سيرة الإمام أحمد بن حنبل

صالح بن أحمد

- ذكر مولد أبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله ومبلغ سنه يَوْم توفّي أخبرنَا الْأُسْتَاذ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي النَّيْسَابُورِي رَضِي الله عَنهُ قدم علينا دمشق فِي رَجَب سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أَحْمد الشَّيْبَانِيّ الْمَعْرُوف بالمخلدي رَضِي الله عَنهُ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلمائة قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن مُسلم الأسفراييني قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ حَدثنَا أَبُو الْفضل صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ سَمِعت أبي يَقُول ولدت فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة فِي أَولهَا فِي ربيع الأول وَجِيء بِي حمل من مرو وَتُوفِّي أَبوهُ مُحَمَّد بن حَنْبَل

وَله ثَلَاثُونَ سنة فوليته أمه قَالَ أَبُو الْفضل قَالَ أبي وَكَانَ قد ثقبت أُذُنِي أُمِّي رَحْمَة الله عَلَيْهَا تصير فِيهَا حبتا لُؤْلُؤ فَلَمَّا ترعرعت نزعتها فَكَانَت عِنْدهَا فدفعتها إِلَيّ فبعتها بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ درهما قَالَ أَبُو الْفضل توفّي أبي رَحمَه الله فِي يَوْم الْجُمُعَة لثَلَاثَة عشرَة لَيْلَة خلت من شهر ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فَكَانَ سنه من يَوْم ولد إِلَى أَن توفّي سَبْعَة وَسبعين رَحْمَة الله عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَبُو الْفضل وجدت فِي بعض كتب أبي نسبه أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل بن هِلَال بن أَسد بن إِدْرِيس بن عبد الله بن حَيَّان بن عبد الله بن أنس بن عَوْف بن قاسط بن مَازِن بن شَيبَان بن ذهل بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر وَائِل بن قاسط بن وهب بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن النبت بن قيذار بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

تاريخ طلب أبي عبد الله الحديث

- تَارِيخ طلب أبي عبد الله الحَدِيث قَالَ سَمِعت صَالح يَقُول قَالَ أبي طلبت الحَدِيث وَأَنا ابْن سِتّ عشرَة سنة قَالَ أبي وَمَات هشيم وَأَنا ابْن عشْرين سنة وَأَنا أحفظ مَا سَمِعت مِنْهُ وَلَقَد جَاءَ إِنْسَان إِلَى بَاب ابْن عَلَيْهِ وَمَعَهُ كتب هشيم فَجعل يلقيها عَليّ وَأَنا أَقُول هَذَا إِسْنَاده كَذَا فجَاء المعيطي وَكَانَ يحفظ فَلت لَهُ أجبه فِيهَا فَبَقيَ وَأعرف من حَدِيثه مَا لم أسمع وَخرجت إِلَى الْكُوفَة - سنة مَاتَ فِيهَا هشيم - سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَهِي أول سنة سَافَرت فِيهَا وَقدم عِيسَى بن يُونُس الْكُوفَة بعدِي بأيام سنة ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ وَلم يحجّ بعْدهَا

قَالَ وَأول خرجَة خرجتها إِلَى الْبَصْرَة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ قلت لَهُ أَي سنة جرحت إِلَى سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ قدمناها وَقد مَاتَ فُضَيْل بن عِيَاض وَهِي أول سنة حججْت وَسنة إِحْدَى وَتِسْعين سنة حج الْوَلِيد بن مُسلم وَفِي سنة سِتّ وَتِسْعين وأقمت سنة سبع وَتِسْعين وَخرجت سنة ثَمَان وَتِسْعين وأقمت سنة تسع وَتِسْعين عِنْد عبد الرَّزَّاق وجاءنا موت سُفْيَان وَيحيى بن سعيد وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي سنة ثَمَان وَتِسْعين قَالَ أبي وَلَو كَانَ عِنْدِي خَمْسُونَ درهما كنت قد خرجت إِلَى جرير

بن عبد الحميد إِلَى الرّيّ فَخرج بعض أَصْحَابنَا وَلم يمكني الْخُرُوج لِأَنَّهُ لم يكن عِنْدِي قَالَ أبي وَخرجت إِلَى الْكُوفَة فَكنت فِي بَيت تَحت رَأس لبنة فحممت فَرَجَعت إِلَى أُمِّي رَحمهَا الله وَلم أكن استأذنتها وَقَالَ وَحَجَجْت خمس حجج ثَلَاثَة راجل أنفقت فِي إِحْدَى هَذِه الْحجَج ثَلَاثِينَ درهما قَالَ وَأول سَمَاعي من هشيم سنة تسع وَسبعين وَكَانَ ابْن الْمُبَارك قدم فِي هَذِه السّنة وَهِي آخر قدمة قدمهَا وَذَهَبت إِلَى مَجْلِسه فَقَالُوا قد خرج إِلَى طرسوس وَتُوفِّي سنة أحدى وَثَمَانِينَ قَالَ وَكنت عَن هشيم سنة تسع وَسبعين إِلَّا أَنِّي لم أعْتَمد بعض سَمَاعي ولزمناه سنة ثَمَانِينَ وَإِحْدَى وَثَمَانِينَ وثنتين وَثَلَاث

وَمَات فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ فكتبنا عَنهُ كتاب الْحَج نَحْو من ألف حَدِيث وَبَعض التَّفْسِير وَالْقَضَاء وكتبا صغَارًا قلت يكون ثَلَاثَة آلَاف قَالَ أَكْثَرهم سَمِعت صَالح قَالَ سَمِعت أبي يَقُول صليت خلف إِبْرَاهِيم بن سعد غير مرّة فَكَانَ يسلم وَاحِدَة ورأني يَوْمًا وَأَنا أكتب فِي الألواح فَقَالَ تكْتب سَمِعت صَالح يَقُول قلت لأبي يكون فِي الحَدِيث قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَجْعَلهُ الْإِنْسَان قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أَرْجُو أَلا يكون بِهِ بَأْس قلت الشَّيْخ يزْعم الْحَرْف يعرف انه كَذَا وَكَذَا فَلَا يفهم عَنهُ ترى أَن يرْوى ذَلِك عَنهُ قَالَ أَرْجُو أَلا يضيق هَذَا قلت الْكتاب قد طَال على الْإِنْسَان عَهده لَا يعرف بعض حُرُوفه فيجيز بعض أَصْحَابه مَا ترى فِي ذَلِك قَالَ أَن كَانَ يعلم أَنه كَمَا فِي الْكتاب فَلَيْسَ بِهِ باس

- مَا ذكر من أَخْلَاق أبي عبد الله رَضِي الله عَنهُ سَمِعت صَالح يَقُول كَانَ أبي إِذا أَرَادَ الْوضُوء للصَّلَاة لم يدع أحدا يَسْتَقِي لَهُ المَاء كَانَ هُوَ يَسْتَقِي بِيَدِهِ وَكنت اسْمَعْهُ كثيرا يَتْلُو سُورَة الْكَهْف وَكنت رُبمَا اعتللت فَيَأْخُذ قدحا فِيهِ مَاء فَيقْرَأ فِيهِ ثمَّ يَقُول لي اشرب مِنْهُ واغسل وَجهك ويديك - وَكَانَ رُبمَا خرج إِلَى الْبَقَّال يَشْتَرِي الحزمه من الْحَطب وَالشَّيْء فيحمله وَجَاء يَوْمًا ليتنور وَعِنْدِي رجل ضَرِير يقْرَأ فَأخْبرت أَنه قعد هنيهة يستمع وَكَانَ يبيت عِنْدِي كثيرا قوم فيهم من يقْرَأ ويغير فيبلغه ذَلِك فَلَا يَقُول شَيْئا

قَالَ ورأيته يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب وَسَائِل يسْأَل وَكَانَ إِلَى جنب أبي رجل وَكَانَ السَّائِل مِمَّا يَلِي أبي فَأَوْمأ الرجل وَفِي يَده قِطْعَة إِلَى أبي ليأخذها ويعطيها السَّائِل فَلم يَأْخُذهَا من الرجل وَكَانَ رُبمَا ركع فِي الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة وَرُبمَا انْصَرف فَيصَلي فِي بعض الْمَسَاجِد ومضيت مَعَه يَوْم جُمُعَة إِلَى مَسْجِد الْجَامِع فَوَافَقت النَّاس وَانْصَرفُوا فَدخل أبي الْمَسْجِد وَكَانَ مَعنا إِبْرَاهِيم بن هاني النيسأبوري فَتقدم أبي فصلى بِنَا الظّهْر أَرْبعا قَالَ قد فعله بن مَسْعُود بعلقمه والاسود أخبرنَا المخلدي قَالَ أخبرنَا الاسفرايني الاسفراني قَالَ حَدثنَا صَالح

قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهدى عَن سُفْيَان عَن الْحسن بن عبيد الله قَالَ فاتتنى الْجُمُعَة وَأَنا وذر فصلينا فِي جمَاعَة قَالَ فَذكرت ذَاك لإِبْرَاهِيم فَقَالَ قد فعله ابْن مَسْعُود بعلقمة وَالْأسود يَوْم الْجُمُعَة قَالَ المخلدي قَالَ أَبُو بكر الاسفرايني سَأَلت إِبْرَاهِيم بن هاني عَن هَذَا فَقلت فاتتكم الْجُمُعَة مَعَ احْمَد فصلى بكم أَرْبعا قَالَ نعم واخبرنا الاسفرايني قَالَ حَدثنَا صَالح قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ اُخْبُرْنَا سُفْيَان عَن الْحسن بن عبيد الله قَالَ صليت أَنا وذر فأمنى وفاتتنا الْجُمُعَة فَسَأَلت إِبْرَاهِيم فَقَالَ قد فعل ذَلِك عبد الله بعلقمة وَالْأسود قَالَ سُفْيَان وانما فعلته أَنا وَالْأَعْمَش قَالَ أبي وَقد فعله اياس بن مُعَاوِيَة وَهُوَ قَاضِي الْبَصْرَة اُخْبُرْنَا المخلدي قَالَ اُخْبُرْنَا الاسفرايني قَالَ حَدثنَا صَالح قَالَ

حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا زيد بن الْحباب قَالَ اخبرني حميد بن عُبَيْدَة قَالَ جِئْت إِلَى الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة فَوجدت النَّاس قد صلوا وَجَاء اياس وَهُوَ يَوْمئِذٍ قَاضِي الْبَصْرَة قَالَ فصلى بِنَا فِي الْمَسْجِد فِي الزاوية فَتقدم فصلى بِنَا فِي جمَاعَة وَقَالَ أبي وَصلى سُوَيْد بن غَفلَة وَقد فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فصلى الظّهْر فِي جمَاعَة وَقَالَ صَالح فَحَدَّثَنِيهِ بِهِ أبي قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن أبي عوانه عَن بعض أَصْحَابه أَن سُوَيْد بن غَفلَة فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فَصنعَ مثل ذَلِك سَمِعت صَالح يَقُول وَحَضَرت مَعَ أبي عِنْد إِبْرَاهِيم بن اللَّيْث صَاحب الاشجعي وَحضر عَليّ بن الْمَدِينِيّ وعباس الْعَنْبَري وَجَمَاعَة وَكثير من أهل الحَدِيث فَنُوديَ بِصَلَاة الظّهْر فَسَمِعُوا النداء فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله تخرج من الْمَسْجِد أَو نصلي هَا هُنَا فَقَالَ نَحن جمَاعَة نصلي هَا هُنَا فصلوا وَرَأَيْت أبي وَقد توفّي عَم لَهُ يُقَال لَهُ عبد الله بن حَنْبَل فَلَمَّا حنط

وكفن قبل جَبهته قبل أَن يغطى وَجهه وَكَانَ إِذا شهد جَنَازَة يقدم أمامها أَو يكون قَرِيبا مِنْهَا وَقَالَ يتقدمها احب الي حَدثنَا صَالح قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ حَدثنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر كَانُوا يَمْشُونَ بَين يَدي الْجِنَازَة قَالَ الزُّهْرِيّ واخبرني سَالم أَن أَبَاهُ كَانَ يمشي بَين يَديهَا حَدثنَا صَالح قَالَ حَدثنَا حجاج قَالَ حَدثنَا لَيْث قَالَ حَدثنِي عقيل بن خَالِد عَن شهَاب أَن سَالم بن عبد الله اخبره أَن عبد الله بن عمر كَانَ يمشي بَين يَدي الْجِنَازَة وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمشى بَين يَدي الْجِنَازَة وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان رضوَان الله عَلَيْهِم حَدثنَا صَالح قَالَ وحَدثني أبي قَالَ حَدثنَا حجاج قَالَ قَرَأت على بن جريح قَالَ اخبرني أَن أبن شهَاب حَدثهُ قَالَ حَدثنِي سَالم عَن عبد الله ابْن عمرانه كَانَ يمشي بَين يَدي الْجِنَازَة وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان يَمْشُونَ أمامها

وَقَالَ أبي يرى انه مُرْسل حَدثنَا صَالح قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن ابْن الْمُنْكَدر سمع ربيعَة بن عبد الله بن هدين قَالَ رَأَيْت عمر يقدم النَّاس أَمَام جَنَازَة زَيْنَب بنت جحش قَالَ وَكَانَ أبي إِذا صلى على جَنَازَة لم يجلس حَتَّى تُوضَع السرير وَقَالَ لَا يجلس حَتَّى تُوضَع من أَعْنَاق الرِّجَال وَكَانَ يكبر على الْجِنَازَة أَرْبعا وَيرْفَع يَدَيْهِ مَعَ كل تَكْبِيرَة وَيقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب فِي أول تَكْبِيرَة ثمَّ يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة وَكَانَ إِذا دخل الْمقْبرَة خلع نَعْلَيْه وامسكها بِيَدِهِ وَرُبمَا قَالَ لجارية لي مَوْلَاك فِي الْبَيْت وَكَانَ إِذا ولد لي مَوْلُود سَمَّاهُ وَكَانَ إِذا ولد لي ابْنة يَقُول الْأَنْبِيَاء كَانُوا أباء بَنَات

وَيَقُول قد جَاءَ فِي الْبَنَات مَا قد علمت قَالَ وَولد لي مَوْلُود فأهدى لي صديق شَيْئا ثمَّ أَتَى على ذَلِك شهر وَأَرَادَ الْخُرُوج إِلَى الْبَصْرَة فَقَالَ لي تكلم أَبَا عبد الله يكْتب لي إِلَى الْمَشَايِخ بِالْبَصْرَةِ _ فكلمته فَقَالَ لَوْلَا انه أهْدى إِلَيْك كتبت لَهُ لست اكْتُبْ لَهُ واهدى إِلَيْهِ رجل ولد لَهُ مَوْلُود خلوان فالزوج فاهدى إِلَيْهِ سكرا بِدَرَاهِم صَالِحَة واكل يَوْمًا فِي منزلي فاخذ لقْمَة فناولها الْخَادِم وَكَانَ رُبمَا اخبز لَهُ فَيصير لَهُ فِي فخارة عدس وشحم وَرُبمَا قَالَ صيروا فِيهِ ثمَّ انى شَهْرَيْن فَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل يَجِيء إِلَى الصّبيان بقضعة من ذَاك العدس فيصوت ببعضهم فيدفعه إِلَيْهِ فيضحكون وَلَا يَأْكُلُونَهُ وَكَانَ كثيرا مَا يأتدم بالخل وَرُبمَا رايته يَأْكُل الْكسر فينفض الْغُبَار عَنْهَا ثمَّ يصيرها فِي قَصْعَة وَيصب عَلَيْهَا المَاء حَتَّى تلين ثمَّ يَأْكُلهُ بالملح وَمَا رَأَيْته قطّ اشْترى رمانا وَلَا سفرجلا وَلَا شَيْئا من الْفَاكِهَة إِلَّا أَن يَشْتَرِي بطيخة فيأكلها بالخبز أَو عنبا أَو تَمرا فَأَما غير ذَلِك فَمَا رَأَيْته وَمَا اشْتَرَاهُ وَكُنَّا رُبمَا اشترينا الشَّيْء فنستره عَنهُ حَتَّى لَا يرَاهُ فيوبخنا على ذَلِك

وَقَالَ لي إِن كَانَت والدتك فِي الغلاء تغزل غزلا رَقِيقا فتبيع الأستار بِدِرْهَمَيْنِ اقل أَو اكثر فَكَانَ ذَلِك قوتنا وَكَانَ قَدِيما قبل أَن نَأْخُذ من السُّلْطَان يَأْكُل عندنَا وَرُبمَا وجهنا بالشَّيْء فيأكل مِنْهُ وَدخل يَوْمًا إِلَى منزلي وَقد غَيرنَا سقفا لنا فدعاني ثمَّ أمْلى عَليّ حَدِيث الْأَحْنَف بن قيس قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن مسلمة عَن يُونُس عَن الْحسن قَالَ قدم الْأَحْنَف بن قيس من سفر وَقد غير أَسْقُف بَيته حمر وشقا شقّ وخضروها فَقَالُوا لَهُ أما ترى إِلَى سقف بَيْتك _ فَقَالَ معذرة إِلَيْكُم أَنِّي لم أره لَا ادخله حَتَّى تغيروه واعتلت من عَيْني لَيْلَة فَلم يزل عِنْدِي فَقلت اللَّهُمَّ أَنِّي أَسأَلك الصَّبْر فَقَالَ سل الله الْعَافِيَة فان الصَّبْر إِنَّمَا يكون مَعَ الْبلَاء وَكَانَ كتب إِلَى إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ فَكتب إِلَى إِسْحَاق أَن الْأَمِير عبد الله بن طَاهِر وَجه إِلَيّ وَدخلت عَلَيْهِ وَفِي يَدي كتاب أبي عبد الله فَقَالَ مَا هَذَا الْكتاب _ فَقلت كتاب احْمَد بن حَنْبَل فَقَالَ هاته فَأَخذه فقرأه

وَقَالَ أَنِّي لَأحبهُ واحب حَمْزَة بن هيضم اليوسنجي لانهما لَا يختلطان بِأَمْر السُّلْطَان ثمَّ قَالَ لست أمنك على هَذَا الْكتاب واخذه فَوَضعه تَحت مصلات فقرات كتاب إِسْحَاق على أبي فامسك عَن الْكتاب إِلَيْهِ وَكَانَ يتنور فِي الْبَيْت إِلَّا انه قَالَ لي يَوْمًا وَكَانَ يَوْمًا شتويا أُرِيد ادخل الْحمام بعد الْمغرب فَقل لصَاحب الْحمام فَقلت لصَاحب الْحمام فَلَمَّا كَانَ الْمغرب فَقَالَ ابْعَثْ إِلَيْهِ أَنى قد ضربت عَن الدُّخُول وتنور فِي الْبَيْت واردت أَن اشْترِي جَارِيَة نَصْرَانِيَّة فَقَالَ لَا تشتر نَصْرَانِيَّة واشتريت جَارِيَة فشكت إِلَيْهِ أَهلِي فَقَالَ كنت اكره لَهُم الدُّنْيَا وَكَانَ رُبمَا بَلغنِي عنكما الشَّيْء فَقَالَت لَهُ يَا عَم وَمن يكره الدُّنْيَا غَيْرك _ فَقَالَ لَهَا فشانك إِذن

ما ذكر في زهد أبي عبد الله رضي الله عنه

- مَا ذكر فِي زهد أبي عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَبُو الْفضل دخلت يَوْمًا على أبي أَيَّام الواثق وَالله يعلم على أَي حَالَة نَحن وَقد خرج لصَلَاة الْعَصْر وَكَانَ لَهُ لبد يجلس عَلَيْهِ قد أَتَى عَلَيْهِ سِنِين كَثِيرَة حَتَّى بلَى وَإِذا تَحْتَهُ كتاب كاغد وَإِذا فِيهِ بَلغنِي يَا أَبَا عبد الله مَا أَنْت فِيهِ من الضّيق وَمَا عَلَيْك من الدّين وَقد وجهت إِلَيْك بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم على يَدي فلَان لِتَقضي بهَا دينك وَتوسع على عِيَالك وَمَا هِيَ من صَدَقَة وَلَا زَكَاة وانما هُوَ شَيْء ورثته من أبي فقرات الْكتاب وَوَضَعته فَلَمَّا دخل قلت لَهُ يَا أَبَت هَذَا الْكتاب _ فاحمر وَجهه وَقَالَ رفعته مِنْك ثمَّ قَالَ تذْهب بجوابه فَكتب إِلَى الرجل وصل كتابك الي وَنحن فِي عَافِيَة فَأَما الدّين فانه لرجل لَا يرهقنا واما عيالنا فهم فِي نعْمَة وَالْحَمْد لله فَذَهَبت بِالْكتاب إِلَى الرجل الَّذِي كَانَ أوصل كتاب الرجل فَقَالَ وَيحك لَو أَن أَبَا عبد الله قبل هَذَا الشَّيْء وَرمى بِهِ مثلا فِي دجلة كَانَ مأجورا لَان هَذَا الرجل لَا يفوت لَهُ مَعْرُوف فَلَمَّا كَانَ بعد حِين ورد كتاب الرجل بِمثل ذَلِك فَرد عَلَيْهِ الْجَواب بِمثل مَا رد فَلَمَّا مَضَت

سنة اقل أَو اكثر ذَكرنَاهَا فَقَالَ لَو كُنَّا قبلناها كَانَت قد ذهبت قَالَ وَشهِدت بن الجدري أَخُو الْحسن وَقد جَاءَهُ بعد الْمغرب فَقَالَ أَنا رجل مَشْهُور وَقد أَتَيْتُك فِي هَذَا الْوَقْت وَعِنْدِي شَيْء قد أعددته لَك فَأحب أَن تقبله وَهُوَ مِيرَاث فَلم يزل بِهِ فَلَمَّا اكثر عَلَيْهِ قَامَ وَدخل قَالَ أَبُو الْفضل فاخترت عَن الْحسن قَالَ قَالَ لي أخي لما رَأَيْته كلما ألححت عَلَيْهِ ازْدَادَ بعدا قلت اخبروه كم هِيَ قَالَ قلت يَا أَبَا عبد الله هِيَ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار فَقَامَ وَتَرَكَنِي قَالَ يَوْمًا أَنا إِذا لم تكن عِنْدِي اخْرُج فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد بوران عِنْدِي خف ابْعَثْ بِهِ إِلَيْك _ فَسكت فَلَمَّا عَاد إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد لَا تبْعَث بالخف فقد شغل قلبِي على وَوجه رجل من الصين بكاغد صيني إِلَى جمَاعَة من الْمُحدثين مِنْهُم يحيى وَغَيره وَوجه بقمطر إِلَى أبي فَردهَا وَقَالَ أبي كَانَ ابْن يحيى وَيحيى وَمَا أخرجت خُرَاسَان بعد ابْن

الْمُبَارك رجلا يشبه يحيى بن يحيى - فَجَاءَنِي ابْنه فَقَالَ إِن أبي أوصى بمبطنة لَهُ لَك وَقَالَ تذكرني بهَا فَقَالَ أبي فَقلت جِيءَ بهَا فجَاء برزمة ثِيَاب فَقلت لَهُ اذْهَبْ رَحِمك الله وَقلت لأبي بَلغنِي أَن احْمَد بن الدَّوْرَقِي أعْطى ألف دِينَار فَقَالَ أَي بني ورزق رَبك خير وابقى ذكر يَوْمًا عِنْده رجل فَقَالَ يَا بني الفائز من فَازَ غَدا وَلم يكن لَاحَدَّ عِنْده تبعة وَذكر لَهُ ابْن أبي شيبَة وَعبد الْأَعْلَى النوسي وَمن قدم بِهِ إِلَى الْعَسْكَر من الْمُحدثين فَقَالَ إِنَّمَا كَانَت أَيَّام قَلَائِل ثمَّ تَلَاحَقُوا وَمَا بخلوا مِنْهُ بِكَثِير شَيْء وَجئْت يَوْمًا إِلَى الْمنزل فَقيل لي قد وَجه أَبوك أمس فِي طَلَبك فَقلت وجهت فِي طلبي

فَقَالَ جَاءَنِي أمس رجل كنت احب أَن ترَاهُ بَيْنَمَا أَنا قَاعد فِي نحر الظهيرة إِذا بِرَجُل يسلم بِالْبَابِ فَكَانَ قلبِي ارْتَاحَ لَهُ فَقُمْت ففتحت الْبَاب فَإِذا أَنا بِرَجُل عَلَيْهِ فَرْوَة وعَلى أم رَأسه خرقَة مَا تَحت فَرْوَة قَمِيص ولامعة ركوة وَلَا جراب وَلَا عكاز قد لوحته الشَّمْس فَقلت ادخل فَدخل للدهليز فَقلت من أَيْن أَقبلت _ قَالَ من نَاحيَة الْمشرق أُرِيد بعض هَذِه السواحل وَلَوْلَا مَكَانك مَا دخلت هَذَا الْبَلَد إِلَّا أَنِّي نَوَيْت السَّلَام عَلَيْك قلت على هَذِه الْحَال _ قَالَ نعم ثمَّ قَالَ لي مَا الزّهْد فِي الدُّنْيَا قلت قصر الأمل قَالَ فَجعلت اعْجَبْ مِنْهُ فَقلت فِي نَفسِي وَمَا عِنْدِي ذهب وَلَا فضَّة فَدخلت الْبَيْت فَأخذت أَرْبَعَة أرغفة فَخرجت إلية فَقلت مَا عِنْدِي ذهب وَلَا فضَّة وانما هَذَا من قوتي قَالَ أَو يَسُرك يَا أَبَا عبد الله أَن اقبل ذَلِك قَالَ قلت نعم قَالَ فَأَخذهَا فوضعها تَحت حضنه وَقَالَ ارجوا أَن يَكْفِينِي زادا إِلَى الرقة استودعك الله قَالَ فَلم أزل قَائِما انْظُر إِلَيْهِ إِلَى أَن خرج من الزقاق وَكَانَ يذكرهُ كثيرا وَكنت أسمع أبي كثيرا يَقُول اللَّهُمَّ سلم سلم حَدثنَا صَالح قَالَ فَحَدثني أبي قَالَ حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد

قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد قَالَ زعم يحيى بن سعيد أَن سعيد بن الْمسيب كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ سلم سلم _ كَانَ أبي إِذا دَعَا لَهُ رجل يَقُول لَيْسَ يحرز الْمُؤمن إِلَّا حفرته الْأَعْمَال بخواتيمها وَكَانَ رجل يخْتَلف مَعَ خلف المجزمي إِلَى عَفَّان يُقَال لَهُ احْمَد بن الحكم الْعَطَّار فختن بعض وَلَده فَدَعَا أبي وَأَبُو خثيمَةَ وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث وَطلب إِلَى أبي أَن يحضر فَمَضَوْا وَمضى أبي بعدهمْ وَأَنا مَعَه فَلَمَّا دخل اجْلِسْ فِي بَيت وَمَعَهُ جمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث فَمن كَانَ يخْتَلف مَعَه إِلَى عَفَّان فَكَانَ فيهم رجل يكنى بِأبي بكر يعرف بالأحوال فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله هَا هُنَا آنِية من فضَّة والتفت فَإِذا كرْسِي فَقَامَ وَخرج وَتَبعهُ من كَانَ فِي الْبَيْت وسال من كَانَ فِي الدَّار عَن خُرُوجه فَأخْبر واتبعته مَعَهم جمَاعَة وَاخْبَرْ الرجل فَخرج إِلَى أبي فَحلف انه مَا علم بذلك وَلَا أَمر بِهِ فَجعل يطْلب إِلَيْهِ فَأبى وَجَاء عَفَّان فَقَالَ لَهُ الرجل يَا أَبَا عُثْمَان أطلب إِلَى أبي عبد الله أَن يرجع فَكَلمهُ عَفَّان فَأبى أَن يرجع فَنزل بِالرجلِ أَمر عَظِيم

ما ذكر من ورود كتاب المأمون في المحنة من طرسوس وبأشخاص أبي رحمه الله ومحمد بن نوح رضي الله عنهما

- مَا ذكر من وُرُود كتاب الْمَأْمُون فِي المحنة من طرسوس وبأشخاص أبي رَحمَه الله وَمُحَمّد بن نوح رَضِي الله عَنْهُمَا سَمِعت أَبَا الْفضل صَالح قَالَ سَمِعت أبي يَقُول لما أدخلنا على إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم للمحنة فقرئ عَلَيْهِ كتاب الَّذِي كَانَ إِلَيّ طرسوس فَكَانَ فِيمَا قرئَ علينا لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ خَالق كل شَيْء فَقَالَ أبي فَقلت {وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} فَقَالَ بعض من حضر سَله مَا أَرَادَ بقوله {وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} فَقَالَ أبي فَقلت كَمَا قَالَ تبَارك وَتَعَالَى وَسمعت أَبَا الْفضل يَقُول ثمَّ أمتحن الْقَوْم فَوجه بِمن امْتنع إِلَى الْحَبْس فاجاب الْقَوْم جَمِيعًا غير أَرْبَعَة أبي رَحمَه الله وَمُحَمّد بن نوح وَعبيد الله بن عمر القواريري وَالْحسن بن حَمَّاد السجادة ثمَّ أجَاب عبيد الله بن عمر وَالْحسن بن حَمَّاد وَبَقِي أبي وَمُحَمّد بن نوح فِي الْحَبْس فمكثا أَيَّامًا فِي الْحَبْس ثمَّ ورد كتاب من طرسوس بحملهما فَحمل

أبي وَمُحَمّد بن نوح رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا مقيدين زميلين اخرجا من بَغْدَاد فصرنا مَعَهُمَا إِلَى الانبار فَسَأَلَ أَبُو بكر الْأَحول أبي فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله إِن عرضت على السَّيْف تجيب _ فَقَالَ لَا قَالَ أبي فَانْطَلق بِنَا حَتَّى دَخَلنَا فِي الرحبة فَلَمَّا دَخَلنَا مِنْهَا وَذَلِكَ فِي جَوف اللَّيْل وَخَرجْنَا من الرحبة عرض لنا رجل فَقَالَ أَيّكُم احْمَد بن حَنْبَل فَقيل لَهُ هَذَا فَسلم على أبي ثمَّ قَالَ يَا هَذَا مَا عَلَيْك أَن تقتل هَاهُنَا وَتدْخل الْجنَّة هَاهُنَا ثمَّ سلم وَانْصَرف فَقلت من هَذَا فَقيل هَذَا رجل من ربيعَة الْعَرَب يَقُول الشّعْر فِي الْبَادِيَة يُقَال لَهُ جَابر بن عَامر فَلَمَّا صرنا إِلَى أُذُنه ورحلنا مِنْهَا وَذَلِكَ فِي جَوف اللَّيْل فتح لنا بَابهَا لَقينَا رجل وَنحن خارجون من الْبَاب وَهُوَ دَاخل فَقَالَ الْبُشْرَى فقد مَاتَ الرجل

قَالَ أبي وَكنت ادعوا الله أَنِّي لَا أرَاهُ فَحَدثني أبي قَالَ حَدثنَا معمر بن سُلَيْمَان عَن مرار بن سلمَان عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ ثَلَاث لَا تبلون نَفسك بِهن لَا تدخل على السُّلْطَان وان قلت آمره بِطَاعَة الله وَلَا تدخلن على امْرَأَة وان قلت اعلمها كتاب الله وَلَا تصغين سَمعك لذِي هَوَاء فانك لَا تَدْرِي مَا يعلق قَلْبك مِنْهُ سَمِعت أَبَا الْفضل يَقُول فَصَارَ أبي وَمُحَمّد بن نوح إِلَى طرسوس وَجَاء نعي الْمَأْمُون من البذندون فَردا فِي اقيادهما إِلَى الرقة واخرجنا من الرقة فِي سفينة مَعَ قوم محبسين فَلَمَّا صَارا بعانات توفّي مُحَمَّد بن نوح وَتقدم أبي فصلى عَلَيْهِ ثمَّ صَار إِلَى بَغْدَاد وَهُوَ مُقَيّد فَمَكثَ بالياسرية أَيَّامًا ثمَّ صير إِلَى الْحَبْس فِي دَار اكتريت عِنْد دَار عمَارَة ثمَّ نقل بعد ذَلِك إِلَى حبس الْعَامَّة فِي درب الموصلية فَمَكثَ فِي السجْن مُنْذُ اخذ وَحمل إِلَى بَغْدَاد ضرب وَدخل عَلَيْهِ ثَمَانِيَة وَعشْرين شهرا قَالَ أبي فَكنت اصلي بهم وَأَنا مُقَيّد فَقَالَ أبي إِذا كَانَ الْقَيْد لَا تحجزه عَن تَمام الصَّلَاة فلأباس وَكنت أرى بوران يحمل لَهُ فِي دورق مَاء بَارِد فَيذْهب بِهِ إِلَى السجْن

ذكر محنة أبي إسحاق المعتصم لأبي رحمة الله

- ذكر محنة أبي إِسْحَاق المعتصم لأبي رَحْمَة الله سَمِعت أَبَا الْفضل يَقُول قَالَ أبي رَحْمَة الله لما كَانَ فِي شهر رَمَضَان لَيْلَة تسع عشرَة خلت مِنْهُ حولت من السجْن إِلَى دَار إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأَنا مُقَيّد بِقَيْد وَاحِد يُوَجه إِلَيّ كل يَوْم رجلَيْنِ سماهما أبي قَالَ أَبُو الْفضل وهما احْمَد بن رَبَاح وَأَبُو شُعَيْب الْحجام يكلماني ويناظراني فَإِذا أَرَادَا الِانْصِرَاف دعِي بِقَيْد فقيدت فَمَكثت على هَذِه الْحَال ثَلَاثَة أَيَّام وَصَارَ فِي رجْلي أَرْبَعَة أقياد فَقَالَ لي أَحدهمَا فِي بعض الْأَيَّام فِي كَلَام دَار وَسَأَلته عَن علم الله فَقَالَ علم الله مَخْلُوق قلت يَا كَافِر كفرت فَقَالَ لي الرَّسُول الَّذِي كَانَ يحضر مَعَهم من قبل إِسْحَاق هَذَا رَسُول أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَقلت إِن هَذَا قد كفر وَكَانَ صَاحبه الَّذِي يَجِيء مَعَه خَارج فَلَمَّا دخل قلت إِن هَذَا زعم أَن علم الله مَخْلُوق فَنظر إِلَيْهِ كالمنكر عَلَيْهِ قَالَ ثمَّ انْصَرف قَالَ أبي واسماء الله فِي الْقرَان وَالْقرَان من علم الله فَمن زعم أَن الْقرَان مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر وَمن زعم أَن أَسمَاء الله مخلوقة فقد كفر

قَالَ أبي فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الرَّابِعَة بعد عشَاء الأخرة وَجه يَعْنِي المعتصم ببغا إِلَى إِسْحَاق يَأْمُرهُ بحملي فأدخلت على إِسْحَاق فَقَالَ لي يَا احْمَد أَنَّهَا وَالله نَفسك انه قد حلف أَن لَا يقتلك بِالسَّيْفِ وان يَضْرِبك ضربا بعد ضرب وان يلقيك فِي مَوضِع لَا ترى فِيهِ الشَّمْس أَلَيْسَ قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} أفيكون مجعولا إِلَّا مخلوقا قَالَ أبي فَقلت فقد قَالَ الله تَعَالَى {فجعلهم كعصف مَأْكُول} أفخلقهم قَالَ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ قَالَ أبي فأنزلت إِلَى شاطئ دجلة فاحدرت إِلَى الْموضع الْمَعْرُوف بِبَاب الْبُسْتَان وَمَعِي بغا الْكَبِير وَرَسُول من قبل إِسْحَاق فَقَالَ بغا لمُحَمد الحارس بِالْفَارِسِيَّةِ مَا تُرِيدُونَ من هَذَا قَالَ يُرِيدُونَ مِنْهُ أَن يَقُول الْقرَان مَخْلُوق فَقَالَ مَا اعرف شَيْئا من هَذَا إِلَّا قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وان مُحَمَّدًا رَسُول الله وقرابة أَمِير الْمُؤمنِينَ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبي فَلَمَّا صرنا إِلَى الشط أخرجت من الزورق وحملت على دَابَّة والاقياد عَليّ وَمَا معي أحد يمسكني فَجعلت اكاد أخر على وَجْهي حَتَّى انْتهى بِي إِلَى الدَّار فأدخلت ثمَّ خرج بِي إِلَى حجرَة فصيرت فِي بَيت مِنْهَا واغلق عَليّ الْبَاب واقعد عَلَيْهِ رجل وَذَلِكَ فِي جَوف اللَّيْل وَلَيْسَ فِي الْبَيْت سراج فَاحْتَجت إِلَى الضَّوْء فمددت يَدي اطلب شَيْئا فَإِذا بِإِنَاء فِيهِ مَاء وطشت فتهيأت

للصَّلَاة وَقمت اصلي فَلَمَّا أَصبَحت جَاءَنِي الرَّسُول فاخذ بيَدي فادخلني الدَّار وَإِذا هُوَ جَالس وَابْن أبي دؤاد حَاضر وَقد جمع أَصْحَابه وَالدَّار غاصة بِأَهْلِهَا فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُ سلمت فَقَالَ أدنه أدنه فَلم يزل يدنيني حَتَّى قربت مِنْهُ ثمَّ قَالَ لي اجْلِسْ فَجَلَست وَقد اثقلتني الاقياد فَلَمَّا مكثت هنيهة قلت تَأذن فِي الْكَلَام قَالَ تكلم قلت إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُوله قَالَ إِلَى شَهَادَة أَن لَا اله إِلَّا الله قَالَ ثمَّ قلت إِن جدك ابْن عَبَّاس حكى أَن وَفد عبد الْقَيْس لما قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمرهم بِالْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان قَالُوا الله وَرَسُوله اعْلَم قَالَ شَهَادَة أَن لَا اله إِلَّا الله وان مُحَمَّدًا رَسُول الله واقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وان تعطوا الْخمس من الْمغنم حَدثنَا أَبُو الْفضل قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن شُعْبَة قَالَ حَدثنِي أَبُو حَمْزَة قَالَ سَمِعت بن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن وَفد عبد الْقَيْس لما قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمرهم بِالْإِيمَان فَذكر مثل ذَلِك قَالَ أَبُو الْفضل قَالَ أبي فَقَالَ لي عِنْد ذَلِك لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُك فِي يَد

من كَانَ قبلي مَا عرضت لَك ثمَّ الْتفت إِلَى عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق فَقَالَ لَهُ يَا عبد الرَّحْمَن ألم آمُرك أَن ترفع المحنة قَالَ أبي فَقلت فِي نَفسِي الله اكبر إِن فِي هَذَا لفرجا للْمُسلمين قَالَ ثمَّ قَالَ ناظروه وكلموه ثمَّ قَالَ يَا عبد الرَّحْمَن كَلمه فَقَالَ لي عبد الرَّحْمَن مَا تَقول فِي الْقرَان قلت مَا تَقول فِي علم الله قَالَ فَسكت قَالَ أبي فَجعل يكلمني هَذَا وَهَذَا فأرد على هَذَا ثمَّ أَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطوني شَيْئا من كتاب الله أَو سنة رَسُوله أَقُول بِهِ ذَلِك فَيَقُول لي بن أبي دؤاد وَأَنت لَا تَقول إِلَّا كَمَا فِي كتاب الله أَو سنة رَسُوله قَالَ فَقلت لَهُ تأولت تَأْوِيلا فَأَنت اعْلَم وَمَا تأولت مَا يحبس عَلَيْهِ ويقيد عَلَيْهِ قَالَ فَقَالَ ابْن أبي دؤاد فَهُوَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ضال مضل مُبْتَدع يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهَؤُلَاء قضاتك وَالْفُقَهَاء فسلهم قَالَ فَيَقُول لَهُم مَا تَقولُونَ فَيَقُولُونَ يَا أَمِير الْمُؤْمِنُونَ هُوَ ضال مضل مُبْتَدع قَالَ فَلَا يزالون يكلموني وَقَالَ وَجعل صوتي يَعْلُو على أَصْوَاتهم فَقَالَ لي إِنْسَان مِنْهُم قَالَ

الله تَعَالَى {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} فَيكون مُحدثا إِلَّا مخلوقا قلت لَهُ قَالَ الله تعال {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} فالذكر هُوَ الْقُرْآن وَيلك أَو لَيْسَ فِيهَا لَا ألف وَلَا لَام قَالَ فَجعل بن سَمَّاعَة لَا يفهم مَا أَقُول قَالَ فَجعل يَقُول لَهُم مَا يَقُول قَالَ فَقَالُوا انه يَقُول كَذَا وَكَذَا قَالَ فَقَالَ لي إِنْسَان مِنْهُم حَدِيث خباب يَا هنتاه تقرب إِلَى الله بِمَا اسْتَطَعْت فانك لن تتقرب إِلَيْهِ بِشَيْء احب إِلَيْهِ من كَلَامه قَالَ فَقلت نعم هَكَذَا هُوَ قَالَ فَجعل بن أبي دؤاد ينظر إِلَيْهِ ويلحظه متغيظا عَلَيْهِ قَالَ أبي فَقَالَ بَعضهم أَلَيْسَ قَالَ خَالق كل شَيْء قَالَ قلت قد قَالَ تدمر كل شَيْء فدمرت أَلا مَا أَرَادَ الله

وَقَالَ فَقَالَ لي بَعضهم فِيمَا يَقُول وَذكر حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن أَن الله تبَارك وَتَعَالَى كتب الذّكر فَقَالَ إِن الله خلق الذّكر قَالَ فَقلت هَذَا خطأ حَدثنَا غير وَاحِد كتب الذّكر قَالَ أبي فَكَانَ إِذا انْقَطع الرجل مِنْهُم اعْترض ابْن أبي دؤاد يتَكَلَّم فَلَمَّا قَارب الزَّوَال قَالَ لَهُم قومُوا ثمَّ حبس عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق فَخَلا بِي وَبِعَبْد الرَّحْمَن فَجعل يَقُول لي أما كنت تعرف صَالح الرَّشِيدِيّ كَانَ مؤدبي وَكَانَ فِي هَذَا الْموضع جَالس واشار إِلَى نَاحيَة من الدَّار قَالَ فَتكلم وَذكر الْقرَان فخالفني فَأمرت بِهِ فسحب ووطئ قَالَ أبي ثمَّ جعل يَقُول لي مَا أعرفك ألم تكن تَأْتِينَا _ فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اعرفه مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة يرى طَاعَتك وَالْحج وَالْجهَاد مَعَك وَهُوَ ملازم لمنزله قَالَ فَجعل يَقُول وَالله انه لفقيه وانه لعالم وَمِمَّا يسرني أَن يكون مثله معي يرد عني أهل الْملَل وَلَئِن أجابني إِلَى شَيْء لَهُ فِيهِ أدنى فرج لأطلقن عَنهُ بيَدي وَلَا وطأن عقبَة وَلَا ركبن إِلَيْهِ بجندي قَالَ ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَيَقُول وَيحك يَا احْمَد مَا مَا تَقول قَالَ فاقول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطوني شَيْئا من كتاب الله أَو سنة وَرَسُوله فَلَمَّا طَال بِنَا الْمجْلس ضجر فَقَامَ فَرددت إِلَى الْموضع الَّذِي كنت فِيهِ ثمَّ وَجه إِلَيّ برجلَيْن سماهما وهما صَاحب الشَّافِعِي وغسان من

أَصْحَاب ابْن أبي دؤاد يناظراني فيقيمان معي حَتَّى إِذا حضر الْإِفْطَار وَجه إِلَيْنَا بمائدة عَلَيْهَا طَعَام فَجعلَا يأكلان وَجعلت أتعلل حَتَّى رفع الْمَائِدَة واقاما إِلَى غَد وَفِي خلال ذَلِك يَجِيء ابْن أبي دؤاد فَيَقُول لي يَا احْمَد يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا تَقول _ فَأَقُول لَهُ أعطوني شَيْئا من كتاب الله أَو سنة رَسُوله حَتَّى أَقُول بِهِ فَقَالَ لي بن أبي دؤاد وَالله لقد كتب اسْمك فِي الشِّيعَة فمحوته وَلَقَد سَاءَنِي أَخذهم إياك وانه وَالله لَيْسَ هُوَ السَّيْف انه ضرب بعد ضرب ثمَّ يَقُول لي مَا تَقول فأرد عَلَيْهِ نَحوا ثمَّ يأتيرسوله فَيَقُول أَيْن احْمَد بن عمار _ اجب للرجل الَّذِي أنزلت فِي حجرته فَيذْهب ثمَّ يعود فَيَقُول يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا تَقول _ فارد عَلَيْهِ نَحوا مِمَّا رددت على ابْن أبي دؤاد فَلَا يزَال رسله تَأتي قَالَ أَحْمد بن عمار وَهُوَ يخْتَلف فِيمَا بيني وَبَينه وَيَقُول يَقُول أَمِير الْمُؤمنِينَ اجبني حَتَّى اجيء فَأطلق عَنْك بيَدي قَالَ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي أدخلت عَلَيْهِ فَقَالَ ناظروه كَلمُوهُ قَالَ فَجعلُوا يَتَكَلَّمُونَ هَذَا من هَا هُنَا وَهَذَا من هَا هُنَا فأرد على هَذَا وَهَذَا فَإِذا جاؤوا بِشَيْء من الْكَلَام مِمَّا لَيْسَ فِي كتاب الله وَلَا سنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا فِيهِ خبر وَلَا اثر قلت مَا ادري مَا هَذَا _

فَيَقُولُونَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذا تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْحجَّة علينا وثب وَإِذا كلمناه بِشَيْء يَقُول لَا ادري مَا هَذَا _ قَالَ فَيَقُول ناظروه قَالَ ثمَّ يَقُول يَا احْمَد إِنِّي عَلَيْك شفيق فَقَالَ رجل مِنْهُم أَرَاك تذكر الحَدِيث وتنتحله قَالَ فَقلت لَهُ مَا تَقول فِي قَول الله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} فَقَالَ خص الله بهَا الْمُؤمنِينَ قَالَ فَقلت لَهُ مَا تَقول إِن كَانَ قَاتل أَو كَانَ قَاتلا عبدا يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ قَالَ فَسكت قَالَ أبي وانما احتججت عَلَيْهِ بِهَذَا لانهم كَانُوا يحتجون عَليّ بِظَاهِر الْقُرْآن وَبِقَوْلِهِ أَرَاك تنتحل الحَدِيث وَكَانَ إِذا انْقَطع الرجل مِنْهُم اعْترض ابْن أبي دَاوُد فَيَقُول يَا أَمِير أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالله لَئِن أجابك لَهو احب إِلَيّ من مائَة ألف دِينَار وَمِائَة ألف دِينَار فَيُعِيد مَا شَاءَ الله من ذَلِك ثمَّ أَمرهم بعد ذَلِك بِالْقيامِ وخلى بِي وَبِعَبْد الرَّحْمَن فيدور بَيْننَا كَلَام كثير وَفِي خلال ذَلِك يَقُول

لي تَدْعُو حمد بن أبي دؤاد فَأَقُول ذَلِك إِلَيْك فيوجه إِلَيْهِ فَيَجِيء فيتكلم فَلَمَّا طَال بِنَا الْمجْلس قَامَ ورددت إِلَى الْموضع الَّذِي كنت فِيهِ وَجَاءَنِي الرّجلَانِ اللَّذَان كَانَا عِنْدِي بالْأَمْس فَجعلَا يتكلمان فدار بَيْننَا كَلَام كثير فَلَمَّا كَانَ وَقت الْإِفْطَار جِيءَ بِطَعَام على نَحْو مِمَّا أَتَى بِهِ فِي أول لَيْلَة فافطر وتعللت وَجعلت رسله تَأتي احْمَد بن عمار فيمضي إِلَيْهِ ويأتيني برسالته على نَحْو مِمَّا كَانَ أول لَيْلَة وَجَاءَنِي ابْن أبي دؤاد فَقَالَ انه قد حلف أَن يَضْرِبك ضربا بعد ضرب وان يحبسك فِي مَوضِع لَا ترى فِيهِ الشَّمْس فَقلت لَهُ فَمَا اصْنَع حَتَّى إِذا كدت أَن اصبح قلت لخليق أَن يحدث من أَمْرِي فِي هَذَا الْيَوْم شَيْء وَقد كنت أخرجت تكتي من سراويلي فشددت بهَا الاقياد احملها بهَا إِذا تَوَجَّهت إِلَيْهِ فَقلت لبَعض من كَانَ مَعَ الموكلين ارْتَدَّ لي خيطا فَجَاءَنِي بخيط فشددت الاقياد وَاعَدت التكة فِي السَّرَاوِيل ولبسته كَرَاهِيَة أَن يحدث شَيْئا من أَمْرِي فاتعرى فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث أدخلت عَلَيْهِ وَالْقَوْم حُضُور فَجعلت ادخل من دَار إِلَى دَار وَقوم مَعَهم السيوف وَقوم مَعَهم السِّيَاط وَغير ذَلِك من الزي وَالسِّلَاح وَقد حشرت الدَّار الْجند وَلم يكن فِي الْيَوْمَيْنِ الماضيين كثير أحد من هَؤُلَاءِ حَتَّى إِذا صرت إِلَيْهِ قَالَ ناظروه كَلمُوهُ فعادوا بِمثل مناظرتهم وَدَار بَيْننَا كَلَام كثير حَتَّى إِذا كَانَ فِي الْوَقْت الَّذِي يَخْلُو فِيهِ فَجَاءَنِي ثمَّ اجْتَمعُوا فشاورهم وَمن ثمَّ نحاهم وَدَعَانِي فَخَلا بِي وَبِعَبْد الرَّحْمَن فَقَالَ لي

وَيحل يَا احْمَد أَنا عَلَيْك وَالله شفيق واني لاشفق عَلَيْك مثل شفقتي على هَارُون ابْني فاجبني فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطوني شَيْئا من كتاب الله أَو سنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ضجر وَطَالَ الْمجْلس قَالَ لي عَلَيْك لعنة الله لقد كنت طمعت فِيك خذوه فاسحبوه قَالَ فَأخذت وسحبت ثمَّ خلعت ثمَّ قَالَ العقابين والسياط فجيء بالعقابين والسياط قَالَ أبي وَقد كَانَ صَار إِلَى شَعْرَة أَو شعرتان من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصررتهما كم قَمِيصِي فَنظر إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم إِلَى الصرة فِي كم قَمِيصِي فَوجه إِلَيّ مَا هَذَا مصر ورنى كمك فَقلت شعر من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسعى بعض الْقَوْم إِلَى الْقَمِيص ليحرقه فِي وَقت مَا أَقمت بَين العقابين فَقَالَ لَهُم يَعْنِي المعتصم - لَا تحرقُوهُ انزعوه عَنهُ قَالَ إِنِّي ظَنَنْت انه درئ عَن الْقَمِيص الحرق بِسَبَب الشّعْر الَّذِي كَانَ فِيهِ ثمَّ صيرت بَين العقابين وشددت يَدي وَجِيء بكرسي فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَابْن أبي دؤاد قَامَ على رَأسه وَالنَّاس أَجْمَعُونَ قيام مِمَّن حضر فَقَالَ لَهُ إِنْسَان مِمَّن شدني خُذ بِأَيّ الخشبتين بِيَدِك وَشد عَلَيْهِمَا فَلم افهم مَا قَالَ فتخالفت يداي لما شدت وَلم امسك الخشبتين

قَالَ أَبُو الْفضل وَلم يزل أبي رَحْمَة الله عَلَيْهِ يتوجع مِنْهُمَا إِلَى أَن توفّي ثمَّ قَالَ للجلادين تقدمُوا فَنظر إِلَى السِّيَاط فَقَالَ ائْتُوا بغَيْرهَا ثمَّ قَالَ لَهُم تقدمُوا فَقَالَ لاحدهم أدنه اوجع قطع الله يدك فَتقدم فضربني سوطين ثمَّ تنحى ثمَّ قَالَ لآخر أدنه أوجع شدّ قطع الله يدك ثمَّ تقدم فضربني سوطين ثمَّ تنحى فَلم يزل يَدْعُو وَاحِدًا بعد وَاحِد يضربني سوطين ويتنحى ثمَّ قَامَ حَتَّى جَاءَنِي وهم محدقون بِهِ فَقَالَ وَيحك يَا احْمَد تقتل نَفسك وَيحك اجبني حَتَّى أطلق عَنْك بيَدي فَجعل بَعضهم يَقُول لي وَيلك امامك على رَأسك قَائِم قَالَ لي عجيف فنخسني بقائم سَيْفه وَيَقُول تُرِيدُ أَن تغلب هَؤُلَاءِ كلهم وَجعل إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم يَقُول وَيحك الْخَلِيفَة على رَأسك قَائِم قَالَ ثمَّ يَقُول بَعضهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دَمه فِي عنقِي قَالَ ثمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ على الْكُرْسِيّ ثمَّ قَالَ للجلاد أدنه شدّ قطع الله يدك

ثمَّ لم يزل يَدْعُو بجلاد بعد جلاد فيضربني بسوطين ويتنحى وَهُوَ يَقُول شدّ قطع الله يدك ثمَّ قَامَ إِلَى الثَّانِيَة فَجعل يَقُول يَا احْمَد اجبني فَجعل عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق يَقُول من صنع بِنَفسِهِ من أَصْحَابك فِي هَذَا الْأَمر مَا صنعت هَذَا يحيى بن معِين وَهَذَا أَبُو خَيْثَمَة وَابْن أبي إِسْرَائِيل وَجعل يعد على من أجَاب قَالَ وَجعل وَهُوَ يَقُول وَيحك اجبني قَالَ فَجعلت أَقُول نَحْو مَا كنت أَقُول لَهُم قَالَ فَرجع فَجَلَسَ ثمَّ جعل يَقُول للجلاد شدّ قطع الله يدك قَالَ أبي فَذهب عَقْلِي فَمَا عقلت إِلَّا وَأَنا فِي حجرَة مُطلق عني الاقياد وَقَالَ لي إِنْسَان مِمَّن حضر أَنا اكببناك على وَجهك وطرحنا على ظهرك بَارِية ودسناك قَالَ أبي فَقلت مَا شَعرت بِذَاكَ قَالَ فجاؤني بسويق فَقَالُوا اشرب فَقلت لَا أفطر فجيء بِهِ إِلَى دَار إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَ أبي فَنُوديَ بِصَلَاة الظّهْر فصلينا الظّهْر وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة صليت وَالدَّم يسيل من ضربك فَقلت بِهِ صلى عمر وجرحه يثغب دَمًا فَسكت

ثمَّ خلى عنة فَصَارَ إِلَى الْمنزل وَوجه إِلَيْهِ الرجل من السجْن مِمَّن يبصر الضَّرْب والجراحات يعالج مِنْهُ فَنظر إِلَيْهِ فَقَالَ قَالَ لنا وَالله لقد رَأَيْت مِنْهُ ضرب السيوط مَا رَأَيْت ضربا اشد من هَذَا لقد جر عَلَيْهِ من خَلفه وَمن قدامه ثمَّ ادخل ميلًا فِي بعض تِلْكَ الْجِرَاحَات فَقَالَ لم ينفل فَجعل يَأْتِيهِ فيعالجه وَقد كَانَ أصَاب وَجهه غير ضَرْبَة ثمَّ مكث يعالجه مَا شَاءَ الله ثمَّ قَالَ لَهُ إِن هَذَا شَيْء أُرِيد أَن اقطعه فجَاء بحديدة فَجعل يعلق اللَّحْم بهَا ويقطعه بسكين مَعَه وَهُوَ صابر يحمد الله لذَلِك فبرأ مِنْهُ وَلم يزل يتوجع من مَوَاضِع مِنْهُ وَكَانَ اثر الضَّرْب بَين فِي ظَهره إِلَى أَن توفّي رَحْمَة الله علية سَمِعت أبي يَقُول وَالله لقد أَعْطَيْت المجهود من نَفسِي ولوددت أَن أنجو من هَذَا الْأَمر كفافا لَا عَليّ وَلَا لي قَالَ أَبُو الْفضل اخبرني أحد الرجلَيْن اللَّذين كَانَا مَعَه وَقد كَانَ هَذَا الرجل صَاحب حَدِيث قد سمع وَنظر ثمَّ جَاءَنِي بعد فَقَالَ يَا ابْن أخي رَحْمَة الله على أبي عبد الله وَالله مَا رَأَيْت أحدا - يَعْنِي - يُشبههُ لقد جعلت أَقُول لَهُ فِي وَقت مَا يُوَجه إِلَيْنَا الطَّعَام يَا أَبَا عبد الله أَنْت صَائِم وَأَنت فِي مَوضِع تقية وَلَقَد عَطش فَقَالَ لصَاحب الشَّرَاب ناولني فَنَاوَلَهُ قدحا فِيهِ مَاء ثلج فَأَخذه فَنظر إِلَيْهِ هنيهة ثمَّ رده عَلَيْهِ قَالَ فَجعلت اعْجَبْ من صبره على الْجُوع والعطش وَمَا هُوَ فِيهِ من الهول

قَالَ أَبُو الْفضل قد كنت التمس وأحتال أَن أوصل إِلَيْهِ طَعَاما أَو رغيفا أَو رغيفين فِي هَذِه الْأَيَّام فَلم اقدر على ذَلِك واخبرني رجل حَضَره قَالَ فقدته فِي هَذِه الْأَيَّام الثَّلَاثَة وهم يناظرونه ويكلمونه فَمَا لحن وَلَا ظَنَنْت أَن يكون أحد فِي مثل شجاعته وَشدَّة قلبه قَالَ أَبُو الْفضل دخلت على أبي - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - يَوْمًا وَقلت لَهُ بَلغنِي أَن رجلا جَاءَ إِلَى فضل الانماطي فَقَالَ اجْعَلنِي فِي حل إِذْ لم أقِم بنصرتك فَقَالَ فضل لَا جعلت أحدا فِي حل فَتَبَسَّمَ أبي وَسكت فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام مَرَرْت بِهَذِهِ الْآيَة {فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله} فَنَظَرت فِي تَفْسِيرهَا فَإِذا هُوَ مَا حَدثنِي بِهِ هَاشم بن الْقَاسِم قَالَ حَدثنَا الْمُبَارك قَالَ حَدثنِي من سمع الْحسن يَقُول إِذا جثت الْأُمَم بَين يَدي الله تبَارك وَتَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة نُودُوا ليقمْ من اجره على الله فَلَا يقوم إِلَّا من عَفا فِي الدُّنْيَا قَالَ أبي فَجعلت الْمَيِّت فِي حل من ضربه إيَّايَ ثمَّ جعل يَقُول وَمَا على رجل إِلَّا يعذب الله بِسَبَبِهِ أحدا

بَاب من قَالَ الْقرَان مَخْلُوق واسماء الله تَعَالَى مخلوقة وَمَا يجب عَلَيْهِ فِي ذَلِك من الْعقُوبَة أخبرنَا المخلدي قَالَ حَدثنَا الاسفرايني قَالَ حَدثنَا أَبُو الْفضل قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَذكر عِنْده بشر المريسي فَقَالَ من زعم أَن الله تبَارك وَتَعَالَى لم يكلم مُوسَى فَهُوَ كَافِر يُسْتَتَاب فان تَابَ وَإِلَّا ضربت عُنُقه حَدثنَا أَبُو الْفضل قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا شُرَيْح بن النُّعْمَان قَالَ اخبرني عبد الله بن نَافِع قَالَ _ كَانَ مَالك يَقُول كلم الله مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول الْقُرْآن كَلَام الله ويستفظع قَول من يَقُول الْقُرْآن مَخْلُوق وَقَالَ ويوجع ضربا وَيحبس حَتَّى يَتُوب حَدثنَا أَبُو الْفضل قَالَ قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن عَلَيْهِ يَقُول من قَالَ الْقرَان مَخْلُوق مُبْتَدع وَقَالَ أبي من زعم أَن الْقُرْآن مَخْلُوق فقد كفر وَمن زعم أَن أَسمَاء

الله مخلوقة كفر لَا يصلى خلف من قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق فان صلى رجل عَاد سَمِعت صَالح يَقُول قَالَ أبي بَلغنِي أَن إِسْمَاعِيل بن علية دخل على مُحَمَّد بن هَارُون وَهُوَ على سَرِير علية فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ جعل يزحف على سَرِيره وَيَقُول لَهُ يَابْنَ الفاعلة أَنْت الْمُتَكَلّم فِي الْقُرْآن قَالَ فَجعل إِسْمَاعِيل يَقُول لَهُ جعلني الله فدَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ زلَّة من عَالم قَالَ أمْلى علينا أَبُو الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن الْجراح الازدي الْعَرَبِيّ قَالَ جَاءَنِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن خلف الْعَسْقَلَانِي برقعة رق بِخَط مُحَمَّد بن خلف زعم انه رأى فِي الْمَنَام كَأَن ولد آدم كلهم فِي الله غَيْرِي وَذَا رب الْعَالمين جلّ وَعز قد برز لِلْخلقِ فِي الْهَوَاء ومُوسَى بن عمرَان عَن يَمِينه وَأَنا اقْربْ الْخلق إِلَيْهِ بعد مُوسَى فَقلت لَهُ هُوَ ربكُم فَقَالُوا إِن كَانَ رَبنَا عقل لَهُ _ يَجْعَل الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب فِي الأَرْض كهيئتها فِي السَّمَاء فسرنا وَأَنا اقدم الْقَوْم انه رَبنَا فَإِذا بِأَحْمَد يتَوَضَّأ على شط نهر وَهُوَ وَاقِف على ظهر جادة عَظِيمَة وَإِذا هُوَ ملتحف بطليسان لَهُ قومس فَقَالَ لِلْخلقِ أَيْن تُرِيدُونَ _ قَالُوا نُرِيد رب الْعَالمين يَجْعَل الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم كهيئتها فِي الأَرْض فَقَالَ احْمَد هُوَ ربكُم وَلَيْسَ هُوَ بفاعل مَا تُرِيدُونَ فَرجع الْخلق يَقُول احْمَد يَعْنِي ابْن حَنْبَل موقنين انه رَبهم

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس العوني كتب احْمَد بن حَنْبَل إِلَى ابْن مسْهر أَن يكْتب إِلَيْهِ بِهَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث أم حَبِيبَة من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ فَقلت لأبي مسْهر معي لَا تبجح بِهِ عِنْده فَقَالَ لي كتب إِلَيّ اكْتُبْ بِخَطِّهِ وَأَنا السَّاعَة فِي شغل حَدثنَا عَبَّاس بن الْوَلِيد بن مرْثَد قَالَ حَدثنَا الْحَرْث بن عَيَّاش قَالَ قلت لأبي مسْهر هَل تعلم أَن أحدا أبقى بحفظه الْأمة على أَمر دينهَا قَالَ لَا اعلمه إِلَّا شَاب فِي نَاحيَة الْمشرق

بَاب التَّنْبِيه وَاتِّبَاع الْأَثر بالْقَوْل فِي الْقُرْآن حَدثنَا أَبُو الْفضل صال احْمَد بن حَنْبَل قَالَ قَالَ أبي اسماء الله فِي الْقرَان وَالْقرَان من علم الله وَعلم الله لَيْسَ بمخلوق وَالْقرَان كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق على كل وَجه وعَلى كل جِهَة وعَلى أَي حَال فَقيل لأبي عبد الله قوم بقولون إِذا قَالَ الرجل كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق يَقُولُونَ من أمامك فِي هَذَا _ وَمن أَيْن قلت لَيْسَ بمخلوق _ قَالَ الْحجَّة قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {فَمن حاجك فِيهِ من بعد مَا جَاءَك من الْعلم} فَمَا جَاءَهُ غير الْقرَان قَالَ الْقرَان من علم الله وَعلم الله لَيْسَ بمخلوق وَالْقرَان كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق وَمثل هَذَا فِي الْقرَان كثير _ فَقيل لَهُ يُجزئ أَن أَقُول هَذَا قَول جهم وعَلى كل حَال هُوَ كَلَام الله قَالَ نعم قيل لَهُ فاحد من الْعلمَاء قَالَ لَيْسَ بمخلوق قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ صَالح فَحَدثني أبي أملاه عَليّ من كِتَابه قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن بن معبد عَن

مُعَاوِيَة بن عمار الذَّهَبِيّ قَالَ قُلْنَا لجَعْفَر انهم يسألونا عَن الْقُرْآن أمخلوق هُوَ قَالَ لَيْسَ بخالق وَلَا مَخْلُوق وَلكنه كَلَام الله قَالَ أبي وَقد رَأَيْت معبد وَبَلغنِي انه كَانَ يُفْتِي بِرَأْي ابْن أبي ليلى سَمِعت أَبَا الْفضل يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الله بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد قَالَ حَدثنَا عبد الْأَحَد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ سَمِعت الْمعَافى قَالَ سَمِعت الاوزاعي قَالَ كَانَ الزُّهْرِيّ وَمَكْحُول يَقُولَانِ كَلَام الله غير مَخْلُوق قَالَ أَبُو الْفضل قلت لأبي من قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق يكلم _ قَالَ هَذَا لَا يكلم وَلَا يصلى خَلفه وان صلى رجل أعَاد قَالَ أَبُو الْفضل سَأَلَ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدروقي أبي عَن من قَالَ لَفظه بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق كَيفَ يَقُول فِي هَؤُلَاءِ قَالَ لَا يكلم هَؤُلَاءِ وَلَا يكلم فِي هَذَا الْقرَان كَلَام الله غير مَخْلُوق على كل جِهَة وعَلى كل وَجه وعَلى أَي حَال قَالَ صَالح تناهى إِلَى أَن أَبَا طَالب يَحْكِي عَن أبي انه يَقُول لَفْظِي بالقران غير مَخْلُوق فَأخْبرت أبي بذلك فَقَالَ من أخْبرك فَقلت فلَان

قَالَ ابْعَثْ إِلَى أبي طَالب فوجهت إِلَيْهِ فجَاء وَجَاء فوران فَقَالَ لَهُ أبي أَنا قلت لَفْظِي بالقران غير مَخْلُوق _ وَغَضب وَجعل يرعد فَقَالَ لَهُ قَرَأت عَلَيْك {قل هُوَ الله أحد} فَقلت لي هَذَا لَيْسَ بمخلوق قَالَ قلت يحْكى عَن أبي قلت لَك لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق وَبَلغنِي انك وضعت ذَلِك فِي كتابك وكتبت بِهِ إِلَى الْقَوْم فان كَانَ فِي كتابك فامحة اشد المحو واكتب إِلَى الْقَوْم الَّذين كتبت إِلَيْهِم إِنِّي لم اقل لَك هَذَا وَغَضب وَاقْبَلْ عَلَيْهِ فَقَالَ يحْكى عني مَا لم اقل لَك فَجعل فوران يعْتَذر إِلَيْهِ وَانْصَرف من عِنْده وَهُوَ مرعو ب فَعَاد أَبُو طَالب فَذكر انه قد حك ذَلِك من كِتَابه وانه كتب إِلَى الْقَوْم يُخْبِرهُمْ انه وهم على أبي عبد الله فِي الْحِكَايَة

بَاب قَول الواقفة فِي الْقرَان وَمَا يجب عَلَيْهِم اُخْبُرْنَا المخلدي قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد الاسفرايني قَالَ أَبُو الْفضل سَمِعت أبي يَقُول افْتَرَقت الْجَهْمِية على ثَلَاثَة فرق فرقة قَالُوا الْقُرْآن مَخْلُوق وَفرْقَة قَالُوا كَلَام الله وتسكت وَفرْقَة قَالُوا لفظنا بالقران مَخْلُوق قَالَ الله عز وَجل فِي كِتَابه {فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} فجبريل سَمعه من الله وسَمعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وسَمعه أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّبِي فالقرآن كَلَام الله غير مَخْلُوق قَالَ صَالح قلت لأبي وَلَا يكلم من وقف قَالَ لَا يكلم قلت قَالَ كَلمه رجل قَالَ يَأْمُرهُ فان ترك كَلَامه كَلمه وان لم يتْرك كَلَامه فَلَا تكَلمه

بَاب من أُرِيد على أَن يَقُول الْقُرْآن مَخْلُوق فاجاب إِلَى هَذَا وَالصَّلَاة خَلفه وَخلف من ارْتَدَّ اُخْبُرْنَا المخلدي قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد الاسفرايني قَالَ أَبُو الْفضل قَالَ أبي أَن امتحن فَلَا يُجيب وَلَا كَرَاهَة فالمكروه لَا يكون عِنْدِي إِلَّا أَن ينَال بِضَرْب أَو بتعذيب فَأَما المتهدد فَلَا يكون عِنْدِي بالتهديد مكْرها لَان الْآيَة الَّتِي قَالَ الله فِيهَا {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} فالإيمان نزلت فِي عمار وَكَانَ عمار عذب قلت لأبي فَإِذا اجْتمع رجلَانِ أَحدهمَا قد امتحن وَالْآخر لم يمْتَحن ثمَّ حضرت الصَّلَاة قَالَ يتَقَدَّم الَّذِي لم يمْتَحن وَقَالَ أبي كَانَ سُفْيَان بن عنينة يحدث هَذَا الحَدِيث وَلم اسْمَعْهُ أَنا عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس قَالَ اجْتمع الْأَشْعَث بن قيس وَجَرِير على جَنَازَة فقدمه الْأَشْعَث عَلَيْهَا وَقَالَ الْأَشْعَث للنَّاس إِنِّي ارتددت وانه لم يرْتَد واعجب أبي هَذَا الحَدِيث قَالَ أَبُو الْفضل حَدثنَا عَليّ بن عبد الله بن سُفْيَان عنينة

قَالَ أَبُو الْفضل وَضرب أبي على حَدِيث كل من أجَاب وَقَالَ أَبُو الْفضل قدم بن رَبَاح يُرِيد الْبَصْرَة فَبَلغهُ أَن عبد الله القواريري شيعه أَو سلم عَلَيْهِ فَصَارَ القواريري إِلَى أبي فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ قَالَ ألم يكف مَا كَانَ مِنْك من الْإِجَابَة حَتَّى سلمت على ابْن رَبَاح ورد الْبَاب فِي وَجهه وجاءه الْحزَامِي - وَقد ذهب إِلَى ابْن دؤاد - فدق الْبَاب فَلَمَّا خرج إِلَيْهِ وَرَآهُ اغلق الْبَاب وَدخل سَمِعت صَالح يَقُول قَالَ أبي لَا يشْهد رجل عِنْد قَاض جهمي سَمِعت صَالح قَالَ وَسُئِلَ أبي عَن الرجل يكون قد اشْهَدْ رجلا على شَهَادَة يَدعُوهُ إِلَى القَاضِي ليشهد لَهُ وَالْقَاضِي جهمي قَالَ لَا يذهب إِلَيْهِ قيل لَهُ فان استعدى عَلَيْهِ فَذهب بِهِ فامتحن _ قَالَ لَا يُجيب وَلَا كَرَاهَة يَأْخُذ كفا من تُرَاب يضْرب بِهِ وَجهه

بَاب الصَّلَاة خلف القدري والرافضي اُخْبُرْنَا المخلدي قَالَ حَدثنَا الاسفرايني قَالَ سَمِعت صَالح يَقُول سَالَتْ أبي يُصَلِّي الرجل خلف القدري فَإِذا قَالَ إِن الله لَا يعلم مَا يعْمل الْعباد حَتَّى يعملوا قَالَ لَا يصلى خَلفه سَمِعت صَالح يَقُول قَالَ أبي لَا يصلى خلف الرافضي إِذا كَانَ يتَنَاوَل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

بَاب أَتبَاع الْأَثر وَالسّنة فِي تقدمة أبي بكر وَعمر رضوَان الله عَلَيْهِمَا اُخْبُرْنَا المخلدي قَالَ حَدثنَا الاسفرايني قَالَ سَمِعت صَالح يَقُول قلت لأبي أَي شَيْء تذْهب فِي التَّفْضِيل قَالَ إِلَى حَدِيث ابْن عمر قَالَ نَذْهَب إِلَى حَدِيث سفينة قَالَ نعم نستعمل الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا حَدِيث سفينة الْخلَافَة ثَلَاثُونَ سنة فمنك أَبُو بكر سنتَيْن وَشَيْء وَعمر عشرا وَعُثْمَان اثْنَا عشر وَعلي سِتا رضوَان الله عَلَيْهِم قلت فان قَالَ قَائِل لم تثبت خلَافَة عَليّ يَنْبَغِي لَك أَن تربع قَالَ إِنَّمَا نتبع مَا جَاءَ أما قَوْلنَا نَحن عَليّ عِنْدِي من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهدين قد

سمى نَفسه أَمِير الْمُؤمنِينَ واهل بدر متوافرون يسمونه أَمِير الْمُؤمنِينَ ويحج بِالنَّاسِ وَيقطع ويرجم قلت فان قَالَ قد يجد الْخَارِجِي حِين يحرج بئس أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَذَا قَول سوء خَبِيث ردىء فَيَقُول عَليّ إِنَّمَا كَانَ خارجي بئس القَوْل نَعُوذ بِاللَّه من الغلو وَسُئِلَ وَأَنا شَاهد عَن من يقدم عليا على عُثْمَان تبدع قَالَ هَذَا أهل أَن يبدع أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمُوا عُثْمَان وَسُئِلَ أبي وَأَنا شَاهد عَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام _ فَقَالَ قَالَ ابْن أبي ذُؤَيْب الْإِسْلَام القَوْل وَالْإِيمَان الْعَمَل قيل لَهُ مَا تَقول أَنْت

قَالَ الْإِسْلَام غير الْإِيمَان قَالَ الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث بن عَامر بن سعد حِين قَالَ الرجل يَا رَسُول الله انه مُؤمن فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسلم

بَاب الْفرق بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام أخبرنَا المخلدي قَالَ حَدثنَا الاسفرايني قَالَ حَدثنَا صَالح قَالَ حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه قَالَ أعْطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجَالًا وَلم يُعْط رجلا مِنْهُم فَقَالَ سعد يَا نَبِي الله أَعْطَيْت فلَانا وَفُلَانًا وَلم تعط فلَانا شَيْئا وَهُوَ مُؤمن فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مُسلم حَتَّى أَعَادَهَا سعد ثَلَاثًا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ أَو مُسلم ثمَّ قَالَ النَّبِي إِنِّي لأعطي رجَالًا وأدع من هُوَ أحب إِلَيّ مِنْهُم فَلَا أعْطِيه شَيْئا مَخَافَة أَن يكبوا فِي النَّار على وُجُوههم وَقَالَ الزُّهْرِيّ فترى أَن الْإِسْلَام الْكَلِمَة وَالْإِيمَان الْعَمَل حَدثنَا صَالح قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا هومل قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد قَالَ سَمِعت هِشَام يَقُول كَانَ الْحسن وَمُحَمّد يَقُولَانِ مُسلم وَبهَا يَأْتِ مُؤمن حَدثنَا صَالح قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا أَبُو سَلمَة الْخُزَاعِيّ قَالَ كَانَ حَمَّاد بن زيد يفرق بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَيجْعَل الْإِسْلَام عَاما وَالْإِيمَان خَاصّا

قَالَ وَقَالَ أبي يرْوى عَن أبي جَعْفَر قَالَ الْإِيمَان مَقْصُود فِي الْإِسْلَام فَإِذا زنا خرج من الْإِيمَان إِلَى الْإِسْلَام حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق عَن الاوزاعي قَالَ قلت لِلزهْرِيِّ انهم يَقُولُونَ إِن لم يكن مُؤمنا فَمَا هُوَ _ قَالَ فَأنْكر ذَلِك وَكره مَسْأَلَتي عَنهُ

بَاب زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه حَدثنَا المخلدي قَالَ حَدثنَا الاسفرايني قَالَ أَبُو الْفضل قَالَ أبي الْإِيمَان قَول وَعمل وَيزِيد وَينْقص حَدثنَا صَالح قَالَ فَحَدثني أبي قَالَ سَمِعت يحيى بن سعيد الْقطَّان يَقُول كَانَ سُفْيَان بن سعيد يُنكر أَن يَقُول أَنا مُؤمن وَحسن يَعْنِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَرَآهُ حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ سَمِعت سُفْيَان يَقُول الْإِيمَان يزِيد وَينْقص حَدثنِي أبي قَالَ سَمِعت وَكِيع يَقُول الْإِيمَان يزِيد وَينْقص قَالَ وَكَذَا كَانَ سُفْيَان يَقُول حَدثنَا صَالح قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ سَمِعت سُفْيَان ابْن عَيْنِيَّة يَقُول لَا يعنق من قَالَ الْإِيمَان يزِيد وَينْقص حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن شماس قَالَ سَمِعت جرير بن عبد الحميد يَقُول الْإِيمَان يزِيد وَينْقص

حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي أَبُو جَعْفَر السويدي عَن يحيى بن سليم عَن هِشَام عَن الْحسن قَالَ الْإِيمَان قَول وَعمل

بَاب القَوْل بِالْإِيمَان وَالْعَمَل بِهِ أخبرنَا المخلدي قَالَ حَدثنَا عبد الله الاسفرايني قَالَ صَالح حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا عبد الله بن يزِيد قَالَ حَدثنَا عبد الله بن لَهِيعَة عَن عبد الله بن هُبَيْرَة الشَّيْبَانِيّ عَن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ انه قَالَ لَيْسَ الْإِيمَان بالتمني وَلَكِن الْإِيمَان قَول بعقل وَعمل بِفعل حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي بن شماس قَالَ سَمِعت يحيى بن سليم وَرَوَاهُ عَن جريح قَالَ الْإِيمَان قَول وَعمل حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا ابْن شماس قَالَ وَسُئِلَ فُضَيْل بن عِيَاض وَأَنا أسمع عَن الْإِيمَان فَقَالَ الْإِيمَان عندنَا دَاخله وخارجه الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَالْقَبُول بِالْقَلْبِ وَالْعَمَل بِهِ حَدثنِي أبي قَالَ سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول الْإِيمَان قَول وَعمل حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا أَبُو سَلمَة الْخُزَاعِيّ قَالَ مَالك وَشريك وَأَبُو بكر بن عَيَّاش وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة وَحَمَّاد بن سَلمَة وَحَمَّاد بن زيد الْإِيمَان الْمعرفَة وَالْإِقْرَار الْعَمَل حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن شماس قَالَ سَمِعت ابْن الْمُبَارك وَجَرِير بن عبد الحميد وَيحيى بن سليم وَالنضْر بن شُمَيْل وَبَقِيَّة بن الْوَلِيد وَأَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش قَالُوا الْإِيمَان قَول وَعمل

بَاب ذكر خُرُوج أبي عبد الله فِي الْمرة الأولى إِلَى سومراى وأشخاص المتَوَكل لَهُ اُخْبُرْنَا المخلدي قَالَ حَدثنَا عبد الله الاسفرايني قَالَ سَمِعت أَبَا الْفضل يَقُول وَجه المتَوَكل إِلَى إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم يَأْمُرهُ بِحمْل أبي إِلَى المعسكر قَالَ فَوجه إِسْحَاق إِلَى أبي فَقَالَ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد كتب إِلَيّ يَأْمُرنِي باشخاصك إِلَيْهِ فتأهب إِلَيْهِ لذَلِك قَالَ أبي فَقَالَ لي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم اجْعَلنِي فِي حل فَقلت قد جعلتك وكل من حضر فِي حل قَالَ أبي فَقَالَ لي إِسْحَاق اسالك عَن الْقرَان مسالة مسترشد لَا مسالة امتحان وَليكن ذَلِك عنْدك مَسْتُورا مَا نقُول فِي الْقرَان قَالَ أبي فَقلت الْقرَان كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق قَالَ فَقل لي من أَيْن قلت غير مَخْلُوق _ قَالَ أبي فَقلت لَهُ قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى إِلَّا لَهُ الْخلق وَالْأَمر مفرق بَين الْخلق وَالْأَمر

فَقَالَ إِسْحَاق الْأَمر مَخْلُوق فَقَالَ أبي فَقلت لَهُ يَا إِسْحَاق إِن الله يخلق خلقا فَقَالَ أبي فَقَالَ لي وَعَمن تحكي إِنَّه لَيْسَ بمخلوق قَالَ فَقلت جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ لَيْسَ بخالق وَلَا مَخْلُوق قَالَ فَسكت قَالَ أبي فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الثَّانِيَة وَجه إِلَيّ مَا تَقول فِي الْخُرُوج _ قَالَ فَقلت ذَلِك إِلَيْك فَقَالَ الَّذِي حكيت هُوَ عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فَقلت لَا حكيت عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ فَسكت قَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ اخْرُج أبي حَتَّى إِذا صرنا بِموضع يُقَال بصرى بَات أبي فِي مَسْجِد وَنحن مَعَه فَلَمَّا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل جَاءَ النيسأبوري فَقَالَ يَقُول لَك الْأَمِير ارْجع فَقلت لَهُ يَا أبه أَرْجُو أَن يكون فِيهِ خيرا

فَقَالَ لم أزل اللَّيْلَة أَدْعُو الله وَكتب المتَوَكل إِلَى إِسْحَاق يَأْمُرهُ أَن يسْأَل عَن الْمَطْبُوخ _ فَوجه إِلَيْهِ إِسْحَاق فكب إِلَيْهِ إِنَّمَا جَاءَ فِي الحَدِيث مَا ذهب ثُلُثَاهُ وَبَقِي ثلثه تمّ الْجُزْء الأول وَالْحَمْد لله وَحده ويتلوه الْجُزْء الثَّانِي

الجزء الثاني

مَضْمُون الْجُزْء الأول الْمَوْضُوع صفحة تَقْدِيم الطبعة الثَّانِيَة مُقَدّمَة - أَبُو الْفضل صَالح - معالم حَيَاته - شُيُوخه الإِمَام احْمَد بن حَنْبَل أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ على بن الْمَدِينِيّ تلاميذه ابْن أبي حَاتِم الرَّازِيّ الْخرقِيّ آثاره الْكتاب وصف المخطوط حَقِيقَة مخطوطة الظَّاهِرِيَّة منهجنا فِي التَّحْقِيق لوحة الصفحة الأولى من المخطوط لوحة الصفحة الْأَخِيرَة فِي المخطوط النَّص الْمُحَقق - ذكر مولد أبي عبد الله احْمَد بن حَنْبَل رَحمَه الله ومبلغ سنة يَوْم توفّي - تَارِيخ طلب أبي عبد الله الحَدِيث - مَا ذكر من أَخْلَاق أبي عبد الله رَضِي الله عَنهُ - مَا ذكر فِي زهد أبي عبد الله رَضِي الله عَنهُ - مَا ذكر من وُرُود كتاب الْمَأْمُون فِي المحنة من طرسوس - ذكر محنة أبي إِسْحَاق المعتصم لأبي رَحمَه الله بَاب من قَالَ الْقرَان مَخْلُوق واسماء الله مخلوقة بَاب التنبه وإتباع الْأَثر بالْقَوْل فِي الْقرَان بَاب قَول الواقفة فِي الْقرَان وَمَا يجب عَلَيْهِم بَاب من ازيد على أَن يَقُول الْقرَان مَخْلُوق فَأجَاب إِلَى هَذَا وَالصَّلَاة خَلفه وَخلف من ارْتَدَّ بَاب الصَّلَاة خلف القدري والرافضي - بَاب اتِّبَاع الْأَثر وَالسّنة فِي تقدمه أبي بكر وَعمر رضوَان الله عَلَيْهِمَا - بَاب الْفرق بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام - بَاب زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه - بَاب القَوْل بِالْإِيمَان وَالْعَمَل بِهِ - بَاب ذكر خُرُوج أبي عبد الله فِي الْمرة الأولى إِلَى سومراى وأشخاص المتَوَكل لَهُ الْجُزْء الثَّانِي

بَاب ذكر وُرُود كتاب المتَوَكل إِلَى عبد الله بن إِسْحَاق فِي سَبَب الْعلوِي الَّذِي طلبه اُخْبُرْنَا الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي رَضِي الله عَنهُ قِرَاءَة عَلَيْهِ قدم علينا دمشق فِي رَجَب سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ اُخْبُرْنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن احْمَد المخلدي رَضِي الله عَنهُ قَالَ اُخْبُرْنَا أَبُو بكر عبد الله الاسفرايني قَالَ سَمِعت أَبَا الْفضل صَالح بن احْمَد يَقُول لما توفّي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَولى ابْنه مُحَمَّد بن عبد الله بن إِسْحَاق كتب المتَوَكل إِلَيْهِ أَن وَجه إِلَى احْمَد بن حَنْبَل أَن عنْدك طلبة أَمِير الْمُؤمنِينَ فوجهه بحاجبه مظفر وَحضر صَاحب الْبَرِيد وَكَانَ يعرف بِابْن الْكَلْبِيّ وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا قَالَ مظفر يَقُول لَك الْأَمِير قد كتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن عنْدك طلبته وَقَالَ لَهُ ابْن الْكَلْبِيّ مثل ذَلِك وَكَانَ قد نَام النَّاس فدق الْبَاب وَكَانَ على أبي ازار فَفتح لَهُم الْبَاب وقعدوا على بَابه وَمَعَهُمْ شَيْء فَلَمَّا قرئَ عَلَيْهِ الْكتاب

فَقَالَ لَهُم أبي مَا اعرف هَذَا واني لارى طَاعَته فِي الْعسر واليسر والمنشط وَالْمكْره والاثرة واني لاسف عَن تخلفي عَن الصَّلَاة جمَاعَة وَعَن حُضُور الْجُمُعَة ودعوة الْمُسلمين قَالَ أَبُو الْفضل وَقد كَانَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَجه إِلَى أبي الزم بَيْتك وَلَا تخرج إِلَى جُمُعَة وَلَا جمَاعَة وَإِلَّا نزل بك مَا نزل بك فِي أَيَّام أبي إِسْحَاق قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ قد امرني أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أحلفك مَا عنْدك طلبة فتحلف قَالَ إِن استحلفني حَلَفت _ فاحلفه بِاللَّه وبالطلاق أَن مَا عنْدك طلبة أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَأَنَّهُم اومأوا إِلَيّ أَن عِنْده علويا ثمَّ قَالَ لَهُ أُرِيد أَن أفتش مَنْزِلك _ قَالَ أَبُو الْفضل وَكنت حَاضرا فَقَالَ ومنزل ابْنك فَقَامَ مظفر وَابْن الْكَلْبِيّ وَامْرَأَتَانِ مَعَهُمَا فدفلا فَفَتَّشَا الْبَيْت ثمَّ فتشتا الْمَرْأَتَانِ النِّسَاء

وَقَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ دخلُوا إِلَى منزلي ففتشوا الْحَرِيم ثمَّ خَرجُوا فَلَمَّا كَانَ بعد يَوْمَيْنِ ورد كتاب عَليّ بن الجهم أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد صَحَّ عِنْده براءتك مِمَّا قذفت بِهِ وَقد كَانَ أهل الْبدع قد مدوا أَعينهم فَالْحَمْد لله الَّذِي لم يشمتهم بك وَقد وَجه إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ بِيَعْقُوب الْمَعْرُوف بقوصرة وَمَعَهُ جَائِزَة ويأمرك بِالْخرُوجِ فَالله الله أَن تستعفي أَو ترد المَال

بَاب ذكر وُرُود كتاب المتَوَكل إِلَى أبي وَمَعَهُ الْجَائِزَة وبأشخاصه إِلَى المعسكر قَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ ورد من الْغَد يَعْقُوب قوصرة فَدخل إِلَى أبي فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ يقرا عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول قد صَحَّ عندنَا نقاء ساحتك وَقد أَحْبَبْت أَن اسر بقربك واتبرك بدعائك وَقد وجهت إِلَيْك عشرَة الآف دِرْهَم مَعُونَة على سفرك واخرج بدرة فِيهَا صرة نَحْو مِائَتي دِينَار وَالْبَاقِي دَرَاهِم صِحَاح فَلم ينظر إِلَيْهَا ثمَّ شدها يَعْقُوب وَقَالَ لَهُ أَعُود غَدا حَتَّى انْظُر مَا تعزم عَلَيْهِ _ وَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله الْحَمد لله الَّذِي لم يشمت بك أهل الْبدع وَانْصَرف فَجئْت بإجانة خضراء أكبها على البدرة فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْمغرب قَالَ يَا صَالح خُذ هَذِه الصرة عنْدك فصيرتها عِنْد رَأْسِي فَوق الْبَيْت فَلَمَّا كَانَ سحرًا إِذْ هُوَ يُنَادي يَا صَالح فَقُمْت فَصَعدت إِلَيْهِ فَقَالَ يَا صَالح مَا نمت لَيْلَتي هَذِه _ فَقلت لَهُ يَا أبه لم _ فَجعل يبكي وَقَالَ سلمت من هَؤُلَاءِ حَتَّى إِذا كَانَ فِي أخر عمري بليت بهم وَقد عزمت على أَن تفرق هَذَا الشَّيْء إِذا أَصبَحت فَقلت ذَلِك إِلَيْك فَلَمَّا اصبح جَاءَهُ الْحسن بن الْبَزَّار فَقَالَ

يَا صَالح جئني بميزان وجهوا إِلَى أَبنَاء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ثمَّ قَالَ وَجه إِلَى فلَان حَتَّى يفرق فِي ناحيته وَإِلَى فلَان فَلم يزل حَتَّى فرقها كلهَا ونفض الْكيس وَنحن فِي حَالَة الله بهَا عليم فَجَاءَنِي ابْن لي فَقَالَ لَهُ يَا ابه أَعْطِنِي درهما فَنظر إِلَيّ فأخرجت قِطْعَة أَعْطيته فَكتب صَاحب الْبَرِيد انه تصدق بِالدَّرَاهِمِ من يَوْمه حَتَّى تصدق بالكيس قَالَ عَليّ بن الجهم فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد تصدق بهَا وَعلم النَّاس انه قد قبل مِنْك مَا يصنع احْمَد بِالْمَالِ _ وانما قوته رغيف قَالَ فَقَالَ لي صدقت يَا عَليّ

بَاب مسير أبي عبد الله الْعَسْكَر قَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ أخرج أبي رَحمَه الله لَيْلًا ومعنا حراس مَعَهم النفاطات فَلَمَّا اصبح واضاء الْفجْر قَالَ لي يَا صَالح مَعَك دَرَاهِم قلت نعم قَالَ أعطهم _ فأعطيتهم درهما درهما فَلَمَّا أَصْبَحْنَا جعل يَعْقُوب يسير مَعَه فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله ابْن الثَّلْجِي بَلغنِي انه كَانَ يذكرك فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا يُوسُف سل الله الْعَافِيَة فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله أُرِيد أَن أودي عَنْك فِيهِ رِسَالَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَسكت فَقَالَ لَهُ إِن عبد الله بن إِسْحَاق اخبرني أَن الوابصى قَالَ لَهُ أَنِّي اشْهَدْ عَلَيْهِ انه قَالَ إِن احْمَد يعبد ماني

فَقَالَ يَا أَبَا يُوسُف يَكْفِي الله فَغَضب يَعْقُوب فَالْتَفت إِلَيّ فَقَالَ مَا رَأَيْت اعْجَبْ مِمَّا نَحن فِيهِ أسأله أَن يُطلق لي كلمة اخبر أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا يفعل قَالَ أَبُو الْفضل وَقصر أبي الصَّلَاة فِي خُرُوجه إِلَى الْعَسْكَر وَقَالَ تقصر الصَّلَاة فِي أَرْبَعَة برد وَهِي سِتَّة عشر فرسخا فَصليت يَوْمًا بِهِ الْعَصْر فَقَالَ لي طولت بِنَا الْعَصْر تقْرَأ فِي الرَّكْعَة مِقْدَار خَمْسَة عشرَة آيَة وَكنت اصلي بِهِ فِي الْعَسْكَر قَالَ أَبُو الْفضل فَلَمَّا صرنا بَين الحائطين قَالَ لنا يَعْقُوب أقِيمُوا ثمَّ وَجه إِلَى المتَوَكل بِمَا عمل فَدَخَلْنَا الْعَسْكَر وَأبي منكس الرَّأْس وَرَأسه مغطى فَقَالَ لَهُ يَعْقُوب اكشف رَأسك يَا أَبَا عبد الله فكشفه ثمَّ جَاءَ وصيف يُرِيد الدَّار فَلَمَّا نظر إِلَى النَّاس وجمعهم قَالَ مَا هَؤُلَاءِ _ قَالُوا احْمَد بن حَنْبَل فَوجه إِلَيْهِ بعد مَا جَازَ بِيَحْيَى بن هرثمة فَقَالَ يُقْرِئك الْأَمِير يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول الْحَمد لله الَّذِي لم يشمت بك أهل الْبدع قد علمت مَا كَانَ من حَال ابْن أبي دؤاد فَيَنْبَغِي أَن تَتَكَلَّم بِمَا يجب لله وَمضى يحيى

بَاب مقَام أبي عبد الله فِي الْعَسْكَر قَالَ أَبُو الْفضل انْزِلْ أبي دَار ايتاخ فجَاء عَليّ بن الجهم فَقَالَ قد أَمر لكم أَمِير الْمُؤمنِينَ بِعشْرَة الآف مَكَان الَّتِي فرقها وامر أَن لَا يعلم شيخكم بذلك فيغتم ثمَّ جَاءَهُ مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة فَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ بكثر ذكرك وَيَقُول تقيم هَا هُنَا تحدث فَقَالَ أَنا ضَعِيف ثمَّ وضع أُصْبُعه على بعض أَسْنَانه فَقَالَ إِن بعض أسناني يَتَحَرَّك وَمَا أخْبرت بذلك وَلَدي ثمَّ وَجه إِلَيْهِ فَقَالَ مَا تَقول فِي بهيمتين انتطحتا فعقرت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فَسَقَطت فذبحت فَقَالَ إِن كَانَ أطرف بِعَيْنِه ومصع بِذَنبِهِ وسال دَمه يُؤْكَل قَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ صَار إِلَيْهِ يحيى بن خاقَان فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله قد أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أصير إِلَيْك لتركب إِلَى أبي عبد الله ثمَّ قَالَ لي امرني أَن قطع لَهُ سوادا وطليسانا وقلنسوة فَأَي قلنسوة تلبس فَقلت لَهُ مَا رَأَيْته لبس قلنسوة قطّ فَقَالَ لَهُ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أَمر ان يصير لَك مرتبَة فِي أَعلَى الْمَرَاتِب

وَيصير أَبُو عبد الله فِي حجرك ثمَّ قَالَ قد امرني أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يجْرِي عَلَيْكُم وعَلى قرأباتك أَرْبَعَة الآف دِرْهَم تفرقها عَلَيْهِم ثمَّ أعَاد يحيى من الْغَد فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله تركب _ قَالَ ذَاك إِلَيْكُم فَقَالَ استخير الله فَلبس إزَاره وخفيه وَقد كَانَ خفه قد أَتَى عِنْده نَحْو من خَمْسَة عشر سنة قد رقع برقاع عدَّة فَأَشَارَ يحيى إِلَى أَن يلبس قلنسوة فَقَالَ كَيفَ يدْخل عَلَيْهِ حاسرا وَيحيى قَائِم فطلبنا لَهُ دَابَّة يركبهَا فَقَالَ يحيي يُصَلِّي فَجَلَسَ على التُّرَاب وَقَالَ {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم} ثمَّ ركب بغل بعض التُّجَّار فمضينا مَعَه حَتَّى أَدخل دَار المعتز فاجلس فِي بَيت الدهليز ثمَّ جَاءَ يحيي فَأخذ بِيَدِهِ حَتَّى ادخله وَرفع لنا السّتْر وَنحن نَنْظُر وَكَانَ المعتز قَاعِدا على دكان فِي الدَّار وَكَانَ قد تقدم يحيى إِلَيْهِ فَقَالَ لَا تمد يدك إِلَيْهِ فَلَمَّا صعد الدّكان قعد

فَقَالَ لَهُ يحيى يَا أَبَا عبد الله إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ جَاءَ ليأنس بقربك يصير أَبَا عبد الله فِي حجرك فاخبرني بعض الخدم أَن المتَوَكل كَانَ قَاعِدا وَرَاء ستر فَلَمَّا دخل الدَّار قَالَ لامه يَا أُمَّاهُ قد أنارت الدَّار ثمَّ جَاءَ خَادِم بمناديل فاخذ يحيى المنديل واخرج مِنْهُ مبطنه فِيهَا قَمِيص فَادْخُلْ يَده فِي جيب الْقَمِيص والمبطنة ثمَّ أَخذ بيد أبي فأقامه ثمَّ أَدخل الْقَمِيص والمبطنة فِي راسة ثمَّ ادخل يَده الْيُمْنَى وَكَذَلِكَ الْيَسَار وَهُوَ لَا يُحَرك يَده ثمَّ اخذ قلنسوة فوضعها على رَأسه والبسه طيلسانا ولحفه بِهِ وَلم يجيئوا بخف فَبَقيَ الْخُف عَلَيْهِ ثمَّ انْصَرف وَكَانُوا قد تحدثُوا انه لَا يخلع عَلَيْهِ السوَاد فَلَمَّا صَار إِلَى الدَّار نزع الثِّيَاب عَنهُ ثمَّ جعل يبكي ثمَّ قَالَ سلمت من هَؤُلَاءِ مُنْذُ سِتِّينَ سنة حَتَّى إِذا كَانَ اخر عمري بليت بهم مَا احسبني سلمت من دخولي على هَذَا الْغُلَام فَكيف بِمن يجب عَليّ نصحه من وَقت يَقع عَيْني عَلَيْهِ إِلَى أَن أخرج من عِنْده _ ثمَّ قَالَ يَا صَالح وَجه بِهَذِهِ الثِّيَاب إِلَى بَغْدَاد يُبَاع وَيتَصَدَّق بِثمنِهَا وَلَا يَشْتَرِي أحد مِنْكُم مِنْهَا شَيْئا قَالَ أَبُو الْفضل فوجهت بهَا إِلَى يَعْقُوب بن بحتان فَبَاعَهَا وَفرق

ثمنهَا وَبقيت عِنْدِي القلنسوة ثمَّ اُخْبُرْنَا الدَّار الَّتِي هُوَ فِيهَا ايتاخ فَقَالَ اكْتُبْ رقْعَة إِلَى مُحَمَّد بن الْجراح لتعفي لي من هَذِه الدَّار فكتبنا رقْعَة فامر المتَوَكل أَن يُعْفَى مِنْهَا وَوجه إِلَى قوم لِيخْرجُوا مَنَازِلهمْ فَسَأَلَ أَن يُعْفَى من ذَلِك واكتريت لَهُ دَار بِمِائَتي دِرْهَم فَصَارَ إِلَيْهَا واجرى لنا مائدة وثلج وَضرب الحنيش فَلَمَّا رأى الحنيش والطبري نحى نَفسه عَن ذَلِك الْموضع والقى نَفسه على مضربة لَهُ واشتكت عينه وبرئت قَالَ أَلا تعجب كَانَ عَيْني تَشْتَكِي فَمَكثَ حِين حَتَّى يبرا ثمَّ قد بَرِئت فِي سرعَة وَجعل يواصل يفْطر فِي كل ثَلَاث على تمر وَسَوِيق فَمَكثَ بذلك خمس عشر يفْطر فِي كل ثَلَاث ثمَّ جعل بعد ذَلِك يفْطر لَيْلَة وَلَيْلَة لَا يفْطر إِلَّا على رغيف وَكَانَ إِذا جىء بالمائدة تُوضَع فِي الدهليز لكَي لَا يَرَاهَا فيأكل من حضر وَكَانَ إِذا أجهده الْحر بل خرقَة فَيَضَعهَا على صَدره وَفِي كل يَوْم يُوَجه المتَوَكل إِلَيْهِ بِابْن ماسويه فَينْظر إِلَيْهِ _ وَيَقُول لَهُ يَا أَبَا عبد الله أَنا أميل إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك وَمَا بك عِلّة إِلَّا الضعْف وَقلة الدَّد فَقَالَ لَهُ ابْن ماسويه أَنا امرنا عبادنَا بِأَكْل دهن الْخلّ فانه يلين وَجعل يَجِيئهُ بالشَّيْء ليشربه فيصبه وَقطع لَهُ يحيى دراعة وطليسانا سوادا

وَجعل يَعْقُوب وعتاب يصيران إِلَيْهِ فَيَقُولَانِ لَهُ يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا تَقول فِي ابْن دؤاد فِي مَاله _ فَلَا يُجيب فِي ذَلِك وَجعل يَعْقُوب وعتاب يخبرانه بِمَا يحدث من أَمر ابْن أبي دؤاد فِي كل يَوْم ثمَّ انحدر ابْن أبي دؤاد إِلَى بَغْدَاد فاشهد عَلَيْهِ بِبيع ضياعة وَكَانَ رُبمَا صَار إِلَيْهِ يحيى بن خاقَان وَهُوَ يُصَلِّي فيجلس فِي الدهليز حَتَّى يفرغ ويجىء عَليّ بن الجهم فينزع سَيْفه وقلنسوته وَيدخل عَلَيْهِ وامر المتَوَكل أَن يَشْتَرِي لنا دَارا فَقَالَ يَا صَالح قلت لبيْك لَئِن أَقرَرت لَهُم بشرَاء دَار ليَكُون القطيعة بيني وَبَيْنكُم إِنَّمَا تُرِيدُونَ أَن تصيروا هَذَا الْبَلَد لي مأوى ومسكنا _ فَلم يزل يدْفع شِرَاء الدَّار حَتَّى انْدفع وَصَارَ إِلَى صَاحب الْمنزل فَقَالَ أُعْطِيك كل شهر ثَلَاثَة آلَاف مَكَان الْمَائِدَة _ فَقلت لَا افْعَل وَجعلت رسل المتَوَكل تَأتيه يسألونه عَن خَبره فيصيرون إِلَيْهِ وَيَقُولُونَ لَهُ هُوَ ضَعِيف وَفِي خلال ذَلِك يَقُولُونَ يَا أَبَا عبد الله لَا بُد من أَن يراك فيسكت فَإِذا خَرجُوا قَالَ إِلَّا تعجب من قَوْله لَا بُد من أَن يراك وَمَا عَلَيْهِم من أَن يراني _ وَكَانَ فِي هَذِه الدَّار حجرَة صَغِيرَة فِيهَا بيتان فَقَالَ أدخلوني تِلْكَ الْحُجْرَة وَلَا تسرجوا سِرَاجًا فأدخلناه إِلَيْهَا فَجَاءَهُ يَعْقُوب فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ مشتاق إِلَيْك وَيَقُول

انْظُر إِلَى الْيَوْم الَّذِي تصير إِلَيْهِ فِيهِ أَي يَوْم هُوَ حَتَّى اعرفه _ فَقَالَ ذَاك إِلَيْكُم فَقَالَ يَوْم الْأَرْبَعَاء يَوْم خَال وَخرج يَعْقُوب فَلَمَّا كَانَ الْغَد جَاءَ فَقَالَ الْبُشْرَى يَا أَبَا عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول قد أعفيتك من لبس السوَاد وَالرُّكُوب إِلَى وَالِي وُلَاة العهود وَإِلَى الدَّار فان شِئْت فالبس الْقطن وان شِئْت فالبس الصُّوف فَجعل يحمد الله على ذَلِك د وَقَالَ لَهُ يَعْقُوب إِن لي ابْنا وَأَنا معجب وَله فِي قلبِي موقع فاحب أَن تحدثه بِأَحَادِيث فَسكت فَلَمَّا خرج قَالَ أتراه لَا يرى مَا أَنا فِيهِ قَالَ أَبُو الْفضل كَانَ أبي يخْتم من جُمُعَة إِلَى جُمُعَة فَإذْ ختم دَعَا فيدعو ونؤمن على دُعَائِهِ فَلَمَّا كَانَ غَدَاة الْجُمُعَة وَجه إِلَيّ وَإِلَى أخي عبد الله فَلَمَّا أَن ختم جعل يَدْعُو ونؤمن على دُعَائِهِ فَلَمَّا فرغ جعل يَقُول أستخير الله مرَارًا فَجعلت أَقُول مَا تُرِيدُ _ ثمَّ قَالَ إِنِّي أعطي الله عهدا أَن الْعَهْد كَانَ مسئولا وَقد قَالَ الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} إِنِّي لَا أحدث حَدِيثا تَاما حَتَّى ألْقى الله وَلَا اسْتثْنِي مِنْكُم أحدا فخرجنا وَجَاء عَليّ بن الجهم فَقُلْنَا لَهُ فَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فَأخْبر المتَوَكل بذلك وَقَالَ إِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن أحدث فَيكون هَذَا الْبَلَد حبسي وَإِنَّمَا كَانَ

سَبَب الَّذين أَقَامُوا بِهَذَا الْبَلَد لما أعْطوا فقبلوا وَأمرُوا فَحَدثُوا وَكَانَ يخيرونه فَيتَوَجَّه لذَلِك وَجعل يَقُول وَالله لقد تمنيت الْمَوْت فِي الْأَمر الَّذِي كَانَ وَإِنِّي لأتمنى الْمَوْت فِي هَذَا وَذَاكَ إِن هَذَا فتْنَة الدُّنْيَا وَكَانَ ذَاك فتْنَة الدّين ثمَّ جعل يضم أَصَابِع يَده وَيَقُول لَو كَانَت نَفسِي فِي يَدي لأرسلتها ثمَّ يفتح أَصَابِعه وَكَانَ المتَوَكل يُوَجه إِلَيْهِ فِي كل وَقت يسْأَل عَن حَاله وَكَانَ فِي خلال ذَلِك يُؤمر لنا بِالْمَالِ فَيَقُول يُوصل إِلَيْهِم وَلَا يعلم شيخهم فيغتم مَا يُرِيد مِنْهُم إِن كَانَ هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ الدُّنْيَا فَمَا يمنعهُم وَقَالَ للمتوكل إِنَّه - كَانَ - لَا يَأْكُل من طَعَامك وَلَا يجلس على فرشك وَيحرم الَّذِي تشرب فَقَالَ لَهُم لَو نشر لي المعتصم لم أقبل مِنْهُ

بسم الله الرحمن الرحيم

بَاب خطاب أبي عبد الله إِلَيّ بِعَدَمِ الْخُرُوج إِلَيْهِ قَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ إِنِّي انحدرت إِلَى بَغْدَاد وخلفت عبد الله عِنْده فَإِذا عبد الله قد قدم وَجَاء بثيابي الَّتِي كَانَت عِنْده فَقلت مَا جَاءَ بك قَالَ قَالَ لي انحدر وَقَالَ لصالح لَا تخرج فَأنْتم كُنْتُم افتي وَالله لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا أخرجت مِنْكُم وَاحِدًا معي لَوْلَا مَكَانكُمْ لمن كَانَ تُوضَع هَذِه الْمَائِدَة وَلمن كَانَ يفرش هَذَا الْفرش وَيجْرِي هَذَا الإجراء قَالَ أَبُو الْفضل فَكتبت إِلَيْهِ اعلمه بِمَا قَالَ لي عبد الله فَكتب إِلَيّ بِخَطِّهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم احسن الله عاقبتك وَدفع عَنْك كل مَكْرُوه ومحذور الَّذِي حَملَنِي على الْكتاب إِلَيْك وَالَّذِي قلت لعبد الله لَا يأتيني أحدا وَرُبمَا يَنْقَطِع ذكري ونحمل فَإِنَّكُم إِذا كُنْتُم هَا هُنَا فَشَا ذكري وَكَانَ يجْتَمع إِلَيْك قوم ينقلون أخبارنا وَلم يكن إِلَّا خيرا وَاعْلَم يَا بني إِن أَقمت فَلَا تأت أَنْت وَلَا أَخُوك فَهُوَ رضائي فَلَا تجْعَل فِي نَفسك إِلَّا خيرا وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته قَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ ورد إِلَيّ كتاب آخر يذكر فِيهِ

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم احسن الله عاقبتك وَدفع عَنْك السوء برحمته كتأبي إِلَيْك وَأَنا فِي نعْمَة من الله متظاهرة اسأله إِتْمَامهَا والعون على أَدَاء شكرها قد انفكت عَنْهَا عقدَة لما كَانَ حبس من هَا هُنَا لما أَعْطوهُ فقبلوا واجرى عَلَيْهِم فصاروا فِي الْحَد الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ وَحَدثُوا ودخلوا عَلَيْهِم فَهَذِهِ كَانَت قيودهم فنسال الله أَن يعيذنا من شرهم ويخلصنا فقد كَانَ يَنْبَغِي لكم لَو قربتموني بأموالكم وأهاليكم فهان ذَلِك عَلَيْكُم للَّذي أَنا فِيهِ فَلَا يكبر عَلَيْك مَا أكتب بِهِ إِلَيْكُم فالزموا بُيُوتكُمْ فَلَعَلَّ الله تَعَالَى أَن يخلصني وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله ثمَّ ورد غير كتاب إِلَيّ بِخَطِّهِ بِنَحْوِ من هَذَا فَلَمَّا خرجنَا من المعسكر رفعت الْمَائِدَة والفرش وكل مَا كَانَ أقيم لنا

بَاب وَصِيَّة أبي عبد الله رَحمَه الله قَالَ أَبُو الْفضل وَأوصى وَصيته بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا أوصى بِهِ احْمَد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل أوصى أَنه يشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ وَأوصى من أطاعه من أَهله وقرابته أَن يعبدوا الله فِي العابدين ويحمدوه فِي الحامدين وان ينصحوا لجَماعَة الْمُسلمين وَأوصى أَنِّي قد رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا وَأوصى أَن لعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف ببوران على نَحْو من خمسين دِينَارا وَهُوَ مُصدق فِيمَا قَالَ فَيقْضى مَاله عَليّ من غلَّة الدَّار إِن شَاءَ الله فَإِذا استوفى أعْطى وَلَدي صَالح وَعبد الله إبنا احْمَد بن مُحَمَّد ابْن حَنْبَل كل ذكر وَأُنْثَى عشرَة دَرَاهِم بعد وَفَاء مَا عَليّ لِابْنِ مُحَمَّد شهد أَبُو يُوسُف وَصَالح وَعبد الله ابْنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل

بَاب ذكر إِذن أَمِير الْمُؤمنِينَ لأبي عبد الله رَحمَه الله بالعودة قَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ سَالَ أبي أَن يحول من الدَّار الَّتِي اكتريت لَهُ فاكترى هُوَ دَارا وتحول إِلَيْهَا فَسَالَ المتَوَكل عَنهُ فَقيل انه عليل فَقَالَ كنت احب أَن يكون فِي قربي وَقد أَذِنت لَهُ يَا عبيد الله احْمِلْ إِلَيْهِ ألف دِينَارا ينفقها وَقَالَ لسَعِيد تهيىء لَهُ حراقة ينحدر فِيهَا فَجَاءَهُ عَليّ بن الجهم فِي جَوف اللَّيْل فاخبره ثمَّ جَاءَ عبيد الله وَمَعَهُ ألف دِينَار فَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أذن لَك وَقد أَمر لَك بِهَذِهِ الْألف دِينَار فَقَالَ قد أعفاني أَمِير الْمُؤمنِينَ مِمَّا اكره فَردهَا وَقَالَ أَنا رَقِيق على الْبرد وَالْبر ارْفُقْ بِي فَكتب إِلَيّ مُحَمَّد بن عبد الله فِي بره وتعاهده

بَاب ذكر مَا جرى بَين أبي وبيني وَعبد الله وَعَمه حِين قبلنَا صلَة السُّلْطَان فَقدم علينا فِيمَا بَين الظّهْر وَالْعصر فَلَمَّا انحدر إِلَى بَغْدَاد وَمكث قَلِيلا قَالَ لي يَا صَالح قلت لبيْك قَالَ احب أَن تدع هَذَا الرزق فَلَا تَأْخُذهُ وَلَا توكل فِيهِ أحدا فقد علمت أَنكُمْ إِنَّمَا تأخذونه بسببي فَسكت فَقَالَ مَالك فَقلت اكره أَن أُعْطِيك شَيْئا بلساني واخالف الى غَيره فاكون قد كذبتك ونافقتك وَلَيْسَ فِي الْقَوْم اكثر عيالا مني وَلَا اعذر وَقد كنت أَشْكُو إِلَيْك فَتَقول أَمرك مُنْعَقد بأَمْري وَلَعَلَّ الله أَن يحل هَذِه الْعقْدَة ثمَّ قلت لَهُ وَقد كنت تَدْعُو لي فأرجوا أَن يكون الله قد اسْتَجَابَ لَك قَالَ وَلَا تفعل قلت لَا قَالَ قُم فعل الله بك وَفعل فَأمر بسد الْبَاب بيني وَبَينه فتلقاني عبد الله فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرته فَقَالَ مَا أَقُول قلت ذَاك إِلَيْك فَقَالَ لَهُ مثل مَا قَالَ لي فَقَالَ لَا افْعَل فَكَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ نَحْو مَا كَانَ مِنْهُ إِلَيّ فلقينا عَمه فَقَالَ لَو أردتم أَن تَقولُوا لَهُ وَمَا علمه إِذا أَخَذْتُم شَيْئا

فَدخل عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله لست اخذ شَيْئا من هَذَا فَقَالَ الْحَمد لله وهجرنا وسد الْأَبْوَاب بَيْننَا وَبَينه وتحامى منزلنا أَن يدْخل مِنْهُ إِلَى منزله شَيْء قَالَ أَبُو الْفضل فَلَمَّا مضى نَحْو من شَهْرَيْن كتب لنا بِشَيْء فجيء بِهِ إِلَيْنَا فَأول من جَاءَ عَمه فاخذ فاخبر فجَاء إِلَى الْبَاب الَّذِي كَانَ سَده بيني وَبَينه وَقد كَانَ فتح الصّبيان كوَّة فَقَالَ ادعوا لي صَالحا فجَاء الرَّسُول وَقلت لَهُ أجيء فَوجه إِلَيّ لم لَا تَجِيء _ فَقلت قل لَهُ هَذَا الرزق يرتزقه جمَاعَة كَثِيرَة وانما أَنا وَاحِد مِنْهُم وَلَيْسَ فيهم اعذر مني وَإِذا كَانَ توبيخ خصصت بِهِ أَنا فَمضى فَلَمَّا نَادَى عَمه بِالْأَذَانِ خرج فَلَمَّا خرج قيل لي انه قد خرج إِلَى الْمَسْجِد فَجئْت حَتَّى صرت فِي مَوضِع اسْمَع فِيهِ كَلَامه فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة الْتفت إِلَى عَمه ثمَّ قَالَ لَهُ نافقتني وكذبتني وَكَانَ غَيْرك اعذر مِنْك زعمت انك لَا تَأْخُذ من هَذَا شَيْئا ثمَّ أَخَذته وَأَنت تستغل مِائَتي دِرْهَم وعمدت إِلَى طَرِيق الْمُسلمين تستغله إِنَّمَا أَنا أشْفق عَلَيْك أَن تطوق يَوْم الْقِيَامَة بِسبع أَرضين أخذت هَذَا الشَّيْء بِغَيْر حَقه فَقَالَ _ قد تَصَدَّقت قَالَ تَصَدَّقت بِنصْف دِرْهَم ثمَّ هجره وَترى الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد وَخرج إِلَى مَسْجِد خَارج يُصَلِّي

فِيهِ قَالَ صَالح وحَدثني أبي قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ سَمِعت شَيخنَا يحدث قَالَ اسْتعْمل بعض أُمَرَاء الْبَصْرَة عبد الله بن مُحَمَّد بن وَاسع على الشرطة فآتاه مُحَمَّد بن وَاسع فَقيل للأمير مُحَمَّد الْبَاب فَقَالَ الْمُقَوّم ظنُّوا بِهِ فَقَالَ بَعضهم جَاءَ يشْكر للأمير اسْتعْمل ابْنه فَقَالَ لَا وَلكنه جَاءَ يطْلب لِابْنِهِ الإعفاء أَو قَالَ الْعَافِيَة قَالَ فَأذن لَهُ فَلَمَّا دخل قَالَ أَيهَا الْأَمِير بَلغنِي انك اسْتعْملت ابْني واني احب أَن تسترنا يسترك لله قَالَ قد أعفيناه يَا أَبَا عبد الله قَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ كتب لنا بِشَيْء فَبَلغهُ فجَاء إِلَى الكوة الَّتِي فِي الْبَاب فَقَالَ يَا صَالح انْظُر مَا كَانَ لِلْحسنِ عَليّ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى بوران حَتَّى يتَصَدَّق بِهِ فِي الْموضع الَّذِي اخذ مِنْهُ فَقلت وَمَا علم بوران من أَي مَوضِع اخذ هَذَا _ فَقَالَ افْعَل مَا أَقُول لَك فوجهت بِمَا كَانَ أصابهما إِلَى بوران وَكَانَ إِذا بلغه أَنا قبضنا شَيْئا طوى تِلْكَ اللَّيْلَة فَلم يفْطر ثمَّ مكث اشهرا لَا ادخل إِلَيْهِ ثمَّ فتح الصّبيان الْبَاب _ ودخلوا غير أَنه لَا يدْخل إِلَيْهِ من منزلي شَيْء ثمَّ وجهت إِلَيْهِ يَا أَبَت قد طَال هَذَا الْأَمر وَقد اشْتقت إِلَيْك فَسكت فَدخلت فأكببت عَلَيْهِ وَقلت لَهُ يَا أَبَت تدخل على نَفسك هَذَا الْغم فَقَالَ يَا بني يأتيني مَالا أملكهُ ثمَّ مكثنا مُدَّة لم تَأْخُذ شَيْئا ثمَّ كتب لنا بِشَيْء

فقبضناها فَلَمَّا بلغه هجرنا أشهرا فَكَلمهُ بوران وَوجه إِلَى بوران فَدخلت فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله صَالح يرضيك الله فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد وَالله لقد كَانَ أعز الْخلق عَليّ وَأي شَيْء أردْت لَهُ مَا أردْت لَهُ إِلَّا مَا أردْت لنَفْسي فَقلت لَهُ يَا أَبَت وَمن رَأَيْت أَنْت أَو من لقِيت قوى على مَا قويت أَنْت عَلَيْهِ قَالَ وتحتج عَليّ قَالَ أَبُو الْفضل ثمَّ كتب أبي رَحمَه الله إِلَى يحيى بن خاقَان يسْأَله ويعزم عَلَيْهِ أَن لَا يعيننا على شَيْء من أرزاقنا وَلَا يتَكَلَّم فِيهِ فبلغني فوجهت إِلَى الْقيم لنا وَهُوَ ابْن غَالب بن بنت مُعَاوِيَة بن عَمْرو وَقد كنت قلت لَهُ يَا أَبَت انه يكبر عَلَيْك وَقد عزمت إِذا حدث أَمر أَخْبَرتك بِهِ فَلَمَّا وصل رَسُوله بِالْكتاب إِلَى يحيى أَخذه من صَاحب الْخَبَر قَالَ فَأخذت نسخته ووصلت إِلَى المتَوَكل فَقَالَ لعبد الله كم من شهر لولد احْمَد بن حَنْبَل _ فَقَالَ عشرَة اشهر قَالَ تحمل السَّاعَة إِلَيْهِم أَرْبَعُونَ ألف دِرْهَم من بَيت المَال صحاحا وَلَا يعلم بهَا فَقَالَ يحيى للقيم أَنا اكْتُبْ إِلَى صَالح واعلمه فورد عَليّ كِتَابه فوجهت إِلَى أبي أعلمهُ فَقَالَ الَّذِي أخبرهُ أَنه سكت قَلِيلا وَضرب بذقنه

سَاعَة ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ مَا حيلتي إِذا أردْت أمرا وَأَرَادَ الله أَمر قَالَ أَبُو الْفضل وَجَاء رَسُول المتَوَكل إِلَى أبي يَقُول لَو سلم أحد من النَّاس سلمت رفع رجل إِلَى وَقت كَذَا أَن علويا قدم من خُرَاسَان وَأَنَّك وجهت إِلَيْهِ بِمن يلقاه وَقد حبست الرجل وَأَرَدْت ضربه وكرهت أَن تغتم فَمر فِيهِ فَقَالَ هَذَا بَاطِل تخلى سَبيله قَالَ وَكَانَ رَسُول المتَوَكل يَأْتِي أبي يبلغهُ السَّلَام ويسأله عَن حَاله فنسر نَحن بذلك فتأخذه نفضة حَتَّى ندثره وَيَقُول وَالله لَو أَن نَفسِي فِي يَدي لأرسلتها وَيضم أَصَابِعه ويفتحها

بسم الله الرحمن الرحيم

بَاب ذكر مَا ورد من سُؤال أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل لأبي عبد الله فِي أَمر الْقُرْآن قَالَ أَبُو الْفضل كتب عبيد الله بن يحيى إِلَى أبي يُخبرهُ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمرنِي أَن اكْتُبْ إِلَيْك كتابا أَسأَلك من أَمر الْقُرْآن لَا مَسْأَلَة امتحان وَلَكِن مَسْأَلَة معرفَة وبصيرة فأملى عَليّ أبي - رَحمَه الله - إِلَى عبيد الله بن يحيى - وحدي مَا مَعنا أحد - بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أحسن الله عاقبتك أَبَا الْحسن فِي الْأُمُور كلهَا وَدفع عَنْك مكاره الدُّنْيَا برحمته قد كتبت إِلَيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْك بِالَّذِي سَأَلَ عَنهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِأَمْر الْقُرْآن بِمَا حضرني وَأَنِّي أسأَل الله أَن يديم توفيق أَمِير الْمُؤمنِينَ قد كَانَ النَّاس فِي خوض من الْبَاطِل وَاخْتِلَاف شَدِيد يغتمسون فِيهِ حَتَّى أفضت الْخلَافَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فنفى الله بأمير الْمُؤمنِينَ كل بِدعَة وانجلى عَن النَّاس مَا كَانُوا فِيهِ من الذل وضيق الْمجَالِس فصرف الله ذَلِك كُله وَذهب بِهِ بأمير الْمُؤمنِينَ وَوَقع ذَلِك من الْمُسلمين موقعا عَظِيما ودعوا الله لأمير الْمُؤمنِينَ وأسأل الله أَن يستجيب فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ

صَالح الدُّعَاء وَأَن يتم ذَلِك لأمير الْمُؤمنِينَ وَأَن يزِيد فِي بَيته ويعينه على مَا هُوَ عَلَيْهِ فقد ذكر عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ لَا تضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض فان ذَلِك يُوقع الشَّك فِي قُلُوبكُمْ وَذكر عَن عبد الله بن عمر أَن فُقَرَاء كَانَا جُلُوسًا بِبَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بَعضهم ألم يقل الله كَذَا _ وَقَالَ بَعضهم ألم يقل الله كَذَا _ قَالَ فَسمع ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج كَأَنَّمَا فقئ فِي وَجهه حب الرُّمَّان فَقَالَ أَبِهَذَا أمرْتُم أَن تضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض _ إِنَّمَا ضلت الْأُمَم قبلكُمْ فِي مثل هَذَا انكم لَسْتُم مِمَّا هُنَا فِي شَيْء انْظُرُوا الَّذِي أمرْتُم بِهِ فاعملوا بِهِ وانظروا الَّذِي نهيتم عَنهُ فَانْتَهوا عَنهُ وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مراء فِي الْقُرْآن كفر وروى عَن أبي جهم - رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تماروا فِي الْقُرْآن فان مراء فِيهِ كفر

وَقَالَ عبد الله بن الْعَبَّاس قدم على عمر بن الْخطاب رجل فَجعل عمر يسْأَل عَن النَّاس فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد قَرَأَ الْقُرْآن مِنْهُم كَذَا وَكَذَا فَقَالَ ابْن عَبَّاس فَقلت وَالله مَا أحب أَن يتسارعوا يومهم هَذَا فِي الْقُرْآن هَذِه المسارعة قَالَ فنهرني عمر وَقَالَ مَه فَانْطَلَقت إِلَى منزلي مكتئبا حَزينًا فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك إِذْ أَتَانِي رجل فَقَالَ أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَخرجت فَإِذا هُوَ بِالْبَابِ ينتظرني فَأخذ بيَدي فَخَلا بِي وَقَالَ مَا الَّذِي كرهت مِمَّا قَالَ الرجل آنِفا _ فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَتى مَا يتسارعوا هَذِه المسارعة يَخْتَلِفُوا وَمَتى مَا يَخْتَلِفُوا يختصموا وَمَتى مَا يختصموا يَخْتَلِفُوا وَمَتى مَا اخْتلفُوا يقتتلوا قَالَ لله أَبوك وَالله إِن كنت لاكمتها النَّاس حَتَّى جِئْت بهَا وروى عَن جُبَير بن نفير قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنكُمْ لن ترجعوا بِشَيْء أفضل مِمَّا خرج مِنْهُ يعْنى بِالْقُرْآنِ وروى عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ جردوا الْقُرْآن لَا تكْتبُوا فِيهِ شَيْئا إِلَّا كَلَام الله عز وَجل وروى عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ هَذَا الْقُرْآن كَلَام الله فضعوه مَوْضِعه وَقَالَ رجل لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ يَا أَبَا سعيد أَنى إِذا قَرَأت كتاب الله وتدبرته كدت أَن أياس وَيَنْقَطِع رجائي

قَالَ فَقَالَ الْحسن أَن الْقُرْآن كَلَام الله وأعمال ابْن آدم إِلَى الضعْف وَالتَّقْصِير فاعمل وأبشر وَقَالَ فَرْوَة بن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ كنت جَار الْخَبَّاب وَهُوَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَخرجت مَعَه يَوْمًا من الْمَسْجِد وَهُوَ آخذ بيَدي فَقَالَ يَا هَذَا تقرب لله بِمَا اسْتَطَعْت فَإنَّك لن تتقرب إِلَيْهِ بِشَيْء أحب من كَلَامه وَقَالَ رجل للْحكم ابْن عتبَة مَا حمل أهل الْأَهْوَاء على هَذَا _ قَالَ الْخُصُومَات وَقَالَ مُعَاوِيَة بن قُرَّة - وَكَانَ أَبوهُ مِمَّن أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إيَّاكُمْ وَهَذِه الْخُصُومَات فَإِنَّهَا تحبط الْأَعْمَال وَقَالَ أَبُو قلَابَة - وَكَانَ قد أدْرك غير وَاحِد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجالسوا أَصْحَاب الْأَهْوَاء - أَو قَالَ أَصْحَاب الْخُصُومَات - فَأَنِّي لَا آمن أَن يغمسوكم فِي ظلالتهم ويلبسوا عَلَيْكُم بعض مَا تعرفُون وَدخل رجلَانِ من أَصْحَاب الْأَهْوَاء على مُحَمَّد بن سِيرِين فَقَالَا يَا أبكر نحدثك بِحَدِيث فَقَالَا لَا قَالَا فنقرأ عَلَيْك آيَة من كتاب الله _ قَالَ لَا لتقومان عني أَو لَا قوم عنكما قَالَا فَقَالَ الرّجلَانِ فَخَرَجَا فَقَالَ بعض الْقَوْم يَا أَبَا بكر وَمَا عَلَيْك أَن يقرا عَلَيْك آيَة من كتاب الله تَعَالَى _ فَقَالَ لَهُ ابْن سِيرِين إِنِّي خشيت أَن يقْرَأ عَليّ آيَة فيحرفانها فَيقر ذَلِك فِي قلبِي

وَقَالَ مُحَمَّد لَو أعلم أَنِّي أكون مبتلى السَّاعَة لتركتها وَقَالَ رجل من أهل الْبدع لأيوب السجتياني يَا أَبَا بكر أَسأَلك عَن كلمة فولى وَهُوَ يَقُول بِيَدِهِ وَلَا نصف كلمة وَقَالَ ابْن طَاوس لِابْنِ لَهُ بِكَلِمَة رجل من أهل الْبدع يَا بني ادخل إصبعيك فِي أذنيك لَا تسمع مَا يَقُول ثمَّ قَالَ أشدد وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز من جعل دينه غَرضا للخصومات أَكثر التنقل وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَن الْقَوْم لم يدْخل عَنْهُم شَيْء خير لكم لفضل عنْدكُمْ وَكَانَ الْحسن رَحمَه الله يَقُول شَرّ دَاء خالط قلبا يَعْنِي الْأَهْوَاء وَقَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان - وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - اتَّقوا الله معشر الْقُرَّاء وخذوا طَرِيق من كَانَ قبلكُمْ وَالله لَئِن اسْتَقَمْتُمْ لقد سبقتم بَعيدا وَلِأَن تَرَكْتُمُوهُ يَمِينا وَشمَالًا لقد ضللتم ضلالا بَعيدا - أَو قَالَ مُبينًا - قَالَ أبي رَحمَه الله وَإِنَّمَا تركت ذكرى الْأَسَانِيد لما تقدم من الْيَمين الَّتِي حَلَفت بهَا مِمَّا قد علمه أَمِير الْمُؤْمِنُونَ لَوْلَا ذَلِك لذكرتها بأسانيدها وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله}

وَقَالَ {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} فَأخْبر بالخلق ثمَّ قَالَ وَالْأَمر فَأخْبر أَن الْأَمر غير مَخْلُوق وَقَالَ عز وَجل {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} فَأخْبر تَعَالَى أَن الْقُرْآن من علمه وَقَالَ تَعَالَى {وَلنْ ترْضى عَنْك الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تتبع ملتهم قل إِن هدى الله هُوَ الْهدى وَلَئِن اتبعت أهواءهم بعد الَّذِي جَاءَك من الْعلم مَا لَك من الله من ولي وَلَا نصير} وَقَالَ {وَلَئِن أتيت الَّذين أُوتُوا الْكتاب بِكُل آيَة مَا تبعوا قبلتك وَمَا أَنْت بتابع قبلتهم وَمَا بَعضهم بتابع قبْلَة بعض وَلَئِن اتبعت أهواءهم من بعد مَا جَاءَك من الْعلم إِنَّك إِذا لمن الظَّالِمين} وَقَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حكما عَرَبيا وَلَئِن اتبعت أهواءهم بعد مَا جَاءَك من الْعلم مَا لَك من الله من ولي وَلَا واق} فالقرآن من علم الله تَعَالَى وَفِي هَذِه الْآيَات دَلِيل على أَن الَّذِي جَاءَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْقُرْآن لقَوْله {وَلَئِن اتبعت أهواءهم بعد الَّذِي جَاءَك من الْعلم}

وَقد روى عَن غير وَاحِد مِمَّن مضى مِمَّن سلفنا أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ الْقُرْآن كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق وَهُوَ الَّذِي أذهب إِلَيْهِ لست بِصَاحِب كَلَام وَلَا ادري الْكَلَام فِي شَيْء من هَذَا إِلَّا مَا كَانَ فِي كتاب الله أَو حَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو عَن أَصْحَابه أَو عَن التَّابِعين رَحِمهم الله فَأَما غير ذَلِك فَإِن الْكَلَام فِيهِ غير مَحْمُود

بعد عودة من المعسكر

بَاب ذكرى مَا جرى بَين أبي وَرَسُول المتَوَكل بعد عودة من المعسكر قَالَ أَبُو الْفضل وَقدم المتَوَكل فَنزل الشماسية يُرِيد الْمَدَائِن فَقَالَ لأبي يَا صَالح أحب أَن لَا تذْهب الْيَوْم وَلَا تنبه على قَلما كَانَ بعد يَوْم وَأَنا قَاعد خَارِجا وَكَانَ يَوْم مطر إِذا يحيا بن خاقَان قد جحاء والمطر عَلَيْهِ فِي منْكب عَظِيم فَقَالَ صبحان الله لم تصل إِلَيْنَا حَتَّى نبلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ السَّلَام على شيخك حَتَّى وَجه بِهِ ثمَّ نزل خَارج الزقاق فجهدت بِهِ أَن يدْخل على الدَّابَّة فَلم يفعل فَجعل يَخُوض فِي الْمَطَر فَلَمَّا صَار إِلَى الْبَاب نزع جرموقه وَكَانَ على خفه وَدخل وَأبي فِي الزاوية قَاعد عَلَيْهِ كسَاء مربع وعمامة والستر الَّذِي على الْبَاب قِطْعَة خيش فَسلم عَلَيْهِ وَقبل جَبهته وَسَأَلَهُ عَن حَاله وَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول كَيفَ أَنْت فِي نَفسك وَكَيف حالك وَقد أنست بقربك ويسألك أَن تَدْعُو لَهُ فَقَالَ مَا يَأْتِي عَليّ يَوْم إِلَّا وَأَنا أَدْعُو الله لَهُ ثمَّ قَالَ قد وَجه معي ألف دِينَار تفرقها على أهل الْحَاجة فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا زَكَرِيَّا أَنا فِي الْبَيْت مُنْقَطع عَن النَّاس وَقد أعفاني من كل مَا أكرهه فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله الْخُلَفَاء لَا يحْتَملُونَ هَذَا فَقَالَ يَا أَبَا زَكَرِيَّا تلطف بذلك فَدَعَا لَهُ ثمَّ قَامَ فَلَمَّا صَار إِلَى الدَّار رَجَعَ وَقَالَ أهكذا كنت لَو وَجه إِلَيْك بعض أخوانك تفعل

- قَالَ نعم فَلَمَّا صرنا إِلَى الدهليز قَالَ أَمرنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أدفعها إِلَيْك تفرقها فَقلت تكون عنْدك إِلَى أَن تمْضِي هَذِه الْأَيَّام ذكر مَا جرى بَين أبي وأبن طَاهِر من طلب استزارته وامتناعه عَلَيْهِ قَالَ أَبُو الْفضل وَقد كَانَ وَجه مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر إِلَى أبي فِي وَقت قدومه بالعسكر أحب أَن تصير إِلَيّ وتعلمني الَّذِي تعزم عَلَيْهِ حَتَّى لَا يكون عِنْدِي أحد فَوجه إِلَيْهِ أَنا رجل لم أخالط السُّلْطَان وَقد أعفاني أَمِير الْمُؤمنِينَ مِمَّا أكره وَهَذَا مِمَّا أكره فجهد أَن يصير إِلَيْهِ فَأبى

بَاب فِي ذكر مَرضه قَالَ أَبُو الْفضل وَكَانَ أبي قد أدمن الصَّوْم لما قدم وَجعل لَا يَأْكُل الدسم وَكَانَ قبل ذَلِك يَشْتَرِي لَهُ شَحم بدرهم فيأكل مِنْهُ شهرا فَترك أكل الشَّحْم وأدام الصَّوْم وَالْعَمَل وتوهمت أَنه قد كَانَ جعل على نَفسه ذَلِك أَن سلم وَكَانَ قد حمل أبي إِلَى المتَوَكل سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ثمَّ مكث إِلَى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَكَانَ قل يَوْم يمْضِي إِلَّا وَرَسُول المتَوَكل يَأْتِيهِ فَلَمَّا كَانَ فِي أول يَوْم من شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ حم أبي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فَدخلت عَلَيْهِ يَوْم الْأَرْبَعَاء وَهُوَ مَحْمُوم يتنفس نفسا شَدِيدا وَكنت قد عرفت علته وَكنت أمرضه إِذا اعتل فَقلت لَهُ يَا أبه على مَا أفطرت البارحة قَالَ على مَاء باقلاء ثمَّ أَرَادَ الْقيام فَقَالَ خُذ بيَدي فَأخذت بِيَدِهِ فَلَمَّا صَار إِلَى الْخَلَاء ضعفت رِجْلَاهُ حَتَّى توكأ عَليّ وَكَانَ يخْتَلف إِلَيْهِ غير متطبب كلهم مُسلمُونَ فوصف لَهُ تطيب يُقَال لَهُ عبد الرَّحْمَن قرعَة تشوى ويسقى ماءها وَهَذَا يَوْم الثُّلَاثَاء وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ يَا صَالح قلت لبيْك قَالَ لَا تشوي فِي مَنْزِلك وَلَا فِي منزل عبد الله أَخِيك

وَصَارَ الْفَتْح بن سهل إِلَى الْبَاب ليعوده فَحَجَبَتْهُ وأتى عَليّ بن الْجَعْد فَحَجَبَتْهُ وَكثر النَّاس فَقلت يَا أبه قد كثر النَّاس قَالَ فَأَي شَيْء ترى قلت تَأذن لَهُم فَيدعونَ لَك قَالَ استخر الله فَجعلُوا يدْخلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا حَتَّى تمتليء الدَّار فيسألونه وَيدعونَ لَهُ ثمَّ يخرجُون وَيدخل فَوْج آخر وَكثر النَّاس وامتلأ الشَّارِع وأغلقنا بَاب الزقاق وَجَاء رجل من جيراننا قد خضب فَدخل عَلَيْهِ فَقَالَ أبي أَنى لارى الرجل يحيى شَيْئا من السّنة فَأَفْرَح فَدخل فَجعل يَدْعُو لَهُ فَجعل يَقُول لَهُ وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين وَجَاء رجل فَقَالَ تلطف لي بالأذن عَلَيْهِ فَإِنِّي قد حضرت ضربه يَوْم الدَّار وَأُرِيد أَن أستحله فَقلت لَهُ فَأمْسك فَلم أزل يه حَتَّى قَالَ أدخلهُ فأدخلته فَقَامَ بَين يَدَيْهِ وَجعل يبكي وَقَالَ يَا أَبَا عبد الله أَنا كنت مِمَّن حضر ضربك يَوْم الدَّار وَقد أَتَيْتُك فَإِن أَحْبَبْت الْقصاص فَأَنا بَين يَديك وَأَن رَأَيْت أَن تحلني فعلت فَقَالَ عَليّ أَن لَا تعود لمثل ذَلِك قَالَ نعم قَالَ إِنِّي جعلتك فِي حل فَخرج يبكي وَبكى من حضر من النَّاس

وَكَانَ لَهُ فِي خريقة قطيعات فَإِذا أَرَادَ الشَّيْء أعطينا من يشترى لَهُ فَقَالَ لَهُ يَوْم الثُّلَاثَاء وَأَنا عِنْده أنظر فِي خريقتي شَيْء فَنَظَرت فَإِذا فِيهَا دِرْهَم فَقَالَ وَجه فاقتضي بعض السكان فوجهت فَأعْطيت شَيْئا فَقَالَ وَجه فاشتر تَمرا وَكفر عني كَفَّارَة يَمِين فوجهت فاشتريت وكفرت عَنهُ كَفَّارَة يَمِين وَبَقِي ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو نَحْو ذَلِك فَأَخْبَرته فَقَالَ الْحَمد لله وَقَالَ اقْرَأ على الْوَصِيَّة فقرأتها عَلَيْهِ فأقرها وَقَالَ أَبُو الْفضل لم يزل أبي يُصَلِّي فِي مَرضه قَائِما أمْسكهُ فيركع وَيسْجد ورافعه فِي رُكُوعه وَسُجُوده وَدخل عَلَيْهِ مُجَاهِد بن مُوسَى فَقَالَ يَا ابا عبد الله قد جاءتك الْبُشْرَى هَذَا الْخلق يشْهدُونَ لَك مَا تبالي لَو وَردت على الله عز وَجل السَّاعَة وَجعل يقبل يَده ويبكي وَجعل يَقُول أوصني يَا أَبَا عبد الله فَأَشَارَ إِلَى لِسَانه وَدخل سوار القَاضِي فَجعل يبشره ويخبره بالرخص وَذكر لَهُ عَن مُعْتَمر أَنه قَالَ قَالَ أبي عِنْد مَوته حَدثنِي بالرخص وَاجْتمعت عَلَيْهِ أوجاع الْحصْر وَغير ذَلِك وَلم يزل عقله ثَابتا وَهُوَ فِي خلال ذَلِك يَقُول كم الْيَوْم فِي الشَّهْر فَأخْبرهُ وَكنت أَنَام بِاللَّيْلِ إِلَى جنبه فَإِذا أَرَادَ حَاجَة حركني فأناوله وَقَالَ لي جئني بِالْكتاب الَّذِي فِيهِ حَدِيث ابْن إِدْرِيس عَن لَيْث عَن طَاوُوس أَنه كَانَ يكره الانين فَقَرَأته عَلَيْهِ فَلم يَئِن إِلَّا فِي اللَّيْلَة الَّتِي توفّي فِيهَا

بَاب فِي ذكر غسله وكفنه قَالَ أَبُو الْفضل لما توفّي أبي وَاجْتمعَ النَّاس فِي الشوارع وجهت إِلَيْهِم أعلمهم بوفاته وَإِنِّي أخرجه بعد الْعَصْر وَوجه ابْن أبي طَاهِر بحاجبه مظفر وَمَعَهُ غلامان مَعَهم مناديل فِيهَا ثِيَاب وَطيب فَقَالُوا الْأَمِير يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول قد فعلت مَا لَو كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ حاضره كَانَ يفعل ذَلِك لَهُ فَقلت لَهُ أقرأه السَّلَام وَقل لَهُ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أَعْفَاهُ فِي حَيَاته مِمَّا كَانَ يكره وَلَا احب أَن أتبعه بعد مَوته بِمَا كَانَ يكرههُ فِي حَيَاته فَعَاد وَقَالَ يكون شعاره وَلَا يكون دثاره فَأَعَدْت عَلَيْهِ مثل ذَلِك وَقد كَانَ غزلت لَهُ جَارِيَة ثوبا عشاريا قوم ثَمَانِيَة وَعشْرين درهما ليقطع مِنْهُ قميصين فقطعنا لَهُ لفافتين واخذنا من بوران لفافة أُخْرَى فأدرجناه فِي ثَلَاث لفائف واشترينا حنوطا وَقد كَانَ بعض أَصْحَابنَا من العطارين سَأَلَني أَن يُوَجه بحنوط فَلم أفعل وصب فِي حب لنا مَاء فَقلت قُولُوا لأبي مُحَمَّد يَشْتَرِي رِوَايَة وَيصب المَاء فِي الْحبّ الَّذِي كَانَ يشرب مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يكره أَن يدْخل من مَنَازلنَا إِلَيْهِ بِشَيْء وَفرغ من غسله وكفناه وَحضر نَحْو من مائَة من بني هَاشم وَنحن نكفنه وَجعلُوا يقبلُونَ جَبهته حِين رفعناه على السرير

بَاب فِي ذكر الْمُتَقَدّم للصَّلَاة عَلَيْهِ قَالَ أَبُو الْفضل لما توفّي أبي وَجه إِلَيّ ابْن طَاهِر من يُصَلِّي عَلَيْهِ قلت أَنا فَلَمَّا صرنا إِلَى الصَّحرَاء إِذا ابْن طَاهِر وَاقِف فخطا إِلَيْنَا خطوَات وعزانا وَوضع السرير فَلَمَّا انتظرت هنيهة تقدّمت وَجعلت أسوي النَّاس فَجَاءَنِي ابْن طالوت وَمُحَمّد فَقبض هَذَا عل يَدي وَهَذَا على يَدي وَقَالُوا الْأَمِير فمانعتهم فنحياني فصلى وَلم يعلم النَّاس بذلك فَلَمَّا كَانَ الْغَد علم النَّاس فَجعلُوا يجيئون وَيصلونَ عَلَيْهِ على الْقَبْر وَمكث النَّاس مَاء شَاءَ الله يأْتونَ فيصلون على الْقَبْر تمّ الْكتاب وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين

§1/1