هـ. 8) البغدادي , محمد بن حبيب: المحبر , تحقيق/ إيلزة ليختن شتيتر , دار الآفاق الجديدة , بيروت , د. ط , د. ت. 9) البغوي , الحسين بن مسعود البغوي: معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي , المحقق/عبدالرزاق المهدي , دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط1 , 1420هـ.

10) البلاذري , أحمد بن يحيى: جمل من أنساب الأشراف , تحقيق/سهيل زكار وآخر , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1417هـ. 11) البيهقي , أحمد بن الحسين بن علي: السنن الكبرى ,المحقق/محمد عبدالقادر عطا , دار الكتب العلمية , بيروت , ط3 , 1424هـ. 12) البيهقي , أحمد بن الحسين بن علي: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1405هـ. 13) الترمذي , محمد بن عيسى: سنن الترمذي , تحقيق وتعليق / أحمد محمد شاكر , محمد فؤاد عبدالباقي , إبراهيم عطوة , شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي , مصر , ط2 , 1395هـ. 14) الجزري , علي بن أبي الكرم محمد الشيباني: أسد الغابة في معرفة الصحابة , المحقق/ علي محمد معوض _ عادل أحمد عبدالموجود , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1415هـ. 15) الجزري , شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن يوسف: غاية النهاية في طبقات القراء , مكتبة ابن تيمية , القاهرة , عني بنشره لأول مرة عام 1351هـ ج. برجستراسر. 16) ابن الجوزي , جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك , المحقق/محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطا , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1412هـ. 17) ابن الجوزي , جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن: تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير , شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم , بيروت , ط1 , 1997م.

18) الجوهري , إسماعيل بن حماد: الصحاح , تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار , دار العلم للملايين , بيروت , ط4 , 1407هـ. 19) الحسيني , محمد بن محمد: تاج العروس من جواهر القاموس, المحقق/مجموعة من المحققين , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1428هـ. 20) الحموي , ياقوت بن عبد الله الرومي: معجم البلدان , دار صادر , بيروت , ط2 , 1995م. 21) الحميري , سليمان موسى: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1420هـ. 22) الخطابي , حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي: غريب الحديث , المحقق/ عبد الكريم إبراهيم الغرباوي , دار الفكر , بيروت , 1402هـ. 23) الذهبي , شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد: سير أعلام النبلاء , المحقق / مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط3 , 1405هـ. 24) الذهبي , شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام , المحقق/ الدكتور بشار عوّاد معروف , دار الغرب الاسلامي , بيروت , ط1 , 2003م. 25) الرازي , زين الدين محمد بن أبي بكر: مختار الصحاح ,المحقق/يوسف الشيخ محمد , المكتبة العصرية , بيروت , ط5 , 1420هـ. 26) الزبيري , مصعب بن عبدالله: نسب قريش , المحقق / ليفي بروفنسال , دار المعارف , القاهرة , ط3 , 1982م.

27) الزركلي , خيرالدين بن محمود: الأعلام , دار العلم للملايين , بيروت , ط15 , 2002م. 28) السبتي ,عياض بن موسى: مشارق الأنوار على صحاح الآثار , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1423هـ. 29) السمعاني , منصور بن محمد بن عبدالجبار: تفسير القرآن , المحقق/ ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم , دار الوطن، الرياض , ط1 , 1418هـ. 30) السمهودي , علي بن عبدالله بن أحمد: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1419هـ. 31) السهيلي , عبدالرحمن بن عبدالله: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية , تحقيق / عمر عبدالسلام السلامي , دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط1 , 1421هـ. 32) السيوطي , عبدالرحمن بن أبي بكر جلال الدين: الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير , المحقق/ يوسف النبهاني , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1423هـ. 33) الشامي , محمد يوسف: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد , تحقيق / عادل أحمد عبدالموجود , علي محمد معوض , دار الكتب العلمية, بيروت , ط1 , 1414هـ. 34) الشنقيطي , محمد الأمين بن محمد المختار: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن , دار الفكر , بيروت , د. ط , 1415هـ.

35) الشيباني , أبو بكر بن أبي عاصم , الآحاد والمثاني ,المحقق/باسم فيصل الجوابرة , دار الراية , الرياض , ط1 , 1411هـ. 36) الشيباني , خليفة بن خياط بن خليفة: طبقات خليفة بن خياط , المحقق/سهيل زكار , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1414هـ. 37) الشيباني , مجد الدين أبو السعادات: النهاية في غريب الحديث والأثر , تحقيق / طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي , المكتبة العلمية , بيروت , د. ط , 1399هـ. 38) الطبراني , سليمان بن أحمد بن أيوب: المعجم الكبير , المحقق/ حمدي بن عبد المجيد السلفي , مكتبة ابن تيمية , القاهرة , ط2 , د. ت. 39) الطبري , أحمد بن عبدالله بن محمد: الرياض النضرة في مناقب العشرة , دار الكتب العلمية , بيروت , ط2 , 1424هـ. 40) الطبري , محمد بن جرير: تاريخ الطبري , دار التراث , بيروت , ط2 , 1387هـ. 41) العراقي , أبو الفضل زين الدين: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار ,دار ابن حزم , بيروت , ط1 , 1426هـ. 42) ابن عساكر , علي بن الحسن: تاريخ دمشق , المحقق/ عمرو بن غرامة العمروي , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1415هـ. 43) العسقلاني , أحمد بن علي بن محمد: الإصابة في تمييز الصحابة , تحقيق / عادل أحمد عبدالموجود _ علي محمد معوض , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1415هـ.

44) العسقلاني , أحمد بن علي بن محمد: فتح الباري شرح صحيح البخاري , دار المعرفة , بيروت , ط1 , 1379هـ. 45) عمر ,أحمد مختار: معجم اللغة العربية المعاصرة , عالم الكتب , القاهرة , ط1 , 1429هـ. 46) العيني ,محمود بن أحمد: عمدة القاري شرح صحيح البخاري , دار إحياء التراث العربي , بيروت , د. ط , 1348هـ. 47) القرطبي , محمد بن أحمد بن أبي بكر: الجامع لأحكام القرآن , تحقيق/أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش , دار الكتب المصرية , القاهرة , ط3 , 1387هـ. 48) القرطبي , يوسف بن عبدالله بن محمد النمري: الاستيعاب في معرفة الأصحاب , دار الجيل , بيروت , ط1 , 1412هـ. 49) بن كثير , أبو الفداء إسماعيل بن عمر: تفسير القرآن العظيم , المحقق / سامي بن محمد سلامة , دار طيبة , الرياض , ط2 , 1420هـ. 50) ابن كثير , أبو الفداء إسماعيل بن عمر: السيرة النبوية , تحقيق /مصطفى عبدالواحد , دار المعرفة , بيروت , د. ط , 1395هـ. 51) ابن ماجه , محمد بن يزيد القزويني: سنن ابن ماجه , تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي , دار إحياء الكتب العربية , القاهرة , د. ط , د. ت. 52) الماوردي , علي بن محمد: تفسير الماوردي = النكت والعيون , المحقق/ السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم , دار الكتب العلمية , بيروت , د. ط , د. ت. 53) المباركفوري , صفي الرحمن: الرحيق المختوم , دار الوفاء , المنصورة , د. ط , 1425هـ.

54) المخلِّص ,محمد بن عبدالرحمن: المخلصيات وأجزاء أخرى لأبي طاهر المخلص , المحقق/نبيل سعد الدين , وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية , قطر, ط1 ,1429هـ. 55) المطلبي , محمد بن اسحاق بن يسار: سيرة ابن اسحاق , تحقيق / سهيل زكار , دار الفكر , بيروت , ط1 , 1398هـ. 56) المعافري , عبدالملك بن هشام: السيرة النبوية لابن هشام , تحقيق/ مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي , شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده , مصر , ط2 , 1375هـ. 57) المقريزي , أحمد بن علي: امتاع الاسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع , المحقق / محمد عبدالحميد النميسي , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1420هـ. 58) ابن منظور , محمد بن مكرم: لسان العرب , دار صادر , بيروت , ط3 , 1414هـ. 59) الموصلي , المعافى بن عمران: كتاب الزهد , تحقيق / عامر حسن صبري , دار البشائر الإسلامية , بيروت , ط1 , 1420هـ. 60) النووي , محيي الدين يحي بن شرف: تحرير ألفاظ التنبيه , تحقيق / عبدالغني الدقر , دار القلم , دمشق , ط1 , 1408هـ. 61) النيسابوري , الحاكم محمد بن عبدالله: المستدرك على الصحيحين , تحقيق / مصطفى عبدالقادر عطا , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1411هـ. 62) الهاشمي , محمد بن سعد بن منيع: الجزء المتمم لطبقات ابن سعد , تحقيق / محمد صامل السلمي , مكتبة الصديق , الطائف, ط1 , 1414هـ.

63) الهاشمي , محمد بن سعد بن منيع: الطبقات الكبرى , تحقيق / محمد عبدالقادر عطا , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1410هـ. 64) الهيثمي , أبو الحسن نور الدين: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد , المحقق/حسام الدين القدسي , مكتبة القدسي , القاهرة , د. ط , 1414هـ. 65) الواحدي , علي بن أحمد بن محمد: أسباب نزول القرآن , المحقق: عصام بن عبد المحسن الحميدان , دار الإصلاح , الدمام , ط2 , 1412هـ. 66) الواقدي , محمد بن عمر: المغازي , تحقيق/مارسدن جونس , دار الأعلمي , بيروت , ط3 , 1409هـ. 67) اليعمري , محمد بن محمد: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير , دار القلم , بيروت , ط1 , 1414هـ.

§1/1