سيرة الشاب الصالح عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فهذه رسالة في ((سيرة الابن: الشاب، البار، الصالح عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله تعالى))، بيّنت فيها سيرته الجميلة على النحو الآتي: أولاً: مولده رحمه الله تعالى. ثانياً: نشأته رحمه الله تعالى. ثالثاً: حفظه للقرآن الكريم. رابعاً: دراسته النظامية. خامساً: شيوخه رحمه الله. سادساً: زملاؤه في كلية الشريعة. سابعاً: طلبه للعلم خارج المدارس النظامية.

ثامناً: مؤلفاته. تاسعاً: تعليقاته المفيدة على بعض كتبه. عاشراً: تلاميذه في حلقات القرآن الكريم. الحادي عشر: الحكم التي كتبها رحمه الله: الشعر، والنثر. الثاني عشر: أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر. الثالث عشر: أخلاقه العظيمة رحمه الله تعالى. الرابع عشر: وفاته مع شقيقه عبد الرحيم رحمهما الله تعالى. الخامس عشر: سيرة مختصرة لشقيقه الابن: البار، الصغير، الصالح عبد الرحيم رحمه الله تعالى. السادس عشر: ما قاله عنه العلماء وطلاب العلم والأساتذة. السابع عشر: ما قاله عنه معلموه. الثامن عشر: ما قاله عنه زملاؤه. التاسع عشر: الفوائد التي اقتطفها من أساتذة كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، خلال ثلاثة أشهر فقط من 13/ 6/1422 إلى 16/ 9/1422هـ. والفوائد التي اقتطفها رحمه الله على النحو الآتي: 1 - الفوائد التي اقتطفها من علوم القرآن. 2 - الفوائد التي اقتطفها من التفسير. 3 - الفوائد التي اقتطفها من مصطلح الحديث. 4 - الفوائد التي اقتطفها من الحديث الشريف.

5 - الفوائد التي اقتطفها من أصول الفقه. 6 - الفوائد التي اقتطفها من الفقه. 7 - الفوائد التي اقتطفها من النظم الإسلامية. 8 - أما الفوائد التي اقتطفها رحمه الله من شرح أساتذة العقيدة، فقد قيّدها على أصل نسخته من شرح العقيدة الطحاوية، ولم يفردها في مذكرة خاصة كما أفرد الفوائد المتقدمة، جعلها الله في موازين حسناته. والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله من العمل المقبول للابن عبد الرحمن، وشقيقه الابن عبد الرحيم رحمهما الله تعالى، وأن يجعلهما شهداء أحياءً عند ربهم يرزقون، وأن يجمعني بهما في أعلى منازل الشهداء في الفردوس الأعلى مع نبينا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ووالدينا، ومشايخنا، وذرياتنا، وأزواجنا، وأحبابنا في الله تعالى جميعاً؛ إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربهم إلى يوم الدين. أبو عبد الرحمن حرر بعد العصر من يوم السبت 21/ 12/1423هـ

أولا: مولده.

مولد الابن عبد الرحمن رحمه الله، ونشأته، وطلبه للعلم، وأخلاقه، وما قال عنه العلماء، وطلاب العلم، والأساتذة، ومعلموه، وزملاؤه، ووفاته رحمه الله تعالى: أولاً: مولده: ولد رحمه الله قبل صلاة الظهر في اليوم السابع والعشرين من ذي القعدة: 27/ 11/1403هـ في سكن جامع الفاروق بإسكان القوات المسلمة طريق الخرج في مدينة الرياض. ثانياً: نشأته: نشأ بتوفيق الله تعالى ورعايته وفضله وإحسانه على ما نشأ عليه أهل التوحيد، وكان يتّصف بالذكاء منذ الطفولة المبكرة، فلم يدخل المدرسة إلا وهو يحفظ جزء عمّ، ويقرأ الأحرف العربية، وفي السنة الثانية الابتدائية اختبر في الجماعة الخيرية في خمسة أجزاء، فاجتاز بتقدير ممتاز، وكان يدرس في الفترة الصباحية في المدرسة، وفي الفترة المسائية بعد العصر في الجامع في حلقات القرآن الكريم على الشيخ حافظ قاري غلام محمد بن فيض الله، جزاه الله خيراً. وكان الابن عبد الرحمن رحمه الله لا يحب اللعب في طفولته كما يحبه الأطفال، حتى في المدرسة، وقد أخبرني رحمه الله أنه يجلس والطلاب يعلبون في ملعب المدرسة، وقد كان رحمه الله يذهب من البيت في سيارة ويرجع إليه، ثم من البيت إلى المسجد، ولا يختلط مع أبناء الجيران، وكان ملازماً لي مدة حياته إلا إذا سافرت، وكان يحب أن يصلي دائماً خلف الإمام من صغره إلى أن مات رحمه الله تعالى.

المدرسة الابتدائية

* دخل المدرسة الابتدائية في أوائل عام 1410هـ‍ [مدرسة الإمام حمزة لتحفيظ القرآن الكريم] في حي الغبيراء بمدينة الرياض، وكان يثني على كثير من مدرسيها ويخصّ منهم الأستاذ سعيد بن سعد الطيشان، والأستاذ محمد بن سالم الهيشة، جزاهما الله خيراً، وتخرّج من هذه المدرسة عام 1415هـ‍. * ثم درس المتوسطة في المتوسطة الثانية لتحفيظ القرآن الكريم، وختم حفظ القرآن في الخامسة عشرة من عمره في هذه المدرسة [بتقدير ممتاز، وقد أخذ الدرجة كاملة 100%]، وذلك عام 1418هـ‍، وكان رحمه الله يثني على مديرها الشيخ حمّاد بن عبد الرحمن العمر حفظه الله، ويذكر من حسن خُلُقه وتربيته، وعنايته بالطلاب الشيء الكثير، كما يُثني كثيراً على مدرّس القرآن الكريم بهذه المدرسة: الشيخ إبراهيم التويم حفظه الله، ويذكر حرصه على نفع الطلاب واستقامتهم، ويثني على كثير من مدرّسي هذه المدرسة. * ثم اختبر بعد ذلك في الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن فاجتاز بتقدير ممتاز أيضاً ولله الحمد، وذلك عام 1419هـ‍. * ثم انتقل إلى المرحلة الثانوية عام 1419هـ‍فدرس في ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم، وتعلّم فيها القراءات السبع مع مراجعة القرآن الكريم، وكان يثني كثيراً على الشيخ عادل بن عبد الله السنيد حفظه الله مدرّس القراءات، وقد أثّر على الابن عبد الرحمن في الإخلاص، وعلى الشيخ بدر بن ناصر العوَّاد حفظه الله مدرّس المواد الشرعية، وقد أثّر على

ثم تخرج من هذه الثانوية

الابن عبد الرحمن في البلاغة والشعر والأساليب الرائعة، ويشكرهما ويقول: ((هذان من العلماء))؛ لتأثره بتربيتهما؛ ولغزارة علمهما، وحرصهما على نفع الطلاب جزاهما الله خيراً، كما يُثني على وكيل هذه المدرسة: الشيخ محمد العوشن ويقول: ((هذا الرجل عليه سمت العلماء))، كما يُثني على كثير من مدرّسي هذه المدرسة جزاهم الله خيراً. * ثم تخرّج من هذه الثانوية عام 1422هـ‍، وكان من العشرة الأوائل على مدارس تحفيظ القرآن الكريم بمدينة الرياض، بتقدير ممتاز. وأخبرني وكيل هذه المدرسة الشيخ محمد العوشن حفظه الله أن الابن عبد الرحمن رحمه الله أوصى بكتابه تقريب المعاني في شرح حرز الأماني في القراءات السبع للصف الثالث ثانوي في مدرسة أبي عمرو، وكان الابن عبد الرحمن قد كتب على هذا الكتاب بخط يده: ((هذا التقريب أُوصي به لطلاب ثالث ثانوي بعد مغادرتي المدرسة على خير إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم)) (¬1). * ثم انتقل إلى المرحلة الجامعية، فدخل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في كلية الشريعة، قسم الشريعة، وذلك في 13 من جمادى الثاني عام 1422هـ‍، فدرّس بها بقيّة جمادى، ورجب، وشعبان، وستة عشر يوماً من رمضان - رحمه الله -. ¬

(¬1) نقل من خطه رحمه الله على الغلاف الداخلي من الكتاب المذكور.

وكان من مشايخه في كلية الشريعة قسم الشريعة:

وكان من مشايخه في كلية الشريعة قسم الشريعة: 1 - الشيخ د. عبد الله بن مبارك البوصي يدرسه في الفقه. 2 - الشيخ د. عبد الحكيم العجلان، في الفقه أيضاً. 3 - الشيخ د. محمد المديميغ، في العقيدة ((الطحاوية)). 4 - الشيخ د. ناصر الجديع، في العقيدة ((الطحاوية)). 5 - الشيخ د. عبد العزيز العسكر في العقيدة ((الطحاوية)). 6 - الشيخ د. محمد الدريويش، في العقيدة ((الطحاوية)). 7 - الشيخ د. محمد بن عبد العزيز المبارك، في أصول الفقه. 8 - الشيخ د. إسماعيل بن خليل، في الحديث ((بلوغ المرام)). 9 - الشيخ د. محمد بن عبد الله الفهيد، في مصطلح الحديث. 10 - الشيخ د. فراج الحمد، في النحو ((أوضح المسالك)). 11 - الشيخ د. إبراهيم الفايز، في ((النظم)). 12 - الشيخ د. عبد الله العمرو، في ((النظم)). 13 - الشيخ د. شريف في ((علوم القرآن)). 14 - الشيخ د. جمعة، في ((التفسير)). 15 - الشيخ د. الزناتي، في ((التفسير)) أيضاً.

أما زملاؤه في كلية الشريعة

أما زملاؤه في كلية الشريعة قسم الشريعة فهم كثير جداً، لكن من أبرزهم وأحبهم إليه: 1 - عادل بن عبد الله المطرودي، وهو ممن يحفظ القرآن الكريم وصحيح البخاري ومسلم، وحفظ بعد ذلك السنن زاده الله علماً. 2 - عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سليمان الشبيب. 3 - * ياسر بن محمد الحقيل، وهو قرين عبد الرحمن في البلاغة والشعر. 4 - تركي بن عبد الله الهويمل. 5 - عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن بجاد القحطاني. 6 - عبد الرحمن بن سعود الدحيم. 7 - عبد العزيز بن سعد بن محمد الحمدِّي. 8 - عبد الحليم بن فاروق الأفغاني. 9 - عبد الحميد بن عبد الله المشعل. 10 - سلمان بن محمد بن ظافر الشهري. 11 - * يزيد بن علي المحسن. 12 - * عبد السلام بن سليمان الربيش. 13 - * عبد الرحمن بن سعد المبارك. 14 - * تركي بن إبراهيم المهنا. 15 - * متعب بن خالد الجندل.

16 - * علي بن محمد المهوس. 17 - * عبد الله بن سليمان الرميان. 18 - * عبد الرحمن بن محمد الحمود. 19 - عبد الرحمن بن حمود البدراني. 20 - * عبد الله بن صالح الهزاني. 21 - * عبد الرحمن بن عبد العزيز الجلعود (¬1). ¬

(¬1) كل اسم أمامه نجمة فهو زميل لعبد الرحمن رحمه الله في ثانوية أبي عمرو لتحفيظ القرآن الكريم، ثم في كلية الشريعة، قسم الشريعة.

ثالثا: طلبه للعلم خارج المدارس النظامية:

ثالثاً: طلبه للعلم خارج المدارس النظامية: راجع القرآن مرات عديدة على شيخه في جامع الفاروق بإسكان أفراد القوات المسلحة، وعلى مجموعة من المدرسين، وكان يحضر معي الدروس الليلية، وفجر الخميس عند سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى، وذلك في السنوات الأخيرة في حياة شيخنا رحمه الله تعالى، ومن أهم طلبه للعلم ما يأتي: 1 - حفظ بعد حفظه القرآن الكريم: الأربعين النووية للإمام النووي رحمه الله. 2 - قرأ كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وذلك على فضيلة الشيخ عبد الله بن صالح القصير حفظه الله عام 1420هـ‍في مدينة الباحة، ولم يكمله؛ لطول نفس الشيخ في الشرح، ثم قرأ هذا الكتاب عليّ من أوله إلى آخره وذلك عام 1422هـ في مدينة الباحة قبل موته بأشهر، واستمع لشرحه كاملاً، وبدأ يحفظ هذا الكتاب، فحفظ قبل موته سبعة عشر باباً سمَّعها عليَّ واستمع لشرحها، وآخر هذه الأبواب {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (¬1). 3 - قرأ القواعد الحسان لتفسير القرآن للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، على فضيلة الشيخ د. عبد الله بن عبد العزيز الخضير حفظه الله، وذلك عام 1420هـ‍في مدينة الباحة. ¬

(¬1) سورة القصصِ، الآية: 56.

4 - قرأ نخبة الفكر للحافظ ابن حجر على فضيلة الشيخ منصور السماري حفظه الله، وذلك عام 1420هـ‍في مدينة الباحة. 5 - قرأ عليَّ كتاب بلوغ المرام إلى نهاية كتاب الجنائز ثلاث مرات: المرة الأولى مستمعاً في الطائف عام 1420هـ‍، والمرة الثانية قرأه عليَّ بنفسه في الباحة عام 1420هـ‍، والمرة الثالثة في مدينة الرياض، وقد وصل إلى نهاية كتاب الزكاة، وبدأ في الصيام إلى الحديث رقم 676 [حديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من لم يُبَيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) (¬1). 6 - قرأ عليَّ كتاب ((منهاج السالكين وتوضيح الفقه في الدين)) للعلامة السعدي رحمه الله، وصل فيه إلى نهاية كتاب الزكاة قبل موته رحمه الله. 7 - قرأ عليَّ كتاب ((كشف الشبهات)) كاملاً، للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، واستمع لشرحه. 8 - سَمِعَ ثلاثة الأصول للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، خمس مرات، مع شرحها. 9 - قرأ عليَّ ((الدروس المهمة لعامة الأمة)) للإمام ابن باز رحمه الله مرتين، ولم يكمل الثانية؛ لموته رحمه الله. 10 - حفظ عليَّ الرحبية في الفرائض إلى باب الحساب عام 1420هـ‍، ¬

(¬1) رواه الخمسة.

بحوث مفيدة

وراجعها مرات. 11 - قرأ عليَّ ((الفوائد الجلية في المباحث الفرضية)) للعلامة ابن باز رحمه الله إلى باب الحساب. 12 - قرأ عليَّ ((الدرر البهية في المسائل الفقهية)) للإمام الشوكاني إلى نهاية كتاب الحج، وذلك عام 1422هـ‍في مدينة الباحة قبل وفاته رحمه الله بأشهر. 13 - سَمِعَ ((العقيدة الواسطية مع شرحها)) ثلاث مرات: الأولى سمعها من الشيخ الدكتور حمد الشتوي في الطائف عام 1420هـ‍، والثانية والثالثة سمعها في دروسي في الرياض. 14 - سَمِعَ ((القواعد الخمس الكبرى)) من الدكتور علي بن راشد الدبيان، وذلك في الطائف عام 1420هـ‍. 15 - سَمِعَ الفرائض إلى باب الحساب من الشيخ بدر الجويان، وذلك في الطائف عام 1420هـ‍. 16 - له ثلاثة بحوث مفيدة: الأول: الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة، وقد طُبع ولله الحمد ثلاث طبعات: الطبعة الأولى سبعة آلاف نسخة، والطبعة الثانية عشرة آلاف نسخة، والطبعة الثالثة عشرون ألف نسخة، ولله الحمد. الثاني: غزوة فتح مكة في السنة المطهرة، وقد طبع ولله الحمد.

الثالث: أبراج الزجاج في سيرة الحجاج

الثالث: أبراج الزجاج في سيرة الحجاج، وقد طبع ولله الحمد. 17 - وُجد له تعليقات مفيدة على بعض كتبه التي قرأها في الحلقات العلمية - رحمه الله - منها ما وُجد على كتاب منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين للعلامة السعدي رحمه الله، فقد كتب الابن عبد الرحمن - رحمه الله - على مقدمة هذا الكتاب الكلمة المفيدة الآتية: أ - فضل العلم: 1 - العلم إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 2 - العلم يبقى والمال يفنى. 3 - العلم لا يتعب صاحبه في الحراسة. 4 - العلم يوصل إلى أن يكون صاحبه من الشهداء على الحق. 5 - أهل العلم أحد صنفي ولاة الأمر. 6 - لم يرغِّب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يغبط أحدٌ أحداً على شيء إلا على العلم [صاحب القرآن الذي يعمل به]،وصاحب المال [الذي ينفقه في الحق]. 7 - العلم طريق إلى الجنة. 8 - من وُفِّق للعلم فقد أراد الله به خيراً. 9 - إن الله يرفع صاحب العلم بعلمه. ب - آداب طالب العلم: 1 - الإخلاص لله سبحانه.

جـ - عقبات في طريق العلم:

2 - ينوي بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه، وعن غيره. 3 - ينوي بذلك الدِّفاع عن الدين بالعلم. 4 - العمل بالعلم. 5 - العبادة مبنية على: الإخلاص، والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -. 6 - الدعوة إلى العلم. 7 - الصبر على التعلم. جـ - عقبات في طريق العلم: 1 - فساد النية. 2 - حب الشهرة. 3 - التفريط في حلقات العلم. 4 - التذرّع بكثرة الأشغال. 5 - التفريط في طلب العلم في الصغر. 6 - العزوف عن طلب العلم. 7 - تزكية النفس. 8 - عدم العمل بالعلم. 9 - اليأس [واحتقار الذات].

10 - التسويف في طلب العلم (¬1). أسأل الله بوجهه الكريم أن يجعل العمل بهذه الآداب والفضائل في موازين حسنات الابن عبد الرحمن، فإنه جواد كريم. وهناك تعليقات أخرى على بعض كتبه رحمه الله تعالى. وكان رحمه الله تعالى يحضر جميع دروسي التي تُلقى في جامع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في إسكان طريق الخرج، وفي جامع الفاروق المذكور آنفاً، وكانت الدروس ولله الحمد في: العقيدة، والحديث، والفقه، والتفسير، وكان يستمع لإذاعة القرآن الكريم، وخاصة قبل أن ينام، وكان من الصغر يحب الاطلاع، وزيارة المكتبات، وشراء الأشرطة والكتيبات النافعة، وقد عُيّن مؤذناً لجامع الفاروق بإسكان أفراد القوات المسلحة في 14/ 6/1421هـ‍، وقد أعطاه الله جمال الصوت وحُسنه في القراءة والأذان، فارتاح الناس له وأحبوه في الله تعالى، وقد أخبرني الثقات من جماعة الجامع أنهم كانوا يخشعون عندما يصلي بهم عبد الرحمن في الصلوات الجهرية؛ لحسن صوته، وذلك عندما أسافر؛ لأني إمام الجامع المذكور. وكان يُدرِّس القرآن الكريم للطلاب في الجامع الذي يؤذّن فيه، حيث كلفه مدير مدرسة جامع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لتحفيظ القرآن الكريم ¬

(¬1) وهذه الفضائل والآداب ملخص لما في كتاب العلم للعلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى.

الشيخ خالد بن ضيف الله البلادي حفظه الله، فأسند إليه تدريس حلقة مستقلة [حلقة الإمام الذهبي رحمه الله]. وتلاميذه في هذه الحلقة هم: 1 - إبراهيم بن عبد الله بن حسين القحطاني. 2 - إبراهيم بن محمد بن سعيد القرني. 3 - إبراهيم بن حسن بن محمد عسيري. 4 - أحمد بن فايع بن محمد عسيري. 5 - أحمد بن محمد بن عوضة عسيري. 6 - أحمد بن محمد بن زين الدين. 7 - أحمد بن عبد الرحمن بن سالم السريحي. 8 - ثامر بن مصلح بن عطا الله العنزي. 9 - سلطان بن ناصر بن مسفر الغامدي. 10 - خالد بن علي بن مرعي القرني. 11 - سلطان بن محمد بن علي عسيري. 12 - سلمان بن عبد الله الأسمري. 13 - بدر بن سلمان الشهري. 14 - عبد الله بن علي بن عبد الله العمري.

15 - محمد بن أحمد بن محمد المجرشي. 16 - أنور بن حنتول بن يحيى سرحي. 17 - مجاهد بن صالح بن حمدان العمري. وكان الطلاب يحبونه في الله تعالى ويجلُّونه؛ لحُسن خُلُقه، وإحسانه إليهم. وقد أمَّ الناس في صلاة العشاء والتراويح في مسجد الزبير بن العوام - رضي الله عنه -، بإسكان طريق الخرج، ثلاث سنوات: 1420هـ‍، 1421هـ‍، وسبع عشرة ليلة من رمضان عام 1422هـ‍؛ حيث توفي رحمه الله بعد صلاة التراويح في هذه الليلة.

رابعا: الحكم التي كتبها رحمه الله قبل وفاته:

رابعاً: الحِكَمُ التي كتبها رحمه الله قبل وفاته: رسائل هاتفية أرسلها عبد الرحمن رحمه الله تعالى بهاتفه الجوال إلى جوال: زميله الشاب الصالح، أيمن بن عبد الله العاصمي قبل وفاته بيوم أو يومين 14 - 15 رمضان 1422هـ‍كما يقول: الأخ أيمن، وكانت وفاة عبد الرحمن وأخيه بعد صلاة العشاء والتراويح ليلة الأحد 17/ 9/1422هـ‍. الرسالة الأولى يقول فيها: ((المستأنس بالله: جنته في صدره، وبستانه في قلبه، ونزهته في رضى ربه)). الرسالة الثانية قال فيها: ((اللهمّ إنك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك فلا تحرمنا الجنة ونحن نسألك)). الرسالة الثالثة: قال: ((فائدة: العزة في القناعة، والذلّ في المعصية، والهيبة في قيام الليل)) (¬1). كما سبق وأن أرسل رسالة مكتوبة بخطّ يده لأيمن العاصمي قبل وفاته بحوالي شهرين تقريباً قال: بسم الله الرحمن الرحيم، الأخ أيمن ... حفظه الله: حسبك خمسة: إذا ما مات ذو علم وتقوى ... فقد ثلمت من الإسلام ثلمة ¬

(¬1) نقلت جميع هذه الرسائل، من جوال الأخ الشاب الصالح أيمن بن عبد الله العاصمي وفقه الله.

وموت الحاكم العدل المولَّى ... بحكم الشرع منقصة ونقمة وموت العابد القوّام ليلاً ... يناجي ربه في كل ظلمة وموت فتى كثير الجود مَحْلٌ ... فإن بقاءه خصب ونعمة وموت الفارس الضرغام هدم ... فكم شهدت له بالنصر عزمة فحسبك خمسة يُبكى عليهم ... وباقي الناس تخفيف ورحمة وباقي الناس هم همج رعاع ... وفي إيجادهم لله حكمه (¬1) وقد وجد مكتوباً على الغلاف الداخلي من كتاب أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك للإمام ابن هشام رحمه الله تعالى، المقرر عليه في كلية الشريعة بخط يده رحمه الله يقول: عرفت أن الحياة رحلة وطريق ... فأحسنت اختيار الرفيق وتوليت القيادة وكان الابن عبد الرحمن يقول الشعر، وقد وجد من شعره بعض الأبيات في جوال زميله الشاب الصالح ياسر بن محمد الحقيل، أرسل إليَّ بها، وهي خمسة وأربعون بيتاً، وهذا نصّ بعضها في رسالة الأخ ياسر إليَّ، قال: بسم الله الرحمن الرحيم هذه الرسائل التي كانت بيني وبين عبد الرحمن - رحمه الله - وقد رمزت للتي كتبها عبد الرحمن بـ (ع)، والتي أرسلتها له بـ (ي). ¬

(¬1) وجدنا هذه الرسالة بخط يد الابن عبد الرحمن رحمه الله تعالى، وعليها توقيعه، وهي محفوظة عند الأخ أيمن العاصمي وفقه الله تعالى.

ي - ألا فَارْدُدْ سَرِيعاً دُونَ خوفٍ ... فخَيْرُ الرَّدِّ عَاجِلُهُ المُبِينا ع - أنا لا أرهب الرَّدَّ المُقَفَّى ... ولا أخشى سُبَابَ الشِّعْرِ فِينا ع - ألا فانْشُرْ سَلامي في رُبَاكُم ... وعَطِّر صحْبَنَا بالياسَمِينا ي - قد انتشَرَ السَّلامُ كَخَيْرِ غَيثٍ ... وعَمَّ العِطْرُ أرْجَاءَ المدينه ع - رأيتُ الوُدَّ يَتْبَعهُ انقِطَاعٌ ... وخَيْرُ الوُدِّ ما يُفشِي السَّكينه ي - ألا فاعمَلْ حِسَاناً ما استطعتَ ... فَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ سَكَنَ المدينه ي - رسولُ الله يُرفلُ في رُبَاهَا ... ومَسْجِدُهُ نَحِنُّ له حَنِينَا ع - ولا تَنْسَ بِمَكَّةَ خَيْرَ بَيْتٍ ... يطُوفُ به صِحَابٌ تابعونا ي - ولا تنسَ بنجدٍ خيرَ قومٍ ... همُ للدِّينِ خيرُ الخَادِمِينا ع - تَمَنَّ الخيرَ تكسَبْ مُجْتَناهُ ... ولوْ طَالَتْ عواقِبُهُ سِنينا ع - رأيتُ العِلْمَ لا يأتي رِجالاً ... همُ في الصُّبْحِ شرُّ النَّائمينا (¬1) ي -ألا فَاغْضُضْ بِطَرْفِكَ عَنْ مَرِيضٍ ... بكُلِّ الَّليلِ إكثارُ الأنِينَا قال الأخ ياسر: من آخر الرسائل التي أرسلها إليَّ عبد الرحمن كانت تهنئة بشهر رمضان وهي (بنسيم الرحمة، وعبير التوبة، ورجاء المغفرة، وبعد الزحمة أقول كل عام وأنت بخير) وكانت بتاريخ يوم الجمعة 1/ 9/1422هـ‍الموافق 16/ 11/2001م. ¬

(¬1) قال الأخ ياسر أرسلها إلي عبد الرحمن رحمه الله عندما كنت غائباً يوماً عن الدراسة في الجامعة بسبب المرض.

كتبه ياسر بن محمد الحقيل بتاريخ 25/ 1/1423هـ‍ زميل عبد الرحمن رحمه الله في ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم، ثم في كلية الشريعة، والمدرس في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم في جامع القدس بحي القدس بالرياض.

خامسا: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

خامساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر: * وكان رحمه الله تعالى: يأمر أهل بيتنا بالمعروف وينهاهم عن المنكر إذا رأى شيئاً، وأخبرني بعض الأهل بعد موت عبد الرحمن رحمه الله أنه كان إذا لاحظ عليهم شيئاً أخذهم على انفراد، ونصحهم سراً. * وأخبرتني والدته جبر الله قلبها وربط عليه؛ {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1) أن عبد الرحمن رحمه الله رأى بعض أهل البيت أخطأ فشرب بشماله، فقال: ((هذا لا يجوز، ألا تحبون الجنة، وتخافون من النار؟))، وقد أثر ذلك في نفوسهم بعد موته رحمه الله تعالى. * كما أخبرني الأخ زمراوي محمد خيري السوداني، وفقه الله، أنه كان سائراً مع الابن عبد الرحمن رحمه الله تعالى، فرأى الابن عبد الرحمن رجلاً يقرأ مجلة فيها صور غير مناسبة، فنصحه وقال له: ((ما وجدت شيئاً تقرأه غير هذا؟)). * وأخبرني الشاب سعيد بن أحمد بن سعيد الشهري قال: الله يرحم عبد الرحمن قد نصحني أن أحفظ القرآن عندما سألته عن تفسير آية قبل ثلاث سنوات، فأخبرني بتفسيرها، ثم قال: ((احفظ القرآن)). * وأخبرني زائد بن سعد الدوسري (¬2) بقوله: كنت مارّاً بسيارتي، فمررت بعبد الرحمن رحمه الله وهو أمام باب بيته، يريد أن يذهب إلى ¬

(¬1) سورة القصص، الآية: 10. (¬2) وقد توفي زائد رحمه الله في حادث مروري في أول شهر رجب عام 1423هـ‍.

الصلاة، فسلّمت عليه، وكنت أستمع إلى شريط أغنية في سيارتي، فرد عليَّ السلام ونصحني بقوله: ((الغناء حرام لا يجوز سماعه وأنت في شهر عظيم)). قال الأخ زائد: وكان ذلك في رمضان قبل وفاة عبد الرحمن - رحمه الله - بيومين، وقد تركت الغناء بسبب نصيحة عبد الرحمن، وإذا ملتُ إلى الغناء أخذت شريط أمراض القلوب واستمعت إليه. * كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - قد رأى رجلاً من المصلين ضرب ولده على وجهه، وكان رجلاً صالحاً، فقال له الابن عبد الرحمن: لا يجوز الضرب على الوجه، فما كان من هذا الرجل إلا أن قال لعبد الرحمن: جزاك الله خيراً، وقبَّل رأس عبد الرحمن، وكنت حاضراً شاهداً. * كان بعض المشايخ يشرح حديث التشهد، فقال الشيخ: ((والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين))، فردّ عليه الابن عبد الرحمن فقال: ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) ليس فيها واو، فقبَّل هذا الشيخ يد الابن عبد الرحمن ودعا له، ولم يخطئ الشيخ مرة أخرى في إضافة الواو. * كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - يدرِّس في الجامع في تحفيظ القرآن، فرأى كثيراً من طلاب التحفيظ يسبلون الثياب، فأفزعه ذلك، وطلب من مدير المدرسة الشيخ خالد البلادي - حفظه الله - أن ينصح الطلاب عن طريق المكبرات في الجامع، ويحذّرهم من الإسبال، وخاصة لأنهم يتعلمون القرآن الكريم، فأخذ الشيخ خالد المكبّر وحذّرهم من الإسبال، أخبرني بذلك الشيخ خالد البلادي، والأخ هانئ بن نايف الربيعي.

* أخبرني الأخ عبد الله بن علي بن عبد الله القرني أنه طلب من الابن عبد الرحمن رحمه الله أن يكتب له موعظة قصيرة يعظ فيها زملاء الأخ عبد الله غير المستقيمين في الثانوية وفي غيرها، قال الأخ عبد الله: ((فوافق عبد الرحمن رحمه الله إلا أنه كان مشغولاً، ثم ذكَّرته مرات))، فقال عبد الرحمن رحمه الله: ((سأكتبها إن شاء الله، ولكن لا أستطيع أن أطبعها على جهاز الكمبيوتر لأني مشغول، ولكني سأعطيها عبد الرحيم يطبعها لك)). قال الأخ عبد الله: ((فكتبها عبد الرحمن رحمه الله بخطّ يده ثم سلَّمها لشقيقه عبد الرحيم رحمه الله، فطبعها عبد الرحيم رحمه الله على الكمبيوتر ثم سلّمها لي، وهذا نصّها: ((بسم الله الرحمن الرحيم ** أخي الحبيب، حاول أن تجيب على هذه الأسئلة بكل صراحة؟ س/ كم مضى من عمرك؟ وهل الباقي من عمرك أكثر أم أقل؟ وحاول أن تحسب عمرك بالساعات والدقائق حسب المعادلة الآتية: العمر بالسنوات ×360= (العمر بالأيام) × 24 = (العمر بالساعات). س/ ماذا فعلت في هذه الساعات الماضية من عمرك؟ وهل أنت مستعد للقاء الله بهذه الأعمال؟؟)).

سادسا: أخلاقه العظيمة رحمه الله تعالى:

سادساً: أخلاقه العظيمة رحمه الله تعالى: * كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - لا يقهقه إذا ضحك، وإنما يبتسم ابتساماً بدون قهقهة مدة حياته - رحمه الله -. * كان رحمه الله بارّاً بوالديه لا يعصي لهما أمراً، وكان يخفض جناحه لأمه كثيراً، ويكرمها أكرمه الله بالفردوس الأعلى من الجنة في أعلى منازل الشهداء، وكان إذا نادته أمه أو ناداه أبوه أجاب بقوله: ((لبيك))، وإذا ذهب إلى المدرسة أو الكلية طلب من أمه الدعاء، فإذا دعت له قال أحياناً: هل هذا الدعاء من قلبك؟ ثم يُقبّل رأسها أحياناً إذا ذهب، وإذا رجع من الدراسة، وإذا كنت في مكتبتي الخاصة دخل عليّ وسلّم ثم مدّ يده للمصافحة، وربما قبل رأسي أحياناً. * كان الابن عبد الرحمن سليم الصدر، فلا يحمل الحسد، ولا البغضاء لأحد من الناس، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أنه كان يرسل لزميله في الصف الثالث الثانوي محمد حسان بشور بعض الفوائد، ويرسل له محمد عن طريق الناسوخ بعض الفوائد كذلك، ومحمد حسان هذا هو الذي ينافسه على الترتيب الأول في الصف الثالث ثانوي، فشكرتهما على ذلك الخلق الكريم. * كان رحمه الله يبغض الغيبة، ولا ينقل النميمة، وقد قال في مقابلة أجرتها معه ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم حينما وُجِّه له أسئلة منها: ((كلمة عتاب توجهها لصديق؟))، فقال: ((أولئك

الأصدقاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم، أنصحهم أن يبتعدوا عن ذلك)). * وكان رحمه الله يهتمّ بأمور المسلمين ويرحمهم، وكان يؤلمه ما يحصل للإخوة في فلسطين، والشيشان، وغيرهما من بلدان المسلمين، وقد كان يستمع الأخبار في المذياع من إذاعة القرآن الكريم، وقد قال في المقابلة التي أجرتها معه ثانوية أبي عمرو لتحفيظ القرآن الكريم حينما وُجِّه له أسئلة منها: ((موقف معبِّر أثَّر في حياتك؟))، فقال: ((الحملة الروسية اللعينة على جمهورية الشيشان!)). * كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله تعالى - في المجالس الخاصة والعامّة التي يحضرها لا يتكلّم إلا بخير أو يصمت، ولا يثرثر، بل يلزم السكوت، وإذا أعجبه شيء تبسَّم، وإذا سُئل عن شيء أجاب بهدوءٍ وأدب. * كان إذا سار في طريقه إلى المسجد لا ينظر يمنة ولا يسرة، فلا ينظر في المارِّين ولا في السيارات العابرة، وإنما كان ينظر أمامهُ، ويمضي في سيره، وقد أخبرني الشيخ سالم بن عامر الشهري مؤذِّن مسجد عمر بن عبد العزيز بإسكان أفراد القوات المسلحة، أنه كان يمرُّ على سيارته في الطريق العام، ويرى عبد الرحمن - رحمه الله - يسير إلى الجامع فيحبّ أن يسلّم على عبد الرحمن - رحمه الله - مع الإشارة باليد، ولكن يقول: إن عبد الرحمن - رحمه الله - سائر في طريقه لا ينظر يمنةً ولا يسرةً، لا إلى سيارات ولا إلى غيرها، وهكذا أخبرني الشيخ سالم بن علي الخشرمي

الشهري إمام مسجد خالد بن الوليد بإسكان أفراد القوات المسلحة، يقول: ((إذا مررت مع الشارع العام على سيارتي ورأيت عبد الرحمن في طريقه إلى الجامع، فأريد السلام عليه مع الإشارة؛ لأنه لا يسمعني، ولكنه لا ينظر إليّ، ولا إلى أحد من المارّين، وإنما يمشي وينظر أمامه!)). * وكذلك إذا كان داخل المسجد لا ينظر يمنة ولا يسرة، ولا يكثر الالتفات، بل يؤذن، ثم يصلي تحية المسجد، ثم يقرأ القرآن يراجعه. * كان عبد الرحمن - رحمه الله - يصلي الرواتب كاملة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، ويصلي أربعاً قبل العصر نافلة، ويصلي ركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وكان يحافظ على صلاة الوتر، وركعتين قبل الفجر، وكنت أشاهده يخشع في صلاته ولله الحمد، وقد أخبرني الشيخ حسن بن شريف المشيخي أنه شاهد عبد الرحمن - رحمه الله - يبكي في دعاء القنوت في رمضان خلف الشيخ خلوفة بن محمد الشهري القاضي بمحكمة الطائف الآن، وقد كان الشيخ خلوفة يُؤذِّن في جامع الفاروق، ويُصلِّي بالناس التراويح في غيابي، وكان عُمْرُ عبد الرحمن اثني عشر عاماً آنذاك تقريباً، فقد كان صغير السن، ومع ذلك يحصل له هذا الخشوع رحمه الله تعالى. * وكان رحمه الله يصوم مع رمضان ستّاً من شوال، ويصوم يوم عاشوراء مع يوم قبله ويوم بعده أو يصوم يوماً قبله، ويصوم تسعة أيام من العشر الأول من ذي الحجة.

* كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - يراجع القرآن كثيراً ولله الحمد، وقد أخبرني أنه يراجع كل يوم جزأين بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس؛ لأنه كان يُؤذِّن في جامع الفاروق كما تقدم، أما قبل ذلك فكان يراجع على المدرسين تسميعاً، ويُسمِّع القرآن كاملاً في إجازة الصيف مرات عديدة، وشارك في مسابقات كثيرة، وفاز فيها، جعل الله ذلك كله في موازين حسناته. * كان - رحمه الله - يحافظ على أذكار الصباح بعد صلاة الفجر، وأذكار المساء بعد صلاة المغرب، وخاصة: سيد الاستغفار، وآية الكرسي، والمعوذات الثلاث، ثلاث مرات، و ((بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)) ثلاث مرات، وغير ذلك، كما يحافظ على أذكار أدبار الصلوات ولله الحمد والمنّة. * كان رحمه الله يحب الاطلاع والقراءة والاستماع لسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد اشترى قصص الأنبياء من القرآن الكريم للشيخ حسن أيوب، وهو لا يزال في الصف السادس ابتدائي، وعمره تقريباً اثنا عشر عاماً، وقد كرّر استماع هذه الأشرطة أكثر من مرة، وكانت تشتمل على قصة عشرين نبيّاً في عشرين شريطاً، وقد طلب مني أن اشتري له كتاب الشجرة النبوية في سيرة خير البرية - صلى الله عليه وسلم -، لابن عبد الهادي المقدسي (ابن المبرّد)، 840 - 909هـ‍، فلم يدخل هذا الكتاب مكتبتي لولا الله ثم الابن عبد الرحمن رحمه الله تعالى، وقد اشترى قبل موته بشهر أو شهرين كتاب: استجلاب ارتقاء الغرف بحبِّ

أقرباء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذوي الشرف، للحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي [831 - 902هـ‍] بتحقيق ودراسة خالد بن أحمد الصمِّي بابطين. * وقد أخبرني الأخ هانئ بن نايف الربيعي أنه استمع لعبد الرحمن رحمه الله وهو يشرح لطلاب حلقته التي يُدرِّسُ فيها القرآن الكريم سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأسلوب جميل مفيد. * كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - يتضرع إلى الله ويدعوه، ومن ذلك أني كنت أشاهده يدعو بين الأذان والإقامة أحياناً بعد أن يصلي السنة الراتبة ويرفع كفيه، وكان في كل ليلة من العشر الأواخر من رمضان من كل سنة، قبل الفجر بساعة أو ساعتين، يأخذ كتاب الدعاء من الكتاب والسنة ويرفع كفيه ويستقبل القبلة، ويدعو حتى ينهي هذا الكتاب من أوله إلى آخره، وقد أخبرني الابن عبد العزيز أن عبد الرحمن دعا بكل ما في هذا الكتاب مرتين يوم عرفة حينما حج - رحمه الله - سنة 1420هـ‍، وقد كان مرافقاً لي مع التوعية الإسلامية في الحج في ذلك العام المذكور، وكان قد تولَّى الأذان في مركز التوعية الإسلامية رقم 7 يوم التروية وأيام التشريق، وطلب مني ألا نتعجل بالسفر إلى الرياض، فتأخرنا إلى اليوم الرابع عشر، لرغبته - رحمه الله - وأخيه عبد العزيز. * كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - كريماً في غير إسراف ولا مخيلة، يظهر ذلك في إكرامه لإخوته، وأمه، وكذلك لزملائه، وقد كان بعض الأهل يقول له في ذلك، ويأمره بالاقتصاد، فكان يردُّ عليهم بقوله:

((الدنيا فانية)). * كان يساعدني رحمه الله، ومن ذلك أنه في صغره وهو يدرس في الصف الثالث المتوسط، وعمره خمسة عشر عاماً، ساعدني في كتابة كثير من مراجع رسالة الدكتوراه، وكان ذلك بالتعاون أيضاً مع الابن عبد العزيز، وذلك عام 1418هـ‍. * كان الابن عبد الرحمن - رحمه الله - فصيح اللسان، قد أعطاه الله - عز وجل - الفصاحة في الكلام والقراءة، حتى إن من سمعه يقرأ يعجب من فصاحته وسليقته العربية، وقد كان يُحضر لي أي حديث أطلب إحضاره من فهارس كتب السنة؛ لذكائه وفطنته - رحمه الله تعالى - وقد كان من أسباب ذلك - بعد توفيق الله تعالى - عنايته باللغة العربية التي يدرسها في المدرسة، ومن أمثلة ذلك أنه عندما حصل على شهادة الصف السادس الابتدائي احتفظ بقواعد اللغة العربية للصف الرابع، والخامس، والسادس، وجعلها في رفٍّ من أرفف مكتبتي الخاصة، فسألته عن ذلك؟ فأجاب: لكي أراجعها، ثم راجعها وأبقاها في موضعها رحمه الله تعالى. * وقد أجرت معه مدرسة ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم مقابلة عام 1421هـ‍تقريباً هذا نصها: الاسم؟ عبد الرحمن بن سعيد بن علي القحطاني. الصف الدراسي: ثانوي ثانوي / أ.

جدولك اليومي؟ - الاستيقاظ لصلاة الفجر، ومن ثم أرجع للبيت، وأرتّب أمور المدرسة. - الذهاب للمدرسة. - الرجوع للمنزل، وتناول الغداء، ثم النوم قليلاً. - صلاة العصر، ثم مراجعة ما تيسّر من القرآن. - بعد المراجعة قراءة بعض الكتب. - صلاة المغرب، ثم المذاكرة، وحل الواجبات إن وجدت. - صلاة العِشاء، ثم العَشاء وسماع بعض البرامج [مثل برنامج نور على الدرب، والأخبار من إذاعة القرآن الكريم، واستماع قراءة القرآن من الإذاعة، وبعض الخطب]. موقف معبِّر أثَّر في حياتك؟: الحملة الروسية اللعينة على جمهورية الشيشان. رأيك في النشاط غير المنهجي؟: ممتاز بدرجة أولى، ولابد منه والاهتمام به مثل الاهتمام بالحصص الدراسية [يعني رحمه الله العناية بالقراءة في الكتب، والرسائل النافعة غير المواد الدراسية]. كلمة شكر تهديها لعزيز؟: أشكر وزارة المعارف؛ لما يبذلونه من جهد ومن ذلك تطوير الكتب الدراسية، حتى إن شكل الكتاب وتنسيقه وطباعته تفتح نفس الطالب للمذاكرة.

كلمة عتاب توجهها لصديق؟: ((أولئك الأصدقاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم، أنصحهم بأن يبتعدوا عن ذلك)). * لا أعرف أحداً من عباد الله المؤمنين عرف عبد الرحمن إلا أحبَّه في الله تعالى، وقد تأثّر جميع السكان الذين سمعوا أذانه في صلاة الجمعة والصلوات الأخرى وقراءته؛ حتى بعض العمال انصرفت نفسه عن الطعام أياماً لفراق عبد الرحمن وأذانه، وقراءته، وكان هؤلاء السكان يقول لي بعضهم: يا شيخ سعيد لا تظن أنك فقدت عبد الرحمن وحدك؟ بل كلنا فقدناه! كان ذكيّاً، ومن ذلك معرفته بمواقع الكتب في مكتبتي الخاصة، حيث لم تكن مرتبة، فإذا فقدت كتاباً ناديت عبد الرحمن، وطلبت إحضاره، فيبحث عنه فوراً ويخرجه جزاه الله عني خيراً وأسكنه الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء، ومن الأمثلة على ذكائه - رحمه الله - أنه عندما وُلد شقيقه عبد الرحيم - رحمه الله - قال عبد الرحمن - وعمره آنذاك ست سنوات - قال: {بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم} ثم سكت وفكَّر، ثم قال: {الرَّحْمنِ} أنا عبد الرحمن، و {الرَّحِيمِ} هذا سمُّوه عبد الرحيم، فسميته عبد الرحيم لهذا السبب. ومما يدل على ذكائه - رحمه الله - أنه كان في صغره قبل أن يحفظ القرآن بعد أن سجّل في السنة الأولى ابتدائي يعدّ سور القرآن عدّاً وسرداً، فيقول: سورة الفاتحة، البقرة، آل عمران، النساء، المائدة .... إلى

أن يصل سورة الناس، فيعدّ مائة وأربع عشرة سورة بدون توقف! * وكان يحب أن تكون كتبه منفردة عن مكتبتي، فاختار لها مكاناً صغيراً في زاوية مكتبتي، وكان يجمع كتبه فيها. وكان قبل موته - رحمه الله - إذا رأى كتاباً جديداً ألفته ثم نشر قال: ((هذا ولد جديد)). * كان يستيقظ وقت الاختبارات في ثالث ثانوي وفي السنة الأولى في كلية الشريعة قبل الفجر بساعتين أو ساعة، ثم يتوضأ ويذهب إلى الجامع ويصلي ما تيسَّر، ثم يذاكر ويراجع، فإذا نادى بالأذان صلى ركعتي الفجر، ثم يقرأ القرآن. * وُجد عنده أشرطة محاضرات علمية في سيارته أثناء الحادث وفي أمتعته، وكان عددها مائة شريط، وكلها نافعة جداً، ووجد مجموعة من المصاحف المسجل عليها القرآن كاملاً لعدة قرّاء، كما وجد في سيارته أثناء الحادث شريط قرع أبواب السماء للشيخ بدر بن نادر المشاري، ونشرة عن التوبة قبل الممات، ونشرات مفيدة أخرى رحمه الله تعالى، وجعل هذا الحادث شهادة له ولشقيقه عبد الرحيم ينالان بها أعلى منازل الشهداء. كما أسأل الله تعالى أن يجزي كل من علَّمه خيراً، وأن يجمعنا وإياه وإياهم وشقيقه عبد الرحيم في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء مع الأنبياء والصديقين والشهداء.

سابعا: وفاته مع شقيقه وسيرة عبد الرحيم رحمهما الله

سابعاً: وفاته مع شقيقه وسيرة عبد الرحيم رحمهما الله: توفي رحمه الله تعالى عن عمر يبلغ 18 ثماني عشرة سنة وتسعة أشهر، بعد إمامته للناس، في صلاة العشاء والتراويح، في مسجد الزبير بن العوام - رضي الله عنه -، بإسكان طريق الخرج ليلة الأحد السابع عشر من رمضان عام 1422هـ‍، مرّ على حيِّ العزيزية لقضاء بعض الأغراض، ثم رجع؛ لِيُدْرِكَ حلقته التي يُدَرِّسُ فيها القرآن الكريم للطلاب في مسجده الذي يؤذّن فيه [جامع الفاروق بإسكان أفراد القوات المسلحة بطريق الخرج]، وفي طريقه إلى طلابه الذين يعلّمهم القرآن قدَّر الله الرحيم، الحكيم، العليم، أن يحصل له حادث مروري، وكان بصحبته شقيقه عبد الرحيم الذي وُلد في اليوم السادس عشر من ربيع الأول عام 1410هـ‍، وكان قد صلَّى خلف شقيقه عبد الرحمن صلاة العشاء والتراويح في الليلة نفسها، وكان عبد الرحيم رحمه الله، قد نشأ على ما نشأ عليه أخوه عبد الرحمن - رحمه الله - من التوحيد، وطاعة الله ورسوله، والتأدّب بآداب الإسلام، ولله الحمد والمنّة، وقد درس الابن عبد الرحيم - رحمه الله - في السنة التمهيدية عام 1415هـ‍، وعمره خمس سنوات، ودخل حلقات تحفيظ القرآن الكريم في جامع أفراد القوات المسلحة، ثم دخل في المدرسة الابتدائية [مدرسة الإمام حمزة لتحفيظ القرآن الكريم] في حي الغبيراء بمدينة الرياض في بداية العام الدراسي 1416هـ‍، وتخرّج منها عام 1422هـ‍، وكان يدرس في الفترة الصباحية في المدرسة، وفي الفترة

المسائية بعد العصر في حلقات تحفيظ القرآن الكريم في جامع الفاروق المذكور، على الشيخ: حافظ قاري غلام محمد بن فيض الله - جزاه الله خيراً -. ثم دخل المتوسطة الثانية لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة الرياض، وذلك في 13 من جمادى الثاني عام 1422هـ‍، فدرس بها بقية جمادى، ورجب، وشعبان، وستة عشر يوماً من رمضان رحمه الله رحمة واسعة. وكان الابن عبد الرحيم رحمه الله يحفظ من القرآن سبعة عشر جزءاً: من سورة الرعد إلى سورة الناس، ولله الحمد والمنة، وقد راجع هذه الأجزاء مرات كثيرة جداً على شيخه المذكور، وعلى الشيخ زمراوي محمد خيري، والشيخ سخاوة حسين، والشيخ مأمون الرشيد - جزاهم الله خيراً -. وكان الابن عبد الرحيم رحمه الله يحب أن يرافقني، وقد كان يحضر معي الدروس عند سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - ليلة الإثنين وفجر الخميس وليلة الجمعة في الجامع الكبير من كل أسبوع، وذلك في آخر حياة شيخنا - رحمه الله - عام 1418، 1419هـ‍. وكان الابن عبد الرحيم - رحمه الله - يحضر دروسي في جامع الفاروق حتى توفي رحمه الله. وكان الابن عبد الرحيم رحمه الله طائعاً لوالديه، ويرحم أمه كثيراً، ويُحسن إليها، أحسن الله إليه وأنزله الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء، وقد أخبرتني والدته - ربط الله على قلبها؛ {لِتَكُونَ مِنَ

الْمُؤْمِنِينَ} (¬1): أن عبد الرحيم إذا رجع إليها من المدرسة يعطيها أحياناً بعض الحلوى هديةً لها؛ لحبه لها جمعه الله وإيَّاها وشقيقه وإيَّايَ ووالدينا وجميع المؤمنين الصادقين المخلصين في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء مع النبيين والصديقين والشهداء. وكان الابن عبد الرحيم كريماً يكرم أمه، وإخوانه، وأخواته من المال الذي أعطيه من أجل الانتفاع به أثناء المدرسة، وأخبرني الشيخ زمراوي محمد خيري أن عبد الرحيم كان يكرمهم بعد انتهاء الدراسة في التحفيظ ببعض العصيرات، ووصفه بالكرم فقال: ((كان عبد الرحيم كريماً رحمه الله)). وكان الابن عبد الرحيم لا يقهقه؛ بل كان يبتسم في وجه كل من قابله، وقد أخبرني بعض الأساتذة في مدرسة الإمام حمزة لتحفيظ القرآن الكريم أن عبد الرحيم وأخاه عبد السلام يبتسمان كثيراً، وقال: قد سمَّيناهما: ((المبتسمان))!. وكان الابن عبد الرحيم قد أخذ زاوية صغيرة من مكتبتي الخاصة، وكلما ألّفت كتاباً أخذ نسخة وجعلها في هذه الزاوية، ومات - رحمه الله - ومؤلفاتي في مكتبته الصغيرة التي تتكون من رفٍّ واحد؛ لحبه للاطلاع على كتبي خاصة، غفر الله له، وجمعنا وإياه في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء مع النبيين والصديقين والشهداء. ¬

(¬1) سورة القصص، الآية: 10.

وكان الابن عبد الرحيم يصوم رمضان منذ السنة السادسة من عمره، ويتبعه ستّاً من شوال، ويصوم يوم عاشوراء ويوماً قبله وربما صام يوماً قبله ويوماً بعده، وكان يصوم مع شقيقه عبد الرحمن - رحمه الله - تسعة أيام من عشر ذي الحجة، وكان يحافظ على السنن الرواتب وصلاة الوتر. وكان الابن عبد الرحيم - رحمه الله - في العشر الأواخر من رمضان من كل عام يأخذ كتاب الدعاء من الكتاب والسنة قبل الفجر بساعة أو ساعتين من كل ليلة، ويستقبل القبلة، ويرفع كفيه، ويدعو حتى ينهي الكتاب من أوله إلى آخره، رحمه الله تعالى. وأخبرني الشيخ حافظ قاري غلام محمد فيض الله الذي كان يُحفِّظ الابن عبد الرحيم القرآن الكريم، وكان مع ذلك يذهب بالابن على سيارته إلى المدرسة أيضاً، قال: كنت واقفاً عند الإشارة المرورية يوماً وعبد الرحيم - رحمه الله - معي في السيارة، فرأى رجلاً يشرب الدخان ففتح عبد الرحيم - رحمه الله - زجاج السيارة وقال: ((الدخان حرام)) أي ينصح شارب الدخان. وأخبرني الأخ أيمن بن عبد الله العاصمي أنه كان يوم جمعةٍ في الجامع، وعبد الرحيم رحمه الله بجانبه، وكل منهما يقرأ سورة الكهف، وبعد أن أنهيا سورة الكهف تكلّم الأخ أيمن مع الابن عبد الرحيم، قال أيمن: فقال عبد الرحيم رحمه الله: ((لم يبق من خروج الخطيب إلا خمس دقائق، دعنا نستغلّها في التسبيح حتى يخرج علينا الخطيب))، قال الأخ

أيمن: ((فسبح عبد الرحيم، وسبّحت حتى خرج الخطيب)). وأخبرتني والدة عبد الرحيم - رحمه الله - وجمع بينها وبينه في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء، فقالت: إن عبد الرحيم يوم الخميس الموافق ثلاثة عشر من رمضان قبل أن يُتوفَّى بثلاثة أيام آلمته أسنانه، فلم يستطع أن ينام، فجاءت إليه والدته بحبوب مهدئة للآلام وماءٍ، فطلبت منه أن يفطر؛ لأنها تعتقد أنه غير مُكلَّفٍ؛ حيث يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة ونصفاً فقط؛ ولرحمتها له؛ لأنه لم ينم من الألم الشديد في ضرسه، ولكنه امتنع ولم يفطر، فقال له شقيقه عبد الرحمن - رحمه الله -: لا تفطر يا عبد الرحيم، فقال عبد الرحيم - رحمه الله -: ((تُعلِّمني؟)) أي أنا لا أفطر. وقد سَمِعَ مني الابن عبد الرحيم رحمه الله ثلاثة الأصول للإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وحفظ أهم ما فيها، وسمع الدروس المهمة لعامة الأمة مرتين وحفظ أهم ما فيها؛ لكنه لم يكمل المرة الثانية؛ لموته رحمه الله. وكنت إذا سألته عن شروط لا إله إلا الله أجاب بالأبيات التي نظمها الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله - فإذا قلت: يا عبد الرحيم كم شروط لا إله إلا الله وما عددها؟ فيقول رحمه الله: ثمانية: العلم، واليقين، والقبول ... والانقياد فادرِ ما أقول والصدق، والإخلاص، والمحبة ... وفقك الله لِمَا أحبه

ثم يقول: والكفر بما يُعْبَد من دون الله. وقد أخبرني الابن عبد الله، وعبد السلام، وعبد الرزاق أن الابن عبد الرحيم - رحمه الله - كان يردّد هذه الأبيات قبل موته فيقول: إنما الدنيا فناء ... ليس للدنيا ثبوت إنما الدنيا كبحرٍ ... يحتوي سمكاً وحوت ولقد يكفيك منها ... أيها الطالب قوت فاغتنم وقتك فيها ... قبل ما فيها يموت إنما الدنيا كبيت ... نسجته العنكبوت رحمه الله ورفع منزلته وجمعنا وإياه وشقيقه في الفردوس الأعلى في أعلى منازل الشهداء؛ فإن هذا الاجتماع الذي لا فراق بعده. ولم يكن للابن عبد الرحيم رحمه الله ما لشقيقه عبد الرحمن من المواقف والمناقب؛ لأن الابن عبد الرحيم صغير السن، فقد كان عمره اثنتي عشرة سنة وستة أشهر تماماً بلا زيادة ولا نقص، بينما عمر عبد الرحمن رحمه الله ثمانية عشر عاماً وتسعة أشهر وتسعة عشر يوماً بلا زيادة ولا نقص. وكان عبد الرحيم رحمه الله يَدْرُسُ في التحفيظ في نفس الجامع الذي يُدَرِّسُ فيه شقيقه، ولكنه عند مُدَرِّسٍ آخر، وقد توفي عبد الرحمن وعبد الرحيم في ساعة الحادث المذكور، وهما في طريقهما إلى حلقات

القرآن الكريم: الابن عبد الرحمن؛ ليعلّم في حلقة الإمام الذهبي، وعبد الرحيم يتعلّم في حلقة الإمام ابن ماجه، رحمهما الله. وقد صلَّى عليهما جمع كبير من الناس بعد صلاة الظهر يوم الأحد السابع عشر من رمضان سنة 1422هـ‍، في جامع الراجحي بالربوة بمدينة الرياض، وكان دفنهما بمقبرة النسيم، رحمهما الله تعالى. أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، الرؤوف، الرحيم، الكريم، المنّان، أن يُدخلهما الفردوس، ويجعل هذا الحادث شهادة لهما، وأن يبلّغهما أعلى منازل الشهداء؛ فإنه - سبحانه وتعالى - على كل شيء قدير، وهو ذو الجود والإحسان، والفضل والامتنان، لا يُسأل عما يفعل تبارك وتعالى. كما أسأله بوجهه الكريم أن يجمع بينهما وبين والديهما في ذاك المكان العظيم؛ فإن هذا هو الاجتماع الذي فراق بعده. والحمد لله على كل حال، وعلى قدره وقضائه، واختياره، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أبو عبد الرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر في يوم الخميس الموافق 26/ 10/1422هـ‍

ثامنا: ما قاله عنه: العلماء، ومعلموه، وزملاؤه:

ثامناً: ما قاله عنه: العلماء، ومعلموه، وزملاؤه: أ - ما قاله العلماء، وطلاب العلم وبعض الأساتذة: 1 - (1) الحمد لله على قدره وقضائه واختياره لعبده بقلم الشيخ العلامة: عبد الله بن صالح القصير. بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. أما بعد: فقد عرفت الأخ في الله عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله تعالى - من خلال حضوره لدروسي، وقراءته عليَّ في كتاب التوحيد، في دورة الدروس العلمية المقامة في مسجد جامع خادم الحرمين الشريفين في منطقة الباحة عام 1420هـ‍، وقد ظهر لي من الأخ عبد الرحمن رحمه الله تعالى: 1 - الحرص على طلب العلم الشرعي. 2 - التحلي بأخلاق طالب العلم. 3 - ينطبق عليه وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد الأصناف السبعة الذين يظلم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وشاب نشأ في عبادة الله)) (¬1). أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً. والحمد لله على قدره وقضائه واختياره لعبده، وأسأل الله تعالى أن ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1423، ومسلم، برقم 1031.

يتغمده برحمته، وأن يجعله ذخراً لوالديه، وأن يعوضهما خيراً، والحمد لله أولاً وآخراً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. وكتبه الفقير إلى عفو ربه القدير عبد الله بن صالح القصير

2 - (2) علو الهمة وصدق العزيمة

2 - (2) علوُّ الهمةِ وصِدقُ العزيمةِ بقلم الشيخ: عبد الله بن عبد العزيز بن إبراهيم الخضير الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فإن على كل مسلم أن يعلم - في ضوء الوحي - الغاية التي يريد بلوغها في هذه الحياة، وأن يسلك السبيل الموصلة إليها، ويأخذ بالأسباب المعينة على ذلك. ومن المعلوم أن الحكمة العظمى من خلق الثقلين هي عبادة الله - عز وجل - وحده على بصيرة، ولا سبيل إلى هذا إلا بالعلم النافع، فإنه الهدى الذي أرسل الله به نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (¬1)، فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، وإدراك هذا يقتضي أن يعتني كل لبيب بتزكية نفسه تَزْكِيةً فِعْليَّة بتلقِّي العلم الموروث عن نبينا عليه الصلاة والسلام، والعمل بمقتضى هذا العلم، وأن يبادر ذلك في سن الشباب حيث تكون قدرته على الأمرين أقوى؛ ولأن الاشتغال بهما في هذا السن من أعظم أسباب الاستقامة والتثبيت، وأهم طرق الوقاية من الطيش والمزالق، وإن المسلم ليغتبط حين يرى عدداً من شباب المسلمين سلَّمهم الله من الوقوع فيما وقع فيه لداتهم، واشتغل به أترابهم من توافه الأمور، وأضاعوا فيه أفضل مراحل الأعمار، ¬

(¬1) سورة التوبة، الآية 33.

فانصرفت تلك الثُّلة الموفقة إلى الاشتغال بالمعالي، والاجتهاد في تحصيل المكرمات مستعينة بالله تعالى، وناظرة إلى ما يؤول إليه هذا من حسن النتائج، ومحمود العواقب، غير ملتفتة إلى ما تدعو إليه النفس الأمّارة بالسوء، الحرُون عن الخير البطيئة عن فعله، وما تميل إليه من إيثار الراحة والركون إلى الدعة، واستثقال الجد والمثابرة، واستطالة طريق المجد المؤثَّل، ولا عابئة بما يعين النفس الضعيفة على صاحبها من الالتفات إلى اشتغال الناس بالمحقرات، وموافقة مشتهيات النفوس، ولا مكترثة بتخذيل المثبّطين، وثني المخذّلين، بل يحملها توفيق الله وعونه، ثم علوّ الهمة وصدق العزيمة على بذل الأوقات، واستسهال الصعاب، من أجل ما يرضاه الله ويحبه من الاشتغال بالعلم النافع والعمل الصالح، فهمّة هذه الثُّلة عمارة الوقت بمحبوبات الله - عز وجل - المتنوعة، مراعية في ذلك ترتيبها وفقاً لما جاء في الشرع من البداءة بالأهم قبل المهم، وتقديم الواجبات على المستحبات والمندوبات، والله المسؤول أن يأخذ بأيدي هذه الثلة، ويبلغهم مراداتهم الحسنة، ويصلح لنا ولهم المقاصد والنيات والأقوال والأعمال، وأن يوفق سائر شباب المسلمين ليحذوا حذوهم، ويسيروا في ركبهم ليجنوا ثمرات ذلك الحسنة حالاً ومآلاً عاجلاً وآجلاً. هذا وإن من نماذج تلك الثلة - فيما أحسب - الابن عبد الرحمن بن سعيد بن علي القحطاني - يرحمه الله - فقد كان له نصيب من علو الهمة وصدق العزيمة كانا له بعد توفيق الله - ذي الحول والطول، والإفضال والإنعام - عوناً على تحصيل عدد من محابّ الله ومراضيه، أولها بعد أداء

الفرائض حفظ القرآن الكريم وتعاهده ومراجعته، والالتحاق بمدارسه التي تعنى بتعليمه وعلومه، ثم تعليمه الآخرين، يلي ذلك العناية بالعلوم الشرعية الأخرى عن طريق القراءة على والده وعلى غيره، وحضور بعض حلق العلم، والانتظام بكلية الشريعة بالرياض إلى جانب الإسهام في نصح الآخرين وتوجيههم. اشتغل يرحمه الله بما حقَّه أن يكون شاغل كل شاب مسلم يقفو أثر السلف الصالح الذين تخرجوا في مدارس العلم الموروث عن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم، فأدرك طرفاً صالحاً حتى وافاه الأجل وهو في مضمار التنافس في محاب الله، وبقي له من الذكر والخبر ما يحفز نفوس الشباب على التشمير فيما نافس فيه، فإني أراه شاباً نشأ في طاعة الله - عز وجل -، وكان يقرأ عليَّ في القواعد الحسان لابن السعدي، ولئن كان آلمني خبر وفاته يرحمه الله، فقد سرّني ما عرفته عنه من أخبار في مجال الدعوة والمناصحة. وما المرء إلا حديث بعده ... فكن حديثاً حسناً لمن روى أسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته، ويظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يبارك في إخوانه وفي سائر شباب المسلمين، وأن يجعلهم مفاتيح خير لأمة الإسلام، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. قاله الفقير إلى ربه عبد الله بن عبد العزيز بن إبراهيم الخضير

3 - (3) يا فتى الطهر طبت حيا وميتا

3 - (3) يا فتى الطُّهرِ طِبتَ حيّاً وميّتاً بقلم الشيخ: محمد بن أحمد الفراج أخي الكريم/ أبا عبد الرحمن: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد: سمعت كغيري نبأ وفاة ابنيك رحمهما ربهما، وآجرك فيهما، ولا أراك مكروهاً بقية عمرك المبارك، ولا فجعك في نفس وحبيب، وحضرت للعزاء كغيري، ولكن الشيء الذي بقي علمه مطويّاً عني هو هذا التميز الذي كان عليه فقيدك عبد الرحمن منذ صغره، قرأت الأسطر التي كتبتها في مقدمة كتابه، واستعرضت كتابه - رحمه الله - فأوجد لديّ شعوراً هائلاً ترجمت بعضه بهذه الأبيات: 1 - هل لِقَلبٍ مِنَ الهُمُومِ عميدِ ... يُسْعِف الفِكر في عَزاءِ سعيدِ 2 - في مُصَابِ الفتى الهُمام ويوفي ... حقَّ ذي العزم والبيانِ السَّديدِ 3 - يقفُ الشِّعرُ حائراً كلُّ بَحْرٍ ... يُعلِن العَجزَ عن رثاءِ الفقيدِ 4 - إنَّ عبدَ الرَّحمن بدرُ تمامٍ ... فجأةً غابَ عن سماءِ الوجودِ 5 - ودّع الصَّحبَ تاركاً كلَّ جَفنٍ ... يَتَلظَّى مِنْ حرقة التَّسهيدِ 6 - لوْعَةٌ في الُفؤادِ من وَحْشةِ البينِ ... وحُزنٌ ودمْعَةٌ في الخُدودِ 7 - ما دَرَى قَبْرهُ ولا دافِنُوهُ ... أيَّ شهمٍ قد غيَّبُوا في اللحودِ 8 - أيَّ نبلٍ قد ودَّعُوا وذَكاءٍ ... وكريمٍ مِنَ الخِصَال وَجُودِ 9 - وشبابٍ في الرَّوعِ حَامَتْ عليهِ ... حائِماتٌ أظفارُها من حديدِ 10 - ما لقلبي كقطعةٍ من جَليدٍ ... ولعَيني كصخرةِ الجلمودِ

11 - تقصِفُ الحادثاتُ شَرقاً وغَرباً ... وجَنُوباً وشَمالاً كالرُّعُودِ 12 - وأرَانا وكُلّنا في سُباتٍ ... وسُعارٍ على الدَّنايا شديدِ 13 - كلّ يومٍ نرى مُصاباً جديداً ... في حبيبٍ أو والدٍ أو وليدِ 14 - كم رسولٍ قد أرسلَ الموتَ فينا ... ونذيرٍ محذّرٍ وبريدِ 15 - والمنايا لنا بكلِّ طريقٍ ... راصِدات يرمقنَنَا من بعيدِ 16 - وأرانا على الرَّزايا مُكبِّين ... سُكارَى متاعِها المعبودِ 17 - يا فتىً فتَّ موته كلَّ قلبٍ ... إذ مُصاب التُّقاة قرحُ الكُبُودِ 18 - غيرُ مأسوفَة الزَّوالِ حياةٌ ... زلتَ عنها وعيشِها المَنْكُودِ 19 - ما رأينا من أهلها غيرَ لُؤم ... ونفاقِ مخادعٍ وكُنودِ 20 - يذهبُ الصَّالِحونَ عنها وتُبقي ... كلّ نذلٍ وفاجرٍ وبليدِ 21 - في قليلٍ من الصلاحِ عزيز ... في غريبٍ مِنَ الأنامِ شريدِ 22 - يا فتى الطّهر طِبتَ حيّاً ومَيْتاً ... وتسامَيْتَ في مَرَاقي الصُّعُودِ 23 - ناشئاً في عبادةِ الله ترجو ... مِنْحةَ الرّبّ في ظلالِ الوَدُودِ 24 - لكأنّي بالذِّكرِ صارَ أنيساً ... لك في القبرِ والكتابِ المجيدِ 25 - وكأنِّي أرى خيالَكَ طَيفاً ... مُشرقَ الوَجهِ في سَماءِ الخُلودِ 26 - وكأنّي بِكَ ازدَريتَ حياةَ ... الذُّلِّ والعيشَ في رباقِ العبيدِ 27 - فابتدَرتَ الهِلال لله تَعْدُو ... عَدْوَ صَبٍّ لم ينتظِرْ يومَ عِيدِ 28 - أيُّ عيدٍ يُسرُّ فيه ذليلٌ ... لصليبٍ وحفنةٍ من يهودِ 29 - شَرِبوا الذُّلَّ باليدين ونامُوا ... ملء جفنٍ وكلبُهم بالوَصِيدِ

30 - باسِطٌ فوقهم ذِراعيهِ قَهْراً ... غاصبٌ منهم ديارَ الجُدودِ 31 - عائِثٌ في البلادِ قتلاً وأسراً ... محكمٌ قبضةَ العدوّ اللدودِ 32 - فلِهَذا وغيرِهِ وكثير ... يا فتى قد مَلَلْتَ عيش الرّقودِ 33 - فإلى الله والجِنَان وحورٍ ... وقُصُور وظلّها الممدودِ 34 - في رياضٍ من النَّعيم فِساح ... وشُهودٍ من الإلهِ مزيدِ 35 - وجِوَار من النبيين طُوبَى ... لجوارِ الكليم مُوسى وهُودِ 36 - وجِوار النَّبيِّ والصَّحب سَعدٍ ... وعليّ وعامرٍ وسعيدِ أخوك الوادُّ محمد بن أحمد الفراج

4 - (4) أنتم شهداء الله في الأرض

4 - (4) أنتم شهداء الله في الأرض بقلم الشيخ سعيد بن فيصل بن شائع القحطاني الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير؛ محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، أما بعد: فهذه كلمة مختصرة في بعض ما أعرفه عن الشاب الصالح: عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف - رحمه الله، ورفع درجته في عليين، وجعله وأخاه عبد الرحيم في جنات ونهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر -. وجعل والديه ممن قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} (¬1)، وممن قال الله فيهم: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} (¬2). فإن عبد الرحمن عرفته منذ زمن، ورأيت فيه خصالاً عظيمة لم أرها في كثير من شباب هذا العصر. منها أنني كلما زرت والده وجدت عبد الرحمن - رحمه الله - إما في المسجد في حلقة القرآن الكريم، أو في المسجد يراجع حفظه، أو يُدرِّس في المسجد لكتاب الله تعالى، أو ذاهباً إلى المسجد؛ ليؤذن للصلاة، وما رأيته في السفر إلا حاجّاً أو معتمراً مع والده، وما سألت عنه إلا جاءني الخبر بأن عبد الرحمن في حلقة علم، أو دورة علمية مع والده في ¬

(¬1) سورة الطور، الآية: 21. (¬2) سورة الفرقان، الآية: 75

الإجازات الصيفية، يلازم والده في الدروس والمحاضرات، فكان يسرني ذلك كثيراً، وكان أملي في الله عظيماً أن يكون عبد الرحمن ممن قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة المتفق على صحته: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، وذكر منهم: ((شاب نشأ في عبادة الله تعالى)) (¬1). الحديث، وممن قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الطويل الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة)) (¬2) الحديث. وكأنه يتمثل قول القائل: دع التّكاسُل في الخيرات تطلبها ... فليس يسعدُ بالخيرات كسلانُ ومنها أنه كان ذا خُلقٍ حسن رحمه الله، وأملي في الله عظيمٌ أن يكون ممن قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أحبّكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)) (¬3). وممن قال فيهم - صلى الله عليه وسلم -: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)) (¬4). ومنها أنني لم أره يوماً من الأيام يميل إلى ما يميل إليه الصبيان من اللعب، فما رأيته يلعب مطلقاً رحمه الله. ¬

(¬1) متفق عليه، وتقدم تخريجه. (¬2) أخرجه مسلم، برقم 2699. (¬3) أخرجه الإمام أحمد، برقم 6735، الترمذي، برقم 2018، وابن حبان، برقم 485، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 791. (¬4) أخرجه الترمذي، برقم 1162)، وقال: حسن صحيح، وابن حبان، برقم 4176)، والبيهقي فى شعب الإيمان، 1/ 61، وقال عنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 284: ((حسن صحيح)).

5 - (5) صاحب الروح الطيبة والسيرة العطرة

ومنها أنني ما سمعت أحداً ذكره صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى إلا أثنى عليه خيراً: حيّاً وميتاً - رحمه الله -. ومنها أنه كان من خلقه الحياء، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) (¬1). ولمسلم: ((الحياء خير كله)) (¬2). فنصيحتي لإخواني الشباب الرجوع إلى الله، والاستفادة من كتاب عبد الرحمن، ومن أخلاقه وسيرته - رحمه الله - قبل أن يأتي أحدهم الموت وهو على غير طاعة الله تعالى. فبادر مادام في العمر فسحةٌ ... وعَدلك مقبول وصرفك قيم وجد وسارع واغتنم زمن الصِّبا ... ففي زمن الإمكان تسعى وتغنمُ أسأل الله أن يغفر لعبد الرحمن وأخيه، وأن يجعلهما من السعداء ويجمعنا وإياهما ووالديهما في أعلى عليين، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. قاله كاتبه: سعيد بن فيصل بن شايع القحطاني مدرسة الإمام مسلم الثانوية لتحفيظ القرآن الكريم بالحرس الوطني في26/ 1/1423هـ‍ 5 - (5) صاحب الروح الطيبة والسيرة العطرة بقلم د. سعد بن علي بن وهف القحطاني ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 6117، ومسلم، برقم 37. (¬2) صحيح مسلم، برقم 37.

الأستاذ بجامعة الملك سعود إلى أخي الودود أبي عبد الرحمن: وفقه الله، وربط على قلبه، وبرد حرارة مصيبته، وكسانا وإياه حلل الكرامة يوم القيامة. أخي ... حسبك مما فقدت من ثمرات الأفئدة ما أعده الله لك ولأمثالك في بيت الحمد في الجنة إن شاء الله تعالى. وحسبك أيضاً أنهما هجرا ضنك الدنيا إلى جنة عرضها السموات والأرض إن شاء الله تعالى. فإلى جنة الخلد يا عبد الرحمن إن شاء الله تعالى، صاحب الروح الطيبة، والسيرة العطرة، والمواهب المتعددة، التي كانت سرّاً كامناً لم يكتشفها الناس إلا بعد رحيلك، وهذا هو حال العظماء من الرجال، لا تعرف مكانتهم إلا بعد أن يشعر الناس بالفراغ الذي تركه رحيلهم، ولئن كنا اليوم نبكي موتك فسنظلّ نذكر الأثر الطيّب الذي تركته في نفوسنا، حتى يجمع الله بيننا وبينك في الجنة إن شاء الله تعالى، وعزاؤنا فيك أنك متّ عزيزاً، شهماً. أطاب النفس أنك مت موتاً ... تمنته البواقي والخوالي رحلت ولم تر يوماً كريهاً ... تسرُّ النفسُ فيه بالزوال وإلى عبد الرحيم تلك الزهرة التي لم تكد تتفتح، أقول فيك ما قاله المتنبي في ابن سيف الدولة:

فإن تك في قبر فإنك في الحشا ... وإن تك طفلاً ففعلك ليس بالطفل ومثلك لا يُبكى على قدر سنه ... ولكن على قدر العزيمة والأصل اللهم ألهم والديهما الصبر والاحتساب، واجعلهما لهما حجاباً من النار، واجمعنا وإياهم جميعاً في الفردوس الأعلى في أعلى علّيين في جنات ونَهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر. كتبه أخوك ومودّك أبو عبد العزيز

ب - ما قاله معلموه:

ب - ما قاله معلموه: 6 - (1) - دمعة على فراق أبي سعيد بقلم الشيخ عادل بن عبد الرحمن السنيد لست من أرباب البيان، ولا روّاد البلاغة حتى أُسطّر كلمات تليق بأبي سعيد، ولكنها نبضات قلب محب ومشاعر أبت إلا أن تخرج في أي قلب كانت. عبد الرحمن: اسم يتجلجل صداه في مسامعي، وتدوي معانيه في خاطري، فلا أملك إلا أن أسترجع بأدمعي، غابت شمسك يا أبا سعيد، وأفل نجمك، وإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. عبد الرحمن: عندما تتراءى صورته أمامي أذكر معاني: القناعة، الحرص على هداية الناس، لين الجانب، دماثة الأخلاق، صفاء النفس، نقاء السريرة، بذل النصيحة، حمل هم الآخرة، المسارعة إلى خدمة الآخرين. أبا سعيد: يتجاذبني شعوران متناقضان: شعور بالفرحة والسرور؛ لأن ذكرك حَسَنٌ، وسيرتُك عطرَة، ولله الحمد، وأنتم شهداء الله في أرضه. وشعور بالحزن والأسى إذا تذكرت أن عيني لن تكتحل برؤيتك في الدنيا بعد اليوم:

أأحبابنا إن الصحاب كثير ... وأنتم رأس وعين كاهل أسأل الله أن يجمعنا وإياك ووالدينا وجميع المسلمين في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن ينزلنا منازل الشهداء آمين، آمين، آمين. أبا سعيد لا أقول وداعاً، ولكن إلى اللقاء في الجنة - إن شاء الله -. أبو عبد الإله: عادل السنيد مدرس القرآن الكريم والقراءات بثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض فجر الأحد 10/ 1/1423هـ‍

7 - (2) ورحل ... عبد الرحمن!!!

7 - (2) ورحل ... عبد الرحمن!!! بقلم الشيخ بدر بن ناصر العواد ربما كانت هذه الكلمة هي الكلمة الأولى التي صكَّت أذني، فكنتُ على موعد مع الحزن الآسر، لم يَدُرْ في خَلَدِي يوماً ما أن أقفَ في لحظة صمتٍ خاشعةٍ لأستعيدَ شريطَ الذكريات الجميلةِ معه بعدما لحق بركب الموتى. كم عجيب هو الموت، لحظاتٌ فقط ويصبح الإنسان خَبَراً في ذمَّة كان، طرفة عين - لا أكثر - هي الخيط الرقيق الفاصل بين الحياة والموت!!! في مثل هذا الموقف الحزين يضجُّ في أروقة دماغك ألفُ سؤال حائر عن الموت وما بعده، ويتدفّقُ شلالٌ من الحزن في جنبات قلبك، ويلوح أمامَ ناظريكَ إعصارٌ من الأسى، يعصف بأحاسيسك، ويأخذك بعيداً إلى ما وراء الوراء!!! عبد الرحمن ... مَنْ عبدُ الرحمن؟؟؟ وجهٌ يهمي بالطُّهر كإشراقة الفجر النَّدي، وصدرٌ لا مكان فيه لغير المحبة والمصافاة، وثغرٌ سكَنَت فيه ابتسامةٌ عذبةٌ أبَتْ أن ترحلَ عنه! لم يكن عبد الرحمن بالنسبة لمعلميه مجرَّدَ طالب في مدرسة تعجُّ بالمتميزين كهذه، بل كان طالباً من الطراز الأول ... التزامٌ جادٌّ، واهتمامٌ بالتحصيل العلمي، وعزمٌ متوهِّجٌ لم يستطع الكَلَلُ أن يَفُتَّ في عَضُدِه. وليس غريباً أن يكون من تربَّى في محاضنِ القرآن الكريم، ونهل من

ينابيعِ السنة النبوية الشريفة؛ بارّاً بوالديه، مسكوناً بهموم أمته، متميزاً بين لدَاتِه. وإن أنسَ فلا أنسى ما كان يتحلَّى به من أدبٍ رفيعٍ، وروحٍ مرحةٍ داخلَ فصله، ونَهمٍ معرفيٍّ يحدوه في الفُسَحِ إلى إغراقي بوابلٍ من الأسئلة. لقد مضى إلى ربِّه بعدما نقش اسمه بحروفٍ من نورٍ في ذاكرة من عرفوه، وستبقى ذكراه العَبقَة أنشودةً حلوةً على كل الشِّفاه ... و ((الذِّكْرُ للإنسانِ عُمْرٌ ثاني)). بدر بن ناصر العواد مدرس العلوم الشرعية بثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم

8 - (3) ورحل عبد الرحمن

8 - (3) ورحل عبد الرحمن بقلم الشيخ محمد بن عبد العزيز الغامدي سطرت يراع عبد الرحمن - رحمه الله - هذه الكلمات قبل أن يغادر هذه المدرسة متخرجاً بتميز علمي وخُلقي. لقد مضى عبد الرحمن، وبقيت ذكرياته. وما هذه الكلمات إلا جزء من هذه الذكريات، كتبها ولم يكن يدر بخلده حينها أنها ستبقى ذكرى من بعده يقلبها معلموه وزملاؤه. غادرنا عبد الرحمن وهو يقول: (بعد مغادرتي للمدرسة على خير إن شاء الله)، وأقلّ من عام، وإذا به يغادر ليس المدرسة فحسب بل الدنيا كلها، وهو على خير إن شاء الله. مضى عبد الرحمن ... ونحن لم نمض بعد. وغادر عبد الرحمن ... ونحن لم نغادر بعد ... يا ترى ... كيف كانت أمانيه قبل أن يمضي؟ وما آماله وأحلامه قبل أن يغادر؟ لقد مضت تلك الأماني معه وغادرت تلك الآمال والأحلام إلى حيث غادر ... لكن ... قل لي بربك: ما مصير أمانينا وآمالنا؟ هل سندركها؟ أم ستخترمها المنون؟ اسأل نفسك ... والحر تكفيه الإشارة. اللهم حرِّم وجه عبد الرحمن على النار ... وارفع درجته في دار

القرار ... في جنة ونهر ... في مقعد صدق عند مليك مقتدر. محمد بن عبد العزيز الغامدي مدرس العلوم الشرعية في ثانوية أبي عمرو البصري لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض

ج - قال عنه زملاؤه:

ج - قال عنه زملاؤه: 9 - (1) عاجل بشرى المؤمن بقلم زميله بكلية الشريعة: عادل بن عبد الله المطرودي الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: إلى فضيلة الشيخ د. سعيد بن علي القحطاني - حفظه الله ورعاه - فقد سرّني وأثلج صدري ذلك البحث القيِّم لحميد الشِّيَم ابنكم عبد الرحمن قدَّس الله روحه، ونوّر ضريحه، والذي أسأل الله أن يجعله من الباقيات الصالحات. ثم إني بحكم دراستي مع عبد الرحمن - رحمه الله- لعدّة أشهر في كلية الشريعة أحببت أن أكتب عنه هذه الكلمات، فأقول وبالله أستعين: كان رحمه الله حريصاً على طلب العلم، كثير السؤال لأهل العلم، وقد كنت أمازحه فقلت له ذات مرة: أسئلتُك أسئلةُ فقيه؟ فقال لي: ((الله يسمع منك)). وكان لا يستحيي في السؤال لسان حاله كما قال الشاعر: العلم حربٌ للفتى المتعالي ... كالسيل حربٌ للمكان العالي وكان رحمه الله ينفع إخوانه كثيراً، وكان كثيرٌ من الزملاء يأخذون ما يفوتهم من التعليقات منه رحمه الله.

وقد التقيت به يوماً في أحد ممرات الكلية فقال لي: انظر إلى هذه الرسالة - رسالة وصلت إليه خطأ عن طريق الجوال أُرسلت لشخصٍ، فأخطأ المرسل فوقعت في جوال عبد الرحمن - رحمه الله - فيها عبارات كفرية والعياذ بالله، فقال: ما رأيك فيها؟ فقلت له: إن صاحبها على خطر عظيم، فقال لي: ((إني قد اتصلت به ونصحته فشتمني وسبَّني هداه الله)). وكان رحمه الله على خلق عظيم، ولا أذكر أني شهدت منه خلقاً ذميماً - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته -. وختاماً أُوصيكم بالصبر والاحتساب وأبشركم بأن عبد الرحمن كان ولا يزال محل ثناء زملائه، وإخوانه في الكلية، وهذا من عاجل بشرى المؤمن، أسأل الله أن يغفر لي، ولعبد الرحمن، ولأخيه، ولوالديه، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، وإنا لله وإنا إليه راجعون. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه عادل بن عبد الله المطرودي الرياض 15/ 1/1423هـ‍ كلية الشريعة قسم الشريعة

10 - (2) أعظم الأماني الشهادة في سبيل الله تعالى

10 - (2) أعظم الأماني الشهادة في سبيل الله تعالى بقلم: زميله بكلية الشريعة: عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سليمان الشبيب الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فهذا بعض ما أعرفه عن أخي وصديقي الأخ الفاضل عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله - فأقول: كانت بداية معرفتي للأخ عبد الرحمن هي بداية دراستي في الجامعة، ومن العجيب أنه على الرغم من قصر المدة التي تعرَّفت فيها على الأخ عبد الرحمن - رحمه الله - إلا أنه كان بيننا من الألفة والمحبة حتى كأنني أعرفه قبل عدة سنوات، وذلك لما يتحلّى به من حسن الخلق، وبشاشة الوجه، وكان الأخ عبد الرحمن ذا علمية جيدة، وقد عرفت ذلك من مناقشاته الجيدة للمشايخ في قاعة الكلية، وتعليقاته المفيدة على بعض كتبه، وقد كنت يوماً من الأيام أتأمل في شباب القاعة، وأتخرص من هو الذي سيخدم الدين؟ فكنت أنظر إلى الأخ عبد الرحمن، وأتوسّم فيه سمات القضاة، فقد كان حكيماً ذا سمت حسن، وقد كان - رحمه الله - يهتم بأحوال المسلمين، خاصة إخواننا في أفغانستان، وقد كان يخبرني ببعض أخبارهم، ويأتي ببعض المجلات التي تهتم بقضاياهم، وكان يزرع في نفسي أن النصر للمسلمين مهما حصل من الضعف في بعض الأوقات، وكنا نناقش في يوم من الأيام بعض أحوال المسلمين، فقال: ((إن من أعظم الأماني عندي أن أذهب إلى ساحة الوغى ثم أقتل في سبيل الله تعالى)).

فرحم الله الأخ عبد الرحمن، وجعلني وإياه ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فقد كنا متحابين في الله تعالى، فرحمه الله رحمة واسعة، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، إنه جواد كريم، وبالإجابة جدير. محبه: عبد الرحمن بن عبد العزيز بن سليمان الشبيب 12/ 1/1423هـ‍ جامعة الإمام - كلية الشريعة - قسم الشريعة - الرياض

11 - (3) الأمر بالمعروف مع سعة الصدر

11 - (3) الأمر بالمعروف مع سعة الصدر بقلم زميله: محمد بن حسان بن محمد بن بشُّور السوري الحمد لله الذي جعل لكل أمر علامة، ولكل شيء نهاية، {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬1) فسبحانه مدبر الأمور، يصرفها كما يشاء وهو العليم الحكيم، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام، أما بعد: فهذه النقاط فقط ذكريات صديق حبيب، أمارات النور برقت على جبينه، فكنَّا ندرس سويّاً في المدرسة، فكان - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة نحن ووالديه ووالدينا وجميع المسلمين - آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، فإذا رأى صديقاً تبدو عليه أمارات السوء أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، وكان رحمه الله محبّاً للاطلاع يشغل فراغه بما يفيده، فإذا كان لدينا حصة فراغ، أو لم يحضر المعلم، أو شرح الدرس وبقي جزء من الحصة استغلها بما يفيده كمراجعة ما يحفظ من كتاب الله تعالى، أو قراءة كتاب مفيد، أو غير ذلك مما يفيده. وكان رحمه الله واسع الصدر لا يحمل الحقد على أي صديق، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، أنه إذا قال له شخص: فلان قال كذا وكذا عنك، ¬

(¬1) سورة يس، الآية: 82.

قال له: لا تظن بأخيك ظنّاً سيئاً، وكنَّا في يوم من الأيام نذاكر مادةً علينا فيها اختبار في الصف الثالث ثانوي، وقبل الاختبار نتبادل المعلومات يُذَكِّرني وأُذَكِّره، وكان يقول لي: يا محمد توكل على الله، ولا تحمل همَّ الاختبار. وكما كان أيضاً طموحاً للأعلى، فقد كان رحمه الله يحب الخط العربي والشعر، فقد كان رحمه الله يسلينا أحياناً في الفصل ببعض أشعاره اللطيفة، وكان يحب الاطلاع في الكتب، فقد كان أيضاً مُثَقَّفاً حريصاً على سماع أخبار المسلمين في الراديو، فكنت أسأله عن بعض ما جرى فيجيبني، وأخيراً كما قال الشاعر: إذا لم نلتقِ في الأرض يوماً ... وفرَّق بيننا كأس المنونِ فموعدنا غداً في دارِ خُلدٍ ... بها يحيى الحنون مع الحنونِ وقد قلت هذه الكلمات في عبد الرحمن - رحمه الله - الآتي نصها: فقدتك والذكرى مُؤرّقة ... من صميم فؤادي فقدتك ومدامعي تلوح ... سيلاً على أجفاني فقدتك والخيال أذكرني ... جوهراً كالياقوت والمرجانِ االله من رجعة نلتقي ... بها في الجناني محبة في الله صادقة ... معلناً بها في صفحاتي اللهم ارحمه رحمةً واسعة، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ونحن ووالديه ووالدينا وجميع المسلمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. محمد بن حسان بن محمد بن بشور حرر في يوم السبت 23/ 1/1423هـ‍ زميله ومحبه في الله تعالى في ثالث ثانوي لتحفيظ القرآن الكريم مدرسة أبي عمرو البصري (سابقاً)

12 - (4) عبد الرحمن لم تمت أخلاقه وبقيت معالمها

12 - (4) عبد الرحمن لم تمت أخلاقه وبقيت معالمها بقلم زميله: ياسر بن محمد بن سليمان الحقيل عندما مات عبد الرحمن تحركت المشاعر، وجاشت القرائح، مات إلا أن أخلاقه لم تمت، وبقيت معالمها واضحة جلية في نفوس زملائه، وأصحابه، وفي نفوس كل من تعامل معه، وكان مما جاشت به القريحة هذه الأبيات: الفاجعة 1 - هَزَّ الجميعَ رَنينُ ذا الجوالِ ... في هجعةِ الليلِِ البهيمِ الخالي 2 - فرَدَدتُ كي تبقى الفجيعة في الورى ... هل مات حقّاً ذا الصديق الغالي 3 - هل مات حقّاً ابن قحطانٍ وما ... عجبٌ هنا فالموتُ ليسَ بسالي 4 - فُجِعَ الجميعُ بموتِهِ ولعلَّهُ ... في موتهِ عظةٌ لغيرِ مبالي 5 - فُجِعَ الصَّحابةُ قبلَنا بمصيبةٍ ... موتِ الرَّسولِ فداهُ كلُّ المالِ 6 - قد ماتَ إلا أن ذكراهُ بقتْ ... رغمَ السنين وعبرَ ذي الأجيالِ 7 - فلَنعمَ ذي الذِّكرى وأيضاً أنْعِمَنْ ... بذوي العقولِ عقولِ خيرِ رجالِ 8 - يا أيُّها العبد لرحمن السَّما ... وسِعَتْكَ رحمةُ ربِّنا المتعالي 9 - فلعلَّ يجمعُنا الإلهُ معاً هناك ... بجنةِ الفردوسِ والإجلالِ 10 - فيها الذي لا شيءَ من عينٍ رأت ... والحورُ فيها ينتظرنَ الغالي 11 - يا من سمعتَ قصيدتي ووعيتَها ... هلاّ اتعظتَ بقاطعِ الآمالِ 12 - الموتُ قد يأتي عليك بغفلةٍ ... فتقول ربي أخِّرَنْ آجالي

13 - تمَّ الكلامُ وبعدهُ صلُّوا على ... خيرِ الخليقة سيدِ الأبطالِ 14 - والآلِ والصَّحْبِ الكرامِ ومن مضى ... في سُنَّةِ الهادي بغيرِ جِدالِ قاله وكتبه أبو عبد الرحمن ياسر بن محمد بن سليمان الحقيل كلية الشريعة بالرياض حرر في يوم الأربعاء 27/ 1/1423هـ‍

13 - (5) يا رب فارحمه ووسع قبره وانشر له نورا بكل مكان

بسم الله الرحمن الرحيم 13 - (5) يا رب فارحمه ووسِّع قبره وانشر له نوراً بكل مكان بقلم زميله بكلية الشريعة: عبد الرحمن بن حمود بن سعد البدراني: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فعندما توفي الزميل العزيز عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله تعالى - جاشت المشاعر، فكتبت قصيدة طويلة في رثائه رحمه الله تعالى، ولكن قدَّر الله - عز وجل - أن تُفقد هذه القصيدة كلها، وبحثت عنها كثيراً فلم أجدها، فالله المستعان، ولكن يحضرني منها بالمعنى الأبيات الآتية: 1 - ما للهداة قضوا ولاتَ مُخْبرٌ ... عن حالهم بعد المكان الثانِ 2 - كان (ابن وهفٍ) للأذان مرجِّعٌ ... والآن في قبرٍ وفي أكفانِ 3 - يا مرسل البَسَماتِ في القاعات يا ... ذا الهمة العليا من الإخوانِ 4 - نزل القضاءُ عليك بعد تراوُح ... وتروّحٍ هذا خِتامُ مُعانِ 5 - نزل القضاءُ وكان قصدُك حلقةً ... للذِّكرِ والتعليم للقرآنِ 6 - والله لن أبكيك بل أبكي على ... من مات في فِسْقٍ وفي طغيانِ 7 - يا صاحب الدين المتينِ يَزينُهُ ... خُلُقُ الذي قد سار للرحمنِ 8 - ولسانه في عفةٍ عن كل ما ... يأباه ذو تقوى وذو إيمان (¬1) ¬

(¬1) كان يدرسنا في الكلية بعض المدرسين الأجانب، وبعضهم كان قليل تدين، وفي عقيدته أشعرية، فكان الطلاب يبدون تضجرهم منهم، وكنت ألاحظ الأخ عبد الرحمن - رحمه الله - ممسكاً عن الكلام فيهم، ويذكر أن شرحهم حسن، ويدعو لهم، ويأمرنا أن نستفيد مما عندهم مما ينفع، ونترك بدعتهم وضلالاتهم.

9 - ما زلتُ أشهد نطقه ودُعابَه الـ ... الأشياخَ في أدبٍ وفي إحسانِ 10 - قد قلَّ في أقرانه مَنْ شِبْهَهُ ... فالحمد قبلُ وبعد للمنانِ 11 - أرثيه ثم أقول معتذراً له ... وُفِّقْتَ حين تركت دار هوانِ (¬1) 12 - إني أعزِّي والداً فيه وقد ... عزَّيتُ فيه يراعتي وبناني 13 - عزيتُ فيه الصحب ثم إليكمو ... أُهدي نصيحةَ مشفقٍ ولهانِ 14 - يا إخوتي هذي المنايا دأبُها ... فقد الحبيب ومُوْجِعُ الهُجرانِ 15 - هلاّ اعتبرنا في فناءٍ قد سَرَى ... في الناس منذُ الخلقِ للأكوانِ 16 - هذي الحياةُ متاعبٌ ومصاعبٌ ... شَمِّر هُديت إلى ادِّكارِ معانِ 17 - ثم السؤال من الإله بفضلهِ ... أن يرحم الأخَ (عابد الرحمنِ) 18 - فهو الكريمُ كذا الرحيمُ بِخَلْقه ... وهو القديرُ وواسع الغفرانِ 19 - يا ربِّ فارحَمْهُ ووسِّع قَبْرَهُ ... وانشر لَهُ نُوراً بِكُلِّ مكانِ 20 - وافسح له في لَحْدِهِ أُفُقَ المدى ... وافْرُجْ له فُرُجاً من الرضوانِ 21 - رَوْحٌ وريحانٌ عذوقُ ثِمَارِها ... والحورَ أوْلِ زميلنا القحطاني ثُمَّ الصلاةُ على النّبيِّ محمّدٍ ... ما صَوَّتَ القُمْري على الأغصانِ وكتبه: عبد الرحمن بن حمود بن سعد البدراني. ¬

(¬1) اقتبس هذا البيت من بيت لأبي الحسن التهامي.

14 - (6) الخشوع والإخبات لله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم 14 - (6) الخشوع والإخبات لله تعالى بقلم الشيخ المعبِّر حسن بن شريف المشيخي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فلا شك بأنني آخر من كتب من الإخوة المشايخ، والدعاة، وطلبة العلم، وأظن ذلك لحكمة أرادها الله تعالى، فمنذ ساعة وفاة أبناء الشيخ سعيد، وأنا أريد أن أكتب ما أجده من خواطر تجاه عبد الرحمن وعبد الرحيم - رحمهما الله - لكنني لم أتمكن من ذلك للانشغال ببعض البحوث العلمية، فإذا تذكَّرتهما لُمْتُ نفسي على التقصير، ثم أعوضهما بالدعاء والإلحاح على الله - عز وجل - أن يغفر لهما، ويرفع درجاتهما، ولا شك أن ذلك أنفع لي ولهما، وسأكتفي بأحدهما إذ أن الآخر مازال دون التكليف أثناء وفاته، وإن كان قد حفظ ما يقارب سبعة عشر جزءاً، فأسال الله له رفعة الدرجات، وسأقتصر هنا على صاحب هذا المؤلف القيم/ عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني، ففي ليلة الأحد السابع عشر من رمضان لعام ألف وأربعمائة واثنين وعشرين للهجرة ذهل الصغار لما رأوا الكبار جادوا بمدمع وبكاء، رحل ابنا الشيخ سعيد بن وهف في لحظة لا أحد يتوقع ذلك، لكن المولى - جل وعلا - أراد ذلك، فله الحمد على ما قضى وأحكم وأبرم. مضى ابن سعيد حيث لم يبق مشرق ... ولا مغرب إلا وله فيه مادح

وكنت أعلم عن جميل صفاته ... كما ولكن غيبتها الصفائح وأصبح في لحدٍ من الأرض ميتاً ... وكان به حيّاً تضيق الصحاصح وما نحن من رزءٍ وإن جلَّ نجزع ... ولا بسرورٍ بعد فقده نفرح لقد كان شابّاً صالحاً محبوباً، يعلوه وقار العلماء، وفي مُحيّاه ملامح العظماء، وكما أحبه الصغار والكبار في حياته، فلقد بكى عليه القوم بعد وفاته، ولكن يا ترى هل كان سبب تلك المحبة كتاب الله - عز وجل - الذي قد حواه في صدره حفظاً وإتقاناً وعملاً وتعليماً، فهو وإن كان صغيراً فهو يتمتع بهمَّة الكبار، وبراءة الصغار؛ مما جعله أنموذجاً غريباً يتحيَّر فيه المتأمِّل لتلك الأعمال، فقد بكت السارية التي كان يسند الصغير ظهره عليها، نعم، فقد بكت بحرقة وحسرة وألم ... نعم وما يدريك ... أم يا ترى كان سبب ذلك التحاقه بكلية الشريعة التي قد أجاد معظم مناهجها على يد والده من سنٍّ مبكرٍ، أم أن سبب ذلك تعيينه مُؤذِّناً في ذلك الجامع الذي يؤمُّه والده، والذي يتنافس على ذلك الجامع طلبة العلم، ولقد شاهدت ذلك الصغير يتنافس مع بعض طلبة العلم، وكم كانت دهشتي عندما علمت أنه هو الفائز، لكن كل ذلك وغيره لم يكن هو السبب الرئيس في انشراح صدر ذلك الشاب، وحبه للعلم، وانطلاق لسانه بالشعر، إضافة إلى ما عنده من القرآن والحكمة، ولم يكن سبب ذلك الأذان الذي يصدح في الوقت تماماً، والذي يدفع كل من يصل إليه صوته إلى فتح النوافذ، والاستماع إلى ذلك الأذان العجيب، وأنا من هؤلاء، وليس سبب حب الجميع له بسبب حضوره المبكر للجامع قبل

مواعيد الأذان عندما كان يسلك ذلك الرصيف الطويل من منزل والده إلى الجامع دون أن يلتفت يمنة أو يسرة أبداً، حتى إنني أضطر أحياناً لاستخدام منبه السيارة حتى يلتفت فألقي عليه السلام. ولكن السبب سأورده لكم، ليس إلا خوفاً من الإطالة عليكم، إن السبب هو خشوعه وإخباته لله والرغبة فيما عند الله - جل وعلا - من سن مبكر، وإليكم شاهد على ما أقول: عندما كان عمره اثني عشر عاماً تقريباً، وبالتحديد في شهر رمضان، وكان مؤذن الجامع في ذلك الوقت أحد القضاة، وكان الشيخ يُقدم ذلك القاضي أحياناً في بعض ركعات صلاة التراويح أو القيام، بناءً على طلب القاضي من أجل ترسيخ الحفظ لبعض الأجزاء، وكنت أَصُفُّ أنا وذلك الصغير عبد الرحمن - رحمه الله - ومن معنا من المصلين في صلاة التراويح أو القيام، وفي إحدى الليالي عندما كان يؤمّنا ذلك القاضي، وكنت شارد الذهن في تلك اللحظة، لم يردني إلى استحضار القلب في الصلاة إلا أزيز غريب من جانبي الأيسر، فشردت بالذهن مرة أخرى، ولكن داخل المسجد، وبالتحديد من جانبي الأيسر، وإذا بذلك الغلام الصغير قد أغرق وجهه وصدره ومكان سجوده بالدموع من بداية صلاته، ولكنه في النهاية لم يستطع أن يتمالك نفسه، فغلبه البكاء وارتفاع الصوت، فهل بكيت أخي في مثل هذا الموقف وقد شاب عارضاك؟ وماذا كنت تعمل في ذلك السن؟ رحم الله عبد الرحمن رحمة واسعة:

فلئن حسنت فيه المراثي بذكرها ... فلقد حسنت من قبل فيه المدائح ولهذا ليس بغريب أن يصلي عليه ذلك الجمع العظيم من الناس، ويشيعه إلى القبر أعداد هائلة من الناس، ومنهم العلماء، وأساتذة الجامعات، وطلبة العلم، وقد رأيتهم بعيني يتنافسون للإمساك بالنعش: وليس صرير النعش ما يسمعونه ... ولكنه أصلُب قوم تقصفُ وليس نسيم المسك ريا حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلفُ أما لسان حالهم فيقول: ... ... فلن أرتجي في الموت بعدك طائلاً ... ولا أتقي للدهر بعدك من خطب اللهم ما تلا من قرآن فارفع درجته، وزكِّه به، وما صلَّى من صلاة فتقبلها منه، وما تصدَّق أو تُصدِّق عنه بصدقة فنمِّها له، اللهم أقِلْ عثرته، واعفُُ عن زلته، وعده بحلمك، فإنه لا يرجو غيرك، ولا يثق إلا بك، وأنت واسع المغفرة، اللهم أجر والديه في مصيبتهما، وأعقب لهما خيراً منها في الدنيا والآخرة، إنك يا رب ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. قاله وكتبه/ حسن بن شريف المشيخي 11/ 7/1423هـ‍

15 - (7) حكم وفوائد عظيمة

بسم الله الرحمن الرحيم 15 - (7) حكم وفوائد عظيمة بقلم زميله عبد الحليم بن محمد فاروق الأفغاني الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: أما بعد: فإن الأخ الزميل عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله رحمة واسعة - كان من زملائي الأخيار في كلية الشريعة، وكان خلوقاً قلَّ أمثاله، وكان متواضعاً متمسكاً بالقيم الدينية والمبادئ الإسلامية، وكان ملتزماً في أمور الشرع لا يخاف في الله لومة لائم، وكان هَمُّهُ الأكبر طلب العلم الصحيح النافع، وكان مخلصاً صادقاً وأميناً، وكثير الصمت إلا في موضع الحق، هكذا أحسبه والله حسيبه، وآخر ما قابلته في المسجد الجامع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك عند صلاته لسنة الراتبة بعد الظهر يوم السبت الموافق 16/ 9/1422هـ‍، وكان من آخر الكلمات التي قالها لي قوله - رحمه الله -: ((إني قد اشتقت إلى الجهاد في سبيل الله تعالى))، ثم استأذن مني وقال: سأحضر غداً إن شاء الله للدرس في الكلية؛ لأن هذا اليوم هو آخر أيام الدراسة للفصل الأول من العام الدراسي، ولكن الله - سبحانه وتعالى - قبضه في اليوم نفسه الذي قابلته فيه بعد إمامته للناس في صلاة العشاء والتراويح، فأسأل الله أن يحقق له أمنيته ويجعله شهيداً في سبيل الله تعالى.

وقد استفدت وسمعت منه الوصايا والفوائد الآتية: 1 - رافقته في سيارته - رحمه الله - مرة، وكان يقرأ عن ظهر قلب حفظاً أثناء قيادته للسيارة، وأظن أنه يقرأ من سورة الفرقان، وبعد القراءة سألني عن حزبي اليومي من القرآن الكريم؟ فأخبرته بأني أقرأ كذا وكذا (¬1)، فقال لي: أنت عندك فراغ كثير كان ينبغي أن تقرأ أكثر من هذا. ومن أقواله الحكيمة التي استفدتها منه - رحمه الله -: 2 - آفة العلم نسيانه. 3 - المرء يقيس على نفسه. 4 - اطلب الرفيق قبل الطريق، والجار قبل الدار. 5 - إن الذنوب تميت القلوب، وتكون سبباً للشقاء. 6 - راحة القلوب في قراءة القرآن، وقرة العيون في الصلاة. 7 - التوكل على الله يسهِّل ويزيل العقبات في طريق الوصول إلى الأمنية. 8 - عن المَرْءِ لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي 9 - ابتغِ فيما أعطاك الله الدار الآخرة. 10 - لا يسع المسلم الناس بماله، ولكن يسعهم ببسط الوجه، وحسن الخلق. ¬

(¬1) وقد سألت الأخ عبد الحليم فاروق عن حزبه الذي قاله للابن عبد الرحمن - رحمه الله - فقال: قلت له: أقرأ في اليوم جزءاً واحداً، وفي رمضان ثلاثة أجزاء في اليوم، ولله الحمد.

11 - احفظ مني ثلاثاً: ثم قال: أ - من سمات الكرام: العفو، والوفاء. ب - ومن سمات الأغنياء الأتقياء: الجود، والسخاء. ج - ومن سمات الأعزاء: احترام الآخرين. وكل هذه الحكم والفوائد استفدتها وكتبتها بالمعنى مما قاله الزميل عبد الرحمن رحمه الله تعالى. اللهم ارحمه، اللهم ارحمه، ونوِّر له في قبره، وافسح له فيه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. كتبه: عبد الحليم بن محمد فاروق الأفغاني 25/ 3/1423هـ‍ زميله في كليّة الشريعة

الفوائد التي اقتطفها الابن عبد الرحمن رحمه الله من أساتذة كلية الشريعة:

الفوائد التي اقتطفها الابن عبد الرحمن رحمه الله من أساتذة كلية الشريعة: 1 - الفوائد المقتطفة من علوم القرآن (تفسير) درس د. شريف * من المتفق عليه بين جمهور الفقهاء أن مصادر التشريع أربعة: 1 - القرآن الكريم. 2 - الحديث الشريف. 3 - الإجماع. 4 - القياس. ومن المتفق عليه أن الحكم الذي يدل عليه واحد من هذه الأدلة الأربعة هو حكم واجب الاتباع، وهناك مصادر مختلف فيها كالعرف، والاستحسان، والمصلحة المرسلة، ونحوها. 1 - القرآن الكريم: هو كلام الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بواسطة جبريل - عليه السلام -، المتعبد بتلاوته، المتحدَّى بأقصر سورة منه، المنقول إلينا بالتواتر، أو هو الموجود بين دفتي المصحف. - نصوص القرآن قطعية. * حجية أحكام القرآن الكريم: لا خلاف بين المسلمين في أن القرآن من عند الله - عز وجل - وأنه تجب له الطاعة، فالقرآن حجة على كل مسلم ومسلمة، وأحكامه واجبة الاتباع

مركز السنة من القرآن:

أيّاً كان نوعها، وأحكام القرآن شرعت للدنيا والآخرة. * أحكام القرآن على نوعين: أ - أحكام يراد بها إقامة الدين: وهذه تشمل أحكام العقائد والمعاملات. ب - أحكام يراد بها تنظيم الدولة والمجتمع والجماعة، وهذه تشمل أحكام المعاملات، والعقوبات، والأحوال الشخصية. وأحكام القرآن على تنوعها وتعددها أنزلت بقصد إسعاد الناس في الدنيا والآخرة. 2 - السنة النبوية: هي ما أُثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: من قول، أو فعل، أو تقرير، فالسنة ثلاث أنواع: سنة قولية، أو سنة فعلية، أو سنة تقريرية. فالقولية هي: أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي قالها، مثل: ((آية المنافق ثلاث)). والفعلية هي: أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي رواها عنه الصحابة. والتقريرية هي: ما صدر عن بعض أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أقوال وأفعال أقرها الرسول عليه الصلاة والسلام بسكوته وعدم إنكارها. مركز السنة من القرآن: القرآن هو المصدر الأول للتشريع، وأساس هذا التشريع: والسنة هي المصدر الثاني، وتلي القرآن في المرتبة، وأحكام السنة من

الناحية التشريعية لا تعدو أن تكون واحدة من ثلاث: 1 - سنة تقرر وتؤكد حكماً جاء به القرآن، فيكون الحكم مرجعه الكتاب والسنة معاً، كتحريم القتل بغير حق. 2 - وإما أن تكون السنة مفصلة مفسرة لما جاء به القرآن مجملاً. 3 - وإما أن تكون السنة مثبتة حكماً، وهذا الحكم سكت عنه القرآن، مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)) (¬1). تنقسم السنة بحسب روايتها إلى أقسام ثلاثة: 1 - سنة متواترة. 2 - سنة مشهورة. 3 - سنة آحاد. السنة المتواترة: ما رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع يمتنع عادة أن يتواطأ أفراده على الكذب، ومن هذا السنن العملية في أداء الصلاة والصوم. السنة المشهورة: ما رواه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صحابي أو أكثر دون أن يبلغ حد التواتر. مثل ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬2). سنة الآحاد: ما رواه عن الرسول عليه الصلاة والسلام آحاد، أو جمع لم يبلغ حد التواتر أيضاً. ¬

(¬1) متفق عليه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، البخاري، برقم 5109، ومسلم، برقم 1408. (¬2) متفق عليه عن عمر - رضي الله عنه -، البخاري، برقم 1، مسلم، برقم 1907.

2 - الفوائد المقتطفة من التفسير.

هل السنة قطعية أم ظنية؟: السنة المتواترة قطعية الورود عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن تواتر النقل يفيد الجزم بصدق الرواة، والسنة المشهورة قطعية الورود عن الصحابي الذي نقلها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن من تلقاها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس جمعاً من جموع التواتر، وسنة الآحاد ظنية الورود عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. حجية السنة: لا خلاف أن أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأفعاله، وتقريراته التي قصد بها التشريع ونقلت إلينا بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح يعتبر حجة ملزمة للمسلمين، ومصدراً تشريعيّاً واجب الاتباع، قال الله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (¬1) الآية. 2 - الفوائد المقتطفة من التفسير. د. جمعة، الأربعاء شهر 6/ 1422هـ‍ * أسباب النزول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ*وَلله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 7.

إِنَّ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬1). أ - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن قريشاً منعوا الرسول عليه الصلاة والسلام الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام، فأنزل الله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله} الآية (¬2). وفي رواية أخرى: ((عن عبد الرحمن بن زيد أنه قال: هم المشركون حين صدوا رسول الله عن البيت يوم الحديبية)). ب - وعن ابن عمر رَضْيَ اللَّهُ عنْهمَا قال: ((كان النبي يصلي على راحلته تطوعاً أينما توجهت به، ثم قرأ ابن عمر: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله إِنَّ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬3) ((الآية)). والآية أباحت للمصلي كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام. {وَمَنْ أَظْلَمُ}: هذا الاستفهام للنفي: أي لا أحد أظلم، دلت الآية على هذا الظلم بأنه بلغ نهايته. {أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}: له ثلاثة أوجه في الإعراب. الأول: أنه بدل من مساجد. وتقدير المعنى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله بمنع ذكر اسمه فيها. ¬

(¬1) سورة البقرة، الآيتان: 164 - 165. (¬2) متفق عليه، البخاري، برقم 400، ومسلم، برقم 540، وهذا لفظ الترمذي، برقم 2958. (¬3) سورة البقرة، الآية 165.

الثاني: أنها مفعول له: ( ... كراهية أن يذكر فيها اسمهُ .. ) أو ( ... من أن يذكر فيها اسمه). الثالث: أنها مفعول ثان للفعل (منع)، ومَنَع: تنصب مفعولين: المفعول الأول: مساجد. الثاني: ذكر اسم الله (مصدر محول من مصدر مؤول). {وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}: قال المفسرون: هي أعم من قوله أن يذكر فيها اسمه؛ لأن السعي في خراب المساجد يشمل خرابها وزيادة. {لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ}: أي الذل. {تُوَلُّواْ} تتجهوا. {فَثَمَّ}: هناك. أو هنالك. أي: أينما اتجهت. {إِنَّ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}: وذلك بأنه وسع على عباده بتحليل ذلك لهم. الفوائد والأحكام: 1 - حرمة منع المسلمين من عمارة المساجد، وحرمة السعي في تخريبها. 2 - تعظيم أمر الصلاة ببيان أنها لمَّا كانت أفضل الأعمال وأعظمها أجراً، كان منعها أعظم إثماً. 3 - تعظيم أمر المساجد بالوعيد الشديد لمن يسيء إليها. 4 - وجوب العناية بالمساجد وإعمارها بالصلاة والذكر.

5 - بيان أن المساجد لله، وليست مملوكة لمن يبنيها، وأن من بنى مسجداً على أرض له وجعلها للمسلمين، خرجت الأرض والمسجد عن جملة أملاكه وصار للمسلمين. 6 - وجوب حماية المساجد من دخول الكفار إليها. 7 - وجوب إظهار شوكة المسلمين وقوتهم؛ لإخافة أعداء الله. 8 - جواز الصلاة النافلة على الراحلة في السفر إلى غير جهة القبلة. 9 - سقوط شرط استقبال الكعبة عند الصلاة المكتوبة عند التباس أمر القبلة على المصلي. 10 - بيان فضل سعة الله وفضله، وأن الشرائع مبنية على التيسير والتخفيف. 11 - اختلف العلماء في صحة الصلاة المكتوبة عند التباس القبلة على المصلي: فذهب الشافعية إلى أنها لا تجزئه، واستدلوا على ذلك بأن القبلة أي استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة، فلا يكون الخطأ عذراً في تركها، وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة من غير إعادة، مع استحباب [الإمام] مالك الإعادة في الوقت، واستدل الجمهور بما رواه ابن ماجه والترمذي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: ((كنا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فنزل

قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله})) (¬1). وقد أجيب على استدلال الشافعية بأن هذه من حالات الضرورات التي تبيح المحظورات، وقد اتفق العلماء على صحة صلاة المجاهد إلى أي جهة حال المسايفة، وهي الضرب بالسيف، فهذه ضرورة أباحت للمصلي ترك القبلة. ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، برقم 2957، وابن ماجه، برقم 1020، وحسنه العلامة الألباني في إرواء الغليل، 1/ 323. والآية 115من سورة البقرة.

تفسير د. الزناتي قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ*وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (¬1). * القصاص في الاصطلاح: أن يُفعل بالجاني مثل فعله، إن قَتَل يُقتل، وإن جَرحَ يُجرح. {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ}: دلالة على أن القتل أمر عارض على المجتمع؛ لأنه جعلهم إخوة. {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}: إذا عرف الناس أن القاتل يُقتل كفّوا عن القتل، فإذا انعدم القتل كسبنا حياتين: - الحياة الأولى: حياة للمقتول (أو الشخص الذي أريد به القتل) بحيث امتنع عمن أراد القتل عن قتله. - الحياة الثانية: حياة للقاتل بحيث امتنع عن القتل فلا يقتل. حدود الإسلام ستة: وقد شرعت لحفظ ستة حقوق، وهي: ¬

(¬1) سورة البقرة، الآيتان: 178 - 179.

1 - حق الحياة: وصيانة لهذا الحق فقد شرع القصاص. 2 - حق الدين: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)) (¬1)، وهم المشركون المتعصبون ضد الإسلام، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من بدّل دينه فاقتلوه)) (¬2). 3 - حق المال: كفل الإسلام حق الملكية الخاصة، فشرع قطع يد السارق. 4 - حق العرض: شرع حد الزنى لحفظ العرض، وشرع حد القذف. 5 - حق العقل: ولذلك شرع حد الشارب. 6 - حق الأمن العام: لذلك شرع حد الحرابة: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} (¬3) الآية. أولاً: حد القصاص: الرأي الأرجح: أن الحدود زواجر وجوابر، بحيث ينزجر فاعله، ¬

(¬1) البخاري، برقم 25، ومسلم، برقم 21، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (¬2) البخاري، برقم 3017، عن ابن عباس رضي الله عنهما. (¬3) سورة المائدة، الآية: 33.

وينجبر الخطأ الذي فعله. (زواجر): لمن شاهد. - هل يقتل الحر بالعبد، والمسلم بالذمي؟ رأيان للعلماء: 1 - لا يجوز قتل الحر بالعبد، ولا المسلم بالذمي، وهو رأي كل من الشافعية، والمالكية، وأحمد. 2 - يقتل الحر بالعبد، والمسلم بالذمي، وهو قول أبي حنيفة. * أدلة الجمهور: 1 - {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} (¬1) الآية. قال: فاشترطت الآية المساواة في النوع، وعلى ذلك لا يجوز قتل الحر بالعبد؛ لأن العلماء أخذوا بمنطوق الآية. 2 - قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقتل مسلم بكافر)) (¬2) .. 3 - (بالمعقول): قالوا: إن العبد مثل السلعة، وصاحب السلعة قد يتلفها ولا يضمنها، ثم إن العبد جاء نتيجة الكفر، والقتال، فهو شر الدواب. * أدلة أبي حنيفة: استدل أبو حنيفة بسبعة أدلة: ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 178. (¬2) البخاري، برقم 111، عن أبي جحيفة عن علي - رضي الله عنه -.

1 - عموم الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (¬1)، والجزء الآخر من الآية هو مقابل ما كان موجوداً في الجاهلية. 2 - الآية: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (¬2) الآية، فشرع من قبلنا شرع لنا إن لم ينسخ. 3 - عموم قوله: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا} (¬3). 4 - قوله عليه الصلاة والسلام: ((المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده)) (¬4). 5 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه، ومن خصى عبده خصيناه)) (¬5). 6 - واستدل من السنة بما رواه البيهقي بسنده، وضعفه أن رسول الله ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 178. (¬2) سورة المائدة، الآية: 45. (¬3) سورة الإسراء، الآية: 33. (¬4) رواه أبو داود، برقم 2753، والنسائي، برقم 4746 عن علي - رضي الله عنه -، وصححه الحاكم، 2/ 141، والألباني في صحيح أبي داود، برقم 2390. (¬5) [رواه أبو داود، برقم 4517، الترمذي، برقم 1414، وحسنه، وابن ماجه، برقم 2663، والنسائي، برقم 4736، والحاكم، 4/ 367، وصححه، ووافق عليه الذهبي.

- صلى الله عليه وسلم - قتل مسلماً بمعاهد. وقال: ((أنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِه)) (¬1). 7 - استدلال عقلي: إن مال العبد يقطع به، فكذلك روح العبد إذا أزهقت يقتص بها؛ لأن حرمة الروح أولى من حرمة المال، فيقتل من قتل عبده. الراجح هو: [ما ذهب إليه] أبو حنيفة في الشق الأول (الحر بالعبد)؛ لكثرة الأدلة، مع الدليل العقلي. [وما ذهب إليه] الجمهور: هو أرجح في عدم قتل المسلم بالذمي. الحكم الثالث: هل يقتل الوالد إذا قتل ولده؟ 1 - الجمهور: ومنهم مالك في أحد قوليه: لا يقتل والد إذا قتل ولده؛ لقوله - عليه السلام -: ((لا يقتل الوالد بالولد)) (¬2). [رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، عن عمر - رضي الله عنه -]. دليل العقل: (أن الأب كان سبباً في وجود ابنه، فلا يعقل أن يكون الابن سبباً في عدم أبيه (قتله). 2 - يقتل بولده إذا تعمد قتله، وأضجعه وذبحه متعمداً. (قول مالك الآخر). ¬

(¬1) مسند الشافعي، 1/ 412، والدارقطني، 3/ 135، والسنن الكبرى للبيهقي، 8/ 30. (¬2) أخرجه الترمذي، برقم 1400، وابن ماجه، برقم 2662، وأحمد، برقم 147، والدارقطني، 3/ 141، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2157.

3 - يقتل به لعموم: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} (¬1) الآية. ولعلهم لا يقبلون أخبار الآحاد في مواجهة عموم القرآن، وعلى ذلك فالرأي الراجح هو: رأي الجمهور الذي ينص على عدم قتل الأب بابنه؛ ولأن الشفقة تمنعه من قتل ابنه. الحكم الرابع: هل يقتل الجماعة بالواحد: اختلف الفقهاء رحمهم الله على رأيين: 1 - مذهب الجمهور: أن الجماعة تقتل بالواحد. 2 - رأي أبي داود الظاهري، ورواية عن أحمد: لا تقتل الجماعة بالواحد. الأدلة: دليلان لجمهور أهل العلم: استدل الجمهور: بفعل عمر بن الخطاب، وإجماع الصحابة على ذلك، أنه أمر بقتل سبعة رجال تمالأوا على قتل غلام باليمن. وما روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمنٍ لأكبهم الله في النار)) (¬2). إذا كان هذا جزاءهم في الآخرة، فلماذا لا يعاقبون في الدنيا، إذا ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 178. (¬2) رواه الترمذي، برقم 1398 عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 103.

اشتركوا في الأخروية، فالدنيوية من باب أولى؟ ثم إن الله شرع القصاص حفاظاً على المجتمع من القتل، فإذا وجد القتل من واحد يمنعه القصاص، وكذلك الجماعة. استدلال الظاهرية: استدلوا بظاهر {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} (¬1)، وظاهر {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (¬2). والراجح: ما ذهب إليه الجمهور؛ لأن القصاص شرع لمنع القتل. الحكم الخامس: كيف يقتل الجاني عند القصاص: - على قولين: 1 - مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد: القصاص يكون بنفس الطريقة التي قتل بها المقتول. (حرقاً بحرق، ورضخاً برضخ ... ). 2 - أبو حنيفة، ورواية عن أحمد: القتل لا يكون إلا ضربة بالسيف؛ لأن الغرض إتلاف نفس بنفس. أدلتهم: (لا قود إلا بالسيف). و (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المثلة). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قتلتم فأحسنوا القتلة)) (¬3). ولأن القتل بنفس الطريقة لا تضمن المماثلة والتساوي، وعليه فالرأي الثاني هو الراجح لكثرة الأدلة، وصحة الدليل العقلي. ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 178. (¬2) سورة البقرة، الآية: 178. (¬3) رواه مسلم، برقم 1955، عن شداد بن أوس - رضي الله عنه -.

الحكم السادس: ما حكم من قتل بعد أخذ الدية؟ أربعة أقوال: 1 - مالك والشافعي: هو كمن قتل ابتداء، يقام عليه القصاص. 2 - عذابه أن يقام عليه القصاص، ولا تؤخذ منه الدية، ولا يمكن الولي من العفو عنه. (عكرمة، والسدي). 3 - أن يرد الدية. 4 - عمر بن عبد العزيز: أمره إلى الإمام. والثاني: أرجح؛ لأنه على [ظاهر] الآية. الحكم السابع: من الذي يتولى بعد أخذ القصاص. ولي الأمر (بإجماع العلماء) - هل يقتص السلطان من نفسه إذا اعتدى على بعض رعيته؟ نعم. مقاصد أهداف الآيات الكريمة: 1 - تشريع القصاص فريضة من الله لعباده المؤمنين، وذلك لصلاحهم وسعادتهم. 2 - القصاص يقلل الجرائم، ويقضي على الضغائن، ويربي الجناة. 3 - في القصاص حياة النفوس، وحماية الأفراد والمجتمعات البشرية. 4 - الاعتداء على غير القاتل من العصبية الجاهلية التي حرمها الإسلام.

5 - وجوب المماثلة في القصاص، حتى لا ينتشر البغي والظلم. 6 - وجوب دفع الدية على القاتل إذا عفا أهل القتيل، ورضوا بالدية. 7 - تخفيف العقوبة رحمة من الله على أمة الإسلام دون غيرها. قال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ*فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ (¬1)}. * آيات الوصية حكم شرعي جديد توسط حكمين هما: القصاص، والصيام. مناسبة الآيات هذه لما قبلها: لما تحدثت الآيات السابقة عن أحكام القصاص وما يتعلق به، جاءت هذه الآيات بتشريع جديد (حكم جديد) وهو حكم الوصية للوالدين والأقربين. {حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}: حضور الموت: ظهور أسبابه ودواعيه وعلاماته، وقدم المفعول على الفاعل. والآية فيها استعارة مكنية حيث شبه الموتى بشخص يحضر، وحذف المشبه به، وأتي بلازم من لوازمه وهو الحضور. ¬

(¬1) سورة البقرة، الآيات: 180 - 182.

{إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ}: إن: شرطية. ترك: فعل شرط. وجوابه على رأيين: 1 - إن ترك خيراً، فالوصية ... ، ثم حذفت الفاء. 2 - محذوف دل عليه ما قبله، أي جوابه مقدر قبله (كتب الوصية للوالدين والأقربين، إن ترك خيراً). * ختم الله سبحانه الآيات، بحيث جعل في هذه الآيات انسجام بين الحروف والكلمات والفواصل والآيات. * ختم الله بقوله: {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. الأحكام الشرعية في الآيات: 1 - هل هذه الآيات محكمة أم منسوخة؟ رأيان للعلماء: أ - الآيات محكمة؛ لأنها وإن كان ظاهرها العموم، إلا أنها تصلح للخصوص. قاله الضحاك، وطاوس والحسن، واختاره الإمام الطبري .. ب - مذهب الجمهور: على أن الآية عامة، وعمل بها مدة زمنية، ثم نسخت بآيات المواريث في سورة النساء، ونسخت بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -

بقوله: ((إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)) (¬1). 2 - ما هو مقدار المال الذي تجب فيه الوصية: - لابد أن يكون المال كثيراً. - قيل: قال بعضهم: أقله سبعمائة دينار. وقال بعضهم: هو ما زاد على خمسمائة. والرأي الثاني: أن الوصية واجبة في المال قل أو كثر، والأول أرجح. 3 - هل الوصية تجب على من عليه دين، وله عند الناس ودائع؟ أجمع العلماء أنها تجب عليه. 4 - ما مقدار الوصية؟ [مقدارها الثلث، والثلث كثير]. أهداف ومقاصد آيات الوصية: 1 - حرص الإسلام على صلة الرحم، والحث على صلتها وبرها، ولو بعد الموت. 2 - أحقية الوالدين من بين القرابات في كل بر وصلة، ورحمة، وأنهما ¬

(¬1) رواه أبو داود، برقم 2872، والترمذي، برقم 2120، وابن ماجه، برقم 2713، والنسائي، برقم 3641، عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه -. قاله قتادة، وابن عباس، والحسن. وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 2494.

الأولى في ذلك. 3 - مشروعية النسخ في أحكام الشريعة من أجل مصلحة الفرد والجماعة. 4 - وقوع إثم التبديل في الوصية على من سمعها من الموصي، قبل موته إن كانت شرعية. 5 - جواز التبديل في الوصية، والإصلاح بذلك إذا كان الخطأ أو الظلم من الموصي نفسه. 6 - جمال التذييل في الآيات الكريمة يدل على بلاغة ودقة وإحكام آيات القرآن وسوره .. قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1). * مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: هي آيات تتضمن حكماً شرعيّاً تلي حكماً شرعيّاً آخر، تحدث أولاً عن القصاص، ثم الوصية ثم الصيام. تفسير د. الزناتي، الثلاثاء: 22/ 7/1422هـ‍ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآيتان: 183 - 184.

{شَهْرُ رَمَضَانَ} (¬1): شهر: أتى مرفوعاً لاعتبارات ثلاث: أ - مبتدأ، وخبر صلة. ب - خبر لمبتدأ محذوف: الشهر الواجب صيامه شهر رمضان. ج - بدل من الصيام في الآية الأولى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}. وفي قراءة: بالنصب: شهرَ رمضانَ: تقديره: صوموا شهر رمضان، منصوب على الإغراء. {أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}: فيه ثلاثة أقوال: 1 - أي أنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا. 2 - أي أنزل أول القرآن في رمضان (اقرأ). 3 - أي أنزل في بيان شأنه وعلوه، وبيان أهميته (بيان أهمية رمضان). {هُدًى} حال، أو مفعول لأجله. هناك ارتباط بين القرآن وشهر رمضان، حيث إنه شهر القرآن، فقراءته مضاعفة في هذا الشهر. {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ}: هذه الآية نسخت الآية التي قبلها، أبقت هذه الآية رخصة الصيام والسفر، ونسخت الفدية. {أَوْ عَلَى سَفَرٍ}: فمن كان مريضاً أو على سفر فأفطر فعدة .. وهذا ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 185.

تقدير محذوف؛ للإيجاز. {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}: أي يقضي في الأيام الأخرى. {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ}: اليسر لا يأتي إلا مع المشقة الشديدة. * بين كلمة {الْيُسْرَ}، و {الْعُسْرَ} محسِّنان بديعيان: جناس وطباق، وبين {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ}، {وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}: مقابلة. الأول: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر .. أجزاء الآية معطوفة. الآخر: * الأحكام الشرعية في هذه الآيات: 1 - ما هو المرض والسفر المبيح للإفطار؟ اختلف العلماء على ثلاثة أقوال: الأول: وهو قول جمهور الفقهاء: ((إن المرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يُؤدِّي إلى ضرر في النفس، أو زيادة في العلَّة، أو تأخر في الشفاء، وكذلك السفر الطويل الذي يؤدي غالباً إلى جهد ومشقة شديدة. وهو قول الأصم: إن هذه الرخصة مخصوصة للمريض الذي لو صام لوقع في أدنى مشقة وجهد، وكذلك المسافر الذي يضنيه السفر ويجهده ولو قليلاً. الظاهرية: إن مطلق المرض والسفر يُبيح لنا الإفطار، حتى ولو كان المرض يسيراً، والسفر قليلاً؛ لأن القرآن أطلقه ولم يُقيِّده.

الراجح: بالنظر في هذه الأقوال نرى أن الأول أرجح. سبب الترجيح: لأن هذا القول يقبله العقل بقبول حسن؛ لأن الحكمة التي من أجلها رخص للمريض والمسافر الفطر هو اليسر، ولا يكون ذلك موجوداً إلا عند وجود المشقة الشديدة والسفر الطويل. 2 - ما هي المسافة التي يباح فيها الإفطار للمسافر؟ ثلاثة آراء: الرأي الأول: قاله الأوزاعي: (إن السفر المبيح للفطر مسافة يوم). وحجته: أن السفر في أقل من يوم قد يتفق للمقيم، والغالب أن المسافر هو الذي لا يمكنه الرجوع إلى أهله في نفس اليوم، فلا بد أن يكون أقل مدة السفر يوم واحد. الرأي الثاني: للشافعي، وأحمد: قالوا إن السفر المبيح للفطر هو: يومان وليلتان، ويقدر بـ16 [ستة عشر] فرسخاً. قال أهل اللغة: البريد الواحد: أربعة فراسخ: فيكون المجموع 16 [ستة عشر] فرسخاً.

3 - الفوائد المقتطفة من مصطلح الحديث

3 - الفوائد المقتطفة من مصطلح الحديث د. محمد الفهيد، الثلاثاء 16/ 6/1422هـ‍ مفردات منهج الحديث أولاً: تقسيم الحديث باعتبار طرقه إلى: متواتر، وآحاد، والآحاد إلى: غريب، وعزيز، ومشهور، ومستفيض، وتعريف كل نوع، وذكر مثال له. ثانياً: تقسيم الآحاد إجمالاً إلى صحيح، وحسن، وموضوع. ثالثاً: تعريف الصحيح، وشرح التعريف، وبيان قولهم: حديث صحيح، أو صحيح الإسناد. رابعاً: جواز التصحيح والتحسين لمن تأهل لذلك. خامساً: أول من صنف في الصحيح المجرد. سادساً: أصحّ كتب الحديث والمفاضلة بين الصحيحين. سابعاً: إفادة ما روياه - أو أحدهما - العلم، وبيان الآراء في ذلك. ثامناً: عدم استيعاب الصحيحين لكل الأحاديث الصحيحة. تاسعاً: حكم المعلّق فيهما، والمنتقد عليهما، أو على أحدهما، والجواب عنه. عاشراً: مصادر الأحاديث الصحيحة في غير الصحيحين، كالسنن الأربع، وصحيح ابن حبان، وابن خزيمة، والمستدركات، والمستخرجات. الحادي عشر: أقسام الحديث الصحيح. الثاني عشر: الخبر المحتف بالقرائن، وأنواعه، وإفادته للعلم.

الثالث عشر: أصحّ الأسانيد، وفائدتها. الرابع عشر: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره. [توفي الابن عبد الرحمن رحمه الله قبل إكمال شرح هذه الفوائد في مصطلح الحديث، عوّضه الله خيراً مما فاته وغفر له].

4 - الفوائد المقتطفة من الحديث

4 - الفوائد المقتطفة من الحديث د. خليل، الأحد 21/ 6/1422هـ‍ الحديث الأول: * أخرج أبو داود بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا: أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته)) (¬1). * ترجمة راوي الحديث: أبو هريرة: هو الصحابي الجليل، الحافظ، المكثر من الرواية، اختلف في اسمه، واسم أبيه. قال ابن عبد البر: الذي تسكن النفس إليه من الأقوال أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وبه قال إسحاق وغيره، وقد اشتهر بكنيته حتى لا يكاد يذكر باسمه. أسلم عام خيبر، وشهدها مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولازم الرسول عليه ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، برقم 83، واللفظ له، والترمذي، برقم 69، وابن ماجه، برقم 386، والنسائي، برقم 59، وأحمد، برقم 7233، وابن أبي شيبة، برقم 1389، وصححه ابن خزيمة، برقم 111، وأخرجه مالك، 2/ 29، والشافعي، برقم 42، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 76.

الصلاة والسلام. حتى كان أكثر الصحابة حديثاً. قال أبو أحمد الحاكم: ذكر لأبي هريرة في مسند بقي بن مخلد: 5374 حديثاً، وهو أكثر الصحابة حديثاً، فليس لأحد من الصحابة هذا القدر من الرواية، ولا ما يقاربهُ. ويرجع إكثاره إلى أسباب: ومنها: 1 - ملازمة أبي هريرة للرسول - صلى الله عليه وسلم -. 2 - دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام له بالحفظ. 3 - صفاء ذهنه وشدة ذكائه. 4 - حرصه، وتعاهده لمجالس الحديث. 5 - تفرّغه، وانعدام ما يشغله. 6 - تأخُّر وفاته حتى احتاج الناس إليه. وقد كثر تلاميذه، حتى قال الإمام البخاري رحمه الله: رَوَى عن أبي هريرة أكثر من ثمانمائة رجل من صاحب وتابع، وقد استعمله عمر على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل فامتنع. أخرج له الشيخان 325 حديثاً، وانفرد البخاري بـ93، ومسلم بـ189 حديثاً، وتوفي في المدينة سنة 7، أو 8، أو 59هـ‍رحمه الله، ورضي عنه. قوله: ((هو الطهور)): أي المطهر، قال ابن الأثير: والماء الطهور في الفقه هو الذي يرفع الحدث، ويزيل النجس؛ لأن فعولاً من أبنية المبالغة،

فكأنه كناها في الطهارة، والماء الطاهر غير الطهور هو الذي لا يرفع الحدث، ولا يزيل النجس، كالمستعمل في الوضوء والغسل. وقال الزرقاني: الطهور هو البالغ في الطهارة، ومنه قوله: (الطهور) أي طاهراً في ذاته مُطهِّراً لغيره، قال الصنعاني: ((فأفاد [النبي]- صلى الله عليه وسلم -: أن ماء البحر طاهر مطهر لا يخرج عن الطهورية .. )) ص17 - 18. من سبل السلام. - حلول الميتة في الماء لا تخرجه عن الطهورية، كما هو الحال في البر. قوله عليه الصلاة والسلام: ((ماؤه)) بالرفع: فاعل الطهور، وقوله: ((الحل)): أي الحلال كما في رواية الدارقطني عن جابر، وأنس، وابن عمرو. ((ميتته)): بالرفع فاعل الحل، وقد اختلف أهل العلم في حل غير السمك من دواب البحر. وفيما يلي عرض لأهم أقوالهم: 1 - قال الحنفية: يحرم أكل ما سوى السمك. 2 - قال مالك: يباح كل ما في البحر. 3 - عن الشافعية أقوال ثلاثة، وقد لخّصها ابن حجر: لا خلاف بين العلماء في حِلِّ السمك على اختلاف أنواعه، وإنما اختلفوا فيما كان على صورة حيوان البر: كالكلب، والخنزير، والثعبان، فعند الحنفية، وهو قول للشافعية: يحرم، ما عدا السمك، وعن الشافعية: الحل مطلقاً على الأصحّ المنصوص، وهو مذهب

مالك إلا الخنزير، وحجتهم في ذلك قوله - سبحانه وتعالى -: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ... } (¬1) الآية. ومن السنة حديث أبي هريرة هذا. وعن الشافعية قول ثالث: ما يؤكل نظيره في البر حلال، وما لا فلا. واستثنوا على الأرجح ما يعيش في البر والبحر، وهو نوعان: - النوع الأول: ما ورد في منع أكله شيء يخصه كالضفدع للنهي عن قتله، والتمساح؛ لكونه يعدو بنابه، ومثله القرش، والثعبان، والعقرب، للاستخباث والضرر اللاحق من السم. - النوع الثاني: ما لم يرد في حكمه مانع: فيحل أكله بشرط التذكية، كالبط وطير الماء. وقد أجاب الأحناف عن قوله: ((الحل ميتته)) بأن المراد من الميتة السمك لا غيره. بدليل حديث ابن عمر رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحلت لنا ميتتان ودمان .. )) (¬2) الحديث. يؤخذ من الحديث الأحكام الآتية: 1 - فيه أن الطهور: هو الماء المفطور على خلقته، السليم في نفسه، الخالي من الأعراض المؤثرة فيه. ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 96. (¬2) أخرجه أحمد، برقم 5723، وابن ماجه، برقم 3314، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2679.

2 - فيه أن العالِم والمفتي إذا سُئل عن شيء وهو يعلم أن للسائل حاجة إلى معرفة ما وراءه مما يتصل بمسألته كان مستحباً له تعليمه إياه، والزيادة في جواب المسألة لأنهم سألوه عليه الصلاة والسلام عن ماء البحر فحسب، فأجابهم عن مائه وطعامه، لعلمه بحاجتهم إلى الماء والطعام. 3 - فيه أن على العالم أن يُزيل ما قد يُشكل بالنسبة للسائل، فقد أخبرهم عليه الصلاة والسلام بأن ميتة البحر حلال، بخلاف سائر الميتات؛ لئلا يتوهموا أن ماء البحر ينجس بحلولها إياه. 4 - فيه دليل على أن السمك الطافي حلال، وأنه لا فرق بين ما كان موته في الماء، وبين ما كان موته خارج الماء. 5 - فيه دليل لمن ذهب إلى حكم جميع أنواع الحيوان التي تسكن البحر إذا مات فيه الطهارة، إلا ما استثني بدليل شرعي. الحديث الثاني: أخرجه الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) (¬1). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، برقم 66، والترمذي، برقم 66، والنسائي، برقم 325، وأحمد، برقم 2100، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 60.

وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد. ترجمة راوي الحديث: هو سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد (أبو سعيد الخدري) الأنصاري الخزرجي، مشهور بكنيته، وهو من أعلام الصحابة وفضلائهم، وكان من الحفّاظ لحديث رسول الله المكثرين، أول مشاهده الخندق، وغزا مع رسول الله اثنتي عشرة غزوة، وروى عنه من الصحابة: جابر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر، وأنس، وابن الزبير وغيرهم، ومن الأتباع: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، وعطاء بن يسار، وعُرف أبو سعيد بالاستقامة، والحرص على الحق، وهو الذي روى حديث النهي عن المنكر، وطبَّقه عمليّاً حيث جذب مروان بن الحكم من ثوبه عند تغييره السنة، بتقديم خطبة العيد على الصلاة. روي له في كتب السنة 1170 حديثاً، اتفق الشيخان على 111 حديثاً، وانفرد البخاري بـ16، ومسلم بـ52. توفي بالمدينة سنة 74 وله 86 سنة. (أسد الغابة)، 2/ 451. رحمه الله ورضي عنه.

5 - الفوائد المقتطفة من مقدمة أصول الفقه

5 - الفوائد المقتطفة من مقدمة أصول الفقه د. ثابت، الاثنين 14/ 6/1422هـ‍ المستوى الأول شريعة مقدمة أصول الفقه تعريف أصول الفقه: لفظ أصول الفقه له اعتباران: أحدهما قبل أن يجعل علماً ولقباً على هذا العلم المعروف المخصوص، والآخر بعد جعله علماً ولقباً عليه، فإذا نظرنا بالاعتبار الأول وجدناه مركباً إضافيّاً من كلمتين: هما: أصول - وفقه، وحينئذ يتوقف معرفة أصول الفقه على معرفة هاتين الكلمتين. فلا يعرف معنى هذا اللفظ إلا إذا عرف معنى أصول الفقه، وإذا نظرنا إليه باعتبار الثاني، أي بعد جعله لقباً وعلماً على علم أصول الفقه وجدناه: لفظاً مفرداً لا يدل جزؤه على جزء معناه، فكلمة أصول وحدها لا تدلّ على شيء، وإنما الذي يدلّ على المقصود: هو مجموع الكلمتين، ولهذا لابد من تعريف أصول الفقه بالاعتبارين. أصول الفقه: باعتبار معناه الإضافي (قبل جعله علماً ولقباً). سبق أن ذكرنا أن أصول الفقه قبل جعله علماً ولقباً على هذا العلم: مركب من كلمتين (تركيب إضافي)، هما: (أصول)، و (فقه)، ومعلوم أن معرفة المركب متوقفة على معرفة جميع أجزائه، وحينئذ لابد من معرفة كل جزء على حدة حتى يمكن معرفة هذا المركب.

أصول: جمع أصل، والأصل في اللغة: يطلق على ما يُبنى عليه غيره؛ سواء كان الابتناء حسيّاً أم عقليّاً. فالابتناء الحسي: مثل ابتناء السقف على الحائط. والابتناء العقلي: مثل ابتناء المدلول (وهو الحكم) على الدليل، مثل قوله سبحانه: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} (¬1): فإن هذا الدليل أصل لوجوب الصلاة. (الأصل في الاصطلاح): وهو يختلف باختلاف المصطلحين، فما اصطلح عليه أهل علم غير ما اصطلح عليه أهل علم آخر. فالأصل عند الفقهاء: يطلق على الدليل التفصيلي، فيقولون: الأصل في وجوب الصلاة: قوله سبحانه: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}. (وأما الأصل عند الأصوليين) فيطلق على ما يلي: 1 - يطلق على القاعدة الكلية مثل: كل أمر للوجوب فهو يعتبر قاعدة للوجوب كلية، وأصلاً من أصولهم يعتمد عليه. 2 - يطلق على الدليل الإجمالي، وهو: الكتاب، السنة، الإجماع، القياس، وغيرها من الأدلة المختلف فيها مثل: الاستحسان، المصالح المرسلة، وقول الصحابي، وغير ذلك. 3 - قد يطلق الأصل على المقيس عليه: كقوله: الخمر أصل للنبيذ. ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 43.

أي المحل الذي قيس النبيذ عليه. 4 - قد يطلق الأصل على الراجح مثل: الأصل في الكلام الحقيقة، أي الراجح في الكلام الحقيقة دون المجاز. 5 - يطلق الأصل على المستصحب، كقولهم: تعارض الأصل والطارئ: أي تعارض الشيء المستصحب. والراجح من هذه الإطلاقات: أن الأصل يطلق على الدليل الإجمالي؛ لأنه هو الذي يبحث عنه علم الأصول. (والفقه يطلق في اللغة بثلاث إطلاقات): 1 - أن الفقه في اللغة: مطلق الفهم، سواء كان الفهم دقيقاً أم جليّاً، غرضاً لمتكلم أو ليس غرضاً له، وإلى هذا ذهب الآمدي، وهو الراجح. 2 - أن الفقه في اللغة: خاص بفهم غرض المتكلم من كلامه، دقيقاً أم جليّاً (أي الغرض)، فلا يطلق على غيره مما ليس غرضاً، كالطير والحيوان، وإلى هذا ذهب الإمام الرازي. 3 - أنه خاص بفهم الأشياء الدقيقة، سواء أكان غرضاً لمتكلم أم لا، فلا يطلق على الأمور الجلية الظاهرة، فلا يقال: فهمت (فقهت) أن السماء فوقنا، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق المروزي. والراجح من هذه الإطلاقات هو الإطلاق الأول، وهو أن الفقه في اللغة: مطلق الفهم؛ لأنه مؤيَّد بالقرآن، وبكلام العرب.

أما من القرآن: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ} (¬1) الآية وقال: {لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (¬2)} وجاء في كلام العرب: (الفقه فهم الشيء). الفقه في الاصطلاح: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية، المكتسب من أدلة الأحكام (أدلتها) التفصيلية. شرح التعريف: قوله: العلم: مطلق الإدراك الشامل للتصور والتصديق، سواء أكان إدراكاً للذات، كالعلم بذات محمد، أم إدراكاً للنسب التامة التي يحسن السكوت عليها، كالعلم بأن محمداً قائم، أو النسب الناقصة، وهي التي لا يحسن السكوت عليها، كغلام محمد. وقوله: بالأحكام: قيد أول، وبدخوله على العلم، انصرف لفظ العلم إلى الإدراك الجازم المطابق للواقع، الناشئ عن الدليل. فيكون العلم بالأحكام تصديقاً لا تصوراً، فإن تصور الأحكام ليس من الفقه، والأحكام: جمع حكم، وهو في العرف اللغوي: ثبوت أمر لأمر آخر أو نفيه عنه، كثبوت الوجوب للصلاة في قولنا: (الصلاة ¬

(¬1) سورة هود، الآية: 91. (¬2) سورة النساء، الآية: 78.

واجبة)، والحرمة للزنا في قولنا: (الزنى حرام)، أو نفي الحكم عن الشيء مثل (الوتر ليس بواجب). وقوله: الشرعية: أي المأخوذة من الشرع، وهو قيد ثان، والمراد بالشرع: أدلته، وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والأدلة المختلف فيها، مثل: الاستحسان، المصالح المرسلة وغيرها. وخرج بقيد الشرعية: أ - الأحكام العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين. ب - الأحكام الحسية: كالعلم بأن الشمس محرقة. ج - الأحكام الوضعية اللغوية: كالعلم بأن الفاعل مرفوع. وقوله: العملية: قيد ثالث، والمراد به: الأحكام المتعلقة بالعمل من حيث الكيفية. والعمل يطلق في العرف على ما يشمل أعمال العقلاء، فلا يشمل إذاً البهائم. والمراد هنا: أفعال الجوارح الظاهرة: كالصدقة، والزكاة، والحج. والباطنة: مثل: النية، والرياء، والحسد (والمراد بالباطنة هنا غير الاعتقادية)، فإن هذه الأعمال باطنة، وغير اعتقادية. وقوله: المكتسب: قيد رابع، وهو صفة للعلم؛ ولذلك يقرأ بالرفع، ولا يصح أن يكون مجروراً على أنه صفة للأحكام.

والأحكام جمع، والمكتسب مفرد؛ ولأن الأحكام مؤنثة والمكتسب مذكر، ولا يصح أن يكون صفة للأحكام؛ لأن الصفة تأخذ حكم الموصوف إفراداً وتذكيراً. والمراد بالمكتسب: الحاصل بعد أن لم يكن، فخرج بذلك علم الله بالأحكام؛ لأن علمه بالأحكام ليس مكتسباً، وإنما هو أزلي قائم بذاته تعالى؛ ولأنه ليس حاصلاً بعد أن لم يكن؛ لأن ذلك يستدعي سبق الجهل، وهو محال في حقه تعالى. ومعنى اكتساب العلم بالأحكام من الأدلة التفصيلية: استنباطها من الدليل التفصيلي، من جهة دلالة الدليل الدال عليها. وقوله: من أدلته (أدلتها) التفصيلية: المراد به أدلة الأحكام، وجيء بهذا القيد بالاحتراز عن العلم المكتسب من غير أدلة، كعلم جبريل، فإنه حاصل من اللوح المحفوظ، ومأخوذ منه، فهو ضروري لا كسبي، وخرج به أيضاً علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالأحكام غير اجتهادية؛ فإن علمه بها مأخوذ من الوحي، وخرج به أيضاً علم الصحابة بالأحكام التي تلقوها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مباشرة؛ لأنه مأخوذ بالتلقي، وخرج بالتفصيلية: علم المقلِّد؛ لأنه ليس مكتسباً من الدليل التفصيلي، وخرج به العلم الحاصل للخلافي، وهو من نصَّب نفسه لحفظ أحكام إمامه؛ لوجود ما يقتضيها، وعدم ما يخالفها. وخرج عن هذا التعريف: الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة (كوجوب الصلاة) بالنسبة للعامي؛ فإنه لم يأخذها من دليل تفصيلي،

وإن كانت هذه الأحكام في الأصل مكتسبة من الدليل التفصيلي. تعريف علم أصول الفقه باعتبار معناه اللقبي: عرف العلماء أصول الفقه باعتبار معناه اللقبي: أنه معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد. شرح التعريف: قوله: معرفة: المراد بها مطلق الإدراك الشامل للتصور والتصديق، وهو جنس في التعريف، يشمل معرفة الأدلة، ومعرفة غيرها، وبإضافة المعرفة إلى الدلائل علمنا أن المراد: التصديق، لا التصور، وهو الإدراك الجازم المطابق للواقع، الناشئ عن دليل. ودلائل: جمع دليل، والدليل في اللغة: المرشد للشيء والكاشف عن حقيقته، وهو في اصطلاح الأصوليين: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، سواء كان قطعيّاً أو ظنيّاً، وعلى هذا فهو يشمل جميع الأدلة المتفق عليها، والمختلف فيها، كالكتاب، والسنة، والإجماع، والاستصحاب. كما يشمل الأدلة القطعية: كالكتاب، والسنة المتواترة، والأدلة الظنية التي هي أمارات وعلامات على الأحكام. وبإضافة الدليل إلى الفقه (وبإضافة الدلائل إلى الفقه): خرج به معرفة دلائل غير الفقه، كمعرفة دلائل علم الكلام، ودلائل علم النحو، فلا تسمى معرفتها أصولاً؛ لأن الأصول: معرفة دلائل الفقه، وهذا هو

القيد الثاني في التعريف. درس يوم الأحد 21/ 6/1422 هـ‍، د. ثابت. والمراد من معرفة الأدلة: معرفة الأحوال المتعلقة بهذه الأدلة، مثل أن يعرف أن الأمر يفيد الوجوب، وذلك عند عدم القرينة الصارفة عنه، وأن الإجماع يفيد الحكم قطعاً أو ظنّاً، وأن القياس يثبت الحكم ظنّاً. والإجمال لغة: الجمع والخلط. وفي عرف الأصوليين: يطلق على عدم الإيضاح، ومنه المجمل، والمراد به: (الدلائل الإجمالية): الدلائل الكلية غير المعنية بالشخص، كمطلق أمر أو نهي، ومطلق إجماع، ومطلق قياس، هو قيد ثالث: خرج به الأدلة التفصيلية للأحكام الشرعية. وقوله: وكيفية الاستفادة منها: مجرور بالعطف على دلائل، فيكون المعنى: معرفة دلائل الفقه، ومعرفة كيفية الاستفادة منها. وقوله: وحال المستفيد: أي معرفة حال المستفيد، وهذا المستفيد، هو خصوص المجتهد: أي الفقيه الذي يطلب حكم الله، عن دليل تفصيلي، وقيل إن المراد بالمستفيد: هو مطلق طالب حكم الله، فيدخل فيه المجتهد والمُقلِّد، وذلك أن المجتهد يستفيد الأحكام من الأدلة، والمقلد يستفيد الأحكام من المجتهد. والراجح هو الأول، ولا يصح إدخال المقلد في علم الأصول أصلاً.

ما هو موضوع علم أصول الفقه: اختلف العلماء على أقوال في تحديد موضوع علم أصول الفقه: الأول: أن موضوعه هو الأدلة السمعية الإجمالية الموصلة إلى الأحكام بطريق الاجتهاد بعد الترجيح عند تعارضها، وإلى هذا ذهب الجمهور، وعلى هذا فموضوع علم الأصول: هو الأدلة المتفق عليها: كالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والأدلة المختلف فيها بأنواعها، وكذا الترجيح بين الأدلة عند تعارضها، والاجتهاد باعتبار أن المجتهد هو الذي يستنبط الحكم، وكذا البحث عن العوارض الذاتية للأدلة السمعية ومعرفة أنواعها. الثاني: أن موضوعه: الأحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة، وهي الأحكام التكليفية: كالإيجاب، والندب، والتحريم، والإباحة على القول بأنها تكليفية، والأحكام الوضعية: كالسببية، والشرطية، والمانعية، والصحة، أو الفساد، وهو قول بعض الحنفية. الثالث: أن موضوعه الأدلة والأحكام الشرعية، وإلى هذا ذهب صدر الشريعة، ولكل قول من هذه الأقوال ما يدعمه ويقويه، وإن كان أرجحها هو الأول.

6 - الفوائد المقتطفة من الفقه

6 - الفوائد المقتطفة من الفقه د. العجلان، الأربعاء 17/ 6/1422هـ‍ طرق دراسة المسألة: - التصور الصحيح للمسألة على نحو ما ذكره أهل العلم والفقهاء. - معرفة دليل المسألة؛ لأن كل حكم من الأحكام له دليل. - معرفة القول المخالف والراجح في هذه المسألة، وهو ليس مهمّاً لمن هو في بداية الطلب؛ لأنه أمر نسبي يمكن أن يختلف. * من فوائد دراسة المسألة: 1 - معرفة تعليلات المسألة. 2 - إدراكه لشتات المسألة، وجمعها في الباب.

* الروض المربع (مع حاشية ابن قاسم)

الروض المربع (مع حاشية ابن قاسم) الأستاذ/ عبد الله البوصي السبت 20/ 6/1422هـ‍. س1: عرف الطهارة لغة واصطلاحاً؟ ج1: لغة: النظافة، والنزاهة عن الأقذار. اصطلاحاً: ارتفاع الحدث وما في معناه، وزوال الخبث. س2: ما المراد بالحدث في الاصطلاح؟ ج2: الوصف القائم بالبدن، المانع من الصلاة ونحوها. س3: ما المراد بقول الفقهاء: (وما في معناه) مع الأمثلة؟ ج3: أي ما يأخذ حكم ارتفاع الحدث، مثل الحاصل بغسل الميت، وما زاد عن الغسلة الأولى في الوضوء. س4: اذكر خلاف العلماء في التطهر بماء البحر مع الاستدلال والمناقشة والترجيح؟ ج4: على قولين: الأول: أنه لا بأس به، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((هو الطهور

ماؤه، الحل ميتته)) (¬1)، وهو قول أهل العلم قاطبة، حكاه غير واحد. الثاني: ما ذكره ابن عمر في ماء البحر: التيمم أعجب إليَّ منه، واستدل بحديث: ((إن تحت البحر ناراً)) (¬2)، وهو ضعيف، والأول أرجح. س5: لماذا عبّر الفقهاء بقولهم: (زوال الخبث) بدلاً من إزالة الخبث؟ ج5: لأنه قد يزول بنفسه، والإزالة يفهم منها تدخل الآدمي، وليس ذلك شرطاً. س6: بيِّن الفرق بين إزالة النجاسة ورفع الحدث؟ ج6: إزالة النجاسة لا تشترط فيها النية، بينما رفع الحدث يشترط فيها النية. س7: اذكر مذهب الحنابلة في تقسيم المياه إجمالاً ثم اذكر الراجح؟ ج7: مذهبهم: 1 - طهور. 2 - طاهر. 3 - نجس. والراجح: 1 - طهور. 2 - نجس. س8: ما هو الطهور عند الحنابلة؟ ¬

(¬1) تقدم تخريجه. (¬2) سنن أبي داود، برقم 2491، والسنن الكبرى للبيهقي، 4/ 334، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، برقم 536.

ج8: هو الطاهر في نفسه، المطهر لغيره، وهو الباقي على خلقته. س9: ما هي النجاسة الحكمية مع التمثيل؟ ج9: ضد العينية، وهي التي يمكن تطهيرها، مثل النجاسة الطارئة على البدن والثوب. س10: ما هي النجاسة العينية مع التمثيل؟ وما حكم تطهيرها على المذهب مع الترجيح؟ ج10: هي التي لا يمكن تطهيرها بحال، كالبول، والعذرة، وحكم تطهيرها على المذهب أنها لا تطهر بحال، ولو بالاستحالة. والراجح: أن النجاسة العينية، تطهر بالاستحالة. س11:عرِّف النجاسة اصطلاحاً، مع ذكر أقسامها ممثلاً لكل قسم؟ ج11: قذر مخصوص، وهي ما يمنع جنسه الصلاة، أو: كل عين يحرم تناولها، لا لضررها كسم، ولا لقذارتها مثل المخاط، ولا لحرمتها كصيد الحرم. وأقسامها: 1 - نجاسة عينية. 2 - نجاسة حكمية.

س12: اذكر خلاف العلماء في الوضوء بغير الماء، مع الاستدلال والمناقشة والترجيح؟ ج12: على قولين: الأول: أنه لا يرفع الحدث غير الماء، وقد حكاه ابن المنذر، والغزالي، وعليه كان الإجماع، ولم ينقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه أنه أو أحدهم توضأ بغير ماء. والثاني: ما روي عن عكرمة مرفوعاً، وأبي حنيفة من جواز الوضوء بالنبيذ، واستدلوا بحديث ابن مسعود: (أنه سئل عن الوضوء بالنبيذ فقال: ثمرة طيبة وطهور) (¬1)، وهو لا يثبت، والأول أرجح. س13: ما الحكم إذا تغير ماء بدهن، مع التعليل والترجيح؟ ج13: لا يسلبه الطهورية؛ لعدم الممازجة، وكره للخلاف في سلبيَّته للطهورية، والراجح أنه لا يكره. س14: ما الحكم إذا تغير ماء بملح مائي مع الدليل والراجح؟ ج14: ذكر المؤلف كراهيته، ولا يسلبه الطهورية؛ لأنه منعقد من الماء، وكره نظراً للتغيير الحاصل به؛ وللخلاف في طهوريته، هل يُطهِّر أم لا؟ ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، برقم 84، وابن ماجه، برقم 384، والترمذي، برقم 88، ومسند ابن أبي شيبة، برقم 300. وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، برقم 65.

والراجح أنه لا يكره؛ لعدم الدليل على الكراهة. س15: ما حكم ما سخن بنجس مع التعليل وذكر القول الراجح؟ ج15: لا يسلبه الطهورية، لكن كره لاحتمال وصول النجاسة، والراجح أنه لا يكره؛ لعدم الدليل على الكراهية. س16: ما حكم استعمال ماء بئر بمقبرة، مع التعليل والتمثيل؟ ج16: يكره، لاحتمال اختلاطه بالنجاسات، ومثل ذلك بقل، وشوك المقبرة. س17: ما حكم استعمال ماء زمزم على المذهب، مع التفصيل والاستدلال؟ ج17: يكره في إزالة الخبث تكريماً له، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنها طعام طعم وشفاء سقم)) (¬1). ولا يكره في وضوء، ولا غسل، وهو قول الجمهور، وذلك لقول علي: ثم أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بسجل من ماء فشرب وتوضأ (¬2). س18: ما حكم الوضوء بالماء الآجن، أو بماء تغير بمكثه، مع ذكر ¬

(¬1) رواه مسلم، برقم 2473، والبزار، 9/ 361، والبيهقي، 5/ 147. (¬2) رواه أحمد، برقم 564، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 1/ 45.

الدليل؟ ج18: لا يكره؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ((روي عنه أنه تمضمض وغسل وجهه من ماءٍ آجن، لما أُدمي وجهه يوم أحد)) (¬1). س19: ما الحكم إذا تغير الماء بما يشق صون الماء عنه، من نابت فيه وورق شجر مع التعليل؟ ج19: لا يكره، لعدم إمكانية التحرّز منه. س20: ما الحكم إذا تغيّر الماء بمجاورة ميتة مع الدليل؟ ج20: لا يكره، والدليل إجماع العلماء، ولعدم وجود خلاف في المسألة. س21: ما الحكم إذا وضع في الماء قصداً: ورق شجر ونحوه، وغيّره عن ممازجة، اذكر المذهب ثم اذكر الراجح بدليله؟ ج21: - المذهب: أنه يسلبه الطهورية. - الراجح: أنه لا يسلبه الطهورية. - الدليل: عدم وجود الدليل على التفريق. ¬

(¬1) رواه ابن حبان 8/ 62، برقم 6940، والبيهقي، 1/ 269، ونُقل فيه الإجماع عن ابن المنذر سوى ابن سيرين.

س22: ما حكم الماء المشمّس مع ذكر الدليل؟ ج22: لا يكره؛ لأن الصحابة دخلوا الحمّام ورخَّصوا فيه. س23: ما حكم الوضوء بالماء الذي اشتدت حرارته مع ذكر التعليل؟ ج23: كره، وذلك لمنعه كمال الطهارة. س24: ما حكم الماء القليل المستعمل في طهارة مستحبة على المذهب، مع الدليل، وذكر الراجح؟ ج24: مكروه على المذهب، والدليل: الخلاف في سلبه للطهورية. والقول الراجح: أنه لا يكره؛ لعدم وجود الدليل في سلبه الطهورية. س25: ما حكم المسخَّن بطاهر مع الدليل؟ ج25: لا يكره؛ لأن الصحابة دخلوا الحمّام، ورخصوا فيه. س26: ما حكم الماء القليل المستخدم في طهارة غير مشروعة كالتبرد مع الدليل؟ ج26: لا يكره؛ لعدم الخلاف في المسألة (أو الإجماع). س27: بيّن ضابط الماء الكثير عند علماء الحنابلة مع ذكر الدليل؟ ج27: إذا بلغ الماء قلتين فأكثر.

والدليل: قوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا بلغ الماء قلتين، لم ينجسه شيء))، وفي لفظ: ((لم يحمل الخبث)) (¬1). س28: بين مقدار الماء الكثير عند الحنابلة بالموازين العصرية؟ ج28: المثقال = 4.25 غرام، والقلتان = 500 رطل عراقي، والرطل العراقي = 90 مثقالاً، فيكون الجواب كالآتي: 4.25 غرام × 90 مثقال = 382.50 جرام × 500 رطل = 191250 جرام يساوي: 191.25 كيلو جرام ويقدر بـ: 57 سم3. س29: ما حكم الماء الكثير الذي خالطته نجاسة، غير بول الآدمي وعذرته المائعة، مع ذكر الدليل؟ ج29: إذا لم تغيّره النجاسة فطهور، والدليل حديث ابن عمر: ((إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء)) (¬2). س30: اذكر القول الراجح في الاختلاط المائعات غير الماء بالنجاسة؟ ¬

(¬1) أخرجه أحمد، برقم 4605، وأبو داود، برقم 63، والترمذي، برقم 67، والنسائي، برقم 328، وابن حبان وصححه، برقم 1249، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 133، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 1/ 60. (¬2) انظر: التخريج السابق.

ج30: إن المائعات لا تنجس إلا إذا حصل تغيّر باللون، أو الطعم، أو الريح. س31: ما ضابط الماء الذي يشقّ نزحه عند الحنابلة؟ ج31: الضابط هو: ما يشقّ على الرجل المعتدل القوة نزحه. س32: ما حكم الماء الذي يشقّ نزحه إذا خالطه البول، أو العذرة المائعة مع الدليل؟ ج32: لا ينجس ما لم يتغير، بغير خلاف نعلمه (الإجماع). س33: ما حكم استعمال فضل طهور المرأة في إزالة النجاسة مع الدليل؟ ج33: هو يزيل النجاسة مطلقاً، لمفهوم الخبر، وعدم عقل معناه، فلم يقس عليه، وما تقدم هو قوله: ولا يرفع حدث رجل إلخ. س34: ما الحكم إذا لم يجد إلا ما خلت به المرأة على المذهب، ثم اذكر القول الراجح؟ ج34: على المذهب: يستعمله، ثم يتيمم وجوباً. والراجح: أنه يتوضأ به بدون تيمم. س35: ما حكم الماء الطاهر على المذهب، ثم رجّح؟

ج35: حكمه على المذهب: لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث، على المذهب، والراجح أنه يرفع الحدث، ويزيل الخبث مادام يطلق عليه ماء. س36: بَيّن المذهب في الماء المستعمل الذي رفع بقليله حدث مع ذكر الدليل، ثم اذكر القول الراجح بدليله؟ ج36: حكمه طاهر على المذهب؛ لحديث أبي هريرة: ((لا يغتسلنّ أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) (¬1). وعنه: مطهر، وهو القول الراجح، والدليل: (إن الماء لا يجنب) (¬2)؛ ولأنه ماء طاهر لاقى أعضاء طاهرة، فلم يسلبه الطهورية، أشبه لو تبرّد به. س37: ما حكم الوضوء بماء مستعمل لطهارة مستحبة مع التعليل للمذهب؟ ج37: طهور؛ لأنه لم يرفع به الحدث، لكن يكره للخلاف في سلبه الطهورية. س38: ما حكم الغسل في الماء الراكد؟ ¬

(¬1) أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، برقم 283. (¬2) [أخرجه أصحاب السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما: أبو داود، برقم 68، والترمذي، برقم 65، والنسائي، برقم 325، وابن ماجه، برقم 370، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 61.

ج38: يكره. س39: ما هو الفرق بين الماء الدائم، والماء الراكد؟ ج39: الماء الدائم: يغترف منه، أما الراكد: يغتسل وسطه. س40: ما حكم الماء المستعمل في رفع حدث إذا كان طهوراً كثيراً؟ ج40: هو طهور. س41: ما حكم اغتراف المتوضئ من ماء قليل؟ ج41: لا يضره، ولا يسلبه الطهورية، لمشقة تكرره. س42: ما مدى تأثير اغتراف من عليه حدث أكبر في سلب طهورية الماء على المذهب؟ ج42: يسلبه الطهورية. س43: ما حكم الانغماس في الماء القليل أو الكثير من حيث سلب الطهورية على المذهب، ثم اذكر الراجح؟ ج43: - إذا كان الماء قليلاً فإنه لا يرفع الحدث. - وإن كان كثيراً فإنه يرفع الحدث. - والراجح: طهوريته في كليهما.

س44: متى يصير الماء مستعملاً على المذهب؟ ج44: يصير مستعملاً بانفصاله، لا قبله مادام متردداً على الأعضاء، فمادام متردداً على الأعضاء فطهور. س45: ما حكم الماء المغموس فيه يد القائم من نوم الليل على المذهب مع ذكر الدليل، ثم استدل للقول الراجح، مع مناقشة دليل المذهب؟ ج45: يعتبر (طاهراً) على المذهب غير مطهر، والدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده)) (¬1). والراجح: أنه طهور؛ لأنه ماء قد لاقى أعضاء طاهرة، فكان على أصله، وإنما نهي عنه لوهم النجاسة، والوهم والاحتمال لا تثبت بهما الأحكام، فهو لا يزيل الطهورية كما لا يزيل الطاهرية، وإن كان تعبديّاً اقتصر على مورد النص، وهو مشروعية الغسل. س46: ما الحكم إذا لم يجد المتوضئ إلا الماء المغموس فيه يد القائم من نوم الليل على المذهب، ثم اذكر الراجح؟ ج46: - على المذهب: يستعمل هذا الماء، ثم يتيمم وجوباً. والراجح: يستعمله وهو طهور (الروض: 1/ 87) حاشية (1). ¬

(¬1) متفق عليه؛ البخاري برقم 162، ومسلم، برقم 278.

س47: ما حكم الماء الذي غسل به الذكر والأنثيان؟ ج47: يعتبر طاهراً. س48: ما حكم آخر غسلة زالت بها النجاسة من حيث سلب الطهورية وعدمها؟ ج48: هو طاهر، والراجح أنه طهور، إذا لم يتغير، ولم يحمل صفة من صفات النجاسة. س49: عرف الماء النجس اصطلاحاً مع الاستدلال (على مذهب الحنابلة)، ثم اذكر الراجح في تعريفه؟ ج49: على المذهب: ما تغير بنجاسة أو لاقاها وهو يسير أو انفصل عن محل نجاسة. والدليل: حديث القلتين. والراجح: أنه الماء الذي تغير أحد أوصافه بنجاسة تحدث فيه. س50: ما هو الحكم في الماء اليسير إذا لاقى نجاسة على المذهب؟ ثم اذكر الدليل، ثم رجح مع الدليل؟ ج50: ينجس بمجرد الملاقاة ولو جارياً. والدليل: حديث القلتين. والراجح: الذي دلت عليه السنة، وعليه جمهور السلف أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وإن كان يسيراً؛ لحديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه

شيء)) ( ... إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه). س51: اذكر طرق تطهير الماء النجس مع التعليل في كل؟ ج51: 1 - أن يضاف إلى الماء النجس طهور كثير؛ لأن هذا القدر المضاف يدفع النجاسة عن نفسه، وعما اتصل به. 2 - أو زال تغير الماء النجس الكثير بنفسه من غير إضافة ولا نزح؛ لأن علة النجاسة زالت. 3 - أو نزح من النجس الكثير، فبقي بعده كثير غير متغير، فهو يطهر؛ لزوال علة تنجسه، وهي (التغير). س52: ما الحكم إذا أضيف إلى النجس ماء قليل فزالت به النجاسة، اذكر المذهب ثم اذكر الراجح؟ ج52: لا يطهر، ولو زال به التغير؛ لأنه لا يدفع عن نفسه، والراجح: أنه يطهر لأن علة النجاسة زالت. س53: ما حكم الماء القليل إذا زال تغير النجاسة بنفسه على المذهب؟ ج53: لا يطهر؛ لأن المؤلف قيده (بقوله: الكثير). س54: ما حكم الماء النجس الكثير إذا زال تغيره بنفسه مع العلة؟ ج54: يطهر؛ لزوال علة النجاسة.

س55: ما الحكم إذا نزح من الماء فبقي بعده قليل غير متغير على المذهب؟ ج56: لا يطهر؛ لأن الحنابلة قيدوه بالكثرة. س57: ما هو الحكم إذا نزح من الماء فبقي بعده كثير غير متغير على المذهب مع التعليل؟ ج57: يطهر، لزوال علة النجاسة، وهو كثير.

7 - الفوائد المقتطفة من النظم الإسلامية

7 - الفوائد المقتطفة من النظم الإسلامية د. العمرو 15/ 6/1422هـ‍ مبادئ النظم الإسلامية (النظام الأخلاقي) الخلق لغة: الدين، والطبع، والسجية، والعادة. وفي الاصطلاح: له إطلاقان: الأول: يطلق ويراد به الدين كله، (مرادفاً للدين)، ودليله قوله سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬1). قال ابن عباس: أي على دين عظيم هو الإسلام. ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) (¬2). وجه الاستشهاد: أنه عليه الصلاة والسلام حصر بعثته بتقويم الأخلاق. وفي الحديث: ((البر حسن الخلق)) (¬3). الثاني: يطلق على ما يكون من المعاملة بين الناس، وهذا هو الأغلب إذا أطلق الخلق. ¬

(¬1) سورة القلم، الآية: 4. (¬2) أخرجه البيهقي، 10/ 192، وأحمد، برقم 8953، والحاكم، 2/ 613، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 45. (¬3) رواه مسلم عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه -، برقم 2553.

أدلة: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} (¬1). وحديث: ((إِذا جَاءَكُم من تَرضَون دينه وخُلُقَه فزوجّوه)) (¬2). وحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: ((تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ)) (¬3). وجه الاستشهاد: أن تقوى الله تصلح ما بينك وبين الله، وحسن الخلق يصلح ما بينك وبين الناس. وحديث: ((اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) (¬4). فقد أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام معاذاً: أن يحسن خلقه للناس. ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 58. (¬2) رواه الترمذي، برقم 1084، وغيره عن أبي حاتم المزني - رضي الله عنه -. وحسنه الألباني في إرواء الغليل، برقم 1084. (¬3) رواه الترمذي، برقم 2004، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2004. (¬4) رواه الترمذي، برقم 1987، من حديث أبي ذر ومعاذ رضي الله عنهما.

ميادين الأخلاق: هي أربعة: 1 - مع الله. 2 - مع النفس. 3 - مع الناس. 4 - مع غير العاقل. درس يوم الإثنين 15/ 6/1422هـ‍. د. العمرو * أولاً مع الله: أبرز خلق نتعامل به مع الله (تقوى الله وعبادته) والأخلاق التي ترتكز عليها العبادة هي: 1 - المحبة: يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (¬1) الآية. 2 - الخوف والرجاء. * ثانياً: مع النفس: يقول سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ الله} (¬2) الآية. ويقول سبحانه: {لاَ تَخُونُواْ الله وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ} (¬3) الآية. ويكون الخلق مع النفس (بأن يحسن إليها ويحملها على ما ينفعها). ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 54. (¬2) سورة النساء، الآية 64. (¬3) سورة الأنفال، الآية: 27.

* ثالثاً: مع الناس: وقد وردت آيات كثيرة منها: قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (¬1) الآيات. وقوله: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (¬2). وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) (¬3). * رابعاً: التعامل مع غير العاقل: من ذلك في الحديث: ((دخلت النار امرأة في هرة، لا هي أطعمتها ولا سقتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض)) (¬4). أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وكما جاء في قصة الرجل الذي سقى الكلب فشكر الله له، فأدخله الجنة (¬5). وفي حديث أبي رقية: ((وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة .. )) (¬6). درس: يوم 22/ 6/1422هـ‍ * من الأدلة على مكانة الخلق في الإسلام: تعليل الرسالة بإصلاح الأخلاق، حيث ذكر رسول الله عليه الصلاة والسلام أن أساس بعثته ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآية: 23. (¬2) سورة النساء، الآية: 59. (¬3) رواه الترمذي، برقم 1264، وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 36. (¬4) رواه البخاري، برقم 2365، وغيره. (¬5) رواه البخاري، برقم 173، وغيره. (¬6) رواه مسلم، برقم 1955.

إنما هي لتقويم الأخلاق. * إن الواجب من الأخلاق أفضل من سائر التطوعات مثل: الصدق فهو أفضل من قيام الليل؛ لأن الصدق واجب، وقيام الليل سنة. * إن نافلة الأخلاق أفضل من نافلة العبادة: أن ما كان من الأخلاق مستحبّاً أفضل من العبادات المستحبة، مثل أن تمشي في حاجة أخيك أفضل من الصلاة المستحبة ((ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق)) (¬1). * والأخلاق مع التقوى ميزان يقوم به العباد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام حينما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: ((تقوى الله وحسن الخلق)) (¬2). أو كما قال عليه الصلاة والسلام. * آثار الأخلاق: للأخلاق الفاضلة آثار خيِّرة عاجلة وآجلة، فمن الآجلة: 1 - سبب في دخول الجنة. 2 - سبب القرب من الرسول عليه الصلاة والسلام. 3 - سبب لتقوية الصلة بالله - عز وجل -. ¬

(¬1) رواه أبو داود، برقم 4799، والترمذي، برقم 2002، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 876. (¬2) رواه الترمذي، برقم 2004،وتقدم تخريجه.

ومن آثار الأخلاق العاجلة: 1 - سبب لمحبة الناس لصاحب الخلق. 2 - سبب لطمأنينة القلب وانشراح الصدر، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((الصدق طمأنينة والكذب ريبة)) (¬1). وذكر ابن القيم أن الإحسان إلى الخلق من أسباب انشراح الصدر. 3 - سبب للبركة في العمر والمال؛ لحديث: ((من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) (¬2). وحديث: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتم وكذب محقت بركة بيعهما)) (¬3). * آثار الأخلاق في المجتمع: * حصول الألفة والمودة وتقوية أواصر الأخوة بينهم. * تيسر أمور أفراد المجتمع ومصالحه. * إذا سادت الأخلاق الفاضلة يثق بعضهم ببعض. (أي المجتمع). * آثار الأخلاق على غير المسلمين: ¬

(¬1) [رواه الترمذي، برقم 2518، من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2930. (¬2) متفق على صحته من حديث أنس - رضي الله عنه -: البخاري، برقم 2067، ومسلم، برقم 2557. (¬3) رواه البخاري، برقم 2079، ومسلم، برم 1532، من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -.

من أعظم ما تجلب به القلوب للدخول في هذا الدين، والنفس مجبولة على حب من أحسن إليها، ومن هذه الأخلاق: 1 - الكرم. 2 - البذل، وغيره من الأخلاق الحسنة. * معيار الأخلاق: المعيار: هو الميزان والمقياس، ولا تستقيم أحوال الناس إلا بالموازين؛ ولذلك امتن الله على عباده بأن أنزل الميزان. فقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (¬1). الموازين على قسمين: موازين حسّيّة - موازين معنوية. الموازين الحسية: توزن بها الأشياء المادية. ومن صفات الموازين: أنها واحدة لا تتفاوت، الثبات على اختلاف البيئات، هناك موازين معنوية، والناس بأمسِّ الحاجة إليها؛ لأن من خلالها يحكم على الأقوال والأفعال بأنها خطأ أو صواب، حق أو باطل، حسنة أو قبيحة. العبادة: هل لها ميزان أو ليس لها ميزان؟ نعم لها ميزان: وهو الإخلاص، والمتابعة. ¬

(¬1) سورة الحديد، الآية: 25.

والمتابعة هي الميزان الظاهري الذي نستطيع أن نحكم على العبادة من خلاله. * في الأخلاق هناك ميزان نستطيع أن نحكم به على الخلق. * إذا كانت هناك معايير أمكن تقارب الحكم. * معيار الأخلاق في الفكر الوضعي: ثلاثة معايير. 1 - العقل: وقال به أصحاب الاتجاه في الغرب، وأخذ به في البيئة الإسلامية المعتزلة، والفلاسفة. * يشترط في المعيار الصحيح أن يكون ثابتاً لا يتغير باختلاف الأزمان أو البيئات أو الأشخاص مثل الميزان الحسي. نوافق على أن العقل يدرك أصول الأخلاق: كالعدل، والصدق، والإحسان إلى الغير، وقبح الظلم، ولكنه لا يدرك تفاصيل الفضيلة الخلقية. الرد على الفلاسفة: العقل يتفاوت بين الناس تفاوتاً كبيراً. إن العقل تعرض له أمور تمنعه من تمام الإدراك، ومنها: الهوى، والشهوة، ومنها: الخطأ، والنسيان، وهي من لوازم البشر، والله رفع المؤاخذة عن الإنسان في حال الخطأ والنسيان. 2 - المنفعة: يقولون: ننظر إلى الأثر المترتب على الخلق، فإن كان الأثر حسناً فالخلق حسن، وإن كان سيئاً فالخلق سيئ، وهذا الاتجاه هو السائد في الغرب، وبالذات في أمريكا ويسمى المذهب العملي (البرجماتي).

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات. [انتهت الفوائد التي اقتطفها الابن البار عبد الرحمن رحمه الله تعالى، وقد كان مجتهداً مجدّاً في التقاط أطايب الفوائد من أساتذته، وفي خلال أيام معدودة في بداية دراسته في كلية الشريعة التقط هذه الفوائد، وكان قصده الاستمرار في هذا المنهج، إلا أن الله توفاه في بداية هذا العمل المبارك، ولم يستمر في ذلك إلا ثلاثة أشهر من 13/ 6/1422هـ‍إلى 16/ 9/1422هـ‍، فأسأل الله بوجهه الكريم أن يتقبل منه هذا العمل، ويجعله في موازين حسناته أضعافاً مضاعفة كثيرة، وأن يعوِّضه خيراً مما فاته من هذا العلم النافع، وأن يسكنه الفردوس الأعلى، وأن يجعل هذا الحادث الذي أصابه شهادة له ولشقيقه عبد الرحيم، شهادة ينالان بها أعلى منازل الشهداء، وأن يجمعني بهما في ذاك المكان العالي مع حبيبنا ونبينا وإمامنا وأسوتنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، ومع والدينا وذرياتنا، وأزواجنا، وأحبابنا في الله تعالى جميعاً؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو: ذو الجود، والفضل، والإحسان، والامتنان، ويؤتي فضله من يشاء وهو ذو الفضل العظيم، لا يُسأل عما

يفعل تبارك وتعالى، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله على قدره وقضائه، واختياره، والحمد له على كل حال. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أبو عبد الرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر قبل صلاة العصر من يوم السبت الموافق 21/ 12/1423هـ‍

§1/1